غاية المطلوب وأعظم المنة فيما يغفر الله به الذنوب ويوجب الجنة
تأليف
الإمام الحافظ عبد الرحمن بن علي بن محمد الشيباني
المعروف بابن الديبع الشيباني
866 - 944 هـ
دراسة وتحقيق
د. رضا محمد صفي الدين السنوسي
مؤسسة الريان
المكتبة المكية
الطبعة الأولى
1419 هـ - 1998 م(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن
الحمد لله الذي أمر عباده بالتوبة والاستغفار في كتابه، وحثهم على ذلك ورغبهم في جزيل ثوابه، وجعل ذلك سبباً للفوز من مفاوز أليم عذابه، وحصناً حصيناً يؤمن من اقتحام عقبات عقابه، أحمده على نعمه التي لا تحصى، لأنه أهل الحمد وأولى به، وأشكره على أن جعلني من أمة محمدٍ المقتدين بهديه، والمستمسكين بأسبابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا مثال ولا مشابه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي رحمنا به، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجلٍ مسمىًّ ويؤت كل ذي فضلٍ فضله}.(1/20)
وقال الله تعالى: {استغفروا ربكم إنه كان غفاراً. يرسل السماء عليكم مداراً. ويمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهاراً}. وقال تعالى: {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً}. وقال تعالى: {وهل نجازي إلى الكفور} وقال تعالى: {وإن ربك لذو مغفرةٍ للناس على ظلمهم}. وقال تعالى: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم}. في آي كثيرة.
وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبرنا به شيخنا الإمام، خاتمة الحفاظ زين الدين، أبو العباس، أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الشرجي رحمه الله بقراءتي عليه في سنة تسعين وثمانمائة بمدينة زبيد -حرسها الله تعالى-(1/21)
قال: أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ المقرئ، شمس الدين، أبو الخير محمد بن محمد بن محمد الجزري، قال: أخبرنا الشيخ أبو العباس أحمد بن عبد الكريم بن أبي الحسين الصوفي، قال: حدثتنا الشيخة الصالحة أم محمد زينب بنت عمر بن كندي قال: أخبرنا المؤيد بن علي الطوسي، قال: أخبرنا أبو عبد الله الفراوي، قال: حدثنا عبد الغافر(1/22)
الفارسي، قال: أخبرنا أبو أحمد الجلودي، قال: أخبرنا أبو سفيان الفقيه، قال: أخبرنا الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري رحمه الله تعالى قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي، أخبرنا مروان، يعني: ابن محمد الدمشقي، حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني(1/23)
عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم -فيما روى عن ربه تبارك وتعالى- أنه قال: ((يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم)).
وبه إلى مسلم قال: حدثني محمد بن رافع، أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر، عن جعفر الجزري، عن يزيد الأصم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم)).(1/24)
وبه إلى مسلم قال: حدثني عبد الأعلى بن حماد، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم -فيما يحكي عن ربه تبارك وتعالى- قال: ((أذنب عبد ذنباً قال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب: اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب: اغفر لي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك)).(1/25)
وبه إلى مسلم قال: حدثنا سويد بن سعيد، عن معتمر بن سليمان، عن أبيه، حدثنا أبو عمران الجوني، عن جندب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان. وإن الله عز وجل قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك. أو كما قال.
وأخبرنا شيخنا أبو العباس رحمه الله بقراءتي عليه قال: أخبرنا شيخنا أبو الخير الجزري، قال: أخبرنا أبو أميلة، قال: أخبرنا الحسن(1/26)
السعدني، قال: أخبرنا أبو حفص البغدادي، قال: أخبرنا أبو البدر الكرخي، قال: أخبرنا أبو بكر الحافظ، قال: أخبرنا أبو عمر الهاشمي، قال: أخبرنا أبو علي اللؤلؤي قال: حدثنا الإمام الحافظ أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني -رحمه الله- حدثنا محمد ابن الصباح بن سفيان، قال: أخبرنا علي بن ثابت عن عكرمة بن عمار، قال: حدثني ضمضم بن جوشن، قال: قال أبو هريرة رضي(1/27)
الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب، فيقول: اقصر! فوجده يوماً على ذنب، فقال له: اقصر! فقال: خلني وربي، أبعثت علي رقيباً؟ فقال: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الجنة. فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالماً، أو على ما في يدي قادراً؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار. قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته)).
وأخبرنا شيخنا أبو العباس رحمه الله قراءة مني عليه، قال أخبرنا الشيخ الإمام شرف الدين أبو الفتح، محمد بن أبي بكر بن الحسين المدني، قال: أخبرنا الشيخ شمس الدين، محمد بن يوسف المدني،(1/28)
قال: أخبرنا علاء الدين بن العطار الشافعي، قال: أخبرنا أبو محمد التنوخي، قال: أخبرنا أبو حفص البغدادي، قال: أخبرنا أبو الفتح الكروخي، قال: أخبرنا القاضي أبو عامر الأزدي، وأبو بكر الغورجي، قال: أخبرنا الجراحي، قال: أخبرنا ابن محبوب(1/29)
قال: حدثنا الإمام أبو عيسى، محمد بن عيسى الترمذي الحافظ -رحمه الله- قال: حدثنا عبد الله بن إسحاق الزهري، حدثنا أبو عاصم، حدثنا كثير بن فائد، قال: سمعت بكر بن عبد الله المزني يقول: حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم: لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم: إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة)).(1/30)
وقال لقمان الحكيم لابنه: ((يا بني، عود لسانك: اللهم اغفر لي؛ فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً)).
ومرض بعضهم مرضاً شديداً وحصل عليه غيبة، فرأى ملك الملك، فقال: أكتب لك براءة من النار؟ فقال المريض: نعم، فكتب له في ورقة وجدها عنده: أستغفر الله، أستغفر الله حتى ملأها باطناً وظاهراً، وقال: هذه براءة من النار. وأفاق المريض فعوفي من مرضه، وأقام بعد ذلك زماناً والكتاب معه.
وقال زيد بن أسلم: ((يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيقال: انطلقوا به إلى النار، فيقول: يا رب فأين صلاتي وصيامي، فيقول الله تعالى: اليوم أقنطك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي منها)).
وقال أبو عمرو الضرير: حدثني صديق لي أنه رأى أباه في النوم بعدما مات فقال له: يا أبت، كيف أنت؟ فقال: يا بني، في خير ونعمة، قال: فقلت: بم نلت هذا؟ قال: بحسن الأمل، والثقة بالمحبوب. قال:(1/31)
فقلت: أوصني: فقال: يا بني لا تدع في كل أحوالك الاستغفار، فإنه نعم العدة للمؤمنين ذلك.
فلما كان كذلك أحببت أن أجمع جزءاً فيها يغفر الله به الخطايا، ويكفر به السيئات ويجزل به العطايا ويوجب به الحسنات، فجمعت هذا الجزء الضنين، اقتداءً بأئمة الدين الذين جمعوا في هذا الباب ما لا يحصى، وألفوا فيه ما لا يستقصي، وإن كنت لست مثلهم، ولم أبلغ شأوهم إلا أني أحببت أن أثبت لي بينهم قدماً، وأجري لي معهم قلماً، فمن تشبه بقوم فهو منهم، ومن أحب قوماً حشر معهم، فبادرت إلى جمع هذا الكتاب مستمداً التوفيق من رب الأرباب، وجعلته في ثلاثة أبواب، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه متاب، وسميته كتاب (غاية المطلوب وأعظم المنة فيما يغفر الله به الذنوب، ويوجب الجنة)، فهو اسم مطابق لمعناه، وسهم موافق لمرماه.
وبدأت أولاً بذكر التوبة وماهيتها، وسرد أقوال المشايخ فيها، ثم ثنيت بذكر الأحاديث الواردة عن حبيب القلوب فيما يغفر الله به الذنوب، وذكر أشياء من السنة مما يوجب الله لفاعلها الجنة، ثم عطفت على ذلك بذكر ما يرجى من سعة رحمة الله، وشفاعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أخبار وحكايات وأشعار مما يناسب مقصودنا، ويطابق مطلوبنا، والمرجو من كرم الله تعالى أن ينفع به الطالبين، ويصرف إليه صادق الهمة من الراغبين، وأن يضاعف لمن عمل بما فيه الثواب، إنه هو الكريم الوهاب. وهذه هي فهرسة أبوابه:(1/32)
الباب الأول في التوبة
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: في ذكر الآيات والأخبار الواردة في التوبة.
الفصل الثاني: في ماهية التوبة وشروطها.
الفصل الثالث: في سرد أقوال مشايخ الحقيقة رحمة الله عليهم فيها.
الباب الثاني
في الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يغفر الله به الذنوب وفيه سبعة فصول:
الفصل الأول: في ذكر ما يغفر الله به الذنوب ما تقدم منها وما تأخر.
الفصل الثاني: فيما يغفر الله به ما تقدم من الذنوب.
الفصل الثالث: فيما يخرج به الإنسان من ذنبه كيوم ولدته أمه.
الفصل الرابع: فيما يغفر الله به الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر.
الفصل الخامس: فيما يغفر الله به الذنب، ولو كان صاحبه قد فر من الزحف.(1/33)
الفصل السادس: فيما يغفر الله به الذنوب من أنواع شتى.
الفصل السابع: فيما يوجب الله به الجنة.
الباب الثالث
في ذكر ما يرجى من سعة رحمة الله تعالى، وبيان لفظه وكرمه، وتفضله على عباده، وإكرامه لهم بشفاعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يوم معاده، وفي ذكر ما يناسب ذلك من الأخبار والحكايات المطابقة والأشعار، وفيه خمسة فصول:
الفصل الأول: في ذكر سعة رحمة الله تعالى، وبيان لطفه وكرمه وتفضله على عباده.
الفصل الثاني: في ذكر شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأمته يوم القيامة.
الفصل الثالث: فيما أوحاه الله تعالى إلى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم من ذلك.
الفصل الرابع: في ذكر حكايات مطابقة للمعنى.
الفصل الخامس: في ذكر أشعار مناسبة لموضوع هذا الكتاب.
