تقديم
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد خاتم المرسلين، ورضي الله عن آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فإنّ علم التجويد من العلوم التي لم تلق من الاهتمام ما تستحقّه من الخاصّة والعامّة، فندرت المؤلّفات فيه وعزّت. وكان أول من صنّف في التجويد: أبو مزاحم موسى بن عبد الله الخاقاني البغدادي المتوفّى سنة 325هـ، فنظم منظومتين، إحداهما في التجويد، والثانية في القراءة، وتسمى بالقصيدة الخاقانية. ثم تابع المصنّفون بعده في هذا الفنّ.
وقد جمع الشيخ محمد مكّي الجريسي مؤلّف الكتاب الذي بين يدينا خلاصة أربعة وعشرين كتابا من كتب التجويد، منها: «الوقف والابتداء» لأبي عمرو الداني، و «المقدمة الجزرية» لأبي الخير محمد بن محمد بن علي المعروف بابن الجزري، ومجموعة من الشروح على المقدمة الجزرية، و «زاد القرّاء» لكمال الدين بن قوام الدين المرعشي، و «الدر اليتيم في علم التجويد» للبركوي، و «المفيد في التجويد» لشهاب الدين الطيبي المتوفّى سنة 979هـ، و «حرز الأماني» المعروف بالشاطبية، للشاطبي المتوفّى سنة 591هـ، وغيرها.
وهكذا جاء هذا الكتاب موسوعة فريدة في بابه.
ونذكر فيما يلي ترجمة موجزة للمؤلّف.
ترجمة المصنّف
هو المغفور له الشيخ محمد مكّي نصر الجريسي الشافعي المتوفّى نحو سنة 1322هـ (1902م). جاء في معجم المطبوعات العربية والمعربة ليوسف سركيس الدمشقي (صفحة 1698) ما يلي: محمد مكّي نصر الجريسي الشافعي، من أبناء القرن الرابع عشر للهجرة. كان إماما لمسجد الزاهد بالقاهرة. له «نهاية القول المفيد في علم التجويد» وهو
كتاب جامع من تحقيقات هذا الفنّ، مرتّب على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة. فرغ من تبييضه سنة 1305بولاق 1308ص 264بآخره تقاريظ لبعض الفضلاء ثم طبع في مصر سنة 1323هـ.(1/3)
هو المغفور له الشيخ محمد مكّي نصر الجريسي الشافعي المتوفّى نحو سنة 1322هـ (1902م). جاء في معجم المطبوعات العربية والمعربة ليوسف سركيس الدمشقي (صفحة 1698) ما يلي: محمد مكّي نصر الجريسي الشافعي، من أبناء القرن الرابع عشر للهجرة. كان إماما لمسجد الزاهد بالقاهرة. له «نهاية القول المفيد في علم التجويد» وهو
كتاب جامع من تحقيقات هذا الفنّ، مرتّب على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة. فرغ من تبييضه سنة 1305بولاق 1308ص 264بآخره تقاريظ لبعض الفضلاء ثم طبع في مصر سنة 1323هـ.(1/4)
هو المغفور له الشيخ محمد مكّي نصر الجريسي الشافعي المتوفّى نحو سنة 1322هـ (1902م). جاء في معجم المطبوعات العربية والمعربة ليوسف سركيس الدمشقي (صفحة 1698) ما يلي: محمد مكّي نصر الجريسي الشافعي، من أبناء القرن الرابع عشر للهجرة. كان إماما لمسجد الزاهد بالقاهرة. له «نهاية القول المفيد في علم التجويد» وهو
كتاب جامع من تحقيقات هذا الفنّ، مرتّب على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة. فرغ من تبييضه سنة 1305بولاق 1308ص 264بآخره تقاريظ لبعض الفضلاء ثم طبع في مصر سنة 1323هـ.
خطبة الكتاب
بسم الله الرّحمن الرّحيم {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمّل: الآية 4] الحمد لله الذي اصطفي من عباده حملة كتابه، وأوجب عليهم تجويده والعمل بما فيه، ووعدهم على ذلك جزيل ثوابه، ووفقهم للمداومة على قراءته وإقرائه، وسقاهم لذيذ شرابه، وخصّهم بمزايا بين العباد وجعلهم من خواص أحبابه، فسبحانه من إله اختارهم وفضّلهم على من سواهم لحفظ كتابه الكريم، وصونه عن التبديل والتغيير والتحريف والتخريم، فحفظوه وصانوه عن الزيادة والنقص والتأخير والتقديم، وحرّروا طرقه ورواياته، وأوضحوا وجوه إعرابه، وبيّنوا مخارج حروفه وصفاتها، وحققوا كيفية النطق بمفرداتها ومركّباتها، وعلموا كمية فواصله وكلماتها، وكيفية النزول، والمحكم والمتشابه، وفرّقوا بين مفخّمه ومرقّقه ومخفاه ومدغمه، وميّزوا بين مقصوره وممدوده ومختلسه ومتمّمه، وعرفوا أنواع وقفه وحثوا على تعليمه وتعلمه. فطوبى لمن تلاه حقّ تلاوته حتى صار ممتزجا بلحمه ودمه وأعصابه.
أحمده سبحانه وتعالى حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده مدى الدهور والأزمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرتقي بها إلى أعلى منازل الجنان، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله القائل: «من أراد أن يتكلّم مع الله فليقرأ القرآن»، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نقلوا القرآن كما أنزل، وعملوا بما فيه، وما زاغوا عن تجويده وأحكامه وآدابه، وسلّم تسليما كثيرا.
أما بعد فيقول أسير الشهوات، كثير الهفوات، الراجي من مولاه الفوز والنصر، الفقير محمد مكّي نصر، الجريسيّ مولدا، والشافعي مذهبا، الشاذلي طريقة ومشربا: إن أولى ما شغل العبد به لسانه، وعمّر به قلبه وجنانه، وأفضل ما يتوسل به إلى نيل الغفران، وأعظم ما يتوصل به إلى دخول الجنان: قراءة كتاب الله المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، مع التدبّر لمعانيه، وإحكام مبانيه، والعمل بما فيه. وأهمّ ما يجب تحصيله قبل تلاوته: علم تجويد حروفه وتصحيح قراءته.
ولما كان علم التجويد من أولى العلوم ذكرا وفكرا، وأشرفها منزلة وقدرا لكونه متعلّقا بكلام رب العالمين المنزّل به الروح الأمين على قلب المصطفى سيد المرسلين،
سألني كثير من الإخوان المشتغلين بتلاوة القرآن، أصلح الله لي ولهم الحال والشأن، أن أجمع رسالة في علم التجويد تكون جامعة لغرر أصول هذا العلم وقواعده، وحاوية لدرر مسائله وفوائده، محرّرا لمخارج الحروف ومعاني صفاتها، ومبينا لكيفية النطق بمفرداتها ومركّباتها، وفارقا بين المرقّق من الحروف والمفخّم، والمخفى منها والمدغم، وغير ذلك كالتكلم على أسباب المدّ وشروطه وأحكامه، والوقف بأنواعه وأقسامه، فامتنعت من ذلك لعلمي أني لست أهلا لما هنالك، فتكرر منهم السؤال عليّ المرّة بعد المرّة، وذلك لحسن ظنهم بي واعتقادهم أنّ لي بذلك خبرة. فأجبتهم إلى سؤالهم متوكلا على ذي الجلال والإكرام، مستعينا به تعالى في إتمام مقصودهم على المرام لحسن ظنّي به فإنه الكريم يقبل من على موائده تطفّل، ومن سعة فضله أنه لا يخيب من عليه عوّل، وإني بالعجز لمعلوم، ومثلي عن الخطأ غير معصوم.(1/5)
ولما كان علم التجويد من أولى العلوم ذكرا وفكرا، وأشرفها منزلة وقدرا لكونه متعلّقا بكلام رب العالمين المنزّل به الروح الأمين على قلب المصطفى سيد المرسلين،
سألني كثير من الإخوان المشتغلين بتلاوة القرآن، أصلح الله لي ولهم الحال والشأن، أن أجمع رسالة في علم التجويد تكون جامعة لغرر أصول هذا العلم وقواعده، وحاوية لدرر مسائله وفوائده، محرّرا لمخارج الحروف ومعاني صفاتها، ومبينا لكيفية النطق بمفرداتها ومركّباتها، وفارقا بين المرقّق من الحروف والمفخّم، والمخفى منها والمدغم، وغير ذلك كالتكلم على أسباب المدّ وشروطه وأحكامه، والوقف بأنواعه وأقسامه، فامتنعت من ذلك لعلمي أني لست أهلا لما هنالك، فتكرر منهم السؤال عليّ المرّة بعد المرّة، وذلك لحسن ظنهم بي واعتقادهم أنّ لي بذلك خبرة. فأجبتهم إلى سؤالهم متوكلا على ذي الجلال والإكرام، مستعينا به تعالى في إتمام مقصودهم على المرام لحسن ظنّي به فإنه الكريم يقبل من على موائده تطفّل، ومن سعة فضله أنه لا يخيب من عليه عوّل، وإني بالعجز لمعلوم، ومثلي عن الخطأ غير معصوم.
وشرعت في ذلك مستمدا من أربعة وعشرين كتابا من الكتب المشهورة المرضية منها سبعة شرّاح على المقدمة الجزرية: شرح الملّا علي القاري، وشرح المقدسي، وشرح ابن غازي، وشرح القسطلاني، وشرح ابن الناظم، وشرح الحلبي، وشرح الشيخ حجازي، ومنها: الإتقان للسيوطي، ورسالة المرعشي وحاشيتها، وشرح نونية السخاوي، وشرح القول المفيد، وشرح البركوي على الدر اليتيم، والتمهيد لابن الجزري، وحاشية النحراوي على شرح شيخ الإسلام، وتبصرة المريد، وشرح تحفة الأطفال، ومتن الطيبي، وشرحه، وكتاب الوقف والابتداء لأبي عمرو الداني، وكتاب الثغر الباسم، وكتاب الوقف والابتداء للسجاوندي، وشرح ابن القاصح على حرز الأماني، وشرح اللؤلؤ المنظوم، ورسالة البيسوسي في صفات الحروف، وفتح الرحمن، وغير ذلك من كتب الأئمة المعوّل عليها في هذا الشأن.
ورتبتها على مقدمة وثمانية أبواب وخاتمة، مؤملا ممن هداني لجمعها حسن الخاتمة.
المقدمة: تشتمل على أربعة فصول وتتمة:
الفصل الأول: في بيان حكم التجويد، وحقيقته، وموضوعه، وفائدته، وغايته، وأركان القراءة الصحيحة.
الفصل الثاني: في بيان ما ورد عن الأئمة من مراتب القراءة.
الفصل الثالث: في بيان الأمور المحرّمة التي ابتدعها القرّاء في قراءة القرآن.
الفصل الرابع: في بيان اللحن الجليّ والخفي، وحدّهما، وحكمهما.
التتمّة: في تقسيم الواجب في علم التجويد إلى واجب شرعي أو صناعي.(1/6)
الفصل الرابع: في بيان اللحن الجليّ والخفي، وحدّهما، وحكمهما.
التتمّة: في تقسيم الواجب في علم التجويد إلى واجب شرعي أو صناعي.
الباب الأوّل: فيما يتعلق بمخارج الحروف. وهو يشتمل على ثلاثة فصول وتتمة:
الفصل الأول: في بيان معنى المخرج وكيفيته، ومعنى الحرف لغة واصطلاحا، وعدد الحروف والحركات الأصلية والفرعية.
الفصل الثاني: في بيان عدد مخارج الحروف.
الفصل الثالث: في بيان عدد مخارج الحروف.
الفصل الثالث: في بيان عدد أسنان الفم.
التتمة: في بيان ألقاب الحروف.
الباب الثاني: في بيان صفات الحروف، وفيه خمسة فصول وتتمة:
الفصل الأول: في بيان ما تعرف به الصفة من جهر وهمس ونحوهما.
الفصل الثاني: في بيان عدد الصفات ومعناها لغة واصطلاحا، وبيان عدد حروفها.
الفصل الثالث: في بيان الفرق بين الحروف المشتركة في المخرج والصفة.
الفصل الرابع: في بيان الصفات القوية والضعيفة.
الفصل الخامس: في توزيع الصفات على موصوفاتها مرتبة على ترتيب مخارجها، وفي ذكر ما يتعلق بكل حرف من التجويد.
التتمة: في تجويد الحرف المشدّد.
الباب الثالث: في بيان أحكام التفخيم والترقيق، وفيه ثلاثة فصول وتتمة:
الفصل الأول: في بيان حقيقة التفخيم والترقيق، وما يجب تفخيمه وترقيقه من الحروف.
الفصل الثاني: في بيان أحكام الراءات تفخيما وترقيقا.
الفصل الثالث: في بيان حكم اللامات تغليظا وترقيقا.
التتمة: في بيان مراتب تفخيم حروف الاستعلاء، وفي تقسيم الحروف المفخمة إلى ثلاثة أقسام.
الباب الرابع: في بيان أحكام الإدغام والإظهار والإخفاء والإقلاب، وفيه خمسة فصول وتتمة:
الفصل الأول: في بيان معنى الإدغام، وكيفيته، وفائدته، وشروطه، وأسبابه، وموانعه، والحروف التي تدغم والتي لا تدغم.
الفصل الثاني: في بيان الإدغام الكبير.(1/7)
الفصل الأول: في بيان معنى الإدغام، وكيفيته، وفائدته، وشروطه، وأسبابه، وموانعه، والحروف التي تدغم والتي لا تدغم.
الفصل الثاني: في بيان الإدغام الكبير.
الفصل الثالث: في بيان الإدغام الصغير.
الفصل الرابع: في بيان أحكام النون الساكنة والتنوين.
الفصل الخامس: في بيان أحكام الميم الساكنة.
التتمة: في بيان مراتب الإدغام والتشديد.
الباب الخامس: في بيان أحكام المد والقصر، وفيه خمسة فصول وتتمة:
الفصل الأول: في بيان معنى المد والقصر لغة واصطلاحا، وفي أقسام المد، وشروطه، وأسبابه، وأحكامه.
الفصل الثاني: في بيان المد المتصل وما فيه من المراتب للقراء السبعة.
الفصل الثالث: في بيان المد المنفصل وما فيه من المراتب للقراء السبعة أيضا.
الفصل الرابع: في بيان أقسام المد اللازم.
الفصل الخامس: في بيان المد العارض للسكون.
التتمة: في ذكر أنواع المد.
الباب السادس: في بيان أحكام الوقف والابتداء، وفيه تسعة فصول وتتمة:
الفصل الأول: في الحث على تعلم الوقف والابتداء وتعليمهما.
الفصل الثاني: في بيان الفرق بين الوقف والسكت والقطع. وفي تقسيم الوقف إلى أربعة أقسام.
الفصل الثالث: في بيان ما يتعلق بالوقف التام.
الفصل الرابع: في بيان ما يتعلق بالوقف الكافي.
الفصل الخامس: في بيان ما يتعلق بالوقف الحسن.
الفصل السادس: في بيان ما يتعلق بالوقف القبيح والأقبح.
الفصل السابع: في بيان وقف المراقبة ووقف التعسّف.
الفصل الثامن: في بيان ما يتعلق بالوقف على قوله: بلى ونعم وكلّا.
الفصل التاسع: في خمس تنبيهات مهمة في الوقف يحتاج القارئ إليها.
التتمة: في تقسيم الابتداء إلى أربعة أقسام، وفي كيفية البداءة بهمزة الوصل.
الباب السابع: في بيان الوقف على مرسوم الخط، وفيه ستة فصول وتتمة:(1/8)
التتمة: في تقسيم الابتداء إلى أربعة أقسام، وفي كيفية البداءة بهمزة الوصل.
الباب السابع: في بيان الوقف على مرسوم الخط، وفيه ستة فصول وتتمة:
الفصل الأول: في الحث على اتباع رسم المصاحف العثمانية.
الفصل الثاني: في بيان المقطوع والموصول وحكم الوقف عليهما.
الفصل الثالث: في بيان الوقف على الثابت والمحذوف من حروف المد.
الفصل الرابع: في بيان الوقف على هاء التأنيث التي تكتب تاء مجرورة والتي تكتب هاء مربوطة.
الفصل الخامس: في تقسيم الوقف على مرسوم الخط إلى متفق عليه ومختلف فيه.
الفصل السادس: في بيان أنواع الوقف على أواخر الكلم وما يجوز فيه الروم والإشمام أو الروم فقط وما لا يجوز.
التتمة: في بيان خلف أهل الأداء في الوقف على هاء الضمير.
الباب الثامن: فيما يتعلق بختم القرآن العظيم: وفيه ثلاثة فصول وتتمة:
الفصل الأول: في بيان حكم التكبير وسببه وصيغته، ومن أين يبتدئ به القارئ وإلى أين ينتهي، وفي بيان أوجهه لابن كثير من طريق الشاطبية، ولجميع القراء من طريق الطيبة.
الفصل الثاني: في بيان أحوال السلف بعد ختم القرآن العظيم.
الفصل الثالث: في بيان الأدعية الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح بعد ختم القرآن.
التتمة: في بيان آداب قارئ القرآن وقراءته وحمله وكتابته.
الخاتمة: في بيان فضل القرآن، وفضل تعلمه، وتعليمه، وفضل قارئه، وغير ذلك.
وسمّيتها «نهاية القول المفيد فيما يتعلق بتجويد القرآن المجيد».
والله الكريم أسأل، وبجاه نبيه العظيم أتوسل، أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وسببا للفوز بجنات النعيم، وأن ينفع بها النفع العميم، كلّ من تلقّاها بقلب سليم، ويجعلها تذكرة لنفسي في حياتي، وأثرا باقيا حسنا لي بعد وفاتي، فلا تكن يا أخي ممن إذا رأى صوابا أخفاه، وإذا وجد خطأ نادى عليه وأبداه، نعوذ بالله من قوم إذا سمعوا خيرا أسرّوه، أو شرّا أذاعوه فإن الإنسان محلّ النسيان، وقد تهفو الأمجاد، وقد يكبو
الجواد، والمحبّ يمدح، والعدوّ يقدح فالفطن تكفيه الإشارة، ولا ينفع الحسود تطويل العبارة، وعلى الله الكريم اعتمادي في بلوغ التكميل، وهو حسبي ونعم الوكيل، وهذا أول الشروع في المقصود بعون الملك المعبود.(1/9)
والله الكريم أسأل، وبجاه نبيه العظيم أتوسل، أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وسببا للفوز بجنات النعيم، وأن ينفع بها النفع العميم، كلّ من تلقّاها بقلب سليم، ويجعلها تذكرة لنفسي في حياتي، وأثرا باقيا حسنا لي بعد وفاتي، فلا تكن يا أخي ممن إذا رأى صوابا أخفاه، وإذا وجد خطأ نادى عليه وأبداه، نعوذ بالله من قوم إذا سمعوا خيرا أسرّوه، أو شرّا أذاعوه فإن الإنسان محلّ النسيان، وقد تهفو الأمجاد، وقد يكبو
الجواد، والمحبّ يمدح، والعدوّ يقدح فالفطن تكفيه الإشارة، ولا ينفع الحسود تطويل العبارة، وعلى الله الكريم اعتمادي في بلوغ التكميل، وهو حسبي ونعم الوكيل، وهذا أول الشروع في المقصود بعون الملك المعبود.(1/10)
والله الكريم أسأل، وبجاه نبيه العظيم أتوسل، أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وسببا للفوز بجنات النعيم، وأن ينفع بها النفع العميم، كلّ من تلقّاها بقلب سليم، ويجعلها تذكرة لنفسي في حياتي، وأثرا باقيا حسنا لي بعد وفاتي، فلا تكن يا أخي ممن إذا رأى صوابا أخفاه، وإذا وجد خطأ نادى عليه وأبداه، نعوذ بالله من قوم إذا سمعوا خيرا أسرّوه، أو شرّا أذاعوه فإن الإنسان محلّ النسيان، وقد تهفو الأمجاد، وقد يكبو
الجواد، والمحبّ يمدح، والعدوّ يقدح فالفطن تكفيه الإشارة، ولا ينفع الحسود تطويل العبارة، وعلى الله الكريم اعتمادي في بلوغ التكميل، وهو حسبي ونعم الوكيل، وهذا أول الشروع في المقصود بعون الملك المعبود.
المقدمة
وتشتمل على أربعة فصول وتتمة.
الفصل الأول في بيان حكم التجويد، وحقيقته، وموضوعه، وفائدته، وغايته، وأركان القراءة الصحيحة
حكم التجويد:
قال ابن غازي في شرحه: «اعلم أن علم التجويد لا خلاف في أنه فرض كفاية، والعمل به فرض عين على كل مسلم ومسلمة من المكلفين، وقد ثبتت فرضيته بالكتاب والسنّة وإجماع الأمة.
أما الكتاب
: فقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمّل: الآية 4] قال البيضاوي:
أي جوّده تجويدا. وقال غيره: أي ائت به على تؤدة وطمأنينة وتأمّل، ورياضة اللسان أي التكرار والمداومة على القراءة بترقيق المرقّق وتفخيم المفخّم وقصر المقصور ومد الممدود، وغير ذلك مما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في موضعه.
وقد جاء عن عليّ كرّم الله وجهه في قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمّل:
الآية 4] أنه قال: الترتيل هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف. فإن قلت: من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن مجوّدا كما أنزل فما معنى أمره بالترتيل؟ قلت: الخطاب له صلى الله عليه وسلم، والمراد غيره كما في قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلََا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (147) [البقرة:
الآية 147] على قول بعض المفسرين، وكقوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمََا أُمِرْتَ} [هود: الآية 112] {فَلََا تَكُونَنَّ مِنَ الْجََاهِلِينَ} [الأنعام: الآية 35] وشبه ذلك مما لا يخفى على ذي بصيرة. ولم يقتصر سبحانه وتعالى على الأمر بالفعل حتى أكده بالمصدر اهتماما به وتعظيما لشأنه وترغيبا في ثوابه، وليكون ذلك عونا على تدبّر القرآن وتفهّمه.
وأما السنّة
فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: «ربّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه» أي إذا أخلّ بمبانيه أو معانيه أو بالعمل بما فيه. ومن جملة العمل بما فيه ترتيله وتلاوته حق تلاوته لأن الله
تعالى أنزله مجوّدا مرتلا، وقد وصل إلينا كذلك من المشايخ العارفين بتحقيقه وتدقيقه، المتصل سندهم بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن اللوح المحفوظ، عن الله عزّ وجلّ [اه.(1/11)
فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: «ربّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه» أي إذا أخلّ بمبانيه أو معانيه أو بالعمل بما فيه. ومن جملة العمل بما فيه ترتيله وتلاوته حق تلاوته لأن الله
تعالى أنزله مجوّدا مرتلا، وقد وصل إلينا كذلك من المشايخ العارفين بتحقيقه وتدقيقه، المتصل سندهم بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن اللوح المحفوظ، عن الله عزّ وجلّ [اه.
شرح ابن غازي وشرح الملا علي].
ومنها ما رواه مالك في موطئه والنّسائي في سننه عن حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اقرءوا القرآن بلحون العرب» زاد الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان:
«وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق والكبائر» وفي رواية «أهل الفسق وأهل الكبائر»، وفي رواية للطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان: «ولحون أهل الكتابين وأهل الفسق» وفي رواية: «أهل العشق فإنه سيجيء» وفي رواية «سيأتي أقوام من بعدي يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنّوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم» اه. والمراد بالقراءة بلحون العرب قراءة الإنسان بحسب جبلّته وطبيعته على طريقة العرب العرباء الذين نزل القرآن بلغتهم، والمراد بلحون أهل الفسق والكبائر: مراعاة الأنغام المستفادة من العلم الموضوع لها فإن راعى القارئ النغمة فقصر الممدود ومدّ المقصور: حرم ذلك، وإن قرأه على حسب ما أنزل الله من غير إفراط ولا تفريط: فإنه يكون مكروها. وقوله صلى الله عليه وسلم: «فإنه سيجيء أقوام من بعدي» يشير بذلك إلى هذه الأزمنة التي كثر التخليط فيها من حب الرئاسة واستباحة المحرّم وعدم الاكتراث أي الاعتناء بما جاء من الوعيد في ذلك، «والغناء» بكسر الغين وبالمد بمعنى التّغنّي، بخلافه بالقصر فإنه ضد الفقر، فإن فتحت غينه مع المد فهو بمعنى الكفاية، ومنه قول الشاطبي رحمه الله تعالى: «وأغنى غناء» قال شارح كتابه: أي أكفى كفاية. والمراد بالرهبانية ما تفعله النصارى في كنائسهم من التطريب وضرب النواقيس ونحها، والمراد بالنّوح ما تفعله النائحة في التعديد وذكر الشمائل بصوت حزين.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يجاوز حناجرهم» أي لا يقبل ولا يرتفع لأنّ من قرأ القرآن على غير ما أنزل الله تعالى ولم يراع فيه ما أجمع عليه: فقراءته ليست قرآنا وتبطل به الصلاة كما قرره ابن حجر في الفتاوى، وغيره، قال شيخ الإسلام: والمراد بالذين لا يجاوز حناجرهم: الذين لا يتدبرونه ولا يعملون به. ومن العمل به: تجويده وقراءته على الصفة المتلقاة من الحضرة النبوية الأفصحية. وقال الشيخ الشعراني في «الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر» ما نصّه: وقال في حديث البخاري في الذين يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم: اعلم أن من لم يكن وارثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام تلاوة القرآن إنما يتلو حروفا ممثّلة في خياله حصلت له من ألفاظ معلّمه إن كان أخذه عن تلقين، أو من حروف كتابه إن كان أخذه عن كتابه، فإذا أحضر تلك الحروف في خياله ونظر إليها بعين
خياله ترجم اللسان عنها، فتلاها من غير تدبر ولا فهم ولا استبصار، بل لبقاء تلك الحروف في حضرة خياله، قال: فلهذا التالي أجر الترجمة لا أجر القرآن لأنه ما تلا المعاني، وإنما تلا حروفا تنزل من الخيال الذي هو في مقدّم الدماغ إلى اللسان فيترجم به، ولا يجاوز حنجرته إلى القلب الذي في صدره، فلا يصل إلى قلبه منه شيء» وأطال في ذلك. اه. قال في المصباح: «والحنجرة: فنعلة مجرى النّفس، والحنجور: فنعول بضم الفاء: الحلق». اه.(1/12)
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يجاوز حناجرهم» أي لا يقبل ولا يرتفع لأنّ من قرأ القرآن على غير ما أنزل الله تعالى ولم يراع فيه ما أجمع عليه: فقراءته ليست قرآنا وتبطل به الصلاة كما قرره ابن حجر في الفتاوى، وغيره، قال شيخ الإسلام: والمراد بالذين لا يجاوز حناجرهم: الذين لا يتدبرونه ولا يعملون به. ومن العمل به: تجويده وقراءته على الصفة المتلقاة من الحضرة النبوية الأفصحية. وقال الشيخ الشعراني في «الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر» ما نصّه: وقال في حديث البخاري في الذين يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم: اعلم أن من لم يكن وارثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام تلاوة القرآن إنما يتلو حروفا ممثّلة في خياله حصلت له من ألفاظ معلّمه إن كان أخذه عن تلقين، أو من حروف كتابه إن كان أخذه عن كتابه، فإذا أحضر تلك الحروف في خياله ونظر إليها بعين
خياله ترجم اللسان عنها، فتلاها من غير تدبر ولا فهم ولا استبصار، بل لبقاء تلك الحروف في حضرة خياله، قال: فلهذا التالي أجر الترجمة لا أجر القرآن لأنه ما تلا المعاني، وإنما تلا حروفا تنزل من الخيال الذي هو في مقدّم الدماغ إلى اللسان فيترجم به، ولا يجاوز حنجرته إلى القلب الذي في صدره، فلا يصل إلى قلبه منه شيء» وأطال في ذلك. اه. قال في المصباح: «والحنجرة: فنعلة مجرى النّفس، والحنجور: فنعول بضم الفاء: الحلق». اه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «مفتونة قلوبهم» أي مصروفة عن طريق الحق، بعيدة عن رحمة الله تعالى، والمعنى أن قلوب هؤلاء ومن يعجبهم شأنهم وطريقتهم مصروفة عن رحمة الله تعالى وعن الطريق الموصّل إليه تعالى: وهذا آخر ما يسّر الله جمعه من شرح هذا الحديث. قال في شرح القول المفيد: الأمر في الخبر محمول على النّدب، والنهي محمول على الكراهة إن حصلت المحافظة على صحة ألفاظ الحروف، وإلا فالأمر محمول على الوجوب، والنهي على التحريم اه. وقال الشيخ برهان الدين القلقيلي في شرحه على متن الجزرية بعد أن ذكر الحديث المارّ مع ما تيسر له من شرحه: وقد صحّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سمّى قارئ القرآن بغير تجويد فاسقا، وهو مذهب إمامنا الشافعي رضي الله عنه لأنه قال: «إن صحّ الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي عرض الحائط».
وأما إجماع الأمة:
فقد اجتمعت الأمة المعصومة من الخطأ على وجوب التجويد من زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى زماننا، ولم يختلف فيه عن أحد منهم، وهذا من أقوى الحجج، وقد ذكر الشيخ أبو العز القلانسي في ذلك شعرا فقال:
يا سائلا تجويد ذا القرآن ... فخذ هديت عن أولي الإتقان
تجويده فرض كما الصلاة ... جاءت به الأخبار والآيات
وجاحد التجويد فهو كافر ... فدع هواه إنه لخاسر
وغير جاحد الوجوب حكمه ... معذّب وبعد ذاك إنّه
يؤتى به لروضة الجنّات ... كغيره من سائر العصاة
إذ الصلاة منهم لا تقبل ... ولعنة المولى عليهم تنزل
لأنهم كتاب ربّي حرّفوا ... وعن طريق الحق زاغوا فانتفوا
وقال الشمس ابن الجزري في نشره: «التجويد فرض على كل مكلّف» ثم قال رحمه الله تعالى: «وإنما قلت التجويد فرض لأنه متفق عليه بين الأئمة، بخلاف
الواجب فإنه مختلف فيه». وقال ابن غازي في شرحه على الجزرية: «ولم ينفرد ابن الجزري بذكر فرضية التجويد، فقد ذكر عن أبي عبد الله نضر بن الشيرازي مصنّف الموضح، وعن الفخر الرازي، وعن جماعة من شيوخه أيضا، ووافقه على ذلك الحافظ جلال الدين السيوطي في الإتقان، والحافظ أحمد القسطلاني الخطيب في لطائف الإشارات، وذكره النويري في شرحه على الطيبة، وذكره قبله مكي بن أبي طالب، وأبو عمرو الداني وغيرهم من المشايخ العالمين بتحقيق القراءات وتدقيقها حسبما وصل إليهم من الحضرة النبوية الأفصحية. وإنما تركت نصوصهم مع القدرة عليها بعون الله اكتفاء بما ذكرته عن ابن الجزري. وكان شيخنا الشيخ نور الدين المنزلي يقول: لا يجوز لشيخ أن يقدم على إقراء الناس حتى يعرف ثلاثة علوم: علم الرسم، وعلم التجويد، وعلم القراءات. ويعلّل بأنه ربما رأى شيئا في المصاحف من الرسم المجمع عليه فيغيّره، وربما رأى قراءة تخالف محفوظه فيغيّرها، فيحرم عليه. وقال بعض شراح الجزرية في قوله:(1/13)
يا سائلا تجويد ذا القرآن ... فخذ هديت عن أولي الإتقان
تجويده فرض كما الصلاة ... جاءت به الأخبار والآيات
وجاحد التجويد فهو كافر ... فدع هواه إنه لخاسر
وغير جاحد الوجوب حكمه ... معذّب وبعد ذاك إنّه
يؤتى به لروضة الجنّات ... كغيره من سائر العصاة
إذ الصلاة منهم لا تقبل ... ولعنة المولى عليهم تنزل
لأنهم كتاب ربّي حرّفوا ... وعن طريق الحق زاغوا فانتفوا
وقال الشمس ابن الجزري في نشره: «التجويد فرض على كل مكلّف» ثم قال رحمه الله تعالى: «وإنما قلت التجويد فرض لأنه متفق عليه بين الأئمة، بخلاف
الواجب فإنه مختلف فيه». وقال ابن غازي في شرحه على الجزرية: «ولم ينفرد ابن الجزري بذكر فرضية التجويد، فقد ذكر عن أبي عبد الله نضر بن الشيرازي مصنّف الموضح، وعن الفخر الرازي، وعن جماعة من شيوخه أيضا، ووافقه على ذلك الحافظ جلال الدين السيوطي في الإتقان، والحافظ أحمد القسطلاني الخطيب في لطائف الإشارات، وذكره النويري في شرحه على الطيبة، وذكره قبله مكي بن أبي طالب، وأبو عمرو الداني وغيرهم من المشايخ العالمين بتحقيق القراءات وتدقيقها حسبما وصل إليهم من الحضرة النبوية الأفصحية. وإنما تركت نصوصهم مع القدرة عليها بعون الله اكتفاء بما ذكرته عن ابن الجزري. وكان شيخنا الشيخ نور الدين المنزلي يقول: لا يجوز لشيخ أن يقدم على إقراء الناس حتى يعرف ثلاثة علوم: علم الرسم، وعلم التجويد، وعلم القراءات. ويعلّل بأنه ربما رأى شيئا في المصاحف من الرسم المجمع عليه فيغيّره، وربما رأى قراءة تخالف محفوظه فيغيّرها، فيحرم عليه. وقال بعض شراح الجزرية في قوله:
من لم يجوّد القرآن آثم أي معاقب على ترك التجويد، كذّاب على الله ورسوله، داخل في حيّز قوله تعالى:
{وَيَوْمَ الْقِيََامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللََّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزّمر: الآية 60] وقوله عليه الصلاة والسلام: «من كذب عليّ عامدا (أو متعمدا) فليتبوأ مقعده من النار». والأحاديث والآيات في ذلك كثيرة مشهورة لا تحتملها هذه الرسالة، ومن أراد الإكثار من ذلك فليراجع شروح الجزرية وغيرها من كتب هذا الفن. وقد أفتى الإمام أبو الخير محمد بن الجزري بأن من استأجر شخصا ليقرئه القرآن أو ليقرأ له ختمة، فأقرأه القرآن أو قرأ له الختمة بغير تجويد، لا يستحق الأجرة، ومن حلف أن القرآن بغير تجويد ليس قرآنا لم يحنث» اه. هذا ما يتعلق بحكم التجويد.
وأما حقيقة التجويد:
فإعطاء كلّ حرف حقّه أي من كل صفة ثابتة له من الصفات الآتية، ومستحقّه بفتح الحاء: أي ما ينشأ عن تلك الصفات كترقيق المستفل، وتفخيم المستعلي، ونحوهما، مع بلوغ الغاية والنهاية في إتقان الحروف وتحسينها وخلوّها من الزيادة والنقص، وبراءتها من الرداءة في النطق، والإدمان في تحرير مخارجها وبيان صفاتها بحيث يصير ذلك للقارئ سجية وطبيعة، سواء كانت تلك الحروف أصلية أو فرعية مركّبة أو مفردة، فإذا لم يعط القارئ الحروف حقّها ومستحقّها ربما تغيّر مدلول الكلمة، وفهم منها معنى آخر نحو قوله: {وَعَصى ََ} [طه: الآية 121] وغيرها و {مَحْظُوراً}
[الإسراء: الآية 20] فإنه إذا لم يعط كلّا من الصاد المهملة والظاء المشالة حقّه من الاستعلاء والإطباق صارت الصاد المهملة سينا والظاء المشالة ذالا معجمة ويصير اللفظ «عسى» و «محذورا»! تنبيه: في الفرق بين حقّ الحروف ومستحقّها:(1/14)
فإعطاء كلّ حرف حقّه أي من كل صفة ثابتة له من الصفات الآتية، ومستحقّه بفتح الحاء: أي ما ينشأ عن تلك الصفات كترقيق المستفل، وتفخيم المستعلي، ونحوهما، مع بلوغ الغاية والنهاية في إتقان الحروف وتحسينها وخلوّها من الزيادة والنقص، وبراءتها من الرداءة في النطق، والإدمان في تحرير مخارجها وبيان صفاتها بحيث يصير ذلك للقارئ سجية وطبيعة، سواء كانت تلك الحروف أصلية أو فرعية مركّبة أو مفردة، فإذا لم يعط القارئ الحروف حقّها ومستحقّها ربما تغيّر مدلول الكلمة، وفهم منها معنى آخر نحو قوله: {وَعَصى ََ} [طه: الآية 121] وغيرها و {مَحْظُوراً}
[الإسراء: الآية 20] فإنه إذا لم يعط كلّا من الصاد المهملة والظاء المشالة حقّه من الاستعلاء والإطباق صارت الصاد المهملة سينا والظاء المشالة ذالا معجمة ويصير اللفظ «عسى» و «محذورا»! تنبيه: في الفرق بين حقّ الحروف ومستحقّها:
اعلم أن حق الحروف صفاتها الذاتية اللازمة لها كالجهر والشدة والاستعلاء، فإنها لازمة لذوات بعض الحروف، غير منفكة عنها، فإن انفكت يكون الانفكاك لحنا جليّا في بعض الصفات، ولحنا خفيّا في بعض، وأن مستحقها ما ينشأ عن تلك الصفات الذاتية اللازمة كالتفخيم فإنّه ناشئ عن كلّ من الاستعلاء والتكرير، وكالترقيق فإنه ناشئ عن الاستفال، وذلك أن التفخيم الناشئ عن الاستعلاء والتكرير يكون في الحرف حال سكونه وتحريكه بالفتح والضم فقط، وأما حال تحريكه بالكسر فلا يوجد فيه التفخيم بل ضدّه وهو الترقيق لأن بين الكسر والتفخيم مانعة الجمع إذ الكسر يستدعي انخفاض اللسان، والتفخيم يستدعي ارتفاعه، وأن الترقيق الناشئ عن الاستفال المذكور يكون في الراء حال كسرها، وفي اللام إذا لم تكن في الاسم الجليل وقبلها فتح أو ضمّ: فلا يكون فيها ترقيق مع أنها مستفلة أيضا. قال أبو عمرو الداني رحمه الله تعالى: «ينبغي للقارئ أن يعوّد نفسه على تفقّد الحروف التي لا يوصل إلى حقيقة اللفظ بها إلا بالرياضة الشديدة والتلاوة الكثيرة مع العلم بحقائقها والمعرفة بمنازلها فيعطى كلّ حرف منها حقّه من المدّ إن كان ممدودا ومن التّمكن إن كان متمكنّا، ومن الهمز إن كان مهموزا، ومن الإدغام إن كان مدغما، ومن الإظهار إن كان مظهرا، ومن الإخفاء إن كان مخفيّا، ومن الحركة إن كان محرّكا، ومن السكون إن كان مسكّنا، ويكون ذلك على حسب ما يتلقاه من أفواه المشايخ العارفين بكيفية أداء القراءة حسبما وصل إليهم من مشايخهم من الحضرة النبوية العربية الأفصحية، لا مجرد اقتصار على النقل من الكتب المدوّنة أو اكتفاء بالعقل المختلف الأفكار، ولله درّ الحافظ ابن الجزري حيث قال: «ولا أعلم سببا لبلوغ نهاية الإتقان والتجويد، ووصول غاية التصحيح والتسديد، مثل رياضة الألسن والتكرار على اللفظ المتلقّى من فم المحسّن، وأنت ترى تجويد حروف الكتابة كيف يبلغها الكاتب بالرياضة أو التكرار وتوقيف الأستاذ». ولله درّ الحافظ أبي عمرو الداني رحمه الله حيث يقول: «ليس بين التجويد وتركه إلا رياضة لمن تدبره بفكّه فلقد صدق وبصر وأوجز في القول وما قصّر، فإذا أحكم القارئ النطق بكل حرف على حدته موفيا حقّه، فليعمل
نفسه بإحكامه حالة التركيب لأنه ينشأ عن التركيب ما لم يكن حالة الإفراد، وذلك ظاهر فكم ممن يحسن الحروف مفردة ولا يحسنها مركبة، بحسب ما يجاورها من مجانس ومقارب وقوي وضعيف ومفخّم ومرقّق، فيجذب القويّ الضعيف، ويغلب المفخّم المرقق، فيصعب على اللسان النطق بذلك على حقّه إلا بالرياضة الشديدة حالة التركيب فمن أحكم صحة التلفظ حالة التركيب حصّل حقيقة التجويد بالإتقان والتدريب. [اه. ابن غازي مع بعض زيادة من شرح الجزرية لبعضهم].(1/15)
اعلم أن حق الحروف صفاتها الذاتية اللازمة لها كالجهر والشدة والاستعلاء، فإنها لازمة لذوات بعض الحروف، غير منفكة عنها، فإن انفكت يكون الانفكاك لحنا جليّا في بعض الصفات، ولحنا خفيّا في بعض، وأن مستحقها ما ينشأ عن تلك الصفات الذاتية اللازمة كالتفخيم فإنّه ناشئ عن كلّ من الاستعلاء والتكرير، وكالترقيق فإنه ناشئ عن الاستفال، وذلك أن التفخيم الناشئ عن الاستعلاء والتكرير يكون في الحرف حال سكونه وتحريكه بالفتح والضم فقط، وأما حال تحريكه بالكسر فلا يوجد فيه التفخيم بل ضدّه وهو الترقيق لأن بين الكسر والتفخيم مانعة الجمع إذ الكسر يستدعي انخفاض اللسان، والتفخيم يستدعي ارتفاعه، وأن الترقيق الناشئ عن الاستفال المذكور يكون في الراء حال كسرها، وفي اللام إذا لم تكن في الاسم الجليل وقبلها فتح أو ضمّ: فلا يكون فيها ترقيق مع أنها مستفلة أيضا. قال أبو عمرو الداني رحمه الله تعالى: «ينبغي للقارئ أن يعوّد نفسه على تفقّد الحروف التي لا يوصل إلى حقيقة اللفظ بها إلا بالرياضة الشديدة والتلاوة الكثيرة مع العلم بحقائقها والمعرفة بمنازلها فيعطى كلّ حرف منها حقّه من المدّ إن كان ممدودا ومن التّمكن إن كان متمكنّا، ومن الهمز إن كان مهموزا، ومن الإدغام إن كان مدغما، ومن الإظهار إن كان مظهرا، ومن الإخفاء إن كان مخفيّا، ومن الحركة إن كان محرّكا، ومن السكون إن كان مسكّنا، ويكون ذلك على حسب ما يتلقاه من أفواه المشايخ العارفين بكيفية أداء القراءة حسبما وصل إليهم من مشايخهم من الحضرة النبوية العربية الأفصحية، لا مجرد اقتصار على النقل من الكتب المدوّنة أو اكتفاء بالعقل المختلف الأفكار، ولله درّ الحافظ ابن الجزري حيث قال: «ولا أعلم سببا لبلوغ نهاية الإتقان والتجويد، ووصول غاية التصحيح والتسديد، مثل رياضة الألسن والتكرار على اللفظ المتلقّى من فم المحسّن، وأنت ترى تجويد حروف الكتابة كيف يبلغها الكاتب بالرياضة أو التكرار وتوقيف الأستاذ». ولله درّ الحافظ أبي عمرو الداني رحمه الله حيث يقول: «ليس بين التجويد وتركه إلا رياضة لمن تدبره بفكّه فلقد صدق وبصر وأوجز في القول وما قصّر، فإذا أحكم القارئ النطق بكل حرف على حدته موفيا حقّه، فليعمل
نفسه بإحكامه حالة التركيب لأنه ينشأ عن التركيب ما لم يكن حالة الإفراد، وذلك ظاهر فكم ممن يحسن الحروف مفردة ولا يحسنها مركبة، بحسب ما يجاورها من مجانس ومقارب وقوي وضعيف ومفخّم ومرقّق، فيجذب القويّ الضعيف، ويغلب المفخّم المرقق، فيصعب على اللسان النطق بذلك على حقّه إلا بالرياضة الشديدة حالة التركيب فمن أحكم صحة التلفظ حالة التركيب حصّل حقيقة التجويد بالإتقان والتدريب. [اه. ابن غازي مع بعض زيادة من شرح الجزرية لبعضهم].
وأما موضوعه:
فالقرآن. وقال بعضهم: والحديث.
وأما فائدته:
فسعادة الدارين وهذا معنى قول بعضهم:
من يحسن التجويد يظفر بالرّشد وهو الجزاء الأوفى في دار السلام المترتب على قراءة القرآن العظيم من دخول الجنة وعلوّ المنزلة والنظر إلى وجه الله الكريم.
وأما غايته:
فبلوغ النهاية في إتقان لفظ القرآن على ما تلقّي من الحضرة النبويّة الأفصحية. وقيل: غايته صون اللسان عن الخطأ في كتاب الله تعالى. زاد بعضهم: وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اتضح لك بما تقدم أن تجويد القرآن يتوقف على أربعة أمور: أحدها: معرفة مخارج الحروف، وثانيها: معرفة صفاتها، وثالثها: معرفة ما يتجدّد لها بسبب التركيب من الأحكام، ورابعها: رياضة اللسان وكثرة التكرار.
ثم اعلم أنه لا بد للقارئ من معرفة أركان القراءة الصحيحة للقرآن وهي ثلاثة أمور: الركن الأول صحة السند: وهو أن يقرأ على شيخ متقن فطن حاذق اتصل سنده بالنبيّ صلى الله عليه وسلم. الركن الثاني معرفة الرسم العثماني ولو احتمالا فلا بد للقارئ من معرفة طرف من علم الرسم كالمقطوع والموصول، والثابت من حروف المد والمحذوف منها، وما كتب بالتاء المجرورة وما كتب بتاء التأنيث التي كصورة الهاء ليعرف كيف يبتدئ وكيف يقف، وسيأتي بيان ذلك كله في محله إن شاء الله تعالى. الركن الثالث أن توافق القراءة وجها من أوجه النحو ولو ضعيفا ولا يجب على القارئ أن يتعلم علم النحو حيث كان يأخذ القراءة عن شيخ عارف على الأصح، وقيل: يجب تعلّمه قبل القراءة كما يجب تعلّم علم التجويد، فإن اختلّ ركن من هذه الأركان الثلاثة كانت القراءة شاذّة.
[اه. تحفة الطالبين لابن غازي].
فائدة: الأخذ عن الشيوخ على نوعين: أحدهما: أن يسمع من لسان المشايخ، وهو طريقة المتقدمين. وثانيهما: أن يقرأ في حضرتهم وهم يسمعونها، وهذا مسلك المتأخرين. واختلف أيهما أولى، والأظهر أن الطريقة الثانية بالنسبة إلى أهل زماننا أقرب إلى الحفظ. نعم الجمع بينهما أعلى لما ذكر في المصابيح أنه جرت السّنّة بين القراء أن يقرأ الأستاذ ليسمع التلميذ، ثم يقرأ التلميذ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبيّ بن كعب رضي الله عنه: «إنّ الله أمرني أن أقرأ القرآن عليك» والمراد من قراءته صلى الله عليه وسلم القرآن على أبيّ تعليمه وإرشاده، وهو أوّل الصحابة وأشدهم استعدادا لتلقّف القرآن منه صلى الله عليه وسلم كتلقفه عليه الصلاة والسلام من أمين الوحي، فلذلك خصّ بذلك. اه. فتنبه يا أخي وأيقظ همّتك وحرّك عزيمتك، واستعدّ لفهم ما يلقى إليك، وقبول ما يملى عليك فإن الناس في قراءة القرآن بين محسن مأجور، ومسيء آثم أو معذور فانظر ممن أنت فإن كنت ممن هو محسن فاشكر الله تعالى فإنك مأجور، وإن كنت ممن هو مستغن بنفسه مستبد برأيه وحدسه متّكل على ما ألفه من حفظه، مستكبر عن الرجوع إلى عالم يوقّفه على تصحيح لفظه، فلا شك أنك مقصّر مغرور ومسيء آثم غير معذور، فإن كنت ممن لا يطاوعه اللسان، أو لا يجد من يهديه إلى الصواب بالبيان: فاعلم أن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، لكن يجب عليك أن تجتهد جهدك لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا فإن العمل بالتجويد فرض عين لازم لكل من يقرأ شيئا من القرآن لا سيما في الصلاة لأن الله تعالى أنزله بالتجويد حيث قال: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمّل: الآية 4] أي جوّده تجويدا، فإن كان التجويد فرضا فيه، يكون ما ينافيه وهو اللحن حراما فيه. [اه.(1/16)
[اه. تحفة الطالبين لابن غازي].
