باب ذكر الحديث الذي ورد في شعب الإيمان (1/31)
1 - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه الحافظ ـ رحمه الله تعالى ـ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا أبو عمرو أحمد بن المبارك المستملي و أبو سعيد محمد بن شاذان الأصم قالا ثنا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد ثنا أبو عامر العقدي ثنا سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : الإيمان بضع و ستون شعبة و الحياء شعبة من الإيمان
رواه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في الصحيح عن عبد الله بن محمد المسندي عن أبي عامر
و رواه أبو الحسين مسلم بن الحجاج عن عبيد الله بن سعيد (1/31)
2 - أخبرنا أبو صالح العنبر بن الطيب بن محمد العنبري ابن ابنة يحيى بن منصور القاضي أنبأ جدي ثنا أحمد بن سلمة ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي و عمرو بن زرارة الكلابي قالا أنبأ جرير عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
الإيمان بضع و ستون أو سبعون شعبة فأرفعها قول لا إله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق و الحياء شعبة من الإيمان
رواه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب عن جرير
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى :
و هذا الشك وقع من سهيل بن أبي صالح في ( بضع و ستين ) أو في ( بضع و سبعين ) و سليمان بن بلال قال : بضع و ستون لم يشك فيه و روايته أصح عند أهل العلم بالحديث غير أن بعض الرواة عن سهيل رواه من غير شك قال :
بضع و سبعون أفضلها قول لا إله إلا الله و أدناها إماطة الأذى و العظم عن الطريق و الحياء شعبة من الإيمان (1/33)
3 - أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن محمد بن علي الروذباري أنبأ أبو بكر محمد بن بكر ثنا أبو داود السجستاني ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة ثنا سهيل بن أبي صالح : ـ فذكره من غير شك ـ و هذا زائد فأخذ به صاحب كتاب المنهاج في تقسيمه ذلك على سبعة و سبعين بابا بعد بيان صفة الإيمان و بالله التوفيق (1/34)
باب حقيقة الإيمان ـ قال أبو عبد الله الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ : الإيمان مشتق من الأمن الذي هو ضد الخوف كما قال الله عز و جل : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله } الآية ـ و معناه و الغرض الذي يراد به عند إطلاقه هو : التصديق و التحقيق لأن الخبر هو القول الذي يدخله الصدق و الكذب و الأمر و النهي كل واحد منهما قول يتردد بين لأن يطاع قائله و بين أن يعصى فمن سمع خبرا فلم يستشعر في نفسه جواز أن يكون كذبا و أعتقد أنه حق و صدق فكأنما آمن في نفسه باعتقاد ما اعتقد فيما سمع ـ من أن يكون مكذوبا أو ملبسا عليه و من سمع أمرا أو نهيا فاعتقد الطاعة له فكأنما آمن في نفسه ـ باعتقاد ما اعتقد فيما سمع ـ من أن يكون مظلوما أو مستسخرا أو محمولا على ما لا يلزمه قبوله و الانقياد له فمن ذهب إلى هذا أنزل قول القائل : آمنت بكذا ـ و المراد أمنت نفسي ـ منزلة قولهم : وطنت نفسي أو حملت نفسي على كذا أو يكون تركهم ذكر النفس في قولهم : ( آمنت ) اختصارا لكثرة الاستعمال كما يقال بسم الله ـ بمعنى بدأت أو أبدأ بسم الله ـ قال : و فيه وجه آخر : و هو أن يكون معنى آمنت : أي آمنت مخبري أو الداعي لي من التكذيب و الخلاف بما صرحت له به من التصديق و الوفاق ثم الإيمان الذي يراد به التصديق لا يعدى إلى من يضاف إليه و يلصق به إلا بصلة و تلك الصلة قد تكون باء و قد تكون لاما و قد ورد الكتاب بكل واحد منهما فالإيمان بالله عز و جل ثناؤه : إثباته و الاعتراف بوجوده و الإيمان له : القبول عنه و الطاعة له و الإيمان بالنبي صلى الله عليه و سلم : إثباته و الاعتراف بنبوته و الإيمان للنبي صلى الله عليه و سلم : اتباعه و موافقته و الطاعة له ثم إن التصديق الذي هو معنى الإيمان بالله و برسوله منقسم : فيكون منه ما يخفى و ينكتم و هو الواقع منه بالقلب و يسمى اعتقادا و يكون منه ما ينجلي و يظهر و هو الواقع باللسان و يسمى إقرارا و شهادة و كذلك الإيمان لله و لرسوله ينقسم إلى جلي و خفي : و الخفي منه : هو النيات و العزائم التي لا تجوز العبادات إلا بها و اعتقاد الواجب واجبا و المباح مباحا و الرخصة رخصة و المحظور محظورا و العبادة عبادة و الحد حدا و نحو ذلك و الجلي منها : ما يقام بالجوارح إقامة ظاهرة و هو عدة أمور : منها : الطهارة و منها : الصلاة و منها : الزكاة و منها : الصيام و منها : الحج و العمرة و منها : الجهاد في سبيل الله و أمور سواها ستذكر في مواضعها إن شاء الله تعالى و كل ذلك إيمان و إسلام و طاعة لله عز و جل و لرسوله صلى الله عليه و سلم إلا أنه إيمان لله بمعنى أنه عبادة له و إيمان للرسول بمعنى أنه قبول عنه دون عبادة له إذ العبادة لا تجوز من أحد و تراجع لأنها خطأ إلا لله عز و جل قال : و الإيمان بالله و رسوله صلى الله عليه و سلم فرع و هو الذي يكمل بكماله الإيمان و ينقص بنقصانه الإيمان و معنى هذا أن أصل الإيمان إذا حصل ثم تبعته طاعة زائدة زاد الإيمان المتقدم بها لأنه إيمان انضم إليه إيمان كان يقتضيه ثم إذا تبعت تلك الطاعة طاعة أخرى ازداد الأصل المتقدم و الطاعة التي تليه بها و على هذا إلى أن تكمل شعب الإيمان قال : و نقصان الإيمان هو انفراد أصله عن بعض فروعه أو انفراد أصله و بعض فروعه عما بقي منه مما اشتمل عليه الخطاب و التكليف لأن النقصان خلف الزيادة فإذا قيل لمن آمن و صلى : زاد إيمانه وجب أن يقال لمن آمن و وجبت عليه الصلاة فلم يصل ـ إنه ناقص الإيمان و أنه صار بتركها مع القدرة عليها فاسقا عاصيا و على هذا سائر الأركان فأما ما يتطوع به الإنسان مما ليس بواجب عليه بمعنى تصديق العقد و القول بالفعل موجود فيه فيزداد به الإيمان و تركه بالإضافة إلى من لم يتركه يجوز أن يسمى نقصانا لكن لا يوجب لتاركه عصيانا هذا معنى قوله : قال : و إذا أوجبنا أن تكون الطاعات كلها إيمانا لم نوجب أن تكون المعاصي الواقعة من المؤمنين كفرا و ذلك أن الكفر بالله و برسوله مقابل للإيمان به فإذا كان الإيمان بالله و برسوله : الاعتراف به و الإثبات له كان الكفر جحوده و النفي له و التكذيب و أما الأعمال فإنها إيمان لله و للرسول بعد وجود الإيمان به و المراد به إقامة الطاعة على شرط الاعتراف المتقدم فكان الذي يقابله هو الشقاق و العصيان دون الكفر و قد ذكرت في كتاب الإيمان من الأخبار و الآثار ما يكشف عن صحة هذه الجملة و أنا أشير في هذا الكتاب إلى طرق منها بمشيئة الله عز و جل (1/35)
باب الدليل على أن التصديق بالقلب و الإقرار باللسان أصل الإيمان و أن كليهما شرط في النقل عن الكفر عند عدم العجز ـ قال الله تعالى : { قولوا آمنا بالله و ما أنزل إلينا و ما أنزل إلى إبراهيم و إسماعيل و إسحاق } الآية ـ فأمر المؤمنين أن يقولوا : آمنا بالله و قال الله عز و جل : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا و لكن قولوا أسلمنا و لما يدخل الإيمان في قلوبكم } فأخبر أن القول العاري عن الاعتقاد ليس بإيمان و أنه لو كان في قلوبهم إيمان لكانوا مؤمنين لجمعهم بين التصديق بالقلب و القول باللسان و دلت السنة على مثل ما دل عليه الكتاب (1/38)
4 - أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة ثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم ثنا أبو عمرو أحمد بن حازم الغفاري أنبأ يعلى بن عبيد عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أبي صالح عن أبي هريرة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها منعوا دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله عز و جل
أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن الأعمش (1/38)
5 - أخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أنبأ جدي يحيى يعقوب منصور القاضي ثنا أحمد يعقوب سلمة ثنا أحمد بن عبدة أنبأ عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و يؤمنوا بي فإن شهدوا أن لا إله إلا الله و آمنوا بي و بما جئت به فقد عصموا مني دماءهم إلا بحقها و حسابهم على الله
رواه مسلم في الصحيح عن أحمد بن عبدة
و أخرج حديث عكرمة بن عمار عن أبي كثير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم :
اذهب فما لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة (1/39)
6 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم القنطري ثنا أحمد بن محمد بن عيسى القاضي ثنا أبو حذيفة ثنا عكرمة بن عمار : بإسناده و معناه (1/39)
7 - أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الفقيه أنبأ أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى ثنا علي بن الحسن بن أبي عيسى الدارابجردي ثنا محمد بن عرعرة بن البرند ثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من مات و هو يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله صادقا من قلبه دخل الجنة
و روينا في هذا المعنى عن عتبان بن مالك و رفاعة بن عرابة و غيرهما عن النبي صلى الله عليه و سلم (1/40)
8 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق أنا العباس بن الفضل الأسفاطي ثنا أحمد بن يونس ثنا فضيل بن عياض عن هشام عن الحسن عن بعض أصحابه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه و لا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه (1/41)
9 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أن أبو عمرو بن مطر ثنا خشنام بن بشر بن العنبر ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ثنا أبو ضمرة أنس بن عياض حدثني عبد الله بن يرفأ عن عبد الرحمن بن فروخ عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
من شهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فذل بها لسانه و اطمأن بها قلبه لم تطعمه النار (1/41)
10 - أخبرنا حمزة بن عبد العزيز أنبأ أبو بكر محمد بن أحمد بن دلويه ثنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن عمر بن سعيد عن سليمان عن مجاهد أنه قال : في قول الله عز و جل : { إلا من شهد بالحق و هم يعلمون }
قال : شهد بالحق و هو يعلم أن الله ربه (1/41)
باب الدليل على أن الطاعات كلها إيمان ـ قال الله عز و جل في وصف المؤمنين : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } إلى قوله : { أولئك هم المؤمنون حقا } فأخبر أن المؤمنين هم الذين جمعوا هذه الأعمال فدل ذلك على أنها من جوامع الإيمان قال الحليمي رحمه الله تعالى : إذا ثبت لك أن الموصوفين في هذه الآية إنما استوجبوا اسم المؤمنين حقا لمكان الأعمال التي وصفهم الله تعالى بها و لم تكن الأعمال المتعبد بها هذه وحدها ـ صح أن المراد بذكرها هي و ما في معناها من الأعمال المفروضة أو المندوب إليها فالصلاة إشارة إلى الطاعات التي تقام بالأبدان خاصة و الإنفاق مما رزق الله إشارة إلى الطاعات التي تقام بالأموال وجل القلب إشارة الاستقامة من كل وجه و يدخل فيها إقامة الطاعات و الانزجار عن المعاصي قال : و الآية فيمن ذكر الله وجل قلبه و ليس ارتكاب المعاصي و مخالفة الأوامر من إمارات الوجل و الآية فيمن إذا تليت عليه آيات الله زادته إيمانا و ليس التخلف عن الفرائض و القعود عن الواجبات اللوازم من زيادة الإيمان بسبيل فصح أن الذين نفينا أن يكونوا مؤمنين حقا و أوجبنا أن يكونوا ناقصي الإيمان غير داخلين في الآية قال الله عز و جل : { و لكن الله حبب إليكم الإيمان و زينه في قلوبكم و كره إليكم الكفر و الفسوق و العصيان } فقابل بين ما حببه إلينا و بين ما كره إلينا ثم أفرد الإيمان بالذكر فيما حبب و قابله بالكفر و الفسوق فيما كره فدل ذلك على أن للإيمان ضدين أو أن من الإيمان ما ينقضه الكفر و من الإيمان ما ينقضه الفسوق و في ذلك ما أبان أن الطاعات كلها إيمان و لولا ذلك لم يكن الفسوق ترك الإيمان و الله أعلم قال الحافظ أبو بكر البيهقي ـ رحمه الله : و فصل بين الفسق و العصيان و في ذلك دلالة على أن المعاصي ما لا يفسق به و إنما يفسق بارتكاب ما يكون منها من الكبائر أو الإصرار على ما يكون منها من الصغائر و اجتناب جميع ذلك من الإيمان و بالله التوفيق و قال الله تعالى : { و ما كان الله ليضيع إيمانكم } و أجمع المفسرون على أنه أراد به : صلاتكم إلى بيت المقدس فثبت أن الصلاة إيمان و إذا ثبت ذلك فكل طاعة إيمان إذ لا فرق يفرق بينهما قال الإمام أحمد البيهقي : و قد روينا في الحديث الثابت عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب في صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ما قدم المدينة قبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ثم حولت إلى البيت و أنه مات قبل أن تحول رجال و قتلوا فلم يدر ما نقول فيهم فأنزل الله عز و جل : { وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم } (1/43)
11 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو النضر الفقيه ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا النفيلي ثنا زهير ثنا أبو إسحاق : فذكره
أخرجاه في الصحيح من حديث زهير بن معاوية
و جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم الطهور من الإيمان (1/44)
12 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو بكر أحمد بن محمد الأشناني قالا : أنبأ أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي مالك الأشعري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول : الطهور شطر الإيمان
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث أبان بن يزيد العطار (1/45)
13 - أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الله البيهقي المسديدي فما قرأت عليه من أصله بخسروجرد قال : أنبأ أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين البيهقي نا داود بن الحسين البيهقي ثنا حميد بن زنجويه النسوي حدثنا أبو شيخ الحراني ثنا موسى بن أعين عن ليث عن عمرو بن مرة عن معاوية بن سويد ـ قال : أراه قال : ـ عن أبيه ـ الشك من أبي شيخ ـ قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه و سلم يوما نتحدث فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أتدرون أي عرى الإيمان أوثق ؟
فقالوا : الصلاة
فقال : إن الصلاة لحسنة و ما هي بها
فقالوا : الجهاد
فقال : إن الجهاد لحسن و ما هو به
فقالوا : الحج
فقال : إن الحج لحسن و ليس به
فقالوا : الصيام
فقال : الصيام لحسن و ليس به
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أوثق عرى الإيمان أن تحب لله و تبغض له
و رواه جرير بن عبد الحميد عن ليث بن أبي سليم عن عمرو بن مرة عن معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه و سلم (1/45)
14 - أخبرناه أبو منصور النخعي بالكوفة ثنا أبو جعفر بن دحيم ثنا أحمد بن حازم أنبأ عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير : فذكره بإسناده نحوه غير أنه قال في آخره :
إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله و أن تبغض في الله
فجعل هذه الشرائع كلها من الإيمان و شاهده في الحب و البغض ما : (1/46)
15 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن صالح بن هانئ و إبراهيم بن عصمة قالا نا السري بن خزيمة نا عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا سعيد بن أبي أيوب عن أبي مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من أعطى لله و منع لله و أحب لله و أبغض لله و أنكح لله فقد استكمل إيمانه
و روى ذلك أيضا في حديث أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه و سلم في غير الإنكاح فصرح أن هذه الخصال كلها إيمان و أبان أن أوثق عرى الإيمان الإخلاص (1/47)
16 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أنبأ علي بن عبد العزيز ثنا عبد السلام بن صالح الهروي ثنا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حدثني أبي عن جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي ـ رضي الله عنهم ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الإيمان معرفة بالقلب و إقرار باللسان و عمل بالأركان (1/47)
17 - و حدثنا أبو محمد عبيد بن محمد بن مهدي القشيري أنبأ أبو محمد المسيب البيهقي ثنا أبو الصلت الهروي عبد السلام و محمد بن أسلم قالا : ثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه : فذكره بإسناده غير أنه قال :
الإيمان إقرار باللسان و معرفة بالقلب و عمل بالجوارح
و شاهد هذا الحديث ما مضى في الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه و سلم في عدد شعب الإيمان
و أما قول الله عز و جل :
{ إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات }
فأفرد العمل الصالح بالذكر و قد قال أيضا :
{ إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر }
فأفرد التواصي بالحق و التواصي بالصبر بالذكر و لم يدلك ذلك على أنهما ليسا من الأعمال الصالحة فكذلك قوله :
{ إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات }
لا يدل على أن عمل الصالحات ليس بإيمان و إنما معناه أن الذين آمنوا قبل الإيمان ـ الناقل عن الكفر ـ ثم لم يقتصروا عليه و لكنهم ضموا إليه الصالحات فعملوها حتى ارتقى إيمانهم من درجة الأقل إلى الأكمل
أو نقول : إن المراد بالذين آمنوا الإيمان بالله و بعمل الصالحات الإيمان لله و الإيمانان متغايران على ما بينا فلذلك سميا باسمين و الله أعلم (1/48)
باب الدليل على أن الإيمان و الإسلام على الإطلاق عبارتان عن دين واحد ـ قال الله تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } و قال { قولوا آمنا بالله } فصح أن قولنا إيمان بالله إسلام و قال في قصة لوط : { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } فسماهم مرة مؤمنين و مرة مسلمين و إنما أراد تمييزهم عن غيرهم بأديانهم فصح أن الإيمان و الإسلام اسمان لدين واحد و إن كانت حقيقة الإسلام : التسليم و حقيقة الإيمان : التصديق فاختلاف الحقيقة فيهما لا يمنع من أن يجعلا اسما لدين واحد كالغيث و المطر هما اسمان لمسمى واحد و إن كان حقيقة الغيث في اللسان غير حقيقة المطر (1/50)
18 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ الإسفراييني بها أنبأ الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب القاضي ثنا عمرو بن مرزوق ثنا شعبة عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنه : أن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
من القوم ؟
قالوا : ربيعة
قال : مرحبا بالوفد غير الخزايا و لا النادمين
قالوا : يا رسول الله : إنا حي من ربيعة و إنا نأتيك من شقة بعيدة و إنه يحول بيننا و بينك هذا الحي من كفار مضر و إنا لا نصل إلا في شهر حرام فمرنا بأمر فصل ندعو إليه من وراءنا و ندخل به الجنة
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
آمركم بأربع و أنهاكم عن أربع :
آمركم بالإيمان بالله وحده أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ شهادة ان لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و أن تعطوا من المغانم الخمس
و أنهاكم عن أربع : عن الدباء و الحنتم و النقير و المزفت ـ قال و ربما قال : المقير ـ احفظوهن و ادعوا إليهن من وراءكم
أخرجه البخاري و مسلم فقال الصحيح من حديث شعبة و غيره
فسمى رسول الله صلى الله عليه و سلم كلمة الشهادة في هذا الحديث إيمانا و سماها في حديث آخر إسلاما (1/50)
19 - و ذلك فيما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن محمد بن يحيى و أبو عبد الله البوشنجي قالا : ثنا مسدد
و أخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة من أولاد النعمان بن بشير ثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن سعد الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي ثنا أبو الحسن مسدد بن مسرهد ثنا يحيى بن سعيد عن عثمان بن غياث حدثني عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر و حميد بن عبد الرحمن قالا : لقينا عبد الله بن عمر فذكرنا له القدر و ما يقولون فيه فقال : إذا رجعتم إليهم فقولوا لهم إن ابن عمر منكم بريء و أنتم منه برآء ثلاث مرات ثم قال : أخبرني عمر ـ أو قال : حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنهم بينا هم جلوس عند رسول الله صلى الله عليه و سلم جاء رجل حسن الوجه حسن الشعر عليه ثياب بياض فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا : ما نعرف هذا و لا هذا صاحب سفر ثم قال :
يا رسول الله ! آتيك ؟ قال : نعم
قال : فجاء فوضع ركبتيه عند ركبتيه و يديه على فخذيه فقال : ما الإسلام ؟
قال :
الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و تقيم الصلاة و تؤتي الزكاة و تصوم رمضان و تحج البيت
قال : فما الإيمان ؟
قال : أن تؤمن بالله و ملائكته و الجنة و النار و البعث بعد الموت و القدر كله
قال : فما الإحسان ؟
قال : أن تعمل كأنك ترى فإن لم تكن ترى فإنك ترى
قال : فمتى الساعة ؟
قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل
قال : فما أشراطها ؟
قال : إذا رأيت الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان و ولدت الإماء أربابهن
ثم قال : علي بالرجل
فطلبوه فلم يروا شيئا فلبث يومين أو ثلاثة ثم قال : يا ابن الخطاب ! أتدري من السائل عن كذا و كذا ؟
قال : الله و رسوله أعلم
قال : ذاك جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم
قال : و سأله رجل من جهينة أو مزينة
قال : يا رسول الله ! فيم نعمل ؟ أفي شيء قد خلا أو مضى ؟ أو شيء يستأنف الآن ؟
قال : في شيء قد خلا و مضى
فقال رجل أو بعض القوم : فيم نعمل إذن ؟
قال : إن أهل الجنة ييسرون لعمل أهل الجنة و إن أهل النار ييسرون لعمل أهل النار
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد
قال الإمام أبو بكر البيهقي ـ رحمه الله ـ و في تسمية كلمة الشهادة في هذا الحديث إسلاما و في الحديث الأول إيمانا دلالة على أنهما اسمان لمسمى واحد إلا أنه فسر في هذا الحديث الإيمان بما هو صريح فيه ـ و هو التصديق ـ و فسر الإسلام بما هو أمارة له و إن كان اسم صريحه يتناول أماراته و اسم أماراته يتناول صريحه و هذا كما فصل بينهما و بين الإحسان و إن كان الإيمان و الإسلام إحسانا و الإحسان الذي فسر بالإخلاص و اليقين يكون إيمانا و الله تعالى أعلم (1/52)
20 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا أحمد بن مهران ثنا عبيد الله بن موسى أنا حنظلة بن أبي سفيان عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ـ أظنه قال ـ و أن محمدا رسول الله و لم يذكره بعض الرواة عن عبيد الله و لا أكثرهم عن حنظلة
و أخرجه مسلم عن وجه آخر عن حنظلة
فسمى هذه الأركان الخمسة في هذه الرواية إسلاما و قد سماهن في رواية أخرى إيمانا (1/54)
21 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أنا موسى بن إسحاق ثنا عبد الله بن أبي شيبة ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن عطية مولى بني عامر عن يزيد السكسكي قال : قدمت المدينة فدخلت على عبد الله بن عمر فأتاه رجل من أهل العراق فقال يا أبا عبد الرحمن ! مالك تحج و تعتمر و قد تركت الغزو في سبيل الله ؟
قال : ويلك ؟ إن الإيمان بني على خمس : تعبد الله و تقيم الصلاة و تؤتي الزكاة و تحج البيت و تصوم رمضان قال : فردها عليه فقال عبد الله : كذلك حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم الجهاد بعد ذلك حسن
قال الإمام أبو بكر البيهقي رحمه الله : و إنما أراد ـ و الله أعلم ـ أن الجهاد من فروض الكفايات و ليس بفرض على الأعيان (1/54)
22 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ أنبأ الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن أيوب
و أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد الصفار نا عبيد بن شريك أنا أبو صالح أنبأ الفزاري أنبأ سفيان بن سعيد عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من أهل الشام من أهل الإسلام عن أبيه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يسأله عن الإسلام ـ و في رواية حماد قال : عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له :
أسلم تسلم
قال : و ما الإسلام ؟
قال : تسلم قلبك لله و يسلم المسلمون من لسانك و يدك
قال : فأي الإسلام أفضل ؟
قال : الإيمان
قال : فما الإيمان ؟
قال : تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و بالبعث بعد الموت
قال : فأي الإيمان أفضل
قال : الهجرة
قال : و ما الهجرة ؟
قال : أن تهجر السوء
قال : فأي الهجرة أفضل ؟
قال : الجهاد
قال : و ما الجهاد ؟
قال : أن تجاهد ـ أو قال : تقاتل ـ الكفار إذا لقيتهم
ـ و في رواية سفيان قال : تقاتل العدو إذا لقيتهم و لا تغل و لا تجبن
ـ و في رواية حماد ـ ثم لا تغل و لا تجبن و زاد
ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ثم عملان هما من أفضل الأعمال إلا من عمل عملا بمثلهما ـ و قال بإصبعيه هكذا السبابة والوسطى ـ
حجة مبرورة أو عمرة مبرورة
قال الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ فأبان هذا الحديث أن الإسلام الذي أخبر الله عز و جل أنه هو الدين عنده بقوله :
{ إن الدين عند الله الإسلام }
و قوله : { و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه }
و قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا } ينظم الاعتقاد و الأعمال الظاهرة لأن قوله : الإسلام أن تسلم قلبك لله
إشارة إلى تصحيح الاعتقاد و قوله : أن يسلم المسلمون من لسانك و يدك إشارة إلى تصحيح المعاملات الظاهرة ثم صرح بذلك فأخبر أن الإيمان أفضل الإسلام و فسره بأنه الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و البعث أراد أن الإيمان بالغيب أفضل من الإيمان بما يشاهد و يرى و هذا موافق لقول الله عز و جل :
{ الذين يؤمنون بالغيب }
مدحا لهم و ثناء عليهم
ثم أبان أن الاعتقاد و عامة الأعمال إيمان فقال : أفضل الإيمان الهجرة ثم فرع الهجرة فدل ذلك على أن الطاعات كلها إيمان كما هي إسلام و أن الإسلام هو الإذعان لله عز و جل سواء وقع بأمر باطن أو بأمر ظاهر بعد أن يكون الأمران مما رضي الله تعالى لعباده أن يتقربوا به إليه (1/55)
23 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان العامري ثنا ابن نمير عن الأعمش ـ
و أخبرنا أبو عبد الله أخبرني أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه ثنا معاذ بن نجدة القرشي ثنا خلاد بن يحيى ثنا سفيان عن منصور و الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال : قال رجل : يا رسول الله ! أيؤاخذ الله الرجل بما عمل في الجاهلية ؟ قال : من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية و من أساء في الإسلام أخذ بالأول و الآخر
لفظ حديث أبي النضر
رواه البخاري في الصحيح عن خلاد بن يحيى
رواه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه
قال الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ و هذا على أن الطاعات في الإيمان إيمان و أن المعاصي في الكفر كفر فإذا أسلم الكافر أحبط إسلامه كفره فإن أحسن في الإسلام أحبطت طاعاته تلك المعاصي التي قدمها في حال كفره و إن لم يحسن في الإسلام بقيت تلك المعاصي بحالها لم يجد ما يحبطها فأخذ بإساءته في الإسلام و فيما قبله و بسط الكلام في شرح ذلك
و لا يلزم على هذا إلزامه قضاء ما ترك من صوم و صلاة لأنه إذا صام و صلى بعد ما أسلم سقط عنه ما ترك في الكفر بدلالة الحديث و إن لم يصل و لم يصم أمر بهما و حمله على ذلك حمل له على ما فعله سقط عنه ما مضى (1/57)
24 - أخبرنا أبو جعفر كامل بن أحمد المستملي و أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن قتادة قالا : ثنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن أيوب الصبغي ثنا الحسن بن علي بن زياد السري ثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
إذا سلم العبد فحسن إسلامه كفر الله عنه سيئة زلفها و كتب الله له كل حسنة كان زلفها ثم كان القصاص : الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف و السيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عز و جل
أخرجه البخاري في الصحيح فقال : و قال مالك فذكره
قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله : أسنده مالك و أرسله ابن عيينة (1/58)
25 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا سعدان بن نصر نا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم سمع عطاء بن يسار يخبر : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
إذا أسلم العبد فحسن إسلامه تقبل منه كل حسنة زلفها و كفر عنه كل سيئة زلفها و كان في الإسلام ما كان الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة و السيئة بمثلها أو يمحوها الله عز و جل (1/59)
باب القول في زيادة الإيمان و نقصانه و تفاضل أهل الإيمان في إيمانهم ـ و هذا يتفرع على قولنا في الطاعات أنها إيمان و هو أنها إذا كانت إيمانا كان تكاملها بكمال الإيمان و تناقصها تناقص الإيمان و كان المؤمنون متفاضلين في إيمانهم كما هم متفاضلون في أعمالهم و حرم أن يقول قائل : إيماني و إيمان الملائكة و النبيين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ واحد قال الله عز و جل : { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } و قال : { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } و قال : { وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون } و قال { و يزداد الذين آمنوا إيمانا } فثبت بهذه الآيات أن الإيمان قابل للزيادة و إذا كان قابلا للزيادة فعدمت الزيادة كان عدمها نقصانا على ما مضى بيانه و دلت السنة على مثل ما دل عليه الكتاب (1/60)
26 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنبأ أبو بكر محمد بن عمر بن حفص الزاهد ثنا السري بن خزيمة الأبيوري ثنا عبد الله بن يزيد هو المقرئ ثنا سعيد ـ هو ابن أبي أيوب ـ حدثني محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا (1/60)
27 - و أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنبأ أبو محمد حاجب بن أحمد الطوسي ثنا محمد بن يحيى الذهلي ثنا يعلى بن عبيد ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا و خياركم خياركم لنسائكم
قال الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ فدل هذا القول على أن حسن الخلق إيمان و أن عدمه نقصان إيمان و أن المؤمنين متفاوتون في إيمانهم فبعضهم أكمل إيمانا من بعض (1/61)
28 - أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا ابن نمير عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال : أخرج مروان المنبر و بدأ بالخطبة قبل الصلاة فقام رجل فقال : يا مروان ! خالفت السنة أخرجت المنبر و لم يكن يخرج و بدأت الخطبة قبل الصلاة فقال أبو سعيد : من هذا ؟ فقالوا : فلان فقال أبو سعيد : قد قضى هذا الذي عليه إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من رأى منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث الأعمش (1/61)
29 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنبأ أحمد بن إبراهيم بن ملحان ثنا ابن بكير ثنا الليث عن ابن الهاد عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
يا معشر النساء ! تصدقن و أكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار قالت امرأة منهن و ما لنا يا رسول الله ؟ قال : تكثرن اللعن و تكفرن العشير و ما رأيت من ناقصات عقل و دين أغلب لذي اللب منكن
قالت : يا رسول الله ! و ما نقصان العقل و الدين ؟
قال : أما نقصان العقل : فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل و تمكث الليالي لا تصلي و تفطر في رمضان فهذا نقصان الدين
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن رمح عن الليث
و أخرجاه من حديث أبي سعيد (1/61)
30 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو منصور محمد بن القاسم العتكي ثنا الفضل بن محمد الشعراني ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني مالك ـ ح
و أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب أنبأ أبو بكر الإسماعيلي أخبرني الحسن بن سفيان ثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا عبد الله بن وهب حدثني مالك عن عمرو بن يحيى المازني أخبرني أبي عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
يدخل الله أهل الجنة الجنة يدخل من يشاء برحمته و يدخل أهل النار النار ثم يقول : انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه فيخرجون منها حمما قد امتحشوا و يلقون في نهر الحياة أو الحيا فينبتون فيه كما تنبت الحية إلى جانب السيل ألم تروها تخرج صفراء ملتوية ؟
هذا لفظ حديث ابن وهب رواه البخاري في الصحيح عن ابن أبي أويس و رواه مسلم عن هارون بن سعيد
قال الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ :
و وجه هذا أن يكون في قلب واحد توحيد ليس معه خوف غالب على القلب فيردع و لا رجاء حاضر له فيطمع بل يكون صاحبه ساهيا قد أذهلته الدنيا عن الآخرة فإنه إذا كان بهذه الصفة انفرد التوحيد في قلبه عن قرائنه التي لو كانت أبوابا من الإيمان تتكثر بالتوحيد و يتكثر التوحيد بها إذ كانت تصديقا و التصديق من وجه واحد أضعف من التصديق من وجوه كثيرة فإذا كان ذلك خف وزنه و إذا تتابعت شهاداته ثقل وزنه
و له وجه آخر : و هو أن يكون إيمان واحد في أدنى مراتب اليقين حتى إن تشكك تشكك و إنما آخر في أقصى غايات اليقين فهذا يثقل وزنه و الأول يخف وزنه
و له وجه آخر :
و هو أن يكون إيمان واحد ناشئا عن استدلال قوي و نظر كامل و إيمان آخر واقع عن الخبر و الركون إلى المخبر به على ما النبي
ذكره فيكون الأول أثقل وزنا و الثاني أخف وزنا و هذا الخبر يدل على تفاوت الناس في إيمانهم
قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي ـ رحمه الله ـ و قد روي عن عبد الرحمن بن بزرج قال سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما أخاف على أمتي إلا ضعف اليقين (1/62)
31 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا أحمد بن بشر المرثدي ثنا أحمد بن عيسى ثنا عبد الله بن وهب ثنا سعيد بن أبي أيوب عن عبد الرحمن بن بزرج : فذكره و هذا يدل على تفاوتهم في اليقين
أما قوله عز و جل : { اليوم أكملت لكم دينكم }
و ما ورد في معناه فإنه لا يمنع من قولنا بزيادة الإيمان و نقصانه لأن معنى قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم }
أي أكملت لكم وضعه فلا أفرض عليكم من بعد ما أفرضه عليكم إلى اليوم و لا أضع عنكم بعد اليوم قد ما فرضته قبل اليوم فلا تغليظ من الآن و لا تخفيف و لا نسخ و لا تبديل و ليس معناه أنه أكمل لنا ديننا من قبل أفعالنا لأن ذلك لو كان كذلك لسقط عن المخاطبين بالآية الدوام على الإيمان لأن الدين قد كمل و ليس بعد الكمال شيء فإذا كان الدوام على الإيمان مستقبلا و هو إيمان فلذلك الطاعات الباقية التي تجب شيئا فشيئا كلها إيمان و الكمال راجع إلى إكمال الشرع و الوضع لا إلى كمال أداء المؤدين له و قيام القائمين به و الله تعالى أعلم (1/63)
32 - أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محبوب الدهان أنبأ الحسين محمد بن هارون ثنا أحمد بن محمد بن نصر حدثنا يوسف بن بلال ثنا محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : في هذه الآية : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم }
يقول : يئس أهل مكة أن ترجعوا إلى دينهم ـ عبادة الأوثان أبدا { فلا تخشوهم } في اتباع محمد صلى الله عليه و سلم { و اخشون } في عبادة الأوثان و تكذيب محمد صلى الله عليه و سلم فلما كان واقفا بعرفات نزل عليه جبريل عليه السلام و هو رافع يده و المسلمون يدعون الله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم }
يقوله : حلالكم و حرامكم فلم ينزل بعد هذا حلالا و لا حرام { و أتممت عليكم نعمتي } قال : منتي فلم يحج معكم مشرك { و رضيت } يقول : و اخترت { لكم الإسلام دينا }
ثم مكث رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد نزول هذه الآية إحدى و ثمانين يوما ثم قبضه الله تعالى إليه و إلى رحمته (1/64)
33 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الرحمن بن عيسى الدهقان بالكوفة ثنا أحمد بن حازم بن أبي عرزة الغفاري ثنا جعفر بن عون عن أبي العميس عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب : أن رجلا من اليهود قال لعمر :
يا أمير المؤمنين ! آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا
قال : أي آية ؟
قال : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } فقال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم و المكان الذي أنزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه و سلم بعرفات يوم جمعة
رواه البخاري في الصحيح عن الحسن بن الصباح
و رواه مسلم عن عبد بن حميد كلاهما عن جعفر بن عون
و ذهب بعض من قال بزيادة الإيمان و نقصانه إلى أنه إذا ارتكب معصية فإنها تحبط مما تقدمها من الطاعات بقدرها و حتى ارتقى بعضهم إلى أصل الإيمان غير أنه لا يقول بالتخليد و أمره موكول إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه برحمته أو بشفاعة الشافعين و إن شاء عاقبه بذنوبه ثم أدخله الجنة برحمته
و احتج بعض من قال بقولهم : بقول الله عز و جل :
{ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول } الآية
إنما أراد بذلك أن رفع الصوت فوق صوته يقع معصية فيخرج إيمان الواقع و يحبط بعض عمله
و احتج أيضا بقوله :
{ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى }
قال الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ و قد يخرج هذا على غير ما قاله المحتج به و هو أن يكون المعنى : لا يحملنكم أيها المهاجرون هجرتكم معه و لا أيها الأنصار إيواؤكم إياه على أن تضيعوا حرمته و ترفعوا أصواتكم فوق صوته فتكونوا بذلك صارفين ما تقدم منكم من الهجرة و الإيواء و النصرة عن ابتغاء وجه الله به إلى غرض غيره و وجه سواه فلا تستوجبوا به مع ذلك أجرا
و يخرج على وجه آخر و هو أن يقال :
{ لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض } فإن ذلك قد يبلغ بكم حد الازراء به و الاستخفاف له فتكفروا و تحبط أعمالكم إلا أن تتوبوا و تسلموا و كذلك قوله : { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الأذى } فليس على أن المن يحبط الصدقة و إنما وجهه أن الصدقة يبتغى بها وجه الله تعالى جده و هو المأمول منه ثوابها فإذا من المتصدق على السائل و آذاه بالتعيير فقد صرفها عن ابتغاء وجه الله تعالى بها إلى وجه السائل فحبط أجره عند الله لهذا فضلت عند المتصدق عليه مع ذلك لأنه إن كان حباه فقد آذاه و إن كان أعطاه فقد أخزاه و لو كان ذلك على معنى إفساد الطاعة بالمعصية لم يختص بالبطلان صدقته
و بسط الكلام فيه ـ إلى أن قال ـ
و إن من الطعن على هذا القول أن سيئات المؤمن متناهية الجزاء و حسناته ليست بمتناهية لأن مع ثوابها الخلود في الجنة فلا يتوهم أن يكون التبعة المتناهية التي يستحقها المؤمن بسيئة تأتي على ثواب حسنة لا نهاية له فأما قول النبي صلى الله عليه و سلم :
من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراطان
فإنما هو على معنى أنه ينقص من أجر عمله كل يوم قيراطان
و هو في أكثر الرواية عن ابن عمر في هذا الحديث من أجره و في بعضها من عمله
قال الحليمي و إنما هو على معنى أنه يحرم لأجل هذه السيئة بعض ثواب عمله و لسنا ننكر جواز أن يحرم الله تعالى المؤمن بعض جزاء حسناته و يقلل ثوابه لأجل سيئة أو سيئات تكون منه و إنما أنكرنا قول من يقول أن السيئة قد تحيط بالطاعة أو توجب إبطال ثوابها أصلا و ذلك أنه لم يأت به كتاب و لا خبر و لا يمكن أن يكون مع ثبوت الخلود للمؤمنين في الجنة و الله تعالى أعلم
قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي ـ رحمه الله :
و أما قول النبي صلى الله عليه و سلم :
أتدرون ما المفلس ؟
قالوا : المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع
قال : إن المفلس من أمتي رجل يأتي يوم القيامة بصلاة و صيام و زكاة و يأتي و قد شتم هذا و قذف هذا و أكل مال هذا و سفك دم هذا و ضرب هذا فيعطى هذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار
فهذا إنما احتج به من قال بإحباط السيئة الحسنة
و وجهه عندي ـ و الله تعالى أعلم ـ أنه يعطى خصماؤه من أجر حسناته ما يوازي عقوبة سيئاته فإن فنيت حسناته أي أجر حسناته الذي قوبل بعقوبة سيئاته أخذ من خطاياهم فطرحت عليه و طرح في النار كي يعذب بها إن لم يغفر له حتى إذا انتهت عقوبة تلك الخطايا رد إلى الجنة بما كتب له من الخلود و لا يعطى خصماؤه ما زاد من الأجر على ما قابل عقوبة سيئاته لأن ذلك فضل من الله تعالى يخص به من وافى يوم القيامة مؤمنا و الله تعالى أعلم (1/65)
34 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو بكر أحمد بن سليمان الفقيه أنبأ أحمد بن إبراهيم بن ملحان ثنا يحيى بن بكير عن عقيل عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة أنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن و لا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها و هو مؤمن (1/68)
35 - و بهذا الإسناد عن ابن شهاب عن سعيد و أبي سلمة عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه و سلم مثل حديث أبي بكر و لم يذكر النهبة
رواه البخاري في الصحيح من حديث يحيى بن بكير
و رواه مسلم من وجه آخر عن الليث
و إنما أراد ـ و الله تعالى أعلم ـ و هو مؤمن مطلق الإيمان لكنه ناقص الإيمان بما ارتكب من الكبيرة و ترك من الانزجار عنها و لا يوجب ذلك تكفيرا بالله عز و جل ـ مضى شرحه و كل موضع من كتاب أو سنة ورد فيه تشديد على من ترك فريضة أو ارتكب كبيرة فإن المراد به نقصان الإيمان فقد قال الله عز و جل :
{ إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء }
و ذكرنا في كتاب الإيمان من الأخبار و الآثار التي تدل على صحة ما ذكرنا من التأويل ما فيه كفاية و بالله التوفيق
و ذكر الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ ها هنا آثار تدل على أن الطاعات من الإيمان و إن الإيمان يزيد و ينقص و أن أهل الإيمان يتفاضلون في الإيمان و نحن قد ذكرناها في كتاب الإيمان و نشير إلى طرق منها ها هنا بمشيئة الله عز و جل (1/68)
36 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أنبأ محمد بن عيسى بن السكن ثنا موسى بن عمران ثنا ابن المبارك عن ابن شوذب عن محمد بن جحادة عن سلمة بن كهيل عن هزيل بن شرحبيل قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم (1/69)
37 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق ثنا محمد بن أيوب أنبأ سهل بن بكار عن محمد بن طلحة عن زبيد عن ذر قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ربما أخذ بيد الرجل و الرجلين يقول : تعالوا نزداد إيمانا (1/69)
38 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق أنبأ بشر بن موسى أنبأ هوذة بن خليفة ثنا عوف عن عبد الله بن عمرو بن هند قال قال علي رضي الله عنه : إن الإيمان يبدأ لمظة بيضاء في القلب فكلما ازداد الإيمان عظما ازداد ذلك البياض فإذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله و إن النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب فكلما ازداد النفاق عظما ازداد ذلك السواد فإذا استكمل النفاق اسود القلب كله و ايم الله ! لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض و لو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود قال : و اللمظة هي الذوقة و هو أن يلمظ الإنسان أو الدابة شيئا يسيرا أي يتذوقه فكذلك القلب يدخله من الإيمان شيء يسير ثم يتسع فيه فيكثر (1/70)
39 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني ثنا عبيد الله بن حفص بن غياث ثنا سفيان بن وكيع ثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن سوقة عن العلاء بن عبد الرحمن قال : قام رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين ! ما الإيمان ؟
فقال : الإيمان على أربع دعائم : على الصبر و العدل و اليقين و الجهاد
ثم ذكر تقسيم كل واحدة من هذه الدعائم
و قد روينا من أوجه أخر عن علي (1/70)
40 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الأشناني أنبأ أبو الحسن الطرائفي ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن أبي إسحاق قال : قال علي رضي الله عنه : الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان (1/71)
41 - أخبرنا أبو بكر الأشناني ثنا أبو الحسن الطرائفي أنبأ عثمان بن سعيد ثنا عبد الله بن رجاء البصري ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ليلى قال : قال : حجر بن عدي : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : الوضوء نصف الإيمان (1/72)
42 - أخبرنا أبو بكر الأشناني أنبأ أبو الحسن الطرائفي ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ابن نمير ثنا محمد بن أبي إسماعيل عن معقل الخثعمي قال : أتى عليا رضي الله عنه رجل و هو في الرحبة فقال : يا أمير المؤمنين ! ما ترى في امرأة لا تصلي ؟
قال : من لم يصل فهو كافر (1/72)
43 - أخبرنا أبو بكر الأشناني أنبأ أبو الحسن الطرائفي ثنا عثمان بن سعيد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا شريك عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال : من لم يصل فلا دين له
و قد روينا عن بريدة بن حصيب عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :
العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر
و إنما أراد ـ و الله تعالى أعلم ـ كفرا يكون نقيض الإيمان لله تعالى بترك شعبة من شعبه و لم يرد به كفرا يكون نقيض الإيمان بالله إذا لم يجحد فرضها و يشبه أن يكون تخصيصه الصلاة بالذكر لوجوب القتل بتركها كوجوبه بترك الإيمان بالله تعالى (1/72)
44 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو بكر بن إسحاق أنبأ بشر بن موسى ثنا أبو نعيم ثنا الأعمش عن جامع بن شداد عن الأسود بن هلال قال : قال معاذ بن جبل لأصحابه : اجلسوا بنا نؤمن ـ أظنه قال ـ ساعة أي نذكر الله (1/73)
45 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو بكر بن إسحاق أنبأ محمد بن أيوب أنبأ عبد الله بن الجراح و ثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن شباك عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أنه قال : اجلسوا بنا نزدد إيمانا (1/73)
46 - أخبرنا عبد الله أنبأ أبو بكر أنبأ محمد بن أيوب ثنا عبد الله بن الجراح ثنا ابن الحماني ثنا شريك عن هلال الوزان عن عبد الله بن عكيم عن عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ أنه كان يقول : اللهم زدني إيمانا و فقها (1/73)
47 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنبأ أبو منصور النضروي ثنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور شريك : فذكره بإسناده نحوه و زاد يقينا و علما (1/74)
48 - حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي إملاء أنبأ عبد الله بن محمد بن الحسن النصرآباذي ثنا عبد الله بن هاشم ثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي ظبيان عن علقمة قال عبد الله بن مسعود : الصبر نصف الإيمان و اليقين الإيمان
و قد روي هذا من وجه آخر غير قوي مرفوعا
و روينا عن ابن مسعود من أقواله في هذا المعنى شواهد و هو في كتاب الإيمان مذكور من أراد الوقوف عليه رجع إليه إن شاء الله (1/74)
49 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو بكر بن إسحاق أنبأ بشر بن موسى ثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن عمار قال : ثلاثة من جمعهن فقد جمع الإيمان : الإنفاق من الإقتار و الإنصاف من النفس و بذل السلام للعالم (1/74)
50 - أخبرنا أبو عبد الله أنبأ أبو بكر بن إسحاق ثنا محمد بن أيوب أنبأ أحمد بن يونس أنبأ شيخ أهل المدينة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن رواحة قال لصاحب له : تعال حتى نؤمن ساعة
قال : أو لسنا بمؤمنين ؟
قال : بلى و لكنا نذكر الله فنزداد إيمانا (1/75)
51 - أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الله البيهقي أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين البيهقي ثنا داود بن الحسين البيهقي ثنا حميد بن زنجويه ثنا الحجاج بن نصير ثنا حماد بن نجيح عن أبي عمران الجوني قال سمعت جندب البجلي قال : كنا فتيانا حزاورة مع نبينا صلى الله عليه و سلم فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا و إنكم اليوم تعلمون القرآن قبل الإيمان (1/75)
52 - قال : و حدثنا حمبد بن زنجويه ثنا عبيد الله بن موسى أنبأ إسرائيل عن منصور عن طلحة عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : ثلاث من الإيمان : أن يحتلم الرجل في الليلة الباردة فيقوم فيغتسل لا يراه إلا الله و الصوم في اليوم الحار و صلاة الرجل في الأرض الفلاة لا يراه إلا الله (1/76)
53 - أخبرنا أبو بكر الأشناني أنبأ أبو الحسن الطرائفي ثنا عثمان بن سعيد ثنا أحمد بن يونس ثنا إسماعيل بن عياش الحمصي عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس و أبي هريرة قالا : الإيمان يزداد و ينقص (1/76)
54 - و بإسناده قال ثنا إسماعيل بن عياش ثنا حريز بن عثمان الرحبي عن أبي حبيب الحارث بن مخمر عن أبي الدرداء قال : الإيمان يزداد و ينقص (1/76)
55 - و بإسناده ثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الله بن ربيعة الحضرمي عن أبي هريرة قال : الإيمان يزداد و ينقص (1/77)
56 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو بكر بن إسحاق ثنا الحسن بن علي بن زياد ثنا أبو نصر التمار ثنا حماد بن سلمة
و أخبرنا أبو بكر الأشناني أنبأ الطرائفي ثنا عثمان بن سعيد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن أبيه عن جده عمير بن حبيب بن خماشة أنه قال : الإيمان يزيد و ينقص
فقيل له : و ما زيادته ؟ و ما نقصانه ؟
قال : إذا ذكرنا ربنا و خشيناه فذلك زيادته و إذا غفلنا و نسينا و ضيعنا فذلك نقصانه هذا لفظ حديث عفان (1/77)
57 - أخبرنا الأشناني أنبأ الطرائفي ثنا عثمان بن سعيد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن شباك عن إبراهيم عن علقمة أنه كان يقول لأصحابه : امشوا بنا نزداد إيمانا (1/77)
58 - و بإسناده ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال : ما نقصت أمانة عبد قط إلا نقص من إيمانه (1/78)
59 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو بكر بن إسحاق أنبأ محمد بن أيوب أنبأ شيبان أنبأ جرير ثنا عيسى بن عاصم عن عدي بن عدي : أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه :
أما بعد ! فإن للإيمان حدودا و شرائع و فرائض من استكملها استكمل الإيمان و من لم يستكملها لم يستكمل الإيمان (1/78)
60 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو بكر بن إسحاق أنبأ بشر بن موسى ثنا عبد الصمد بن حسان ثنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد قال : الإيمان قول و عمل يزيد و ينقص (1/78)
61 - أخبرنا أبو بكر الأشناني أنبأ الحسن الطرائفي ثنا عثمان بن سعيد قال حدثت عن علي بن المديني عن خلف بن خليفة عن ليث عن مجاهد : في قوله تعالى :
{ و لكن ليطمئن قلبي }
قال :
أزداد إيمانا إلى إيماني
ورويناه أيضا عن سعيد بن جبير و إبراهيم النخعي (1/78)
62 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو بكر بن إسحاق أنبأ يوسف بن يعقوب أنبأ سليمان بن حرب ثنا أبو هلال ثنا بكر بن عبد الله المزني قال : قال عيسى عليه الصلاة و السلام لبعض الحواريين :
أرني يدك يا قصير الإيمان
و هذا حين مشى على الماء فتبعه واحد فذهب يضع رجله فإذا هو قد انغمر فقال له عيسى عليه الصلاة و السلام :
هات يدك يا قصير الإيمان : (1/79)
63 - أخبرنا أبو بكر الأشناني أنبأ أبو الحسن الطرائفي ثنا عثمان بن سعيد ثنا أحمد بن يونس ثنا أبو شهاب عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط قال : و الله ما أرى إيمان أهل الأرض يعدل إيمان أبي بكر رضي الله عنه و لا أرى إيمان مكة يعدل إيمان عطاء (1/79)
64 - أخبرنا أبو عبد الله البيهقي أنبأ أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين البيهقي حدثنا داود بن الحسين البيهقي حدثنا حميد بن زنجويه ثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد ثنا نافع بن عمر قال : قيل لابن أبي مليكة إنه يجالسك رجل يزعم أن إيمانه مثل إيمان جبريل عليه السلام
قال : و الله لقد فضل جبريل في الثناء فقال :
{ إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون }
و تزعمون أن إيمان مهران ـ رجل كان يضرب في الخمر كل ساعة ـ مثل إيمان جبريل عليه السلام (1/79)
65 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا أبو عتبة ثنا بقية أنبأ عبد الملك بن أبي النعمان ـ شيخ من أهل الجزيرة ـ عن ميمون بن مهران قال : خاصمه رجل في الإرجاء قال : فبينما هما على ذلك إذ سمعا امرأة تغني فقال ميمون : أين إيمان هذه من إيمان مريم بنت عمران ؟
قال : فلما قالها له انصرف الرجل و لم يزد عليه شيئا (1/80)
66 - أخبرنا أبو عبد الله البيهقي أنبأ أحمد بن محمد بن الحسين ثنا داود بن الحسين ثنا حميد بن زنجويه ثنا عبيد الله بن موسى أنبأ أبو البشر الحلبي عن الحسن قال : ليس الإيمان بالتحلي و لا بالتمني و لكن ما وقر في القلب و صدقته الأعمال و من قال حسنا و عمل غير صالح رده الله على قوله و من قال حسنا و عمل صالحا رفعه العمل
ذلك بأن الله تعالى قال :
{ إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه }
قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله :
و قد روينا أيضا قولنا في الإيمان عن محمد بن الحنفية و عطاء بن أبي رباح و الحسن و ابن سيرين و عبيد بن عمير و وهب بن منبه و حبيب بن أبي ثابت و غيرهم من أئمة المسلمين : الأوزاعي و مالك و سفيان بن عيينة و الفضيل بن عياض و الشافعي و أحمد بن حنبل و إسحاق بن إبراهيم الحنظلي و محمد بن إسماعيل البخاري و غيرهم رحمهم الله (1/80)
67 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنبأ أبو العباس الأصم أنبأ الربيع قال : قال الشافعي رحمه الله تعالى : في مسأله ذكرها في كتاب السير : الصلاة من الإيمان
و قال :
في التسمية على الذبيحة و الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم :
و لا أكره مع تسميته على الذبيحة أن يقول : صلى الله على رسوله بل أحبه له لأن ذكر الله و الصلاة على رسول الله إيمان بالله و عبادة له يؤجر عليها إن شاء الله تعالى من قالها
وروينا عن يوسف بن عبد الأحد عن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول :
الإيمان قول و عمل يزيد و ينقص (1/81)
68 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني الزبير بن عبد الواحد حدثني يوسف : فذكره (1/81)
69 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأ أبو علي الحسين بن صفوان أنبأ عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ثنا إبراهيم بن سعيد ثنا عبد الصمد بن النعمان ثنا هارون البربري عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : الإيمان قائد و العمل سائق و النفس حرون فإذا ونى قائدها لم تستقم لسائقها و إذا ونى سائقها لم تستقم لقائدها و لا يصلح هذا إلا مع هذا حتى تقدم على الخير الإيمان بالله مع العمل لله و العمل لله مع الإيمان بالله
تابعه قبيصة بن عقبة عن هارون (1/82)
70 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا يعلى بن عبيد ثنا أبو سنان عن الضحاك : في قوله تعالى : { إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه }
قال : العمل الصالح يرفع الكلام الطيب (1/82)
باب الاستثناء في الإيمان (1/83)
71 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب ثنا سعيد بن مسعود ثنا عبيد الله بن موسى أنبأ شعبة عن سلمة بن كهيل عن إبراهيم عن علقمة قال : قال رجل عن عبد الله بن مسعود : أنا مؤمن
قال :
قل إني في الجنة و لكنا نقول : آمنا بالله و ملائكته و كتبه و رسله (1/83)
72 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن علي بن دحيم الشيباني ثنا إبراهيم بن إسحاق ثنا عبيد الله بن موسى ثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم قال : قال رجل لعلقمة :
أمؤمن أنت
قال : أرجو إن شاء الله
و قد روينا عن جماعة من الصحابة و التابعين و السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم أجمعين
و روينا عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه خطبهم فقال :
أنتم المؤمنون أنتم أهل الجنة و الله إني لأطمع أن يكون عامة من تصيبون من أهل فارس و الروم في الجنة لأن أحدهم يعمل لكم العمل فتقول أحسنت رحمك الله ! أحسنت بارك الله فيك ! و الله يقول :
{ و يستجيب الذين آمنوا و عملوا الصالحات و يزيدهم من فضله } (1/83)
73 - أخبرنا أبو محمد المؤملي أنبأ أبو عثمان البصري ثنا محمد بن عبد الوهاب نا يعلى بن عبيد ثنا الأعمش عن شقيق عن سلمة بن سبرة قال : خطبنا معاذ فذكره
و في هذا أنه يخاطب بذلك و لم يعين به شخصا و قد رجع في آخر الحديث إلى الاستثناء في دخول الجنة فقال : إني لأطمع (1/84)
74 - و أخبرنا أبو عبد الله بن عبد الله الديري أنبأ أبو حامد الخسروجردي ثنا داود بن الحسين الخسوجردي ثنا حميد بن زنجويه ثنا أبو شيخ الحراني ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن يسار قال : بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا يزعم أنه مؤمن فكتب إلى أميره أن ابعثه إلي فلما قدم عليه قال : أنت الذي تزعم أنك مؤمن ؟
قال : نعم والله يا أمير المؤمنين !
قال : ويحك ! و مم ذاك ؟
قال : أولم تكونوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم أصنافا : مشرك و منافق و مؤمن فمن أيهم كنت ؟
قال : فمد عمر يده إليه معرفة لما قال حتى أخذ بيده (1/84)
75 - و بإسناده حدثنا حميد بن زنجويه ثنا هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا عثمان بن الأسود قال : قلت لعطاء بن أبي رباح : الرجل يقول : لا أدري أمؤمن أنا أم لا ؟ قال : سبحان الله ! قال الله تعالى :
{ الذين يؤمنون بالغيب }
فهو الغيب فمن آمن بالغيب فهو مؤمن بالله
قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي ـ رحمه الله ـ فهذا الذي روينا من إطلاق معاذ و ما روي مرسلا من تصويب عمر و قول عطاء في تسمية من آمن بالله و برسوله بالمؤمن يرجع إلى الحال
قال الحليمي : رحمه الله تعالى ـ :
لا ينبغي للمؤمن أن يمتنع من تسمية نفسه مؤمنا في الحال لأجل ما يخشاه من سوء العاقبة ـ نعوذ بالله منه ـ لأن ذلك و إن وقع و حبط ما قدم من إيمانه فليس ينقلب الموجود منه معدوما من أصله و إنما يحبط أجره و يبطل ثوابه
و بسط الكلام في شرح ذلك
و أما من أنكر من السلف إطلاق اسم الإيمان فالموضع الذي يليق به ما قال : أن يقول الواحد : أنا مؤمن و أعيش مؤمنا و أموت مؤمنا و ألقى الله مؤمنا و لا يستثني كان و لذلك قال ابن مسعود : قل إني في الجنة لأن من مات مؤمنا كان في الجنة و ليس كل من كان مؤمنا ساعة من عمره أو يوما أو سنة كان في الجنة فعلمنا أن عبد الله إنما قال هذا لمن اتكل على إيمانه فقطع بأنه مؤمن مطلق في عامة أحواله و أوقاته فلا يعيش إلا مؤمنا و لا يموت إلا مؤمنا و لم يكل أمره إلى الله عز و جل
فأما قول المؤمن : أنا الآن مؤمن فليس مما ينكر و إنما يصح الاستثناء إذا كان الخبر عن المستقبل خاصة فيكون المعنى أرجو أن يمن علي بالتثبيت و لا يسلبني هدايته بعد أن آتانيها
قال : و للاستثناء موضع آخر يصح فيه و يحسن و هو أن يرد على كمال الإيمان لا على أصله و أسه كما روي أن رجلا سأل قتادة : أمؤمن أنت ؟ فقال : أما أنا فأؤمن بالله و ملائكته و بكتبه و برسله و بالبعث بعد الموت و بالقدر خيره و شره أما الصفة التي ذكرها الله عز و جل :
{ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } قرأ الآيات إلى قوله { أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم و مغفرة و رزق كريم }
فلا أدري أنا منهم أو لا
فقد أبان قتادة أنه قد آمن الإيمان الذي يبعده عن الكفر و لكنه لا يدري استكمل الأوصاف التي حكى الله تعالى بها قوما من المؤمنين فأوجب لهم بها المغفرة و الدرجات و كان ذلك مشككا منه في الاستكمال الذي يوجب له الدرجات لا في مجانية الكفر الذي يقسط عنه العذاب فمن وضع الاستثناء في أحد هذين الموضعين فليس من الشكاك
قال الحافظ أبو بكر البيهقي ـ رحمه الله :
و قد روينا معنى هذا عن الحسن البصري (1/85)
76 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو أحمد الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن شاذان الهاشمي ثنا أحمد بن نصر المقري الزاهد ثنا عبد الله بن عبد الجبار الحمصي ثنا بقية بن الوليد عن تمام بن نجيح قال : سأل رجل الحسن البصري عن الإيمان فقال :
الإيمان إيمانان فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و الجنة و النار و البعث و الحساب فأنا مؤمن
و إن كنت تسألني عن قول الله عز و جل :
{ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } الآيات قرأ إلى { أولئك هم المؤمنون حقا }
فو الله ما أدري أنا منهم أو لا (1/86)
77 - أخبرنا أبو منصور الفقيه أنبأ أبو أحمد بن إسحاق الحافظ قال سمعت أبا العباس الثقفي يقول : سمعت قتيبة بن سعيد يقول : هذا قول الأئمة المؤخوذ في الإسلام و السنة بقولهم فذكر الحكاية قال :
و الإيمان يتفاضل و الإيمان قول و عمل و نية و الصلاة من الإيمان و الزكاة من الإيمان و الحج من الإيمان و إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان
و نقول : الناس عندنا مؤمنون بالاسم الذي سماهم الله في الإقرار و الحدود و المواريث و لا نقول : حقا و لا نقول : عند الله و لا نقول : كإيمان جبريل و ميكائيل فإن إيمانهم متقبل
قال الإمام الحافظ البيهقي ـ رحمه الله :
و روينا عن وكيع أنه قال :
كان سفيان الثوري يقول :
أنا مؤمن و أهل القبلة كلهم مؤمنون في النكاح والدية و المواريث و لا يقول : أنا مؤمن عند الله عز و جل و المراد بهذا ـ والله أعلم ـ أن الله عز و جل يعلم إلى ما يصير أمره في المستقبل و هو لا يعلم فيكل الأمر فيما لا يعلم إلى عالمه و يخبر عما هو عليه في الحال ـ و بالله تعالى التوفيق (1/87)
باب ألفاظ الإيمان ـ قال الله عز و جل : { وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه } الآية قيل : و هي قول لا إله إلا الله و روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله عز و جل (1/88)
78 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنبأ حاجب بن أحمد الطوسي ثنا عبد الرحيم بن منيب ثنا جرير بن عبد الحميد أنبأ سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله يفتح الله عليه
قال سهيل : أحسبه خيبر
قال عمر : فما أحببت الإمارة قط حتى يومئذ فدعا عليا فبعثه
ثم قال : اذهب فقاتل حتى يفتح الله عليك و لا تلتفت
قال علي رضي الله عنه :
على ماذا أقاتل الناس ؟
قال : قاتلهم حتى يشهدوا أنبأ لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا منكم دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله عز و جل
أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن سهيل (1/88)
79 - و فيما أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أنبأ أبو العباس الأصم أنبأ الربيع قال : قال الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ : الإقرار بالإيمان وجهان فمن كان من أهل الأوثان و من لا دين له يدعي أنه دين نبوة فإذا شهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله فقد أقر بالإيمان و متى رجع عنه قتل و من كان على دين اليهودية و النصرانية فهؤلاء يدعو دين موسى و عيسى عليهما الصلاة و السلام و قد بدلوا منه و قد أخذ عليهم فيه الإيمان بمحمد رسول الله صلى الله عليه و سلم فكفروا بترك الإيمان به و اتباع دينه مع ما كفروا به من الكذب على الله قبله فقد قيل لي إن فيهم من هو مقيم على دينه يشهد أن لا إله إلا الله و يشهد أن محمدا رسول الله و يقول لم يبعث إلينا فإن كان فيهم أحد هكذا فقال أحد منهم : أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله لم يكن هذا مستكمل الإقرار بالإيمان حتى يقول : و إن دين محمد حق أو فرض و أبرأ مما خالف دين محمد صلى الله عليه و سلم أو دين الإسلام فإذا قال هذا فقد استكمل الإقرار بالإيمان و بسط الكلام فيه
و على قياس هذا فكل من تلفظ بكلام محتمل لم يكن ذلك منه صريح إقرار بالإيمان حتى يأتي بما يخرجه عن حد الاحتمال
و قد بسط الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ الكلام في شرحه
و قد ينعقد الإيمان بغير القول المعروف إذا أتى بما يؤدي معناه و ما ذكرنا من الآية دلالة على ذلك
قال البيهقي ـ رحمه الله :
و قد روينا في حديث المقداد بن الأسود أنه قال :
يا رسول الله ! أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال : أسلمت لله أقتله يا رسول الله ! بعد أن قالها ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تقتله
فقلت يا رسول الله ! إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أقتله ؟
فقال : لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله و إنك بمنزلته قبل أن يقول الكلمة التي قال (1/89)
80 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو بكر بن إسحاق الفقيه نا أحمد بن إبراهيم بن ملحان ثنا ابن بكير ثنا الليث عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد بن الأسود : أنه قال يا رسول الله ! فذكره
أخرجاه في الصحيح
و روينا في حديث عقبة بن مالك في قصة شبيهة بقصة المقداد غير أنه قال : فقال إني مسلم
فذكر ما كان من النبي صلى الله عليه و سلم من إعراضه عن قاتله و قوله :
إن الله أبى علي من قتل مؤمنا (1/90)
فصل فيمن كفر مسلما (1/90)
81 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو الوليد الفقيه أنبأ الحسن بن سفيان ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر و عبد الله بن نمير قالا ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة
و في رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر :
إن كان كما قال و إلا رجعت إليه
قال الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ :
إذا قال ذلك مسلم لمسلم فهذا على وجهين
إن أراد أن الدين الذي يعتقده كفر كفر بذلك
و إن أراد أنه كافر في الباطن و لكنه يظهر الإيمان نفاقا لم يكفر و إن لم يرد شيئا لم يكفر أن ظاهره أنه رماه بما لا يعلم في نفسه مثله
قال : البيهقي ـ رحمه الله :
قد روينا عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه قال : في حاطب بن أبي بلتعة حين خان رسول الله صلى الله عليه و سلم بالكتابة إلى مكة :
دعني أضرب عنق هذا المنافق
فسماه عمر منافقا و لم يكن منافقا فقد صدقه النبي صلى الله عليه و سلم فيما أخبر عن نفسه و لم يصر به عمر كافرا لأنه أكفره بالتأويل و كان ما ذهب إليه عمر محتمل (1/90)
باب القول في إيمان المقلد و المرتاب المقلد من تدين ما تدين لأنه دين آبائه و قرابته و أهل بلده و ليس عنده وراء ذلك حجة يأوي إليها و المرتاب من يقول : اعتقدت الإسلام و تابعت أهله احتياطا لنفسي فإن كان حقا فقد فزت و إن لم يكن من ذلك شيء لم يضرني و واحد من هذين ليس بمسلم و بسط الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ الكلام فيه قال : و المؤمن الذي ليس بمقلد رجلان : أحدهما : الذي يعرف الله ـ تعالى جده ـ بالدلائل و الحجج معرفة تامة لا شك معها و عرف رسول الله - بالحجج الدالة على صدقه ثم اعترف بالله و رسوله و قيل عن رسوله جميع ما جاء به من عنده و أسلم نفسه بالطاعة له فيما أمره به و نهاه عنه و الآخر : من يؤمن بالله إجابة لدعوة نبيه بعد قيام الحجة على نبوته و بسط الكلام فيه إلى أن قال : ثم ينظر فإن كان المؤمن قبل أن آمن يثبت الله ـ تعالى جده ـ إلا أنه يلحد في أسمائه و صفاته كان إيمانه الحادث ترك ذلك الإلحاد لما يقوله النبي - و يدعوه إليه و إن كان قبل ذلك لا يدين و يرى أن لا صانع للعالم و أنه لم يزل على ما هو عليه الآن فوجه إيمانه بالله لدعوة نبيه هو أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر أن للعالم إلها واحدا لم يزل و لا يزال و لا يشبه شيئا قادرا لا يعجزه شيء عالما حكيما كان و لا شيء غيره و أبدع كل موجود سواه و اخترعه اختراعا لا من أصل و أنه أرسله إلى الناس ليعرفه إليهم و ينبههم على آثار خلقه التي يرونها و يعقلون عنها و يدعوهم إلى طاعته و عبادته و أن دلالته على صدقه هي ما أيده به من كذا و كذا مما لا يستطيع الناس ـ و إن تظاهروا ـ أن يأتوا بمثله و إنه إذا كان واحد من الناس تجمعه و إياهم البشرية ثم يجمعه و أهل بلده الهواء و الأرض و الماء وكان ما عدا هذا ـ الذي يذكر أنه تأيد به ليكون دلالة على صدقه ـ لا يباين فيه أحدا من الناس و يحتاج من الطعام و الشراب إلى مثل ما يحتاجون إليه و لا يقدر من الأشياء المعتادة إلى على ما يقدرون عليه ويعجز عما يعجزون عنه وجب أن يعلموا أنه من فضل هذا الإله الذي اختص به فما هو خارج عن قضية العادات عاجز مثلهم و إنه و إن كان عاجزا عنه و قد وجد به و ظهر على يده حتى أنه ليس من صنعه و لكن من صنع غيره و لا جائز أن يكون ذلك الغير من جنسه أو مثله أو في القدرة نظيره إذ لو كان كذلك لاستحال وجوده من غيره كما استحال وجوده منه و في ذلك ما يوجب أن يكون من صنع صانع لا يفعل الأشياء بمثل القوة و القدرة التي بها صنع الصناع المشاهدون و أنه كما لم يشبه صنعه صنعهم فكذلك هو غير مشبه إياهم و لا جائز عليه من معاني النقص ما هو جائز عليهم فانتظمت حجته هذه إثبات الصانع على من يجهله و لا يعترف به و إثبات رسالته من عنده فمن استسلم لحجته و صدقه في جميع قوله و آمن بجملة دعوته كان إثبات الرسول و المرسل منه معا في مقام واحد فهذا وجه الإيمان بالله إجابة لدعوة رسوله إليه و هذا إجابة بحجة و من هذا الوجه كان إيمان عامة المستجيبين للأنبياء و الرسل صلوات الله و سلامه عليهم ثم قد كان فيهم من تنبه بعد فرأى و نظر و بحث فبصره الله تعالى من الدلائل ما شد به أزره و عصم دينه و قوى يقينه و طلب من هذا العلم ما ينصر به الدين و يجادل به أعداءه و ينصب به للدفع عنه (1/93)
82 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ أنبأ الحسن بن محمد بن إسحاق أنبأ يوسف بن يعقوب ثنا نصر بن علي ثنا وهب بن جرير ثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام و عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود و عن عروة بن الزبير رضي الله عنه و صلب الحديث عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة ـ زوج النبي صلى الله عليه و سلم ـ قالت : أن النبي صلى الله عليه و سلم ـ لما فتن أصحابه بمكة ـ أشار عليهم أن يلحقوا بأرض الحبشة ـ فذكر الحديث بطوله إلى أن قال :
فكلمه جعفر ـ يعني النجاشي قال :
كنا على دينهم ـ يعني دين أهل مكة ـ حتى بعث الله عز و جل فينا رسولا نعرف نسبه و صدقه و عفافه فدعانا إلى أن نعبد الله وحده و لا نشرك به شيئا و نخلع ما يعبد قومنا و غيرهم من دونه و أمرنا بالمعروف و نهانا عن المنكر و أمرنا بالصلاة و الصيام و الصدقة و صلة الرحم و كل ما يعرف من الأخلاق الحسنة و تلا علينا تنزيلا جاءه من الله عز و جل لا يشبهه شيء غيره فصدقناه و آمنا به و عرفنا أن ما جاء به هو الحق من عند الله عز و جل
قال : ففارقنا عند ذلك قومنا و آذونا و فتنونا فلما بلغ منا ما يكره و لم نقدر على الامتناع أمرنا نبينا صلى الله عليه و سلم بالخروج إلى بلادك اختيارا لك على من سواك لتمنعنا منهم
فقال النجاشي : هل معكم مما أنزل عليه شيء تقرأونه علي ؟
قال جعفر : نعم فقرأ { كهيعص } فلما قرأها بكى النجاشي حتى أخضل لحيته و بكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم و قال النجاشي :
إن هذا الكلام و الكلام الذي جاء به عيسى ليخرجان من مشكاة واحدة (1/93)
83 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا أنا أبو العباس محمد بن يعقوب نا العباس بن محمد الدوري ثنا فضيل بن عبد الوهاب ثنا شريك عن سماك عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم قال :
بم كنت نبيا ؟
قال : أرأيت إن دعوت شيئا من هذه النخلة فأجابني تؤمن بي ؟
قال : نعم
فدعاه فأجابه فآمن به و أسلم
و كذا رواه محمد بن سعيد بن الأصبهاني عن شريك و أتم من هذا و رواه أيضا عن الأعمش عن أبي ظبيان
و قد ذكرنا شواهد هذا في كتاب دلائل النبوة و ذكرنا فيه من إيمان من آمن حين وقف على صدق النبي صلى الله عليه و سلم و معجزته ما يكشف عن صحة ما قاله الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ (1/94)
84 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنبأ أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنبأ أحمد بن يوسف السلمي ثنا محمد بن يوسف الفريابي ثنا سفيان عن جعفر بن برقان عن عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه أنه سأله رجل من شيء من الأهواء فقال : عليك بدين الأعرابي و الغلام في الكتاب واله عمن سواه
قال الإمام البيهقي ـ رحمه الله ـ :
و هذا الذي قاله عمر بن عبد العزيز قاله غيره من السلف ـ في النهي عن الخوض في مسائل الكلام ـ فإنما هو لأنهم رأوا أنه لا يحتاج إليه لتبيين صحة الدين في أصله إذ كان رسول الله إنما بعث مؤيدا بالحجج فكانت مشاهدتها للذين شاهدوها و بلاغها المستفيض و من بلغه كافيا في إثبات التوحيد و النبوة معا عن غيرها و لم يأمنوا أن يوسع الناس في علم الكلام و أن يكون فيهم من لا يكمل عقله و يضعف رأيه فيرتبك في بعض ضلالة الضالين و شبه الملحدين و لا يستطيع منها مخرجا كالرجل الضعيف غير الماهر بالسباحة إذا وقع في ماء غامر قوي لم يؤمن أن يغرق فيه و لا يقدر على التخلص منه و لم ينهوا عن علم الكلام لأن عينه مذموم أو غير مفيد و كيف يكون العلم الذي يتوصل به إلى معرفة الله عز و جل وعلم صفاته و معرفة رسله و الفرق بين النبي الصادق و بين المتنبئ الكاذب عليه مذموما أو مرغوبا عنه ؟
و لكنهم لإشفاقهم على الضعفاء لئلا يبلغوا ما يريدون منه فيضلوا نهوا عن الاشتغال به
ثم بسط الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ الكلام في التحريض على تعلمه إعدادا لأعداء الله عز و جل
و قال غيره في نهيهم عن ذلك إنما هو لأن السلف من أهل السنة و الجماعة كانوا يكتفون بمعجزات الرسل صلوات الله عليهم على الوجه الذي بينا و إنما يشتغل في زمانهم بعلم الكلام أهل الأهواء فكانوا ينهون عن الاشتغال بكلام أهل الأهواء ثم إن أهل الأهواء كانوا يدعون على أهل السنة أن مذاهبهم في الأصول تخالف المعقول فقيض الله تعالى جماعة منهم للاشتغال بالنظر و الاستدلال حتى تبحروا فيه و بينوا بالدلائل النيرة و الحجج الباهرة أن مذاهب أهل السنة توافق المعقول كما هي موافقة لظاهر الكتاب و السنة إلا أن الإيجاب يكون بالكتاب و السنة فيما يجوز في العقل أن يكون غير واجب دون العقل و قد كان من السلف من يشرع في علم الكلام و يرد به على أهل الأهواء (1/95)
85 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أحمد بن سهل ثنا إبراهيم بن معقل ثنا حرملة ثنا ابن وهب ثنا مالك أنه دخل يوما على عبد الله بن يزيد بن هرمز فذكر قصة ـ ثم قال : و كان ـ يعني ابن هرمز ـ بصيرا بالكلام و كان يرد على أهل الأهواء و كان من أعلم الناس بما اختلفوا فيه من هذا الأهواء (1/96)
باب القول فيمن يكون مؤمنا بإيمان غيره (1/97)
86 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنبأ أبو عبد الله بن يعقوب ثنا محمد بن شاذان ثنا قتيبة بن سعيد ثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن ح عن أبيه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
كل إنسان تلده أمه على الفطرة أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه فإن كانا مسلمين فمسلم
كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان في حضنيه إلا مريم و ابنها
رواه مسلم في الصحيح عن قتيبة
و قد حكينا عن الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ أنه قال :
كل مولود يولد على الفطرة
هي الفطرة التي فطر الله تعالى عليها الخلق فجعلهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ ما لم يفصحوا بالقول فيختاروا أحد القولين : الإيمان أو الكفر ـ لا حكم لهم في أنفسهم ـ إنما الحكم لهم بآبائهم فما كان آباؤهم يوم يولدون فهم بحاله إما مؤمن فعلى إيمانه أو كافر فعلى كفره
فذهب الشافعي ـ رحمه الله ـ في هذا إلى أن الله تعالى خلق المولود لا حكم له في نفسه و إنما هو تبع لوالديه في الدين في حكم الدنيا حتى يعرف عن نفسه بعد البلوغ
و أما في الآخرة فمنهم من ألحقهم بآبائهم في حكم الآخرة أيضا
و منهم من ألحق ذراري المسلمين بهم و زعم أن أولاد المشركين خدم أهل الجنة
و منهم من توقف في الجميع و وكل أمرهم إلى الله عز و جل
و هذا أشبه الأقاويل بالسنن الصحيحة و الله تعالى أعلم
و قد ذكرنا أقاويل السلف في ذلك و ما احتج به كل فريق منهم في آخر كتاب القدر فمن أحب الوقوف عليه رجع إليه إن شاء الله تعالى
و متى ما أسلم الأبوان أو أحدهما صار الولد مسلما بإسلام أبويه أو أحدهما
و قد ذكرنا في كتاب السنن إسلام من صار مسلما بإسلام أبويه أو أحدهما من أولاد الصحابة
و إذا سبي الصغير من دار الحرب و معه أبواه أو أحدهما فدينه دين من معه من أبويه و إن سبي وحده فدينه دين السابي لأنه وليه الذي أولى به منه فقام في دينه مقام أبويه كما قام في الولاية و الكفالة مقامهما و الله تعالى أعلم (1/97)
باب القول فيمن يصح إيمانه أو لا يصح ـ قال الله تعالى : { و إذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا } فأخبر أنه إنما يثبت عليهم الفرض في إيذانهم في الاستئذان إذا بلغوا قال : { إن في خلق السماوات و الأرض } ـ إلى قوله ـ { لآيات لقوم يعقلون } و في موضع آخر { لآيات لأولي الألباب } و خاطب بالفرائض من عقلها (1/99)
87 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق أنبأ محمد بن أيوب ثنا أبو الوليد الطيالسي و موسى بن إسماعيل قالا : ثنا حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يحتلم و عن المعتوه حتى يفيق و عن النائم حتى يستيقظ
و أما ما روي من إسلام علي و صلاته مع النبي صلى الله عليه و سلم فقد قال الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ :
لما أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم بالإسلام و الصلاة فهو آحد شيئين :
أما أن يكون خصه بالخطاب لما صار من أهل التمييز و المعرفة دون سائر الصغار ليكون ذلك كرامة له و منقبة فلما توجه عليه الخطاب و الدعوة صحت منه الإجابة و سائر الصغار لا يتوجه عليهم الخطاب و الدعوة فلا يصح منهم الإسلام
أو يكون خطاب النبي صلى الله عليه و سلم إياه بالدعاء إلى الإسلام و الصلاة يومئذ على أنه بالغ عنده لأن البلوغ بالسن ليس مما شرع في أول الإسلام بل ليس يحفظ قبل قصة ابن عمر في أحد و الخندق في ذلك شيء فالظاهر أن الناس كانوا يجرون في ذلك على رأيهم و ما تعارفوا من أن الصبي من لا يمكن أن يولد له و الرجل من يمكن أن يولد له و كان علي ـ رضي الله عنه ـ ابن عشر سنين لما أسلم و ظاهر قول من قال إنه ابن عشر : أنه استكمل عشرا و دخل في الحادي عشر و من بلغ هذا السن فقد يمكن أن يولد له فلما شرع البلوغ بعد ذلك بالسن نظر إلى السن فقد يمكن أن يولد له فلما شرع البلوغ بعد ذلك بالسن نظر إلى السن التي كل من بلغها جاز أن يولد له دون السن التي ينذر ممن يبلغها الإيلاد و كان من قصرت سنوه عن ذلك الحد صغيرا في الحكم و لم يجز أن يصح إسلامه و الله تعالى أعلم
و قد ذكرنا في كتاب السنن و في كتاب الفضائل سائر ما قيل فيه (1/99)
باب الدعاء إلى الإسلام (1/101)
88 - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أنبأ محمد بن إبراهيم المزكي و أخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أنبأ جدي يحيى بن منصور قالا ثنا أحمد بن سلمة ثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأ وكيع ثنا زكريا ابن إسحاق المكي عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إنك لتأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم و ليلة فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فإن هم أجابوا لذلك فإياك و كرائم أموالهم و إياك و دعوة المظلوم فإنها ليس بينها و بين الله حجاب
رواه البخاري عن يحيى بن موسى عن وكيع
و رواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم و غيره
و دعاء من لم تبلغه الدعوة مستحق و دعاء من بلغته الدعوة إذا لم يحتج إلى التثبيت في قهرهم مستحب
و قد مضى الكلام و ما ورد فيه من الأخبار في كتاب السنن (1/101)
الأول من شعب الإيمان و هو باب في الإيمان بالله عز و جل (1/103)
89 - قال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أنبأ أبو مسلم ثنا محمد بن كثير ثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
الإيمان بضع و ستون أو بضع و سبعون أفضلها لا إله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق و الحياء شعبة من الإيمان
قال الحليمي رحمه الله تعالى :
و هذه الشهادة فرض تجمع الاعتقاد بالقلب و الاعتراف باللسان و الاعتقاد و الإقرار و إن كانا عملين يعملان بجارحتين مختلفتين فإن نوع العمل واحد و المنسوب منه إلى القلب هو المنسوب إلى اللسان و المنسوب إلى اللسان هو المنسوب إلى القلب كما أن المكتوب ـ مما جمع بين كتبه و قوله هو المقول و المقول هو المكتوب
قال : و العمل الصالح بالاعتقاد و الإقرار مجموع عدة أشياء :
1 - ـ أحدهما : إثبات البارئ جل جلاله ليقع به مفارقة التعطيل
2 - ـ و الثاني : إثبات وحدانيته لتقع به البراءة من الشرك
3 - ـ و الثالث : إثبات أنه ليس بجوهر و لا عرض ليقع به البراءة من التشبيه
4 - ـ و الرابع : إثبات أن وجود كل ما سواه كان معدوما من قبل إبداعه له و اختراعه إياه ليقع به البراءة من قول من يقول بالعلة و المعلول
5 - ـ و الخامس : إثبات أنه مدبر ما أبدع و مصرفه على ما يشاء ليقع به البراءة من قول القائلين بالطبائع أو تدبير الكواكب أو تدبير الملائكة
فأما البراءة بإثبات الباري جل ثناؤه و الاعتراف له بالوجود من معاني التعطيل فلأن قوما ضلوا عن معرفة الله جل ثناؤه فكفروا و ألحدوا و زعموا أنه لا فاعل لهذا العالم و أنه لم يزل على ما هو عليه و لا موجود إلا المحسوسات و ليس وراءها شيء و أن الكوائن و الحوادث إنما تكون و تحدث من قبل الطبائع التي في العناصر ـ و هي الماء و النار و الهواء و الأرض و لا مدبر للعالم يكون ما يكون باختياره و صنعه
فإذا أثبت المثبت للعالم إلها و نسب الفعل و الصنع إليه فقد فارق الإلحاد و التعطيل و هذا أحسن مذاهب الملحدين و القائلون به يسميهم غيرهم من أهل الإلحاد : الفرقة المتجاهلة و يدعونهم غير الفلاسفة
أما البراءة من الشرك بإثبات الوحدانية فلأن قوما ادعوا فاعلين فزعموا أن أحدهما يفعل الخير و الآخر يفعل الشر
و زعم قوم أن بدء الخلق كان من النفس إلا أنه كان يقع منها لا على سبيل السداد و الحكمة فأخذ الباري على يدها و عمد إلى مادة قديمة كانت موجودة معه لم تزل فركب منها هذا العالم على ما هو عليه من السداد و الحكمة
فإذا ثبت المثبت أن لا إله إلا الله واحد و لا خالق سواه و لا قديم غيره فقد انتفى عن قول الشريك الذي هو في البطلان و وجوب اسم الكفر لقائله كالإلحاد و التعطيل
و أما البراءة من التشبيه بإثبات أنه ليس بجوهر و لا عرض فلأن قوما زاغوا عن الحق فصفوا الباري ـ جل و عز ـ ببعض صفات المحدثين فمنهم من قال : إنه جوهر
و منهم من قال : إنه جسم
و منهم من أجاز أن يكون على العرش قاعدا كما يكون الملك على سريره
و كل ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل و التشريك
فإذا ثبت أنه ليس كمثله شيء و جماع ذلك أنه ليس بجوهر و لا عرض فقد انتفى التشبيه لأنه لو كان جوهرا أو عرضا لجاز عليه ما يجوز على سائر الجواهر و الأعراض و إذا لم يكن جوهرا و لا عرضا لم يجز عليه ما يجوز على الجواهر من حيث أنها جواهر كالتأليف و التجسيم شغل الأمكنة و الحركة و السكون و لا ما يجوز على الأعراض من حيث أنها أعراض كالحدوث و عدم البقاء
و أما البراءة من التعطيل بإثبات أنه مبدع كل شيء سواه فلأن قوما من الأوائل خالفوا المعطلة ثم خذلوا عن بلوغ الحق فقالوا : إن الباري موجود غير أنه علة لسائر الموجودات و سبب لها بمعنى أن وجوده اقتضى وجودها شيئا فشيئا على ترتيب لهم يذكرونه و أن المعمول إذا كان لا يفارق العلة فواجب إذا كان الباري لم يزل أن يكون مادة هذا العالم لم تزل معه
فمن أثبت أنه المبدع الموجد المحدث لكل ما سواه من جوهر و عرض باختياره و إرادته المخترع لها لا من أصل فقد انتفى عن قوله التعليل الذي هو في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل
و أما البراءة من الشريك في التدبير بإثبات أنه لا مدبر لشيء من الموجودات إلا الله فلأن قوما زعموا أن الملائكة تدبر العالم و سموها آلهة و قد قال الله تعالى للملائكة :
{ فالمدبرات أمرا }
و معنى المدبرات : المنفذات لما دبر الله على أيديها كما يقال لمن ينفذ حكم الله بين الخصوم : حاكم
و زعم قوم أن الكواكب تدر ما تحتها و أن كل كائنة و حادثة في الأرض فإنما هي من آثار حركات الكواكب و اقترافها و اقترانها و اتصالها و انفصالها و غير ذلك من أحوالها
فمن أثبت أن الله ـ عز و جل ـ هو المدبر لما أبدع و لا مدبر سواه فقد انتفى عن قوله التشريك في التدبير الذي هو في وجوب اسم الكفر لقائله كالتشريك في القدم أو في الخلق
ثم أن الله عز و جل ثناؤه ضمن هذه المعاني كلها كلمة واحدة و هي لا إله إلا الله و أمر المأمورين بالإيمان أن يعتقدوها و يقولوها فقال جل و عز :
{ فاعلم أنه لا إله إلا الله }
و قال فيما ذم مشركي العرب :
{ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون }
و المعنى أنهم إذا قيل لهم لا إله إلا الله استكبروا و لم يقولوا بل قالوا مكانها : أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون (1/103)
90 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا علي بن محمد بن عيسى الحكاني أنبأ أبو اليمان أخبرني شعيب عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه و ماله إلا بحقه و حسابه على الله
رواه البخاري في الصحيح عن أبي اليمان (1/106)
91 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ الحسن بن يعقوب ثنا الحسين بن محمد القباني ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى ثنا يزيد بن كيسان قال حدثني أبو حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمه :
قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة
فقال : لولا أن تعيرني قريش إنما حمله عليه الجزع لأقررت بها عينك
فأنزل الله عز و جل :
{ إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء }
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد (1/106)
92 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ أبو محمد بن شوذب الواسطي ثنا شعيب بن أيوب ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي ثنا عبد السلام بن حرب عن عبد الله بن بشر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم وسوس ناس من أصحابه فكنت فيمن وسوس فمر علي عمر رضي الله عنه فسلم علي فلم أرد عليه فشكاني إلى أبي بكر رضي الله عنه فجاء فقال : سلم عليك أخوك فلم تسلم عليه ؟
فقلت : ما علمت تسليمه و إني عن ذلك لفي شغل
فقال أبو بكر رضي الله عنه : و لم ؟
فقلت : قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم أسأله عن نجاة هذا الأمر
قال : قد سألته عن ذلك
قال : فقمت إليه فاعتنقته فقلت بأبي أنت و أمي ! أنت أحق بذلك
قال : قد سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن نجاة هذا الأمر قال :
من قبل الكلمة التي عرضتها على عمي فهي له نجاة (1/107)
93 - و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس بن يعقوب ثنا العباس بن محمد بن حاتم الدوري ثنا مالك بن إسماعيل : فذكره بإسناده مثله غير أنه قال في آخره :
من قبل الكلمة التي عرضها على عمي فردها فهي له نجاة (1/107)
94 - و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله الصفار الأصبهاني ثنا أحمد بن مهدي رستم ثنا أبو عاصم النبيل ثنا عبد الحميد بن جعفر حدثني صالح بن أبي غريب عن كثير بن مرة عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة (1/108)
95 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنبأ أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد آبادي ثنا أبو قلابة ثنا عبد الصمد ثنا شعبة عن خالد الحذاء عن الوليد أبي بشر عن حمران بن أبان أنه سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
من مات يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة (1/108)
96 - و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا إسماعيل بن علية عن خالد : فذكره غير أنه قال :
من مات و هو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة
رواه مسلم عن زهير بن حرب و غيره عن ابن علية
قال البيهقي رحمه الله :
و قد ذكرنا من فضائل هذه الكلمة في الجزء الخامس من كتاب الأسماء و الصفات جملة كافية فاقتصرنا ها هنا على ما ذكرنا (1/108)
97 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد ثنا البزار ـ يعني أحمد بن عمرو ـ ثنا أبو كامل ثنا أبو عوانة عن منصور عن هلال بن يساف عن الأغر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره أصابه قبل ذلك ما أصابه (1/109)
98 - و أخبرنا علي أنبأ أحمد ثنا ابن ملحان ثنا عمرو بن خالد ثنا عيسى بن يونس عن سفيان الثوري عن منصور : فذكره بنحوه غير أنه قال :
أنجته بدل نفعته (1/109)
99 - و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أنبأ أحمد بن ملحان : فذكره بإسناده نحوه (1/110)
100 - أخبرنا عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي إملاء ببغداد ثنا حبيب بن الحسن القزاز ثنا أبو جعفر بن يحيى بن إسحاق الحلواني ثنا يحيى ـ يعني ابن عبد الحميد ـ
و أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني ـ و اللفظ له ـ أنبأ أبو أحمد بن عدي الحافظ ثنا محمد بن أبان بن ميمون السراج و أحمد بن محمد بن خالد البراثي قالا : حدثنا يحيى الحماني حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم و لا في نشورهم و كأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون عن رؤوسهم يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن
تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم
قال البيهقي ـ رحمه الله :
و روي من وجه آخر ضعيف عن ابن عمرو و قد أخرجناه في كتاب البعث و النشور و ذكرنا انتظام هذه الكلمة مع ما أشرنا إليه من العقائد الخمس لأن من قال لا إله إلا الله فقد أثبت الله و نفى غيره فخرج بإثبات ما أثبت من التعطيل و بما ضم إليه من نفي عن التشريك و اثبت باسم الإله الإبداع و التدبير و نفى عنه التشبيه لأن اسم الإله لا يجب إلا للمبدع و إذا وقع الاعتراف بالإبداع فقد وقع التدبير لأن الإيجاد تدبير و إبقائه و إحداث الاعراض فيه و إعدامه بعد إيجاد تدبيره و لا يجوز أن يكون له من خلقه شبيه لأنه لو كان لوجب أن يجوز عليه من ذلك الوجه ما يجوز على شبيهه و إذا جاز ذلك عليه لم يستحق اسم الإله كما لا يستحقه خلقه الذي شبهه به فدل على أن اسم الإله و الشبيه لا يجتمعان كما أن اسم الإله و نفي الإبداع لا يأتلفان
و قد ذكر الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ حديث الأسامي و ضم إليها من الأسامي ما ورد في غير ذلك الحديث و جعلها منقسمة بين العقائد الخمس و نحن قد نقلنا جميع ذلك في كتاب الأسماء و الصفات و أضفنا إليه من الشواهد و معرفة الصفات و تأويل الآيات المشكلات و الأحاديث المشتبهات ما لا بد من معرفته من أحب الوقوف عليه رجع إليه إن شاء الله تعالى
و قد ذكر الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ في إثبات حدث العالم و ما يدل على أن له صانعا و مدبرا لا شبيه له من خلقه فصولا حسانا لا يمكن حذف شيء منها فتركتها على حالها و نقلت ها هنا من كلام غيره ما لا بد منه في هذا الباب (1/110)
فصل في معرفة الله عز و جل و معرفة صفاته و أسمائه ـ حقيقة المعرفة أن تعرفه موجودا قديما لم يزل و لا يفنى أحدا صمدا شيئا واحدا لا يتصور في الوهم و لا يتبعض و لا يتجزأ ليس بجوهر و لا عرض و لا جسم قائما بنفسه مستغنيا عن غيره حيا قادرا عالما مريدا سميعا بصيرا متكلما له الحياة و القدرة و العلم و الإرادة و السمع و البصر و الكلام لم يزل و لا يزال هو بهذه الصفات و لا يشبه شيء منها شيئا من صفات المصنوعات و لا يقال فيها : أنها هو و لا غيره و لا هي هو و غيره و لا يقال أنها تفارقه أو تجاوزه أو تخالفه أو توافقه أو تحله بل هي نعوت له أزلية و صفات له أبدية تقوم به موجودة بوجوده دائمة بدوامه ليست بأعراض و لا بأغيار و لا حالة في أعضاء غير مكيفة بالتصور في الأذهان و لا مقدورة بالتمثيل في الأوهام فقدرته تعم المقدورات و علمه يعم المعلومات و إرادته تعم المرادات لا يكون إلا ما يريد و لا يريد ما لا يكون و هو المتعالي عن الحدود و الجهات و الأقطار و الغايات المستغني عن الأماكن و الأزمان لا تناله الحاجات و لا تمسه المنافع و المضرات و لا تلحقه اللذات و لا الدواعي و لا الشهوات و لا يجوز عليه شيء مما جاز على المحدثات فدل على حدوثها و معناه أنه لا يجوز عليه الحركة و لا السكون و الاجتماع و الافتراق و المحاذاة و المقابلة و المماسة و المجاورة و لا قيام شيء حادث به و لا بطلان صفة أزلية عنه و لا يصح عليه العدم و يستحيل أن يكون له ولد أو زوجة أو شريك قادر على إماتة كل حي غيره و يجوز منه إفناء كل شيء غيره و إعادته الأجسام بعده و خلق أمثالها من غير قصر على حد قادر على كل شيء يتوهم على الانفراد حدوثه له الملك و له الحكم كل ما أنعم به بفضل منه و كل ما أكرمه عدل منه لا يجوز عليه جور و لا يصح منه ظلم (1/112)
101 - حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ أنبأ أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ و أبو جعفر محمد بن صالح قالا : ثنا الحسين بن الفضل ثنا محمد بن سابق ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب : أن المشركين قالوا : يا محمد ! انسب لنا ربك فأنزل الله عز و جل :
{ قل هو الله أحد * الله الصمد }
قال : الصمد : الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد
لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت و ليس شيء يموت إلا سيورث و أن الله تبارك و تعالى لا يموت و لا يورث و لم يكن له كفوا أحد لم يكن له شبيه و لا عدل و ليس كمثله شيء (1/113)
102 - أخبرنا أبو منصور أحمد بن علي الدامغاني أنبأ أبو بكر الإسماعيلي :
و حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي محمد بن الحسين حدثنا جدي إسماعيل بن نجيد و أبو عمرو بن مطر و علي بن بندار الصيرفي و أبو عمرو بن حمدان و أبو بكر بن قريش و غيرهم قالوا ثنا الحسن بن سفيان ثنا صفوان بن صالح ثنا الوليد بن مسلم ثنا شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن لله تسعة و تسعين اسما ـ مائة إلا واحدة إنه وتر يحب الوتر ـ من أحصاها دخل الجنة :
هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحبيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الماجد الواجد الواحد الأحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال و الإكرام الوالي المتعالي المقسط الجامع الغني المغني الرافع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور الذي ليس كمثله شيء و هو السميع البصير
و قال غيره : المانع بدل قوله الرافع
و قال : الوالي المتعالي عقب قوله الباطن و قال البيهقي ـ رحمه الله :
و ذكر الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد إبراهيم الاسفراييني : أن قوله من أحصاها يريد من علمها و ذكر أن من هذه الأسماء ثمانية و عشرين اسما للذات و ثمانية و عشرين اسما لصفات الذات و ثلاثة و أربعين اسما للفعل (1/114)
بيان معاني أسماء الذات ـ الله و له معان : منها أنه القادر على الخلق و أنه لا يكون إلا ما يريد و أنه الغالب الذي لا يغلب و أنه القاهر الذي لا يقهر و أنه لا يصح التكليف إلا منه ـ الملك : و معناه : أنه يعز من يشاء و يذل من يشاء و يستحيل عليه الاذلال و قد قيل : إن معناه أن المملك السالب الممكن المانع و قد قيل : أن معناه أنه يولي و يعزل و لا يتوجه عليه العزل و السلب و قد قيل : أن معناه أنه المتفرد بالعز و السلطان لا يشاركه أحد في معناه القدوس و له معان : أحدها : أنه البريء من المعايب و الشركاء و الأنداد و الأضداد و منها : أن له الكمال في كل وصف يختص به و منها : أن تطهير غيره من العيوب إليه و منها : أن الأوهام لا تدركه بالتحديد و الأبصار لا تدركه بالتصوير ـ السلام : و له معان : منها : أن السلامة به و فيه و منها : أن من أطاعه سلم و منها : أنه سليم من النقائص و منها أنه يسلم من عنده على تحقيق المراد المؤمن و له معان : منها : أن الهدى و الإيمان إليه و منها : أن التصديق و التكذيب به و منها : أن الحقائق تنكشف لديه و منها : أن الأمر يؤخذ منه و منها : أن القول قوله لا خلاف عليه ومنها استحالة الزوال عليه و منها : تعذر المنازعة له المهيمن : و هو من أسامي الكمال يجمع أوصاف الفضل و ينقض أوصاف النقص كأن الكمال الذي لا يصح عليه الزوال تدخل فيه الشهادة و الحفظ و العطاء و المنع و الاختصاص به عن الغير العزيز : و له معان : منها أنه لا يرام و منها : أنه لا يخالف في المراد و منها : أنه لا يخوف بالتهديد و منها : أنه لا يحط عن المنزلة و منها : أنه يعذب من أراد و منها : أنه ملجأ الهاربين و منها : أن إليه مطالب المريدين و منها : أن عليه طريق المارقين و منها : أن عليه ثواب العاملين و منها : أنه لا يوجد له مثل و أنه لا يحد بحد و أنه لا يصح عليه نقص الجبار : و له معان : منها : أنه لا يحنو عند التعذيب و لا يشفق عند البذل إذا أعطى أعطى عن سعة و إذا منع منع عن قدرة و منها : أنه لا يكترث بالناكثين و لا يفرح بالمخلصين و منها : أنه لا يتمنى ما لا يكون و لا يتلهف على ما لم يكن و منها : أنه لا يناقش في الفعل و لا يطالب بالعلة و لا يحجر عليه في مقدوره و أنه لا يجب عليه شيء بتة و أنه يذل عند عزته الأعزاء و يشرف عند تقريبه الأذلاء المتكبر : و له معان : منها : أنه لا مقدار لشيء عنده و منها : أنه لا يؤثر فيه اللوم و لا يصح عليه العقاب و منها : أنه لا يخلق للنفع و لا يخترع للدفع و أنه لا يتوجه عليه المنة بالطاعة و العبادة و لا يلزمه الثواب عن المتابعة و أنه لا يشرف بالاتباع و لا ينحط بالاعتداء و أنه لا يأمر لفائدة و لا ينهى لعائدة العلي : و له معان : منها : أنه علي عن المالك و الآمر و الناهي و التحديد و الرسم و المنع و الإيجاب و منها : أنه علي عن الحاجة إلى الخلائق و الخلق و منها : أنه لا يسأل عما يفعل و لا يحاسب على ما يقبض العظيم : و له معان : منها : أنه يستحيل عليه التحديد و المساحة و منها : نفي الكثافة و الرقة و منها : وجوب التذلل و الخضوع عند الطاعة الجليل : و له معان : منها : أنه يجل عن أن يجوز عليه ما دل على الحدوث و منها : أنه يجب الانقياد له و منها : أنه لا يجل إلا من رفعة الكبير : و له معان : أنه لا يقع عليه المقدار و التقدير و لا يرد عليه في التدبير و لا يخالف في الأمور الحميد : و له معان محمودة و له صفات المدح و الكمال المجيد : و له معان : منها : أنه لا يساوي فيما له من أوصاف المدح و منها : أنه المنفرد بالجلال و الكبرياء و العز و منها : أن الذي يفيد من أوصاف المدح لغيره لا يكون إلا به الحق : و له معان : منها : أن لا يمكن رده و لا يصح رفعه و لا يوصف بالقدرة على ما يوجب ذمه و منها : أن ما لم يكن بأمره من غيره لم يحمد وصفه و منها : المبين لخلقه ما أرادهم له المبين : و له معان : منها : أنه بين لذوي العقول و منها : أن الفضل يقع به و منها : أن التحقيق و التمييز إليه و منها : أن الهداية به الواحد : و له معان : منها : أنه لا يجوز عليه التبعيض و لا يجوز عليه التشبيه و لا يصح الخروج من ملكه و لا حد لسلطانه الماجد : و له معان : منها : الارتفاع و العلو على المبالغة و منها : التقريب على حسب المشيئة و منها : الاختصاص بالولاية و التولية الصمد : و له معان : منها : أنه لا يتجزأ في الوهم و منها : أن الكون و الأحوال منه تطلب الأول : و له معان : منها : أنه لم يزل و منها : أنه لا يكافأ على النعمة و البلية و لا يسبق بالفعل الآخر : و معناه الدائم فإنه يستحيل عليه العدم الظاهر : و معناه أنه يصح إدراكه بالأدلة على القطع و اليقين الباطن و معناه أنه لا يدرك باللمس و الشم و الذوق و أنه يقف على الخفيات المتعال : و له معان : أحدها : أنه تعالى على أن يطاق و الثاني : أنه تعالى عن الزوال بلذات و الصفة و الثالث : أنه تعالى عن الحاجة الغني : و له معان : منها : أنه لا يتعلق بالقدرة و لا يحتاج إلى دعامة أو علاقة أنه لا يتوهم حدوث شيء لا يصح منه بما له من الصفات من غير توقف على استحداث حكم النور : و له معان : منها : أنه لا يخفى على أوليائه بالدليل و لا يصح إدراكه بالأبصار و يظهر لكل ذي لب بالعقل ذو الجلال : و معناه المختص بما ذكرناه من الأوصاف و قال : و في بعض الأخبار أنه السيد قال الإمام البيهقي ـ رحمه الله ـ و قد ذكرت إسناده في كتاب الأسماء و الصفات و إسناد غيره مما ورد به الحديث قال الأستاذ معناه : أنه مالك كل مخلوق و أنه منفرد بالإيجاد المولى : و معناه أنه يغير ما شاء كيف شاء الأحد : و معناه أنه لا يصح عليه الاتصال و المماسة و لا يجوز عليه النقصان و الزيادة الفرد : و معناه أنه لا تصح له الزوجة و الولد الوتر : و معناه أنه لا يعد في المعدودات بالمعنى و تحقيقه أنه لا يوصف بصفة يصح وصف غيره بها إلا وله اختصاص و مباينة (1/116)
أسامي صفات الذات فمن أسامي صفات الذات الذي عاد إلى القدرة ـ القاهر : و معناه الغالب القهار و معناه الذي لا يقصد و لا يغلب القوي و معناه المتمكن من كل مراد المقتدر : و معناه الذي لا يرده شيء عن المراد القادر : و معناه إثبات القدرة ذو القوة المتين : و معناه نفي النهاية في القدرة و تعميم المقدورات قال : و روي في بعض الآثار الغلاب و معناه يكره على ما يريد و لا يكره على ما يراد (1/121)
و من أسامي صفات الذات ما هو للعلم و معناه ـ فمنها : العليم و معناه تعميم المعلومات و منها : الخبير : و يختص بأن يعلم ما يكون قبل أن يكون و منها : الحكيم : و يختص بأن يعلم دقائق الأوصاف و منها : الشهيد : و يختص بأن يعلم الغائب و الحاضر و معناه أنه لا يغيب عنه شيء و منها : الحافظ : و يختص بأنه لا ينسى ما علم و منها : المحصي : و يختص بأنه لا يشغله الكثرة عن العلم و ذلك مثل ضوء النور و اشتداد الريح و تساقط الأوراق فيعلم عند ذلك عدد أجزاء الحركات في كل ورقة و كيف لا يعلم و هو الذي خلقها ؟ و قد قال { ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير } (1/121)
و من أسامي صفات الذات ما يعود إلى الإرادة ـ فمنها : الرحمن : و هو المريد لرزق كل حي في دار البلوى و الامتحان و منها : الرحيم : و ذلك المريد لإنعام أهل الجنة و منها : الغفار : و هو المريد لإزالة العقوبة بعد الاستحقاق و منها : الودود : و هو المريد للإحسان إلى أهل الولاية و منها : العفو : و هو المريد لتسهيل الأمور على أهل المعرفة و منها : الرؤوف : و هو المريد للتخفيف عن العبادة ومنها : الصبور : و هو المريد لتأخير العقوبة و منها : الحليم : و هو المريد لإسقاط العقوبة في الأصل على المعصية و منها : الكريم و هو المريد لتكثير الخيرات عند المحتاج و منها : البر : و هو المريد لإعزاز أهل الولاية و من أسامي صفات الذات ما يرجع إلى السمع و هو السميع و منها ما يرجع إلى البصر و هو البصير و منها ما يرجع إلى الحياة و هو الحي و منها ما يرجع إلى البقاء و هو الباقي و في معناه الوارث الذي يبقى بعد فناء خلقه و منها ما يرجع إلى الكلام و هو الشكور و منها ما يرجع إلى العلم و السمع و البصر و هو الرقيب (1/122)
أسامي صفات الفعل ـ منها الخالق : و يختص باختراع الشيء و منها : البارئ و يختص باختراعه على الحسن و منها : المصور و يختص بأنواع التركيب و منها : الوهاب و يختص بكثرة العطية و استحالة ورود ما يحجز عنه و منها : الرزاق و يختص بعطية ما يقوت و يدفع التلف و منها : الفتاح و يختص بتسيير ما عسر و منها : القابض : و يختص بالسلب و منها : الباسط : و يختص بالتوسعة في المنح و منها : الخافض : و يختص بإذلال الجاحدين و منها : الرافع : و يختص بإعطاء المنازل و منها : المعز : و يختص بتحسين الأحوال و منها : المذل : و يختص بالحط و منها : الحكم : و يختص بفعل ما يريد و منها : العدل : و يختص بأن لا يقبح منه ما يفعل و منها : اللطيف : و يختص بدقائق الأفعال و منها : الحفيظ : و يختص بأن لا يشغله دفع عن دفع و منها : المقيت : و يختص بأن لا يشغله فعل بلية عن فعل بلية و منها : الحسيب : و يختص بأن لا يشغله موافقة عن موافقة الرقيب : و يختص بأن لا يشغله شأن عن شأن و منها : المجيب : و يختص بالبذل عند المسألة و منها : الواسع : و يختص بأن لا يتعذر عليه عطية و منها : الباعث : و يختص بالحشر و منها : الوكيل : و يختص بكفالة الخلق و منها : المبدئ : و يختص بابتداء التفضل و منها : المعيد و يختص بالإعادة و منها : المحيي و يختص بخلق الحياة و منها : المميت و يختص بخلق الموت و منها : القيوم و يختص بإدامة الخلق على الأوصاف و منها : الواجد و يختص بوجود ما يريد و منها : المقدم و يختص بتقديم ما يريد و منها : المقدم و يختص بتقديم ما يريد و منها : المؤخر و يختص بتأخر ما يريد و منها : الولي و يختص بحفظ أهل الولاية و منها : التواب و يختص بخلق توبة التائبين و منها : المنتقم و يختص بعقاب الناكثين و منها : المقسط و يختص بفعل العدل و منها : الجامع و يختص بجمع الخصوم و الانصاف و منها : الغني و يختص بإزالة النقائص و الحاجات و منها : النافع و يختص بخلق اللذات و منها : الهادي و يختص بفعل الطاعات و منها : المضل و يختص بخلق المعاصي يعني خلقها و منها : البديع و يختص باستحالة المشاركة له في الخلق و منها الرشيد و يختص بإصابة المقصود و منها : مالك الملك و يختص بالتبديل قال : و يمكن تأويل بعض هذه العبارات على أسامي الذات قال : و اعلم أن أسماء الله تعالى على ثلاثة أقسام : قسم منها للذات و قسم لصفات الذات و قسم لصفات الفعل فالقسم الأول الاسم و المسمى واحد و هو مثل قديم و شيء و إله و مالك و معنى قوله ( الاسم و المسمى ) أنه لا يثبت بالاسم زيادة صفة للمسمى بل هو اثبات للمسمى الثاني : الاسم صفة قائمة بالمسمى لا يقال إنها هي المسمى و لا يقال إنها غير المسمى و هو مثل العالم و القادر لأن الاسم هو العلم و القدرة القسم الثالث : و هو من صفات الفعل فالاسم فيه غير المسمى و هو مثل الخالق و الرزاق لأن الخلق و الرزق غيره فأما التسمية إذا كانت من المخلوق فهي فيها غير الاسم و المسمى و إذا كانت التسمية من الله عز و جل فإنها صفة قائمة بذاته و هي كلامه و لا يقال : إنها المسمى و لا غير المسمى و لا يقال إنها العلم و القدرة و ذهب بعض أصحابنا من أهل الحق في جميع أسماء الله عز و جل إلى أن الاسم و المسمى واحد قال : و الاسم في قولنا ( عالم ) و ( خالق ) لذات الباري التي لها صفات الذات مثل العلم و القدرة و صفات الفعل مثل الخلق و الرزق قال : و لا نقول لهذه الصفات إنها أسماء بل الاسم ذات الله الذي له هذه الصفات قال البيهقي رحمه الله و إلى هذا ذهب الحارث بن أسد المحاسبي فيما حكاه عنه الأستاذ أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك قال : و يصح ذلك عندي بما يشهد له اللسان بذلك ألا ترى إلى قوله عز و جل : { بغلام اسمه يحيى } فأخبر أن اسمه يحيى قال : يا يحيى فخاطب اسمه فعلم أن المخاطب يحيى و ليس اسمه و هو اسمه و اسمه هو و كذلك قال : { ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها } و أراد المسميات و لأنه لو كان غيره أو لا هو المسمى لكان للقائل إذا قال : عبدت الله ـ و الله اسمه ـ أن يكون عبد اسمه أما غيره و أما لا يقال : إنه هو و ذلك محال و قوله ( إن لله تسعة و تسعين اسما ) معناه تسميات العباد لله لأنه في نفسه واحد قال الشاعر : ( إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ) قال أبو عبيد : أراد ثم السلام عليكما لأن اسم السلام هو السلام و من أصحابنا من أجرى الأسماء مجرى الصفات و قد مضى الكلام فيها و المختار من هذه الأقاويل ما اختاره الشيخ أبو بكر بن فورك ـ رحمه الله تعالى ـ (1/123)
103 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل ـ : و سئل عن قوله { تبارك } ـ فقال ارتفع و علا (1/126)
فصل في الإشارة إلى أطراف الأدلة في معرفة الله عز و جل في حدث العالم ـ العالم عبارة عن كل شيء غير الله هو جملة الأجسام و الأعراض و جميع ذلك موجود عن عدم بإيجاد الله عز و جل و اختراعه إياه قال الله عز و جل : { و هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده } و سئل نبينا صلى الله عليه و سلم عن بدء هذا الأمر فقال : كان الله و لم يكن شيء غيره ـ ثم ذكر الخلق فإن قال قائل : فهل في العقل دليل على حدث الأجسام ؟ قيل : نعم و قد وجدنا الأجسام لا تنفك عن الحوادث المتعاقبة عليها كالاجتماع و الافتراق و السكون و الحركة و الألوان و المطعوم و الأرايح و ما لم ينفك من الحوادث و لم يسبقها محدث مثلها و إن قال : و هل فيه دليل على حدث الأعراض ؟ قيل : نعم قد وجدناها تتضاد في الوجود و لا يصح وجود جميعها معا في محل فثبت أن بعضها يبطل ببعض و ما يجوز عليه البطلان لا يكون إلا حادثا لأن القديم لم يزل و لا يصح عليه العدم فإن قال : فهل فيه دليل على أن الحوادث لا بد لها من محدث ؟ قيل : نعم حقيقة المحدث ما وجد عن عدم و لولا أن موجودا أوجده لم يكن وجوده أولى من عدمه و إنه يتقدم بعضها على بعض فلولا أن مقدما قدم ما تقدم منه لم يكن حدوثه متقدما أولى من حدوثه متأخرا و كذلك وجود بعضه على بعض الهيئات المخصوصة يدل على جاعل خصه بذلك لولاه لم يكن بعض الهيئات بأولى من بعض و لأنا نشاهد الأجسام يتنقل أسبابها و يتبدل أحوالها فلولا أن منقلا نقلها لم يكن انتقالها أولى من بقائها و في ذلك دليل على أن تعلقها بمن نقلها و حاجتها إلى من غيرها أنها مصنوعة و أن لها صانعا غيرها و نحن نصوره في الإنسان الذي هو في غاية الكمال و التمام فإنه كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما و لحما و دما و قد علمنا أنه لم ينقل نفسه من حال إلى حال لأنا نراه في حال كمال قوته و تمام عقله لا يقدر على أن يحدث لنفسه سمعا و لا بصرا و لا أن يخلق لنفسه جارحة فدل ذلك على أنه قبل تكامله و اجتماع قوته عن ذلك اعجز و قد رأيناه طفلا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا و قد علمنا أنه لم ينقل نفسه من حال إلى حال ( فدل على أن ناقلا نقله من حال إلى حال ) و دبره على ما هو عليه و مما يبين ذلك أن القطن لا يجوز أن يتحول غزلا مفتولا ثم ثوبا منسوجا من غير صانع و لا مدبر و الطين و الماء لا يجوز أن يصيرا بناء مشيدا من غير بان و كما لا يجوز صانع لا صنع له لا يجوز صنع لا من صانع و قد نبهنا الله تعالى في غير موضع من كتابه العزيز على ما ذكرناه من العبر فقال عز و جل : { ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون * ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون * ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين * ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون * ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون * ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون } و إن قال قائل : و من لكم بأن أثر الصنع موجود في السماوات و الأرض ؟ قال الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ قيل له إن السماء جسم محدود متناه و المحدود المتناهي لا يجوز أن يكون قديما لأن القديم هو الموجود الذي لا سبب لوجوده و ما لا سبب لوجوده فلا جائز أن يكون له نهاية لأنه لا يكون وجوده إلى تلك النهاية أولى به من وجوده دونها أو وراءها و لأن المتناهي لا يكون خالص الوجود لأنه إلى نهايته يكون موجودا ثم يكون وراء نهايته معدوما و القديم لا يعدم فصح أن المتناهي لا يجوز أن يكون قديما و السماء متناهية فثبت أنها ليست بقديم فإن قيل : و ما الدليل على أنها متناهية ؟ قيل : الدليل على أنها متناهية عيانا من الجهة التي تلينا فدل ذلك على أنها متناهية من الجهات التي نراها و لا نشاهدها لأن تناهيها من هذه الجهة قد أوجب أن لا يكون ما يلينا منها قديما موجودا إلا لسبب فصح أن ما لا يلينا منها فهي كذلك أيضا لأنه لا يجوز أن يكون شيء واحد بعضه قديم و بعضه غير قديم و أيضا فإن السماء جسم ذو أجزاء و كل جزء منه محدود متناه فدل ذلك على أن جميعها محدود متناه ثم ساق الكلام إلى أن قال ـ و ما قلته في السماء فهو في الأرض مثله و أبين لأن أجزاء الأرض تقبل في العيان أنواعا من الاستحالة و كذلك الماء و الهواء لأن أجزاء كل واحد من هذه الأشياء يجتمع مرة و يتفرق أخرى و ينتقل من حال إلى حال فصار حكمها حكم غيرها من الأجسام التي ذكرنا في الحاجة إلى مغير غيرها و ناقل نقلها و هو الواحد القهار قال البيهقي ـ رحمه الله ـ فإن قال قائل : و هل في العقل دليل على أن محدثها واحد ؟ قيل : نعم و هو استغناء الجميع في حدوثه بمحدث واحد و الزيادة عليه لا ينفصل منها عدد من عدد و لأنه لو كان للعالم صانعان لكان لا يجري تدبيرهما على نظم و دلا على أحكام كما قال الله عز و جل : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله } و لكان العجز يلحقهما أو أحدهما و ذلك أنه لو أراد أحدهما أحياء جسم و أراد الآخر إماتته كان لا يخلو من أن يتم مرادهما و هذا مستحيل أو لا يتم مرادهما أو مراد أحدهما دون صاحبه و من لم يتم مراده كان عاجزا و العاجز لا يكون الها قديما و عبارة أخرى و هي أن حال الاثنين لا يخلو من صحة المخالفة أو تعذر المنازعة فإن صحت المخالفة أو تعذرت المنازعة بأن صحت المخالفة كان الممنوع من المراد موصوفا بالقهر و أن تعذرت المنازعة كان كل واحد منهما موصوفا بالنقص و العجز و ذلك يمنع من التثنية و قد دعانا الله عز و جل إلى توحيده في غير موضع من كتابه بما أرانا من الآيات و أوضح لنا من الدلالات فقال عز من قائل : { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } قرأها إلى قوله ـ { لآيات لقوم يعقلون } إلى سائر ما ورد في الكتاب من الدلالات على صنعه و توحيده (1/126)
104 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس الأصم ثنا أحمد بن الفضل الصائغ ثنا آدم ثنا أبو جعفر الرازي ثنا سعيد بن مسروق عن أبي الضحى : ـ { و إلهكم إله واحد } لما نزلت هذه الآية عجب المشركون و قالوا أن محمدا يقول : و إلهكم إله واحد فليأتنا بآية إن كان من الصادقين فأنزل الله عز و جل : { إن في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النهار } الآية
يقول : إن في هذه الآيات { لآيات لقوم يعقلون } (1/130)
105 - حدثنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن يوسف الدقيقي قال : وجدت في كتابي للشافعي رحمه الله :
( فيا عجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده جاحد )
( و لله في كل تحريكة و تسكينة أبدا شاهد )
( في كل شيء له آية تدل على أنه واحد )
و يقال أن هذه الأبيات لأبي العتاهية (1/130)
106 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا الحسين عبد الواحد بن أبي عبد الرحمن ـ ناقله أبي القاسم المذكور ـ يقول حكى جدي في كتبه عن شيوخه : أن أبا العتاهية إسماعيل بن القاسم جاء إلى دكان سقيفة الوراق فجلس و تحدث ثم ضرب بيده فكتب في ظهره :
( فيا عجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد )
( و لله في كل تحريكة و تسكينة أبدا شاهد )
( و في كل شيء له آية تدل على أنه واحد )
ثم ألقاه و نهض فلما كان الغد أو بعد ذلك جاء أبو نواس فجلس و تحدث و ضرب بيده إلى ذلك الدفتر فقال :
أحسن قاتله الله ! و الله لوددته لي بجميع ما قلته لمن هي ؟
قلنا : لأبي العتاهية
فقال : هو أحق به
ثم أخذ أبو نواس الدفتر فكتب :
( سبحان من خلق الخلق من ضعيف مهين )
( يسوقه من قرار إلى قرار مكين )
( يحوز شيئا فشيئا في الحجب دون العيون )
( حتى بدت حركات مخلوقة من سكون )
فلما عاد أبو العتاهية نظر فيه فقال : أحسن قاتله الله ! و الله لوددت أنها لي بجميع ما قلت و ما أقول لمن هي ؟
فقلنا لأبي نواس
فقال : الشيطان ثم كتب أبو العتاهية :
( فإن أك حالكا فالمسك أحوى و ما لسواد جلدي من بقاء )
( و لكني عن الفحشاء ناء كبعد الأرض عن جو السماء ) (1/131)
107 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو جعفر بن صالح بن هاني ثنا السري بن خزيمة ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : في قوله تعالى : { و لقد خلقناكم ثم صورناكم }
قال : خلقوا في أصلاب الرجال ثم صوروا في أرحام النساء (1/132)
108 - حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان أنبأ عبد الله بن محمد بن علي بن زياد الدقيقي ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المديني ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أنبأ بقية بن الوليد ثنا بحير بن سعيد عن خالد بن معدان قال : قال أبو ذر رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قد أفلح من أخلص الله قلبه للإيمان و جعل قلبه سليما و لسانه صادقا و نفسه مطمئنة و خليقته مستقيمة و جعل أذنه مستمعة و عينه ناظرة فأما الأذن فقمع و أما العين فمقرة لما يوعى القلب و قد أفلح من جعل الله قلبه واعيا (1/132)
109 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : القلب ملك و له جنود فإذا صلح الملك صلحت جنوده و إذا فسد الملك فسدت جنوده و الأذنان قمع و العينان مسلحة و اللسان ترجمان و اليدان جناحان و الرجلان بريد و الكبد رحمة و الطحال ضحك و الكليتان مكر و الرية نفس
قال البيهقي رحمه الله :
هكذا جاء موقوفا و معناه في القلب جاء في حديث النعمان بن بشير مرفوعا
و قد رواه عبد الله بن المبارك عن معمر بإسناده و قال رفعه (1/132)
110 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو سعيد أحمد بن النسوي ثنا إسماعيل بن إبراهيم النيسابوري قال سئل الحسن بن عيسى عن حديث ابن المبارك فقال حدثني أبو الأسود ثنا عبد الله ثنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة رفعه : فذكره
و رواه أيضا الحكم بن فضيل عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا (1/133)
111 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار ثنا عباس بن محمد ثنا عبيد الله بن موسى ثنا سفيان عن ابن جريج عن محمد بن المرتفع عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما : ـ { وفي أنفسكم أفلا تبصرون }
قال : سبيل الخلاء و البول (1/134)
112 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأ أبو جعفر الرزاز أنبأ أحمد بن الوليد الفحام ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن ابن الزبير : ـ { و في أنفسكم أفلا تبصرون }
قال : سبيل الخلاء و البول كذا قال : (1/134)
113 - و أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنبأ أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر ثنا السري بن خزيمة الأبيوردي ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن ابن جريج عن محمد بن المرتفع عن ابن الزبير : فذكره (1/134)
114 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق حدثني محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله الأديب ثنا محمود بن محمد ثنا عبد الله بن الهيثم ثنا الأصمعي قال سمعت ابن السماك يقول لرجل : تبارك من خلقك فجعلك تبصر بشحم و تسمع بعظم و تتكلم بلحم (1/134)
115 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا ثنا أبو العباس الأصم ثنا أبو أمية ثنا أبو عاصم ثنا صالح الناجي عن ابن شهاب في قوله تعالى : ـ { يزيد في الخلق ما يشاء }
قال : حسن الصوت (1/134)
116 - قال و حدثنا أبو أمية الطرسوسي حدثنا محمد بن سليمان البصري ثنا إبراهيم بن الجنيد عن عمر بن حفص العسقلاني عن خليد بن دعلج عن قتادة في قوله : يزيد في الخلق ما يشاء
قال : الملاحة في العينين (1/134)
117 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبا الحسن بن محمد بن إسحاق قال سمعت أبا عثمان الخياط يقول ثنا ذو النون بن إبراهيم المصري قال : إن لله عز و جل خلق القلوب أوعية للعلم و لولا أن الله سبحانه و بحمده أنطق اللسان بالبيان و افتتحه بالكلام ما كان الإنسان إلا بمنزلة البهيمة يومئ بالرأس و يشير باليد (1/135)
118 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا سعدان بن نصر ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال : تفكر ساعة خير من قيام ليلة (1/135)
119 - و أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبا إسماعيل بن محمد الصفار قال ثنا سعدان بن نصر ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد : قيل لأم الدرداء : ما كان أفضل أعمال أبي الدرداء ؟ قالت : التفكر (1/136)
120 - أخبرنا حمزة بن عبد العزيز أنبا أبو الفضل عبدوس بن الحسين بن منصور حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي حدثنا محمد بن حاتم الزمي المؤدب أنبا علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن سالم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
تفكروا في آلاء الله يعني عظمته ـ و لا تفكروا في الله
هذا إسناد فيه نظر (1/136)
121 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبا علي بن محمد المروزي ثنا محمد بن إبراهيم الرازي ثنا يحيى بن معاذ قال : جملة التوحيد في كلمة واحدة و هي أن تتصور في وهمك شيئا إلا و اعتقدت أن الله عز و جل هو مالكه من جميع الجهات
قال البيهقي رحمه الله تعالى :
فإن قال قائل : و ايش الدليل على أنه سبحانه موجود ؟
قيل : قد بينا أنه أوجد العالم و أحدثه و الفعل لا يصح وقوعه إلا من ذوي قدرة و القدرة لا تقوم بنفسها فوجب أنها تقوم بقادر موجود
و لأن استحالة وقوع الفعل من معدم كاستحالة وقوعه لا من فاعل فلما استحال فعل لا من فاعل استحال فعل من معدوم وفي ذلك دليل علة وجوده فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه سبحانه قديم لم يزل
قيل : قد ثبت أنه موجود ولو كان محدثا لتعلق بغيره إلى نهاية و الموجود لا ينفك من أن يكون قديما أو محدثا فلما فسد كونه محدثا ثبت أنه قديم
و إن شئت قلت : قد بينا احتياج المحدثات إلى مقدم يقدم ما تقدم منها و مؤخر يؤخر ما تأخر منها و مخصص يخصص بعضها ببعض الهيئات دون بعض فلو كان الذي يفعل ذلك بها مشاركا لها في الحدوث لشاركها في الحاجة إلى المقدم المؤخر المخصص و لو كان بهذا الوصف لاقتضى كل محدثا قبله و يستحيل وجود محدثات واحد قبل واحد لا إلى أول لاستحالة الجمع بين الحدوث و نفي الابتداء فثبت أنه قديم لم يزل
فإن قال قائل : فما الدليل على أنه ليس بجسم و لا جوهر و لا عرض ؟ قيل : لأنه لو كان جسما لكان مؤلفا و المؤلف شيئان و هو سبحانه شيء واحد لا يحتمل التأليف
و ليس بجوهر لأن الجوهر هو الحامل للأعراض المقابل للمتضادات و لو كان كذلك لكان ذلك دليلا على حدوثه و هو سبحانه تعالى قديك لم يزل
و ليس يعرض لأن العرض لا يصح بقاؤه و لا يقوم بنفسه ـ و هو ـ سبحانه قائم بنفسه لم يزل موجودا و لا يصح عدمه
فإن قال قائل : فإذا كان القديم سبحانه شيئا لا كالأشياء ما انكرتم أن يكون جسما لا كالأجسام ؟
قيل له : لو لزم ذلك للزم أن يكون صورة لا كالصور و جسدا لا كالأجساد و جوهرا لا كالجواهر : فلما لم يلزم ذلك لم يلزم هذا
و بعد : فإن الشيء سمة لكل موجود و قد سمى الله ـ سبحانه
نفسه شيئا قال الله عز و جل :
{ قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم }
و لم يسم نفسه جسما و لا سماه به رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا اتفق المسلمون عليه و نحن فلا نسمي الله عز و جل باسم لم يسم هو به نفسه و لا رسوله و لا اتفق المسلمون عليه قال الله عز و جل :
{ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون }
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه لا يشبه المصنوعات و لا يتصور في الوهم ؟
قيل : لأنه لو أشبهها لجاز عليه جميع ما يجوز على المصنوعات من سمات النقص و إمارات الحدث و الحاجة إلى محدث غيره و ذلك يقتضي نفيه فوجب أنه كما وصف نفسه :
{ ليس كمثله شيء و هو السميع البصير }
و لأنا نجد كل صنعة فيما بيننا لا تشبه صانعها كالكتابة لا تشبه الكاتب و البناء لا يشبه الباني فدل ما ظهر لنا من ذلك على ما غاب عنا و علمنا أن صنعة الباري لا تشبهه
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه قائم بنفسه مستغن عن غيره ؟
قيل : لأن خالق هذا الوصف يوجب حاجته إلى غيره و الحاجة دليل الحدث لأنها تكون إلى وقت ثم تبطل بحدوث ضدها و ما جاز دخول الحوادث عليه كان محدثا مثلها و قد قامت الدلالة على قدمه
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه حي عالم قادر
قيل : ظهور فعله دليل على حياته و قدرته و عمله لأن ذلك لا يصح وقوعه من ميت و لا عاجز و لا جاهل به و إذا وقع في شيء لم يصح وقوعه من ميت و لا عاجز و لا جاهل دل ذلك على أنه بخلاف وصف من لا يتأتى ذلك منه و لا يكون بخلاف ذلك إلا و هو حي قادر عالم
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه مريد ؟
قيل : لأنه حي عالم ليس بمكره و لا مغلوب و لا به آفة تمنعه من ذلك و كل حي خلا مما يضاد العلم و لم يكن به آفة تخرجه من الإرادة كان مريدا مختارا قاصدا
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه سميع بصير ؟
قيل : لأنه حي و يستحيل وجود حي يتعرى عن الوصف بما يدرك المسموع و المرئي أو بالآفة المانعة منه و يستحيل تخصيصه من أحد هذين الوصفين بالآفة لأنها منع و المنع يقتضي مانعا و ممنوعا و من كان ممنوعا كان مغلوبا و ذلك صفة الحدث و الباري قديم لم يزل و هو سميع بصير لم يزل و لا يزال
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه متكلم ؟
قيل : لأنه حي ليس بساكت و لا به آفة تمنعه من الكلام و كل حي كان كذلك كان متكلما
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه لم يزل حيا قادرا عالما مريدا سميعا بصيرا متكلما ؟
قيل : لأنه لو لم يكن كذلك لكان موصوفا بأضدادها من موت أو عجز أو آفة و لو كان كذلك لاستحال أن يقع منه فعل و في صحة الفعل منه دليل على أنه لم يزل كذلك و لا يزال كذلك
فإن قال قائل : و ما الدليل على أنه حي قادر عالم مريد سميع بصير متكلم له الحياة والقدرة و العلم و الإرادة و السمع و البصر و الكلام ؟
قيل : لأنه يستحيل إثبات موجود بهذه الأوصاف مع نفي هذه الصفات عنه و حين لزم إثباته بهذه الأوصاف لزم إثبات هذه الصفات له
قال الله عز و جل :
{ و لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء }
و قال تعالى :
{ وسع كل شيء علما }
و قال : { و أن الله قد أحاط بكل شيء علما }
أي علمه قد أحاط بالمعلومات كلها ـ إلى سائر الآيات التي وردت في هذا المعنى و قال :
{ إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين }
فأثبت القوة لنفسه و هي القدرة و أثبت العلم فدل أنه عالم بعلم قادر بقدرة و لأنه لو جاز عالم لا علم له لجاز علم لا عالم به كما أنه لو جاز فاعل لا فعل له لجاز فعل لا لفاعل فلما استحال فاعل لا فعل له كما استحال فعل لا فاعل له كذلك يستحيل عالم لا علم لا لعالم
و لأن العلم لو لم يكن شرطا في كون العالم عالما لم يضر عدمه في كل عالم حتى يصح كل عالم أن يكون عالما مع عدم العلم و حين كان شرطا في كون بعضهم عالما وجب ذلك في كل عالم لامتناع اختلاف الحقائق من الموصوفين
و لأن إحكام الفعل يمتنع مع عدم العلم منا به كما يمتنع مع كوننا غير عالمين به فكما وجب استواء جميع المحكمين في كونهم علماء كذلك يجب استواءهم في كون العلم لهم لاستحالة وقوعه من غير ذي علم به منا كاستحالة وقوعه من غير عالم به منا
و لأن حقيقة العلم ما يعلم به العالم و بعدمه يخرج عن كونه عالما فلو كان القديم عالما بنفسه كانت نفسه علما له و لا يجوز أن يكون العالم في معنى العلم فإن عارضوا ما ذكرناه من الآيات بقول الله عز و جل :
{ و فوق كل ذي علم عليم }
قلنا : لسنا نقول إن الله ذو علم على التنكير و إنما نقول أنه ذو العلم على التعريف كما نقول أنه ذو الجلال و الإكرام على التعريف و لا نقول أنه ذو جلال و إكرام على التنكير
فمعنى الآية إذا و فوق كل ذي علم محدث من هو أعلم منه
فإن قالوا : فيقولون إن علمه قديم و هو قديم
قيل : من أصحابنا من لا يقول ذلك مع إثباته له أزليا و منهم من يقول ذلك و لا يجب به الاشتباه لأن القديم هو المتقدم في وجوده بشرط المبالغة و المتقدم في الوجود هو الوجود و الوجود لا يوجب الاشتباه عند أحد فكذلك المتقدم في الوجود لا يوجب الاشتباه و لأن القدم وصف مشترك يقال شيخ قديم و بناء قديم و بناء قديم و عرجون قديم
فالاشتباه لا يقع بالاشتراك في الوصف المشترك
و لأنه لو كان الاشتباه يقع بالاشتراك في القدم لكان يقع بالاشتراك في الحدث فلما لم يقع بالاشتراك في الحدث لم يقع بالاشتراك في القدم
و لأن عندنا حقيقة المشتبهين هم الغيران اللذان يجوز على أحدهما جميع ما يجوز على صاحبه و ينوب منابه و صفات الله تعالى ليست باغيار له
فإن قالوا : لو كان له علم لم يخل من أن يكون هو أو غيره أو بعضه ؟
قيل : هذه دعوى بل ما ينكر من علم لا يجوز أن يقال هو هو لاستحالة أن يكون العلم عالما و لا يجوز أن يقال غيره لاستحالة مفارقته له و معنى الغيرين ما لا يستحيل مفارقة أحدهما لصاحبه بوجه
و لا يجوز أن يقال بعضه إذ ليس الموصوف به متبعضا
فإن قال : لو كان له علم لكان عرضا مكتسبا أو مضطرا إليه و كان اعتقادا من جنس علومنا لأن ذلك حكم العلم المعقود
قيل : ليس الأمر كذلك لأن العلم لم يكن العلم لم يكن علما لأنه عرض أو بصفة مما ذكرتكم و إنما كان علما لأن العلم به يعلم ثم يضطر فإن كان العلم محدثا كان علمه عرضا مكتسبا أو مضطرا إليه
و إن لم يكن محدثا لم يصح و صفه بما يوجب الحدث و لما وجب أن يكون عالما غير معتقد و لا مكتسب و لا مضطر و جب أن يكون له علم لا يصح وصفه بشيء مما ذكرتكم
فإن قالوا : لو كان عالما بعلم لكان محتاجا إلى عمله
قيل : لا يجوز عليه الحاجة لأنه غني ليس علمه و لا سائر صفاته الذاتية أغيارا له و لا ابعاضا حتى يصح وصفة بالحاجة إلى غيره أو إلى بعضه
فإن قالوا : فيقولون إن علمه علم بكل ما يصح أن يعلم
قيل : كذلك نقول و لذلك وصف الله تعالى علمه فقال :
{ لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما }
و أما غير الله عز و جل فإن لا يصح أن يكون عالما بكل معلوم فلم يصح أن يكون له علم بذلك فالله سبحانه و تعالى يجب كونه عالما بكل معلوم فكذلك يجب أن يكون عمله علما بكل ما يصح أن يعلم
و الكلام في سائر الصفات الذاتية كالكلام في العلم و لا يجوز في شيء من ذلك أن يقال إنه يجاوره لأن المجاورة تقتضي الممارسة أو المقاربة في المكان و ذلك صفة الأجسام التي هي محل الحوادث و لا يقال إنها تحله لأن الحلول يقتضي المجاورة و قد قامت الدلالة على بطلانها و لا يقال إنها تخالفة أو تفارقه لأن المفارقة و المخالفة فرع للغيرية و التغاير بينه و بين صفاته محال
و لا يقال إنه ملكه لأن ما يملك يصح أن يفعل و صفاته أزلية لا يصح أن تفعل و لا يقال في صفات ذاته إنها في أنفسها مختلفة و لا متففة لأنها ليست بمتغايرة
و لا يقال إنها مع الله أو في الله بل هي مختصة بذاته قائمة به لم يزل موصوفا بها و لا يزال هو موصوفا بها
و لله تعالى صفات خبرية منها الوجه و اليد
طريق إثباتها و رود خبر الصادق بها فنثبتها و لا نكيفها
و أما صفات الفعل كالخلق و الرزق فإنها أغيار و هي فيما لا يزال و لا يصح وصفه بها في الأزل
و أبى المحققون من أصحابنا أو يقولوا في الله جل ثناؤه أنه لم يزل خالقا و رازقا و لكن يقولون خالقنا لم يزل و رازقنا لم يزل قادرا على الخلق و الرزق لأنه لم يخلق في الأزل ثم خلق و إذا سمي خالقا بعد وجود الخلق لم يوجب ذلك تغيرا في ذاته كما أن الرجل إذا سمي أبا بعد أن لم يسم أبا لم يوجب ذلك تغيرا في نفسه
و من أصحابنا من قال : يجوز القول لم يزل خالقا رازقا على معنى أنه سيخلق و سيرزق و بالله التوفيق (1/136)
122 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أبو الحسن الطرائفي ثنا عثمان بن سعيد الدرامي ثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله : ـ { هل تعلم له سميا }
هل تعلم للرب عز و جل مثلا أو شبها (1/143)
123 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبا أبو العباس محمد بن يعقوب ح و أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ثنا علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن ماتي قالا ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري حدثنا خالد بن يزيد ثنا اسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز و جل : ـ { هل تعلم له سميا }
قال : ليس أحد يسمى الرحمن غيره (1/143)
الثاني من شعب الإيمان و هو باب في الإيمان يرسل الله صلوات الله عليهم عامة ـ اعتقادا و إقرارا إلا أن الإيمان بمن عدا نبينا صلى الله عليه و سلم هو الإيمان بأنهم كانوا مرسلين إلى الذين ذكروا لهم أنهم رسل الله إليهم و كانوا في ذلك صادقين محقين و الإيمان بالمصطفي نبينا صلى الله عليه و سلم هو التصديق بأنه نبيه و رسوله إلى الذين بعث فيهم و إلى من بعدهم من الجن و الإنس إلى قيام الساعة قال الله تعالى : { آمنوا بالله ورسوله } فقرن الإيمان برسوله الإيمان به و قال : { والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله } و قال : { إن الذين يكفرون بالله و رسله و يريدون أن يفرقوا بين الله و رسله } الآية إلى آخرها و في هذه الآية أن الله عز و جل جعل الكفر ببعض رسله كفرا بجميعهم ثم جعل الكفر بجميعهم كفرا به و قال بعد ذلك : { و الذين آمنوا بالله ورسله } الآية فثبت أن حسن المآب إنما يكون لمن لم يفرق بين رسل الله عز و جل و آمن بجماعتهم وقد روينا في حديث ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم حين سئل عن الإيمان فقال : أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و تؤمن بالقدر كله خيره وشره (1/145)
124 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز ثنا عيسى بن عبد الله الطيالسي ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا كهمس بن الحسن قال سمعت عبد الله بن بريدة يحدث عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما : بذلك
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث كهمس (1/146)
125 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي ثنا أمية بن بسطام ثنا يزيد بن زريع ثنا روح بن القاسم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و يؤمنوا بي و بما جئت به فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله عز و جل رواه مسلم في الصحيح عن أمية بن بسطام (1/146)
126 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه ثنا عبد الله بن محمد بن الليث ثنا إسحاق بن منصور ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه و سلم ـ و معاذ بن جبل رديفه على الرحل ـ فقال :
يا معاذ قال : لبيك يا رسول الله و سعديك !