وأسأل الله تعالى دوام التوفيق فيما أقول وأفعل، وأستعين به في كل الأمور، وهي حسبي، وعليه أتوكل.(1/34)
الباب الأول في التوبة
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: في ذكر الآيات والأخبار الواردة في التوبة على سبيل الاختصار
اعلم أن الله سبحانه وتعالى أسمى نفسه التواب الرحيم في غير آية من كتابه الكريم، كقوله تعالى: {إنه هو التواب الرحيم}، و {إن الله كان تواباً رحيماً}، و {وأن الله توابٌ حكيمٌ}، و {إن الله توابٌ رحيمٌ}، و {إنه كان تواباً}، وغير ذلك.(1/35)
وحث على التوبة ورغب فيها في غير آية، فقال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، وقال تعالى: {أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفورٌ رحيمٌ}، وقال تعالى: {فإن تبتم فهو خيرٌ لكم} وقال تعالى: {فإن يتوبوا يك خيراً لهم}، وقال تعالى: {ثم تاب عليهم إنه بهم رءوفٌ رحيمٌ}، وقال تعالى: {ثم تاب عليهم ليتوبوا}، وقال تعالى: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجلٍ مسمى ويؤت كل ذي فضلٍ فضله}. وقال تعال في قصة هود عليه السلام: {استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوةً إلى قوتكم}، وقال تعالى: {فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريبٌ مجيبٌ}، وقال تعالى: {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيمٌ ودودٌ}، وقال تعالى: {وتوبوا(1/36)
إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}، وقال تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسناتٍ وكان الله غفوراً رحيماً. ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً}، وقال تعالى: {فأما من تاب وآمن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين}، وقال تعالى: {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب}، وقال تعالى: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحاً}، والآيات في المعنى كثيرة.
وروينا في صحيح مسلم عن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)).(1/37)
وفي صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)).
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم، كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، [فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظللها وقد يئس من راحلته]، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)).
وفيه أيضاً عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)).
وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه)).(1/38)
وعن صفوان بن عسال رضي الله عنه، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((باباً من المغرب مسيرة عرضه، أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاماً، قبل الشام، خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض مفتوحاً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس فيه)). رواه الترمذي وغيره، وقال: حديث حسن صحيح.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فأتاه، فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له توبة؟ فقال: لا. فقتله، فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فأتاه فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة، انطلق إلى مدينة كذا وكذا، فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فاعبد الله تعالى معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاءنا تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة(1/39)
العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، قبضته ملائكة الرحمة)).
وفي رواية: فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فجعل من أهلها.
وفي رواية: فأوحى الله إلى هذه أن تقربي، وإلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجده إلى هذه أقرب بشبر فغفر له.
[وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون))، أخرجه الترمذي وابن ماجه وسنده قوي].
وفيهما عن ابن عباس وأنس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو أن لابن آدم واديان من ذهب لأحب أن يكون له ثالثاً، ولا يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب)). والآيات والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.(1/40)
الفصل الثاني في ماهية التوبة وشروطها
قال المحققون: التوبة أول منزل من منازل السالكين، وأول مقام من مقامات الطالبين.
وحقيقتها في لغة العرب: الرجوع، يقال: تاب أي: رجع، فالتوبة: الرجوع عما كان مذموماً في الشرع إلى ما هو محمود فيه.
قال العلماء رحمة الله عليهم: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي، فلها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يقلع عن المعصية.
ثانيها: أن يندم على فعلها.
ثالثها: أن يعزم ألا يعود إليها أبداً.
فإن فقد أحد هذه الشروط الثلاثة لم تصح توبته.(1/41)
فإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي، فشروطها أربعة:
هذه الثلاثة، وأن يتبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالاً ونحوه رده إليه، وإن كانت غيبة استحله منها، وإن كان حد قذف أو نحوه مكنه منه، أو طلب عفوه.
قالوا: وهي واجبة من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها صحت توبته من ذلك الذنب، وبقي عليه الباقي. والله أعلم.(1/42)
الفصل الثالث في سرد أقوال مشايخ الحقيقة رحمة الله عليهم فيها
قال الأستاذ أبو علي الدقاق: التوبة على ثلاثة أقسام: أولها التوبة، وأوسطها الإنابة، وآخرها الأوبة.
فجعل التوبة بداية، والأوبة نهاية، والإنابة واسطتها، فكان من تاب لخوف العقوبة، فهو صاحب توبة، ومن تاب طمعاً في الثواب فهو صاحب إنابة، ومن تاب مراعاةً للأمر لا رغبة في الثواب، أو رهبة من العذاب فهو صاحب أوبة.
قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: ويقال: التوبة صفة المؤمنين،(1/43)
قال الله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون}، والإنابة صفة الأولياء المقربين، قال الله تعالى: {وجاء بقلبٍ منيبٍ}، والأوبة صفة الأنبياء والمرسلين، قال الله تعالى: {نعم العبد إنه أوابٌ}.
قال ذو النون: توبة العوام من الذنوب، وتوبة الخواص من الغفلة، وتوبة الأنبياء عن رؤية عجزهم عن بلوغ ما ناله غيرهم.
وقال الجنيد: التوبة على ثلاثة معان: أولها الندم، والثاني: يعزم على ترك المعاودة إلى ما نهى الله عنه، والثالث: يسعى في أداء المظالم.
وقال أيضاً: التوبة أن تقبل على الله بالكلية كما أعرضت عنه بالكلية.
وقال سهل بن عبد الله التستري: التوبة ترك التسويف.(1/44)
وقال أيضاً: التوبة هي الندم، والإقلاع، والتحول عن الحركات المذمومة إلى الحركات المحمودة.
وقال الجنيد: دخلت على السري يوماً فرأيته متغيراً فقلت له: ما لك؟ فقال: دخل علي شاب فسألني عن التوبة، فقلت له: أن لا تنس ذنبك، فعارضني وقال: بل التوبة أن تنسى ذنبك، فقلت: إن الأمر عندي ما قاله الشاب. فقال: ولِمَ؟ فقلت: إني إذا كنت في حال الجفاء فنقلني إلى حال الصفاء، فذكر الجفاء في حال الصفاء جفاء، فسكت.
وسئل رويم عن التوبة، فقال: التوبة من التوبة، يريد به إسقاط رؤية التوبة.
وقال أبو علي الحسين بن أحمد النوري: التوبة أن تتوب من كل شيء سوى الله عز وجل.
وقال الواسطي: التوبة النصوح لا يبقى على صاحبها أثر من(1/45)
المعصية سراً ولا جهراً، ومن كانت توبته نصوحاً لا يبالي كيف أمسى وأصبح.
وقال ذو النون: حقيقة التوبة أن تضيق عليك الأرض بما رحبت، حتى لا تكون لك قرار، ثم تضيق عليك، كما أخبر الله تعالى في كتابه بقوله: {وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا}.
وقال ابن عطاء: التوبة توبتان: توبة الإنابة، وتوبة الاستجابة، فتوبة الإنابة: أن يتوب العبد خائفاً من عقوبته، وتوبة الاستجابة: أن يتوب حياءً من كرمه.
وسئل السوسي عن التوبة، فقال: التوبة من كل شيء ذمه العلم إلى ما مدحه العلم، وهذا وصف يعم الظاهر والباطن، لمن كوشف بصريح العلم؛ لأنه لا بقاء للجهل مع العلم، كما لا بقاء لليل مع طلوع الشمس.(1/46)
فهذا يستوعب جميع أقسام التوبة بالوصف الخاص والعام، وهذا العلم يكون علم الظاهر والباطن، لتطهير الظاهر والباطن بأخص أوصاف التوبة وأعم أوصافها.
وقال ذو النون: على كل جارحة لابن آدم توبة، فتوبة القلب: أن ينوي ترك المحظورات، وتوبة العينين: الغض عن محارم الله، وتوبة اليدين: ترك تناول ما لا يحل، وتوبة الرجلين: ترك السعي إلى الملاهي، وتوبة السمع: ترك الإصغاء إلى الباطل، وتوبة الفرج: القعود عن الفواحش.
وقال أيضاً: التوبة النصوح إدمان البكاء على ما سلف من الذنوب، والخوف من الرجوع إلى الذنب، وهجران قرناء السوء، وملازمة أهل الخير.
وأقوالهم في هذا كثيرة مشهورة، اقتصرنا منها على هذا المقدار إيثاراً للاختصار. والله الموفق.(1/47)
الباب الثاني في الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يغفر الله به الذنوب
وفيه سبعة فصول:
الفصل الأول فيما يغفر الله به ما تقدم من الذنوب وما تأخر
وفيه سبعة أحاديث:
الحديث الأول:
عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لبس ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا، ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)).(1/48)
رواه أبو داود والترمذي والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط البخاري، وقال الترمذي: حديث حسن.
الحديث الثاني:
عن أمير المؤمنين أبي عمرو عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يسبغ عبد الوضوء إلا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)).
أخرجه أبو بكر المروزي في مسنده، والحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة في مصنفه، والحافظ زكي الدين المنذري، رجال إسناده ثقات.
الحديث الثالث:
عن أبي حمزة أنس بن مالك، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من عبدين متحابين في الله،(1/49)
يستقبل أحدهما صاحبه، فيصافحه، ويصليان على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا لم يفترقا حتى تغفر ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر)).
رواه ابن السني وأبو نعيم.
الحديث الرابع:
عنه أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ إذا سلم يوم الجمعة قبل أن يثني رجليه فاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس سبع مرات، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأعطي من الأجر بعدد من آمن بالله واليوم الآخر)).
رواه الإمام ظهير الدين أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن القشيري في كتاب ((الأربعين)) له.(1/50)
الحديث الخامس:
عن أم المؤمنين أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ووجبت له الجنة)). رواه أبو داود.
الحديث السادس:
عن أبي هريرة والحسن بن علي رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)). رواه الإمام أحمد.
الحديث السابع:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من علم ابنه القرآن نظراً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)). رواه الطبراني في معجمه الأوسط [وهو مختصر من حديث طويل].(1/51)
الفصل الثاني فيما يغفر الله به ما تقدم من الذنوب
وفيه ثمانية أحاديث:
الحديث الأول:
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، أنه دعا بوضوء فغسل كفيه من إنائه ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه ثلاثاً، ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا وقال: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه)).
رواه الإمام أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل البخاري والإمام مسلم بن الحجاج القشيري رحمهما الله تعالى.(1/52)
الحديث الثاني:
عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) رواه البخاري.
الحديث الثالث:
عنه أيضاً رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يقم ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)). رواه البخاري أيضاً.