فائدة: الأخذ عن الشيوخ على نوعين: أحدهما: أن يسمع من لسان المشايخ، وهو طريقة المتقدمين. وثانيهما: أن يقرأ في حضرتهم وهم يسمعونها، وهذا مسلك المتأخرين. واختلف أيهما أولى، والأظهر أن الطريقة الثانية بالنسبة إلى أهل زماننا أقرب إلى الحفظ. نعم الجمع بينهما أعلى لما ذكر في المصابيح أنه جرت السّنّة بين القراء أن يقرأ الأستاذ ليسمع التلميذ، ثم يقرأ التلميذ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبيّ بن كعب رضي الله عنه: «إنّ الله أمرني أن أقرأ القرآن عليك» والمراد من قراءته صلى الله عليه وسلم القرآن على أبيّ تعليمه وإرشاده، وهو أوّل الصحابة وأشدهم استعدادا لتلقّف القرآن منه صلى الله عليه وسلم كتلقفه عليه الصلاة والسلام من أمين الوحي، فلذلك خصّ بذلك. اه. فتنبه يا أخي وأيقظ همّتك وحرّك عزيمتك، واستعدّ لفهم ما يلقى إليك، وقبول ما يملى عليك فإن الناس في قراءة القرآن بين محسن مأجور، ومسيء آثم أو معذور فانظر ممن أنت فإن كنت ممن هو محسن فاشكر الله تعالى فإنك مأجور، وإن كنت ممن هو مستغن بنفسه مستبد برأيه وحدسه متّكل على ما ألفه من حفظه، مستكبر عن الرجوع إلى عالم يوقّفه على تصحيح لفظه، فلا شك أنك مقصّر مغرور ومسيء آثم غير معذور، فإن كنت ممن لا يطاوعه اللسان، أو لا يجد من يهديه إلى الصواب بالبيان: فاعلم أن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، لكن يجب عليك أن تجتهد جهدك لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا فإن العمل بالتجويد فرض عين لازم لكل من يقرأ شيئا من القرآن لا سيما في الصلاة لأن الله تعالى أنزله بالتجويد حيث قال: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمّل: الآية 4] أي جوّده تجويدا، فإن كان التجويد فرضا فيه، يكون ما ينافيه وهو اللحن حراما فيه. [اه.
بركوي].
الفصل الثاني فيما ورد عن الأئمة من مراتب القراءة التي ينبغي للقارئ أن يقرأ بها القرآن المجيد
قال في شرح القول المفيد: اعلم أن قراءة القرآن تنقسم إلى أربعة أقسام: تحقيق، وحدر، وتدوير، وترتيل.
فأما التحقيق: فهو مصدر من حقّقت الشيء تحقيقا إذا بلغت يقينه، ومعناه:
المبالغة في الإتيان بالشيء على حقيقته من غير زيادة فيه ولا نقص عنه فهو بلوغ حقيقة الشيء، والوقوف على كنهه، والوصول إلى نهاية شأنه، وهو عند أهل هذا الفن عبارة عن إعطاء الحروف حقّها من إشباع المد، وتحقيق الهمز، وإتمام الحركات، وتوفية
الغنّات، وتفكيك الحروف وهو بيانها وإخراج بعضها من بعض بالسكت والترسّل والتّؤدة والوقف على الوقوف الجائزة، والإتيان بالإظهار والإدغام على وجهه، وهو مذهب ورش من غير طريق الأصبهاني عنه، وحمزة، وعاصم، وهو الذي يستحسن، ويستحب الأخذ به للمعلمين من غير أن يتجاوز فيه إلى حد الإفراط من تحريك السواكن وتوليد الحروف من إشباع الحركات وتكرير الراءات وتطنين النونات بالمبالغة في الغنّات، إلى غير ذلك مما تنفر عنه الطباع، وتمجّه القلوب والأسماع.(1/17)
المبالغة في الإتيان بالشيء على حقيقته من غير زيادة فيه ولا نقص عنه فهو بلوغ حقيقة الشيء، والوقوف على كنهه، والوصول إلى نهاية شأنه، وهو عند أهل هذا الفن عبارة عن إعطاء الحروف حقّها من إشباع المد، وتحقيق الهمز، وإتمام الحركات، وتوفية
الغنّات، وتفكيك الحروف وهو بيانها وإخراج بعضها من بعض بالسكت والترسّل والتّؤدة والوقف على الوقوف الجائزة، والإتيان بالإظهار والإدغام على وجهه، وهو مذهب ورش من غير طريق الأصبهاني عنه، وحمزة، وعاصم، وهو الذي يستحسن، ويستحب الأخذ به للمعلمين من غير أن يتجاوز فيه إلى حد الإفراط من تحريك السواكن وتوليد الحروف من إشباع الحركات وتكرير الراءات وتطنين النونات بالمبالغة في الغنّات، إلى غير ذلك مما تنفر عنه الطباع، وتمجّه القلوب والأسماع.
وأما الحدر فهو مصدر من حدر بالفتح يحدر بالضم إذا أسرع، فهو من الحدور الذي هو الهبوط لأن الإسراع من لازمه، وهو عندهم عبارة عن إدراج القراءة وسرعتها مع مراعاة أحكام التجويد من إظهار وإدغام وقصر ومدّ ووقف ووصل وغير ذلك، مع ملاحظة الجائز من الوقوف إذ مراعاة الوقف والابتداء وجوبا وامتناعا وحسنا وقبحا على ما يأتي بيانه من محاسن القراءة تزيدها رونقا وبهاء. وسئل الأهوازي عن الحذر فقال: الحدر هو القراءة السمحة العذبة الألفاظ التي لا تخرج القارئ عن طباع العرب العرباء، وعمّا تكلمت به الفصحاء، بعد أن يأتي بالرواية عن إمام من أئمة القراءة على ما نقل عنه من المدّ والهمز والقطع والوصل والتشديد والتخفيف والإمالة والتفخيم والاختلاس والإشباع، فإن خالف شيئا من ذلك كان مخطئا. وليحترز فيه عن بتر حروف المدّ، وذهاب صوت الغنّة، واختلاس أكثر الحركات، وعن التفريط إلى غاية لا تصحّ بها القراءة ولا توصف بها التلاوة، وهذا النوع وهو الحدر مذهب من قصر المنفصل كابن كثير وقالون وأبي عمرو ويعقوب وأبي جعفر والأصبهاني عن ورش.
وأما التدوير: فهو عبارة عن التوسّط بين مرتبتي التحقيق والحدر وهو الذي ورد عن أكثر الأئمة ممن روى مدّ المنفصل ولم يبلغ فيه حدّ الإشباع كابن عامر والكسائي.
وأما الترتيل: فهو مصدر من رتّل فلان كلامه إذا أتبع بعضه بعضا على مكث وتفهم من غير عجلة، وهو الذي نزل به القرآن قال الله تعالى: {وَرَتَّلْنََاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: الآية 32] روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يحبّ أن يقرأ القرآن كما أنزل» أخرجه ابن خزيمة في صحيحه. وقد أمر الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال:
{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمّل: الآية 4] قال ابن عباس: بيّنه. وقال مجاهد: تأنّ فيه. وقال الضحاك: انبذه حرفا حرفا كأن الله تعالى يقول تثبّت في قراءتك، وتمهّل فيها وافصل الحرف من الحرف الذي بعده، ولم يقتصر سبحانه على الأمر بالفعل حتى أكّده بالمصدر اهتماما به وتعظيما له ليكون ذلك عونا على تدبّر القرآن وتفهّمه، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يقرأ.
ففي جامع الترمذي وغيره عن يعلى بن مالك أنه سأل أمّ سلمة رضي الله عنها عن قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإذا هي تنعت أي تصف قراءة مفسّرة حرفا حرفا. وقالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة حتى تكون أطول من أطول منها» اه. وذكر بعض شراح الجزرية أن الترتيل نوع من التحقيق عند الأكثرين فكل تحقيق ترتيل، ولا عكس، وفرّق بعضهم بينهما بأن التحقيق يكون للرياضة والتعليم، وبأن الترتيل يكون للتدبر والتفكّر والاستنباط.(1/18)
{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمّل: الآية 4] قال ابن عباس: بيّنه. وقال مجاهد: تأنّ فيه. وقال الضحاك: انبذه حرفا حرفا كأن الله تعالى يقول تثبّت في قراءتك، وتمهّل فيها وافصل الحرف من الحرف الذي بعده، ولم يقتصر سبحانه على الأمر بالفعل حتى أكّده بالمصدر اهتماما به وتعظيما له ليكون ذلك عونا على تدبّر القرآن وتفهّمه، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يقرأ.
ففي جامع الترمذي وغيره عن يعلى بن مالك أنه سأل أمّ سلمة رضي الله عنها عن قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإذا هي تنعت أي تصف قراءة مفسّرة حرفا حرفا. وقالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة حتى تكون أطول من أطول منها» اه. وذكر بعض شراح الجزرية أن الترتيل نوع من التحقيق عند الأكثرين فكل تحقيق ترتيل، ولا عكس، وفرّق بعضهم بينهما بأن التحقيق يكون للرياضة والتعليم، وبأن الترتيل يكون للتدبر والتفكّر والاستنباط.
وزاد بعضهم في أنواع القراءة «الزمزمة» قاله أبو معشر الطبري في التلخيص: وهو ضرب من الحدر قال: الزمزمة القراءة في النّفس خاصة.
ولا بد في هذه الأنواع كلها من التجويد. [اه شرح نونية السخاوي].
تتمة:
اختلف العلماء رضي الله عنهم في الأفضل: هل هو الترتيل مع قلة القراءة، أو السرعة مع كثرة القراءة؟ فذهب بعضهم إلى الثاني تمسكا بما رواه ابن مسعود رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها» الحديث رواه الترمذي وصححه ورواه غيره: «بكل حرف عشر حسنات» قال الشيخ ابن الجزري رحمه الله تعالى في النشر: «والصحيح، بل الصواب، ما عليه معظم السلف والخلف وهو أن الترتيل والتدوير مع قلّة القراءة أفضل من السرعة مع كثرتها لأن المقصود من القرآن فهمه والتفقّه فيه والعمل به، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى فهم معانيه، وقد جاء ذلك منصوصا عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم. وسئل مجاهد عن رجلين قرأ أحدهما البقرة، والآخر البقرة وآل عمران في الصلاة، وركوعهما وسجودهما واحد، أيهما أفضل؟ فقال: الذي قرأ البقرة وحدها أفضل. ثم قال ابن الجزري رحمه الله تعالى: وأحسن بعض أئمتنا رحمه الله تعالى فقال: إن ثواب قراءة الترتيل والتدوير أجلّ وأرفع قدرا، وإن كان ثواب كثرة القراءة أكثر عددا فالأول كمن تصدّق بجوهرة عظيمة أو أعتق عبدا قيمته نفيسة، والثاني من تصدّق بعدد كثير من الدنانير، أو أعتق عددا من العبيد قيمتهم رخيصة. وقال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: اعلم أن الترتيل مستحبّ لا لمجرد التدبر فإن العجمي الذي لا يفهم معنى القرآن يستحبّ له أيضا في القراءة الترتيل والتؤدة لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام، وأشد تأثيرا في القلب من الهذرمة والاستعجال لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «شرّ السير الحقحقة» أي السفر في أوّل الليل «وشرّ القراءة الهذرمة» أي السرعة فيها. [اه شرح الشيخ حجازي والبركوي على الدر اليتيم].
وسئل مالك رضي الله عنه عن الحدر في القرآن؟ فقال: من الناس من إذا حدر كان أخفّ عليه، وإذا رتّل أخطأ، والناس في ذلك على ما يخفّ، وذلك واسع. وقال القاضي أبو الوليد الطرطوشي: معنى هذا أنه يستحبّ لكل إنسان ما يوافق طبعه ويخفّ عليه فربما يكلّف غير ذلك مما يخالف طبعه فيشقّ عليه ويقطعه ذلك عن القراءة أو الإكثار منها، أما من تساوى عنده الأمران: فالترتيل أولى. وإلى تفضيل الترتيل أشار الخاقاني في منظومته بقوله:(1/19)
اختلف العلماء رضي الله عنهم في الأفضل: هل هو الترتيل مع قلة القراءة، أو السرعة مع كثرة القراءة؟ فذهب بعضهم إلى الثاني تمسكا بما رواه ابن مسعود رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها» الحديث رواه الترمذي وصححه ورواه غيره: «بكل حرف عشر حسنات» قال الشيخ ابن الجزري رحمه الله تعالى في النشر: «والصحيح، بل الصواب، ما عليه معظم السلف والخلف وهو أن الترتيل والتدوير مع قلّة القراءة أفضل من السرعة مع كثرتها لأن المقصود من القرآن فهمه والتفقّه فيه والعمل به، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى فهم معانيه، وقد جاء ذلك منصوصا عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم. وسئل مجاهد عن رجلين قرأ أحدهما البقرة، والآخر البقرة وآل عمران في الصلاة، وركوعهما وسجودهما واحد، أيهما أفضل؟ فقال: الذي قرأ البقرة وحدها أفضل. ثم قال ابن الجزري رحمه الله تعالى: وأحسن بعض أئمتنا رحمه الله تعالى فقال: إن ثواب قراءة الترتيل والتدوير أجلّ وأرفع قدرا، وإن كان ثواب كثرة القراءة أكثر عددا فالأول كمن تصدّق بجوهرة عظيمة أو أعتق عبدا قيمته نفيسة، والثاني من تصدّق بعدد كثير من الدنانير، أو أعتق عددا من العبيد قيمتهم رخيصة. وقال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: اعلم أن الترتيل مستحبّ لا لمجرد التدبر فإن العجمي الذي لا يفهم معنى القرآن يستحبّ له أيضا في القراءة الترتيل والتؤدة لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام، وأشد تأثيرا في القلب من الهذرمة والاستعجال لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «شرّ السير الحقحقة» أي السفر في أوّل الليل «وشرّ القراءة الهذرمة» أي السرعة فيها. [اه شرح الشيخ حجازي والبركوي على الدر اليتيم].
وسئل مالك رضي الله عنه عن الحدر في القرآن؟ فقال: من الناس من إذا حدر كان أخفّ عليه، وإذا رتّل أخطأ، والناس في ذلك على ما يخفّ، وذلك واسع. وقال القاضي أبو الوليد الطرطوشي: معنى هذا أنه يستحبّ لكل إنسان ما يوافق طبعه ويخفّ عليه فربما يكلّف غير ذلك مما يخالف طبعه فيشقّ عليه ويقطعه ذلك عن القراءة أو الإكثار منها، أما من تساوى عنده الأمران: فالترتيل أولى. وإلى تفضيل الترتيل أشار الخاقاني في منظومته بقوله:
وترتيلنا القرآن أفضل للذي ... أمرنا به من لبثنا فيه والفكر
ومهما حدرنا درسنا فمرخّص ... لنا فيه إذ دين العباد إلى اليسر
[اه. شرح نونية السخاوي].
وينبغي أن يتحفّظ في الترتيل عن التمطيط، وفي الحدر عن الإدماج والتخليط فإن القراءة كما قيل بمنزلة البياض إن قلّ صار سمرة، وإن كثر صار برصا. قال إمام المحققين حمزة الكوفي لبعض من سمعه يبالغ في ذلك أي في التحقيق: «أما علمت أنّ ما فوق الجعودة فهو قطط، وما فوق البياض فهو برص، وما كان فوق القراءة فليس بقراءة». وإلى هذا المعنى أشار الخاقاني رحمه الله تعالى بقوله:
فذو الحذق معط للحروف حقوقها ... إذا رتّل القرآن أو كان ذا حدر
تتمة:
اعلم أنه لا خلاف بين القراء في جواز القراءة بكلّ من الأنواع المتقدمة، ومع ذلك فمذاهبهم مختلفة فكان ورش وحمزة يذهبان إلى الترتيل الذي هو نوع من التحقيق، وعاصم في ذلك دون ورش وحمزة. وكان قالون وابن كثير وأبو عمرو يذهبون إلى الحدر والسهولة في التلاوة، وكان ابن عامر والكسائي يذهبان إلى التوسط فقراءتهما بين الترتيل والحدر. قال بعض شرّاح الجزرية: وما ذكر من تخصيص كلّ مرتبة بعض القرّاء هو الغالب على قراءة القرّاء السبعة، وإلا فكلّ القرّاء يجيز كلّا من المراتب المتقدمة. اه.
الفصل الثالث في بيان الأمور المحرّمة التي ابتدعها القرّاء في قراءة القرآن
اعلم أن قرّاء زماننا ابتدعوا في القراءة أشياء كثيرة لا تحلّ ولا تجوز لأنها تكون في القراءة إما بزيادة على الحدّ المتقدّم بيانه، أو بنقص عنه، وذلك بواسطة الأنغام لأجل صرف الناس إلى سماعهم والإصغاء إلى نغماتهم.
فمن ذلك القراءة بالألحان المطربة المرجعة كترجيع الغناء فإن ذلك ممنوع لما فيه من إخراج التلاوة عن أوضاعها، وتشبيه كلام ربّ العزّة بالأغاني التي يقصد بها الطرب. ولم يزل السلف ينهون عن التطريب روي أن رجلا قرأ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فطرّب، فأنكر ذلك عليه القاسم بن محمد وقال: يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمََّا جََاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتََابٌ عَزِيزٌ (41) لََا يَأْتِيهِ الْبََاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلََا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (42) [فصّلت: الآيتان 41، 42] وقال مالك: «لا تعجبني القراءة بالألحان، ولا أحبها في رمضان ولا في غيره لأنه يشبه الغناء»، وقال الحافظ السيوطي في الإتقان: وأما القراءة بالألحان فنصّ الشافعي رحمه الله تعالى في المختصر أنه لا بأس بها ما لم تخرج القراءة عن حدّ القرآن، وإلا فتكون القراءة بالألحان حراما اه. وعن رواية الربيع الجيزي أنها مكروهة. قال الرافعي: «فقال الجمهور: ليست على قولين، بل المكروه أن يفرط في المدّ وفي إشباع الحركات حتى يتولد من الفتحة ألف، ومن الضمة واو، ومن الكسرة ياء، أو يدغم في غير موضع الإدغام، فإن لم ينته إلى هذا الحد فلا كراهة». قال النووي في زوائد الروضة: الصحيح أن الإفراط على الوجه المذكور حرام يفسّق به القارئ، ويأثم به المستمع لأنه عدل به عن منهجه القويم. قال: وهذا مراد الشافعي بالكراهة» اه. وقد علم بذلك أن القائلين بجواز قراءة القرآن بالألحان يشترطون عدم الإفراط والزيادة وإشباع الحركات لأن ذلك يؤدّي إلى الزيادة في القرآن، وهو ممنوع، وإلى هذا المعنى أشار الجعبري بقوله:(1/20)
اعلم أن قرّاء زماننا ابتدعوا في القراءة أشياء كثيرة لا تحلّ ولا تجوز لأنها تكون في القراءة إما بزيادة على الحدّ المتقدّم بيانه، أو بنقص عنه، وذلك بواسطة الأنغام لأجل صرف الناس إلى سماعهم والإصغاء إلى نغماتهم.
فمن ذلك القراءة بالألحان المطربة المرجعة كترجيع الغناء فإن ذلك ممنوع لما فيه من إخراج التلاوة عن أوضاعها، وتشبيه كلام ربّ العزّة بالأغاني التي يقصد بها الطرب. ولم يزل السلف ينهون عن التطريب روي أن رجلا قرأ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فطرّب، فأنكر ذلك عليه القاسم بن محمد وقال: يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمََّا جََاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتََابٌ عَزِيزٌ (41) لََا يَأْتِيهِ الْبََاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلََا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (42) [فصّلت: الآيتان 41، 42] وقال مالك: «لا تعجبني القراءة بالألحان، ولا أحبها في رمضان ولا في غيره لأنه يشبه الغناء»، وقال الحافظ السيوطي في الإتقان: وأما القراءة بالألحان فنصّ الشافعي رحمه الله تعالى في المختصر أنه لا بأس بها ما لم تخرج القراءة عن حدّ القرآن، وإلا فتكون القراءة بالألحان حراما اه. وعن رواية الربيع الجيزي أنها مكروهة. قال الرافعي: «فقال الجمهور: ليست على قولين، بل المكروه أن يفرط في المدّ وفي إشباع الحركات حتى يتولد من الفتحة ألف، ومن الضمة واو، ومن الكسرة ياء، أو يدغم في غير موضع الإدغام، فإن لم ينته إلى هذا الحد فلا كراهة». قال النووي في زوائد الروضة: الصحيح أن الإفراط على الوجه المذكور حرام يفسّق به القارئ، ويأثم به المستمع لأنه عدل به عن منهجه القويم. قال: وهذا مراد الشافعي بالكراهة» اه. وقد علم بذلك أن القائلين بجواز قراءة القرآن بالألحان يشترطون عدم الإفراط والزيادة وإشباع الحركات لأن ذلك يؤدّي إلى الزيادة في القرآن، وهو ممنوع، وإلى هذا المعنى أشار الجعبري بقوله:
اقرأ بألحان الأعارب طبعها ... وأجيزت الأنغام بالميزان
ومنها شيء يسمى بالترقيص ومعناه أن الشخص يرقّص صوته بالقرآن فيزيد في حروف المدّ حركات بحيث يصير كالمتكسر الذي يفعل الرقص. وقال بعضهم: هو أن يروم السكت على الساكن ثم ينفر عنه مع الحركة في عدو وهرولة.
ومنها شيء يسمى بالتحزين وهو أن يترك القارئ طباعه وعادته في التلاوة، ويأتي بها على وجه آخر كأنه حزين يكاد أن يبكي من خشوع وخضوع، وإنما نهي عنه لما فيه من الرياء.
ومنها شيء يسمى بالترعيد ومعناه أن الشخص يرعّد صوته بالقرآن كأنه يرعد من شدة برد أو ألم أصابه.
ومنها شيء آخر يسمى بالتحريف أحدثه هؤلاء الذين يجتمعون ويقرءون بصوت واحد فيقطّعون القراءة، ويأتي بعضهم ببعض الكلمة والآخر ببعضها الآخر، ويحافظون
على مراعاة الأصوات، ولا ينظرون إلى ما يترتب على ذلك من الإخلال بالثواب فضلا عن الإخلال بتعظيم كلام الجبار! فكلّ ذلك حرام يمتنع قبوله ويجب ردّه وإنكاره على مرتكبه [اه. شرح ابن غازي]، ولذلك أشار بعضهم فقال:(1/21)
ومنها شيء آخر يسمى بالتحريف أحدثه هؤلاء الذين يجتمعون ويقرءون بصوت واحد فيقطّعون القراءة، ويأتي بعضهم ببعض الكلمة والآخر ببعضها الآخر، ويحافظون
على مراعاة الأصوات، ولا ينظرون إلى ما يترتب على ذلك من الإخلال بالثواب فضلا عن الإخلال بتعظيم كلام الجبار! فكلّ ذلك حرام يمتنع قبوله ويجب ردّه وإنكاره على مرتكبه [اه. شرح ابن غازي]، ولذلك أشار بعضهم فقال:
حدود حروف الذّكر في لفظ قارئ ... بحدر وتحقيق ودور مرتّلا
فإنّي رأيت البعض يتلو القرآن لا ... يراعي حدود الحرف وزنا ومنزلا
فمنهم بترقيص ولحن وضجّة ... ومنهم بترعيد ونوح تبدّلا
فما كلّ من يتلو القرآن يقيمه ... ولا كلّ من يقرأ فيقرأ مجمّلا
فذر نطق أعجام وما اخترعوا به ... وخذ نطق عرب بالفصاحة سوّلا
فيا قارئ القرآن أجمل أداءه ... يضاعف لك الرحمن أجرا فأجزلا
وقد بقي من الأمور المبتدعة في قراءة القرآن أشياء كثيرة أيضا منها القراءة باللين والرخاوة في الحروف، وكونها غير صلبة بحيث تشبه قراءة الكسلان. ومنها النّفر بالحروف عند النطق بها بحيث يشبه المتشاجر. ومنها تقطيع الحروف بعضها من بعض بما يشبه السكت خصوصا الحروف المظهرة قصدا في زيادة بيانها إذ الإظهار له حدّ معلوم اه. ومنها عدم بيان الحرف المبدوء به والموقوف عليه، وكثير من الناس يتساهلون فيهما حتى لا يكاد يسمع لهما صوت. ومنها إشباع الحركات بحيث يتولد منها حروف مدّ، وربما يفسد المعنى بذلك. ومنها أن يبلغ القارئ بالقلقلة في حروفها رتبة الحركة. ومنها إعطاء الحرف صفة مجاورة قوية كانت أو ضعيفة. ومنها تفخيم الراء الساكنة إذا كان قبلها سبب ترقيقها. ومنها إشراب الحرف بغيره. ومنها إشباع حركة الحرف الذي قبل الحرف الموقوف عليه بحيث يتولد منه حرف مدّ، وكثير من الناس يفعله. ومنها إبدال الحرف بغيره. ومنها تخفيف الحرف المثقّل وعكسه خصوصا الحرف الموقوف عليه. ومنها تحريك الحروف السواكن كعكسه. ومنها زيادة المد في حروفه على المدّ الطبيعي بلا سبب. ومنها النقص عن المد الطبيعي في حروفه، لكن هذا النقص أفحش من تلك الزيادة لأن الزيادة قد عهدت، وذلك إذا وجد السبب وارتفع المانع كما سيأتي بيانه، بخلاف النّقص فإنه لم يعهد في حالة أصلا. ومنها المبالغة في إخفاء الحروف بحيث يشبه المدّ. ومنها ضم الشفتين عند النطق بالحروف المفخمة المفتوحة لأجل المبالغة في التفخيم. ومنها شوب الحروف المرقّقة شيئا من الإمالة ظنّا من القارئ أن ذلك مبالغة في الترقيق. ومنها الإفراط في المد زيادة عن مقداره لأن المدّ له حدّ يوقف عنده ومقدار لا يجوز تجاوزه، ومراتب القراء فيه مختلفة بحسب تفاوتهم في
الترتيل والحدر والتوسّط، وسيأتي بيان ذلك. ومنها مدّ ما لا مدّ فيه كمدّ واو {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) [الفاتحة: الآية 4] وصلا، وياء {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}
[الفاتحة: الآية 7] كذلك لأن الواو والياء إذا انفتح ما قبلهما كانا حرفي لين لا مدّ فيهما، ولكنهما قابلان للمدّ عند ملاقاة سببه وهو الهمز أو السكون. ومنها تشديد الهمزة إذا وقعت بعد حرف المدّ ظنّا منه أنه مبالغة في تحقيقها وبيانها نحو {أُولََئِكَ} [البقرة: الآية 5، وغيرها] و {يََا أَيُّهَا} [البقرة: الآية 21، وغيرها]. ومنها لوك الحرف ككلام السكران فإنه لاسترخاء لسانه وأعضائه بسبب السكر تذهب فصاحة كلامه. ومنها المبالغة في نبر الهمزة وضغط صوتها حتى تشبه صوت المتهوّع وهو المتقيّئ. وقد أشار إلى بعض ذلك الإمام السخاوي في منظومته بقوله:(1/22)
حدود حروف الذّكر في لفظ قارئ ... بحدر وتحقيق ودور مرتّلا
فإنّي رأيت البعض يتلو القرآن لا ... يراعي حدود الحرف وزنا ومنزلا
فمنهم بترقيص ولحن وضجّة ... ومنهم بترعيد ونوح تبدّلا
فما كلّ من يتلو القرآن يقيمه ... ولا كلّ من يقرأ فيقرأ مجمّلا
فذر نطق أعجام وما اخترعوا به ... وخذ نطق عرب بالفصاحة سوّلا
فيا قارئ القرآن أجمل أداءه ... يضاعف لك الرحمن أجرا فأجزلا
وقد بقي من الأمور المبتدعة في قراءة القرآن أشياء كثيرة أيضا منها القراءة باللين والرخاوة في الحروف، وكونها غير صلبة بحيث تشبه قراءة الكسلان. ومنها النّفر بالحروف عند النطق بها بحيث يشبه المتشاجر. ومنها تقطيع الحروف بعضها من بعض بما يشبه السكت خصوصا الحروف المظهرة قصدا في زيادة بيانها إذ الإظهار له حدّ معلوم اه. ومنها عدم بيان الحرف المبدوء به والموقوف عليه، وكثير من الناس يتساهلون فيهما حتى لا يكاد يسمع لهما صوت. ومنها إشباع الحركات بحيث يتولد منها حروف مدّ، وربما يفسد المعنى بذلك. ومنها أن يبلغ القارئ بالقلقلة في حروفها رتبة الحركة. ومنها إعطاء الحرف صفة مجاورة قوية كانت أو ضعيفة. ومنها تفخيم الراء الساكنة إذا كان قبلها سبب ترقيقها. ومنها إشراب الحرف بغيره. ومنها إشباع حركة الحرف الذي قبل الحرف الموقوف عليه بحيث يتولد منه حرف مدّ، وكثير من الناس يفعله. ومنها إبدال الحرف بغيره. ومنها تخفيف الحرف المثقّل وعكسه خصوصا الحرف الموقوف عليه. ومنها تحريك الحروف السواكن كعكسه. ومنها زيادة المد في حروفه على المدّ الطبيعي بلا سبب. ومنها النقص عن المد الطبيعي في حروفه، لكن هذا النقص أفحش من تلك الزيادة لأن الزيادة قد عهدت، وذلك إذا وجد السبب وارتفع المانع كما سيأتي بيانه، بخلاف النّقص فإنه لم يعهد في حالة أصلا. ومنها المبالغة في إخفاء الحروف بحيث يشبه المدّ. ومنها ضم الشفتين عند النطق بالحروف المفخمة المفتوحة لأجل المبالغة في التفخيم. ومنها شوب الحروف المرقّقة شيئا من الإمالة ظنّا من القارئ أن ذلك مبالغة في الترقيق. ومنها الإفراط في المد زيادة عن مقداره لأن المدّ له حدّ يوقف عنده ومقدار لا يجوز تجاوزه، ومراتب القراء فيه مختلفة بحسب تفاوتهم في
الترتيل والحدر والتوسّط، وسيأتي بيان ذلك. ومنها مدّ ما لا مدّ فيه كمدّ واو {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) [الفاتحة: الآية 4] وصلا، وياء {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}
[الفاتحة: الآية 7] كذلك لأن الواو والياء إذا انفتح ما قبلهما كانا حرفي لين لا مدّ فيهما، ولكنهما قابلان للمدّ عند ملاقاة سببه وهو الهمز أو السكون. ومنها تشديد الهمزة إذا وقعت بعد حرف المدّ ظنّا منه أنه مبالغة في تحقيقها وبيانها نحو {أُولََئِكَ} [البقرة: الآية 5، وغيرها] و {يََا أَيُّهَا} [البقرة: الآية 21، وغيرها]. ومنها لوك الحرف ككلام السكران فإنه لاسترخاء لسانه وأعضائه بسبب السكر تذهب فصاحة كلامه. ومنها المبالغة في نبر الهمزة وضغط صوتها حتى تشبه صوت المتهوّع وهو المتقيّئ. وقد أشار إلى بعض ذلك الإمام السخاوي في منظومته بقوله:
لا تحسب التجويد مدّا مفرطا ... أو مدّ ما لا مدّ فيه لوان
أو أن تشدّد بعد مدّ همزة ... أو أن تلوك الحرف كالسكران
أو أن تفوه بهمزة متهوّعا ... فيفرّ سامعها من الغثيان
للحرف ميزان فلا تك طاغيا ... فيه ولا تك مخسر الميزان
فإذا همزت فجىء به متلطّفا ... من غير ما نبر وغير توان
وامدد حروف المدّ عند مسكّن ... أو همزة حسنا أخا إحسان
قال شارحها: فكلّ حرف له ميزان يعرف به مقدار حقيقته، وذلك الميزان هو مخرجه وصفته، فإذا خرج من مخرجه معطى ما له من الصفات على وجه العدل في ذلك من غير إفراط ولا تفريط: فقد وزن بميزانه، وهذا هو حقيقة التجويد. وإليه أشار الخاقاني رحمه الله تعالى بقوله:
زن الحرف لا تخرجه عن حدّ وزنه ... فوزن حروف الذكر من أفضل البرّ
ومن الأمور المنهي عنها أيضا عدم ضمّ الشفتين عند النطق بالحرف المضموم لأن كل حرف مضموم لا يتم ضمه إلا بضم الشفتين، وإلا كان ضمّه ناقصا، ولا يتم الحرف إلا بتمام حركته، فإن لم تتم الحركة لا يتمّ الحرف، وكذلك الحرف المكسور لا يتم إلا بخفض الفم وإلا كان ناقصا وهو حركته، وكذلك الحرف المفتوح لا يتم إلا بفتح الفم وإلا كان ناقصا وهو حركته. وإلى ذلك أشار العلّامة الطيبي في منظومته فقال:
وكلّ مضموم فلن يتمّا ... إلا بضمّ الشفتين ضمّا
وذو انخفاض بانخفاض للفم ... يتمّ والمفتوح بالفتح افهم
إذ الحروف إن تكن محرّكة ... يشركها مخرج أصل الحركة
أي مخرج الواو مخرج الألف ... والياء في مخرجها الذي عرف
فإن تر القارئ لن تنطبقا ... شفاهه بالضم كن محقّقا
بأنه منتقص ما ضمّا ... والواجب النّطق به متمّا
كذاك ذو فتح وذو كسر يجب ... إتمام كلّ منهما فافهم تصب
فالنقص في هذا لدى التأمّل ... أقبح في المعنى من اللحن الجلي
إذ هو تغيير لذات الحرف ... واللحن تغيير له في الوصف
يعني أن الحروف تنقص بنقص الحركات، فيكون حينئذ أقبح من اللحن الجلي لأن النقص من الذوات أقبح من ترك الصفات، فتفطّن رحمك الله، واجتهد في ضبط هذه القواعد المقرّرة وأحكامها المضبوطة المحرّرة لتفوز بالسعادة الأبدية في الدنيا والآخرة فإنّ تعلمك تجويد كتاب الله في الدنيا أيسر من عقوبتك على تركه يوم القيامة فإنّ أمر الحساب عسير، والناقد بصير، فحافظ على تلاوة القرآن على الوجه المتلقّى من حضرة خير الأنام عسى الله إذا قبل منك اليسير أن يتجاوز عن الكثير.(1/23)
وكلّ مضموم فلن يتمّا ... إلا بضمّ الشفتين ضمّا
وذو انخفاض بانخفاض للفم ... يتمّ والمفتوح بالفتح افهم
إذ الحروف إن تكن محرّكة ... يشركها مخرج أصل الحركة
أي مخرج الواو مخرج الألف ... والياء في مخرجها الذي عرف
فإن تر القارئ لن تنطبقا ... شفاهه بالضم كن محقّقا
بأنه منتقص ما ضمّا ... والواجب النّطق به متمّا
كذاك ذو فتح وذو كسر يجب ... إتمام كلّ منهما فافهم تصب
فالنقص في هذا لدى التأمّل ... أقبح في المعنى من اللحن الجلي
إذ هو تغيير لذات الحرف ... واللحن تغيير له في الوصف
يعني أن الحروف تنقص بنقص الحركات، فيكون حينئذ أقبح من اللحن الجلي لأن النقص من الذوات أقبح من ترك الصفات، فتفطّن رحمك الله، واجتهد في ضبط هذه القواعد المقرّرة وأحكامها المضبوطة المحرّرة لتفوز بالسعادة الأبدية في الدنيا والآخرة فإنّ تعلمك تجويد كتاب الله في الدنيا أيسر من عقوبتك على تركه يوم القيامة فإنّ أمر الحساب عسير، والناقد بصير، فحافظ على تلاوة القرآن على الوجه المتلقّى من حضرة خير الأنام عسى الله إذا قبل منك اليسير أن يتجاوز عن الكثير.
الفصل الرابع في بيان اللحن الجلي والخفي، وحدّهما، وحكمهما
اعلم أن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن بالتجويد حيث قال: {وَرَتَّلْنََاهُ تَرْتِيلًا}
[الفرقان: الآية 32] أي أنزلناه بالترتيل وهو التجويد. وقد ثبتت فرضيته بالكتاب والسنّة وإجماع الأمة كما تقدم بيانه، وأن اللحن فيه حرام قال الله تعالى: {قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزّمر: الآية 28] فينبغي للقارئ أن يعرف اللحن ليجتنبه، وهذا كمعرفة نحو السحر ليجتنب [اه. مقدسي]. وقد أشار إلى ذلك الخاقاني بقوله:
فأوّل علم الذّكر إتقان حفظه ... ومعرفة باللحن من فيك إذ يجري
فكن عارفا باللحن كيما تزيله ... وما للذي لا يعرف اللحن من عذر
فإذا تحلّى القارئ بالوصفين، وبرئ من اللحنين، عدّ من أولي الإتقان، ونظم في سلك أهل القرآن. ثم إن اللحن يأتي في لغة العرب على معان، والمراد به هاهنا الخطأ والميل عن الصواب، وهو نوعان: جليّ، وخفيّ، ولكل واحد منهما حدّ يخصه وحقيقة يمتاز بها عن صاحبه.
فأما الجلي: فهو خطأ يطرأ على الألفاظ فيخلّ بالعرف أعني عرف القراءة، سواء أخلّ بالمعنى أم لم يخل، وإنما سمي جليّا لأنه يخل إخلالا ظاهرا يشترك في معرفته علماء القراءة وغيرهم، وهو يكون في المبنى أو الحركة أو السكون، والمراد من المبنى: حروف الكلمة، ومن الخطأ فيه تبديل حرف بآخر كتبديل الطاء دالا بترك إطباقها واستعلائها، أو تاء بتركهما، وبإعطائها همسا. والمراد من الحركة: ما يعمّ حركة الأول والوسط والآخر، ومن الخطأ فيه تبديل حركة بأخرى أو بالسكون، سواء تغيّر المعنى بالخطإ فيها كضم التاء أو كسرها في {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: الآية 7] وكفتح التاء وكسرها في قوله: {مََا قُلْتُ لَهُمْ} [المائدة: الآية 117]، أو لم يتغير كرفع الهاء أو نصبها في قوله: {الْحَمْدُ لِلََّهِ} [الفاتحة: الآية 2]. والمراد من السكون ما يعمّ سكون الوسط والآخر، ومن الخطأ فيه تبديله بالحركة سواء تغير المعنى بالخطإ فيه كفتح الميم في قوله: {وَلََا حَرَّمْنََا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: الآية 148]، أو لم يتغير كضم الدال في قوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (3) [الإخلاص: الآية 3]، وهذا النوع لا شك أنه حرام بالإجماع سواء أوهم خلل المعنى أو اقتضى تغيير الإعراب [اه. مرعشي وملا علي].(1/24)
فأوّل علم الذّكر إتقان حفظه ... ومعرفة باللحن من فيك إذ يجري
فكن عارفا باللحن كيما تزيله ... وما للذي لا يعرف اللحن من عذر
فإذا تحلّى القارئ بالوصفين، وبرئ من اللحنين، عدّ من أولي الإتقان، ونظم في سلك أهل القرآن. ثم إن اللحن يأتي في لغة العرب على معان، والمراد به هاهنا الخطأ والميل عن الصواب، وهو نوعان: جليّ، وخفيّ، ولكل واحد منهما حدّ يخصه وحقيقة يمتاز بها عن صاحبه.
فأما الجلي: فهو خطأ يطرأ على الألفاظ فيخلّ بالعرف أعني عرف القراءة، سواء أخلّ بالمعنى أم لم يخل، وإنما سمي جليّا لأنه يخل إخلالا ظاهرا يشترك في معرفته علماء القراءة وغيرهم، وهو يكون في المبنى أو الحركة أو السكون، والمراد من المبنى: حروف الكلمة، ومن الخطأ فيه تبديل حرف بآخر كتبديل الطاء دالا بترك إطباقها واستعلائها، أو تاء بتركهما، وبإعطائها همسا. والمراد من الحركة: ما يعمّ حركة الأول والوسط والآخر، ومن الخطأ فيه تبديل حركة بأخرى أو بالسكون، سواء تغيّر المعنى بالخطإ فيها كضم التاء أو كسرها في {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: الآية 7] وكفتح التاء وكسرها في قوله: {مََا قُلْتُ لَهُمْ} [المائدة: الآية 117]، أو لم يتغير كرفع الهاء أو نصبها في قوله: {الْحَمْدُ لِلََّهِ} [الفاتحة: الآية 2]. والمراد من السكون ما يعمّ سكون الوسط والآخر، ومن الخطأ فيه تبديله بالحركة سواء تغير المعنى بالخطإ فيه كفتح الميم في قوله: {وَلََا حَرَّمْنََا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: الآية 148]، أو لم يتغير كضم الدال في قوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} (3) [الإخلاص: الآية 3]، وهذا النوع لا شك أنه حرام بالإجماع سواء أوهم خلل المعنى أو اقتضى تغيير الإعراب [اه. مرعشي وملا علي].
وأما اللحن الخفي فهو خطأ يطرأ على اللفظ فيخل بالعرف ولا يخل بالمعنى، وإنما سمّي خفيّا لأنه يختص بمعرفته علماء القراءة وأهل الأداء، وهو يكون في صفات الحروف، كذا أطلق، لكن ينبغي أن يقيّد الخطأ بما لا يؤدي إلى تبديل حرف بآخر كترك الإدغام، وأما إذا أدّى إليه كترك إطباق الطاء واستعلائه فهو من اللحن الجلي.
ثم اعلم أن اللحن الخفي ينقسم إلى قسمين:
أحدهما لا يعرفه إلا علماء القراءة: كترك الإخفاء والقلب والإظهار والإدغام والغنة، وكترقيق المفخّم، وعكسه، ومدّ المقصور، وقصر المدود، وكالوقف بالحركات كوامل، وتشديد المخفّف، وتخفيف المشدّد، وهذا القسم لا شك في أنه ليس بفرض عين يترتب عليه العقاب الشديد، وإنما فيه خوف العقاب والتهديد. [اه. مرعشي وملا علي].
والثاني لا يعرفه إلا مهرة القرّاء كتكرير الراءات، وتطنين النونات، وتغليظ اللامات، وتشويبها الغنة، وترعيد الصوت بالمدود والغنات، وترقيق الراءات في غير محل الترقيق. وهذا القسم لا يتصور أن يكون فرض عين، بل هو مستحب يحسن النطق به حال الأداء [اه. شرح الملا علي].
وقال البركوي في شرحه على الدر اليتيم: تحرم هذه التغييرات جميعها لأنها وإن كانت لا تخل بالمعنى، لكنها تخل باللفظ لفساد رونقه وذهاب حسنه وطلاوته. اه.(1/25)
والثاني لا يعرفه إلا مهرة القرّاء كتكرير الراءات، وتطنين النونات، وتغليظ اللامات، وتشويبها الغنة، وترعيد الصوت بالمدود والغنات، وترقيق الراءات في غير محل الترقيق. وهذا القسم لا يتصور أن يكون فرض عين، بل هو مستحب يحسن النطق به حال الأداء [اه. شرح الملا علي].
وقال البركوي في شرحه على الدر اليتيم: تحرم هذه التغييرات جميعها لأنها وإن كانت لا تخل بالمعنى، لكنها تخل باللفظ لفساد رونقه وذهاب حسنه وطلاوته. اه.
التتمة في تقسيم الواجب في علم التجويد إلى واجب شرعي أو صناعي
قال في شرح القول المفيد: اعلم أن الواجب في علم التجويد ينقسم إلى واجب شرعي وهو ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه، أو صناعي وهو ما يحسن فعله ويقبح تركه ويعزّر على تركه التعزير اللائق به عند أهل تلك الصناعة. فالشرعي: ما يحفظ الحروف من تغيير المبنى وإفساد المعنى، فيأثم تاركه. والصناعي: ما ذكره العلماء في كتب التجويد كالإدغام والإخفاء والإقلاب والترقيق والتفخيم فلا يأثم تاركه على اختيار المتأخرين.
وأما المتقدمون فاختاروا وجوب الجميع شرعا، وهذا هو الموافق لما قاله العلّامة ناصر الدين الطبلاوي، حيث سئل: هل يجب إدغام النون الساكنة والتنوين عند حروف الإدغام، وإظهارهما عند حروف الإظهار، وإخفاؤهما عند حروف الإخفاء، وقبلهما عند حروف الإقلاب أم لا؟ وإذا كان واجبا فهل يجب على مؤدّب الأطفال تعليمهم ذلك؟ وهل المدّ اللازم والمتصل كذلك؟ وإذا قلتم بالوجوب في جميع ذلك فهل هو شرعيّ يثاب فاعله ويأثم تاركه ويكون تركه لحنا؟ أو صناعيّ فلا ثواب لفاعله ولا إثم على تاركه ولا يكون تركه لحنا؟ وماذا يترتب على تارك ذلك؟
وإذا أنكر شخص وجوبه فهل هو مصيب أو مخطئ؟ وماذا يترتب عليه في إنكار ذلك؟ أفتونا أثابكم الله!! فأجاب بقوله: الحمد لله الهادي للصواب، نقول بالوجوب في جميع ذلك من أحكام النون والتنوين والمدّ اللازم والمتصل، ولم يرد عن أحد من الأئمة أنه خالف فيه، وإنما تفاوتت مراتبهم في المد المتصل مع اتفاقهم على أنه لا يجوز قصره كقصر المنفصل في وجه من الوجوه، وقد أجمعت الفقهاء والأصوليون على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ مع وروده في الجملة فما بالك بقراءة ما لم يرد أصلا! وقد نصّت الفقهاء على أنه إذا ترك شدّة من الفاتحة كشدّة (الرحمن) منها بأن جزم اللام وأتى بها ظاهرة فلا تصح صلاته، ويلزم من عدم الصحة التحريم لأن كلّ ما أبطل الصلاة حرم تعاطيه، ولا
عكس، وقد قال ابن الجزري في التمهيد: «ما قرئ به وكان متواترا فجائز وإن اختلف لفظه، وما كان شاذا فحرام تعاطيه، وما خالف ذلك فكذلك، ويكفّر متعمّده، فإذا تقرر ذلك فترك ما ذكر ممتنع بالشرع، وليس للقياس فيه مدخل، بل هو محض اتباع. وقد قال العلّامة ابن الجزري:(1/26)
وإذا أنكر شخص وجوبه فهل هو مصيب أو مخطئ؟ وماذا يترتب عليه في إنكار ذلك؟ أفتونا أثابكم الله!! فأجاب بقوله: الحمد لله الهادي للصواب، نقول بالوجوب في جميع ذلك من أحكام النون والتنوين والمدّ اللازم والمتصل، ولم يرد عن أحد من الأئمة أنه خالف فيه، وإنما تفاوتت مراتبهم في المد المتصل مع اتفاقهم على أنه لا يجوز قصره كقصر المنفصل في وجه من الوجوه، وقد أجمعت الفقهاء والأصوليون على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ مع وروده في الجملة فما بالك بقراءة ما لم يرد أصلا! وقد نصّت الفقهاء على أنه إذا ترك شدّة من الفاتحة كشدّة (الرحمن) منها بأن جزم اللام وأتى بها ظاهرة فلا تصح صلاته، ويلزم من عدم الصحة التحريم لأن كلّ ما أبطل الصلاة حرم تعاطيه، ولا
عكس، وقد قال ابن الجزري في التمهيد: «ما قرئ به وكان متواترا فجائز وإن اختلف لفظه، وما كان شاذا فحرام تعاطيه، وما خالف ذلك فكذلك، ويكفّر متعمّده، فإذا تقرر ذلك فترك ما ذكر ممتنع بالشرع، وليس للقياس فيه مدخل، بل هو محض اتباع. وقد قال العلّامة ابن الجزري:
والأخذ بالتجويد حتم لازم ... من لم يجوّد القرآن آثم
فيجب على كل عاقل له ديانة أن يتلقاها بالقبول عن الأئمة المعتبرين، ويرجع إليهم في كيفية أدائه لأن كل فن إنما يؤخذ عن أهله فاعتن به، ولا تأخذ بالظن، ولا تنقله عن غير أهله.
ويجب على المعلم للقرآن من فقيه الأولاد وغيره أن يعلّم تلك الأحكام وغيرها مما اجتمعت القرّاء على تلقيه بالقبول لأن كل ما اجتمعت عليه القراء حرمت مخالفته، ومن أنكر ذلك أي مما تقدم كله فهو مخطئ آثم يجب عليه الرجوع عن هذا الاعتقاد والله يقول الحق وهو يهدي السبيل». اه.