قال : ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله و إن محمدا عبده و رسوله إلا حرمه الله على النار
قال : يا رسول الله ! أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا ؟
قال : إذا يتكلوا
قال فأخبر بها معاذ عند موته تأثما
رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن منصور (1/146)
127 - أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي ببغداد ثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ثنا عبد الله بن روح المدائني ثنا عثمان بن عمر بن فارس ثنا شعبة عن قتادة قال : سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يحدث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه و أن محمدا رسول الله دخل الجنة (1/147)
128 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس بن يعقوب ثنا أبو قلابة ح ـ و أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ثنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف القاضي ثنا عبد الملك بن محمد ـ يعني أبا قلابة ـ ثنا قريش بن أنس ثنا حبيب بن الشهيد عن حميد بن هلال عن هصان بن كاهل عن عبد الرحمن بن سمرة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
من مات يشهد أن لا إله إلا الله و أني رسول الله يرجع ذلك إلى قلب موقن دخل الجنة (1/147)
129 - و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثنا إبراهيم بن عبد الله السعدي ثنا قريش بن أنس : فذكره بإسناده نحوه
غير أنه قال عن عبد الرحمن بن سمرة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم (1/148)
130 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا وكيع عن المسعودي قال أنبأني أبو عمر الدمشقي عن عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر : قال : قلت يا رسول الله ! كم المرسلون ؟
قال : ثلاثمائة و بضع عشر جما غفيرا
قال : قلت آدم نبي كان ؟
قال : نعم نبي مكلم (1/148)
131 - قال و حدثنا وكيع عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
صلوا على أنبياء الله و رسله فإن الله بعثهم كما بعثني
و روى يحيى بن سعيد البصري ـ و هو ضعيف ـ عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير الليثي عن أبي ذر رضي الله عنه :
قال : قلت :
يا رسول الله ! كم النبيون ؟
قال : مائة ألف نبي و أربعة و عشرون ألف نبي
قال : قلت :
كم المرسلون منهم ؟
قال : ثلاثمائة و ثلاثة عشر (1/148)
132 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو الحسن علي بن الفضل السامري ببغداد ثنا الحسن بن عرفة ثنا يحيى بن سعيد البصري : فذكره
و روي ذلك من وجه آخر غير قوي عن أبي ذر (1/149)
133 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو زكريا العنبري ثنا محمد بن عبد السلام ثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأ عمرو بن محمد ثنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس : في قوله عز و جل :
{ و اذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا }
قال : كان الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح و صالح و هود و لوط و شعيب و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و محمد صلى الله عليه و سلم
و لم يكن من الأنبياء من له اسمان إلا إسرائيل و عيسى فإسرائيل يعقوب و عيسى : المسيح
قال البيهقي ـ رحمه الله ـ
و الإيمان برسول الله صلى الله عليه و سلم يتضمن الإيمان له و هو قبول ما جاء به من عند الله عنه و العزم على العمل به لأن تصديقه في أنه رسول الله إلزام لطاعته و هو راجع إلى الإيمان بالله و الإيمان له لأنه من تصديق الرسل و في طاعة الرسول طاعة المرسل لأنه بأمره أطاعه
قال الله تعالى :
{ من يطع الرسول فقد أطاع الله }
قال : و النبوة اسم مشتق من النبأ و هو الخبر إلا أن المراد
به في هذا الموضع خبر خاص و هو الذي يكرم الله عز و جل به أحدا من عباده فيميزه عن غيره بإلقائه إليه و يوقفه به على شريعته بما فيها من أمر و نهي و وعظ و إرشاد و وعد و وعيد فتكون النبوة على هذا الخبر و المعرفة بالمخبرات الموصوفة فالنبي صلى الله عليه و سلم هو المخبر بها فإن انضاف إلى هذا التوقيف أمر بتبليغه الناس و دعائهم إليه كان نبيا و رسولا
و إن ألقي إليه ليعمل به في خاصته و لم يؤمر بتبليغه و الدعاء إليه كان نبيا و لم يكن رسولا فكل رسول نبي و ليس كل نبي رسولا
قال : و قد أرشد الله تعالى إلى أعلام النبوة في القرآن كما أرشد إلى آيات الحدث الدالة على الخالق و الخلق فقال عز اسمه :
{ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط }
و قال : { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل }
و قال : { ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى }
فأخبر تعالى أنه بعث الرسل لقطع حجة العباد
و قيل في ذلك وجوه :
أحدها : أن الحجة التي قطعت على العباد هي أن يقولوا أن الله جل ثناؤه إن كان خلقنا لنعبده فقد كان ينبغي أن يبين لنا العبادة التي يريدها منا و يرضاها لنا ما هي ؟ و كيف هي
فإنه و إن كان في عقولنا الاستجداء له و الشكر على نعمه التي أنعمها علينا فلم يكن فيها أن التذلل و العبودية منا بماذا ينبغي أن تكون و على أي وجه ينبغي أن تظهر فقطعت حجتهم بأن أمروا و نهوا و شرعت لهم الشرائع و نهجت لهم المناهج فعرفوا ما يراد منهم و زالت الشبهة عنهم
و الآخر : أن الحجة التي قطعت هي ألا يقولوا إنا ركبنا تركيب شهوة و غفلة و سلط علينا الهوى و وضعت فينا الشهوات فلو أمددنا بمن إذا سهونا نبهنا و إذا مال بنا الهوى إلى وجه قومنا لما كان منا إلا الطاعة و لكن لما خلينا و نفوسنا و وكلنا إليها و كانت أحوالنا ما ذكرنا غلبت الأهواء علينا و لم نملك قهرها و كانت المعاصي منا لذلك
و الثالث : أن الحجة التي قطعت هي أن لا يقولوا قد كان في عقولنا حسن الإيمان و الصدق و العدل و شكر المنعم و قبح الكذب و الكفر و الظلم و لكن لم يكن فيها أن من ترك الحسن إلى القبيح عذب بالنار خالدا مخلدا فيها و أن من ترك القبيح إلى الحسن أثيب بالجنة خالدا مخلدا فيها لأنه إذا كان لا يدرك بالعقل أن لله جل جلاله خلقا هو الجنة أو خلقا هو النار الغائبة
فكيف يدرك أن أحدهما معد للعصاة و الآخر لأهل طاعته
و لو علمنا أنا نعذب على معاص و ذنوب متناهية عذابا متناهيا أو غير متناه أو نثاب بالطاعات المتناهية ثوابا غير متناه لما كان منا إلا الطاعة فقطع الله تبارك و تعالى هذه الحجج كلها ببعثة الرسل و بالله التوفيق
ثم إن الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ احتج في صحة بعث الرسل بما عرف من بروج الكواكب و عددها و سيرها ثم بما في الأرض مما يكون قوتا و ما يكون دواء لداء بعينه و ما يكون سما و ما يختص بدفع ضرر السم و ما يختص بجبر الكسر و غير ذلك من المنافع و المضار التي لا تدرك إلا بخير
ثم بوجود الكلام من الناس فإن من ولد أصم لم ينطق أبدا و من سمع لغة و نشأ عليها تكلم بها فبان بهذا أن أصل الكلام سمع و أن أول من تكلم من البشر تكلم عن تعليم و وحي كما قال الله عز و جل :
{ وعلم آدم الأسماء كلها }
و قال تعالى :
{ خلق الإنسان * علمه البيان }
ثم إن كل رسول أرسله الله تعالى إلى قوم فلم يخله من آية أيده بها و حجة آتاها إياه و جعل تلك الآية مخالفة للعادات إذ كان ما يريد الرسول إثباته بها من رسالة الله عز و جل أمرا خارجا عن العادات ليستدل باقتران تلك الآية بدعواه أنه رسول الله
و بسط الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ الكلام في ذلك إلى أن قال : و الكذب على الله تعالى و الافتراء عليه بدعوى الرسالة من عنده من أعظم الجنايات فلا يليق بحكمة الله تعالى أن يظهر على من تعاطى ذلك آية ناقضة للعادات فيفتتن العباد به و قد تبرأ الله عز و جل من هذا الصنيع نصا في كتابه فقال يعني نبيه صلى الله عليه و سلم :
{ ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين }
قال : و كل آية آتاها الله رسولا فإنه يقرر بها عند الرسول أولا أنه رسوله حقا ثم عند غيره و قد يجوز أن يخصه بآية يعلم بها نبوة نفسه ثم يجعل له على قومه دلالة سواها
و معجزات الرسل كانت أصنافا كثيرة و قد أخبر الله عز و جل أنه أعطى موسى عليه أفضل الصلاة و السلام تسع آيات بينات : العصا و اليد و الدم و الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الطمس و البحر
فأما العصا فكانت حجته على الملحدين و السحرة جميعا و كان السحر في ذلك الوقت فاشيا فلما انقلبت عصاه حية تسعى و تلقفت حبال السحرة و عصيهم علموا أن حركتها عن حياة حادثة فيها بالحقيقة و ليست من جنس ما يتخيل بالحيل فجمع ذلك الدلالة على الصانع و على نبوته جميعا
و أما سائر الآيات التي لم يحتج إليها مع السحرة فكانت دلالات على فرعون و قومه القائلين بالدهر فأظهر الله تعالى صحة ما أخبرهم به موسى عليه أفضل الصلاة و السلام من أن له و لهم ربا و خالقا
و ألان الله عز و جل الحديد لداود و سخر له الجبال و الطير و كانت تسبح معه بالعشي و الإشراق
و أقدر عيسى بن مريم عليه أفضل الصلاة و السلام على الكلام في المهد و كان يتكلم فيه كلام الحكماء و كان يحيي له الموتى و يبرئ ـ بدعائه أو بيده إذا مسح الأكمه و الأبرص و جعل له أن يخرج من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ثم أنه رفعه من بين اليهود لما أن أرادوا قتله و صلبه فعصمه الله تعالى بذلك من أن يخلص ألم القتل و الصلب إلى بدنه و كان الطب عاما غالبا في زمانه فأظهر الله تعالى بما أجراه على يديه و عجز الحذاق من الأطباء عما هو أقل من ذلك بدرجات كثيرة أن التعويل على الطبائع و إمكان ما خرج عنها باطل بأن للعالم خالقا و مدبرا و دل بإظهاره ذلك له و بدعائه على صدقه و بالله التوفيق
و أما المصطفى نبينا صلى الله عليه و سلم خاتم النبيين صلوات الله عليهم و عليه و على آله الطيبين و صحبه أجمعين فإنه أكثر الرسل آيات بينات و ذكر بعض أهل العلم أن أعلام نبوته تبلغ ألفا فأما العلم الذي اقترن بدعوته و لم يزل يتزايد أيام حياته و دام في أمته بعد وفاته فهو القرآن المعجز المبين و حبل الله المتين الذي كما وصفه به من أنزله فقال :
{ وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد }
و قال تعالى :
{ إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون * تنزيل من رب العالمين }
و قال : { بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ }
و قال : { إن هذا لهو القصص الحق }
و قال : { وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون }
و قال : { كلا إنها تذكرة * فمن شاء ذكره * في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة }
و قال : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا }
فأبان ـ جل ثناؤه ـ أنه أنزله على وصف مباين لأوصاف كلام البشر لأنه منظوم و ليس بمنثور و نظمه ليس نظم الرسائل و لا نظم الخطب و لا نظم الأشعار و لا هو كأسجاع الكهان و أعلمه أن أحدا لا يستطيع أن يأتي بمثله ثم أمره أن يتحداهم على الإتيان بمثله إن ادعوا أنهم يقدرون عليه أو ظنوه فقال تعالى :
{ قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات }
ثم نقصهم تسعا فقال :
{ فاتوا بسورة من مثله }
فكان من الأمر ما نصفه غير أن من قبل ذلك دلالة : و هي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان غير مدفوع عند الموافق و المخالف عن الحصافة و المتانة و قوة العقل و الرأي
و من كان بهذه المنزلة و كان مع ذلك قد انتصب لدعوة الناس إلى دينه لم يجز بوجه من الوجوه أن يقول للناس : أن ائتوا بسورة من مثل ما جئتكم به من القرآن و لن تستطيعوه إن أتيتم به فأنا كاذب و هو يعلم من نفسه أن القرآن لم ينزل عليه و لا يأمن أن يكون في قومه من يعارضه و إن ذلك إن كان بطلت دعواه فهذا إلى أن يذكر ما بعده دليل قاطع على أنه لم يقل للعرب : أن ائتوا بمثله إن استطعتموه و لن تستطيعوه إلا و هو واثق متحقق أنهم لا يستطيعونه و لا يجوز أن يكون هذا اليقين وقع له إلا من قبل ربه الذي أوحى إليه به فوثق بخبره ـ و بالله التوفيق
و أما ما بعد هذا فهو أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لهم ائتوا بسورة من مثله إن كنتم صادقين فطالت المهلة و النظرة لهم في ذلك و تواترت الوقائع و الحروب بينه و بينهم فقتلت صناديدهم و سيبت ذراريهم و نساؤهم و انتهبت أموالهم و لم يتعرض أحد لمعارضته فلو قدروا عليها لافتدوا بها أنفسهم و أولادهم و أهاليهم و أموالهم و لكان الأمر في ذلك قريبا سهلا عليهم إذ كانوا أهل لسان و فصاحة و شعر و خطابة فلما لم يأتوا بذلك و لا ادعوا صح أنهم كانوا عاجزين عنه و في ظهور عجزهم بيان أنه في العجز مثلهم إذ كان بشرا مثلهم لسانه لسانهم و عادته عادتهم و طباعه طباعهم و زمانه زمانهم و إذا كان كذلك و قد جاء القرآن فوجب القطع بأنه من عند الله تعالى جده لا من عنده و بالله التوفيق
فإن ذكروا سجع مسيلمة فكل ما جاء به مسيلمة لا يعدو أن يكون بعضه محاكاة و سرقة و بعضه كأساجيع الكهان و أراجيز العرب و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول ما هو أحسن لفظا و أقوم معنى و أبين فائدة ثم لم تقل له العرب ها أنت تتحدانا على الإتيان بمثل القرآن و تزعم أن الإنس و الجن لو اجتمعوا على أن يأتوا بمثله لم يقدروا عليه ثم قد جئت يمثله مفترى بأنه ليس من عند الله و ذلك قوله :
( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب )
و قوله :
( تالله لولا الله ما اهتدينا و لا تصدقنا و لا صلينا )
( فأنزلن سكينة علينا و ثبت الأقدام إن لاقينا )
و قوله :
( إن العيش عيش الآخره فارحم الأنصار و المهاجره )
و قوله :
تعس عبد الدينار و الدرهم و عبد الخميصة إن أعطي منها رضي و إن لم يعط سخط تعس و انتكس و إن شيك فلا انتقش
فلم يدع أحد من العرب أن شيئا من هذا يشبه القرآن و أن فيه كثيرا كقوله
و حكى الأستاذ أبو منصور الأشعري ـ رحمه الله ـ فيما كتب إلي عن بعض أصحابنا أنه قال : يجوز أن يكون هذا النظم قد كان فيما بينهم فعجزوا عنه عند التحدي فصار معجزة لأن إخراج ما في العادة عن العادة نقض للعادة كما أن إدخال ما ليس في العادة في الفعل نقض للعادة
و بسط الكلام في شرحه
و أيهما كان فقد ظهرت بذلك معجزته و اعترفت العرب بقصورهم عنه و عجزهم عن الإتيان بمثله (1/149)
134 - حدثنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن علي الصنعاني بمكة ثنا إسحاق بن إبراهيم أنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقرأ عليه القرآن فكأن رق له فبلغ ذلك أبا جهل ـ فذكر ما جرى بينهما ـ إلى أن قال الوليد :
و الله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني و لا أعلم برجزه و لا بقصيدته مني و لا بأشعار الجن و الله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا و الله إن لقوله الذي يقول حلاوة و إن عليه لطلاوة و إنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله و إنه ليعلو و ما يعلى و إنه ليحطم ما تحته و ذكر الحديث
قال البيهقي ـ رحمه الله ـ هكذا حدثناه موصولا
و رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلا و ذكر الآية التي قرأها :
{ إن الله يأمر بالعدل و الإحسان }
و روينا من وجه آخر عن ابن عباس أتم من ذلك حين اجتمع الوليد بن المغيرة و نفر من قريش و قد حضر الموسم ليجتمعوا على رأي واحد فيما يقولون في محمد صلى الله عليه و سلم لوفود العرب فقالوا :
فأنت يا أبا عبد شمس ! فقل و أقم رأيا نقوم به
فقال : بل أنتم فقولوا أسمع
فقالوا : نقول كاهن
فقال : ما هو بكاهن لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن و سحره
فقالوا : نقول : هو مجنون
فقال : ما هو بمجنون و لقد رأينا الجنون و عرفناه فما هو بخنقه و لا تخالجه و لا وسوسته
فقالوا : نقول : شاعر
قال : ما هو بشاعر و لقد عرفنا الشعر برجزه و هزجه و قريضه و مقبوضه و مبسوطه فما هو بالشعر
قالوا : فنقول : هو ساحر
قال : فما هو ساحر لقد رأينا السحار و سحرهم فما هو بنفثه و لا عقده
فقالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟
قال : و الله إن لقوله لحلاوة و إن أصله لمغدق و إن فرعه لجنى فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل و إن أقرب القول أن تقولوا : ساحر يفرق بين المرء و أبيه و بين المرء و بين أخيه و بين المرء و بين زوجه و بين المرء و بين عشيرته فتفرقوا عنه بذلك فأنزل الله عز و جل في الوليد بن المغيرة :
{ ذرني ومن خلقت وحيدا } إلى قوله { سأصليه سقر } (1/156)
135 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : أن الوليد بن المغيرة اجتمع و نفر من قريش فذكره
و قد ذكرناه في كتاب دلائل النبوة في الجزء الثامن منه مع سائر ما ورد عن النضر بن الحارث و عتبة بن ربيعة و غيرهما فيما قالوا عند سماع القرآن و اعترفوا به من أنهم لم يسمعوا بمثله
و في القرآن وجهان من الإعجاز :
أحدهما : ما فيه من الخبر عن الغيب أبو جعفر الرزاز ذلك في قوله عز و جل :
{ ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون } و قوله :
{ ليستخلفنهم في الأرض } و قوله في الروم :
{ وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين }
و غير ذلك من وعده إياه بالفتوح في زمانه و بعده ثم كان كما أخبر و معلوم أنه صلى الله عليه و سلم كان لا يعلم النجوم و لا الكهانة و لا يجالس أهلها
و الآخر : ما فيه من الخبر عن قصص الأولين من غير خلاف ادعى عليه فيها فيما وقع الخبر عنه ممن كان من أهل تلك الكتب
و معلوم أنه صلى الله عليه و سلم كان أميا لا يقرأ كتابا و لا يخطه و لا يجالس أهل الكتاب للأخذ عنهم
و حين زعم بعضهم أنه يعلمه بشر رد الله تعالى ذلك عليه فقال :
{ لسان الذي يلحدون إليه أعجمي و هذا لسان عربي مبين } (1/158)
136 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في التفسير أنبأ عبد الرحمن بن الحسن القاضي ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا آدم بن أبي إياس ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : قالت قريش : إنما يعلم محمدا عبد لآل الحضرمي رومي و كان صاحب كتب يقول الله عز و جل : { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي } ـ أي يتكلم بالرومية ـ { و هذا لسان عربي مبين } (1/159)
137 - و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في كتاب المستدرك و قال عن مجاهد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما : ـ (1/159)
138 - و بهذا الإسناد ثنا ورقاء عن حصين بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن مسلم الحضرمي قال : كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر يسمى أحدهما يسار و الآخر جبر و كان يقرآن كتابا لهما فربما مر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام عليهما فقال المشركون : إنما يتعلم محمد منهما فأنزل الله عز و جل هذه الآية
و زعم الكلبي فيما روى عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهما كانا أسلما فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتيهما فيحدثهما و يعلمهما و كانا يقرآن كتابهما بالعبرانية
قال البيهقي ـ رحمه الله ـ و من تعلق بهذا الضعيف لم يسكت عن شيء يتهمه به فدل على أنهم لو اتهموه بشيء مما نفيناه عنه لذكروه و لم يسكتوا عنه و بالله التوفيق
و بسط الحليمي ـ رحمه الله تعالى ـ كلامه في الإشارة إلى ما في كتاب الله عز و جل من أنواع العلوم و ما في ذلك من الإعجاز
ثم إن له وراء القرآن من الآيات الباهرة إجابة الشجرة إياه لما دعاها و تكلم الذراع المسمومة إياه و ازدياد الطعام لأجله حتى أصاب منه ناس كثير و خروج الماء من بين أصابعه في المخصب حتى توضأ منه ناس كثير و حنين الجذع و ظهور صدقه في مغيبات كثيرة أخبر عنها و غير هذه مما قد ذكر و دون و في الواحد منها كفاية غير أن الله ـ جل ثناؤه ـ لما جمع له بين أمرين :
أحدهما : بعثه إلى الجن و الإنس عامة
و الآخر : ختمه النبوة به ظاهر له بين الحجج حتى إن شذت واحدة عن فريق بلغتهم أخرى و إن لم تنجع واحدة نجعت أخرى و إن درست على الأيام واحدة بقيت أخرى
و لله في كل حال الحجة البالغة و له الحمد على نظره لخلقه و رحمته إياهم كما يستحقه
و ذكر الحليمي ـ رحمه الله ـ فصولا في الكهنة و مسترقي السمع
و قد ذكرنا في كتاب دلائل النبوة ما ورد في ذلك من الأخبار ما وجد من الكهنة و الجن في تصديق نبينا صلى الله عليه و سلم و إشاراتهم إلى أوليائهم الإنس و بالإيمان به و لا يجوز على مؤمني الجن أن يحملوا أولياءهم على الكذب على الله أو على متابعة من يكذب على الله و على كفارهم أن يأمروا أولياءهم بالإيمان بمن كفروا به فدل على أن أمر من آمن به منهم إنما هو لمعرفة وقعت له بصدقه لمن آمن به من الإنس و بالله التوفيق (1/159)
139 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا عبيد بن شريك ثنا يحيى ـ هو ابن بكير ـ ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أنه قال : قال سعيد بن المسيب : أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
بعثت بجوامع الكلم و نصرت بالرعب و بينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي
قال أبو هريرة : فذهب رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنتم تنتثلونها
قال ابن شهاب : و بلغني أن جوامع الكلم أن الله تعالى جمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد و الأمرين أو نحو ذلك
رواه البخاري في الصحيح عن ابن بكير
و أخرجه مسلم من حديث يونس عن ابن شهاب (1/161)
140 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد آبادي ثنا أبو بكر عمر بن حفص السدوسي ثنا عاصم بن علي ثنا جويرية بن بشير الهجيمي قال سمعت الحسن قرأ يوما هذه الآية : ـ { إن الله يأمر بالعدل و الإحسان } إلى آخرها
ثم وقف فقال : إن الله عز و جل جمع لكم الخير كله و الشر كله في آية واحدة فو الله ما ترك العدل و الإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه و لا ترك الفحشاء و المنكر و البغي من معصية الله شيئا إلا جمعه (1/161)
الثالث من شعب الإيمان ـ و هو باب في الإيمان بالملائكة ـ و الإيمان بالملائكة ينتظم معاني : أحدها : التصديق بوجودهم و الآخر : إنزالهم منازلهم و إثبات أنهم عباد الله و خلقه كالإنس و الجن مأمورون مكلفون لا يقدرون إلا على ما يقدرهم الله تعالى عليه و الموت جائز عليهم و لكن الله تعالى جعل لهم أمدا بعيدا فلا يتوفاهم حتى يبلغوه و لا يوصفون بشيء يؤدي وصفهم به إلى إشراكهم بالله تعالى جده و لا يدعون آلهة كما ادعتهم الأوائل و الثالث : الاعتراف بأن منهم رسل الله يرسلهم إلى من يشاء من البشر و قد يجوز أن يرسل بعضهم إلى بعض و يتبع ذلك الاعتراف بأن منهم حملة العرش و منهم الصافون و منهم خزنة الجنة و منهم خزنة النار و منهم كتبة الأعمال و منهم الذين يسوقون السحاب و قد ورد القرآن بذلك كله أو بأكثره قال الله تعالى في الإيمان بهم خاصة : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله } و روينا عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم حين سئل عن الإيمان فقال : أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله (1/163)
فصل في معرفة الملائكة ـ قال الحليمي رحمه الله تعالى : من الناس من ذهب إلى أن الأحياء العقلاء الناطقين فريقان : إنس و جن و كل واحد من الفريقان صنفان : أخيار و أشرار فأخيار الإنس يدعون أبرارا ثم ينقسمون إلى رسل و غير رسل و أشرارهم يدعون فجارا ثم ينقسمون إلى كفار و غير كفار و أخيار الجن يسمون ملائكة ثم ينقسمون إلى رسل و غير رسل و أشرارهم يدعون شياطين ثم قد يستعار هذا الاسم لفجار الإنس تشبيها لهم بفجار الجن و قد يحتمل هذا التفسير وجها آخر و هو : أن الجن منهم سكان الأرض و منهم سكان السماء فالذين هم سكان السماء : يدعون الملأ الأعلى و يدعون الملائكة و الذين هم سكان الأرض هم الجن بالإطلاق و ينقسمون إلى أخيار و فجار و مؤمنين و كافرين و إنما قيل للملأ الأعلى ملائكة لأنهم مستصلحون للرسالة التي تسمى الولا و أكثر الناس على أن الملك أصله مالك و إن ملاك مقلوب و أنه قيل لواحد الملائكة مالك بمعنى أنه موضع للرسالة بكونه مصطفى مختارا للسماء أن يسكنها إذ كانت الرسالة منها تأتي سكان الأرض و من ذهب إلى هذا قال : أخبر الله عز و جل أنه أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس فلو لم يكن من الملائكة لم يكن لاستثنائه منهم معنى ثم قال تعالى في آية أخرى : { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } فأبان أن المأمورين بالسجود كانوا طبقة واحدة إلا أن إبليس لما عصى و لعن صار من الجن الذين يسكنون الأرض و أيضا إن الله عز و جل أخبر عن الكفار الذين قالوا إن الملائكة بنات الله فقال تعالى : { و جعلوا بينه و بين الجنة نسبا } فدل ذلك على أن الملائكة من الجن و أن النسب الذي جعلوه بين الله تعالى و بين الجن قولهم : الملائكة بنات الله : تعالى عما قالوا علوا كبيرا و أيضا فإن الإنس هم الظاهرون و الجن هم المجتنون و الملائكة مجتنون و أيضا فإن الله تعالى لما وصف الخلائق قال : { خلق الإنسان من صلصال كالفخار * وخلق الجان من مارج من نار } فلو كانت الملائكة صنفا ثالثا لما كان يدع أشراف الخلائق فلا يتمدح بالقدرة على خلقه قال و من خالف هذا القول قال : إن سكان الأرض ينقسمون إلى إنس و جن فأما من خرج عن هذا الحد لم يلحقه اسم الإنس و إن كان مرئيا و لا اسم الجن و إن كان غير مرئي و الذي يدل على أن الملائكة غير الجن أن الله عز و جل لما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أخبر الله عز و جل عن سبب مفارقته الملائكة فقال : { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } فلو كان كلهم جنا لاشتركوا في الامتناع عن السجود و لم يكن في أن إبليس كان من الجن ما يحمله على أن لا يسجد و في هذا ما أبان أن الملائكة خير و الجن خير و إنهم فريقان شتى و إنما دخل إبليس في الأمر الذي خوطبت به الملائكة لأن الله تعالى قد أذن له في مساكنة الملائكة و مجاورتهم بحسن عبادته و شدة اجتهاده فجرى في عدادهم فلما أمرت الملائكة بالسجود لآدم دخل في الجملة الملك الأصلي و الملحق بهم غير أن مفارقته الملائكة في أصل جبلته حملته على مفارقتهم في الطاعة فلذلك قال الله عز و جل : { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } و أما قول الله عز و جل : { و جعلوا بينه و بين الجنة نسبا } فيحتمل أن ذلك تسميتهم الأصنام الهة و دعواهم أنها بنات الله عز و جل و تقربهم بعبادتها إلى الله عز و جل و ذلك حين كان شياطين الجن يدخلون أجوافها و يكلمونهم منها فكانوا ينسبون ذلك الكلام إلى الله عز و جل فقال الله تعالى : { و جعلوا بينه و بين الجنة نسبا } لأنهم يسمون الأصنام لمكان تكليم الجنة إياهم من أجوافها آلهة و ادعوا أنها بنات الله فأثبتوا بين الله تعالى و بين الجنة نسبا جهلا منهم (1/166)
141 - قال البيهقي رحمه الله و قد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في التفسير لهذه الآية
أنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : في قوله تعالى :
{ و جعلوا بينه و بين الجنة نسبا }
قال : قال كفار قريش : الملائكة بنات الله تعالى فقال لهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه : فمن أمهاتهم ؟ فقالوا بنات سروات الجن فقال الله عز و جل :
{ و لقد علمت الجنة إنهم لمحضرون }
يقول : إنها ستحضر للحساب قال : و الجنة هي الملائكة
و روينا عن قتادة أنه قال : جعلوا الملائكة بنات الله من الجن و كذب أعداء الله
و عن أبي عمران الجوني قال : قالت اليهود : إن الله صاهر الجن فخرجت الملائكة
و روينا عن الكلبي أنه قال : يقول ذلك لقولهم الملائكة بنات الله يقول الله عز و جل :
{ و لقد علمت الجنة إنهم لمحضرون }
محضرون النار الذين قالوا الملائكة بنات الله
قال : و يقال نزلت هذه الآية في الزنادقة و ذلك أنهم قالوا خلق الله الناس و الدواب و الأنعام فقال إبليس لأخلقن خلقا أضرهم فخلق الحيات و العقارب و السباع فذلك قوله تعالى :
{ و جعلوا بينه و بين الجنة نسبا }
قالوا هو إبليس أخزاه الله تعالى الله عما يشركون (1/166)
142 - أخبرناه أبو عبد الرحمن الدهان أنا الحسين بن محمد بن هارون أنا أحمد بن محمد بن نصر ثنا يوسف بن بلال ثنا محمد بن مراون عن الكلبي : فذكره
قال الحليمي رحمه الله تعالى : و أما قول الله عز و جل
{ خلق الإنسان من صلصال كالفخار * وخلق الجان من مارج من نار }
فإنما هو بيان ما ركبه من خلق متقدم فلم تدخل الملائكة في ذلك لأنهم مخترعون قال الله عز و جل : كونوا فكانوا كما قال للأصل الذي منه خلق الجن و الأصل الذي خلق منه الإنس هو التراب و الماء و النار و الهواء : كن فكان فكانت الملائكة في الاختراع كأصول الجن و الإنس لا كأعيانهم فلذلك لم يذكروا معهم والله أعلم
قال البيهقي رحمه الله تعالى : و أبين من هذا كله في أن الملائكة صنف غير الجن حديث عائشة رضي الله عنه (1/167)
143 - و ذلك ما أخبرنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أخبرنا أبو حامد بن الشرقي ثنا محمد بن يحيى و أبو الأزهر و حمدان السلمي قالوا : ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنه قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
خلقت الملائكة من نور و خلق الجان من مارج من نار و خلق آدم مما و صف لكم
رواه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق
و في فصله بينهما في الذكر دليل على أنه أراد نورا آخر غير نور النار و الله تعالى أعلم (1/167)
144 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر القطان ثنا إبراهيم بن الحارث البغدادي ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا زهير بن محمد عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن صالح موالى التوأمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن من الملائكة قبيلة يقال لها الجن و كان إبليس منها وكان يسوس ما بين السماء و الأرض فسخط الله عليه فمسخه شيطانا رجيما
قال البيهقي رحمه الله تعالى فهذا إن ثبت يدل على مفارقة هؤلاء القبيلة غيرهم من الملائكة في التسمية
و زعم مقاتل بن سليمان : أن خلق إبليس و خلق هؤلاء وقع من نار السموم و من مارج من نار و هم كانوا خزان الجنة رأسهم إبليس و كانوا أهل السماء الدنيا فهبطوا إلى الأرض حين اقتتلت الجن الذين كانوا سكان الأرض و هم الذي أوحى الله عز و جل إليهم :
{ إني جاعل في الأرض خليفة }
و زعم الكلبي : أنهم كانوا خزان الجنان يقال لذلك الجنة الجن اشتق لهم اسم من الجنة و كان مع إبليس أقاليد الجنان و خلقه من مارج من نار و هي نار لا دخان لها فاقتتل الجن بنو الجان فيما بينهم فبعث الله تعالى إبليس من السماء الدنيا في جند من الملائكة فهبطوا إلى الأرض فأخرجوا الجن بني الجان منها و ألحقوهم بجزائر البحر و سكنوا الأرض و هم الذين قال الله عز و جل لهم
{ إني جاعل في الأرض خليفة }
و لم يعن به الملائكة الذين في السماء
قال البيهقي رحمه الله تعالى فعلى هذا يحتمل إن كان خلق هؤلاء أيضا و قع من مارج من نار أن يكونوا إنما يسمون الجن لما ذكره الكلبي أو لموافقتهم الجن في أصل الخلقة و خلق غيرهم من الملائكة وقع من نور كما روينا من حديث عائشة وقوله :
{ و جعلوا بينه و بين الجنة نسبا }
يحتمل أن يكون المراد به هذه القبيلة التي يقال لها الجن دون غيرهم من الملائكة
و الله تعالى أعلم قال الحليمي رحمه الله تعالى : و مما يدل على مفارقة الجن الملائكة أن الله عز و جل أخبر أنه يسأل الملائكة يوم القيامة عن المشركين فيقول لهم :
{ أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون }
فيقول الملائكة :
{ سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن }
فثبت بهذا أن الملائكة غير الجن
فقال الشيخ رحمه الله و يحتمل أن يكون هذا التبري من الملأ الأعلى الذين كانوا لا يسمون جنا و الله أعلم (1/168)
145 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران نا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن أبي إسحق عن عمرو بن عبد الله الأصم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن ناركم هذه التي توقدون لجزء من سبعين جزءا من نار جهنم و إن السموم الحار التي خلق الله تعالى منها الجان لجزء من سبعين جزءا من نار جهنم (1/169)
146 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأ أبو عمرو بن السماك ثنا حنبل بن إسحق ثنا سعيد بن سليمان ثنا عباد عن سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان اسم إبليس عزازيل و كان من أشراف الملائكة من ذوي الأربعة الأجنحة ثم أبلس بعد (1/170)
147 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان إبليس من خزان الجنة و كان يدبر أمر سماء الدنيا (1/170)
148 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس الأصم ثنا السري بن يحيى ثنا عثمان بن زفر ثنا يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير في قوله : ـ { كان من الجن } قال : كان من الجنانين الذين يعملون في الجنة
قال الحليمي رحمه الله : ثم إن الملائكة يسمون روحانيين ـ بضم الراء و سمى الله عز و جل جبريل عليه السلام الروح الأمين و روح القدس
و قال : { يوم يقوم الروح و الملائكة صفا }
فقيل : إن المراد به جبريل عليه السلام و قيل : إنه ملك عظيم سوى جبريل يقوم وحده صفا و الملائكة صفا
و من قال هذا قال : الروح جوهر و قد يجوز أن يؤلف الله سبحانه أرواحا فيجسمها و يخلق خلقا ناطقا عاقلا
و قد يجوز أن تكون أجسام الملائكة على ما هي عليه اليوم مخترعة كما اخترع عيسى و ناقة صالح عليهما السلام
و قال بعض الناس إن الملائكة روحانيون ـ بفتح الراء ـ بمعنى أنهم ليسوا محصورين في الأبنية و الظلل و لكنهم في فسحة و بساطة
و قد قيل إن ملائكة الرحمة هم الروحانيون و ملائكة العذاب هم الكروبيون فهذا من الكرب و ذاك من الروح و الله تعالى أعلم
قال البيهقي رحمه الله : و ذكر وهب بن منبه أنبأ الكروبيين سكان السماء السابعة يبكون و ينتحبون
و قد ذكرنا الأخبار التي وردت في تفسير الروح و الملك الذي يسمى روحا في الثالث عشر من كتاب الأسماء و الصفات
و قد تكلم الناس قديما و حديثا في المفاضلة بين الملائكة و البشر فذهب ذاهبون إلى أن الرسل من البشر أفضل من الرسل من الملائكة و الأولياء من البشر أفضل من الأولياء من الملائكة و ذهب آخرون إلى أن الملأ الأعلى مفضلون على سكان الأرض و لكن واحد من القولين وجه (1/170)
149 - و قد أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد بن بلال ثنا أبو زرعة الرازي حدثنا هشام بن عمار ثنا عبد ربه بن صالح القرشي ثنا عروة بن رويم عن الأنصاري : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
لما خلق الله آدم عليه السلام و ذريته قالت الملائكة يا رب خلقتهم يأكلون و يشربون و ينحكون و يركبون فاجعل لهم الدنيا و لنا الآخرة فقال الله تبارك و تعالى :
لا أجعل من خلقته بيدي و نفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان قال البيهقي رحمه الله و قال فيه غيره عن هشام بن عمار بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري و في ثبوته نظر
و من قال في الملائكة هم قبيلان أشبه أن يقول في هذا : أراد القبيل الذي كان منهم إبليس دون الملأ الأعلى و هم الأشراف و العظماء و الله تعالى أعلم
و روينا عن عبد الله بن سلام أنه قال :
إن أكرم خليقة الله تعالى على الله سبحانه أبو القاسم صلى الله عليه و سلم قال بشر قلت رحمك الله فأين الملائكة قال : فنظر إلي و ضحك فقال : يا ابن أخي ! و هل ما تدري ما الملائكة إنما الملائكة خلق كخلق الأرض و خلق السماء و خلق السحاب و خلق الجبال و خلق الرياح و سائر الخلائق و إن أكرم الخلائق على الله تعالى أبو القاسم صلى الله عليه و سلم
و ذكر الحديث (1/170)
150 - أخبرناه أبو الحسن المقرئ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ثنا مهدي بن ميمون ثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن بشر بن شغاف عن ابن سلام : فذكره (1/170)
151 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا عباس بن عبد الله الترقفي حدثنا حفص بن عمر عن الحكم عن عكرمة قال سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول : إن الله عز و جل فضل محمدا صلى الله عليه و سلم على أهل السماء و على الأنبياء قالوا يا ابن عباس ما فضله على أهل السماء ؟ قال لأن الله عز و جل قال لأهل السماء :
{ ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين }
و قال لمحمد صلى الله عليه و سلم :
{ إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر }
قالوا يا ابن عباس ! ما فضله على الأنبياء ؟ قال لأن الله عز و جل يقول :
{ و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه }
و قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه و سلم :
{ و أرسلناك للناس رسولا }
فأرسله الله تعالى إلى الإنس و الجن
و كذلك رواه إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه و ليس بالقوي
و من قال بالقول الآخر عارضه بقوله عز و جل :
{ لئن أشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين }
إلا أن يقول قائل : الخطاب وقع إليه و المراد به غيره أو يقول إن كان هو المراد به فقد أمنه بالآية التي قرأها ابن عباس فيما روي عنه (1/170)
152 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه ثنا أبو حامد بن بلال ثنا أبو الأزهر ثنا أبو قتيبة ثنا حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : المؤمن أكرم على الله من الملائكة
كذا رواه أبو المهزم عن أبي هريرة موقوفا و أبو المهزم متروك (1/174)
153 - أخبرنا الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر من أصله ثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد العمروي إملاء ثنا أبو بكر محمد بن حمويه بن عباد السراج ثنا محمد بن يحيى ثنا عبد الغفار بن عبيد الله ثنا عبيد الله بن تمام السلمي عن خالد الحذاء عن بشر بن شغاف عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما من شيء أكرم على الله من ابن آدم قال قيل يا رسول الله ! و لا الملائكة ؟ قال : الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس و القمر
تفرد به عبيد الله بن تمام
قال البخاري : عنده عجائب و رواه غيره عن خالد الحذاء موقوفا على عبد الله بن عمرو و هو الصحيح (1/174)
154 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا ابن أبي قماش ثنا وهب بن بقية عن خالد الحذاء عن بشر بن شغاف عن أبيه ـ قال ـ قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول : ليس شيء أكرم على الله عز و جل من ابن آدم قلت الملائكة ؟ قال أولئك بمنزلة الشمس و القمر أولئك مجبورون (1/175)
155 - حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الديبلي ثنا محمد بن علي بن زيد الصائغ ثنا سعيد بن منصور ثنا الحارث بن عبيد الأيادي عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
بينا أنا قاعد إذ جاء جبريل عليه السلام فوكز بين كتفي فقمت إلى شجرة فيها مثل وكري الطير فقعدت في أحدهما و قعد في الآخر فسميت و ارتفعت حتى إذا سدت الخافقين و أن أقلب طرفي و لو شئت أن أمس السماء مسست فالتفت فإذا جبريل عليه السلام كأنه حلس لاطئ فعرفت فضل علمه بالله عز و جل علي
و رواه حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن محمد بن عمير بن عطارد عن النبي صلى الله عليه و سلم و قال : صلى الله عليه و سلم :
فوقع جبريل مغشيا عليه كأنه حلس فعرفت فضل خشيته على خشيتي فأوحي إلي : نبيا ملكا أو نبيا عبدا ؟ أو إلى الجنة ؟ فأومأ إلى جبريل وهو مضطجع أن تواضع فقلت : لا بل نبيا عبدا (1/175)
156 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله بن عبد الله الزاهد الأصبهاني ثنا أبو السري موسى بن الحسن بن عباد ثنا حبيش بن مبشر الفقيه قال كنا عند يزيد بن هارون ـ فذكر قصة ثم قال يزيد ثنا حماد بن سلمة أخبرنا أبو عمران الجوني عن محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب التميمي عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لما أسري بي كنت أنا في شجرة و جبريل في شجرة فغشينا من أمر الله بعض ما غشينا فخر جبريل عليه السلام مغشيا عليه و ثبت على أمري فعرفت فضل إيمان جبريل على إيماني (1/176)
157 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو أسامة عبد الله بن أسامة الكلبي ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى ثنا ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم و معه جبريل عليه السلام يناجيه عليه السلام يناجيه إذا انشق أفق السماء فأقبل جبريل يتضاءل و يدخل بعضه في بعض و يدنو من الأرض فإذا ملك قد مثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا محمد ! إن ربك يقرئك السلام و بخيرك بين أن تكون نبيا ملكا و بين أن تكون نبيا عبدا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فأشار جبريل إلي بيده أن تواضع فعرفت أنه ناصح فقلت عبدا نبيا فعرج ذلك الملك إلى السماء فقلت يا جبريل ! قد كنت أردت أن أسألك عن هذا فرأيت من حالك ما شغلني عن المسألة فمن هذا يا جبريل ؟ قال هذا إسرافيل خلقه الله يوم خلقه بين يديه صافنا قدميه لا يرفع طرفه بينه و بين الرب سبعون نورا ما منها نور يدنو منه إلا احترق بين يديه اللوح المحفوظ فإذا أذن الله من السماء أو في الأرض ارتفع ذلك اللوح يظرب جبينه فينظر فيه فإن كان من عملي أمرني به و إن كان من عمل ميكائيل أمره به قلت يا جبريل على أي شيء أنت ؟ قال على الرياح و الجنود قلت على أي شيء ميكائيل ؟ قال على النبات قلت على أي شيء ملك الموت ؟ قال على قبض الأنفس و ما ظننت أنه هبط إلا بقيام الساعة و ما ذاك الذي رأيت مني إلا خوفا من قام الساعة
قوله بينه و بين الرب سبعون نورا يحتمل أن يريد بينه و بين عرش الرب (1/176)
158 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف أنا أبو حفص عمر بن محمد الجمحي بمكة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن سابط قال : يدبر أمر الدنيا أربعة : جبريل و ميكائيل و ملك الموت و إسرافيل فأما جبريل فوكل بالرياح و الجنود و أما ميكائيل فوكل بالقطر و النبات و أما ملك الموت فوكل بقبض الأرواح و أما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم (1/177)
159 - أخبرنا أبو الحسن أحمد بن الحسن أنا حاجب بن أحمد ثنا محمد بن حماد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال : قال عبد الله :
إن من السموات لسماء ما فيها موضع شبر إلا و عليها جبهة ملك أو قدماه ثم قرأ :
{ وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون } (1/177)
160 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا ثنا أبو العباس بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهاب بن عطاء أنا حميد الطويل عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن أبي : أنه سأل كعبا عن قوله الله :
{ يسبحون الليل و النهار لا يفترون }
{ وهم لا يسأمون }
فقال : هل يؤذيك طرفك ؟ قال : لا قال : فهل يؤذيك نفسك ؟ قال : لا قال : فإنهم ألهموا التسبيح كما ألهمتهم النفس و الطرف (1/178)
161 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الشيباني عن حسان بن المخارق عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : قلت لكعب : أرأيت قول الله :
{ يسبحون الليل و النهار لا يفترون }
أما شغلهم رسالة ؟ أما شغلهم عمل ؟ فقال : من هذا ؟ فقال : غلام من بني عبد المطلب فأخذني فضمني و قال : يا ابن أخي ! إنه جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس ألست تأكل و تشرب و تجي و تذهب و تتكلم و أنت تتنفس ؟ فكذلك جعل لهم التسبيح
قال البيهقي : و من قال فالأول زعم أنهم خلقوا بلا شهوة فمن يعبد الله وطينه معجون بالهوى و الشهوة كانت عبادته أفضل ألا ترى من ابتلي من الملائكة بالشهوة كيف وقع في لمعصية ؟ و ذكر قصة هاروت و ماروت (1/178)
162 - أخبرنا الشيخ أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي أنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ثنا العباس بن محمد الدوري و إبراهيم بن الحارث البغدادي قالا : ثنا يحيى بن بكير ثنا زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أنه : سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن آدم عليه السلام لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة أي رب أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك قال { إني أعلم ما لا تعلمون } قالوا ربنا نحن أطوع لك من بني آدم قال الله تعالى للملائكة : هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض فننظر كيف تعلمون قالوا ربنا هاروت و ماروت فأهبطا إلى الأرض و مثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتهما فسألاها نفسها فقالت : لا و الله حتى تكلما بهذه الكلمة في الإشراك قالا : لا و الله لا نشرك بالله أبدا فذهبت عنهم ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها فقالت : لا و الله حتى تقتلا هذا الصبي فقالا : لا و الله لا نقتله فذهبت عنهما ثم رجعت بقدح خمر تحمله فسألاها نفسها فقالت : لا و الله حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها و قتلا الصبي فلما أفاقا قالت المرأة : و الله ما تركتما مما أبيتما علي إلا و قد فعلتماه حتى سكرتما فخيرا عند ذلك بين عذاب الدنيا و عذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا
كذا رواه زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع
و رواه سعيد بن سلمة عن موسى بن جبير (1/179)
163 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب أنا محمد بن يونس بن موسى ثنا عبد الله بن رجاء ثنا سعيد بن سلمة عن موسى بن جبير عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أشرفت الملائكة على الدنيا فرأت بني آدم يعصون فقالوا يا رب ما أجهل هؤلاء ! ما أقل معرفة هؤلاء بعظمتك ! فقال الله تعالى : لو كنتم في مسلاخهم لعصيتموني قالوا : كيف يكون هذا و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك قال : فاختاروا منكم ملكين قالوا : فاختاروا هاروت و ماروت ثم أهبطا إلى الدنيا و ركبت فيهما شهوات بني آدم و مثلت لهما امرأة فما عصما حتى واقعا المعصية فقال الله عز و جل لهما فاختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال ما تقول ؟ قال : أقول إن عذاب الدنيا ينقطع وإن عذاب الآخرة لا ينقطع فاختارا عذاب الدنيا فهما اللذان ذكرهما الله عز و جل في كتابه
{ و ما أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت }
و رويناه من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عمر موقوفا عليه و هو أصح فإن ابن عمر إنما أخذه عن كعب (1/180)
164 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه ثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا محمد بن يوسف قال ذكر سفيان عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر عن كعب قال : ذكرت الملائكة بني آدم و ما يأتون من الذنوب قال فاختاروا منكم ملكين فاختاروا هاروت و ماروت فقال لهما إني أرسل رسولي إلى الناس و ليس بيني و بينكم رسل انزلا فلا تشركا بي شيئا و لا تسرقا و لا تزنيا
قال عبد الله : قال كعب : فما استكملا يومهما الذي نزلا فيه حتى أتيا فيه ما حرم عليهما و هذا أشبه أن يكون محفوظا و روي في ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
و من قال بالقول الآخر أشبه أن يقول إذا كان التوفيق للطاعة و المعصية من الله عز و جل وجب أن يكون الأفضل من كان توفيقه له و عصمته إياه أكثر و وجدنا الطاعة التي وجودها بتوفيقه و عصمته من الملائكة أكثر فوجب أن يكونوا كذلك
و ذكر الحليمي رحمه الله توجيه القولين و لم أنقله و اختار تفضيل الملائكة و أكثر أصحابنا ذهبوا إلى القول الأول و الأمر فيه سهل و ليس فيه من الفائدة إلا معرفة الشيء على ما هو به و بالله التوفيق (1/181)
165 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا ثنا أبو العباس الأصم ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء و عن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس قال : إنما قوله جبريل و ميكائيل كقوله عبد الله و عبد الرحمن (1/182)
166 - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو الحسن عبد الصمد بن علي بن مكرم البزار ببغداد ثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي ثنا إسحاق بن محمد الفروي حدثنا عبد الملك بن قدامة الجمحي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن عبد الله بن عمر : أن عمر بن الخطاب جاء و الصلاة قائمة فذكر قصة امتناع أبي جحش الليثي عن الصلاة مع النبي صلى الله عليه و سلم و فيها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : اجلس حتى أحدثك بغنى الرب تبارك و تعالى عن صلاة أبي جحش إن لله في سمائه ملائكة خشوعا لا يرفعون رؤوسهم حتى تقوم الساعة فإذا قامت الساعة رفعوا رؤوسهم قالوا ربنا ما عبدناك حق عبادتك و إن لله في السماء الثانية ملائكة سجودا لا يرفعون رؤوسهم حتى تقوم الساعة فإذا قامت الساعة رفعوا رؤوسهم ثم قالوا ربنا ما عبدناك حق عبادتك
قال البيهقي رحمه الله تعالى قد أخرجته بطولته في مناقب عمر رضي الله عنه (1/182)
167 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا عبيد بن شريك ثنا ابن أبي مريم ثنا عبد الله بن فروخ أخبرني أسامة بن زيد حدثني أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال : إن الله عز و جل ملائكة سوى الحفظة يكتبون ما سقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد أعينوا عباد الله يرحمكم الله تعالى (1/183)
الرابع من شعب الإيمان و هو باب في الإيمان بالقرآن المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم و سائر الكتب المنزلة على الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله و رسوله و الكتاب الذي نزل على رسوله و الكتاب الذي أنزل من قبل } و قال : { والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله } و قال { و الذين يؤمنون بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك } و غير ذلك من الآيات في هذه المعنى و روينا في حديث ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم حين سئل عن الإيمان فقال : أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و الإيمان بالقرآن يتشعب شعبا فأولاها بأنه كلام الله تبارك و تعالى و ليس من وضع محمد صلى الله عليه و سلم و لا من وضع جبريل عليه السلام الثانية : الاعتراف بأنه معجز النظم لو اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثله لما يقدروا عليه و الثالثة : اعتقاد أن جميع القرآن الذي توفي النبي صلى الله عليه و سلم عنه هو هذا الذي في مصاحف المسلمين لم يفت منه شيء و لم يضع بنسيان ناس و لا ضلال صحيفة و لا موت قارئ و لا كتمان كاتم و لم يحرف منه شيء و لم يزد فيه حرف و لم ينقص منه حرف فأما الوجه الأول فإن الله عز و جل قال : { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } و قال : { و هذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه } و قال { لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا } و قال : { وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين } و قال : { إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون } و معناه : و الله أعلم أنزلنا الرسول المودى له به فيكون الرسول منتقلا من علو إلى سفل مؤديا للكلام الذي حفظه و ذلك بين في الآية قبلها و هو أنه أخير أنه نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه و سلم ( فيكون جبريل عليه السلام منتقلا به من مقامه المعلوم إلى الأرض موديا له إلى محمد صلى الله عليه و سلم ) و أخبر في الآية قبلها أنه أنزله بعلمه و في الآية قبلها أنه من عنده لا من عند غيره و قال : { ألا له الخلق و الأمر } ففصل بين المخلوق و الأمر و لو كان الأمر مخلوقا لم يكن لتفصيله معنى و قال : { لولا كلمة سبقت من ربك } و السبق على الإطلاق يقتضي سبق كل شيء سواه و قال : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } فلو كان قوله مخلوقا تعلق بقول آخر و ذلك حكم ذلك القول حتى يتعلق بما لا يتناهى و ذلك محال قال الأستاذ أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك رحمه الله فيما عسى أن يقال على هذا من السؤال الكلام على الحقيقة لا ينقل عنه إلا بدليل و قوله ( كن ) أمر بتكوين للمعدوم لا أمر تكليف بمنزله قوله : { كونوا حجارة } { كونوا قردة خاسئين } و يكون قوله ( كن ) متعلقا بما يكون في الوقت الذي يكون في المعلوم أنه يكون فيه فلا يكون ذلك الوقت إلا كان كما يكون نفسه سامعا للصوت وقت وجود الصوت و إن كان قبل ذلك سامعا أيضا إلا أنه يتعلق بالصوت وقت وجوده في أنه سمعه حينئذ لا قبله والفاء في قوله ( فيكون ) لا تقتضي أن يكون للتعقيب مع ما علق عليه لأن ذلك جواب ( إنما ) فكأنه قال لا يكون قوله ( كن ) متعلقا بما يكون إلا كان في الحال التي علم أنه يكون فيها و أن لا يوجب استقبال لأن ذلك مع ما بعده بمنزلة المصدر كما كان قوله : { و أن تصوموا خير لكم } معناه و الصيام خير لكم و ذلك لا يقتضي استقبالا قلنا و قد قال الله عز و جل في إثبات صفة الكلام لنفسه و نفي النفاد عنه : { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا } و إنما ذكرها بلفظ الجمع على طريق التعظيم كقوله : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } قال البيهقي رحمه الله قال : { و كلم الله موسى تكليما } فوكده بالتكرار و أخبر الله عز و جل بما كلم به موسى فقال : { يا موسى * إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى * وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى * إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري } إلى قوله : { و اصطنعتك لنفسي } و قال : { يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين } فهذا كلام سمعه موسى عليه السلام من ربه بإسماع الحق إياه بلا ترجمان كان بينه و بينه و دله بذلك على ربوبيته و دعاه إلى وحدانيته و عبادته و إقامة الصلاة لذكره و أخبره أنه اصطفاه لنفسه و اصطفاه برسالاته و بكلامه و أنه مبعوث إلى خلقه فمن زعم أنه إنما سمعه من غير الله عزو جل فقد زعم أن غير الله ادعى الربوبية لنفسه و دعا موسى إلى وحدانية نفسه و ذلك كفر و إن زعم أن ذلك الغير دعا إلى الله كذبه قوله : { إني أنا ربك } و { إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني } و لكان ذلك الغير يقول : ( ربي و ربك فاعبده ) دل على أنه إنما سمعه ممن له الربوبية و الوحدانية و لأن الأمة اجتمعت مع سائر أهل الملل على أن موسى كان مخصوصا بفضل كلام الله عزو جل و لو كان إنما سمعه من مخلوق لم يكن له خاصية و لا مزية و لا فضل و لا شبه أن يكون من سمعه من جبريل أكثر خاصية منه لزيادة فضل جبريل على صوت يخلقه الله عز و جل في الوقت لموسى و قد روينا في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم في قصة مناظرة آدم و موسى قال : فقال آدم : لموسى : أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء الحجاب لم يجعل الله بينك و بينه رسولا من خلقه (1/185)
168 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا محمد بن كثير ثنا إسرائيل عن عثمان بن المغيرة عن سالم ـ يعني ابن أبي الجعد ـ عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرض نفسه على الناس بالموسم فقال ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عز و جل
و روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه :
أنه لما قرأ سورة الروم على مشركي مكة فقالوا هذا مما أتى به صاحبك ؟ قال : لا و لكنه كلام الله عز و جل و قوله
و في رواية أخرى :
ليس بكلامي و لا كلام صاحبي و لكنه كلام الله عز و جل
و روينا عن عامر بن شهر أنه قال :
كنت عند النجاشي فقرأ ابن له آية من الإنجيل فضحك فقال أتضحك من كلام الله عز و جل !
و روينا عن خباب بن الأرت أنه قال :
تقرب ما استطعت و اعلم أنك لن تتقرب إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه
و روينا عن ابن مسعود أنه قال :
أصدق الحديث كلام الله عز و جل
و عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :
القرآن كلام الله عز و جل
و عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال :
لو أن قلوبنا طهرت لما شبعنا من كلام الله تعالى
و عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال :
ما حكمت مخلوقا إنما حكمت القرآن
وعن ابن عباس :
أنه صلى على جنازة فقال رجل اللهم رب القرآن العظيم اغفر له فقال ابن عباس ثكلتك أمك ! إن القرآن منه أن القرآن منه
و قد ذكرنا أسانيد هذه الآثار في كتاب الصفات مع سائر ما ورد فيه عن النبي صلى الله عليه و سلم و عن أصحابه و التابعين و أتباعهم (1/188)
169 - أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي في التاريخ ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الأصبهاني أخبرنا أبو أحمد محمد بن سليمان بن فارس حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال الحكم بن محمد أبو مروان الطبري : حدثناه سمع ابن عيينة قال : أدركت مشيختنا منذ سبعين سنة منهم عمرو بن دينار يقولون : القرآن كلام الله ليس بمخلوق
كذا قال البخاري عن الحكم
و رواه سلمة بن شبيب عن الحكم بن محمد قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال : سمعت مشيختنا منذ سبعين يقولون فذكر معنى هذه الحكاية (1/190)
170 - أخبرنا أبو منصور الفقيه أنا أبو أحمد الحافظ أخبرنا أبو عروبة السلمي قال أخبرنا سلمة بن شبيب : فذكره
و كذلك رواه غير الحكم بن محمد عن سفيان
قال البيهقي رحمه الله : مشيخة عمرو بن دينار جماعة من الصحابة منهم عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و جابر بن عبد الله و عبد الله بن الزبير و أكابر التابعين
و روينا هذا القول عن علي بن الحسين و جعفر بن محمد الصادق و مالك بن أنس و الليث بن سعد و سفيان بن عيينة و حماد بن زيد و عبد الله بن المبارك و عبد الرحمن بن مهدي و محمد بن إدريس الشافعي و يحيى بن يحيى و أحمد بن حنبل و أبي عبيد و محمد بن إسماعيل البخاري في مشيخة أجلة سواهم و إنما أحدث هذه البدعة الجعد بن درهم و منه كان يأخذ جهم فذبحه خالد بن عبد الله القسري يوم الأضحى
قال الأستاذ أبو بكر بن فورك رحمه الله : لو كان كلام الباري جل و عز محدثا كان قبل حدوثه موصوفا بأنه يمنع منه كما لو كان غير عالم كان موصوفا بجهل و آفة مانعة منه و لو كان كذلك لما صح أن يتكلم في حال كما لا يصح أن يعلم لو كان لم يزل غير عالم فوجب أنه لم يزل متكلما لما لم يلحق به أضداد الكلام من السكوت و الخرس و الطفولية
و إن شئت قلت : كلام الله سبحانه لو كان مخلوقا كان يجب أن يكون موصوفا بضده قبل خلقه له لاستحالة أن يخلو الحي من الكلام و ضده و ضد الكلام و كان قديما لم يجز عدمه و كان يؤدي إلى إحالة وصفه بالأمر و النهي و الخبر و ذلك خلاف الدين
و لأن الكلام لو كان مخلوقا كان لا يخلو من أن خلقه في نفسه أو في غيره أو في لا شيء و يستحيل أن يخلقه في لا شيء لأنه عرض و العرض لا يقوم بنفسه و يستحيل أن يخلقه في نفسه لاستحالة أن يكون محلا للحوادث و يستحيل أن يخلقه في غيره لأنه لو كان مخلوقا في غيره لكان مضافا إلى ذلك الغير بأخص أوصافه كسائر الأعراض التي هي علم و قدرة و حياة إذ خلقها في غيره و لو كان كذلك لم يكن كلاما لله و لا أمرا له
فإن قيل : يكون كلاما له كما يكون فعله تفضلا له و إن كان في غيره
قيل : التفضل هو اسم يعم أجناسا و نحن قلنا يضاف إليه بأخص أوصافه فإن كان قوة أضيفت إلى ما خلقت فيه و إن كان سمعا و بصرا فكذلك فقولوا بأنه يضاف إليه باسم الأمر و النهي بلفظ الكلام و القول فإن لم يضيفوه لا بالأخص ولا بالأعم و لا إلى الجملة و لا إلى المحل فقد افترق الأمر فيهما
فإن قيل لو كان كلامه غير مخلوق لكان لم يزل مخبرا :
{ إنا أرسلنا نوحا }
و لم يزل يرسل ذلك كذب قيل : أو ليس قد قال :
{ و قال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق }
و لم يقل بعد أفهو كذب ؟ فإن قال معناه سيقول
قيل ذلك قوله :
{ إنا أرسلنا نوحا إلى قومه }
في أزله خبرا عن أن سنرسل نوحا قبل إرساله فإذا أرسل يكذب خبرا عن إرساله أنه وقع من غير أن يحدث خبرا كما أن علمه بأن سيكون الدنيا علمه بأنه كائن و إذا كان لم يحدث علم إنما حدث المعلوم و المخبر عنه دون العلم و الخبر
فإن قالوا : لو كان لم يزل متكلما لكان لم يزل آمرا وأمر من ليس بموجود محال
قيل من قال من أصحابنا لم يزل آمرا فهو يقول لم يزل آمرا له يكون على معنى إذا خلقت و بلغت و كمل عقلك فافعل كذا كأوامر الرسول صلى الله عليه و سلم لمن يأتي بعده و من قال لم يزل غير آمر و إنما يكون كلامه أمرا لحدوث معنى فنقول لا يجب إذا كان لم يزل متكلما أن يكون لم يزل آمرا لأن حقيقة الكلام غير حقيقة الأمر و لم يكن كلاما لأنه أمر و إنما كان كلاما لأنه مسموع يفيد معاني المتكلم و ينفي السكوت و الخوص و يكون أمرا لعلة الإفهام أن كذا يلزمه أن يفعله
فإن قيل : لو كان لم يزل متكلما لكان هاذيا إذ لا يسمع كلامه أحد
قيل أليس المسبح لا يسمع كلامه أحد و لا يكون هذيا فإن قيل : الله يسمعه قيل : فهو يسمع الهذيان أيضا و لا يخرجه من أن يكون هذيانا و لأن معنى الهذيان أنه كلام لا يفيد و كلام الله يفيد المعاني الجليلة
فإن احتج محتج بالحروف و تأخر بعضها عن بعض و في ذلك دلالة على الحدث و كلام الباري ليس بحروف و إنما هو معنى موجود قائم بذاته يسمع و تفهم معانيه و الحروف تكون أدلة عليه كما تكون الكتابة أمارات الكلام و دلالات عليه و كما يعقل متكلما لا مخارج له و لا أدوات كذلك يعقل له كلاما ليس بحروف و لا أصوات وقوله :
{ ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث }
دليلنا لأنه لولا أن في الأذكار ذكرا غير محدث ما كانت له فائدة كما أن من قال جاءني رجل له رأس ما كانت له فائدة إذ لا يخلو منه رجل
و معنى الذكر كلام الرسول صلى الله عليه و سلم أو نفس الرسول لأنه هو الذي يأتي في الحقيقة و أما النسخ و التبديل و الحفظ فكل ذلك راجع إلى الأحكام و إلى القراءة الدالة على الكلام لا إلى عين الكلام و كذلك التبعيض إنما هو في القراءة الدالة عليه و القراءة غير المقروء كما أن ذكر الله غير الله و قوله :
{ إنا جعلناه قرآنا عربيا }
يريد به سميناه كقوله { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا } يعني وصفه الملائكة إناثا ـ
قال الحليمي رحمه الله و قوله عز و جل :
{ إنه لقول رسول كريم }
{ و لا بقول كاهن }
و قال { إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين }
فإنما معناه إنه لقول رسول كريم أي قول تلقاه عن رسول كريم أو قول سمعه عن رسول كريم إذ نزل به عليه رسول كريم و قد قال في آية أخرى :
{ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } فأثبت أن القرآن كلامه و لا يجوز أن يكون كلامه و كلام جبريل معا فدل أن معناه ما قلنا
قال البيهقي رحمه الله : و المقصود من تلك الآية تكذيب المشركين فيما كانوا يزعمون من وضع النبي صلى الله عليه و سلم هذا القرآن ثم قد أخبر الله عز و جل أنه هو الذي نزل به الروح الأمين عليه السلام على قلب محمد صلى الله عليه و سلم و أن جبريل نزل به من عنده و بالله التوفيق
و أما الوجه الثاني و هو الاعتراف بأنه معجز النظم فقد مضى الكلام فيه و الإعجاز عند أكثر أصحابنا يقع في قراءة القرآن فنظم حروفه و دلالاته في عين كلامه القديم و لما كان الجن و الإنس عاجزين عن الإتيان بمثله و الملائكة أيضا عاجزون عن الإتيان بمثله لأنه في قول أكثر أهل العلم ليس من جنس نظوم كلام الناس و لا يهتدى إلى وجهه ليحتذى و يمثل و هو كتركيب الجواهر لتصير أجساما و قلب الأعيان إذ كما لا يقدر عليه الجن و الإنس لا يقدر عليه الملائكة و إنما وقع التحدي عليه للجن و الإنس دون الملائكة لأن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أرسل إلى الجن و الإنس دون الملائكة و في ذلك ما أبان أن نظم القرآن ليس من عند جبريل و لكنه من عند اللطيف الخبير و هذا معنى كلام الحليمي رحمه الله الوجه الثالث : فبيانه أن الله عز و جل ضمن حفظ القرآن فقال :
{ إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون } و قال : { وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد }
فمن أجاز أن يتمكن أحد من زيادة شيء في القرآن أو نقصانه منه أو تحريفه فقد كذب الله في خبره و أجاز الخلف فيه و ذلك كفر
و أيضا فإن ذلك لو كان ممكنا لم يكن أحد من المسلمين على ثقة من دينه و يقين مما هو متمسك به لأنه كان لا يأمن أن يكون فيما كتم من القرآن أوضاع بنسخ شيء مما هو ثابت من الأحكام أو تبديله بغيره
و بسط الحليمي رحمه الله الكلام فيه فصح أن من تمام الإيمان بالقرآن الاعتراف بأن جميعه هو هذا المتوارث خلفا عن سلف لا زيادة فيه و لا نقصان منه و بالله التوفيق (1/190)
ذكر حديث جمع القرآن (1/195)
171 - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه ثنا بشر بن موسى ثنا الحسن بن موسى الأشيب عن إبراهيم بن سعد الزهري عن ابن شهاب ـ ح ـ
و أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي بن مقاتل الهاشمي الفروي ثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني أنا أبو خليفة الفضل بن الحباب ثنا أبو الوليد الطيالسي ثنا إبراهيم بن سعد ثنا ابن شهاب عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت قال : أرسل إلى أبو بكر الصديق رضي الله عنه بمقتل أهل اليمامة فإذا عمر جالس عنده فقال أبو بكر : إن عمر جاءني فقال : إن القتل قد استحر بقراء القرآن يوم اليمامة و إني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن و إني أرى أن تأمر بجمع القرآن فقلت لعمر : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال عمر : هو و الله خير فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح الله لذلك صدري و رأيت في ذلك الذي رأى عمر رضي الله عنه
قال زيد : قال أبو بكر :
إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك و قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم فتتبع القرآن و اجمعه
قال زيد :
فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمروني به من جمع القرآن قال قلت : و كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال هو و الله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر و عمر قال فتتبعت القرآن اجمعه من الرقاع و العسب و صدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة
و في رواية أبي الوليد مع خزيمة أو أبي خزيمة الأنصاري :
لم أجدها مع أحد غيره
{ لقد جاءكم رسول من أنفسكم }
قال و كانت الصحف عند أبي بكر حياته حتى توفاه الله عز و جل ثم عند عمر حياته حتى توفاه الله عز و جل ثم عند حفصة بنت عمر أم المؤمنين انتهى حديث الأشيب
و زاد أبو الوليد في روايته قال إبراهيم بن سعد حدثني ابن شهاب عن أنس بن مالك :
أن حذيفة قدم على عثمان بن عفان و كان يغازي أهل الشام مع أهل العراق في فتح أرمينية و آذربيجان فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب كما اختلفت اليهود و النصارى فبعثت عثمان إلى حفصة : أن أرسلي المصحف أو قال الصحف نسخها في المصاحف ثم نردها إليك فبعث بها إليه فدعا زيد بن ثابت فأمره و أمر عبد الله بن الزبير و سعيد بن العاص
و قال غير أبي الوليد و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
و أمرهم أن ينسخوا الصحف في المصاحف و قال لهم : ما اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شيء فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم
فكتبت الصحف في المصاحف فبعث إلى كل أفق بمصحف و أمر بما سوى ذلك من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يمحى أو يحرف
قال ابن شهاب و أخبرني خارجة بن زيد أنه سمع زيد بن ثابت يقول : فقدت آية من سورة الأحزاب حين نسخت الصحف كنا نسمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأها فالتمستها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري :
{ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه }
فالحقتها به في سورتها في المصحف
قال ابن شهاب فاختلفوا يومئذ في التابوت فقال زيد بن ثابت التابوه و قال ابن الزبير و سعيد بن العاص التابوت فرفع كلامهم إلى عثمان فقال اكتبوه التابوت
رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن اسمعيل عن إبراهيم بن سعد دون قول ابن شهاب قال البيهقي رحمه الله و تأليف القرآن على عهد النبي صلى الله عليه و سلم
روينا عن زيد بن ثابت أنه قال :
كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم نؤلف القرآن من الرقاع
و إنما أراد ـ و الله تعالى أعلم ـ تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورتها و جمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه و سلم ثم كانت مثبتة في الصدور مكتوبة في الرقاع و اللخف و العسب فجمعت منها في صحف بإشارة أبي بكر و عمر و غيرهما من المهاجرين و الأنصار ثم نسخ ما جمع في الصحف في مصاحف بإشارة عثمان بن عفان على ما رسم المصطفى صلى الله عليه و سلم
و روينا عن سويد بن غفلة أنه قال : قال علي بن أبي
طالب : يرحم الله عثمان ! لو كنت أنا لصنعت في المصاحف ما صنع عثمان
و قد ذكرنا في كتاب المدخل وفي آخر كتاب دلائل النبوة ما يقوي هذا الإجماع و يدل على صحته و الحمد لله على حفظ عباده كتابه و تركهم على الواضحة وفقنا لمتابعة السنة و مجانبة البدعة (1/195)
172 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى أنا الفضل بن محمد بن المسيب ثنا النفيلي ثنا سفيان بن عيينة عن عبد العزيز بن رفيع قال : دخلت مع شداد بن معقل على ابن عباس فسألناه هل ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا سوى القرآن ؟ قال : ما ترك سوى ما بين هذين اللوحين و دخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال مثل ذلك
رواه البخاري في الصحيح عن قتيبة عن سفيان (1/197)
173 - أخبرنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي ثنا أبو حامد أحمد بن الحسن الحافظ ثنا محمد بن يحيى الذهلي و أبو حاتم الرازي قالا ثنا محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي ثنا يزيد بن سنان يعني أباه عن عطاء قال سمعت أبا الحجاج مجاهد بن جبر يقول سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت صهيبا يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
ما آمن بالقرآن من استحل محارمه (1/198)
174 - و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ثنا أحمد بن سعيد الرباطي ثنا صدقة بن صادق مولى بني هاشم ثنا مفضل بن مهلهل عن مجاهد عن سعيد بن المسيب قال : سمعت صهيبا يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
ما آمن بالقرآن من استحل حرامه
و في رواية أحمد محارمه
قال البيهقي رحمه الله و أما الإيمان بسائر الكتب مع الإيمان بالقرآن فهو نظير الإيمان بسائر الرسل مع الإيمان بنبينا صلى الله عليه و سلم و عليهم أجمعين و الذي يحق علينا معرفته في كلام الله عز و جل أن نعرف أن كلامه صفة من صفات ذاته يقوم به و كلامه مقروء في الحقيقة بقراءتنا محفوظ في قلوبنا مكتوب في مصاحفنا غير حال فيها كما أن الله تعالى مذكور في الحقيقة بألسنتنا معلوم في قلوبنا معبود في مساجدنا غير حال فيها و كلام الله تعالى و لا حد لاختلاف فيه و لا تعداد و لا حصر و لا قليل و لا كثير غير أنه إذا قرئ بالعربية سمي قرآنا وإذا قرئ بالسريانية سمي إنجيلا و إذا قرئ بالعبرانية سمي توراة و إنما سمي في هذه الشريعة قراءة ما سمي قرانا دون ما سمي توراة و إنجيلا لأن الله تعالى كذب أهل التوراة و الإنجيل الذين كانوا على عهد نبينا صلى الله عليه و سلم و أخبر عن خيانتهم و تحريفهم الكلام عن مواضعه و وضعهم الكتاب ثم يقولون هذا من عند الله و ما هو من عند الله و يقولون على الله الكذب و هم يعلمون فلا يأمن المسلم إذا قرأ شيئا من كتبهم أن يكون ذلك من وضع اليهود و النصاري (1/198)
175 - و قد أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار عن عبد الله بن الصقر بن نصر السكري ثنا أبو مروان ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال : كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء و كتابكم الذي أنزل الله عز و جل على نبيه صلى الله عليه و سلم أحدث الأخبار تقرؤونه محضا لم يشب ثم يخبركم الله في كتابه أنهم قد غيروا كتاب الله و بدلوه و كتبوا الكتاب بأيديهم ثم قالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ألا ينهاكم العلم الذين جاءكم عن مسألتهم و الله ما رأينا رجلا منهم قط سألكم عما أنزل الله إليكم (1/199)
176 - و أخبرنا علي عن أحمد بن عبيد ثنا عبيد بن بشر ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال : يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء و كتابكم الذي أنزل الله على نبيكم أحدث الأخبار بالله تقرؤونه فذكر نحوه
رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير و عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد و قد روينا عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله
عن النبي صلى الله عليه و سلم أن عمر أتاه فقال :
إنا نسمع أحاديث من اليهود تعجبنا أفتى أن نكتب بعضها ؟
فقال : أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود و النصارى ؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية و لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي (1/199)
177 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو الحسن الكارزي أنا علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد ثنا هشيم أنا مجالد : فذكره نحوه (1/200)
178 - قال أبو عبيد : و حدثنا معاذ عن ابن عون عن الحسن يرفعه نحو ذلك و قال : قال ابن عون فقلت للحسن متهوكون ؟ قال : متحيرون (1/200)
179 - حدثنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني إملاء أنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة ثنا الهيثم بن سهل التستري ثنا حماد بن زيد ثنا مجالد بن سعيد
و أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي ثنا أبو علي حامد بن محمد الرفاء ثنا محمد بن شاذان الجوهري ثنا زكريا بن عدي ثنا حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم و قد ضلوا زاد القاضي في روايته
و الله لو كان موسى عليه السلام حيا ما حل له إلا أن يتبعني
و روى عن جبير بن نفير عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه و سلم في محو ما كتب من قول اليهود بريقه و النهي عن ذلك (1/200)
الخامس من شعب الإيمان ـ و هو باب في أن القدر خيره و شره من الله عز و جل ـ قال الله تعالى : { وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله } قرأها و في هذه الآية دلالة على أن قوله : { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } معناه ما أصابك من شيء يسرك من صحة بدن و ظفر بعدو و سعة رزق غير ذلك فالله مبتديك بالإحسان به إليك و ما أصابك من شيء يسوءك و يغمك فبكسب يدك لكن الله مع ذلك سائقه إليك و القاضي به عليك و هو كما قال في آية أخرى : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } و قد يكون فيما يسوءه جراجات تصيبه أو قتل أو أخذ مال أو هزيمة و قد أمر في الآية الأخرى بأن يقول فيها و فيما يصيبه من خلافها { قل كل من عند الله } فدل أن ذلك كله بتقدير الله عز و جل غير أنه في الآية الأخرى أخبر أنه إنما يصيبه جزاء له بما جناه على نفسه بكسبه و ليس ذلك بخلاف لما أمر به فقال الآية الأولى (1/201)
180 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق أنا بشر بن موسى ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر : قال : كان أول من قال من القدر معبد الجهني بالبصرة قال فانطلقنا حجاجا أنا و حميد بن عبد الرحمن الحميري فلما قدمنا المدينة وافقنا عبد الله بن عمر و هو في المجسد فقلت يا أبا عبد الرحمن ! إن قبلنا ناسا يقرؤون القرآن و يتقفرون العلم و يقولون لا قدر و إنما الأمر أنف قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني منهم بريء و أنهم مني براء و الذي يحلف به عبد الله بن عمر لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر كله خيره و شره
حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :
بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر سفر و لا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه و وضع كفيه على فخذيه ثم قال يا محمد ! أخبرني عن الإيمان ما الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره قال صدقت و ذكر الحديث
أخرجه مسلم في صحيحه من وجه آخر عن كهمس
و رواه يزيد بن زريع عن كهمس و قال في الحديث :
أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و بالقدر خيره و شره حلوه و مره و بالبعث بعد الموت قال صدقت (1/201)
181 - و أخبرناه محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق أنا أبو المثنى ثنا محمد بن المنهال ثنا يزيد بن زريع ثنا كهمس فذكره
و قد روينا عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه و سلم في هذه القصة : تؤمن بالقدر كله
و روينا في الإيمان بالقدر عن علي بن أبي طالب و عبد الله بن عمر و أنس بن مالك و عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه و سلم (1/202)
182 - و قد أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري أنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن كثير أنا سفيان عن أبي سنان عن وهب بن خالد الحمصي عن ابن الديلمي قال : أتيت أبي بن كعب فقلت له وقع في نفسي شيء من القدر فحدثني بشيء لعل الله جل ثناؤه أن يذهبه من قلبي فقال : لو أن الله جل ثناؤه عذب أهل سماواته و أهل أرضه عذبهم و هو غير ظالم لهم و لو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم و لو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما تقبله الله منك حتى تؤمن بالقدر و تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك و ما أخطأك لم يكن ليصيبك و لو مت على غير هذا لدخلت النار قال : ثم لقيت ابن مسعود فقال مثل ذلك ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثني عن النبي صلى الله عليه و سلم مثل ذلك
و قد روينا عن عبادة بن الصامت و غيره في كيفية الإيمان بالقدر نحو ذلك
و في ذلك بيان أن المراد بالحديث الأول أن كل مقدور فالله قادره و أن الخير و الشر و إن كانا ضدين فإن قادرهما واحد و ليس قادر الشر غير قادر الخير كما تقوله الثنوية فإذا ثبت أن الإيمان بالقدر شعبة من شعب الإيمان فقد دل الكتاب ثم السنة على أن الله تعالى علم في الأزل ما يكون من عباده من خير و شر ثم أمر القلم فجري في اللوح المحفوظ بما علم قال الله تعالى :
{ و كل شيء أحصيناه في إمام مبين }
و قال : { ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها }
و قال : { كان ذلك في الكتاب مسطورا }
وروينا عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
كان الله و لم يكن شيء غيره و كتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات و الأرض
و روينا في هذا المعنى أحاديث كثيرة ثم إن الله جل ثناؤه خلق الخلق على ما علم منهم و على ما قدره عليهم قال الله تعالى :
{ إنا كل شيء خلقناه بقدر }
أي بحسب ما قدرناه قبل أن نخلقه فجرى الخلق على علمه و كتابه و السبب في نزول هذه : (1/203)
183 - ما أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر النحوي ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو نعيم ـ ح ـ
و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق أنا أبو المثنى قال ثنا محمد بن كثير قالا : ثنا سفيان عن زياد بن إسماعيل السهمي عن محمد بن عباد المخزومي عن أبي هريرة قال : كان مشركو قريش عند رسول الله صلى الله عليه و سلم يخالفونه في القدر فنزلت هذه الآية
{ إن المجرمين في ضلال وسعر * يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر * إنا كل شيء خلقناه بقدر } أخرجه مسلم في الصحيح من حديث سفيان (1/204)
184 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني ثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ثنا سفيان بن عيينة عن طاوس سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
احتج آدم موسى فقال موسى : يا آدم أنت أبونا خيبتنا أخرجتنا من الجنة فقال له آدم : يا موسى ! اصطفاك الله بكلامه و خط لك التوراة أتلومني على أمر قدره الله تعالى علي قبل أن يخلقني قال فحج آدم موسى فحج آدم موسى
أخرجه البخاري و مسلم في الصحيح من حديث سفيان بن عيينة
و في هذا دليل على تقدم على الله عز و جل بما يكون من أفعال العباد و صدورها عن تقدير منه و أنه ليس لأحد من الأدميين أن يلوم أحدا على القدر المقدر الذي لا مدفع له إلا على جهة التحذير للوقوع في المعصية و لم يكن قول موسى بعد خروج آدم من دار الدنيا في وقت يكون للتحذير فيه معنى فصار بما عارضه به آدك محجوجا بقضية المصطفى صلى الله عليه و سلم والله أعلم (1/204)
185 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحق أنا الحسن بن محمد بن زياد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو الأحوص عن منصور عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه قال : كنا في جنازة فلما انتهيا إلى بقيع الغرقد قعد رسول الله صلى الله عليه و سلم و قعدنا حوله فأخذ عودا فنكت به في الأرض ثم رفع رأسه فقال ما منكم من نفس منفوسة إلا و قد علم مكانها من الجنة و النار و شقية أم سعيدة قال : فقال رجل من القوم : يا رسول الله ! ألا ندع العمل و نتكل على كتابنا فمن كان منا من أهل السعادة صار إلى السعادة و من كان من أهل الشقوة صار إلى الشقاء ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اعملوا فكل ميسر فمن كان من أهل الشقوة ييسر لعملها ومن كان من أهل السعادة ييسر لعملها ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
{ فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى }
رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة و أخرجه من حديث جرير بن عبد الحميد عن منصور و من حديث الأعمش عن سعد (1/205)
186 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد آباذي ثنا أبو قلابة ثنا عثمان بن عمر أنا عرزة بن ثابت عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الدئلي قال : قال عمران بن حصين : أرأيت ما يعمل الناس و يكدحون فيه أشيء قضي عليهم من قدر قد سبق ؟ أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم و ثبتت عليهم به الحجة ؟ قال لا بل شيء قضي عليهم قال : فهل يكون ذلك ظلما ؟ قال ففزعت من ذلك فزعا شديدا و قلت ليس شيئا إلا و هو خلق الله و ملكه لا يسأل عما يفعل و هم يسألون قال فقال لي برحمك الله ! إني و الله ما سألتك إلا لأحزر عقلك إن رجلين ـ أو قال رجل ـ من مزينة أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال أرأيت ما يعملون و يكدح الناس فيه اليوم و يعملون فيه أقضي شيء عليهم و مضى عليهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم و اتخذت عليهم به الحجة ؟ قال : لا بل شيء قضى عليهم و مضى عليهم قال و فيما نعمل إذا ؟ قال : من كان خلقه الله لواحدة من المنزلتين فييسره لها و تصديق ذلك في كتاب الله عز و جل :
{ ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها }
رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم عن عثمان بن عمر
وفي هذا و الذي قبله دلالة على أن العبد إنما ييسر لما خلق له و أن التيسير إنما هو بحق الملك و لا يسأل عما يفعل و هم يسألون و يشبه أن يكونوا إنما تعبدوا بهذا النوع من التعبد ليتعلق خوفهم بالباطن المغيب عنهم فلا يتكلوا على ما يظهر من أعمالهم و رجاءهم بالظاهر البادي لهم فيرجوا به حسن أحوالهم و الخوف و الرجاء مدرجا العبودية فيستكملوا بذلك صفة الإيمان و في مثل هذا المعنى حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم (1/206)
187 - أخبرناه علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا سعدان بن منصور أنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو الصادق المصدوق : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث إليه الملك فينفخ فيه الروح ثم يؤمر بأربع : بكتب رزقه و عمله و أجله و شقي هو أم سعيد فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه و بينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها و إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه و بينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة و غيره عن أبي معاوية و أخرجه البخاري من وجه آخر عن الأعمش (1/206)
188 - حدثنا الشيخ أبي بكر بن فورك ثنا أبو بكر بن فورك ثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد الأصبهاني قال حدثني أبي ثنا عمرو بن علي أبو حفص ثنا أبو عبد الله الأسفاطي قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فقلت : يا رسول الله بلغنا عنك حديث الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود في القدر فقال نعم أنا قلته رحم الله الأعمش ! رحم الله زيد بن وهب ! و رحم الله عبد الله بن مسعود ! و رحم الله من حدث بهذا الحديث (1/207)
189 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب المتوثي بالبصرة إملاء ثنا أبو داود هو السجستاني ثنا محمد بن يزيد الأعور قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام جالسا مع عمر بن الخطاب و علي بن أبي طالب فقلت يا رسول الله حديث عبد الله بن مسعود حديث الصادق المصدوق أريد حديث القدر قال أنا و الله الذي لا إله إلا هو حدثته به ـ فأعادها ثلاثا غفر الله للأعمش ـ كما حدث به غفر الله لمن حدث به قبل الأعمش و غفر الله لمن حدث به بعد الأعمش
قال البيهقي رحمه الله و في الحديث دلالة على أن الاعتبار بما يختم عليه عمله و إنه إنما يختم بما سبق كتابه و في ذلك كله دلالة على أن الله سبحانه و تعالى يهدي من يشاء و يضل من يشاء و إن أعمال عباده مخلوقة له مكتسبة للعباد و مما دل عليه قوله عز و جل :
{ و الله خلقكم و ما تعملون }
و ما يعمله ابن آدم ليس هو الصنم و إنما هو حركاته و اكتساباته و قد حكم بأنه خلقنا و خلق ما نعمله و هو حركاتنا و اكتساباتنا
و قال : { الله خالق كل شيء }
و قال : { خلق السموات و الأرض و ما بينهما }
و أفعال الخلق بينهما و لا يتناول ذلك شيئا من صفات ذاته لأن صفات ذاته ليست بأغيار له فلا يتناولها كما لا يتناول ذاته و قال :
{ هل من خالق غير الله }
كما قال :
{ من إله غير الله }
فكما لا إله إلا هو كذلك لا خالق إلا هو و قال :
{ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون }
و هذه الآية كما هي حجة في الهداية و الإضلال فهي حجة في خلق الهداية و الضلال لأنه قال : يشرح و يجعل و ذلك يوجب الفعل و الخلق و الآيات في هذا المعنى كثيرة و روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :
اعملوا فكل ميسر لما خلق له
و عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه و سلم : إن الله خالق كل صانع و صنعته (1/207)
190 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن أبي المعروف أنا أبو سهل الاسفراييني أنا أبو جعفر الحذاء ثنا علي بن المديني ثنا مروان بن معاوية الفزاري ثنا أبو مالك عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن الله خلق كل صانع و صنعته
و روينا عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه و سلم قال :
الخير و الشر خليقتان ينصبان للناس يوم القيامة
و روينا في هذا الباب بين أحاديث كثيرة و هي في كتاب القدر مذكورة من أراد الوقوف عليها رجع إليها إن شاء الله تعالى
قال أصحابنا و لأن الإنسان لو صح أن يحدث شيئا فيما يصح أن يحدث لم يكن بعض ما يصح أن يحدث بأن يكون محدثه بأولى من بعض كما أن الله سبحانه و تعالى لما صح أن يحدث لم يكن بعض ما يصح أن يحدث بأن يصح منه احداثه بأولى من بعض و لأن الإنسان محدث و المحدث لا يصح أن يحدث كما أن الحركة لا يصح أن تتحرك
و لأن هذه الحوادث التي هي تقع على وجوه لا يقصدها ككون الكفر قبيحا من الكافر غير واقع على قصده لأن الكافر يقصد أن يقع كفره حسنا غير قبيح و لا يقع إلا قبيحا فدل أن قاصدا قصد إيقاعه قبيحا لأن يستحيل أن يقع كذلك من غير فاعل فعله على ما هو به و كذلك الإيمان يقع متعبا مؤلما و لو قصد المؤمن أن يقع على خلاف هذا الوجه لم يتأت منه ذلك دل أنه وقع كذلك لقصد موقع أوقعه كذلك غير الذي لو جهد لخلافه أن يقع لم يقع
و لأنا نجد الإنسان غير عالم بحقائق أفعاله كلها و كمياتها و عدد أجزائها و لا يجوز أن يكون مخترعا لها و هو لا يحيط بها علما إذ لو ساغ ذلك لم ينكر أن يكون سائر المخترعين كذلك و أن يكون كذلك حكمة الباري في اختراعه و لا يدخل عليه الكسب لأن الكسب هو اختراع عالم بحقائقه من جميع وجوهه جعله كسبا لنا و نحن مكتسبون له غير مخترعين له و الذي يؤكد هذه الطريقة قوله عز و جل :
{ وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور * ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير }
و ظاهر هذا إنه خلق الإسرار و الجهر اللذين يكتسبان بالقلب و أنه عليم بهما و كيف لا يعلم و هو خلقهما ؟ فدل أن الخلق يقتضي علم الخالق بالخلق من كل الوجوه
و لأن الدلالة قد قامت أن كل مقدور فالله قادر عليه لقيام الدلالة على أن القدرة من صفات ذاته كالعلم فوجب أن يقدر كل مقدور كما يعلم كل معلوم و إذا كان كذلك فوجب أن يكون إذا وجد و هو مقدور أن يكون مرادا له أن يكون فعله كما إذا وجد مقدور الإنسان مرادا له لم يكن فعله ؟
فإن قيل إذا كان الله خالقا لكسب العباد أفيقولون إن الفعل وقع من فاعلين ؟
قيل لا فاعل في الحقيقة إلا الله عز و جل كما أنه لا خالق إلا هو و الإنسان مكتسب على الحقيقة غير فاعل و لا محدث العين عن العدم
و كان الشيخ أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان يقول : فعل القادر القديم خلق و فعل القادر المحدث كسب فتعالى القديم عن الكسب و جل و صغر المحدث عن الخلق و ذل
و قال فإن قيل : أفتقولون هو مقدور لقادرين ؟
قيل : نعم أحدهما بخلقه و يخترعه و يخرجه عن العدم و هو الله سبحانه و تعالى
و الثاني يكتسبه و لا يخلقه و هو العبد و الخلق ما تعلقت به قدرة أزلية حادثة و الكسب ما تعلقت به قدرة حادثة فالقدر الأزلية تؤثر في الاختراع و القدرة الحادثة تؤثر في الاكتساب
فإن قالوا : فإذا كان الله تعالى خلق أعماله كلها أعمالا له فكيف يثيبه و يعاقبه
و قيل ليس الثواب من الله عز و جل إلا بتفضل عليه و أما العقاب فهو لو ابتلاه في العذاب كان له أن يفعله لأن ملكه و في قبضته و ليس الكفر علة العقاب و لا الإيمان علة الثواب إنما هما اماراتان جعلتا علمين لهما
فقيل : إن كنت كافرا عذبت في الآخرة و إن كنت مؤمنا عوفيت و أثبت و جميع ذلك من الثواب و العقاب و الكفر و الإيمان خلقه و اختراعه لا لعلة يفعل ما يشاء
فإن قيل فإذا عاقبه ما خلقه له كان ظالما له
قيل : لم قلت ذلك ؟ و ما ينكر أن حقيقة الظلم هو تعدي الحد و الرسم الذي يرسمه الآمر الذي لا آمر فوقه و إن يكون للظلم منه معنى إذ أفعاله كلها تقع على غير وجه التعدي و التحكم فيما لا يملك فلا يستحق اسم الظالم و لو ساغ ما قلته لم ينفصل ممن قال إذ أمكنه من الكفر و علمه أن لا يأتي إلا بالكفر لم يصح أن يعاقبه لأن يكون ظالما له حينئذ و ما الفصل ؟ و كذلك إذا خلق له الآلات و الحياة و القدرة و الشهوة للمعاصي و علم أنه لا يفعل بها إلا كفرا به عرضه للهلاك و العطب فيكون له ظالما و وجب أن يكون في إيلام الأطفال و المجانين و البهائم ظالما و لا معنى لتقدير العوض فيه فإن العوض لا يحسن به القبيح في الشاهد إلا بمرضاه فإذا كان جميع ذلك منه غير منسوب إلى الظلم لأنه المالك على الحقيقة و هو فيما يفعله في ملكه غير متعد ذلك ما قلنا لا فصل بينهما
فإن قيل : من خلق الكفر كان كافرا و من خلق الظلم كان ظالما
قيل له ما ينكر على من يقول من خلق النوم كان نائما و من خلق الخوف كان خائفا و من خلق المرض كان مريضا و من خلق الموت كان ميتا ؟ فإذا لم يلزم ذلك في هذه الأشياء لم يلزم في الكفر و الظلم
فإن قيل أفتقولون إن الله تعالى يشاء الكفر و الظلم ؟
قيل له إن أردت بقولك يشاء الكفر نفي الغلبة و العجز و الإكراه على ما يشاء فنعم يشاء أن يكون ما يريد
و جواب آخر و هو أن يشاء أن يكون موجودا لما لم يزل عالما بأن يكون موجودا فلا يكون خلاف ما علم و الكفر مما لم يزل كان عالما به أن يكون موجودا ألا تراه يقول :
{ يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة }
و فيه جواب آخر و هو أنه شاء أن يكون الكفر من الكافر خلاف الإيمان و من المؤمن ألا ترى أن موسى و هارون سألا إضلال فرعون و قومه و السد على قلوبهم فلا يؤمنوا فقال الله تعالى :
{ قد أجيبت دعوتكما فاستقيما }
فشاء إضلالهم و السد على قلوبهم فلا يؤمنوا لما أجاب دعوتهما
و فيه جواب آخر : يشاء أن يكون الكفر قبيحا ضلالا عمى خسارا لا نورا و هدى و حقا و بيانا و إن أردت تقول : يشاء الكفر أي يأمر به فلا تقول ذلك
فإن قيل : الحكيم من يريد أن يشتم و يذكر بسوء ؟
قيل الحكيم من يجري الشتم على لسان النائم و المبرسم و لا فعل لهما الحكيم من يخلق عبدا يعلم إنه لا يزال يشتمه و يجحده ثم يحدث له كل ساعة قوة جديدة
و قيل : من كان الشتم ينقصه فليس بحكيم و من لم ينقصه فحكيم لأنه يشاء ما لم يكن و لأن من يريد أن يكون شتم الشاتم له خلاف مدح المادح له فحكيم و من أراد أن يكون شتم الشاتم له معصية من الكافر لا طاعة فحكيم لأن من يريد الشيء على ما لا يكون خلافه فحكيم و من أراد أن يكون الشتم موجودا في الوقت الذي لم يزل به عالما أنه يكون فيه موجودا فحكيم لأنه أراد الشيء في الوقت الذي كان يكون فيه و من أراد أن لا يكون مغلوبا مقهورا مكروها على كون ما لا يريد فحكيم و الكلام في هذا يطول
فإن قيل ما تقولون في استطاعة العبد ؟
قيل : نقول هي قدرته و هي مع فعل العبد و هي توفيق من الله تعالى للطاعة و خذلان منه في المعصية قال الله عز و جل :
{ فضلوا فلا يستطيعون سبيلا }
و قد كانوا لسبيل الباطل مستطيعين فدل على أنه نفي عنهم استطاعة الحق لأنهم لم يكونوا فاعلين له و قال مخبرا عن صاحب موسى عليه السلام أنه قال :
{ إنك لن تستطيع معي صبرا }
فنفى عنه استطاعة الصبر حين أراد أن ينفي عنه الصبر و قال النبي صلى الله عليه و سلم :
كل ميسر لما خلق له
فدل أنه في حال كسبه ميسر و تيسيره قدرته و لأن المسلمين يقولون إنه لا يستطيع الخير إلا بالله و هو قبل كونه ليس بخير فدل على أنه استطاعتهم تكون معه و لأن الاستطاعة سبب للفعل يوجد بوجودها و يعدم بعدمها فجرت مع الكسب مجرى العلة مع المعلول ولا يصح تقدم العلة على المعلول فلا يصح تقدم الاستطاعة على الكسب (1/209)
191 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا علي بن حكيم الأودي أنا شريك عن يحيى ابن سعيد و عاصم عن القاسم عن عائشة رضي الله عنه قالت : فقدت النبي صلى الله عليه و سلم فاتبعته فانتهى إلى المقابر فقال السلام عليكم ديار قوم مؤمنين أنتم فرط لنا ثم التفت إلي فقال ويحها ! لو استطاعت ما فعلت و هذا يدل على ما قلنا في الاستطاعة لأنه نفى عنها الاستطاعة في المكث دون اتباع
فإن قيل : يقولون إن الله كلف العبد ما لا يطيقه إلا به و هذا معنى قول المسلمين لا حول و لا قوة إلا بالله و لذلك أمر الله عباده أن يقولوا :
{ إياك نعبد و إياك نستعين }
و لا تكون عبادة العبد إلا بمعونة الرب و قوله :
{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }
فمعناه إلا ما يحل لها أو لا تعجز عن فعله بزمانه أو غيرها أو أراد لا يكلف الله نفسا مؤمنة إلا وسعها لأنها نزلت في العفو عن المؤاخذة بحديث النفس و قد قال فيما علمنا :
{ ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به }
و لولا جواز ذلك لما عملنا هذه المسألة و إذا جاز تكليف ما قد علم أنه لا يكون فقد جاز تكليف ما لا يوفق له و لا يعان عليه
فإن قيل : أفتقولون إن في مقدور الله لطفا لو فعله بالكافر لآمن ؟
قيل : نعم و ذلك اللطف هو القدرة التي بها يفعل الطاعة و هو ضد ما فعله بالكافر قال الله عز و جل :
{ و لو شئنا لآتينا كل نفس هداها }
قال : { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون }
و قال : { ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا }
و الآيات في هذا المعنى كثيرة و كذلك الأخبار و لا يجب على الله ذلك و هو متفضل في فعله : إن شاء فعل و إن شاء ترك و من زعم أنه سوى بين الكافر في النظر بطل قوله بنفسين : أمات أحدهما قبل البلوغ و أمات الآخر بالغا كافرا مع علمه بأنه لو بلغ كان كافرا و نفسين أمات أحدهما مؤمنا و أبقى الآخر سنة أخرى حتى كفر مع علمه بأنه يكفر و الكلام في هذا يكثر (1/213)
192 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال سمعت أبا عثمان الخياط يقول سمعت ذا النون يقول : ثلاثة من علامات التوفيق : الوقوع في أعمال البر بلا استعداد له و السلامة من الذنب مع الميل إليه و قلة الهرب منه و استخراج الدعاء و الابتهال و ثلاثة من علامات الخذلان : الوقوع في الذنب مع الهرب منه و الامتناع من الخير مع الاستعداد له و انغلاق باب الدعاء و التضرع
قال البيهقي رحمه الله و قد روينا في هذه المسائل ما جاء في الأخبار و الآثار في كتاب القدر و أجبنا عما يحتجون به من الآيات و الأخبار و اقتصرنا على ما نقلنا في هذا الكتاب نحو الاختصار و بالله التوفيق
و مما يحق معرفته في هذا الباب أن الله عز و جل لا يجب عليه شيء و لا علة لصنعه و لا يقال لم فعل لأنه لو كان لفعله علة فإن كانت قديمة اقتضت قدم معلولها و ذلك محال و إن كانت حادثة كانت لها علة أخرى و لتلك العلة علة أخرى حتى تؤدي إلى ما لا يتناهى و ذلك محال و إن استغنت العلة عن العلة استغنى الحوادث عن العلة و ذلك محال فدل أن ربنا جل و عز فعال لما يريد لا علة لفعله و لا معقب لحكمه و أنه علم في الأزل ما يكون من الحوادث بخلقه فقدره على ما لم يزل عالما به ثم خلقه على ما قدره فلا تبديل لحكمه ولا مرد لقضائه و في الإيمان به وجوب التبري من الحول و القوة إلا إليه و الاستسلام للقضاء و القدر بالقلب و اللسان
أما بقلب بأن لا ينظر و لا يباشر مما يجري به القضاء مما يوافقه و لا يأسف و لا يحزن لما يأتي به القضاء مما لا يوافقه
و أما باللسان فهو أن لا يفتخر بما يعجبه على غيره و لا ينسب ذلك إلى سبب يكون مرجعه إلى نفسه و لا يتضجر مما يسوءه فعل من يشكو أحدا أو ينسبه إلى ظلم أصابه من قبله لكن يضيف الأمرين إلى الله جل ثناؤه و ينسبهما إلى فضله و قدره و يذعن و يستسلم لما يكرهه و يحمد الله على ما يسره
قال البيهقي رحمه الله و قد روينا أحاديث و حكايات في الترغيب في الاستسلام للقضاء و القدر و التبري من الحول و القوة من ذلك (1/215)
193 - ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني عبد الرحمن بن الحسن الهمداني ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا آدم ثنا شعبة ثنا يحيى بن سليم قال سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
ألا أعلمك أو أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة لا حول و لا قول إلا بالله يقول الله عز و جل أسلم عبدي و استسلم (1/216)
194 - و أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر بن عبد الله أنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا عبد الله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
المؤمن القوي خير و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف و في كل خير احرص على ما ينفعك و استعن بالله و لا تعجز و إن أصابك شر فلا تقل لو أني فعلت كذا و كذا قل قدر الله و ما شاء الله فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان
رواه مسلم في الصحيح عن ابن نمير
و روينا عن أنس بن مالك قال :
خدمت رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر سنين فما أرسلني في حاجة قط فلم تتهيأ ألا قال لو قضى الله كان و لو قدر كان (1/216)
195 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحق الفقيه أنا محمد ابن محمد بن حيان الأنصاري ثنا أبو الوليد ثنا الليث بن سعد حدثني قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال
يا غلام أو يا غليم ! احفظ الله يخفظك احفظ الله تجده تجاهك و إذا سألت فاسأل الله و إذا استعنت فاستعن بالله و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم يقدروا على ذلك و لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا على ذلك قضي القضاء و جفت الأقلام و طويت الصحف
و روينا في دعاء النبي صلى الله عليه و سلم :
اللهم إني أسألك الصحة و العفة و الأمانة و حسن الخلق و الرضى بالقدر
و في حديث آخر
و أسألك الرضى بعد القضاء (1/216)
196 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي : أنه سمع عبد الله الرازي يقول سئل أبو عثمان عن قول النبي صلى الله عليه و سلم
أسألك الرضا بعد القضاء فقال الرضا قبل القضاء عزم على الرضا و الرضا بعد القضاء هو الرضا (1/217)
197 - أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني أنا علي بن الحسن المصري قال سمعت أبا عثمان سعيد بن عثمان المصري يقول سمعت أبا سعيد الخراز يقول : الرضا قبل القضاء تفويض و الرضا بعد القضاء تسليم (1/217)
198 - أخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري نا جدي يحيى بن منصور ثنا أحمد بن سلمة ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن عامر بن سعد عن العباس بن عبد المطلب : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا و بالإسلام دينا و بمحمد نبيا (1/218)
199 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا المعلى بن منصور ثنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن الهاد : بهذا الحديث
أخرجه مسلم في الصحيح عن عبد العزيز (1/218)
200 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو الحسن محمد بن الحسن بن علي الوراق بمرو كتبه لي بخطه ثنا علي بن يزداد الجرجاني و كان قد أتى عليه مائة و خمسة وعشرون سنة قال سمعت عصام بن الليث الليثي السدوسي من بني مرارة في البادية يقول سمعت أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : قال الله تعالى :
من لم يرض بقضائي و قدري فليلتمس ربا غيري (1/218)
201 - أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوي و عبد الواحد بن محمد بن إسحاق المقرئ بالكوفة قالا حدثنا محمد بن علي بن دحيم ثنا إبراهيم بن إسحاق القاضي ثنا قبيصة عن سفيان عن العلاء عن أبي وائل عن عبد الله قال : أد ما افترض الله عليك تكن من أعبد الناس و اجتنب ما حرم عليك تكن من أورع الناس و ارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس (1/218)
202 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو عتبة ثنا بقية عن بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن يزيد بن مرثد عن أبي الدرداء قال : ذروة الإيمان أربع : الصبر للحكم و الرضا بالقدر و الإخلاص للتوكل و الاستسلام للرب عز و جل (1/219)
203 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا يحيى بن منصور القاضي حدثنا الحسن بن علي بن القاسم الشاذياخي حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا ابن أبي فديك حدثنا ابن أبي حميد ح
و أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو الحسن بن صبيح ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا أبو عامر العقدي ثنا محمد بن أبي حميد عن إسماعيل بن محمد بن سعد يعني ابن أبي وقاص عن أبيه عن جده : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
من سعادة ابن آدم استخارته الله و رضاه بما قضى الله عليه و من شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله و سخط بما قضى الله عز و جل
و رواه عمر بن علي المقدمي عن محمد بن أبي حميد و عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله عن إسماعيل (1/219)
204 - أخبرنا أبو علي بن شاذان البغدادي بها أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو بشر حاتم بن سالم القزاز ثنا زنفل العرفي يكنى أبا عبد الله ثنا عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد أمرا قال اللهم خر لي و اختر لي
و قد ذكرنا دعاء الاستخارة في غير هذا الموضع (1/219)
205 - أخبرنا محمد بن موسى أنا أبو عبد الله الصفار ثنا ابن أبي الدنيا ثنا إسحاق بن إسماعيل ثنا جرير عن ليث عن أبي وائل قال : قال عبد الله : يستخير أحدكم فيقول اللهم خر لي فيخير الله له فلا يرضى و لكن ليقل اللهم خر لي برحمتك و عافيتك و يقول اللهم اقض لي بالحسنى و من القضاء بالحسنى قطع اليد و الرجل و ذهاب المال و الولد ولكن ليقل اللهم اقض لي بالحسنى في يسر منك و عافية (1/220)
206 - أخبرنا محمد بن موسى ثنا أبو عبد الله الصفار ثنا ابن أبي الدنيا ثنا أبو خيثمة ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن إسحاق قال حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك عن محمد بن عمر بن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
إذا أراد أحدكم أمرا فليقل اللهم إني استخيرك بعلمك و استقدرك بقدرتك و أسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر و لا أقدر و تعلم و لا أعلم و أنت علام الغيوب اللهم إن كان كذا و كذا ـ للأمر الذي يرد ـ خيرا لي في ديني و معيشتي و عاقبة أمري و إلا فاصرفه عني و اصرفني عنه ثم اقدر لي الخير أين كان و لا حول و لا قوة إلى بالله (1/220)
207 - أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإمام أنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل أنا علي بن روحان العسكري ثنا علي بن محمد بن مروان السدي ثنا أبي حدثنا عمرو بن قيس الملائي
و أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا محمد بن يزيد أنا محمد بن خلف وكيع ثنا علي بن شعيب ثنا موسى بن بلا ثنا أبو عبد الرحمن السدي عن عمرو بن قيس الملائي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله و أن تحمدهم على رزق الله و أن تذمهم على ما لم يؤتك الله إن رزق الله لا يجره حرص حريص و لا يرده كره كاره إن الله بحكمه و جلاله جعل الروح و الفرح في الرضا و اليقين و جعل الغم و الحزن في الشك و السخط
محمد بن مروان ضعيف
و روي ذلك عن ابن مسعود من قوله مرة و مرفوعا أخرى أما المرفوع فما (1/221)
208 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا جعفر بن شعيب الشاشي ثنا أبو حمة ثنا أبو قرة عن سفيان بن سعيد عن منصور بن المعتمر عن خيثمة عن ابن مسعود : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :
لا ترضين أحدا بسخط الله و لا تحمدن أحدا على فضل الله و لا تذمن أحدا على ما لم يرد الله فإن رزق الله لا يسوقه إليه حرص حريص و لا يرده عنك كره كاره و أن الله عز و جل بقسطه و عدله جعل الروح و الراحة و الفرح في الرضا و اليقين و جعل الهم و الحزن في السخط و الشك
و أما الموقوف (1/221)
209 - فأخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ثنا الحسن بن الصباح ثنا سفيان عن أبي هارون المدني قال : قال ابن مسعود : الرضا أن لا ترضي الناس بسخط الله و لا تحمد أحدا على رزق الله و لا تلم أحدا على ما لم يؤتك الله فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص و لا يرده كراهية كاره و الله بقسطه و علمه جعل الروح و الفرح في اليقين و الرضا
و جعل الهم و الحزن في الشك و السخط (1/222)
210 - أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن شبانة الهمداني بها ثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن القاضي أنا محمد بن الحسن بن سماعة ثنا أبو نعيم ثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال : إذا طلب أحدكم الحاجة فليطلبها طلبا يسيرا فإنما له ما قدر له و لا يأتي أحدكم صاحبه فيمدحه فيقطع ظهره (1/222)
211 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا ابن نمير عن الأعمش عن المعرور بن سويد قال : قال عبد الله هو ابن مسعود : إن في طلب الرجل إلى أخيه الحاجة فتنة إن هو أعطاه حمد غيره الذي أعطاه و إن منعه ذم غير الذي منعه (1/222)
212 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني ثنا جدي ثنا أبو الوليد هشام بن إبراهيم المخزومي حدثنا موسى بن جعفر بن أبي كثير عن عمه قال : بلغني في قول الله عز و جل :
{ و أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة و كان تحته كنز لهما }
أن الكنز الذي كان لوحا من ذهب مكتوب فيه :
عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجبا لمن أيقن بالحساب كيف يضحك عجبا لمن أيقن بالقدر كيف يجزن ! عجبا لمن يرى الدنيا و زوالها و تقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ! لا إله لا الله محمد رسول الله (1/222)
213 - أخبرنا أبو عبد الله و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن المستورد ثنا حكم بن سليمان القرشي حدثني عمرو بن جميع عن جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي بن أبي طالب في : قول الله عز و جل :
{ و كان تحته كنز لهما }
قال : كان لوح من ذهب مكتوب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله عجبا لمن يذكر أن الموت حق كيف يفرح ! عجبا لمن يذكر أن النار حق كيف يضحك ! عجبا لمن يذكر أن القدر حق كيف يحزن ! وعجبا لمن يرى الدنيا و تصرفها بأهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها (1/223)
214 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو بكر بن الحسن و أبو سهيد بن أبي عمرو قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد ثنا أبو الجواب ثنا عمار بن رزيق عن أبي حصين عن يحيى بن وثاب عن مسروق قال : قال عبد الله : لا يؤمن العبد حتى يؤمن بالقدر يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم يكن ليصيبه و لأن أعض على جمرة حتى تطفئ أحب إلي من أن أقول لأمر قدره الله ليته لم يكن (1/223)
215 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أبو الحسين أحمد بن عثمان بن يحيى الأدمي ثنا عباس بن محمد الدوري ثنا الهيثم بن خارجة أنا سليمان بن عتبة عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
إن لكل شيء حقيقة و ما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم يكن ليصيبه (1/224)
216 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال : سمعت سعيد بن عثمان الخياط يقول : سمعت ذا النون يقول : من وثق بالمقادير لم يغتم (1/224)
217 - و بهذا الإسناد قال : سمعت ذا النون يقول : ارض عن الله وثق بالله فكل شيء بقضاء الله و أثن على الله فإنه من عرف الله رضي بالله و سره ما قضى و من طلب المعروف من عند الله تيسر لجود كف الله و لو عرف الإنسان ما قرب لما عصى الله لغير الله (1/224)
218 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبا أبو علي الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد القرشي قال : حدثني محمد بن الحسين حدثني عمار بن عثمان حدثني بشر بن سنان المجاشعي و كان من العابدين قال : قلت لعابد أوصيني قال ألق نفسك مع القدر حيث ألقاك فهو أحرى أن تفرغ قلبك و أن تقل همك و إياك أن تسخط ربك فيحل بك السخط و أنت عنه في غفلة و لا تشعر به (1/224)
219 - أخبرنا عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي ببغداد ثنا علي بن محمد بن الزبير الكوفي ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا زيد بن الحباب حدثني عبيد الله بن شميط بن عجلان عن أبيه عن الحسن قال : يصبح المؤمن حزينا و يمسي حزينا يتقلب في النوم و يكفيه ما يكفي العنيزة (1/224)
220 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا جعفر بن محمد بن نصير قال : سمعت أبا العباس بن عطاء يقول : ذروا التدبير و الاختيار تكونوا في طيب من العيش فإن التدبير و الاختيار يكدر على الناس عيشهم
قال : سئل أبو العباس أي منزلة إذا قام العبد بها قال مقام العبودية قال ترك التدبير
قال و سمعت أبا العباس يقول :
لا تحل السلامة حتى تكون في التدبير كأهل القبور
قال : و سمعت أبا العباس يقول :
الفرح في تدبير الله تعالى لنا و الشقاء في تدبيرنا (1/225)
221 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عمرو الزاهد ثنا أبو العباس محمد بن علي الأنصاري ثنا أبي قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : قال العلماء : من لم يصلح على تقدير الله لم يصلح على تقدير نفسه (1/225)
222 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنه سمع عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الرازي يقول : سمعت أبا العباس أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي يقول : من ترك التدبير عاش في راحة (1/225)
222 - سمعت أبا العباس يقول سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت عباس بن عاصم يقول : سمعت سهلا يقول : البلوي من الله على وجهين بلوى رحمة و بلوى عقوبة
فبلوى الرحمة يبعث صاحبه على إظهار فقره و فاقته إلى الله و ترك التدبير و بلوى العقوبة يبعث صاحبه على اختياره و تدبيره (1/226)
223 - حدثنا عبد الله بن يوسف الأصبهاني ثنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا محمد بن إسماعيل الأصبهاني قال : سمعت أبا تراب يقول : سمعت حاتما يقول : سمعت شقيقا يقول : يا فقير ! لا تشتغل و لا تتعب في طلب الغنى فإنه إذا قسم لك الفقر لا تكون غنيا (1/226)
224 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ثنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد قال : قال أيوب : إذا يكن ما تريد فأرد ما يكون (1/226)
225 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي ثنا محمد بن أحمد بن سعيد الرازي ثنا العباس بن حمزة ثنا أحمد بن أبي الحواري عن سفيان في : قوله :
{ و من يؤمن بالله يهد قلبه }
قال : بالرضا و التسليم (1/226)
226 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت علي بن أحمد بن عبد العزيز القزويني قال : سمعت جعفرا يقول : سمعت أبا العباس بن عطاء يقول : الرضا ترك الخلاف على الله فيما يجريه على العبد (1/227)
227 - أخبرنا أبو نصر عمر بن قتادة أنا أبو العباس محمد بن إسحاق الصبغي ثنا الحسن بن علي بن زياد ثنا إسحاق الفروي ثنا مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز قال : لقد تركتني هؤلاء الدعوات و ما لي في شيء من الأمور كلها أردت أني في موضع قدر الله
قال : و كان كثيرا ما يدعو اللهم رضني بقضائك و بارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته و لا تأخير شيء عجلته (1/227)
228 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ثنا أبو الحسن أحمد بن الحسن بن يزيد القزويني بالري ثنا محمد بن أيوب بن يحيى أنا سليمان العتكي ثنا حماد حدثنا يحيى بن سعيد قال : سمعت عمر بن عبد العزيز يقول : ما أصبح لي هوى في شيء سوى ما قضى الله عز و جل (1/227)
229 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا العباس بن محمد ثنا يحيى بن معين ثنا حجاج عن شعبة قال : قال لي يونس بن عبيد : ما تمنيت شيئا قط (1/227)
230 - أخبرنا أبو حازم الحافظ أنا محمد بن أحمد بن سنان ثنا الهيثم بن خلف ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال : سمعت إبراهيم بن الأشعث يقول : سمعت الفضيل بن عياض يقول : الراضي لا شيء فوق منزلته (1/227)
231 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال : سمعت أبا عثمان الخياط يقول : سمعت ذا النون يقول : ثلاثة من أعلام التسليم : مقابلة القضاء بالرضا و الصبر على البلاء و الشكر على الرخاء و ثلاثة من أعلام التفويض : ترك الحكم في أقدار الله في وقت إلى وقت و تعطيل الإرادة لإرادة في النوافل و أسباب الدنيا و النظر إلى ما يقع به من تدبير الله عز و جل و ثلاثة من أعلام ذكاء القلب : رؤية كل شيء من الله و قبول كل شيء عنه و إضافة كل شيء إليه (1/228)
232 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا أحمد الحافظ يقول : أنا أبو عثمان سعيد بن عبد العزيز الحلبي ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت أبا عبد الله النباجي يقول : أجل العبادة عندي ثلاثة لا ترد من أحكامه شيئا و لا تسأل غيره حاجة و لا تدخر عنه شيئا (1/228)
233 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت محمد بن أحمد بن شمعون : و كان قد سئل عن الرضا فقال الرضا بالحق و الرضا عنه و الرضا له فقال :
الرضا به مدبرا و مختارا و الرضا عنه قاسما و معطيا و الرضا له إلها و ربا (1/228)
234 - أخبرنا أبو عبد الرحمن أنه سمع منصور بن عبد الله يقول : سمعت العباس بن يوسف الشكلي يقول سمعت ابن الفرجي يقول : معنى الرضا فيه ثلاثة أقوال : ترك الاختيار و سرور القلب بمر القضاء و إسقاط التدبير من النفس حتى يحكم لها عليها (1/228)
235 - أخبرنا أبو عبد الرحمن أنه سمع أبا بكر بن شاذان يقول : سئل أبو عثمان البيكندي عن الرضا قال : من لم يندم على ما فات من الدنيا و لم يتأسف عليها (1/228)
236 - أخبرنا أبو سعد الماليني ثنا أحمد بن محمد بن الحسن ثنا أبو العباس بن حكمويه الرازي قال : سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول : يا ابن آدم لا تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت و لا تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت (1/229)
237 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن حازم ثنا عبيد الله بن موسى عن سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في : قوله :
{ لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم }
قال : ليس أحد إلا و هو يفرح و يحزن و لكن إذا أصابته مصيبة جعلها صبرا فإن أصابه خير جعله شكرا
قال البيهقي رحمه الله : و هذا يؤكد قول الحليمي رحمه الله في هذه الآية أن المراد بالحزن : التسخط و التفجر و المراد بالفرح فرح التبذخ و التكبر (1/229)
238 - أخبرنا أبو سعد الماليني ثنا أبو محمد الحسن بن أبي الحسين العسكري ثنا محمد بن أحمد بن عبد العزيز العامري حدثني عمر بن صدقة الحمال قال : كنت مع ذي النون بأخميم فسمع صوت لهو و دفاف و إكبار فقال ما هذا ؟ فقيل عرس لبعض أهل المدينة و سمع إلى جانبه بكاء و صياحا و ولولة فقال ما هذا ؟ فقيل فلان مات فقال لي عمر بن صدقة أعطوا هؤلاء فما شكروا و ابتلوا هؤلاء فما صبروا و لله علي إن بت في هذه المدينة فخرج من ساعته من أخميم إلى الفسطاط (1/229)
239 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو الوليد ثنا أبو عبد الله البوشنجي ثنا أحمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن بشر بن جابان الصنعاني عن حجر بن قيس المدري قال : بت عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فسمعته و هو يصلي من الليل يقرأ فمر بهذه الآية
{ أفرأيتم ما تمنون * أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون }
قال : بل أنت يا رب ثلاثا ثم قرأ :
{ أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون }
قال : بل أنت يا رب أنت يا رب بل أنت يا رب ثم قرأ :
{ أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون }
قال : بل أنت يا رب ثلاثا ثم قرأ :
{ أفرأيتم النار التي تورون * أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون }
قال : بل أنت يا رب ثلاثا (1/229)
240 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن علي الصنعاني ثنا إسحاق بن إبراهيم أنا عبد الرزاق عن معمر عن جعفر بن برقان : أن عيسى ابن مريم عليه السلام كان يقول :
اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره و لا أملك نفع ما أرجو و أصبح الأمر بيد غيري و أصحبت مرتهنا بعملي فلا فقير أفقر مني اللهم لا تشمت بي عدوي و لا تسؤ بي صديقي و لا تجعل مصيبتي في ديني و لا تسلط علي من لا يرحمني (1/230)
241 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي فيما قرئ عليه حكاية عن بعضهم أنه قال : كما الدين في التبري من الحول و القوة و الرجوع في الكل إلى من له الكل
قال : و قال سهل :
ما نظر أحد إلى نفسه فأفلح و لا ادعى لنفسه حالا فتم له و السعيد من الخلق من صرف بصره عن أفعاله و أقواله و فتح له سبيل الفضل و الأفضال و رؤية منه الله عليه في جميع الأفعال و الشقي من زين في عينه أفعاله و أقواله فافتخر بها و ادعاها لنفسه فسوف تهلكه يوما فإن لم تهلكه في الوقت ألا ترى الله عز و جل كيف حكى عن قارون قوله : { إنما أوتيته على علم عندي }
نسي الفضل و ادعى لنفسه فضلا فخسف الله به ظاهرا وكم قد خسف بالأشرار و أصحابها لا يشعرون بذلك و خسف الأشرار هو منع العصمة و الرد إلى الحول و القوة و إطلاق اللسان بالدعاوي العريضة و العمى عن رؤية الفضل و القعود عن القيام بالشكر على ما أولي و أعطي حينئذ يكون وقت الزوال (1/230)
242 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن جعفر الآدمي القارئ ثنا أبو العيناء ثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمداني ثنا أبي عن مجالد عن الشعبي عن محمد بن الأشعث الكندي قال : إن لكل شيء دولة حتى إن للحق على العقل دولة
قال البيهقي رحمة الله الدولة لمن وافقه القضاء و التقدير قال الله تعالى :
{ و تلك الأيام نداولها بين الناس } (1/231)
243 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن حمش يقول : سمعت أبي يقول : إذا لم تطع ربع فلا تأكل رزقه و إذا لم تجتنب نهيه فأخرج من مملكته و إذا لم ترض بفعله فأطلب ربا سواه و إذا عصيته فأخرج إلى مكان لا يراك (1/231)
244 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا منصور الصوفي ابن ابنة إبراهيم بن حمش الزاهد يقول : سمعت جدي يقول : يضحك القضاء من الحذر و يضحك الأجل من الأمل ويضحك التقدير من التدبير و تضحك القسمة من الجهد و الغناء (1/231)
245 - أنشدنا أبو عبد الله الحافظ أنشدني أبو محمد الحسين بن علي العلوي الشهيد أنشدني المثنى لنفسه : ـ ( و بعين مفتقر إليك رأيتني فهجرتني و نزلت بي من حالق )
( لست الملوم أنا الملوم لأنني أنزلت حاجاتي بغير الخالق ) (1/232)
246 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الماموني يقول : سمعت أبا عمر الزاهد ينشد للشافعي رحمه الله : ـ ( و إذا سمعت بأن مجدودا حوى عودا فأثمر في يديه فصدق )
( و إذا سمعت بأن محروما أتى ماء ليشربه فغاض فحقق )
( و من الدليل على القضاء و كونه بؤس اللبيب و طيب عيش الأحمق ) ـ (1/232)
247 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو الصقر أحمد بن الفضل الكاتب بهمدان أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب أنشدنا عبد الله بن شبيب : ـ ( ليس اختيار و لا عقل و لا أدب يجدي عليك إذا لم يسعد القدر )
( ما يقضه الله لا يعييك مطلبه و السعي في نيل ما لم يقضه عسر )
( كم مانع نفسه آرابها حذرا للفقر ليس له من ماله ذخر )
( إن كان إمساكه للفقر يحذره فقد يعجل فقرا قبل يفتقر ؟ ) (1/232)
248 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنشدنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن إسحاق النحوي أنشدنا أحمد بن عبيد الله الدرامي بأنطاكية لنفسه : ـ ( يا لائم الدهر على ما بنا لا تلم الدهر على غدره )
( فالدهر مأمور له آمر ينصرف الدهر إلى أمره )
( كم كافر بالله أمواله تزداد أضعافا على كفره )
( و مؤمن ليس له دانق يزداد إيمانا على فقره )
( لا خير فيمن لم يكن عاقلا يبسط رجليه على قدره ) (1/232)
249 - أخبرنا أبو عبد الله أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ثنا محمد بن عبد السلام ثنا إسحاق بن إبراهيم أنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس و ذكر قصة سليمان بن داود عليهما السلام في مسيره قال : فبينما هو يسير في فلاة إذا احتاج إلى الماء فجاءه الهدهد فجعل ينقر الأرض فأصاب موضع الماء فجاءت الشياطين فسلخت ذلك الموضع كما تسلخ الإهاب فأصابوا الماء
قال : نافع بن الأرزق قف أرأيت الهدهد كيف يجيء فينقر الأرض فيصيب موضع الماء و هو يجيء إلى الفخ و هو لا يبصره حتى يقع في عنقه
قال ابن عباس : إن القدر إذا جاء حال دون البصر (1/232)
250 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول الحسن بن أحمد بن موسى القاضي يقول سمعت الترمذي يقول : إذا جاء القدر عمي البصر و إذا جاء الحين غطى العين (1/233)
251 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنشدنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن ثابت البغدادي قال : أنشدنا أبو عمرو الزاهد : ـ ( إذا أراد الله أمرا بامرئ و كان ذا رأي و عقل و بصر )
( و حيلة يعملها في كل ما يأتي به محتوك أساب القدر )
( أغراه بالجهل و أعمى عينه فسله عن عقله سل الشعر )
( حتى إذا أنفذ فيه حكمه رد عليه عقله ليعتبر ) (1/233)
252 - أنشدنا الأستاذ أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب أنشدني أبو جعفر محمد بن صالح الأوبري أنشدنا حماد بن علي البكراوي لمحمود بن الحسن الوراق : ـ ( توكل على الرحمن في كل حاجة أردت فإن الله يقضي و يقدر )
( متى ما يرد ذو العرش أمرا بعبده يصبه وما للعبد ما يتخير )
( و قد يهلك الإنسان من وجه أمنه و ينجو بحمد الله من حيث يحذر ) (1/233)
253 - قال : و أنشدني أبو الفوارس جنيد بن أحمد الطبري : ـ ( العبد ذو ضجر و الرب ذو قدر و الدهر ذو دول و الرزق مقسوم )
( و الخير أجمع فيما اختار خالقنا و في اختيار سواه اللوم و الشوم ) (1/233)
السادس من شعب الإيمان و هو باب في الإيمان باليوم الآخر ـ قال الحليمي رحمه الله و معناه التصديق بأن لأيام الدنيا آخرا أي أن هذه الدنيا منتقضة و هذا العالم منتقض يوما صنعه منحل وقتا تركيبه و في الاعتراف بانقضائه اعتراف بابتدائه لأن القديم لا يفنى و لا يتغير قال : و في اعتقاده و انشرح الصدر به ما يبعث على فضل الرهبة من الله تعالى جده ـ و قلة الركون إلى الدنيا و التهاون بأحزانها و مصائبها و الصبر عليها و على مضض الشهوات و احتسابا وثقة بما عند الله ـ تعالى جده ـ عنها من حسن الجزاء و الثواب و قد ذكره الله عز و جل في كتابه فقال : { و من الناس من يقول آمنا بالله و باليوم الآخر و ما هم بمؤمنين } و قال : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر } إلى غير ذلك من الآيات سواها قال البيهقي رحمه الله : و روينا في حديث ابن عمر عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه و سلم حين سئل عن الإيمان فقال : أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و تؤمن بالقدر خيره و شره (1/235)
254 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو بكر بن محمد الصوفي ثنا عبد الصمد بن الفضل ثنا عبد الله بن يزيد عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر : فذكره
قال الحليمي رحمه الله و قد أخبر الله عز و جل على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم :
أنه مفني ما على الأرض و مبدل الأرض غير الأرض و أن الشمس تكور و البحار تسجر و الكواكب تنتثر و السماء تتفطر و تصير كالمهل فتطوى كما يطوى الكتاب و إن الجبال تصير كالعهن المنفوش وينسفها ربي نفسا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا و لا أمتا و كل ذلك كائن كما جاء به الخبر و وعد الله صدق و قوله حق
قال : و الساعة التي تكرر ذكرها في القرآن على وجهين :
أحدهما : الساعة الآخرة من ساعات الدنيا قال الله عز و جل :
{ يسألونك عن الساعة أيان مرساها }
فهذا على الساعة الآخرة لقوله :
{ لا تأتيكم إلا بغتة }
و كذلك قوله :
{ و ما يدريك لعل الساعة تكون قريبا }
و الآخر : الساعة الأولى من ساعات الآخرة قال الله عز و جل :
{ و يوم تقوم الساعة }
يعني حين يبعث من في القبور لقوله :
{ يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة }
و كذلك قوله :
{ و يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب }
قال البيهقي رحمه الله : و قد نطق القرآن بأن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يعلم متى تقوم الساعة و لا يعلمه أحد من خلق الله
و قول النبي صلى الله عليه و سلم : بعثت أنا و الساعة كهاتين
معناه ـ و الله تعالى أعلم ـ أني أنا النبي الآخر و لا يليني نبي آخر و إنما يلني القيامة و هي مع ذلك دانية لأن أشراطها متتابعة بيني و بينها غير أن ما بين أول أشراطها إلى آخرها غير معلوم و قد ذكرنا في كتاب البعث و النشور ما ورد من الأخبار في أشراطها فأغنى ذلك عن إعادتها ها هنا
و روينا عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
و الذي نفس محمد بيده لتقومن الساعة و قد نشر الرجلان ثوبا بينهما لا يتبايعانه و لا يطويانه و لتقومن الساعة و هو يليط حوضه لا يسقيه و لتقومن الساعة و قد انصرف الرجل بلبن لقحته من تحتها لا يطعمها و قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها (1/235)
255 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن خالد ثنا بشر بن شعيب عن أبيه : فذكره
و رواه البخاري في الصحيح عن أبي اليمان عن شعيب
و أخرجه مسلم من حديث سفيان عن أبي الزناد (1/237)
السابع من شعب الإيمان وهو باب في الإيمان بالبعث و النشور بعد الموت ـ و آيات القرآن في البعث كثيرة فمنها قول الله عز و جل : { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا } و قوله : { قل الله يحييكم ثم يميتكم } و قوله : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا و أنكم إلينا لا ترجعون } و روينا عن مطر الوراق عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه و سلم في حديث الإيمان قال فقال يا رسول الله صلى الله عليه و سلم ما الإيمان ؟ قال : الإيمان أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و بالبعث من بعد الموت و بالقدر كله (1/239)
256 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الأشناني أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس ثنا عثمان بن سعيد الدرامي ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن مطر : فذكره
و هو مخرج في كتاب مسلم
و الإيمان بالبعث هو أن يؤمن بأن الله تعالى يعيد الرفات من أبدان الأموات و يجمع ما تفرق منها في البحار و بطون السباع و غيرها حتى تصير بهيئتها الأولى ثم يجمعها حية فيقوم الناس كلهم بأمر الله تعالى أحياء صغيرهم و كبيرهم حتى السقط الذي قد تم خلقه و نفخ فيه الروح فأما الذي لم يتم خلقه أو لم ينفخ فيه الروح أصلا فهو و سائر الأموات بمنزلة واحدة و الله تعالى أعلم
و أما قول الله عز و جل في صفة القيامة :
{ إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها }
فإنما أراد الحوامل اللاتي لم يضعن أحمالهن فإذا بعثن أسقطن تلك الأحمال من فزع يوم القيامة ثم إن كانت الأحمال أحياء في الدنيا أسقطنها يوم القيامة أحياء و لا يتكرر عليها الموت و إن كانت الأحمال لم ينفخ فيها الروح في الدنيا أسقطنها أمواتا كما كانت لأن الإحياء إنما هو إعادة الحياة إلى من كان حيا فأميت و من لم يكن له في الحياة الدنيا نصين فلا نصيب له في الحياة الآخرة
و قد ذكر الله عز و جل في غير آية من كتابه إثبات البعث منها قول الله عز و جل :
{ أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم }
و قال : { أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير }
فأحال بقدرته على إحياء الموتى على قدرته خلق السماوات و الأرض التي هي أعظم جسما من الناس
و منها قوله عز و جل :
{ قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم }
فجعل النشأة الأولى دليلا على جواز النشأة الآخرة لأنها في معناه ثم قال :
{ الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون }
فجعل ظهور النار على حرها و يبسها من الشجر الأخضر على نداوته و رطوبته دليلا على جواز خلقه الحياة من الرمة البالية و العظام النخرة و قد نبهنا الله عز و جل في غير آية من كتابه على إحياء الموتى بالأرض تكون حية تنبت و تنمى و تثمر ثم تموت فتصير إلى أن لا تنبت و تبقى خاشعة هامدة ثم تحيى فتصير إلى أن تنبت و تنمى و هو الفاعل لحياتها و موتها ثم حياتها فإذا قدر على ذلك لم يعحزه أن يميت الإنسان و يسلبه معاني الحياة ثم يعيدها إليه و يجعل كما كان
و نبهنا على إحياء النطفة التي هي ميتة و خلق الحيوان منها على قدرته على إحياء الموتى فقال عز و جل :
{ كيف تكفرون بالله و كنتم أمواتا فأحياكم }
يعني نطفا في الأصلاب و الأرحام فخلقكم منها بشرا تنتشرون قال تعالى :
{ ألم نخلقكم من ماء مهين * فجعلناه في قرار مكين * إلى قدر معلوم * فقدرنا فنعم القادرون }
فأعملهم أنه إذا أخرج النطفة من صلب الأب فهي ميتة ثم إنه جل ثناؤه جعلها حية في رحم الأم يخلق من يخلف منها و يركب الحياة فيه فهذه إحياء ميتة في المشاهدة فمن يقدر على هذا لا يعجز عن أن يميت هذا الخلق ثم يعيده حيا ثم بسط هذا المعنى في آية أخرى
فقال
{ ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى * أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى }
و نبهنا على ذلك بخلق الحب و النوى فقال عز من قائل :
{ إن الله فالق الحب و النوى يخرج الحي من الميت }
و ذلك أن الحب إذا جف و يبس بعد انتهاء تمامه وقع اليأس من ازدياده فكذلك النوى إذا تناهى عظمه وجف و يبس كانا ميتين ثم إنهما إذا أودعا الأرض الحية فلقهما الله تعالى و أخرج منهما ما يشاهد من النخل و الزرع حيا ينشأ و ينمو إلى أن يبلغ غايته و يدخل في هذا المعنى البيضة تفارق البائض و يجري عليها حكم الموت ثم يخلق الله منها حيا فهل هذا إلا إحياء الميتة و هو أمر مشاهد و العلم به ضرورة
و قد نبهنا الله عز و جل على إحياء الموتى بما أخبر من اراءة إبراهيم عليه السلام إحياء الأموات و قد نقلته عامة أهل الملل
و بما أخبر به عن الذين أخرجوا من ديارهم و هم ألوف حذر الموت فقال لهم الله : موتوا ثم أحياهم
و بما أخبر به عن الذي مر على قرية و هي خاوية على عروشها قال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها ؟ فأماته الله مائة عام ثم بعثه
و بما أخبر به عن عصا موسى عليه السلام و قلبه إياه حية ثم أعادتها خشبة ثم جعلها عند محاجة السحرة حية ثم اعادتها خشبة و قد أشركت عامة أهل الملل في نقله
و بما أخبر به من شأن أصحاب الكهف الذين ضرب على آذانهم زيادة على ثلاثمائة سنة ثم أحياهم ليدل قومهم عند ما أعثر عليهم على أن ما أنذروا به من البعث بعد الموت حق لا ريب فيه و قد نقلنا الآثار في شرح ذلك في الأول من كتاب البعث و النشور (1/239)
الثامن من شعب الإيمان و هو باب في حشر الناس بعد ما يبعثون من قبورهم إلى الموقف الذي بين لهم من الأرض ـ فيقومون ما شاء الله تعالى فإذا جاء الوقت الذي يريد الله محاسبتهم فيه أمر بالكتب التي كتبتها الكرام الكاتبون بذكر أعمال الناس فأوتوها فمنهم من يؤتي كتابه بيمينه فأولئك هم السعداء و منهم من يؤتي كتابه بشماله أو وراء ظهره و هؤلاء هم الأشقياء قال الله تعالى في المطففين : { ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون * ليوم عظيم * يوم يقوم الناس لرب العالمين } و أخبرنا أن الناس يكونون يوم القيامة واقفين على أقدامهم و أبان أنه لا حال لهم يومئذ سوى القيام (1/243)
257 - حدثنا أبو الحسن العلوي أخبرنا أبو حامد هو ابن الشرقي ثنا محمد بن يحيى الذهلي حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي عن صالح بن كيسان ثنا نافع أن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يقوم الناس يوم القيامة لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث يعقوب (1/243)
258 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر بن عبد الله أخبرنا الحسن بن سفيان ثنا الحكم بن موسى ثنا يحيى بن حمزة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال حدثني سليم بن عامر حدثني المقداد بن الأسود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل
قال سليم بن عامر فو الله ما أدري ما عنى بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي يكحل به العين ؟ قال :
فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه و منهم من يكون إلى ركبته و منهم من يكون إلى حقويه و منهم من يلجه إلجاما
قال و أومأ رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى فيه
رواه مسلم في الصحيح عن الحكم بن موسى
و قد ذكرنا سائر الأحاديث فيه في كتاب البعث
قال الله عز و جل :
{ وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا }
و قال عز و جل :
{ وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون }
و قال تعالى :
{ عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }
و قال { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون }
و أخبر أن الذين يقرأون كتبهم يقولون :
{ مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها }
و أن من أوتي كتابه بيمينه فيقول :
{ هاؤم اقرؤوا كتابيه * إني ظننت أني ملاق حسابيه * فهو في عيشة راضية * في جنة عالية }
{ وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية }
{ فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا * وينقلب إلى أهله مسرورا * وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبورا * ويصلى سعيرا }
و إذا وقف الناس على أعمالهم من الصحف التي يؤتونها حوسبوا بها و لعل ذلك ـ و الله أعلم ـ لأن الناس إذا بعثوا لا يكونون ذاكرين لأعمالهم فإن الله عز و جل قال :
{ يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه }
فإذا ذكروها و وقفوا عليها حوسبوا عليها
و قد جاء في كيفية المحاسبة أخبار ذكرناها في كتاب البعث و النشور منها ما : (1/243)
259 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز ثنا عبد الله بن محمد بن شاكر ثنا أبو أسامة ثنا الأعمش عن خيثمة بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما منكم من أحمد إلا سيكلمه ربه ليس بينه و بينه حجاب و لا ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى شيئا إلا شيئا قدمه و ينظر أشأم منه فلا يرى إلا شيئا قدمه و ينظر أمامه فلا يرى إلا النار فاتقوا النار و لو بشق تمرة
رواه البخاري في الصحيح عن يوسف بن موسى عن أبي أسامة
و في هذا دليل على أنه يحاسب المكلفين بنفسه و أنه يخاطبهم معا و لا يخاطبهم واحدا بعد واحدا و على هذا تدل سائر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم غير أن تكليمه أهل رحمته مما يزيدهم بشارة و كرامة و تكليمه أهل عقوبته مما يزيدهم خسارة و حسرة قال الله تعالى :
{ ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين }
مع سائر ما ورد فيه من الكتاب و السنة
و قد قيل إنه يأمر ملائكته بمحاسبة الخلق بأمره و قد قيل إنه يتولى حساب المؤمنين بنفسه و يأمر الملائكة بمحاسبة الكفار و ما دل عليه ظاهر ما ذكرناه من السنة الصحيحة و أشرنا إليه أصح الأقاويل في ذلك و الله أعلم
و إذا انتهى الحساب كان بعده وزن الأعمال لأن الوزن للجزاء (1/245)
260 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى يقول سمعت أبا عبد الله محمد بن إبراهيم العبدوي يقول سمعت إبراهيم بن أبي طالب يقول : سمعت إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبا سيف الزاهد يقول : ما أحب أن يلي حسابنا غير الله عز و جل لأن الكريم يتجاوز (1/246)
261 - و أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا ابن أبي الدنيا حدثني الحسين بن عمرو عن يحيى بن يمان قال : قال سفيان الثوري : ما أحب أن حسابي جعل إلى والدي ربي خير لي من والدي
قال البيهقي رحمه الله و قد روي معناه في حديث مسند لكنه يشبه أن يكون موضوعا فلم أجسر على نقله ثم إني نقلته لشهرته بين المذكرين و أنا ابرأ من عهده (1/246)
262 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في التاريخ حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن إسحاق الزهري ثنا محمد بن زكريا الغلابي ثنا عبيد الله بن محمد التيمي ثنا أبي عن عمه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال أعرابي يا رسول الله من يحاسب الخلق يوم القيامة ؟
قال : الله قال : الله ؟ قال : الله قال نجونا و رب الكعبة ! قال : و كيف يا أعرابي ؟ قال : لأن الكريم إذا قدر عفا (1/246)
263 - أخبرنا أبو الحسن بن علي بن محمد المقرئ الإسفرايني بها ثنا الحسن بن محمد بن إسحاق : فذكره بإسناده نحوه تفرد به محمد بن زكريا الغلابي عن عبيد الله بن محمد بن عائشة و الغلابي متروك
و قد أخبر الله عز و جل ثناؤه أن المحاسبة تكون بشهادة النبيين و الشهداء و قال تعالى :
{ وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون }
و قال : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا }
فالشهيد في هذه الآية النبي صلى الله عليه و سلم و شهيد كل أمة نبيها و أما الشهداء في الآية قبلها فالأظهر أنهم كتبة الأعمال تحضر الأمة و رسولها فيقال للقوم ماذا أجبتم المرسلين ؟ و يقال للرسل ماذا أجبتم ؟ فقال الرسل لله :
{ لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب }
و كأنهم نسوا ما أجيبوا به و تأخذ الهيبة بمجامع قلوبهم فيذهلون في تلك الساعة عن الجواب ثم يثبتهم الله و يحدث لهم ذكرى فيشهدون بما أجابتهم به أممهم
قال البيهقي رحمه الله فإن كذبت أمة رسولها و قالت ما أتانا من نذير (1/247)
264 - فقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء أنا جعفر بن عون ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يدعى نوح عليه السلام يوم القيامة فيقال : هل بلغت فيقول نعم ! فتدعى أمته فيقال : هل بلغكم ؟ فيقولون ما أتانا من نذير و ما أتانا من أحد قال : فيقال : من شهودك ؟ قال : فيقول : محمد و أمته قال فيؤتى بكم فتشهدون أنه قد بلع و ذلكم قول الله عز و جل : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا }
رواه البخاري في الصحيح عن إسحاق بن منصور عن جعفر بن عون و بمعناه رواه أبو أسامة عن الأعمش و رواه أبو معاوية عن الأعمش فقال في الحديث :
يجيء النبي يوم القيامة و معه الثلاثة و الأربعة و الرجلان حتى يجيء النبي و ليس معه أحد قال : فيقال لهم : هل بلغتم ؟ فيقولون : نعم قال : فيدعي قومهم فيقال لهم : هل بلغوكم ؟ فيقولون : لا قال فيقال : للنبيين : من يشهد لكم أنكم قد بلغتم ؟ قال : فيقولون أمة محمد صلى الله عليه و سلم قال : فتدعى أمة محمد فيشهدون أنهم قد بلغوا قال : فيقال : و ما علمكم بهم أنهم قد بلغوا ؟ قال : فيقولون : جاءنا رسولنا بكتاب أخبرنا أنهم قد بلغوا فصدقناه قال : فيقال : صدقتم قال : و ذلك قول الله عز و جل في كتابه :
{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } (1/248)
265 - أخبرناه محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو معاوية : فذكره
فهذا فيما بين كل نبي و قومه فأما كل واحد من القوم على الانفراد فالشاهد على صحيفة عمله و كاتباها فإنه قد أخبر في الدنيا بأن عليه ملكين موكلين يحفظان أعماله و ينسخانها فأما إخبار الله عز و جل عن شهادة الجوارح على أهلها بقوله تعالى :
{ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون }
و قوله : { وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون }
{ وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء }
{ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون }
و روينا في الحديث الثابت عن أنس بن مالك قال :
كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فضحك فقال : أتدرون مم أضحك ؟ قال قلنا الله و رسوله أعلم قال : ما مخاطبة العبد ربه يقول : يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ قال فيقول بلى قال فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهد مني قال فيقول :
كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا
و بالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه و يقال لأركانه : انطقي
قال : فتنطق بأعماله قال : ثم يخلى بينه و بين الكلام فيقول بعدا لكن و سحقا ! فعنكن كنت أناضل (1/248)
266 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثني أبو بكر بن أبي النضر ثنا أبو النضر عن الأشجعي عن سفيان عن عبيد المكتب عن فضيل بن عمرو عن الشعبي عن أنس بن مالك : فذكره
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي النضر
و روينا في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم حديث الرؤية قال :
فيلقى العبد فيقول أي فل ألم أكرمك و أسودك و أزوجك و أسخر لك الخيل و الإبل و أدرك ترأس و تربع ؟ قال فيقول : بلى أي رب قال فيقول أظننت إنك ملاقي ؟ فيقول : لا فيقول إني اليوم أنساك كما نسيتني ثم يلقى الثاني فيقول : أي فل ! فذكر في السؤال و الجواب مثل الأول ثم يلقى الثالث فيقول مثل ذلك فيقول : آمنت بك و بكتابك و برسولك و صليت و صمت و تصدقت
فيقال : الآن نبعث شاهدنا عليك فيكفر في نفسه من الذي يشهد عليه فيختم على فيه و يقال لفخذه انطقي ! فتنطق فخذه و لحمه و عظمه بعمله ما كان ذلك ليعذر من نفسه و ذلك المنافق و ذلك الذي سخط الله عليه (1/249)
267 - أخبرناه محمد بن عبد الله ثنا أبو بكر بن إسحاق ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه و سلم بهذا الحديث
و هو مخرج في كتاب مسلم
و فيه دلالة على أن بغضهم تشهد عليهم ألسنتهم و بعضهم ينكر فيختم على أفواهم و تشهد عليهم سائر جوارحهم
و يشبه أن يكون هذا الإنكار من المنافقين كما في خبر أبي هريرة
و يشبه أن يكون منهم و ممن شاء الله و من سائر الكافر حين رأوا يوم القيامة فيغفر الله لأهل الإخلاص ذنوبهم لا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره و لا يغفر الشرك قالوا : إن ربنا يغفر الذنوب و لا يغفر الشرك فتعالوا حتى نقول إنا كنا أهل ذنوب و لم نكن مشركين فقال الله عز و جل أما إذ كتموا الشرك فاختموا على أفواههم فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم و تشهد أرجلهم ما كانوا يكسبون فعند ذلك عرف المشركون أن الله لا يكتم حديثا فذلك قوله :
{ يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا }
و هذا فيما روينا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه سئل عن ذلك فذكره
و قد قال الله عز و جل في سورة زلزلت :
{ يومئذ تحدث أخبارها }
و روينا عن أبي هريرة مرفوعا أنه سئل عمن البيهقي الآية فقال أن تشهد على كل عبد و أمة بما عملوا على ظهرها فتقول : عما كذا و كذا في يوم كذا و كذا فذلك أخبارها
و دلت الأخبار عن سيدنا المصطفى صلى الله عليه و سلم على أن كثيرا من المؤمنين يدخلون الجنة بغير حساب و كثيرا منهم يحاسبون حسابا يسيرا و كثيرا منهم يحاسبون حسابا شديدا (1/250)
268 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة ثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ثنا محمد بن فضيل ثنا حصين قال سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب ثم دخل و لم يبين لهم فأفاض القوم فقالوا نحن الذين آمنا بالله و اتبعنا رسوله فنحن هم أو أولادنا الذين ولدوا على الإسلام فإنا نحن ولدنا في الجاهلية فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : هم الذين لا يكتوون و لا يسترقون و لا يتطيرون و على ربهم يوكلون فقال عكاشة بن محصن : أنا منهم يا رسول الله ؟ قال نعم ثم قال رجل آخر أنا منهم يا رسول الله ؟ قال : قد سبقك بها عكاشة
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة
و رواه البخاري عن عمران بن ميسرة عن ابن الفضيل
و رويناه في حديث عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه و سلم :
إنه تغيب عنهم ثلاثا لا يخرج إلا لصلاة مكتوبة فقيل له في ذلك قال : إن ربي عز و جل وعدني أن يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفا لا حساب عليهم و إني سألت ربي في هذه الثلاثة الأيام المزيد فوجدت ربي واجدا ماجدا كريما فأعطاني مع كل واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا قال : قلت يا رب و تبلغ أمتي هذا ؟ قال أكمل لك العدد من الأعراب
و قد ذكرناه في كتاب البعث و النشور (1/251)
269 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق إملاء ثنا أبو مسلم و يوسف بن يعقوب قالا : ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي ملكية عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
من حوسب عذب
قالت عائشة يا رسول الله فأين قوله :
{ فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا }
قال ذلكم العرض و لكنه من نوقش الحساب عذب
رواه البخاري في الصحيح عن سليمان
و رواه مسلم عن أبي الربيع عن حماد (1/252)
270 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو زرعة الدمشقي ثنا أحمد بن خالد الوهبي ثنا محمد بن إسحق
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن جعفر القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي ثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا محمد بن إسحاق حدثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في بعض صلاته
اللهم حاسبني حسابا يسيرا فلما انصر قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟
قال ينظر في كتابه و يتجاوز له عنه و إنه من نوقش الحاسب يومئذ يا عائشة هلك و كل ما يصيب المؤمن يكفر الله عنه حتى الشوكة تشوكه (1/252)
271 - أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب أنا أبو بكر الإسماعيل أخبرني الحسن بن سفيان ثنا هدبة بن خالد ثنا همام بن يحيى ثنا قتادة عن صفوان بن محرز قال : كنت آخذا بيد عبد الله بن عمر فأتاه رجل فقال كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في النجوى قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
إن الله عز و جل يدني المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه يستره من الناس فيقول أي عبدي ! تعرف ذنب كذا و كذا ؟ فيقول : نعم أي رب ! حتى إذا قرره بذنوبه و رأى في نفسه أنه قد هلك قال : إني قد سترتها عليك في الدنيا و قد غفرتها لك اليوم قال ثم أعطي كتاب حسابه و أما الكافر و المنافق فيقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم إلا لعنة الله على الظالمين
رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل عن همام
و أخرجاه من وجه آخر عن قتادة
قال البيهقي رحمه الله قوله يدني المؤمن يريد به : يقربه من كرامته و قوله يضع عليه كنفه يريد ـ و الله أعلم ـ عطفه و رأفته و رعايته (1/253)
272 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنا أبو عبد الله الصفار ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ثنا عبد الرحمن بن صالح ثنا جرير عن أشعث ثنا شمر بن عطية في : قوله :
{ إن ربنا لغفور شكور }
قال غفر لهم الذنوب التي عملوها و شكر لهم الخير الذي دلهم عليه فعملوا به فأثابهم عملهم (1/254)
273 - و أخبرنا أبو سعيد ثنا أبو عبد الله ثنا ابن أبي الدنيا حدثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس قال سمعت ابن عمر يقول : كل ابن آدم خطاء إلا ما رحم الله (1/254)
274 - قال و أنا ابن أبي الدنيا ثنا سعدويه عن مبارك بن فضالة عن الحسن يقول : إن الله لا يجازي عبده بذنوبه و الله ما جازى الله عبدا قط بالخير و الشر إلا هلك و لكن الله إذا أراد بعبد خيرا أضعف له الحسنات و ألقى عنه السيئات
قال الحليمي رحمه الله و إذا كان من المؤمنين من يكون أدنى إلى رحمة الله فيدخله الجنة بغير حساب فليس ببعيد أن يكون من الكفار من هو أدنى إلى سخط الله فيدخله النار بغير حساب
قال البيهقي رحمه الله و قد قال الله عز و جل :
{ و لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون }
و قال : { فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان }
{ فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس و لا جان }
{ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي و الأقدام }
و قال : { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون * من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم * وقفوهم إنهم مسؤولون }
{ فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون }
و لا اختلاف بين هذه الآيات و وجه الجمع بينها ما روينا عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال لا يسألهم عن عملهم كذا و كذا لأنه أعلم بذلك منهم و لكن يقول عملتم كذا و كذا
و روينا عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله :
{ و لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون }
يقول لا يسأل كافر عن ذنبه كل كافر معروف بسيماه و في قوله :
{ فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس و لا جان }
يعني يوم تشقق السماء و تكور لا يسأل عن ذنبه إنس و لا جان و ذلك عند الفراغ من الحساب و كل معروف يعرف المجرمون بسيماهم أما الكافر فبسود وجهه و زرقة عينيه و أما المؤمن فاغر محجل من أثر الوضوء (1/254)
275 - أخبرنا أبو عبد الرحمن الدهان أنا الحسين بن محمد بن هارون أنا اللباد ثنا يوسف بن بلال ثنا محمد بن مروان عن الكلبي : فذكره و قال الحليمي رحمه الله معنى قوله :
{ و لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون }
و قوله : { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس و لا جان }
سؤال التعرف بتمييز المؤمن عن الكافر أي أن الملائكة لا تحتاج أن تسأل أحدا يوم القيامة فتقول ما كان ذنبك ؟ و ما كنت تصنع في الدنيا ؟ حين يتبين له بإخباره عن نفسه إنه كان مؤمنا أو كافرا لكن المؤمنين يكونون ناضري الوجوه مشروحي الصدور و المشركين يكونون سود الوجوه زرقا مكروبين فهم إذا كلفوا سوق المجرمين إلى النار و تمييزهم في الموقف عن المؤمنين كفتهم مناظرهم عن تعرف ذنوبهم و الله أعلم
قال البيهقي رحمه الله و هذا الذي ذكره الحليمي رحمه الله أشبه أن يكون مأخوذا مما روينا عن تفسير الكلبي و بمعناه ذكره مقاتل بن سليمان في الآية الأخيرة غير أنه لم يذكر الفراغ من الحساب فقال في قوله تعالى :
{ و لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون }
ذلك أن كفار مكة قالوا لو أن عندنا ذكرا يعني خبرا من الأولين بم أهلكوا فأنزل الله عز و جل :
{ و لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون }
يقول لا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الماضية الذين عذبوا في الدنيا فإن الله تعالى قد أحصى أعمالهم الخبيثة و علمها (1/255)
276 - أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق ثنا عبد الخالق بن الحسن أنا عبد الله بن ثابت أخبرني أبي عن الهذيل عن مقاتل : فذكره (1/256)
277 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : في قوله :
{ فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس و لا جان }
قال يقول لا تسأل الملائكة عن المجرم إنسا و لا جانا يقول يعرفون بسيماهم
قال البيهقي رحمه الله : من زعم أن الكافرين غير مخاطبين بشرائع الإسلام زعم أنهم لا يسألون عما يعلمون مما كانت مللهم تقتضيه و إن كان في الإسلام ذنبا و يسألون عن الله و عن رسله صلوات الله عليهم و عن الإيمان في الجملة و ما نقلناه عن أهل التفسير أصح و الله أعلم (1/256)
فصل ـ و إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال لأن الوزن للجزاء فينبغي أن يكون بعد المحاسبة فإن المحاسبة لتقرير الأعمال و الوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها قال الله عز و جل : { و نضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا } و قال : { والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون } و قال : { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } إلى قوله : { وهم فيها كالحون } و قال : { فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية } آخر السورة و قد ورد ذكر الميزان في حديث الإيمان فالإيمان به كالإيمان بالبعث و بالجنة و بالنار و سائر ما ذكر معه (1/257)
278 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الله المنادي ثنا يونس بن محمد ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الإيمان قال :
الإيمان أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و تؤمن بالجنة و النار و الميزان وتؤمن بالبعث بعد الموت و تؤمن بالقدر خيره و شره قال : يعني السائل إذا فعلت هذا فأنا مؤمن ؟ قال نعم قال : صدقت
قال البيهقي رحمه الله في الآية التي كتبناها دلالة على أن أعمال الكفار توزن لأنه قال في آية أخرى :
{ بما كانوا بآياتنا يظلمون }
و الظلم بآيات الله الاستهزاء بها و ترك الإذعان لها و قال في آية : { في جهنم خالدون } إلى أن قال : { ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون }
و قال في آية :
{ فأمه هاوية * وما أدراك ما هيه * نار حامية }
و هذا الوعيد بالإطلاق لا يكون إلا للكفار فإذا جمع بينه و بين قوله :
{ و إن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها }
ثبت أن الكفار يسألون عن كل ما خالفوا به الحق من أصل الدين و فروعه إذا لو لم يسألوا عما وافقوا فيه أصل تدينهم من ضروب تعاطيهم و لم يحاسبوا بها لم يعتد بها في الوزن أيضا و إذا كانت موزونة في وقت الوزن دل ذلك على أنهم يحاسبون بها في موقف الحساب و الله أعلم
و هذا على قول من قال في الكفار أنهم مخاطبون بالشرائع و هو الصحيح لأن الله عز و جل يقول :
{ وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة }
فتوعدهم على منع الزكوة و أخبر عن المجرمين أنهم يقال لهم :
{ ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين }
فبان بهذا أن المشركين مخاطبون بالإيمان بالبعث و بإقام الصلاة و إيتاء الزكاة و أنهم مسؤولون عنها مخاطبون بها مجزون على ما أخلوا به منها و الله أعلم
و اختلفوا في كيفية الوزن فذهب ذاهبون إلى أن الكافر قد يكون منه صلة الأرحام و مواساة الناس و رحمة الضعيف و إغاثة اللهفان و الدفع عن المظلوم و عتق المملوك ونحوها مما لو كانت من المسلم لكانت برا و طاعة فمن كان له أمثال هذه الخيرات من الكفار فإنها تجمع و توضع في ميزانه لأن الله تعالى قال :
{ فلا تظلم نفس شيئا }
فتأخذ من ميزانه شيئا غير أن الكفر إذا قابلها رجح بها و قد حرم الله الجنة على الكفار فجزاء خيراته أن يخفف عنه العذاب فيعذب عذابا دون كفار كأنه لم يصنع شيئا من هذه الخيرات و من قال بهذا احتج بما (1/257)
279 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الوليد أنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي
قال أبو الوليد : و أنا عبد الله بن محمد ثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قالا : ثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن العباس بن عبد المطلب قال : قلت : يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحفظك و يغضب لك ؟ قال : نعم هو في ضحضاح من النار و لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار
و رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة و رواه مسلم عن محمد بن أبي بكر و ابن أبي الشوارب
قال البيهقي رحمه الله : و ذهب ذاهبون إلى أن خيرات الكافر لا توزن ليجزي بها بتخفيف العذاب عنه و إنما توزن قطعا لحجته حتى إذا قابلها الكفر رجح بها و أحبطها أو لا توزن أصلا و لكن يوضع كفره أوكفره و سائر سيئاته في إحدى كفتيه ثم يقال له : هل لك من طاعة نضعها في الكفة الأخرى ؟ فلا يجدها فيتثاقل الميزان فترتفع الكفة الفارغة و تبقى الكفة المشغولة فذلك خفة ميزانه فأما خيراته فإنها لا تحسب بشيء منها مع الكفر
قال الله عز و جل :
{ و قدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا }
و روينا عن عائشة رضي الله عنه قالت :
يا رسول الله ! إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم و يطعم المسكين فهل ذاك نافعه ؟ قال : لا ينفعه لأنه لم يقل يوما : رب اغفر لي خطيئيتي يوم الدين
و روينا عن عدي بن حاتم أنه سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن أبيه فقال : إن أباك طلب أمرا فأدركه يعني الذكر
وروينا عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها في الدنيا و يجزي بها في الآخرة و أما الكافر فيعطى بحسناته في الدنيا حتى إذا افضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى به خيرا (1/259)
280 - أخبرناه أبو الحسين بن الفضل القطان أنا أحمد بن محمد بن زياد أبو سهل القطان ثنا إسحاق بن الحسن الحربي حدثنا عفان ثنا همام عن قتادة عن أنس : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله عز و جل فذكر الحديث
و أخرجاه مسلم في الصحيح من حديث همام
قال البيهقي رحمه الله : من قال بالأول زعم أن المراد بالآية و الأخبار أنه لا يكون لحسنات الكافر موقع التخليص من النار و الإدخال في الجنة و قد يجوز أن يخفف عنه من عذابه الذي استوجبه بسيئاته بما تقدم منه في الشرك من خيراته
و قد روي في حديث مرفوع ما : (1/260)
281 - حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان أنا أبو عبد الله محمد بن يزيد الجوزي ثنا زكريا بن يحيى البزاز ثنا زيد بن أخزم الطائي ثنا عامر بن مدرك ثنا عتبة بن يقظان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما أحسن من محسن كافر أو مسلم إلا أثابه الله عز و جل
قلنا يا رسول الله ! و ما إثابه الله الكافر ؟ قال : إن كان وصل رحما أو تصدق بصدقة أو عمل حسنة أثابه الله تعالى و إثابته إياه المال و الولد و الصحة وأشباه ذلك قال قلنا : و ما أثابته في الآخرة ؟ قال : عذاب دون العذاب و قرأ : { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب }
قال البيهقي رحمه الله : و هذا أن ثبت ففيه الحجة و إن لم يثبت لأن في إسناده من لا يحتج به
و حديث أبي طالب صحيح و لا معنى لإنكار الحليمي رحمه الله الحديث و لا أدري كيف ذهب عنه صحة ذلك فقد روي من أوجه عن عبد الملك بن عمير و روي من وجه آخر صحيح عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم بمعناه
و قد أخرجه صاحب الصحيح و غيرهما من الأئمة في كتبهم الصحاح و إنما يصح لمن ذهب المذهب الثاني في خيرات الكافر أن يقول حديث أبي طالب خاص في التخفيف عن عذابه بما صنع إلى النبي صلى الله عليه و سلم خص به أبو طالب لأجل النبي صلى الله عليه و سلم تطيبا لقلبه و ثوابا له في نفسه لا لأبي طالب فإن حسنات أبي طالب صارت بموته على كفره هباء منثورا
و مثل هذا حديث عروة بن الزبير في اعتاق أبي لهب ثويبة و إرضاعها رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله في النون بشر خيبة فقال له : ما لقيت ؟ فقال أبو لهب : لم نر بعدكم رجاء غير أني سقيت في هذه مني بعتاقتي ثويبة و أشار إلى النقيرة التي بين الإبهام و التي تليها
و هذا أيضا لأن الإحسان كان مرجعه إلى صاحب النبوة فلم يضيع و الله أعلم
و أما المؤمنون يحاسبون فإن أعمالهم توزن و هم فريقان : أحدهما المؤمنون المتقون لكبائر الذنوب فهؤلاء توضع حسناتهم في الكفة النيرة و و صغائرهم ـ إن كانت لهم ـ في الكفة الأخرى فلا يجعل الله لتلك الصغائر وزنا و تثقل الكفة النيرة و ترتفع الكفة الأخرى ارتفاع الفارع الخالي فيؤمر بهم إلى الجنة و يثاب كل واحد منهم على قدر حسناته و طاعاته كما تلونا في الآيات التي ذكرناها في الموازين
و الآخر : المؤمنون المخئطون : و هم الذين يوافون القيامة بالكبائر و الفواحش غير أنهم لم يشركوا بالله شيئا فحسناتهم توضع في الكفة النيرة و آثامهم و شيئاتهم في الكفة المظلمة فيكون يومئذ لكبائرهم التي جاؤوا بها ثقل و لحسناتهم ثقل إلا أن الحسنات تكون بكل حال أثقل لأن معها أصل الإيمان و ليس مع السيئات كفر و يستحيل وجود الإيمان و الكفر معا لشخص واحد و لأن الحسنات لم يرد بها إلا وجه الله تعالى و السيئات لم يقصد بها مخالفة الله و عناده بل كان تعاطيها لداعية الهوى و على خوف من الله عز و جل و إشفاق من غصبه فاستحال توازي السيئات ـ و إن كثرت ـ حسنات المؤمن و لكنها عند الوزن لا تخلوا من تثقيل و يقع بها الميزان حتى يكون ثقلها كبعض ثقل الحسنات فيجزي أمر هؤلاء على ما ورد به الكتابة جملة و دلت سنة المصطفي صلى الله عليه و سلم على تفصيلها و هو قوله عز و دل :
{ إن الله يغفر الذنوب جميعا }
و قوله : { و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء }
فيغفر لمن يشاء بفضله و يشفع فيمن شاء منهم بإذنه و يعذب من شاء منهم بمقدار ذنبه ثم يخرجه ثم يخرجه من النار إلى الجنة برحمته كما ورد به خبر الصادق
و قد دل الكتاب على وزن أعمال المخلطين من المؤمنين و هو قوله عز و جل :
{ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين }
و إنما أراد ـ و الله أعلم ـ أنه لا يترك له حسنة إلا توزن و هذا بالمؤمن المخلط لأنه لو تركت له حسنة لم توزن لزاد ذلك في ثقل سيئاته فأوجب ذلك زيادة في عذابه
فأما أن الوزن كيف يكون ؟ ففيه وجهان :
أحدهما أن صحف الحسنات توضع في الكفة النبيرة و صحف السيئات في الكفة المظلمة لأن الأعمال لا تنسخ في صحيفة واحدة و لا كاتبها يكون واحدا لكن الملك الذي يكون عن اليمين يكتب الحسنات و الملك الذي يكون على الشمال يكتب السيئات فيتفرد كل واحد منهما بما ينسخ فإذا جاء وقت الوزن وضعت الصحف في الموازين فيثقل الله عز و جل ما يحق تثقيله و يخفف ما يحق تخفيفه
و الوجه الآخر أن يجوز أن يحدث الله تبارك و تعالى أجساما مقدرة بعدد الحسنات و السيئات و يميز إحداهما عن الأخرى بصفات تعرف بها فتوزن كما توزن الأجسام بعضهما ببعض في الدنيا و الله أعلم و يعتبر في وزن الأعمال مواقعها من رضي الله عز و جل و سخطه
و ذهب أهل التفسير إلى إثبات هذا الميزان بكفتيه و جاء في الأخبار ما دل عليه و قد روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال :
الميزان له لسان و كفتان يوزن فيه الحسنات و السيئات فيؤتي بالحسنات في أحسن صورة فتوضع في كفة في كفة الميزان فيثقل على السيئات قال : فيؤخذ فيوضع في الجنة عند منازله ثم يقال للمؤمن : الحق بعملك قال فينطلق إلى الجنة فيعرف منازله بعمله قال : و يؤتى بالسيئات في أقبح صورة فتوضع في كفة الميزان فتخفف ـ و الباطل خفيف ـ فيطرح في جهنم إلى منازله منها و يقال له : الحق بعملك إلى النار قال : فيأتي النار فيعرف منازله بعمله و ما أعد الله فيها من ألوان العذاب قال ابن عباس : فلهم أعرف بمنازلهم في الجنة و النار بعملهم من القوم ينصرفون يوم الجمع راجعين إلى منازلهم (1/260)
282 - أخبرنا أبو عبد الرحمن الدهان أنا الحسين بن محمد بن هارون ثنا أحمد بن محمد بن نصر ثنا يوسف بن بلال ثنا محمد بن مروان عن الكلبي : فذكره (1/263)
283 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا عبد الله بن الحسين القاضي ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا يونس بن محمد ثنا الليث بن سعد حدثني عامر بن يحيى عن أبي عبد الرحمن المعافري ثم الحبلي قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة و تسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يا رب فيقول ألك عذر ؟ فيقول لا يا رب فيقول : بلى إن لك عندنا حسنة و إنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال إنك لا تظلم قال : فتوضع السجلات في كفة و البطاقة في كفة فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة و لا يثقل مع اسم الله تعالى شيء
و رواه عبد الله بن صالح عن الليث بهذا الإسناد و قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
سيصاح يوم القيامة برجل من أمتي على رؤوس الخلائق ينشر عليه تسعة و تسعين سجلا فذكر الحديث (1/264)
فصل في بيان كبائر الذنوب و صغائرها و فواحشها ـ قال الله عز و جل : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن } و قال : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } و قال : { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم } و قد ورد النبي صلى الله عليه و سلم في عدد الكبائر ما (1/264)
284 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي أنا أبو الحسين أحمد بن عثمان الآدمي ثنا أبو إسماعيل الترمذي ثنا الأويسي ثنا سلميان بن بلال عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
اجتنبوا السبع الموبقات قالوا : يا رسول الله و ما هن ؟ قال : الشرك بالله و السحر و قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و أكل الربا و أكل مال اليتيم و التولي يوم الزحف و قذف المحصنات المؤمنات الغافلات
رواه البخاري في الصحيح عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي
و أخرجه مسلم من وجه آخر عن سليمان
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : و ليس في تقييده ذلك بالسبع منع الزيادة عليهم و إنما فيه تأكيد اجتنابهن ثم قد ضم إليهن غيرهن
روينا عن عبيد بن عمير عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم :
الكبائر تسع
فذكرهن و ذكر معهن : عقوق الوالدين و استحلال البيت الحرام
و في الحديث الثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الكبائر فقال :
الشرك بالله و قتل النفس و عقوق الوالدين و قال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر : قوله الزور ـ أو قال ـ شهادة الزور بدل قول الزور
و روي في الحديث الثابت عن عبد الله بن عمرو قال :
جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام : ما الكبائر ؟ قال : الإشراك بالله قال : ثم ماذا ؟ قال : عقوق الوالدين قال : ثم ماذا ؟ قال : اليمين الغموس
و في الحديث الثابت عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا : يا رسول الله ! و هل يشتم الرجل والديه ؟ قال : نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه و يسب أمه فيسب أمه
و في الحديث الثابت عن عبد الله بن مسعود قال :
قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله عز و جل ؟ قال : أن تجعل لله ندا و هو خلقك قلت : ثم ماذا ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم قلت : ثم ماذا ؟ قال : أن تزاني حلية جارك
و في الحديثة الثابت عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال و حوله عصبة من أصحابه
بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا و لا تسرقوا و لا تزنوا و لا تقتلوا أولادكم و لا تأتوا ببهتان و لا تعصوا في معروف
و قد ورد في الكتاب تحريم الميتة و الدم و لحم الخنزير و سائر ما ذكر معهما و ورد فيه تحريم الخمر و الميسر و ورد فيه تحريم أكل مال اليتيم و تحريم أكل الأموال بالباطل و تحريم قتل النفس و تحريم الزنا و السرقة و غير ذلك و هو في مواضعه مذكور
وورد في السنة حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم :
ليس بين العبد و بين الشرك إلا ترك الصلاة
و إنما أراد و الله أعلم تخصيص الصلاة لوجوب القتل بتركها
و قد أورد الحليمي رحمه الله ما أوردناه ثم قال : و إذا تتبع ما في الكتاب و السنة من المحرمات كثر و إنما أوردنا هذا لنبين الصغائر و الكبائر بيانا حاويا نأتي به على ما نحتاج إليه في هذا الباب بإذن الله
فتقول : قتل النفس بغير حق كبيرة فإن كان المقتول أبا و ابنا أو ذا رحم في الجملة أو أجنبيا متحرما بالحرمة و بالشهر الحرام فهو فاحشة و أما الخدشة و الضربة بالعصا مرة أو مرتين فمن الصغائر
و الزنا كبيرة فإن كان بحليلة الجار أو بذات محرم أو لا بواحدة من هاتين لكن بأنه في شهر رمضان أو في البلد الحرام فهو فاحشة قال الله عز و جل :
{ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم }
و أما ما دون الزنا الموجب للحد فإنه من الصغائر فإن كان مع امرأة الأب أو حليلة الابن أو مع أجنبية ايم لكن على سبيل القهر و الإكراه كان كبيرة
و قذف المحصنات كبيرة و إن كانت المقذوفة أما أو أختا أو امرأة زانية كان فاحشة
و قذف الصغيرة و المملوكة و الحرة المتهتكة من الصغائر و كذلك القذف بالخيانة و الكذب و السرقة
و الفرار من الزحف كبيرة فإن كان من واحد أو اثنين ضعيفين و هو أقوى منهما أو اثنين حملا عليه بلا سلام و هو شاك السلام فذلك فاحشة
و عقوق الوالدين كبيرة فإن كان مع العقوق سب أو شتم أو ضرب فهو فاحشة و إن كان العقوق بالاستثقال لأمرهما نهيهما و العبوس في وجوههما و التبرم بهما مع بذل الطاعة و لزوم الصمت فهذا من الصغائر فإن كان ما يأتيه من ذلك يلجئهما إلى أن ينقبضا عنه فلا يأمرانه و لا ينهيانه و يلحقهما من ذلك ضرر فهذا كبيرة
و السرقة من الكبائر و أما أخذ المال في قطع الطريق فاحشة و لذلك تقطع يد السارق و تقطع يد المحارب و رجله من خلاف
و قتل النفس في قطع الطريق فاحشة و لذلك لا يعمل عفو الوالي عنه إذا قدر عليه قبل التوبة
و سرقة الشيء التافه الحقير صغيرة فإن كان المسروق منه مسكينا لا غنى به عما أخذ منه فذلك كبيرة و إن لم يكن على السارق الحد
و أخذ أموال الناس بغير حق كبيرة فإن كان المأخوذ ماله يفتقر أو كان أبا الأخذ أو أمه أو كان الأخذ بالاستكراه و القهر فهو فاحشة و كذلك إن كان على سبيل القمار فإن كان المأخوذ شيئا تافها و المأخوذ منه غنيا لا بأس عليه من ذلك فذلك صغيرة
و شرب الخمر من الكبائر فإن استكثر الشارب منه حتى سكر أو جاهر به فذلك من الفواحش فإن مزج خمرا بمثلها من الماء فذهبت شرتها و شدتها فذلك من الصغائر
و ترك الصلاة من الكبائر فإن صار عادة فهو من الفواحش فإن كان أقامها و لم يؤتها حقها من الخشوع لكنه التفت فيها أو فرقع أصابعه أو استمع إلى حديث الناس أو سوى الحصى أو أكثر من مس الحصى من غير عذر فذلك من الكبائر فإن اتخذه عادة فهو من الفواحش
و إن ترك إتيان الجماعة لغيرها فهو من الصغائر فإن اتخذ ذلك عادة و قصد به مباينة الجماعة و الانفراد عنهم فذلك كبيرة و إن اتفق على ذلك أهل قرية أو أهل بلد فهو من الفواحش
و منع الزكاة كبيرة و رد السائل صغيرة فإن اجتمع على منعه أو كان المنع من واحد إلا أنه زاد على المنع الانتهار و الاغلاظ فذلك كبيرة و هكذا إن رأى محتاج رجلا موسعا على الطعام فرآه فتاقت إليه نفسه فسأله منه فرده فذلك كبيرة
قال و الأصل في هذا الباب أن كل محرم بعينه منهي عنه لمعنى في نفسه فإن تعاطيه على وجه يجمع وجهين أو أوجها من التحريم فاحشة و تعاطيه على وجه يقصر به عن رتبة المنصوص أو تعاطي ما دون المنصوص الذي لا يستوفي معنى المنصوص أو تعالي المنصوص الذي نهى عنه لأن لا يكون ذريعة إلى غيره فهذا كله من الصغائر
و تعاطي الصغير على وجه يجمع وجهين أو أوجها من التحريم كبيرة و مثال ذلك موجود فيما مضى ذكره و أعاده ها هنا و زاد فيما ذكره من الذريعة أن يدل رجلا على مطلوب ليقتل ظلما أو يحضره سكينا و هذا يحرم لقوله :
{ و لا تعاونوا على الإثم و العدوان }
لكنه من الصغائر لأن النهي عنه لئلا يكون ذريعة للظالم للتمكن من ظلمه و كذلك سؤال الرجل لغيره الذي لا يلزمه طاعة أن يقتل آخر ليس من الكبائر لأنه ليس فيه إلا إرادة هلاكه من غير أن يكون معها فعل و الله أعلم
قال البيهقي رحمه الله : وقد نجد اسم الفاحشة واقعا على الزنا و إن لم ينضم إليه زيادة حرمة لكنه لما رأى الله عز و جل فرق بين الكبائر و الفواحش في الذكر فرق هو أيضا بينهما فكل ما كان أفحش ذكرا جعله زائدا على الكبيرة و الله أعلم
و قد فسر مقاتل بن سلميان : الكبائر بكل ذنب ختم بالنار و الفواحش ما يقام فيه الحد في الدنيا و قد دل كلام الحليمي رحمه الله و غيره من الأئمة على أن الإصرار عليها الصغيرة كبيرة
و قد وردت أخبار و حكايات على التحريض على اجتناب الصغائر خوفا من الإصرار عليها فتصير من الكبائر (1/265)
285 - أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك رحمه الله ثنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني ثنا يونس بن حبيب أنا أبو داود ثنا عمران القطان عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن عبد الله بن مسعود : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
إياكم و محقرات الأعمال إنهن ليجتمعن على الرجل حتى يهلكنه و أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ضرب لهن مثلا كمثل قوم نزلوا بأرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل يجيء بالعود و الرجل يجيء بالعويد حتى جمعوا من ذلك سوادا ثم أججوا نارا فأنضجت ما قذف فيها (1/269)
286 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا دعلج بن أحمد بن دعلج ثنا محمد بن إسماعيل بن مهران الإسماعيلي ثنا عمرو بن عثمان ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال : سمعت بلال بن سعد يقول : لا تنظر إلى صغر الخطيئة و لكن انظر من عصيت (1/269)
287 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت منصور بن عبد الله يقوله : سمعت أبا العباس بن عطاء يقول : تولد ورع المتورعين من ذكر الذرة و الخردلة و أن ربنا الذي يحاسب على اللحظة و الهمزة و اللمزة لمستقص في المحاسبة و أشد منه أن يحاسبه على مقادير الذرة و أوزان الخردلة و من يكن هكذا حسابه لحري أن يتقى (1/270)
288 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ثنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا زيد بن بشر أنا ابن وهب ثنا ابن زيد و ذكر عمر و أبا بكر ابني المنكدر قال : فلما حضر أحدهما الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك ؟ إن كنا لنغبطك لهذا اليوم ! قال : و أما و الله ما أبكي أن أكون أتيت شيئا ركبته من معاصي الله اجتراء على الله و لكني أخاف أن أكون أتيت شيئا أحسبه هينا و هو عند الله عظيم قال : و بكى الآخر عند الموت فقيل له مثل ذلك فقال : إني سمعت الله يقول لقوم : { و بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون }
فأنا أنظر ما ترون و الله ما أدري ما يبدو لي قال : و كان يقال محمد أخوهم أدناهم في العبادة و أي شيء كان محمد في زمانه ! (1/270)
289 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو الحسن أحمد بن إسحاق الطيبي ثنا إبراهيم بن الحسين الهمداني ثنا آدم بن أبي إياس ثنا ضمرة بن ربيعة عن سفيان الثوري في : قوله عز و جل :
{ فيغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء }
قال : يغفر لمن يشاء العظيم و يعذب من يشاء على الصغير
و روي عن ابن عباس الفرق بين الصغائر و الكبائر و يروى عنه أنه لم يفرق بينهما (1/270)
290 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ثنا أبو الحسن الطرائفي ثنا عثمان بن سعيد الدرامي ثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في : قوله
{ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه }
قال : الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو عذاب أو لعنة (1/270)
291 - و بهذا الإسناد عن ابن عباس قال : أكبر الكبائر الشرك بالله لأن الله يقول :
{ إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة }
و اليأس من روح الله لأن الله يقول :
{ لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }
و الأمن من مكر الله لأن الله يقول :
{ فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون }
و منها عقوق الوالدين لأن الله تعالى جعل العاق جبارا شقيا عصيا
و قتل النفس التي حرم الله بغير حق لأن الله سبحانه يقول :
{ جزاؤه جهنم }
و قذف المحصنات لأن الله يقول :
{ لعنوا في الدنيا و الآخرة و لهم عذاب عظيم }
و أكل مال اليتيم لأن الله يقول :
{ إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا }
و الفرار من الزحف لأن الله تعالى يقول :
{ ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله }
و منها أكل الربا لأن الله يقول :
{ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس }
و السحر لأن الله يقول :
{ ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق }
و الزنا لأن الله يقول
{ ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا }
و اليمين الغموس الفاجرة لأن الله تعالى يقول :
{ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة }
و الغلول لأن الله يقول :
{ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة }
و منع الزكاة المفروضة لأن الله يقول :
{ فتكوى بها جباههم }
و شهادة الزور و كتمان الشهادة فإن الله يقول :
{ ومن يكتمها فإنه آثم قلبه }
و شرب الخمر لأن الله عدل بها الأوثان و ترك الصلاة متعمدا أو أشياء مما فرض الله تعالى لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
من ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة الله و رسوله
و نقض العهد و قيطعة الرحم لأن الله تعالى يقول :
{ لهم اللعنة ولهم سوء الدار }
قال البيهقي رحمه الله : و أما ترك الفرق بينهما ففيهما (1/271)
292 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنبأ أبو عمرو بن نجيد أنا أبو مسلم الكجي أنا عبد الرحمن بن حماد الشعيثي ثنا ابن عون عن محمد عن ابن عباس قال : كل ما نهى الله عنه كبيرة
هكذا قال : و كذا قال يحيى بن عتيق و هشام عن محمد بن سيرين عن ابن عباس (1/273)
293 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة قال : كل ما عصي الله به فهو كبيرة
و قد ذكر الطرفة فقال تعالى :
{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } (1/273)
294 - و بإسناده ثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال : قيل لابن عباس : الكبائر سبع قال : هي إلى السبعين أقرب
قال البيهقي رحمه الله فيحتمل أن يكون هذا في تعظيم حرمات الله و الترهيب عن ارتكابها فأما الفرق بين الصغائر و الكبائر فلا بد منه في أحكام الدنيا و الآخرة على ما جاء به الكتاب و السنة (1/273)
فصل في أصحاب الكبائر من أهل القبلة إذا وافوا القيامة بلا توبة قدموها ـ قال أصحاب رضي الله عنه أمرهم إلى الله ـ تعالى جده ـ فإن شاء عفا عنهم مبتديا و إن شاء شفع فيهم نبيهم صلى الله عليه و سلم و إن شاء أمر بإدخالهم النار فكانوا معذبين مدة ثم أمر بإخراجهم منها إلى الجنة إما بشفاعة و إما بغير شفاعة و لا يخلد في النار إلا الكفار و استدلوا بقول الله عز و جل : { بلى من كسب سيئة و أحاطت به خطيئته } و أخبر أن التخليد في النار إنما هو لمن أحاطت به خطيئته و المؤمن صاحب الكبيرة أو الكبائر لم تحط به خطيئته لأن رأس الخطايا هو الكفر و هو غير موجود منه فصح أنه لا يخلد في النار فإن قيل هذا معارض بقوله عز و جل : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } فوعد الجنة من جمع بين أصل الإيمان و فروعه و صاحب الكبيرة أو الكبائر تارك الصالحات فصح أن وعد الجنة ليس له قيل له : المتعاطي لها إذا تاب منها و وافى القيامة تائبا تاركا للصالحات غير جامع بين الإيمان و فروعه و مع ذلك فإن يدخل الجنة و توبته لا تقوم مقام ما ترك من الصالحات لأنه كان عليه أن يكون نازعا عن الشر أبدا فإذا أقدم عليه وقتا ثم نزع عنه وقتا كان بذلك الفرد مبعضا و بعض الفرض لا يجوز أن يكون بدلا عن جميعه و إذا جاز أن يمن الله تعالى على التائب فيكفر بتوبته خطاياه لم لا يجوز أن يمن على المصر فيكفر بإيمانه الذي هو أحسن الحسنات خطاياه ؟ و يكفر بصلواته و ما يأتي به الحسنات ما فرط منه مدة من سيئاته ؟ كما قال تعالى : { إن الحسنات يذهبن السيئات } ذلك و إنما افترقا في أن التائب مغفور له من غير تعذيب و المصر قد يعذب بذنبه مدة ثم يدخل الجنة لأن خبر الصادق بذلك ورد و استدل أصحابنا بقوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء } و لا يجوز أن يفرض في خبر الله خلف و بذلك وردت السنة أيضا عن النبي صلى الله عليه و سلم (1/273)
295 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد بن بلال ثنا يحيى بن الربيع المكي ثنا سفيان عن الزهري عن أبي إدريس عن عبادة بن الصامت : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لهم في بيعة النساء :
تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا و لا تسرقوا و لا تزنوا ـ يعين الآية كلها ـ فمن وفى منكم فأجره على الله و من أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارته و من أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله عز و جل إن شاء غفر له و إن شاء عذبه
أخرجاه في الصحيح من حديث سفيان بن عيينة
قال البيهقي رحمه الله : قوله في بيعة النساء أراد كما في بيعة النساء و هو في قوله عز و جل :
{ يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف }
و قوله : من أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه أراد به ما خلا الشرك كما أراد بقوله : فعوقب به ما خلا الشرك فجعل الحد كفارة لما صاب من الذنب بعد الشرك و جعل ما لم يحد فيه موكولا إلى مشيئة الله عز و جل إن شاء غفر له و إن شاء عذبه ثم التعذيب لا يكون مؤبدا لدليل أخبار الشفاعة و ما ورد في معناها من كتاب الله عز و جل
فإن قيل : المعنى أنه يغفر الصغائر لمجتنب الكبائر و لا يغفرها لمن لا يجتنب الكبائر كما قال في آية أخرى :
{ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم و ندخلكم مدخلا كريما }
قيل : المراد بالكبائر التي شرط في المغفرة اجتنابها هي الشرك فهي في هذه الآية مطلقة و تكفير السيئات بها مطلقة و هما في الآية التي احتججنا بها في الموضعين مقيدتان فوجب الجمع بينهما و حمل المطلق على المقيد
فإن قيل قد توعد أصحاب الكبائر بالنار و الخلود فيها و لم يستثن منهم إلا التائبين فقال :
{ ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق } إلى أن قال : { إلا من تاب }
قيل : هذا الوعيد ينصرف إلى جميع ما تقدم ذكره فإن الله جل ثناؤه افتتح هذه الآية بذكر الشرك فقال :
{ و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر }
فانصرف قوله : { و من يفعل ذلك } إلى جميع ما تقدم ذكره و من جمع بين هذه الكبائر هذا الوعيد و الذين يدل على أنه قال : { يضاعف له العذاب } و إنما أراد ـ و الله أعلم ـ أن من جمع بين الشرك و غيره من الكبائر جمع عليه مع عذاب الشرك عذاب الكبائر فيصير العذاب مضاعفا عليه ثم قال : { إلا من تاب و آمن و عمل عملا صالحا } فذكر في التوبة الإيمان و العمل الصالح و ذلك ليحبط الإيمان كفره و يحبط إصلاحه في الإيمان ما تقدم من إفساده في الكفر كما روينا فيه عن النبي صلى الله عليه و سلم
فإن قيل : و قد قيل :
{ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها }
قيل : قد ذهل أهب التفسير إلى أن هذه الآية نزلت فيمن قتل و ارتد عن الإسلام و ذهب بعض أصحابنا إلى أن الآية مقصورة على سببها (1/275)
296 - أخبرنا أبو عبد الرحمن بن محبوب الدهان ثنا الحسين بن محمد بن هارون ثنا أحمد بن محمد بن نصر ثنا يوسف بن بلال ثنا محمد بن مروان حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : أن مقيس بن ضبابة وجد أخاه هشام بن ضبابه مقتولا في بني النجار و كان مسلما فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر ذلك له فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم رسولا من بني فهر و قال له :
ائت بني النجار فأقرئهم مني السلام و قل لهم : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام أن تدفعوه إلى أخيه فيقتص منعه و إن لم تعلموا له قاتلا أن تدفعوا إليه ديته
فأبلغهم الفهري ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا سمعا و طاعة لله و لرسوله و الله ما نعلم له قاتلا و لكنا نؤدي إليه ديته قال : فأعطوه مائة من الإبل ثم انصرفنا راجعين نحو المدينة و بينهما و بين المدينة قريب فأتى الشيطان مقيس بن ضبابة فوسوس إليه فقال : أي شيء صنعت ؟ تقبل دية أخيك فيكون عليك سبة أقتل الذي معك فيكون نفس مكان نفس و فضل بالدية قال : فرمى إلى الفهري بصخرة فشدخ رأسه ثم ركب بعيرا منها و ساق بقيتها راجعا مكة كافرا فجعل يقول في شعره
( قتلت به فهرا و حملت عقله سراة بني النجار أرباب قارع )
( و أدركت ثاري و اضطجعت موسدا و كنت إلى الأوثان أول راجع )
قال فنزلت فيه هذه الآية :
{ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم }
قال البيهقي رحمه الله : و جواب آخر و هو ما روينا عن أبي مجلز لاحق بن حميد و هو من كبار التابعين أنه قال في قوله :
{ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم }
قال : هي جزاؤه فإن شاء الله أن يتجاوز عن جزائه فعل (1/276)
297 - أخبرناه أبو علي الحسين بن محمد الروذباري أنا محمد بن بكر ثنا أبو داود حدثنا أحمد بن يونس ثنا أبو شهاب عن سليمان التيمي عن أبي مجلز لاحق بن حميد : فذكره
و قد روي هذا عن النبي صلى الله عليه و سلم و لم يثبت إسناده
قال البيهقي رحمه الله و بلغني عن أبي سليمان الخطابي البستي رحمه الله أنه قال : القرآن كله بمنزلة الكلمة الواحدة و ما تقدم نزوله و ما تأخر في وجوب العمل به سواء ما لم يقع بن الأول و الآخر منافاة و لو جمع بين قوله : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } و بين قوله : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } و ألحق به قوله : { لمن يشاء } لم يكن متناقضا فشرط المشيئة قائم في الذنوب كلها ما عدا الشرك
و أيضا فإن قوله : { فجزاؤه جهنم } يحتمل أن يكون معناه { فجزاؤه جهنم } إن جازاه الله و لم يعف عنه فالآية الأولى خبر لا يقع فيه الخلف و الآية الأخرى وعد يرجى فيه العفو و الله أعلم (1/277)
298 - أخبرنا أبو سعد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال : سمعت عمر بن محمد الوكيل يقول : حدثني معاذ بن المثنى ثنا سوار بن عبد الله ثنا الأصمعي قال : جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن أبي العلاء فقال له :
يا أبا عمرو ! الله يخلف وعده ؟ قال : لن يخلف الله وعده قال عمرو : فقد قال : قال أين ؟ فذكر آية وعيد لم يحفظها عمرو فقال أبو عمرو : من العجمة أتيت و الوعد غير الإيعاد ثم أنشد أبو عمرو :
( و إني و إن أوعدته أو وعدته سأخلف إيعادي و أنجز موعدي )
قال البيهقي رحمه الله فإن قيل : فقد قال الله سبحانه :
{ و من يعص الله و رسوله و يتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها }
قيل هكذا نقول الحدود اسم جمع و إنما يصير متعديا لحدود الله تعالى اجمع بترك الإيمان و تارك الإيمان يخلد في النار
فإن قيل : قد قال :
{ وإن الفجار لفي جحيم * يصلونها يوم الدين * وما هم عنها بغائبين }
قيل : و قد قال :
{ إن الأبرار لفي نعيم }
و الفاسق المؤمن بر بإيمانه
فإن قيل ليس برا مطلقا
فإن قيل : فجوره أحبط إيمانه
قيل : لي الفصل بين هذا قول و بين من يقول من المرجئة أن إيمانه أحبط فجوره فدل أنه أراد بالفجار الذين قابل بنيهم وبين الأبرار الكفار لأن رأس البر الإيمان و كذلك رأس الفجور الكفر و الذي يدل على صحة ما ذهبنا إلى قوله الله عز و جل :
{ إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا }
و قوله : { لا أضيع عمل عامل منكم }
و قوله : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة و إن تك حسنة يضاعفها و يؤت من لدنه أجرا عظيما }
و قوله : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره }
و قوله : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا }
و قوله : { فالذين آمنوا منكم و أنفقوا لهم أجر كبير }
و قوله : { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات }
و قوله : { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان }
فهذه الآيات و ما ورد منها في معناها كلها تدل على أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا و أحسن إلأعمال الإيمان بالله و برسوله
و من قال : بتخليد المؤمن في النار كان قد أضاع أجر عمله و لم يجعل له عوضا و لأنا وجدنا الله عز و جل وعد على الطاعات ثوابا و على المعاصي عقابا فليس لأحد أن يقول يرى ما عمل من المعاصي دون ما عمل من الطاعات و قد عملها جميعا إلا و لآخر أن يعكس ذلك فلا يجد القائل بذلك فضلا و أنا قد جمعنا على حصول طاعاته و اختلفنا في زوال حكمها فلا يرفع حكم ما تيقناه من حصول الطاعات بمعصية لا تنفيها و لا تضادها
و احتجوا في إبطال الشفاعة بقوله عز و جل :
{ ما للظالمين من حميم و لا شفيع يطاع }
فالظالمون ها هنا هم الكافرون و يشهد لذلك مفتتح الآية إذا هي في ذكر الكافرين فإن احتجوا بقوله : { و لا يشفعون إلا لمن ارتضى }
قيل : هذا دليلنا لأن الفاسق مرتضى بإيمانه قال الله عز و جل :
{ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا }
واصطفينا و ارتضينا واحد في اللسان ثم قال : { فمنهم ظالم لنفسه } أي من المصطفين ظالم لنفسه و الظلم هو الفسق فأخبر أن فيهم ظالما و قال في قصة يونس { إني كنت من الظالمين }
و قد روينا من أوجه عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى : { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا } قال : كلهم في الجنة و هو في الجزء السابع من كتاب البعث مذكور بشواهده
و قيل معناه :
{ إلا من ارتضى } أن يشفعوا له كما قال : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه }
قال الحليمي رحمه الله : و لا تحتمل الآية غير لأن المرتضين عند الله لا يحتاجون إلى شفاعة ملك و لا نبي فصح أن المعنى ما قلناه و لا يجوز أن يقال إن عز و جل لا يرتضي أن يشفع لصاحب الكبيرة لأن المذنب الذين يحتاج إلى الشفاعة فكلما كان ذنبه أكبر كان إلى الشفاعة أحوج فكيف يجوز أن يكون اشتداد حاجته إلى الشفاعة حائلا بينه و بين الشفاعة ؟ و ليس امتناع الشفاعة للكافرين لأن ذنبه كبير و لكنه بجحده الباري المشفوع إليه أو الرسول الشافع له أو لأن الله تعالى أخبر أنه لا يشفع فيه أحدا و هذه المعاني كلها معدومة في صاحب الكبيرة من أهل القبلة
وقوله : { يوم لا تملك نفس لنفس شيئا } لا يدفع الشفاعة لأن المراد بالملك الدفع بالقوة و إنما الشفاعة تذلل من الشافع للمشفوع عنده و إقامة الشفيع بذلك من المشفوع له فلا يوم أليق به و أشبه بأحواله بيوم الدين
و قد ورد عن سيدنا المصطفي صلى الله عليه و سلم في إثبات الشفاعة و إخراج قوم من أهل التوحيد من النار و إدخالهم في الجنة أخبار صحيحة قد صارت من الاستفاضة و الشهرة بحيث قاربت الأخبار المتواترة و كذلك في مغفرة الله تبارك و تعالى جماعة من أهل الكبائر دون الشرك من غير تعذيب فضلا منه و رحمة و الله واسع كريم
قال البيهقي رحمه الله : و قد ذكرنا هذه الأخبار في كتاب البعث و النشور و نحن نشير ها هنا إلى طرف منها قال عز و جل لمحمد صلى الله عليه و سلم : { و من الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا }
و رويان في الحديث الثابت عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله ما دل على أن ذلك في الشفاعة و كذلك عن حذيفة بن اليمان و ابن عمر و غيرهم (1/277)
299 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس ثنا العباس الدوري ثنا محمد بن عبيد ثنا داود ـ ح
و حدثني أبو عبد الرحمن السلمي ثنا جدي أبو عمرو أنا محمد بن موسى الحلواني ثنا عمرو بن علي ثنا وكيع بن الجراح ثنا داود الزعافري عن أبيه عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
المقام المحمود الشفاعة
و في رواية محمد بن عبيد عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال : هو المقام الذين يشفع فيه لأمته (1/281)
300 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن داود بن سليمان ثنا عبد الله بن أحمد الأهوازي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة في المسند ثنا وكيع عن إدريس الأودي عن أبيه عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه و سلم :
{ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال الشفاعة (1/282)
301 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا بكر بن داود قال : سمعت عبدان يقول : هذه مما أنكروا علينا (1/282)
302 - حدثنا أبو بكر في كتاب التفسير ثنا وكيع عن داود الزعافري عن أبيه عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه و سلم :
{ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال الشفاعة
قال البيهقي رحمه الله : إنما أنكروا عليه في الرواية الأولى لتفرده بها و أن سائر الناس رووه عن وكيع عن داود (1/282)
303 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا الكديمي ثنا محمد بن خالد بن عثمة ثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن علي بن الحسين قال : حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم : أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول :
تمد الأرض يوم القيامة لعظمة الرحمن جل ثناؤه و لا يكون فيها لأحد إلا موضع قدمه فأكون أول من يدعى فأجد جبريل عليه السلام قائما عن يمين الرحمن لا و الذي نفسي بيده ما رأى الله قبلها قال : فأقول يا رب إن هذا جاءني فزعم إنك أرسلته إلي قال : و جبريل ساكت قال : فيقول عز و جل صدق أنا أرسلته إليك حاجتك ؟ فأقول يا رب إني تركت عبادا من عبادك قد عبدوك في أطراف البلاد و ذكروك فقال شعب الأكام ينتظرون جواب ما أجيء به من عندك فيقول أما إني لا أخزيك فيهم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فهذا المقام المحمود الذي قال الله عز و جل : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا }
رواه جماعة عن إبراهيم بن سعد
قال البيهقي رحمه الله : و تمامه في سائر الروايات التي وردت في الشفاعة و قال الله عز و جل { و لسوف يعطيك ربك فترضى }
و روينا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه و سلم تلا قول الله عز و جل في إبراهيم :
{ رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني }
و قال عيسى ابن مريم : { إن تعذبهم فإنهم عبادك }
فرقع يديه و قال اللهم أمتي أمتي و بكى قال الله عز و جل : يا جبريل اذهب إلى محمد و ربك أعلم فسله ما يبكيك ؟ فأتاه جبريل فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه و سلم بما قال : و هو أعلم فقال الله تبارك و تعالى : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك و لا نسوءك (1/282)
304 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد بن زياد العدل ثنا محمد بن إسحاق ثنا يونس بن عبد الأعلى أنبأ ابن وهب حدثني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو : فذكره
رواه مسلم في الصحيح عن يونس
قال البيهقي رحمه الله : و روينا عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي فذكرهن و قال فيهن : و أعطيت الشفاعة (1/283)
305 - أخبرنا أبو حازم الحافظ أنا أبو عمرو بن مطر أنا إبراهيم بن علي أنا يحيى بن يحيى أنا هشيم عن سيار عن يزيد الفقير : فذكره و هو مخرج في الصحيحين (1/283)
306 - أخبرنا عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو سعيد بن الأعرابي قال : حدثني الحسن بن محمد الزعفراني ثنا روح بن عبادة ثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته و إني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي
رواه مسلم في الصحيح عن زهير و غيره عن روح
و أخرجاه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم
و أخرجاه مسلم أيضا من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم
و رواه أيضا عبد الرحمن بن أبي عقيل عن النبي صلى الله عليه و سلم
و أخرج مسلم حديث أبي بن كعب في قصة القراءة
قال البيهقي رحمه الله : و قول النبي صلى الله عليه و سلم اللهم اغفر أمتي اللهم اغفر لأمتي و تأخير الدعوة الثالثة إلى يوم يرغب إليه فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام (1/284)
307 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثا الزعفراني ثنا عفان بن مسلم ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا المختار بن فلفل ثنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا أكثر الأنبياء يوم القيامة تبعا يجيء النبي و ليس معه مصدق غير رجل واحد و أنا أول شافع و أول مشفع
أخرجه مسلم من وجه آخر عن المختار
قال البيهقي رحمه الله : و قد روينا في معناه عن جابر بن عبد الله و عبد الله بن سلام و أبي بن كعب و أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم
و هذا لأن النبي صلى الله عليه و سلم يختص يوم القيامة بالشفاعة لأهل الجمع حتى يريحهم الله عز و جل من مكانهم الذي أقيموا فيه ثم يشارك غيره من الأنبياء و الملائكة و الصديقين في الشفاعة لأحاد المسلمين و قد قيل إنه يكون مخصوصا أيضا من بينهم بالشفاعة لأهل الكبائر من أهل التوحيد (1/284)
308 - أخبرنا الأستاذ أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا هشام عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
يجمع المؤمنون يوم القيامة فيهتمون فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فيأتون آدم عليه السلام فيقولون يا آدم أنت أبو الناس خلقك الله بيده و أسجد لك ملائكته و علمك أسماء كل شيء اشفع لنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول إني لست هناكم و يذكر لهم خطيئته التي أصاب و لكن ائتوا نوحا عليه السلام أول رسول بعثه الله عز و جل فيأتون نوحا عليه السلام خليل الرحمن فيأتون إبراهيم عليه السلام لست هناكم و يذكر لهم خطاياه و لكن ائتوا موسى عليه السلام عبدا آتاه الله التوراة و كلمه تكليما فيأتون موسى عليه فيقول إني لست هناكم و يذكر لهم خطيئته التي أصاب و لكن ائتوا عيسى عبد الله و رسوله و كلمة الله و روحه فيأتون عيسى عليه السلام فيقول لست هناكم و لكن ائتوا محمد عليه السلام عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر فيأتوني فأنطلق فأستأذن على ربي عز و جل فيؤذن لي عليه فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال ارفع محمد و قل يسمع و سل تعطه واشفع تشفع فأحمد ربي بمحامد يعلمنيه ثم اشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أرجع فإذا رأيت ربي تبارك و تعالى وقعت له ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال ارفع محمد و قل يسمع و سل تعطه و اشفع تشفع فأحمد ربي بمحامد يعلمنيه ثم اشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال : ارفع محمد و قل تسمع و سل تعطه و اشفع تشفع فأحمد ربي بمحامد يعلمنيه ثم اشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة حتى أرجع فأقول يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود
رواه البخاري و مسلم من حديث هشام الدستوائي و غيره
و في حديث أبي عوانة عن قتادة يجمع الله الناس يوم القيامة و في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم في هذه القصة قال : يجمع الله يوم القيامة الأولين و الآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي و ينفذهم البصر و تدنو الشمس و يبلغ الناس من الغم و الكرب ما لا يطيقون و ما لا يحتملون ثم ذكر هذه القصة
قال البيهقي رحمه الله : و هذا الحديث يجمع شفاعة النبي صلى الله عليه و سلم لأهل الجمع حتى يريحهم من مكانهم الذي بلغوا فيه من الغم و الكرب ما لا يطيقون من طول القيام في الشمس ثم شفاعته لأهل الذنوب من أمته
و في رواية معبد بن هلال عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم في هذه القصة ما دل أن ذلك لأهل الكبائر من أمته فإنه قال في حديث : فأقول ربي أمتي أمتي فيقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها و قال في المرة الثانية : مثقال حبة خردل من إيمان و في المرة الثالثة : فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار (1/285)
309 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقريء أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن أنس قال : يشفع محمد صلى الله عليه و سلم حتى يخرج من النار من كان في قلبه مثقال شعيرة من خير ثم يشفع محمد صلى الله عليه و سلم حتى يخرج من النار من كان في قلبه مثقال خردلة من خير ثم يشفع محمد صلى الله عليه و سلم حتى يخرج من النار من كان في قلبه مثقال أدنى من شطر خردلة من خير
قال البيهقي رحمه الله : و في كل ذلك دلالة على أنه يشفع لأهل الكبائر من أمته (1/286)
310 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو طاهر المحمد آبادي و أبو بكر القطان قالا حدثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق ح
و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الحميد الصنعاني بمكة ثنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد أنا عبد الرزاق أنا معمر عن ثابت عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي
و روي ذلك عن أشعث الحداني و مالك بن دينار و ثابت و قتادة و زياد النميري و يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك (1/287)
311 - حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنا أبو حامد بن الشرقي ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا أبو حفص عمرو بن أبي سلمة ثنا زهير بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي
قال البيهقي رحمه الله : و كذلك رواه الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد و زاد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تلا قوله تعالى : { و لا يشفعون إلا لمن ارتضى } فقال إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي (1/287)
312 - أخبرناه أبو عبد الله ثنا أبو بكر محمد بن جعفر بن أحمد المزكي ثنا محمد بن إبراهيم العبدي ثنا يعقوب بن كعب الحلبي قال : حدثنا الوليد بن مسلم : فذكره (1/287)
313 - و أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو معاوية
قال : و أخبرني أبو عمرو ثنا عبد الله بن محمد ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته و إني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا
رواه مسلم في الصحيح عن أبي كريب
قال البيهقي رحمه الله : و كذلك رواه عمرو بن أبي سفيان عن أبي هريرة
و بمعناه روى أبو ذر و معاذ بن جبل و أبو موسى و عوف بن مالك و غيرهم عن النبي صلى الله عليه و سلم (1/288)
314 - أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا عارم بن الفضل ثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يخرج قوما من النار بالشفاعة فينبتون كأنهم الثعارير قال : قيل لعمرو و ما الثعارير ؟ قال : الضغابيس
قال حماد و كان سقط فيه قال : حماد قلت لعمرو يا أبا محمد سمعت جابر بن عبد الله يقول إن الله عز و جل : يخرج قوما من النار بالشفاعة قال : نعم
رواه البخاري في الصحيح عن عارم و رواه مسلم عن أبي الربيع عن حماد
و روه أيضا عمران بن حصين و غيره عن النبي صلى الله عليه و سلم ببعض معناه (1/288)
315 - و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو أحمد بكر بن محمد الصيرفي ثنا إسحاق بن الحسن الحربي ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا أبو عاصم محمد بن أبي أيوب الثقفي ثنا يزيد الفقير قال : كنت قد شغفني رأي من رأي من رأي الخوارج و كنت رجلا شابا فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد الحج ثم نخرج على الناس فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم جالسا إلى سارية و إذا قد ذكر الجهنميين فقلت له يا صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما هذا الذي تحدثون ؟ و الله تعالى يقول :
{ إنك من تدخل النار فقد أخزيته }
{ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها }
فما هذا الذي تقولون ؟ فقال : أي بني تقرأ القرآن ؟ فقلت نعم فقال هل سمعت بمقام محمد صلى الله عليه و سلم المحمود الذي يبعثه الله فيه ؟ قلت : نعم قال فإنه مقام محمد المحمود الذي يخرخ الله به من يخرج من النار قال : ثم نعت وضع الصراط و مر الناس عليه فأخاف أن لا أكون حفظت ذلك غير أنه زعم أن قوما يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها قال : فيخرجون كأنهم عيدان السماسم فيدخلون نهرا من أنهار الجنة فيغتسلون فيه قال : فيخرجون كأنهم القراطيس البيض قال : فرجعنا فقلنا و يحكم أترون هذا الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : فرجعنا فو الله ما خرج منا رجل واحد
رواه مسلم في الصحيح عن حجاج بن الشاعر عن الفضل بن دكين (1/289)
316 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن سلمان الفقيه ثنا محمد بن غالب ثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب بن خالد عن عمرو بن يحيى عن أبي سعيد : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
إذا دخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار يقول الله عز و جل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من خير فأخرجوه فيخرجون قد امتحشوا و عادوا حمما قال : فيلقون في نهر يقال له نهر الحياة قال فينبتون فيه كما الحية في حميل السيل فقال : رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا ترونها تنبت صفراء ملتوية
رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل
و أخرجه مسلم من وجه آخر عن وهيب (1/289)
317 - أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق ثنا موسى يعني ابن إسحاق الأنصاري ثنا عبد الله بن أبي شيبة ثنا يونس بن محمد ثنا شيبان قال : قال قتادة سمعت أبا نضرة يحدث عن سمرة بن جندب : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه و منهم من تأخذه إلى حجزته و منهم من تأخذه إلى ترقوته
رواه مسلم عن ابن أبي شيبة
و في رواية سعيد عن قتادة و منهم من تأخذه النار إلى ركبتيه
قال البيهقي رحمه الله : و روينا في الحديث الثابت عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم في حديث الرؤية و الصراط و مرور المؤمنين عليه ثم قولهم :
أي ربنا أخواننا كانوا يصلون معنا و يصومون معنا و يحجون معنا و يجاهدون معنا قد أخذتهم النار فيقول اذهبوا فمن عرفتم صورته فأخرجوه و تحرم صورهم على النار فيجدون الرجل قد أخذته النار إلى قدميه و إلى أنصاف ساقيه و إلى ركبتيه و إلى حقويه فيخرجون منها بشرا كثيرا ثم يعودون فيتكلمون فيقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قيراط خير فأخرجوه فيخرجون بشرا كثيرا ثم يعودون فيتكلمون فلا يزال يقول ذلك حتى يقول اذهبوا و أخرجوا من وجدتم في قلبه مثقال ذرة فأخرجوه
و كان أبو سعيد إذا حدث بهذا الحديث يقول و إن لم تصدقوني فاقرؤوا
{ إن الله لا يظلم مثقال ذرة و إن تك حسنة يضاعفها }
فيقولون : ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول هو : بقي أرحم الراحمين قال : فيقول قد شفعت الملائكة و شفع النبيون و شفع المؤمنون فهل بقي إلا أرحم الراحمين ؟ فيأخذ قبضة من النار قال : فيخرج قوما قد عادوا حمما لم يعملوا لله عمل خير قط فيطرحون في نهر الجنة يقال له نهر الحياة فينبتون فيه و الذي نفسي بيده كما ينبت الحبة في حميل السيل ألم تروها و ما يليها من الظل أصيفر و ما يليها من الشمس أخيضر ؟ قلنا يا رسول الله كأنك كنت في الماشية ؟ قال : فينبتون كذلك فيخرجون أمثال اللؤلؤ فيحلون في رقابهم الخواتيم ؟ ثم يرسلون في الجنة هؤلاء الجهنميون هؤلاء الذين أخرجهم الله من النار بغير عمل عملوه و لا خير قدموه قال الله عز و جل خذوا فلكم ما أخذتم فيأخذون حتى ينتهوا قال : ثم يقولون : لو يعطينا الله ما أخذنا ! فيقول الله عز و جل : إني أعطيتكم أفضل مما أخذتم قال : فيقولون : أي ربنا و ما أفضل مما أخذنا ؟ فيقول : رضواني فلا أسخط (1/290)
318 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو زكريا بن أبي إسحاق قالا : حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الوهاب أنا جعفر بن عون أنا هشام بن سعد أنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري : فذكره
رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن جعفر بن عون
قال البيهقي رحمه الله : و أخرجنا حديث سعيد بن المسيب و عطاء بن يزيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم في هذه القصة قال في آخرها : فيقول له تمن فيتمنى حتى إذا انقطع به قال الله عز و جل من كذا و كذا فسل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى لك ذلك و مثله معه قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لك ذلك و عشرة أمثاله
و روينا في حديث أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم فيمن يخرج من النار
فيمكثون في الجنة حينا فيقال لهم : هل تشتهون شيئا ؟ فيقول : أن ترفع عنا هذا الاسم فيرفع عنهم (1/291)
319 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو طاهر المحمد آبادي أنا العباس بن محمد ثنا عبيد الله بن موسى ثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا و آخر أهل النار خروجا من النار رجل يخرج حبوا فيقول له ربه : ادخل الجنة فيقول : أرى الجنة ملأى فيقول له ذلك ثلاث مرات كل ذلك يعيد : الجنة ملأى فيقول إن لك مثل الدنيا عشر مرات
رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن خالد عن عبيد الله و أخرجاه من حديث جرير عن منصور
قال البيهقي رحمه الله : و قد ذكرنا هذه الأخبار في كتاب البعث و النشور و بعضهما في أبواب الشفاعة و بعضها في أبواب آخر من يخرج من النار وذكرنا معها غيرها و فيما ذكرناه ها هنا كفاية و بالله التوفيق (1/292)
320 - أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن أحمد القطان ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء أنا أبو النعمان ثنا سلام بن مسكين ثنا أبو ظلال عن أنس : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن رجلا ينادي في النار ألف سنة يا حنان يا منان فيقول الله لجبريل اذهب فأتني بعبدي هذا قال : ذهب جبريل فوجد أهل النار منكبين يبكون قال : فرجع إليه فأخبر ربه قال : اذهب إليه فأتني به فإنه في مكان كذا و كذا قال : فذهب فجاء به قال : يا عبدي كيف وجدت مكانك و مقيلك ؟ قال : يا رب شر مكان و شر مقيل قال : ردوا عبدي قال : ما كنت أرجو أن تعيدني إليها إذا أخرجتني منها قال الله لملائكته : دعوا عبدي
قال البيهقي : هكذا روي في هذا الحديث و قد روينا حديث بشر بن المفضل عن أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها و لا يحيون و لكن أناس أصابتهم النار بذنوبهم ـ أو قال بخطاياهم ـ أماتتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن في الشفاعة فيجاء بهم ضبائر قد امتحشوا فيلقون على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم من الماء فينبتون نبات الحبة في حميل السيل فقال رجل كأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد كان في البادية (1/292)
321 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو نضر الفقيه ثنا نصر بن أحمد البغدادي ثنا نصر بن علي الجهضمي قال : و أخبرني أبو النضر ثنا جعفر بن أحمد الشاماتي ثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام قالا : ثنا بشر بن المفضل : فذكره
رواه مسلم عن نصر بن علي و رواه سليمان التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه و سلم خطب فأتى على هذه الآية
{ إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا }
فقال معنى ما روينا و في رواية أبي مسلم عن أبي نضرة
قال البيهقي رحمه الله : فيحتمل أن يكون هذا صنيعه ببعض أهل التوحيد الذين ارتكبوا الذنوب و الخطايا و كما في الحديث الأول إن صح إسناده صنيعه ببعضهم و كذلك ما روينا ها هنا و في كتاب البعث و النشور من اختلاف حال من يخرج من النار إنما هو على حسب ذنوبهم و على مقدار ما أراد الله تعالى من عقوبتهم و الله يعصمنا من النار بفضله و رحمته (1/293)
322 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن مرزوق ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا خالد بن يزيد ثنا الأشعث بن جابر قال : قلت للحسن يا أبا سعيد قول الله عز و جل :
{ يريدون أن يخرجوا من النار و ما هم بخارجين }
قال : فضرب بيده على فخذي فقال : إن أولئك أهلها إنما هؤلاء قوم أصابوا ذنوبا لم يؤخذ منهم فينتقم منهم على الصراط ثم عفا عنهم
و روي أن جابرا أجاب بمثل هذا (1/293)
323 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا سعيد بن عثمان الأهوازي ثنا عاصم بن علي ثنا أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه : كنت من أشد الناس تكذيبا بالشفاعة حتى أتيت جابر بم عبد الله فقرأت عليه كل آية أقدر عليها في ذكر خلود أهل النار فيها فقال لي : يا طلق أنت أعلم بكتاب الله مني و أعلم بسنة النبي صلى الله عليه و سلم مني أن الذي قرأت لهم أهلها و لكن هؤلاء أصابوا ذنوبا فعذبوا ثم أخرجوا منها و نحن نقرأ كما قرأت
و شاهده عن جابر بن عبد الله قد مضى في هذا الجزء (1/294)
324 - أخبرنا علي بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا عبيد بن شريك ثنا نعيم بن حماد ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يخرج قوم من النار بعد ما امتحشوا فيدخلون الجنة
قال عمرو بن دينار : قال عبيد بن عمير : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج قوم من النار فيدخلون الجنة قال : فقال له رجل يا أبا عاصم ما هذا الحديث الذي تحدث به قال : فقال عبيد بن عمير إليك عني يا علج ! فلو لم أسمعه من ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ما حدثته (1/294)
325 - قال سفيان : قدم علينا عمرو بن عبيد و معه رجل تابع له على هواه قال : فدخل عمرو بن عبيد الحجر فصلى فيه و خرج صاحبه فقام على عمرو بن عمرو بن عبيد فقال له : يا ضال أما كنت تخبرنا أنه لا يخرج من النار أحد قال بلى قال : فهوذا عمر بن دنيار يزعم أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج قوم من النار فيدخلون الجنة قال : فقال عمرو بن عبيد هذا له معنى لا نعرفه قال : و قال الرجل و أي معنى يكون لهذا قال : ثم نفض يده من يده و فارقه (1/294)
325 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو حامد بن بلال ثنا أبو الأزهر ثنا يحيى بن أبي الحجاج عن عيسى بن سنان حدثني رجاء بن حيوة قال : سئل جابر بن عبد الله هل كنت تسمون من الذنوب كفرا او شركا أو نفاقا قال : معاذ الله و لكنا نقول مؤمنين مذنبين
قال البيهقي رحمه الله : و روينا في معناه عن علي بن أبي طالب و سعد بن أبي وقاص و حذيفة بن اليمان و غيرهم
و قد ثبت بما ذكرنا ها هنا و في كتاب البعث أن المؤمن لا يخلد في النار بذنوبه غير أن القدر الذي يبقى فيها غير معلوم و الذي تلحقه الشفاعة ابتداء حتى لا يعذب أصلا غير معلوم فالذنب خطره عظيم و شأنه جسيم و ربنا غفور رحيم عقابه شديد أليم (1/295)
326 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس الأصم ثنا إبراهيم بن مرزوق ثنا سعيد بن عامر ثنا خشيش أبو محرز قال : سمعت أبا عمران الجوني يقول : هبك تنجو بعد كم تنجو (1/295)
فصل فيما يجاوز الله عن عباده و لا يؤاخذهم به فضلا منه و رحمة (1/295)
327 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه ثنا عثمان بن سعيد الدرامي ثنا محمد بن المنهال ثنا يزيد بن زريع ح
و أخبرنا أبو عبد الله ثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري و اللفظ له ثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم العبدي ثنا أمية بن بسطام ثنا يزيد بن زريع ثنا روح بن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم : { لله ما في السموات و ما في الأرض } الآية فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتوا رسول الله ثم بركوا على الركب ثم قالوا أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة و الصيام و الزكاة و الصدقة و قد نزلت عليك هذه الآية و لا نطيقها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا و عصينا بل قولوا { سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير } قالوا : { سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير }
فلما قرأها القوم و ذلك بها ألسنتهم أنزل الله عز و جل في أثرها :
{ آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه و المؤمنون } إلى قوله : { غفرانك ربنا و إليك المصير }
فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله عز و جل :
{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } قال نعم { ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا } قال نعم { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } قال نعم { و اعف عنا و اغفر لنا و ارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين } قال نعم رواه مسلم في الصحيح عن أمية بن بسطام و محمد بن المنهال (1/295)
328 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن الفضل الصائغ ثنا آدم ثنا ورقاء عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت { و إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه }
{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } (1/296)
329 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان قال حدثني عبد العزيز بن عبد الله ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن مرجانة قال : جلست إلى عبد الله بن عمر فتلا هذه الآية : { لله ما في السموات و ما في الأرض } إلى آخرها فبكى حتى سمع نشيجه فقمت حتى أتيت ابن عباس فأخبرته بما تلا ابن عمر فقال يغفر الله لأبي عبد الرحمن لقد وجد المسلمون منها حين نزلت مثل ما وجد ما وجد عبد الله فأنزل الله عز و جل :
{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }
و كانت الوسوسة مما لا طاعة للمسلمين به فصار الأمر بعد إلى قضاء الله تعالى أن النفس لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت في القول و الفعل (1/297)
330 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ أنا محمد بن الحسين بن مكرم بالبصرة ثنا محمد بن الحسن بن تسنيم ثنا روح ثنا شعبة عن خالد يعني الحذاء عن مروان الأصفر : عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أحسبه ابن عمر :
{ إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله }
قال نسختها الآية التي بعدها
رواه البخاري في الصحيح عن إسحاق بن منصور عن روح
قال البيهقي رحمه الله و هذا النسخ بمعنى التخصيص و التبين فإن الآية الأولى و ردت مورد العموم فوردت الآية التي بعدها فبينت إنما لا يخفى ما لا يؤاخذ به و هو حديث النفس الذي لا يستطيع العبد دفعه عن قلبه و هذا لا يكون منه كسب في حدوثه و بقائه و كثير من المتقدمين كانوا يطلقون عليه اسم النسخ على الاتساع بمعنى أنه لولا الآية الأخرى لكانت الآية الأولى تدل على مؤاخذاته بجميع ذلك
و يحتمل أن يكون هذا خبرا مضمنا بحكم و كأنه حكم بمؤاخذة عباده بجميع ذلك و تعبدهم به و له أن يتعبدهم بما شاء فلما قابلوه بالسمع و الطاعة خفف عنهم و وضع عنهم حديث النفس فيكون قوله { يحاسبكم به الله } خيرا مضمنا لحكم أي حكم بمحاسبتكم به و هذا كقوله عز و جل :
{ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين }
أي حكم بذلك ثم قال :
{ الآن خفف الله عنكم و علم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين }
فنسخ الحكم الأول و أثبت الثاني كذلك هذا و الله أعلم
و هذا الذي كتبته مختصر من جملة ذكرها الشيخ الإمام أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله في هذا الباب فيما أخبرناه أبو عمرو الأديب عنه و ذكر فيما لا يؤاخذ به من حديث النفس معنى ما ذكرناه ثم قال و على هذا المعنى ما روي : لك النظرة الأولى و ليست لك الثانية إذا كانت الأولى لا عن قصد تعمد فإذا أعاد النظر فهو كمن حقق الخطرة
قال البيهقي رحمه الله إذا تحقق الخطرة فهو كمن حقق النظر و بالله التوفيق
و قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله : النسخ لا يجري فيما أخبر الله به عنه أنه كان و أنه فعل ذلك فيما مضى لأن يؤدي إلى الكذب و الخلف و يجري عند بعضهم فيما أخبر أنه يفعله و ذلك أن ما أخبر أنه يفعله يجوز أن يفعله بشرط و إخباره عما فعله لا يجوز دخول الشرط فيه و هذا أصح الوجه و عليه تأول ابن عمر الآية و يجري ذلك مجرى العفو و التخفيف عن عباده و هو كرم منه و فضل و ليس بخلف
قال و أما ما تعلق من الأخبار بالأمر و النهي فالنسخ فيه جائز عند جماعة من الناس و سواء كان ذلك خبرا عن ماض أو عن زمان مستقبل (1/297)
331 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو الحسن علي بن محمد المصري ثنا مالك بن يحيى ثنا يزيد بن هارون ثنا مسعر بن كدام عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
تجوز لأمتي عما وسوست به أنفسها أو حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل به
أخرجاه في الصحيح من حديث مسعر (1/299)
332 - أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ثنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز ثنا جعفر بن محمد بن شاكر ثنا عفان ثنا همام و حماد و أبان و أبو عوانة كلهم يحدثون عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا به أو يعلموا
رواه مسلم في الصحيح عن سعيد بن منصور و غيره عن أبي عوانة
أخرجاه من أوجه آخر عن قتادة (1/299)
333 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا مسدد ثنا عبد الوارث بن سعيد ثنا الجعد أبو عثمان عن أبي رجاء العطاردي عن ابن عباس : عن النبي صلى الله عليه و سلم فيما يروي عن ربه عز و جل قال :
إن الله كتب الحسنات و السيئات ثم بين ذلك فمن هم بالحسنة فلم يعملها كتب الله له حسنة و من عملها كتب الله له بها عشرا إلى سبعمائة ضعف و أضعاف كثيرة و من هم بسيئة و لم يعملها كتب الله له بها حسنة كاملة و من هم بها فعملها كتب الله عليه سيئة واحدة
رواه مسلم في الصحيح عن شيبان بن فروخ (1/299)
334 - أخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري ثنا جدي يحيى بن منصور القاضي ثنا أحمد بن سلمة ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن الجعد أبي عثمان عن أبي رجاء العطاردي عن ابن عباس : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما روى عن ربه عز و جل :
إن ربكم رحيم فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة و إن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة و من هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة و إن عملها كتبت عليه واحدة أن يمحوها الله و لا يهلك على الله إلا هالك (1/299)
335 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن محمد بن يحيى ثنا يحيى بن يحيى أنا جعفر بن سليمان بهذا الإسناد : نحوه
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى
قال البيهقي رحمه الله و قد روينا في حديث همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث في السيئة قال و إن تركها اكتبوها له حسنة إنما تركها من جزائي و هو مذكور في باب التوبة (1/300)
336 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ثنا موسى بن هارون ثنا قتيبة بن سعيد أنا المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يقول الله عز و جل :
إذا رأى عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها و إن عملها فاكتبوها بمثلها و إن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة فإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف
رواه البخاري في الصحيح عن قتيبة (1/300)
337 - أخبرنا أبو عبد الله و أحمد بن الحسن و محمد بن موسى قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا أبو الجواب عن عمار بن زريق عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالحديث لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به قال ذلك صريح الإيمان
رواه مسلم في الصحيح عن الصغاني
و رواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال :
جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا يا رسول الله إنا نجد في أنفسنا الشيء ما نحب أن نتكلم به فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أو قد وجدتموه ؟ قالوا : نعم قال : ذلك صريح الإيمان (1/301)
338 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنا أحمد بن سلمة ثنا إسحاق بن إبراهيم أنا جرير عن سهيل بن أبي صالح : فذكره
رواه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب (1/301)
339 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه من أصل سماعه ثنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب قال : سمعت علي بن عثام يقول : أتيت سعير بن خميس فسألته عن حديث الوسوسة فلم يحدثني فأدبرت أبكي ثم لقيني فقال لي حدثنا مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال سألنا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الرجل يجد الشيء لو خر من السماء فتخطفه الطير كان أحب إليه من أن يتكلم به قال : ذاك محض أو صريح الإيمان
رواه مسلم في الصحيح عن يوسف بن يعقوب الصفار عن علي بن عثام
قال البيهقي رحمه الله و رواه جرير و سليمان التيمي و أبو عوانة و أبو جعفر الرازي عن مغيرة عن إبراهيم مرسلا و هو فيما ذكره شيخنا أبو عبد الله عن أبي علي الحافظ (1/301)
340 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمدآبادي ثنا أبو قلابة ثنا أبو الوليد ثنا شعبة عن منصور و سليمان عن ذر عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس أن رجلا قال : يا رسول الله تحدثني نفسي من أمر الرب لأن أكون حممة أحب إلي من أن أتكلم به فقال أحدهما الحمد لله الذي لم يقدر لكم إلا على الوسوسة فقال الآخر الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة (1/302)
341 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف السوسي و محمد بن موسى قالوا ثنا أبو العباس الأصم ثنا هارون بن سليمان الأصبهاني ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن ذر عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس : أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم :
يا رسول الله إني لأجد في نفسي شيئا لأن أكون حممة أحب إلي فقال : الحمد لله الذي أمره إلى الوسوسة (1/302)
342 - أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمويه العسكري ثنا جعفر بن محمد القلانسي ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شيبان ثنا قتادة عن ذر أبي عمر عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن ابن عباس : أن رجلا قال : يا رسول الله إن أحدنا ليحدث نفسه تعرض له بالشيء لأن يكون حمما أحب إليه من أن يتكلم به فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الله أكبر الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة (1/302)
343 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ثنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان حدثني عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن يحيى بن عمارة أبي حسن المازني بلغه : أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الوسوسة التي يوسوس بها الشيطان في أنفسهم فقالوا :
يا رسول الله أشياء نجدها في أنفسنا يسقط أحدنا من عن الثريا أحب إليه من أن يتكلم به فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أوجدتم ذلك ؟ ذاك صريح الإيمان إن الشيطان يريد أن يوقع العبد فيما دون ذلك فإذا عصم منه وقع فيما هنالك
قال البيهقي رحمه الله و إنما الإيمان اغتمامه بما وقع في قلبه مما لا طاقة له بدفعه و كراهيته له و إشفاقه محبة و بالله العصمة (1/303)
فصل في القصاص من المظالم (1/303)
344 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا محمد بن نعيم ثنا قتيبة بن سعيد ثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
قال : أتدرون من المفلس ؟ قالوا : المفلس من لا درهم له و لا متاع فقال : إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة و صيام و زكاة و يأتي قد شتم هذا و قذف هذا و أكل مال هذا و سفك دم هذا و ضرب هذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار
رواه مسلم في الصحيح عن قتيبة
قال البيهقي رحمه الله و قد ذكرنا متن هذا الحديث في باب زيادة الإيمان و نقصانه و قد ذكرنا تفسيره و هو أن من لم ير إحباط الحسنة بالسيئة في الإيمان يقول : يعطي خصمه من أجر حسناته الذي تقابل عقوبة سيئاته و لا يذهب جميعه لأن أجر حسناته لا نهاية له و عقوبة سيئاته له نهاية فلا يستحق ما لا نهاية له بما له نهاية و قوله : إن فنيت حسناته يعني آخرها قابل منها بسببه و الله أعلم (1/303)
345 - أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب أنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرني الحسن بن سفيان و أبو يعلى قالا ثنا محمد و هو ابن المنهال ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري : عن النبي صلى الله عليه و سلم في هذه الآية :
{ و نزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين }
قال : يخلص المؤمنون على الصراط فيحبسون على قنطرة بين الجنة و النار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا و نقوا أذن لهم في دخول الجنة فو الله إن أحدهم لأهدى لمنزله في الجنة من منزله في الدنيا قال قتادة : كان يقال ما يشبه بهم إلا أهل الجمع انصرفوا من جمعهم
رواه البخاري في الصحيح عن الصلت بن محمد عن يزيد بن زريع
قال البيهقي رحمه الله و هذا يحتمل أن يكون المراد به حتى إذا ذهبوا و نقوا بأن يرضى عنهم خصماؤهم و رضاهم قد يكون بالاقتصاص كما مضى في حديث أبي هريرة و قد يكون بأن يثيب الله المظلوم خيرا من مظلمته و يعفو عن الظالم برحمته (1/304)
346 - و قد روي فيه ما : حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا علي بن الحسن بن أبي عيسى الهلالي ثنا أبو داود الطيالسي ثنا عبد القاهر بن السري حدثني بن لكنانة بن العباس بن مرداس السلمي عن أبيه عن جده عباس بن مرداس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة و الرحمة فأكثر الدعاء فأوحى الله إليه أني قد فعلت إلا الظلم بعضهم بعضا و أما ذنوبهم فيما بينهم و بيني قد غفرتها فقال : يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته و تغفر لهذا الظالم فلم يجبه تلك العشية فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء فأجابه أني قد غفرت لهم قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له بعض أصحابه يا رسول الله تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم فيها قال : تبسمت من عدو الله إبليس أنه لما علم أن الله تعالى قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل و الثبور و يحثو التراب على رأسه
قال البيهقي رحمه الله و هذا الحديث له شواهد كثيرة و قد ذكرناها في كتاب البعث فإن صح بشواهده ففيه الحجة و إن لم يصح فقد قال الله عز و جل : { و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء } و ظلم بعضهم بعضا دون الشرك
و في الحديث الثابت عن زيد بن وهب عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
أتاني جبريل فأخبرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قال : قلت يا رسول الله و إن زنى و إن سرق قال : و إن زنى و إن سرق (1/304)
347 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا السري بن خزيمة ثنا عمر بن حفص ثنا أبي ثنا الأعمش ثنا زيد بن وهب : فذكره في حديث طويل
رواه البخاري في الصحيح عن عمر بن حفص
و أخرجه مسلم من أوجه أحدها عن الأعمش
قال : البيهقي رحمه الله رواه أبو الأسود الديلي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما من عبد قال : لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قال : قلت و إن زنى و إن سرق قال : و إن زنى و إن سرق على رغم أنف أبي ذر
و قد أخرجاه في الصحيح و له شواهد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم عن عثمان بن عفان و عبد الله بن مسعود و عبادة بن الصامت و جابر بن عبد الله و غيرهم عن النبي صلى الله عليه و سلم و ليس بين هذه الأحاديث و بين حديث أبي هريرة و أبي سعيد منافاة
و قد يكون دخوله الجنة بعد الاقتصاص و الاقتصاص قد يكون بالتعذيب على ما طرح عليه من السيئات فيبقى مرتهنا بسيئاته و سيئات خصمه و قد يثيب الله تعالى المظلوم و يعفو عن الظالم إن صح الخبر الوارد به أما التعزيز بالنفس فما لا يرضاه عاقل و من لا يصبر على وجع سن و حمى يوم فحقيق أن يحترز من أمر يعرضه لعذاب وجيع و عقاب أليم لا يعلم شدته و لا نهايته إلا الله عز و جل و قد جاء في حديث أبي ظلال عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم أن عبدا في جهنم ينادي ألف سنة يا حنان يا منان حتى يأمر به جبريل عليه التسليم فيخرجه منها نعوذ بالله من عذاب الله عز و جل (1/305)
348 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنا أبو عبد الله الصفار ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ثنا محمد بن حسان الأزرق ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال كان حزم بن أبي حزم يقول : اللهم من ظلمناه بمظلمة فأثبه من مظلمتنا خيرا و اغفر لنا و من ظلمنا بمظلمة فأثبنا من مظلمته و اغفرها له (1/306)
349 - قال و ثنا أبو بكر حدثني رجل من عبد القيس من أهل البصرة قال كانت رابعة العابدة تقول : اللهم وهبت من ظلمني فاستوهبني ممن ظلمت (1/306)
فصل في كيفية انتهاء الحياة الأولى و ابتداء الحياة الأخرى و صفة يوم القيامة ـ قال البيهقي رجمه الله أما انتهاء الحياة الأولى فإن لها مقدمات تسمى أشراط الساعة و هي أعلامها : منها خروج الدجال و نزول عيسى ابن مريم عليه السلام و قتله الدجال و منها خروج يأجوج و مأجوج و منها خروج دابة الأرض و منها طلوع الشمس من مغربها فهذه هي الآيات العظام و أما ما يتقدم هذه من قبض العلم و غلبة الجهل و استعلاء أهله و بيع الحكم و ظهور المعازف و استفاضة شرب الخمر و اكتفاء النساء بالنساء و الرجال بالرجال و إطالة البنيان و إمارة الصبيان و لعن آخر هذه الأمة أولها و كثرة الهرج و غير ذلك فإنها أسباب حادثة و رواية الأخبار المنذرة بها بعد ما صار الخبر عيانا تكلف و قد رويناها مع ما ورد في الأعلام العظام في كتاب البعث و النشور فأغنى عن إعادتها ها هنا و بالله التوفيق و إذا انقضت الأشراط و جاء الوقت الذي يريد الله عز و جل إماتة الأحياء من سكان السموات و البحار و الأرضين أمر إسرافيل عليه السلام و هو أحد حملة العرش في قول بعض أهل العلم و صاحب اللوح المحفوظ فينفخ في الصور و هو القرن (1/307)
350 - أخبرنا أبو علي الروذباري ثنا أبو بكر محمد بن مهرويه الرازي ثنا عمرو بن تميم ثنا أبو نعيم ثنا سفيان الثوري عن سليمان التيمي عن أسلم العجلي عن بشر بن شغاف عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن الصور قال :
قرن ينفخ فيه (1/307)
351 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الفضل بن إبراهيم ثنا أحمد بن سلمة ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن النعمان بن سالم قال : سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود قال : سمعت رجلا قال لعبد الله بن عمرو : إنك تقول الساعة تقوم كذا و كذا فقال : لقد هممت ألا أحدثكم بشيء إنما قلت إنكم ترون بعد قليل أمرا عظيما فكان حريق البيت فقال شعبة هذا أو نحوه قال عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يخرج الدجال في أمتي فيمكث فيهم أربعين لا ندري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما فيبعث الله عز و جل عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود الثقفي فيطلبه فيهلكه ثم يلبث الناس بعده سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم يرسل الله عز و جل ريحا باردا من قبل الشام فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من الإيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلت عليه قال سمعتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم و يبقى شرار الناس في خفة الطير و أحلام السباع لا يعرفون معروفا و لا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيقول ألا تستحيون فيأمرهم بالأوثان فيعبدونها و هم في ذلك دارة أرزاقهم حسن عيشهم ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ـ و رفع فيدار ( و هو خطأ ) إحدى منكبيه ـ و أول من يسمعه يلوط حوضه فيصعق ثم لا يبقى أحد إلا صعق ثم يرسل أو ينزل الله مطرا كأنه الطل أو الظل ـ النعمان الشاك ـ فينبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال يا أيها الناس هلموا إلى ربكم عز و جل وقفوهم إنهم مسؤولون ثم يقال أخرجوا بعث النار فيقال كم ؟ فيقال من كل ألف تسعمائة و تسعة و تسعون
قال محمد بن جعفر و حدثني شعبة بهذا الحديث مرات و عرضته عليه
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن بشار
قال البيهقي رحمه الله و لم يذكر عبد الله بن عمرو في هذا الحديث سائر الاعلام من خروج يأجوج و مأجوج و الدابة و طلوع الشمس من مغربها و قد ذكر غيره خروج يأجوج و مأجوج بعد نزول عيسى بن مريم و إرسال الله عليهم النغف و موتهم في قيام الساعة بعد ذلك و ذكر هو عن النبي صلى الله عليه و سلم أن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها و خروج الدابة على الناس ضحى فأيهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها و قال من قبل نفسه : فأظن أولها خروجا طلوع الشمس من مغربها و إنما قال ذلك عبد الله بن عمرو حين أخبر بقول مروان بن الحكم أن أول الآيات خروجا الدجال فإذا كان حديث عبد الله صحيحا فهو أولى من غيره و هو صحيح لا شك فيه لصحة إسناده و الله أعلم و لا شك في كون هذه الآيات قبل النفخ في الصور تقدم بعضها أو تأخر و كلما هو آت قريب (1/308)
352 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا أبو عمرو سعيد بن حفص خال النفيلي ثنا موسى بن أعين عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد و عن عمران يعني البارقي عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
كيف أنعم و صاحب القرن قد التقمه فأصغى سمعه و حنا جبينه ينتظر متى يؤمر فينفخ قالوا يا رسول الله كيف نقول قال : قولوا حسبنا الله و نعم الوكيل على الله توكلنا (1/309)
353 - أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بالويه المزكي أخبرنا أبو وليد الفقيه ثنا إبراهيم بن علي ثنا يحيى بن يحيى ثنا موسى بن أعين : فذكر حديث أبي صالح بمعناه
قال البيهقي رحمه الله فإذا نفخ في الصور فصعق من في السموات و من في الأرض كما قال الله عز و جل :
{ و نفخ في الصور فصعق من في السموات و من في الأرض إلا من شاء الله }
و اختلفوا في هذا الاستثناء فروي عن جابر بن عبد الله أنه قال : موسى فيمن استثنى الله فإنه صعق مرة و هذا لما في الحديث الثابت عن أبي هريرة في قصة المسلم الذي لطم اليهودي حين قال : و الذي اصطفى موسى على البشر فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لا تفضلوا بين أنبياء الله فإنه ينفخ في الصور فصعق من في السموات و من في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث أو في أول من بعث فإذا موسى آخذ بالعرش فلا أدري أحوسب بصعقة يوم الطور أو بعث قبلي
و هذا حديث صحيح
قال البيهقي رحمه الله و وجهه عندي أن نبينا صلى الله عليه و سلم أخبر عن رؤية جماعة من الأنبياء ليلة المعراج و إنما يصح ذلك على تقدير أن الله تعالى رد إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى صعقوا فيمن صعق ثم لا يكون ذلك موتا في جميع معانيه إلا في ذهاب الاستشعار فإن كان موسى ممن استثنى عز و جل بقوله : { إلا من شاء الله } فإنه لا يذهب استشعاره في تلك الحالة و الله أعلم
وروينا عن سعيد بن جبير أنه قال هم الشهداء ثنية الله عز و جل مقلدي السيوف حول العرش
و روي فيه حديث مرفوع عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية و قال : و من الذي لم يشأ الله عز و جل أن يصعقوا ؟ قال هم شهداء الله عز و جل و هذا لأن الله عز و جل أخبر في كتابه أنهم { أحياء عند ربهم يرزقون } فلا يموتون في النفخة الأولى فيمن يموت من الأحياء و الله أعلم
و روينا عن زيد بن أسلم أنه قال :
الذين استثنى الله عز و جل اثنا عشر جبريل و ميكائيل و إسرافيل و ملك الموت و حملة العرش ثمانية
و ذهب الحليمي رحمه الله إلى اختيار قول من قال إن الاستثناء لأجل الشهداء و رواه عن ابن عباس و حمل قول النبي صلى الله عليه و سلم في موسى عليه السلام على أنه لم يدر أبعث قبل غيره من الأنبياء تخصيصا له عليه السلام كما فضل في الدنيا بالتكليم أو قدم بعثه على بعث غيره من الأنبياء عليهم السلام بقدر صعقته عندما تجلى ربه للجبل إلى أن أفاق ليكون هذا جزاء له بها و ليس فيه أن يموت عند النفخة الأولى
و ضعف قول من زعم الاستثناء لأجل الملائكة الذين سماهم لأنهم ليسوا من سكان السموات و الأرض لأن العرش فوق السموات كلها و جبريل و ميكائيل من الصافين المسبحين حول العرش فلم يدخلوا في الآية
و كذلك لا يدخل فيها الولدان و الحور لأن الجنة فوق السموات و الآية في سكان السموات و الأرض ثم قد ورد في بعض الآثار : أنه يميت حملة العرش و يميت جبريل و ميكائيل و ملك الموت ثم ينادي لمن الملك اليوم فلا يجبه أحد فيقول هو : لله الواحد القهار
و قد روي فيه حديث مرفوع في إسناده ضعف و قد ذكرناه في كتاب البعث
و أما الجنة و ما فيها من الحور الحيوان فإنها خلقت للبقاء لا للفناء و هي دار لذة و سرور و لم يأتنا خبر بموت من فيها
فإن قيل : قد قال الله عز و جل :
{ كل نفس ذائقة الموت }
{ كل شيء هالك إلا وجهه }
قال الحليمي رحمه الله : يحتمل أن يكون معناه ما من شيء إلا و هو قابل للهلاك فيهلك إن أراد الله به ذلك إلا وجهه أي إلا هو فإنه تعالى جده قديم و القديم لا يجوز عليه الفناء و ما عداه محدث و المحدث إنما يبقى قدر ما يبقيه محدثه فإذا حبس البقاء عني خطأ فني و لم يبلغنا في خبر أنه يهلك العرش و يفنيه فلتكن الجنة مثله و الله أعلم
قال البيهقي رحمه الله و رويناه عن سفيان الثوري أنه قال : في تفسير هذه الآية كل شيء هالك إلا ما أريد به وجهه
و في رواية إلا ما ابتغى به وجهه من الأعمال الصالحة
فإذا مات الأحياء كلهم و جاء وقت النفخة الأخرى فقد جاء في حديث الصور و هو حديث روي عن محمد بن كعب عن رجل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم و في إسناده مقال فذكر قصة في النفخة الأولى و ما بعدها و ذكر موت جبريل و ميكائيل ثم موت حملة العرش و موت إسرافيل ثم موت ملك الموت ثم ينزل ماء من تحت العرش كمني الرجال ثم يأمر السماء أن تمطر أربعين يوما و يأمر الأجساد أن تنبت كنبات الطراثيث أو كنبات البقل حتى إذا تكاملت أجسادهم قال الله تعالى ليحيى حملة العرش فيحيون ثم يقول ليحيى جبريل و ميكائيل أظنه و ذكر معهما غيرهما فيحيون فيأمر الله عز و جل إسرافيل فيأخذ الصور فيضعه علي فيه ثم يدعو الله بالأرواح فيؤتى بها تتوهج أرواح المؤمنين نورا و الأخرى ظلمة فيلقيها في الصور ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ فيه نفخة البعث فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء و الأرض فيقول الله و عزتي و جلالي ليرجعن كل روح إلى جسده فتدخل الأرواح في الخياشيم ثم تمشي في الأجساد مشي السم في اللديغ ثم تنشق الأرض عنهم سراعا (1/309)
353 - و هذا فيما قرئ إسناده على الأستاذ أبي إسحاق الاسفرايني و أنا أسمع أن أبا بكر محمد بن عبد الله الشافعي أخبرهم ثنا أبو قلابة الرقاشي ثنا أبو عاصم ثنا إسماعيل بن رافع عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه و سلم
و روينا في حديث آخر بإسناد ضعيف عن ابن عباس في صفة القيامة فذكر فيه صفة الصور و عظمه و عظم إسرافيل ثم قال :
فإذا بلغ الوقت الذي يريد الله أمر إسرافيل فينفخ في الصور النفخة الأولى فتهبط النفخة من الصور إلى السموات فيصعق سكان السموات بحذافيرها و سكان البحر بحذافيرها ثم تهبط النفخة إلى الأرض فيصعق سكان الأرض بحذافيرها و جميع عالم الله و بريته فيهن من الجن و الإنس و الهوام و الأنعام قال و في الصور من الكوى بعدد من يذوق الموت من جميع الخلائق فإذا صعقوا جميعا يقول الله عز و جل يا إسرافيل من بقي ؟ فيقول : بقي إسرافيل عبدك الضعيف فيقول مت يا إسرافيل ! فيموت ثم يقول الجبار تعالى : لمن الملك اليوم فلا هميس و لا حسيس و لا ناطق يتكلم و لا مجيب يفهم و قد مات حملة العرش و إسرافيل و ملك الموت و كل مخلوق فيرد الجبار على نفسه { لله الواحد القهار * اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب } و ذلك حين تمت كلمة ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته { و هو السميع العليم } فيتم كلمته بإنفاذ قضائه على أرضه و سمائه لقوله تعالى { كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم و إليه ترجعون }
فإما إسرافيل فيموت ثم يحيى في طرفة عين و إما حملة العرش فيحيون في أسرع من طرفة عين فيأمر الله تعالى إسرافيل بعد النفخة الأولى بأربعين و كذلك هو في التوراة بين النفختين أربعون لا يدري ما هو فإذا انقضت الأربعون نظر الله إلى أهل السموات و إلى أهل الأرضين فيقول و عزتي لأعيدنكم كما بدأتكم و لأحيينكم كما أمتكم ثم يأمر إسرافيل فينفخ النفخة الثانية و قد جمعت الأرواح كلها في الصور فإذا نفخ خرج كل روح من كوة معلومة من كوى الصور فإذا الأرواح تهوش بين السماء و الأرض لها دوي كدوي النخل فينادي إسرافيل : يا أيتها الجلود المتمزقة ! و يا أيتها الأعضاء المتهشمة ! و يا أيتها العظام البالية ! و يا أيتاها الأجسام المتفرقة ! و يا أيتها الأشعار المتمرطة ! قوموا إلى موقف الحساب و العرض الأكبر فيدخل كل روح في جسده قال : و يمطر الله طيشا من تحت العرش على جميع الموتى فيحيون كما تحيى الأرض الميتة بوابل السماء فيبعث الله الأجساد التي كانت في الدنيا من حيث كانت بعضها في بطون السباع و بعضها من حواصل الطير و بنيان البحور و بطون الأرض و ظهورها فيدخل كل روح في جسده فإذا هم قيام ينظرون فيبعث الله نارا من المشارق فتحشر الناس إلى المغارب إلى أرض تسمى الساهرة من وراء بيت المقدس أرض طاهرة لم يعمل عليها سيئة و لا خطيئة فذلك قوله :
{ فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة }
{ يوم يقوم الناس لرب العالمين }
{ و حشرناهم فلم نغادر منهم أحدا }
{ ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا * وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا * الذين كانت } الآية (1/312)
354 - و هذا فيما أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر محمد بن طلحة ابن منصور القطان ثنا إبراهيم بن الحارث البغدادي ثنا أبو الحسن علي بن قدامة النحوي ثنا مجاشع بن عمرو عن ميسرة عن عبد الكريم الجزري قال : حدثني سعيد بن جبير : أنه سأل ابن عباس عن القيامة و ما فيها فحدثه و ذكر ما كتبناه فيه و هذا إسناد ضعيف بمرة غير أنا قد روينا في الحديث الثابت عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
بين النفختين أربعون : قالوا يا أبا هريرة : أربعون يوما ؟ قال : أبيت قالوا أربعون شهرا ؟ قال : أبيت قالوا : أربعون سنة ؟ قال أبيت قال ثم ينزل الله عز و جل من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل قال : و ليس من الإنسان بشيء إلا يبلي إلا عظما واحدا و هو عجب الذنب و فيه تركيب الخلق يوم القيامة (1/314)
355 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق ثنا موسى بن إسحق ثنا عبد الله بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش : بهذا الحديث
رواه مسلم في الصحيح عن أبي كريب عن أبي معاوية
و أخرجه البخاري من وجه آخر عن الأعمش
قال : البيهقي رحمه الله و روينا عن أبي غالب عن أنس بن مالك مرفوعا :
يبعث الناس يوم القيامة و السماء تطش عليهم
و روينا بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود في أشراط الساعة في النفخة الأولى ثم في إرسال الله ماء من تحت العرش منيا كمني الرجال حتى تنبت جسمانهم و لحمانهم من ذلك الماء ثم قيام ملك الصور نفخه فيه مرة أخرى و انطلاق كل نفس إلى جسمها و دخولهم فيه ثم قيامهم لرب العالمين ما يؤكد جميع ما نقلنا و الله أعلم (1/314)
356 - أخبرنا أبو عبد الرحمن بن محبوب أنا الحسين بن محمد بن هارون ثنا أحمد بن محمد بن نصر ثنا يوسف بن بلال ثنا محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : ـ { و يقولون } يعني أهل مكة { متى هذا الوعد } يعني القيامة يقول الله عز و جل { ما ينظرون } كفار قريش إذ كذبوا { إلا صيحة واحدة } لا تثنى { تأخذهم و هم يخصمون } يتكلمون في أسواقهم يتبايعون { فلا يستطيعون } لا يقدرون { توصية } كلاما { و لا إلى أهلهم يرجعون } فيخيرون الكلام إليهم { و نفخ في الصور } و هي النفخة الآخرة { فإذا هم من الأجداث } يعني القبور { إلى ربهم ينسلون } يخرجون من قبورهم { قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } يقول من منامنا يقول هذا بعضهم لبعض إذا خرجوا من القبور و ظنوا أنهم كانوا نياما و ذلك أنه يرفع عنهم العذاب بين النفختين و بينهما أربعون سنة نسوا العذاب فقالت لهم الملائكة { هذا ما وعد الرحمن و صدق المرسلون } يعني وتصديق المرسلين البعث يقول الله عز و جل : { إن كانت إلا صيحة واحدة } نفخة واحدة { فإذا هم جميع لدينا محضرون } الحساب
قال : البيهقي رحمه الله و قد روينا عن أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس بن مالك قال : لما كان يوم أحد مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بحمزة بن عبد المطلب و قد جدع و مثل به فقال : لولا أن تجد صفية لتركته حتى يحشره الله من بطون الطير و السباع (1/315)
357 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا عبد الله بن الحسين القاضي ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا روح ثنا أسامة : فذكره
قال البيهقي رحمه الله و روينا في حديث مقسم عن ابن عباس غير أنه قال : لولا جزع النساء لتركته يحشر من حواصل الطيور و بطون السباع و في هذا كله دليل على أن ما أكله الناس بعضهم من بعض صار غذاء له فقد زعم الحليمي رحمه الله أنه لا يرد إلى أصله لكن صاحبه يعرض منه و قد فرق بينهما بأنه قال انقلب من مكلف إلى مكلف و رده يؤدي إلى إدخال جزء من الكافر الجنة أو جزء من المؤمن النار و ليس كذلك في غير المكلف و إنما هو في معنى ما تأكله الأرض فيعاد و بسط الكلام فيه
و إذا أحي الله تبارك و تعالى الناس كلهم قاموا عجلين ينظرون ما يراد بهم لقوله تعالى :
{ ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون }
و قد أخبر الله عز و جل عن الكفار أنهم يقولون :
{ يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا }
و أنهم يقولون :
{ هذا يوم الدين }
فيقول لهم الملائكة :
{ هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون }
ثم يحشر الناس إلى موقف العرض و الحساب و هو الساهرة فقال الله عز و جل :
{ فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة }
قال البيهقي رحمه الله وروينا عن وهب بن منبه أنه قرأ هذه الآية و هو يومئذ ببيت المقدس فقال : ها هنا الساهرة يعني بيت المقدس
و روينا عن ابن عباس موقوفا و مرفوعا ما دل على أن الشام أرض المحشر
و قال الفراء : الساهرة وجه الأرض كأنها سميت بهذا الاسم لأن فيه الحيوان نومهم و سهرهم
و روى بإسناده عن ابن عباس قال : الساهرة الأرض قال الحليمي رحمه الله : و معناه فأذاهم قد صاروا على وجه الأرض بعد أن كانوا في جوفها
و قيل : الساهرة صحراء و قرب شفير جهنم و الله أعلم
و روينا في الحديث الثابت عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ـ و في رواية كالقرصة النقي ـ ليس فيها لأحد علم
و النقي : الخبز الحواري و قوله ليس فيها علم يريد أرضا مستوية ليس فيها جدب و لا بناء
و أما صفة الحشر فقد قال الله عز و جل :
{ يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا * ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا }
روينا عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال : في قوله وفدا ركبانا و في قوله وردا عطاشا
و روينا عن النعمان بن سعد عن علي أنه قال في هذه الآية : أما و الله ما يحشر الوفد على أرجلهم و لا يساقون سوقا و لكنهم يؤتون بنوق لم تر الخلائق مثلها عليها رحال الذهب و أزمتها الزبرجد فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة (1/315)
358 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الوهاب ثنا يعلى بن عبيد ثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه : فذكره (1/317)
359 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا إبراهيم بن عصمة بن إبراهيم ثنا السري بن خزيمة ثنا وهيب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين راهبين اثنان على بعير و ثلاثة على بعير و أربعة على بعير و عشرة على بعير و تحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا و تبيت معهم حيث باتوا و تصبح معهم حيث أصبحوا و تمسي معهم حيث أمسوا
ورواه البخاري عن معلى بن أسد
و أخرجه مسلم من وجه آخر عن وهيب
قال الحليمي رحمه الله : فيحتمل أن يكون قول النبي صلى الله عليه و سلم : يحشر الناس على ثلاث طرائق أشار إلى الأبرار و المخلطين و الكفار فالأبرار الراغبون إلى الله جل ثناءه فيما أعد لهم من ثوابه و الراهبين الذين هم بين الخوف و الرجاء فأما الأبرار فإنهم يؤتون بالنجائب كما روي في حديث علي و أما المخلطون فهم الذين أريدوا في هذا الحديث أنهم يحلمون على الأبعرة و الأشبه أنها لا تكون من نجائب الجنة لأن من هؤلاء من لا يغفر له ذنوبه حتى يعاقب بها بعض العقوبة و من أكرم بشيء من نعيم الجنة لم يهن بعده بالنار
قال البيهقي رحمه الله : و روى علي بن زيد بن جدعان و ليس بالقوي عن أوس بن خالد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم : يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف ركبانا و مشاة و على وجوههم فقال رجل يا رسول الله ! و يمشون على وجوههم ؟ قال : الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم
و هذا إن صح فكأن بعض المخلطين من المؤمنين يكون راكبا كما جاء في الحديث الأول و بعضهم يكون ماشيا كما جاء في الحديث أو يركب في بعض الطريق و يمشي في بعض
و أما المشاة على وجوههم فهم الكفار و يحتمل أن يكون بعضهم أعتى من بعض فؤلاء يحشرون على وجوههم و الذين هم أتباع يمشون على أقدامهم فإذا سيقوا من موقف الحساب إلى جهنم سحبوا على وجوههم قال الله عز و جل :
{ يوم يسحبون في النار على وجوههم }
و قال : { الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا }
و يكونون في تلك الحالة عميا و بكما و صما قال الله تعالى :
{ ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم }
و قبل ذلك يكونون كاملي الحواس و الجوارح لقوله تعالى :
{ يتعارفون بينهم }
و قوله : { يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا }
و سائر ما أخبر الله عز و جل عنهم من أقوالهم و نظرهم و سمعهم فإذا أدخلوا النار ردت إليهم حواسهم ليشاهدوا النار و ما أعد لهم فيها من العذاب قال الله تعالى :
{ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا }
و سائر ما أخبر الله عنهم من أقوالهم و سمعهم و نظرهم فإذا نودوا بالخلود سلبوا أسماعهم قال الله عز و جل :
{ لهم فيها زفير و هم فيها لا يسمعون }
و قد قيل إنهم يسلبون أيضا الكلام لقوله تعالى :
{ اخسؤوا فيها ولا تكلمون }
و روينا عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قام في الناس فوعظهم فقال : أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا ثم قرأ :
{ كما بدأنا أول خلق نعيده }
و إن أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام
و عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
تخشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا فقلن : يا رسول الله الرجال من النساء ؟ فقال يا عائشة ! الأمر يومئذ أشد من ذلك
و الذي يدل عليه ما قدمناه ذكره أن ذلك يكون حال خروجهم من قبورهم ثم يكرم المتقون و من شاء من المخلطين المؤمنين بالكسوة و الركوب كما قدمنا ذكره و الله أعلم
و الذي روي في حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم يبعث الميت في ثيابه التي يموت فيها يحتمل أن يكون المراد في أعماله التي يموت عليها من خير أو شر كقوله صلى الله عليه و سلم في رواية جابر يبعث كل عبد على ما مات عليه
و قد يحتمل أن يبعث في ثيابه التي يموت فيها ثم تتناثر عنه أو عن بعضهم ثم يحشر إلى موقف الحساب عاريا ثم يكسى بعد ذلك من ثياب الجنة و الله أعلم
و أما قول الله عز و جل في صفة الكفار يوم القيامة : { خاشعة أبصارهم } و قوله : { خشعا أبصارهم } فإن المراد بذلك و الله أعلم حال مضيهم إلى الموقف و قوله : { مهطعين مقنعي رؤوسهم }
و إنما هو إذا طال القيام عليهم في الموقف فيصيرون في الحيرة كأنهم لا قلوب لهم و يرفعون رؤوسهم فينظرون النظر الطويل الدائم و لا يرتد إليه طرفهم كأنهم قد نسوا الغمض أو جهلوه و الناس في القيامة لهم أحوال و مواقف و اختلف الأخبار عنهم لاختلاف مواقفهم و أحوالهم و أما قول الله عز و جل :
{ فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون }
فقد روينا عن أنه قال : هذا في النفخة الأولى ينفخ في الصور فيصعق من في السموات و من في الأرض إلا من شاء الله { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } ثم إذا نفخ في النفخة الأخرى قاموا { فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } (1/318)
فصل ـ قد روينا عن ابن عباس أنه قال : في قوله عز و جل : { و نسوق المجرمين إلى جهنم وردا } يقول : عطاشا و الأخبار تدل على أن العطاش يعم الناس في ذلك اليوم إلا أن المجرمين لا يسكن عطشهم و لكنه يزداد حتى يوردوا النار فيشربون الحميم شرب الهيم نعوذ بالله من عذاب الله و أما المتقون و من شاء الله من المخلطين المؤمنين المؤمنين فإنهم يسقون من حوض نبينا صلى الله عليه و سلم و قد ذكرنا صفة الحوض و صفة مائه في كتاب البعث و النشور (1/321)
360 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا أبو غسان حدثني أبو حازم ثنا سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب و من شرب لم يظمأ أبدا و ذكر الحديث
أخرجاه في الصحيح
قال البيهقي رحمه الله : و يشبه أن يكون عطش المتقين لكي إذا سقوا من حوض المصطفى صلى الله عليه و سلم وجدوا لذة الماء إذ الريان لا يستلذ الماء كما يستلذه العطشان و الله أعلم (1/321)
فصل ـ قال البيهقي رحمه الله : ذكر الله عز و جل في كتابه ما يكون في الأرض من زلزالها و تبديلها و تغيير هيئتها و مدها و ما يكون في الجبال و تسييرها و نسفها و ما يكون في البحار و تفجيرها و تسجيرها و ما يكون في السماء و تشقيقها و طيها و ما يكون في الشمس من تكويرها و في القمر من خسفه و ما يكون في النجوم من انكدارها و انتثارها و ما يكون من شغل الوالدة عن ولدها و وضع الحوامل ما في بطونها و اختلف أهل العلم في وقت هذا الكوائن فذهب بعض أهل التفسير إلى أن ذلك يكون بعد النفخة الأولى و قبل الثانية و روي في ذلك الحديث الذي ذكرناه بإسناده عن محمد بن كعب عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم في الصور و ذهب أكثر أهل العلم إلى أن ذلك إنما يكون بعد النفخة الثانية و خروج الناس من قبورهم و وقوفهم يوم القيامة قبلها ينظرون ليكون ذلك رعب لعرضهم و أشد لحالهم و على هذا يدل سياق أكثر الآيات التي وردت في هذه الكوائن و كذلك روي عن ابن عباس في الحديث الذي ذكرناه إسناده في صفة القيامة و قد ذكرنا أحد الحديثين في كتاب البعث و النشور آخره و على مثل ذلك يدل أكثر الأحاديث فمنها حديث أبي سعيد الخدري و غيره في بعث النار (1/322)
361 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب العدل و أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني بالكوفة قالا : ثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي أنبأ وكيع ـ ح
و أخبرنا أبو عبد الله أخبرني أبو بكر بن عبد الله ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول تبارك و تعالى يوم القيامة :
قم يا آدم ابعث بعث النار فيقول لبيك و سعديك و الخير في يديك و ما بعث النار ؟ قال : فيقول : من كل ألف تسعمائة و تسعة و تسعون قال فحينئذ يشيب المولود و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب الله شديد
فيقولون و أينا ذلك الواحد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تسعمائة و تسع و تسعون من يأجوج و مأجوج و منكم واحد فقال الناس : الله أكبر فقال النبي صلى الله عليه و سلم إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة و الله إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة و الله إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبر الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أنتم يومئذ في الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو الشعرة في الثور الأبيض
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع
قال البيهقي رحمه الله : وأخرجاه من حديث جرير عن الأعمش و في حديثه : أبشروا فإن يأجوج و مأجوج ألفا و منكم رجل
و روينا في حديث عمران بن حصين و أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ قوله تعالى :
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم } إلى آخر الآيتين
ثم قالا : معنى ما رواه أبو سعيد غير أن في حديثهما قال :
اعملوا و أبشروا و الذي نفس محمد بيده إن معكم لخليقتين ما كانتا مع أحد قط إلا كثرتاه مع من هلك من بني آدم و بني إبليس و قالوا : و من هما قال : يأجوج و مأجوج
و روينا عن عائشة أنها قالت يا رسول الله صلى الله عليه و سلم أرأيت قول الله عز و جل :
{ يوم تبدل الأرض غير الأرض و السموات و برزوا لله الواحد القهار }
أين الناس يومئذ ؟ قال : على الصراط
و في حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه و سلم زيادة قال : هم في الظلمة دون الجسر و الجسر هو الصراط وأما قوله :
{ وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت }
فمعناه قد ألقت ما فيها
و قوله تعالى :
{ إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها }
معناه و قد أخرجت الأرض أثقالها و سياق الآية تدل خطأ على ذلك و قوله :
{ فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة * وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة }
فمعناه النفخة الآخرة و الله أعلم (1/322)
فصل في معنى قول الله عز و جل { تعرج الملائكة و الروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } و روينا عن أبي هريرة عبد النبي صلى الله عليه و سلم في صاحب الكنز إذا لم يؤد زكاته جيء به يوم القيامة و بكنزه فيحمى صفائح من نار جهنم فيكوى بها جبهته و جبينه و ظهره حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة روينا عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال في قوله : { يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة } قال هذا في الدنيا و قوله { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } فهذا يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة و روينا عن أبي هريرة قال : يوم القيامة على المؤمن كقدر ما بين الظهر و العصر و يروى ذلك مرفوعا و روي في حديث ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال : سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما طول هذا اليوم ؟ فقال : و الذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من الصلوات المكتوبة يصليها في الدنيا و قد ذكرنا هذه الأحاديث في كتاب البعث (1/324)
362 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو عمرو بن مطر أنا حمزة بن محمد بن عيسى الكاتب أنا نعيم بن حماد ثنا ابن المبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة : أظنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم قال :
إن الله يخفف على من يشاء من عباده طول يوم القيامة كوقت صلاة مكتوبة
قال البيهقي رحمه الله : هذا وجدته في فوائد أبي عمرو و لا أدري من القائل أظنه و كذلك رواه أبو سهل الاسفراييني عن حمزة (1/325)
363 - و ذلك فيما أخبرنا به أبو الحسن العلاء بن محمد بن أبي سعيد عنه أخبرنا أبو إسحاق الاسفراييني الإمام أنبا عبد الخالق بن الحسن ثنا عبد الله بن ثابت حدثني أبي عن الهذيل عن مقاتل بن سليمان : أنه قال في هذه الآية : { تعرج } يعني تصعد { الملائكة } من السماء إلى سماء إلى العرش { و الروح } يعني جبريل عليه السلام { إليه } من الدنيا { في يوم كان مقداره } عندكم يا بني آدم { خمسين ألف سنة } يعني بقوله : { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } يقول : ولو ولى حساب الخلائق و عرضهم غيري لم يفرغ منه إلا في مقدار خمسين ألف سنة فإذا أخذ الله في عرضهم يفرغ الله منه في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا فلا ينتصف ذلك اليوم حتى يستقر أهل الجنة في الجنة و أهل النار في النار و ذلك قوله تعالى :
{ أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا و أحسن مقيلا }
يقول : ليس مقيلهم كمقيل أهل النار
و إلى معنى هذا ذهب الكلبي في تفسيره الذي يرويه عن أبي صالح عن ابن عباس يعني لو ولى محاسبة العباد غير الله عز و جل لم يفرغ منه في خمسين ألف سنة
قال البيهقي رحمه الله : و روينا عن الفراء أنه قال : في هذه الآية يقول : لو صعد غير الملائكة لصعدوا في قدر خمسين ألف سنة
و إلى معنى هذا ذهب الحليمي رحمه الله و قال : التقدير إنما هو لعروج الملائكة و الروح من الأرض يعني إلى العرش
و قد قال في غير هذه الآية
{ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون }
فيحتمل أن يكون المعنى أنها تنزل من السماء إلى الأرض ثم تعرج من الأرض إلى السماء الدنيا من يومها فتقطع ما لو احتاج الناس إلى قطعها من المسافة لم يقطعوها إلا في ألف سنة مما تعدون و ينزل من عند العرش إلى الأرض ثم يعرج منها إليه من يومها و لو احتاج الناس إلى قطع هذا المقدار من المسافة لم يقطعوها إلا في خمسين ألف سنة مما تعدون و ليس هذا من تقدير يوم القيامة بسبيل و إنما هو من صلة قوله ذي المعارج و قوله :
{ إنهم يرونه بعيدا * ونراه قريبا }
عاد إلى ذكر العذاب الذي وصفه في أول السورة و أكد هذا فما حكي عن وهب بن منبه أنه قال : ما بين الأرض و العرش خمسين ألف سنة من أيامنا و شهورنا و سنينا
قال و يمكن أن يقال أن الملائكة كانت تستطيع قبل يوم القيامة أن تنزل إلى الأرض من أعلى مقام لهم في السموات و فوقها ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة فأما يوم القيامة فلا تستطيع ذلك إما لأن السموات إذا طويت لم يكن لهم يومئذ مصعد يقرون فيه و أما لما يشاهدون من عظمة الله و شدة غضبه ذلك اليوم على أهل العناد من عباده فيفتر قواهم فيحتاجون إلى العروج إلى مدة أطول مما كان يحتاجون إليه منها قبله فقدر الله ذلك بخمسين ألف سنة على معنى أن غيرهم لو قطعها لم يقطعها إلا في خمسين ألف سنة و هكذا كما جاءت به الأخبار من أن العرش على كواهل أربعة من الملائكة ثم أخبر الله عز و جل أنهم يكونون يوم القيامة ثمانية
و يشبه أن يكون ذلك أنه يفتر قواهم يومئذ إلى ما ذكرنا فيؤيدون بغيرهم و الله أعلم بجميع ذلك نسأل الله خير ذلك اليوم و نعوذ به من شر ذلك اليوم (1/325)
364 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس الأصم ثنا العباس بن الوليد بن مزيد قال : أخبرني أبي قال : سمعت الأوزاعي قال : حدثني هارون بن رئاب قال : حملة العرش يتجاوبون بصوت حسن رخيم يقول الأربعة
سبحانك و بحمدك على حلمك بعد علمك
و يقول الأربعة الآخرون :
سبحانك و بحمدك على عفوك بعد قدرتك (1/327)
التاسع من شعب الإيمان و هو باب في أن دار المؤمنين و مأواهم الجنة دار الكافرين و مآبهم النار ـ قال الله عز و جل : { بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } و قال تعالى في وصفه يوم القيامة : { يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه } قرأ إلى قوله تعالى { عطاء غير مجذوذ } و قوله تعالى : { إلا ما شاء ربك } يريد به ـ و الله أعلم ـ من وقفهم حيث كانوا فيه إلى أن حوسبوا و وزنت أعمالهم و سيق كل فريق إلى حيث قضي له به و قوله : { ما دامت السموات و الأرض } يريد به التأبيد على ما كانت العرب تعرف من طول مقامها فكأن يعبر عن التأبيد بداومها و قيل معناه ما دامت السموات و الأرض إلا ما شاء ربك من الزيادة عليها و إلا بمعنى سوى و ذلك يحسن إذا كان المستثنى أكثر من المستثنى منه كرجل يقول : لفلان علي ألف درهم إلا ألفين التي هي إلى سنة يريد سوى الألفين و قد بسطنا الكلام في ذلك في كتاب البعث عن الفراء و عن الحليمي رحمهما الله تعالى (1/329)
365 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي ثنا قرة بن خالد ح
و أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد بن بلال ثنا أبو الأزهر ثنا يحيى بن أبي الحجاج ثنا قرة بن خالد
و أخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أنا جدي يحيى بن منصور القاضي ثنا أحمد بن سلمة ثنا إسحاق بن إبراهيم انا أبو عامر العقدي ثنا قرة بن خالد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
من لقي الله و هو لا يشرك به شيئا دخل الجنة و من لقيه يشرك به شيئا دخل النار
و ذكر الحديث في رواية أبي طاهر و ذكر النبي صلى الله عليه و سلم قال : من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة و من لقيه يشرك به دخل النار
و رواه مسلم في الصحيح عن حجاج بن الشاعر و أبي أيوب سليمان بن عبد الله الغيلاني عن أبي عامر
قال الحليمي رحمه الله و إذا ظهر أن مآب المسلمين الجنة و مآب الكافرين النار فقد قال الله عز و جل :
{ إن كتاب الفجار لفي سجين }
و { إن كتاب الأبرار لفي عليين }
و كان المعنى ما كتب لهؤلاء و لهؤلاء علمنا إن السجين خلاف العليين كما أن الفجار خلاف الأبرار و سمي الله جل ثناءه النار الهاوية ووصف الجنة أنه عالية و جاء في الحديث أن أرواح خطأ المؤمن تعلى به و روح الكافر تهوى به و لم نعلم أحدا قال : إن الجنة في الأرض ثبت أن الجنة فوق السموات و دون العرش و يحتمل قول الله عز و جل :
{ و إذا السماء كشطت }
أنها تكشط عما وراءها من الجنان ننظر آثارها و أن يكون ذلك إزلافها في قوله :
{ و أزلفت الجنة للمتقين }
قال البيهقي رحمه الله (1/330)
366 - و قد أخبرنا أبو الحسن المقرئ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ثنا مهدي بن ميمون ثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن بشر بن شغاف : قال كنا جلوسا مع عبد الله بن سلام فذكر الحديث إلى أن قال :
و إن أكرم الخلائق على الله تعالى أبو القاسم صلى الله عليه و سلم و إن الجنة في السماء و إن النار في الأرض فإذا كان يوم القيامة بعث الله الخلائق أمة أمة ونبيا نبيا ثم يوضع الجسر على جهنم ثم ينادي مناد أين أحمد و أمته ؟ فيقول و تتبعه أمته : برها و فاجرها فيأخذون الجسر فيطمس الله أبصر أعدائه فيتهافتون فيها من يمين و شمال و ينجو النبي صلى الله عليه و سلم و الصالحون معه و تتلقاهم الملائكة وثبا يرونهم منازلهم من الجنة : على يمينك على يسارك ثم ذكر مرور كل نبي و أمته