الحديث الرابع:
عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، فقولوا: آمين؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)). رواه البخاري ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.(1/53)
الحديث الخامس:
عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أكل طعاماً فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه، من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه)). رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: ((حديث حسن)).
الحديث السادس:
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما تقدم من عمل)). رواه النسائي.
الحديث السابع:
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: ((من توضأ وضوئي هذا، ثم أتى المسجد فركع فيه ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه)). رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.(1/54)
الحديث الثامن:
عن زيد بن خالد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يسهو فيها، غفر له ما تقدم من ذنبه)). رواه أبو داود.(1/55)
الفصل الثالث فيما يخرج به الإنسان من الذنوب كيوم ولدته أمه
فيه عشرة أحاديث:
الحديث الأول:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)). وفي رواية: ((خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)). رواه البخاري ومسلم.
الحديث الثاني:
عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من طاف بالبيت خمسين مرة خرج من ذنبه كيوم ولدته أمه)). رواه الترمذي.(1/56)
الحديث الثالث:
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله عز وجل فرض صيام رمضان عليكم وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنبه كيوم ولدته أمه)). رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه.
الحديث الرابع:
عن أبي عبد الله، جابر بن عبد [الله] الأنصاري رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أضحى يوماً محرماً ملبياً حتى غربت الشمس، غربت بذنوبه كيوم ولدته أمه)). رواه الإمام أحمد، وابن ماجه.
الحديث الخامس:
عن أم المؤمنين، عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلى الفجر، أو قال الغداة في مقعده، فلم يلغ بشيء من أمر الدنيا، يذكر الله عز وجل حتى يصلي الضحى أربع ركعات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)). رواه ابن السني.(1/57)
الحديث السادس:
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يفرغ من وضوئه: ((أشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مرات، لم يقم حتى تمحى ذنوبه حتى يصير كما ولدته أمه)). رواه ابن السني.
الحديث السابع:
عن أبي موسى، عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أكل فشبع، وشرب فروي، فقال: الحمد لله الذي أطعمني فأشبعني، وسقاني فأرواني، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)). رواه ابن السني.
الحديث الثامن:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مرض العبد ثلاثة أيام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)). رواه الطبراني في الأوسط والصغير.(1/58)
الحديث التاسع:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)). رواه الطبراني في الأوسط.
الحديث العاشر:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مشى إلى حاجة أخيه المسلم، كتب الله بكل خطوة يخطوها حسنة إلى أن يرجع من حيث فارقه، فإن قضيت حاجته خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فإن هلك فيما بين ذلك دخل الجنة بغير حساب)). رواه أبو يعلى الموصلي.(1/59)
الفصل الرابع فيما يغفر الله به الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر
وفيه سبعة عشر حديثاً:
الحديث الأول:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سبح الله تعالى في دبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)). رواه الإمام مالك، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والطبراني.
الحديث الثاني:
عنه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال إذا أصبح، وإذا أمسى مائة مرة سبحان الله وبحمده، غفرت ذنوبه، وإن(1/60)
كانت أكثر من زبد البحر)). رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح على شرط مسلم.
الحديث الثالث:
عن أبي محمد، عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما على الأرض أحد يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إلا كفرت عنه خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر)). رواه الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن.
الحديث الرابع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من سبح دبر كل صلاة مكتوبة وكبر مائة، وهلل مائة، وحمد مائة، غفر له ذنوبه، وإن كانت أكثر من زبد البحر)). رواه النسائي.(1/61)
الحديث الخامس:
عنه أيضاً رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سبح في دبر صلاة الغداة مائة تسبيحة، وهلل مائة تهليلة، غفرت له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر)). رواه النسائي أيضاً.
الحديث السادس:
عنه أيضاً رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من قال حين يأوي إلى فراشه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، غفرت ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر، أو أكثر من زبد البحر)).
رواه ابن حبان وابن السني متصلاً، ورواه النسائي موقوفاً.
الحديث السابع:
عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من(1/62)
قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيراً غفرت له خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر)).
رواه الإمام أحمد، وأبو داود.
الحديث الثامن:
عن أبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قال بعد الفجر ثلاث مراتٍ، وبعد العصر ثلاث مرات: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، كفرت عنه ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر)).
رواه ابن السني، وأبو نعيم.
الحديث التاسع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حافظ على سنة الضحى، غفرت ذنوبه، ولو كانت أكثر من زبد البحر)).(1/63)
رواه الإمام الحافظ أبو محمد عبد بن حميد في مسنده.
الحديث العاشر:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما على الأرض رجل يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كفرت عنه ذنوبه، ولو كانت أكثر من زبد البحر)). روه الحافظ أبو أحمد حميد بن مخلد بن قتيبة ابن زنجويه في ترغيبه.
الحديث الحادي عشر:
عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما من عبد يقول عند رد الله تعالى روحه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، إلا غفر الله تعالى ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر)). رواه ابن السني. [رواه ابن ماجه والنسائي].(1/64)
الحديث الثاني عشر:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مراتٍ غفر الله له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر)). رواه ابن السني، ورواه الطبراني في معجمه الأوسط، ولم يذكر: (الحي القيوم) فيه، وقال: (غفرت ذنوبه، وإن كانت أكثر من زبد البحر).
الحديث الثالث عشر:
عن أبي سعيد، سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يأوي إلى فراشه: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر الله له ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر، وإن كانت عدد النجوم، وإن كانت عدد رمل عالج، وإن كانت عدد أيام الدنيا)).
رواه الترمذي وقال: حديث حسن.(1/65)
الحديث الرابع عشر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)). رواه البخاري ومسلم.
الحديث الخامس عشر:
عن محمد بن عمار بن ياسر قال: رأيت عمار بن ياسر رضي الله عنه يصلي بعد المغرب ست ركعات، وقال رأيت حبيبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد المغرب ست ركعات، وقال: ((من صلى بعد المغرب ست ركعات، غفرت له ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر))، رواه الطبراني في معجمه.
الحديث السادس عشر:
عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن المسلم إذا لقي أخاه فأخذ بيده تحاتت ذنوبهما كما تتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف، وإلا غفر لهما، ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحر)). رواه الطبراني.(1/66)
الحديث السابع عشر:
عن أبي ذر الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كلمات من ذكرهن مائة مرة دبر كل صلاة: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم لو كانت ذنوبه مثل زبد البحر لمحتهن)). رواه الإمام أحمد.(1/67)
[الفصل الخامس فيما يغفر الله به الذنوب، ولو كان صاحبه قد فر من الزحف
وفيه ثلاث أحاديث]
الحديث الأول:
عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا] هو، الحي القيوم، وأتوب إليه، غفر له، وإن كان قد فر من الزحف)). رواه أبو داود والترمذي وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم.
الحديث الثاني:
عن البراء بن عازب، رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((من استغفر دبر كل صلاة، فقال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو،(1/68)
الحي القيوم، وأتوب إليه، غفر الله له ذنوبه، وإن كان قد فر من الزحف)). رواه ابن السني، وأبو نعيم.
الحديث الثالث:
عنه أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال دبر كل صلاة: أستغفر الله وأتوب إليه، غفر له، وإن كان قد فر من الزحف)). رواه الطبراني في الأوسط.(1/69)
الفصل السادس فيما يغفر الله به الذنوب من أنواع شتى
وفيه خمسة عشر حديثاً.
الحديث الأول:
عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يصيب ابن آدم من نصبٍ ولا وصب، ولا همٍّ، ولا حزنٍ، ولا أذى، ولا غمٍ حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)). رواه البخاري ومسلم.
الحديث الثاني:
عن البراء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان، إلا غفر لهما قبل أن يفترقا)). رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.(1/70)
الحديث الثالث:
عنه أيضاً رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا، وتكاشرا بود ونصيحةٍ تناثرت خطاياهما بينهما)). رواه ابن السني.
الحديث الرابع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا توضأ العبد المسلم، أو المؤمن، فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئةٍ نظرها بعينه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئةٍ بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت من رجليه كل خطيئةٍ مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب)). رواه مالك، ومسلم، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
الحديث الخامس:
عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ(1/71)
قل هو الله أحد مائتي مرة، غفر له ذنب مائتي سنة)). رواه الحافظ ابن زنجويه.
الحديث السادس:
عن أيوب الأنصاري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه، خرج من ذنوبه كما تخرج الحية من جلدها)). رواه الطبراني.
الحديث السابع:
عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قول لا إله إلا الله، لا يترك ذنباً ولا يشبهها عمل)). رواه الحاكم في مستدركه.(1/72)
الحديث الثامن:
عن أنس رضي الله عنه، قال: قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: رجل يكون قليل العمر كثير الذنوب! قال: ((كل آدمي خطاء فمن كانت له سجية عقل وغريزة يقين، لم تضره ذنوبه شيئاً)). قيل: كيف ذلك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ((كلما أخطأ لم يلبث أن يتوب فيمحى ذنبه، ويبقى فضل يدخله الجنة)). رواه أبو عبد الله الترمذي الحكيم في ((نوادر الأصول)).
الحديث التاسع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله تعالى، وما عليه خطيئة)). رواه الإمام مالك، والترمذي.
الحديث العاشر:
عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من حافظين يرفعان إلى الله ما حفظا من عمل عبد في ليل أو نهار، فيجد في أول الصحيفة وآخرها خيراً إلا قال لملائكته: أشهدكم أني قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة)). رواه الترمذي.(1/73)
الحديث الحادي عشر:
عنه أيضاً رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا أخرج أحداً من الدنيا أريد أن أغفر له حتى أستوفي كل خطيئة في عنقه، بسقم في بدنه، واقتار في رزقه)). رواه الترمذي أيضاً.
الحديث الثاني عشر:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحى عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبنى له بيتاً في الجنة)). رواه الترمذي.
الحديث الثالث عشر:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يسمع المؤذن، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،(1/74)
وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً وبمحمد رسولاً -وفي رواية نبياً- وبالإسلام ديناً، غفر له ذنبه)). رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
الحديث الرابع عشر:
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ألا أقرئك آية نزلت علي))؟ قلت: بلى، فأقرأني: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب. من يعمل سوءاً يجز به} الآية. فلا أعلم إلا أني وجدت في ظهري انقصاماً، فتمطأت لها، فقال: ((ما شأنك يا أبا بكر))؟ فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي: وأينا لم يعمل سوءاً؟ أو إنا لمجزيون بما عملنا؟ فقال: ((أما أنت يا أبا بكر، والمؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله تعالى وليس عليكم ذنوب، وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزوا به يوم القيامة)). رواه الترمذي.