باختصار.
وقال ابن غازي في شرحه: «الواجب في علم التجويد» ينقسم إلى قسمين:
أحدهما شرعي: وهو ما أجمع عليه القرّاء كالإخفاء، والإدغام، والإظهار، والإقلاب، وترك المد فيما أجمع على قصره، وترك القصر فيما أجمع على مده، وغير ذلك مما ليس فيه خلاف. فهذا الواجب يفسّق تاركه، ويكون مرتكبا لكبيرة كما دلّ عليه الحديث السابق وهو: «اقرءوا القرآن بلحون العرب» الحديث.
والثاني صناعي: وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما كان من مسائل الخلاف نحو قوله: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهََارُ} آخر التوبة [الآية: 89]، ونحو قوله: {فَإِنَّ اللََّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد: الآية 24] فإن الأول قرأه ابن كثير بزيادة (من) قبل {تَحْتِهَا الْأَنْهََارُ} وقرأه الباقون بترك تلك الزيادة، والثاني قرأه نافع وابن عامر وكذا أبو جعفر بترك (هو) فيصير اللفظ (فإن الله الغنيّ الحميد) وقرأه الباقون {فَإِنَّ اللََّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد: الآية 24والممتحنة: الآية 6، وغيرها] بزيادة (هو) قبل (الغني).
وهذا الواجب أعني ما كان من وجوه الاختلاف لا يأثم تاركه، ولا يتّصف بالفسق.
والثاني: ما كان من جهة الوقف: فإنه لا يجب على القارئ الوقف على محل معين بحيث لو تركه يأثم، ولا يحرم الوقف على كلمة بعينها إلا إذا كانت موهمة وقصدها، فإن اعتقد معناها كفر والعياذ بالله كأن وقف على قوله: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَسْتَحْيِي} [البقرة: الآية 26] و {وَمََا مِنْ إِلََهٍ} [آل عمران: الآية 62] وغيرها و {إِنِّي كَفَرْتُ} [إبراهيم: الآية 22] وشبه ذلك. ومعنى قولهم: «لا يوقف على كذا» معناه أنه لا يحسن الوقف صناعة على كذا، وليس معناه أن الوقف يكون حراما أو مكروها، بل خلاف الأولى، إلا إن تعمد الوقف على نحو قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قََالُوا} [المائدة: الآية 17] ونحو قوله: {لَقَدْ سَمِعَ اللََّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قََالُوا} [آل عمران: الآية 181] وابتدأ بما بعد ذلك: فيحرم عليه، فإن اعتقد معناه كفر كما هو ظاهر. اه.(1/27)
وهذا الواجب أعني ما كان من وجوه الاختلاف لا يأثم تاركه، ولا يتّصف بالفسق.
والثاني: ما كان من جهة الوقف: فإنه لا يجب على القارئ الوقف على محل معين بحيث لو تركه يأثم، ولا يحرم الوقف على كلمة بعينها إلا إذا كانت موهمة وقصدها، فإن اعتقد معناها كفر والعياذ بالله كأن وقف على قوله: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَسْتَحْيِي} [البقرة: الآية 26] و {وَمََا مِنْ إِلََهٍ} [آل عمران: الآية 62] وغيرها و {إِنِّي كَفَرْتُ} [إبراهيم: الآية 22] وشبه ذلك. ومعنى قولهم: «لا يوقف على كذا» معناه أنه لا يحسن الوقف صناعة على كذا، وليس معناه أن الوقف يكون حراما أو مكروها، بل خلاف الأولى، إلا إن تعمد الوقف على نحو قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قََالُوا} [المائدة: الآية 17] ونحو قوله: {لَقَدْ سَمِعَ اللََّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قََالُوا} [آل عمران: الآية 181] وابتدأ بما بعد ذلك: فيحرم عليه، فإن اعتقد معناه كفر كما هو ظاهر. اه.
والثالث: وجوبه على من أخذ القراءة على شيخ متقن ولم يتطرّق اللحن إليه سبيلا من غير معرفة أحكام، وعلى العربي الفصيح الذي لا يتطرّق إليه اللحن سبيلا بأن كان طبعه القراءة بالتجويد من غير أن يخل في قراءته بشيء من الأحكام المجمع عليها فإنّ تعلّم هذين للأحكام أمر صناعي، أما من أخل بشيء من الأحكام المجمع عليها أو لم يكن عربيّا: فلا بد في حقه من تعلم الأحكام والأخذ بمقتضاها من أفواه المشايخ، فإن لم يفعل أثم بالإجماع» اه.
قال في النشر: «ولا شك أن الأمة كما هم متعبّدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده، كذلك هم متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية التي لا يجوز مخالفتها ولا العدول إلى غيرها» اه. فيجب على القارئ مراعاة ما أجمع عليه القرّاء من إخراج الحروف من مخارجها، وتوفية صفاتها من ترقيق المرقّق وتفخيم المفخّم وإدغام المدغم، وإظهار المظهر، وإخفاء المخفي، ومدّ الممدود، وقصر المقصور، وغير ذلك مما هو لازم في كلامهم، وإلا كان من الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ومن الداخلين في قوله صلى الله عليه وسلم: «ربّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه».
1 - الشفاه 1 2الأسنان 2 3أصول الأسنان (ومقدم الحنك) 3 4الحنك الصلب (وسط الحنك) 4 5الحنك اللين (أقصى الحنك) 5 6اللهاة 6 7طرف اللسان 7 8مقدم اللسان (وسط اللسان) 8 9مؤخر اللسان 9 10الحلق 10 11لسان المزمار 11 12موقع الأوتار الصوتية 12 13ذلق اللسان (نهايته) 13 14منطقة الحنجرة (من الأمام) 14) (15القصبة الهوائية 15(1/28)
قال في النشر: «ولا شك أن الأمة كما هم متعبّدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده، كذلك هم متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية التي لا يجوز مخالفتها ولا العدول إلى غيرها» اه. فيجب على القارئ مراعاة ما أجمع عليه القرّاء من إخراج الحروف من مخارجها، وتوفية صفاتها من ترقيق المرقّق وتفخيم المفخّم وإدغام المدغم، وإظهار المظهر، وإخفاء المخفي، ومدّ الممدود، وقصر المقصور، وغير ذلك مما هو لازم في كلامهم، وإلا كان من الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ومن الداخلين في قوله صلى الله عليه وسلم: «ربّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه».
1 - الشفاه 1 2الأسنان 2 3أصول الأسنان (ومقدم الحنك) 3 4الحنك الصلب (وسط الحنك) 4 5الحنك اللين (أقصى الحنك) 5 6اللهاة 6 7طرف اللسان 7 8مقدم اللسان (وسط اللسان) 8 9مؤخر اللسان 9 10الحلق 10 11لسان المزمار 11 12موقع الأوتار الصوتية 12 13ذلق اللسان (نهايته) 13 14منطقة الحنجرة (من الأمام) 14) (15القصبة الهوائية 15(1/29)
قال في النشر: «ولا شك أن الأمة كما هم متعبّدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده، كذلك هم متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية التي لا يجوز مخالفتها ولا العدول إلى غيرها» اه. فيجب على القارئ مراعاة ما أجمع عليه القرّاء من إخراج الحروف من مخارجها، وتوفية صفاتها من ترقيق المرقّق وتفخيم المفخّم وإدغام المدغم، وإظهار المظهر، وإخفاء المخفي، ومدّ الممدود، وقصر المقصور، وغير ذلك مما هو لازم في كلامهم، وإلا كان من الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ومن الداخلين في قوله صلى الله عليه وسلم: «ربّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه».
1 - الشفاه 1 2الأسنان 2 3أصول الأسنان (ومقدم الحنك) 3 4الحنك الصلب (وسط الحنك) 4 5الحنك اللين (أقصى الحنك) 5 6اللهاة 6 7طرف اللسان 7 8مقدم اللسان (وسط اللسان) 8 9مؤخر اللسان 9 10الحلق 10 11لسان المزمار 11 12موقع الأوتار الصوتية 12 13ذلق اللسان (نهايته) 13 14منطقة الحنجرة (من الأمام) 14) (15القصبة الهوائية 15
الباب الأول في بيان ما يتعلق بمخارج الحروف
وهو يشتمل على ثلاثة فصول وتتمة.
الفصل الأول في بيان معنى المخرج، وكيفيته، ومعنى الحرف لغة واصطلاحا، وعدد الحروف، والحركات الأصلية والفرعية
اعلم أن هذا الباب من أهم أبواب التجويد، فيجب أن يعتنى بإتقانه كلّ من أراد أن يقرأ القرآن المجيد، قال الشمس ابن الجزري في مقدمته:
إذ واجب عليهم محتّم ... قبل الشروع أوّلا أن يعلموا
مخارج الحروف والصّفات ... لينطقوا بأفصح اللغات
فمن أتقن مخارج الحروف والصفات نطق بأفصح اللغات، وهي لغة العرب العرباء التي نزل القرآن بها، ولغة سيد ولد عدنان، ولغة أهل الجنة في الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم: «أحبّوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة في الجنة عربي» أخرجه الطبراني والحاكم والضياء عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والمخارج جمع مخرج على وزن مفعل بفتح الميم وسكون الفاء وهو اسم لموضع خروج الحرف، كمدخل ومرقد اسم لموضع الدخول والرقود، وقد فسّر بعضهم المخرج بأنه عبارة عن الحيّز المولّد للحرف، وهو قريب من الأول. ثم اعلم أن النّفس الذي هو الهواء الخارج من داخل فم الإنسان إن كان مسموعا فهو صوت، وإلا فلا، والصوت إن اعتمد على مخرج محقّق أو مقدّر فهو حرف، وإلا فلا، والحرف معناه في اللغة الطّرف، وفي الاصطلاح: صوت اعتمد على مقطع أي مخرج محقّق، وهو أن يكون اعتماده على جزء معين من أجزاء الحلق واللسان والشفتين، أو مقطع مقدّر، وهو هواء الفم إذ الألف لا معتمد له في شيء من أجزاء الفم بحيث إنه ينقطع في ذلك الجزء، ولذا يقبل الزيادة والنقصان، والمراد بالحرف حرف المبنى من الحروف الهجائية لا حرف المعنى مما هو مذكور في كتب
العربية، وإنما سمّي حرفا لأنه غاية الطرف، وغاية كل شيء حرفه أي طرفه. ومادّة الحرف: الصوت وهو هواء متموّج بتصادم جسمين، ومن ثم عمّ به ولم يختص بالإنسان، بخلاف الحرف فإنه مختص بالإنسان وضعا، والحركة عرض تحلّه لإمكان اللفظ والتركيب كما ذكره الملا علي في شرحه على الجزرية. وفي حاشية شرح العقائد النسفية لشيخ الإسلام كمال الدين بن أبي شريف: أن مطلق الصوت عندنا:(1/31)
والمخارج جمع مخرج على وزن مفعل بفتح الميم وسكون الفاء وهو اسم لموضع خروج الحرف، كمدخل ومرقد اسم لموضع الدخول والرقود، وقد فسّر بعضهم المخرج بأنه عبارة عن الحيّز المولّد للحرف، وهو قريب من الأول. ثم اعلم أن النّفس الذي هو الهواء الخارج من داخل فم الإنسان إن كان مسموعا فهو صوت، وإلا فلا، والصوت إن اعتمد على مخرج محقّق أو مقدّر فهو حرف، وإلا فلا، والحرف معناه في اللغة الطّرف، وفي الاصطلاح: صوت اعتمد على مقطع أي مخرج محقّق، وهو أن يكون اعتماده على جزء معين من أجزاء الحلق واللسان والشفتين، أو مقطع مقدّر، وهو هواء الفم إذ الألف لا معتمد له في شيء من أجزاء الفم بحيث إنه ينقطع في ذلك الجزء، ولذا يقبل الزيادة والنقصان، والمراد بالحرف حرف المبنى من الحروف الهجائية لا حرف المعنى مما هو مذكور في كتب
العربية، وإنما سمّي حرفا لأنه غاية الطرف، وغاية كل شيء حرفه أي طرفه. ومادّة الحرف: الصوت وهو هواء متموّج بتصادم جسمين، ومن ثم عمّ به ولم يختص بالإنسان، بخلاف الحرف فإنه مختص بالإنسان وضعا، والحركة عرض تحلّه لإمكان اللفظ والتركيب كما ذكره الملا علي في شرحه على الجزرية. وفي حاشية شرح العقائد النسفية لشيخ الإسلام كمال الدين بن أبي شريف: أن مطلق الصوت عندنا:
كيفية تحدث بمحض خلق الله تعالى من غير تأثير لتموّج الهواء والقرع والقلع، خلافا للحكماء في زعمهم أنه كيفية تحدث في الهواء بسبب التموّج المعلول للقرع، الذي هو إمساس بعنف، أو القلع الذي هو انفصال بعنف، بشرط مقاومة المقروع للقارع والمقلوع للقالع فعلى كلا المذهبين لا يكون الصوت هواء أصلا. وفي شرح الملا علي: والتحقيق أن مذهب أهل السنة هو أن لا تأثير لغير الله، وأن الأشياء قد توجد بسبب من الأسباب لكن عند خلق الله إياه، كما أنه سبحانه يخلق الشّبع بسبب الأكل، وهو قادر على أن يشبع من غير أكل، وأن يجعل الأكل سببا لزيادة الجوع كما هو مشاهد في المستسقى والمبتلى بالجوع.
ثم اعلم أن الحروف الهجائية قسمان: أصلية وفرعية: أما الأصلية فهي تسعة وعشرون حرفا على ما هو المشهور، ولم يكمل عددها إلا في لغة العرب إذ لا همزة في لغة العجم إلا في الابتداء، ولا ضاد إلا في العربية، كذا قال فخر الدين الجاربردي في شرح الكافية، ولذلك أشار الطيبي في كتابه المفيد بقوله:
وعدّة الحروف للهجاء ... تسع وعشرون بلا امتراء
أوّلها الهمزة لكن سمّيت ... بألف مجازا إذ قد صوّرت
بها في الابتداء حتما وهي في ... سواه بالواو ويا وألف
ودون صورة فما للهمز ما ... مرّ لتخفيف إليه علما
قال في الرعاية: «الحروف التي يؤلف منها الكلام تسعة وعشرون حرفا وهي حروف أب ت ث ج الخ وشهرتها تغني عن ذكرها، وهي التي يفهم بها كتاب الله تعالى، وبها يعرف التوحيد ويفهم، وبها افتتح الله عامّة السور، وبها أقسم، وبها نزلت أسماؤه وصفاته، وبها قامت حجة الله على خلقه، وبها تعقل الأشياء وتفهم الفرائض والأحكام، وغير ذلك، وبالجملة فشرفها كثير لا يحصى».
وأما الحروف الفرعية فهي التي تخرج من مخرجين، وتتردّد بين حرفين، وتنقسم إلى فصيح وغير فصيح، والوارد من الأول في القرآن ثمانية أحرف: الأول: الهمزة
المسهّلة وهي التي لا تكون همزة محضة من غير تليين، ولا تكون تليينا محضا من غير همزة، وهي على ثلاثة أقسام: لأنها تكون بين الهمزة والألف نحو {أَأَنْذَرْتَهُمْ}
[البقرة: الآية 6] وبين الهمزة والياء نحو (أءنّك) [الصّافات: الآية 52]، وبين الهمزة والواو نحو (أءنزل) [ص: الآية 8] فالأولى تولدت من الهمزة الخالصة والألف، والثانية تولدت منها ومن الياء، والثالثة منها ومن الواو. والثاني: الألف الممالة وهي ألف بين الألف والياء لا هي ألف خالصة ولا ياء خالصة، وإنما هي ألف قربت من لفظ الياء لعلل أوجبت ذلك، فهي متولدة من الألف المحضة والياء المحضة. والثالث:(1/32)
وأما الحروف الفرعية فهي التي تخرج من مخرجين، وتتردّد بين حرفين، وتنقسم إلى فصيح وغير فصيح، والوارد من الأول في القرآن ثمانية أحرف: الأول: الهمزة
المسهّلة وهي التي لا تكون همزة محضة من غير تليين، ولا تكون تليينا محضا من غير همزة، وهي على ثلاثة أقسام: لأنها تكون بين الهمزة والألف نحو {أَأَنْذَرْتَهُمْ}
[البقرة: الآية 6] وبين الهمزة والياء نحو (أءنّك) [الصّافات: الآية 52]، وبين الهمزة والواو نحو (أءنزل) [ص: الآية 8] فالأولى تولدت من الهمزة الخالصة والألف، والثانية تولدت منها ومن الياء، والثالثة منها ومن الواو. والثاني: الألف الممالة وهي ألف بين الألف والياء لا هي ألف خالصة ولا ياء خالصة، وإنما هي ألف قربت من لفظ الياء لعلل أوجبت ذلك، فهي متولدة من الألف المحضة والياء المحضة. والثالث:
الصاد المشمّة رائحة الزاي أي التي يخالط لفظها لفظ الزاي نحو {الصِّرََاطَ} [الفاتحة:
الآية 6] و {قَصْدُ السَّبِيلِ} [النّحل: الآية 9] وإنما فعلوا بها ذلك لقرب الزاي من الصاد إذ هما من مخرج واحد ومن حروف الصفير، والأصل في الصاد: السين، وهي حرف مهموس منفتح فيه صفير، والطاء حرف مطبق مجهور لا صفير فيه، والمهموس ضد المجهور وهو أضعف منه في النطق والمخرج، والمنطبق ضد المنفتح، وهو أقوى منه في النطق والمخرج، فلما اجتمعت الأضداد أبدلوا من السين حرفا يؤاخيها في النطق وفي المخرج والصفير، ويؤاخي الطاء في الجهر وهو الزاي، وخلطوا بلفظ الزاي الصاد لمؤاخاتها لها في المخرج والصفير، ولمؤاخاتها للطاء في الإطباق لئلا يخلّوا بزوال السين في صفيرها، فقرب لفظه من لفظ الطاء عند ذلك، فصار عمل اللسان من موضع واحد، ولم يخلّوا بالسين التي هي الأصل إذ قد عوّضوا منها حرفا من مخرجها فيه من الصفير ما فيها، وكذلك الدال المهملة حرف مجهور لا صفير فيه، والصاد حرف مهموس فيه صفير، ففعلوا به ما فعلوا بالسين قبل الطاء ليعمل اللسان عملا واحدا، وعلى ذلك قراءة حمزة في {الصِّرََاطَ} [الفاتحة: الآية 6]، ومعه الكسائي في نحو {أَصْدَقُ} [النّساء: الآيتان 87و 122] من كل دال وقع قبلها صاد ساكنة في كلمة واحدة فلا هي صاد خالصة ولا هي زاي خالصة. والرابع: الياء المشمّة صوت الواو في مثل {قِيلَ} [البقرة: الآية 11، وغيرها] و {وَغِيضَ} [هود: الآية 44] حالة الإشمام في قراءة هشام والكسائي. والخامس: الألف المفخّمة التابعة لحرف مفخم فهي ألف يخالط لفظها تفخيم يقرّبها من لفظ الواو كما كانت الألف الممالة يخالط لفظها ترقيق يقرّبها من الياء فهي متردّدة بين الألف الأصلية والواو، وذلك في لفظ الجلالة بشرطها المعتبر وهو أن تكون بعد فتح أو ضمّ، وفيما صحت به الرواية عن ورش من طريق الأزرق عن نافع نحو «الصلاة، ومصلى، والطلاق، وظلام»، وما أشبه ذلك من كل لام مفتوحة وقعت بعد صاد أو طاء أو ظاء سكنت أو فتحت، وهذه لغة فاشية عند
أهل الحجاز، وإنما دعاهم إلى ذلك إرادة نفي جواز الإمالة فيها. ووجه تفرّع هذه الحروف أنها متولدة من امتزاج الحرفين الأصليين كما ذكر. والسادس والسابع: اللام المفخّمة والنون المخفاة كما في شرح الملا علي القاري وشرح البركوي وشرح نونية السخاوي وشرح القول المفيد، وقال الحلبي في شرحه: «وزاد القاضي اللام المفخمة والنون المخفاة، وهو وهم إذ ليس فيهما شائبة حرف آخر، ولم يقعا بين مخرجين، غاية الأمر أن اللام لام مغلّظة، والنون نون مخفاة، مخرجها الخيشوم على ما يأتي، وكونها ذات مخرجين في حالتين مختلفتين أعني حالة إخفائها وعدمه غير كونها خارجة مما بين مخرجين في حالة واحدة فلا تكون من الفرعية أصلا» اه. والثامن:(1/33)
الآية 6] و {قَصْدُ السَّبِيلِ} [النّحل: الآية 9] وإنما فعلوا بها ذلك لقرب الزاي من الصاد إذ هما من مخرج واحد ومن حروف الصفير، والأصل في الصاد: السين، وهي حرف مهموس منفتح فيه صفير، والطاء حرف مطبق مجهور لا صفير فيه، والمهموس ضد المجهور وهو أضعف منه في النطق والمخرج، والمنطبق ضد المنفتح، وهو أقوى منه في النطق والمخرج، فلما اجتمعت الأضداد أبدلوا من السين حرفا يؤاخيها في النطق وفي المخرج والصفير، ويؤاخي الطاء في الجهر وهو الزاي، وخلطوا بلفظ الزاي الصاد لمؤاخاتها لها في المخرج والصفير، ولمؤاخاتها للطاء في الإطباق لئلا يخلّوا بزوال السين في صفيرها، فقرب لفظه من لفظ الطاء عند ذلك، فصار عمل اللسان من موضع واحد، ولم يخلّوا بالسين التي هي الأصل إذ قد عوّضوا منها حرفا من مخرجها فيه من الصفير ما فيها، وكذلك الدال المهملة حرف مجهور لا صفير فيه، والصاد حرف مهموس فيه صفير، ففعلوا به ما فعلوا بالسين قبل الطاء ليعمل اللسان عملا واحدا، وعلى ذلك قراءة حمزة في {الصِّرََاطَ} [الفاتحة: الآية 6]، ومعه الكسائي في نحو {أَصْدَقُ} [النّساء: الآيتان 87و 122] من كل دال وقع قبلها صاد ساكنة في كلمة واحدة فلا هي صاد خالصة ولا هي زاي خالصة. والرابع: الياء المشمّة صوت الواو في مثل {قِيلَ} [البقرة: الآية 11، وغيرها] و {وَغِيضَ} [هود: الآية 44] حالة الإشمام في قراءة هشام والكسائي. والخامس: الألف المفخّمة التابعة لحرف مفخم فهي ألف يخالط لفظها تفخيم يقرّبها من لفظ الواو كما كانت الألف الممالة يخالط لفظها ترقيق يقرّبها من الياء فهي متردّدة بين الألف الأصلية والواو، وذلك في لفظ الجلالة بشرطها المعتبر وهو أن تكون بعد فتح أو ضمّ، وفيما صحت به الرواية عن ورش من طريق الأزرق عن نافع نحو «الصلاة، ومصلى، والطلاق، وظلام»، وما أشبه ذلك من كل لام مفتوحة وقعت بعد صاد أو طاء أو ظاء سكنت أو فتحت، وهذه لغة فاشية عند
أهل الحجاز، وإنما دعاهم إلى ذلك إرادة نفي جواز الإمالة فيها. ووجه تفرّع هذه الحروف أنها متولدة من امتزاج الحرفين الأصليين كما ذكر. والسادس والسابع: اللام المفخّمة والنون المخفاة كما في شرح الملا علي القاري وشرح البركوي وشرح نونية السخاوي وشرح القول المفيد، وقال الحلبي في شرحه: «وزاد القاضي اللام المفخمة والنون المخفاة، وهو وهم إذ ليس فيهما شائبة حرف آخر، ولم يقعا بين مخرجين، غاية الأمر أن اللام لام مغلّظة، والنون نون مخفاة، مخرجها الخيشوم على ما يأتي، وكونها ذات مخرجين في حالتين مختلفتين أعني حالة إخفائها وعدمه غير كونها خارجة مما بين مخرجين في حالة واحدة فلا تكون من الفرعية أصلا» اه. والثامن:
الميم المسكنة، وحكمها كحكم النون المخفاة، وهو أنها إذا أظهرت تكون أصلية، وإذا أدغمت أو أخفيت كانت فرعية أي ناقصة، وانفرد الطيبي بذكر هذا الحرف ولم أره لغيره. وقد أشار للأحرف الثمانية بقوله:
واستعملوا أيضا حروفا زائده ... على الذي قدّمته لفائده
كقصد تخفيف وقد تفرّعت ... من تلك كالهمزة حين سهّلت
وألف كالياء إذ تمال ... والصاد كالزاي كما قد قالوا
والياء كالواو كقيل ممّا ... كسر ابتداؤه أشمّوا ضمّا
والألف التي تراها فخّمت ... وهكذا اللام إذا ما غلّظت
والنون عدّوها إذا لم يظهروا ... قلت كذاك الميم فيما يظهر
واعلم أن الحركات تكون أصلية وفرعية أيضا فالأصلية ثلاث وهي الفتحة والكسرة والضمة، والفرعية اثنتان: الأولى: الحركة الممالة نحو {بُشْرى ََ} [آل عمران:
الآية 126، وغيرها] و {النََّارَ} [البقرة: الآية 24] و {الْكََافِرِينَ} [آل عمران: الآية 28، وغيرها] عند من أمال، ونحو {رَحْمَتَ} [البقرة: الآية 218] و {نِعْمَةَ} [البقرة: الآية 211] عند من أمال ذلك في الوقف فتكون حينئذ حركة فرعية ليست بكسرة خالصة ولا فتحة خالصة، والثانية الحركة المشمّة في نحو {قِيلَ} [البقرة: الآية 11، وغيرها] و {وَغِيضَ} [هود: الآية 44] في مذهب من أشم كهشام والكسائي. ولذلك أشار الطيبي فقال:
والحركات وردت أصليّة ... وهي الثلاث وأتت فرعيّه
وهي التي قبل الذي أميلا ... وكسرة كضمّة كقيلا(1/34)
والحركات وردت أصليّة ... وهي الثلاث وأتت فرعيّه
وهي التي قبل الذي أميلا ... وكسرة كضمّة كقيلا
الفصل الثاني في بيان عدد مخارج الحروف
اعلم أن المخارج اختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال: فذهب الخليل بن أحمد وأكثر النحويين وأكثر القرّاء ومنهم ابن الجزري إلى أنها سبعة عشر مخرجا، وذهب سيبويه ومن تابعه ومنهم الشاطبي إلى أنها ستة عشر مخرجا، وذهب قطرب والجرمي وابن كيسان وابن زياد الفراء إلى أنها أربعة عشر مخرجا. أما من جعلها سبعة عشر فجعل في الجوف مخرجا، وفي الحلق ثلاثة مخارج، وفي اللسان عشرة، وفي الشفتين اثنين، وفي الخيشوم واحدا. ومن جعلها ستة عشر أسقط الجوف وفرّق حروفه، فجعل الألف من أقصى الحلق، والياء من وسط اللسان، والواو من الشفتين. ومن جعلها أربعة عشر أسقط الجوف كسيبويه، وجعل مخارج اللسان ثمانية بجعل مخرج اللام والنون والراء مخرجا واحدا أي كليّا منقسما إلى ثلاثة مخارج جزئية. وأنا أتبع في هذه الرسالة إن شاء الله تعالى مذهب الخليل بن أحمد تبعا لابن الجزري قدّس الله سرّه السري.
إذا علمت ذلك فاعلم أن المخارج يجمعها خمسة مواضع: الجوف، والحلق، واللسان، والشفتان، والخيشوم. فإذا أردت أن تعرف مخرج حرف فسكّنه أو شدّده، وهو الأظهر، ملاحظا فيه صفات ذلك الحرف، وأدخل عليه همزة الوصل بأي حركة كانت، وأصغ إليه السمع، فحيث انقطع الصوت: كان مخرجه المحقق، وحيث يمكن انقطاع الصوت في الجملة: كان مخرجه المقدّر، فتدبّر.
ثم اعلم أن معرفة المخرج بمنزلة الوزن والمقدار، ومعرفة الصفة بمنزلة المحكّ والمعيار، ولما كانت مادة الحرف الصوت، الذي هو الهواء الخارج من داخل الرئة متصعدا إلى الفم، رتب العلماء مخارج الحروف باعتبار الصوت، فيقدّمون في الذكر ما هو أقرب إلى ما يلي الصدر، ثم الذي يليه، وهكذا، حتى ينتهي إلى مقدّم الفم. وها أنا أذكرها إن شاء الله تعالى مرتبة كذلك فأقول:
المخرج الأول الجوف:
أي جوف الحلق والفم، وهو الخلاء الداخل فيهما، ويخرج منه حروف المد الثلاثة، أحدها الألف، ولا تكون إلا ساكنة، ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، وثانيها الواو الساكنة المضموم ما قبلها، وثالثها الياء الساكنة المكسور ما قبلها، وتسمى هذه الحروف الثلاثة حروف مدّ ولين لأنها تخرج بامتداد ولين من غير كلفة على اللسان لاتساع مخرجها فإنّ المخرج إذا اتسع انتشر الصوت فيه وامتد ولان،
وإذا ضاق انضغط فيه الصوت وصلب، ويقال له أيضا الحروف الجوفية والهوائية لأن مبدأ أصواتها مبدأ الحلق، يمتد ويمر على كل جوف الفم والحلق، وهو الخلاء الداخل فيه، فليس لهن حيز محقق ينتهين إليه كما كان لسائر الحروف، بل ينتهين بانتهاء الهواء أعني هواء الفم وهو الصوت ولذا يقبلن الزيادة والنقصان في مراتبها، وهنّ بالصوت أشبه، فلولا تصعّد الألف وتسفّل الياء واعتراض الواو أي بين الصعود والتسفل لما تميزت عن الصوت المجرّد، وحيث لزمت الألف هذه الطريقة المعتادة أي من كونها ساكنة وحركة ما قبلها من جنسها وهي الفتحة لم يختلف حالها من أنها تكون دائما هوائية، بخلاف أختيها فإنهما إذا فارقتاها في صفة المشابهة صار لهما حيّز محقّق، ومن ثم كان لهما مخرجان: مخرج حال كونهما مدّيتين، ومخرج حال كونهما غير مديتين [اه. شرح الملا علي].(1/35)
أي جوف الحلق والفم، وهو الخلاء الداخل فيهما، ويخرج منه حروف المد الثلاثة، أحدها الألف، ولا تكون إلا ساكنة، ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، وثانيها الواو الساكنة المضموم ما قبلها، وثالثها الياء الساكنة المكسور ما قبلها، وتسمى هذه الحروف الثلاثة حروف مدّ ولين لأنها تخرج بامتداد ولين من غير كلفة على اللسان لاتساع مخرجها فإنّ المخرج إذا اتسع انتشر الصوت فيه وامتد ولان،
وإذا ضاق انضغط فيه الصوت وصلب، ويقال له أيضا الحروف الجوفية والهوائية لأن مبدأ أصواتها مبدأ الحلق، يمتد ويمر على كل جوف الفم والحلق، وهو الخلاء الداخل فيه، فليس لهن حيز محقق ينتهين إليه كما كان لسائر الحروف، بل ينتهين بانتهاء الهواء أعني هواء الفم وهو الصوت ولذا يقبلن الزيادة والنقصان في مراتبها، وهنّ بالصوت أشبه، فلولا تصعّد الألف وتسفّل الياء واعتراض الواو أي بين الصعود والتسفل لما تميزت عن الصوت المجرّد، وحيث لزمت الألف هذه الطريقة المعتادة أي من كونها ساكنة وحركة ما قبلها من جنسها وهي الفتحة لم يختلف حالها من أنها تكون دائما هوائية، بخلاف أختيها فإنهما إذا فارقتاها في صفة المشابهة صار لهما حيّز محقّق، ومن ثم كان لهما مخرجان: مخرج حال كونهما مدّيتين، ومخرج حال كونهما غير مديتين [اه. شرح الملا علي].
المخرج الثاني أقصى الحلق:
يعني أبعده مما يلي الصدر، ويخرج منه حرفان، وهما همز فهاء [الفاء الداخلة على الحروف فيما سيأتي كما في قولنا «همز فهاء» تدل على الترتيب في المخارج الجزئية الداخلية في مخرج كلي] أعني أنه ينقسم إلى مخرجين جزئيين متقاربين يخرج من أوّلهما مما يلي الصدر الهمز، ومن ثانيهما الهاء.
وقيل: الهمزة والهاء في مرتبة واحدة، وفي المرعشي: «إن قلت: وقع في بعض الرسائل أن أقصى الحلق ينقسم إلى ثلاثة مواضع يخرج من ثالثها الألف المدّية! قلت:
ما ذكر من الانقسام صحيح، لكن جعل الموضع الثالث مخرج الألف المدّية مجازا، وإنما هو مبدأ صوته، والجمهور لمّا لم يقولوا بهذا المجاز بل جعلوا مخرج حروف المد جوف الحلق والفم سلكنا مسلكهم». اه.
المخرج الثالث وسط الحلق:
ويخرج منه عين فحاء مهملتان أعني أنه ينقسم أيضا إلى مخرجين جزئيين متقاربين يخرج من أولهما العين المهملة ومن ثانيهما الحاء المهملة، هذا ما نصّ عليه مكّي والشاطبي، وهو ظاهر كلام سيبويه، وعليه ابن الجزري، ونصّ أبو الحسن شريح على أن مخرج الحاء قبل مخرج العين، وهو ظاهر كلام المهدوي وغيره. قال أبو حيان في شرح التسهيل: وهذا هو الأظهر، وقيل إن مخرجهما على السواء، ولولا أن في الحاء بحّة وفي العين بعّة لكانتا بصوت واحد. [اه. شرح القول المفيد].
المخرج الرابع أدنى الحلق:
يعني أقربه مما يلي الفم، ويخرج منه غين فحاء معجمتان أعني أنه ينقسم إلى مخرجين جزئيين متقاربين يخرج من أولهما الغين
المعجمة، ومن ثانيهما الخاء المعجمة، نصّ عليه شريح، وهو ظاهر كلام سيبويه، وتبعه الشاطبي وعليه ابن الجزري، ونصّ الإمام مكّي وأبو محمد القيرواني على تقديم مخرج الخاء، قال في الرعاية: الخاء تخرج من أول المخرج الثالث من مخارج الحلق مما يلي الفم، وقال ابن خروف النحوي: إن سيبويه لم يقصد ترتيبا فيما هو من مخرج واحد فهذه ثلاثة مخارج كلية، وكل مخرج منها فيه مخرجان جزئيان متقاربان، وكل مخرج يخرج منه حرف، وتسمى هذه الحروف الستة حروفا حلقية لخروجهن من الحلق.(1/36)
يعني أقربه مما يلي الفم، ويخرج منه غين فحاء معجمتان أعني أنه ينقسم إلى مخرجين جزئيين متقاربين يخرج من أولهما الغين
المعجمة، ومن ثانيهما الخاء المعجمة، نصّ عليه شريح، وهو ظاهر كلام سيبويه، وتبعه الشاطبي وعليه ابن الجزري، ونصّ الإمام مكّي وأبو محمد القيرواني على تقديم مخرج الخاء، قال في الرعاية: الخاء تخرج من أول المخرج الثالث من مخارج الحلق مما يلي الفم، وقال ابن خروف النحوي: إن سيبويه لم يقصد ترتيبا فيما هو من مخرج واحد فهذه ثلاثة مخارج كلية، وكل مخرج منها فيه مخرجان جزئيان متقاربان، وكل مخرج يخرج منه حرف، وتسمى هذه الحروف الستة حروفا حلقية لخروجهن من الحلق.
المخرج الخامس ما بين أقصى اللسان:
يعني أبعده مما يلي الحلق وما يحاذيه من الحنك الأعلى، ويخرج منه القاف.
المخرج السادس ما بين أقصى اللسان بعد مخرج القاف وما يحاذيه من الحنك الأعلى:
ويخرج منه الكاف فقط فمخرج الكاف أقرب إلى مقدّم الفم من مخرج القاف وأسفل منه قليلا، ويعرف ذلك بأنك إذا وقفت على الكاف والقاف نحو (اك) (اق) تجد القاف أقرب إلى الحلق، والكاف أبعد منه [اه. بركوي]. وفي المرعشي: «إن قلت:
فعلى هذا أقصى اللسان منقسم إلى موضعين كأقصى الحلق، فينبغي أن يجعل أقصى اللسان مخرجا واحدا كليّا كأقصى الحلق؟ قلت: أقصى اللسان فيه طول، وبين موضعي القاف والكاف بعد كما يشهد به ما ذكر، بخلاف أقصى الحلق» اه، وهذان الحرفان يقال لكل منهما لهوي نسبة إلى اللهاة وهي لحمة مشتبكة بآخر اللسان.
المخرج السابع ما بين وسط اللسان وما يحاذيه من الحنك الأعلى:
ويخرج منه ثلاثة أحرف: الجيم، فالشين، فالياء التحتية غير المدّية. وهذا ترتيب الشاطبي وابن الجزري. وفي شرح الملّا علي: قدّم في الرعاية الشين على الجيم وهو رأي المهدوي.
قال المرعشي: «ترتيب المخارج بحسب حكم الطبع المستقيم خاليا عن التكلف كما قاله أبو شامة نقلا عن الداني رحمه الله تعالى». فاختلاف علماء الأداء في ترتيب المخارج اختلاف في حكم الطبع المستقيم، والمراد من الياء هنا الياء غير المديّة كما تقدم، وتسمى هذه الحروف الثلاثة شجرية لخروجها من شجر الفم بسكون الجيم وهو منفتح ما بين اللحيين، وقيل هو ما بين وسط اللسان وما يقابله من الحنك الأعلى.
المخرج الثامن ما بين إحدى حافتي اللسان وما يحاذيها من الأضراس العليا:
ويخرج منه الضاد المعجمة، وأوّل تلك الحافة مما يلي الحلق ما يحاذي وسط اللسان بعيد مخرج الياء. كذا في بعض الرسائل. وآخرها ما يحاذي آخر الطواحن من جهة
خارج الفم، وخروجها من الجهة اليسرى أسهل وأكثر استعمالا، ومن اليمنى أصعب وأقل استعمالا، ومن الجانبين يعني معا أعزّ وأعسر، وهو معنى قول الشاطبي رحمه الله: [وهو لديهما * يعزّ وباليمنى يكون مقلّلا] وكان صلى الله عليه وسلم يخرجهما من الجانبين، وقيل:(1/37)
ويخرج منه الضاد المعجمة، وأوّل تلك الحافة مما يلي الحلق ما يحاذي وسط اللسان بعيد مخرج الياء. كذا في بعض الرسائل. وآخرها ما يحاذي آخر الطواحن من جهة
خارج الفم، وخروجها من الجهة اليسرى أسهل وأكثر استعمالا، ومن اليمنى أصعب وأقل استعمالا، ومن الجانبين يعني معا أعزّ وأعسر، وهو معنى قول الشاطبي رحمه الله: [وهو لديهما * يعزّ وباليمنى يكون مقلّلا] وكان صلى الله عليه وسلم يخرجهما من الجانبين، وقيل:
كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخرجها من الجانبين أيضا، وبالجملة هي أصعب الحروف وأشدها على اللسان [اه. مرعشي وحلبي].
المخرج التاسع ما بين حافتي اللسان معا بعد مخرج الضاد وما يحاذيهما من اللثّة:
أي لحمة الأسنان العليا، وهي لثة الضاحكين، والنابين والرباعيتين والثنيّتين، ويخرج منه اللام، وليس في الحروف أوسع مخرجا منه، وحكى أبو حيان عن شيخه أبي علي بن أبي الأحوص أنه قال: يتأتى إخراجها من كلتا حافتي اللسان اليمنى واليسرى دفعة، إلا أن إخراجها من حافته اليمنى أمكن، بخلاف الضاد فإنها من اليسرى أمكن. [اه. مرعشي وشرح القول المفيد]. وفي بعض الشروح: مخرجها من أول حافة اللسان إلى آخرها وهو رأس اللسان مع ما يليها من لثة الحنك الأعلى فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية واللثة، هي اللحم المركّب فيه الأسنان.
المخرج العاشر ما بين رأس اللسان وما يحاذيه من لثة الثنيتين العليين:
ويخرج منه النون المظهرة، قال الملا علي: جعلوا مخرج النون من طرف اللسان وهو رأسه مع ما يليه من اللثة مائلا إلى ما تحت اللام قليلا، وقيل فوقها أي قليلا، ومخرجه أضيق من مخرج اللام، قال المرعشي: ومن جعلها فوق اللام يقدّمها في الترتيب على اللام، وقيّدنا النون بالمظهرة لأن النون المخفاة غنّة مخرجها الخيشوم، وهي من الحروف المتفرعة.
المخرج الحادي عشر ما بين رأس اللسان مع ظهره مما يلي رأسه وما يحاذيهما من لثة الثنيتين العليين أيضا:
ويخرج منه الراء، وقال في الرعاية: الراء تخرج من مخرج النون غير أنها أدخل إلى ظهر اللسان قليلا، والمراد من ظهر اللسان ظهره مما يلي رأسه، وظهره: صفحته التي تلي الحنك الأعلى، وفي الرعاية: جعل الجرمي ومن تابعه اللام والنون والراء من مخرج واحد، وجعل لها سيبويه ومن تابعه كالشاطبي وابن الجزري ثلاثة مخارج متقاربة اه. أقول: لا خلاف في أن لكل منها مخرجا واحدا جزئيا، وإنما الخلاف في عسر التمييز وعدم عسره فمن جعلها من مخرج واحد كلّي يقول إن لكلّ منها مخرجا جزئيا يعسر تمييزه، ومن جعلها من ثلاثة مخارج يقول: لا عسر في التمييز بينها. [اه. مرعشي]، وتسمى هذه الحروف الثلاثة ذلقية وذولقية لخروجها من ذلق اللسان أي طرفه.(1/38)
ويخرج منه الراء، وقال في الرعاية: الراء تخرج من مخرج النون غير أنها أدخل إلى ظهر اللسان قليلا، والمراد من ظهر اللسان ظهره مما يلي رأسه، وظهره: صفحته التي تلي الحنك الأعلى، وفي الرعاية: جعل الجرمي ومن تابعه اللام والنون والراء من مخرج واحد، وجعل لها سيبويه ومن تابعه كالشاطبي وابن الجزري ثلاثة مخارج متقاربة اه. أقول: لا خلاف في أن لكل منها مخرجا واحدا جزئيا، وإنما الخلاف في عسر التمييز وعدم عسره فمن جعلها من مخرج واحد كلّي يقول إن لكلّ منها مخرجا جزئيا يعسر تمييزه، ومن جعلها من ثلاثة مخارج يقول: لا عسر في التمييز بينها. [اه. مرعشي]، وتسمى هذه الحروف الثلاثة ذلقية وذولقية لخروجها من ذلق اللسان أي طرفه.
المخرج الثاني عشر ما بين ظهر رأس اللسان وأصل الثنيتين العليين:
ويخرج منه الطاء، فالدال المهملتان، فالتاء المثناة الفوقية. أقول: هكذا قالوا، فظهر أن أصليهما ينقسمان إلى ثلاثة مواضع فما يلي اللثة منهما يخرج منه الطاء، ومن بعيده الدال ومن بعيده التاء فالمراد من أصليهما ليس أقصى نهايتهما من جانب اللثة لاستحالة الانقسام حينئذ، بل المراد ما يلي اللثة من نصفيهما. والله أعلم. [اه. مرعشي] ويقال لهذه الثلاثة: الحروف النّطعية لأنها تخرج من نطع: أي جلد غار الحنك الأعلى (وهو سقفه) والثنايا (الأسنان المتقدمة اثنان فوق واثنان تحت) اه.
المخرج الثالث عشر على ما حققه أبو شامة: ما بين رأس اللسان وبين صفحتي الثنيتين العليين:
أعني صفحتيهما الداخلتين، ويخرج منه الصاد فالسين المهملتان فالزاي، ولا يتصل رأس اللسان بالصفحتين بل يسامتهما، والصاد أدخل، والزاي أخرج، والسين متوسط، وفي القول المفيد: والصاد والسين والزاي في مخرج واحد وهو طرف اللسان وفويق الثنايا العليا، وتبقى فرجة قليلة بين اللسان والثنايا عند الذكر، وتسمى هذه الثلاثة أسليّة لخروجها من أسلة اللسان أي ما دقّ منه، وتسمى أيضا حروف الصفير، وسيأتي بيانه.
المخرج الرابع عشر ما بين ظهر اللسان مما يلي رأسه وبين رأسي الثنيتين العليين:
ويخرج منه ثلاثة أحرف: الظاء فالذال المعجمتان، فالثاء المثلثة. وهذا المخرج أقرب إلى خارج الفم من المخرج السابق، باعتبار رأس اللسان لأن رأس اللسان فيه أقرب إلى خارج الفم منه في المخرج السابق، ويعرف ذلك بالامتحان. قال المرعشي: وجه الترتيب هنا باعتبار قرب اللسان إلى الخارج فاللسان يقرب إلى الخارج في الثاء أكثر مما يقرب في أختيها، ويقرب إليه في الذال أكثر مما يقرب في الظاء، قال أبو حيان في شرح التسهيل: «الظاء مما انفردت بها العرب واختصّت بها دون العجم، والذال ليست في اللغة الفارسية، والثاء ليست في اللغة الرومية والفارسية، وتسمى هذه الثلاثة لثوية لخروجها من قرب اللثة».
المخرج الخامس عشر ما بين باطن الشفة السفلى ورأسي الثنيتين العليين:
ويخرج منه الفاء فقط.
المخرج السادس عشر ما بين الشفتين معا:
ويخرج منه الباء الموحدة، فالميم، فالواو، إلا أن الواو بانفتاحهما، والباء والميم بانطباقهما، وانطباقهما مع الباء أقوى من انطباقهما مع الميم، والمراد بالواو هنا غير المدية، قال المرعشي: المراد من انفتاحهما في الواو انفتاحهما قليلا، وإلا فهما ينضمان في الواو ولكن لا يصل
انضمامهما إلى حد الانطباق، وانضمامهما في الواو المديّة أقل من انضمامهما في الواو الغير المديّة، ولعل وجه الترتيب هنا أن لكل من الشفتين طرفين: طرف يلي داخل الفم، والآخر يلي البشرة فالمنطبق في الباء طرفا الشفتين اللذان يليان داخل الفم، والمنضم في الواو طرفاهما اللذان يليان البشرة، والمنطبق في الميم وسطهما، فآخر المخارج ما يلي البشرة من الشفتين، وهذه الحروف الأربعة أعني الفاء والباء والواو والميم تسمى شفهية وشفوية لخروجها من الشفة، وإن كان بمشاركة غيرها في البعض. اه.(1/39)
ويخرج منه الباء الموحدة، فالميم، فالواو، إلا أن الواو بانفتاحهما، والباء والميم بانطباقهما، وانطباقهما مع الباء أقوى من انطباقهما مع الميم، والمراد بالواو هنا غير المدية، قال المرعشي: المراد من انفتاحهما في الواو انفتاحهما قليلا، وإلا فهما ينضمان في الواو ولكن لا يصل
انضمامهما إلى حد الانطباق، وانضمامهما في الواو المديّة أقل من انضمامهما في الواو الغير المديّة، ولعل وجه الترتيب هنا أن لكل من الشفتين طرفين: طرف يلي داخل الفم، والآخر يلي البشرة فالمنطبق في الباء طرفا الشفتين اللذان يليان داخل الفم، والمنضم في الواو طرفاهما اللذان يليان البشرة، والمنطبق في الميم وسطهما، فآخر المخارج ما يلي البشرة من الشفتين، وهذه الحروف الأربعة أعني الفاء والباء والواو والميم تسمى شفهية وشفوية لخروجها من الشفة، وإن كان بمشاركة غيرها في البعض. اه.
