نوادر المخطوطات 1
بحتقيق عبد السلام هارون المجموعة الاولى 1الرسالة المصرية، لأبى الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسى المتوفى سنة 528
2 - كتاب المردفات من قريش، لأبى الحسن على بن محمد المدائنى المتوفى سنة 225
3 - كتاب من نسب إلى أمه من الشعراء، صنعة محمد بن حبيب المتوفى سنة 245
4 - تحفة الأبيه، فيمن نسب إلى غير أبيه، لمجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزابادى المتوفى سنة 817
الطبعة الثانية 1393هـ 1972م
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر محمد محمود الحلبى وشركاه خلفاء(1/1)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
تقديم
هذه المكتبة العربية التى كانت منار الثقافة الإنسانية دهرا طويلا، ولا تزال تشعّ من نورها وضيائها على جنبات الدنيا، وتتغلغل تغلغلا عميقا فى زوايا الحضارات على شتى أصولها. هذه المكتبة لم تلق بعد ما تستوجب من عناية، ولا ما تستحق من خدمة واجبة. وكنت وما أزال أتحدث بجهد إخواننا فى العلم المستشرقين، لذين بادروا إلى إنقاذ الكنز، فكان لهم بذلك فضل التنبيه.
وكان مما صنع الله لهذه الكنوز أن قيّض لإثارتها، ونفض غبارها، طائفة ممن نصبوا أنفسهم لهذا العمل المجهد الشاق، يبغون بذلك الإسهام فى نشر العلم، وفى بيان أمجاد الغابرين من الأجداد، وتوطيد الصلة بين علمهم الأصيل ومعارفنا المستحدثة. وأذكر فى طليعة هؤلاء الناشرين الرجل العبقرى المرحوم «السيد محمد أمين الخانجى»، الذى أمد المكتبة العربية بعدد هائل من المطبوعات العربية التى لو لم تمتد يده إليها لبقيت إلى الآن مطمورة فى النسيان. وأذكر معه العلامة المحقق الجليل المغفور له «أحمد زكى باشا»، وهو أول عربى أشاع أساليب النشر الحديثة، ونظم الطبع الجديدة، فى كتبنا هذه العربية فلهما من الله الرحمة والجزاء لقاء ما قدما من فضل عظيم.
وإنه لمما يثلج الصدر أن تتجه جامعاتنا المصرية اتجاها جديدا إزاء طلابها المتقدمين للإجازات العلمية الفائقة، إذ توجههم إلى أن يتقدموا مع رسالاتهم العلمية تحقيقا لمخطوط يمت بالصلة إلى موضوع الرسالة. وعسى أن يأتى اليوم الذى يكون فيه هذا الأمر ضريبة علمية لابد من أدائها.
وكان مما صنع لى الله أن ألفيت نفسى فى أطراف ميدان النشر العلمى أكافح فيه والسلاح ضعيف، فما أزال أجمع سلاحا إلى سلاح، وأقتحم الصعاب إثر
الصعاب، وأنا فيما بين ذلك أستلهم الله العون والتوفيق، فيمدنى بسيب منه وفيض كريم، وكلما ظننت أبى قد رويت غلة النفس زاد ما بى من ظمأ إلى مزاولة هذا الجهاد الصادق.(1/3)
وكان مما صنع لى الله أن ألفيت نفسى فى أطراف ميدان النشر العلمى أكافح فيه والسلاح ضعيف، فما أزال أجمع سلاحا إلى سلاح، وأقتحم الصعاب إثر
الصعاب، وأنا فيما بين ذلك أستلهم الله العون والتوفيق، فيمدنى بسيب منه وفيض كريم، وكلما ظننت أبى قد رويت غلة النفس زاد ما بى من ظمأ إلى مزاولة هذا الجهاد الصادق.
وقد رأيت أن همة الناشرين المحققين تتجه فى أغلب ما تتجه إلى المخطوطات ذات الشهرة الظاهرة، وإلى ما جلّ مقداره من كتب السلف، مغفلين فى أكثر الأمر هذه الرسائل الصغيرة. وقديما كان الناس كذلك، إنما يروقهم ما يملأ أبصارهم، وما يروعهم بجسامته وعظمه، ورب أسد مزير فى أثواب رجل نحيف!
فصحّ منى العزم على أن أكشف عن طائفة من هذه الكتب الصغيرة غطاءها، وأقدم منها إلى جمهرة الباحثين مادة نادرة. وأن أجعل هذا فى مجموعات متتالية متسلسلة الأرقام والصفحات. وسيتكون من كل أربع مجموعات مجلد يقع فى نحو خمسمائة صفحة، تنتهى بفهرس عام لما فيها من الرسائل.
هذا. وليس يفوتنى أن أذكر أن هذا العمل قد لقى منذ اللحظة الأولى فى التفكير فيه، ترحيبا بالغا من رجال العلم، ووجدت فاتحة معاونة جميلة من الأصدقاء الغير، إذ تكرم الأخ العلامة الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الصنيع المكىّ فبادر بإرسال مخطوط نادر نفيس نسخه بقلمه مقابلا على أصله، هو:
«كتاب أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى وما ينبت عليها من الأشجار، وما فيها من المياه» لعرام بن الأصبغ السّلمىّ. وسيظهر إن شاء الله فى المجموعة الثانية من نوادر المخطوطات.
وإنى إذ أسجل لهذا الصديق شكرا عظيما على ما أسدى لمرتقب أن أجد لهذا العمل التعاونى صدى عند من تضم مكتباتهم أمثال هذه الكتب الصغيرة النادرة.
والله أسأل العون، ولزام الصواب، وصالح التوفيق.
القاهرة فى 12ربيع الأول سنة 370
عبد السلام محمد هارون(1/4)
الرسالة المصرية لأبى الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسى 528470(1/5)
مقدمة
نزح كثيرون من رجال الأندلس إلى الشرق طلبا للعلم أو المال أو الجاه، أو رغبة فى أداء فريضة الحج، وكان من أولئك النازحين إلى مصر رجل جمع إلى الأدب الحكمة، وإلى الطب التنجيم والموسيقى والرياضة، والبراعة فى علم الحيل. هذا الرجل هو أبو الصّلت أمية بن عبد العزيز بن أبى الصلت، المولود فى مدينة دانية، من بلاد الأندلس سنة 470هـ.
قدم أبو الصلت إلى الإسكندرية ومعه أمّه فيما يروى ابن خلّكان سنة 487، أى فى أيام الخليفة الفاطمى المستنصر بالله أبى تميم معدّ بن الظاهر بالله علىّ بن الحاكم بأمر الله ووزيره إذ ذاك والقائم بأمر دولته الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الجمالى الأرمنى.
وكان يأمل أبو الصلت من وراء رحلته هذه بسطة فى العيش، وثراء من المال، كما أشار إلى ذلك فى صدر رسالته. ويبدو أنه ظل دهرا خاملا يتحيّن الفرص، إلى أن أتيح له أن يتّصل بأحد المقرّبين إلى الوزير الأفضل (1)، فى أيام الخليفة الآمر (2)، وذلك الرجل هو تاج المعالى مختار (3)، فخدمه بصناعتى الطبّ
__________
(1) بدأت وزارة الأفضل للمستنصر الفاطمى سنة 487بعد وفاة أبيه بدر الجمالى، ثم وزر للمستعلى بالله أحمد سنة 488، ثم للآمر بأحكام الله سنة 496. وقد استبد بهؤلاء الخلفاء جميعا إلى أن تمكن منه الآمر ودبر مقتله، فقتل سنة 515. النجوم الزاهرة (5: 222).
(2) هو الآمر بأحكام الله منصور بن المستعلى بالله أحمد بن المستنصر بالله. ولد فى سنة 490 واستخلف وله خمس سنين، وقيل سنة 524. انظر النجوم الزاهرة (5: 17) والخطط المقريزية عند ذكر «الجامع الأقمر».
(3) معجم الأدباء (7: 54).(1/6)
والتنجيم، فأعجب به، ووصفه بحضرة الأفضل وأثنى عليه، وكان كاتب الأفضل ينفس عليه ذلك، ويخشى بأس تاج المعالى، وحدث أن تتابعت من تاج المعالى السقطات فأدى ذلك إلى أن يقبض عليه الأفضل ويعتقله، فيجد كاتب الأفضل الفرصة سانحة للقضاء على أبى الصلت، فيختلق له ما يدفع الأفضل إلى أن يلقى به فى سجن المعونة (1) بمصر، مدة ثلاث سنين وشهر (2)، بعد الذى دبّج فيه من المدائح والشعر (3).
ويروى ابن أبى أصيبعة فى طبقات الأطباء. أن دخول أبى الصلت إلى مصر كان فى حدود سنة 510هـ، وأنه حبس فى الإسكندرية فى خلافة الآمر بأحكام الله ووزارة الأفضل (4). فإن صحت هذه الرواية كانت سندا فى أن أبا الصات ورد مرة أخرى بعد وفاة ولى نعمته أبى الطاهر يحيى بن تميم بن المعز ابن باديس (5) المتوفى سنة 509، وهى سنة خروجه من مصر.
__________
(1) ذكر المقريزى هذا السجن عند ذكر الدار المأمونية المنسوبة إلى المأمون البطائحى.
قال: «وكان بجوار الدار المامونية حبس المعونة». ثم قال: «ولم يزل هذا الموضع سجنا مدة الدولة الفاطمية، ومدة دولة بنى أيوب، إلى أن عمره الملك منصور قلاوون قيسارية أسكن فيها العنبرانيين فى سنة 680». وقال: «وكان حبس المعونة هذا يحبس فيه أرباب الجرائم وأما الأمراء والأعيان فيسجنون بخزانة البنود». والدار المأمونية هى المعروفة بالمدرسة السيوفية.
(2) وقد روى المقرى فى نفح الطيب (1: 530ليدن) رواية عجيبة: أن عمر أبى الصلت 60سنة، منها 20فى أشبيلية، و 20فى أفريقية عند ملوكها الصنهاجيين، و 20 فى مصر محبوسا فى خزانة الكتب.
(3) انظر بعضها عند ابن أبى أصيبعة (2: 53، 56).
(4) ذكر ابن أبى أصيبعة سبب حبسه فى الإسكندرية: أن الأفضل طلب إليه أن يعمل الحيلة فى رفع مركب غارق فى البحر، فاجتهد أبو الصلت، ولكنه حينما قارب النجاح خانه جده، فهبط المركب إلى قعر البحر، بعد ما كبد الدولة خسائر فادحة، فحبسه الأفضل لذلك.
(5) ملك أبو الطاهر يحيى بن تميم، المغرب سنة 501واستقر فى ملكه إلى أن توفى سنة 509. انظر تاريخ طرابلس الغرب لابن غلبون (ص 4039).(1/7)
ضاق أبو الصلت ذرعا بمصر، وما لقى فيها من الخيبة والعنت. قال القفطى (1):
«ودخل مصر فى أيام أفضلها فلم ينل منه إفضالا، وقصده للنّيل فلم يجد لديه نوالا». فحينئذ شد رحاله إلى المغرب فى سنة 506، واستعاد صلته بحضرة أبى الطاهر يحيى بن تميم بن باديس، الذى وضع له هذه «الرسالة المصرية».
يصف له فيها ما عاينه فى مصر وما عاناه، وتناول فى هذه الرسالة القيمة:
1 - الوصف البلدانى للديار المصرية ونيلها.
2 - ثم أخذ فى تصوير جمال ربوعها ومغانيها تارة بالشعر وأخرى بالنثر.
3 - وعقّب على ذلك بالكلام فى سكانها وأجناسهم ومذاهبهم وأخلاقهم وعقائدهم، منذ عهد الفراعنة إلى ظهور الإسلام.
4 - وتحدث بعد ذلك فيما تحتويه من الآثار العجيبة، كالهرمين والبرابى.
5 - وذكر عواصم مصر فى القديم والحديث.
6 - وقدامى العلماء من اليونان والروم، مستطردا بذلك إلى ندرة من لقيه بمصر من المشتغلين بالعلم والحكمة والطب.
7 - وعجب من جهل من لقى بها من الأطباء، ونوه بفضل بعض الأطباء البارعين.
8 - وتحدث فى ولوع المصريين بأحكام النجوم وكثرة استعمالهم لها، وأورد فى ذلك نوادر وطرائف.
9 - ثم عرّج على ذكر من لقيه بها من الأدباء والظرفاء.
فهذه الرسالة تضرب بأسباب إلى علوم وفنون شتى، وتعدّ اليوم كما عدت
__________
(1) انظر أخبار العلماء للقفطى (ص 57) طبع السعادة.(1/8)
بالأمس، وثيقة يرجع إليها البلدانى، والمؤرخ، وباحث الآثار، والاجتماعى، والحكيم، والطبيب، والمنجم، والأديب.
* * * هذه الرسالة الصغيرة الحجم العظيمة القدر كانت متعارفة متداولة بين كبار العلماء والمؤرّخين، ثم أضحت نادرة مجهولة، إلى أن تمكّن المغفور له العلامة أحمد تيمور باشا طيب الله ثراه من اقتنائها فى مكتبته الخاصة، وهى برقم 601أدب. وعلى هذه النسخة الوحيدة فى العالم كما يتّضح من مراجعة فهارس بروكلمان (1) أعتمد فى نشر هذه الرسالة الفريدة، التى أورد طرفا منها ياقوت فى «إرشاد الأريب»، والعماد فى «الخريدة»، والقفطى فى «إخبار العلماء»، وابن أبى أصيبعة فى «عيون الأنباء»، والأسعد بن ممّاتى فى «قوانين الدولة»، والمقّرى فى «نفح الطيب»، والمقريزى فى «الخطط»، والأدفوى فى «الطالع السعيد»، والسّيوطى فى «حسن المحاضرة»، كما سيتضح لك عند تحقيق نصوصها.
ولأبى الصلت غير الرسالة المصرية «كتاب الحديقة» على أسلوب «يتيمة الدهر» للثعالبى، وقد نقل منه العماد فى «الخريدة». وله أيضا «الأدوية المفردة» وهو محفوظ فى مكتبة بودليان و «رسالة فى العمل بالأسطرلاب» فى برلين وليدن وبودليان، و «تقويم الذهن» فى المنطق، بمكتبة الإسكريال، و «أوراق من كتاب فى الفلك» بالإسكريال، و «كتاب فى المعانى المختلفة للفظة نقطة» فى مكتبة ليدن، و «قصيدة» بمكتبة برلين.
__________
(1) انظر برو كلمان (1: 487486) وملحقه الأول (ص 889). على أننى عثرت فيما بعد على قطعة من الرسالة المصرية فى دار الكتب المصرية برقم 354تاريخ، سأنبه على موضع بدئها ونهايتها فى الحواشى.(1/9)
وقد صنف معظم هذه الكتب وهو فى اعتقال الأفضل بمصر، كما نص ابن خلكان.
* * * انتهت أيام أبى الصلت فى المهدية، وقد اختلف المؤرخون فى سنة وفانه، فقيل سنة 520وقيل سنة 528 (1).
وإليك الرسالة:
__________
(1) انظر ترجمته عند ياقوت (7: 52) وابن خلكان (1: 80) والقفطى (57) والمقرى (1: 520) وابن أبى أصيبعة (2: 52).(1/10)
النص
بسم الله الرّحمن الرّحيم قال الشيخ أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبى الصّلت رحمه الله تعالى:
كنت إبان عصر الشباب مونق، وغصن الصّبا مورق.
إذ لمّتى مسودة ... ولماء وجهى رونق (1)
ممن سامحه الدهر بغفلة من غفلانه، وتجافى له عن غفوة من غفواته، فعاش آمن السّرب، سائغ الشّرب، لا يتفرّغ من أدب يرود رياضه، ويرد حياضه، إلا إلى طرب يعمر ميدانه؟؟؟، ويسحب ذيوله وأردانه. ثم تلوّن فقلب لى ظهر مجنّه، وسقانى دردىّ دنّه، فتدارك ما أغفله، واستردّ ما بذله، واضطررت إلى مفارقة الوطن، والخروج عن العطن، فتماسكت إشفاقا من مفارقة أول أرض مسّ جلدى ترابها، وشدّت علىّ التمائم بها (2). وجاءت أمور لا تطاق كبار، فلما لم يمكن القرار، ولم يبق إلا الفرار، قلت: ليس لى إلا أن أرمى بنفسى كلّ مرمى، وأطرحها كلّ مطرح.
لأبلغ عذرا أو أنل؟؟؟ رغيبة ... ومبلغ نفس عذرها مثل منجح (3)
وسكت إلى البيت المشهور:
__________
(1) اقتبسه من قول أبى الطيب المتنبى وتصرف فيه:
ولقد بكيت على الشباب ولمتى ... مسودة ولماء وجهى رونق
(2) اقتباس من قول رقاع بن قيس الأسدى:
بلاد بها نيطت على تمائمى ... وأول أرض مس جلدى ترابها
اللسان (نوط) وأمالى القالى (1: 83).
(3) اقتبسه كذلك من قول عروة بن الورد، ورواه أبو تمام فى الحماسة (1: 188):
ومن يك مثلى ذا عيال ومقترا ... من المال يطرح نفسه كل مطرح
ليبلغ عذرا أو يصيب رغيبة ... ومبلغ نفس عذرها مثل منجح(1/11)
تلقى بكلّ بلاد إن حللت بها ... أهلا بأهل وأوطانا بأوطان (1)
وإن كان يقول العامّة: ليس بين بلد وبلد نسب، فخير البلاد ما حملك فجعلت أستقرى البلاد لأتيمّم أوفقها للمقام، وأعونها على مقارعة الأيام، فكانت مصر مما وقع عليه اختيارى، وصدّقت حسن ظنى قبل اختبارى، وسرت قاصدا إليها أعتسف المجاهل والتنائف، وأخوض المهالك والمتالف، فطورا أمتطى كلّ حالكة الإهاب (2)، مسودّة الجلباب، ثابتة كصبغة الشباب، قد فسح ميدانها، ووضع براحة الرّيح عنانها، فجرت جرى الطّرف الجموح، وفاتت مدى الطّرف الطموح وطورا كلّ نقب الأياطل، كالهياطل (3)، سبط المشافر جعد الأشعار، أحتذى العقيق، أو الصّنو الشقيق، إن علاقات ظليم خاضب، وإن هوى قلت شهاب ثاقب، يصل الذّميل بالوخاد (4)، وبلتهم التهائم والنّجاد. فكم جزع واد جزعته، وجلباب ليل ادّرعته، وكم برّ خرقت مخارمه وفجاجه، وبحر شققت غواربه وأمواجه، وليس لى غير مصر مقصد، ولا وراءها مذهب، ولا دونها للغنى متطلّب.
وكم فى الأرض من بلد ولكن ... عليك لشقوتى وقع اختيارى
فلما تغمّرت ركابى من النيل، واستذرت بظلّ المقطم، ألقيت عصا التّسيار، واستقرّت بى النّوى، وخفّت ظهورهن من الرّحال، وأرحتهنّ من الحلّ والتّرحال، وقلت: ضالّتى المنشودة، وبغيتى المقصودة، هاهنا ألبث وأقيم،
__________
(1) البيت من أبيات فى الحماسة (1: 98). وقبله:
لا يمنعنك خفض العيش فى دعة ... نزوع نفس إلى أهل وأوطان
(2) يعنى السفينة.
(3) إنما نقبت أياطله من إدمان السير. والنقب، هنا: تنفط الجلد. والهياطل:
جمع هيطل، وهو الذئب يشبه به الفرس فى شدة العدو. وفى الأصل: «نقب الأياطيل كهياطيل».
(4) المسموع فى مصدر وخد هو الوخد والوخدان.(1/12)
فلا أبرح ولا أريم، «بلذة طيّبة وربّ غفور». وحيث التفتّ فروضة وغدير، وخورنق وسدير، وظلّ ظليل، ونسيم عليل.
وكم تمّنيت أن ألقى بها أحدا ... يسلى من الهم أو يعدى على النّوب (1)
فما وجدت سوى قوم إذا صدقوا ... كانت مواعيدهم كالآل فى الكذب (2)
وكان لى سبب قد كنت أحسبنى ... أحظى به فإذا دائى من السّبب
فما مقلّم أظفارى سوى قلمى ... ولا كتائب أعدائى سوى كتبى (3)
ولم تطل مدة الّلبث حتى تبيّنت بما شاهدته أنى فيها مبخوس البضاعة، موكوس الصناعة، مخصوص بالإهانة والإضاعة وأنّ عيشها الرغد، مقصور على الوغد، وعقابها المرّ، موقوف على الحرّ، فلو تقدّمت فعلمت ذلك لخفّ عنها مركبى (4) وصرفت إلى سواها وجه مطلبى، ولكان لى فى الأرض مرمى شاسع، ومنتاب واسع، بل نثبّطت، حتى تورّطت، حتى عوملت بما يعامل به ذوو الجرائر والذنوب، وجرعت من المذلة بأوفى ذنوب. هذا مع ما حبّرته من المدح التى اشتهرت شهرة الصّباح، وهبّت هبوب الرياح، ولهج بها الحادى والملّاح (5).
فسار بها من لا يسير مشمّرا ... وغنّى بها من لا يغنّى مغردا
إلّا أنّ الله جلت آلاؤه، وقدّست أسماؤه، تدارك برحمته فأزال تلك المحنة بالمنحة، ونسخ تلك النقمة بالنعمة، وختم بالوصول إلى حضرة الملك الأجلّ أبى الطاهر يحيى بن تميم بن المعز بن باديس، الذى لم تزل حضرته مصاد
__________
(1) فى الأصل: «من النوب»، صوابه فى ياقوت (7: 80) والقفطى (57) وابن أبى أصيبعة (2: 60). وقد اقتبس هذه الأبيات من شعر له قديم، كما يفهم من رواية ابن أبى أصيبعة.
(2) فى الأصل: «كالألف»، صوابه فى ياقوت والقفطى وابن أبى أصيبعة.
(3) فى الأصل «كتائب أعوانى»، والصواب من المراجع.
(4) فى الأصل: «فخف».
(5) انظر مديحه للأفضل فى ابن أبى أصيبعة (2: 56).(1/13)
العناة (1)، ومراد العفاة، ومجتمع الفضائل، ومنتجع الأفاضل، ومشرع الجود، ومشعر الوفود. فلما استترت بجناحه، واستظهرت باستماحه، أعذب لى بسماحة الدهر جناه، واعتذر لى مما جناه، فكفّ دونى كفّه، وصرف عنى صرفه.
كريم رفضت الناس لما بلغته ... كأنهم ما خفّ من زاد قادم
فكنت فيما مضيت عليه، وآلت حالى إليه، من إشراقها بعد الأفول، وإيراقها بعد الذبول، كنصل أهمل أمره، من جهل قدره، ولما وقع إلى الخبير به صان صفحته وحدّه، وحلّى حمائله وغمده، ثم ادّخره فيما يدّخر وأعدّه، فإن انتضاه، يوما ارتضاه، وإن جرّده، أحمده، وإن هزّه، سرّه فى الضريبة حزّه.
ولكن أبى الله أن يكون الفضل إلا لمن نشأ فى مغارسه، ونجم فى منابته، وربى فى جحره، وغذى بدرّه.
فلم أستسغ إلّا نداه فلم يكن ... ليعدل عندى ذا الجناب جناب
فما كلّ إنعام يخفّ احتماله ... وإن هطلت منه علىّ رباب (2)
ولكن أجلّ الصنع ما جىّ ربّه ... ولم يأت باب دونه وحجاب
وما شئت إلا أن أدلّ عواذلى ... على أنّ رأيى فى هواك صواب (3)
وأعلم قوما خالفونى فشرّقوا ... وغرّبت أنى قد ظفرت وخابوا
والأولى أن أضرب عمّا سلف، وأترك ما فرط، وآخذ فيما أجريت إليه وقصدته، ونحوته واعتمدته، ممّا آثرت به الحضرة السامية (4) أدام الله
__________
(1) المصاد: موضع الصيد. والعناة: جمع عان، وهو الأسير.
(2) الرباب: سحاب يركب بعضه بعضا، الواحدة ربابة. وفى الأصل: «لدى ولا منه على»، صوابه من ياقوت (7: 59)، وقافيته فيه «سحاب».
(3) البيت وتاليه للمتنبى فى ديوانه (1: 127) برواية العكبرى.
(4) فى الأصل: «الشامية».(1/14)
سموّها من وصف ما عانيته من أرض مصر وعاينته، والاقتصار على الذى رأيته دون مارويته، فليس من يقول: علمت هذا من طريق العلم والسماع، كمن يقول: تحققته بالمشاهدة والاطلاع، فإنّ ذا اللب الأمين لا ينخدع بمحال، ولا يرضى بانتحال.
* * * وأنا أبتدئ بذكر هذه البلاد وموقعها فى المعمورة ومجرى النيل منها، وغنائه فيها، وأشفع ذلك بنبذ من ذكر أحوال أهلها فى أخلاقهم، وسيرهم وعاداتهم، وما يتصل بذلك وينجرّ معه، ويجىء بسببه، ويدخل فى تضاعيفه.
وهأنذا آخذ فى ذلك، وبالله أستعين، وعليه التوكل.
* * * (1) أرض مصر بأسرها واقعة من المعمورة فى قسمى الإقليم الثانى والإقليم الثالث، ومعظمها فى الثالث.
وحكى المعتنون بأخبارها وتواريخها أن حدها فى الطول (2) من مدينة برقة التى فى جنوب البحر الرومى، إلى أيلة من ساحل الخليج الخارج من بحر الحبشة والزنج والهند والصين. ومسافة ذلك قريب من أربعين يوما.
قالوا: وحدّها فى العرض من مدينة أسوان وما سامتها من الصعيد الأعلى المتاخم لأرض النوبة، إلى رشيد (3) وما حاذاها من مساقط النيل فى البحر الرومى، ومسافة ذلك قريب من ثلاثين يوما. ويكتنفها من مبدئها فى العرض إلى منتهاها جبلان [أحدهما فى الضفة الشرقية من النيل، وهو المقطم، والآخر فى الضفة الغربية منه. والنيل منسرب فيما بينهما. وهما (4)] أجردان غير شامخين، يتقاربان
__________
(1) الكلام من هنا إلى كلمة «الاستقامة» نقله المقريزى فى (1: 1615).
(2) هذا تسجبل تاريخى بلدانى لما كانت عليه حدود مصر فى عهده.
(3) فى الأصل: «لأرض الشام ورشيد»، صوابه من الخطط.
(4) التكملة من الخطط.(1/15)
جدّا فى وضعيهما، من لدن مدينة أسوان إلى أن ينتهى إلى الفسطاط، فثمّ تتسع مسافة ما بينهما وتنفرج قليلا، ويأخذ المقطم منهما مشرقا والآخر مغربا على وراب فى أخذيهما (1) وتفريج (2) فى مسلكيهما، فتتسع أرض مصر من الفسطاط إلى ساحل البحر الرومى الذى عليه الفرماء (3) وتنيس ودمياط ورشيد والإسكندرية، وهناك تنقطع فى عرضها الذى هو مسافة [ما بين] أوغلها فى الجنوب و [أوغلها] فى الغرب والشمال. وإذا ما مسحت بالطريق البرهانية فى طريق هذه المسافة [من الأميال (4)] لم تبلغ ثلاثين ميلا (5)، بل تنقص عنها نقصا ماله قدر، وذلك لأن فضل ما بين عرض أسوان التى هى أوغلها فى الجنوب وعرض مدينة تنيس التى هى أوغلها فى الشمال، تسعة أجزاء ونحو سدس جزء من الأجزاء التى بها تحيط الدائرة العظمى، [وهى (6)] ثلثمائة وستون جزءا. وليس بين طوليهما فضل يقع بسببه فى هذا الحساب ماله قدر يعتدّ به. فإذا ضاعفنا هذا العدد بما يخصّ الدرجة الواحدة من محاذاة ذلك من الأميال، وذلك ستة وخمسون ميلا وثلثا ميل على مادل عليه البرهان، كان ذلك (7) نحو خمسمائة وعشرين ميلا بالتقريب، وذلك مسافة سير عشرين يوما أو قريب من ذلك (8). وفى هذه المدة من الزمان يقطع السّفّار أبدا ما بين هذين البلدين بالسير المعتدل فى أكثر من ذلك قليلا، لما فى الطريق من التعريج وعدم الاستقامة (9).
__________
(1) فى الخطط: «مأخذيهما».
(2) فى الأصل: «وتعريج»، صوابه فى الخطط.
(3) فى الأصل: «الهرمان»، وتصحيحه من الخطط.
(4) هذه التكملة والتى قبلها من الخطط.
(5) فى الأصل: «يوما»، ووجهه ما أثبت من الخطط.
(6) ليست فى الأصل.
(7) فى الأصل: «من ذلك».
(8) نقل عنه فى النجوم الزاهرة (1: 36) أنها ثلاثون يوما
(9) إلى هنا ينتهى نقل المقريزى.(1/16)
وليس تشتمل أرض مصر بعد الفسطاط الذى هو مقرّ الملك وكرسىّ الدولة، على مدائن لها قدر فى كثرتها ولا فخامتها، لكن أجلّ مدائنها وأفخرها أما فى الجهة الشمالية من الفسطاط فالإسكندرية وتنيس ودمياط، وأما فى الجهة الجنوبية إلى أقصى الصعيد فقوص وقفط. فهذه صفة أرض مصر على الجملة.
* * * (1) وأما النيل فينبوعه من وراء خط الاستواء، من جبل هناك يعرف بجبل القمر، فإنه يبتدئ بالتزيّد فى شهر أبيب (2)، الذى هو بالرومية يولية (3).
والمصريون يقولون: «إذا دخل أبيب، كان للماء دبيب». وعند ابتدائه فى التزيد (4) تتغير جميع كيفياته وتفسد، والسّبب الموجب لذلك مروره بنقائع مياه آجنة (5) يخالطها فيجتلبها، ويستخرجها معه ويستصحبها، إلى غير ذلك مما يحتمل (6). فتصير مثل الحال التى وصفه بها الأمير تميم بن المعز لدين الله:
أما ترى الرعد بكى فاشتكى ... والبرق قد أومض فاستضحكا (7)
فاشرب على غيم كصبغ الدّجى ... أضحك وجه الأرض لمّا بكى (8)
[وقد حكى العود أنين الهوى ... لكنّه جوّد فيما حكى] (9)
__________
(1) من هنا يبتدئ نقل آخر للمقريزى فى (1: 59).
(2) فى الخطط: «التزايد». والتزيد والتزايد بمعنى.
(3) ما بعد «أبيب» ليس فى الخطط. وفى الأصل: «قوليه».
(4) فى الخطط: «التزايد».
(5) فى الأصل: «بنقاء مع مياه آجنة»، والصواب فى الخطط.
(6) الكلام والشعر بعد هذا لم يورده المقريزى.
(7) فى الأصل: «الجو من إظلامه قد اشتكى»، ولا يستقيم به الوزن، إذ هو من السريع.
وأثبت ما فى ديوان تميم الورقة (120) من مصورة دار الكتب ذات الرقم (16025ز)، وهذه الرواية هى التى ذكرها الثعالبى فى يتيمة الدهر (1: 349) الطبعة الأولى.
(8) فى الأصل: «يشبه التحقيق كصبح» تحريف، وأثبت ما فى الديوان ويتيمة الدهر.
(9) إثبات هذا البيت من ديوان تميم.(1/17)
وانظر لماء النيل فى مدّه ... كأنما صندل أو مسّكا
أو كما قال غيره من أهل العصر، من قصيدة يصف فيها أرض مصر:
ولله مجرى النيل منها إذا الصّبا ... أرتنا به فى مرّها عسكرا مجرا (1)
فشطّ يهزّ السمهرّية ذبّلا ... وموج يهزّ البيض هنديّة تبرا
إذا مدّ حاكى الورد غضّا وإن صفا ... حكى ماءه لونا ولم يعده نشرا (2)
وهذا نظير ما أنشدنيه عبد الله بن سريّة لنفسه:
راقنى النهر صفاء ... بعد شوقى لصفائه
كان مثل الورد غضّا ... ثم قد صار كمائه
ولأبى بكر الصّنوبرىّ (3) فى مثل هذا المعنى:
ولقد طربت إلى الفرا ... ت بكلّ ذى كرم ومجد
والشمس عند غروبها ... صفراء مذهبة الفرند
والماء حاشيتاه ... خضراوان من آس ورند (4)
تحبوه أيدى الريح إن ... هبّت على قرب وبعد
بطرائف من فضة ... وطرائف من لازورد
والسفن كالطير انبرت ... فى الجوّ من مثنى وفرد
حتّى إذا جزر الفرا ... ت مضى وأعقبه بمدّ (5)
__________
(1) يقال للجيش العظيم: مجر، لثقله وضخمه.
(2) حكى ماءه، أى أشبه ماء الورد فى لونه. وفى الأصل: «حكى ماؤه نافلم» تحريف.
(3) هو أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسن بن المرار، المعروف بالصنوبرى الحلبي. قال السمعانى فى الورقة (355): نسبة إلى الصنوبر. وانظر تعليلا آخر فى مختصر تاريخ دمشق (1: 456). ووفاته سنة 334هـ. كما فى شذرات الذهب. وانظر فوات الوفيات (1: 77).
(4) الرند: شجر من أشجار البادية طيب الرائحة، ويقال للآس «رند». وفى الأصل: «ورود»، ولا وجه له.
(5) فى الأصل: «بورد»، ووجهه ما أثبت.(1/18)
أبصرته وكأنه ... ملقى عليه رداء ورد
متململا كالصبّ أو ... ذن من أحبّته بصدّ
وكأنّما بحشاه ما ... بحشاى من قلق ووجد
وقال تميم المعز، وأحسن التشبيه (1):
يوم لنا بالنيل مختصر ... وبكلّ يوم مسرة قصر
والسّفن تصعد كالخيول بنا ... فيه وجيش الماء ينحدر
فكأنّما أمواجه غرف ... وكأنما داراته سرر
وقال محمد بن الحسن:
النهر مكسوّ من الأزهار ... بردا أنيقا مثل ثوب
... يجرى بمسك أو بذوب نضار (2)
وإذا استقام رأيت صفحة منصل ... وإذا استدار رأيت عطف سوار
وقال أبو الحسن محمد بن الوزير، فى تدرّج زيادة الماء إصبعا إصبعا، ومنفعة ذلك التدرّج:
أرى أبدا كثيرا من قليل ... وبدرا فى الحقيقة من هلال
فلا تعجب فكلّ قليل ماء ... بمصر مسبّب لخليج مال
زيادة إصبع فى كلّ يوم ... زيادة أذرع فى حسن حال
فإذا كان فى الخامس عشر ذراعا وزاد من السادس عشر إصبعا واحدة كسر الخليج (3).
ولكسره يوم معدود، ومقام مشهود، ومجتمع غاصّ، يحضره العامّ والخاص. وإذا كسر فتحت التّرع وهى فوّهات الخلجان ففاض الماء
__________
(1) الأبيات التالية لم أجدها فى ديوان تميم.
(2) فى الأصل: «يجرى لسك ذوب نضار».
(3) فى الأصل: «نفعت نفعا عظيما»، وأثبت ما عند المقريزى فى (1: 59).(1/19)
وساح، وعم الغيطان والبطاح (1)، وانضمّ الناس إلى أعلى مساكنهم من الضّياع والمنازل، وهى على آكام وربى لا ينتهى إليها الماء، ولا يتسلط السيل عليها، فتعود عند ذلك أرض مصر بأسرها بحرا غامرا لما بين جبليها المكتنفين لها.
وتثبت على هذه الحال ريثما يبلغ الحدّ المحدود، فى مشيئة الرب المعبود. وأكثر ذلك يحوم حول ثمانية عشر ذراعا، ثم يأخذ عائدا فى منصبه، إلى مجرى النيل [ومسربه، فينضب أوّلا عما كان (2)] من الأرض مشرفا عاليا، وبصير فيما كان منها متطامنا (3)، فيترك كلّ قرارة كالدرهم، ويغادر كلّ تلعة كالبرد المسهّم. وفى هذا الوقت من السنة تكون أرض مصر أحسن شىء منظرا، ولا سيما متنزّهاتها المشهورة، ودياراتها المطروقة، كالجزيرة، وبركة الحبش (4)
وما جرى مجراها من المواضع التى يطرقها أهل الخلاعة، وينتابها ذو والأدب والطرب.
واتّفق أن خرجنا فى مثل هذا الزمان إلى بركة الحبش، فافترشنا من زهرها أحسن بساط، واستظللنا من دوحها بأوفى رواق، وطلعت علينا من زجاجات الأقداح شموس فى خلع البدور، ونجوم (5) بالصفاء تنور، إلى أن جرى ذهب الأصيل على لجين الماء، ونشبت نار الشفق بفحمة الظلماء، فقال فى ذلك بعضنا (6)
__________
(1) فى الخطط: «وغمر القيعان والبطاح».
(2) مكان هذه التكملة التى أثبتها من الخطط بياض فى الأصل.
(3) بدل هذه الجملة فى الأصل «متحفظ نسطاميا»، وإكماله وصوابه من الخطط.
(4) كانت فى ظاهر مدينة الفسطاط من قبليها فيما بين النيل والجبل. وسميت بركة الحبش نسبة إلى قتادة بن قيس بن حبشى الصدفى، ممن شهد فتح مصر، وكانت له حدائق بجوار هذه البركة تعرف بالحبش فنسبت البركة إليها. وهذه البركة موقعها اليوم منطقة الأراضى الرراعية التابعة لزمام قرية دير الطين، وجزء عظيم من الأراضى الزراعية التابعة لقرية البساتين. انظر الخطط (2: 152) والنجوم الزاهرة (5: 14).
(5) فى الأصل: «وجوم».
(6) يعنى نفسه. وجاء فى الخطط (2: 155): «وقال ابن سعيد فى كتاب المغرب:
«وخرجت مرة حبث بركة الحبش التى يقول فيها أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسى عفا الله عنه». وأنشد الأبيات التالية. وجاء فى (2: 160): «بئر أبى سلامة وتعرف ببئر الغنم، وهى من قبلى النوبية، وموضعها أحسن موضع فى البركة، وهى التى عنى أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بقوله». وأنشد الأبيات، ورواها ياقوت فى ترجمة أمية منسوبة إليه.(1/20)
لله يومى ببركة الحبش ... والأفق بين الضياء والغبش
والنيل تحت الرياح مضطرب ... كصارم فى يمين مرتعش
قد نسجتها يد الغمام لنا ... فنحن من نسجها على فرش
ونحن فى روضة مفوّفة ... دبّج بالنّور عطفها ووشى (1)
فعاطنى الراح، إنّ تاركها ... من سورة الهم غير منتعش
وسقّنى بالكبار مترعة ... فهنّ أروى لشدّة العطش (2)
فأثقل الناس كلّهم رجل ... دعاه داعى الصبا فلم يطش (3)
وقال أيضا:
علّل فؤادك باللذات والطّرب ... وباكر الرّاح بالغايات والنّخب
أما ترى البركة الغنّاء لابسة ... وشيا من النّور حاكته يد السّحب
وأصبحت من جديد النّبت فى حلل ... قد أبرز القطر منها كلّ محتجب
من سوسن شرق بالطّلّ محجره ... وأقحوان شهىّ الظّلم والشنب
وانظر إلى الورد يحكى خدّ محتشم ... من نرجس ظلّ يبدى لحظ مرتقب
والياسمين وقد أربى على درر ... والراح من درر تطفو على ذهب
كم مرّة قد شفينا فيه غلّتنا ... بجاحم من فم الإبريق ملتهب (4)
شمس من الراح حيّانا بها قمر ... موف على غصن يهتزّ فى كثب
أرخى ذوائبه، وانهزّ منعطفا ... كصعدة الرمح، فى مسودّة العذب
فاطرب ودونكها فاشرب فقد نغبت ... على التصابى دواعى اللهو والطرب
ومما يتعلّق بوصف النيل من أبيات له كتبها إلى الأفضل ليلة المهرجان:
__________
(1) فى الأصل: «ذبح بالقطر»، صوابه من الخطط ومعجم الأدباء.
(2) فى الأصل: «لعل أروى». وفى معجم الأدباء: «فهن أشفى».
(3) فى الأصل: «يدعوه داعى الصبا»، وأثبت ما فى الخطط ومعجم الأدباء.
(4) فى الأصل: «علتنا» بالمهملة.(1/21)
أبدعت للناس منظرا عجبا ... لا زلت تحيى السرور والطربا
ألفّت بين الضّدّين مقتدرا ... فمن رأى الماء خالط اللهبا
كأنّما النيل والشموع به ... أفق سماء تألّقت شهبا
قد كان من فضّة فصار سما ... وتحسب النار فوقه ذهبا
وقد تعاور الشعراء شعاع على صبح. ومن مليح ما قيل فى ذلك قول بعض أهل العصر، وهو أبو الحسن على بن أبى البشر الكانب:
شربنا مع غروب الشمس شمسا ... مشعشعة إلى وقت الطلوع
وضوء الشمع فوق النيل باد ... كأطراف الأسنة فى الدّروع
وأنشد أبو منصور الثعالبى (فى يتيمة الدهر) لمنصور بن كيغلغ (1):
قام الغلام يديرها فى كفه ... فحسبت بدر التّمّ يحمل كوكبا
والبدر يجنح للأفول كأنه ... قد سلّ فوق الشطّ سيفا مذهبا (2)
وأنشد فيه (3) للقاضى أبى القاسم على بن إبراهيم بن أبى الفهم التنوخى:
أحسن بدجلة والدّجى متصوّب ... والبدر فى أفق السماء مغرّب
فكأنها فيه بساط أزرق ... وكأنه فيها طراز مذهب (4)
وقال ابن وكيع التّنّيسى:
غدير يدرّج أمواجه ... هبوب الشمال ومرّ الصّبا
إذا الشمس من فوقه أشرقت ... توهّمته جوشنا مذهبا
__________
(1) فى الجزء الأول من يتيمة الدهر (ص 65). وقبل البيتين:
عاد الزمان بمن هويت فأعتبا ... يا صاحبى فسقيانى واشربا
كم ليلة سامرت فيه بدرها ... من فوق دجلة قبل أن يتغيبا
(2) فى الأصل: «فوق اللحظ»، وفى اليتيمة: «فوق الماء». وانظر ما سيأتى فى شعر ابن التمار الواسطى.
(3) أى فى هذا المعنى أو فى كتاب يتيمة الدهر. انظر اليتيمة (1: 65).
(4) فى الأصل: «وكأنه فيه طراز»، والوجه ما أثبت من اليتيمة.(1/22)
وقال بعض أهل العصر من قصيدة:
باطى نهر كان الر ... وهو اللجين به ذوبا (1)
إذا حمشته الصبا رأيته ... كأنه زردا مذهبا
وقال أبو عبادة البحترىّ يصف بركة:
إذا علتها الصبا أبدت بها حبكا ... مثل الجواشن مصقولا حواشيها (2)
إذا النّجوم تراءت فى جوانبها ... ليلا حسبت سماء ركّبت فيها
وقد أحسن عبد الله بن المعتز فى قوله:
وتبدّى لهن بالنّجف المق ... فر ماء صافى الجمام غرىّ (3)
فإذا قابلته درّة شمس ... خلته كسّرت عليه الحلىّ (4)
وقال ابن التّمّار الواسطى يصف ضوء القمر على دجلة:
قف فانتصف من صروف الدهر والنّوب ... واجمع بكأسك شمل اللهو والطّرب
أما ترى الليل قد ولّت عسا كره ... مهزومة وجيوش اللهو فى الطلب
والبدر فى الأفق الغربىّ تحسبه ... قد مدّ جسرا على الشّطّين من ذهب
وقال محمد بن عبد الله السّلامى:
ونهر تمرح الأمواج فيه ... مراح الخيل فى رهج الغبار
إذا اصفرّت عليه الشمس خلنا ... نمير الماء يمزج بالعقار
* * * وأمّا سكّان أرض مصر فأخلاط من الناس مختلفة الأصناف (5): من قبط وروم وعرب وبربر وأكراد وديلم وحبشان وأرمن (6)، وغير ذلك من
__________
(1) كذا ورد البيتان على ما بهما من تحريف.
(2) البيتان من قصيدة له يمدح فيها المتوكل ويصف بركته. الديوان 319.
(3) الغرى: البارد، يقال غرى الغدير: برد ماؤه.
(4) فى ديوان ابن المعتز 61: «فإذا ضاحكته».
(5) فى الخطط (1: 48): «مختلفو الأصناف».
(6) هذه الكلمة ليست فى الخطط.(1/23)
الأصناف والأجناس على حسب اختلافاتهم، وقالوا: إن السبب فى اختلافهم، والموجب لاختلاطهم، اختلاط المالكين لها، والمتغلّبين عليها، من العمالقة واليونانيبن والروم والعرب وغيرهم، فلهذا اختلطت أنسابهم فاقتصروا من التعريف بأنفسهم على الانتساب إلى مواضعهم (1)، والانتماء إلى مساقطهم ومواقعهم.
وحكى جماعة من المؤرّخين أنهم كانوا فى الزمن السالف عبّاد أصنام، ومدبرى هيا كل، إلى أن ظهردين النّصرانية وغلب على أرض مصر فتنصّروا، وبقوا على ذلك إلى أن فتحها المسلمون فى أيام عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فأسلم بعضهم وبقى بعض على دين النصرانية، ومذهبهم مذهب اليعاقبة.
وأما أخلاقهم فالغالب عليهم اتّباع الشهوات، والانهماك فى اللذات، والاشتغال بالتّرّهات، والتصديق بالمحالات، وضعف المرائر والعزمات، إلى غير ذلك مما حكاه أبو الحسين على بن رضوان فى ذلك واقتصّه، وأورده من الأمور الطبيعية وموجبه (2)، وكفى به حكما منصفا، وشاهدا عدلا.
وحكى الوصيفىّ فى كتابه الذى ألّفه فى أخبار مصر أنّ أهلها فى الزمن السابق كانوا يعتقدون أنّ هذا العالم، الذى هو عالم الكون والفساد أقام برهة من الدهر خاليا من نوع الإنسان، عامرا بأنواع أخر غير الإنسان، وأن تلك الأنواع مختلفة على خلق فاذّة (3)، وهيئات شاذّة، ثم حدث نوع الإنسان فنازع تلك الأنواع فغلبها واستولى عليها، وأفنى أكثرها قتلا، وشرّد ما بقى منها إلى القفار، وأن تلك المشرّدة هى الغيلان والسّعالى وغير ذلك، مما حكاه من اعتقاداتهم المستحيلة، وتصوّراتهم الفاسدة، وتوهّماتهم النافرة. إلا أنّه يظهر من
__________
(1) فى الخطط: «على الإشارة إلى مواضعهم».
(2) كذا وردت هذه الكلمة.
(3) الفاذة: المنفردة. وفى الحديث: «هذه الآية الفاذة»، أى المنفردة فى معناها.(1/24)
أمرهم أنّه كان فيهم طائفة من ذوى المعارف والعلوم، خصوصا بعلم الهندسة والنجوم (1). ويدلّ على ذلك ما خلفوه من الأشغال (2) البديعة المعجزة، كالأهرام والبرابىّ، فإنها من الآثار التى حيّرت الأذهان (3) [الثاقبة، واستعجزت الأفكار الراجحة]، وتركت لها شغلا بالتعجّب منها، والتفكّر فيها. وفى مثلها يقول أبو العلاء أحمد بن سليمان المعرى فى قصيدته التى يرثى بها أباه (4):
تضلّ العقول الهبر زيّات رشدها ... ولا يسلم الرأى القويم من الأفن
وقد كان أرباب الفصاحة كلّما ... رأوا حسنا عدّوه من صنعة الجنّ
وأىّ شىء أعجب وأغرب بعد مقدورات الله ومصنوعاته، من القدرة على بناء جسم [جسيم (5)] من أعظم الحجارة، مربع القاعدة مخروط الشكل، ارتفاع عموده ثثمائة ذراع ونحو سبعة عشر ذراعا (6) يحيط به أربعة سطوح مثلثات متساويات الأضلاع، طول كلّ ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعا (7)
وهو مع هذا العظم (8)، من إحكام الصّنعة وإتقانها (9)، فى غاية من حسن التقدير بحيث لم يتأثّر (10) إلى هلمّ جرّا (11) بعصف الرياح وهطل السحاب،
__________
(1) فى الخطط (1: 118): «وخصوصا علم الهندسة والنجوم».
(2) فى الخطط: «من الصنائع».
(3) فى الأصل: «الآثار البعيدة من الأذهان»، صوابه من الخطط.
(4) فى سقط الزند (1: 196) بشرح التنوير.
(5) هذه من الخطط.
(6) فى الخطط: «تسعة عشر ذراعا». والذراع يذكر ويؤنث.
(7) فى النجوم الزاهرة (1: 98) نقلا عن أبى الصلت: «وسبعون ذراعا».
(8) فى الأصل: «مع هذا الطول منه» وكتب إزاءه: «فى العظم» بدلا من «الطول منه». وأثبت ما فى الخطط.
(9) بدله فى الخطط: «وإتقان الهندام».
(10) فى الأصل: «وهو لا يتأثر»، وأثبت ما فى الخطط.
(11) كذا ورد فى الأصل والخطط. ولعلها: «إلى اليوم وهلم جرا».(1/25)
وزعزعة الزلازل. وهذه صفة كلّ واحد من الهرمين المحاذيين للفسطاط من الجانب الغربى، على ما شاهدناه منهما (1).
وقال بعضهم وقد ذكر عجائب مصر: «وما على وجه الأرض بنيّة إلا وأنا أرثى لها من الليل والنهار، إلا الهرمين فإنى أرثى لليل والنهار منهما».
وهذان الهرمان (2) لهما إشراف على أرض مصر وإطلال [على] بطائحها، وإصعاد على ذراها. وهما اللذان أراد أبو الطيب المتنبى بقوله:
أين الذى الهرمان من بنيانه ... ما قومه، ما يومه، ما المصرع (3)
كنا نظنّ دياره مملوءة ... ذهبا فمات وكلّ دار بلقع (4)
تتخلّف الآثار عن أربابها ... حينا ويدركها الخراب فتتبع (5)
واتفّق أن خرجنا يوما إليهما، فلما أطفنا بهما واستدرنا حولهما كثر تعجبنا منهما، فتعاطينا القول فيهما، فقال بعضنا (6):
بعيشك هل أبصرت أعجب منظرا ... على طول ما أبصرت من هرمى مصر (7)
[أنافا عنانا للسماء وأشرفا ... على الجوّ إشراف السّماك أو النّسر (8)
__________
(1) فى الأصل: «منها»، والصواب فى الخطط.
(2) فى الأصل: «أرثى لليل والنهار منها على وهذان الهرمان من أعظمها.» وأثبت الصواب من الخطط.
(3) من قصيدة له فى ديوانه (1: 405) بشرح العكبرى، يرثى بها أبا شجاع فاتكا.
(4) هذا البيت لم يورده المقريزى، وهو هنا فى غير موضعه الطبيعى. وموضعه فى الديوان بعد بيت يتلو الثالث هنا لأن ضمير «دياره» عائد إلى أبى شجاع فى البيت المشار إليه، وهو:
لم يرض قلب أبى شجاع مبلغ ... قبل الممات ولم يسعه موضع
(5) فى الخطط: «عن سكانها». وفى الديوان: «عن أصحابها».
(6) فى بدائع البدائه 136أن الذى قال الشعر هو أبو الصلت نفسه.
(7) بعد هذا فى الأصل بياض بقدر صفحتين، وقد وفقت لسد هذا الفراغ مما نقله المقريزى فى الخطط (1: 119118): ووضعت هذا السقط بين معقفى التكملة:
[]. (8) فى بدائع البدائه: «أنافا بأكناف السماء».(1/26)
وقد وافيا نشزا من الأرض عاليا ... كأنهما نهدان قاما على صدر (1)
وزعم قوم أن الأهرام قبور ملوك عظام، آثروا أن يتميّزوا بها على سائر الملوك بعد مماتهم، كما تميّزوا عنهم فى حياتهم، وتوخّوا أن يبقى ذكرهم بسببها على تطاول الدهور، وتراخى العصور.
ولما وصل الخليفة المأمون إلى مصر (2) أمر بنقبها، فنقب أحد الهرمين المحاذبين للفسطاط بعد جهد شديد، وعناء طويل، فوجدوا داخله مهاوى ومراقى يهول أمرها، ويعسر السلوك فيها، ووجدوا فى أعلاها بيتا مكعبا، طول كل من أضلاعه نحو من ثمانية أذرع، وفى وسطه حوض رخام مطبق، فلما كشف غطاؤه لم يجدوا فيه غير رمّة بالية، قد أتت عليها العصور الخالية، فعند ذلك أمر المأمون بالكفّ عن نقب ما سواه. ويقال: إن النفقة على نقبه كانت عظيمة، والمؤونة شديدة.
ومن الناس من زعم أن هرمس الأوّل، المدعو بالمثلّث بالنبوة والملك والحكمة، وهو الذى يسميه العبرانيون خنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام وهو إدريس عليه السلام استدلّ من أحوال الكواكب على كون الطّوفان يعمّ الأرض، فأكثر من بنيان الأهرام، وإيداعها الأموال وصحائف العلوم، وما يشفق عليه من الذّهاب والدّروس، حفظا لها، واحتياطا عليها. ويقال: إنّ الذى بناها ملك اسمه سوريد بن سهلوق بن سرياق. وقال آخرون: إن الذى بنى الهرمين المحاذبين للفسطاط شدّاد بن عاد، لرؤيا رآها. والقبط تنكر دخول العمالقة بلد مصر،
__________
(1) بعده فى بدائع البدائه: «وصنع أبو منصور ظافر الحداد:
تأمل هيئة الهرمين وانظر ... وبينهما أبو الهول العجيب
كعماريتين على رحيل ... بمحبوبين بينهما رقيب
وفيض البحر بينهما دموع ... وصوت الريح بينهما نحيب
وظاهر سجن يوسف مثل صب ... تخلف فهو محزون كئيب»
(2) كان ذلك فى سنة 217كما فى كتب التاريخ.(1/27)
وتحقّق أن بانيهما سوريد (1)، لرؤيا رآها، وهى أنّ آفة تنزل من السماء، وهى الطوفان. وقالوا إنه بناهما فى مدة ستة أشهر، وغشّاهما بالديباج الملون، وكتب عليهما:
«قد بنيناهما فى ستة أشهر، قل لمن يأتى من بعدنا يهدمهما فى ستمائة سنة، فالهدم أيسر من البنيان، وكسوناهما الديباج الملون فليكسهما حصرا، فالحصر أهون من الديباج».
ورأينا سطوح كلّ واحد من هذين الهرمين مخطوطة من أعلاها إلى أسفلها بسطور متضايقة متوازية، من كتابة بانيها، لا تعرف اليوم أحرفها، ولا تفهم معانيها. وبالجملة الأمر فيها عجيب، حتى إنّ غاية الوصف لها والإغراق فى العبارة عن حقيقة الموصوف منها، بخلاف ما قاله على (2)] بن العباس الرومى، وإن تباعد الموصوفان، وتباين المقصودان، إذ يقول:
إذا ما وصفت امرأ لا مرئ ... فلا تغل فى وصفه واقصد
فإنّك إن تغل تغل الظنو ... ن فيه إلى الغرض الأبعد
فيصغر من حيث عظّمته ... لفضل المغيب على المشهد
وكذلك أمر البرابى، كبربا إخميم، وبربا سمنود (3)، وبربادندرا (4)، فإن فيها من الإحكام وجوده الشكل وحسن التصوير، ما يدلّ على أن عمّارها
__________
(1) فى النجوم الزاهرة: «سويرد وقيل سويد».
(2) إلى هنا ينتهى السقط الذى نبهنا عليه فى الحاشية 7من صفحة 26.
(3) فى الأصل: «سمندو»، صوابه من المقريزى عند ذكر البرابى، وقال ياقوت:
«كورة السمنودية كان فيها بربا وكانت إحدى العجائب. قال القضاعى: ذكر عن أبى عمرو الكندى أنه قال: رأيته وقد خزن فيه بعض عمالها قرظا، فرأيت الجمل إذا دنا من بابه وأراد أن يدخله سقط كل دبيب فى القرظ، ولم يدخل منه شى إلى البربا. ثم خرب عند الخمسين وثلثمائة».
(4) فى الأصل: «ديدار» وإنما هى «دندرا، أو دندرة، أو «أندرا» كما فى معجم البلدان. وفى بربا دندرة يقول المقريزى: وهو بربا عجيب، فيه ثمانون ومائة كوة تدخل الشمس كل يوم من كوة منها، ثم الثانية حتى تنتهى إلى آخرها، ثم تكر راجعة إلى موضع بدنها». وأنشد ياقوت فى مطلع أبيات:
إن قاض بدندرا ... قال بيتين سطرا(1/28)
ذوو عقول راجحة، وأنّه قد كانت لهم بالحكمة عناية بالغة، لا سيما بصناعتى الهندسة والنجوم.
وقال بعض أهل العناية بأخبار الأمم وتواريخهم: كان بمصر بعد الطّوفان علماء بضروب الحكمة، من العلوم الرياضيّة والطبيعية ولإلهيّة، ومتحقّقون بعلم المرايا المحرقة، وبالطّلّسمات والنّير نجيات وغير ذلك.
والملك بمصر من قديم الزمان بمدينة منف، وهى فى غربى النيل، على مسافة اثنى عشر ميلا من الفسطاط. ولما بنى الإسكندر مدينة (الإسكندرية) هنذ نحو ألف سنة وأربعمائة سنة وأربعين سنة، رغب الناس فى عمارتها (1)، وكانت دار العلم، ومقرّ الحكمة، إلى أن تغلّب عليها المسلمون فى خلافة عمر بن الخطاب، رضوان الله عليه، واختط عمرو بن العاص مدينته المعروفة (بالفسطاط) فانسرب أهل مصر وغيرهم من العرب والعجم إلى سكناها، فصارت قاعدة ديار مصر ومركزها إلى وقتنا هذا.
فيقال إنّ من قدماء أهل العلم بها هرمس الثالث (2)، وكان فيلسوفا جوّالا فى البلاد، طوّافا فى المدائن، عالما بنصبتها (3)، وطوالعها وطبائع أهلها، وله تصانيف جليلة مفيدة فى فنون من الحكمة.
ومنهم دبو فنطس (4) صاحب المقالات الموضوعة فى علم العدد وخواصه على طريق الجبر والمقابلة.
__________
(1) فى الأصل: «وأعجب فى عمارتها»، صوابه من المقريزى (1: 135).
(2) فى الأصل: «هر مس الثانى»، والصواب ما أثبت من عيون الأنباء لابن أبى أصيبعة (1: 17) حيث ذكر الهرامسة الثلاثة، وقال فى هرمس هذا: «وأما هرمس الثالث فإنه سكن مدينة مصر، وكان بعد الطوفان». وأما هرمس الثانى فهو كلدانى من أهل بابل.
وهرمس الأول مصرى كان قبل الطوفان، وهو عند العرب إدريس عليه السلام.
(3) فى الأصل: «بنصبها»، وفى عيون الأنباء: «عالما بنصبة المدائن وطبائعها».
(4) ذكره ابن أبى أصيبعة فى (1: 245) فى أثناء ترجمة «قسطا بن لوقا»، قال: «كتاب فى ترجمة ديوفنطس فى الجبر والمقابلة»: وذكره أيضا عرضا فى ترجمة ابن الهيثم (2: 98).(1/29)
ومنهم الإسكندرانى (1) صنف كتاب الأفلاك، وكتاب القانون فى تقويم الكواكب.
ومنهم روسم (2) صاحب التصانيف فى الكيميا.
ومنهم أنقلاؤس الإسكندرى (3) وأصحابه، الذين اختصروا كتب جالينوس فى صناعة الطب، وألّفوها على طريق المسألة والجواب، يدلّ حسن اختصارهم لها على وفور علمهم، وفضل معرفتهم.
ومنهم واليس (4) صاحب الكتاب المعروف بالبريدج الرومى، المصنّف فى المواليد وما يتقدمها من المدخل إلى علم أحكام النجوم. ويقال إنه الذى استخرج بطول التحرّى (5) ومواصلة العناء، جدود المصريين.
فهؤلاء هم المشهورون من أهل الحكمة بمصر فى ذلك الزمان. وأما زماننا هذا فقد دثر منها كلّ علم وامّحى رسمه، وجهل اسمه، ولم يبق إلّا رعاع وغثاء وجهلة دهماء، وعامّة عمياء، وجلّهم أهل رعانة (6) ولهم خبرة بالكيد والمكر،
__________
(1) لعله «أقطيمن الإسكندرانى». قال القفطى فى أخبار الحكماء (50): «كان عالما بالرياضة محققا للأرصاد خبيرا بعمل آلاتها». اجتمع هو وميطن على الرصد بمدينة الإسكندرية من الديار المصرية، ورصدا وأثبتا ما تحققاه، وتداوله العلماء بعدهم إلى زمن بطليموس القلوذى الراصد بالإسكندرية. «وكان زمنهما قبل زمانه بخمسمائة وإحدى وسبعين سنة».
(2) ذكره القفطى فى ص 127، بلفظ «روشم» قال: «روشم المصرى، هذا الرجل كان بمصر قبل الإسلام، وهو قيم بعلوم الكيمياء وأصولها وتفصيلها وإحكام أمر تركيبها وله فى ذلك كتب جليلة مشهورة عند علماء هذا النوع يتنافسون فى تحصيلها، والظفر بها».
(3) ترجم له القفطى فى (5251) وابن أبى أصيبعة فى (5: 104103).
(4) ذكره القفطى فى (172) قال: «فاليس المصرى، وربما قيل واليس الرومى، كان حكيما فاضلا فى الزمن الأول بعلوم الرياضة وأحكام النجوم. وله فى ذلك المؤلفات الجميلة المشتملة من هذا النوع على المقاصد الجليلة. وهو مؤلف الكتاب المشهور بين أهل هذه الصناعة، المسمى بالبريدج الرومى».
(5) فى الأصل: «التجربة».
(6) المعروف فى هذا المصدر: الرعن، والرعونة.(1/30)
وفيهم بالفطرة قوة عليه وتلطّف فيه وهداية إليه، لما فى أخلاقهم من الملق والسياسة (1) التى أربوا فيها على كلّ من تقدّم وتأخّر، وخصّوا بالإفراط فيها دون جميع الأمم، حتّى صار أمرهم فى ذلك مشهورا، والمثل بهم مضروبا.
وفى خبثهم ومكرهم يقول أبو نواس (2):
محضتكم يا أهل مصر نصيحتى ... ألا فخذوا من ناصح بنصيب (3)
رما كم أمير المؤمنين بحيّة ... أكول لحيّات البلاد شروب
[ولا تثبوا وثب السّفاة فتركبوا ... على حدّ] حامى الظهر غير ركوب (4)
فإن يك باقى إفك فرعون فيكم ... فإن عصا موسى بكف خصيب
* * * وأما حال المنتسبين إلى العلم منهم فأنا ذاكر منها ما وقفت عليه، وكشفت بالمحنة عنه. كنت فى أول جلوسى بها شديد العناية بكتب جالينوس وبقراط، باحثا عن مشكلها، فاحصا عن مستغلقها، فحرصت كلّ الحرص، وجهدت كلّ الجهد على أن أجد من أهل هذه الصناعة من أستفيد منه وأستزيد بمذا كرته وأقدح خاطرى بمفاوضته، فلم أجد غير قوم طبع الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم، وطمس أفهامهم، وحال بين الحكمة وبينهم، فكانوا وإيّاى، كما قال الشاعر:
قوم إذا جالستهم ... صدئت بقربهم العقول
لا يفهمونى قولهم ... ويدقّ عنهم ما أقول
فهم كثير بى كما ... أنّى بجمعهم قليل
__________
(1) فى الخطط (1: 49): «الملق والبشاعة».
(2) الأبيات الأربعة فى ديوانه (104103) يمدح بها الخصيب أمير مصر.
(3) فى الديوان: «منحتكم يا أهل مصر».
(4) التكملة من الديوان (103)، وموضعها بياض فى الأصل. حامى الظهر: هو البعير الذى حمى ظهره فيترك فلا ينتفع منه بشىء ولا يمنع من ماء ولا مرعى. وفى الأصل:
«مانى الظهر» صوابه من الديوان. والبيت لم يرد فى الخطط.(1/31)
وقد تخلّقوا بكثرة الخلاف، وقلة الإنصاف، ولزموا البهت والمعاندة، والشغب والمكابرة، وجهلهم بصناعة الكتب وخلوّهم من أداتها، وعدمهم لعددها وآلاتها، وإهمالهم لشرائطها، وإغفالهم للوازمها، وقصور أذهانهم عن إدراك دقائقها، وبعد عقولهم عن تصوّر حقائقها، ولم يعلموا أنّ الطبيب محتاج إلى أشياء تعينه فى صناعته، وتفتح له مغالقها، وتوضّح مشكلها، وتشرح مشتبهها، وتبيّن له مستعجمها، وتذيقه برد اليقين (1)، وتجلو عن عين بصيرته ظلم الشّكوك والظّنون، وهى العلوم الطبيعية التى تعرّفه مبادئها وأوائلها، وتعطيه استقصّاتها وعناصرها (2)، والقوانين القياسية التى تدّد ذهنه نحو الصواب فيما يلتمس علمه، ويتطلّب فهمه، وتعرّفه كيف يحيل (3) مطلوباتها إليه، ويبنى قياساته عليها، وكيف يتطرّق من جليّها إلى خفيّها، ويستدلّ بظاهرها على غائبها، ويأمن الزّلل، ووقوع الخطل والخلل، ويحقّق الأسباب والعلل.
ولا بدّ لمن أراد أن يكون طبيبا كاملا، وحكيما فاضلا، من النظر فى العلوم الرياضية، ولا سيما النجوميّة منها والموسيقاويّة. وأولى الناس بأن يكون على هذه الصّفة أطباء الملك التّبّعى الألمعىّ، الذى إنما يستعمل الطبيب والمنجّم على جهة الاستظهار، لا على جهة الافتقار والاضطرار. وكيف ونظره الأعلى، وقدحه المعلّى، وسهمه الأسدّ، وباعه الأمدّ. ومن كان مثله ولا مثل له فى تطبيق المفاصل، وإصابة الشواكل فخليق به أن يختار، ولا يختار، ويستبدّ، ولا يستمدّ.
__________
(1) فى الأصل: «برد النفس»، والوجه ما أثبت.
(2) الأستقص، ويقال الأسطقص، هو الشىء البسيط الذى منه يتركب المركب، كالحجارة والقراميد والجذوع التى يتركب منها القصر، وكالحروف التى منها يتركب الكلام، وكالواحد الذى يتركب منه العدد. والأسطقسات الأربعة هى النار والهواء والماء والأرض، انظر مفاتيح العلوم للخوارزمى (82).
(3) فى الأصل: «يحلل».(1/32)
هيهات أن يأتى الزمان بمثله ... إنّ الزمان بمثله لبخيل
فلمّا [لم] يأخذوا نفوسهم بالإتقان لما قد سلف تعديده، بل استطالوه، واستبعدوا الأمد إليه، ورأوا أنّ غرضهم من صناعة الطب الذى هو عندهم وبحسب رأيهم، التكسّب بما يتمّ لهم بأقرب ممّا شرطه الأوائل متناولا، وأسهل مراما، لم يحفظوا (1) غير أسماء أدوية قليلة العدد يصرّفونها فى مداواة كلّ مرض دون إعمال فكرهم فى حقيقة نوعه وسببه، ومقتضيه وموجبه.
وقد ذمّ جالينوس من فرق الطبّ الثلاث الفرقة الجبّلية (2)، لحذقها جميع لوازم الصناعة الطبية، واقتصارها فى المداواة على النّظر فى المرض، هل من جنس الاستفراغ فيقابل بالإمساك، أو من جنس الإمساك فيقابل بالاستفراغ، دون الفحص عن أمر المزاج والسنّ والسجيّة، والبلد والعادة والماهيّة. فما ظنك بجالينوس لو شاهد هؤلاء الذين لا يثبتون على نحلة، ولا ينتسبون إلى فرقة، فإن برئ على أيديهم عليل فبرؤه على جهة الاتّفاق، وإن هلك فبالواجب والاستحقاق، وهم كما قال الشاعر فى مثلهم:
وطبيب مجرّب ما له بال ... نّجح فى كلّ ما يجرب عاده
مرّ يوما على عليل فقلنا ... قرّ عينا فقد رزقت الشّهاده
وكما قال الآخر فى بعض حكمائنا المشهورين عند العوامّ بالحذق والتقدم:
قل للوبا أنت وابن زهر ... قد جزتما الحدّ والنهايه
ترفّقا بالورى قليلا ... فى واحد منكما كفايه
أو كما قال بعض أهل العضر أيضا فيهم:
وطبيب مشعبذ ... يمزج الطبّ بالرّقى
__________
(1) فى الأصل: «فلم يحفظوا».
(2) فى الأصل: «الفرق الجبلية».(1/33)
ما رأيناه قط ط ... بّ عليلا فوفّقا
بل عدم الصّحّة فى ال ... جسم والقلب والبقا
ذو صفات تغادر ال ... جسم مما به لقى
عادما للحراك والح ... سّ والخفّة والنقا (1)
قد سقاه بها الحما ... م ولم يدر ما سقى
وقال آخر:
ما خطر النبض على باله ... يوما ولا يعرف ما الماء (2)
بل ظنّ أن الطبّ درّاعة ... ولحية كالقطن بيضاء (3)
* * * ومن ظريف ما سمعته أنّه كان بمصر منذ عهد قريب رجل ملازم للمارستان يستدعى للمرضى كما تستدعى الأطبّاء، فيدخل على المريض فيحكى له حكايات مضحكة، وخرافات مسلّية، ويخرج له وجوها مضحكة، وكان مع ذلك لطيفا فى إضحاكه وبه خبيرا، وعليه قديرا فإذا انشرح صدر المريض وعادت إليه قوّته تركه وانصرف، فإن احتاج إلى معاودة المريض عاده إلى أن يبرأ، أو يكون منه ما شاء الله.
فليت أطبّاء عصرنا هذا بأسرهم قدروا على مثل هذا العلاج الذى لا مضرّة فيه ولا غائلة له، بل أمره على العليل هيّن، ونفعه ظاهر بيّن كيف لا وهو ينشّط النفس ويبسط الحرارة الغريزية، ويقوّى القوى الطبيعية، ويقوّى البدن على دفع الأخلاط الرديّة المؤذبة والفضول، مع الاستظهار بحفظ الأصول.
وأكثر أطبائها المبرزين (4) نصارى ويهود، وفى ذلك يقول بعضهم:
__________
(1) موضع هذه الكلمة بياض فى الأصل.
(2) يعنى اختبار ماء المريض، وهو بوله.
(3) الدراعة، كرمانة: جبة مشقوقة المقدم.
(4) فى الأصل: «المزبرقين».(1/34)
أقول المسلمين طرّا ... تبغون فى طبّنا (1) اشتهارا
هيهات حاولتم محالا ... كونوا إذا هودا أو نصارى
(2) وأشبه من رأيته منهم وأدخله فى عداد الأطباء، رجل من اليهود يدعى أبا الخير سلامة بن رحمون، فإنّه لقى أبا الوفاء (3) المبشّر بن فاتك (4)، فأخذ عنه شيئا من صناعة المنطق تخصّص به وتميّز عن أضرابه، وأدرك أبا كثير بن الزفان (5) تلميذ أبى الحسن على بن رضوان (6)، وقرأ عليه بعض كتب جالينوس، ثم نصب نفسه لتدريس جميع كتب المنطق، وجميع كتب الفلسفة الطبيعية والإلهية، وشرح بزعمه وفسّر ولخص، ولم يكن بذاك (7) فى تحصيله وتحقيقه، واستقصائه عن لطيف العلم ودقيقه، بل كان يكثر (8) كلامه فيضلّ، ويسرع جوابه فيزلّ. ولقد سألته فى أول لقائى واجتماعى به، عن مسائل استفتحت مباحثته (9) بها مما يمكن أن يفهمها من لم يمتدّ بعد فى العلم باعه، ولم يكثر تبحّره واتساعه، فأجاب عنها بما أبان عن تقصيره ونطق بعجزه، وأعرب عن سوء
__________
(1) فى الأصل: «طبها».
(2) النص التالى نقله القفطى فى إخبار العلماء (143142)، وكذلك ابن أبى أصيبعة (2: 106).
(3) بعد هذه تبتدئ القطعة المحفوظة بدار الكتب رقم 354تاريخ من الرسالة المصرية وسأشير إليها فى التعليقات برمز «ق».
(4) ترجم له القفطى (177176) وقال: «هذا رجل أصله من دمشق وموطنه مصر، وهو من الحكماء الأماثل فى علم الأوائل وكانت له ابنة عمرت بعده وروت بالإسكندرية أحاديث نبوية. وكان فى آخر المائة الخامسة للهجرة».
(5) عند القفطى: «الكثير البرقانى»، تحريف. وأبو كثير كنية له واسمه أفرائيم ابن الزفان، قال ابن أبى أصيبعة فى (2: 105): «إسرائيلى المذهب، وهو من الأطباء المشهورين بديار مصر». وقد اشترى منه الأفضل بن أمير الجيوش عشرة آلاف مجلد من كتبه، كان قد ساوم عليها بعض العراقيين.
(6) انظر ترجمته عند ابن أبى أصيبعة (2: 99).
(7) ق وابن أبى أصيبعة: «ولم يكن هناك». وعند القفطى: «ولم يكن هنالك».
(8) فى الأصل: «تراه يكثر»، وأثبت ما فى سائر المصادر.
(9) فى الأصل: «استقبحت مباحثه بها»، صوابه فى سائر المصادر.(1/35)
تصوّره وفهمه. وكان مثله فى عظم دعاويه، وقصوره عن أيسر ما هو متعاطيه (1)
كقول الشاعر:
يشمّر للّجّ عن ساقه ... ويغمره الموج فى السّاحل
أو كما قال آخر:
تمنيتم مائتى فارس ... فردّكم فارس واحد (2)
وكان (3) بمصر طبيب من أهل أنطاكية يسمى «جرجس»، ويلقب بالفيلسوف، على نحو ما قيل فى الغراب: أبو البيضاء، وفى اللديغ: سليم، وقد تفرغ للتولّع [بأبى الخير سلامة بن رحمون اليهودى الطبيب المصرى (4)] والإزراء عليه، وكان يزوّر فصولا طبّية وفلسفية يبرزها فى معارض ألفاظ القوم، وهى محال لا معنى لها، وفارغة لا فائدة فيها، ثم ينفذها (5) إلى من يسأله عن معانيها، ويستوضحه أغراضها، فيتكلّم عليها ويشرحها بزعمه دون تيقظ (6) و [لا (7)] تحفظ، بل باسترسال واستعجال، وقلّة اكتراث وسوء اهتبال، فيؤخذ منه (8)
ما يضحك منه ويشرح الصّدر.
[وأنشدت (9)] لجرجس هذا فيه، وهو من أحسن ما سمعته فى هجو طبيب مشؤوم (10)، وأنا متّهم له فيه:
__________
(1) فى الأصل: «نشر ما هو متعاطيه»، صوابه فى سائر المصادر.
(2) إلى هنا ينتهى نقل القفطى فى 143142. وانظر البيان (1: 249).
(3) النص التالى نقله القفطى فى 109وابن أبى أصيبعة فى (2: 107106).
(4) التكملة من القفطى، وبدلها عند ابن أبى أصيبعة: «بابن رحمون».
(5) ق فقط: «ثم ينفذ بها».
(6) ق فقط: «تيقن».
(7) هذه من القفطى وابن أبى أصيبعة.
(8) القفطى وابن أبى أصيبعة: «فيوجد فيها عنه».
(9) هذه من ق والقفطى وابن أبى أصيبعة.
(10) كلمة «مشؤوم» وما بعدها ساقط من ق. وفى نسخة الأصل: «ومن أحسن ما قيل فى ذم الطبيب الجاهل».(1/36)
إنّ أبا الخير على جهله ... يخفّ فى كفّته الفاضل
عليله المسكين من شومه ... فى بحر هلك ما له ساحل
ثلاثة تدخل فى دفعة ... طلعته والنعش والغاسل
ولبعضهم:
لأبى الخير فى العلا ... ج يد ما تقصّر
كلّ من يستطبّه ... بعد يومين يقبر
والذى غاب عنكم ... وشهدناه أكثر (1)
ومما قيل فيه:
جنون أبى الخير الجنون بعينه ... وكلّ جنون عنده غاية العقل
خذوه فغلّوه وشدّوا وثاقه ... فما عاقل من يستهين بمختلّ
وقد كان يؤذى الناس بالقول وحده ... فقد صار يؤذى الناس بالقول والفعل
وأما المنجّمون الآن بمصر فهم وأطباؤهم كما قدّ الشّراك من الجلد، بل كما حذيت النّعل بالنعل، لا يتعلّق أمثلهم من علم النجوم بأكثر من زايجة يرسمها (2)
ومراكز يقوّمها. فأما الإمعان والتبحّر فى معرفة الأسباب والعلل (3)، والمبادى
__________
(1) فى نسخة الأصل: «وسمعنا بوصفه». وأثبت ما فى ق وابن أبى أصيبعة. ولم يرو القفطى هذه الأبيات.
(2) جاء فى «مفاتيح العلوم» «للخوارزمى 127: «الزايجة هى صورة مربعة أو مدورة تعمل لمواضع الكواكب فى الفلك لينظر فيها عند الحكم لمولد أو غيره. واشتقاقه بالفارسية من زائش، أى المولد، ثم أعربت الكلمة فاستعملت فى المولد وغيره». وجاء فى معجم استينجاس (608): «زايجة» أى الجداول الفلكية.
وفى نسخة الأصل: «زايرجة»، وأثبت ما فى ق. والزايرجة، هى كما ذكر ابن خلدون فى المقدمة فرع من فروع علم السيميا، يمكن بها استخراج الأجوبة من الأسئلة بارتباط بين الكلمات. فمن الزايرجة المنظومة يستطاع معرفة الأجوبة بطرق خاصة، وحساب معين يدخل فيه الجمع والطرح والضرب. وهناك كلمة أخرى مماثلة، وهى الزيج، وتجمع على أزياج. والزيج:
صناعة حسابية بقوانين عددية يمكن بها معرفة الشهور والأيام والتواريخ الماضية والمستقبلة، وهو الدستور لما يسمى عند الفلكين بالتقويم.
(3) هذا ما فى ق. وفى نسخة الأصل: «ومعرفة الأسباب والعلل».(1/37)
الأول، فليس منهم من يرقى إلى هذه الدرجة، ويسمو إلى هذه المرتبة، ولا يحلق فى هذا الجوّ، ويستضىء بهذا الضوّ (1) إلا أبو الحسن على بن النضر (2) المعروف بالأديب، رضى الله عنه، من أهل صعيد مصر الأعلى، فإنه كان من الأفاضل [الأعيان (3)]، المعدودين من حسنات هذا الزّمان (4). وسنذكره فيما نستأنفه إن شاء الله تعالى.
* * * وأما الطائفة المقّلدة التى حظّها من المعارف القشور دون اللبوب (5)، والظواهر دون البواطن، والأشباح دون الأرواح، فأمثل من بها منهم الآن رجل يعرف برزق الله النحاس (6)، فإنّ له فى فروع هذه الصناعة بعض دربة وتجربة، وبتجريباتها (7) بعض خبرة، وهو أكبر المنجّمين بها وكبيرهم الذى علمهم، وأميرهم الذى يلوذون به (8)، فجميعهم إليه منسوب، وفى جريدته مكتوب، وبفضله معترف، ومن بحره (9) مغترف، وهو شيخ مطبوع بتطايب ويتخالع (10).
ومن حكاياته الظريفة عن نفسه قال: سألتنى امرأة مصرّية أن أنظر لها فى مسألة جمّليّة تخصّها، فأخذت ارتفاع الشمس للوقت، وحقّقت درجة الطالع والبيوت الاثنى عشر ومركز الكواكب، ورسمت ذلك كلّه بين يدىّ
__________
(1) فى الأصل: «ولا يحلق» و «لا يستضىء»، وأثبت ما فى ق.
(2) فى الأصل: «ابن النصر» بالصاد المهملة. وأثبت ما فى ق.
(3) هذه من ق.
(4) ق: «من حسنات الزمان».
(5) فى اللسان: «ولب الجوز واللوز ونحوهما: ما فى جوفه، والجمع اللبوب».
ق: «اللباب»، وما أثبت من الأصل أوفق.
(6) فى الأصل: «بن النحاس»، وصوابه فى ق والقفطى 127.
(7) فى الأصل: «وبجزئياتها»، وأثبت ما فى ق. وعند القفطى: «وبتجرباتها».
(8) ق: «الذى نوه بهم وقدمهم». وعند القفطى: «وكبيرهم الذى علمهم السحر» فقط.
(9) فى الأصل: «ومن علمه»، وأثبت ما فى ق.
(10) يتخالع: يظهر الخلاعة. وفى الأصل: «يتخالق»، صوابه فى ق.(1/38)
فى تخت الحساب (1)، وجعلت أتكلّم على بيت بيت منها على العادة، وأنا فى خلال ذلك أتحسّس أمرها (2) وهى ساكتة لا تنبس، فوجمت لذلك وأدركتنى فترة عظيمة، وألقت إلىّ درهما (3). قال: فعاودت الكلام وقلت: أرى عليك قطعا فى بيت مالك (4) فاحتفظى واحترزى! فقالت: الآن أصبت وصدقت، قد كان والله ما ذكرت. قلت: وهل ضاع لك شىء؟ قالت: نعم، الدرهم الذى ألقيته إليك! وتركتنى وانصرفت.
* * * والمصريّون أكثر الناس استعمالا لأحكام النجوم وتصديقا لها وتعويلا عليها، وشغفا بها وسكونا إليها، حتّى إنه قد بلغ من زيادة أمرهم فى ذلك إلى أن لا يتحرّك واحد منهم حركة من الحركات الجزئية التى لا تحصر فنونها ولا تحصّل أجزاؤها وأنحاؤها، ولا تضبط جهاتها، ولا تقيّد غاياتها (5)، ولا تعدّ ضروبها إلا فى طوالع يختارونها، [ونصب يعتمدونها (6)].
ولقد شهدت يوما رجلا من الوقّادين فى أتّون الحمّام (7)، يسأل رزق الله المذكور عن ساعة حميدة لقصّ أظفاره، فتعجّبت من سموّ همته على خساسة قدره (8) ووضاعة مهنته.
ومن الحكايات العجيبة فى فرط استعمالهم لأحكام النجوم وعنايتهم بها،
__________
(1) هذا ما فى ق، وفى الأصل: «فى التخت».
(2) ق: «أتحسس لها».
(3) القفطى: «وكانت قد ألقت إلى درهما».
(4) هذا ما فى ق والقفطى، وفى الأصل: «ضياع بيت مالك».
(5) ق: «ولا تقدر أساليبها».
(6) هذه من ق.
(7) ق: «أتون حمام».
(8) ق: «مع خساسة قدره».(1/39)
ما شهدت بالصعيد الأعلى. وذلك أنّ بعض الولاة حبس رجلا من [بعض (1)] أهل تلك الناحية كان ينظر فى علم النجوم، وشفع (2) إليه فيه من يكرم عليه، فشفّعه فيه، وأمر بإطلاقه وكان من الحبس فى عذاب واصب، وجهد ناصب، فلما أتوه وقالوا له: انطلق لشأنك (3)، أخرج من كمّه أصطر لابا فنظر فيه ثم أخذ طالع الوقت فنظر فيه، فوجده مذموما، فسألهم أن يتركوه مكانه (4)
إلى أن يتّفق وقت يصلح للخروج من السجن، فعادوا إلى الوالى فأخبروه يخبره (5)، فضحك منه وتعجّب من جهله، وفساد عقله، وأجابه إلى سؤاله، وتركه على حاله، وأطال مدّه اعتقاله.
وفيما أوردته من أخبار الأطباء والمنجمين الآن بمصر كفاية وبلاغ، إلى أن أنتصب له انتصابا ثانيا، فأقول فيه قولا شافيا.
وأما الآن فإنى ذاكر على الشرط من لقيته من أدبائها وظرفائها، وفضلائها فى الأدب وعلمائها.
وأولاهم بالتقديم، وأحقهم بالحظ الأوفر من التعظيم «القاضى أبو الحسن على ابن النضر (6)» المعروف بالأديب، ذو الأدب الجم والعلم الواسع، والفضل البارع. وله فى سائر أجزاء الحكمة اليد الطولى، والرتبة الأولى. وقد كان ورد الفسطاط يلتمس من وزيرها الملقب الأفضل تصرفا وخدمة فخاب فيه أمله،
__________
(1) هذه من ق.
(2) ق: «فشفع».
(3) ق: «لسبيلك».
(4) فى الأصل: «أن يصبروا عليه»، وأثبت ما فى ق.
(5) فى الأصل: «خبره»، وأثبت ما فى ق.
(6) فى الأصل: «النصر» بالمهملة، تحريف صوابه فى ق والخريدة (2: 195) من مخطوطة دار الكتب رقم (10098ز) والطالع السعيد للأدفوى. حيث ذكر أنه كان أحد عمال الديار المصرية فى زمن الأفصل شاهنشاه.(1/40)
وضاع رجاؤه، وأخفق سعيه، فقال من قصيدة يعاتب فيها الزمان، ويشكو الخيبة والحرمان:
بين التعزّز والتذلّل مسلك ... بادى المنار لعين كلّ موفّق
فاسلكه فى كلّ المواطن واجتنب ... كبر الأبىّ وذلّة المتملّق
ولقد جلبت من البضائع خيرها ... لأجلّ مختار وأكرم متّق (1)
ورجوت خفض العيش تحت رواقه ... لا بدّ إن نفقت وإن لم تنفق (2)
ظنّا شبيها باليقين ولم أخل ... أنّ الزمان بما سقانى مشرقى
ولعائبى بالحرص قول بيّن ... لو كنت شمت سحابه لم تطرق (3)
ما ارتدت إلّا خير مرتاد ولم ... أصل الرجاء بحبل غير الأوثق (4)
وإذا أبى الرزق القضاء على امرئ ... لم تغن فيه حيلة المسترزق
ولعمر عادبة الخطوب وإن رمت ... شملى بسهم تشتّت وتفرّق (5)
لأقارعنّ الدّهر دون مروءتى ... وحرمت عزّ النصر إن لم أصدق (6)
وله فى سفرته هذه (7) وقد قوى يأسه من بلوغ أمله ونيل بغيته، وعزم على الصّدر (8) عن الفسطاط إلى مستقرّه، يحضّ على الزّهادة، ويحرّض على القناعة
__________
(1) فى الأصل:
ولقد جلبت من البضائع جلها ... من كل مختار وأكرم ما انتقى
[وأثبت ما فى ق والخريدة والطالع السعيد. بيد أن الكلمة الأخيرة فى الطالع السعيد: «موثق».
(2) ق: «ووجدت». وكلمة «رواقه» هى فى الأصل: «ظلاله»، وأثبت ما فى ق والخريدة. وفى الطالع السعيد: «تحت ردائه»، تحريف.
(3) فى الأصل: «ولعائنى» صوابه فى ق. وفى الخريدة: «ولعاتبى».
(4) ق: «بغير حبل الأوثق»، وفى الخريدة: «بحبل غير موثق».
(5) فى الأصل: «رمت حظى»، صوابه فى ق والخريدة.
(6) فى الأصل: «لأصيرن اليأس»، صوابه فى ق والخريدة.
(7) فى الأصل: «وله من قصيدة غير هذه» وأثبت ما فى ق والخريدة.
(8) ق: «الصدور»، وهما صحيحان، يقال صدر يصدر صدرا وصدورا.(1/41)
ويذمّ الضّراعة، ويتأسّف على إذالة خدّه، وإراقة ماء وجهه:
لهفى لملك قناعة لو أنّنى ... متّعت فيه بعزة المتملّك
ولكنز يأس كنت قد أحرزته ... لو لم تعث فيه الخطوب وتفتك
آليت أجعل ماء وجهى بعده ... كدم يهلّ به الحجيج بمنسك
وأخ من الصبر الجميل قطعته ... فى طاعة الأمل الذى لم يدرك
يا قاتل الله الضرورة حالة ... أىّ المسالك بالفتى لم تسلك (1)
كم بات مشكوّ إليه [تحيفت ... حلقاته قرعا] براحة ممسك (2)
وفم على قدم رمت، ونواظر ... كحلت محاجرها بموطئ سنبك (3)
ومسربل بالصبر والتقوى دعت ... فأجامها فى معرض المتنسّك (4)
ظلّت تصرّفه كتصريف العصا ... رأس البعير لمبرك عن مبرك
وله إلى رئيس كان يكلّفه زيارته ويقعد عن ذلك تعاظما وتكبرا:
أكبرت نفسك أن تسعى مصادفة ... وسمتنيه لقد كلّفتنى شططا (5)
لا تكذبنّ فما كنّا لنوجب من ... حقّ وأنت تراه عنك قد سقطا
لو بعتك النفس بيعا كنت تملكها ... به لكان عليك العدل مشترطا (6)
فهل سبيل إلى أن لا تواصلنى ... ولا تكلّف مثلى هذه الخططا (7)
عسى صحيفة ما بينى وبينك أن ... تطوى وما ضمّنت غير الذى فرطا (8)
__________
(1) هذا ما فى ق والخريدة، وفى الأصل:
يا قاتل الله الضرورة إنها ... سلكت مهالك بالفتى لم تسلك
(2) فى الأصل: «لم يأت»، وصواب البيت وتكملته من ق والخريدة.
(3) هذا البيت ساقط من الأصل.
(4) فى الأصل: «ومسربل بالنصر»، صوابه فى ق والخريدة.
(5) فى الأصل والخريدة: «مصارفة» بالراء، وأثبت ما فى ق.
(6) ق والخريدة: «به على لكان العدل».
(7) فى الأصل: «ولا تكلف مثلى الطرق والخططا»، صوابه فى ق والخريدة.
(8) فى الأصل: «وما قد من أمرنا فرطا»، صوابه فى ق والخريدة.(1/42)
وله (1) فى صدر رسالة:
أتى كتابك عن سخط فآنسنى ... بما تضمّن أنس العين بالوسن (2)
قرأته فجرت فى كلّ جارحة ... منّى معانيه جرى الماء فى الغصن (3)
فما أقول بعثت الروح فيه إلى ... قلبى ولكن بعثت الروح فى بدنى
وله فى شدّة أصابته:
يا مستجيب دعاء المستجير به ... ويا مفرّج ليل الكربة الداجى
قد أرتجت دوننا الأبواب وامتنعت ... وجلّ بابك عن منع وإرتاج
تخاف عدلك أن يجرى القضاء به ... ونرتجيك فكن للخائف الراجى (4)
ومن شعرائها المشهورين أبو الطاهر بن إسماعيل بن محمد المعروف بابن مكنسة (5)، وهو شاعر كثير التصرّف، قليل التكلّف، مفتنّ فى وشى (6) جدّ القريض وهزله، وضارب بسهم فى رقيقه وجزله. وكان فى ريعان شبيبته، وعنفوان حداثته، يعشق غلاما من أبناء عسكرّية المصريين، يدعى عز الدولة فائق، وهو الآن بمصر من رجال دولتها المعدودين وأكابرها المقدمين. ولم يزل مقيما على عشقه له، وغرامه به إلى أن محا محاسنه الشّعر، وغيّر معالمه الدّهر. ولم يزل معزّ الدولة (7)
هذا متعهّدا له محسنا إليه، مشتملا عليه، إلى أن فرّق الدهر بينهما. وكان فى أيام أمير الجيوش بدر الجمالى منقطعا إلى عامل من النصارى يعرف بأبى مليح،
__________
(1) بعد هذه الكلمة فى الأصل بياض بقدر صفحتين من الأصل، وقد أمكننى سد هذه الثلمة من ق والخريدة. والقدر المشترك بين ق والخريدة ينتهى إلى كلمة «الراجى» ختام الأبيات الجيمية التالية، ثم تنفرد «ق» بإتمام النقص الذى سأنبه على نهايته.
(2) فى الخريدة: «فأبأسنى»، تحريف صوابه فى ق والطالع السعيد. وصدره فى الطالع السعيد (222): «وافى كتابك».
(3) فى الطالع السعيد: «نفخت الروح».
(4) إلى هنا ينتهى القدر المشترك من التكملة بين ق والخريدة، ثم تنفرد «ق».
(5) ترجم له ابن شاكر فى الفلوات (1: 26) وقال: «توفى فى حدود الخمسمائة».
(6) فى الأصل: «وعى».
(7) سبق قريبا بلفظ «عز الدولة فائق» وهكذا وردا بالأصل.(1/43)
وأكثر أشعاره فيه، فلما انتقل الأمر إلى الأفضل تعرّض لامتداحه، فلم يقبله ولم يقبل عليه، وكان سبب حرمانه ما سبق لأبى مليح ومراثيه ميتا، لا سيما قوله:
طويت سماء المكرما ... ت وكوّرت شمس المديح
ما كان بالنّكس الدن ... ىّ من الرجال ولا الشحيح
كفر النصارى بعد ما ... عقدوا به دين المسيح
وكفله عزّ الدولة بن فائق، وقام بحاله إلى أن مات.
ولم يقبل الأفضل على أحد من الشعراء كإقباله على رجل من أهل معرّة النعمان (1) يدعى أبا الحسن على بن جعفر بن النون (2) فإنه أفاض عليه سحائب إحسانه، وأدرّله حلوبة إنعامه، ولقّبه بأمين [الملك (3)] وأدناه واستخلصه، ولم يكن شعره هناك (4) بل كان متكلّفا متعسّفا، ولست أعرف أحدا من أهل تلك البلاد يروى له بيتا واحدا فما فوقه، لمنافرة الطّباع كلامه، ونبوّ الأسماع عن طريقته. وقد كان أمره الأفضل يوما أن يصف مجلسا عبّيت فيه فواكه ورياحين، فقال من مزدوجته (5) يصف الأترجّ المصبّع:
كأنّما أترجّه المصبّع ... أيدى جناة من زنود تقطع
فغلط ولم يفطن، وأساء أدبه ولم يشعر لأنه قصد مدح الأترجّ فقزّر نفس الملك منه وصرفها عنه، ولو قصد ذمه لما زاد على ما وصف به من الأيدى المقطوعة من زنودها.
والبليغ الحاذق من إذا وصف شيئا أعطاه حقّه، ووفّاه شرطه، ووصفه بما
__________
(1) إلى هنا ينتهى السقط الذى نبهت عليه فى أول الصفحة السابقة.
(2) ق: «النوين».
(3) هذه من ق.
(4) فى الأصل: «هناك بالجيد» صوابه، فى ق، وكلمة «بالجيد» مقحمة.
(5) فى الأصل: «مزدوجات» صوابه فى ق.(1/44)
يناسبه فى حالتى مدحه وذمّه، ووضع كلّ شىء فى مكانه فى نثره ونظمه (1).
فأين هذا الشاعر فى أدبه وحذقه بالصناعة (2) وفطنته، من أبى على الحسن ابن رشيق، وقد أمره المعزّ بن باديس أن يصف أترجّة [مصبّعة (3)] كانت بين يديه (4)، فقال مرتجلا على البديهة:
أترجّة سبطة الأطراف ناعمة ... تلقى العيون بحسن غير مبخوس (5)
كأنّها بسطت كفّا لخالقها ... تدعو بطول بقاء لابن باديس
ولو أنّ ابن الرومىّ قصد مدح الورد بقوله:
يا مادح الورد ما ينفك من غلطه (6) ... أما تأمّلته فى كفّ ملتقطه
كأنّه سرم بغل حين يبرزه ... عند الخراء وباقى الرّوث فى وسطه
لكان غالطا أو جاهلا أو غافلا، بل قال ذلك حين قصد ذمّه وأراد تخسيسه.
فانظر هذا التشبيه الذى لم يسمع أعجب منه. فلعن الله شيطانه (7)!
وكذلك عبد الله بن المعتز فى قوله يصف القمر من أبيات:
وبات كما سرّ حسّاده ... إذا رام قربا من النوم شذّ (8)
تفزّزه سروات البعوض ... فى قمر مثل ظهر الجرذ (9)
وقول ابن المعتز فى القمر من أبيات:
يا سارق الأنوار من شمس الضحى ... يا مثكلى طيب الكرى ومنغّصى
__________
(1) ق: «من نثره ونظمه».
(2) ق: «ومعرفته بالصناعة».
(3) هذه من ق.
(4) فى الأصل: «كانت فى يده»، وأثبت ما فى ق.
(5) مبخوس: منقوص. وفى الأصل «منحوس»، صوابه فى ق.
(6) هذا ما فى ق. وفى الأصل: «من غلط».
(7) هذا ما فى ق. وفى الأصل: «فلعن الله ذلك».
(8) فى ديوان ابن المعتز (2: 116): «كما سر أعداءه».
(9) فى الأصل: «فمن قمر»، صوابه من الديوان.(1/45)
أمّا ضياء الشمس فيك فناقص ... وأرى حرارة نارها لم تنقص
لم يظفر التشبيه فيك بطائل ... متسلّخا بهقا كجلد الأبرص (1)
وهذا باب لو استقصيناه لطال واتسع (2)، فلنتركه ولنصل من حبلنا ما انقطع (3).
* * * وقال إسماعيل بن مكنسة (4) من قصيدة:
أعاذل ما هبّت رياح ملامة ... بنار هوى إلا وزادت تضرّما
فكلنى إلى عين إذا جفّ ماؤها ... رأت من حقوق الحبّ أن تذرف الدّما
فكم عبرة أعطت غرامى زمامها ... عشيّة أعملن المطىّ المزمّما
وعين حماها أن يلمّ بها الكرى ... أحاديث أيام تقضّين بالحمى
ولله قلب قارعته همومه ... فلم يبق حدّ منه إلا تثلما (5)
وله من أخرى:
دقّت معاقد خصره فكأنّها ... مشتقّة من عهده وتجلّدى (6)
وتجعّدت أصداغه فكأنّها ... مسروقة من خلقه المتجعّد (7)
[ومنها (8)]:
__________
(1) فى الديوان: «منك بطائل». وفى الأصل: «بمسلخ»، صوابه فى ق. وفى الديوان: «مسلخ».
(2) هذا ما فى ق. وفى الأصل: «لو استقصيته لاتسع».
(3) هذا ما فى ق. وفى الأصل: «من غرضنا ما انقطع».
(4) ق: «أبو الطاهر بن مكنسة»، وكلاهما صحيح.
(5) فى الأصل: «مثلما»، وأثبت ما فى ق والخريدة (2: 301).
(6) فى الأصل: «من قده»، صوابه فى ق وفى الخريدة (2: 299) «من تيهه»، وليست بشىء.
(7) فى الأصل: «من شعره»، وأثبت ما فى ق والخريدة،
(8) هذه من ق.(1/46)
ما باله يجفو وقد زعم الورى ... أنّ الندى يختصّ بالوجه الندى (1)
لا يخدعنّك وجنة محمرّة ... رقّت ففى الياقوت طبع الجلمد
وله من قصيدة:
وعسكرىّ أبدا حيثما ... تلقاه يلقاك بكلّ السّلاح
حاجبه قوس وأجفانه ... نبل وعطفاه تثنّى الرّماح
[راح وفعل الراح فيه كما ... يفعل بالغصن نسيم الرياح (2)
أغار فى هذا البيت الأخير على خالد الكاتب فى قوله:
رأت منه عينى منظرين كما رأت ... من الشّمس والبدر المنير على الأرض (3)
عشيّة حيّانى بورد كأنه ... خدود أضيفت بعضهن إلى بعض (4)
[وناولنى كأسا كأنّ مزاجها ... دموعى لما صدّ عن مقلتى الغمض (5)]
* * * وراح وفعل الرّاح فى حركاته ... كفعل نسيم الرّيح فى الغصن الغضّ
وأما البيت الذى قبله (6) فقد تداوله الشعراء. ومن مليح ما وقع فيه قول بعض أهل العصر:
بى من بنى الأصفر ريم رمى ... قلبى بسهم الحور الصائب
سهم من اللحظ رمتنى به ... من كثب قوس من الحاجب
كأنما مقلته فى الحشى ... سيف علىّ بن أبى طالب
وله فى ورق كاغد أهدى إليه:
__________
(1) كلمة «يجفو» ساقطة من الأصل. وإثباتها من ق والخريدة.
(2) البيت ساقط من الأصل، وإثباته من ق والخريدة (2: 301).
(3) فى الأصل: «كأنما هو الشمس»، وأثبت ما فى ق والخريدة.
(4) فى الأصل: «على بعض»، وأثبت ما فى ق.
(5) هذا من الخريدة فقط.
(6) يعنى قوله:
حاجبه قوس وأجفانه ... نبل وعطفاه تثنى الرماح(1/47)
أهدى لنا ورقا أر ... قّ من الشراب المستحيل
خلقا تمزقه الخطو ... ط كأنه عرض البخيل
لا بالصّبيغ ولا الصّقي ... ل ولا العريض ولا الطويل
إلّا بياضا خلته ... وضحا على جسم نحيل (1)
وقد استوفى بعض أهل العصر هذا المعنى، فقال يذكر رزمة كاغد أخرجت إليه من خزانة السلطان، تستعمل فى ديوان الإنشاء، وكان بعض كتاب الديوان يسرق الكاغد، فسلمت تلك الرّزمة منه لدمامتها وخسّة ثمنها:
وكاغد يشبه حالاتنا ... فى كلّ معنى ويحاكيها
جنّس للخطّ به صورة ... لا شىء فى القبح يدانيها (2)
ينفذ فى صفحته كلّ ما ... ترسمه أقلامنا فيها
نودعه مكنون أسرارنا ... وهو إلى الألحاظ يفشيها
مختلف الأجزاء مستخشن ... تلمسه الكفّ فيدميها
كجلدة الأبرص فى لونه ... وصفا على الحق وتشبيها
لو كان خلقا كان مستبشعا ... أو كان خلقا كان تشويها
يعثّر الأقلام حتّى ترى ... مفلولة فيه مواضيها (3)
يتركها تشبه أعجازها ... فى عدم البرى هواديها (4)
من بعد ما ضاهى بأطرافها ... أطراف سمر الخطّ باريها (5)
__________
(1) هذا البيت ساقط من ق.
(2) فى الأصل: «فيها ما يدانيها»، صوابه من ق.
(3) يقال أعثره إعثارا وعثره تعثيرا. وفى الأصل: «يغير الأقلام» وأثبت ما فى ق.
(4) الكلمة الأولى ساقطة من الأصل، كما سقطت كلمة «البرى» ونصف الكلمة التى بعدها، وإتمامه من ق. وفى ق: «فى قدم البرى»، ووجهه ما أثبت من الأصل.
وهواديها بمعنى أوائلها، أى رءوسها.
(5) ورد البيت فى الأصل مبتورا، منتهيا بكلمة «أطراف» وإتمامه من ق.(1/48)
وتفعل الأنمل فى جريها ... كالبرق يها (1)
وكم غدا يسلبها جاهدا ... من كان بالنفس يفدّيها
يقول من يبصر أطباقه ... شلّت يد باتت تعبّيها
قد عبث السوس بأوساطها ... وقرّض الفأر حواشيها (2)
لو عرضت رزمته لم تجد ... مشتريا فى الخلق يشريها
لو بذل الفلس بها غالطا ... أوسع تضييعا وتسفيها (3)
لا يرزأ السّارق منها ولا ... يغتالها من حيلة فيها (4)
تحصى الحصى مستوفيا عدّه ... من قبل أن تحصى مساويها (5)
من ذمّ ذا نقص وذا خسّة ... فهو بذاك الذمّ يعنيها (6)
وقال أبو الطاهر (7):
قلت إذ عقرب الدلا ... ل على خده الشّعر
هذه آية بها ... ظهر الحسن وانتشر
ما رئى قبل صدغه ... عقرب حلّت القمر (8)
هذا معنى مليح ولكنّه سرقه من بيتين أنشدنيهما بمصر رجل يسمى أبا محمد التكريتىّ، من تلاميذ أبى حامد الغزالى، لأبى حامد، ولم أسمعها من غيره:
__________
(1) كذا جاء البيت فى الأصل، وهو ساقط من ق.
(2) فى الأصل: «بأطرافها»، والوجه ما أثبت من ق.
(3) تضييعا كذا وردت.
(4) فى الأصل: «نعبا لها» صوابه فى ق. و «من حيلة» هى فى الأصل وق: «فى حيلة».
(5) مستوفيا عده، مكانها بياض فى الأصل، وإثباتها من ق.
(6) كلمة «وذا خسة» موضعها أبيض فى الأصل، وإثباتها من ق.
(7) هو أبو الطاهر إسماعيل بن محمد، المعروف بابن مكنسة، وقد سبق التنبيه على اسمه فى ص 43.
(8) فى الخريدة (2: 302): «مارئى قط قبل ذا».(1/49)
حلت عقارب صدغه فى خدّه ... قمرا فجلّ بها عن التشبيه (1)
ولقد عهدناه يحلّ ببرجها ... فمن العجائب كيف حلّت فيه
وقال أبو الطاهر أيضا من قصيدة وقد عزم عليه بعض الأمراء فى الخروج (2)
معه إلى الشام لقتال الغزّ (3)، أوّلها:
غير عاص عليك تقويم عودى ... فانقصى من ملامتى أو فزيدى (4)
قل لمولاى إذ دعانى لأمر ... قمت فيه له مقام العبيد
ضعفت حيلتى وقلّ غنائى ... ودنت غايتى ورثّ جديدى (5)
أنا مالى وللشآم وإنى ... لأرى نار حربها فى وقود
بلد جنّه عفارية الغ ... زّ وأرض وحوشها من أسود (6)
والجفار التى تقول إذا ما ... قيل هلّا امتلأت: هل من مزيد (7)
وكأن بى على بعير ترانى ... آخر الناس فى لفيف الحشود (8)
أسود الوجه ناظرا فى أمور ... معضلات من الحوادث سود
__________
(1) وكذا روى فى وفيات الأعيان، فى ترجمة أبى حامد الغزالى. وفى الخريدة وق:
«ويجل به عن التشبه». قال ابن خلكان: «ورأيت هذين البيتين فى موضع آخر لغيره».
(2) ق: «فى المسير».
(3) فى اللسان والقاموس أن «الغز» جنس من الترك.
وانظر ابن الأثير (9: 147141).
(4) فى الأصل: «غير عاض» صوابه من الخريدة (2: 308). وفى ق: «عاس» يقال عسا إذا اشتد.
(5) الغناء، بالفتح: النفع. وفى الأصل: «عنائى» صوابه فى ق والخريدة (2: 308).
(6) فى الأصل: «حنة» صوابها فى ق والخريدة. والعفارية بياء قبل الآخر: جمع عفرية، وهو العفريت. وفى الأصل: «عفاربه» وفى ق والخريدة: «عفارته» صوابهما ما أثبت. انظر اللسان (عفر 263).
(7) الجفار: جمع جفرة بالضم، وهى الحفرة الواسعة المستديرة. وفى الأصل وق:
«الذى يقول» صوابه فى الخريدة. وفى الخريدة: «قيل امتلأت هل مزيد»، وفى ق:
«قل هل امتلأت» ولا يستقيم الوزن بأحدهما. والوجه ما أثبت.
(8) فى الأصل: «وكأنى على»، وأثبت ما فى ق والخريدة.(1/50)
وإذا قيل فى غد يلتقى النا ... س فلا تنس فهو بيت القصيد
حيث لا ناظرى تراه حديدا ... حين يبدو له بريق الحديد
حيث لا يتّقى لسانى ولا يث ... نى عنان المغير عنّى نشيدى (1)
إنّ رأيى إذا يسدّد نحوى ... سهم رام لغير رأى سديد (2)
فإذا ما قتلت كنت خليقا ... بدخولى جهنّما وخلودى
فأقلنى عثارها وابق للمج ... د وكبت العدى وغيظ الحسود (3)
وقال من قصيدة فى طريقة أبى الشّمقمق (4):
أنا الذى جدّثكم ... عنه أبو الشّمقمق
وقال عنّى إننى ... كنت نديم المتّقى
وكنت كنت كنت كن ... ت من رماة البندق
حتّى متى ألفى كذا ... تيسا طويل العنق (5)
بلحية سابلة ... وشارب محلّق (6)
[يا ليتها قد خلقت ... من وجه شيخ حلقى (7)]
وقال (8) من أخرى:
عشت خمسين بل تزي ... د رقيعا كما ترى
__________
(1) ق: «رأس البعير عنى»، وفى الخريدة: «زمام البعير».
(2) ق والخريدة: «إذا تسدد نحوى»، يقال سدده فتسدد.
(3) ق والخريدة: «وابق للحمد».
(4) ق: «أبو الرقعمق»، وهو شاعر آخر وليس مرادا. أما أبو الشمقمق فهو مروان ابن محمد وكان معاصرا لبشار وأبى نواس. وترجمته فى «تاريخ بغداد» 7128وابن خلكان فى تضاعيف ترجمة يزيد بن مزيد. ولم يفرد له ترجمة. وأما أبو الرقعمق فهو أبو حامد أحمد بن محمد الأنطاكى، وترجم له الثعالبى فى اليتيمة (1: 238) وابن خلكان فى الوفيات (1: 41).
(5) ق والخريدة: «حتى متى أبقى».
(6) فى اللسان: «يقال سبل سابل». وفى الخريدة: «بلحية مسبلة».
(7) البيت من ق والخريدة. والحلقى: المأبون، وجاءت فى أصلها: «حلق» محرفة.
(8) فى الأصل: «وقوله»، صوابه فى ق.(1/51)
أحسب المقل بندقا ... وكذا الملح سكّرا (1)
وأظنّ الطويل من ... كل شىء مدوّرا
قد كبر بر ببر ببر ... ت وعقلى إلى ورا
عجبا كيف كلّ شى ... ء أراه تغيّرا
لا أرى البيض صار يؤ ... كل إلّا مقشّرا
وإذا دقّ بالحجا ... ر زجاج تكسرا
وإذا مات ميّت ... لا يشمّنّ عنبرا (2)
* * * ومن شعراء المصريّين زماننا هذا من يقول وهو أبو مشرف الدجر جاوى (3)، وهو منسوب إلى دجرجا، وهى ضيعة (4) بالصعيد الأعلى:
قاض إذا انفصل الخصمان ردّهما ... إلى الخصام بحكم غير منفصل
يبدى الزّهادة فى الدنيا وزخرفها ... جهرا ويقبل سرا بعرة الجمل
ومنهم من يقول، وهو أبو الحسن علىّ بن البرقي، من أهل قوص:
رمانى الدهر منه بكلّ سهم ... وفاجأنى ببين بعد بين (5)
وجمّع فى فؤادى كلّ حزن ... وفرّق بين أحبابى وبينى
ففى قلبى حرارة كلّ قلب ... وفى عينى مدامع كلّ عين
وله من أبيات:
ولى سنة لم أدر ما سنة الكرى ... كأنّ جفونى مسمعى والكرى العذل (6)
__________
(1) المقل: ثمر الدوم. وفى الأصل: «البقل»، وفى ق والخريدة: «المصل» والوجه ما أثبت. وفى الأصل: «سكرا. وأحسب الملح سكرا»، صوابه فى ق والخريدة.
(2) البيت ساقط من ق والخريدة. وفى الأصل: «لا يسمن»، تحريف.
(3) قال ياقوت، عند الكلام على دجرجا: «قد خرج منها شاعر متأخر يعرفه المصريون يقال له (أبو) المشرف. وله شعر جيد» وفى الأصل: «الدجر جراى» صوابه فى ق والخريدة.
(4) فى الأصل: «إلى ضيعته دجرجرا وهى»، صوابه فى ق.
(5) فى ق ركب صدر هذا البيت على عجز تاليه فصارا بيتا واحدا. وكذا جاء فى الطالع السعيد للأدفوى 219
(6) فى الأصل: «وبين جفوتى» صوابه فى ق والخريدة والطالع السعيد. والكلمة الأخيرة من البيت ساقطة من الأصل وإثباتها من النسخ الثلاث.(1/52)
ومنهم من يقول، وهو أبو محمد عبد الله بن الطباخ الكاتب، يهجو رجلا أوقص. أنشدتهما لأبى الحسن [على بن (1)] الصوفى الحنبلى (2):
قصرت أخادعه وغاض قذاله ... فكأنه متوقّع أن يصفعا (3)
وكأنه قد ذاق أوّل درّة ... وأحسّ ثانية لها فتجمّعا
ومنهم من يقول، وهو أبو عبد الله محمد بن مسلم الكاتب:
تعسّفها الحادى وقد هجر الفلا ... ومرّ عليها الخمس يتبعه العشر (4)
وأنحلها لفح الهجير كأنّه ... هوى وهو قلب قد أضرّبه الهجر
ومنهم من يقول، ولا أتحقّق اسمه، فى رجل يلقب بالرشيد (5):
شتّان ما بين الرش ... يد وبين هارون الرشيد
هذا يعزّر بالجلو ... د وذا يعزّز بالجنود (6)
ومنهم من يقول، وهو محمود بن ناصر الإسكندرى (7) كاتب القاضى ابن حديد، فى طبيب أعلم مشوّه الخلق:
صدبقنا المستطبّ نادرة ... قد أخذت منه أعين الناس (8)
أنياب غول ومشفرا جمل ... ورأس بغل وذقن نسناس
ومنهم من يقول، وهو أبو نصر ظافر بن قاسم المعروف بالحداد (9) من أهل الإسكندرية، وكتب إلىّ بها فى رسالة:
__________
(1) هذه من ق.
(2) ق: «الجبلى».
(3) فى الأصل: «وغاب قذاله»، وأثبت ما فى ق.
(4) فى الأصل: «تعشقها»، صوابه ما فى ق.
(5) فى الأصل: «يسمى هارون الرشيد»، وأثبت ما فى ق.
(6) التعزير: ضرب للتأديب دون الحد. وهذا هو الوضع الصحيح للبيت كما فى الأصل. وجاء على العكس فى ق وليس بشىء:
هذا يعزز بالجنو ... د وذا يعزز بالجلود
(7) ق: «الإسكندرانى».
(8) فى الأصل: «قد أخذتها من أعين الناس»، صوابه فى ق والخريدة.
(9) ترجم له ابن خلكان فى «وفيات الأعيان»، وياقوت فى «إرشاد الأريب» وذكر أنه توفى سنة 529.(1/53)
وما طائر قصّ الزمان جناحه ... فأعدمه وكرا وأفقده إلفا
تذكّر زغبا بين أفنان أيكة ... خوافى الخوافى ما يطرن بها ضعفا
إذا التحف الظّلماء ناجى همومه ... لترجيع لحن كاد من رقّة يخفى (1)
بأشوق منى إذ أطاعت بك النوى ... هوائية مائية تسبق الطرفا
تولّت وفيها منك ما لو أقيسه ... بما هى فيه كان فى فضله أوفى (2)
وقال أيضا:
رحلوا فلولا أنّنى ... أرجو الّلقا لقضيت نحبى (3)
والله ما فارقتكم ... لكنّنى فارقت قلبى (4)
ومنهم من يقول، وهو أبو القاسم بن رشد (5) المصرى:
وكم قائل لى سافر إلى ... بلاد العراق تقع فى الرّخاء (6)
لعمرى لقد صدقوا قد وقع ... ت وسط الرخاء بتقديم خاء
ومنهم من يقول وهو الناجى المصرى يهجو حمّاما:
إنّ حمامنا الذى نحن فيه ... هو فى حاجة إلى حمّام
قد دخلنا ونحن أولاد سام ... وخرجنا ونحن أولاد حام
وقال بعض أهل العصر فى هذا المعنى:
حمّامنا هذا أشدّ ضرورة ... ممن يحلّ به إلى حمّام
تبيضّ ألوان الورى فى غيره ... ويعيرها هذا ثياب سخام
قد كنت من سام فحين دخلته ... لشقاء جدّى ردّنى من حام (7)
ومنهم من يقول، وهو أبو الحسن مروان بن عثمان:
تمكّن منى السّقم حثّى كأننى ... توهّم معنى فى خفىّ سؤال
__________
(1) ق: «من دقة».
(2) ق: «كان فى وصفه وفى».
(3) ق: «أرجو الإياب قضيت نحبى».
(4) ق: «والله ما فارقتهم».
(5) فى الأصل: «بن زبيد» وأثبت ما فى ق.
(6) ق: «الرخا» بالقصر، وكذا «خا» بالقصر فى البيت التالى.
(7) فى الأصل: «دخلتها»، صوابه فى ق والخريدة (2: 305).(1/54)
[ولو سامحت عيناه عينىّ فى الكرى ... لأشكل من طيف الخيال خيالى (1)]
سمحت بروحى وهى عندى عزيزة ... وجدت بقلبى وهو عندى غالى
وقد خفت أن تقضى علىّ منيّتى ... ولم أقض أو طارى بيوم وصال (2)
وهوّن ما ألقى من الوجد أنّه ... صدود دلال لا صدود ملال
فلو كان ذاك الصدّ منه ملالة ... شددت عن الدنيا مطىّ رحالى (3)
هذا من قول العباس بن الأحنف:
لو كنت عاتبة لسكّن لوعتى ... أملى رضاك وزرت غير (4) [مراقب
لكن صددت فلم تكن لى حيلة ... صدّ الملول خلاف صدّ العانب
ولمروان:
ما بال قلبك يستكين ... أبه غرام أم جنون (5)
برح الخفاء بما تج ... نّ، فأذهب الشكّ اليقين
حتّى متى بين الجوا ... نح والضلوع هوى دفين
وإلى متى قلب المت ... يم فى يد البلوى رهين
يا ماطلى بديون قل ... بى آن أن تقضى الديون
شخصت له فيك العيو ... ن وقسّمت فيك الظنون
وسلبت ألباب الورى ... بلواحظ فيها فتون
وقوام أغصان الريا ... ض وأين تدركك الغصون
الحسن فى الأغصان ... فنّ وهو فى هذا فنون
__________
(1) البيت من الخريدة (2: 203).
(2) فى الأصل: «منية»، وأثبت ما فى ق والخريدة.
(3) هذا البيت ساقط من ق.
(4) بعد هذا بياض فى الأصل بقدر نحو صفحتين، وقد أكملته من ق والخريدة (2: 204)، والقدر المشترك بينهما فى التكملة هو السطر الأخير فقط مما وضع بين معكفين، وأما سائر التكملة فهو من الخريدة فقط.