قال : الحليمي رحمه الله و في ورود الأخبار بذكر الصراط و هو جسر جهنم بيان أن الجنة في العلو كما أن جهنم في السفل إذ لو لم يكن كذلك لم يحتج الصائر إليها إلى جسر
قال و روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم
قال :
إن على جهنم جسرا أدق من الشعر من السيف أعلاه نحو الجنة دحض مزلة بجنبيه كلاليب و حسك النار يحبس الله به من يشاء من عباده الزالون و الزالات يومئذ كثير و الملائكة بجانبيه قيام ينادون : اللهم سلم اللهم سلم فمن جاء بالحق جاز و يعطون النور يومئذ على قدر إيمانهم و أعمالهم فمنهم من يمضي عليه كلمح البرق ومنهم من يمضي عليه كمر الريح و منهم من يمضي عليه كمر الفرس السابق و منهم من يسير عليه و منهم من يهرول و منهم من يعطى نورا إلى موضع قدميه و منهم يحبو حبوا و تأخذ النار منه بذنوب أصابها و هي تحرق من يشاء الله منهم على قدر ذنوبهم حتى تنجو و تنجو أول أول زمرة سبعون ألفا حساب عليهم و لا عذاب كأن وجوههم القمر ليلة البدر و الذي يلونهم كأضواء نجم في السماء حتى يبلغوا إلى الجنة برحمة الله تعالى
قال : البيهقي رحمه الله و هذا الحديث فيما : (1/331)
367 - أنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا إسماعيل بن محمد حدثنا مكي بن إبراهيم ثنا سعيد بن زربي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك حدث : عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكره
قال البيهقي رحمه الله و هذا إسناد ضعيف غير لأن معنى بعض ما روي فيه موجود في الأحاديث الصحيحة التي وردت في ذكر الصراط و قد ذكرناها في كتاب البعث
قال : الحليمي رحمه الله : قوله في الصراط إنه أدق من الشعرة معناه أن أمر الصراط و الجواز عليه أدق من الشعر أي يكون عسره و يسره على قدر الطاعات و المعاصي و لا يعلم حدود ذلك إلا الله عز و جل لخفائها و غموضها و قد جرت العادة بتسمية الغامض الخفي دقيقا و ضرب المثل له بدقة الشعرة و قوله إنه أحد من السيف فقد يكون معناه ـ و الله أعلم ـ أن الأمر الدقيق الذي يصدر من عند الله إلى الملائكة في إجازة الناس على الصراط يكون في نفاذ حد السيف و مضيه منهم إلى طاعته و امتثاله و لا يكون له مرد كما أن السيف إذا نفذ بحده و قوة ضاربه في شيء لم يكن له بعد ذلك مرد
قال البيهقي رحمه الله : و هذا اللفظ من الحديث لم أجده في الروايات الصحيحة
و روي عن زياد النميري عن أنس مرفوعا : الصراط كحد الشفرة أو كحد السيف و هي أيضا رواية ضعيفة
و روي بعض معناه عن عبيد بن عمير عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا و جاء عنه من قوله
و روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال : الصراط في سواء جهنم مدحضة من له ( خطأ ) كحد السيف المرهف
و روي عن سعيد بن أبي هلال أنه قال : بلغنا أن الصراط يوم القيامة و هو الجسر يكون على بعض الناس أدق من الشعر و على بعضهم مثل الدار و الوادي الواسع
فيحتمل أن يكون لشدة مروره عليه و سقوطه عنه يشبه بذلك و الله أعلم
و أما ما قيل في رواية أنس من ( أن أعلى الجسر نحو الجنة ) ففيه بيان أن أسفله نحو طرف الأرض و ذلك لما مضى بيانه من أن جهنم سافة و الجنة عالية (1/332)
368 - أخبرنا أبو الحسن المقرئ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق أنبأ محمد بن أحمد بن البراء أنبا عبد المنعم بن إدريس حدثني أبي عن وهب بن منبه قال : إذا قامت القيامة و قضي الله بين أهل الدارين أمر بالفلق فيكشف عن سقر و هو غطاؤها فيخرج منه نار فتحرق جهنم و تأكلها كما تأكل النار في الدنيا القطن المندوف فإذا وصلت البحر المطبق على شفير جهنم ـ و هو بحر البحور ـ نسفته أسرع من طرفة العين نسفا فنضب كأن لم يكن مكانه ماء قط و هو حاجز بين جهنم و الأرضين السبع فإذا انشقت ماء ذلك البحر اشتعلت في الأرضين السبع فتدعها جمرة واحدة
و قد روينا عن علي بن أبي طالب أنه قال ليهودي : أين جهنم قال : تحت البحر فقال علي : صدق ثم قرأ :
{ و البحر المسجور }
قال : البيهقي رحمه الله و يحتمل ما حكيناه عن وهب بن منبه معنى ما قال الله عز و جل :
{ يوم تبدل الأرض غير الأرض و السموات }
و يكن ذلك بعد ركوب الناس الصراط
كما روينا عن عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك و قالت فأين الناس يومئذ ؟ قال : على الصراط
ثم قد قال بعض العلماء أن الكفار لا يجاوزون على الصراط لأنهم في معدن النار فإذا خلص المؤمنون و خلصوا على الصراط انفرد الكفار بمواقفهم و صار مواقفهم من النار
قال غيرهم إنهم يركبون الصراط ثم قد تكون أبواب جهنم فروجا في الحشر كأبواب السطوح فهم يقذفون منها في جهنم ليكون غمهم أشد و أفظع و إلقاؤهم من الجسر أخوف وأهول و فرح المؤمنين بالخلاص أكثر و أعظم و لعل قول الله عز و جل :
{ و امتازوا اليوم أيها المجرمون }
يكون في هذا الوقت و ما في القرآن من قول الله عز و جل :
{ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير }
و قوله : { ألقيا في جهنم كل كفار عنيد }
كالدليل على هذا لأن الإلقاء في الشيء أكثر ما يستعمل في الطرح من علو إلى سفل والله أعلم بكيفية ذلك
و أما المنافقون فالأشبه أنهم يركبون الجسر مع المؤمنين ليمشوا في نورهم فيظلم الله عز و جل على المنافقين فيقولون للمؤمنين :
{ انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا }
فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور على قدر إيمانهم و أعمالهم فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم و قد :
{ ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب * ينادونهم ألم نكن معكم } نصلي بصلاتكم و نغزو مغازيكم { قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم }
فيحتمل ـ و الله أعلم ـ أن هذا السور إنما يضرب عند انتهاء الصراط و يترك له باب يخلص منه المؤمنون إلى طريق الجنة فذلك هو الرحمة التي في باطنه و أما ظاهره فإن يلي النار و إن كانت النار سافلة عنه لا محاذيه إياه ما دام لم يجد المنافقون إلى باطن السور سبيلا فليس إلا أن يقذفوا من أعلم الصراط يهوون إلى الدرك الأسفل من النار هذا باستهزائهم بالمؤمنين في دار الدنيا كما شرحنا في كتاب الأسماء و الصفات (1/333)
فصل في قوله عز و جل ـ { فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا * ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا } إلى قوله : { ونذر الظالمين فيها جثيا } اختلف أهل التفسير في معنى هذا الورود فذهب عبد الله بن عباس في أصح الروايتين عنه إلى أن المراد به الدخول و استشهدوا بقوله عز و جل : { أنتم لها واردون * لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون } و بقوله : { فأوردهم النار و بئس الورد المورود } و المراد به في هذا الموضع الدخول كذلك قوله { إلا واردها } و المراد به الدخول و ذلك حين جادله نافع بن الأزرق قال لنافع بن الأزرق : أما أنت و أنت فسندخلها فانظر هل نخرج أم لا ؟ و روي عن عبد الله بن السائب عمن سمع ابن عباس يقول هم الكفار و لا يردها مؤمن و هذا منقطع و الرواية الأولى عن ابن عباس أكثر و أشهر و روينا عن عبد الله بن رواحة أنه بكى و بكت امرأته لبكائه و قال : إني أعلم أني وارد النار و لا أدري أناج منها أم لا و روى السدي عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود أنه حدثهم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : يرد الناس النار ثم يصدرون بأعمالهم و في رواية أخرى عنه عن مرة عن عبد الله قال : يدخلونها أو قال : يلجونها ثم يصدرون منها بأعمالهم و في رواية أبي الأحوص عن عبد الله ـ { و إن منكم إلا واردها } قال : الصراط على جهنم مثل حد السيف فتمر الطائفة الأولى كالبرق و الثانية كالريح و الثالثة كأجود الخيل و الرابعة كأجود الإبل و البهائم يمرون و الملائكة يقولون : رب سلم سلم و قد ذكرنا أسانيد هذه الآثار في كتاب البعث و روينا عن سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يموت لمسلم ثلاثة من الوليد فيلج النار إلا تحلة القسم ثم قرأ سفيان ـ { و إن منكم إلا واردها } (1/335)
369 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا سفيان : بهذا الحديث
قال : البيهقي رحمه الله و هو مخرج في الصحيح و في رواية مالك عن الزهري في هذا الحديث : فتمسه النار إلا تحلة القسم و هذا يؤكد قول من قال : المراد بالورود الدخول (1/336)
370 - أخبرنا أبو علي بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البغدادي بها أنا عبد الله بن جعفر النحوي قال : يعقوب بن سفيان ثنا سليمان بن حرب أبو أيوب الواشحي ثنا أبو صالح غالب بن سليمان عن كثير بن زياد البرساني عن أبي سمية قال : اختلفنا في الورود بالبصرة فقال قوم : لا يدخلها مؤمن و قال آخرون : يدخلونها جميعا ثم ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جيثا فلقيت جابر بن عبد الله فسألته فقال : يدخلونها جميعا فقلت إنا اختلفنا فذكر اختلافهم قال : فأهوى جابر بإصبعه إلى أذنه فقال : صمت إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
الورود : الدخول لا يبقى بر و لا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا و سلاما كما كانت على إبراهيم عليه السلام حتى أن النار ( خطأ ) أو قال لجهنم فحيحا من بردهم ثم ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيه جثيا قال : البيهقي رحمه الله هذا إسناد حسن ذكره البخاري في التاريخ و شاهده الحديث الثابت عن أبي الزبير عن جابر عن أم مبشر عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله إلا أنه قال : جامدة
قال أبو عبيد : و إنما أراد تأويل قوله { و إن منكم إلا واردها }
فيقول وردوها و لم يصبهم من حرها شيء إلا ليبر الله قسمه (1/336)
371 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا حجاج بن محمد قال : قال ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول أخبرتني أم مبشر : أنها سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول عند حفصة :
لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها قالت بلى يا رسول الله فانتهرها فقالت حفصة ـ { و إن منكم إلا واردها } فقال النبي صلى الله عليه و سلم : فقد قال الله عز و جل : { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا }
رواه مسلم في الصحيح عن هارون بن عبد الله عن حجاج بن محمد
قال : البيهقي رحمه الله و هذا يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم إنما نفى عن أصحاب الشجرة دخول النار دخول البقاء فيها أو دخولا يمسهم منها أذى لا أصل الدخول ألا تراه احتج بقوله :
{ ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا }
و قد يكون المحفوظ في الحديث الأول رواية سفيان بن عيينة فيكون ذلك ولوجا من غير نار و إصابة أذى كما روينا عن خالد بن معدان و هو من أكابر التابعين أنه قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا يا رب ألم تعدنا أن نرد النار قال : بلى مررتم بها و هي جامدة
و روينا عن مقاتل بن سليمان أنه قال : يجعل الله النار على المؤمنين يومئذ بردا و سلاما كما جعلها على إبراهيم عليه السلام (1/337)
372 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر أحمد بن علي بن محمد القاضي ثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله البزار ثنا عمران بن موسى القزاز ثنا عبد الوراث ثنا الجريري عن أبي السليل عن عقبة بن عامر قال : تمسك النار يوم القيامة حتى تبيض كأنها متن أهالة فإذا استوت عليها أقدام الخلائق برهم و فاجرهم نادى مناد أن خذي أصحابك و دعي أصحابي قال : فلهي أعرف بهم من الرجل بولده قال : فيخسف بهم و يخرج المؤمن منها ندية ثيابهم كذا في الكتاب قال قال و لم يذكر قائله و هو معروف بكعب الأحبار (1/338)
373 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنبا أبو الحسن الكارزي أنا علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد ثنا يزيد عن الجريري عن أبي السليل عن غينم بن قيس عن أبي العوام عن كعب قال : يجاء بجهنم يوم القيامة كأنها متن إهالة حتى إذا استوت عليك أقدام الخلائق نادى مناد خذي أصحابك و دعي أصحابي قال : فيخسف بأولئك ؟
قال أبو عبيد : الإهالة : ما أذيب من الألية و الشحم و متن الإهالة : ظهرها إذا سكر ( خطأ ) الذائب منها في الإناء فإنما شبه كعب سكون جهنم قبل أن يصير الكافر في جوفها بذلك
و مما يبينه حديث خالد بن معدان قال أبو عبيد ثنا مروان بن معاوية ثنا بكار بن أبي مروان عن خالد بن معدان قال : لما أدخل أهل الجنة قالوا يا ربنا ألم تكن وعدتنا الورود قال : نعم و لكنكم مررتم بجهنم و هي جامدة
قال : أبو عبيد و حدثنا الأشجعي عن سفيان عن ثور عن خالد بن معدان مثله إلا أنه قال خامدة
قال أبو عبيد : و إنما أراد تأويل قوله تعالى :
{ و إن منكم إلا واردها }
فيقول وردوها و لم يصبهم من حرها شيء إلا ليبر الله قسمه
قال البيهقي رحمه الله : و قد يكون هذا الورود من وراء الصراط كما قال : أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود وسماه باسم النار لأنه جسر جهنم و منه يلقي فيها من يلقي و منه تخطف الكلاليب من تخطف و عليه الحسك و ألوان العذاب ما عليه إلا أن الله تعالى ينجي الذي اتقوا يعني بالجواز عنه و يذر الظالمين فيها جثيا أي في جهنم جثيا على الركب بعد ما يلقي فيها من الصراط و الله أعلم
و قد روينا في الحديث الثابت عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم في حديث الرؤية قال : فينصب الجسر على جهنم و يقولون اللهم سلم سلم قيل يا رسول الله و ما الجسر قال :
دحض مزلة عليه خطاطيف و كلاليب و حسك ـ يكون و يسجر فيه شوك يقال له السعدان ـ فيمر المؤمن كطرف العين و كالبرق و كأجاويد الخيل و الركاب فناج مسلم و مخدوش مرسل و مكدوس في النار خطأ جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار
و في رواية عبد الله بن مسعود : فيمرون على قدر أعمالهم حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه يجر يد و تعلق يد و يجر رجل و تصيب جوانبه النار فيخلصون فإذا خلصوا قالوا : الحمد لله الذي نجانا منك بعد الذي أراناك
و قد ذكرنا إسنادهما مع ما يشهد لهما في الخامس من كتاب البعث و الله أعلم
و ذلك يبين ما قلناه في الورود أنه يحتمل أن يكون المراد به المرور على الصراط و الله أعلم 0 (1/338)
374 - أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد عن يحيى بن يمان عن عثمان بن الأسود عن مجاهد : في قول الله عز و جل :
{ و إن منكم إلا واردها }
قال من حم من المسلمين فقد وردها (1/339)
375 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني ثنا أبو الحسن أحمد بن الحسين الصوفي ثنا سمعت سليم بن منصور ابن عمار يقول حدثني أبي عن الهقل بن زياد عن خالد الدريك عن بشير بن طلحة عن يعلى بن منية قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم :
إن النار تقول يوم القيامة : يا مؤمن ! جز فقد أطفأ نورك لهبي
تفرد به سليم بن منصور و هو منكر (1/339)
فصل في فداء المؤمن (1/340)
375 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو ثنا سعيد بن مسعود ثنا عبيد الله بن موسى ثنا طلحة بن يحيى ـ ح
و أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد بن بلال ثنا أبو الأزهر ثنا أسامة عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إذا كان يوم القيامة دفع إلى كل مؤمن رجل من أهل الملل فقيل له هذا فداؤك من النار
لفظ حديث أبي طاهر رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة
و أخرجه أيضا من حديث عون و سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة و رواه جماعة غير هؤلاء عن أبي بردة (1/340)
376 - أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم بن حامد البزاز بهمدان ثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن القاضي ثنا محمد بن أيوب ثنا محمد بن سنان العوقي ثنا همام عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة و عن عون بن عبد الله أنهما شهدا أبا بردة يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
لا يموت رجلة مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا ـ فقال عون و لم ينكر سعيد على عون قوله ـ فاستحلفه عمر بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات بأن أباه حدثه عن النبي صلى الله عليه و سلم فحلف
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عفان عن همام
قال البيهقي رحمه الله : و روينا في الحديث الثابت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يدخل أحد الجنة إلا أري معقده من النار لو أساء ليزداد شكرا و لا يدخل النار أحد إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة (1/341)
377 - أخبرنا أبو عمرو الأديب أنا أبو بكر الإسماعيلي أنا الحسن بن سفيان أخبرنا فياض بن زهير ثنا علي بن عياش ثنا شعيب عن أبي الزناد : فذكره
رواه البخاري رحمه الله في الصحيح عن أبي اليمان عن شعيب بن أبي حمزة
قال البيهقي رحمه الله : و روي ذلك أيضا من حديث أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا
و في رواية أخرى عنه : ما منكم من رجل إلا له منزلان منزل في الجنة و منزل في النار فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله قال : فذلك قوله :
{ أولئك هم الوارثون } (1/341)
378 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس و هو الأصم ثنا أحمد بن عبد الجبار أنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فذكره هذه الرواية الآخرة
قال البيهقي رحمه الله : و يشبه أن يكون هذا الحديث تفسيرا لحديث الفداء و الكافر إذا أورث على المؤمن مقعده من الجنة و المؤمن إذا أورث على الكافر مقعده من النار يصير في التقدير كأنه فدى المؤمن بالكافر و الله أعلم
و قد علل البخاري رحمه الله حديث الفداء برواية بريد بن عبد الله و غيره عن أبي بردة عن رجل من الأنصار عن أبيه
و برواية أبي حصين عنه عن عبد الله بن يزيد
و برواية حميد عنه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم
ثم قال الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم في الشفاعة و أن قوما يعذبون ثم يخرجون من النار أكثر و أبين
و حديث أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم قد صح عند مسلم بن الحجاج و غيره رحمهم الله من الأوجه التي أشرنا إليها و غيرها و وجهه ما ذكرناه و ذلك لا ينافي حديث الشفاعة فإن حديث الفداء و إن ورد مورد العموم في كل مؤمن فيحتمل أن يكون المراد به كل مؤمن قد صارت ذنوبه مكفرة بما أصابه من البلايا في حياته ففي بعض ألفاظه : إن أمتي أمة مرحومة جعل الله عذابها بأيديها فإن كان يوم القيامة دفع الله إلى كل رجل من المسلمين رجلا من أهل الأديان فكان فداؤه من النار
و حديث الشفاعة يكون فيمن لم تصر ذنوبه مكفرة في حياته و يحتمل أن يكون هذا القول لهم في حديث الفداء بعد الشفاعة و الله أعلم
و أما حديث شداد أبي طلحة الراسبي عن غيلان بن جرير عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب مثل الجبال يغفرها الله لهم و يضعها على اليهود و النصارى ـ فيما أحسب أنا ـ قاله بعض رواته
فهذا حديث شك فيه راويه و شداد أبو طلحة ممن تكلم أهل العلم بالحديث فيه و إن كان مسلم بن الحجاج استشهد به في كتابه فليس هو ممن يقبل منه ما يخالف فيه و الذين خالفوه في لفظ الحديث عدد و هو واحد و كل واحد ممن خالفه أحفظ منه فلا معنى للاشتغال بتأويل ما رواه مع خلاف ظاهر ما رواه الأصول الصحيحة الممهدة في { ألا تزر وازرة وزر أخرى } و الله أعلم (1/342)
379 - حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني إملاء ثنا أبو بكر محمد بن محمد بن إسماعيل القاضي ثنا جعفر بن محمد بن سوار ثنا محمد بن رافع ثنا يحيى بن آدم قال : قال سفيان بن عيينة : لما نزلت هذه الآية :
{ و رحمتي وسعت كل شيء }
مد إبليس عنقه فقال : أنا من الشيء فنزلت :
{ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون }
قال : فمد اليهود و النصارى أعناقها فقالوا : نحن نؤمن بالتوراة و الإنجيل و نؤدي الزكاة قال : فاختلسها الله من إبليس و اليهود و النصارى فجعلها لهذه الأمة خاصة فقال :
{ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل } الآية (1/343)
380 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني عمر بن أحمد الزاهد قال : سمعت الثقة من أصحابنا يذكر : أنه لما رأى أبا بكر بن الحسين بن مهران رحمه الله في المنام في الليلة التي دفن فيها قال فقلت : أيها الأستاذ ما فعل الله بك ؟ فقال إن الله عز و جل أقام أبا الحسن العامري بحذائي و قال لي : هذا فداؤك من النار
قال و توفي في اليوم الذي توفي فيه أبو بكر أبو الحسن العامري و أشار إلى كونه معروفا بالإلحاد نعوذ بالله من الكفر و الفسوق و سوء العاقبة (1/343)
فصل في أصحاب الأعراف ـ قال البيهقي رحمه الله : روينا عن ابن عباس انه قال الأعراف هو الشيء المشرف وروينا عن حذيفة بن اليمان أنه قال : أصحاب الأعراف قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار و قصرت بهم سيئاتهم عن الجنة فإذا { صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال لهم : قوموا فادخلوا الجنة فإني قد غفرت لكم و روي ذلك مرفوعا بمعناه و في حديث علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم } قال يعرفون أهل النار بسواد الوجوه و أهل الجنة ببياض الوجوه قال : و الأعراف هو السور بين الجنة و النار و قوله : { لم يدخلوها و هم يطمعون } قال : هم رجال كانت لهم ذنوب عظام و كان جسيم أمرهم لله عز و جل يقومون على الأعراف فإذا نظروا إلى الجنة طمعوا أن يدخلوها و إذا نظروا إلى النار تعوذوا بالله منها فأدخلهم الله الجنة فذلك قوله : { أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة } يعني أصحاب الأعراف { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } (1/344)
381 - أخبرناه أبو زكريا قال أنا أبو الحسن الطرايفي ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : فذكره
قال البيهقي رحمه الله : و روينا في حديث مرسل ضعيف أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال : قوم قتلوا في سبيل الله عز و جل في معصية آبائهم فمنعهم من الجنة معصيتهم آباءهم و منعهم من النار قتلهم في سبيل الله عز و جل و أما قوله :
{ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون }
فهذا قولهم وهم على السور قبل أن يدخلوا الجنة لرجال من الكفار ثم ينظرون إلى أهل الجنة فيرون الضعفاء و المساكين ممن كان يستهزئ بهم الكفار في الدنيا فينادونهم يعني فينادون الكفار أهؤلاء يعني الضعفاء و المساكين الذي حلفتم إذا أنتم في الدنيا { لا ينالهم الله برحمة } يعني الجنة و يقول الله لأصحاب الأعراف :
{ ادخلوا الجنة لا خوف عليكم و لا أنتم تحزنون }
هكذا فسره الكلبي فيما رواه عن أبي صالح عن ابن عباس
و قال مقاتل بن سليمان هذا قول أصحاب الأعراف لرجال من أهل النار في النار { يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون } فأقسم أهل النار أن أصحاب الأعراف داخلون النار معهم فقالت الملائكة الذين حبسوا أصحاب الأعراف على الصراط أهؤلاء يعني أصحاب الأعراف الذين أقسمتم يا أهل النار لا ينالهم الله برحمة و هم داخلون النار معكم { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم و لا أنتم تحزنون } بالموت
و هذا القول أشبه بما روينا عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
و أمر أصحاب الأعراف على الأصل الذي قدمنا ذكره و هو أن من وافى القيامة مؤمنا و لسيئاته وزن في ميزانه و هو بين أن يغفر له من غير تعذيب و بين أن يعذب بقدر ذنوبه ثم يغفر له فقد يكون منهم من لا يدخل الجنة في الحال و لا يدخل النار و لكن يحبس على الأعراف و هو السور ـ قال مقاتل على الصراط ـ فإذا أراد الله دخولهم الجنة أمرهم بدخولها برحمته أو بشفاعة الشفعاء و الله أعلم (1/345)
فصل ـ فيما يحق معرفته في هذا الباب أن تعلم أن الجنة و النار مخلوقتان معدتان لأهلهما قال الله عز و جل في الجنة : { أعدت للمتقين } و قال في النار : { أعدت للكافرين } و المعدة لا تكون إلا مخلوقة موجودة و قال في الجنة : { و جنة عرضها السموات و الأرض } و المعدوم لا عرض له (1/346)
382 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن عفان ثنا عبد الله بن نمير عن الأعمش ـ ح ـ
قال : و حدثنا أبو العباس ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الله عز و جل :
( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ) ثم قرأ :
{ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون }
أخرجاه في الصحيح من حديث أبي معاوية
و أخرجه مسلم من حديث ابن نمير (1/346)
383 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن محمد بن يحيى ثنا أحمد بن يونس ثنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة و العشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة و إن كان من أهل النار فمن أهل النار
رواه البخاري رحمه الله في الصحيح عن أحمد بن يونس
و أخرجاه من حديث مالك عن نافع
قال البيهقي رحمه الله و فيه من الزيادة : يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة
و في رواية سالم عن ابن عمر : إن كان من أهل الجنة فالجنة و إن كان من أهل النار فالنار (1/347)
384 - حدثنا أبو سعد عبد الملطك بن أبي عثمان الزاهد إملاء أنا أبو عمرو بن مطر ثنا محمود بن محمد الواسطي ثنا وهب بن بقية أنا خالد بن عبد الله عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
لما خلق الله الجنة و النار أرسل جبريل عليه السلام إلى الجنة فقال : اذهب فانظر إليه و إلى ما أعددت لأهلها فيها فذهب فنظر إليها و إلى ما أعد الله لأهلها فيها فرجع فقال : وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فأمر بالجنة فحفت بالمكاره فقال : ارجع فانظر إليها و إلى ما أعددت لأهلها فيها قال فنظر إليها ثم رجع فقال : و عزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد قال : ثم أرسله إلى النار قال : اذهب فانظر إليها و إلى ما أعددت لأهلها فيها قال : فنظر إليها فإذا هي تركب بعضها بعضا ثم رجع فقال : و عزتك لا يدخلها أحد يسمع بها فأمر بها فحفت بالشهوات ثم قال : اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها فنظر إليها فرجع فقال : و عزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها
قال البيهقي رحمه الله : و هذا باب كبير الأخبار فيها كثيرة و قد ذكرناها في الجزء الثامن من كتاب البعث و ذكرنا في الآخر بعده ما ورد من الآثار و الأخبار في صفة الجنة و عددها و صفة النار و عددها و صفة النار و عددها فأغنى ذلك عن الإعادة ها هنا
و دل الكتاب ثم السنة على أن عدد الجنان أربعة و ذلك لأنه قال في سورة الرحمن : { و لمن خاف مقام ربه جنتان } ثم وصفهما ثم قال { و من دونهما جنتان } ثم وصفهما
و روينا عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : جنتان من ذهب آنيتهما و ما فيهما و جنتان من فضة آنيتهما و ما فيهما
و في رواية أخرى : جنتان من ذهب للسابقين و جنتان من ورق لأصحاب اليمين
و ذكر بعض أهل العلم أن جنة المأوى اسم للجميع و كذلك جنة عدن و جنة النعيم و دار الخلد و دار السلام
و يشبه أن يكون الفردوس أيضا اسما للجميع و قد قيل هي اسم لأعلاهن درجة
و أما أبواب الجنة فهن ثمانية روينا ذلك في حديث عمر و سهل بن سعد و غيرهما عن النبي صلى الله عليه و سلم
و روينا عن عتبة بن عبد السلمي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : و إن لها ـ يعني الجنة ـ ثمانية أبواب و لجهنم سبعة أبواب
و قد قال الله عز و جل في جهنم :
{ لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم }
و روينا عن علي رضي الله عنه أنه قال : أبواب جهنم هكذا يعني بابا فوق باب
و روينا في حديث مرسل أنها سبعة أبواب جهنم و لظى و الحطمة و السعير و سقر و الجحيم و الهاوية
و قال بعض أهل العلم جهنم اسم لجميع الدركات و دركات سبع فذكر هذه و ذكر معهن الحريق
و أما إكرام الله المؤمنين بالنظر إليه فقد ذكرناه في كتاب الرؤية مع ما ورد فيه من الكتاب و السنة من أراد معرفته نظر فيه إن شاء الله
و عندي أنه لو وقف الحليمي رحمه الله على حديث أبي هريرة في صفة الإيمان و تأول اللقاء المذكور فيه على ما تأول عليه أبو سليمان الخطابي رحمه الله في جماعة من أصحابنا رحمهم الله لجعل الإيمان بلقاء الله تعالى ـ و هو رؤيته و النظر إليه كما وردت به الأخبار الصحيحة مع الآيات التي دلت عليه من كتاب الله عز و جل ـ شعبة من شعب الإيمان و بالله التوفيق (1/347)
385 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثنا يحيى بن محمد بن يحيى ثنا مسدد ثنا إسماعيل بن علية ثنا أبو حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم بارزا يوما للناس فأتاه رجل فقال ما الإيمان ؟ فقال :
الإيمان أن تؤمن بالله و ملائكته و كتابه و لقائه و رسله و تؤمن بالبعث و ذكر الحديث
أخرجه البخاري و مسلم في الصحيح
قال أبو سليمان قوله : أن تؤمن بلقائه فيه إثبات رؤية الله عز و جل الدار الآخرة (1/349)
386 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي عن صالح بن كيسان ثنا نافع أن عبد الله بن عمر قال : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
يدخل أهل الجنة الجنة و يدخل أهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا أهل الجنة لا موت يا أهل النار لا موت كل خالد فيما هو فيه
و رواه البخاري عن علي بن عبد الله
و أخرجه مسلم من حديث محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده و فيه من الزيادة ذبح الموت بين الجنة و النار و قد أخرجناه في كتاب البعث (1/349)
387 - أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي المؤملي ثنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب أنا يعلى بن عبيد ثنا الأعمش ـ ح
و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : أخبرني أبو الوليد ثنا مسدد بن قطن ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
إذا دخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار يجاء بالموت كأنه كبش أملح فينادى مناد : يا أهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون و ينظرون و كلهم قد رآه فيقولون : نعم هذا الموت ثم يؤخذ فيذبح ثم يقال : يا أهل الجنة خلود و لا موت و يا أهل النار خلود و موت
قال و ذكر قول الله عز و جل :
{ و أنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر و هم في غفلة }
قال : أهل الدنيا في غفلة
لفظ حديث يعلى
و رواه مسلم في الصحيح عن عثمان بن أبي شيبة (1/350)
388 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن فراس المالكي بمكة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا الأشجعي عن يحيى بن عبيد الله المديني عن أبيه عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :
ما رأيت مثل النار نام هاربها و لا رأيت مثل الجنة نام طالبها (1/350)
389 - أخبرنا أبو عبد الله أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ثنا محمد بن صابر قال : قلت لأبي شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة أحدثك عبد الرحمن بن شريك ثنا أبي عن محمد الأنصاري و السدي عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما رأيت مثل الجنة نام طالبها و لا رأيت مثل النار نام هاربها ؟ فأقر به و قال نعم
و روي ذلك أيضا عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود مرفوعا و روي عنه موقوفا (1/351)
390 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله ابن بنت العباس بن حمزة يقول : سمعت جبيرا يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول : سبحانك ما أغفل هذا الخلق عما أمامهم ! الخائف منهم مقصر و الراجي منهم متوان (1/351)
391 - أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن الساوي بها أنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ثنا إسحاق الحربي ثنا سليم بن منصور بن عمار حدثني أبي ثنا الهقل بن زياد عن الأوزاعي عن بلال بن سعد قال : تنادي النار يوم القيامة بأربعة : يا نار خذي يا نار أنضجي يا نار انتفي يا نار كلي و لا تقتلي
قال البيهقي رحمه الله : و قد ذكرنا في كتاب البعث و النشور في صفة الجنة و النار من الكتاب و السنة و الآثار ما نكتفي به
و مما يحق معرفته في قول الله عز و جل :
{ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب } (1/351)
392 - ما أخبرناه أبو الحسين بن بشران أنا أبو عمر الزاهد أنا ثعلب عن سلمة عن الفراء قال : يقال أبدلت الخاتم بالحلقة إذا نحيت هذا و جعلت هذا مكانه و بدلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها و جعلتها خاتما
قال ثعلب و حقيقة بدلت إذا غيرت الصورة إلى صورة غيرها و الجوهرة بعينها أبدلت إذا نحيت الجوهرة و جعلت مكانها جوهرة أخرى
قال أبو عمر فعرضت هذا الكلام على محمد بن يزيد المبرد فاستحسنه و قال لي : قد بقيت فيه فاصلة أخرى قلت : و ما هي ؟ ـ أعزك الله ـ قال : هي أن العرب قد جعلت بدلت بمعنى أبدلت وهو قول الله عز و جل :
{ فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات }
ألا ترى أنه تعالى قد أزال السيئات و جعل مكانها الحسنات و أما ما شرط أحمد بن يحيى و هو ثعلب و هو بمعنى قوله عز و جل :
{ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها }
قال : فهذه في الجوهرة و تبديلها تغيير صورتها إلى غيرها لأنها كانت ناعمة فاسودت بالعذاب فردت صورة جلودهم الأولى لما نضجت تلك الصورة و الجوهرة واحدة و الصور مختلفة
قال البيهقي رحمه الله : و روينا في كتاب البعث عن الحسن البصري أنه قال في هذه الآية : تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة كلما أكلتهم قيل لهم عودوا فيعودون كما كانوا (1/352)
393 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا عيسى بن حامد القاضي ثنا حامد بن شعيب ثنا سريج بن يونس ثنا حميد بن عبد الرحمن عن الحسن بن صالح عن هارون بن سعد عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ضرس الكافر في النار مثل أحد و غلض جلده مسيرة ثلاث
رواه مسلم في الصحيح عن سريج بن يونس
و روينا في كتاب البعث عن المقدام عن النبي صلى الله عليه و سلم في الكافر قال :
يعظم للنار حتى يصير جلده أربعين باعا و حتى يصير نابا من أنيابه مثل أحد
و روينا غير ذلك من أحب علمه رجع إليه (1/352)
394 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه إملاء ثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم مربع الحافظ ببغداد ثنا يحيى بن معين ثنا مروان بن معاوية الفزاري ثنا الفضل بن يزيد الثمالي عن ابن العجلان المحاربي قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن الكافر ليجر لسانه فرسخين يوم القيامة يتوطأه الناس (1/353)
فصل في عذاب القبر ـ و كل معذب في الآخرة من كافر و مؤمن فإنه يميز بينه و بين من لا عذاب عليه عند نزول الملائكة عليه بقبض روحه و في حال القبض و في الموضع الذي يصار إليه روحه و بعدما يقبر قال الله عز و جل : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } الآية و ما بعدها قال مجاهد : ذلك عند الموت و قال في الكفار : { ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق } أي يقولون لهم هذا تعريضا لهم إياهم بأنهم يقدمون على عذاب الحريق و قال : { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم } الآية فدلت هذه الآيات على أن الكفار يعنف عليهم في نزع أرواحهم و إخراج أنفسهم و يعرفون مع ذلك أنهم قادمون على الهون و العذاب الشديد كما يرفق بالمؤمنين و يبشرون بما هم قادمون عليه من الأمن و النعيم المقيم قال الله عز و جل : { يثبت الله الذين آمنوا } الآية و روينا عن البراء بن عازب و أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أن ذلك في المؤمن إذا سئل في قبره و كذلك روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم و كذلك جاء في التفسير عن ابن عباس و قال الله تعالى : { وحاق بآل فرعون سوء العذاب * النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة } و قال مجاهد : يعني بقوله : { يعرضون عليها غدوا و عشيا } ما كانت الدنيا و قال قتادة : يقال لهم : يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخا و صغارا و نقمة و قال في المنافقين : { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم } و قال قتادة : عذاب في القبر و عذاب في النار و قال فيمن أعرض عن ذكر الله : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } و روينا عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم و موقوفا عليهما ثم عن ابن مسعود و ابن عباس من قولهما أن ذلك في عذاب القبر و روينا عن عطاء في قوله : { إذا لأذقناك ضعف الحياة و ضعف الممات } قال : ضعف الممات : عذاب القبر و روينا عن ابن عباس في قوله : { و إن للذين ظلموا عذابا دون ذلك } قال : عذاب يوم القيامة و قد ذكرنا الأحاديث التي وردت في هذا الباب في كتاب عذاب القبر فأغنى ذلك عن سياقها ها هنا لكنا نذكر مقدار ما يتبين به المقصود بالباب و بالله التوفيق (1/354)
395 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة ثنا سعدان بن نصر ثنا أبو معاوية الضرير ثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زاذان أبي عمر عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر و لما يلحد قال : فجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم و جلسنا حوله كان على رؤوسنا الطير و في يده عود ينكت به قال : فرفع رأسه و قال :
استعيذوا بالله من عذاب القبر فإن الرجل المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا و إقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه و كأن وجوههم الشمس معهم حنوط من حنوط الجنة و كفن من كفن الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة ! اخرجي إلى مغفرة من الله و رضوان قال فتخرج نفسه فتسيل كما تسيل القطرة من فم السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذها فيجعلها في ذلك الكفن و في ذلك الحنوط و تخرج منها كأطيب نفحة ريح مسك وجدت على ظهر الأرض فلا يمرون بملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الريح الطيبة ! فيقولون فلان بن فلان ! بأحسن أسمائه الذي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة فيقول الله عز و جل اكتبوا عبدي في عليين في السماء السابعة و أعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم و فيها أعيدهم و منها أخرجهم تارة أخرى فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان : من ربك ؟ فيقول : ربي الله فيقولان : و ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام فيقولان : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول هو رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقولان و ما يدريك فيقول : قرأت كتاب الله عز و جل فآمنت به و صدقت قال : فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة و البسوه من الجنة و افتحوا له بابا من الجنة فيأتيه من روحها و طيبها و يفسح له في قبره مد بصره و يأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح فيقول له أبشر بالذي يسرك فهذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير فيقول : أنا عملك الصالح فيقول : رب أقم الساعة ! رب أقم الساعة ! حتى أرجع إلى أهلي و مالي
و أما العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا و إقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يأتيه ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط الله و غضبه قال : فتفرق في جسده فينتزعها و معها العصب و العروق كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذونها فيجعلونها في تلك المسوح قال : و يخرج منها أنتن من جيفة وجدت على وجه الأرض فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الخبيثة ! فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم { لا تفتح لهم أبواب السماء } إلى آخر الآية قال : فيقول الله تبارك و تعالى : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السابعة السفلى و أعيدوا إلى الأرض فإنا منها خلقناهم و فيها نعيدهم و منها نخرجهم تارة أخرى قال : فتطرح روحه طرحا ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم : { و من يشرك بالله فكأنما خر من السماء } الآية ثم تعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك ؟ فيقول هاه هاه لا أدري ! فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان : له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول هاه هاه لا أدري ! فينادي مناد من السماء إن كذب فافرشوه من النار و ألبسوه من النار و افتحوا له بابا من النار فيأتيه من حرها و سمومها و يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه قال : و يأتيه رجل قبيح الوجه منتن الريح فيقول : أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد قال : فيقول من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر فيقول : أنا عملك الخبيث فيقول : رب لا تقم الساعة رب لا تقم الساعة
قال البيهقي رحمه الله : هذا حديث صحيح الإسناد
و قد ذكرنا سوى هذا من حديث أبي هريرة و أبي سعيد الخدري و أنس بن مالك و أسماء بنت أبي بكر و غيرهم عن النبي صلى الله عليه و سلم
و رواه عيسى بن المسيب عن عدي بن ثابت عن البراء عن النبي صلى الله عليه و سلم و ذكر فيه اسم الملكين فقال في ذكر المؤمن فيرد إلى مضجعه فيأتيه منكر و نكير يثيران الأرض بأنيابهم و يلحفان الأرض بأشفاههما أصواتهما كالرعد القاصف و أبصارهما كالبرق الخاطف فيجلسانه ثم يقال له : يا هذا من ربك فذكره و قال : في ذكر الكافر : فيأتيه منكر و نكير يثيران الأرض بأنيابهما و يلحقان الأرض بأشفاههما و أصواتهما كالرعد القاصف و أبصارهما كالبرق الخاطف فيجلسانه ثم يقولان له : يا هذا من ربك ؟ فيقول : لا أدري فينادي من كل جانب القبر لا دريت و يضربانه بمرزبة من حديد لو اجتمع عليها من بين الخافقين لم يقلوها يشتعل منها قبره نارا و يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه (1/355)
396 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ثنا عيسى بن المسيب حدثني عدي بن ثابت : فذكره يزيد و ينقص
قال البيهقي رحمه الله : و روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اسم الملكين كذلك
و روينا في الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أشعرت أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور
و روينا عن أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريبا من فتنة الدجال
و روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم في أخبار كثيرة أنه كان يستعيذ بالله من عذاب القبر و من فتنة القبر
و روينا عن نافع عن صفية امرأة ابن عمر عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا سعد بن معاذ
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا هاشم بن القاسم ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن نافع فذكره
قال البيهقي رحمه الله : و روينا في حديث آخر أن ذلك لأنه كان يقصر في بعض الطهور من البول
و في سياق الأحاديث التي وردت في قبض المؤمن و الكافر دلالة على أنهم يعبرون بالنفس عن الروح و أنهما عبارتان عن شيء واحد و البنية ليست من شرط الحياة و الله تعالى قادر على إعادة الحياة في الأجزاء المتفرقة أو في بعضها و تعذيب ما شاء منها إلى الوقت الذي شاء و ليس علينا إلا طاعة الله بالتسليم لما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم و بالله التوفيق (1/358)
397 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن سعد الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي ثنا أحمد بن حنبل ثنا علي بن عبد الله المديني ثنا هشام بن يوسف عن عبد الله بن بحير القاص عن هانئ مولى عثمان قال : كان عثمان بن عفان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة و النار فلا تبكي و تبكي من هذا ؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
القبر أول منازل الآخرة فإن ينج منه فما بعده أيسر منه و إن لم ينج منه فما بعده أشد منه و قال : و الله ما رأيت منظرا قط إلا و القبر أفظع منه (1/359)
398 - أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن حسن الغضائري و أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي طاهر الدقاق ببغداد قالا : ثنا أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر ثنا شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن البراء بن عازب عن أبي أيوب : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج حين وجبت الشمس فقال :
هذه أصوات يهود تعذب في قبورها
أخرجه البخاري و مسلم في الصحيح من أوجه عن شعبة بن الحجاج (1/359)
399 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا يوسف بن يعقوب ثنا حكام عن عمرو بن أبي قيس عن الحجاج بن أرطأة عن المنهال بن عمرو عن زر عن علي قال : ما زلنا في شك من عذاب القبر حتى نزلت :
{ ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر }
تابعه الحسين بن عبد الأول عن حكام بن سلم (1/359)
400 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة ثنا أبو منصور النضروي ثنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ثنا هشيم عن يعلي بن عطاء عن ميمون بن ميسرة قال : كانت لأبي هريرة صرختان في كل يوم غدوة و عشية كان يقول في أول النهار : ذهب الليل و جاء النهار و عرض آل فرعون على النار فلا يسمع صوته أحد إلا استعاذ بالله من النار فإذا كان العشي قال : ذهب النهار و جاء الليل و عرض آل فرعون على النار فلا يسمع صوته أحد إلا استعاذ بالله من النار (1/360)
401 - أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب من أصل كتابه ثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا عبدان بن محمد بن عيسى المروزي ثنا محمد بن جعفر ثنا منصور بن عمار ثنا هقل بن زياد عن الأوزاعي عن بلال بن سعد قال : ينادي القبر كل يوم : أنا بيت الغربة و بيت الدود و الوحشة و أنا حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة
و قال : تنادي النار يوم القيامة : يا نار أنضجي يا نار أحرقي يا نار كلي و لا تقتلي
و قال : إن المؤمن إذا وضع في لحده كلمته الأرض من تحته فقال : و الله لقد كنت أحبك و أنت على ظهري فكيف و قد صرت في بطني فإذا وليتك فستعلم ما أصنع فتتسع له مد بصره و إذا وضع الكافر قالت : و الله لقد كنت أبغضك و أنت تمشي على ظهري فإذا وليتك فستعلم ما أصنع فتضمه ضمة فتختلف منها أضلاعه (1/360)
402 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الطيب محمد بن أحمد الكرابيسي ثنا أبو يحيى البزار ثنا محمد بن عبد الرحمن ثنا عبد الصمد بن حسان عن سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي قال : إذا استنفقت حياة المؤمن جاءه ملك الموت فقال السلام عليك يا ولي الله إن الله يقرأ عليك السلام قال : ثم قرأ هذه الآية :
{ الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } (1/361)
403 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن عيسى ثنا أبو يحيى الخفاف قال : سمعت مهرجان العابد يقول : سئل عبد الله بن المبارك عن قول الله عز و جل :
{ تحيتهم يوم يلقونه سلام }
فحدثنا عن محمد بن مالك عن البراء بن عازب قال : يوم يلقون ملك الموت ليس من مؤمن تقبض نفسه إلا سلم عليه
و قيل فيه غير ذلك و هو في كتاب الرؤية مذكور و بالله العصمة (1/361)
العاشر من شعب الإيمان و هو باب في محبة الله عز و جل ـ قال الله عز و جل : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله } قال البيهقي رحمه الله : فدل ذلك على أن حب الله جل جلاله من الإيمان لأن قوله : { و الذين آمنوا أشد حبا لله } إشارة إلى أن الإيمان يحرك على حب الله جل جلاله و يدعو إليه و قال الله جل ثناءه : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } فأبان أن اتباع نبيه صلى الله عليه و سلم من موجبات محبة الله فإذا كان اتباع النبي صلى الله عليه و سلم إيمانا فقد وجب أن يكون حب الله الموجب له إيمانا و قال الله عز و جل : { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } قال البيهقي رحمه الله : فأبان بهذا أن حب الله و حب رسوله و الجهاد في سبيله فرض و أنه لا ينبغي أن يكون شيء سواه أحب إليهم منه و بمثل ذلك جاءت السنة (1/363)
404 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن الوليد بن مزيد البيروتي أخبرني أبي قال : سمعت الأوزاعي : حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني هلال بن أبي ميمونة حدثني عطاء بن سار حدثني رفاعة بن عرابة الجهني قال : صدرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة فجعل الناس يستأذنون رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل يأذن لهم قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما بال شق الشجرة التي تلي رسول الله صلى الله عليه و سلم أبغض إليكم من الشق الآخر ؟ قال : فلا نرى من القوم إلا باكيا قال : فيقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : أن الذي يستأذنك في نفسي بعد هذا لسفيه قال : فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أشهد عند الله ـ و كان إذا حلف قال : و الذي نفسي بيده ـ ما منكم من أحد يؤمن بالله ثم يسدد إلا سلك به في الجنة و قد وعدني ربي أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا لا حساب عليهم و لا عذاب و ني لأرجو أن لا تدخلوها حتى تتبوؤا أنتم و من صلح من أزواجكم و ذرياتكم مساكن في الجنة و ذكر الحديث (1/363)
405 - أخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أخبرنا جدي يحيى بن منصور القاضي ثنا أحمد بن سلمة ثنا إسحاق بن إبراهيم و محمد بن بشار العبدي عن عبد الوهاب ثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما و أن يحب المرء لا يحبه إلا لله و أن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يوقد له نار فيقذف فيها
لفظ حديث محمد بن بشار رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب الثقفي
ورواه مسلم عن محمد بن بشار و غيره
قال البيهقي رحمه الله : فأبان المصطفى صلى الله عليه و سلم بهذا أن حب الله و حب رسوله من الإيمان و أبان قبله أن ترك متابعته تدل على خلاف المحبة و في ذلك دلالة على وجوب المحبة و وجوب ما تقتضيه المحبة من المتابعة و الموافقة (1/364)
406 - أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني قال : سمعت عبد الرحمن بن أحمد يقول سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول : دخل البصري على أبي عباس بن سريج فقال له ابن سريج : أين تعرف في نص الكتاب أن محبة الله فرض ؟ فقال : لا أدري و لكن يقول القاضي فقال له : قوله عز و جل :
{ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم } ـ إلى قوله { أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا }
و الوعيد لا يكون إلا على ترك فرض (1/365)
407 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان الخياط ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : و الله لا تبلغوا ذروة هذا الأمر حتى لا يكون شيء أحب إليكم من الله عز و جل و من أحب القرآن فقد أحب الله عز و جل (1/365)
معاني المحبة ـ قال الحليمي رحمه الله : محبة الله اسم لمعان كثيرة أحدها : الاعتقاد أنه عز اسمه محمود من كل وجه لا شيء من صفاته إلا و هو مدحه له الثاني : الاعتقاد أنه محسن إلى عباده منعم متفضل عليهم و الثالث : اعتقاد أن الإحسان الواقع منه أكبر و أجل من أن يقضي قول العبد و عمله و إن حسنا و كثرا شكره و الرابع : أن لا يستقل العبد قضاياه و يستكثر تكاليفه و الخامس : أن يكون في عامة الأوقاف مشفقا وجلا من إعراضه عنه و سلبه و معرفته التي أكرمه بها وتوحيده الذي خلاه و زينه به و السادس : أن تكون آماله منعقدة به و لا يرى في حال من الأحوال أنه غني عنه السابع : أن يحمله تمكن هذه المعاني في قلبه على أن يديم ذكره بأحسن ما يقدر عليه و الثامن : أن يحرص على أداء فرائضه و التقرب إليه من نوافل الخير مما يطيقه و التاسع : أن يسمع من غيره ثناء عليه و عرف منه تقربا إليه و جهادا في سبيله سرا أو إعلانا مالاه و والاه و العاشر : أنه إن سمع من أحد ذكرا له أعانه بما يخل عنه أو عرف منه غيا عن سبيله سرا أو علانية باينه و ناواه فإذا استجمعت هذه المعاني في قلب أحد فاستجماعها هو المشار إليه باسم محبة الله تعالى جده و هي إن لم تذكر مجتمعة في موضع فقد جاءت متفرقة عن النبي صلى الله عليه و سلم فمن دونه فمن ذلك يعني ما : (1/365)
408 - أخبرنا أبو محمد جعفر بن محمد بن الحسين الأبهري الصوفي بهمدان ثنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد بن الحسن بن شاذان الصوفي ثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ثنا يحيى بن معين ثنا هشام بن يوسف عن عبد الله بن سليمان النوفلي عن محمد بن علي يعني ابن عبد الله بن عباس و عن أبيه عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أحبوا الله لما يغذوكم به من النعمة و أحبوني لحب الله و احبوا أهل بيتي لحبي
قال الحليمي : رحمه الله : و هذا يحتمل أن يكون عامة أنعمه كلها و أن يكون اسم الغذاء في الطعام و الشارب حقيقة و لما عداهما من التوفيق و الهداية و نصب أعلام هذه المعرفة و خلو الحواس و العقل مجازا أو يكون جميع ذلك بالاسم مرادا فقد جاء عنه صلى الله عليه و سلم : ثلاث من كن فيه فقد وجد حلاوة الإيمان و في بعض الروايات طعم الإيمان
و إنما يكون الطعم للأغذية و ما يجري مجراها فإذا جاز وصف الإيمان بالطعم جازت تسميته غذاء فيدخل الإيمان في جميع نعم الله عز و جل في هذا الحديث و الله أعلم (1/366)
409 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا عبيد بن شريك ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن ابن عجلان عن واقد بن سلامة عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال :
ألا أخبركم عن أقوام ليسوا بأنبياء و لا شهداء يغبطهم يوم القيامة الأنبياء و الشهداء بمنازلهم من الله عز و جل على منابر من نور يكونون عليها قالوا من هم ؟ قال : الذين يحببون عباد الله إلى الله و يحببون الله إلى عباده و هم يمشون على الأرض نصحاء قال قلنا : يحببون الله إلى عباد الله فكيف يحببون عباد الله إلى الله ؟ قال : يأمرونهم بحب الله و ينهونهم يعني عما كره الله فإذا أطاعوهم أحبهم الله
قال البيهقي رحمه الله : و جاء عنه صلى الله عليه و سلم قال : علامة حب الله حب ذكر الله علامة بغض الله بغض ذكره
و هذا إنما بلغنا بإسناد فيه ضعف (1/367)
410 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان نا أحمد بن عبيد الصفار ثنا أبو بكر عمر بن جعفر المعلى النرسي ثنا المعلي بن مهدي ثنا يوسف بن ميمون عن أنس بن مالك قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول :
علامة حب الله حب ذكر الله و علامة بض الله بغض ذكر الله
قال البيهقي رحمه الله : و روي عن وجه آخر عن زياد بن ميمون و زياد منكر الحديث
و روي من وجه آخر ضعيف عن أنس بن مالك ـ و الله أعلم ـ و روينا بمثلها عن السلف و الصالحين (1/367)
411 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي ثنا يعقوب بن سفيان ثنا عبد الله بن عثمان أنا عبد الله بن المبارك أنا أبو بكر بن أبي مريم عن خالد بن محمد الثقفي عن بلال بن أبي الدرداء عبد أبي الدرداء : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
حبك الشيء يعمي و يصم
قال البيهقي رحمه الله : و قد روي هذا موقوفا (1/368)
412 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا الحسن بن مكرم ثنا يزيد بن هارون أنا حريز بن عثمان عن بلال بن أبي الدرداء عن أبيه قال : حبك الشيء يعمي و يصم
قال البيهقي رحمه الله : و كذلك رواه سعيد بن أبي أيوب عن حميد بن مسلم الدمشقي عن بلال بن أبي الدرداء عن أبيه موقوفا و هو في تاريخ البخاري
قال الحليمي رحمه الله : قد يفهم من هذا أن من أحب الله تعالى لم يعد المصائب التي يقضيها عليه إساءة منه إليه و لم يستثقل وظائف عبادته و تكاليفه المكتوبة عليه كما أن من أحب أحدا من جنسه لم يكد يبصر منه إلا ما يستحسنه و يزيده إعجابا به و لا يصدق من خبر المخبرين عنه إلا ما يتخذه سببا للولوع به و الغلو في محبته (1/368)
413 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو علي الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسين قال حدثني هشام بن عبيد الله حدثني ابن لهيعة ثنا عبد الحميد بن عبد الله بن إبراهيم القرشي عن أبيه قال : لما نزل بالعباس بن عبد المطلب الموت قال لابنه : يا عبد الله إني موصيك بحب الله عز و جل و حب طاعته و خوف الله و خوف معصيته فإنك كنت كذلك لم تكره الموت متى أتاك و أني استوصيك الله يا بني ثم استقبل القبلة فقال لا إله إلا الله ثم شخص بصره فمات (1/368)
414 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الخضر بن أبان ثنا سيار ثنا جعفر ثنا مالك بن دينار قال : بلغنا أن داود نبي الله كان يقول في دعائه :
اللهم اجعل حبك أحب إلي من سمعي و بصري و من الماء البارد (1/369)
415 - و بإسناده قال : سمعت مالكا قال : أوحى الله عز و جل إلى بني إسرائيل إني لا أقبل قولكم و لكن أقبل همكم و هواكم من كان همه و هواه في محبتي كان صمته عندي تقديسا و تسبيحا و وقارا (1/369)
416 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرني الحسن بن رشيق إجازة حدثنا علي بن يعقوب بن سويد الوراق ثنا محمد بن إبراهيم البغدادي ثنا محمد بن سعيد الخوارزمي قال : سمعت ذا النون المصري و سئل عن المحبة قال : أن تحب ما أحب الله و تبغض ما أبغض الله و تفعل الخير لله و ترفض كل ما يشغل عن الله و أن لا تخاف في الله لومة لائم مع العطف للمؤمنين الغلظة على الكافرين و اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم في الدين (1/369)
417 - حدثنا أبو سعيد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد رحمه الله ثنا علي بن الحسن الفقيه ثنا أبي قال : سمعت المعروف بعمي البسطامي يقول : سمعت أبي يقول : سئل أبو يزيد عن علامة من يحب الله و علامة من يحبه الله قال : من يحب الله فهو مشغول بعبادته ساجدا و راكعا فإن عجز عن ذلك استروح إلى ذكر اللسان و الثناء و إن عجز استروح إلى ذكر القلب و التفكير فأما من يحبه الله أعطاه سخاوة كسخاوة البحر و شفقة كشفقة الشمس و تواضعا كتواضع الأرض (1/369)
418 - أخبرنا سعيد بن محمد الشعيبي قال : سمعت علي بن الحسن بن المثنى الصوفي يقول سمعت الحسن بن علوية يقول سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول : المحبة لا تصح إلا من جهة المحبوب و ليس من أحبه كمن يحبه (1/369)
419 - حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي نا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي ثنا أبو الفضل العباس بن حمزة ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : علامة حب الله حب طاعة الله ـ و قيل حب ذكر الله ـ فإذا أحب الله العبد أحبه و لا يستطيع العبد أن يحب الله حتى يكون الابتداء من الله بالحب له و ذلك حين عرف منه الاجتهاد في مرضاته (1/370)
420 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت محمد بن عبد الله شاذان يقول سمعت إبراهيم بن علي المريدي يقول : من المحال أن تعرفه ثم لا تحبه و من المحال أن تحبه ثم لا تذكره و من المحال أن تذكره ثم لا يوجدك طعم ذكره و من المحال أن يوجدك طعم ذكره ثم لا يشغلك به عما سواه (1/370)
421 - أخبرنا أبو عبد الرحمن قال : سمعت عبد الرحمن بن الحسن الحداد يقول سمعت الحسن بن محمد بن إسحاق يقول سمعت سعيد بن عثمان يقول سمعت ذا النون يقول : من علامة الحب ترك كل ما شغله عن الله حتى يكون الشغل كله بالله عز و جل وحده (1/370)
422 - أخبرنا أبو عبد الرحمن قال : سمعت عبد الواحد بن بكر الورثاني حدثني أحمد بن علي البرذعي قال : سمعت طاهر بن إسماعيل الرازي قال : سمعت يحيى بن معاذ يقول : حقيقة المحبة ألا ترى شيئا سوى محبوبك و لا ترى سواه لك ناصرا و لا معينا و لا تستغني بغيره عنه (1/370)
423 - أخبرنا أبو سعيد الماليني قال : سمعت أبا القاسم عمر بن أحمد بن محمد البغدادي بشيراز يقول : سمعت أبا الحسن علي بن محمد الواعظ يقول سمعت أبا سعيد الخزاز يقول : ـ { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان }
هل جزاء من انقطع عن نفسه إلا التعلق بربه ؟ و هل جزاء من انقطع عن أنس المخلوقين إلا الأنس برب العالمين ؟ و هل جزاء من صبر علينا إلا الوصول إلينا و من وصل إلينا هل يجمل به أن يختار علينا ؟ و هل جزاء التعب في الدنيا و النصب فيها إلا الراحة في الآخرة ؟ و هل جزاء من صبر على البلوى إلا التقرب إلى المولى ؟ و هل جزاء من سلم قلبه إلينا أن نجعل توليته إلى غيرنا ؟ و هل جزاء من بعد عن الخلق إلا التقرب إلى الحق (1/370)
424 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول : سئل ذو النون المصري رحمه الله عن معنى قوله عز و جل :
{ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان }
قال : معناها هل جزاء من أحسنت إليه إلا أن أحفظ إحساني عليه فيكون إحسانا إلى إحسان (1/371)
425 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا علي بن محمد الحبيبي بمرو أخبرني محمد بن عبد الله الجوهري ثنا الفيض بن إسحاق أخبرني عبد الله بن أبي عيسى قال : كان رجل من أهل البصرة يقال له ضيغم تعبد قائما حتى أقعد ثم تعبد قائما حتى استلقى ثم تعبد و هو مستلقي حتى أفحم فلما أجهد قال : اجلسوني فرفع بصره إلى السماء فقال : سبحانك عجبا للخليقة كيف أنست بأحد سواك (1/371)
426 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا أبو عثمان الحناط ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت أبا جذيمة وهب بن أبي حافظ الليثي قال : قال راهب من الرهبان : إذا استقرت المحبة في القلب ذهل عن الأهل و الولد
قال و حدثنا أحمد قال : سمعت راهبا في دير خلد يقول للحسن بن شوذب : لا يكون المحب لله عز و جل محبا حتى يحبه بكل الكل فصاح الحسن بن شوذب
قال و حدثنا أحمد قال : سمعت مضاء بن عيسى يقول : حب الله يلهمك العمل له بلا دليل يلجئك إليه (1/371)
427 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا أبو عمرو بن السماك ثنا جعفر محمد الرازي أبو يحيى ثنا محمد بن عبد العزيز بن غزوان المروزي ابن أبي رزمة ثنا إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الكوفي عن حبيب بن أبي العالية عن مجاهد عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
{ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } قال : ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة
قال البيهقي رحمه الله : تفرد به إبراهيم بن محمد الكوفي هذا و هو منكر و الله أعلم (1/371)
428 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : أخبرني أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه ثنا عبد الله اليشكري قال : سمعت الفيض بن إسحاق يقول قال : الفضيل بن عياض قال : حكيم من الحكماء : إني لأستحي من ربي أن أعبده رجاء للجنة فقط فأكون مثل أجير السوء إن أعطي عمل و إن لم يعط لم يعمل و لكن حبه يستخرج مني ما لا يستخرجه غيره (1/372)
429 - حدثنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني ثنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري ثنا أبو عمرو الدقيقي ثنا محمد بن أحمد بن المهدي يقول سمعت علي بن الموفق ما لا أحصيه يقول : اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك خوفا من نارك فعذبني بها و إن كنت تعلم أني أعبدك حبا مني لجنتك و شوقا إليها فاحرمنيها و إن كنت تعلم أني إنما أعبدك حبا مني و شوقا إلى وجهك الكريم فأبحنيه مرة و اصنع ما شئت (1/372)
430 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله القرشي بالساوة ثنا أبو العباس بن مسروق الزاهد حدثني محمد بن معاذ حدثني حكيم بن جعفر قال : قال ضيغم الحلاب : إن حبه شغل قلوب مريديه عن التلذذ بمحب غيره فليس لهم في الدنيا مع حبه لذة و لا يأملون في الآخر من كرامته الثواب أكثر عندهم من النظر إلى وجهه الكريم (1/372)
431 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني قال : سمعت أبا عمرو محمد بن محمد النجاد الزاهد يقول سمعت عبد الرحمن بن عبد ربه يقول قال ذو النون : من قتلته عبادته فديته جنته و من قتله حبه فديته النظر إليه (1/372)
432 - سمعت عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد يقول سمعت أبا الحسن علي بن عبد الله الصوفي بمكة يقول ثنا محمد بن أحمد الوراق حدثني عبد الله بن سهل قال : سمعت يحيى بن معاذ يقول : كم بين من يريد الوليمة للوليمة و بين من يريد حضور الوليمة ليلتقي الحبيب في الوليمة ! (1/373)
433 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا محمد بن أحمد بن النضر الأزدي حدثني عبد الصمد الصائغ مردويه قال : دخل سفيان الثوري على رابعة العدوية فقالت له : يا سفيان ما تعدون السخاء فيكم ؟ قال : أما عند أبناء الدنيا فالذي يجود بماله و أما عند أبناء الآخرة فهو الذي يجود بنفسه فقالت : يا سفيان أخطأت فيها فقال سفيان : فما السخاء عندك ـ رحمك الله ؟ ـ قالت : أن تعبدوه حبا له لا لطلب جزاء و لا مكافأة ثم أنشأت تقول :
( لولاك ما طابت الجنان و لا نعيم لجنة الخلد )
( قوم أرادوا للجنان و قلبي سواك لم يرد ) (1/373)
434 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو زكريا عبد الله بن أحمد البلاذري الحافظ ثنا محمد بن عبد الله العمري ثنا إبراهيم بن الجنيد ثنا إسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي و كان من العباد قال : لقيني بهلول المجنون فقال لي : أسألك ؟ قال قلت : سل قال أي شيء السخاء ؟ قلت البذل و العطاء قال : هذا السخاء في الدنيا فما السخاء في الآخرة ؟ قلت : المسارعة إلى طاعة السيد قال فتريد منه الجزاء ؟ قلت : نعم بالواحدة عشرة قال : هذا في الدين قبيح و لكن المسارعة لطاعة سيدي أن لا يطلع على قلبك و أنت تريد منه شيئا بشيء (1/373)
435 - أخبرنا أبو سعيد الماليني ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسن قال : سمعت جامع بن أحمد الخزاف قال : سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول : العارفون رجلان رجل مسرور بأنه عبده و رجل مسرور بأنه عرفه فالأول يفرح بالله من نفسه لنفسه و الآخر يفرح بالله من الله لله و قال : هذا سرور الخبر فكيف سرور النظر (1/373)
436 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت علي بن محمد بن جهضم بمكة يقول سمعت علي بن محمد بن حاتم يقول سمعت الجنيد يقول : بت ليلة عند سري فلما كان بعض الليل قال لي : يا جنيد أنت نائم ؟ قلت : لا قال : الساعة أوقفني الحق بين يديه و قال : يا سري أتدري لم خلقت الخلق ؟ قلت : لا قال : خلقت الخلق فادعوا كلهم محبتي في و أدعوا محبتي فخلقت الدنيا فاشتغلوا بها من عشرة آلاف تسعة آلاف و بقي ألف فخلقت الجنة فاشتغل تسعمائة بالجنة و بقيت مائة فسلطت عليهم شيئا من البلاء فاشتغلوا عني بالبلاء من المائة تسعون و بقيت عشرة فقلت لهم : ما أنتم ؟ لا الدنيا أردتم و لا في الجنة رغبتم و لا من البلاء هربتم ؟ قالوا : و إنك لتعلم ما نريد فقال : إني أنزل بكم من البلاء ما لا تطيقه الجبال الرواسي فتثبتون لذلك ؟ فقالوا ألست أنت الفاعل بنا ؟ قد رضينا قلت : و أنتم عبيدي حقا (1/374)
437 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال : سمعت أبا عثمان قال سمعت ذا النون يقول : ثلاثة من أعلام المحبة : الرضا في المكروه و حسن الظن به في المجهود و التحسين لاختياره في المحذور و ثلاثة من أعلام المعرفة : الإقبال إلى الله و الانقطاع إلى الله و الافتخار بالله عز و جل و ثلاثة من أعلام الإلحاظ بالله : الهرب من كل شيء إليه و سؤال كل شيء منه و الدلالة في كل وقت عليه (1/374)
438 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول سمعت فارس يقول : ذا النون يقول : إن لله عبادا لهم همم مكتوبة من لباب المعرفة قد سقوا بكأس المحبة شربة فهاموا على وجوههم إقبالا على ربهم فسلكوا الطريق المستقيم و سارعوا إلى رضوان الله (1/374)
439 - أخبرنا أبو سعد الشعيبي قال : سمعت أبا الحسن علي بن الحسن بن المثنى الصوفي يقول سمعت أبا علي الحسن بن علوية يقول سمعت يحيى بن معاذ الرازي : و قد سئل أي مجلس أشهى و ألذ ؟ قال : الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد تشم من رائحة المعرفة و تسقى من كأس المحبة سبحان الله ما ألذه من مجلس ! و أعذبه من شراب ! قيل : فأي طعام أشهى ؟ قال لقمة من ذكر الله في فم الصبر بتوحيد الله رفعها من مائدة الرضا عن الله عز و جل عند النظر لكرامة الله قيل : فما عيد المؤمن ؟ قال السرور بالإيمان و النزهة بالقرآن قال الله عز و جل :
{ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون } (1/374)
440 - أخبرنا محمد بن الحسين السلمي قال : سمعت علي بن بندار يقول سمعت علي بن عبد الحميد يقول سمعت سري السقطي يقول : السرور بالله هو السرور و السرور بغيره هو الغرور (1/375)
441 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو زكريا البلاذري ثنا محمد بن عبد الله المعمري ثنا إبراهيم الجنيد حدثني محمد بن الحسين حدثني أوس الأعور قال : رأيت ريحانة المجنونة ليلة تدعو و تقول في دعائها أعوذ بك من بدن لا ينصب بين يديك و عميت عينان لا تبكيان شوقا إليك و جفت كفان لا يبتهلان بالتضرع إليك ثم أنشأت تقول :
( يا حبيب القلوب أنت حبيبي لم تزل أنت منيتي و سروري ) (1/375)
442 - أخبرنا محمد بن الحسين قال سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول : كنت في الطواف فرأيت ولهان المجنون و هو يقول : حبك قتلني و شوقك أتلفني و الاتصال بك أسقمني فبعدت قلوب تحب غيرك و ثكلت خواطر أنست بسواك (1/375)
443 - أخبرنا أبو سعد الشعيبي أنا أبو علي الحسين بن محمد الزبيري يقول سمعت أبا محمد الحسن بن محمد بن نصر الرازي ببلخ يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون المصري يقول : الأنس بالله نور ساطع و الأنس بالناس غم واقع (1/375)
444 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا سعيد العلاف يقول سمعت عبد الله بن القاسم الواعظ يقول سمعت أبا دجانة يقول سمعت ذا النون بن إبراهيم يقول : الأنس مع الله نور ساطع و الأنس مع الناس سم قاطع (1/375)
445 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال : سمعت أبا عثمان الحناط يقول سمعت ذو النون يقول : ثلاثة من أعلام الأنس بالله : استلذاذ الخلوة و الاستيحاش من الصحبة و استحلاء الوحدة و ثلاثة من علامات الوصول : الأنس به في جميع الأحوال و السكون إليه في جميع الأعمال و حب الموت لغلبة الشوق في جميع الأشغال قال : و ثلاثة من أعلام الشوق : حب الموت مع الراحة و بغض الحياة مع الدعة و دوام الحزن مع الكفاية (1/376)
446 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو زكريا عبد الله بن أحمد بن البلاذري الحافظ ثنا محمد بن عبد الله المعمري ثنا إبراهيم بن الجنيد حدثني محمد بن الحسين عن بكار بن خالد عن أبيه عن صالح المري قال : رأيت ريحانة المجنونة و قد كتبت من وراء جيبها :
( أنت أنسي و منيتي و سروري قد أبى القلب أن يحبى سواكا )
( يا عزيزي و منيتي و اشتياقي طال شوقي متى يكون لقاكا )
( ليس سؤلي من الجنان نعيم غير أني أريدها لأراكا )
و إذا على صدرها مكتوب :
( حسب المحب من الحبيب بعلمه أن المحب ببابه مطروح )
( و القلب فيه و إن تنفس في الدجى بسهام لوعات الهوى مجروح ) (1/376)
447 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول سمعت أبا نصر الأصبهاني يقول سمعت أبا جعفر الحداد يقول سمعت علي بن سهل يقول : الأنس بالله أن تستوحش من الخلق إلا من أهل ولاية الله فإن الأنس بأهل ولاية الله هو الأنس بالله (1/376)
448 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت عبد الله الرازي يقول كتبت هذا من كتاب أبي عثمان و ذكر أنه من كلام شاه : علامة الأنس للاستيحاش من الغافلين و السكون إلى الوحدة و مرافقة الأحبة
قال و سمعت عبد الله الرازي يقول سمعت أبا عثمان يقول : إذا صح للإنسان مكان السرور بالله يتولد له من ذلك مقام الأنس به فإذا صح أنسه به استوحش من كل شيء سواه (1/376)
449 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا أبو عثمان الحناط قال : سمعت السري يقول سمعت فضيلا يقول : عن ابنة له توجعت كفها فعادها فقال لها : يا بنية كيف كفك هذه ؟ فقالت له : يا أبت إن قد بسط لي ثوابها ما لا أؤدي شكره عليها أبدا فتعجبت من حسن يقينها قال الفضيل فأنا عندها قاعد إذ أتاني ابن لي له ثلاث سنين فقبلته و ضممته إلى صدري فقالت لي : يا أبت سألتك بالله أتحبه ؟ فقلت : إي و الله يا بنية أني لأحبه فقالت لي : سوأة لك من الله يا أبت إني ظننت أنك لا تحب مع الله غير الله فقلت لها : أي بنية أو لا تحبون الأولاد ؟ فقالت : المحبة للخالق و الرحمة للأولاد قال : فلطم الفضيل رأس نفسه و قال : يا رب هذه ابنتي هجنتني في حبها و حب أخيها و عزتك لا أحببت معك أحدا حتى ألقاك (1/377)
450 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي ثنا عبد الله بن أحمد الشيباني قال : سمعت زنجويه بن الحسن ثنا علي بن الحسن ثنا إبراهيم بن الأشعث يقول سمعت الفضيل يقول : طوبي لمن استوحش من الناس و أنس بربه و بكى على خطيئته (1/377)
451 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف أنا أحمد بن محمد بن زياد ثنا سلم بن عبد الله أبو محمد الخراساني قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : كفى بالله محبا و بالقرآن مونسا و بالموت واعظا و كفى بخشية الله علما و الاغترار بالله جهلا (1/377)
452 - سمعت أبا محمد عبد الله بن يوسف يقول سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن فراس يقول سمعت إبراهيم بن أحمد الخواص يقول : لا تطمع في لين القلب مع فضول الكلام و لا تطمع في حب الله مع حب المال و الشرف و لا تطعم في الأنس بالله مع الأنس بالمخلوقين (1/377)
453 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو عمرو بن السماك ثنا أبو عمرو بن السماك ثنا محمد بن علي بن بحر ثنا محمد بن إبراهيم البرجلاني عن أبيه يقول سمعت بشرا يقول : كان إبراهيم بن أدهم يؤدب نفسه حتى يكون ترك الطيبات ألذ من أكلها
و قال بشر : أوحى الله عز و جل إلى داود يا داود خلقت الشهوات و اللذات لضعفة عبادي فأما الأبطال فمالهم و للشهوات و اللذات ؟ يا داود فلا تعقلن قلبك منها بشيء فأدنى ما أعاقبك به أن أنسخ حلاوة حبي من قلبك (1/378)
454 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا أبو عثمان الحناط ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت أخي يقول : تعبد رجل من بني إسرائيل في غيضة في جزيرة في البحر أربعمائة سنة فطال شعره حتى كان إذا مر في الغيضة تعلق بأغصانها بعض شعره فبينا هو ذات يوم يدور إذ مر بشجرة فيها وكر طير فنقل موضع مصلاه إلى قريب منها قال : فنودي أنست بغير ؟ و عزتي لأحطنك مما كنت فيه درجتين (1/378)
455 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أبا منصور بن عبد الله الأصبهاني يقول : سئل الشبلي ما علامة المعرفة ؟ قال : نسيان كل شيء معروقة فقال : ما علامة صحة المحبة ؟ قال : العمى عن كل شيء سوى محبوبه قال : و سمعت الشبلي يقول في قوله :
{ وما كنا عن الخلق غافلين }
فقال : و ما كنا عن من قرب منا غافلين و لا عن من أقبل علينا شاغلين (1/378)
456 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الطيري يقول : سمعت علي بن سهل بن الأزهر يقول : الغافلون يعيشون في حلم الله و الذاكرون يعيشون في رحمة الله و العارفون يعيشون في لطف الله و الصادقون يعيشون في قرب الله و المحبون يعيشون في الأنس بالله و بالشوق إليه (1/378)
457 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت علي بن قتادة يقول : سمعت علي بن عبد الرحمن يقول : و قد سئل عن الفرق بين الحب و العشق فقال : الحب لذة تعمي عن رؤية غير المحبوب فإذا تناهي سمي عشقا و هو قول النبي صلى الله عليه و سلم حبك الشيء يعمي و يصم (1/379)
458 - و أخبرنا أبو عبد الرحمن قال : سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان الرازي يقول : سمعت يوسف بن الحسين يقول : سمعت ذا النون يقول : الشوق أعلى الدرجات و أعلى المقامات إذا بلغها العبد استبطأ الموت شوقا إلى ربه و حبا للقائه و النظر إليه (1/379)
459 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت عبد الله بن محمد الرازي يقول : كتبت من كتاب أبي عثمان و ذكر أنه من كلام شاه قال : مقام المحبين شوقهم إلى محبوبهم و طلبهم رضاه حرصهم على خدمته
و بهذا الإسناد عن شاه قال : المشتاقون على عشر مقامات تعلق القلب به و طيران الصدر إليه و الحركة عند ذكره و الأنس بالوحدة و الهرب من الألفة و التدبر لمعاني كلام الرحمن و البكاء على النفس في الخلوة و الاستغاثة به و التعرض لمناجاته و أظنه قال : و الاشتياق للقائه
و قال أبو عثمان : الشوق هو المحبة من أحب الله اشتاق إلى لقائه
و قال أبو عثمان في قوله تعالى :
{ إن أجل الله لآت }
قل : هذه تعزية للمشتاقين معناه : إني أعلم إن اشتياقكم إلي غالب و إني قد أجلت للقائكم أجلا و عن قريب يكون وصالكم إلى من تشتاقون إليه
و قال أبو عثمان : بقدر ما يصل إلى قلب العبد من السرور بالله يشتاق إليه و على قدر شوقه يخاف من بعده و طرده (1/379)
460 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت علي بن بندار يقول سمعت محفوظا يقول : سمعت أبا حفص يقول : صدق حب الله أن تخاف سره فيك في غيب الأزل على ما جبلك و فطرك و في أي ديوان كتب اسمك (1/379)
461 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا بكر بن أبي دارم يقول : حدثني الفضل بن جعفر ثنا عبد الله بن مسلم قال : قال مالك بن دينار : خرجت يوما إلى المقابر فإذا شابان جالسان يكتبان شيئا فقلت لهما : يرحمكم الله ! من أنتما ؟ فقالا : ملكان نكتب المحبين لله عز و جل فقلت لهما : سألتكما بالله أنا ممن كتبتما ؟ فقالا : لا فسقط مالك مغشيا عليه ثم أفاق فقال : نشدتكما بالله لما كتبتماني في أسفل سطر : مالك دينار طفيلي يحب المحبين لله فلما كان الليل أتيت في منامي فقيل قد كتبت منهم المرء مع من أحب (1/380)
462 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر الزهري حدثني أنس بن مالك : أن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله ! متى الساعة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما أعددت لها ؟ فقال الأعرابي : ما أعددت لها من كثير أحمد عليه نفسي إلا أني أحب الله و رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فإنك مع من أحببت
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن رافع و عبد بن حميد عن عبد الرزاق (1/380)
463 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت أبا علي الجوزجاني يقول : ثلاثة أشياء من عقد التوحيد : الخوف و الرجاء و المحبة فزيادة الخوف من كثرة الذنوب لرؤية الوعيد و زيادة الرجاء من اكتساب الخير لرؤية الوعيد و زيادة المحبة من كثرة الذكر لرؤية المنة فالخائف لا يستريح من الهرب و الراجي لا يستريح من الطلب و المحب لا يستريح من ذكر المحبوب فالخوف نار منور و الرجاء نور منور و المحبة نور الأنوار (1/380)
464 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا علي بن حمدان ثنا عباد بن عباس الرازي ثنا محمد بن جعفر الأشناني قال : سمعت يحيى بن معاذ يقول : و أنا أواكله على المائدة : إن فطنك ببره فرغك لذكره و إن فرغك لذكره من عليك بحبه و إن من عليك بحبه ناجاك بقربه (1/380)
465 - و فيما قرأت على أبي عبد الرحمن السلمي قال : قال أبو الحسين الوراق : المحبة شعبة من الإيمان بالله و هو أصل لجميع مراتب الأولياء و الأصفياء
و قال : تتشعب شعب المحبة من دوام ذكر إحسان الله فمن ذكره على دوام إحسان الله تنسم ريح المحبة عن قربه (1/381)
466 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أبا الحسين الفارسي يقول : سمعت ابن العطاء يقول في معنى الحديث الذي روى : جبلت القلوب على حب من أحسن إليها و بغض من أساء إليها فقال : كيف لا تحب و أجدك وما انفككت من تواتر نعمته قط و لا تنفك أبدا و لكن ضعف اليقين أو كدورة المعرفة و نقص الإيمان حجبك عن محبته و الميل إليه (1/381)
467 - قال : و سمعت أبا الحسين يقول سمعت أبا محمد الجريري يقول سمعت أبا سعيد الخزاز يقول في معنى الحديث فقال : واعجبا ممن لم ير محسنا غير الله فكيف لا يميل بكليته إليه (1/381)
468 - أخبرنا سعيد بن محمد بن الشعيبي قال : سمعت أبا القاسم عبد الله بن الحسين الصوفي يقول : سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن أحمد الصوفي يقول : سئل أبو الحسين بن مالك الصوفي و أنا أسمع ما علامة المحبة قال : ترك ما تحب لمن تحب (1/381)
469 - سمعت أبا عبد الرحمن يقول سمعت أبا علي محمد بن إبراهيم البزاز يقول : سمعت أبا عمرو الزجاجي يقول : سألت الجنيد عن المحبة قال : تريد الإشارة ؟ قلت : لا قال : تريد الدعوى ؟ قلت : لا قال : فأيش تريد ؟ قلت : عين المحبة قال : أن تحب ما يحب الله في عباده و تكره ما يكره الله في عباده (1/381)
470 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا جعفر بن محمد بن نصير قال : سمعت الجنيد يقول : قال بعض شيوخنا : لا تكون لله عبدا حقا و أنت لما يكره مسترقا (1/381)
471 - أخبرنا أبو سعيد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي ثنا عبد الصمد بن عبد الله ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت بشر بن السري يقول : ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغض حبيبك (1/382)
472 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أبا جعفر الرازي يقول : سمعت العباس بن حمزة يقول : سمعت أحمد بن أبي الحواري قال : قلت لأبي سليمان الداراني بما نال أهل المحبة المحبة من الله عز و جل ؟ قال بالعفاف و أخذ الكفاف (1/382)
473 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو جعفر ثنا عباس ثنا أحمد قال : سمعت أبا عبد الله النباجي يقول : سأل رجل فضيل بن عياض متى يبلغ رجل غاية محبة الله ؟ قال : إذا كان عطاؤه إياك و منعه سواء (1/382)
474 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت عبد الله بن محمد الرازي قال : كتبت من كتاب أبي عثمان و ذكر أنه من كلام شاه : علامة المحبة ثلاث : الرضا عنه في المكروه و حسن الظن به في المجهود و التحسين لاختياره في المحذور (1/382)
475 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن زكريا ثنا محمد بن علي قال : سمعت مضاء أبا سعيد يقول : قال عبد الواحد بن زيد : ما أحسب أن شيئا من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا و لا أعلم درجة أشرف و لا أرفع من الرضا و هو رأس المحبة (1/382)
476 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا محمد الأزهري ثنا الغلابي ثنا شعيب بن واقد قال : حدثني رجل من القراء قال : رأيت عتبة الغلام ذات ليلة فما زال ليلته تلك حتى أصبح يقول : إن تعذبني فإني لك محب و إن ترحمني فأنا لك (1/382)
477 - و فيما قرأت على أبي عبد الرحمن السلمي قال : قال يحيى بن معاذ : حقيقة المحبة التي لا تزيد بالبر و لا تنقص بالجفوة (1/383)
478 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أحمد بن علي يقول سمعت إبراهيم بن فاتك يقول : سمعت الجنيد يقول سمعت الحارث المحاسبي : و سئل عن المحبة فقال : ميلك إلى الشيء بكليتك محبة له ثم إيثارك له على نفسه و مالك ثم موافقتك له شرا و جهرا ثم علمك بتقصيرك في حبه (1/383)
479 - و فيما قرأت على أبي عبد الرحمن السلمي قال : و قال الجنيد : قوام المحبة موافقة المحبوب في البهج و الغضب قال : و سئل رويحة عن المحبة فقال : موافقة الحبيب في جميع الأحوال و أنشد :
( و لو قلت مت مت سمعا و طاعة و قلت لداعي الموت أهلا و مرحبا ) (1/383)
480 - سمعت عبد الله بن يوسف الأصبهاني يقول : سئل أبو الحسن البوشنجي رحمه الله عن الحب فقال : بذل المجهود مع معرفتك بالمحبوب و المحبوب مع بذلك مجهودك يفعل ما يشاء (1/383)
481 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو أنا الحسن بن محمد بن إسحاق أنا الغلابي عن إبراهيم بن عمر ثنا الأصمعي قال : قال أعرابي و رآه على معصية قال : ويحك ما تحب الله ؟ قال : و هل رأيت محبا إلا و هو ويتوخى سرور من أحبه ؟ و أم من خاف أن يسئل عن الشكر طاب نفسا عن النعم (1/383)
482 - أخبرنا أبو سعيد الشعيبي أنا أبو الفضل نصر بن محمد الصوفي قال : سمعت إبراهيم بن شيبان يقول سمعت أبا عبد الله المغربي يقول : تفكر إبراهيم عليه الصلاة و السلام ليلة من الليلة في شأن آدم عليه السلام قال : يا رب خلقته و نفخت فيه من روحك و أسجدت له ملائكتك ثم بذنب واحد ملأت أفواه الناس حتى يقولون :
{ و عصى آدم ربه فغوى }
قال : فأوحى الله أن يا إبراهيم أما علمت أن مخالفة الحبيب على الحبيب شديدة (1/383)
483 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبا دعلج بن أحمد ثنا مخول بن محمد ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ثنا إسماعيل بن عبد الكريم ثنا عبد الصمد بن معقل عن وهب قال : أوحى الله عز و جل إلى داود عليه السلام : يا داود ارفع رأسك فقد غفرت لك غير أنه ليس عندي ذلك الود الذي كان (1/384)
484 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني ثنا أبو محمد عاصم بن العباس بهراة ثنا أبو يعقوب يوسف بن يعقوب قال : سمعت سعيد بن عثمان بن عياش يقول : سمعت ذا النون يقول : و قد قيل له متى يأنس العبد بربه ؟ قال : إذا خافه أنس به أما علمتم أنه من واصل الذنوب نحي عن باب المحبوب (1/384)
485 - و بإسناده عن سعيد بن عثمان قال : سمعت ذا النون يقول : ما رجع إلا من الطريق و لو وصلوا إليه ما رجعوا فازهد في الدنيا ترى العجب (1/384)
486 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف قال : سمعت عاصم بن العباس يقول : سمعت أبا الحسن موسى بن عيسى الدينوري بها يقول سمعت أبا يعقوب يوسف بن الحسين الرازي يقول : سمعت ذا النون المصري يقول : وجدت صخرة ببيت المقدس عليها أسطر مكتوبة فجئت بمن ترجمها فإذا عليها مكتوب : كل عاص مستوحش و كل مطيع مستأنس و كل خائف هارب و كل راج طالب و كل قانع غني و كل محب ذليل ففكرت في هذه الأحرف فإذا هي أصول كلها استعبد الله عز و جل به الخلق (1/384)
487 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر عبد الله بن يحيى الطلحي بالكوفة ثنا أبو الحريش أحمد بن عيسى الكلابي قال : سمعت يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله : ينشد :
( أن المليك قد اصطفى خداما متوددين مواطئين كراما )
( رزقوا المحبة و الخشوع لربهم فترى دموعهم تسح سجاما )
( يحيون ليلهم بطول صلاتهم لا يسأمون إذا الخلي ناما )
( قوم إذا رقد العيون رأيتهم صفوا لشدة خوفه أقداما )
( وتخالهم موتى لطول سجودهم يخشون من نار الإله غراما )
( شغفوا بحب الله طول حياتهم فتجنبوا لوداده آثاما ) (1/384)
488 - أخبرنا أبو سعيد الشعيبي قال : سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب المفيد يقول : سمعت الجنيد بن محمد يقول سمعت سري السقطي يقول : وقد كلمته يوما في شيء من المحبة فضرب بيده إلى جلدة ذراعه فمدها ثم قال : و الله لو قلت إن هذا جف على هذا من محبة الله لصدقت ثم أغمي عليه ثم تورد وجهه حتى صار مثل القمر (1/385)
489 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت أبا نصر الطوسي يقول : سمعت جعفرا الخلدي يقول سمعت الجنيد يقول : قال رجل للسري السقطي كيف أنت فأنشأ يقول :
( من لم يبت و الحب حشو فؤاده لم يدر كيف تفتت الأكباد ) (1/385)
490 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني جعفر بن محمد حدثني الجنيد بن محمد قال : رفع إلي سري مرة رقعة فقال لي احفظ هذه الرقعة فإذا فيها مكتوب :
( و لما شكوت الحب قال كذبتني فما لي أرى الأعضاء منك كواسيا )
( فما الحب حتى يلصق الجلد بالحشي و تذبل حتى لا تجيب المناديا )
( و تنحل حتى لا يبقي لك الهوى سوى مقلة تبكي بها أو تناجيا ) (1/385)
491 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا أبو عثمان الحناط ثنا محمد بن بشير الكندي ثنا إبراهيم بن مسلم المزني قال : قال الحسن بن محمد ابن الحنفية : من أحب حبيبا لم يبغضه ثم قال :
( تعصي الإله و أنت تظهر حبه عار عليك إذا فعلت شنيع )
( لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن أحب مطيع )
و قال أيضا :
( ما ضر من كانت الفردوس منزله ما كان في العيش من بؤس و إقتار )
( تراه يمشي حزينا خائفا شعثا إلى المساجد يسعى بين أطمار ) (1/385)
492 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أبا نصر محمد بن محمد بن إسماعيل يقول : سمعت أبا القاسم الرازي الواعظ يقول سمعت أبا دجانة يقول : كانت رابعة إذا غلب عليها الحب تقول :
( تعصي الإله و أنت تظهر حبه هذا محال في الفعال بديع )
( لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن أحب مطيع ) (1/386)
493 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرني محمد بن أحمد بن محمد بن حماد القرشي حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن جعفر الطبري أملاه من حفظه قال : سمعت محمد بن هارون الفقيه يقول : سمعت السختياني يقول : و يتمثل بقول إسماعيل بن القاسم أبي العتاهية : ـ ( تعصي الإله و أنت تظهر حبه هذا محال في القياس بديع )
( لو كان حبك خالصا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع ) (1/386)
494 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله الجرجاني الواعظ يقول أنشدنا العبد الصالح أبو عمر بن سعيد الجرجاني لنفسه : ـ ( و حبان في قلبي محال كلاهما محبة فردوس و دار غرور )
( و من يرج مولاه و يرجو جواره يسابق في الخيرات غير فتور )
( و من صادق من يدعي حب ربه و أمسى عن اللذات غير صبور )
( أو يسألوا عن الدنيا وعن كل شهوة و عن كل ما يودي بوصل سرور ) (1/386)
495 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا محمد بن حمدان الصيرفي بمرو ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا القرشي ثنا العباس بن الفرج ثنا الأصمعي عن سلام بن مسكين قال : دخل السجن مالك بن المنذر بن الجارود فإذا فيه الفرزدق فقال : أما آن لك أن تقصر من قذف المحصنات ؟ فقال : و الله لله أحب إلي من عيني التي أبصر بهما أفتراه يعذبني (1/386)
496 - أخبرنا أبو عبد الله قال : سمعت أبا عبد الله بن محمد بن العباس العصمي يقول : سمعت أبا بكر بن أبي عثمان يقول : سمعت أبي يقول و قام في مجلسه رجل من أهل بغداد فقال : يا أبا عثمان متى يكون الرجل صادقا في حب مولاه ؟ قال : إذا خلا من خلافه كان صادقا في حبه قال : فوضع الرجل التراب على رأسه و صاح و قال : كيف ادعى حبه و لم أخل طرفة عين من خلافه ؟ قال : فبكى أبو عثمان و أهل المجلس قال : فجعل يبكي أبو عثمان و يقول في بكائه صادق في حبه مقصر في حقه
قال البيهقي رحمه الله : و هذا الذي قاله أبو عثمان من صدق حبه و إن كان مقصرا في حياته يشهد له : (1/387)
497 - ما أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا محمد بن كناسة ثنا الأعمش عن شقيق عن أبي موسى قال : قلت يا رسول الله الرجل يحب القوم و لما يلحق بهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
المرء مع من أحب
أخرجاه في الصحيح من حديث الأعمش
و قيل فيه عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود و قد أخرجاه أيضا في الصحيح (1/387)
498 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا زكريا بن يحيى ثنا سفيان عن الزهري عن أنس قال : قال رجل يا رسول الله متى الساعة ؟ قال : و ما أعددت لها ؟ فلم يذكر كثيرا إلا أنه يحب الله و رسوله فقال : أنت مع من أحببت
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث سفيان بن عيينة (1/387)
499 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس بن يعقوب هو الأصم ثنا محمد بن إسحاق الصاغاني ثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث ثنا خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم كان اسمه عبد الله و كان يلقب خمارا و كان يضحك رسول الله و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم : اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به ! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لا تلعنه فو الله ما علمت إنه ليحب الله و رسوله
رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير عن الليث و هذا تصحيح قوله أبي عثمان صادق في حبه مقصر في حقه فإنه مع شربه سماه محبا و الله أعلم (1/388)
500 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت أبا علي الحافظ يقول : سئل سمنون عن المحبة فقال : صفاء الود مع دوام الذكر (1/388)
501 - قال أبو عبد الرحمن و قال مالك بن دينار : علامة حب الله دوام ذكره لأن من أحب شيئا أكثر ذكره
قال الحليمي رحمه الله : و قال بعضهم الحب اللزوم لأن من أحب شيئا ألزم ذكره قلبه فمحبة الله تعالى لزوم لذكره
قال الحليمي رحمه الله : و هذا الذي فسره هذا القائل به المحبة من أنه اللزوم موافق لقول أهل اللسان لأنهم يقولون : أحب الجمل : إذا برك فلزم مكانه (1/388)
502 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني جعفر بن محمد بن نصير حدثني أبو العباس بن مسروق قال : سمعت السري بن المغلس يقول : قرأت في بعض كلام الحكماء : أبعد الناس من الملال و الضجر من لم يفارق قلبه ذكر الله عز و جل و حسبك من صدق العبد دوام ذكر الله عز و جل عنده (1/388)
503 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا بكر الحفيد يقول : سمعت جدي يعني العباس بن حمزة يقول سمعت ذا النون المصري يقول : أن العارف استغنى بربه فمنى أغنى منه ؟ فلذته ذكره و إناخته بفنائه و إستئناس به
قال : و سمعت ذا النون يقول : من عرف ربه وجد طعم العبودية و لذة الذكر و الطاعة فهو مع الخلق ببدنه و قد باينهم بالهموم و الخطرات (1/389)
فصل في إدامة ذكر الله عز و جل ـ قال الحليمي رحمه الله : فأما إدامة ذكر الله تعالى جده التي ذكرنا بها أمارات المحبة فقد جاء فيها قول الله عز و جل { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا } و قوله عز و جل : { فاذكروني أذكركم } قال : و جاءت فيها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و في الأحوال التي يستحب الذكر فيه و في فضيلته و الحث عليها أخبار منها ما جاء عن الحث على الاستكثار من الذكر فذكر حديثا لا يثبت ثم ذكر (1/389)
504 - ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو زكريا العنبري أنا أبو عبد الله البوشجني ثنا أمية بن بسطام ثنا يزيد بن زريع حدثنا روح بن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال : سيروا هذا جمدان سبق المفردون قالوا : و ما المفردون يا رسول الله قال : الذاكرون الله كثيرا و الذكرات
رواه مسلم في الصحيح عن أمية بن بسطام (1/389)
505 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الحسين أحمد بن عثمان المقرئ ببغداد ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا أبو عامر العقدي ثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم سبق المفردون قلت : و ما المفردون ؟ قال : الذين يهترون في ذكر الله عز و جل (1/390)
506 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا محمد بن عبد الله بن محمد بن صبيح أنا عبد الله بن شيرويه ثنا إسحاق بن راهويه أنا محمد بن بشر العبدي عن عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
سيروا سبق المفردون قيل يا رسول الله و من المفردون ؟ قال : المستهترون لذكر الله عز و جل يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا (1/390)
507 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد ثنا الحسين بن صفوان ثنا ابن أبي الدنيا ثنا محمد بن يزيد العجلي ثنا محمد بن بشر : فذكره بإسناده بنحوه غير أن قال الذين اهتروا بذكر الله يضع الذكر عنهم أوزارهم و لم يذكر ما بعده و الإسناد الأول أصح و الله أعلم (1/390)
508 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو صادق العطار قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
من عجز منكم عن الليل أن يكابده و بخل بالمال أن ينفقه و جبن عن العدو أن يجاهده فليكثر من ذكر الله (1/390)
509 - أخبرنا الشيخ الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنا إسحاق بن بكر عن أبيه عن جعفر بن ربيعة عن ربيعة بن يزيد الدمشقي عن إسماعيل بن عبيد الله مولى بني مخزوم قال : دخلت على أم الدرداء رضي الله عنها فلما سلمت جلست سمعت كريمة بنت الحسحاس المزنية قال : و كانت من صواحب أم الدرداء و تقول : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه في بيت هذه تشير إلى أم الدرداء يقول : سمعت أبا القاسم صلى الله عليه و سلم إن الله عز و جل قال :
أنا مع عبدي ما ذكرني و تحركت بي شفتاه (1/391)
510 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن الوليد بن مزيد أنبا أبي قال : سمعت ابن جابر : يقول حدثني إسماعيل بن عبيد الله عن كريمة بنت الحسحاس المزنية أنها قالت حدثنا أبو هريرة و نحن في بيت هذه يعني أم الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
قال ربك عز و جل أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه
هكذا روياه عن إسماعيل بن عبيد الله ورواه الأوزاعي عن إسماعيل عن أم الدرداء عن أبي هريرة موقوفا مرة و مرة مرفوعا و روايتهما أصح من رواية الأوزاعي و ذكر أيضا معنى : (1/391)
511 - ما أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي ثنا الحسين بن علي الحافظ ثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس بمصر ثنا يزيد بن سنان ثنا عمرو بن حصين ثنا محمد بن علاثة عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عمر بن عبد العزيز عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها إلا تحسر عليها يوم القيامة
و في هذا الإسناد ضعف غير أن له شواهد من حديث معاذ (1/392)
512 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة ثنا أبو عمرو بن مطر أنا جعفر بن محمد بن المستفاض الفريابي ثنا سليمان بن عبد الرحمن ثنا يزيد بن يحيى القرشي ثنا ثور بن يزيد ثنا خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله فيها (1/392)
513 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان قال : روي عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله فيها
قال : يعقوب حدثني بذلك محمود بن خالد عن سليمان بن عبد الرحمن ثنا يزيد بن يحيى أبو خالد عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير يعني عن معاذ (1/392)
514 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمدآباذي ثنا عباس الدوري ثنا محمد يزيد بن خنيس قال : دخلنا على سفيان الثوري نعوده بمكة فدخل علينا سعيد بن حسان المخزومي فقال له سفيان الثوري : الحديث الذي حدثتنيه عن أم صالح أردده علي فقال سعيد نعم حدثتني أم صالح عن صفية بنت شيبة عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه و سلم و رضي عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
كلام ابن آدم كله عليه لآله إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله عز و جل (1/392)
515 - أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنا عبد الله بن جعفر النحوي ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو صالح ثنا معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس الكندي عن عبد الله بن بسر قال : جاء أعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يسألانه فقال أحدهما يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال : من طال عمره و حسن عمله و قال الآخر يا رسول الله : إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فمرني بأمر أتشبت به قال : لا يزال لسانك رطبا بذكر الله عز و جل (1/393)
516 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا حميد بن داود القيسي ثنا يزيد بن خالد ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان أخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أنا جدي يحيى بن منصور ثنا محمد بن إسماعيل الإسماعيلي ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل سمعه يقول : سألت النبي صلى الله عليه و سلم أي الأعمال أحب إلى الله عز و جل قال :
أن تموت و لسانك رطب من ذكر الله عز و جل :
لفظهما سواء غير أن أبا عبد الله قال : عن معاذ بن جبل قال : سألت (1/393)
517 - أخبرنا أبو علي الروذباري ثنا أبو بكر محمد بن مهرويه بن عباس ابن سنان الرازي ثنا أبو حاتم الرازي إملاء ثنا قبيصة بن عقبة ثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي كعب عن أبي بن كعب رضي الله عنه : كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا ذهب ثلث الليل قام فقال :
يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه (1/394)
518 - أخبرنا أبو علي بن شاذان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا محمد بن خنيس الغزي ثنا يحيى بن سليم الطائفي عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ألا أخبركم بخير أعمالكم و أرقاها و أرفعها في درجاتكم و خير لكم ممن أعطى الذهب و الورق و خير من أن لو غدوتم إلى عاوكم فضربتم رقابهم و ضربوا رقابكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : فاذكروا الله كثيرا (1/394)
519 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا إبراهيم و هو ابن حمزة ثنا المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش عن أبي البحرية عن أبي الدرداء رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
ألا أنبئكم بخير أعمالكم و أرضاها لكم عند مليككم و أرفعها في درجاتكم و خير لكم من إعطاء الذهب و الورق و من أن تلقوا عدوكم فتضربون أعناقهم و يضربون أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال : ذكر الله
قال : و قال معاذ بن جبل : ما عمل امرؤ بعمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله
و روينا في كتاب الدعوات من حديث مكي بن إبراهيم عن عبد الله بن سعيد عاليا و روى آخر الحديث من وجه آخر عن معاذ بن جبل مرفوعا (1/394)
520 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا ابن أبي الدنيا حدثني إبراهيم بن راشد ثنا يعقوب بن محمد الزهري ثنا محمد بن عامر بن خارجة بن عبد الله بن سعد أبي وقاص عن محمد بن عبد الملك بن زرارة الأنصاري عن أبي عبد الرحمن الشامي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أكثروا ذكر الله على كل حال فليس عمل أحب إلى الله و لا أنجي لعبده من ذكر الله في الدنيا و الآخرة
قال البيهقي رحمه الله : و في معناه من وجه آخر ضعيف مرفوعا (1/395)
521 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم بن أحمد الفارسي ثنا أبو العباس إسماعيل بن عبد الله بن ميكال ثنا عبدان الجواليقي ثنا زيد بن الحريش ثنا محمد بن الزبرقان عن مروان بن سالم عن الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أكثروا ذكر الله فإنه ليس شيء أحب إلى الله و لا أنجى للعبد من حسنة في الدنيا و الآخرة من ذكر الله و لو أن الناس اجتمعوا على ما أمروا به من ذكر الله لم نكن نجاهد في سبيل الله
تفرد به من مروان بن سالم و الله أعلم و زاد فيه غيره و إن الجهاد شعبة من ذكر الله
قال الحليمي رحمه الله : و في هذا الحديث أن المراد بالذكر ليس هو الذكر باللسان وحده و لكنه جامع للسان و القلب و الذكر بالقلب أفضل لأن الذكر باللسان لا يردع عن شيء و الذكر بالقلب يردع عن التقصير في الطاعات و التهافت في المعاصي و السيئات
قال البيهقي رحمه الله : و قد جاء في غير هذا الحديث ما هو أظهر في هذا المعنى (1/395)
522 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ثنا أبو العباس الأصم ثنا محمد بن إسحاق ثنا علي بن عياش ثنا سعيد بن سنان حدثنا محمد بن إسحاق ثنا علي بن عياش ثنا سعيد بن سنان حدثني أبو الزاهرية عن أبي شجرة و اسمه كثير بن مرة عن عبد الله بن عمر : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول :
إن لكل شيء سقالة و أن سقالة القلوب ذكر الله و ما من شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله قالوا : و لا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : و لو أن تضرب بسيفك حتى ينقطع (1/396)
523 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه ثنا أبو حامد بن بلال ثنا أبو الأزهر ثنا أبو النضر عن أبي عقيل عن عبد الله بن يزيد عن ربيعة قال : قال أبو الدرداء رضي الله عنه : إن لكل شيء جلاء و إن جلاء القلوب ذكر الله عز و جل (1/396)
524 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الحميد الصنعاني الآدمي بمكة ثنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد ثنا عبد الرزاق
قال : و حدثنا أبو بكر بن بالويه ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق أنا معمر عن ثابت عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله
رواه مسلم في الصحيح عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق
و في رواية حماد بن سلمة عن ثابت في هذا الحديث : لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله (1/396)
525 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد بن قرقوب التمار بهمدان ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا عفان عن حماد : فذكره
و رواه مسلم عن زهير بن حرب عن عفان (1/396)
526 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل ثنا سعيد بن كثير و أصبغ بن الفرج قالا أنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون (1/397)
527 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني ثنا جدي قال : ثنا أبو توبة ثنا ابن المبارك ثنا سعيد بن زيد عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أكثروا ذكر الله حتى يقول المنافقون إنكم مراؤون هذا مرسل
قال الحليمي رحمه الله : و منها ما جاء في لزوم مجالس الذكر و مصاحبة أهله و ذكر بعض متن الحديث الذي (1/397)
528 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا : أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا العباس بن الوليد بن مزيد أنا أبو شعيب أنا عمر مولى غفرة ـ ح
و أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فراس بمكة أنا أبو حفص عمر بن محمد الجمحي ثنا علي بن عبد العزيز ثنا محمد بن مخلد الحضرمي ثنا بشر بن المفضل ثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة قال : سمعت أيوب بن خالد بن صفوان أنه أخبره عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : خرج علينا رسول الله فقال
يا أيها الناس إن لله عز و جل سرايا من الملائكة تقف و تحل على مجالس الذكر فارتعوا في رياض الجنة قلنا ابن رياص الجنة يا رسول الله ؟ قال : مجالس الذكر اغدوا و روحوا في ذكر الله و اذكروا بأنفسكم من كان يحب أن يعلم كيف منزلته من الله عز و جل فلينظر كيف منزلة الله عنده فإن الله تبارك و تعالى ينزل العبد حيث أنزله من نفسه
قال البيهقي رحمه الله لفظ حديث أبي عبد الله و في رواية أبي محمد قال : مجالس الذكر في الأرض و قال : منزلته عند الله (1/397)
529 - أخبرنا أبو سعد سعيد بن محمد الشعيبي أنا أبو الحسن علي بن هارون السمسار الحربي ببغداد ثنا موسى بن هارون الحمال ثنا عبد الله بن عون الخراز ثنا أبو عبيدة الحداد ثنا محمد بن ثابت قال : سمعت أبي يذكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا : يا رسول الله و ما رياض الجنة ؟ قال : حلق الذكر
و كذلك رواه البغوي عن ابن عون
و ذكر : (1/398)
530 - ما أخبرنا الأستاذ أبو بكر بن فورك رحمه الله أنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الأغر قال : أشهد على أبي هريرة و أبي سعيد رضي الله عنهما أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال :
لا يقعد قوم يذكرون الله إن حفتهم الملائكة و غشيتهم الرحمة و نزلت عليهم السكينة و ذكرهم الله فيمن عنده
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث شعبة (1/398)
531 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا ابن أبي الدنيا عن إسحاق بن إسماعيل ثنا جرير ـ ح
و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني علي بن عيسى بن إبراهيم ثنا مسدد بن قطن ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن لله ملائكة فضلا عن كتاب الأيدي يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تبارك و تعالى ينادون هلم إلى حاجتكم قال : فتحفهم بأجنحتها إلى السماء الدنيا قال : فيسألهم ربهم ـ و هو أعلم بهم ـ ما يقول عبادي ؟ قال : يقولون : يسبحونك و يكبرونك و يحمدونك و يحجدونك قال : و هل رأوني ؟ قال : فيقولون : لا و الله يا رب ما رأوك فيقول : فيكف لو أنهم رأوني ؟ قال : فيقولون : لو رأوك كانوا لك أشد عبادة و أشد تحميدا و أكثر تسبيحا فيقول : فما يسألوني ؟ فيقولون : يسألونك الجنة فيقول : و هل رأوها ؟ فيقولون : لا و الله يا رب ما رأوها فيقول : كيف لو رأوها ؟ فيقولون : لو رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا و أعظم فيها رغبة فيقول : مما يتعوذون ؟ قال : يتعوذون : من النار فيقول : هل رأوا النار ؟ فيقولون ما رأوها فيقول : كيف لو رأوها ؟ فيقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة فيقول : فإني أشهدكم أني قد غفرت لهم فيقول ملك من الملائكة : فيهم فلان و ليس منهم إنما جاء لجاحة قال : هم الجلساء لا يشقي بهم جليسهم
هذا لفظ حديث أبي عبد الله غير أنه كان قد سقط من روايته فيقول مما يعوذون قال : يقولون : من النار و هو في رواية ابن بشران
رواه البخاري في الصحيح عن قتيبة عن جرير
و أخرجناه في كتاب الدعوات من حديث وهيب عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا و فيه من الزيادة قال : فقال قد أجرتهم مما استجاروا و أعطيتهم ما سألوا
و من ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح و في بعض هذه الروايات فيقولون رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم قال : فيقول و له قد غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم (1/399)
532 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن محمد بن يحيى ثنا مسدد ثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار ثنا أبو نعامة السعدي عن أبي عثمان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خرج معاوية رضي الله عنه على حلقة في المسجد فقال : ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله قال : الله ما أجلسكم إلا ذلك ؟ قالوا : و الله ما أجلسنا إلا ذلك قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم و ما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه و سلم أقل عنه حديثا مني إن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج على حلقة من أصحابه فقال :
ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله و نحمده على ما هدانا للإسلام و من علينا بك قال : الله ما أجلسكم إلا ذلك ؟ قالوا : و الله ما أجلسنا إلا ذلك قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم و لكنه أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن مرحوم (1/400)
533 - أخبرنا أبو حامد أحمد بن أبي خلف الصوفي الإسفرايني بها ثنا أبو بكر محمد بن يزداد بن مسعود ثنا محمد بن أيوب الرازي ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا شداد بن سعيد أبو طلحة الراسبي ثنا أبو الوازع جابر بن عمرو عن عبد الله بن مغفل : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
ما من قوم اجتمعوا في مجلس فيتفرقوا و لم يذكروا الله عز و جل إلا كان ذلك عليهم حسرة يوم القيامة (1/400)
534 - و بهذا الإسناد عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز و جل إلا ناداهم مناد من السماء قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات (1/401)
535 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المديني أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا أحمد بن عيسى ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :
يقول الرب يوم القيامة سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم فقيل و من أهل الكرم يا رسول الله ؟ قال : مجالس الذكر في المساجد
قال الحليمي رحمه الله : و منها ما جاء في ذكر عمارة البيت بذكر الله فذكر الحديث الذي : (1/401)
536 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي ثنا أبو أسامة حدثني بريد بن عبد الله عن جده أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
مثل البيت الذي يذكر الله فيه و البيت الذي لا يذكر فيه مثل الحي و الميت
رواه البخاري و مسلم في الصحيح عن محمد بن العلاء عن أبي أسامة (1/401)
537 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن يعقوب الشيباني ثنا محمد بن عبد الوهاب أنا جعفر بن عون أنا أبو العميس عن عون عن أبيه قال : قال عبد الله و هو ابن مسعود رضي الله عنه : إن الجبل ينادي الجبل باسمه يا فلان هل مر بك اليوم لله ذاكر ؟ استبشارا بذكر الله (1/401)
538 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبيد الله بن موسى أنا مسعر عن عبد الله بن واصل عن عون قال : قال عبد الله : إن الجبل لينادي الجبل باسمه يا فلان هل مر بك اليوم ذاكر ؟ فإن قال : نعم استبشر ثم قال عبد الله :
{ لقد جئتم شيئا إدا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا }
يسمعون الزور و لا يسمعون الخير ؟
ومنها الاحتراز من الشيطان بذكر الله عز و جل يروي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أوحى الله تعالى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن و يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فذكر الحديث إلى أن قال : و آمركم بذكر الله كثيرا و مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره حتى أتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه و كذلك العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله (1/402)
539 - أخبرنا أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن زيد حبيب ثنا أبو داود ثنا أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن الحارث الأشعري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فذكره و قد خرجناه بطوله في كتاب الدعوات (1/402)
540 - و ذكر أيضا ما : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب القاضي أنا محمد بن أبي بكر أنا عدي بن أبي عمارة ثنا زياد النميري عن أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
إن الشيطان واضع خطمه في قلب ابن آدم فإذا ذكر خنس و إذا نسي التقم قلبه
و قال : و منها ما جاء في مفارقة المجلس من غير ذكر الله تعالى جده فذكر متن الحديث الذي (1/402)
541 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الربيع بن سليمان أنا عبد الله بن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما من قوم جلسوا مجلسا و تفرقوا منه لم يذكروا الله فيه إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار و كان عليهم حسرة يوم القيامة
و رواه الأعمش عن أبي صالح (1/403)
542 - كما أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن أبي الدنيا ثنا خلف بن هشام ثنا عبثر بن القاسم عن الأعمش عن أبي صالح قال : ما جلس قوم مجلسا فتفرقوا قبل أن يذكروا الله إلا كان عليهم حسرة
قال : و منها الذكر عند كل اضطجاعة و الذكر عند كل مشي و الذكر عند كل حجر و مدر و شجر (1/403)
543 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا أبو مسلم ثنا أبو عاصم عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
من اضطجع مضطجعا لم يذكر الله فيه كان عليه ترة يوم القيامة و من جلس مجلسا لم يذكر الله فيه كان عليه ترة يوم القيامة و من مشي ممشى لم يذكر الله فيه كان عليه ترة يوم القيامة (1/403)
544 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا الحسن بن سهل ثنا أبو عاصم عن ابن عجلان لا يدري أبو عاصم عن أبيه هو أو عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
من اضطجع مضجعا لم يذكر الله فيه كان فيه ترة يوم القيامة و من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كان عليه فيه ترة يوم القيامة
رواه الليث بن سعد : (1/404)
545 - كما أخبرنا أبو الحسن بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا عبيد بن شريك ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليه ترة و من قام مقاما لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة و من اضطجع مضجعا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة (1/404)
546 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا حاجب بن أحمد بن سفيان ثنا أبو عبد الرحمن المروزي ثنا ابن المبارك ثنا ابن أبي ذئب ثنا سعيد المقبري عن أبي إسحاق مولى عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله إلا كانت عليهم ترة و ما مشي قوم ممشى لم يذكروا الله إلا كان عليهم ترة
و كذلك رواه عثمان بن عمر عن ابن أبي ذئب أتم من ذلك متنا (1/404)
547 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبي العباس الأصم ثنا أحمد بن عبد الحميد ثنا أبو أسامة حدثني سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إني أريد سفرا فقال له النبي صلى الله عليه و سلم :
أوصيك بتقوى الله التكبير على كل شرف فلما ولى قال : اللهم ازو له الأرض و هون عليه السفر (1/404)
548 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة ثنا أبو الفضل بن حميرويه أنا أحمد بن نجدة ثنا منصور ثنا الوليد بن أبي ثور عن عبد الملك بن عمير عن رجل عن معاذ بن جبل رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه إلى اليمن فقال :
اعبد الله و لا تشرك به شيئا و اعمل لله كأنك تراه و اذكر الله عند كل حجر و شجر و إن عملت سيئة في سر فأتبعها حسنة في سر و إن عملت سيئة علانية فأتبعها حسنة في علانية و اتق الله و إياك و دعوة المظلوم و ذكر الحديث
قال : و منها الذكر في خلوة و روي أن النبي قال لأبي رزين : يا أبا رزين إذا خلوت فأكثر ذكر الله
قال البيهقي رحمه الله : الأغلب أن المراد به في هذا الحديث ذكر القلب لئلا يكون منه في الخلوة ذنب لا يستطاع مثله في الملأ و عنه صلى الله عليه و سلم :
سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فذكر الحديث و رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه (1/405)
549 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني علي بن عيسى ثنا عمران بن موسى ثنا محمد بن عبيد بن حساب ثنا حماد بن زيد ثنا عبيد الله بن عمر ثنا خالي خبيب حدثنا جدي حفص بن عاصم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل و شاب نشأ في عبادة الله عز و جل و رجل قلبه معلق بالمساجد و رجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك و تفرقا و رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه و رجل دعته امرأة ذات حسب و جمال فقال : أني أخاف الله و رجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفقه يمينه
أخرجاه في الصحيح من أوجه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
قال : و منها الذكر في الملأ (1/405)
550 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو جعفر محمد بن علي الشيباني ثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري ثنا محمد بن عبيد ثنا الأعمش ـ ح ـ
قال : أنا أبو العباس بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يقول الله أنا عند حسن ظن عبدي بي و أنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي و إن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه
و ذكر الحديث أخرجه مسلم في الصحيح من حديث أبي معاوية و غيره (1/406)
551 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا علي بن عاصم أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
قال الله تعالى : عبدي إذا ذكرتني خاليا ذكرتك خاليا و إن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير منهم و أكثر
قال : و منها الذكر الخفي و هو ضربان أحدهما : الذكر في النفس و قد قال الله عز و جل :
{ و اذكر ربك في نفسك تضرعا و خيفة }
و الآخر : ما دار به اللسان و لم يسمعه إلا صاحبه قال النبي صلى الله عليه و سلم : خير الذكر الخفي و خير الرزق ما يكفي (1/406)
552 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر ثنا أسامة بن زيد عن سعد بن مالك رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
خير الذكر الخفي و خير الرزق ما يكفي
قال وكيع عن أسامة بن زيد عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/406)
553 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا حاجب بن أحمد ثنا محمد بن حماد ثنا وكيع : فذكره و قيل عنه (1/407)
554 - كما أخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم الفارسي ثنا أبو الحسن بن صبيح الجوهري ثنا أبو القاسم المنيعي ثنا الحماني ثنا عبد الله بن المبارك عن أسامة بن زيد عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن ابن أبي لبيبة عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
خير الرزق ما يكفي و خير الذكر الخفي و ذكر أيضا : (1/407)
555 - ما أخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن رجاء ثنا أبو الحسين الغازي ثنا محمد بن حميد ثنا إبراهيم بن المختار ثنا معاوية عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
الذكر الذي لا يسمعه الحفظة يزيد على الذكر الذي يسمعه الحفظة سبعين ضعفا (1/407)
556 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن أبي الدنيا ثنا أحمد بن حاتم الطويل ثنا محمد بن الحسن الواسطي عن معاوية بن يحيى بهذا الإسناد : ذكر النبي صلى الله عليه و سلم قال : يفضل أو يضاعف الذكر الخفي الذي لا يسمعه الحفظة على الذي تسمعه سبعين ضعفا
تفرد به معاوية يعقوب يحيى الصدفي و هو ضعيف
و قال : و منها الذكر الشديدة و ذكر متن الحديث الذي (1/407)
557 - أخبرناه أبو بكر أحمد بن الحسن و أبو سعيد محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق ثنا أبو إسحاق الطالقاني ثنا الوليد بن مسلم حدثني أبو عائذ عفير بن معدان عن أبي دوس اليحصبي عن ابن عائذ عن عمارة بن زعكرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول :
قال الله عز و جل إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني و إن كان ملاقيا قرنه
و روي ذلك عن جبير بن نفير أنه قال : يقول الله عز و جل : ألا إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني و إن كان ملاقيا قرنه (1/408)
558 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا ابن أبي الدنيا ثنا محمد بن الفرج الفراء ثنا محمد بن الزبرقان عن ثور بن يزيد عن أبي بكر و الضحاك كلاهما من أهل الشام قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي المسجد خير قال :
أكثرهم ذكرا لله قال : فأي الجنازة خير ؟ قال : أكثرهم ذكرا لله قال : فأي الجهاد خير ؟ قال : أكثرهم ذكرا لله قال : فأي الحجاج خير ؟ قال : أكثرهم ذكرا لله قيل : فأي المجاهدين خير ؟ قال : أكثرهم ذكرا لله قيل : فأي العواد خير ؟ قال : أكثرهم ذكرا لله
قال أبو بكر رضي الله عنه : ذهب الذاكرون الله بالخير له
قال : و منها الذكر بعد الغداة إلى طلوع الشمس و الذكر بعد العصر إلى غروب الشمس (1/408)
559 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي ثنا عبد الله بن محمد الحسن الشرقي ثنا عبد الله بن هاشم ثنا يحيى الله عيسى الرملي ثنا الأعمش قال : اختلفوا في القصص فأتوا أنس بن مالك رضي الله عنه فقالوا : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقص فقال : إنما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسيف و لكن قد سمعته يقول :
لأن أذكر الله مع قوم بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس أحب إلي من الدنيا و ما فيها و لأن أذكر الله مع قوم بعد صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس أحب إلي من الدنيا و ما فيها (1/409)
560 - أخبرنا أبو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف السوسي ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا العباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي قال : سمعت الأوزاعي يقول حدثني عمرو بن سعد عن يزيد الرقاشي حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لأن أجلس مع قوم يذكرون الله بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس أحب إلي مما طلعت عليه الشمس و لأن أجلس مع قوم يذكرون الله بعد العصر إلى أن تغيب الشمس أحب إلي من أن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل دية كل رجل منهم اثنا عشر ألفا (1/409)
561 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن علي الوراق ثنا أبو ظفر ثنا موسى بن خلف عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لأن أقعد مع قوم يذكرون الله منذ صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل و لأن أقعد مع قوم يذكرون الله منذ صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة (1/409)
562 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا الأسفاطي و هو العباس بن الفضل ثنا سعيد بن سليمان ثنا موسى بن خلف عن قتادة عن أنس و يزيد الرقاشي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لأن أجلس مع قوم يذكرون الله من صلاة الغداة إلى أن تطلع الشمس أحب إلي مما طلعت عليه الشمس و لأن أجلس مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى صلاة المغرب أحب إلي من أن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل دية كل رجل منهم اثنا عشر ألفا (1/410)
563 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس الأصم ثنا جعفر بن محمد الصائغ ثنا الحسن بن الربيع ـ ح ـ
و أخبرنا علي بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا تمتام ثنا الحسن بن الربيع ثنا حماد بن زيد عن المعلى بن زياد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
من صلى العصر ثم جلس يملي خيرا حتى يمسي ـ أو قال حتى تغرب الشمس ـ كان أفضل ممن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل و في حديث الصائغ حتى تغرب الشمس لم يشك (1/410)
564 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني عبد الرحمن بن الحسن الهمداني ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا آدم بن أبي أياس ثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت كردوسا يقول : سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم من أهل بدر يقول : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
لأن أجلس في هذا المجلس أحب إلي من أعتق أربع رقاب قال قلت أي مجلس تعني قال : مجلس الذكر
قال : و منها الذكر بين الغافلين (1/410)
565 - أخبرنا أبو علي الرذباري و أبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان و أبو الحسن بن الفضل القطان و أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار قالوا : أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا الحسن بن عرفة ثنا يحيى بن سليم الطائفي قال : سمعت عمران بن مسلم و عباد بن كثير يحدثان عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ذاكر الله في الغافلين مثل الذي يقاتل عن الفارين و ذاكر الله في الغافلين مثل الشجرة الخضراء في وسط الشجر الذي قد تحات يعني من الضريب
قال يحيى بن سليم : يعني بالضريب البرد الشديد : و ذاكر الله في الغافلين يغفر له بعدد كل فصيح و أعجمي قال : فالفصيح بنو آدم و الأعجمي البهائم و ذاكر الله في الغافلين يعرفه الله مقعده في الجنة
قال البيهقي رحمه الله : و الصواب هو الضريب و كان ذلك في كتاب الصفار مصحفا و زاد فيه غيره و ليس في روايتنا و ذاكر الله في الغافلين مثل المصباح في البيت المظلم (1/411)
566 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم ثنا أبو سعيد محمد بن شاذان ثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ثنا يحيى بن سليم : فذكره بهذا الإسناد و المتن و ذكر هذه الزيادة و قال : قد تحات من الكبر (1/411)
567 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا الفضل بن العباس ثنا هشام هو ابن عبيد الله الحنظلي الرازي قال : قرأت على محمد و هو ابن مسلم الطائفي عن العلاء بن كثير عن محمد بن جحادة عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل عن الفارين و ذاكر الله في الغافلين كالمصباح في البيت المظلم و ذاكر الله في الغافلين يعرفه الله مقعده و لا يعذب بعده و ذاكر الله في الغافلين له من الأجر بعدد كل فصيح في السوق و أعجمي و ذاكر الله في الغافلين ينظر الله نظرة لا يعذبه الله بعدها أبدا و ذاكر الله في السوق له بكل شعرة نور يوم القيامة يلقى الله
قال البيهقي رحمه الله : هكذا وجدته مكتوبا ليس بين سلمة و بين ابن عمر أحد و هو منقطع و إسناده غير قوي (1/412)
568 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو الحسن الكارزي أنا علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال : سمعت المبارك بن سعيد بن مسروق يحدث عن عمرو بن قيس عن الحسن قال : من ذكر الله في السوق كان له من الأجر بعدد كل فصيح فيها و أعجمي فقال المبارك : الفصيح الإنسان و الأعجم البهيمة
قال أبو عبيدة : كل من لا يقدر على الكلام فهو أعجم مستعجم (1/412)
569 - أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل ثنا أبو العباس هو الأصم ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا أبو أسامة عن أبي بكر قال : سمعت يحيى بن أبي كثير ( ص ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لرجل :
لا تزار مصليا قانتا ما ذكرت الله قائما و قاعدا أو في سوقك أو في ناديك أو حيث كنت (1/412)
570 - أخبرنا أبو عبد الله و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس هو الأصم ثنا محمد بن إسحاق ثنا يعلى بن عبيد ثنا الأجلح عن ابن أبي الهذيل قال : إن الله عز و جل يحب أن يذكر في الأسواق و ذلك لكثرة لغطهم و لغفلتهم و إني لآتي السوق و مالي فيه حاجة إلا أن أذكر الله تعالى (1/412)
571 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال : حدثني حديج بن صومي الحميري من أهل مصر عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
الغفلة في ثلاث : الغفلة عن ذكر الله عز و جل و من حين يصلي الصبح إلى طلوع الشمس و أن يغفل الرجل عن نفسه في الدين حتى يركبه
و منها الاشتغال بالذكر عن المسألة (1/413)
572 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا سليمان بن محمد بن ناجية المديني ثنا أبو عمرو أحمد بن المبارك المستملي ثنا محمد بن يحيى ثنا عثمان بن زفر ثنا صفوان بن أبي الصهباء عن بكير بن عتيق عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن الله تعالى يقول من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين
و هكذا رواه البخاري عن ضرار عن صفوان في التاريخ (1/413)
573 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني عبد الله بن سعد ثنا الحسين بن أحمد بن حفص النيسابوري ثنا محمد بن رافع ثنا أبو سفيان الحميري ثنا الضحاك بن حمرة عن يزيد بن خمير عن جابر بن عبد الله : عن النبي صلى الله عليه و سلم يرويه عن ربه تبارك و تعالى قال :
من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين (1/413)
574 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان البردعي أنا عبد الله بن أبي الدنيا ثنا خلف بن هشام ثنا أبو الأحوص عن منصور عن مالك بن الحارث قال : يقول الله تبارك و تعالى : من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين (1/414)
575 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنا الحسن بن محمد الفسوي ثنا يعقوب بن سفيان ثنا الحسين بن الحسن المروزي و كان جاور بمكة حتى مات قال : سألت سفيان بن عيينة عن تفسير قول النبي صلى الله عليه و سلم :
أكثر دعائي و دعاء الأنبياء قبلي بعرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير و إنما هو ذكر ليس فيه دعاء
قال سفيان سمعت حديث منصور عن مالك بن الحارث ؟ قلت نعم قال : ذاك تفسير هذا ثم قال أتدري ما قال أمية بن أبي الصلت حين أتى ابن جدعان يطلب نائله و معروفه ؟ قلت : لا قال : لما أتاه قال :
( أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك أن شيمتك الحباء )
( إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرضك الثناء )
قال سفيان فهذا مخلوق حين ينسب إلى الجود قيل يكفينا من تعرضك الثناء عليك حتى تأتي على حاجتنا فكيف بالخالق ؟
قال الحليمي رحمه الله : و الذي يشد هذا كله ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : من أكثر ذكر الله برئ من النفاق
و عن معاذ بن جبل قال : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الإيمان أفضل ؟ قال : أن تعمل لسانك في ذكر الله (1/414)
576 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو بكر أحمد بن الحسن قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا حميد بن عياش الرملي ـ ثقة ـ ثنا المؤمل بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة أنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن الله اصطفى من الكلام سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر من قال سبحان الله كتب له عشرون حسنة و محي عنه عشرون سيئة و من قال : الحمد لله فهي ثناء الله كتب له ثلاثون حسنة و حط عنه ثلاثون سيئة ومن قرأ عشر آيات من كتاب الله عز و جل في ليلة لم يكتب من الغافلين و من قرأ مائة آية في ليلة كتب من القانتين
قال سهيل و أخبرني أخي عن أبي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله و زاد فيه : و من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق (1/415)
577 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا الحسين بن صفوان أنا ابن أبي الدنيا ثنا علي بن الجعد حدثني حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن كعب قال : من أكثر ذكر الله برئ من النفاق قيل عن حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي السليل عن كعب و هو أصح من رواية مؤمل و الله أعلم (1/415)
578 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا هشام بن علي ثنا عبد الله بن رجاء ثنا سعيد حدثني موسى قال : سمعت من حدثني عن أياس الجهني أنه كان يقول : قال معاذ بن جبل يا نبي الله أي الإيمان أفضل ؟ قال :
تحب لله و تبغض لله و تعمل لسانك بذكر الله قال : و ماذا مع ذلك يا نبي الله ؟ قال : تحب للناس ما تحب لنفسك و تكره للناس ما تكره لنفسك و تقول خيرا أو لتصمت فإنما يكب في نار جهنم من يكب فيها بلسانه (1/415)
579 - أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الله البيهقي أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين البيهقي ثنا داود بن الحسين البيهقي ثنا حميد بن زنجويه ثنا أبو الأسود ثنا ابن لهيعة عن زبان بن فائد عن سهيل بن معاذ بن أنس عن أبيه : أن معاذ بن جبل سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أفضل الإيمان قال :
أن تحب لله و تبغض له و تعمل للناس ما تحب لنفسك و تكره لهم ما تكره لنفسك و أن تقول خيرا أو لتصمت (1/416)
580 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق ثنا سعيد بن أبي مريم عن ابن لهيعة حدثني الحارث بن يزيد عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لرجل يقال له ذو البجادين :
إنه أواه و ذلك أنه كان يكثر ذكر الله بالقرآن و الدعاء (1/416)
581 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب أنا جعفر بن عون أنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال : قال ابن الأدرع : كنت أحرس رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ بيدي فانطلقت معه فمر في المسجد برجل يصلي رافعا صوته فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