المخرج السابع عشر الخيشوم وهو أقصى الأنف:
ويخرج منه أحرف الغنة وهي النون الساكنة والتنوين حالة إدغامهما بغنّة أو إخفائهما، والنون والميم المشدّدتان، والميم إذا أدغمت في مثلها أو أخفيت عند الباء فإنهما أي النون والميم يتحولان في تلك الأحوال عن مخرجهما الأصلي الذي هو رأس اللسان في الأول وما بين الشفتين في الثاني إلى الخيشوم، كما يتحول بعض حروف المد عن مخرجه الأصلي إلى الجوف، ولا ينافي ذلك ما مرّ من أن النون من طرف اللسان والميم من الشفتين لأن المراد بهما ثمّ المتحركتان أو الساكنتان حالة الإظهار، والمراد بهما هنا الساكنتان حالة الإخفاء والإدغام بغنة. لا يقال: لا بد من عمل اللسان في النون، وعمل الشفتين في الميم مطلقا حتى في حالة الإخفاء والإدغام بغنة، وكذا الخيشوم عمل حتى في حالة التحريك والإظهار، فلم هذا التخصيص؟ لأنهم نظروا للأغلب فحكموا له بأنه المخرج، فلما كان الأغلب في حالة إخفائهما أو إدغامهما بغنة عمل الخيشوم، جعلوه مخرجهما حينئذ، وإن عمل اللسان والشفتان أيضا، ولما كان الأغلب في حالة التحريك والإظهار عمل اللسان والشفتين: جعلوهما المخرج وإن عمل الخيشوم حينئذ أيضا. [أفاد ذلك بعضهم عن العلامة الشبراملسي مع بعض زيادة. اه.] واستحسن ذلك في شرح القول المفيد بقوله:
إن عبارة شيخنا المصنّف القائل بأن الخيشوم هو مخرج النون والميم المخفاتين أحسن من قول بعضهم إن الخيشوم مخرج الغنة لأن الغنة صوت في الخيشوم، وهو صفة من صفات النون ولو تنوينا والميم الساكنتين حالة الإخفاء أو ما في حكمه من القلب والإدغام بغنة، واللائق بالصفات ذكرها في محلها لا في المخارج. اه. ومثل ذلك قال الملا علي في شرحه عند قول ابن الجزري:
وغنة مخرجها الخيشوم بعد أن أقام الدليل على أن الغنة مخرجها الخيشوم بأن الشخص لو أمسك أنفه لم يمكن خروجها: ثم الغنة من الصفات لأنها صوت أغنّ لا عمل للسان فيه، فكان
اللائق ذكرها مع الصفات لا مع مخرج الذوات. ومثلهما ابن الناظم حيث قال: «والغنة صفة النون ولو تنوينا والميم المدغمتين والمخفاتين»، فكان ينبغي أن يذكر هنا عوضا عنها مخرج النون المخفاة فإن مخرجها من الخيشوم وهي حرف بخلاف الغنة اه. وإن أجيب عن عبارة ابن الجزري بأن فيها حذفا والتقدير «وغنة مخرج محلّها الخيشوم» أو بأنه جرى على أن الغنة هي النون المخفاة فلم تخرج إذن عن الحرفية اه. وفي المرعشي: إن قلت: ما الفرق بين النون المخفاة وبين الغنة؟ قلت:(1/40)
وغنة مخرجها الخيشوم بعد أن أقام الدليل على أن الغنة مخرجها الخيشوم بأن الشخص لو أمسك أنفه لم يمكن خروجها: ثم الغنة من الصفات لأنها صوت أغنّ لا عمل للسان فيه، فكان
اللائق ذكرها مع الصفات لا مع مخرج الذوات. ومثلهما ابن الناظم حيث قال: «والغنة صفة النون ولو تنوينا والميم المدغمتين والمخفاتين»، فكان ينبغي أن يذكر هنا عوضا عنها مخرج النون المخفاة فإن مخرجها من الخيشوم وهي حرف بخلاف الغنة اه. وإن أجيب عن عبارة ابن الجزري بأن فيها حذفا والتقدير «وغنة مخرج محلّها الخيشوم» أو بأنه جرى على أن الغنة هي النون المخفاة فلم تخرج إذن عن الحرفية اه. وفي المرعشي: إن قلت: ما الفرق بين النون المخفاة وبين الغنة؟ قلت:
هما متّحدان ذاتا مختلفان اعتبارا لأن كلّا منهما وإن كان صوتا خارجا من الخيشوم، لكن ذلك الصوت صفة في الأصل للنون والميم الساكنتين المظهرتين كما في (عن) و (لم)، ويسمى حينئذ غنة، وقد تخفى النون الساكنة، ومعناه أن تعدم ذاتها وتبقى صفتها التي هي الغنة كما في (عنك). وسميت الغنة الباقية من النون نونا مخفاة، وبالجملة إن الغنة تطلق لغة على الصوت الخارج من الخيشوم سواء قام بالحرفين المذكورين أو قام بنفسه، وفي اصطلاح أهل الأداء تختص بما قام بالحرفين. وإن قلت: الصفة كيف تقوم بنفسها؟ قلت: الغنة لها مخرج غير مخرج موصوفها ولذا أمكن التلفظ بها وحدها بخلاف سائر الصفات. وإن قلت: قد ظهر أن الخيشوم مخرج للغنة أيضا، فلم لم تذكر هنا؟ قلت: النون المخفاة عدّت حرفا لاستقلالها بخلاف الغنة فإنها قائمة بالحرف وصفة له، فلم تعدّ حرفا، والمقصود هنا بيان مخارج الحروف، ولذا قال البعض عند قول ابن الجزري:
وغنة مخرجها الخيشوم كان ينبغي أن يذكر هنا عوضا عن الغنة النون المخفاة فإنّ مخرجها أيضا الخيشوم، وهي حرف بخلاف الغنة. إن قلت: النون المخفاة من الحروف المتفرعة، وقد ذكر مخرجها، فلم لم يذكر مخارج سائر الحروف المتفرعة؟ قلت:
ذكر أن مخرج النون المخفاة زائد على ما مرّ من مخارج الحروف الأصول، بخلاف سائر الحروف المتفرعة فإن مخارجها ليست زائدة على مخارج الحروف الأصول، ولما كان الخيشوم مخرجا للحرف الفرعي أخّر عن مخارج الحروف الأصول اه. مرعشي.
وهاهنا انتهى الكلام على مخارج الحروف مع بسط الكلام عليها بما ذكره وأوضحه أهل التحقيق في كتبهم فعليك أيها الطالب لتجويد القرآن بحفظها وإحكامها فإنه لا سبيل إلى التجويد إلا بعد إتقانها.(1/41)
وهاهنا انتهى الكلام على مخارج الحروف مع بسط الكلام عليها بما ذكره وأوضحه أهل التحقيق في كتبهم فعليك أيها الطالب لتجويد القرآن بحفظها وإحكامها فإنه لا سبيل إلى التجويد إلا بعد إتقانها.
الفصل الثالث في بيان ما يحتاج إلى معرفته طالب فن التجويد وهو أسنان الفم
هي في أكثر الأشخاص اثنتان وثلاثون: منها الثنايا وهي الأسنان الأربعة المتقدمة اثنتان فوق واثنتان تحت، ثم الرّباعيات بفتح الراء وتخفيف الياء وهي الأربعة خلف الثنايا، ثم الأنياب وهي أربعة أخرى خلف الرباعيات، ثم الأضراس وهي عشرون ضرسا، من كل جانب عشرة، منها الضواحك وهي أربعة من الجانبين تلي الأنياب، ثم الطواحين ويقال فيها أيضا الطواحن بغير ياء وهي اثنا عشر طاحنا من الجانبين خلف الضواحك ستة من فوق، في كل جانب ثلاثة، وستة من تحت كذلك، ثم النواجذ بالذال المعجمة وهي الأربعة الأواخر، من كل جانب اثنتان واحدة من أعلى وأخرى من أسفل، ويقال لها ضرس الحلم وضرس العقل، وهي أقصى الأضراس، وهي قد لا تنبت لبعض الناس، وقد ينبت لبعضهم بعضها وللبعض كلّها، وقد نظمها بعضهم فقال:
وعدّة الأسنان للإنسان ... كلّ ثلاثون يليها اثنان
منها الثنايا أربع وأربع ... هنّ الرّباعيات فيما يسمع
وسمّ بالأنياب منها أربعا ... وأربعا ضواحكا لمن وعى
وعدّة الرّحى منها اثنا عشر ... ثلاثة في كل شقّ قد ظهر
وأربع نواجذ أقصى الفم ... وهي بذال إن سئلت معجم
وأخصر من هذا مع إفادة الترتيب قول بعضهم:
ثنيات الفتى ورباعيات ... وأنياب الفتى كلّ رباع
وأربع الضواحك ثم ستّ ... وستّ في طواحنها انتفاع
وأربع النواجذ ما لماض ... إذا عرى الفتى عنها ارتجاع
أي الغالب ذلك. قال الحلبي: «وقد لا توجد لبعض الناس، وقد يوجد بعضها دون بعض» اه.
فائدة:
اعلم أن الأسنان على ثلاثة أنواع: منها ما هو للطحن والتنعيم، وهي الأضراس، ومنها ما هو للكسر وهي الأنياب، ولذلك خلقت رءوسها مستديرة، ومنها ما هو للقطع
وهو الرباعيات والثنايا ولذلك خلقت حادّة الرءوس [اه، حاشية النحراوي مع بعض زيادة]. فاجتهد يا أخي في حفظ هذا لأنه ينفعك في معرفة المخارج لا سيما مخرج الضاد واللام وأخواتها.(1/42)
اعلم أن الأسنان على ثلاثة أنواع: منها ما هو للطحن والتنعيم، وهي الأضراس، ومنها ما هو للكسر وهي الأنياب، ولذلك خلقت رءوسها مستديرة، ومنها ما هو للقطع
وهو الرباعيات والثنايا ولذلك خلقت حادّة الرءوس [اه، حاشية النحراوي مع بعض زيادة]. فاجتهد يا أخي في حفظ هذا لأنه ينفعك في معرفة المخارج لا سيما مخرج الضاد واللام وأخواتها.
التتمة في بيان ألقاب الحروف
اعلم أن ألقاب الحروف عشرة، لقّبها بها الخليل بن أحمد في أول كتاب العين.
الأول: الحروف الحلقية، وهي ستة مذكورة في قول بعضهم:
همز فهاء ثم عين حاء ... مهملتان ثمّ غين خاء
الثاني: اللهويّتان وهما القاف والكاف.
الثالث: الشجريّة وهنّ الجيم والشين والياء.
الرابع: الأسليّة وهن الصاد والسين المهملتان والزاي.
الخامس: النطعية وهن الطاء والدال المهملتان والتاء الفوقية.
السادس: اللّثوية وهن الظاء والذال المعجمتان والثاء المثلثة.
السابع: الذلقية بفتح اللام وسكونها وهن اللام والنون والراء.
الثامن: الشفهية وهن الفاء، والواو، والباء الموحّدة، والميم.
التاسع: الجوفية وهن الألف والباء والواو المدّيتان.
العاشر: الهوائية وهن الحروف الجوفية لأنها باعتبار المد هوائية، وباعتبار مجيئها من الجوف جوفية. ومخرج الجوفية من جوّ الفم والحلق أي خلائهما، والجوّ في أصل اللغة ما بين السماء والأرض فأطلق على الخلاء المذكور مجازا، والجوّ والجوف كلاهما لغتان في الخلاء. [اه. شرح ابن غازي].(1/43)
العاشر: الهوائية وهن الحروف الجوفية لأنها باعتبار المد هوائية، وباعتبار مجيئها من الجوف جوفية. ومخرج الجوفية من جوّ الفم والحلق أي خلائهما، والجوّ في أصل اللغة ما بين السماء والأرض فأطلق على الخلاء المذكور مجازا، والجوّ والجوف كلاهما لغتان في الخلاء. [اه. شرح ابن غازي].
الباب الثاني في بيان صفات الحروف
فيه خمسة فصول وتتمة.
الفصل الأول في بيان ما تعرف به الصفة من همس وجهر ونحوهما
اعلم أن المخارج للحروف بمثابة الموازين تعرف بها مقاديرها، والصفات بمثابة الناقد الذي يميّز الجيد من الرديء. فببيان مخرج الحرف تعرف كميته أي مقداره، فلا يزاد فيه ولا ينقص وإلا كان لحنا، وببيان الصفة تعرف كيفيته أي عند النطق به من سليم الطبع كجري الصوت وعدمه، وتحقيق ذلك أن الهواء الخارج من داخل الرئة وهو موضع النفس وللقلب كالغشاء إن خرج بدفع الطبع من غير أن يسمع: يسمّى نفسا بفتح الفاء، وإن خرج بالإرادة وعرض له تموّج يسمع بسبب تصادم جسمين: سمّي صوتا، وإن عرض للصوت كيفيات مخصوصة بسبب اعتماده على مقطع أي مخرج محقق وهو الذي ينقطع فيه الصوت كجزء من الحلق أو اللسان أو الشفتين أو الخيشوم، أو مخرج مقدّر وهو الذي لم ينقطع فيه الصوت، بل قدّروا له جوف الحلق والفم: سمّي ذلك الصوت حروفا. وإن عرض للحروف كيفيات أخر في الواقع بسبب نحو جري الصوت وعدمه وقوّة الاعتماد على المخرج وعدمها: سميت تلك الكيفيات صفات. ثم إن النفس الخارج الذي هو صفة حروف إن تكيّف بكيفية الصوت حتى يحصل صوت قوي كان الحرف مجهورا، وإن بقي بعضه بلا صوت يجري مع الحرف: كان الحرف مهموسا، وأيضا إذا انحصر صوت الحرف في مخرجه انحصارا تامّا فلا يجري جريانا أصلا يسمى شديدا فإنك لو وقفت على قولك «الحج» وجدت صوتك راكدا محصورا، حتى لو أردت مد صوتك لم يمكنك، وأما إذا جرى الصوت جريانا تامّا ولم ينحصر أصلا فإنه يسمى رخوا كما في «الطش» فإنك لو وقفت عليها وجدت صوت الشين جاريا تمدّه إن شئت، وأما إذا لم يتم الانحصار ولا الجري فيكون متوسطا بين الشدة والرخاوة كما في «الظل» فإنك لو وقفت عليه وجدت الصوت لا يجري مثل جري «الطش»، ولا ينحصر مثل انحصار
«الحج»، بل يخرج على حد الاعتدال بينهما، وقس على ذلك البواقي. [اه. ملا علي مع بعض زيادة].(1/44)
اعلم أن المخارج للحروف بمثابة الموازين تعرف بها مقاديرها، والصفات بمثابة الناقد الذي يميّز الجيد من الرديء. فببيان مخرج الحرف تعرف كميته أي مقداره، فلا يزاد فيه ولا ينقص وإلا كان لحنا، وببيان الصفة تعرف كيفيته أي عند النطق به من سليم الطبع كجري الصوت وعدمه، وتحقيق ذلك أن الهواء الخارج من داخل الرئة وهو موضع النفس وللقلب كالغشاء إن خرج بدفع الطبع من غير أن يسمع: يسمّى نفسا بفتح الفاء، وإن خرج بالإرادة وعرض له تموّج يسمع بسبب تصادم جسمين: سمّي صوتا، وإن عرض للصوت كيفيات مخصوصة بسبب اعتماده على مقطع أي مخرج محقق وهو الذي ينقطع فيه الصوت كجزء من الحلق أو اللسان أو الشفتين أو الخيشوم، أو مخرج مقدّر وهو الذي لم ينقطع فيه الصوت، بل قدّروا له جوف الحلق والفم: سمّي ذلك الصوت حروفا. وإن عرض للحروف كيفيات أخر في الواقع بسبب نحو جري الصوت وعدمه وقوّة الاعتماد على المخرج وعدمها: سميت تلك الكيفيات صفات. ثم إن النفس الخارج الذي هو صفة حروف إن تكيّف بكيفية الصوت حتى يحصل صوت قوي كان الحرف مجهورا، وإن بقي بعضه بلا صوت يجري مع الحرف: كان الحرف مهموسا، وأيضا إذا انحصر صوت الحرف في مخرجه انحصارا تامّا فلا يجري جريانا أصلا يسمى شديدا فإنك لو وقفت على قولك «الحج» وجدت صوتك راكدا محصورا، حتى لو أردت مد صوتك لم يمكنك، وأما إذا جرى الصوت جريانا تامّا ولم ينحصر أصلا فإنه يسمى رخوا كما في «الطش» فإنك لو وقفت عليها وجدت صوت الشين جاريا تمدّه إن شئت، وأما إذا لم يتم الانحصار ولا الجري فيكون متوسطا بين الشدة والرخاوة كما في «الظل» فإنك لو وقفت عليه وجدت الصوت لا يجري مثل جري «الطش»، ولا ينحصر مثل انحصار
«الحج»، بل يخرج على حد الاعتدال بينهما، وقس على ذلك البواقي. [اه. ملا علي مع بعض زيادة].
ثم اعلم أن لهذا الصفات ثلاث فوائد:
الفائدة الأولى:
تميّز الحروف المشتركة في المخرج. قال ابن الجزري: كل حرف شارك غيره في مخرج فإنه لا يمتاز عنه إلا بالصفات، وكلّ حرف شارك غيره في صفات فإنه لا يمتاز عنه إلا بالمخرج، ولولا ذلك لاتّحدت أصوات الحروف في السمع، فكانت كأصوات البهائم لا تدل على معنى، ولما تميّزت ذواتها، وهذا معنى قول المازني: إذا همست وجهرت وأطبقت وفتحت اختلفت أصوات الحروف التي من مخرج واحد. وقال الرماني وغيره: لولا الإطباق، لصارت الطاء دالا لأنه ليس بينهما فرق إلا الإطباق، ولصارت الظاء ذالا، ولصارت الصاد سينا.
الفائدة الثانية:
معرفة القوي من الضعيف ليعلم ما يجوز أن يدغم وما لا يجوز فإن ما له قوة ومزية على غيره لا يجوز أن يدغم في ذلك الغير لئلا تذهب تلك المزية كما سيأتي بيان ذلك في محله إن شاء الله تعالى.
الفائدة الثالثة:
تحسين لفظ الحروف المختلفة المخارج فقد اتضح لك بهذا أن ثمرات معرفة الصفات التمييز والتحسين ومعرفة القوة والضعف فسبحان من دقت في كل شيء حكمته.
لطيفة:
روي أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى ناظر معتزليّا فقال له: قل:
باء، فقال: باء، فقال: قل: حاء، فقال: حاء، فقال: بيّن مخرجيهما، فبيّنهما، فقال:
إن كنت خالقا فعلك فأخرج الباء من مخرج الحاء، فبهت المعتزلي وانصرف. [انتهى.
شرح الملا علي].
الفصل الثاني في بيان عدد الصفات، ومعناها لغة واصطلاحا، وبيان عدد حروفها
اعلم أنّ الصفات جمع صفة. وهي لغة: ما قام بالشيء من المعاني كالعلم والسواد. ولم يريدوا بالصفة معنى النعت كما أراده النحويون مثل اسم الفاعل والمفعول أو ما يرجع إليها من طريق المعنى نحو مثل وشبه. واصطلاحا: كيفية عارضة للحرف عند حصوله في المخرج من الجهر والرخاوة والهمس والشدة ونحوها، وبذلك يتميز
بعض الحروف المتحدة في المخرج عن بعض فهي لفظ يدل على معنّى في موصوفه إما باعتبار محله أو باعتبار ذاته فالأول كالجوفية والحلقية واللهوية إلى آخر ما تقدم في التتمة، والثاني كالجهر والهمس وأمثالهما من كل صفة لازمة للحرف في جميع أحواله، أي سواء كان ساكنا أو محرّكا بأي حركة.(1/45)
اعلم أنّ الصفات جمع صفة. وهي لغة: ما قام بالشيء من المعاني كالعلم والسواد. ولم يريدوا بالصفة معنى النعت كما أراده النحويون مثل اسم الفاعل والمفعول أو ما يرجع إليها من طريق المعنى نحو مثل وشبه. واصطلاحا: كيفية عارضة للحرف عند حصوله في المخرج من الجهر والرخاوة والهمس والشدة ونحوها، وبذلك يتميز
بعض الحروف المتحدة في المخرج عن بعض فهي لفظ يدل على معنّى في موصوفه إما باعتبار محله أو باعتبار ذاته فالأول كالجوفية والحلقية واللهوية إلى آخر ما تقدم في التتمة، والثاني كالجهر والهمس وأمثالهما من كل صفة لازمة للحرف في جميع أحواله، أي سواء كان ساكنا أو محرّكا بأي حركة.
ثم إن العلماء رحمهم الله تعالى اختلفوا في عدد الصفات فمنهم من عدّها سبع عشرة صفة وهو الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى، وتابعه على ذلك شرّاح مقدمته وغيرهم. ومنهم من زاد على ذلك وهو صاحب الرعاية فإنه أوصلها إلى أربع وأربعين صفة. ومنهم من نقص عن السبع عشرة كالبركوي فإنه عدّها في كتابه الدر اليتيم أربع عشرة بنقص الذلاقة وضدها وهو الإصمات، والانحراف واللين، وزيادة صفة الغنة.
وكشارح نونية الإمام السخاوي فإنه عدّها ست عشرة صفة بنقص الذلاقة وضدّها أيضا، وزيادة صفة الهوائي أي الحرف الهوائي وهو الألف. وكالمرعشي فإنه ذكر في رسالته سبع عشرة صفة إلا أنه نقص الذلاقة وضدّها الانحراف واللين، وزاد أربع صفات: الغنة، والخفاء، والتفخيم، والترقيق، وفيه أن التفخيم والترقيق من الصفات العارضة، والمقام مقام عدّ الصفات اللازمة. فتأمل. ولما كان خير الأمور أوسطها اخترت أن أذكر في هذه الحالة ما هو الأوسط من هذه الأقوال الثلاثة، وهو قول ابن الجزري بأنها سبعة عشر، ثم بعد التكلم عليها نتكلم على صفتي الخفاء والغنة لأنهما من الصفات اللازمة أيضا.
وقد ذكرهما كثير من أئمة هذا الفن. فنقول:
اعلم أن الصفات السبع عشرة تنقسم إلى قسمين: قسم له ضدّ وهو خمسة وضدّه كذلك بجعل ما بين الرخاوة والشدّة مع أحدهما كما يأتي، وقسم لا ضدّ له وهو سبع فذوات الأضداد: الجهر وضدّه الهمس، والشدة وضدّها الرخاوة، وما بينهما، والاستعلاء وضدّه الاستفال، والإطباق وضدّه الانفتاح، والإذلاق وضده الإصمات. وأما التي ليس لها أضداد: فالصفير، والقلقلة، واللين، والانحراف، والتكرير، والتفشّي، والاستطالة، فالجملة سبعة عشر فكلّ حرف يأخذ خمس صفات من المتضادّة، وأما غير المتضادّة فتارة يأخذ منها صفة أو صفتين، وتارة لا يأخذ شيئا فغاية ما يجتمع في الحرف الواحد سبع صفات فالراء يكمل لها سبع صفات: الانحراف، والتكرير، والخمسة المتضادّة.
وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى في الفصل الخامس في ذكر توزيع الصفات على موصوفاتها.
ولنشرع الآن في بيان معاني الصفات لغة واصطلاحا، وبيان عدد حروفها فنقول:(1/46)
ولنشرع الآن في بيان معاني الصفات لغة واصطلاحا، وبيان عدد حروفها فنقول:
الصفة الأولى: الجهر:
ومعناه لغة: الإعلان والإظهار، وفي القول: إعلاء الصوت به، واصطلاحا: انحباس جري النفس عند النطق بالحرف لقوّته وذلك من قوّة الاعتماد على مخرجه. وحروفه تسعة عشر حرفا جمعها بعضهم في كلمات وهي (عظم وزن قارئ ذي غض جدّ طلب) أي رجح ميزان قارئ ذي غض للبصر اجتهد في الطلب. قال المرعشي: وهذه الحروف لقوّتها في نفسها وقوة الاعتماد عليها في موضع خروجها لا تخرج إلا بصوت قوي شديد تمنع النفس من الجري معها، وبهذا الاعتبار سميت مجهورة، وهي ما عدا حروف الهمس الآتي ذكرها، وبعضها أقوى من بعض في الجهر على قدر ما في الحرف من صفات القوّة فالطاء أقوى من الدال، وإن اشتركتا في قوّة الجهر لانفراد الطاء بالإطباق والاستعلاء والتفخيم. وسيأتي بيان ذلك في محله.
الصفة الثانية: الهمس:
ومعناه لغة: الخفاء ومنه قوله تعالى: {فَلََا تَسْمَعُ إِلََّا هَمْساً}
[طه: الآية 108] أي صوتا خفيّا، والمراد به في الآية حسّ مشي الأقدام إلى المحشر.
واصطلاحا: جريان النفس عند النطق بالحرف لضعفه، وذلك من ضعف الاعتماد على مخرجه. وحروفه عشرة يجمعها قولك (فحثه شخص سكت)، وبعض هذه الحروف أضعف من بعض في الهمس فالصاد المهملة والخاء المعجمة أقوى من غيرهما لأن في الصاد إطباقا واستعلاء وصفيرا، وكلها من صفات القوّة، وفي الخاء استعلاء. والكاف والتاء المثناة فوق أقوى من باقي الحروف غير الصاد والخاء لما فيهما من الشدة، وهي من صفات القوة أيضا. وأضعف الحروف المهموسة: الهاء والفاء والحاء والثاء المثلثة إذ ليس فيهن صفة قوّة، بل أضعفها الهاء إذ في الفاء والحاء والثاء صفة الظهور الذي هو ضد الخفاء، وهو من صفات القوة، لكن لم يوضع له اسم في هذا الفن [اه.
مرعشي في حاشيته].
قال ابن الجزري في التمهيد: الحروف الخفيّة أربعة: الهاء، وحروف المدّ واللين سميت بالخفية لأنها تخفى في اللفظ إذا اندرجت بعد حرف قبلها، ولخفاء الهاء قوّوها بالصلة اه.
تنبيه:
اعلم أن جري النفس وعدم جريه عند تحريك الحرف أبين منهما عند إسكانه، ويمثّل للمجهورة بقق، وللمهموسة بكك فإنك تجد النفس في الأول محصورا وفي الثاني جاريا وإنما مثّلوا بهذين المثالين إيذانا بأن تباين القسمين إذا ظهر في الحرفين المتقاربين مخرجا وهما القاف والكاف كان ظهوره مع المتباعدين أكثر، وتحقيق الفرق هنا ما قاله الملا علي «أن نفس الحرف إن تكيّف كله بكيفية الصوت حتى حصل
صوت قوي كان الحرف مجهورا، وإن بقي بعضه بلا صوت يجري مع الحرف كان الحرف مهموسا» قال المرعشي: هذا الفرق إنما يتحقق في القراءة جهرا فالمراد من الصوت القوي الجهر، وقوله: «بلا صوت» يعني بلا صوت جهري يجري، مع مبدأ الحرف فإذا قلت (إذ) بالمعجمة ومددتها تجد نفسها كله متكيفا بصوت جهري وإذا قلت (اص) بالمهملة ومددتها تجد مبدأ نفسها متكيّفا بصوت جهري، وآخره خاليا عن ذلك الجهري، بل متكيّفا بصوت خفي، وقس عليهما فالصاد المهملة بعض صوتها مجهور وبعضه مهموس، لكن الاصطلاح وقع على أنها مهموسة، وكذا سائر حروف الهمس، وأما في القراءة سرّا فلا يتحقق هذا الفرق اه. ومعنى قوله: (فحثه شخص سكت) قال بعض شراح الجزرية: إن هذه الكلمات وقعت في مجلس بعض الملوك من بعض فصحاء العرب حيث قال البعض المذكور: كان فلان يتكلم كلام هجر فحثه شخص سكت.(1/47)
اعلم أن جري النفس وعدم جريه عند تحريك الحرف أبين منهما عند إسكانه، ويمثّل للمجهورة بقق، وللمهموسة بكك فإنك تجد النفس في الأول محصورا وفي الثاني جاريا وإنما مثّلوا بهذين المثالين إيذانا بأن تباين القسمين إذا ظهر في الحرفين المتقاربين مخرجا وهما القاف والكاف كان ظهوره مع المتباعدين أكثر، وتحقيق الفرق هنا ما قاله الملا علي «أن نفس الحرف إن تكيّف كله بكيفية الصوت حتى حصل
صوت قوي كان الحرف مجهورا، وإن بقي بعضه بلا صوت يجري مع الحرف كان الحرف مهموسا» قال المرعشي: هذا الفرق إنما يتحقق في القراءة جهرا فالمراد من الصوت القوي الجهر، وقوله: «بلا صوت» يعني بلا صوت جهري يجري، مع مبدأ الحرف فإذا قلت (إذ) بالمعجمة ومددتها تجد نفسها كله متكيفا بصوت جهري وإذا قلت (اص) بالمهملة ومددتها تجد مبدأ نفسها متكيّفا بصوت جهري، وآخره خاليا عن ذلك الجهري، بل متكيّفا بصوت خفي، وقس عليهما فالصاد المهملة بعض صوتها مجهور وبعضه مهموس، لكن الاصطلاح وقع على أنها مهموسة، وكذا سائر حروف الهمس، وأما في القراءة سرّا فلا يتحقق هذا الفرق اه. ومعنى قوله: (فحثه شخص سكت) قال بعض شراح الجزرية: إن هذه الكلمات وقعت في مجلس بعض الملوك من بعض فصحاء العرب حيث قال البعض المذكور: كان فلان يتكلم كلام هجر فحثه شخص سكت.
والهجر بضم الهاء: الفحش، والحث على الشيء بالمثلثة: الحض عليه، ذكره صاحب الصحاح. ولك أن تقول: «سكت فحثه شخص»، وهو أحسن ما قيل لاستقامة المعنى لأن إطالة السكوت لغير حاجة من دين أو دنيا مكروهة، أي سكت فحثّه شخص على الكلام فتكلم.
الصفة الثالثة: الشّدّة:
ومعناها لغة: القوة، واصطلاحا: انحباس جري الصوت عند النطق بالحرف لكمال قوة الاعتماد على المخرج، ويكمل هذا الانحباس عند إسكان الحرف سواء انحبس معه النفس كما في الأحرف الجهرية الشديدة وهي ستة أحرف:
الهمزة، وحروف القلقلة الخمسة أم لا، كما في التاء والكاف الشديدتين المهموستين، فبذلك علم الفرق بين النفس والصوت. وحروف الشدّة ثمانية يجمعها قولك: (أجد قط بكت) وإنما لقبت بالشدة لاشتداد الحرف في مخرجه حتى لا يخرج معه صوت، ألا ترى أنك تقول في الحرف الشديد (اج ات) فلا يجري الصوت في الجيم والتاء وكذلك أخواتهما، فلما اشتد في موضعه ومنع الصوت أن يجري معه سمّي حرفا شديدا. وهي مختلفة في القوّة، فإذا كان مع الشدة جهر وإطباق فذلك غاية القوة كالطاء، ففيها اجتمعت الصفات الأربعة، فعلى قدر ما في الحرف من الصفات القوية تكون قوته، وعلى قدر ما فيه من الصفات الضعيفة يكون ضعفه، فافهم هذا لتعطي كلّ حرف حقّه في قراءتك من القوة، وتتحفظ على بيان الضعيف في قراءتك أيضا. ومعنى قوله: (أجد قط بكت) أنه كان لبعض العرب محبوبة تسمى قط، فسمع بكاء في بيتها فقال: (أجد قط بكت).
الصفة الرابعة: الرخاوة:
ومعناها لغة: اللين، واصطلاحا: جريان الصوت مع الحرف لضعف الاعتماد على المخرج. وحروفها ستة عشر. وقد نظمها
بعضهم فقال:(1/48)
ومعناها لغة: اللين، واصطلاحا: جريان الصوت مع الحرف لضعف الاعتماد على المخرج. وحروفها ستة عشر. وقد نظمها
بعضهم فقال:
رخو من الحروف ستّ وعشر ... حاء، وخاء، ذال، زاي، ذا اشتهر
ثاء، وسين، ثم شين، وألف، ... صاد، وضاد، ثم ظا واو، عرف
والغين، ثمّ الفاء، ثم الهاء، ... وقد أتى في ختمهنّ الياء
وأخصر من هذا ما ذكره بعضهم بقوله:
إن تشأ ألفاظ رخو ... لا تكن في الحفظ لاهي
رمزه خذ غثّ حظ ... فض شوص زي ساه
وأما التوسط بين الشدّة والرخاوة: فهو عدم كمال احتباس الصوت وعدم كمال جريه، وحروفه خمسة يجمعها قولك «لن عمر» وهي اللام والنون والعين والميم والراء، وجمعها في هذه الكلمات فيه إشارة إلى أنه أمره باللين والتواضع، وأصله: لن يا عمر، حذف منه حرف النداء تخفيفا. قال بعض الشراح: وأصل هذه المقالة أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ على النبيّ صلى الله عليه وسلم ووراءه جماعة وهو يمشي الهوينا، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لن عمر، فقال: يا رسول الله والله ما من شخص منهم إلا وله حاجة» اه.
وبعضهم زاد على هذه الخمسة حروف المدّ، وعليه فتصير ثمانية، وإليه مال الشاطبي، وجمعها بعضهم في قوله: (ولينا عمر)، وفي بعض مؤلفات مكي لم يضف إليها الألف فجمعها (نولي عمر) اه. وإنما كانت مرتبتها بين مرتبتين لأن الرخوة إذا نطق بها في نحو (ألبس وأنعش) جرى معها الصوت، والشديدة إذا نطق بها في نحو (اضرب) و (اجلد) انحبس الصوت معها ولم يجر، والتي بين الرخوة والشديدة إذا نطق بها في نحو (انعم) و (اعمل) لم يجر الصوت معها جريانه مع الرخوة. ولم ينحبس انحباسه مع الشديدة، وتسمى هذه الحروف بينية أي بين الشديدة والرخوة لجري بعض الصوت معها وانحصار بعضه، فنسبت إلى بين بين، وهو محل التوسط بين الشيئين. وفي المرعشي قال في شرح المواقف: إن الحروف الشديدة آنية لا توجد إلا في آن حبس النفس، وما عداها زمانية يجري فيه الصوت زمانا، وهي متفاوتة في الجريان إذ الحروف الرخوة أتمّ جريانا من الحروف البينية، وحروف المدّ أطول زمانا من سائر الحروف الرخوة.
تنبيه:
اعلم أن كلّا من الحروف الشديدة والرخوة ينقسم إلى مجهورة ومهموسة، أما الشديدة المجهورة فهي ستة أحرف: الهمزة، وحروف قطب جد، وأما الشديدة المهموسة فهي حرفان: الكاف والتاء الفوقية، وأما الرخوة المجهورة فهي ثمانية أحرف:
الضاد، والظاء، والذال، والغين المعجمات، والزاي، والألف المدّية، والواو، والياء مدّيين أم لا، وأما الرخوة المهموسة فهي ثمانية أحرف أيضا وهي الحروف المهموسة ما عدا الكاف والتاء الفوقية. وأما الحروف البينية فكلها مجهورة. فظهر من هذا التفصيل أنّ كلّا من المجهورة والمهموسة ينقسم إلى شديدة ورخوة، وإن كان للمجهورة قسم آخر وهو البينية.(1/49)
اعلم أن كلّا من الحروف الشديدة والرخوة ينقسم إلى مجهورة ومهموسة، أما الشديدة المجهورة فهي ستة أحرف: الهمزة، وحروف قطب جد، وأما الشديدة المهموسة فهي حرفان: الكاف والتاء الفوقية، وأما الرخوة المجهورة فهي ثمانية أحرف:
الضاد، والظاء، والذال، والغين المعجمات، والزاي، والألف المدّية، والواو، والياء مدّيين أم لا، وأما الرخوة المهموسة فهي ثمانية أحرف أيضا وهي الحروف المهموسة ما عدا الكاف والتاء الفوقية. وأما الحروف البينية فكلها مجهورة. فظهر من هذا التفصيل أنّ كلّا من المجهورة والمهموسة ينقسم إلى شديدة ورخوة، وإن كان للمجهورة قسم آخر وهو البينية.
ثم اعلم أن مبدأ أصوات جميع الحروف عند الجهر بالقراءة جهريّ، ولو كان الحرف مهموسا، وأن صوت الحرف وإن كان مجهورا فهو لا يتحقق بدون النفس، لأن حقيقة الصوت هو النفس المسموع كما سبق فاحتباس الصوت يستلزم احتباس النفس معه، وجريه يستلزم جريه، وأنّ نفس الحرف وإن كان مهموسا لا ينفكّ عن الصوت لأن حقيقة الحرف هو الصوت المعتمد على المخرج كما سبق، وأن نفس الحرف المجهور قليل ونفس الحرف المهموس كثير، فما ذكر من أنه قد يجري النفس ولا يجري الصوت كالكاف والتاء الفوقية معناه: يجري النفس الكثير ولا يجري الصوت القوي الذي حصل في مبدأ الحرف، وليس المراد نفي جريان الصوت بالكلية، ألا ترى أنه ذكر أن صوت الشين في الطش جار تمدّه إن شئت مع أن الشين مهموس كالكاف والتاء، وما ذكر من أنه قد يجري الصوت ولا يجري النفس كالضاد والغين المعجمتين معناه: يجري الصوت القوي ولا يجري معه نفس كثير كما يجري مع المهموس، وليس المراد نفي جريان النفس بالكلية ألا ترى إلى ما قاله البعض وهو ابن الجزري إن الرخاوة جريان الصوت والنفس. إذا علمت هذا فاعلم أن صوت الحرف ونفسه إما أن يحتبسا بالكلية فيحصل صوت شديد وهو في الحروف الشديدة، أو لا يحتبسا أصلا بل يجريان جريانا كاملا وهو في الحروف الرخوة، أو يتوسطان بين كمال الاحتباس وكمال الجري وهو في الحروف البينية، فهذه ثلاثة أنواع ففي النوع الأول إن جرى بعد ذلك الاحتباس نفس كثير فالحرف شديد مهموس، وإن لم يجر فالحرف شديد مجهور. وفي النوع الثاني إن كان صوت الحرف جاريا كلّه مع نفس قليل فالحرف رخو مجهور، وإن كان جاريا كلّه مع نفس كثير فالحرف رخو مهموس. وقد عرفت أن المهموس في اصطلاحهم ما كان بعض صوته خفيّا عند الجهر بالقراءة، وهو آخره إذ مبدؤه جهري البتة حينئذ. ولا تجد حرفا كل صوته خفيّ عند الجهر بالقراءة فمن عدّ الكاف والتاء من المجهورة بناء على أن الشدّة تؤكد الجهر فقد وهم إذ لو كان كذلك لكان جميع الحروف مجهورا. والنوع الثالث: مجهور كله. إن قلت: الهمس جريان النفس، وهو يستلزم جريان الصوت، والشدة احتباس الصوت، وهو يستلزم احتباس النفس، فبين الهمس والشدة تناقض فكيف تكون الكاف والتاء شديدتين مهموستين؟ قلت: الشدة
في آن والهمس في زمان آخر يعني أن شدتهما باعتبار الابتداء، وهمسهما باعتبار الانتهاء فإن الصوت يجري معهما آخرا، وشرط التناقض اتحاد الزمن، وقد اختلفا هنا ففي كل منهما صوتان: الأوّل قوي والثاني ضعيف. وقولنا: «والثاني ضعيف» احتراز عن حروف القلقلة فإنها وإن كان فيها صوتان إلا أن ثانيهما قوي. مثال التاء الموقوف عليها: {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلََامََاتٍ} [النحل: الآيتان 15، 16]، والكاف:(1/50)
ثم اعلم أن مبدأ أصوات جميع الحروف عند الجهر بالقراءة جهريّ، ولو كان الحرف مهموسا، وأن صوت الحرف وإن كان مجهورا فهو لا يتحقق بدون النفس، لأن حقيقة الصوت هو النفس المسموع كما سبق فاحتباس الصوت يستلزم احتباس النفس معه، وجريه يستلزم جريه، وأنّ نفس الحرف وإن كان مهموسا لا ينفكّ عن الصوت لأن حقيقة الحرف هو الصوت المعتمد على المخرج كما سبق، وأن نفس الحرف المجهور قليل ونفس الحرف المهموس كثير، فما ذكر من أنه قد يجري النفس ولا يجري الصوت كالكاف والتاء الفوقية معناه: يجري النفس الكثير ولا يجري الصوت القوي الذي حصل في مبدأ الحرف، وليس المراد نفي جريان الصوت بالكلية، ألا ترى أنه ذكر أن صوت الشين في الطش جار تمدّه إن شئت مع أن الشين مهموس كالكاف والتاء، وما ذكر من أنه قد يجري الصوت ولا يجري النفس كالضاد والغين المعجمتين معناه: يجري الصوت القوي ولا يجري معه نفس كثير كما يجري مع المهموس، وليس المراد نفي جريان النفس بالكلية ألا ترى إلى ما قاله البعض وهو ابن الجزري إن الرخاوة جريان الصوت والنفس. إذا علمت هذا فاعلم أن صوت الحرف ونفسه إما أن يحتبسا بالكلية فيحصل صوت شديد وهو في الحروف الشديدة، أو لا يحتبسا أصلا بل يجريان جريانا كاملا وهو في الحروف الرخوة، أو يتوسطان بين كمال الاحتباس وكمال الجري وهو في الحروف البينية، فهذه ثلاثة أنواع ففي النوع الأول إن جرى بعد ذلك الاحتباس نفس كثير فالحرف شديد مهموس، وإن لم يجر فالحرف شديد مجهور. وفي النوع الثاني إن كان صوت الحرف جاريا كلّه مع نفس قليل فالحرف رخو مجهور، وإن كان جاريا كلّه مع نفس كثير فالحرف رخو مهموس. وقد عرفت أن المهموس في اصطلاحهم ما كان بعض صوته خفيّا عند الجهر بالقراءة، وهو آخره إذ مبدؤه جهري البتة حينئذ. ولا تجد حرفا كل صوته خفيّ عند الجهر بالقراءة فمن عدّ الكاف والتاء من المجهورة بناء على أن الشدّة تؤكد الجهر فقد وهم إذ لو كان كذلك لكان جميع الحروف مجهورا. والنوع الثالث: مجهور كله. إن قلت: الهمس جريان النفس، وهو يستلزم جريان الصوت، والشدة احتباس الصوت، وهو يستلزم احتباس النفس، فبين الهمس والشدة تناقض فكيف تكون الكاف والتاء شديدتين مهموستين؟ قلت: الشدة
في آن والهمس في زمان آخر يعني أن شدتهما باعتبار الابتداء، وهمسهما باعتبار الانتهاء فإن الصوت يجري معهما آخرا، وشرط التناقض اتحاد الزمن، وقد اختلفا هنا ففي كل منهما صوتان: الأوّل قوي والثاني ضعيف. وقولنا: «والثاني ضعيف» احتراز عن حروف القلقلة فإنها وإن كان فيها صوتان إلا أن ثانيهما قوي. مثال التاء الموقوف عليها: {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلََامََاتٍ} [النحل: الآيتان 15، 16]، والكاف:
{يََا بُنَيَّ لََا تُشْرِكْ} [لقمان: الآية 13] و {وَانْظُرْ إِلى ََ حِمََارِكَ} [البقرة: الآية 259]. [اه.
مرعشي وابن غازي].
الصفة الخامسة: الاستعلاء:
ومعناه لغة الارتفاع والعلو، واصطلاحا ارتفاع اللسان عند النطق بالحرف إلى الحنك الأعلى. وحروفه سبعة يجمعها قولك (خص ضغط قظ).
وأشدّها استعلاء القاف كما في الرعاية في باب القلقلة. قال في النشر: وهي حروف التفخيم على الصواب، وأعلاها الطاء، كما إن أسفل المستفلة الياء التحتية. وقيل:
حروف التفخيم هي حروف الإطباق. وسميت مستعلية لأن اللسان يعلو عند النطق بها إلى الحنك الأعلى، ويجوز أن يكون تسميتها مستعلية لخروج صوتها من جهة العلوّ، وكلّ ما حلّ في عال فهو مستعل. قال المرعشي: إن المعتبر في الاستعلاء استعلاء أقصى اللسان، سواء استعلى معه بقية اللسان أم لا، وحروف وسط اللسان وهي الجيم والشين والياء لا يستعلى بها إلا وسط اللسان، والكاف لا يستعلى بها إلا ما بين أقصى اللسان ووسطه، فلم تعدّ هذه الأربع من المستعلية، وإن وجد فيها استعلاء اللسان لأن استعلاءه في هذه الأربع ليس مثل استعلائه بالحرف المستعلي. وقال الجاربردي:
وتجوّزوا في تسميتها مستعلية لأن المستعلي إنما هو اللسان، وأما الحرف فهو مستعل عنده اللسان، واختصر وقيل مستعل، ومثل هذا الاختصار كثير في اللغة كما قيل: «ليل نائم» أي حاصل فيه النوم. وجمع هذه الأحرف في هذه الكلمات فيه موعظتان: الأولى:
أن قوله: (قظ) أمر من قاظ بالمكان إذا أقام فيه. و (خص) بضم الخاء المعجمة: البيت من القصب والضغط: الضيق. والمعنى أقم وقت حرارة الصيف في خص ذي ضغط أي اقنع من الدنيا بمثل ذلك وما قاربه ولا تغترّ بزينتها وزخارفها فإن مآلك إلى الخروج منها كما قال صلى الله عليه وسلم: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل». الثانية: قال بعض شراح الجزرية: ومعنى هذه الكلمات: خصّ القبر بالضغطة والحصر، قظ: أي تيقّظ من غفلتك واعمل لآخرتك، وكلتا الموعظتين حسنة.
الصفة السادسة: الاستفال:
ومعناه لغة الانخفاض، واصطلاحا انحطاط اللسان عند خروج الحرف عن الحنك إلى قاع الفم، وحروفه ما عدا حروف الاستعلاء السبعة، وهو
اثنان وعشرون حرفا، وجمعها بعضهم في بيتين فقال:(1/51)
ومعناه لغة الانخفاض، واصطلاحا انحطاط اللسان عند خروج الحرف عن الحنك إلى قاع الفم، وحروفه ما عدا حروف الاستعلاء السبعة، وهو
اثنان وعشرون حرفا، وجمعها بعضهم في بيتين فقال:
خذ حروف الاستفال ... واتركن من قال إفكا
ثبت عزّ من يجوّ ... د حرفه إذ سلّ شكّا
وسميت هذه الحروف مستفلة لأن اللسان لا يستعلي بها إلى الحنك الأعلى عند النطق بها كما يستعلي بالمستعلية، وهذا الاسم مجاز لأن المستفل إنما هو اللسان لا الحرف. وفي التمهيد أن الياء التحتية مستفلة جدّا، وفيه أيضا أن الراء واللام المفخمتين يشبهان الحروف المستعلية. قال المرعشي: الظاهر أنهما في حالتي تفخيمهما من الحروف المستعلية.
الصفة السابعة: الإطباق:
ومعناه لغة الإلصاق، واصطلاحا هو إطباق أي تلاصق ما يحاذي اللسان من الحنك الأعلى على اللسان عند التلفظ بالحرف. وقال القسطلاني:
الإطباق: تلاقي طائفتي اللسان والحنك الأعلى عند النطق بحروفها، وقال المرعشي:
الإطباق في الاصطلاح على ما يشعر به كلام الجاربردي: استعلاء أقصى اللسان ووسطه إلى جهة الحنك الأعلى، وانطباق الحنك على وسط اللسان بحيث ينحصر الصوت بينهما. وحروف الإطباق أربعة جمعها ابن الجزري في نصف بيت فقال:
وصاد ضاد طاء ظاء مطبقة بفتح الباء وكسرها وبترك تنوين الأول والثالث للوزن. وإنما لم تركب هذه الحروف الأربعة على قياس سائرها لعدم حصول معنى في تركيبها، ولثقلها على اللسان، بخلاف غيرها، وتجوّزوا في تسميتها مطبقة لأن المطبق إنما هو اللسان والحنك، وأما الحرف فمطبق عنده، فاختصر، فقيل: مطبقة، ومثله كثير في الاستعمال، والكلام في المنفتحة كذلك لأن الحرف لا ينفتح، وإنما ينفتح اللسان عن الحنك عند النطق به.