(5) يجوز فى رويه الإسكان والتحريك.(1/55)
من أين للأغصان ذا ... ك الغنج والسحر المبين
أم ذلك الورد الجن ... ىّ بخدّه والياسمين
ومنهم من يقول، وهو أبو إسحق إبراهيم بن الأشعث]:
إذا حلّ محمود بأرض فإنه ... يفجّر فيها من ندى كفّه عينا (1)
فتنبت نورا مشبها لهباته ... يرى ورقا بعض وبعض يرى عينا (2)
وله فى غلام مليح أسمر:
يا ذا الذى ينفق أمواله ... فى حبّ هذا الرشأ الفائق (3)
ما الذهب الصامت مستكثرا ... إذهابه فى الذّهب الناطق (4)
ومنهم من يقول فى معشوق له تمتام، وهو محمود بن إسماعيل بن حميد الدّمياطى:
تمتمة تمّ غرامى بها ... وعارض عرّضنى للسّقام
ووفرة همّى بها وافر ... وحاجب حجّب عنّى المنام (5)
وله من أبيات يصف الخمر:
وبتّ ليلى أرى النار التى سجدت ... لها المجوس من الإبريق تسجد لى
هذا أطال الله بقاء الحضرة السامية ما أملاه الخلد، على اليد، فى مدة متقاربة الطرفين، ضيقة ما بين الحاشيتين. فإن تراخت المدة استدركت الفائت (6)
واستلحقت الناقص، إن شاء الله تعالى.
نجزت يوم الثلاثاء تاسع عشر ذى القعدة عام 1091بأدرنة.
__________
(1) فى الأصل: «غيثا»، صوابه فى ق والخريدة. والعين فى هذا: الينبوع الجارى.
(2) فى الأصل «غيثا»، صوابه فى ق والخريدة. والورق: الفضة، تقال بفتح الراء وكسرها، وفتح الراء هنا أوفق للصناعة. والعين فى هذا البيت بمعنى الذهب. وفى ق والخريدة:
«يرى ورقا بعضا وبعضا يرى» وتقرأ: «يرى» بهذه الرواية على أنها مضارع أرى.
(3) ق: «الأسمر الفائق».
(4) فى الخريدة: «مستنكرا»، وفى الأصل: «ذهابه»، وأثبت ما فى ق والخريدة (2: 205).
(5) فى الأصل: «الملام»، صوابه فى ق.
(6) فى الأصل: «الفائق»، صوابه فى ق.(1/56)
كتاب المردفات من قريش لأبى الحسن على بن محمد المدائنى 225135
رواية أبى الحسن على بن محمد بن عبيد الكوفى، عن أبى القاسم عبد الله بن محمد، عن أبى جعفر أحمد بن الحارث، عن المدائنى(1/57)
مقدمة
هذه الرسالة القيّمة الطريفة فى موضوعها وهو موضوع حيوى اجتماعى فيه الإفصاح عن كثير من غوامض الحياة الاجتماعية فى الصدر الأول من الإسلام صنعها راوية جليل من رواة الأخبار، يعدّ فى الصدر من رجالات التأليف فى العصر العباسى، هو أبو الحسن المدائنى على بن محمد بن عبد الله بن أبى سيف.
وأبو الحسن هذا بصرى سكن المدائن، ثم انتقل عنها إلى بغداد فلم يزل بها حتى وافاه الأجل. وكان مولى لعبد الرحمن بن سمرة القرشى، وهذا يكشف لنا القناع عن سرّ تأليفه لهذه الرسالة يتناول فيها أخبار النساء المردفات من قريش.
وكان أبو الحسن ميّالا إلى التأليف فى أخبار العرب وأنسابهم وأيامهم، عالما بالفتوح والمغازى، وكان لما أنعم الله به عليه من عمر مديد جاوز التسعين، أثر عظيم فى ضخامة مكتبته التى أخرجها للناس، وتناولها ابن النديم فى الفهرست بالسرد، فأربت على (مائتين وأربعين مصنفا) يلمح القارئ فى عنواناتها جلال علم هذا الرجل، واتساع معارفه، وتبحّره فى فنون التأليف والرواية.
ولد أبو الحسن سنة 135وترعرع فى كنف مولاه عبد الرحمن بن سمرة القرشى، وعندما انتقل إلى بغداد وصل حبله بإسحاق بن إبراهيم الموصلى فكان لا يفارق منزله. ومما هو جدير بالذكر أن أبا الحسن أغمض إغماضته الأخيرة فى منزل صاحبه إسحاق الموصلى فى سنة 225، وكان إسحاق يبر أبا الحسن برّا ظاهرا، ويروى أن يحيى بن معين سأله مرة وقد جاز عليه وهو على حمار فاره:
إلى أين يا أبا الحسن؟ فقال: إلى هذا الكريم الذى يملأ كمى من أعلاه إلى أسفله دنانير ودراهم. يعنى إسحاق الموصلى.
هذه المكتبة المدائنية التى ابتلعتها أحداث التاريخ فيما طوت من كنوز
الثقافة العربية، يقف الباحث من بعدها موقف الحسرة والأسى، وهو إنما يستروح بشىء من العزاء حينما يلمح بعض هذه الآثار فى مقتبسات المؤلفين الذين رووا من تلك الكتب أطرافا، وفى طليعتهم أبو الفرج الأصبهانى صاحب كتاب الأغانى. واليوم نظفر بعزاء جديد حين ننشر على هذا الملأ من المتأدبين والعلماء قطرة من نبع آثار المدائنى، هى تلك الرسالة التى تزدان بها المكتبة التيمورية التى حفظ فيها المغفور له العلّامة أحمد تيمور باشا كثيرا من نفائس الإنتاج العربى، وهى فى صحبة مجموعة تشتمل على 11رسالة رقمها 80مجاميع، وعليها خط المغفور له الشيخ طاهر الجزائرى. وقد جعل عنوان هذه الرسالة: «رسالة المتزوجات من قريش».(1/58)
هذه المكتبة المدائنية التى ابتلعتها أحداث التاريخ فيما طوت من كنوز
الثقافة العربية، يقف الباحث من بعدها موقف الحسرة والأسى، وهو إنما يستروح بشىء من العزاء حينما يلمح بعض هذه الآثار فى مقتبسات المؤلفين الذين رووا من تلك الكتب أطرافا، وفى طليعتهم أبو الفرج الأصبهانى صاحب كتاب الأغانى. واليوم نظفر بعزاء جديد حين ننشر على هذا الملأ من المتأدبين والعلماء قطرة من نبع آثار المدائنى، هى تلك الرسالة التى تزدان بها المكتبة التيمورية التى حفظ فيها المغفور له العلّامة أحمد تيمور باشا كثيرا من نفائس الإنتاج العربى، وهى فى صحبة مجموعة تشتمل على 11رسالة رقمها 80مجاميع، وعليها خط المغفور له الشيخ طاهر الجزائرى. وقد جعل عنوان هذه الرسالة: «رسالة المتزوجات من قريش».
وهذا العنوان موضع نظر، فإن «المتزوجات» من قريش لا يحصيهنّ العدّ، وليس يخطر ببال مصنّف أن يضع فى ذلك كتابا، فإن الزواج أمر عام جدّا ليس له طايع من الغرابة يسترعى النظر والاهتمام، فهذه الكلمة محرفة لا ريب.
وحين ننظر إلى موضوع الكتاب نجد أنه يتناول النساء القرشيات اللاتى أردفن زوجا بعد زوج ولم يكتفين بزوج واحد، لظروف متباينة ساقتهن إلى ذلك أو ساقت ذلك إليهن.
ثم نعود بعد ذلك إلى ثبت كتب المدائنى فنجد بين كتب مناكح الأشراف وأخبار النساء كتاب «المردفات من قريش»، فكلمة «المردفات» التى يراد بها اللائى أردفن زوجا بعد زوج، هى الكلمة التى تصحح كلمة «المتزوجات» وهى الكلمة التى تنطبق على موضوع الكتاب أتمّ الانطباق.
وتبدأ سلسلة رواية هذه النسخة بأبى الحسن على بن محمد بن عبيد الكوفى صاحب ثعلب المولود سنة 254والمتوفى سنة 348، وتنتهى بتلميذ المدائنى وراويته أحمد بن الحارث بن المبارك الخزاز المتوفى سنة 257. وهذه هى الرسالة:(1/59)
النص
بسم الله الرّحمن الرّحيم حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد قال: أنبأنا أبو جعفر أحمد بن الحارث الخزاز، قال: أنبأنا أبو الحسن المدائنى علىّ بن محمد، قال:
1 - تزوّج أمّ كلثوم بنت على بن أبى طالب عليهما السلام، عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وقتل عنها فخطبها سعيد بن العاص فقالت: إن مثلى لا تزوّج نفسى، فائت أهلى. فأتى الحسن بن على عليهما السلام فخطبها فقاربه فبعث إليها سعيد بمائة ألف، وكلم الحسن الحسين فأبى. وقد كان الحسن وعد سعيدا وعدا، فأتاه سعيد وحده فقال: أين أبو عبد الله؟ قال الحسن: لم يحضر ولن يخالفنى إذا فعلت. فقال سعيد: إنى أكره أن أدخل بينكم بشىء تكرهونه فرجع ولم يرجع فى المال ولم يطلبه. ثم تزوّجها عون بن جعفر، ثم تزوّجها محمد بن جعفر. وقد ولدت لعمر زيدا ورقيّة، فتزوّج رقيّة إبراهيم بن نعيم النّحّام (1)، وماتت هى وابنها زيد فى يوم واحد.
2 - حدثنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال:
أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط تزوّجها زيد بن حارثة، ثم خلف عليها الزبير بن العوّام فحملت. وكان الزبير شديدا على النساء، فأقام عندها سبعة أيام فولدت له ابنة، وقالت له حين ضربها المخاض: طيّب نفسى بتطليقة. فطلّقها وخرج إلى الصلاة، فلحقه رجل فقال: قد ولدت أمّ كلثوم. فقال: خدعتنى خدعها الله! ولم يكن له عليها رجعة. وخطبها فأبت أن تزوّجه. ويقال: أتى النبى عليه الصلاة والسلام فأخبره فقال: «قد مضى فيه القرآن، ولكن إن شئت خطبتها إلى نفسها». قال: لا ترجع إلىّ أبدا.
وابنتها من الزبير زينب. ثم تزوّجها عبد الرحمن بن عوف بعد زيد ثم
__________
(1) انظر خبر زواج إبراهيم بن نعيم النحام فى الأغانى (4: 146) والمعارف ص 80.(1/60)
الزبير. فولدت لعبد الرحمن محمدا وإبراهيم وحميدا وإسماعيل، ثم تزوّجها عمرو ابن العاص فأخرجها معه إلى مصر. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجها معه فى بعض مغازيه تداوى الجرحى وضرب لها بسهم، فقالت يوما لخبّاز عمرو (1): لا تهيّئ له اليوم طعاما فإنى قد هيأت له غداءه. ودعا عمرو بالغداء، فقال الخبّاز: أرسلت إلىّ أمّ كلثوم: لا تكلّف شيئا فقد هيأت له غداءه.
قال: فغدّنا فتغدّى، فلما فرغوا وخرج من حضر قال لأم كلثوم: لا تعودى فإنى لم أتزوجك لتطعمينى، وإنما تزوجتك لأطعمك. فماتت عنده.
3 - أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: كانت هند بنت عتبة بن ربيعة أمّ معاوية، عند الفاكه بن المغيرة، فقتل عنها بالغميصاء (2) فى الجاهلية، ثم خلف عليها حفص بن المغيرة، فمات عنها، فتزوجها أبو سفيان بن حرب.
4 - عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل، أنبأنا أبو الحسن عن جويرية ابن أسماء وعامر بن حفص قالا:
عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، أمها ميمونة بنت الحضرمى بن الصعبة (3)
كانت عند عبد الله بن أبى بكر بن أبى قحافة فأحبها، فكان ربّما ترك الصلاة جماعة، فأمره أبو بكر رضى الله عنه بطلاقها وقال: قد فتنتك عن دينك، وشغلتك عن معيشتك. فطلّقها. فطلّقها، وقال:
ولم أر مثلى طلّق اليوم مثلها ... ولا مثلها فى غير جرم تطلّق
لها خلق سمح ورأى ومنصب ... وخلق سوىّ فى الحياء ومصدق (4)
__________
(1) يطلق الخباز على من كان يشرف على إعداد الطعام وطهيه. انظر التحقيق فى حواشى الحيوان (5: 457).
(2) الغميصاء: موضع فى البادية بالقرب من مكة.
(3) فى الإصابة 695من قسم النساء، أن أمها أم كريز بنت عبد الله بن عمار بن مالك الحضرمية.
(4) المصدق: الصدق. وفى الأصل: «فى الحياة»، وفى الأغانى (16: 128):
«فى حياء».(1/61)
أعاتك لا أنساك ما هبّت الصّبا ... وما ناح قمرىّ الحمام المطوّق
أعاتك لا أنساك ما حجّ راكب ... وما لاح نجم فى السماء محلّق
أعاتك قلبى كلّ يوم وليلة ... إليك بما تخفى النّفوس معلّق
ولولا اتّقاء الله فى حقّ والد ... وطاعته ما كان منّا التفرّق
فبلغ أبا بكر شعره فأمره فراجعها، وكانت عنده حتى مات شهيدا، أصابه سهم فى حصار الطائف فانتقض به جرحه فمات، فقال لعاتكة حين احتضر: لك حديقة من مالى ولا تزوّجى. ففعلت ذلك. وقال حين راجعها:
أعاتك قد طلّقت عنى بغصّة ... وراجعت للأمر الذى هو كائن (1)
كذلك أمر الله غاد ورائح ... على النّاس فيه ألفة وتباين
وقد كان قلبى للتفرّق طائرا ... وقلبى لما قد قرّب الله ساكن
أعاتك إنّى لا أرى فيك سقطة ... وإنك قد حلّت عليك المحاسن (2)
وإنّك ممن زيّن الله أمره ... وليس لما قد زيّن الله شائن (3)
فمات عبد الله وترك سبعة دنانير، فقال أبو بكر: إنا لله، كيف يصبر ابنى على سبع كيّات (4). فلما مات عبد الله قالت عاتكة:
فجعت بخير النّاس بعد نبيّهم ... وبعد أبى بكر وما كان قصّرا
فآليت لا تنفكّ عينى سخينة ... عليك ولا ينفكّ جلدى أغبرا
مدى الدهر ما غنّت حمامة أيكة ... وما طرد الليل الصّباح المنوّرا
فلله عينا من رأى مثله فتى ... أكرّ وأحمى فى الجهاد وأصبرا
إذا شرعت فيه الأسنّة خاضها ... إلى الموت حتّى يترك الرّمح أحمرا
__________
(1) فى الأغانى: «فى غير ريبة * وروجعت».
(2) فى الأغانى: «سخطة * وإنك قد تمت».
(3) فى الأغانى: «وجهه * وليس لوجه زانه الله».
(4) يعنى بذلك جزاءه على ما اكتنز من الدنانير. (يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم).(1/62)
فخطبها عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقالت: إنّى قد جعلت على نفسى ما لا أقدر [معه] على التزويج. فقال: استفتى ابن أبى طالب رضى الله عنه.
فاستفتته فقال: ردّى عليهم ما أخذته منهم وتزوّجى. فردّت الحديقة، فتزوّجها عمر رضى الله عنه، فلما دخل بها أولم، فدنا علىّ رضى الله عنه من خدرها وقال:
فآليت لا تنفكّ عينى سخينة ... عليك ولا ينفكّ جلدى أغبرا!
فبكت، فقال عمر: ما أردت إلا أن تفسد علينا أهلنا (1). ويقال قال هذه المقالة لها عبد الرحمن بن أبى بكر. فلما قتل عمر قالت:
فجّعنى فيروز لا درّ درّه ... بأبيض تال للقران منيب
رؤوف على الأدنى غليظ على العدى ... أخى ثقة فى النّائبات نجيب
متى ما يقل لا يكذب القول فعله ... سريع إلى الخيرات غير قطوب
وقالت:
عين جودى بعبرة ونحيب ... لا تملّى على الإمام النّجيب
فجعتنى المنون بالفارس المق ... دم يوم الهياج والعذبيب (2)
عصمة النّاس والمعين على الدّه ... ر وغيث المنتاب والمحروب
قل لأهل الضّرّاء والبأس موتوا ... قد سقته المنون كأس شعوب
فخطبها طلحة بن عبيد الله، فمشى فى أمرها هبّار بن الأسود فأفسد عليه، فتزوجها الزبير بن العوام، فنهاها عن الخروج إلى المسجد فقالت: أتنهانى عن الخروج إلى الصلاة وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لا تمنعوا إماء الله من مساجد الله». فأعرض عن ذلك أياما ثم قعد لها فى طريقها ليلا، فلما مرّت به ضرب عجيزتها بيده وكانت عظيمة العجيزة جميلة فرجعت إلى بيتها واسترجعت وقالت: سوءة، إنا لله. وتركت الخروج، فقال لها الزبير: مالك تركت
__________
(1) فى الأصل: «أهلها».
(2) التذبيب: إكثار الذب والدفع. وفى الأغانى: «التلبيب».(1/63)
الصلاة فى المسجد؟ قالت: قد فسد الناس أبا عبد الله! فقتل عنها فقالت:
غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم اللّقاء وكان غير معرّد
يا عمرو لو نبّهته لوجدته ... لا طائشا رعش الجنان ولا اليد
شلّت يمينك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة المتعمّد (1)
كم غمرة قد خاضها لم ينهه ... عنها طرادك يا ابن فقع القردد
ثم خطها على بن أبى طالب رضى الله عنه فقالت: إنّى أشفق عليك من القتل، لم أتزوّج رجلا إلا قعل فتزوّجها محمد بن أبى بكر فخرجت معه إلى مصر فقتل ومثل به، فقالت:
إن تقتلوا أو تمثلوا بمحمّد ... فما كان من شأن النّساء ولا الخمر (2)
فتزوجها عمرو بن العاص.
أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن، عن أبى مقرر، عن محمد بن عمرو، أن ابن أمية بن خلف (3) رأى رؤيا لعمر بن الخطاب رضى الله عنه فى خلافة أبى بكر فقصها فقال: رأيت أن هذا الرجل قد هلك، وأنت مكانه، فبعثت إلى هذه المرأة فتزوجتها يعنى عاتكة بنت زيد فدخلت عليك وأنت عروس وعلى باب بيتك ستر. فقال عمر: بل يبقى الله خليفة رسول الله. فلما توفى أبو بكر أرسل إليها فخطبها.
5 - سكينة ابنة الحسين عليه السلام، أمها الرباب بنت امرئ القيس الكلبية (4) تزوجها عبد الله بن الحسن وهو أبو عذرتها، فمات ويقال قتل مع الحسين فتزوجها مصعب بن الزبير فولدت له ابنة، فأرسل إليها: سمّيها زبراء
__________
(1) انظر خزانة الأدب (4: 352348) فى الكلام على هذا البيت.
(2) يقال مثل به يمثل مثلا مثل قتل يقتل قتلا، ومثل به تمثيلا، إذا نكل به.
(3) هو ربيعة بن أمية بن خلف، كما فى طبقات ابن سعد 8: 194. وانظر خبر ربيعة هذا فى الأغانى 13: 107.
(4) انظر خبر تزويج الرباب الحسين بن على فى الإصابة 484، قسم النساء.(1/64)
قالت: أسمّيها باسم إحدى أمهاتى. فسمّتها خديجة أو فاطمة. فماتت ابنتها من مصعب وهى صغيرة، فحملها مصعب إلى العراق فقتل عنها.
وقال ابن قيس الرقيّات حين تزوّج مصعب سكينة ويقال قالها الحارث ابن خالد المخزومى حين خرج مصعب بعائشة بنت طلحة:
رحل الأمير بأحسن الخلق ... وغدا بلبّك مطلع الشّرق (1)
وبدت لنا من تحت كلّتها ... كالشّمس أو كغمامة البرق
وتنو فتثقلها عجيزتها ... مشى النّزيف ينوء بالوسق (2)
فظللت كالمقمور خلعته ... هذا الجنون وليس بالعشق (3)
ما صبّحت زوجا بغرّتها ... إلا غدا بكواكب الطّلق
وتروى هذه الأبيات لرجل من ثقيف قالها فى امرأة من ثقيف.
وخطب سكينة عبد الملك بن مروان فقالت أمها: والله لا أزوجها منه أبدا وقد قتل ابن أختى تعنى مصعبا (4) فتزوجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله ابن حكيم بن حزام وأم عبد الله بن عثمان رملة ابنة الزبير بن العوّام فولدت له سكينة ابنا يقال له قرين، وحكيما، وابنة ويقال ابنتين. فمات عنها فتزوّجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان، فأصدقها صداقا كثيرا، فقال
__________
(1) فى الأصل: «بليل»، صوابه من ديوان ابن قيس الرقيات 101. وفى الأغانى (3: 103): «وغدوا بلبك».
(2) الديوان 103: «نهض الضعيف». والوسق، ستون صاعا، أو حمل بعير.
(3) الخلعة، بضم الخاء وكسرها: خيار المال، لأنه يخلع قلب الناظر إليه. وفى الأغانى:
«مهجته».
(4) هو مصعب بن الزبير، وكان عبد الملك قد سار إلى العراق، فالتقى مع مصعب بمسكن، من أرض العراق، فقتل مصعب سنة 72. وفى ذلك يقول عبيد الله بن قيس الرقيات:
إن الرزية يوم مس ... كن والمصيبة والفجيعه
بين الحوارى الذى ... لم يعده يوم الوقيعه(1/65)
عبد الملك: إنا تزوجنا أحسابنا فلم نغرق فى الصداق، طلّقها. فطلقها، فقال أيمن بن خريم:
نكحت سكينة فى الحساب ثلاثة ... فإذا دخلت بها فأنت الرابع
إنّ البقيع إذا تتابع زرعه ... خاب البقيع وخاب فيه الزارع (1)
فتزوّجها زيد بن عمرو بن عثمان وأمه أم ولد فأصدقها صداقا كثيرا، واشترطت عليه أن لا يعصى لها أمرا ولا يغيرها، ولا يمنعها شيئا تريده، ولا يمنع أحدا يدخل عليها، وأن يقيمها حيث خلّتها أمّ منظور (2). فتزوّجها على هذه الشروط، فقال له سليمان بن عبد الملك: يا زيد بن عمرو، إنك شرطت لسكينة أن لا تطأ جارية، وعندك أمثال المها، وأنا أعلم أنك لا تصبر وأنك قد وطئت بعضهن، وشرطت لها شروطا لا تستطيع أن تفى بها، وقد حرمت عليك سكينة.
فطلّقها زيد فتزوّجها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، فأبى أهلها أن يرضوا، فخاصموه وتحاكموا إلى إبراهيم بن هشام، فقال له: انطلق فادخل على أهلك، فإن حال بينك وبينها أحد فامنعه. وكان إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف شرسا كثير الشرّ، فجاء فى رجال من بنى زهرة، فأعانه قوم من قريش، وجاء بنو هاشم وبنو أميّة وأرسل عبد الله بن عمرو بن عثمان مواليه وغلمانه فى السلاح، فقيل للوالى: إن لم تمنعهم تقاتلوا. فأرسل فردّ الفريقين، وكتب إلى هشام فكتب إليه هشام: خيّروها، فإن اختارته فاحملها إليه. فاختارت نفسها، وأتى الخبر إبراهيم فأتاها فقال: أنا خير الناس لك. قالت: ما تقول، يا بأبى؟! فعلم أنها تهزأ به، فانصرف فخيّروها فاختارت نفسها، فجاء علىّ بن حسين بن حسين عليهم السلام فحملها.
وكانت سكينة تقول لزوجها زيد بن عمرو بن عثمان: اخرج إلى مكة وأخرج
__________
(1) البقيع: الأرض الواسعة، ولا تسمى بقيعا إلا وفيها شجر.
(2) فى الأصل: «أن يقفها حيث جلتها أم منظور». صوابه من الأغانى (14: 163).(1/66)
معك أشعب. فيخرجه ويخرج من أرادت، فإذا قضوا حجهم ورجعوا فكانوا فى نصف الطريق قالت: يا ابن عثمان، ارجع إلى مكة. فيقول: نعم. فإذا صرفوا الإبل إلى مكة قال لها: يا سكينة ما أستطيع أن أخالفك وقد انصرف الناس، فإن رأيت أن تمضى معهم. فتقول: نعم فتمضى معهم يومهم ذلك، ثم تقول:
يا ابن عثمان، ارجع! فيقول: نعم. فنفعل ذلك مرارا، ومع هذا مواتاة منها وقرّة عين وشفقة ونصيحة، وإنما كان ذلك كله منها مزاحا لتسرّه ثم ترجع إلى ما يريد. فعتب عليها يوما فى بعض الأمر فصارمها وخرج إلى قصر له فى ماله.
قال أشعب: فدعتنى ليلة بعد العشاء فقالت: ويلك، هل لك أن تأتى ابن عثمان فتعلم لى علمه أيّة خرج وأخذ. قلت: لا أستطيع أن أذهب هذه الساعة.
قالت: فإنى أعطيك ثلاثين دينارا. قلت: ادفعيها إلىّ. فأعطتنى ثم مضيت فانتهيت إلى القصر بعد ما هزيع من الليل، وليس على باب القصر أحد، فدخلت الدار فإذا هو بين يديه مصباح، قد نزل عن فرشه وهو ينكت فى الأرض، فسمع حسّى أو رأى خيالى فقال: إن فى الدار إنسانا فانظروا من هو. فجاؤونى فرأونى فقالوا: شعيب (1). فدعا بى فقال: ويلك يا شعيب ما قصتك؟ قلت:
أرسلتنى سكينة. قال: ولم؟ قلت: ذكرت منك ما ذكرت منها فأرسلتنى أعلم لها علمك. قال: ويحك، غننى فإن جئتنى بما فى نفسى فلك حلتى الطبرّية (2)
فقد أخذتها بثلثمائة (3). فغنّيته:
علّق القلب بعض ما قد شجاه ... من حبيب أمسى هوانا هواه
__________
(1) يعنون أشعب، وهو ترخيم، كما قالوا فى أحمد: حميد، لغير نداء.
(2) الطبرية: نسبة إلى طبرستان. وفى الأصل: «الصبرية» بالصاد، تحريف.
وجاء فى كتاب (التبصر بالتجارة) للجاحظ 22بتحقيق العلامة حسن حسنى عبد الوهاب باشا:
«وخير الطيالسة الرويانية الطبرية». وفى الحيوان (3: 27): «قلت لأحمد بن رياح:
اشتريت كساء أبيض طبريا بأربعمائة درهم».
(3) أى ثلاثمائة درهم. انظر ما سبق.(1/67)
ما ضرارى نفسى بهجران من لي ... س مسيئا ولا بعيدا نواه
قال: ما عدوت ما فى نفسى. وأعطانى حلته، فرجعت إلى سكينة وهى جالسة تنتظر رجوعى، فأخبرتها عنه وعن حاله التى رأيت عليها وما قلت وما صنع. قالت: فأين الحلة؟ قلت: معى. قالت: أفتريد يا شعيب أن تلبس حلة قد لبسها ابن عثمان وتسلبه إياها، لا ولا كرامة. قلت: والله لألبسنها.
قالت: فأنا أشتريها منك. فاشترتها بمائة دينار، ويقال بثلائين دينارا.
وكان تزويج إبراهيم بن عبد الرحمن بها أنها مكثت حينا بعد زيد لا تخطب، فقالت لها مولاة لها: جعلت فداك، لا أرى أهل المدينة يذكروننا.
قالت: أما والله لأجعلنّ لهم حديثا. فأرسلت إلى إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وكان شرسا كثير الشر، فقالت له: كيف أنت إن تزوّجتك؟ قال:
تجدينى خير الناس
وكانت ظريفة فقيل لها: يا سكينة، أختك ناسكة وأنت مزّاحة. قالت:
إنكم سميتموها باسم جدّتها المؤمنة، وسميتمونى باسم جدّتى التى لم تدرك الإسلام (1).
ويقال إنها لما زفت إلى زيد فحملت، قالت لمولى لها كان يمشى مع دابتها يقال له بخة: ويلك ما لك. وقالت لرجل: قوّم هذا الأديم.
وذكر الفرزدق سكينة وشبّب بها وعمر بن عبد العزيز على المدينة، فأخرجه منها ونفاه. فقال جرير فى ذلك:
نفاك الأغرّ ابن عبد العزيز ... بحقّك تنفى من المسجد (2)
__________
(1) أختها فاطمة بنت الحسين بن على، سميت باسم جدتها فاطمة بنت الرسول زوج على ابن أبى طالب. ومما هو جدير بالذكر أن اسم سكينة بنت الحسين، هو آمنة، وأما سكينة فلقب لها. وسميت آمنة باسم جدتها آمنة بنت وهب أم الرسول صلوات الله عليه. انظر الأغانى (14: 158).
(2) وكذا رواية النقائض 798. وفى الأغانى (19: 52): «ومثلك ينفى».(1/68)
وطافت سكينة بنت حسين رضى الله عنه، فلما انتهت إلى الركن اليمانى أعيت فى أول طواف، ونظر إليها العرجىّ فقال:
يقعدن فى التّطواف آونة ... ويطفن أحيانا على فتر
حتى استلمن الركن فى أنف ... من ليلهنّ يطأن فى الأزر
ففرغن فى سبع وقد جهدت ... أحشاؤهن موائل الخمر
فسمعت شعره امرأة ووصفته لها، فحفظت الشعر فأخبرتها، قالت: «لو أن الجمال طفن سبعا لجهدت أحشاؤهن».
وقال أبو دهبل يمدح عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام وهو زوج سكينة، ولدت منه قرينا، وحكيما، وابنة. وأمّ عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم رملة ابنة الزبير فقال:
أكرم بنسل منك بين محمد ... وبين علىّ فاسمعنّ كلامى
وبين حكيم والزّبير فلا أرى ... لهم شبها فى منجد وتهام
تمطت به بيضاء فرع نجيبة ... حصان وبعض الوالدين عرام (1)
6 - أخبرنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: أمّ إسحاق بن طلحة بن عبيد الله كانت عند الحسن بن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه، فولدت له طلحة، فلما حضرته الوفاة أمر أخاه الحسين بن علىّ أن يتزوّجها، فتزوّجها فولدت له فاطمة بنت الحسين. فقتل الحسين فتزوّجها محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر، فولدت له آمنة.
7 - أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: ميمونة ابنة عبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبى بكر، كانت عند عبد العزيز بن الوليد، فولدت له عبد الملك، وعتيقا، ثم خلف عليها محمد بن الوليد، ثم خلف عليها هشام بن عبد الملك.
__________
(1) العرام: الأذى. وفى البيت إقواء.(1/69)
8 - عائشة ابنة طلحة. أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن عن سحيم بن حفص قال: تزوّج عائشة ابنة طلحة عبد الرحمن بن أبى بكر، وهو أبو عذرتها، فولدت له أولادا، فابنها طلحة الذى يقول له الشاعر:
يا طلح إن كنت أعطيتنى ... جماليّة تستخفّ الضّفارا (1)
فما كان نفعك لى مرّة ... ولا مرّتين ولكن مرارا
أبوك الذى بايع المصطفى ... وسار مع المهتدى حيث سارا
قال أبو الحسن: عن سحيم، صارمت عائشة زوجها، وكان فى خلقها زعارة، خرجت وهى مصارمة له فى ملحفة فمرّت فى المسجد حتى دخلت حجرة عائشة، فرآها أبو هريرة رضى الله عنه فسبّح وقال: كأنها من الحور. فمكثت عند عائشة قريبا من أربعة أشهر، فأرسلت عائشة إلى ابن أخيها: إنى أخاف عليك الإيلاء إن تمّت أربعة أشهر، فضمّها إليك. وكان يلقى منها البلاء، فقيل له طلقها، فقال:
يقولون طلّقها، وأصبح ثاويا ... مقيما عليك الهمّ، أحلام نائم
وإنّ فراقى أهل بيت أودّهم ... لهم زلفة عندى لإحدى العظائم
فكيف بصفو العيش من بعد بينهم ... وسخطهم يوما على الأنف خاطمى
وخطبها مصعب بن الزبير فقالت: إن تزوّجته فهو علىّ كظهر أمى.
ثم سألت أهل المدينة فقالوا: أعتقى رقبة وتزوّجيه. فتزوّجها فأصدقها خمسمائة ألف، وأهدى لها خمسمائة ألف. فقال أنس بن أبى أنس بن زنيم:
بضع الفتاة بألف ألف كامل ... وتبيت سادات الجنود جياعا
لو لأبى حفص أقول مقالتى ... وأبثّه ما قد رأى لارتاعا (2)
__________
(1) الضفار، بالفتح: ما يشد به البعير من شعر مضفور.
(2) فى الأصل: «لولا أبو حفص»، تحريف.(1/70)
فبلغ الشعر عبد الله بن الزبير فقال: إن مصعبا قدّم خيره، وأخّر أيره.
وبلغ الكلام عبد الملك بن مروان فقال: لكن عبد الله قدّم أيره وأخّر خيره.
أحمد قال: قال أبو الحسن: قال الشعبى: كان يجالسنا أيام الفتنة رجل فقلت: من أنت؟ قال: مولى عائشة بنت طلحة، خطبها مصعب بن الزبير وتزوّجها فأحبها، وكانت خطبة جميلة من امرأة فى أذنها عظم، وفى ساقها حموشة (1)
وقال قوم: فى قدمها عظم. فأغارها مصعب يوما فسمّته.
أنبأنا أحمد قال: قال أبو الحسن: عن علىّ بن مجاهد عن الشعبى قال: قال الشّعبى: أخذ بيدى مصعب فمضى وأنا معه حتى دخل منزله ويده فى يدى فرفع سترا فإذا عائشة، فإذا أحسن الناس وجها، فأعرضت وخلّانى ودخل، فرجعت ثم رحت إليه بالعشىّ وهو جالس فأشار إلىّ بيده فقال: رأيت ذاك الإنسان؟
قلت: نعم. فقال: أفرأيت مثله؟ فقلت: لا. قال: تلك ليلى التى يقول فيها الشاعر:
وما زلت من ليلى لدن طرّ شاربى ... إلى اليوم أخفى حبّها فأباين (2)
وأحمل فى ليلى لقلبى ضغينة ... وتحمل فى ليلى علىّ الضغائن
يا شعبىّ رأيت عائشة وما بدّلك إذ رأيتها من صلة. ثم قال لابن أبى فروة:
أعط الشعبىّ عشرة آلاف درهم وعشرين ثوبا. فقتل عنها مصعب فخطبها بشر ابن مروان. وقدم عمر بن عبيد الله بن معمر من الشام فنزل إلى الكوفة، فبلغه أن بشرا خطب عائشة فأرسل إليها: «أنا خير لك من هذا المبسور (3)، وأنا ابن عمّك وأحقّ بك، وإن تزوّجت بك ملأت يتك خيرا، وملأت حرك أيرا».
فبنى بها بالحيرة فمهدت له فرشا سعة عرضها أربع أذرع، فأصبح ليلة بنائها عن
__________
(1) الحموشة: الدقة، وفى الأصل: «جموسة»، محرفة.
(2) البيتان لكثير عزة كما فى الأغانى (2: 133) وروايته: «وأداجن».
(3) الميسور: من به الباسور.(1/71)
تسعة (1). وكان عمر غليظا أحمر يحتجم كل سبعة أيام، فأخرجها معه إلى فديك (2)
ولها يقول الشاعر:
انعم بعيشة عيشا غير ذى رنق ... وانبذبر ملة نبذ الجورب الخلق
وقال آخر:
من يجعل الدّيباج عدلا للزّيق
أراد الريح، وهو ريح اخميس (3)
بين الحوارىّ وبين الصّدّيق
فمات عنها فبكته، فعلموا أنها لا تزوّج.
أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن، عن سحيم بن حفص قال: قالت رملة بنت طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعى لمولاة عائشة: أرينى عائشة متجردة، ولك ألفا درهم. فقالت لمولاتها: إنّ رملة جعلت لى ألفى درهم إن رأتك متجردة.
قالت: فإنى أتجرد لها فأعلميها. وتجردت وجعلت تغتسل مدبرة ومقبلة، ورملة تنظر إليها، ثم لبست ثيابها فأعطت رملة مولاتها ألفى درهم ثم قالت: وددت أنى أعطيتك أربعة آلاف ولم أرها.
قال أبو الحسن: عن أبى عمرو طارق بن المبارك قال: قال عمر بن ربيعة لعائشة بنت طلحة يشبّب بها:
أصبح القلب فى الحبال رهينا ... مقصدا يوم فارق الظّاعنينا
لم يرعنى إلا الفتاة وإلا ... دمعها فى الرّداء سحّا سنينا (4)
عجّلت حمّة الفراق علينا ... برحيل ولم تخف أن تبينا
أنت أهوى العباد قربا وودّا ... لو تواتين عاشقا محزونا
__________
(1) الذراع يذكر ويؤنث.
(2) فديك، بالتصغير: موضع، ولم يعينه ياقوت ولا صاحب القاموس.
(3) كذا وردت هذه العبارة محرفة. والخميس: ضرب من مضروب اليمن.
(4) السنين، بفتح السين: المسنون المصبوب.(1/72)
قاده الطرف يوم مرّ إلى الحي ... ن جهارا ولم يخف أن يحينا
وجلا برد بركة جندىّ ... ضوء وجه يضىء للنّاظرينا (1)
فإذا ظبية تراعى نعاجا ... ومها نهّج المناظر عينا
قلت: من أنتم فصدّت وقالت: ... أمبدّ سؤالك العالمينا (2)
قلت: بالله ذى الجلالة لمّا ... إذ تبلت الفؤاد أن تصدقينا (3)
أىّ من تجمع المواسم أنتم ... فأبينى لنا ولا تكذبينا
نحن من ساكنى العراق وكنّا ... قبلها قاطنين مكّة حينا
قد صدقناك إن سألت فمن أن ... ت، عسى أن يجرّشأن شؤونا (4)
قد نرى أننا عرفناك بالنّع ... ت بظنّ وما قتلنا يقينا (5)
بسواد الثّنيّتين وثغر ... قد نراه لناظر مستبينا
فكانت عائشة تقول: والله ما قلت له هذا وما كلمته قط.
أنبأنا أحمد قال أنبأنا أبو الحسن عبد الله بن فائد قال: دخلت عائشة بنت طلحة بمكة على الوليد بن عبد الملك فحدثته وقالت يا أمير المؤمنين، مرلى بأعوان.
فصيّر إليها قوما يكونون معها، فحجت ومعها ستون بغلا عليها الهوادج والرحائل، فقال عروة بن الزبير:
عائش يا ذات البغال السّتّين ... أكلّ عام هكذا تحجّين (6)
9 - ابنة محمد بن عروة بن الزبير. أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال:
__________
(1) البركة، بالكسر. ضرب من برود اليمن. والجندى: نسبة إلى الجند بالتحريك، وهو موضع باليمن. والبيت لم يرو فى ديوان عمر. انظر ص 69.
(2) لما، هنا بمعنى إلا.
(3) قال ابن الأعرابى: يبدهم: يفرق القول فيهم. وأنشد:
بلغ بنى عجب وبلغ مأربا ... قولا يبدهم وقولا يجمع
انظر اللسان (4: 45). وفى الأصل: «مبذ»، وهو على الصواب فى الديوان.
(4) فى الأصل: «قد سألناك إذ سألت»، والوجه ما أثبت من الديوان.
(5) هو من قول الله: «وما قتلوه يقينا». وفى الأصل والديوان: «وما قبلنا يقينا».
(6) انظر الأغانى (11: 60).(1/73)
ابنة محمد بن عروة بن الزبير كانت عند الحكم بن يحيى بن عروة، وعند أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فتزوجها محمد بن عمران بن طلحة، ثم راجعها الحكم ابن يحيى بن عروة، ثم طلقها وكان قاضيا على المدينة واشترطت عليه أن عطاءه ما عاشت وغلة أرضه وبضع بناته إليها، تزوجهنّ من شاءت، ولا يغير عليها، فإن فعل فأمرها بيدها.
10 - أحمد قال: انبأنا أبو الحسن: أم سلمة ابنة عبد الرحمن بن سهيل ابن عمرو، كانت عند الحجاج بن يوسف، فطلقها فتزوجها الوليد بن عبد الملك، فأعجلها سليمان وعليها درع فأدخله من وراء الثوب، ثم طلقها فتزوجها هشام ابن عبد الملك.
11 - أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: ربيحة بنت محمد بن على بن عبد الله ابن جعفر، تزوجها يزيد بن عبد الملك، ثم تزوجها أبو بكر بن عبد الملك، فقتله عبد الله بن على وتزوجها صالح بن على، فطلقها فتزوجها إسحاق بن إبراهيم بن حسن ابن حسن بن على عليهم السلام. وقوم ينكرون تزويج يزيد بن عبد الملك ربيحة.
12 - أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: سحيقة (1) ابنة محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، تزوّجها إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله، فولدت له ابنة، ففارقها فتزوجها إسماعيل بن إبراهيم ابن عبد الله بن جعفر، فتوفى عنها، فراجعها إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن طلحة، ثم طلقها فتزوجها عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
13 - أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله كانت عند الحسن بن على، فولدت له طلحة بن الحسن، فمات عنها وأوصى الحسين بتزوجها، فتزوجها الحسين، فولدت له فاطمة بنت حسين، فقتل عنها،
__________
(1) اشتقاق اسمها من السحيقة، وهى المطرة العظيمة.(1/74)
فتزوجها ابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبى بكر فولدت له آمنة. ويقال تزوجها قبل ابن أبى عتيق تمام بن العباس بن عبد المطلب فهلك عنها فتزوجها ابن أبى عتيق.
14 - أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: ميمونة بنت عبد الرحمن ابن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر، كانت عند عبد العزيز بن الوليد ابن عبد الملك، فولدت له عبد الملك وعتيقا. وكان عبد الملك من رجالهم، فمات فرثاه بعض الشعراء من كلب، فقال:
إنّى رأيت بنى أمّ البنين لهم ... مجد طويل وفى أعمارهم قصر (1)
مات الهمام أبو مروان فاختشعت ... كلب لذاك وذلّت بعده مضر
ولعتيق يقول الشاعر:
ذهب الجود غير جود عتي ... ق ابن عبد العزيز من ميمونه
بنت قرم قد مهّدت من قريش ... وأبى الله أن تكون هجينه
ثم تزوجها محمد بن الوليد، ثم تزوجها سليمان بن عبد الملك، ثم تزوجها هشام بن عبد الملك. ويقال: لم يتزوجها سليمان.
15 - أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: حفصة بنت عمران بن إبراهيم ابن محمد بن طلحة بن عبيد الله، تزوجها القاسم بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وهو أبو عذرها، ثم خلف عليها هشام بن عبد الملك، وكان القاسم شديد الغيرة، فسمع يوما كلامها، أو رآها مشرفة، فدخل عليها فضربها، فأثر السوط بها،
__________
(1) أم البنين هذه هى بنت عبد العزيز بن مروان، وهى كذلك زوجة الوليد بن عبد الملك. انظر الأغانى (4: 156ساسى). وأشهر من سمى بهذا الاسم من نساء العرب أم البنين زوج مالك بن جعفر بن كلاب. وفيها يقول لبيد:
* نحن بنو أم البنين الأربعه *
انظر المعارف 40مصر. ومنهن أم البنين زوج على بن أبى طالب، ولدت العباس وجعفرا وعبد الله. انظر المعارف 39.(1/75)
فطلقها فتزوجها هشام، فقالت له أم حكيم (1): قل لها تريك ظهرها. فقال لها فأبت وقالت: ما تريد من ظهرى، كنت عند رجل كريم غيور خير منك أمّا وأبا وبيتا، غار فضربنى ضربة فصار فى ظهرى أثر. فطلقها فتزوجها محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، ثم تزوجها عثمان بن عروة بن الزبير.
16 - أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: أم كلثوم ابنة عبد الله بن جعفر، تزوجها القاسم بن محمد بن جعفر بن أبى طالب، فولدت له فاطمة، ثم تزوجها الجرّاح أو الحجاج (2)، فولدت له ابنة، فطلقها، فتزوجها أبان بن عثمان ابن عفان.
17 - أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: أم القاسم ابنة الحسن بن الحسن بن علىّ، تزوجها مروان بن عثمان بن عفان، فولدت له محمدا، ثم خلف عليها على بن حسين بن حسن بن على، ثم تزوجها الحسن بن عبد الله بن عبيد الله ابن العباس.
18 - أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: رملة ابنة محمد بن جعفر بن أبى طالب تزوجها سليمان بن هشام، فطلقها فتزوجها أبو القاسم بن الوليد بن عتبة بن أبى سفيان، فقتله عبد الله بن على فتزوجها إسماعيل بن على أو صالح.
19 - أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: قريبة بنت أبى أمية بن المغيرة (3)
كانت عند عمر بن الخطاب، فرجعت إلى الكفار، فلما أسلمت تزوّجها معاوية
__________
(1) هى أم حكيم بنت يحيى بن الحكم بن العاص بن أمية. وهى زوج عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك. الأغانى (15: 4746) وسيفرد لها المدائنى حديثا فى رقم 25.
(2) ذكر أبو الفرج فى (10: 105) خبر خطبة الحجاج بن يوسف لها. وأما الجراح فلعله الجراح بن حصين والى وادى القرى من قبل عبد الله بن الزبير، وكان قد أنهب تمر الوادى فجعل عبد الله يخفقه بالدرة ويقول: «أكلت تمرى وعصيت أمرى». انظر الاشتقاق 243.
(3) قريبة، بفتح أوله ويقال بالتصغير. وهى أخت أم سلمة زوج الرسول الكريم.
واسم أبيها حذيفة وقيل سهيل، وكان يلقب «زاد الركب»: كان إذا سافر لا يتزود معه أحد لجوده وكرمه. انظر الإصابة 887، 1302من قسم النساء.(1/76)
ابن أبى سفيان، فقال له أبوه: أتزوّج ظعينة أمير المؤمنين؟ انزل عن ثقله (1).
فطلقها فتزوجها عبد الرحمن بن أبى بكر، فولدت له محمدا. فكانت عائشة عمته، وأم حبيبة خالته، فكان يدخل عليهما.
20 - أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: أسماء بنت عميس، كانت عند جعفر بن أبى طالب (2)، فولدت له عبد الله، ومحمدا، وعونا، فتزوجها أبو بكر، فولدت له محمدا، فتزوجها علىّ عليه السلام، فولدت له يحيى (3)، فقال لها على:
احكمى بين بنيك. فقالت: أما بنو جعفر فبنو الطيار فى الجنة (4)، وأما ابن أبى بكر فابن الصديق، وإنّ ثلاثة أنت أخسّها لخيار. فقال على لابنه: يا بنىّ قد فسكلت أباك (5).
21 - قال: وكانت عائشة بنت طلحة عند عمر بن عبد الله بن عبد الله ابن معمر ثمانى سنين، ومات سنة اثنتين وثمانين، فبكته قائمة. أحمد قال:
أنبأنا أبو الحسن، عن سحيم بن حفص قال: أتاها مصعب وهى نائمة متصبحة (6)، ومعه ثمانى حبات لؤلؤ قيمتها عشرون ألف دينار، ونثر اللؤلؤ فى حجرها، فقالت: «نومتى كانت أحب إلىّ من هذا اللؤلؤ!». وولدت عائشة لعبد الله بن عبد الرحمن أولادا. وجمع مصعب بينها وبين سكينة، ومات مصعب عن سكينة وعائشة وأم حبيب بنت عبد الله بن عامر (7).
__________
(1) العرب تقول لكل شىء نفيس خطير مصون: ثقل. والثقل أيضا: المتاع والحشم.
(2) وقد هاجرت معه إلى الحبشة، فولدت له هناك أولاده، وقد تزوجت أبا بكر بعد ما قتل عنها جعفر. الإصابة 51من قسم النساء.
(3) فى الإصابة أنها ولدت له عونا ويحيى.
(4) الطيار لقب جعفر. انظر تعليل هذا اللقب فى الإصابة 1162والحيوان (3: 233).
(5) فسكلته، بفتح الفاء والكاف وسكون السين: أى أخرته وجعلته كالفسكل بالكسر، وهو الفرس الذى يجىء فى آخر خيل السباق.
(6) المتصبحة: التى تنام الصبحة، وهى نومة الغداة.
(7) هذه الفقرة من أولها إلى هنا، هى فى الأصل بعد الفقرة رقم 24وقد أعدتها إلى موضعها.(1/77)
أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن عن أبى إسحاق بن ربيعة قال: قال سلم بن قتيبة: رأيت عائشة بنت طلحة بمكة فى المسجد، فسلمت عليها وانتسبت لها، فبكت وقالت: يرحم الله المصعب. فأرادت النهوض فأخذت امرأتان بيديها وعندها نسوة فاعتمدت على المرأتين، فما كادت أن تستقل [حتى] خذلها ور كاها، فقالت إحدى المرأتين: إنا بك لمتعبات. وكانت مديدة الجسم كثيرة اللحم.
22 - أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: ابنة طلحة بن عمر بن عبيد الله كانت عند الحسن بن الحسن بن على، فكان يقول له: إنها (1) حملت وولدت وهى ما تكلمنى وإنها لمصارمة لى.
23 - امرأة [من] آل أبى بكر: أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال:
تزوج موسى بن عبد الله بن الحسن امرأة من ولد أبى بكر فغضبت يوما فأمرت جوارى فأمسكنه وضربنه، فأفلت وخرج، فلقيه أخوه إبراهيم فقال: مالك؟
قال: ضربتنى ابنة أبى بكر. قال: خذ السوط فو الله لئن لم تضربها لا كلمتك.
فدخل وقام إبراهيم على الباب وقال للجوارى: يا فواسق، والله لئن منعته واحدة منكن لأدخلن عليكن. وقال لموسى: اضرب وأوجعها. فقال موسى لامرأته:
إنّى زعيم أن أجئ بضرّة ... مقابلة الأجداد، طيّبة النّشر (2)
إذا انتسبت فى آل شيباز فى الذّرى ... وتغلب لم نقرر بفضل أبى بكر
تحكّم أحيانا علينا وتارة
تبدّى كقرن الشمس أو صورة البدر (3)
__________
(1) فى الأصل: «بما حملت». ولم تذكر النسخة شيئا عن تزوجها بغير الحسن كما ترى.
(2) المقابل: الكريم النسب من قبل أبويه جميعا.
(3) قرن الشمس: أولها عنه الطلوع. وفى الأصل: «لقرن الشمس».(1/78)
24 - امرأة من تيم. أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن قال: وكانت عند يحيى بن عبد الله بن الحسن امرأة من بنى تيم، فخاصمته إلى جعفر بن سليمان بالمدينة، فقضى عليها وقال: اذهب بها حيث شئت.
25 - قال: وكانت أم حكيم ابنة يحيى بن الحكم عند سليمان بن عبد الملك، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك (1).
26 - قال: وتزوّج عبد العزيز بن الوليد أم خالد بنت عبد الله بن أسيد، فغلبته على أمره كله، وكان يقال: عبد العزيز بن الوليد سيد الناس، إلا أن أم خالد قد غلبته على أمره. فأمره الوليد فطلقها.
27 - أم عمرو ابنة عبد الله بن خالد. قال: أم عمرو بنت عبد الله بن خالد بن أسيد، كانت عند سليمان عبد الملك، فقدم خالد وعبد الله، فوصل خالدا وفضله على عبد الله، فقالت أم عمرو: عبد الله أكرم من خالد وفضلته عليه! فقال: ويحك، إنى أعرف أن عبد الله أسنهما ولكن خالدا كان خاصتى، وكان له عندى يد وأنا صعلوك، فإنما فضلته لذلك.
28 - قال: أنبأنا أبو الحسن قال: كانت دجاجة ابنة أسماء بن الصلت السلمى عند عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس، فولدت له عبد الله بن عامر (2). ثم تروّجها عمير الليثى فولدت عبيد بن عمير الفقيه المحدث (3)، ثم تزوّجها الأسود فولدت له عبد الله بن الأسود. فكان يقال لها أم العبادلة (4).
* * * __________
(1) وقد تزوجت أيضا عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك، كما فى الأغانى (15: 47).
(2) فى الإصابة 392من قسم النساء «أن النبى صلى الله عليه وسلم وجد عند عمير خمس نسوة، فطلق منهن دجاجة بنت أسماء، فخلف عليها عامر بن كريز، فولدت له عبد الله.
ابن عامر».
(3) فى الأصل: «عبيد الله بن عمير»، والصواب «عبيد» كما أثبت. انظر الإصابة 6238وتهذيب التهذيب، والمعارف 31، 192. وأبوه عمير بن قتادة الليثى. كان عبيد قاضى أهل مكة، وتوفى سنة 68.
(4) هذا على التغليب، وإلا فإن ولد عمير الليثى هو عبيد بن عمير كما مضى فى التنبيه السابق. والفقرة التالية صلة للفقرة 31.(1/79)
أنبأنا أحمد قال: أنبأنا أبو الحسن عن سحيم بن حفص (1) قال: كان مصعب ابن الزبير لا يصل إلى عائشة إلا بشدة، ولا بقدر عليها إلا ببلاء حتى يخرق ثيابها ويضربها، فشكا ذلك إلى عبد الله بن أبى فروة كاتبه، فقال له: أفتأذن لى فى الحيلة؟ قال: نعم، اصنع ما شئت فإنها أفضل ما نلت من الدنيا. فأتاها ليلا فاستأذن عليها، فقالت له: هذه الساعة! قال: نعم، ففزعت ومعه أسودان فقالت له مولاة لها: ما شأنك؟ قال: شؤم مولاتك، قالت: وما لها؟ قال:
أمرنى هذا الفاسق الفاجر، أسفك من خلق الله لدم حرام وأقتله للناس، أن أحتفر بئرا وأدفها فيه حية. وقد والله حرصت أن يعفينى من هذا، فأمر بقتلى. قالت:
فأنظرنى أذهب إليه. قال: لا سبيل إلى ذلك، وقال للأسودين: احفرا. فبكت عائشة ورأت الجد، وقالت: يا ابن أبى فروة، إنك لتقتلنى! قال: ما منه بد، وإنى لأعلم أن الله سيخزيه، ولكنه قد غضب وهو كافر الغضب. قالت:
فأى شىء أغضبه؟ قال: فى امتناعك عليه، وقد ظن أنك تبغضينه وأنك تتطلّعين إلى غيره، فقد جنّ. فقالت: أذكّرك الله إلا عاودته. قال: أخاف أن يقتلنى. فبكت وجواريها فقال: قد رققت وأنا أغرر بنفسى فما أقول؟ قالت:
اضمن عنى أبى لا أعود أبدا (2). قال: فأعطينى مواثيق. فأعطته، فقال للأسودين: مكانكما. وأتى مصعبا فأخبره، فقال: استوثق منها بالأيمان.
فأتاها فقال: هذا الفاسق قد سكن بعض السكون وسكن شيطانه، فاحلفى لى أن لا تخالفيه، فوثقت له، وصلحت لمصعب.
نجز الكتاب والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
__________
(1) هو أبو اليقظان عامر بن حفص، وسحيم لقبه، وبلقبه هذا يذكره الجاحظ فى مواضع كثيرة من البيان، والمدائنى فى كتبه يذكره بثمانية ألقاب وأسماء. انظر الفهرست 94ليبسك و 148مصر. قال ابن النديم: كان عالما بالأخبار والأنساب والمآثر والمثالب، ثقة فيما يرويه. وتوفى سنة 190. وانظر الحيوان (2: 155س 9).
(2) أى لا تعود إلى ما كان منها من التأبى والنشوز.(1/80)
كتاب من نسب إلى أمه من الشعراء صنعة محمد بن حبيب 245(1/81)
مقدمة
يضم هذا الكتاب النفيس طائفة من شعراء العرب الذين عرفوا بنسبهم إلى أمهاتهم، وهو ضرب من التأليف طريف، يعالجه إمام من أئمة الأخبار والأنساب ورواية الشعر، هو محمد بن حبيب بن جعفر. قال ياقوت: من علماء بغداد باللغة والشعر والأخبار والأنساب، ثقة مؤدّب، ولا يعرف أبوه، وحبيب أمه. روى كتب الكلبى وقطرب، وكانت أمه مولاة لمحمد بن العباس الهاشمى.
وقال ابن النديم مرة: أبو جعفر محمد بن حبيب بن أمية بن عمر. ثم روى عن عبد العزيز الهاشمى قال: كان محمد بن حبيب مولى لنا يعنى لبنى العباس بن محمد. وكانت أمه حبيب مولاة لنا. روى عن ابن الأعرابى وأبى عبيدة وأبى اليقظان، وله مصنفات أشهرها نقائض جرير والفرزدق، توفى بسامرا سنة 245.
انظر ابن النديم 155وبغية الوعاة. ومن نسبه تدرك سر اهتمامه بهذا البحث.
ومن هذا الكتاب نسختان فى دار الكتب المصرية: إحداهما برقم 6مجاميع ش، رمزت إليها بحرف (ا)، والثانية برقم 75ش أدب، وهى نسخة (ب).
وقد قمت بنشر هذا الكتاب من قبل فى مجلة المقتطف (مايو سنة 1945) ونشره من قبلى المستشرق الكبير الأستاذ (ج. ليفى دلّا فيدا) الأستاذ بجامعة بنسلفانيا، فى مجلة الجمعية الشرقية الأمريكية بالعدد 62ص 171156 سنة 1942، ولم أكن قد علمت بأنه سبقنى فى النشر، وتكرّم، حفظه الله، فأرسل إلىّ فى 23أغسطس سنة 1950مستخرجا من نسخته مع خطاب رقيق ينوّه فيه فى تواضع العالم بأن نسختى تعدّ ممتازة من كافة النواحى، حتى إنه ليشعر بأن عمله غير متكافئ مع عملى فى نسختى التى أخرجتها)،
(. وإنى لأسجل مجاملته هذه تذكارا لتواضعه، وإجلالا لخلقه العلمى الرصين.(1/82)
النص
كتاب من نسب إلى أمه من الشعراء صنعة محمد بن حبيب وتصنيفه، من رواية عثمان بن جنى رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين قرأت على أخى محمد قال: سمعته يقرأ على أبى عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة (1) قال: قرأت على ثعلب (2) قال: قال أبو جعفر محمد بن حبيب:
ذكر من نسب إلى أمه من الشعراء:
1 (ابن شعوب) أمه شعوب من بنى خزاعة، واسمه عمرو بن سمىّ ابن كعب بن عبد شمس بن مالك بن جعونة بن عويرة بن شجع بن عامر بن ليث بن بكر بن كنانة. وهو الذى يقول:
ماذا بالقليب قليب بدر ... من القينات والشّرب الكرام
وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشّيزى تكلّل بالسّنام
تحيىّ بالسلامة أمّ بكر ... ومالى بعد قومى من سلام
يخبّرنا النبىّ بأن سنحيا ... وكيف حياة أصداء وهام
__________
(1) هو إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليم بن المغيرة بن حبيب بن المهلب بن أبى صفرة العتكى الأزدى الواسطى أبو عبد الله الملقب نفطويه. كان عالما بالعربية واللغة والحديث، أخذ عن ثعلب والمبرد، وكان فقيها على مذهب داود الظاهرى رأسا فيه، وكان بينه وبين ابن دريد منافرة، وهو القائل فيه:
ابن دريد بقره ... وفيه عى وشره
وله من التصانيف: إعراب القران. المقنع فى النحو. الأمثال. المصادر. أمثال القرآن وغيرها. ولد سنة 244وتوفى سنة 323. انظر إرشاد الأريب، وبغية الوعاة، وابن النديم 78.
(2) هو أحمد بن يحيى بن يسار الشيبانى البغدادى، أبو العباس ثعلب، إمام الكوفيين فى النحو واللغة، لازم ابن الأعرابى بضع عشرة سنة، وسمع من محمد بن سلام الجمحى، وسلمة ابن عاصم، وخلف، وروى عنه اليزيدى، والأخفش الأصغر، ونفطويه، وأبو عمر الزاهد وكان بينه وبين المبرد منافرات. وأشهر تصانيفه كتاب الفصيح. ولد سنة 200وتوفى سنة 291. انظر بغية الوعاة، وابن النديم 111110.(1/83)
وله شعر كثير، قاله وهو كافر، ثم أسلم بعد.
2 - و (ابن أمّ حولىّ) من بنى الحارث بن همّام، شاعر أغار على بنى يربوع، فلحقه منهم قوم، فقاتلهم حتى أحرز غنيمته، وقال:
نحن بنى الحارث قد آلينا ... لا يؤخذ النهب الذى حوينا
أبا الصّياح عوّلوا علينا ... إنا إذا صيح بنا أبينا
لا نجعل الطّعن بنقد دينا
3 - و (عطّاف بن بشّة (1) الشيبانى)، قال لخاله عدىّ بن ضبّ:
عدىّ بن ضبّ من تكن أنت خاله ... أخا أمّه تدلج بلوم ركائبه
وقال:
وطالب وتر قد أتى الليل دونه ... وما سبق وتر أدرك اليوم أوغدا
وقال:
أنا ابن الذى لم يخزنى فى حياته ... ولم يخزه عند الوفاة بلائيا
4 - و (ابن طوعة) الشيبانى، واسمه ناصر بن عاصم (2) وأمه «طوعة»، أمة أو أخيذة من آل ذى الجدّين، قال (3):
تعطف اللوم على عطّاف ... بين بنى الحارث والأحلاف
5 - و (ربيعة بن غزالة) الكندى (4) شعر حليف بنى شيبان، وأمه غزالة، قال:
__________
(1) فى معجم المرزبانى 299: «نشة» بالنون.
(2) فى المؤتلف 148أن ابن طوعة الشيبانى من آل ذى الجدين. وفصل بينه وبين ابن طوعة الفزارى، ونسب هذا الفزارى نصر بن عاصم بن عقبة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزارى. وقد جعلهما ابن حبيب هنا واحدا. وانظر ألقاب الشعراء لابن حبيب ص 123.
(3) يهجو عطاف بن نشة الشيبانى كما فى المؤتلف 148.
(4) اسمه ربيعة بن عبد الله بن ربيعة بن سلمة بن الحارث بن سوم بن عدى بن أشرس ابن شبيب بن السكون، شاعر جاهلى أدرك الإسلام فأسلم. وينسب أيضا «السكوتى» بفتح السين نسبة إلى السكون بن أشرس بن ثور بن كندة. انظر الاشتقاق 211والمؤتلف 125والإصابة 2727وألقاب الشعراء لابن حبيب ص 140.(1/84)
كأنى إذ وضعت الرحل فيهم ... بمكة حيث حلّ بها هشام (1)
6 (وابن حجلة الأسدى) وهى أمه، واسمه عبد بن معرّض، أحد بنى ثعلبة بن سعد بن دودان من بنى أسد، شاعر، وهو الذى يقول:
من أخطته ولادتنا فإنا ... ولدنا سيّد الناس الوليدا (2)
7 - و (السّندرىّ بن عيساء (3) الجعفرى)، وهى أمه، أمة لشريح بن الأحوص بن جعفر (4). وهو الذى يقول:
هل فيكم يوم كيوم جبله ... يوم أتتنا أسد وحنظله
والملكان والقطين أزفله (5) ... نعلوهم بقضب منتخله
لم تعد أن أفرش عنها الصّقله (6)
وقال:
أنا لمن يسأل عنى السّندرى ... أنا الغلام الأحوصىّ الجعفرى
8 - و (حبيب بن خدرة الهلالى) خارجى (7)، كان مع شبيب، وذكر أنه أدرك الحكمين، وبقى حتى أدرك الضحاك الذى أخذ بالكوفة. وقال:
نهيت بنى فهر غداة لقيتهم ... وحىّ نصيب والظنون تطاع
__________
(1) ا: «بها شآم»، تحريف.
(2) أخطته، هى أخطأته، سهل همزتها ثم عاملها معاملة المعتل فحذف الألف للجازم ب: «أخطأته» تحريف، صوابه فى ا. وانظر ص 79س 7.
(3) عيساء، مؤنث الاعيس، وأصله فى الإبل الأبيض يخالط بياضه شقرة، وبه سميت المرأة، وفى ا: «عبساء» بالموحدة، تحريف، وقد جاء على الصواب الذى أثبت فى كتاب ألقاب الشعراء الملحق بكتاب أسماء المفتالين من الأشراف لمحمد بن حبيب، المحفوظ فى دار الكتب المصرية برقم 2606. انظر منه ص 134وكذا الأغانى (15: 53).
(4) فى المؤتلف 125أنه السندرى بن يزيد بن شريح بن الأحوص بن جعفر بن كلاب وهو ينسب أيضا «الكلابى». وفى الأغانى أن «عيساء» اسم جدته.
(5) الأزفلة: الجماعة من الناس.
(6) أى لم تجاوز أن أقلع عنها الصقلة. والرجز منسوب فى اللسان (8: 221) إلى يزيد بن عمرو بن الصعق، وفى معجم البلدان إلى رجل من بنى عامر.
(7) فى القاموس: «حبيب بن خدرة تابعى».(1/85)
فقلت لهم إن الجريب وراكسا ... بها نعم يرعى المرار رتاع (1)
ولكن فيه السم إن ريع أهله ... وإن يأته قوم هناك يراع
وقال:
تفرقتم أن تذكوا الحىّ بيضة ... فظلّ لكم يوم إلى الليل أشنع (2)
وقال:
أصاح ترى بريقا هبّ وهنا ... يؤرّقنى وأصحابى هجود
9 - و (ابن عيزارة الهذلى)، وهو قيس بن خويلد (3)، شاعر. قال:
لعمرك أنسى روعتى يوم أقتد ... وهل تتركن نفس الأسير الروائع
وقال:
يا حار إنى يا ابن أمّ عميد ... كمد كأنى فى الفؤاد لهيد
10 - و (قطبة بن الزّبعرى)، وهى أمّه. وهو قطبة بن زيد بن سعد ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن كنانة بن [القين بن] جسر، شاعر. قال:
حميت القوم قد علمت معدّ ... ومن للقوم من مولى وجار
حبوت بها قضاعة إنّ مثلى ... حقيق أن يذبّ عن الذمار
ولست كمن يغمّز جانباه ... كغمز التّين تجنيه الجوارى
وكان قطبة سيّد قضاعة فى الجاهلية وأوّل الإسلام.
11 - و (قيس بن الحدادية (4)) وهى أمه، من محارب، حضرمية، وله
__________
(1) الجريب: واد كانت به وقعة لبنى سعد بن ثعلبة. وفى الأصل: «الحريب» بالحاء تحريف، وقد أنشد هذا البيت ياقوت ونسبه إلى عمرو بن شأس الكندى. وعجزه عنده:
«به إبل يرعى المرار».
(2) صدر البيت محرف، وموضع كلمة: «تذكوا» بياض فى ب.
(3) هو قيس بن خويلد بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة، أخذته فهم وأخذ تأبط شرا سلاحه، ثم أفلت قيس، وأنشد أبياتا رواها المرزبانى فى المعجم 326. وأولها هذا البيت الذى رواه ابن حبيب.
(4) هو شاعر جاهلى فاتك صعلوك خليع، خلعته خزاعة بسوق عكاظ وأشهدت على نفسها بخلعها إياه، فلا تحتمل جريرة له ولا تطالب بجريرة يجرها أحد عليه. وهو قيس(1/86)
شعر. قال ابن الأعرابى: حداد من كنانة. وهو الذى يقول (1):
أنا الذى أطرده مواليه ... وكلّهم بعد الصّفاء قاليه
12 - و (عمرو بن الصماء الخزاعى) له شعر، قال فى حرب بينهم وبين كنانة:
إلّا تعاجلنى المنية أستقد ... مقاد جيادى من عمير ومعبد
ولو أدركت خيلى عميرا ومعبدا ... ونعمان ما آبوا بناقلة بعدى
لكانوا لأطراف القنا أو لنازعوا ... إلى الحىّ أعناق المطىّ المعضّد (2)
13 - و (عياض بن أم شهمة (3) الخزاعى) إسلامى، قال:
هاجتك أطلال ومبترك قفر ... خلا منذ أجلى أهلها حجج عشر (4)
14 - و (العريان بن أم سهلة النبهانى) وهو من طيّئ. قال:
لمن الديار غشيتها برماح ... فعمايتين فجانب السّرداح
فجنوب فيحان كأن رسومها ... حلل يمانية على ألواح
15 - و (ابن السّجراء) من حرقة جهينة. قال: وحرقة هم بنو خميس ابن عامر بن مودوعة من جهينة، كانوا حلفاء للحصين بن الحمام السهمىّ من بنى سهم بن مرة، وبشامة بن الغدير السهمى. قال ابن سجراء يوم دارة موضوع:
__________
ابن منقذ بن عمرو بن عبيد بن ضاطر بن صالح بن حبشية بن سلول. انظر الأغانى (13: 2 8). وبنو حداد بضم الحاء وتخفيف الدال. انظر الاشتقاق 277، وقد نسبه «قيس بن عمرو بن منقذ». وفى ألقاب الشعراء لابن حبيب أن أمه من محارب بن خصفة. انظر ص 139.
(1) قاله فى الوقعة التى قتل فيها، وهو يشير إلى ما كان من خلع قومه إياه.
(2) ب: «كأطراف القنا». وقد اختلفت ضروب الأبيات فأتى أوسطها صحيحا بين ضربين مقبوضين.
(3) فى معجم المرزبانى 269: «عياض بن أم سهمة» بالسين المهملة.
(4) فى الأصل: «حاجتك»، محرف. وفى المرزبانى: «ومنزلة قفر».(1/87)
لما أتانا جمع قيس وواجهت ... كتائب خرس بينهنّ زفيف
فلما علت دعوى خميس بن عامر ... وقد كلّ مولانا وكاد يحيف
هممنا به ثم ارعوينا حفيظة ... فذلّ بنا غاش وعزّ حليف
16 - و (حميد بن طاعة السّكونىّ (1)) قال:
ولما استقلّ الحىّ فى رونق الضحى ... قبضن الوصايا والحديث المجمجما
وكان لموح من خصاص ورقبة ... مخافة أعداء وطرفا مقسّما
ولما لحقنا لم يقل ذو لبانة ... لهمّ ولا ذو حاجة ما تيمما
من البيض مكسال إذا ما تلبّست ... بعقل امرئ لم ينج منها مسلّما
وقال لعمر بن الخطاب:
إنك مسترعى وإنا رعيّة ... وإنك مدعوّ بسيماك يا عمر
لدى يوم شرّ شرّه لشراره ... وخير لمن كانت معائشه الخير (2)
وقال:
ما إن رأينا مثلك ابن الخطاب ... أبرّ بالدين وبالأحساب
بعد النبى صاحب الكتاب
17 - و (ابن الدّمينة الخثعمى)، واسمه عبد الله، وله شعر كثير (3).
18 - و (يزيد بن ضبّة) أمه ضبّة (4)، وأبوه مقسم، وهو كثير الشعر، وهو مولى لثقيف، وهو الذى يقول:
__________
(1) جعله الآمدى فى ص 149: «الشكوى»، نسبة إلى «شكو» بفتح الشين وسكون الكاف، وهو أبو بطن.
(2) ا: «معائيشه». معائيش: جمع معيشة، وفيها شذوذان: همز الياء الأولى، وإلحاق الياء الثانية، وإلحاقها مذهب للكوفيين يجيزونه. وأثبت ما فى ب.
(3) ديوانه مطبوع. وانظر الأغانى (15: 150144).
(4) فى ا: «ضنة»، بالنون، وفى ب: «ضنة» لكن أصلحت فى النسخة فجعلت:
«ضبة» بالباء.(1/88)
مشى البرىّ مع المقارف تهمة ... ويرى البرىّ مع السقيم فيلطخ
وهو الذى يقول:
صبا قلبى إلى هند ... وهند مثلها يصبى
19 - و (ابن الطّثرية (1)) وهو ابن عبيد بن عمرو بن الحارث بن كعب ابن سعد بن زيد مناة بن تميم (2)، وهو الذى يقول:
ألا عتبت علىّ وصرّمتنى ... وأعجبها ذوو اللمم الطوال
فإنى يا ابنة السعدىّ أربى ... على فعل الوضىّ من الرجال
20 - و (ابن فسوة) وهو عتيبة بن مرداس الكعبى (3). وإنما قيل له ابن فسوة لأنه نزل بهم رجل من عبد القيس يقال له ابن فسوة، فكان يعيّر به، فقال له مرداس: أنا أشترى منك هذا الاسم بكبش. فاشتراه، فقال:
[أخو (4)] عتيبة:
حوّل مولانا علينا اسم أمه ... ألا ربّ مولى ناقص غير زائد
21 - و (ابن الهيجمانة العبسى) لم نعرفه، وذكر أن الهيجمانة بنت العنبر ابن عمرو بن تميم.
22 - ومن شعراء ربيعة (ابن أم الحزنة العبدى)، وأم حزنة أمه، وهو ثعلبة بن حزن بن زيد مناة بن الحارث بن ثعلبة بن سليمة بن مالك بن عامر
__________
(1) الطثرية: أمه، من بنى الطثر، بالفتح، وهم حى من اليمن، قال ابن خلكان:
«الطثرية بفتح الطاء المهملة وسكون الثاء المثلثة». وضبطها صاحب القاموس بالتحريك، والوجه الإسكان كما جاءت مضبوطة به فى نسخة ليدن من الشعراء. انظر شرح الحيوان (6: 137).
(2) كذا ورد فى النسختين، وهذا النسب يخالف ما فى كتب التراجم، فلعل فى الكلام سقطا.
(3) فى الأغانى (19: 143) وكذلك ألقاب الشعراء لابن حبيب ص 129128 «عيينة». ويدل على صواب ما هنا قول ابن قتيبة فى الشعراء: «هو عتيبة ويقال عتبة».
(4) التكملة من كنى الشعراء لابن حبيب ص 129.(1/89)
ابن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس.
وله شعر كثير.
23 - و (عمرو بن مبردة)، عبدى (1).
24 - و (ابن الذيبة) وهى أمه، امرأة من فهم، واسمه ربيعة بن عبد ياليل، واسم الذيبة قلابة، فلقبت الذيبة، وهو الذى يقول:
إنى لمن أنكرنى ابن الذيبه ... كريمة عفيفة منسوبه
25 - و (شبيب بن البرصاء (2))، وهى أمه. وهو شبيب بن زيد بن جمرة (3) بن عوف بن أبى حارثة، وأمه القرضابة بنت الحارث بن عوف بن أبى حارثة، وأختها عمرة بنت الحارث أم عقيل بن علّفة (4). وهو الذى يقول:
قامت وأعلى خلقها فى ثيابها ... قضيب وما تحت الإزار كثيب
وقال:
لا خير فى العيدان إلّا صلابها ... ولا نامضات الطير إلّا صقورها
تبيّن أدبار الأمور إذا انقضت ... وتقبل أشباها عليك صدورها
26 - وبعض (بنى أم قرفة). وأم قرفة اسمها فاطمة بنت ربيعة بن بدر الفزارى، وأبو هم مالك بن حذيفة بن بدر تزوج ابنة عمه.
__________
(1) ذكره المرزبانى فى المعجم 240وقال: «هو أحد بنى محارب بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس وهو إسلامى، أنشد عبد الملك بن مروان لما استبق بنوه فسبق مسلمة وكان ابن أمة:
نهيتكم أن تحملوا هجناءكم ... على خيلكم يوم الرهان فتدر كوا»
(2) قال ابن دريد: «كان النبى صلى الله عليه وسلم خطب البرصاء إلى أبيها:، فقال:
إن بها سوءا وهو كاذب فرجع فوجد بها برصا». وسماها ابن حبيب فى ألقاب الشعراء 132 «أمامة بنت الحارث بن عوف».
(3) ويقال: «حمزة» ويقال: «خمرة». انظر حواشى الاشتقاق 176، وفى ألقاب الشعراء 132: «حيوة».
(4) فى الأصل: علقمة»، وهو تحريف. انظر حواشى الاشتقاق.(1/90)
27 - و (ابن ميادة المرى) من بنى غيظ بن مرة، واسمه الرماح بن الأبيرد ابن ثريان (1). كثير الشعر. وهو الذى يقول:
اعرنزمى ميّاد للقوافى ... واستسمعيهنّ ولا تخافى (2)
وقال:
ألا ليت شعرى هل أبيتنّ ليلة ... بحرّة ليلى حيث ربّتنى أهلى
وهل أسمعنّ الدهر أصوات هجمة ... تطالع من هجل قريب إلى هجل (3)
يقال رببت الصبى أربه ربا فأنا رابّ وهو مربوب، وربّيته أربّيه تربية فأنا مربّ وهو مربّى، وربّتّه أربّته تربيتا فأنا مربّت وهو مربّت. ويقال ربيت فى بنى فلان، وربوت فيهم، وتربيت، وتربّت، كله فصيح مقبول.
28 - و (بشامة بن الغدير) وهى أمه، وهو بشامة بن عمرو بن هلال (4)
ابن واثلة بن سهم بن مرة. كثير الشعر، وهو الذى يقول:
فإنكم وعطايا الرها ... ن إذ جرّت الحرب جلّا جليلا
كثوب ابن بيض وقاهم به ... فسد على السالكين السبيلا (5)
29 - وأخوه (أسعد بن الغدير) شاعر، وهو خال أبى سلمى (6) زهير ابن أبى سلمى الشاعر.
__________
(1) فى الأغانى: «أبرد بن ثوبان»، وفى المؤتلف: «أبرد بن ثريان»، وفى معجم البلدان: «والرماح ابن يزيد وقيل ابن الأبرد». وفى ألقاب الشعراء 132: «الرماح بن الأبرد بن مرداس».
(2) الاعر نزام: الاجتماع والتقبض. وفى الأصل: «اعز ترحى»، والصواب فيما أثبت كما صححت بذلك فى ب. وفى ا: «واستسمعهن»، محرفة.
(3) فى معجم البلدان (3: 260): «من هجل خصيب». وروى ياقوت هذين البيتين فى خمسة أبيات قالها ابن ميادة حين استخلف الوليد بن يزيد بن عبد الملك فاستقدمه وأقام عنده دهرا ثم اشتاق إلى وطنه.
(4) فى الأصل: «ملاك»، والصواب ما أثبت. وانظر المؤتلف 66، 163والمفضليات (1: 53طبع المعارف):
(5) انظر شرح البيتين فى المفضليات (1: 58).
(6) أبو سلمى كنية زهير بن أبى سلمى، كما فى كنى الشعراء لابن حبيب ص 132من مصورة دار الكتب. وقد زاد الشنقيطى كلمة: «أبى» قبل «زهير» فلم ينتبه إلى ما ذكرت.(1/91)
30 - و (زميل بن أم دينار) أبوه أبير بن عبد مناف، من مازن ابن فزارة، وهو قاتل ابن دارة. وابن دارة اسمه سالم بن مسافع بن يربوع. هو دارة القمر، سمى دارة، شبه بدارة القمر لحسنه، وهو من بنى عبد الله بن غطفان.
وزميل الذى يقول:
أبلغ فزارة أنى قد شريت لهم ... مجد الحياة بسيفى بيع ذى الخلق
وقال:
أنا زميل قاتل ابن داره ... وكاشف المخزاة عن فزاره
ثم جعلت عقله البكاره
31 - و (قعنب بن أم صاحب الفزراى (1))، وهو الذى يقول:
لو كنت أعجب من شىء لأعجبنى ... سعى الفتى وهو مخبوء له القدر
وهو الذى هجا الوليد بن عبد الملك فقال:
فقدت الوليد وأنفا له ... كثيل البعير أبى أن يبولا
32 - و (ابن أم حزنة (2)) وأم حزنة أمه، وهو ثعلبة بن حزن بن زيد مناة بن الحارث بن ثعلبة بن سليمة (3) بن مالك بن عامر بن الحارث بن [أنمار ابن عمرو بن] وديعة بن لكيز بن أفصى. شاعر، وهو الذى يقول:
نهيتكم أن تحملوا هجناءكم ... على خيلكم يوم الرهان فتدركوا
33 - و (بشر بن شلوة التغلبى) وشلوة أمه. وهو بشر بن سوادة (4).
وهو الذى يقول فى يوم ذى قار، وكان مع الفرس:
__________
(1) هو قعنب بن ضمرة، أخو بنى سحيم بن عمرو بن خديج بن عوف بن ثعلبة [بن بهثة كما فى ألقاب الشعراء ص 133. وقيل: أحد بنى عبد الله بن غطفان، وكان فى أيام الوليد ابن عبد الملك. انظر شرح التبريزى للحماسة (4: 24).
(2) هذا تكرار لما سبق فى رقم 22.
(3) كذا ضبطت فى الأصل بالضم. وفى الاشتقاق 292بفتح السين.
(4) انظر المؤتلف 60. وضبطت «شلوة» فى الأصل هنا بالفتح. وقال ابن حبيب فى ألقاب الشعراء 136: «أخو بنى مالك بن بكر بن حبيب».(1/92)
لما سمعت نداء مرّة قد علا ... وابنى ربيعة فى الغبار الأقتم
34 - و (ابن الواقفية (1) السدوسى) ينسب إلى أمّ من أمهاته، وهو عبد الله بن عبد العزى كليب (2) بن الحارث بن سدوس، شاعر. قال:
أتانى عن أبى بكر ألوك ... يخب بها المبيّن والنذير
وقال:
ألمّ خيال العامرية موهنا ... خيال بأعلى حضر موت غريب
أرى المرء أمسى للحوادث غاية ... نوائبه تغتاله فتصوب
وقال يهجو ابن عنمة الضبى (3):
إن الشاعر الضبىّ عبد ... كزائدة النعامة مستعار
وقال يمدح الحوفزان (4):
لمن الديار بجانب الغمر ... آياتهنّ كواضح السطر
يا حار أعطاك الإله كما ... أثنى عليك أخو بنى جسر
فلأنت أكسبهم إذا افتقروا ... ولأنت أجودهم إذا تثرى
35 - و (ابن دغماء العجلى) أمه دغماء بنت مرة، أخت جعونة بن مرة، وهو الذى يقول لسويد بن حطان، وكان سويد الضبعى نزل فى بنى عجل
__________
(1) فى الأصل: «الرافقية» تحريف، وهى بالواو نسبة إلى بنى واقف، وهم بطن من الأنصار، وواقف لقب مالك بن امرئ القيس. انظر القاموس (وقف) والاشتقاق 266. وانظر ابن قتيبة فى المعارف ص 50.
(2) كذا فى الأصل. ولعله: «من بنى كليب بن الحارث بن سدوس».
(3) هو عبد الله بن عنمة بن حرثان بن ذؤيب بن السيد بن مالك بن بكر بن سعد ابن ضبة. «وعنمة» بفتح العين المهملة والنون والميم. وفى ا: «غنمة» محرف. قال البغدادى: «الظاهر أنه من المخضرمين». الخزانة (3: 58).
(4) الحوفزان لقب له، واسمه الحارث بن شريك بن مطر، قالوا: «وإنما سمى الحوفزان لأن قيس بن عاصم اقتلعه عن سرجه بالرمح. وكل ما قلعته من موضعه فقد حفزته». الاشتقاق 215.(1/93)
فانتسب إلى مرة أبى جعونة (1) فقال: أنا سويد بن حطّان بن مرة، فقال ابن دغماء:
لعمرك ما أدرى وإنى لسائل ... سويد بن حطّان يمتّ وما أدرى
سوى أنكم درّبتم فجريتم ... على دربة والضب يختل بالتمر (2)
فما أنتم منا ولا نحن منكم ... دعاوة كذب أنتم آخر الدهر
فغضب جعونة خال ابن دغماء، فقال:
إن ابن دغماء الذى حدّثته ... بيض الدجاج لا يحسّ له أب
إلّا الرماد فإنها اعتركت به ... بين الرماد وبين أمك تنسب (3)
36 - و (عبد المسيح بن عسلة الشيبانى)، أمه عسلة بنت عامر بن شراكة من غسان، إليها ينسبون (4) وهو شاعر، قال:
يا كعب إنك لو قصرت على ... حسن النّدام وقلة الجرم
لصحوت والنمرى يحسبها ... عم السماك وخالة النجم (5)
37 - وأخوه (حرملة بن عسلة)، قال له المنذر بن ماء السماء: اهج الحارث بن أبى شمر. فقال:
ألم تر أنى بلغت المشي ... ب فى دار قومى عفّا كسوبا (6)
__________
(1) فى الأصل: «مرة بن أبى جعونة»، وكلمة «بن» مقحمة.
(2) رواه الجاحظ فى الحيوان (6: 62): «يحبل بالتمر»، وقال: «فجعل صيده بالتمر كصيده بالحبالة». والضب والعقرب يعجبان بالتمر عجبا شديدا.
(3) مما يزعم العرب أن بيض الطير يتولد حينا من التراب ومن الريح. قال الجاحظ فى الحيوان: (3: 171). «والبيض الذى يتولد من الريح والتراب أصغر وألطف، وهو فى الطيب دون الآخر. ويكون بيض الريح من الدجاج والقبج والحمام والطاوس والإوز».
(4) أما أبوه فهو حكيم بن عفير بن طارق بن قيس بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بنى على بن بكر بن وائل. انظر المؤتلف 157وشرح الأنبارى للمفضليات 556وما ورد من التحقيق فى المفضليات (2: 78طبع المعارف).
(5) انظر لفهم هذا البيت ما ورد فى جو المفضليات. وفى الأصل: «والنمرى يحسبه * عم السماك وخاله النجم»، وهو تحريف.
(6) رواية الخزانة (4: 23): «بلغت المشيبا * وفى دار قومى».(1/94)
وأنّ الإله تنصّفته ... بألّا أعقّ وألّا أحوبا
وألّا أكافر ذا نعمة ... وألّا أخيبه مستثيبا
وغسّان حىّ هم والدى ... فهل ينسينّهم أن أغيبا
فآثر بها بعض من يعتريك ... فإنّ لها من معدّ كليبا
فانبرى عمارة بن العيّف العبدىّ (1) من سليمة بن عبد القيس، وهم حلفاء فى بنى شيبان فى بنى سعد، فقال:
لاهمّ إنّ الحارث بن جبله ... عقّ أباه ظالما وقتله
وأىّ فعل سيّئ لافعله (2)
38 - و (عتبان بن وصيلة) وهى أمه (3). وهو عتبان بن شراحيل بن شريك بن عبد الله بن الحصين بن أبى عمرو بن عوف بن مرة بن ذهل ابن شيبان.
39 - و (عمرو بن الإطنابة) وهى أمه (4)، وهو الذى يقول:
__________
(1) ينسب الرجز أيضا إلى «شهاب بن العيف»، وفى نسخة البغدادى من كتاب من نسب إلى أمه من الشعراء: «عامر بن العيف». (انظر الخزانة 4: 231).
(2) انظر رواية الرجز وتمامه فى الخزانة.
(3) عتبان، بكسر العين، ووصيلة بفتح الواو. انظر الاشتقاق 216. وفى معجم المرزبانى 266: «عتبان بن أصيلة، ويقال وصيلة، الشيبانى. وأصيلة أمه، وهى من بنى محلم».
وأورد من شعره قوله لعبد الملك بن مروان:
فبلغ أمير المؤمنين رسالة ... وذو النصح لو يرعى إليه قريب
بانك إلا ترض بكر بن وائل ... يكن لك يوم بالعراق عصيب
فإن يك منكم كان مروان وابنه ... وعمرو ومنكم هاشم وحبيب
فمنا سويد والبطين وقعنب ... ومنا أمير المؤمنين شبيب
وللبيت الأخير قصة يتداولها الرواة.
(4) عمرو بن الإطنابة شاعر جاهلى. وأمه الإطنابة بنت شهاب بن زبان، من بنى القين ابن جسر، وأبوه عامر بن زيد مناة بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج. انظر المرزبانى 203 والكنى والألقاب لابن حبيب 139. وأصل الإطنابة سير يشد فى وتر القوس العربية لتحزق به. الاشتقاق 268.(1/95)
قرت أحسابنا كرما فأبدت ... لنا الضراء عن أدم صحاح
ولم يظهر لنا عقرات سوء ... جمود القطر أو بكء اللقاح
فى ختام نسخة (ا) نجز الكتاب والحمد لله رب العالمين. نقلت جميعه من نسخة نقلت جميعها من خط أبى الفتح عثمان بن جنى، وصححها رضى الدين الشاطبى رحمهما الله.
وفى نسخة (ب): «قال فى أصل هذا: نجز الكتاب الخ»، وزاد:
ونجزت هذه النسخة فى يوم الاثنين المبارك 14صفر الخير سنة 1300بالمدينة المنوّرة. رحم الله كاتبها ومستنسخها والمسلمين أجمعين.(1/96)
تحفة الأبيه فيمن نسب إلى غير أبيه
لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزاباذى 817729(1/97)
لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزاباذى 817729
مقدمة
هذا الكتاب يشبه فى موضوعه الكتاب السابق لهذا، ويمتاز بأنه لم يختص بذكر الشعراء فحسب، بل هو عام فى ذلك. ومؤلفه فى غنى عن التعريف، فهو صاحب أكثر المعجمات العربية تداولا، وهو القاموس المحيط، وهو أبو طاهر مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الفيروزاباذى، نسبة إلى فيروزاباذ، قرية بفارس (1)، منها والده وجده. وأما هو فقد ولد بكارزين من بلاد فارس سنة 729، ثم أخذ عن مشايخ العلم بالعراق ومصر والشام والروم والهند، ثم دخل زبيد سنة 796فتلقاه سلطان اليمن الأشرف إسماعيل، وولاه قضاء اليمن كله، واستمر بزبيد عشرين سنة، وتوفى بها سنة 817. وانظر ترجمته فى (الشقائق النعمانية 1: 92 وبغية الوعاة 117وروضات الجنات 4: 207ومفتاح السعادة 1031).
وأصل هذه النسخة التى ننشرها نسخة الشنقيطى التى كتبها بقلمه سنة 1304 وهى محفوظة بدار الكتب المصرية برقم (38أدب ش). ومن الكتاب نسخة أخرى بمكتبة الجزائر برقم 46.
ويقارب هذا الكتاب فى تسميته وموضوعه كتاب آخر محفوظ بالخزانة التيمورية برقم 1407تاريخ تيمور، وهو (تذكرة الطالب النبيه بمن نسب إلى أمه دون أييه) لأحمد بن خليل اللبودى، وهو تهذيب كتاب آخر، لجلال الدين ابن خطيب داريا. وتقع هذه التذكرة فى 89صفحة، وقد وجدت معظم ما به من الأسماء قد تكفل به ابن حبيب ومجد الدين الفيروز اباذى.
__________
(1) هى بكسر الفاء وآخرها ذال معجمة، كما فى معجم البلدان، قال انبشارى: «ومعنى فيروز اباذ أتم دولة».(1/98)
النص
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله عدد خلقه وزنة عرشه ورضى نفسه ومداد كلماته، والصّلاة والسّلام على أشرف مخلوقاته، ملء أرضه وملء سماواته، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأزواجه وذرّياته.
وبعد يقول محمد بن يعقوب بن محمد الفيروز اباذى نعشه الله من عثراته، وحجز بحفظه وكلاءته بينه وبين زلّاته: هذا كتاب وضعته فى ذكر من نسب إلى اثنين من آبائه وأمّهاته، أو إلى غير أبيه ثم جدّاته، [أو] أجنبىّ ممن رباه أو تبنّاه أو غير ذلك من حالاته، وذلك لمّا رأيت قراء الحديث تزلّ مفاصلهم (1)
فيلحنون فى ذلك وأخواته، فأفردته فى جزء راجيا أن يكون لوجه الله تعالى بحتا لروم مرضاته (2)، وأسميته «تحفة الأبيه (3) فيمن نسب إلى غير أبيه»، ورتّبته على الهجاء المشرقىّ لصفاء أضاته (4)، وقدّمت ذكر سيدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم محمد عليه أفضل صلوات الله وأشرف تسليماته، تشريفا للتأليف، ولئلّا يندرج اسمه الشريف بين الكتاب حيث يقتضيه ترتيب كلماته:
سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم، خاتم النبيّين وأشرف المخلوقين، ورسول ربّ العالمين، صلى الله تعالى عليه وسلم أبد الآبدين. قيل نزع فى الشّبه إلى أبى كبشة أحد أجداده، فقالوا له ابن أبى كبشة. فى صحيح البخارى، فى حديث هر قل: «فقال أبو سفيان بن حرب لمّا قرأ هرقل كتاب النبى صلى الله
__________
(1) المفاصل: جمع مفصل، كمنبر، وهو اللسان.
(2) البحت: الخالص. والروم: الطلب.
(3) الأبيه: وصف، من أبه للشىء وبالشىء من باب منع وفرح، أى فطن له.
ولم يذكر المصنف فى قاموسه ولا صاحب اللسان أيضا هذا الوصف.
(4) الأضاة: المستنقع من سيل أو غيره.(1/99)
تعالى عليه وسلم: لقد أمر أمر ابن أبى كبشة (1)، إنّه يخافه ملك بنى الأصفر».
واختلف العلماء فى ذلك فقيل أبو كبشة كنية زوج حليمة السعدية التى أرضعت النبىّ صلى الله تعالى عليه وسلم، فهو أبوه من الرّضاعة، واسمه الحارث ابن رفاعة السعدىّ، قاله أبو الحسن علىّ بن خلف بن بطّال. وقيل هو كنية وهب بن عبد مناف جدّ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من قبل أمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف جدّ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، لأنه كان نزع إليه فى الشبه. وقال ابن الكلبىّ فى جمهرة النسب: أمّ وهب جدّ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قيلة بنت أبى قيلة، وهو وجز بن غالب بن الحارث بن عمرو بن حوىّ ابن ملكان بن أفصى بن حارثة بن خزاعة. تقول خزاعة: أبو كبشة هو أبو قيلة. وقيل أبو كبشة: رجل من خزاعة خالف قريشا فى عبادة الأوثان وعبد الشعرى العبور، فشبّهوا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم به، ومعناه أنه خالفهم كما خالفهم أبو كبشة. وقيل: كان أبو كبشة عمّ ولد حليمة السعديّة.
قال الزّبير بن بكار: ليس مرادهم عيب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وإنما مرادهم مجرّد التشبيه. وقال غيره: هذا منهم إيذاء للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وأقبح ما كانوا يدعونه به من الكنى والأسماء.
ونسب بعض المحدثين المولّدين النبىّ صلى الله تعالى عليه وسلم إلى أمّه آمنة، فقال:
صلّى الإله على ابن آمنة التى ... جاءت به سبط البنان كريما
قل للّذين رجوا شفاعة أحمد ... صلّوا عليه وسلّموا تسليما
حرف الألف
1 - إبراهيم بن عليّة، سيأتى ذكره عند ذكر أبيه إسماعيل بن علية.
__________
(1) أمر، كفرح: كثر، وقوى.(1/100)
2 - إبراهيم بن هراسة، بفتح الهاء والراء المخففة والسين المفتوحة، وهى أمّه.
والهراسة فى الأصل: واحدة الهراس كسحاب، وهو شجر ذو شوك. وقال أبو عمرو: يقال له ثمر مثل ثمر النّبق، وفيه شوك. قال النابغة الجعدىّ رضى الله عنه:
وخيل يطابقن بالدارعين ... طباق الكلاب يطأن الهراسا
الواحدة هراسة. وبه سمّيت المرأة هراسة. وهو أبو إسحاق إبراهيم بن سلمة الكوفىّ، متروك الحديث تكلّم فيه أبو عبيد وغيره. فإذا كتبت إبراهيم ابن سلمة، ابن هراسة أعربت الابن الثانى إعراب إبراهيم وكتبته بالألف، وكذا فى جميع ما أتلوه عليك من هذا النحو.
3 - أحمد بن تيميّة، هى أمّ أحد أجداده الأبعدين، وهو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن أبى القاسم بن محمد بن تيميّة الحرانىّ، الحافظ المشهور، الذى لم يلحق شأوه فى الحفظ أحد من المتأخّرين.
4 - أحمد بن الخاضبة (1).
5 - إسحاق بن راهويه بفتح الهاء والواو ثم ياء مثناة تحتية، ويقال بضم الهاء وسكون الواو وفتح الياء، وهذه قليلة، وهما لغتان فى كل اسم ختم بويه كسيبويه وعمرويه وبحرويه وغير هما، ويجوز فيه البناء والإعراب: هذا راهويه ورأيت راهويه ومررت براهويه. وهذا راهويه ورأيت راهويها ومررت براهويه. ولك أن تعربه غير منصرف فتقول: هذا راهويه ورأيت راهويه ومررت براهويه. وهذا عن الجرمى، ونقله ابن مالك عن المتأخّرين. ولم يذكر سيبويه إلا البناء. وعلى قول من يعربه تجوز تثنيته وجمعه، فتقول هذان راهويهان وهؤلاء راهويهون. وعلى قول الجمهور تقول: هذان ذوا راهويه وهؤلاء ذوو راهويه. وراهويه لقب أبيه إبراهيم لأنه وجد فى الطريق. وأصله
__________
(1) فى الأصل: «الحاصة»، صوابه من تذكرة الطالب، مخطوط التيمورية. وهو والد أبى بكر محمد بن أحمد بن عبد الباقى بن منصور الدقاق، الحافظ البغدادى. انظر تذكرة الحفاظ 4: 22.(1/101)
راهوىّ أى طريقى. وراه بالعجمىّ: الطريق. وهو أبو يعقوب إسحاق بن مخلد بن مسكين بن إبراهيم بن مطر الحنظلىّ المروزىّ النيسابورىّ، أحد الأئمّة الحفاظ. قال أبو داود: تغيّر قبل أن يموت بخمسة أشهر، وتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وهو ابن سبع وسبعين سنة.
6 - إسماعيل بن عليّة بضم العين المهملة وفتح اللام والياء المثناة التحتية المشددة، وهى أمه وقيل جدته أمّ أمّه. وهو أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم كمنبر الأسدىّ، أسد خزيمة، مولاهم البصرىّ. وأصله من الكوفة، وهو أحد أئمة الحديث والفقه ومن كبار الصالحين (1). وأما ابن عليّة الذى يعزو إليه كثير من الفقهاء فهو ابن ابنه.
7 - أيوب بن القرّيّة، بكسر القاف والراء المشددة والمثناة التحتية آخره هاء، وهو لقب أمّه واسمها جمّاعة مثل رمّانة، بنت جشم بن ربيعة بن زيد مناة، وهو أيوب بن زيد بن قيس بن زرارة بن سلمة بن جشم بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة، بن القرّيّة. وهو أحد الفصحاء المشهورين بالحفظ، صحب بنى مروان والحجاج بن يوسف. والقرّيّة: حوصلة الطائر. ونقل أيوب الكتب القديمة إلى العربية، وقتله الحجّاج.
حرف الباء
8 - بديل بن أمّ أصرم، بضم الباء على زنة زبير، واسم أبيه سلمة.
وبديل ابن سلمة بن أم أصرم صحابىّ كان بمصر، روى عنه علىّ بن رياح.
وقيل: هو بديل بن ميسرة، بدل سلمة.
9 - بشير بن الخصاصية، بفتح الخاء وتخفيف الياء المثناة من تحت، على زنة كراهية وطواعية. وبعض المحدّثين شدّدها، وهو لحن لأنه ليس فى كلام العرب فعاليّة بالتشديد، وإنما هى بالتخفيف قاطبة، ككراهية وطواعية وعلانية ورفاهية
__________
(1) ترجم له بإسهاب فى تهذيب التهذيب.(1/102)
وأخواتها. والخصاصية هى أمّ بشير، واسم أبيه معبد. وكان اسم بشير رحم بن معبد بن شراحيل السّدوسىّ، فغيّره النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وسمّاه بشيرا.
وأمّه الخصاصية من الأزد. وكان بشير يعرف بها، وروى بشير أحاديث.
10 - بشير بن عقربة. عقربة أمّه. والعقربة فى كلام العرب: المرأة العاقلة الخدوم. وبشير صحابىّ، ولم أقف على اسم أبيه. وكنيته أبو اليمان، نزل الشّام، روى حديثا واحدا، وهو «من قام بخطبة لا يلتمس بها إلا رياء وسمعة وقفه الله عزّ وجلّ يوم القيامة موقف رياء وسمعة». روى عنه عبد الملك بن مروان، وعبد الله بن عوف الكنانى.
11 - بلال بن حمامة، مؤذّن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وحمامة بالفتح والتخفيف: اسم أمّه. واسم أبيه رباح، بفتح الراء والباء الموحّدة وبحاء مهملة. ويكنى أبا عبد الله، وقيل أبا عمر، وقيل أبا عبد الرحمن. مولى أبى بكر الصّدّيق رضى الله تعالى عنه، ومن مولّدى السراة (1)، وشهد بدرا.
وكان ترب أبى بكر رضى الله تعالى عنه. مات بدمشق ودفن بالباب الصغير.
قال ابن زبر: مات بداريّا (2) وحمل على الرّقاب، فدفن بمقبرة باب كيسان.
وقيل مات بحلب ودفن بباب الأربعين.
حرف الجيم
12 - جبير بن بحينة، صحابى. وبحينة بضم الباء وفتح الحاء المهملة ثم مثناة تحتية ساكنة ونون مفتوحة وهاء، وهى لقبها، واسمها عبدة. وكذلك أخواه عبد الله ومالك. وأبوهم مالك بن القشب بكسر القاف. وسيعاد كلّ واحد فى بابه إن شاء الله تعالى.
13 - جعفر بن عقاب. شاعر، وعقاب أمّه. وهو جعفر بن عبد الله ابن قبيصة.
__________
(1) السراة، بالفتح: جبال وأرض حاجزة بين تهامة واليمن.
(2) داريا: قرية من قرى دمشق، ينسب إليها الدارانى.(1/103)
14 - الحارث بن مالك بن البرصاء، صحابى. والبرصاء اسم أمّ أبيه، وهى لقبها، واسمها عبدة، واسم أبيه مالك بن قيس اللّيئىّ. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يوم فتح مكة: «لا تغزى مكة سوى اليوم (1)».
وفى رواية «بعد اليوم». والحديث الآخر «إنه ليس أحد يلقى الله وقد اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه إلا»، قال إسحاق بن إبراهيم أحد رواة هذا الحديث: إنّ سفيان كنى عنه (2)، إنّما هو النار.
حرف الخاء
15 - خفاف، بضم الخاء وفتح الفاء على زنة غراب، بن ندبة بفتح النون وسكون الدال المهملة وفتح الباء الموحدة، وهى أمّه، واسم أبيه عمير بن الحارث ابن الشّريد. وكنيه خفاف أبو خراشة بضم الخاء، صحابىّ.
حرف الذال
16 - ذو الخرق بن شعاث الشاعر، بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء بعدهما قاف. وشعاث بالشين المعجمة المضمومة وعين مهملة بعدها ألف وثاء مثلثة، واسم أبيه نباتة.
حرف الراء
17 - رافع بن غنجدة، بضم الغين المعجمة والجيم بينهما نون، وقيل عنجرة بالعين المهملة المفتوحة والجيم والراء، وقيل عنترة، والأول أصح.
وغنجدة أمّه أو جدته، واسم أبيه عبد الحارث.
18 - الرّماح بن ميّادة بفتح الميم والمثناة التحتية المشدّدة، وهى اسم أمّه، وكانت أمة سوداء راعية. وهو الرمّاح بن أبرد بن زبّان بن سراقة بن حرملة
__________
(1) فى الإصابة 1474: «لا تغزى مكة بعد اليوم إلى يوم القيامة».
(2) أى عن ما بعد «إلا».(1/104)
ابن سلمى بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرّة بن عوف بن سعد ابن ذبيان، وكنيته أبو شرحبيل، وهو شاعر مشهور.
حرف الزاى
19 - زياد بن هنداية، بكسر الهاء وسكون النون بعدها ألف وياء مثناة تحتية مفتوحة، وهى أمّه، وكانت سوداء. واسمه زياد بن حارثة بن عوف بن قتيرة بن حارثة بن عبد شمس بن معاوية بن جعفر بن أسامة بن سعد بن شبيب ابن السّكون. وكان فارسا مشهورا. قال ابن الأعرابىّ: وقال ابن الكلبىّ هو زياد بن عوف بن حارثة، وهو الذى أسر الحصين ذا الغصّة. وكان يقول:
«لو أرسلت فرسى أزاهيق عريا لأسر ذا الغصّة». وأزاهيق: اسم فرسه.
حرف السين
20 - سعد بن حبتة، بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح المثناة الفوقية، وهى أمّه. وهى حبتة بنت مالك رضى الله تعالى عنها. وهو سعد بن بحير بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة. هذا هو الصّحيح المشهور، وقيل فيه بجير بالجيم مصغرا. وهو صحابىّ. وأبو يوسف بن إبراهيم القاضى من ذرّيّة سعد بن عوف (1) بن بجير بالجيم، والأول أصح.
21 - سعد بن الحنظلية وهى أمّ جدّه، وهو سعد بن عقيب بالقاف مثل زبير، وقيل عميت بالميم والمثناة آخره مثال حميد، وقيل سعد بن الرّبيع بن عمرو بن عدىّ. ويكنى أبا الحارث الحارثىّ الصحابىّ.
22 - سعد بن خولة. خولة أمّه، وهو سعد بن خولىّ. وبعضهم يجعل ابن خولة غير ابن خولىّ. ولم يعرف اسم أبيه، وهذا هو الأصح.
23 - سليك بن سنان بن سلكة، كهمزة. وسلكة أمّه، وهو من
__________
(1) كذا وردت فى الأصل، وإنما هو سعد بن بجير. الإصابة 3134وتاريخ بغداد 7558.(1/105)
الشّعراء والعدّائين، ومن اللّصوص الفتاك، وكان يعرف بسليك المقانب.
24 - سويد بن كراع. وكراع أمّه، وهى غير مصروفة. وهو سويد ابن عمرو بن كراع، وهو شاعر معروف.
25 - سهل بن الحنظلية الحارثىّ. والحنظلية هى أمّ أبيه، وهو سهل بن عمرو بن عدىّ بن زيد بن جشم بن حارثة، صحابى.
26 - سهل بن البيضاء. البيضاء لقب أمّه، واسمها دعد بنت جحدم، بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الدال اليابسة. وهو سهل بن وهب بن ربيعة، صحابى.
27 - سهيل بن البيضاء، أخو سهل.
حرف الشين
28 - شرحبيل بن حسنة. وهو شرحبيل بن عبد الله بن المطاع أخو عبد الله وعبد الرحمن. وحسنة أمّه، وهى عدولية: نسبة إلى عدولى قرية بالبحرين. وهى مولاة معمر بن حبيب. وشرحبيل من الصّحابة.
29 - شريك بن السّحماء، بفتح الشين المعجمة وسكون الحاء المهملة:
وهو شريك بن عبدة بالتحريك، ابن مغيث، أخو البراء بن مالك لأمّه.
وهو أوّل من لاعن فى الإسلام. وبعضهم يجعل شريك بن السّحماء غير شريك بن عبدة، والأوّل أصحّ.
حرف الصاد
30 - صفوان بن البيضاء، والبيضاء لقب أمّه، واسمها دعد. وهو سهل وسهيل. وهو صفوان بن وهب، وقد تقدّم.
حرف العين
31 - عاصم بن بهدلة، أبو بكر الأسدىّ، من القرّاء، وبهدلة أمّه. وهو عاصم بن أبى النّجود. والبهدلة: الإسراع والخفة فى المشى. والبهدل: جرو الضّبع (1).
__________
(1) فى الأصل: «خرو الضبع»، تحريف.(1/106)
32 - عبد الله بن أبىّ ابن سلول المنافق. سلول أمّه.
33 - عبد الرحمن بن حسنة، أخو عبد الله وشرحبيل، وهو عبد الرحمن ابن عبد الله بن المطاع. وحسنة مولاة معمر بن حبيب، عدولية.
34 - عبد الله بن أمّ حرام. وهو عبد الله بن عمرو بن قيس. وفيه اختلاف.
35 - عبد الله بن بحينة، وهو عبد الله بن مالك الأزدىّ. وقد تقدّم ذكر بحينة عند ذكر أخيه جبير. واسمها عبدة بنت الحارث بن عبد المطلب، وهى أمّ أبيه.
36 - عبد الله بن حسنة، أخو عبد الرحمن وشرحبيل، وهو عبد الله ابن المطاع.
37 - عمر بن اللّتبيّة. وقيل ابن الأتبيّة (1). قيل الأوّل الصحيح.
والأوّل قول ابن دريد، والثانى قول الكلبىّ والمعوّل على قوله أكثر.
38 - عمرو بن الفغواء أخو علقمة، صحابيان.
39 - علقمة بن الفغواء، صحابىّ، وقيل ابن أبى الفغواء، وهو علقمة بن عبيد الخزاعىّ. والفغواء، بالفاء والغين المعجمة: لقب أمّه. والفغا: ميل فى الفم.
40 - عمرو بن شعواء اليافعىّ صحابى. شعواء أمّه، ولم أقف على اسم أبيه.
والشّعواء بالشين المعجمة والعين المهملة: المنتشرة الشعر، ومنه شجرة شعواء:
منتشرة الأغصان. وغارة شعواء: متفرّقة.
41 - عوف بن عفراء، وهو عوف بن الحارث بن رفاعة النّجّارى. وهى
__________
(1) فى الأصل: «ابن اللبنية وقيل ابن الأبية». صوابه من تذكرة الطالب، قال: «عده الصغانى فى نقعة الصديان فى الصحابة الذين نسبوا إلى أمهاتهم» وذكره فى الإصابة 1931باسم «عبد الله». وفى القاموس (لتب): «وبنو لتب، بالضم: حى، منهم عبد الله بن اللتبية».(1/107)
عفراء بنت عبيد بن ثعلبة. وقيل فيه عوذ، وعوف أكثر.
حرف اللام
42 - لوط بن هاران بن تارح، ابن أخى إبراهيم (1). هاران هو أخو إبراهيم.
حرف الميم
43 - مالك بن بحينة، وبحينة لقبها واسمها عبدة. وهو مالك بن القشب بكسر القاف.
44 - مالك بن نميلة، نميلة أمّه. وهو مالك بن ثابت المزنىّ الصحابى.
45 - محمد بن الحنفيّة، هو محمد بن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنهما. والحنفيّة أمّه (2).
46 - محمد بن حبيب الأديب. حبيب اسم أمّه، ولم أقف على اسم أبيه.
47 - محمد بن عائشة، وهو محمّد بن حفص.
48 - محمد بن عثمان، وهو محمد بن خالد.
49 - محمد بن شرف القيروانىّ. شرف اسم أمّه، ولم أقف على اسم أبيه.
50 - محمد بن القوطيّة، بضم القاف وكسر الطاء وفتح المثناة التحتية المشددة، وهى أمّه، نسبت إلى قوط بن حام بن نوح. وهو أبو السّودان والهند والسّند. وهو محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسى بن مزاحم الأندلسىّ الإشبيلى الأصل، القرطبى المولد. كان من أعلم أهل زمانه، ماهرا باللغة
__________
(1) لعله يريد أنه يقال لوط ابن أخى إبراهيم، فينسب إلى غير أبيه.
(2) هى خولة بنت قيس بن مسلمة بن عبد الله بن ثعلب، أو بنت قيس بن جعفر بن قيس، أو خولة بنت إياس بن جعفر، ونسبتها إلى بنى حنيفة باليمامة، وقيل كانت أمة لبنى حنيفة سندية سوداء. انظر اتعاظ الحنفاء بأخبار الخلفاء، بتحقيق الدكتور الشيال، والإصابة 355من قسم النساء والمعارف 91.(1/108)
والعربية، حافظا للحديث والفقه والشّعر، لا يلحق شأوه. وكان متنسّكا متعبّدا.
حكى أبو بكر يحيى بن هذيل الميمىّ، أنه توجّه يوما إلى ضيعة له بسفح جبل قرطبة، وهو من بقاع الأرض الطيّبة المونقة، وصادف ابن القوطيّة صادرا عنها. قال: فلما رآنى عرّج علىّ واستبشّ بلقائى، فقلت له على البديهة مداعبا:
من أين أقبلت يا من لا شبيه له ... ومن هو الشّمس والدّنيا له فلك
فتبسّم وأجاب بسرعة:
من منزل يعجب النّسّاك خلوته ... وفيه ستر عن الفتّاك إن فتكوا
قال: فما تمالكت أن قبّلت يده. مات فى سنة سبع وستين وثلاثمائة.
51 - محمد بن ماجه (1)، ماجه اسم أمه وهو محمد بن يزيد بن ماجه، وترجمته مشهورة. الإمام أبو عبد الله الحافظ القزوينىّ أحد أصحاب الكتب الستّة ودواوين الإسلام.
52 - مسعود بن العجماء، العجماء اسم أمّه. وهو مسعود بن الأسود ابن حارثة صحابىّ.
53 - معاذ بن عفراء، عفراء أمّه، وهو معاذ بن الحارث بن رفاعة النّجّارى صحابىّ.
54 - معوّذ بن عفراء، أخو معاذ. وعفراء هى بنت عبيد بن ثعلبة صحابىّ.
55 - معقل بن أم معقل، وهو معقل بن أبى الهيثم، ويقال له معقل بن أبى معقل الأسدىّ.
56 - المقداد بن الأسود، هو الأسود بن عبد يغوث، وهو رجل زهرىّ
__________
(1) جرى القدماء على نطق أمثال هذه الأسماء بالهاء الساكنة، ونحوها «سيده» و «منده». ولست أرى مسوغا لهذا الالتزام مادامت تدخل فى نطاق التعريب.(1/109)
ربّى المقداد وتبنّاه فنسب إليه. وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك الكندىّ.
حرف الواو
57 - ورقة بن نوفل بن عبد العزّى، ابن عمّ خديجة رضى الله تعالى عنها. نوفل هو عمّ خديجة رضى الله تعالى عنها.
حرف الياء
58 - يحيى بن الحنظليّة. الحنظليّة أمّه، ولم أقف على اسم أبيه، وهو ممّن بايع تحت الشجرة:
59 - يعلى بن سيابة، وهى اسم أمّه، وهو يعلى بن مرّة الثّقفى (1).
60 - يعلى بن منية (2) وهى أمّه، وقيل جدّته أمّ أبيه، وهو يعلى بن أميّة بن عبدة (3) التميمىّ المكى حليف قريش، ومن مسلمة الفتح، وقتل فى صفين، رضى الله تعالى عنه.
61 - يونس بن حبيب الأديب الشاعر، حبيب أمّه، ولم أقف على اسم أبيه وفيه ستّ لغات مشهورات: تثليث النون، مع الهمز وتركه.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، محمد حبيب رب العالمين، وعلى آله وصحابته والتابعين.
كتبه لنفسه محمد محمود، ابن التلاميد التركزى، لطف به آمين.
__________
(1) فى الإصابة 9360: «قال ابن حبان: من قال فى يعلى بن مرة يعلى بن سيابة فقد وهم. ثم قال: يعلى بن سيابة يقال إن له صحبة».
(2) فى الإصابة 9360: «يعلى بن منية، بضم الميم وسكون النون، وهى أمه وقيل أم أبيه، جزم بذلك الدار قطنى. وقال: هى منية بنت الحارث بن جابر».
(3) فى الإصابة: «ابن أبى عبيدة».(1/110)
فهرس المجموعة الأولى
صفحة
43 - تقديم
566 - الرسالة المصرية
8057 - المردفات من قريش
9681 - كتاب من نسب إلى أمه من الشعراء
11097 - تحفة الأبيه، فيمن نسب إلى غير أبيه(1/111)
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى إلبابى الحلبى وأولاده بمصر محمد محمود الحلبى وشركاه خلفاء(1/112)
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى إلبابى الحلبى وأولاده بمصر محمد محمود الحلبى وشركاه خلفاء
نوادر المخطوطات 2
بتحقيق عبد السلام هارون المجموعة الثّانيّة 5كتاب خطبة واصل بن عطاء المعتزلى المتوفى سنة 141.
6 - كتاب أبيات الاستشهاد لأحمد بن فارس المتوفى سنة 395.
7 - رسالة فى أعجاز أبيات تغنى فى التمثيل عن صدورها، لأبى العباس محمد ابن يزيد المبرد المتوفى سنة 285.
8 - كتاب العصا لأبى المظفر أسامة بن منقذ المتوفى سنة 584.
9 - رسالة التلميذ لعبد القادر بن عمر البغدادى المتوفى سنة 1093.
الطبعة الثانية 1392هـ 1973م شركة مكتبة ومطبعة مصطفى إلبابى الحلبى وأولاده بمصر محمد محمود الحلبى وشركاه خلفاء
بسم الله الرّحمن الرّحيم(1/113)
الطبعة الثانية 1392هـ 1973م شركة مكتبة ومطبعة مصطفى إلبابى الحلبى وأولاده بمصر محمد محمود الحلبى وشركاه خلفاء
بسم الله الرّحمن الرّحيم
تقديم
هذه هى المجموعة الثانية من (نوادر المخطوطات) التى ألتمس من الله الأيد والعون على أن أمضى فى إخراجها، مغتبطا بما ظفرت به وما أرجو أن أظفر به، من تقدير العلماء والأدباء لهذه الفكرة التى تحاول ملء فراغ كان يتخلل المكتبة العربية المنشورة.
وتلقيت رسائل من أطراف العالم العربى والإسلامى، فيها ثناء وفيها رغبات عاجلة، واقتراحات لنشر كتب ورسائل معينة، وسأتخذ من هذه الرغبات وهذه الإرشادات نبراسا لى فيما أنا آخذ بسبيله.