عسى أن يكون هذا مرائيا قال : قلت يا رسول الله رجل يصلي قال : أنكم لن تدركوا هذا الأمر بالمغالبة ثم خرج ليلة أخرى فوجدني أحرس فأخذ بيدي فانطلقت معه فمر برجل في المسجد يصلي رافعا صوته قال : قلت يا رسول الله عسى أن يكون هذا مرائيا قال : و لكنه أواه قال : فذهبت بعد ذلك أنظر من هو فإذا هم عبد الله ذو النجادين ـ بالنون ـ قال : أبو أحمد إنما هو البجادين
قال البيهقي رحمه الله هو كما قال :
و إنما سمي بذلك لأنه لما أسلم نزع ثيابه فأعطته أمه بجادا من شعر فشقه باثنين فاتزر بأحدهما و ارتدى بالآخر
و إسناد هذا الحديث مرسل (1/416)
582 - و قد أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا محمد بن غالب ثنا عمر بن عبد الوهاب الرياحي ثنا طلحة بن يحيى عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن سلمة بن الأكوع قال : كنت أحرس رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة فذكر معناه و قال في آخره فإذا هو عبد الله بن النجادين
قال البيهقي رحمه الله : و هذا ليس بشيء و الصحيح رواية جعفر بن عون (1/417)
583 - أخبرنا عبد الخالق بن علي المؤذن أنا أبو بكر بن خنب ثنا محمد الله إسماعيل الترمذي حدثني أيوب بن سليمان حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن أبي عبد العزيز الربذي عن سعيد بن أبي سعيد عن الأدرع الأسلمي قال : جئت ليلة أحرس رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا أنا بعبد الله ذي البجادين يقرأ في المسجد عالية قراءته قال : فخرج علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول الله بأبي أنت و أمي أمراء هذا ؟ قال :
معاذ الله هذا عبد الله ذو البجادين قال : ثم توفي بالمدينة فلما رفع نعشه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ارفقوا به رفق الله عليه ثم حضر حفرته فقال : وسعوا له وسع الله عليه قال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم له : أحزنت به يا رسول الله ؟ قال : أنه يحب الله و رسوله (1/417)
584 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا محمد بن علي بن دحيم الشيباني أنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة ثنا الفضل بن دكين ـ ح
قال : و ثنا أبو عبد الرحمن أنا أبو الحسن الكارزي أنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار قال : أخبرني جابر بن عبد الله رضي الله عنه ـ قال : رأى ناس نارا في المقبرة فأتوها فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم في المقبرة و إذا هو يقول :
ناولوني صاحبكم و إذا هو الرجل الأواه الذي كان يرفع صوته بالذكر (1/417)
585 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي ثنا إسحاق بن منصور السلولي ثنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن جابر رضي الله عنه : أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل : لو أن هذا خفض من صوته فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
فإنه أواه قال : فمات فرأى رجل نارا في قبره فأتاه فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه و هو يقول : هلموا صاحبكم فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر
و روي في حديث أبي ذر قال : كان رجل يطوف بالبيت و هو يقول في دعائه أوه أوه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنه لأواه قال أبو ذر فخرجت ذات ليلة فإذا النبي صلى الله عليه و سلم في المقابر يدفن ذلك الرجل و معه المصابيح (1/418)
586 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أنا الحسين بن علي الدارمي ثنا محمد بن إسحاق ثنا بندار ثنا محمد ثنا شعبة عن أبي يونس قال : سمعت رجلا بمكة اسمه وقاص يحدث عن أبي ذر فذكره (1/418)
587 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس هو الأصم ثنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهاب أنا سعيد عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود أنه قال : إن إبراهيم لأواه قال : الأواه : الدعاء (1/418)
588 - أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن الحسن المهرجاني ثنا الإمام أبو الوليد ثنا يوسف بن يعقوب ثنا محمد بن أبي بكر ثنا حميد بن الأسود ثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
ثلاثة لا يرد الله دعاءهم : الذاكر الله كثيرا و دعوة المظلوم و الإمام المقسط (1/419)
589 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن أبي المعروف الفقيه أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ثنا أبو علي بشر بن موسى ثنا أبو زكريا يحيى بن إسحاق ثنا ابن لهيعة عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله أي الناس أعظم درجة ؟ قال :
الذاكرين الله (1/419)
590 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا إسماعيل بن الفضل ثنا عبيد بن يعيش ثنا زيد بن الحباب ثنا شعبة عن سلم بن عطية قال : سمعت ابن أبي الهذيل قال : حدثني صاحب لي عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
تبا للذهب و الفضة يتخذ أحدكم لسانا ذاكرا و قلبا شاكرا و زوجة تعين على الآخرة
قال الحليمي رحمه الله : فبان بهذا أن ذكر الله إيمان ثم ساق الحديث إلى أن قال : و إذا كان محل ذكر الله ما وصفت كان من حق العبد أن يحافظ عليه ثم يتحرى من الأذكار ما ظهر فضله و جاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم الحث عليه
قال البيهقي رحمه الله : و قد ذكرنا أخبارا كثيرة في ذلك في كتاب الدعوات و نحن نشير هاهنا إلى طرف منها (1/419)
591 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر بن عبد الله أنا الحسن بن سفيان ثنا أبو خيثمة ثنا ابن فضيل ثنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم
رواه البخاري في الصحيح عن أبي خيثمة
و رواه مسلم عن أبي كريب عن ابن فضيل (1/420)
592 - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف المصري بمكة ثنا أبو الفضل العباس بن محمد بن نصر الرافقي بمصر إملاء ثنا محمد بن محمد بن إسماعيل بن شداد الجذوعي ثنا مسدد بن مسرهد ثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا الجريري عن أبي عبد الله الجسري جسر عنزة عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عاده أو أنه عاد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله بأبي أنت و أمي أي الكلام أحب إلى الله عز و جل ؟ قال :
ما اصطفاه الله لملائكته سبحان ربي و بحمده سبحاه ربي و بحمده (1/420)
593 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني أنبأ عبد الوهاب بن عطاء أنا داود بن أبي هند عن عامر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب الأنصاري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
من قال : لا إله إلا الله لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير في يوم عشر مرات كان له بعدل عشر محررين أو قال : بعدل محرر شك داود
قال البخاري رحمه الله : و قال موسى ثنا وهيب عن داود فذكر هذه الرواية (1/420)
594 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو جعفر الرزاز ثنا يحيى بن جعفر أنا علي بن عاصم حدثني إسماعيل بن أبي خالد ثنا عامر عن الربيع بن خيثم عن أبي أيوب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير عشر مرات كل يوم كان عدل أربع محررين
قال عامر : قلت للربيع من حدثك هذا ؟ قال : حدثني عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم كذا قال : علي بن عاصم عن إسماعيل (1/421)
595 - أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن داود الرزاز ببغداد أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ثنا محمد بن الجهم السمري ثنا يعلى بن عبيد عن إسماعيل عن عامر عن الربيع بن خيثم قال : من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير عشر مرات كان عدل أربع رقاب
قيل : من حدثك ؟ قال : عمرو بن ميمون فلقيت عمرا فقلت : من حدثك ؟ فقال : عبد الرحمن بن أبي ليلى فلقيت عبد الرحمن بن أبي ليلى فقلت : من حدثك ؟ قال أبو أيوب
قال البخاري : و قال إسماعيل عن عامر الشعبي عن الربيع قوله
و أخرجاه من حديث ابن أبي السفر عن عامر الشعبي قال : قلت للربيع ممن سمعت ؟ قال : من عمرو بن ميمون قلت لعمرو بن ميمون : ممن سمعته ؟ قال : من ابن أبي ليلى قال فأتيت ابن أبي ليلى فقال سمعته من أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم
و هو مخرج في الدعوات
قال البخاري : و قال الأعمش و حصين عن هلال عن الربيع عن عبد الله قوله (1/421)
596 - أخبرنا أبو الحسن بن بشران أنا أبو جعفر الرزاز أنا يحيى بن جعفر أنا علي بن عاصم أنا حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف قال : ما قعدنا إلى الربيع بن خيثم إلا كان من آخر قوله قال ابن مسعود : من قال في أول النهار لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير عشر مرات كان عدل أربع محررين من ولد إسماعيل (1/422)
597 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر أحمد بن سليمان الفقيه ثنا محمد بن إسماعيل أنا القعنبي عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب و كتب له مائة حسنة و محي عنه مائة سيئة و كانت له حرزا من النار يومه ذلك حتى يمسي و لم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك
و من قال : سبحان الله و بحمده مائة مرة حطت خطاياه و إن كانت مثل زبد البحر (1/422)
598 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق أنا إسماعيل بن قتيبة ثنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك : فذكره بإسناده نحوه غير أنه قال : و كانت له حرزا من الشيطان قال : و كتبت و محيت
رواه البخاري في الصحيح عن القعنبي
و رواه مسلم عن يحيى بن يحيى (1/422)
599 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو سعيد بن الأعرابي ـ ح
و أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا أبو جعفر الرزاز قالا ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لأن أقول سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر و أبي كريب عن أبي معاوية (1/423)
600 - أخبرنا أحمد بن الحسن أنا حاجب بن أحمد ثنا عبد الله بن هاشم ثنا يحيى بن سعيد ثنا موسى الجهني عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لجلسائه :
أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة ؟ فقال رجل من جلسائه : كيف يكسب أحدنا ألف حسنة قال : يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة و يكفر عنه ألف خطيئة (1/423)
601 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله الشيباني ثنا يحى بن محمد بن يحيى ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير ثنا منصور عن هلال بن يساف عن الربيع بن عميلة عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أحب الكلام إلى الله أربع : لا إله إلا الله و الله أكبر و سبحان الله و الحمد لله لا يضرك بأيهن بدأت و ذكر الحديث
رواه مسلم في الصحيح عن أحمد بن يونس (1/423)
602 - أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري أنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا أحمد بن صالح ثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو عن سعيد بن أبي هلال حدثه عن خزيمة عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها رضي الله عنهما : أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه و سلم على امرأة و بين يديها نوى أو حصا تسبح فقال :
أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل ؟ فقال : سبحان الله عدد ما خلق في السماء و سبحان الله عدد ما خلق في الأرض و سبحان الله عدد ما بين ذلك و سبحان الله عدد ما هو خالق والله أكبر مثل ذكر و الحمد لله مثل ذلك و لا إله إلا الله مثل ذلك و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم مثل ذلك (1/424)
603 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا إسماعيل بن الفضل ثنا أحمد بن عيسى المصري ثنا ابن وهب : فذكره بإسناده مثله غير أنه قال : قولي (1/424)
604 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الحسن أحمد بن محمد العنزي ثنا عثمان بن سعيد الدرامي ثنا علي بن المديني ثنا سفيان ثنا محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة قال : سمعت كريبا أبا راشدين يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما إن النبي صلى الله عليه و سلم خرج ذات غداة من عند جويرية رضي الله عنها بنت الحارث الخزاعية و كان اسمها برة فحول رسول الله صلى الله عليه و سلم اسمها جويرية و كره أن يقال خرج من عند برة فخرج و هي في المسجد ـ قال مرة أخرى : فخرج من عندها و هي مصلاها ـ و رجع بعد ما ارتفعت الشمس فقال :
و أنت في مجلسك هذا منذ خرجت ؟ قالت : نعم قال : لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو زانت بكلمات لوزنتهن سبحان الله و بحمده عدد خلقه و رضا نفسه وزنه عرشه ومداد كلماته
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث سفيان (1/424)
605 - أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد المقرئ أنا الحسن بن محمد إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا أحمد بن عيسى ثنا ابن وهب أنا عمرو عن دارج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
استكثروا من الباقيات الصالحات قيل ما هن يا رسول الله ؟ قال : المسألة قيل و ما هي ؟ قال : التكبير و التسبيح و التهليل و الحمد و لا حول و لا قوة إلا بالله (1/425)
606 - أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن الساوي أنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ثنا إسحاق الحربي ثنا أبو عمرو الضرير ثنا عبد العزيز بن مسلم ثنا ابن عجلان عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
خذوا جنتكم قلنا يا رسول الله أمن عدو حضر ؟ قال : لا جنتكم من النار قولوا سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر يأتين يوم القيامة مقدمات معقبات محببات هن الباقيات الصالحات (1/425)
607 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو علي بن الحسين بن علي الحافظ ثنا مهران بن هارون بن علي الرازي ثنا سفيان بن عقبة أخو قبيصة عن حمزة الزيات و سفيان الثوري عن زبيد عن مرة عن عبد الله رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :
إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم و إن الله يعطي المال من يحب و من لا يحب و لا يعطي الإيمان إلا من يحب فإذا أحب عبدا أعطاه الإيمان فمن ضن بالمال أن ينفقه و هاب الليل أن يكابده و خاف العدو أن يجاهده فليكثر من سبحان الله و الحمد و لا إله إلا الله و الله أكبر فإنهن مقدمات مجنبات و معقبات و هن الباقيات الصالحات (1/425)
608 - أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن شجاع الصوفي أنا أبو بكر بن الأنباري ثنا محمد بن أبي العوام ثنا يزيد بن هارون أنا العوام بن حوشب عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى وضع رجله بيني و بين فاطمة فعلمنا ما نقول إذا أخذنا مضاجعنا ثلاثا و ثلاثين تسبيحة و ثلاثا و ثلاثين تحميدة و أربعا و ثلاثين تكبيرة قال علي رضي الله عنه : فما تركتهن بعد فقال له رجل و لا ليلة صفين ؟ قال : و لا ليلة صفين
مخرج في الصحيح من حديث مجاهد و الحكم عن عبد الرحمن (1/426)
609 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه ثنا إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي ثنا حرمي بن حفص أبو علي ثنا عبيد بن مهران قال سمعت الحسن يحدث عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أيعجزكم أحدكم أن يعمل كل يوم عملا مثل أحد ؟ قالوا يا رسول الله و من يستطيع أن يعمل كل يوم مثل أحد ؟ قال : كلكم يستطيعه قالوا : يا رسول الله ما ذاك ؟ قال : سبحان الله أعظم من أحد و لا إله إلا الله أعظم من أحد و الله أكبر أعظم من أحد
قال الحليمي رحمه الله : و قد خصت هذه الأذكار صلاة شرع التنفل بها لمن أحب فذكر صلاة التسبيح و قد ذكرنا إسنادها في كتاب الدعوات (1/426)
610 - أخبرنا أبو سهل محمد بن نصرويه بن أحمد المروزي بنيسابور ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن خنب أنا أبو بكر يحيى بن أبي طالب أنا زيد بن حباب أنا موسى بن عبيدة الربذي ثنا يزيد بن أبي سعيد مولى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبي رافع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للعباس رضي الله عنه :
يا عم ألا أصلك ؟ ألا أحبوك ؟ ألا أنفعك ؟ قال : بلى ! يا رسول الله قال : صل أربع ركعات و اقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و سورة فإذا انقضت القراءة فقل الله أكبر و الحمد لله و سبحان الله و لا إله إلا الله خمس عشرة مرة قبل أن تركع ثم اركع فقلها عشرا قبل أن ترفع رأسك ثم ارفع رأسك فقلها عشرا قبل أن تسجد ثم اسجد فقلها عشرا قبل أن ترفع رأسك ثم ارفع رأسك فقلها عشرا قبل أن تسجد ثانية ثم اسجد فقلها عشرا قبل أن ترفع رأسك ثم ارفع رأسك فقلها عشرا قبل أن تقوم فتلك خمسة و سبعون في كل ركعة و هي ثلاثمائة في أربع ركعات لو كانت ذنوبك مثل رمل عالج لغفرها الله لك فقال يا رسول الله و من يستطيع أن يقولها في كل يوم ؟ قال : فإن لم تستطع فقلها في كل جمعة فإن لم تستطع فقلها في كل شهر فإن لم تستطع فقلها في كل سنة
قال البيهقي رحمه الله : هذا الحديث أخرجه أبو عيسى الترمذي في كتاب الجامع بهذا الإسناد و أخرجه أبو داود بالإسناد الذي ذكرناه في كتاب الدعوات و في كتاب السنن
و كان عبد الله بن المبارك يفعلها و تداولها الصالحون بعضهم من بعض و فيه تقوية للحديث المرفوع و بالله التوفيق (1/427)
611 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر محمد بن عبد الله بن الجراح بمرو ثنا يحيى بن ساسويه ثنا عبد الكريم بن عبد الله ثنا أبو وهب محمد بن مزاحم قال : سألت عبد الله بن المبارك عن الصلاة التي يسبح فيها فقال يكبر ثم يقول سبحانك اللهم و بحمدك و تباك اسمك و تعالى جدك و لا إله غيرك ثم يقول خمس عشرة مرة سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ثم يتعوذ و يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم و فاتحة الكتاب ثم يقول عشر مرات سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله ثم يركع فيقولها عشرا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا ثم يسجد فيقولها عشرا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا ثم يسجد الثانية فيقولها عشرا ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا فصل أربع ركعات على هذا فذلك خمس و سبعون تسبيحة في كل ركعة و ذلك تمام الثلاثمائة فإن صلاها ليلا فأحب أنبأ يسلم في الركعتين و إن صلاها نهارا فإن شاء سلم و إن شاء لم يسلم
قال البيهقي رحمه الله : هكذا اختار ابن المبارك في موضع التسبيح و قوله في آخره ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا أظنها زيادة من الكاتب فإنها قد تمت خمسة و سبعين دون ذلك (1/427)
611 - أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ أنا أبو شيبة داود بن إبراهيم البغدادي ثنا محمد بن حميد ثنا جرير قال : و جدت في كتابي بخطي عن أبي جناب الكلبي عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألا أحبوك ألا أعطيك ألا أصلك ألا أجيزك ؟ أربع ركعات من صلاهن غفر له كل ذنب قديم أو حديث صغير أو كبير خطأ أو عمد تبدأ فتكبر أول الصلاة ثم تقول قبل القراءة خمس عشرة مرة سبحان و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ثم تقرأ بفاتحة الكتاب و سورة ثم تقولهن عشرا ثم تركع فتقولهن عشرا ثم ترفع رأسك فتقولهن عشرا ثم تسجد فتقولهن عشرا ثم ترفع رأسك فتقولهن عشرا ثم تسجد الثانية فتقولهن عشرا فقال العباس و من يطيق هذا ؟ قال و لو في سنة و لو في شهر و لو في جمعة و لو أن تقرأ قل هو الله أحد (1/428)
612 - قال البيهقي رحمه الله : و هذا يوافق ما رويناه عن ابن المبارك و رواه قتيبة بن سعيد عن يحيى بن سليم عن عمران بن مسلم عن أبي الجوزاء قال : نزل علي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فذكر هذا الحديث و خالفه في رفعه فلم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم و لم يذكر التسبيحات ابتداء القراءة إنما ذكر هذا بعد هذا ثم ذكرها في جلسة الاستراحة كما ذكرها سائر الرواة و الله أعلم و كذلك رواه عمرو بن مالك و غيره عن أبي الجوزاء موقوفا (1/429)
613 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا أنبأ أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أسيد بن عاصم ثنا الحسين بن حفص عن سفيان عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة هما قليل و من يعمل بهما قليل قالوا : و هما يا رسول الله ؟ قال : يسبح أحدكم في دبر كل صلاته عشرا و يحمد عشرا و يكبر عشرا فتلك خمسون ومائة باللسان و ألف و خمسمائة في الميزان و إذا أوى إلى فراشه يسبح الله و حمده و كبره مائة فتلك مائة باللسان و ألف في الميزان فأيكم يعمل في اليوم و الليلة ألفين و خمسمائة سيئة ؟ قال : فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يعدهن بيده قالوا يا رسول الله و كيف لا يحصيهما ؟ قال : يأتي أحدكما الشيطان فيقول اذكر حاجة كذا و حاجة كذا حتى ينصرف و لا يذكر و ينام و لا يذكر (1/429)
614 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن حليم المروزي ثنا أبو الموجه أنا عبدان أنا عبد الله بن المبارك ثنا مالك بن مغول قال : سمعت الحكم بن عتيبة يحدث عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاثا و ثلاثين تسبيحة و ثلاثا وثلاثين تحميدة و أربعا و ثلاثين تكبيرة (1/429)
615 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أحمد بن الحسن الحيري و أبو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف السوسي قالوا أنا أبو العباس الأصم أنا العباس بن الوليد بن مزيد أنا أبي قال : سمعت الأوزاعي يقول حدثني حسان بن عطية حدثني محمد بن أبي عائشة قال حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال أبو ذر رضي الله عنهما : يا رسول الله ذهب أصحاب الدثور بالأجور يصلون كما نصلي و يصومون كما نصوم و لهم فضول أموال يتصدقون بها و لا نجد ما نصدق به قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يا أبا ذر ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن أدركت من سبقك و لا يلحق بك أحد بعدك ؟ قال : بلى يا رسول الله ! قال : تكبر في دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين تكبيرة و تحمد ثلاثا و ثلاثين تحميدة و تسبح ثلاثا و ثلاثين تسبيحة و تختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير (1/430)
616 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو عبد الله السوسي قالا ثنا أبو العباس الأصم ثنا سعيد بن عثمان التنوخي ثنا بشر بن بكر حدثني الأوزاعي : بإسناده نحوه
و كذلك رواه عطاء بن يزيد عن أبي هريرة رضي الله عنه :
من ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح (1/430)
617 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري الرزاز قراءة عليه ثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي ثنا يزيد بن هارون أنا ورقاء عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالوا يا رسول الله صلى الله عليه و سلم : ذهب أهل الدثور بالدرجات و النعيم المقيم قال :
كيف ذلك ؟ قالوا : صلوا كما صلينا و جاهدوا كما جاهدنا و أنفقوا من فضول أموالهم و ليس لنا أموال و قال : أفلا أخبركم بأمر تدركون من كان قبلكم و تسبقون من جاء بعدكم و لا يأتي أحد بمثل ما جئتم به إلا من جاء بمثله تسبحون في دبر كل صلاة عشرا و تحمدون عشرا و تكبرون عشرا
رواه البخاري في الصحيح عن إسحاق عن يزيد (1/430)
618 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبيد الله بن موسى ثنا مسعر عن المسعودي عن إبراهيم السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى : أن رجلا أتى إلى النبي صلى الله عليه و سلم فذكر أنه لا يستطيع أن يأخذ من القرآن شيئا و سأله أن يعمله شيئا يجزئ من القرآن فقال له :
قل سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله (1/431)
619 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز ثنا الحسن بن ثواب أبو علي حدثني عمار بن عثمان الحلبي أبو عثمان و كان أحمد بن حنبل يوثقه و تأسف على أنه لم يكتب عنه شيئا حدثني جعفر بن سليمان الضبعي عن ثابت عن أنس قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله علمني خيرا فأخذ النبي صلى الله عليه و سلم بيده فقال :
قل سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر قال : فعقد الأعرابي على يده و مضى فتفكر ثم رجع فتبسم النبي صلى الله عليه و سلم قال : تفكر البائس فجاء فقال يا رسول الله سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر هذا لله فمالي ؟ فقال له النبي صلى الله عليه و سلم :
يا أعرابي إذا قلت سبحان الله قال الله : صدقت و إذا قلت الحمد لله قال الله : صدقت و إذا قلت لا إله إلا الله قال الله : صدقت و إذا قلت الله أكبر قال الله : صدقت و إذا قلت اللهم اغفر لي قال الله : قد فعلت و إذا قلت اللهم ارحمني قال الله : فعلت و إذا قلت اللهم ارزقني قال الله : قد فعلت قال : فعقد الأعرابي على سبع في يده ثم ولى (1/431)
620 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن سليمان ابن أبي داود البرلسي ثنا محمد بن عبيد الطنافسي ثنا يونس بن أبي إسحاق السبيعي حدثني إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص حدثني والدي محمد عن أبيه سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
دعوة ذي النون التي دعا بها في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها مسلم في كربة إلا استجاب الله له (1/432)
621 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا أحمد بن علي الخزاز ثنا سعيد بن سليمان عن موسى بن خلف العمي عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت : مر بي رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم هنا فقلت يا رسول الله إني قد كبرت وضعفت ـ أو كما قالت ـ فمرني بعمل أعمله و أنا جالسة قال :
تسبحين الله مائة تسبيحة فإنها تعدل مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل و أحمدي الله مائة تحميدة فإنها تعدل مائة فرس ملجمة مسرجة تحملين عليها في سبيل الله تعالى و كبري الله مائة فإنها تعدل لك مائة بدنة مقلدة متقبلة و تهللي الله مائة تهليلة ـ قال : موسى أحسب قال ـ تملأ ما بين السماء و الأرض و لا يرفع لأحد يومئذ عمل مثل عملك إلا من أتى مثل ما أتيت به (1/432)
622 - أخبرنا أبو علي بن شاذان ببغداد أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو الربيع سليمان بن داود العتكي ثنا المعتمر عن داود الطفاوي ثنا أبو مسلم البجلي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول دبر صلاته :
اللهم ربنا و رب كل شيء أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك اللهم ربنا و رب كل شيء أنا شهيد أن محمدا عبدك و رسولك اللهم ربنا و رب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة اللهم ربنا و رب كل شيء اجعلني مخلصا لك و أهلي في كل ساعة من الدنيا و الآخرة يا ذا الجلال و الإكرام اسمع و استجب الله أكبر الأكبر الله نور السموات و الأرض الله أكبر الأكبر حسبي الله و نعم الوكيل الله أكبر الأكبر (1/433)
623 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي ثنا أبو أسامة عن أسامة عن محمد بن كعب عن عبد الله بن شداد عن عبد الله بن جعفر قال : علمني علي رضي الله عنه كلمات علمهن رسول الله صلى الله عليه و سلم إياه يقولهن عند الكرب و الشيء يصيبه
لا إله إلا الله الحليم سبحان الله و تبارك الله رب العرش العظيم و الحمد لله رب العالمين (1/433)
624 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا حسين بن علي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير حدثني مصعب : أن عبد الملك ابن مروان كتب إلى عامله بالمدينة هشام بن إسماعيل أنه بلغني أن الحسن بن الحسن يكاتب أهل العراق فإذا جاءك كتابي هذا فابعث إليه فليؤت به قال : فجيء به و شغله شيء قام فقام إليه علي بن الحسين فقال : يا ابن عم قل كلمات الفرج : لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع و رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين قال فخلا للآخر وجهه فنظر إليه فقال أرى وجها قد قشب بكذبة خلوا سبيله و ليراجع أمير المؤمنين (1/433)
625 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثنا حامد بن أبي حامد المقرئ ثنا إسحاق بن سليمان يعني الرازي أنا عبد الرحمن بن عبد الله يعني المسعودي عن عبد الله بن المخارق بن سليم عن أبيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله عز و جل إن العبد إذا قال : سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و تبارك الله قبض عليهن ملك فضمهن تحت جناحه فصعد بهن لا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يجيء بهن وجه الرحمن تبارك و تعالى ثم تلا عبد الله : قوله :
{ إليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه } (1/434)
626 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق ثنا الحسن بن موسى الأشيب ثنا حماد عن ثابت البناني : أن رجلا أعتق أربع رقاب في الرحبة فقال رجل سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ثم دخل المسجد فإذا حبيب السلمي و أصحابه فقال : ما تقولون في رجل أعتق أربع رقاب فقال آخر اللهم إن هذا أعتق أربع رقاب و إني أقول سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر فأيهم أفضل ؟ فنظروا هنية فقالوا ما نعلم شيئا أفضل من ذكر الله عز و جل (1/434)
627 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا هارون بن سليمان ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد : أن رجلا قال : لأبي الدرداء رضي الله عنه إن أبا سعد بن منبه أعتق مائة محرر قال : إن مائة محرر من مال رجل لكثير و إن شئت أنبأتك بما هو أفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل و النهار لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى (1/435)
628 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد بن الصفار ثنا أحمد بن عبيد الله النرسي ثنا حجاج بن محمد الأعور قال : قال ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :
من جلس مجلسا يكثر فيه لغطه ثم قال قبل أن يقوم : سبحانك ربنا و بحمدك لا إله أنت أستغفرك و أتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك (1/435)
629 - أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي ثنا أبو العباس الأصم ثنا محمد بن إسحاق الصغاني أنا أبو سلمة الخزاعي أنا خلاد بن سليمان ـ و كان من الخائفين ـ عن خالد بن أبي عمرو عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا جلس مجلسا أو صلى تكلم بكلمات فسألته عن الكلمات فقال :
إن تكلم بخير كان طابعا عليهن إلى يوم القيامة و إن تكلم بغير ذلك كان كفارة له سبحانك اللهم و بحمدك لا إله ألا أنت أستغفرك و أتوب إليك (1/435)
630 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس هو الأصم ثنا محمد ابن إسحاق ثنا أبو جعفر بن الأصبهاني ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن أحب الكلام إلى الله : سبحانك اللهم و بحمدك و تبارك اسمك و تعالى جدك و لا إله غيرك : و إن أبغض الكلام إلى الله عز و جل أن يقول الرجل للرجل : اتق الله فيقول : عليك بنفسك (1/435)
631 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ أنبا أبو خليفة بن حباب الجمحي بالبصرة ثنا محمد بن كثير ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن جري النهدي عن رجل من بني سليم قال : عدهن رسول الله صلى الله عليه و سلم في يدي أو في يده :
التسبيح نصف الميزان و الحمد لله تملأه و التكبير تملأ ما بين السماء و الأرض و الصوم نصف الصبر و الطهور نصف الإيمان (1/436)
632 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا قبيصة ثنا سفيان بن سعيد عن أبي حيان عن أبيه قال : كان شيخ لنا إذا سمع السائل يقول من يقرض قرضا حسنا قال :
سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر هذا القرض الحسن (1/436)
633 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني أنا أبو عبد الله محمد بن عبيد الله الجرجاني ثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري ثنا أبي ثنا الحسن بن عبد الرحمن ثنا العباس بن الفرج ثنا الأصمعي عن عيسى بن عمر قال : كان نابغة بني شيبان إذا أنشد الشعر قبض على لسانه ثم قال لأسلطن عليك ما يسوءك : سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر (1/436)
634 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو أحمد بن حمزة بن محمد بن العباس ثنا عبد الكريم بن الهيثم ثنا أبو صالح ثنا معاوية ابن صالح أن شعوذ بن عبد الرحمن حدثه عن ابن عائذ : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بضرب رجلين جعل أحدهما يقول بسم الله و الآخر يقول سبحان الله فقال : ويحك خفف عن المسبح فإن التسبيح لا يستقر إلا في قلب مؤمن (1/436)
635 - أخبرنا أبو عبد الله ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد ثنا محمد بن عبيد ثنا وائل قال : سمعت الحسن البصري يحدث قال : بينا رجل رأى في المنام إن مناديا ينادي من السماء : أيها الناس خذوا سلاح فزعكم فعمد الناس فأخذوا السلام حتى أن الرجل ليجيء و ما معه إلا عصا فنادى من السماء ليس هذا سلاح فزعكم فقال رجل من أهل الأرض و ما سلاح فزعنا ؟ قال : لا إله إلا الله و سبحان الله و الله أكبر و الحمد لله (1/437)
636 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو عمرو بن السماك ثنا حنبل بن إسحاق ثنا خالد بن خداش ثنا إدريس بن أبي بكر ابن أخي جرير بن حازم قال : كنا نجالس البتي عثمان فلما مات رأيته في المنام قلت كيف رأيت ما كنا فيه ؟ قال : باطل كله لم أجد خيرا من سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر (1/437)
637 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا زكريا بن أبي إسحاق العنبري يقول سمعت إبراهيم بن علي الذهلي يقول سمعت بعض مشائخنا يذكر : أنه رأى الخليل بن أحمد في المنام فقال له ما حالك ؟ فقال لم أجد شيئا في الآخرة أنفع من قول سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر
قال الحليمي رحمه الله : ومن ذلك الاستغفار قال الله عز و جل :
{ استغفروا ربكم إنه كان غفارا }
و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكر أحاديث قد ذكرناها في كتاب الدعوات و نحن نذكر ها هنا ذلك إن شاء الله (1/437)
638 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه : في قوله عز و جل :
{ و استغفر لذنبك و للمؤمنين و المؤمنات }
قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم :
إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة (1/437)
639 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني ثنا علي بن محمد بن عيسى ثنا أبو اليمان أخبرني شعيب عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال : قال أبو هريرة رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
و الله إني لأستغفر و أتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة
رواه البخاري في الصحيح عن أبي اليمان (1/438)
640 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب القاضي ثنا أبو الربيع ثان حماد بن زيد ثنا ثابت البناني عن أبي بردة عن الأغر المزني و كانت له صحبة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إنه ليغان على قلبي و إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة
رواه مسلم في الصحيح عن أبي الربيع (1/438)
641 - أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن سعيد بن مسعود السكري في آخرين قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب المعقلي إملاء ثنا الحسن بن علي بن عفان العامري ثنا أبو أسامة حدثني مالك بن مغول عن محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر قال : إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه و سلم في المجلس : رب اغفر لي و تب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة (1/438)
642 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو بكر محمد بن أحمد العامري ثنا محمد بن شاذان ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي و محمد بن رافع و محمد بن يحيى قالوا حدثنا يحيى بن يحيى ثنا عبد الحميد بن عبد الرحمن عن عثمان بن واقد عن أبي نصيرة عن مولى لأبي بكر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لم يضر من استغفر و إن أذنب في اليوم سبعين مرة (1/439)
643 - أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا تمتام ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبيد قال : قال حذيفة رضي الله عنه : قلت للنبي صلى الله عليه و سلم إني أخاف أن يدخلني لساني النار إني رجل ذرب اللسان على أهلي فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
أين أنت من الاستغفار إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة (1/439)
644 - أخبرنا أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الوليد أبي المغيرة عن حذيفة رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ! إني رجل ذرب اللسان و عامة ذلك على أهلي قال :
فأين أنت من الاستغفار ؟ إني لأستغفر الله عز و جل في اليوم مائة مرة (1/439)
645 - أخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة أنا أبو عمرو بن مطر أنا إبراهيم بن دحيم الدمشقي بمكة ثنا هشام بن عمار ثنا الوليد هو ابن مسلم ثنا الحكم بن مصعب القرشي قال : سمعت محمد بن علي بن عبد الله بن عباس يحدث عن أبيه عن جده ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا و من كل ضيق مخرجا و رزقه من حيث لا يحتسب (1/439)
646 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنبأ أبو بكر القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا محمد بن يوسف قال ذكر سفيان عن منصور بن صفية عن أمه عن عائشة رضي الله عنها قالت : طوبى لمن وجدت في صحيفته استغفارا كثيرا
هذا هو الصحيح موقوفا و روي عن النعمان بن عبد السلام عن سفيان مرفوعا و روي من حديث داود بن عبد الرحمن عن منصور بن صفية كذلك مرفوعا (1/440)
647 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا عبيد بن شريك ثنا عمرو بن عثمان ـ ح
و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أحمد بن أبي عثمان الزاهد ثنا خشنام بن بشر ثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي ثنا أبي ثنا محمد بن عبد الرحمن قال : سمعت عبد الله بن بسر رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
طوبى لمن وجد في كتابه استغفارا كثيرا و لم يقل سمعت (1/440)
648 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا عتيق بن يعقوب بن صديق بن موسى الزبيري حدثني ابنا المنذر عبد الله و محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار (1/440)
649 - أخبرنا أبو الحسين جامع بن أحمد المحمدآبادي أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد آبادي ـ ح
أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قراءة عليه و حدثنا أبو عبد الرحمن إملاء قالا : أنا أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي قالا ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا الربيع بن روح الحمصي ثنا الوليد بن سلمة ثنا النضر بن عربي عن محمد بن المنكدر عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
إن للقلوب صدأ كصدأ النحاس و جلاؤها الاستغفار (1/441)
650 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة ثنا الحسين بن الحكم حدثنا أبو حفص الأعشى ثنا سفيان الثوري قال : دخلت على جعفر بن محمد و هو في مسجده فقال ما جاء بك يا سفيان ؟ قال قلت : طلب العلم قال فقال : يا سفيان إذا ظهرت عليك نعمة فاتق الله و إذا أبطأ عنك الرزق فاستغفر الله و إذا دهمك أمر من الأمور فقل لا حول و لا قوة إلا بالله ثم قال : يا سفيان ثلاثا و أيما ثلاث (1/441)
651 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن دينار المعدل ثنا أحمد بن محمد بن نصر ثنا سعيد بن داود ثنا عبد العزيز بن أبي حازم و ابن الدراوردي قالا : إنا لجلوس عند جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم إذ استأذن عليه سفيان فأذن له فدخل فسلم ثم جلس فقال يا سفيان ! فقال لبيك قال : إنك رجل تطلب السلطان و أنا رجل اتقى السلطان فقم غير مطرود فقال سفيان تحدث و أقوم فقال جعفر أخبرني أبي عن جدي
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
من أنعم الله عليه بنعمة فليحمد الله و من استبطأ الرزق فليستغفر الله و من حزبه أمر فليقل لا حول و لا قوة إلا بالله ثم قام سفيان فناداه جعفر فقال سفيان ! قال : لبيك قال : خذهن ثلاث و أي ثلاث و أشار بيده (1/441)
652 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الحرضي نا أبو بكر بن مقسم المقرئ أنا موسى بن الحسن بن عباد النسوي ثنا بشر بن الوضاح ثنا الحسن بن أبي جعفر عن محمد بن حجادة عن الحر بن الصياح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسير فقال :
استغفروا الله فاستغفرنا فقال : أتموها سبعين مرة قال فأتممناها فقال :
ما من عبد و لا أمة استغفر الله تبارك و تعالى في يوم سبعين مرة إلا غفر الله له سبعمائة ذنب (1/442)
653 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا حفص بن غياث عن ليث عن منذر الثوري عن محمد بن علي قال : إذا قال أحدكم أستغفر الله و أتوب إليه فإنه إن لم يفعل كان ذنبا و كان كذبة لكن ليقل اللهم اغفر لي و تب علي (1/442)
654 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا الأسود بن عامر شاذان ثنا حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان فيكم أمانان فمضت إحداهما و بقيت الأخرى :
{ و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم } ـ { و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون }
و روي مثل هذا عن أبي موسى الأشعري (1/442)
655 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو منصور النضروي ثنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ثنا فرج بن فضالة حدثني ربيعة بن يزيد عن رجاء بن حيوة : أنه سمع قاصا في مسجد منى يقول : يا أيها الناس ثلاث خلال لا يعذبكم الله ما عملتم بهن : الشكر و الدعاء و الاستغفار ثم قال :
{ ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم }
قال : { قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم }
و قال : { و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون } (1/442)
656 - أخبرنا أبو حازم عمر بن أحمد الحافظ ثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن زكريا ثنا أبو سعيد محمد بن شاذان الجندفرجي ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا المعتمر بن سليمان قال : سمعت معمرا أبا سعيد القطان يقول : سمعت الحسن البصري يقول : أكثروا الاستغفار في بيوتكم و على موائدكم و في طرقكم و في أسواقكم و في مجالسكم و أين ما كنتم فإنكم لا تدرون في أي وقت تنزل البركة (1/443)
657 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا محمد بن عبيد الله أبي داود ثنا المقرئ عبد الله بن يزيد ثنا أبو صخر المدني حميد بن زياد أن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر أخبره أن سالم بن عبد الله أخبره أن أبا أيوب رضي الله عنه أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة أسري به مر على سيدنا إبراهيم عليه السلام فقال إبراهيم لجبرائيل عليه السلام : من هذا ؟ قال : هذا محمد فقال إبراهيم : يا محمد مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة و أرضها واسعة قال محمد لإبراهيم :
و ما غراس الجنة ؟ قال : لا حول و لا قوة إلا بالله كذا قال (1/443)
658 - أخبرنا أبو الحسن بن بشران أنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ثنا عبد الله بن أبي سعيد ثنا خالد بن خداش ثنا عبد الله بن وهب عن أبي صخر أن عبد الله بن عبد الرحمن مولى سالم حدثه قال : أرسلني سالم إلى محمد بن كعب القرظي : أحب أن تلقاني عند زاوية القبر فالتقيا فقال له سالم : الباقيات الصالحات ؟ فقال له محمد بن كعب : سبحان الله و الحمد لله و لا إله الله و الله أكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله فقال له سالم : متى زدت فيها لا حول و لا قوة إلا بالله ؟ فقال : ما زلت أقولها فراجعه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول : ما زلت أقولها قال : فأثبت فإن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه حدثني قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
لما أسري بي مررت بإبراهيم عليه السلام فقال لجبريل عليه السلام : من هذا ؟ قال : محمد صلى الله عليه و سلم فرحب بي و سلم علي و قال : مر أمتك يكثروا من غراس الجنة فإن تربيتها طيبة و أرضها واسعة قال قلت : و ما غراس الجنة ؟ قال : لا حول و لا قوة إلا بالله
أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ثنا خالد بن خداش فذكره بإسناده نحوه
و قد ذكر البخاري في التاريخ اختلافهما في ذلك (1/443)
659 - أخبرنا عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة أنا حامد بن محمد الهروي أنا علي بن عبد العزيز ثنا عبد الله بن رجاء أنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن كميل بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ قلت : بلى قال : لا حول و لا قوة إلا بالله لا ملجأ من الله إلا إليه (1/444)
660 - أخبرنا أبو الحسن العلوي أنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ثنا أبو الأزهر ثنا وهب بن جرير ثنا أبي قال : سمعت منصور بن زاذان يحدث عن ميمون بن أبي شبيب عن قيس بن سعد بن عبادة : أن أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم فخدمة قال : فأتى علي النبي صلى الله عليه و سلم و قد صليت ركعتين فضربني برجله و قال :
ألا أدلك على باب من أبواب الجنة ؟ قال قلت : بلى قال : لا حول و لا قوة إلا بالله (1/444)
661 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز ثنا حنبل بن إسحاق ثنا موسى بن إسماعيل أبو سلمة ثنا جرير بن حازم : فذكره بإسناده غير أنه زاد قال : فدخلت المسجد فصليت ركعتين فأتى النبي صلى الله عليه و سلم و قد صليت ركعتين و اضطجعت فضربني برجله (1/444)
662 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب أنا علي بن عاصم أنا خالد الحذاء عن أبي عثمان عن أبي موسى رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم في غزاة فجعلنا لا نصعد شرفا و لا نهبط واديا إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :
يا أيها الناس غضوا من أصواتكم فإنكم لا تدعون أصم و لا غائبا إن الذي تدعون دون ركابكم و قال : يا عبد الله بن قيس يعني أبا موسى قلت : لبيك يا رسول الله قال : أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ قلت : بلى قال لا حول و لا قول إلا بالله
أخرجاه في الصحيح (1/445)
663 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو ثنا سعيد بن مسعود ثنا عبيد الله بن موسى أنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأغر عن أبي هريرة و أبي سعيد رضي الله عنهما : أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
إذا قال العبد لا إله إلا الله و الله أكبر صدقه ربه قال : صدق عبدي لا إله إلا الله أنا وحدي فإذا قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا لا شريك لي و إذا قال : لا إله إلا الله له الملك و له الحمد قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا لي الملك و لي الحمد و إذا قال : لا إله إلا الله و لا حول و لا قوة إلا بالله قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا لا حول و لا قوة إلا بي (1/445)
664 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر الداربردي محمد بن أحمد بن محمد بمرو ثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي ثنا الهذيل بن إبراهيم البصري ثنا صالح بن بيان الساحلي ثنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ـ ح
و أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن إسحاق بن النجاد المقرئ بالكوفة أنا علي بن الحسين بن شقيق ثنا أحمد بن عيسى بن هارون العجلي ثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة أنا الهذيل بن عبد الله بن أبي شريح ثنا صالح بن بيان عن عبد الرحمن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم يوما فقلت لا حول و لا قوة إلا بالله فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
أتدري ما تفسيرها ؟ قلت : الله و رسوله أعلم قال : لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله و لا قوة على طاعة الله إلا بعون الله هكذا أخبرني جبرائيل عليه السلام
لفظ حديث أبي عبد الله (1/446)
665 - أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الخسروجردي ثنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرني أبو العباس عبد الله بن الصقر السكري ثنا الفضل بن سخيت السندي ثنا صالح بن بيان عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : جئت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقلت لا حول و لا قوة إلا بالله فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
ألا أخبرك بتفسيرها يا ابن أم عبد ؟ قلت : بلى يا رسول الله قال : لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله و لا حول على طاعة الله إلا بعون الله قال :
ثم ضرب منكبي و قال : هكذا أخبرني جبرائيل عليه السلام يا ابن أم عبد
تفرد به صالح بن بيان السيرافي و ليس بالقوي و روي ذلك من وجه آخر ضعيف عن زر عن عبد الله مرفوعا و هو في السادس و الثلاثين في التاريخ (1/446)
666 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثني عبد الله بن سعد ثنا أحمد بن محمد بن عبيدة ثنا سعيد بن يحيى ثنا الحسين بن الحسن عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم عن جبرائيل عليه السلام عن الله عز و جل في تفسير لا حول و لا قوة إلا بالله : لا تحويل عن معصية الله إلى طاعة الله إلا بعصمة الله و لا قوة على طاعة الله إلا بعون الله عز و جل (1/447)
667 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي العامري ثنا أبو أسامة حدثني حسين بن ذكوان عن عبد الله بن بريدة عن بشير بن كعب عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني و أنا عبدك و أنا على عهدك و وعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بذنوبي و أبوء لك بنعمتك علي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
أخرجه البخاري في الصحيح (1/447)
الفصل الثاني في ذكر آثار و أخبار وردت في ذكر الله عز و جل (1/447)
668 - أخبرنا أبو زكريا بن إسحاق أنبأ أبو عبد الله بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الوهاب أنا جعفر بن عون عن عبد الملك بن ميسرة عن هلال بن يساف عن عبد الله قال : لأن أسبح تسبيحات أحب إلي من أن أنفق عددهن دنانير في سبيل الله (1/447)
669 - أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوي بالكوفة أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم ثنا إبراهيم بن عبد الله أنا وكيع عن الأعمش عن عبد الملك بن أبي زيد قال : جلس عبد الله بن عمرو و عبد الله بن مسعود فقال عبد الله بن مسعود : لأن آخذ في طريق أقول فيه سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر أحب إلي من أن أنفق عددهن دنانير في سبيل الله فقال عبد الله بن عمرو : و لأن آخذ في طريق فأقولهن أحب إلي من أن أحمل عددهن على الخيل في سبيل الله تعالى (1/447)
670 - و بإسناده عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال : قال لرجل لسلمان : أي الأعمال أفضل ؟ قال : ذكر الله أكبر (1/448)
671 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا محمد بن عبيد ثنا هارون بن عنترة عن أبيه قال : سمعت ابن عباس و سأله رجل أي الأعمال أفضل ؟ قال : ذكر الله أفضل فأعادها عليه ثلاث مرات ثم أنشأ يحدث فقال : ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يدرسون كتاب الله يتعاطونه بينهم إلا كانوا أضياف الله و أظلت عليه الملائكة بأجنحتها ما داموا فيه حتى يخوضوا في حديث غيره و ما سلك رجل في طريق يبتغي فيه العلم إلا سهل الله له به سبيلا إلى الجنة و من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه (1/448)
672 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس هو الأصم ثنا أحمد بن عبد الجبار أنا أبو العباس هو الأصم ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا ابن فضيل ـ ح
أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد ثنا الحسين بن صفوان ثنا ابن أبي الدنيا ثنا محمد بن فضيل عن هارون بن عنترة عن أبيه قال : سئل ابن عباس : أي العمل أفضل ؟ قال : ذكر الله أكبر
قال البيهقي رحمه الله : زاد أبو عبد الله في روايته ثم ردها ثلاث مرات ثم ذكر معنى ما روينا من حديث محمد بن عبيد (1/448)
673 - أخبرنا أبو الحسين أنا الحسين ثنا ابن أبي الدنيا ثنا هشام ثنا ابن فضيل ثنا فضيل بن مرزوق عن عطية : ـ { و لذكر الله أكبر }
قال هو قوله :
{ فاذكروني أذكركم }
فذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه (1/449)
674 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني علي بن حمشاذ أخبرني يزيد بن الهيثم ثنا إبراهيم بن أبي الليث ثنا الأشجعي عن سفيان عن عطاء بن السايب عن عبد الله بن ربيعة قال : سألني ابن عباس عن قول الله عز و جل :
{ و لذكر الله أكبر }
قلت : ذكر الله بالتسبيح و التهليل و التكبير فقال : لا ذكر الله أكبر من ذكركم إياه (1/449)
675 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن أبي الدنيا ثنا خلف بن هشام ثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن سعيد قال : قال معاذ : لأن أذكر الله من بكرة إلى الليل أحب إلي من أن أحمل على جياد الخيل في سبيل الله من بكرة إلى الليل (1/449)
676 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن علي الصنعاني بمكة ثنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد أنا عبد الرزاق أنا سفيان الثوري عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ما من مولود إلا على قلبه الوسواس فإن ذكر الله خنس و إن غفل وسوس و هو قوله عز و جل :
{ الوسواس الخناس } (1/449)
677 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو بكر بن الحسن قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا العباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي ثنا ابن جابر حدثني عثمان بن حيان حدثتني أم الدرداء قالت : كان رجلان متواخيان تواخيا في الله عز و جل و كان إذا لقي أحدهما الآخر قال له : أي أخي تعال هلم نذكر الله بينما هما التقيا في السوق عند باب حانوت فقال أحدهما للآخر : أي أخي هلم نذكر الله عز و جل عسى الله أن يغفر لنا ثم لبثا لبثا فمرض أحدهما فأتاه صاحبه فقال : أي أخي انظر أن تأتيني في منامي فتخبرني ماذا لقيت بعدي قال : أفعل إن شاء الله قال : فلبث حولا ثم أتاه فقال : أي أخي أشعرت أنا حين التقينا في السوق عند الحانوت فدعونا الله عز و جل أن يغفر لنا أن الله غفر لنا يومئذ
قال ابن جابر : لقد سماهما لي عثمان فنسيت اسمهما (1/450)
678 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس بن يعقوب ثنا الخضر بن أبان ثنا سيار ثنا جعفر بن سليمان ثنا ثابت قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يواخي بين أصحابه فآخى بين سلمان الفارسي و بين أبي الدرداء و بين عوف بن مالك و بين الصعب بن جثامة فقال أحدهما لصاحبه : إن مت قبلك يا أخي فتراء لي قال : فمات صعب قبله فتراء له عوف فرآه فقال : كيف أنت يا أخي ؟ قال : بخير ما صنعت ؟ قال : غفر لنا يوم دعونا عند حانوت فلان و لم يكن في أهلي مصيبة إلا لحقني أجرها حتى هرة لنا ماتت منذ ثلاثة أيام (1/450)
679 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب بن يوسف البخاري ثنا يحيى بن أبي طالب أنا زيد بن الحباب أنا ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن عبد الله بن سلام قال : قال موسى عليه السلام : يا رب ما الشكر الذي ينبغي علي ؟ فأوحى الله عز و جل إليه : أن لا يزال لسانك رطبا من ذكري قال : يا رب إني أكون على حال أجلك أن أذكرك فيها قال : و ما هي قال : أكون جنبا أو على غائط أو إذا بلت قال : يا رب فما أقول ؟ قال : سبحانك و بحمدك جنبني الأذى سبحانك و بحمدك قني الأذى (1/450)
680 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو سعيد بن أبي عمرو قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أسيد بن عاصم ثنا الحسين بن حفص عن سفيان عن عطاء بن أبي مروان أبي مصعب الأسلمي قال : حدثني أبي عن كعب قال : قال موسى عليه السلام : يا رب أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك ؟ فقيل له : يا موسى أنا جليس من ذكرني فقال : إني أكون على حال أجلك عنها قال : ما هي يا موسى ؟ قال : عند الغائط و الجنابة قال : اذكرني على كل حال (1/451)
681 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو الحسن بن صبيح ثنا عبد الله بن شيرويه ثنا إسحاق ثنا جرير عن يعقوب القمي عن أبي عمرو الشيباني عن أبيه عن ابن عباس قال : وفد موسى إلى طور سيناء قال يا رب أي عبادك أحب إليك ؟ قال : الذي يذكرني و لا ينساني (1/451)
682 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن حمشاذ أنا أحمد بن محمد بن سالم ثنا إبراهيم بن الجنيد حدثني أحمد بن حاتم الطويل ثنا حاتم بن إسماعيل ثنا عبد الملك بن حسن عن محمد بن كعب القرظي قال : قال موسى عليه السلام : يا رب أي خلقك أكرم عليك قال : الذي لا يزال لسانه رطبا من ذكري قال : يا رب أي خلقك أعلم ؟ قال : الذي يلتمس إلى علمه علم غيره قال : يا رب فأي خلقك أعدل ؟ قال : الذي يقضي على نفسه كما يقضي على الناس قال : يا رب فأي خلقك أعظم ذنبا ؟ قال : الذي يتهمني قال : يا رب و هل يتهمك أحد ؟ قال : الذي يستخيرني ثم لا يرضى بقضائي (1/451)
683 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أخبرنا أبو سهل بن زياد القطان ثنا عبد الله بن أبي مسلم الحراني ثنا داود بن عمرو ثنا صالح بن عمر عن عبد الملك عن عطاء : في قوله عز و جل :
{ فاذكروا الله كذكركم آباءكم }
قال هذا الصبي يلهج يا ابه يا ابه (1/451)
684 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى بن الفضل قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا العباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي ثنا سعيد بن عبد العزيز قال : قال بلال بن سعد : الذكر ذكران ذكر الله باللسان حسن جميل و ذكر الله عند ما أحل أو حرم أفضل (1/452)
685 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت عبيد الله بن عبد الرحمن يقول : سمعت إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا أبو مسهر ثنا ابن شابور عن سعيد بن عبد العزيز عن بلال بن سعد قال : الذكر ذكران : فذكر الله باللسان و كل ذكر حسن و ذكر عند الطاعة و المعصية فذاك أفضل (1/452)
686 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا أبو سهل بن زياد القطان ثنا أبو إسماعيل الترمذي ثنا أبو صالح ثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء أنها قالت : ـ { و لذكر الله أكبر }
و إن صليت فهو من ذكر الله و إن صمت فهو من ذكر الله و كل خير تعمله فهو من ذكر الله و كل شيء تجتنبه فهو من ذكر الله و أفضل من ذلك تسبيح الله عز و جل
و روي في معناه حديث مرسل (1/452)
687 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو منصور النضروي ثنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن أبي هاني الخولاني عن ابن أبي عمران قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
من أطاع الله فقد ذكر الله و إن قلت صلاته و صيامه و تلاوة القرآن و من عصى الله فقد نسي الله و إن كثرت صلاته و صيامه و تلاوة القرآن (1/452)
688 - قال و ثنا سعيد بن منصور قال : سمعت فضيلا يقول : في قوله تعالى :
{ فاذكروني أذكركم }
قال : اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي لكم (1/453)
689 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا هارون بن سليمان ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن مسروق قال : ما دام قلب الرجل يذكر الله فهو في صلاة و إن كان في السوق (1/453)
690 - أخبرنا أبو عبد الله و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس ثنا هارون ثنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور عن هلال عن أبي عبيدة قال : ما دام قلب الرجل يذكر الله فهو في صلاة و إن تحرك اللسان و الشفتان فذاك أعظم (1/453)
691 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو منصور النضروي ثنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ثنا سفيان عن مسعر عن عون بن عبد الله عن ابن مسعود قال : إن الجبل لينادي الجبل : أي فلان هل مر بك أحد ذكر الله عز و جل ؟ فإذا قال : نعم استبشر قال عون : فيسمعن الزور إذا قيل و لا يسمعن الخير ؟ هن للخير أسمع و قرأ :
{ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم شيئا إدا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا } (1/453)
692 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ثنا سفيان بن عيينة ثنا عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال : تسبيحة بحمد الله في صحيفة مؤمن خير له من جبال الدنيا تجري معه ذهبا (1/453)
693 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن غير واحد عن الحسن قال : إذا كان يوم القيامة ناد مناد قال : سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم أين الذين كانت :
{ تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون }
قال : فيقومون فيتخطون رقاب الناس قال : ثم ينادي فيقول سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم أين الذين كانوا :
{ لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله }
قال : فيقومون فيتخطون رقاب الناس قال : ثم ينادي فيقول سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم أين الحمادون لله على كل حال ؟ قال : فيقومون و هم كثير ثم تكون التبعة و الحساب على من بقي (1/453)
694 - أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب من أصل سماعه أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى أنا أبو بكر محمد بن إسحاق ثنا أحمد بن المقدام ثنا المعتمر بن سليمان قال : سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أبي العالية عن سهيل بن حنظلة أنه قال : لقد ذكر لي أنه لا يجتمع قوم على ذكر الله إلا نودوا : قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات (1/454)
695 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس الأصم ثنا إبراهيم بن سليمان ثنا ابن أبي السري ثنا المعتمر ثنا أبي عن قتادة عن أبي العالية ثنا سهيل بن حنظلة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله فيه فيقومون حتى يقال لهم فقد غفرت لكم ذنوبكم و قد بدلت سيئاتكم حسنات
قال البيهقي رحمه الله : هذا هو المحفوظ في كتابي و في موضع آخر عن سهيل بن الحنظلية بالتعريف (1/454)
696 - أخبرنا أبو عبد الله ثنا علي بن حمشاذ ثنا أبو يحيى الخفاف ثنا يحيى بن يحيى ثنا إسماعيل بن عياش عن عقيل عن لقمان بن عامر عن أبي مسلم الخولاني : أن رجلا أتاه قال له : أوصني يا أبا مسلم قال : اذكر الله تحت كل شجرة و حجر قال : زدني فقال : اذكر الله حتى يحسبك الناس من ذكر الله مجنون قال : فكان أبو مسلم يكثر ذكر الله فرآه رجل يذكر الله فقال : أمجنون صاحبكم هذا ؟ فسمعه أبو مسلم فقال : ليس هذا بالجنون يا ابن أخي و لكن هذا دواء الجنون (1/455)
697 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد آبادي ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا سعيد بن سليمان ثنا النضر بن شميل ثنا حميد المزني عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن من الرجال مفاتيحا للخير مغاليقا للشر و أن من الناس مغاليقا للخير مفاتيحا للشر (1/455)
698 - أخبرنا أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا محمد بن أبي حميد الأنصاري أخبرني حفص بن عبيد بن أنس عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر و إن من الناس ناسا مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن كان مفاتيح الخير على يديه و ويل لمن جعل مفاتيح الشر على يديه (1/455)
699 - أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل ثنا أبو العباس الأصم ثنا يحيى بن أبي طالب أنا زيد بن الحباب العكلي أنا سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن من الناس مفاتيح ذكر الله إذا رؤوا ذكر الله (1/455)
700 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : أنا أبو العباس الأصم قال : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول : سمعت أبي يقول : ليس هذا من حديث حبيب بن أبي ثابت نرى أنه ابن أبي الأشرس (1/456)
701 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس بن يعقوب ثنا الخضر بن أبان ثنا سيار بن جعفر بن سليمان قال : سمعت ثابت البناني قال : بلغنا أن القوم يكونون في الحديث فيفتح الله الذكر على لسان بعضهم فيفيضون في ذكر الله فيكون في الذكر له مثل أجرهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء و يكون قوم في الذكر فيفتح الكلام على لسان بعضهم فيتركون الذكر فيفيضون في غيره فيكون عليهم مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء (1/456)
702 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا أبو الحسين إسحاق بن أحمد الكاذي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : أخبرت عن سيار ثنا عبد الله بن شميط قال : سمعت أبي يقول : جاءت امرأة إلى الحسن فقالت : يا أبا سعيد إني إذا أتيت الذكر رق قلبي و إذا تركته أنكرت نفسي قال : اذهبي حيث يصلح قلبك (1/456)
703 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن أبي المعروف أنا أبو سهل الاسفراييني ثنا أبو جعفر الحذاء ثنا علي بن المديني ثنا حماد بن زيد ـ ح
و أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان أنا عبد الله بن أبي الدنيا ثنا محمد بن سليمان الأسدي ثنا حماد بن زيد عن المعلى بن زياد : أن رجلا قال للحسن : يا أبا سعيد أشكو إليك قساوة قلبي قال : أدبه من الذكر و في رواية علي : قال : قال رجل للحسن يا أبا سعيد و قال : أدبه بالذكر (1/456)
704 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين ثنا عبد الله بن أبي الدنيا حدثني علي بن مسلم ثنا سيار بن حاتم ثنا جعفر بن سليمان قال : سمعت مالك بن دينار يقول : ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز و جل (1/456)
705 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت عبد الرحمن بن الحسن بن يعقوب يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل يقول : سمعت يحيى بن معاذ يقول : يا من ذكره أعز علي من كل شيء لا تجعلني بين أعدائك أذل من كل شيء
قال : سمعت يحيى بن معاذ يقول : إلهي أدعوك في الملأ كما يدعى الأرباب و أدعوك في الخلاء كما يدعى الأحباب أقول في الملأ يا إلهي ! و أقول في الخلاء يا حبيبي (1/457)
706 - أخبرنا أبو سعد الشعيبي قال : سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الجوزقي يقول : سمعت أحمد بن محمد بن هاشم يقول : سمعت بكر بن عبد الرحمن يقول : سمعت ذا النون يقول : إلهي أنا لا أصبر عن ذكرك في الدنيا فكيف أصبر عنك في الآخرة (1/457)
707 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال : سمعت أبا عثمان سعيد بن عثمان الحناط يقول : سمعت أبا الحسن
و أخبرنا أبو سعد بن أبي عثمان الزاهد ثنا عبد الله بن محمد الفقيه ثنا عبد الله بن موسى المسيبي ثنا سعيد بن عثمان قال : سمعت ذا النون يقول : ويحك من ذكر الله على حقيقة ذكره نسي في جنب الله كل شيء و من نسي في جنب الله كل شيء حفظ الله عليه كل شيء و كان له عوضا من كل شيء
قال : و سمعت ذا النون يقول : لا يزال العارف ما دام في الدنيا بين الفقر و الفخر فإذا ذكر الله افتخر و إذا ذكر نفسه افتقر و زاد الزاهد في روايته ثم قال : بالله فخرنا و إلى الله فقرنا (1/457)
708 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن عبد الله الجنيد قال : سمعت جدي العباس بن حمزة يقول : سمعت ذا النون بن إبراهيم يقول : من عرف ربه وجد طعم العبودية و لذة الذكر و الطاعة فهو مع الخلق ببدنه و قد باينهم بالهموم و الخطرات
و بإسناده يقول : سمعت ذا النون المصري يقول : إن العارف استغنى بربه فمن أغنى عنه ؟ فلذته به و إناخته بفنائه و استأنس به (1/457)
709 - أخبرنا أبو حازم الحافظ و أبو حسان محمد بن أحمد محمد بن جعفر المزكي قالا : أنا أبو عمرو بن نجيد ثنا أبو جعفر محمد بن موسى الحلواني ثنا محمد بن عبيد العامري ثنا أبو أسامة قال : قلت لمحمد بن النضر : أما تستوحش من طول الجلوس في البيت ؟ قال : و مالي أستوحش ؟ و هو يقول أنا جليس من ذكرني (1/458)
710 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا ابن أبي الدنيا ثنا الحسن بن أبي الربيع أنا عبد الرزاق ثنا سفيان عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال : إن الرجل لمحقوق أن يكون له ساعة يخلو فيها فيذكر ربه و يستغفر الله (1/458)
711 - قال : و نا عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم : أن نبي الله موسى عليه السلام قال : يا رب قد أنعمت علي كثيرا فدلني أن أشكرك كثيرا قال : اذكرني كثيرا فإذا ذكرتني كثيرا فقد شكرتني كثيرا و إذا نسيتني فقد كفرتني (1/458)
712 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت الزبير بن عبد الواحد بأسد آباد يقول : سمعت أبا بكر الشبلي يقول : سهوة طرفة عين عن الله شرك بالله (1/458)
713 - أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب ثنا أبو الحسن الكارزي قال : سمعت أبا عبد الرحمن محمد بن يونس المقرئ قال : سمعت أبا الحسن علي جيد البلخي يقول : سمعت محمد بن عبد الوهاب البلخي يقول : ما أقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن برك ! (1/458)
714 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو محمد يحيى بن منصور القاضي ثنا أبو بكر الإسماعيلي ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت أبا سليمان الداراني يقول : بينا أنا ساجد إذ ذهب بي النوم فإذا أنا بها يعني الحور قد ركضتني برجلها فقالت : حبيبي أترقد عيناك و الملك يقظان ينظر إلى المهتجدين في تهجدهم ؟ بؤسا لعين آثرت لذة نومه على لذة مناجاة العزيز قم فقد دنا الفراغ و لقي المحبون بعضهم بعضا فما هذا الرقاد ؟ حبيبي وقرة عيني أترقد عيناك و أنا أربى لك في الخدر منذ كذا وكذا ؟ فوثبت فزعا و قد عرقت استحياء من توبيخها إياي و إن حلاوة منطقها لفي سمعي و قلبي (1/458)
715 - أخبرنا حمزة بن عبد العزيز بن محمد الصيدلاني أنا عبد الله بن محمد بن منازل ثنا أبو سعيد محمد بن شاذان ثنا أبو عمار الحسين بن حريث ثنا إسماعيل بن موسى عن مسعر عن ابن عون قال : ذكر الناس داء و ذكر الله دواء (1/458)
716 - أخبرنا عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو بكر عثمان بن محمد بن صاحب الكتاني ثنا أبو عثمان الكرخي بطرطوس ثنا عبد الرحمن بن عمر بن رسته ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن ابن المبارك عن عيسى بن عمر عن عمر بن مرة أن الربيع بن خثيم ذكر عنده رجل فقال : ذكر الله خير من ذكر الناس (1/458)
717 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا ابن أبي الدنيا ثنا علي بن إشكاب ثنا أبو النضر ثنا أبو النضر ثنا أبو عقيل عن عبد الله بن يزيد عن مكحول قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن ذكر الله شفاء و إن ذكر الناس داء
هذا مرسل و روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قوله (1/459)
718 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق ثنا يحيى بن معين ثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن ماهان الحنفي قال : ما يستحي أحدكم أن تكون دابته التي يركبها و ثوبه الذي يلبس أكثر ذكرا لله منه ؟ قال : فكان لا يفتر من التسبيح و التهليل و التكبير (1/459)
719 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا دعلج بن أحمد ثنا إبراهيم بن أبي طالب ثنا إسحاق بن موسى الأنصاري ثنا الوليد بن مسلم ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : قلت لعمير بن هاني : أرى لسانك لا يفتر من ذكر الله فكم تسبح في كل يوم ؟ قال : مائة ألف إلا أن تخطئ الأصابع (1/459)
720 - أخبرنا أبو الحسين أنا دعلج بن أحمد ثنا إبراهيم بن أبي طالب ثنا جعفر بن عمران الثعلبي ثنا المحاربي عن سعير بن الخمس عن عبد العزيز بن أبي رواد قال : كانت امرأة تسبح في كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة فماتت فلما بلغ بها القبر أخذت من بين أيدي الرجال (1/459)
721 - أخبرنا أبو بكر محمد بن بكر الفقيه الطوسي أنا أبو بشر محمد بن أحمد بن حاضر أنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن مهران ثنا عبد الله بن سعيد ثنا محمد بن فضيل عن رجل قال : رأيت أبا صالح ماهان حين صلبه الحجاج على الخشبة فجعل يسبح و يعقد قال : فبلغ التسبيح في يده ثلاثا و ثلاثين يعقدها قال : فجاء رجل فطعنه فقتله قال : فلقد رأيت في يده العقد بعد كذا (1/460)
722 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا علي بن عيسى ثنا إبراهيم بن محمد السكري ثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة عن أبيه عن ابن المبارك : أن أبا مجلز كان يركب مع قتيبة بن مسلم في موكبه فيسبح الله اثني عشر ألف تسبيحة و يعدها ببنانه (1/460)
723 - أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر أنا الحسين بن يحيى بن عياش ثنا أبو الأشعث ثنا المعتمر بن سليمان ثنا أبو كعب عن جده بقية عن أبي صفية مولى النبي صلى الله عليه و سلم : أنه كان يوضع له نطع و يؤتى بزنبيل فيه حصا فيسبح به إلى نصف النهار ثم يرفع فإذا صلى الأولى أتي به فيسبح به حتى يمسي (1/460)
724 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله أنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال : سمعت سعيد بن عثمان الحناط يقول سمعت ذا النون يقول : ثلاثة من علامات القلب : الأنس مع الخلق و الوحشة في الخلوة مع الله و افتقاد حلاوة الذكر المقسوم و ثلاثة من أعلام الوله إلى الله : اضطراب الروح في البدن عند الذكر تشوقا و ارتياح العقل عند النجوى تملقا و ولوج الهمة في الغيوب نحو الله تخلقا (1/460)
725 - و سمعت أبا سعد بن أبي عثمان الزاهد يقول : سمعت علي بن الحسين الفقيه يقول : سمعت أبي يقول : سمعت عمي البسطامي يقول : سمعت أبي يقول : سئل أبو يزيد البسطامي عن حقيقة المعرفة فقال : الحياة بذكر الله و عن حقيقة الجهل فقال : الغفلة عن الله (1/460)
726 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي رحمه الله يقول : سمعت أبا نصر بن عبد الله يقول : سمعت يعقوب بن إسحاق يقول : سمعت إبراهيم الهروي يقول : سمعت أبا يزيد البسطامي رحمه الله : و سئل ما علامة العارف ؟ فقال : أن لا يفتر من ذكره و لا يمل من حقه و لا يستأنس بغيره
قال : و قال أبو يزيد غلطت في ابتدائي في أربعة أشياء : توهمت إني أذكره و أعرفه و أحبه و أطلبه فلما انتهيت رأيت ذكره سبق ذكري و معرفته تقدمت معرفتي و محبته أقدم من محبتي و طلبه هو لي أولا حتى طلبته يريد بالطلب ها هنا إرادته و قصده إلى رفع محله بالتوفيق له و الله أعلم (1/461)
727 - أخبرنا أبو علي الروذباري رحمه الله أنا الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي أنا أبو حاتم الرازي ثنا عبد الرحيم بن مطرف أنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي قال : قال حسان بن عطية رضي الله عنه : ما عادى عبد ربه بشيء أشد عليه من أن يكره ذكره أو من يذكره (1/461)
الحادي عشر من شعب الإيمان و هو باب في الخوف من الله تعالى ـ { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم و خافون إن كنتم مؤمنين } و قال : { فلا تخشوا الناس و اخشون } و قال : { و إياي فارهبون } و قال : { و اذكر ربك في نفسك تضرعا و خيفة } و أثنى على ملائكته لخوفهم منه فقال : { و هم من خشيته مشفقون } و مدح أنبياءه عليهم السلام وأولياءه بمثل ذلك فقال : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } و قال : { والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب } و عاتب الكفار على غفلتهم فقال : { ما لكم لا ترجون لله وقارا } فقيل في التفسير : ما لكم لا تخافون عظمة الله ؟ و ذمهم في آية أخرى فقال : { و قال الذين لا يرجون لقاءنا } فقيل أراد به : لا يخافون فدل جميع ما وصفناه على أن الخوف من الله تعالى من تمام الاعتراف بملكه و سلطانه و نفاذ مشيئته في خلفه و إن إغفال العبودية إذ كان من حق كل عبد و مملوك أن يكون راهبا لمولاه لثبوت يد المولى عليه و عجز العبد عن مقاومته و ترك الانقياد له قال الحليمي رحمه الله : و الخوف على وجوه : أحدها : ما يحدث من معرفة العبد بذلة نفسه و هوانها و قصورها و عجزها عن الامتناع عن الله ـ تعالى جده ـ إن أراده بسوء و هذا نظير خوف الولد والديه و خوف الناس سلطانهم و إن كان عادلا محسنا و خوف المماليك ملاكهم و الثاني : ما يحدث من المحبة و هو أن يكون العبد في عامة الأوقات وجلا من أن يكله إلى نفسه و يمنعه مواد التوفيق و يقطع دونه الأسباب و هذا خلق كل مملوك أحسن إليه سيده فعرف قدر إحسانه فأحبه فإن لا يزال يشفق على منزلته عنده خائفا من السقوط عنها و الفقد لها الثالث : ما يحدث من الوعيد و قد نبه الكتاب على هذا الأنواع كلها أما الأول فقوله تعالى : { ما لكم لا ترجون لله وقارا } أي لا تخافون لله عظمة قال البيهقي رحمه الله : هكذا فسره الكلبي فيما رواه عن أبي صالح عن ابن عباس (1/463)
728 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس ثنا عثمان بن سعيد ثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : في قوله عز و جل :
{ ما لكم لا ترجون لله وقارا }
يقول : عظمة
و قوله : { و قد خلقكم أطوارا }
يقول نطفة ثم علقة ثم مضغة (1/464)
729 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة ثنا أبو منصور العباس بن الفضل ثنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ثنا خالد بن عبد الله عن إسماعيل بن سميع عن أبي الربيع عن ابن عباس : في قوله تعالى :
{ ما لكم لا ترجون لله وقارا }
قال : لا تعلمون لله عظمة (1/465)
730 - قال : و ثنا سعيد ثنا جرير عن منصور عن مجاهد : في قوله :
{ ما لكم لا ترجون لله وقارا }
قال : لا تبالون عظمة ربكم
{ و قد خلقكم أطوارا }
قال نطفة ثم علقة ثم مضعة شيئا بعد شيء (1/465)
731 - أخبرنا أبو الحسن بن أبي المعروف أنا أبو سهل الأسفراييني ثنا أبو جعفر الحذاء ثنا علي بن المديني ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد : في قوله :
{ ما لكم لا ترجون لله وقارا }
قال : لا تبالون لله عظمة قال : و الرجاء : الطمع و المخافة (1/465)
732 - قال : و نا علي ثنا مسكين أبو فاطمة قال سأل منصور بن زاذان رجل و أنا أسمع : ما كان الحسن يقول في قوله :
{ ما لكم لا ترجون لله وقارا }
قال : لا تعلمون له عظمة و لا تشكرون له نعمة
قال الحيمي رحمه الله : لا فرق بين أن يقول السيد لمملوكه : مالك لا تخاف سلطاني و ملكي ؟ و بين أن يقول : مالك لا تعرف نفسك وزنها و لا تنزلها منزلة مثلها ؟
ففي الكلامين يراد بهما تقرير حال العبد عند نفسه لئلا يأمن سطوة سيده فيدعوه ذلك إلى مفرقة طاعته
و أبين من هذا قوله عز و جل :
{ وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا * أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا * أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا }
فعرفهم أنه لا ينبغي لهم في حال من الأحوال أن يفارقوا طاعته أو يقصروا في شكره مستشعرين منه أمنا لما يرونه من نعمه السابغة عليهم مقدرين أنه راض منهم باليسير من الطاعة التي يوفونه من أنفسهم فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون بل سبيلهم أن يكونوا في الأحوال كلها مشفقين من سخطه و مؤاخذته مخطرين بقلوبهم إنه أن أراد به هلكا أو سوءا دونه ما كان لم يجدوا من يدفعه عنهم و لا من يمنعه بما يملك منهم
و أما الثاني فإن الله جل ثناؤه أثنى على الذين يدعونه فيقولون :
{ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } و قرأ الآية
و سماهم الراسخين في العلم و معلوم أن أحد لا يدعو فيقول : رب لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني إلا و هو خائف على الهدى الذي أكرمه الله تعالى به أن يسلبه إياه
و أخبر عن أهل الجنة إنهم يقولون :
{ إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين } قرأ الآيتين
و جاء في التفسير أنهم كانوا مشفقين من أن يسلبوا الإسلام فيوردوا يوم القيامة موارد الأشقياء و كانوا يدعون الله أن لا يفعل بهم ذلك و كذلك سائر نعم الله و إن كان الإسلام أعلاها
و أما الثالث : قال في غير موضع من كتابه :
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم }
و قال : { وإياي فاتقون }
و قال : { قوا أنفسكم و أهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة }
فأمر بالتقوى و هي أن يقي المخاطبون أنفسهم من نار جهنم بفعل ما أمر الله به و ترك ما نهى الله عنه و معنى { اتقون } اتقوا عذابي و مؤاخذتي و قال النبي صلى الله عليه و سلم :
اتقوا النار و لو بشق تمرة (1/465)
733 - أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافز ببغداد أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ثنا جعفر بن محمد الصائغ ثنا عفان ثنا شعبة عن أبي إسحاق قال : اتقوا النار و اعملوا خيرا فإني سمعت عبد الله بن معقل يقول سمعت عدي بن حاتم يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
اتقوا النار و لو بشق تمرة
رواه البخاري في الصحيح من حديث شعبة
و أخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي إسحاق (1/467)
734 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنا محمد بن شاذان الجوهري ثنا سعيد بن سليمان الواسطي جدثني محمد بن يزيد بن خنيس عن عبد العزيز بن أبي رواد عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما أنزل الله عز و جل على نبيه صلى الله عليه و سلم :
{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم نارا }
تلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم على أصحابه ذات ليلة ـ أو قال : يوم ـ فخر فتى مغشيا عليه فوضع النبي صلى الله عليه و سلم يده على فؤاده فإذا هو يتحرك فقال : يا فتى قل لا إله إلا الله فقالها فبشره بالجنة فقال أصحابه : يا رسول الله : أمن بيننا ؟ فقال صلى الله عليه و سلم : أما سمعتم قوله تعالى :
{ ذلك لمن خاف مقامي و خاف وعيد } (1/467)
735 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو عمرو عثمان بن أحمد السماك ثنا محمد بن عبدك ثنا أبو بلال ثنا أبو المليح الرقي عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد من العرب فيهم شاب فقال الشاب للكهول : اذهبوا فبايعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا أحفظ لكم رحالكم
فذهب الكهول فبايعوه ثم جاء الشاب فأخذ بحقوي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله استجيرك من النار فقال القوم : دعه يا غلام ! فقال : و الذي بعثه لا أتركه حتى يجيرني من النار فأتاه جبريل فقال : يا محمد أجره فإن الله تعالى قد أجاره (1/468)
736 - و فيما أنبأني أبو الحسين علي بن محمد بن بشران إجازة أنا أبو علي البرذعي عن عبد الله بن محمد بن عبيد ثنا محمد بن يحيى بن أبي حاتم الأزدي ثنا جعفر بن أبي جعفر الرازي عن أبي جعفر السائح عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال : كان شاب على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلازم المسجد و العبادة فعشقته جارية فأتته في خلوة فكلمته فحدث نفسه بذلك فشهق فغشي عليه فجاء عم له فحمله إلى بيته فلما أفاق قال : يا عم انطلق إلى عمر فأقرئه مني السلام و قل له ما جزاء من خاف مقام ربه ؟ فانطلق عمه فأخبر عمر و قد شهق الفتى شهقة أخرى فمات منها فوقف عليه عمر فقال : لك جنتان لك جنتان (1/468)
737 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن حازم ثنا عبيد الله بن موسى عن سفيان عن السدي في : قوله { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم }
قال : إذا هم بمعصية و ظلم أو نحو هذا قيل له اتق الله وجل قلبه (1/469)
738 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا هارون بن سليمان ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن مجاهد : ـ { و لمن خاف مقام ربه جنتان }
قال : يذنب فيذكر مقامه فيدعه (1/469)
739 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو عبد الله الصفار ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ثنا علي بن الجعد أنا شعبة عن إبراهيم و مجاهد في : قوله :
{ و لمن خاف مقام ربه جنتان }
قالا : هو الرجل يريد أن يذنب فيذكر مقام ربه فيدع الذنب
و رواه خلف بن الوليد عن شعيب فقال : عن إبراهيم أو مجاهد بالشك (1/469)
740 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا يحيى بن منصور ثنا أبو بكر الجارودي ثنا إسحاق بن منصور ثنا أبو داود ثنا مبارك بن فضالة عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يعني يقول الله عز و جل :
أخرجوا من النار من ذكرني أو خافني في مقام (1/469)
741 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو بكر بن الحسن قالا ثنا أبو العباس بن يعقوب ثنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد الدمشقي ثنا نعيم بن حماد ثنا عثمان بن كثير بن دينار عن محمد بن مهاجر أخي عمرو بن مهاجر عن عروة بن رويم اللخمي عن عبد الرحمن بن غنم عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن من أفضل الإيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان (1/470)
742 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا ابن نمير ثنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عباس قال : حدثني أبو أياس عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول في خطبته : خير الزاد التقوى و رأس الحكمة مخافة الله عز و جل (1/470)
743 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس السياري ثنا عبد الله بن الغزال ثنا علي بن الحسن بن شقيق ثنا بشر بن السري عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه قال : قال عبد الله بن مسعود : رأس الحكمة مخافة الله عز و جل
هذا موقوف و قد روي من وجه آخر ضعيف مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم (1/470)
744 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا إسماعيل بن الفضل و جعفر بن أحمد بن عاصم قالا : ثنا محمد بن مصفى ثنا بقية بن الوليد ثنا عثمان بن زفر عن أبي عمار الأسدي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
رأس الحكمة مخافة الله عز و جل :
و روي ذلك من حديث عقبة بن عامر في خطبة النبي صلى الله عليه و سلم بتبوك (1/470)
745 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب بالطابران ثنا عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن ببغداد ثنا أحمد بن يونس ـ ح
و أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا الأسفاطي يعني العباس بن الفضل ثنا أحمد بن يونس ثنا أيوب بن عتبة عن الفضل بن بكر عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ثلاث مهلكات ! شح مطاع و هوى متبع و إعجاب المرء بنفسه و ثلاث منجيات : خشية الله من السر و العلانية و القصد في الغنى و الفقر و كلمة الحق في الرضا و الغضب
و روي ذلك من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا (1/471)
746 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن يعقوب العدل ثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء ثنا جعفر بن عون ثنا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال : قال عبد الله : كفى بخشية الله علما و كفى بالاغترار بالله جهلا (1/471)
747 - و بهذا الإسناد عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال : إن المرء لحقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها فيتذكر فيها ذنوبه فيستغفر منها (1/472)
748 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو منصور الصبغي ثنا أحمد بن يحيى بن سيرين ثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال : كفى بالمرء علما أن يخشى الله و كفى بالمرء جهلا أن يعجب بنفسه قال : و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
حقيق بالمرء أن يكون له مجالس يخلو فيها فيذكر ذنوبه فيستغفر الله منها
و قد روينا هذا الكلام من قول مسروق غير مرفوع (1/472)
749 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو علي حامد بن محمد الرفاء أخبرني أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله أنا بدل بن المحبر أبو المنير أنبأنا شعبة عن سليمان عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال : كفى بالمرء علما أن يخشى الله و كفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله (1/472)
750 - أخبرنا أبو علي الروذباري ثنا أبو طاهر المحمدآباذي ثنا الفضل بن محمد ثنا أبو بكر بن شيبة الحزامي أخبرني ابن أبي فديك ـ ح
و اخبرنا أبو نصر بن قتادة ـ و اللفظ له ـ أنا أبو عمرو بن مطر ثنا أحمد بن داود بن السمناني أبو بكر ثنا دحيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم ثنا ابن أبي فديك عن موسى بن يعقوب عن أبي حازم أن عامر بن عبد الله بن الزبير : أخبره أن عبد الله بن مسعود أخبره أنه لم يكن بين إسلامه و بين أن نزلت هذه الآية يعاتبهم الله بها إلا أربع سنين :
{ ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون }
و في رواية الروذباري ـ و قال : عن عبد الله بن مسعود أنه أخبره أنه لم يكن بين إسلامهم و بين أن نزلت هذه الآية (1/472)
751 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه و أبو علي الروذباري قالا ثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن معاوية النيسابوري أنا أبو عمر أحمد بن عبد الجبار العطاردي أنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
مثل القلب مثل ريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح (1/473)
752 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا عبد الله بن سعد ثنا علي بن الحسن بن خشنام من أصل كتابه و هو بنيسابور ثنا حامد بن عمر البكراوي ثنا عبد الواحد بن زياد عن عاصم الأحول عن أبي كبشة قال : سمعت أبا موسى الأشعري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إنما سمي القلب من تقلبه و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنما مثل القلب كمثل ريشة بالفلاة تعلقت في أصل شجرة تقلبها الريح ظهرا لبطن (1/473)
753 - أخبرنا أبو بكر القاضي أنا حاجب بن أحمد ثنا عبد الرحيم بن منيب أنا يزيد بن هارون أنا سعيد بن إياس الجريري عن غنيم بن قيس عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
مثل القلب كريشة في أرض فلاة تقلبها الرياح ظهرا لبطن (1/474)
754 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر القطان ثنا أحمد بن يوسف ثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن ثور عن خالد بن معدان عن أبي عبيدة بن الجراح قال : قلب ابن آدم مثل العصفور يتقلب في اليوم سبع مرات
هذا موقوف و قد روي مرفوعا كما : (1/474)
755 - أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي أنا عبد الله بن محمد بن علي ثنا عبد الله بن شيرويه ثنا إسحاق الحنظلي ثنا بقية بن الوليد حدثنا بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن أبي عبيدة بن الجراح : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
قلب ابن آدم مثل العصفور بتقلب في اليوم سبع مرات (1/474)
756 - أنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا عباس بن عبد الله الترقفي ثنا محمد بن يوسف عن سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول :
يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك (1/474)
757 - أخبرنا أبو الحسن بن أبي بكر الأهوازي أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا هشام بن علي ثنا كثير بن يحيى ثنا عبد الواحد بن زياد ذكر الأعمش عن أبي سفيان عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول :
يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
فقال له أهله و أصحابه : أتخاف علينا و قد آمنا بك و بما جئت به ؟ قال : إن القلوب بيد الله عز و جل يقلبها (1/475)
758 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن علي الجوهري ببغداد ثنا أحمد بن موسى الشطوي ثنا محمد بن سابق ثنا إبراهيم بن طهمان عن منصور عن عامر عن النعمان بن بشير أنه قال : سمع أذناي من رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يقول :
في الإنسان مضغة إذا صلحت صلح له سائر جسده و إذا سقمت سقم له سائر جسده و هي القلب
مخرج في الصحيح من أوجه أخر عن عامر الشعبي و قالوا في الحديث :
إذا فسدت فسد الجسد كله (1/475)
759 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران و أبو الحسين محمد بن أحمد بن الحسن البزاز ببغداد قالا أنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي ثنا أبو يحيى بن أبي مسرة ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا سعيد بن أبي أيوب أخبرني عبد الله بن الوليد عن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي الله عنه : أن رسول الله كان إذا استيقظ من الليل قال :
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين اللهم إني استغفرك لذنبي و أسألك رحمتك اللهم زدني علما و لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
و روينا في كتاب الدعوات عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال في دعاء المضطر :
اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين و أصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت
و قال في حديث آخر :
إنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف و عورة و ذنب و خطيئة و أني لا أثق إلا برحمتك فاغفر لي ذنوبي كلها إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت و تب علي إنك أنت التواب الرحيم (1/475)
760 - أخبرنا أبو سعد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي الحافظ ثنا ابن صاعد ثنا أبو هاشم الرفاعي ثنا زيد بن الحباب ثنا ابن موهب قال : سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يا فاطمة : لا يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين و أصلح لي شأني كله
قال أبو أحمد : قال لنا ابن صاعد : و ابن موهب هذا هو عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب حدث عن أنس غير حديث هكذا قال لي ابن صاعد وقد (1/476)
761 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا عبد الرحمن بن محمد بن محبور ثنا زكريا بن يحيى ثنا الحسن بن علي الحلوني ثنا زيد بن حباب ثنا عثمان بن موهب قال : سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لفاطمة :
ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت و أمسيت : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله و لا تكلني إلى نفسي طرفة عين
و قال زيد و كان مسعر يسألني عن هذا الحديث
و قال غيره عن زيد عن عثمان بن عبد الله بن موهب
قال الإمام أحمد البيهقي رحمه الله : يعني و كل هذا الإشفاق منه على ما وضع في قلبه من الإيمان و وفق له من أعمال الإيمان علما منه بأنه إذا سلب التوفيق و وكل إلى نفسه لم يملك لنفسه شيئا فينبغي لكل مسلم أن يكون هذا الخوف من همه و بالله التوفيق (1/476)
762 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا وكيع عن مالك بن مغول ـ ح
و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزاهد ثنا أحمد بن مهران الأصبهاني ثنا محمد بن سابق ثنا مالك بن مغول عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله قول الله عز و جل :
{ والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون }
أهو الذي يزني و يشرب الخمر ؟ ـ و في رواية ابن سابق ـ أهو الرجل يزني و يسرق و يشرب الخمر و هو مع ذلك يخاف الله عز و جل ؟ قال : لا ـ و في رواية وكيع ـ لا يا بنت أبي بكر أو يا بنت الصديق ! و لكنه الرجل يصوم و يصلي و يتصدق و هو يخاف أن لا يقبل منه
و في رواية ابن سابق : و هو مع ذلك يخاف الله عز و جل (1/477)
763 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو الحسين إسحاق بن أحمد الكاذي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا وكيع ثنا أبو الأشهب قال : سمعت الحسن يقول : ـ { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة }
قال : كان ما يعلمون من أعمال البر و هم مشفقون أن لا ينجيهم ذلك من عذاب الله عز و جل (1/478)
764 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا وكيع عن أبي الأشهب عن الحسن : فذكره مثله (1/478)
765 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله بن السماك ببغداد ثنا يحيى بن جعفر بن الزبرقان ثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ثنا الوليد بن مسلم و ضمرة بن ربيعة عن حماد بن أبي حميد عن مكحول عن عياض بن سليمان ـ و كانت له صحبة ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
خيار أمتي فيما أنبأني الملأ الأعلى قوم يضحكون جهرا في سعة رحمة ربهم و يبكون سرا من خوف شدة عذاب ربهم و يذكرون ربهم بالغداة و العشي في البيوت الطيبة المساجد و يدعونه بألسنتهم رغبا و رهبا و يسألونه بأيديهم خفضا و رفعا و يقبلون على الله بقلوبهم عودا و بدءا فمؤنتهم على الناس خفيفة و على أنفسهم ثقيلة يدبون على الأرض حفاة على أقدامهم كدبيب النمل بلا مراح و لا بذخ يمشون بالسكينة و يتقربون بالوسيلة و يقرؤون القرآن و يقربون القربان و يلبسون الخلقان عليهم من الله شهود حاضرة و عين حافظة يتوسمون العباد و يتفكرون في البلاد و أرواحهم في الدنيا و قلوبهم في الآخرة ليس لهم هم إلا إمامهم أعدوا الجهاز لقبورهم و الجواز لسبيلهم و الاستعداد لمقامهم ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم :
{ ذلك لمن خاف مقامي و خاف وعيد }
تفرد به حماد بن أبي حميد و ليس بالقوي في الحديث عند أهل العلم به و الله تعالى أعلم (1/478)
766 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا عباس بن محمد الدوري ثنا يحيى بن خليف بن عقبة أبو بكر البصري ثنا ابن عون عن محمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما منكم من أحد ينجيه عمله قالوا : و لا أنت يا رسول الله ؟ قال : و لا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة وفضل و و ضع يده على رأسه هكذا يصف فعله
أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن ابن عون (1/479)
767 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو بكر أحمد بن الحسن قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو عتبة بن الفرج ثنا بقية عن بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن عتبة بن عبد يعني السلمي : عن النبي صلى الله عليه و سلم :
لو أن رجلا يجر على وجهه من يود ولد إلى يوم يموت هرما في مرضاة الله عز و جل لحقره يوم القيامة (1/479)
768 - و رواه عبد الله بن المبارك عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن محمد بن أبي عميرة ـ و كان من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ـ قال : لو أن عبدا جر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرما في طاعة الله عز و جل لحقر ذلك اليوم و لود أنه زاد كيما يزداد من الأجر و الثواب و رواه عيسى بن يونس عن ثور ـ و قال : خر على وجهه في تاريخ البخاري (1/479)
769 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أحمد بن الحسن القاضي و محمد ابن موسى قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا العباس بن الوليد البيروتي أخبرني أبي حدثني الضحاك بن عبد الرحمن قال : سمعت بلال بن سعد يقول : عباد الرحمن ! هل جاركم مخبر يخبركم أن شيئا من أعمالكم تقبلت منكم أو شيء من خطاياكم غفرت لكم ؟
{ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا و أنكم إلينا لا ترجعون }
و الله لو عجل لكم الثواب في الدنيا لاستقللتم كلكم ما أفترض عليكم أفترغبون في طاعو الله لتعجيل دارهم و لا ترغبون و تنافسون في جنة
{ أكلها دائم و ظلها تلك عقبى الذين اتقوا و عقبى الكافرين النار } (1/479)
770 - أخبرنا أبو عبد الله و محمد بن موسى قالا حدثنا أبو العباس أنا العباس بن الوليد أخبرني أبي حدثني الضحاك قال : سمعت بلال بن سعد يقول : استحيوا من الله و احذروا الله و لا تأمنوا مكر الله و لا تقنطوا من رحمة الله (1/480)
771 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا محمد بن غالب تمتام حدثني بشر يعني ابن عبد الملك ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري من ولد أنس عن أبيه عن جده أنس قال : يا بني ! إياكم و السفلة قالوا : و ما السفلة ؟ قال : الذي لا يخاف الله عز و جل (1/480)
772 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبا أبو الحسن علي بن محمد المصري ثنا ابن أبي مريم ثنا الفريابي ثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
اقرأ فقلت : أقرأ عليك و عليك أنزل ؟ قال : نعم فقرأت سورة النساء حتى بلغت { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } قال :
حسبك الآن قال : فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان (1/480)
773 - و حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو بكر عبيد الله بن يحيى الطلحي بالكوفة ثنا عبد الله بن غنام أنا أبو بكر بن أبي شيبة أنا حفص بن غياث عن الأعمش : فذكره بإسناده نحوه غير أنه قال : أقرأ علي القرآن قلت : يا رسول الله اقرأ عليك و عليك أنزل ؟ قال : إني أشتهي أن أسمعه من غيري ـ ثم ذكره و لم يقل : حسبك ـ و قال : فرفعت رأسي أو غمرني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فإذا دموعه تسيل
رواه البخاري في الصحيح عن الفريابي و عن عمر بن حفص عن أبيه
و رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة (1/481)
774 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه ثنا الحسن بن مكرم البزار ثنا يزيد بن هارون أنا حماد بن سلمة عن ثابت عن مطرف عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي و في صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء
قال أحمد البيهقي رحمه الله تعالى : و روينا عن حذيفة بن اليمان أنه صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم فما مر بآية رحمة إلا وقف عندها فسأل و لا بآية عذاب إلا وقف عندها و تعوذ
و روينا عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال :
شيبتني هود و الواقعة و المرسلات و عم يتساءلون و إذا الشمس كورت
و كل هذا من شدة معرفته بالله عز و جل و خوفه منه على أمته (1/481)
775 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عمرو عثمان بن أحمد السماك ثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور ثنا يحيى بن سعيد القطان عن قدامة بن عبد الله حدثتني جسرة قالت : سمعت أبا ذر يقول : قام النبي صلى الله عليه و سلم بآية حتى أصبح يرددها و الآية :
{ إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } (1/482)
776 - أخبرنا أبو عبد الله أنا أبو بكر محمد بن جعفر المزكي ثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم العبدي ثنا مسدد بن مسرهد ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق الهمداني عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال أبو بكر الصديق سألت النبي صلى الله عليه و سلم ما شيبك ؟ قال :
سورة هود و الواقعة و عم يتساءلون و المرسلات و إذا الشمس كورت (1/482)
777 - أخبرنا أبو علي الروذباري خارج السنن أنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن يحيى بن ميمون العتكي ثنا عبد الوهاب بن عطاء عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه و سلم يروي ذلك عن ربه عز و جل أنه يقول :
و عزتي لا أجمع على عبدي خوفين و أمنين إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة و إذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة (1/482)
778 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنا يحيى بن يعقوب بن مرداس يعني المباركي ثنا سويد بن سعيد ثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
إنما يدخل الجنة من يرجوها و إنما يجنب النار من يخافها و إنما يرحم الله من يرحم (1/483)
779 - و حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان املاء ثنا أبو عمرو بن مطر إملاء ثنا القاسم بن زكريا المطرز إملاء ثنا سويد بن سعيد : فذكره بإسناده مثله (1/483)
780 - حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنا عبد الله بن محمد بن الحسن بن الشرقي ثنا عبد الله بن هاشم ثنا وكيع ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا (1/483)
781 - و بهذا الإسناد ثنا وكيع ثنا أبو العميس عن أبي طلحة الأسدي قال : سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر مثله
أخرجاه في الصحيح من وجه آخر عن أنس (1/483)
782 - أخبرناه زيد بن أبي هاشم العلوي ثنا أبو جعفر بن دحيم عن ثنا محمد بن الحسين الحنيني ثنا الحوضي يعني أبا عمرو ثنا شعبة عن موسى بن أبي أنس عن أبيه : عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكره (1/484)
783 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إملاء أنا محمد بن علي بن دحيم ثنا أحمد بن حازم الغفاري ثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن مورق العجلي عن أبي ذر قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم :
{ هل أتى على الإنسان حين من الدهر } حتى ختمها ثم قال : أني أرى ما لا ترون و أسمع ما لا تسمعون أطت السماء و حق لها أن تئط و ما فيها موضع قدر أربع أصابع إلا و ملك و اضع جبهته ساجدا لله و الله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم و ما تلذذتم بالنساء على الفرش و لخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز و جل و الله لوددت أني شجرة تعضد
و روي ذلك عن إسحاق بن منصور عن إسرائيل و في آخره قال أبو ذر : يا ليتني كنت شجرة تعضد
جعله من قول أبي ذر (1/484)
784 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا إسماعيل الصفار ثنا محمد بن عبيد بن عتبة الكندي ثنا محمد بن عمر ثنا إسحاق بن منصور : فذكره دون قراءة الآية في أول الحديث (1/484)
785 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في التاريخ قال : سمعت أبا الفضل الحسن بن يعقوب العدل يقول سمعت أبا أحمد محمد بن عبد الوهاب الفراء يقول : سمعت أبا خالد السقاء يقول : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ـ ونظير إلى طير ـ فقال : طوبى لك يا طير ! فقال : طوبى لك يا طير ! تأوي إلى الشجر و تأكل الثمر
و ذكر الحديث
قال : أبو عبد الله لم أزل أطلب لهذا الحديث علة أو شاهدا أو متنا بالتمام إلى أن وجدته (1/484)
786 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا إبراهيم بن عصمة بن إبراهيم العدل ثنا أبي ثنا يحيى بن يحيى أنا سفيان بن عيينة عن رجل عن الحسن قال : أبصر أبو بكر طائرا على شجرة فقال : طوبى لك يا طير تأكل الثمر و تقع على الشجر لوددت أني ثمرة ينقرها الطير (1/485)
787 - قال : و حدثنا يحيى بن يحيى أنا أبو معاوية عن جويبر عن الضحاك قال : مر أبو بكر رضي الله عنه على طير قد وقع على شجرة فقال : طوبى لك يا طير ! تطير فتقع على الشجر ثم تأكل من الثمر ثم تطير ليس عليك حساب و لا عذاب يا ليتني كنت مثلك ! و الله لوددت أني كنت شجرة إلى جانب الطريق فمر علي بعير فأخذني فأدخلني فاه فلاكني ثم إزدردني ثم أخرجني بعرا و لم أكن بشرا
قال : فقال عمر رضي الله عنه : يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت كأسمن ما يكون زارهم بعض من يحبون فذبحوني لهم فجعلوا بعض شواء و بعضه قديدا ثم أكلوني و لم أكن بشرا
قال : و قال أبو الدرداء : يا ليتني كنت شجرة تعضد و تؤكل ثمرتي و لم أكن بشرا (1/485)
788 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن أيوب الصبغي ثنا سهل بن عمار ثنا عبيد الله بن موسى ثنا موسى بن عبيدة عن يعقوب بن زيد و عمر بن عبد الله مولى غفرة قالا : نظر أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلا طير حين وقع على الشجر فقال : ما أنعمك يا طير ! تأكل و تشرب و ليس عليك حساب و تطير يا ليتني كنت مثلك ! (1/485)
789 - و في حديث شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : رأيت عمر بن الخطاب أخذ تبنة من الأرض فقال : يا ليني هذه التبنة ليتني لم أكن شيئا ليت أمي لم تلدني ! ليتني كنت منسيا ! و هو مخرج في كتاب فضائل عمر (1/486)
790 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله الصنعاني ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : قال أبو عبيدة بن الجراح : لوددت أني كنت كبشا فيذبحني أهل فيأكلون لحمي و يشربون مرقي
قال : و قال عمران بن حصين وددت أني رماد على أكمة تنسفني الرياح في يوم عاصف (1/486)
791 - قال : و أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة قال : قالت عائشة رضي الله عنه : يا ليتني كنت نسيا منسيا أي حيضة (1/486)
792 - اخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ثنا أبو عبد الله بن يعقوب أنا محمد بن عبد الوهاب انا جعفر بن عون ثنا مسعر عن زياد بن علاقة قال : قال عبد الله : لوددت أني هذه الشجرة (1/486)
793 - أخبرنا أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني ثنا عبد الله بن محمد ثنا مسلم بن إبراهيم ـ ح
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا علي بن عبد العزيز ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن سلميان بن مرثد عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا و لخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله لا تدرون أتنجون أم لا تنجون
قال : الإمام أحمد رحمه الله : فكل ذلك يدل على أن كل من كان بالله عز و جل أعرف كان منه أخوف و بشارة من بشر منهم بالمغفرة و دخول الجنة لا يمنع من الخوف عند ذكر الآيات فقد ينسيه الله تعالى تلك البشارة في ذلك الوقت لتكميل أحواله في العبودية و قد يطمئن لها في العاقبة بخبر الصادق به ثم لا يأمن حدوث ما يستحق عليه العقاب إلى أن يدرك بالرحمة و المغفرة في العاقبة و قد يكون خوف النبي صلى الله عليه و سلم بعد أن أومن على أمته و بالله التوفيق (1/486)
794 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الفوارس شجاع بن جعفر الأنصاري ببغداد ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا عبد الله بن عامر الأسلمي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام مقسط و رجل لقيته امرأة ذات جمال و منصب فعرضت نفسها عليه فقال : إني أخاف الله رب العالمين و رجل قلبه معلق بالمساجد و رجل تعلم القرآن في صغره فهو يتلوه في كبره و رجل تصدق بصدقة بيمينه فأخفاها عن شماله و رجل ذكر الله في برية ففاضت عيناه خشية من الله عز و جل و رجل لقي رجلا فقال : إني أحبك في الله فقال له الرجل و أنا أحبك في الله
هذا حديث صحيح من حديث حفص بن عاصم عن أبي هريرة فأما من هذا الوجه فهو غريب (1/487)
795 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب إملاء ثنا إبراهيم بن عبد الله السعدي ثنا محمد بن القاسم الأسدي ثنا عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ثلاثة أعين لا تمسها النار : عين فقئت في سبيل الله و عين حرست في سبيل الله و عين بكت من خشية الله (1/488)
796 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا الكديمي ثنا بشر بن عمر ـ ح
و أخبرني أبو الحسين بن بشران أنا دعلج بن أحمد ثنا محمد بن أحمد بن البراء عن بشر بن عمر نا شعيب بن رزيق ثنا عطاء الخراساني عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
عينان لا تمسها النار : عين بكت في جوف الليل من خشية الله و عين باتت تحرس في سبيل الله (1/488)
797 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا ابن ملحان ثنا وثيمة عن سلمة ثنا موسى بن كثير و سفيان الثوري و عباد بن كثير عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : سمعت أبا القاسم صلى الله عليه و سلم يقول :
حرم الله عينا بكت من خشية الله على النار و حرم الله عينا سهرت في طاعة الله على النار و حرم الله عينا بكت في الدنيا على الفردوس ويل لمن استطال على مسلم و انتقصه حقه ويل له ثم ويل له ثم ويل له (1/488)
798 - أخبرنا علي بن أحمد الأهوازي أنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا الكديمي ثنا عبد الله بن الربيع الباهلي ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : لما نزلت :
{ أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون } ؟
بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم حنينهم بكى معهم فبكينا ببكائه فقال صلى الله عليه و سلم :
لا يلج النار من بكى من خشية الله و لا يدخل الجنة مصر على معصية و لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم (1/489)
799 - أخبرنا أبو الحسن بن أبي بكر بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا الكديمي ثنا سهل بن حماد ثنا مبارك بن فضالة ثنا ثابت البناني عن أنس قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية :
{ وقودها الناس و الحجارة }
فقال : أوقد عليها ألف سنة حتى احمرت و ألف عام حتى ابيضت و ألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهبها
قال : و بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل أسود يهتف بالبكاء فنزل جبريل عليه السلام فقال : يا محمد ! من هذا الباكي بين يديك ؟ قال : رجل من الحبشة و أثنى عليه معروفا قال : فإن الله عز و جل يقول : و عزتي و جلالي و ارتفاعي فوق عرشي لا تبكي عين عبد في الدنيا من مخافتي إلا أكثرت ضحكه معي في الجنة
و بمعناه رواه سهيل بن أبي حزم عن ثابت في الحبشي و بكائه (1/489)
800 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن منقذ ثنا المقرئ عن المسعودي عن محمد بن عبد الرحمن عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لا يلج النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع و لا يجتمع غبار في سبيل الله و دخان نار جهنم في منخري عبد مسلم أبدا
رفعه المسعودي و وقفه مسعر كما : (1/490)
801 - أخبرناه أبو زكريا بن أبي إسحاق ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الوهاب ثنا جعفر بن عون عن مسعر عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة قال : لا يبكي أحد فتطعمه النار حتى يرد اللبن في الضرع و لا يجتمع غبار في سبيل الله و دخان جهنم في منخري مسلم أبدا (1/490)
802 - حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي أنا أحمد بن محمد بن إسحاق القلانسي ثنا علي بن الحسن بن أبي عيسى ثنا إسحاق بن عيسى بن ابنة داود بن أبي هند ثنا محمد بن أبي حميد عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما من مؤمن يخرج من عينيه دمعة من خشية الله و إن كان مثل رأس الذباب فتصيب شيئا من حر وجهه إلا حرمه الله على النار
و رواه سليمان بن بلال عن محمد بن أبي حميد و رواه مصعب بن المقدام عن محمد بن إبراهيم عن عون بن عبد الله (1/490)
803 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ـ ح
و أخبرنا أبو القاسم أنا حمزة بن يوسف إبراهيم السهمي الجرجاني قدم علينا أنا أبو الحسن علي بن محمد بن سعيد الرزاز قالا : ثنا أبو شعيب الحراني ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا عبد العزيز بن محمد ـ ح
و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو بكر بن الحسن و أبو سعيد بن أبي عمرو قالوا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا محمد بن إسحاق الصغاني أنا أبو نعيم ضرار بن صرد عن عبد العزيز بن محمد ـ ح
و أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الله من أولاد إبراهيم النخعي بالكوفة أنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم ثنا أحمد بن حازم قال : أنا ضرار بن صرد عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أم كلثوم بنت العباس عن العباس بن عبد المطلب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها (1/491)
804 - أخبرنا محمد بن أبي بكر الفقيه أنا أبو عمرو بن أبي جعفر أنا أبو يعلى ثنا موسى بن محمد بن حيان ثنا محمد بن عمر بن عبد الله الرومي حدثني جابر بن يزيد بن رفاعة عن هارون بن أبي الجوزاء عن العباس قال : كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت شجرة فهاجت ريح فوقع ما كان عليها من ورق نخر و يقي ما كان من ورق أخضر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما مثل هذه الشجرة ؟ فقال القوم : الله و رسوله أعلم قال : مثلها مثل المؤمن إذا اقشعر من خشية الله عز و جل وقعت عنه ذنوبه و بقيت له حسناته (1/492)
805 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن أبي مريم أنا يحيى بن أيوب ـ ح
و أخبرنا عبد الخالق بن علي أنا علي بن محتاج الكشاني ثنا علي يعقوب عبد العزيز ثنا أبو النعمان ثنا ابن المبارك أخبرنا يحيى بن أيوب عن عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن عقبة بن عامر الجهني قال : قلت : يا نبي الله ما النجاة ؟ قال :
أمسك عليك لسانك و ليسعك بيتك و ابك على خطيئتك
و في رواية أبي عبد الله قال : لقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما فقلت : ما النجاة ؟ فقال :
يا عقبة فذكره و قال : في إسناده : حدثني ابن زحر (1/492)
806 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أبو عبد الله الشيباني ثنا محمد بن عبد الوهاب ثنا جعفر بن عون أنا مسعر عن أبي عون عن عرفجة قال أبو بكر رضي الله عنه : من استطاع أن يبكي فليبك و من لم يستطع فليتباك يعني التضرع
و روينا في كتاب فضائل الصديق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :
و كان أبو بكر إذا بكى لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن
و روينا في كتاب فضائل عمر الفاروق إنه كان وجهه خطان أسودان من البكاء (1/493)
807 - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن فضل بن نظيف المصري بمكة ثنا أبو الفضل العباس بن محمد بن نصر الرافقي إملاء ثنا الحسن بن علي بن زرعة ثنا عامر بن سيار ثنا عبد الكريم عن أبي إسحاق الهمداني عن الحارث و عاصم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : إذا دمعت عيناك و سالت دموعك على خدك فلا تلقها بثوبك و امسح بها وجهك حتى تلقى الله بها (1/493)
808 - حدثنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني أنا عبد الله بن يحيى أبو بكر الطلحي بالكوفة ثنا الحسن بن علي التيمي ثنا أبو الحسن جعفر بن محمد الوراق عن عبد الرحمن بن أبي حماد عن عبد الكريم عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال : إذا بكى أحدكم من خشية الله فلا يمسح دموعه بثوبه و ليدعها تسيل على خديه يلقي الله عز و جل بها (1/493)
809 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا بكر بن محمد الصوفي بمرو ثنا محمد بن يونس ثنا عبد الله بن سنان الهروي ثنا عبد الله بن المبارك عن وهيب بن الورد قال : فقد زكريا ابنه يحيى ثلاثة أيام فخرج يلتمسه بالبريه فإذا هو قد احتفر قبرا فأقام فيه يبكي على نفسه فقال : يا بني أنا أطلبك منذ ثلاثة أيام و أنت في قبر قد احتفرته قائم فيه تبكي ؟ قال : يا أبه ألست أخبرتني أن بين الجنة و النار مفازة لا يقطعها إلا دموع البكائين ! فقال : ابك يا بني ! فبكيا جميعا (1/494)
810 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا محمد بن جعفر البغدادي ثنا نفطويه ثنا أحمد بن الوليد الفحام ثنا عبد الوهاب ثنا ثور بن يزيد عن الهيثم بن مالك قال : خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس فبكى رجل بين يديه فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
لو شهدكم اليوم كل مؤمن عليه من الذنوب كأمثال الجبال الرواسي لغفر لهم ببكاء هذا الرجل و ذلك أن الملائكة تبكي و تدعو له و تقول : اللهم شفع البكائين فيمن لم يبك
هكذا جاء هذا الحديث مرسلا (1/494)
811 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله الصنعاني ثنا إسحاق بن إبراهيم أنا عبد الرزاق عن معمر عن شيخ لهم عن عمرو بن سعيد عن مسلم بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما أغرورقت عين بمائها إلا حرم الله سائر ذلك الجسد على النار و لا سالت قطرة على خدها فيرهق ذلك الوجه قترة و لا ذلة و لو أن باكيا بكى في أمة من الأمم رحموا و ما من شيء إلا له مقدار إلا الدمعة فإنه يطفأ بها بحار من النار
هذا مرسل و قد روي من قول الحسن البصري كما : (1/494)
812 - أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الفقيه ثنا أبو حامد بن بلال البزار ثنا أبو الأزهر ثنا عمرو بن محمد عن سلمة بن جعفر الآجري عن أبي الحسين عن الحسن قال : ما أغرورقت عين بمائها إلا حرم الله جسدها على النار فإن سالت على خد صاحبها لم يرهق وجهه قتر و لا ذلة أبدا و ليس من عمل إلا وزن و ثواب إلا الدمعة فإنها تطفئ بحورا من النار و لو أن رجلا بكى من خشية الله تعالى في أمة من الأمم لرجوت أن ترحم تلك الأمة ببكاء ذلك الرجل (1/495)
813 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الخضر بن أبان ثنا سيار عن جعفر بن سليمان قال : سمعت عبد الصمد بن معقل بن منبه يقول : سمعت عمي وهب بن منبه يقول : لما أصاب داود الخطيئة اعتزل النساء و لزم العبادة حتى سقط ثم بكى حتى خدت الدموع وجهه (1/495)
814 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الخضر بن أبان ثنا سيار ثنا جعفر بن سليمان ثنا ثابت قال : بلغنا أن داود عليه السلام يقول : أوه قبل الوقوع في النار
أوه قبل أن لا تنفع أوه
قال : و سمعت ثابتا يقول : ما شرب داود شرابا بعد المغفرة إلا و نصفه ممزوج بدموع عينيه (1/495)
815 - و بإسناده قال : سمعت ثابتا يقول : اتخذ داود عليه السلام سبع حشايا من شعر ثم حشاهن بالرماد ثم بكى حتى أنفذهن بدموع عينيه (1/495)
816 - أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد الشاهد بهمدان ثنا الفضل بن الفضل ثنا أبو خليفة ثنا محمد بن عبد الله الخزاعي ثنا جرير بن حازم عن عبد الله بن عبيد بن عمير : أن داود النبي صلى الله عليه و سلم سجد فبكى على خطيئته فلما قيل له : ارفع رأسك فقد غفر لك رفع رأسه و ما في وجهه طاقة من لحم (1/496)
817 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق ثنا سعيد بن عامر عن هشام بن حسان قال : اتخذ داود عليه السلام فراشا حشوه رماد فاضطجع عليه ذات ليلة قال : فبكى حتى نشف الرماد ما نشف و استنفع الماء تحت جنبه
قال : فلما وجد الماء تحت جنبه دخله من ذلك شيء فقال : هذه خطيئة أخرى قال : فخرج إلى الجبل يتعبد فيه حتى كاد يعرى فرجع (1/496)
818 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد بن زياد ثنا عبد الله بن منازل ثنا حمدون القصار ثنا بشر بن الحكم ثنا علي بن علي عن عطاء السليمي قال : وجدوا بين يديه ندوة قدر ما يتوضأ الرجل فأخبروه أن ذلك من دموعه (1/496)
819 - و بإسناده قال : كان عطاء السليمي يبكي حتى خشي على عينه فأتي طبيب يداوي عينه قال : أداوي بشرط أن لا تبكي ثلاثة أيام قال : فاستكثر ذلك و قال : لا حاجة لنا فيك (1/496)
820 - أخبرنا أبو عبد الله و أبو سعيد بن أبي عمرو قالا : ثنا أبو العباس الأصم أنا العباس بن الوليد أخبرني محمد بن شعيب أخبرني عثمان بن مسلم أنه سمع بلال بن سعد يقول : رب مسرور مغبون و رب مغبون لا يشعر فويل لمن له الويل و لا يشعر يأكل و يشرب و يضحك و قد حق عليه في قضاء الله عز و جل أنه من أهل النار فيا ويل لك روحا و يا ويل لك جسدا و لتبك عليك البواكي لطول الأبد (1/496)
821 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال أنا الحسين بن صفوان البردعي ثنا أبو بكر القرشي حدثني محمد بن الحسين ثنا عبد الله بن محمد التيمي قال : حدثني زهير السلولي قال : كان رجل من بلعنبر قد تهيج بالبكاء فكان لا يكاد يرى إلا باكيا فعاتبه رجل من إخوانه فقال : لم تبكي ـ رحمك الله ـ هذا البكاء الطويل ؟ فبكى ثم قال :
( بكيت على الذنوب لعظم جرمي و حق لكل من يعصى البكاء )
( فلو كان البكاء يرد همي لا سعدت الدموع مع دماء )
قال : ثم بكى حتى غشي عليه فقام الرجل عنه و تركه (1/497)
822 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن عيسى ثنا جعفر بن أحمد الشاماتي حدثني محمد بن الحسين الهلالي ثنا علي بن عثام قال : قال كهمس الهلالي : بكيت على ذنب عشرين سنة قالوا و ما هو ؟ قال : غديت رجلا فأخذت من جدار جار لي قطعة لبنة ليغسل يده (1/497)
823 - قال : و قال عطاء السليمي : بكيت على ذنب أربعين سنة صدت حمامة و إني أحمد الله إليكم تصدقت بثمنها على المساكين
قال البيهقي رحمه الله : و كأنه ارتاب بها هل هي مملوكة أو غير مملوكة (1/497)
824 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأني أبو العباس محمد بن يعقوب فيما أجاز له محمد بن عبد الوهاب أنا علي بن عثام عن أبي خالد الأحمر عن جعفر يعقوب سليمان قال : التقى ثابت و عطاء السليمي ثم تفرقا فلما كان عند الهاجرة جاء عطاء فخرجت الجارية إليه ثم دخلت و هو يريد القائلة فقالت : أخوك عطاء فخرج إليه فقال : يا أخي في هذا الحر ؟ قال : ظللت صائما فاشتد علي الحر فذكرت حر جهنم فأحببت أن تعينني على البكاء فبكيا حتى سقطا (1/497)
825 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ثنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو سعيد الأشج ثنا المحاربي قال : كان ضرار و محمد بن سوقة إذا كان يوم الجمعة طلب كل واحد منهما صاحبه فإذا اجتمعا جلسا يبكيان (1/498)
826 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو أحمد محمد بن عيسى الجلودي ثنا أبو بكر بن زنجويه بن الهيثم بن عيسى بن عبد الله القشيري ثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس : عن النبي صلى الله عليه و سلم مر بقوم يضحكون و يمزحون فقال :
أكثروا ذكر هاذم اللذات (1/498)
827 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو أحمد الجلودي ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة و أحمد بن إبراهيم بن عبد الله و محمد بن شادل الأعمى قالوا ثنا محمد بن أسلم ثنا مؤمل بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة : فذكره بإسناده مثله حرفا بحرف
و هو بهذا الإسناد غريب و قد (1/498)
828 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن محمد بن سختويه ثنا محمد بن المغيرة السكري ثنا القاسم بن الحكم العرني ثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال : دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم المسجد فرأى ناسا يكشرون فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات فإنه يشغلكم عن ما أرى أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت فإنه لم يأت على القبر يوم إلا و هو يقول : أنا بيت الوحدة و الغربة أنا بيت التراب أنا بيت الدود (1/498)
829 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو الحسن السليطي ثنا محمد بن إسحاق السراج قال : سمعت أبا إسحاق الباهلي يقول سمعت يوسف بن يوسف الباهلي يقول : سمعت عبد الله بن ثعلبة يقول : تضحك و لعل كفنك قد خرج من عند القصار و أنت لا تدري (1/499)
830 - أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر ثنا الحسين بن يحيى بن عياش القطان ثنا إبراهيم بن مجشر ثنا عبد الله بن المبارك عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال : قال سليمان بن داود عليهما السلام لابنه :
يا بني لا تكثر الغيرة على أهلك و لم تر منها سوءا فترمي بالشر من أهلك و إن كانت بريئة و لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تستخف فؤاد الرجل الحكيم
قال : و عليك بخشية الله عز و جل فإنها غاية لكل شيء (1/499)
831 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف ثنا أبو الطيب المظفر بن سهيل الخليلي قال سمعت محمد بن نصر الخزاعي الصائغ يقول : سمعت بشر بن الحارث الحافي ـ و قد ضحك عنده رجل ـ فقال : احذر يا ابن الأخ لا يؤاخذك الله على هذا (1/499)
832 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا أبو الحسين بن ماتي الكوفي ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة قال : أخبرني أبي حازم قال : سمعت أمي حمادة بنت محمد يعني ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى تقول عن أبيها : في قول الله عز و جل :
{ مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها }
قال : الصغيرة : الضحك (1/500)
833 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف أنا أبو بكر العثماني الأخميمي أنا أبو بكر بن أبي موسى قال : سمعت القاسم الجوعي يقول سمعت منبه بن عثمان الخمي يقول : قال آدم عليه السلام : كنا سبيا من سبي الجنة فسبانا إبليس بالخطيئة فليس ينبغي لنا إلا البكاء و الحزن حتى نرجع إلى الدار الذي منها سبينا (1/500)
834 - أخبرنا أبو سعد الماليني و أبو منصور أحمد بن علي الدامغاني قالا : أنا أبو أحمد بن عدي الحافظ ثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن عثمان المديني بمصر ثنا يحيى بن سليمان الجعفي ثنا أحمد بن بشير ثنا مسعر عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لو وزن دموع آدم بجميع دموع ولده لرجح دموعه على دموع ولده
قال لنا أبو سعد : قال أبو أحمد : لم يأت به عن مسعر موصولا غير أحمد بن بشير و أكبر ظني أن الوهم منه (1/500)
835 - و أخبرنا أبو سعد ثنا أبو أحمد ثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ـ ح
قال : و حدثنا محمد بن علي الحفار ثنا أبو همام الوليد بن شجاع قالا : ثنا محمد بن بشر ثنا مسعر حدثني علقمة بن مرثد عن ابن بريدة قال : لو عدل بكاء أهل الأرض ببكاء داود ما عدله و لو عدل بكاء أهل الأرض ببكاء آدم حين أهبط إلى الأرض ما عدله
قال : أبو أحمد لم يذكر فيه بريدة و لا النبي صلى الله عليه و سلم و هذه الرواية أصح
قال الإمام أحمد رحمه الله : و روينا عن أبي علي الحافظ النيسابوري أنه أنكره و قال : الصحيح من حديث مسعر عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن سابط قوله ليس من كلام النبي صلى الله عليه و سلم (1/501)
836 - أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي عن أبو علي الحافظ : فذكره (1/501)
837 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا إبراهيم بن الحارث البغدادي ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال : نزل آدم عليه السلام بالحجر الأسود من الجنة يمسح به دموعه و لم يرقا دمع آدم من حين خرج من الجنة حتى رجع إليها (1/501)
838 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو محمد أبي حامد المقرئ قالا : ثنا أبو العباس هو الأصم ثنا الخضر بن أبان حدثني سعيد بن النعمان قال : قلت لغفيرة : ما تملين هذا البكاء ؟ قالت : يا سعيد ! كيف يمل ذو داء من شيء يرى أن له فيه من دائه شفاء ؟ ! (1/501)
839 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا الحسين بن صفوان ثنا ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسين ثنا يزيد بن الحباب ثنا زائدة بن قدامة قال : كان منصور بن المعتمر إذا رأيته قلت : رجل أصيب بمصيبة و لقد قالت له أمه : ما هذا الذي تصنع بنفسك ؟ تبكي الليل عامته لا تكاد أن تسكت لعلك يا بني أصبت نفسا أقتلت قتيلا ؟ فقال : يا أمه أنا أعلم بما صنعت نفسي (1/501)
840 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قال : سمعت والدي يقول سمعت أبا العباس الأزهري يقول : سمعت الحسن بن عرفة العبدي يقول : رأيت يزيد بن هارون بواسط و هو من أحسن الناس عينين ثم رأيته بعين واحدة ثنا ثم رأيته و قد ذهب عيناه فقلت له : يا أبا خالد ما فعلت العينان الجمليان ؟ قال : ذهب بهما بكاء الأسحار (1/502)
841 - و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا محمد بن النضر الأصبهاني ثنا بكر بن بكار ثنا البراء بن عبد الله ثنا الحسن بن أبي الحسن البصري قال : لما حضرت معاذا الوفاة فجعل يبكي فقيل له : أتبكي و أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنت و أنت ؟ فقال : ما أبكي جزعا من الموت أن حل بي و لا دنيا تركتها بعدي و لكن إنما هما القبضتان : قبضة في النار و قبضة في الجنة فلا أدري في أي القبضتين أنا (1/502)
842 - أخبرنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر أنا ابن وهب حدثني ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة : إن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار (1/502)
843 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو صادق العطار قالا : ثنا أبو العباس هو الأصم ثنا محمد بن إسحاق ثنا يحيى بن أبي بكير أنبأنا شعبة قال : أخبرني عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت زياد و كان ذا هيبة يحدث عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان أنه قال : رب يوم لو أتاني الموت لم أشك فأما اليوم فقد خالطت أشياء لا أدري على ما أنا فيها
و أوصى أبا مسعود فقال : عليكم بما تعرفون و لا تألون في أمر الله (1/502)
844 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه ثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا إبراهيم بن منصور ثنا بشر بن القاسم ثنا الحكم بن هشام عن عبد الملك بن عمير عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه : أنه قال لعبد الله بن مسعود عند موته : أوصني قال : أوصيك أن تتقي الله و تلزم بيتك و تحفظ لسانك و تبكي على خطيئتك (1/503)
845 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا سعيد بن منصور ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن الحارث بن سويد قال : قال عبد الله مسعود : لوددت أن الله عز و جل غفر لي ذنبا من ذنوبي و أني سميت عبد الله بن روثة (1/503)
846 - و بإسناده ثنا سعيد ثنا خالد بن عبد الله عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال قال : قال عبد الله بن مسعود : وددت أني نسبت إلى روثة و أن الله تعالى تقبل مني حسنة واحدة من عملي (1/503)
847 - و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو محمد بن أبي حامد المقرئ و غيرهما قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بكار بن قتيبة أبو بكرة ثنا أبو عامر العقدي ثنا سفيان عن سليمان الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : قال عبد الله : لو تعلمون بعيوبي ما تبعني منكم رجلان و لوددت أني دعيت عبد الله بن روثة و أن الله غفر لي ذنبا من ذنوبي (1/503)
848 - أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي ثنا أبو العباس الأصم ثنا العباس الدوري ثنا محاضر ثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال عبد الله : و الذي لا إله غيره لوددت أني انقلبت روثة و أني دعيت عبد الله بن روثة و أن الله غفر لي ذنبا واحدا (1/504)