ثم اعلم أن الإطباق أبلغ من الاستعلاء وأخصّ منه إذ لا يلزم من الاستعلاء الإطباق، ويلزم من الإطباق الاستعلاء. ألا ترى أنك إذا نطقت بالغين والخاء المعجمتين والقاف وقلت: (خخ وغغ وقق) استعلى أقصى اللسان إلى الحنك من غير إطباق، يعني من غير إطباق الحنك على وسط اللسان، وإذا نطقت بالصاد وأخواتها وقلت صص وطط استعلى وسط اللسان أيضا، وانطبق الحنك على وسط اللسان فالقاف والحاء والغين مستعلية وليست بمطبقة. وفي رسالة المرعشي نقلا عن الرعاية: وبعض حروف الإطباق أقوى من بعض فالطاء المهملة أقواها في الإطباق لجهرها وشدتها، والظاء المعجمة
أضعفها في الإطباق لرخاوتها وانحرافها إلى طرف اللسان مع أطراف الثنايا العليا، والصاد والضاد متوسطتان في الإطباق. يعني أن هذه الثلاثة لرخاوتها ضعف إطباقها. وكانت الظاء المعجمة أضعفها في الإطباق لانحرافها المذكور. اه.(1/52)
ثم اعلم أن الإطباق أبلغ من الاستعلاء وأخصّ منه إذ لا يلزم من الاستعلاء الإطباق، ويلزم من الإطباق الاستعلاء. ألا ترى أنك إذا نطقت بالغين والخاء المعجمتين والقاف وقلت: (خخ وغغ وقق) استعلى أقصى اللسان إلى الحنك من غير إطباق، يعني من غير إطباق الحنك على وسط اللسان، وإذا نطقت بالصاد وأخواتها وقلت صص وطط استعلى وسط اللسان أيضا، وانطبق الحنك على وسط اللسان فالقاف والحاء والغين مستعلية وليست بمطبقة. وفي رسالة المرعشي نقلا عن الرعاية: وبعض حروف الإطباق أقوى من بعض فالطاء المهملة أقواها في الإطباق لجهرها وشدتها، والظاء المعجمة
أضعفها في الإطباق لرخاوتها وانحرافها إلى طرف اللسان مع أطراف الثنايا العليا، والصاد والضاد متوسطتان في الإطباق. يعني أن هذه الثلاثة لرخاوتها ضعف إطباقها. وكانت الظاء المعجمة أضعفها في الإطباق لانحرافها المذكور. اه.
الصفة الثامنة: الانفتاح:
ومعناه لغة الافتراق، واصطلاحا تجافي كلّ من الطائفتين أي طائفتي اللسان والحنك عن الأخرى حتى يخرج الريح عند النطق بالحرف.
وحروفه خمسة وعشرون يجمعها قولك: (من أخذ وجد سعة فزكا حقّ له شرب غيث) ومعنى التركيب: من وجد سعة فأدّى زكاة ماله كان على الله حقّ أن يسقيه من رحمته.
[اه. شرح الشيخ حجازي]. وسمّيت هذه الحروف الخمسة والعشرون منفتحة لانفتاح ما بين اللسان والحنك الأعلى وخروج الريح من بينهما عند النطق بها، وهي ما عدا الحروف المطبقة فالانفتاح أعمّ من الاستفال لأن كل مستفل منفتح بدون العكس لأن القاف والخاء والغين المعجمتين منفتحة وليست بمستفلة. وفي المرعشي: إن قلت: ينطبق الحنك الأعلى على وسط اللسان، وينحصر الصوت بينهما في الجيم، فلم لم تعدّ من المطبقة؟ قلت: استعلاء أقصى اللسان معتبر اصطلاحا في الإطباق كما عرفت.
الصفة التاسعة: الذلاقة:
ومعناها لغة: حدّة اللسان وبلاغته وطلاقته. وحروف الذلاقة ويقال لها الحروف الذّلق بضم الذال وسكون اللام ستّة جمعها ابن الجزري في ثلاث كلمات وهي (فرّ من لب) ومعناه هرب الجاهل من ذي لب أي من عاقل لأن اللبّ بضم اللام العقل، ويمكن أن يكون المعنى فرّ من الخلق من له عقل به عرف الحق ففيه إيماء إلى قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللََّهِ} [الذّاريات: الآية 50] وقوله تعالى:
{وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمّل: الآية 8] اه. ملا علي. وسميت هذه الحروف الستة مذلقة بالذال المعجمة لسرعة النطق بها لخروج بعضها من ذلق اللسان أي طرفه وهو الراء واللام والنون، وبعضها من ذلق الشفة وهي الباء الموحدة والفاء والميم، وهي أخفّ الحروف وأسهلها وأكثرها امتزاجا بغيرها، ومقتضى تعليلهم أن تكون الواو من الحروف المذلقة، ولم أر من ذكره، فتأمل.
الصفة العاشرة: الإصمات:
ومعناه لغة المنع لأن من صمت منع نفسه من الكلام، والمراد بها هنا أنها ممنوعة من انفرادها أصولا في بنات الأربعة والخمسة بمعنى أن كلّ كلمة على أربعة أحرف أو خمسة أصولا لا بد أن يكون فيها مع الحروف المصمتة حرف من الحروف المذلقة لتعادل خفة المذلق ثقل المصمت، ولذلك قالوا إن عسجدا اسم للذهب أعجميّ لكونه من بنات الأربع، وليس فيه حرف من المذلقة، وحروفه أي
الإصمات ما عدا الحروف المذلقة الستة، وهي ثلاثة وعشرون حرفا يجمعها قولك (جز غش ساخط صد ثقة إذ وعظه يحضّك) أي: عد عن غش ساخط للحق واصطد ثقة فإن وعظه يحثك على الخير اه. قال ابن غازي في شرحه: وإنما سميت مصمتة لأنها حروف أصمتت أي منعت أن تختص ببناء كلمة في لغة العرب إذا كثرت حروفها لاعتياصها وصعوبتها على اللسان، فهي حروف لا تتفرد بنفسها في كلمة كثيرة الحروف أعني أكثر من ثلاثة أحرف، حتى يكون معها غيرها من الحروف المذلقة. قال مكي في الرعاية: «إن الألف ليست من المذلقة ولا من المصمتة لأنها هوائية لا مستقر لها في المخرج» اه.(1/53)
ومعناه لغة المنع لأن من صمت منع نفسه من الكلام، والمراد بها هنا أنها ممنوعة من انفرادها أصولا في بنات الأربعة والخمسة بمعنى أن كلّ كلمة على أربعة أحرف أو خمسة أصولا لا بد أن يكون فيها مع الحروف المصمتة حرف من الحروف المذلقة لتعادل خفة المذلق ثقل المصمت، ولذلك قالوا إن عسجدا اسم للذهب أعجميّ لكونه من بنات الأربع، وليس فيه حرف من المذلقة، وحروفه أي
الإصمات ما عدا الحروف المذلقة الستة، وهي ثلاثة وعشرون حرفا يجمعها قولك (جز غش ساخط صد ثقة إذ وعظه يحضّك) أي: عد عن غش ساخط للحق واصطد ثقة فإن وعظه يحثك على الخير اه. قال ابن غازي في شرحه: وإنما سميت مصمتة لأنها حروف أصمتت أي منعت أن تختص ببناء كلمة في لغة العرب إذا كثرت حروفها لاعتياصها وصعوبتها على اللسان، فهي حروف لا تتفرد بنفسها في كلمة كثيرة الحروف أعني أكثر من ثلاثة أحرف، حتى يكون معها غيرها من الحروف المذلقة. قال مكي في الرعاية: «إن الألف ليست من المذلقة ولا من المصمتة لأنها هوائية لا مستقر لها في المخرج» اه.
الصفة الحادية عشرة: الصفير:
ومعناه لغة صوت يصوّت به للبهائم، واصطلاحا:
صوت زائد يخرج من بين الشفتين يصحب حروفه الثلاثة عند خروجها وهي: الصاد المهملة، والزاي، والسين المهملة، وقد جمعها ابن الجزري في نصف بيت فقال:
صفيرها صاد وزاي سين وإنما سميت بحروف الصفير لأنك إذا قلت اص از اس سمعت لهنّ صوتا يشبه صفير الطائر لأنها تخرج من بين الثنايا وطرف اللسان، فينحصر الصوت هناك إذا سكنت ويأتي كالصفير فالصاد تشبه صوت الأوز، والزاي صوت النحل، والسين صوت الجراد. وفي الأحرف الثلاثة لأجل صفيرها قوة، وأقواها في ذلك: الصاد للاستعلاء والإطباق اللذين فيها، ثم الزاي للجهر لأنه من صفات القوة، وأما السين فهي أضعفها لكونها مهموسة، والهمس الخفاء كما تقدم، وعلى هذا ينبغي لك أن تحرص على بيان صفيرها أكثر من صفير الزاي لأنه بيّن الجهر، وصفير الزاي أكثر من صفير الصاد لأنه بيّن الإطباق، كما ينبغي لك أن تحرص على بيان كلّ حرف مهموس غير ما فيه الاستعلاء. [اه. ابن غازي].
الصفة الثانية عشرة: القلقلة:
قال المرعشي في رسالته: هي في اللغة شدّة الصياح كما نقل عن الخليل. وتجيء بمعنى التحريك. قال في الصحاح: «قلقله قلقلة وقلقالا فتقلقل أي حرّكه فتحرّك واضطرب». واصطلاحا على ما صرّح به أبو شامة نقلا عن صاحب الرعاية: صوت زائد حدث في المخرج بعد ضغط المخرج وحصول الحرف فيه بذلك الضغط، وذلك الصوت الزائد يحدث بفتح المخرج بتصويت، فحصل تحريك مخرج الحرف وتحريك صوته أما المخرج فقد تحرك بسبب انفكاك دفعيّ بعد التصاق محكم. وأما الصوت فقد تبدّل في السمع، وذلك ظاهر، فلك تعريف القلقلة بتحريك الصوت أو بتحريك المخرج، ويشترط عند الجمهور في إطلاق اسم القلقلة على ذلك
الصوت الزائد كونه قويّا جهريّا بسبب أنه حاصل بفك المخرج دفعة بعد لصقه لصقا محكما، ولذا خصّوا القلقلة بحروف اجتمعت فيها الشدة والجهر فالشدة تحصر صوت الحرف لشدة ضغطه في المخرج، والجهر يمنع جري النفس عند انفتاح المخرج، فيلتصق المخرج التصاقا محكما، فيقوى الصوت الحادث عند انفتاح المخرج دفعة. وهي حروف خمسة يجمعها قولك: (قطب جد): القاف، والطاء المهملة، والباء الموحدة، والجيم، والدال المهملة. وإنما سميت بذلك لأن صوتها لا يكاد يتبين به سكونها ما لم تخرج إلى شبه المتحرك لشدة أمرها من قولهم قلقله إذا حركه، وإنما حصل لها ذلك لاتفاق كونها شديدة مجهورة، فالجهر يمنع النفس أن يجري معها، والشدّة تمنع أن يجري صوتها.(1/54)
قال المرعشي في رسالته: هي في اللغة شدّة الصياح كما نقل عن الخليل. وتجيء بمعنى التحريك. قال في الصحاح: «قلقله قلقلة وقلقالا فتقلقل أي حرّكه فتحرّك واضطرب». واصطلاحا على ما صرّح به أبو شامة نقلا عن صاحب الرعاية: صوت زائد حدث في المخرج بعد ضغط المخرج وحصول الحرف فيه بذلك الضغط، وذلك الصوت الزائد يحدث بفتح المخرج بتصويت، فحصل تحريك مخرج الحرف وتحريك صوته أما المخرج فقد تحرك بسبب انفكاك دفعيّ بعد التصاق محكم. وأما الصوت فقد تبدّل في السمع، وذلك ظاهر، فلك تعريف القلقلة بتحريك الصوت أو بتحريك المخرج، ويشترط عند الجمهور في إطلاق اسم القلقلة على ذلك
الصوت الزائد كونه قويّا جهريّا بسبب أنه حاصل بفك المخرج دفعة بعد لصقه لصقا محكما، ولذا خصّوا القلقلة بحروف اجتمعت فيها الشدة والجهر فالشدة تحصر صوت الحرف لشدة ضغطه في المخرج، والجهر يمنع جري النفس عند انفتاح المخرج، فيلتصق المخرج التصاقا محكما، فيقوى الصوت الحادث عند انفتاح المخرج دفعة. وهي حروف خمسة يجمعها قولك: (قطب جد): القاف، والطاء المهملة، والباء الموحدة، والجيم، والدال المهملة. وإنما سميت بذلك لأن صوتها لا يكاد يتبين به سكونها ما لم تخرج إلى شبه المتحرك لشدة أمرها من قولهم قلقله إذا حركه، وإنما حصل لها ذلك لاتفاق كونها شديدة مجهورة، فالجهر يمنع النفس أن يجري معها، والشدّة تمنع أن يجري صوتها.
فلما اجتمع لها هذان الوصفان احتاجت إلى التكلف في بيانها، فلذلك يحصل ما يحصل من الضغط للمتكلم عند النطق بها ساكنة حتى تكاد تخرج إلى شبه تحريكها لقصد بيانها إذ لولا ذلك لما تبيّنت لأنه إذا امتنع النفس والصوت تعذّر بيانها ما لم يتكلّف بإظهار أمرها على الوجه المذكور، ولا فرق في هذه الأحرف بين أن تكون متطرفة ووقف عليها كقاف {خَلََاقٍ} [البقرة: الآية 102]، وطاء {مُحِيطٌ} [آل عمران: الآية 120، وغيرها]، وباء {قَرِيبٌ} [البقرة: الآية 186، وغيرها]، وجيم {بَهِيجٍ} [الحج: الآية 5، وغيرها]، ودال {مَجِيدٌ} [هود: الآية 73، وغيرها]، أو متوسطة ساكنة: كقاف {خَلَقْنََا} [الأعراف: الآية 181، وغيرها]، وطاء {قِطْمِيرٍ} [فاطر: الآية 13]، و {أَطْوََاراً} [نوح: الآية 14]، وباء {رَبْوَةٍ}
[المؤمنون: الآية 50]، وجيم {اجْتَبََاهُ} [النحل: الآية 121، وغيرها]، ودال {يَدْخُلُونَ}
[النساء: الآية 124، وغيرها]. [اه. مرعشي وابن غازي]. وقال في تبصرة المريد: وتنقسم القلقلة إلى ثلاثة أقسام: أعلى وهو في الطاء، وأوسط وهو في الجيم، وأدنى وهو في الثلاثة الباقية. وقال الشيخ حجازي في شرحه: وتجب المبالغة في القلقلة حتى يسمع غيرك نبرة قوية عالية بحيث تشبه الحركة أي حركة ما قبله، وتتبع الحرف بعد سكونه كما هو كلام الشيخ حفظه الله نقلا عن الكتب المعتبرة، فلا تتأتى القلقلة إلا بالجهر البالغ فمن اكتفى بإسماع نفسه لم يتّبع تعريف الجهر نفسه لأن أدنى الجهر إسماع غيره لا إسماع نفسه فمن أسمع القلقلة نفسه فقط لا يقال إنه أتى بالقلقلة وإنما يقال إنه ترك القلقلة، فهو لحن، ولا يحصل التشديد بالمبالغة فيها لأن التشديد يورث إلباث الحرف مقدار الحرفين، والقلقلة هي التحريك لا الإلباث. والله أعلم. اه. وقال المرعشي:
وينبغي أن يبالغ في إظهار القلقلة عند سكون الوقف كما أشار إليه ابن الجزري في نظمه بقوله:
وبيّنن مقلقلا إن سكنا ... وإن يكن في الوقف كان أبينا
والحاصل أن القلقلة صفة لازمة لهذه الأحرف الخمسة، لكنها في الموقوف عليه أقوى منها في الساكن الذي لم يوقف عليه، وفي المتحرك قلقلة أيضا لكنها أقل فيه من الساكن الذي لم يوقف عليه لأن تعريف القلقلة باجتماع الشدة والجهر كما في المرعشي يشير إلى أن حروف القلقلة لا تنفك عن القلقلة عند تحركها، وإن لم تكن القلقلة عند تحركها ظاهرة، كما أن حرفي الغنّة وهما النون والميم لا يخلوان عن الغنة عند تحركهما وإن لم تظهر. فبذلك تبيّن أن مراتبها ثلاثة، وهذه القلقلة بعضها أشد من بعض، وأقواها القاف بالاتفاق لشدة ضغطه واستعلائه، ولذلك قال بعضهم: إن أصل صفة القلقلة لها، ثم وصفوا الأربعة الباقية تبعا لها. [اه مرعشي وابن غازي]. ثم اعلم أن بعضهم أضاف إلى أحرف القلقلة الخمسة الهمزة معلّلا ذلك بأنها قد اجتمعت فيها الشدّة والجهر كما هو شأن أحرف القلقلة، ولكن الجمهور أخرجوها من أحرف القلقلة، ولعل سبب ذلك ما في الرعاية أن الهمزة كالتهوّع أي التقيؤ وكالسّعلة، فجرت عادة العلماء بإخراجها بلطافة ورفق وعدم تكلف في ضغط مخرجها لئلا يظهر صوت يشبه التهوع والسّعلة. وقال المقدسي في شرحه على الجزرية: إنما أخرجها الجمهور من حروف القلقلة لما يدخلها من التخفيف حالة السكون، ففارقت أخواتها، ولما يعتريها من الإعلال. وقال المرعشي في رسالته: ولم يعدّ الكاف والتاء المثناة الفوقية من حروف القلقلة مع أن فيهما صوتا زائدا حدث عند انفتاح مخرجيهما لأن ذلك الصوت فيهما يلابس جري نفس، أي بسبب ضعف الاعتماد على المخرج فهو صوت همس ضعيف، ولذا عدّتا شديدتين مهموستين، فلو لم يلابس ذلك الصوت فيهما بجري نفس لكان قلقلة ولكان التاء دالا.(1/55)
وبيّنن مقلقلا إن سكنا ... وإن يكن في الوقف كان أبينا
والحاصل أن القلقلة صفة لازمة لهذه الأحرف الخمسة، لكنها في الموقوف عليه أقوى منها في الساكن الذي لم يوقف عليه، وفي المتحرك قلقلة أيضا لكنها أقل فيه من الساكن الذي لم يوقف عليه لأن تعريف القلقلة باجتماع الشدة والجهر كما في المرعشي يشير إلى أن حروف القلقلة لا تنفك عن القلقلة عند تحركها، وإن لم تكن القلقلة عند تحركها ظاهرة، كما أن حرفي الغنّة وهما النون والميم لا يخلوان عن الغنة عند تحركهما وإن لم تظهر. فبذلك تبيّن أن مراتبها ثلاثة، وهذه القلقلة بعضها أشد من بعض، وأقواها القاف بالاتفاق لشدة ضغطه واستعلائه، ولذلك قال بعضهم: إن أصل صفة القلقلة لها، ثم وصفوا الأربعة الباقية تبعا لها. [اه مرعشي وابن غازي]. ثم اعلم أن بعضهم أضاف إلى أحرف القلقلة الخمسة الهمزة معلّلا ذلك بأنها قد اجتمعت فيها الشدّة والجهر كما هو شأن أحرف القلقلة، ولكن الجمهور أخرجوها من أحرف القلقلة، ولعل سبب ذلك ما في الرعاية أن الهمزة كالتهوّع أي التقيؤ وكالسّعلة، فجرت عادة العلماء بإخراجها بلطافة ورفق وعدم تكلف في ضغط مخرجها لئلا يظهر صوت يشبه التهوع والسّعلة. وقال المقدسي في شرحه على الجزرية: إنما أخرجها الجمهور من حروف القلقلة لما يدخلها من التخفيف حالة السكون، ففارقت أخواتها، ولما يعتريها من الإعلال. وقال المرعشي في رسالته: ولم يعدّ الكاف والتاء المثناة الفوقية من حروف القلقلة مع أن فيهما صوتا زائدا حدث عند انفتاح مخرجيهما لأن ذلك الصوت فيهما يلابس جري نفس، أي بسبب ضعف الاعتماد على المخرج فهو صوت همس ضعيف، ولذا عدّتا شديدتين مهموستين، فلو لم يلابس ذلك الصوت فيهما بجري نفس لكان قلقلة ولكان التاء دالا.
ثم اعلم أن انتفاء القلقلة إما بانتفاء صوت انفتاح المخرج بالكلية، وإما بانتفاء شدة الصوت وانفتاحه بأن يكون ذلك الصوت مقرونا بنفس جار كما في الكاف والتاء، وهي لازمة لحروف (قطب جدّ)، وإحداثها في غيرها لحن، كما حذر في بعض الرسائل عن قلقلة الفاء واللام في (أفواجا وجعلنا). والقطب بتثليث القاف، والضم أشهر، وهو في الأصل قطب الرحى، ويطلق ويراد به ما يكون عليه مدار الأمر كما يقال فلان قطب بني فلان أي سيدهم الذي يدور عليه أمرهم، والجدّ: البخت والعظمة. وفي ابن غازي:
الجدّ: ضد الهزل، وداله مشددة اه.
الصفة الثالثة عشرة: اللين:
ومعناه لغة: ضد الخشونة. واصطلاحا: إخراج الحرف بعد كلفة على اللسان، وهو صفة لازمة للواو والياء التحتية الساكنتين المفتوح ما قبلهما، نحو: (خوف)، و (بيت)، فهما حرفا لين بلا مدّ، فلا مدّ عليهما وصلا، ويجوز مدّهما
وقفا إذا وقع بعدهما ساكن كخوف وبيت، ويكون وصف اللين فيهما أيضا عند مجانسة ما قبلهما لهما، ك (هود) و (شيث)، وفي الألف ك (موسى)، وتظهر فائدة ذلك عند لقائها الساكن بعدها بسبب الوقف أو الإدغام، فتجري الأوجه الثلاثة: المد، والتوسط، والقصر.(1/56)
ومعناه لغة: ضد الخشونة. واصطلاحا: إخراج الحرف بعد كلفة على اللسان، وهو صفة لازمة للواو والياء التحتية الساكنتين المفتوح ما قبلهما، نحو: (خوف)، و (بيت)، فهما حرفا لين بلا مدّ، فلا مدّ عليهما وصلا، ويجوز مدّهما
وقفا إذا وقع بعدهما ساكن كخوف وبيت، ويكون وصف اللين فيهما أيضا عند مجانسة ما قبلهما لهما، ك (هود) و (شيث)، وفي الألف ك (موسى)، وتظهر فائدة ذلك عند لقائها الساكن بعدها بسبب الوقف أو الإدغام، فتجري الأوجه الثلاثة: المد، والتوسط، والقصر.
الصفة الرابعة عشرة: الانحراف:
ومعناه لغة: الميل والعدول. واصطلاحا: ميل الحرف بعد خروجه إلى طرف اللسان. وهو صفة لحرفين: اللام، والراء وإنما وصفا بالانحراف لأنهما: «انحرفا عن مخرجهما حتى اتصلا بمخرج غيرهما فاللام فيها انحراف أي ميل إلى ناحية طرف اللسان، والراء أيضا فيها انحراف إلى ظهر اللسان، وميل قليل إلى جهة اللام، ولذلك يجعلها الألثغ لاما. (اه. ابن غازي). وقال الشيخ حجازي في شرحه: «لأن فيهما انحرافا عن صفتهما أيضا إلى صفة غيرهما أما اللام فهو من الحروف الرّخوة لكن اللسان انحرف به مع الصوت إلى الشدة، فلم يعترض في منع خروج الصوت الاعتراض الشديد، ولا يخرج معه الصوت كخروجه مع الرّخوة، فسمّي منحرفا لانحرافه عن حكم الشديدة وعن حكم الرخوة، فهو بين الصفتين. وأما الراء فهو حرف انحرف عن مخرج النون الذي هو أقرب المخارج إليه إلى مخرج اللام، وهو أبعد عن مخرج النون من مخرجه، فسمي منحرفا لذلك». وفي شرح الحلبي: سمّي اللام بالمنحرف لانحرافه إلى مخرج غيره وهو الضاد، ولذلك إذا فخّم قاربها في اللفظ.
الصفة الخامسة عشرة: التكرير:
ومعناه لغة: إعادة الشيء مرة أو أكثر، واصطلاحا: ارتعاد رأس اللسان عند النطق بالحرف، وهو صفة لازمة للراء. ومعنى وصفه بالتكرير كونه قابلا له، فيجب التحرز عنه لأن الغرض من هذه الصفة تركها.
وفي المرعشي نقلا عن الرعاية: والراء حرف قابل للتكرير الذي فيه، وأكثر ما يظهر تكريره إذا كان مشدّدا نحو كرّة ومرّة فواجب على القارئ أن يخفي تكريره ولا يظهره، ومتى أظهره فقد جعل من الحرف المشدّد حروفا، ومن المخفف حرفين، وقال فيها:
والتكرير في الراء المشدّدة أظهر وأحوج إلى الإخفاء منه في المخففة ولذلك قال ابن الجزري في مقدمته:
وأخف تكريرا إذا تشدّد قال المرعشي: ليس معنى إخفاء تكريره إعدام تكريره بالكلية بإعدام ارتعاد رأس اللسان بالكلية لأن ذلك لا يمكن إلا بالمبالغة في لصق رأس اللسان باللثة بحيث ينحصر الصوت بينهما بالكلية كما في الطاء المهملة، وذلك خطأ لا يجوز كما صرح به ابن
الجزري في النشر لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون الراء من الحروف الشديدة مع أنه من الحروف البينية، بل معناه تقوية ذلك اللصق بحيث لا يتبين التكرير والارتعاد في السمع، ولا يميّز اللّافظ ولا السامع بين المكرّرين كما نقلناه عن شرح المواقف. اه. قال الجعبري: وطريق السلامة منه أن يلصق اللافظ به ظهر لسانه بأعلى حنكه لصقا محكما مرة واحدة، بحيث لا يرتعد لأنه متى ارتعد حدث من كل مرة راء، فهذه الصفة يجب أن تعرف لتجتنب لا ليؤتى بها. ولك كالسحر يعرف ليجتنب.(1/57)
وأخف تكريرا إذا تشدّد قال المرعشي: ليس معنى إخفاء تكريره إعدام تكريره بالكلية بإعدام ارتعاد رأس اللسان بالكلية لأن ذلك لا يمكن إلا بالمبالغة في لصق رأس اللسان باللثة بحيث ينحصر الصوت بينهما بالكلية كما في الطاء المهملة، وذلك خطأ لا يجوز كما صرح به ابن
الجزري في النشر لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون الراء من الحروف الشديدة مع أنه من الحروف البينية، بل معناه تقوية ذلك اللصق بحيث لا يتبين التكرير والارتعاد في السمع، ولا يميّز اللّافظ ولا السامع بين المكرّرين كما نقلناه عن شرح المواقف. اه. قال الجعبري: وطريق السلامة منه أن يلصق اللافظ به ظهر لسانه بأعلى حنكه لصقا محكما مرة واحدة، بحيث لا يرتعد لأنه متى ارتعد حدث من كل مرة راء، فهذه الصفة يجب أن تعرف لتجتنب لا ليؤتى بها. ولك كالسحر يعرف ليجتنب.
الصفة السادسة عشرة: التّفشّي:
ومعناه لغة: الانتشار والانبثاث، وقيل معناه لغة:
الاتساع لأنه يقال تفشت القرحة بمعنى اتسعت حكاه صاحب القاموس. واصطلاحا:
انتشار الريح في الفم عند النطق بالشين حتى يتصل بمخرج الظاء المشالة. وفي المرعشي نقلا عن الرعاية: معناه: كثرة انتشار خروج الريح بين اللسان والحنك، وانبساطه في الخروج عند النطق بالحرف. وقال فيها في باب الشين: التفشّي: ريح زائدة تنتشر في الفم عند النطق بالشين المعجمة اه. والتفشي: صفة للشين وحدها عند ابن الجزري والشاطبي، ومع الفاء عند صاحب درر الأفكار، ومع الثاء المثلثة عند صاحب الرعاية، ومع الضاد المعجمة عند بعض العلماء. وقال أي ذلك البعض: الشين تتفشى في الفم حتى تتصل بمخرج الظاء، والضاد تتفشى حتى تتصل بمخرج اللام اه. وقال قوم: إن في الصاد والسين المهملتين والراء تفشّيا. كذا في التمهيد. قال المرعشي: وبالجملة إن الحروف المذكورة مشتركة في كثرة انتشار خروج الريح، لكن ذلك الانتشار في الشين أكثر، ولذا اتفق على تفشّيه، وفي البواقي المذكورة قليل بالنسبة إليه ولذا لم يصفها أكثر العلماء بالتفشي.
الصفة السابعة عشرة: الاستطالة:
ومعناها لغة: الامتداد، وقيل: بعد المسافتين.
واصطلاحا: كما صرح به ابن الجعبري: امتداد الصوت من أول حافة اللسان إلى آخرها، وهي صفة الضاد المعجمة، وقد عرفت أوّل الحافة وآخرها في بيان مخرج الضاد. وهذا التعريف أولى مما وقع في بعض الرسائل: «الاستطالة: امتداد الصوت وهي في الضاد» وذلك لأن امتداد الصوت لا يخص بالضاد. ولمّا شارك المستطيل الممدود في امتداد الصوت وفي جريانه وإن لم يبلغ المستطيل قدر ألف فرّق كما قال الجعبري بين المستطيل والممدود بأن المستطيل جرى في مخرجه، والممدود جرى في نفسه بسكون الفاء بمعنى الذات. وتوضيح هذا الفرق أن للمستطيل مخرجا له طول في جهة جريان الصوت فجرى في مخرجه بقدر طوله ولم يتجاوزه، لما عرفت أن الحرف لا يتجاوز مخرجه المحقّق، وليس للمدود مخرج، فلم يجر إلا في ذاته إذ المخرج المقدّر ليس بمخرج حقيقة فلا ينقطع إلا بانقطاع الهواء اه.(1/58)
واصطلاحا: كما صرح به ابن الجعبري: امتداد الصوت من أول حافة اللسان إلى آخرها، وهي صفة الضاد المعجمة، وقد عرفت أوّل الحافة وآخرها في بيان مخرج الضاد. وهذا التعريف أولى مما وقع في بعض الرسائل: «الاستطالة: امتداد الصوت وهي في الضاد» وذلك لأن امتداد الصوت لا يخص بالضاد. ولمّا شارك المستطيل الممدود في امتداد الصوت وفي جريانه وإن لم يبلغ المستطيل قدر ألف فرّق كما قال الجعبري بين المستطيل والممدود بأن المستطيل جرى في مخرجه، والممدود جرى في نفسه بسكون الفاء بمعنى الذات. وتوضيح هذا الفرق أن للمستطيل مخرجا له طول في جهة جريان الصوت فجرى في مخرجه بقدر طوله ولم يتجاوزه، لما عرفت أن الحرف لا يتجاوز مخرجه المحقّق، وليس للمدود مخرج، فلم يجر إلا في ذاته إذ المخرج المقدّر ليس بمخرج حقيقة فلا ينقطع إلا بانقطاع الهواء اه.
خاتمة في الكلام على صفتي الخفاء والغنة، وبيان حروفهما
اعلم أن الخفاء معناه في اللغة الاستتار، وفي العرف خفاء صوت الحرف. وحروفه أربعة: حروف المدّ الثلاثة، والهاء. أما خفاء حروف المدّ فلسعة مخرجها. قال أبو شامة: حروف المدّ أخفى الحروف لاتساع مخرجها، وأخفاهن وأوسعهن مخرجا: الألف ثم الياء ثم الواو. ولخفاء حروف المدّ يجب بيانها قبل الهمزة بتطويل مدّها خوفا من سقوطها عند الإسراع لخفائها وصعوبة الهمزة بعدها. قال المرعشي: ولعل معناه: إذا وقع الأصعب بعد الأسهل، يهتم الطبع للأصعب، فيذهل عن الأسهل، فينعدم في التلفظ فيجب الاهتمام ببيان الأسهل حينئذ. أما خفاء الهاء فلاجتماع صفات الضعف فيها. قال في الرعاية: الخفاء من علامات ضعف الحروف، ولما كان الهاء حرفا خفيّا وجب أن يتحفظ ببيانها حيث وقعت. قال المرعشي: معنى «بيانها» تقوية صوتها بتقوية ضغط مخرجها، فلو لم يتحفظ على تقوية ضغط مخرجها لمال الطبع إلى توسيع مخرجها لعسر تضييقه لبعده عن الفم، فيكاد ينعدم في التلفظ اه.
وأما الغنة فقد نصّ العلماء على أنها من الصفات اللازمة، وهو صوت أغنّ مجهور شديد لا عمل للسان فيه. قيل إنه شبيه بصوت الغزالة إذا ضاع ولدها. قال الجعبري:
الغنة: صفة النون ولو تنوينا، والميم، تحركتا أو سكنتا، ظاهرتين أو مخفاتين أو مدغمتين، وهي في الساكن أكمل من المتحرك، وفي الساكن المخفى أزيد من الساكن المظهر، وفي الساكن المدغم أوفى من الساكن المخفى، فيجب المحافظة عليها وعلى إظهارها أيضا من الميم والنون المشدّدتين مطلقا مقدار ألف أي حركتين لا يزاد ولا ينقص عن ذلك لأن ميزانها في النطق بها كميزان المدّ الطبيعي في النطق به، ثم التشديد فيهما يشمل المدغمتين في كلمة أو كلمتين فالنون المدغمة في كلمة نحو {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنََّاسِ} [هود: الآية 119والناس: الآية 6]، وفي كلمتين نحو {مِنْ نََاصِرِينَ}
[العنكبوت: الآية 25]، والميم المدغمة في كلمة نحو: {الْمُزَّمِّلُ} [المزمّل: الآية 1]، {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللََّهِ} [الفتح: الآية 29]، وفي كلمتين نحو {مََا لَهُمْ مِنَ اللََّهِ} [يونس: الآية 27]، {كَمْ مِنْ فِئَةٍ} [البقرة: الآية 249].
ثم اعلم أن النون أغنّ من الميم كما في التمهيد. وقال الرضي: في الميم غنة وإن كانت أقل من غنة النون. قال المرعشي: أقوى الغنّات غنة النون المشدّدة فهي أكمل من غنة الميم المشدّدة، وغنة النون المخفاة أكمل من غنة الميم المخفاة. اه. فعليك يا أخي
بحفظ هذه الصفات على التفصيل حتى تكون عالما بالتجويد والترتيل. وللحروف صفات أخر غير مشهورة تركناها خوفا من الإملال والتطويل.(1/59)
ثم اعلم أن النون أغنّ من الميم كما في التمهيد. وقال الرضي: في الميم غنة وإن كانت أقل من غنة النون. قال المرعشي: أقوى الغنّات غنة النون المشدّدة فهي أكمل من غنة الميم المشدّدة، وغنة النون المخفاة أكمل من غنة الميم المخفاة. اه. فعليك يا أخي
بحفظ هذه الصفات على التفصيل حتى تكون عالما بالتجويد والترتيل. وللحروف صفات أخر غير مشهورة تركناها خوفا من الإملال والتطويل.
الفصل الثالث في بيان الفرق بين الحروف المشتركة في المخرج والصفة
اعلم أن كل حرف شارك غيره في مخرجه فإنه لا يمتاز عن مشاركه إلا بالصفات، وكل حرف شارك غيره في صفاته فإنه لا يمتاز عنه إلا بالمخرج.
(فالهمزة والهاء) اشتركتا مخرجا وانفتاحا واستفالا، وانفردت الهمزة بالجهر والشدّة، فلولا الهمس والرخاوة اللذان في الهاء مع شدّة الخفاء لكانت همزة، ولولا الشدة والجهر اللذان في الهمزة لكانت هاء.
(والعين والحاء المهملتان) اشتركتا مخرجا وانفتاحا واستفالا، وانفردت الحاء بالهمس والرخاوة، فلولا الجهر وبعض الشدّة في العين لكانت حاء، ولولا الهمس والرخاوة في الحاء لكانت عينا.
(والغين والخاء المعجمتان) اشتركتا مخرجا ورخاوة واستعلاء وانفتاحا، وانفردت الغين بالجهر.
(والجيم والشين والياء) اشتركت مخرجا وانفتاحا واستفالا، وانفردت الجيم بالشدّة، واشتركت مع الياء في الجهر، وانفردت الشين بالهمس والتفشّي، واشتركت مع الياء في الرخاوة.
(والضاد والظاء المعجمتان) اشتركتا جهرا ورخاوة واستعلاء وإطباقا، وافترقتا مخرجا، وانفردت الضاد بالاستطالة. وفي المرعشي نقلا عن الرعاية ما مختصره أن هذين الحرفين أعني الضاد والظاء متشابهان في السمع، ولا تفترق الضاد عن الظاء إلا باختلاف المخرج والاستطالة في الضاد، ولولا هما لكانت إحداهما عين الأخرى فالضاد أعظم كلفة وأشقّ على القارئ من الظاء، ومتى قصّر القارئ في تجويد الظاء جعلها ضادا لأنها تقرب من الظاء. وقال فيها أيضا: ولا بد للقارئ من التحفظ بلفظ الضاد حيث وقعت فهو أمر يقصّر فيه أكثر من رأيت من القراء والأئمة لصعوبته على من لم يدرب به. فلا بد للقارئ المجوّد أن يلفظ بالضاد مفخمة مستعلية مطبقة مستطيلة، فيظهر صوت خروج الريح عند ضغط حافة اللسان لما يليه من الأضراس عند اللفظ بها، ومتى فرّط في ذلك الريح عند ضغط حافة اللسان لما يليه من الأضراس عند اللفظ بها، ومتى فرّط في ذلك أتى بلفظ الظاء المعجمة فالضاد أصعب الحروف تكلفا في المخرج، وأشدّها
صعوبة على اللافظ. اه باختصار. وقال فيها: وإذا وقعت الظاء بعد الضاد نحو {أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشّرح: الآية 3] فلا بد من بيان الظاء وتمييزها عن الضاد، فإن لفظت بالضاد المعجمة بأن جعلت مخرجها من حافة اللسان مع ما يليها من الأضراس بدون إكمال حصر الصوت، وأعطيت لها الإطباق والتفخيم الوسطين والرخاوة والجهر والاستطالة والتفشي القليل، فهذا هو الحق المؤيد بكلام الأئمة في كتبهم، ويشبه صوتها حينئذ صوت الظاء المعجمة بالضرورة، فماذا بعد الحق إلا الضلال. ولإشكال أمر الضاد أطنبت في الكلام اه. مرعشي.(1/60)
(والضاد والظاء المعجمتان) اشتركتا جهرا ورخاوة واستعلاء وإطباقا، وافترقتا مخرجا، وانفردت الضاد بالاستطالة. وفي المرعشي نقلا عن الرعاية ما مختصره أن هذين الحرفين أعني الضاد والظاء متشابهان في السمع، ولا تفترق الضاد عن الظاء إلا باختلاف المخرج والاستطالة في الضاد، ولولا هما لكانت إحداهما عين الأخرى فالضاد أعظم كلفة وأشقّ على القارئ من الظاء، ومتى قصّر القارئ في تجويد الظاء جعلها ضادا لأنها تقرب من الظاء. وقال فيها أيضا: ولا بد للقارئ من التحفظ بلفظ الضاد حيث وقعت فهو أمر يقصّر فيه أكثر من رأيت من القراء والأئمة لصعوبته على من لم يدرب به. فلا بد للقارئ المجوّد أن يلفظ بالضاد مفخمة مستعلية مطبقة مستطيلة، فيظهر صوت خروج الريح عند ضغط حافة اللسان لما يليه من الأضراس عند اللفظ بها، ومتى فرّط في ذلك الريح عند ضغط حافة اللسان لما يليه من الأضراس عند اللفظ بها، ومتى فرّط في ذلك أتى بلفظ الظاء المعجمة فالضاد أصعب الحروف تكلفا في المخرج، وأشدّها
صعوبة على اللافظ. اه باختصار. وقال فيها: وإذا وقعت الظاء بعد الضاد نحو {أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشّرح: الآية 3] فلا بد من بيان الظاء وتمييزها عن الضاد، فإن لفظت بالضاد المعجمة بأن جعلت مخرجها من حافة اللسان مع ما يليها من الأضراس بدون إكمال حصر الصوت، وأعطيت لها الإطباق والتفخيم الوسطين والرخاوة والجهر والاستطالة والتفشي القليل، فهذا هو الحق المؤيد بكلام الأئمة في كتبهم، ويشبه صوتها حينئذ صوت الظاء المعجمة بالضرورة، فماذا بعد الحق إلا الضلال. ولإشكال أمر الضاد أطنبت في الكلام اه. مرعشي.
(والطاء والدال المهملتان والتاء المثناة الفوقية) اشتركت في المخرج والشدة، وانفردت الطاء بالإطباق والاستعلاء والتفخيم، فلولا هذه الثلاثة لكانت دالا، ولولا أضدادها في التاء لكانت طاء، ولو أعطيت الطاء همسا مع بقاء الإطباق والاستعلاء والتفخيم لا تصير حرفا معتدّا به، بل هو لحن، وتنفرد الدال عن التاء بالجهر فقط، فلولا الجهر لكانت تاء، ولولا الهمس في التاء لكانت دالا، فالطاء أقرب إلى الدال منها إلى التاء بدون العكس لأن الدال أقرب إلى التاء، وبالعكس.
(والظاء والذال المعجمتان والثاء المثلثة) اشتركت مخرجا ورخاوة، وانفردت الظاء بالاستعلاء والإطباق، واشتركت مع الذال في الجهر، فلولا الإطباق والاستعلاء في الظاء لكانت ذالا، ولولا أضدادها في الذال لكانت ظاء، وانفردت الثاء بالهمس، واشتركت مع الذال استفالا وانفتاحا، ومتى قصر القارئ في تفخيم الظاء جعلها ذالا، ومتى قصر في ترقيق الذال إذا وقع بعدها قاف نحو: (ذاق) دخلها تفخيم يؤديها إلى الإطباق فتصير ظاء لأن القاف مفخم، والمفخم يغلب على المرقق فيسبق اللسان إلى أن يعطى للمرقق تفخيما.
(والصاد والسين والزاي) اشتركت مخرجا ورخاوة وصفيرا، وانفردت الصاد عن السين بالإطباق والاستعلاء والتفخيم، فلولا هذه الثلاث لكانت سينا، ولولا أضدادها في السين لكانت صادا، وعن الزاي بهذه الثلاث وبالهمس، فلولا هذه الأربع لكانت زاء، ولولا أضدادها في الزاي لكانت صادا، وتنفرد السين عن الزاي بالهمس فقط، فلولا الهمس لكانت زاء، ولولا الجهر في الزاي لكانت سينا فالصاد أقرب إلى السين منها إلى الزاي، بدون العكس لأن السين أقرب إلى الزاي اه. فإذا أحكم النطق بكل حرف على حدته موفّيا حقّه فليعمل نفسه بإحكامه حالة التركيب لأنه ينشأ عن التركيب ما لم يكن حالة الإفراد، وذلك ظاهر فكم ممن يحسن الحروف مفردة ولا يحسنها مركبة بحسب ما يجاورها من مقارب ومجانس وقوي وضعيف ومفخّم ومرقّق، فيجذب القويّ
الضعيف، ويغلب المفخّم المرقّق، فيصعب على اللسان النطق بذلك على حقه إلا بالرياضة الشديدة حالة التركيب، فمن أحكم صحة التلفظ حالة التركيب حصّل حقيقة التجويد بالإتقان والتدريب، وسنورد من ذلك ما هو كاف إن شاء الله تعالى.(1/61)
(والصاد والسين والزاي) اشتركت مخرجا ورخاوة وصفيرا، وانفردت الصاد عن السين بالإطباق والاستعلاء والتفخيم، فلولا هذه الثلاث لكانت سينا، ولولا أضدادها في السين لكانت صادا، وعن الزاي بهذه الثلاث وبالهمس، فلولا هذه الأربع لكانت زاء، ولولا أضدادها في الزاي لكانت صادا، وتنفرد السين عن الزاي بالهمس فقط، فلولا الهمس لكانت زاء، ولولا الجهر في الزاي لكانت سينا فالصاد أقرب إلى السين منها إلى الزاي، بدون العكس لأن السين أقرب إلى الزاي اه. فإذا أحكم النطق بكل حرف على حدته موفّيا حقّه فليعمل نفسه بإحكامه حالة التركيب لأنه ينشأ عن التركيب ما لم يكن حالة الإفراد، وذلك ظاهر فكم ممن يحسن الحروف مفردة ولا يحسنها مركبة بحسب ما يجاورها من مقارب ومجانس وقوي وضعيف ومفخّم ومرقّق، فيجذب القويّ
الضعيف، ويغلب المفخّم المرقّق، فيصعب على اللسان النطق بذلك على حقه إلا بالرياضة الشديدة حالة التركيب، فمن أحكم صحة التلفظ حالة التركيب حصّل حقيقة التجويد بالإتقان والتدريب، وسنورد من ذلك ما هو كاف إن شاء الله تعالى.
الفصل الرابع في بيان الصفات القوية والضعيفة
اعلم أن الصفات تنقسم إلى قوية وضعيفة:
أما صفات القوّة فهي: الجهر، والشدة، والاستعلاء، والإطباق، والإصمات، والصفير، والقلقلة، والانحراف، والتكرير، والتفشّي، والاستطالة، والغنة. قال المرعشي: وبعض هذه الصفات أقوى من بعض في القوة فالقلقلة أقوى الصفات، والشدّة أقوى من الجهر، وكلّ واحد من هذه الثلاثة أقوى من التفشّي، والصفير والإطباق أقوى من الاستعلاء الخالي عنه.
وأما الصفات الضعيفة فهي: الهمس، والرخاوة البينية، والاستفال، والانفتاح، والذلاقة، واللين، والخفاء. هذا ما مشى عليه المقدسي والملّا علي وصاحب القول المفيد. لكن رأيت في شرح ابن غازي أنه قسّمها أقساما ثلاثة: قوية، وضعيفة، ومتوسطة أو عدّ الإصمات والذلاقة من المتوسطة، أي بين القوّة والضعف فكلّ حرف من التسعة والعشرين لا بد أن يتصف بخمس صفات من الصفات المتضادّة. وأما غير المتضادّة فتارة يتّصف بصفة أو صفتين منها، وتارة لا يتصف بشيء.
ثم اعلم أن الحرف إذا كثرت فيه صفات القوّة وقلّت منه صفات الضعف كان قويّا، ويتفرّع منه الأقوى، وكذلك إذا كثرت فيه صفات الضعف وقلّت منه صفات القوّة كان ضعيفا ويتفرّع منه الأضعف، فإذا استوى فيه الأمران كان متوسطا فالطاء المهملة أقوى الحروف لأنه قد اجتمع فيها من صفات القوة ما لم يجتمع في غيرها من الحروف فإنها مجهورة شديدة مستعلية مطبقة مصمتة مقلقلة. والصاد المهملة من الأحرف القوية لأنه قد اجتمع فيها من صفات القوّة: الاستعلاء والإطباق والإصمات والصفير، ومن صفات الضعف: الهمس والرخاوة، فهي دون الطاء في القوّة إذ عدمت الجهر والشدّة.
والسين المهملة من الأحرف الضعيفة بما اجتمع فيها من صفات الضعف فإن فيها الاستفال والانفتاح والهمس والرخاوة، وفيها من صفات القوّة الإصمات والصفير، فهي دون الصاد في القوة إذ عدمت الاستعلاء والإطباق. والثاء المثلثة من أضعف الحروف أي بما اجتمع فيها من صفات الضعف فإن فيها الاستفال والانفتاح والهمس والرخاوة،
وفيها من صفات القوّة الإصمات، فهي أضعف من السين المهملة إذ عدمت الصفير.(1/62)
والسين المهملة من الأحرف الضعيفة بما اجتمع فيها من صفات الضعف فإن فيها الاستفال والانفتاح والهمس والرخاوة، وفيها من صفات القوّة الإصمات والصفير، فهي دون الصاد في القوة إذ عدمت الاستعلاء والإطباق. والثاء المثلثة من أضعف الحروف أي بما اجتمع فيها من صفات الضعف فإن فيها الاستفال والانفتاح والهمس والرخاوة،
وفيها من صفات القوّة الإصمات، فهي أضعف من السين المهملة إذ عدمت الصفير.