وتفضل زميلنا وصديقنا الأستاذ الناقد المحقق (الدكتور شوقى ضيف) فكتب فى مجلة الثقافة (بالعدد 634) مقالا نفيسا عرف فيه تعريفا صادقا ب (نوادر المخطوطات) وبرسائل المجموعة الأولى. وروى نصا نادرا عن ابن سعيد (فى المغرب) فى شأن أبى الصلت، أنه «كان قد خرج من إشبيلية، فصحب بالمهدية ملوكها الصنهاجيين وتوجه فى رسالة إلى مصر فسجن بالقاهرة فى خزانة البنود، وكان فيها خزائن من أصناف الكتب، فأقام بها نحو عشرين سنة، فخرج منها وقد برع فى علوم كثيرة من حديثة وقديمة
وإنما حبسه المصريون لأن صاحبه الذى أرسله وهو يحيى بن تميم بن المعز بن باديس كان قد قطع هو وأبوه اسم الخليفة الفاطمى من الخطبة واستقلا عن مصر. فلم يكرم المصريون رسوله، بل حبسوه إهانة له وإزراء عليه».
وعقد كذلك موازنة بين ما ورد فى كتاب «المردفات من قريش» وما ورد فى كتاب «المحبر» لابن حبيب فيما يشبه هذا الموضوع.(1/115)
وتمكن حفظه الله من تكملة عبارة وردت ناقصة فى الأصل فى ص 22: «وقد تعاور الشعراء الشعاع على صبح»، إذ وجدها فى الخربدة: «وقد تعاور الشعراء وصف وقوع الشعاع على صفحات الماء».
وورد فى ص 23بيتان أشرت إلى أنهما محرفان فوجد صوابهما فى الخريدة:
بشاطئ نهر كأن الزجاج ... وصفو اللجين به ذوبا
إذا جمشته الصبا بالضحى ... توهمته زردا مذهبا
فإلى الصديق (الدكتور شوقى ضيف) أزجى صادق الشكر وعظيم التقدير.
وكنت قد اعتزمت أن أنشر فى هذه المجموعة (كتاب عرام بن الأصبغ فى أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى)، ولكنى علمت أن العلامة (عبد العزيز الميمنى الراجكوتى) قد قام بنشر هذا الكتاب من قبل، فآثرت أن أؤجل صنعه إلى أن أطّلع على نسخته.
وفى النية أن تشتمل المجموعة الثالثة من (نوادر المخطوطات) على (رسالة ابن غرسية فى الشعوبية) والردود عليها.
والحمد لله الذى هدانا لهذا، وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله.
القاهرة فى 3رجب سنة 1370
عبد السلام محمد هارون(1/116)
كتاب خطبة واصل بن عطاء 13180(1/117)
مقدمة
واصل بن عطاء تلقيبه بالغزال هو والجاحظ عبقرية واصل لثغته الراء من أكثر الحروف دورانا فى العربية الجاحظ يعقد فصلا للثغة شهرة لثغة واصل علة تجنبه للراء نماذج لمجانبته الراء مما ذكره الجاحظ نماذج مما ذكره غيره الجاحظ حادث خطبة واصل تاريخ الخطبة خطبة واصل فى التاريخ قيمة هذه الخطبة شبهها ببعض خطب عصره ابن زيدون وواصل بن عطاء نص الخطبة.
واصل بن عطاء:
ليس أبو حذيفة واصل بن عطاء الغزال، مولى بنى ضبة أو بنى مخزوم، فى حاجة إلى أن نسهب فى التعريف به، فإنه رأس المعتزلة، وأول إمام قوى دفع مذهب الاعتزال، وكوّن الفرقة الأولى من فرق المعتزلة العشرين (1).
ولم يختلف المؤرخون أنه ولد بمدينة الرسول، سنة ثمانين للهجرة، وأنه نزح إلى العراق وأقام بها، ولزم الحسن البصرى يحضر مجالسه ويقبس من علمه، إلى أن كان ما كان من قول واصل وصاحبه عمرو بن عبيد بالمنزلة بين المنزلتين، فكان ذلك سببا للقطيعة بين الحسن، وبين واصل وزميله، وانتقل ميدان الرأى من مجلس العلم إلى الرأى العام، فكان للاعتزال أنصاره الذين يفضوون تحت لوائه، وصار مذهبا من المذاهب القائمة.
تلقيبه بالغزال:
وقد اختلف الناس فى تلقيب واصل بالغزال، فمنهم من زعم أنه كان غزالا، وأصح القولين أنه إنما لقب بذلك لأنه كان يكثر الجلوس فى سوق الغزالين إلى
__________
(1) هى الواصلية، والعمرية، والهذيلية، والنظامية، والأسوارية، والإسكافية، والجعفرية، والبشرية، والمعمرية، وأصحاب عيسى بن صبيح، والثمامية، والهشامية، والجاحظية، والخياطية، والكعبية، والصالحية، والخابطية، والحديثية، والشحامية، والبهشمية.(1/118)
أبى عبد الله مولى قطن الهلالى (1). ويذكرون أنه كان يلازم الغزالين ليعرف المتعففات من النساء ممن يتردد عليهم، فيجعل صدقته لهن (2). ويذكرون من أمثال ذلك فى النسبة بعض الأعلام كخالد الحذّاء، قيل إنه سمّى بذلك لأنه تزوج امرأة فنزل عليها فى الحذّائين فنسب إليها (3). وهشام الدستوائى إنما قيل له ذلك لأن الإباضية كانت تبعث إليه من صدقاتها ثيابا دستوائية فكان يكسوها الأعراب الذين يكونون بالجناب (4).
هو والجاحظ:
وبدهى أن الجاحظ لم يدرك واصل بن عطاء، لأن مولد الجاحظ كان فى سنة 150ووفاة واصل كانت فى سنة 131 (5).
لكن الجاحظ قد أدرك رجلا له صلة بواصل بن عطاء، هو جعفر بن أخت واصل، عرفه الجاحظ، وسمع منه إنشادا لشعر رواه فى كتاب الحيوان (6)، كما روى عنه شيئا من الدّعابة فى البيان (7).
والجاحظ يعجب بواصل وبصحة عقله، فهو يقول فى كتاب الحيوان (8)
عند الكلام على الجن: «لأنهم لم يسلّطوا على الصحيح العقل. ولو كان ذلك
__________
(1) البيان 1: 33والكامل 546ليبسك.
(2) الكامل وابن خلكان فى ترجمة واصل.
(3) أى إلى قطيعة الحذائين. البيان 1: 33والسمعانى 160.
(4) البيان 1: 33.
(5) لسان الميزان فى ترجمة واصل، والنجوم الزاهرة 1: 313ومسالك الأبصار (القسم الثانى من الجزء الثامن ص 496من مصورة دار الكتب رقم 2568تاريخ وعيون التواريخ 20 لابن شاكر الكتبى مخطوطة دار الكتب المصرية فى وفيات الأعيان 131، وكذا شذرات الذهب لابن العماد فى تلك السنة، وفوات الوفيات فى ترجمته. وفى أصل معجم الأدباء 7: 225 مرجليوث، أنه توفى سنة إحدى و (بياض) ومائة. والذى فى وفيات الأعيان أنه توفى سنة 181. وهو خطأ ظاهر
(6) الحيوان 7: 205204.
(7) البيان 2: 234.
(8) الحيوان 6: 160.(1/119)
إليهم لبدءوا بعلى بن أبى طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وبأبى بكر وعمر فى زمانهم وبغيلان والحسن فى دهرهما، وبواصل وعمرو فى أيامهما.
عبقرية واصل:
ويبدو أن واصلا كان على جانب عبقرى من الذكاء وجرأة العقل والقلب.
يقول المبرد (1): «وحدّثت أن واصل بن عطاء أبا حذيفة أقبل فى رفقة فأحسوا الخوارج، فقال واصل لأهل الرفقة: إن هذا ليس من شأنكم فاعتزلوا ودعونى وإياهم. وكانوا قد أشرفوا على العطب، فقالوا: شأنك. فخرج إليهم فقالوا: ما أنت وأصحابك؟ قال: مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله وليعرفوا حدوده.
فقالوا: قد أجرناكم. قال: فعلمونا. فجعلوا يعلمونه أحكامهم وجعل يقول: قد قبلت أنا ومن معى. قالوا: فامضوا مصاحبين فإنكم إخواننا. قال: ليس ذلك لكم. قال الله تبارك وتعالى: «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه» فأبلغونا مأمننا. فنظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا: ذاك لكم. فساروا بأجمعهم حتى بلغوهم المأمن.
وهذا الخبر على به من أثر الصنعة يطوى وراءه اعترافا بعبقرية هذا الرجل وزعامته الفطرية. على أن شيئا مما ذكر ليس يعنينا لذاته، وإنما ليلقى ضوءا على حياة هذا الرجل الذى هو رأس من رؤوس المعتزلة الذين قامت دعوتهم على المناظرة والمجادلة الملحة، والتى اعتمدت فى أكثر ما تعتمد على الخطابة وعلى البيان، وعلى الجرأة فى مواقف المخاصمة والمنازعة.
لثغة واصل:
ولكلّ حسناء ذامها، فهذا الخطيب واصل، مع ما رزقه الله من بيان وحسن تصريف للقول، كان صاحب عاهة منطقية عرف بها وذاعت بين الناس،
__________
(1) الكامل 528ليبسك. وقد روى هذا الخبر موجزا ابن تتيبة فى عيون الأخبار 1: 196.(1/120)
وهى لثغة شنيعة كانت تقع له فى حرف الراء فتحرجه فى ذلك أيّما إحراج فيتأتى لها بمجانبتها إلى سواها من الحروف، ويحمل على نفسه فى هذا الأمر ويجهدها فيوفّق توفيقا بالغا.
قال أحد معاصريه (1):
ويجعل البر قمحا فى تصرّفه ... وجانب الراء حتى احتال للشعر (2)
ولم يطق مطرا والقول يعجله ... فعاذ بالغيث إشفاقا من المطر
قال الجاحظ: وسألت عثمان البرى: كيف كان واصل يصنع فى العدد، وكيف كان يصنع بعشرة وعشرين وأربعين، وكيف كان يصنع بالمحرم وصفر وربيع الأول وربيع الآخر وجمادى الآخرة ورجب؟ فقال: مالى فيه إلا ما قال صفوان:
ملقّن ملهم فيما يحاوله ... جمّ خواطره جواب آفاق
الراء من أكثر الحروف دورانا:
وقد لحظ الجاحظ، وهو صادق فيما فطن له، أن الراء من أكثر الحروف دورانا فى الكلام العربى، قال (3): أنشدنى ديسم قال: أنشدنى أبو محمد اليزيدى:
وخلة اللفظ فى الياءات إن ذكرت ... كخلة اللفظ فى اللامات والألف
وخصلة الراء فيها غير خافية ... فاعرف مواقعها فى القول والصحف
يزعم أن هذه الحروف أكثر تردادا من غيرها، والحاجة إليها أشد.
ثم قال الجاحظ: «واعتبر ذلك بأن تأخذ عدة رسائل وعدة خطب من جملة خطب الناس ورسائلهم، فإنك متى حصّلت جميع حروفها وعددت كل شكل على حدة علمت أن هذه الحروف الحاجة إليها أشدّ».
__________
(1) البيان 1: 21.
(2) من أسماء الشعر مما ليس فيه الراء «السبد» بالتحريك، و «الهلب» بالضم، و «اللمة»:
ما زاد على الجمة، و «الخصلة» بالضم: ما اجتمع من الشعر كذلك. انظر المخصص 1: 6962.
(3) البيان 1: 22.(1/121)
وهذه براعة عجيبة للجاحظ: أن يتجه فكره فى عصره إلى مثل هذه الطريقة التى لم تشهر ولم يعرف الاتجاه إليها فى البحوث اللغوية والأدبية إلا منذ عهد قريب:
الجاحظ يعقد فصلا للثغة:
هذه اللثغة الشنيعة التى كانت تقع لواصل، هى أقوى الدوافع التى دعت الجاحظ وهو الذى نصب نفسه مدرها للمتكلمين وللمعتزلة بوجه خاص، أن يعقد فى كتابه فصلا طويلا فى اللثغة (1) يبين فيه أنها تقع فى أربعة حروف، وهى القاف والسين واللام والراء، ولكلّ من هذه الحروف ضروب من اللثغ ولا سيما الراء فإن لها ضروبا أربعة، إذ تقلب ياء كما يقال فى عمر عمى، أو عينا كما يقال عمغ، أو ذالا فتقول عمذ، أو ظاء فتقول عمظ، ثم يخص ضربا لها خامسا بالذكر لا يصوّر بالكتابة، وإنما سبيله المحاكاة والنطق، وهذا الضرب هو الذى كان يعرض لواصل بن عطاء، ولسليمان بن يزيد. قال الجاحظ فى تلك اللثغة: «فليس إلى تصويرها سبيل».
وقد وجدت برهان الدين الوطواط فى كتابه غرر الخصائص (2) يزعم أن لثغة واصل. كانت بالظاء أخت الطاء، على حين لم يعيّن الجاحظ نوعها، وكأنها كانت حرفا بين حرفين، أو مزيجا من حروف. ولو كانت حرفا واحدا لعينه الجاحظ، وهو من أقرب الناس به عهدا، وأخبرهم به علما.
شهرة لثغة واصل:
قلت: إن لثغة واصل كانت أمرا متعالما، ذكرها كلّ من ترجم له، ونطقت بها آثار الشعراء. فهذا أبو محمد الخازن يقول من قصيدة مدح بها الصاحب إسماعيل بن عباد (3):
__________
(1) البيان: 3734.
(2) غرر الخصائص ص 114.
(3) وفيات الأعيان، ترجمة واصل، وكذا مسالك الأبصار، وقد سبقت الإشارة إليه.(1/122)
نعم، تجنّب «لا» يوم العطاء كما ... تجنّب ابن عطاء لفظة الراء
وقال الأرّجانى:
ذا متعاض أخفى اختلالى عن الرا ... ئى كإخفاء واصل للراء (1)
وقال: فيما رواه ابن شاكر فى عيون التواريخ، وليس فى ديوانه:
هجر الراء واصل بن عطاء ... فى خطاب الورى من الخطباء
وأنا سوف أهجر القاف والرا ... ء مع الضاد من حروف الهجاء
وقال آخر فى محبوب له ألثغ:
أعد لثغة لو أن واصل حاضر ... ليسمعها ما أسقط الراء واصل (2)
وقال آخر:
أجعلت وصلى الراء لم تنطق به ... وقطعتنى حتى كأنك واصل
وقال آخر:
فلا تجعلنّى مثل همزة واصل ... فتلحقنى حذفا ولا راء واصل (3)
علّة تجنّب واصل للراء:
هذه العيوب اللسانية التى منها اللّثغ تعرض لكثير من الناس من يوم خلق الله الدّنيا إلى يومنا هذا، والناس متفاوتون فى أقدارها من الشناعة، ويكادون يتّفقون على الرضا بها مع طول العهد، وألّا يحاولوا تغيير ما صنع الله، وإن كان العلم الحديث فى وقتنا هذا يحاول أن يخفّف من حدّتها، وأن يأخذ بها إلى غير سبيلها، ولكنّا لم نسمع فيما يروى التاريخ من محاولة عنيدة للهرب من هذا العيب، كتلك المحاولة التى أرادها واصل، وقسر نفسه عليها، وذلك باجتثاث
__________
(1) فى ديوان الأرجانى 13: «عن الرأى»، وهو تحريف. وأراد بالاختلال الخلة والحاجة.
(2) كذا عند ابن خلكان. وفى غرر الخصائص 114: «ولثغته لو أن واصل حاضر».
(3) هذه رواية ابن خلكان، ولم ينسب البيت. وقد وجدته منسوبا إلى الزمخشرى فى المضنون به على غير أهله 121طبع 1915: «فيسقطنى وصل».(1/123)
الداء من أصله، وهو التحرّز من ذلك الحرف الذى يحمل تلك الشناعة، وهو حرف الراء.
ويوضّح الجاحظ علّة التجاء واصل إلى مجانبة الراء بقوله (1): «ولما علم واصل بن عطاء أنه ألثغ فاحش اللثغ، وأن مخرج ذلك منه شنيع، وأنه إذ كان داعية مقالة ورئيس نحلة، وأنه يريد الاحتجاج على أرباب النحل وزعماء الملل، وأنه لا بدله من مقارعة الأبطال ومن الخطب الطوال، وأن البيان يحتاج إلى تمييز وسياسة وإلى ترتيب ورياضة، وإلى تمام الآلة وإحكام الصنعة، وإلى سهولة المخرج وجهارة المنطق، وتكميل الحروف وإقامة الوزن، وأن حاجة المنطق إلى الحلاوة والطلاوة كحاجته إلى الفخامة والجزالة، وأن ذلك من أكثر ما تستمال به القلوب وتثنى إليه الأعناق، وتزيّن به المعانى، وعلم واصل أنه ليس معه ما ينوب عن البيان التام واللسان المتمكن والقوة المتصرفة، كنحو ما أعطى الله تبارك وتعالى نبيه موسى عليه السلام من التوفيق والتسديد
ومن أجل الحاجة إلى حسن البيان وإعطاء الحروف حقها من الفصاحة رام (2)
أبو حذيفة إسقاط الراء من كلامه، وإخراجها من حروف منطقه، فلم يزل يكابد ذلك ويغالبه، ويناضله ويساجله، ويتأتّى لستره والراحة من هجنته، حتى انتظم له ما حاول، واتّسق له ما أمّل. ولولا استفاضة هذا الخير وظهور هذه الحال حتى صار لغرابته مثلا، ولطرافته معلما، لما استجزنا الإقرار به والتوكيد له. ولست أعنى خطبه المحفوظة، ورسائله المخلدة، لأن ذلك يحتمل الصنعة، وإنما عنيت محاجّة الخصوم، ومناقلة الأكفاء، ومفاوضة الإخوان».
__________
(1) البيان 1: 1514.
(2) هذا جواب «لما» التى فى أول النص.(1/124)
نماذج لمجانبته الراء مما رواه الجاحظ:
ويذكر نموذجا من مجانبته الراء إذ يقول (1): وكان واصل بن عطاء قبيح اللغة شنيعها، وكان طويل العنق جدا، ولذلك قال بشار الأعمى:
مالى أشايع غزّالا له عنق ... كنقنق الدوّ إن ولّى وإن مثلا
عنق الزرافة ما بالى وبالكم ... أتكفرون رجالا أكفروا رجلا
فلما هجا واصلا وصوّب رأى إلميس فى تقديم النار على الطين، وقال:
الأرض مظلمة والنار مشرقة ... والنار معبودة مذ كانت النار
وجعل واصلا غزّالا، وزعم أن جميع المسلمين كفروا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقيل له: وعلى أيضا؟ فأنشد:
وما دون الثلاثة أمّ عمرو ... بصاحبك الذى لا تصبحينا
قال واصل عند ذلك: «أما لهذا الأعمى الملحد المشنّف المكنّى بأبى معاذ من يقتله، أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية، لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه، ويقتله فى جوف منزله، وفى يوم حفله، ثم كان لا يتولّى ذلك منه إلّا عقيلى أو سدوسى».
قال إسماعيل بن محمد الأنصارى، وعبد الكريم بن روح الغفارى: قال أبو حفص عمر بن أبى عثمان الشمرى: ألا تريان كيف تجنّب الراء فى كلامه هذا، وأنتما للذى تريان من سلامته وقلة ظهور التكلف فيه، لا تظنان به التكلف مع امتناعه من حرف كثير الدوران فى الكلام ألا تريان أنه حين لم يستطع أن يقول بشار وابن برد والمرعث، جعل المشنف بدلا من المرعث، والملحد بدلا من الكافر، وقال: لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية، ولم يذكر المنصورية ولا المغيرية لمكان الراء، وقال: لبعثت إليه من يبعج بطنه ولم يقل لأرسلت إليه، وقال: على مضجمه، ولم يقل: على فراشه (2).
__________
(1) البيان 1: 1716.
(2) نحو هذا فى كامل المبرد والوفيات نقلا عنه.(1/125)
نماذج مما ذكره غير الجاحظ:
ويسجل له ابن شاكر فى عيون التواريخ (1) احتيالا آخر للراء، فقد ذكر أنه امثحن حتى يقرأ سورة براءة، فقرأ من غير فكر ولا روية: «عهد من الله ونبيه إلى الذين عاهدتم من الفاسقين. فسيحوا فى البسيطة هلالين وهلالين».
ويذكر ابن العماد الحنبلى (2) أنه دفعت إليه رقعة مضمونها: «أمر أمير الأمراء الكرام أن تحفر بئر على قارعة الطريق فيشرب منها الصادر والوارد»، فقرأ على الغور: «حكم حاكم الحكام الفخام، أن ينبش جبّ على جادّة الممشى فيستقى منه الصادى والغادى».
وهذه الرواية توحى بأن واصلا كان يشعر بتلك العاهة شعورا مستبدا تجعله يتجنب الوقوع فى أشراكها، وتوحى أيضا بأن القوم كانوا يداعبونه على ضوئها، ويتحينون الفرص للتندّر به وبها (3).
__________
(1) مخطوطة دار الكتب المصرية، حوادث سنة 131.
(2) شذرات الدهب حوادث سنة 131.
(3) من طرائف الأدب العربى صور يجرى فيها الشعراء على نهج من يعجبون به من أصحاب اللثغ. روى ابن شاكر وابن خلكان قول أبى نواس:
وشادن سألته عن اسمه ... فقال لى باللثغ عباث
بات يعاطينى سخامية ... وقال لى قد هجع الناث
أما ترى حثن أكاليلنا ... زينها النثرين والآث
فعدت من لثغته ألثغا ... فقلت أين الكاث والطاث
وروى ابن شاكر فى عيون التواريخ لعين بصل وهو شاعر عامى أمى، ترجم له فى فوات الوفيات، واسمه إبراهيم بن على:
يقول وقد داومت تقبيل ثغره ... بلثغته: حثبى أخذت منافتى
ثكرت بحثو الخندريس وكاثنا ... تحث وثكرى قد أزال وثاوثى
وروى ابن خلكا كان للخبز أرزى:
فى فمه درياق لدغ إذا ... أحرق قلبى شدة اللدغ
إن قلت فى ضمى له أين هو ... تفديك روحى قال لا أدغى(1/126)
حادث خطبة واصل:
كان ذلك حفلا جامعا حشد له أقدر الخطباء وأبرعهم براعة، وكان ذلك بالعراق، إذ اجتمع علية القوم والناس ليشهدوا حفلا عند عبد الله بن عمر بن عبد العزيز (1) والى العراق، تبارى فيه هؤلاء الخطباء، وهم خالد بن صفوان، وشبيب بن شيبة، والفضل بن عيسى، وواصل بن عطاء، وتناوبوا القول على المنبر على هذا النظام، فانتزع خالد وشبيب والفضل قبله إعجاب القوم انتزاعا، فهم كانوا سادة الخطباء فى ذلك الزمان، وهم كانوا قد أعدّوا خطبهم من قبل وحبّروها ونمقوها، وما إن فرغ الثلاثة حتى نهض واصل يهدر، وبداهته تغلى، بخطبة ارتجلها ارتجالا، واقتضبها اقتضابا، وأطال فيها إطالة (2)، وحرص كل الحرص على أن ينزع الراء منها، ففاق إعجاب الناس والوالى بواصل بن عطاء إعجابهم بالثلاثة قبله، وأظهر الوالى الصّلات، فأجزل صلات الثلاثة قبله، ثم ضاعف لواصل الصلة تقديرا لعبقريته الخطابية النادرة.
وقد سجّل شاعران معاصران لواصل هذا الحادث تسجيلا صادقا، أحدهما بشار، يقول فى كلمة له:
__________
(1) عبد الله هذا هو صاحب نهر ابن عمر، حفره بالبصرة. انظر معجم البلدان. وكان واليا ليزيد بن الوليد بن عبد الملك على العراق، ولاه إياها بعد عزل منصور بن جمهور، وذلك سنة 126. وقد ظل فى ولايته على العراق فى فترة مملوءة بالفتن والأحداث حتى قبض عليه يزيد بن عمر بن هبيرة، من قبل مروان بن محمد آخر الأمويين، وذلك فى سنة 129. وكانت وفاته فى سنة 132كما فى النجوم الزاهرة. وأما يزيد بن الوليد هذا فهو الذى كان يقال له «يزيد الناقص» لنقصه أعطية الجند، وهو الذى ثار على ابن عمه الوليد بن يزيد بن عبد الملك الخليفة الماجن، ودغا إلى خلعه، فاستجابت له اليمن وبايعوه، وقتلوا الوليد، وذلك فى جمادى الآخرة من سنة 126وتوفى يزيد فى السنة نفسها فى ذى الحجة. تاريخ الطبرى حوادث 129126 ويذكر الطبرى فى تاريخه 9: 46والمسعودى فى مروج الذهب 3: 234أن يزيد بن الوليد كان يذهب إلى قول المعتزلة.
(2) قال الجاحظ: لأنه كان مع ارتجاله الخطبة التى نزع منها الراء كانت مع ذلك أطول من خطبهم.(1/127)
أبا حذيفة قد أوتيت معجبة ... فى خطبة بدهت من غير تقدير
وإن قولا يروق الخالدين معا ... لمسكت مخرس عن كل تحبير (1)
وقال بشار أيضا:
تكلّفوا القول والأقوام قد حفلوا ... وحبّروا خطبا ناهيك من خطب
فقام مرتجلا تغلى بداهته ... كمرجل القين لما حفّ باللهب
وجانب الراء لم يشعر بها أحد ... قبل التصفح والإغراق فى الطلب
وقال أيضا:
فهذا بديه لا كتحبير قائل ... إذا ما أراد القول زوّره شهرا
والشاعر الآخر المعاصر هو صفوان الأنصارى، يقول فى كلمة له:
فسائل بعبد الله فى يوم حفله ... وذاك مقام لا يشاهده وغد
أقام شبيبا وابن صفوان قبله ... بقول خطيب لا يجانبه القصد
أقام ابن عيسى ثم قفّاه واصل ... فأبدع قولا ما له فى الورى ندّ
فما نقصته الراء إذ كان قادرا ... على تركها واللفظ مطّرد سرد
ففضّل عبد الله خطبة واصل ... وضوعف فى قسم الصلات له الشّكد
فأقنع كلّ القوم شكر حبائهم ... وقلل ذاك الضعف فى عينه الزهد
تاريخ الخطبة:
ويمكننا أن نعين تاريخ هذا الحفل الذى خطب فيه واصل أنه كان ما بين جمادى الآخرة من سنة 126إلى سنة 129كما يتضح من التحقيق الذى أشرت إليه فى الحواشى قريبا، إذ أنه المدة المقدورة التى قضاها عبد الله بن عمر بن
__________
(1) يعنى بالخالدين خالد بن صفوان وشبيب بن شيبة، كما فى حواشى أبى ذر الخشنى على البيان والتبيين، وهذا على ما يسمونه التغليب.(1/128)
عبد العزيز فى ولاية العراق. والأرجح أنه كان فى الشهور الأولى من هذه الفترة حيث كان المألوف والمتبع أن يجتمع الناس للاحتفاء بالوالى وتكريمه.
خطبة واصل فى التاريخ:
اكتسبت خطبة واصل هذه شهرة تاريخية، وليس من أديب شاد إلا وهو يعرف هذه الشهرة. ولسنا نجد فى الكتب المطبوعة نصا كاملا محققا لخطبة واصل، إلّا ما ورد محرفا منقوصا فى كتاب مفتاح الأفكار، للشيخ أحمد مفتاح، وأدبيات اللغة العربية (1). والمؤرخون الذين ترجموا لواصل يذكرون فى ثبت كتبه القليلة «كتاب خطبة واصل». وأقدم من ذكرها ابن النديم المتوفى سنة 385فى الفهرست (2)، ذكرها فى ثبت مرويات أبى الحسن على بن محمد المدائنى. وبدهى أن المؤرخين لم يعنوا بكلمة «كتاب» تلك الصورة التى نعرفها من الضخامة، وإنما يعنون معناها اللغوى البحت، وهو المكتوب مهما يكن مقداره.
ولقد قام الأستاذ الكبير «أحمد زكى صفوت» الأستاذ بكلية دار العلوم، بعمل تأليفى ضخم، ضمّ به أشتات خطب العرب فى كتابه جمهرة خطب العرب، ووقع تحت يده الكثير من أمهات كتب الأدب المخطوط منها والمطبوع، فظفر بنصوص نادرة لخطب المشارقة والمغاربة، ووقع تحت عينه كثير مما غاب عن أبصار غيره، ولكنه لم يظفر حفظه الله بنص هذه الخطبة إلا فى كتاب مفتاح الأفكار (3).
وعند ما قمت بتحقيق كتاب البيان والتبيين حاولت أن أعثر على هذا النص مخطوطا، فلم أجد إلا خبرا فى «مخطوطات الموصل» للدكتور داود جلبى، إذ ورد فى ص 208أن نسخة من هذه الخطبة محفوظة فى مكتبة مدرسة النبى شيث
__________
(1) مفتاح الأفكار 271270طبع 1314وأدبيات اللغة العربية 214212طبع 1906م.
(2) الفهرست 152.
(3) جمهرة خطب العرب 1: 484482.(1/129)
بالموصل، فطلبت إلى أحد العراقيين من طلبتى بكلية الآداب بجامعة فاروق حينما كنت أقوم بالتدريس فيها، أن يستنسخ لى صورة منها فلم يوفق. وعند ما أو شكت أن أتم طبع نسختى من البيان والتبيين وقفت على شريط منه من مخطوطات تركيا التى اجتلبها معهد المخطوطات بالجامعة العربية، وهى نسخة مكتبة (فيض الله)، فحصلت على صورة منه، ووجدت فى نهاية النسخة ورقة ملحقة، بها نص كامل لخطبة واصل، بخط كاتب النسخة، وهو محمد بن يوسف اللخمى، كتب النسخة سنة 587وقرأها على الإمام أبى ذر الخشنى، فكان سرورى بهذا النص النادر أشد من سرورى بتلك النسخة العتيقة من كتاب البيان والتبيين. ولكنى مع ذلك لم أقنع بهذا الظفر، فجعلت أقلب فى كتاب مسالك الأبصار، وهو من أكبر الموسوعات الأدبية التاريخية الجديرة بالنشر، فوجدت نسخة من الخطبة بها قليل من التحريف، فاعتمدت على هاتين النسختين فى نشر هذه التحفة، التى يضاعف من سرورى أن أكون أول ناشر لها نشرا علميا مقرونا بدراسة أدبية تاريخية.
قيمة خطبة واصل:
تستمد خطبة واصل قيمتها من الظروف التى أحاطت بها، وقد سردتها فى تضاعيف ما مضى من الكلام. ولسنا بحاجة إلى أن نعيد القول فى أن خطبة طويلة تقال ارتجالا واقتضابا فى مقام رهيب، ويقتدر صاحبها على الاستغناء عن حرف هو من أكثر الحروف دورانا فى الكلام (1) على حين أنها خطبة تتسم بطابع دينى، وتقتبس فيها معانى القرآن وأساليبه ونصوصه، فلا يفر صاحبها من أن يزوّد خطبته بذلك الزاد، ولكنه يفرّ فى حذق من ألفاظ معينة إلى مرادف لها كل أولئك إنما ينبئ عن قدرة فنية لا تتأتى إلا للأفذاذ من الخطباء، فهو
__________
(1) حفظ لنا التاريخ بعض الخطب التى نزعت منها حروف معينة، كخطبة أحمد بن على بن الزيات المالقى المتوفى سنة 728فقد نزع منها (الألف)، أولها: «حمدت ربى جل من كريم محمود، وشكرته عز من عظيم معبود»، ولكنها لم تكن مرتجلة كخطبة واصل. انظر الإحاطة 1: 154وجمهرة خطب العرب للأستاذ صفوت 3: 226.(1/130)
حين يريد أن يقول «أعوذ بالله القوى من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم» يقول: «أعوذ بالله القوى، من الشيطان الغوى، بسم الله الفتاح المنان». وإذا أراد أن يتلو سورة كاملة من الكتاب قرأ سورة الإخلاص لخلوّها جميعها من الراء.
وحين يريد أن يقتبس من القرآن الكريم: {«وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ وَلََا يَؤُدُهُ حِفْظُهُمََا»} يقول: «لا يحويه زمان ولا يحيط به مكان ولا يؤوده حفظ ما خلق». وإذا أراد أن يقول: «لا يعزب عنه مثقال ذرة» قال: «مثقال حبة»، وإذا أحب أن يقتبس من قوله تعالى: «أصبحوا لا ترى إلا مساكنهم (1)» قال: «أصبحوا لا نعاين إلا مساكنهم». وإذا طلب أن يقول: «فبلغ رسالته» قال: «فبلغ مألكته» إلى كثير من أشباه هذا.
والخطبة كذلك تقدم لنا نموذجا من خطب القرن الثانى الهجرى، من الخطب التى تجنّبت السياسة والدعوة السياسية، وتجنّبت فتن المذاهب والدعوة المذهبية، فهى نموذج لخطب الوعظ الخالص (2). ابتدأها بحمد الله والثناء عليه (3)، ثم ثنّى بالشهادتين فى إسهاب طيّب، وعقّب على ذلك بالصلاة على الرسول الكريم مثنيا عليه، ثم حثّ على التقوى والطاعة، ومال بعد ذلك إلى التحذير من مفاتن الدنيا والتهوين من شأن من أطاعتهم الدنيا وأغدقت عليهم ثم صاروا من بعد هاما وأحاديث. ثم دعا لنفسه والناس أن يكونوا ممن ينتفع بالموعظة الحسنة، ثم نوّه بفضل القرآن وتلا ما تيسّر له منه، بعد أن أجرى الاستعاذة والبسملة أيضا على أسلوبه الذى يجانب الراء.
__________
(1) هذه إحدى القراءات فى الآية، وهى الخامسة والعشرون من سورة الأحقاف. انظر كتب القراءات والتفسير فيها.
(2) كان واصل كما يروون على جانب من الزهد والتقوى، روى له الجاحظ فى البيان 3: 196قوله: «المؤمن إذا جاع صبر، وإذا شبع شكر». وروى صاحب الأغانى 3: 40: «كان واصل بن عطاء يقول: إن من أخدع حبائل الشيطان وأغواها، لحبائل هذا الأعمى الملحد»، يعنى بشارا وما كان يقول من غزل ومجون فاجر.
(3) كان هذا أمرا محتما فى كل خطبهم فى ذاك العصر، وكانوا يعدون الخطبة الخالية من هذا أمرا شنيعا، حتى لقد سموا خطبة زياد التى لم يلتزم فيها ذلك خطبة بتراء.(1/131)
وشىء آخر يلمع لنا من ثنايا الخطبة، فهذه الخطبة التى هى أشبه ما تكون بخطبة تقال فى يوم الجمعة قد قيلت فى مناسبة رسمية كما يقولون، وكان من المتوقع فيها أن يثنى القوم على الأمير ويذكروا فضله وآلاءه، وينوّهوا بيمن عهده وازدهار أيامه، ولكن يبدو أن الطابع الدينى كان غلّابا فى ذلك الزمان، والرهبة الدينية كانت لا تزال فى قوّتها وسلطانها، فإن القوم كانوا ينتهزون مختلف الفرص ليقوموا بواجب التذكير والوعظ، والإرشاد والهداية.
والناظر فى خطب هذه الفترة يجد شبها كبيرا بين هذه الخطبة وخطبة عمر ابن عبد العزيز (1)، وكذا بينها وبين خطبة سليمان بن عبد الملك (2)، اجتمع فيها كلها التحذير من مفاتن الدنيا، وتصوير نهاية الأحياء فى ذل وهوان، كما اشتملت على التنويه بفضل القرآن والحث على اتّباع آيه وهديه، كما اتفقت فى الأسلوب المبنى على المزاوجة، وظهور السجع اليسير فى غير ما تعمّل.
ابن زيدون وواصل بن عطاء:
هما موقفان تاريخيان، أما موقف واصل فقد ألقى الضوء عليه، وأما موقف ابن زيدون فهو ذلك الموقف البيانى الحرج الذى وقفه عند منصرف الناس وعظمائهم وكبرائهم من جنازة ابنته التى واراها التراب، إذ نهض ونهض معه بيانه يشكر لهذا بقول غير ما يقوله لذاك، فيقولون: إنه ما أعاد فى ذلك الوقت عبارة لأحد.
وهو عجيب حقا فى ذلك الظرف الذى يغيض معه البيان، ويهرب اللسان.
قال الصفدى: «وهذا من التوسع فى العبارة، والقدرة على التفنن فى أساليب الكلام (3)، وهو أمر صعب إلى الغاية، وأرى أنّه أشقّ مما يحكى عن واصل بن عطاء، أنه ما سمعت منه كلمة فيها راء، لأنه كان يلثغ بحرف الراء لثغة
__________
(1) عيون الأخبار 2: 246.
(2) عيون الأخبار 2: 274.
(3) نفح الطيب 2: 283طبع ليدن. وقد نص المقرى أنه نقل كلام الصفدى ملخصا.(1/132)
قبيحة. والسبب فى تهوين هذا الأمر وتهويله أن واصل بن عطاء كان يعدل إلى ما يرادف تلك الكلمة مما ليس فيه راء، وهذا كثير فى كلام العرب، فإذا أراد العدول عن لفظ فرس مثلا قال: جواد أو ساع أو صافن أو العدول عن رمح قال: قناة أو صعدة أو يزنىّ أو غير ذلك أو العدول عن لفظ صارم قال: حسام أو لهذم أو غير ذلك. وأما ابن زيدون فأقول فى حقه: أقل ما كان فى تلك الجنازة وهو وزير ألف رائس ممن يتعيّن عليه أن يتشكّر له ويضطرّ إلى ذلك، فيحتاج فى هذا المقام إلى ألف عبارة مضمونها التشكّر. وهذا كثير إلى الغاية من محزون.
فقد قطعة من كبده»
والناقد يقف فى الموازنة بين الموقفين فى شىء من الحيرة، ثم يجزم بأن المقايسة بينهما مقايسة مع الفارق كما يقولون، فإن موقف واصل واضح، ظروفه معينة ونصوصه حاضرة، ولا كذلك موقف ابن زيدون فقد يكون تطرقت إليه المبالغة فى الرواية. ولم يذكر الرواة لنا شيئا من تلك الأقوال التى غابر بينها، ولم يذكروا لنا عددها، وقد تكون قليلة العدد ولكنها المهارة التى أديرت بها تخيل للسامع أنها مئات العبارات، فإن السامع لا يكاد يعى وعيا تاما ما سمعه منذ لحظات إلا إن وقف موقف التسجيل والانتباه المتفرغ. على أن احتمال الإعداد والتهيئة فيها قريب، وليس كذلك خطبة واصل التى انفق الرواة وسجّل الشعر أنها كانت وليدة ارتجال وبداهة.
ومهما يكن فإن غايتنا من هذا التقديم المسهب أن نظفر الأدباء الذين لبثوا دهرا فى لهفة دائبة إلى قراءة خطبة واصل محققة، بنصها الكامل فيما يلى:(1/133)
هذه خطبة واصل بن عطاء التى جانب فيها الراء
الحمد لله القديم بلا غاية، والباقى بلا نهاية، الذى علا فى دنوّه، ودنا فى علوّه، فلا يحويه زمان، ولا يحيط به مكان، ولا يؤوده حفظ ما خلق، ولم يخلقه على مثال سبق، بل أنشأه ابتداعا، وعدّله اصطناعا، فأحسن كلّ شىء خلقه وتمم مشيئته، وأوضح حكمته، فدلّ على ألوهيّته، فسبحانه لا معقّب لحكمه، ولا دافع لقضائه تواضع كلّ شىء لعظمته، وذلّ كلّ شىء لسلطانه، ووسع كلّ شىء فضله، لا يعزب عنه مثقال حبّة وهو السميع العليم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا مثيل له (1)، إلها تقدست أسماؤه، وعظمت آلاؤه، علا عن صفات كلّ مخلوق، وتنزّه عن شبه كل مصنوع، فلا تبلغه الأوهام، ولا تحيط به العقول ولا الأفهام، يعصى فيحلم، ويدعى فيسمع، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون. وأشهد شهادة حقّ، وقول صدق، بإخلاص نية، وصدق طويّة (2)، أنّ محمد بن عبد الله عبده ونبيه، وخالصته وصفيّه، ابتعثه إلى خلقه بالبيّنات (3) والهدى ودين الحقّ، فبلّغ مألكته (4)، ونصح لأمّته، وجاهد فى سبيله، لا تأخذه فى الله لومة لائم، ولا يصدّه عنه زعم زاعم، ماضيا على سنّته، موفيا على قصده، حتى أتاه اليقين. فصلّى الله على محمد وعلى آل محمد أفضل وأزكى، وأتم وأنمى، وأجل وأعلى صلاة صلّاها على صفوة أنبيائه، وخالصة ملائكته، وأضعاف ذلك، إنه حميد مجيد.
أوصيكم عباد الله مع نفسى بتقوى الله والعمل بطاعته، والمجانبة لمعصيته،
__________
(1) لا مثيل له، ساقطة من مفتاح الأفكار والأدبيات والجمهرة. وفى مسالك الأبصار:
«لا شريك له»، تحريف.
(2) فى مسالك الأبصار وجميع المطبوعات: «وصحة طوية».
(3) فى المفتاح والأدبيات وجمهرة خطب العرب: «بالبينة».
(4) المألكة: الرسالة.(1/134)
فأحضّكم (1) على ما يدنيكم منه، ويزلفكم لديه، فإنّ تقوى الله أفضل زاد، وأحسن عاقبة فى معاد. ولا تلهينّكم الحياة الدنيا بزينتها وخدعها، وفواتن لذّاتها، وشهوات آمالها، فإنها متاع قليل، ومدة إلى حين، وكلّ شىء منها يزول.
فكم عاينتم من أعاجيبها، وكم نصبت لكم من حبائلها، وأهلكت ممن جنح إليها واعتمد عليها، أذاقتهم حلوا، ومزجت لهم سمّا. أين الملوك الذين بنو المدائن، وشيدوا المصانع، وأوثقوا الأبواب، وكاثفوا الحجاب، وأعدّوا الجياد وملكوا البلاد، واستخدموا التلاد، قبضتهم بمخلبها (2)، وطحنتهم بكلكلها، وعضّتهم بأنيابها وعاضتهم من السعة ضيقا، ومن العز ذلّا (3)، ومن الحياة فناء، فسكنوا اللّحود، وأكلهم الدود، وأصبحوا لا تعاين (4) إلا مساكنهم، ولا تجد إلا معالمهم، ولا تحسّ منهم من أحد ولا تسمع لهم نبسا. فتزوّدوا عافاكم الله فإن أفضل الزاد التقوى، واتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون. جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بمواعظه، ويعمل لحظّه وسعادته، وممّن يستمع (5) القول فيتّبع أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. إن أحسن قصص المؤمنين، وأبلغ مواعظ المتقين كتاب الله، الزكية آياته، الواضحة بيناته، فإذا تلى عليكم فاستمعوا له (6) وأنصتوا لعلكم تهتدون (7).
أعوذ بالله القوى، من الشيطان الغوىّ، إن الله هو السميع العليم. بسم الله الفتاح المنان (8). {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} [9]، اللََّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.
__________
(1) فى المسالك والمطبوعات: «وأحضكم».
(2) فى جميع المطبوعات: «بمحملها»، تحريف.
(3) فى المسالك: «ومن العزة».
(4) فى المسالك والمطبوعات: «لا ترى»، تحريف.
(5) فى المسالك: «يسمع».
(6) فى المسالك: «فاسمعوا له»، وفى المطبوعات: «فأنصتوا له واسمعوا».
(7) فى المطبوعات: «لعلكم تفلحون».
(8) بسم الله الفتاح المنان، ساقطة من المسالك ومن جميع المطبوعات.
(9) ما بعده إلى تمام السورة ساقط من المسالك.(1/135)
نفعنا الله وإياكم بالكتاب الحكيم، وبالآيات والوحى المبين، وأعاذنا وإياكم من العذاب الأليم. وأدخلنا وإياكم جنات النعيم (1). أقول ما به أعظكم، وأستعتب الله لى ولكم.
__________
(1) إلى هنا ينتهى النص فى جميع المطبوعات.(1/136)
كتاب أبيات الاستشهاد لأبى الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازى 395000(1/137)
مقدمة
أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن حبيب الرازى، إمام لغوى جليل، وأديب ذو زعامة أدبية، وشاعر رقيق الشعر، ومؤلف صاحب ابتكار وتجديد فى التأليف.
فهو بين اللغويين فى رتبة أصحاب الصحاح من المحدثين، لا يورد فى كتبه إلا ما صح من لغات العرب، وهو صاحب «المجمل» ذى الشهرة الذائعة، وهو صاحب «مقاييس اللغة» الذى يقوم ناشر نوادر المخطوطات بتحقيقه، وهو المعجم اللغوى الذى لم يؤلف قبله ولا بعده فى موضوعه، وهو القياس اللغوى. ونظير هذا المعجم الفذ فى ندرته معجم «أساس البلاغة» للزمخشرى، الذى لم يؤلف قبله ولا بعده فى موضوعه، وهو مجاز اللغة. وهذان المعجمان مفخرتان من مفاخر التأليف الشرقى الإسلامى.
وهو بين أدباء عصره، إذ يتنازعه بلاط آل بويه، وحضرة الصاحب بن عباد، ويجتذبه آل العميد، معترف له بالزعامة الأدبية، يقول فيه الصاحب بن عباد: «شيخنا أبو الحسين ممن رزق حسن التصنيف، وامن فيه من التصحيف». ويروى له الثعالبى فى يتيمة الدهر رساله قيمة فى النقد (1) كما يروى ياقوت مساجلة أدبية بينه وبين عبد الصمد بن بابك (2).
وقد أوردت فى مقدمة مقاييس اللغة طائفة من مختار شعره تنبىء عن رقة وشاعرية ممتازة، كما أوردت له نحو أربعين مصنفا تدل عنوانات كثير منها على ابتكاره وتجديده فى التصنيف والتأليف. ولكنى لم أذكر بينها «أبيات الاستشهاد» إذ لم أكن قد عثرت عليها بعد، ولم يذكرها أحد من مؤلفى التراجم ولا واضعى فهارس المصفات قديمها وحديثها. وقد يكون هو كتاب «ذخائر الكلمات» الذى ورد فى مقدمة مقاييس اللغة ص 29.
ومهما يكن فإن موضوع هذا الكتاب واضح، وهو ذكر الأبيات التى تصلح للتمثل بها فى مضارب مختلفة، أو هو الأمثال الشعرية مع ذكر مضاربها. وقد ساق ذلك فى أسلوب أدبى. ويبدو أنه كان لابن فارس عناية خاصة بالأمثال، إذ وضع كتابا آخر سماه «أمثلة الأسجاع».
وأصل أبيات الاستشهاد نسخة فذة فى العالم، مودعة فى الخزانة التيمورية بدار الكتب المصرية برقم 445أدب، وهى رديئة الخط تقع فى نحو اثنتى عشرة صفحة، عانيت كثيرا فى قراءتها وفى نسبة أبياتها التى قضى الذوق الأدبى لابن فارس أن يجردها من نسبتها، فوفقت فى أكثر ذلك وغاب عنى نسبة القليل.
__________
(1) بتيمة الدهر 2: 218214.
(2) انظر نهاية ترجمته فى معجم الأدباء.(1/138)
النص
بسم الله الرّحمن الرّحيم قال الإمام أبو الحسن أحمد بن فارس النحوى اللغوى:
بلغنا أنّ رجلا من حملة الحجّة، ذا رأى سديد، وهمة بعيدة، وضرس قاطع (1)، قد أعدّ للأمور أقرانها (2)، بلسان فصيح، ونهج مليح، وكان إذا رأى ذا مودّة قد حال عما عهده، أنشده:
ليس الخليل على ما كنت تعهده ... قد بدّل الله ذاك الخلّ ألوانا
وإذا رأى محدّثه [عابسا] أنشد:
يا عابسا كلّما طالعت مجلسه ... كأنّ عبسته من ذرق حمّاء (3)
وإذا رأى واحدا يحسن (4) عند الإحسان عليه، ويسىء القول إذا شغل عن الإحسان إليه أنشد:
هو كالكلب إذا ما أشبعته ... طاب نفسا وإذا ما جاع هرّ
وإذا رأى رجلا راضيا بقليل يصون وجهه عن السؤال أنشد:
وإنّ قليلا يستر الوجه أن يرى ... إلى الناس مبذولا لغير قليل
وإذا حجب عن باب دار قد أحسن إليه صاحبها أنشد:
إنى رأيت بباب دارك جفوة ... فيها لحسن فعالكم تكدير (5)
__________
(1) ذو ضرس قاطع، أى ماض فى الأمور نافذ العزيمة.
(2) الأقران: جمع قرن، بالتحريك، وهو الحبل يجمع به البعيران، أو جمع قرن بالكسر، وأصله كفء الإنسان فى الشجاعة، أو الكفء مطلقا.
(3) الذرق: النجو. والحماء: الاست. وفى الأصل: «ذوق حما».
(4) فى الأصل: «يحسن به».
(5) لجحظة البرمكى كما فى ديوان المعانى 1: 163برواية: «لكن رأيت». وقبله:
الله يعلم أننى لك شاكر ... والحر للفعل الجميل شكور(1/139)
وإذا رأى بشاشة فى وجه مضيف أنشد:
يسرّ بالضّيف إذا رآه ... سرور صاد ورد الماء
وإذا رأى رجلا مقلّا سخيّا أنشد:
وليس الفتى المعطى على اليمر وحده
ولكنّه المعطى على اليسر والعسر
وأبلغ منه قوله:
ليس العطاء من الكريم سماحة ... حتى يجود وما لديه قليل (1)
وإذا شم رائحة كريهة من جليسه أنشد:
لقوس سليم حين يرسل سهمه ... أشدّ على الآناف من قوس حاجب (2)
وإذا رأى أناسا لا خير فيهم أنشد:
لا تلم الأبناء فى فعلهم ... لو ساد آباؤهم سادوا
وإذا عارضه فى كلامه أحد أنشد:
ويعترض الكلام وليس يدرى ... أسعد الله أكثر أم جذام (3)
__________
(1) لمقنع الكندى. حماسة أبى تمام 2: 343والمضنون به على غير أهله 56. وإنشاده فيهما:
ليس العطاء من الفضول سماحة ... حتى تجود وما لديك قليل
(2) قوس حاجب مضرب المثل فى العزة، وهو حاجب بن زرارة التميمى، ومن خبر قوسه أنه أتى كسرى فى جدب أصاب قومه بدعوة النبى صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يأذن له ولقومه فى دخول الريف من بلاده حتى يحيوا ويمتاروا، فقال لهم كسرى: إنكم معشر العرب قوم غدر، فإذا أذنت لكم أفسدتم بلادى وأغريتم على رعيتى. فقال حاجب: أنا ضامن للملك ألا يفعلوا. قال: فمن لى بأن تفى؟ قال: أرهنك قوسى. فضحك من حوله، فقال كسرى إنه لا يتركها أبدا، وقبلها منه وأذن له فى دخول الريف. انظر ثمار القلوب للثعالبى 501.
(3) سعد الله، هم بنو سعد بن بكر الذين استرضع فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظئره حليمة السعدية منهم، وهم مخصوصون من بين قبائل العرب بالفصاحة وحسن البيان، وفيهم يقول رسول الله: «أنا أفصح العرب بيد أنى من قريش، ونشأت فى بنى سعد بن بكر، فأنى يأتينى اللحن». وجذام قبيلة أخرى، قال الأصمعى: من أمثال العرب: أسعد الله أكثر أم جذام.(1/140)
وإذا جالس قوما ليله مجالسة أهل الأدب ثم جاء الفجر أنشد:
بتنا بأنعم ليلة وألذّها ... لو لم تنغّص بالفراق من الغد
وإذا وعده رفيق له بالسفر فى غد أنشد:
لا مرحبا بغد ولا أهلا به ... إن كان ترحال الأحبّة فى غد (1)
وإذا تألم من عشيره وصديقه أنشد:
ولى صاحب مرّ المذاق كأنمّا ... أضمّ إلى نحرى به حدّ منصل (2)
وإذا عاتب ذا قرابة له أنشد:
بم استجزت اطّراحى والصّريمة لى ... وأنت لحمى وإن لم تدع لى ودمى (3)
وإذا عاتب من أخلف وعده أنشد:
سألتك حاجة فوعدت فيها ... جميلك ثم نمت عن الجميل
وإذا لم يعجبه إنسان أنشد:
قد رأيناك فما أعجبتنا ... وبلوناك فلم نرض الخبر (4)
__________
وهما حيان بينهما فضل لا يخفى إلا على جاهل لا يعرف شيئا. وقال أبو عبيد: يروى عن جابر بن عبد العزيز العامرى» وكان من علماء العرب، أن هذا المثل قاله حمزة بن الضليل البلوى، لروح بن زنباع الجذامى:
لقد أفحمت حتى لست تدرى ... أسعد لله أكثر أم جذام
الميدانى 2: 147وثمار القلوب 21. وأنشد فى ثمار القلوب للصاحب إسماعيل بن عباد:
كتبت وقد سبت عقلى المدام ... وساعدنى على الشرب الندام
وأسرفنا فما ندرى لسكر ... أسعد الله أكثر أم جذام
(1) البيت للنابغة الذبيانى، من قصيدته التى مطلعها:
من آل مية رائح أو مغتدى ... عجلان ذا زاد وغير مزود
والرواية المشهورة: «إن كان تفريق الأحبة».
(2) المنصل، بضم الميم مع ضم الصاد وفتحها: السيف.
(3) الاستجازة: أن يعد الأمر جائزا مقبولا. وفى الأصل: «استخرت» تحريف.
والصريمة: القطيعة.
(4) الخبر بالضم: الاختبار والعلم بالشىء، وضم الباء للشعر. والبيت فى محاضرات الراغب 1: 135. ومع هو قصة فيه 2: 89.(1/141)
وإذا هجاه أحد أنشد:
وما كلّ كلب نابح يستفزّنى ... ولا كلما طنّ الذباب أراع (1)
وإذا أحّس بتقصير فى سياسة أمير لرعيته، نسب الأمر لوزيره، [و] أنشد:
إذا غفل الأمير عن الرعايا ... فإنّ العتب أولى بالوزير
لأنّ على الوزير إذا تولى ... أمور الناس تذكير الأمير
وإذا ذكر له كبر سنّه أنشد:
إنّ الحسام وإن رثّت مضاربه ... إذا ضربت به مكروهه فصلا (2)
وإذا أثنى على محسن أنشد:
فعاجوا فأثنوا بالذى أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب (3)
وإذا رأى من وال إساءة على من ولى عليه أنشد:
وكنا نستطبّ إذا مرضنا ... فصار سقامنا بيد الطبيب (4)
__________
(1) البيت فى مجالس ثعلب 413ومحاضرات الراغب 1: 135بدون نسبة أيضا.
(2) رثت مضاربه: أخلقت وتثلمت. مكروهة، أى ضربة مكروهة شديدة. ويقال للسيف الذى يمضى على الضرائب الشداد لا ينبو عن شىء منها «ذو الكريهة».
(3) البيت لنصيب، كما فى البيان 1: 83ومحموعة المعانى 96والوساطة 150والكامل 104 ليبسك. قال المبرد: «وقد فضل نصيب على الفرزدق: أنشدنى وإنما أراد أن ينشده مدحا له فأنشده:
وركب كأن الريح تطلب عندهم ... لهاترة من جذبها بالعصائب
سروا يخبطون الريح وهى تلفهم ... إلى شعب الأكوار ذات الحقائب
إذا آنسوا نارا يقولون ليتها ... وقد خصرت أيديهم نار غالب
فأعرض سليمان كالمغضب، فقال نصيب: يا أمير المؤمنين، ألا أنشدك فى رويها ما لعله لا يتضع عنها. فقال: هات. فأنشده:
أقول لركب صادرين لقيتهم ... قفا ذات أو شال ومولاك قارب
قفوا خبرونى عن سليمان إننى ... لمعروفه من أهل ودان طالب
فعاجوا فأثنوا بالذى أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
وانظر زهر الأداب 2: 41، 43والعمدة 1: 44.
(4) يستطب: يستوصف الدواء الذى يصلح لدائه.(1/142)
وإذا حضر أناس على أمر ذى بال أنشد:
أقول لفتيان كرام تروّحوا ... على الجرد فى أفواههن الشكائم (1)
قعوا وقعة من يحيى لم يخز بعدها ... ومن يخترم لم تتّبعه الملاوم (2)
وإذا سرّ بلقيا صديق له أنشد:
يا خلاص الأسير يا فرحة الأو ... بة يازورة على غير وعد
وإذا أعار أخا له دفترا فابطأ عليه بردّه أنشد:
تعجيل ردّ الكتب مما به ... يستكثر العلم أخو العلم
وحبسها يمنع من بذلها ... مع الذى فيه من الظلم
وإذا عاد مريضا ذا مودّة صادقة أنشده:
نفسى ونفسك إن أللت من سقم ... أبللت منه وإن أضناك أضنانى
وإن امرؤ جزع على فائت أنشده:
فلا تكثرن فى إثر شىء ندامة ... إذا نزعته من يديك النّوازع (3)
وإذا عوتب على إهانته للمال وكثرة بذله أنشد:
كيف يسطيع حفظ ما جمعت كفّاه من ذاق لذة الإنفاق
__________
(1) البيتان من مقطوعة رواها ابن الشجرى فى الحماسة 48وأبو الفرج فى الأغانى 18: 109 والقالى فى الأمالى 1: 258والبكرى فى التنبيه 81. رووا جميعا عن المفضل الضبى أنه قال: كنت مع إبراهيم بن عبد الله بن عبد الله بن الحسن بباخمرى، فى اليوم الذى قتل فيه فلما رأى البياض يقل والسواد يكثر قال لى: يا مفضل، أنشدنى شيئا يهون على بعض ما أنا فيه.
فأنشدته وأنشدوا الأبيات قال: فرأيته يتطالع على سرجه ثم حمل حملة كانت آخر العهد به. تروحوا: ساروا فى الرواح. الجرد: جمع أجرد وجرداء»، وهو الفرس القصير الشعر. والشكائم: جمع شكيمة، وهى الحديدة المعترضة فى فم الفرس. وفى الأصل: «فى أعناقهن»، صوابه فى الحماسة والأغانى ومجموعة المعانى 39.
(2) الوقعة والوقيعة: القتال وصدمة الحرب. ويقال اخترمته المنية من بين أصحابه: أخذته من بينهم.
(3) البيت للبعيث، كما فى لباب الآداب 424. وأبيات قصيدته فى أمالى القالى 1: 196 وسمط اللآلى، 471470ومعجم البلدان (القعاقع).(1/143)
وإذا مشى لأخ فى قضاء حاجة ووفى بحقّه أنشد:
حقوق لإخوانى أريد قضاءها ... كأنّى ما لم أقضهن مريض
وإذا أثنى على إنسان ورأى منه شرودا (1) ونفرة أنشد:
بطىء عنك ما استغنيت عنه ... وطلّاع عليك مع الخطوب (2)
وإذا أراد شيئا عاناه ليلا أنشد:
واللّيل يقظان والكواكب فى الآ ... فاق حيرى كاللؤللؤ البدد (3)
وإذا استبطأ صديقا له وعانبه على قعوده عنه أنشد:
وإنّى إذا أدعوك عند ملمّة ... كداعية بين القبور نصيرها (4)
وإذا ذمّ أخا له فى إساءته إلى إخوانه أنشد:
أصبح أعداؤه على ثقة ... منه وإخوانه على وجل
وإذا شكا من جار له هجره أنشد:
دنت بأناس عن تناء زيارة ... وشطّ ببكر عن دنوّ مزارها
وإنّ مقيمات بمنقطع الثّرى ... لأقرب من ليلى وهاتيك دارها (5)
وإذا تذكر أياما مضت وكان يشكوها وهو اليوم يتمنّاها أنشد:
سقيا ورعيا لأيّام مضت سلفا ... بكيت منها فصرت اليوم أبكيها (6)
كذاك أيامنا لا شكّ نندبها ... إذا تقضّت ونحن اليوم نشكوها
__________
(1) فى الأصل: «سرورا»، تحريف.
(2) البيت لإبراهيم بن العباس الصولى، كما فى الأغانى 9: 24ومجموعة المعانى 56. وقبله:
ولكن الجواد أبا هشام ... وفى العهد مأمون المغيب
(3) البدد: المتفرق.
(4) البيت لإبراهيم بن العباس الصولى، كما فى المعانى 151والمحاضرات 1: 132وقبله:
دعوتك عن بلوى ألمت ضرورة ... فأوقدت من ضغن على سعيرها
(5) لإبراهيم بن العباس الصولى. الوساطة 183ومحاضرات الراغب 2: 31.
(6) البيتان لإبراهيم بن العباس الصولى فى مجموعة المعانى 102.(1/144)
وإذا عاتب أخاله هجره، أنشد:
تلجّين حتّى يذهب الهجر بالهوى ... وحتّى تكاد النّفس عنك تطيب (1)
وإذا عوتب فى خصلة أو بادرة بدرت منه، أنشد:
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أىّ الرجال المهذّب (2)
وإذا قيل له: قد أسنّ فلان وكبر، أنشد:
لم ينتقص منى المشيب قلامة ... الآن حين بدا ألبّ وأكيس (3)
وإذا فسد (4) عند أخ له صحة ودّه إياه، أنشد:
قل ما تشاء ليؤتى ... وما كرهت ليكره
فإنّ ذلك أولى ... بما تشاء وأشبه (5)
وإذا مات له ولد، أنشد:
كلّ لسانى عن وصف ما أجد ... وذقت ثكلا ما ذاقه أحد
ما عالج الحزن والحرارة فى الأحش ... اء من لم يمت له ولد
وإذا حثّ إنسانا على الإحسان وخوّفه صروف الدّهر، أنشد:
بيننا حرمة وعهد وثيق ... وعلى بعضنا لبعض حقوق
فاغتنم لذّة الحفاظ فما يد ... رى مطيق لها متى لا يطيق
__________
(1) اللجاجة: التمادى فى الشىء وعدم الانصراف عنه، أراد تلجين فى الهجر. وفعله من باب فرح وضرب. وفى الأصل: «تلحين» تحريف، صوابه فى ديوان ابن الدمينة 12.
وقصيدة البيت فيه طويلة جدا.
(2) البيت للنابغة الذبيانى فى ديوانه 14. الشعث: الفساد. واللم: الإصلاح. وكان حماد الراوية يقدم النابغة، فقيل له: بم تقدمه؟ فقال، باكتفائك بالبيت من شعره، بل بنصفه، بل بربعه، نحو:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب
كل نصف يغنيك عن صاحبه. وقوله «أى الرجال المهذب»، ربع بيت يغنيك عن غيره.
(3) أى أنا الآن أعظم لبا وأكثر كيسا وفطانة.
(4) فى الأصل: «فزد».
(5) فى الأصل: «بنا معا وأشبه».(1/145)
وإذا رأى خليلا له قد حفّت به أرباب الحاجات وكان أمره فى الأوّل أقرب، أنشد:
حيّاك من لم تكن ترحى تحيّته ... لولا الحوائج ما حيّاك إنسان
وإذا رأى أحدا غضب من أمر ولم ينفعه غضبه، أنشد:
غضبت تميم أن تقتّل عامر ... يوم النّسار فأعتبوا بالصّبلم (1)
وإذا رأى السلطان عزم على الغزو ونهض إلى العدوّ، أنشد:
يومان يوم مقامات وأندية ... ويوم سير إلى الأعدا وتأويب (2)
وإذا رأى أمرا معضلا وصبر عليه وعوتب فى ذلك، أنشد:
ومن خير ما فينا من الأمر أننا ... متى نلق يوما موطن الصّبر نصبر
وإذا قال له أخ: إنّه اشتاق له اشتياقا شديدا، أنشد:
فلما تواقفنا عرفت الذى به
كمثل الذى بى حذوك النّعل بالنّعل (3)
__________
(1) لبشر بن أبى خازم الأسدى فى المفضليات 2: 146واللسان (عتب، صلم) والنسار: أجبل متجاورة كان عندها ذلك اليوم. وكانت ضبة حالفت بنى أسد على بنى تميم، وكان معهم فى الحلف طىء وعدى، وقد تحالفوا على أن يقاتلوا العرب ثلاث سنين، وأرسلت تميم إلى بنى عامر بالنسار فخالفوهم، فقالت بنو أسد لضبة: بادروا بنى عامر بالنسار قبل أن تصير إليهم بنو تميم، ففعلوا فقتلوا منهم مقتلة عظيمة. انظر النقائض 245238، 10671064 والعقد وكامل ابن الأثير والعمدة. أعتبوا: عبارة تهكم، والإعتاب: الإرضاء، ويروى:
«فأعقبوا» أى كانت عاقبتهم الصبلم، وهى الداهية.
(2) البيت لسلامة بن جندل السعدى فى ديوانه ص 8والمفضليات 1: 118. والمقامات:
جمع مقامة، وهى المجلس، وبالضم: جمع مقامة بمعنى الإقامة. والأندية: الأفنية، جمع ندى، والندى والنادى سواء. يريد بيوم المقامات والأندية مواقف الخطابة والمفاخرة ونحوها.
والتأويب: سير يوم إلى الليل، أو الإمعان فى السير الشديد. وكذا وردت الرواية فى الأصل وفى الديوان والمفضليات: «إلى الأعداء تأويب».
(3) البيت من قصيدة هى من عيون شعر جميل فى أمالى القالى 2: 74. والرواية «الذى بها» كما فى الأمالى ومحاضرات الراغب 1: 45. فقد يكون ابن فارس أبدل الإنشاد ليوافق الاستشهاد، أو هو تحريف ناسخ.(1/146)
وإذا مرّ باطلال خلت من سكّانها وعفت وبقى أثرها، أنشد:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقى الوشم فى ظاهر اليد (1)
وإذا حضر مجلسا لمناظرة وسئل عن حله فيه بعد، أنشد:
ولو شهدت أمّ القديد طعاننا ... بمرعش خيل الأرمنىّ أرنّت (2)
وإذا قيل له: رأيناك أعرضت عن فلان إعراض مسالمة. أنشد:
ولقد أجمع رجلّى بها ... حذر الموت وإنّى لفرور (3)
وإذا استشير فى أمر ذى لبس أيقدم عليه أم يحجم عنه، أنشد:
مكانك حتّى تنظرى عمّ تنجلى ... عماية هذا العارض المتألّق
وإذا أكثر من ذكر أخ له غائب وقيل له فى ذلك، أنشد:
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثّل لى ليلى بكلّ سبيل (4)
وإذا قال له صديق: تناسيتنى كأنك لم تعرفنى، أنشد:
تسلّت عمايات الرّجال عن الصّبا ... وليس فؤادى عن هواها بمنسلى (5)
وإذا حضر رئيس من الرؤساء وأراد مدحه، أنشد:
لو نال حىّ من الدّنيا بمكرمة ... أفق السّماء لنالت كفّه الأفقا (6)
__________
(1) البيت هو مطلع معلقة طرفه بن العبد.
(2) لسيار بن قصير الطائى فى ديوان الحماسة 1: 45. أم القديد، قيل هى امرأته. ومرعش:
مدينة بين الشام والروم. والأرمنى: منسوب إلى أرمينية. أرنت: أعولت وصاحت.
(3) لعمرو بن معد يكرب فى الحماسة 1: 52وأمالى القالى 3: 147. أجمع رجلى بها، أى بالفرس ضمهما عليها استدرارا للجرى. لفرور، المعنى أنه يفر إذا كان فى الفرار الحزم. وبعده:
ولقد أعطفها كارهة ... حين للنفس من الموت هرير
(4) لكثير عزة. أمالى القالى 3: 119والوساطة 160، 170ومحاضرات الراغب 2: 25وديوان المعانى 1: 274.
(5) لامرىء القيس فى معلقته. وفى البيت قلب، أى تسلت الرجال عن عمايات الصبا وجهالاته وظلماته. ويقال انسلى انسلاء: زال حبه من قبله، أو زال حزنه.
(6) البيت لزهير فى مدح هرم بن سنان. ديوانه 55.(1/147)
وإذا عاتب أخا له على هجرانه إياه، أنشد:
طوى البين أسباب الوصال وحاولت ... بكنهك أسباب الهوى أن تخذّما (1)
وينشد أيضا فى مثل ذلك:
وكان يزورنى منه خيال ... فلما أن جفا منع الخيالا
وإذا رأى رجلا يثنى على أخيه ويحضر له محضرا جميلا، أنشد:
قوم لهم عرفت معدّ بفضلها ... والحقّ يعرفه ذوو الألباب (2)
وإذا قيل له: قد أقررت لمناظرك، أنشد:
أحسّ بالفضل فى غيرى فأنكره ... ما ينكر الفضل إلا كلّ منقوص
وإذا رأى رجلا ينتقص فاضلا، أنشد:
ما ضرّ تغلب وائل أهجوتها ... أم بلت حيث تناطح البحران (3)
وإذا أقصاه رئيس بعد إناته؟؟؟ (4)، أنشد:
يا أفضل النّاس إنى كنت فى نهز ... أصبحت منه كمثل المفرد الصادى
وإذا كلّفه امرؤ شيئا لم يكن عنده بالمرضىّ، أنشد:
لم أكن من جناتها علم الله ... وإنى بحرّها اليوم صالى (5)
__________
(1) التخذيم: التقطيع. وفى الأصل: «تخذما»، تحريف.
(2) البيت للبيد بن ربيعة، وهو آخر ديوانه المطبوع فى فينا سنة 1880. والرواية فيه: «عرفت معد فضلها».
(3) البيت من قصيدة للفرزدق فى ديوانه 882يذكر فيها تفضيل الأخطل إياه، مادحا فى ذلك بنى تغلب، ويهجو جريرا. وقبل البيت وهو مطلع القصيدة:
يا ابن المراغة، والهجاء إذا التقت ... أعناقه وتماحك الخصمان
وتغلب ابنة وائل هم قوم الأخطل، تناطح البحران: تقابلا. انظر الحيوان 1: 13 والبيان 3: 248والخزانة 2: 501.
(4) كذا وردت هذه الكلمة مهملة الحرف الذى بعد الألف الثانية.
(5) البيت للحارث بن عباد، قاله فى يوم قضة. انظر العقد والخزانة 1: 303وأمالى القالى 3: 26والأغانى 4: 144.(1/148)
وإذا رأى أمرا فظيعا تقضّى ثم تجدّد مثله، أنشد:
إذا لهب من جانب باخ شرّه ... ذكا لهب من جانب فتضرّما (1)
وإذا حضر محفلا من محافل النّظر وكلّمه خصم فدفعه، وانبرى له خصم آخر، أنشد:
إذا ما دفعنا هؤلا جاء هؤلا ... إلينا فكلّ بالعداوة مولع
وإذا كثر الصّياح فى المحفل، أنشد:
يأيّها الراكب المزجى مطيّته ... سائل بنى أسد ما هذه الصوت (2)
وإذا قيل له: كثر أخصامك، أنشد:
تفور علينا قدرهم فنديمها ... ونفثؤها عنا إذا حموها غلا (3)
وإذا بدأه سائل بالسؤال مناظرا له، أنشد:
قرّبا مربط النّعامة منّى ... لقجت حرب وائل عن حيال (4)
وإذا نعى له حميم أو ذو مودّة، أنشد:
ليس عدم الأموال عدما ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام (5)
__________
(1) باخ: سكن وفتر.
(2) لرويشد بن كثير الطائى. الحماسة 1: 47واللسان (صوت). المزجى: السائق، وقد أنت الصوت. وفى اللسان: إنما أنثه لأنه أراد به الضوضاء والجلبة. ويصح أن يراد بالصوت ما يبلغه عنهم.
(3) البيت للنابغة الجعدى، كما فى مقاييس اللغة (دوم، فور، فثأ) واللسان (فثأ، دوم).
يقال أدام القدر إدامة، إذا سكن غليانها بالماء. وكذلك فثأها: سكن من غليانها. والحمو والحمى: شدة الحرارة. ورواية المقاييس واللسان: «حميها».
(4) للحارث بن عباد، كما سبق فى «لم أكن من جناتها». المربط، بفتح الباء وكسرها:
موضع ربط الدابة. والنعامة: اسم فرسه. عن حيال، أى بعد حيال. والحيال: ألا تحمل الناقة. عنى أن الحرب هاجت بعد سكون.
(5) لأبى دواد الإيادى. العمدة 1: 61والوساطة 47، وبه قيل إن أبا دواد أشعر الناس. ويروى: «لا أعد الإقتار عدما».(1/149)
وإذا حضر حضرة ملك وبالغ فى الثّناء عليه، أنشد:
وأنّك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب (1)
وإذا فخر بمن تقدّم من العلماء والكبراء، أنشد:
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا (2)
وإذا أثنى على رجل معطاء، أنشد:
ليس يعطيك المرجاء وللخو ... ف ولكن يلذّ طعم العطاء (3)
وإذا قصد امرأ فى حاجة وكرّر الزيارة له ولم ير ما يحبّه، أنشد:
كفى طلبا لحاجة كلّ حرّ ... مداومة الزّيارة والسّلام
وإذا أخذ إنسان يتّهم أحدا، غيره أنشد:
رأيت الحرب يجنيها رجال ... ويصلى حرّها قوم براء (4)
قلت: وبنشد فى ذلك أيضا قول القائل:
لم أكن من جناتها ... (البيت المتقدم)
__________
(1) للنابغة الذبيانى من قصيدة فى ديوانه 12يعتذر فيها إلى النعمان ويمدحه. ورواية الديوان: «لأنك شمس». وقبله:
ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب
(2) للفرزدق فى ديوانه 568وأمالى القالى 3: 119. وفى الأمالى عن طلحة بن عبد الله قال: «لقى الفرزدق كثيرا بقارعة البلاط وأنا معه، فقال: أنت يا أبا صخر أنسب العرب حيث تقول:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لى ليلى بكل سبيل
فقال له كثير: وأنت يا أبا فراس أفخر العرب حيث تقول:
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا»
ثم قال: «وهذان البيتان لجميل، سرق أحدهما كثير، والآخر الفرزدق».
(3) البيت لبشار بن برد، من قصيدة يمدح فيها عقبة بن سلم. ديوانه 1: 113107.
وقبله، كما فى الديوان والأغانى 3: 43:
إنما لذة الجواد ابن سلم ... فى عطاء ومركب للقاء
(4) أنشده فى اللسان (برأ) برواية: «يجنبها رجال». وبراء مثلثة الباء، فهى بالفتح مصدر سمى به، وفى التنزيل: {«إِنَّنِي بَرََاءٌ مِمََّا تَعْبُدُونَ»}. وبالكسر: جمع برىء، كظريف وظراف. وبالضم جمع لا واحد له، نحو تؤام وظؤار.(1/150)
وينشد فى ذلك أيضا:
وحمّلتنى ذنب مرىء وتركته ... كذى العرّ يكوى غيره وهو راتع (1)
وإذا عارضه معارض فى علّة بلا علم، أنشد:
أخو عدىّ أمسى يساجلنى ... مالعدىّ وما لذا العمل
وإذا ذكر قوما أشحّاء، أنشد:
دراهمهم لا تستطاع كأنّها ... فريسة ليث أحرزتها مخالبه
وإذا قيل له: أرضيت بكذا وأنت أعلى منزلة منه؟! أنشد:
وما كنت أخشى أن أرى العير مركبى ... ولكنّ من يمشى سيرضى بماركب
وإذا زار مريضا، أنشد:
ونعود سيّدنا وسيّد غيرنا ... ليت التشكّى كان بالعوّاد (2)
وإذا حذّر ناسا عدوّا غفلوا عنه، أنشد:
بنى أميّة إنى ناصح لكم ... فلا يبيتنّ فيكم آمنا زفر (3)
__________
(1) للنابغة الذبيانى فى ديوانه 54من قصيدة يمدح فيها النعمان ويعتذر إليه ويهجو مرة ابن ربيعة. العر، بضم العين: قروح مثل القوباء تخرج بالإبل متفرقة فى مشافرها وقوائمها يسيل منها الماء الأصفر فتكوى الصحاح لثلا تعديها المراض. وأما أبو عبيدة فيقول: إن هذا لا يكون، وإنما هو على جهة المثل. وقال ابن دريد: ومن رواه بالفتح فقد غلط، لأن الجرب لا يكوى منه.
(2) لكثير عزة، قاله فى عيادته عبد الملك بن مروان. عيون الأخبار 5003. وبعده:
لو كان يقبل فدية لفديته ... بالمصطفى من طارفى وتلادى
لكن فى الشعر والشعراء 497أنه دخل لعيادة عبد العزيز بن مروان. على أن البيت قد روى فى قصيدة لجرير فى ديوانه 122يقوله فى عبد العزيز بن الوليد عبد الملك، وكان الوليد كتب إلى أجناد الشام أن يدعوا لعبد العزيز بن الوليد، ودعا هو له فى مسجد دمشق فى جماعة الناس، وكان عليلا.
(3) للأخطل فى ديوانه 103والحيوان 5: 163. وزفر هذا، هو ابن الحارث الكلابى، كان قد خرج على عبد الملك بن مروان وظل يقاتله تسع سنين ثم رجع إلى الطاعة.
الكامل 533ليبسك والجهشيارى 35. وكان زفر من التابعين، سمع عائشة ومعاوية شرح شواهد المغنى 315.(1/151)
وإذا ذكر صديقا له بنقضه العهد، أنشد:
ألم تر ما بينى وبين ابن خالد ... من العهد قد بالت عليه الثعالب (1)
وإذا هدّده عدوّا وتوعّده أنشد:
فإن قناتنا يا عمرو أعيت ... على الأعداء قبلك أن تلينا (2)
وإذا شكى أخ له جنى عليه، أنشد:
بل جناها أخ عليّ كريم ... وعلى أهلها براقش تجنى (3)
وإذا رأى ذا بشاشة وظاهره يبدى خلافه، أنشد:
يبدى البشاشة حين تبصره ... وله إليك عقارب تسرى
وإذا أساء إليه صديق وحلم هو عنه، أنشد:
فلا توبسوا بينى وبينكم الثّرى ... فإنّ الذى بينى وبينكم مثرى (4)
وإذا ذكر رجل ببعد الغور، أنشد:
ولم يخشوا مصالته عليهم ... وتحت الرّغوة اللبن الصريح (5)
__________
(1) فى الأصل: «بنى خالد»، تحريف.
(2) لعمرو بن كلثوم فى معلقته. وعمرو فى هذا البيت هو عمرو بن هند. والعرب تستعير للعز اسم القناة.
(3) لحمزة بن بن بيض فى اللسان (برقش). وبراقش: اسم كلبة نبحت على جيش مروا ولم يشعروا بالحى الذى فيهم الكلبة، فلما سمعوا نباحها علموا أن أهلها هناك، فعطفوا عليهم فاستباحوهم، فقيل فى المثل: «على أهلها تجنى براقش». وقبل هذا البيت:
لم تكن عن جناية لحقتنى ... لا يسارى ولا يمينى جنتنى
(4) لجرير فى ديوانه 277والمقاييس (ثروى) واللسان (ثرا). قال أبو عبيدة: «من أمثالهم فى تخوف الرجل هجر صاحبه: لا توبس الثرى بينى وبينك». ويقال: الذى بينى وبين فلان مثر، أى إنه لم ينقطع.
(5) من أبيات فى مجالس ثعلب 98بنسبتها إلى رجل من سليم. ونسب فى البيان 3: 338إلى أبى محجن الثقفى، وليس فى ديوانه. ونسب فى اللسان (فصح) إلى نضلة السلمى. المصالة: مصدر ميمى من صال يصول. والرغوة، مثلثة الراء. والصريح: الخالض.
أى إنما تعرف الأشياء بالتكشيف عن بواطنها. وأنشده فى المقاييس (فصح): «اللبن الفصيح»، وهو الذى أخذت عنه الرغوة.(1/152)
وإذا عزّى إنسانا وآساه، أنشد:
لكلّ همّ من الهموم سعه ... والمسى والصّبح لا بقاء معه (1)
وإذا كاتم إنسانا وأضمر له ما يعرفه من التلوّن، أنشد:
فإنّ الله لا يخفى عليه ... علانية تراد ولا سرار
وإذا رأى إنسانا تغيّرت عن غنى حاله (2) أنشد:
إنّ الفتى يقتر بعد الغنى ... ويغتنى من بعد ما يفتقر (3)
وإذا قيل له: مضى فلان وورث وارثه ماله، أنشد:
قد يحمع المال غير آكله ... ويأكل المال غير من جمعه (4)
وإذا رأى رجلا أثنى على آخر وهو لا يعرفه، أنشد:
لا تحمدنّ امرأ حتى تجرّبه ... ولا تذمنّه من غير تجريب (5)
وإذا نعى له رجل عظيم الشأن، أنشد:
لما أتى خبر الزّبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشّع (6)
__________
(1) للأضبط بن قريع، وهو أحد المعمرين من العرب. كتاب المعمرين للسجستانى 8 ومجالس ثعلب 480والأمالى 1: 107والأغانى 16: 154وحماسة ابن الشجرى 137 والخزانة 4: 89والمثل السائر 1: 260.
(2) فى الأصل: «تغيرت عنى حاله».
(3) البيت لعمرو بن أحمر، من أبيات له فى اللسان (رنا) وطبقات ابن سلام 191، أقتر: قل ماله.
(4) للأضبط بن قريع. انظر الحاشية الأولى.
(5) لأبى الأسود الدؤلى. حماسة البحترى 370.
(6) البيت لجرير فى ديوانه 345والخزانة 2: 166من قصيدة بهجو فيها الفرزدق ورهطه بنى مجاشع الذين منهم عمرو بن جرموز قاتل الزبير بن العوام. وكان ابن جرموز قد قدم على أمير المؤمنين على وهنأه بالفتح وأخبره بقتله الزبير، فقال له على: أبشر بالنار، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بشر قاتل ابن صفية بالنار. وفى ذلك يقول ابن جرموز:
أتيت عليا برأس الزبير ... وقد كنت أحسبها زلفه
فبشر بالنار فى قتله ... فبئس بشارة ذى النحفه
ثم إن ابن جرموز جاء إلى مصعب بن الزبير وكان واليا على العراق من قبل أخيه عبد الله فقال: اقتلنى بالزبير! فكتب فى ذلك إلى أخيه، فكتب إليه عبد الله: أنا لا أقتله بالزبير(1/153)
وإذا جهل عليه جاهل وللجاهل عدوّ حاضر لا يجترىء عليه، أنشد:
جهلا علينا وجبنا عن عدوّكم ... لبئست الخلّتان الجهل والجبن (1)
وإذا مات له خليل يعزّ عليه فقده، أنشد:
ألا ليمت من شاء بعدك إنّما ... عليك من الأقدار كان حذاريا (2)
وإذا قيل له. استتر لك فلان وخدعك، أنشد:
وقد كنت مجرور اللّسان ومفحما ... فأصبحت أدرى اليوم كيف أقول (3)
وإذا ذكر إخوانه الذين سلفوا، أنشد:
أولئك إخوان الصّفاء رزئتهم ... وما الكفّ إلا إصبع ثم إصبع (4)
وإذا نجب ابن امرىء بعد موته، أنشد:
لعمرك ما وارى التراب فعاله ... ولكنّه وارى ثيابا وأعظما (5)
__________
ولا بشسع نعله. فلم يقتله. والنحويون يجعلون هذا البيت شاهدا لاكتساب بعض الأسماء التأنيث من بعض، لأن السور هنا بعض المدينة. وذهب أبو عبيدة أن «السور» جمع سورة بالضم، وهى كل ما علا، فلا شاهد فى البيت. الخشع، أى التى صارت خاشعة لاطئة بالأرض لموته.
(1) البيت لفعنب بن أم صاحب، فى حماسة أبى تمام 2: 188والبحترى 392.
(2) فى الأصل: «حذارى»، صوابه فى اللسان (ملا) ومحاضرات الراغب 2: 229.
وقبله، وهو فى رثاء يزيد بن مزيد الشيبانى:
وقد كنت أرجو أن أملاك حقبة ... فحال قضاء الله دون رجائيا
وانظر العقد: 2: 287طبع لجنة التأليف.
(3) البيت للفقيمى، وهو قاتل غالب أبى الفرزدق. البيان 3: 214، 326ومحاضرات الراغب 2: 74. وفى الأصل: «محزوز» صوابه فى البيان. وفى المحاضرات: «محرور» محرفة أيضا. وأصل المجرور الفصيل يشق لسانه لئلا يرضع، يقال جر الفصيل وأجره.
قال عمرو بن معد يكرب:
فلو أن قومى أنطقتى رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجرت
(4) البيت لأبى حناك البراء بن ربعى الفقعسى، فى الحماسة 1: 351والمضنون به على غير أهله لعز الدين الزنجانى 344طبع 1331. وقبله:
أبعد بنى أمى الذين تتابعوا ... أرجى الحياة أم من الموت أجزع
ثمانية كانوا ذؤابة قومهم ... بهم كنت أعطى ما أشاء وأمنع
(5) أنشده أبو تمام فى الحماسة 1: 383ولم ينسبه. وقبله:
إذا ما امرؤ أثنى بآلاء ميت ... فلا يبعد الله الوليد بن أدهما(1/154)
وإذا رأى رجلا يتكلّف مالا يستطيعه. أنشد:
* إذا لم تستطع شيئا فدعه (1) *
وإذا استحقره قوم وتعرّضوا لأكبر منه، أنشد:
* ذباب طار فى لهوات ليث *
وإذا تجاهل عليه متجاهل، أنشد:
إنا لتوزن بالجبال حلومنا ... ويزيد جاهلنا على الجهّال (2)
وإذا نعى له رئيس من رؤساء محلّته أو عشيرته، أنشد:
إذا شذّ منا سيّد قام سيّد ... قؤول لما قال الكرام فعول (3)
وأنشد أيضا:
إذا قمر منّا تغوّر أو خبا ... بدا قمر من جانب الأفق يلمع (4)
وإذا مطل إنسان ووعد بعد، أنشد:
فإن يك صدر هذا اليوم ولّى ... فإن غدا لناظره قريب (5)
__________
فما كان مفراحا إذا الخير مسه ... ولا كان منانا إذا هو أنعما
ونادى المنادى أول الليل باسمه ... إذا أجحر الليل البخيل المذمما
(1) لعمرو بن معد يكرب فى الحيوان 3: 138وحماسة البحترى 375والأغانى 14:
31، 36، 37. وعجزه:
* وجاوزه إلى ما تستطيع *
(2) لحسان بن حنظلة بن أبى رهم الطائى فى الحماسة 2: 317ومجموعة المعانى 45. وهو فى ديوان الفرزدق 730. ونسب فى الخزانة 3: 107والنقائض 284إلى الفرزدق أيضا.
وفى المؤتلف للآمدى 124أنه للراهب الطائى، وهو حنظلة والد حسان المتقدم، وأن الفرزدق قد سرقه وأدخله فى قصيدته.
(3) للسموأل بن عاديا، من أبيات فى الحماسة 1: 3127والحيوان 6: 423 والبيان 4: 68والقالى 1: 269. والرواية فى الحماسة والقالى: «إذا سيد منا خلا قام سيد».
(4) البيت لأبى يعقوب الخريمى فى الحيوان 3: 94والوساطة 159.
(5) فى الأصل: «للناظرين» تحريف. والبيت لقراد بن أجدع، كما فى أمثال الميدانى 1: 63. لناظره: أى لمنتظره.(1/155)
وإذا رأى قوما ذوى صور ولا أحلام لهم، أنشد:
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم ... جسم البغال وأحلام العصافير (1)
وإذا اقتضى صديقا وعدا، أنشد:
قضى كلّ ذى دين فوفى غريمه ... وعزّة ممطول معنّى غريمها (2)
وإذا شيّع فريقين وأخذ كلّ واحد غير طريق الآخر، أنشد:
فريقان منهم سالك بطن نخلة ... وآخر منهم سالك نجد كبكب (3)
وإذا لم يزره أخوه زاره هو، وأنشد:
أزوركم لا أكافيكم بجفوتكم ... إن المحبّ إذا لم يزر زارا (4)
وأنشد أيضا فيه:
وما كنت زوّارا ولكنّ ذا الهوى ... إذا لم يزر لابد أن سيزور (5)
وإذا وصف رجلا بالعفّة والإعراض عن الزّنا، أنشد:
والله لو كانت الدنيا وزينتها ... فى بطن راحته يوما لألقاها
وإذا قيل له: إن أمثالك قليل، أنشد:
وما ضرّنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل (6)
__________
(1) البيت لحسان بن ثابت فى ديوانه 214من قصيدة يهجو بها بنى الحارث بن كعب وانظر الحيوان 5: 229والخزانة 4: 5653وسيبويه 1: 254. الأحلام: العقول.
(2) البيت لكثير عزة فى حماسة ابن الشجرى 154والأغانى 8: 35، 36 ومحاضرات الراغب 1: 229.
(3) لامرىء القيس فى ديوانه 77ومعجم البلدان، رسم (كبكب).
(4) البيت للعباس بن الأحنف فى ديوانه 73وخاص الخاص 93ومحاضرات الراغب 1: 305برواية: «نزوركم لا نكافيكم». وفى الأصل هنا: «لأكافيكم»، تحريف وبعده فى الديوان:
ستقرب الدار شوقا وهى نازحة ... من عالج الشوق لم يستبعد الدارا
وفى محاضرات الراغب 2: 15: «يقرب الشوق دارا».
(5) للأحوص، الكامل 321ليبسك. وقبله:
أدور ولولا أن أرى أم جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور
(6) للسمو أل بن عاديا. انظر ما سبق فى ص 155.(1/156)
وإذا ولى رجل ولاية وأثنى عليه بها، أنشد:
وإذا الدرّ زان حسن وجوه ... كان للدّرّ حسن وجهك زينا (1)
وكان يتمثّل لمناظره ويعرّض له أنّه لم يبلغ المبلغ بقول الشاعر:
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتّى تلعق الصّبرا
وإذا ذكر له رجل مضى فذلّت أتباعه وبنو عمّه بعد عزّ، أنشد:
فتى كان مولاه يحلّ بنجوة ... فحلّ الموالى بعده بمسيل (2)
وإذا رأى إنسانا منسور (3) له مطلا ودفاعا، أنشد:
لقد جررت لنا جبل الشّموس فلا ... يأسا مبينا نرى منكم ولا طمعا (4)
وإذا رأى رجلا همّه نفسه لا غيره، أنشد:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسى (5)
__________
(1) أنشده الجاحظ فى البيان 1: 195والجرجانى فى الوساطة 202. وقبله أو بعده:
وتزيدين أطيب الطيب طيبا ... أن تمسيه أين مثلك أينا
وقال خالد بن عبد الله القسرى لعمر بن عبد العزيز: من كانت الخلافة زانته فإنك قد زنتها، ومن كانت شرفته فإنك قد شرفتها، فأنت كما قال القائل:
وإذا الدر زان حسن وجوه ... كان للدر حسن وجهك زينا
فقال عمر: أعطى صاحبكم مقولا ولم يعط معقولا. عيون الأخبار 1: 93.
(2) النجوة: المكان المرتفع. والمسيل: موضع السيل. والييت لعقيل بن علفة فى الحماسة 1: 410. وقبله:
لتغد المنايا حيث شاءت فإنها ... محللة بعد الفتى ابن عقيل
(3) كذا وردت هذه الكلمة. ولعلها «يسرّ»، أى يضمر.
(4) البيت للقيط بن يعمر الإيادى، من قصيدة له هى أول مختارات ابن الشجرى، ينذر فيها قومه غزو كسرى إياهم، وكان لقيط كاتبا فى ديوان كسرى، فلما رآه مجمعا على غزو إياد كتب إليهم بهذا الشعر، فوقع الكتاب بيد كسرى فقطع لسان لقيط وغزا إيادا. الشموس يفتح أوله: النفور من الدواب الذى لا يستقر لشغبه وحدته.
(5) البيت للحطيئة فى ديوانه 54من قصيدة يهجو بها الزبرقان بن بدر. الطاعم الكاسى:
ذو الطعام والكسوة، أو هو المطعم المكسو، كما فى قول الله: «عيشة راضية»، أى مرضية، انظر اللسان (كسا).(1/157)
وإذا لاجّه (1) إنسان وطاوله، أنشد:
إذا ما تحدّثت فى مجلس ... تناهى حديثى إلى ما علمت (2)
وإذا رأى امرأ تأمّل حاشية زائره وغاشيته (3)، أنشد:
وإذا ما جهلت ودّ صديق ... فاعتبر ما جهلت بالغلمان
إنّ وجه الغلام يخبر عمّا ... فى ضمير المولى من الكتمان
وإذا رأى رجلا انتمى إلى قوم غير كرام، أنشد:
فغضّ الطّرف إنك من نمير ... فأصلهم ومنبتهم لئيم (4)
وإذا سبر حال صديق له فلم يحمده، أنشد:
وما كلّ إخوان الفتى طوع همّه ... ولا كلّ عود نابت بنضار (5)
وإذا توعّده من لا يصدق فى وعده، أنشد:
فانظر إلى كفّ وأسرارها ... هل أنت إن أوعدتنى ضائرى (6)
وإذا نعى له شخص، أنشد:
على صخر وأىّ فتى كصخر ... ليوم كريهة وسداد ثغر (7)
__________
(1) الملاجة: التمادى فى الخصومة. فى الأصل: «الملاحة»، تحريف.
(2) البيت ليزيد بن الوليد بن عبد الملك، كما فى عيون الأخبار 2: 125. وبعده:
ولم أعد علمى إلى غيره ... وكان إذا ما تناهى قصرت
(3) غاشية الرجل: من ينتابه من زواره وأصدقائه.
(4) كذا ورد إنشاده. والمعروف بيت جرير فى ديوانه 75:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
(5) النضار: شجر الأثل، وهو أجود الخشب للآنية والأقداح.
(6) البيت للأعشى فى ديوانه 107واللسان (سرر) والمقاييس (سر). والأسرار:
خطوط باطن الراحة، واحدها سر.
(7) البيت ملفق من بيتين، أحدهما للخنساء فى رثاء أخيها صخر، وهو كما فى الديوان 23وحماسة البحترى 428:
على صخر وأى فتى كصخر ... لعان عائل غلق بوتر
والآخر للعرجى فى نزهة الألباء 113واللسان (سدد):
أضاعونى وأى فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
وقد يقع التلفيق فى استشهادات ابن فارس. انظر المقاييس (شنأ، علق، فأو).(1/158)
وإذا رأى رجلا أتّهم بدعوة، أنشد:
زنيم تداعاه الرّجال زيادة ... كما زيد فى عرض الأديم الأكارع (1)
وإذا رأى عدوّا مخاشنا، أنشد:
بنى تماضر إنّى لا أحبكما ... ولا ألومكما إلّا تحبّانى
وإذا قعد عن صديق بعذر، أنشد:
فلا بأس بالهجر الذى ليس عن قلا ... إذا شجرت عهد الحبيب شواجر (2)
وربما وصل حديثه عن الزمن الأول بقوله:
إذ الناس ناس والزمان بغرّة ... وإذ أمّ عمّار صديق مساعف (3)
وإذا ذكر رجل بجود وسماحة، أنشد:
يومان يوم يفيض نائله ... وخير يوم ما يقيت غدا (4)
وإذا خبّر أنّ ولد رجل نجب، أنشد:
وهل ينبت الخطىّ إلا وشيجه ... وتغرس إلّا فى منابتها النخل (5)
وإذا أسعفه رجل فى أمره، أنشد:
أناة امرىء يأتى الأمور بقدرة ... متى ما يرد لم يعى بالأمر مصدرا
__________
(1) البيت للخطيم التميمى، جاهلى. ويروى لحسان بن ثابت، كما فى اللسان (زنم) والكامل 567ليبسك. ورواه ابن فارس فى المقاييس (زنم) بدون نسبة. والزنيم المستلحق فى القوم وليس منهم. الأديم: الجلد. وفى الكنايات للجرجانى 15: «ويكنون عن الدعى بأكارع الأديم. قال الفرزدق:
وأنت زنيم فى كليب زيادة ... كما زيد فى عرض الأديم الأكارع»
(2) فى الأصل: «بالهجران» ولا يستقيم به الوزن، و «عن قلا»: عن بغض قلاه يقليه ويقلوه.
وفى الأصل: «عرقلا»، تحريف. ويقال شجر الشىء: صرفه ونحاه.
(3) يفهم من صنيع اللسان (سعف) أنه لأوس بن حجر. ولم أجده فى ديوانه.
(4) أقاته: أعطاه قوته. ولعل الكلام: «وخير يوميه».
(5) البيت لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه 115. الخطى: الرماح المنسوبة إلى الخط، وهى جزيرة بالبحرين. والوشيج: القنا الملنف فى منبته، الواحدة وشيجة. أى لا تنبت القناة إلا القناة، ولا تغرس النخلة إلا بحيث يكون نباتها وصلاحها.(1/159)
وإذا مرّ بدار صديق له، أنشد:
ألا حىّ الدّيار بسعد إنّى ... أحبّ لحبّ فاطمة الدّيارا (1)
وإذا حضر مجلس مناظرة وطلب منه الكلام، جثا على ركبتيه وأنشد:
ولا ينجى من الغمرات إلّا ... براكاء القتال أو الفرار (2)
وإذا ناظره فتى شابّ، أنشد:
كيف ترجون سقاطى بعد ما ... جلّل الرأس مشيب وصلع (3)
وإذا زاحمه خصماؤه وكثروا عليه، أنشد:
إذا اجتمعوا علىّ فحلّ عنهم ... وعن أسد مخالبه دوام
إذا اجتمعوا علىّ فحلّ عنهم ... وخربان تصيد حباريات (4)
وإذا قيل له: إن فلانا فى فضله فضّل عليه من دونه، أنشد:
كم قد رأينا من أسد ... بالت على رأسه ثعالب (5)
وإذا قيل له أيضا، أنشد:
صرت كأنّى ذبالة نصبت ... تضىء للناس وهى تحترق (6)
وإذا استطال اللّيل، أنشد:
أقول وليلتى تزداد طولا ... أما اللّيل ويحكم نهار (7)
__________
(1) البيت لجرير فى ديوانه 280ومعجم اللسان (سعد). وأنشده ابن فارس فى مقاييس اللغة (سعد) مع نسبته.
(2) لشر بن أبى خازم فى اللسان ومقاييس اللغة (برك). وهو ختام قصيدة له فى المفضليات 2: 145. والبراكاء: الثبات فى الحرب والجد، واصله من البروك.
(3) لسويد بن أبى كاهل اليشكرى فى المفضليات 2: 198. سقاطى: فترتى وسقطى.
ويروى: «لاح فى الرأس».
(4) فى الأصل: «وحريان تصيد حباريان». الخربان بكسر الخاء: جمع خرب بالتحريك وهو ذكر الحبارى: ضرب من الطير.
(5) كذا ورد صدر هذا البيت.
(6) للعباس بن الأحنف فى ديوانه 111والكامل 518ليبسك ومحاضرات الراغب 1: 9 وديوان المعانى للعسكرى 1: 263. الذبالة: الفتيلة التى تسرح فى المصباح. وقبل البيت:
أحرم منكم بما أقول وقد ... نال به العاشقون من عشقوا
(7) البيت لبشار، فى المختار من شعر بشار ص 7برواية: «أما لليل بعدهم نهار».(1/160)
وإذا مرض وعاده عوّاده، أنشد:
وهل هى إلا علّة بعد علّة ... إلى العلة الكبرى وتلك هى التى
وإذا رأى رجالا لا حميّة ولا منعة فيهم، أنشد:
إذا ماعدّ مثلكم رجال ... فما فضل الرّجال على النساء
وإذا اشتكى إليه إنسان إقلالا [أنشد]:
إذا شئت أن تحيا غنيّا فلا تكن ... بمنزلة إلا رضيت بدونها
وإذا رأى ذا ضغن صاحب آخر، أنشد:
إذا أنت لم تسقم وصاحبت مسقما ... وكنت له خدنا فأنت سقيم
وإذا دخل عليه ثقيل، أنشد:
أيا جبلى نعمان بالله خلّيا ... نسيم الصّبا يخلص إلىّ نسيمها (1)
وإذا جاد عليه بنزر يسير، أنشد:
توتيك نزرا قليلا وهى خائفة ... كما يخاف مسيس الحيّة الفرق (2)
وهذه جمعية لم أظفر بمثلها، فرحم الله من فهمها وحفظها، وأورد كلّ بيت فى محلّه، ليجلّ عند خلّه.
__________
(1) البيت لمجنون ليلى، فى الأغانى 1: 170/ 5: 34وحماسة ابن الشجرى 168، وهو فى أمالى القالى 2: 181يدون نسبة. وفى الأغانى ونحوه فى حماسة ابن الشجرى: أن أهل المجنون خرجوا به معهم إلى وادى القرى قبل توحشه ليمتاروا خوفا عليه أن يضيع ويهلك فمروا فى طريقهم بجبلى نعمان، فقال له بعض فتيان الحى: هذان جبلا نعمان. وقد كانت ليلى تنزل بهما. قال: فأى الرياح يأتى من ناحيتهما؟ قالوا: الصبا. قال: فو الله لا أريم هذا الموضع حتى تهب الصبا. فأقام ومضوا فامتاروا لأنفسهم ثم أتوا عليه فأقاموا معه ثلاثة حتى هبت الصبا ثم انطلق معهم. ففى ذلك يقول:
أيا جبلى نعمان بالله خليا ... نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها
أجد بردها أو تشف منى حرارة ... على كبد لم يبق إلا صميمها
فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت ... على نفس محزون تجلت همومها
(2) البيت لابن هرمة. المختار من شعر بشار 96. وصدره فيه: «تبدى بذاك سرورا وهى مشفقة كما يهاب». فى الأصل: «وهى جائعة»، صوابه ما أثبت. المسيس: المس. والفرق:
الخائف الفزع.(1/161)
رسالة فى أعجاز أبيات تغنى فى التمثيل عن صدورها لأبى العباس محمد بن يزيد المبرد 285210(1/163)
مقدمة
وهذا أبو العباس محمد بن يزيد المبرد الأزدى البصرى النحوى الأديب الأخبارى، صاحب «الكامل» الذى يقول فيه ابن خلدون: «وسمعنا من شيوخنا فى مجالس التعليم أن أصول فن الأدب وأركانه أربعة: وهى كتاب الكامل للمبرد، وأدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبى على القالى البغدادى، وماسوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع منها».
وكان الناس بالبصرة يقولون: «ما رأى المبرد مثل نفسه». ولما صنف أستاذه المازنى كتاب الألف واللام سأل المبرد عن دقيقه وعويصه فأجاب بأحسن جواب، فقال له: قم فأنت المبرد، بكسر الراء، أى المثبت للحق، فغيره الكوفيون وفتحوا الراء.
وقد دلنى على كتابه هذا الصديق الكريم الأستاذ محمد بن تاويت الطنجى، فأسجل له هنا صادق الشكر.
وهذا الكتاب يشبه الكتاب السابق فى موضوعه، إذ هو فى الأمثال الشعرية، وإن اختلف الأسلوبان والمنهجان، فإن أبا العباس لم يذكر هنا مضارب الأمثال كما ذكرها ابن فارس، ولم يذكر من الأبيات إلا أعجازها المغنية عن صدورها، وليس هذا الأمر بالهين فى التأليف، ومع أن أبا العباس قد ذكر نسبة معظم هذه الأعجاز فإنه اقتضانا البحث عن صدور هذه الأعجاز عند التحقيق.
وأصل هذا الكتاب مخطوطة فى دار الكتب الأزهرية برقم 7323أباظة.
وهو فى مجموعة تشمل بعض الكتب النفيسة، منها قواعد الشعر لثعلب، وفحولة الشعراء للأصمعى، وشجر الدر فى متداخل اللغة لأبى الطيب اللغوى.(1/164)
النص
بسم الله الرّحمن الرّحيم قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: هذه أعجاز بيوت تغنى فى التمثيل عن صدورها.
قال أنس بن مدركة (1) الخثعمى، وكنيته أبو سفيان (2):
* لشىء ما يسوّد من يسود (3) *
امرؤ القيس: * وكل غريب للغريب نسيب (4) *
وقال: * وبالأشقين ما كان العقاب (5) *
وقال: * والبرّ خير حقيبة الرّحل (6) *
النابغة: * ولا قرار على زأر من الأسد (7) *
وقال: * وذلك من تلقاء نفسك رائع (8) *
__________
(1) ومثله فى الأغانى 7: 161/ 9: 16والعينى 4: 299وحماسة ابن الشجرى 49. وفى الحيوان 1: 18/ 3: 81و 469والاشتقاق 306وشرح الحماسة للتبريزى 2: 193والشعر والشعراء لابن قتيبة 328وكتاب البسوس 6ومعجم البلدان (أيك، صيدة): «أنس بن مدركة».
(2) فى الأصل: «أبو الحسن» صوابه من كتاب كنى الشعراء لابن حبيب الملحق بكتاب أسماء المغتالين له، مصورة دار الكتب المصرية، وكذا الخزانة 1: 478.
(3) صدره: * عزمت على إقامة ذى صباح *
(4) صدره. * أجارتنا إنا غريبان ها هنا *
انظر معجم البلدان (عسيب) والشعر والشعراء 69.
(5) صدره: * وقاهم جدهم ببنى أبيهم *
ديوان امرىء القيس 160.
(6) صدره: * الله أنجح ما طلبت به *
والبيت يروى لامرىء القيس بن عابس الكندى. الأغانى 3: 94.
(7) صدره: * بئت أن أبا قابوس أوعدنى *
(8) صدره: * مقالة أن قد قلت سوف أناله *(1/165)
وقال: * إذا فلا بسطت سوطى إلىّ يدى (1) *
وقال: * وليس وراء الله للمرء مذهب (2) *
وقال: * لمبلغك الواشى أغشّ وأكذب (3) *
وقال: * ولكن ما وراءك يا عصام (4) *
وقال: * وهل يأثمن ذو إمّة وهو طائع (5) *
وقال: * سبق الجواد إذا استولى على الأمد (6) *
أنس بن أبى إياس (7): * وشديد عادة منتزعه (8) *
زهير بن أبى سلمى: * وكانوا قديما من مناياهم القتل (9) *
وقال: * ولا محالة أن يشتاق من عشقا (10) *
__________
(1) صدره: * ما قلت من سيىء مما أتيت به *
(2) صدره: * حلفت فلم أترك لنفسك ريبة *
(3) صدره: * لئن كنت قد بلغت عنى خيانة *
(4) صدره: * فإنى لا ألام على دخول *
وكان النابغة قد وفد على النعمان ليعوده، وأراد الدخول فمنعه حاجب النعمان عصام بن شهبر.
أى لا ألام على ترك الدخول إليه لأنى محجوب منه، لغضبه على وخوفى إياه على نفسى. ويروى:
«فإنى لا ألومك».
(5) صدره: * حلفت ولم أترك لنفسك ريبة *
(6) صدره: * إلا لمثلك أو من أنت سابقه *
(7) هو أنس بن زنيم بن محمية بن عبد بن عدى الكنانى، وذكره صاحب المؤتلف 55.
وانظر الحيوان 5: 255.
(8) صدره كما فى مجموعة المعانى 173:
* لا تهنى بعد إكرامك لى *
وقبله: سل أميرى ما الذى غيره ... عن وصالى اليوم حتى وزعه
ونسب البيت فى زهر الآداب 1: 253إلى أبى الأسود الدؤلى.
(9) صدره * فإن يقتلوا فيشتفى بدمائهم *
أى هم أشراف دماؤهم دواء من داء الكلب، أو هم أشراف إذا قتلوا رضى بهم من قتلهم بهم يدرك ثأرة ويشتفى. من مناياهم القتل، أى لا يموتون على فرشهم.
(10) صدره: * قامت تبدى بذى ضال لتحزننى *(1/166)
وقال: * على آثار من ذهب العفاء (1) *
عنترة: * والكفر مخبثة لنفس المنعم (2) *
لبيد: * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (3) *
وقال: * ومن الأرزاء رزء ذو جلل (4) *
طرفة: * ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد (5) *
أبو خراش: * وإنما نوكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضى (6) *
أبو ذؤيب: * والدهر ليس بمعتب من يجزع (7) *
وقال: * وإذا تردّ إلى قليل تقنع (8) *
حميد بن ثور: * وحسبك داء أن تصحّ وتسلما (9) *
أبو الأسود: * وما كل مؤت نصحه بلبيب (10) *
القطامى: * وقد يكون مع المستعجل الزلل (11) *
عروة بن الورد: * ومبلغ نفس عذرها مثل منجح (12) *
جرير: * ليت التشكّى كان بالعوّاد (13) *
__________
(1) صدره: * تحمل أهلها عنها فبانوا *
(2) صدره: * نبئت عمرا غير شاكر فمعمتى *
(3) صدره: * إلى الحول ثم اسم السلام عليكما *
(4) صدره: * وأرى أربد قد فارقنى *
(5) صدره: * ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا *
(6) صدره: * على أنها تعفو الكلوم وإنما *
(7) صدره: * أمن المنون وريبها تنوجع *
(8) صدره: * والنفس راغبة إذا رغبتها *
(9) صدره: * أرى بصرى قد رابنى بعد صحة *
(10) صدره: * وما كل ذى نصح بمؤتيك نصحه *
(11) صدره: * قد يدرك المتأنى بعض حاجته *
(12) صدره: * ليبلغ عذرا أو يصيب رغيبة *
(13) صدره: * ونزور سيدنا وسيد غيرنا *
وانظر ما سبق من تحقيق هذا البيت فى كتاب ابن فارس ص 151.(1/167)
وقال: * رأيت المرء يلزم ما استعادا (1) *
ومثله: * وكل امرئ جار على ما تعوّدا (2) *
الحطيئة: * ولا ترى طاردا للحرّ كالياس (3) *
وقال: * لا يذهب العرف بين الله والناس (4) *
وقال: * ومن يسوّ بأنف الناقة الذّنبا (5) *
دريد بن الصمة: * يضع الهناء مواضع النّقب (6) *
مالك بن الريب: * وكل بلاد أوطنت كبلاد (7) *
سالم بن وابصة: * إن التخلق يأتى دونه الخلق (8) *
ابن الزّبعرى: * وعدلناه ببدر فاعتدل (9) *
__________
(1) صدره: * تعود صالح الأعمال إنى *
والاستعادة هنا بمعنى التعود، كما فى اللسان (عود).
(2) هذا تنظير فى الاستشهاد، والبيت لم يرد فى ديوان جرير، فلعله استشهاد بشعر غيره.
(3) صدره: * أزمعت ياسا مريحا من نوالكم *
(4) صدره: * من يفعل الخير لا يعدم جوازيه *
(5) صدره: * قوم هم الأنف والأذناب غيرهم *
(6) صدره: * متبذلا تبدو محاسنه *
الهناء: القطران تهنأ به الإبل، أى تطلى. والنقب: جمع نقبة، وهى القطع المتفرقة من الجرب فى جلد البعير. وكانت الخنساء قد خرجت فهنأت ذودا لها جربى، ثم نضت عنها ثيابها واغتسلت، ودريد يراها ولا تراه، فقال فيها هذا الشعر، وأوله كما فى الأمالى 2: 161:
حيوا تماضر واربعوا صحبى ... وقفوا فإن وقوفكم حسبى
(7) صدره: * وفى الأرض عن ذى الجور منأى ومذهب *
ونسبة البيت إلى مالك بن الريب غريبة، فإن أبا تمام رواه فى الحماسة 1: 278للفرزدق من أبيات، وهى فى ديوان الفرزدق 190. ونسب فى حماسة البحترى 180إلى رجل من تميم. والفرزدق تميمى.
(8) صدره: * عليك بالقصد فيما أنت فاعله *
ونسبته إلى سالم بن وابصة تطابق ما فى الحماسة 1: 295. ونسب فى حماسة البحترى 358 إلى ذى الإصبع العدوانى. وصدره فى الأخيرة:
* اعمد إلى الحق فيما كنت فاعله *
(9) كذا فى الأصل. ورواية السيرة 616جوتنجن والحيوان 5: 565: «وعد لنا ميل بدر»، وصدره فى السيرة:
* فقتلنا الضعف من أشرافهم *(1/168)
الأخطل: * والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبر (1) *
يزيد بن مفرغ: * والحر تكفيه الملامه (2) *
عبدة بن الطبيب: * وفىّ لمصلح مستمتع (3) *
وقال: * والعيش شحّ وإشفاق وتأميل (4) *
وقال: * أعرافهنّ لأيدبنا مناديل (5) *
عمر بن أبى ربيعة: * إنما العاجز من لا يستبدّ (6) *
وقال: * حسن فى كلّ عين من يودّ (7) *
وقال: * وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا (8) *
وقال: * وحديث النفس قدما ولوع (9) *
العديل بن الفرخ: * وما على الحرّ إلا الحلف مجتهدا *
الحارث بن وعلة: * والقول تحقره وقد ينمى (10) *
__________
وفى الحيوان: * وقتلنا الضعف من ساداتهم *
(1) صدره: * حتى استكانوا وهم منى على مضض *
(2) صدره: * العبد يقرع بالعصا *
(3) هو بتمامه كما فى المفضليات 1: 134:
أبنى إنى قد كبرت ورابنى ... بصرى وفى لمصلح مستمع
(4) صدره: * والمرء ساع لأمر ليس يدركه *
(5) صدره: * ثمت قمنا إلى جرد مسومة *
(6) صدره: * واستبدت مرة واحده *
وقبله: ليت هند أنجزتنا ما تعد ... وشفت أنفسنا مما نجد
(7) كذا بالباء، وتقرأ بالبناء للمفعول. ويروى بالتاء. وصدره:
* فتضاحكن وقد قلن لها *
(8) صدره: * فلما تواقفنا وسلمت أشرقت *
(9) صدره: * إن همى قد نفى النوم عنى *
(10) صدره: * أن يأبروا تخلا لغيرهم *
وقبله فى الحماسة 1: 65:
لا تأمنن قوما ظلمتهم ... وبدأتهم بالشتم والرغم(1/169)
الخنساء: * كأنه علم فى رأسه نار (1) *
الأسود بن يعفر: * والدهر يعقب صالحا بفساد (2) *
عبد الله بن معاوية: * ولكن عين السخط تبدى المساويا (3) *
نصيب: * ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب (4) *
قعنب بن أمّ صاحب: * زكنت منهم على مثل الذى زكنوا (5) *
ابن الدمينة: * على ذاك قرب الدار خير من البعد (6) *
الطائية (7): * وكيف بتركى يا ابن أمّ الطبائعا *
أشجع بن عمرو: * ما أخّر الحزم رأى قدم الحذرا (8) *
__________
(1) صدره: * وإن صخرا لتأتم الهداة به *
(2) صدره: * فإذا وذلك لا مهاه لذكره *
وهو آخر قصيدة له فى المفضليات 2: 2015.
(3) صدره: * وعين الرضا عن كل عيب كليلة *
(4) صدره: * فعاجوا فأثنوا بالذى أنت أهله *
انظر ما سبق من التحقيق فى كتاب ابن فارس ص 142.
(5) صدره: * ولن يراجع قلبى حبهم أبدا *
(6) صدره: * وقد زعموا أن المحب إذا دنا *
(7) هى غنية بنت عفيف بن عمرو بن عبد القيس، وهى أم حاتم، كانت من أسخى النساء وأقراهن للضيف، وكانت لا تليق شيئا تملكه، فلما رأى إخوتها إتلافها حجروا عليها ومنعوها مالها، فمكثت دهرا لا تصل إلى شىء ولا يدفع إليها شىء من مالها، حتى إذا ظنوا أنها قد وجدت ألم ذلك أعطوها صرمة من إبلها، فجاءتها امرأة من هوازن كانت تأتيها كل سنة تسألها، فقالت لها: دونك هذه الصرمة فخذيها، فقد والله مسنى من ألم الجوع ما آليت معه ألا أمنع الدهر سائلا شيئا. ثم أنشأت تقول:
لعمرى لقدما عضنى الجوع عضة ... فآليت ألا أمنع الدهر جائعا
فقولا لهذا اللائمى اليوم أعفنى ... فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا
فماذا عسيتم أن تقولوا لأختكم ... سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا
ولا ما ترون الخلق إلا طبيعة ... فكيف بتركى يا ابن أم الطبائما
انظر الأمالى 3: 23.
(8) صدره كما فى عيون الأخبار 1: 31:
* رأى سرى وعيون الناس هاجعة *(1/170)
ابن أبى عيينة: * فالصبر من كلّ أمر فائت خلف *
البكرى (1): * إن بنى عمّك فيهم رماح (2) *
أبو حفص الشطرنجى: * لو صح منك الهوى أرشدت للحيل *
دعبل: * ضحك المشيب برأسه فبكى (3) *
دعبل: * كان ينهى فنهى حيث انتهى *
العتكى: * حلّمنى قلة أكفائى *
محمود: * فاصبر فإن الدهر لا يصبر *
عباس بن الأحنف: * من عالج الشوق لم يستبعد الدارا (4) *
آخر: * والمشرب العذب كثير الزحام (5) *
آخر: * إن النّدى حيث ترى الضّغاط (6) *
آخر: * من فاته العين لم يستبعد الأثرا (7) *
__________
(1) فى البيان والتيبين 3: 234ومعاهد التنصيص 1: 27أنه حجل بن نضلة.
(2) صدره: * جاء شقيق عارضا رمحه *
(3) صدره: * لا تعجبى يا سلم من رجل *
(4) سبق فى حواشى كتاب ابن فارس ص 156. وصدره كما فى ديوان العباس 73:
* ستقرب الدار شوقا وهى نازحة *
وفى محاضرات الراغب:
* يقرب الشوق دارا وهى نازحة *
(5) صدره: * يزدحم الناس على بابه *
وهو بدون نسبة فى عيون الأخبار 1: 90.
(6) هذا ليس عجزا من أعجاز الشعر، بل هو شطر من أشطار الرجز. والرجز فى البيان 1: 177والحيوان 5: 454. وأنشد الجاحظ الشطر فى البخلاء 203وابن قتيبة فى عيون الأخبار 1: 91. والضغاط بالكسر: الزحام.