849 - أخبرنا أبو سعد سعيد بن محمد الشعيبي قال : سمعت أبا نصر الزعفراني البخاري يقول : سمعت جعفر بن نمير القزويني يقول : سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول : كيف يفرح المؤمن في دار الدنيا ؟ إن عمل سيئة خاف أن يؤخذ بها و إن عمل حسنة خاف أن لا تقبل منه و هو إما مسيء و إما محسن (1/504)
850 - أخبرنا أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان الواعظ ثنا أبو علي الحسين بن عبد الوهاب أنا أحمد بن محمد التيمي ثنا علي بن عبد الله قال : قال يحيى بن معاذ الرازي : كيف ينجيني عملي و أنا بين حسنة و سيئة ؟ فسيئاتي لا حسنات فيها و حسناتي مخلوطة بالسيئات و أنت لا تقبل إلا الإخلاص في العمل فما بقي بعد هذا إلا جودك (1/504)
851 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول : سمعت الجريري يقول : سئل الجنيد : هل يسقط الخوف عن العبد ؟ فقال : لا ما كان العبد أعلم بالله كان له أشد خوفا و الخائفون على ثلاث طبقات : خائف من الأجرام و خائف من الحسنات أن لا تقبل و خائف من العواقب قال الله تعالى :
{ و لا يخاف عقباها } (1/504)
852 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا محمد بن عبد الله ابن عمرويه الصفار ببغداد قال : قال لي صالح بن أحمد بن حنبل : لما حضرت أبي الوفاة فجلست عنده و الخرقة بيدي أشد بها لحيته قال : فجعل يغرق ثم يفيق و يفتح عينيه و يقول بيده : هكذا لا بعد لا بعد لا بعد ففعل هذا مرة و ثانية فلما كان في الثالثة قلت له يا أبه ! إيش هذا الذي لهجت به في هذا الوقت ؟ فقال : يا بني ! أما تدري ؟ قلت : لا فقال : إبليس ـ لعنه الله ـ قائم بحذائي عاض على أنامله يقول : يا أحمد فتني فأقول : لا حتى أموت
قال البيهقي رحمه الله : و لأحمد بن حنبل رحمه الله في ذلك سلف حق و هو فيما : (1/505)
853 - أخبرنا الإمام أبو عثمان أنا زاهر بن أحمد ثنا محمد بن معاذ ثنا الحسين بن الحسن المروزي ثنا ابن المبارك أنا سفيان عن رجل قال : أراه عن عطاء بن يسار قال : تبدى إبليس لرجل عند الموت فقال نجوت فقال : ما نجوت و ما أمنتك بعد (1/505)
854 - و أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ثنا أبو خالد القرشي عن سفيان الثوري عن رجل عن عطاء بن يسار قال : تبدى إبليس لرجل عند الموت فقال : ما نجوت منك بعد (1/505)
855 - و أخبرنا أبو الحسين ثنا الحسين أخبرنا عبيد الله ثنا عبيد الله بن جرير العتكي ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان الثوري عن غسان المديني عن عطاء بن يسار قال : أشرق إبليس على رجل في الموت فقال : قد أمنتني فقال : ما أمنتك بعد (1/505)
856 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس هو الأصم ثنا العباس الدوري ثنا عبد العزيز بن السري عن صالح المري عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة : أنه كان يقول في آخر عمره : اللهم إني أعوذ بك أن أزني أو أعمل بكبيرة في الإسلام [ ] يقول بعض أصحابه : يا أبا هريرة و مثلك يقول هذا أو يخافه و قد بلغت من السن ما بلغت وانقطعت عنك الشهوات و قد شافهت النبي صلى الله عليه و سلم و بايعته و أخذت عنه ؟ قال : ويحك ! و ما يؤمنني و إبليس حي ؟ (1/506)
857 - أخبرنا أبو عبد الله بن عبد الله البيهقي أنا أحمد بن محمد بن الحسين الخسروجردي ثنا داود بن الحسين ثنا حميد بن زنجويه ثنا الحكم بن نافع ثنا صفوان بن عمرو عن سليم بن جابر عن جبير بن نفير قال : دخلت على أبي الدرداء منزله بحمص فإذا هو قائم يصلي في مسجده فلما جلس يتشهد جعل يتعوذ بالله من النفاق فلما انصرف قلت : غفر الله لك يا أبا الدرداء ! ما أنت و النفاق ؟ قال : اللهم غفرا ـ ثلاثا ـ من يأمن البلاء ؟ من يأمن البلاء ؟ و الله إن الرجل ليفتتن في ساعة فينقلب عن دينه (1/506)
858 - قال و نا حميد نا المؤمل ثنا سفيان ثنا محمد بن عجلان حدثني شيخ من أهل الشام قال : قال أبو الدرداء : مالي لا أرى حلاوة الإيمان تظهر عليكم ؟ و الذي نفسي بيده لو أن دب الغابة وجد طعم الإيمان لظهر عليه حلاوته ما خاف عبد على إيمانه إلا منحه و ما أمن عبد على إيمانه إلا سلبه (1/506)
859 - قال و أنا حميد ثنا مؤمل ثنا حماد بن زيد ثنا المعلى بن زياد قال : سمعت الحسن يقول : و الله ما أصبح على وجه الأرض و لا أمسى على وجه الأرض مؤمن إلا و هو يتخوف النفاق على نفسه و ما أمن النفاق إلا منافق (1/506)
860 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا ابن فضيل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن عبيد الله القرشي عن عبد الله بن عكيم قال : صيلت خلف أبي بكر المغرب فلما قعد في الركعة الثانية كأنما كان على الجمر حتى قام فقرأ فاتحة الكتاب ثم قال :
{ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب } (1/507)
861 - أخبرنا أبو عبد الله أنا أبو بكر محمد بن عبد الله العدل بمرو ثنا أبو رجاء محمد بن حمدويه السنجي ثنا أحمد بن علي قال : سمعت أبا روح يقول قال : ابن المبارك : إن البصراء لا يأمنون من أربع خصال : ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع الرب فيه و عمر قد بقي لا يدري ماذا فيه الحسن الهلكات و فضل قد أعطي لعله مكر و استدراج و ضلالة وقد زينت له فيراها هدى و من زيغ القلب ساعة ساعة أسرع من طرفة عين قد يسلب دينه و هو لا يشعر (1/507)
862 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس ـ و هو الأصم ـ قال : أخبرنا العباس بن الوليد أخبرني أبي ثنا ابن جابر قال : سمعت بلال بن سعد و هو يقول في دعائه : اللهم إني أعوذ بك من زيغ القلوب و تبعات الذنوب و من مرديات الأعمال و مضلات النفس (1/507)
863 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني جعفر بن محمد بن نصير قال : حدثني الجنيد بن محمد قال : سمعت السري يقول : اللهم مهما عذبتني به من شيء فلا تعذبني بذل الحجاب (1/507)
864 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت عبد الرحمن بن الحسن ابن يعقوب يقول : سمعت أبي يقول سمعت أبا عثمان يقول : سمعت يحيى بن معاذ يقول : يا من ذكره علي أعز من كل شيء لا تجعلني بين أعدائك غدا أذل من كل شيء (1/508)
865 - أخبرنا الأستاذ أبو بكر بن فورك رحمه الله أنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني قال : سمعت أحمد بن عصام بن عبد المجيد يقول : سمعت محسن بن موسى يقول : كنت عديل سفيان بن الثوري إلى مكة فرأيته يكثر البكاء فقلت له : يا أبا عبد الله بكاؤك هذا خوفا من الذنوب ؟ قال : فأخذ عودا من المحمل فرمي به فقال : إن ذنوبي أهون علي من هذا و لكني أخاف أن أسلب التوحيد (1/508)
866 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا جعفر بن محمد بن نصير قال سمعت الجنيد يقول : سمعت السري السقطي يقول : قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم و قلوب المقربين معلقة بالسوابق أولئك يقولون : ماذا من الله سبق لنا ؟ و هؤلاء يقولون : بما يختم لنا (1/508)
867 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو الحسين بن بشران قالا : أخبرنا أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير ثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمري ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت إسحاق بن خلف يقول : ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول ابن آدم ليت شعري بما يختم لي قال : عندها ييأس منه و يقول : متى يعجب هذا بعمله ؟ (1/508)
868 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو علي الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد القرشي حدثني محمد بن الحسين ثنا عمر بن حفص بن غياث حدثني أبي قال : لما احتضر عمرو بن قيس الملائي بكى فقال له أصحابه : على ما تبكي من الدنيا ؟ فو الله لقد كنت غضيض العيش أيام حياتك فقال : و الله ما أبكي على الدنيا و إنما أبكي خوفا من أن أحرم خير الآخرة (1/508)
869 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت الكتاني يقول : روعة الساعة عند انتباه من غفلة و انقطاع عن خط النفس فيه و ارتعاد من خوف قطيعة أفضل من عبادة الثقلين (1/509)
870 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول سمعت أبا أحمد الحافظ يقول : أفضل البكاء بكاء العبد على ما فاته من أوقاته على غير الموافقة أو بكاء على ما سبق له من المخالفة (1/509)
871 - سمعت أبا زكريا بن أبي إسحاق يقول سمعت أبا الفتح أحمد ابن عبد الله البغدادي يقول : دخلت مرة البادية فبينا أن أمشي إذ سمعت بكاء عاليا فرميت ببصري قدامي فرأيت شخصا فمشيت سريعا فإذا هو شاب لم أر معه آلة السفر فقلت : ما شأنك يا فتى ؟ فأنشأ يقول :
( على أي باب أطلب الإذن بعدما حجبت عن الباب الذي أنا حاجبه )
فوقع علي البكاء لبكائه فلما رفعت رأسي لم أر أحدا (1/509)
872 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو حامد بن العباس الخطيب بمرو ثنا محمود بن والان قال : سمعت عبد الرحمن بن بشر النيسابوري يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : غضب الله الداء الذي لا دواء له (1/509)
873 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي فيما حكى عن يوسف بن الحسين : ـ ( كيف السبيل إلى مرضات من غضبا من غير جرم و لم أعرف له سببا )
قال : و بلغني أن يوسف بن الحسين كتب بهذا البيت إلى الجنيد فأجابه الجنيد :
( يكفي الحكيم من التنبيه أيسره فيعرف الكيف و التكوين و السببا )
( إن السبيل إلى مرضاته نظرك فيما عليك له يرضى كما غضبا )
قال البيهقي رحمه الله : كيفية السبيل إلى نظره كيفية السبيل إلى مرضاته و السؤال مع هذا الجواب باق و السبيل ما بينه لعباده من دينه وهو يهدي إليه من يشاء لا يسئل عما يفعل و هم يسألون (1/509)
874 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه ثنا علي بن حمشاذ العدل ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا حيوة عن سالم بن غيلان أنه سمع أبا السمح يحدث عن أبي عن أبي سعيد الخدري : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
إن الله عز و جل إذا رضى عن العبد أثنى عليه سبعة أصناف من الخير لم يعلمه وإذا سخط على العبد أثنى عليه سبعة أصناف من الشر لم يعلمه
قال البيهقي رحمه الله : لم يعلمه و قال أبو عاصم عن حيوة بن شريح : لم يعلمه (1/510)
875 - أخبرنا أبو الحسين عفيف بن شهيد الخطيب أنا محمد بن عبد الله الحفيد ثنا جدي العباس بن حمزة ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت أبا سليمان يقول : أصل كل خير في الدنيا و الآخرة الخوف من الله تعالى و مفتاح الآخرة الجوع و مفتاح الدنيا الشبع (1/510)
876 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا جعفر بن محمد بن نصير أنا إبراهيم بن نصر حدثني إبراهيم بن بشار قال : سمعت إبراهيم بن أدهم يقول : الهوى يردي و خوف الله يشفي و أعلم أن ما يزيل عن قلبك هواك إذا خفت من تعلم أنه يراك (1/511)
877 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن علي بمكة ثنا محمد بن جعفر الخرائطي ثنا أحمد بن جعفر حدثني إبراهيم بن هشام المدائني عن محمد بن الحسين عن الفضيل عن رزين أبي أسماء أن رجلا دخل غيضة فقال : لو خلو ها هنا بمعصية من كان يراني فسمع صوتا ملأ ما بين لابتي الغيضة :
{ ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير } (1/511)
878 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قراءة عليه قال : سمعت أبا إسحاق سليمان بن محمد بن يحيى : يقول حدثني أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد و كتب لي بخطه ثنا عبد الأكرم بن موسى بن رزق الله القاضي ثنا الأصمعي قال : كنت أطوف بالبيت فرأيت أعرابيا يطوف ـ فذكر قصة أعرابية قال : قلت فبينك و بين من تهوى شيء ؟ قال : لا إلا ليلة فإني رمت منها شيئا فقالت أما تستحي ؟ قلت : و من أستحي فلا يرانا إلا الكواكب ؟ قالت فأين مكوكبها ؟ (1/511)
879 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن عبدة النيسابوري ثنا عبد الله بن عبد الوهاب ثنا عبد الله بن شبيب ثنا العتبي قال : لقي رجل أعرابية فأرادها على نفسها فأبت و قالت : أي ثكلتك أمك ! أمالك زاجر من كرم ؟ أمالك ناه من دين ؟ قال : قلت : و الله لا يرانا إلا الكواكب
قالت : ها بأبي أنت و أين مكوكبها ؟ (1/511)
880 - أخبرنا أبو سعد الماليني قال : سمعت أبا الفتح عبد الرحمن بن أحمد يقول سمعت الشيخ أبا عبد الله بن خفيف يقول لما قدم أبو العباس بن سريج قاضيا على فارس دخلنا عليه فسأله أبو عبد الله النجراني قال : متى يهش الراعي غنمه بعصا الرعاية عن مراتع الهلكة ؟ فقال : إذا علم إن عليه رقيبا ثم قال : يا شيخ هذا علم شريف له مجلس خاص إذا شئتم حضرت معكم و أذاكركم (1/512)
881 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور ثنا الحسين بن الفضل ثنا أبو النضر ثنا أبو عقيل الثقفي عن يزيد بن سنان قال : سمعت بكير يعني ابن فيروز يقول سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
من خاف أدلج و من أدلج بلغ المنزل ألا و إن سلعة الله لغالية ألا و إن سلعة الله الجنة
و أخبرنا به في موضع آخر فقال : عن برد بن سنان (1/512)
882 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر أحمد بن إسحاق أنبا محمد بن يونس ثنا إبراهيم بن نصر قال : سمعت فضيل بن عياض يقول : رهبة العبد من الله تعالى على قدر علمه بالله وزهادته في الدنيا على قدر شوقه إلى الجنة (1/512)
883 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا جعفر بن محمد بن نصير ثنا إبراهيم بن نصر المنصوري ثنا إبراهيم بن بشار الصوفي قال : سمعت إبراهيم بن أدهم يقول : كان داود الطائي يقول : إن للخوف حركات تعرف في الخائفين و مقامات تعرف في المحبين و إزعاجات تعرف في المشتاقين و أين أولئك ؟ أولئك هم الفائزون (1/512)
884 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني جعفر بن محمد قال سمعت الجنيد يقول : سمعت السري يقول : شيئان مفقودان : الخوف المزعج و الشوق المفلق (1/513)
885 - أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن علي الفهري بمكة ثنا الحسن بن رشيق ثنا ذو النون بن أحمد الأخميمي قال : حدثني عبيد ذي العرش عن أخيه ذي النون بن إبراهيم قال : صلاة الفرض مفتاح الخوف و النافلة مفتاح باب الرجاء و ذكر الله الدائم مفتاح باب الشوق و ليس بالخوف تنال الفرض و لكن بالفرض تنال الخوف و لا بالرحاء تنال النافلة و لكن بالنافلة تنال الرجاء و من شغل قلبه و لسانه بالذكر قذف الله في قلبه نور الاشتياق إليه و هذا سر الملكوت فاعقله و أحفظه (1/513)
886 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت إبراهيم بن شيبان يقول : الخوف إذا سكن إذا سكن القلب أحرق مواضع الشهوات فيه و طرد عنه رغبة الدنيا و أسكت اللسان عن ذكر الدنيا (1/513)
887 - أخبرنا أبو حفص عمر بن الخضر بن محمد بن هشام المعروف بالثمانيني من مجاوري مكة بها أنا هشام بن محمد بن قرة ثنا أبو بشر الدولابي ثنا أبو محمد عبد الله بن خبيق الأنطاكي قال : سمعت يوسف بن أسباط يقول سمعت محمد بن النضر يقول : ما من عامل يعمل في الدنيا إلا وله من يعمل في الدرجات في الآخرة فإذا أمسك أمسكوا فيقال لهم : ما لكم لا تعلمون ؟ فيقولون : صاحبنا لاه
قال : يوسف عجبت لكم كيف تنام عين مع المخافة ؟ أو يغفل قلب بعد اليقين بالمحاسبة ؟ من عرف وجوب حقل الله على عباده لم تشتمل عيناه أبدا إلا بإعطاء المجهود من نفسه خلق الله القلوب مساكن للذكر فصارت مساكم للشهوات و الشهوات مفسدة للقلوب مساكن للذكر فصارت مساكن للشهوات و الشهوات مفسدة للقلوب و تلف للأموال لا يمحوا الشهوات من القلوب إلا خوف مزعج أو شوق مفلق (1/513)
888 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو صالح محمد بن محمد بن عيسى العارض المروزي ثنا أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن الخصيب ببغداد حدثنا إبراهيم بن سعيد قال : قال لي المأمون يا إبراهيم قال : لي الرشيد : ما رأت عيناي مثل الفضيل بن عياض قال : لي و قد دخلت عليه يا أمير المؤمنين فرغ قلبك للخرن و الخوف حتى يسكناه فيقطعاك عن معاصي الله تعالى و يباعداك من عذاب النار (1/514)
889 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت النصر أباذي يقول : سمعت ابن أبي حاتم : سمعت علي بن عبد الرحمن يقول : قال لي : أحمد بن عاصم الأنطاكي : قلة الخوف من قلة الحزن في القلب و إذا قل الحزن خرب كما يخرب البيت إذا لم يسكن خرب (1/514)
890 - أخبرنا أبو طاهر الزيادي أنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ثنا محمد بن عبد الوهاب قال : سمعت علي بن عثمان قال : قال مالك بن دينار : يقال : إن القلب إذا لم يحزن خرب كما أن البيت إذا لم يسكن خرب (1/514)
891 - و بإسناده قال : قال مالك بن دينار : الحزن تلقيح العمل الصالح
و قد روي فيه عن النبي صلى الله عليه و سلم ما : (1/515)
892 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه و أبو عبد الله الحافظ قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عوف بن سفيان الحمصي الطائي ثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي مريم ثنا ضمرة بن حبيب عن أبي الدرداء قال : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
إن الله يحب كل قلب حزين (1/515)
893 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله بن الحسن بن أيوب ثنا أبو حاتم الرازي ثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب عن أبي الدرداء قال : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
إن الله يحب كل قلب حزين
و هذا الإسناد أصح (1/515)
894 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن عمر ثنا محمد بن المنذر ثنا موسى بن عمر قال : سمعت الحسين يقول قال ابن المبارك : من أعظم المصائب للرجل أن يعلم من نفسه تقصيرا ثم لا يبالي و لا يحزن عليه (1/515)
895 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت سعيد بن أحمد البلخي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت محمد بن عبيد يقول : سمعت خالي محمد بن الليث يقول : سمعت حامدا اللفاف يقول : سمعت حاتم الأصم يقول : سمعت شقيقا يقول : ليس للعبد صاحب خير من الهم و الخوف : هم فيما مضى من ذنوبه و خوف فيما لا يدري ما ينزل به (1/515)
896 - أخبرنا أبو عبد الرحمن قال : سمعت محمد بن الحسن الخشاب البغدادي يقول : سمعت جعفر بن محمد يقول : سمعت الجريري يقول سمعت سهلا يقول : لا يبلغ أحد حقيقة الخوف حتى يخاف مواقع علم الله فيه و يحزن على ذلك (1/516)
897 - حدثنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي أنا والدي أنبأني صديقي أبو محمد أحمد بن محمد الصوفي قال : كنت عند الجنيد فدخل الشبلي فقال جنيد : من كان الله همه طال حزنه
فقال الشبلي : لا يا أبا القاسم ! بل من كان الله همه زال حزنه
قال البيهقي رحمه الله : قول الجنيد محمل على ذكر الدنيا و قال الشبلي محمول على الآخرة و قول الجنيد محمول على حزنه عند رؤية التقصير من نفسه في القيام بواجباته و قول الشبلي محمول على سروره بما أعطي من التوفيق في الوقت حتى جعل الهم هما واحدا و الله أعلم (1/516)
898 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سئل الأستاذ أبو سهل الصعلوكي في : قوله :
{ فبذلك فليفرحوا }
كيف يفرح من لا يأمن ؟ فقال : إذا نظر إلى الفضل فرح و إذا رجع حزن حتى يكون فرحا في وقت محزونا في وقت كحال الخوف و الرجاء (1/516)
899 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا الحسين أحمد بن محمد بن إسماعيل يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول : سمعت أبا سليمان الداراني يقول : قد أكرمهم و أذلهم من قبل أن يخلقهم و اسكنهم الجنة و النار من قبل أن يوفقهم لطاعته و يبتليهم بمعصيته عدلا منه و تفضلا على أوليائه فسبحانه من كريم ما أكرمه ! و العجب لمن وجده كيف تركه ! و العجب لمن لم يجده كيف لا يطلبه ؟
ثم قال : إن السحاب يجري بالرياح و إن العباد إنما يحزنون بالتوفيق و إن التوفيق على قدر القربة و الله المستعان (1/516)
900 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المهرجاني أنا محمد بن أحمد ابن يوسف ثنا أحمد بن عثمان ثنا أحمد بن عثمان ثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا أبو الحسن بشر بن سالم عن مسعر عن بكير عن إبراهيم قال : ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة لأنهم قالوا :
{ الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن }
و ينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة لأنهم قالوا :
{ إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين }
و رواه غيره عن أحمد بن إبراهيم فقال بشر بن مسلم و قال : عن إبراهيم التيمي (1/517)
901 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو الحسين إسحاق بن أحمد الكاذي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا عبد الصمد ثنا عبد الله بن بكر قال : سمعت الحسن يقول : ـ { والسابقون السابقون * أولئك المقربون }
قال : أما المقربون فقد مضوا هنيئا لهم و لكن اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين
قال : و أتى على هذه الآية :
{ إن جهنم كانت مرصادا }
قال ألا أن على الباب رصدا فمن جاء بجواز جاز و من لم يجئ بجواز حبس (1/517)
902 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن إبراهيم الهروي بها قال : ثنا الحسن بن سفيان ثنا أبو ثابت مشرف بن أبان حدثني أبو بكر الموصلي قال : خرج فتح الموصلي إلى المصلى يوم الأضحى قال : خرج فنظر إلى القتار ثم رفع رأسه إلى السماء فقال : إلهي ! تقرب المتقربون إليك بقربانهم و إني متقرب إليك بحزني يا محبوب ! قال : ثم سقط مغشيا عليه فلما أفاق قال : إلى كم ترددني في أزقة الدنيا محزونا (1/518)
903 - أخبرنا أبو سعد الماليني أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب ثنا محمد بن يوسف بن عبد الله قال : سمعت أبا ثابت الخطاب يقول : سمعت إبراهيم بن موسى يقول : رأيت فتح الموصلي في يوم الأضحى و قد شم ريح القتار فدخل إلى زقاق فسمعته يقول : تقرب المتقربون إليك بقربانهم و أنا أتقرب إليك بطول حزني يا محبوب كم تتركني أتردد في أزقة الدنيا محزونا ! ثم غشى عليه و حمل فدفناه بعد ثلاث (1/518)
904 - أخبرنا أبو منصور الدامغاني نزيل بيهق أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي ثنا محمد بن أحمد بن حكيم بجرجان ثنا إبراهيم بن الجنيد ثنا محمد بن الحسين عن شعيب بن محرز قال : حدثتني سلامة العابدة قالت : بكت عبيدة بنت أبي كلاب أربعين سنة حتى ذهب بصرها فقيل لها : ما تشتهين ؟ قالت : الموت قيل : و لم ذاك ؟ قالت إني أخشى كل يوم أصبح أن أجني على نفسي جناية يكون فيها عطبي أيام الآخرة (1/518)
905 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا دعلج بن أحمد ثنا إبراهيم بن أبي طالب ثنا هدية بن عبد الوهاب ثنا الوليد بن مسلم ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : قلت ليزيد بن مرثد ما لي أرى عينك لا تجف ؟ قال : و ما مسألتك ؟ قلت لعل الله تعالى ينفع به قال : أن الله عز و جل توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار و الله لو توعدني أن يسجنني في الحمام كنت حريا أن لا يجف لي دمع فقلت : هكذا في خلواتك قال : و الله إنه لتوضع القصعة بين أيدينا فيعرض لي فأبكي و يبكي أهلي و يبكي صبياننا لا يدرون ما أبكانا و الله إني لأسكن إلي أهلي فيعرض لي فيحول بيني و بين ما أريد فيقول أهلي يا ويحها ما خصت به معك من طول الحزن ما تقر لي معك عين (1/518)
906 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان حدثني عبيد الله بن سعيد ثنا الوليد بن مسلم : فذكره بإسناده ومعناه (1/519)
907 - أخبرنا أبو القاسم الحرفي أنا علي بن محمد بن الزبير ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا زيد بن الحباب عن محمد بن عاصم مولى عثمان بن عفان ثنا حوشب بن مسلم الثقفي عن الحسن : أنه كان يكره ذكر الموت عند الطعام (1/519)
908 - أخبرنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنا أبو الفضل محمد بن أحمد السلمي ثنا عبد الله بن محمود ثنا محمد بن عبد الله بن قهزاد قال : قال حفص بن حميد : رأيت سهل بن علي في المسجد يجول كأنه أبله من الخوف و هو يقول : النار النار و ترتعد فرائضه حتى أخذني البكاء (1/519)
909 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي فيما حكى عن السري قال : الخوف على ثلاثة أوجه : خوف في الدين و هو موجود في العامة يعلمون أنه يجب الخوف من الله عز و جل و خوف عارض عند تلاوة القرآن و القصص رقة كرقة النساء لها ثبوت و خوف مزعج مقلق ينحل القلب و البدن و يذهب بالنوم و الطعم و لا يسكن خوف الخائف أبدا حتى يأمن ما يخاف (1/519)
910 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ثنا محمد بن الحسين ثنا محمد بن جعفر بن عون أخبرني بكر بن محمد العابد عن الحارث الغنوي قال : آلى ربيع بن حراش أن لا يفتر عن أسنانه ضاحكا حتى يعلم أين مصيره فما ضحك إلا بعد موته و آلى أخوه ربعي بعده ألا يضحك حتى يعلم أفي الجنة هو أو في النار
قال الحارث الغنوي فلقد أخبرني غاسله أنه لم يزل متبسما على سريره و كنا نغسله حتى فرغنا منه (1/520)
911 - حدثنا أبو سعد الزاهد حدثنا أبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن بدمشق أنا أحمد بن الحسين القرشي ثنا مؤمل بن يهاب ثنا سيار بن حاتم عن جعفر بن سليمان ثنا المعلى بن زياد عن الحسن قال : قال غزوان الرقاشي : لله على أن لا يراني ضاحكا حتى أعلم أي الدارين داري
قال الحسن : فعزم و الله ما رؤي ضاحكا حتى لحق بالله عز و جل (1/520)
912 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو النعمان ثنا مهدي ثنا غيلان قال : سمعت مطرفا يقول : لو أتاني آت من ربي فخيرني بين أن يخبرني أفي الجنة أنا أم في النار و بين أن أصير ترابا لاخترت أن أصير ترابا
قال البيهقي رحمه الله : مطرف هذا هو ابن عبد الله بن الشخير (1/520)
913 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا أنا أبو العباس بن يعقوب ثنا الربيع بن سليمان عن عبد الله بن وهب أنا سليمان بن بلال حدثني عمرو عن المطلب : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لجبريل عليه السلام : يا جبريل ما لي لا أرى إسرافيل يضحك و لم يأتني أحد من الملائكة إلا رأيته يضحك قال : جبريل عليه السلام ما رأينا ذلك الملك ضاحكا منذ خلقت النار (1/521)
914 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا محمد بن الفرج الأرزق ثنا السهمي ثنا عباد قال : سمعت عدي بن أرطاة و هو على منبر المدائن ـ و هو يحدث هذا الحديث عن رجل كان قد سماه فنسيت اسمه ـ يحدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
إن لله عز و جل ملائكة ترعد فرائصهم من مخافته ما منهم ملك يقطر من عينيه دمعة إلا وقعت ملكا قائما يسبح (1/521)
915 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو بكر عبد الله بن يحيى الطلحي بالكوفة ثنا الحسين بن جعفر ثنا عبد الله بن أبي زياد ثنا سيار بن حاتم ثنا جعفر بن سليمان ثنا أبو عمران قال : بلغني أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم و هو يبكي فقال :
ما يبكيك ؟ قال : ما جفت لي عين منذ خلق الله جهنم مخافة أن أعصيه فليقيني فيها (1/521)
916 - أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله بن محمد الحرفي ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير الكوفي ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا زيد بن الحباب ثنا جعفر بن سليمان الضبعي ثنا أبو عمران الجوني عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن كعب : إن إبراهيم لأواه
قال : كان إذا ذكر النار قال : أوه (1/521)
917 - أخبرنا أبو سعد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي ثنا أحمد بن الحسين الكرخي ثنا الحسن بن شبيب ثنا أبو يوسف عن حمزة الزيات عن حمران بن أعين عن أبي حرب بن أبي الأسود : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع رجلا يقرأ :
{ إن لدينا أنكالا وجحيما * وطعاما ذا غصة }
قال أبو أحمد : رواه غير أبي يوسف عن حمزة عن حمران أن النبي صلى الله عليه و سلم سمع و لم يذكر أبا حرب في الإسناد
قال البيهقي رحمه الله : و هو مع ذكره فيه مرسل (1/522)
918 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو الحسين إسحاق بن أحمد الكارزي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا موسى بن هلال العبدي ثنا بشر بن منصور قال : كنت أوقد بي يدي عطاء العبدي و هو السليمي في غداة باردة فقلت له : يا عطاء يسرك الساعة لو أنك أمرت أن تلقي نفسك في هذه النار و لا تبعث إلى الحساب ؟ قال فقال : إي و رب الكعبة قال : ثم قال : و الله مع ذلك لو أمرت بذلك لخشيت أن تخرج نفسي فرحا قبل أن تصل إليها (1/522)
919 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني جعفر بن محمد بن نصير قال : سمعت الجنيد بن محمد يقول سمعت السري يقول : إني لأنظر إلى أنفي كل يوم مرارا مخافة أن يكون وجهي قد أسود (1/523)
920 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني جعفر بن محمد بن نصير حدثني الجنيد بن محمد قال : سمعت السري يقول : ما أحب أن أمت حيث أعرف فقيل له : و لم ذاك يا أبا الحسن ؟ قال : أخاف أن لا يقلبني قبري فافتضح (1/523)
921 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو الحسين إسحاق بن أحمد الكارزي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني جعفر بن محمد بن فضيل من أهل رأس العين ـ ثنا محمد بن كثير الصنعاني عن إبراهيم بن أدهم قال : كان عطاء السليمي ـ إذا انتبه في جوف الليل ـ يضرب فزعا إلى أعضائه يحسها مخافة أن تكون قد غير خلقته (1/523)
922 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو العباس السياري ثنا عبد الله بن علي الغزال ثنا علي بن الحسن بن شقيق ثنا عبد الله بن المبارك أنا يزيد بن يزيد البكري قال : قال أويس القرني : العرق كن في أمر الله كأنك قتلت الناس كلهم (1/523)
923 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس السياري ثنا عبد الله بن علي الغزال ثنا علي بن الحسن بن شقيق ثنا عبد الله بن المبارك أنا يزيد بن يزيد البكري قال : قال أويس القرني : العرق كن في أمر الله كأنك قتلت الناس كلهم (1/523)
924 - و بهذا الإسناد أخبرنا عبد الله بن المبارك أنا سفيان الثوري قال : كان لأويس القرني رداء إذا جلس مس الأرض و كان يقول : اللهم إني أعتذر إليك من كبد جائعة وجسد عار و ليس لي إلا ما على ظهري و في بطني (1/523)
925 - أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبور الدهان ثنا أبي ثنا عبد الملك بن أحمد الدقاق البغدادي ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا عباد بن الوليد القرشي قال : قال مالك بن دينار : لولا أن يقول الناس جن مالك للبست المسوح و وضعت الرماد على رأسي أنادي في الناس : من رأني فلا يعص ربه (1/524)
926 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت إسماعيل بن محمد بن الفضل بن الشعراني يقول : سمعت جدي يقول سمعت الصلت بن مسعود يقول : خرج الحسن بن صالح بن حي يوما من بيتي فنظر إلى جراد يطير فقال :
{ يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر }
ثم خر مغشيا عليه (1/524)
927 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني خلف بن محمد البخاري ثنا نصر بن زكريا المروزي ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت رابعة تقول : ما رأيت ثلجا قط إلا ذكرت تطاير الصحف ولا رأيت جرادا قط إلا ذكرت الحشر و لا سمعت أذانا قط إلا ذكرت منادي القيامة قالت : و قلت لنفس كوني في الدنيا بمنزلة الطير الوقع حتى يأتيك قضاءه (1/524)
928 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو عبد الله بن أمية القرشي بالساوة ثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق ثنا محمد بن داود بن عبد الله ثنا يحيى بن بسطام ثنا أبو طارق اللبان قال : كان عبد العزيز بن سلمان إذا ذكر القيامة صرخ كما تصرخ الثكلي و يصرخ الخائفون من جوانب المسجد و رفع الميتان من جوانب مجلسه (1/524)
929 - قال و ثنا أبو العباس بن مسروق حدثني عصمة بن سليمان حدثني عصمة بن عرفة العنبري قال : سمعت عنبسة الخواص قال : كان عتبة الغلام يزورني فربما بات عندي قال : فبات عندي ذات ليلة فبكى في السحر بكاءا شديدا فلما أصبح قلت : لقد فزعت قلبي منذ الليلة ببكائك فبم ذاك يا أخي ؟ قال : يا عنبسة ! و الله إني إذا تذكرت يوم العرض على الله ثم مال ليسقط فاحتضنته فجلعت أنظر إلى عينيه يتقلبان قد اشتدت حمرتهما قال ثم أزبد و جعل يخور فناديته : عتبة ! عتبة ! حبيبي ! قال فلبث ثلاثا لا يجيبني ثم هدا فناديته : عتبة ! عتبة فأجابني بصوت خفي : قطع ذكر العرض على الله أوصال المحبين
قال : ثم جعل يحشرج و يردد حشرجة الموت و يقول : أتراك تعذب محبيك و أنت الحي الكريم ! قال : فلم يزل يرددها حتى و الله أبكاني (1/525)
930 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله ابن أمية القرشي ثنا أبو العباس بن مسروق حدثني محمد بن داود بن عبد الله ثنا عبد الله بن الجوزي الأسدي حدثني محمد بن السماك قال : دخلت البصرة فقلت لرجل كنت أعرفه دلني على عبادكم فأدخلني على رجل عليه لباس الشعر طويل الصمت لا يرفع رأسه إلى أحد قال : فجعلت استنطقه الكلام فلا يكلمني قال : فخرجت من عنده فقال لي صاحبي : ها هنا ابن عجوز هل لك فيه ؟ قال : فدخلنا عليه فقالت العجوز لا تذكروا لابني شيئا مكن من أمر جنة و لا نار فتقتلوه علي فليس لي غيره قال : فلما دخلنا عليه فإذا عليه من اللباس مثل ما على صاحبه منكس الرأس طويل الصمت فرفع رأسه فنظر إلينا ثم قال أما أن للناس موقفا لا بد أن يقفوه قال قلت : بين يدي من رحمك الله ؟ قال : فشهق شهقة فمات قال ابن السماك : فجاءت العجوز فقالت : قتلتم ابني ! قال : فكنت فيمن صلى عليه ـ رحمه الله تعالى (1/525)
931 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان الحناط قال حدثني عبد الله بن محمد بن أحمد الهاشمي حدثني الحسن بن محمد الهاشمي عن محمد بن السماك قال : كنت أطوف أطلب العباد و الزهاد فذكر لي رجل بعبادان قد رفض الدنيا و أقبل على الآخرة جدا و اجتهادا فأتيت عبادان فسألت عنه فوصف لي داره فأتيت إلى باب دار كبيرة ليس عليها إلا باب بمصراع صغير فقرعت الباب فخرجت إلى جارية خماسية فقالت : من الطارق بالباب ؟ قلت : أنا يا جارية هذا منزل فلان العابد ؟ قالت : نعم قلت لها استأذتي عليه فإن أنا دخلت عليه وهبت لك درهما فقالت : يا عبد الله ما رأيت أحدا هو أجهل منك أدخل فما على أبي من حاجب و إنما الحجاب على أبواب الملوك و أبناء الملوك فبهت متعجبا من قولها ثم دخلت و دخلت معها و إذا دار قوراء ليس فيها إلا بيت صغير فدخلت البيت فإذا أنا برجل قد نحل من غير سقم وقد احتفر قبرا عند رجليه و قد دلى رجليه فيه و في يده خوص يشقه و هو يتلو هذه الآية :
{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون }
بصوت حزين فسلمت عليه فرد علي السلام و قال : أمن أخواني أنت قلت نعم و لست من أهل البصرة و لا من أهل عبادان قال : فمن أين أنت ؟ قلت من أهل الكوفة قال : فما اسمك ؟ قلت : محمد بن السماك قال : لعلك الواعظ ؟ قلت : نعم قال : فأخذ يدي بيديه جميعا ثم قال : لي : مرحبا و حياك الله يا أخي بالسلام و متعنا في الدنيا بالإخوان ! يا أخي ! ما زالت نفسي متطلعة إلى لقائك تحب أن تعرض داءها على دواءك أعلمك يا أخي أن بي جرجا قديما قد أعيي المعالجين قبلك فتأتاه برفقك و ألصق عليه ما تعلم أنه يلائمه من مراهمك قال : فعملت أن الرجل يريد أن أعظه فقلت : يا أخي و هل يداوي مثلي مثلك ؟ و جرجي انغل من جرحك و ذنبي أعظم من ذنبك فقال : سألتك بالله إلا ما وعظتني ! فقلت : يا أخي ! قد علمت أن ذنبك الذي أذنبت لم يمح و أن لذاذتك لم تبق و أن الموت يطلبك صباحا و مساء و إنك تصير غدا إلى ضيق اللحود و ظلمة القبور و مسألة منكر و نكير فلما قلت له ذلك شهق شهقة خر في قبره يخور كما الثور إذا وجي في منحره و أقبلت امرأته و ابنته تبكيان من وراء الحجاب و تقولان : سألناك بالله لا تزده شيئا فتقتله علينا
فأفاق فقال : يا أخي قد وافق دواءك دائي و لصق مرهمك بجرحي أخي ابن السماك ! زدني
فقلت له : يا أخي ! إن أهلك و ولدك قد حلفوني إني لا أزيدك شيئا فأقبل عليهم و قال : اعلم يا أخي أنه ليس أحد أشد علي وبالا و لا أعظم جرما مني إذا وقفت بين يدي ربي ـ من أهلي و ولدي
فقلت : يا أخي ! ما بعد ظلمة القبور و ضيق اللحود و مسألة منكر و نكير إلا الطامة قال : و ما هي يا ابن السماك ؟ فقلت له : إذا أخذ إسرافيل يعني في نفخ الصور و بعثر ما في القبور و جئنا نحن بأثقالنا نحمل عل الظهور فكم يا أخي في ذلك اليوم من مناد ينادي بالويل و البثور ؟ و أعظم من ذلك أيضا توبيخ الرب إيانا عند قراءة السيئات التي قد أحصى علي و عليك فيه النقير و الفتيل و القطمير و ملائكة متزرون بأزر من نار غضاب لغضب الرحمن ينتظرون ما يقال لعن بالغضب :
{ خذوه فغلوه }
قال فشهق شهقة فخر في قبره كأنه ثور قد وجي في منحره و بال فعرفت بالبول ذهاب عقله فأقبلت ابنته فاجتذبته و أسندته إلى صدرها و مسحت وجهه بكمها و هي تقول بأبي و أمي عينين طال ما سهرتا في طاعة الله ! بأبي و أمي عينين طال ما غضتا عن محارم الله
و أفاق فقال لي : عليك السلام يا ابن السماك أنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله وشهق الثالثة فظننت أنها مثل الأوليين فحركته فإذا الرجل قد فارق الدنيا (1/526)
932 - حدثنا أبو محمد بن يوسف إملاء حدثنا أبو بكر الطلحي بالكوفة ثنا حبيب بن نصر المهلبي ثنا عبد الله بن محمد حدثني أحمد بن عاصم ثنا الفضل بن عياض الكندي قال : مر عيسى ابن مريم عليه السلام بجبل بين نهرين عن يمينه نهر و عن يساره نهر و لا يدري من أين يجيء و لا من أين يذهب فقال عيسى أيها الجبل من أين يجيء هذا الماء و إلى أين يذهب ؟ فقال عيسى أيها الجبل من أين يجيء هذا الماء و إلى أين يذهب ؟ قال : أما الذي يجيء عن يميني فهو دموع عيني اليمنى و الذي عن يساري فهو دموع عيني اليسرى قال : ممن ذاك ؟ قال : من خوف ربي أن يجعلني من وقود النار قال عيسى فأنا أدعو أن يهبك مني فدعا فوهبه له فقال عيسى : قد وهبت لي فجاء منه من الماء ما أحتمل عيسى فذهب به فقال عيسى : اسكن بقوة الله فسكن فقال قد استوهبتك من ربي فوهبك لي فماذا قال : أما البكاء الأول فبكاء الخوف و أما البكاء الثاني فبكاء الشكر (1/528)
933 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا أبو عثمان الحناط ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : بينا أنا ذات يوم جالس بالشام في قبلة ليس عليها باب إلا كساء مسبل إذ أنا بامراة تدق على الحائط فقلت : من هذا ؟ فقلت : امرأة ضالة دلني على الطريق ـ رحمك الله ـ فقلت : عن أي الطريقين تسألين ؟ فبكت ثم قالت : عن طريق النجاة فقلت هيهات هيهات لا يقطع ذاك الطريق إلا بالسير الحثيث في الجد و تصحيح المعاملة و حذف العلائق الشاغلة من أمر الدنيا و الآخرة فبكت قالت ثم قالت : أما علائق الدنيا ففهمتها فما علائق الآخرة فقلت : لو وافيت القيامة بعمل سبعين نبيا لم يكن لك إلا ما كتب لك في اللوح المحفوظ و إن لجهنم زفرة يوم القيامة لو كان معك عمل سبعين نبيا ما كان بد من أن ترديها قال : فصرخت ثم قالت : سبحان من صان عليك جوارحك فلم تقطع سبحان من أمسك عليك قلبك فلم يتصدع ثم سقطت مغشيا عليها
قال ابن أخي أبي الحواري : و كانت عندنا جارية من المتعبدات فقلت لها أخرجي فانظري ما قصة هذا المرأة قال فخرجت فنظرت إليها فإذا هي قد فارقت الدنيا و إذا في جيبها رقعة مكتوب فيها : كفنوني في أثوابي فإني يك لي عند ربي خير فسبيدلني ما هو خير لي منها و إن يك غير ذلك فبعدا لنفسي و سحقا
قال ابن أبي الحواري : و إذا خدم قد أحاطوا بالجارية فقلت لبعضهم ما قصة هذه الجارية فقالوا : يا أبا الحسن هذه جارية كانت يظهر بها شيء نظن أنها مصابة بعقلها و كان الذي بها يمنعها من المطعم والمشرب و كانت تشكو إلينا وجعا في جوفها فكنا نعرض فكان نعرض عليها الأطباء فكانت تقول : أريد متطببا أشكو إليه بعض ما أجد من دائي عسى أن يكون عنده شفائي (1/528)
934 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي في التفسير قال : سمعت محمد بن عبد الله يقول سمعت أبا الحسن بن زرعان يقول سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول : بينا أنا في بعض طرقات البصرة إذ سمعت صعقة فأقبلت نحوها فرأيت رجلا قد خر مغشيا عليه فقلت : ما هذا ؟ قالوا : كان رجلا حاضر القلب فسمع آية من كتاب الله من رجل فخر مغشيا عليه فقلت و ما هي ؟ قال قوله :
{ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله }
فأفاق الرجل عند سماع كلامنا و أنشأ يقول :
( أما آن للهجران أن يتصرما و للغصن غصن البان أن يتبسما )
( و للعاشق الصب الذي ذاب و انحنى ألم يأن أن يبكى عليه و يرحما )
( كتبت بماء الشوق بين جوانحي كتابا حكى نفس الوشي المتيما )
ثم قال اشكال اشكال اشكال و خر مغشيا عليه فحركناه فإذا هو ميت (1/529)
935 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو علي الحسين بن صفوان ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسين حدثني محرز أبو هارون الضبي قال : كان عندنا رجل بالكوفة يغدو إلى الفرات فلا يزال يبكي حتى يرتفع النهار ثم يرجع فيقيل فإذا صلى انتصب لله فلا يزال مصليا إلى العصر ثم يروح إلى الفرات فيقعد يبكي قال : فقيل له في ذلك فقال : هذا مطيع لله أجراه برحمته و صيره رزقا لعباده و أنا أعصيه غير خائف و لا متوقع للنقم قال : ثم خر ميتا قال أبو هارون فأنا حضرت جنازته و ما علمت أن أحدا علم بموته فتخلف عنه (1/530)
936 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني محمد بن إسحاق بن حمزة البخاري حدثني أبي ثنا عبد الله بن المبارك ثنا محمد بن مطرف عن أبي حازم ـ أظنه ـ عن سهل بن سعد : أن فتى من الأنصار دخلته خشية من النار فكان يبكي عند ذكر النار حتى حبسه ذلك في البيت و ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فجاءه في البيت فلما دخل عليه اعتنقه الفتى و خر ميتا فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
جهزوا صاحبكم فإن الفرق فلذ كبده (1/530)
937 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : و أخبرنا أبو عبد الله الصفار على أثره ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ثنا محمد بن إسحاق الثقفي
و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى إملاء ثنا محمد بن إسحاق الثقفي أبو العباس حدثني أحمد بن منصور الأنصاري عن منصور بن عمار قال : حججت حجة فنزلت سكة من سكة الكوفة فخرجت في ليلة مظلمة فإذا بصارخ يصرخ في جوف الليل و هو يقول : إلهي و عزتك و جلالك ما أردت بمعصيتي إياك مخالفتك و لقد عصيتك إذا عصيتك و ما أنا بنكالك عاقل و لكن خطيئة عرضت أعانني عليها شقائي و غرني ستري المرخى علي و قد عصيتك بجهدي و خالفتك بجهلي فالآن من عذابك من يستنقذني ؟ و بحبل من اتصل إن أنت قطعت حبلك عني ؟ واشباباه ! فلما فرغ من قوله قرأت من كتاب الله عز و جل :
{ نارا وقودها الناس و الحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد } الآية
فسمعت حركة شديدة لم أسمع بعدها حسا فمضيت فلما كان الغد رجعت في مدرجتي فإذا أنا بجنازة قد وضعت و إذا عجوز كبيرة فسألتها عن أمر الميت و لم تكن عرفتني فقالت مر ها هنا رجل لا جزاه الله إلا جزاءه ! مر بابني البارحة و هو قائم يصلي فتلا آية من كتاب الله فلما سمعها ابني تقطعت مرارته فوقع ميتا (1/530)
938 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس الأصم أنا أبو العباس بن الوليد أخبرني أبو شعيب قال : قال لقمان لابنه : يا بني لقد وعظتك حتى لو كنت حجرا لا نفطرت ماء فبينا هو يعظه يوما إذ انصدع قلب الغلام و مات (1/531)
939 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله الصفار ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عتاب بن المثنى حدثني بهز بن حكيم قال : أمنا زرارة بن أبي أوفى في مسجد بني قشير فقرأ المدثر فلما انتهى إلى هذه الآية :
{ فإذا نقر في الناقور }
خر ميتا قال بهز : فكنت فيمن حمله (1/531)
940 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرني أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه ثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسين حدثني عمار بن عثمان الحلبي قال : حدثني حصن بن القاسم الوراق قال : كنا عند عبد الواحد بن زيد و هو يعظ فناداه رجل من ناحية المسجد : كف يا أبا عبيدة ! لقد كشفت قناع قلبي فلم يلتفت عبد الواحد إلى ذلك فمر في الموعظة فلم يزل الرجل يقول : كف يا أبا عبيدة ! لقد كشفت قناع قلبي و عبد الواحد يعظ لا يقطع موعظته حتى و الله حشرج الرجل حشرجة الموت و خرجت نفسه و أنا و الله شهدت جنازته يومئذ ما رأيت بالبصرة يوما أكثر باكيا من يومئذ (1/532)
941 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن محمد الصوفي بمرو ثنا محمد بن يونس القرشي ثنا إسماعيل بن نصر العبدي قال : نادى مناد في مجلس صالح المري : ليقم الباكون المشتاقون إلى الجنة فقام أبو جهث فقال اقرأ يا صالح :
{ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا * أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا }
فقال أبو جهث : أرددها يا صالح ! فما فرغ من الآية حتى مات أبو جهث (1/532)
942 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن عبد الله بن أمية القرشي بالساوة قال : ثنا أبو العباس بن مسروق ثنا محمد بن داود حدثني يحيى بن بسطام ثنا أبو طارق قال : شهدت ثلاثة رجال أو نحوهم ماتوا في مجلس الذكر يمشون بأرجلهم صحاحا إلى المجالس و أجوافهم و الله قرحة فإذا سمعوا الموعظة انصدعت قلوبهم فماتوا قال يحيى : فقلت لأبي طارق مجتمعين ؟ قال : لا بل متفرقين في المجلس الرجل و الرجلان و نحو ذلك (1/532)
943 - أخبرنا أبو سعيد الماليني ثنا أبو أحمد بن عدي الحافظ أنا الساجي ثنا أحمد بن يحيى الصولي قال : حدثني جعفر بن محمد بن عبيد الله بن موسى قال : سمعت جدي عبيد الله بن موسى قال : كنت أقرأ على علي بن صالح فلما بلغت إلى قوله :
{ فلا تعجل عليهم }
سقط الحسن بن صالح يخور كما يخور الثور فقام إليه علي فرفعه و مسح على وجهه ورش عليه الماء و أسنده إليه (1/533)
944 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو علي الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد القرشي حدثني رجل من قريش و قال إنه من ولد طلحة بن عبيد الله قال : كان توبة بن الصمة بالرقة و كان محاسبا لنفسه فحسب فإذا هو ابن ستين سنة فحسب أيامها فإذا هي إحد و عشرون ألف يوم و خمسمائة يوم فصرخ و قال : يا ويلتي ألقى المليك بأحد و عشرين ألف ذنب ؟ فكيف و في كل يوم عشرة آلاف ذنب ! ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت فسمعوا قائلا يقول : يا لك ربضه في الفردوس الأعلى (1/533)
945 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد ثنا عمار بن عثمان الحلبي ثنا جعفر بن سليمان ثنا المعلى بن زياد عن الحسن قال : كان لصفوان سرب يبكي فيه (1/533)
946 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد بن بلال ثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي قال : سمعت أبا بكر بن عياش يقول : دخلت على أبي حصين أعوده و هو قاعد هكذا ـ و خفض أبو بكر رأسه حتى جعله بين ركبته و هو قاعد ـ فقال لو رأيته لرحمته ثم قرأ :
{ و ما ظلمناهم و لكن كانوا هم الظالمين }
{ و ما ظلمناهم و لكن ظلموا أنفسهم } (1/533)
947 - أخبرنا أبو حفص عمر بن الخضر بمكة أنا هشام بن محمد بن قرة ثنا أبو بشر الدولابي ثنا أبو محمد عبد الله بن خبيق الأنطاكي قال : سمعت يوسف بن أسباط يقول : مكث عبد العزيز بن أبي رواد أربعين سنة لا يرفع طرفه إلى السماء (1/534)
948 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ يقول : سمعت محمد بن عبد الوهاب الفراء يقول سمعت الحسين بن منصور يقول : أنا حفص بن عبد الرحمن قال : أتيت مسعر بن كدام ليحدثني و كأنه رجل أقيم على شفير قبر ليدفع فيه قال و قال : ـ مرة أخرى على شفير جهنم ليلقى فيها (1/534)
949 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا أبو سعيد محمد بن شاذان ثنا أبو هشام الرفاعي قال : سمعت يحيى بن يمان يقول : لقيني سفيان الثوري عند جبل بني فزارة فقال : إني لأرى الشيء يجب علي أن آمر به أو أنهى عنه لا أفعل فأبول دما (1/534)
950 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا بكر محمد بن جعفر ابن يزيد الآدمي القارئ ببغداد يقول : سمعت أبا العيناء محمد بن القاسم يقول : سمعت عبد الله بن خبيق يقول : قال : يوسف بن أسباط : كان سفيان الثوري إذا أخذ من ذكر الآخرة يبول الدم (1/534)
951 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا منصور محمد بن أحمد بن بشر الصوفي يقول سمعت محمد بن عمرو بن النضر الحرسي يقول سمعت أيوب بن الحسن الفقيه يقول : سمعت علي بن عثام العامري يقول سمعت يحيى بن اليمان يقول سمعت سفيان الثوري يقول : لقد خفت الله خوفا وددت أنه خفف عني (1/535)
952 - قال علي : و حدثني داود بن يحيى بن يمان عن أبيه قال : قال الثوري : خفت الله خوفا عجبت لي كيف ما مت إلا أن لي أجلا أنا بالغه (1/535)
953 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن جعفر المزكي ثنا عبد الله بن سلمة المؤدب ثنا محمد بن عبد الوهاب قال : سمعت علي بن عثمان يقول : بكى سفيان يوما ثم قال : بلغني أن العبد أو الرجل إذا كمل نفاقه ملك عينيه فبكى (1/535)
954 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا الفضل محمد بن إبراهيم يقول : سمعت جعفر بن أحمد الشاماتي يقول : سمعت مهنأ بن يحيى الشامي يقول سمعت زيد بن أبي الزرقاء يقول : حمل ماء سفيان الثوري إلى طبيب في علته فلما نظر قال : هذا ماء رجل قد أحرق الخوف جوفه (1/535)
955 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن يزيد الرفاعي ثنا يزيد بن هارون عن عمرو بن حمزة ابن أخت سفيان الثوري قال : ذهبت ببول سفيان الثوري إلى الديراني فأريته إياه فقال ما هذا ببول حنيف قلت : بلى و الله من خيارهم و كان لا يخرج من باب الدير قال : أنا أجي معك إليه قلت لسفيان : إنه يأتيك فأتاه فمس عرقه : هذا رجل قد قطع الحزن كبده (1/535)
956 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ثنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان حدثني الحسين بن الحسن عن الهيثم بن جميل عن ابن أخي سفيان قال : لما تعبد سفيان سقم و كنا نعرض تفسرته على المطببين فلا يعرفون ما به حتى حملناه إلى راهب في ناحية الحيرة قال : فلما نظر إلى تفسرته قال : ليس بصاحبكم مرض إنما الذي به لما دخله من الخوف أو نحو هذا (1/536)
957 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان حدثني سعيد بن أسد ثنا ضمرة عن رجاء بن أبي سلمى عن رشدين بن خباب قال : مرض حازم بن الوليد بن بجير الأزدي فدعوت له طبيبا فنظر إليه فلما خرج تبعته فقال : ما بصاحبكم هذا إلا الحزن فلما عدت أخبرته أن الطبيب قال لي : ما بصاحبكم إلا الحزن قال : صدق إني ذكرت مواقف يوم القيامة ففزع لذلك قلبي (1/536)
958 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا خالد بن خداش قال : كنت أقعد إلى وسيم البلخي ثم قلت و كان أعمى و كان يحدث و يقول : أوه القبر و ظلمته و اللحد و ضيقه كيف أصنع ! ثم يغم عليه ثم يعود فيحدث و يصنع ذا مرات حتى يقوم (1/536)
959 - أخبرنا أبو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف السوسي ثنا أبو العباس الأصم قال : سمعت العباس بن الوليد يقول : سمعت أبي يقول : سمعت الأوزاعي يقول : إذا ذكرت جهنم فليبك من كان باكيا (1/536)
960 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق أنا أبو عثمان سعيد بن عثمان ثنا رباح بن الجراح الموصلي قال : كانت آمنة بنت المورع من الخائفين و كانت إذا ذكرت النار قالت : أدخلوا النار و أكلوا من النار و شربوا من النار و عاشوا في النار ثم تبكي
و كان بكاؤها أطول من ذلك قال : و كانت إذا ذكرت النار و أهل النار بكت و أبكت و ما رأيت أحدا أشد خوفا منها و لا أكثر بكاء (1/537)
961 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان قال : سمعت السري يقول : قلت لبعض العباد : ما الذي أنصب العباد و أخشاهم
قال : ذكر المقام و خوف الحساب ثم قال لي : يا أبا الحسن و لم لا تذوب أبدان العباد و الزهاد و الخدام فزعا و القيامة أمامهم و لهم في يومها ما قد علموا ثم صاح صيحة أفزعتني ثم قال : يا أبا الحسن من لي في ذلك الموقف ؟ و من لتحسري تلذذي و لجوعي و لعطشي ؟
ثم قال إليك يا أبا الحسن فقد حركت مني ساكنا و أبرزت مني غما كامنا ثم صاح فقال و أطول وقفتاه ! واتحسراه واثقل ظهراه من حمل الذنوب و المظالم و الخطايا و أوساخ العيوب ! ثم قال : أوه من حملها ! أوه من ذكرها ! أوه من ثقلها ! أوه من إقراري بها على نفسي ! ثم استرجع فقال : سيدي ! فأين سترك الجميل القديم سيدي ؟ و أين حلمك سيدي ؟ فأين عفوك سيدي ؟ فأين فضلك المعتمد به لعبادك سيدي ؟ فاستنقذني و برحمتك فسلمني ثم بكى و أبكانا معه فتركته و هو باك حزين فزع القلب و إنصرفت عنه (1/537)
962 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا الحجاج بن منهال ثنا مهدي بن ميمون ثنا غيلان قال : قال مطرف : لقد كاد خوف النار أن يحول بيني و بين أن أسأل الجنة (1/537)
963 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى سمعت أبا عبد الله بن محمد بن شاذان عبد الله يقول : سمعت علي بن سلمة اللبقي يقول سمعت سفيان بن عيينة يقول : أقلهم ذنبا أخوفهم لربه عز و جل لأنهم أصفاهم قلبا (1/538)
964 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو محمد بن أبي حامد المقرئ قالا : ثنا أبو العباس الأصم ثنا الخضر بن أبان ثنا سيار ثنا جعفر قال : سمعت مالكا يقول : يا هؤلاء إنما المؤمن مثل الشاة المأبورة التي أكلت إبرة فهي تأكل و لا تقطع علتها ـ لما قد خالطه من الحزن لمن بين يديه (1/538)
965 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني علي بن عيسى بن إبراهيم ثنا أبو يحيى زكريا بن داود الخفاف حدثني أحمد بن الخليل البغدادي بنيسابور حدثني يحيى بن أيوب قال : دخلت مع زافر بن سليمان على الفضيل بن عياض بالكوفة فإذا الفضيل و شيخ معه ـ قال : فدخل زافر و أقعدني على الباب ـ قال زافر و أقعدني على الباب ـ قال زافر : فجعل الفضيل ينظر إلي ثم قال : يا أبا سليمان هؤلاء أصحاب الحديث ليس شيء أحب إليهم من قرب الإسناد ألا أخبرك بإسناد لا شك فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم عن جبريل عليه السلام عن الله تعالى :
{ نارا وقودها الناس و الحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد }
قرأ الآية
فأنا و أنت يا أبا سليمان من الناس قال : ثم غشي عليه و على و على الشيخ و جعل زافر ينظر إليهما قال : ثم تحرك الفضيل فخرج زافر و خرجت معه و الشيخ مغشي عليه (1/538)
966 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا عمرو بن عاصم ثنا همام عن قتادة قال : سأل عامر بن عبد الله ربه عز و جل أنه يهون عليه الطهور في الشتاء فكان يؤتى بالماء له بخار و سأل ربه أن ينزع شهوة النساء من قلبه فكان لا يبالي ذكرا لقي أو أنثى و سأل ربه أن يحول بين الشيطان و بين قلبه في الصلاة فلم يقدر على ذلك و كان إذا غزا فيقال له هذه الأجمة نخاف عليك فيها الأسد قال : إني لأستحي من ربي أن أخشى غيره (1/539)
967 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة ثنا أبو حامد أحمد بن الحسين الهمداني القاضي ببلخ إملاء ثنا أبو بكر الأنباري حدثني أبي ثنا حماد بن الحسن النهشلي الوراق ثنا محمد بن بشر المكي قال : كنا يوما ماضين مع علي بن الفضيل فمررنا بمجلس بني الحارث المخزومي و معلم يعلم الصبيان قال و يقرأ :
{ ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى }
فشهق ابن فضيل شهقة خر مغشيا عليه فجاء الفضيل فقال : بأبي قتيل القرآن ! ثم حمل فحدثني بعض من حمله أن الفضيل أخبره أن عليا ابنه لم يصل ذلك اليوم الظهر و لا العصر و لا المغرب و لا العشاء فلما كان في جوف الليل أفاق (1/539)
968 - أخبرنا عبد الرحمن السلمي أنا عبد الله بن محمد الرازي ثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا جعفر بن محمد قال : قيل لفضيل بن عياض ما سبب موت ابنك علي ؟ قال : بات يتلو القرآن فأصبح في محرابه ميتا (1/539)
969 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو بكر بن الحسن و أبو سعيد بن أبي عمرو قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن سليمان البرلسي ثنا عباد بن موسى ثنا أبو إسماعيل المؤدب عن الأعمش عن زيد بن وهب قال : غزونا فمررنا بأجمة في مكان مخوف فإذا رجل نائم عند فرسه قلنا يا عبد الله مالك ؟ قال : و مالي ؟ قلنا : في مثل هذا المكان تنام ؟ قال : إني لأستحي من ربي أن يعلم أني أخاف شيئا غيره (1/540)
970 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا إسحاق بن أحمد الكارزي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا سفيان بن وكيع ثنا أبو بكر يعني ابن عياش عن الأعمش عن زيد بن وهب قال : خرجنا في سرية فإذا رجل في أجمة نائم مغطى الرأس قال فأنبهناه و قلنا لأنت في موضع مخيف فما تخاف فيه ؟ فكشف عن رأسه و قال : إني لأستحي منه أن يراني أخاف أحدا سواه
رواه أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق قال : خرجنا في ليلة مخوفة فمررنا برجل نائم في أجمة قد قيد فرسه وهي ترعى عند رأسه فأيقظناه و قلنا له : تنام في هذا المكان ؟ قال : فرفع رأسه و قال : إني لأستحي من ذي العرش أن يعلم أني أخاف شيئا دونه (1/540)
971 - أخبرنا أبو زكريا بن إسحاق ثنا أبو محمد يحيى بن منصور الحاكم إملاء أنا أبو سعيد محمد بن شاذان ثنا محمد بن المثنى ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن شقيق : فذكره (1/540)
972 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأني أبو العباس محمد بن يعقوب و قرأته من خطه فيما أجازه له محمد بن عبد الوهاب قال : علي بن عثام قال عمر بن عبد العزيز : من خاف الله أخاف الله منه كل شيء و من لم يخف الله خاف من كل شيء (1/540)
973 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا جعفر بن محمد ثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال : سمعت سري بن المغلس يقول سمعت الفضيل بن عياض يقول : من خاف الله لم يضره أحد و من خاف غير الله لم ينفعه أحد (1/541)
974 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا عبد الرحمن بن حمدان الهمداني ثنا أبو حاتم الرازي ثنا عمران بن موسى الطرسوسي ثنا فيض بن إسحاق الرقي قال : قال الفضيل بن عياض : إن خفت الله لم يضرك أحد و إن خفت غير الله لم ينفعك أحد (1/541)
974 - مكرر ـ و بهذا الإسناد قال : سألت الفضيل بن عياض عن شيء قال : من خاف الله خاف منه كل شيء و من خاف غير الله خاف من كل شيء
و قد روى هذا اللفظ عن واثلة بن الأسقع مرفوعا غير أن إسناده مجهول (1/541)
975 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أحمد بن علي يقول سمعت أبا الخير الديلمي يقول قال : أبو عطر الدمشقي : حقيقة الخوف أن لا تخاف مع الله أحدا (1/541)
976 - أخبرنا أبو سعد الماليني ثنا أحمد بن محمد بن الحسن أنا أبو العباس بن حمكويه قال : سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول : على قدر حبك لله يحبك الخلق وعلى قدر خوفك من الله يهابك الخلق و على قدر شغلك بأمر الله يشغل في أمرك الخلق (1/541)
977 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضيل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا سليمان بن حرب ثنا جرير بن حازم ثنا المغيرة بن حكيم قال : قالت لي فاطمة بنت عبد الملك ـ امراة عمر بن عبد العزيز : يا مغيرة ! إنه يكون في الناس من هو أكثر صلاة صياما من عمر و ما رأيت أحدا قط أشد فرقا من ربه من عمر كان إذا صلى العشاء قعد في المسجد ثم يرفع يديه فلم يزل يبكي حتى تغلبه عينه ثم ينتبه فلم يزل رافعا يديه يبكي حتى تغلبه عينه (1/541)
978 - أخبرنا أبو الحسين أنا عبد الله ثنا يعقوب ثنا عبد الله بن عثمان ثنا عبد الله هو ابن المبارك ثنا محمد بن أبي حميد المدني عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة : قال : شهدت عمر بن عبد العزيز و محمد بن قيس يحدثه فرأيت عمر يبكي حتى اختلفت أضلاعه (1/542)
979 - قال : ثنا ابن عثمان ثنا عبد الله عن ميمون بن مهران : أن عمر بن عبد العزيز أتي بسلق و أقراص فأكل ثم اضطجع على فراشه و غطى وجهه بطرف ردائه و جعل يبكي و يقول : عبد بطيء بطين يتباطأ و يتمنى على الله منازل الصالحين (1/542)
980 - أخبرنا أبو محمد السكري ببغداد أنا أبو بكر الشافعي ثنا جعفر بن محمد بن الأزهر ثنا المفضل بن غسان الغلابي قال : كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله لا يجف دمعه من هذا البيت :
( و لا خير في عيش امرئ لم يكن له من الله في دار القرار نصيب ) (1/542)
981 - أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران أنا أبو عمرو بن السماك ثنا حنبل بن إسحاق ثنا عفان ثنا همام عن قتادة قال : قال لي العلاء بن زياد : ما نحن إلا كمثل القوم وضعنا أنفسنا في النار و إن شاء الله أن يخرجنا منها برحمته أخرجنا (1/542)
982 - قال : و قال مورق : ما وجدت للموت مثلا إلا كمثل رجل على خشبة في البحر فهو يقول يا رب لعل الله أن ينجيه (1/543)
983 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا محمد بن يزيد الكوفي ثنا سعيد بن عبد الله بن الربيع بن خيثم عن عمته قالت : كنت أقول لأبي يا أبتاه ألا تنام فيقول : يا بنية كيف ينام من يخاف البيات (1/543)
984 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة ثنا أبو أحمد الحسين بن علي أنا أبو القاسم البغوي ثنا أحمد بن حنبل ثنا سيار بن حاتم ثنا جعفر بن سليمان ثنا مالك بن دينار قال : قالت ابنة الربيع بن خيثم : يا أبتاه إني أرى الناس ينامون و أنت لا تنام قال : يا بنية ! إن أباك يخاف البيات (1/543)
985 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال : سمعت أبا عثمان الحناط قال : سمعت ذا النون و شكا إليه رجل السبات فقال له : لو خفت البيات لم غلبك السبات ثم أنشأ ذو النون يقول : تحل لمولاك بالطاعة و البس له قناع ذل الفاقة يرى اهتماهك ببلوغ رضوانه فيؤديك بذلك منازل الأبرار (1/543)
985 - مكرر ـ و بإسناده قال : سمعت ذا النون يقول : ثلاث من أعلام الخوف : الورع عن الشبهات بملاحظة الوعيد و حفظ اللسان من مراقبة النظر العظيم و دوام الكمد إشفاقا من غضب الحليم (1/543)
986 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قال : سمعت أبا الفتح البغدادي و كان من أصحاب جعفر بن محمد بن نصير الصوفي قال : بت ليلة في مسجد الشونيزية فأقلقني النوم فسمعت قائلا أسمع صوته و لا أرى شخصه يقول :
( فكيف تنام العين و هي قريرة و لم تدر في أي المحلين تنزل )
فذهب عني النوم (1/544)
987 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس العنزي ثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال : سمعت نعيم بن حماد يقول : كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق يصير كأنه ثور منحور أو بقرة منحورة من البكاء لا يجترئ أحد منا أن يدنو منه أو يسأله عن شيء إلا دفعه (1/544)
988 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر الجراحي ثنا يحيى بن ساسويه ثنا عبد الكريم السكري ثنا وهب بن زمعة قال : أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن الأشعث قال : مرض ابن المبارك مرضا فجزع حتى رأوه جزعا فقيل له : إنه ليس بك كل ذلك و أنت تجزع هذا الجزع ؟ قال : مرضت و أنا بحال لا أرضاه (1/544)
989 - قال أبو إسحاق و قال الفضيل يوما و ذكر عبد الله ـ و قال : أما إني أحبه لأنه يخشى الله عز و جل (1/544)
990 - قال أبو إسحاق : قيل لابن المبارك رجلان أحدهما خائف و الآخر قتل في سبيل الله قال : أحبهما إلي أخوفهما (1/544)
991 - قال وهب : أخبرني أبو خزيمة العابد قال : دخلت على عبد الله و هو مريض فجعل يتقلب على فراشه من الغم فقلت له : يا أبا عبد الرحمن ما هذا أصبر قال : و من يصبر على أخذ الله إن أخذه أليم شديد (1/544)
992 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن العباس يقول أنا أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ ثنا أبو جعفر الشامي ثنا عبد الله بن عاصم الهروي : أن شيخا دخل على عبد الله بن المبارك فرآه على وسادة خشنة مرقعة قال : فأردت أن أقول له فرأيت به من الخشية حتى رحمته فإذا هو يقول قال الله عز و جل :
{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم }
قال : لم يرض الله أن ننظر إلى محاسن المرأة فكيف بمن يزني بها
و قال الله عز و جل :
{ ويل للمطففين }
في الكيل و الوزن فكيف بمن يأخذ المال كله ؟
و قال الله عز و جل :
{ و لا يغتب بعضكم بعضا }
و نحو هذا فكيف بمن يقتله ؟ قال : فرحمته و ما رأيته فيه فلم أقل له شيئا (1/544)
993 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أحمد بن سلمان الفقيه ثنا الحارث بن محمد ثنا العباس بن أبان ذكره عن بعض العلماء قال : ذو الدين يخاف العقاب و ذو الكرم يخاف العار و ذو العقل يخاف التبعة (1/545)
فصل ـ قال الحليمي رحمه الله تعالى : و قد يجد الناس في أنفسهم الخوف من أشياء كثيرة مثل خوف الوالد من موت ولده أو ذهاب ماله أو الغرق أو الحرق أو الهدم أو ذهاب السمع و البصر أو الوقوع بيد السلطان الجائر أو الابتلاء بسبع أو عدو من كان و ما يشبه ما ذكرنا من أصناف المكاره إلا أن هذا ينقسم إلى محمود و مذموم فالمحمود أن يكون الخوف من هذه الأمور لما يمكن أن يكون تحتها من سخط الله ـ عز و جل ثناؤه ـ فإنها قد تكون عقوبات و مؤخذات فمن خافها فامتنع لأجلها من المعاصي و لم يأمن من أن يغير عليه كانت منزلته منزلة من امتنع من المعاصي خيفة النار و كذلك إن خشي أن يكون أخذ الله منه ما أعطاه ابتلاء له و اختبارا حتى إن صبر و احتسب أثابه و إن جزع و اضطرب و لم يسلم لقضائه زاده سلبا فخاف أن ذلك إن كان ذلك لم يملك نفسه و كان منه بعض ما لا يحبه الله تعالى جده و ما هذا الوجه كان إشفاقه و كراهيته لهذه الأمور فهذا أيضا محمود و هذا خوف ينشأ عن التعظيم و المحبة جميعا و أما المذموم فهو أن يكون خوفه بعض هذه الأمور لحرصه على ماله فيها من المنافع الدنيوية و شدة ركونه إليها و ميله إلى التكثر بماله منها و التوصل بها إلى ما يريد و يهوى كان في ذلك رضى الله أو سخطه و إنما كان هذا مذموما للغرض الذي عنه ينشأ هذا الخوف و لأن جميع نعم الله عند العبد من مال و ولد و ما يشبههما إنما هي عوار و الركون إلى العواري ليس من فعل العقلاء و المخلصين و الله أعلم قال البيهقي رحمه الله : و قد جاء في الأخبار و الآثار ما يؤكد صحة ما قاله الحليمي رحمه الله في هذا الفصل و سياق جميع ذلك ها هنا يطول فمن ذلك ما : (1/545)
994 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا معاذ بن المثنى ثنا القعنبي ثنا سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن عطاء بن أبي رباح أنه سمع عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم تقول : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كان يوم ذا ريح و غيم عرف ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقبل و أدبر فإذا مطرت سري عنه و ذهب عنه ذلك قالت : فسألته فقال :
إني خشيت أن يكون عذابا سلط على أمتي
و يقول : إذا رأى المطر رحمه الله ـ و في رواية موسى رحمه فقط و قال : عرف ذلك في وجهه
رواه مسلم في الصحيح عن عبد الله بن مسلمة القعنبي
و أخرجه البخاري من حديث ابن جريج عن عطاء (1/546)
995 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا الكديمي ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا ابن عوف عن ثمامة عن أنس بن مالك قال : كنت أصنع خبزة لهم فسمعت نقيض الأرض فخرجت فإذا الأرض قد تشققت و إذا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يبكون و يدعون حتى ذهبت (1/547)
996 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس الأصم ثنا العباس الدوري ثنا يونس بن محمد المؤدب ثنا عبيد الله يعني ابن النضر حدثني أبي : أنها كانت ظلمة على عهد أنس حتى كأن النهار مثل الليل قال : فأتيته بعد ما أنجلت فقلت يا أبا حمزة هل كان يصيبكم مثل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : معاذ الله إن كانت الريح لتشتد فنبتدر إلى المسجد أينا يدخله أولا (1/547)
997 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا أبو عثمان الحناط ثنا أحمد بن أبي الحواري حدثنا أبو زكريا الخلقاني الهمداني قال : كنا عند علي بن بكار فمرت سحابة فسألته عن شيء فقال لي اسكت حتى تجوز السحابة أما تخشى أن يكون فيها حجارة نرمى بها ؟ (1/547)
998 - أخبرنا أبو أسامة محمد بن أحمد بن محمد بن القاسم المقرئ الهروي بمكة ثنا الحسن بن رشيق حدثني أبو علي الروذباري قال : سمعت أبا أحمد الزهيري يقول : سمعت أبا بكر بن هارون الحمال يقول : سمعت الحارث المحاسبي يقول : و ذكر البلاء فقال : هو للمخلطين عقوبات و للتائبين طهارات و للطاهرين درجات (1/547)
999 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن حمشاد قال : سمعت أحمد بن سلمة يقول سمعت الحسين بن منصور يقول كثيرا ما كنت أسمع علي بن عثام يقول : اللهم لا تبل أخبارنا
قال البيهقي رحمه الله : و هذا كقوله تعالى :
{ و نبلو أخباركم }
و ذلك فيما يبتليهم به في الجهاد و غيره لينظر كيف صبرهم فخاف علي بن عثام أن لا يقوم بصبره فقال : اللهم لا تبل أخبارنا
آخر كتاب الخوف
انتهى الجزء الأول و يليه إن شاء الله الجزء الثاني و أوله الثاني عشر من شعب الإيمان و هو باب في الرجاء من الله تعالى (1/548)
بسم الله الرحمن الرحيم ـ الثاني عشر من شعب الإيمان ـ باب في الرجاء من الله تعالى و فيه فصول ـ قال الحليمي رحمه الله : و هو على وجوه أحدها : رجاء الظفر بالمطلوب و الوصول إلى المحبوب و الثاني : رجاء دوامه بعد ما حصل و الثالث : رجاء دفع المكروه و صرفه كي لا يقع و الرابع : رجاء الدفع و الإماطة لما قد وقع و كل ذلك قول مجمل على التفصيل الذي سأذكره للدعاء و إذا استحكم الرجاء حدث عنه من التخشع و التذلل نحو ما يحدث عن الخوف إذا استحكم لأن الخوف و الرجاء متناسبان إذ الخائف في حال خوفه يرجو خلاف ما يخافه و يدعو الله عز و جل به و يسأله إياه و الراجي في حال رجائه خائف ما يرجو و يستعيذ بالله منه و يسأله صرفه و لا خائف إلا و هو راج و لا راجي إلا و هو خائف ـ و بسط الكلام فيه إلى أن قال ـ و لأجل تناسب الأمرين قرن الله تعالى بهما في غير آية من كتابه فقال : { وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين } فالخوف : الإشفاق و الطمع : الرجاء و قال في قوم مدحهم و أثنى عليهم : { يرجون رحمته و يخافون عذابه } و قال : { و يدعوننا رغبا و رهبا و كانوا لنا خاشعين } فالرغبة : الرجاء و الرهبة : الخوف (2/3)
1000 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق أنا يوسف بن يعقوب ثنا أبو الربيع ثنا إسماعيل بن جعفر قال : أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد و لو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد
أخرجه مسلم في الصحيح عن جماعة عن إسماعيل
و أخرجه البخاري من حديث المقبري عن أبي هريرة (2/4)
1001 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حامد المقرئ و أبو عبد الرحمن السلمي قالوا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الخضر بن أبان الهاشمي ثنا سيار بن حاتم ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس : أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل على شاب و هو في الموت فقال :
كيف تجدك ؟ قال : أرجو الله و أخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو و آمنه مما يخاف (2/4)
1002 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا محمد بن إسحاق البغوي ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على رجل يعوده فوجده في الموت فقال : كيف تجدك ؟ قال : أجدني أخاف و أرجو قال :
لا يجتمعان في قلب مؤمن إلا أعطاه الله الذي يرجو منه و آمنه من الذي يخاف
كذا قاله جعفر بن سليمان الضبعي (2/4)
1002 - مكرر ـ و رواه أبو ربيعة عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبيد بن عمير قال : دخل النبي صلى الله عليه و سلم على رجل من أصحابه و هو مريض فقال :
كيف تجدك ؟ قال : أجدني راغبا راهبا قال : و الذي نفسي بيده لا يجتمعان لأحد عند هذا الموضع إلا أعطاه ما رجا و آمنه مما يخاف (2/4)
1003 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد ثنا عباد بن سعيد الجعفي ثنا محمد بن عثمان بن بهلول ثنا بهلول ثنا إسماعيل بن زياد أبو الحسن عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشتكى فدخل عليه النبي صلى الله عليه و سلم يعوده فقال :
كيف تجدك يا عمر ؟ فقال : أرجو و أخاف فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما اجتمع الرجاء و الخوف في قلب مؤمن إلا أعطاه الله الرجاء و آمنه الخوف (2/5)
1004 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى بن الفضل قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن منقذ حدثني إدريس بن يحيى عن أبي إسحاق الرباحي عن ابن أبي مالك قال : دخل واثلة بن الأسقع على مريض يعوده فقال له : كيف تجدك ؟ قال المريض : لقد خفت الله خوفا خشيت أن لا يقوم لي بعد نظام و رجوت الله رجاء فرجائي فوق ذلك فقال واثلة : الله أكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : أقسم الخوف و الرجاء أن لا يجتمعا في أحد في الدنيا فيرح ريح النار و لا يفترقا في أحد في الدنيا فيرح ريح الجنة (2/5)
1005 - أخبرنا أبو عبد الله و محمد بن موسى قالا : حدثنا أبو العباس ثنا الربيع بن سليمان ثنا أيوب بن سويد حدثني عتبة بن أبي حكيم قال : عاد واثلة بن الأسقع يزيد بن الأسود الجرشي و قد نزل به الموت فقال : يا أخي كيف تجدك ؟ قال : أجدني أرجو و أخاف قال : له أيهما في نفسك أكثر ؟ قال : الرجاء قال واثلة : الله أكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
قال الله عز و جل : أن عند ظن عبدي بي (2/5)
1006 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا أنا أبو خثيمة ثنا شبابة بن سوار عن هشام بن الغاز حدثني حيان أبو النضر قال : قال لي واثلة بن الأسقع : قدني إليه يزيد بن الأسود فإني قد بلغني أن ألما نزل به قال : فقدته فدخل عليه و هو ثقيل و قد وجه يعني نحو القبلة و قد ذهب عقله قال : نادوه فنادوه فقلت : إن هذا واثلة بن الأسقع أخوك قال : فأبقى الله من عقله أن سمع فجعلتها في كفه و إنما أراد أن يضع يده في يد واثلة ذلك لموضع يد واثلة من يد رسول الله صلى الله عليه و سلم و جعل يضعها مرة على صدره و مرة على وجهه و مرة على فيه فقال واثلة : ألا تخبرني عن شيء أسألك عنه كيف ظنك بالله ؟ قال : أعجزتني ذنوب لي أشفيت على هلكة و لكن أرجو رحمه الله فكبر واثلة و كبر أهل البيت بتكبيره و قال : الله أكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
يقول الله عز و جل : أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء (2/6)
1007 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد أبي الدنيا ثنا عمرو بن محمد ثنا خلف بن خليفة عن حصين عن إبراهيم قال : كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته لكي يحسن ظنة بربه (2/6)
1008 - قال و حدثنا عبد الله ثنا سوار بن عبد الله العنبري ثنا المعتمر بن سليمان قال : قال لي أبي ـ حين حضرته الوفاة :
يا معتمر حدثني بالرخص لعلي ألقى الله و أنا حسن الظن به (2/7)
1009 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا حدثنا محمد بن الحسين حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي ثنا أبو سلمة التيمي قال : سمعت عبد الأعلى التيمي يقول : لجار له قد حضره الموت أكثر من جزعك من الموت و أعد لعظيم الأمور حسن الظن بالله عز و جل (2/7)
1010 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد الأسفراييني ثنا سعيد بن عثمان قال : سمعت السري بن المغلس يقول : الخوف أفضل من الرجاء ما كان الرجل صحيحا فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل من الخوف
فقال له رجل كيف يا أبا الحسن ؟
قال : لأنه إذا كان في صحته محسنا عظم رجاءه عند الموت و حسن ؟ ظنه بربه و إذا كان في صحته مسيئا ساء ظنه عند الموت و لم يعظم رجاءه
قال البيهقي رضي الله عنه : و إنما أراد به خوفا يمنعه من معصية الله عز و جل و يحمله على طاعته حتى إذا حضره الموت عظم رجاءه في رحمة ربه و كثر طمعه في إحسان الله ثقة منه بوعد الله عز و جل (2/7)
1011 - أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير التاجر بالكوفة ثنا أبو جعفر بن دحيم ثنا أحمد بن حازم أنا يعلى بن عبيد ثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : سمعت رسول الله - يقول : ـ قبل أن يموت بثلاث ـ :
لا يموتن أحدكم إلا و هو يحسن الظن بالله عز و جل
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث الأعمش
قال البيهقي رحمه الله : و أفضل الرجاء ما تولد من مجاهدة النفس و مجانبة الهوى قال : الله عز و جل :
{ إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } (2/7)
1012 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد بن بلال ثنا محمد بن يحيى ثنا هشام بن عمار ثنا سويد ثنا ثابت بن عجلان عن سليم بن عامر قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يا أيها الناس أحسنوا الظن برب العالمين فإن الرب عند ظن عبده (2/7)
1013 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو جعفر الرزاز ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ يعني ـ :
يقول الله عز و جل أنا عند ظن عبدي بي و أنا معه حين يذكرني و ذكر الحديث
أخرجه مسلم من حديث أبي معاوية
و أخرجه البخاري من وجه آخر عن الأعمش (2/7)
1014 - أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي ثنا حاجب بن أحمد ثنا محمد بن حماد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة قال : قال عبد الله و الذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا قط بعد الإيمان بالله عز و جل أفضل من أن يحسن ظنه بالله و الله الذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله ظنه إلا أعطاه الله إياه و ذلك أن الخير بيده (2/8)
1015 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن أيوب الصبغي ثنا الحسن بن علي بن زياد ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسى ثنا ابن أبي الزناد أخبرني موسى بن عقبة عن رجل من ولد عبادة بن الصامت عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : حضر ملك الموت رجلا بموت فشق أعضاءه فلم يجده عمل خيرا شق قلبه فلم يجد فيه خيرا ثم فك عن لحييه فوجد طرف لسانه لاصقا بحنكه يقال لا إله إلا الله قال النبي صلى الله عليه و سلم : فغفر له بكلمة الإخلاص
قال : و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أمر الله عز و جل بعبد إلى النار فلما وقف على شفتها التفت فقال : أما و الله يا رب إن كان ظني بك لحسن فقال الله عز و جل : ردوه فأنا عند ظن عبدي بي (2/9)
1016 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو الحسن علي بن محمد المصري ثنا جامع بن سوادة ثنا زياد بن يونس الحضرمي ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن رجل من ولد عبادة بن الصامت عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أمر الله عز و جل بعبدين إلى الناؤ فلما وقف أحدهما على شفتها التفت فقال : أما و الله إن كان ظني بك لحسن فقال الله عز و جل : ردوه فأنا عند ظن عبدي بي فغفر له
قال البيهقي رحمه الله (2/9)
1016 - مكرر ـ : و قد ذكر في حسن الظن بالله تعالى حكايات في باب التوبة في هذا الكتاب
و فيما قرأت على أبي عبد الرحمن السلمي عن عبد الله بن خبيق إنه قال : الرجال ثلاثة : رجل عمل حسنة فهو يرجو ثوابها و رجل عمل سيئة ثم تاب فهو يرجو المغفرة و الثالث : الرجل الكذاب يتمادى في الذنوب و يقول أرجو المغفرة و من عرف نفسه بالأساءة ينبغي أن يكون غالبا على رجائه (2/10)
1017 - و حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد ابن سعيد الرازي قال : سمعت العباس بن حمزة ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت أبا سليمان الدراني يقول : إذا غلب الرجاء على الخوف فسد القلب (2/10)
1018 - أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن شبانة بهمدان ثنا أبو العباس الفضل بن الفضل الكندي ثنا أبو خليفة الجمحي ثنا أبو الوليد ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن واسع عن شتير بن نهار عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : حسن الظن من حسن العبادة
رواه صدقة بن موسى عن محمد بن واسع عن شمير و سمير أصح قاله : عبد الرحمن بن مهدي و علي بن المديني و غيرهما (2/10)
1019 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أحمد بن سلمان ثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال : قال رجل مصاب و كانت تكون منه الكلمة بعد الكلمة : الرجاء بلا عمل اجتراء على الله عز و جل (2/10)
1020 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ثنا أبو سهل بن زياد القطان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي قال : سمعت ابن السماك يقول : كتبت إلى صديق لي أن الرجاء في قلبك قيد في رجلك فأخرج الرجاء من قلبك تحل القيد من رجلك
قال البيهقي رحمه الله : و هذا رجاء غلب على الخوف (2/11)
1021 - أخبرنا أبو حامد أحمد بن أبي خلف الصوفي ثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن إسماعيل حدثنا الحسن بن المثنى ثنا عفان عن همام قال : سمعت قتادة يقول حدثنا مطرف قال : كنا نأتي زيد بن صوحان فكان يقول :
يا عباد الله أكرموا و أجملوا فإنما وسيلة العباد إلى الله عز و جل خصلتان : الخوف و الطمع (2/11)
1022 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران المعدل ببغداد أخبرنا أبو الحسين إسحاق بن أحمد الكارزي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني هارون بن معروف ثنا سيار ثنا حماد بن زيد ثنا علي بن زيد عن مطرف أنه : تلا هذه الآية : { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب }
فقال فلو يعلم الناس قدر مغفرة الله و رحمة الله و عفو الله و تجاوز الله لقرت أعينهم و لو يعلم الناس نكال الله و نقم الله و بأس الله و عذاب الله ما رقأ لهم دمع و لا انتفعوا بطعام و لا شراب (2/11)
1023 - و سمعت أبا محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني يقول : سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول : سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول : سمعت أبا يعقوب السوسي يقول : العابد يعبد الله تحذيرا و العارف يعبد الله تشريفا و العالم يعبد الله خائفا و راجيا (2/11)
1024 - أخبرنا أبو محمد السكري أنا أبو بكر الشافعي ثنا جعفر بن محمد بن الأزهر ثنا الغلابي حدثنا عفان ثنا حماد عن ثابت عن مطرف قال : لو وزن رجاء المؤمن و خوفه ما رجح أحدهما على صاحبه (2/12)
1025 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى ثنا أبو عمرو الحيري ثنا علي بن الحسن ثنا علي بن عثام عن الأصمعي قال : قال مطرف : لو وزن خوف المؤمن و رجاءه بميزان تربص ما كان بينهما نبط شعره (2/12)
1026 - أخبرنا أبو سعد الماليني ثنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال : سمعت حمزة بن داود الثقفي سمعت الحارث بن الخضر القطان سمعت سفيان بن عيينة سمعت شعبة يقول : لو وزن خوف المؤمن و رجاءه ما زاد خوفه على رجائه و لا رجاءه على خوفه (2/12)
1027 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا علي الروذباري يقول : الخوف و الرجاء هما كجناحي الطائر إذا استويا استوي الطير و تم طيرانه و إذا نقص واحد منهما وقع فيه النقص و إذا ذهبا جميعا صار الطائر في حد الموت لذلك قيل : لو وزن خوف المؤمن و رجاءه لاعتدلا (2/12)
1028 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : أخبرنا أحمد بن كامل أبو بكر القاضي ثنا الحسن بن سلام ثنا قبيصة بن عقبة قال : سمعت سفيان الثوري يقول : كان مسلم بن يسار قد وقع في ثنيته الدم كانوا يرون أنه من كثرة سجوده ليلا و نهارا فدخل عليه بعض جيرانه فوجده قد سقطت ثنيتاه و هو يدفنهما فقال له مسلم دخلت علي و أنا أدفت بعضي فقال له الجار : لا أدري الذي أنت فيه إلا أني أرجو الله و أخافه قال مسلم : يا أخي ما أدري ما معنى الخوف الذي لا يبعد مما تخاف و لا أدري ما معنى الرجاء الذب لا يقرب مما ترجو ؟ (2/13)
1029 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن كامل القاضي ثنا الحسن بن سلام ثنا قبيصة بن عقبة قال : سمعت سفيان الثوري يقول : قال رجل لمسلم بن سيار : علمني كلمة تجمع لي موعظة نافعة قال : فأطرق طويلا ثم رفع رأسه فقال :
لا ترد بعملك غير من يملك ضرك و نفعك قال : زدني قال : أحمل رجاءك و لا تستعمله و استشعر الخوف و لا تغفله قال زدني قال : يوم العرض على ربك لا تنسه قال : ثم سقك لوجهه مكفا (2/13)
1030 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أبو الحسين إسحاق بن أحمد الكاذي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا هاشم بن القاسم ثنا أبو سعيد يعني المؤدب ثنا مالك بن مغول عن معاوية بن قرة : أنه جلس و رجل من التابعين يتذاكران فقال أحدهما : إني لأرجو و أخاف و قال الآخر : إنه من رجا شيئا طلبة و إنه من خاف من شيء هرب منه و ما حسب امرئ يرجو شيئا يطلبه و ما حسب امرئ يرجو شيئا لا يهرب منه ؟ (2/13)
1031 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا الفضل محمد بن أحمد الكرابيسي يقول : سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل ينشد :
( ما بال دينك ترضى أن تدنسه و أن ثوبك مغسول من الدنس )
( ترجو النجاة و لم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس ) (2/13)
1032 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت فارس بن عيسى يقول : سمعت يوسف بن الحسين يقول : ذا النون يقول : وجدت حجرا فإذا عليه مكتوب : كل مطيع مستأنس و كل عاص مستوحش و كل راج طالب و كل خائف هارب و كل محب ذليل (2/13)
1033 - أخبرنا أبو عبد الله الرحمن السلمي قال : سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت الحسن بن علويه يقول : سمعت علي بن عكرمة يقول : سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول : الإيمان ثلاثة : الخوف و الرجاء و المحبة و في جوف الخوف ترك الذنوب و فيه النجاة من النار و في جوف الرجاء الطاعة و فيه وجوب الجنة و في جوف المحبة احتمال المكروهات و به جد رضا الله عز و جل (2/13)
1034 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت محمد بن عبد الله يقول : سمعت الحسن بن سليمان يقول : سمعت أبا بكر محمد بن إبراهيم الرازي يقول : سمعت يحيى بن معاذ يقول : كيف أخافك و أنت كريم ؟ و كيف لا أرجوك و أنت عزيز ؟ فأنا بين خوف يقطعني و رجاء يوصلني فلا رجائي يدعني فأموت خوفا و لا خوفي يتركني فأحيى فرحا (2/13)
1035 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت عبد الله بن غانم يقول : سمعت محمد بن الرومي يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول : يستقى الخوف من بحر عدله و يستقى الرجاء من بحر فضله و قد سبق القضاء أن رحمته سبقت غضبه (2/13)
1036 - أخبرنا أبو سعد الماليني أنا أبو الحسن علي بن الحسين بن بندار الأزدي قال : سمعت أبا بكر الشهرزوري قال : كنت في مجلس أبي القاسم و ابن عطاء حاضر و رجل في المجلس قد غلبته شدة الخوف و هو و يرجف فقال له أبو القاسم الجنيد : لا ترع فما هو إلا أن تبدو عين من عيون الرحمة فإذا بالمسيء قد لحق بالمحسن قال ابن عطاء : حتى تبدو قال : فغضب الجنيد و قال : أما و الله أنها لبادية أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
يقول الله عز و جل سبقت رحمتي غضبي قال : فسكت ابن عطاء (2/13)
1037 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قال الله تعالى : سبقت رحمتي غضبي
مخرج في الصحيح (2/13)
1038 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو سعيد بن الأعرابي أنا الحسن بن محمد الصباح الزعفراني ثنا معاذ بن معاذ عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن الله عز و جل خلق مائة رحمة منها رحمة يتراحم بها الخلق و تسع و تسعون ليوم القيامة
رواه مسلم عن الحكم بن موسى عن معاذ بن معاذ (2/13)
1039 - أخبرنا عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن أنا أبو الحسن علي بن الحسن الصالحي بالبصرة ثنا أبو الحسن مسبح بن حاتم العلكي ثنا الحسن بن علي الواسطي ثنا معاذ بن معاذ ثنا أبي عن عوف الأعرابي عن خلاس عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن الله تعالى مائة رحمة قسم منها رحمة في دار الدنيا فمن ثم يعطف الرجل على ولده و الطير على فراخه فإذا كان يوم القيامة صيرها مائة رحمة فعاد بها على الخلق (2/15)
1039 - مكرر قال أيوب السختياني : إن رحمة قسمها في دار الدنيا و أصابني منها الإسلام و أني لأرجو من تسعة و تسعين رحمة ما هو أكثر من ذلك (2/15)
1040 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد جعفر بن محمد الخلدي ثنا أحمد بن علي الخراز حدثنا علي بن الحسين بن خالد السكري ثنا العلاء بن زيد قال : دخلت على مالك بن دينار في مرضه فرأيت عنده شهر بن حوشب فلما خرجنا من عنده قلت لشهر : يرحمك الله ! زودني زودك الله ! فقال نعم حدثتني أم الدرداء عن أبي الدرداء عن نبي الله صلى الله عليه و سلم عن جبريل عليه السلام عن ربه تبارك و تعالى قال : قال ربكم عبدي ما عبدتني و رجوتني و لم تشرك بي شيئا غفرت لك على ما كان منك و لو استقبلتني بملأ الأرض خطايا و ذنوبا استقبلتك بملئها مغفرة اغفر لك و لا أبالي (2/16)
1041 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو محمد الربيع بن سليمان ثنا أسد بن موسى ـ ح
و أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن شبانة الشاهد بهمدان ثنا أبو العباس الفضل بن الفضل الكندي ثنا أبو خليفة ثنا أبو الوليد الطيالسي قالا : ثنا الحميد بن بهرام ثنا شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم أن أبا ذر حدثه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن الله تعالى يقول : يا عبدي ما عبدتني و رجوتني فإني غافر لك ما فيك و يا عبدي إن لقيتني بقراب الأرض خطيئة لم تشرك بي لقيتك بقرابها مغفرة
قال البيهقي رحمه الله : و آخر هذا الحديث يدل على أن المراد بالعبادة التي يتقرب بها الرجاء في أول الحديث أن لا تشرك بالله شيئا و قد ذكرنا في كتاب البعث من رواية أبي ذر و أبي الدرداء و غيرهما ما يدل على صحة ذلك (2/16)
1042 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا معاذ بن المثنى ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ثنا مهدي بن ميمون ثنا غيلان بن جرير ثنا شهر بن حوشب عن معدي كرب عن أبي ذر : عن النبي صلى الله عليه و سلم يرويه عن ربه عز و جل قال : يا ابن آدم ما دعوتني و رجوتني غفرت لك على ما كان فيك يا ابن آدم ! إنك إن تذنب حتى تبلغ ذنوبك عنان السماء ثم تستغفرني غفرت لك و لا أبالي
و هكذا رواه عامر الأحول و المعلى بن زياد عن شهر بن حوشب عن معدي كرب عن أبي ذر و قوله : دعوتني يريد ـ و الله أعلم ـ دعاءه إياه وحده لا يدعه معه إلها آخر
و قد أخرج مسلم حديث أبي ذر من وجه آخر كما : (2/16)
1043 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا ابن نمير عن الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يعني بقول الله عز و جل : من عمل حسنة فجزاءه عشر أمثالها أو أزيد و من عمل سيئة فجزاؤه مثلها أو أغفر له و من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا و من تقرب إلى ذراعا تقربت منه باعا و من أتاني يمشي أتيته هرولة و من لقيني بقراب الأرض خطايا لم يشرك بي شيئا جعلت له مثلها مغفرة
أخرجه مسلم من حديث وكيع و أبي معاوية عن الأعمش
و قال : و في رواية وكيع : فله عشر أمثالها و أزيد و قال : في رواية أبي معاوية أو أزيد (2/17)
1044 - و قد أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة قال : سئل ابن عمر عن لا إله إلا الله هل يضر معها عمل كما لا ينفع مع تركها عمل قال : ابن عمر : ـ و ذكر كلمة ـ عش لا تغتر
قال البيهقي رحمه الله : و هذا لأنه قد يكون المراد بهذه المغفرة في المعاقبة و قد يغفر لمن يشاء العظيم و يعذب من يشاء على اليسير و قد يغفرهما لمن يشاء و قد يعذب عليهما من يشاء ثم يعفو و يغفر و لا ينبغي لمسلم أن يكون رجاؤه رحمة الله خاليا عن خوفة عذاب الله ليكون بخوفه منتهيا عن معصية الله و برجائه راغبا في طاعة الله
و قد حكينا عن لقمان الحكيم في حد كل واحد منهما ما فيه كفاية كما : (2/18)
1045 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا أبو علي الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد القرشي أخبرني عبد المنعم عن أبيه : عن وهب بن منبه قال : قال لقمان لابنه : يا بني أرج الله رجاء لا يجرئك على معصيته و خف الله خوفا لا يؤيسك من رحمته (2/18)
1046 - أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل ثنا أبو عثمان البصري ـ ح
و حدثنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن يعقوب العدل قالا : ثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء أنا جعفر بن عون ثنا المسعودي عن عون بن عبد الله بن عبد الله قال : قال لقمان لابنه : يا بني أرج الله رجاء لا تأمن فيه مكره و خف الله مخافة لا تيأس فيها من رحمته
قال : يا أبتاه و كيف أستطيع ذلك ؟ و إنما لي قلب واحد قال : المؤمن كذا له قلبان : قلب يرجو به و قلب يخاف به
و روي عن الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عباس مرفوعا في القلبين معنى هذا و هو ضعيف بمرة (2/18)
1047 - أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق أنا معمر قال : قال لي الزهري : لأحدثنك بحديثين عجيبين أخبرني حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
أسرف رجل على نفسه فلما حضره الموت أوصى بنيه فقال إذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في الريح في البحر فو الله لئن يقدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا ففعلوا به فقال الله عز و جل للأرض أدي ما أخذت فإذا هو قائم فقال : ما حملك على ما فعلت ؟ قال : خشيتك يا رب ـ أو قال مخافتك ـ فغفر له
قال : و حدثني حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
دخلت امرأة في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها و لا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت
قال الزهري : هي لئلا يتكل أحد و إلا ييأس أحد
و رواه مسلم عن محمد بن رافع و عبد بن حميد عن عبد الرزاق (2/19)
1048 - أخبرنا أبو بكر بن فورك ثنا عبد الله بن جعفر أنا أبو بشر يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا عبد الله بن المبارك عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن خالد بن أبي عمران عن ابن عباس عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن شئتم أنبأتكم بأول ما يقول الله للمؤمن يوم القيامة و بأول ما يقولون ؟ قالوا : نعم يا رسول الله قال : يقول للمؤمنين : هل أحببتم لقائي ؟ قال : فيقولون : نعم يا ربنا فيقول : لم ؟ فيقولون : رجونا عفوك و رحمتك فيقول : إني قد أوجبت لكم رحمتي (2/19)
1049 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس هو الأصم ثنا عبد الملك بن عبد الحميد الميموني ثنا روح بن عبادة ثنا ابن عون عن عمير بن إسحاق : قال : كان من أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أكبر ممن سبقني فما رأيت قوما أهون سيرة و لا أقل تشديدا منهم
و قد جاء عن عبد الله بن مسعود و غيره في التشديد في الأمن من مكر الله و اليأس من رحمة الله (2/20)
1050 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أبي إسحاق عن وبرة عن أبي الطفيل عن ابن مسعود أنه قال : الكبائر : الإشراك بالله عز و جل و الأمن من مكر الله و القنوط من رحمة الله و اليأس من روح الله (2/20)
1051 - و بهذا الإسناد أخبرنا معمر عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن ابن أبي مليكة : أن عبيد بن عمير دخل على عائشة رضي الله عنها فقالت : من هذا ؟ فقالوا : عبيد بن عمير فقالت عمير بن قتادة ؟ قالوا : نعم قالت أحدث أنك تجلس و يجلس إليك قال : بلى يا أم المؤمنين فقالت فإياك و إملال الناس و تقنيطهم (2/20)
1052 - و بهذا الإسناد أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم : أن رجلا كان في الأمم مجتهدا في العبادة و يشدد على نفسه و يقنط الناس من رحمة الله تعالى ثم مات فقال أي رب ما لي عندك ؟ قال : أي رب فأين عبادتي و اجتهادي ؟ قال فيقول : إنك كنت تقنط الناس من رحمتي في الدنيا فأنا أقنطك اليوم من رحمتي
قال البيهقي رحمه الله : و لعل هذا الرجل كان يرى النجاة في عبادته و يعتمد عليها و لا يذكر مغفرة الله عز و جل الذنوب لمن يشاء من عباده بل كان يستبعدها (2/21)
1053 - أخبرنا أبو محمد المؤملي ثنا أبو عثمان البصري ثنا أبو أحمد الفراء أنا يعلى ثنا الأعمش عن أبي سعد عن أبي الكنود قال : مر عبد الله يعني ابن مسعود على قاص و هو يذكر فقال : يا مذكر لا تقنط الناس ثم قرأ :
{ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } (2/21)
1054 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الخضر بن أبان ثنا سيار بن حاتم ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت قال : كان داود عليه السلام يذكر ذنوبه فيخاف الله مخافة تنفرج أعضاءه و مفاصله من مواضعها ثم يذكر رحمة الله على أهل الذنوب و رأفته بهم فيرجع كل عضو إلى موضعه (2/21)
1055 - و بهذا الإسناد ثنا جعفر ثنا أبو سنان القسملي قال : وجدت في بعض الكتب : أن أحب عبادي إلي من حببني إلى عبادي و أخبرهم بسعة رحمتي و أن أبغض عبادي إلي من قنط عبادي و آيسهم من رحمتي (2/21)
1056 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت أبا عثمان المغربي يقول : من حمل نفسه على الرجاء تعطل و من حمل نفسه على الخوف قنط و لكن ساعة و مرة و مرة (2/21)
1057 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني عبيد الله بن محمد الصوفي قال : سمعت أبا تراب أحمد بن حمدون القصار يقول سمعت أبي : ـ و سئل عن الملامة فقال ـ خوف القدرية و رجاء المرجئة (2/21)
1058 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد أنا أبو جعفر محمد بن غالب بن حرب تمتام ثنا مسلم بن إبراهيم أبو عمرو ثنا الربيع بن مسلم القرشي ثنا محمد بن زياد عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج على رهط من أصحابه و هم يتحدثون فقال : و الذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا فلما انصرفنا أوحى الله إليه يا محمد لم تقنط عبادي ؟ فرجع إليهم فقال : أبشروا و قاربوا و سددوا
قال البيهقي رحمه الله : ففي هذا دلالة على أنه لا ينبغي أن يكون خوفه بحيث يؤيسه و يقنطه من رحمة الله كما لا ينبغي أن يكون رجاؤه بحيث يأمن مكر الله أو يجرئه على معصية الله عز و جل (2/21)
1059 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن علي بن ميمون بالرقة ثنا الفريابي و الفضل بن دكين قالا ثنا سفيان عن سعيد الجريري عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة التميمي الأسيدي الكاتب قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرنا بالجنة و النار كأنهما رأى عين فقمت و أتيت إلى أهلي فضحكت و لهوت ـ و في حديث الفريابي و لعبت ـ فلقيت أبا بكر : فذكرت ذلك له فقلت يا أبا بكر نافق حنظلة ! فقال أبو بكر : و ما ذاك ؟ فأخبرته فقلت : كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرنا بالجنة و النار كأنا رأي عين فقمت إلى أهلي فضحكت و لعبت فقال أبو بكر : إنا لنفعل ذلك فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلنا : يا رسول الله ! إنا إذا كنا عندك تذكرنا بالجنة و النار كأنا رأي عين فقمت إلى أهلي فضحكت و لعبت فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
يا حنظلة ساعة و ساعة لو كنتم تكونون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة في بيوتكم و على فرشكم يا حنظلة ساعة و ساعة
قال : الفريابي أتم سياقة للحديث
رواه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب عن الفضل بن دكين (2/23)
1060 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو سعيد بن أبي عمرو قالا : ثنا أبو العباس هو الأصم ثنا محمد بن إسحاق ثنا سعيد بن منصور ثنا الحارث بن عبيد عن ثابت عن أنس قال : قالوا : يا رسول الله نكون عندك على الحال فإذا فارقناك كنا على غيرها فنخاف أن يكون ذلك نفاقا قال :
كيف أنتم و ربكم ؟ قالوا : الله ربنا في السر و العلانية قال : كيف أنتم و نبيكم ؟ قالوا أنت نبينا في السر و العلانية قال : ليس ذلكم النفاق (2/23)
1061 - أخبرنا أبو الحسين أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا مشرف بن سعيد ثنا أبو منصور الحارث بن منصور ثنا أيوب بن شعيب عن الأعمش قال : قال مطرف بن عبد الله : وجدت الغفلة التي ألقى الله عز و جل في قلوب الصديقين من خلقه رحمة رحمهم بها و لو ألقى في قلوبهم من الخوف له على قدر معرفتهم به ما هنأهم العيش (2/23)
1062 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس هو الأصم ثنا العباس هو الدوري ثنا محمد بن القاسم الأسدي ثنا سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن وهب بن منبه قال : خلق ابن آدم أحمق لولا حمقه ما هنأ له العيش (2/23)
1063 - أخبرنا أبو سعد الماليني أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن ثنا أبو العباس بن حمكويه قال : سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول : لو سمعت الخليفة النار لتصدعت القلوب فرقا و لو ترى القلوب كنه المحبة لخالقها لا نخلعت مفاصلها إليه ولها و لطارت الأرواح إليه من أبدانها دهشا فسبحان من أغفل الخليفة عن كنه هذه الأشياء و ألهاهم بالوصف عن حقائق هذه الأشياء (2/23)
1064 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد عبد الرحمن بن خمدان الجلاب بهمدان ثنا أبو حاتم الرازي ثنا عمران بن موسى الطرسوسي ثنا أبو يزيد فيض بن إسحاق الرقي قال الفضيل بن عياض : ما يسرني أن أعرف الأمر حق معرفته إذا لطاش عقلي
و قال الفضيل : سأل داود عليه السلام ربه عز و جل أن يلقي في قلبه الخوف فدخل فلم يحتمله قلبه فطاش عقله حتى ما كان يعقل صلاة و لا غيرها و لا ينتفع بشيء فقيل له : ألا تحب أن ندعك كما أنت أو نردك إلى ما كنت عليه فقال : ردوني فرد عليه عقله (2/24)
1065 - أخبرنا أبو حسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسين حدثني زيد الحميري قال : حدثني أبو يعقوب الغازي قال : رأيت في منامي رجلا آدم طوالا و الناس يتبعونه قلت من هذا ؟ قالوا : أويس القرني قال : فاتبعته فقلت : أوصني رحمك الله قال : ابتغ رحمة الله عند محبته و احذر نقمته عند معصيته و لا تقطع رجاءك عند في خلال ذلك ثم ولى و تركني (2/25)
1066 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت نصر بن أحمد بن يعقوب العطار يقول سمعت أبا محمد البلاذري يقول : سمعت يوسف بن الحسين يقول : قال ذو النون : الخوف رقيب العمل و الرجاء شفيع المحن (2/25)
1067 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا بكر الحفيد يقول سمعت جدي يعني العباس بن حمزة يقول سمعت ذا النون المصري يقول : عرف المطيعون عظمتك فخضعوا وسمع بجودك بجودك فطمعوا (2/25)
1068 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الواعظ يقول : سمعت الحسن بن علي بن سلام يقول : سمعت يحيى بن معاذ يقول : إن كان قد صغر في جنب عطائك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي (2/25)
1069 - أخبرنا أحمد بن محمد الماليني ثنا أبو عمر عبد الله بن محمد ابن عبد الوهاب قال : سمعت أبا بكر بن إبراهيم بن الصباح يقول : سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول : لقد رجوت ممن ألبسني بين الأحياء ثوب عافيته أن لا يعذبني بعد الممات و قد عرفت جود رأفته
إلهي ! إن كنت غير مستأهل لما أرجو من رحمتك فأنت أهل أن تجود على المذنبين بفضل سعتك
إلهي ! لولا ما عرفت من عدلك ما خفت من عذابك و لولا ما عرفت من فضلك ما رجوت ثوابك
إلهي ! إن كنت لا تعفو إلا أهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون ؟ و إن كنت لا ترحم إلا أهل تقواك فبمن يستغيث المسيئون ؟ (2/25)
1070 - سمعت أبا محمد بن يوسف يقول : سمعت منصور بن محمد بن إبراهيم الفقيه يقول : سمعت محمد بن محمد بن عبد الله الزيدي يقول : قال بعض الحكماء في مناجاته : إلهي لو أتاني الخبر أنك غير قابل دعائي و لا سامع شكواي ما تركت دعاءك ما بل ريقي لساني أين يذهب الفقير إلا إلى الغني ؟ و أين يذهب الذليل إلا إلى العزيز ؟ أنت أغنى الأغنياء و أعز الأعزاء يا رب (2/25)
1071 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله الجرجاني الواعظ يقول : ثنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت أبا سليمان الداراني ـ و وقفت عليه و هو لا يراني فسمعته ـ يقول : لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك و لئن طالبتني بتوبتي لأطالبنك بسخائك و لأن أدخلتني النار لأخبرن أهل النار أني أحبك (2/25)
1072 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد ثنا محمد بن الفضل بن جابر ثنا أبو معمر ثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا القاسم بن الفضل عن لبطة بن الفرزدق عن أبيه قال : لقيت أبا هريرة فقال : من أنت ؟ قلت : أنا الفرزدق قال : إن قدميك صغيرتان كم من محصنة قذفتها ؟ و أن لرسول الله صلى الله عليه و سلم حوضا ما بين أيلة إلى كذا و كذا و هو قائم بدنياه فيقول : إلي إلي فإن استطعت لا تحرمه
قال : فلما قمت قال : ما صنعت من شيء فلا تقنط (2/25)
1073 - أخبرنا أبو سعد الزاهد قال : سمعت أحمد بن الحسين الشافعي ببغداد يقول : سمعت عثمان بن سعيد الفريابي يقول : سمعت المسيب بن مسلم يقول : سمعت عميرة بن عصمة يقول : سمعت أحمد بن صالح يقول : سمعت يحيى بن معاذ يقول : إني لأرجو أن يكون توحيد لم يعجز عن هدم ما قبله من كفر لا يعجز عن محو ما بعده من ذنب (2/25)
فصل ـ قال البيهقي رحمه الله و كما لا ينبغي أن يكون الخوف إلا من الله عز و جل كذلك لا ينبغي أن يكون الرجاء إلا منه لأنه لا يملك أحد من دونه ضرا و لا نفعا فمن رجا ممن لا يملك ما لا يملك فهو من الجاهلين (2/27)
1074 - و قد أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا عباس بن عبد الله الترقفي ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا نافع بن يزيد و ابن لهيعة و كهمس بن الحسن و همام بن يحيى عن قيس بن الحجاج الزرقي عن حنش عن ابن عباس قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه و سلم فقال :
يا غلام أو يا بني أو لا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ؟ قلت : بلى قال : احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة إذا سألت فاسأل الله و إذا استعنت فاستعن بالله قد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه و إن أرادوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله عليك لم يقدروا عليه و اعمل لله بالشكر في اليقين و اعلم أن الصبر على ما تكره خير كثير و أن النصر مع الصبر و أن الفرج مع الكرب و أن مع العسر يسرا (2/27)
1075 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأ أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه ثنا محمد بن مسلم الواسطي حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ حدثني عبد الله بن لهيعة و نافع بن يزيد عن قيس بن الحجاج الزرقي عن حنش عن ابن عباس قال : كنت ردف رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :
يا غلام فذكره
قال : محمد بن سلمة و أخبرنا المقرئ عن كهمس بن الحسن و همام بن يحيى بإسناده إلى ابن عباس (2/27)
1076 - أخبرنا أبو حسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد القرشي ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ثنا إبراهيم بن الأشعث ثنا فضل بن عياض عن هشام عن الحسن عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
من أنقطع إلى الله عز و جل كفاه الله كل مؤنة و رزقه من حيث لا يحتسب و من انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها (2/28)
1077 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأني أبو العباس بن يعقوب و قرأته بخطه فيما أجاز له محمد بن عبد الوهاب حدثني علي بن عثام قال : قال بشر بن الحارث : لما رفع إبراهيم صلى الله عليه و سلم ليلقي في النار عرض له جبريل عليه السلام فقال : يا إبراهيم ! هل لك من حاجة ؟ قال : أما إليك فلا (2/28)
1078 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي و أبو حازم و أبو نصر بن قتادة قالوا أنا أبو عمرو بن مطر ثنا محمد بن الحسن بن سماعة ثنا أبو نعيم ثنا بشير بن سلمان عن سيار أبي الحكم عن طارق عن عبد الله بن مسعود : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من نزلت به حاجة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته و من أنزلها بالله أوشك الله تعالى له بالغنى إما أجل عاجل و إما غنى عاجل (2/29)
1079 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس هو الأصم قال : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول قلت لأبي : حديث بشير أبي إسماعيل عن سيار أبي الحكم عن طارق عن عبد الله : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من نزلت به فاقة
قال أبي : إنما هو سيار أبو حمزة و ليس هو سيار أبو الحكم
سيار أبو الحكم لم يحدث عن طارق بشيء (2/29)
1080 - حدثنا عن عبد الرزاق ثنا سفيان قال أبي أملاه عليهم سفيان باليمن عن بشير أبي إسماعيل عن أبي حمزة : فذكر هذا الحديث بعينه (2/29)
1081 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو بكر بن الحسن القاضي قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس قال : لما ألقي إبراهيم في النار قال : حسبي الله و نعم الوكيل قال : و كذلك قال محمد صلى الله عليه و سلم حين قالوا :
{ إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل }
رواه البخاري عن أحمد بن يونس عن أبي بكر بن عياش (2/30)
1082 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت الحسن بن علويه يقول : سمعت يحيى بن معاذ يقول : ثلاث خصال من صفة الأولياء الثقة بالله في كل شيء و الغنى به عن كل شي و الرجوع إليه من كل شيء (2/30)
1083 - حدثنا عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد ثنا الحسن بن عبد الوهاب أنا أحمد بن محمد التيمي أخبرني أبو محمد الأشك قال سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول : علم القوم في أربعة أشياء يرون كل شيء من الله ثم يرجعون مع كل شيء إلى الله فيطلبون كل شيء من الله و يردون كل شيء إلى الله (2/30)
1084 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول أخبرنا أبو عمرو بن حمدان يقول : وجدت في كتاب أبي سمعت أبا عثمان يقول : المرفق من لا يخاف غير الله و لا يرجو غيره فيؤثر رضاه على هوى نفسه (2/30)
1085 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أبا الحسين الفارسي يقول : سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول : من كان شبعه بالطعام لم يزل جائعا و من كان غناه بالمال لم يزل فقيرا و من قصد بحاجته الخلق لم يزل محروما و من استعان في أمره بغير الله لم يزل مخذولا (2/30)
1086 - اخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير ثنا أبو محمد الجريري قال : سمعت سهل بن عبد الله التستري قول : ينبغي للعاقل أن يقول : إلهي ! إن بعد علمي فإن عبدك كرمك أرجو دوامها عندي و لا أتوهم عليها إذ خلقتني و صيرتني عبدا لك أن تكلني إلى نفسي أو تولي أمري غيرك (2/31)
1087 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن سهل الصيرفي ببغداد ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان الخياط الزاهد ثنا سعيد بن بحر القراطيسي حدثني بهدلة بن نمير قال : كنت في مجلس يزيد بن هارون أكتب الحديث بواسط و كانت نفقتي قد قلت فقال لي رجل من الزهاد : من تؤمل في هذا البلد لم نزل بك ؟ فقلت : يزيد بن هارون فالتفت إلي مغضبا قال لي : إذا و الله لا يسعفك في حاجتك و لا يبلغك أملك و لا يعطيك سؤلك فقلت له : و لم ذلك ؟ قال : لأني قرأت في الكتب السالفة : أن الله تبارك و تعالى يقول في بعض أسفار التوراة : و عزتي و جلالي و جودي و كرمي لأقطعن أمل كل مؤمن غيري بالإياس و لألبسنه ثوب المذلة ما بقي في الناس و لأنحينه عن بابي و لأطردنه من وصلي أيؤمل غيري في الشدائد و الشدائد بيدي ؟ و يرجي غيري ؟ و يطرق بالفقر أبواب الملوك و الأبواب المغلقة و مفاتيحها بيدي ؟ و بابي مفتوح لمن دعاني من الذي قرع بابي فلم أفتح له ؟ و من الذي دعاني فلم أجبه و من الذي سألني فلم أعطه و ذكر حديثا طويلا (2/31)
1088 - حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني ثنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا أبو إسماعيل الترمذي ثنا أبو صالح ثنا الليث بن سعد قال : رأيت إسماعيل بن عقبة بصيرا ثم رأيته قد عمي ثم رأيته بصيرا فقلت : أليس رأيتك بصيرا ثم عميت ثم أبصرت ؟ قال : نعم قلت وبم ذاك ؟ قال : رأيت في المنام فقيل لي قل : يا قريب يا مجيب يا سميع الدعاء يا لطيف لما يشاء فقلتها فرد على بصري (2/32)
1089 - أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن شبانة الهمداني بها قال : ثنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ثنا محمد بن لإسحاق بن راهويه ثنا الفضل بن يعقوب ثنا محمد بن يوسف الفريابي قال : لما أخذ أبو جعفر المنصور إسماعيل بن أمية و أمر به إلى السجن مر بحائط مكتوب لعيه يا ولي نعمتي و يا صاحبي في وحدتي و عدتي في كربتي ! فلم يزل يدعو بها حتى خلى سبيله ثم مر على ذلك الحائط فنظر إليه فلم ير شيئا مكتوبا (2/32)
1090 - أخبرنا أبو سعيد بن شبانة ثنا أبو العباس الفضل بن الفضل الكندي العدل أنا علي بن أبي صالح ثنا أبو حاتم ثنا محمد بن عبد الكريم قال : سمعت سعيد بن عنبسة بن سعيد قال : بينما رجل جالس في الكعبة و هو يعبث بالحصا و يخذفها إذ رجع حصاة منها فصارت في أذنه فعالجوه بكل الحيل فلم يقدروا على إخراجها فبينما هو ذات يوم جالسا إذ سمع قارئا يقرأ هذه الآية :
{ أمن يجيب المضطر إذا دعاه و يكشف السوء }
فوثب الرجل فقال : يا رب أنت المجيب و أنا المضطر اكشف ضر ما أنا فيه قال : فندرت الحصاة من أذنه (2/32)
1091 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا إسحاق المزكي يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد بن أسد الزوزني يقول ثنا أبو يعلى أحمد بن موسى البصري ثنا غير واحد من أصحابنا عن إسحاق بن عباد البصري قال : رأيت في منامي ذات ليلة قائلا يقول : أغث الملهوف قال : فانتهبت فقلت : انظروا هل في جيراننا محتاج ؟ فقالوا : ما ندري قال : فنمت ثانيا فعاد إلي فقال : تنام و لم تغث الملهوف فقمت فقلت للغلام أسرج البغل و أخذت معي ثلاثمائة درهم ثم ركبت البغل فاطلقت عنانه و ذكر الحديث في سيره حتى بلغ مسجدا يصلي فيه على الجنازة قال : فوقف البغل هناك قال : فنظرت فإذا رجل يصلي فلما حس بي انصرف قال : فدنوت منه فقلت : يا عبد الله في هذا الوقت في هذا الموضع ما أخرجك ؟ قال : فأخذه قلت : تعرفني ؟ قال : لا قلت أنا إسحاق بن عباد فإن نابتك نائبة فأتني فإن منزلي في موضع كذا و كذا فقال : رحمك الله ـ أن نابتنا نائبة فزعنا إلى من لأخرجك في هذا الوقت حتى جاء بك إلينا (2/32)
1092 - سمعت الأستاذ أبا القاسم القشيري رحمه الله يقول : سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول : كان بي رمد في ابتداء أمري و ما نفست مدة من الوجع فنعست لحظة فسمعت قائلا يقول :
{ أليس الله بكاف عبده }
فانتهبت و زال الوجع في الوقت و ما رمدت عيني بعده قط (2/32)
1093 - و سمعته يقول : سمعت الإمام أبا بكر بن فورك يقول : حملت مقيدا إلى شيراز لفتنة في الدين فوافينا باب البلد مصبحا و كنت مهموم القلب فلما أسفر النهار وقع نظري على محارب في مسجد على باب البلد مكتوب عليه : { أليس الله بكاف عبده } و حصل لي تعريف من باطني إني أكفي عن قريب و كان كذلك فصرفوني بالعز (2/32)
1094 - أخبرنا أبو علي الروذباري و أبو الحسين بن بشران و أبو محمد السكري قالوا أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا سعدان بن نصر ثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة عن أبيه قال : كانت امرأة تغشى عائشة رضي الله عنها و كانت تكثر أن تتمثل بهذا البيت :
( و يوم الوشاح من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني )
قال : فقالت عائشة رضي الله عنها : ما هذا البيت الذي أراك تتمثلين ؟ قال فقالت : شهدت عروسا لنا في الجاهلية وضعوا وشاحها و أدخلوها مغتسلها فأبصرت الحدأة حمرة الوشاح فانحطت عليه فأخذته فاتهموني ففتشوني حتى فتشوا قبلي قالت : فدعوت الله أن يبرئني قالت : فجاءت الحدأة بالوشاح حتى طرحته وسطهم و هم ينظرون (2/32)
1095 - أخبرنا أبو حسين بن بشران أنا أبو جعفر الرزاز ثنا محمد بن عبد الملك بن مروان ثنا سعيد بن عامر عن هشام بن حسان قال : قال خالد الربعي : دخلت المسجد و معي كيس فيه ألف درهم فوضعته على تربيع سارية و صليت فنسيته حتى خرجت من المسجد فما ذكرته إلى آخر سنة فقضي إني صليت إلى تلك السارية فذكرته فدعوت الله أن يرده علي فإذا عجوز إلى جنبي فقالت يا عبد الله ما أسمعك تقول ؟ قلت كيس نسيته عند هذه السارية عام الأول منذ سنة فجاءتني به بالخاتم (2/32)
1096 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا أبو عوف البزوري ثنا روح بن عبادة ثنا حماد بن سلمة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعي : أن رجلا كان في غزاة مع أصحابه فأبق غلامه بفرسه فلما أراد أصحابه أن يرحلوا صلى ركعتين ثم قال : اللهم ترى مكاني و ارتحال أصحابي اللهم إني أقسم عليك لما رددت غلامي و فرسي فالتفت فإذا هو بالغلام مكتوف بشطن الفرس
قال البيهقي رحمه الله : و لأبي بكر بن أبي الدنيا كتاب مجاني الدعوة و هو لي مسموع من أراد أن يضيف ما أخرجه فيه إلى ما نقلنا نظر فيه بإذن الله (2/32)
1097 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمدآباذي ثنا عباس الدوري ثنا أبو عبد الله محمد بن يزيد بن خنيس المكي عن ابن جريج قال : قال لي عطاء جاءني طاوس اليماني بكلام متخير من هذا الكلام فقال لي :
يا عطاء ! إياك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه و جعل عليها حجابه و عليك بمن بابه لك مفتوح إلى يوم القيامة أمرك أن تسأله و وعدك أن يجيبك (2/34)
1098 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت أبا عمرو البيكندي يقول : سمعت محمد بن حامد يقول : قلت لأبي بكر الوراق : علمني شيئا يقربني من الناس فقال : أما الذي يقربك إلى الله فمسئلته و أما الذي يقربك من الناس فترك مسئلتهم (2/35)
1099 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو عمرو بن نجيد أنا أبو مسلم ثنا أبو عاصم حدثنا أبو المليح الفارسي ثنا أبو صالح الخوزي قال : قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من لا يسأله يغضب عليه (2/35)
1100 - سمعت الأستاذ أبا القاسم بن حبيب المفسر يقول : و أخذه الشاعر :
( و الله يغضب إن تركت سؤاله و بني آدم حين يسئل يغضب ) (2/35)
1101 - أخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز أنا أبو عمرو بن مطر ثنا الحسن بن سفيان و أحمد بن داود السمناني قالا : ثنا هشام بن عمار ثنا الوزير بن صبيح حدثنا يونس بن ميسرة بن حلبس عن أم الدرداء عن أبي الدرداء : عن النبي صلى الله عليه و سلم في قول الله عز و جل : { كل يوم هو في شأن }
قال : من شأنه أن يغفر ذنبا و يفرج كربا و يرفع قوما و يضع الآخرين (2/35)
1102 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو عمرو بن مطر قال : أنا جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض ثنا إبراهيم بن هشام ثنا سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء قالت قال أبو الدرداء : في قول الله تبارك و تعالى : { كل يوم هو في شأن }
قال : يغفر ذنبا و يكشف كربا و يجيب داعيا و يرفع قوما و يضع آخرين (2/36)
1103 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان حدثني عمر بن حفص حدثني أبي قال : ثنا الأعمش قال : سمعت مجاهدا يذكر عن عبيد بن عمير قال : ـ { كل يوم هو في شأن }
قال : من شأنه أن يفك عانيا و يجيب داعيا و يشفي مريضا و يعطي سائلا (2/36)
1104 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس الأصم قال : سمعت الربيع بن سليمان يقول : ـ ( صبر جميل ما أسرع الفرجا من صدق الله في الأمور نجا )
( من خشي الله لم ينله أذى من رجا الله كان حيث رجل ) ـ (2/37)
الفصل الثاني ـ قال الحليمي رحمه الله : إذا علق رجاؤه بالله ـ جل ثناؤه ـ ينبغي له أن يسأله ما يحتاج إليه صغيرا أو كبيرا لأن الكل بيده لا قاضي للحاجات غيره قال الله عز و جل : { ادعوني أستجب لكم } (2/37)
1105 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا حاجب بن أحمد بن سفيان أنا أبو عبد الرحمن المروزي ثنا ابن المبارك ثنا شعبة عن منصور ـ ح : ـ (2/37)
1105 - و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و اللفظ له ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا هارون بن سليمان ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان عن منصور و الأعمش عن ذر عن يسيع الحضرمي عن النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ : { و قال ربكم ادعوني أستجب لكم } (2/37)
1106 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب ثنا يحيى بن جعفر بن أبي طالب ثنا أبو داود سليمان بن داود الطيالسي ثنا أبو العوام عمران القطان عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس شيء أكرم على الله من الدعاء (2/38)
1107 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنا الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي أنا أبو حاتم الرازي عن عبد الرحيم بن مطرف ثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي قال : أفضل الدعاء الإلحاح على الله عز و جل و التضرع إليه
هكذا رواه من قول الأوزاعي و هو الصحيح (2/38)
1108 - أخبرنا أبو القاسم الحرفي ثنا أحمد بن سلمان الفقيه ثنا أحمد بن يحيى ثنا كثير بن عبيد ثنا بقية بن الوليد ثنا الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله : إن الله ليحب الملحين في الدعاء
هكذا قال ثنا الأوزاعي و هو خطأ (2/38)
1109 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا سليمان بن سلمة الحمصي ثنا بقية أخبرني يوسف بن السفر عن الأوزاعي : فذكره
قال يعقوب : يوسف بيروتي لا يكتب حديثه إلا للمعرفة يعني للمعرفة بحاله و ضعفه في الرواية (2/38)
1110 - أخبرنا أبو حسين بن بشران أنا أبو الحسين إسحاق بن أحمد الكارزي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا عبد الصمد ثنا همام ثنا قتادة أن مورق العجلي قال : ما وجدت للمؤمن مثلا إلا كمثل رجل في البحر على خشبة فهو يدعو : يا رب ! يا رب ! لعل الله ينجيه (2/39)
1111 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا بكر بن إسحاق الفقيه الصبغي يقول : أريت في منامي كأني في دار فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه و قد اجتمع الناس عليه يسألونه المسائل فأشار إلي أن أجيبهم فما زلت أسئل و أجيب و عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لي : أصبت امض فلما فرغوا من السؤال قلت يا أمير المؤمنين ما النجاة من الدنيا أو المخرج منها ؟ فقال لي بإصبعه : الدعاء ثم أعدت عليه السؤال فجمع نفسه كأنه راكع بخضوعه فقال : الدعاء ثم أعدت عليه السؤال فجمع نفسه كأنه ساجد بخضوعه ثم قال : الدعاء (2/39)
1112 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو الحسن علي بن الفضل بن محمد بن عقيل الخزاعي أخبرني جعفر بن محمد بن المستفاض الفريابي ثنا عبيد الله بن معاذ قال : أنا المعتمر بن سليمان قال : قال لي أبي ثنا أبو عثمان عن سلمان قال :
لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام قال : يا آدم واحدة لي و واحدة لك و واحدة بين و بينك فأما التي هي لي فتبعدني لا تشرك بي شيئا و أما التي هي لك فما عملت من شيء جزيتك به و أن أغفر فأنا الغفور الرحيم و أما التي بيني و بينك فمنك المسألة و الدعاء و مني الإجابة و العطاء
هذا موقوف (2/39)
1113 - و قد رواه زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري عن أنس بن مالك : عن النبي صلى الله عليه و سلم فيما يروي عن ربه عز و جل و رواه صالح المري عن الحسن عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم و زاد فيه :
و واحدة فيما بينك و بين عبادي ثم قال : و أما التي بينك و بين عبادي فارض لهم ما ترضى لنفسك (2/40)
1114 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا سريج بن النعمان و سعيد بن سليمان قالا : ثنا أبو عقيل عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يوشك أن تظهر فتنة لا ينجي منها إلا الله عز و جل أو دعاء كدعاء الغرقى
و في رواية سعيد ثنا أبو عقيل ثنا يعقوب بن سلمة من بني ليث
و روينا عن حذيفة و رفعه قال :
يأتي عليكم زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغريق (2/40)
1115 - أخبرنا أبو محمد المؤملي ثنا أبو عثمان البصري ثنا أبو أحمد بن عبد الوهاب أنا يعلى بن عبيد عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن حذيفة قال : ليأتين عليكم زمان لا ينجو فيه من نجا إلا من دعا مثل دعاء الغريق (2/40)
1116 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق أخبرني الحسن بن سفيان السختياني قالا : ثنا قطن بن نسير ثنا جعفر ـ هو ابن سليمان ـ ثنا ثابت عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع
أسنده قطن بن نسير و أرسله غيره (2/40)
1117 - أخبرنا أبو سعد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي ثنا عبد الله بن محمد البغوي ثنا القواريري : ثنا جعفر عن ثابت : عن النبي صلى الله عليه و سلم نحوه فقال رجل للقواريري فإن شيخا يحدث به عن جعفر عن ثابت عن أنس فقال القواريري : باطل (2/41)
1118 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا هلال بن العلاء ثنا أبو همام ثنا معارك عن أبي عباد عن جده أبي سعيد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سلوا الله ما بدا لكم من حوائجكم حتى شسع النعل فإنه إن لم ييسره لم يتيسر
إسناده غير قوي و قد مضى ما هو أقوى منه و روي عن عائشة رضي الله عنها موقوفا (2/41)
1119 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الحسن أحمد بن الخضر الشافعي ثنا موسى بن محمد الذهلي ثنا سعيد بن يزيد ثنا سليمان بن أبي مطر عن إبراهيم بن سعيد عن أبيه عن عروة عن عائشة أنها قالت : سلوا الله التيسير في كل شيء حتى الشسع في النعل فإنه إن لم ييسره الله لم ييسر (2/42)
1120 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن عتاب العبدي ببغداد ثنا محمد بن أحمد بن يزيد الرياحي ثنا قريش بن أنس ثنا معاوية بن عبد الكريم قال : سمعت بكر بن عبد الله المزني يقول : كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول : سلوا الله حوائجكم حتى الملح
هكذا جاء به مرسلا (2/42)
1121 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي إملاء ثنا أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي ثنا حرملة بن يحيى التجيبي ثنا عبد الله بن وهب المصري أخبرني يحيى بن أيوب عن عيسى بن موسى عن صفوان بن سليم عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
اطلبوا الخير دهركم و تعرضوا لنفحات رحمة الله فإن الله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده و سلوا الله أن يستر عوراتكم و يؤمن روعاتكم (2/42)
1122 - أخبرنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان ثنا والدي ثنا موسى بن العباس ثنا محمد بن الجنيد ثنا عمرو بن الربيع ثنا يحيى بن أيوب عن عيسى بن موسى بن أياس أن صفوان بن سليم حدثه : فذكره غير أنه لم يقل كله (2/42)
1123 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد أنا ابن ملحان ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث بن سعد حدثني عيسى بن موسى بن أياس بن البكير عن صفوان بن سليم عن رجل من أشجع عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
اطلبوا الخير دهركم كله
فذكره بمثله و هذا هو المحفوظ دون الأول (2/43)
1124 - أخبرنا أبو سعد الماليني أنبأ أبو أحمد بن عدي الحافظ أنا القاسم بن الليث الرسعني ثنا بشر بن معاذ ثنا حماد بن واقد ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق الهمداني عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل من فضله و أفضل العبادة انتظار الفرج (2/43)
ذكر فصول في الدعاء يحتاج إلى معرفتها ـ قال البيهقي رحمه الله : الدعاء قول للقائل يا الله أو يا رحمن أو يا رحيم و ما أشبه ذلك و هو أيضا نداء قال الله عز و جل : { كهيعص * ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربه نداء خفيا } ـ قال : { و زكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا } ـ و في آية أخرى : { هنالك دعا زكريا ربه قال رب } ـ و معنى رب يا رب فثبت أن الدعاء نداء و النداء دعاء غير أن له أركانا و أولاهن : أن يكون المرغوب فيه مما يبلغ قدر السائل أن يسأله و تفسيره أنه ليس لأحد أن يتشبه بإبراهيم عليه السلام فيدعو الله جل ثناؤه أن يريه كيف يحيي الموتى و لا أن يتشبه بموسى عليه السلام فيقول : { رب أرني أنظر إليك } ـ و لا أن يتشبه بعيسى عليه السلام فيقول : { ربنا أنزل علينا مائدة من السماء } ـ و لا لأحد أن يسأل الله تعالى إنزال ملك عليه فيسأله عن خبر من أخبار السماء أو إحياء أبويه لأن نقض العادات إنما يكون من الله تعالى لتأييد من يدعو إلى دينه لا لشهوات العباد و مناهم إلا أن يكون السائل نبيا فيجمع إجابته إياه أمنيته و تأييده بما يصدق دعوته و لكنه إن دعا كما دعا نوح عليه السلام فقال : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } ـ جاز و إنما يبعثه عليه بعض أعداء الله و كذلك إن حدثت له ضرورة من جوع أو برد شديد أو غير ذلك في بادية هو مأذون له في دخولها من جهة الشرع أو أصابه عمى و لا قائد له فدعا الله أن يكشف ما به الضر مطلقا كان ذلك جائزا و إن كان في إصابته إياه نقض العادة و قد يفعل به ذلك من غير مسألته جزاء له لتوكله و قوة إيمانه ـ قال و من أركانه : أن لا يكون عليه في سؤال ما يسأل حرج ـ و منها : أن يكون له في السؤال غرض صحيح ـ و منها : أن يكون حسن الظن بالله عز و جل عند الدعاء فتكون الإجابة على قلبه أغلب من الرد ـ و منها : أن يدعو الله بأسمائه الحسنى و صفاته العليا قال الله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } ـ و منها : أن يسأل ما يسأل بجد و حقيقة و لا يأخذ دعاء مؤلفا فيسرده سردا و هو عن حقائقه غافل ـ و منها : أن لا يشغله الدعاء عن فريضة لله تعالى حاضرة فيفوتها ـ و منها : أن يكون دعاؤه سؤالا بالحقيقة لا اختبارا لربه جل ثناؤه ـ و منها : أن يصلح لسانه إذا دعا فلا يخاطب ربه جل ثناؤه بما لو خاطب به كفؤه و قرينه نسبة إلى قلة الحياة و سوء الأدب أو ركاكة العقل ـ و منها : أن لا يدعو ضجرا مستعجلا يضمر أنه إن أجيب في الوقت الذي يريد و إلا يئس و ترك بل يدعو متعبدا متخشعا يضمر أنه لا يزال يدعو و يتضرع إلى أن يجاب و كلما زادت الإجابة عنده تراخيا زاد الدعاء تتابعا و تواليا ـ و منها : أن حاجته إذا عظمت لم يسألها الله عز و جل مستعظما إياها في ذات الله تعالى بل يسأله الصغيرة و الكبيرة سؤالا واحدا و يرى منة الله تعالى في إجابته إليها عظيمة ـ و إما آدابه فمنها : أن يقدم التوبة أمام الدعاء ـ و منها : الجد في الطلب و الإلحاح ـ و منها : المحافظة على الدعاء في الرخاء دون تخصيص حال الشدة و البلاء ـ و منها : أن يعزم إذا سأله ـ و منها : أن يدعو ثلاثا ـ و منها : أن يقتصر على جوامع الدعاء ما لم تعرض له حاجة بعينها فينص عليها ـ و منها : افتتاح الدعاء و ختمه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و منها : أن يدعو و هو طاهر ـ و منها : أن يدعو و هو مستقبل القبلة ـ و منها : أن يدعو في دبر صلواته ـ و منها : أن يرفع اليدين حتى يحاذي بهما المنكبين إذا دعا ـ و منها : أن يخفض صوته الدعاء ـ و منها : أن يمسح وجهه بيديه إذا فرغ من الدعاء ـ و منها : أن يحمد الله عز و جل إذا عرف الإجابة ـ و منها : أن لا يخلي يوما و لا ليلة من الدعاء ـ قال : و يتحرى للدعاء الأوقات و الأحوال و المواطن التي يرجى فيها الإجابة تماما ـ فأما الأوقات فمنها : ما بين الظهر و العصر من يوم الأربعاء ـ و منها : ما بين زوال الشمس من يوم الجمعة إلى أن تغرب الشمس ـ و منها : الدعاء في الأسحار ـ و منها : عند فيئ الأفياء ـ و منها : الدعاء يوم عرفة ـ و أما الأحوال فمنها : حال النداء للصلاة ـ و منها : حين فطر الصائم ـ و منها : عند نزول الغيث ـ و منها : عند التقاء الصفين ـ و منها : عند اجتماع المسلمين على الدعاء ـ و منها : أدبار المكتوبات ـ و منها : عند القيام من المجلس ـ و أما المواطن فالموقفان و الجمرتان و عند البيت و الملتزم خاصة و على الصفا و المروة ـ و قد ذكر الحليمي رحمه الله : تفسير كل فصل من هذه الفصول و أشار إلى دلالته من الكتاب و السنة و الأثر و نحن قد ذكرنا بعض ما حضرنا من ذلك في كتاب الدعوات فأغنى ذلك عن إعادتها ها هنا و بالله التوفيق (2/43)
1125 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا علي بن عيسى بن إبراهيم ثنا أبو يحيى زكريا بن داود ثنا يونس بن أفلح ختن يحيى ثنا مكي بن إبراهيم ثنا عبد الرحمن بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : خمس دعوات يستجاب لهن : دعوة المظلوم حين يستنصر و دعوة الحاج حين يصدر و دعوة المجاهد حين يقفل و دعوة المريض حين يبرئ و دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب ـ ثم قال : و أسرع هذه الدعوات إجابة دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب
و قد ذكرنا في هذا الباب أحاديث صحيحة في آخر كتاب الدعوات (2/43)
1126 - و قد روينا عن ابن موهب عن عمه عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
ما من مؤمن ينصب وجهه لله يسأله مسألة إلا أعطاه إياها : إما عجلها له في الدنيا و إما أخرها له في الآخرة ما لم يعجل يقول : قد دعوت و دعوت فلا أراه يستجاب
حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن دلويه ثنا محمد بن المنجل عن ابن أبي فديك عن ابن موهب فذكره (2/43)
1127 - و روينا عن مالك عن زيد بن أسلم أنه كان يقول : ما من داع إلا كان بين إحدى ثلاث : إما أن يستجاب و إما أن يؤخر عنه و إما أن يكفر عنه
أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أبو الحسن الطرائفي ثنا عثمان بن سعيد ثنا يحيى بن بكير ثنا مالك فذكره (2/43)
1128 - و رواه علي بن علي الرفاعي و ليس بالقوي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد : عن النبي صلى الله عليه و سلم :
ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها مأثم و لا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث : إما أن يستجيب له دعوته أو يصرف عنه من الشر مثلها أو يدخر له من الأجر مثلها (2/47)
1129 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا عبد الله بن إسحاق البغوي ثنا أبو زيد بن طريف ثنا محمد بن عبيد الصابوني ثنا أبو أسامة عن ابن عوف عن سليمان التيمي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم و لا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث إما يعجل له دعوته و إما أن يدخرها له في الآخرة و إما أن يدفع عنه من السوء مثلها
قال الإمام أحمد رحمه الله : فعلى هذا هو شاهد لحديث الرفاعي إن كان حفظه هذا الصابوني و لا أراه حفظه و قد (2/48)