الحديث الخامس عشر:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال للعباس بن عبد المطلب: ((يا عباس، يا عماه ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟(1/75)
ألا أفعل بك عشر خصال، إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره، وقديمه وحديثه، وخطأه وعمده وصغيره وكبيره، سره وعلانيته، عشر خصال: أن تصلي أربع ركعاتٍ، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب، وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة قلت: وأنت قائم: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشراً، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، ثم تهوي ساجداً فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، ثم تفعل ذلك في أربع ركعات، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة فإن لم تفعل ففي عمرك مرة)). رواه أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي، ورواه الطبراني في المعجم، وفي آخره: ((ولو كانت ذنوبك مثل زبد البحر، ورمل عالج غفر الله لك)).(1/76)
الفصل السابع فيما يوجب الله به الجنة، نسأل الله الكريم أن يوجبها لنا برحمته
وفيه ثلاثة عشر حديثاً:
الحديث الأول:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وجبت له الجنة)). رواه أبو داود.
الحديث الثاني:
عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه، وجبت له الجنة)). رواه النسائي.
الحديث الثالث:(1/77)
عن سهل بن معاذ، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى صلاة الفجر، ثم قعد يذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس، وجبت له الجنة)). رواه ابن السني وأبو يعلى.
الحديث الرابع:
عن أبي أمامة، صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ خواتيم سورة البقرة في ليل أو نهار، فمات من يومه، أو ليلته، فقد أوجب الله له الجنة)). رواه البيهقي.
الحديث الخامس:
عنه أيضاً رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال دبر كل صلاة مكتوبة: اللهم أعط محمداً الدرجة الوسيلة. اللهم اجعل في المصطفين صحبته، وفي العالين درجته، وفي المقربين ذكره، فقد استوجب علي الشفاعة، ووجبت له الجنة)). رواه ابن السني.(1/78)
الحديث السادس:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع رجلاً يقرأ: {قل هو الله أحدٌ. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحدٌ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وجبت)) فقلت: ماذا يا رسول الله؟ قال: ((الجنة)). رواه ابن السني.
الحديث السابع:
عن حنظلة الكاتب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حافظ على الصلوات الخمس: ركوعهن وسجودهن، ومواقيتهن وعلم أنهن حق من عند الله، وجبت له الجنة))، أو قال: ((حرم على النار)). رواه الإمام أحمد، والطبراني في معجمه الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح.
الحديث الثامن:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((من وافق صيامه يوم الجمعة، وعاد مريضاً وشهد جنازة، وتصدق وأعتق، وجبت له الجنة)). رواه أبو يعلى في مسنده.(1/79)
الحديث التاسع:
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من صلى الجمعة، وصام يومه، وعاد مريضاً، وشهد جنازة، وشهد نكاحاً، وجبت له الجنة)). رواه الطبراني في الأوسط.
الحديث العاشر:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن أبا بكر رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو كئيب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((مالي أراك كئيباً))؟ قال: يا رسول الله كنت عند ابن عم لي البارحة فلان، وهو يكيد بنفسه، قال: ((لقنته لا إله إلا الله))؟ قال: لقد فعلت، قال: ((فقالها))؟ قال: نعم، قال: ((وجبت له الجنة))، قال أبو بكر: يا رسول الله، كيف هي للأحياء؟ قال: ((هي أهدم لذنوبهم)). رواه أبو يعلى والبزار.
الحديث الحادي عشر:
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أثكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله في سبيل الله عز وجل، وجبت له الجنة)). رواه أحمد، والطبراني، ورجاله ثقات.(1/80)
الحديث الثاني عشر:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من سلم على عشرين رجلاً من المسلمين في يوم واحد، جماعة أو فرادى، ثم مات من يومه ذلك، وجبت له الجنة وفي ليلته مثل ذلك)). رواه الطبراني.
الحديث الثالث عشر:
عن عمرو بن مالك القشيري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من ضم يتيماً من بين أبويه إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الله، وجبت له الجنة)). رواه الإمام أحمد، والطبراني.
وجميع ما ذكرته في هذا الباب من الأحاديث، وفيما قبله، وما بعده أرويه بحمد الله من طرق عديدة بروايات متنوعة عن مشايخي الأثبات -رحمهم الله تعالى، ونفع بهم- وإنما تركت الإثبات بالطرق في هذا الكتاب إيثاراً للاختصار، وحذفاً للتطويل والإكثار، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وبه التوفيق، وعليه التعويل.(1/81)
الباب الثالث: في ذكر ما يرجى من سعة رحمة الله تعالى، وبيان لطفه، وكرمه، وتفضله على عباده، وإكرامه لهم بشفاعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يوم معاده، وفي ذكر آثار وحكايات وأشعار مما يطمع في رحمة الله الرحيم الغفور.
وفيه خمسة فصول:
الفصل الأول في ذكر سعة رحمة الله تعالى، وبيان لطفه، وكرمه، وتفضله على عباده
روينا في صحيحي البخاري ومسلم، وجامع الترمذي رحمهم الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي تغلب غضبي)).(1/82)
[وفي رواية] ((غلبت غضبي)). وفي رواية ((سبقت غضبي)).
وروينا في صحيح مسلم عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق السموات والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة واحدة، فيها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة)).
وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي سعيد، وفي بعض الطرق عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((فإذا كان يوم القيامة رد هذه الرحمة على تلك التسعة والتسعين فأكملها مائة رحمة، حتى يرحم بها عباده يوم القيامة. وفي بعض الروايات: فإذا يوم القيامة جمعت الواحدة إلى التسعة والتسعين تكمل مائة رحمة، حتى إن إبليس ليتطاول إليها رجاء أن يصيب منها شيئاً)).
وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيً، فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبياً فأخذته فألصقته ببطنها، فأرضعته، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أترون هذه المرأة(1/83)
طارحة ولدها في النار))؟ فقلنا: لا والله، وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أرحم بعباده من هذه بولدها)).
وفي صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يوم القيامة دفع الله لكل مسلم يهودياً أو نصرانياً، فيقول: هذا فكاكك من النار)).
وفي سنن أبي داود عنه أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمتي أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا الفتن، والزلازل والقتل)).
وخرج أبو داود الطيالسي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن شئتم أنبأتكم بأول ما يقول الله عز وجل للمؤمنين يوم القيامة، وبأول ما يقولون له))؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: ((إن الله تعالى يقول للمؤمنين: هل أحببتم لقائي؟ فيقولون: نعم يا ربنا قال: وما حملكم على ذلك؟ فيقولون عفوك ورحمتك، ورضوانك. فيقول: فإني قد أوجبت لكم رحمتي)).(1/84)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فنشر عليه تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: تنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى لك عندنا حسنة، وأنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فيقال: إنك لا تظلم. فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله عز وجل شيء)).
رواه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن.
وفي صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له شيء من الخير إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسراً فيأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر قال الله عز وجل: أنا أحق بذلك منك، تجاوزوا عن عبدي)).(1/85)
وفي صحيح مسلم أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قيل له: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجوى؟ قال: سمعته يقول: يدنا المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: رب أعرف. قال: فيقول: فإني سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته، فأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله.
وأخرجه البخاري بمعناه، وقال في آخره: ((هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين)).
وروي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يوم القيامة خلا الله بعبده المؤمن يوقفه على ذنوبه ذنباً ذنباً، ثم يغفر الله عز وجل له، لا يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، ويستر عليه من ذنوبه ما يكره أن يقف عليها))، ثم يقول لسيئاته: ((كوني حسنات)). أخرجه مسلم بمعناه.(1/86)
وفي كتاب ((الديباج)) لأبي القاسم إسحاق بن إبراهيم الختلي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يدني الله العبد يوم القيامة، ويضع عليه كنفه، فيستره من الخلائق كلها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول له: ((اقرأ يا ابن آدم كتابك)) قال: فيمر بالحسنة فيبيض لها وجهه، ويمر بالسيئة فيسود لها وجهه. قال: فيقول الله تعالى: أتعرف يا عبدي؟ قال: فيقول: نعم يا رب أعرف. قال: فيقول: فإني أعرف بها منك، قد غفرتها لك، فلا تزال الحسنة تقبل فيسجد، وسيئته تغفر فيسجد. فلا ترى الخلائق منه إلا ذلك حتى تنادى الخلائق بعضها بعضاً: طوبى لهذا العبد الذي لم يعص قط. ولا يدرون ما لقي فيما بينه وبين الله عز وجل مما قد أوقفه عليه.
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب ((حسن الظن بالله)) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالس، إذ رأيته يضحك حتى بدت ثناياه، فقيل له: مم تضحك يا رسول الله؟ فقال: ((رجلان من أمتي جثيا بين يدي ربي عز وجل فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي، فقال الله تعالى: أعط أخاك مظلمته، فقال: يا رب، ما بقي من حسناتي شيء، فقال: يا رب، فليحمل من أوزاري، وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن ذلك اليوم ليوم يحتاج الناس فيه إلى أن تحمل عنهم(1/87)
أوزارهم، ثم قال الله تعالى للمطالب حقه: ارفع بصرك، فانظر إلى الجنان، فرفع رأسه فرأى ما أعجبه من الخير والنعم، فقال: لمن هذا يا رب؟ فقال: لمن أعطاني ثمنه. قال: ومن يملك ثمن ذلك؟ قال: أنت. قال: بم ذلك؟ قال: بعفوك عن أخيك. قال: يا رب: فإني قد عفوت عنه. قال: خذ بيد أخيك فادخلا الجنة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فاتقوا الله، وأصلحوا ذات بينكم؛ فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة)). ورواه الحاكم من حديث أنس، وقال: صحيح الإسناد.