(7) أى من فاته عين شىء فإنه يقنع بتتبع أثره. وأما من فاز بعين الشىء فإنه لا يهتم يتتبع أثره، كما جاء فى أمثالهم للرجل يترك شيئا يراه ثم يتبع أثره بعد فوت عينه:
«تطلب أثرا بعد عين». وصدره كما فى مجالس الزجاجى 123:
* أظل من حبها فى بيت جارتها *(1/171)
آخر: * أنّ السلامة منها ترك ما فيها (1) *
آخر: * وما لا ترى مما بقى الله أكثر *
آخر: * وإن الصّبا للعيش لولا العواقب *
آخر: * سقط العشاء به على سرحان (2) *
آخر: * إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا (3) *
آخر: * ناب وقد تقطع الداويّة الناب *
آخر: * أذن الخوان برغم أنف الحاجب (4) *
آخر: * لا يحسن البرّ إلا بعد إنصاف *
آخر: * لا خير فى لذة من بعدها النار *
آخر: * والهجر خير من الفراق *
__________
(1) لسابق البربرى، كما فى محاضرات الراغب 1: 251. وسابق البربرى هذا شاعر أموى. ترجم له فى الخزانة 4: 164. وصدر البيت:
* النفس تكلف بالدنيا وقد علمت *
(2) قيل إن السرحان هنا الذئب، وأن رجلا خرج يلتمس العشاء فوقع على ذئب فأكله الذئب. وقيل سرحان رجل من غنى كان يقال سرحان بن هزلة، وكان بطلا فاتكا يتقيه الناس، فقال رجل يوما: والله لأرعين إبلى هذا الوادى ولا أخاف سرحان بن هزلة. فورد بإبله ذلك الوادى فوجد به سرحان وهجم عليه فقتله وأخذ إبله، وقال:
أبلغ نصيحة أن راعى أهلها ... سقط العشاء به على سرحان
سقط العشاء به على متقمر ... طلق اليدين معاود لطعان
وفى اللسان (قمر) أن هذا الشعر لعبد الله بن عنمة الضبى.
(3) أنشد هذا العجز فى أمثال الميدانى 1: 27وقال: «يضرب مثلا للمدل بنفسه إذا بلى بمن هو أدهى منه وأشد».
(4) قيل إن البيت لبشار، وقيل هو لغيره. عيون الأخبار 1: 86. وفيه:
تأبى خلائق خالد وفعاله ... إلا تجنب كل أمر عائب
فإذا أتيت الباب وقت غدائه ... أذن الغداء برغم أنف الحاجب
وفى محاضرات الراغب 1: 310: «وإذا حضرنا الباب عند غدائه».(1/172)
آخر: * فبينما العسر إذ دارت مياسير (1) *
آخر: * وتعلم قوسى حين أنزع من يرمى *
آخر: * لكلّ أناس من بعيرهم خبر (2) *
آخر: * كفّا مطلّقة تفتّ اليرمعا (3) *
آخر: * إنّما الجود للمقلّ المواسى *
آخر: * قد ذلّ من ليس له ناصر (4) *
آخر: * ذهب القضاء بحيلة الأقوام *
(تمت والحمد لله وحده)
__________
(1) صدره: * فاستقدر الله خيرا وارضين به *
وللشعر قصة فى عيون الأخبار 1: 2: 305. وانظر مجالس ثعلب 265ومحاضرات الراغب 2: 239ونزهة الألبا 34والمعمرين 40والعقد 1: 381بولاق ودرة الغواص 31 وأسد الغابة 3: 351. ونسب الشعر فى المختار من شعر بشار 213إلى نويفع بن لقيط الفقعسى، وفى شرح شواهد المغنى 86لعتير بن لبيد العذرى، أو حريث بن جبلة، وفى تاج العروس (دهر) لأبى عيينة المهلبى.
(2) يضرب فى معرفة كل قوم بصاحبهم. ويروى: «فى جميلهم»: مصغر جمل. البيان 1:
238/ 3: 300والميدانى 2: 115114واللسان (جمل).
(3) اليرمع: حجارة لينة رقاق بيض تلمع. وأنشد هذا العجز فى اللسان (رمع). وقال الميدانى فى أمثاله فى باب الكاف: «يضرب للرجل ينزل به الأمر يبهظه فيضج ويجلب فلا ينفعه ذلك».
(4) من بيتين فى اللسان (عمر) وسمط اللآلى 174والتنبيه على أمالى القالى 30. وهما:
قامت تبكيه على قبره ... من لى من بعدك يا عامر
تركتنى فى الدار ذا غربة ... قد ذل من ليس له ناصر(1/173)
كتاب العصا (1)
لأبى المظفر أسامة بن منقذ 584488
__________
(1) عثرت قريبا على مخطوط لكتاب العصا محفوظ بمكتبة خدابخش بتنه، ومنه نسخة مصورة بمعهد إحياء المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية، أرشدنى إليها الأخ الأستاذ رشاد عبد المطلب. وهذه النسخة تدل بصفة قاطعة على أن نسختنا هذه ما هى إلا مختصر متواضع لكتاب العصا.
وقد أجريت فى هذه الطبعة الثانية مقابلة على هذا المخطوط فى هذه المواضع المختارة، مشيرا إلى المخطوط بالرمز (خ). وعسى أن أوفق إلى نشر هذا المخطوط مستقلا بعد دراسته وتحقيقه بعون الله.(1/175)
مقدمة
أسامة بن منقذ (1):
فى قلعة شيزر، على بعد خمسة عشر ميلا من الشمال الغربى لحماة، ولد الأمير أبو المظفر أسامة بن مرشد بن على بن مقلد بن نصر بن منقذ الكلبى الشيزرى، الملقب مؤيد الدولة مجد الدين، وذلك فى يوم الأحد 28من جمادى الآخرة سنة 488، وهذا العام هو الذى ألقى فيه البابا (أوربانوس الثانى) خطابه محرضا المسيحيين على انتزاع بيت المقدس من أيدى المسلمين. وعاش أسامة حياته الطويلة المعمرة معاصرا للحروب الصليبية إلى أن نال صلاح الدين الأيوبى انتصاراته الفاصلة فى تلك الحروب، ثم قضى أسامة نحبه فى ليلة الثلاثاء 23من رمضان سنة 584.
نشأ أسامة فى كنف أبويه وعمه وجدته فى أسرة جل رحالها فرسان محاربون فشب على الفروسية والجرأة النادرة وممارسة الصيد، وملاقاة الأسود، وعنى أبوه بتثقيفه، فكان يحضر له كبار الشيوخ يقبس هو وإخوته منهم العلم، فكان شيخه فى الحديث أبا الحسن على بن سالم السنبسى، وفى الأدب أبا عبد الله محمد بن يوسف المعروف بابن المنيرة، كما قرأ النحو عشر سنين على سيبويه زمانه أبى عبد الله الطليطلى النحوى. وسمع منه الحافظ أبو سعد السمعانى صاحب كتاب الأنساب (562506) والحافظ ابن عساكر (571499) والعماد الأصبهانى (597519) والحافظ عبد الغنى المقدسى (600541).
وخرج أسامة من شيزر سنة 532فأقام بدمشق نحوا من ثمانى سنين فى رعاية صديقه معين الدين أنر، وزير شهاب الدين محمود، حتى نبت به دمشق
__________
(1) ترجم له ابن عساكر فى تاريخ دمشق والسمعانى فى الأنساب فى رسم (الشيزرى) وابن خلكان فى الوفيات، وأبو شامة فى الروضتين، وابن الأثير، وصاحب النجوم الزاهرة والذهبى فى تاريخ الإسلام، وياقوت فى إرشاد الأريب، والعماد الأصبهانى فى الخريدة، كما ترجم هو لنفسه فى كتاب الاعتبار. وانظر دائرة المعارف الإسلامية، ومقدمة الأستاذ الكبير الشنخ أحمد شاكر للباب الآداب، والدكتور فيليب حتى لكتاب الاعتبار. وقد اختصه صديقنا الأستاذ محمد حسين مراقب الفهارس بدار الكتب المصرية بدراسة شاملة تعد أوسع وأغزر ما كتب فى أسامة.(1/176)
فسار إلى مصر فدخلها يوم الحميس فى الثانى من جمادى الآخرة سنة 539فلقى فيها إكراما من الخليفة الفاطمى الحافظ لدين الله عبد المجيد بن المنتصر العلوى. ثم ولى الخلافة ابنه الأصغر الظافر بأمر الله أبو منصور إسماعيل من سنة 549544 وكان وزيره على بن السلار الملقب بالملك العادل. وهذا أرسل أسامة فى سفارة حربية سياسية إلى الملك العادل نور الدين بن زنكى.
وبعد حروب ووقائع استدعاه على بن السلار إلى مصر فمكث بها إلى سنة 549، ثم غادرها مكرها بعد اغتيال الخليفة الفاطمى الظافر الذى حدثت فى عهد خلافته أحداث وفتن قتل فى أثنائها الخليفة ووزيره، وذهب المؤرخون أن لأسامة يدا فى قتلهما. وأما أسامة فإنه يحاول تبرئة نفسه من ذلك (1).
ورجع أسامة من مصر إلى دمشق فأقام بها ردحا من الزمن، ثم رحل بأهله وولده إلى حصن كيفا وأقام بها إلى أن استولى صلاح الدين الأيوبى على دمشق سنة 570. وكان لأسامة ولد يدعى «أبا الفوارس مرهف بن أسامة» وكان ذا منزلة عالية عند صلاح الدين، فظل يصنع لأبيه عند السلطان حتى استدعاه إلى دمشق وهو شيخ قد تخطى الثمانين، فحاز إعجاب صلاح الدين وتقديره وجعله من خاصته بمنزلة المؤامر المستشار. وظل أسامة فى دمشق حتى وافته منيته.
مؤلفاته:
ألف أسامة فى ضروب شتى من العلم، وأشهر كتبه كتاب (الاعتبار) ألفه وهو ابن تسعين، وقد نشر مرتين إحداهما بتحقيق در نبورغ، والأخرى بتحقيق الدكتور فيليب حتى. وكتاب (لباب الآداب) ألفه وهو ابن إحدى وتسعين، وأول ناشر له هو الصديق الجليل الأستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر. و (البديع) فى نقد الشعر. و (الشيب والشباب) عارض به الشريف المرتضى، قال فيه أسامة:
«فمن وقف عليه من الفضلاء عرف ما بينه وبين كتاب الشهاب فى ذكر الشيب والشباب تأليف المرتضى رضى الله عنه، وعلم أن الفضل للمقدم فى البيان لا فى التقدم
__________
(1) الاعتبار 296.(1/177)
فى الزمان (1)». و (ديوان أسامة) وقد صنعه بنفسه كما نص فى كتاب العصا.
ومنه نسخة قديمة تاريخ كتابتها سنة 688دخلت فى خزانة دار الكتب المصرية فى ديسمبر سنة 1947برقم 16877ز، وصورت منها صورتان شمسيتان اعتمدت على إحداهما فى معارضة شعر أسامة.
كتاب العصا:
على أن الذى يعنينا الآن من مؤلفات أسامة هو كتاب العصا. وليس هذا العنوان من ابتداع أسامة، فإنه يذكر لنا فى مقدمة كتابه هذا، الباعث له على هذا التأليف، وهو قصة قصها عليه والده جاء فيها على لسان أبى يوسف القزوينى مخاطبا أبا الحسن بن بوين حين أمسك من كتبه كتابا يسمى «العصا» لمؤلف ضاع اسمه. «ما أحوجك أن يكون ما فى يدك فوقها». قال أسامة (2): «ولى منذ سمعت هذا نحو من ستين سنة أتطلب كتاب العصا بالشام ومصر والعراق والحجاز والجزيرة وديار بكر فلا أجد من يعرفه. وكلما تعذر وجوده ازددت حرصا على طلبه، إلى أن حدانى اليأس منه على أن جمعت هذا الكتاب وترجمته بكتاب العصا، ولا أدرى أكان ذلك الكتاب على هذا الوضع أم على وضع غيره ولا أرتاب أن مؤلف ذلك الكتاب وقع له معنى فأجاد فى تنميقه وتأليفه، وأنا فاتنى مطلوب ففزعت إلى تجويزه وتلفيقه». ويدور فى خلدى أن ذلك الكتاب الذى ظل أسامة يبحث عنه دهرا إنما هو «كتاب العصا» للجاحظ، وهو من مشتملات كتاب البيان والتبيين وأن أسامة إنما التبس عليه الأمر فظن ذلك الكتاب الذى دار حوله الحديث كتابا مستقلا لمؤلف آخر غير الجاحظ، على حين عرف هو كتاب العصا للجاحظ، وقرأه واقتبس منه كثيرا فى كتابه هذا.
وهذا الكتاب الذى ضمنه الجاحظ الجزء الثالث من البيان والتبيين إنما كان محوره مزاعم الشعوبية الذين ذكروا فى مثالب العرب أنهم يعتمدون فى خطبهم على العصا ويتكئون على القوس، «وليس بين الكلام والعصا سبب»
__________
(1) لباب الآداب 377.
(2) فى مقدمته لكتاب العصا.(1/178)
ولا بينه وبين القوس نسب، وهما إلى أن يشغلا العقل ويصرفا الخواطر ويعترضا على الذهن أشبه، وليس فى حملهما ما يشحذ الذهن، ولا فى الإشارة بهما ما يجلب اللفظ وحمل العصا بأخلاق الفدادين أشبه، وهو بجفاء العرب وعنجهية أهل أهل البدر، ومزاولة إقامة الإبل على الطرق أشكل، وبه أشبه (1)».
وقد انبرى الجاحظ لهم فى إسهاب جميل معلنا مزية العصا ومحاسنها، فهو يسوق الأخبار والأشعار، ويزجى الأمثال واللغات، والبراهين والححج على عظم شأن العصا وكريم فضلها، وشدة الحاجة إليها، وقيامها مقام سائر السلاح فى القتال.
وقد نهج أسامة فى صدر كتابه هذا منهجا مقاربا لمنهج الجاحظ، ولكن تآليف أسامة تأبى إلا أن تحمل طابع تأليفه، وهو العناية الظاهرة بسرد ما يعرض له فى حياته من أحداث وما يتلقفه من أخبار، ولا سيما أخبار الصالحين والزهاد (2)، وكذا أخبار الإفرنج وإبداء رأيه فى أخلاقهم وسياستهم.
وهو لا ينسى أن يوشع تأليفه هذا بعرض طائفة من أشعاره. كما صنع فى كتابه الاعتبار، وكتاب لباب الآداب.
ومما هو بالذكر جدير أن كتاب العصا قد أدى إلينا من شعر أسامة ثروة لا يستهان بها، وهى تسعون بيتا زائدا على شعر ديوانه الذى سبقت الإشارد إليه، كما أدى إلينا نصا نادرا لأبى العلاء المعرى، هو نموذج من كتاب (القائف) الذى طوته أحداث الزمان.
نسخة كتاب العصا:
هذه النسخة هى إحدى نسخ ثلاث معروفة:
الأولى نسخة ليدن رقم 370وعليها تاريخ 1094. ومن هذه النسخة نشر در نبورغ مقتطفات منها مع أخرى من ديوان أسامة بعنوان () وذلك فى باريس سنة 1893.
__________
(1) البيان 3: 12.
(2) انظر قصة جرار، وقصة حسن الزاهد.(1/179)
والثانية نسخة الأمبروزيانا بميلان، ورقمها 125وتاريخ نسخها سنة 1067.
والثالثة نسختنا هذه، وربما كانت تمت بسبب إلى إحدى النسختين السابقتين فإنها مكتوبة بخط حديث فى كراسة حديثة أكل الفأر بعض أطرافها.
وقد أمكننى عند التحقيق سد تلك الثغرات والإشارة إليها فى مواضعها، وهى ثغرات قليلة (1).
وهذه النسخة هى التى تفضل الأستاذ الكبير (الدكتور أحمد أمين بك) فأشار على أن أقوم بتحقيقها ونشرها، وثنى بإرسالها إلى فى صحبة رسول كريم، فكان ذلك إسهاما كريما فى (نوادر المخطوطات). فإليه أزجى أجل الشكر وصادق الثناء.
وبدا لى بعد ما استنسخت صورة من هذا الكتاب وعارضتها بالأصل أن أقترح على حضرته إهداء الأصل إلى دار الكتب المصرية فى عهد مديرها الكاتب الكبير (الأستاذ توفيق بك الحكيم) صاحب (العصا)، فوافق هذا الاقتراح منه مناسبة أدبية موفقة. وقد حفظت هذه النسخة بدار الكتب برقم 9813ز.
العصا لا القضا:
وكان صديقى العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر فى مقدمته لكتاب (لباب الآداب) لأسامة قد أشار إلى كتاب العصا، واستظهر أن يكون صوابه «القضا» لا العصا، وبعد فترة من الزمن حين وقعت نسخة كتاب العصا إلى الأستاذ الكبير أحمد أمين بك كتب مقالا فى مجلة الثقافة (2) يقطع الشك باليقين فى تسمية هذا الكتاب، ويعين أن اسمه «العصا» لا القضا، وعرف بالكتاب تعريفا فى مقاله هذا، وعرض طائفة من مشتملاته، وقد أخبرنى حفظه الله فى لقاء قريب، أن نسخته هذه وقعت إليه منذ نحو ثمانى سنوات فى أوراق وكتب اشتراها من مكتبة المرحوم (السيد محمد أمين الخانجى (3)).
وإليك نص كتاب العصا:
__________
(1) أشير إلى ذلك بوضعه بين علامتى التكملة [].
(2) نشر أيضا فى فيض الخاطر 4: 147143.
(3) هذا ما ذكره لى المغفور له الأستاذ أحمد أمين، وحين اطلع على هذا الآخ السيد محمد نجيب أمين الخانجى أخبرنى أن شراء هذه المخطوطة كان منه لا من والده الذى توفى سنة 1358هـ.(1/180)
النص
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمد خاتم النبيبن، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه البررة المتّقين، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، صلاة دائمة إلى يوم الدين.
وبعد فإنّ النفس ترتاح لما سمعت، وتلحّ فى الطلب إذا منعت. وكان الوالد السعيد مجد الدين أبو سلامة مرشد بن على بن مقلّد بن نصر بن منقذ رضى الله عنه، حدّثنى أنّه لما توجه إلى خدمة السلطان ملكشاه (1) رحمه الله، وهو إذ ذاك بأصفهان قصد القاضى الإمام الصدر العالم أبا يوسف القزوينى رحمه الله، عائدا ومسلّما، بمعرفة قديمة كانت بينهما، ويد كانت عنده للجدّ سديد الملك ذى المناقب أبى الحسن علىّ بن مقلّد رحمه الله. وذاك أن القاضى المذكور سافر إلى مصر فى أيام الحاكم صاحب مصر، فأحسن إليه وأكرمه ووصله بصلات سنية، فاستعفى منها وسأله أن يجعل صلته كتبا يقترحها من خزانة الكتب، فأجابه إلى ذلك، فدخل الخزانة واختار منها ما أراده من الكتب، ثم ركب فى مركب وتلك الكتب معه، يريد بلاد الإسلام التى فى الساحل، فتغيّر عليه الهواء فرمى بالمركب إلى مدينة اللاذقية وفيها الروم، فبعل بأمره (2) وخاف على نفسه وعلى مامعه من الكتب، فكتب إلى جدى سديد الملك رحمه الله تعالى كتابا يقول فيه: «قد حصلت بمدينة (3) اللّاذقية بين الروم، ومعى كتب
__________
(1) هو السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان بن محمد بن داود بن ميكائيل، جلال الدولة أبو الفتح السلجوقى، ثالث ملوك السلاجقة، تولى الملك بعد أبيه ألب أرسلان سنة 465، وتوفى سنة 485هو ووزيره نظام الملك الحسن بن إسحاق، صاحب المدرسة النظامية.
(2) بعل بأمره: برم وضجر فلم يدر كيف يصنع فيه.
(3) هذا ما فى خ. وفى الطبعة الأولى: ع [ند].(1/181)
الإسلام، وقد وقعت لك رخيصا فهل أجدك حريصا». فسيّر إليه من يومه ولده عمى عزّ الدولة أبا الم [رهف (1)] نصرا رحمه الله، وسبّر معه خيلا كثيرا من غلمانه وجنده، وظهرا لركوبه وحمل أثقاله، فأتاه وحمله وما معه فأقام عند جدّى رحمه الله مدّة طويلة، وكانت له بالوالد رحمه الله عناية وإلف، فلما اجتاز ببغداد قصده ليجدّد به عهدا، فحدثنى رحمه الله قال:
دخلت عليه ومعى الشيخ أبو الحسن على بن البوينّ الشاعر، وهو كاتب كان لجدّى رحمه الله، فوجدته قد بلغ من العمر إلى ما غيّر ما كنت أعرفه فيه، ونسى كثيرا مما كان يذكره، فلما رآنى عرفنى بعد السّؤال، لأنّه فارقنى وأنا صبىّ ورآنى وأنا رجل، فاستخبرنى عن طريقى، فعرّفته توجّهى إلى دركاه السّلطان (2)، فقال: تبلّغ خواجا بزرك نظام الدّين (3) سلامى، وتعرفه إن الجزء الأول من التفسير الذى قد جمعته قد ضاع، وهو تفسير {«بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ»}
واسأله أن يأمر باستنسساخه من النسخة التى فى خزانته وينفذه لى. وكان جمع تفسير القرآن فى مائة مجلد، وكان لضعفه وكبره مستندا بين الجالس والمستلقى على فراش له، وحوله كتب كثيرة، وهو يكتب، فسلّم عليه الشيخ أبو الحسن بن البوين كاتب الأمير سديد الملك. قال: البوين أى شىء هو؟ لعن الله البوين! ثم فكّر هنيهة وقال: أنت الشاعر النحوى الكاتب؟ قال: نعم. فأنشد:
قالوا السّلامىّ فقلت اطبقى ... ذا محلبان الضّرع لبّان (4)
ثم عاد إلى حديثه معى فلمح الشيخ أبا الحسن وقد أخذ كتابا من تلك
__________
(1) التكملة من خ والنجوم الزاهرة 5: 163. وهو أبو المرهف نصر بن على بن مقلد ابن نصر بن منقذ. وقد تولى شيزر سنة 479وتوفى سنة 492.
(2) الدركاه: القصر، فارسيته دركاه، ومعناه الباب والسدة والدار، مركب من «در» أى باب، ومن «كاه» أى محل، الألفاظ الفارسية المعربة لأدى شير 62.
(3) كذا فى الأصل. وفى الألفاظ الفارسية المعربة 22: «البزرك فارسى محض، ومعناه العظم، لقب به الوزير نظام الملك». وانظر كتاب الاعتبار 175174.
(4) محلبان، عنى به المبالغة من الحلب، ولم أجده فى معجم.(1/182)
الكتب التى حول فراشه فقال: يدخل الإنسان وينبسط ويقرأ ما عنده (1) من الكتب، أى إنّى من أهل العلم، ما أحوجك أن يكون ما فى يدك فوقها! فألقاه من يده، وكان الكتاب كتاب العصا.
ولى منذ سمعت هذا نحو من ستين سنة أتطلب كتاب العصا بالشام ومصر والعراق والحجاز والجزيرة وديار بكر فلا أجد من يعرفه، وكلّما تعذّره وجوده ازددت حرصا على طلبه، إلى أن حدانى اليأس منه على أن جمعت هذا الكتاب وترجمته بكتاب العصا. ولا أدرى أكان ذلك الكتاب على هذا الوضع أم على وضع غيره. على أنّى قد بلّغت النفس مناها، وكانت حاجة فى نفس يعقوب قضاها. ولا أرتاب فى أن مؤلّف ذلك الكتاب وقع له معنى فأجاد فى تأليفه وتنميقه، وأنا فاتنى مطلوب ففرغت إلى تجويزه وتلفيقه (2). وكتابى هذا وإن كان خاليا من العلوم التى يتجمّل [أصحاب (3)] التصانيف بها، ويرغب أولو الفضل فى طلبها، فما يخلو من أخبار وأشعار تميل النفوس إليها، ويحسن موقعها ممن وقف عليها. وقد افتتحته بذكر عصا موسى عليه السلام، ثم ذكر عصا سليمان بن داود عليه السلام، ثم أفضت فى ذكر الأخبار والأشعار التى يأتى فيها ذكر العصا. ولا أدّعى أنى أنيت على ذكر العصا فيما جمعته، وإنما أدرت منه ما حفظته وسمعته.
وبالله عزّ وجل أعو [ذ] وأعتصم، من أن تكتب يدى ما يؤثم وبصم (4). ومن رحمته تعالى أطلب الصفح والغفران، عن اشتغالى بالترهات عن تلاوة القرآن، وهو سبحانه أقرب م [دعوّ]، وأكرم مرجوّ.
__________
(1) كذا: ولعله يريد «ما يلقاه فى مجلسه».
(2) فرغ إلى الشىء: عمد له وقصد. وفى حديث أبى بكر:» افرغ إلى أضيافك»، أى اعمد واقصد. والتجويز: الإنفاذ والإمضاء، وليس ما يضطرنا إلى تصحيحها لتكون:
«تحويره».
(3) ليست فى الأصل.
(4) يصم، من الوصم، وهو العيب.(1/183)
فصل فى تسمية العصا
قال أبو بكر محمد بن دريد رحمه الله (1): إنما سميت العصا عصا لصلابتها، مأخوذ من قولهم عصّ الشىء وعصا وعسا (2)، إذا صلب. واعتصت النواة، إذا اشتدّت. فإنما العصا مثل يضرب للجماعة. يقال شقّ فلان عصا المسلمين والجماعة.
وفى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم: «إياك وقتيل العصا (3)» يريد المفارق للجماعة فيقتل. وألقى الرجل عصاه، إذا اطمأنّ مكانه. ويقال عصا وعصوان، والجمع العصىّ (4)، وأعصى الكرم، إذا خرج عيدانه (5). وفى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم: «لا ترفع عصاك عن أهلك» يراد به الأدب. ويقال لعظام الجناح عصىّ. وعصوت الجرح، إذا داويته (6). والعصيان: خلاف الطاعة. قال دريد بن الصمة:
فلما عصونى كنت منهم وقد أرى ... غوايتهم وأننى غير مهتد (7)
وقد سمّيت الهراوة، وجمعها (8) هراوى. قال ابن فارس فى كتاب مجمل اللغة:
هروته بالهراوة، إذا ضربته بها.
قال العباس بن مرداس السّلمى أبياتا ذكر فيها الهراوة أنا ذاكراها وموردها لحسنها وجزالتها، وهى من مختار الشعر. وقد اختارها أبو تمام حبيب ابن أوس الطائى فى حماسته فى باب الأدب (9)، وهى:
__________
(1) لم أجد كلامه هذا فى الجمهرة ولا فى الاشتقاق.
(2) يقال أيضا: «عسى» كرضى.
(3) فى الأصل: «وقتل العصا». وهو من حديث صلة بن أشيم، رواه فى نهاية ابن الأثير واللسان (عصا) باللفظ الذى أثبته. وقالا: معناه إياك أن تكون قاتلا أو مقتولا فى شق عصا المسلمين.
(4) يقال بضم العين وكسرها.
(5) فى القاموس واللسان: «خرج عيدانه ولم يثمر».
(6) فى الأصل: «أى داويته»، وأثبت ما فى خ.
(7) من قصيدة فى الأصمعيات 2423والحماسة 1: 336.
(8) فى الأصل: «وأصلها».
(9) الحماسة 202.(1/184)
ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وفى أثوابه أسد مزير (1)
ويعجبك الطّرير فتبتليه ... فيخلف ظنّك الرجل الطرير (2)
فما عظم الرّجال لهم بفخر ... ولكن فخرهم كرم وخير (3)
ضعاف الطير أطولها جسوما ... ولم تطل البزاة ولا الصّقور (4)
بغاث الطّير أكثرها فراخا ... وأمّ الصقر مقلات نزور (5)
بغاث الطير: صغارها، وفيها ثلاث لغات: ضم الباء وفتحها وكسرها.
والمقلات: التى لا يعيش لها ولد
لقد عظم البعير بغير لبّ ... فلم يستغن بالعظم البعير
يصرّفه الصبىّ بكلّ وجه ... ويحبسه على الخسف الجرير (5)
الجرير: حبل يكون فى رأس البعير
وتضربه الوليدة بالهراوى ... فلا غير لديه ولا نكير
فإن أك فى شراركم قليلا ... فإنّى فى خياركم كثير
ذكر أبو هلال العسكرى اللغوى رحمه الله فى كتاب الأوائل قال: أول من خطب على العصا وعلى الرّاحلة قس بن ساعدة الإيادى، فممّا ورد عنه من خطبه قوله (6):
أيها الناس: اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكلّ ماهو آت آت. ليل داج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال
__________
(1) المزير، الشديد القلب القوى النافذ. وفى الأصل: «يزير»، صوابه، فى الحماسة واللسان ومقاييس اللغة (مزر) ومجالس ثعلب 162. ورواه ثعلب: «الرجل الضعيف».
(2) الطرير: الشاب الناعم ذو الروء والمنظر. هذا البيت يروى أيضا للمتلمس، وليس فى ديوانه. انظر اللسان (طرر).
(3) الخير، بالكسر: الكرم والشرف.
(4) فى الأصل: «يطل»، وأثبت ما فى خ.
(5) الوجه: الجهة. والخسف: الذل.
(6) انظر البيان والتبيين 1: 309308والأغانى 14: 40ومجمع الأمثال للميدانى عند قولهم: (أبلغ من قس).(1/185)
مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة. ما بال الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا فأقاموا، أم تركوا فناموا. يقسم قسّ بالله قسما لا إثم فيه: إن لله دينا هو أرضى وأفضل من دينكم الذى أنتم عليه. إنكم لتأتون من الأمر منكرا.
ثم أنشأ يقول:
فى الذاهبين الأول ... ين من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا ... للقوم ليس لها مصادر
ورأيت قومى نحوها ... يمضى الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضى إل ... ىّ ولا من الباقين غابر
أيقنت أنّى لا محا ... لة حيث صار القوم صائر
قال المؤلف أطال الله بقاءه العرب تقول: فلان ممن قرعت له العصا، إذا كان يرجع إلى الصواب، وينقاد إلى الحق، ويستقيم عند زيغه (1) إذا نبّه.
وتقول: فلان صلب العصا، إذا كان ذا نجدة وحزامة. وتقول إذا تفرقت الخلطاء واختلفت آراء العشيرة ومرج الأمر: انشقت العصا. وتقول للمسافر إذا آب واستقرّت به داره. ألقى عصا التسيار، «فألقت عصاها».
قرع العصا
قال النبى صلى الله عليه وسلم: «[ما] قرعت عصا على عصا إلا فرح لها قوم وحزن آخرون».
قال الحجاج بن يوسف الثقفى فى بعض خطبه (2): «والله لأعصبنكم عصب السّلمة، وألحونّكم لحو العصا، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل. يا أهل العراق،
__________
(1) الزيغ: الميل عن الحق، فى الأصل: «عند ربعه»، صوابه من خ.
(2) جمع أسامة هنا بين نصين لخطبتين من خطب الحجاج، أولاهما فى البيان 2: 138 والعقد 4: 115وابن أبى الحديد 1: 114والطبرى 7: 212. إعجاز القرآن 124.
والأخرى فى البيان 2: 307والكامل 215ليبسك والعقد 4: 119وصبح الأعشى 1: 218وعيون الأخبار 2: 243وابن الأثير 4: 156.(1/186)
يا أهل الشقاق والنفاق، ومساوى الأخلاق. إنى والله سمعت لكم تكبيرا ليس بالتكبير الذى يراد به الله فى الترغيب، ولكنه الكتبير الذى يراد به الترهيب.
يا عبيد العصا وأشباه الإماء (1)، إنما مثلى ومثلكم ما قاله ابن برّاقة الهمدانى (2):
وكنت إذا قوم غزونى غزوتهم ... فهل أنا فى ذايال همدان ظالم (3)
متى تجمع القلب الذكىّ وصارما ... وأنفا حميّا تجتنبك المظالم
والله لا تقرع عصا على عصا إلا جعلتها (4) كأمس الدّابر.
وقال وعلة بن الحارث بن ربيعة (5):
وزعمت أنّا لا حلوم لنا ... إن العصا قرعت لذى الحلم (6)
أقتلت سادتنا بغير دم ... إلا لتوهن آمن العصم (7)
وقال كثيّر بن عبد الرحمن الخزاعى:
وقد قرع الواشون فيها لك العصا ... وإن العصا كانت لذى الحلم تقرع
ذو الحلم: عامر بن الظّرب العدوانى (8)، وكان حكما للعرب يرجع إلى حكمه ورأيه، فكبر وأفناه الكبر والدهر وتغيّرت أحواله، فأنكر عليه الثانى من ولده أمرا من حكمه فقال له: إنك ربّما أخطأت فى الحكم ويحمل عنك.
فقال: اجعلوا لى أمارة أعرفها، فإذا أخطأت وقرعت لى العصا رجعت إلى الحكم.
فكان يجلس أمام بيته يحكم ويجلس ابنه فى البيت ومعه العصا، فإذا زلّ وهفا
__________
(1) فى البيان: «وأولاد الإماء».
(2) هو عمرو بن براقة، أو ابن براق، كما ذكر صاحب الأغانى 21: 113 وهو أحد عدائى العرب، ذكره تأبط شرا فى قصيدته الأولى من المفضليات:
ليلة صاحوا وأغروا بى سراعهم ... بالعيكتين لدى معدى ابن براق
(3) هذا ما فى خ والبيان، وفى الأصل: «ياهل».
(4) فى الأصل: «جعلها» صوابه فى خ.
(5) كذا فى النسختين، والصواب: «الحارث بن وعلة» كما فى البيان 3: 38 والحماسة 1: 64.
(6) فى البيان والحماسة: «وزعمتم ألا حلوم لنا».
(7) العصم: جمع أعصم وعصماء، وهو الوعل بإحدى يديه بياض.
(8) انظر للخلاف فى «ذى الحلم» أمثال الميدانى فى (إن العصا قرعت لذى الحلم» والمعمرين للسجستانى 45.(1/187)
قرع له الجفنة بالعصا. وإياه عنى المتلمس بقوله:
لذى الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علّم الإنسان إلا ليعلما
(صلب العصا) يقال فلان صلب العصا، إذا كان جلدا قويا على السفر والسّير. قال الراعى يصف راعيا:
صلب العصا بضربه دمّاها (1) ... إذا أراد رشدا أغواها (2)
قوله بضربه أى بسيره. قال الله تبارك وتعالى: {«وَإِذََا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ»}:
سافرتم. وقوله «دمّاها» أى تركها كالدّمى، واحدتها دمية، وهى الصور [فى] المحاريب. وقوله «أغواها» أى رعاها الغواء (3)، وهو نبت تسمن عليه ا [لإبل].
وقال [أبو (4)] المجشّر الضبى:
فإن تك مدلولا على فإننى ... كريمك لا غمر ولا أنا فان (5)
وقد عجمتنى العاجمات فأسارت ... صليب العصا جلدا على الحدثان (6)
صبورا على عضّ الخطوب وضرسها ... إذا قلّصت عن الفم الشفتان (7)
__________
(1) فى اللسان (دمى): «برعيه دماها».
(2) الرشد، هنا: حب الرشاد. انظر كتاب الإنصاف والتحرى فى تعريف القدماء بأبى العلاء 564.
(3) لم أجد من ذكر هذا النبات. وفى خ: «الغوى» ولم أجده كذلك.
(4) هذه التكملة من حماسة ابن الشجرى 60واللسان (أبى). وذكر كلاهما أنه شاعر جاهلى.
(5) رواه فى اللسان (دلل). وفى الأصل: «فإن يك» تحريف. يقال: ما دلك على، أى ما جرأك على. كريمك، هى فى اللسان: «لعهدك»، ولعل هذه «كعهدك». الغمر، بتثليث الغين: الذى لا تجربة له. وفى الأصل وخ: «غم»، وصوابه من اللسان. والفانى: الشيخ الكبير.
(6) عجمته العاجمات: خبرته. وفى حماسة ابن الشجرى: «لقد عجمتنى النائبات»، أسأرت: أبقت.
(7) الضرس: العض بالأضراس، ومثله التضريس. قال الأخطل:
كلمح أيدى مثاكيل مسلبة ... يندبن ضرس بنات الدهر والخطب(1/188)
(انشقّت العصا) العرب تقول: فلان يشقّ العصا، إذا كان لا يدخل تحت حكم ولا طاعة مخالفا لأمر الآمرين. ويستعمل شقّ العصا فيمن يتفرق عنه أحبابه، ويظعن عنه أصحابه فيظهر مكنون سرّه، ويبوح مخفّى أمره (1)، لضرورة البين الداعية إلى ذلك.
قال أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرىّ فى كتابه المسمى بالقائف (2):
«مر ركب بشجرة مورية (3)، فافتضب إنسان منهم عصا ثم شقّها، ثم جعل يقتدح قريبا من الشجرة فأورى الزند فقالت الشجرة: يا هذا ما أسرع ما ظهر سرّك، وسوف ترغّب الرّكب فى اتخاذ زناد منى، فأحور عيدانا فى أيدى القوم. فقال: لا تلمنى، المغرورة، أظهرت سرّى ضرورة».
وقال قيس بن ذريح:
إلى الله أشكو نية شقّت العصا ... هى اليوم شتّى وهى أمس جميع (4)
مضى زمن والناس يستشفعون بى ... فهل لى إلى لبنى الغداة شفيع
وأول هذه القصيدة:
سقى طلل الدار الذى أنتم بها ... حناتم وبل صيّف وربيع (5)
__________
وقال زهير:
ومن لم يصانع فى أمور كثيرة ... يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
وفى الأصل: «وصربها»، صوابه فى حماسة ابن الشجرى. وروى بعده فى الحماسة:
وقبلك ما هاب الرجال ظلامتى ... وفقأت عين الأشوس الأبيان
(1) باح الشىء يبوح: ظهر. والمخفى، المستور المكتوم، يقال خفيته وأخفيته.
(2) ذكره أبو العلاء فى تصانيفه التى ألفها، وقال: «كتاب القائف على معنى كليلة ودمنة ألفت منه أربعة أجزاء ثم انقطع تأليفه بموت من أمر بعمله، وهو عزيز الدولة». انظر تعريف القدماء بأبى العلاء.
(3) مورية: تورى النار، أى تخرجها. وفى الأصل: «موزية».
(4) قصيدة هذه الأبيات تختلط أبياتها بشعر المجنون اختلاطا، وتروى حينا للمجنون، وحينا القيس. القالى 1: 137136والحيوان 5: 194193وعيون الأخبار 1: 261 والأغانى 8: 126وحماسة ابن الشجرى 158157.
(5) الحناتم: سحائب سود، الواحدة ختمة. الصيف: المطر الذى يجىء فى الصيف.
والربيع: أول مطر يقع بالأرض أيام الخريف، كما فى اللسان.(1/189)
قال المؤلّف أطال الله علاه: وقد صرّعت هذه الأبيات جميعا وأثبتها فى ديوان شعرى، وأنا ذاكر تصريع هذين البيتين لما فيهما من ذكر العصا.
قال غفر الله له:
أيرجو لى اللاحى من الحبّ مخلصا (1) ... وقلبى إذا ما رضته بالأسى عصا
ولو أن ما بى بالحصى فلق الحصى ... إلى الله أشكو نية شقّت العصا
هى اليوم شتّى وهى أمس جميع
أطاعت بنا لبنى افتراء التكذّب ... وصدّ التجنّى غير صدّ التجنّب (2)
فيالك من دهر كثير التقلب ... مضى زمن والناس يستشفعون بى
فهل لى إلى لبنى الغداة شفيع
وقال المؤلّف أطال الله بقاءه أيضا أبيانا فى ذكر العصا، وهى:
رمتنا الليالى بافتراق مشتّت ... أشتّ وأنأى من فراق المحصّب (3)
تخالفت الأهواء وانشقّت العصا ... وشعّبنا وشك النوى كلّ مشعب (4)
وقد نثر التوديع من كلّ مقلة ... على كل خدّ لؤلؤا لم يثقّب
المصراع الثانى من البيت الأول من قصيدة لامرىء القيس بن حجر الكندى واسمه حندج (5)، والحندجة: الرملة الصغيرة (6). وأول القصيدة:
__________
(1) فى الأصل: «من الذنب»، والوجه ما أثبت من الديوان 364.
(2) فى الديوان: «غير صد التعتب».
(3) ديوان أسامة 60ومسالك الأبصار ج 10ص 50مصورة دار الكتب المصرية.
المحصب: موضع رمى الجمار بمنى.
(4) فى الديوان والمسالك: «وشعبهم».
(5) عرف امرؤ القيس بلقبه هذا: امرؤ القيس. واسمه جندح بن حجر بن عمرو ابن الحارث. ويكنى أبا وهب وأبا الحارث، ويلقب أيضا بذى القروح. والقيس فى اللغة: الشدة وقيل هو اسم صنم، قالوا: ولهذا كان يكره الأصمعى أن تروى:
* يا امرأ القيس فانزل *
وكان يرويه: «يا امرأ الله». شرح أبى بكر لديوان امرىء القيس.
(6) وقيل الرملة العظيمة وقيل رملة طيبة تنبت ألوانا من النبات.(1/190)
خليلى مرّابى على أمّ جندب ... نقضّ لبانات الفؤاد المعذّب
ومنها البيت:
فلله عينا من رأى من تفرق ... أشتّ وأنأى من فراق المحصّب (1)
وقال أبو الحسن مهيار بن مرزويه الدّيلمى، من جملة قصيدة له:
ما قصرت يد الزّمان شدّ ما ... تطول فى نقصى وفى نقض مرر (2)
عصا شظايا ومشيب رائع ... ومنزل ناء وأحباب غدر (3)
وصاحب كالداء إن أخفيته ... غوّر وهو قاتل إذا استتر (4)
وقال المؤلف أطال الله بقاءه:
زدنى جوى يا حبّهم وأضلّنى ... يا مرشدى عن منهج السّلوان
لا تنهنى عنهم فإنّ صبابتى ... لا تستطيع تطيع من ينهانى (5)
أحببتهم أزمان غصنى ناضر ... حتّى عسا وعصى بنان الحانى (6)
فارجع بيأسك لست أول آمر ... شقّ الغرام عصاه بالعصيان (7)
__________
(1) فى شرح الديوان: «المحصب من فارقه لا يرجع إليه. وقال ابن السيرافى:
المحصب: الموضع الذى يرمى فيه بحصى الجمار، ثم كانت تجمتع العرب من الأماكن المختلفة فيرى وينظر الرجل إلى وجوه النساء فربما هوى الرجل منهم بعض من هوى من النساء، فإذا تم حجهم مضوا فى طرق شتى».
(2) ديوان مهيار 1: 413من قصيدة كتب بها إلى أبى القاسم هبة الله بن على بن ماكولا وفى الديوان: «يا قصرت» فيكون هذا دعاء عليها. وفى الديوان أيضا: «فى ثلمى». والمرر:
جمع مرة، وهى الطاقة من طاقات الحبل، كناية عن الشدة. وأراد نقض مررى. فحذف ياء المتكلم. وفى الديوان: «المرر».
(3) رائع، هى فى الأصل «زائع» صوابه فى خ. وفى الديوان: «ومشيب عنت».
(4) غور، من قولهم غور الماء فى الأرض: ذهب فيها وسفل. وفى الديوان: «عور» بالمهملة. وفى الأصل: «وهو قائل»، صوابه من خ والديوان.
(5) كذا فى فى خ وديوان أسامة 54. وفى الأصل: «لا تنه عنهم»، تحريف.
(6) البنان: الأصابع، أو أطرافها. والحانى: الذى يحاول أن يحنيه ويلويه.
(7) فى الأصل: «أول امرىء»، تحريف صوابه فى خ.(1/191)
وقال أيضا:
كم ذا التجنى وكثرة العلل ... لا تأمنوا من حوادث الملل
ولا تقولوا صبّ بنا كلف ... فأوّل اليأس آخر الأمل
ولست ممن يريد شقّ عصا ... الذّنب ذنبى والحب شفّع لى (1)
هبونى أخطأت عامدا فهبوا ... خجلة عذرى ما كان من زللى (2)
وقال امرؤ القيس بن حجر الكندى:
إذا ما لم تكن إبل فمعزى ... كأنّ قرون جلتها العصىّ
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع ورىّ
أى كفاك. وكذلك حسبك الله، أى كفاك.
العرب تقول: «طارت عصا بنى فلان شفقا». وقال الأسدى:
عصىّ الشمل من أسد أراها ... قد انصدعت كما انصدع الزّجاج
ويقال: «فلان شقّ عصا المسلمين»، ولا يقال شقّ ثوبا ولا غير ذلك مما يقع عليه اسم الشقّ (3).
(ألقى العصا) يقال ألقى عصا التسيار، إذا أقام وترك السفر. وكأنّ العرب عنت بقولها «ألقى عصاه» أى وصل إلى بغيته ومراده، أو وطنه ومراده، وراحته، ومظنة استراحته. قال الأصمعىّ واسمه عبد الملك بن قريب قصيدة مدح بها جعفر بن يحيى البرمكى ورحل إليه فمات قبل أن يصل إليه، وذكر فيها العصا، وهى قصيدة طولى أنا مورد منها نبذة لأجل العصا، وهى:
فخطّت إليها مناقيلها ... وألقت عصا السّفر السّفّر (4)
__________
(1) فى الديوان 40: «يشفع لى».
(2) فى الأصل: «حجلة عذرى»، صوابه من الديوان.
(3) الكلام من «العرب تقول» إلى هنا، مقتبس من البيان والتبين 3: 4039.
(4) المناقيل: جمع منقل بفتح الميم وكسرها، وهو الخف، وزيادة الياء فى مثل هذا الجمع جائز عند الكوفيين اطرادا. والسفر هنا: جمع سافر، وهو الذى خرج إلى السفر، مثل راكع وركع. ومع قياسيته لم أجده فى المعاجم. وفى الأصل: «المسفر»، وأثبت ما فى خ.(1/192)
وقال راشد بن عبد الله (1):
وخبّرها الرّوّاد أن ليس بينها ... وبين قرى نجران والدّرب كافر (2)
فألقت عصاها واستقرّت بها النّوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر (3)
وقال آخر (4):
فألقت عصا التّسيار عنها وخيّمت ... بأجباء عذب الماء بيض محافره (5)
الجبا: ما حول البئر، مفتوح الجيم مقصور، وجمعه أجباء ممدود. وقوله «بيض محافره» يريد أنه [لم] (6) يحفر فى أرض سوداء، ولا من دمن، بل هى أرض صلبة.
وقوله: «خيمت»، أى اتخذت [خيمة] (7) فأقامت.
روى أن قتيبة بن مسلم (8) لما تسنّم منبر خراسان سقط القضيب من يده فتطيّر له صديقه، وتشاءم (9) عدوّه، فعرف ذلك قتيبة، فحمد الله تعالى عليه ثم قال:
ليس كما سرّ العدوّ وساء الصديق، بل كما قال الشاعر:
فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى ... كما قر عينا بالإياب المسافر
قال المؤلف أطال الله بقاءه: قال جدّى الأمير سديد الملك والمناقب أبو الحسن
__________
(1) كذا. وفى البيان 3: 40نسبة البيت الثانى إلى مضرس الأسدى، وفى اللسان (عصا) نسبته إلى عبد ربه السلمى، أو سليم بن ثمامة الحنفى، أو معقر بن حمار البارقى. ونسب البيت الثانى فى المؤتلف للآمدى 92إلى معقر بن حمار.
(2) الكافر، هنا: المطر، كما فى اللسان (كفر، عصا) عند إنشاد البيت.
(3) النوى: الوجه الذى ينويه المسافر، وهى مؤنثة. وكذا ورد البيت فى البيان والمخصص 12: 61/ 15: 172/ 16: 11. وفى اللسان (عصا): «واستقر». وترك تأنيث الفعل فى مثل هذا جائز. وفى اللسان (نوى): «واستقر» أيضا، وهذا لا يتفق مع الغرض الذى سبق له الاستشهاد.
(4) هو مضرس الأسدى، كما فى البيان 3: 40.
(5) فى البيان: «بأرجاء».
(6) كلمة «لم» من خ.
(7) التكملة من خ.
(8) الخبر فى عيون الأخبار 2: 259ومحاضرات الراغب 1: 70.
(9) خ: «تشأم»، وكلاهما صحيح، من التشاؤم.(1/193)
علىّ بن مقلد رحمه الله، يخاطب بعض ولاة حلب:
خيّمت فى حلب العواصم بعد ما ... قلّدت خوفك نازح الأقطار
لا ترضها دار الثّواء ولا تقل ... فى مثلها تلقى عصا التّسيار
استحى من أجداث قومك أن ترى ... عرض البسيطة وهى دار قرار
قال المؤلف أطال الله بقاءه: حدثنى من أثق به فى شوال سنة سبع وستين (1)
وخمسمائة بحصن كيفا (2) قال: كان فى خدمة الأمير نجم الدولة مالك بن سالم صاحب قلعة جعبر (3) رجل عوّاد يقال له أبو الفرج حدثنى قال: كنت يوما فى مجلس الأمير نجم الدولة وهو يشرب إلى [أن (4)] سكر، وانصرفت إلى منزلى، فما كان أكثر من مضىّ ساعتين من الليل إذ وافانى رسوله فقال: الأمير يستدعيك.
فقلت: ما نزلت حتّى سكر! قال: هو أمرنى بإحضارك. فمضيت معه فرأيت الأمير جالسا، فقال: يا أبا الفرج، بعد انصرافكم نمت فرأيت إنسانا يغنّينى صوتا حفظته ثم أنسيته، وأريد أن تذكره لى. فقلت: يا مولاى، اذكر لى منه كلمة. فقال: ما أذكر منه شيئا ولكن اعرض علىّ ما يحضرك. فعرضت عليه أصواتا كثيرة وهو يقول: ما هذا الصوت الذى أربته (5)! ثم قال: انصرف وأفكر لعلك تذكره. فانصرفت وأصبحت من بكرة طلعت إلى خدمته فقال:
يا أبا الفرج، أىّ شىء كان من الصوت؟ قلت: يا مولاى، لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى. قال: والله لئن لم تذكره لأخرجنّك من القلعة. فقلت:
والله يا مولاى ما أدرى، ما أذكر (6) من صوت ما سمعته ولا ذكرت لى منه كلمة واحدة؟! فقال خذوه وأخرجوه. فأخرجونى إلى «البليل (7)» فأقمت فيه يوما
__________
(1) هذا ما فى خ. وفى الأصل: «تسع وستين».
(2) مدينة وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر من ديار بكر.
(3) قلعة جعبر، على الفرات مقابل صفين التى كانت بها الوقعة. وكانت تعرف أولا بدوسر، فتملكها رجل من بنى نمير يقال له جعبر بن مالك، فغلب عليها فسميت به.
(4) التكملة فى خ.
(5) هذا ما فى خ. وفى الأصل: «رأيته».
(6) فى الأصل: ما أذكره»، صوابه فى خ.
(7) فى الأصل: «البلبل» صوابه فى خ. وفى القاموس أن البليل كزبير شريعة صفين.(1/194)
ثمّ ردّنى وعدت فى الخدمة كما كنت. فأنا يوما فى المجلس أغنّى إذ قال لى بعض الفراشين: على الباب رجل يطلبك. فخرجت إليه فرأيت رجلا عليه عمامة مطلّسة كعمائم المغاربة، فسلم علىّ وقال: قد قصدتك لتتوصّل لى فى الحضور بمجلس الأمير فأنا رجل مغنّ. فدخلت وأعلمته به فقلت: يا مولاى، إن كان مجيدا سمعته واستخدمته، وإلا وهبته شيئا وانصرف. فأذن له فدخل فسلّم وجلس فشد عودة وغنّى:
وخبّرها الروّاد أن ليس بينها ... وبين قرى نجران والدرب كافر
فألقت عصاها واستقرّت بها النوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر
فقال الأمير: لا إله إلا الله، هذا والله الصوت الذى رأيته فى منامى وطلبته منك. فعجبت أنا ومن حضر لهذا الاتفاق
(عصا الأعرج). وقال المؤلف أطال الله بقاءه فى أعرج بيتين على سبيل الرياضة ذكرهما وإن لم يكن فيها ذكر العصا:
عابوا هوى شادن فى رجله قصر ... من سكر ألحاظه فى مشيه ثمل (1)
وما هوى خوط بان ماس من هيف ... عيب، وإن كان عيبا فهو محتمل
فصل
قال المؤلف أطال الله بقاءه: زرت المقدس فى سنة اثنتين وث [لاثين] (2)
وخمسمائة، وكان معى من أهله من يعرّفنى المواضع التى يصلّى فيها ويتبرك [بها (2)]، فدخل بى إلى بيت جانب قبّة الصخرة فيه قناديل وستور، فقال لى: هذا بيت السلسلة. فاستخبرته عن السلسلة فقال لى: هذا بيت كانت فيه على عهد بنى إسرائيل سلسلة، إذا كان بين اثنين من بنى إسرائيل محاكمة ووجبت اليمين على أحدهما دخلا هذا البيت، فوقفا تحت السلسلة، واستحلف المدّعى عليه، ثم يمديده
__________
(1) البيتان فى ديوان أسامة ص 191.
(2) التكملة من خ. وكذا التكملة التالية.(1/195)
فإن كان صادقا أمسك السلسلة، وإن كان كاذبا طالت عن يده فلا يصل إليها.
فأودع رجل من بنى إسرائيل جوهرا عند رجل، ثم طلبه منه فقال: أعطيتك إياه.
فقال: تحاكمنى إلى السلسلة. فمضى المستودع فأخذ عصا فشقها وحفر فيها للجوهر وتركه فيها، ثم ألصقها عليه ودهنها، وأخذها فى يده ودخل مع خصمه بيت السلسلة فقال للخصم: أمسك عنّى هذه العصا. فمسكها ثم حلف له أنه سلّم الجوهرة إليه ومدّ يده فأمسك السلسلة ثم عاد أخذ العصا وخرجا، فارتفعت السلسلة من ذلك اليوم.
ولم أر هذا الحديث مسطورا، وإنما أوردته كما سمعته.
قال المؤلف أطال الله بقاءه: كان عندنا بشيزر رجل زاهد من خيار المسلمين، اسمه جرّار (1)، رحمه الله، وكان منقطعا على مسجد على جبل جريجس لا يخرج منه إلّا على صلاة الجمعة، وكنت أزوره فيه وأتبرّك به. فحدّثنى بعض من كان يخالطه أنه قال: أردت زيارة الشيخ يس رحمه الله وأظنه كان بمنبج فخرجت أنا ورفقة لى، وفى نفسى أن أطلب منه عصا، فلما صرنا بالقرب من منبج ومعنا فضلة من زادنا فتحنا رحم حجارة (2) ودفنّها فيه ثم رددنا عليه الحجارة، ودخلنا على الشيخ رحمه الله فأقمنا عنده ما أقمنا، ثم ودّعناه وعزمنا على المسير، فأحضر لنا زادا وقال: احملوا هذا فإنّ زادكم أكله الثّعلب. وأحضر عصا وأخرج من تحت عمامته طاقيّة (3) وقال لى: خذ هذه العصا وهذه الطاقية. فودّعنا وانصرفنا وأنا مسرور بالعصا والطّاقية، ونحن
__________
(1) فى خ: «حريجس».
(2) الرجم، بالضم: جمع وجمة، وهى حجارة ضخام مجموعة.
(3) يراد بالطاقية ضرب من القلانس تدار عليه العمامة، وهى وإن كانت عربية اللفظ فإنها لم تذكر فى المعاجم. كأنها منسوبة إلى الطاق، وهو ضرب من الثياب، الطيلسان، أو الأخضر منه. وقد استعمل الفرس هذا اللفظ. وفسره استينجاس فى المعجم الفارسى الإنجيزى 807806بقوله أى عصابة تلبس تحت لباس الرأس.(1/196)
نعجب من قوله عن الزاد. فلمّا صرنا إلى الموضع الذى فيه الزّاد طلبناه فلم نجده، وإذا الوحش قد أكلته، فسرنا ثم افترقنا وركب كلّ (1) منّا قصده، فوصلت إلى أرض شيزر، وإذا الفرنج قد أغاروا على البلد، وهم منتشرون فيما بينى وبين قصدى، فوقع فى نفسى أن أخرجت الطاقيّة من تحت عمامتى ووضعتها على رأس العصا ومشيت على الطّريق، والفرنج عن يمينى وشمالى وبين يدىّ والعصا فى يدى وعليها الطاقية، فلا والله ما عارضنى منهم أحد، كأنّ الله سبحانه وتعالى أعمى أبصارهم عنّى، فما نالنى منهم سوء حتّى وصلت إلى مأمنى.
قال المؤلف أطال الله بقاءه: ولعلّ من يقف على هذا الحديث يدفعه ويكذّبه. وقد جرى بشيزر ما هو أعجب من هذا، وأنا حاضر نزل الفرنج علينا فى بعض السّنين، وكان الماء بيننا وبينهم، وهو إذ ذاك زائد لا يمكن خوضه، فما كان لنا إليهم سبيل ولا لهم إلينا، فلما تبيّنوا ذلك انتشروا فى الأرض ودخلوا فى البساتين يرعون خيلهم، فجاء نفر منهم إلى بستان على جانب الماء ومعهم خيلهم، فتركوها ترعى فى قصيل من البستان (2) وناموا، فتجرّد رجال من أصحابنا وسبحوا إليهم ومعهم سيوفهم، فقتلوا منهم وجرحوا بعضهم، وانتشر الصّياح فى الفرنج وهم فى خيمهم ففزعوا وجاءوا مثل السّيل، كلّ من ظفروا به قتلوه، وانتهى بعضهم إلى مسجد مما يليهم يعرف بمسجد أبى المجد بن سميّة، ونحن نراهم ولا سبيل لنا إليهم، وفى المسجد [رجل (3)] يعرف بحسن الزاهد رحمه الله، واقف يصلّى على سطحه وعليه ثياب سود صوفا، وباب المسجد مفتوح، فجاء الفرنج وترجّلوا ودخلوا المسجد، ونحن نقول: الساعة يقتلون الشّيخ.
__________
(1) خ: «كل رجل».
(2) القصيل: ما اقتصل واقتطع من الزرع أخضر. ولم يظهر فى الأصل إلا «قص».
وفى خ: «فصيل»، صوابهما ما أثبت.
(3) ليس لها موضع فى الأصل، وإثباتها من خ كما توقعت فى الطبعة الأولى.(1/197)
فلا والله ما قطع صلاته ولا تحرّك من مصلّاه، ونحن نظنّ أنّهم يرونه كما نراه، إلّا أنّ الله سبحانه وتعالى أعمى أبصارهم عنه، وحماه من كيدهم، وخرجوا من المسجد بأجمعهم وانصرفوا، والشيخ رحمه الله فى مصلّاه كما كان. وما العيان كالإخبار والسّماع.
قال المؤلف أطال الله بقاءه: حضرت بدمشق وقد وقع بين العميان وبين رجل كان يتولّى وقفهم يعرف بابن البعلبكّىّ خلف، فلقوا فيه صاحب دمشق شهاب الدين محمود بن تاج الملوك بورى رحمه الله (1) عدّة مرار، فقال للأمير مجاهد الدين بوزان (2) بن ما مين: أى مجاهد الدين، بالله (3) خلّصنى منهم، واجمعهم وأحضر نائبهم فى الوقف وافصل حالهم. فقال: السّمع والطاعة. وقال لى مجاهد الدين: تفضّل واحضر معنا. فاجتمعنا فى إيوان كبير فى دار، وحضر النائب ابن البعلبكى ونائب كان قبله يقال له ابن الفرّاش، وحضر العميان فى نحو من ثلاثمائة رجل، فحملوا أقدمهم (4) ودخلوا الإيوان، كلّ واحد وعصاه معه فى يده وضعها إلى جنبه، ثم تجاروا الحديث (5)، فكان بعضهم هواه مع النائب الأول ابن الفراش، وبعضهم هواه مع ابن البعلبكى. فتنازعوا وتخاصموا ساعة ولا يتدخّل بينهم لعلوّ أصواتهم وكثرتهم، ثم تواثبوا فارتفع فى الإيوان نحو من ثلاثمائة عصا فى أيدى عميان (6) لا يدرون من يضربون. وعلا الضّجيج والصّياح حتّى ندمت على حضورى. فتلطّفنا الأمر حتّى سكنت الفتنة بينهم، ومشّينا (7) أمرهم على ما أرادوا، وما صدّقنا أنهم ينصرفون.
__________
(1) قتل سنة 533فى مؤامرة لجماعة من الأمراء. النجوم الزاهرة.
(2) رسمت فى خ «بزان».
(3) هذا ما فى خ. وفى الأصل: «تالله».
(4) فى الأصل: «قدامهم»، وأثبت ما فى خ.
(5) تجاروا فى الحديث: جروا فى المناظرة والجدال. وفى الأصل: «تحاوروا»، وأثبت ما فى خ.
(6) فى الأصل: «العميان»، وأثبت ما فى خ.
(7) فى الأصل: «ومشيا» صوابه فى خ.(1/198)
العصا فرس جذيمة الأبرش (1)
قال المؤلف أطال الله بقاءه: ومع ما أوردته فيه من قول أصحاب السّير وأشعار الشعراء فلا يحقّق ذلك (2) من مارس الحروب وعرف مكايدها، واتّقاء الرجال التغرير، والتخوّف من سوء عواقب الحيلة وضعف المكيدة. والحزم فى الحرب أبلغ من الإقدام. وقد حاربت الفرنج فى مواقف ومواطن لا أحصى عددها كثرة فما رأيتهم قطّ كسرونا فلجّوا فى طلبنا، ولا يزيدون خيلهم عن الخبب والنّقل، خوفا من مكيدة تتمّ عليهم. فكيف يحكم من فى رأسه لبّ على نفسه حتّى يدخل فى غرارة مشدودة عليه (3) أو فى تابوت (4)، وكيف يخفى الرّجل إذا ربطت عليه غرارة.
وخطر لى أن قلت عند انتهائى إلى هذا الموضع أبياتا أنا ذاكرها، وهى:
لو سرت فى عرض البسيطة طالبا ... رجلا خبيرا بالحروب مجرّبا (5)
عانى الحروب مجاهرا ومخاتلا ... طفلا إلى أن عاد همّا أشيبا
قتل الأسود ونازل الأبطال فى ال ... هيجاء واقتاد الكمىّ المحربا (6)
__________
(1) وهى التى قيل فيها المثل: «إن العصا من العصية»، وجذيمة الأبرش هذا، هو جذيمة بن مالك الأزدى ملك الحيرة، وقد نجا قصير بن سعد اللخمى على فرسه هذه فأخذ بثأره وقتل الزباء، فى حديث طويل. اللسان (عصا) والخيل لابن الكلبى 31وحلية الفرسان نشرة الأستاذ محمد عبد الغنى حسن 159.
(2) أى لا يعده حقا.
(3) بشير إلى ما صنعه عمرو بن عدى بمشورة قصير، من حمله الرجال على الإبل فى غرائر ليتمكنوا من دخول مدينة الزباء. انظر مجمع الأمثال فى (خطب يسير فى خطب كبير)، والأغانى 14: 71ومروج الذهب 2: 96.
(4) فى الأصل: «وفى تابوت»، والوجه ما أثبت من خ.
(5) هذه الأبيات مما لم يرو فى ديوان أسامة.
(6) قال أسامة بن منقذ: وقد شهدت قتال الأسد فى مواقف لا أحصيها، وقتلت عدة منها لم يشركنى أحد فى قتلها، فما نالنى من شىء منها أذى. الاعتبار 1344نشرة فيليب حتى.(1/199)
لم تلق مثلى من يكاد يريه حس ... ن الرأى ما قد كان عنه مغيّبا
وأرى مسير الألف تطلب وترها ... ضمن الغرائر فربة وتكذّبا (1)
فصل
قال الفرزدق فى قصيدة مدح بها هشام بن عبد الملك (2):
رأيت بنى مروان جلّت سيوفهم ... عشا كان فى الأبصار تحت العمائم (3)
عصا الدين والعودين والخاتم الذى ... به الله يعطى ملكه كلّ قائم
عصا الدين: السيف. والعودان: العصا والمنبر
رأيت الغشاوات انجلت حين أعطيت ... هشاما عصا الدين الذى لم يخاصم (4)
فصل
قال معن بن أوس المزنى:
إذا اجتمع القبائل كنت ردفا ... أمام الماسحين لك السبالا (5)
فلا تعطى عصا الخطباء فيهم ... وقد تكفى المقادة والمقالا
وقال آخر فى عصا الخطابة:
إذا اقتسم الناس فضل الفخار ... أطلنا إلى الأرض ميل العصا (6)
__________
(1) الألف، يعنى ألفا من الجنود.
(2) قالها وهو محبوس. ديوان الفرزدق 847845.
(3) جلت، من التجلية، وهى الإجلاء والطرد.
(4) هذا البيت لم يرو فى قصيدة الفرزدق. وفى الأصل: «تخاصم»، صوابه فى خ
(5) البيتان فى ديوان معن بن أوس، رواية القالى، ص 25ليبسك 1903. وهما فى البيان 1: 372/ 3: 10. السبال: جمع سبلة، وهو مقدم اللحية. ومسح اللحى كناية عن التهدد والتوعد، أو هو تأهب للكلام. انظر تفسير البغدادى فى الخزانة 1: 525 لقول الشماخ:
أتتنى سليم قضها بقضيضها ... تمسح حولى بالبقيع سبالها
(6) البيان 1: 72/ 3: 8.(1/200)
تقول العرب (1): ما تزال تحفظ أخاك حتى يأخذ القناة فعند ذلك يفضحك أو يمدحك. نقول: إذا قام الخطيب والقناة بيده فقد قام المقام الذى يخرج منه (2) مذموما أو محمودا.
وقال جرير بن عطية:
من للقفاة إذا ماعىّ قائلها ... أم للأعنّة يا عمرو بن عمار (3)
عن عبد الله بن رؤبة بن العجاج قال: سأل رجل رؤبة عن أخطب بنى تميم، فقال: خداش بن لبيد بن بيبة بن خالد. يعنى البعيث الشاعر. وإنّما قيل له البعيث لقوله:
تبعّث منى ما تبعّث بعد ما ... أمرّت حبالى كلّ مرّتها شزرا (4)
قال أبو اليقظان: كانوا يقولون: أخطب بنى تميم البعيث إذا أخذ القناة فهزّها ثم اعتمد بها على الأرض ثم رفعها. يريد بالقناة العصا.
قال يونس: لئن كان مغلّبا فى الشعر لقد غلّب فى الخطب (5).
العرب تقول: اعتصى بالسيف، إذا جعل السيف عصا. وقال عمرو بن الإطنابة:
وفتى يضرب الكتيبة بالسّي ... ف إذا كانت السيوف عصيا (6)
وقال [عمرو بن (7)] محرز:
نزلوا إليهم والسيوف عصيّهم ... وتذكّروا دمنا (8) لهم وذحولا
__________
(1) هو قول أبى المجيب الربعى، كما فى البيان 1: 373/ 2: 10.
(2) فى البيان: «الذى لابد من أن يخرج منه».
(3) نبهت فى البيان أن صواب روايته: «يا عقب بن عمار». انظر ديوان جرير 237236.
(4) البيان 1: 374/ 3: 10.
(5) انظر البيان 1: 374/ 2: 312/ 3: 11.
(6) البيان 3: 77والأغانى 10: 28.
(7) التكملة من الأغانى 10: 28ولم ترد فى الأصل ولا فى خ.
(8) الدمن: جمع دمنة، وهو الحقد القديم. والذحول: جمع ذحل، وهو الثأر.(1/201)
فصل جامع
قال عمرو بن بحر الجاحظ: الدليل على أن [أخذ] (1) العصا مأخوذ من أصل كريم، ومعدن شربف، اتّخاذ سليمان بن داود عليهما السلام العصا لخطبته وموعظته، ومقاماته، وطول صلواته وتلاوته وانتصابه، فجعلها لتلك الخصال [جامعة (2)].
وقول الله عزّ وجل: {(فَلَمََّا قَضَيْنََا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مََا دَلَّهُمْ عَلى ََ مَوْتِهِ إِلََّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ)}. والمنسأة هى العصا. وقال أبو طالب حين قام بذمّ الرجل (3) الذى ضرب أبا نبقة (4) (وفى نسخة أبا نيقة) واسمه علقمة (5)، حين تخاصما:
أمن أجل حبل ذى زمام ضربته ... بمنسأة قد جاء حبل وأحبل (6)
و (المحجنة (7)): العصا المعوجّة. وفى الحديث المرفوع أنه صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت يستلم الأركان بمحجنه (8). وفى الحديث أن أبا بكر رضى الله عنه أفاض من جمع وهو يخرش بعيره بمحجنه (9).
والعرب تقول: «لو كان فى العصا سير» للمقلّ والضعيف. قال أبو تمّام حبيب بن أوس الطائى:
__________
(1) التكملة من البيان 3: 30.
(2) التكملة من البيان.
(3) خ: «يذم الرجل».
(4) الذى فى نسخ البيان والتبيين: «الذى ضرب زميله». انظر 3: 30.
(5) أبو نبقة، ورد اسمه فى السيرة 775فيمن قسم لهم الرسول صلى الله عليه وسلم فى مقاسم خيبر. وترجم له ابن حجر فى الإصابة 1136فى باب الكنى. والذى فى الإصابة أن علقمة هو والد أبى نبقة، واسم أبى نبقة عبد الله بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف.
وقد ورد ذكر علقمة بن المطلب بن عبد مناف فى جمهرة أنساب العرب لابن حزم 66.
(6) البيت فى البيان 3: 30وليس فى ديوان أبى طالب مخطوط الشنقيطى بدار الكتب.
وهو مع بيتين آخرين فى اللسان (نسأ). ورواية اللسان والبيان: «أمن أجل حبل لا أباك»
(7) يقال محجن ومحجنة.
(8) كذا فى خ والبيان 3: 85واللسان. وفى الأصل: «بمحجنة».
(9) جمع، هى المزدلفة. وفى خ: «بمحجنة». وخرشه: ضربه بالمحجن يجتذبه إليه، وفى خ: «يحرش» بالخاء المهملة، ومعناه حك فى غاربه ليمشى.(1/202)
يا لك من همّة ورأى ... لو أنه فى عصاك سير (1)
ربّ قليل أجدى كثيرا ... كم مطر بدؤه مطير
صبرا على الحادثات صبرا ... ما فعل الله فهو خير
وتقول العرب: قد أقبل فلان و [لانت (2)] عصاه، إذا أصابه السّواف وهو ذهاب المال وموته فرجع وليس معه إلا العصا، فإنه لا يفارقها إن كان معه إبل أولا. قال حميد بن ثور (3):
واليوم ينتزع العصا من ربّها ... ويلوك ثنى لسانه المنطيق (4)
قيل: كانت العرب تقاتل بالعصىّ، فلهذا قال الأعشى ميمون بن قيس ابن جندل:
لسنا نضارب بالعص ... ىّ ولا نقاذف بالحجاره (5)
إلا بكلّ مهند ... عضب من البيض الذّكاره (6)
قضم المضارب باتر ... يشفى النفوس من الحراره (7)
وقال جندل الطّهوىّ:
حتّى إذا دارت عصانا تجرى (8) ... صاحت عصىّ من قنا وسدر (9)
تقول العرب: «العصا من العصيّة والأفعى من الحية». تريد أن الأمر الكبير يحدث من الصغير (10).
__________
(1) الأبيات مما لم يرو فى ديوان أبى تمام. وهى فى البيان 3: 67. ورواية الأولى:
* مالك من همة وعزم *
(2) الكملة من البيان 3: 52.
(3) خ: «حميد بن سعيد».
(4) فى البيان 3: 53 «تنتزع العصا»، وفى مجالس ثعلب 119واللسان (نطق): «والنوم ينتزع».
(5) ديوان الأعشنى 115والبيان 3: 15.
(6) الذكارة، بالكسر: جمع ذكر، والذكر من الحديد: أيبسه وأشده.
(7) الفضم: الذى تكسر حده مما طال عليه الدهر وكثر به الضراب.
(8) فى البيان 3: 15: «رحى لا تجرى»، يعنى رحى الحرب.
(9) قال أبو منصور: القناة من الرماح: ما كان أجوف كالقصبة.
(10) خ: «عن الصغير».(1/203)
والعرب تسمّى الصغير الرأس: رأس العصا. وكان عمر بن هبيرة (1) صغير الرأس، فقال فيه سويد بن الحارث:
[من مبلغ رأس العصا أن بيننا ... ضغائن لا تنسى وإن قدم الدهر
وقال آخر (2)]:
[من مبلغ رأس العصا أن بيننا ... ضغائن لا تنسى وإن هى سلّت
رضيت لقيس بالقليل ولم تكن ... أخا راضيا إن صدر نعلك زلّت
أى لم تكن قيس ترضى لك بالقليل.
وقال أبو العتاهية فى والبة بن الحباب وقومه وكانت رءوسهم صغارا:
رءوس عصىّ كن فى عود أثلة ... لها قادح يفرى وآخر مخرب (3)
وفى حديث زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد (4)
رضى الله عنها وقد تكلّم أبو طالب وذكر رغبته فيها فقال قائل منهم (5): «ابن أخيك الفحل لا يقرع بالعصا أنفه». وذلك أنّ الفحل اللئيم إذا أراد الضّراب فى الإبل ضربوا أنفه بالعصا.
وفى خطبة الحجاج: «والله لأعصبّنكم عصب السّلمة، ولأضربّنكم ضرب غرائب الإبل». وذلك أنّ الأشجار تعصب أغصانها لتجتمع، ثم تخبط بالعصا ليسقط ورقها وهشيم العيدان لتأكله الماشية.
__________
(1) عمر بن هبيرة بن سعد بن عدى بن فزارة، ولى العراقين ليزيد بن عبد الملك ست ستين وكان يكنى أبا المثنى. المعارف 286.
(2) هذه التكملة من البيان 3: 41.
(3) القادح: أكال يقع فى الشجر والأسنان. انظر البيان 3: 41.
(4) الخبر يروى فى زواجه من خديجة، كما فى اللسان (قدع، قرع)، ويروى فى زواج من أم حبيبة.
(5) القائل فى خبر خديجة هو ورقة بن نوفل أو عمرو بن أسد بن عبد العزى، كما فى اللسان، وفى خبر أم حبيبة أبو سفيان بن حرب، كما فى البيان 3: 44. وفى خ: «قائلهم».(1/204)
قال المؤلف أطال الله بقاءه: زرت قبر يحيى بن زكريا عليهما السلام بقرية يقال لها سبسطيّة (1) من أعمال نابلس، فلما صلّيت خرجت إلى ساحة بين يدى الموضع الذى فيه القبر محوّط عليها، وإذا باب مردود ففتحته ودخلت، وإذا كنيسة فيها نحو من عشرة شيوخ رءوسهم مكشوفة كأنها القطن المندوف، وقد استقبلوا الشّرق وفى صدورهم عصىّ فى رءوسها عوارض معوجّة على قدر صدر رجل، وهم معتمدون عليها، وشيخ بين يديهم يقرأ (2)، فرأيت منظرا يرقّ له القلب، وساءنى وآسفنى إذ لم أر فى المسلمين من هو على مثل اجتهادهم. فمضت على ذلك مدّة فقال لى يوما معين الدين أنر (3) رحمه الله وأنا وهو نسير عند دار الطّواويس: اشتهى أنزل أزور المشايخ. قلت: الأمر كذلك. فنزلنا ومشينا إلى منزل عرضى (4) طويل، فدخلناه وأنا أظن أن ما فيه أحد، وإذا فيه نحو من مائة سجّادة وعلى كل سجّادة رجل من الصوفية عليهم السكينة، والخشوع عليهم ظاهر. فسرّنى ما رأيت منهم، وحمدت الله عزّ وجلّ، إذ رأيت فى المسلمين من هو أكثر اجتهادا من أولئك القسوس، ولم أكن قبل ذلك رأيت الصوفيّة فى دارهم، ولا عرفت طريقهم.
ويقال «يوم أطول من ظل القناة، وأحرّ من دمع المقلات» قال عبد الله ابن الدّمينة (5):
ويوم كظلّ الرمح قصّر طوله ... دم الزّقّ عنا واصطفاق المزاهر (6)
__________
(1) سبسطية كأحمدية: بلد من عمل نابلس، فيه قبر زكريا ويحيى عليهما السلام. وضبطه ياقوت بفتح أوله وثانيه وتسكين ثالثه وكسر رابعه وتخفيف خامسه ولم يظهر فى الأصل إلا «بطية»، وتصحيحه من خ.
(2) فى الأصل: «ويمتح بين أيديهم بقراء»، والصواب من خ.
(3) كذا ورد مضبوطا ويضبط أيضا بضم النون. انظر النجوم الزاهرة: 286. وكان معين الدين وزيرا لحاكم دمشق شهاب الدين محمود بن تاج الملوك بورى، وتوفى سنة 544 كما فى النجوم الزاهرة.
(4) كذا فى الأصل وخ. والمراد عريض.
(5) الصواب يزيد بن الطثرية كما فى الحيوان 6: 179.
(6) دم الزق، عنى به الخمر فى حمرتها. والمزاهر: جمع مزهر، وهو العود الذى يضرب به.(1/205)
ويقال رجل كالقناة، وفرس كالقناة. قال عروة بن الورد (1):
متى ما يجىء يوما إلى المال وارثى ... يجد جمع كفّ غير ملأى ولا صفر (2)
يجد فرسا مثل القناة وصارما ... حساما إذا ما هزّ لم يرض بالهبر (3)
ويقال للرجل إذا لم يكن معه عصا: باهل وناقة باهل إذا كانت بغير صرار (4).
فصل
فى بديع ما جاء فى عصا الكبر:
وقال المولى مؤيّد الدّولة مؤلّف هذا الكتاب أطال الله بقاءه فى المعنى:
أسفى على عصر الشباب تصرّمت ... أيامه لا بل على أيامى (5)
لم أبكه أسفا على مرح الصّبا ... ووصال غانية وشرب مدام
لكن على جلدى وخوضى معركا ... يرتاع فيه الموت من إقدامى
بيدى حسام كلّما جرّدته ... يوم الوغى أغمدته فى الهام
ولصدر معتدل الكعوب حطمته ... فى صدر كبش كتيبة قمقام (6)
ونزال فرسان الهياج وكلّهم ... فرق لهول تقحّمى ومقامى (7)
ولقتلى الأسد الضّوارى نحطها ... كالرّعد قعقع فى متون غمام (8)
تلقى إذا لاقيتها أسدا له ... بأس يبيح به حمى الأجسام (9)
__________
(1) الصواب أنه حاتم الطائى. ديوانه 121والحماسة 2: 374. والبيتان فى البيان 3:
59 - بدون نسبة.
(2) جمع الكف، بالضم، هو قدر أن تجمع أصابعها وتضمها. يقول: لا يجد عندى الوارث كثيرا ولا قليلا، بل شيئا بين بين.
(3) الهبر: قطع اللحم. يقول: يأبى إلا أن يخالط العظم.
(4) الصرار: خيط يشد فوق خلفها لئلا يرتضعها ولدها. البيان 3: 74.
(5) هذه الأبيات مما لم يرو فى ديوان أسامة. تصرمت: تقطعت.
(6) الكبش: الرئيس والقائد. والقمقام: السيد الواسع الفضل.
(7) الفرق: الخائف الفزع.
(8) النحط: صوت معه توجع.
(9) خ: «حمى الآجام» جمع أجمة، وهى الشجر الكثيف الملتف.(1/206)
لو أنّ عين أبى زبيد عاينت ... فتكاته لأقرّ بالإحجام (1)
فحملت من بعد الثّمانين العصا ... متيقّنا إنذارها لحمامى
وقال أيضا أطال الله بقاءه فى المعنى:
مع الثمانين عاث الضّعف فى جلدى ... وساءنى ضعف رجلى واضطراب يدى (2)
إذا كتبت فخطّى جدّ مضطرب ... كخطّ مرتعش الكفين مرتعد (3)
وإن مشيت وفى كفّى العصا ثقلت ... رجلى كأنى أخوض الوحل فى الجلد (4)
فاعجب لضعف يدى عن حملها قلما ... من بعد حطم القنا فى لبّة الأسد
فقل لمن يتمنّى طول مدّته ... هذى عواقب طول العمر والمدد
قال المؤلف أطال الله بقاءه: دخل علىّ بالموصل سنة ست وعشرين وخمسمائة رجل من أهل الموصل نصرانىّ يعرف بابن تدرس (5)، وهو شبخ كبير يمشى على عصا ليسلم علىّ، وأنشدنى والعصا بيده قبل السلام:
أحمد الله إذ سلمت إلى أن ... صرت أمشى وفى يدى عكّازه
نعمة ليتنى بقيت عليها ... حذرا أن أشال فوق جنازه (6)
وقال آخر:
عصيت العصا أيّام شرخ شبيبتى ... فلما انقضى شرخ الشباب أطعتها
أحمّلها ثقلى ويحسب كلّ من ... رآها بكفّى أننى قد حملتها
__________
(1) أبو زبيد الطائى، حرملة بن المنذر، كان نصرانيا مخضرما، وكان أوصف الناس للأسد، وصفه يحضرة عثمان بن عفان وصفا مرعبا، فقال له عثمان: اسكت قطع الله لسانك فقد أرعبت قلوب المسلمين. انظر الشعر والشعراء 260والأغانى 11: 3023والمعمرين 86والجمحى 132والخزانة 2: 156155.
(2) هذه الأبيات مما لم يرو أيضا فى ديوان أسامة. وقد أنشدها فى الاعتبار 163.
وانظر ابن خلكان 1: 63والمسالك 10: 500مصورة دار الكتب.
(3) فى الأصل والمسالك: «لخط مرتعش»، والوجه ما أثبت من خ والاعتبار.
(4) الجلد: الغليظ من الأرض.
(5) خ: «بابن مرزينا».
(6) فى الأصل: «خالدا لا أشال»، وأثبت ما فى خ.(1/207)
وقال المؤلّف رحمه الله (1):
حملت ثقلى فى السهل العصا ... ونبت بى حين حاولت الحزونا (2)
وإذا رجلى خانتنى فلا ... لوم عندى للعصا فى أن تخونا (3)
قال المؤلف: وأنشدنى العميد أبو الحسن على بن أبى الآمال بالموصل فى سنة ست وعشرين وخمسمائة، ولم يسمّ القائل:
ما زلت أركب شاكلات الربرب ... حتّى مشيت على العصا كالأحدب (4)
وتزلّ رجلى كلّما ثبّتها ... فكأننى أمشى الوحى فى الطّحلب (5)
أأزبد ثالثة وأنقص عن مدى ... مشى اثنتين لقد أتيت بمعجب
والليث لو بلغت سنوه سنّى أو ... قاربنها، أمسى فريسة ثعلب (6)
قال: وأنشدنى القاضى الرشيد أحمد بن الزبير بمصر سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، للشاعر المعروف بابن المكر بل (7):
تقوّس بعد طول العمر ظهرى ... وداستنى الليالى أىّ دوس
فأمشى والعصا تمشى أمامى ... كأن قوامها وتر لقوس
قال المؤلف رحمه الله: أنشدنى الخطيب مجد الدين أبو عمران موسى ابن الخطيب قدوة الشريعة يحيى الحصكفىّ (8) رحمه الله، بظاهر ميّا فارقين فى شعبان سنة إحدى وستين وخمسمائة:
__________
(1) كذا فى الأصل. وفى خ: «أطال الله بقاءه» هنا وفى سائر المواضع.
(2) فى الأصل، خ: «وثبت بى حين حاولت الحرونا»، صوابه فى الديوان 323. والحزون:
جمع حزن، بالفتح، وهو ما غلظ من الأرض.
(3) فى الأصل: «فى العصا أن تخونا»، ولا يسنقيم به الوزن، وصوابه فى خ الديوان.
(4) شاكلة الشىء: جانبه.
(5) فى الأصل: «فى الطلب»، وأثبت ما فى خ.
(6) فى الأصل: «سنوه سنتى أو قاربت»، صوابه فى خ.
(7) خ: «بالمكربل».
(8) نسبة إلى حصن كيفا، وهى بلدة وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر من ديار بكر. ويحيى هذا، هو أبو الفضل يحيى بن سلامة بن الحسن الخصكفى الخطيب، ترجم له فى خريدة القصر، وسرد طائفة من خطبه وأشعاره.(1/208)
كبرت إلى أن صرت أمشى على العصا
لتجبر ما أعرى الزّمان من الوهن (1)
يقولون ما تشكى وهل من شكاية
أشدّ على الإنسان من كبر السنّ (2)
قال: وأنشدنى أيضا لبعضهم:
[حملت العصا لا الضّعف أوجب حملها ... علىّ ولا أنّى تحنّيت من كبر]
ولكننى ألزمت نفسى حملها ... لأعلمها أن المقيم على سفر
قال: وأنشدنى بها الموفّق نصر بن سلطان لبعضهم:
كل أمر إذا تفكرت فيه ... وتأملته تراه طريفا
كنت أمشى على اثنتين قويا ... صرت أمشى على ثلاث ضعيفا
قال المؤلف رحمه الله:
إذا تقوّس ظهر المرء من كبر ... فعاد كالقوس يمشى والعصا وتر (3)
فالموت أروح شىء يستريح به ... والعيش فيه له التعذيب والضرر (4)
وقال أيضا فى المعنى (5):
إذا عاد ظهر المرء كالقوس والعصا ... له حين يمشى وهى تقدمه وتر
وملّ تكاليف الحياة وطولها ... وأضعفه من بعد قوّته الكبر
فإن له فى الموت أعظم راحة ... وأمنا من الموت الذى كان ينتظر
وقال المؤلف رحمه الله:
حنانى الدهر وأفن ... تنى الليالى والغير
فصرت كالقوس ومن ... عصاى للقوس وتر
__________
(1) فى الأصل: «ليخبر ما أعدى الزمان على الوهن»، صوابه فى خ.
(2) شكيت، لغة فى شكوت.
(3) فى الأصل وخ: «فعادة القوس»، صوابه من الديوان 318.
(4) فى الديوان: «أروح آت».
(5) الأبيات التالية فى ديوانه 319.(1/209)
أهدج فى مشيى وفى ... خطوى فتور وقصر
كأننّى مقيد ... وإنما القيد الكبر
والعمر مثل الماء، فى ... آخره يأتى الكدر
وأنشدنى الأمير السيد شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن شهاب الدين العلوى الحسينى، بالموصل فى شوال سنة خمس وستين وخمسمائة، لبعض المغاربة:
ولى عصا فى طريق السّير أحمدها ... بها أقدّم فى تأخيرها قدمى
كأنها وهى فى كفّى أهشّ بها ... على ثمانين عاما لا على غنمى
كأننى قوس رام وهى لى وتر ... أرمى عليها رماء الشّيب والهرم
قال المصنف رحمه الله: وحدثنى الشريف الإمام شمس الدين أبو المجد على ابن على بن الناصر (1) للحق الحسينى الحنفى بالموصل، فى شهر رمضان سنة خمس وستين وخمسمائة قال: خرج خواجا بزرك (2) وفى يده عصا، وهو ينشد هذين البيتين:
بعد الثمانين ليس قوه ... لهفى على قوّة الصّبوّه (3)
كأننى والعصا بكفّى ... موسى ولكن بلا نبوّه
قال: وأنشدنى أيضا قال: أنشدنى والدى أبو الحسن على قال: أنشدنى والدى أبو طالب يحيى قال: أنشدنى والدى الأمير أبو شجاع وقد علت سنّه وحمل العصا:
أهدى لى الدهر رجلا منه ثالثة ... ما كان أحسننى أمشى بثنتين
أمشى بها وهى تمشى بى معاونة ... ما كان أحسننى أمشى بلا عون
__________
(1) خ: «الناصر الحق».
(2) هو نظام الملك الطوسى الحسن بن على بن إسحاق. انظر ما سبق فى صفحة 186، 187.
(3) هذان البيتان نسبا إلى نظام الملك، كما فى وفيات الأعيان. وهذه النسبة لا تستقيم، والشعر نفسه يأباها فإن نظام الملك ولد سنة 408وقتل سنة 485، أى إنه لم يصل إلى الثمانين.
والصواب نسبتها إلى أبى الحسن محمد بن أبى الصقر الواسطى، كما فى الوفيات فى ترجمة نظام الملك. وابن أبى الصقر هو محمد بن على بن الحسن، ولد سنة 409وتوفى سنة 498.
ورواية ابن خلكان: «قد ذهبت شرة الصبوه». وكلمة «الصبوة» لم أجد لها سندا فى المعاجم، وفيها «الصبو» بدون هاء.(1/210)
هديّة كنت آباها فصيّرها ... إلىّ بالرغم منى قرّة العين
بان الشباب وجاء الشّيب يصحبه ... يا ليتها صحبة تبقى بلا بين
وقال المؤلف رحمه الله:
ويح السّنين ومرّها ... ماذا بنا هى فاعله
جعلت عصاى ولم تكن ... شغلى لكفّى شاغله
محمولة هى فى المجا ... ز وفى الحقيقة حامله
والعمر ألجأنى إلي ... ها والقوى المتخاذله
والنّفس عما سوف تل ... قى حين تسلم غافله
وجميع مكروهاتها ... فى العيشة المتطاوله
قال المؤلف رحمه الله (1).
قصّر خطوى وحنى صعدتى ... مزورّ دهر خائن خابل (2)
وصار كفّى مالكا للعصا ... من بعد حمل الأسمر الذابل
أمشى بضعف وانحناء على ... عصاى مشى الصائد الخاتل
كأنّنى لم أمش يوم الوغى ... إلى نزال البطل الباسل
ولم أشقّ الجيش لا أختشى ... من الردى كالقدر النازل
فانظر إلى ما فعل العمر بى ... من طوله لم أحظ بالطّائل
يا حسرتا إنّى غدا ميّت ... على فراشى ميتة الخامل
هلّا أتانى الموت يوم الوغى ... بين القنا والأسل الناهل
وقال أيضا (3):
نظرت إلى ذى شيبة متهدّم ... أفناه ما أفنى من الأعوام (4)
يمشى وتقدمه العصا وقد انحنى ... فكأنها وتر لقوس الرامى
__________
(1) الأبيات التالية مما لم يرد فى ديوانه.
(2) فى الأصل: «وقنا صعدتى خاتل»، صوابه فى خ.
(3) وهذه الأبيات أيضا مما لم يرد فى ديوانه.
(4) فى الأصل: «أفنى وكم أفنى»، صوابه فى خ.(1/211)
ورأت سمات الأريحيّة والنّدى ... ودلائل المعروف والإقدام
واستخبرت عنّى فقلت لها امرؤ ... نائى المواطن من كرام الشّام
نبت الديار به وضاق فسيحها ... عنه ففارقها بغير ملام
قالت من أىّ الناس أنت فقلت من ... أولاد منقذ فى ذرى وسنام
من معشر أبدا تروح رماحهم ... بدم العدى مخضوبة الأعلام
تحمى البلاد سيوفهم وتبيح ما ... تحميه دونهم سيوف الحامى
النازلين بكلّ ثغر خائف ... والآمنين معرّة الجرّام (1)
وإذا أناخ السائلون بجوّهم ... عادوا ثقال الظّهر بالإنعام (2)
كم فيهم عند الحقوق إذا عرت ... من باذل متبرّع بسّام (3)
تغنى يداه إذا هما همتا ندى ... فى المحل عن صوب الغمام الهامى
يتهلّلون طلاقة ويخافهم ... لسطاهم الآساد فى الآجام (4)
قالت فأين هم فقلت أبادهم ... دهر وهل باق على الأيام
ووددت لو ناهلتّهم كأس الردى ... ووردت قبلهم حياض حمامى
فحياة مثلى بعد عزّ باذخ ... ومعاشر غلب ومال نام
ونفاذ أمر لا يردّ، يطيعه ... فيما قضى العاصى من الأقوام (5)
لأشدّ من غصص الحمام وراحتى ... بالموت غاية منيتى ومرامى (6)
فبكت بزفرة موجع لو صادفت ... حجرا لذاب من الزّفير الحامى
وقال أيضا:
حمّلت ثقلى بعد ما شبت العصا ... فتحملته تحمّل المتكاره
__________
(1) المعرة: الأذى والجناية. والجرام: جمع جارم، وهو الجانى. وفى الأصل: «الحرام».
(2) الجو: ما انخفض من الأرض. وفى الأصل: «بنحوهم»، صوابه فى خ.
(3) فى الأصل: «متترع»، صوابه ما أثبت من خ.
(4) السطا، أراد بها السطوات.
(5) أى إن العاصى يخضع له. وفى الأصل: «مطيعه فيما قضى القاضى»، صوابه فى خ.
(6) فى الأصل: «لا شك»، صوابه فى خ.(1/212)
ومشت به مشى الحسير بوقره ... لا يستقل مقيّدا بعثاره (1)
ما آدها ثقلى ولكن ثقل ما ... أبقى الشباب علىّ من أوزاره (2)
ورجاى معقود بمن أعطى أخا ... السّبعين عهدة عنقه من ثاره
وقال أيضا (3):
غرضت من الحياة فكلّ عمرى ... تصرّم بالحوادث والخطوب (4)
فما ظفرت يدى بسرور يوم ... بغير هموم حادثة مشوب
صبا كالسّكر أعقبه شباب ... تقضّى بالوقائع والحروب
ووافى بعده شيب بغيض ... فلا سقيا لأيام المشيب
أرانى طيب لذّاتى ولهوى ... يعدّ من الجهالة والعيوب
وأدّانى إلى كبر وضعف ... وأدواء خفين على الطبيب (5)
إذا رمت النّهوض ظننت أنّى ... حملت ذرى الشّناخب من عسيب (6)
فإن أنا قمت بعد الجهد أمشى ... فمشيى حين أعجل كالدّبيب
تسيّرنى العصا هونا وخلفى ... مسير الموت كالرّيح الهبوب
وأفنى الموت إخوانى وقومى ... وأترابى فها أنا كالغريب
وفيما قد لقيت ردى وموت ... ولكن ليس قلبى كالقلوب
__________
(1) فى الأصل: «بعشاره»، صوابه من خ والديوان 323.
(2) كلمة «على» ليست فى الأصل، وإثباتها من خ والديوان.
(3) الأبيات التالية مما لم يرد فى ديوانه.
(4) يقال غرض غرضا، من باب تعب: أى أدركه الملال والضجر. وفى الأصل: «غوضت»، صوابه فى خ. وقال أسامة أيضا فى ديوانه 46:
غرضت من الهجران والشمل جامع ... ولم يتعمدنا بفرقتنا الدهر
(5) فى الأصل: «وأدواء جفين»، صوابه فى خ.
(6) ظننت، هى فى الأصل: «هممت». صوابه فى خ. والشناخب: جمع شنخوب، وهو رأس الجبل وأعلاه. وعسيب: جبل بعاليه نجد.(1/213)
وقال أيضا:
إن ضعفت عن حمل ثقلى رجلى ... ورابنى عثارها فى السهل (1)
أمشى كما يمشى الوجى فى الوحل ... مشى الأسير موثقا بالكبل
فللعصا عندى عذر المبلى (2) ... إن عجزت أو ضعفت عن حملى
وقال أيضا وكتب بها فى كتاب إلى ولده الأمير عضد الدين أبى الفوارس مرهف إلى مصر يطلب منه عصا من آبنوس (3):
أريد عصا من آبنوس تقلّنى ... فإن الثّمانين استعادت قوى رجلى
ولو بعصا موسى اتّقيت لآدها ... على ما بها من قوّة حملها ثقلى
ولكن تمنّينا الرّجاء بباطل ... وكم قدر ما ترخى المنايا وكم تملى (4)
إذا بلغ المرء الثمانين فالرّدى ... يناد به بالتّرحال من جانب الرّحل
وقال أيضا (5):
لما بلغت من الحياة إلى مدى ... قد كنت أهواه تمنيّت الرّدى
لم يبق طول العمر منى منّة ... ألقى بها صرف الزّمان إذا اعتدى
ضعفت قواى وخاننى الثّقتان من ... بصرى وسمعى حين شارفت المدى
فإذا نهضت حسبت أنّى حامل ... جبلا وأمشى إن مشيت مقيّدا
وأدبّ فى كفّى العصا وعهدتها ... فى الحرب تحمل أسمرا ومهنّدا
وأبيت فى لين المهاد مسهّدا ... قلقا كأنّنى افترشت الجلمدا
والمرء ينكس فى الحياة وبينما ... بلغ الكمال وتمّ عاد كما بدا
وقال أيضا (6):
ألوم الرّدى كم خضته متعرّضا ... له وهو عنّى معرض متجنّب
__________
(1) فى الأصل: «وداسنى»، صوابه فى خ والديوان 320.
(2) يقال أبلاه عذرا: أداه إليه فقبله.
(3) الأبيات التالية ليست فى ديوانه.
(4) فى الأصل: «ترجى» وأثبت ما فى خ.
(5) الأبيات التالية ليت فى ديوانه.
(6) الأبيات التالية لم ترد فى ديوانه. وقدوردت ما خلا البيت الرابع فى كتاب لباب الآداب ص 226.(1/214)
وكم أخذت منّي السّيوف مآخذ ال ... حمام ولكنّ القضاء مغيّب
إلى أن تجاوزت الثمانين وانقضت ... بلهنية العيش الذى فيه يرغب (1)
وأصبحت أستهدى العصا فتميل بى ... لضعفى عن قصدى كأنّى أنكب (2)
فمكروه ما تخشى النّفوس من الرّدى ... ألذّ وأحلى من حياتى وأعذب (3)
وقال أيضا (4):
قد كان كفّى مألفا لمهنّد ... تعرى (5) القلوب له وتفرى الهام (6)
قوله «تعرى» من العرواء، وهى الحمّى (7)
ولأسمر لدن الكعوب وحازه ... حيث استمرّ الفكر والأوهام
يتزايل الأبطال عنّى مثل ما ... نفرت من الأسد الهصور نعام
فرجعت أحمل بعد سبعين العصا ... فاعجب لما تأتى به الأيّام
وإذا الحمام أبى معاجلة الفتى ... فحياته لا تكذبنّ حمام (8)
قال مؤيّد الدولة مؤلّف هذا الكتاب، رحمه الله (9): هذا آخر ما قلته وجمعته، وألّفته ورصفته، فى ذكر العصا. وبه نجز الكتاب، بعون الملك الوهّاب.
__________
(1) البلهنية: سعة العيش ورخاؤه ونعمته.
(2) الأنكب: الذى كأنما يمشى فى شق، أى جانب.
(3) فى لباب الآدب: «وأطيب».
(4) الأبيات التالية مما لم يرو فى ديوانه.
(5) فى الأصل: «تفدى القلوب» صوابه فى خ.
(6) فى الأصل: «الحماء».
(7) فى الأصل: «قوله تفدى من الفداء وهو الحماية»، والصواب ما أثبت من خ. يقال عرته الحمى: أخذته بعروائها، وهى الرعدة، يقال عرى فهو معرو.
(8) فى الأصل: «وإذا الحمام أنى»، صوابه فى خ.
(9) «قال المولى مؤيد الدولة مؤلف هذا الكتاب أطال الله بقاءه، وحرس نعماءه».(1/215)
رسالة التلميذ لعبد القادر بن عمر البغدادى 10931030(1/217)
مقدمة
عبد القادر البغدادى:
فى سنة 1030وفى مدينة بغداد، ولد عبد القادر بن عمر البغدادى، وبغداد يومئذ فى محنة قاسية بين الدولة الصفوية وعلى رأسها الشاه عباس، والدولة العثمانية.
وفى سنة 1048حين حمى وطيس القتال حول بغداد وتدفقت إليها جيوش مراد الرابع العثمانى فانتزعتها من الإيرانيبن، حينئذ رحل عبد القادر إلى دمشق فكان شيخه فيها محمد بن يحيى الفرضى، ولكنه لم يستقر بها عامين حتى شد رحاله إلى القاهرة فدخلها سنة 1050وكان شيخه فيها شهاب الدين الخفاجى، كما كان من شيوخه يس الحمصى، والنور الشبراملسى، والبرهان إبراهيم المأمونى.
وبموت الخفاجى سنة 1069انتقلت معظم كتبه إلى عبد القادر، وضم إليها بعد ذلك كتبا أخرى جليلة الشأن. وفى سنة 1077وهى السنة التى تولى مصر فيها إبراهيم باشا كتخذا، اتصل به عبد القادر فأحله محلا كريما، وكان سميره ونديمه، وظل ملازما له إلى انتهاء مدة ولايته سنة 1085فرجع معه إلى ديار الروم، واتصل حبله هناك بالوزير أحمد باشا الكوپريلى فألف باسمه (شرح قصيدة بانت سعاد)، ثم بالسلطان محمد بن السلطان إبراهيم، فتوج باسمه كتابه الكبير (خزانة الأدب)، وظل فترة من الزمن مضطربا بين الشام والروم، ثم عاد من طريق البحر إلى مصر ولم تطل مدته بها حتى توفى فى سنة 1093 (1).
التلميذ:
كلمة ضعيفة الصلة بالأصول العربية فى مادتها، لذلك صرح بعض اللغويين القدماء، وفى مقدمتهم ابن دريد فى الجمهرة 2: 37وابن فارس فى مقاييس اللغة 1: 353، والجواليقى فى المعرب 91، والخفاجى فى شفاء الغليل بأنها ليست عربية الأصل.
__________
(1) انظر خلاصة الأثر للمولى المحبى 2: 454451ومقدمة الأستاذ محب الدين الخطيب لخزانة الأدب التى اضطلعت بأكبر عبء فى تحقيقها من سنة 13511347.(1/218)
ومهما يكن فإن هذه الكلمة سامية الأصل، ومأخذها إما أن يكون من العبرية، وإما أن يكون من السريانية. وذهب معاصرنا اللغوى الفاضل (الأب مر مرجى الدومنكى) أن أصلها الأول من العربية نفسها (1) وذلك بناء على القاعدة التى ينصرها، وهى قاعدة (الثنائية) التى ترجع أصول الكلمات إلى أصل ثنائى تتفرع منه الثلاثيات فما فوقها، فهو يقول إن الأصل الثنائى للكلمة موجود فى العربية وهو «لد» الدالّ على الشدة، ومنه اشتق «لدم» الدال على الضرب، ثم قلب إلى «لمد» بمعناه، ثم اشتق منه التلميذ.
وأنا أرى أن هذه المحاولة البارعة يمكن إجراؤها فى كثير من الكلمات المعربة.
فنستطيع أن نرد كثيرا من الكلمات المعربة والدخيلة إلى أصل عربى، وهو لا يستقيم.
وقد تضمن مقاله النفيس، مقارنة ممتعة بين اللغات السامية فى مادة هذه الكلمة.
(فى السريانية): «لمد»: جمع، ضم، أضاف. «تلميذ»: هذّب، علم، أرشد. «تلميذا»: طالب علم، متعلم.
(فى الأرمية): «تلميذا» طالب علم.
(فى المندائية): «ترميدا»: تلميذ.
(فى العبرية) «لامد»: ضرب بالسياط، عاقب، روّض. «ملميد»:
مهماز يضرب به للترويض، خاصة للحيوانات. «تلمود»: تعليم، نظرية.
«تلميد»: متعلم، دارس.
(فى الحبشية): «لمد»: تعود، آلف، واظب. «لمود»: متعوّد، أليف. «لماد» عادة، طبع. «تلميذ» طالب علم، دارس.
(فى الأكدية): «لمادو»: تعلّم، عرف. «لمادوتو»: تعلّم، عرفان.
«ملمّدو»: معلم، أستاذ. «تلميدو»: دارس، طالب علم.
__________
(1) مجلة الثقافة العدد 642إبرايل سنة 1951. والمقال كتب بمناسبة مقال قبله للأستاذ الجليل أحمد عبد الغفور عطار، عنوانه (التلميذ فى لغة العرب) نشر فى مجلة الثقافة العدد 634 فبراير سنة 1951.(1/219)
(فى العربية): «لمد»: تواضع له بالذلّ. «لمده»: لدمه (القلب).
«تلمذ له، وتتلمذ»: صار له تلميذا، تخرج عليه: «التلميذ»: المتعلم العلم أو المهنة.
رسالة التلميذ:
كنت قد نشرت هذه الرسالة أول مرة فى مجلة المقتطف (عدد مارس 1945) وقد رأيت إعادة نشرها فى (نوادر المخطوطات) لندرتها، ولما ثار حولها وحول موضوعها فى هذه الأيام من بحث جديد.
وقد ذكر البغدادى فى صدر رسالته أنه لم يجد كلمة «التلميذ» فى الجمهرة، والصحاح، والمحكم، والعباب، والقاموس. فعقب عليه الأستاذ المحقق (أحمد عبد الغفور عطار) فى مجلة الثقافة، بأنها وجدت فى جميع هذه الكتب، ولكن فى غير مظنها، أى فى مادة (تلم)، وأما صاحب العباب فإنه لم يذكر هذه الكلمة لأن تأليفه إنما وصل إلى مادة (بكم) ولم يتم تأليف معجمه. وزاد على ذلك أن الكلمة وردت فى مادة (تلم) من المجمل والمقاييس لابن فارس والتهذيب للأزهرى والمخصص 12: 257والقرطين لابن مطرف الكنانى، وشفاء الغليل للخفاجى.
ولكنه قد غاب عن الأستاذ الباحث عطار، أن البغدادى لم يعن بكلامه فى صدر رسالته أنه لم يجد الكلمة فى تلك الكتب، بل أراد أنه لم يجدها فى مادتها التى يتوقعها فيها الباحث وهى (تلمذ)، بدليل أن البغدادى نفسه أورد فى رسالته نصوصا من الصحاح والقاموس والتهذيب من مادة (تلم) وفيها ذكر التلميذ والتلاميذ.
أصول رسالة التلميذ:
أصول هذه الرسالة ثلاث نسخ محفوظة بدار الكتب المصرية: إحداها برقم 6مجاميع ش، والثانية برقم 181مجاميع، والثالثة برقم 122مجاميع. وقد رمزت إلى هذه النسخ بالرموز: ا، ب، ج على التوالى. وأصح هذه النسخ وأكملها هى نسخة ب، وكل ما أثبته بين علامة الزيادة فهو منها.
وفى الخزانة التيمورية نسخة بخط المغفور له العلامة أحمد تيمور باشا كتبها بخطه سنة 1322.
وهذه رسالة التلميذ:(1/220)
النص
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين.
[أما بعد] فهذه كلمات ذكرتها لمعنى التلميذ، فإنى لم أجد هذه الكلمة مذكورة فى كتب اللغة المتداولة، المدوّنة [لبيان] الجليل والحقير، وذكر النقير والقطمير، كالجمهرة لابن دريد، والصّحاح للجوهرى، والمحكم لابن سيده، والعباب للصاغانى، والقاموس لمجد الدين الفيروزابادى، وغيرها، إلّا فى لسان العرب لابن مكرّم، فإنه أورده فى مادة (تلمذ) وقال: «التلاميذ: الخدم والأتباع، واحدهم تلميذ»، مع أنّها كلمة متداولة بين العام والخاص، وكثيرة الاستعمال فى تآليف العلماء الأعلام.
وكان الباعث لهذا أنى لما قرأت كتاب مغنى اللبيب، ووصلت إلى قوله فى الباب الخامس «حكى لى أنّ بعض مشايخ الإقراء أعرب لتلميذ له بيت المفصّل (1)» رأيت شارحه الفاضل إبراهيم بن الملّا الحلبى (2) قال: «التلميذ: القارئ على الشيخ.
ولم أقف عليه فى شىء من كتب اللغة المتداولة كالصحاح والقاموس وغيرهما» اه.
فحينئذ تتبعت بطون الدفاتر، من مصنفات الأوائل والأواخر، حتى رأيته فى كتاب النبات لأبى حنيفة الدينورى، فإنه ساق (3) فيه شعرا للبيد بن ربيعة العامرىّ الصحابى وفيه هذا البيت:
فالماء يجلو متونهنّ كما ... يجلو التلاميذ لؤلؤا قشبا (4)
وقال بعد إنشاد الأبيات: «التلاميذ غلمان الصنّاع. والقشب والقشيب:
الجديد، والجمع القشب».
__________
(1) المفصل للزمخشرى فى النحو. انظر شرح ابن يعيش 2: 94. والبيت هو:
لا يبعد الله التلبب والغا ... رات إذ قال الخميس: نعم
(2) هو إبراهيم بن الملا محمد الحلبى المتوفى سنة 979. ذكره فى كشف الظنون. وفى ا، ح:
«حلبى» موضع. «الحلبى» تحريف.
(3) ا، ح: «سابق»، والصواب فى ب.
(4) ديوانه 141بشرح الطوسى، وفيه: «التلاميذ غلمان الصاغة التلاميذ فارسى».(1/221)
ورأيته أيضا فى شعر أمية بن أبى الصلت، وهو شاعر أدرك النبى صلى الله عليه وسلم ولم يوفّق للإيمان به. وغالب شعره فى الوعظ وتذكير الآخرة وقصص الأنبياء، وهو مما لا يكاد يقضى العجب منه. قال فى قصيدة:
والأرض معقلنا وكانت أمّنا ... فيها مقامتنا وفيها نولد
وبها تلاميذ على قذفاتها ... حبسوا قياما فالفرائص ترعد (1)
قال شارح ديوانه: «التلاميذ الخدم، يعنى الملائكة».
وقال أيضا فى قصيدة أخرى:
صاغ السماء فلم يخفض مواضعها ... لم ينتقص علمه جهل ولا هرم
لا كشّفت مرة عنّا ولا بليت ... فيها تلاميذ فى أقفائهم دغم (2)
وقال شارحه هنا أيضا كذلك.
ورأيت فى المقامة الأولى من المقامات الحريرية قوله: «فوجدته محاذيا لتلميذ، على خبز سميذ، وجدى حنيذ، وقبالتهما خابية نبيذ (3)». قال شارحه الشريشى: «التلميذ متعلم الصنعة، والتلميذ الخادم، والجميع التلاميذ». وأنشد بيت لبيد المتقدم، ثم قال: «وطلبة العلم تلاميذ شيخهم» اه.
وإهمال داله لغة فيه، قال أمية بن أبى الصلت فى القصيدة الدالية التى تقدم إنشاد بيتين منها:
فمضى وأصعد واستبدّ إقامة ... بأولى قوى فمبتّل ومتلمد
قال شارحه: «يريد متلمذ، أى خادم من التلاميذ. وتلمذ: جعل للخدمة.
«متلمذ» بكسر الميم. وأراد بأولى قوى: الملائكة الذين يحملون العرش. وقوله:
«فمضى» يعنى الله عزّ وجل. واستبدّ، يعنى لا يستشير أحدا، يقال استبدّ
__________
(1) القذفات بضم الذل وفتحها: جمع قذفة، بالضم، وهى الناحية. وقذفات الجبال وقذفها:
ما أشرف منها.
(2) الدغم: السواد.
(3) هذا سهو من البغدادى، فإن الشريشى فى هذا الموضع لم يقل إلا: «تلميذ، متعلم الصنعة». انظر الشريشى 1: 29س 1. وأما الكلام الذى نقله البغدادى بعد فهو تعليق على قول ابن الحريرى: فالتفت إلى تلميذه وقلت عزمت عليك بمن تستدفع به الأذى، لتخبرنى من ذا». انظر الشريشى 1: 30.(1/222)
فلان برأيه، إذا لم يستعن أحدا على ما يريد. والمبتّل: المفرد اه.
ويؤخذ منه أن تاءه أصلية، ووزن تلميذ فعليل، وأن له فعلا متصرفا هو تلمذه كدحرجه، بمعنى خدمه، يتلمذه كيدحرجه، تلمذة وتلماذا، كدحرجة ودحراجا، فهو متلمذ كمدحرج بمعنى خادم، وذاك متلمذ أى جعل خادما (1).
وإطلاق التلميذ على المتعلم صنعة أو قراءة، لأنه فى الغالب يخدم أستاذه.
وقول الناس: «تلمّذ له» و «تلمّذ منه» بتشديد الميم، خطأ، لأنهم توهّموا أن التاء زائدة، وليس كذلك، وصوابه «تلمّظ له» و «تلمظ منه (2)» بالظاء المشالة المعجمة. ولمّظه أى أطعمه وأذاقه. والتلمظ: تتبّع اللسان بقية الطعام فى الفم. وقد يكنى به عن الأكل، استعير للتعليم شيئا فشيئا.
والتلميذ يجمع على تلاميذ، فإنّ فعليلا يجمع على فعاليل، كبرطيل وبراطيل، وعفريت وعفاريت، وقنديل وقناديل، وإصليت وإصاليت، وإبريق وأباريق، ومنديل ومناديل. وأما قولهم فى جمعه «تلامذة» فعلى توهم أنه اسم أعجمى (3)، فإن الهاء فى الجمع تكون فى أحد ثلاثة مواضع: (أحدها) الاسم الأعجمى المعرب، سواء كانت للتعويض عن مدّة نحو أستاذ وأساتذة، أم لا نحو موزج وموازجة، وكيلجة وكيالجة. (ثانيها) للتعويض عن ياء النسب فى المفرد، نحو أشعثى وأشاعثة، ومهلبى ومهالبة، وأزرقى وأزارقة. (ثالثها) للتعويض [إما] عن ألف خامسة جوازا نحو حبنطى وحبانطة، وعفرنى وعفارنة، وإما عن [عين (4)] مضاعفة نحو جبار وجبابرة وفى غير هذه المواضع الثلاثة قليل نادر كفحولة وحجارة.
قيل: وقد يرخم التلاميذ فى الشعر على تلاميذ فى شعر على تلام، كقول الطرمّاح:
تتقى الشمس بمدريّة ... كالحماليج بأيدى التلام
__________
(1) الأولى من تلمذه بمعنى خدمه، والأخيرة من تلمذه أى جعله خادما.
(2) هذه فتوى لغوية للبغدادى. ولما يستعمل هذا التعبير، ولا أظنه سائغا.
(3) كأن البغدادى يذهب إلى أنه عربى.
(4) كتبت كلمة عين فى ا، ح لكن جعل فوقها خط، والصواب إثباتها.(1/223)
والحماليج: منافخ الصاغة الطوال، واحدها حملوج. شبه قرن البقرة الوحشية بها.
قال الجواليقى فى المعرّبات (1): «التلام أعجمى معرب، قيل هم الصاغة، وقيل غلمان الصاغة، وقيل هم التلاميذ». وأنشد هذا البيت.
وأنشد ابن برى فى حاشية الصحاح قول غيلان بن سلمة الثقفى (2) أيضا:
وسربال مضاعفة دلاص ... قد احرز شكّها صنع التّلام
وروى: «التلام» فى البيتين بفتح التاء وكسرها. أما الفتح فعلى أنه مرخّم التلاميذ ضرورة. وقد اقتصر عليه صاحب الصحاح، وقال: «التلام التلاميذ سقطت منه الدال».
وصاحب الصحاح تابع فى هذا لأبى على، قال فى المسائل العسكرية (3):
ومن قبيح الضرورة قول الشاعر:
* مثل الحماليج بأيدى التلام *
قالوا: يريد التلامذة، فحذف. وقد أعلمتك أن ذلك يكون على الترخيم فيما تقدم. إلا أنه قد جاء من هذا النحو ما لا يكون فى الترخيم كقوله (4):
* درس المنا بمتالع فأبان *
قالوا: يريد: المنازل. ومثل ذلك ما أنشدوه لأبى دواد (5) الإيادى:
* فكأنما تذكى سنابكها حبا (6) *
قيل يريد الحباحب، أى نار الحباحب. وفى التنزيل: {«فَالْمُورِيََاتِ قَدْحاً»}.
انتهى كلامه.
__________
(1) المعرب للجواليقى طبع دار الكتب ص 91.
(2) شاعر مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام. الإصابة 6918والأغانى 12: 4743.
(3) المسائل العسكرية لأبى على الفارسى المتوفى سنة 337. نقل منها البغدادى نصوصا جليلة فى مواضع شتى من الخزانة. انظر 1: 9، 14/ 2: 62، 275، 402، 522/ 3: 46/ 4: 67، 73، 582، ا، ح «مسائل العسكرية» تحريف.
(4) هو لبيد بن ربيعة. والبيت مطلع قصيدة له فى ديوانه طبع فينا 1880وعجزه:
* وتقادمت بالحبس فالسوبان *
(5) ا، ح: «لأبى دؤاد» بالهمز.
(6) روى البيت فى اللسان 1: 288هكذا:
يذرين جندل حائر لجنوبها ... فكأنها تذكى سنابكها الحبا(1/224)
وأما الكسر فعلى أنه جمع «تلم» بكسر فسكون، بمعنى الغلام. قال ابن مكرّم (1): فمن (2) رواه: التلامى، بفتح التاء وإثبات الياء، أراد التلميذ، يعنى تلاميذ الصاغة. هكذا رواه أبو عمرو، وقال: حذف الذال من آخرها (3). ومن رواه: التلام، بكسر التاء، فإنّ أبا سعيد قال: التلم الغلام. قال: وكلّ غلام تلم، تلميذا كان أو غير تلميذ، والجمع التلام. وقال ابن الأعرابى: التلام:
الصّاغة، والتلام: الأكرة» اه.
وأقول: «الصاغة» تصحيف من الصناع (4) لوقوعه فى صحبة الحماليج.
ويدفعه البيت الثانى (5).
وقال صاحب القاموس: «التلم، بالكسر: الغلام، والأكّار، والصائغ أو منفخه الطويل. وكسحاب: التلاميذ، حذفت ذاله. ولم يذكر الجوهرى غيرها، وليس من هذه المادة [و] إنما هو من باب الذال» اه.
أقول: أما قوله: «الأكّار والصائغ» فأخذه من قول ابن الأعرابى، على أن الصاغة والأكرة بالتحريك جمع صائغ وأكّار.
وأما قوله: «أو منفخه» فقد أخذه من قول بعضهم، وقد غلط فيه.
نقل الأزهرى عن الليث أن بعضهم قال: التلام الحماليج التى ينفخ بها.
قال: وهذا باطل (6).
والعجب من صاحب القاموس، أنه اعترض على صاحب الصحاح فى ذكره التلام فى باب الميم، مع أنه أثبته مثله، ولم يذكره فى باب الذال.
[انتهت الرسالة]
__________
(1) فى لسان العرب مادة تلم.
(2) فى الأصل: «ومن»، وصواب النص من اللسان.
(3) أسقط البغدادى هنا قول ابن منظور: «كقول الآخر:
لها أشارير من لحم تتمره ... من الثعالى ووخز من أرانيها
أراد من الثعالب، ومن أرانبها». وهذا البيت لأبى كاهل اليشكرى كما فى اللسان 5. 161.