والباء الموحدة من الأحرف المتوسطة في القوّة والضعف لأن فيها الجهر والشدّة والقلقلة من صفات القوّة، وفيها الاستفال والانفتاح والإذلاق من صفات الضعف، فعلى قدر ما في الحرف من الصفات القوية تكون قوّته، وعلى قدر ما فيه من الصفات الضعيفة يكون ضعفه. وبما تقرّر علم أن الحروف الهجائية على خمسة أقسام: قوي، وأقوى، وضعيف، وأضعف، ومتوسط. (فالقوي) حروفه ستة: وهي الجيم، والدال والصاد المهملتان، والغين المعجمة، والراء، والزاي. (والأقوى) حروفه أربعة: الطاء المهملة، والضاد، والظاء المعجمتان، والقاف فجملة ما للقوّة عشرة أحرف. و (المتوسط) حروفه ثمانية: الهمزة، والألف، والباء الموحدة، والتاء المثناة فوق، والخاء والذال المعجمتان، والعين المهملة، والكاف. (والضعيف) حروفه خمسة: السين، والشين، واللام، والواو، والياء التحتية. (والأضعف) حروفه ستة: الثاء المثلثة، والحاء المهملة، والنون، والميم، والفاء، والهاء، [اه. مرعشي وشرح القول المفيد]. وقد نظم بعضهم ذلك فقال:
أقوى الحروف الطّا وضاد معجمه ... والظاء ثم القاف وهي الخاتمه
قويّها جيم ودال ثمّ را ... صاد وزاي ثم غين قرّرا
وأوسط همز وباء تا ألف ... خاء وذال عين كاف ثم قف
وأضعف الحروف ثاء حاء ... والنّون والميم وفاء هاء
ضعيفها سين وشين لام ... والواو والياء هي الختام
فاجتهد رحمك الله، واشتغل بتصحيح ألفاظ حروف القرآن على الصفة المتلقاة من الأئمة أولي الإتقان، والمتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية التي لا يجوز مخالفتها ولا العدول عنها إلى غيرها، خصوصا الأحرف الضعيفة التي كثرت فيها صفات الضعف كالهاء فإن فيها همسا ورخاوة واستفالا وانفتاحا، وفيها صفة واحدة من صفات القوّة وهي الإصمات، فالأكثر غلب الأقلّ. ولهذا تذهب من بعض القرّاء نحو {جِبََاهُهُمْ}
[التّوبة: الآية 35] و {وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: الآية 106، وغيرها]. فتأمل.
الفصل الخامس في توزيع الصفات على موصوفاتها مرتبة على ترتيب مخارجها، وفي ذكر ما يتعلق بكل حرف من التجويد
اعلم أن أوّل مخارج الحروف الجوف، وهو مخرج لحروف المدّ الثلاثة، وصفاتها خمسة: الجهر، والرخاوة، والانفتاح، والإصمات، والاستفال. وقد جمعها
بعضهم فقال:(1/63)
اعلم أن أوّل مخارج الحروف الجوف، وهو مخرج لحروف المدّ الثلاثة، وصفاتها خمسة: الجهر، والرخاوة، والانفتاح، والإصمات، والاستفال. وقد جمعها
بعضهم فقال:
وأحرف المدّ لها اشتراك ... في خمس أوصاف لها إدراك
رخاوة جهر وفتح قد أتى ... إصمات كلّ واستفال ثبتا
قال بعض شرّاح الجزرية: اعلم أن الألف الساكنة المفتوح ما قبلها انفردت بأحوال ليست في غيرها: منها أنها تقع زائدة إذا لم تنقلب عن حرف آخر، فإن انقلبت كانت أصلية، فتنقلب عن واو نحو {قََالَ} [البقرة: الآية 30، وغيرها]، وعن ياء نحو {جََاءَ}
[النّصر: الآية 1، وغيرها]، وعن همزة نحو {سَأَلَ} [المعارج: الآية 1]، وتكون عوضا عن التنوين المنصوب في حال الوقف، وتكون تابعة للحرف الذي قبلها، فإن وقعت بعد حرف مستفل وجب ترقيقها اتفاقا نحو {الْعََالَمِينَ} [الفاتحة: الآية 2، وغيرها] و {الرَّحْمََنِ}
[الفاتحة: الآية 1] و {إِيََّاكَ} [الفاتحة: الآية 5] و {هََذَا} [البقرة: الآية 25] و {حم} (1) [الشّورى: الآية 1] وما أشبه ذلك. وإذا وقعت بعد حرف مستعل وجب تفخيمها اتفاقا نحو {الصََّادِقِينَ} [المائدة: الآية 119] و {الظََّالِمِينَ} [الأنعام: الآية 33] و {وَالْقََائِمِينَ} [الحج: الآية 26] و {الْخََاشِعِينَ} [البقرة: الآية 45] لأن الألف ليس فيه عمل عضو أصلا حتى يوصف بالتفخيم أو الترقيق، وإنما يخرج من الجوف من غير انضغاط صوته في موضع اه. قال المرعشي: «ولما كان في الياء والواو المدّيتين عمل عضو في الجملة كما سبق، لم يكونا تابعين لما قبلهما، بل هما مرقّقتان في كل حال، كذا يفهم من إطلاقاتهم». ولعل الحقّ أن الواو المدّية تفخّم بعد المفخم، وذلك لأن ترقيقها بعد المفخم في نحو {وَالطُّورِ} (1) [الطّور: الآية 1] و {الصُّورِ} [الأنعام: الآية 73] و {قُوا} [التّحريم: الآية 6] لا يمكن إلا بإشرابها صوت الياء المديّة بأن يحرّك وسط اللسان إلى جهة الفك الأسفل من الحنك كما يشهد به الوجدان الصادق، مع أن الواو ليس إلى جهة الفك الأسفل من الحنك كما يشهد به الوجدان الصادق، مع أن الواو ليس فيه عمل اللسان أصلا. وقد رجوت أن يوجد التصريح بذلك أو الإشارة إليه في كتب هذا الفن، لكن أعياني الطلب، فمن وجده فليكتبه هنا. اه. وأما الياء المديّة فلا شك أنها مرققة في كل حال. [اه. بالحرف].
(وأما الهمزة) فقد تقدّم الكلام على مخرجها ونسبتها. ولها من الصفات خمس:
الجهر، والشدة، والإصمات، والانفتاح، والاستفال. وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للهمز جهر واستفال ثبتا ... فتح وشدّة وصمت يا فتى
وهي من حروف الإبدال وحروف الزوائد، وهي لا صورة لها في الخط تعرف بها، وإنما يستعار لها صورة غيرها فمرّة يستعار لها صورة الألف نحو (رأس)، ومرة يستعار
لها صورة الواو نحو {يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: الآية 99، وغيرها]، ومرة يستعار لها صورة الياء نحو {وَبِئْرٍ} [الحج: الآية 45] و (ذئب)، ومرّة لا يكون لها صورة نحو (دفء) و (ملء)، وإنما تعلم بالشكل والمشافهة. والناس يتفاضلون في النطق بها على مقدار غلظ طباعهم فمنهم من يلفظ بها لفظا تستبشعه الأسماع وتنبو عنه القلوب، وتنفر منه الطباع، ويثقل على العلماء بالقراءة، وذلك مكروه، معيب من أخذ به. ومنهم من يلفظ بها مفخمة، وهو خطأ. ومنهم من يشدّدها في تلاوته يقصد بذلك تحقيقها، وأكثر ما يستعملون ذلك بعد المدّ نحو {يََا أَيُّهَا} [البقرة: الآية 21، وغيرها] وهذا حرام. ومنهم من يأتي بها في لفظه مسهّلة، وذلك لا يجوز إلا فيما أحكمت الرواية تسهيله. والذي ينبغي للقارئ إذا أتى بالهمزة أن يأتي بها سلسة في النطق، سهلة في الذوق، من غير لكن ولا انتبار لها، ولا خروج بها عن حدّها، ساكنة كانت أو متحركة، يألف ذلك طبع كل أحد، ويستحسنه أهل العلم بالقراءة. فإذا ابتدأ بها القارئ فليحتفظ من تغليظ النطق بها نحو قوله:(1/64)
للهمز جهر واستفال ثبتا ... فتح وشدّة وصمت يا فتى
وهي من حروف الإبدال وحروف الزوائد، وهي لا صورة لها في الخط تعرف بها، وإنما يستعار لها صورة غيرها فمرّة يستعار لها صورة الألف نحو (رأس)، ومرة يستعار
لها صورة الواو نحو {يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: الآية 99، وغيرها]، ومرة يستعار لها صورة الياء نحو {وَبِئْرٍ} [الحج: الآية 45] و (ذئب)، ومرّة لا يكون لها صورة نحو (دفء) و (ملء)، وإنما تعلم بالشكل والمشافهة. والناس يتفاضلون في النطق بها على مقدار غلظ طباعهم فمنهم من يلفظ بها لفظا تستبشعه الأسماع وتنبو عنه القلوب، وتنفر منه الطباع، ويثقل على العلماء بالقراءة، وذلك مكروه، معيب من أخذ به. ومنهم من يلفظ بها مفخمة، وهو خطأ. ومنهم من يشدّدها في تلاوته يقصد بذلك تحقيقها، وأكثر ما يستعملون ذلك بعد المدّ نحو {يََا أَيُّهَا} [البقرة: الآية 21، وغيرها] وهذا حرام. ومنهم من يأتي بها في لفظه مسهّلة، وذلك لا يجوز إلا فيما أحكمت الرواية تسهيله. والذي ينبغي للقارئ إذا أتى بالهمزة أن يأتي بها سلسة في النطق، سهلة في الذوق، من غير لكن ولا انتبار لها، ولا خروج بها عن حدّها، ساكنة كانت أو متحركة، يألف ذلك طبع كل أحد، ويستحسنه أهل العلم بالقراءة. فإذا ابتدأ بها القارئ فليحتفظ من تغليظ النطق بها نحو قوله:
{الْحَمْدُ} [الفاتحة: الآية 2، وغيرها] {الَّذِينَ} [الفاتحة: الآية 7، وغيرها] {أَأَنْذَرْتَهُمْ}
[البقرة: الآية 6] ولا سيما إذا أتى بعدها ألف نحو {آتِي} [مريم: الآية 93] و {آيََاتٍ}
[البقرة: الآية 99] و {آمِّينَ} [المائدة: الآية 2]، فإن جاء بعدها حرف مغلّظ كان التحفظ آكد نحو {اللََّهِ} [الفاتحة: الآية 1، وغيرها] {اللََّهُمَّ} [الزّمر: الآية 46]، أو مفخم نحو {الطَّلََاقَ} [البقرة: الآية 227] {اصْطَفى ََ} [البقرة: الآية 132] {وَأَصْلَحَ} [المائدة: الآية 39]، فإن كان حرفا مجانسا أو مقاربا لها: كان التحفظ بسهولتها أشد وبترقيقها آكد، نحو {اهْدِنَا} [الفاتحة: الآية 6] {أَهْدى ََ} [النّساء: الآية 51] {أَعُوذُ} [البقرة: الآية 67] {أَعْطى ََ} [طه: الآية 50] {أَحَطْتُ} [النّمل: الآية 22] {أَحَقُّ} [البقرة: الآية 228] فكثير من الناس ينطق بها كالمتهوّع [أي المتقيّئ، يقال: تهوّع القيء إذا تكلفه اهـ]. ويجب المحافظة عليها إذا أتت بعد حرف المدّ لئلا تصير ياء فهو (كلّا إنّ) [العلق: الآية 6] و {قََالُوا إِنَّ} [المطفّفين: الآية 32]، وكذا ينبغي أن يتحفّظ من إخفائها إذا انضمت أو انكسرت وكان بعد كلّ منهما أو قبله ضمة أو كسرة نحو قوله: {إِلى ََ بََارِئِكُمْ} [البقرة:
الآية 54] و {سُئِلَ} [البقرة: الآية 108] و {مُتَّكِؤُنَ} [يس: الآية 56] و {أُعِدَّتْ} [البقرة:
الآية 24، وغيرها]، وينبغي أيضا إذا وقف على الهمزة المتطرفة بالسكون أن يظهرها في وقفه لبعد مخرجها وضغطها بالسكون لأن كل حرف سكن خفّف إلا الهمزة فإنها إذا سكنت ثقلت لا سيما إذا كان قبلها ساكن سواء كان الساكن حرف علة أو صحّة نحو {مِنَ السَّمََاءِ} [البقرة: الآية 19] و {مِنْ شَيْءٍ} [آل عمران: الآية 92] و {ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح:
الآية 6] و {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} [فاطر: الآية 43] و {وَلَا الْمُسِيءُ} [غافر: الآية 58] و {مِلْءُ} [آل عمران: الآية 91] و {دِفْءٌ} [النّحل: الآية 5] و {الْخَبْءَ} [النّمل: الآية 25] ولذلك آثر
هشام تسهيلها على تسهيل الهمزة المتوسطة، فإن كانت الهمزة المتطرفة منصوبة بعدها تنوين أبدل التنوين ألفا، وصارت الهمزة غير متطرفة لأن الألف جاءت بعدها نحو قوله: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً} [التوبة: الآية 57] و {دُعََاءً} [البقرة: الآية 171] و {نِدََاءً}
[مريم: الآية 3] و {بِنََاءً} [البقرة: الآية 22] و {نِسََاءٌ} [الحجرات: الآية 11] [اهـ. تمهيد وثغر].(1/65)
الآية 6] و {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} [فاطر: الآية 43] و {وَلَا الْمُسِيءُ} [غافر: الآية 58] و {مِلْءُ} [آل عمران: الآية 91] و {دِفْءٌ} [النّحل: الآية 5] و {الْخَبْءَ} [النّمل: الآية 25] ولذلك آثر
هشام تسهيلها على تسهيل الهمزة المتوسطة، فإن كانت الهمزة المتطرفة منصوبة بعدها تنوين أبدل التنوين ألفا، وصارت الهمزة غير متطرفة لأن الألف جاءت بعدها نحو قوله: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً} [التوبة: الآية 57] و {دُعََاءً} [البقرة: الآية 171] و {نِدََاءً}
[مريم: الآية 3] و {بِنََاءً} [البقرة: الآية 22] و {نِسََاءٌ} [الحجرات: الآية 11] [اهـ. تمهيد وثغر].
(وأما الهاء) فقد تقدم الكلام على أنها تخرج من مخرج الهمزة، وهو المخرج الأول من مخارج الحلق، ولها خمس صفات وهي: الهمس، والرخاوة، والاستفال، والانفتاح، والإصمات، وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للهاء الاستفال مع فتح كذا ... همس ورخو ثم إصمات خذا
قال ابن الجزري في التمهيد: ومن صفاتها الخفاء لأنها تخفى في اللفظ إذا اندرجت بعد حرف قبلها، ولخفائها قوّوها بالصلة، وقال السخاوي في نونيته:
والهاء تخفى بيّنن إظهارها ... في نحو من هاد وفي بهتان
وجباههم ووجوههم بين بلا ... ثقل تزيد به على التّبيان
[اهـ] فلولا الهمس والرخاوة اللذان فيها مع شدة الخفاء لكانت همزة، ولولا الشدة والجهر اللذان في الهمزة لكانت هاء إذ المخرج واحد، ومن أجل ذلك أبدلت العرب من الهاء همزة ومن الهمزة هاء، فقالوا: ماء وماه، وأرقت الماء وهرقته، كذا في مواضع. وقد تكون حروف من مخرج واحد وتختلف صفاتها، فيختلف لذلك ما يقع في السمع من كل حرف، ولما كانت الهاء حرفا خفيّا أي لاجتماع جميع صفات الضعف فيها: وجب أن يتحفظ ببيانها أي بيان تقوية صوتها بتقوية ضغط مخرجها، فلو لم يتحفظ على تقوية ضغط مخرجها لمال الطبع إلى توسيع مخرجها لعسر تضييقه لبعده عن الفم، فيكاد ينعدم في التلفظ، وإذا تكررت الهاء في كلمة أو كلمتين كان البيان آكد لتكرّر الخفاء، ولتأتّي الإدغام في ذلك لاجتماع المثلين، وذلك نحو قوله: {وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: الآية 106، وغيرها] و {وَيُلْهِهِمُ} [الحجر: الآية 3] و {فِيهِ هُدىً} [البقرة: الآية 2، وغيرها] و {وَاعْبُدُوهُ} [العنكبوت: الآية 17] فلا بد من تبيين تفكيكهما وملاحظة بيانهما من غير عجلة تجحف بلفظهما، ولا تمطيط يزيد على المطلوب فيثقل على الأسماع والقلوب، فإنّ ما زاد على البيان ليس ببيان، وقد قال حمزة رحمه الله تعالى: «ما فوق القراءة ليس بقراءة»، قال المرعشي: وتجب المحافظة على ترقيقها إذا كان بعدها ألف
مدّية نحو {هََا أَنْتُمْ هََؤُلََاءِ} [آل عمران: الآية 66]، وكذا إذا قارن المفخم نحو {فَاطَّهَّرُوا}
[المائدة: الآية 6] و {ظَهَرَ الْفَسََادُ} [الرّوم: الآية 41]. وإذا وقعت بين ألفين وجب بيانها لاجتماع ثلاثة أحرف خفية كقوله: {بَنََاهََا} [الشّمس: الآية 5] و {طَحََاهََا} [الشّمس: الآية 6] ونحوه، فإن كان قبل الألف هاء كان البيان آكد نحو قوله: {مُنْتَهََاهََا} [النّازعات: الآية 44]. وفي الرعاية: وإذا وقعت الهاء بعد حاء مهملة وجب التحفّظ بإظهار الهاء نحو {وَسَبِّحْهُ} [الإنسان: الآية 26] لئلا تصير مع الحاء التي قبلها بلفظ حاء مشدّدة بأن تنقلب حاء وتدغم فيها لقوة الحاء وضعف الهاء، والقويّ يغلب على الضعيف ويجذبه إلى نفسه. وكذا إذا وقعت قبل حاء مهملة يجب التحفظ ببيان الهاء نحو {وَمََا قَدَرُوا اللََّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: الآية 91] و {اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} [آل عمران: الآية 102] و {فَسُبْحََانَ اللََّهِ حِينَ} [الرّوم: الآية 17] لئلا تزداد خفاء عند الحاء وتصير حاء فينطق بحاءين، أو تصير مدغمة في الحاء. وكذا تجب المحافظة على الهاء في قوله: {بِمُزَحْزِحِهِ} [البقرة: الآية 96] لئلا تصير حاء، وكذا يجب التحفظ عليها إذا وقعت قبل العين المهملة نحو {وَاللََّهُ عَلِيمٌ} [البقرة: الآية 95، وغيرها]. وإذا سكنت الهاء وأتى بعدها حرف آخر لا بد من بيانها لخفائها نحو {اللََّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: الآية 15] و {عَهْداً} [البقرة: الآية 80] و {اهْتَدى ََ}
[يونس: الآية 108] و {كَالْعِهْنِ} [المعارج: الآية 9، وغيرها]، وكذا إذا أتت ساكنة بعد الحاء المهملة نحو قوله: {يََا نُوحُ اهْبِطْ} [هود: الآية 48] لئلا تصير حاء. وفي هذا القدر كفاية، فتأمل.(1/66)
والهاء تخفى بيّنن إظهارها ... في نحو من هاد وفي بهتان
وجباههم ووجوههم بين بلا ... ثقل تزيد به على التّبيان
[اهـ] فلولا الهمس والرخاوة اللذان فيها مع شدة الخفاء لكانت همزة، ولولا الشدة والجهر اللذان في الهمزة لكانت هاء إذ المخرج واحد، ومن أجل ذلك أبدلت العرب من الهاء همزة ومن الهمزة هاء، فقالوا: ماء وماه، وأرقت الماء وهرقته، كذا في مواضع. وقد تكون حروف من مخرج واحد وتختلف صفاتها، فيختلف لذلك ما يقع في السمع من كل حرف، ولما كانت الهاء حرفا خفيّا أي لاجتماع جميع صفات الضعف فيها: وجب أن يتحفظ ببيانها أي بيان تقوية صوتها بتقوية ضغط مخرجها، فلو لم يتحفظ على تقوية ضغط مخرجها لمال الطبع إلى توسيع مخرجها لعسر تضييقه لبعده عن الفم، فيكاد ينعدم في التلفظ، وإذا تكررت الهاء في كلمة أو كلمتين كان البيان آكد لتكرّر الخفاء، ولتأتّي الإدغام في ذلك لاجتماع المثلين، وذلك نحو قوله: {وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: الآية 106، وغيرها] و {وَيُلْهِهِمُ} [الحجر: الآية 3] و {فِيهِ هُدىً} [البقرة: الآية 2، وغيرها] و {وَاعْبُدُوهُ} [العنكبوت: الآية 17] فلا بد من تبيين تفكيكهما وملاحظة بيانهما من غير عجلة تجحف بلفظهما، ولا تمطيط يزيد على المطلوب فيثقل على الأسماع والقلوب، فإنّ ما زاد على البيان ليس ببيان، وقد قال حمزة رحمه الله تعالى: «ما فوق القراءة ليس بقراءة»، قال المرعشي: وتجب المحافظة على ترقيقها إذا كان بعدها ألف
مدّية نحو {هََا أَنْتُمْ هََؤُلََاءِ} [آل عمران: الآية 66]، وكذا إذا قارن المفخم نحو {فَاطَّهَّرُوا}
[المائدة: الآية 6] و {ظَهَرَ الْفَسََادُ} [الرّوم: الآية 41]. وإذا وقعت بين ألفين وجب بيانها لاجتماع ثلاثة أحرف خفية كقوله: {بَنََاهََا} [الشّمس: الآية 5] و {طَحََاهََا} [الشّمس: الآية 6] ونحوه، فإن كان قبل الألف هاء كان البيان آكد نحو قوله: {مُنْتَهََاهََا} [النّازعات: الآية 44]. وفي الرعاية: وإذا وقعت الهاء بعد حاء مهملة وجب التحفّظ بإظهار الهاء نحو {وَسَبِّحْهُ} [الإنسان: الآية 26] لئلا تصير مع الحاء التي قبلها بلفظ حاء مشدّدة بأن تنقلب حاء وتدغم فيها لقوة الحاء وضعف الهاء، والقويّ يغلب على الضعيف ويجذبه إلى نفسه. وكذا إذا وقعت قبل حاء مهملة يجب التحفظ ببيان الهاء نحو {وَمََا قَدَرُوا اللََّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: الآية 91] و {اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} [آل عمران: الآية 102] و {فَسُبْحََانَ اللََّهِ حِينَ} [الرّوم: الآية 17] لئلا تزداد خفاء عند الحاء وتصير حاء فينطق بحاءين، أو تصير مدغمة في الحاء. وكذا تجب المحافظة على الهاء في قوله: {بِمُزَحْزِحِهِ} [البقرة: الآية 96] لئلا تصير حاء، وكذا يجب التحفظ عليها إذا وقعت قبل العين المهملة نحو {وَاللََّهُ عَلِيمٌ} [البقرة: الآية 95، وغيرها]. وإذا سكنت الهاء وأتى بعدها حرف آخر لا بد من بيانها لخفائها نحو {اللََّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: الآية 15] و {عَهْداً} [البقرة: الآية 80] و {اهْتَدى ََ}
[يونس: الآية 108] و {كَالْعِهْنِ} [المعارج: الآية 9، وغيرها]، وكذا إذا أتت ساكنة بعد الحاء المهملة نحو قوله: {يََا نُوحُ اهْبِطْ} [هود: الآية 48] لئلا تصير حاء. وفي هذا القدر كفاية، فتأمل.
(وأمّا العين المهملة) فقد تقدم الكلام على أنها تخرج من المخرج الثاني من الحلق، ولها خمس صفات: الجهر، والبينية، والاستفال، والانفتاح، والإصمات. قد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للعين جهر ثم وسط حصلا ... فتح استفال ثمّ صمت نقلا
فإذا نطقت بها فبيّن جهرها، وإلا عادت حاء إذ لولا الجهر وبعض الشدة لكانت حاء، وكذلك لولا الهمس والرخاوة اللذان في الحاء لكانت عينا، فإذا وقع بعدها حرف مهموس كقوله: {تَعْتَدُوا} [البقرة: الآية 190] و {الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: الآية 190] فلا بد من ترقيقها وبيان جهرها وشدتها. وكذا إذا وقع بعدها ألف نحو {الْعََالَمِينَ} [الفاتحة:
الآية 2، وغيرها] فلطّف العين ورقّق الألف، وبعض الناس يفخمونه، وهو خطأ. وإذا تكررت فلا بد من بيانها لقوّتها وصعوبتها على اللسان لأن التلفظ بحرف الحلق منفردا فيه صعوبة، فإذا تكررت كان أصعب نحو قوله: {أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ} [الحجّ: الآية 65] و {يَنْزِعُ عَنْهُمََا} [الأعراف: الآية 27] و {فُزِّعَ عَنْ} [سبأ: الآية 23] {نَطْبَعُ عَلى ََ} [يونس: الآية
74] و {يَشْفَعُ عِنْدَهُ} [البقرة: الآية 255] و {تَطَّلِعُ عَلى ََ} [المائدة: الآية 13]. وإذا سكنت العين وأتى بعدها هاء وجب التحفّظ بإظهار العين لئلا تقرب من لفظ الحاء وتدغم فيها الهاء فتصير كأنّها حاء مشدّدة نحو قوله: {أَلَمْ أَعْهَدْ} [يس: الآية 60] و {فَاتَّبِعْهََا}
[الجاثية: الآية 18] و {فَبََايِعْهُنَّ} [الممتحنة: الآية 12] و {لََا تُطِعْهُ} [العلق: الآية 19] وكذا إذا سكنت وأتى بعدها غين معجمة وجب بيانها لئلا يتبادر اللسان إلى الإدغام لقرب المخرج نحو قوله: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} [النّساء: الآية 46]، ويجب أن يحترز عن حصر صوت العين بالكلية إذا شدّدت نحو {يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون: الآية 2] و {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى ََ نََارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} (13) [الطّور: الآية 13] لئلا تصير من الحروف الشديدة، قال الرضي:(1/67)
الآية 2، وغيرها] فلطّف العين ورقّق الألف، وبعض الناس يفخمونه، وهو خطأ. وإذا تكررت فلا بد من بيانها لقوّتها وصعوبتها على اللسان لأن التلفظ بحرف الحلق منفردا فيه صعوبة، فإذا تكررت كان أصعب نحو قوله: {أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ} [الحجّ: الآية 65] و {يَنْزِعُ عَنْهُمََا} [الأعراف: الآية 27] و {فُزِّعَ عَنْ} [سبأ: الآية 23] {نَطْبَعُ عَلى ََ} [يونس: الآية
74] و {يَشْفَعُ عِنْدَهُ} [البقرة: الآية 255] و {تَطَّلِعُ عَلى ََ} [المائدة: الآية 13]. وإذا سكنت العين وأتى بعدها هاء وجب التحفّظ بإظهار العين لئلا تقرب من لفظ الحاء وتدغم فيها الهاء فتصير كأنّها حاء مشدّدة نحو قوله: {أَلَمْ أَعْهَدْ} [يس: الآية 60] و {فَاتَّبِعْهََا}
[الجاثية: الآية 18] و {فَبََايِعْهُنَّ} [الممتحنة: الآية 12] و {لََا تُطِعْهُ} [العلق: الآية 19] وكذا إذا سكنت وأتى بعدها غين معجمة وجب بيانها لئلا يتبادر اللسان إلى الإدغام لقرب المخرج نحو قوله: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} [النّساء: الآية 46]، ويجب أن يحترز عن حصر صوت العين بالكلية إذا شدّدت نحو {يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون: الآية 2] و {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى ََ نََارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} (13) [الطّور: الآية 13] لئلا تصير من الحروف الشديدة، قال الرضي:
ينسلّ صوت العين قليلا لأنه عدّ من الحروف البينية. [اه. مرعشي وتمهيد].
(وأما الحاء المهملة) فقد تقدم الكلام على أنها تخرج من المخرج الثاني من وسط الحلق بعد مخرج العين المهملة لأنهما معا من وسطه، ولها خمس صفات:
الهمس، والرخاوة، والاستفال، والانفتاح، والإصمات، وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للحاء صمت رخوة همس أتى ... والانفتاح الاستفال يا فتى
فإذا نطقت بها فوفّها حقّها من مخرجها وصفاتها. قال الخليل في كتاب العين:
لولا البحّة التي في الحاء لكانت مشبّهة بالعين في اللفظ لاتحاد مخرجيهما، وقال المرعشي: وإذا أتى بعد الحاء ألف وجبت المحافظة على ترقيقها نحو قوله: {حم} (1) [الشّورى: الآية 1] و {الْحََاكِمِينَ} [الأعراف: الآية 87] و {وَلََا حََامٍ} [المائدة: الآية 103] وشبهه، ويجب أن يتحفظ ببيان لفظها عند إتيان العين بعدها لأنهما من مخرج واحد، ولأن العين أقوى قليلا من الحاء، فهي تجذب لفظ الحاء إلى نفسها نحو قوله تعالى:
{فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِمََا} [البقرة: الآية 229] {فَلََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: الآية 236] و {الْمَسِيحُ عِيسَى} [آل عمران: الآية 45] و {زُحْزِحَ عَنِ النََّارِ} [آل عمران: الآية 185] فيصير الحاء عينا وذلك غير جائز لأنه إما أن يلفظ بالعينين بلا إدغام، وذلك لا يجوز عند أحد، أو بإدغام، وذلك ليس إلا عند أبي عمرو في رواية قال أبو شامة: وروي عن أبي عمرو إدغام الحاء في العين يعني المهملتين حيث التقيا مطلقا. أقول: يعني رواية غير مشهورة إذ لا يدغم في المشهور إلا في {زُحْزِحَ عَنِ النََّارِ} [آل عمران: الآية 185] كما في التيسير، ويجب التحفظ عن إدغام الحاء في العين في قوله: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} [الزّخرف:
الآية 89] فكثيرا ما يقلبون الحاء فيه عينا ويدغمونها، وذلك لا يجوز إجماعا، وإذا لقيت الحاء حاء مثلها وجب التحفظ ببيانها لئلا تدغم نحو قوله: {عُقْدَةَ النِّكََاحِ حَتََّى}
[البقرة: الآية 235] و {لََا أَبْرَحُ حَتََّى} [الكهف: الآية 60]، وإذا سكنت وأتى بعدها هاء وجب التحفظ ببيانها أيضا لئلا تدغم الهاء فيها لقرب المخرجين، ولأن الحاء أقوى من الهاء، فهي تجذب الهاء إلى نفسها، وهذا كثيرا ما يقع فيه الناس، فينطقون بحاء مشدّدة، وذلك لا يجوز إجماعا نحو قوله: {فَسَبِّحْهُ} [ق: الآية 40]، وكذلك يجب الاعتناء بترقيقها إذا جاورها حرف الاستعلاء نحو {أَحَطْتُ} [النّمل: الآية 22] و {الْحَقُّ} [البقرة:(1/68)
الآية 89] فكثيرا ما يقلبون الحاء فيه عينا ويدغمونها، وذلك لا يجوز إجماعا، وإذا لقيت الحاء حاء مثلها وجب التحفظ ببيانها لئلا تدغم نحو قوله: {عُقْدَةَ النِّكََاحِ حَتََّى}
[البقرة: الآية 235] و {لََا أَبْرَحُ حَتََّى} [الكهف: الآية 60]، وإذا سكنت وأتى بعدها هاء وجب التحفظ ببيانها أيضا لئلا تدغم الهاء فيها لقرب المخرجين، ولأن الحاء أقوى من الهاء، فهي تجذب الهاء إلى نفسها، وهذا كثيرا ما يقع فيه الناس، فينطقون بحاء مشدّدة، وذلك لا يجوز إجماعا نحو قوله: {فَسَبِّحْهُ} [ق: الآية 40]، وكذلك يجب الاعتناء بترقيقها إذا جاورها حرف الاستعلاء نحو {أَحَطْتُ} [النّمل: الآية 22] و {الْحَقُّ} [البقرة:
الآية 26، وغيرها]، فإذا توسطت بين حرفين مفخّمين كان ذلك أوجب نحو {حَصْحَصَ الْحَقُّ} [يوسف: الآية 51] [اه. نشر وتمهيد ومرعشي].
(وأما الغين المعجمة) فقد تقدّم الكلام على أنها تخرج من المخرج الثالث من مخارج الحلق، وهو أدناه، وصفاتها خمس: الجهر، والاستعلاء، والاستعلاء، والانفتاح، والرخاوة، والإصمات، وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للغين الاستعلا وصمت انفتح ... ورخوة كذاك جهر قد وضح
فإذا نطقت بالغين فوفّها حقّها من صفاتها، وإياك أن تحدث فيها همسا فيلتبس لفظها بالخاء لأنهما من مخرج واحد، واحذر تفخيم لفظ المستفلة عند مجاورتها، وإذا وقع بعدها ألف فلا بد من تفخيم لفظها لاستعلائها نحو قوله: {غََافِرِ الذَّنْبِ}
[غافر: الآية 3] و {غََاسِقٍ إِذََا وَقَبَ} [الفلق: الآية 3]، وكذا إن كانت مفتوحة ولم يجيء بعدها ألف نحو {غَفُورٌ} [سبأ: الآية 15، وغيرها] و {غَفََّاراً} [نوح: الآية 10]. وسيأتي بيان بقية مراتبها في التفخيم مع حروف الاستعلاء آخر باب التفخيم والترقيق. قال المرعشي: يجب التحفظ في بيان الغين المعجمة إذا وقع بعدها عين مهملة أو قاف أو هاء لقرب مخرجها منها فيخاف أن يبادر اللافظ إلى الإخفاء أو الإدغام نحو {لََا تُزِغْ قُلُوبَنََا} [آل عمران: الآية 8] و {أَفْرِغْ عَلَيْنََا} [البقرة: الآية 250] و {أَبْلِغْهُ} [التّوبة: الآية 6]. وإذا وقع بعد الغين الساكنة شين معجمة وجب بيانها لئلّا تقرب من لفظ الخاء لاشتراكهما في الهمس والرخاوة كقوله: {يَغْشى ََ} [آل عمران: الآية 154] ونحوه، وكذا حكمه مع سائر الحروف نحو {الْمَغْضُوبِ} [الفاتحة: الآية 7] و {صِبْغَةَ} [البقرة: الآية 138] و {يَغْفِرُ} [آل عمران: الآية 129] و {فَرَغْتَ} [الشرح: الآية 7] و {وَاسْتَغْفِرِ اللََّهَ}
[النساء: الآية 106] و {وَأَغْطَشَ} [النازعات: الآية 29] و {ضِغْثاً} [ص: الآية 44] و {بَغْياً}
[البقرة: الآية 90] و {أَغْنى ََ} [الأعراف: الآية 48] و {أَغْلََالًا} [يس: الآية 8] وشبه ذلك.
فتأمل. اه.
(وأما الخاء المعجمة) فقد تقدم الكلام على مخرجها ونسبتها. وصفاتها خمس: الهمس، والرخاوة، والاستعلاء، والانفتاح، والإصمات، وقد جمعها بعضهم
في بيت فقال:(1/69)
(وأما الخاء المعجمة) فقد تقدم الكلام على مخرجها ونسبتها. وصفاتها خمس: الهمس، والرخاوة، والاستعلاء، والانفتاح، والإصمات، وقد جمعها بعضهم
في بيت فقال:
للخاء الاستعلا وفتح اعلما ... رخو وصمت ثم همس افهما
فإذا نطقت بها فوفّها حقّها من صفاتها لأنها مشاركة للغين في صفاتها إلا في الجهر، فإذا لم يبيّن بها فوفّها حقّها من صفاتها لأنها مشاركة للغين في صفاتها إلا في الجهر، فإذا لم يبيّن همس الخاء صارت غينا، قال في التمهيد: وينبغي أن يخلص لفظها إذا سكنت، وإلا فربما انقلبت غينا كقوله: {وَلََا تَخْشى ََ} [طه: الآية 77] و {وَاخْتََارَ مُوسى ََ}
[الأعراف: الآية 155] {فَاخْتَلَطَ} [يونس: الآية 24] و {يَخْتِمْ} [الشّورى: الآية 24]. وإذا وقع بعدها ألف فلا بد من تفخيم لفظهما لاستعلائها نحو {خََاشِعِينَ} [آل عمران: الآية 199] و {خََاطِئَةٍ} [العلق: الآية 16].
(وأما القاف) فقد تقدّم الكلام على مخرجها ونسبتها، ولها ست صفات: الجهر، والشدة، والاستعلاء، والقلقلة، والإصمات، والانفتاح. وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للقاف إصمات وجهر قلقلا ... وشدّة فتح وعلو فاعقلا
فإذا نطقت بها فأخرجها من مخرجها، ووفّها حقّها من جميع صفاتها، واعتن ببيان جهرها واستعلائها إذ لولا الجهر والاستعلاء اللذان فيها لكانت كافا، ولولا الهمس والتسفّل اللذان في الكاف لكانت قافا، وإلى هذا أشار الإمام السخاوي في نونيته فقال:
والقاف بيّن جهرها وعلوّها ... والكاف خلّص همسها ببيان
إن لم تحقّق جهر ذاك وهمس ذا ... فهما لأجل القرب يختلطان
أي لأجل قربهما في المخرج يختلط صوت أحدهما بالآخر، وإذا تكررت كان البيان آكد نحو قوله: {حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: الآية 91] و {فَلَمََّا أَفََاقَ قََالَ} [الأعراف: الآية 143] و {الْحَقُّ قََالُوا} [الزّخرف: الآية 30]، واحترز من تقريبها من الكاف في نحو {مُشْرِقِينَ} [الشّعراء: الآية 60] و {فَالْمُورِيََاتِ قَدْحاً} (2) [العاديات: الآية 2]. وإذا سكنت وكان سكونها لازما أو عارضا فلا بد من بيان قلقلتها وإظهار شدّتها، وإلا مازجت الكاف نحو {يَقْتُلُونَ} [المائدة: الآية 70، وغيرها] و {أَقْسَمُوا} [المائدة: الآية 53] و {لََا تَقْنَطُوا}
[الزّمر: الآية 53] و {وَاقْصِدْ} [لقمان: الآية 19] و {فَلََا تَقْهَرْ} [الضّحى: الآية 9] و {فَاقْضِ}
[طه: الآية 72] و «الحقّ» و «افرق» ونحو ذلك ألا ترى أنه لو لم يبين قلقلتها في مثل قوله: «نقتل» صار مثل نكتل، وكذا {تَقْفُ} [الإسراء: الآية 36] تكف وإذا وقعت الكاف بعدها أو قبلها: وجب بيان كل منهما لغير المدغم لئلا يشوب القاف شيء من لفظ الكاف يقرّبها منها أو يشوب الكاف شيء من لفظ القاف نحو {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ}
[الأنعام: الآية 101] وغيرها و {خَلَقَكُمْ} [البقرة: الآية 21] و {لَكَ قُصُوراً} [الفرقان: الآية 10] وشبه ذلك. وفي إدغامها إذا سكنت في الكاف مذهبان: الإدغام الناقص مع إظهار التفخيم والاستعلاء كالطاء والتاء في قوله: {أَحَطْتُ} [النمل: الآية 22] و {بَسَطْتَ}
[المائدة: الآية 28] وهذا مذهب أبي محمد مكي وغيره، والإدغام الكامل بلا إظهار شيء فيصير النطق بكاف مشدّدة، وهو مذهب الداني ومن والاه، والوجهان صحيحان، إلا أن الوجه الأخير أصحّ قياسا، والفرق بينه وبين {أَحَطْتُ} [النّمل: الآية 22] وبابه: أن الطاء قويت بالإطباق.(1/70)
والقاف بيّن جهرها وعلوّها ... والكاف خلّص همسها ببيان
إن لم تحقّق جهر ذاك وهمس ذا ... فهما لأجل القرب يختلطان
أي لأجل قربهما في المخرج يختلط صوت أحدهما بالآخر، وإذا تكررت كان البيان آكد نحو قوله: {حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: الآية 91] و {فَلَمََّا أَفََاقَ قََالَ} [الأعراف: الآية 143] و {الْحَقُّ قََالُوا} [الزّخرف: الآية 30]، واحترز من تقريبها من الكاف في نحو {مُشْرِقِينَ} [الشّعراء: الآية 60] و {فَالْمُورِيََاتِ قَدْحاً} (2) [العاديات: الآية 2]. وإذا سكنت وكان سكونها لازما أو عارضا فلا بد من بيان قلقلتها وإظهار شدّتها، وإلا مازجت الكاف نحو {يَقْتُلُونَ} [المائدة: الآية 70، وغيرها] و {أَقْسَمُوا} [المائدة: الآية 53] و {لََا تَقْنَطُوا}
[الزّمر: الآية 53] و {وَاقْصِدْ} [لقمان: الآية 19] و {فَلََا تَقْهَرْ} [الضّحى: الآية 9] و {فَاقْضِ}
[طه: الآية 72] و «الحقّ» و «افرق» ونحو ذلك ألا ترى أنه لو لم يبين قلقلتها في مثل قوله: «نقتل» صار مثل نكتل، وكذا {تَقْفُ} [الإسراء: الآية 36] تكف وإذا وقعت الكاف بعدها أو قبلها: وجب بيان كل منهما لغير المدغم لئلا يشوب القاف شيء من لفظ الكاف يقرّبها منها أو يشوب الكاف شيء من لفظ القاف نحو {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ}
[الأنعام: الآية 101] وغيرها و {خَلَقَكُمْ} [البقرة: الآية 21] و {لَكَ قُصُوراً} [الفرقان: الآية 10] وشبه ذلك. وفي إدغامها إذا سكنت في الكاف مذهبان: الإدغام الناقص مع إظهار التفخيم والاستعلاء كالطاء والتاء في قوله: {أَحَطْتُ} [النمل: الآية 22] و {بَسَطْتَ}
[المائدة: الآية 28] وهذا مذهب أبي محمد مكي وغيره، والإدغام الكامل بلا إظهار شيء فيصير النطق بكاف مشدّدة، وهو مذهب الداني ومن والاه، والوجهان صحيحان، إلا أن الوجه الأخير أصحّ قياسا، والفرق بينه وبين {أَحَطْتُ} [النّمل: الآية 22] وبابه: أن الطاء قويت بالإطباق.
وأما الكاف فقد تقدم الكلام على مخرجها ونسبتها، وصفاتها خمس: الهمس، والشدة، والانفتاح، والإصمات، والاستفال، وهي إلى الضعف أقرب. وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للكاف صمت شدّة همس أتى ... والانفتاح الاستفال يا فتى
فإذا نطقت بها فوفّها حقّها واعتن بما فيها من الشدة والهمس لئلا يذهب بها إلى الكاف الصمّاء الثابتة في بعض لغات العجم، وهي غير جائزة في لغة العرب، وليحذر من إجراء الصوت معها كما يفعله بعض النبط والأعاجم، ولا سيما إذا تكررت أو شدّدت أو جاورها حرف مهموس نحو {بِشِرْكِكُمْ} [فاطر: الآية 14] و {يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النّساء:
الآية 78] و {نَكْتَلْ} [يوسف: الآية 63]. وإذا أتى بعدها حرف استعلاء وجب التحفّظ ببيانها لئلا تلتبس بلفظ القاف نحو قوله: {كَطَيِّ السِّجِلِّ} [الأنبياء: الآية 104] و {كَالطَّوْدِ} [الشّعراء: الآية 63] ونحوه، وإذا تكررت من كلمة أو كلمتين فلا بدّ من بيان كلّ منهما لئلا يقرب اللفظ من الإدغام لتكلّف اللسان بصعوبة التكرير نحو قوله:
{مَنََاسِكَكُمْ} [البقرة: الآية 200] و {مََا سَلَكَكُمْ} [المدّثر: الآية 42] و {نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً} (34) [طه: الآيتان 33، 34] على مذهب المظهر، ولا بد من ترقيقها إذا أتى بعدها ألف نحو {كََافِرٍ} [البقرة: الآية 41] و {كََانُوا} [البقرة: الآية 57، وغيرها] و {كََافُوراً} [الإنسان: الآية 5]. ولا بد من ظهور همسها إذا سكنت نحو {مِمََّا يَكْسِبُونَ}
[البقرة: الآية 79] و {يَكْتُمُونَ} [البقرة: الآية 159] و {أَكْبَرُ} [البقرة: الآية 217]، وقد يتساهل في هذا كثير من الناس فيتركون الهمس [اه. تمهيد ومرعشي].
(وأما الجيم) فقد تقدم الكلام على أنها تخرج من وسط اللسان، وهي شديدة، مجهورة، منفتحة، مستفلة، مصمتة، مقلقلة، إلى القوة أقرب، وقد جمع بعضهم صفاتها في بيت فقال:
للجيم جهر شدّة وقلقلة ... صمت انفتاح واستفال فاصغ له
فإذا نطقت بها فوفّها حقّها من مخرجها وصفاتها، واعتن ببيان جهرها وشدتها، وإلا عادت شينا أو ممزوجة بالشين، ولذلك أشار الإمام السخاوي في نونيته فقال:(1/71)
للجيم جهر شدّة وقلقلة ... صمت انفتاح واستفال فاصغ له
فإذا نطقت بها فوفّها حقّها من مخرجها وصفاتها، واعتن ببيان جهرها وشدتها، وإلا عادت شينا أو ممزوجة بالشين، ولذلك أشار الإمام السخاوي في نونيته فقال:
والجيم إن ضعفت أتت ممزوجة ... بالشين مثل الجيم في المرجان
والعجل واجتنبوا وأخرج شطأه ... والرّجس مثل الرجز في التبيان
وإذا سكنت الجيم فإمّا أن يكون سكونها لازما أو عارضا فإن كان لازما وجب التحفّظ من أن تجعل شينا لأنهما من مخرج واحد، وإنّ قوما يغلطون فيها لا سيما إذا أتى بعدها زاي أو حرف مهموس، فيحدثون فيها همسا ورخاوة ويدغمونها في الزاي والشين، ويذهبون لفظها، وذلك نحو قوله: {الرِّجْزُ} [الأعراف: الآية 134]، و {تُجْزَوْنَ} [الأنعام: الآية 93] و {يَجْزِي} [يوسف: الآية 88]، و {أَخْرَجَ شَطْأَهُ} [الفتح:
الآية 29]، و {رِجْساً} [التّوبة: الآية 125]، و {اجْتَمَعُوا} [الحجّ: الآية 73]، و {اجْتَنَبُوا}
[الزّمر: الآية 17]، و {خَرَجْتَ} [البقرة: الآية 149]، و {وَجْهِكَ} [البقرة: الآية 144]، و {وَلََا تَجْهَرْ} [الإسراء: الآية 110] ونحو ذلك، ولا بد أن ينطق بجهرها وشدتها وتقلقلها، وإن كان سكونها عارضا فلا بد من إظهار شدتها وجهرها وقلقلتها أيضا، وإلا ضعفت وأتت ممزوجة بالشين، وذلك نحو قوله: {أُجََاجٌ} [الفرقان: الآية 53] و {فَخَرََاجُ}
[المؤمنون: الآية 72] ونحو ذلك. وإذا أتت مشدّدة أو مكرّرة وجب على القارئ بيانها لقوة اللفظ بها وتكرير الجهر والشدّة فيها نحو قوله: {حََاجَجْتُمْ} [آل عمران: الآية 66]، {حَاجَّ} [البقرة: الآية 258] و {أَتُحََاجُّونِّي} [الأنعام: الآية 80] فإن أتى بعد الجيم المشدّدة حرف مشدد خفيّ كان البيان لهما لازما لئلا يخفى الحرف الذي بعد الجيم نحو {يُوَجِّهْهُ} [النّحل: الآية 76]، أو أتى بعدها حرف مجانس لها مشدد نحو {لُجِّيٍّ} [النور:
الآية 40] كان البيان أيضا آكد لصعوبة اللفظ بإخراج الياء المشددة بعد الجيم. [اه.
تمهيد وشرح نونية السخاوي].