1130 - أخبرناه محمد بن موسى أنا أبو عبد الله الصفار ثنا ابن أبي الدنيا ثنا محمد بن يزيد ثنا أبو أسامة ثنا علي بن علي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد : عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله حرفا بحرف و هذا هو الصحيح عن أبي أسامة عن علي بن علي و روايته عن ابن عوف خطأ و الله تعالى أعلم (2/48)
1131 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو الحسين علي بن محمد المصري ثنا عبد الله بن أبي مريم ثنا الفريابي ثنا ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن عبادة بن الصامت حدثهم : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ما على الأرض من مسلم يدعو بدعوة إلا أعطاه الله إياها أو كشف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم (2/48)
1132 - أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن علي بن إبراهيم بن معاوية ثنا أبو حامد أحمد بن محمد ثنا أحمد بن سلمة ثنا قتيبة و إسحاق بن إبراهيم عن جرير عن منصور عن هلال بن يساف قال : بلغني أن العبد المسلم إذا دعا ربه فلم يستجب له كتبت له حسنة (2/48)
1133 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو سعيد أحمد بن يعقوب الثقفي و أبو محمد عبد الله بن محمد بن موسى العدل قالا : ثنا محمد بن أيوب ثنا عبد الأعلى بن حماد ثنا أبو عاصم العباداني عن الفضل بن عيسى عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه فيقول : عبدي ! إني أمرتك أن تدعوني ؟ و وعدتك أن استجيب لك فهل كنت تدعوني ؟ فيقول : نعم يا رب فيقول : أما إنك لم تدعني بدعوة إلا استجبت لك أليس دعوتني في يوم كذا و كذا لغم نزل بك أفرجه عنك ففرجته عنك ؟ فيقول : نعم يا رب ؟ فيقول : أني عجلتها لك في الدنيا و دعوتني يوم كذا و كذا لغم نزظل بك أن أقرج عنك فلم تر فرجا ؟ قال : نعم يا رب فيقول : أني ادخرت لك بها في الجنة كذا و كذا و دعوتني في حاجة أقضيها لك في يوم كذا و كذا فقضيتها ؟ فيقول : نعم يا رب فيقول : فإني عجلتها لك في الدنيا و دعوتني في يوم كذا و كذا في حاجة أقضيها فلم تر قضاءها ؟ فيقول : نعم يا رب فيقول : إني ادخرتها لك في الجنة كذا و كذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فلا يدع الله دعوة دعا بها عبده المؤمن إلا بين له إما أن يكون عجل له في الدنيا و إما أن يكون ادخر له في الآخرة قال : فيقول المؤمن في ذلك المقام : يا ليته لم يكن عجل له شيء من دعائه (2/48)
1134 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا عبيد بن شريك ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم قال : حسبت أنه عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رجلا يدعو و هو يشير بإصبعيه فأخذ بإحدى يديه و قال :
أحد أحد
و رواه صفوان بن عيسى عن ابن عحلان من غير شك و قال في متنه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هكذا و أشار بالسبابة (2/48)
1135 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو بكر بن الحسن قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو قلابة ثنا محمد بن إبراهيم ـ قال أبو قلابة كان أبوه يهوديا فأسلم و حسن إسلامه و قرأ القرآن ـ قال ثنا محمد بن مسعر ـ قال أبو قلابة : و قد رأيته و كان ابن عيينة يعظمه شديدا ـ قال : ثنا داود العطار عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لقد بارك الله لرجل في حاجة أكثر الدعاء فيها أعطيها أو منعها قال : فحدثت به منكدر بن محمد بن المنكدر فقلت : أسمعت هذا من أبيك ؟ قال : لا و لكن دخلت مع أبي و أبي حازم على عمر بن عبد العزيز فقال عمر لأبي : يا أبا بكر مالي أراك كأنك مهموم قال : فقال له أبو حازم : أجل لدين عليه قال : فقال له عمر : فتح لك فيه الدعاء ؟ قال : نعم قال : فقد بارك الله لك فيه (2/50)
1136 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو الفضل بن محمد بن عقيل أنا جعفر الفريابي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا وكيع عن الأعمش عن عمارة و مالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد قال : قال عبد الله :
إن الله لا يقبل إلا الناخلة من الدعاء و لا يسمع من مسمع و لا مراء و لا من داع إلا دعاء ثبت قلبه (2/50)
1137 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو الحسن محمد بن الحسن السراج ثنا يوسف بن يعقوب القاضي ثنا نصر بن علي ثنا عمر بن علي عن الأعمش عن مالك بن الحارث قال : كان الربيع بن خيثم يأتي علقمة في يوم الجمعة فأتاه فقال سمعت قسا أو قال رجلا من أهل الكتاب و هو يقول ما أكثر الدعاء و أقل الإجابة ! و ذلك أن الله تعالى لا يقبل إلا الناخلة من الدعاء قال : فتعجب
علقمة لتعجب الربيع قال : فقال عبد الرحمن بن يزيد و ما تعجبك ؟ أو ما سمعت عبد الله يقول إن الله تعالى لا يقبل من مسمع و لا لاعب و لا لاه إلا من دعا ثبت القلب (2/50)
1138 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن بكر المروزي ببيت المقدس ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن ابن خيثم عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء قالت : إنما الوجل في قلب ابن آدم كاحتراق السعفة أما يجد لها قشعريرة ؟ قالوا : بلى قال : فادعوا إذا وجدتم ذلك فإن الدعاء يستجاب عند ذلك (2/50)
1139 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو محمد بن المقرئ قالا : ثنا أبو العباس هو الأصم ثنا الخضر عن سيار ثنا جعفر ثنا ثابت البناني قال : قال فلان : إني لأعلم حين يذكرني ربي قالوا و اعلم حين يذكرك ربك ؟ قال : نعم إذا ذكرته ذكرني قال و إني لأعلم حين يستجيب لي ربي قالوا : و تعلم حين يستجيب لك ربك ؟ قال : نعم إذا وجل قلبي و اقشعر جلدي و فاضت عيناي و فتح لي في الدعاء فثم أعرف إني قد استجيب لي
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : و قد مضى في حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :
تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة (2/51)
1140 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه أنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ثنا أبو عوانة عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن سلمان قال : إذا كان الرجل يدعو الله في السراء فنزلت به الضراء فيدعو فتقول الملائكة : صوت معروف من آدمي ضعيف كان يدعو في السراء فيشفعون له و إذا كان الرجل لا يدعو الله في السراء فنزلت به الضراء فدعا فيقول الملائكة صوت منكر من آدمي ضعيف كان لا يدعو الله في السراء فنزلت به الضراء فلا يشفعون له (2/51)
1141 - أخبرنا أبو حسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال : قال أبو الدرداء : أدع الله في يوم سرائك لعله يستجيب لك في يوم ضرائك (2/51)
1142 - بإسناده أخبرنا معمر عن قتادة أن أبا الدرداء قال : من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له و من يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له (2/51)
1143 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو الحسن السراج ثنا أبو شعيب الحراني ثنا الشعبي ثنا حماد بن سلمة عن ثابت و حميد و علي بن يزيد و يونس عن الحسن أن أبا الدرداء كان يقول : أكثروا الدعاء فإنه من أكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له (2/51)
1144 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن بالويه ثنا محمد بن شاذان ثنا سعد بن سليمان ثنا أبو حمزة العطار قال : سمعت الحسن و سئل عن قوله عز و جل :
{ فلولا أنه كان من المسبحين }
قال : كان يكثر الصلاة في الرخاء (2/51)
1145 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن حمشاذ ثنا موسى بن هارون ثنا أبو موسى الأنصاري ثنا حسين بن زيد عن عمر بن علي قال : سمعت علي بن الحسين يقول : لم أر للعبد مثل التقدم في الدعاء فإنه ليس كلما نزلت بلية يستجاب له عنها
قال : و كان علي بن الحسين إذا خاف شيئا اجتهد في الدعاء (2/53)
1146 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا الفضل محمد بن إبراهيم بن الفضل يقول : سمعت أبا العباس محمد بن إسحاق يقول : سمعت إبراهيم بن السري السقطي يقول : سمعت أبي يقول : كن مثل الصبي إذا اشتهى على أبويه شهوة فلم يمكناه فقعد يبكي عليها فكن أنت مثله فإذا سألت ربك و لم يعطكه فاقعد فابك عليه (2/53)
1147 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أبو القاسم الحسن بن محمد العسكري ثنا محمد بن خلف ثنا يعقوب بن إسحاق قال : سمعت أبي يقول سمعت ابن عيينة يقول : لا تتركوا الدعاء و لا يمنعكم منه ما تعلمون من أنفسكم فقد استجاب الله تعالى لإبليس و هو شر الخلق قال :
{ فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين } (2/53)
1148 - أخبرنا أبو محمد السكري ببغداد ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن سماك قال : سمعت وهبا يقول : الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر (2/53)
1149 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان حدثني سعيد بن أسد ثنا ضمرة عن ابن شوذب قال : قال محمد بن واسع : يكفي من الدعاء مع الورع اليسير كما يكفي القدر من الملح (2/53)
1150 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر القطان ثنا أحمد بن يوسف ثنا محمد بن يوسف قال : ذكر سفيان عن عمرو بن ميمون عن طاوس قال : يكفي الصدق من الدعاء كما يكفي الطعام من الملح (2/53)
1151 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت عبد الله بن محمد الدمشقي يقول : سمعت أبا بكر الشبلي يقول : في قوله عز و جل : { ادعوني أستجب لكم }
قال : أدعوني بلا غفلة أستجب لكم بلا مهلة (2/53)
1152 - أخبرنا أبو حازم الحافظ قال : سمعت محمد بن إسماعيل العلوي يقول : سمعت محمد بن إسماعيل بن موسى يقول : سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول : إلهي أسألك تذللا فأعطني تفضلا (2/54)
1153 - و بإسناده قال : سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول : كيف امتنع بالذنب من الدعاء و لا أراك تمتنع بالذنب من العطاء (2/54)
1154 - أخبرنا أبو حازم قال : سمعت أحمد بن الخليل الحافظ يقول : سمعت أحمد بن يعقوب المقرئ يقول : سمعت أبا العباس بن حكمويه يقول : سمعت أبا زكريا يحيى بن معاذ الرازي يقول : لا تستبطئن الإجابة إذا دعوت و قد سددت طرقها بالذنوب (2/54)
1155 - و قد أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن الخليل هذا ثنا أحمد بن الحسن بن يعقوب : فذكره (2/54)
1156 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو محمد بن أبي حامد المقرئ قالا : ثنا أبو العباس هو الأصم ثنا الخضر بن أبان ثنا سيار بن حاتم ثنا جعفر بن سليمان ثنا مالك بن دينار قال : بلغنا أن بني إسرائيل خرجوا إلى مخرج لهم فقيل لهم : يا بني إسرائيل تدعوني بألسنتكم و قلوبكم بعيدة عني باطل ما ترهبون (2/54)
1157 - و بهذا الإسناد ثنا مالك بن دينار قال : بلغني أن بني إسرائيل خرجوا مخرجا لهم فأوحى الله إليهم تخرجون إلى الصعيد و ترفعون إلي أكفا سفكتم بها الدماء و ملأتم بها بطونكم من الحرام الآن حين اشتد غضبي عليكم و لم تزدادوا مني إلا بعدا (2/54)
1158 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو علي الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد القرشي ثنا عبد الرحمن بن صالح ثنا الأشجعي عن أبي كدينة عن ليث قال : أوحى الله تعالى غلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قومك يدعونني بألسنتهم وقلوبهم مني بعيدة رفعوا إلى أيديهم يسألونني الخير و قد ملأوا بها بيوتاتهم من السحت الآن حين اشتد غضبي عليهم ؟ (2/55)
1159 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا علي بن محمد المصري ثنا سليمان بن شعيب ثنا أسد بن موسى ثنا الفضيل بن مرزوق عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا أيها الناس إن الله عز و جل طيب لا يقبل إلا طيبا و إن الله عز و جل أمر المؤمنين بما به المرسلين فقال : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات }
و قال : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم }
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب ! يا رب ! و مطعمه حرام و مشربه حرام و ملبسه حرام و غذي بالحرام فأنى يستجاب له
أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن فضيل بن مرزوق (2/55)
1160 - حدثنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنا أبو حامد بن الشرقي حدثنا علي بن الحسن بن أبي عيسى الهلالي ثنا إبراهيم بن سليمان الزيات ثنا سفيان الثوري عن فضيل بن مرزوق : فذكر بإسناده غير أنه لم يقل في أوله يا أيها الناس (2/56)
1161 - أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم حدثنا أبو أحمد محمد بن الغطريف حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم البزاز ثنا الحسن بن عبد العزيز ثنا سنيد بن داود عن المعتمر عن أبيه قال : قال لقمان لابنه
يا بني أكثر من قول رب اغفر لي فإن الله ساعات لا يرد فيها سائل (2/56)
1162 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الخضر بن أبان ثنا سيار بن حاتم ثنا جعفر بن سليمان ثنا ثابت قال : عبد الله رجل سبعين سنة فكان يقول في دعائه رب اجزني بعملي رب اجزني بعملي فمات فأدخل الجنة فكان فيها سبعين سنة فلما استكملها قبل له : اخرج فقد استكملت عملك فأسقط في يديه فجعل يقول : أي شيء كان أوثق في الدنيا ؟ فلم يجد شيئا كان أوثق في الدنيا من دعاء الله و التضرع إليه فجعل يقول : رب سمعتك ـ و أنا في الدنيا ـ و أنت تقيل العثرات فأقل اليوم عثرتي فترك فيها و الله تعالى أعلم (2/56)
الثالث عشر من شعب الإيمان ـ و هو باب التوكل بالله عز و جل و التسليم لأمره تعالى في كل شيء ـ قال الله تعالى : { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } و قال لنبيه صلى الله عليه و سلم : { إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون } و قال : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون } و قال : { و من يتوكل على الله فهو حسبه } و غير ذلك من الآيات التي ذكر الله عز و جل فيها التوكل قال الإمام رحمه الله تعالى : و جملة التوكل تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه و الثقة به و اختلف أهل البصائر في ذلك فقال قائلون : التوكل الصحيح ما كان من قطع الأسباب فإذا جاء السب إلى المراد نفع التوكل و قال آخرون : كل أمر بين الله فيه لعباده طريقا ليسلكوه إذا عرض لهم فالتوكل إنما يقع منهم في سلوك تلك السبيل و التسبب به إلى المراد فإن فعلوا ذلك متوكلين على الله عز و جل في أن ينجح سعيهم و يبلغهم مرادهم كانوا آتين الأمر من بابه و من جرد التوكل عن التسبب بما جعله الله سببا فلم يعمل لما أمر به و لم يأت الأمر من بابه (2/57)
1163 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر بن عبد الله أنا الحسن بن سفيان ثنا زكريا بن يحيى ثنا هشيم عن حصين قال : كنت عند سعيد بن جبير فقال ليلا : أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة ؟ قال : قلت : أنا قال : أما إني لم أكن في صلاة و لكني لدغت قال : فما فعلت ؟ قال قلت : استرقيت قال : و ما حملك على ذلك ؟ قلت : حديث حدثناه الشعبي قال : و ما حدثكم الشعبي ؟ قال : قلت حدثنا عن بريدة بن الحصيب أنه قال : لا رقية إلا من عين أو حمة
قال : قلت : حدثنا عن بريدة بن حفص أنه قال : لا رقية إلا من عين أو حمة
قال : فقال سعيد بن جبير : قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ثم قال سعيد بن جبير : ثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : عرضت على الأمم قال : فرأيت النبي معه الرهط و النبي معه الرجل و الرجلان و النبي ليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فقلت : هذه أمتي فقيل : هذا موسى و قومه و لكن انظر إلى الأفق قال : فنظرت فإذا سواد عظيم ثم قيل انظر إلى هذا الجانب الآخر فإذا سواد عظيم فقيل هذه أمتك و معهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب و لا عذاب
ثم نهض النبي صلى الله عليه و سلم فدخل فخاض القوم في ذلك فقالوا : من هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب و لا عذاب ؟ فقال بعضهم لبعض : لعلهم الذين صحبوا النبي صلى الله عليه و سلم و قال بعضهم : فلعلهم الذي ولدوا في الإسلام و لم يشركوا بالله شيئا قط و ذكروا أشياء فخرج إليهم النبي صلى الله عليه و سلم فقال :
ما هذا الذي كنتم تخوضون فيه ؟
فأخبروه بمقالتهم فقال :
هم الذين لا يكتوون و لا يسترقون و لا يتطيرون و على ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن الأسدي فقال : أنا منهم يا رسول الله ؟ فقال : أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال أنا منهم يا رسول الله قال : سبقك بها عكاشة
أخرجه في الصحيح من حديث هشيم و غيره
و في حديث بريدة رخصة في الاسترقاء و قد رواه إسماعيل بن زكريا و مالك بن مغول عن حصين عن الشعبي عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه و سلم مرفوعا قوله :
لا رقية إلا من عين أو حمة
و الله أعلم أنهما أولى بالرقي لما فيهما من زيادة الضرر
و الحمة سم ذوات السموم
و أما رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال الحليمي رحمه الله تعالى : يحتمل أن يكون أراد بهم الغافلين عن أحوال الدنيا و ما فيها من الأسباب المعدة لدفع الآفات و العوارض فهم لا يعرفون الاكتواء و لا الاسترقاء و لا يعرفون فيما ينوبهم ملجأ إلا الدعاء و الاعتصام بالله عز و جل
و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم :
أكثر أهل الجنة البله
فقيل : معناه البله عن شهوات الدنيا و زينتها و الحبائل التي للشيطان فيها و قال الله عز و جل :
{ إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات }
فقيل : أراد الغافلات عما يرمين به من الفحشاء لا يتفكرن فيها و لا يخطرن بقلوبهن و لا تكون من همتهن فكذلك الذين أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا الخبر هم الغافلون عن طب الأطباء و رقي الرقاة و لا يحسنون منها شيئا لا الذين يحسنون و لا يستعملون ثم احتج بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك و هو أنه صلى الله عليه و سلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة
و بعث إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه و هذا يدل على الرخصة في ذلك
قال الإمام أحمد رحمه الله (2/57)
1164 - ثم قد روينا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : الشفاء في ثلاثة : في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار و أنا أنهى أمتي عن الكي
و هذا القول صدر منه بعد قصة أسعد بن زرارة و يشبه أن يكون بعد قصة أبي أيضا بهذا النهي ـ و الله تعالى أعلم ـ التنزيه فقد روى هذا الحديث بعينه جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة حجام أو شربة عسل أو لدغة بنار و ما أحب أن أكتوي
و هذا يدل على أن ذلك على غير التحريم (2/60)
1165 - و روينا عن عمران بن حصين : أنه قال نهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا و لا أنجحنا
و في هذا ما دل على أنه على غير التحريم إذ لو كان على طريق التحريم لم يكتو عمران بن حصين بعد علمه بالنهي غير أنه ركب المكروه ففارقه ملك كان يسلم عليه فحزن على ذلك و قال هذا القول : ثم قد روي أنه عاد إليه قبل موته و إذا كان الكي بحكم هذه الأخبار مكروها فارق حكمه حكم سائر الأسباب التي ليست فيها كراهية حين استحق تاركه الثناء الذي قدمنا ذكره
و أما الاسترقاء فقد روينا الرخصة فيه بما يعلم من كتاب الله أو ذكره من غير كراهية و إنما الكراهية فيما لا نعلم من لسان اليهود و غيرهم فكان التارك لما كان مكروها هو المستحق لهذا الثناء و الله تعالى أعلم و يحتمل أن يكون هذا هو المراد بما روى عقار بن المغيرة بن شعبة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم :
من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل (2/60)
1166 - أخبرنا أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا شعبة عن منصور عن مجاهد عن عقار بن المغيرة بن شعبة عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لم يتوكل من استرقى أو اكتوى
قال الإمام أحمد رحمه الله : و ذلك لأنه ركب ما يستحب التنزيه عنه من الاكتواء أو الاسترقاء لما فيه من الخطر و من الاسترقاء بما لا يعرف من كتاب الله عز و جل أو ذكره لجواز أن يكون ذلك شركا أو استعملها معتمدا عليها لا على الله تعالى فيما وضع فيهما من الشفاء فصار بهذا أو بارتكابه المكروه بريئا من التوكل فإن لم يوجد واحد من هذين و غيرهما من الأسباب المباحة لم يكن صاحبها بريئا من التوكل و الله تعالى أعلم
و قد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في الكي و الرقي و الأدوية في الربع الأخير من كتاب السنن
و أما التطير بزجر الطائر و إزعاجها عن أوكارها عند إرادة الخروج للحاجة حتى إذا مرت على اليمين تفاءل به و مضى على وجهه و إن مرت على الشمال تشاءم به و قعد فهذا من فعل أهل الجاهلية الذي كانوا يوجبون ذلك و لا يضيفون التدبير إلى الله عز و جل فمن فعل من أهل الإسلام على هذا الوجه استحق الوعيد دون الثناء (2/61)
1167 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب أنا يعلى بن عبيد ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن عيسى بن عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : الطيرة شرك و ما منا إلا و لكن الله يذهبه بالتوكل
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : يريد ـ و الله تعالى أعلم ـ الطيرة شرك على ما كان أهل الجاهلية يعتقدون فيها ثم قال : و ما منا إلا يقال هذا من قول عبد الله بن مسعود و ليس من قول النبي صلى الله عليه و سلم و قوله : و ما منا الأوقع في قلبه شيء عند ذلك على ما جرت به العادة و قضت به التجارب لكنه لا يقر فيه بل يحسن اعتقاده أن لا مدبر سوى الله تعالى فيسأل الله الخير و يستعيذ به من الشر و يمضي على وجهه متوكلا على الله عز و جل كما روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
إذا أريت من الطيرة ما تكره فقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت و لا يدفع السيئات إلا أنت و لا حول و لا قوة إلا بك
و قد ذكرنا طرفا من هذه الأخبار و ما قيل فيها في كتاب السنن (2/61)
1168 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد السبيعي في آخرين قالوا ثنا أبو العباس الأصم ثنا محمد بن خالد بن خلي ثنا بشر بن شعيب عن أبيه عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول :
لا طيرة و خيرها الفأل قالوا : و ما الفأل يا رسول الله ؟ قال : الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم
أخرجاه في الصحيح من حديث أبي اليمان عن شعيب بن أبي حمزة (2/61)
1169 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد قال : أنا محمد بن راشد ثنا سهل ـ أظنه أبا بكار ـ ثنا وهيب بن خالد عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : سمع كلمة من رجل فأعجبته فقال قد أخذنا فالك من فيك (2/61)
1170 - أخبرنا ابن عبدان ثنا أحمد بن عبيد ثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله ثنا مسلم هو ابن إبراهيم ثنا هشام ثنا قتادة عن ابن بريدة عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يتطير من شيء و كان إذا بعث عاملا أو غلاما سأل عن اسمه فإن أعجبه اسمه فرح ورئي بشرى ذلك في وجهه و إن كره اسمه رئي الكراهية في وجهه و إذا دخل القرية سأل عن اسمها فإن أعجبه اسمها فرح بذلك و رئي ذلك في وجهه و إن كره ذلك رئي كراهية ذلك في وجهه (2/62)
1171 - أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل ثنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ثنا محمد بن عبد الوهاب أبو أحمد ثنا يعلى بن عبيد ثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن عامر قال : ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :
أصدقها الفال و لا ترد مسلما فإذا رأيت من الطائر ما تكره فقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت و لا يدفع السيئات إلا أنت و لا حول و لا قوة إلا بالله (2/62)
1172 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد بن الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن إسماعيل بن أمية قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ثلاثة لا يعجزهن ابن آدم : الطيرة و سوء الظن و الحسد قال : فينجيك من الطيرة إن لا تعمل بها و ينجيك من سوء الظن إن لا تتكلم و ينجيك من الحسد إن لا تبغي أخا سواءا
و هذا منقطع (2/62)
1173 - و قد أخبرنا أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني ثنا أحمد بن هارون بن روح ثنا محمد بن جعفر ثنا يحيى بن السكن ثنا شعبة عن محمد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
في الإنسان ثلاثة : الطيرة و الظن و الحسد فمخرجه من الطيرة أن لا يرجع و مخرجه من الظن ألا يحقق و مخرجه من الحسد أن لا ينبغي (2/63)
1174 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن يزيد ثنا الهيثم بن خلف الدوري ثنا محمد بن جعفر ثنا يحيى بن اليمان ثنا شعبة عن محمد بن إسحاق عن علقمة بن أبي علقمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله فذكره (2/64)
1175 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا إسماعيل بن الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة قال : قال ابن عباس : إن مضيت فمتوكل و إن نكصت فمتطير (2/64)
1176 - و بهذا الإسناد عن قتادة أن كعبا قال : قال الله عز و جل : ليس من عبادي من سحر أو سحر له أو كهن أو كهن له أو تطير أو تطير له لكن من عبادي من آمن و توكل علي (2/64)
1177 - أخبرنا أبو الحسن العلوي أنا أبو الأحرز محمد بن عمر بن جميل الأزدي أنا إبراهيم بن الهيثم البلدي ثنا إبراهيم بن مهدي ثنا أبو المحياة عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
من تكهن أو تقسم أو تطير طيرة فرده عن سفره لم ينظر إلى الدرجات من الجنة يوم القيامة
و كذلك رواه رقبة بن مسقلة و عكرمة بن إبراهيم عن عبد الملك بن عمير (2/64)
1178 - أنشدنا أبو عبد الرحمن السلمي أنشدني أحمد بن سعيد المعداني المنصور الفقيه : ـ ( أقول لمنذري بالفراق و ما هو من شره كامن )
( ذنوبي أخاف فأما الفرق فإني من شره آمن ) (2/65)
1179 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت أبا القاسم غانم بن حمويه يقول : سمعت محمد بن الرومي يقول : قيل لبعض الحكماء لم يهون عليكم معشر الحكماء قول أصحاب النجوم ؟ قال : لأنهم إن حدثوا بخير فلم يستطيعوا تعجيله و إن حدثوا بشر حدثونا و لم يستطيعوا دفعه (2/65)
1180 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو زكريا بن أبي إسحاق و أبو بكر أحمد بن الحسن قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا حدثه أن أوس بن بشر المعافري حدثه أن : ـ عبد الله بن عمرو التقي هو و كعب ذو الكتابين فقال عبد الله لكعب : علم النجوم ؟ فقال كعب : لا خير فيه فقال عبد الله : لم ؟ قال : ترى فيه ما تكره و تزيد الطيرة فقال كعب : فإن مضى فقال اللهم لا طير إلا طيرك و لا خير إلا خيرك و لا رب غيرك ثم سكت فقال عبد الله : و لا حول و لا قوة إلا بك قال كعب : جاء بها عبد الله و الذي نفسي بيده إنها لرأس التوكل و كنز العبد في الجنة و لا يقولن عبد عند ذلك ثم يمضي إلا لم يضره شيء قال عبد الله : أفرأيت إن لم يمض و دفعه قال : طعم الإشراك (2/65)
1181 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا قصيبة ثنا سفيان عن أياد بن لقيط عن أبي رمثة قال : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فإذا خلف كتفه مثل التفاحة فقلت يا رسول الله إني أداوي فدعني أطبها و أداويها قال : طبيبها الذي خلقها
قال الإمام أحمد رحمه الله : و هذا إنما امتنع من مداواته لأنه كان خاتم النبوة و كانت إحدى آياته المذكورة من صفته و الله تعالى أعلم (2/65)
1182 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو عبد الرحمن عن حيوة بن شريح حدثني بكر بن عمرو أنه سمع عبد الله بن هبيرة أنه سمع أبا تميم الجيشاني أنه سمع عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ـ ح
و حدثنا أبو الحسن العلوي أنا أبو بكر محمد بن علي النجاد الحافظ حدثنا محمد بن أحمد بن أنس المقرئ ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا حيوة بن شريح عن بكر بن عمرو عن عبد الله بن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
لو توكلت على الله حق توكله لرزقت كما يرزق الطير تغدوا خماصا و تروح بطانا
قال و في رواية يعقوب :
لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا و تروح بطانا (2/66)
1183 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه ثنا علي بن حمشاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ : فذكره بمثل إسناد العلوي غير أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إنكم لو توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا و تروح بطانا
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : و ليس في هذا الحديث دلالة على القعود عن الكسب بل فيه ما يدل على طلب الرزق لأن الطير إذا غدت فإنما تغدو لطلب الرزق و إنما أراد ـ و الله تعالى أعلم ـ لو توكلوا على الله تعالى في ذهابهم و مجيئهم و تصرفهم و رأوا أن الخير بيده و من عنده لم ينصرفوا إلا سالمين غانمين كالطير تغدو خماصا و تروح بطانا لكنهم يعتمدون على قوتهم و جلدهم و يغشون و يكذبون و لا ينصحون و هذا خلاف التوكل (2/66)
1184 - حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج أنا أبو محمد بن عبد الله بن محمد العدل ثنا محمد بن إسحاق السراج ثنا أبو كريب ثنا يحيى بن اليمان عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : ـ { و لا تتبدلوا الخبيث بالطيب }
قال : لا تعجل الرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الذي قد قدر لك (2/67)
1185 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو زكريا بن أبي إسحاق و أبو بكر أحمد بن الحسن قالوا ثنا أبو العباس الأصم ثنا الربيع ثنا الشافعي ثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن المطلب بن حنطب : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
ما تركت شيئا مما أمركم به الله إلا و قد أمرتكم به و ما تركت شيئا مما نهاكم الله عنه إلا و قد نهيتكم عنه و إن الروح الأمين قد نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها فأجملوا في اطلب (2/67)
1186 - ثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان أنا أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل الشافعي ثنا إسحاق بن بنان الأنماطي ثنا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تستبطؤوا الرزق فإنه لم يكن عبد يموت حتى يبلغه آخر رزق هو له فاتقوا الله و أجملوا في الطلب من الحلال و ترك الحرام
و في هذا ما دل على أنه أمر بطلب الرزق إلا أنه أمر بإجماله و إجمال الطلب هو أن يطلبه من الحلال معتمدا على الله عز و جل و لا يلاحظ في طلبه قواه و مكايده و حيله و لا يطلبه من الحرام (2/67)
1187 - أخبرنا أبو محمد السكري ببغداد أنا أبو بكر الشافعي أنا جعفر بن محمد بن الأزهر ثنا المفضل بن غسان الغلابي ثنا أبو داود الطيالسي عن ابن المبارك عن سعد بن سعيد أخى يحيى بن سعيد الأنصاري ثنا الزهري حدثني رجل من بلي قال : ا : نطلقت مع أبي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فناجى أبي دوني فقلت لأبي : ما قال لك رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : قال : إذا أردت أمرا فعليك بالتؤدة حتى يجعل الله لك مخرجا أو قال فرجا (2/68)
1188 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا علي بن بندار ثنا محمد بن أحمد بن يحيى الترمذي ثنا أبو حفص عمر بن عميرة التنيسي و أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي ثنا أبو العباس بن ميكال ثنا علي بن سعيد ثنا الصغاني ـ ح ـ
و أخبرنا أبو حسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ثنا محمد بن إسحاق الصغاني قالا : ثنا ابن أبي مريم ثنا نافع بن يزيد حدثني عياش بن عباس أن عبد الملك بن مالك الغفاري حدثه أن جعفر بن عبد الله بن الحكم حدثه عن خالد بن رافع : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لابن مسعود :
لا تكثر همك ما يقدر يكن و ما ترزق يأتك
لفظ حديث الصغاني غير أن في رواية ابن أبي الدنيا عنه في إسناده أن عبد الملك بن نافع المعافري حدثه كذا وجدته
و في رواية التينسي عن عبد الله بن مالك المعافري أن جعفر بن عبد الله بن الحكم حدثه عن خالد بن رافع أو نافع
و رواه معاوية بن يحيى عن سعيد بن أبي أيوب عن عياش بن عباس عن مالك بن عبد الله المعافري قال : مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بابن مسعود فقال :
لا تكثر همك فإنه ما يقدر يكن و ما ترزق يأتك (2/68)
1189 - أخبرنا أبو حسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ثنا محمد بن ناصح ثنا بقية بن الوليد عن معاوية بن يحيى أبي مطيع : فذكره هكذا منقطعا
رواه أيضا سلمة بن الخليل عن بقية
و رويناه في كتاب القدر من حديث يحيى بن أيوب عن عياش بن عباس عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم
أنه رآه مهموما فقال هذا القول
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : و هو إن صح فليس فيه المنع من الطلب و إنما فيه المنع من الهم و ذلك عمل أهل الحرص الشديد لا يزال أحدهم مع جده و اجتهاده مهموما قلقا يخشى أن يضيع ما عنده و لا يأيته ما ليس عنده و ذلك خلاف التوكل (2/70)
1190 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا محمد بن غالب بن حرب ثنا شيبان ثنا أبو عوانة عن الأعمش عن عبد الرحمن بن ثروان عن هزيل بن شرحبيل عن ابن عمر أن : سائلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم فإذا بتمرة عائرة فقال : أما إنك لو لم تأتها لأتتك (2/70)
1191 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة ثنا أبو عمرو بن نجيد السلمي ثنا أبو بكر الإسماعيلي ثنا هشام بن خالد الأزرق الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم عن ابن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي الدرداء : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن الرزق يطلب العبد كما يطلبه أجله
و كذلك رواه هشام بن عمار عن الوليد مرفوعا
و المراد بهذا ـ و الله تعالى أعلم ـ أن ما قدر له من الرزق يأتيه فليثق به و لا يجاوز الحد في طلبه (2/71)
1192 - و أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو عمرو بن مطر ثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ثنا الهيثم بن خارجة ثنا عبد الله بن عبد الرحمن قال : سمعت أم الدرداء تقول : سمعت أبا الدرداء يقول : لو أن رجلا هرب من رزقه كهربه من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت
فذكره موقوفا على أبي الدرداء و هذا أصح و الله أعلم (2/71)
1193 - و روي عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا : بمعناه
و هو كما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : ما من امرئ إلا و له أثر هو واطئه روزق هو آكله و أجل هو بالغه و حنق هو قاتله حتى لو أن رجلا من رزقه لا تبعه حتى يدركه كما أن الموت يدرك من هرب منه ألا فاتقوا الله و أجملوا في الطلب (2/72)
1194 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن حمشاد أنا يزيد بن الهيثم أن صبيح بن دينار حدثهم قال : ثنا المعافى ثنا إسماعيل بن عياش عن ثعلبة بن مسلم عن أبي المحرر عن عمر بن الخطاب : فذكره
و حين أمر بالإجمال في الطلب علمنا أنه لم يمنع من الكسب أصلا و لكن كره له شدة الحرص و كثرة الهم فعل من يرى أن رزق الله إنما يحصل بجده و جهده دون تقرير خالقه و رازقه (2/72)
1195 - حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان املاء قال : أنا أبو علي حامد بن محمد بن عبد الله الهروي أنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو حفص عمر بن يزيد الرفاء بالبصرة ثنا شعبة بن الحجاج عن عمرو بن مرة عن شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما بال أقوام يشرفون المترفين و يستخفون بالعابدين و يعملون بالقرآن ما وافق أهواءهم و ما خالف أهواءهم تركوه فعند ذلك يؤمنون ببعض و يكفرون ببعض و يسعون فيما يدرك بغير سعي من القدر المقدور و الأجل المكتوب و الرزق المقسوم و لا يسعون فيما لا يدرك إلا بالسعي من الجزاء الموفور و السعي المشكور و التجارة التي لا تبور
هذا حديث يعرفه بعمرو بن يزيد الرفاء هذا و هو بهذا الإسناد باطل ذكره أبو أحمد بن عدي الحافظ فيما أخبرنا أبو سعد الماليني عنه و روي ذلك بإسناد آخر أضعف منه لم أذكره (2/72)
1196 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا ابن فضيل عن حصين بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء أنه قال : ما لي أرى علماءكم يذهبون و أرى جهلاءكم لا يتعلمون ؟ اعلموا قبل أن يرفع العلم فإن رفع العلم ذهاب العلماء ما لي أراكم تحرصون على ما تكفل لكم به و تضيعون ما وكلتم به ؟ لأنا أعلم بشراركم من البيطار بالخيل هم الذين لا يأتون الصلاة إلا دابرا و لا يسمعون القرآن إلا هجرا و لا يعتق محرروهم
هذا موقوف و فيه معنى اللفظ الذي في آخر الحديث المرفوع (2/73)
1197 - حدثنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني أنا أبو بكر أحمد بن سعيد الاخميمي بمكة ثنا عبد الجليل بن عاصم المديني ثنا هارون بن يحيى الحاطبي ثنا عثمان بن عمر بن خالد ـ و قال مرة : عثمان بن خالد بن الزبير عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إنما تكون الصنيعة إلى ذي دين أو حسب و جهاد الضعفاء الحج و جهاد المرأة حسن التبعل لزوجها و التودد نصف الدين و ما عال امرؤ اقتصد و واستنزلوا الرزق بالصدقة و أبى الله أن يجعل أرزاق عباده المؤمنين من حيث يحتسبون
و قال مرة أخرى : و ما عال امرؤ قط على اقتصاد
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : و هذا حديث لا أحفظه على هذا الوجه إلا بهذا الإسناد و هو ضعيف بمرة فإن صح فمعناه : أبى الله أن يجعل جميع أرزاقهم من حيث يحتسبون و هو كذلك فإن الله يرزق عباده من حيث يحتسبون كما أن التاجر يرزقه من تجارته و الحارث يرزقه من حراثته وغير ذلك و قد يرزقهم من حيث لا يحتسبون كالرجل يصيب معدنا أو كنزا أو يموت له قريب فيرثه أو يعطى من غير إشراف نفس و لا سؤال و نحن لم نقل : إن الله تعالى لم يوصل أحدا إلى خير إلا بجهد و سعي و إنما قلنا : أنه قد بين لخلقه و عباده طريقا جعلها أسبابا لهم إلى ما يريدون فالأولى بهم أن يسلكوها متوكلين على الله تعالى في بلوغ ما يؤملونه دون أن يعرضوا عنها و يجردوا التوكل عنها و ليس في شيء من هذه الأحاديث ما يفسد قولنا و الله تعالى أعلم (2/73)
1198 - و قد أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو سهل بن زياد القطان ثنا عبد الله بن روح المدائني ثنا شبابة ثنا ورقاء عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان أهل اليمن يحجون و لا يتزودون و يقولون نحن متوكلون فيحجون إلى مكة فيسألون الناس فأنزل الله عز و جل :
{ و تزودوا فإن خير الزاد التقوى }
أخرجه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بشر عن شبابة
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : و في هذا إن الله تعالى أمر زوار بيته بالتزود و قال :
{ إن خير الزاد التقوى }
يعني ـ و الله تعالى أعلم ـ فإن خير الزاد ما عاد على صاحبه بالتقوى
و قال الحليمي رحمه الله تعالى : و هو أن لا يتوكل على أزواد الناس فيؤذيهم و يضيق عليهم و من دخل البادية بلا زاد متوكلا فإنما يرجو أن يقبض الله تعالى من يواسيه من زاده و هذا عين ما أشارت الآية إلى المنع منه فبأن أنه لا معنى لاستحبابه و إنما المستحب هو التزود أو الجلوس إذا لم يكن زاد حتى يكون (2/74)
1199 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا إبراهيم بن معاوية القيسراني ثنا محمد بن يوسف الفريابي ثنا ابن ثوبان ـ ح
و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس الأصم ثنا الحسن بن المكرم ثنا أبو النضر ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ثنا حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له و جعل رزقي تحت ظل رمحي و جعل الذلة و الصغار على من خالف أمري و من تشبه بقوم فهو منهم
لفظ حديث أبي عبد الله و لم يذكر ابن يوسف و من تشبه بقوم فهو منهم
قال الحليمي رحمه الله تعالى : فلو كان انتظار الرزق بالصبر و الصمت أفضل من طلبه بما أذن الله تعالى فيه لما حرم الله تعالى رسوله صلى الله عليه و سلم أفضل الوجهين و عرضه لأرذلهما و احتج بقصة أبي الهيثم بن التيهان و ما فيها من خروج النبي صلى الله عليه و سلم و صاحبيه حين أصابهم الجوع و انطلاقهم إلى منزل أبي الهيثم حتى أطعمهم
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : و قد ذكرنا ذلك في الجزء الرابع في كتاب دلائل النبوة
و فيه ما دل على أن من احتاج إلى طعام فلم يجده و لم يعلم أحد حاله كان عليه أن يحدث بحاله من يظن أن عنده وفاء بتغييرها إلا أن يسكت و يتصبر (2/75)
1200 - حدثنا أبو عبد الله الحافظ ثنا الحسن بن يعقوب العدل و أحمد بن محمد بن عبد الله القطان قالا : ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا علي بن عاصم عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود حدثني طلحة البصري قال : كان الرجل منا إذا قدم المدينة فكان له بها عريف نزل على عريفه فإن لم يكن له بها عريف نزل الصفة فقدمت المدينة و لم يكن لي بها عريف فنزلت الصفة و كان يجري علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم كل يوم مدا من تمر و يكسونا الخنف فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم بعض صلوات النهار فلما انصرف ناداه أهل الصفة يمينا و شمالا : يا رسول الله أحرق بطوننا التمر و تخرقت علينا الخنف فمال رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى منبره فصعده فحمد الله و أثنى عليه فذكر شدة ما لقي من قومه حتى قال :
فلقد أتى علي و على و صاحبي يضع عشرة يوما و ما لي و له طعام إلا البربر ـ قال : قلت لأبي حرب : و ما البرير ؟ قال : طعام رسول الله صلى الله عليه و سلم تمر الأراك ـ
فقدمنا على إخواننا هؤلاء من الأنصار و عظم طعامهم التمر فواسونا فيه فو الله لو أجد لكم الخبز و اللحم لا شبعتكم منه و لكن عسى أن تدركوا زمانا حتى يغدي على أحدكم بجفنة و يراح عليه بأخرى قال : فقالوا يا رسول الله أنحن اليوم خير أو ذلك اليوم ؟ قال : لا بل أنتم اليوم خير منك يومئذ أنتم متحابون و أنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض أراه قال ـ متباغضون
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : و في هذا الحديث أن أصحاب الصفة لم يصبروا على المجاعة حتى أعلموا من أملوا أن يغير أحوالهم فلم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم عليهم و لكنه أجابهم بما سكن عنهم فدل ذلك على أن طلب ما تقع إليه الحاجة ليس بمضاد للتوكل إذا كان الطالب لا يطلب إلا متوكلا على الله تعالى في إظفاره بمطلوبه (2/76)
1201 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهاب بن عطاء أنا الأخضر بن عجلان حدثني أبو بكر الحنفي عن أنس بن مالك قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فشكا إليه الفاقة ثم رجع فقال : يا رسول الله ! لقد جئتك من عند أهل بيت ما أراني أرجع إليهم حتى يموت بعضهم قال : فقال له :
انطلق هل تجد من شيء قال : فانطلق فجاء بحلس و قدح فقال : يا رسول الله ! هذا الحلس كانوا يفترشون بعضه و يكتسون بعضه و هذا القدح كانوا يشربون فيه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من يأخذهما مني بدرهم ؟ فقال رجل : أنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من يزيد على درهم ؟ فقال رجل : أنا آخذهما باثنين فقال : هما لك فدعا الرجل فقال له : اشتر بدرهم فاسا و بدرهم طعاما لأهلك قال : ففعل ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : انطلق إلى هذا الوادي فلا تدع حاجا و لا شوكا و لا حطبا و لا تأتني خمسة عشر يوما : فانطلق فأصاب عشرة قال : فانطلق فاشتر بخمسة طعاما لأهلك و بخمسة كسوة لأهلك فقال يا رسول الله لقد بارك الله لي فيما أمرتني فقال : هذا خير من أن تجيء يوم القيامة و في وجهك نكتة المسألة إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي دم موجع لو غرم مفظع أو فقر مدقع
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : و في هذا الحديث
أمر بالكسب و نهي عن المسئلة عند القدرة على الكسب (2/77)
1202 - و في هذا ما المعنى ما روينا في كتاب السنن : عن النبي صلى الله عليه و سلم :
لا تحل الصدقة لغني و لا لذي مرة سوى
و في حديث آخر :
لا حق فيها لغني و لا لذي مرة مكتسب
و لو لم يلزمه الكسب ليرد على نفسه حاجتها لما حرمت عليه الصدقة عند القدرة على الكسب (2/78)
1203 - ـ : و قد روينا عن سيد المتوكلين و رسول رب العالمين أنه كان يحبس مما أفاء الله عليه قوت سنة ثم يجعل ما بقي منه مجعل مال الله تعالى (2/78)
1204 - ـ : و روينا عنه صلى الله عليه و سلم أنه ظاهر يوم أحد بين درعين
و دخل مكة عام الفتح و على رأسه المغفر (2/78)
1205 - مكرر : و روينا أنه احتجم من وثىء كان به (2/78)
1206 - ـ : و روينا عنه أدوية أمر بها
و أنه قال : تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا الهرم
و أمر بالاسترقاء و أذن فيها
و قال : من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفه (2/78)
1208 - و في حديث أبي خزامة عن أبيه أنه قال : يا رسول الله أرأيت دواء نتداوى بها ورقي نسترقي بها و تقى نتقيها هل يرد ذلك من قدر الله من شيء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إنه من قدر الله
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن نصر ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن ابن شهاب أن أبا خزامة حدثه أن أباه حدثه أنه قال : يا رسول الله فذكره
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : و هذا هو الأصل في هذا الباب و هو أن يستعمل هذه الأسباب التي بينها الله تعالى لعباده و أذن فيها و هو يعتقد أن المسبب هو الله سبحانه و تعالى و ما يصل إليه من المنفعة عند استعمالها بتقدير الله عز و جل و أنه إن شاء حرمه تلك المنفعة مع استعماله السبب فتكون ثقته بالله عز و جل و اعتماده عليه في إيصال تلك المنفعة إليه مع وجود السبب (2/79)
1209 - أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار أنا أبو إسماعيل الترمذي ـ ح ـ
و أخبرنا أبو سهل محمد بن نصرويه المروزي أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن خنب ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا إبراهيم بن حمزة ثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن عمرو بن عبد الله بن أمية الضمري عن جعفر بن عمرو قال : قال عمرو بن أمية الضمري : يا رسول الله أرسل راحلتي و أتوكل ؟ قال : بل قيدها و توكل و لفظها سواء (2/79)
1210 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة ثنا العباس بن الفضل النضروي ثنا الحسين بن إدريس ثنا هشام بن عمار ثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن عبد الله بن أمية عن جعفر بن عمرو بن أمية عن جعفر بن عمرو بن أمية عن عمرو بن أمية قال : قلت يا رسول الله : أرسل ناقتي و أتوكل ؟ فقال : اعقلها و توكل (2/80)
1211 - أخبرنا أبو جعفر المستملي أنا أبو العباس محمد بن إسحاق الصبغي ثنا الحسن بن علي بن زياد ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا عبد الله بن موسى ثنا يعقوب بن عبد الله بن عمرو بن أمية عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه عمرو بن أمية قال : قلت يا رسول الله أرسل و أتوكل قال :
بل قيد و توكل (2/80)
1212 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا علان بن عبد الصمد ثنا إسماعيل بن مسعود الجحدري ثنا خالد بن يحيى بن أبي قرة حدثني عمي المغيرة ابن أبي قرة عن أنس بن مالك قال : جاء رجل على ناقة له فقال :
يا رسول الله أدعها و أتوكل ؟ فقال :
اعقلها و توكل (2/80)
1213 - أخبرنا أبو علي الروذباري ثنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا عبد الوهاب بن نجدة و موسى بن مروان الرقي قالا ثنا بقية بن الوليد عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن سيف قوله عن عوف بن مالك : أنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى بين رجلين فقال المقضي عليه لما أدبر : حسبي الله و نعم الوكيل فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
إن الله عز و جل يلوم على العجز و لكن عليك بالكيس فإن غلبك أمر فقل حسبي الله و نعم الوكيل (2/81)
1214 - قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : و روينا عن ابن شهاب مرسلا في هذه القصة : أن أحدهما تهاون ببعض حجته لم يبلغ فيها ثم حين قضى للآخر فقال هذا القول فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
اطلب حقك حتى تعجر فإذا عجزت فقل حسبي الله و نعم الوكيل فإنما يقضي بينكم على حججكم
فلم يرض تجريد التوكل عن الطلب (2/81)
1215 - و روي عن معاوية بن قرة : أن عمر بن الخطاب أتى على قوم فقال : ما أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون قال بل أنتم المتكلون ألا أخبركم بالمتوكلين ؟ رجل ألقى حبة في بطن الأرض ثم توكل على ربه و قوله المتكلون يعني على أموال الناس (2/81)
1216 - و روينا عن عمر أنه قال : يا معشر القراء ! ارفعوا رؤوسكم فقد اتضح الطريق استبقوا الخيرات و لا تكونوا عيالا على المسلمين (2/81)
1217 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا أبو الحسين بن ماتي الكوفي ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة ثنا طلق بن غنام عن المسعودي عن جواب بن عبيد الله عن المعرور بن سويد عن عمر رضي الله عنه قال : يا معشر القراء ارفعوا رؤوسكم ما أوضح الطريق ! فاستبقوا الخيرات و لا تكونوا كلا على المسلمين (2/81)
1218 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس الأصم ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا أبو أسامة ثنا جرير بن حازم ثنا أيوب عن نافع قال : دخل شاب قوي المسجد و في يده مشاقص و هو يقول : من يعينني في سبيل الله ؟ قال : فدعا به عمر فأتي به فقال : من يستأجر مني هذا بعمل في أرضه ؟ فقال رجل من الأنصار : أنا يا أمير المؤمنين قال : بكم تؤجره كل شهر ؟ قال : بكذا و كذا قال : خذه فانطلق به ليعمل في أرض الرجل أشهرا ثم قال عمر للرجل : ما فعل أجيرنا ؟ قال : صالح يا أمير المؤمنين قال : آيتني به و بما اجتمع له من الأجر فجاء به و بصرة من دراهم فقال خذ هذه فإن شئت الآن فاغز و إن شئت فاجلس (2/81)
1219 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو طاهر المحمد آباذي ثنا أبو جعفر محمد بن عبيد الله بن يزيد المنادي ثنا وهب بن جرير بن حازم أبو العباس ثنا شعبة عن قتادة عن مطرف عن حكيم بن قيس بن عاصم قال أوصى قيس بن عاصم بنيه فقال : أوصيكم بتقى الله تعالى و أن تسودوا أكبركم فإنكم إذا فعلتم ذلك خلفتم أباكم و لا تسودوا أصغركم فإنكم إذا فعلتم ذلك أزرى بكم من أكفائكم و عليكم بالمال و اصطناعه فإن المال منبهة للكريم و يستغنى به عن اللئيم و إياكم و مسألة الناس فإنها أخس كسب الرجل و إذا أنا مت فلا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم ينح عليه و ادفنوني في أرض لا يعلم بمدفني بكر ابن وائل فإني كنت أغاولهم أو أغاورهم في الجاهلية شك وهب (2/82)
1220 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا سفيان قال : اشترى سلمان ـ و قال غيره سلمان الفارسي ـ و سقا من الطعام و قال إن النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت (2/83)
1221 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن ثنا أبو عثمان ثنا أحمد ثنا مروان عن سهل بن هاشم عن إبراهيم بن أدهم قال : قال سعيد بن المسيب : من لزم المسجد و قبل كلما يعطي فقد ألحف في المسئلة (2/83)
1222 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا جعفر بن محمد بن نصير حدثني الجنيد بن محمد قال : سمعت السري يذم الجلوس في المسجد و يقول جعلوا مسجد الجامع حوانيت ليس لها أبواب
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : هذا لما فيه من التعرض للسؤال و ما في السؤال من الكراهية إذا وجد إلى الكسب سبيلا (2/83)
1223 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني ثنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ثنا وكيع بن الجراح عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتى الجبل فيجيء بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيستغني بها خير له من أن يسال الناس أعطوه أو منعوه
أخرجه البخاري في الصحيح عن يحيى بن موسى عن وكيع
و أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم و فيه من الزيادة :
فيتصدق منه و يستغني به عن الناس (2/83)
1224 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه ثنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص الزاهد ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا أبو صالح ثنا معاوية بن صالح عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معدي كرب صاحب النبي صلى الله عليه و سلم أنه حدثه : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده قال : و كان داود لا يأكل إلا من عمل يده
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث ثور بن يزيد عن خالد بن معدان (2/83)
1225 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو نعيم و قبيصة قالا : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الكسب أطيب ؟ قال :
عمل الرجل بيده و كل بيع مبرور
هكذا جاء به مرسلا و كذلك رواه جرير و محمد بن عبيد عن وائل مرسلا
قال البخاري و أسنده بعضهم و هو خطأ يعني ما : (2/84)
1226 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد ثنا الأسود بن عامر ثنا سفيان الثوري عن وائل بن داود عن سعيد بن عمير عن عمه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الكسب أفضل ؟ قال :
كسب مبرور
و رواه شريك كما (2/85)
1227 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا الأسود بن عامر ثنا شريك عن وائل بن داود عن جميع بن عمير عن خاله أبي بردة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الكسب أطيب أو أفضل ؟ قال :
عمل الرجل بيده و كل بيع مبرور (2/85)
1228 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو الحسن السراج ثنا مطين قال : سمعت محمد بن عبد الله بن نمير : و ذكر له هذا الحديث قال إنما هو سعيد بن عمير
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : رواه المسعودي عن وائل فغلط في إسناده (2/85)
1229 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق ثنا محمد بن أحمد بن النضر ثنا معاوية بن عمرو ثنا المسعودي عن وائل بن داود عن عباية بن رافع بن خديج عن أبيه قال : قيل يا رسول الله أي الكسب أطيب ؟ قال :
كسب الرجل بيده و كل بيع مبرور (2/85)
1230 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو جعفر محمد بن عيسى العطار ثنا كثير بن هشام ثنا كلثوم بن جوشن عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
التاجر الصدوق الأمين المسلم مع الشهداء يوم القيامة (2/86)
1231 - أخبرنا أبو سعد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي ثنا عبد الله بن محمد بن سلم ثنا حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أيما رجل كسب مالا من حلال فأطعم نفسه أو كساها فمن دونه من خلق الله فإنها له زكاة و أيما رجل مسلم لم يكن له عنده صدقة فليقل في دعائه : الله صل على محمد عبدك و رسولك و صل على المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات فإنها له زكاة
قال : لا يشبع مؤمن يسمع خيرا حتى يكون منتهاه الجنة
رواه ابن خزيمة عن يونس بن عبد الأعلى و غيره عن ابن وهب (2/86)
1232 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنبأني أبو العباس محمد بن يعقوب و قرأته بخطه فيما أجازه له محمد بن عبد الوهاب حدثني علي بن عثام عن رجل أظنه قال : الحسن بياع الحصر أو كما قال عن المعتمر عن السكن يرفعه قال :
طلب الحلال مثل مقارعة الأبطال في سبيل الله و من بات عييا من طلب الحلال بات و الله عز و جل عنه راض (2/86)
1232 - قال علي بن عثام : و قال محمد بن واسع لمالك بن دينار : ـ مالك لا تقارع الأبطال ؟ قال : و ما مقارعة الأبطال ؟ قال : الكسب من الحلال و الانفاق على العيال (2/86)
1233 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو محمد عمرو بن إسحاق بن إبراهيم البخاري ثنا صالح بن محمد ثنا مصعب بن عبد الله الزبيري ثنا هشام بن عبد الله بن عكرمة المخزومي ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
اطلبوا الرزق من خبايا الأرض
و هذا إن صح فإنما أراد به الحرث و إثارة الأرض للزرع (2/87)
1234 - أخبرنا أبو عبد الرحمن من أصله ثنا أبو العباس الأصم ثنا أبو أمية الطرسوسي ثنا مصعب بن عبد الله بن مصعب ثنا هشام بن عبد الله بن عكرمة عن عبد الرحمن بن الحارث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : التمسوا الرزق في خبايا الأرض (2/87)
1235 - و حدثنا أبو عبد الرحمن أنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الصوفي ثنا بهلول الأنباري ثنا مصعب بن عبد الله الزبيري ثنا هشام بن عبد الله بن عكرمة : فذكره بإسناده نحوه قال مصعب : هي المعادن (2/87)
1236 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة ثنا أبو الفضل بن خميرويه أنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ثنا محمد بن عمار المؤذن قال : سمعت سعيد بن أبي سعيد المقبري يقول : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
خير الكسب كسب يدي العامل إذا نصح
رواه ابن خزيمة عن علي بن حجر عن محمد بن عمار (2/87)
1237 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد ثنا إبراهيم بن مهدي الأبلي ثنا شيبان بن فروخ ـ ح
و أخبرنا أبو سعد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي الحافظ ثنا الحسن بن سفيان ثنا شيبان ثنا أبو الربيع السمان عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إنه الله يحب المؤمن المحترف
و في رواية ابن عبدان :
الشاب المحترف
تفرد به أبو الربيع عن عاصم و ليسا بالقويين (2/88)
1238 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني الحسين بن محمد بن يحيى ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ثنا الحسين بن منصور ثنا بهلول بن عبيد ثنا أبو إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي قال : سئل النبي صلى الله عليه و سلم أي الأعمال أزكي ؟ قال :
كسب المرء بيده (2/88)
1239 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني الحسين بن محمد بن يحيى ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ثنا الحسين بن منصور ثنا بهلول بن عبيد ثنا أبو إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي قال : سئل النبي صلى الله عليه و سلم فذكره (2/88)
1240 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو بكر محمد بن جعفر ثنا عبد الله بن سلمة ثنا محمد بن عبد الوهاب سمعت علي بن عتام يقول : ما أحب إلا أن يكون المسلم محترفا ! أن المسلم إذا احتاج أول ما يبذل دينه (2/89)
1241 - أخبرنا أبو بكر بن فورك ثنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني ثنا يعقوب بن أبي يعقوب ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا فروة بن يونس حدثني هلال بن جبير عن أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
من رزق في شيء فليلزمه (2/89)
1242 - أخبرنا ابن عبدان ثنا أحمد بن عبيد ثنا الكديمي ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا فروة بن يونس الكلابي عن هلال : فذكره بإسناده غير أنه قال : من رزقه الله رزقا في شيء فليلزمه و لم يقل سمعت (2/89)
1243 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم القنطري ببغداد ثنا أبو قلابة الرقاشي ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني أخبرني أبي مخلد الشيباني أخبرني الزبير عن عبيد أخبرني نافع قال : كنت أجهز إلى الشام و إلى مصر فكان الله يرزق خيرا كثيرا فجهزت إلى العراق فلم يرجع رأس مالي فدخلت على عائشة فقالت : يا بني الزم تجارتك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إذا فتح لأحدكم رزق من باب فليلزمه (2/89)
1244 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبيد الله المنادي ثنا يونس بن محمد ثنا أبو الضحاك حدثني الزبير بن عبيد حدثني نافع ـ و ليس نافع مولى ابن عمر ـ قال : كنت أختلف إلى مصر ثم بدا لي أن آتي العراق فأتيت عائشة فسلمت عليها قال قالت أين ؟ قلت : العراق قالت مالك و لمتجرك ؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
إذا قسم لأحدكم رزق فلا يدعه حتى يتغير له أو يتنكر له
شك أبو الضحاك قال : فجئت العراق فما رددت رأس المال (2/89)
1245 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حامد المقرئ و أبو صادق العطار قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الربيع بن سليمان ثنا عبد الله بن وهب ثنا سليمان هو ابن بلال أخبرني عبد الله بن سليمان بن أبي سلمة : أنه سمع معاذ بن عبد الله الجهني يحدث عن أبيه عن عمه :
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج عليهم و عليه أثر غسل و هو طيب النفس فظننا أنه ألم بأهله فقلنا يا رسول الله نراك أصبحت طيب النفس قال :
أجل و الحمد لله ـ ثم ذكر الغني ـ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا بأس بالغنى لمن اتقى الله عز و جل و الصحة لمن اتقى الله خير من الغنى و طيب النفس من النعم (2/90)
1246 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنا إسماعيل بن قتيبة أنا يحيى بن يحيى أنا سليمان بن بلال عن عبد الله بن سليمان أنه سمع معاذ بن عبد الله بن خبيب يحدث : فذكر بإسناده مثله غير أنه قال في آخره : من النعيم قال أبو عبد الله : الصحابي الذي لم يسمه هو يسار بن عبد الله الجهني (2/90)
1247 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة أنا جعفر بن عون عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم هانئ : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل عليها فقال :
هل عندكم من غنم ؟ قالت : لا يا رسول الله قال :
فاتخذوها ـ أو اتخذيها ـ فإن فيها بركة (2/90)
1248 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه و أبو بكر بن بالويه قالا : أنا بشر بن موسى ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا موسى بن علي بن رباح يقول : سمعت أبي يقول : سمعت عمرو بن العاص يقول :
بعث إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتيته فأمرني أن آخذ علي ثيابي و سلاحي ثم آتيه قال : ففعلت ثم أتيته و هو يتوضأ فصعد في النظر ثم طأطأ ثم قال :
يا عمرو إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله و يسلمك و أرغب لك رغبة صالحة من المال فقلت : يا رسول الله إني لم أسلم رغبة في المال و لكن أسلمت رغبة في الإسلام و أن أكون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لي : يا عمرو : نعم المال الصالح للرجل الصالح (2/91)
1249 - أخبرنا أبو عبد الله السوسي ثنا أبو جعفر البغدادي ثنا إسماعيل القاضي ثنا ابن أبي أويس قال : ثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي ذكر فيه بركات الأرض :
إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بحقه و وضعه في حقه فنعم المعونة هو مخرج في الصحيح
و رواه هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال فيه :
فمن أخذه بحقه بورك له فيه و نعم صاحب المال من أعطى فيه المسكين و اليتيم و ابن السبيل أو كما قال (2/91)
1250 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن إسحاق بن إبراهيم الصيدلاني ثنا الحسين بن الفضل ثنا أبو النضر حدثنا مرجى بن رجاء عن شعبة عن قتادة عن أنس رفعه قال : لا خير فيمن لا يحب المال ليصل به رحمه و يؤدي به أمانته و يستغني به عن خلف ربه
كذا وجدته في كتاب شعبة و قال فيه غيره عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن المرجى بن رجاء عن سعيد عن قتادة عن أنس (2/92)
1251 - حدثناه السلمي ثنا عبد الرحمن بن حامد بن متويه ثنا أحمد بن عبد الله بن مالك الترمذي ثنا أبو سالم الرواس العلاء بن مسلمة ثنا أبو النضر : فذكره
هكذا روي بهذا الإسناد و قال فيه روايه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و لكني هبته و إنما يروي هذا الكلام بعينه من قول سعيد بن المسيب (2/92)
1252 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بكر بن سهل الدمياطي ثنا عبد الله بن صالح ثنا الليث بن سعد عن يحيى حدثني سعيد بن المسيب قال : لا خير فيمن لم يحب المال يصل به رحمه و يؤدي به أمانته و يستغني به عن خلق ربه عز و جل (2/92)
1253 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه ثنا أبو بكر القطان ثنا أحمد بن يوسف ثنا محمد بن يوسف قال : ذكر سفيان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب : أنه لما حضره الموت ترك دنانير قال : اللهم إنك تعلم أني لم أجمعها إلا لأصون بها حسبي و ديني
رواه وكيع عن سفيان قال : إلا لأصون بها عرضي (2/92)
1254 - أخبرنا أبو علي الروذباري ثنا أبو الحسين محمد بن جعفر بن مشكان ببغداد ثنا جعفر بن محمد القيسي البصري ثنا إبراهيم بن محمد التيمي القاضي عن أبيه عن جده عن أبي أمامة الباهلي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : دينك لمعادك و درهمك لمعاشك و لا خير في أمر بلا درهم (2/93)
1255 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا دعلج بن أحمد ثنا محمد بن علي بن زيد الصائغ ثنا أحمد بن شبيب ثنا أبي عن يونس عن ابن شهاب عن خالد بن أسلم قال : خرجنا مع عبد الله بن عمر فقال أعرابي : يقول الله عز و جل :
{ و الذين يكنزون الذهب و الفضة }
قال ابن عمر : من كنزهما فلم يؤد زكاتهما فويل له إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت جعلها الله طهرا للأموال ثم التفت إلي فقال : ما أبالي لو كان لي مثل أحد ذهبا أعلم عدده و أزكيه و أعمل فيه بطاعة الله
أخرجه البخاري في الصحيح فقال : و قال أحمد بن شبيب (2/93)
1256 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله الصنعاني ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله ذكر عمر أو غيره قال : ما جاءني أجلي في مكان ما عدا في سبيل الله عز و جل أحب إلي من أن يأتيني و أنا بين شعبتي رحلي أطلب من فضل الله
و رواه غيره فقال عن عمر بن الخطاب لم يشك و زاد و تلا هذه الآية :
{ و آخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله } (2/93)
1257 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا سعدان بن نصر ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شمر بن عطية عن مغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال : و الذي لا إله غيره ما يضر عبدا يصبح على الإسلام و يمسي عليه ماذا أصابه من الدنيا (2/94)
1258 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال : كان سعد بن عبادة يقول : اللهم هب لي مجدا و لا مجد إلا بفعال و لا فعال إلا بمال اللهم لا يصلحني القليل و لا أصلح عليه و كان مناد ينادي على أطمة : من كان يريد الشحم و اللحم فليأت سعدا (2/94)
1259 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الخضر بن أبان ثنا سيار ثنا جعفر حدثني موسى بن مكرم قال : سأل رجل الحسن فقال : يا أبا سعيد أفتح مصحفي فاقرأه حتى أمسي قال الحسن :
اقرأه بالغداة و اقرأه بالعشي وكي سائر نهارك في منفعتك و ما يصلحك (2/94)
1260 - أخبرنا أبو عبد الله و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا يحى بن أبي طالب أنا يزيد قال : أنا يحيى بن عثمان ثنا أيوب السختياني قال : قال لي أبو قلابة : الزم سوقك فإن فيه غنى عن الناس و صلاحا في الدين (2/94)
1261 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله الصنعاني ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الرزاق نا معمر عن أيوب قال : بعث إلى أبو قلابة بكتاب فيه : الزم سوقك و اعلم أن الغنى معافاة (2/95)
1262 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا عمر بن أحمد بن شاهين ثنا إبراهيم بن عبد الله الزيني ثنا محمد بن صدران ثنا الحكم بن سنان ثنا أيوب السختياني قال : قال أبو قلابة : يا أيوب احفظ عني ثلاث خصال : إياك و أبواب السلطان و إياك و مجالس الأهواء و الزم سوقك فإن الغنى من العافية (2/95)
1263 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو بكر الحميدي ثنا سفيان قال : قال أيوب : لو أعلم أن أهلي يحتاجون إلى حزمة أو دستجة من بقل ما جلسا معكم
قال : قال أبو قلابة : الزم سوقك فإن الغنى من العافية (2/95)
1264 - أخبرنا أبو حسين بن بشران أنا أبو عمرو بن السماك ثنا حنبل بن إسحاق ثنا الحميدي ثنا سفيان قال : قيل لابن الأعرابي : تحب الدارهم ؟ قال : إنها تنفعني و تصونني (2/95)
1265 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا علي مخلد بن جعفر الباقرحي يقول : سمعت أحمد بن محمد البراثي يقول لما مات أبي جاءني بشر بن الحارث يعزيني فقال لي : يا بني بر والدتك و لا تعقها و إلزم السوق و اقبل نصحي
قلت : قبلتها فلما قام بشر قام إليه رجل فقال يا أبا نصر أنا و الله أحبك فقال يا هذا و كيف لا تحبني و لست بقرابة و لا جار (2/95)
1266 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني جعفر بن محمد الخواص أنا إبراهيم بن نصر المنصوري قال : سمعت إبراهيم بن بشار خادم إبراهيم بن أدهم يقول : سمعت علي بن الفضيل يقول سمعت أبي يقول لابن المبارك : إنك تأمرنا بالزهد و التقلل و البلغة و نراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام كيف ذا ؟ و أنت تأمرنا بخلاف ذا ؟
فقال ابن المبارك : يا أبا علي إنما أفعل ذا لأصون وجهي و أكرم بها عرضي و أستعين بها على طاعة ربي لا أرى لله حقا إلا سارعت إليه حتى أقوم به فقال له الفضيل :
يا ابن المبارك ما أحسن ذا إن تم ذا (2/95)
1267 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر الجراحي ثنا يحيى بن ساسويه ثنا عبد الكريم السكري ثنا وهب بن زمعة قال : قال ابن أبي رزمة قيل لعبد الله : أن رجلا قال : لو تعبد الناس لأتاهم الله بالرزق فقال عبد الله : لا يعرف هذا إن الله ابتلى الناس بالمعاش فقال :
{ و آخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله }
و قد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم قوم لهم أموال و أبو أيوب له حائط كذا و فلان و فلان و آخرون ليس لهم كثير شيء من المهاجرين و الأنصار فلم يضيق عليهم النبي صلى الله عليه و سلم و لم يأمرهم أن يمسكوا قوت ليلة ويتصدقوا بالبقية و لكن يأمرهم بالتقدمة و موضع الفضل و يخبرهم به (2/96)
1268 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن حمشاد ثنا محمد بن أيوب ثنا ابن أبي رزمة قال : سمعت علي بن الحسين بن شقيق يقول سمعت عبد الله بن المبارك يقول : لا يقع من الفضل شيء و لا الجهاد في سبيل مثل السعي على العيال (2/96)
1269 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو منصور محمد بن أحمد بن بشر الصوفي الحيري صاحب الأحول ثنا جعفر بن محمد بن سوار ثنا إسماعيل بن حميد ثنا إبراهيم بن نصر السورياني ثنا يحيى بن اليمان عن سفيان الثوري قال : إذا أردت أن تتعبد فانظر فإن كان في البيت بر فتعبد و إلا فاطلب البر أولا ثم تعبد (2/96)
1270 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ سمعت جعفر بن محمد الخلدي يقول سمعت إبراهيم الخواص يقول : أدب التوكل ثلاثة أشياء : صحبة القافلة بالزاد و الجلوس في الزورق بالزاد والجلوس في المجلس بالزاد (2/97)
1271 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت عبد الله بن علي يقول : سمعت أحمد بن عطاء يقول قال خالي أبو علي محمد بن أحمد سمعت الجنيد يقول : ليس التوكل الكسب و لا ترك الكسب التوكل شي في القلوب
و قال غيره عن الجنيد : إنما هو سكون القلب إلى موعود الله عز و جل قال البيهقي رحمه الله : و على هذا ينبغي أن لا يكون تجريد هذا السكون عن الكسب شرطا في صحة التوكل بل يكتسب بظاهر العلم معتمدا بقلبه على الله على كسبه و إنما يكون إعتماده في كفاية أمره على الله عز و جل (2/97)
1272 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ثنا أبي ثنا الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة قال : سمعت محمد بن يحيى الأزدي يقول سمعت عبد الله بن داود الخريبي و سئل عن التوكل فقال : أرى التوكل حسن الظن بالله عز و جل (2/97)
1273 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي سمعت سعيد بن أحمد البلخي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت محمد بن عبد الله يقول : سمعت خالي محمد بن الليث يقول : سمعت حامدا اللفاف يقول : سمعت حاتم الأصم يقول : سمعت شقيق بن إبراهيم يقول : التوكل طمأنينه القلب بموعود الله عز و جل (2/97)
1274 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا بكر بن أبي دارم يقول : ثنا عمر بن الحسن بن نصر بن طرخان قال : سمعت محمد بن أبي عبدان قال : قيل لحاتم الأصم : على ما بنيت أمرك هذا من التوكل ؟ قال : على أربع خلال : علمت أن رزقي لا يأكله غيري فلست أهتم له و علمت أن علمي لا و يعمله غيري فأنا مشغول به و علمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره و علمت أني بعين الله في كل حال فأنا أستحيي منه (2/97)
1275 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا يوسف بن عمر الزاهد ثنا الحسن بن موسى بن إسحاق ثنا ابن أبي الدنيا ثنا أحمد بن إبراهيم ثنا أبو إسحاق الطالقاني حدثنا زافر عن أبي رجاء عن أبي رجاء عن عباد بن منصور قال :
: سئل الحسن عن التوكل ! فقال : الرضا عن الله عز و جل (2/98)
1276 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا جعفر بن محمد بن نصير قال : سمعت أبا محمد الجريري يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : كمال المعرفة بالله التواضع له قال : و كمال التواضع الرضا (2/98)
1277 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني علي بن محمد الرازي قال : كان أبو عثمان يقول في مواعظه : يا عبد الله فيماذا تتعب قلبك ؟ و تنازع إخوانك و تعادي على طلب الرياسة و العز أشكالك و أخدانك ؟ و تعمل في هلكة حياتك بالحسد لمن هو فوقك ؟ كأنك لم تؤمن بمن أخبر أنه يعز من يشاء و يذل من يشاء و يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء ؟ فاستعمل العلم في ظاهرك إن كنت تاجرا أو كاسبا أو زارعا و أجمل في الطلب و اترك الحرام و الشبهات جميعا فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها و حظها من عزها و رياستها و رزقها و لو هرب العبد من رزقه لأدركه رزقه كما لوفر من الموت لأدركه الموت
قال : و اليقين لا يمنع الموقنين من طلب الحظ الوافي من الدنيا و إنما يدل على ترك الفضول رضا بالقليل و الزاهدين مع وصفنا من الأمن بمالك و الأياس مما ليس لك و أن ما أصابك لم يكن ليخطئك و ما أخطأك لم يكن ليصيبك و من رغم أن اليقين يمنع طلب القوت و الكفاف فقد جهل اليقين و خالف سنن السلف الصالحين فقد تقدم في ذلك مع صدق التوكل الأنبياء و أتباعهم و خلافهم خلاف الحق و موافقتهم موافقه الحق و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (2/98)
1278 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن قال : سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل يقول : قال الله تبارك و تعالى :
{ و كفى بالله وكيلا }
و قال : { لا تتخذوا من دوني وكيلا }
فالله الوكيل الكافي لأنه بكل شيء عليم و هو على كل شيء قدير و هو على كل شيء حفيظ و هو العزيز الحكيم و هو الغني الحميد فالمتوكل عليه هو المكتفى به و كما أنه الكافي لعبده لا حاجة له إلى أحد في كفايته لعبده و كذلك المتوكل عليه المكتفي به غني بن مستغن به عن جميع خلقه لا حاجة به فيما يحتاج إليه إلى غير ربه
و بسط الكلام في ذلك ثم قال : فالتوكل عليه هو الاكتفاء به معتمدا عليه وحده (2/98)
1279 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسبن علي بن أحمد البوشنجي : أنه سئل عن التوكل فقال : التبرئة من حولك و قوتك و حول مثلك قوة مثلك (2/98)
1280 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت الكتاني يقول : التوكل في الأصل إتباع العلم و في الحقيقة استعمال اليقين (2/100)
1281 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أبا الحسين الفارسي يقول : سمعت جعفرا الخلدي يقول : سمعت إبراهيم الخواص يقول : التوكل تناول السبب من الله (2/100)
1282 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : و قال الأستاذ أبو سهل محمد بن سليمان : التوكل أن لا يخطر بقلبك نافعا و لا ضارا غيره و أن تستلم لكل حال يرد عليك و لا يضطرب قلبك منه
و قال : التوكل قطع الطمع عن الخلق و ترك طلب الحلية منهم
و قال : التوكل التطاول إلى الألوان و ما فيها بعين النقص و الرجوع إلى من لا يحلقه النقص بحال (2/100)
1283 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت فارس بن عيسى الصوفي ـ و كان من المتحققين بعلوم أهل الحقائق ـ يقول سمعت الجنيد بن محمد يقول : الفقراء ثلاثة : فقير لا يسأل و إن أعطي لم يأخذ فذاك من الروحانيين و فقير لا يسأل و إن أعطي أخذ فذلك من المقربين و فقير يسأل و كفارة مسألته صدقة
قال فارس : شرط الطلب أن يكون الطالب غير معتقد أولا أن لا سبب للطلب و لا مميز و لا قاصد إلى زيد دون عمرو و لا إلى عمرو دون زيد بل يعتقد أن الله هو الرزاق و يطلب الرزق من حيث أمر فيكون الله المعطي و العبد سببا و الله المسيب و هو قول النبي صلى الله عليه و سلم :
لو توكلتم على الله حق توكله الحديث
لما أثبته النبي صلى الله عليه و سلم متوكلا لم يخل مع توكل من الحركات مع عدم المطالب و القاصد في حركاته كان المتحرك بالوصف الذي قدمنا ذكره متوكلا مع وجود الحركة منه كالطير مع وجود الحركة فيه بتصحيح النبي صلى الله عليه و سلم التوكل له و لم يمنعه من الحركة على معنى وصفه
قال البيهقي رحمه الله : فمن ذهب إلى هذا فتكسب بإذن الله تعالى في ذلك و شكر الله تعالى على أنه جعله سببا لمعاشه و أنه هداه له و أعانه عليه و نفعه به ثم من زهد منهم في الدنيا و رغب في الآخرة اكتفى بأقل ما يكون قوتا و تصدق بالباقي كما كان القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يصنعونه أو اقتصر على اكتساب أقل ما يكون قوتا ثم اشتغل بعد ذلك في العبادة و الله أعلم (2/100)
1284 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان حدثني سعيد بن أسد أنا ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة قال : قلت لحسان بن أبي سنان :
أما تحدثك نفسك بالفاقة ؟
قال : بلى فأقول لها : يا نفس إذا كان ذلك أخذت بالمسحاه فجلست مع الفعلة فأصبت دانقا أو دانقين فتعيشين به فتسكن
قال ابن شوذب : كان حسان بن أبي سنان رجلا من تجار أهل البصرة له شريك بالبصرة و هو مقيم بالأهواز يجهز على شريكه بالبصرة ثم يجتمعان على رأس كل سنة يتحاسبان ثم يقتسمان الربح فكان يأخذ قوته من ربحه و يتصدق بما بقي و كان صاحبه يبني الدور و يتخذ الأرض
قال : فقدم حسان قدمة البصرة ففرق ما أراد أن يفرق فذكر له أهل بيت لم تكن حاجتهم ظهرت فقال أما كنتم تخبرونا قال : فاستقرض لهم ثلاثمائة درهم فبعث بها إليهم (2/101)
1285 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا أحمد الصيرفي يقول : سمعت أحمد بن زياد يقول : كان أسود بن سالم يتسمسر فإذا أصاب نصف دانق قام و انصرف (2/102)
1286 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو منصور النضروي ثنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق : في قول الله تعالى :
{ ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب }
قال : مخرجه أن يعلم أن الله يرزقه و هو يعطيه و هو يمنعه
{ و من يتوكل على الله فهو حسبه }
قال : ليس من توكل على الله تعالى كفاه يعني ليس كل من توكل عليه كفاه إلا أنه من توكل على الله يكفر عنه من سيئتاه و يعظم له أجرا { إن الله بالغ أمره } في من توكل على الله و من لم يتوكل { قد جعل الله لكل شيء قدرا } قال أجلا (2/102)
1287 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو علي حامد بن محمد الهروي أنا أبو علي بشر بن موسى ثنا الأصمعي ثنا أبو هلال عن الحسن قال : قال أبو الصهباء ـ يعني صلة بن أشيم ـ :
طلبت الرزق بمظانة فأعياني إلا رزق يوم بيوم فعلمت أنه خير لي و أن امرأ جعل رزقه يوما بيوم فلم يعلم أنه خير له لعاجز الرأي
قال الحليمي رحمه الله : و في المسئلة وجه ثالث و هو أن من كان قوي العزم يقدر على تجريد الصبر و ترك مجاوزته إلا إلى الدعاء و كان إذا تصبر مدة فلم ينكشف عنه ضره لم يعد إلى التسبب و لم يندم على اختياره التصبر عليه أو لم يكن في عامة أوقاته شاكا في أن الصبر الذي أثره أعود عليه أو التسبب فالصبر له أفضل و من كان ضعيف العزم و كان لا يصبر إلا متكلفا و لا يزال خلال الصبر شاكا في أن ذلك كان أولى به أو التسبب و كان إذا صبر وقتا لم يثبت على صبره و عاد منه إلى التسبب فينبغي له أن يكون مع المتسببين و جعل نظير ذلك الاستكثار من نوافل الصيام و الصلاة إذا لم يتبرم بها و لم يستثقلها و على هذا أكثر أهل المعرفة (2/102)
1288 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت عبد الله بن علي بن يحيى السراج : يقول سئل ابن سالم بالبصرة و أنا أسمع أنحن مستعبدون بالكسب أو بالتوكل ؟
قال ابن سالم : التوكل حال رسول الله صلى الله عليه و سلم و الكسب سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم و إنما أسنن لهم الكسب لضعفهم حين أسقطوا عن درجة التوكل الذي هو حاله لو يسقطهم عن درجة طلب المعاش بالمكاسب الذي هو سنته و لولا ذلك لهلكوا (2/103)
1289 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سعمت محمد بن الحسن بن الخشاب يقول : سمعت جعفر بن محمد بن نصير يقول : سمعت الجريري يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : من طعن في الاكتساب فقد طعن في السنة و من طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان (2/103)
1290 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت محمد بن عبد الله يقول : سمعت أبا عثمان الأدمي يقول : سمعت إبراهيم الخواص يقول : لا ينبغي لصوفي أنبأ يتعرض للقعود عن الكسب إلا أن يكون رجل مطلوب فقد أغنته الحال عن المكاسب فأما ما كانت الحاجات فيه قائمة و لم يقع له عزوف يحول بينه و بين التكلف فالعمل أولى به و الكسب أجل له و أبلغ (2/103)
1291 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال : سمعت أبا عثمان الحناط يقول : سمعت رجلا يسأل ذا النون فقال : يا أبا الفيض ما التوكل ؟
قال : خلع الأرباب و قطع الأسباب
قال له : زدني فيه حالة أخرى
قال : إلقاء النفس في العبودية و إخراجها من الربوبية (2/103)
1292 - قال : و سمعت ذا النون يقول : ثلاثة من أعلام التوكل بغض العلائق و ترك التملق في السلائق و استعمال الصدق في الحقائق
و ثلاثة من أعلام الثقة بالله سبحانه و تعالى : السخاء بالموجود و ترك الطلب للمفقود و الاستقامة إلى فضل الودود
و ثلاثة من أعلام الاستغناء بالله عز و جل : التواضع للفقراء و المتذللين و ترك تعظيم الأغنياء المكثرين و ترك المخالطة لأبناء الدنيا المتكبرين (2/104)
1293 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت محمد بن جعفر بن محمد بن مطر يقول سمعت أبا بكر محمد بن عبد العزيز البردعي يقول : سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول : التوكل على كمال الحقيقة وقع لإبراهيم خليل الرحمن في تلك الحال التي قال لجبريل عليه السلام : أما إليك فلا لأنه عابت نفسه بالله فلم ير مع الله غير الله و كان مهابا بالله من الله إلى الله بلا واسطة و هو من علامات التوحيد و إظهار القدرة لنبيه عليه السلام (2/104)
1294 - و بإسناده قال : سمعت النهرجوري يقول : التوكل يصح على حالين أحدهما تدل الأسباب على الله و الصبر تحت الأحجام عند فقد الأسباب و الثاني و الرجوع إلى الله بطلب السكون إليه حتى يقم السكون (2/104)
1295 - و بإسناده قال : سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول : أدنى التوكل ترك الاختيار
قال : و لا يتوكل على الله إلا من عرف بالولاية و الخلاية و الكفاية فلا يتعرضوا لأهل التوكل فإنهم صفوة الله و خاصته استضافوه فأضافهم و نزلوا عليه فأحسن نزلهم و توكلوا عليه فكفاهم فهم أغنياء بفقرهم و غيرهم فقيرهم بغناهم فمن أنكر التوكل على الله نسب إلى قلة العلم (2/104)
1296 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ثنا علي بن أبي مريم عن موسى بن عيسى قال : لما اجتمع حذيفة المرعشي و سليمان الخواص و يوسف بن أسباط فتذاكروا الفقر و الغنى و سليمان ساكت فقال بعضهم : الغني من كان له بيت يكنه و ثوب يستره و سداد من عيش يكفه عن فضول الدنيا
و قال بعضهم : الغني من لم يحتج إلى الناس
فقيل لسليمان ما تقول أنت يا أبو أيوب ؟ فبكى ثم قال : رأيت جوامع الغنى في التوكل و رأيت جوامع الشر في القنوط و الغنى حق الغني من أسكن قلبه إلى الله من غناه يقينا و من معرفته توكلا و من عطائه و قسمته رضا فكذلك الغنى حق الغني و إن أمسى طاويا و أصبح معوزا فبكى القوم جميعا من كلامه (2/104)
1297 - أخبرنا أبو عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا محمد بن إسماعيل الأصبهاني قال : سمعت أبا تراب يقول : سمعت حاتم الأصم يقول : سمعت شقيق البلخي يقول : لكل واحد مقام فمتوكل على ماله و متوكل على نفسه و متوكل على لسانه و متوكل على سيفه و متوكل على سلطنته و متوكل على الله عز و جل فأنا المتوكل على الله عز و جل فقد وجد الاسترواح نوه الله به و رفع قدره و قال :
{ وتوكل على الحي الذي لا يموت }
و أما من كان مستروحا إلى غيره يوشك أن ينقطع به فيشقى (2/104)
1298 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سئل الأستاذ أبو سهل محمد بن سليمان عن قول النبي صلى الله عليه و سلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه : ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال : الله و رسوله
قال : هو التجريد لله بالكلية و إدخال الرسول صلى الله عليه و سلم فيه لمكان الإيمان و حقيقة التعلق بالسبب في الوصول إلى المسبب الأعلى أن عليه انقطاعه فإذا كمل توكل المتوكل و تحقق فيه أخبر إن شاء عن السبب و إن شاء عن المسبب لأن الكل عنده واحد لتعلق الفروع في الكل بالأصل (2/104)
1299 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا ابن أبي عمر قال : قال سفيان قال أبو حازم : وجدت الدنيا شيئين : شيء هو لي و شيء هو لغيري فأما الذي هو لي فلو طلبته قبل أجله بحيلة السموات و الأرض لم أقدر عليه و أما الذي هو لغيري فلم أصبه فيما مضى فلم أرجوه فيما بقي ؟ يمنع رزقي من غيري كما يمنع رزق غيري مني ففي أي هذين أفني عمري ؟ (2/104)
1300 - قال سفيان و قيل لأبي حازم : ما مالك ؟ قال : خير مالي ثقتي بالله تعالى و إياسي مما في أيدي الناس (2/104)
1301 - قال : و قال بعض الأمراء لأبي حازم : ارفع إلي حاجتك قال : هيهات هيهات رفعت إلى من لا تحجب الحوائج دونه فما أعطاني منها قنعت و ما زوى عني منها رضيت (2/104)
1302 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله الصفار ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني عبد الله بن عيسى الطفاوي ثنا عبيد الله بن شميط بن عجلان قال : سمعت أبي يقول : إن المؤمن يقول لنفسه إنما هي ثلاثة أيام فقد مضى أمسى بما فيه و غدا آمل لعلك لا تدركه إنك إن كنت من أهل غدا فإن غدا يجيء برزق غدا إن دون غد يوما و ليلة تخترم فيها أنفس كثيرة و لعلك المخترم فيها كفى كل يوم همه (2/104)
1303 - قال ثنا أبو بكر ثنا محمود بن خداش قال : سمعت الأشعث بن عبد الرحمن ثنا رجل يقال له عبد الملك عن الحسن قال : ابن آدم لا تحمل هم سنة على يوم كفى يومك بما فيه فإن تكن السنة من عمرك يأتك الله فيها برزقك و إن لا تكن من عمرك فإنك تطلب ما ليس لك (2/104)
1304 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد القرشي ثنا علي بن أبي مريم عن محمد بن الحسين حدثني أحمد بن سهل الأردني قال : سمعت أبا فروة الزاهد يقول : قال لي رجل في المنام :
أما علمت أن المتوكلين هم المستريحون ؟ قلت : رحمك الله مما ذا ؟ قال : من هموم الدنيا و عسر الحساب غدا قال أبو فروة : فو الله ما اكترثت بعد ذلك بإبطاء رزق و لا سرعته و ذلك أن من أجمع التوكل عليه كفاه ما همه و ساق الرزق و الخير إليه و قد قال الله عز و جل :
{ ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره } (2/104)
1305 - أخبرنا أبو القاسم الحرفي ثنا أحمد بن سلمان ثنا معاذ بن المثنى ثنا عبد الله بن سوار ثنا حماد بن سلمة أنا ثابت البناني أن عامر بن عبد الله قال لابني عم له : فوضا أمركما إلى الله تستريحا (2/104)
1306 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد القرشي ثنا الحسن بن عبد العزيز عن ضمرة بن ربيعة عن رجاء بن أبي سلمة عن عقبة بن أبي زينب قال : مكتوب في التوراة : تتوكل على ابن آدم فإن ابن آدم ليس له قوام و لكن توكل على الحي الذي لا يموت (2/104)
1307 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد القرشي ثنا الحكم بن موسى ثنا الخليل بن أبي الخليل عن صالح بن شعيب قال : أوحى الله عز و جل إلى عيسى ابن مريم عليه السلام : أنزلني من نفسك كحياتك و اجعلني ذخزا لك في معادك و تقرب إلي بالنوافل أدنك و توكل علي أكفك و لا تول غيري فأخذلك (2/108)
1308 - أخبرنا أبو سعيد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد أنا أحمد بن أبي عثمان الحدثي بمكة أخبرني عبد السلام بن محمد البغدادي حدثنا أحمد بن يوسف ثنا عبد الله بن خبيق قال : سمعت شعيب بن حرب يقول : ذكر عند إبراهيم بن أدهم قال : لا تجعل فيما بينك و بين الله عليك منعما و اعدد النعمة عليك من غير الله مغرما (2/108)
1309 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت أبا زيد محمد بن عبد الله الفقيه المروزي يقول : سمعت إبراهيم بن شيبان يقول : حسن الظن بالله هو الأياس عن كل شيء سوى الله عز و جل (2/108)
1310 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا شيخ المتصوفة في عصره أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير ثنا أبو محمد الجريري قال : سمعت سهل بن عبد الله التستري يقول : لما بعث الله النبي صلى الله عليه و سلم كان في الدنيا كان في الدنيا سبعة أصناف من الناس : الملوك و المزارعون و أصحاب المواشي و التجار و الصناع و الأجراء و الضعفاء الفقراء لم يؤمر أحد منهم أن ينتقل مما هو فيه و لكن أمرهم بالعلم و اليقين و التوكل في جميع ما كانوا فيه
قال سهل : و ينبغي للعاقل أن يقول : ما ينبغي لي بعد علمي بأني أعبدك أن أرجو أو أومل غيرك و لا أتوهم عليك إذ خلقتني و صيرتني عبدا لك أن تكلني إلى نفسي أو تولي أمري غيرك (2/108)
1311 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف قال : سمعت أبا بكر أحمد بن الحسين الأهوازي الصوفي يقول : سمعت أبا الفضل عبد الله بن عبيد الله يقول : سمعت سهل بن عبد الله التستري يقول : التوكل أن يكون العبد بين يدي الله عز و جل كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يريد (2/108)
1312 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري قال : سمعت يحيى بن معين يقول : قال عبد الله بن إدريس : عجبت ممن ينقطع إلى رجل و يدع أن ينقطع إلى من له السماوات و الأرض (2/108)
1313 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أبا عمرو بن مطر قال : سمعت أبا بكر البرذعي يقول : سمعت النهرجوري يقول : المتوكل على الحقيقة و الصحة قد رفع مؤنته عن الخلق فلا يشكو ما به و لا يذم من منعه لأنه يرى المنع و العطاء من الله عز و جل (2/108)
1314 - أخبرنا أبو عبد الرحمن قال : سمعت أبا الحسن بن مقسم البغدادي يقول : سمعت أبا إسحاق الحناط يقول : سمعت إبراهيم الخواص ـ و سئل عن التوكل فأطرق ساعة ثم قال : إذا كان المعطي هو المانع فمن يعطي (2/108)
1315 - أخبرنا أبو عبد الرحمن قال : سمعت محمد بن عبد الله يقول : سمعت أبا علي الروذباري يقول : مرقاة التوكل ثلاث درجات : الأول منها إذا أعطي شكر و إذا منع صبر و الثاني : المنع و العطاء عنده واحد و الثالث : المنع مع الشكر أحب إليه بعلمه باختياره ذلك له (2/110)
1316 - أخبرنا أبو عبد الرحمن قال : سمعت أبا علي الحسن بن يوسف القزويني يقول : سمعت إبراهيم المولد يقول : سمعت الحسن بن علي يقول : سمعت أبا الحسين النوري يقول : نعت الفقير السكون عند العدم و البذل و الإيثار عند الوجود (2/110)
1317 - و أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول : سمعت أبا عمرو الدمشقي يقول : سمعت أبا عبد الله بن الجلاء يقول : سألت ذا النون : متى يكون العبد مفوضا ؟ قال : إذا أيس من نفسه و فعله و التجأ إلى الله تعالى في جميع أحواله و لم يكن له علاقة سوى ربه (2/110)
1318 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أحمد بن علي يقول : سمعت الحسن بن علويه يقول : سئل أبو يزيد متى يكون العبد متوكلا ؟ قال : إذا قطع القلب عن كل علاقة موجودة و مفقودة (2/110)
1319 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول : سمعت أبا بكر الواسطي و سئل عن ماهية التوكل قال : الصبر على طوراق المحن ثم التفويض ثم التسليم ثم الرضا ثم الثقة و أما صدق التوكل فهو صدق الفاقة و الافتقار يعني إلى الله عز و جل (2/110)
1320 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو أحمد بن علي بن محمد المروزي ثنا محمد بن إبراهيم المذكر قال : سمعت يحيى بن معاذ يقول : من طلب الفضل من غير ذي الفضل ندم و أن ذا الفضل هو الله عز و جل لقوله تعالى :
{ إن الله لذو فضل على الناس } (2/110)
1321 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا والدي أنا أبو عبد الله محمد بن المسيب قال : سمعت عبد الله بن خبيق يقول : سمعت إبراهيم البكاء يقول : قلت لمعروف الكرخي : أوصني فقال : توكل على الله عز و جل حتى يكون هو معلمك و موضع شكواك فإن الناس لا ينفعونك و لا يضرونك (2/110)
1322 - أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ أنا أحمد بن جعفر بن سلم ثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج حدثني عبد الصمد بن محمد قال : بشر بن الحارث : أما تستحي أن تطلب الدنيا ممن يطلب الدنيا ؟ اطلب الدنيا ممن بيده الدنيا (2/110)
1323 - أخبرنا حمزة بن عبد العزيز أنا أبو محمد الكعبي ثنا أحمد بن النضرة ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ابن فضيل عن ابن سنان عن سعيد بن جبير قال : التوكل على الله عز و جل جماع الإيمان (2/110)
1324 - و قد روى أبو بلال الأشعري ـ و ليس بالقوي ـ عن قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : التوكل جماع الإيمان
أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان نا أحمد بن عبيد حدثنا عمر بن حفص السدوسي ثنا أبو بلال الأشعري فذكره (2/111)
1325 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني محمد بن إسماعيل ثنا علي بن محمد بن العلا ثنا العباس بن حمزة قال : سمعت أبا مسلم الزاهد يقول : سمعت الفضيل بن عياض يقول : التوكل قوام العبادة (2/112)
1326 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه املاء أنا حاجب بن أحمد ثنا عبد الرحيم بن منيب ثنا معاذ بن خالد ثنا صالح المري عن سعيد الربعي عن عامر بن عبد قيس : أنه كان يقول : ثلاث آيات في كتاب الله عز و جل اكتفيت بهن عن جميع الخلائق أولهن :
{ وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله }
و الآية الثانية
{ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم }
و الثالث
{ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها } (2/112)
1327 - أنشدنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قال : أنشدني أبو الفضل الفرات الهروي أنشدنا أبو عبد الله بن عرفة النحوي : ـ ( ارغب لى الله و لا ترغب إلى أحد أما رأيت ضمان الواحد الصمد )
( الله رازق هذا الخلق كلهم حتى يفرق بين الروح و الجسد ) (2/112)
1328 - أنشدنا أبو عبد الله الحافظ أنشدنا أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن الفقيه قال : أنشدنا إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي : ـ ( رضيت بما قسم الله لي و فوضت أمري إلى خالقي )
( فقد أحسن الله فيما مضى و يحسن إن شاء فيما بقي ) (2/112)
1329 - أنشدنا أبو عبد الرحمن أنشدنا أحمد بن محمد بن يزيد لنفسه : ـ ( سل الله من فضله و اتقه فإن التقى خير ما يكتسب )
( و من يتق الله يصنع له و يرزقه من حيث لا يحتسب ) (2/112)
1330 - أخبرنا أبو الحسن المقرئ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا محمد بن أبي بكر ثنا المعتمر بن سليمان عن كهمس عن أبي السليل عن أبي ذر : قال نبي الله صلى الله عليه و سلم : إني لأعلم آية لو أن الناس أخذوا بها لكفتهم { ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب } فما زال يقولها و يعيدها (2/112)
1331 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا علي بن المؤمل ثنا محمد بن يونس الكديمي أنا الأصمعي
و أخبرنا أبو محمد جعفر بن محمد بن الحسين الصوفي بهمدان أنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان ثنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري ثنا زكريا بن يحيى المنقري ثنا الأصمعي قال : وعظ أعرابي أخا له فقال : يا أخي ! إنك طالب و مطلوب يطلبك من لا تفوته و تطلب ما قد كفيته يا أخي ! كم تر حريصا محروما و زاهدا مرزوقا ؟
لفظهما سواء (2/112)
1332 - أخبرنا أبو سعد الزاهد أنا عبد الرحمن بن محمد الأردني بمصر ثنا عمر بن عراك قال : قال لي أبو القاسم القرشي : جاء رجل إلى بنان الحمال فقال : ادع لي فإني مضيق علي في رزقي و الله لقد بعت اليوم صينية بأحد عشر درهما لها عندي أربع عشرة سنة ! فقال : يا قوم رأيتم أعجب من هذا قد رزقه الله رزقها من أربع عشرة سنة و هو يشكو الفقر في مأكله (2/112)
1333 - أخبر أبو الحسن علي بن السقاء حدثني والدي أبو علي ثنا أبو الفضل أحمد بن عبد الله بن نصر ثنا أبو هاشم وريزة بن محمد الغساني ثنا محمد بن داود بن صبيح عن علي بن بكار قال : شكا رجل إلى إبراهيم بن أدهم كثرة عياله فقال له إبراهيم : يا أخي انظر كل من في منزلك ليس رزقه على الله فحوله إلى منزلي (2/112)
1334 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا جعفر بن محمد بن نصير ثنا إبراهيم بن نصر المنصوري ثنا إبراهيم بن بشار قال : أمسينا مع إبراهيم بن أدهم ذات ليلة و ليس معنا شيء نفطر عليه و لا لنا حيلة فرآني مغتما حزينا قال : يا إبراهيم بن بشار ماذا أنعم الله على الفقراء و المساكين من النعم و الراحة في الدنيا و الآخرة ! لا يسألهم الله يوم القيامة عن زكاة و لا حج و لا صدقة و لا عن صلة رحم و لا عن مواساة و إنما يسأل و يحاسب عن هذا هؤلاء المساكنين أغنياء في الدنيا فقراء في الآخرة أعزة في الدنيا أذلة يوم القيامة لا تغتم و لا تحزن فرزق الله مضمون سيأتيك نحن و الله الملوك الأغنياء نحن الذين تعجلنا الراحة في الدنيا لا نبالي على أي حال أصبحنا و أمسينا إذا أطعنا الله
ثم قام إلى الصلاة و قمت إلى صلاتي فما لبثنا إلا ساعة و إذا نحن برجل قد جاء بثمانية أرغفة و تمر كثير فوضعها بين أيدينا و قال : كلوا رحمكم الله
قال : فسلم ثم قال : كل يا مغموم فدخل سائر و قال : أطعمونا شيئا فأخذ ثلاثة أرغفة مع تمر فدفعها إليه و أعطاني ثلاثة و أكل رغيفين و قال المؤاساة من أخلاق المؤمنين (2/114)
1335 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سمعت أبا بكر محمد بن أحمد البلخي يقول : سمعت محمد بن حامد يقول : سمعت أحمد بن خضرويه يقول : قال رجل لحاتم الأصم :
من أين تأكل ؟ فقال :
{ ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون } (2/114)
1336 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت علي بن حمشاد يقول : سمعت إبراهيم بن أبي طالب يقول : سمعت محمد بن حميد يقول : سمعت هارون بن المغيرة عن سفيان الثوري قال : قرأ واصل الأحدب هذا الآية :
{ وفي السماء رزقكم وما توعدون }
فقال أرى رزقي في السماء و أنا أطلبه في الأرض و الله لا أطلبه في الأرض أبدا فدخل خربة بالكوفة فلم يأته يومين شيء فلما كان اليوم الثالث إذا هو بدوخلة من رطب و كان له أخ أحسن نية منه فأصاب دوخلتين فكان ذلك حالهما حتى فرق الموت بينهما (2/114)
1337 - و فيما أنبأني أبو عبد الله الحافظ رحمه الله إجازة ثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن الكارزي ثنا أبو رجاء محمد بن أحمد القاضي قال : سمعت أبا الفضل العباس بن الفرج الرياشي يقول : سمعت عبد الملك بن قريب الأصمعي يقول : أقبلت ذات يوم من مسجد الجامع بالبصرة و بينما أنا في بعض سككها إذ أقبل أعرابي جلف جاف على قعود له متقلدا سيفه و بيده قوس فدنا و سلم و قال : ممن الرجل ؟ فقلت : من بني الأصمع فقال لي : أنت الأصمعي ؟ قلت : نعم قال : من أين أقبلت ؟ قلت : من موضع يتلى كلام الرحمن فيه قال : أو للرحمن كلام يتلوه الآدميون ؟ فقلت : نعم يا أعرابي فقال : أتل علي شيئا منه فقلت انزل من قعودك فنزل و ابتدأت بسورة { الذاريات ذروا } حتى انتهيت إلى قوله تعالى : { و في السماء رزقكم و ما توعدون }
قال الأعرابي يا أصمعي هذا كلام الرحمن ؟ قلت : إي و الذي بعث محمدا بالحق إنه لكلامه أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم فقال لي حسبك فقام إلى ناقته فنحرها بسيفه و قطعها بجلدها و قال : أعني على تفرقتها فوزعناها على من أقبل و أدبر ثم كسر سيفه و قوسه و جعلها تحت الرملة و ولى مدبرا نحو البادية و هو يقول : { و في السماء رزقكم و ما توعدون } يرددها فلما تغيب عني في حيطان البصرة أقبلت على نفسي ألومها و قلت : يا أصمعي ! قرأت القرآن منذ ثلاثين سنة و مررت بهذه و أمثالها و أشباهها فلم تتنبه لما تنبه له هذا الأعرابي و لم يعلم أن للرحمن كلاما فلما قضى الله من أمري ما أحب حججت مع هارون الرشيد أمير المؤمنين فبينا أنا أطوف بالكعبة إذا أنا بهاتف يهتف بصوت رقيق : تعال يا أصمعي ! تعال يا أصمعي قال فالتفت فإذا أنا بالأعرابي منهوكا مصفارا فجاء و سلم علي و اخذ بيدي و أجلسني وراء المقام فقال : اتل من كلام الرحمن ذلك الذي تتلوه فابتدأت ثانيا بسورة الذاريات فلما انتهيت إلى قوله : { وفي السماء رزقكم و ما توعدون } صاح الأعرابي و قال : قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ثم قال : يا أصمعي هل غير هذا للرحمن كلام ؟ قلت : نعم يا أعرابي يقول الله عز و جل : { فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون } فصاح الأعرابي عندها و قال : يا سبحان الله ! من ذا أغضب الجليل حتى حلف ؟ فلم يصدقوه بقوله حتى ألجأوه إلى اليمين قالها : ثلاثا و خرجت نفسه (2/114)
1338 - أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن علي لم بن معاوية النيسابوري ثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد بن بالويه العفصي ثنا أحمد بن سلمة ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا يحيى بن يمان عن سفيان عن عمار الدهني عن سالم : أن دانيال طرح في جب و طرح عليه السباغ فجعلن يلحسنه و يتبصبصن إليه فأتاه رسول فقال : يا دانيال فقال : من أنت ؟ قال : أنا رسول ربك أرسلني إليك بطعام فقال : الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره (2/116)
1339 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو الحسن السراج ثنا مطين ثنا أحمد بن يونس ثنا أبو بكر بن عياش عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال : أصاب رجلا حاجة فخرج إلى البرية فقالت امرأته : اللهم ارزقنا ما تعتجن و نختبز فقال : فجاء الرجل فإذا الجفنة ملأى عجين و في التنور جنوب و شواء و الرحى تطحن فقال : من أين هذا ؟ فقالت من رزق الله عز و جل فكنس ما حول الرحى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لو تركها لدارت أو لطحنت إلى يوم القيامة
قال البيهقي رحمه الله : (2/116)
1340 - و روينا عن المقرئ عن أبي هريرة : في هذا المعنى و هو مذكور في كتاب دلائل النبوة (2/116)
1341 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الفضل محمد بن أحمد بن سهل الصيرفي ببغداد ثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال : ثنا سعيد بن عثمان الحناط حدثني عبد الله بن محمد قال : قال لي الأصمعي : مررت بأعرابيه في البادية في كوخ فقلت لها : يا أعرابية من يؤنسك ها هنا ؟ قالت : يؤنسني مؤنس المؤتى في قبورهم قلت فمن أين تأكلين ؟ قالت : يطعمني مطعم الذرة و هي أصغر مني (2/116)
1342 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا الحسين بن صفوان ثنا عن الله بن محمد حدثني محمد بن الحسين ثنا يحيى بن راشد حدثني عبد الله بن مبشر من ولد توبة العنبرة قال : دعا عتبة الغلام ربه عز و جل أن يهب له ثلاث خصال في دار الدنيا دعا ربه أن يمن عليه بصوت حزين و دمع غزير و طعام من غير تكلف فكان إذا قرأ بكى و أبكى و كانت دموعه جارية دهره و كان يأوي إلى منزله فيصيب قوته و لا يدري من أين يأتيه (2/116)
1343 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو الحسين المحمودي المروزي ثنا محمد بن علي الحافظ ثنا محمد بن المثنى ثنا الحسن بن عبد الرحمن الحارثي ثنا ابن عون قال : كان محمد ـ يعني ابن سيرين يقول لأيوب : ألا تزوج ؟ ألا تزوج ؟ فشكى ذلك إلي فقال : إذا تزوجت فمن أي أنفق ؟ قال : فقلت ذاك لابن محمد عبد الله فقال لأبيه : فقال : يرزقه الذي يرزق الطير من السماء و أشار بإصبعه قال : فتزوج قال : فقد رأيت بعد ذلك في سفرته الدجاج (2/116)
1344 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى يقول ـ ح ـ و أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قال : سمعت أبي يقول : سمعت أبا القاسم عبد الرحمن بن محمد الواعظ يقول : سمعت أبا العباس بن عطاء : و سئل عن التوكل ـ و في رواية أبي عبد الله سألت العباس بن عطاء عن التوكل ـ فقال : من توكل ليكفي فليس بمتوكل (2/116)
1345 - أخبرنا أبو عبد الله أنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هانئ ثنا السري بن خزيمة نا عثمان بن الهيثم ثنا عوف عن محمد عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل على بلال و عنده صبرة من تمر فقال :
ما هذا يا بلال ؟ قال : تمر ادخرته قال : أما تخشى يا بلال أن تكون له بخار في نار جنهم ؟ أنفق بلال و لا تخش من ذي العرش أقلالا
خالفة روح بن عبادة فرياه عن عوف عن محمد قال : دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على بلال فوجده تمرا ادخره فذكره مرسلا (2/116)
1346 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبيد الله بن المنادى ثنا روح بن عبادة : فذكره مثله
و رواه مبارك بن فضالة عن يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة موصولا
و خالفه بشر بن الفضل و يزيد بن زريع فروياه عن يونس مرسلا الزهري و رواه بكار بن محمد بن ميمون عن ابن عون عن محمد عن أبي هريرة موصولا
و خالفه معاذ بن معاذ و محمد بن أبي عدي فروياه عن ابن عون مرسلا (2/116)
1347 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة ثنا محمد بن أحمد بن حامد العطار حدثنا أحمد بن الحسن بن الجبار الصوفي ثنا يحيى بن معين ثنا مروان بن معاوية ثنا مروان بن معاوية ثنا هلال بن سويد قال : سمعت أنسا يذكر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهدي له ثلاث طواير فأطعم خادمه طيرا فلما كان الغد أتاه به فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ألم أنهك أن تخبئ شيئا لغد إن الله يأتي برزق كل غد (2/116)
1348 - و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن داود بن سليمان الزاهد ثنا أبو يعقوب يوسف بن الحسين الصوفي بالري من حفظه ثنا أحمد بن محمد بن حنبل ثنا مروان بن معاوية الفزاري عن هلال بن سويد أبي المعلى عن أنس بن مالك قال : أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم طواير ثلاث فأكل طيرا و استخبأ خادمه طيرين فرد عليه من الغد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد أن الله يأتي برزق كل غد (2/119)
1349 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سلام بن شرحبيل عن حبة بن خالد و سواء بن خالد قالا : دخلنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يصلح شيئا فأعناه فقال :
لا تيأسا من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشر ثم يرزقه الله (2/119)
1350 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عيسى ثنا شعيب بن حرب ح :
و أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو علي الرفاء أنا علي بن عبد العزيز أنا أبو نعيم قالا : ثنا بشير بن سليمان عن سيار عن طارق عن ابن مسعود : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
من نزلت به حاجة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته و إن أنزلها بالله فأوشك الله له بالغنى أما أجل عاجل و أما غنى عاجل
و في رواية شعيب أما عاجلا و إما آجلا (2/120)
1351 - أخبرنا أبو محمد المزكي ثنا أبو بكر محمد بن محمد بن إسماعيل ثنا أبو عبد الرحمن محمد بن علي بن الحسن ثنا محمد بن يزيد حدثنا إبراهيم بن أشعث خادم فضيل بن عياض ثنا فضيل بن عياض قال : ثنا هشام عن الحسن عن عمران بن حصين : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
من انقطع إلى الله كفاه الله مؤنته و رزقه من حيث لا يحتسب و من انقطع إلى الدنيا و كله الله إليها (2/120)
1352 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن العنبري ثنا إبراهيم بن إسحاق الأنماطي ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ثنا إبراهيم بن الأشعث : فذكره بإسناده قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة ثم ذكره (2/120)
1353 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا معاذ بن المثنى ثنا محمد بن المنهال ثنا يزيد ـ وهو ابن زريع ـ ثنا يونس عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير حدثني أحد بني سليم ـ و احسبه الذي رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن الله ليبتلي العبد بما أعطاه فيمن رضي بما قسم له وسع عليه و من لم يرض لم يبارك له (2/121)
1354 - أخبرنا أبو الحسن المقرئ ثنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا أبو الربيع ثنا حماد بن زيد ثنا يونس بن عبيد عن أبي العلاء بن عبد الله بن الشخير عن رجل من بني سليم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن الله تعالى ليبتلي العبد بما أعطاه فمن رضي بما أتاه الله بارك له و وسعه و من لم يرض لم يبارك له فيه و لم يوسعه (2/121)
1355 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو صالح حدثني الليث حدثني يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال : إن سلمان و عبد الله بن سلام التقيا فقال أحدهما لصاحبه : إن لقيت ربك قبلي فأخبرني ماذا لقيت منه فقال أحدهما لصاحبه : أيلقي الأحياء الأموات ؟ قال : نعم أما الموحدون فإن أرواحهم في الجنة و هي تذهب حيث شاءت قال : فتوفى أحدهما قبل صاحبه فلقيه الحي في المنام فكأنه سأله فقال الميت : توكل و أبشر فلم أر مثل التوكل قط (2/121)
1356 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ثنا أحمد بن الخليل البرجلاني ثنا يونس بن محمد ثنا المفضل بن فضالة عن حبيب بن الشهيد عن محمد بن المنكدر عن جابر عن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة و قال :
كل بسم الله ثقة بالله و توكلا عليه
قال البيهقي رحمه الله : و هذا الحديث مع ما روى عنه مثل الفرار من المجذوم و أمر المجذوم الذي أتاه في وفد ثقيف بالرجوع يؤكد هذه الطريقة فيكون هذا الحديث فيمن يكون حاله الصبر على المكروه و ترك الاختيار في موارد القضاء و الحديث الآخر فيمن يخاف على نفسه العجز عن احتمال المكروه و الصبر عليه فيحترز بما هو جائز في الشرع بأنواع الاحترازات و بالله التوفيق (2/122)
1357 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه ـ ح ـ
و أخبرنا أيو نصر بن قتادة و أبو بكر الفارسي قالا : أنا أبو عمرو بن مطر قالا : ثنا إبراهيم بن علي ثنا يحيى بن يحيى أنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال : كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه و سلم :
إنا قد بايعناك فارجع
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى (2/122)
1358 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو اعباس الصبغي ثنا الحسن بن علي بن زياد ثنا عبد العزيز الأويسي ثنا ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال : أقبلت إلى الزبير يوما و أنا غلام و عنده رجل أبرص فأردت أن أمس الأبرص فأشار إلي الزبير فأمرني أن أنصرف مخافة أن أمسه (2/122)
1359 - أخبرنا أبو سعد الماليني ثنا أبو أحمد بن عدي الحافظ ثنا عبد الرحمن بن عبيد الله بن أخي الإمام بحلب ثنا إبراهيم بن سعيد ثنا أبو معاوية عن إبراهيم بن الفضل عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بحائط مائل فأسرع المشي فقال له بعض القوم : يا رسول الله كأنك خفت هذا الحائط ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إني أكره موت الفوات
تفرد به إبراهيم بن الفضل و هو ضعيف و روي من وجه آخر ضعيف (2/123)
1360 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس الأصم ثنا يوسف بن عبد الله الخوارزمي ثنا يوسف بن عدي ثنا عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن أبي فروة عن موسى بن وردان عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بحائط قد أردى فأسرع فقلت يا رسول الله قد أسرعت فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
إني أخاف موت الفوات
قال البيهقي إسناده ضعيف و رواه أبو عبيد في كتابه مرسلا كما : (2/123)
1361 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو الحسن الكارزي ثنا علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد ثنا ابن علية عن حجاج بن أبي عثمان الصواف ثنا يحيى بن أبي كثير قال : بلغني عن النبي صلى الله عليه و سلم : أنه كان إذا مر بهدف مائل أو صدف مائل أسرع المشي قال أبو عبيد قال الأصمعي الهدف كل شيء عظيم مرتفع و قال غيره : الصدف نحو الهدف (2/123)
1362 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان ثنا يحيى نا الليث ثنا يونس عن ابن شهاب أن السائب بن يزيد ابن أخت نمير و عبيد الله بن عبد الله أخبراه أن عبد الرحمن بن عبد القارئ قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : قال : رسول الله صلى الله عليه و سلم :
من نام عن جزبه أو شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر و صلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل
و قال : أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله ! أنتا كنا أبياتا ذا عدد حين دخلنا دارنا تفرقنا ـ أو قالت : فنقصنا ـ و ذا المال فاحتجنا و كانت حسنة ذات بيننا فساءت أخلاقنا فقال :
تذرينهما ذميمة و تختارين خيرا منها
قال البيهقي رحمه الله : هكذا وجدته موصولا بالحديث الأول و هو بهذا الإسناد غلط و كأنه إنما أمرها بتركها للتخلص من سوء الظن و رؤية ما يصيبهم من البلاء من نزول تلك الدار و رواه سكين بن عبد العزيز عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم (2/124)
1363 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة و أبو بكر بن إبراهيم الفارسي قالا : أخبرنا أبو عمرو بن مطر ثنا إبراهيم بن علي ثنا يحيى بن يحيى أنا سكين بن عبد العزيز عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال : أتى قوم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا سكنا دارا و كان ذوي وفرة فافترقنا و كنا ذوي عدد فقللنا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أخرجوا عنها أو انتقلوا منها و هي ذميمة
قال البيهقي رحمه الله : (2/124)
1364 - و رواه أيضا عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك : بمعناه و قد أخرجناه في كتاب السنن (2/124)
1365 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا عبد الله محمد بن علي بن عبد الحميد الصنعاني أنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن عبد الله بن بحير بن ريسان أخبرني من سمع من فروة بن مسيك قال : قلت يا رسول الله أن أرضا عندنا يقال لها : أبين و هي أرض ريفنا و ميرتنا و هي وبيئة أو قال : وباؤها شديد فقال له النبي صلى الله عليه و سلم :
دعها عنك فإن من القرف التلف
قال القتيبي رحمه الله : القرف مداناة الوباء قال أبو سليمان الخطابي : و ليس هذا من باب العدوى إنما هو من باب الطب فإن استصلاح الأهوبة من أعون الأشياء على صحة الأبدان و فساد الأهوية من أضرها و أسرعها إلى إسقام البدن عند الأطباء و كل ذلك بإذن الله تعالى و مشيته لا شريك له و لا حول و لا قوة إلا به
و أما حديث أكثر أهل الجنة البله (2/124)
1366 - فأخبرناه أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن علي بن الحسن المقري ثنا أحمد بن عيسى الخشاب ثنا عمرو بن أبي سلمة ثنا مصعب بن ماهان عن الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أكثر أهل الجنة البله
و هذا الحديث بهذا الإسناد منكر (2/124)
1367 - أخبرنا أبو سعد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي الحافظ ثنا الساجي و أحمد بن شعيب و عبد الله بن محمد السمناني و جماعة سماهم قالوا : ثنا محمد بن عزيز ثنا سلامة بن روح عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن أكثر أهل الجنة البله (2/126)
1368 - أخبرنا أبو سعد ثنا أبو أحمد بن عدي ثنا محمد بن محمد بن الأشعث و عبد الجبار بن أحمد السمرقندي قالا : ثنا إسحاق بن إسماعيل بن عبد الأعلى الأيلي ثنا سلامة بن روح بن خالد عن عقيل قال : قال عقيل حدثني ابن شهاب عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
أكثر أهل الجنة البله (2/126)
1369 - سمعت أبا محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني يقول : سمعت إبراهيم بن فراس العطار يقول : سمعت القاسم بن الحسن بن زيد صاحب سهل بن عبد الله يقول : أظنه عن سهل في تفسير الحديث الذي جاء أكثر أهل الجنة البله قال : هم الذين ولهت قلوبهم و شغلت بالله عز و جل (2/126)
1370 - حدثنا أبو محمد بن يوسف أنا أبو إسحاق إبراهيم بن فراس المالكي بمكة ثنا عبد الله بن الجارود النيسابوري ثنا عبد الله بن الوليد أخبرني أبي قال : سئل الأوزاعي عن الأبله ؟ قال : الأعمى عن الشر البصير بالخير (2/126)
1371 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سئل أبو عثمان عن قوله أكثر أهل الجنة البله قال : الأبله في ديناه الفقيه في دينه (2/126)
1372 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الصقر أحمد بن الفضل بن شبانة الكاتب بهمدان ثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل ثنا عمرو بن الحباب السلمي ثنا يعلى بن الأشدق ثنا عبد الله بن جراد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس الأعمى من عمي بصره و لكن الأعمى من تعمى بصيرته (2/126)
1373 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني علي بن أحمد بن سلام البغدادي قال : ذكر أبو عبيد بن حربويه القاضي منصور بن إسماعيل الفقيه فقال : ذاك الأعمى فأنشأ يقول :
( ليس العمى إلا ترى بل العمى إلا ترى )
( مميزا بين الصواب و الخطأ )
آخر باب التوكل (2/126)
الرابع عشر من شعب الإيمان و هو باب في حب النبي صلى الله عليه و سلم (2/129)
1374 - و فيه نقول : أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمويه العسكري ثنا جعفر بن محمد القلانسي ثنا آدم بن أبي أياس أنا شعبة أنا قتادة عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده و والده و الناس أجمعين
رواه البخاري عن آدم
و أخرجه مسلم من وجه آخر عن شعبة (2/129)
1375 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا أبو بكر بن إسحاق و حسين بن حسين قالا : نا يعقوب بن إبراهيم ثنا إسماعيل بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله و ماله و الناس أجمعين
رواه البخاري في الصحيح عن يعقوب بن إبراهيم
و رواه مسلم عن زهير بن حرب عن إسماعيل (2/129)
1376 - أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك ثنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة أخبرني قتادة قال : سمعت أنس بن مالك يحدث أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : من يكن الله و رسوله أحب إليه مما سواهما و أن يقذف الرجل في النار أحب إليه من أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه و أن يحب الرجل العبد أحمد لا يحبه إلا لله ـ أو قال : في الله ـ و شك أبو داود (2/129)
1377 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو بكر بن محمويه العسكري ثنا جعفر بن محمد القلانسي ثنا أدم ثنا شعبة ثنا قتادة عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يجد أحدكم حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله و حتى يكون أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه و حتى يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما
رواه البخاري في الصحيح عن آدم
و أخرجه مسلم من وجه آخر عن شعبة على اللفظ الأول أو قريبا منه
و كذلك رواه أبو قلابة و ثابت عن أنس بن مالك (2/130)
1378 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي الجعدواني ببخارى ثنا أبو علي صالح بن محمد البغدادي ثنا علي الجعدواني ببخارى ثنا هشام بن يوسف حدثني عبد الله بن سليمان النوفلي عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة و أحبوني لحب الله و أحبوا أهل بيتي لحبي (2/130)
1379 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي بمرو أنا أبو الموجه محمد بن عمرو ثنا عبدان بن عثمان بن جبلة أخبرني أبي عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أنس بن مالك قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : متى الساعة ؟ فقال
ما أعددت لها ؟ فقال : لا إلا أني أحب الله و رسوله فقال : أنت مع من أحببت
رواه البخاري في الصحيح عن عبدان
و رواه مسلم عن محمد بن يحيى بن عبد العزيز عن عبدان (2/130)
1380 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو منصور النضروي ثنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ثنا خلف بن خليفة عن عطاء بن السائب عن الشعبي قال : جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : لأنت أحب إلي من نفسي و ولدي و أهلي و مالي و لولا إني آتيك فأراك لخشيت أني سأموت و بكى الأنصاري فقال له النبي صلى الله عليه و سلم :
ما أبكاك ؟ قال : ذكرت أنك ستموت و نموت فترفع مع النبيين و نحن إن دخلنا الجنة كنا دونك فلم يخبره النبي صلى الله عليه و سلم بشيء فأنزل الله عز و جل على رسوله صلى الله عليه و سلم : { و من يطع الله و الرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين } إلى قوله { عليما } فقال له النبي : أبشر (2/131)
1381 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان نا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار و ابن بكير عن ابن لهيعة عن زهرة بن معبد بن عبد الله بن هشام القرشي ثم التيمي عن جده عبد الله بن هشام : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مسح برأسه و دعا له و هو صغير ـ قال :
كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر : و الله يا رسول الله ! لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لا و الذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك قال عمر : فأنت الآن ـ و الله أحب إلي من نفسي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الآن يا عمر (2/131)
1382 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا مخلد بن جعفر الباقرجي ثنا محمد بن جرير حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد ثنا حيوة بن شريح أنا أبو عقيل زهرة بن معبد بن عبد الله بن هشام : أنه سمع جده عبد الله بن هشام يقول كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو آخذ بيد عمر فذكر الحديث
و رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب عن حيوة (2/132)
1383 - أخبرنا أبو الحسن العلوي أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ثنا محمد بن عقيل ثنا حفص بن عبد الرحمن حدثني محمد بن طهمان عن موسى بن عقبة عن أبي الزناد عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده و ولده (2/132)
1384 - أخبرنا أبو نصر أحمد بن علي بن أحمد الفامي أنا محمد بن المؤمل ثنا الفضل بن محمد ثنا منجاب أنا علي بن مسهر عن إسماعيل عن أبي خالد عن أبي عمرو الشيباني أخبرني جبلة بن حارثة قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : يا رسول الله ابعث مع أخي زيدا قال :
هو ذا فإن انطلق لم أمنعه فقال زيد : لا و الله يا رسول الله لا اختار عليه أحدا أبدا
قال : فرأيت رأي أخي أفضل من رائي
قال الحليمي رحمه الله : و أصل هذا الباب أن يقف على مدائح رسول الله صلى الله عليه و سلم و المحاسن الثابتة له في نفسه ثم على حسن آثاره في دين الله عز و جل و ما يجب له من الحق على أمته شرعا و عادة فمن أحاط بذلك و سلم عقله علم أنه أحق بالمحبة من الوالد الفاضل في نفسه البر الشفيق على ولده و من المعلم الرضي في نفسه المقبل على التعلم المجتهد في التخريج
و مدائح رسول الله صلى الله عليه و سلم كثيرة
منها شرف أصله و طهارة مولده
و منها أسماؤه التي اختارها الله له و سماه بها
و منها إشادة الله تعالى بذكره قبل أن يخلقه حتى عرفه الأنبياء صلوات الله عليهم و أممهم قبل أن يعرف نفسه و تعرفه أمته
و منها حسن خلقه و خلقه و كرم خصائله و شمائله
و منها بيانه و فصاحته و قوله ( أوتيت جوامع الكلم و اختصر لي الحديث اختصارا )
و منها حدبه على أمته و رأفته بهم و ما ساق الله تعالى به إليهم من الخيرات العظيمة في الدنيا و عرضهم له من شفاعته لهم في الآخرة
و منها زهده في الدنيا و صبره على شدائدها و مصائبها
و أما المرتبة العظمى و هي النبوة و الرسالة فله فيها من المآثر الرفيعة عموم رسالته الثقلين و شمولها بين الخافقين و أنه خاتم النبيين و سيد المرسلين و أكرمهم في الدنيا أعلاما و أحمدهم في الآخرة مقاما و ذلك أنه أول من تنشق عنه الأرض و أول شافع و مشفع و هو صاحب اللواء المحمود و صاحب الحوض المورود و أقسم الله بحياته و لم يخاطبه باسمه في القرآن و لا كنيته بل دعاه باسم النبوة و الرسالة و اصطفاه بذلك على الجماعة
قال البيهقي رحمه الله : و قد صنفت بتوفيق الله تعالى كتابا في دلائل النبوة و معرفة أحوال صاحب الرسالة من وقت ولادته إلى حال وفاته صلى الله عليه و سلم و ذكرت فيه من الأخبار و الآثار ما يكون بيانا لما أورده الحليمي رحمه الله و إيراد جميعه ها هنا مما يطول به الكتاب فاقتصرت في كل فصل من هذه الفصول على الإشارة إلى ما يتبين به مقصوده و بالله التوفيق (2/132)
فضل في شرف أصله و طهارة مولده صلى الله عليه و سلم (2/134)
1385 - أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضيل القطان ببغداد ثنا عبد الله بن جعفر النحوي نا يعقوب بن سفيان ثنا أبو صالح حدثني معاوبة بن صالح عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية صاحب النبي صلى الله عليه و سلم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إني عبد الله و خاتم النبيين و ان آدم لمنجدل في طينته و سأخبركم عن ذلك دعوت إبراهيم و بشارة عيسى بي و رؤيا أمي التي رأت و كذلك أمهات النبيين يرين و أن أم رسول الله صلى الله عليه و سلم رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام
قال البيهقي رحمه الله : و رواه أبو بكر بن أبي مريم عن سويد بن سعيد عن العرباض عن النبي صلى الله عليه و سلم :
إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين
و إنما أراد ـ و الله أعلم ـ أنه كذلك في قضاء الله و تقديره قبل أن يكون آدم عليه السلام
و أما دعوة إبراهيم عليه السلام فإنه لما أخذ في بناء البيت دعا الله تعالى فقال :
{ ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم }
فاستجاب الله دعاءه في نبينا محمد صلى الله عليه و سلم
و أما بشارة عيسى عليه السلام فهو أن الله تعالى أمر عيسى عليه السلام فبشر به قومه فعرفه الحواريون بني إسرائيل قبل أن يخلق (2/134)
1386 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو النعمان محمد بن الفضل و الحجاج قالا : ثنا مهدي بن ميمون : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال له رجل : يا رسول الله صوم يوم الاثنين ؟ قال :
فيه ولدت و فيه أنزل علي القرآن
أخرجه مسلم في الصحيح (2/134)
1387 - حدثنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن شبويه الرئيس بمرو ثنا جعفر بن محمد النيسابوري ثنا علي بن مهران ثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال : ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول
قال البيهقي رحمه الله : و روينا عن ابن عباس ثم عن قيس بن مخزمة ثم عن قباث بن أشيم أن النبي صلى الله عليه و سلم ولد عام الفيل
و كان الزهري و من تابعه يقولون ولد بعده و الأول أصح (2/134)
1388 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال : حدثني والدي إسحاق بن يسار : قال حدثت أنه كان لعبد الله بن عبد المطلب امرأة مع آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فمر بامرأته تلك و قد أصابه أثر من طين عمل به فدعاها إلى نفسه فأبطأت عليه لما رأت من عمل الطين فدخل فغسل عنه أثر الطين ثم دخل عامدا إلى آمنة ثم دعته صاحبته التي كان أراد إلى نفسها فأبى للذي صنعت به أول مرة فدخل على آمنة فأصابها ثم خرج فدعاها إلى نفسه فقالت :
لا حاجة لي بك مررت بي و بين عينيك غرة فرجوت أن أصيبها منك فلما دخلت على آمنة ذهبت بها منك
قال ابن إسحاق : فحملت برسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فكانت آمنة بنت وهب تحدث أنها أتيت حين حملت بمحمد صلى الله عليه و سلم فقيل لها : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وقع بالأرض فقولي :
أعيذ الواحد من شر كل حاسد
في كل بر عاهد و كل عبد رائد يرود كل رائد
فإنه عبد الحميد الماجد حتى أراه قد أتى المشاهد
قال : و آية ذلك أن يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام فإذا وقع فسميه محمدا فإنه اسمه في التوارة أحمد يحمده أهل السماء و أهل الأرض و اسمه في الإنجيل أحمد يحمده أهل السماء و أهل الأرض و اسمه في القرآن محمد فسميه بذلك
فلما وضعته بعثت إلى عبد المطلب جاريتها و قد هلك أبوه عبد الله و هي حبلى ـ و يقال إن عبد الله هلك و النبي صلى الله عليه و سلم ابن ثمانية و عشرين شهرا و الله أعلم أي ذلك كان
قال ابن إسحاق و مات عبد المطلب و النبي صلى الله عليه و سلم ابن ثمان سنين
و هلكت أمه آمنة بنت وهب بالأبواء و النبي صلى الله عليه و سلم ابن ست سنين
قال ابن إسحاق فلما وضعته بعثت إلى عبد المطلب فقالت قد ولد لك الليلة غلام فانظر إليه فلما جاءها أخبرته بخبره و حدثته بما رأت حين حملت به و ما قبل لها فيه و ما أمرت أن تسميه فأخذه عبد المطلب فأدخله في جوف الكعبة و ذكر ابن إسحاق دعاءه و أبياته التي قالها في شكر الله تعالى على ما وهبه
قال : و استرضع له من حليمة بنت أبي ذؤيب و أبو ذؤيب : عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر و اسم أبي رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي أرضعه : الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن
و أخوته من الرضاعة : عبد الله بن الحارث و أنيسة بنت الحارث و حذافة بنت الحارث و هي الشيماء و ذكروا أنها كانت تحصن رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أمه إذا كان عندهم
و هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ( بن خزيمة ) بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن المقوم بن ناحور بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم بن آزر ـ و هو في التوراة ابن تارخ بن ناحور بن أرغوا بن سارح بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر صلوات الله عليه و على الأنبياء الطيبين الأخيار (2/134)
1389 - أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي أنا أبو إسحاق الأصبهاني ثنا أبو أحمد بن فارس ثنا محمد بن إسماعيل البخاري ثنا عبيد بن يعيش ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال : ـ محمد بن عبد الله ـ فذكر هذا النسب غير أن قال : أدد
و قال في آزر و هو في التوراة تارح بن ناحور بن عور بن فلاح بن عابر بن شالخ بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ بن مهليل بن قنان بن شيش بن آدم
و رواه سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق فخالفه في بعض ما رواه
قال أبو عبد الله الحافظ رحمه الله : نسبة رسول الله صلى الله عليه و سلم صحيحة إلى عدنان و ما وراء ذلك فليس فيه شيء يعتمد
قال البيهقي رحمه الله : و ذلك الاختلاف النسابين في ذلك منهم من يزيد و منهم من ينقص و منهم من يغير (2/137)
1390 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان قال : قال إبراهيم بن المنذر أملى علي محمد بن طلحة بن الطويل التيمي فقال : محمد بن عبد الله : فذكر مثله إلى معد بن عدنان
و أقرب الناس برسول الله صلى الله عليه و سلم بنو عبد المطلب بن هاشم و هم العباس أبي طالب و آل الحارث و آل أبي لهب
و أبو طالب و عبد الله ـ أبو رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ أخوان من أم دون بني عبد المطلب
و بنو عبد شمس و المطلب و هم أخوة هاشم بن عبد مناف لأبيه و أمه
ثم يليهم أخوتهم لأبيهم بنو نوفل بن عبد مناف
ثم يليهم بنو أسد بن عبد العزى بن قصي و بنو عبد الدار بن قصي و ذكر سائر القبائل
ثم قال إبراهيم : و ولد عبد المطلب بن هاشم عشرة نفر و ست نسوة : العباس و حمزة و عبد الله و أبو طالب ـ و اسمه عبد مناف و الزبير و الحارث و حجل و المقوم و أبو لهب ـ و اسمه عبد العزى و صفية و أم حكيم و هي البيضاء و عاتكة و أميمة و أروى و برة
قال : فولد عبد الله بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه و سلم سيد ولد آدم محمد بن عبد الله و أمه آمنه بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر
ثم ذكر أنساب الجدات
ثم قال : و رسول الله صلى الله عليه و سلم أشرف ولد آدم حسبا و أفضلهم نسبا من قبل أبيه و أمه (2/138)
1391 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي املاء في آخرين قالوا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الربيع بن سليمان و سعيد بن عثمان قالا : ثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي حدثني أبو عمار شداد عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل و اصطفى من بني كنانة قريشا و اصطفى من قريش بني هاشم و اصطفاني من بني هاشم
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث الأوزاعي (2/139)
1392 - أخبرنا أبو علي بن شاذان ببغداد أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو شريك يحيى بن يزيد بن ضماد المرادي ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت فيه (2/139)
1393 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو علي بن الحسين بن علي الحافظ أنا أحمد بن يحيى بن زهير التستري ثنا أحمد بن المقدام ثنا حماد بن واقد عن محمد بن ذاكون خال ولد حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن ابن عمر قال : إنا لقعود بفناء النبي صلى الله عليه و سلم فذكر الحديث إلى أن قال عن النبي صلى الله عليه و سلم :
إن الله تعالى خلق السموات سبعا فاختار العليا منها فأسكنها من شاء من خلقه ثم خلق الخلق فاختار من خلقه بني آدم و اختار من بني آدم العرب و اختار من العرب مضر و اختار من مضر قريشا و اختار من قريش بني هاشم و اختارني من بني هاشم فأنا من خيار إلى خيار فمن أحب العرب فبحبي أحبهم و من أبغض العرب فببغضي أبغضهم (2/139)