(4) ح فقط: «فى الصناع».
(5) يشير إلى بيت غيلان بن سلمة.
(6) فى اللسان: «قال أبو منصور وهو الأزهرى قال الليث: إن بعضهم قال التلاميذ الحماليج التى ينفخ فيها. قال: وهذا باطل ما قاله أحد».(1/225)
فهرس المجموعة الثانية
صفحة
115 - تقديم
118 - كتاب خطبة واصل
138 - كتاب أبيات الاستشهاد
164 - رسالة فى أعجاز أبيات
176 - كتاب العصا
218 - رسالة التلميذ(1/226)
نوادر المخطوطات 3
بتحقيق عبد السلام هارون المجموعة الثّالثة 10رسالة أبى عامر بن غرسية فى الشعوبية.
11 - رسالة فى الرد عليها لأبى يحيى بن مسعدة.
12 - رسالة ثانية فى الرد عليها.
13 - رسالة ثالثة لأبى جعفر أحمد بن الدودين البلنسىّ.
14 - رسالة رابعة لأبى الطيب بن من الله القروىّ.
الطبعة الثانية 1392هـ 1973م شركة مكتبة ومطبعة مصطفى إلبابى الحلبى واولاده بمصر محمد محمود الحلبى وشركاه خلفاء(1/227)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
تقديم
حول الرسالة
هذه هى المجموعة الثالثة من (نوادر المخطوطات)، وهى وثيقة هامة تقدم إلى خاصة الأدباء والباحثين مادة غزيرة فى ناحية مغلقة من نواحى الأدب العربى، وتعرض لونا من ألوان الحياة الثقافية والاجتماعية والدينية فى بلاد الأندلس فى القرنين الخامس والسادس.
وقد كان للصديق الفاضل «الدكتور شوقى ضيف» فضل تعريفى برسالة ابن غرسية التى لم أكن أعرف عنها إلا الاسم فحسب، وقد عثر عليها فى أثناء تفتيشه لذخيرة ابن بسام (1).
وعند ما رجعت إلى الذخيرة وجدت النص، فيها مضطربا شديد التحريف، فبحثت عن مرجع آخر يسعف فى تحقيق هذا النص، فساقنى المطاف إلى فقر متناثرة نشرها المستشرق الألمانى الكبير إجنتز جولد تسيهر فى أثناء بحثه فى (الشعوبية عند مسلمى الأندلس) الذى قدمه إلى مؤتمر المستشرقين الثانى عشر بمدينة روما فى أكتوبر سنة 1899ونشره فى مجلة الجمعية الألمانية الشرقية (2).
وقد رأيت أن أطلع على البحث المكتوب باللغة الألمانية، فاتصلت بالصديق الفاضل «الدكتور عبد الحليم النجار» الأستاذ المساعد بكلية الآداب بجامعة القاهرة، الذى كان له فضل إمدادى بترجمة دقيقة لهذا البحث استوجبت جزيل شكرى وعظيم التقدير.
__________
(1) القسم الثالث من مخطوطة جامعة القاهرة رقم 26022ص 231219.
(2) المجلد 53ص 620601ليبسك 1899.(1/229)
وكان فى النية أن أنشر هذه الترجمة النفيسة فى هذه المجموعة، ولكنى وجدت فيما بعد أن نطاق المجموعة يضيق عن استيعاب نص هذا البحت المسهب، فآثرت أن أوجزها إيجازا، وأن ألحقها بنهاية هذا التقديم.
وقد دلنا جولد تسيهر على مخطوط فى مكتبة الإسكوريال برقم (538) يتضمن هذه الرسالة وبعض الردود عليها. وهو مخطوط نادر مكتوب بخط مغربى مجهول التاريخ وإن كان يبدو عليه سمة القدم، كتب فى صدره:
«الحمد لله. مجموع فيه مبايعة على بن أبى طالب أبا بكر الصديق رضى الله عنه وتفسير ألفاظها لغة، ومكاتبات الأمير على بن يوسف بن تاشفين، ومخاطبة الراهب الفرنسى وجوابه للإمام أبى الوليد الباجى، ومكاتبات أهل سبتة لأهل الجزيرة الخضراء، ومضحكات وغرائب. بالله يثق وعليه يتوكل ويعتمد مالكه محمد ابن يوسف بن محمد. وفيه المراسم الجدلية ومسائل من أصول الفقه. والحمد لله وحده».
وهذه العنوانات هى بعض ما ورد فى مجموعة الإسكوريال، وهناك عنوانات أخر لرسائل كثيرة تضمنها هذا المجموع النادر.
وبذلك اجتمع لنا نصان يسعفان فى نشر هذه الرسائل النادرة.
نص الذخيرة ونص مجموعة الإسكوريال أما نص الذخيرة (1) فإنه يشتمل على رسالة ابن غرسية، ورسالتين أخريين هما:
1 - رد أبى جعفر أحمد بن الدودين.
2 - ثم رد أبى الطيب بن من الله القروى.
وأما نص المجموعة فإنه يشتمل على الرسالة وعلى ردود أربعة، وهى:
1 - رسالة أبى يحيى بن مسعدة.
2 - ثم رسالة لم يصرح باسم كاتبها، وأرجح أنه أبو يحيى.
3 - ثم رسالة أبى جعفر بن الدودين.
__________
(1) مما يجدر ذكره أن جولد تسيهر لم يطلع على هذا النص، ولم يشر إليه فى بحثه.
وكان ذلك سببا فى عثرته التى أشرت إليها فى ص 242.(1/230)
4 - ثم رسالة أبى الطيب بن من الله القروى.
ومما هو جدير بالذكر أن صاحب مجموعة الإسكوريال قد نقل الرسالتين الأخيرتين من الذخيرة ولم يصرح بذلك، فإننا نجد نص رسالة أبى جعفر بن الدودين هو نص الذخيرة، لا يفترقان إلا فى القليل.
ونلفى صدر رسالة أبى الطيب فى المجموعة هو عبارة ابن بسام وسجعه فى الذخيرة بالحرف الواحد: «وممن رد عليه وأجاد، ما أراد، أبو الطيب بن من الله القروى برسالة طويلة أثبت منها بعض الفصول، تخفيفا للتثقيل».
ثم نرى توافقا تاما فى تقسيم فصول الرسالة وفقرها، إذ يبدو لنا أن هذا النص مؤلف من فصول مختارة من الرسالة، وليس نصّا كاملا.
ثم نطالع هذه العبارة فى الورقة (51ا): «قال صاحب الكتاب: وبين أبو الطيب بطلان كلامهم فى احتجاج طويل، تركته تخفيفا للتثقيل». وهذه هى عبارة الذخيرة بنصها. وصاحب الكتاب هو ابن بسام صاحب الذخيرة بلا ريب.
فلأن نص مجموعة الإسكوريال أعظم قيمة من حيث هى أقدم خطّا، وأصح متنا، وأكثر استيعابا فى النص، واشتمالا للردود جعلتها أصلا فى نشر هذه المجموعة، وجعلت نص الذخيرة للمقابلة والاستعانة فى التحقيق.
أبو عامر بن غرسية:
أفرد له على بن سعيد صاحب المغرب المتوفى سنة 685ترجمة خاصة (1)
قال فيها:
«أبو عامر بن غرسية (2) من عجائب دهره، وغرائب عصره، إن كان نصابه
__________
(1) المغرب 4: 236مخطوطة دار الكتب 2712تاريخ.
(2) غرسية تعريب «جارسيا»: ومعناه فى الأسبانية ذو الحيلة، أو الثعلب أو الماكر، كما ورد فى معجم المجمع العلمى الأسبانى () وهو علم شائع فى بلاد الأندلس تسمى به كثير من ملوكهم وأمرائهم وفرسانهم. وذكر ابن حزم فى جمهرة الأنساب 467تحقيق پروفنسال: «غرسية» ملك البشاكسة الذى زفت إليه أورية بنت قسى، فولدت له «موسى بن غرسية». ومن أبرز علماء المشرقيات الأسبانيين المعاصرين صديقنا الأستاذ «إميليو جارسيا جوميز»: الأستاذ(1/231)
فى العجمية، فقد شهدت له رسالته المشهورة بالتمكن من أعنة العربية، وهو من أبناء نصارى البشكنس (1)، سبى صغيرا وأدبه مجاهد مولاه، ملك الجزر ودانية.
وكان بينه وبين أبى جعفر بن الخراز صحبة أوجبت أن استدعاه من خدمة المعتصم ابن صمادح ملك المرية، ناقدا عليه ملازمة مدحه وتركه ملك بلاده».
ثم قال: ومن شعره:
إن أصلى كما علمت ولك ... ن لسانى أعز من سحبان
وأنا من خير الملوك بصدر ... هل ترى بالقناة صدر السنان
ويحمل هذا النص:
1 - أن مولد أبى عامر كان ببلاد البشكنس. وبفهم ذلك أيضا من نصوص البلوى فى كتابه ألف باء 1: 350.
2 - وأنه انتقل إلى دانية من أعمال بلنسية فى سباء وقع عليه وهو صغير، حيث ربى فى كنف أبى الجيش مجاهد العامرى (2).
__________
بجامعة مدريد. ومما يجدر ذكره أن هناك عالما جليلا من علماء الأندلس يشترك مع أبى عامر فى الكنية، وهو أبو المطرف عبد الرحمن بن أحمد بن سعيد بن محمد بن بشر بن غرسية القرطبى المالكى، ويعرف أيضا بمولى بنى فطيس، ولاه متولى قرطبة على بن محمود الحسنى القضاء سنة 407وتوفى فى شعبان سنة 422وله ثمان وخمسون. ذكره الذهبى فى سير النبلاء (القسم الأول من الجزء 11مصورة دار الكتب رقم 12195ح). قال الذهبى: «ولم يجىء بعده قاض مثله».
(1) البشكنس أوالبسك: ويسميهم المسعودى «الوشكنس» هم قوم يسكنون ما بين جنوب فرنسا والشمال الشرقى من أسبانيا مما يجاور خليج «بسكاى». ويتميزون عن جيرانهم بلغتهم غير الآرية، ولهم ميل إلى الأخذ بالخرافات والمحافظة على القديم، وهم ذوو حماسة وكبر وتمسك بالمعتقدات الدينية والمبادىء الأخلاقية، تبلغ عدتهم نحو 600ألف منهم 120ألفا فى الأقاليم الفرنسية. انظر المعلمة البريطانية، وكذا:
(2) هو أبو الجيش، الموفق مجاهد بن عبد الله العامرى، مولى عبد الرحمن الناصر ابن المنصور محمد بن أبى عامر. نشأ بقرطبة، ولما جاءت الفتنة وتغلبت العساكر على النواحى بذهاب دولة بنى أبى عامر، قصد إلى الجزائر التى فى شرق الأندلس فغلب عليها وحماها، ثم حاول الاستيلاء على سردانيه فنجح ثم صدته الروم، ثم استولى على دانية وما يليها، وتوفى سنة 436. جذوة المقتبس 332331تحقيق محمد بن تاويت.
وفى المغرب 4: 226: «وكان جليل القدر، له غزوات فى النصارى فى البحر(1/232)
3 - ويبدو أن أبا عامر كان له شأن عظيم فى دولة مجاهد، الأمر الذى حمله على أن يستدعى صديقه أبا جعفر بن الخراز لينضم إليه فى خدمة مولاه مجاهد. كما يفهم من نص لابن الأبار (1) أنه كان لابن غرسية ولد سماه «أبا جعفر أحمد» كان له مؤدب خاص من بين العلماء، وهو «أبو العباس الجريرى». قال: «وسكن دانية وكان بها يؤدب أبا جعفر أحمد بن أبى عامر بن غرسية الكاتب». فهذا دليل على أنه كان من خواص الدولة، ودليل أن عمله الرسمى كان الكتابة.
4 - ويفهم أيضا من هذا النص ومن ترجمة مجاهد التى سقتها من قبل أن ابن غرسية وجد فى كنف مجاهد مرعى صالحا لشعوبيته، إذ أن مجاهدا كان مولى من موالى الروم، وهم مظنة البعد عن العصبية العربية.
وفى ذلك يقول أبو يحيى بن مسعدة فى أواخر رسالته:
أيا عبد عبد ألا تستحى ... ولا لك دون النهى زاجر
فهو يعيره بأنه مولى مولى.
بل يبدو أن «مجاهدا العامرى» كان مأوى وملاذا للشعوبيين، فكما نشأ ابن غرسية فى بلاطه، نجد عالما آخر لائذا بكنفه، وهو اللغوى ابن سيدة صاحب المخصص. جاء فى سير النبلاء (2) فى ترجمته: «كان شعوبيا يفضل العجم على العرب» ثم قال: «وكان منقطعا إلى الأمير مجاهد العامرى».
5 - وهو يحاول أن يجتذب صديقه أبا جعفر بن الخراز من كنف ملك عربى، هو المعتصم بالله أبو يحيى محمد بن معن بن صمادح التجيبى (3)، وكان المعتصم
__________
مشهورة، ومن أعظم ما فتحه جزيرة سردانية الكبيرة، وكان محبا للعلماء محسنا لهم، كثير التولع بالمقرئين للكتاب العزيز حتى عرف بذلك فى بلده، وقصد من كل مكان، وشكر فى الاقطار بكل لسان، وقد أثنى عليه ابن حيان فى كتاب المتين بهذا الشأن. وقد وفد عليه أفذاذ الشعراء كإدريس بن اليمان، وجلة العلماء كابن سيدة».
ومما يجدر ذكره أن مجاهدا كان «رومى» الأصل. انظر المعجب للمراكشى ص 48 طبع السعادة. وانظر أخبارا أخرى لمجاهد مع العلماء فى جذوة المقتبس 172، 173، 293
(1) فى المعجم ص 299.
(2) سير النبلاء ج 11القسم الثانى ص 180مصورة دار الكتب.
(3) انظر ترجمته فى قلائد العقيان 47، ووفيات الأعيان، والحلة السيراء 172.
وكانت وفاته سنة 484. وتجيب: بطن من كندة.(1/233)
ملكا على المرية، وهى مدينة كبيرة من كورة ألبيرة من أعمال الأندلس، وكانت هى وبجانة بابى الشرق.
6 - وهو فى ذلك يعتب عليه، لتركه مدح مجاهد واقتصاره على مدح ابن صمادح، كما يفهم من نص المغرب مقرونا إلى نص ابن بسام التالى.
تاريخ الرسالة:
مما لا يتطرق إليه الشك أن الرسالة كتبت فى حياة مجاهد، مولى أبى عامر ابن غرسية، بعد استيلائه على «دانية». وتمتد حياة مجاهد السياسية ما بين سنتى 406و 436. وكانت دانية آخر ما استولى عليه من البلاد، وفيها وطد ملكه (1).
أبو جعفر بن الخراز:
نص المغرب فى ترجمته لأبى عامر بن غرسية (2) يعين أن الذى أرسل إليه أبو عامر رسالته هو «أبو جعفر بن الخراز».
وكذلك نص ابن بسام فى الذخيرة يقول إن أبا جعفر بن الخراز هو الذى أرسلت إليه الرسالة. قال ابن بسام فى صدر ترجمته لأبى جعفر أحمد بن الدودين البلنسى (3):
«وأخبرنى برسالته التى رد فيها على أبى عامر بن غرسية، وكان لحاه الله وأبعده قد استقر بمدينة دانية فى كنف مجاهد، فخاطب الأديب أبا جعفر بن الخراز معاتبا له لتركه مدح مجاهد، واقتصاره على مدح ابن صمادح التجيبى».
ثم قال: «وهذه نسخة رسالة ابن غرسية يخاطب الشاعر ابن الخراز».
ونص ثالث فى التكملة (4) فى ترجمة أبى عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد
__________
(1) جذوة المقتبس 332331.
(2) انظر ما سبق فى ص 232231.
(3) القسم بالثالث من الذخيرة ص 219مخطوطة جامعة القاهرة رقم 26022.
(4) التكملة 1: 157.(1/234)
ابن سهل الأنصارى المعروف بابن الخراز، قال: «وكان أبوه أبو جعفر أيضا شاعرا (1)، وهو الذى خاطبه أبو عامر بن غرسية بالرسالة المشهورة».
فهذه المراجع جميعها تنص نصا واحدا، أن الذى كاتبه أبو عامر بن غرسية إنما هو «أبو جعفر بن الخراز».
ولكنا نجد فى صدر هذا النص من مجموعة الإسكوريال أن الذى كاتبه أبو عامر إنما هو «أبو عبد الله بن الحداد».
ويزيد فى هذه الشبهة أننا نجد شاعرا كان يلزم ابن صمادح ويمدحه، وهو «أبو عبد الله بن الحداد» واسمه محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم القيسى، كما ذكر ابن خلكان (2).
ويقويها أيضا ما ورد فى سير النبلاء للذهبى (3) فى ترجمة ابن صمادح: «ومن وزرائه أبو بكر بن الحداد الأديب».
والقول فى ذلك أنهما كما يبدو شخصان مختلفان فى الاسم والنسب والانتساب، اتصل كل منهما بابن صمادح ومدحاه، ولكن الذى أرسل إليه ابن غرسية الرسالة إنما هو «أبو جعفر أحمد بن محمد بن أحمد بن سهل الأنصارى» المعروف بابن الخراز.
ومما يعزز ذلك أن صاحب المغرب نص عليه فى ترجمته لأبى عامر بن غرسية.
وصاحب المغرب يعرف ابن الحداد أيضا ويترجم له فى موضع آخر من المغرب (4)، قال: «أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحداد القيسى وصفه الحجارى وابن بسام
__________
(1) من شعره ما أنشده المقرى فى نفح الطيب 5: 43:
وما زلت أجنى منك والدهر ممحل ... ولا ثمر يجنى ولا زرع يحصد
ثمار أياد دانيات قطونها ... لأوراقها ظل على ممد
يرى جاريا ماء المكارم تحتها ... وأطيار شكرى فوقهن تغرد
(2) وفيات الأعيان 2: 35فى ترجمة محمد بن معن بن أحمد بن صمادح. وأنشد ابن خلكان وكذا المقرى فى نفح الطيب 4: 246/ 5: 240مدائح لأبى عبد الله بن الحداد فى المعتصم ابن صمادح.
(3) القسم الثانى من الجزء 11ص 284مصورة دار الكتب.
(4) المغرب 5: 235من النسخة 103تاريخ م.(1/235)
بالتفنن فى العلوم ولا سيما القديمة. وديوان شعره كبير جليل، وكان أكثر عمره عند المعتصم بن صمادح ملك المرية، ثم فرعنه إلى ابن هود صاحب سرقسطة».
فهو يعرف الرجلين ويميز بينهما.
وأما ما ورد فى صدر مجموعة الإسكوريال فلا يبعد أن يكون من تصرف أديب أو ناسخ، ساقته معرفته لصاحب العلاقة المشهورة يابن صمادح أن يجعله هو أيضا صاحب أبى عامر بن غرسية الذى ساق إليه الرسالة، ومما أسعف فى ذلك قرب إحدى الكلمتين فى الرسم من الأخرى، أعنى «الخراز» و «الحداد».
أصحاب الردود على رسالة ابن غرسية:
كان أجدر بأبى جعفر بن الخراز أن يرد على صديقه أبى عامر بن غرسية موافقا أو مخالفا، ولكن لم تذكر لنا المصادر التى نعرفها أنه كتب ردا، فضلا عن أن تحمل إلينا ذلك الرد. بيد أن هذه المجموعة التى حفظتها مكتبة الإسكوريال قد نقلت إلينا ردودا أربعة (1):
(أولها) رد أبى يحيى بن مسعدة. ويبدو أنه كان شيخا جليلا فى حضرة ملوك المغرب. ونجد فى هذا الرد ذكر الإمام المهدى أبى عبد الله محمد بن عبد الله القرشى العلوى. ومحمد هذا هو المعروف بمحمد بن تومرت (2)، وكان قيامه بالأمر سنة 515ووفاته سنة 534. ونجد فى الرد أيضا ذكر عبد المؤمن بن على (3)، وكانت ولادته سنة 487ووفاته سنة 558. وهذه التواريخ تبعد كثيرا عن التاريخ الذى كتبت فيه رسالة ابن غرسية، هذا التاريخ الذى لا يصح أن يتجاوز سنة 436وهى سنة وفاة مجاهد ملك دانية.
__________
(1) يبدو أن جولد تسيهر لم يقع إليه إلا رسالة ابن غرسية فقط كما يفهم من كلامه فى بحثه إذ ذكر أن صديقه قد أمده بصورة شمسية من الرسالة عن مخطوطة الإسكوريال.
(2) المعحب 125115.
(3) المعجب 153125.(1/236)
ويستغرق هذا الرد من مجموعة الإسكوريال الورقات من 4129.
وهذا الرد هو أكبر الردود وأحفلها.
(ثانيها) رد لمجهول، وعنوانه فى الأصل «رسالة ثانية فى الرد على ابن غرسية».
فمن المحتمل أن يكون رسالة ثانية لأبى يحيى بن مسعدة، أو تكون لأحد الذين قد جرى لهم ذكر فى التاريخ أنهم تناولوا الرسالة بالرد، وسأذكرهم فيما بعد.
وإنى أرجح الاحتمال الأول ترجيحا، لسببين.
1 - النشابه الشديد بين أسلوبى الرسالتين، ويبدو ذلك واضحا لمن درس الرسالتين ولمس الروح السارية فى تضاعيف كل منهما.
2 - التقارب الشديد بين بعض العبارات، مما ينطق بأن صاحبهما واحد.
ومن أمثلة ذلك:
1 - ما جاء فى الرد الأول فى الورقة 32ا: «لقد ذهبتم من العار بحمه ورمه، والفحل السوء يبدأ بأمه» وفى الرد الثانى 42ا: «ذهبوا والله من العار بثمه ورمه، وفحل السوء يبدأ بأمه».
ب 33ا «الذين مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل» وفى الثانى 42ا «ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل».
ح 40ا «وتجعل الخصل كله للعرب، والفضل للنبع على الغرب» وفى الثانى 41ا «فتعلم أن البأس للعرب، وأن النبع ليس من الغرب».
د 36ا «وأبرهة ذى المنار، وعمرو ذى الأذعار» هو بنفسه فى الثانى 41ا.
هـ 36ا «يزدجردكم وشهرياركم» هو بنفسه فى الثانى 41ا.
و36ب، 41ااتفق اقتباس هذا البيت:
ولم أر أمثال الرجال تهافتوا ... على المجد حتى عد ألف بواحد
ز 38ا، 41اتطابق اقتباس هذا البيت:
والليث حيث ألب من ... أرض فذاك له عرين
إلى غير ذلك كثير، مما يقرب القطع بأن صاحب الرسالتين كاتب واحد.(1/237)
والليث حيث ألب من ... أرض فذاك له عرين
إلى غير ذلك كثير، مما يقرب القطع بأن صاحب الرسالتين كاتب واحد.
وهذا الرد يستغرق من مجموعة الإسكوريال الورقات من 4341.
ولم يذكر جولد تسيهر هذا الرد ولا أشار إليه.
(ثالثها) رد أبى جعفر أحمد بن الدودين (1) البلنسى، وكان هذا معاصرا لابن بسام صاحب الذخيرة (2)، قال فى صدر ترجمته: «هو أحد من لاقيته وشافهته، وأملى على نظمه ونثره [بأشبونة (3)] سنة سبع وسبعين (4) وأخبرنى برسالته التى رد فيها على أبى عامر بن غرسية».
وقد فات «جولد تسيهر» أن يذكر هذا الأديب فى ثبت من ردوا على ابن غرسية. انظر الحاشية (1) من ص 236. مع أن هذه الرسالة فى ضمن مجموعة الإسكوريال من الورقة 5453.
وهذه الرسالة لم يذكرها البلوى ولا صاحب كشف الظنون.
(رابعها) رد أبى الطيب بن من الله القروى، وهو الفقيه الأديب أبو الطيب عبد المنعم بن من الله الهوارى القيروانى، كما فى الصلة لابن بشكوال (5). ونسبة «القروى» هى الثابتة فى نص مجموعة الإسكوريال، وأما كتاب ابن بشكوال فيجعلها «القيروانى».
__________
(1) فى الذخيرة (القسم الثالث الورقة 219مخطوطة جامعة القاهرة): «الدودى» وفى مسالك الأبصار (القسم الثانى ج 11الورقة 449من النسخة رقم 2567) وكذا نفح الطيب (5: 290): «الدودى».
(2) يخلط بعض المؤرخين بين ابن سام صاحب الذخيرة وبين البسامى الشاعر الهجاء، ومنهم صاحب كشف الظنون، وصانعو فهرس دار الكتب، جعلوا وفاة ابن بسام (سنة 302) وهذه الوفاة إنما تصدق على البسامى، واسمه أبو الحسن على بن محمد بن محمد بن منصور بن بسام.
وأما ابن بسام صاحب الذخيرة فهو أبو الحسن على بن بسام التغلبى الشنترينى، ترجم له ابن سعيد فى المغرب 1: 417تحقيق الدكتور شوقى ضيف، وياقوت فى معجم الأدباء 12: 275 والمقرى فى نفح الطيب 5: 9. وأرح المقرى وفاته (سنة 542).
(3) التكملة من المسالك عن الذخيرة.
(4) أى وأربعمائة.
(5) الصلة رقم 835.(1/238)
قال (1): «قدم الأندلس وحدث بشرقيها عن أبى بكر محمد بن على بن الحسن بن البر التميمى، وكان أديبا شاعرا، وتوفى يوم الثلاثاء لاثنتى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة 493».
وقد حفظ لنا البلوى فى كتابه (2) عنوان رسالته، وهو «حديقة البلاغة، ودوحة البراعة، المورقة أفنانها، المثمرة أغصانها، بذكر المآثر العربية، ونشر المفاخر الإسلامية، والرد على ابن غرسية فيما ادعاه للأمم العجمية». وعرف هذا العنوان أيضا صاحب كشف الظنون.
ردود تاريخية:
وأعنى بها الردود التى حفظ التاريخ أسماءها ولم نصل بعد إليها.
1 - رد الفقيه أبى مروان عبد الملك بن محمد الأوسى. ذكره البلوى وصاحب كشف الظنون، وعنوانه «رسالة الاستدلال بالحق، فى تفضيل العرب على جميع الخلق، والذب والانتصار، لصفوة الله المهاجرين والأنصار».
2 - رد الكاتب ذى الوزارتين أبى عبد الله محمد بن أبى الخصال الغافقى المتوفى سنة 540سمى رسالته «خطف البارق وقذف المارق، فى الرد على ابن غرسية الفاسق، فى تفضيله العجم على العرب، وقرعه النبع بالغرب». ذكرها البلوى وصاحب كشف الظنون، وقد رآها البلوى (3) وقال: «فأما ابن أبى الخصال، فأخنى عليه وصال، بحجاج أمضى من النصال، ما له عنها انفصال».
وقال ابن الأبار (4) فى ترجمة ابنه عبد الملك: «ووجدت سماعه من أبيه فى نسخة من رسالته التى رد فيها على ابن غرسية فى جمادى الآخرة سنة 528».
3 - رد أبى محمد عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم الخزرجى الغرناطى، وكان
__________
(1) الصلة رقم 835.
(2) ألف باء 1: 350.
(3) ألف باء 1: 351.
(4) تكملة الصلة رقم 1700.(1/239)
يعرف بابن الفرس، ذكر ابن الأبار (1) جده وقال: «وكان هو وابنه محمد وابن ابنه عبد المنعم بن محمد فقهاء ثلاثة فى نسق».
وذكر النباهى فى تاريخ قضاة الأندلس (2) عبد المنعم هذا فى قضاة غرناطة، وذكر وفاته فى سنة 597. وترجم له أيضا ابن الأبار (3).
وقد عرف هذه الرسالة البلوى وصاحب كشف الظنون ولم يذكرا لها عنوانا.
4 - رد عبد الحق بن خلف بن مفرج، ذكر فى تكملة التكملة (4).
رد أبى الحجاج البلوى:
وهو أبو الحجاج يوسف بن محمد المالكى الأندلسى، المعروف بابن الشيخ، من أدباء القرن السادس. وقد وقعت إليه رسالة ابن غرسية مع طائفة من ردود الأدباء، وفى ذلك يقول (5) بعد أن ساق ثبت ردود الأدباء على ابن غرسية:
«وقد أرانى جميع ذلك بعض الأصحاب، ممن هو فى العلم كالسحاب، وفى جملتها كلام ابن غرسية المذكور فى رسالته الدالة على فساد القول وفسالته، التى فضل فيها على العرب العجم، وأراد أن يعرب فأعجم، فقلت وقد غاظنى ما رأيت لهذا الجاهل من الاقتراف، وأنا بالعجز عن معارضة من سبقنى من العلماء ذو اعتراف» ثم أنشأ فى ذلك ما يشبه المقامة الهزلية التى يختلط فيها الشعر بالنثر.
ويعد هذا الأثر الأدبى أول رسالة أظهرتها المطبعة مما يمت بصلة ظاهرة إلى رسالة ابن غرسية.
__________
(1) فى المعجم رقم 223.
(2) ص 110بتحقيق پروفنسال، طبع دار الكاتب المصرى.
(3) فى تكملة الصلة 1814.
(4) انظر تكملة التكملة ص 422مع فهرسها ص 662.
(5) ألف باء 1: 351.(1/240)
موجز بحث جولد تسيهر الشعوبية عند مسلمى أسبانيا
قسم جولد تسيهر بحثه فصولا ثلاثة:
الأول فى الشعوبية الأسبانية والثانى فى تحليل رسالة ابن غرسية والثالث فى الكلام على صدى هذه الرسالة.
الشعوبية الاسبانية:
اتصل بالعناصر العربية والبربرية فى أسبانيا عنصران آخران هما:
1 - المولدون، وهم فصارى أسبانيا الذين اعتنقوا الإسلام.
ب الصقالبة، ويراد بهم السلافيون بوجه خاص، وأسارى الحزب والأرقاء من مختلف الشعوب الشمالية بمعنى عام.
ومن المولدين من اندمج فى الكيان العربى اندماجا جعل بعضهم يبتدعون أنسابا عربية، ومن هؤلاء أسرة بنى مغيث الرومى الأصل.
وكما كان للمولدين فضل كبير فى خدمة الثقافة العربية ومنهم بقى بن مخلد القرطبى، وأبو محمد بن حزم، وعبد الملك بن سراج القرطبى كان للصقالبة أيضا فضل لا ينكر، ومنهم جؤذر مولى الحكم الثانى، وفاتن مولى المنصور بن أبى عامر الذى اشتبك مع صاعد الأندلسى فى جدل علمى فخرج منصورا عليه مظفرا.
وقد كان العرب يتعالون على هؤلاء القوم مما دعا بعضهم أن ألف كتابا سماه «كتاب الاستظهار والمغالبة، على من أنكر فضل الصقالبة» أشاد فيه بذكر مشاهير الصقالبة فى شتى فروع الثقافة العربية. ولعل هذا الكتاب أول محاولة للكتابة فى دائرة الشعوبية وإن لم تكن فى صميمها، لأن مؤلفه دافع عن عنصره ولم يهاجم غيرهم.
أما الميل الحقبقى إلى الشعوبية فقد أخذ طابعه الكامل فى محيط المولدين،
ويمتاز هذا الميل فى أسبانيا بحرصه على أن ينسجم مع العقيدة الإسلامية، على حين نجد شعوبية المشرق على النقيض من ذلك، إذ نرى ممثلى الشعوبية فيه من الملاحدة والزنادقة فى أكثر الأمر.(1/241)
أما الميل الحقبقى إلى الشعوبية فقد أخذ طابعه الكامل فى محيط المولدين،
ويمتاز هذا الميل فى أسبانيا بحرصه على أن ينسجم مع العقيدة الإسلامية، على حين نجد شعوبية المشرق على النقيض من ذلك، إذ نرى ممثلى الشعوبية فيه من الملاحدة والزنادقة فى أكثر الأمر.
ومن أقطاب شعوبية الأندلس محمد بن سليمان المعافرى، وكان شديد العصبية للمولدين. ومنهم أبو محمد عبد الله بن الحسن المتوفى سنة 335وكان معروفا بشدة تعصبه للعجم، ومحاولته الغض من شأن العرب.
ويبدو أنه لم يتح للنزعة الشعوبية الأندلسية أن تستعلن فى إنتاج أدبى إلا بعد أن انقسمت الدولة إلى دويلات صغيرة تناهب الحكم فيها صقالبة ومولدون، فتسمع حينئذ من أبى عامر بن غرسية صوتا شعوبيا قويا يحاول إثبات فضل العجم على العرب.
ثم ساق «جولد تسيهر» ترجمة استنتاجية لابن غرسية لم يحالفه الصواب فى بعض زواياها، فهو يظن أنه كان فى خدمة المعتصم بن صمادح. على حين تشير المصادر التاريخية إلى أنه كان فى خدمة مجاهد ملك دانية، وأنه كان يريد تعفير صديقه أبى عبد الله من خدمة ابن صمادح، ويحثه على ترك خدمته. وبنى «جولد تسيهر» على هذا الظن ظنا آخر، أن ابن غرسية عاش زمانا فى المرية حيث المعتصم بن صمادح. وهو افتراض لا يصح.
ثم يعلل جولد تسيهر النشاط الشعوبى لابن غرسية بأنه كان يعيش فى صقع ضعف فيه النفوذ العربى وتغلب عنصر الصقالبة، ويقول: «وما كان لعامل من العمال الرسميين فى مجتمع تنحصر مقاليد السلطان به فى أيد عربية أن يحدث نفسه بإثارة مثل هذا الهجوم الجرىء على العرب ثم يترك وشأنه دون عقاب أو قصاص».
تحليل الرسالة:
لم يأت ابن غرسية بجديد من وجهة النظر الموضوعية، ويبدو أنه أطلع على كتابات الشعوبية بالمشرقية واستقى منها أهم الحقائق ولم يبتدع هو إلا الملابسات والدواعى الخاصة. وكان جدل الشعوبية بالمشرق من جهة الأسلوب أبعد عن
الصناعة الفنية، ومن جهة المبدأ أقرب إلى الموضوعية العلمية منه إلى الذاتية الشخصية، على حين نجد كتابة ابن غرسية رسالة شخصية يستعمل فيها كل التعبيرات الفنية من ترادف وطباق، وتلاعب بالألفاظ، وتعريض، وتضمين واقتباس، ورمز إلى حوادث أدبية وحقائق تاريخية، مما يطبع الرسالة الفنية بالطابع المطلوب. كما أن نمو وسائل الأسلوب الفنى وتنوعها على الصورة التى يستخدمها كتاب القرن الخامس قد أعارت قلمه أحيانا لون التهكم والفكاهة الذى استغنى عنه جدل الشعوبية بالمشرق.(1/242)
لم يأت ابن غرسية بجديد من وجهة النظر الموضوعية، ويبدو أنه أطلع على كتابات الشعوبية بالمشرقية واستقى منها أهم الحقائق ولم يبتدع هو إلا الملابسات والدواعى الخاصة. وكان جدل الشعوبية بالمشرق من جهة الأسلوب أبعد عن
الصناعة الفنية، ومن جهة المبدأ أقرب إلى الموضوعية العلمية منه إلى الذاتية الشخصية، على حين نجد كتابة ابن غرسية رسالة شخصية يستعمل فيها كل التعبيرات الفنية من ترادف وطباق، وتلاعب بالألفاظ، وتعريض، وتضمين واقتباس، ورمز إلى حوادث أدبية وحقائق تاريخية، مما يطبع الرسالة الفنية بالطابع المطلوب. كما أن نمو وسائل الأسلوب الفنى وتنوعها على الصورة التى يستخدمها كتاب القرن الخامس قد أعارت قلمه أحيانا لون التهكم والفكاهة الذى استغنى عنه جدل الشعوبية بالمشرق.
ومما يجدر ذكره أن المشرقيين حين يقولون «العجم» فإنهم يعنون الفرس، على حين يتسع مدلول هذه الكلمة عند الأسبانيين فيشمل الروم وبنى الأصفر.
وقد وازن ابن غرسية بين المميزات الطبيعية والخصال الخلقية بين عنصرى العرب والعجم ففخر ببياض العجم على سمرة العرب. ثم هو يقابل بين حياة العرب القدامى بين الإبل والشاء، وحياة الأكاسرة والقياصرة فى ظلال السيوف والرماح، ويعقد مقايسة بين هاجر أم العرب، وسيدتها سارة أم العجم، ويتكلم فى قناعة العرب بالشهوات الدنيا، كالطبل والزمر، ومعاقرة الخمر، ويذكر أن العجم يمتازون فى لباسهم وطعامهم وشرابهم، ثم يفخر بأمجاد العرب السياسية والحربية والعلمية.
وأما أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) كان عربيا فلا فخر فى ذلك للعرب، فإن التبر من الترب، والمسك بعض دم الغزال، والماء العذب يستودع جلد المزادة البالى.
ثم ختم ابن غرسية رسالته بعبارات يستظهر بها التقوى، توهينا لما قد يشتم من كلامه مما قد يمس العقيدة الدينية، وهو فى ذلك لا ينسى أن يتملق أميره بمدح، ويخلط باللين عنفا فى مخاطبة صديقه.
ثم يتحدث جولد تسيهر عن مدى سرعة انتشار شعر أبى العلاء المعرى فى الأندلس إذ تمكن ابن غرسية من الاستشهاد به. ويذكر من نماذج تأثير المعرى فى الأدب الأندلسى تأليف ابن أبى الخصال رسالة عارض بها «ملقى السبيل»، ومعارضة رسالة «الصاهل والشاحج» لأحد شعراء الأندلس، وتأليف ابن السيد البطليوسى شرحا كبيرا لديوان أبى العلاء ولما يكد يمضى نصف قرن على وفاته.(1/243)
صدى رسالة ابن غرسية:
ذكر جولد تسيهر فى هذا الصدد خمسة ردود، هى رد أبى يحيى بن مسعدة، وعبد الملك بن محمد الأنصارى، وأبى الطيب عبد المنعم بن من الله القيروانى، وعبد المنعم بن محمد الخزرجى، ثم مقامة البلوى التى نجدها فى كتابه ألف باء.
وقد تناولت الكلام على هذه الردود فيما سبق، وزدت عليه ردودا ثلاثة أخرى تهديت إليها.
وكنت على أن أتناول هذه الرسائل بالشرح بعد تحقيقها، ثم رأيت أنى لو فعلت ذلك لأربى حجمها على الأضعاف، وخرجت بذلك عن المنهج المرسوم لهذه المجموعات، لذلك لم أفسر إلا ما يقتضيه التحقيق وموازنة النصوص، أو ما يشكل على بعض الخاصة أن يتبينوه فى مظانه، من الإشارات الأدبية والتاريخية وغيرها، أو ما يلقى شيئا من الضوء على جوانب بعض المبهمات، حتى ينفذ النور إليها جميعا.
والحمد لله الذى هدانا لهذا، وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله.
مصر الجديدة فى ربيع الأول سنة 1373
عبد السلام محمد هارون(1/244)
رسالة ابن غرسية(1/245)
بسم الله الرّحمن الرّحيم رسالة خاطب بها أبو عامر بن غرسية أبا عبد الله بن الحداد (1)
يعاتبه فيها ويفضل العجم على العرب، وكتب بها من لارة
سلام عليك ذا الروىّ، المروىّ، الموقوف قريضه على حللة بجّانة (2) أرش اليمن (3)، بزهيد الثّمن، كأن ما فى الأرض إنسان، إلّا من غسّان، أو من آل ذى حسّان. وإن كان القوم أقنوك، وعن العالم أغنوك، على حسب المذكور، فما هذا الإعمال للكور، وترك الوكور. وقلّ ما تأخذ الشّعرة (4) فى الرّحيل، إلّا عن الرّبع المحيل! ولو أنّ القوم خلطوك بالآل، لما أحوجك إلى الخبط فى الآل (5). مه مه، من أحوجك إلى ركوب المهمه، وثقف (6)، وودّك لا تقف، على من اضطرّك إلى الإيغال، وباعك بيع المسامح بك لا المغال، وعوّضك من الأندية (7)، بجوب الأودية، ومن المآلف، بقطع المتالف، وحملك على مخالفة الحصان، ومحالفة الحصان، ووكّلك بمسح الأرض، ذات الطّول والعرض، فإذا يمّمت تبالة، تباله (8)، وصرت ضغثا على إبّالة، تتعلّل باليمين، ضنّا بالعلق الثّمين
__________
(1) كذا فى نسخة الأصل. والصواب أنه «أبو جعفر بن الخراز». انظر ما سبق فى ص 236234من التقديم.
(2) حللة: جمع حال بمعنى نازل فى المكان. وبجانة، قال ياقوت: مدينة بالأندلس من أعمال كورة ألبيرة، خربت، وقد انتقل أهلها إلى المرية، وبينها وبين المرية فرسخان.
(3) أصل معنى الأرش العيب فى السلعة.
(4) جمع شاعر. ولابن غرسية ولوع بهذه الصيغة من الجموع.
(5) الآل الأولى بمعنى الأهل، وهذه بمعنى السراب.
(6) يقال ثقف، إذا صار حاذقا فطنا. انظر ما سيأتى فى 44ب.
(7) الأندية: جمع الندى، وهو مجلس القوم يجتمعون فيه. الخريدة: «من قطع الأندية».
(8) تبالة: بلدة مشهورة من أرض تهامة فى طريق اليمن. وتباله: تصنع البلاهة.(1/246)
أحسبك (1) أزريت، وبهذا الجيل البجيل ازدريت، وما دريت، أنهم الصّهب الشّهب، ليسوا بعرب، ذوى أينق جرب، أساورة، أكاسرة، مجد، نجد، بهم (2)، لا رعاة شويهات ولا بهم (3)، شغلوا بالماذىّ والمرّان، عن رعى البعران، وبجلب العزّ، عن حلب المعز، جبابرة، قياصرة، ذوو المغافر والدّروع، للتّنفيس عن روع المروع، حماة السّروح، نماة الصّروح (4)، صقورة، غلبت عليهم شقورة (5)، وشقورة الخرصان، لكنّهم خطبة بالخرصان (6).
ما ضرّهم أن شهدوا مجادا (7) ... أو كافحوا يوم الوغى الأندادا
ألّا يكون لونهم سوادا
أرومة روميّة، وجرثومة أصفريّة (8).
فمتهم ذوو الأحساب والمجد والعلى ... من الصّهب لا راعو غضا وأفان (9)
من القدم، الماس الأدم، لم تعرق فيهم الأقباط، ولا الأنباط، حسب حرىّ، ونسب سرىّ، أمّكم لأمّنا كانت أمة، إن تنكروا ذلك تلفوا ظلمة، ولا تهابل (10)، فى التّكايل، فما سسناقطّ قرودا، ولا حكنا برودا (11)،
__________
(1) فى الأصل: «أأحسبك»، صوابه فى الخريدة.
(2) بضم ففتح، جمع بهمة بالضم، وهو الفارس لا يدرى من أين يؤتى، لشدة بأسه.
(3) البهم، بالتحريك، وبالفتح أيضا: جمع بهمة، وهى الصغير من أولاد الغنم.
(4) السروح: جمع سرح، وهو المال يسام فى المرعى. والصروح: القصور.
(5) عنى بالشقورة الشقرة، وهى الحمرة. أى حمرتهم كحمرة الأسنة تعلوها الدماء.
(6) الخرصان: جمع خرص، وهو سنان الرمح، وهو الرمح أيضا. عنى أنهم يخطبون النساء وينكحونهن بالحروب. ومثله قول الفرزدق فى ديوانه 737:
وبنت كرام قد نكحنا ولم يكن ... لنا خاطب إلا السنان وعامله
(7) المجاد: مصدر ماجده، إذا عارضه بالمجد.
(8) يقال للروم بنو الأصفر.
انظر نهاية الأرب 2: 322. وقد أورد ابن خلكان فى ترجمة ياقوت بن عبد الله الرومى تعليلا خرافيا لتسمية الروم ببنى الأصفر.
(9) الأفانى: جمع أفنية، وهو ما يسمى «عنب الذئب».
(10) هال الدقيق ونحوه: صبه من غير كيل.
(11) الحوك: النسج. والبرود: جمع برد، وهو ثوب فيه خطوط.(1/247)
ولا لكنا عرودا (1)، فلا تهاجر، بنى هاجر، أنتم أرقّاؤنا وعبدتنا، وعتقاؤنا وحفدتنا (2)، مننّا عليكم بالعتق، وأخرجناكم من ربق الرّقّ (3)، وألحقناكم بالأحرار، فغمطتم النّعمة، فصفعناكم صفعا، يشارك سفعا (4) اضطرّكم إلى سكنى الحجاز، وألجأكم إلى ذات المجاز. رزن، رصن.
جمال ذى الأرض كانوا فى الحياة وهم ... بعد الممات جمال الكتب والسّير (5)
إذا قامت الحرب على ساق، وأخذت فى اتّساق، وقرعت الظّنابيب، وأشرعت الأنابيب، وقلصت الشّفاه، وفغر الهدان فاه (6)، وولّى قفاه، ألفيتهم ذمرة النّاس (7)، عند احمرار الباس، الطّعن بالأسل، أحلى عندهم من العسل.
مستسلمين إلى الحتوف كأنما ... بين الحتوف وبينهم أرحام (8)
من أمنيّاتهم، حلول ميتاتهم، لهم على القدمة اليدان (9)، على التّنائى والتّدان.
من الألى غير زجر الخيل ما عرفوا ... إذ تعرف العرب زجر الشّاء والعكر (10)
بصر، صبر، تزدان بهم المحافل، والجحافل، قيول على خيول، كأنها فيول، كواكب، المواكب، نجوم، الرّجوم، من العجم، ضراغمة الأجم، بنو غاب،
__________
(1) اللوك: المضغ. والعرود: جمع عرد وهو الشديد الصلب من كل شىء. انظر هذه الكناية فى 44امن الأصل.
(2) الحفدة: الأعوان والخدمة، واحدهم حافد.
(3) إشارة إلى أن هاجر كانت جارية سارة ثم عتقت وتزوجها إبراهيم.
(4) السفع: اللطم.
(5) البيت لأبى العلاء المعرى. شروح سقط الزند 141.
(6) الهدان، بالكسر: الوخم الثقيل فى الحرب.
(7) ذمرة: جمع ذامر، وهو الذى يذمر القوم، أى يحضهم ويحثهم.
(8) البيت لأبى تمام فى ديوانه ص 281.
(9) القدمة: الاسم من الإقدام. قال:
تراه على الخيل ذا قدمة ... إذا سربل الدم أكفاها
(10) لأبى العلاء المعرى. شروح سقط الزند 140. وقد غير إنشاد البيت ليتساوق مع الكلام. وإنما أوله: «يا ابن الألى»، والعكر: القطعة من الإبل ما بين الخمسين إلى المائة.(1/248)
المنتفون من كلّ عاب، لم تلدهم صواحب الرّايات (1)، بل تبجّحت عليهم سارة الجمال ربّة الإباة (2)، شمخ، بذخ، بررة أقيال، جررة أذيال. بخ بخ، أحلّتهم سيوفهم سطة الأرضين، فما قنعوا بذلك ولا رضين، حتّى دوّخوا المشارق والمغارب، واستوطنوا من المجد الذّروة والغارب.
بضرب يزيل الهام عن سكناته ... وطعن كتشهاق العفا همّ بالنّهق (3)
شرهوا برنّات السّيوف، لا بربّات الشّنوف، وبركوب السّروج، عن الكلب والفرّوج، وبالنّفير، عن النّقير (4)، وبالجنائب، عن الحبائب، وبالخبّ عن الخب (5). وبالشليل، عن السليل (6) وبالأمر والذّمر (7)، عن معاقرة الخمر والزّمر، وبالّلقيان، عن العقيان (8)، وعن قنيان القيان، طيّاتهم، خطّياتهم (9)، وغلّاتهم، آلاتهم، وحصونهم، حصنهم، أقيال، آباؤهم من بين الأنام أقتال (10)
أولئك قومى إن بنوا شيّدوا البنى ... وإن حاربوا جدّوا وإن عقدوا شدّوا
وضح، رجح، لا حفزة عكر (11)، ولا حذرة أكر (12)، ملوك جلّة، لا محرقو
__________
(1) كانت البغايا فى الجاهلية يجعلن على بيوتهن رايات ليعرفن بها. تفسير الطبرى (18: 57).
(2) سارة: زوج إبراهيم، وكان اسمها «ساراى» ثم غير إلى «سارة» ومعناه رئيسة. انظر سفر التكوين أصحاح 1817وهى بالراء المخففة. ولا عبرة بما ورد فى اللسان (هجر، سقم) من ضبطهما بالراء المشددة. والإياة، أصلها ضوء الشمس وحسنها. وفى فتح البارى (6: 279) أن يوسف أعطى شطر الحسن، وسارة شطره الآخر.
(3) البيت لأبى الطمحان حنظلة بن شرقى. اللسان (سكن، عفا).
(4) النفير: القوم ينفرون للقتال. والنقير: النكتة فى ظهر النواة.
(5) الخب، بالفتح: مصدر خب خبا، وهو ضرب من العدو. والخب، بالكسر: الخداع.
(6) الشليل: الدرع. والسليل: سنام البعير.
(7) الذمر: الحض والحث.
(8) اللقيان: لقاء الأبطال. والعقيان: الذهب.
(9) الطية: الحاجة والوطر. والخطيات: الرماح المجتلبة من الخط بالبحرين.
(10) جمع قتل بالكسر، وهو المثل والقرن، والمقاتل.
(11) حفزة: جمع حافز، والمراد به السائق. والعكر، سبق تفسيره.
(12) الأكر: الحفر فى الأرض، جمع أكرة.(1/249)
جلّة، ندس، غنوا بالإستبرق والسّندس، عن البتّ، المقيّظ المشتّ، المجموع من النّعيجات الستّ (1) بسل، لا حرّاس مسل (2)، ولا غرّاس فسل، ملّك لقاح (3)، ليس منهم فى ورد ولا صدر شرّاب درّ اللّقاح، بل شرابهم النّبيذ، وطعامهم الحنيذ، لا زهيد الهبيد (4)، فى البيد، ولا مكون (5)، الوكون، ولا منهم من احتشى، بمذموم الكشى (6)، ولا فى سائر الأحفاش (7) من وليد وناش، من اغتذى بالأحناش، فلا يقعقع لهم بالشّنان (8)، ولا يوعوع لهم بالشنآن (9)، فكف أيها الشّان (10) فلهم عظيم الشان، واليد الطولى إذ تخلّصوكم من أكفّ الحبشان، صنيع، منيع، ومنّة، لا يشوبها منّة، فيالها منحة، لكنها أعقبت محنة، إذ صادفت كفرة، لا شكرة. إيها، إذ تأبّطتم تيها، معشر البداة، العداة. اعتقدتم غلّا، فاستثرتم صلّا (11). أما علمتم أنّ الدولة النّوشروانية، والمملكة الأردشيرية بقروا أجوافكم، وخلعوا أكتافكم، ثم عطفوا، ورأفوا، وملّكوكم الحيرة، بعد الحيرة. قللا، ذللا، تتخيّرون البنات، عند البيات، مبهورات، لا ممهورات فبرم من ذلك غسّانكم ونعمانكم، وكان برمه سببا لدرء أمانكم، فأصبح بعد جرّ
__________
(1) يلمح قول الراجز:
من يك ذابت فهذا بتى ... مقيظ مصيف مشتى
تخذته من نعجات ست ... سود سمان من نعاج الدست
(2) المسل: جمع المسيل، وهو الجريد الرطب.
(3) اللقاح: الحى الذين لم يدينوا للملوك. عنى أنهم يخضعون من لم يخضع.
(4) الهبيد: حب الحنظل.
(5) المكون: جمع مكن، وهو بيض الضب.
(6) جمع كشية، وهى شحمة بطن الضب.
(7) جمع حفش، بالكسر، وهو الصغير من بيوت الأعراب.
(8) الشنان: جمع شن، وهى القربة الخلق الصغيرة.
(9) فى الخريدة: «ولا يزعزع له باللسان».
(10) أى الشانىء، وهو المبغض.
(11) الصل: الحية القاتلة.(1/250)
الذّيول، مدوسا بأخفاف الفيول (1). والكرام بنو الأصفر، الأطهر الأظهر، عطفتهم عليكم الرحم الإبراهيمية، والعمومة الإسماعيلية، فسمحوا لكم من الشام بأقصى مكان بعد ما كان، من سيل العرم ما كان، يؤدّى نعمانكم، وغسّانكم، لقروم الأعاجم، الإتاوة على الجماجم.
هذى المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا (2)
مهلا بنى الإماء، عن الغمز والإماء، فنحن عرق، غرق، فى الأنساب الصّميمة، والأحساب العميمة، فمن يهولنا أو يروعنا، وقد رسخت فى المجد أصولنا وفروعنا، ومن يطولنا، وكلّ الورى قد شمله فضلنا وطولنا.
شرف ينطح النّجوم بروقي ... هـ وعزّ يقلقل الأجبالا (3)
حلم، علم، ذوو الآراء الفلسفية الأرضية، والعلوم المنطقيّة الرياضية. كحملة الأسترلوميقى (4) والموسيقى، والعلمة بالأرتماطيقى والجومطريقى، والقومة بالألوطيقى والبوطيقى (5)، [والنهضة بعلوم الشرائع، والطّبائع، والمهرة فى علوم الأديان، والأبدان.
__________
(1) كان كسرى طلب إلى النعمان بن المنذر أن يزوجه إحدى بناته، فأبى النعمان ذلك كبرا، وأخفى بناته وأمواله فى أحياء العرب، وعلم بذلك كسرى فاستزار النعمان، وعاقبه بطرحه تحت أقدام الفيلة. انظر الأغانى (2: 2928). وفى ذلك يقول الأعشى:
فذاك وما أنجى من الموت ربه ... بساباط حتى مات وهو محزرق
(2) لأمية بن أبى الصلت. الشعراء 433.
(3) البيت للمتنبى فى مدح سيف الدولة. ديوانه (2: 104) بشرح العكبرى.
(4) يراد بها علم النجوم. وعند الخوارزمى فى مفاتيح العلوم 80 «اسطر نوميا».
(5) الأرتماطيقى: علم العدد والحساب. انظر ابن خلدون 42. والجومطريقى عند الخوارزمى 117وابن النديم 371 «الجو مطريا». ابن النديم: «إقليدس صاحب جو مطريا ومعناه الهندسة». الخوارزمى: «وهى صناعة المساحة، وأما الهندسة فكلمة فارسية معربة، وفى الفارسية أندازه، أى المقادير. وفى مروج الذهب (1: 321): والجومطريقى وهو علم المساحة والهندسة». وأما الألوطيقى فقد تكون محرفة عن «أبوطيقا» ومعناه الشعر. إخبار العلماء للقفطى 28. أو «أنولوطيقا» ومعناه تحليل القياس، والبرهان. وفى مفاتيح العلوم 89أونولوطيقا معناه العكس. وأما «البوطيقى» فهى فى الأصل «البرطيقى» محرفة. وفى مفاتيح العلوم 92 بيوطيقى ومعناه الشعر، يتكلم فيه على التخيبل، ومعنى التخييل إنهاض نفس السامع إلى طلب الشىء، أو الهرب منه وإن لم يصدق».(1/251)
هم ملكوا شرق البلاد وغربها ... وهم منحوكم بعد ذلك سوددا (1)]
ما شئت من تدقيق، وتحقيق، حبسوا أنفسهم على العلوم البدنية والدينية، لا على وصف الناقة الفدنيّة (2)، فعلهم ليس بالسفساف، كفعل نائلة وإساف (3)
أصغر بشأنكم، إذ بزقّ خمر باع الكعبة أبو غبشانكم (4)، وإذ أبو رغالكم، قاد فيل الحبشة إلى حرم الله لاستئصالكم (5). [غضّوا الأبصار، فهذا الذّكر إلى الفحش أصار (6)].
أزيدك أم كفاك وذاك أنى ... رأيتك فى انتحالك كنت أحمق
فلا فخر معشر العربان، الغربان، بالقديم، المفرّى للأديم (7)، لكن الفخر بابن عمّنا، الذى بالبركة عمّنا، الإبراهيمى النسب، الإسماعيلى الحسب، الذى انتشلنا (8) الله تعالى به وإيّاكم من العماية، والغواية. أما نحن فمن أهل التثليث وعبادة الصّلبان، وأنتم من أهل الدين المليث وعبادة الأوثان (9)، ولا غرو أن
__________
(1) التكملة من الذخيرة.
(2) الفدنية: المشبهة فى علوها بالفدن، وهو القصر المشيد.
(3) يزعمون أن إساف بن عمرو، ونائلة بنت سهل، فجرا فى الكعبة فمسخا حجرين ثم عبدتهما قريش. شروح سقط الزند 1315.
(4) يذكرون أن أبا غبشان كان يلى أمر البيت، فاتفق أن اجتمع مع قصى بن كلاب فى شرب بالطائف، فخدعه قصى عن مفاتيح الكعبة بأن أسكره، ثم اشترى المفاتيح مته بزق خمر وأشهد عليه، ودفع المفاتيح فى يد ابنه عبد الدار بن قصى وطيره إلى مكة، فلما أشرف عليها قال رافعا عقيرته: معاشر قريش هذه مفاتيح أبيكم إسماعيل قد ردها الله عليكم! وأفاق أبو غبشان من سكره أشد ندامة من الكسعى. شروح سقط الزند 1982.
(5) كان أبرهة عامل النجاشى على اليمن قد عزم أن يهدم البيت، ومر فى طريقه على ثقيف بالطائف، فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة. السيرة 3231.
(6) التكملة من الذخيرة.
(7) الذخيرة: «فعلى فرى الأديم».
(8) فى الأصل: انتشانا»، تحريف.
(9) المليث من الملث، وهو أن يعد الرجل الرجل عدة لا يريد أن يفى بها.(1/252)
كان منكم حبره وسبره، ففى الرّغام يلفى تبره، والمسك بعض دم الغزال، والنّطاف العذاب مستودعات بمسك العزال (1)
لله مما قد برا صفوة ... وصفوة الخلق بنو هاشم (2)
وصفوة الصفوة من بينهم ... محمد النور أبو القاسم (3)
بهذا النبىّ الأمّىّ، أفاخر من تفخّر، وأكاثر من تقدّم وتأخّر، الشريف السلفين، والكريم الطّرفين، الملتقى بالرسالة، والمنتقى للأداء والدّلالة، أصلّى عليه عدد الرّمل، ومدد النّمل، وكذلك أصلّى على واصل جناحه، سيوفه ورماحه أصحابه الكرام، عليهم من الله أفضل السلام.
يا بن الأعارب ما علينا باس ... لم أحك إلا ما حكاه الناس
هذا.
ولم أشتم لكم عرضا ولكن ... حدوث بحيث يستمع الحداء
ثم أحج بشاعر غسّان، لا ساسان، فى هذا العيد، بالوعيد، وأحر فى هذا الفصل، بعدم الوصل. لقد غمّ آخرك، لكن بالرّغم أخّرك، إذ أضربت عن مديح، علقنا الرّبيح، معزّ الدولة شهمنا الرئيس، وسهمنا النّفيس، قيل الأمم (4)، وسيل الأمم (5)، معنى المعانى، ومغنى المغانى، ذى الرياسة السّاسانية، والنّفاسة النفسانية. فاذهب، يا غثّ المذهب، وابتغ فى الأرض نفقا، أو فى السّماء مرتقى، فهذه أليّة، جلبت عليك بليّة. أو حك من البسيط والمديد، ما تستجير به من بطشنا الشّديد، إذ نحن معشر الموالى، لا نوالى، إلّا من هو
__________
(1) المسك، بالفتح: الجلد. والعزالى: جمع عزلاء، وهو فم المزادة الأسفل.
(2) فى مروج الذهب (2: 274): «ممن قد برا».
(3) فى مروج الذهب: «وصفوة الصفوة من هاشم».
(4) القيل: الملك، وأصله الملك من ملوك حمير.
(5) الأمم، بالتحريك: القصد الذى هو الوسط، وهو القرب أيضا.(1/253)
لعظيمتنا موالى، وحذار حذار أن تقرع سنّ الندم، ولات حين مندم، قبل أن تجمع ذنوبك، على ذنوبك (1)، وكربك فى كربك، فمن أبصر، أقصر، وما حرّف، من صديقه خوّف.
فلا تتبشّع ممضّ العتا ... ب يلقاك يوما بلقياه لاق (2)
فإنّ الدواء حميد الفعال ... وإن كان مرّا كريه المذاق
يا معتقل علم الشّعر، والمستقلّ بقلم النظم والنثر.
قد استحييت منك فلا تكلنى ... إلى شىء سوى عذر جميل (3)
وقد أنفذت ما حقّى عليه ... قبيح الهجو أو شتم الرسول (4)
وذاك على انفرادك قوت يوم ... إذا أنفقت إنفاق البخيل
وكيف وأنت علوىّ السّجايا ... وليس إلى اقتصادك من سبيل
وقد يقوى الفصيح فلا تقابل ... ضعيف البرّ إلا بالقبول
وإنّ الوزن وهو أصحّ وزن ... يقام صغاه بالحرف العليل (5)
فإن يك ما بعثت به قليلا ... فلى حال أقلّ من القليل
نجزته من كلام المعرى.
والسّلام عليك ما سبح الفلك، وسبّح الملك (6). ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) الذخيرة: «فى ذنوبك». والذنوب، بالفتح: الدلو.
(2) الذخيرة «فلا تتبع فيلقاك لمعناه.
(3) للمعرى فى شروح سقط الزند 11491144.
(4) يعنى الرسول الذى أنفذه بالرسالة.
(5) الذخيرة: «وإن الشعر، وهو أتم وزن» وما فى الأصل يطابق ما فى الشروح.
(6) الملك: الملائكة.(1/254)
الردود
رد أبى يحيى بن مسعدة(1/255)
الرد على ابن غرسية منشىء الرسالة المتقدمة، مما عنى بإنشائه وتأليفه الشيخ المبارك الأفضل أبو يحيى بن مسعدة نفعه الله بها وجعلها حجّة له عند الحاجة إليها (10)
ومن يعص أطراف الزّجاج فإنّه ... يطيع العوالى ركّبت كلّ لهذم (1)
إياك أعنى أبا عامر، ولا أقول خامرى أمّ عامر (2)، بل أعربك جنى غرسيه (3)، فالتقط يا لقيط غرسية (4).
هيهات جئت إلى دفلى تحرّكها ... مستطعما عنبا حرّكت فالتقط (5)
شربك الحميم، وشعارى لك حاميم (6)، فاخلع عن مقلّدك البريم (7)، وذق إنك أنت العزيز الكريم.
رميت بما لو أنّ الجنّ ترمى ... به لتنهّبتها الإنس نهبا
لمن بعثت يا غثيث من هامد دجنك أوارا، وأرّثت من خامد أبنك نارا (8).
وإنّ النّار بالعودين تذكى ... وإنّ الحرب يقدمها الكلام (9)
__________
(10) هذا الرد لم يرد فى نسخة الذخيرة.
(1) البيت من معلقة زهير.
(2) أم عامر: كنية الضبع. يقال لها خامرى، أى استترى.
(3) أعراه النخلة: أعطاه إياها يأكل رطبها. وغرسيه، أى غرسى، زاد هاء السكت.
(4) يعنى أن أباه غرسية التقطه وتبناه.
(5) الدفلى، كذكرى: شجر مر أخضر حسن المنظر يكون فى الأودية.
(6) جاء فى حديث الجهاد: «إذا بيتم فقولوا حاميم، لا ينصرون». فهى مما يستظهر به على استنزال النصر على العدو. وأنشد أبو عبيدة لشريح بن أوفى العبسى:
يذكرنى حاميم والرمح شاجر ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم
(7) البريم: خيطان يكونان من لونين.
(8) جمع أبنة بالضم، وهى العيب والوصمة.
(9) من أبيات مشهورة لنصر بن سيار. البيان والتبيين (1: 158) والطبرى (9: 92). ويروى: «أولها الكلام».(1/256)
مثلك يادمّىّ العجم، وذمّىّ العجم، تعدّى للأعراب مواليه بسفه، أو تصدّى لمعارضة فخارها ببنت شفة؟! غرّك أن تولّيتها بحكم المقاسم (1)، وأن ظأرت أمّك لها أحور من جآذر عاصم (2). كلا:
* فما الكرج الدّنيا ولا الناس قاسم *
ما استجلاك الدّوّيا آبق إن سفرت، ولا خلا لك الجوّ حتّى بضت وصفرت، فى مثل هذا المعمر، نقّر واصفر (3)، وبهذا المحمّر، يا مصفّر استه حمّر وصفّر (4)، بموقف لا يعزّ على الأوس بن تغلب، أن تهان وتغلب (5).
رويدك حتّى يلحق الداريّون، أصحاب الجياد المكفيّون (6)، وتالله لا تغسلك معى الحواريّون (7)، بعد أن أتقدّم لتأديبك، وأفضح فى الحقين عذرة أديبك (8)
مناقلك فى الأراجيز، وناقلك إلى معرض التعجيز، شيخ الاعتزال، وصريع أهل السّنّة إذا تداعوا نزال، الأعمى البصر والبصيرة، وشعوبىّ هذه الجزيرة (9).
عمى حذوك الغىّ أىّ عجيبة ... أعمى دليل هدى أو أخرس ينطق (10)
__________
(1) يعنى مقاسم المغانم.
(2) عاسم: اسم ماء لكلب بأرض الشام.
(3) أخذ فيه من رجز طرفة:
يا لك من قبرة بمعمر ... خلالك الجو فبيضى واصفرى
ونقرى ما شئت أن تنقرى
(4) رمى له بالأبنة. والتحمير والتصفير باستعمال الزعفران والطيب. انظر اللسان (حمر، صفر).
(5) فى الأصل: «وتغلبا».
(6) فيه نظر إلى قول الراجز وأنشده فى المقاييس واللسان (دور):
لبث قليلا يلحق الداريون ... ذوو الجياد البدن المكفيون
وفى الأصل هنا: «وأصحاب الجباب».
(7) الحوارى: القصار الذى يبيض الثياب، ومنه حواريو المسيح عليه السلام، لأنهم كانوا قصارين.
(8) أصله من المثل: «أبى الحقين العذرة» وهى بكسر العين العذر. ومنشأ المثل أن رجلا ضاف قوما فاستسقاهم لبنا وعندهم ابن قد حقنوه فى وطب، فاعتلوا عليه واعتذروا فقال:
أبى الحقين العذرة! أى إن هذا الحقين يكذبكم.
(9) لعله يعنى ابن سيده. انظر ما سبق فى ص 233.
(10) فى الأصل: «حدوك المنى». حذاه: أعطاه ووهب له.(1/257)
لشد ما سمّع بك فى الأملاء (1)، وسرّك بالإجراء فى الخلاء (2)، وأرسلك سائما ورتع فى خلاء، كفته فى معانى القرآن زحلوفاته الزّلّ الضّل، وكمته فى نحوه عثراته التى يدمى منها الأظلّ، مما تحك فى الدّلىّ والدّوىّ (3) ومطارحك السلام على ذى الروىّ المروى، لقد أعلّك بواضحها وأبلّ، وأغلّك من فاضحها ما أسلّ (4)، ورماك يا رجيم بدائه وانسلّ، فتصنّعت بمعار حلاه، وتنطّقت بما تلاه، وتشبّعت بالعار الذى تولّاه، كالخصىّ يفخر بمتاع مولاه.
كثاقبة لحلى مستعار ... بأذنيها فشانهما الثّقوب (5)
فردّت حلى جارتها إليها ... وقد بقيت بأذنيها ندوب
أولى لك يا زفر، يا است عير يحكّه الثّفر، حين نهقت، وبلسان العرب سباتك (6) تفقّهت، فقلت:
أولئك قومى إن بنوا شيّدوا البنى ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا
مالك يا وقاح، ولهذا الحىّ اللّقاح (7)، تفوّهت بكلامهم، ونفهت عن أفهامهم (8)، وأهللت بشعارهم، وتمثّلت بأشعارهم، وشحجت فى أعيارهم، وما نارك من نارهم (9). هلّا رتقت بفطانتك، ونطقت بعجمتك ورطانتك.
__________
(1) التسميع: التشهير. والأملاء: جمع ملأ، وهم أشراف القوم.
(2) نظر إلى المثل: «كل مجر فى الخلاء يسر»، والمجرى: الذى يجرى دابته، فهى فى الخلاء لا منافس لها.
(3) المماتحة: مفاعلة من المتح، وهو جذب رشاء الدلو. والدلى: جمع دلو.
والدوى: المفازة.
(4) يقال: أسله الله فهو مسلول، شاذ على غير قياس.
(5) لابن هرمة فى الأغانى (5: 28).
(6) السباة: جمع ساب، من السبى وهو أخذ الناس عبيدا وإماء.
(7) حى لقاح، كسحاب: لم يدينوا للملوك ولم يملكوا ولم يصبهم فى الجاهلية سباء.
(8) نفه: أعيا وكل وضعف.
(9) النار: السمة. وأصلها سمة الإبل، تجعل كل قبيلة لإبلها سمة خاصة.(1/258)
أظنّك شاهدت لياليهم بالجمع (1)، أو قعدت منهم مقاعد للسّمع، ودانيت السّرار فاسترقت (2)، وضمّك السّرار فأغدقت، وأعجزك النّزع فأمرقت (3)، وأورقت وما أخرفت، ثم فسلت، وظننت أنّك طلت، بل سفلت، وحيث وجب لك أن تسجد بلت.
وقيل يا رخم انطقى ... فى الطّير إنّك شر طائر (5)
فأنت بما هى أهله ... والغىّ من شلل المحاور (6)
أما كان لك يا لئيم الجدود، ومدرأ الحدود، ولآبائك لفظ تحكيه، أو لذوى ولائك من العجم قبر بجلّق تبكيه (7)، أو نحو بلسانك تضعه، أو لحن فى شأنك تخفضه وترفعه، فقاولت العرب بلسان هامان، وناضلتها بطمطمة بيحائيل ورومان فتذرها تسبر ما خلقت، وتصبر لسبائك على لكنك لمّا صدقت.
فما على البدر من نبح الكلاب ولا ... يوما على البحر يرمى فيه بالحجر
هذا جزاؤها فى تدريبك وتعليمك، وتصريف ألفاتها فى حلقة ميمك، فلا ماء وجهك أبقيت، ولا حرح أمّك العفلاء أنقيت. ما أنبذك يا نبيذ لذمامها، وأقلّ شكرك على كفالتها لك وإلقاء أقلامها (8)، لكن أمنت سورة إقدامها
__________
(1) جمع هى المزدلفة، وفيها يقول ابن هرمة:
سلا الفلب إلا من تذكر ليلة ... بجمع وأخرى أسعفت بالمحصب
(2) السرار، بالكسر: المسارة. استرقت، يريد استرقت السمع.
والسرار: بالفتح جمع سرارة، وهى من الوادى: أفضل موضع فيه.
(3) أمرق السهم إمراقا: جعله يمرق من الرمية وينفذ.
(5) للكميت. الحيوان (3: 520). وأوله فيه: «إذ قيل».
(6) كذا ورد فى الأصل.
(7) إشارة إلى قول النابغة:
لئن كان للقبرين قبر بجلق ... وقبر بصيداء التى عند حارب
والقبران يعنى بهما صاحبى القبرين، وهما يزيد بن الحارث الأعرج، وأبوه الحارث الأعرج، والنابغة يمدح عمرو بن يزيد بن الحارث الأعرج ويمجد أباه وجده.
(8) فيه نظر إلى تنازع الأحبار وزكريا فى كفالة مريم وإلقائهم الأقلام لتحكم أيهم يكفلها.(1/259)
وضمنت عن مثلك سعة أحلامها، فساجلتها بخلق أرمامها (1)، وجاذبتها فضول كلامها. «ليس قطا مثل قطىّ»، ولا الرّشد من الغىّ.
يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرحل (2)
فروغى جعار (3)، وبنار الإنصاف بدار.
من يهن يسهل الكلام عليه ... مالجرح بميّت إيلام (4)
وبعد قرع صفاك، وصفع قفاك، ننتقل إلى نقلة أديانكم، وجهلة أحباركم ورهبانكم، وإقامة أقانيمكم الثلاثة فى سنودساتكم الستّ وهذيانكم، ثم نرسل عليكم خيل البيان شزّبا غراثا (5)، ونبعثها ملاحم تنسى الكلاب وملهما وبعاثا (6)، وتنقض ما غزلت أمّك الورهاء بعد قوّة أنكاثا.
هما الشّظاظان فحولى حولكا ... لأقطعنّ بالمرار حبلكا (7)
اشدد حيازيمك للمناقش، واجذذ جراميزك عن المناهش، فعلى أهلها دلّت بأذاها براقش، أتظنّ أن تقنع منك اليمن بالأرش، أو سبأ الحاضرون بردّ العرش (8)، هذا يا ضبّ أشدّ من الحرش، نكرت يا نكير، ويا عوير، أن تتحامى الشّعرة أبؤسها بالغوير، لو حلّ رائدها أرض تبالة، لما حرم ولا تواله، ولكنّما أعرضت عنه تبالة، ورأى أكمة فتباله، وترك الضّغث والإبّالة، وجهد أن
__________
(1) يقال حبل أرمام، أى بال، وصف بالجمع، كأنه جعل كل جزء منه واحدا ثم جمع. وفى الأصل: «أزمامها».
(2) البيت لجعفر بن محمد بن على بن الحسين. العقد 2: 473.
(3) جعار، كقطام: اسم للضبع. والمثل بتمامه: «روغى جعار وانظرى أين المفر».
يضرب لمن يروم أن يفلت ولا يقدر على ذلك.
(4) البيت للمتنبى فى ديوانه (2: 338) بشرح العكبرى، برواية: «يسهل الهوان».
(5) شزب: جمع شازب، وهو الضامر. والغراث: جمع غرثان، وهو الجائع.
(6) الملاحم: الحروب الشداد. الكلاب وملهم وبعاث: مواضع كان بها بعض أيام العرب.
(7) المرار: الحبل الذى اجيد فتله.
(8) فى الأصل: «الحاضرين»، تحريف. وهو نظر إلى قول الأعشى:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيله العرما(1/260)
يلحق آله وثماله، وقال من ابن يزيد ومن ثمالة (1).
تيامن تجاهك تلق الكلا ... منيرا وتأمن فى المسلك
إيه ليت شعرى من علقك الرّبيح فى الزّمان، وهل أحاط بسقعه هدهد سليمان (2)؟ لعلك تعنى الموفّق، ذا النجار الملفّق، حاجب الظّاهر، ومملوك معافر (3)، عجم دانية، وعرك سردانية (4). أين أمّك (5)، ثكلتك أمّك، وهل سوى زعنفة من زعانف الرّيف، وسفاسف السّيف، العراة الحقوين، السّراة كمسرى القين (6)، المعتصمين بالخيزرانة بعد الأين (7).
ومن يسكن البحرين يعظم طحاله ... ويغبط بما فى بطنه وهو جائع (8)
متى جرى يا عبد عبدة الأوثان، مدح العجم على آسان من لسان (9)، أو تبعهم قائل بإحسان، عياذا ببشر وأميّة وحسّان، وحقّ للمعروف تقريضه، الموقوف على حللة بجّانة قريضه (10) وإن كانت أرش اليمن، فيها نودى عليكم
__________
(1) إشارة إلى قول عبد الصمد بن المعذل فى هجاء محمد بن يزيد المبرد، وهو من قبيلة ثمالة:
سألنا عن ثمالة كل حى ... فقال القائلون ومن ثماله
فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهاله
فقال لى المبرد خل عنى ... فقومى معشر فيهم نذاله
(2) السقع، بالسين: لغة فى الصقع، وهو الناحية.
(3) معافر، بفتح الميم: حى من اليمن.
(4) العرك: جمع عركى. وهو صياد السمك.
(5) الأم: القصد.
(6) سرى القين مثل فى الكذب. يقولون: «إذا سمعت بسرى القين فإته مصبح».
وأصله أن القين بالبادية يتنقل فى مياههم، فيقيم بالموضع أيا ما فيكسد عليه عمله، فيقول لأهل الماء: إنى راحل عنكم الليلة! وإن لم يرد ذلك، ولكنه يشيعه ليستعمله من يريد استعماله.
(7) إشارة إلى قول النابغة فى صفة الفرات:
يظل من خوفه الملاح معتصما ... بالخيزرانة بعد الأين والنجد
الأين: الفترة والإعياء. والنجد: العرق والكرب.
(8) عرفت البحرين قديما بأن أهلها مطحولون. الحيوان 4: 139.
(9) الآسان: البقايا، الواحد أسن بضمتين.
(10) التقريض: التقريظ، وهو مدح الإنسان حيا والثناء عليه. وانظر ما سبق فى ص 246.(1/261)
بأنجس الثّمن، أن يزدرى بفرعك المجيل، وجيلك النّجيل، من النّجل والتنجيل (1)، يا أشلاء الرّحيم البجيل، والبظر السّجيل، وقد راعتكم من غسّان وخولان، وصميم قيس وعيلان، الرائع النّجيل، أصحاب الغرر والتحجيل، الذين مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل (2)، يا تبعة المجوس، وقرعة القرن والناقوس، ألسنا بالقوس، وأنتم بالقرقوس (3)، عبدة التثليث، وشردة أجزاء الثالوث، لقد أبحتم السّمرة للعاضد، وجئتم بما فضحت قومها غامد (4)، الجوهر وروح القدس وابن الإنسان إله واحد، صمّى صمام، لا بالصّماخ ولا الصّمام بالحرا تألّفت لكم تلك الأقانيم الثلاثة فى قرون من الدّهر، وقد كان بين أقنومين منها بزعمكم سبعمائة شهر. لقد ضلّ أقنوم بين سنودسين (5)، واتّحد أهل التكليف منكم خلال اتحاد الكلمة بالنّفسين، وليتها كانت تسعة فانقرض عليها جيلكم، وانقرض من الاختلاق إنجيلكم. يا قرب ما تلّفقت لكم هذه الألوهة دون تكليف، وتنزّهت وحدانيتها عن التأليف بالتسويف. وعلى أنّ الجاثليق قد أتاكم فى الزّيادة عليها ببعض القول، وردّ فرض أحكامكم المنسوخة إلى العول (6). كفى ما بين الملكانية والنّسطورية (7) من فساد فى الوضع،
__________
(1) النجل: العيب، نجله أى عابه.
(2) إشارة إلى قوله تعالى فى صفة أصحاب الرسول الكريم: «ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه». آخر سورة الفتح.
(3) القوس، بالضم: رأس الصومعة. والقرقوس، بالتحريك: القاع أو الوادى الأملس.
(4) فيه إشارة إلى قول امرأة من غامد فى هزيمة ربيعة بن مكدم لجمع غامد وحده:
ألا هل أتاها على نأيها ... بما فضحت قومها غامد
تمنيتم مائتى فارس ... فردكم فارس واحد
انظر البيان (1: 249).
(5) الأقنوم: واحد الأقانيم وهى الأصول. والسنودس هو المعروف فى مصر بالسنهودس.
وهو المجمع الدينى. انظر مروج الذهب 1: 319318والتنبيه والإشراف 122، 136.
(6) العول: عول الفريضة فى الميراث، وهو أن تزيد سهام الورثة فيدخل النقصان عليهم، كأن يكون لأحدهم الثمن فيصير له الثسع.
(7) الملكانية: فرقة منسوبة إلى «ملكا»، ومعناه الملك بالسريانية، والمراد بهم أتباع(1/262)
واختلاف فى الأناجيل الأربعة بغير إسناد ولا قطع، لهؤلاء جزء من الإله ولهؤلاء جزء، أليس هذا يا هزأة عين الفكاهة والهزء.
وحاطب جاء بعار يحطب ... بفيه من ذاك حجار الأثلب (1)
ثم مالكم، ويلكم، توسّعتم فى الكيان، وضايقتم معبودكم بتضايف المكان، ونقلتموه من عالم العقل إلى عالم الحسّ، وأفردتموه من الإنسانية عن روح القدس، فنقضتم الأسلوب، وقستم الجمع المربوب، وعبدتم منه الجزء المصلوب. أبدع بهذا البدع، وأقدر بشعب (2) هذا الصّدع، وأقدر بالسّبّ واللذع (3)، وأحقر بأمّة لم تنقذ معبودها من الجذع، أتظنّونه أعفاكم من طلب ثاره، وأعاذكم يوم هول المطّلع من ناره، أم تراه إذا قادكم للعرض وأوقفكم بين يديه للجزاء يأخذ بحقّه منكم ويوفّيه، أم يترك للنّاسوت هدرا ثلاثة فيه.
جاءوا بعقى ثم قالوا بنّوا (4) ... يا ويحهم أحمقوا أم جنّوا
ولمّا أخلفكم التبطين والتحليق، وأعيا عليكم التّدخين والتخليق، وخلف على دينكم الجاثليق، حلّيتم خشبة المسيح بعد رفعه عسجدا، وتوليتم مكانها عيدا ومسجدا، هلّا نصرتموه فى حياته، أو تحدّيتم بتأليف أثلته قبل وقاته.
هلّا جعلتم رسول الله فى سفط ... من الألوّة أحوى ملبسا ذهبا (5)
__________
مذهب قياصرة الروم، الذى يسمى أيضا المذهب الخلقيدونى، الذى أقره المجمع المعقود فى خلقيدونية سنة 451م. انظر تاريخ الأمة القبطية (الحلقة الثانية 9291).
والنسطورية: أتباع نسطورس، وكان بطريركا بالقسطنطينية سنة 428وأتى ببعض البدع.
فحكم عليه السنهودس الثالث المعقود فى أفسيس سنة 431باللعن والنفى، فسار إلى صعيد مصر فأقام ببلاد إخميم والبلينا، ومات بقرية يقال لها «سيفلح». انظر ما كتبته فى حواشى الحيوان (4: 458).
(1) الأثلب: التراب والحجارة.
(2) فى الأصل: «شعب». وشعب الصدع: لأمه وأصلحه.
(3) فى الأصل: «وأقرر».
(4) العقى: أول ما يخرج من بطن الولد. وبنى بالمكان: أقام.
(5) الألوة: ضرب من العود. والبيت فى اللسان (ألا) قاله أعرابى مر بالنبى صلى الله عليه وسلم وهو يدفن.(1/263)
ثم مهيم، يا أبا مريم، وهات الحديث عن مريم ثالثة آلهتكم، والنّصب الذى توفضون إليه ببلاهتكم، أليست العذراء البتول، الحصنة أمّ الرسول، الطيّبة النّجار، الطاهرة الإزار، مالكم قذفتموها بإنكار المهد قبل قذفها بيوسف النجار.
صلامة كحمر الأبكّ ... لا جذع فيها ولا مذكّ (1)
يا غواة الهدى، وعواة الصّدى، لقد خذلتكم ضلالات السّرى، وخبلتكم خيالات الكرى.
أطرق كرا أطرق كرا ... إنّ النّعام فى القرى (2)
أىّ حذاء من أديمكم يرقع، أم أىّ حلى لنسائكم يقمقع، ألاتخاذكم الصّاحبة للرحمن، أم لرميكم بالكذب ابنة عمران، تصدّقون من مشبّهتكم لوقا ويحنّا، وتكذّبون من قال لو أردنا أن نتّخذ لهوا لاتّخذناه من لدنّا. يا للعجاب، وهل أمام هذه السّوأة من حجاب.
حانيّة من عانة أو بيشا ... تحلق حلق النّورة الجميشا
لمثل هذا استقادك السّفه والعمه، وجعلت أمّنا لأمّكم أمة.
أسمع صوتا ولا أرى أحدا ... من ذا الشقىّ الذى أباح دمه
حاشى لإبراهيم أن يكون لكم أبا وإن كنتم بنيه فمه، ثم مه، وهبك هاجر أمة، بخ بخ، أزم بعقبك الفخّ، نكاح، أم سفاح، وكم بين محظور
__________
(1) الصلامة: القوم المستوون فى السن والشجاعة والسخاء. والأبك: موضع تنسب إليه الحمر. والمذكى: المسن. والرجز لقطية بنت بشر الأعرابية، مر بها مروان بن الحكم وهى ترتجز بهذا وتنزع بدلو على إبل لها، فخطبها فتزوجها فولدت له بشر بن مروان. الأغانى (1: 130129).
(2) الكرا: لغة فى الكروان، وهو طائر صغير يشبه به الذليل. والمثل يضرب للرجل الحقير إذا تكلم وغيره أولى منه بالكلام.(1/264)
ومباح. أنّى لبضع أمّاتكم للحنيفية جنوح، أو فى نكاح عمّاتكم ما أوصى به نوح، لقد ذهبتم من العار بحمّه ورمّه، والفحل السّوء ببدأ بأمّه. فى الفرق بين السّرارى ولهيرات، وخبر هنّ الذائع وأبنائهن الأنبياء والخلفاء والسّادة السّراة، ما يرفع الالتباس، ويعرّف بمنجبات الناس. وسل عن سبط داود وسليمان، وبنى عبد المطلب وخلائف (1) بنى العباس. على أنّ العرب لا تترجّح للأمّهات، ولا تتبجّح بذكر الحرمات، ولا رضيت الشّغار كفعلكم بالبنات، بل وأدتها للحفيظة هبرا، ووردت بها حياض الثّكل صبرا، واختارت لهنّ جنن القبور صهرا.
* والموت أكرم نزّال على الحرم (2) *
وتقدّر يا قدار (3)، ما صيّرت لآلك فى ذكر سارة (4) من حديث مدار.
ربّة الإياة (5) أمّكم، بل ابنة هاران عمّكم، ذارية السّبط، وعاريّة صادوف طرخان القبط، إذ غصبها (6)، ولولا عصمة النبوّة لعصبها، فتداركها الله بأمّنا
__________
(1) فى الأصل: «خلاب».
(2) من بيت لإسحاق بن خلف، فى الحماسة بشرح المرزوقى 283. وصدره:
* تهوى حياتى وأهوى موتها شفقا *
(3) هو قدار بن سالف، الذى يقال له أحمر ثمود، عاقر ناقة صالح، وهو مثل فى الشؤم.
(4) سارة، ضبطت فى اللسان (سقم، هجر) بتشديد الراء ضبطا بالقلم. والوجه فيها تخفيف الراء. وفى سفر التكوين 97: 18 «وقال الله لإبراهيم: ساراى امرأتك لا تدعو اسمها ساراى، بل اسمها سارة». وفى الحواشى أن معنى «سارة» رئيسة. انظر الكتاب المقدس طبع الأمير كانية 1906. وفى التنبيه والإشراف 143أن نقفور ملك الروم أنكر على الروم تسميتهم العرب «ساراقينوس» معناه عبيد سارة، طعنا منهم على هاجر وابنها إسماعيل. قال المسعودى: «والروم إلى هذا الوقت تسمى العرب: ساراقينوس».
(5) أصل الإيادة ضوء الشمس وحسنها. وكانت سارة بارعة الجمال.
(6) فى القاموس أن الطرخان اسم للرئيس الشريف، خراسانية. وفى فتح البارى (6: 228) أن اسم الذى حاول اغتصابها عمرو بن امرىء القيس بن سبأ، وكان على مصر! ذكره السهيلى، وهو قول ابن هشام فى التيجان. وقيل اسمه «صادوق» وحكاه ابن قتيبة، وكان على الأردن. وقيل سنان بن علوان بن عبيد بن عريج بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح. حكاه الطبرى. وانظر قصة اغتصاب فرعون لها فى سفر التكوين 12: 11 20واغتصاب أبيمالك ملك جرار لها فى 20: 181.(1/265)
ذات المناسك الخمس، ومخلّصتها من ملك عين الشّمس (1)، إذ نافحت عنها بإرهاص الوحى والتنزيل، وشهدت ببراءتها عند إبراهيم الخليل، فاختارها على أمّكم لوراثة أمره، وتسرّاها بعد ثمانين من عمره، فكانت بكر سلالته ووصىّ أبينا إسماعيل صلوات الله عليه حامل رسالته، وما زالت أمّكم حتّى نافستها فى السّلام، ووسمتها بثلاث لغدرها بقين سنّة فى الإسلام (2)، ولم ترض لها بيسان بيتا فرضى الله بالبيت الحرام.
لزّت بها ضرّة زهراء واضحة ... كالشّمس أحسن منها عند رائيها
فرحلت عنها أثرة الفراق، طاهرة الأعراق، سائرة مع جبريل على البراق، فبحقّ تزهى بنو هاجر، بالتهاجر، وتلهى بالتّكاثر والتّفاخر، يا فاجر.
رأيت اللسان على أهله ... إذا قاده الجهل ليثا هصورا (3)
وأمّا ما جلبت عليه يا حائن برجلك، ونكّست به حذاء صدرك نصال نبلك من ذكر صواحب الرايات (4)، والسّارين بأمثال أمّك للبيات، فقد رجعت فى ذلك يا شامّ على أدراجك (5)، وبحثت عن مدية لأوداجك، حلّا أمّ عامر (6) عساك ناديتنا من أقرب طيّة، ونزعت بك إلينا عروق (7) من سميّة. دونك هيلى بكيلك الوافى.
* واعرنزمى ميّاد للقوافى (8) *
__________
(1) هى عين شمس، المدينة المصرية المعروفة، قال ياقوت: «اسم مدينة فرعون موسى».
(2) فى اللسان (هجر): «هاجر أول امرأة جرت ذيلها، وأول من ثقبت أذنيها»، وأول من خفض. قال: وذلك أن سارة غضبت عليها فخلفت أن تقطع ثلاثة أعضاء من أعضائها، فأمرها إبراهيم عليه السلام أن تبر قسمها بثقب أذنيها وخفضها، فصارت سنة فى النساء».
(3) أنشده ابن قتيبة فى عيون الأخبار (1: 330) برواية:
* إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا *
(4) انظر ما سبق فى ص 249.
(5) الشام: المتكبر، يقال شم، أى تكبر.
(6) تهكم بكنيته «أبو عامر» انظر ما سيأتى فى ص 280ص 7.
(7) فى الأصل: «عرق».
(8) لابن ميادة، واسم الرماح بن أبرد. وميادة أمه، كان يضرب جنبيها ويقول لها:
* اعرنزمى مياد للقوافى *(1/266)
سميّة أخيذة من أسراكم (1)، وسريّة تصّيرت إلى أبى جبر (2) ثم إلى الحارث ابن كلدة من هدايا كسراكم، فأزوجها الحارث مسروحا (3) فى حىّ مضاع، وبيت قعيدته لكاع، تسرح فى حيال (4)، وببيت عقدها مصطلبا شيخ العيال (5). فإن كان واثبها حليف عهد، أوسافحها أو خاتلها عن قصد، فسامحته بما سامحها. ثم صارت إلى عبيد، بغير عقد، وظنّت أنّ فى كل أوديتها بنى سعد (6).
كعادتها فيما مضى من شبابها ... كذلك تدعو كلّ مرء أرامله
أتراها من الانثى عشر ألفا بغين، ببلاد الأرمن، حاضرة ملككم، وسميساط (7) واسطة سلككم، اللائى حظر هنّ طاغيتكم عن التّزويج، وأباح
__________
يريد أنه يهجو الناس فهم يهجونه ويذكرون أمه. واعرنزم: تقبض، وفى الأصل:
«وأعزمى»، صوابه فى الشعراء 747والأغانى (2: 86). وبعده:
واستسمعيهن ولا تخافى ... ستجدين ابنك ذا قذاف
(1) كانت سمية من أهل زندورد، وهى مدينة كانت قرب واسط. معجم البلدان والمعارف لابن قتيبة 125.
(2) فى الأصل: «ابن جبر»، تحريف. وفى المعارف والمعقد (5: 4) «أبو الخير» تحريف كذلك. وأبو جبر كان أحد ملوك اليمن، واسمه كنيته، وقيل هو أبو الجبر يزيد بن شراحيل الكندى، وقيل أبو الجبر بن عمرو الكندى. وفيه يقول ابن دريد فى مقصورته المشهورة:
وخامرت نفس أبى الجبر جوى ... حتى حواه الحتف فيمن قد حوى
انظر ابن خلكان (2: 294) فى ترجمة يزيد بن مفرغ.
(3) وكذا عند ابن قتيبة فى المعارف، لكن بلفظ: «مسروح» بالحاء. لكن فى العقد وابن خلكان أن زوجها هو «عبيد»، وهو عبد وهبه أبو الجبر للحارث بن كلدة مع سمية. وهو الصواب، فقد ورد فيما روى من خطبة لزياد بن أبيه: «فأما عبيد فإنما هو والد مبرور، أو ربيب مشكور». انظر العقد (6: 132) ومروج الذهب (3: 16.
وما ذكر هنا يجمع بين الروايتين.
(4) نوق حيال وحول: لم تحمل.
(5) يقال صلب العظام واصطلبها: جمعها وطبخها واستخرج ودكها ليؤتدم به.
قال الكميت:
واحتل برك الشتاء منزله ... وبات شيخ العيال يصطلب
(6) إشارة إلى المثل: «فى كل واد بنو سعد».
(7) فى الأصل: «سيماط»، تحريف. وسميساط: مدينة على شاطىء الفرات فى طرف بلاد الروم على غربى العراق، ولها قلعة فى شق منها يسكنها الأرمن. معجم البلدان.(1/267)
فروجهنّ لغراميل العلوج، بوظيفة دينارين ونصف دينار فى السنة على كل واحدة وقفها على مأكله ومشربه، وجعلها سنّة باقية فى عقبه.
فلولا الرّيح أسمع من بنجد ... صليل البيض تقرع بالذّكور (1)
فيا لها نعمة، أضاعت طعمة، وغنم إفادة، جلبتها قيادة، وزكاء خراج، يمخض زبده إدخال وإخراج، ويملأ فى كل فيقة عسّ أبى سواج (2)، أتحيط، يا بليط، بهذه الروايات حسبانا، أو تحصّل لها بظورا أو جوفانا. لقد نبهّت بهذا السماع هاما، وقلقلت للقراع بها يلملما وشماما. أظنّك هذا اعتمدت، أو جمعت قافات الكندىّ (3) وأنشدت:
شرف ينطح النجوم بروقي ... هـ وعزّ يقلقل الأجبالا (4)
فهلّا يا جاهل، وشرّ مباهل، سقت البيت الثانى بعده والثالث (5)، وضفتهما بشرف قومك على إيقاع المثانى والمثالث، أأردت يا ضبع أن تخلع فخارها التغلبىّ، وتكسوه مغلوبه الدمستق (6) المسبىّ، إذ أذاقه سيف الدولة بأسا ونكالا، وغطّى منه ببنيّة الحدث جبينا وقذالا (7).
__________
(1) البيت لمهلهل. والرواية المعروفة: «أهل حجر». وانظر حواشى البيان (1: 124).
(2) أبو سواج: رجل من ضبة كان قد جاور فى بنى يربوع فخانوه فى أهله، فاحتال لمن خانه وهو صرد بن حمزة اليربوعى بأن سقاه ماء رجلين تداولا مباضعة إحدى الإماء، فعير بنو يربوع بذلك. انظر شروح سقط الزند 17881785.
(3) يعنى المتنبى، وهو أحمد بن الحسين الجعفى الكندى الكوفى.
(4) من قصيدة له فى مدح سيف الدولة. الديوان (2: 104) بشرح العكبرى.
وانظر ما سيق فى ص 251.
(5) هو قوله:
حال أعدائنا عظيم وسيف ال ... دولة ابن السيوف أعظم حالا
كلما أعجلوا النذير مسيرا ... أعجلته جياده الإعجالا
(6) الدمستق: ملك الروم، وفى الأصل: «الدمستقى».
(7) يعنى ببنية الحدث قلعتها. والخدث: مدينة بين ملطية وسميساط.(1/268)
وحماها بكلّ مطّرد الأك ... عاب جور الزمان والأوجالا (1)
ألم يأن لك أن ترجع فى الروايات إلى ربّيّك، وتأخذ هذه المنحة من ربّيّك (2)، وتستردونها من عوارى، وتغطّى هذه الفضيحة بأطمارى، فاربع لاربعت، ولا طرت مع النّوكى ولا وقعت.
وقد بزمان بظر أمّك واحتفر ... بأير أبيك الفسل كرّاث عاسم (3)
وأمّا عوسك بالإيغال (4)، ونوسك فى خبر أبى رغال (5)، فناهيك من ثقفىّ مثاقف، وناحت أثلة عدوّه ناقف، ضمّه القسر، وضامه الأسر، فساق (6)
لأعدائه الأعراض والوسوم، ووصف لهم الأطلال والرسوم، حتّى بلّغ حتفه أبا يكسوم، فأقرّه بالمغمّس بعد صياله، وأنزله عن محمود غير محمود لاستئصاله (7)، وأسلمه للصّلدم الصالم، فهل هو فى ذايال همدان ظالم (8)؟
وعلى أنّ العرب لم تعذر إليه فى استكانته للأعادى، ودلالته للتخلّص بفيل المعادى، ورجمت قبره كما رجمت قبر العبادى (9).
__________
(1) فى الأصل: «والآجالا»، صوابه من الديوان.
(2) الربى: الحبر العالم. والربى أيضا: الجماعة الكثيرة.
(3) للطرماح بن جهم السنبسى، كما فى الحماسة بشرح المرزوقى 1487.
(4) فى الأصل: «غوسك»، تحريف. والعوس، بالمهملة: الطوف بالليل، وهو أيضا الوصف.
(5) أبو رغال: رجل من ثقيف، وهو الذى دل أبرهة أبا يكسوم على الطريق إلى مكة، وخرج معه حتى أنزله «المغمس»، فلما أنزله به مات أبو رغال هناك فرجمت قبره العرب.
السيرة 32جوتنجن.
(6) فى الأصل: «فساب».
(7) محمود: اسم الفيل الذى وجه إلى الكعبة.
(8) إشارة إلى قول عمرو بن براقة الهمدانى، فى الأمالى (2: 122):
وكنت إذا قوم غزونى غزوتهم ... فهل أنا فى ذا يال همدان ظالم
(9) فى الأصل: «العيادى»، تحريف. وفى مروج الذهب (2: 79): «وفى طريق العراق إلى مكة وذلك بين الثعلبية والهبير نحو البطان موضع يعرف بقبر العبادى ترجمه المارة إلى هذه الغاية كما ترجم قبر أبى رغال».(1/269)
ها إنّها عذرة إلّا تكن نفعت ... فإن صاحبها مشارك النّكد (1)
وتعرف، يا مقرف، إذ أخسرت بشأننا، وسخرت لا نتصاف قصىّ من أبى غبشاننا، والأصح فى الآثار، عن نقلة الأخبار، أنّ أبا غبشان ما أضاع البيت ولا باعه، وأن عبد مناف وأخاه رزاحا غلبا عليه خزاعة (2)، وانتزعاه منه عنوة ورأى الله انتزاعه، وإن صحّ البيع فى مفرد الإسناد، وانتسب إلى أهل الجدل والعناد، فخزاعة لم تعرق فى السّدانة، ولا كان لها طوق بحمل تلك الأمانة، فرزحت بحملها، وضحت عن ظلّها، وأسلم أبو غبشان مفاتح الكعبة لأهلها، ورثة الدّعوة الإسماعيلية، وخالصة الملّة الإبراهيمية، قرعة ولد إسماعيل فى قصىّ وعبد مناف، والعترة الهاشمية أولى الرّحلتين والإيلاف.
الخالطين فقيرهم بغنيّهم ... والظّاعنين لرحلة الأضياف (3)
أربح بها صفقة قمر، وولاية أمر وذمر، وشراء أمّ رحم بزقّ خمر (4).
شرت القلوب رخيصة أعلاقه ... ومضى يعضّ بنانه المغبون
أين فعل هذا، من حواريّكم يهوذا، الذى هو عندكم أفضل من موسى بكر التنزيل، وخير من نوح وسرافيل (5) والخليل، إذ سام بإلهكم عيسى على دعواكم سوم العبيد، وباعه بثلاثين درهما من اليهود، فجلّلوه الخبط، وسقوه الخلّ وأفرشوه السّبط (6)، ثم جنبوه وسحبوه وصلبوه، قلتم وقال الله تعالى:
{وَمََا قَتَلُوهُ وَمََا صَلَبُوهُ}. وما فتئتم بعد تولون يهوذا التّعزير والتبجيل، وتأخذون
__________
(1) للنابغة الذبيانى فى ديوانه 27.
(2) انظر ما سبق فى حواشى ص 252.
(3) لمطرود بن كعب الخزاعى فى السيرة 114جوتنجن. وروايته فيها:
المنعمين إذا النجوم تغيرت ... والظاعنين لرحلة الإيلاف
(4) أم رحم: اسم من أسماء مكة.
(5) كذا. ولعله «إسرافيل»، وهو الملك الموكل بالنفخ فى الصور.
(6) السبط: ضرب من النبت. وانظر إنجيل متى 27: 3433ومرقس 15: 26ولوقا 23: 36ويوحنا 19: 3028.(1/270)
عنه مختلفات الإنجيل، وتسجدون له ولصاحبيه مرقش (1) ومتّى، وتزعمون أنّهم يمشون على الماء ويحيون الموتى. شاهت تلكم الوجوه، ولا عدم اللطيم منها والمنجوه (2).
إذا لم تخش عاقبة اللّيالى ... ولم تستحى فافعل ما تشاء
ذلك كلّه والنّبوّة غضّة بمائها، وعصا المسيح بقرفها ولحائها، والوحى من ورائها والملك على أرجائها، والعهد جديد، والحلقة حديد. لكنّهم:
نزعوا بسهم قطيعة تهفو به ... ريش العقوق فسار غير سديد
فأين بناة الصّروح ونماة السّروح، بل عصمة السّفوح، ولعقة الدّم المسفوح، متى ملكوا الأرضين، أو أعطوا من جزيرة العرب ما رضين (3)، أبعد أن استباحتهم الحبشان، وضربت عليهم الجزية وكانت أوّل خراج بالزّمان. فما زلتم تشغلونهم من أبنائكم بالأماثيل، ويعملون لهم ما يشاءون من محاريب وتماثيل، حتّى أخدموكم بيوت النّيران، وقدّموكم للحرث مع الثيران، فما أنف ذو جاهكم ولا أنقر، ولا أحلى ولا أمقر (4)، كذلك الكلاب على البقر (5). أهذه النّجد البهم، لا رعاة شياه ولا بهم (6). ومن لرعى الشّويهات يا كشاجم (7)، غير العسفاء والأعاجم، سوّاس الخنازير، وحرّس
__________
(1) كذا بالشين المعجمة، وهو مرقس، ويسميه المسعودى «مارقس».
(2) نجهه: استقبله بما يكره، وزجره وردعه.
(3) سبق مثل هذا التعبير فى ص 249.
(4) أنقر: كف وأقلع. وأمقر: كان مرا. وفى الأصل: «امغر»، تحريف.
(5) هو مثل، يقال بالرفع والنصب، أى أرسلها على بقر الوحش. ومعناه خل مرأ وصناعته.
(6) انظر ما سبق فى ص 247.
(7) كشاجم: لقب لشاعر معروف، واسمه محمود بن الحسين. توفى سنة 350أو 360. الفهرست 200، وسير النبلاء القسم الثانى من الجزء 10ص 218، وحسن المحاضرة 1: 268وشذرات الذهب 3: 37قالوا: سمى بذلك لأنه كان كاتبا شاعرا جوادا منجما، ثم مهر فى الطب فقيل «طكشاجم».(1/271)
المجازير، ندحة الأكر (1)، ولقحة الشّجر لا العكر، ما حاكوا قلت برودا، ولا ساسوا قرودا، ولالا كوا عرودا. لقد أو ضحت لو وافقت، ووصفت لو أنصفت، قل لى فمن رقم البرود بنيسابور، وغرس زيتون العراق لسابور إذ غلّ أيمانكم، وكسر صلبانكم، وقسر على الغلمة لشفاء الغلمة ولدانكم، تعبّدهم وعبّدهم، وسوّرهم وخلّدهم (2)، وطوّقهم وقرطقهم (3) وماشهم وطرقهم (4). وبمد ذلك أخذ فى جذّكم ونقلكم، وزنق فقحة هر قلكم، فصارت فى ملوككم مثلة، ولهذا لم تزنق بعد فى أرضكم بغلة، إمّا لتحرّج من الأعذاء (5)، أو تعرّج عن شماتة الأعداء، يفعل هذا بالذّليل يا بنى الصّيداء (6)! ترى، يا فقع وادى القرى، حضر هناك لسلفكم حوك برود، ورشف برود، ولوك عرود. رزها، يا مزهى، بمدامنة فهود، كما زعمت وسياسة قرود، وتذكّر حال أيتامك، وقدّر على هذا الإصبع سعة خيتامك.
ولا تغضبن من سيرة أنت سرتها ... وأول راض سيرة من يسيرها (7)
__________
(1) يقال ندحت الشىء ندحا، إذا وسعته. والأكر: جمع أكرة، وهى الحفرة فى الأرض.
(2) خلدهم: حلاهم بالخلد بكسر ففتح وهى الأقراط.
(3) القرطق، بضم القاف وفتح الطاء: القباء. معرب «كرته».
(4) أصل الميش خلط الصوف بالشعر، والطرق: ضرب الصوف والشعر بالقضيب لينتفشا. قال:
عاذل قد أولعت بالترقيش ... إلى سرا فاطرقى وميشى
(5) الأعذاء: جمع عذى، وهو الزرع لا يسقى إلا من ماء المطر. ولعلها «الإعداء».
(6) إشارة إلى قول زيد الخيل، وكان بنو الصيداء وهم من بنى أسد قد أخذوا فرسه:
يا بنى الصيداء ردوا فرسى ... إنما يفعل هذا بالذليل
الأمالى (1: 12) والأغانى (16: 47) والعقد (3: 341).
(7) لخالد بن زهير الهذلى. الشعراء 637وديوان الهذليين (1: 157).(1/272)
وما ذكرت من إناوة غسّان، لسليح يا خطل اللسان (1)، فتلك سارية من خلال الأزد، وفلّال عرم السّدّ، رازوا لقومهم البلاد فضلّوا، وفقدوا ملأهم فقلّوا، فما عداهم، أن داهنوا عداهم، حتّى استقلّوا، وأمروا ففلّوا. ولمّا تدارك غابرهم، ودعا دراك حارثهم وعامرهم، قصّروا خطاهم، وقصروا مطاهم، وأعطاهم جذع من سيفه ما أعطاهم (2)، ثم جعل قومه بعد يضربونهم فى الأعراض والرّواجب، ويناوبونهم بين الصّفرية والرّواجب (3)، حتّى استرهنوا منهم قوس حاجب (4)، رغبة فى خفرهم، وإجارة سفرهم، وتجهيز لطائمهم، وتجويز خطائمهم (5)، وجعلت ملوككم تخوّلنا بالجائل والوضائع، وتنحلنا ضروب الوشى والقطائع.
وإساءات ذى الإساءة يذكر ... نك يوما إحسان ذى الإحسان
هذه أقيالكم الأكاسرة، وأجيالكم القياصرة، لاها الله (6) إلّا الفيوج المتقاصرة، وعلوج بخت نصّر وناصرة (7)، عاملو المهن، وحاملوا الأهن (8)، وباذلو
__________
(1) سليح، بالحاء المهملة، هم بنو سليح بن حلوان: بطن من قضاعة. وفى الأصل:
«لسليخ»، تحريف. وكانت غسان تؤدى إلى ملوك سليح دينارين كل سنة عن كل رجل.
العقد (1223).
(2) جذع، هو جذع بن عمرو الغسانى، وكان سبطة بن المنذر السليحى يلى ضرائب غسان، فلما طالب جذعا بالدينارين دخل جذع منزله واشتمل على سيفه ثم خرج فضربه به وقال:
«خذ من جذع ما أعطاك»، فامتنعت غسان من الدينارين بعد ذلك.
(3) الرواجب الأولى: جمع راجبة وهى مفاصل أصول الأصابع. والثانية أراد بها الغزوات التى فى شهور رجب.
(4) هو حاجب بن زرارة التميمى. انظر قصة قوسه فى ثمار القلوب 501والعقد (2: 20).
(5) جمع خطيمة، يقال خطم الناقة: وضع على أنفها الخطام. وفى الأصل: «حطائمهم».
(6) ها الله، بمعنى والله، وها التنبيه قد يقسم بها.
(7) ناصرة: قرية بينها وبين طبرية ثلاثة عشر ميلا.
(8) الأهن: جمع إهان، وهو العرجون.(1/273)
الكين، والهن، باطغام الأحلام، وحمّال أوتار الحلّام (1). ألهذه الخلال، واستقراء الأحوال بهذا الاستدلال، نحن أرقّاؤكم وحفدتكم، وعتقاؤكم وعبدتكم؟ لو ساترة شوار كلّمتنى، أو ذات سوار لطمتنى! ألم تدريا أحثر (2)، يا مجتني الحثر (3) أنّ جدّنا يعرب هو لذى أرقاكم ورفعكم، وصفع بالبجّ من صفعكم، ورسمكم بسواد جلدته وسفعكم، وأجلاهم عنكم إلى ريف عمان وماسان، وأطراف خراسان، فلمّا غمطتم نعمته، وأمطتم إمّته (3)، عادكم من عيده، وسابقة وعيده، ذو نواس (4) فناسكم وداسكم، وخرّب نواويسكم، وبهر أنفاسكم، وجذّكم عن ماء المعمودية (5)، وردّكم إلى دين اليهوديّة، فمن أىّ دين تحسبون، أو إلى أىّ رحم تنسبون، أإلى الأفياء السّورية، أو إلى الأغبياء النّسطورية (6)، والأدعياء الصّفّورية (7)، نسب موضوع بين العفار والعفر، ومنتسب مقطوع فى رومة ونهر الصّفر.
فخالف فلا والله تهبط تلعة ... من الأرض إلا أنت للذّلّ عارف
__________
(1) الحلام: القتيل الذى ذهب دمه باطلا. قال مهلهل:
كل قتيل فى كليب حلام ... حتى ينال القتل آل همام
(2) الأحثر: المنسلق العين. والحثر: العنب وهو حامض صلب لم يشكل ولم يتموه.
فى الأصل: «أخثر» و «الخثر»، تحريف.
(3) الإمة، بالكسر: النعمة.
(4) أحد أذواء اليمن. وكان أهل نجران على النصرانية، فسار إليهم ذو نواس فدعاهم إلى اليهودية وخيرهم بين ذلك والقتل، فاختاروا القتل، فخدلهم الأخدود وضرم فيه النيران فحرق من حرق، وقتل بالسيف حتى أسرف فى ذلك. وفى ذلك قول الله تعالى: {«قُتِلَ أَصْحََابُ الْأُخْدُودِ. النََّارِ ذََاتِ الْوَقُودِ»}. السيرة 2522.
(5) فى الأصل: «العمودية»، تحريف. والمعمودية بتخفيف الياء، وتقال بتشديدها:
ماء للنصارى يغمسون فيه ولدهم للتطهير. وفى تاج العروس أنه معرب من «معموذيت» ومعناها الطهارة.
(6) انظر ما سبق فى حواشى 263262.
(7) نسبة إلى صفورية: بلد بالأردن.(1/274)
وما لكم، والذى كثّر آلكم، وأنتم أعجز الأمم بعولا، وأجفرها فحولا، وأثقلها ظهرا مرحولا، ومنكم الأسقفّ والنطران، والبطرك والمطران (1)، وفيكم الجبّ والخصاء، والعدّ فى وذعة المساس والإحصاء (2)، إلى إفراد رئيسكم ورهبانيّة شمّاسكم وفسّيسكم، وأنتم مع ذلك أكثر أهل الكتاب عددا، وأبقّ نسائهم ولدا (3)، ما ذاك إلّا أن ضربت فيكم الأكراد والأنباط، والحبشة والأفباط، فمنكم الصّفر والسّمر، والغثر البرش الحمر، يظّاهرون بمقرفيهم لا منجبيهم، والأمّ تضحك منهم لعلمها بأبيهم:
ألا أنها تسرى إذا نام أهلها ... فتأتى بشىء ليس فى الظنّ يخطر
وما فخرت به يا حمار، يا ميراث أنمار، من حملة الأستر لوميقى، والعلم بالأرتماطيقى والألوطيقى (4)، كفخر الأمة بحدج ربّتها. ذلك لمستنبطى يونان وساسان، وكينيّة بابل وكلذان وكاسان، أصحاب العلوم الأرضية، والتعاليم الرياضية، من الطبقة الفيثاغورية، والفلاسفة الهرمسية. معالم عفّت ملوككم آثارها، وطمست أنوارها، بغواية قسطنطينكم، وغباوة المفلق لدينكم، ابن الهلانيّة (5)، وقيّم الملّة الطبانية:
حبوت النصارى بها معلنا ... لها غير كاتم أسرارها
ولم أدر أنك من قبلها ... تحبّ السّياط بأثمارها (6)
__________
(1) البطرك والبطريرك، هو بالرومية «بطريركس» تفسيره رئيس الآباء، فخفف.
التنبيه والإشراف 123.
(2) المراد بالمساس المباضعة. ويقال وذع الماء يذع، إذا سال.
(3) بقت المرأة: كثر ولدها.
(4) انظر ما سبق فى ص 251.
(5) يعنى قسطنطين بن هيلانى. قال المسعودى: «وهو أظهر دين النصرانية وحارب عليها حتى قلت وانتشرت فى البلاد». التنبيه والإشراف 119. وانظر الفصل (2: 73).
(6) ثمرة السوط: عقدة طرفه. وذكر الثعالبى فى الكنايات 18أن ثمرة السوط يكنى بها عن القلفة. وأنشد لدعبل:
إلى عليجين لم تقطع ثمارهما ... قد طال ما سجدا للشمس والنار
أراد: أنهما لم يختنا. وانظر للكلام على هذه الكناية النادرة حواشى البيان (3:
229228).(1/275)
اللهمّ ناقلة فيكم من فارس (1)، وخدمة تلك المدارس، لقّنوا من آثار اللحون طريقة، وحكوها تقليدا لا حقيقة، يندبون بها فى نوحكم، ويقصفون عليها فى سعانينكم وفصحكم، فما أنتم وذا، لاقذّيت (2) أعينكم من قذى، إن قلت: لكم بوطيقى لا موسيقى، وأرضر ثيقى لاجو مطريقى (3)، وصفت قومك، وعرّفت سومك:
إيّاك يعنى القائلون بقولهم ... إنّ الشقىّ بكلّ حبل يخنق
وأمّا قيلك يا سفساف، من العرب فى نائلة وإساف، فتانك صخرتان نصبتا كاللّات، وثالثتهما مناة، وجدوها على زمزم مواثل جلفا (4)، وطافوا بها ظنّا أن تقرّبهم إلى الله زلفى. فإن صح الخبر ووضح الأثر، بمسخهما عبرة لمقارفة العبث، وموافقة الفسوق فى حرم الله والرفث، فزيادة فى الإنذار، وأخذ فى تعظيم شعأر الله بالإعذار. أين هذا المعتقد يا بنى الأستاه، الأجلاه، من جمود السماء عندكم سبعمائة سنة أن محت لكم اسم ابن الله، وأن يحنّا المغيث المنزل المطر (5)، الآتى من أفسس (6) فى الكلمة والجلاد بالبهت المستطر (7)، مسجّى فى بيعته الآن، من ذلك الأوان، عبيط الدم، غضّ الأدم، مشيرا باليد والقدم:
يحج مأمومة فى قعرها لجف ... فاست الطبيب قذاها كالمغاريد (8)
__________
(1) اللهم، كلمة تستعمل فى الاستثناء بمعنى إلا. انظر شفاء الغليل 20.
(2) قذى عينه تقذية: أخرج منها القذى.
(3) انظر ما سبق فى ص 251.
(4) جلفا، لعلها «جنفا» جمع أجنف، وهو الضخم، أو المنحنى الظهر.
(5) فى الأصل: «المعنت لمنزل المطر».
(6) فى الأصل: «أسيس» تحريف.
(7) المستطر: المكتوب. وفى الكتاب: «وكل صغير وكبير مستطر».
(8) البيت لعذار بن درة الطائى، كما فى اللسان (حجج). يحج: يصلح. والمأمومة:
الشجة بلغت أم الرأس. وفى الأصل: «مأمونة»، صوابه فى المقاييس (حجج) واللسان (حجج، لجف، غرد) والحيوان (3: 425).(1/276)
وأنسيت يا هامان، ما وعوعت به وجعجعت فى قبر كسرى والنعمان:
يا مدّعى سوران منزل جدّه ... قل لى لمن أهناس والفيّوم (1)
أحرار الفرس كفاؤنا، وأعداؤنا أكفاؤنا، نجتلد ونحتطم، وكما قال أخو لقمان: «ألطمك إذا لم أجد من ألطم». فما للرّوم والخرس، أولى الأراكنة الملس (2)، والأعاريب الحمس. «حنّ قدح ليس منها». ومع هذا فقد أنبأتك الأمم الخوالى، والرّمم البوالى، أنّ العرب لا تنكح العجم ولا الموالى، لذاك أحبّ أبرويز أن يصمها بهناته، وأراد من أبى قابوس أن ينكحه إحدى أخواته، ويستولى على حرمه وحرماته، فرغب عن صهره، على عظيم أمره، وطوى الحديث معه على غرّه، وأغراه فى قومه بالسّواد. وأحاله على بقر السّواد، فكان فى حقّ الإباء، وكرم الآباء، ألا بلوى إليه صفحا، ويضرب عنه الذكر صفحا، وينأى بكسرويّته، ويشمخ بقوميّته، ولا يرجع لغدره وكيده، ويتزيده خدعة وقد نصب لصيده:
ذئب فلاة كيده دارع ... صادف ليثا كيده حاسر
والذى دلّ على فسالته، وخفّة نسالته (3)، رأيه العاجز بعد موته، فى حرائبه ونزله (4) وتهافته على أخذ ماله وأهله، فحماها عنه ذؤبان العرب وحمسها،
__________
(1) سوران، لعلها «سوذان» أو «سوراب» وهما من بلاد الفرس. وأهناس:
قرية قريبة من الفسطاط، ذكر بعضهم أن المسيح عليه السلام ولد بها. ياقوت.
(2) فى القاموس (ركن): «والأركون، بالضم: الدهقان العظيم». ومثله فى اللسان.
وفى معجم استينجاس 38أن الأركون هو الرئيس أو الحاكم. والكلمة يونانية الأصل دخلت فى الفارسية والعربية.