وروى أبو عبد الله الترمذي الحكيم في ((نوادر الأصول))، عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن في مسجد المدينة، فقال: ((إني رأيت البارحة عجباً: رأيت رجلاً من أمتي جاءه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه بره بوالديه فرد عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر، فجاء وضوءه فاستنقذه من ذلك، ورأيت رجلاً من أمتي احتوشته الشياطين، فجاءه ذكر الله تعالى فخلصه من بينهم، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته ملائكة(1/88)
العذاب، فجاءته صلاته فاستنقذته من بينهم، ورأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشاً، كلما ورد حوضاً، منع منه فجاءه صيامه فسقاه فأرواه، ورأيت رجلاً من أمتي والنبيون قعود حلقاً حلقاً، كلما جاء لحلقة طردوه، فجاءه اغتساله من الجنابة فأخذ بيده، فأقعده إلى جنبي، ورأيت رجلاً من أمتي بين يديه ظلمة، وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة، ومن فوقه ظلمة، ومن تحته ظلمة، وهو متحير فيها، فجاءته حجته وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه النور. ورأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين فلا يكلموه، فجاءته صلة الرحم فقالت: معشر المسلمين، كلموه، فكلموه. ورأيت رجلاً من أمتي يتقي وهج النار وشررها بيده عن وجهه، فجاءته صدقته فصارت ستراً على وجه، وظللاً على رأسه. ورأيت رجلاً من أمتي قد أخذته الزبانية من كل مكان، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فاستنقذه من بينهم وأدخلاه مع ملائكة الرحمة. ورأيت رجلاً من أمتي جاثياً على ركبتيه بينه وبين الله حجاب، فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على الله تعالى. ورأيت رجلاً من أمتي قد هوت صحيفته من قبل شماله فجاءه خوفه من الله تعالى، فأخذ صحيفته فجعلها عن يمينه. ورأيت رجلاً من أمتي قد خف ميزانه، فجاءته أفراطه فثقلوا ميزانه. ورأيت رجلاً من أمتي قائماً على شفير جهنم، فجاء وجله من الله تعالى فاستنقذه من ذلك ومضى. ورأيت رجلاً من أمتي هوى في النار، فجاءته دموعه التي بكى بها من خشية الله في الدنيا فاستخرجته من النار. ورأيت رجلاً من(1/89)
أمتي على الصراط يزحف عليها أحياناً ويحبو أحياناً ويتعلق أحياناً، فجاءته صلاته علي فأخذت بيده وأقامته، ومضى على الصراط. ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة، فغلقت الأبواب دونه، فجاءه شهادة أن لا إله إلا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة.
وخرج الطبراني، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حضر ملك الموت عليه السلام رجلاً فنظر في كل عضوٍ من أعضائه، فلم يجد فيه حسنة، ثم شق عن قلبه فلم يجد فيه شيئاً، ثم فك لحيته فوجد طرف لسانه لاصقاً بحنكه يقول: لا إله إلا الله. قال: وجبت له الجنة، بقول كلمة الإخلاص)).
وفي سنن ابن ماجه، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى لا يعذب من عباده إلا المارد المتمرد الذي تمرد على الله وأبى أن يقول: لا إله إلا الله)).
وفي صحيح مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله، دخل الجنة)).(1/90)
وفيه أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه نعليه فقال: ((اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، فبشره بالجنة)).
وفي كتاب صفة الجنة لأبي نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما ثمن الجنة؟ قال: ((لا إله إلا الله)).
وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ فقال: ((ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة)). قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق)). قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق))، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق، على رغم أنف أبي ذر)). وكان أبو ذر رضي الله عنه، إذا حدث بهذا يقول: وإن رغم أنف أبي ذر، ورحمة الله تعالى أوسع من أن تحجر، وأشهر من أن تذكر.(1/91)
الفصل الثاني في ذكر شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأمته يوم القيامة
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً}.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} قال: ((هي الشفاعة)).
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا، كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه المقام المحمود)). رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: ((لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث(1/92)
أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال: لا إله إلا الله، خالصاً من قلبه، أو نفسه)). رواه البخاري.
وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل نبي دعوة، فأريد إن شاء الله أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة)). رواه البخاري ومسلم، وزاد في مسلم في بعض الروايات: ((فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً)).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)). رواه الترمذي، وخرجه ابن ماجه، وأبو داود الطيالسي من حديث جابر بن عبد الله بلفظه، وزاد الطيالسي: قال: فقال جابر: ((فمن لم يكن من أهل الكبائر فماله وللشفاعة)).
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نعم أنا بشرار أمتي. قيل: فكيف أنت بخيارها؟ قال: ((أما خيارها فيدخلون الجنة بأعمالهم، وأما شرارهم فيدخلون الجنة بشفاعتي)). رواه الدارقطني.(1/93)
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة؛ لأنها أعم وأكفى. أترونها للمتقين المصطفين؟! لا، ولكنها للمذنبين الخاطئين المتلوثين)). رواه ابن ماجه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قضى لأخيه حاجة كنت واقفاً عند ميزانه، فإن رجح، وإلا شفعت فيه)).
رواه أبو نعيم.
وروى الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أبي الضيف اليمني رحمه الله تعالى بسنده مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام نزل عليه صلى الله عليه وسلم بسبع بشارات لم يعطها أحداً من قبله؛ كرامةً له صلى الله عليه وسلم: أولها يقول الله تعالى: يا محمد، من أطاعني من أمتك كما ينبغي منه قبلت منه طاعته، ثم لا أكلفه، وأجزيه الجزاء على طاعته كما ينبغي مني، لا كما يليق به. الثانية: أنظر في جوارحه السبعة، فإن كانت ستة مذنبة، وواحدة مطيعة ذهبت الستة المذنبة للواحدة المطيعة. والثالثة: من تاب من المعاصي والآثام أخرجته من ذنوبه كيوم ولدته أمه. الرابعة: من أصر على الذنب، ابتليته بالأسقام والأمراض حتى أطهره على كره منه. الخامسة: من أذنب(1/94)
ذنباً يعلم أنه أساء، غفرت له ولا أبالي. السادسة: أفتح عليهم الهاوية أربعين يوماً والزمهرير أربعين يوماً أجعل ذلك حظهم من النار. السابعة: إذا قامت القيامة وقاموا بين يدي أحاسبهم حساب المولى الكريم للعبد الضعيف المسكين.
والأحاديث في المعنى أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، وإنما أوردنا منها هذا المقدار تبركاً للكتاب، والله سبحانه هو الهادي والموفق للصواب.(1/95)
الفصل الثالث في ذكر بعض ما أوحى الله تعالى إلى أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم
في ذلك أوحى الله سبحانه إلى موسى عليه السلام: ((يا موسى إني آليت على نفسي قبل أن أخلق السماوات والأرض والدنيا والآخرة أنه من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صادقاً، كتبت له براءة من النار، قبل أن يموت بعشرين سنة، ووصيت منكراً ونكيراً إذا دخلا عليه أن لا يروعانه. يا موسى، من لقيني بشهادة أن لا إله إلا الله مرة طول دهره، استحييت أن أعذبه يوم القيامة. يا موسى، لولا من يحمدني ما أنزلت من السماء قطرة، ولا أنبت في الأرض حبة. يا موسى، لولا من يقول: لا إله إلا الله، لسلطت جهنم على أهل الدنيا. يا موسى، لولا من يدعوني لتباعدت من خلقي. يا موسى، أتحب ألا أخذلك في القيامة؟ قال: نعم يا رب. قال: فامش ولسانك رطب من ذكري. يا موسى، إن في أمة محمد صلى الله عليه وسلم رجالاً ينادون على كل شرف بشهادة أن لا إله إلا الله، فجزاؤهم على جزاء الأنبياء، ورحمتي عليهم وغضبي بعيد عنهم لا أسلط عليهم في أطباق الثرى الدود ولا منكراً ونكيراً يروعونهم. يا موسى، لا أحجب باب التوبة عن أحد منهم ما دام يقول: لا إله إلا الله بقلبه ولسانه.(1/96)
وأوحى الله تعالى إليه: يا موسى، أنا أرحم من لقيني، وقد عرف أني أغفر وأرحم، لا أناقشه المعصية، وأغفر له تطولاً عليه بالرحمة.
وأوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه: بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي وما يكابدون في طلب مرضاتي، أتراني أنسى لهم عملاً؟! كيف وأنا أرحم الراحمين بخلقي، ولو كنت معاجلاً بالعقوبة أحداً لعاجلت بها القانطين من رحمتي، ولو يرى عبادي المؤمنون كيف أستوهبهم ممن ظلموه ثم أحكم لمن وهبتهم بالخلد المقيم في جواري، إذاً ما اتهموا فضلي وكرمي.
وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام أن حببني إلى خلقي. قال: وكيف أحببك إليهم؟ قال: اذكرني بالحسن الجميل، وعرفهم آلائي وإحساني)).
وأوحى الله تعالى إليه: يا داود، أنذر الصديقين وبشر الخاطئين، فعجب داود قال: إلهي، كيف أبشر الخاطئين، وأحذر الصديقين؟ فقال تعالى: ((قل للصديقين: لا يعجبوا، وقل للخاطئين: لا تقنطوا من رحمتي)).
وأوحى الله تعالى إليه: يا داود، إن من منتي على عبادي أن أخفيت عنهم غضبي، ولو أطلعتهم عليه لهلكوا، وأخفيت عنهم رضائي، ولو(1/97)
أطلعتهم عليه لبطروا، ولكني أتركهم بين خوف ورجاء، فمن خافني أمنته، ومن رجاني أعطيته)).
وكان يحيى بن زكريا إذا لقي عيسى بن مريم -صلوات الله وسلامه عليهما وعلى نبينا- عبس، وإذا لقيه عيسى تبسم. فقال له عيسى: تلقاني عابساً كأنك آيس. وقال له يحيى: تلقاني ضاحكاً كأنك آمن. فأوحى الله سبحانه تبارك وتعالى إليهما أن أحبكما إلي أحسنكما ظناً بي.
وروي أن موسى عليه السلام قال في مناجاته: يا رب، إذا سألك العارف وقال: يا رب، ماذا تقول له؟ قال: لبيك. قال: فإذا سالك العابد ماذا تقول؟ قال: لبيك. قال: فإذا سألك الزاهد ماذا تقول له؟ قال: لبيك. قال: فإذا سالك العاصي ماذا تقول له؟ قال: لبيك مرتين. قال: يا رب كيف ذلك؟ قال: ((لأن كلاً من هؤلاء يدلي بعمل، والعاصي لم يقبل علي إلا بعد افتقاره إلي، فهو ينادي بذل، وافتقار، وخضوع، وانكسار، وأنا عند المنكسرة قلوبهم)).