(وأما الشين المعجمة) فقد تقدم الكلام على أنها تخرج من وسط اللسان، وأنها شجرية، وهي مهموسة، رخوة، مستفلة، منفتحة، مصمتة، متفشية، إلى الضعف أقرب، وقد جمعت صفاتها في بيت وهو:
للشين همس مع تفشّ مستفل ... صمت ورخو ثم فتح قد نقل
فإذا نطقت بالشين فوفّها حقّها من مخرجها وصفاتها، واعتن ببيان تفشّيها، وهو على ثلاثة أقسام: أعلى، وأوسط، وأدنى. فالأعلى: يكون فيها حال تشديدها نحو:
{مِنَ الشَّيْطََانِ} [آل عمران: الآية 36]، و {الشََّاكِرِينَ} [الأعراف: الآية 144]، و {فَبَشَّرْنََاهُ}
[الصّافات: الآية 101] والأوسط يكون فيها حال سكونها نحو {اشْتَرََاهُ} [البقرة: الآية 102] و {اشْتَرَوُا} [البقرة: الآية 16] و {الرُّشْدُ} [البقرة: الآية 256]. والأدنى يكون فيها حال تحركها نحو {يَغْشى ََ} [آل عمران: الآية 154] و {يَخْشَى} [فاطر: الآية 28] و {فَشَرِبُوا}
[البقرة: الآية 249] و {شَجَرَةِ} [طه: الآية 120] و {وَلَوْ شِئْنََا} [الأعراف: الآية 176، وغيرها] اه. فإن وقف عليها فلا بدّ من بيان تفشيها، وإلا صارت كالجيم، وكذا إن وقع بعدها جيم وجب بيان لفظها لئلّا تقرب من لفظ الجيم لأنها أختها ومن مخرجها، ولكن الجيم أقوى منها نحو {فِيمََا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النّساء: الآية 65] و {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ} (43) [الدّخان: الآية 43] ولا بد أن يتحفظ من تخشين لفظها عند مجاورة الحروف المستعلية وما شابهها نحو قوله: {شَطَطاً} [الجنّ: الآية 4] و {شَقَقْنَا}
[عبس: الآية 26] و {شَغَفَهََا} [يوسف: الآية 30] و {شَرْقِيَّةٍ} [النّور: الآية 35] [انتهى تمهيد، ومرعشي مع بعض زيادة].(1/72)
{مِنَ الشَّيْطََانِ} [آل عمران: الآية 36]، و {الشََّاكِرِينَ} [الأعراف: الآية 144]، و {فَبَشَّرْنََاهُ}
[الصّافات: الآية 101] والأوسط يكون فيها حال سكونها نحو {اشْتَرََاهُ} [البقرة: الآية 102] و {اشْتَرَوُا} [البقرة: الآية 16] و {الرُّشْدُ} [البقرة: الآية 256]. والأدنى يكون فيها حال تحركها نحو {يَغْشى ََ} [آل عمران: الآية 154] و {يَخْشَى} [فاطر: الآية 28] و {فَشَرِبُوا}
[البقرة: الآية 249] و {شَجَرَةِ} [طه: الآية 120] و {وَلَوْ شِئْنََا} [الأعراف: الآية 176، وغيرها] اه. فإن وقف عليها فلا بدّ من بيان تفشيها، وإلا صارت كالجيم، وكذا إن وقع بعدها جيم وجب بيان لفظها لئلّا تقرب من لفظ الجيم لأنها أختها ومن مخرجها، ولكن الجيم أقوى منها نحو {فِيمََا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النّساء: الآية 65] و {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ} (43) [الدّخان: الآية 43] ولا بد أن يتحفظ من تخشين لفظها عند مجاورة الحروف المستعلية وما شابهها نحو قوله: {شَطَطاً} [الجنّ: الآية 4] و {شَقَقْنَا}
[عبس: الآية 26] و {شَغَفَهََا} [يوسف: الآية 30] و {شَرْقِيَّةٍ} [النّور: الآية 35] [انتهى تمهيد، ومرعشي مع بعض زيادة].
(وأما الياء المثناة التحتية) فقد تقدم الكلام على أنها تخرج من مخرج الجيم والشين، وأنها شجرية، وهي مجهورة، رخوة، منفتحة مستفلة جدّا، مصمتة، إلى الضعف أقرب، وقد جمع بعضهم ما لها من الصفات في بيت فقال:
للياء الاستفال مع فتح كذا ... جهر ورخو ثمّ إصمات خذا
فإذا نطقت بها فاحرص على رخاوتها ليحصل التخلص من شائبة الجيم، وكثيرا ما يتلفظ به بعض القراء فيأتي بالياء من قوله: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: الآية 5] كالجيم، وهو لحن فاحش، قال الإمام السخاوي في نونيته:
لا تشربنها الجيم إن شدّدتها ... فتكون معدودا من اللّحّان
قال شارحها: ينبغي أن يحترز في قوله: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: الآية 5] عن ستة أشياء يفعلها بعض الجهّال: الأول: تخفيف اللفظ بالهمز إذا وصل، الثاني: شدّة نبر الهمزة إذا ابتدأ، الثالث: تخفيف الياء، الرابع: تقريبها من الجيم، الخامس: السكت على الألف، السادس: إشباع فتحة الكاف.
وإذا سكنت الياء بعد كسر وأتى بعدها مثلها وجب بيان كلّ منها خشية الإدغام لأنه غير جائز، وتمكّن الأولى لمدّها ولينها وذلك نحو قوله: {فِي يُوسُفَ} [يوسف: الآية 7] و {الَّذِي يُوَسْوِسُ} [النّاس: الآية 5]. وإذا تحركت الياء بالكسر وقبلها أو بعدها فتحة نحو {تَرَيِنَّ} [مريم: الآية 26] و {مَعََايِشَ} [الأعراف: الآية 10] أو انفتحت واكتنفتها كسرة وفتحة نحو {لََا شِيَةَ فِيهََا} [البقرة: الآية 71] و {وَتَعِيَهََا أُذُنٌ} [الحاقة: الآية 12] وجب
تخفيف الحركة عليها وتسهيل اللفظ بحركتها اه. وقال المرعشي: إذا تكررت الياء في كلمة أو كلمتين وجب بيانهما نحو {وَأَحْيَيْتَنَا} [غافر: الآية 11] و {أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ََ}
[الأحقاف: الآية 33] و {لََا يَسْتَحْيِي} [البقرة: الآية 26] و {وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ} [النحل: الآية 90] خصوصا إذا كانت إحداهما مشدّدة مكسورة نحو {إِنَّ وَلِيِّيَ اللََّهُ} [الأعراف: الآية 196] و {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيََا} [يوسف: الآية 101] و {وَإِذََا حُيِّيتُمْ} [النساء: 86] و {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ} [الأعراف: الآية 146] فإن لم يتحفّظ أسقط إحداهما في التلاوة، وإذا كانت الياء مشدّدة وجب بيان تشديدها نحو {إِيََّاكَ} [الفاتحة: الآية 5] و {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ}
[القصص: الآية 28] و {وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي} [مريم: الآيتان 5، 6] لثقل التشديد، وإذا كانت متطرفة ووقفت عليها بغير روم فإن التشديد إلى البيان أحوج نحو {هُوَ الْحَيُّ} [البقرة:(1/73)
وإذا سكنت الياء بعد كسر وأتى بعدها مثلها وجب بيان كلّ منها خشية الإدغام لأنه غير جائز، وتمكّن الأولى لمدّها ولينها وذلك نحو قوله: {فِي يُوسُفَ} [يوسف: الآية 7] و {الَّذِي يُوَسْوِسُ} [النّاس: الآية 5]. وإذا تحركت الياء بالكسر وقبلها أو بعدها فتحة نحو {تَرَيِنَّ} [مريم: الآية 26] و {مَعََايِشَ} [الأعراف: الآية 10] أو انفتحت واكتنفتها كسرة وفتحة نحو {لََا شِيَةَ فِيهََا} [البقرة: الآية 71] و {وَتَعِيَهََا أُذُنٌ} [الحاقة: الآية 12] وجب
تخفيف الحركة عليها وتسهيل اللفظ بحركتها اه. وقال المرعشي: إذا تكررت الياء في كلمة أو كلمتين وجب بيانهما نحو {وَأَحْيَيْتَنَا} [غافر: الآية 11] و {أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ََ}
[الأحقاف: الآية 33] و {لََا يَسْتَحْيِي} [البقرة: الآية 26] و {وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ} [النحل: الآية 90] خصوصا إذا كانت إحداهما مشدّدة مكسورة نحو {إِنَّ وَلِيِّيَ اللََّهُ} [الأعراف: الآية 196] و {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيََا} [يوسف: الآية 101] و {وَإِذََا حُيِّيتُمْ} [النساء: 86] و {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ} [الأعراف: الآية 146] فإن لم يتحفّظ أسقط إحداهما في التلاوة، وإذا كانت الياء مشدّدة وجب بيان تشديدها نحو {إِيََّاكَ} [الفاتحة: الآية 5] و {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ}
[القصص: الآية 28] و {وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي} [مريم: الآيتان 5، 6] لثقل التشديد، وإذا كانت متطرفة ووقفت عليها بغير روم فإن التشديد إلى البيان أحوج نحو {هُوَ الْحَيُّ} [البقرة:
الآية 255] و {مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشّورى: الآية 45] و {بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: الآية 22] وأما في الوصل فإظهار التشديد أسهل، وإذا كان بعد الياء ألف وجب ترقيقها نحو {شَيََاطِينِهِمْ} [البقرة: الآية 14] و {وَذُرِّيََّاتِهِمْ} [الأنعام: الآية 87] و {يََا أَيُّهَا} [البقرة: الآية 21] و {إِيََّاكَ} [الفاتحة: الآية 5]. وإذا أتى بعد الياء حرف مفخّم وجبت المحافظة على ترقيق الياء لئلا يسبق اللسان إلى تفخيمها لتفخيم ما بعدها نحو {يَصْطَرِخُونَ} [فاطر: الآية 37]، و {يَضْرِبُونَ} [الأنفال: الآية 50]، و {يَطْغى ََ} [طه: الآية 45]، و {يَغْفِرُ} [آل عمران: الآية 129]، و {يَرَى} [البقرة: الآية 165، وغيرها].
وأما الضاد المعجمة: فقد تقدم الكلام على أنها تخرج من أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس، ولها ستّ صفات: الجهر، والرخاوة، والإطباق، والاستعلاء، والإصمات، والاستطالة. وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للضاد إصمات مع استعلا جهر ... إطالة رخو وإطباق شهر
قال ابن الجزري في التمهيد: اعلم أن هذا الحرف ليس في الحروف حرف يعسر على اللسان غيره فإن ألسنة الناس فيه مختلفة وقلّ من يحسنه فمنهم من يخرجه ظاء معجمة لأنه يشارك الظاء في صفاتها كلّها إلا الاستطالة، فلولا الاستطالة واختلاف المخرجين لكانت ظاء، وهم أكثر الشاميين وبعض أهل المشرق، وهذا لا يجوز في كلام الله تعالى لمخالفته المعنى الذي أراده الله تعالى إذ لو قلنا في {الضََّالِّينَ} [الشّعراء: الآية 86، وغيرها] الظالين بالظاء المعجمة لكان معناه الدائمين، وهذا خلاف مراد الله تعالى، وهو مبطل للصلاة لأن الضلال بالضاد هو ضد الهدى كقوله: {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلََّا إِيََّاهُ}
[الإسراء: الآية 67] و {وَلَا الضََّالِّينَ} [الفاتحة: الآية 7] ونحوه، والظّلول بالظاء هو الصيرورة كقوله: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النّحل: الآية 58] وشبهه، فمثال الذي يجعل الضاد
ظاء في هذا وشبهه كالذي يبدل السين صادا في نحو قوله: {وَأَسَرُّوا النَّجْوى ََ} [طه: الآية 62]، أو يبدل الصاد سينا في نحو قوله: {وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا} [نوح: الآية 7] فالأول من السرّ، والثاني من الإصرار، وقد حكى ابن جني في كتاب التنبيه وغيره «أنّ من العرب من يجعل الضاد ظاء مطلقا في جميع كلامهم» وهذا غريب، وفيه توسّع للعامّة. ومنهم من لا يوصلها إلى مخرجها بل يخرجها دونه ممزوجة بالطاء المهملة لا يقدرون على غير ذلك، وهم أكثر المصريين وبعض أهل المغرب، ومنهم من يجعلها دالا مفخمة، ومنهم من يخرجها لاما مفخمة وهم الزيالع ومن ضاهاهم لأن اللام مشاركة لها في المخرج لا في الصفات، فهي بعكس الظاء لأن الظاء تشارك الضاد في الصفات لا في المخرج وإلى ذلك أشار الإمام السخاوي في نونيته فقال:(1/74)
للضاد إصمات مع استعلا جهر ... إطالة رخو وإطباق شهر
قال ابن الجزري في التمهيد: اعلم أن هذا الحرف ليس في الحروف حرف يعسر على اللسان غيره فإن ألسنة الناس فيه مختلفة وقلّ من يحسنه فمنهم من يخرجه ظاء معجمة لأنه يشارك الظاء في صفاتها كلّها إلا الاستطالة، فلولا الاستطالة واختلاف المخرجين لكانت ظاء، وهم أكثر الشاميين وبعض أهل المشرق، وهذا لا يجوز في كلام الله تعالى لمخالفته المعنى الذي أراده الله تعالى إذ لو قلنا في {الضََّالِّينَ} [الشّعراء: الآية 86، وغيرها] الظالين بالظاء المعجمة لكان معناه الدائمين، وهذا خلاف مراد الله تعالى، وهو مبطل للصلاة لأن الضلال بالضاد هو ضد الهدى كقوله: {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلََّا إِيََّاهُ}
[الإسراء: الآية 67] و {وَلَا الضََّالِّينَ} [الفاتحة: الآية 7] ونحوه، والظّلول بالظاء هو الصيرورة كقوله: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النّحل: الآية 58] وشبهه، فمثال الذي يجعل الضاد
ظاء في هذا وشبهه كالذي يبدل السين صادا في نحو قوله: {وَأَسَرُّوا النَّجْوى ََ} [طه: الآية 62]، أو يبدل الصاد سينا في نحو قوله: {وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا} [نوح: الآية 7] فالأول من السرّ، والثاني من الإصرار، وقد حكى ابن جني في كتاب التنبيه وغيره «أنّ من العرب من يجعل الضاد ظاء مطلقا في جميع كلامهم» وهذا غريب، وفيه توسّع للعامّة. ومنهم من لا يوصلها إلى مخرجها بل يخرجها دونه ممزوجة بالطاء المهملة لا يقدرون على غير ذلك، وهم أكثر المصريين وبعض أهل المغرب، ومنهم من يجعلها دالا مفخمة، ومنهم من يخرجها لاما مفخمة وهم الزيالع ومن ضاهاهم لأن اللام مشاركة لها في المخرج لا في الصفات، فهي بعكس الظاء لأن الظاء تشارك الضاد في الصفات لا في المخرج وإلى ذلك أشار الإمام السخاوي في نونيته فقال:
والضاد عال مستطيل مطبق ... جهر يكلّ لديه كلّ لسان
حاشا لسان بالفصاحة قيّم ... درب لأحكام الحروف معاني
كم رامه قوم فما أبدوا سوى ... لام مفخّمة بلا عرفان
ميزه بالإيضاح عن ظاء وفي ... أضللن أو في غيض يشتبهان
واعلم أن هذا الحرف خاصة إذا لم يقدر الشخص على إخراجه من مخرجه بطبعه لا يقدر عليه بكلفة ولا بتعليم، فإذا أتى بعد الضاد ظاء معجمة وجب الاعتناء ببيان أحدهما عن الآخر لتقارب التشابه نحو {أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشّرح: الآية 3] و {يَعَضُّ الظََّالِمُ}
[الفرقان: الآية 27] و {بَعْضَ الظََّالِمِينَ} [الأنعام: الآية 129].
وإذا سكنت وأتى بعدها حرف إطباق وجب التحفظ بلفظ الضاد لئلا يسبق اللسان إلى ما هو أخف عليه وهو الإدغام نحو قوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: الآية 173] و {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} [البقرة: الآية 126] و {اضْطُرِرْتُمْ} [الأنعام: الآية 119] وإذا أتى بعدها حرف من حروف المعجم فلا بد من المحافظة على بيانها وإلا بادر اللسان إلى ما هو أخف منها نحو قوله: {أَعْرَضْتُمْ} [الإسراء: الآية 67] و {أَفَضْتُمْ} [البقرة: الآية 198] و {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً} [طه: الآية 96] و {وَاخْفِضْ جَنََاحَكَ} [الحجر: الآية 88، وغيرها] و {وَقَيَّضْنََا}
[فصلت: الآية 25] و {يَحِضْنَ} [الطّلاق: الآية 4] و {فَرَضْنََا} [الأحزاب: الآية 50] و {وَلْيَضْرِبْنَ} [النور: الآية 31] و {خَضِراً} [الأنعام: الآية 99] و {نَضْرَةً} [الإنسان: الآية 11] و {وَلَوْلََا فَضْلُ اللََّهِ عَلَيْكَ} [النساء: الآية 113] وغيرها و {أَرْضُ اللََّهِ} [النّساء: الآية 97] و {مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً} [آل عمران: الآية 91] و {بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة: الآية 49]. وإذا تكررت الضاد فلا بد من بيان كل واحدة منهما لأن بيانها عند مثلها آكد من بيانها عند مقاربها، ولذا قال مكي رحمه الله تعالى: إذا تكررت يجب بيانها لوجود التكرر في حرف
قوي مطبق مستعل مستطيل وذلك نحو قوله: {يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصََارِهِنَّ} [النّور: الآية 31] و {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: الآية 19] [اه. تمهيد مع بعض زيادة].(1/75)
وإذا سكنت وأتى بعدها حرف إطباق وجب التحفظ بلفظ الضاد لئلا يسبق اللسان إلى ما هو أخف عليه وهو الإدغام نحو قوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: الآية 173] و {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} [البقرة: الآية 126] و {اضْطُرِرْتُمْ} [الأنعام: الآية 119] وإذا أتى بعدها حرف من حروف المعجم فلا بد من المحافظة على بيانها وإلا بادر اللسان إلى ما هو أخف منها نحو قوله: {أَعْرَضْتُمْ} [الإسراء: الآية 67] و {أَفَضْتُمْ} [البقرة: الآية 198] و {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً} [طه: الآية 96] و {وَاخْفِضْ جَنََاحَكَ} [الحجر: الآية 88، وغيرها] و {وَقَيَّضْنََا}
[فصلت: الآية 25] و {يَحِضْنَ} [الطّلاق: الآية 4] و {فَرَضْنََا} [الأحزاب: الآية 50] و {وَلْيَضْرِبْنَ} [النور: الآية 31] و {خَضِراً} [الأنعام: الآية 99] و {نَضْرَةً} [الإنسان: الآية 11] و {وَلَوْلََا فَضْلُ اللََّهِ عَلَيْكَ} [النساء: الآية 113] وغيرها و {أَرْضُ اللََّهِ} [النّساء: الآية 97] و {مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً} [آل عمران: الآية 91] و {بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة: الآية 49]. وإذا تكررت الضاد فلا بد من بيان كل واحدة منهما لأن بيانها عند مثلها آكد من بيانها عند مقاربها، ولذا قال مكي رحمه الله تعالى: إذا تكررت يجب بيانها لوجود التكرر في حرف
قوي مطبق مستعل مستطيل وذلك نحو قوله: {يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصََارِهِنَّ} [النّور: الآية 31] و {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: الآية 19] [اه. تمهيد مع بعض زيادة].
ولعسر النطق بهذه الكلمات وأمثالها نبّه السخاوي في نونيته على وجوب المحافظة على بيانها فقال:
وأبنه عند التاء نحو أفضتم ... والطاء نحو اضطرّ غير جبان
والجيم نحو اخفض جناحك مثله ... والنون نحو يحضن قسه وعان
والراء نحو ليضربن أو لام ف ... ضّل الله بين حيث يلتقيان
وبيان بعض ذنوبهم واغضض ... وأنقض ظهرك اعرفه تكن ذا شان
(وأما اللام) فقد تقدم الكلام على مخرجها ونسبتها، ولها ست صفات: الجهر، وبين الشدّة والرخاوة، والانفتاح، والاستفال، والإذلاق، والانحراف، وهي إلى الضعف أقرب، وقد جمع بعضهم ما لها من الصفات في بيت فقال:
للّام الاستفال مع وسط فتح ... جهر والانحراف والذلق وضح
فإذا نطقت بها فوفّها حقها من مخرجها وصفاتها، وبين ترقيقها، خصوصا إذا كان بعدها ألف نحو {لََا إِلََهَ إِلََّا أَنْتَ} [الأنبياء: الآية 87]. وإذا وقع بعدها لام مفخّمة أو حرف إطباق وجبت المحافظة على ترقيق اللام الأولى نحو {وَقََالَ اللََّهُ} [المائدة: الآية 12] و {رُسُلُ اللََّهِ} [الأنعام: الآية 124] و {عَلَى اللََّهِ} [البقرة: الآية 80] {وَلَا الضََّالِّينَ}
[الفاتحة: الآية 7] و {لَسَلَّطَهُمْ} [النّساء: الآية 90] و {وَلْيَتَلَطَّفْ} [الكهف: الآية 19] و {فَاخْتَلَطَ} [يونس: الآية 24] وكذا إذا وقعت اللام بعد حرف مفخم نحو {وَبَطَلَ مََا كََانُوا} [الأعراف: الآية 118] و {فَصَلَتِ الْعِيرُ} [يوسف: الآية 94] و {مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:
الآية 5] ولا خلاف بين القرّاء فيما ذكرناه من ترقيقها سواء تحركت أو سكنت، إلا ما ورد عن ورش من طريق الأزرق كما سيأتي بيانه في محله. وإذا تكررت اللام فلا بد من بيان كل واحدة منهما لصعوبة اللفظ بالمكرر على اللسان نحو {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي} [البقرة: الآية 282] و {قُلِ اللََّهُمَّ} [آل عمران: الآية 26] و {قُلِ اللََّهُ} [الجاثية: الآية 26] و {إِلَّا اللََّهَ}
[البقرة: الآية 83] و {قُلْ لِلَّذِينَ} [آل عمران: الآية 12] وشبه ذلك. هذا ما يتعلق بحكم اللام المتحركة.
وأما حكمها إذا سكنت: فإنها تارة تكون لام تعريف، وتارة تكون غيرها، فإن كانت لام تعريف كان لها عند حروف المعجم أي الثمانية والعشرين حالتان: الأولى:
إظهارها أي وجوبا عند أربعة عشر حرفا جمعها بعضهم في أربع كلمات وهي «ابغ حجك
وخف عقيمه» الألف أعني الهمزة، والباء الموحدة، والغين المعجمة، والحاء المهملة، والجيم، والكاف، والواو، والخاء المعجمة، والفاء، والعين المهملة، والقاف، والياء المثنّاة تحت، والميم، والهاء. وأسماء الحروف كافية عن الأمثلة، وتسمى هذه الحروف حروفا قمرية تشبيها لها بالقمر، واللام بالكوكب بجامع الظهور في كلّ، وسبب ظهورها عند هذه الأحرف تباعد المخرجين. الحالة الثانية: إدغامها أي وجوبا في الأحرف الباقية، وهي أربعة عشر حرفا، ذكرها الجمزوري في أوائل كلمات هذا البيت فقال:(1/76)
إظهارها أي وجوبا عند أربعة عشر حرفا جمعها بعضهم في أربع كلمات وهي «ابغ حجك
وخف عقيمه» الألف أعني الهمزة، والباء الموحدة، والغين المعجمة، والحاء المهملة، والجيم، والكاف، والواو، والخاء المعجمة، والفاء، والعين المهملة، والقاف، والياء المثنّاة تحت، والميم، والهاء. وأسماء الحروف كافية عن الأمثلة، وتسمى هذه الحروف حروفا قمرية تشبيها لها بالقمر، واللام بالكوكب بجامع الظهور في كلّ، وسبب ظهورها عند هذه الأحرف تباعد المخرجين. الحالة الثانية: إدغامها أي وجوبا في الأحرف الباقية، وهي أربعة عشر حرفا، ذكرها الجمزوري في أوائل كلمات هذا البيت فقال:
طب ثم صل رحما تفز ضف ذا نعم ... دع سوء ظنّ زر شريفا للكرم
وهي: الطاء المهملة، والثاء المثلثة، والصاد المهملة، والراء، والتاء المثناة فوق، والضاد، والذال المعجمتان، والنون، والدال والسين المهملتان، والظاء المشالة، والزاي، والشين المعجمة، واللام، وأسماء الحروف كافية عن الأمثلة، وجمعها بعضهم أيضا على ترتيب الحروف فقال:
اللام للتعريف قد أدغمت ... في أحرف عشر وفي أربعة
التاء والثاء ومن دالها ... للظاء والنون ولام معه
وتسمى هذه الحروف حروفا شمسية تشبيها لها بالشمس واللام بالكوكب، بجامع خفاء كلّ عند الآخر. وسبب إدغامها في هذه الأحرف: تقارب المخرجين أي في هذه الأحرف: تقارب المخرجين أي في غير اللام، وفيها للتماثل اه. وأما إن كانت غير لام تعريف فيكون لها ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى:
تدغم في مثلها وفي الراء وجوبا نحو {قُلْ لََا يَعْلَمُ} [النّمل: الآية 65]، و {وَقُلْ لَهُمْ} [النساء: الآية 63] و {بَلْ لََا يَخََافُونَ} [المدّثر: الآية 53] ونحو {قُلْ رَبِّي} [الكهف: الآية 22] و {بَلْ رَبُّكُمْ} [الأنبياء: الآية 56] و {بَلْ رََانَ} [المطفّفين: الآية 14] ولذلك أشار ابن الجزري في مقدّمته فقال:
وأوّلي مثل وجنس إن سكن ... أدغم كقل ربّ وبل لّا وأبن
قال ابن غازي: فإن قيل: لم وجب إدغام أوّل المتماثلين والمتجانسين إذا سكن الأوّل منهما نحو {كَلََّا بَلْ لََا يَخََافُونَ} [المدّثر: الآية 53] ونحو {قُلْ رَبِّ إِمََّا تُرِيَنِّي}
[المؤمنون: الآية 93]؟ أجيب: بأنه لما كان الحرف الثاني من المثال الأول وهو اللام من قوله: {بَلْ لََا} [المدّثر: الآية 53] متماثلا أدغم للخفة، ولمّا كان الثاني من المثال الثاني وهو الراء من قوله: {قُلْ رَبِّ} [المؤمنون: الآية 93] متقاربا عند الجمهور ومتجانسا عند الفرّاء ومن تابعه نزل منزلة المتماثل لاتفاق المخرجين، فازدحما في المخرج، فلا يطيق
اللسان بيان الأول منهما لعدم الحركة التي تنقل اللسان من موضع إلى آخر، فلذلك اتفق على إدغام كل ما سكن من أول المثالين والمتقاربين في الثاني. فتأمل. اه.(1/77)
وأوّلي مثل وجنس إن سكن ... أدغم كقل ربّ وبل لّا وأبن
قال ابن غازي: فإن قيل: لم وجب إدغام أوّل المتماثلين والمتجانسين إذا سكن الأوّل منهما نحو {كَلََّا بَلْ لََا يَخََافُونَ} [المدّثر: الآية 53] ونحو {قُلْ رَبِّ إِمََّا تُرِيَنِّي}
[المؤمنون: الآية 93]؟ أجيب: بأنه لما كان الحرف الثاني من المثال الأول وهو اللام من قوله: {بَلْ لََا} [المدّثر: الآية 53] متماثلا أدغم للخفة، ولمّا كان الثاني من المثال الثاني وهو الراء من قوله: {قُلْ رَبِّ} [المؤمنون: الآية 93] متقاربا عند الجمهور ومتجانسا عند الفرّاء ومن تابعه نزل منزلة المتماثل لاتفاق المخرجين، فازدحما في المخرج، فلا يطيق
اللسان بيان الأول منهما لعدم الحركة التي تنقل اللسان من موضع إلى آخر، فلذلك اتفق على إدغام كل ما سكن من أول المثالين والمتقاربين في الثاني. فتأمل. اه.
الحالة الثانية:
تدغم اللام جوازا من (هل، وبل) في ثمانية أحرف: واحد منها يختص بهل وهو الثاء المثلثة في {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفََّارُ} [المطفّفين: الآية 36] وليس غيره في القرآن. وخمسة تختص بلام (بل) وهي السين في {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ} [يوسف: الآية 18] في موضعين، والطاء في {بَلْ طَبَعَ اللََّهُ} [النّساء: الآية 155] والظاء في {بَلْ ظَنَنْتُمْ} [الفتح:
الآية 12]، والضاد في {بَلْ ضَلُّوا} [الأحقاف: الآية 28] ولا ثاني له، والزاي نحو {بَلْ زُيِّنَ} [الرّعد: الآية 33] و {بَلْ زَعَمْتُمْ} [الكهف: الآية 48] واثنان لهما معا وهما التاء والنون نحو قوله: {هَلْ تَعْلَمُ} [مريم: الآية 65] و {بَلْ تَأْتِيهِمْ} [الأنبياء: الآية 40] و {هَلْ نَدُلُّكُمْ} [سبأ: الآية 7] و {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} (67) [الواقعة: الآية 67]. وسيأتي بيان اختلاف القرّاء فيها في باب الإظهار والإدغام. وقد نظمها بعض شراح الجزرية على هذا التفصيل فقال:
ألا بل وهل تروى نوى هل ثوى وبل سرى ... ظلّ ضرّ زائد طال وامتلا
وتدغم اللام المجزومة أيضا جوازا في الذال من قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ} [البقرة:
الآية 231].
الحالة الثالثة:
تظهر اللام وجوبا باتفاق القرّاء من الفعل إذا كان بعدها نون متحركة سواء كان الفعل ماضيا أم أمرا نحو {أَنْزَلْنََا} [البقرة: الآية 99]، و {أَرْسَلْنََا} [البقرة: الآية 151] و {فَضَّلْنََا} [البقرة: الآية 253] و {قُلْنََا} [البقرة: الآية 34] و {أَدْخِلْنِي} [الإسراء: الآية 80] و {أَنْزِلْنِي} [المؤمنون: الآية 29] و {اجْعَلْنِي} [يوسف: الآية 55]، أو كان بعد اللام تاء مثناة فوقية نحو {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ} [الصّافات: الآية 142] و {فَالْتَقَى الْمََاءُ} [القمر: الآية 12] و {فَلْتَقُمْ طََائِفَةٌ} [النّساء: الآية 102] ولا فرق في هذه اللام بين أن تكون فاء الفعل أو عينه أو لامه، واتفقوا أيضا على إظهارها من لفظ (قل) عند أربعة أحرف: النون نحو {قُلْ نَعَمْ} [الصّافات: الآية 18] و {قُلْ نََارُ} [التّوبة: الآية 81]، والسين نحو {قُلْ سَمُّوهُمْ}
[الرّعد: الآية 33] و {وَقُلْ سَلََامٌ} [الزخرف: الآية 89]، والتاء نحو {قُلْ تَعََالَوْا} [الأنعام: الآية 151] و {قُلْ تَمَتَّعُوا} [إبراهيم: الآية 30]، والصاد نحو {قُلْ صَدَقَ اللََّهُ} [آل عمران: الآية 95]. ولذلك أشار الإمام السخاوي في نونيته فقال:
وبيانه في نحو فضّلنا على ... رفق لكلّ مفضّل يقظان
وبقل تعالوا قل سلام قل نعم ... وبمثل قل صدق اعل في التبيان
وقال الجمزوري في تحفة الأطفال:(1/78)
وبيانه في نحو فضّلنا على ... رفق لكلّ مفضّل يقظان
وبقل تعالوا قل سلام قل نعم ... وبمثل قل صدق اعل في التبيان
وقال الجمزوري في تحفة الأطفال:
وأظهرنّ لام فعل مطلقا ... في نحو قل نعم وقلتا والتقى
قال شارح النونية: فينبغي للقارئ أن ينطق باللام في جميع ذلك ساكنة مظهرة، من غير تعسف ولا تكلف، وليحترز من ثلاثة أمور: أحدها: إهمال بيان الإظهار في ذلك فإن قوما يهملون بيان إظهار اللام فيدغمون فيقولون: {أَرْسَلْنََا} [البقرة: الآية 151] و {جَعَلْنَا} [البقرة: الآية 125] و {أَنْزَلْنََا} [البقرة: الآية 99] لأن اللسان يسارع إلى الإدغام لقرب المخرجين، وثانيها: الإفراط والتعسف في بيان الإظهار فإن قوما يتعسفون فيه فيحركون اللام الساكنة مبالغة في بيان الإظهار، وثالثها: السكت على اللام وقطع اللفظ عندها إرادة للبيان وفرارا من الإدغام، وهذا يفعله كثير من القرّاء، وهو غلط، فيجب اجتنابه اه.
قال ابن الجزري في التمهيد: فإن قيل: لم أدغمت اللام الساكنة في نحو {النََّارَ} [البقرة: الآية 24] و {النََّاسِ} [البقرة: الآية 8، وغيرها] وأظهرت في نحو {قُلْ نَعَمْ} [الصّافات: الآية 18] وكلّ منها واحد؟ قلت: لأن هذا فعل قد أعلّ بحذف عينه، فلم يعلّ ثانيا بحذف لامه لئلا يصير في الكلمة إجحاف إذ لم يبق منها إلا حرف واحد، وأل حرف مبني على السكون لم يحذف منه شيء ولم يعلّ بشيء، فلذلك أدغم، ألا ترى أن الكسائي ومن وافقه أدغم اللام من (هل) و (بل) في نحو قوله: {هَلْ تَعْلَمُ} [مريم: الآية 65] و {بَلْ نَحْنُ} [الحجر: الآية 15]، ولم يدغمها في {قُلْ نَعَمْ} [الصّافات: الآية 18] و {قُلْ تَعََالَوْا} [الأنعام: الآية 151]. وإن قيل: قد أجمعوا على الإدغام في {قُلْ رَبِّي} [الكهف: الآية 22] والعلة موجودة؟ قلت: لأن الراء حرف مكرر منحرف فيه شدة وثقل يضارع حروف الاستعلاء بتفخيمه، واللام ليس كذلك، فجذب اللام جذب القويّ للضعيف، ثم أدغم الضعيف في القوي على الأصل بعد أن قوي بمضارعته بالقلب، والراء قائم بتكريره مقام حرفين كالمشدّدات، فاعلم. وأما النون فهو أضعف من اللام بالغنة، والأصل أن لا يدغم الأقوى في الأضعف. ألا ترى أن اللام إذا سكنت كان إدغامها في الراء إجماعا من أكثر الطرق، ولا كذلك العكس. وكذلك إذا سكنت النون كان إدغامها في اللام إجماعا، ولا كذلك العكس. اه.
(وأما النون)
فقد تقدم الكلام على مخرجها ونسبتها، وهي مجهورة، متوسطة بين الشدّة والرخاوة، منفتحة، مستفلة، مذلقة، إلى الضعف أقرب، وقد جمع بعضهم صفاتها
في بيت فقال:(1/79)
فقد تقدم الكلام على مخرجها ونسبتها، وهي مجهورة، متوسطة بين الشدّة والرخاوة، منفتحة، مستفلة، مذلقة، إلى الضعف أقرب، وقد جمع بعضهم صفاتها
في بيت فقال:
للنون الاستفال مع جهر عرف ... وسط والانفتاح والذّلق وصف
اعلم أن النون حرف أغنّ آصل في الغنّة من الميم لقربه من الخيشوم، فإذا سكنت تخرج من الخيشوم لا من مخرج المتحركة، وسيأتي الكلام على حكمها إذا سكنت في باب الإدغام والإظهار. والكلام هنا على النون المتحركة، فإذا جاء بعدها ألف غير ممالة يجب على القارئ أن يرقّقها ولا يغلّظها كما يفعله بعض الناس نحو {أَتَأْمُرُونَ النََّاسَ}
[البقرة: الآية 44] و {وَلََا نََاصِرٍ} [الطارق: الآية 10] و {النََّاصِرِينَ} [آل عمران: الآية 150] و {النََّارَ} [البقرة: الآية 24] و {نََاضِرَةٌ} [القيامة الآية 22] و {نََاظِرَةٌ} [القيامة: الآية 23].
وليحترز من خفائها حالة الوقف نحو {الْعََالَمِينَ} [الفاتحة: الآية 2، وغيرها] {يُؤْمِنُونَ}
[البقرة: الآية 3، وغيرها] {الظََّالِمُونَ} [الأنعام: الآية 93]، فيجب عليه الاعتناء ببيانها فكثيرا ما يتركون ذلك فلا يسمعونها حالة الوقف، وإذا تكرّرت وجب عليه التحفظ من ترك بيان المثلين نحو قوله: {سُنَنٌ} [آل عمران: الآية 137] و {بِأَعْيُنِنََا} [هود: الآية 37] و {لَيُؤْمِنَنَّ} [النّساء: الآية 159] و {يَقُولُونَ نَخْشى ََ} [المائدة: الآية 52] و {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ}
[التوبة: الآية 52] وإذا كانت الأولى مشددة كان البيان آكد لاجتماع ثلاث نونات كقوله:
{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ} [ص: الآية 88].
وإذا ألقيت حركة الهمزة على التنوين وحرّك بها على مذهب ورش كقوله في سورة يوسف {مِنْ سُلْطََانٍ إِنِ الْحُكْمُ} [يوسف: الآية 40] لفظ بثلاث نونات متواليات مكسورات، وأما قوله: {مََا لَكَ لََا تَأْمَنََّا} [يوسف: الآية 11] فللسبعة فيه وجهان:
أحدهما: الإشارة بالشفتين إلى الحركة عند الإدغام، وعلى هذا يكون إدغاما، وثانيهما:
الإشارة إلى النون الأولى بالحركة، وعلى هذا يكون إخفاء.
وأما الراء:
فقد تقدم الكلام على مخرجها ونسبتها، وهي، مجهورة، بينية، منفتحة، مستفلة، مذلقة، منحرفة، مكرّرة. وقد ذكر بعضهم ما لها من الصفات في بيت فقال:
للراء ذلق وانحراف كرّرت ... فتح وجهر واستفال وسطت
قال سيبويه: إذا تكلمت بالراء خرجت كأنها مضاعفة، وذلك لما فيها من التكرير الذي انفردت به دون سائر الحروف، وقد توهم بعض الناس أن حقيقة التكرير ترعيد اللسان بها المرّة بعد المرّة، فأظهر ذلك حال تشديدها كما يفعله بعض الأندلسيين، والصواب التحفظ من ذلك بإخفاء تكريرها كما هو مذهب المحققين، وقد يبالغ قوم في
إخفاء تكريرها مشدّدة، فيأتي بها محصرمة شبيهة بالطاء، وذلك خطأ لا يجوز لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون الراء من الحروف الشديدة، مع أنه من الحروف البينية، فينبغي للقارئ عند النطق بها أن يلصق ظهر لسانه بأعلى حنكه لصقا محكما مرة واحدة بحيث لا يرتعد لأنه متى ارتعد حدث من كل مرة راء، فإذا نطق بها مشدّدة وجب عليه التحفّظ من تكريرها، وعليه تأديتها برفق من غير مبالغة في الحصر نحو قوله: {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: الآية 1] و {وَخَرَّ مُوسى ََ} [الأعراف: الآية 143] و {أَشَدُّ حَرًّا} [التّوبة:(1/80)
للراء ذلق وانحراف كرّرت ... فتح وجهر واستفال وسطت
قال سيبويه: إذا تكلمت بالراء خرجت كأنها مضاعفة، وذلك لما فيها من التكرير الذي انفردت به دون سائر الحروف، وقد توهم بعض الناس أن حقيقة التكرير ترعيد اللسان بها المرّة بعد المرّة، فأظهر ذلك حال تشديدها كما يفعله بعض الأندلسيين، والصواب التحفظ من ذلك بإخفاء تكريرها كما هو مذهب المحققين، وقد يبالغ قوم في
إخفاء تكريرها مشدّدة، فيأتي بها محصرمة شبيهة بالطاء، وذلك خطأ لا يجوز لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون الراء من الحروف الشديدة، مع أنه من الحروف البينية، فينبغي للقارئ عند النطق بها أن يلصق ظهر لسانه بأعلى حنكه لصقا محكما مرة واحدة بحيث لا يرتعد لأنه متى ارتعد حدث من كل مرة راء، فإذا نطق بها مشدّدة وجب عليه التحفّظ من تكريرها، وعليه تأديتها برفق من غير مبالغة في الحصر نحو قوله: {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: الآية 1] و {وَخَرَّ مُوسى ََ} [الأعراف: الآية 143] و {أَشَدُّ حَرًّا} [التّوبة:
الآية 81]. وإذا تكررت الراء وكانت الأولى مشدّدة كان التحفظ لذلك أشدّ وآكد كقوله:
{مُحَرَّراً} [آل عمران: الآية 35] و {وَخَرَّ رََاكِعاً} [ص: الآية 24]. وليحترز حال ترقيقها من نحولها نحولا يذهب أثرها وينقل لفظها عن مخرجها كما يفعله بعض الغافلين. وسيأتي حكم تفخيمها وترقيقها في باب التفخيم والترقيق إن شاء الله تعالى.
وأما الطاء المهملة
فقد تقدم الكلام على مخرجها ونسبتها، وهي أقوى الحروف لأنها جمعت من صفات القوّة ما لا يجتمع في غيرها فهي حرف مجهور شديد مطبق مستعل مقلقل مصمت. وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للطا انطباق جهر استعلا ورد ... قلقلة صمت وشدّة تعدّ
فإذا نطقت بها فأعطها حقها من مخرجها وصفاتها، واعتن ببيان إطباقها واستعلائها وتكميل تفخيمها. وإذا كانت مشدّدة وجبت المحافظة على ما تقدم لئلا يميل اللسان بها إلى الرخاوة نحو {اطَّيَّرْنََا} [النّمل: الآية 47] و {أَنْ يَطَّوَّفَ} [البقرة: الآية 158]. فإذا تكررت كان البيان آكد لتكرّر حرف مطبق مستعمل قوي نحو {إِذاً شَطَطاً} [الكهف: الآية 14]، وإذا سكنت سواء كان سكونها لازما أو عارضا فلا بد من بيان إطباقها وقلقلتها نحو {الْخَطْفَةَ} [الصّافات: الآية 10] و {الْأَطْفََالُ} [النّور: الآية 59] و {وَالْأَسْبََاطِ} [البقرة: الآية 136] وغيرها و {الْقِسْطَ} [الأنبياء: الآية 47] ونحوه في الوقف. وإذا سكنت وأتي بعدها تاء فوقية وجب إدغامها إدغاما غير مستكمل، بل تبقى معه صفة الإطباق والاستعلاء لئلا تشتبه بالتاء المدغمة المجانسة لها بسبب اتحاد المخرج، ولولا التجانس لم يبتغ الإدغام لذلك نحو قوله تعالى: {لَئِنْ بَسَطْتَ} [المائدة: الآية 28] و {أَحَطْتُ} [النّمل: الآية 22] و {فَرَّطْتُ} [الزّمر: الآية 56] كما يحكم ذلك بالمشافهة. ويحترز حال الإدغام عن القلقلة في الطاء وإن كانت ساكنة لأنها تذهب بالإدغام.
وفي ابن غازي: فإن قيل: ما الفرق بين هذا وبين قوله: {وَدَّتْ طََائِفَةٌ} [آل عمران: الآية 69] و {قََالَتْ طََائِفَةٌ} [الأحزاب: الآية 13] و {فَآمَنَتْ طََائِفَةٌ} [الصف: الآية 14] حيث اغتفر فيه اشتباه التاء بالطاء، ولم يغتفر هذا في عكسه؟
أجيب: بأنه يمكن أن يفرّق بينهما بأنه لمّا كان أصل الإدغام أن يدغم الأضعف في الأقوى ليصير مثله في القوة، أدغمت كلّ طاء ساكنة في تاء بعدها إدغاما غير مستكمل، يبقى معه تفخيمها واستعلاؤها محافظة على قوة الطاء، وأدغمت التاء الساكنة في طاء بعدها إدغاما مستكملا، وجعل إبقاء صفة التفخيم والاستعلاء دالا على موصوفها كما في إبقاء صفة الغنة عند إدغام النون الساكنة والتنوين في الواو والياء، فيكون التشديد متوسطا في الموضعين لأجل إبقاء الصفة. اه.(1/81)
وفي ابن غازي: فإن قيل: ما الفرق بين هذا وبين قوله: {وَدَّتْ طََائِفَةٌ} [آل عمران: الآية 69] و {قََالَتْ طََائِفَةٌ} [الأحزاب: الآية 13] و {فَآمَنَتْ طََائِفَةٌ} [الصف: الآية 14] حيث اغتفر فيه اشتباه التاء بالطاء، ولم يغتفر هذا في عكسه؟
أجيب: بأنه يمكن أن يفرّق بينهما بأنه لمّا كان أصل الإدغام أن يدغم الأضعف في الأقوى ليصير مثله في القوة، أدغمت كلّ طاء ساكنة في تاء بعدها إدغاما غير مستكمل، يبقى معه تفخيمها واستعلاؤها محافظة على قوة الطاء، وأدغمت التاء الساكنة في طاء بعدها إدغاما مستكملا، وجعل إبقاء صفة التفخيم والاستعلاء دالا على موصوفها كما في إبقاء صفة الغنة عند إدغام النون الساكنة والتنوين في الواو والياء، فيكون التشديد متوسطا في الموضعين لأجل إبقاء الصفة. اه.
وفي شرح الملّا علي القاري: وقال بعضهم: ومن العرب من يبدل التاء طاء ثم يدغم إدغاما مستكملا فيقول: «أحطّ» و «فرّط» بطاء واحدة مشددة مدغمة. قال شريح:
وهذا مما يجوز في كلام الخلق لا في كلام الخالق عزّ وجلّ لأن كلام الله لا يجوز فيه التصرف على خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطرق المتواترة في القراءات المشتهرة، وأما في كلام المخلوقين فيتوسّع بكل ما جاء من اللغة. وبهذا يتبين أنه لم يرد في القرآن إبدال الطاء تاء وإدغامها فيها فيجب الاحتراز عنها.
وأما الدال المهملة
: فقد تقدم الكلام على مخرجها ونسبتها، وهي حرف قوي لأنه مجهور، شديد، مقلقل، مصمت، منفتح، مستفل، وقد جمع بعضهم صفاتها في بيت فقال:
للدال إصمات وجهر قلقلة ... وشدّة فتح وسفل فاعقله
فإذا نطقت بها فأعطها حقها واعتن ببيان جهرها إذ لولا الجهر الذي فيها لكانت تاء، ولولا الهمس الذي في التاء لكانت دالا. ولهذا تجد كثيرا من الناس يلفظ بالدال كالتاء في نحو {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) [الفاتحة: الآية 4]. وسبب ذلك عدم المحافظة على بيان جهر الدال فإن افتراقهما لا يحصل إلا بذلك، ولأجل ما بين الدال والتاء من الاتحاد في المخرج والتشارك في أكثر الصفات وجب إدغام الدال إذا سكنت قبل التاء في كلمة واحدة نحو {حَصَدْتُمْ} [يوسف: الآية 47] و {أَرَدْتُمْ} [البقرة: الآية 233] و {عُدْتُمْ}
[الإسراء: الآية 8] و {أَنَا رََاوَدْتُهُ} [يوسف: الآية 51]، وكذلك إذا اجتمعا في كلمتين نحو {قَدْ تَبَيَّنَ} [البقرة: الآية 256] و {لَقَدْ تََابَ} [التّوبة: الآية 117] و {وَقَدْ تَعْلَمُونَ}
[الصف: الآية 5].
وإذا سكنت الدال سواء كان سكونها لازما أو عارضا فلا بد من بيان قلقلتها وبيان شدّتها وجهرها، فإن كان سكونها لازما سواء كان من كلمة أو كلمتين وأتى بعدها حرف من حروف المعجم لا سيما النون فلا بدّ من قلقلتها وإظهارها لئلّا تخفى عند
النون وغيرها لسكونها واشتراكهما في الجهر نحو قوله: {الْقَدْرِ} [القدر: الآية 3] و «العدل» و {لَقَدْ وُعِدْنََا} [المؤمنون: الآية 83، وغيرها] و {قَدْ نَرى ََ} [البقرة: الآية 144] و {لَقَدْ رَأى ََ} [النّجم: الآية 18] و {لَقَدْ لَقِينََا} [الكهف: الآية 62] ونحو ذلك. وإياك إذا أظهرتها أن تحرّكها كما يفعله كثير من العجم، وذلك خطأ فاحش. وإن كان سكونها عارضا نحو {مِنْ بَعْدِ} [البقرة: الآية 27] فلا بد من بيانها وقلقلتها، وإلا عادت تاء. وإياك إن تعمدت بيانها أن تشدّدها كما يفعله كثير من القراء.(1/82)
وإذا سكنت الدال سواء كان سكونها لازما أو عارضا فلا بد من بيان قلقلتها وبيان شدّتها وجهرها، فإن كان سكونها لازما سواء كان من كلمة أو كلمتين وأتى بعدها حرف من حروف المعجم لا سيما النون فلا بدّ من قلقلتها وإظهارها لئلّا تخفى عند
النون وغيرها لسكونها واشتراكهما في الجهر نحو قوله: {الْقَدْرِ} [القدر: الآية 3] و «العدل» و {لَقَدْ وُعِدْنََا} [المؤمنون: الآية 83، وغيرها] و {قَدْ نَرى ََ} [البقرة: الآية 144] و {لَقَدْ رَأى ََ} [النّجم: الآية 18] و {لَقَدْ لَقِينََا} [الكهف: الآية 62] ونحو ذلك. وإياك إذا أظهرتها أن تحرّكها كما يفعله كثير من العجم، وذلك خطأ فاحش. وإن كان سكونها عارضا نحو {مِنْ بَعْدِ} [البقرة: الآية 27] فلا بد من بيانها وقلقلتها، وإلا عادت تاء. وإياك إن تعمدت بيانها أن تشدّدها كما يفعله كثير من القراء.