(3) الثسالة، بالضم: ما سقط الريش.
(4) الحرائب: جمع حريبة، وهو المال المسلوب. وفى الأصل: «حراتبه».(1/277)
شيبانها ومازنها وأوسها، وصدّوه عن حوزته إلى الأطرار (1)، واتّبعوه بحرب ذى قار، ثم أزالوه عن ملك ظفار (2):
إذ جنبنا خيلنا من ظفار ... ثم سرنا بها مسيرا بعيدا (3)
فاستبحنا بالخيل ملك قباذ ... وابن أفلوذ جاءنا مصفودا (4)
فهذا أبرويزكم، لا أبان تمييزكم، الذى بذكره تبجّحت، وعذره رجّحت، هو الذى دوّخ أريافكم، ووطىء أكنافكم (5)، وأورثنا ورثته بالمدائن أسيافكم، وحطّكم من الحزوم، وأقصاكم إلى أبعد التّخوم، وبه نزلت فى قصتكم: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ}، فأخذنا للخؤولة فيكم بثأرها، ونضحنا بالحميّة من عارها (6)، وتداعينا بمضر الحمراء ونزارها، يا للهمم الحميرية، والعصائب اليمنية والمضرّية، من أبناء ذى مراثد (7) والصّباح، وجذيمة الوضّاح، وأبرهة ذى المنار، وعمرو ذى الأذعار، وناشر النّعم (8) والرائش، وسلمة ذى فائش،
__________
(1) الأطرار: الأطراف، جمع طر بالضم.
(2) ظفار: مدينة باليمن قرب صنعاء. وفى الأصل: «ذفار» فى هذا الموضع والبيت بعده، تحريف.
(3) من قصيدة منسوبة إلى تبع فى أخبار عبيد بن شرية 458. وروايته:
وسلى عن مسيرنا من ظفار ... بجموع نؤم غورا بعيدا
(4) فى أخبار عبيد 459:
واستبحنا جميع ملك قباذ ... وجبيناه صاغرا مصفودا
(5) الأكناف: النواحى. وفى الأصل: «أكتافكم»، تحريف.
(6) النضح: الذب والدفع. وفى الأصل: «نصحنا»، تحريف.
(7) فى الأصل: «من ذى أبناء مرائد»، تحريف. وذو مرائد، هو الرائش الأصغر. واسمه الحارث بن الهمال ذى شدد، أحد ملوك اليمن. التيجان 7978.
(8) انظر مروج الذهب (2: 76) والتيجان 219وأخبار عبيد بن شرية 425 حيث ذكر فى الأخير علة تسميته.(1/278)
والهدهاد، وابن عبّاد، والحارث بن شدّاد، والفيّاض (1) والضحّاك (2)
والبرّاض (3)، والحارث بن مضاض:
هو المشهد الفضل الذى ما نجا به ... لكسرى بن كسرى لا سنام ولا غرب
فما هو إلّا أن وضح التمييز، ورجح التبريز، وقيل هذا درفش (4) راية أبرويز، فللحين قوّضنا بنيانه، وحللنا سندانه، ونزلنا إيوانه، وأخمدنا نيرانه.
ولم أر أمثال الرجال تهافتوا ... على المجد حتى عدّ ألف بواحد
ولله أيام بالقادسية واليرموك، وعتاة منهم مواليك وأبوك وحموك، يا هبيد البيد، وعبيد العبيد:
لو كنت من نخبة الموالى إذا ... لم تنث سوءا فى نخبة العرب
إذ جئتمونا أعقاد الرمل، وأعداد النمل، قد اعتقدوا، واحتدموا واحتقدوا، فمن دمائهم ما خاضوا ولصلائهم ما أوقدوا، وعند ما تنادوا: يا أساورة تأهّبى (5)، وقلنا: يا خيل الله اركبى:
بضرب ترقص الأحشاء منه ... وتبطل مهجة البطل النجيد
__________
(1) هو عبد الله بن جدعان. انظر خبره فى الاشتقاق 8988والحيوان (2: 202).
(2) الضحاك: أحد ملوك الفرس، وهو المسمى البيور اسب. وفى التنبيه والإشراف 76 أن اليمانية من العرب تدعى الضحاك وتزعم أنه من الأزد». وفى جمهرة الأنساب لابن حزم 8:
«والضحاك بن معد هو الذى أغار على بنى إسرائيل فى أربعين فارسا من تهامة».
(3) هو البراض بن قيس بن رافع الضمرى، وهو الذى قتل عروة الرحال بن جعفر ابن كلاب. الحيوان (1: 166) والتنبيه والإشراف 178.
(4) فى معجم استينجاس 513أن «درفشى كاوان» اسم راية فريدون. وفى التنبيه والإشراف 7675أن رجلا إسكافيا من الفرس يسمى «كابى» رفع راية من جلود، ودعا إلى خلع الضحاك وتمليك أفريذون، فلما تم الأمر تيمن القوم بتلك الراية فسميت «درفش كابيان» إضافة إلى كابى صاحبها. قال المسعودى: «والدرفش بالفارسية الاولى الراية، وبهذه الفارسية إشفى الخرز. وحليت بالذهب وأنواع الجواهر الثمينة وكانت لا تظهر إلا فى حروب عظيمة، تنشر على رأس الملك أو ولى عهده أو من يقوم مقامه».
(5) فى الأصل: «تاهبين».(1/279)
قسمناهم فشطر فى العوالى ... وشطر فى لظي حرّ الوقود
فما أغنى عنكم فى تلك المشاهد أنو شروانكم وقباذكم، ويزدجردكم وشهرياركم، وشهبوركم وخرّذاذكم، ونسطوركم ويعقوبكم، ونسطسكم وبروسسكم (1):
غدت غيرانهم لهم قبورا ... كفت فيهم مؤونات اللّحود
أهؤلاء القيول، كما ذكرت على خيول، كأنّها فيول، بل الخبل الفيول إذا لاذت الخيل بالكيّول (2)، وألّا سألتك يا أمّ عامر (3) بحرمة الصليب، وجرى المذكّيات فى طلبكم واليعاقيب، أيّة خيول لأسلافك، أم أىّ حلبة شاهدتها لأقيالك وأردافك. متى عرف ذووك لها اسمها، أو حكوا عنها شية أو وسما. لعلّها تقدّمت من جنائبكم فى السّوابق، أو لحقت من مقانبكم بآل الوجيه وأعوج ولا حق، أو راهنت بها الذائد والسّكب، وقرزل (4) واليحموم والبطين وزاد الركب، أو داحس والغبراء، أو الحنفاء والشقراء. أم هل من براذنكم المجلّى والمصلّى، والعاطف والعاقب والمتلّي (5):
عنها الحديث إذا ما حاولوا سمرا ... والرّزق منها إذا حلوا أماريتا (6)
لسكم الكودن واللّطيم، والسّكّيت الأخنس والفسكل الخطيم:
تبكىّ عليهنّ البطارق فى الدّجى ... وهنّ لدينا ملقيات كواسد
__________
(1) كذا. ولعلها «وأريوسكم» وأريوس كان قسيسا بالإسكندرية كان فى زمن قسطنطين الأول، وكان قسطنطين هذا على مذهب أريوس. الفصل (1: 48).
(2) الفيول الثانية: جمع فيل، والفيل: الثقيل الخسيس. الكيول: آخر الصفوف فى الحرب.
(3) تهكم به وبكنيته أبى عامر، فجعله «أم عامر» وانظر ما مضى فى 266ص 13.
(4) فى الأصل: «خردل»، وليس فى أعلام خيلهم. وانظر الخيل للكلبى 27وابن الأعرابى 75والعمدة (2: 182) وشرح الحماسة للمرزوقى 1494.
(5) المتلى: التالى. وفى الأصل: «المسلى»، ولا وجه له.
(6) الأماريت: القفار، جمع أمرات، وهذا جمع مرت. والبيت لأبى العلاء المعرى:
انظر شروح سقط الزند 1610.(1/280)
شمخ زعمت رجح، بذخ وضح، فمن السّنخ الوسخ الودخ، من العجم قلت القدم، نعم اللّكن الفدم، الحلم لكن عمّن بلغ الحلم، بصر صبر!! بصر بأوقات السمر، وأفول القمر، ودبيب الضّراء والخمر (1)، صبر على الذّفر والقذر، وذفر الغمر، وأطر الكمر، وبجر سرر ترمى بشر كالقصر (2). ملس الأدم، قلت، هذا وأبيك والتفكيك يا ديّوث والتخنيث، وعرض السّقاء الخبيث (3)، لقد نبهت [يا] هذا الخبيث، وقلنا إليك يساق الحديث:
تصيخ للنّبأة أسماعها ... إصاخة النّاشد للمنشد (4)
جررة أذيال، لكن على دمال وأبوال (5)، لا كجرّنا العوالى للإعوال، وإعلام الأشبال منّا للاحتيال، بريش الرئال (6):
أبقت بنى الأصفر المصفرّ كاسمهم ... صفر الوجوه وجلّت أوجه العرب (7)
آنفا يا حضاجر (8)، يا باردا فى شهر ناجر، وصفت العرب بمعاقرة الدّنان، وقنيان القيان، والآن فخرت عليهم بالنّبيذ والسّميذ، والجدى الحنيذ، فلم لا تفاخر بالنّطيح والوقيذ، وأكل الميتة بعد التشميذ (9). وأمّا حنيذ
__________
(1) يقال دب له الضراء، ودب له الخمر، إذا ختله وخدعه. وما واراك من أرض فهو الضراء، وما وراء من شجر فهو الخمر.
(2) اقتباس من الآية الكريمة. والقصر، بالتحريك قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد والحسن وابن مقسم. تفسير أبى حيان (8: 407) فى سورة المرسلات.
(3) العرض، بالكسر: الرائحة.
(4) للمثقب العبدى فى الكامل 63ليبسك والبيان (2: 288). وانظر شروح سقط الزند 376والأمالى (1: 34). وصواب الرواية: «يصيخ للنبأة أسماعه»، لأن قبله فى صفة ثور:
كأنما ينظر من برقع ... من تحت روق سلب مذود
(5) الدمال، كسحاب: السرقين ونحوه. وفى الأصل: «ذا مال»، تحريف.
(6) الرئال: جمع رأل، وهو ولد النعام.
(7) لأبى تمام فى ديوانه 12.
(8) حضاجر: اسم للذكر والأنثى من الضباع.
(9) التشميذ، لعل المراد به الانتفاخ. وأصل الشمذ رفع الذنب والإزار.(1/281)
الجداء والحملان، وكوم متون الجفان، فلنا منها البضيع بعد الذّكاة والسّديف، والوشيق المسرهد والقدير المعجّل والشّواء الصّفيف:
لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما (1)
وأما القيان والقنيان: والمعاقرة والدّنان، فنحن اخترنا صرفها، واختبرنا صفوها وعفوها، وأخذنا فى الجاهلية وصفها، وأهدينا أنفاس النسيم شذاها وعرفها، ومنكم غارس حبلها وآبرها، ومنقّحها وزابرها، وسالف سليلها وعاصرها، ومنّا أبو عذرها وفاطرها، ومديرها بحديث الرّكبان ومعاقرها، تدوسونها لنا بالأرجل، وتقتلونها قبل حلول الأجل، ثم تجلبونها من جواثى والرّسّ، وتسبونها من قطربلّ وبيت رأس، وتجهّزون بها بناتكم بأكواب الساج، ومدارع الدّيباج، فيرشفنها بالشّفاه قبل الزّجاج، وبهذا توفّرت على ضغنها فى المزاج، وأخذت من رءوسنا ثأرها عند أرجل الأعلاج، فلنا الحلب، وعليكم الجلب.
ومنّا الأجر، وإليكم التّجر، ومن بضائع القهر، ثمن البضع والشّكر، وكالىء المهر (2).
مستردفات فوق جرد أوقرت ... أكفالها من رجّح الأكفال
ولا حرب، أن شدهت العرب، بربّات الشّنوف، وولهت بوطف الجفون وذلف الأنوف، ودلّهت بعزف القيان والشّرب بالمعلم المشوف:
فإذا ما شربوها وانتشوا ... وهبوا كلّ جواد وطمرّ (3)
ثم راحوا عبق المسك بهم ... يلحفون الأرض هدّاب الأزر
لهم عرف النّسيب والتشبيب، وعليهم وقف التّسهيد والتعذيب، ولهم
__________
(1) لحسان بن ثابت فى ديوانه 371.
(2) الكالىء: النسيئة المتأخر.
(3) لطرفة بن العبد فى ديوانه 68.(1/282)
الجآذر فى زىّ الأعاريب (1)، شهروا بالحبّ والجوى، وخبروا بالتحرّق للتفرّق والنوى، وعزّوا للموت كرما وذلّوا للهوى. هم حدوا الرّكب بالحنين والإرزام، وعارضوا السّحب بعينى عروة بن حزام (2)، بكوا الديار، وندبوا بصدق عهودهم الطّلول والآثار، وحموا الذّمار، وردّوا أيديهم عن حرمة الجار:
قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم ... دون النّساء ولو باتت بأطهار (3)
رضوا لفضل النّيل بفضول الغبوق والقيل، وتبرّءوا من رضاع الغيل (4)، ولم يعرفوا غير داعى النّداء وزجر الخيل:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتّى نظّم الجزع ثاقبه (5)
أرزافهم فى السّير والإسآد، وإنفافهم من أكفّ الآساد:
والليث حيث ألبّ من ... أرض فذاك له عرين
أنفوا المساحة والفلاحة، وألفوا الاستباحة لامتلاء الراحة، ملكوا الأرض وما ملكتهم، وتخيّروا البقاع فما نهكتهم، منازلهم من المعمورة بمكان الغرّة، وحظّهم من الفلك رأس المجرّة، أغناهم من الأعمال المدنية، والملكة البدنيّة، إيضاع الشّدنية، وإنضاء النّاقة الفدنية، طلبا للاعتزاز، وضربا فى مجاهل الأرض للابتزاز، وكفاهم عارض المسّ، وأرض الرّسّ (6)، إيثارهم على النّفس،
__________
(1) فيه لمحة إلى قول المتنبى:
من الجآذر فى زى الأعاريب ... حمر الحلى والمطايا والجلابيب
(2) فيه نظرة إلى قول المتنبى:
فكأن كل سحابة وكفت بها ... تبكى بعينى عروة بن حزام
(3) للأخطل فى ديوانه 20وشرح شواهد المغنى 270.
(4) الغيل: أن ترضع المرأة ولدها على حبل.
(5) البيت للقيط بن زرارة فى الحيوان (3: 93) والشعراء 692. ويروى أيضا لأبى الطمحان فى الحماسة 1598بشرح المرزوقى والكامل 30ليبسك والوساطة 159.
(6) الأرض: الرعدة والنفضة. والرس: أول الحمى.(1/283)
والاستقبال بأبنيتهم مطالع الشمس، قنعوا بأفلاذ الحشا، والاحتشاء من الكشى، عن التأرّى لما فى القدور، والتعرّى لوهج التّنّور:
لقرص تصلّى ظهره نبطيّة ... بتنّورها حتّى يطير له قشر
فأمّا البهطّ وحيتانكم ... فما نيل منها كثير السّقم (1)
ومكن الضباب طعام العريب ... ولا تشتهيه نفوس العجم (2)
توقف الطّباع على الصّميم والخلاصة، وتوقى به شحّ النّفس والخصاصة، ليسوا كالنّهمة الخفرة، الأكلة الحفّرة، خفرة الجفان، وحفرة الأنفاق للنّيران، أعدّوها للتّحصين، لا للتحسين، وأوفدوا بها على الطّين للتبطين، لا للتّوطين، إذ لم يغنهم القهر عن الحصر، ولا عقد الجسر عن الأسر، أعجلتهم العربان، الغربان، عن الانتفاع، باليفاع، والاعتصام، بالأعصام، والاحترام (3)، بالأهرام:
ولذاك كانوا لا يحشّون الوغى ... إلّا وقد علموا مكان المهرب
وأما الفسل، والمسل، فقدأ جلّها الله عن اغتراسكم واحتراسكم، وطهّر النخلة عمّتنا من أدناسكم، وبخر أنفاسكم، وحبا العرب بها عجالة صائمهم، ولهنة طاعمهم، ونقيعة ضيفهم، وفاكهة شتائهم وصيفهم، تحفة الكبير، وصمتة الصغير، وتخرسة مريم ابنة عمران، من الرّاسيات فى الضّحل، الراسخات فى الوحل، المطعمات فى المحل (4).
__________
(1) الشعر لأبى الهندى، كما فى الحيوان (6: 8988). وانظر محاضرات الراغب (2: 303) والفصول والغايات 471والمخصص (16: 83/ 17: 10). والبهط:
الأرز يطبخ باللبن والسمن، معرب من الفارسية عن الهندية. انظر تحقيقه فى حواشى الحيوان.
ورواية الحيوان: «فما زلت منها».
(2) العريب بالتصغير: العرب، قال ابن منظور: «صغرهم تعظيما».
(3) الاحترام، أراد به أنه دخل فى حرمة لا تهتك. والمعروف «الإحرام».
(4) وصف النخلة هذا ينسب إلى أبى حثمة، وهو عبد الله ويقال عامر(1/284)
فاخرات زروعها فى ذراها ... وأخاض العيدان والجبّار
فأين صنيع قومك الجلّة، من صنيع محرقى البعر والجلّة، لمّا أمّنوا اللهفان، وخوّفوا أسد خفّان (1)، وأفنت نارهم الغضى والأفان (2):
ضربوا بمدرجة الطّريق قبابهم ... يتقارعون بها على الضّيفان
فلم يبق إلّا الجلّة والبعر، أو خالفة طراف من أديم أو بيت من الشّعر خلوا فتحلّلوا، وعلوا وتجلّلوا:
* هناك إن يستخبلوا المال يخبلوا (3) *
غنوا بالجلّة عن الجليل، ومن الحلّة بالشّليل (4)، وبالخوذ عن العوذ، وبالحلق عن الخرق، والسّندس والإستبرق، من كلّ مدجّج:
سمر القنا بإهابه ... أولى من السّربال
ما أكل ذو جار لهم بهواه (5)، ولا استأثر على من حلّ ربعه وثواه (6)، متى جاع أنشد أمّ مثواه، أيا ابنة مالك وابنة عبد الله (7):
__________
بن ساعدة بن عامر الخزرجى. الأمالى (2: 58). وإلى عبد الرحمن بن محصن النجارى التنبيه للبكرى 95. وإلى خالد بن صفوان. اللسان (خرس). والتخرسة: طعام النفساء.
(1) خفان: مأسدة قرب الكوفة.
(2) الأفانى: شجر بيض، واحدته أفانية، ويسمى كذلك مادام رطبا، فإذا يبس فهو الحماط.
(3) صدر بيت لزهير فى ديوانه 112. وعجزه:
* وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا *
(4) الحلة، بالضم: القميص والإزار والرداء. والشليل: غلالة تلبس فوق الدرع.
(5) بهواه، أى بما يهوى، والمعنى أنه يخضع لجاره فيما يطعم، يحكمه فى ذلك، مبالغة فى الرعاية. فى الأصل: «ذو جارهم بهداه».
(6) يقال ثوى بالمكان وثواه أيضا.
(7) نظر إلى قول حاتم الطائى وليس فى ديوانه:
أيا ابنة عبد الله وابنة مالك ... ويا ابنة ذى البردين والفرس الورد
الحماسة 1667بشرح المرزوقى. والبيت التالى هو قرين هذا البيت.(1/285)
إذا ما صنعت الزّاد فالتمسى له ... أكيلا فإنّى لست آكله وحدى
هذا المجد السرىّ، والفخر الحرىّ، والنّسب الحرّىّ، لا ما تقوّلته لحاك الله ولحا أباك، وحيّا من أباك، من فخرنا بالقديم، المفرى للأديم أغفيت فانتبه، «من يطل أير أبيه ينتطق به»:
أتبغض جوهر العرب المصفّى ... ولم يبغضهم مولى صريح
فما لك حيلة فيهم فتجدى ... عليك بل تموت فتستريح
أما لك فيهم بعد الملوك العاربة، والكواكب الطّالعة الغاربة، من الثّموديّة والعاديّة، والطّسمية والجديسيّة، والوباريّة (1) والأميميّة، ما يقرع صفاك، وينقع بماء الملام صفاك، إلى خالفة من المتعرّبه (2) خلفت خلافها، وارتضعت فى البأس والجود أخلافها، وإن كانت من جمعكم كالبعرة فى البيداء، والشّعرة البيضاء فى اللمّة السوداء، حطّت ذراكم من اليفاع، وخطّت فى صدوركم بخطى الخطّىّ لا باليراع، يستملّون من أنسية الآجال (3)، وينهدون إليكم بقلوب أسد فى صدور رجال أقلامهم الردينيّات واليزنيات، وصحفهم المشرفيّات والسّريجيّات، ولحفهم الوضاء الداوديّات، وسررهم المقربات الغرّ الأعوجيات:
إذا ركبوا الخيل واستلأموا ... تحرّقت الأرض واليوم قرّ (4)
برويّاتهم لا بروايتهم، ودراياتهم لا بادراتهم (5)، نصبوا الأحياء، ونسبوا الأشياء، وشقّقوا الأسماء، وقسّموا على حصص البروج السماء، فوصفوا النجوم،
__________
(1) نسبة إلى «وبار». وفى الأصل: «الأبارية»، تحريف. وانظر البيان (1: 177) ونهاية الأرب (2: 292).
(2) المتعربة هم بنو قحطان بن عابر الذين نطقوا بلسان المعرب العارية وسكنوا ديارهم.
نهاية الأرب 2: 292. وفى الأصل: «المتغربة»، تحريف.
(3) الأنسية: جمع نسىء، بمعنى مؤخر. ويستملون، أى يملون. عنى أنهم يكرهون الآجال المؤخرة فهم يستعجلون الموت.
(4) لامرىء القيس فى ديوانه 5.
(5) فى الأصل: «ودرياتهم لا بادارتهم».(1/286)
وعرّفوا الرّجوم (1)، وزجروا السّانح والبارح، وأثاروا الصيد وعلّموا الجوارح، هم كروا نهر مهران (2)، وبنوا قصر غمدان، وحدوا بالركب للنّخل من ودّان (3)، فجابوا الأقطاب، واجتنوا الرّطاب، وملؤوا الأوطاب، وميّزوا التّوكيت والتذنيب والإرطاب (4)، وانفردوا بالحكمة وفصل الخطاب:
سور القران الغرّ فيهم أنزلت ... ولهم تصاغ محاسن الأشعار
قد كان يكفى يا ذات النّحيين، وكبوح الحيّين (5)، فى بعض محاجّاتك، وعرض مداجاتك، أن هذذت شفتيك بلحنك الماخورىّ، وأنفذت حضنيك بنفثات أبى العلاء المعرّىّ، فأقمت فيها صغاك بالحرف العليل (6)، وبغيت فوق مبتغاك يا لئيم (7)، ما هو أقلّ من القليل، فأزحت (8) عن فشلك وخمولك، وأبحت هجوك وشتم رسولك ثم شكوت قفار حالك، وأبنت واهى نثرك بزور انتحالك، فحسبك بها يا ذا العضب قرضا وجزاء (9)، وانتهاء إلى الفهاهة لا أبالك واعتزاء، واقنساما لأدبك (10) بيد التدمير أجزاء.
__________
(1) فى الأصل: «الوجوم»، تحريف. والرجوم: النجوم التى يرمى بها.
(2) كروا: حفروا.
(3) ودان: موضع بين مكة والمدينة. وفى معجم البلدان. «وقرأت بخط كراع الهنائى على ظهر كتاب المنضد من تصنيفه: قال بعضهم: خرجت حاجا فلما جزت بودان أنشدت:
أيا صاخب الخيمات من بعد أرثد ... إلى النخل من ودان ما فعلت نعم
فقال لى رجل من أهلها: انظر هل ترى نخلا؟ فقلت: لا. فقال: هذا خطأ، إنما هو النحل. ونحل الوادى: جانبه».
(4) التوكيت: أن يصير فى البسرة نقط من الإرطاب. وفى الأصل: «التركيب»، تحريف. والتذنيب: أن يصير فيها نكت من الإرطاب من قبل ذنبها.
(5) كبوح، لعلها «نبوح»، وهو ضجة القوم وأصوات كلابهم. والنبوح أيضا:
جماعة النابح من الكلاب.
(6) إشارة إلى قول أبى العلاء، وقد سبق فى نهاية رسالة ابن غرسية:
وإن الوزن وهو أصح وزن ... يقام صغاه بالحرف العليل
(7) بغيت: أعنت على ما تبتغى. وفى الأصل: «بعثت».
(8) فى الأصل: «فأرحت».
(9) العضب: اللسان الذليق. يتهكم به.
(10) فى الأصل: «لأدبيك».(1/287)
إنّ العبيد إذا أذللتهم صلحوا ... على الهوان وإن أكرمتهم فسدوا
لعلّك، لالعا لك، فضحك العىّ، أو صبّحك النّعىّ، فندمت على بادرة خذلانك، وسقطات لسانك، وهببت من غفوة التأسّى، أو المتأسّى، وقلت: من الآسى، من حزّ هذه المواسى، لياذا بالإسار، عن دعوة الآصار، وعياذا على الإعلان والإسرار، من مستكنّ الكفر والإصرار، وتيمم الهاشميّين بدعوة أبى عبيد المختار، والتعمّم بسيدنا ونبيّنا محمد المختار.
«متى كان الخيام بذى طلوح (1)»، أو جمعنا الرّحم فى سام بن توح، أعرض عليكم ثوب الملبس (2) بالتّحامل على يافث، والترامى فى الإلحاق به على القائف والنافث، وإلّا أىّ عيص إلينا ضمّكم، أو بأىّ بركة خصّكم صلّى الله عليه وسلم أو عمّكم. ما غمّك، من أغمّك، ولا ذمّك من أذمّك (3)، وسمّك وأحمّك، وقتل أباك وسباك وأمّك. ابن عمّكم الطاغوت وسيّدكم البرهمن والبرهوت (4)، شتّان ما بين النجوم الطّارقة والشموس الفارقة، وبين سقّاط الجرامقة ومقّاط الأفارقة (5)، الوضر الأنذال، والبخر السّبال، لا غسل ولا طهارة، ولا نظافة لطامث ولاعطاره:
قوم إذا جرّ جانى قومهم أمنوا ... من لؤم أعراضهم أن يقتلوا قودا (6)
__________
(1) صدر بيت لجرير فى ديوانه 512. وعجزه:
* سقيت الغيث أيتها الخيام *
(2) يضرب مثلا لمن كثر من يتهمه. الملبس: المغطى، وهو المتهم.
(3) أذمه: وجده ذميما. وفى الأصل: «أزمك»، وتحريف.
(4) برهمن، هو الذى ينسب إليه مذهب البراهمة الهنود. جاء فى دائرة المعارف الإسلامية أنه ملك مترهب عالم، عقد مجمعا من الحكماء وسن بمعونتهم قواعد الدين، كما وضع نظرية الأدوار الفلكية، واخترع أرقام العدد وأما البرهوت فهو واد بحضر موت يحفه جبل بركانى عند سفحه بئر تعرف ببئر برهوت، يذكرون أن أرواح الكفار تأوى إليه.
دائرة المعارف الإسلامية ومعجم البلدان. وانظر أيضا مروج الذهب 1: 79.
(5) الماقط، مولى المولى.
(6) للحكم بن زهرة أو عويف القوافى، انظر ما كتبت فى حواشى الحماسة بشرح المرزوقى 249.(1/288)
ألا ناصر أهل أمّ القرى ... لأمّ الذّبيح ألا ناصر (1)
أسامر نجدا ومن بالصّفا ... وإن لم يكن بالصّفا سامر
وإلا فأين حمى يعرب ... حفائظ لم يحمها عابر (2)
فيا للرضىّ وأبنائه ... ومن ولدت أمّه هاجر (3)
وللعرب أعراق زند الثّرى ... أكابر أورثها كابر
أضمّت قصىّ وأخلافها ... ونصر وعامرها الجادر (4)
لمملوك قنّ أخى غيّة ... لغير أب ملحد كافر
يهزّ بدانية أعظما ... بمكة قد ضمّها قابر
وخالصها فى ثرى طيبة ... نبىّ الهدى القمر الزاهر
نفتنى المجاهر من هاشم ... ومن يمن عمرو أو عامر
وهرّت جفونى كأس الكرى ... وسحّ بها دمعها الماطر
لئن لم أجاهده لاجرّ لى ... قنا الخطّ فى الصّحف الخاطر
أيا عبد عبد ألا تستحى ... ولا لك دون النّهى زاجر
مواليك أخسرت من شأنهم ... ستعلم ويك من الخاسر
فإن تنج منّى بنزع الشّوى ... كما أبق الضّبع الباسر (5)
فما فى ضلوعك من نطفة ... وماء الكراض دم مائر (6)
__________
(1) أم الذبيح، يعنى بها هاجر.
(2) عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح.
(3) يعنى أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت.
(4) يعنى عامر الأجدار، وهم بطن عظيم من كلب، وهو أخو عامر بن صعصعة لأمه.
نظر حواشى شرح المرزوقى للحماسة 341. وفى الأصل: «الجاذر»، تحريف. وفى اللسان (جذر) أنه سمى بذلك لسلع كانت فى بدنه.
(5) فى الأصل: «كما أنف».
(6) الكراض: ماء الفحل. فى الأصل: «لما فى ضلوعك».(1/289)
هلّا طمعت يا معمر، يا آكل الأشلاء لا يحفل ضوء القمر، فى استدراك المقال، والافتكاك من هذا العقال. كلّا لو تجلو معيارك، وتمحو طومارك، وتقلّم أظفارك، وتنزع صلبانك وزنّارك (1)، وتعفى سبالك، وتنصب قذالك، وتقول ذالك، وتجعل الخصل كلّه للعرب، والفضل للنّبع على الغرب. كفاك أنّ منهم آساد الله، وضراء الله، وسيوف الله (2)، ولهم بيت الله، وفيهم رسول الله وعترته أولياء الله، أئمة الهدى، وتتمّة البأس والنّدى، وخير من انتعل وارتدى المؤثرون على أنفسهم ابن عمّنا صدقا، وهادينا ومرشدنا وسيدنا حقا، سيّد البشر، وخاتم الرسل فى محكم الزّبر، شفيع هذه الأمّة، وحاديها إلى علّيين فى خير أمّة، سفير يوم العرض، وإمام أهل السموات والأرض، منتهى لبنة الأحساب، فى الأحساب، الناطق بكلامه داعى أهل الجنة ومنادى الحساب، الحاشر العاقب، الشّهاب الثاقب، السابق الغالب، المتخيّر من ذؤابة لؤى بن غالب، الذى به نسخنا ملّتكم، وفسخنا خلّتكم، وكسّرنا صلبكم، وغوّرنا قلبكم وطهّرنا بيعكم، واستظهرنا قلعكم، واستوطأنا نضائدكم، واستبطنّا ولائدكم:
أعجلن عن شد البرى ولطالما ... غودرن أن يمشين غير عجال
بهذا النبىّ الأمىّ، السيّد العربى، نفاخر البشر، ونكاثر المطر، ونناظر الشّمس والقمر، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصهاره، وصحبه وأنصاره، وحزبه، ومن مات على حبّه، كفاء العجّ والثجّ، والملبّين بالحج، وسلام الله ورضوانه على سلالته الطاهرة، ووارث ملّته المنصورة، الإمام المهدى أبى عبد الله
__________
(1) الصليب والزنار مما كان يميز به المسيحيون. وفى الأصل: «طابانك». وانظر ما ورد من كثرة اقتران الصليب بالزنار فى الديارات للشابستى 113، 132وما أنشد من قول أبى نواس:
وبالصلب العظيمة حين تبدو ... وبالزنار فى الخصر الدقيق
(2) كان يقال لحمزة بن عبد المطلب: أسد الله. ثمار القلوب 16. وفى اللسان (ضرا): «وفى الحديث أن قيسا ضراء الله،. والمعنى أنهم شجعان، تشبيها لهم بالسباع الضارية. وكان يقال لخالد بن الوليد: سيف الله، سماه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسن آثاره فى الإسلام، وصدقه فى قتال المشركين. ثمار القلوب 16.(1/290)
محمد بن عبد الله القرشى العلوى، الفاطمى المحمدى (1)، وخليفة أمره العلىّ، ومقامه القرشى، سيّدنا الإمام الرضىّ العربى، المضرى القيسىّ أبى محمد عبد المؤمن بن على (2). والدّعاء لحفظة سرّه النبوىّ، وخلافة أمره الدينىّ والدّنياوى وأمدّ الله حضرة مولانا أمير المؤمنين سيدنا الإمام أبى عبد الله الرضى، الشابّ التقى، الناصر لدين الله العلى، بمواد النصر الخفى، والعمر القصىّ، وسائر العترة المهتدين، والسّادة الأكرمين، والعصابة الموحّدين (3)، ورضى الله عنهم أجمعين، عدد الرذّ والرشّ، والطلّ والبغش، والملائكة الحافّين من حول العرش مارسا ثبير، وعسا جمير (4)، وسمر بنا سمير، وسلّم تسليما:
يا باحثا بالظّلف عن حتفه ... أذكرت أشياعك من ناسا
لا تمر أخلاف الرّدى ضلّة ... إن مع الإبساس إيناسا (5)
ومز قرار الحق من نوسه ... فليس من قرّ كمن ناسا (6)
أعداك جهل العجم عجبا بها ... فأوس يا عير ترى الناسا (7)
والسلام على من رضى الإسلام، ووحّد السلام، وأبدى الاستسلام، ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) هو محمد بن عبد الله بن تومرت، المتسمى بالمهدى. ولد بسوس ورحل إلى المشرق سنة 501فى طلب العلم وانتهى إلى بغداد ولقى أبا بكر الشاشى والمبارك بن عبد الجبار، ويقال إنه لقى الإمام الغزالى بالشام. ثم قام بدعوته فى المغرب سنة 514. ولد سنة 485وكانت وفاته سنة 534. المعجب 115وابن خلكان (2: 4137).
(2) كان عبد المؤمن بن على هو الساعد الأيمن لمحمد بن تومرت، وقد ولى الأمر بعده واستولى على وهران وتلمسان وفاس وسلا وسبتة ومراكش. ولد سنة 500وتوفى سنة 558. المعجب 125وابن خلكان (1: 311310).
(3) انظر تعريفا دقيقا لهؤلاء القوم، فى المعجب 130، 225.
(4) عسا الليل: اشتدت ظلمته. والجمير: الليل المظلم.
(5) فى الأصل: «ظلة» تحريف. والإبساس: صويت للراعى يسكن به الناقة عند الحلب.
(6) الميز: التمييز. وفى الأصل: «ومن قرار». والنوس: التذبذب والاضطراب.
(7) أوس: زجر للمعز والبقر.(1/291)
رسالة ثانية فى الرد على ابن غرسية(1/293)
رسالة ثانية فى الرد على ابن غرسية (5)
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما
أية نار قدح القادح ... وأىّ سهم فوّق الكاشح (1)
* إحدى لياليك فهيسى هيسى (2) *
لشدّ ما استهواك أيّها الشّعوبى شيطانك، والتفّت على نزعك أشطانك، أدريت، حين زريت، أىّ أديم فريت، وأىّ ظهر للمكارم اعروريت، رميت بكلّ أفوق ناصل رمىّ (3)، وأوضحت غير جلىّ، وراهنت على الجحاش كلّ سبّاق أعوجىّ، من الأدم، القدم، ليسوا بصهب خرس، ولا بمجوس فرس.
أعد نظرا ففى الأمم العاديّة، والأجيال الجرهمية، والجبابرة الطّسميّة، والعماليق الغلب الإرميّة، ما يروعك، ولا يفرخ له روعك. وفى مضر الحمراء وأقيال عدنان، والتّبابعة من يعرب بن قحطان، وأبرهة ذى المغار، وعمرو ذى الأذعار ما يوقظك من سنة هواك، ويحجرك عن باطل دعواك، أنوف شمّخ، وجبال رسّخ، ومجد تليد، وعزّ مشيد:
رسا أصله تحت السّما وسما به ... إلى النّجم فرع لا ينال طويل (4)
__________
(5) انظر ما سبق فى التقديم ص 237.
(1) البيت لأبى نواس فى ديوانه 192والبيان (3: 198). وانظر الحيوان (1: 9). والرواية فيها جميعا: «وأى جد بلغ المازح».
(2) هاس هيسا: سار. والرجز فى المقاييس واللسان (هيس) ومجالس ثعلب 293 والمخصص (7: 113). وبعده:
* لا تنعمى الليلة بالتعريس *
(3) الأفوق: السهم المكسور الفوق، وهو مشق رأس السهم حيث يقع الوتر. والناصل:
الذى سقط نصله.
(4) للسموأل بن عاديا، فى الحماسة 114بشرح المرزوقى، برواية: «تحت الثرى».(1/294)
اخسأ فلن تعدو الأصفريّة أقدارها، ولن تعدم المجوس نارها. أرومتنا إسماعيلية نبويّة، لا عيصوية أصفرية (1)، حرم أبوكم بين ذويه، دعوة إبراهيم أبيه (2) سلخ لها من النبوّة سلخ الأديم، وعدل بها عن الحنيفية ملّة إبراهيم، قما أنت والفخر بالقديم، إلّا كدابغة وقد حلم الأديم. منّا الحىّ اللّقاح، أولو النّجدة والسّماح، لمّا عدت عليهم عوادى الزمن، تفرقوا عن سبإ اليمن، أيادى كما انتشر اللّيل، وانحدروا إلى أطوار الشام قدما كما انحدر السّيل، فحملوا، ريثما اسنقلّوا (3):
والليث حيث ألبّ من ... أرض فذاك له عرين (4)
فحين سمّيتموهم الأساورة رموكم بسهم ما أخطاكم، وأخذتم من جذع ما أعطاكم (5)، مجد، نجد، إن نازعتم فيدنا الأقوى، [أ] وفاخرتم فالكرم التّقوى (6)، ما سسنا خنزيرا وعبدنا نارا، ولا عقدنا على الذّل زنّارا، بلى ملكنا، نقوسنا ونقسنا (7)، على الأملاك، الملوك، حتى أنفذ الله حكمه فى الدّعوة الإبراهيمية فأتمّها، ولأم بها عباديد العرب ولمّها، فحين نظمها من الدّين ناظر ووضح لها من الإيمان معالم، وثوّب بالفلاح مناديها، وتطاولت إلى هاديها هواديها، أقبلتكم الخيل دوائس (8)، عقبانا تحت أسد عوابس (9)، فثلّت
__________
(1) العيصوية: نسبة إلى عيصو، وهو العيص بن إسحاق عليه السلام. وفى نهاية الأرب (2: 322): «وولد روم بن العيص بن إسحاق بنى الأصفر، لأن روم كان رجلا أصفر فى بياض، فلذلك سميت الروم بنى الأصفر». وانظر سفر التكوين 25: 2624.
(2) فى سفر التكوين أن لذى بارك يعقوب وحرم عيسو أخاه الأكبر إنما هو إسحاق أبوهما. الأصحاح 27: 4027.
(3) الاستقلال: الارتجال.
(4) سبق فى ص 283.
(5) إشارة إلى المثل: «خذ من جذع ما أعطاك». وانظر ص 237لتضم هذه أيضا إلى ما ورد فى ص 237من دلائل تعزيز نسبة الرسالة، وكذا ما فى 298ص 4.
(6) إشارة إلى قوله تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
(7) كذا وردت العبارة.
(8) فى الأصل: «دواس»، تحريف. وفى اللسان: «أنهم الخيل دوائس، أى يتبع بعضهم بعضا».
(9) فى الأصل: «غواس»، تحريف.(1/295)
عروش أنو شروانكم وقباذكم، وفلّت غرب يزدجركم وشهرياركم (1). وسدّوا مسالككم، وخلعوا خلع الخمائل ممالككم، وحطّوا عن مفارقكم تيجانكم، ونسخوا فصحكم ومهرجانكم، وورثوا أرضكم ودياركم، وأطفئوا بنور الله ناركم.
أصخ أيها الغمر، فقدآن لك أن توقد بصيرتك مدراج العمر (2)، فتذكر قتلى باليرموك وجبت جنوبها، وأشلاء بالقادسيّة عصف عليها من المنون هبوبها (3)، تهافتوا علينا أمثال الدّبا، لم تغن عنهم الأسنّة ولا الظّبا، فتعلم أن البأس للعرب، وأن النّبع ليس من الغرب (4):
ولم أر أمثال الرّجال تهافتوا ... على المجد حتّى عدّ ألف بواحد
هم طردوكم عن أكناف الشّام، ورستاق العراق، طرد غرائب النّياق، وجذّوكم عن تخوم بابل وخراسان، جذّ العير الصّلّيان (5):
بضرب يزيل الهام عن مستقرّه ... وطعن كإيزاغ المخاض الضّوارب (6)
مكر، نكر، لم يتّخذوا القصور وكورا، ولكن مذاكى ذكورا.
بنيتم بالشّيد وبنينا (7) وأحدقتم، بالحيطان، وأحدقنا بعوالى المرّان، وألفتم الأبنية والأندية، وجبنا فى طلب العزّ المهامه والأودية، وأذلتم الدّبابيج والمرمر (8)، وذلّلنا العناجيج الضّمّر. جررة عوال (9)، وبذلة نوال:
__________
(1) فى الأصل: «شهر باذكم»، تحريف. وانظر ما سبق فى ص 280.
(2) فى الأصل: «القمر».
(3) الهبوب: الريح تثير الغبرة.
(4) انظر ما سبق فى ص 290.
(5) الصليان: ضرب من الشجر.
(6) للنابغة فى ديوانه 8.
(7) لعل هنا كلمة ساقطة يتم بها السجع مع «الشيد» ولعلها «بالقرميد».
(8) الدبابيج: جمع ديباج، وهو ثوب يتخذ من الإبريسم، وفارسيته «ديباه».
ويقال ديباج كسروى. والمرمر: ضرب من تقطيع ثياب النساء. وفى الأصل: «الذبابيح والمزمر».
(9) عوال: جمع عالية، وهى أعلى الرمح ورأسه، والعالية أيضا: القناة المستقيمة.(1/296)
فما دبّ إلا فى بيوتهم الندى ... ولم ثرب إلا فى حجورهم الحرب
دنتم بالراح، ودنّا بدرّات اللّقاح، فشتّان بين محظور ومباح (1).ماذا الإيغال، فى أبى رغال، وقد غاله من الإله ما غال، حين دلّ على بيت الله أغربة الأحابش. كما دلّت على أهلها براقش، فهلك وهلسكوا، وحدا بهم حادى الرّدى أيّة سلكوا. وضح، صرح، لم تعرق فينا سحمة الحبشان، فجئنا صفر الألوان، ذوى نطف أمشاج (2)، بين الزّنوج والأعلاج. أشهد أنّ السّاسانية، العديمة الإنسانية، نكحت أمّهاتها وبناتها، وتشبّهت بالبهائم فى شهواتها، ألّا زجرهم عنه معقول، أو دين عن الأمم منقول، ذهبوا والله من العار بثمّه ورمّه (3)، وفحل السّوء يبدأ بأمّه. أفخرا بالحنيذ، والنّبيذ، هلّا بقرى الضيوف والسّنون غبر، وعزّة الجار والأسنّة حمر، وكرم الوفاء إذا استؤثر بالغدر، وكتم السّرّ حين تجيش مراجل الصّدر:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسى (4)
أيها الزارى علينا بشان، أبى غبشان، وماذا على رجل تخوّف فصرف على أربابها السّدانة، ووفى فأدّى إلى أهلها الأمانة، دون خدعة ولا خلاب، وجرى المذكّيات غلاب (5)، نجح، رجح، لا تطيش بهم الأحلام، ولا تساجلهم الأيام. فمه أيّها المتعاطى لما لا يدرك، المتشبع بما لا يملك، المتبجّح فى دعواه، كالخصىّ يفخر بمتاع بمولاه. إنّ حظّكم من الأسترلوميقى (6) والأرتماطيقى،
__________
(1) فى الأصل: «مجذور»، وهو تحريف سمعى.
(2) أمشاج: مختلطة. وفى الأصل: «ذو نطف».
(3) أى بقليله وكثيره. انظر ما سبق ص 265س 2.
(4) للحطيئة يهجو الزبرقان. ديوانه 54.
(5) المذكى من الخيل: المسن، والغلاب: المغالبة. والمثل يضرب لمن يوصف بالتبريز على أقرانه فى حلبة الفضل.
(6) انظر لهذا وما بعده ما سبق فى ص 251.(1/297)
والتعاليم المنطقية والموسيقى، والفنون الفلسفية والجومطريقى حظّ الزمان من من الهرم (1)، والحمر من تأليف النّغم، لكنّها والله أقوى منكم لحيا، وأقوم هديا، وأثقب خواطر، وأصدق بصائر. تلك علوم يونان، ومبادىء كلذان، ونتائج هرمسيّة (2)، ونسب فيثاغورية، لا ما أنتم بنو الأستاه منه متعاطون (3)، وفى عشوائه خابطون، إنّ العرب بأمّيّتها لأدركت بحلومها، ما أدركته الأوائل بتعاليمها، أهل البيان وأربابه، لهم فتحت أبوابه، ورفعت باليفاع قبابه نزل الفرقان بلسانها، فدلّ على إحسانها:
فلو أنّ السماء دنت لمجد ... ومكرمة دنت لهم السماء (4)
عتق صدق، جعل الله لها الكعبة البيت الحرام قياما، والحنيفيّة السمحة قواما، وإنّ بيتا رفع منه إبراهيم القواعد وإسماعيل، ونطق بفضله التنزيل، وسفر بين ساحته جبريل، لمظنّة خيرات، ومصبّ بركات، ومنجم آيات معجزات مشاعر معظّمة، ومناسك مكرّمة، وملتقى آدم وحوّاء، ومهبط الوحى من السّماء، ذلك بيت الله لا بيوت نيرانكم، وشعاره لا شعار صلبانكم، ومدارس الذّكر لا مدارس البهتان، ومعارج الملك لا مدارج الشّيطان، إنّ القرآن ليس بديوانكم، ولا الكعبة من زخاريف إيوانكم:
إنّ الذى سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعزّ وأطول (5)
__________
(1) أى ليس لهم حظ من تلك العلوم والفنون، كما ليس للزمان حظ من الهرم، فإن الزمان دائم الشباب.
(2) انظر للكلام على «هرمس» ابن النديم 494وابن أبى أصيبعة 1: 1716 والقفطى 227حيث ذكر هرمس الثانى والثالث. وأمّا هرمس الأول، وهو هرمس الهرامسة، وهو إدريس عليه السلام فقد ذكره فى 76. وراجع ما أسلفت فى حواشى الرسالة المصرية ص 39.
(3) العرب تسمى بنى الأمة: بنى استها. وانظر ص 276س 11.
(4) لأبى البرج القاسم بن حنبل، فى الحماسة بشرح المرزوقى 1659.
(5) للفرزدق فى ديوانه 714.(1/298)
بيت فى كسره اعتلج محمد صلى الله عليه وسلم ودرج، وفيه دبّ وإلى السماء عرج، ثمرة دوحة زكت فى مضر منابتها، ونما فى النّضر بن كنانة نابتها، ووشجت إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم أعراقها، وتولّفت من هاشم أغصانها وأوراقها، سمت صعدا بين السّنا والسناء، أصلها ثابت وفرعها فى السماء، صلوات الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين ما فاهت الأفواه، ووردت المياه، واستغفر الله كلّ منيب أوّاه، وعلى صحبه وعترته نجوم الهدى، ورجوم العدى، الرّكّع السّجود، القوّام الهجود، أصحاب الغرر والتحجيل (1)، وحملة التنزيل، والعلمة بالتأويل، {ذََلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرََاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ}. إليك فقد بيّن الصّبح لذى عينين، وطبّق بين الخافقين. فلا تفغر أيها الأثيم الأفّاك، بقديم بعدها فاك، ولئن أو جعناك، فبما قدّمت يداك. أجل صديق المرء عقله، وعدوّه جهله، ولا يحزنك دم هراقه أهله:
غمزت قناتى غمزة فوجدتها ... من العزّ يأبى عودها أن يكسّرا
فإن تغضبوا من قسمة الله بيننا ... فلله إذ لم يرضكم كان أبصرا
كملت الرسالة والحمد لله رب العالمين
__________
(1) فى الحديث «أمتى الغر المحجلون»، أى بيض مواضع الوضوء من الأيدى والوجه والأقدام. وكتب إزاء الكلمة فى الجانب: «والحجول». وانظر ما سبق فى ص 262س 3 لتضمه إلى ما سبق فى 237من دلائل تعزيز نسبة الرسالة مشفوعا بما نبهت عليه فى الحاشية رقم (5) من ص 295.(1/299)
رسالة ثالثة فى الرد على ابن غرسية
لأبى جعفر أحمد بن الدودين البلنسى
رسالة ثالثة فى الرد على ابن غرسية أجابه بها الأديب أبو جعفر أحمد بن الدودين (1)
اخسأ أيّها الجهول المارق، والمرذول المنافق، أين أمّك، ثكلتك أمّك.(1/301)
لأبى جعفر أحمد بن الدودين البلنسى
رسالة ثالثة فى الرد على ابن غرسية أجابه بها الأديب أبو جعفر أحمد بن الدودين (1)
اخسأ أيّها الجهول المارق، والمرذول المنافق، أين أمّك، ثكلتك أمّك.
أو ما علمت أنّك سحبت من عقالك لعقّالك (2)، وقدّمت أوّل قدمك، لسفك دمك، وبسطت مكفوف كفّك، لسلطان حتفك، وقلّمت شبا أقلامك، لاصطلامك، وحبّرت بحبرك، لذهاب خبرك، ومشقت فى قرطاسك، لشقّ راسك، فما حقيقة جوابك، على خطل خطابك، إلّا سلبك عن إهابك، وصلبك على بابك، ولو كان بالحضرة أقيال، وحضرك رجال؟! لكنّك بين همج هامج، ورعاع مائج، مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء». فأقسم ببارىء النسم، وناشر الأمم من رفات الرّمم، لا صيّرنّ عليك أيّها السّخيف، المضعوف، على نذالتك، وفسالتك، عرض البساط (3)، أضيق من سمّ الخياط، ولأخلّدنك سمرا غابرا (4)، ومثلا سائرا، أو نشوّه محيّاك، وتحلق [سبتا لك (5)] من قفاك، وتحتزم بزنّاك، وتلحق بأديارك. مالك، ومقرا لك (6)، [و] أسرتك الأرذلين، وعترتك الأنزلين (7)، الصّهب السّبال، من ولّغ الدم وشرّب
__________
(1) انظر ما سبق فى التقديم ص 238. وفى الذخيرة: «فرد عليه أبو جعفر برقعة قال فيها».
(2) عقل البعير: ثنى وظيفه مع ذراعه وشدهما جميعا فى وسط الذراع، وذلك الحبل هو العقال. والعقال، كرمان: ظلع فى قوائم الدابة. فى الذخيرة: «إنما سمحت».
(3) البساط، بالفتح: الأرض الواسعة.
(4) الغابر: الباقى.
(5) التكملة من الذخيرة. وفى أصلها: «سبالك». والسبت: الحلق.
(6) المقر: دق العنق.
(7) فى الذخيرة: «الأنذلين».(1/302)
الأبوال، أكلة الجيف، وحللة الكنف (1)، و «الوضح، الرّجح» رجح الأكفال، وضح كذوات الأحجال، فلّله أبوك لقد أجدت فى قومك الوصف، وبسطت لنا منهم النّصف، وأنا الآن أنصف، وفقارك أقصف. «علم، حلم» ء بالتّداوى من القرم، ومنافع القلم، حلم عن كلّ مجاوز الحلم. «جمح طمح» الآن صدقت، وغلطك استدركت، جمح فى الإحجام، عن الإقدام، طلب الفرار، يوم الانتصار وإدراك الثار، طمح إلى كلّ رموح طموح، يطول الشّبر، ويطيل الشّبر، معلّف، مغلّف (2)، ذى خلق مرصوص، وهامة كالفصوص (3).
إيّاك ولعابك، أن يمحو كتابك.
«حماة السروح نماة الصّروح (4)»، النّصفة، يا كشاجم لا الأنفة (5)، غضّ قليلا من طرفك، وأمسك عنان طرفك، ولنتحاكم فى ذلك إلى ظرفك، هل يصحّ فى التحصيل، أو يجوز فى العقول، أن يحمى قومك سروح شائهم، وقد أباحوا فروج نسائهم، أليس هذا عين المحال، ومغالطة الجهّال. فهلّا توهّمت يا فتى الجواب، قبل الخطاب، وأبصرت الورطة، قبل السّقطة.
وأمّا ما قعقعت به ووعوعت، من صواحب الرّايات، فهنّ وأبيك بعض بنات ربّة الإياة (6)، إمائنا المسبيات الممتهنات، ملّكتناهنّ ظبا البيض الهنديّة، وشبا السّمر الرّدينيّة، فما عجنا بهنّ عما عوّدتموهنّ من البغاء، للاسترضاء،
__________
(1) حللة: جمع حال. انظر ما سبق فى ص 246. والكنف: جمع كنيف، وهو كل ما ستر من بناء أو حظيرة.
(2) المعلف: المسمن. وهذه الكلمة ليست فى الأصل، وبدلها فى الذخيرة «معلب».
المغلف: ذو الغلاف، والمراد به الغلفة، وهى الهنة تقطع عند الختان. وبدله فى الذخيرة:
«ملغب».
(3) الفصوص من الفرس: مفاصل الركبتين والأرساع.
(4) فى الأصل: «بناة الصروح» ووجهه من الذخيرة مطابق لما مر فى ص 247.
(5) انظر لكشاجم ما سبق فى ص 271.
(6) انظر ما مضى فى ص 249.(1/303)
فيكثر معشر العربان، من ولد سارتكم الأموان والعبدان (1)، وفيك من ذلك أصحّ دليل وأوضح برهان. فهلا يافتى ثقفت، ودون هذا الفصل وقفت.
«بصر صبر»، بصر بتركيب عصب أنابيب السّرر، ومنافعها بزعمهم للجسم والبصر! صبر على إيغال، الغراميل الطّوال.
«سرج، وهج» سرج المضاجع، لا يطفأ وهجان ذلك السّعر، إلا بدافق ماء الكمر.
«ملس الأدم، ماحاكوا قطّ برودا، ولا لاكوا عرودا». هذا وأبيك من التّعريض الرّقيق فى مقالك، وآلك، وذلك أنّك وصفتهم بامّلاس الجلود، وقفّيت بنفى لوك العرود، وإيجاب ذلك، لا يليق إلّا ببالك (2). فهذا لعمرك من بديع التّحقيق، فافخر فهاتان صفتان سلّمتا لكم. وأما لوك العرود فإن ذلك أوضح (3) من السّراج الوهّاج، فى اللّيل الدّاج (4). قد تحدّث (5) أنّ ولدانكم عطّلوا فى وقت سوق نسائكم، فنمى ذلك إلى مليككم (6)، فحكم، أكرم به من حكم (7)، أن يبيح النّسوان، من أنفسهنّ ما أباح الولدان، وامتثلن ذلك فاتّسقت الحالان ونفقت السّوقان، وما سمع فى الأزمان، بأغرب من هذا الشّان، فاشمخ بأنفك، وافخر بنصفك (8).
__________
(1) الإموان بكسر الهمزة وضمها: جمع أمة، وهى المرأة المملوكة.
(2) فى الأصل: «ألا يليق إلا ببالك».
(3) هذا ما فى الذخيرة. وفى الأصل: «فأوضح».
(4) الداجى: المظلم.
(5) الذخيرة: «قال المحدث».
(6) نمى: رفع وبلغ. يقال نموت الحديث أنموه وأنميه. وفى الأصل: «فنهى» تحريف، صوابه من الذخيرة. وإنما يقال منه أنهيت إليه الخير فانتهى وتناهى.
(7) الذخيرة: «من محكم».
(8) النصف: الإنصاف. الذخيرة: «ببضحك».(1/304)
وأما حوككم البرود، فناهيك من الغفارة الإفرنجية (1) إلى الديباجة الروميّة، والنّسبتان، بذلك تشهدان.
وأمّا فخرك بربّة الإياة فياليتها حين ولدتكم ثكلتكم، فلقد سربلتموها عارا مجدّدا، وعصبتم بها شنارا مخلّدا، حين خمتم عن الكفاح، حذر الصّوارم والرّماح، فأسلمتم لعداتها، من بناتها، كلّ طفلة رداح (2)، جائلة الوشاح، ذات ثغر كالأقاح، وغرّة كالصباح، أعجلن عن لوث أزرهن، واعتجار خمرهنّ، فعوّضن من الإدلال بالإذلال، ومن الحجال بالرجال:
خلف العضاريط لا يوقين فاحشة ... مستمسكات بأقتاب وأكوار (3)
وعيّرت العرب بالاغتذاء بالحيات، لتعذّيكم بالدّماء والميتات، فيمتاز الضدّ، ويقع الحدّ، يين من تناهت جرأته، وماتت همّته. على أن لا افتخار فى مشرب ولا مطعم، لعرب ولا لعجم. وكذلك ما عيّرتهم به من حرق الجلّة والبعر، غروا بإضرام النّيران، لإكرام الضّيفان، وإطعار المقرور الجوعان، إلى أن عدموا الأرطى والغضى، وموجود السّمر، وسائر أنواع الشّجر، فلجؤوا إلى الجلّة والبعر.
وكذلك وصفك قومك بأن «ليسوا حفرة أكر، ولا حفزة عكر»، الله أجلّ الأكر أن يحفروها، والعكر أن يحفزوها، لكنّهم حفزة جحشان وحفرة كهوف وغيران، اتخذوها مخبأ عن قبائل العربان (4)، وملجأ من وقع
__________
(1) الغفارة: مثل القلنسوة يلقيها الرجل على رأسه فتبلغ الدرع ثم يلبس البيضة فوقها، وربما جعلت من ديباج وخز أسفل البيضة. والإفرنجة، قال ياقوت: «هم فى شمالى الأندلس نحو الشرق إلى رومية». وانظر الفهرست 30، 34ومروج الذهب 2: 34والقاموس.
(2) الطفلة، بالفتح: المرأة الرخصة الناعمة. والرداح: العجزاء الثقيلة الأوراك التامة الخلق.
(3) للنابغة الذبيانى فى ديوانه 42. العضاريط: الأتباع والأجراء.
(4) الذخيرة: «عن حبائل».(1/305)
الصّوارم والمرّان، فعل الخزّان واليرابيع والجرذان (1).
وأمّا فخرك بعلمهم الشرائع، فمن أبدع البدائع، «استنّت الفصال حتّى القرعى (2)»، وجهلهم بذلك أوضح، من أن يشرح، وأبين، من أن يبيّن، لكن أنكت من ذلك نكتة، وأنبذ منه نبذة، تصفعهم صفعا، [و] تردّ صهب أدمهم سفعا. وأنّ يكون ذلك، هبلت لآلك، ولم يأخذوه عن نبىّ، ولا نقلوه عن حوارىّ، ولم يزالوا يتعاورون أصلهم الإنجيل بالزيادة والنّقصان، إلى أن أصاروه فى حيّز الهذيان. وحسبك بهم جهلا أنّهم يعتقدون إلها نبيّهم، يسمّونه بالربّ المعبود، وصيّروه بعد مصلوب اليهود، فأعجب بجهل يجمع بين هذين، الطّرفين، وأعجب من ذلك أنّهم يجمعون (3) أنّ عيسى ينزل إلى الأرض، لحساب الخلائق يوم العرض، فما ظنّك يفعل باليهوديّة (4) على ما قدّموه على زعيمهم من صلبه، فهل يصحّ بهذه الآراء الضعيفة، والعقول السخيفة، دين، أو يثبت لهم معه يقين. ولولا أنّى أجلّ قلمى، وأنزّه كلمى، عن سخافاتهم، فى دياناتهم، وبرسامهم، فى أحكامهم، لأوردت من ذلك ما لا يستجيزه إلّا مثل قومك العجم، عقول البوم والرّخم.
وأمّا علم الطبائع فسلّم بعضها لهم، لما تقدّم فى أثناء الرسالة، من علمهم بخواصّ تلك الآلة، والصّدق أزين ما به نطق، وإليه سبق.
وما ذكرته من أبى رغال، فذلك جدّ محتال، إنّه غدا (5) علما منه باستئصالهم
__________
(1) الخزان: جمع خزر بضم ففتح، وهو ولد الأرنب.
(2) استنت: جرت فى نشاط. والقرعى: التى أصابها القرع، وهو بئر. يضرب مثلا للرجل يدخل نفسه فى قوم ليس منهم.
(3) الذخيرة: «مجمعون».
(4) فى الأصل: «بفعل اليهودية»، صوابه من الذخيرة.
(5) بدله فى الذخيرة: «بأدواء عداه».(1/306)
عن اختيارهم إلى بوارهم، فعجّل الله بأرواحهم إلى نارهم.
وقضيّة أبى غبشان التى عظّمت، ليس الأمر كما توهمت، لأن الكعبة بيت الله لا شريك له وضعه تعالى للعباد، وسوّى بين العاكف فيه والباد، وأبو عبشان إنما باع خدمته فى البيت. وهبها قضية سفينها الغوىّ (1)، أين تقع فى قضية إمامكم يهوذا الحوارىّ، إذ باع نبيّه روح القدس، من أعوانه بالأفلس (2)، فكذّب الله ظنّه، وأنجى نبيّه، فدونك ضع قضية سفيهنا فى كفّة وفى أخرى قضية إمامك، ورجّح بينهما بفضّ ختامك.
وأمّا وصفك قومك أنّهم «مجد، نجد، شمخ، بذخ، عرق، غرق، فهيهات ذلك منهم، تلك صفات قومنا العرب ذوى الأنساب، والأحساب، والعلوم، والحلوم، أولى اللّسن، والبيان واللّحن (3)، والإسهاب، فى الصواب، والحكمة وفصل الخطاب، فرسان الإعراب، وأرباب القباب، ومعملى الصوارم والحراب، أنديتهم عراص المنيّة (4)، وأرديتهم بيض المشرفيّة، ولبوسهم مضاعفة الماذية (5).
سهكين من صدإ الحديد كأنّهم ... تحت السّنوّر جنّة البقّار (6)
مجالسهم السّروج، وريحانهم الوشيج، وموسيقاهم رنّات الرّدينيّات،
__________
(1) الذخيرة: «وصمة سفيهنا العربى».
(2) كان لقاء ثلاثين من الفضة. متى 26: 15. وقد ندم بعد ذلك ورد الثلاثين ثم مضى وخنق نفسه 27: 52.
(3) اللحن، بالتحريك: الفطنة.
(4) عراص: جمع عرصة، وهى كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء.
(5) الماذية: السهلة اللينة. والمضاعفة: الدروع التى نسجت حلقتين حلقتين.
(6) للنابغة فى ديوانه 35والحيوان (6: 189، 495). البقار: موضع كثير الجن.(1/307)
وطوبيقاهم السّريجيات (1)، لم تكن قادتهم النّساء، ولا رادتهم فى آجالهم النّساء (2).
يستعذبون مناياهم كأنّهم ... لا ييأسون من الدنيا إذا قتلوا (3)
عنوا بمدّ أطناب الأبنية، عزّة وأنفة عن تشييد الأبنية، محالفى الصّحاصح والبيد، فعل الأساود والأسود، قصورهم المناهل، ومعاقلهم الذّوابل، صبر، وقر، إذا ثار الغبار، واسودّ النهار، وحسن الفرار، وذهلت الأذهان، وأبهم العيان (4)، وتلجلج اللّسان، وتلاطمت السيوف، وحميت الحتوف، وقلصت الشّفاه، وعصت الرّيق [بالأفواه (5)]، وتعانق الشّجعان، وتشاجر المرّان، وبرم الحمام، وفلّ الحسام، وحمى الوطيس، والتقت الأقدام والرءوس، فلا ترى إلّا حزّ الغلاصم، وشيم الصّماصم فى الجماجم (6) فهناك تلقاهم، لا دهمك لقاهم، أقيال الأقيال، شمرة الأذيال، أسود الأغيال، حماة الأشبال، لا ملس أدم ولا جررة الأذيال، وهكذا فليكن أقيال الرجال، يا مسلوب الحجال (7).
كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جرّ الذّيول (8)
وما كان أغناك يا كشاجم، عن كشف عورات آلك الأعاجم، لكن ضعف نظرك، حداك إلى هذرك، وسوء أدبك، وافى بك على عطبك، نسأل الله سترا يمتدّ، ووجها لا يسودّ.
__________
(1) الطوبيقى، سبقت فى 251، 276بلفظ «بوطيقى». والسريجيات: سيوف منسوبة إلى قين معروف.
(2) رادة: جمع رائد. والنساء، بالفتح: تأخير أداء الدين إلى أجل.
(3) لأبى تمام من قصيدة يمدح فيها المعتصم. ديوانه 229.
(4) الذخيرة: «وأبهم».
(5) التكملة من الذخيرة.
(6) شام السيف: أغمده. والصماصم: جمع صمصام، وهو السيف القاطع.
(7) الحجال: جمع حجلة، وهى بيت كالقبة يستر بالثياب يكون له أزرار كبار. عنى أنه مهتوك الستر.
(8) لعمر بن أبى ربيعة فى عيون الأخبار (2: 49) والأغانى (8: 133) وزهر الآداب (3: 76).(1/308)
رسالة رابعة فى الرد على ابن غرسية
لأبى الطيب بن منّ الله القروى وعنوانها كما فى كتاب البلوى وكشف الظنون حديقة البلاغة، ودوحة البراعة، المورقة أفنانها، المثمرة أغصانها، بذكر المآثر العربية، ونشر المفاخر الإسلامية، والرد على ابن غرسية فيما ادعاه للأمم الأعجمية.
وممن ردّ أيضا عليه، وأجاد ما أراد (أبو الطيب بن منّ الله القروى) برسالة طويلة أثبتّ منها بعض الفصول، تخفيفا للتّثقيل، قال فيها (1)، وافتتحها بهذه الأبيات:(1/309)
لأبى الطيب بن منّ الله القروى وعنوانها كما فى كتاب البلوى وكشف الظنون حديقة البلاغة، ودوحة البراعة، المورقة أفنانها، المثمرة أغصانها، بذكر المآثر العربية، ونشر المفاخر الإسلامية، والرد على ابن غرسية فيما ادعاه للأمم الأعجمية.
وممن ردّ أيضا عليه، وأجاد ما أراد (أبو الطيب بن منّ الله القروى) برسالة طويلة أثبتّ منها بعض الفصول، تخفيفا للتّثقيل، قال فيها (1)، وافتتحها بهذه الأبيات:
وذى خطل فى القول يحسب أنه ... مصيب فما يلمم به فهو قائله (2)
نهدت له حتّى ثنيت عنانه ... عن الجهل واستولت عليه معاقله
تعال فخبّرنى علام تشدّدت ... قوى العير حتّى أحرزتك مجاهله
أيّها الفاخر بزعمه، بل الفاجر برغمه، ما هذه البسالة، فى الفسالة، ما هذه الجسارة، على الخسارة، لقد تجرأت، ومن الملّة تبرأت، أبا لعرب تمرّست، وفى مجدها تفرّست، وعلى شرفها تمطّيت، وإلى سوددها تخطّيت.
(وفى فصل): فأخبرنى عنك أما كانت للعرب يد تشكرها، أو منّة تذكرها.
أما جبرت نقيصتك، أما رفعت خسيستك، أما استنهضتك من وهدتك، أما أيقظتك من [غفلتك و (3)] رقدتك، ألم تربّك فيها وليدا (4)، ألم تتّخذك لها تليدا (5). ألم تعن بتخريجك (6)، وتدريجك، أما أنطقتك بعد العجمة،
__________
(1) إلى هنا ينتهى تطابق ما فى الأصل والذخيرة، وما بعده إلى نهاية الأبيات الثلاثة ليس فى الذخيرة وانفردت به نسخة الأصل. أما البلوى فى ألف باء فقال: «أما أحدهم فافتتح الرد عليه بقوله:
وذى خطل فى القول يحسب أنه ... مصيب فما يهتف به فهو قائله»
ولم يعين ذلك الأحد. وانظر للكلام على هذه الرسالة وعنوانها ما سبق فى ض 239.
(2) البيت لزهير فى ديوانه 139. والبيتان بعده لم يردا فى الديوان.
(3) التكملة من الذخيرة.
(4) فى الأصل: «ألم نربك فينا وليدا». تحريف سببه الحرص على نص الآية.
(5) فى الأصل: «ألم نتخذك». والتليد: الذى ولد ببلاد العجم وحمل فنشأ ببلاد العرب.
(6) فى الأصل: «ألم تغن»، وفى الذخيرة: «ألم تكن»، كلاهما محرف.(1/310)
أما أسلقتك بعد اللّكنة (1)، حتّى إذا اشتد كاهلك، وعلم جاهلك، وقوى ساعدك، ورقى صاعدك، كفرت نعمتها لديك، ونثرت عصمتها من يديك، وأخذت تطاولها بأرسانها، وتقاولها بلسانها، وتناضلها بسهامها، وتهاطلها برهامها (2)
أحين فكّت أسرك من أقذورة الغلف (3)، وأخذت بضبعك (4) من أهويّة التلف، وشدّت ظهرك للمتان (5)، واعتمدت طهرك بالختان (6)، ناهضتها بحسامها، وجاهضتها بكلامها، ورميتها [بسهامها (7)]، عن قوس هى نبعتها، ومن هضبة هى قلعتها:
أعلّمه الرّماية كلّ يوم ... فلما اشتدّ ساعده رمانى (8)
([وفى فصل (7)]): وهات أرنا مفاخرك، نرك مساخرك. أنت صاحب الشّهب، الصّهب، والسّنة شهباء، والجهام صهباء. كذلك أنتم لا خير ولامير، ولا عمرو ولا عمير، ليس للسّخاء بالرّومية اسم، و [لا (8)] للوفاء فى العجميّة رسم. أين أنت عن السّمر، القمر، البيض غررا وصفاحا، السّود طررا وأوضاحا، الدّعج عيونا ورماحا، البلج وجوها وسماحا، فمم فى العمائم، وهمم فى الغمائم، سعروا عليكم نار الحرب، بتلك الأينق الجرب، فكسروا كياسرتكم، وقصروا
__________
(1) السلق: رفع الصوت، وبلاغة الخطيب. والمعروف «سلق» وأما «أسلق» المتعدية فمما لم يرد فى المعاجم المتداولة.
(2) المهاطلة: مفاعلة من الهطل، وهو تتابع المطر وسيلانه. الذخيرة: «تطأ ظلها»، تحريف. والرهام: جمع رهمة، وهى المطرة أشد وقعا من الديمة وأسرع ذهابا.
(3) الغلف: مصدر الأغلف، وهو الذى لم تقطع غلفته بالختان، فى الذخيرة:
«القلف» بالقاف، وهما سيان.
(4) الذخيرة: «بضبعيك».
(5) المتان: مصدر ماتنه، أى باعده فى الغاية. والمتان أيضا: جمع متن، وهو الظهر.
(6) فى الأصل: «ظهرك»، صوابه فى الذخيرة.
(7) التكملة من الذخيرة.
(8) لمعن بن أوس فى البيان (3: 232) واللسان (سدد). وقد اتفقت النسختان هنا على رواية: «اشتد»، وهى رواية مضعفة، والأصح «فلما استد» بالسين المهملة.(1/311)
قياصرتكم (1). وأخمدوا نار صولتكم، ومحوا آثار دولتكم (2)، وطهّروا الأرض المقدسة من أنجاسكم، والمسجد الأقصى من أرجاسكم، الذين ينجون ولا يستنجون، ويتجنّبون ولا يتطيّبون (3)، رعاة الخنازير، وأكلة السّنانير، أمّا رجالكم فقلف، غلف، وأما نساؤكم فقذر، بظر (4)، لا يعرفون الخفاض ولا الختان، ولا يألفون السّنان ولا العنان، ويحك بما آثرت، وبمن كاثرت، أما استحيت، مما انتحيت، هل كانت العرب إلّا كنز عزّ، وذخر، فخر، وذخيرة (5) ذخرها الله إلى الوقت المحتوم، وأسكنها أرضا يرغب عنها أولو البطنة، ويرغب فيها ذوو الفطنة (6)، حفظ فيها أحسابها، وطهّر بها أنسابها (7)، واختارها ليختار منها صفيّه (8)، وميّزها ليميز منها حفيّه، ثم اختصّها بالأحلام الزكية، والأفهام الذكيّة، والأنفس الأبيّة، إن جاورتهم نصروك، وإن حاورتهم قصروك، وإن فاضلتهم فضلوك، وإن ناضلتهم نضلوك، وإن طاولتهم طاولوك، وإن استنلتهم أنالوك، يمشى أحدهم إلى الموت ثابتة وطأته، فسيحة خطوته، شديدة سطوته، جريّا على الكماة جنانه، دريّا بتصريف القناة بنانه (9)، بصيرا بمهج الدّارعين سنانه، وأنتم كما وصفت ملس، لمس، لا تغيرون ولا تغارون
__________
(1) فى الذخيرة: «كياسركم» و «قياصركم»، وجمع كسرى على «كياسر» أو «كياسرة» غير معروف، وإنما يجمع على «أكاسر» و «أكاسرة» و «كساسرة» و «كسور».
وأما «قيصر» فجمعه على «قياصر» و «قياصرة» قياس صحيح.
(2) هذا الوجه الأوفق من الذخيرة. وفى الأصل: «صولتهم» و «دولتهم».
(3) التجنب: أن يصير فى حال جنابة، يقال أجنب وتجنب، وجنب ككرم وعلم.
فى الذخيرة: «ويجنبون ولا يتظهرون».
(4) البظراء: الطويلة البظر، وهو ما تقطعه الخاتنة.
(5) الذخيرة: «وخبيئة».
(6) فى النسختين: «ذو الفطنة».
(7) هذا الصواب من الذخيرة. وفى الأصل: «وطهرها أدناسها»، تحريف.
(8) هذا الصواب من الذخيرة. وفى الأصل: «ليمتاز بها صفيه».
(9) دريا، بدلها فى الذخيرة: «لقنا». وفى قول مالك بن الريب:
وكنت إذا ما الخيل شمصها القنا ... لبيقا بتصريف القناة بنانيا(1/312)
ولا تمنعون ولا تمتنعون، قلوبكم قواء، وأفئدتكم هواء، وعقولكم سواء، قد لانت جلودكم، ونهدت نهودكم، واحمرّت خدودكم، تحلقون اللّحى والشّوارب (1)، وتتهادون القبل فى المشارب (2). والعرب تذمّ بالدّعة، وتهجو بالسّعة، وتفخر، بالجلادة، وتتبجّح بالصّلادة، فإن فاخرتها فبغير الطعام والشراب، ولكن بالطّعان والضراب، وما عليك من لوك العرود، أخفت إعجازها، وخشيت إعوازها، أبك حاجة إليها، ألك حرص عليها، لشدّ ما أدركتك الحميّة فيها، وحرّكتك العصبية لها (3)، هذه نادرة لم تقصد قصدها. ومن الآيات، ذكر صواحب الرايات، والمباضعة، عندكم كالمراضعة، ما فى السّكر، عندكم نكر، تبيحون ولوج العلوج، على بدور الخدور، الزّنا، عندكم سنا، والفجار، بينكم فخار، فكيف أنكرت، ما ذكرت، وأنت على سنن، تلك السّنن، الحال قائمة، والقصّة دائمة، «وأوّل راض سيرة من يسيرها (4)».
([وفى (5)] فصل): فساروا معرقين، وعلوا مشرّقين، لا تردّهم رادّة، ولا تصدّهم صادّة، حتى أهلكوا ساسان وكاسان، وملكوا خراسان وماسان، وسلكوا بالقهر، ما وراء النهر، فأدخلوكم الدّروب، وألزموكم الكروب، بجريدة خيل، وطريدة ويل، وأمضوا فيكم العزائم. وأرضوا منكم الهزائم، حتّى أجحروكم رومية (6) الدّفرا، والقسطنطينيّة البخرا، ونازلوكم منها على ذراعين، وصرعوكم بين المصراعين.
__________
(1) اللحى: جمع لحية. وهذا ما فى الذخيرة. وفى الأصل: «اللحاء»، وهذا إنما هو جمع لحى بالفتح، وهو ما ينبت عليه العارض.
(2) المشارب: جمع مشرب، وهو الموضع الذى يشرب منه، عنى بها الأفواه.
(3) الذخيرة: «أدركت» و «حركت».
(4) عجز بيت لخالد بن زهير الهذلى. ديوان الهذليين (1: 157). وصدره:
* فلا تجز عن من سنة أنت سرتها *
(5) التكملة من الذخيرة.
(6) هذا ما فى الذخيرة. وفى الأصل: «رومة». ورومة هذه: أرض بالمدينة فيها بئر رومة التى ابتاعها عثمان وتصدق بها.(1/313)
ألم تبلغك ضربة يزيد بعموده (1)، وخبر خالد بن يزيد فى أخدوده والرّاية المعلمة، والآية المحكمة، مسجد مسلمة (2).
ثم كم قائظة، غائظة، وصائفة، عليكم طائفة. ثم عطفوا مغرّبين، وللأرض مخرّبين، فما تركوا من الأعاجم عاجما، ولا ناجما، ولا بقّوا من البرابر غابرا، ولا عابرا، وساروا قدما يذبحون البرّ ذبحا، ويسبحون البحر سبحا، حتّى طرقكم طارقهم فى هذا الطّرف، ورشقكم راشقهم فى هذا الهدف، واقتحموا عليكم هذه البلاد فأوطئوها، وكأنما رموها بالحجارة فما أخطؤوها، فملكوا أرضكم بساحتيها، وأحاطوا بها من ناحيتيها.
وضمّوا جناحيكم إلى القلب ضمّة ... تموت الخوافى تحتها والقوادم (3)
فما تعرّضك لقوم سلكوا بلادكم، واستعبدوا أولادكم. ثم إنّهم حين قدروا، غفروا، ووضعوا الإتاوة على جماجم، الأعاجم، والمرسوم فى براجم، السّلاجم (4)
فلا يحضرون العشّار، إلا بالعثار، ولا يشهدون الأسواق، إلا بالأطواق، فإن
__________
(1) كان يزيد بن معاوية قد حاصر القسطنطينية وهو ولى عهد وذلك فى سنة 49 أو 50وأبلى بلاء حسنا فى إغارته. ولعل ذكر «الضربة بالعمود» إشارة إلى حادثة تاريخية معينة فى تلك الحرب.
(2) مسلمة بن عبد الملك ابن مروان بنى مسجد القسطنطينية فى أيام أخيه الوليد. وقد اطلعنى الأخ الثقة الدكتور جمال الدين الشيال على نص هام لابن واصل فى (مفرج الكروب) الذى يقوم بتحقيقه ونشره: جاء فى الورقة 402من مخطوطة باريس رقم 1702: «وذكر أن سبب بناية هذا الجامع المذكور، فى كتاب تذكرة ابن حمدون، أنه بنى فى سنة ست وتسعين للهجرة، ووقع الصلح مع الروم على أن يبنى بالقسطنطينية جامع فبنى، فلما طالت مدته جعلوه حبسا. وقال غيره: إن الصلح تقرر بين المسلمين والروم على أن يبنى جامع على قدر جلد بعير، وتقررت الأيمان على ذلك، فلما استقر الحال عمد المسلمون إلى جلد بعير فقدوه نسورا ومدوها، فأنكر الروم ذلك، فقالوا المسلمون: إن هذا جلد بعير مازدنا عليه شيئا وقع الاتفاق عليه، فسكتوا. وقيل إن بانيه مسلمة بن عبد الملك بن مروان فى أيام أخيه الوليد». وانظر الروضتين لأبى شامة 2: 160والسلوك تحقيق الدكتور زيادة 1: 472.
(3) أصل البيت للمتنبى. ديوانه 2: 271. وقد غيره ليتساوق به الكلام. وإنشاده «ضممت جناحيهم على القلب ضمة».
(4) السلجم: الطويل من الرجال. فى الذخيرة: «العلاجم».(1/314)
دخلتم فى الدّين قطعت أستاهكم (1)، وإن خرجتم منه أخذت التى فيها شفاهكم (2)، وكنت أنت من رذايا، تلك السّبايا، ومن عبايا، تلك الخبايا (3)، ومن خطايا، تلك العطايا، فلا تحرد حرد المقهور، ولا تضجر ضجر المبهور، ولا تحنق حنق الأسير [على القدّ (4)]، ولا تغضب غضب المستقى على العدّ (5)، ولا بأس عليك فقبلك قصروا الأمم، وهصروا القمم، وهم أبكار الزمان، وأفكار الأوان، لهم العرب العاربة، ومنهم عاد الغالبة، ذات (6) الأحلام السّداد، والأجسام الشّداد، وإرم ذات العماد، التى لم يخلق مثلها فى البلاد، ومنهم لقمان صاحب النسور، وبانى القصور، ومنهم ثمود الذين جابوا الصّخر بالواد، ونحتوا البيوت فى الأطواد، والعمالقة والفراعنة أنتم لها أكّارون، وحربة عكّارون، والتبابعة، والمرابعة (7)، وذو القرنين صاحب السّدّ، وشمر مخرّب سمرقند، قال الله تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ}، فضربهم مثلا فى الجلالة، ولهم الملوك من حمير والمقاول [من كهلان (8)]:
كانوا سماء الورى قبل النبىّ وهم ... لما أتى الحقّ فيهم أنجم زهر (9)
سموا بملكهم قبل الهدى وسموا ... مع الهدى فهم آووا وهم نصروا
__________
(1) كناية عن الختان.
(2) كناية عن الرءوس. فى الأصل: «أخذت الذى فيه»، وفى الذخيرة: «أخذت التى فيه»، كلاهما محرف عما أثبت.
(3) عبايا: جمع عبيئة، وهو الشىء المعبأ. وهذا ما فى الذخيرة. وفى الأصل:
«غبايا». والخبايا. جمع خبيئة وهو ما خبىء. فى الأصل: «الحمايا»، صوابه فى الذخيرة.
(4) التكملة من الذخيرة. والقد: السير يشد به الأسير.
(5) هذا الصواب من الذخيرة. وفى الأصل: «غضب الأسير على القد». والعد، بالكسر: الماء الدائم الذى له مادة لا انقطاع لها، مثل ماء العين وماء البئر. وغضب المستقى عليه غاية فى الحمق.
(6) الذخيرة: «ذوات».
(7) كذا وردت فى النسختين.
(8) التكملة من الذخيرة.
(9) فى الأصل: «لما أتى الخلق»:(1/315)
ولاة، علاة، سماة، [حماة (1)]، لهم العلوّ والعلاء (2) وفيهم العباهلة والأذواء.
هـ الأنف فى وجه الزّمان ومجدهم ... على صفحات الدّهر ليس بجلمد (3)
وسدّوا على يأجوج لما تتابعت ... على العين فى قطر من العين مبعد
ترى كلّ معطوف الوشاحين أخمص ... على كلّ مخطوف الجناحين أجرد
فمن أمرد فى السلم فى حلم أشيب ... ومن أشيب فى الحرب فى جهل أمرد (4)
بأيديهم البيض الرّقاق كأنّها ... جداول ماء الموت قيل لها اجمدى
فأين حصاتك من جبالهم، أم أين سفاتك من نبالهم (5).
(وفى فصل)، وعلام جثثت أصلك من الأنباط، وأزحت فصلك عن الأقباط (6)، ما كان ذنبهم إليك، وجنايتهم عليك، حتى أخرجتهم عن جملة الأعاجم، ونفيتهم عن جملة أصحاب التراجم (7)، بسبب كريمتهم، ومن أجل شريفتهم، لتسبّ العرب بولادة من تعلّق بك، وتشبّث بنسبك. أما علمت أنّ أحمق أفعالك، وأخرق أقوالك، سبّك عدوّك بولادة امرأة من أهلك، أما هذا من جهلك.
__________
(1) التكملة من الذخيرة.
(2) الذخيرة: «الغلا والغلواء».
(3) هذا ما فى الذخيرة. وفى الأصل: «وهم على صفحات الدهر نفس تخلد».
(4) هذا ما فى الذخيرة. وفى الأصل: «فى ثوب أمرد».
(5) السفاة: واحدة السفى، وهو الشوك. فى الأصل: «صفاتك»، وفى الذخيرة:
«سماتك»، والوجه ما أثبت.
(6) ناظر إلى قولهم: «لا أصل له ولا فصل»، أى لا حسب له ولا لسان. انظر اللسان (أصل). وفى الأصل: «نضلك»، وفى الذخيرة: «فضلك».
(7) التراجم: جمع ترجمان، وكان الملوك الفرس والروم تراجم. فى الأصل: «البراجم»، وما أثبت من الذخيرة.(1/316)
ولما قال ابن فضالة (1) فى ابن الزّبير:
ومالى حين أقطع ذات عرق ... إلى ابن الكاهليّة من معاد (2)
قال ابن الزّبير: لو علم لى أمّا هى شرّ من عمّته لسبّنى بها ونسبنى إليها! أفلا ترى كيف غلب عليه، وسقط (3) شعره فيه؟! وحاشا لمن كنّا فى ذكره بل لها الشّرف الأرتع، والسّناء الأمتع (4). هذا على اتّصال نسبك برومان، فإن كنت من ولد كنعان، فما أبعد دارك، وأشحط مزارك، وأطمس آثارك.
وأمّا الخيل فسامح العرب بركوبها ووثوبها، وخلّ بينهم وبين عيوبها، فلا حظّ لك ولا لأصحابك فيها. عليكم بالبراذين المحذّفة (5)، والكوادن الموكفة، الخيل حرث العرب وحصادها، وعدّتها وأرصادها، وإنّك لتعلم أنّ خيلهم أشهر من ملوككم (6) أسماء وألقابا، وأظهر من نسولكم أنسابا وأعقابا. قالوا: بنات أعوج، وآل الوجيه ولا حق، وبنات العسجدى، وآل ذى العقّال، وداحس والغبراء، والجرادة والحنفاء (7)، والنّعامة والشّمّاء، وحافل والشقراء، [والزّعفران
__________
(1) هو عبد الله بن فضالة بن شريك الأسدى. الأغانى (10: 162). على أن الشعر ينسب أيضا إلى عبد الله بن الزبير (بفتح الزاى) يقوله فى عبد الله بن الزبير (بضم الزاى).
زهر الآداب (2: 164) وخزانة الأدب (2: 100).
(2) الكاهلية هى زهراء بنت خثراء، من بنى كاهل بن أسد، وهى أم خويلد بن أسد بن عبد العزى، كما فى الخزانة والأغانى.
(3) الذخيرة: «حتى سقط».
(4) يقال متع النهار متوعا: ارتفع وطال. الذخيرة: «الأمنع» بالنون.
(5) المحذفة: المقطوعة الأذناب. فى الأصل: «المجدفة»، وفى الذخيرة: «المخرفة» والوجه ما أثبت.
(6) فى الأصل: «من أسماء ملوككم».
(7) الكلمة مبيض لها فى الأصل، وهى فى الذخيرة: «الحيفان»، والوجه ما أثبت.
انظر القاموس واللسان (حنف) والخيل لابن الكلبى 9وابن الأعرابى 70والمخصص (6:
196) ونهاية الأرب (10: 41) والعمدة (3: 182). وهى أخت داحس لأبيه.(1/317)
والحرون، ومكنون والبطين والصريح وقرزل، والعصا (1)]. وأسماؤها كثيرة وألقابها شهيرة، ولعلّك أن تذكر لنا من خيل آبائك الأوّلين، وأفراس أفراقك الأقدمين (2)، فرسا مشهورا، وفارسا مذكورا. ولو كنت فاخرت العرب بنصب الدّواليب، وعطف الكلاليب، وغرس الأشجار، فى الأحجار، وقطع ما عظم من العيدان، وعمل العلاة والسّندان، رضينا، وسلّمنا. فأما نحر (3) الليل، بآذان الخيل، وطىّ الفلاة، بأيدى اليعملات، وشنّ الغارات، وطلب الثارات، فلا عليك أن تخلّى بينهم وبين شصائصهم (4)، وألّا تنازعهم فى خصائصهم، فإنّها إليهم أقرب، وهم بها أدرب، وهى بهم أليق وأعلق، [وهم إليها أسبق (5)] يركبون إلى الحرب، فى ثياب الشّرب، ويعتنقون الفوارس، كما يعتنقون الأوانس.
(وفى فصل): وما عبت من قوم ينزلون البراح، ويشربون القراح، ويرفعون العماد، ويعظمون الرّماد:
الموقدون بنجد نار بادية ... لا يحضرون وفقد العزّ فى الحضر (6)
إذا همى القطر شبّتها عبيدهم ... تحت الغمائم للسّارين بالقطر
__________
(1) التكملة من الذخيرة. على أنه ينقص الكلام تتمة هذه السجعة ولعلها «وتحجل» انظر اللسان والصحاح والقاموس (حجل) وديوان لبيد 36فينا 1881. يقول لبيد:
تكاثر قرزل والجون فيها ... وتحجل والنعامة والخبال
وقرزل جاءت محرفة فى أصلها: «قرن»، والوجه ما أثبت. انظر الخيل لابن الكلبى 27وابن الأعرابى 75ونهاية الأرب (10: 41) والعمدة (2: 182) والحماسة بشرح المرزوقى 1494.
(2) أفراق: جمع فرق، وهذه جمع فرقة.
(3) الذخيرة: «بحر» وهى صحيحة. والبحر: الشق.
(4) فى الأصل: «فلا على». الشصائص: الشدائد، يقال: نفى الله عنك الشصائص.
(5) التكملة من الذخيرة.
(6) الأبيات لأبى العلاء فى سقط الزند. انظر الشروح 142.(1/318)
وما أدرى من أين كان فقد الأحطاب لو فقدوها مثلبة [وليست معدودة فى حسب، ولا نسب (1)]. ولقد اهتديت إلى طريفة، وانتهيت إلى لطيفة (2)، فسبحان الله ما أصدق حسّك، وأسبق حدسك، تدقّقت وترقّقت، حتى توثّقت وتحققت، لا ولكنك تعمّقت حتى تحمّقت. فإن كان الأمر كما ذكرت، فأين غضى نجد وقلّامه، وأين رنده وبشامه، وأين غربه ونبعه، وأين سلمه وسلعه، وأين العنم والعلجان، وأين السّاسم والبان، وأين الشّيزى والأثأب، وأين الرّنف والشّوحط (3)، وكيف عرفوا دوح الكنهبل، ومساويك الإسحل، وكتاب النّبات يشهد عليك، بما فيه من الأيك.
(وفى فصل): وكيف استجزت على فضلك الباهر، وشرفك بزعمك الظاهر، أن تستعين على فخرك بخلاف الحقّ (4)، وتلجأ فى تهوّرك إلى غير الصّدق (5)، هل كان النّعمان إلّا ملك أملاك، وشمس أفلاك، أصله عريق، وفرعه وريق، نزل الحيرة، وأنتم له جيرة، ملك شهم، من لدن مالك بن فهم، له سقى الفرات يجبى خراجه (6)، ويستعبد أعلاجه، فكفا كم العرب جمعاء، من جلّق إلى صنعاء، يذبّ عنكم بماله، واحتماله، بعد عقد موكد، وعهد منكم مؤبّد، وأجارت العرب من أجار. وأغارت على من أغار (7)، وحسنت حال الفرس بمكانه، وعزّت بلطانه، فلمّا شمخ على أعلاجكم، وامتنع من زواجكم،
__________
(1) التكملة من الذخيرة.
(2) الكلام بعده إلى «كما ذكرت» ساقط من الذخيرة.
(3) عدم اطراد السجع هنا يشعر بسقط. والكلام بعده إلى نهاية هذه الفقرة ساقط من الذخيرة.
(4) هذا ما فى الذخيرة. وفى الأصل: «بغير الحق».
(5) هذا ما فى الذخيرة. وفى الأصل: «قهرك».
(6) هذا ما فى الذخيرة. وفى الأصل: «سقيا». و «يجنى» كذا وردت بالنون فى الأصل، والأوفق «يجبى» بالباء، وفى الذخيرة: «يسى».
(7) هذا ما فى الذخيرة. وفى الأصل: «وأغارت ما أغار».(1/319)
وقال لباغى السّواد، عليك ببقر السّواد، استزرتموه، فغدرتموه (1)، فكيف رأيتم غضب العرب لثارها، وطلبها لأوتارها، ألم تصدمكم بذى قار، صدمة ذى احتقار، فأدركت فيكم رضى الرحمن، وأخذت بثأر النّعمان، وطحطحت بنى ساسان وآل كاسان، ولم تقم للفرس بعدها قائمة، ولا رعت لها سائمة. ولم تزل فى قواصف تتقاذف، وعواصف تترادف، حتى تمم الله آفتها، واستأصل الإسلام شأفتها. وأمّا آل غسّان فالشرف الأقدم، والبناء الذى لا يهدم، سالت من بلادها حين سال سيل العرم جائلة، وساحت من أرضها جافلة (2)، هاجرة لأعطانها، نافرة عن أوطانها، وجاورت الحجاز وهبطت الشّام (3) فوجدت بلادا ريفا، خريفا (4)، ورجالا جوفا، عجوفا (5)، لا يحمون، ولا يحتمون، فقالت: غنيمة باردة، وبهيمة فاردة، فنزلت الزّوراء، والغوطة الزّهراء.
وجالت على الجولان ثم تصيّدت ... مناها بصيداء الذى عند حارب (6)
فألقت عصاها واستقرّت بها النّوى ... كما قرّ عينا بالإياب مسافر (7)
على رغم أنوفكم، وقطع شنوفكم، وولجوا خدوركم، على غيظ صدوركم.
وما بقيا علىّ تركتمانى ... ولكن خفتما صرد النّبال (8)
فقلتم قضيّة كريمة، ونعمة عميمة، وسور له باب، [باطنه (9)] فيه الرحمة
__________
(1) يقال غدره وغدر به، إذا نقض عهده. الذخيرة: «شردتموه فقررتموه».
(2) فى الأصل: «وساخت» والذخيرة: «سالت»، والوجه ما أثبت.
(3) انظر العمدة (2: 178177).
(4) الذخيرة: «حريفا».
(5) هذه الكلمة ساقطة من الذخيرة.
(6) حارب: موضع من أعمال دمشق.
(7) البيت لمعقر بن حمار البارقى، أو عبد ربه السلمى، أو سليم بن ثمامة الحنفى. اللسان (عصا). ونسبه الجاحظ فى البيان (3: 40) إلى المضرس الأسدى. الذخيرة: «استقر» و «المسافر».
(8) للعين المنقرى يهجو جريرا والفرزدق. اللسان (صرد).
(9) التكملة من الذخيرة.(1/320)
وظاهره من قبله العذاب، لا يستكفّ الغرب، إلا بالغرب، ولا يقطع الحديد إلا بالحديد، ودفع الشّر بالشر أحزم. فمتى أدّوا إليكم الإتاوة، وحملوا لكم الإداوة (1)، وهم يحمونكم حمى القروم أشوالها، ويمنعونكم منع الأسود أشبالها.
أم تراكم تركتم لهم الشام رعيا لذمامهم، وصلة لأرحامهم!!
(وفى فصل): وفخرت بالرياضيّة والأرضيّة، صدقت ونبت عنّى فى الجواب.
هى كالرياض سريعة الذيول، كثيرة الجفول، زهر مشرق، ونور مطرق، لا ثمر، ولا كثر (2).
وهل فى الرياض لمستمتع ... سوى أن يرى حسن أزهارها
وكالأرض الأريضة، ذات العرصة العريصة، لابناء فيحلّ، ولا سماء فيظلّ (3)، يدفن فيها الأموات، وتخمد فيها الأصوات.
وأما الاسترلوميقى الهندسية (4) فعلم عملى مبنى على التقاسيم، والتراسيم، وكله آلات، للحالات، وأدوات، للذوات، ومساحات، للساحات، وأمداد، للأعداد، وفى أفانين، القوانين، ليس فيها معنى من تحصيل دقائق الفصول، ولا تفصيل حقائق المحصول، فأهلها عمّال ممتهنون، وبأشكالها مرتهنون، والعرب بعيدة من المهنة، نافرة من الخدمة. ومن قولكم أنّ قسم العلم أفضل من قسم العمل فهى إذن أرذل القسمين، وأسقط العلمين.
والجومطريقى علم الهيئات، والطّوالع وكورها، وجنسها ذو نوعين (5)، وبابه على مصراعين، القضايا، وليست وصايا (6). أما الأوّلون فقسموها (7) على
__________
(1) الذخيرة: «وأملوا».
(2) الكثر، بالفتح وبالتحريك: طلع النخل. وفى الحديث: «لا قطع فى ثمر ولا كثر».
(3) السماء مؤنثة، وإذا ذكرت عنوابها السقف. اللسان (سما).
(4) انظر ما سبق فى ص 251.
(5) هذا ما فى الذخيرة. وفى الأصل: «وجسمها فذو نوعين».
(6) هذا ما فى الذخيرة. وفى الأصل: «وليست برضايا».
(7) الذخيرة: «فبنوها».(1/321)
أنّ الطوالع مدبرة مقبلة، وهى أصول فاسدة، وسوق كاسدة. وقال آخرون: هى كالعيافة، والزّجر والقيافة. وهذا باب مسلّم للعرب لهم فيه اليد الطّولى، والمنزلة الأولى، لهم السّوانح والبوارح، والقواعد والنّواطح (1)، وعندهم الأيامن والأشائم، والأواقى والحواتم، وغير ذلك من التمائم والرتائم، وفيهم من لا يعتمده ولا يرتصده، وفى أشعارهم (2) شواهد على ذلك. وأما الكهانة فكانت فيهم فاشية، ولهم غاشية، وقد سمعت بشقّ وسطيح، وزرقاء اليمامة وطليحة الأسدى، ومسيلمة الحنفى، والأسود العنسىّ، وزهير بن جناب الكلبى، وأفعى نجران، وحازى غطفان (3) فلما جاءت الدّيانة، بطلت الكهانة، ولمّا نزل القرآن، زجر الشّيطان.
وكذلك الدّرجة الأخرى، فالعرب بها أحقّ وأحرى، وهى معرفة الشهور والأيّام، وحساب الدّهور والأعوام، والأفلاك وأدراكها، والأبراج وأدراجها، والنيّرات وتعاورها، والدّرارى وتغاورها (4)، عرفوا السّماء ومعائشها، والأرض وحشائشها، ووصفوا الطّوالع والغوارب، ورتّبوا الثوابت وأنواءها، والنّوائب وأدواءها، والأزمنة وأهواءها، فلا ينجم نجم إلّا سمّته، ولا ينبت نبت إلا وسمته، ولا عيش فى سائر الأقطار، إلا بضامن الأمطار (5)، كما لا ثبات للحيوان إلّا بالنبات، فقد عرفوا إذن طريقى الحياة، ووصفوا فريقى النّجاة، وما سوى ذلك فضل، ليس فيه فضل.
__________
(1) جمع قاعد وناطح، ويقال أيضا قعيد ونطيح. فالقعيد: ما أتاك من ورائك من ظبى أو طائر، يتطير منه، بخلاف النطيح.
(2) فى الأصل: «ولا فى أشعارهم»، وكلمة «لا» مقحمة. وهذه الجملة ساقطة من الذخيرة.
(3) الحازى: الكاهن. وفى الأصل: «جازى»، صوابه فى الذخيرة. وانظر حواشى الحيوان (6: 204) والبيان (1: 290289).
(4) بدله فى الذخيرة: «الأعراب أدرى بها».
(5) الذخيرة: «بعابر الأمطار».(1/322)
وأما الطّبّ فجمعته العرب فى كلمتين معلومتين، ولفظتين محفوظتين، على رأيها فى الاقتصار، ومذهبها فى الاختصار، فقالت: «المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء»، وقال صلى الله عليه وسلم: «أصل كلّ داء البردة (1)»، وقالوا: «كل وأنت تشتهى، ودع وأنت تشتهى»، فجمعوا الطبّ بأظافيره، والصلاح بحذافيره، وإذا فتشت أصول سقراط، وتبيّنت فصول بقراط، لم تجد مستزادا مستجادا، ولا مسترادا مستفادا، وليست هذه الأمور مما ينفرد بها أفرادهم، ولا يخصّ بها آحادهم، بل ينطق بها صغارهم وكبارهم، ويعرفه نساؤهم، ويهتف به إماؤهم، وأشعارهم بذلك ناطقة، وأخبارهم عنه صادقة، ما تلوا فيه متلوّا، ولا قروا به مقروّا (2)، لكنّها الطّباع الصافية، والقرائح الكافية، والغرائز السليمة، والنّحائز الكريمة، تلتقط الحكم من مخاطباتهم، وتسير الأمثال من مجاوباتهم، على منهاج واحد من الفصاحة فى المحاورة، والمشاورة، وعلى طريقة واحدة من البلاغة فى المسالمة، والمراغمة، والمواجزة، مع المناجزة، ولا يتعلّمون ولا يتأمّلون، بل يرسلون الحكم إرسالا، ويبعثون الفطن أرسالا. والموسيقى علم اللّحون [فما (3)] بالعجم إليه حاجة مجحفة، وضرورة معجّفة، لعجز (4) طباعهم عن الأوزان، وقلّة اتّساعهم فى الميدان (5)، لأنّ لغاتهم قليلة، وقواهم كليلة، لا تستجيب إلّا بوسائط، ولا تستقلّ إلا ببساثط، ليس عندهم شعر موزون، ولا كلام مرصون، ولغة العرب واسعة العبارات، ناصعة الإشارات، لها الشّعر الموزون، والنّظم المكنون، والكلام المنثور،
__________
(1) البردة، بالتحريك: التخمة، لأنها تبرد المعدة فلا تنضج الطعام.
(2) الذخيرة: «ولا قرءوا فيه مقروا».
(3) التكملة من الذخيرة.
(4) الذخيرة: «لنبو».
(5) هذا ما فى الذخيرة. وفى الأصل: «الميزان».(1/323)
والسّجع المأثور، والرّجز المشطور، والمزدوج المبتور، ولعبيدها فى ذلك كله اللّحون الشجيّات، المطربات، والتغايل؟؟؟ وال؟؟؟ ايل (1)، والأهزاج والأرمال، وغير ذلك من الأعمال، كالرّكبانى والأعرابى، والنّصبىّ (2) والمدنىّ، والثقيل الثانى، وعمود المدنى، والماخورىّ والسّريجى (3)، وخفيف المدنى، وهى كثيرة، أثيرة، نسى معها الأرغن (4) والسلمان (5) والصّنج (6) والكنكلة (7) والفندورة (8)
والقيثارة (9)، فلا يعرفن ولا يؤلفن.
وما أظنّ معبدا والغريض وأصحابهما قرءوا قطّ موسيقى، ولا سمعوا منطيقا.
__________
(1) كذا بالإهمال فى الأصل. وفى الذخيرة: «والتهاليل والتغاليل».
(2) النصبى: ضرب من الغناء. وفى الأغانى (5: 173) فى أخبار أحمد النصيبى:
«النصيبى هو صاحب الأنصاب وأول من غنى بها، وعنه أخذ النصب فى الغناء». فى الأصل:
«المنصبى» مع إهمال النون والباء، صوابه فى الذخيرة.
(3) الماخورى هو خفيف الثقيل الثانى، وهو نقرتان خفيفتان ثم واحدة ثقيلة. مفاتيح العلوم 141. وورد بكثرة فى أغانى أبى الفرج. انظر منها (5: 21، 58) طبع دار الكتب.
والسريجى: نسبة إلى سريج المغنى. والكلام بعده إلى «الشليان» ساقط من الذخيرة.
(4) الأرغن: آلة موسيقية هى باليونانية: «أرجن» أو أرجنون معجم استينجاس 38. وفى مفاتيح العلوم للخوارزمى 136 «الأرغانون: آلة لليونانيين والروم، تعمل من ثلاثة زقاق كبار من جلود الجواميس، يضم بعضها إلى بعض ويركب على رأس الزق الأوسط زق كبير، ثم يركب على هذا الزق أنابيب صفر، لها ثقب على نسب معلومة يخرج منها أصوات طيبة مطربة مشجية، على ما يريده المستعمل». ونحوه فى كشف الظنون فى رسم (الموسيقى)، ونسب كاتب جلبى صنعته إلى «أرسطو». وانظر ابن النديم 377 حيث ذكر الأرغنن البوقى، والأرغنن الزمرى.
(5) كذا. وفى مفاتيح العلوم 136: «الشلياق: آلة ذات أوتار لليونانيين والروم تشبه الجنك».
(6) الصنج: آلة وترية، وهى بالفارسية «چنگ». مفاتيح العلوم 137ومعجم استينجاس. وفى الأصل «الصلح» بدون إعجام. وفى الذخيرة: «الضبخ»، صوابه ما أثبت.
(7) فى معجم استينجاس أن «كنكر» اسم آلة موسيقية تستعمل فى الهند. وفى الذخيرة: «الكبكلة».
(8) وردت الكلمة فى الأصل مهملة. وفى الذخيرة: «الفيدورة».
(9) الكلمة مهملة فى الأصل. وفى الذخيرة: «الفشارة». والفيثارة: معرب من:
اليونانية.(1/324)
فاعرض إن شئت ألحانهم المطبوعة، على أوزانكم المصنوعة، فأظهر غلطهم فى التنغّم، وخطأهم فى التّرنّم.
على أنّه من العلم المذموم روى فى الحديث: «إنّ أول من غنّى وناح إبليس حين أكل آدم من الشجرة». قيل: وهو أوّل من عمل الطنبور، فلا مرحبا بعلم إبليس اللعين فيه الأستاذ.
وقد كان منهم من إذا غنّى ثنت الوحش أجيادها، وفارقت اعتيادها، وعطفت خدودها، وتركت شرودها، مصغية إليه، مقبلة عليه، فإذا قطع عاودت نفارها، وطلبت أوكارها. هذا فعل الأوابد، والوحوش الشوارد، فما ظنّك بالقلوب الرقيقة، والفطن الرّشيقة. ولقد ألّف الإسلاميّون فى الأغانى، وما يتّصل بها من المعانى، ما إن نظرت بميز وحكمت بعدل، وقفت (1) على الفضل، فى هذا الفصل، ولم تحوجك العصبية، والنّفس الغضبيّة، إلى شهادة الزّور، والجور المأزور.
وأما الأنوطيقى واللوطيقى (2) فهناك جاءت الأحموقى، والأخروقى، وظهر عجز القوم وبان أنّهم أغمار، ليس فيهم إلّا حمار (3)، وضلّ سعيهم فى الحياة الدنيا لمّا وصلوا إلى حيث تنفرد العقول (4) بنظرها، والبصائر بفكرها، فمنهم الدّهرية أنكروا العقول، والعلم المنقول، ولدّليل والمدلول، وهم يبصرون تعاقب الأضداد وتعاور الكون والفساد، ومنهم الطبيعيون وهم أيدى سبا (5)، وفرق شتّى، قوم يقولون: العالم من أصلين: هوأئىّ وأرضىّ، فجمعوا بين الرّاسب والطافى،
__________
(1) فى الأصل: «ووقفت»، صوابه فى الذخيرة.
(2) فى الذخيرة: «الأنلوطيقى والطوميقا». وانظر ما سبق فى ص 251.
(3) الذخيرة: «أنهم أعجاز، ليس فيهم إلا جماز».
(4) الكلام بعده إلى «العقول» التالية ساقط من الذخيرة.
(5) الذخيرة: «أيادى سبا».(1/325)
والكدر والصافى (1). ومنهم من قال إنّ العناصر أربعة هى بسائط للمركّبات، فقضوا بائتلاف المتضادّات، وتركيب المتحادّات (2).
فإن قيل: كيف صارت متظافرة، وهى متنافرة، [وغدت متجاورة، وهى متغاورة، وإذا كانت تتهارج، كيف تتمازج (3)]، أم كيف يمتزج الصاعد بالراكد، ويلتبس الحارّ بالبارد؟ قالوا: جمعها جامع، وقمعها قامع، بطبعه لا باختياره، وفعله لا باقتداره، وهذا غاية المحال، ونهاية الاختلال، لأنّه لابد أن يكون الخامس مثلها أو مثل بعضها، أو مخالفا لكلّها، فإن كان مثلها أو مثل بعضها فلا حاجة بها إليه مع وجود مثله، وإن كان مخالفا لسائرها فلا بد من سادس لتغايرها، ثم كذلك إلى غير غاية.
قال صاحب الكتاب (4): وبيّن أبو الطيب بطلان كلامهم (5) فى احتجاج طويل، تركته تخفيفا للتثقيل (6). ثم قال:
وأمّا أصحاب الطوالع، وعبّاد المطالع، فاختلفوا فى الهيئة أيضا على جهات، ووصفوها بصفات، لا سيّما المنجّمين، وهم فنون، فى الجنون، يقولون فلك الأفلاك، ودرك الأدراك، والفلك الأثير، وهذيان كثير، وعبدوا الشّمس وسجدوا للنّار والكواكب وهم يرون آثار النّقص فيها، ودلائل الحدث تعتريها، من طلوع وأفول، ويزعمون أنّها تتغاير وتتمانع، وتتكاسف
__________
(1) بعده فى الذخيرة: «ذهب بقوله أبو الطيب:
تبخل أيدينا بأرواحنا ... على زمان هن من كسبه
فهذه الأرواح من جنده ... وهذه الأجسام من تربه».
(2) التحاد: التخالف والتنازع.
(3) التكملة من الذخيرة، وقد بيض لها فى الأصل. وفى نسخة الذخيرة: «متعاورة» وإنما هى «متغاورة» أى متعادية يغير بعضها على بعض.
(4) هو ابن بسام صاحب كتاب الذخيرة. انظر التقديم ص 231.
(5) الذخيرة: «قولهم».
(6) فى الذخيرة: «أضربنا عنه تركا وتخفيفا للتطويل».(1/326)
وتتخاسف، وكلّ بصاع هذا التخليط، من هذه الأغاليط، لا يعرفون رشدا، ولا يهتدون قصدا.
هذا مقدار عقول حكمائك، ونهاية آراء علمائك، وهذا قليل من كثير هذيانهم، وأوار من عوار غليانهم. فإن قلت: فإنّ العرب أيضا كانت تعبد الأصنام؟ فنحن ما أحمدنا لك دينها، ولا رضينا يقينها، بل نعلم أنّ من قال منها بالإشراك، فقد قصّر فى الإدراك، وهى على كلّ حال تذكر الله تعالى، كما قال عزّ وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللََّهُ} وقالوا: {مََا نَعْبُدُهُمْ إِلََّا لِيُقَرِّبُونََا إِلَى اللََّهِ زُلْفى ََ}. وكثير من يقرّ بالبعث والجزاء. ويعترف بالحشر واللقاء. وكان منهم من رغب عن عبادة الأوثان. وتفرّقوا فى الأديان، فكانت حمير على دين موسى، وكان بنو الدّيّان وأهل نجران وتغلب وغسّان على دين عيسى، وكانت فيهم الملّة الحنيفية الإسلامية، والشّريعة الإبراهيمية، ومن أهلها كان قسّ بن ساعدة الإيادىّ، وورقة بن نوفل الأسدىّ، وزيد بن عمرو بن بنى عدى (1)، وقتلته الرّوم لذلك (2). وقد قيل، فى خالد بن سنان ما قيل (3).
وكان أبو كرب الحميرىّ (4) أحد التبابعة قد آمن برسول الله عليه السلام، قبل مبعثه بسبع مائة عام، وقال:
__________
(1) هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤى. السيرة 143جوتنجن.
(2) الذى فى السيرة 149أن بنى لخم الذين قتلوه. فقد يكون ذلك بإيعاز من الروم.
(3) فى الحيوان (4: 476): «أحد بنى مخزوم، من بنى قطيعة بن عبس، ولم يكن فى بنى إسماعيل بنى قبله، وهو الذى أطفأ الله به نار الحرتين». وانظر بقية خبره فى الحيوان وحواشيه ومروج الذهب (1: 67).
(4) سماه فى مروج الذهب «أسعد أبو كرب». وفى التيجان 294أنه تبان أسعد أبو كرب. ومثله فى السيرة 12. وفى العمدة (2: 176) «تبع بن كليكرب، وهو أبو كرب تبع الأوسط».(1/327)
شهدت على أحمد أنّه ... رسول من الله بارى النّسم (1)
فلو مدّ عمرى إلى عمره ... لكنت وزيرا له وابن عم
وقد ذكر بعض أهل المقالات أنّ عبد المطلب بن هاشم كان من المهتدين فى الدّين، واستدلّ بأنه أجيب لمّا سأل (2)، وسقى حين ابتهل، وذكر سيف ابن ذى يزن، وحزن على فوته أشدّ الحزن، وأكد له العهود، وحذّره عليه اليهود (3).
ولمّا دعوا دخلوا فى الدّين أفواجا، وأتوه أزواجا، إلّا من أدركته النّفاسة، وحبّ الرياسة، وسبقت عليه الشّقوة، وورم أنفه من النّخوة، كأبى جهل ابن هشام، وعامر بن الطّفيل، وأميّة بن أبى الصلت وغيرهم.
وقال معاوية فى كلام له مشهور: فما كان إلا كغرار العين حتّى جاء نبىّ لم يسمع الأوّلون بمثله، ولا سمع الآخرون به، ولقد كنّا نفخر بذكره على من نطرأ عليه (4) [ويطرأ علينا (5)] وإنا لنكذّبه، ونتبجح بذكره وإنا لنحاربه».
هذه لمع من أمور الجاهلية، وطرف من مفاخر الأوّليّة، إن أنصفت نفسك، أو صدّقت حسّك، عرفت أين يقع منها مفاخروها (6)، وهل يشقّ غبارها مجاروها (7).
__________
(1) البيتان فى المراجع المتقدمة. وزاد المسعودى فى بعض نسخة:
وألزم طاعته كل من ... على الأرض من عرب أو عجم
(2) سأل الله حماية البيت من الحبشان. السيرة 3734.
(3) يشير إلى قول سيف بن ذى يزن لعبد المطلب حين وفد عليه لتهنئته: «والبيت ذى الحجب، والعلامات على النصب، إنك يا عبد المطلب، لجده غير الكذب، فاحفظ ابنك واحذر عليه من اليهود فإنهم له عدى ولولا أن الموت مجتاحى قبل مبعثه لسرت بخيلى ورجلى حتى أصير بيثرب دار مملكته». التيجان 309.
(4) فى الأصل: «يطرأ عليه»، والصواب من الذخيرة.
(5) التكملة من الذخيرة.
(6) فى الأصل: «مفاخرها»، صوابه فى الذخيرة.
(7) فى الأصل: «مجاورها»، صوابه فى الذخيرة.(1/328)
(وفى فصل). وما تصنع إذا نشرت الكمائن، ونثرت الكنائن، وقرعتك القوارع، وفرعتك الفوارع (1)، وماست رايات السّيادة، وخفقت ألوية السّعادة، وطلعت عليك طوالع النبوّة فى أبّهة الجلال والجمال، وسماحة (2)
العزّ والكمال، وقيل لك: هذا سيّد ولد آدم أوّلهم وآخرهم، خاتم الأنبياء، وقاتل الأغبياء أشهد أنّ الله لم يجعل محمدا هاشميا إلا وهاشم خير قريش، ولا قرشيا إلا وهم خير مضر، ولا مضريا إلا وهم خير العرب، ولا عربيا إلا وهم خير الأمم لهم كعبة الله، وولادة إسماعيل، ودعوة إبراهيم، وإليهم مهاجر هود وصالح وشعيب وأتباعهم من المؤمنين، وأشياعهم من الموقنين فيهم كان حمامهم، وعندهم دفنت رمامهم، لا كثنائك (3) الذى أسررت فيه حسوا فى ارتغاء، ودفعا فى ابتغاء، وكشفت فيه ضبابك، عن ضبابك (4)، وهتكت أستارك، عن ابتسارك (5)، وظننت أنّ مخالطك، تخفى معالطك (6)، وأنّ مدحك، يستر قدحك حين مدحت مدحا بجليّا (7)، وأثنيت ثناء دخليا (8)، ولم يمدح من ذمّت
__________
(1) هذه الجملة ساقطة من الذخيرة.
(2) فى الأصل: «شماخة»، وأثبت ما فى الذخيرة.
(3) فى الأصل: «لاكتنانك»، وفى الذخيرة «لاكساءك»، والوجه فيهما ما أثبت.
(4) فى الذخيرة: «وكشفت فيه ضحابك»، صوابه فى الأصل. والضباب، بالكسر:
جمع ضب، وهو الحقد والعداوة. قال:
فما زالت رقاك تسل ضغنى ... وتخرج من مكامنها ضبابى
وفى الأصل: «ضيائك»، صوابه فى الذخيرة.
(5) الابتسار: أن يؤخذ الشىء غضا طريا. فى الأصل: «من استارك» وفى الذخيرة:
«من ايتسارك»، ووجههما ما أثبت.
(6) المعالط: جمع معلط، من العلطة، وهو السمة يوسم بها.
(7) إشارة إلى قول عويف القوافى فى مدح جرير بن عبد الله البجلى:
لولا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى وبئست القبيله
انظر الأغانى (14: 107/ 19: 14).
(8) الدخل، بالتحريك: العيب والغش والفساد. وفى الأصل: «وخليا»، والذخيرة:
«وجليا»، صوابهما ما أثبت.(1/329)
قبائله (1)، ولم يثبت من جذّت حبائله. أجعلت ويلك تبره فى الرّغام، بل الرّغام لأنفك، والرّعام لوجهك (2). لقد أخللت بنفسك وزلّت قدمك، وأحللت بعقدك وقد حلّ دمك. ولو صح اعتقادك، لصحّ انتقادك، ولو خاص باطنك، لأقصر باطلك، ولو اصطلمت، ما ظلمت، ولو اخترصت، ما وفى بما اجترمت (3).
سمع عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه بعض كاتبيه، وعيّر بنصرانية أبيه، فضرب لنفسه مثلا يجلّ عنه، ويرتفع عن قدره، فقال له عمر. أو قد قلتها، والله لا تشرب البارد بعدها! وأمر به فضربت عنقه.