وروي أن موسى صلى الله عليه وسلم لما دفن أخاه هارون عليه السلام، ذكر مفارقته له وظلمة القبر، فأدركته الشفقة، فبكى، فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى، لو أذنت لأهل القبور أن يخبروك بلطفي بهم لأخبروك. يا موسى، لم أنسهم على ظاهر الأرض أحياء مرزوقين، أفأنساهم في باطن الأرض أمواتاً مقبورين؟ يا موسى، إذا مات العبد لم أنظر إلى كثرة معاصيه، ولكن أنظر إلى قلة حيلته. فقال موسى عليه السلام: يا رب، من أجل ذلك سميت أرحم الراحمين)).(1/98)
الفصل الرابع في ذكر آثار وحكاياتٍ مطابقة للمعنى
قال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: ((عمود الدين وغاية مجده وذروة سنامه حسن الظن بالله تعالى، فمن مات منكم، وهو يحسن الظن بالله تعالى دخل الجنة مدلاً)).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((والله الذي لا إله غيره، لا يحسن أحد الظن بالله تعالى إلا أعطاه الله ظنه؛ وذلك أن الخير بيده)).
وقال أيضاً رضي الله عنه: ((والله الذي لا إله إلا هو، ما أعطي عبدٌ عطاءً خيراً من حسن الظن بالله تعالى)).
[ورؤي مالك بن دينار في المنام بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: قدمت على ربي بذنوب كثيرة، محاها عني حسن الظن بالله تعالى].(1/99)
ورؤي ابن عباس في المنام بعد موته وكان يكثر ذكر الرجاء، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: أوقفني بين يديه وقال: ما حملك على ذلك؟ فقلت: يا رب، أردت أن أحببك إلى خلقك. فقال: اذهب، فقد غفرت لك)).
وسئل سعيد بن المسيب عن قوله تعالى: {فإنه كان للأوابين غفوراً} فقال: هو الرجل يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب)).
وقيل للحسن: الرجل يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب إلى متى؟ قال: ما أعرف هذا إلا من أخلاق المؤمنين)).
وقال إبراهيم بن أدهم: ((خلا بي الطواف ليلة وكانت مطيرة، فوقفت في الملتزم، فقلت: يا رب، اعصمني حتى لا أعصيك أبداً، فهتف بي هاتف فقال: يا إبراهيم، تسألني العصمة، وكل عبادي يطلبون ذلك، فإذا عصمتهم فعلى من أتفضل، ولمن أغفر؟)).
وقال بكر بن سليم الصواف: ((دخلنا على مالك بن أنس رحمه الله تعالى، فقلنا: كيف تجدك يا أبا عبد الله؟ فقال: ما أقول لكم؟ إنكم(1/100)
سترون عفو الله تعالى ما لم يكن لكم في حساب، ثم ما برحنا حتى أغمضناه)).
وقال الأوزاعي: ((إذا خرجت من الدنيا بكلمة التوحيد، فلا أبالي أن ألقى الله عز وجل بذنوب أهل الأرض)).
ورؤيت زبيدة في المنام، فقيل لها: ما فعل الله بك؟ فقالت: غفر لي بهؤلاء الكلمات الأربع: لا إله إلا الله أفني بها عمري، لا إله إلا الله أدخل بها قبري، لا إله إلا الله أخلو بها وحدي، لا إله إلا الله ألقى بها ربي)).
ورؤي الإمام مالك بن أنس في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بكلمة كان يقولها عثمان بن عفان رضي الله عنه عند رؤية الجنازة: ((سبحان الحي الذي لا يموت)) فكنت أقولها.
ومات بعض الخائفين فرئي في المنام بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: أقامني بين يديه حتى قال: لما خفتني كل ذلك الخوف؟ أما علمت أني كريم؟)).(1/101)
وقال الإمام الولي خطيب الدين إسماعيل بن محمد الحضرمي رحمه الله لأصحابه: لا توجسنكم الذنوب من الله على كل حال وعلى أي حال كنتم، فلجوا الباب؛ فلقد جرى علي مقام بين يدي الله عز وجل حتى رأيت الخوف من الكبائر.
وأتى رجل إلى رابعة العدوية، فقال لها: إني قد أكثرت من الذنوب والخطايا، أفإن تبت يقبلني؟ فقالت: ويحك، أما سمعته يدعو المدبرين عنه، فكيف لا يقبل على المقبلين.
وقال يحيى بن معاذ: رجاء العبد المؤمن أكثر من خوفه؛ وذلك لأن مسقى الخوف من بحر الغضب، ومسقى الرجاء من بحر الرحمة، وقد سبق في قضائه أن رحمته سبقت غضبه.
وقال وهب بن منبه: ((رأيت في بعض الكتب عن الله سبحانه وتعالى: إني لأستحي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام ثم أعذبهما بعد ذلك، لو لم يعصوني عبادي لخلقت خلقاً يعصوني ويستغفروني فأغفر لهم)).
وكان رجل يكثر من قوله: ((إلهي أبطأت، إلهي أبطأت، فهتف به هاتف ذات يوم: لم تبطئ وإنما أبطأ من مات ولم يتب)).(1/102)
وقال محمد بن المنكدر: ((قلت ليلةً في الطواف: اللهم اعصمني، وأقسمت على الله طويلاً، فرأيت في المنام كأن قائلاً يقول لي: أنت الذي قلت: اعصمني؟ فقلت: نعم. فقال: إنه لا يفعل. فقلت: لم؟ قال: إنه يريد أن يعصى حتى يغفر)).
ورئي بعضهم في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: أقامني وأعطاني كتابي، فمررت بسيئة فخجلت أن أقرأها، فقال: لابد من قراءتها. فقلت: إلهي: لا تفضحني. فقال: الوقت الذي لم تستح مني فيه ما فضحتك، فكيف أفضحك الآن، وأنت تستحي.
وكان الحسن بن شمعون يقول: إذا قال العبد: إلهي عصيت، يقول الله عز وجل: عبدي وأنا رأيت، فإذا قال: إلهي بالفضول نطقت، يقول الله عز وجل: عبدي، وأنا شهدت، فإذا قال: إلهي ندمت، يقول الله عز وجل: عبدي وأنا علمت، فإذا قال: إلهي اعترفت، يقول الله عز وجل: عبدي وأنا عفوت، فإذا قال: إلهي قد تبت. يقول الله عز وجل: عبدي وأنا قبلت.
وحكي عن بعضهم أنه قال يوماً: إلهي، أنا عصيت، وأنا جنيت، وأنا خالفت، وأنا أخطأت، فسمع هاتفاً يقول: وأنا سترت، وأنا صفحت، وأنا غفرت، وأنا عفوت.(1/103)
وحكي عن الأصمعي قال: رأيت في الموقف أعرابياً وسمعته يقول: إلهي، إليك خرجت وأنت أخرجتني، وعليك قدمت وأنت قدمتني، وبمنك أطعت، وأنت وفقتني، وبعلمك عصيت، ولا عذر لي، فبالذي أتيت حجتك علي إلا غفرت لي ذنبي. قال الأصمعي: فسمعت هاتفاً يقول: لو أن ذنوبك كقطر المطر، وورق الشجر، وعدد الرمل والحصى لغفرنا لك بهذا العهد إلي والإقبال منك علي ودعائك إياي.
وحكي عن الكلاباذي -رحمه الله- قال: (رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، والحق سبحانه يناقشني الحساب، ووقعت في كرب عظيم، وإذا رجل ملاح كان في جواري قد طالبه أرباب الديون بواجب كان عليه، ولا شيء معه، فأديت عنه ذلك القدر في الدنيا، ثم انصرفت، وهو يقول: فرج الله عنك كما فرجت عني، فرأيت ذلك الرجل وافقاً بين يدي الله تعالى، فقال لله تعالى: إلهي، عبدك هذا قد نفس عني كربة من كرب الدنيا، فقال الله تعالى: إني قد عفوت عنه بشفقته عليك.
ومات بعض الصالحين فرآه بعض إخوانه في المنام، فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي ربي، فقال: بماذا؟ فقال: كان في الدنيا(1/104)
ألهمني أن أقول: يا رب كل شيء، بقدرتك على كل شيء، اغفر لي كل شيء، ولا تسألني عن شيء. فلما مت أوقفني بين يديه، فقال: يا عبدي ادعني كما كنت تدعوني في الدنيا. قال: فقلت: يا رب كل شيء، فقال: صدقت يا عبدي، إنا رب كل شيء، فقلت: بقدرتك على كل شيء، فقال: صدقت، أنا قادر على كل شيء، فقلت: اغفر لي كل شيء، فقال: قد غفرت لك كل شيء، فقلت: ولا تسألني عن شيء، فقال: ادخل الجنة برحمتي وأنا أرحم الراحمين).
ومات بعض العصاة، فأتي بجنازته ليصلى عليه، فرأى سفيان الجنازة فهرب لا يصلي عليه، فلما كان في الليل رآه في المنام في حلتين، يتبختر في الجنة، فقال له: يا عاصي، بم نلت هذه المنزلة؟ فقال: بهروبك عن جنازتي، واستخفافك بي.
وحكي أن رجلاً من بني إسرائيل كان كثير المعاصي، ثم أنقذه الله، فأقبل على طاعة الله، وأعرض عن معاصيه، فلما كان في آخر عمره قال لأهله: هل تعرفون لي من شفيع عند الله؟ قالوا: لا، أما الأنبياء، فلا يقبلون عليك، وأما الصالحون فلا ينظرون إليك، فعلى من ندلك. فلما سمع كلامهم خرج هائماً على وجهه، فأتى بعض الأودية، ووضع خده على الأرض، ورفع طرفه نحو السماء، وأخذ يتضرع ويقول: إلهي أنت العالم بضري، وقد جئتك بفقر فادح، وعمل غير صالح، فاصنع بي ما يليق بكرمك يا كريم، فناده هاتف من أقصى الوادي: يا هذا ما يصنع الرحيم(1/105)
الرؤوف لمن وقف بين يديه هذا الوقوف، قد بدلنا السيئات بالحسنات، ورفعنا لك الدرجات في الجنة.