1394 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص الزاهد ثنا حمدون السمسار ثنا الأزرق بن علي ثنا حسان بن إبراهيم الكرماني ثنا سفيان الثوري عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قتة عن ابن عباس في قوله تعالى : ـ { و إنه لذكر لك و لقومك }
قال : شرف لك و لقومك (2/140)
1395 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي أنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : ـ { وإنه لذكر لك ولقومك }
قال : يقال ممن الرجل ؟ فيقال : من العرب فيقال : من أي العرب فيقال من قريش (2/140)
1396 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني نا يحيى بن أبي بكير ثنا عبد الغفار بن القاسم عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن الله عز و جل أخرجني من النكاح و لم يخرجني من السفاح (2/140)
فصل في أسمائه صلى الله عليه و سلم (2/140)
1397 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا حامد بن محمد الهروي ثنا علي بن محمد بن عيسى ثنا أبو اليمان أخبرني شعيب عن الزهري حدثني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
أن لي خمسة أسماء : أنا محمد و أنا أحمد و أنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفار و أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي و أنا العاقب و العاقب ليس بعده نبي
رواه البخاري في الصحيح عن أبي اليمان
و رواه مسلم عن عبد بن حميد عن أبي اليمان
و أخرجه مسلم من حديث معمر عن الزهري و فيه قال : قلت للزهري : ما العاقب ؟ قال : الذي ليس بعده نبي (2/140)
1398 - أخبرنا أبو حسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري : فذكره بإسناده مثله غير أنه قال : الكفر
و رواه يونس بن يزيد عن الزهري و فيه من الزيادة : و قد سماه الله رؤوفا رحيما
و يشبه أن يكون ذلك من قول الزهري
و رواه عقبة بن مسلم عن نافع بن جبير بن مطعم أنه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك أتحصي أسماء رسول الله صلى الله عليه و سلم التي كان جبير بن مطعم يعدها ؟ قال : نعم هي ستة : هي محمد و أحمد و خاتم و حاشر و عاقب و ماحي فأما حاشر فبعث مع الساعة نذيرا لكم بين يدي عذاب شديد و أما عاقب فإنه عقب الأنبياء و أما ماحي فإن الله عز و جل محا به سيئات من اتبعه (2/140)
1399 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمويه ثنا جعفر بن محمد ثنا آدم ثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عقبة بن مسلم : فذكره (2/140)
1400 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا زهير بن حرب ثنا جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة ـ ح
و إنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطوسي الفقيه ثنا أبو الحسن الكارزي أنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم سمى لنا نفسه أسماء فقال :
أنا محمد و أحمد و الحاشر و المقفي و نبي التوبة و الملحمة لفظهما سواء غير أن في حديث المسعودي قال : سمي لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه أسماء منها ما حفظنا
رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير
قال البيهقي رحمه الله : فهذه عشرة أسماء وردت في هذه الأحاديث فأما محمد و أحمد فاسمان من أسماء الأعلام التي يراد بها التمييز من الأشخاص
قال الحليمي رحمه الله : من تأمل علم أنه ليس من أسماء الناس اسم يجمع من الحسن و الفضل ما يجمعه محمد و أحمد لأن محمد هو المبالغ في حمده و الحمد في هذا الموضع المدح و أحمد هو الأحق بالحمد و هو المدح أيضا (2/142)
1401 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يا عباد الله انظروا كيف يصرف الله عني شتم قريش و لعنهم يشتمون مذمما و أنا محمد و يلعنون مذمما و أنا محمد (2/142)
1402 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا يعقوب بن غيلان حدثنا محمد بن الصباح حدثنا سفيان عن أبي الزناد : فذكره بإسناده غير أنه قال :
ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش و لعنهم يشتمون مذمما و يلعنون مذمما و أنا محمد
رواه البخاري في الصحيح عن علي بن عبد الله عن سفيان
و أما الحاشر فتسيره في الحديث و معناه أول من يبعث من القبر و كل من عداه فإنما يبعثون بعده و هو أول من يذهب به إلى المحشر ثم الناس بعده على أثره
و أما الماحي فتفسيره أيضا قد مضى في الحديث و معلوم أن الله تعالى هو الحاشر و الماحي و إنما سمي النبي صلى الله عليه و سلم لأن الله تعالى جعل حشره سببا لحشر غيره و نبوته سبا لإزهاق الباطل كله من الكفر و غيره فصار من طريق التقدير كأنه الحاشر و الماحي
و أما الماحي فمعناه المتبع
و يحتمل أن يكون المراد المقفي لإبراهيم عليه السلام لقوله تعالى :
{ فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا }
و يحتمل أن يكون المقفي لموسى و عيسى و غيرهما من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام لنقل قومهم عن أتباعهم إلى إتباعه أو عن اليهودية و النصرانية إلى الحنيفية السمحة
و أما العاقب و الخاتم فقد مضى تفسيرهما في الحديث و أما بني الرحمة فقد جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :
إنما أنا رحمة مهداة (2/142)
1403 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا معاذ بن المثنى و تمتام قالا : أخبرنا يحيى بن معين حدثنا مروان بن معاوية الفزاري حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله ! ادع الله على المشركين قال :
إنما بعثت رحمة ـ و لم أبعث عذابا
و هذا ـ و الله أعلم ـ على أنه كان يرجو إسلامهم (2/144)
1404 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة يعني أهديت لكم
قال البيهقي رحمه الله : هذا مرسل و رواه زياد بن يحيى الحساني عن مالك بن سعير عن الأعمش موصولا بذكر أبي هريرة فيه (2/144)
1405 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر المزكي حدثنا إبراهيم بن أبي طالب حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى : فذكره غير أنه لم يقل في آخره : يعني أهديت لكم
و ذلك على معنى أن الله تعالى بعثه ليرحم به عباده و يخرجهم على لسانه من الظلمات إلى النور كما قال الله عز و جل حين امتن عليهم :
{ واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها }
و أما نبي التوبة فلأنه أخبر عن الله تعالى أنه يقبل التوبة عن عباده إذا تابوا كبرت ذنوبهم أو صغرت و لعل الأمر في شرائع المتقدمين لم تكن بهذه السهولة فلذلك قال :
أنا نبي التوبة (2/144)
1406 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا أحمد بن منصور حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن مسعود قال : كان الرجل ـ أحسبه قال ـ في بني إسرائيل إذا أذنب أصبح على بابه مكتوبا أذنب كذا و كذا و كفارته من العمل كذا فلعله أن يتكاثره أن يعمله
قال ابن مسعود ما أحب أن الله أعطانا ذلك مكان هذه الآية :
{ ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما }
قال الحليمي رحمه الله : و أما نبي الملحمة فلأن الله تبارك و تعالى فرض عليه جهاد الكفار و جعله شريعة باقية إلى قيام الساعة و ما فتحت هذه البلدان إلا بحد السيف أو خوف السيف ما عدا المدينة فإنها فتحت القرآن (2/144)
1407 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه حدثنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ـ ح ـ
و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو ذر محمد بن أبي الحسين بن أبي القاسم المذكر و أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسن المهرجاني قالوا : حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ قالا : حدثنا محمد بن عبد الوهاب حدثنا محمد بن الحسن بن زبالة أخبرنا مالك بن أنس حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
افتتحت القرى بالسيف و افتتحت المدينة بالقرآن
قال البيهقي رحمه الله : أخبرنا أبو عبد الله : تفرد به محمد بن الحسن بن زبالة المخزومي و به يعرف و قد روي عن أبي غزية الأنصاري قاضي المدينة عن مالك
قال البيهقي رحمه الله : لم يثبت لضعف رواته و الله أعلم
و هذا اللفظ هو لفظ حديث شيخنا أبي عبد الله و كذلك قال الفقيه عن البصري و وقع في رواية أبي ذر و المهرجاني :
افتتحت مكة بالسيف و افتتحت المدينة بالقرآن
و إنما حملاه معا في الإملاء و المحفوظ رواية أبي عبد الله (2/144)
1408 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا أبو مسلم و الحسن بن سهل قالا : حدثنا أبو عاصم عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لا تجمعوا بين اسمي و كنيتي أنا أبو القاسم الله يعطي و أنا أقسم لفظ حديث أبي مسلم (2/144)
1409 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا إبراهيم بن صالح حدثنا عثمان بن الهيثم حدثنا عوف عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
من تكنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي
قال البيهقي رحمه الله : أخبار النهي عن الكنى بأبي القاسم مطلقا أكثر و أصح و يحتمل أن يكون راجعا إلى من أراد أن يجمع بينهما و الله أعلم (2/146)
فصل ـ في إشادة الله عز و جل بذكر محمد صلى الله عليه و سلم قبل أن يخلقه ـ قال الله عز و جل فيما أخبر أنه كلم بن موسى بن عمران عليه السلام { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل } قال : { وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } و قال : { و رفعنا لك ذكرك } فقيل في بعض التفسير أنه شهره قبل خلقه و أعلى ذكره في الأولين قبل أن يخرجه نبيا في الآخرين (2/147)
1410 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أخبرنا أبو سهل بن زياد القطان حدثنا القاسم بن نصر البزاز حدثنا سريج بن النعمان حدثنا فليح عن هلال عن علي عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت له : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم في التوراة فقال : أجل و الله إنه لموصوف في التوارة ببعض صفته في القرآن
يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا و حرزا أنت عبدي و رسولي سميتك المتوكل ليس بفظ و لا غليظ و لا صخب بالأسواق و لا يدفع السيئة بالسيئة و لكن يعفو و يغفر و لن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء أن يقولوا : لا إله إلا الله و أفتح به أعينا عميا و آذانا صما و قلوبا غلفا
قال عطاء بن يسار : ثم لقيت كعبا فسألته فما اختلفا في حرف إلا أن كعبا يقول : أعينا عمومي و قلوبا غلفى و آذانا صمومي
و رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن سنان عن فليح بن سليمان
و قد ذكرنا شواهده و ما ورد في معناه عن كعب الأحبار و وهب بن منبه و غرهما في الجزء الخامس من كتاب دلائل النبوة (2/147)
1411 - أخبرنا أبو منصور طاهر بن العباس بن منصور المروزي المقيم بمكة أخبرنا ابن المظفر بن موسى البزاز أخبرنا أبو جعفر الطحاوي أخبرنا الحسين بن بكر حدثنا إسحاق بن سليمان حدثنا صالح بن سعيد عن مقاتل بن حيان : في قول الله عز و جل :
{ و ما كنت بجانب الطور إذ نادينا }
إذ نادى أمتك و هم في أصلاب آباءهم أن يؤمنوا بك إذا بعثت (2/148)
فصل في خلق الرسول صلى الله عليه و سلم و خلقه ـ قد ذكرنا في كتاب دلائل النبوة حديث ابن أبي هالة في حلية رسول الله صلى الله عليه و سلم و حديث أم معبد و حديث غيرهما في صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم و نحن نشير ها هنا إلى طرف منها (2/148)
1412 - أخبرنا : أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس الطرايفي ثنا عمر بن سعيد الداري ثنا القعنبي فيما قرئ على مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سمع أنسا بن مالك يقول : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس بالطويل البائن و لا بالقصير و لا بالأبيض الأمهق و لا بالآدم و ليس بالجعد القطط و لا بالسبط بعثه الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين و بالمدينة عشر سنين و توفاه الله على رأس ستين سنة و ليس في رأسه و لحيته عشرون شعرة بيضاء صلى الله عليه و سلم أخرجاه في الصحيح من حديث مالك
و قد روينا عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال : قبض النبي صلى الله عليه و سلم و هو ابن ثلاث و ستين سنة (2/148)
1413 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا جدي أبو عمرو إسماعيل بن نجيد ثنا محمد بن عمار بن عطية ثنا محمد بن عمرو زنيج ثنا حكام بن سلم عن عثمان بن زائدة عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال : قبض النبي صلى الله عليه و سلم و هو ابن ثلاث و ستين و قبض أبو بكر و هو ابن ثلاث و ستين و قبض عمر و هو ابن ثلاث و ستين
رواه مسلم في الصحيح عن زنيج و كذا قال الزهري عن عروة عن عائشة و عمرو بن دينار و أبو حمزة عن ابن عباس في روايتهما :
أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة ثلاث عشرة سنة
و قال عمار بن أبي عمار من ابن عباس خمس عشرة سنة
و رواية أبي حمزة و عمرو أولى أن تكون محفوظة (2/148)
1414 - أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا المسعودي عن عثمان بن عبد الله بن هرمز عن نافع بن جبير عن علي بن أبي طالب قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس بالقصير و لا بالطويل ضخم الرأس و اللحية خشن الكفين و القدمين ضخم الكراديس مشرب وجهه حمرة طويل المسربة إذا مشى يتكفا تكفئا كأنه ينحط من صبب لم أر قبله و لا بعده مثله صلى الله عليه و سلم (2/148)
1415 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا محمد بن أبي بكر ثنا عيسى بن يونس ثنا عمرو بن عبد الله مولى عفرة قال :
حدثني إبراهيم بن محمد و هو من ولد علي رضي الله عنه قال : كان علي رضي الله عنه إذا نعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لم يكن بالطويل و لا القصير و كان ربعة من القوم و لم يكن بالجعد القطط و لا بالسبط كان جعدا رجلا لم يكن بالمطهم و المكلثم و كان في الوجه تدوير أبيض مشربا أدعج العينين أهدب الأشفار جليل المشاش أجرد شثن الكفين و القدمين إذا مشى تقلع كأنما يمشي على صبب و إذا التفت التفت معا بين كتفيه خاتم النبوة أجود الناس كفا و أرحب الناس صدرا و أصدق الناس لهجة و أوفى الناس ذمة و ألينهم عريكة و ألزمهم عشرة من رآه بديهة هابه و من خالطه فعرفه أحبه يقول ناعته : لم أر قبله و لا بعده مثله صلى الله عليه و سلم (2/148)
1416 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن علي بن الحسن ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا أبو جعفر محمد بن الحسين و علي بن محمد و أحمد بن عبدة قالوا ثنا عيسى بن يونس : فذكره بإسناد نحوه غير أنه لم يكن بالطويل الممغط و بالقصير المتردد و الكند أجرد ذو مسربة قال أبو جعفر : سمعت الأصمعي يقول في تفسير صفة النبي صلى الله عليه و سلم الممغط الذاهب طولا و المتردد الداخل بعضه في بعض قصرا فأما القطط الشديد الجعودة و الرجل الذي في شعره حجونة قليلا و أما المطهر فالبادن الكثير اللحم و المكلثم المدور الوجه يعني يقول فليس لذلك و المشذب الذي في ناصيته حمرة و الأدعح الشديد سواد العينين و الأهدب الطويل الأشفار و الكتد مجتمع الكتفين و هو الكاهل و المسربة هو الشعر الدقيق الذي كأنه قضيب من الصدر إلى السرة و الشثن الغليظ الأصابع من الكفين و القدمين و التقلع و التقلع أن يمشي بقوة و الصبب الحدور يقول انحدر إلى الصبوب و صبب و قوله جليل المشاش يريد رؤوس المناكب و العشيرة الصحبة و البديهة المفاجأة يقال بدهته بأمر : أي فاجأته (2/150)
1417 - أخبرنا أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا زهير عن أبي إسحاق قال : قيل للبراء أكان وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم كالسيف ؟
قال : لا بل كالشمس
رواه البخاري في الصحيح عن أبي نعيم عن زهير و أخرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة غير أنه قال : لا بل مثل الشمس و القمر مستديرا
قال الإمام أحمد رحمه الله :
روينا في رواية أخرى عن جابر بن سمرة أنه قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في ليلة أضحيان و عليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه و إلى القمر فلهو كان أحسن في عيني من القمر (2/150)
1418 - و أخبرنا أبو طاهر الفقيه أن أبو حامد بن بلال ثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ثنا المحاربي عن أشعث عن أبي إسحاق عن جابر بن سمرة قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر هذا الحديث الأخير (2/151)
1419 - و أخبرنا أبو علي الروذباري أنا الحسين بن الحسن بن أيوب ثنا يحيى بن أبي مسرة ثنا خلاد بن يحيى ثنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد شمط مقدم رأسه و لحيته و كان إذا أدهن لم يتبين و إذا شعث رأسه تبين و كان كثير شعر اللحية
فقال رجل : وجهه مثل السيف
قال : لا بل كان مثل الشمس و القمر و كان مستديرا
قال : و رأيت خاتمه عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده
أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن إسرائيل (2/151)
1420 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو سعيد الأحمسي ثنا الحسن بن حميد ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا عبد الله بن موسى بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي عن أسامة بن زيد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال : قلت للربيع : صفي لي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة (2/151)
1421 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه ثنا أبو مسلم أن الحجاج بن المنهال حدثني حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أزهر اللون كان عرقه اللؤلؤ إذا مشى تكفأ و لا مست ديباجة و لا حريرة ألين من كفه و لا شممت رائحة قط أطيب من رائحته مسكة و لا غيرها صلى الله عليه و سلم
أخرجه مسلم من حديث حماد (2/152)
1422 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا علي بن حمشاذ ثنا محمد بن أيوب أنا أبو الربيع ثنا حماد بن زيد ثنا ثابت عن أنس قال : خدمت النبي صلى الله عليه و سلم عشر سنين فما قال لي أف قط و لا قال لي لشيء مما يصنعه الخادم لم فعلت كذا و كذا أو هلا فعلت كذا و كذا
رواه مسلم في الصحيح عن أبي الربيع (2/152)
1423 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا سليمان بن حرب و سعيد قالا : ثنا حماد عن ثابت عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم من أجمل الناس و من أجود الناس و من أشجع الناس
رواه البخاري عن سليمان و رواه مسلم عن سعيد بن منصور
و رويناه عن أبي التياح عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم احسن الناس خلقا (2/152)
1424 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو الفضل بن إبراهيم ثنا أحمد بن سلمة ثنا إسحاق بن إبراهيم و هناد بن السري قالا : أنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ضرب خادما قط و لا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله و ما ينل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن يكون لله فإذا كان لله انتقم منه و لا عرض له أمران إلا أخذ الذي هو أيسر حتى يكون إثما فإذا كان إثما كان أبعد الناس منه صلى الله عليه و سلم
رواه مسلم في الصحيح عن أبي كريب عن أبي معاوية (2/152)
1425 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ثنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا عمرو بن عاصم و أبو عمر قالا : ثنا همام عن زرارة بن أبي أوفى عن سعد بن هشام بن عامر الأنصاري أنه حدثه قال : قلت يا أم المؤمنين ـ يعني عائشة ـ حدثيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى قالت : فإن خلق رسول الله - كان القرآن
أخرجه مسلم في الصحيح
قال البيهقي رحمه : (2/153)
1426 - و روينا عن الحسن عن سعد بن هشام قال : قلت لعائشة رضي الله عنها : ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت : قال الله عز و جل :
{ و إنك لعلى خلق عظيم } فخلفه القرآن
أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ثنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب ثنا عبد الله بن عثمان أنا عبد الله بن المبارك ثنا المبارك ثنا الحسن فذكره (2/153)
1427 - و روينا عن يزيد بن بابنوس أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن ذلك فقالت : اقرأ سورة المؤمنين فقرأ حتى بلغ العشر فقالت : هكذا كان خلقه (2/153)
1428 - و روينا عن أبي الدرداء أنا سأل عائشة عن ذلك فقالت : كان خلقه القرآن يرضي لرضاه و يسخط لسخطه (2/154)
1429 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا أبو النضر ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عندنا فعرق فجأت أمي بقارورة فجعلت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين قالت : هذا عرقك نجعله في طيبنا و هو من أطيب الطيب
قالت ثابت : قال أنس ما شممت عنبرا قط و لا مسكا من أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا مسست شيئا قط ديباجا و لا حريرا ألين مسا من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : و خدمته عشر سنين بالمدينة و أنا غلام و ليس كل امرئ ما يشتهي صاحبي أن أكون فما قال لي فيها أف و ما قال لي لم فعلت هذا و إلا فعلت
قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى الغداة جاء خدم بآنيتهم فيها الماء فما أتوا بإناء إلا غمس يده فيها فربما جاءوه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها هذه أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيح على ما ذكرناه في غير هذا الموضع (2/154)
1430 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن عمرو الأحمسي من أصل كتابه ثنا الحسين بن حميد بن الربيع اللخمي ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي ثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي حدثني رجل بمكة عن ابن أبي هالة التميمي عن الحسن بن علي قال : سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي و كان وصافا عن حلية النبي صلى الله عليه و سلم و أنا أشتهي أن يصف لي شيئا منها أتعلق به قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم فخما مفخما يتلالأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر أطول من المربوع و أقصر من المشذب عظيم الهامة رجل الشعر إن انفرقت عقيصته فرق و إلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره أزهر اللون واسع الجبين أزج الحاجب سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمه أشم كث اللحية سهل الخدين ضليع الفم أشنب مفلج الأسنان دقيق المسربة كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق بادن متماسك سواء البطن و الصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة و السرة بشعر يجري كالخط عاري الثديين و البطن مما سوى ذلك أشعر الذراعين و المنكبين و أعالي الصدر طويل الزندين رحب الراحة سبط القصب شثن الكفين و القدمين سائل الأطراف خمصان الأخمصين مسح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال قلعا يخطو تكفؤا و يمشي هونا ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب و إذا التفت التفت جميعا خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه يبدأ من لقيه بالسلام
قال : قلت صف لي منطقه ؟
قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم متواصل الأحزان دائم الفكر ليست له راحة و لا يتكلم في غير حاجة طويل السكوت يفتح الكلام و يختمه بأشداقه و يتكلم بجوامه الكلم فصل لا فضول و لا تقصير دمث ليس بالجافي و لا المهين يعظم النعمة و إن دقت و لا يذم منها شيئا و لا يذم ذواقا و لا يمدحه و في رواية غيره لم يكن ذواقا و لا مدحة و لا تغضبه الدنيا و ما كان لها فإذا تعوطى الحق لم يعرفه أحد و لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له و لا يغضب لنفسه و لا ينتصر لها إذا أشار أشار بكفه كلها و إذا تعجب قلبها و إذا تحدث اتصل بها يضرب براحته اليمنى على باطن إبهامه اليسرى و إذا غضب أعرض و أشاح و إذا فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم و يفتر عن مثل حب الغمام
قال : فكتمها الحسين زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه فسأله عما سألته و وجدته قد سأل أباه عن مدخله و مجلسه و مخرجه و شكله فلم يدع منه شيئا
قال : قال الحسين : سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءا لله تعالى و جزءا لأهله و جزءا لنفسه ثم جزأ جزأه بينه و بين الناس فيرد ذلك على العامة و الخاصة و لا يدخره عنهم شيئا و كان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه و قسمه على قدر فضلهم في الدين فمنهم ذو الحاجة و منهم ذو الحاجتين و منهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم و يشغلهم فيما يصلحهم و الأمة من مسألته عنهم و إخبارهم بالذي ينبغي لهم و يقول لهم : ليبلغ الشاهد الغائب و ابلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده إلا ذلك و لا يقبل من أحد غيره يدخلون عليه روادا و لا يتفرقون إلا عن ذواق و يخرجون أدلة قال :
و سألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه
فقال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخزن لسانه إلا مما يعنيه و يؤلفهم و لا يفرقهم
أو قال : يتفرقهم شك أبو غسان و يكرم كريم كل قوم و يوليه عليهم
و يحذر الناس و يحترس منهم من غير أن يطوي على أحد بشره و لا خلقه و يتفقد أصحابه و يسأل الناس عما في الناس و يحسن الحسن و يقويه و يقبح القبيح و يوهيه معتدل الأمر غير مختلف لا يغفل مخافة أن يغلفوا أو يملوا لكل حال عنده عتاد لا يقصر من الحق و لا يجوزه الذين يلونه من الناس خيارهم أفضلهم عنده أعمهم نصيحة و أعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة و موازرة
قال : فسألته عن مجلسه
فقال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يجلس و لا يقوم إلا على ذكر و لا يوطن الأماكن و ينهى عن إيطانها و إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس و يأمر بذلك و يعطي كل جلسائه نصيبه لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه من جالسه أو قاومه في حاجة صابرة حتى يكون هو المنصرف من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول قد وسع الناس منه بسطه و خلقه فصار لهم أبا و صاروا في الحق سواء مجلسه مجلس حلم و حياء و صبر و أمانة لا ترفع فيه الأصوات و لا تؤبن فيه الحرم و لا تثنى فلتاته متعادلين متفاضلين فيه بالتقوى متواضعين يوقرون فيه الكبير و يرحمون فيه الصغير و يؤثرون ذا الحاجة و يحوطون أو قال : يحفظون فيه الغريب
قال : قلت : كيف كانت سيرته في جلسائه
قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ و لا غليظ و لا سخاب و لا فحاش و لا عياب و لا مداح يتغافل عمل لا يشتهي و لا يويس منه و لا يحبب فيه قد ترك نفسه من ثلاث : كان لا يذمر أحدا و لا يعيره و لا يطلب عورته و لا يتكلم إلا بما رجا ثوابه إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير و إذا سكت تكلموا و لا يتنازعوا عنده بشيء من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ حديثهم حديث أولهم يضحك مما يضحكون منه و يتعجب مما يتعجبون منه و يصبر للغريب على الجفوة في منطقه و مسألته حتى إذا كان أصحابه ليستجلبونهم و يقول : إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه و لا يقبل الثناء من مكافئ و لا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام
قال : قلت : كيف كان سكوته
قال : كان سكوت رسول الله صلى الله عليه و سلم على أربع الحلم و الحذر و التقدير و التفكير فأما تقديره ففي تسويته النظر و الاستماع بين الناس و أما تذكره أو قال تفكيره ففيما يبقى و يفنى و جمع له الحلم و الصبر فكان لا يغضبه شيء و لا يستفزه و جمع له الحذر في أربع :
أخذه بالحسنى ليقتدي به و تركه القبيح لينتهي عنه و اجتهاده في الرأي فيما هو أصلح لأمته و القيام لهم فيما جمع لهم الدنيا و الآخرة (2/154)
فصل في بيان النبي صلى الله عليه و سلم فصاحته ـ قال الحليمي رحمه الله : و هذا أشهر و أظهر من أن نحتاج إلى وصفه و لو لم يكن على ذلك دلالة سوى أن الله تعالى نصبه منصب البيان لكتابه فقال تعالى : { و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } ـ لكان كافيا فإنه لو لم يكن أتاه البيان لكتابه و لم يرق فيه إلى أعلى الدرجات لما رضيه ليبين كتابه و كشف عن معاني خطابه و قد جاء عنه صلى الله عليه و سلم أنه سئل عن سحائب مرت و ذكر الحديث الذي : (2/157)
1431 - أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد الفارسي أنا أبو عمرو بن مطر ثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ثنا يحيى بن معين ثنا عباد بن العوام ثنا موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث يعني التميمي عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في يوم دجن : كيف ترون بواسقها ؟ قالوا : ما أحسنها و أشد تراكمها قال : فكيف ترون قواعدها ؟ قالوا : ما أحسنها و أشد تمكنها قال : كيف ترون جونها ؟ قالوا : ما أحسنه و أشد سواده قال : فيكف ترون رحاها استدارت ؟ قالوا : نعم ما أحسنها و أشد استدارتها قال : كيف ترون برقها خفوا أو وميضا أم يشق شقا ؟ قالوا : بل يشق شقا قال : الحياء فقال له رجل يا رسول الله ما أفصحك ما رأينا الذي هو أعرب منك قال : حق لي و إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين قال أبو عبيد قوله قواعدها يعني قواعد السحاب و هي أصولها المعترضة و في آفاق السماء و إلى الأفق الآخر و الجون الأسود و قوله : رحاها فرحاها استدارة السحاب في السماء و الخفق هو الاعتراض من البرق في نواحي بجسم و الوميض أن يلمع قليلا ثمن يسكن و ليس له اعتراض و أما الذي يشق شقا فاستطارته في الجو إلى وسط السماء من غير أن يأخذ يمينا و شمالا و الحياء هو المطر الواسع الغزير (2/158)
1432 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو الحسن الكارزي ثنا علي بن عبد العزيز عن أبي عبيدة : فذكره (2/158)
1433 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة ثنا محمد بن الحسن الشيباني أبو جعفر ثنا العلاء بن عمرو الحنفي ثنا يحيى بن بريدة و محمد بن الفضل الخراساني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أحبوا العرب لأني عربي و القرآن عربي و كلام أهل الجنة عربي
قال الحليمي رحمه الله و إذا ما تتبع ما في كتبه و محاوراته من الألفاظ الجزلة وجدت كثيرة فمنها كتابه لوائل بن حجر الحضرمي من محمد رسول الله إلى الاقيال العباهلة من أهل حضرموت بإقام الصلاة و إيتاء الزكاة على التبعة شاة و النتمة لصاحبها و في السبوب الخمس لا خلاط و لا وراط و لا ساق و لا شغار و من أجبى فقد أربى و كل مسكر حرام (2/159)
1434 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أبو الحسن الكارزي أنا علي بن عبد العزيز عن أبي عبيدة ثنا سعيد بن عفير عن ابن لهيعة عن أشياخه من حضرموت يرفعونه قال : و حدثنيه يحيى بن بكير عن بقية بن الوليد بسنده قال أبو عبيد : الأقيال ملوك اليمن دون الملك الأعظم و العباهلة و التبعة الأربعون من الغنم و النتمة فقال : إنها الشاة الزائدة على الأربعين حتى يبلغ الفريضة الأخرى و يقال إنها الشاة تكون لصاحبها في منزله يحلبها و ليست بسائمة قال :
و قوله : لا خلاط و لا وراط لقوله لا يجمع بين المتفرق و لا يفرق بين مجتمع و الوراط الخديعة و الفتن و قوله : لا شغار لا يزوج الرجل أمته أو أخته الرجل على أن يزوجه الآخر أمته أو أخته على أن يضع كل واحد منهما صداق الأخرى (2/159)
1435 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد أبادي ثنا أبو قلابة ثنا محمد بن حجر الحضرمي ثنا سعد بن عبد الجبار عن أبيه عن وائل بن حجر : أن النبي صلى الله عليه و سلم كتب له كتابا و لا جنب و لا وراط و لا شغار في الإسلام و كل مسكر حرام
قال الحليمي رحمه الله : و له من الكتب الفصيحة ما هو موجود عند الفقهاء و الكتاب من أراد أن يزداد علما بفصاحه نبيه صلى الله عليه و سلم و بلاغته فلينظر فيها و ليتأملها و كان صلى الله عليه و سلم يقول أوتيت جوامع الكلم و اختصر لي الحديث اختصارا (2/160)
1436 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا محمد بن يونس ثنا شعيب بن بيان الصفار ثنا شعبة عن علي بن زيد عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أعطيت جوامع الكلم و اختصر لي الحديث اختصارا
قال البيهقي رحمه الله (2/160)
1437 - و روينا في الحديث الثابت عن ابن المسيب عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : بعثت بجوامع الكلم
و الظاهر أنه أراد به القرآن و على ذلك يدل سياق الحديث الذي عن عمر في ذلك و قد حمله الحليمي رحمه الله على كلام النبي صلى الله عليه و سلم و كلاهما محتمل فقد (2/160)
1438 - أخبرنا أبو علي الروذباري و أبو عبد الله بن برهان و أبو الحسين بن الفضل قالوا أنا إسماعيل بن محمد الصفار قال : ثنا الحسن بن عرفة ثنا هشيم بن بشير عن عبد الرحمن بن إسحاق القرشي عن أبي فروة عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أعطيت فواتح الكلام و خواتمه و جوامعه
فقلنا : يا رسول الله علمنا مما علمك الله فعلمنا التشهد في الصلاة قال الحليمي رحمه الله :
و يقال إن من جوامع الكلم قوله صلى الله عليه و سلم للذي سأله أن يعلمه ما يدعو به سل ربك اليقين و العافية
و ذلك أنه ليس شيء مما يعمل للآخرة يتقبل إلا باليقين و ليس شيء من أمر الدنيا يهيأ صاحبه إلا بالأمن و الصحة و فراغ القلب فجمع أمر الآخرة كله في كلمة واحدة و أمر الدنيا كله في كلمة أخرى (2/160)
1439 - أخبرناه أبو محمد بن يوسف الأصبهاني أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا الحسن بن محمد الصباح الزعفراني ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال : قال أبو بكر رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم في الصيف عام أول و العهد قريب يقول : سلوا اليقين و العافية (2/160)
1440 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسحاق التيمي الفاكهي بمكة ثنا أبو يحيى عبد الله بن أحمد بن زكريا بن أبي مسرة ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا حيوة بن شريح قال : سمعت عبد الملك بن الحارث يقول إن أبا هريرة قال : سمعت أبا بكر الصديق على المنبر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في هذا اليوم عام الأول و استعبر أبو بكر و بكى ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لم تؤتوا بعد كلمة الإخلاص مثل العافية فسلوا الله العافية
قال الحليمي رحمه الله :
و مما يدخل في حسن الجواب مع وجازة الكلام جوابه عن كتاب مسيلمة إليه إذ كتب
أما بعد فإني أشركت في الأمر معك فلي نصف الأرض و لك نصفها و لكن قريشا يعتدون
فكتب إليه
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب سلام على من ابتع الهدى أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين (2/161)
1441 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق : فذكره غير أنه قال : أما بعد فإني قد اشتركت في الأمر و إن لنا نصف الأمر و لقريش نصف الأمر و لكن قريش قوم يعتدون
ثم ذكر جواب النبي صلى الله عليه و سلم على ما كتب
قال الحليمي رحمه الله :
و من جوامع كلامه صلى الله عليه و سلم المسلمون تتكافأ دماؤهم و يسعى بذمتهم أدناهم و هو يد على من سواهم و لا يقتل مؤمن بكافر و لا ذو عهد في عهده
فإن كان فصل من فصول هذا الحديث إذا بسط اقتضى كلاما و شرحا طويلا
قال البيهقي رحمه الله :
و قد ذكرنا إسناده في كتاب الخراج من كتاب السنن و للنبي صلى الله عليه و سلم من هذا الجنس ألفاظ كثيرة لا يحتمل هذا الموضع أكثر من هذا (2/162)
1442 - أخبرنا أبو سعيد الخليل بن أحمد بن محمد القاضي البستي ثنا أبو العباس أحمد بن المظفر البكري أنا ابن أبي خيثمة ثنا أبي ثنا يزيد بن هارون أنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن عتيك عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من مات حتف أنفه ـ و إنها لكلمة ما سمعنا من أحد من العرب قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ فقد وقع أجره على الله عز و جل
قال البيهقي رحمه الله :
و له صلى الله عليه و سلم في هذا النوع ألفاظ لم يسبق إليها صلى الله عليه و سلم (2/162)
فصل في حدب النبي صلى الله عليه و سلم على أمته و رأفته بهم ـ قال الله عز و جل : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } (2/163)
1443 - و فيما أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي قال : قال الفارسي : انظر هل وصف الله عز و جل أحدا من عباده بهذا الوصف من الشفقة و الرحمة التي وصف بها حبيبه صلى الله عليه و سلم ألا تراه في القيامة إذا اشتغل الناس بأنفسهم كيف يدع حدث نفسه و يقول أمتي أمتي يرجع إلى الشفقة عليهم و يقول : إني أسلمت نفسي إليك فافعل بي ما شئت و لا تردني في شفاعتي في عبادك
و هذا الحديث الذي ورد في شفاعته يوم القيامة قد مضى ذكره في هذا الكتاب (2/163)
1444 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني أنا علي بن محمد بن عيسى ثنا أبو اليمان أخبرني شعيب عن الزهري حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لكل نبي دعوة فأريد أن اختبي دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة
رواه البخاري في الصحيح عن أبي اليمان و أخرجه مسلم من وجه آخر عن الزهري (2/163)
1445 - أخبرنا علي بن محمد بن بشران أنا أبو الحسن علي بن محمد المصري ثنا محمد بن زيد أن ابن سويد ثنا سلام بن سليمان أبو العباس الدمشقي ثنا شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : في قوله عز و جل :
{ و لسوف يعطيك ربك فترضى }
قال : رضاه أن يدخل أمته كلهم الجنة (2/164)
1446 - و روينا عن أبي صالح : عن النبي صلى الله عليه و سلم و قيل عنه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : إنما أنا رحمة مهداة (2/164)
1447 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن عبد الله بن الوليد عن عبد الله بن عبيد قال : لما كسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه و سلم و شج في جبهته فجعلت الدماء تسيل على وجهه قيل : يا رسول الله ادع الله عليهم فقال صلى الله عليه و سلم :
إن الله تعالى لم يبعثني طعانا و لا لعانا و لكن بعثني داعية و رحمة اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
هذا مرسل وقد (2/164)
1448 - حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا أحمد بن محمد بن عبدوس ثنا أبو منصور يحيى بن أحمد بن زياد الهروي ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
قال الحليمي رحمه الله :
و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه ضحى بكبشين فقال في أولهما : اللهم عن محمد و آل محمد و قال في آخرهما : اللهم عند محمد و من لم يضح من أمة محمد
و هذا أبلغ ما يكون من البر و الشفقة
و عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء و السواك عند كل صلاة
قال : و امتنع من الخروج في اللية الثالثة من رمضان لما كثر الناس و قال : قد رأيت الذي صنعتم و لم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيب عليكم أن تفرض عليكم
قال الحليمي رحمه الله :
المعنى خفت أن تفرض عليكم فلا ترعوا حق رعايته فصيروا في استحباب الذم أسوة من قبلكم و هذا كله رأفة و رحمة صلى الله عليه و سلم و جزاه عنا أفضل الجزاء رسولا و نبيا عن أمته و سمى الله تعالى نبينا صلى الله عليه و سلم في كتابه : { سراجا منيرا }
و ذلك على أنه أخرج الناس به من ظلمات الكفر إلى نور الهدى و التبيان كما قال عز و جل :
{ كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور }
ثم ساق الحليمي رحمه الله الكلام إلى أن قال : و إذا تأمل العاقل مواقع الخيرات التي ساقها الله تعالى إلى عبادة بالنبي صلى الله عليه و سلم في الدنيا و ما هو سائقه إليهم بفضله من شفاعته لهم في الآخرة علم أنه لا حق بعد حقوق الله تعالى أوجب من حق النبي صلى الله عليه و سلم و بسط في ذلك (2/164)
فصل في زهد النبي صلى الله عليه و سلم و صبره على شدائد الدينا ـ و ذلك لأن الله تعالى كان قد اختار له ذلك و وصاه به فقال تعالى : { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى } الآية و روي عنه ما يعني ما : (2/166)
1449 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا إسماعيل بن أحمد التاجر أنا أبو يعلى ثنا زهير بن حرب ثنا عمر بن يونس ثنا عكرمة بن عمار حدثني أبو زميل سماك الحنفي حدثني عبد الله بن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال : لما اعتزل النبي صلى الله عليه و سلم نسائه فذكر الحديث إلى أن قال :
فدخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو مضطجع على حصير فجلست فأدنى عليه إزاره و ليس عليه غيره و إذا الحصير قد أثر في جنبه فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع و مثلها قرظا في ناحية الغرفة و إذا إهاب معلق قال : فابتدرت عيناي فقال : ما يبكيك يا ابن الخطاب ؟
قلت : يا نبي الله و مالي لا أبكي و هذا الحصير قد أثر في جنبك و هذا خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى و ذاك قيصر و كسرى في الثمار و الأنهار و أنت رسول الله و صفوته و هذه خزانتك
فقال : يا ابن الخطاب أما ترضى أن تكون لنا الآخرة و لهم الدنيا
قلت : بلى
رواه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب (2/166)
1450 - أخبرنا أبو حسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان نا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ثنا عبد الله بن معاوية الجمحي ثنا ثابت بن يزيد ثنا هلال يعني ابن حباب عن عكرمة عن ابن عباس قال : دخل عمر بن الخطاب على النبي صلى الله عليه و سلم و هو على الحصير و قد أثر في جنبه فقال : يا رسول الله لو اتخذت فراشا أوثر من هذا
فقال : ما لي و الدنيا و ما للدنيا و مالي و الذي نفسي بيده ما مثلي و مثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح و تركها (2/166)
1451 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو سعيد بن الأعرابي أخبرني يحيى بن أبي طالب ثنا شبابة بن سوار ثنا يحيى بن إسماعيل بن سالم الأسدي قال : سمعت الشعبي عن ابن عمر أنه قال : إن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه و سلم فخيره بين الدنيا و الآخرة فاختار الآخرة و لم يرد الدنيا (2/167)
1452 - و روينا عن ابن عباس رضي الله عنه : أن الله تبارك و تعالى أرسل إلى نبيه صلى الله عليه و سلم بين أن يكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا فأشار إليه جبريل عليه السلام أن تواضع فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بل عبدا نبيا (2/167)
1453 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا علي بن عبد الرحمن بن ماتي السبيعي ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة أنا ثابت بن محمد العابد ثنا الحارث بن النعمان الليثي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم احيني مسكينا و أمتني مسكينا و احشرني في زمرة المساكين يوم القيامة
فقالت عائشة رضي الله عنها : لم يا رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟
قال : لأنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا يا عائشة لا تردي المساكين و لو بشق تمرة يا عائشة احبي المساكين و قربيهم فإن الله تعالى يقربك يوم القيامة
قال البيهقي رحمه الله :
و أصح من هذا الإسناد إسناد في معناه ما : (2/167)
1454 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا ابن عفان يعني الحسن بن علي بن عفان ثنا أبو أسامة عن الأعمش عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا
رواه مسلم في الصحيح عن الأشج عن أبي أسامة أخرجاه من حديث محمد بن فضيل عن أبيه عن عمارة (2/168)
1455 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو الفضل بن إبراهيم ثنا أحمد بن سلمة ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : ما شبع آل محمد صلى الله عليه و سلم منذ قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة من طعام بر ثلاثة أيام تباعا حتى مضى
أخرجاه في الصحيح من حديث جرير (2/168)
1456 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن جعفر القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا يحيى ثنا هشام بن عروة أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان يأتي على آل محمد صلى الله عليه و سلم الشهر ما يوقدون فيه نارا ليس إلا التمر و الماء إلا أن يؤتى باللحم
رواه البخاري عن محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد القطان
و أخرجه مسلم من وجه آخر عن هشام دون ذكر اللحم فيه
و فيه من الزيادة ذكر بعثه من حولهم من دور الأنصار نسائهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان له من ذلك اللبن (2/168)
1457 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي ثنا محمد بن إبراهيم بأجنادين ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو ثنا عبد الوارث ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال : ما أكل رسول الله صلى الله عليه و سلم على خوان حتى مات و لا أكل خبزا مرققا حتى مات صلى الله عليه و سلم
رواه البخاري في الصحيح عن أبي معمر (2/169)
1458 - أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عيبد الله الحرفي ببغداد أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ثنا إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي ثنا الحسن بن موسى ثنا شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة عن أنس قال : دعي النبي صلى الله عليه و سلم إلى خبز الشعير و إهالة سنخة و لقد سمعته ذات غداة يقول و الذي نفس محمد بيده ما أصبح عند آل محمد صاع حب و لا صاع تمر و إن له يومئذ تسع نسوة
و لقد رهن درعا له عند يهودي بالمدينة أخذ منه صاعا ما وجد ما يفتكه (2/169)
1459 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه ثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال البزار ثنا أحمد بن منصور المروزي ثنا النضر بن شميل أنا هشام بن عروة أخبرني أبي عن عائشة قالت : كان فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم من أدم و حشوه من ليف
أخرجاه من الصحيح (2/169)
1460 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن علي الآدمي بمكة ثنا إسحاق بن إبراهيم أنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب عن حميد بن هلال عن أبي بردة قال : دخلت على عائشة رضي الله عنها فأخرجت إلينا إزارا غليظا و كساء ملبدا فقالت : في هذا قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق (2/170)
1461 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو بكر بن الحسن قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو عتبة ثنا قتيبة و ثنا سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي البجير و كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أصاب يوما النبي صلى الله عليه و سلم الجوع فوضع على بطنه حجرا ثم قال : ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا جائعة عارية يوم القيامة ألا يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا طاعمة ناعمة يوم القيامة ألا يا رب مكرم لنفسه و هو لها مهين ألا يا رب مهين لنفسه و هو لها مكرم ألا يا رب متخوض و متنعم فيما أفاء الله على رسوله
ما له عند الله من خلاق ألا و إن عمل الجنة حزن بربوة
ألا و إن عمل النار سهلة بسهوة ألا يا رب شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا قال السهوة : اللينة التربة (2/170)
1462 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أحمد بن الحسن قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني أنا مسلم بن إبراهيم ثنا أبان ثنا قتادة ثنا أنس : أن نبي الله صلى الله عليه و سلم لم يجتمع له غداء و لا عشاء من خبز و لحم إلا على ضعف يعني جماعة
قال البيهقي رحمه الله :
هكذا وجدت التفسير في الحديث لا أدري من قاله و قد قال أبو عبيد يقول : لم يأكل وحده و لكن مع الناس
قال أحمد بن يحيى : الضفف أن يكون الأكلة أكثر من مقدار الطعام
و الحفف أن يكون بمقداره و قيل الضفف الضيق و الشدة تقول :
لم يجتمع له و ذلك إلا بضيق و شدة (2/170)
1463 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عثمان قال : و أنا أبو سعيد ثنا ابن أبي مسرة ثنا الحميدي قالا : ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار و معمر بن راشد عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه و سلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل و لا ركاب و كانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم خالصة و كان ينفق منها على أهله نفقة سنة و ما بقي جعله في الكراع و السلاح عدة في سبيل الله تعالى
أخرجاه في الصحيح (2/171)
1464 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصغار ثنا إسماعيل بن الفضل البلخي و جعفر بن محمد قالا : ثنا قتيبة بن سعيد ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدخر شيئا لغد (2/171)
1465 - أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن شبانة بهمدان ثنا أبو العباس الفضل بن الفضل الكندي أنا أحمد بن الحسن الصوفي ثنا يحيى بن معين ثنا مروان بن معاوية ثنا هلال بن سويد قال : سمعت أنسا يذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم أهدي له ثلاثة طوائر فأطعم خادمه طائرا فلما كان من الغد أتاه به فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ألم أنهك أن تخبئ شيئا لغد إن الله يأتي برزق كل يوم (2/172)
1466 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد بن بلال البزار ثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ثنا مفضل بن صالح الأسدي عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن مسروق بن الأجدع عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
اطعمنا يا بلال قال : يا رسول الله ما عندي إلا صبر من تمر خبأته لك قال : أما تخشى أن يخسف الله به نار جهنم انفق يا بلال و لا تخشى من ذي العرش إقلالا (2/172)
1467 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي ثنا سليمان بن محمد بن ناجية المديني ثنا أبو عمرو أحمد بن المبارك المستملي أبو خالد الفراء ثنا عبد الله بن المبارك عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
عرض علي ربي أن يجعل بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب و لكن أشبع يوما و أجوع يوما فإذا جعت تضرعت و إذا شبعت حمدتك و ذكرتك (2/172)
1468 - أخبرنا أبو علي الروذباري في الفوائد أنا أبو علي إسماعيل بن الصفار قراءة عليه في شوال سنة تسع و ثلاثين و ثلاثماية نا الحسن بن عرفة بن يزيد ثنا عباد بن عباد المهلبي عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت : دخلت علي امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم قطيفة مثنية فانطلقت فبعثت إلي بفراش حشوه الصوف فدخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ما هذا يا عائشة
قالت : قلت يا رسول الله فلانة الأنصارية دخلت علي فرأت فراشك فذهبت فبعثت إلي بهذا فقال : رديه يا عائشة فو الله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب و الفضة (2/173)
1469 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا أبو عمرو بن السماك قال : قال القاسم بن منبه سمعت بشرا يقول : قالت عائشة رضي الله عنها : لو شئنا أن نشبع شبعنا و لكن محمدا صلى الله عليه و سلم كان يؤثر على نفسه (2/173)
1470 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو الحسن الطرايفي ح
و أخبرنا جامع بن أحمد أبو الخير الوكيل أنا أبو طاهر المحمد أبادي قالا : ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا إبراهيم بن المنذر الحرامي ثنا بكر بن سليم الصواف عن أبي طوالة عن أنس بن مالك قال : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إني أحبك قال : فاستعد للفاقة (2/173)
1471 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي إملاء ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي ثنا سعيد بن سليمان ثنا شداد بن سعيد عن أبي الوازع عن عبد الله بن مغفل قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إني لأحبك قال : انظر إن كنت صادقا فأعد للفقر تجفافا فالفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه (2/173)
1472 - قال البيهقي رحمه الله :
و كذلك رواه جماعة عن شداد أبي طلحة الراسبي تفرد به : ـ (2/174)
1473 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو عبد الرحمن السلمي قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا بحر بن نصر ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي سعيد : أن أبا سعيد الخدري شكا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حاجته فقال : اصبر أبا سعيد فإن الفقر إلى من يحبني أسرع من السيل في أعلى الوادي يهوي من أعلى الجبل إلى أسفله
هذا مرسل (2/174)
1474 - و روي في هذا المعنى عن أبي ذر : أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إني أحبكم أهل البيت (2/174)
1475 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو محمد حاجب بن أحمد الطوسي ثنا محمد بن حماد الأبيوردي ثنا محمد بن الفضل عن عبد الله بن سعيد المقبري عن جده عن أبي هريرة قال : جاء رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله ما لي أرى ( ) فانطلق الأنصاري إلى رحله فلم يجد فيه شيئا فخرج يطلب فإذا هو بيهودي يسقي نخلا له فقال الأنصاري لليهودي : اسقي لك قال : نعم كل دلو ثمرة و شرط عليه الأنصاري أن لا يأخذ منه حرره و لا بادرة و لا حشفة و لا يأخذ إلا جيده فاستقى له نحو من صاعين تمرا فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : من أين لك هذا فأخبره الأنصاري و كان يسأل عن الشيء إذا أتى به فأرسل إلى نسائه بصاع و أكل هو و أصحابه صاعا و قال الأنصاري : أتحبني قال : زعم و الذي بعثك بالحق لأحبك
قال : إن كنت تحبني فأعد للبلاء تجفافا فو الذي نفس بيده للبلاء أسرع إلى من يحبني من الماء الجري من قلة الجبل إلى حضيض الأرض ثم قال :
اللهم فمن أحبني فارزقه العفاف و الكفاف و من أبغضني فأكثر ماله و ولده
عبد الله بن سعيد غير قوي في الحديث (2/174)
1476 - أخبرنا أبو سعد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي ثنا محمد بن بشر بن يوسف و عبد الصمد بن عبد الله الدمشقيان قال : ثنا هشام بن عمار ثنا عمرو بن واقد أبو حفص حدثني يونس بن ميسرة بن حلبس عن أبي إدريس الخولاني عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم من آمن بي و صدقني و شهد أن ما جئت به الحق من عندك فأقل ماله و ولده و عجل قبضه
اللهم و من لم يؤمن بي و لم يصدقني و لم يشهد أني ما جئت به هو الحق من عندك فأكثر ماله و ولده و أطل عمره
تفرد بإسناده هذا عمرو بن واقد (2/175)
1477 - و روي مثل هذا عن عمرو بن غيلان الثقفي : عن النبي صلى الله عليه و سلم فإن صح شيء من هذه الأحاديث فإنما هو زهادته صلى الله عليه و سلم في الدنيا و اختياره الآخرة على الأولى لعلمه بمعائب الدنيا فلم يرضها لنفسه و لا لمن يحبه من أمته أعادنا الله من فتنة الدنيا و عذاب الآخرة برحمته (2/175)
1478 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة ثنا الإمام أبو سهل محمد بن سليمان إملاء حدثني أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ثنا قتيبة بن سعيد أبو رجاء الثقفي ثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن ثابت عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يدخر شيئا لغد قال أبو نصر : قال الإمام أبو سهل رحمه الله :
فإن قال قائل كان النبي صلى الله عليه و سلم يرجع إلى ( ) و مفرش و كان بعد للجميع ما يعده و كان له الدرع و السيف و القوس و الفرس و البغل و الحمار و كان ينبذ له بالعشي فيشربه بالغداة و كان ينبذ له بالغداة فيشربه بالعشي و كان يحبس لنسائه قوت سنة مما أفاء الله عز و جل عليه و كل هذا ادخار فكيف نسلم على هذه الأخبار هذا الخبر المأثور قال الأستاذ أبو سهل رحمه الله :
الرواية صحيحة و على حكم الدراية مستقيمة و التنافي على هذه الرواية منصرف و وجه ذلك أنه كان يتعامل فيما بينه و بين مولاه على حسن الظن و الانتظار دون الحبس و الادخار و كان لا يحجز لنفسه ليومه من أمسه ( ) فإنما يعدها لدينه لا على تفاعلها لعده و هكذا آلات الحرب كان يحبسها لنصر الأولياء و كتب الأعداء على حكم الاستعمال مما تصدق به في حياته و لهذا قال : إنا لا نورث ما تركناه صدقة و أما ما كان ينبذ له فإنما نساؤه كن ينبذن له ما صار في ملكهن و يدهن تمليكا و تمويلا منه لهن ( ) إنه لم يكن يدخر شيئا ( ) كان احتبس عنده شيء و لا على نية الغد و لكن ( ) و تصرفه في نائبة من نوائب الدين و قيل لا يدخر ملكا بل يدخر تملكا و قيل لم يكن يدخر على أمل البقاء إلى غد (2/175)
فصل في براءة نبينا صلى الله عليه و سلم في النبوة ـ قال الحليمي رحمه الله : فمنها أنه كان رسول الثقلين أما الإنس فإن الله عز و جل قال : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا } و أمره أن يقول : { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } ـ و أما الجن فإن الله عز و جل يقول : { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا } ـ قرأ إلى قوله : { ويجركم من عذاب أليم } و قال { قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن } فقرأ إلى قوله : { و لن نشرك بربنا أحدا } ـ فبان بقولهم : يا قومنا أجيبوا داعي الله أنهم عرفوا أنه مبعوث إليهم و سمعوا دعوته إياه و الذين لم يحضروا من جملتهم فلذلك قالوا ( يا قومنا أجيبوا داعي الله و آمنوا به ) قالوا : آمنا به (2/176)
1479 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا هشيم ثنا سيار ثنا يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة و بعثت إلى كل أحمر و أسود و أحلت لي الغنائم و لم تحل لأحد قبلي و جعلت لي الأرض طيبا و طهورا أو مسجد فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان و نصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر و أعطيت الشفاعة (2/177)
1480 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن يعقوب ثنا جعفر بن محمد بن الحسين ثنا يحيى بن يحيى أنا هشيم : فذكره بإسناده نحوه و رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن سنان عن هشيم و رواه مسلم عن يحيى بن يحيى (2/177)
1481 - و روينا عن مجاهد أنه قال : أسود و الأحمر يعني الجن و الأنس (2/177)
1482 - و روينا عن ابن عباس : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : بعثت إلى الجن و الإنس
و منها : ـ أنه صلى الله عليه و سلم كان خاتم النبيين قال الله عز و جل :
{ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين }
و الخاتم الذي لا نبي بعده كما ليس بعد خاتمة الأمر من شيء و ليس بعد ختم الكتاب نشر و ليس بعد ختم الكيس إخراج شيء منه (2/177)
1483 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : و قال أبو القاسم صلى الله عليه و سلم مثلي و مثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابنتي بيتا فحسنها و أجملها و أكملها إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها فجعل الناس يطوفون و يعجبهم البنيان فيقولون ألا وضعت ههنا فيتم بناؤك فقال محمد صلى الله عليه و سلم ( فأنا اللبنة )
رواه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق و أخرجاه من حديث أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم ( و أنا موضع اللبنة و أنا خاتم النبيين ) (2/178)
1484 - و أخرجاه من حديث جابر بن عبد الله : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : فأنا موضع اللبنة جئت فحكمته البناء و في رواية فختمت الأنبياء
و قد أخرجنا ذلك في الرابع من كتاب دلائل النبوة (2/178)
1485 - أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ثنا محمود بن محمد بن منصور ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا محمود بن مرزوق أنا سليم بن حيان ثنا سعيد بن مينا عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
مثلي في الأنبياء مثل رجل بنى دارا فأحكمها إلا موضع لبنة قال : فكان رجلا دخل فقال : ما أحسنها إلا موضع هذه اللبنة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
فأنا موضع اللبنة فختم بي الأنبياء و منها : أنه صلى الله عليه و سلم كان سيد المرسلين (2/178)
1486 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الربيع بن سليمان ثنا بشر بن بكر ثنا الأوزاعي
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن سفيان ثنا الحكم بن موسى ثنا هقل بن زياد عن الأوزاعي حدثني أبو عمار حدثني عبد الله بن فروح حدثني أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا سيد ولد آدم يوم القيامة و أول من ينشق عنه القبر و أول شافع و أول مشفع و في رواية بشر : أنا سيد بني آدم و قال : تنشق عنه الأرض
رواه مسلم في الصحيح عن الحكم بن موسى
قال الحليمي رحمه الله :
و لأن شرف الرسول صلى الله عليه و سلم بالرسالة و نبينا خص بأشرف الرسالات فإنها نسخت ما تقدمها من الرسالات و لا يأتي بعدها رسالة تنسخها و إلى هذا المعنى أشار ربنا عز و جل فيما وصف به كتابه إذ قال : { وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } فقيل معناه : ليس فيما تقدمه يكذبه و لا يأتي بعده ما يوقفه و في هذا ما دل على أن هذه الرسالة أفضل الرسالات فصح أن المرسل بها أفضل الرسل و الله أعلم
و منها : أن الله تعالى أقسم بحياته و معقول أن من أقسم بحياة غيره فإنما يقسم بحياة أكرم الأحياء عليه فلما خص الله نبينا صلى الله عليه و سلم من بني البشر بأن أقسم بحياته فقال : { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } بأنه أفضلهم و أكرمهم و أقسامه بالتين و الزيتون و طور سنين و غير ذلك يدل على فضله على من يدخل في أعداده كذلك إقسامه بحياة محمد صلى الله عليه و سلم يدل على فضله على من يدخل من عداده و منها : أن الله تعالى جمع له بين إنزال الملك عليه و إصعاده إلى مساكن الملائكة و بين إسماع كلام الملك و آرائه إياه في صورته التي خلقه عليها و جمع له بين إخباره عن الجنة و النار و إطلاعه عليهما فصار العلم له واقعا بالعالمين و دار التكليف و دار الجزاء عيانا و بسط الكلام فيه و هذا بين في الأحاديث التي ذكرناها في معراج النبي صلى الله عليه و سلم و هي في الحادي عشر و الثاني عشر من كتاب دلائل النبوة و منها : أن من ينزل عليك الملك كرامة له إذا كان أفضل ممن لم ينزل عليه و حسب أن يكون من ينزل عليه فيتجاوز مكالمته إلى مقاتلة المشركين عنه حتى يظفره الله عليهم أفضل ممن لا يكون من الملك إلا إبلاغ الرسالة إياه ثم الانصراف عنه و معلوم أن هذا لم يكن إلا لنبينا صلى الله عليه و سلم فينبغي أن يكون لذلك أفضل الأنبياء صلى الله عليهم و قد ذكرنا نزول الملائكة لقتال المشركين يوم بدر في كتاب دلائل النبوة و هو في كتاب الله مذكور فإن عورض هذا بسجود الملائكة لآدم عليه السلام فالسجود كان لله عز و جل عند خلق آدم و الذي يدل عليه الحديث الذي : (2/178)
1487 - أخبرنا أبو القاسم زيد بن أبي هاشم العلوي بالكوفة أنا أبو جعفر بن دحيم ثنا إبراهيم بن عبد الله أنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو أبي سعيد شك الأعمش قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي و يقول يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة و أمرت بالسجود فعصيت فلي النار
رواه مسلم في الصحيح عن زهير عن وكيع و معلوم أن ابن آدم إنما أمر بالسجود لله عز و جل لا لغيره فدل ذلك على أن السجود الذي أمر به الشيطان من جنس ما أمر به ابن آدم و هو السجود لله عز و جل و لكن عند خلق آدم إعظاما لقدرة الله عز و جل الذي أظهرها لهم بخلقه إياه
و قال : و إن كان السجود من الملائكة لآدم عليه السلام فقد يحتمل أن ذلك إنما كان عقوبة لهم على قولهم لله عز و جل :
{ أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء }
فوجد الكرامة له فيه و ليس يخلص من عرض العقوبة لهم
و أما قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه و سلم فإنها كرامة خالصة عرضه الله لها بفضله دلالة على نفاسة قدره و عظيم منزلته و لأن الأفضل من يفضله الله يوم القيامة و يكرمه بما لا يكرم به غيره و قد جاء من نبينا الصادق صلى الله عليه و سلم ما ذكرناه في كتاب البعث و غيره من شفاعته يوم القيامة لأهل الجمع ثم لأمته (2/180)
1488 - أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي ببغداد ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم البزار ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا هدبة بن خالد ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة قال : سمعت ابن عباس يخطب على منبر البصرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لم يكن نبي إلا له دعوة يتنجزها في الدنيا و إني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة و أنا سيد ولد آدم و لا فخر و أول من تنشق عنه الأرض و لا فخر و بيدي لواء الحمد و آدم و من دونه تحت لوائي و لا فخر (2/180)
1489 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا يونس بن محمد ثنا الليث بن سعد عن يزيد بن المهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : إني أول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامة و لا فخر و أعطى لواء الحمد و لا فخر و أنا سيد الناس يوم القيامة و لا فخر و أنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة و لا فخر
ثم ذكر حديث الشفاعة بطوله
قال البيهقي رحمه الله :
و مضى قوله و لا فخر أي و لا أقوله متطاولا و لا ممتدحا به على أحد و لم يرد أنه لا فخر له فيه فإن له فخر أعظم الفخر صلى الله عليه و سلم
و منها : أنه صلى الله عليه و سلم في الدنيا أكثر الأنبياء أعلاما و معلوم أن أقل الإعلام إذا كان يوجب الفضيلة فإن كثرة الإعلام توجب لصاحبها اسم الأفضل و قد ذكر الحليمي رحمه الله من أعلام المصطفى صلى الله عليه و سلم و آياته و دلالات صدقه أخبارا كثيرة قد ذكرناها بأسانيدها في كتاب دلائل النبوة من أرادها رجع إليه بتوفيق الله عز و جل
قال : و مما يدل على فضل نبينا صلى الله عليه و سلم أن الله جل ثناؤه لم يخاطبه في القرآن قط إلا بالنبي أو الرسول و لم يناده باسمه فقال :
يا أيها النبي يا أيها الرسول و أما سائر الأنبياء عليهم السلام فإنه دعاهم بأسمائهم فقال تعالى :
{ يا آدم اسكن أنت و زوجك الجنة } و قال :
{ يا آدم أنبئهم بأسمائهم } و قال :
{ يا نوح إنه ليس من أهلك } و قال :
{ يا إبراهيم أعرض عن هذا } و قال :
{ يوسف أعرض عن هذا } و قال :
{ يا موسى إني أنا الله } و قال :
{ يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله }
و بسط الكلام في هذا و مما يدل على فضله صلى الله عليه و سلم ما ورد به الخبر من أن آدم عليه السلام تكنى في الجنة أبا محمد فلولا أنه أفضل النبيين لما خص عند القصد إلى أن يكنى باسم أحدهم اسم نبينا صلى الله عليه و سلم تكنى به دون اسم غيره و في تخصيصه بذلك و ما دل على أنه أفضلهم ( ) بأن يجعل آدم عليه السلام بأن يدعى أباه و الله أعلم (2/181)
1490 - أخبرنا أبو عبد الله و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس الأصم ثنا أبو أسامة الحسين بن الربيع عن أبي إسحاق الفزاري عن حميد الطويل عن أنس بن مالك : { فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون * أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون }
قال : أكرم الله عز و جل نبيه صلى الله عليه و سلم أن يسؤه في أمته فرفعه إليه و بقيت النعمة (2/182)
1491 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا علي بن عيسى ثنا الحسين بن محمد بن زياد بن محمود بن خداش ثنا الفضيل بن عياض عن النضر بن عربي عن مجاهد عن ابن عباس قال : كان في هذه الأمة أمانان رسول الله صلى الله عليه و سلم و الاستغفار فذهب أمان يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم و بقي أمان يعني الاستغفار
قال البيهقي رحمه الله : و قول الله عز و جل : { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض } يدل على تفضيل بعضهم على بعض و قول النبي صلى الله عليه و سلم : لا تفضلوا بين أنبياء الله و قوله : لا تخيروا بين أنبياء الله إنما هو في محاولة أهل الكتاب على معنى الإزراء ببعضهم فإنه ربما أدى ذلك إلى فساد الاعتقاد فيهم و الإقلال الواجب من حقوقهم أما إذا كانت المخايرة من مسلم يريد الوقوف على الأفضل منهم فليس هذا بنهي عنه و الله أعلم
و قوله : لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى
فإنما أراد و الله أعلم من سواه من الناس دون نفسه أو ذهب في ذلك مذهب التواضع لربه و الهضم لنفسه و كذلك في قوله :
حين قال : يا خير البرية ذاك إبراهيم عليه السلام
و كان لا يحب المبالغة في الثناء عليه تواضعا لربه و كان يقول : لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله و رسوله
و قد تكلمنا على هذا في الجزء التاسع و الثلاثين من كتاب دلائل النبوة بأكثر من هذا
و أما اتخاذ الله إبراهيم خليلا فإنه إنما اتخذه خليلا على من كان في عصره من أعداء الله عز و جل لا على غيره من النبيين و هو أنه هداه إلى معرفته و وقفه لتوحيده حين كان الكفر طبق الأرض
و لم يكن في الدنيا نسمة تعرف الله و تعرف به غيره فاتخذه خليلا بأن جعله أهلا لهدايته أولا ثم بأن أمره و نهاه فظهرت منه الطاعة ثانيا ثم بأن ابتلاه فوجد منه الصبر ثالثا فكان يومئذ خليله و أهل الأرض كلهم أعداؤه لأنه كان المطيع و الناس غيره عصاة و قد اتخذ محمد صلى الله عليه و سلم حبيبا بدلالة الكتاب و هو قول عز و جل : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } فإذا كان اتباعه يفيد للمتبع محبة الله عز و جل فالمتبع بها يكون أولى و دجة المحبة فوق درجة الخلة و قد تكلم أهل العلم في الفرق بين الحبيب و الخليل بكلام كثير و هو في كتب أهل التذكير مذكور (2/182)
1492 - سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول : سمعت أبا جعفر الملطي يقول عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد : في قوله عز و جل : { و اتخذ الله إبراهيم خليلا }
قال : أظهر اسم الخلة لإبراهيم عليه السلان لأن الملك ظاهر في المعنى و أبقى اسم المحبة لمحمد صلى الله عليه و سلم لتمام حاله إذ لا يحب الحبيب إظهار حال حبيبه بل يجب إخفاءه و ستره لئلا يطلع عليه أحد سواه و لا يدخل أحد بينهما فقال لنبيه و صفية محمد صلى الله عليه و سلم لما أظهر له حال المحبة
{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }
أي ليس الطريق إلى محبة الله إلا اتباع حبيبه و لا يتوصل إلى الحبيب بشيء أحسن من متابعة حبيببه ذلك رضاه (2/184)
1493 - قال أبو عبد الرحمن السلمي الحبيب : يوجب اتباعه اسم المحبة لذلك لم يوقع عليه هذا الاسم فإن حاله أجل من أن يعبر عنه بالمحبة لأن متبعيه استحقوا هذا الاسم بمتابعته ألا ترى الله عز و جل يقول : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }
و الخليل لا يوجب اتباعه لذلك أطلق له اسم الخلة
قال : و الحبيب يقسم به لقوله { لعمرك } و الخليل يقسم لقوله : { و تالله لأكيدن أصنامكم } و الحبيب يبدأ بالعطاء من غير سؤال لقوله : { ألم نشرح لك صدرك } و الخليل يسأل لقوله : { رب اجعلني مقيم الصلاة و من ذريتي } و الحبيب مجاب إلى مراده لقوله { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها } و الخليل إنما لا يجاب ألا تراه قال : { و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } و الحبيب شافع ألا تراه على عز ربه حين يقول له ارفع رأسك و سل تعطه و اشفع تشفع و الخليل مشفوع فيه ألا تراه في القيامة إذا التجأ إليه الخلق كيف يقول لست لها و الحبيب أزيل عنه الروعة من المشهد الأعلى بالكرم من المعراج لما يجيء من مقام الشفاعة فلم يرعه شيء لما تقدم من مشاهدة فيفرغ للشفاعة لأهل الجمع عامة ثم لأمته خاصة فقال أمتي أمتي و الخليل لم يزل عنه لذلك فرجع من وقت تنفس جهنم و زفيرها إلى قوله نفسي نفسي (2/184)
1494 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين الحسيني نا أبو محمد الحسن بن حمشاد العدل ( ح )
و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو محمد الحسن بن محمد بن سختويه قالا : ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل نا ابن أبي مريم أنا مسلمة بن علي الخشني حدثني زيد بن واقد عن القاسم بن مخيمرة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اتخذ الله إبراهيم خليلا و موسى نجيا و اتخذني حبيبا ثم قال و عزتي و جلالي لأؤثرن حبيب على خليلي و نجيبي
و مسلمة بن علي هذا ضعيف عند أهل الحديث (2/185)
1495 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد بن بلال ثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يقوم حتى تورم قدماه فقيل يا رسول الله أتصنع هذا و قد جاءك من الله أن قد غفر لك من ذنبك ما تقدم و ما تأخر قال : أفلا أكون عبدا شكورا (2/185)
1496 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالوية الحلاب
و أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي أنا أبو جعفر عبد الله بن إسماعيل الهاشمي ببغداد قالا : ثنا محمد بشر بن مطر ثنا نصر بن حريش الصامت ثنا المشمعل بن ملحان الطائي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لما نزلت هذه الآية { إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } قال حتى انتفخت قدماه و تعبد حتى صار كالشرك البالي فقالوا : يا رسول الله تفعل هذا و قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر ؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا
و في رواية عبد الله فهلا أكون عبدا شكورا (2/185)
1496 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن مالويه الحلاب ح
و أخبرنا أبو بكر بن الحسن القاضي أنا أبو جعفر عبد الله بن إسماعيل الهاشمي ببغداد قالا ثنا محمد بشر بن مطر ثنا نمر بن حريش الصامت ثنا المشمعل بن ملحان الطائي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لما نزلت هذه الآية :
{ إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } قام حتى انتفخت قدماه و تعبد حتى صار كالشرك البالي فقالوا : يا رسول الله تفعل هذا و قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر قال : أفلا أكون عبدا شكورا
و في رواية عبد الله فهلا أكون عبدا شكورا (2/186)
1497 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنا الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي ثنا أبو يحيى عن أبي مسرة ثنا خلاد بن يحيى ثنا محمد بن زياد السكري ثنا ميمون بن مهران عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم أول ما أنزل عليه الوحي كان يقوم على صدر قدميه فأنزل الله عز و جل : { طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } (2/186)
1498 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة و أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي قالا : ثنا أبو عمرو بن مطر ثنا إبراهيم بن علي ثنا يحيى بن يحيى أنا جعفر بن سليمان عن هشام عن الحسن عن بعض أصحابه أنه قال : إن كانت العبادة لتأخذ من رسول الله صلى الله عليه و سلم الأحايين حتى ما يشبه به إلا الشن البالي
قال الحليمي رحمه الله :
و إذا ظهر أن حب رسول الله صلى الله عليه و سلم من الإيمان و بيننا ما جمع الله له من المحامد و المحاسن التي هي الدواعي إلى محبته و محبة اعتقاد مدائحه و فضائله و الاعتراف له بها بالولوع بذكرها و إكثار الصلوات عليه و لزوم طاعته و الحض على إظهار دعوته و إقامة شريعته و التسبب إلى استحقاق شفاعته و بالفرح بالكون من أمته و مستحبي دعوته و إدمان التلاوة للقرآن الناطق بحجته فمن فعل ما ذكرناه و ما يتصل به من أمثاله فقد أحبه (2/186)
1499 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا أبو القاسم الطبراني أنا حفص بن عمر ثنا قبيصة ( ح )
و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الحسين علي بن عبد الرحمن بن عيسى السبيعي بالكوفة ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة ثنا قبيصة بن عقبة ثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا ذهب ربع الليل قام فقال : يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموث بما فيه جاء الموت بما فيه
فقال له أبي بن كعب : يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم اجعل لك منها
قال : ما شئت قال : رب قال : ما شئت و إن زدت فهو خير
قال : النصف قال : ما شئت و إن زدت فهو خير
قال : ثلثين قال : ما شئت و إن زدت فهو خير
قال : يا رسول الله اجعلها كلها لك قال : إذا تكفي همك و يغفر لك ذنبك
هذا اللفظ حديث أبي عبد الله و لم يذكر ابن عبدان في روايته الربع و الثلثين و قال في آخره قلت : اجعل دعائي كله صلاة عليك قال :
إذا يكفيك الله ما همك و يغفر لك (2/187)
1500 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه ثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف ثنا محمد بن يوسف قال : ذكر سفيان عن منصور بن صفية قال : مر النبي صلى الله عليه و سلم برجل و هو يقول الحمد لله الذي هداني للإسلام و جعلني من أمة أحمد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : شكرت عظيما
و مر برجل و هو يقول : يا أرحم الراحمين
فقال : قد أقبل عليك فسل
قال البيهقي رحمه الله :
و دخل في جملة محبته صلى الله عليه و سلم حب آله و هم أقرباؤه الذين حرمت عليهم الصدقة و أوجبت لهم الخمس لمكانهما منه (2/188)
1501 - فقد ذكرنا في كتاب الفضائل في قصة العباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله و لقرابتي (2/188)
1502 - و قد مضى في حديث ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : و أحبوا أهل بيتي لحبي و يدخل في اسم هذا البيت أزواجه قال الله عز و جل :
{ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء } لأنهن من نساء العالمين في الفضيلة ثم ساق الكلام إلى قوله { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا } و الظاهر أنه أرادهن بذلك و إنما قال عنكم خص الذكور لأنه أراد دخول غيرهن معهن في ذلك ثم أضاف البيوت إليهن فقال : { و اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة }
و جعلهن أمهات المؤمنين فقال : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم }
و جعل حرمة الزوجية بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم باقية ما بقين فقال : { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا }
فعلينا من حفظ حقوقهن بعد ذهابهن بالصلاة عليهن و الاستغفار لهن و ذكر مدائحهن و حسن الثناء عليهن ما على الأولاد في أمهاتهن اللائي و لدنهم و أكثر لمكانتهن من رسول الله صلى الله عليه و سلم و زهادة معظمهن على غيرهن من نساء هذه الأمة (2/188)
1503 - و قد روينا عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك قال : قولوا اللهم صل على محمد و أزواجه و ذريته كما صليت على إبراهيم و بارك على محمد و أزواجه و ذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد (2/189)
1504 - و قال في حديث أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه و سلم من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذ صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صل على محمد النبي و أزواجه أمهات المؤمنين و ذريته كما صليت على إبراهيم إنك أنت حميد مجيد وقد ذكرنا ذلك مع ما ورد في فضلهن في كتاب الفضائل (2/189)
1505 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ( ح )
و أخبرنا أحمد بن أبي العباس الزوزني ثنا أبو بكر بن خنب ثنا أبو بكر محمد بن سليمان الباغندي قالا : ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى ثنا سعيد بن عمرو السكوني عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي ليلى قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه و تكون عترتي أحب إليه من عترته و ذايت أحب إليه من ذاته و يكون أهلي أحب إليه من أهله
و يدخل في جملة حب النبي صلى الله عليه و سلم حب أصحابه لأن الله عز و جل أثنى عليهم و مدحهم فقال : { محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم }
و قال : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا }
و قال : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه }
و قال : { والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين اووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم }
فإذا انزلوا هذه المنزلة استحقوا على جماعة المسلمين أن يحبوهم و يتقربوا إلى الله عز و دجل بمحبتهم لأن الله تعالى إذا رضي عن أحد أحبه و واجب على العبد أن يحب من يحبه مولاه (2/189)
1506 - و روينا عن عمر بن الخطاب : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : اكرموا أصحابي (2/189)
1507 - و في رواية أخرى : احفظوني في أصحابي (2/189)
1508 - و في حديث أبي سعيد الخدري : عن النبي صلى الله عليه و سلم لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم و لا نصيفه و لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله و اليوم الآخر
أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمويه العسكري ثنا جعفر بن محمد القلانسي ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شعبة
و أخبرنا أبو عبد الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا وهب بن جرير ثنا شعبة عن الأعمش قال : سمعت ذكوان يحدث عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فذكره و الحديث على لفظ رواية آدم و رواه البخاري في الصحيح عن آدم و رواه مسلم من وجه آخر عن شعبة (2/190)
1509 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنا عبد الله بن عمر بن أحمد بن علي بن شوذب المقري بواسط ثنا أحمد بن سنان ثنا وهب بن جرير ثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في الأنصار : لا يحبهم إلا مؤمن و لا يبغضهم إلا منافق من أحبهم أحب الله و من أبغضهم أبغضه الله
أخرجاه في الصحيح من حديث شعبة (2/190)
1510 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه ثنا محمد بن أيوب أنا أبو الوليد ثنا شعبة حدثني عبد الله بن عبد الله بن جبير سمع أنس بن مالك : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : آية الإيمان حب الأنصار و آية النفاق بغض الأنصار
رواه البخاري في الصحيح عن أبي الوليد و أخرجه مسلم من وجه آخر عن شعبة (2/191)
1511 - حدثنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا علي بن سعيد الفسوي ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا عبيدة بن أبي رائطة الكوفي عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن معقل المزني قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا من بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم و من أبغضهم فببغضي أبغضهم و من آذاهم فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله و من آذى الله يوشك أن يأخذه
و قد ذكرنا شواهده في كتاب الفضائل (2/191)
1512 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري أنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب بن إبراهيم ثنا أبو الربيع و محمد بن أبي بكر و اللفظ لأبي الربيع قالا : ثنا حماد بن زيد ثنا ثابت عن أنس بن مالك قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله متى الساعة ؟ فقال : و ماذا أعددت للساعة قال : حب الله و رسوله قال : فإنك مع من أحببت قال أنس : ما فرحت بعد الإسلام أشد فرحا من قول النبي صلى الله عليه و سلم : فإنك مع من أحببت قال أنس : فأنا أحب الله و رسوله و أبا بكر و عمر و أرجو أن أكون معهم و إن لم أعمل بأعمالهم
و قال محمد في حديثه : و إن كنت لا أعمل بأعمالهم
و قال مسلم في الصحيح عن أبي الربيع و رواه البخاري عن سليمان بن حرب عن حماد قال البيهقي رحمه الله :
و إذا ظهر أن حب الصحابة من الإيمان فحبهم أن يعتقد فضائلهم و يعترف لهم بها و يعرف لكل ذي حق منهم حقه و لكل ذي غنا في الإسلام منهم غناه و لكل ذي منزله عند رسول الله صلى الله عليه و سلم منزلته و ينشر محاسنهم و يدعو بالخير لهم و يقتدي بما جاء في أبواب الدين عنهم و لا يتبع دلاتهم و هفواتهم و تعمد تخير أحد منهم ببنيه ( ) عنه و يسكت عما لا تقع ضرورة إلى الخوض فيه مما كان بينهم
و بالله التوفيق (2/191)
1513 - حدثنا أحمد بن الحسن الحيري ثنا أبو العباس الأصم عن محمد بن علي بن ميمون الرقي ثنا أبو سعيد الثعلبي عن أبي بكر بن عياش : في أوصاف أهل السنة و الجماعة و من كف عن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فيما اختلفوا فيه فلم يذكر أحد منهم إلا بخير (2/191)
الخامس عشر من شعب الإيمان و هو باب في تعظيم النبي صلى الله عليه و سلمو إجلاله و توقيره صلى الله عليه و سلم و هذه منزلة فوق المحبة لأنه ليس كل محب معظما إلا أن الوالد يجب ولده و لكن حبه إياه يدعوه إلى تكريمه و لا يدعوه إلى تعظيمة و الولد محب والده اجمع له بين التكريم و التعظيم و السيد قد يحب ممالكيه و لكن لا يعظمهم و المماليك يحبون ساداتهم و يعظمونهم فعلمنا بذلك أن التعظيم رتبة فوق المحبة و الداعي إلى المحبة ما يفيض عن المحب على المحب من الخيرات و الداعي إلى التعظيم ما يحب المعظم في نفسه من الصفات العلية و يتعلق به من حاجات المعظم التي لا قضاء لها إلا عنده و يلزمه من سنته التي لا قوام له بشذها و إن جدد و اجتهد و بسط الحليمي رحمه الله الكلام في ( ) هذه الجملة ثم قال : فمعلوم أن حقوق رسول الله صلى الله عليه و سلم أجل و أعظم و أكرم و ألزم لنا و أوجب علمنا من حقوق السادات على مماليكهم و الآباء على أولادهم لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة و عصم به لنا أرواحنا و أبداننا و أعراضنا و أموالنا و أهلينا و أولادنا في العاجلة و هدانا له قالوا أطعناه أوانا إلى جنات النعيم فأية نعمة توازي هذه النعم و آية منه إلى هذا الشيء ثم إنه جل ثناؤه ألزمنا طاعته و توعدنا على معصيته بالنار و وعدنا بأتباعه الجنة فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة و أي درجة تساوي في العمل هذه الدرجة فحق عليتا إذا أن نحبه و نجله و نعظمه و نهيبه أكثر من إجلال كل عبد سيده و كل ولد والده و بمثل هذا نطق الكتاب و وردت أوامر الله جل ثناؤه قال الله عز و جل { فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون } فأخبر أن الفلاح إنما يكون جمع إلى الإيمان به تعزيره و لا خلاف في أن التعزير ههنا التعظيم و قال : { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه } فأبان أن حق رسول الله صلى الله عليه و سلم في أمته أن يكون معززا موقرا مهيبا و لا يعامل بالاسترسال و المباسطة كما يعامل الأكفاء بعضهم بعضا قال الله عز و جل : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } فقيل في معناه لا تجعلوا دعائه إياكم كدعاء بعضكم بعضا فتؤخروا إجابته بالأعذار و العلل التي يؤخر بها بعضكم إجابة بعض و لكن عظموه بسرعة الإجابة و معاجلة الطاعة و لم يجعل الصلاة لهم عذرا في التخلف عن الإجابة إذا دعا أحدهم و هو يصلي إعلاما لهم بأن الصلاة إذا لم تكن عذرا يستباح به تأخير الإجابة فما دونها من معاني أعذارا بعد ذلك و ذكر حديث أبي بن كعب رضي الله عنه كما (2/193)
1514 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى ثنا الفضل بن محمد الشعراني ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا محمد بن سلمة ثنا محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه و سلم نادى أبي بن كعب و هو قائم يصلي فلم يجبه فقال : ما منعك أن تجيبني يا أبي ؟ فقال : كنت أصلي
فقال : ألم يقل الله تبارك و تعالى : { استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم }
لا تخرج من المسجد حتى أعلمك سورة ما أنزل الله في التوراة و الإنجيل و الزبور مثلها قال : أبي ثم اتكأ على يدي حتى إذا كان بأقصى المسجد قلت : يا نبي الله قلت كذا و كذا قال : نعم هي أم القرآن و الذي نفس بيده ما أنزل الله في التوراة و الإنجيل و الزبور مثلها و إنها السبع الطوال التي أوتيت و إنها القرآن العظيم
و قد روى هذا في حديث أبي سعيد بن المعلى
قال الحليمي رحمه الله :
و قيل معنى الآية لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا و ذلك أنه لما كان ينادونه على اسم أعرابيهم فيقولون له يا محمد يا أبا القاسم فنهوا عن ذلك و أمروا أن يعظوه فيقولوا يا رسول الله و يا نبي الله و كل واحد من الأمرين إجلال تعظيم ا هـ (2/194)
1515 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنا الحسن بن رشيق أجازة قال : ذكر زكريا الساجي قال : قال الحسين بن علي سمعت الشافعي يقول : يكره للرجل أن يقول الرسول و لكن يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تعظيما له
ثم ذكر الحليمي رحمه الله :
الآيات التي وردت في لزوم طاعته ثم الآيات التي وردت في تحريم نكاح أزواجه من بعده ثم ذكر قول الله عز و جل :
{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله و رسوله و اتقوا الله إن الله سميع عليم } و ما بعده من الآيات وقد (2/194)
1516 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا آدم بن أبي إياس ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : ـ { لا تقدموا بين يدي الله و رسوله } قال : لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم بشيء حتى يقضيه الله على لسانه
و في قوله : { و لا تجهروا له بالقول } يقولا : لا تنادوه باسمه نداء و لكن قولوا قولا لينا يا رسول الله
و في قوله : { أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } أخلص الله قلوبهم
و قوله : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات } يعني إعراب بني تيم (2/195)
1517 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو محمد الكعبي ثنا إسماعيل بن قتيبة ثنا يزيد بن صالح ثنا بكر بن معروف عن مقاتل بن حيان قال : بلغنا و الله أعلم في قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله و رسوله }
يعني بذلك في شأن القتال و ما يكون من شرائع دينهم يقول لا تقضوا في ذلك بشيء إلا بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث سرية و استعمل عليهم منذر بن عمرو الأنصاري فذكر قصة قال بني عامر لتلك السرية و هم أصحاب بئر معونة و رجوع ثلاثة إلى المدينة و أنهم لقوا رجلين من بني سليم جائين من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : من أنتما ؟ فاعتربا إلى بني عامر فقال ( ) إخواننا فقتلوهما فأتوا النبي صلى الله عليه و سلم فأخبروه الخير فكره النبي صلى الله عليه و سلم قتلها فنزلت هذه الآية يقول لا تقطعوا دونه أمرا و لا تعجلوا و قوله :
{ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي }
نزلت في ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري كان إذا جالس النبي صلى الله عليه و سلم يرفع صوته إذا تكلم فلما نزلت هذه الآية انطلق مهموما حزينا فمكث في بيته أياما يخاف أن يكون قد حبط عمله و كان سعد بن عبادة جاره فانطلق حتى أتى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره بذلك فقال له النبي صلى الله عليه و سلم اذهب فأخبر ثابت بن قيس أنك لم تعن بهذه الآية و لست من أهل النار بل أنت من أهل الجنة فاخرج إليه فاخرج إلينا فتعاهدنا ففرح ثابت بذلك ثم أتى النبي صلى الله عليه و سلم فلما أبصره النبي صلى الله عليه و سلم قال : مرحبا برجل زعم أنه من أهل النار بل غيرك من أهل النار و أنت من أهل الجنة فكان بعد ذلك إذا جلس إلى النبي صلى الله عليه و سلم يخفض صوته حتى ما يكاد يسمع الذي يليه فنزلت فيه :
{ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم }
و كان فيهم عيينة بن حصن الفزاري (2/196)
1518 - و قد روينا هذا التفسير عن مقاتل بن سليمان : أبسط من هذا (2/197)
1519 - و بمعناه ذكره الكلبي فيما رواه عن أبي صالح عن ابن عباس : و أتم من ذلك (2/197)
1520 - و روينا عن أبي هريرة أن أبا بكر رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية قال : و الذي أنزل عليك يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله عز و جل (2/197)
1521 - أخبرنا هلال بن محمد بن جعفر ثنا الحسين بن يحيى بن عياش ثنا إبراهيم بن محشر ثنا عباد بن العوام ثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال لما نزلت : ـ { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي }
قال أبو بكر رضي الله عنه لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله عز و جل (2/197)
1522 - و روينا عن الزبير قال : كان عمر بعد ذلك إذا حدث عند النبي صلى الله عليه و سلم حدثه كأخي السرار لا يسمعه حتى يستفهمه (2/197)
1523 - أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن شجاع بن الحسن الصوفي في جامع المنصوري أنا أبو بكر محمد بن جعفر الأنباري ثنا محمد بن أحمد الرياحي ثنا عبد الله بن بكر ثنا حاتم بن أبي صغيرة
و أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو حامد بن بلال حدثنا أبو الأزهر ثنا يحيى بن أبي الحجاج عن حاتم بن أبي صغيرة عن عمرو بن دينار عن أبي كريب عن ابن عباس قال : قام رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل قال : فقمت و توضأت أصلي خلفه فأخذ بيد فجعلني حذاءه فخنست فقمت خلفه فانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :
ما لي كلما جعلتك حادئي خنست قال : فقلت له لا ينبغي لأحد أن يصلي حذاك و أنت رسول الله قال : فدعا الله يزيدني فهما و علما
هذا لفظ حديث الفقية و رواه الصوفي بمعناه غير أنه قال في آخره : لا ينبغي لأحد أن يصلي حذاك و أنت رسول الله الذي أعطاك الله فأعجبته فدعا الله أن يزيدني فهما و علما
و ذكر الحليمي رحمه : قول الله عز و جل :
{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه } إلى آخر الآية
و بسط الكلام في الاحتجاج بالآية في توقير النبي صلى الله عليه و سلم و تعظيمه
و ذكر قول الله عز و جل : { و إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها و تركوك قائما } و ما فيه من التوبيخ على ما كان منهم من انفضاضهم قال :
ثم إن المخاطبين بهذه الآية من الصحابة انتهوا إلى العمل بهذا و بلغوا في تعظيم النبي صلى الله عليه و سلم ما عرفوا به بعض حقه
و ذكر حديث عبد الله بن مسعود و هو فيما (2/197)
1524 - أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير القاضي بالكوفة ثنا أبو جعفر بن دحيم ثنا حازم ثنا أبو بكر و عثمان قالا : ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة بن عبد الله قال : لما كان يوم بدر فذكر الحديث في الأسارى و ذكر قول عمر في قتلهم فقال ابن مسعود :
قلت : يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم فما رأيتني في يوم بدر أخوف أن يقع علي حجارة من السماء مني في ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إلا سهيل بن بيضاء
و ذكر حديث عروة بن مسعود الثقفي و هو فيما (2/197)
1525 - أخبرنا أبو عمرو الأديب ثنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرني الحسن بن سفيان ثنا محمد بن يحيى ثنا عبد الرزاق قال : قال معمر قال الزهري : أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم : فذكروا قصة الحديبية
و ما كان من عروة بن مسعود الثقفي قالا : ثم جعل عروة يرمق بالحجارة صحابة النبي صلى الله عليه و سلم فو الله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه و سلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه و جلده و إذا تكلم خفضوا أصواتهم و إذا أمرهم ابتدروا أمره و إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه و إذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده و ما يحدون إليه النظر تعظيما له قال : فرجع عروة لأصحابه فقال : أي قوم و الله لقد وفدت على الملوك وفدت على قيصر و كسرى و النجاشي و الله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه تعظيم أصحاب محمد و الله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه و جلده فإذا أمرهم ابتدروا أمره و إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه و إذا تكلموا خفضوا أصواتهم و ما يحدون إليه النظر تعظيما له (2/199)
1526 - و روينا في حديث بريدة قال : كنا إذا قعدنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم لم نرفع رؤوسنا إليه تعظيما له (2/199)
1527 - و روينا في حديث البراء بن عازب : في قصة الجنازة قال : فجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم و جلسنا حوله كأن على رؤوسنا طير و قد ذكرنا إسنادهما في آخر كتاب المدخل (2/199)
1528 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله بن السماك ثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي ثنا سعيد بن عامر قال ثنا شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و عنده أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير فسلمت و قعدت قال : فجاءت الأعراب و قالوا : يا رسول الله علينا حرج في كذا أشياء لا بأس بها قال :
عباد الله وضع الله الحرج إلا امرأ أقرض امرأ مسلما ظلما فذلك الذي حرج و هلك
قالوا : يا رسول الله ما خير ما أعطي الناس قال : خلق حسن
قالوا : يا رسول الله : نتداوى قال : تداووا فإن الله لم يضع داء في الأرض إلا وضع له دواء إلا الهرم قال : فكان هذا الشيخ يقول : هل تعلمون لي من دواء قال : ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و قام الناس فجعلوا يقبلون يده فأخذتها فوضعتها على وجهي فإذا هي أطيب من المسك و أبرد من البرد (2/200)
1529 - أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله الحرفي ببغداد ثنا أحمد ببن سليمان الفقيه ثنا إسماعيل بن إسحاق قال : ثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه عنده و كأن على رؤوسهم الطير فقال : يا أيها الناس تداووا فإن الله عز و جل لم ينزل داء إلا و أنزل له دواء زاد غيره إلا الهرم
قيل : يا رسول الله ما خير ما أعطي الناس قال : خلق حسن (2/200)
1530 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا مالك بن إسماعيل ثنا المطلب بن زياد قال : حدثني أبو بكر بن عبد الله الأصبهاني عن محمد بن مالك بن المنتصر عن أنس : أن أبواب النبي صلى الله عليه و سلم كانت تقرع بالأظافير (2/200)
1531 - حدثنا أبو محمد بن يوسف أنا دعلج بن أحمد السجزي ثنا موسى بن هارون ثنا شيبان بن فروخ ثنا جرير بن حازم ثنا عبد المالك بن عمير عن أياد بن لقيط عن أبي رمثة قال : قدمت المدينة و لم أكن رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج و عليه ثوبان أخضران فقلت لأبي : هذا و الله رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل أبي يرتعد هيبة رسول الله صلى الله عليه و سلم (2/201)
1532 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ غير مرة أنا أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه ثنا أبو علي صالح بن محمد بن حبيب الحافظ ثنا سعيد بن سليمان ثنا عبد بن العوام عن ابن عون عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك : أن النبي صلى الله عليه و سلم لما حلق شعره يوم النحر تفرق الناس فأخذوا شعره فأخذ أبو طلحة منه طائفة قال ابن سيرين :
لأن يكون عندي منه شعرة أحب إلي من الدنيا و ما فيها رواه البخاري في الصحيح عن أبي يحيى عن سعيد بن سليمان (2/201)
1533 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و محمد بن موسى قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن علي ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا الحسن بن أبي جعفر ثنا أبو جعفر الأنصاري عن الحارث بن الفضل أو ابن الفضل عن عبد الرحمن بن أبي قراد : أن النبي صلى الله عليه و سلم توضأ يوما فجعل أصحابه يتمسحون بوضوئه فقال لهم النبي صلى الله عليه و سلم : و ما حملكم على هذا ؟
قالوا : حب الله و رسوله
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : من سره أن يحب الله و رسوله أو يحبه الله و رسوله فليصدق حديثه إذا حدث و ليؤد أمانته إذا ائتمن و ليحسن جوار من جاوره (2/201)
1534 - و روينا عن الزهري حدثني من لا أتهم من الأنصار : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا توضأ أو تنخم ابتدروا نخامته فمسحوا بها وجوههم و جلودهم فقال : لم تفعلون هذا ؟ قالوا : تلتمس به البركة
ثم ذكر معنى ما في هذا الحديث (2/201)
1535 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن محمد بن سلمة ثنا عثمان بن سعيد ثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبان بن يزيد ثنا يحيى بن أبي كثير أن أبا سلمة حدثه أن محمد بن عبد الله بن زيد حدثه : أن أباه شهد النبي صلى الله عليه و سلم عند المنحر هو و رجل من الأنصار قال : فحلق رسول الله صلى الله عليه و سلم رأسه في ثوبه فأعطاه فقسم منه على رجال و قلم أظفاره فأعطاه صاحبه فإنه عندنا لمخضوب بالحناء و الكتم
و هكذا رواه حبان بن هلال عن أبان مرسلا
و رواه البخاري في كتاب التاريخ عن موسى بن إسماعيل و قال في آخر الخضاب منهم خضبناه لكل لا يتغير و لم يذكر قلم الظفر (2/202)
1536 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو محمد المقرئ قالا : ثنا أبو العباس هو الأصم ثنا الخضر بن أبان ثنا سيار ثنا جعفر يعني ابن سليمان ثنا ثابت البناني قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يوما توضأ و بإزاء النبي صلى الله عليه و سلم غلام فمج النبي صلى الله عليه و سلم فتلقى الغلام مجة النبي صلى الله عليه و سلم فشربها فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
اللهم إن عبدك يترضاك فارض عنه (2/202)
1537 - و بهذا الإسناد ثنا ثابت البناني قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا جلس تحدث فخلع نعليه فخلعها يوما و جلس يتحدث فلما قضى حديثه قال لغلام من الأنصار :
يا بني ناولني نعلي فقال غلام من الأنصار : دعني فلا نعلك قال : شأنك فافعل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم إن عبدك يتحبب إليك فأحبه (2/202)
1538 - قال البيهقي رحمه الله : و حديث النعل قد أسنده عمرو بن خليفة عن أبي زيد عن ثابت عن أنس أخرجناه في باب توقير الكبير
قال الحليمي رحمه الله :
فهذا كان من الذين رزقوا مشاهدته فأما اليوم فإن تعظيمه زيارته و من تعظيمه تعظيم حرمه و هو المدينة و إكرام أهلها و منها :
قطع الكلام إذا جرى ذكره أو يروي بعض ما جاء عنه و ضرب السمع و القلب إليه ثم الإذعان و النزول عليه و التوقي من معارضته و ضرب الأمثال له
قال الإمام أحمد البيهقي رحمه الله :
و قد ذكرنا في هذا المعنى حديث ابن عمرو بن مغفل و غيرهما في كتاب المدخل (2/203)
1539 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير قال : كنت عند عبد الله بن مغفل حذف عنده رجل من قومه فقال : لا تحذفن فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عنه و قال إنه لا يصطاد بها صيدا و لا يقتل بها عدوا و لكنها تكسر السن و تفقأ العين قال : فلم ينتهي الرجل فقال : أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نهى عنها و لم تنته لا أكلمك كلمة أبدا (2/203)
1540 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا محمد بن عمر الحذاف ثنا أحمد بن سلمة ثنا إسحاق بن إبراهيم أنا عيسى بن يونس ثنا الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر : عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل فقال بعض بنيه : و الله لا نأذن لهم يتخذونه دغلا
فقال ابن عمر : فعل الله بك و فعل أقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و تقول لا تأذن لهن
رواه مسلم في الصحيح عن علي بن خشرم عن عيسى (2/203)
1541 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق ثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رجاء قال : ثنا عفان بن مسلم ح
قال : و أنا أبو عبد الله بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء أنا أبو النعمان محمد بن الفضل قالا : أنا حماد بن سلمة عن ثابت عن كنانة بن نعيم العدوي عن أبي برزة الأسلمي : أن جليبيبا كان امرأ من الأنصار و كان يدخل على النساء و يتحدث إليهن قال أبو برزة :
فقلت لامرأتي : اتقوا لا تدخلن عليكم جلبيبا قال : و كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا كان لأحدهم أيم لم يزوجها حتى يعلم هل لرسول الله صلى الله عليه و سلم فيها حاجة أم لا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم لرجل من الأنصار : يا فلان زوجني ابنتك قال : نعم و نعمة عين
قال : إني لست لنفسي أريدها قال : فمن ؟ قال : لجلبييب قال : يا رسول الله حتى استأمر أمها فأتاها فقال إن رسول الله حتى استأمر أمها فأتاها فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب ابنتك قالت : نعم و نعمة عين فزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : إنه ليس لنفسه يريدها قالت : فلمن ؟ قال : لجليبيب
قالت : حلقى الجليبيب إنيه لا لعمر الله
زوج جليبيا فلما قام أبوها ليأتي النبي صلى الله عليه و سلم قالت الفتاة من خدرها : من خطبني إليكما ؟ قالا : رسول الله صلى الله عليه و سلم
قالت : أتردون على رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره ادفعوني إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنه لن يضيعني فذهب أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : شأنك فيها
فزوجها جليبيا قال إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة لثابت : هل تدري ما دعا لها رسول الله صلى الله عليه و سلم به ؟ قال : و ما دعا لها به ؟
قال : اللهم صب عليها الخير صبا صبا و لا تجعل عيشها كدا كدا
قال ثابت : فزوجها إياه قال : فبينما رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزاة له فأفاء الله عليه فقال : هل تفقدون من أحد ؟ قالوا : تفقد فلانا و فلانا و نفقد فلانا ثم قال : هل تفقدون من أحد ؟ قالوا : لا
قال : لكني أفقد جليبيا فاطلبوه في القتلى فنظروا في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قتل سبعة ثم قتلوه هذا مني و أنا منه
يقولها مرارا فوضعه رسول الله صلى الله عليه و سلم على ساعده ماله سرير إلا ساعدي رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى وضعه في قبره
قال ثابت : فما كان من الأنصار أيم أنفق منها
أخرج مسلم آخر هذا الحديث عن إسحاق بن عمر بن سليط عن معاذ و الجميع صحيح على شرطه (2/204)
1542 - و روينا : في الحديث الثابت الصحيح عن فاطمة بنت قيس حين خطبها رسول الله صلى الله عليه و سلم لأسامة بن زيد فكرهته فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : طاعة الله و طاعة رسوله خيرا لك
قالت : أنكحته فجعل الله فيه خيرا و اغتبطت به
و في رواية أخرى قالت : فشرفني الله بابن زيد و أكرمني
و في رواية أخرى فبورك لي فيه
و في رواية فبارك الله لي في أسامة (2/205)
1543 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ثنا ابن ناجية ثنا عبد الأعلى بن حماد ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد : أن مصعب بن الزبير هم بعريف الأنصار أن يقتله فدخل عليه أنس بن مالك فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
استوصوا بالأنصار خيرا أو معروفا فاقبلوا من محسنهم و تجاوزوا عن مسيئهم قال : فنزل مصعب عن سريره على بساطه فالزق جلده أو قال جلدا أو قال قعد و قال : أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم على الرأس و العينين أمر النبي صلى الله عليه و سلم على الرأس و العينين و خلى سبيله (2/206)
1544 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو جعفر أحمد بن عبيد بن إبراهيم الحافظ بهمدان ثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل ثنا إسحاق بن محمد القروي قال : سمعت مالكا بن أنس يقول : كنا ندخل على أيوب بن أبي تميمة السختياني فإذا ذكر له حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم بكى حتى نرحمه (2/206)
1545 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا زكريا العنبري يقول : سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول : سمعت محمد بن يحيى يقول : سمعت أبا الوليد يقول : و الله إنه لعظيم عند الله عز و جل أن يكون في الباب عن النبي صلى الله عليه و سلم حديث ثم يكون بعده عن بعض التابعين خلافه
قال : و سمعت الوليد و حدث بحديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه و سلم فقلت ما رأيك ؟
قال : ليس لي مع النبي صلى الله عليه و سلم رأي
قال : و منه ألا ترفع الأصوات عند قبره و لا يحاضر عنده في لهو و لا لغو و لا باطل و لا شيء من أمر الدنيا مما لا يليق بجلال قدره و مكانته من الله عز و جل (2/206)
1546 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل ثنا جدي ثنا سليمان بن حرب قال : كان حماد بن زيد : يحدث ذات يوم فتكلم رجل بشيء فغضب حماد و قال : يقول الله عز و جل :
{ لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } و أنا أقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و أنت تتكلم
و منه : الصلاة و التسليم عليه كما جرى ذكره
قال الله عز و جل : { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما }
أمر الله تعالى عباده أن يصلوا عليه و يسلموا بعد إخبارهم بأن ملائكته يصلون عليه لينبهم بذلك على ما فيها من الفضل إذا كانت الملائكة مع انفكاكهم من شريعته تتقرب إلى الله تعالى بالصلاة و التسليم عليه أولى و أحق (2/206)
1547 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ( ح ) و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا يحيى بن منصور القاضي ثنا محمد بن عبد السلام الوراق ثنا يحيى بن يحيى قال :
قرأت على مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري و هو عبد الله بن زيد هذا الذي كان أرى النداء بالصلاة أخبره عن أبي مسعود الأنصاري قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه و سلم و نحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بني سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك ؟ فقال : فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
قولوا اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم و بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد و السلام كما قد علمتم
لفظ حديث يحيى بن يحيى رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى (2/206)
1548 - و رواه كعب بن عجزة : عن النبي صلى الله عليه و سلم و هو مخرج في الصحيحين (2/206)
1549 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا السري بن خزيمة ثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك ( ح )
و أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن الحسن المهرجاني أنا أبو بكر محمد بن جعفر المزكي ثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي ثنا يحيى بن بكير ثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي أنه قال :
أخبرنا أبو حميد الساعدي أنهم قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
قولوا اللهم صل على محمد و أزواجه و ذريته كما صليت على آل إبراهيم و بارك على محمد و أزواجه و ذريته كما باركت على على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (2/208)
1550 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب عن الحسن بن علي بن عفان ثنا زيد بن الحباب عن المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة مولى جعدة بن هبيرة المخزومي عن الأسود بن يزيد قال : قال لنا ابن مسعود : إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قلنا : يا أبا عبد الرحمن فعلمنا قال : قولوا اللهم اجعل صلواتك و رحمتك على سيد المرسلين و إمام المتقين و خاتم النبيين محمد عبدك و رسولك إمام الخير و قائد الخير و رسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا الذي يغبطه به الأولون و الآخرون اللهم صل على محمد و آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (2/208)
1551 - و قد روينا من وجه صحيح في حديث كعب بن عجرة : عن النبي صلى الله عليه و سلم في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم مثل ما (2/208)
1552 - روينا عن ابن مسعود : من قوله اللهم صل على محمد إلى آخره و ذكر فيه إبراهيم و آل و إبراهيم و هو و إن لم يذكر في بعض طرق هذه الأحاديث فهو دخل فيه لقول الله تعالى :
{ أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } و فرعون داخل فيه مع آله ؟
و ذكر الحليمي رحمه الله في معنى هذا التشبيه أن الله عز و جل أخبر أن الملائكة قالت في بيت إبراهيم مخاطبة لسارة رحمة الله و بركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد و قد علمنا أن نبينا صلى الله عليه و سلم من أهل بيت إبراهيم و كذلك آله كلهم فمعنى قولنا اللهم صل أو بارك على محمد و على آل محمد كما صليت أو باركت على إبراهيم و آل إبراهيم قال إبراهيم : أي أجب دعاء ملائكتك الذين دعوا لآل إبراهيم فقالوا : رحمة الله و بركاته عليكم أهل البيت و في محمد و آل محمد كما أجبته في الموجودين كانوا يومئذ من أهل بيت إبراهيم فإنه و آله من أهل بيته أيضا لذلك يختم هذا الدعاء بأن يقول إنك حميد مجيد فإن الملائكة ختمت دعائها بقولهم إنك حميد مجيد
قال الإمام البيهقي رحمه الله :
و قد ذكرنا سائر ما ورد في كيفية الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم في فضل الصلاة و السلام عليه في كتاب الدعوات و السنن فمن أراد الوقوف عليها رجع إليها إن شاء الله تعالى و نحن نذكر ها هنا طرفا منها ترغيبا إليها و بالله التوفيق (2/209)
1553 - أخبرنا أبو علي الروذباري أنا أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا سليمان بن داود العتكي ثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشرا
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث إسماعيل (2/209)
1554 - أخبرنا أبو حسين بن بشران ثنا أحمد بن سلمان النجاد ثنا الحسن بن مكرم ثنا شبابة بن سوار ثنا يونس بن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي مريم قال : سمعت أنس بن مالك يقول : عن النبي صلى الله عليه و سلم : من صلى علي صلي صلى الله عليه عشر صلوات و حطت عنه عشر خطيئات و رفع له عشر درجات (2/210)
1555 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا أبو إسماعيل الترمذي محمد بن إسماعيل ثنا إبراهيم بن حمزة ثنا حاتم بن إسماعيل عن محمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع حدثني ابن أبي سندر السلمي عن مولى عبد الرحمن بن عوف قال : قال عبد الرحمن كنت قائما في رحبة المسجد فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم خارجا من الباب الذي يلي المقبرة قال : فلبثت مليا ثم خرجت على أثره فرأيته قد دخل حائطا من الأسواق فتوضأ ثم صلى ركعتين فسجد سجدة أطال السجود فيها فلما تشهد رسول الله صلى الله عليه و سلم تبدأت له فقلت له : بأبي أنت و أمي حين سجدت أشفقت أن الله قد توفاك من طولها فقال : إن جبريل عليه السلام بشرني أنه من صلى علي صلى الله عليه و من سلم علي سلم الله عليه (2/210)
1556 - و قد رويناه من وجه آخر عن محمد بن جبير عن عبد الرحمن و من وجه آخر عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن : و لم يذكر فيه الركعتين بل ذكر السجود فقط و زاد عبد الواحد في حديثه فسجدت لله شكرا (2/210)
1557 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا حاجب بن أحمد الطوسي ثنا أبو عبد الرحمن المروزي ثنا عبد الله بن المبارك ( ح )
و أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن مكرم ثنا عبد الرحمن بن عمر قالا : ثنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم عن عبد الله بن عامر ربيعة عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى علي فليقل عبد من ذلك أو ليكثر
هكذا رواه جماعة عن شعبة و رواه يزيد بن هارون عن شعبة بهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه و سلم : من صلى علي صلاة صلى الله بها عشرا فليكثر علي عبد من الصلاة أو ليقل (2/210)
1558 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن مكرم ثنا يزيد ثنا شعبة : فذكره (2/210)
1559 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أبو سهل بن زياد القطان ثنا إسماعيل بن إسحاق القروي ثنا أبو طلحة الأنصاري عن أبيه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا فليكثر من ذلك أو ليقل (2/210)
1560 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني محمد بن صالح بن هانئ ثنا الحسين بن الفضل البجلي ثنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن سلمة أنا ثابت البناني : أنه تلى قول الله تبارك و تعالى
{ إن الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما }
فقال : ثابت قدم علينا سليمان مولى الحسن بن علي فحدثنا عن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم جاء ذات يوم و البشر يرى في وجهه فقلنا يا رسول الله إنا لنرى البشر في وجهك فقال : إنه أتاني الملك فقال : يا محمد إن ربك يقول : أما ترضى ما أحد من أمتك صلى عليك إلا صليت عليك عشر صلوات و لا سلم عليك أحد من أمتك إلا رددت عليه عشر مرات قال بلى (2/210)
1561 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أبو سهل بن زياد القطان ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن عبيد الله بن عمر عن ثابت البناني قال : قال أنس بن مالك قال أبو طلحة الأنصاري : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج عليهم يوما يعرفون البشر في وجهه فقالوا : إنا لنعرف في وجهك البشر قال أجل أتاني آت من ربي عز و جل فأخبرني أنه لم يصل علي أحد من أمتي إلا ردها الله عليه عشرة أمثالها (2/212)
1562 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي : فذكره بإسناده غير أنه قال : إنا لنعرف وجهك الآن البشر يا رسول الله قال أجل أتاني الآن آت (2/212)
1563 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الشافعي ثنا محمد بن مسلمة الواسطي ثنا يعقوب بن محمد ثنا أبو القاسم بن أبي الزناد عن موسى بن يعقوب عن عبد الله بن كيسان عن سعيد بن أبي سعيد عن عتبة عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة
كذا قال و رواه عباس بن أبي شملة عن موسى عن عبد بن كيسان عن عتبة بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم (2/212)
1564 - و رويناه عن خالد القطواني عن موسى بن يعقوب عن عبد الله بن كيسان عن عبد الله بن شداد عن أبيه عن ابن مسعود
أخبرناه أبو سعد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي الحافظ ثنا ابن منيع ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد القطواني ثنا موسى بن يعقوب الزمعي أخبرني عبد الله بن كيسان أخبرني عبد الله بن شداد بن الهاد : فذكره و رواه محمد بن عثمة عن عبد الله بن كيسان عن عبد الله بن شداد عن عبد الله بن مسعود و لم يقل عن أبيه (2/213)
1565 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين الخسروجردي ثنا داود بن الحسين ثنا أحمد بن عمرو ثنا ابن وهب عن عمرو عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن علي بن الحسين أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن البخيل كل البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي صلى الله عليه و سلم
و رواه أحمد بن عيسى عن ابن وهب مرسلا (2/213)
1566 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ثنا أبو بكر محمد بن عثمان بن ثابت الصيدلاني ثنا عبيد بن شريك ثنا أبو الجماهر ثنا عبد العزيز بن محمد عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن علي بن الحسين قال : قال علي بن أبي طالب : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : البخيل الذي ذكرت عنده و لم يصل علي (2/213)
1567 - أخبرنا أبو سعد الماليني أنا أبو أحمد بن عدي ثنا قسطنطين بن عبد الله الرومي ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد ثنا سليمان بن بلال حدثني عمارة بن غزية الأنصاري قال : سمعت عبد الله بن علي بن الحسن عن أبيه عن جده : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي (2/213)
1568 - أخبرنا أبو حسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدينا ثنا هارون بن سفيان ثنا خالد بن مخلد ثنا سليمان بن بلال قال : حدثني عمارة بن غزية الأنصاري قال : سمعت عبد الله بن علي بن الحسين يحدث عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي
قد أخرجته عاليا في كتاب الدعوات (2/213)
1569 - أخبرنا أبو حسين بن بشران أنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ثنا عبيد الله بن عمر الجشمي ثنا بشر بن المفضل ثنا عمارة بن غزية حدثني صالح مولى التوأمة قال : سمعت أبا هريرة قال : قال أبو القاسم رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أيما قوم جلسوا فأطالوا الجلوس ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله و يصلوا على نبيهم إلا كانت عليهم من الله ترة إن شاء عذبهم و إن شاء غفر لهم (2/213)
1570 - أخبرنا أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر أنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا يزيد بن إبراهيم الأسدي عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما اجتمع قوم ثم تفرقوا من غير ذكر الله و صلاة على النبي صلى الله عليه و سلم إلا قاموا عن أنتن من جيفة (2/213)
1571 - أخبرنا أحمد بن أبي العباس الزوزني ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ثنا محمد بن مسلمة الواسطي ثنا يزيد بن هارون ثنا شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي سعيد الخدري : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا يجلس قوما مجلسا لا يصلون فيه على رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا كان عليه حسرة و إن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب (2/213)
1572 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا محمد بن هلال حدثني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن كعب بن عجرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم احضروا المنبر فحضرنا فلما ارتقى درجة قال : آمين فلما ارتقى الدرجة الثانية قال : آمين فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال آمين فلما فرغ نزل عن المنبر قال : فقلنا يا رسول الله لقد سمعنا اليوم منك شيئا لم نكن نسمعه قال : إن جبريل عليه السلام عرض لي فقال : بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له فقلت : آمين
فلما رقيت الثانية قال بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين فلما رقيت الثالثة قال : بعد من أدرك والديه الكبر عنده أو أحدهما ثم لم يدخلاه الجنة أظنه قال : فقلت : آمين (2/215)
1573 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم الموسوي بمكة ثنا أبو حاتم الرازي ثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب بن خالد ثنا جعفر بن محمد عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من ذكرت عنده فلم يصل علي خطى طريق الجنة
هذا مرسل و قد رويناه من حديث محمد بن عمرو بن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من نسي الصلاة علي خطى به طريق الجنة (2/215)
1574 - أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن إبراهيم المهراني ثنا عبد الله بن محمد بن موسى بن كعب ثنا محمد بن سليمان ثنا عمر بن حفص بن غياث حدثني أبي عن محمد بن عمرو : فذكره (2/215)
1575 - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف المصري بمكة أنا أبو الفضل العباس بن محمد بن نصر الرافقي أملاء ثنا الحسن بن علي بن زرعة ( الحيرلائي ) ثنا عامر بن سيال ثنا عبد الكريم عن أبي إسحاق الهمداني عن الحارث و عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : كل دعاء محجوب عن السماء حتى يصلى على محمد و على آل محمد صلى الله عليه و سلم كذا وجدته موقوفا و قد (2/215)
1576 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أحمد بن كوفي العدل ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن الأصبهاني ثنا سهل بن عثمان العسكري ثنا نوفل بن سليمان عن عبد الكريم الجزري عن ابن إسحاق عن الحارث عن علي قال : قال رسول الله 0 :
الدعاء محجوب عن الله حتى يصلى على محمد و على آل محمد (2/215)
1577 - ورويناه من وجه آخر عن مالك بن دينار عن أنس بن مالك مرفوعا : ـ (2/215)
1578 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا زيد بن الحباب ثنا موسى بن عبيدة الربذي حدثني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم التيمي و كان جده من المهاجرين الأولين عن أبيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تجعلوني كقدح الراكب إن الراكب يملا قدحه ما ثم يضعه ثم يأخذ في معاليقه حتى إذا فرغ جاء إلى القدح فإن كان له حاجة في الشراب شرب و إن لم يكن له حاجة في الشراب توضأ فإن لم يكن له حاجة في الوضوء اهراقه و لكن اجعلوني في أول الدعاء و في آخر الدعاء (2/215)
1579 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه ثنا أحمد بن محمد بن عيسى القاضي ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي كعب عن أبيه قال للنبي صلى الله عليه و سلم : كم اجعل لك من صلاتي قال : ما شئت قال : الثلث قال : ما شئت و إن زدت فهو أفضل
قال : النصف قال : ما شئت و إن زدت فهو أفضل قال : اجعل لك صلاتي كلها قال : إذا يكفيك الله همك و يغفر لك ذنبك (2/215)
1580 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ثنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو صالح و ابن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني محمد بن يحيى بن حبان أن رجلا : قال : يا رسول الله إني أريد أن اجعل صلاتي كلها لك قال : إذا يكفيك الله أمر دنياك و آخرتك
هذا مرسل جيد و هو شاهد لما تقدم (2/215)
1581 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا عباس بن عبد الله الترقفي ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ثنا حيوة بن شريح عن أبي صخر عن يزيد بن عبد الله ابن قسيط عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ما من أحد يسلم علي إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه السلام (2/215)
1582 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا أبو نعيم ثنا شقيق عن عبد الله بن السائب عن زذان عن ابن مسعود : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام (2/215)
1583 - أخبرنا أبو حسين بن بشران أنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري ثنا عيسى بن عبد الله الطاليسي ثنا العلاء بن عمرو الحنفي ثنا أبو عبد الرحمن عن الأعمش ( ح )
و أخبرنا : أبو الحسين بن الفضل القطان أنا أبو الحسين أحمد بن عثمان الأدمي ثنا محمد بن يونس بن موسى ثنا الأصمعي ثنا محمد بن مروان السدي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من صل علي عند قبري و كل بهما ملك يلغني و كفى بهما أمر دنياه و آخرته و كنت له شهيدا أو شفيعا هذا اللفظ حديث الأصمعي و في رواية الحنفي قال : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من صلى علي عند قبري سمعته و من صلى علي نائيا أبلغته (2/215)
1584 - أخبرنا أبو حسين بن بشران و أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي قالا ثنا حمزة بن محمد بن العباس ثنا أحمد بن الوليد ثنا أبو أحمد الزبيري ثنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال : ليس أحد من أمة محمد صلى الله عليه و سلم صلى عليه صلاة إلا و هي تبلغه يقول الملك فلان يصلي عليك كذا و كذا و صلاة (2/215)
1585 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حاتم الزاهد ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا محمد بن جحش ثنا سفيان عن أبي سهل عثمان بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال : لا ينبغي لأحد الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه و سلم
قال سفيان : يكره الصلاة على غير النبي صلى الله عليه و سلم
قال البيهقي رحمه الله : ـ كذا روي عن ابن عباس و كذا قاله سفيان الثوري و إنما أراد و الله أعلم إن كان ذلك على وجه التعظيم و التكريم عند ذكره ( ) و إنما ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم خاصة فإذا كان ذلك على وجه الدعاء و التبريك فإن ذلك جائز لغيره (2/215)
1586 - و روينا عن ابن أبي أوفى أن أباه : أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بصدقته فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى (2/215)
فصل في معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم و المباركة و الرحمة ـ قال الحليمي رحمه الله : أما الصلاة في اللسان فهي التعظيم و قيل : الصلاة المعهودة سميت لما فيها من حني النبي صلى الله عليه و سلم و هو وسط الظهر لأن انحناء الصغير للكبير إذا رآه تعظيما منه له في العادات ثم سموا قراءته صلاة إذا كان المراد منه عامة ما في الصلاة من قيام و قعود و غيرهما من تعظيم الرب تعالى ثم توسعوا و سموا كل دعاء صلاة إذا كان الدعاء تعظيما للمدعو بالرغبة إليه و الثناء بين له تعظيما للمدعو له بابتغاء ما ينبغي له من فضل الله تعالى و جميل نظره و قيل : الصلوات له أي الأذكار التي يراد بها تعظيم المذكور و الاعتراف له بجلال العبودية و علو الرتبة كلها لله أي هو مستحقها لا يليق بأحد سواه فإذا قلنا اللهم صل على محمد فإنما نريد به اللهم عظم محمدا في الدنيا باعلاء ذكره و إظهار دعوته و إبقاء شريعته و في الآخرة بتشفيعه في أمته و اجزال أجرك و مثوبته و إبداء فضله للأولين و الآخرين بالمقام المحمود و تقديمه على كافة المقربين في اليوم المشهود و هذه الأمور و إن كان الله تعالى قد أوجبها للنبي صلى الله عليه و سلم كان كل شيء منها ذو درجات و مراتب فقد يجوز إذا صلى عليه واحد من أمته فاستجيب دعاؤه فيه أن يزداد النبي صلى الله عليه و سلم بذلك الدعاء في كل شيء مما سمينا رتبة و درجة و لقد كانت الصلاة مما يقصد بها قضاء حقه و يتقرب بإكثارها إلى الله تعالى و يدل على أن قولنا اللهم صل على محمد صلاة منا عليه لأنا لا نملك إيصال ما يعظم به أمره و يعلو به قدره إليه و إنما ذلك بيد الله تعالى فصح أن صلاتنا عليه الدعاء له بذلك و ابتغاؤه من الله عز و جل قال : و قد يكون للصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم وجه آخر و هو أن يقال الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم كما يقال السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم السلام على فلان و قد قال الله عز و جل : { أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة } معناه لتكن أو كانت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم كما يقال صلى الله عليه أي كانت من الله عليه الصلاة أو لتكن الصلاة من الله عليه و الله أعلم و وجه هذا أن التمني على الله عز و جل سؤال ألا ترى أن يقال غفر الله لك و رحمك الله فيقوم ذلك مقام اللهم اغفر له و اللهم ارحمه و أما التسليم فهو أن يقال السلام على النبي و السلام عليك أيها النبي أو سلام عليك أيها النبي أو يا رسول الله و لو قال اللهم صل و سلم على محمد لأغنى ذلك عن السلام عليه في التشهد و معنى السلام عليك اسم السلام عليك و السلام اسم من أسماء الله عز و جل يقال اسم الله عليك و تأويله لا خلوت من الخيرات و البركات و سلمت من المكاره و المذام إذ كان اسم الله تعالى إنما يذكر الأعمال توقعا لاجتماع معاني الخير و البركة فيه و انتفاء عوارض الخلل و الفساد عنه و وجه آخر : هو أن يكون معناه ليكن قضاء الله عليك السلام و هو السلامة كمقام و المقامة و الملام و الملامة أي سلمك الله من المذام و النقائض فإذا قلنا اللهم سلم على محمد فإنما نريد به اللهم اكتب لمحمد في دعوته و أمته السلامة من كل نقص فتزداد دعوته على الأيام علوا و أمته تكاثرا و ذكره ارتفاعا و لا يعارضه ما يوهن له أمرا بوجه من الوجوه و الله أعلم و أما الرحمة فإنه تجمع معنيين أحدهما إزاحة العلة و الآخر الإثابة بالعمل و هي في الجملة غير الصلاة ألا ترى أن الله عز و جل قال : { أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة } ففصل بينهما و جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما دل على انفصالهما عنده يعني ما : (2/221)
1587 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني علي بن عيسى الحيري قال : ثنا مسدد بن قطن ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير بن منصور عن مجاهد عن سعيد بن المسيب عن عمر قال : نعم العدلان و نعم العلاوة ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة ) نعم العدلان و أولئك هم المهتدون نعم العلاوة
قال الحليمي رحمه الله :
قيل في تفسير قوله عز و جل : { أولئك عليهم صلوات من ربهم }
أنه الثناء من الله تعالى عليهم و المدح و التزكية لهم
و قوله : { و رحمة }
أنها كشف الكربة و قضاء الحاجة
و قوله :
{ أولئك هم المهتدون }
يحتمل و ألئك المصيبون طريق الحق دون من خالفهم فجزع على المفقود و بالسخط المعهود و أشار الحليمي إلى الحديث الذي : (2/221)
1588 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ : و عدهن في يدي قال : عدهن في يدي أبي بكر بن أبي درام الحافظ بالكوفة و قال : عدهن في يدي علي بن أحمد العجلي قال : لي عدهن في يدي حرب بن الحسن الطحان و قال لي : عدهن في يدي يحيى بن المساور الحناط و قال لي : عدهن في يدي عمرو بن خالد و عد الإمام أحمد في أيدي من سمع منه ح قال :
و ثنا أبو عبد الرحمن السلمي و عدهن في يدي أنا أبو الفضل محمد بن عبد الله الشيباني بالكوفة و عدهن في يدي أنا أبو القاسم علي بن محمد بن الحسن بن لاس بالرملة و عدهن في يدي ثنا جدي لأبي سليمان بن إبراهيم بن عبد الله المحاربي و عدهن في يدي ثنا نصر بن مزاحم المنقري و عدهن في يدي ثنا إبراهيم بن الزبرقان و عدهن في يدي ثنا أبو خالد عمرو بن خالد و عدهن في يدي قال لي : عدهن في يدي زيد بن علي و قال لي : عدهن في يدي أبي الحسين بن علي و قال لي عدن في يدي علي بن أبي طالب و قال لي : عدهن في يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : عدهن في يدي جبريل عليه السلام و قال جبريل هكذا انزلت من عند رب العزة : اللهم صل على محمد و آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم و ترحم على محمد و على آل محمد كما ترحمت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم و تحنن على محمد و على آل محمد كما تحننت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم و سلم على محمد و على آل محمد كما سلمت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
زاد أبو عبد الله في روايته و قبض حرب خمس أصابعه و قبص أحمد بن علي العجلي خمس أصابعه و قبض شيخنا أبو بكر خمس أصابعه
قال البيهقي :
و قبض شيخنا أبو عبد الرحمن خمس أصابعه و هكذا أبلغنا هذا الحديث و هو إسناد ضعيف
و أما المباركة فإنها فضل الله تعالى جده و إنما يكون هذا التبريك و هو أن يقول اللهم بارك على محمد و أصل البركة الدوام و هو من برك البعير إذا ناخ في موضع يلزمه و قد يوضع موضع النماء و الزيادة و أصلها ما ذكرنا لأن تزايد الشيء موجب دوامه و قد يوضع أيضا موضع التيمن فيقال للميمون مبارك الشيء موجبة دوامه
و قد يوضع أيضا موضوع اليمن بمعنى أنه محبوب و مرغوب فيه و ذلك لا يخالف ما قلنا لأن البركة إذا أريد بها الدوام فإنما يستعمل ذلك فيما يراد و يرغب في بقائه فإذا قلنا :
اللهم بارك على محمد فالمعنى اللهم أدم ذكر محمد و دعوته و شريعته و كثر أتباعه و أشاعيه و عرف أمته من يمنه و سعادته أن تشفعه فيهم و تدخلهم جناتك و تحلهم دار رضونك فيجمع التبريك عليه الدوام و الزيادة و السعادة
و الله أعلم (2/221)