فأمّا إذا أغفل ولاة الأمر تأديبك، وتأديب الكافّة بك فأحلّوا تأنيبك، وتأنيب السّفهاء مثلك، فتب إلى الله توبة تهديك، وتنحيك. وعلى أنك خلف، من ذلك السّلف، رأيك فيه رأى أهلك، وفرعك جار على أصلك، إلّا أنّ السيف قهرك، والدّين قسرك، وأخذك حكم الدّار، وخوف البدار، فأنت تشرق بريقك، وتغصّ برحيقك، ولا بدّ للمصدور أن ينفث، وللمبهور أن يغوّث (4):
ولا بدّ للماء فى مرجل ... على النّار موقدة أن يفورا (5)
كمل التقييد والحمد لله كثيرا (6).
__________
(1) سبقه بنحو هذه العبارة محمد بن سلام. الأغانى 19: 14.
(2) الرعام بالضم: المخاط.
(3) هذا ما فى الذخيرة. وفى الأصل: «لو فى بما اجترمت».
(4) غوث تغويثا: قال: وا غوثاه.
(5) الذخيرة: «مسعرة».
(6) هذه صورة ما ورد فى ختام الأصل من مجموعة الإسكوريال.(1/330)
نوادر المخطوطات 4
بتحقيق عبد السلام هارون المجموعة الرّابعة وقد ألحق بها (الفهارس العامة) للمجلد الأول 15رسالة فى شرى الرقيق وتقليب العبيد، لابن بطلان.
16 - هداية المريد، فى شراء العبيد، لمحمد الغزالى.
الطبعة الثانية 1393هـ 1973م
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر محمد محمود الحلبى وشركاه خلفاء(1/331)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
تقديم
هذه هى المجموعة الرابعة من (نوادر المخطوطات)، وهى تضفى بيانا تاريخيا على ناحية من نواحى الحياة الاجتماعية التى عاشتها أجيال شتى على جنبات هذه الدنيا. وهى وثيقة ناريخية للباحثين فى حضارة أسلافنا العرب وأسلافنا المصريين، نعرضها مبسوطة فى هذين الكتابين النادرين وقد اقتضانا موضوعهما أن نمهد لهما بكلمة فى تاريخ الرق فى العصور القديمة، ثم فى العصور الحديثة.
كلمة فى الرق والرقيق
الرقيق كلمة مأخوذة من الرق، وهو الملك والعبودية، يقال رقّ العبد وأرقّه واسترقّه: فهو مرقوق ومرقّ، ورقيق، ومرجع معناه إلى القدر المعنوى المشترك فى هذه المادة، وهى الضعف والخفة. كما أن العبد مأخوذ من العبودية، وهى الخضوع والطاعة. و «الرقيق» من الألفاظ التى تقال للواحد وللجميع، فالعبد رقيق، والعبيد رقيق أيضا.
الرق عند قدماء المصريين:
لم يكن نظام الرق مما ابتدع الإسلام، وإنما كان نظاما يسود الأمم القديمة، عرفه المصريون واستخدموا الرقيق، ولا سيما فى قصور ملوكهم وبيوت كهانهم ورجال الحرب. وكانت الأمة ترفع أحيانا عندهم إلى مقام الزوجة، وكان من شريعتهم أن من قتل الرقيق يقتل فيه (1).
__________
(1) انظر الرق فى الإسلام لأحمد شفيق باشا بترجمة أحمد زكى باشا ص 9.(1/333)
عند الأسيويين:
وكان كذلك عند الهنود، وكانوا يسومون الرقيق سوء العذاب، ووضعت شريعتهم القديمة عقابا قاسيا للجرائم التى ترتكبها طبقة (السودرا) التى يؤخذ منها الرقيق (دازا).
وكذلك عرفه الأشوريون والإيرانيون والصينيون وكان الصينى يضطر أحيانا لبيع نفسه أو أولاده لكى يعيش.
عند الإسرائيليين:
وعرفه الإسرائيليون، فكانوا يبيعون الفقراء ويملكونهم (1). وكما كان الفقر من مبررات الرق كانت السرقة كذلك من مبرراته، فمن ثبتت عليه السرقة بيع بسرقته (2).
ودينهم يوصى بحسن معاملة الرقيق، بل يضرب أجلا مقداره ست سنوات للعبد العبرانى يقضيها فى خدمة مولاه ثم يضحى بعدها حرا طليقا (3).
وإذا ضرب إنسان عين عبده أو عين أمته يطلقه حرا عوضا عن عينه، وإن أسقط سن عبده أو سن أمته يطلقه حرا عوضا عن سنه (4).
عند اليونان:
وأما اليونان فكانوا كذلك يقتنون العبيد والجوارى، وكان أرسطو يقول بأن الرق نظام مطابق للطبيعة (5). وكان يعرّف الرقيق بأنه آلة ذات روح، أو متاع
__________
(1) لاويين 25: 39، 40و 5547.
(2) خروج 22: 31.
(3) خروج 21: 2وتثنية 15: 12.
(4) خروج 21: 2726.
(5) القانون الرومانى للدكتور محمد عبد المنعم بدر ص 9.(1/334)
قائمة به الحياة (1). وأرسطو نفسه كان له غلمان وقيان، جاء فى وصيته عند ما حضرته الوفاة (2):
«والعناية بما ينبغى أن يعنوا به من أمر أهل بيتى وأرباس خادمى، وسائر جوارىّ وعبيدى».
وهو يأمر بعتق بعض جواريه يعد موته: «ولتعتق جاريتى أمار قيس، وإن هى بعد العتق أقامت على الخدمة لا بنتى إلى أن تتزوج فليدفع إليها خمسمائة درخمى (3) وجاريتها، ويدفع إلى ثاليس الصبية التى ملكناها قريبا غلام من مماليكنا وألف درخمى».
ويرى الاحتفاظ بغلمانه فيقول فى وصيته: «ولا يباع أحد من غلمانى ولكن يقرّون فى الخدمة إلى أن يدركوا مدرك الرجال، فإذا بلغوا فليعتقوا».
عند الرومان:
أما الرومان فكانوا كذلك يؤيدون نظام الرقيق، بل يعتبره الخطيب الرومانى شيشرون: () نظاما ضروريا. وكذلك يذهب سينيك: () أحد فلاسفة الرومان إلى أن لا غضاضة فى الرق، فإن الحرية إنما هى حالة نفسانية من حالات الضمير، فالعبد إذا كان عاقلا يمكنه أن يعيش حرا فى الواقع، إذ العبد الحقيقى هو من كان طوع شهواته (4).
__________
(1) الرق فى الإسلام لأحمد شفيق 18.
(2) أخبار العلماء للقفطى 2625.
(3) هى الكلمة اليونانية التى جعلت فى العربية «درهم»، وقد اختلفت قيمة الدرهم الفضى باختلاف الأزمان والبلد، فكان يعادل ما يقرب من أربعين مليما مصريا وأربعين فلسا عراقيا. وكلمة «دراخمة» معناها قبضة لأنها كانت مساوية لقيمة قبضة من النقود الحديدية والنحاسية التى كان يستعملها عامة الشعب. وكانت قيمة الدراخمة الشرائية عالية جدا، حتى إن الرجل الذى يبلغ دخله خمسمائة دراخمة كان يعد من الأغنياء. النقود العربية للأب أنستاس 24، 88. هذا، وقد جرى العرف عند فقهائنا المحدثين أن يقدروا الدرهم بخمسة وعشرين مليما أو فلسا عراقيا.
(4) انظر القانون الرومانى ص 9.(1/335)
وأصل نشأة الرق عندهم مبنى على المبدإ الذى كان متبعا فى الحروب القديمة التى وقعت فى العصور البدائية، إذ كان الناس فى أول الأمر يقتلون أعداءهم إن ظفروا بهم، إذ لم يكونوا يستطيعون استخدامهم بطريقة مأمونة منظمة، ولكن بتحضر الإنسان، واستيطانه لأرض معينة يقوم بزراعتها ورعى ماشيتها، شعر بحاجته إلى استخدام هؤلاء الأعداء فى الزراعة والرعى بدلا من قتلهم، مكان الرق.
فالسبب الرئيسى للرق عند الرومان هو الأسر فى الحروب، وكذلك الولادة من المرأة المملوكة ولو كان رجلها حرا.
والرومانى لا يمكن أن يصير رقيقا فى نفس البلدة التى عاش فيها حرا، فالرومانى الذى يصير رقيقا لابد أن يكون تسليمه خارج روما، إما بحكم القاضى أو بوساطة الشخص الذى يخوله القانون حق بيعه. فللقاضى أن يبيع خارج روما الرومانى الذى لم يقيد اسمه فى قوائم التعداد، أو الذى يهرب من الحرب أو التجنيد.
وللأب أن يبيع أولاده خارج روما باعتبارهم أرقاء. وللدائن أن ببيع مدينه المعسر خارج روما. وللمسروق منه إذا ضبط السارق متلبسا بالجريمة أن يبيعه كذلك. وللقاضى أن يسلم الرومانى الذى اعتدى على دولة أجنبية موالية لروما.
هذا ما كان متبعا فى العصر الجمهورى. أما فى العصر الإمبراطورى فقد ألغى نظام استرقاق الشخص الرومانى بالمسوغات السابقة إلا فى حال السرقة واستبدل بها مسوغات أخرى، هى أن يتواطأ الشخص مع غيره أن يبيعه على أنه رقيق حتى إذا تمت الصفقة استرد حريته وقاسم شريكه الثمن، ففى هذه الحالة يحرم حريته ويصير رقيقا حقّا، وكذلك المحكوم عليهم بالإعدام أو بالأشغال الشاقة أو بمنازلة الأسود، يضرب عليهم الرق وتظهر ثمرة ذلك بالنسبة لورثتهم فإنهم يحرمون من ميراثهم الذى أصبح ملكا للامبراطورية. كما أجاز القانون أن يسترق المعتق معتوقه بعد عتقه، ولا عبرة بجحود هذا الأخير.
ومع ذلك أوصت القوانين الرومانية بحماية الرقيق من سوء معاملة السيد (1).
__________
(1) انظر القانون الرومانى ص 16.(1/336)
وكان هناك ضرب من العبيد يسمى «عبيد الحراثة» وهم عبيد الأرض، وهؤلاء يعدون أحسن العبيد حالا عندهم، يتمتعون بحقوق لا يتمتع بها غيرهم (1).
عند الأوربيين:
وكذلك كثر الرقيق فى أوربا القديمة عند الأمم المتبربرة وعند الغاليين والجرمانيين الذين بلغ من ولوعهم بالميسر أن يقامروا على نسائهم وأولادهم، بل على حربتهم الشخصية (2). وكذا الفرنج واللومبارديون والأنجلوسكسون.
ومما يجدر ذكره أن من أوائل الدول الأوربية التى حرمت الرقيق الدنمرك إذ صدر بها قانون سنة 1792يحرم تجارة الرقيق منذ سنة 1802وأصدر الإنجليز قانون تحريمه سنة 1807 (3). وفرنسا ألغت نظامه بعد ثورتها فى فبراير سنة 1848 (4).
عند العرب:
وأما العرب فى جاهليتهم فكانوا فى أعقاب الغزو يستحوذ الغالب منهم على رجال المغلوب ونسائه ويتخذ منهم الرقيق. ونجد فى الشعر الجاهلى العبد والعبيد والعبدان، والأمة والإماء والإموان، والسباء.
وفى أسد الغابة (5) أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من قضاعة وأمه من طيىء، فأصابه فى الجاهلية سباء، لأن أمه خرجت تزور قومها بنى معن فأغارت عليهم خيل بنى القين بن جسر فأخذوا زيدا فقدموا به سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد. وقد وهبته خديجة لرسول الله فأعتقه.
وكان للعرب كذلك رقيق من الأمم الأخرى ممن حرره الإسلام فيما بعد، ومن أشهر هؤلاء الموالى بلال الحبشى، وسلمان الفارسى.
وأجاز الإسلام فى أول الأمر استرقاق المسلمين للعرب الذين يؤسرون فى
__________
(1) انظر (أعجب ما كان، فى الرق عند الرومان) للزعيم مصطفى كامل ص 1918.
(2) الرق فى الإسلام ص 31.
(3) انظر:
(4) الرق فى الإسلام ص 48.
(5) أسد الغابة 2: 224.(1/337)
الغزوات، كالذى كان فى غزوة بنى المصطلق وهم عرب من خزاعة يروى ابن هشام (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب منهم سبيا كثيرا فشا قسمه بين المسلمين، وأن جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار زوج رسول الله كانت فيمن قدسبى، ووقعت فى القسمة فى سهم ثابت بن قيس بن الشماس أو ابن عم له، فكاتبها على نفسها، فأتت رسول الله تستعينه فى ذلك فقال لها: هل لك فى خير من ذلك؟
أقضى عنك كتابتك وأتزوجك. قالت: نعم يا رسول الله. وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله قد تزوج جويرية. فقال الناس: أصهار رسول الله! وأرسلوا ما بأيديهم. قالت عائشة: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بنى المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها.
ولكن ذلك لم يدم طويلا، إذ حتم الإسلام فيما بعد ألا يقبل من عربى إلا إحدى اثنتين: إما الإسلام وإما القتل (2).
وبذلك اقتصر أمر الرقيق فى الإسلام على وقوع الكفار من غير العرب أسرى فى أيدى المسلمين عند الحرب، أو عند سقوط بلادهم المفتوحة عنوة فى أيدى المسلمين فيجوز للإمام أن يسترقهم، ويجوز له أن يضع الجزية على رءوسهم (3)، يختار من ذلك ما يراه فى مصلحة المسلمين.
وهذا الرقيق يعد فى جملة المغانم الحربية، شأنه شأنها، ينقلها الإمام إلى دار الإسلام ويقسمها أخماسا، فخمس للفقراء والمساكين وسائر وجوه البر، وسائر الأخماس تقسم على المقاتلة، للفارس سهمان أو ثلاثة على خلاف بين الفقهاء (4)
وللراجل سهم واحد.
وبانتشار الفتوح الإسلامية كثر الرقيق المجتلب من البلاد المفتوحة كثرة ظاهرة، وصار من الميسور أن تجد الرقيق فى كل بيت، حتى كان الزبير بن العوام
__________
(1) السيرة 729جوتنجن.
(2) جاء فى حاشية ابن عابدين 3: 316: الطبعة الأولى «إلا مشركى العرب والمرتدين فإنهم لا يسترقون، ولا يكونون ذمة لنا، بل إما الإسلام أو السيف».
(3) فتح القدير 4: 306305والدر المختار بهامش ابن عابدين 3: 416الطبعة الأولى.
(4) فتح القدير 4: 320الطبعة الأولى.(1/338)
فيما يروى المسعودى (1) مستوليا على ألف عبد وأمة. ويبدو أن كثيرا من هذه المماليك قد آلت إلى ولده عبد الله الذى طالبه أعداؤه بأن يعتقهم فقال (2):
«وأما عتق مماليكى فو الله لوددت أنه قد استتب لى أمرى ثم لم أملك مملوكا أبدا».
وهذا يفسّر لنا حرص كثير من الرؤساء على حيازة العبيد.
والرقيق متاع مملوك مثله مثل عروض التجارة، لمالكه أن يبيعه وأن يهبه، وللسيد أن يستمتع بأمته ويستولدها، فإذا ولدت منه كان ابنها ولده، وسميت هى أم ولد له، وبقيت فى رقها، ولكن لا يجوز له أن يبيعها ما دام حيا، فإذا مات صارت حرة لا سلطان لأحد عليها، وأبناؤها منه أحرار من يوم يولدون.
والسرارى حل للرجل بملك اليمين يتسرى منهن من شاء ولو بلغن ألفا أو أكثر فى العد، ما كنّ صاحبات دين سماوى.
وللرجل أن يتزوج الجارية بعقد النكاح فى حدود الزوجات الأربع والدين السماوى، إذا كانت مملوكة لغيره، لا يمنع من ذلك العقد إلا أن يكون متزوجا قبلها بحرة فى عصمته أو ما تزال فى عدة الطلاق، فقد نهى الحديث أن تنكح الأمة على الحرة (3).
وليس للسيد أن يتزوج أمته، لأن ملك الرقبة يفيد ملك المنفعة وإباحة البضع فلا يجتمع معه عقد أضعف منه (4).
فنظام الرق فى الإسلام نظام اختيارى يقابله نظام الجزية.
وقد وضع بجانب نظام الرق نظام آخر فى مصلحة الرقيق، هو نظام الكفارات التى من بينها عتق العبيد، كما أوصى الإسلام فيما أوصى بحسن معاملة الرقيق.
ففى صحيح البخارى (5): «لا يقل أحدكم عبدى أمتى وليقل فتاى وفتاتى وغلامى».
__________
(1) مروج الذهب 2: 342.
(2) تاريخ الطبرى 7: 94.
(3) فتح القدير 2: 277الطبعة الأولى.
(4) المغنى لابن قدامة 6: 610.
(5) انظر فتح البارى 5: 131الطبعة الأولى.(1/339)
وفيه أيضا عن المعرور (1) قال: «لقيت أباذر بالرّبذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك فقال: إنى ساببت رجلا فعيرته بأمه فقال لى النبى صلى الله عليه وسلم: يا أباذر، أعيرته بأمه! إنك امرؤ فيك جاهلية، (إخوانكم خولكم) جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم».
وقد زخرت كتب التشريع الإسلامى ببحث مسائل الرقيق ومشاكله الواقعية والافتراضية جميعا.
الرقيق فى العصر الحديث:
وقد وجد العصر الحديث أن أمر الرقيق قد أسرف فيه، واعتراه كثير من الخلط والفوضى، وأن أبصار النخاسين قد اتجهت إلى اجتلابه بشتى الوسائل التى لا تمت إلى الشرع بسبب، فبيعت فى أسواق النخاسة بنات الأسر المسلمات واختطفت كريمة قومها لتنالها يد السرىّ القادر، فأحفظ ذلك بعض الولاة فى مصر وفى غيرها، ووافق ذلك تكاتف الدول الأوربية على أن تقضى على تجارة الرقيق فى بلادها ومستعمرانها الإفريقية والأسيوية، وبذل بعضها فى ذلك المال لتعويض ملاك الرقيق يقول الرافعى (2): «اعتبر ذلك فى أن الحكومة الإنجليزية حينما قررت إبطال الرقيق فى أملاكها خصصت عدة ملايين من الجنيهات لتعويض موالى الأرقاء المحررين».
ويذكر الرافعى أن الاتجار بالرقيق منع من عهد محمد على، «ولكن هذا المنع لم يكن إلا اسميا، وبقيت تجارة الرقيق فى السودان قائمة إلى عهد سعيد باشا بعين الحكومة وبصرها، وبتأييد موظفيها، وكان يتولاها تجار أقوياء لهم بيوت تجارية كبيرة تتجر فى حاصلات السودان وفى الرقيق، وتربح من كل ذلك الأرباح الطائلة، وكان تجار الرقيق لما لهم من النفوذ والسطوة والمال يقيمون فى مختلف
__________
(1) انظر فتح البارى 1: 80/ 5: 126.
(2) عصر إسماعيل لعبد الرحمن الرافعى 1: 136.(1/340)
الجهات معاقل حصينة اتخذوها مراكز للتجارة واصطياد الرقيق، فلما تبوأ إسماعيل عرش مصر اعتزم أن ينضم إلى حركة العاملين على تحرير الأرقاء فى أنحاء العالم وأن يكسب ثناء الإنسانية فى مقاومة الرقيق، وبذل جهودا كبيرة فى هذا السبيل (1)».
وكان لاهتمام الوالى أثره فى ضبط سبعين سفينة مشحونة بالأرقاء بين كاكا وفاشودة أطلق سراحهم، واعتقل التجار الذين جلبوهم ولم يفرج عنهم إلا بعد تعهد بعدم العودة إلى ذلك. كما كان لاحتلال فاشودة سنة 1865أثر كبير فى سد طريق النيل فى وجه نجار الرقيق الذين كانوا يقتنصون الأرقاء فى جهات بحر الغزال وخط الاستواء ويشحنونهم فى السفن.
أما العبيد المملوكين قبل صدور هذا الأمر فقد وضع لهم تشريع يخولهم الحق فى التحرير إذا ثبت أن السيد أساء معاملتهم (2).
ويأخذ الرافعى على إسماعيل بعض الأخطاء فى تنفيذ هذا الأمر: منها أنه لم يفكر فى تعويض تجار الرقيق، وكانوا تجارا أفوياء لهم أنصار لا يستهان بهم، فضلا عن أن الأيدى العاملة فى الزراعة ورعى الماشية وغير ذلك كان معظمها من الرقيق هذا إلى أن الخديوى قد جعل على رآسة مقاومة الرقيق جماعة من الأجانب منهم السير صمويل بيكر، وغردون الذى لم يقترن اسمه إلا بمحاربة الاتجار بالرقيق (3) فاستثار وجودهم عواطف الأهلين الدينية، فاستهدفت الحكومة لعداء طبقة كبيرة من أعيان السودان وتجاره، مما ظهر أثره فى نجاح دعوة المهدى فى أوائل عهد توفيق، إذ انضم إلى الثورة تجار الرقيق فى السودان (4).
هذا هو الرقيق فى موجز تاريخه، ومع ذلك فلا تزال تجارة الرقيق قائمة فى إفريقية.
وفى العدد 1530من المصور الصادر فى أول جمادى الآخرة 1373خلاصة تقرير يقع فى 200صفحة لعالمين من علماء الاجتماع هما «جاك آلان» و «جورج هيرالد» قضيا فى تتبع عصابات الرقيق أربعة أعوام. وفيه من المآسى ما ينطق بقسوة الأوربيين من تجار الرقيق وفظائعهم التى يرتكبونها فى هذه القارة البائسة.
__________
(1) عصر إسماعيل 1: 134.
(2) عصر إسماعيل 1: 135.
(3) عصر إسماعيل 1: 163.
(4) عصر إسماعيل 1: 136.(1/341)
وهذه عجالة لم نستطع فيها أن نستقصى القول فى الرقيق الذى كان فى بعض العصور نصف الدنيا، وكان له فى الحياة العربية أثر بالغ فى النواحى الحضارية والعلمية والأدبية والفنية. وحفظ لنا أبو الفرج الأصفهانى فى تضاعيف أغانيه وثائق شتى فيما يتعلق بالرقيق، كما زخرت كتب الأدب والتاريخ القديمة بذكر آثارهم وأخبارهم. وتناول الكتاب المحدثون فى أبحاثهم هؤلاء الرقيق من جوانب شتى أذكر منها فجر الإسلام وضحاه للدكتور أحمد أمين، والرقيق فى الإسلام لأحمد شفيق (باشا) وضعه بالفرنسية وترجمه أحمد زكى (باشا)، ومنها الفصول التى كتبها الرافعى فى (عصر إسماعيل)، وكتاب الدكتور محمد فؤاد شكرى (الخديو إسماعيل والرقيق فى السودان) وضعه باللغة الإنجليزية وكتبت دائرة المعارف البريطانية فصلا ضافيا فى الرق (). وللزعيم المغفور له مصطفى كامل كتيب فى الرق ألفه عند ما كان طالبا بمدرسة الحقوق، سماه «أعجب ما كان، فى الرق عند الرومان»، طبع بمطبعة المحروسة سنة 1310فى عشرين صفحة.
ابن بطلان وكتابه
ابن بطلان:
هو أبو الحسن المختار بن الحسن بن عبدون بن سعدون الطبيب البغدادى المعروف بابن بطلان.
ويبدو أن اسمه الكنسى هو «يوانيس» كما ورد ذلك بخطه فى نص نقله ابن أبى أصيبعة (1).
ويذكر القفطى (2) نظيرا لذلك فى ترجمة صاعد بن هبة الله، قال: «كان اسمه أيضا مارى، وهو من أسماء الكنيسة عند النصارى فإنهم يسمون أولادهم عند الولادة بأسماء فإذا عمدوهم سموهم عند المعمودية باسم من أسماء الصالحين».
أخذ علمه فى العراق على أبى الفرج عبد الله بن الطيب المتوفى سنة 435،
__________
(1) طبقات الأطباء لابن أبى أصيبعة.
(2) إخبار العلماء 145.(1/342)
وكان عالما بالمنطق والحكمة والطب، وفيه يقول ابن بطلان (1): «وشيخنا أبو الفرج عبد الله بن الطيب بقى عشرين سنة فى تفسير ما بعد الطبيعة، ومرض من الفكر فيه مرضة كاد يلفظ نفسه فيها». وكان أبو الفرج يجل تلميذه ابن بطلان ويعظمه، وبقدمه على تلاميذه ويكرمه (2).
ولازم أيضا أبا الحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحرانى الصابى المتوفى سنة 369وهو عم أبى إسحاق الصابى، وكان من أكبر الأطباء الحاذقين فى بغداد فانتفع به ابن بطلان فى صناعة الطب، وفى مزاولة أعمالها. وكانت صناعة الطب هى المهنة التى كان يرتزق منها ابن بطلان.
وعاش ابن بطلان حياته للعلم لم يتخذ امرأة ولا خلف ولدا. وفى ذلك يقول:
ولا أحد إن مت يبكى لميتتى ... سوى مجلسى فى الطب والكتب باكيا
رحلة ابن بطلان للقاء ابن رضوان:
كان ابن بطلان معاصرا لعلى بن رضوان الطبيب المصرى، وكان بينهما كما يقول ابن أبى أصيبعة مراسلات عجيبة وكتب بديعة غريبة، ولم يكن أحد منهما يؤلف كتابا ولا يبتدع رأيا إلا ويرد عليه الآخر ويسفه رأيه. قال: وقد رأيت أشياء من المراسلات التى كانت فيما بينهم ووقائع بعضهم فى بعض.
فصح عزم ابن بطلان فى مستهل رمضان سنة 440أن يخرج إلى لقائه فى مصر، استجابة لما أملته عليه المنافسة، فخرج عن بغداد إلى الجزيرة والموصل وديار بكر، ودخل (حلب) وأقام بها مدة أحسن إليه فيها معز الدولة ثمال بن صالح وأكرمه إكراما كبيرا.
ويروى لنا القفطى حياته فى حلب، أنه لما دخل إليها تقدم عند المستولى عليها وسأله رد أمر النصارى فى عبادتهم إليه، فولاه ذلك وأخذ فى إقامة القوانين
__________
(1) القفطى فى إخبار العلماء 151، 198.
(2) القفطى 192.(1/343)
الدينية على أصولهم وشروطهم فكرهوه. وكان بحلب رجل كاتب طبيب نصرانى يعرف بالحكيم أبى الخير بن شرارة، وكان إذا اجتمع به وناظره فى أمر الطب يستطيل عليه ابن بطلان بما عنده من التقاسيم المنطقية فيقطع فى يده، وإذا خرج عنه حمله الغيظ على الوقيعة فيه، ويحمل عليه نصارى حلب الذين هجوه هجاء اضطر معه إلى فراقهم.
خرج ابن بطلان عن حلب إلى (أنطاكية)، ثم إلى (اللاذقية)، وقد وصف هذه البلدان التى مربها وصفا ناقدا عجيبا فى كتاب كتبه إلى الرئيس هلال ابن المحسن (1) ثم أتم رحلته إلى مصر فدخل (الفسطاط) فى سنة 441وأقام بها ثلاث سنين وذلك فى دولة المستنصر بالله من الخلفاء الفاطميين، وجرت بين الرجلين وقائع كثيرة ونوادر ظريفة لا تخلو من فائدة وقد ضمن ابن بطلان تلك الحوادث والمحاورات رسالة بعث بها إليه بعد خروجه من مصر، وقد حفظ لنا القفطى هذه الرسالة فى كتابه (2)، ونشرها يوسف شاخت وما كس ما يرهوف سنة 1937.
وقد اتسع نطلق المناظرة بين الرجلين حينا فخرج من حدود المناظرة العلمية إلى حد المهاترات الشخصية، فيذكر ابن أبى أصيبعة أن ابن رضوان كان أسود اللون ولم يكن بالجميل الصورة، وكان يناضل عن نفسه من هذه الجهة حتى ألف مقالة يرد بها على من عيره بقبح الخلقة، بين فيها «أن الطبيب الفاضل لا يجب أن يكون وجهه جميلا». فانتهزها ابن بطلان فرصة له فوقع فيه، وكان يلقبه «تمساح الجن»، وقال فيه:
فلما تبدى للقوابل وجهه ... نكصن على أعقابهن من الندم
وقلن وأخفين الكلام تسترا ... ألا ليتنا كنا تركناه فى الرحم!
ويعقد ابن أبى أصيبعة مقايسة علمية بينهما فيقول:
«كان ابن بطلان أعذب ألفاظا وأكثر ظرفا وأميز فى الأدب وما يتعلق به،
__________
(1) القفطى 195193.
(2) القفطى 207195.(1/344)
ومما يدل على ذلك ما ذكره فى رسالته التى وسمها بدعوة الأطباء. وكان ابن رضوان أطب وأعلم بالعلوم الحكمية وما يتعلق بها».
ويذكر صاحب النجوم الزاهرة (1) أن ابن رضوان «كان فية سعة خلق عند بحثه».
خاتمة ابن بطلان:
خرج ابن بطلان من مصر غاضبا على ابن رضوان ورجع إلى أنطاكية مرة أخرى فأقام بها ونزل بعض الديرة فيها وترهب منقطعا إلى العبادة إلى أن توفى بها (2) ودفن فى كنيستها.
فيذكر القفطى المتوفى سنة 656أنه توفى سنة 444وكذلك صنع ابن العبرى (3) المتوفى سنة 658على حين يذكر ابن أبى أصيبعة أنه قد اطلع على مخطوطات شتى لابن بطلان وفيها من التواريخ ما يشهد بأن حياته امتدت إلى سنة 455كما نقل عنه تسجيلات لوفيات أعيان العلماء الذين عاصروه، منهم الشريف المرتضى (436) والماوردى (450) وأبو الطيب الطبرى (450) ومهيار الديلمى (428) وأبو العلاء المعرى (449). وهذا مما يجعلنا نرجح أن وفاته كانت بعد التاريخ الذى ذكره القفطى بنحو عشر سنوات على الأقل.
آثاره العلمية:
يذكر المؤرخون له من الكتب غير كتابنا هذا:
1 - كناش الأديرة والرهبان، ذكر فيه الأمراض العارضة لرهبان
__________
(1) ابن تغرى بردى 5: 69.
(2) هذه رواية القفطى. ويذكر ابن أبى أصيبعة أنه سافر من مصر إلى القسطنطينية وأقام بها سنة. ويبدو أن رحلته إلى القسطنطينية كانت بعد ذلك، أى فى أثناء إقامته بأنطاكية إذ يسجل ابن أبى أصيبعة أنه ألف كتابا فى القسطنطينية سنة 450.
(3) تاريخ مختصر الدول 356طبع 1963.(1/345)
الأديرة ومن بعد من المدينة، كما جاء فى مقدمة كتاب الديارات للشابستى بتحقيق كوركيس عواد. ومنه نسخة بمكتبة الفاتيكان.
2 - تقويم الصحة، فى قوى الأغذية ودفع مضارها. نشرت ترجمة لاتينية له فى إستراسبورج سنة 1931وترجمة ألمانية فى إستراسبورج أيضا فى السنة التى تليها كما ورد فى دائرة المعارف الإسلامية، ومنه نسخة بالمتحف البريطانى وأخرى بالفاتيكان.
3 - مقالة فى شرب الدواء المسهل.
4 - مقالة فى كيفية دخول الغذاء فى البدن وهضمه وخروج فضلاته وسقى الأدوية المسهلة وتركيبها.
5 - مقالة إلى على بن رضوان عند وروده الفسطاط سنة 441جوابا عما كتبه إليه، وقد نشر فى (خمس رسائل) تحقيق يوسف شاخت وماكس ما يرهوف، مطبوعات كلية الآداب بالجامعة المصرية سنة 1937م.
6 - مقالة فى علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التى كانت تعالج قديما بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد، كالفالج واللقوة والاسترخاء وغيرها، ومخالفتهم فى ذلك لمسطور القدماء فى الكنانيش والأقربا ذينات وتدرجهم فى ذلك بالعراق وما والاها على استقبال سنة 377إلى سنة 455. صنفها بأنطاكية وكان قد أهّل لبناء بيمارستان أنطاكية.
7 - مقالة فى الاعتراض على من قال إن الفرخ أحر من الفروج بطريق منطقية، ألفها بالقاهرة سنة 441. وقد نشر فى مجموع (خمس رسائل).
8 - كتاب المدخل إلى الطب.
9 - كتاب دعوة الأطباء، صنفه على غرار (كليلة ودمنة) ألفه للأمير نصر الدولة أبى نصر أحمد بن مروان صاحب ميافارقين وديار بكر المتوفى سنة 453كما فى النجوم الزاهرة.
قال ابن أبى أصيبعة: «ونقلت من خط ابن بطلان، وهو يقول فى آخرها:
فرغت من نسخها أنا مصنفها يوانيس الطبيب المعروف بالمختار بن الحسن بن عبدون
بدير الملك المتنيح قسطنطين بظاهر القسطنطينية فى أواخر أيلول سنة 1365. هذا قوله ويكون ذلك بالتاريخ الإسلامى من سنة 450».(1/346)
فرغت من نسخها أنا مصنفها يوانيس الطبيب المعروف بالمختار بن الحسن بن عبدون
بدير الملك المتنيح قسطنطين بظاهر القسطنطينية فى أواخر أيلول سنة 1365. هذا قوله ويكون ذلك بالتاريخ الإسلامى من سنة 450».
وقد نشر هذا الكتاب الدكتور بشارة زلزل بالمطبعة الخديوية بالإسكندرية سنة 1901عن نسخة بمكتبته، وقد تصرف فيها بعض التصرف بحذف «عبارات لا يألفها ذوق الأدباء من أبناء هذا العصر!!» كما ذكر ذلك فى مقدمته.
10 - كتاب وقعة الأطباء.
11 - كتاب دعوة القسوس.
12 - مقالة فى مداواة صبى عرضت له حصاة.
علة تأليف لهذا الكتاب:
باتساع الرقعة الإسلامية واتساع جلب العبيد تبعا لذلك قامت تجارة الرقيق نافقة يتولاها النخاسون الذين سميت صناعتهم بالنخاسة (1) ويشرف على تجارتهم قيم يدعونه «قيم الرقيق» (2).
والرقيق كسائر السلع يرى المشترى أن يختار لنفسه منه، وأن يأمن جانب الغش والخدعة فيه، فى عالم غص بأجناس شتى من الأمم من الترك والأرمن والصقالبة والهند والزنج والبربر وغيرهم، ولكن السوق قاسية، والبائع محاول أن يتخلص مما فى يديه ولو سلك فى ذلك سبل الغش والخداع جميعا، لذلك قامت إلى جانب النخاسة مهنة أخرى هى مهنة «الدلالة» التى تكفى المشترى مؤونة الخبرة وتكفى البائع من جهة أخرى أن يبالغ فى تزبيف سلعته (3). وقد ذكر ابن بطلان رجلا اسمه «أبو عثمان» كان من هؤلاء الدلالين، ولكن الدلالة أو «السمسرة» بعبارة أخرى كان سلاحا ذا حدين نفاع وضرار.
__________
(1) النخاس يطلق فى الأصل على بائع الدواب، سمى بذلك لنخسه إياها حتى تنشط. وقد يسمى بائع الرقيق نخاسا. اللسان (نخس).
(2) الأغانى 20: 27وضحى الإسلام 1: 87.
(3) يذكر أحمد شفيق (باشا) فى كتابه الرق فى الإسلام عند الكلام على رق الرومان:
«وكانت العادة أن المشترى يطلب رؤية الأرقاء عراة تماما لأن بائعى الرقيق كانوا يستعملون وجوها كثيرة من المكر لإخفاء عيوب الرقيق الجثمانية». ولا تزال تلك العادة قائمة إلى الآن كما أخبرنا بذلك من شهد أسواق الرقيق.(1/347)
ثم إن الأغراض التى يقتنى لها العبيد والإماء مختلفة جدا، وهذه الأغراض لا تتحقق جميعها فى جنس واحد من أجناس العبيد، فالخدمة والطهى، والقيام على الخزائن والحراسة والقتال، وطلب الولد والإرضاع، والغناء والعزف، والاستمتاع والجمال، كلها أغراض يتحقق بعضها ممتازا فى بعض الأجناس ولا يكون فى الأخرى.
ثم إن للعوامل النفسية كالرغبة العاجلة فى الشراء، وهى رغبة تتجاوز عن كثير من السيئات، والعوامل الاقتصادية كوفرة الرقيق فى المواسم واغتنام تلك الفرصة لاستعمال طرق الغش والخداع، والعوامل الشخصية كأن يدس بين الرقيق من يتخذ من الأعداء عينا على سيده المنتظر فيفسد عليه أمره فيما بعد، وكذلك ما للعبد من ماض طيب أو سيىء، أن لكل أولئك وأمثالها آثارا شتى يجدر بالمشترى أن ينظر فيها طويلا وأن يحزم أمره بالتريث.
وهناك أخطاء كان يقع فيها السادة فيجنون مغباتها، هى الأخطاء الصحية والنفسية التى لا يتبينها إلا طبيب حاذق، عالم بالطب وعالم بالفراسة التى تتأدى من النظر فى الظاهر إلى معرفة الباطن: الباطن البدنى والباطن النفسى أيضا، فقد يشترى عبدا معلول الجسم أو معلول النفس وظاهره لمن لا يعرف بارع خداع.
كل أولئك حفز صاحبنا المتطبب «ابن بطلان» أن يضع كتابه هذا فى ذلك الموضوع الخطير فى تلك العهود التى كان الرقيق فيها جمعا هائلا له حسابه وله ميزانه.
مواد الكتاب:
وأقصد بذلك المنابع التى استقى منها ابن بطلان معارفه فى هذا الكتاب.
وهو قد صرح فى أول كتابه أنه اعتمد على رسائل معلم الإسكندر وغيره من العلماء والفلاسفة. وقد ظهر لى فى أثناء التحقيق أنه اعتمد فى باب الفراسة اعتمادا كليا على ما ورد فى كتاب «جمل أحكام الفراسة» لأبى بكر محمد بن زكريا الرازى المتوفى سنة 311يظهر ذلك من المطابقة التامة فى الألفاظ وفى نظام التأليف.
ولكن صاحبنا لم يظهر اسمه اكتفاء بما ورد مبهما فى قوله «من العلماء والفلاسفة».(1/348)
وهو قد صرح فى أول كتابه أنه اعتمد على رسائل معلم الإسكندر وغيره من العلماء والفلاسفة. وقد ظهر لى فى أثناء التحقيق أنه اعتمد فى باب الفراسة اعتمادا كليا على ما ورد فى كتاب «جمل أحكام الفراسة» لأبى بكر محمد بن زكريا الرازى المتوفى سنة 311يظهر ذلك من المطابقة التامة فى الألفاظ وفى نظام التأليف.
ولكن صاحبنا لم يظهر اسمه اكتفاء بما ورد مبهما فى قوله «من العلماء والفلاسفة».
التحقيق فى شراء الرقيق:
هو مخطوط قديم فى المكتبة التيمورية برقم 48فضائل ورذائل، مجهول المؤلف، خدم به مؤلفه اسم «الملك الصالح أبى المظفر أحمد بن الملك الظاهر أبى المظفر غازى بن الملك الناصر أبى المظفر يوسف بن أيوب بن شادى».
وقد اعتمد هذا الكتاب فى بيان خصائص الأجناس اعتمادا ظاهرا على ما ورد فى كتابنا هذا، وصرح فى بعض المواضع بالنقل عنه، كما فى ص 243، 252باسم ابن بطلان، وفى ص 39، 44باسم ابن عبدون، وكان بذلك معينا على تحقيق أو توضيح بعض ما ورد من نصوص كتابنا هذا محرفا أو مبهما.
نسخة الأصل:
هى نسخة جامعة القاهرة رقم 23327المصورة عن مخطوطة برلين رقم 4979 ومع أنها مجهولة التاريخ هى قديمة الخط، ولم أعثر على نسخة أخرى من هذا الكتاب بعد بذل جهد طويل.
وإليك الكتاب فى ضوء التحقيق.(1/349)
رسالة جامعة لفنون نافعة فى شرى الرقيق وتقليب العبيد
تأليف الشيخ أبى الحسن المختار بن الحسن بن عبدون البغدادى المتطبب
بسم الله الرّحمن الرّحيم رسالة جامعة لفنون نافعة فى شرى الرقيق وتقليب العبيد(1/351)
تأليف الشيخ أبى الحسن المختار بن الحسن بن عبدون البغدادى المتطبب
بسم الله الرّحمن الرّحيم رسالة جامعة لفنون نافعة فى شرى الرقيق وتقليب العبيد
يعلم منها الراغب فى هذا الشأن الأعضاء السّليمة من المؤوفة، والأخلاق الطّاهرة من الرديّة، وأىّ الإماء يصلحن للخدمة، وأيّهن للمتعة، وأىّ الأجناس عبيد طاعة وولاء، وأيّهم ذوى أنفة وحمية، وأيّهم لا يصلحه إلّا الكدّ والعصا فيختار من كلّ جنس ما يوافق غرضه، وينال به أربه، فإنّه يقال:
من أراد الجارية للّذة فليتّخذها بربرية، ومن أرادها خازنة وحافظة فروميّة، ومن أرادها للولد ففارسية، ومن أرادها للرضاع فزنجية، ومن أرادها للغناء فمكيّة.
ومن أراد العبيد لحفظ النفوس والأموال فالهند والنّوبة، ومن أرادهم للكدّ والخدمة فالزّنج والأرمن، ومن أرادهم للحرب والشجاعة فالتّرك والصقالبة.
هذا كلام جمعنا متشتّته ونظمنا منثوره من رسائل معلم الإسكندر (1) وغيره من العلماء والفلاسفة.
ومقالتنا هذه تشتمل على فنون خمسة:
الأول منها: فى وصايا ينتفع بها فى البيع والشّرى.
الثانى منها: فيما يتفقّد من أعضاء الرقيق بحسب ما يراه الأطباء.
__________
(1) يعنى أرسطو. قال القفطى فى أخبار العلماء: «وكان أرسطو طاليس معلم الإسكندر بن فيلبس ملك مقدونية، وبآدابه عمل فى سياسة رعيته وسيرة ملكه، وانقمع به الشرك فى بلاد اليونانيين، وظهر الخير وفاض العدل. والأرسطو طاليس إليه رسائل كثيرة معروفة مدونة».(1/352)
الثالث: فى معرفة أخلاق العبيد بقياس الفراسة على مذهب الفلاسفة.
الرابع: فى معرفة صور كلّ جنس وما يصلحون له من الأعمال بحسب خواصّ بلادهم والمنشأ.
الخامس فى كشف تلبيسات يدلّس بها النّخّاسون الرقيق على المشترى، يجرى مجرى الحسبة
ومن بعد تعديدنا لهذه النّوب نعقد بها جملة يخصمها (1) تفصيلها، ليسهل على القارئ مأخذها فيحيط علمه بها.
والله ولى المعونة والعصمة للقوّة البشرية، من كل خطل وزلّة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلىّ العظيم.
__________
(1) كذا وردت الكلمة مضبوطة فى الأصل. ومعنى يخصمها يغلبها.(1/353)
ما يحتاجه إلى معرفته من أحوال العبيد والإماء عند ابتياعهم وبيعهم
مبلغ ما يحتاجه إلى معرفته من أحوال العبيد والإماء عند ابتياعهم وبيعهم، من وصايا ينتفع بها فى البيع والشّرى منتزعة من كلام الحكماء.
ومن تفقّد أجسامهم وصحّة أعضائهم بحسب ما يراه الأطباء.
ومن تعرف أخلاقهم بقياس الفراسة على مذهب الفلاسفة.
ومن معرفة صور كل جنس وما يصلحون له من الأعمال، بحسب خواص بلادهم والمنشأ.
ومن كشف تلبيسات يدلّس بها النّخّاسون الرقيق على المشترى، يجرى مجرى الحسبة على ما بيّن من أحوال ذلك.
وهى عن خمسة أشياء ما (1):
[1]
فى وصايا ينتفع بها فى البيع والشّرى
منها الوصايا التى ينتفع بها فى شرى الرقيق على ما قاله الحكماء والفلاسفة، عشر وصايا، من ذلك ما يعم المماليك والإماء أربع وصايا:
شرحها: (الوصية الأوّلة (2)) ما أمروا أن يكون عليه (3) المستعرض عند التّقليب للشّرى، وما نهوا عنه من القطع بأوّل نظرة، قالوا: إنّ المستعرض لأمر مّا يجب ألّا يكون ذا فاقة إليه، فإن الجائع يستجيد كلّ طعام يشبعه (4)، والعريان يستوفق كلّ طمر يدفئه ويستره، وبحسب هذا قالوا: لا يستعرض
__________
(1) كذا وردت هذه العبارة.
(2) فى اللسان (وأل): «حكى ثعلب هن الأولات دخولا، والآخرات خروجا.
واحدتها الأولة والآخرة. ثم قال: ليس هذا أصل الباب، وإنما أصل الباب الأول والأولى كالأطول والطولى».
(3) فى الأصل: «عليها».
(4) فى كتاب التحقيق ص 13: «وقال الحكيم: الجائع مستجيد لكل طعام يشبعه».(1/354)
جارية شبق، فليس لمنغظ (1) رأى، لأنّه يقطع بأوّل نظرة، وأوّل نظرة سحر وللجديد وللغريب روعة فإذا صادف منه حاجة داعية قطع بما تكذّبه الحواسّ عند الاستغناء. ولهذا قيل: تكرير اللّحظ يخلق كلّ جدّة، ومعاودة التّقليب يظهر التصنّع، ويهرج التدليس.
(الوصية الثانية) ما حذّر منه القدماء قبل الشّرى قالوا: كن على حذر من شرى الرّقيق فى المواسم، ففى مثل تلك الأسواق يتم للنخاسين الحيل، فكم من قضيفة بيعت بخصبة (2)، وسمراء كمدة بيعت بصفراء مذهبة، وممسوح العجز بثقيل لروادف، وبطين بمجدول الحشا، وأبخر الفم بطيّب النكهة، وكم صفّروا البياض الحادث عن القروح فى العين، والبرص والبهق فى الجلد، وجعلوا العين الزّرقاء كحلاء، وكم من مرّة حمّروا الخدود المصفّرة، وسمّنوا الوجوه المقعقعة (3)، وكبّروا الفقاح الهزيلة، وأعدموا الخدود شعر اللّحى، وأكسبوا الشّعور الشّقر حالك السواد، وجعّدوا الشّعور السّبطة، وبيّضوا الوجوه المسمرّة، ودملجوا السّيقان المعرّقة (4)، ورطّلوا الشّعور الممرّطة، وأذهبوا آثار الجدرىّ والوشم والنّمش والحكّة.
ولكلّ من هذه أسباب يعرفها الأطبّاء قد أوردناها فى مقالتنا فى الحسبة، وسنورد منها فى الفن الخامس شذرة بحسب الحاجة.
وكم من مريض بيع بالصّحيح، وغلام بجارية، هذا زائد على ما يوصّون
__________
(1) فى الأصل: «لمغتبط». وما أثبت من الصواب يوافق ما فى التحقيق ص 14.
(2) القضيفة: النحيفة. فى الأصل «قصيفة».
(3) لعلها «المتقفعة».
(4) المعرقة: الضامرة القليلة اللحم. وفى اللسان: دملج جسمه دملجة، أى طوى طيا حتى أكثر لحمه.(1/355)
به الجوارى من دلّ ومجانة (1) على مسافرين شباب قد أحلّ لهم لحم الميتة، سوى ما يفعلنه من زينتهن بالخضاب والحنّاء، والملابس المصبّغة الناعمة.
سمعنا بعض النّخاسين يقول: «ربع درهم حنّاء يزيد فى ثمن الجارية مائة درهم فضة!».
والتحرز من هذا لا يكون فى موقف واحد، ولهذا قيل: اتّهم نظرك فيما استحسنته حتّى يكون الاستحسان دائما على صورة لا ينقصها تكرار النظر، وهذا لا يتمّ إلا فى دفعات، وعلى صفات مختلفات.
(الوصية الثالثة) ما نهى عنه من القطع بأوّل سمع من المماليك [و] الإماء.
قالوا: لا تقطع بأوّل لفظ من غلام أو جارية، فربّما جاءت بالاتفاق فوافقت منك قبولا لا يكون وراءها أمثالها فيتدلّس عليك بذلك مقابح مستورة ربّما جرى الأمر على خلاف ذلك. لكن كن إلى الريبة أميل منك فى هذا الشأن إلى الثّقة، وخذ بسوء الظّن تسلم.
(الوصية الرابعة) ما حذّر منه الرؤساء خاصّة. قالوا: ليحذر الرؤساء ممن له عدوّ يخشى منه غيلة، أو (2) يخاف أن يطلع له على سرّ شرى خادم أو جارية خاصة إن كانت كاتبة خرجت من دار سلطان، إلّا بعد خبرته بها، ولا شرى جارية مولّدة من تاجر أو جلّاب، فإنّ هذه حيلة قدهلك بها جماعة من الملوك والرؤساء.
ومن ذلك ما يختص بشرى المماليك خاصّة، ثلاث وصايا، شرحها:
(الأوّلة) ما حظر على المشترى من ابتياع مملوك قد مرن على الضّرب
__________
(1) فى الأصل: «ما يوصوا به الجوارى من ذل ومجانة». والمجانة: مصدر مجن يمجن مجونا ومجانة، وهو ألا يبالى ما صنع.
(2) فى الأصل: «أن».(1/356)
والخصومة. قالوا: لا تشتر مملوكا كان مولاه يكثر ضربه، ولا تترك المسألة عن مالك المملوك، وعن سبب بيعه. واستعلم ذلك قبل ابتياعه، من المملوك وغيره، ففى هذا الفحص فوائد كثيرة، فى ارتباطه، أو تسريحه وتركه.
(الثانية) مأخوذة من جرأة المملوك على ذمّ مولاه، وتنقّصه له، أو امتعاضه من ذمّه وقلّة احتفاله به، وهل سبب بيعه من جهته أو من جهة مالكه.
(الثالثة) ما وصّى به قبل استخدامه قالوا: المملوك على ما يراه منك أوّل دخوله دارك، فإن أطمعته طمع، وإن هذّبته انقمع، وإن خالطه مفسد من مماليك وغيرهم فسد.
ومن ذلك ما يختص بشراء الإماء، وصيتان، شرحهما:
(الأوّلة) فيما تعلم به براءة الجوارى من الحبل قبل الشراء. قالوا: تحرّز فى استبراء الإماء من الحبل قبل التملّك لهن، واحذر بهرجتهنّ بالسداد والدعاوى الكاذبة فإنّ كثيرا ما يجعلن فى فروجهن خرقا بدماء غيرهن (1). وليكن من يستبرى ذلك منها امرأة تكره أن تلصق بك ولد غيرك، ومرها بتفقّد ثدييها وجسّ حشاها.
واعلم ذلك من شحوب لونها وشهوتها للطعام المالح، فإن ذلك دالّ على توحمها. واستبر ذلك بتقدير الحشا وبخورات تذكر أخيرا كما وعدنا.
(الثانية) ما يراعى بعد الشرى من الغيلة فى الحمل من غير إرادة المولى.
قالوا: راع أمرا ذا ركنين:
__________
(1) فى الأصل: «ما يجعلن فى فروجهن خرق بدماء غيرهم».(1/357)
إذا اشتريت جارية غير بالغة فربّما بلغت فى ملكك وأنت لا تعلم، وكتمت ذلك عنك رغبة فى الولد.
احذر الجوارى اللواتى يوهمن أنّهن عقم وهنّ كارهات للحبل، فربّما خدعنك بذلك.
ومن ذلك ما يختص بالبائع دون المشترى.
وصية قالوا: لا تخرج جارية من ملكك إلى نخّاس إلّا فى دم، فربما تمّ عليها فى الحجر أن تحبل فادّعت أنه منك.
على أنّا قد شاهدنا فى زماننا من حاضت مدّة زمان حملها. وهذا نادر.(1/358)
[2]
فيما يتفقّد من أعضاء الرقيق بحسب ما يراه الأطباء
ومنها ما يتفقّد من أجسام الرقيق بحسب كلّ واحد من الأعضاء على مذهب الأطباء، ثمانية وثلاثون فصلا.
من ذلك ما يعم جميع البدن، ثلاثة أشياء، تفصيلها:
من اللون، وهو ألّا يكون حائلا (1) إلى الصفرة الدّال على ضعف الكبد وغلبة الصفراء، ولا إلى السّواد الدالّ على السّواد وضعف الطّحال، لكن إن كان أبيض فليكن مشربا حمرة، وإن كان أسمر فلتكن سمرته سمرة صافية.
ومن البشرة بأن تكون لينة نقية خالية من بهق أو برص أو وشم أو قوباء أو كىّ أو صبغ أو ثآليل أو خيلان أو أثر قرحة، لا سيّما إن كانت عن عضّة كلب كلب.
ومن تناسب الأعضاء، بأن تكون بعضها مناسبة لبعض فى الطول والقصر والعظم والصغر، فإنّ طول الأعضاء مع غير مناسبة فى العرض جيّد فى مباشرة الأعمال العظيمة، مع ضعف القوة. والقصر بالضدّ عن ذلك.
ومن ذلك ما يختص كل واحد من الأعضاء، ثلاثون فصلا.
منها (ما يختص بالرأس) أربعة أشياء، وهى شكله، بأن لا يكون مسفّطا (2)
__________
(1) الحائل: المتغير اللون. وردت كذا بالحاء. وفى كتاب التحقيق 68: «اللون إذا كان حائلا دل على علة فى الكبد».
(2) المسفط: الذى شكله شكل السفط. فى القاموس: «رجل مسفط الرأس:
رأسه كالسفط». والسفط محركة كالجوالق أو كالقفة.(1/359)
ولا مشوّها، ولكن يكون ككرة شمع قد غمزت من جانبها فصار لها نتوء من خلف وقدام.
وشعره بأن لا يكون خفيفا أو متفرقا، ولا به داء الثّعلب والحيّة (1)، ولا بعضه أبيض مجتمع كالبلق فى البهائم.
جلده بأن لا يكون قحلا ولا فيه سعفة (2) وبثور، أو أثر جرح غائر يدلّ على عظم.
فضلاته البارزة منه بأن لا يكون كثير المخاط والبصاق، كثير النوم كدر العين والحواس، فإن ذلك من أسباب الصّرع، ولا سيّما إن ارتعشت بعض أعضائه.
(ما يختص بالعين) خمسة أشياء، وهى من حركتهما بأن لا تكونا مضطربتين فإنّهما من علامات الوسواس لا سيما إن لم يكن الكلام منتظما، وهذا يعتبره العارف بلغة المملوك. ومن لونها بأن لا يكون بهما زرقة فى السواد لم تكن من قبل، لأنّها من علامات الماء. ولا يكون بياضهما كدرا أو أصفر أو فيه عروق، فإنّه من مقدمات السّبل (3). ومن شكلها بأن لا يكون شكل العين مستديرا، لا سيما إن كان الوجه متعجّرا فإن ذلك من علامات الجذام.
ولا يكون نقبا الحدقة سواداهما [غير (4)] متساويين، ولا أحدهما أكبر من الآخر وكأنّه مشقوق بالطول (5). وهذا يعتبر بأن يغمض كلّ واحدة منهما ويرى
__________
(1) داء الثعلب: علة يتناثر منها الشعر، والثعالب يصيبها ذلك الداء، كما فى اللسان (سعف). وجاء فى كقاب التحقيق ص 84: «وآفات الشعر الحصة فإنها تشققه، وداء الثعلب فإنه يمزقه، وداء الحية فإنه يجرده». وانظر الحيوان 4: 158.
(2) السعفة: قروح تخرج بالرأس تورث القرع.
(3) السبل: داء فى العين شبه غشاوة كأنها نسج العنكبوت يعروق حمر.
(4) فى كتاب التحقيق 9796: «وإذا كان حرفا العينين غير متساويين وسواداهما غير متماثلين».
(5) فى التحقيق: «أو كان الحرفان قدشقا بالطول».(1/360)
أشكالا مختلفة. ومن المأق بأن لا يكون فى المأق ظفرة (1) ولا لحم زائد ولا ناصور (2). وعلامته أنك إذا عصرت المأق خرج منه مدّة. ومن الأجفان بأن لا يكون شعرها منتثرا ولا منقلبا، ولا تكون الأجفان غليظة.
(ما يختص بالشم والسمع)، وهو شىء واحد: تنظرهما فى الضّوء لئلا يكون فيهما لحم زائد، وتعرض عليه الكلام والروائح بعد سدّ أحد ثقبيها.
(ما يختص باللسان) وهو شىء واحد، أن يستنطق لئلا تكون به لثغة، 11وهذا يكون من صغر اللسان وعظمه، أو سقوط جزء منه، أو لآفة فى عصبه، أو لسقوط بعض الأسنان، أو لالتصاقه من الجبلّة، أو لأثر قرحة به، فسل (3)
عن جميع ذلك. فإن لم يكن فتسىء ظنّك به فربما كان قد عضّ لسانه لصرع به وبخّره بقرن المعزى، وأطعمه كبد تيس مشوى فإنّه يصرع إن كان مصروعا.
(ما يختص بالأسنان) شيئان: وهما: إن لم تكن موجودة بعد الثغر فإنها لا تعود (4)، وإن وجدت تفقّد ألوانها وصلابتها وسلامتها من الحفور، وبعدها من الضّرس بصبرها على الحامض. واجتماعها أجود من تفرّقها، وإن كان الشّنب مذهبا محبوبا عند العرب (5).
(ما يختص باللّثة) شىء واحد، وهو أن لا تكون فيها قروح. واستنكهه لكيلا يكون به بخر. وهذا يكون من عفن اللثة، أو تأكّل ضرس، أو بلغم عفن فى المعدة.
__________
(1) الظفرة، بالتحريك: جليدة تغشى العين نابتة من الجانب الذى يلى الأنف على بياض العين إلى سوادها.
(2) فى الصحاح: الناسور بالسين والصاد جميعا: علة تحدث فى مأقى العين يسقى فلا ينقطع. قال: وقد يحدث أيضا فى حوالى المقعدة وفى اللثة، وهو معرب.
(3) وسمت فى الأصل «سل» مع إهمال النقط.
(4) فى الأصل: «تعد». وفى هداية المريد: «وإن وجد سقوطها من بعد إثغاره فإنها لا تعود».
(5) الشنب: التفليج فى أحد معانيه.(1/361)
(ما يختص باللهاة) شىء واحد، وهو أن لا تكون مسترخية، فإن ذلك سبب اتّصال السعال، ولا نازلة إلى أسفل، فإنّه يتبع ذلك الخنان (1). فتتأمّل ذلك فى الضوء.
(ما يختص بالنّغانغ والأزبتين (2)) شىء واحد، وهو أن لا يكون فيهما أثر خنازير.
(ما يختص بالصدر) شىء واحد، وهو ألا يكون ضيّقا أو معوجا أو قليل اللحم، فإن ذلك [يكون] سببا للرئة والسّعال والنّزلات، ولا سيما إن كانت الأكتاف مجنّحة.
(ما يختص باليدين) شىء واحد، وهو ألا تكون إذا قدرتهما وجدت إحداهما أقصر من الأخرى، أو هما قصيرتان، فإن ذلك ردىء فى الأعمال.
(ما يختص بالسواعد) شىء واحد، وهو أن يكون ثنى المرفق سهلا بلا التواء ولا ورم ولا تشنّج من جرح أو عرق مدنى (3)، واسبره أن يقبض على يديك بقوة.
(ما يختص بالحشا) جميعه خمسة أشياء: منها ما يعمّ الحشا جميعها، شىء واحد، وهو أن لا تكون غليظة جميعها أو بعضها. وهذا بأن تأمره أن يستلقى على ظهره وتجسّ حشاه من فم المعدة إلى العانة، فإن رأيت ثمّ غلظا أو ألما فاقض به، لا سيما إن وافق ذلك فسادلون وتهيج فى المحاجر. ويحقق ذلك انقطاع نفسه عند إحضاره وصياحه.
__________
(1) الخنان: داء يأخذ فى الأنف تسد منه الخياشيم.
(2) كذا وردت هذه الكلمة. والنغانغ: لحمات تكون فى الحلق عند اللهاة.
(3) جاء فى حواشى هداية المريد: «المدينى بثرة تحدث فى الساقين تتنفط ثم يخرج منها شىء [كالدو] د، ولا يزال يطول، وربما كان له حد، لحدة مادته، ومدة توجع، قطعه خطر.(1/362)
ما يختص بواحد واحد من أعضائه، أربعة أشياء. تفصيل ذلك:
(المعدة) بأن لا تكون جاسية (1)، ولا بها سوء استمراء من سوء مزاج حارّ أو بارد، ولا بها خلط داع إلى أكل الطّين والفحم.
(الكلى والمثانة) بأن لا يكون فيها قرحة أو حصاة أو رخاوة، وهذا بأن يتبين فى البول رملا أو مدّة، ويراعى فى ليال كثيرة فلا يبول فى الفراش.
(الأنثيين) بأن لا يكون فيهما دوالى (2)، أو بأحدهما قيلة المعا.
(القضيب) بأن لا يكون ثقب الكمرة معوجّا، وهذا يتأمّل عند البول.
ما يختصّ (بالرّجلين) أربعة أشياء، منها ما يعم جميعها، شىء واحد، وهو أن لا يكون بهما عوج أو تشنّج أو عرق نسا أو خلع ورك. وهذا يتبيّن إذا أمرته بالإحضار وإذا قدرتهما فلم تنقص إحداهما عن الأخرى.
ما يختص بواحد واحد من أجزائها، ثلاثة أشياء، تفصيل ذلك: الرّكبة بأن لا يكون فيها ورم صلب أو شوكة. الساقان أن لا يكون بهما تقويس أو حنف أو فجح، ولا فى باطنهما دوالى (3). القدم والكعب بأن لا يكون فيهما داء الفيل.
(ما يختص بالرحم) شيئان، وهما ما يختصّ بجرمه بأن لا يكون ما بين السّرّة والعانة غليظا أو صلبا، فإن ذلك دليل السّرطان. وما يختص بأيام
__________
(1) جاسية: صلبة. وفى الأصل «حاسية».
(2) إثبات الياء فى مثل هذا جائز، بل رجحه يونس. التصريح 2: 340. وكذا جاءت بإثبات الياء فى كتاب التحقيق ص 147.
(3) أى لحم زائد متدل، وفى التحقيق 145: «ولا فى بطنهما دوالى».(1/363)
الحيض لئلّا يعرض لهنّ الغشى الشبيه بالسّكتة، فإنّ ذلك دليل احتراق الرحم (1) الذى يتبعه موت الفجاءة.
ومن ذلك ما يتأمّل من الأعضاء فى زمان النّوم خمسة أشياء، شرحها:
بأن لا يكون ممّن يتبرّز فى الفراش، أو يهذى فى نومه، أو يمشى على غير علم منه أو يصرّ أسنانه، أو ينام على وجهه، فإنّ هذه أشياء إذا علمها الأطباء انتفعوا بها عند التماسهم صحة المرضى.
__________
(1) فى التحقيق 148: «اختناق الرحم».(1/364)
[3]
فى معرفة أخلاق العبيد بقياس الفراسة على مذهب الفلاسفة
ومنها تعرّف أخلاق العبيد والإماء بقياس الفراسة، أحد وتسعون فصلا. فمن ذلك أصول نقدّمها قبل الكلام فى الفراسة عددها أربعة، شرحها:
حدّ الخلق. والخلق داعية للنّفس للإنسان إلى أن يفعل أفعالا بلا رويّة، فإنّ الجبان إذا فاجأه الصّوت ارتاع بسرعة، والماجن يضحك من أيسر تعجّب، والنّذل (1) يرغب فى أدنى قيمة، والحر بالضد. ولهذه الأخلاق دليل من الفراسة.
كيف تعلم القياس الصحيح فى الفراسة، يجرى بأن لا يتسرع الإنسان إلى الحكم فى الفراسة من دليل واحد، ولكن يجمع منها ما أمكن ثم تكون قضيته بحسب ذلك. ومتى اجتمعت الدلائل المتضادّة حكم بأقواها ورجّح أظهرها، بعد أن تعلم أنّ دلائل الوجه والعين خاصة أقوى الدلائل وأصحّها فى الحدّ الذى ينتهى إليه العلم بقياس الفراسة، ويجرى هكذا من الإنصاف أن تعلم أن قياس الفراسة مقدّماته مأخوذة من مشابهات موجودة بين أشخاص الناس، أو من مشابهات موجودة بين الحيوان والإنسان. وسنورد على ذلك مثالا من الشجاعة تراه مأخوذا من صفات الأسد. فالاستدلال فى الفراسة على أفعال الصّور من لازم الهيولى، فإذا عرف القياس ذلك د قاس كالمطبوع (2).
مثال من الشجاعة على قياس الفراسة، وهو أن يكون قوىّ الشعر خشنه،
__________
(1) فى الأصل وكذا فى التحقيق 148: «الندل» بالدال المهملة. والنذل: الخسيس المحتقر فى جميع أحواله.
(2) كذا وردت هذه العبارة على ما بها من نقص بيض له فى الأصل. وفى التحقيق 12 «فإذا عرف القائس ذلك قاس كالمطبوع».(1/365)
شديد العظام والأطراف والأصابع، عظيم الصدر والأكتاف والرقبة، وعريض القصّ، ضامر الورك، معرّق الجبهة (1) قوىّ المفاصل، منتصب القامة، ممسوح الأليتين، بعيد ما بين المنكبين، ممدود الحاجبين، أزبّ الصدر والكتف.
والجبان بالضد.
ومن ذلك ما يختص بأخلاق الذّكور والإناث والخصيان شيئان. شرحها:
الأنثى من كل جنس أموت نفسا، وأقلّ جلدا، وأسهل انخداعا، وأسرع غرورا وسكونا، وأشدّ مكرا، وأصغر رأسا، وألطف وجها، وأدقّ عنقا، وأضيق أكتافا وصدرا، وأعظم بطنا ووركا، وألطف كفّا وقدما، وأسوأ أخلاقا من الذّكر فى كلّ جنس (2).
أخلاق الخصيان كالمشابهة لأخلاق النّساء، ومن ولد بلا خصيتين أو كانتا فيه صغيرتين كان أشرّ.
ومن ذلك دلائل الشعر سبعة أشياء: تفصيلها:
اللين منه يدل على الحمق (3). الخشن دليل الشجاعة. كثرته على البطن دليل شبق (4). كثرته على الصّلب دليل الشجاعة أيضا. كثرته على العنق والكتفين دليل حمق أيضا. كثرته على الصدر دليل قلّة الفطنة. قيام الشعر دليل جبن (5).
__________
(1) المعرق: القليل اللحم.
(2) انظر سائر الفروق يينهما فى كتاب الفراسة لأفليمون 1817. على أن العبارة تكاد تكون مطابقة لما ورد فى كتاب الرازى 109.
(3) فى جمل أحكام الفراسة لأبى بكر الرازى ص 2وكذا فى كتاب التحقيق 83:
«على الجبن».
(4) فى الأصل: «سبق» تصحيف. وعند الرازى: «يدل على الشبق». وعند أفليمون 39: «كثرة شعر جميع الجسد ولا سيما البطن والفخذين دليل الحمق».
(5) عند الرازى: «الشعر القائم فى الرأس وعلى جميع البدن دليل على الحمق».
وعند أفليمون 39: «قيام شعر الجسد واستواؤه دليل على الحمق».(1/366)
ومن ذلك دلائل اللون، أربع دلائل، تفصيلها:
الأشقر والأحمر يدلّان على كثرة الدم والحرارة. اللون النارىّ دليل تأنّ.
والأحمر دليل حياء. اللون الذى بين البياض والحمرة يدلان على الاعتدال.
والأخضر اللون دليل سوء الخلق (1).
ومن ذلك دلائل العين سبع عشرة دلالة:
عظمهما دليل كسل غورهما دهاء وحسد (2)، جحوظهما دليل هذر وقحة.
زرقة إحداهما يدل على بلادة. شدّة سوادهما دليل جبن. شبههما بعيون الأعنز دليل جهل (3). سرعة حركتهما بحدّة بصرهما دليل مكر وحيلة، بطء حركتهما دليل مكر. عظمهما وارتعادهما دليل كسل وشبق. حمرتهما دليل شر وإقدام.
سوادهما دليل كسل وبلادة. الزّرقة مع اصفرار دليل رداءة الأخلاق جدا. فإن مالت إلى الصفرة كان صاحبها سفّاكا للدماء. البقرية تدل على الحمق. النقط والشعب حوالى السواد يدل على هذر وحمق وحسد وشر. صغرهما وجحوظهما دليل على الميل إلى الشهوات، إذا برز السواد عن البياض دل على حمق.
ومن ذلك دلائل الحاجب، ثلاث، شرحها:
كثرة الشعر فيه دليل الهم. طوله إلى نحو الصدغ دليل التّيه والصلف.
طوله إلى نحو الأنف دليل على البله.
ومن ذلك دلائل الأنف، أربعة دلائل، تفصيلها:
دقّة طرفه دليل محبة الخصومة، فإن كان مع ذلك طول دل على الحمق.
غلظه دليل على قلة الفهم. الفطسة (4) دليل الشبق. غلظ أرنبته دليل غضب.
__________
(1) عند الرازى «من كان لونه أخضر أسود فهو سبىء الخلق».
(2) الرازى: «من كانت عيناه غائرتين فهو داه خبيث».
(3) الرازى: «من كانت عيناه تشبه عيون البقر فى لونها فإنه جاهل».
(4) الفطسة: اسم من الفطس، وهو عرض قصبة الأنف وطمأنينتها. ونحو هذا فى كتاب التحقيق ص 104.(1/367)
ومن ذلك دلائل الجبهة:
منها: المستطيلة التى لا غضون فيها دليل شغب وخصومة. كثرة غضونها دليل صلف. كبرها دليل كسل. صغرها دليل جهل.
ومن ذلك دلائل الفم والشفة واللسان والأسنان، أربعة. شرحها:
سعة الفم دليل شجاعة. غلظ الشفة دليل حمق. ضعف الأسنان دليل ضعف البنية. طول الأنياب دليل شره وشرّ.
ومن ذلك دلائل الوجه والصدر، ثمانية، تفصيلها:
من كان كأنه سكران أو غضبان أو حيىّ (1) فحاله كذلك. قلة لحم الوجه دليل كسل وغلظ طبع، وضدّه بالضد. الوجه المستدير دليل جهل. الصغير دليل جهل. الصغير دليل خفّة وملل. العظيم دليل كسل. السمج الوجه ردىّ الخلق.
طوله دليل القحة. والأوداج البارزة دليل غضب.
ومن ذلك دلائل الأذن واحدة. عظمها دليل جهل ودهاء وطول عمر، وبالضد.
ومن ذلك دلائل الصوت والنفس والكلام أربعة، منها:
العظيم الصوت دليل شجاعة (2). سرعة الكلام دليل عجلة وبله. حسن الصوت دليل رعونة. التنفّس الطويل دليل رداءة الهمة.
ومن ذلك دلائل اللحم اثنتان، وهما:
اللحم الكثير الصلب دليل غلظ حسّ وفهم. اللّين بالضد.
ومن ذلك دلائل الضحك أربعة عشر شرحها:
__________
(1) فى الأصل: «جنى»، تحريف. وعند الرازى: «وإذا كان صورة الإنسان كحال الخجل فهو حبى خجل».
(2) الرازى 5: «من كان صوته غليظا جهيرا فهو شجاع».(1/368)
كثرته دليل دمائة ومساعدة وقلّة اهتمام بالأمور، وبالضد. علوّه دليل قحة. ومن عرض له عند الضّحك سعال وربو فهو وقاح (1). المتبسّم مستحى.
ومن ذلك دلائل الحركات دلالتان (2) وهما:
السّريعة دلالة على الطيش. البطيئة دليلة البلادة.
ومن ذلك دلائل العنق، ثلاثة. شرحها:
صغرها دليل مكر. طولها دليل جبن. غلظها دليل شجاعة.
ومن ذلك دلائل البطن دلالتان (2) وهما:
كبرها دليل على البلادة. صغرها بالضد.
ومن ذلك دلائل الظهر، ثلاثة، تفصيلها:
عرضه يدل على القوة والغضب. استواؤه علامة العقل. انحناؤه علامة رداءة الخلق.
ومن ذلك دلائل الكتفين، ثلاثة، شرحها:
العريض دليل جودة العقل. الدقيق ضده. شخوص رأسه دليل حمق.
ومن ذلك دلائل الذراع، دلالتان (2)، وهما:
إذا بلغ منه الكفّ الركبة دلّ على نبل النفس وحبّ الرياسة. قصره ضده ومن ذلك دلائل الكفّ دلالتان (2)، وهما:
الليّنة اللطيفة دليل سرعة العلم والفهم وبالضد. الطّويلة الدقيقة تدل على زعارة الخلق.
ومن ذلك دلائل الحقو والساق والقدم، خمسة دلائل، تفصيلها.
القدم اللّحيم الصّلب دليل بلادة. الصّغير الخشن دليل فجور ومرح. غلظ
__________
(1) الوقاح: القليل الحياء، كالوقح. وعند الرازى 6: «من كان يقع عليه عند الضحك سعال فإنه سليط صخاب».
(2) فى الأصل: «دلالتين».(1/369)
العقب دليل شدّة، وبالضد [دليل (1)] حبّ النساء.
ومن ذلك دلائل الخطى، واحدة، وهى:
الخطى الواسعة البطيئة دليل تأنّ، وبالضدّ (2).
وتخصّ النساء فراسة تدلّ على أحوال من أخلاقهن وأعضائهن وشهواتهن أضربنا عن ذكرها تصوّنا عن إثباتها، لقباحة مخارج ألفاظها وإن كانت علما نافعا.
__________
(1) مبيض لها فى الأصل.
(2) كذا وردت العبارة مبتورة، لعلها «والضد بالضد».(1/370)
[4]
فى معرفة صور أجناس الرقيق بحسب بلادهم ومنشئهم
ومنها ذكر أجناس الرقيق بحسب بلادهم ومنشئهم ونحن نذكر ما انتهى إلينا خبره واشتهر أمره وتلقّطناه من الكتب، وسألنا السّفرة عنه من أجناس الرّقيق على اختلافها فى الخلق والخلق، لنكفى الطالب لهذا الشأن مؤونة التّجارب والامتحان، خمسة وعشرين فصلا:
من ذلك كشف ألفاظ يحتاج القارىء إلى معرفة دلائلها، فصل واحد:
إذا سمعتنى أقول «فارسية» فاعلم أنها مولّدة فارس. فإن اتفق أن يكون أبواها فارسيين، وإلا فيكفى أن يكون أبوها حسب. فولد الزنجية إذا تكرّر فى النّسل مع البيض ثلاث دفعات صار بعد السّواد أبيض، وبعد الفطس أقنى، ولانت أطرافه، وتطبّعت أخلاقه.
ومثل ذلك أفهم فى كلّ الأجناس.
وإذا سمعتنى أقول جارية «خماسيّة» فإنّى أريد بذلك أن طولها خمسة أشبار.
وإذا قلت «شهوارية» فليس بجنس من الأجناس، لكنها لفظة فارسية 21مشتقة من الشهوة الكاملة (1).
وإذا قلت «منصورية» فأريد المنصورة التى فيما وراء النهر، وهى الملتان، لا منصورة العرب.
__________
(1) فى معجم استينجاس أن معنى «شهوار» أحسن شىء فى جنسه. فلعلها «من الشهرة الكاملة».(1/371)
ومن ذلك ما يتعلّق بالجهات الأربعة (1)، أربعة فصول، شرحها:
الأول ما يختص بالبلاد الشرقية، وهذه ألوان أهلها بيض مشربة حمرة وأجسامهم خصبة، وأصواتهم صافية، وأمراضهم قليلة، وصورهم جميلة، وأخلاقهم كريمة، وأغنامهم كثيرة، وأشجارهم عظيمة، وما فيهم غضب ولا نجدة لاعتدال كيفياتهم، لكنّهم أهل سكون ودعة، كلّ هذا الاعتدال كون الشمس فى هذه الجهة، فأغذيتهم معتدلة، ومياههم صافية.
الثانى ما يختص بالبلاد الغربية، وهؤلاء أحوالهم تكاد تضادّ جميع ما ذكرنا فى البلاد الشرقية، لأن الشّمس لا تطلع عليهم بالغداءات.
الثالث ما يختص بالبلاد الشمالية، وهى التى أهلها يسكنون تحت بنات نعش والجدى، كالصّقالبة، وهؤلاء عراض الصّدور شجعان، وحشو (2) الأخلاق لكمون الحارّ، دقاق السّوق لهربه من الأطراف، طويلو الأعمار لجودة الهضم، نساؤهم عواقر لأنّهن لا ينقين من دم الحيض.
الرابع ما يختص بالبلاد الجنوبية، وهى التى أهلها سكان تحت القطب (3)
الجنوبى كالحبشة، وأحوالهم ضدّ أحوال البلاد الشمالية، وألوانهم سود، ومياههم مالحة كدرة، ومعدهم باردة، وهضومهم ردية، وأخلاقهم هادية، وأعمارهم قصيرة، بطونهم ليّنة لسوء الهضم.
ومن ذلك ما يختص بواحد واحد من البلاد، عشرون فصلا، تفصيله:
الهنديّات أول الجنوب على سمت المشرق، لهم حسن القوام، وسمرة الألوان،
__________
(1) هذه عبارة صحيحة، فإن المعدود إذا تقدم على عدده جاز فيه المطابقة وعدمها.
حاشية الصبان على شرح الأشمونى فى أوائل باب العدد.
(2) كذا وردت الكلمة فى الأصل. ولها وجه من الوحش، وهو القفر الخالى.
(3) كذا فى الأصل.(1/372)
وحظّ وافر من الجمال، مع صفرة وصفاء بشرة (1) وطيب نكهة، ولين ونعمة، لكنّ الشيخوخة تسرع إليهم، وفيهم وفاء عهد ومودّة، وكثرة محافظة، وبعد غور، وسلاطة، ونفوس عزيزة، لا يصبرون على الذلّ ولا يتألمون للقتل (2)، ركّابون للعظائم متى أحوجوا (3) وأغضبوا. نساؤهم يصلحن للولد، ورجالهم لحفظ النفوس والأموال وعمل الصنائع الدقيقة، غير أن النّزلات تسرع إليهم.
(السنديات) بين المشرق والجنوب، وهم قريبو الشبة بالهند لمتاخمة بلادهم لبلادهم، غير أن نساءهم ينفردن بدقة الخصور وطول الشعر.
(المدنيات) سمر الألوان معتدلات القوام (4)، قد اجتمع فيهن حلاوة القول ونعمة الجسم، وملاحة ودلّ وحسن شكل وبشر، ونساؤهم لا غيرة فيهنّ على الرجال، قنوعات بالقليل، لا يغضبن ولا يصخبن، ويوجد فيهنّ الزّنوج، ويصلحن للقيان.
(الطائفيات) سمر مذهبات مجدولات، أخفّ خلق الله أرواحا، وأحسنهم فكاهة ومزاحا، لسن بأمّهات أولاد، يكسلن فى الحبل، ويهلكن عند الولادة، رجالهنّ أشدّ الناس تحبّبا وأدومهم عشرة وأحسنهم غناء.
(البربريات) من جزيرة بربرة (5)، وهى بين الغرب والجنوب، ألوانهم على الأكثر سود، ويوجد فيهن الصّفر، وإذا وجدت منهن الكتامية الأم الصّهاجية الأب المصمودية المنشأ، فإنّك تصادفها مطبوعة على الطاعة والموافاة فى كل
__________
(1) فى التحقيق ص 42: «وصفاء يسير».
(2) فى التحقيق 42: «ولا يألمون لقتل».
(3) كذا جاءت «أحوجوا» بالواو بعد الحاء. وفى التحقيق: «متى ألجئوا».
(4) فى الأصل: «معتدلو القوام»، وجاء على الصواب فى التحقيق ص 31.
(5) جزيرة بربرة هذه من الجزائر التى تجاور سواحل اليمن، ذكرها ياقوت. وهذا وهم من ابن بطلان تبعه فيه صاحب كتاب التحقيق من ص 44، فإن البربريات منسويات إلى بلاد البربر التى فى جبال المغرب. وهى التى تقطن فيها قبائل كتامة وصنهاجة ومصمودة التى سيجرى لها ذكرا فيما بعد.(1/373)
أمورهن، نشيطات للخدمه، ويصلحن للتّوليد واللذة، لأنّهنّ أحدب شىء على ولد.
وأبو عثمان وهو من سماسرة هذا الشأن يقول: إذا اجتمع للبربرية مع جودة الجنس أن تجلب وهى بنت تسع حجج ثم كانت بالمدينة ثلاث حجج وبمكة ثلاث حجج، ثم جاءت إلى العراق ابنة خمس عشرة فكانت بالعراق فى الأدب، ثم ملكت بنت خمس وعشرين سنة فتلك التى جمعت إلى جودة الجنس شكل المدنيات (1) وخنث المكيات وآداب العراقيات، واستحقّت أن تخبّأ فى الجفون، وتوضع على العيون.
(اليمانيات) فى جنس المصريات، وخلق البربريات، وشكل المدنيات، وخنث المكيات، وهن أمّهات أولاد حسان الوجوه أشبه شىء بالأعراب.
(الزّرنجيات) من بلد يقال له زرنج، ذكر ابن خرداذبة أنّ من هذا البلد إلى مدينة الملتان مسيرة شهرين والملتان وسط الهند وخاصة هذا الجنس إذا بوشرن فعرقن بدا منهنّ عرق كالمسك، لكنهنّ لا يصلحن للولد.
(الزّنجيات) مساويهن كثيرة، وكلّما زاد سوادهن قبحت صورهنّ وتحددت أسنانهنّ وقلّ الانتفاع بهن، وخيفت المضرّة منهن. والغالب عليهن سوء الأخلاق وكثرة الهرب، وليس فى خلقهن الغمّ (2)، والرّقص والإيقاع فطرة لهنّ وطبع فيهن، ولعجومة (3) ألفاظهن عدل بهن إلى الزّمر والرقص. ويقال: لو وقع الزّنجى من السماء إلى الأرض ما وقع إلا بالإيقاع. وهم أنقى النّاس ثغورا لكثرة الريق، وكثرة الريق لفساد الهضوم. وفيهن جلد على الكد، فالزّنجى إذا شبع
__________
(1) الشكل، بالفتح، والكسر: دل المرأة وغزلها.
(2) كذا. وفى التحقيق 46: «والعلوم فيهم مفقودة، وكذلك الصنائع اللطيفة».
(3) المعروف «العجمة». ولكن ابن بطلان يعيد استعمال هذه الكلمة فى أواخر كتابه هذا، فهى من لغته.(1/374)
قصبّ العذاب عليه صبّا، فإنه لا يتألّم له. وليس فيهن متعة، لصنانهن وخشونة أجسامهنّ.
(الحبشيات) الغالب عليهن نعمة الأجسام ولينها وضعفها، يتعاهدهنّ السلّ والدّقّ، ولا يصلحن للغناء ولا للرقص، دقاق، لا يوافقهن غير البلاد التى نشأن فيها، وفيهن خيريّة ومياسرة، وسلاسة انقياد، يصلحن للائتمان على النّفوس يخصّهن قوة النفوس وضعف الأجسام، كما يخصّ النوبة قوة الأجسام على دقّتها وضعف النفوس، قصار الأعمار لسوء الهضم.
(المكّيات) خناث مؤنثات ليّنات الأرساغ، ألوانهنّ البياض المشرب بسمرة، قدودهن حسنة، وأجسامهن ملتفة، وثغورهن نقية باردة، وشعورهن جعدة، وعيونهن مراض فاترة.
(الزّغاويات (1)) رديات الأخلاق ذوات دمدمة، يحملهنّ غلظ الأكباد وشرّ الطّباع على عمل عظيم الأفعال، وهن شرّ من الزنج ومن جميع أجناس السّودان، نساؤهن لا يصلحن لمتعة، والرجال لا يصلحون لخدمة.
(البجاويات) بين الجنوب والغرب فى الأرض التى فيما بين الحبشة والنّوبة، مذهبات الألوان، حسنات الوجوه، ملس الأجسام ناعمات البشرة، جوارى متعة إن جلبت صغيرة وقد سلمت من أن ينكّل بها، فإنّهن يقوّرن ويمسح بالموسى بأعلى فروجهنّ من اللحم كلّه حتّى يبدو العظم فيصرن شهرة من الشّهر، وتقطع أثداء الرجال، وتسلّ الرّضفة (2) من ركبهن زعم القائل حتّى
__________
(1) زغاوة، قال ياقوت: بلد فى جنوبى أفريقية بالمغرب، وهم جنس من السودان.
(2) الرضفة، بالفتح وبالتحريك: عظم مطبق على رأس الساق ورأس الفخذ. فى الأصل: «وسعل الرضعة».(1/375)
لا يعيا السّاعى منهم. والشّجاعة والسرقة فيهم طبع وغريزة، ولهذا لا يؤمنون على مال ولا يصلح أن يكونوا خزّانا (1).
(النّوبيات) من جملة أجناس السودان، ذوات ترف ولطف وقصف، وأبدانهن يابسة مع لين بشرة، قوية مع دقّة وصلابة، وهواء مصر يوافقهن، لأنّ ماء النيل شربهن، وإذا انتقلن عن غير مصر تسلّطت عليهن العلل الدموية والأمراض الحادة. ويسير الأذى يقدح فى أجسامهنّ، وأخلاقهن طاهرة، وصورهن مقبولة، وفيهن دين وخيرية وعفّة وتصوّن، وإذعان للمولى، كأنهنّ فطرن على العبودية.
(القندهاريات) فى معنى الهنديات، ولهنّ فضيلة على كل النساء، فإن الثّيّب منهن تعود كالبكر. الصّفراء المولّدة تنسب إلى أبيها وأمها، وتمزج بينهما، يأخلاقها مركّبة منهما (2).
(التّركيات) قد جمعن الحسن والبياض والنّعمة، ووجوهن مائلة إلى الجهامة، وعيونهن مع صغرها ذات حلاوة، وقد يوجد فيهن السمراء الأسيلة، وقدودهن ما بين الرّبع والقصير (3)، والطّول فيهن قليل، ومليحتهن غاية، وقبيحتهن آية وهنّ كنوز الأولاد، ومعادن النسل، قلّ ما يتّفق فى أولادهن وحش ولا ردىّ التركيب ولا حان (4)، وفيهن نظافة ولباقة، قدورهم معدهم (5) يعوّلون
__________
(1) فى الأصل: «خزان».
(2) فى الأصل: «فيمتزج بينما فأخلاقها مركبة منها».
(3) فى التحقيق: «ما بين الربعة إلى القصير».
(4) كذا وردت فى الأصل.
(5) فى الأصل: «قدوهم» وإنما المراد أن معدهم، بمنزلة القدور ينضج فيها الطعام.(1/376)
عليها فى الطّبخ والنضج والهضم، لا يكاد يوجد فيهن نكهة متغيّرة، ولا من له عجيزة عظيمة، وفيهم أخلاق سمجة وقلّة وفاء.
(الدّيلميات) حسان المنظر، جميلات المخبر، غير أنّهن أسوأ الناس أخلاقا، وأغلظهن أكبادا، وفيهن صبر على الشّدّة، شبه الطّبريات فى كل حال.
(اللانيات (1)) ألوان بيض محمّرة، ولحوم كثيرة (2)، وأمزجة يغلب عليها البرد. وهنّ للخدمة أصلح منهن للمتعة، لأن فيهن خيرية طبع، وثقة واستقامة أخلاق، وحرصا (3) على المحافظة والموافقة، وهن بعيدات عن الشّبق.
(الروميات) بيص شقر، سباط الشعور، زرق العيون، عبيد طاعة وموافقة، وخدمة ومناصحة، ووفاء وأمانة ومحافظة، يصلحن للخزن، لضبطهن وقلّة سماحتهن، لا يخلو أن يكون بأكفهن صنائع دقيقة.
(الأرمنيات) الملاحة للأرمن لولا ما خصّوا به من وحشة الأرجل (4)، مع صحة بنية وشدّة أسر وقوّة، والعفّة فيهن قليلة أو مفقودة، والسرقة فيهن فاشية، وقلّ ما يوجد فيهن بخل، وفيهن غلظ طبع ولفظ، وليست النّظافة فى لغتهن، 28وهن عبيد كدّ وخدمة، متى نهنهت العبد ساعة بغير شغل لم يدمه خاطره إلى
__________
(1) فى الأصل: «الأنيات» تحريف. وفى التحقيق 41: «ذكر اللان. واعلم أن اللان جنس من الروم». وقال ياقوت: «بلاد واسعة فى طرف أرمينية قرب باب الأبواب مجاورون للخزر. والعامة يغلطون فيهم فيقولون علان، وهم نصارى تجلب منهم عبيد».
(2) فى التحقيق 41: «ألوانهم بيض محمرة ولحومهم مكتنزة».
(3) فى الأصل: «وحرص».
(4) فى التحقيق 38: «وحاشة الأرجل».(1/377)
خير. لا يصلحون إلّا على العصا والمخافة، وليس فيهم فضيلة غير تحمّل العناء (1)
والأعمال الثقيلة، والواحد منهم إذا رأيته كسلانا فذاك لعله فيه (2) ليس عن عجز قوة، فدونك والعصا، وكن مع ضربه وانقياده لما تريده منه على حذر، فإنّ هذا الجنس غير مأمون عند الرضا فضلا عن الغضب، نساؤهم لا يصلحن لمتعة.
وجملة الأمر أن الأرمن أشرّ البيضان، كما أن الزنج أشرّ السودان، وما أشبه بعضهم ببعض فى قوة الأجساد، وكثرة الفساد، وغلظ الأكباد.
__________
(1) فى الأصل: «عن عمل الغناء». وفى التحقيق: «وليس فيهم فضيلة غير الأعمال الثقيلة ولا يصحون إلا على العناء».
(2) العله: خبث النفس. وفى الأصل: «لعبه فيه».(1/378)
[5]
فى كشف تلبيسات يدلّس بها النّخّاسون الرقيق على المشترى
ومنها التحرّز من تدليسات النخاسين التى يدلّسون بها فى المواسم الرقيق على المشترى، يجرى مجرى الحسبة، ثمانية وعشرون فصلا.
من ذلك ما يفعلونه فى الألوان، فتغيّر البشرة بشيئين، وهما: أمّا السمراء فإنّها تصير ذهبية إذا وضعت فى أبزن (1) فيه ماء الكراريا أربع ساعات (2)
من النهار.
وأما الدّرّية اللون فتصير [بيضاء (3)] إذا غمر وجهها بباقلى قد نقع فى بطّيخ سبعة أيام، ونقل إلى لبن حليب سبعة أيام، وغيّر اللبن كل ليلة.
ومما يحمّر الخدود المصفرة غسول صفته: دقيق الباقلى والكرسنّة خمسة أجزاء، وعرق الزّعفران وبورق، من كل واحد ربع جزء.
__________
(1) كلمة «الأبزن» معربة عن الفارسية: آبزن، وهو حوض من نحاس أو حديد يستنقع فيه الرجل، ويعرف فى ألفاظنا الدخيلة باسم «البانيو». وفسر فى معجم استينجاس 8بأنه حوض للاستحمام من نحاس أو حديد بطول جسم الإنسان يملأ بماء فاتر طبى يجلس فيه المريض أو يتمدد. وقد أهمل هذا اللفظ كثير من اللغويين، منهم الليث والجواليقى وابن دريد والزمخشرى. أما الليث فقد نص صاحب اللسان على إغفاله للكلمة، وأما الجواليقى فلم يذكره فى المعرب، وكذا ابن دريد فى الجمهرة، والزمخشرى فى الفائق وأساس البلاغة. هذا مع أن الكلمة مستعملة قديما. جاء فى شعر أبى داود يصف فرسا وصفه بانتفاخ جنبيه:
أجوف الجوف فهو منه هواء ... مثل ما جاف أبزنا نجار
اللسان 16: 196. ويفهم من هذا الشعر أنه كان يصنع أحيانا من الخشب. ويؤيده قول ابن برى: «الأبزن شىء يعمله النجار مثل التابوت». وروى البخارى أن أنس بن مالك قال: «إن لى إبزنا أتقحم فيه وأنا صائم». وقد فسر الأبزن فى هذا الحديث بأنه الحوض الصغير، أو حجر منقور كالحوض، أو شىء يتبرد فيه وهو صائم يستعين بذلك على صومه من الحر والعطش. عمدة القارى 11: 13ومشارق الأنوار وشفاء الغليل 14.
(2) فى التحقيق 252: «ثلاث ساعات».
(3) التكملة من كتاب التحقيق ص 253.(1/379)
فأما السّودان منهن فمسح أطرافهنّ ووجوههن بالدّهن الطيب. سمعنا بعض ربّات القصور تقول: كلكون (1) السودان دهن البنفسج.
ومن ذلك ما يتعلق بالشّعر ثلاثة أشياء، شرحها:
ما يكسب الشّعور الشّقر السواد الحالك: دهن الآس، ودهن قشور الجوز وغسله بالأملج (2)، ودهنه بدهن الشقائق وأشياء توجد فى (الزينة) لأفريطن (3)
يطول شرحها.
ما يزيل الشعر من الوجه والأطراف: أخذه بالمنقاش، أو طلاؤه بالنورة ومن بعد ذلك ببيض النمل، أو بدهن قد طبخ فيه ضفادع خضر، أو عظاية (4)
بدم الأرنب، دفعات كثيرة، ويغسل بالشب والبورق والعفص.
ما يجعّد الشّعور السبطة: غلفه (5) بالسدر والأزادرخت (6) والآس.
ومن عادة النخاسين إذا أرادوا أن يطوّلوا الشعور أن يوصلوا فى طرفه من جنسه (7)، وإذا أرادوا الوضع من الإماء أن يلصقوا فى الأصداغ شعرا أبيض ليحثّ البيّع (8) على قبض الثمن.
ومن ذلك فنون مختلفة ستة عشر فصلا، شرحها:
__________
(1) قال داود: «كلكون: غمرة من لك واسفيداج تحسن الوجه». فى كتاب التحقيق: «أن يمسح أطرافهن ووجهن بالزيت الطيب أو دهن البنفسج».
(2) هو ما يسمى فى مصر بالسنانير. تذكرة داود.
(3) فى أخبار العلماء للقفطى 41: «أفريطون المعروف بالمزين، كان زمانه قبل جالبنوس وبعد بقراط، وله كتاب الزينة».
(4) العظاية: دابة على خلقة سام أبرص. فى الأصل: «عضاية» تحريف. وفى التحقيق: «اعطايه» تحريف أيضا.
(5) الغلف والتغليف: الطلاء واللطخ. فى الأصل: «غلفة».
(6) فارسى، ويسمى فى مصر «الزنزلخت». تذكرة داود.
(7) كذا. وفى التحقيق: «أن يوصلوا فى ضفائرها شعرا من جنسها».
(8) فى الأصل: «لبحث»، تحريف. والبيع: البائع والمشترى. وفى التحقيق:
«ليحثوا به البائع على قبض الثمن».(1/380)
ما يسمّن الأعضاء الهزيلة: الدّلك بالمناديل الخشنة والأدهان الحارة، والطّلى بالعاقرقرحا، والخراطيم المحرقة.
ما ينعم (1) الأطراف الخشنة الدّهن والشمع واللوز المر (2) ولخلخله (3) معمولة بماء الورد ودهن بنفسج، وترك مباشرة الأجسام الخشنة كالخشب والحجارة، وهجر المآكل المولّدة (4) للمرة.
وما يذهب آثار الجدرى والنمش والوشم: غسول معمول من عروق القصب واللوز المر (5) والكرسنّة والباقلى وحبّ البطّيخ معجون بعسل.
ما يغسل به الخضاب من البرص: خل وأشنان مغلى وماء الباقلى أو ناطف وماء حار.
ما يزيل الكلف من البشرة الشّونيز (6) وأصل قثّاء الحمار وورق الخبازى وبزر الجرجير وأصل الكرم، يعجن بعسل ويطلى.
ما يزيل روائح الأنف: السّعوط بدهن المرزنجوش (7) والبنفسج والنّيلوفر والنرجس والياسمين.
ما يجلو الأسنان: السواك بالأشنان والسّكّر وسحيق الصينى، أو الفحم والملح المدقوق.
ما يخضب البرص: القلقديس (8) والعفص والزنجار من كل واحد جزء
__________
(1) فى الأصل: «ما يعم».
(2) فى الأصل: «واللوز والمر» صوابه من التحقيق. وانظر ما يأتى فى ص 382س 6.
(3) فى التحقيق: «ويخلخله»، ولم أهتد إلى صوابها.
(4) فى الأصل: «المولودة».
(5) فى الأصل: «واللوز والمر»، صوابه فى التحقيق.
(6) الشونيز: الحبة السوداء.
(7) هو المردقوش، معرب مرزنگوش الفارسية. وعربيته السمسق.
(8) هذا ما فى التحقيق، وفى الأصل: «القلقل يس» تحريف. القلقديس هو الزاج، كما فى تذكرة داود فى أول حرف الزاى من المفردات، وكذا معجم استينجاس 985 وذكر أنه من اليونانى:(1/381)
يعجن بماء [و (1)] لبن التّين، ويغرز مواضعه بإبرة ويطليه أربعة أيام فى الشمس يبقى أربعين يوما، أو يطلى بمرّ وخلّ.
ما يقتل القمل والصّئبان من الشعر والبدن، بالبورق والميوبزج (2) وماء السّلق أو دردىّ الشّراب والصابون.
ما يزيل الشّعث الذى يكون فى أصول الأظفار: غسلها بالخل والعسل والمرتك، أو دهن الورد واللوز المرّ، ويعالج البرص منها بالزرنيخ والكبريت.
ما يطيب الفم: مضغ العود الرطب والكسفرة والفوفل (3) وقشور الأترجّ، والمضمضة بالخل والماورد والعود المنقوع فى الشراب، وأكل البنّ بعد الطعام وقبل الصّحناة (4).
ما يطيّب الجسد: الصّندل والورد والمرتك المربّى بماء الورد، والبخورات بالمثلثة المآخين (5) وخلط الثياب بالعقبات والمعمولة من الرياحين على التفاح والفواكه المبخرة بالكافور.
ما يستعمل فى الثيب لتصير كالبكر: قلوب الرمان الحامض وعفص أخضر يعجن بمرارة البقر ويتحمل فرزجة (6).
__________
(1) التكملة من التحقيق.
(2) داود: ميوبزج: زبيب الجبل، ويطلق على ضرس العجوز أيضا. وضرس العجوز هو الحسك.
(3) الفوفل بضم الفاء وفتحها: نخلة كنخل النارجيل تحمل كبائس فيها الفوفل أمثال التمر.
(4) الصحنا والصحناة ويمدان ويكسران: إدام يتخذ من المك الصغار والملح.
القاموس والمعتمد لابن رسولا 197. وقال داود: «لا تعرف إلا بالعراق، ويقرب منها ما يعمل بمصر ويسمى: الملوحة».
(5) كذا فى أصله.
(6) الفرزجة فارسية، ومعناها ما تحمله المرأة من دواء.(1/382)
ما يصبغ البياض الذى فى سواد العين: لبن أتان حارّ.
ما يغير زرقة العين لتصير كحلاء: يقطر فيها ماء قشر الرمان الحلو.
ما يخفى الحمل: وصاة النخّاس الجارية أن تعتمد الشّداد وتظهر الدم الكاذب المصنوع من ماء الصمغ ودم الأخوين. هذا إذا لم يمكنها إعداد دم من حيوان.
ومن ذلك ما يتعلق بالحمل: شيئان، وهما: تحقّق الحمل ليعلم صحته. ومعرفة ذلك يتم بأن يوضع تحت المرأة بخور كالعنبر ونحوه ويمنع خروجه من أردانها أو فرج أثوابها فإن ظهرت الرائحة من فيها فليست حاملا، وبالضد.
معرفة الحمل هو بذكر أو أنثى، وهذا يتبين فى الذكر من سرعة الحامل وإشراق لونها، وأن يقدّر بخيط من وسط السّرّة إلى وسط الفقارة المحاذية لها من أحد الجوانب ويعلّم المكان بمداد وتديره إلى الجانب الآخر، فإن نقص الخيط عن العلامة من الجانب الأيمن فهى حامل بذكر، وإن طال فبأنثى.
ومن ذلك ما يوصى به النخاسون الجوارى، ثلاثة أشياء، تفصيلها:
من وصاياهم لهنّ أن يصرفن العناية كلّها إلى النظافة والطّيب، والتبرج للمشترى تارة والاختفاء أخرى، فإن هذا باب من التحبب مالك القلوب.
ومن وصاياهم لهنّ أن يظهرن أجمل ما فيهنّ، ويخفين أقبح ما فيهن.
ومن وصاياهم أن يدارين المشايخ والنافرى الطباع ويستميلونهم، ويتجنّون على الشباب ويمتنعون عليهم، ليتمكّنوا من قلوبهم.
ومن ذلك ما يأخذونهنّ به فى زينتهنّ شيئان، وهما: ما يلزمونهن من تحمير
خدودهن بالنشاستج، وغسل سواريهن بالحصر (1)، وخضاب حواجبهن بالرّامك، وأطرافهن إن كانت الجارية بيضاء بالخضاب الأحمر، وإن كانت سوداء بالذّهبى والأحمر، وإن كانت صفراء بالأسود.(1/383)
ومن ذلك ما يأخذونهنّ به فى زينتهنّ شيئان، وهما: ما يلزمونهن من تحمير
خدودهن بالنشاستج، وغسل سواريهن بالحصر (1)، وخضاب حواجبهن بالرّامك، وأطرافهن إن كانت الجارية بيضاء بالخضاب الأحمر، وإن كانت سوداء بالذّهبى والأحمر، وإن كانت صفراء بالأسود.
ما يفعلونه فى ملابسهنّ، فإنّهن يلبسن الأبدان البيض الخصبة (2) الشفافة الثياب الخفيفة الكحالىّ والمورّدة، والسود الغلائل الحمر والصّفر، ويجرون الصّناعة مجرى الطبيعة فى كشف الضدّ بالضّدّ فى ألوان الزّهر.
__________
(1) كذا فى الأصل.
(2) فى الأصل: «الحصبة».(1/384)
[6]
فيما يعتبر به أرباب الصنائع من العبيد والإماء
وأضيف إلى ذلك ما يعتبر به أرباب الصنائع (1) من العبيد والإماء، ثلاثة عشر فصلا، ومن ذلك فصول ينتفع بها فيما نحن بسبيله وعددها ثلاثة فصول، شرحها:
(الأول): فى فصل منبّه على ما فضّل فيه النساء على الرجال، ويجرى هكذا:
طبع الرجال على جميع الصنائع، واختصّ النساء بالغناء والغذاء، فهنّ أطيب طبيخا منهم لثباتهنّ فى العمل، وأحسن غناء لأنّهن مطبوعات على النغم، لكن فيهم درّ ومشخلب (2)، ولهذا يحتجن إلى جهابذة ينتقدونهنّ.
(الثانى): فى الجيد من الغناء، ويجرى هكذا:
إذا اجتمع للغناء أن يكون مطبوعا سليما من الخروج والفور، وكانت الجارية شحروريّة الصوت، جيدة الصنعة والضرب، صحيحة التأدية للشعر، قد أخذت عن الحذّاق وتزيّدت من نفسها بجودة الطباع، فهى الغاية القصوى فى هذا الشأن، فإن اتّفق لها مستمع عارف بالطرائق والضّرب واللحن ومجرى الأصابع، وقائل الشعر وما فيه من العروض والنحو، وما فى الصوت من ردّات وترجيحات وشذرات ونقرات وتشييعات، كان أوفر فى الّلذّة وأنفق للصناعة.
__________
(1) وردت الكلمة قديما فى التنبيه للمسعودى 5وإنباه الرواة للقفطى 1: 195 والدرر الكامنة لابن حجر 2: 420.
(2) فى اللسان (شخلب): «قال الليث: مشخلبة كلمة عراقية ليس على بنائها شىء فى العربية، وهى تتخذ من الليف والخرز أمثال الحلى. قال: وهذا حديث فاش فى الناس:
يا مشخلبة، ماذا الجلبه، تزوج حرملة، بعجوز أرملة. قال: وقد تسمى الجارية مشخلبة بما يرى عليها من الخرز كالحلى»: وانظر المعرب للجواليقى 415. وقد جاء قديما فى قول الوليد بن يزيد:
قد راح نحو العراق مشخلبه ... قصاره السجن بعده الخشبه
الأغانى 1: 160.(1/385)
(الثالث): فى الطيّب من الطبيخ واللذيذ من الغناء. اختلف الناس فى ذلك ثم اتّفقوا على أنّ هذا أمر يقال بالقياس إلى السّمع والذوق، وكلّما كانت هاتان الحاسّتان سليمتين فى جوهرهما، معتدلتين فى مزاجهما ذكيتين فى حسهما كان ما يدركانه لذيذا فى نفسه وعندهما (1)، ومتى خرجت عن طباعها وهذا بلا نهاية عندنا كان اللذيذ بقياسا لا فى نفسه. ولهذا بعض الناس يستفره نقرة فيقول:
الغناء ما أطرب. وآخر لاه عن تلك النقرة، وواحد يشتهى لونا، وآخر عنده ذلك اللون غير شهىّ.
ومن ذلك اعتبارات الصنائع على اختلافها فى العبيد والإماء، أربعة 35 فصول، منها.
الطبّاخات: عمدة الطبيخ على طيب المرق وجودة المزاج، فإن اتّفق للطبّاخة مع هذا جودة الصنعة وسرعة العمل فذاك غاية الأمل. وقلّ ما يتّفق أن تكون كاملة فى البوارد (2) والشّواء والطبيخ والحلواء على أصنافها الثلاثة، فهذا مما يعجز عنه قدر النساء. والذى يمتحنون (3) به الإسفيدباج (4)، والدّيكبراكة (5)
__________
(1) فى الأصل: «سليمة فى جوهرهما معتدلة فى مزاجهما ذكية فى حسهما كان ما يدركه لذيذا فى نفسه وعندها».
(2) فى حواشى كتاب الطبيخ لمحمد بن الحسن البغدادى بتحقيق الدكتور داود الجلبى ص 56: «هى البقول المطبوخة الموضوعة فى الأشياء الحامضة كالخل وماء الحصرم والسماق وماء التفاح والريباس والماست. كتاب الأغذية والأشربة من الخمسة النجيبية، لنحيب الدين السمرقندى».
(3) فى الأصل: «يمتحنوا».
(4) ضرب من الطعام يصنع من اللحم والبصل والحمص والأبازير. انظر صنعته فى كتاب الطبيخ للبغدادى 23. ويقال له أيضا «إسفيدبا» كما فى معجم استينجاس 58. ومعنى كلمة «إسفيد» فى الفارسية الأبيض، واللامع.
(5) جاءت فى كتاب الطبيخ 12: «ديكبريكة». ووجد الدكتور داود جلبى ضبطها فى أصل نسخته بفتح الكاف الأولى وسكون الباء وكسر الراء، قال: «وأظنها من الآرامية:
«ديكابريكا»، ومعناها الديك المبارك». وصنعة هذا اللون قريبة من صنعة سابقه.(1/386)
أما الإسفيدباج فلأنّ الأبازير مطيّبة لها، وكثرتها يسوّد مرقها، وأتقنها بياضها (1) فلهذا يتعذّر سلامتها. وأما الديكبراكة فلأنها لون سهل يتبين فى التلطّف فى منع سهوكتها.
الخزّان: يختار لحفظ الأموال الروم، لأنّ السخاء ليس فى لغتهم (2).
واعتبارهنّ يكون بإمراجهن (3) فى مال معلوم الوزن وإهمال مراعاتهنّ والتصفّح له من بعد بغتة.
الحواضن والدايات: يختار لتربية الأطفال النّوبة لأنهن من جنس فيه رحمة وحنين على الولد، وليس يلقّنّ الطفل لغة بشعة، ويختار للرّضاع الظّئر الصحيحة الجسم، الحديثة السن المعتدلة المزاج، المائلة إلى البياض المشرب حمرة، الصحيح الولد واللبن. واعتبار اللّبن أن تقطر على ظفرك منه فإذا صار كالعدسة لا غليظا مقبّبا ولا مائعا سيّالا، وكان طيّبا فى رائحته، أبيض فى لونه، كان جيدا.
وبعض الأطباء اختار الزّنج للرضاع، لأنّ حرارتهنّ البارزة نحو الأثداء منضجة للبن، ولأنّهن لغلظه أكثر غذاء. وقال قوم: إنّ قياسه قياس لبن الأتن فى اللّطافة، لغلظ أجسامهن.
رجال الحرب والنجدة: يختار لذلك التّرك والصقالبة، لحرارة قلوبهم.
واعتبارهم يكون بإيراد الأشياء المفزّعة بغتة، كإلقاء الحيات الخرق (4) أو طرح الأشياء التى لها صوت عظيم من علو بين أيديهم.
__________
(1) فى التحقيق 251: «وحسنها بياضها».
(2) فى التحقيق 252: «ليس فى طباعهم ولا أخلاقهم».
(3) كذا. وفى التحقيق: «فمن أراد أن يجعل خازنا غلاما أو جارية فليعتبرهما بإمراجهما» وفى الأصل «بإمراجهن» تحريف. يقال أمرج الدابة: تركها تذهب حيث شاءت.
(4) فى الأصل: «الخرت». وفى التحقيق 252: «كإلقاء حيات الخرق».(1/387)
ومن ذلك ما يتعلق بالقيان ستة فصول، شرحها:
العوّادات: يعتبرن بالعشرة الأصوات المعيّن عليها من المائة المختارة، وخاصة بالثانى ثقيل، وعموده ثلاث عشرة نقرة.
الرقّاصات: يحتاج الرقّاص أن يكون طريّا فى طبعه، مجوّدا فى صنعته، معتدلا فى جسمه وقامته، عريض الصّدر (1) ليمتد نفسه، مجدول الحشا لتخف حركته.
وهذا يعرف من إحضاره وصياحه، ويكون قيّما بالبابات (2) جميعها لا سيما الشّيرازية منها.
الكرّاعات (3) يعتبرن بالأرمال والأهزاج والنّصبى (4) والكاكانى (5).
الزوامر: يختار لهن الزنج لأنهن مطبوعات على الإيقاع. ولما يمنعهن عجومة (6)
ألفاظهن عن الغناء عدل بهن إلى الزمر والرقص.
الطنبوريات: ذوات الطنبور البغدادى، يعتبرن بالزريقى والحجفى وخفيف رمل ابن طرخان. ومن آدابهن على الإجمال إصلاح آلاتهن قبل حضورهن
__________
(1) فى الأصل: «الصلب»، وصوابه فى كتاب التحقيق ص 249.
(2) البابات: الوجوه والطرق، أى طرق الرقص. فى الأصل: «بالنايات»، صوابه فيما أرى من كتاب التحقيق 249.
(3) الكراعة: كلمة مولدة كما فى اللسان (كرع). وفى شفاء الغليل للخفاجى:
كراعة: مغنية تغنى على طبل صغير. قال ابن الرومى:
ألق إليها أذنا واستمع ... أبرد ما غنته كراعه».
(4) فى الأصل: «العصبى» وفى التحقيق: «النفى» بإهمال الحروف ما عدا الفاء.
وقد سبق الكلام على «النصبى» فى حواشى 324من المجموعة الثالثة.
(5) كذا فى الأصل.
(6) انظر ما سبق فى ص 374س 15.(1/388)
للغناء، واستصحابها إذا نهضن لا سيما إذا كن بارزات دون الستائر.
الدف بالزرفن (1).
[صورة ما ورد فى ختام الأصل]
تمت الرسالة فى شرى الرقيق وتقليب العبيد، تأليف الشيخ أبى الحسن المختار بن الحسن بن عبدون البغدادى المتطبب.
والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
__________
(1) كذا. وفى كتاب التحقيق 249: «والدفافات يعتبران بالزفن». والدفافة:
الضاربة بالدف. والزفن: الرقص.(1/389)
هداية المريد فى تقليب العبيد
صنيع عريق الذنوب، غريق بحر العيوب راجى عفو مولاه، والدخول ساحة حماه فقير ربه المتعالى، محمد الغزالى، لطف الله به(1/391)
مقدمة
وهذا كتاب آخر، موضوعه مشابه لكتاب ابن بطلان، يتناول الكلام على اختيار الرقيق، وكأنه صدى لكتاب ابن بطلان.
ومؤلف هذا الكتاب رجل مغمور من رجال العصر العثمانى فى مصر الذى امتد ثلائة قرون. بين سنتى 923و 1212، هو «محمد الغزالى» الذى لم أستطع أن أعثر له على ترجمة، ولكنه فى مقدمة كتابه يهدى كتابه إلى أحد الرجال الرسميين فى مصر، هو «أحمد بن محمد، أفندى الديار المصرية»، يقول المؤلف فى شأنه «فاجتمعت بمولانا فى خلوة الأنس والمدام، فاستجزته وستأذنته فأجاز وأذن فى الإقدام، استعطافا لخاطر الفقير، وجبرا منه للقلب الكسير».
ونسخة الكتاب لم أهتد إلى أخت لها فيما أدانى إليه البحث، وهى مودعة بدار الكتب المصرية برقم (40فراسة) كتب على الصفحة الأولى منها:
«أمانة سيدى عبد الله شبراوى ولله الحمد فى 3من صفر الخير سنة 1126عند كاتبه حسن على محفوظ». وفى آخرها: «عند كاتبه حسن على محفوظ لسيدى عبد الله شبراوى حفظه الله تعالى فى 3من صفر الخير شهور سنة 1126».
ولعل هذا المالك هو الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين القاهرى الشافعى الشهير بالشبراوى، تلميذ الخرشى. وكان الشبراوى شيخا للجامع الأزهر ولد سنة 1091وتوفى سنة 1172وترجمته فى سلك الدرر (1).
وفى الصفحة الأولى من النسخة تمليك نصه «من نعم الله على عبده الفقير محمد الشربينى الجراح، خادم الفقراء الضعفاء بدار الشفاء فى سنة 99». وتحتمل أن تكون سنة 1199، أو 1299.
والنسخة فى 12ورقة صغيرة بهامشها حواش وتعليقات حرصت أن أنقل المهم منها، لما له من قيمة علمية تاريخية لا لأنه ذو فائدة محققة، فنحن إنما نعرض هذه المنشورات للتاريخ ولبسط الثقافات العربية القديمة وتقديمها لجمهرة الباحثين.
__________
(1) سلك الدرر فى أعيان القرن الثانى عشر، لمحمد خليل المرادى 3: 107.(1/392)
النص
بسم الله الرّحمن الرّحيم وهو حسبى وكفى حمدا لك يا من أبدع نوع الإنسان فى أحسن نظام، وركّبه من أعصاب وشراسيف وأوردة ولحم وعظام، وجعل هيكله معرضا للصحّة والأسقام، وروحه مركزا لكمال الإنعام، وصلاة وسلاما على خلاصة العناصر، قطب دائرة الوجود محطّ المآثر، وعلى آله وصحبه ما استدلّ الآسى على اعتدال المزاج، واستعمل قانون التدبير فى كيفية العلاج.
وبعد فلمّا استولى على أرض الخلد، حليف التواضع موقع الاعتقاد والمدد، سقتها هامعة الغمام من لطافته، فاهتزّت وربت من ظرافته، وأنبتت حبة المحبة فالتقطها الأماثل، وتناولها فضا الأفاضل (1)، فعادت غذاء الأشباح، وحياة روح الأرواح. وكيف وهى حبّة محبّة من
دعا فأجابته المعانى مطيعة ... وقد كان منها منعة وإباء
وشرّفت الدّنيا بأوصافه التى ... تقاصر عن إدراكها القدماء
وألقت له العليا زمام انقيادها ... فمنها له ما يبتغى ويشاء
مولانا مالك زمام شريعة سيد المرسلين أحمد، أحمد بن محمد، أفندى الديار المصرية، صاحب الأخلاق المرضية، لا زال اقتران الاسمين عائدا بصلة السّرّ الربانى عليه، مشيرا بسوق يعملات السّعادة لديه، ولا برح ابن بوحه البزيع فاتقا لرتق أبكار المعانى، محرزا لقصبات السّبق فى مضمار حلّ رموز المبانى،
__________
(1) كذا وردت العبارة. ولعلها «فضلاء الأفاضل».(1/393)
ما غرّدت بنات الأيك على غصون الأشجار، وفاحت مسكيّة عرف النّسيم فى غضون الأسحار وكان الفقير الخمول ممن له ترداد على مجلس مولانا أفندى الموما إليه، لمزيد حبه للفقراء وحسن تودّده إليهم، وشدة اعتقاده فيهم دعانى الخاطر أن أجمع رسالة فى العلامات الدالة على صحة أبدان الأعبد، والعلامات الدّالة على ضعفها، وذلك لأنّه ممّا يحتاج إليه الإنسان عند شرائهم، وأن أرتبها على سبعة فصول وخاتمة، وأن أقدّمها لمولانا المشار إليه. فاتّهمت الخاطر أيّاما فوجدته صحيحا، لصحّة علّته الحاملة، فاجتمعت بمولانا فى خلوة الأنس والمدام، فاستجزته واستأذنته فأجاز وأذن فى الإقدام، استعطافا لخاطر الفقير، وجبرا منه للقلب الكسير.
وها أنا أشرع فى التّرجمة ثم فى المقصود فأقول:
الفصل الأول: فى العلامات الدالة من جهة مزاج البدن ولونه وهيئة تركيبه وسطحه.
الفصل الثانى: فى العلامات الدالة من جهة الرأس والعنق.
الفصل الثالث: العلامات الدالة من جهة الصدر واليدين.
الفصل الرابع: فى العلامات الدالة من جهة الأحشاء والكليتين والمثانة والأنثيين والقضيب والمقعدة.
الفصل الخامس: فى العلامات الدالة من جهة الرجلين وخصوص الركبة والساقين.
الفصل السادس: فى العلامات الدالة من جهة السمن والهزال، والطول والقصر.
الفصل السابع: فى العلامات الدالة من جهة كيفية مزاج مطلق البدن وطبعه.