وحكى أبو غالب قال: كنت مسافراً إلى أبي أمامة بالشام فدخلت يوماً على فتىً مريض من جيران أبي أمامة وعنده عم له، وهو يقول: يا عدو الله ألم آمرك، ألم أنهك؟ فقال الفتى: يا عماه لو أن الله دفعني إلى والدتي كيف كانت صانعة بي؟ قال: تدخلك الجنة. قال: الله أرحم بي من والدتي. وقبض الفتى فدخلت القبر مع عمه، فلما أن سواه صاح وفزع، فقلت له: ما لك؟ قال: فسح له في قبره وملئ نور.
وحكي أن رجلاً كان يتعاطى الفواحش، فلم يدع شيئاً إلا فعله، فمرض فلم يعده جيرانه، فدعا بعضهم وقال: إن جيراني قد تأذوا مني في حال حياتي، وما أحب أن أوذي الموتى بعد وفاتي، فإذا أنا مت فادفني في زاوية بيتي، فلما مات رئي في المنام على هيئة حسنة، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: قال لي: أي عبدي، ضيعوك وأعرضوا عنك، أما إني لا أضيعك ولا أعرض عنك.
وحكي عن بعضهم أنه قال: ((كان في جيراني رجل شرير، فلما مات رفعت جنازته فتنحيت عن الطريق حتى لا أحتاج أن أصلي عليه، فرئي(1/106)
الرجل في المنام على حالة حسنة، فقال له الرائي: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، وقال لي: قل لأيوب - يعني ذلك الرجل الذي لم يصل عليه: {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق})).
ويحكى عن أبي قلابة قال: (كان لي ابن أخ يتعاطى الشراب، فمرض فبعث إلي ليلاً أن الحق بي، فأتيته، فرأيت أسودين قد دنيا منه، فقلت: إنا لله قد هلك ابن أخي، فاطلع أبيضان من الكوة التي في البيت، فقال أحدهما لصاحبه: انزل إليه، فلما نزل إليه تنحى الأسودان، فجاء فشم فاه، فقال: ما أرى فيه ذكر الله، ثم شم بطنه، فقال: ما أرى فيه صوماً، ثم عاد فشم رجليه، فقال: ما أرى فيهما صلاة، فقال له صاحبه: ويحك عد فانظر، فعاد فشم فاه، فقال: ما أرى فيه ذكراً، ثم عاد فشم بطنه، فقال: ما أرى فيه صوماً، ثم عاد فشم رجليه، فقال: ما أرى فيهما صلاة، فقال: ويحك رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليس معه شيء من الخير، اصعد حتى أنزل أنا، فنزل الآخر فشم فاه، فقال: ما أرى فيه ذكراً، ثم شم بطنه، فقال: ما أرى فيه صوماً، ثم شم رجليه، فقال: ما أرى فيهما صلاة، ثم عاد فأخرج طرف لسانه، فقال الله أكبر أراه قد كبر تكبيرة في سبيل الله يريد بها وجه الله، بأنتاكية، ثم فاضت نفسه، فشممت(1/107)
في البيت رائحة المسك، فلما صليت الغداة قلت لأهلي: هل لكم في رجل من أهل الجنة، وحدثتهم بحديث ابن أخي، فلما بلغت ذكر أنتاكية قالوا: ليست أنتاكية، إنما هي أنطاكية فقلت والله لا أسميها إلا كما سماها الملك.
ويحكى عن مالك بن دينار، قال: (رأيت بالبصرة قوماً يجلسون حول جنازة وليس يحمله أحد، فسألتهم عنه، فقالوا: هذا رجل من كبار المذنبين وعظماء المسرفين، وقد امتنع الناس من تشييع جنازته، وليس له صديق، قال: فأقمت حتى صليت عليه وأنزلته في حفرته، ثم انصرفت إلى ظل هناك، فنمت فرأيت ملكين قد نزلا من السماء، فشقا قبره، فنزل أحدهما، فقال له صاحبه: يا أخي لا تعجل عليه واختبر عينيه، فقال: قد اختبرتهما، فوجدتهما مملوءتين بالنظر إلى ما لا يحل، قال: فاختبر لسانه، قال: قد اختبرته فوجدته مملوءاً بالخوض في الباطل، قال: فاختبر أذنيه، فقال: قد اختبرتهما فوجدتهما مملوءتين بسماع ما لا يحل، قال: فاختبر يديه، فقال: قد اختبرتهما، فوجدتهما مملوءتين بتناول الحرام، قال: فاختبر رجليه، قال: قد اختبرتهما فوجدتهما مملوءتين بالسعي إلى الحرمات، فقال له: يا أخي لا تعجل، ودعني حتى أنزل إليه، فنزل إليه وأقام ساعة، ثم قال: قد اختبرت قلبه فوجدت فيه ذرة من التوحيد. اكتبه مرحوماً).(1/108)
وحكي عن بعض الصالحين، قال: ((كان إلى جانبي عجوز، وكان لها ولد مسرف على نفسه، فلما حضرته الوفاة، قال: يا أماه، ضعي خدي على الأرض، ففعلت، وجعل يبكي، فلما أشرف على الموت قال: يا أماه، بالله عليك لا تعلمي أحداً بموتي، واجعلي قبري في بيتي، فإني آذيت جيراني من الأحياء، وما أحب أن أوذي جيراني من الأموات، ففعلت ما أوصاها به ودفنته في بيته، فلما كان في بعض الليالي رأته في المنام في رياض حسنة، وقصور مزينة، وبين عينيه مكتوب بالنور: قد اعترف بذنبه فعتق، فقالت: فقلت له: يا ولدي كيف وصلت إلى هذه المنزلة، فقال: لما قبضت أوقفني الحق بين يديه، فقال: يا عبدي هجرك الناس حنقاً عليك، وغلقوا أبواب الرحمة دونك، كأن عفوي ضاق عن سيئاتك، أو كأن خزائن ملكي مفتقرة إلى حسناتك، اذهب قد غفرت لك)).
وقال بعض الصالحين: كان إلى جانبي شاب من المسرفين على نفسه، فلما حضرته الوفاة جلس أهله يبكون حوله، وجعلت أمه توبخه وتلومه على ما كان يصنع، وجعل أبوه يقول له: يا بني: هذا المصرع الذي حذرتك، هذا المضجع الذي أنذرتك، ثم وضع وجهه على وجهه، وجعل يقول:
قد كنت أنذرتك الحمام وخطبه ... فلهوت عن ميعاده متى أتى
واحسرتا لو كان يرجع ما مضى ... أو كان قولي نافعي واحسرتا(1/109)
فلما سمعه الشاب فتح عينيه، وأشار إلى أبيه وإلى أمه أن اقتربا مني فقربا منه، فقال لهما: لو أن الله عز وجل رد أمري إليكما هل كنتما تعذبانني؟ فقالا: لا والله، بل لو أمكننا فديناك بأنفسنا. فقال: والله، إن الله أرحم بي منكما، وأبر، ولقد وصل إلى بره ورأفته قبل أن يكون منكما شيء من ذلك، ثم مات من ساعته، فرئي بعد موته في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: أوقفني بين يديه، وقال لي: يا عبدي من أين علمت أني أرحم بك من أمك وأبيك، وأن رأفتي وصلت إليك قبل رأفتهما؟ فقلت: يا رب، حين كنت في الأحشاء وصورتني، وحفظتني، ووقيتني، وغذيتني، ولم تزل تلطف بي إلى أن أخرجتني في أحسن تقويم، فمن أبر بي منك يا رب؟ فقال: صدقت يا عبدي، اذهب فقد غفرت لك)).
ويحكى أنه حضر الحسن البصري في جنازة، فجاء الفرزدق وجلس إلى جنبه، وقال: الساعة تقول الناس: اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وشر الناس، فقال الحسن: ما أنا بخيرهم، ولا أنت بشرهم، لكن ما أعددت لهذا اليوم؟ فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، منذ سبعين سنة، فقال: نعم -والله- لعدة. فلما مات الفرزدق رآه بعض أصحابه في المنام على هيئة حسنة، فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بالكلمة التي قلتها للحسن.(1/110)
وذكر ابن أبي الوفاء في ((طبقات الحنفية)) في ترجمة الحسن بن عثمان الزيادي أنه رأى رب العزة عز وجل في المنام، قال: ((رأيت نوراً عظيماً لا أحسن أصفه، ورأيت فيه شخصاً وقع لي أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه يشفع لرجل من أمته، وسمعت قائلاً يقول: أو لم يكفك أني نزلت عليك في سورة الرعد المذكورة: {وإن ربك لذو مغفرةٍ للناس على ظلمهم}، قال: ثم انتبهت)). والحسن من أصحاب القاضي أبي يوسف، صاحب أبي حنيفة رحمهم الله تعالى.
ويحكى عن علي بن الموفق الصوفي -رحمه الله- قال: ((رأيت رب العزة تبارك وتعالى في المنام، فقلت: يا رب قد وهبت حسناتي لأمة محمد، فعاقبني بسيآتهم، فناداني الرب عز وجل: أنت الذي يتكرم على عبادي، وأنا الكريم، فوعزتي وجلالي لأغفرن لمن قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله مخلصاً حقاً، ثم اكتنفني في رحمته فأدخلني الجنة)).
وسئل الإمام أحمد -رحمه الله- عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم: أيدخلون الجنة كلهم؟ فقال: نعم، فقيل له: ما الدليل على ذلك؟ قال: قول الله(1/111)
تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً}، فقيل له: هذا لمن اجتنب الكبائر، فما الدليل لمن لم يجتنبها؟ فقال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)).
وحكي أن أبا العباس بن سريج -رحمه الله تعالى- رأى في منامه في مرض موته كأن القيامة قامت، وإذا الجبار سبحانه وتعالى يقول: أين العلماء؟ فجاءوا فقال لهم: ماذا عملتم فيما علمتم؟ فقالوا: يا رب قصرنا وأسأنا، قال: أعاد السؤال كأنه لم يرض الجواب، فقلت: أما أنا فليس في صحيفتي الشرك، وقد وعدت أن تغفر ما دونه، فقال: اذهب فقد غفرت لك. ومات بعد ذلك بثلاث ليالٍ، رحمه الله تعالى.
وحكي عن الفقيه الصالح أبي بكر بن يوسف المكي الحنفي رحمه الله، قال: ((رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، وأحضرت الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، فقال لهم الحق سبحانه وتعالى: أرسلت إليكم رسولاً واحداً فجعلتموها أربع شرائع(1/112)
فلم يتكلم أحد فأعاد السؤال، فقال الإمام أحمد: يا رب إنك قلت، وقولك الحق: {لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً}، قال: تكلم، فقال: يا رب من شهودك علينا؟ فقال: الملائكة، فقال: يا رب لنا فيهم القدح، حيث قلت وقولك الحق: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفةً قالوا أتعجل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}، فشهدوا على أبينا آدم قبل وجوده. فقال: جلودكم تشهد عليكم، فقال: يا رب، كانت الجلود في الدنيا لا تنطق، وهي اليوم تنطلق مكرهة، وشهادة المكروه لا تصح، فقال تعالى: أنا شاهد عليكم، فقال: حاشاك يا رب حاكم وشاهد، فقال: اذهب فقد غفرت لكم.
والحكايات في هذا المعنى كثيرة، شهيرة، ورحمة الله واسعة كبيرة.(1/113)
الفصل الخامس في ذكر أشعار مناسبة لموضوع هذا الكتاب
للإمام الشافعي، رضي الله عنه:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منة وتكرما
وعبيد بن سفيان العكلي -رحمه الله- وكان الحجاج يكررها عند موته:
يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا ... أيمانهم أنني من ساكني النار
أيحلفون على عمياء ويحهم ... ما ظنهم بعظيم العفو غفار(1/114)
وللإمام أبي الفرج، عبد الرحمن بن الجوزي - رحمه الله ونفع به:
يا كثير الصفح عمن ... كثر الذنب لديه
حال المذنب يرجو ... لعفو عن جرم يديه
هو ضيف وجزاء ... الضيف إحسان إليه
وللحافظ، أبي الوليد، عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي القرطبي المعروف بابن الفرضي رحمه الله تعالى:
أسير الخطايا عند بابك واقف ... على وجل مما به أنت عارف
يخاف ذنوباً لم يغب عنك علمها ... ويرجوك فيها فهو راج وخائف
فيا سيدي لا تخزني في صحيفتي ... إذا نشرت يوم الحساب الصحائف
وكن مؤنسي في ظلمة القبر عندما ... يصد ذوو القربى ويجفو الموالف
لئن ضاق عني عفوك الواسع الذي ... أرجو لإسرافي فإني لتالف(1/115)
وللحسن بن هاني، المعروف بأبي نواس - رحمه الله تعالى:
لقد كنت بالنيران أوعدت من عصى ... فوعدك بالغفران لمن جاء خائف
وإن كنت موصوفاً ببطش وقوة ... فمن وصفك الإحسان والمن واللطف
ركبنا خطايانا وسترك مسبل ... وليس لشيء أنت ساتره كشف
إذا نحن لم نهفو وتعفو تكرماً ... فمن غيرنا يهفو وغيرك يغفر
وله أيضاً رحمه الله وتجاوز عنه:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فبمن يلوذ ويحتمي المجرم
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا ... لعظيم عفوك ثم إني مسلم
وللإمام علم الدين السخاوي -رحمه الله تعالى- أنشدها عند وفاته:
قالوا غداً تأتي ديار الحمى ... ويتنزل الركب بمغناهم
فكل من كان مطيعاً لهم ... أصبح مسروراً بلقياهم
قلت علي ذنب فما حيلتي ... بأي وجه أتلقاهم(1/116)
قالوا فإن العفو من شأنهم ... لا سيما عمن ترجاهم
وللإمام الحافظ أبي القاسم السهيلي - رحمه الله:
يا من يرى ما في الضمير ويسمع ... أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلها ... يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول كن ... امنن فإن الخير عندك أجمع
ما لي سوى فقري إليك وسيلة ... وبالافتقار إليك فقري أدفع
ما لي سوى قرعي لبابك حيلة ... فلئن رددت فأي باب أقرع
ومن الذي أرجو وأهتف باسمه ... إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشا لجودك أن تقنط عاصياً ... الفضل أجزل والمواهب أوسع
وللشيخ شمس الدين بن اللبان رحمه الله تعالى، ونفع به:
يا عبدنا الآبق عن بابنا ... ارجع إلينا تلق منا الوداد
وابك وتب واندب على ما مضى ... أنت فقير، ما مضى لا يعاد
كم مذنب مثلك لما أتى ... مستغفراً قد نال منا المراد(1/117)
نحن الذي من عاد عدنا له ... وفاز بالتقريب بعد البعاد
نحب من آب ومن جاءنا ... متكسراً ذا ذلة وانقياد
دموعه تجري ونيرانه ... ذات وقود في صميم الفؤاد
ليس له من شافع عندنا ... إلا البكاء وخوف يوم المعاد
ولمؤلف الكتاب -جبر الله كسره وكشف ضره آمين، آمين، آمين-:
قال النصيح أما تخاف غداً إذا ... حشر الورى شؤم المعاصي والحرم
قلت استمع مني كلامي يا أخي ... ماذا يكون من الكريم سوى الكرم(1/118)
خاتمة
قال مؤلفه -وفقه الله لمراقبته، وأنجح بفضله مساعيه-:
انتهى بعون الله ما أردت جمعه من هذا الكتاب، وقد أتى -بحمد الله- تحفة لأولي البصائر والألباب، تقر به أعين أهل الوداد، وتسكن إليه قلوب أهل الصدق من العباد، وقد رأيت أن أذكر هاهنا سيد الاستغفار الذي ورد عن المصطفى المختار صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه الأبرار، وأذكره بالسند الصحيح متصلاً مني إليه صلى الله عليه وسلم، وأسأل الله تعالى أن يصل سببي بسببه، ويرزقني بخدمة حديثه والسعي في تطلبه الفوز الأعظم، وأقول معتصماً بالله، متوكلاً عليه: أخبرني شيخنا الإمام، خاتمة الحفاظ، خادم السنة، أبو العباس زين الدين أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الشرجي -رحمه الله تعالى، وجزاه عني خيراً- قراءة مني عليه في سنة ست وثمانين وثمانمائة بمنزله من مدينة زبيد -حرسها الله(1/119)
تعالى- قال: أخبرني شيخنا الإمام الحافظ، نفيس الدين أبو الربيع سليمان بن إبراهيم بن عمر العلوي -رحمه الله تعالى- إجازة إن لم يكن سماعاً بمدينة تعز -حرسها الله تعالى- في سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة قال: أخبرني الشيخ الإمام الحافظ شرف الدين، شيخ المحدثين، موسى بن مري بن علي الدمشقي، المعروف بالغزولي قراءة عليه في سنة خمس وتسعين وسبعمائة، قال: أخبرنا الشيخ الإمام، المسند أبو العباس، أحمد بن أبي طالب الحجار الصالحي، سماعاً عليه في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، قال: أخبرنا الشيخ الصالح، أبو عبد الله الحسين بن المبارك بن محمد بن يحيى بن الزبيدي البغدادي سماعاً منه(1/120)
في سنة ثلاثين وستمائة، قال: أخبرنا الإمام الحافظ، أبو الوقت، عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي الصوفي، سماعاً منه في شهر صفر سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، قال: أخبرنا الشيخ الإمام، أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداوودي البوشنجي، سماعاً منه في سنة خمس وأربعين وأربعمائة، قال: أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه الحموني السرخسي، سماعاً منه في شهر صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، قال: حدثنا الإمام أبو عبد الله، محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر بن إبراهيم الفربري، سماعاً منه في سنة خمس عشرة، أو ست عشرة وثلاثمائة، قال: أخبرنا الإمام الحافظ الكبير، سيد حفاظ الإسلام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة،(1/121)
الجعفي البخاري -رحمه الله تعالى- سماعاً عليه مرتين، مرة بفربر سنة ثمان وأربعين ومائتين، ومرة ببخارى سنة اثنين وخمسين ومائتين قال: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، أنبأنا الحسين، أنبأنا عبد الله بن بريدة، حدثني مبشر بن كعب العدوي، قال: حدثني شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: ومن قالها من النهار موقناً، فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة)).(1/122)
وبهذا الإسناد إلى الإمام أبي عبد الله البخاري -رحمه الله- أروي جميع جامعه الصحيح قراءة مني على شيخنا، مقدم الذكر -رحمه الله تعالى- وقرأت عليه من الكتب التي رويت منها في كتابي هذا ما عدا صحيح البخاري، وصحيح الإمام مسلم بن الحجاج القشيري، وموطأ الإمام الكبير، إمام دار الهجرة، أبي عبد الله مالك بن أنس الأصبحي، وسنن الإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، وكتاب عمل اليوم والليلة للحافظ أبي بكر، محمد بن إسحاق السني -رحمهم الله تعالى- وغير ذلك، وأجازني -رحمه الله- رواية جميع كتب الحديث عنه وسائر ما يحرر له، وعنه بروايته من فنون العلم النافع.
ولي بحمد الله تعالى غيره مشايخ كثيرون يزيدون على العشرين، أضربت عن ذكرهم إيثاراً للاختصار ولئلا يسأم مطالع هذا الكتاب ومحصله من التطويل والإكثار. ولله الحمد والمنة على ما أولاني من فضله الشامل، وأثابني من بره الكامل وإحسانه الكامل.
اللهم نسألك توبة نصوحاً، وعملاً صحيحاً، والتوفيق للعمل الصالح، والاهتداء إلى فعل الخيرات والمصالح، وأن تبارك لنا في عملنا وتتقبل منا صالح عملنا، وأن تختم لنا بالخير عند انقضاء آجالنا، وتعاملنا بخفي ألطافك في جميع أحوالنا، والحمد لله الذي هدانا لهذا الكتاب، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. اللهم صل وسلم عن سيدنا محمد، النبي الأمي، وعلى آل محمد، وأزواجه، وذريته، كما صليت على(1/123)
إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد، النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، واختم لنا بالخير، وأصلح لنا شأننا كله في الدين والدنيا والآخرة، وما هممنا به، وما لم نهتم به، وكن لنا متولياً في جميع الأحوال، وافعل ذلك بوالدينا ومشايخنا، وأحبابنا، وإخواننا، وأصحابنا، ومن أوصانا بالدعاء، ومن أحسن إلينا، وبجميع المسلمين. آمين يا رب العالمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال مؤلفه - وفقه الله لصالح العمل وختم له بخير عند انقضاء الأجل: فرغت من جمعه في مستهل ربيع الأول، سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة بمدينة زبيد -حرسها الله تعالى- والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وتمت نساخة هذا الكتاب بعون الملك الوهاب في يوم الجمعة، غرة شهر مبارك محرم الحرام سنة ثمانية عشر وتسعمائة.(1/124)