الخاتمة: فيما يناسب العبد إذا اشتراه من الرياضة والراحة والدعة.(1/394)
الفصل الأول
فى العلامات الدالة من جهة مزاج البدن ولونه وهيئة تركيبه وسطحه، أى بشرته ليعلم يا إنسان عين الزمان (1) أنه من أراد شراء عبدأ بيض كان أو أسود، ذكرا كان أو أنثى، ينبغى له أن ينظر إلى لون بدنه، فإن وجده حائلا كالأصفر دلّ ذلك على غلبة الصفراء، وعلى سوء مزاج حارّ مطلقا، أو على سوء مزاج حارّ فى خصوص الكبد. وإن وجده أبيض جصّيّا دلّ على سوء مزاج بارد، أو على برد الكبد ورطوبتها وغلبة البلغم. وإن وجده أسود كمدا يشبه لون الرّصاص دلّ على سوء مزاج بارد يابس، وعلى برد مزاج الكبد ويبسها، وعلى غلبة السوداء وضعف الطّحال. وإن وجده أبيض تعلوه حمرة قليلة أو أسمر سمرته صافية، أو أسود سواده حلك برّاق مع حمرة الشفتين دلّ على حسن المزاج وصحة البدن.
وأن ينظر إلى هيئة بدنه، فإن وجد أعضاءه بعضها أكبر من بعض، كأن وجد رأسه كبيرا، ورقبته دقيقة، وصدره ضيقا أو وجد رأسه صغيرا، ورقبته غليظة، وصدره مخالفا لذلك أو وجد رأسه صغيرا، وبدنه كبيرا، ورجليه قصيرتين، دلّ على رداءة الطبع وقبح المنظر. وإن وجدها حسنة الشكل جيدة التركيب متناسبة متشابهة بعضها ببعض فى العظم والصغر، والسمن والهزال.
والطول والقصر، دلّ على جودة الهيئة وصحة التركيب.
وأن ينظر إلى سطح بدنه، أى بشرته، فإن وجده قضيفا جدا دلّ على
__________
(1) انظر ما سيأتى فى أول «الخاتمة».(1/395)
شدّة الحرارة واليبس، والاستعداد لحدوث بعض الأمراض. وإن وجده سمينا جدا دلّ على كثرة البرودة والرطوبة والبلغم، ولا يأمن صاحبه من موت الفجاءة وحدوث المرض البطىء البرء كالسّكتة والفالج، واللّقوة والصّرع، وما يجرى هذا المجرى. وإن وجد فى بدنه موضعا مضيئا فقد يكون برصا أو قوباء أو بهقا أبيض أو أسود، وإن وجد فيه كيّا أو صبغا فليتفقّد ذلك تفقدا جيدا، لاحتمال أنّه فعل ذلك بسبب برص، وإن وجد موضعا مغايرا للون البدن، فلينظره نظرا شافيا، لاحتمال أنّه برص صبغه بالشيطرج (1) أو غيره، فيغسله المشترى بالأشنان والخل، ويدلكه بخرقة خشنة دلكا جيدا، فإن كان برصا ظهر واتّضح. وإن وجد فى بدنه آثار قروح فليسأل بائعه هل عضّه كلب؟ فإن قال نعم كان ذلك فلا يشتريه، فإنه لا يأمن من أن يكون ذلك الكلب كلبا فيؤول الأمر بصاحبه إلى الخوف من الماء ثمّ الموت. وإن وجد البدن خاليا عن جميع ذلك سالما منه دلّ على صحته.
الفصل الثانى
فى العلامات الدالة من جهة الرأس والعنق وينبغى أيضا أن ينظر إلى رأسه، فإن وجده خفيفا ممرّطا، ونباته متفرقا متباعدا، دلّ على فساد جلد الرأس، ورداءة مزاج الدماغ. وإن وجده لينا، دل على الجبن، وإن وجده منتقضا متساقطا بكثرة دلّ على يبس الدماغ. وإن وجد به داء الثعلب أو داء الحية (2) دلّ على أخلاط ردية مفسدة للشعر. وإن وجده سالما من ذلك وخشنا دلّ على جودة مزاج الدّماغ والشجاعة.
__________
(1) نبات ينبت كثيرا فى القبور والحيطان القديمة والمواضع التى لا تحرث، له زهر أحمر يطول نحوا من ذراع.
(2) انظر ما سبق فى كتاب ابن بطلان ص 381.(1/396)
وأن ينظر إلى جلدة الرأس فإن وجد بها حزازا (1)، أو شطفة (2) وبثرا، أو أثر قروح وجرح غائر، دلّ على عظم قد سقط من القحف. وهذا ردىّ لا يؤمن أن يقع بهذا الموضع صدمة أخرى من شىء حادّ فيبلغ الدماغ فيخرجه، أو من شىء ثقيل يرضّه فيتلفه.
وأن ينظر إلى شكل القحف، فإن وجده مسفّطا جدّا (3) دلّ على الرداءة من جهتين: أحدهما: سرعة الصّرع، وثانيهما قبح المنظر.
قال صاحب لقط المنافع (4): أما صغر الرأس وكبره فسببه المادة النّطفية إن قلّت قلّ، وإن كثرت عظم.
وإذا كان الرأس صغيرا حسن الشكل، كان أقلّ رداءة من الصغير الردىء الشكل، على أنه لا يخلو من رداءة هيئة الدماغ، وضعف من قواه. ولهذا قال أصحاب الفراسة: يكون هذا الإنسان لجوجا سريع الغضب متحيّرا فى الأمور.
قال جالينوس: لا يخلو صغر الرأس البتة عن دلالة على رداءة هيئة. وكبر الرأس ليس دليلا فى كلّ وقت على جودة الدماغ ما لم يقترن به جودة الشكل وغلظ العنق وسعة الصدر، فإنها تابعة لعظم الصّلب والأضلاع التابعين لعظم النخاع وقوّته، التابعين لقوة الدماغ.
وإذا كان الرأس مستديرا دلّ على بعده عن الخير إذا كانت الجبهة مستديرة، والوجه طويلا والرقبة غليظة، وفى العين بلادة.
__________
(1) فى حاشية الأصل: «الحزاز وهو النخالة التى تكون فى الرأس، سببها مادة حادة بورقية أوسوداوية أو دم سوداوى أو أبخرة حادة أو يبس». وفى اللسان: «والحزاز:
هبرية فى الرأس كأنه نخالة، واحدته حزازة».
(2) كذا وردت هذه الكلمة. ولعلها «السعفة»، وهى قروح تخرج بالرأس.
(3) انظر ما سبق فى حواشى 359.
(4) هو ابن الجوزى. ولقط المنافع: كتاب له فى الطب جعله على سبعين بابا، ثم اختصره وسماه مختار المنافع. كشف الظنون.(1/397)
وأن ينظر إلى عينه، فإن وجدها عظمت فهو قبيح كسلان، وإن وجدها غارت فبه داء خبيث، وإن جحظت فهو وقح مهذار، وإن وجدها ذاهبة فى طول بدنه فهو مكّار خبيث، وإن وجدها كأنها نائتة (1) وسائر العين لاط (2)
فهو أحمق. وإن وجدها صغيرة غائرة فهو مكار حسود. وإن وجدها ناتئة (3)
صغيرة كعين السرطان فهو جهول ميّال إلى الشهوات. وإن وجدها كبيرة ترعد فهو شرّير إن صغرت حدقتها وإن وجدها عظيمة فهو قليل الشر عظيم الحمق (4).
وإن وجد حدقتها شديدة السّواد فهو جبان. وإن وجدها زرقاء صغيرة فهو كسلان بطّال كثير المحبّة للنساء. وإن وجدها زرقاء مشوبة بصفرة كالزّعفران فهو ردىء الأخلاق جدّا. وإن وجدها زرقاء وهو أشقر اللون فهو ردىء جدا.
وإن وجدها زرقاء مشوبة بصفرة وخضرة كالفيروزج فهو أردأ الناس. وإن وجد فيها نقطا حمرا أو بيضا فهو شر الناس وأرداهم. وإن وجدها بيضاء بياضها كدر فهو غير جيّد الحدقة. وإن وجدها مع ذلك مستديرة كعين الأسد، والوجه متعجّر، فهو ممن حدث له الجذام. وإن وجدها شهلاء فهو جيّد العين. وإذا لم يكن شهلها شديد البريق، ولا مشوبا بصفرة ولا حمرة فهو شديد جودة العين.
وإن وجد فى عينه عروقا حمراء دلّ على حصول السّبل له (5)، وإن وجد حاجبها
__________
(1) فى الأصل: «ثابتة»، صوابه من كتاب جمل أحكام الفراسة ص 3. والناتئة:
المرتفعة.
(2) اللاطىء: اللازق.
(3) فى الأصل: «ثابتة»، صوابه من كتاب جمل أحكام الفراسة.
(4) نص الرازى: «صاحب العين الكثيرة الرعدة شرير إن كانت صغيرة، وإن كانت عظيمة نقص من الشر وزاد فى الحمق».
(5) جاء فى حواشى الأصل: «السبل: عروق تمتلىء دما وتسود وتحمر، وأكثره مع سيلان دم وحمرة وحكة. وهو ثلاثة أنواع: أحدهما يعرف بالسيل الرطب، كأنه نسيج العنكبوت بعروق حمر دقاق ويكون معه رطوبة عظيمة فى العين. والثانى يعرف بالسبل اليابس وتكون معه العين ناشفة كأنها صحيحة غير أن العبا (؟) يكون مسبلا. والثالث المستحكم الذى قد غلظ ومنع البصر وبيض الحدقة».(1/398)
كثير الشعر فهو كثير الهم والحزن غثّ الكلام، وإن وجد مأقها الذى يلى الأنف تسيل منه رطوبة فليعصره فإن خرج منه زيادة رطوبة دلّ على مرض الناصور (1)، وإن وجد فى هذه المآقى زيادة لحميّة ناتئة منبسطة نحو الحدقة فهى ظفرة (2)، وإن وجد جفنها منتثرة (3)، دلّ على مادّة حادّة تصل إلى أصول الأجفان فتمنعها من جودة البصر وتسقطها، وإن وجد الجفن ثقيلا مسبلا دلّ على غلظ أو جرب أو شعرة. وإن وجده منكسرا أو مكبوبا من غير علة فهو ما كر أحمق كذّاب.
وينبغى له أن يمتحن بصره قوّة وضعفا، بأن يريه أجساما مختلفة الأشكال فإن كان لا ينظرها نظرا جيّدا، أو كان ينظر إلى القريب منها نظرا جيّدا دون البعيد أو بخلاف ذلك فبصره ردىء، ودلّت العلامة على آفة قد نالت الدّماغ والرّوح الباصر.
وأن ينظر إلى سمعه، فإن وجده ثقيلا بأن يكلّمه فلا يجيبه، دلّ على أنّ بسمعه آفة، إما من شدّة عارضة فى ثقب الأذن، والشدة إما من لحم نابت أو ئألول (4)، أو من قبل شىء عارض. فإن كانت من شىء عارض، كحصاة أو فولة أو شعيرة أو وسخ، فإنها تزول بالآلة انتى يخرج بها ما يسقط فى الأذن.
وإن كانت من غير ذلك فبرؤه عسر. وإن وجده كبير الأذن جاهل بليد طويل العمر.
وأن ينظر إلى أنفه، فإن وجد غلظا [أو] جسا (5)، دلّ على أن هناك لحما
__________
(1) انظر ما سبق فى ص 361.
(2) انظر ما مضى فى حواشى ص 361.
(3) كذا فى الأصل.
(4) هذه لغة عامية فى «الثؤلول» نص عليها ابن الجوزى فى تقويم اللسان. والثؤلول:
واحد الثآليل، وهو الخراج يخرج فى الجلد.
(5) فى الأصل: «فإن وجده غليظا جشا» تحريف انظر له ما سيأتى فى أول الفصل الرابع. والجسا: اليبس.(1/399)
زائدا وقروحا فى المنخرين، فينبغى أن ينظر إليه فى موضع مضىء مقابل للشمس ليظهر له ذلك.
قال صاحب لقط المنافع (1): من كان طرف أنفه دقيقا فإنّه يحب الخصومة، ومن كان أنفه غليظا ممتلئا فهو قليل الفهم، ومن كان غليظ الشّفة فهو أحمق غليظ الطبع، ومن كان قليل صبغ الشّفه فهو ممراض، ومن كان كثير لحم الخدّين فهو غليظ الطبع.
وأن ينظر إلى لسانه فإن وجده ثقيلا أو ألثغ أو ليس بيّن الكلام دلّ على صغر اللسان أو غلظه أو قصره، أو قطع جزء منه، أو آفة للعصب اللسانى، أو غير ذلك من الآفات، أو من سنّ قد انقلعت. وإن وجد فيه آثار قروح قد اندملت، فليسأل صاحبه عن السبب، فإن قال سببه قرحة عرضت فى لساته، أو ورم انفجر واندمل، فلا يشتريه حتى يفحص عن ذلك فحصا جيدا، لاحتمال أن انصرع فعضّ لسانه فتورّم وتقرّح، وأن يسمع صوته فإن وجده أبحّ حادّا دلّ على أنّ هناك جذاما سيظهر.
وقال بعض الأفاضل من العلماء: حسن الصوت دليل على الحمق وقلّة الفطنة.
وأن ينظر إلى أسنانه، فإن وجدها ساقطة، ولا سيما الثنايا والأنياب والأضراس، دلّ على القبح، والمنع من بيان الكلام والمنع من جودة المضغ، وإن وجد سقوطها من قبل أن يثغر فإنه إذا ثغرت عادت أجود مما كانت، وإن وجد سقوطها من بعد إثغاره فإنها لا تعود. وأن ينظر إلى لون أسنانه، فإن وجده أبيض أو أسود فهو عيب قبيح إلّا [أن] يكون قبل إثغاره فإنّ الإنسان إذا ثغر عادت أسنانه ولونها إلى أحسن ما كانا وأجود وأقوى.
__________
(1) انظر ما سبق فى حواشى 397.(1/400)
قال أبو الفرج بن الجوزى (1) رحمه الله: وتفريق الأسنان وضعفها ورقتها دليل على ضعف الجسد (2) وقصر العمر. واللّحم الكثير الصّلب دليل على غلظ الحسّ والفهم. ومن وقع عليه عند الضّحك سعال أو ربو فإنّه وقح سليط.
وقال فى موضع آخر: وأن يتفقّد أسنانه، فإن القويّة طويلة البقاء، والرّفيعة (3) سريعة السّقوط، والضعيفة المتفرقة تدلّ على قصر العمر.
وأن ينظر إلى لثاة أسنانه، فإن وجدها متشعّبة أو مسترخية أو فيها قروح (4)
دلّ على الرداءة. وأن يشتّم نكهته، فإن وجدها متغيّرة، فتعيّرها إمّا من عفونة اللّثاة أو من ضرس متآكل أو من بلغم عفن فى المعدة. فإن كان من الأوّل فيزول بتقوية اللّثة بالأدوية الفابضة، واستعمال الأدوية الحارّة. وإن كان من الثانى فيزول بقلع الضرس المتآكل، أو بتنقيته أو بكيّه. وإن كان من الثالث فلا يسهل برؤه.
وأن ينظر إلى لهاته، فإن وجدها نازلة إلى السّفل كثيرا دلّ على الرّداءة، من جهة أنه متى عرض لها ورم تبعه الخناق. وإن وجدها مسترخية دلّ على الرّداءة من جهة أنّ صاحبه يعرض له السّعال كثيرا.
وأن ينظر إلى حلقه من خارج، ويمسّ الغدد التى هناك، فإن وجدها ظاهرة
__________
(1) يعنى، فى كتابه «لقط المنافع».
(2) فى حواشى الأصل: «قال السموأل: واجتماعها أجود من تفرقها، وإن كان الشنب مذهبا محبوبا عند العرب»: قلت: السموأل هذا هو السموأل بن يهوذا المغربى، من العلماء الذين قدموا إلى المشرق، وأقام بمدينة المراغة مراغة أذربيجان، وأولد أولادا سلكوا طريقته فى الطب، وأسلم فحسن إسلامه، وصنف كتابا فى إظهار معايب البهود وكذب دعاويهم فى التوراة، ومات قريبا من سنة 570. القفطى 142.
(3) الرفيعة هنا بمعنى الرقيقة. وهى صحيحة. جاء فى شرح درة الغواص للحريرى ص 118: «والناس يقولون ثوب رفيع بمعنى رقيق، كذا فى أدب الكاتب، وهو مجاز، ولذلك أهملوه فى كتب اللغة».
(4) فى الأصل: «قروحا».(1/401)
تحت الملمس مع صلابة كان ذلك دليلا على الخنازير (1).
وأن ينظر إلى لون وجهه، فإن وجده مثل لهب النّار فهو عجول مجنون، وإن وجده رقيقا فهو مستحى، وإن وجده أخضر أسود فهو سيّىء الخلق. وأن ينظر إلى استدارة وجهه، وإلى نحافته، وإلى صغره وطوله، فإن وجده شديد الاستدارة فهو جاهل، وإن وجده نحيفا فهو مهتمّ بالأمور، وإن وجده صغيرا فهو دنىء خبيث ملّاق، وإن وجده طويلا فهو وقح. وأن ينظر إلى عنقه، فإن وجده قصيرا جدا فهو مكّار خبيث، وإن وجده طويلا دقيقا فهو صيّاح أحمق جبان. وإن وجده كثير الشعر فهو أحمق شديد الحرارة.
الفصل الثالث
فى العلامات الدّالّة من جهة الصدر والإبطين واليدين وينبغى له أيضا أن ينظر إلى صدره، فإن وجده ضيقا والكتفان مرتفعان كأنّ له جناحين والظهر منحنيا دلّ على مرض السلّ، لا سيّما إن كان فى سنّ الحداثة والشباب وكانت النزلات تعرض له كثيرا (2).
وأن ينظر إلى باطنه، فإن وجد فيها غددا دلّ على حدوث خنازير هناك.
وأن ينظر إلى يديه بعد أن يجمعهما، ويقيس إحداهما بالأخرى، فإن وجدهما
__________
(1) فى القاموس أن الخنازير قروح تحدث فى الرقبة. وفى حواشى الأصل: «الخنازير ورم صلب شبيه بالغدد، إما فى اللحم الرخو الذى هو فى العنق أو الذى فى الأربيتين أو الذى تحت الإبطين، وأكثر ما يكون هذا الورم فى مقدم العنق وفى جوانبه. ويكون إما غدة أو غدتين أو ثلاثا وأكثر، وكل واحدة لها صفات خاصة كالسلع. وإنما سمى هذا الصنف خنازير لأن هذه الغدد تكون فى أرقاب الخنازير. [وقال] قوم: لأن الخنازير [تمرض به أيضا]».
(2) فى حواشى الأصل: «النزلة هى تحلب فضول رطبة من بطنى الدماغ المقدمين إلى المنخرين».(1/402)
قصيرتين، أو إحداهما قصيرة والأخرى طويلة دلّ على الرداءة والقبح، والمنع من جودة الأعمال.
وأن ينظر إلى ساعده فإن وجده ملتوبا لعلة عرضت فهو عيب ردىء، وإن وجده ينقص عند ليّه عما يحتاج إليه دلّ على آفة عرضت للزّند الأعلى.
وإن وجد مفصل مرفقه ينقص عند النواية عما يحتاج إليه دل على آفة عرضت للزند الأسفل.
وأن ينظر إلى معصميه، فإن وجد بهما شبه ورم صغير وإذا لمسه وجد تحت الملمس ما يشبه العرق أو الدّود، فإن ذلك يدل على وجود العرق المدينى (1).
وأن ينظر إلى كفه، فإن وجده عسر الحركة عند قبضها أو بسطها فهى رديئة.
والدّليل على قوّة يده وضعفها أن يأمره المشترى أن يقبض على بعض أعضائه قبضا شديدا، فيظهر بذلك قوة اليد وضعفها (2).
الفصل الرابع
فى العلامات الدالة من جهة الأحشاء والكليتين والمثانة والأنثيين والقضيب والمقعدة وينبغى له أيضا أن يتفقد أحشاءه (3)، فإن وجد فى الناحية اليمنى أو اليسرى غلظا أو جسا (4) بعد أن يأمره أن يستلقى (5) على ظهره، ويكون رأسه غير
__________
(1) فى حواشى النسخة: «المدينى بثرة تحدث فى الساقين تتنفط ثم يخرج منها شىء [كالدو] د، ولا يزال يطول، وربما كان له حد لحدة مادته ومدة توجع، قطعه خطر».
(2) فى حواشى النسخة: «قال السموأل: وينبغى أن ينظر إلى أكل الجارية وعملها للأشغال فربما كانت الجارية تأكل بيدها اليسرى وتعمل بها أكثر أعمالها، وذلك من العيوب».
(3) فى حواشى الأصل: «إنما عدلنا فى هذا الفصل عن التعبير بالنظر إلى التعبير بالتفقد لأن هذه المواضع لا يجوز النظر إليها».
(4) الجسا: اليبس، يقال جسيت اليد وغيرها جسوا وجسا: يبست.
(5) فى الأصل: «يلتقى».(1/403)
مرتفع، ويبسط يديه نحو رجليه ويشيل ركبتيه إلى فوق، ويصفّ قدميه، ويلمس مراقّ بطنه (1) من موضع فم المعدة وما دون الشّراسيف إلى أن ينتهى إلى العانة، ويمرّ بيده على ذلك مرورا شافيا دلّ ذلك الغلظ أو الجسا (2)
على أن فى الكبد أو الطحال ورما رديئا يؤدى إلى الاستسقاء، لا سيّما إن رأى مع ذلك لون البدن رديئا مائلا إلى البياض، وأسفل الجفن الأسفل متهيّجا.
وينبغى له إذا أراد شراء جارية أن يتفقّدها، فربما يجد منها فيما بين السّرة إلى العانة غلظا أو صلابة، فإن وجد ذلك دلّ على سرطان فى رحمها (3)، وليتفقّدها أيضا إذا هى حاضت، لاحتمال أن يعرض لها الغشى الشّبيه بالسّكتة، فإن وجد بها ذلك، دلّ على أن بها اختناق الرحم، وهذا ربّما أوجد موت الفجاءة.
وأن يتفقّد كليتيه ومثانته، فإن وجد فيهما أو فى أحدهما الحصاة، دلّ على العيب الردىء، ويعرف ذلك من وجود رمل فى بوله.
قال بعض الحكماء: لطافة البطن تدلّ على جودة العقل، ودقة الأضلاع ورقّتها تدلّ على ضعف القلب.
وأن يتفقّد أنثييه فإن وجد عروقهما أخذت فى الاتّساع، دلّ على حدوث العرق المسمّى بالدالية، وهو لا يظهر فى أوّل الأمر، بل يبدو شيئا فشيئا على طول المدّة، ثم يعقبه آفة قويّة شديدة. وأن يتفقد قضيبه، فإن وجد النقث (4)
الذى فى جانب الكمرة الموجب لعدم استقامة البول مع جريانه إلى أسفل، دلّ
__________
(1) مراق البطن: أسفله وما حوله مما يسترق منه، وهى المواضع التى ترق جلودها، قال الهروى: واحدها مرق، وقال الجوهرى: لا واحد لها.
(2) فى الأصل: «الجس» تحريف. انظر ما سبق فى الحاشية (4) من الصفحة السابقة.
(3) فى حواشى الأصل: «السرطان مرض سوداوى علامته أن يكون صلبا شديد الصلابة بمنزلة الحجارة متمددا، ويكون شكله شبيها بالسرطان».
(4) كذا فى الأصل.(1/404)
على الرداءة فى التوليد، لأنّ المنىّ يحتاج إلى الاستقامة عند مروره فى الرّحم كى يصل لأقصاه.
وأن يتفقّد مقعدته، فإن وجد بها بواسير أو توثا (1) أو نواصير، دلّ على الرداءة.
الفصل الخامس
فى العلامات الدالة من جهة الرجلين مطلقا، وخصوص الركبة والساقين وينبغى له أيضا أن ينظر إلى رجليه بعد أن يأمره المشترى أن يجمع رجليه، ويصفّ قدميه فى موضع مستو، فإن وجد إحداهما أقصر من الأخرى فذاك عيب ردىء، دل على تشنّج أو عرج ناله من قبل عرق النّسا ويأمره بالمشى فإن يكن فى خطاه تقصير دلّ على قوّة العصب، وسلامة المفاصل، وإن كان الأمر بخلاف ذلك دلّ على آفة قد نالت العصب أو مفصل الورك أو غيره من مفاصل الرّجل.
وأن ينظر إلى خصوص الرّكبة، فإن وجدبها ورما صلبا، أو الورم المعروف بالشّوكة (2)، فإنّه ربّما لم يبرأ، ويؤدّى بصاحبه إلى دقّة الساقين والزّمانة، وإن وجد فيها اعوجاجا أو ميلا فهو داء قبيح.
وأن ينظر إلى خصوص السّاقين، فإن وجدهما متقوّسين أو منقلبين (3) إلى خارج، فهو عرض ردىء يضرّ بالمشى مضرّة قوية. وإن وجد عروق باطن السّاقين أخذت فى الاتّساع فهو سبب لحدوث العروق المسمّاة بالدالية. وإن وجد فى الساقين غلظا وصلابة وامتلاء فى موضع الكعبين إلى فوق فذلك يدلّ على حدوث العلة المسمّاة بداء الفيل.
__________
(1) كذا فى الأصل.
(2) فى اللسان: «الشوكة: داء كالطاعون».
(3) كذا، والساق مؤنثة.(1/405)
الفصل السادس
فى العلامات الدالة من جهة السّمن والهزال، والطول والقصر وينبغى له أيضا أن ينظر إلى جسمه، فإن وجده سمينا فلا يشتريه، لأنّ السّمنة (1) رديئة جدا، لا سيّما السّمنة بالطبع، فإنّها مستعدة لحدوث أمراض رديئة لأن الحرارة الغريزية تكون فيها ضعيفة لضيق عروقها، وضيق العروق فيها لشيئين: أحدهما برد المزاج. ثانيهما ضعف الأعضاء السمينة لها، فأصحابها لذلك أقل أعمارا، لأن ضيق العروق يتبعه ضعف الحرارة الغريزية ونقصانها، وهذان يتبعان نقصان الروح، وهم معرضون للسكتة والفالج وعسر النفس.
ومن أفرط سمنه وكان ممراضا، فهو على خطر. وإن وجده قضيفا مهزولا نحيفا فلا يشتريه، لأن النحيف ردىء لما يغلب على مزاجه من اليبس، فهو لا يقدر على الرياضة والأعمال الكثيرة، لأن ذلك مما يسخّنه ويجفّفه فيزداد نحافة.
وصاحب النحافة لا يقدر على الحرّ والبرد، لأنهما يصلان إلى أعضائه الباطنة بسرعة فيعرّيانها من اللحم ... وإسهال النحيف خطر.
وإن وجده معتدلا ليس بالسمين ولا بالهزيل، فليشتريه (2) فإنه من أحسن العبيد بدنا، وأدومهم صحة، وأصبرهم على الأعمال، وأبعدهم عن الأمراض، لأن الحرارة الغريزية متوفرة فيه، والهضم جيّد، والأعضاء قوية لذلك.
وإن وجده طويلا دلّ ذلك على غباوته وغفلته وقلة عقله. وإن وجده قصيرا دل ذلك على خبثه وخداعه ومكره.
__________
(1) هذه الكلمة بمعنى السمن مما لم يذكر فى المعاجم المتداولة. وقد وردت بهذا المعنى أيضا فى شرح الحماسة للمرزوقى 1262، 1436.
(2) كذا جاءت بالأصل. وإثبات حرف العلة مع الجازم لغة لبعض العرب، كقوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمى ... بما لاقت لبون بنى زياد(1/406)
قال الجاحظ: الغباوة والغفلة فى الطّوال أكثر، والخبث والخداع فى القصار أبين، واللّطف فى النّحاف والقضاف أظهر، والغلظة والجفاء فى السّمان أكثر، وما سوى ذلك نادر.
قال صاحب لقط المنافع: قالوا: والطّوال من الناس فى الشبيبة أحسن، وفى الكبر أقبح، لسرعة الانحناء إليهم. والمعتدلون فى الطّول صالحو الحال.
قال الجاحظ: أجمع الناس على أن ليس فى الدنيا أثقل من أعمى، ولا أبغض من أعور، ولا أخفّ روحا من أحول، ولا أقود من أجدب.
قال بعض الحكماء: لا تبتاعنّ مملوكا قوىّ الشهوة فإنّ له مولى غيرك، ولا قوىّ الرأى فيستعمل الحيلة عليك. لكن اطلب من العبيد من كان حسن الانقياد، قوىّ الجسم، شديد الحياء. واعلم أنه ما من شىء تنتفع به إلّا وفيه مضرّة، فإن الخادم الذكىّ الفطن الذى يريحك من كدّ الإفهام ويقنعه منك الإشارة فى تبليغ الأغراض، لا تقدر أن تستر عنه شيئا من أمرك، فسرّك معه شائع، وهو قادر لفطنته على الاحتيال عليك فى كل ما تريد. وإن كان الخادم غبيّا وقفت أمورك، وانكسرت أغراضك، ولا يفى كتمان سرّك بوقوف أغراضك. فينبغى أن تستخدم الفطناء فى الأمور الخارجة عن المنزل، وتستخدم البله فى الأمور الداخلة. وكذلك الأصدقاء فى معاملتهم والمعاملون.
الفصل السابع
فى العلامات الدالة من جهة كيفية مزاج مطلق البدن وطبعه فعلامات رطوبة مزاج بدنه كثرة الشحم، واعتدال اللحم، ولين الجسد، ورخاوة الجلد، وضعف العصب، واسترخاء المفاصل، وعدم الشّعر، وكثرة النوم.
وعلامات يبس مزاجه، قضافة البدن، وصلابة الملمس، وقلة الشحم.(1/407)
وعلامات حرارة مزاجه سخونة الملمس، وحمرة اللون، وسرعة نبات الشعر وكثرة خشونته وسواده، ويكون صاحبه ذكيّا فطنا سريع الحركة والغضب، عجولا مبادرا، غير متثبت، شجاعا بطلا مقداما متهوّرا (1) قليل التهيب للأمور العظام، ويكون نبضه سريعا متواترا، ويكون هو سريع النموّ والنشوّ، قوىّ الشهوة، جيّد الهضم، كثير الباه، كثير اللحم، قليل الشحم، جهش الصوت (2).
وعلامات برودة مزاجه برودة الملمس، وبياض اللون، وقلة الشعر وبياضه وبطء إنباته، ويكون صاحبه بطىء المشى، بليدا قليل الفهم، ثقيل اللسان، بطيئا فى الحركات، متوقفا فى الأمور، جبانا فزعا خائفا قليل الغضب.
وعلامات حرارة ورطوبة (3) مزاجه كون الشعر أسود رجلا سبطا، وكثرة اللحم وقلة الشحم وحرارة الملمس ولينه، فإن غلبت الرّطوبة كان البدن ممراضا لحصول التعفّن، وإن غلبت الحرارة كان البدن أصحّ. وإن كانا معتدلين كان اللون مختلطا فى الحمرة والبياض.
وعلامات حرارة ويبوسة مزاجه: كثرة الشعر وجعودته وسواده، لأنّ مادة الشّعر هو البخار الحارّ اليابس الذى يخرج من مسامّ البدن، ويدفع بعضه بعضا إلى خارج ولا ينقطع خروجه وقضافة البدن، وحرارة الملمس، وأدمة اللون، والذّكاء والذهن والشجاعة وقوّة الشهوة، وجودة هضم الأغذية الغليظة والحرص على الباه.
وعلامات برودة ورطوبة مزاجه سبوطة الشعر (4) وشقرته وبياض اللون،
__________
(1) فى الأصل: «مهورا».
(2) كذا وإنما يقال أجش الصوت، أى غليظ.
(3) فى الأصل: «وبرودة».
(4) سبوطة الشعر، أى انبساطه واسترساله. وفى الأصل «شوظة الشعر».(1/408)
وسمن البدن من كثرة الشحم، ويكون صاحبه بليدا كثير النسيان، قليل الفهم، جبانا، ضعيف الشهوة، بطىء الهضم، قليل الباه.
وعلامة برودة ويبوسة مزاجه بياض اللون الذى يضرب إلى الكمودة، وقضافته، وبرودة الملمس وشقرة الشعر الذى يضرب إلى الصّفرة، مع قلته، وامتناع الباه.
وعلامات مزاج البدن المعتدل: أن يكون متوسّطا فى الهزال والسّمن، وأن يكون لونه مختلطا ببياض وحمرة، أشقر إلى الحمرة مادام صبيّا، فإذا صار إلى سنّ الشباب صار الشّعر أسود، ويكون ملمسه معتدلا فى الحرارة والبرودة، والصّلابة واللّين، بمنزلة جلد بطن الراحة، ويكون فهما فطنا عاقلا، شجاعا غير أهوج ولا جبان، بين الرحيم والقاسى، عفيفا متوسطا فى العلامات.
الخاتمة
فيما يناسب العبد إذا اشتراه، من الرياضة والراحة والدعة ليعلم يا مغناطيس الفؤاد (1)، أنّ من اشترى عبدا ينبغى له أن يستعمله فى الرياضة، وهى عند الأطبّاء عبارة عن الحركات البدنية، ولها وقت وفوائد وغاية تنتهى إليها.
فوقتها قبل الغذاء، حين يكون البدن نقيّا ويكون طعام أمس قد انحدر وانهضم، وحضر وقت طعام آخر. ولا تجوز الرياضة فى وقت الجوع. واستعمالها قبل انحدار الطعام مولّد للسّدد فى العروق التى بين الكبد والمعا.
قال جالينوس: رياضة قبل الطعام خير عظيم، وسبب وكيد فى حفظ الصحة
__________
(1) انظر ما سبق فى مبدأ الفصل الأول ص 395.(1/409)
ومن فوائدها: تنبيه الحرارة الغريزية التى فى البدن ليقوى بذلك على جذب الغذاء وسرعة هضمه وقبول الأعضاء له، وتنظيف فضول البدن وتحليلها، وتنقية المنافذ، وتوسيع المسام، وتصليب أعضاء البدن (1)، وتنضيج الطعام الغير النضيج.
والرّياضة بعد الغذاء خطأ، لأنها توجب انحدار الطعام وهو غير منهضم، فإن كان لزجا وصادف مجارى ضيّقة أحدث سددا، وإلّا أوجب أمراضا مختلفة.
وغايتها أن يحس الإنسان بالعىّ والتّعب.
ومن أنواع الرياضة الرّكوب لمن اعتاده، والمشى السريع، والقراءة بصوت عال، والرّمى بالنّبال، والثّقاف والصّراع (2)، واللّعب بالأكرة (3)، والصعود والقعود فى المراجيح، والمباطشة، وشيل الأحجار والأعمدة، والتّصفيق والشبّاك، وتحريك أوتار العيدان، وضرب الطبول، وتحريك الرّجلين بسعة الخطى وغيرها، والانحناء والاستلقاء، وبسط القامة (4)، والدّلك بالأيدى والمناديل.
وأما الراحة والدعة، فهما ضدّ الرياضة، ويخشى منهما إذا داما أن تنطفىء البرودة والحرارة الغريزية، فإنهما يحدثان فى البدن البرودة والرطوبة، وكثرة البلغم والفضول، ويفسدان المزاج، وقد يحدثان حرارة لاحتقان البخار الحارّ.
قال جالينوس: السكون الدائم يخاف منه أن يطفىء الحرارة الغريزية.
فينبغى لمن أراد حفظ صحته أن يتجنب الدّعة، إلا أن يكون البدن متخلخلا.
وليتعهّد صاحب الدّعه نفسه كلّ قليل بالتنقية.
نقّى الله نفوسنا من درن الذنوب، وغفر لنا العيوب، بجاه ترجمان لسان الغيوب. آمين
__________
(1) فى الأصل: «توسع» و «تصلب»، بدل «توسيع» و «تصليب».
(2) الثقاف والثقافة بالكسر فيهما: المجالدة بالسيوف.
(3) فى اللسان (أكر): «ومن العرب من يقول للكرة التى يلعب بها أكرة» واللغة الجيدة الكرة». وفى القاموس: «الأكرة بالضم: لغية فى الكرة».
(4) سابقة ساذجة لما يسمى اليوم «الألعاب السويدية».(1/410)
الفهارس العامة
للمجلد الأول من نوادر المخطوطات(1/411)
للمجلد الأول من نوادر المخطوطات
1 - فهرس الأعلام (1)
آدم عليه السلام 298، 325، 329
آمنة بنت الحسين سكينة
آمنة بنت عبد الله بن محمد 75
آمنة بنت محمد بن عبد الله 69
آمنة بنت وهب 100
أبان بن عثمان بن عفان 76
إبراهيم عليه السلام، الخليل 108، 264، 266، 270، 295، 298، 299، 329
إبراهيم بن الأشعث 56
إبراهيم بن سلمة الكوفى 101
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف 61، 66، 68
إبراهيم بن عبد الله بن الحسن 78
إبراهيم بن علية 100
إبراهيم بن محمد بن عرفة، نفطويه 83
إبراهيم بن مخلد 101
إبراهيم الملا الحلى 221
إبراهيم الملا نعيم النحام 60
إبراهيم الملا هراسة إبراهيم بن سلمة
إبراهيم الملا هشام 6
أبرهة ذو المنار 278، 294
أبرويز 279277
إبليس 325
أبير بن عبد مناف 92
أحمد، رسول الله 100، 328
أحمد بن تيمية أحمد بن عبد الحليم
أحمد بن الحارث الخزاز 60، 61، 64، 69، 8070
أحمد بن الخاضبة 101
أحمد بن الدودين البلنسى 302
أحمد بن الزبير 208
أحمد بن عبد الحليم 101
أحمد بن فارس 139
الأخطل 169
إدريس عليه السلام، هرمس الأول 27
الأرمنى 147
أزاهيق (فرس) 105
الأزهرى 225
إساف 252، 276
أسامة بن منقذ 206، 215
إسحاق بن إبراهيم 104
إسحاق بن إبراهيم بن حسن 74
إسحاق بن راهوية إسحاق بن مخلد
أبو إسحاق بن ربيعة 78
إسحاق بن طلحة بن عبيد الله 69
أم إسحاق بنت طلحة 74
إسحاق بن مخلد 101، 102
__________
(1) ما قرن من الأعلام بنجم فهو مما ورد فى الشعر فقط.(1/412)
الأسدى 192
أسعد بن الغدير 91
الإسكندر 29، 352
الإسكندرانى 30
أسماء بنت عميس 77
إسماعيل عليه السلام 266، 270، 298، 329
إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن طلحة 74
إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم 100، 102
إسماعيل بن عبد الرحمن بن عوف 61
إسماعيل بن على 76
إسماعيل بن علية إسماعيل بن إبرهيم
إسماعيل بن مكنسة ابن مكنسة
الأسود، والد عبد الله 79
أبو الأسود 167
الأسود بن عبد يغوث 109
الأسود العنسى 322
الأسود بن يعفر 170
أشجع بن عمرو 170
أشعب 67، 68
الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان 65
ابن الأعرابى 87، 105، 225
الأعشى 203
أعوج (فرس) 280، 317
أفرائيم بن الزفان 35
أفريطن 380
الأفضل بن بدر الجمالى 21، 45، 44
أفعى نجران 322
ابن أفلوذ 278
امرؤ القيس بن حجر، واسمه حندج 165، 190، 192
أمير الجيوش بدر الجمالى
أمين الملك على بن جعفر بن النون
أمية 261
ابن أمية بن خلف ربيعة
أمية بن أبى الصلت 223، 328
أمية بن عبد الله بن عمرو 74
أنس بن أبى أنس 70
أنس بن مدركة 165
أنس بن أبى إياس 166
أنقلاؤس الإسكندرى 30
أنمار 275
أنو شروان 280، 296
أيمن بن خريم 66
أيوب بن القرية أيوب بن يزيد
أيوب بن يزيد 102
ابن باديس المعز
البحترى، أبو عبادة 23
بحينة عبدة
بختنصر 273
بخة مولى سكينة 68
بدر الجمالى، أمير الجيوش 43
بديل بن أم أصرم بديل بن سلمة
بديل بن سلمة 102
بديل بن ميسرة 102
البراء بن مالك 106(1/413)
البراض 279
البراق (دابة الرسول) 266
براقش (كلبة) 152، 260، 297
ابن براقة الهمدانى 187
البرصاء عبدة
البرهمن 288
بروسس 280
ابن برى 224
بزرك نظام الدين
يشامة بن الغدير 87، 91
بشر 261
بشر بن شلوة 92
بشر بن مروان 71
بشير بن الخصاصية بشير بن معبد
بشير بن عقربة، أبو اليمان 103
بشير بن معبد 102، 103
ابن بطال على بن خلف
البطين (فرس) 280، 317
ابن البعلبكى 198
البعيث خداش بن لبيد
بقراط 31، 323
* أبو بكر 93
* أم بكر 83
أبو بكر بن دريد محمد بن دريد
أبو بكر الصديق 61، 62، 64، 77، 78، 103، 202
أبو بكر الصنوبرى 18
أبو بكر بن عبد الملك 74
البكرى 171
بلال بن حمامة بلال بن رياح
بلال بن رباح 103
أم البنين 75
بهدلة 106
بوزان بن مامين 198
ابن بيض، حمزة 91
البيضاء دعد بنت جحدم
ابن تدرس 207
ابن التمار الواسطى 23
تماضر 159
أبو تمام حبيب بن أوس الطائى 184، 202
تمام بن العباس 75
تميم بن المعز لدين الله 17، 19
ابن تومرت محمد بن عبد الله
ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم
الثعالبى أبو منصور 22
ثعلب، أحمد بن يحيى 83
الجاحظ عمرو بن بحر
جالينوس 30، 31، 33، 35، 397، 409، 410
أبو جبر 267
جبريل عليه السلام 266، 298
جبير بن بحينة جبير بن مالك
جبير بن مالك بن القشب 103، 107
جذع 273، 259
جذيمة الأبرش، الوضاح 199، 278
الجراح 76(1/414)
الجرادة (فرس) 317
جرار الزاهد 196
جرجس الطبيب 36
ابن جرموز عمرو
الجرمى 101
جرير بن عطية، ابن المراغة 68، 148، 167، 201
جعفر بن سليمان 79
جعفر بن عبد الله بن قبيصة 103
جعفر بن عقاب جعفر بن عبد الله
جعفر بن على بن أبى طالب 77
جعفر بن يحيى البرمكى 192
جعونة بن مرة 93
جماعة، القرية 102
* أم جندب 191
جندل الطهوى 203
أبو جهل بن هشام 328
الجواليقى 224
ابن الجوزى أبو الفرج
الجوهرى، 221، 224، 225
جويرية بن أسماء 61
حاجب بن زرارة 140، 273
الحارث بن جبلة 95
الحارث بن خالد المخزومى 65
الحارث بن رفاعة السعدى 100
الحارث بن شداد 279
الحارث بن أبى شمر 94
الحارث بن كلدة 267
الحارث بن مالك بن البرصاء 104
الحارث بن مضاض 279
الحارث بن وعلة 169
حازى غطفان 322
حافل (فرس) 317
الحاكم صاحب مصر 181
أبو حامد الغزالى 49
حبتة بنت مالك 105
حبيب بن خدرة الهلالى 85
أم حبيب بنت عبد الله بن عامر 77
حبيب والد محمد 108ويونس 110
أم حبيبة زوج الرسول 77
الحجاج بن يوسف 74، 76، 102، 186، 204
ابن حجلة الأسدى 85
ابن الحداد أبو عبد الله
ابن حديد القاضى 53
حرملة بن عسلة 94
الحرون (فرس) 318
ابن أم الحزنة العهدى 89، 92
حسان 261
الحسن بن الحسين بن على 78
الحسن بن رشيق، أبو على 45
حسن الزاهد 197
الحسن بن عبد الله بن عبيد الله 76
الحسن بن على 60، 69، 74
أبو الحسن المدائنى المدائنى
حسنة مولاة معمر بن حبيب 106، 107(1/415)
الحسين بن على 60، 64، 69، 74
الحصين ذو الغصة 105
الحصين بن الحمام السهمى 87
الحطيئة 168
أبو حفص عمر بن الخطاب 70
أبو حفص الشطرنجى 171
حفص بن المغيرة 61
حفصة بنت عمران بن إبراهيم 75
الحكم بن يحيى بن عروة 74
حكيم بن عبد الله بن عثمان 65، 69
أم حكيم بنت يحيى بن الحكم 76، 79
حليمة السعدية 1090
حمامة 103
حميد بن ثور 167، 203
حميد بن طاعة 88
حميد بن عبد الرحمن بن عوف 61
حندج امرؤ القيس
الحنظلية 105، 106، 110
الحنفاء (فرس) 280، 317
الحنفية خولة بنت قيس
أبو حنيفة الدينورى 221
حواء 298
الحوفزان 93
ابن أم حولى 84
ابن الخاضبة أحمد
ابن خالد 152
خالد بن خالد بن أسيد 79
خالد بن سنان 327
أم خالد بنت عبد الله أسيد 79
خالد الكاتب 47
خالد بن يزيد 314
خداش بن لبيد بن بيبة 201
خديجة، أم المؤمنين 110، 204
خديجة، بنت مصعب 65
أبو خراش 167
أبو خراشة خفاف بن عمير
ابن خرداذبة 274
خرذاذ 280
الخصاصية 103
خصيب 31
خفاف بن عمير بن الحارث 104
خفاف بن ندبة خفاف بن عمير
الخليل إبراهيم
الخنساء 170
خنوخ بن يرد هرمس الأول
خواجا بزرك نظام الدين
خولة 105
* خولة صاحبة طرفة 147
خولة بنت قيس الحنفية 108
أبو الخير سلامة
داحس (فرس) 280، 317
ابن دارة، سالم بن مسافع 92
داود عليه السلام 265
أبو داود 102
دجاجة بنت أسماء بن الصلت 79
ابن دريد محمد
دريد بن الصمة 168، 174(1/416)
دعبل 171
دعد بنت جحدم 106
ابن دغماء العجلى 93، 94
الدمستق 268
ابن الدمينة عبد الله
أبو دهبل 69
أبو داود الإيادى 224
ديوفنطس 29
ذات النحيين 287
الذائد (فرس) 280
أم الذبيح هاجر
ذو الأذعار عمرو
ذو حسان 246
ذو الحلم عامر بن الظرب
ذو الخرق بن شعاث، أو نباتة 104
ذو العقال (فرس) 317
ذو الغصة الحصين
ذو فائش سلمة
ذو القرنين 315
ذو مراثد 278
ذو المنار أبرهة
ذو نواس 274
أبو ذؤيب 167
ابن الذيبة، ربيعة 90
راشد بن عبد الله 193
الراعى 188
رافع بن عبد الحارث، عنترة، عنجدة، عنجرة 104
راهوية إبراهيم بن مخلد
ابن راهويه إسحاق بن مخلد
الرائش 278
الرباب بنت امرىء القيس 64
ربة الإياة سارة
ربيحة بنت محمد بن على 74
ربيعة بن أمية بن خلف 64
ربيعة بن غزالة 84
رحم بن معبد بن شراحيل بشير بن معبد رزاح 270
رزق الله النحاس 38، 39
الرشيد 53
ابن رشيق الحسن 45
ابن رضوان على
الرضى محمد بن عبد الله بن تومرت، أبو عبد الله 289
أبو رغال 252، 269، 297، 306
رقية بنت الخطاب 60
الرماح بن أبرد 91، 104
رملة بنت الزبير بن العوام 65، 69، 72
رملة بنت طلحة بن عبد الله 72
رملة بنت محمد بن جعفر 76
رؤبة بن العجاج 201
روح القدس عيسى 307
روسم 30
رومان 259، 317
ابن الرومى على بن العباس
زاد الركب 280(1/417)
ابن زبر 103
زبراء بنت مصعب 64
ابن الزبعرى 168
أبو زبيد الطائى 207
ابن الزبير عبد الله
الزبير بن بكار 100
الزبير بن العوام، أبو عبد الله 60، 61، 63، 64، 69، 153
زرقاء اليمامة 322
الزعفران (فرس) 317
زفر 258
زفر بن الحارث 151
زميل بن أم دينار 92
ابن زهر 33
زهير بن جناب الكلبى 322
زهير بن أبى سلمى 91، 166
زياد بن حارثة، أو ابن عوف 105
زياد بن هنداية زياد بن حارثة
زياد بن حارثة 60
زيد بن الخطاب 60
زيد بن عمرو بن عثمان 66، 67
زيد بن عمرو بن نفيل 327
زينب بنت الزبير 60
سابور 272
سارة، زوج إبراهيم، ربة الإياة 249، 265، 305303
سالم بن وابصة 168
سام بن نوح 288
ابن السجراء 87
سحيقة بنت محمد بن عبد الله 74
سحيم بن حفص، أبو اليقظان 70، 72، 77، 80، 201
سديد الملك على بن مقلد
سرافيل 270
سطيح 322
سعد بن بحير، حبتة 105
سعد بن الحنظلية سعد بن الربيع
سعد بن خولة، خولى 105
سعد بن الربيع، عقيب، عميت 105
سعيد بن العاص 60
أبو سعيد اللغوى 225
أبو سفيان أنس بن مدركة 165
سفيان 104
أبو سفيان بن حرب 61، 99
سقراط 323
السكب (فرس) 280
سكينة بنت الحسين 6964، 77
أبو سلامة مرشد بن على
سلامة بن رحمون 3735
السلامى 182
السلكة 105
سلم بن قتيبة 78
سلمة ذو فائش 278
أم سلمة بنت عبد الرحمن بن سهيل 74
سلول، أم عبد الله 107
سليك بن سنان بن سلكة 105، 106(1/418)
* سليم 140
سليمان عليه السلام 183، 202، 261، 265
سليمان بن عبد الملك 66، 74، 75، 79
سليمان بن هشام 76
[السموأل بن يهوذا] 401
سمية 266، 267
السندرى بن عيساء 85
سهل بن البيضاء سهل بن وهب
سهل بن الحنظلية سهل بن عمرو
سهل بن عمرو بن عدى 106
سهل بن وهب بن ربيعة 106
سهيل بن البيضاء 106
أبو صواج 268
سوريد بن سهلوق 27، 28
سويد بن الحارث 204
سويد بن حطان 93، 94
سويد بن عمرو بن كراع 106
سيابة 110
سيبوية 101
ابن سيده 221
سيف الدولة 268
سيف بن ذى يزن 328
شبيب بن البرصاء 90
شبيب بن يزيد الخارجى 85
أبو شجاع 210
شداد بن عاد 27
أبو شرحبيل الرماح بن أبرد 105
شرحبيل بن حسنة، ابن عبد الله 106
شرف، أم محمد 108
شريح بن الأحوص 85
الشريشى 222
شريك بن السحماء، عبدة 106
الشعبى 71
شعراء 107
ابن شعوب 83
شعيب عليه السلام 329
شعيب، أشعب 67، 68
شق 322
الشقراء (فرس) 280، 317
شلوة، والدة بشر 92
الشماء (فرس) 317
شمر مخرب سمرقند 315
شمس الدين على بن على أبو الشمقمق 51
شهاب الدين محمود بن تاج الملوك
شهاب الدين العلوى محمد بن شهاب الدين شهبور 280
شهريار 280، 296
صاحب الصحاح الجوهرى
صاحب القاموس الفيروزبادى
صاحب الكتاب، ابن بسام 326
صاحب لقط المنافع أبو الفرج بن الجوزى
صادوف طرخان القبط 265
صالح عليه السلام 329(1/419)
صالح بن على 74، 76
الصباح 278
صخر، أخو الخنساء 158
الصريح (فرس) 318
صفوان بن البيضاء، بن وهب 106
الصنوبرى أبو بكر
ضبة والدة يزيد 88
الضحاك 279
الضحاك الخارجى 85
طارق بن المبارك 72
أبو طالب 202، 204
أبو طالب يحيى
أبو الطاهر يحيى بن تميم
أبو الطاهر بن إسماعيل بن مكنسة الطائية 170
ابن الطثرية، يزيد 89
ابن طرخان 388
طرفة بن العبد 167
الطرماح 223
طلحة بن الحسن بن على 69، 74
طلحة بن عبد الرحمن بن أبى بكر 70
طلحة بن عبيد الله 63
ابنة طلحة بن عمر بن عبيد الله 78
ابن طوعة الشيبانى 84
الطيار جعفر بن أبى طالب 77
أبو الطيب بن منّ الله القروى 310، 326
ظافر بن قاسم الحداد، أبو منصور 53
الظاهر 61
عاتكة بنت زيد بن عمرو 61، 62، 64
عاصم بن بهدلة، بن أبى النجود 106
أم عامر (كنية تهكمية لابن غرسية) 266
280 - عامر بن حفص 61
عامر بن الطفيل 328
عامر بن الظرب، ذو الحلم 187، 188
أبو عامر بن غرسية، أم عامر، كشاجم، أبو مريم 246، 256، 264، 266، 271، 280، 302، 303، 308
عامر بن كريز 79
عائش عائشة بنت طلحة 73
عائشة، أم المؤمنين 70، 77
عائشة، بنت طلحة، عيشة، عائش 65، 7370، 77، 78، 80
ابن عباد 279
أبو عبادة البحترى
العبادى صاحب القبر 269
العباس بن الأحنف 55، 171
العباس بن مرداس السلمى 184
عبد بن معرض ابن حجلة
عبد الرحمن بن أبى بكر 70، 77
عبد الرحمن بن أبى حسنة عبد الرحمن بن عبد الله بن المطاع
عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر 74
عبد الرحمن بن عبد الله بن المطاع 106، 107(1/420)
عبد الرحمن بن عوف 60، 61
عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك 69، 75، 79
* ابنة عبد الله 285
عبد الله بن أبى بن سلول 107
عبد الله بن الأسود 79
عبد الله بن بحينة عبد الله بن مالك
عبد الله بن أبى بكر 6361
عبد الله بن جعفر بن أبى طالب 77
أبو عبد الله بن الحداد 246
عبد الله بن أم حرام عبد الله بن عمرو ابن قيس
عبد الله بن الحسن بن على 64
عبد الله بن خالد بن أسيد 79
عبد الله بن الدمينة 88، 170، 205
عبد الله بن رؤبة بن العجاج 201
عبد الله بن الزبير 71، 317
عبد الله بن سرية 18
عبد الله بن الطباخ الكاتب 53
عبد الله بن عامر بن كريز 79
عبد الله بن عبد الرحمن 77
عبد الله بن عبد الله بن المطاع 106، 107
عبد الله بن بن عثمان بن عبد الله 65، 69
عبد الله بن على 74، 76
عبد الله بن عمرو بن عثمان 66
عبد الله بن عمرو بن قيس 107
عبد الله بن عنمة 93
عبد الله بن عوف الكنانى 103
عبد الله بن فائد 73
عبد الله أبى فروة 71، 80
أبو عبد الله القزوينى محمد بن يزيد ابن ماجة
عبد الله بن مالك الأزدى 107
عبد الله بن مالك بن القشب 103
عبد الله بن محمد، أبو القاسم 60
عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن 75
عبد الله معاوية 170
عبد الله المعتز 23، 45
عبد المسيح بن عسلة 94
عبد المطلب بن هاشم 328
عبد الملك بن عبد العزيز بن الوليد 69، 75
عبد الملك بن مروان 65، 66، 71، 103
عبد مناف 270
عبد المؤمن بن على 291
عبدة، البرصاء 104
عبدة بنت الحارث 103، 107، 108
عبدة بن الطبيب 169
عبيد 267
أبو عبيد 101
عبيد بن عمير 79
ابن أبى عبيد المختار
أبو العتاهية 204
عتبان بن وصيلة 95
العتكى 171(1/421)
عتيق بن عبد العزيز بن الوليد 69
ابن أبى عتيق عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن
ابن عثمان زيد بن عمرو بن عثمان
أبو عثمان، سمسار الرقيق 374
عثمان بن عروة بن الزبير 76
العجماء والدة مسعود 109
عدى 151
عدى بن ضب 84
العديل بن الفرخ 169
العرجى 69
عروة بن حزام 283
عروة بن الزبير 73
عروة بن الورد 167، 206
العريان بن أم سهلة 87
عز الدولة أبو المرهف
عز الدولة فائق 43، 44
العسجدى (فرس) 317
عسلة بنت عامر 94
العصا (فرس) 199، 318
عصام، حاجب النعمان 166
عضد الدولة، أبو الفوارس 214
عطاف بن بشة الشيبانى 84
عفراء بنت عبيد بن ثعلبة 108، 109
عقاب 103
عقربة 103
عقيل بن عفة 90
أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرى 24، 189، 254، 287
علقمة بن عبيد الخزاعى، ابن الفغواء 107
على بن أبى الآمال 208
على بن إبراهيم بن أبى الفهم التنوخى 22
على بن البرقى 52
على بن أبى البشر الكاتب 22
على بن البوين 182
على بن جعفر بن النون 44
على بن حسين بن حسن 76
على بن حسين بن حسين 66
على بن خلف بن بطال 100
على بن رضوان 24، 35
على بن رياح 102
على بن الصوفى الحنبلى 53
على بن أبى طالب 47، 63، 64، 69، 77
على بن العباس الرومى 28، 45
على بن على بن الناصر للحق 210
أبو على الفارسى 224
على بن مجاهد 71
على بن مقلد 181، 182، 194193
على بن الناصر للحق 210
على بن النضر أبو الحسن 38، 40
علية 102
ابن علية 102
* أم عمار 159
عمارة بن العيف العبدى 95
عمر بن الخطاب، أبو حفص 24، 29، 60، 63، 64، 70، 76، 88(1/422)
عمر بن أبى ربيعة 72، 169
عمر بن عبد العزيز 68، 330
عمر بن عبد الله بن عبد الله بن معمر 77
عمر بن عبيد الله بن معمر 71، 72
عمر بن اللتبية، أو الأتبية 107
عمر بن هبيرة 204
ابنة عمران مريم
عمرة بنت الحارث 90
عمرو بن الإطنابة 95، 201
عمرو بن بحر الجاحظ 202، 407
عمرو بن جرموز 64
عمرو ذو الأذعار 278، 294
عمرو بن سمى ابن شعوب
عمرو بن شعواء اليافعى 107
أبو عمرو الشيبانى 101
عمرو بن الصماء الخزاعى 87
عمرو بن العاص 29، 61، 64
أم عمرو بنت عبد الله بن خالد 79
عمرو بن عبيد الخزاعى 107
أبو عمرو بن العلاء 225
عمرو بن عمار 201
عمرو بن الفغواء عمرو بن عبيد
عمرو بن مبردة 90
عمرو بن محرز 201
عمرو بن هند 152
عمير 87
عمير بن الحارث بن الشريد 104
عمير الليثى 79
عنترة بن شداد 167
عوذ، عوف بن عفراء عوف بن الحارث
عوف بن الحارث بن رفاعة 107
عون بن جعفر بن أبى طالب 60، 77
عياض بن أم شهمة 87
ابن عيزارة الهذلى 86
عيسى عليه السلام، روح القدس، المسيح 44، 263، 270، 271، 306، 307، 327
عيشة، عائشة بنت طلحة 92
ابن أبى عيينة 171
الغبراء (فرس) 280، 301
أبو غبشان 252، 270، 297، 307
غرسية 256
ابن غرسية أبو عامر
الغريض 324
غزالة 84
الغزالى أبو حامد
غنجدة 104
غيلان بن سلمة الثقفى 224
ابن فارس 184
ابن فاطمة 160
فاطمة بنت الحسين 69، 64
فاطمة بنت القاسم بن محمد 76
فاطمة بنت مصعب بن الزبير 65
الفاكه بن المغيرة 61
فاليس المصرى واليس
ابن الفراش 198(1/423)
أبو الفرج بن الجوزى 397، 400، 401، 407
أبو الفرج العواد 194
الفرزدق 68، 200
فرعون 31
ابن أبى فروة عبد الله
ابن فسوة، عتيبة بن مرادس 89
الفغواء 107
أبو الفوارس، عضد الدولة 214
الفياض 279
فيروز 63
الفيروزبادى، مجد الدين 99، 221، 225
أبو قابوس 277
* قاسم 258
أبو القاسم التنوخى على بن إبراهيم
أم القاسم ابنة الحسن بن الحسن 76
أبو القاسم بن رشد المصرى 54
القاسم بن عبد الله بن عمرو 75
القاسم بن محمد بن جعفر 86
أبو القاسم بن الوليد بن عتبة 76
القاضى الرشيد أحمد بن الزبير
قباذ 178، 280، 296
قتيبة بن مسلم 193
قدار، عاقر الناقة 265
أم القديد 147
قرزل (فرس) 280، 318
القرضابة بنت الحارث 90
أم قرفة 90
قريبة بنت أبى أمية بن المغيرة 76
قرين بن عبد الله بن عثمان 65، 69
القرية جماعة
ابن القرية أيوب بن يزيد
قس بن ساعدة الإيادى 185، 186، 327
قسطنطين 275
قصى 270
القطامى 167
قطبة بن الزبعرى 86
قعنب بن أم صاحب 92، 170
قلابة، الذيبة 90
القوطية 108
ابن القوطية محمد بن عمر
قيس بن الحدادية 86
قيس بن ذريح 189
ابن قيس الرقيات 65
أبو قيلة أبو كبشة 100
قيلة بنت أبى قيلة 100
ابن الكاهلية عبد الله بن الزبير
أبو كبشة 99، 100
ابن أبى كبشة 99، 100
أبو كثير بن الزفان أفراثيم
كثير عزة 187
كراع، أم سويد 106
أبو كرب الحميرى 327
كسرى أنو شروان 14، 267، 287، 279(1/424)
كشاجم، لقب لابن غرسية 271، 303، 308
* كعب 94
ابن الكلبى 100، 105، 107
أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر 76
أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط 60، 61
أم كلثوم بنت على بن أبى طالب 60
الكندى المتنبى
كنعان 317
ابن كيغلغ منصور
لاحق (فرس) 280، 317
* لبنى 189، 190
لبيد بن ربيعة 167، 221، 222
لقمان الحكيم 277
لقمان، صاحب النسور 315
لوط بن هاران 108
لوقا 264
لؤى بن غالب 290
الليث 225
* ليلى 71، 144، 147
ابن مالك 101
* ابنة مالك 285
مالك بن ثابت 108
مالك بن حذيفة 90
مالك بن الريب 168
مالك بن سالم، نجم الدولة 194
مالك بن فهم 319
مالك بن القشب 103
مالك بن قيس الليثى 104
مالك بن مالك بن القشب 103، 108
مالك بن نميلة مالك بن ثابت
المأمون، الخليفة 27
المبرد، محمد بن يزيد 165، 191
المبشر بن فاتك 35
المتلمس 188
المتنبى 24، 26، 268
متى 271
مجاهد الدين بوزان
أبو المجد بن سمية 171
مجد الدين الفيروزبادى
أبو المجشر الضبى 188
محمد عليه السلام 69، 99، 100، 134، 143، 253، 299، 328، 329، وانظر «أحمد»
محمد بن أبى بكر 64، 77
أبو محمد التكريتى 49
محمد بن جعفر بن أبى طالب 60، 77
محمد بن حبيب 83، 108
محمد بن الحسن الشاعر 19
محمد بن حفص 108
محمد بن الحنفية محمد بن على
محمد بن خالد 108
محمد بن دريد 107، 184، 221
محمد بن شرف القيروانى 108
محمد بن شهاب الدين العلوى 210
محمد بن عائشة محمد بن حفص(1/425)
محمد بن عبد الرحمن بن أبى بكر 77
محمد بن عبد الرحمن بن عوف 61
محمد بن عبد الله بن تومرت 290
محمد بن عبد الله بن الحسن 76
محمد بن عبد الله السلامى 23
محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن 69
محمد بن عثمان 108
بنت محمد بن عروة بن الزبير 73، 74
محمد بن على بن أبى طالب 108
محمد بن عمر، ابن القوطية 108، 109
محمد بن عمران بن طلحة 14
محمد بن عمرو 64
محمد بن القوطية محمد بن عمر
محمد بن ماجه محمد بن يزيد
محمد بن مروان بن عثمان 76
محمد بن مسلم الكاتب 52
محمد بن الوزير أبو الحسن 19
محمد بن الوليد 69، 75
محمد بن يزيد، ابن ماجه 109
* محمود 56
محمود (فيل الحبشة) 269
محمود بن إسماعيل الدمياطى 56
محمود بن تاج الملوك بورى 198
محمود بن ناصر الإسكندرى 53
المختار بن أبى عبيد 288
المدائنى على بن محمد 60، 61، 64، 69، 8070
ابن المراغة جرير
مرداس، والد عتيبة 89
مرشد بن على بن مقلد 181
مرقش 271
مرة، والد جعونة 94
أبو المرهف عز الدولة 182
أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن الوليد 75
مروان بن عثمان الشاعر 54، 55
مروان بن عثمان الشاعر بن عفان 76
مريم العذراء، البتول، ابنة عمران 64، 284
أبو مريم (كنية لابن غرسية) 264
مسروج 276
مسعود بن الأسود، ابن العجماء 109
مسلمة (بن عبد الملك) 314
المسيح عليه السلام عيسى
مسيلمة الحنفى 322
أبو مشرف الدجرجاوى 52
مصعب بن الزبير 64، 65، 70، 71، 77، 78، 80
معاذ بن الحارث بن رفاعة، ابن عفراء 109
معاوية بن أبى سفيان 61، 76، 328
معبد 87، 324
المعرى أبو العلاء
المعز بن باديس 45
معز الدولة 253
معز الدولة عز الدولة(1/426)
معقل بن معقل، ابن أبى الهيثم 109
معمر بن حبيب 106، 107
معن بن أوس المزنى 200
معوذ بن الحارث، ابن عفراء 109
معين الدولة بن أنر 205
المقداد بن الأسود، ابن عمرو بن ثعلبة 109، 110
أبو مقرر 64
مقسم والد يزيد بن ضبة 88
ابن المكربل 208
ابن مكرم صاحب اللسان 221، 225
ابن مكنسة 43، 49، 50
مكنون (فرس) 318
ملكشاه 181
أبو مليح 43، 44
ابن من الله أبو الطيب
المنذر بن ماء السماء 54
أبو منصور الثعالبى الثعالبى
منصور بن كيغلغ 22
أم منظور 66
منية (بنت الحارث) 110
مهيار بن مرزويه الديلمى 191
موسى عليه السلام 31، 183، 214، 270، 327
موسى بن عبد الله بن الحسن 78
موسى بن يحيى الحصكفى 208
الموفق نصر بن سلطان
الموفق حاجب الظاهر 261
مؤيد الدولة أسامة بن منقذ
* مياد (ميادة والدة الرماح) 91، 266
ابن ميادة الرماح بن أبرد
ميمونة بنت الحضرمى 61
ميمونة بنت عبد الرحمن بن عبد الله 69
ميمونة بنت عبد الرحمن بن عبيد الله 75
النابغة الجعدى 101
النابغة الذبيانى 165
الناجى المصرى 54
ناشر النعم 278
ناصر بن عاصم ابن طوعة
نائلة 252، 276
أبو نبقة علقمة 202
نجم الدولة مالك بن سالم
ندبة والدة خفاف 104
نسطس 280
نسطور 280
نصر بن سلطان، الموفق 109
نصيب 170
نظام الدين خواجا بزرك 182، 210
النعامة (فرس) 250، 251، 277، 320
* نعمان 87
النعمان 250، 251، 277، 319، 320
نفطويه إبراهيم بن محمد بن عرفة نميلة 108
أبو نواس 31(1/427)
نوح عليه السلام 265، 279
أبو نيقة أبو نبقة
هاجر، أم الذبيح 248، 264، 266، 289
هاران 108، 265
هارون الرشيد 53
هاشم 299
هامان 259، 277
هبار بن الأسود 63
الهدهاد 279
هراسة 101
هرقل 99، 272
هرمس الأول المثلث، خنوخ 27، [29]
هرمس الثانى [29]
هرمس الثالث 29
أبو هريرة 70
* هشام 85
هشام بن عبد الملك 66، 69، 74، 76، 79، 200
أبو هلال العسكرى 185
الهلانية 275
* هند 89
هند بنت عتبة بن ربيعة 61
هنداية 105
هود عليه السلام 329
ابن الهيجمانة العبسى 79، 92
الهيجمانة بنت العنبر 89
ابن الواقفية 93
والبة بن الحباب 204
واليس 30
وجز بن غالب 100
الوجيه (فرس) 280، 317
ورقة بن نوفل 110، 327
الوصيفى المؤرخ 24
وعلة بن الحارث بن ربيعة 187
أبو الوفاء المبشر بن فاتك
ابن وكيع التنيسى 22
الوليد بن عبد الملك 73، 74، 79، 92
وهب بن عبد مناف 100
يافث 288
اليحموم (فرس) 280
يحنا 264، 276
يحيى بن تميم بن المعز بن باديس 13
يحيى بن الحنظلية 110
يحيى بن زكريا عليه السلام 205
يحيى بن عبد الله بن الحسن 89
يحيى بن على بن أبى طالب 78
أبو يحيى بن مسعدة 256
يحيى، الناصر للحق، أبو طالب 210
يحيى بن هذيل التميمى 109
يزدجرد 270، 296
ابن يزيد المبرد
يزيد بن ضبة 88
يزيد بن عبد الملك 74، 79
يزيد (بن معاوية) 314
آيس 196(1/428)
يعرب 274
يعقوب عليه السلام 173
يعقوب، صاحب اليعاقبة 280
يعلى بن أمية 110
يعلى بن سيابة يعلى بن مرة
يعلى بن مرة 110
يعلى بن منية يعلى بن أمية
أبو اليقظان سحيم بن حفص
أبو يكسوم 269
أبو اليمان بشير بن عقربة
يهوذا الحوارى 270، 307
أبو يوسف بن إبراهيم القاضى 50
أبو يوسف القزوينى 181
يوسف النجار 264
يونس بن حبيب 110، 201
ييحائيل 259(1/429)
2 - فهرس القبائل والطوائف ونحوها
الأحبار 260
الأذواء 316
الأراكنة 277
الأرمن 352، 377، 378
الأرمنيات 377
الأزد 103، 373
الأساورة 279، 295
أسد 85، 149، 192
أسد خزيمة 102
إسرائيل 195، 196
بنو الأصفر، الأصفرية 47، 100، 251، 281، 295
الأفارقة 288
الأقباط القبط
الأكاسرة 273
الأكراد 23، 275
أمية 66، 151
أهل السنة 257
أوس 278
أوس بن تغلب 157
البجاويات 375
البربر 314
البرابر 23
البربريات 273، 284
بنو أبى بكر 78
التبابعة 294، 315، 327
تبع 315
الترك 352، 387
التركيات 376
تغلب 78، 148، 327
تميم 146، 201
تيم 79
ثعلبة بن سعد 85
ثقيف 88، 95
ثمالة 261
ثمود 315
جذام 140
جرهم، الجرهمية 194
بنو جسر 93
جهينة 87
بنو الحارث 84، 273
حام 54
الحبش، الحبشان، الحبشة، الأحابش 23، 250، 252، 271، 275، 297، 372، 375
الحبشيات 375
حداد 87
حرقة بن خميس 87
الحمس 277
حمير 315
حنظلة 85
الحواريون 257
الحواضن 387
خزاعة 100، 270
الخزان 387
خولان 262
الداريون 257
الدايات 387
الدفافات 389
بنو الديان 327
الديلم 23
الديلميات 377
ذو الجدين 84
ذو حسان 246
ربيعة 89، 93
الرقاصات 388
الرهبان 260(1/430)
الروم 23، 24، 181، 277، 278، 327، 387
الروميات 377
الزرنجيات 374
الزغاويات 375
الزنج، الزنوج 297، 352، 371، 373، 375، 378، 387، 388
الزنجيات 374
زهرة 66
الزوامر 388
ساسان 253، 275، 313، 320
سام 54
سبأ 260، 295
سعد 267
سعد بن شيبان 95
سعد الله، سعد بن بكر 140
سليمة بن عبد القيس 95
السند 108
السنديات 373
سهم بن مرة 87
السودان 108، 375، 376، 378، 380
السورية 274
شيبان 78، 95، 278
الصفورية 274
الصقالبة 352، 372، صواحب الرايات 249، 266، 303، 313
الصوفية 205
بنو الصيداء 272
الطائفيات 273
الطباخات 386
الطبريات 377
طسم، الطسمية 294
الطنبوريات 388
طيىء 87
عابر 279
عاد، العادية 294، 315
عامر 146، 273
عامر الأجدار 289
العبادلة 79
بنو العباس 265
العباهلة 316
عبد القيس 89
عبد الله بن غطفان 93
بنو عبد المطلب 265
العبرانيون 27
عجل 93
العجم، الأعاجم 29، 246 248، 251، 277، 281، 284، 291، 306، 308، 314، 316، 323
عدنان 294
عدى 327
العراقيات 374
العرب العاربة 315
عسكرية المصريين 43
العمالقة، العماليق 24، 27، 294، 315
عمرو 389
العوادات 388
عيلان 262
غامد 262
الغز 50
غسان 94، 246، 253، 262، 273، 320، 327
غطفان 322
الفراعنة 315
الفرس 92، 319، 320
الفرقة الجبلية 33
الفرنج 197، 199
فزارة 92
بنو فهر 85
القبط 23، 27، 247، 265، 275، 316،
القراء 106
قريش 66، 75، 100، 110، 329(1/431)
القسوس 205
قصى 289
قضاعة 86
القندهاريات 376
قوط بن حام 108
القياصرة 273، 312
قيس 88، 204، 262
كاسان 275، 313، 320
الكراعات 388
كلب 75
كلذان 285، 298
كنانة 87
كهلان 315
الكياسرة 311
كينية بابل 275
اللانيات 377
اللصوص 106
مازن 92، 277
ماسان 313
المجوس 56، 262، 294، 295
محارب 86
المدنيات 373، 374
المرابعة؟ 315
مرة 93
مروان 102، 200
المصريات 374
المصريون 17، 30، 39، 52
مضر الحمراء 75، 278، 299، 329
معافر 261
المعتزلة 257
معد 86، 95، 148
المغاربة 195، 210
المكيات 374، 375
الملكان 85
المنجمون 37، 38
أبناء منقذ 212
النبط 247، 285، 316
النخاسون 356353، 379، 380، 383
نزار 278
النسطورية 262، 274
النصارى 34، 35، 43، 44، 275
نصر 289
نصيب 85
النضر بن كنانة 299
نمير 158
النوبة 352، 375، 387
النوبيات 376
هاشم 66، 253، 289، 299، 329
الهاشميون 288
همدان 187، 269
الهند 108، 352، 373، 374
الهنديات 372
الهود اليهود
وائل 149
يأجوج 316
يربوع 84
اليعاقبة 24
يعرب بن قحطان 289، 294
اليمانيات 374
اليمن 246، 260، 261، 289
اليهود 34، 35باسم هود، 270، 274، 306، 328
اليونان 24، 275، 298(1/432)
3 - فهرس البلدان والمواضع ونحوها
أبان 224
الأبك 264
إرم ذات العماد 315
الإسكندرية 16، 17، 29، 53
أسوان 15، 16
أصفهان 181
أفسس 276
أقتد 86
أم رحم، مكة 270
أم القرى، مكة 289
أنطاكية 36
الأهرام 25، 27، 284.
وانظر: (الهرمان).
أهناس 277
أيلة 15
أيوان كسرى 279، 298
الباب الصغير 103
بابل 275، 296
بجانة 246، 261
البحرين 106، 261
بحر الحبشة 15
البحر الرومى 15، 16
بدر 83، 103، 168
البرابى 25، 28
بربا إخميم 28
بربادندرا 28
بربا سمنود 28
برقة 15
برقة ثهمد 147
بركة الحبش 20، 21
البرهوت 288
بعاث 260
بغداد 182
البقار 307
البليل؟ 194
بنية الحدث الحدث
بيت رأس 282
البيت الحرام، بيت الله 202، 266، 270، 290، 297، 298، 307، وانظر (الكعبة)
بيت السلسلة 195، 196
بيت المقدس 195
بيسان 266
بيش 264
تبالة 246، 260
تنيس 16، 17
ثبير 291
جبل جريجس 196
جبل قرطبة 109
جبل القمر 17
جبلة 85
الجريب 86
الجزيرة، جزيرة الأندلس 257بربرة 373
العراق 71، 183
العرب 271مصر 20
جلق 259، 319
الجمع 202، 259
جؤاثى 282
الجولان 320
حارب 320
الحجاز 183، 248، 320
الحدث 268
الحرم 252
حرة ليلى 91
حصن كيفا 194
حضرموت 93
حلب 103، 194
الحيرة 71، 250، 319
خراسان 193، 274، 296، 313
خفان 285
خليج مصر 19
الخورنق 13
دار الطواويس 205(1/433)
دارة موضوع 87
داريا 103
دانية 261، 289
دجرجا 52
دجلة 22، 23
الدرب 193، 195
دمشق 103، 198
دمياط 16، 17
ديار بكر 183
ديوان الإنشاء 48
ذات عرق 317
ذات المجاز 248
ذو طلوع 288
ذو قار 92، 278، 320
راكس 86
الرس 272
رشيد 15، 16
الركن اليمانى 69
رماح 87
رومة، رومية 274، 313
زرنج 374
زمزم 276
الزنج 15
الزوراء 320
السد، سدذى القرنين 315
سد العرم 273
السدير 13
السراة 103
السرداح 87
سردانية 261
سعد 160
سمرقند 315
سميساط 267
سندان 279
السواد، 277، 320
السوبان 224
سوران 277
الشام 50، 71، 103، 183، 212، 251، 295، 296، 320، 321
شمام 268
شيزر 196، 197
الصعيد 17
الصعيد الأعلى 15، 38، 40، 52
صفين 110
صنعاء 319
صيداء 370
الصين 15
الطائف 62
طيبة 289
ظفار 278
عاسم 257، 269
عانة 246
عدولى 106
العراق 54، 65، 73، 183، 186، 272، 296، 374
عسيب 213
عمان 274
عمايتان 87
العواصم 194
عين الشمس 266
غمدان 287
الغمر 93
الغميصاء 61
الغوطة 320
فارس 276، 371
فديك 72
الفرات 18، 319
الفرماء 16
الفسطاط 16، 17، 26، 27، 29، 40، 41
فيحان 87
الفيوم 277
القادسية 279، 296
قبر العبادى 269
قبر يحيى عليه السلام 205
قبة الصخرة 195
القسطنطينية 313
قطربل 282
قفط 17
قلعة جعبر 194(1/434)
قوص 17، 52
كبكب 156
الكرج 257
الكعبة 252، 270، 298، 307، 329 وانظر (البيت الحرام)
الكلاب 260
الكوفة 85، 102
اللات (صنم) 276
اللاذقية 181
لارة 246
المارستان 34
ماسان 274
ماوراء النهر 313، 371
متالع 224
المحصب 190، 191
المدائن 278
المدينة 68، 70، 74، 79، 153، 374
مرعش 147
المسجد الأقصى 312
المسجد الحرام 78
مسجد أبى بكر 197
مسجد مسلمة 314
مصر 12، 2015 23، 24، 26، 27، 3129، 34، 36، 40، 43، 49، 61، 64، 102، 181، 183، 208، 214
معرة النعمان 44
المغمس 269
مقبرة باب كيسان 103
المقطم 12، 15، 16
مكة، أم رحم، أم القرى 66، 67، 73، 78، 85، 104، 270، 289، 384
الملتان 371، 374
ملهم 260
مناة (صنم) 276
منبج 196
المنصورة 371
منف 29
الموصل 207، 208، 210
ميافارقين 208
نابلس 205
ناصرة 273
نجد 268، 289، 318، 319
نجران 193، 195، 322، 327
النجف 23
نخلة 156
النسار 146
نعمان 161
نهر الصفر 274
نهر مهران 287
النوبة 15
نيسابور 272
النيل 12، 2115، 29
الهرمان 26، 27. وانظر (الأهرام)
الهند 15
وادى القرى 272
ودان 287
اليرموك 279، 296
يلملم 268(1/435)
4 - فهرس الأشعار
الماء 140
السماء أبو البرج 298
العفاء زهير 167
الماء 34
براء 150
الحداء 253
تشاء 271
وإباء 393
العطاء بشار 150
الرخاء ابن رشد المصرى 54
أكفائى العتكى 171
حماء 139
النساء 161
لصفائه عبد الله بن سرية 18
ركب 151
ثعالب 160
نهبا 256
مجربا أسامة 199
حبا أبو دواد 224
كوكبا ابن كيغلغ 22
الصبا ابن وكيع 22
ذوّبا 23
الذنبا الحطيئة 168
والطربا أبو الصلت 22
قشبا لبيد 221
ذهبا 263
كسوبا حرملة بن عسلة 94
غرب 279
الحرب 297
متجنب أسامة 214
مغرب التنوخى 22
أب جعونة 94
مخرب أبو العتاهية 204
المهذب النابغة 145
كوكب النابغة 150
مذهب النابغة 166
وأكذب النابغة 166
الحقائب نصيب 142، 170
الثعالب 152
العواقب 172
العقاب امرؤ القيس 105
جناب 14
الناب 172
نسيب امرؤ القيس 165
تطيب ابن الدمينة 145
كثيب شبيب 90
قريب قراد 155
الثقوب ابن هرمة 258
غريب ابن الواقفية 93
ركائبه عطاف بن بشة 84(1/436)
ثاقبه لقيط بن زرارة 283
مخالبه 151
نحبى الحداد 54
النقب دريد بن الصمة 168
المحصب أسامة 190
كبكب امرؤ القيس 156
كالأحدب 208
المهرب 284
والطرب ابن التمار 23
العرب أبو تمام 281
النخب أبو الصلت 21
النوب 13
العرب 279
الحاجب بشار 172
مراقب العباس بن الأحنف 55
الضوارب النابغة 296
الصائب 47
حاجب 140
حارب 320
الألباب لبيد 148
الحطوب إبراهيم الصولى 144
والحطوب أسامة 213
تجريب أبو الأسود 153
بلبيب أبو الأسود 167
تأويب سلامة بن جندل 146
النجيب عاتكة 63
منيب عاتكة 63
بنصيب أبو نواس 31
الطبيب 142
أماريتا أبو العلاء 280
الصوت رويشد 149
علمت يزيد بن الوليد 158
أطعتها 207
أرنت سيار بن قصير 148
التى 161
سلت 204
حباريات 160
الزجاج الأسدى 192
الداجى على بن النضر 43
رماح حجل بن نضلة 171
السلاح ابن مكنسة 48
الكاشح أبو نواس 294
الصريح أبو محجن 152
صريح 286
منجح عروة بن الورد 11، 168
السرداح العريان 87
صحاح عمرو بن الإطنابة 69
المديح ابن مكنسة 44
فيلطخ يزيد بن ضبة 89
يودّ عمر بن أبى ربيعة 169
يستبد عمر بن أبى ربيعة 169
الردى أسامة 214
غدا عطاف بن بشة 84
تعودا يزيد بن الجهم 168
مغردا 13
غدا 159(1/437)
مجتهدا العديل 169
قودا 288
استعادا جرير 168
بعبدا تبع 278
الوليدا ابن حجلة 85
عاده 33
شدّوا 249، 258
نولد ابن أبى الصلت 222
ومتلمد ابن أبى الصلت 222
أحد 145
فسدوا 288
واحد 36
كواسد 280
سادوا 140
هجود حبيب بن خدرة 86
لهيد ابن عيزارة 86
يسود 165
ومجد أبو بكر الصنوبرى 18
وحدى حاتم 286
البعد ابن الدمينة 170
وعد 143
المسجد جرير 68
مهتد دريد بن الصمة 184
واقصد ابن الرومى 28
اليد طرفة 147
تزود طرفة 167
معرد عاتكة 64
ومعبد عمرو بن الصماء 87
للمنشد المثقب 281
وتجلدى ابن مكنسة 46
غد النابغة 141
الغد 141
بجلمد 316
يدى أسامة 207
الأسد النابغة 165
الأمد النابغة 126
يدى النابغة 166
النكد النابغة 270
البدد 144
زائد ابن فسوة 89
بواحد 276، 279
بفساد الأسود بن يعفر 170
معاد ابن فضالة 317
بالعواد كثير عزة (1) 151، 167
كبلاد مالك بن الريب 168
الصادى 148
فزيدى أبو الطاهر 50
كالمغاريد عذار بن درة 276
الرشيد 53
سديد 271
النجيد 279
شذّ ابن المعتز 45
وتر أسامة 209
والغير أسامة 209
__________
(1) ولجرير أيضا.(1/438)
يا عمر حميد بن طاعة 88
الشعر أبو الطاهر 49
وطمر طرفة 282
قرطرفة 286
يفقر عمرو بن أحمر 153
اعتذر لبيد 167
مرر مهيار 191
هر 139
الخبر 141
كبر 209
بصائر قس 186
طائر الكميت 259
شزرا البعيث 201
مجرا 18
ترى أبو الطاهر 51
قصرا عاتكة 62
مصدرا 159
يكسرا 299
الحذرا أشجع بن عمرو 170
الصبرا 157
الأثرا 171
الديارا جرير 160
زارا العباس بن الأحنف 156
الدارا العباس بن الأحنف 171
اشتهارا 35
الضفارا 70
إعصارا 172
هصورا 266
يفورا 330
بالحجاره الأعشى 203
نصيرها إبراهيم الصولى 144
سير أبو تمام 203
عشر ابن أم شهمة 87
الدهر سويد بن الحارث 204
القدر قعنب 92
خبر 173
قشر 284
السّفرّ الأصمعى 192
يصبر محمود 171
تقصر 37
أكثر 172
يخطر 275
زفر الأخطل 151
الإبر الأخطل 169
وتر أسامة 209
قصر تميم بن المعز 19
العشر محمد بن مسلم 53
قصر 75
زهر 315
كافر راشد بن عبد الله 193
ناصر ابن مسعدة 289
مسافر معقر بن حمار 320
شواجر 159
ناصر 173
المسافر 193
كافر 195
حاسر 277(1/439)
نهار بشار 160
الفرار بشر 160
نار الخنساء 170
مستعار ابن الواقفية 93
سرار 153
النار 152
والجبار 285
سيزور الأحوص 156
تكدير جحظة البرمكى 139
مزير العباس بن مرداس 185
لفرور عمرو بن معد يكرب 148
مياسير نويفع 173
والنذير ابن الواقفية 93
محافره مضرس الأسدى 193
مزارها إبراهيم الصولى 144
يسيرها خالد بن زهير 272، 312
صقورها شبيب 90
مثرى جرير 152
أدرى ابن دغماء 94
مصر أبو الصلت 26
فتر العرجى 69
ثغر العرجى 158
الخمر عاتكة 64
صفر عروة بن الورد 206
النشر موسى بن عبد الله 78
السطر ابن الواقفية 93
والعسر 140
تسرى 165
نصبر 646
والسير أبو العلاء 248
العكر أبو العلاء 248
الحضر أبو العلاء 318
بالحجر 259
ضائرى الأعشى 258
المزاهر ابن الدمينة 205
بأطهار الأخطل 283
عمار جرير 201
الغبار السلامى 23
الأفطار على بن مقلد 194
وجار قطبة 86
نضار محمد بن الحسن 19
وأكوار النابغة 305
البقار النابغة 307
اختيار 12
بنضار 158
الأشعار 287
العصافير حسان 156
بالذكور مهلهل 268
بالوزير 142
المتكاره أسامة 212
أسرارها 275
أزهارها 321
عكازه 207
الهراسا النابغة الجعدى 101
ناسا 291(1/440)
وأكيس 145
دوس ابن المكربل 208
الكاسى الحطيئة 157، 297
والناس الحطيئة 168
كالياس الحطيئة 168
الناس محمود بن ناصر 53
المواسى 173
مبخوس ابن رشيق 45
والغبش أبو الصلت 21
العصا 200
ومنغصى ابن المعتز 45
منقوص 148
مريض 144
الأرض خالد الكاتب 47
يمضى أبو خراش 167
شططا على بن النضر 42
فالتقط 256
ملتقطه ابن الرومى 45
وصلع سويد 160
يصفعا على بن الصوفى 53
تتقنعا عمر بن أبى ربيعة 169
اليرمعا 173
طمعا لقيط 157
الطبائعا الطائية 170
جياعا أنس بن أبى أنس 70
منتزعه أنس بن أبى إياس 166
معه الأضبط 153
جمعه الأضبط 153
إصبع البراء بن ربعى 154
الخشع جرير 153
أشنع حبيب بن خدرة 86
يلمع الخريمى 155
يجزع أبو ذؤيب 167
تقنع أبو ذؤيب 167
مستمتع عبدة بن الطبيب 169
تقرع كثير 187
المصرع المتنبى 26
مولع 349
الرابع أيمن بن خريم 66
النوازع البعيث 143
الأكارع الخطيم التيمى 159
الروائع ابن عيزارة 86
راتع النابغة 151
رائع النابغة 165
طائع النابغة 166
جائع 261
قطاع حبيب بن خدرة 85
أراع 142
ولوع عمر بن أبى ربيعة 169
تستطيع عمرو بن معد يكرب 155
جميع قيس بن ذريح 189
الطلوع ابن أبى البشر 22
إلفا الحداد 54
طريفا 209
وقفوا الفرزدق 151
خلف ابن أبى عيينة 171(1/441)
مساعف 159
عارف 174
الأضياف مطرود 270
إنصاف 172
زفيف ابن سجراء 88
أحمق 252
الأفقا زهير 147
عشقا زهير 166
بالرقى 33
تطلق عبد الله بن أبى بكر 61
رونق 11
ينطق 257
يخنق 276
الخلق سالم بن وابصة 168
تحترق العباس بن الأحنف 160
الفرق ابن هرمة 161
المنطيق حميد بن ثور 203
حقوق 145
بالنهق أبو الطمحان 249
الشرق ابن قيس الرقيات 65
الخلق زميل 92
الشمقمق أبو الطاهر 51
موفق على بن النضر 41
المتألق 147
الخلق 62
الفائق إبراهيم بن الأشعث 56
الإنفاق 143
الفراق 172
لاق 254
فاستضحكا تميم بن المعز 17
فبكى دعبل 171
فتدركوا ابن أم حزنة 92
فتكوا ابن القوطية 109
فلك يحيى بن هذيل 109
المتملك على بن النضر 42
المسلك 261
فاعتدل ابن الزبعرى 168
جلل لبيد 167
العقول 31
غلا النابغة الجعدى 149
فصلا 142
أبوالا أمية بن أبى الصلت 251
الأجبالا المتنبى 251، 268
السبالا معن بن أوس 200
الخيالا 148
جليلا بشامة 91
وذحولا عمرو بن محرز 201
يبولاقعنب 92
فاعله أسامة 211
العذل ابن البرقى 52
النخل زهير 159
القتل زهير 166
يغلوا زهير 285
وأحبل أبو طالب 202
وأطول الفرزدق 298
ثمل أسامة 195(1/442)
قتلوا أبو تمام 308
الزلل القطامى 167
الفاضل جرجس 37
فعول السموأل 155
ذليل السموأل 156
طويل السموأل 294
وتأميل عبدة بن الطبيب 169
مناديل عبدة بن الطبيب 169
أقول الفقيمى 154
قليل المقنع الكندى 140
لبخيل 33
قائله زهير 310
أرامله 267
وجلى أسامة 214
الرجل امرؤ القيس 165
الرجل جعفر بن محمد 260
بالنعل جميل 146
أهلى ابن ميادة 91
العقل 37
بمنسلى امرؤ القيس 147
منصل 141
الملل أسامة 192
تسجدلى الدمياطى 56
للحيل الشطرنجى 171
منفصل الدجرجاوى 52
وجل 144
العمل 25
خاتل أسامة 211
الساحل 36
صالى الحارث بن عباد 148
حيال الحارث بن عباد 149
الجهال حسان بن حنظلة 155
هلال أبو الحسن بن الوزير 19
الطوال ابن الطثرية 89
النبال اللعين 320
سؤال مروان بن عثمان 54
الأكفال 282
السربال 285
عجال 290
بمسيل عقيل بن علفة 157
جميل أبو العلاء 254
الذيول عمر بن أبى ربيعة 308
سبيل كثير عزة 147
المستحيل ابن مكنسة 48
قليل 139
الجميل 141
النسم أبو كرب 328
السقم أبو الهندى 284
للسقام الدمياطى 56
التلام الطرماح 223، 224
الزحام 171
دما حسان 282
وتسلما حميد بن ثور 267
المجمجما حميد بن طاعة 88
ليعلما المتلمس 188
تضرما ابن مكنسة 46(1/443)
تجذما 148
فتضرما 149
وأعظما 154
كريما 100
دمه 264
الملامة يزيد بن مفرغ 169
هرم أمية بن أبى الصلت 222
ظالم ابن براقة 187
والقوادم المتنبى 314
الشكائم 114
قاسم 257
الهام أسامة 215
أرحام أبو تمام 248
الإقدام أبو داود 149
الكرام ابن شعوب 83
إيلام المتنبى 260
باعصام النابغة 166
الكلام نصر بن سيار 256
جذام 140
لئيم 158
سقيم 161
والفيوم 277
غريمها كثير 156
نسيمها المجنون 161
ينمى الحارث بن وعلة 169
الحلم الحارث بن وعلة 187
الجرم عبد المسيح بن عسلة 94
العلم 143
يرمى 173
بالصيلم بشر 146
لهذم زهير 156
المنعم عنترة 167
الأقتم بشر بن شلوة 93
الحرم إسحاق بن خلف 265
ودمى 141
قدمى 210
عاسم الطرماح 269
نائم عبد الرحمن بن أبى بكر 70
العمائم الفرزدق 200
قادم 14
هاشم 253
أيامى أسامة 206
الأعوام أسامة 211
كلامى أبو دهبل 69
التلام غيلان بن سلمة 224
حمام الناجى المصرى 54
حمام 54
والسلام 150
دوام 160
الأقوام 173
عرين 295
عينا إبراهيم بن الأشعث 56
زينا 157
ألوانا 159
الحزونا أسامة 208
الظاعنينا عمر بن أبى ربيعة 72(1/444)
تليا عمرو بن كلثوم 152
ميمونه 75
والجبن قعنب بن أم صاحب 154
زكنوا قعنب بن أم صاحب 170
كائن عبد الله بن أبى بكر 62
فأباين 81
لبّان أبو يوسف القزوينى 182
إنسان 146
جنون مروان بن عثمان 55
المغبون 270
عرين 283
بين ابن البرقى 52
تجنى حمزة بن بيض 152
بثنتين أبو شجاع 210
الأفن أبو العلاء 25
الوهن يحيى الحصكفى 209
بالوسن على بن النضر 43
السلوان أسامة 191
سرحان عبد الله بن عنمة 172
البحران الفرزدق 148
فالسوبان لبيد 224
فان أبو المجشر الضبى 188
رمانى معن بن أوس 311
بأوطان 12
أضنانى 143
بالغلمان 158
تحبّانى 159
وأفان 247
الإحسان 273
الضيفان 285
بدونها 161
انتهى دعبل 171
لألقاها 156
أبكيها إبراهيم الصولى 144
حواشيها البحترى 23
ما فيها سابق البربرى 172
ويحاكيها 48
رائيها 266
ليكره 145
هواه 67
التشبيه الغزالى 50
الصبوه خواجا بزرك 210
عصيّا عمرو بن الإطنابة 201
المساويا عبد الله بن معاوية 170
بلائيا عطاف بن بشة 84
حذاريا 154
والنهاية 33
العصىّ امرؤ القيس 192
غرى ابن المعتز 23
شطر بيت ذباب طار فى لهوات ليث 155
تخميس عصا أسامة بن منقذ 190(1/445)
5 - فهرس الأرجاز
الخطاب حميد بن طاعة 88
الذيبه ابن الذيبة 90
يحطب 263
مجادا 247
كرا 264
داره زميل 92
تجرى جندل 203
باس 253
هيسى 294
بيشا 264
الضغاطا 171
المصبع على بن جعفر 44
عطاف ابن طوعة 84
للقوافى 91، 266
للزيق 72
حولكا 260
الأبك قطية 264
جبله السندرى 85
جبله عمارة بن العيف 95
رجلى أسامة 214
الستين عروة بن الزبير 73
آلينا ابن أم حولى 84
بنوا 263
مواليه ابن الحدادية 87
دماها الراعى 188
السندرى السندرى 85
6 - فهرس الأمثال
أحر من دمع المقلات 205
استنت الفصال حتى القرعى 306
أطول من ظل القناة 205
ألطمك إذا لم أجد من ألطم 277
إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا 172
إن بنى عمك فهم رماح 171
إن التخلق يأتى دونه الخلق 168
إن العصا قرعت لذى الحلم 187
إن العصا من العصية 203
إن مع الإبساس إيناسا 291
إن الندى حيث ترى الضغاطا 171
إنما العاجز من لا يستبد 169
أول راض سنة من يسيرها 313
بين الصبح لذى عينين 299
جرى المذكيات غلاب 297
حسبك داء أن تصح وتسلم 167
حسن فى كل عين من تود 169
حنّ قدح ليس منها 277
روغى جعار 260
سقط العشاء به على سرحان 172
شق عصا الجماعة 184
قد يكون مع المستعجل الزلل 167
كل غريب للغريب نسيب 165
الكلاب على البقر 271
لا بد للمصدور أن ينفث 330
لشىء ما يسود من يسود 165
لكل أناس من بعيرهم خبر 173
لو ذات سوار لطمتنى 274
لو كان فى العصا سير 202
ليس قطا مثل قطى 260
من فاته العين لم يستبعد الأثر 171
من يطل أير أبيه ينتطق به 286
يضع الهناء مواضع النقب 168(1/446)
7 - فهرس الكتب
التى وردت فى أثناء نصوص النوادر أخبار مصر، للوصيفى 24
الأفلاك للإسكندرانى 30
الأناجيل الأربعة 263
الإنجيل 262، 271، 299، 306
الأوائل، لأبى هلال العسكرى 185
البريدج الرومى، لو اليس 30
تفسير القرآن، فى مائة مجلد، لأبى يوسف القزوينى 182
التوراة 262، 299
الجمهرة لابن دريد 221
جمهرة النسب، لابن الكلبى 100
حاشية ابن برى على الصحاح 224
الحماسة، لأبى تمام 184
ديوان أسامة 190
ديوان أمية بن أبى الصلت 222
رسائل أرسطو 352
الزينة، لأفريطن 380
شرح المفصل، لابن الملا 221
شرح المقامات للشريشى 222
الصحاح للجوهرى 221، 224، 225
صحيح البخارى 99
العباب، للصاغانى 221
القاموس، للفيروزبادى 221، 225
القانون، للإسكندرانى 30
القائف، لأبى العلاء المعرى 189
كتاب العصا، للقزوينى 183
الكتب الستة 109
لسان العرب، لابن مكرم 221
لقطع المنافع، لابن الجوزى 397، 400، 401، 407
مجمل اللغة، لابن فارس 184
المحكم، لابن صيده 221
المسائل العسكرية للفارسى 221
المعربات للجواليقى 224
مغنى اللبيب، لابن هشام 221
المفصل للزمخشرى 221
المقامات الحريرية 222
النبات، لأبى حنيفة 221، 319
يتيمة الدهر 22(1/447)
مراجع الشرح والتحقيق
اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطمية الخلفاء، للمقريزى، تحقيق الدكتور الشيال، دار الفكر 1367.
الإحاطة، فى أخبار غرناطة. طبع الموسوعات 1319.
أخبار عبيد بن شرية الجرهمى، حيدر أباد 1347.
إخبار العلماء بأخبار الحكماء، للقفطى. السعادة 1326.
أدبيات اللغة العربية، للجنة من رجال نظارة المعارف. بولاق 1906م.
أساس البلاغة، للزمخشرى. دار الكتب 1341.
أسد الغابة، لابن الأثير. الوهبية 1286.
الاشتقاق، لابن دريد، تحقيق وستنفلد. جوتنجن 1853م.
الإصابة، فى أسماء الصحابة، لابن حجر. السعادة 1323.
الأصمعيات، اختيار الأصمعى. ليبسك 1902م.
الاعتبار، لأسامة بن منقذ. نشرة فيليب حتى. جامعة برنستون 1930م.
إعجاز القرآن، للباقلانى. السلفية 1349.
أعجب ما كان، فى الرق عند الرومان، لمصطفى كامل. المحروسة 1310.
الأغانى لأبى الفرج الأصبهانى: الساسى 1323.
ألف باء، للبلوى. الوهبية 1287.
الألفاظ الفارسية المعربة، لأدى شير. بيروت 1908م.
الأمالى، لأبى على القالى. دار الكتب 1344.
الأناجيل الأربعة.
إنباه الرواة على أنباء النحاة للقفطى، بتحقيق محمد أبى الفضل إبراهيم دار الكتب 1369.
الأنساب، للسمعانى ليدن 1912.
الإنصاف والتحرى، لابن العديم. ضمن تعريف القدماء. دار الكتب 1364.
بدائع البدائه، لابن ظافر الأزدى. بولاق 1278.
بغية الوعاة، للسيوطى. السعادة 1328.
البيان والتبيين، للجاحظ، بتحقيق عبد السلام هارون، لجنة التأليف 1369.(1/448)
تاج العروس، للزبيدى. الخيرية 1306.
تاريخ الإسلام، للذهبى. مخطوط دار الكتب رقم 42تاريخ.
تاريخ الإسلام، للذهبى. القدسى من سنة 1367.
تاريخ الأمة القبطية، لجنة التاريخ القبطى. المقتطف 1925م.
تاريخ بغداد، للخطيب البغدادى. القاهرة 1349.
تاريخ دمشق، لابن عساكر. مخطوطة المكتبة التيمورية رقم 1041تاريخ.
تاريخ الطبرى. الحسينية 1326.
تاريخ طرابلس الغرب، لابن غلبون. السلفية 1349.
تاريخ قضاة الأندلس، للنباهى. تحقيق پروفلسال. دار الكاتب المصرى 1948م.
تاريخ مختصر الدول، لابن العبرى. أكسفورد 1663م.
التبصر بالتجارة، للجاحظ، تحقيق حسن حسنى عبد الوهاب. الرحمانية 1354.
التحقيق فى شراء الرقيق، لمؤلف مجهول. مخطوط بالمكتبة التيمورية رقم 48فضائل ورذائل.
تذكرة أولى الألباب، لداود الأنطاكى. الشرفية 1317.
تذكرة الحفاظ، للحافظ الذهبى. حيدر أباد 4: 13.
تذكرة الطالب النبيه، بمن نسب إلى أمه دون أبيه. لأحمد بن خليل اللبودى. مخطوط بالتيمورية رقم 1407تاريخ.
التصريح، يمضمون التوضيح، للشيخ خالد الأزهرى. الأزهرية 1344.
تعريف القدماء، بأبى العلاء، للجنة من رجال وزارة المعارف. دار الكتب 1363.
تفسير أبى حيان، وهو البحر المحيط. السعادة 1328.
تفسير الطبرى. بولاق 1330.
تكملة التكملة. طبع مدريد 1915م.
تكملة الصلة، لابن الأبار، تحقيق كوديرا. مدريد 1887م.
تهذيب التهذيب، لابن حجر. حيدر أباد 1325.
التنبيه والإشراف، للمسعودى. الصاوى 1357.
التنبيه على أمالى القالى، لأبى عبيد البكرى. دار الكتب 1344.
التيجان: فى ملوك حمير، لوهب بن منبه. حيدر أباد 1347.
ثمار القلوب، فى المضاف والمنسوب، للثعالبى. الظاهر 1326.(1/449)
جذوة المقتبس، للحميدى. تحقيق محمد بن تاويت. السعادة 1953م.
جمل أحكام الفراسة، لأبى بكر الرازى. حلب 1347.
جمهرة أنساب العرب، لابن حزم. تحقيق پروفنسال. دار المعارف 1948م.
جمهرة خطب العرب، لأحمد زكى صفوت. الحلبى 1352.
حاشية ابن عابدين. بولاق 1299.
حسن المحاضرة، فى أخبار مصر والقاهرة، للسيوطى. السعادة 1324.
الحلة السيراء، لابن الأبار. ليدن 1851م هـ
حلية الفرسان: لعلى بن عبد الرحمن الأندلسى. تحقيق محمد عبد الغنى حسن دار المعارف 1369.
الحماسة، لأبى تمام. السعادة 1331.
الحماسة للبحترى الرحمانية 1929م.
الحماسة لابن الشجرى. حيدر أباد 1345.
الحيوان، للجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون. الحلبى 13641357.
خاص الخاص، للثعالبى. السعادة 1326.
خريدة القصر، للعماد الأصفهانى، تحقيق أحمد أمين وشوقى ضيف واحسان عباس لجنة التأليف 1951م.
خزانة الأدب، للبغدادى. بولاق 1299.
خطط المقريزى، وهو المواعظ والاعتبار. مطبعة النيل 1324.
خلاصة الأثر، فى أعيان القرن الحادى عشر، للمولى المحبى. الوهبية 1284.
الخيل، لابن الأعرابى. ليدن 1928م.
الخيل، لابن الكلبى. ليدن 1928م.
دائرة المعارف الإسلامية. الترجمة العربية.
دائرة المعارف البريطانية.
الدرر الكامنة، فى أعيان المائة الثامنة، لابن حجر. حيدر أباد 1350.
درة الغواص، للحريرى. الجوائب 1299.
الديارات للشابستى، تحقيق كوركيس عواد. بغداد 1951م.
ديوان الأخطل. بيروت 1891م.
ديوان الأرجانى. بيروت.(1/450)
ديوان أسامة بن منقذ. نسخة دار الكتب رقم 16877ز.
ديوان الأعشى، بتحقيق جاير. قينا 1927م.
ديوان امرىء القيس. هندية 1324.
ديوان البحترى. هندية 1329.
ديوان بشار، بشرح ابن عاشور. لجنة التأليف 1369.
ديوان أبى تمام، نشرة محيى الدين الخياط. بيروت 1323.
ديوان تميم بن المعز. مخطوط دار الكتب رقم 16025ز.
ديوان جرير. الصاوى 1345.
ديوان حاتم الطائى. الوهبية 1293.
ديوان حسان بن ثابت. الرحمانية 1347.
ديوان الحطيئة. التقدم، بالقاهرة.
ديوان الخنساء. بيروت 1888م.
ديوان ابن الدمينة. المنار 1337.
ديوان زهير بن أبى سلمى. دار الكتب 1363.
ديوان سلامة بن جندل. بيروت 1910م.
ديوان أبى طالب. مخطوطة الشنقيطى بدار الكتب رقم 38ش.
ديوان طرفة بن العبد. قازان 1909م.
ديوان العباس بن الأحنف. الجوائب 1298.
ديوان عمر بن أبى ربيعة. الميمنية 1311.
ديوان الفرزدق. الصاوى 1354.
ديوان ابن قيس الرقيات. فينا 1902م.
ديوان لبيد. فينا 1880، 1881م.
ديوان المتنبى، بشرح العكبرى. الشرفية 1308.
ديوان أبى محجن. الأزهار.
ديوان المعانى، لأبى هلال العسكرى. القاهرة 1352.
ديوان ابن المعتز. المحروسة 1891م.
ديوان معن بن أوس. ليبسك 1903م.
ديوان مهيار الديلمى. دار الكتب 1340.(1/451)
ديوان النابغة. من مجموع خمسة دواوين.
ديوان أبى نواس. العمومية 1898م.
ديوان الهذليين. دار الكتب 1369.
الذخيرة، لابن بسام مخطوطة جامعة القاهرة رقم 26022.
الرق فى الإسلام، لأحمد شفيق، ترجمة أحمد زكى. بولاق 1309.
روضات الجنات، فى أحوال العلماء والسادات، لمحمد باقر الموسوى. العجم 1304.
الروضتين، فى أخبار الدولتين، لأبى شامة. وادى النيل 1288.
زهر الآداب، للحصرى. الرحمانية 1925م.
سفر التكوين.
سلك الدرر فى أعيان القرن الثانى عشر، لمحمد خليل المرادى. بولاق 1301.
سمط اللآلى، للراجكوتى. لجنة التأليف 1354.
سير النبلاء، للذهبى. مصورة دار الكتب رقم 12195ح.
السيرة، لابن هشام. جوتنجن 1859م.
شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلى. القدسى 1351.
شرح الحماسة، للتبريزى. بتحقيق فريتغ. بون 1828م.
شرح الحماسة، للمرزوقى بتحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون. لجنة التأليف 1372.
شرح شواهد شروح الألفية، للعينى. بهامش خزانة الأدب.
شرح شواهد المغنى، للسيوطى. البهية 1322.
شرح المضنون به على غير أهله، لعبيد الله بن عبد الكافى. السعادة 1331.
شرح المفصل. لابن يعيش. محمد منير.
شرح المفضليات لابن الأنبارى، تحقيق ليال بيروت 1920م.
شرح نهج البلاغة. لابن أبى الحديد. الميمنية 1329.
شروح سقط الزند، للتبريزى والبطليوسى والخوارزمى. دار الكتب 1368.
الشعر والشعراء، لابن قتيبة. بتحقيق أحمد شاكر. الحلبى 1370.
شفاء الغليل، للخفاجى. السعادة 1325.
الشقائق النعمانية، فى علماء الدولة العثمانية، بهامش وفيات الأعيان.
صبح الأعشى، للقلقشندى. دار الكتب 1340.
الصلة، لابن بشكوال. مدريد 1882م.(1/452)
الطالع السعيد، الجامع لأسماء الفضلاء والرواة بأعلى الصعيد، للأدفوى. الجمالية 1332.
طبقات الأطباء، لابن أبى أصيبعة، وهو عيون الأنباء. الوهبية 1299.
طبقات الشعراء، لابن سلام. السعادة.
الطبيخ، للبغدادى. الموصل 1353.
عصر إسماعيل (من تاريخ الحركة القومية) للرافعى. مطبعة النهضة 1932م.
العقد الفريد، لابن عبد ربه. لجنة التأليف 1372.
العمدة، لابن رشيق. هندية 1344.
عمدة القارى، شرح صحيح البخارى، للعينى. محمد منير 1348.
عيون الأخبار، لابن قتيبة. دار الكتب 1343.
عيون التواريخ، لابن شاكر الكتبى. مخطوطة دار الكتب رقم 1497تاريخ.
غرر الخصائص، للوطواط. بولاق 1284.
الفائق، للزمخشرى. حيدر أباد 1314.
فتح البارى، شرح صحيح البخارى، لابن حجر. بولاق 1301.
فتح القدير، للكمال بن الهمام. بولاق 1318.
الفراسة، لأفليمون. حلب 1347.
الفصل، فى الملل والأهواء والنحل، للشهرستانى. الأدبية 1317.
الفصول والغايات، لأبى العلاء المعرى. حجازى 1356.
الفهرست، لابن النديم. الرحمانية.
فوات الوفيات، بن شاكر. بولاق 1283.
فيض الخاطر، للدكتور أحمد أمين. لجنة التأليف.
القانون الرومانى، للدكتور محمد عبد المنعم بدر. لجنة التأليف 1937م.
قلائد العقيان، للفتح بن خاقان. بولاق 1283.
الكامل فى التاريخ، لابن الأثير. محمد منير 1348.
الكامل، للمبرد. ليبسك 1864م.
الكتاب، لسيبويه. بولاق 1316.
كتاب: حرب بكر وتغلب. الهند 1305.
الكتاب المقدس الأمريكانية 1906م.
كشف الظنون، لحاجى خليفة. تركيا 1310.
الكنايات للثعالبى. السعادة 1326.(1/453)
الكنايات، للجرجانى. السعادة 1326.
كنى الشعراء لابن حبيب، ملحق بكتابه أسماء المغتالين. مخطوط دار الكتب 2606تاريخ لباب الآداب، لأسامة بن منقذ، أحمد شاكر. الرحمانية 1354.
لسان الميزان، لابن حجر حيدر أباد 1330.
مجالس ثعلب، بتحقيق عبد السلام هارون. دار المعارف 1369.
مجلة الجمعية الألمانية الشرقية:) (
مجمع الأمثال، للميدانى. البهية 1342.
مجموع خمسة دواوبن. الوهبية 1293.
مجموعة المعانى، لمؤلف مجهول. الجوائب 1301.
محاضرات الأدباء، للراغب الأصفهانى. الشرفية 1326.
المختار من شعر بشار، للخالديين. الاعتماد 1353.
مختارات ابن الشجرى. العامرة 1306.
مختصر تاريخ دمشق، لابن بدران. روضة الشام 1332.
المخصص، لابن سيدة، بولاق 1318.
مخطوطات الموصل، للدكتور داود جلبى. الفرات ببغداد 1927م.
مروج الذهب، للمسعودى. السعادة 1367.
مسالك الأبصار، لابن فضل الله العمرى. مصورة دار الكتب 2568تاريخ.
مشارق الأنوار، للقاضى عياض. السعادة 1332.
المعارف، لابن قتيبة. الإسلامية 1353.
معاهد التنصيص، للعباسى. البهية 1316.
المعتمد، فى الأدوية المفردة، لابن رسولا. الحلبى 1327.
المعجب، للمراكشى. السعادة 1324.
معجم الأدباء، لياقوت. دار المأمون 1323ومرجليوث.
معجم البلدان، لياقوت. السعادة 1323.
معجم الشعراء، للمرزبانى. القدسى 1354.
المعجم الفارسى الإنجليزى: (.)
معجم المجمع العلمى الأسبانى: ()(1/454)
المعرب، للجواليقى، بتحقيق أحمد شاكر. دار الكتب 1361.
المعلمة الكبيرة للمعارف العامة: ()
المعمرين، للسجستانى. السعادة 1323.
المغرب لابن سعيد. مخطوطتى دار الكتب 2712تاريخ و 103تاريخ م.
المغرب لابن سعيد، بتحقيق الدكتور شوقى ضيف. دار المعارف 1953م.
المغنى، لابن قدامة الحنبلى. دار المنار 1367.
مفاتيح العلوم، للخوارزمى. محمد منير 1342.
مفتاح الأفكار، فى النثر المختار، للشيخ أحمد مفتاح. مطبعة جريدة الإسلام 1314.
مفرج الكروب، لابن واصل. مخطوطة مكتبة باريس رقم 1702.
المفضليات، بتحقيق أحمد شاكر وعبد السلام هارون. دار المعارف 1361.
مقاييس اللغة، لابن فارس، بتحقيق عبد السلام هارون. الحلبى 13711366.
مقدمة ابن خلدون. البهية 1928م.
المؤتلف والمختلف للآمدى. القدسى 1354
النجوم الزاهرة، لابن تغرى بردى. دار الكتب من سنة 1348.
نزهة الألباء، لابن الأنبارى. القاهرة 1294.
نفح الطيب، للمقرى. نشرة محمد محيى الدين. السعادة 1369.
القائض، رواية أبى عبيدة. ليدن 1905.
النقود العربية وعلم النميات، نشر الأب أنستاس مارى الكرملى. العصرية 1939م.
النهاية، لابن الأثير. العثمانية 1311.
نهاية الأرب، للنويرى. دار الكتب 1342.
اوزراء والكتاب، للجهشيارى. الحلبى 1357.
الوساطة بين المتنبى وخصومه، للجرجانى. صيدا 1331.
وفيات الأعيان، لابن خلكان. الميمنية 1310.
يتيمة الدهر، للثعالبى. دمشق 1303.(1/455)
استدراك وتذييل
1 - ص 22س 5العبارة بكمالها كما ورد فى الخريدة: «وقد تعاور الشعراء وصف وقوع الشعاع على صفحات الماء».
2 - ص 23س 32البيتان كما فى الخريدة:
بشاطىء نهر كأن الزجاج ... وصفو اللجين به ذوبا
إذا جمشته الصبا بالضحى ... توهمته زردا مذهبا
انظر ص 116من نوادر المخطوطات.
3 - ص 34س 87البيتان رواهما العماد فى الخريدة 2: 120منسوبين إلى العينى المصرى، ثم قال: «ووجدت هذين البيتين فى رسالة أبى الصلت منسوبين إلى ظافر الحداد».
4 - ص 37س 12إلى ص 41س 12. هذا الكلام ورد فى إخبار العلماء بأخبار الحكماء.
للقفطى ص 159.
5 - ص 141س 12انظر لهذا البيت نهاية الأرب 4: 271.
6 - ص 142س 16وقع فى الحاشية سقط، وتمامها كما فى الكامل: «وقد فضل نصيب على الفرزدق فى موقفه عند سليمان بن عبد الملك، وذلك أنهما حضرا فقال سليمان للفرزدق: أنشدنى». إلخ.
7 - ص 147س 8نسب ابن خلكان فى ترجمة (يزيد بن المهلب) هذا البيت إلى بشر بن قطبة الأسدى.
8 - ص 168س 2البيت ليزيد بن الجهم الهلالى، كما فى الحماسة 1730س 1 بشرح المرزوقى.
9 - ص 288س 6 «أبى عبيد المختار» كذا فى الأصل، وصوابه «ابن أبى عبيد المختار» وهو المختار بن أبى عبيد.
10 - ص 234س 4 «الماخورى». جاء فى مروج الذهب 4: 224: «وخفيف الثقيل منهما يسمى بالماخورى. وإنما سمى بذلك لأن إبراهيم بن ميمون الموصلى وكان من أبناء فارس وسكن الموصل كان كثير الغناء فى هذه المواخير بهذه الطريقة».(1/456)
11 - ص 324س 5 «السلمان» جاء فى مروج الذهب 4: 221: «والسلبان، وله أربعة وعشرون وترا، وتفسيره ألف صوت».
12 - ص 324س 5 «الصنج»، وهى فى الأصل «الصلح» بدون إعجام. ورد فى مروج الذهب 4: 221: «ولهم الصلنج وهو من جلود العجاجيل».
13 - ص 324س 5 «الكنكلة» فى مروج الذهب: «وللهند الكنكلة، وهو وتر واحد يمد على قرعة فيقوم مقام العود والصنج».
14 - ص 381س 3 «لخلحلة» صوابها «لخلخة»، وهى فارسية، ومعناها ضرب من الطيوب مركب من العود والعنبر والمسك واللادن والكافور. انظر الألفاظ الفارسية لأدى شير ص 141واستينجاس 1120.
15 - سيضم (فهرس اللغة) الخاص بهذا المجلد إلى نهاية المجلد الثانى ليكون فهرسا للمجلدين معا بعون الله.(1/457)