وإذا تكررت الدال وأتت مشددة أو غير مشدّدة وجب بيان كل منهما لصعوبة التكرير على اللسان كقوله: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ} [البقرة: الآية 217] و {أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} (31) [طه: الآيتان 30، 31] و {أَنَحْنُ صَدَدْنََاكُمْ} [سبأ: الآية 32] و {وَعَدَّدَهُ} [الهمزة:
الآية 2] و {مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: الآية 9] ونحو ذلك. وكذلك إذا كانت الدال بدلا من تاء وجب على القارئ بيانها لئلا يميل اللسان بها إلى أصلها، وذلك نحو {مُزْدَجَرٌ}
[القمر: الآية 4] و {تَزْدَرِي} [هود: الآية 31] وشبهه، ولا بدّ من ترقيقها إذا جاءت بعد حرف مفخّم نحو {فِي صُدُورِ} [النّاس: الآية 5] و {يُصْدِرَ} [القصص: الآية 23] {فَأَصَّدَّقَ} [المنافقون: الآية 10] لئلا تفخّم فتصير طاء مهملة، وكذا إذا جاء بعدها ألف نحو {الدََّارُ} [البقرة: الآية 94] و {الدََّاعِ} [البقرة: الآية 186] و {دََائِمُونَ} [المعارج: الآية 23] [اه. تمهيد مع بعض زيادة].
وأما التاء المثناة الفوقية
: فقد تقدم الكلام على مخرجها ونسبتها، ولها خمس صفات: الشدة، والهمس، والاستفال، والانفتاح، والإصمات. وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للتاء شدّة كذاك همس ... صمت انفتاح واستفال خمس
فإذا نطقت بها فأعطها حقّها واعتن ببيان شدتها لئلا تصير رخوة كما ينطق بها بعض الناس، وربما جعلت سينا لا سيما إذا كانت ساكنة نحو {فِتْنَةٌ} [البقرة: الآية 102] و {فَتْرَةٍ} [المائدة: الآية 19] و {يَتْلُونَ} [البقرة: الآية 113] و {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} [المائدة:
الآية 27، وغيرها]. قال شريح في «نهاية الإتقان»: إن القرّاء قد يتفاضلون في التاء فتلتبس في ألفاظهم بالسين لقرب مخرجها منها فيجدون فيها رخاوة وصفيرا، وذلك أنهم لا يصعدون بها إلى أعلى الحنك، إنما ينحون بها إلى جهة الثنايا، وهناك مخرج السين اه.
ويتأكد الاعتناء ببيانها إذا تكررت في كلمة نحو {تَتَوَفََّاهُمُ} [النّحل: الآية 28] و {تَتْلُوا}
[العنكبوت: الآية 48]، أو كلمتين نحو {كِدْتَ تَرْكَنُ} [الإسراء: الآية 74] و {أَفَأَنْتَ
تُكْرِهُ} [يونس: الآية 99]، وإن تكررت ثلاث مرات نحو قوله: {الرََّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا}
[النازعات: الآيتان 6، 7] كان الاعتناء ببيانها كلّ أشدّ وآكد لأن في اللفظ به صعوبة. قال مكي في الرعاية: هو بمنزلة الماشي يرفع رجله مرتين أو ثلاث مرات ويردّها في كل مرة إلى الموضع الذي رفعها منه، وهذا ظاهر، ألا ترى أن اللسان إذا لفظ بالتاء الأولى رجع إلى موضعه ليلفظ بالتاء الثانية، وذلك صعب فيه تكلف، ولا بد من زيادة الاعتناء ببيانها وتخليصها مرقّقة إذا أتى بعدها حرف إطباق ولا سيما الطاء التي شاركتها في المخرج، وذلك نحو {أَفَتَطْمَعُونَ} [البقرة: الآية 75] و {تَطْهِيراً} [الأحزاب: الآية 33] و {وَلََا تَطْغَوْا} [هود: الآية 112] و {وَلََا تَطْرُدِ} [الأنعام: الآية 52] و {وَتَصْلِيَةُ} [الواقعة:(1/83)
ويتأكد الاعتناء ببيانها إذا تكررت في كلمة نحو {تَتَوَفََّاهُمُ} [النّحل: الآية 28] و {تَتْلُوا}
[العنكبوت: الآية 48]، أو كلمتين نحو {كِدْتَ تَرْكَنُ} [الإسراء: الآية 74] و {أَفَأَنْتَ
تُكْرِهُ} [يونس: الآية 99]، وإن تكررت ثلاث مرات نحو قوله: {الرََّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا}
[النازعات: الآيتان 6، 7] كان الاعتناء ببيانها كلّ أشدّ وآكد لأن في اللفظ به صعوبة. قال مكي في الرعاية: هو بمنزلة الماشي يرفع رجله مرتين أو ثلاث مرات ويردّها في كل مرة إلى الموضع الذي رفعها منه، وهذا ظاهر، ألا ترى أن اللسان إذا لفظ بالتاء الأولى رجع إلى موضعه ليلفظ بالتاء الثانية، وذلك صعب فيه تكلف، ولا بد من زيادة الاعتناء ببيانها وتخليصها مرقّقة إذا أتى بعدها حرف إطباق ولا سيما الطاء التي شاركتها في المخرج، وذلك نحو {أَفَتَطْمَعُونَ} [البقرة: الآية 75] و {تَطْهِيراً} [الأحزاب: الآية 33] و {وَلََا تَطْغَوْا} [هود: الآية 112] و {وَلََا تَطْرُدِ} [الأنعام: الآية 52] و {وَتَصْلِيَةُ} [الواقعة:
الآية 94] و {لِمَ تَصُدُّونَ} [آل عمران: الآية 99] و {لََا تَظْلِمُونَ} [البقرة: الآية 279] وإذا أتى بعدها ألف غير الممالة فاحذر تغليظها أو أن تنحو بها إلى الكسر، بل ائت بها مرقّقة نحو «تائبون» و {تَأْكُلُونَ} [آل عمران: الآية 49]. وإذا سكنت وأتى بعدها طاء أو دال أو تاء وجب إدغامها فيهن، فإذا أدغمت في الطاء وجب إظهار الإدغام مع إظهار الإطباق والاستعلاء وذلك نحو قوله: {وَدَّتْ طََائِفَةٌ} [آل عمران: الآية 69]. وإذا سكنت وأتى بعدها حرف من حروف المعجم فاحذر إخفاءها نحو قوله: {فِتْنَةٌ}
[البقرة: الآية 102] لأن التاء حرف فيه ضعف فإذا سكن ازداد ضعفا، فلا بد من إظهاره لشدته، وتجب المحافظة على همسه خصوصا عند الوقف عليه نحو قوله: و {تَمَّتْ}
[الأعراف: الآية 137] و {كَلِمَتُ} [الأعراف: الآية 137] و {بَقِيَّتُ} [هود: الآية 86] لئلا يصير دالا مهملة اه.
وأما الصاد المهملة:
فقد تقدّم الكلام على مخرجها ونسبتها، ولها ست صفات:
الاستعلاء، والإطباق، والإصمات، والصفير، والهمس، والرخاوة. وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للصاد الاستعلا وهمس اطبقا ... رخو صفير ثمّ صمت حقّقا
فإذا نطقت بالصاد فوفّها حقها من مخرجها وصفاتها، وإذا سكّنت وأتى بعدها دال فلا بدّ من تصفية لفظها لئلا يخالطها لفظ الزاي كقوله: {أَصْدَقُ} [النّساء: الآية 87] و {قَصْدُ السَّبِيلِ} [النّحل: الآية 9] و {يُصْدِرَ} [القصص: الآية 23] و {تَصْدِيَةً} [الأنفال:
الآية 35] إلا من مذهبه التشريب. وإذا أتى بعدها طاء فلا بد من بيان إطباقها واستعلائها، وإلا قربت من الزاي كقوله: {اصْطَفى ََ} [البقرة: الآية 132] و {يَصْطَفِي} [الحج: الآية 75] وشبهه، وإذا أتى بعدها تاء نحو {حَرَصْتَ} [يوسف: الآية 103] و {وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء:
الآية 129] و {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النّساء: الآية 90] فلا بد من بيان لفظ الصاد وتصفية
النطق بها، وإلا بادر اللسان إلى جعلها سينا لأن السين أقرب إلى التاء من الصاد إلى التاء [اه. تمهيد].(1/84)
الآية 129] و {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النّساء: الآية 90] فلا بد من بيان لفظ الصاد وتصفية
النطق بها، وإلا بادر اللسان إلى جعلها سينا لأن السين أقرب إلى التاء من الصاد إلى التاء [اه. تمهيد].
وأما السين المهملة:
فقد تقدم الكلام على مخرجها ونسبتها، ولها ست صفات:
الهمس، والرخاوة، والانفتاح، والاستفال، والإصمات، والصفير. وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للسين رخو ثمّ صمت سفلت ... همس صفير يا فتى وانفتحت
فإذا نطقت بها فوفّها حقّها، وبيّن همسها وصفيرها، وخلّص لفظها من الجهر، خصوصا إذا سكنت، وإلا انقلبت زاء إذ لولا الهمس الذي فيها لكانت زاء، ولولا الجهر الذي في الزاي لكانت سينا، فاختلافهما في السمع هو بالجهر والهمس، وإذا أتى بعد السين حرف من حروف الإطباق سواء كانت ساكنة أو متحركة وجب بيانها برفق وتؤدة لئلا تجذبها قوّته فتقلبها صادا بسبب المجاورة لأن مخرجهما واحد نحو {بَسْطَةً} [البقرة: الآية 247] و {مَسْطُوراً} [الإسراء: الآية 58] و {تَسْطِعْ} [الكهف: الآية 82] و {أَقْسَطُ عِنْدَ اللََّهِ} [البقرة: الآية 282] إذ لولا التسفل والانفتاح اللذان في السين لكانت صادا، ولولا الاستعلاء والإطباق اللذان في الصاد لكانت سينا. وينبغي أن يبيّن صفيرها أكثر من الصاد لأن صفير الصاد بيّن بالإطباق، وكذلك يجب بيانها في نحو قوله:
{سُلْطََانٍ} [النّجم: الآية 23] و {لَسَلَّطَهُمْ} [النّساء: الآية 90] و {تُسََاقِطْ} [مريم: الآية 25]، وكذلك يجب بيان همسها إذا أتى بعدها تاء أو جيم نحو {مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: الآية 161] و {يَسْجُدُ} [الرّعد: الآية 15] و {مَسْجِدٍ} [الأعراف: الآية 29] لئلا تلتبس بالزاي للمجاورة.
وكذلك يجب بيان انفتاحها واستفالها في نحو {أَسَرُّوا} [المائدة: الآية 52] و {يُسْحَبُونَ}
[القمر: الآية 48] و {عَسَى} [النّساء: الآية 84، وغيرها] و {قَسَمْنََا} [الزّخرف: الآية 32] لئلا تشتبه بنحو (أصرّوا) و (يصحبون) و (عصى) و (قصمنا) [اه. تمهيد وابن غازي].
وأما الزاي:
فقد تقدم الكلام على مخرجها ونسبتها، ولها ست صفات: الجهر، والرخاوة، والانفتاح، والاستفال، والإصمات، والصفير. وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للزاي جهر مع صفير مستفل ... صمت ورخو ثم فتح قد نقل
فإذا نطقت بها فبيّن جهرها لأنها لا تتميز عن السين إلا به، فإذا سكنت وأتى بعدها حرف مهموس أو مجهور تأكد بيانها لئلّا يقرب لفظها من لفظ السين نحو {يُزْجِي سَحََاباً}
[النور: الآية 43] و {مُزْجََاةٍ} [يوسف: الآية 88] و {كَنَزْتُمْ} [التّوبة: الآية 35] و {تَزْدَرِي}
[هود: الآية 31] و {ازْدََادُوا} [آل عمران: الآية 90] و {أَزْكى ََ} [البقرة: الآية 232] و {وِزْرَكَ}
[الشّرح: الآية 2] و {لَيُزْلِقُونَكَ} [القلم: الآية 51] وشبه ذلك. وإذا تكررت الزاي وجب بيانها أيضا نحو قوله: {فَعَزَّزْنََا بِثََالِثٍ} [يس: الآية 14] لثقل التكرير، ولا بد من ترقيقها إذا أتى بعدها ألف نحو قوله: {مََا زََادُوكُمْ} [التّوبة: الآية 47] و {الزََّانِيَةُ} [النّور: الآية 2] وشبه ذلك.(1/85)
للزاي جهر مع صفير مستفل ... صمت ورخو ثم فتح قد نقل
فإذا نطقت بها فبيّن جهرها لأنها لا تتميز عن السين إلا به، فإذا سكنت وأتى بعدها حرف مهموس أو مجهور تأكد بيانها لئلّا يقرب لفظها من لفظ السين نحو {يُزْجِي سَحََاباً}
[النور: الآية 43] و {مُزْجََاةٍ} [يوسف: الآية 88] و {كَنَزْتُمْ} [التّوبة: الآية 35] و {تَزْدَرِي}
[هود: الآية 31] و {ازْدََادُوا} [آل عمران: الآية 90] و {أَزْكى ََ} [البقرة: الآية 232] و {وِزْرَكَ}
[الشّرح: الآية 2] و {لَيُزْلِقُونَكَ} [القلم: الآية 51] وشبه ذلك. وإذا تكررت الزاي وجب بيانها أيضا نحو قوله: {فَعَزَّزْنََا بِثََالِثٍ} [يس: الآية 14] لثقل التكرير، ولا بد من ترقيقها إذا أتى بعدها ألف نحو قوله: {مََا زََادُوكُمْ} [التّوبة: الآية 47] و {الزََّانِيَةُ} [النّور: الآية 2] وشبه ذلك.
وأما الظاء المعجمة:
فقد تقدم الكلام على مخرجها ونسبتها. ولها خمس صفات:
الجهر، والإطباق، والاستعلاء، والإصمات، والرخاوة. وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للظاء صمت مع إطباق عرف ... علوّ وجهر ثمّ رخو قد وصف
فإذا نطقت بها فبيّن استعلاءها وإطباقها لئلا تشتبه بالذال المعجمة لأنها من مخرجها، ولولا الإطباق والاستعلاء اللذان في الظاء لكانت ذالا فالتحفّظ بلفظ الظاء واجب لئلّا يدخله شائبة لفظ الذال في نحو قوله: {وَمََا كََانَ عَطََاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً}
[الإسراء: الآية 20] أي ممنوعا، فإن لم يتحفظ ببيان الظاء اشتبه في اللفظ بنحو قوله:
{إِنَّ عَذََابَ رَبِّكَ كََانَ مَحْذُوراً} [الإسراء: الآية 57] فهو بالذال من الحذر. وإذا سكنت الظاء وأتى بعدها تاء وجب بيانها لئلا تقرب من الإدغام نحو {أَوَعَظْتَ} [136] في سورة الشعراء، ولا ثاني له.
قال مكّي: الظاء مظهرة بلا اختلاف في ذلك بين القراء. وذكر غيره أنه روي عن اليزيدي وعن نصير وعن الكسائي إدغامها فيها وإذهاب صفتها، فتكون في اللفظ مثل «أوعدت» من الوعد. قال في الإقناع: وهو جائز، وذكر الأهوازي عن الجماعة عن نصير أيضا إدغامها وإبقاء صفتها وهو جائز حسن، ولكن أهل الأداء لم يأتوا فيه إلا بالإظهار، وكأنّهم عدلوا عن الإدغام لما فيه من اللبس. [اه. شارح نونية السخاوي].
فإن قيل: لم أظهر القرّاء {أَوَعَظْتَ} [الشّعراء: الآية 136] وأدغموا نحو {أَحَطْتُ}
[النّمل: الآية 22] وكلاهما يجوز فيه الأمران؟ أجيب: بأن الطاء المهملة أقرب إلى التاء فإنهما من مخرج واحد فلذلك اختاروا إدغامها، وأيضا فالقراءة سنّة متّبعة ويقتدي فيها الخلف بالسّلف. ولذلك أشار السخاوي في نونيته فقال:
وكذا بيان الصاد نحو حرصتم ... والظاء في أوعظت للأعيان
إذ أظهروه وأدغموا فرّطت فاتّ ... بع في القرآن أئمة الأزمان
وفي بعض النسخ:(1/86)
وكذا بيان الصاد نحو حرصتم ... والظاء في أوعظت للأعيان
إذ أظهروه وأدغموا فرّطت فاتّ ... بع في القرآن أئمة الأزمان
وفي بعض النسخ:
مخرج الحرفين متّحدان اه.
وكذا يلزم تخليص الظاء وبيانه ساكنا أو متحركا حيث وقع.
وأما الذال المعجمة:
فقد تقدم الكلام على مخرجها ونسبتها. ولها خمس صفات:
الجهر، والانفتاح، والاستفال، والرخاوة، والإصمات. وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للذال الاستفال مع جهر كذا ... فتح ورخو ثم إصمات خذا
فإذا نطقت بها فوفّها حقّها من مخرجها وصفاتها، واعتن بترقيقها وبيان استفالها وانفتاحها إذا جاورها حرف مفخم، وإلّا فربما انقلبت ظاء نحو {ذَرْهُمْ} [الأنعام: الآية 91] و {ذَرْنِي} [المدّثر: الآية 11] و {ذَرَّةٍ} [النّساء: الآية 40، وغيرها] و {ذَرْعاً} [هود: الآية 77] و {أَنْذَرَهُمْ} [القمر: الآية 36] و {الْأَذْقََانِ} [يس: الآية 8]، ولا سيما في نحو {الْمُنْذَرِينَ} [الشّعراء: الآية 173] و {مَحْذُوراً} [الإسراء: الآية 57] و {وَذَلَّلْنََاهََا} [يس: الآية 72] لئلا تشتبه بنحو {الْمُنْظَرِينَ} [الحجر: الآية 37] و {مَحْظُوراً} [الإسراء: الآية 20] و {وَظَلَّلْنََا} [البقرة: الآية 57] لأن الذال لا تتميز عن الظاء إلا بالاستفال والانفتاح. وإذا سكنت الذال وأتى بعدها نون وجب عليك إظهارها، وإلا فربما اندغمت في النون نحو {وَإِذْ نَتَقْنَا} [الأعراف: الآية 171] و {فَنَبَذْنََاهُ} [الصّافات: الآية 145] و {أَخَذْنََا} [البقرة: الآية 63] وكذلك إذا أتى بعدها حرف مهموس، وجب عليك بيان جهرها وإلا عادت ثاء مثلّثة كقوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ} [الأعراف: الآية 86]. وإذا أتى بعدها قاف فلا بد من ترقيقها، وإلا صارت ظاء نحو قوله: {ذُقْ} [الدّخان: الآية 49] و {ذََاقُوا} [الأنعام: الآية 148] و {الْأَذْقََانِ} [يس: الآية 8]، وإياك والمبالغة في ترقيقها لئلا تصير ثاء مثلثة كما يفعله بعض الناس. وإذا تكررت وجب بيان كل منهما نحو قوله: {ذِي الذِّكْرِ} [ص: الآية 1] وقد اجتمعت هنا ثلاث ذالات لأن اللام قلبت ذالا توصّلا إلى الإدغام، وبيان كل واحدة منهن لازم. [اه. تمهيد].
وأما الثاء المثلثة:
فقد تقدّم الكلام على مخرجها ونسبتها. ولها خمس صفات:
الهمس، والرخاوة، والاستفال، والانفتاح، والإصمات. وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للثّاء همس وانفتاح قد أتى ... رخاوة صمت استفال يا فتى
فإذا نطقت بها فوفّها حقّها من صفاتها، وإياك أن تحدث فيها جهرا فيلتبس لفظها بالذال المعجمة لأنهما من مخرج واحد، وإذا وقع بعد الثاء ألف وجب ترقيقها نحو قوله: {ثََالِثُ} [المائدة: الآية 73] و {وَثََامِنُهُمْ} [الكهف: الآية 22] ونحوهما. وإذا تكررت الثاء وجب بيانها نحو قوله: {ثََالِثُ ثَلََاثَةٍ} [المائدة: الآية 73] و {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة:(1/87)
للثّاء همس وانفتاح قد أتى ... رخاوة صمت استفال يا فتى
فإذا نطقت بها فوفّها حقّها من صفاتها، وإياك أن تحدث فيها جهرا فيلتبس لفظها بالذال المعجمة لأنهما من مخرج واحد، وإذا وقع بعد الثاء ألف وجب ترقيقها نحو قوله: {ثََالِثُ} [المائدة: الآية 73] و {وَثََامِنُهُمْ} [الكهف: الآية 22] ونحوهما. وإذا تكررت الثاء وجب بيانها نحو قوله: {ثََالِثُ ثَلََاثَةٍ} [المائدة: الآية 73] و {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة:
الآية 191] مخافة أن يدخل الكلام إخفاء. وإذا وقعت ساكنة قبل حرف الاستعلاء تأكد وجوب بيانها لضعفها وقوة حرف الاستعلاء بعدها نحو قوله: {أَثْخَنْتُمُوهُمْ} [محمّد: الآية 4] و {حَتََّى يُثْخِنَ} [الأنفال: الآية 67] و {تَثْقَفَنَّهُمْ} [الأنفال: الآية 57] و {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ}
[الممتحنة: الآية 2] و {أَيُّهَ الثَّقَلََانِ} [الرحمن: الآية 31]، وكذلك الراء والنون نحو قوله:
{أَعْثَرْنََا} [الكهف: الآية 21] و {لَبِثْنََا} [الكهف: الآية 19] و {بَعَثَنََا} [يس: الآية 52] كلّ ذلك يجب فيه بيان الثاء.
وأما الفاء:
فقد تقدّم الكلام على مخرجها ونسبتها، ولها خمس صفات: الهمس، والرخاوة، والاستفال، والانفتاح، والإذلاق، وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للفاء فتح استفال قد رسم ... رخو وذلق ثم همس قد وسم
فإذا التقت الفاء بالميم أو الواو فلا بدّ من بيانها نحو {تَلْقَفْ مََا صَنَعُوا} [طه: الآية 69] و {لََا تَخَفْ وَلََا تَحْزَنْ} [العنكبوت: الآية 33] ونحو ذلك. وإذا تكررت الفاء تأكد وجوب بيانها سواء كانت من كلمة أو كلمتين كقوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللََّهُ} [الأنفال: الآية 66] و {أَنْ يُخَفِّفَ} [النّساء: الآية 28] و {وَلْيَسْتَعْفِفِ} [النور: الآية 33] وكذا {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ} [المطفّفين: الآية 24] و {خَلََائِفَ فِي الْأَرْضِ} [يونس: الآية 14] في مذهب المظهر ونحو ذلك. وإذا أتى بعدها ألف فلا بد من ترقيقها نحو {فَكِهِينَ} [الطّور: الآية 18] و {تَفَكَّهُونَ} [يس: الآية 55] و {كَفى ََ بِاللََّهِ} [الرّعد: الآية 43] اه.
وأما الواو:
فقد تقدّم الكلام على مخرجها ونسبتها، ولها ست صفات: الجهر، والاستفال، والانفتاح، والإصمات، والرخاوة، واللين. وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للواو جهر مع إصمات سفل ... فتح ورخو ثم لين قد حصل
فإذا جاءت الواو مضمومة أو مكسورة وجب بيانها وبيان حركتها لئلا يخالطها لفظ غيرها أو يقصر اللفظ عن إعطائها حقّها كقوله: {وُجُوهٌ} [الغاشية: الآية 2] و {تَفََاوُتٍ}
[الملك: الآية 3] و {وَلََا تَنْسَوُا الْفَضْلَ} [البقرة: الآية 237] و {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ} [البقرة: الآية 148]. فإذا انضمت ولقيها مثلها كان البيان آكد لثقله نحو {مََا وُورِيَ} [الأعراف: الآية 20].
وإذا سكنت وانضمّ ما قبلها وأتى بعدها مثلها: وجب بيان كلّ منهما خشية الإدغام لأنه غير جائز، وتمكّن الواو الأولى لمدّها ولينها، وذلك نحو {آمَنُوا وَعَمِلُوا} [البقرة:(1/88)
للواو جهر مع إصمات سفل ... فتح ورخو ثم لين قد حصل
فإذا جاءت الواو مضمومة أو مكسورة وجب بيانها وبيان حركتها لئلا يخالطها لفظ غيرها أو يقصر اللفظ عن إعطائها حقّها كقوله: {وُجُوهٌ} [الغاشية: الآية 2] و {تَفََاوُتٍ}
[الملك: الآية 3] و {وَلََا تَنْسَوُا الْفَضْلَ} [البقرة: الآية 237] و {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ} [البقرة: الآية 148]. فإذا انضمت ولقيها مثلها كان البيان آكد لثقله نحو {مََا وُورِيَ} [الأعراف: الآية 20].
وإذا سكنت وانضمّ ما قبلها وأتى بعدها مثلها: وجب بيان كلّ منهما خشية الإدغام لأنه غير جائز، وتمكّن الواو الأولى لمدّها ولينها، وذلك نحو {آمَنُوا وَعَمِلُوا} [البقرة:
الآية 25] و {وَقََاتَلُوا وَقُتِلُوا} [آل عمران: الآية 195] و {قََالُوا وَهُمْ} [الشّعراء: الآية 96].
ولذلك أشار الإمام السخاوي في نونيته فقال:
في يوم مع قالوا وهم ونظير ذا ... لا تدغموا يا معشر الإخوان
فإذا سكنت وانفتح ما قبلها وجب الإدغام وبيان التشديد لأنها صارت في حكم الصحيح فإدغامها واجب كقوله: {عَفَوْا وَقََالُوا} [الأعراف: الآية 95] و {اتَّقَوْا وَآمَنُوا}
[المائدة: الآية 93] {ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} [المائدة: الآية 93] ولذلك أشار السخاوي فقال:
والواو في حتّى عفوا ونظيره ... إدغامه حتم على الإنسان
وإذا أتت مشدّدة فلا بدّ من بيان التشديد بقوة من غير تمضّغ ولا تراخ كقوله:
{لَوَّوْا} [المنافقون: الآية 5] و {وَأُفَوِّضُ} [غافر: الآية 44] و {عَدُوًّا} [البقرة: الآية 97] ونحوه [اهـ. تمهيد].
وأما الباء الموحدة: فقد تقدّم الكلام على مخرجها ونسبتها. ولها ستّ صفات:
القلقلة، والجهر، والشدة، والاستفال، والانفتاح، والإذلاق، وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للباء فتح شدّة تسفّل ... ذلاقة جهر كذا تقلقل
فإذا نطقت بالباء فأخرجها من مخرجها مع مراعاة ما فيها من الشدّة والجهر، واحذر أن تخرجها ممزوجة بالفاء كما يفعله بعض الأعاجم، وإذا أتت من كلمتين وكانت الأولى ساكنة كان إدغامها إجماعا نحو قوله: {اضْرِبْ بِعَصََاكَ} [البقرة: الآية 60] و {فَاضْرِبْ بِهِ} [ص: الآية 44]، وإذا سكنت ولقيها ميم أو فاء نحو قوله: {يََا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنََا} [هود: الآية 42] أو {يَغْلِبْ فَسَوْفَ} [النّساء: الآية 74] جاز فيها الإظهار والإدغام فالإظهار لاختلاف اللفظ، والإدغام لقرب المخرج أو اتحاده.
وإذا التقت الباء المتحركة بمثلها وجب إتيان كلّ منهما على صفته مرقّقا مخافة أن يقرب اللفظ من الإدغام، وذلك نحو قوله: {سَبَباً} [الكهف: الآية 89] و {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ}
[الحجرات: الآية 7] و {الْكِتََابَ بِالْحَقِّ} [البقرة: الآية 176] عند من يظهر. وإذا سكنت وجب على القارئ أن ينطق بها مرقّقة وأن يظهر قلقلتها سواء كان الإسكان لازما أو عارضا لا سيما إذا أتى بعدها واو نحو {رَبْوَةٍ} [المؤمنون: الآية 50] و {أَبْوََابَ} [القمر:
الآية 11] و {الْخَبْءَ} [النّمل: الآية 25] و {عِبْرَةٌ} [يوسف: الآية 111] و {فَانْصَبْ} [الشّرح:
الآية 7] و {فَارْغَبْ} [الشّرح: الآية 8] و {الْكِتََابُ} [البقرة: الآية 2] و {الْحِسََابِ} [الرّعد:(1/89)
الآية 11] و {الْخَبْءَ} [النّمل: الآية 25] و {عِبْرَةٌ} [يوسف: الآية 111] و {فَانْصَبْ} [الشّرح:
الآية 7] و {فَارْغَبْ} [الشّرح: الآية 8] و {الْكِتََابُ} [البقرة: الآية 2] و {الْحِسََابِ} [الرّعد:
الآية 18] و {لَهَبٍ} [المسد: الآية 1، وغيرها] ونحو ذلك [اه. تمهيد].
قال في النشر: وإن أتى بعدها حرف مفخم وجب على القارئ أن يرقّق اللفظ بها نحو و {وَبَطَلَ} [الأعراف: الآية 118] و {بَغى ََ} [ص: الآية 22] و {وَبَصَلِهََا} [البقرة: الآية 61]، فإن حال بينهما ألف كان التحفظ بترقيقها أبلغ نحو {وَبَطَلَ} [الأعراف: الآية 139] وغيرها و {بََاغٍ} [البقرة: الآية 173] و {وَالْأَسْبََاطِ} [البقرة: الآية 136]، فكيف إذا وليها حرفان مفخّمان نحو {بَرِقَ الْبَصَرُ} [القيامة: الآية 7] و {الْبَقَرَ} [البقرة: الآية 70] و {بَلْ طَبَعَ}
[النّساء: الآية 155] عند من أدغم. وقال في فتح الرحمن: وليحذر في ترقيقها من ذهاب شدّتها وجهرها لا سيما إذا كان بعدها حرف خفيّ نحو {بِهِمْ} [البقرة: الآية 15] و {بِهِ}
[البقرة: الآية 22] و {بََالِغُ} [الطّلاق: الآية 3] و {بََاسِطٌ} [الكهف: الآية 18] و {بََارِئِكُمْ}
[البقرة: الآية 54]، أو حرف ضعيف نحو {بِثَلََاثَةِ} [آل عمران: الآية 124] و {وَبِذِي الْقُرْبى ََ} [النساء: الآية 36] و {بِسََاحَتِهِمْ} [الصّافات: الآية 177]. ولذلك أشار ابن الجزري رحمه الله تعالى في مقدمته فقال:
وباء برق باطل بهم بذي ... فاحرص على الشدة والجهر الّذي
فيها وفي الجيم كحبّ الصّبر ... ربوة اجتثت وحجّ الفجر
وليحذر أيضا إذا رقّقها أن يدخلها إمالة، فكثيرا ما يقع في ذلك عامة المغاربة اه.
وأما الميم:
فقد تقدم الكلام على مخرجها ونسبتها. ولها خمس صفات: الجهر، والتوسط أي بين الشدة والرخاوة، والاستفال، والانفتاح، والإذلاق. وقد جمعها بعضهم في بيت فقال:
للميم الاستفال مع جهر كذا ... وسط وفتح ثم إذلاق خذا
اعلم أن الميم حرف أغنّ، وتظهر غنّته من الخيشوم إذا كان مدغما أو مخفى، والميم أخت الباء لأن مخرجهما واحد، فلولا الغنة التي في الميم وبعض الجريان الذي معها لكانت باء، والميم أيضا مؤاخية للنون في الغنّة التي هي في كل منهما ولأنهما مجهورتان، ولذلك أبدلت العرب إحداهما من الأخرى فقالوا: (غين) و (غيم)، وقالوا في الغاية: الندى والمدى، فإن أتى محرّكا فليحذر من تفخيمه ولا سيما إذا كان بعده حرف مفخّم نحو {مَخْمَصَةٍ} [المائدة: الآية 3] و {مَرَضٌ} [البقرة: الآية 10] و {مَرْيَمَ} [البقرة: الآية 87] و {وَمَا اللََّهُ بِغََافِلٍ} [البقرة: الآية 74] وغيرها فإن أتى بعده ألف كان الحذر من التفخيم آكد فكثيرا ما يجري ذلك على الألسنة خصوصا الأعاجم نحو {مََالِكِ} [الفاتحة: الآية
4] و {مََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: الآية 64] و {وَمََا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [النساء: الآية 60، وغيرها].(1/90)
للميم الاستفال مع جهر كذا ... وسط وفتح ثم إذلاق خذا
اعلم أن الميم حرف أغنّ، وتظهر غنّته من الخيشوم إذا كان مدغما أو مخفى، والميم أخت الباء لأن مخرجهما واحد، فلولا الغنة التي في الميم وبعض الجريان الذي معها لكانت باء، والميم أيضا مؤاخية للنون في الغنّة التي هي في كل منهما ولأنهما مجهورتان، ولذلك أبدلت العرب إحداهما من الأخرى فقالوا: (غين) و (غيم)، وقالوا في الغاية: الندى والمدى، فإن أتى محرّكا فليحذر من تفخيمه ولا سيما إذا كان بعده حرف مفخّم نحو {مَخْمَصَةٍ} [المائدة: الآية 3] و {مَرَضٌ} [البقرة: الآية 10] و {مَرْيَمَ} [البقرة: الآية 87] و {وَمَا اللََّهُ بِغََافِلٍ} [البقرة: الآية 74] وغيرها فإن أتى بعده ألف كان الحذر من التفخيم آكد فكثيرا ما يجري ذلك على الألسنة خصوصا الأعاجم نحو {مََالِكِ} [الفاتحة: الآية
4] و {مََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: الآية 64] و {وَمََا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [النساء: الآية 60، وغيرها].
وإذا كان ساكنا فله ثلاثة أحكام، وسيأتي ذكرها في آخر باب الإظهار والإدغام اه.
التتمة في تجويد الحرف المشدد
اعلم أن الحرف المشدد هو في الحقيقة حرفان أوّلهما ساكن وثانيهما متحرك، ولذلك يقوم في وزن الشعر مقام حرفين، فيجب على القارئ أن يبيّنه حيث وقع، ويعطيه حقّه لأنه إن فرّط في تشديده حذف حرفا من تلاوته، ويتأكد الاعتناء ببيان ذلك إذا لقي الحرف المشدّد حرفا يماثله نحو {حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: الآية 91] و {الْحَقِّ قُلِ اللََّهُ} [يونس: الآية 35] و {مِنَ الْيَمِّ مََا غَشِيَهُمْ} [طه: الآية 78] و {قُلِ اللََّهُمَّ مََالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: الآية 26] و {وَظَلَّلْنََا عَلَيْهِمُ} [الأعراف: الآية 160] فإن البيان في ذلك آكد لزيادة الثقل باجتماع ثلاثة أمثال، فينبغي أن يخلص بيانه من غير قطع الأوّل، ولصعوبة ذلك أشار الإمام السخاوي في نونيته فقال:
وبيّن الحرف المشدّد موضحا ... مما يليه إذا التقى المثلان
كاليمّ ما والحقّ قل ومثال ظل ... لنا لكيما يظهر الأخوان
فإن كان الحرف المماثل مشددا نحو {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللََّهَ} [المائدة: الآية 56] و {قُلْ لِلَّذِينَ} [آل عمران: الآية 12] فيكون أولى بالبيان لما فيه من اجتماع أربعة أمثال، وقد تجتمع ثلاث مشددات متواليات، وهو قليل في القرآن وفي الكلام، وإنما يأتي في الوصل من كلمتين أو أكثر نحو قوله: {وَعَلى ََ أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} [هود: الآية 48] فهذه ثلاثة أحرف مشدّدات متواليات قائمة مقام ستة أحرف، قبلها ميمان خفيفان في {أُمَمٍ}
[الأحقاف: الآية 18]، فيجتمع في لفظ ذلك إذا وصل ثمان ميمات متواليات اجتمعت من أصل ومن إدغام، فيجب على القارئ أن يتحفظ في ذلك غاية التحفظ. قال مكي: ولا أعلم له نظيرا في القرآن [اه. شارح نونية السخاوي].
وفي المرعشي نقلا عن الرعاية أن المشدّدات على ثلاثة أضرب: ضرب فيه ما يزيد تشديده وهو الراء المشددة لأن إخفاء تكريرها يزيد في تشديدها فوق تشديد سائر الحروف. وقال فيها أيضا: إذا كان الحرف المشدّد راء وجب على القارئ أن يشدّدها تشديدا بالغا ويخفي تكريرها فإخفاء التكرير كأنه زيادة في التشديد لأن إخفاء التكرير يحتاج إلى شدّة لصق اللسان على أعلى الحنك كما نقل عن الجعبري اه.
قال المرعشي: وينبغي أن يزاد في هذا الضرب اللام المفخمة في اسم الله عزّ وجلّ ولما نقل عن الرعاية أنه إذا كان المشدّد مفخما للتعظيم والإجلال نحو {قََالَ
اللََّهُ} [آل عمران: الآية 55] وشبهه وجب على القارئ أن يظهر التشديد إظهارا متمكنا ليظهر التفخيم في اللام. وليس في كلام العرب لام أظهر تفخيما وأشدّ تعظيما من اللام في اسم الله عزّ وجلّ لأنه فخّم لإرادة التعظيم والإجلال، وذلك إذا كان قبل اللام فتح أو ضمّ.(1/91)
قال المرعشي: وينبغي أن يزاد في هذا الضرب اللام المفخمة في اسم الله عزّ وجلّ ولما نقل عن الرعاية أنه إذا كان المشدّد مفخما للتعظيم والإجلال نحو {قََالَ
اللََّهُ} [آل عمران: الآية 55] وشبهه وجب على القارئ أن يظهر التشديد إظهارا متمكنا ليظهر التفخيم في اللام. وليس في كلام العرب لام أظهر تفخيما وأشدّ تعظيما من اللام في اسم الله عزّ وجلّ لأنه فخّم لإرادة التعظيم والإجلال، وذلك إذا كان قبل اللام فتح أو ضمّ.
وضرب ليس فيه ما يزيد تشديده ولا ما ينقصه، وهو كلّ ما أدغم ليس فيه تكرير ولا إظهار غنّة الحرف الأول ولا إطباقه ولا استعلاؤه نحو الياء من {ذُرِّيَّةٌ} [البقرة:
الآية 266] والجيم من {لُجِّيٍّ} [النور: الآية 40]، وهذا الضرب تشديده دون تشديد الراء المشدّدة قليلا. وفي المرعشي نقلا عن أبي شامة أن إدغام النون الساكنة والتنوين في النون والميم، وإدغام الميم الساكنة في مثلها من هذا الضرب عند الجمهور، ومن الضرب الثالث عند مكي.
وضرب فيه ما ينقص تشديده: وهو كل ما أدغم مع بقاء الغنة أو الإطباق أو الاستعلاء نحو {مَنْ يُؤْمِنُ} [التّوبة: الآية 99] و {وَاللََّهُ مِنْ وَرََائِهِمْ} [البروج: الآية 20] و {أَحَطْتُ} [النّمل: الآية 22] و {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ} [المرسلات: الآية 20] وهذا الضرب تشديده دون تشديد الضرب الثاني، واجتمع في قوله تعالى: {دُرِّيٌّ يُوقَدُ} [النّور: الآية 35] ثلاث مشدّدات مرتبة فتشديد الراء أمكن قليلا من تشديد الياء الأولى، وتشديد الياء الأولى أمكن من تشديد الياء الثانية.
وفي التمهيد أن ما ليس فيه غنّة يشدّد بسرعة، وما فيه غنة يشدّد بتراخ.
أقول: وهذا صريح في أن الغنة يتوقف أداؤها على التراخي، وفيه أيضا أن تشديد إدغام النون الساكنة والتنوين في الواو والياء يشدّد بتراخي التراخي، وتشديد الحرف المشدّد عند الوقف عليه أبلغ من تشديده في الوصل لأن الوقف عليه فيه صعوبة على اللسان، فيجب بيان تشديده إذا لم يرم نحو {مُسْتَمِرٌّ} [القمر: الآية 2] و {مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشّورى: الآية 45] و {هُمُ الْعَدُوُّ} [المنافقون: الآية 4]، وأما إذا رمت: فإظهار التشديد أسهل لأن الرّوم في حكم الوصل، لكن الواو والياء يصعب تشديدهما في الوصل أيضا بخلاف سائر الحروف نحو و {إِيََّاكَ} [الفاتحة: الآية 5] و {أَوََّابٌ} [ص: الآية 30] وإن كان دون صعوبة الوقف. [اه. مرعشي].
وإلى هنا انتهى الكلام على الصفات اللازمة.
ولنشرع الآن إن شاء الله تعالى في الكلام على الصفات العارضة التي تعرض لذات الحرف في بعض أحواله كالتفخيم، والترقيق، والإدغام، والإظهار، ونحوها، فنقول:(1/92)
ولنشرع الآن إن شاء الله تعالى في الكلام على الصفات العارضة التي تعرض لذات الحرف في بعض أحواله كالتفخيم، والترقيق، والإدغام، والإظهار، ونحوها، فنقول:
الباب الثالث في بيان أحكام التفخيم والترقيق
وفيه ثلاثة فصول، وتتمة.
الفصل الأول في بيان حقيقة التفخيم والترقيق، وما يجب تفخيمه وترقيقه من الحروف
اعلم أن التفخيم في الاصطلاح عبارة عن: سمن يدخل على جسم الحرف أي صوته، فيمتلئ الفم بصداه. والتفخيم والتسمين والتجسيم والتغليظ بمعنى واحد، لكن المستعمل في اللام التغليظ وفي الراء التفخيم. والترقيق هو عبارة عن: نحول يدخل على جسم الحرف فلا يمتلئ الفم بصداه.
ثم اعلم أن الحروف قسمان: حروف استعلاء، وحروف استفال.
أما حروف الاستعلاء فكلّها مفخّمة لا يستثنى شيء منها في حال من الأحوال، سواء كانت متحركة أم ساكنة، جاورت مستفلا أم غيره، وهي سبعة أحرف مجموعة في قول بعضهم «قظ خصّ ضغط»، وأعلاها في التفخيم حروف الإطباق الأربعة: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء لأن اللسان يعلو بها وينطبق، بخلاف الغين والخاء والقاف فإن اللسان يعلو بها ولا ينطبق. قال المرعشي: وتفخيم كل حرف منها يكون على قدر استعلائه فما كان استعلاؤه أبلغ كان تفخيمه أبلغ فحروف الإطباق أبلغ في التفخيم من باقي حروف الاستعلاء كما صرّح به ابن الجزري في نظمه حيث قال:
وحرف الاستعلاء فخّم واخصصا ... الإطباق أقوى نحو قال والعصا
قال ملّا علي القاري: «أقوى» صفة مصدر محذوف. والمعنى: واخصص حروف الإطباق بتفخيم أقوى من بين سائر حروف الاستعلاء. اه.
وأما حروف الاستفال فكلّها مرقّقة لا يجوز تفخيم شيء منها إلا الراء واللام في بعض أحوالهما، وسيجيء بيان ذلك، وإلا الألف المدّية فإنها تابعة لما قبلها، فإذا
وقعت بعد الحرف المفخّم تفخّم، وإذا وقعت بعد الحرف المرقق ترقق لأن الألف ليس فيه عمل عضو أصلا حتى يوصف بالتفخيم أو الترقيق. قال المرعشي في رسالته:(1/93)
وأما حروف الاستفال فكلّها مرقّقة لا يجوز تفخيم شيء منها إلا الراء واللام في بعض أحوالهما، وسيجيء بيان ذلك، وإلا الألف المدّية فإنها تابعة لما قبلها، فإذا
وقعت بعد الحرف المفخّم تفخّم، وإذا وقعت بعد الحرف المرقق ترقق لأن الألف ليس فيه عمل عضو أصلا حتى يوصف بالتفخيم أو الترقيق. قال المرعشي في رسالته:
ولمّا كان في الياء والواو المدّيّين عمل عضو في الجملة كما سبق لم يكونا تابعين لما قبلهما بل هما مرقّقان في كل حال، كذا يفهم من إطلاقاتهم اه. وقال أيضا في حاشيته على رسالته: ولعلّ الحق أن الواو المدّيّة تفخّم بعد الحرف المفخّم وذلك لأن ترقيقها بعد المفخّم في نحو {الطُّورَ} [البقرة: الآية 63] و {الصُّورِ} [الأنعام: الآية 73] و {قُوا} [التحريم: الآية 6] لا يمكن إلا بإشرابها صوت الياء المديّة بأن يحرّك وسط اللسان إلى جهة الحنك كما يشهد به الوجدان الصادق، مع أن الواو ليس فيه عمل للّسان أصلا، وقد رجوت أن يوجد التصريح بذلك أو الإشارة إليه في كتب هذا الفن، لكن أعياني الطلب فمن وجده فليكتبه هنا. وأما الياء المدّية فلا شك في أنها مرققة في كل حال. اه.
الفصل الثاني في بيان حكم الراء تفخيما وترقيقا
اعلم أن الراء لها حكمان: حكم في الوصل، وحكم في الوقف. فأما حكمها في الوقف فسيأتي، وأما حكمها في الوصل فهي تنقسم قسمين: متحركة، وساكنة. وسيأتي حكم الساكنة، وأما المتحركة فإنها تنقسم ثلاثة أقسام: مفتوحة، ومضمومة، ومكسورة.
فأما المفتوحة فإنها تفخّم للجميع، إلا من أمال منها شيئا فإنه يرققه، وإلا ورشا فإنه يرقّقها بعد الياء الساكنة من كلمة الراء نحو {طَيْراً} [آل عمران: الآية 49] و {خَيْراً}
[البقرة: الآية 158] وبعد الكسرة اللازمة المتصلة في بعض المواضع سواء حال بين الكسرة والراء المفتوحة ساكن نحو {الشِّعْرَ} [يس: الآية 69] أو لا نحو {سِرََاجاً} [الفرقان: الآية 61]. وكذا يرقّق الأولى من قوله: {بِشَرَرٍ} [المرسلات: الآية 32] من أجل كسرة الراء الثانية بعدها.
وأما المضمومة فإنّها تفخّم للجميع أيضا، إلا ورشا فإنه يرقّقها بعد الكسرة اللازمة المتصلة سواء حال بين الكسرة والراء ساكن نحو {عِشْرُونَ} [الأنفال: الآية 65]، أو لا نحو {يُبَشِّرُهُمْ} [التّوبة: الآية 21] و {يُشْعِرُكُمْ} [الأنعام: الآية 109]، وبعد الياء الساكنة في كلمة الراء نحو {قَدِيرٌ} [الممتحنة: الآية 7، وغيرها] و {غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدّثّر: الآية 10].
وأما الراء المكسورة فلا خلاف في ترقيقها سواء كانت الكسرة لازمة أو عارضة، تامّة أو مبعّضة، أو ممالة، أوّلا أو وسطا أو طرفا، منوّنة أو غير منوّنة، سكن ما قبلها أو
تحرّك بأي حركة، سواء وقع بعدها حرف مستعل أو مستفل في الاسم أو الفعل نحو {رِزْقاً} [البقرة: الآية 22] و {وَالْغََارِمِينَ} [التوبة: الآية 60] و {وَفِي الرِّقََابِ} [البقرة: الآية 177]، و {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيََالٍ عَشْرٍ} (2) [الفجر: الآيتان 1، 2] و {وَأَرِنََا مَنََاسِكَنََا} [البقرة: الآية 128، وغيرها] و {أَنْذِرِ النََّاسَ} [يونس: الآية 2] و {وَانْحَرْ (2) إِنَّ شََانِئَكَ} [الكوثر: الآيتان 2، 3] على قراءة ورش، و {رَأى ََ كَوْكَباً} [الأنعام: الآية 76] و {الذِّكْرى ََ} [الأنعام: الآية 68]، و {الدََّارُ} [البقرة: الآية 94] عند من أمال.(1/94)
وأما الراء المكسورة فلا خلاف في ترقيقها سواء كانت الكسرة لازمة أو عارضة، تامّة أو مبعّضة، أو ممالة، أوّلا أو وسطا أو طرفا، منوّنة أو غير منوّنة، سكن ما قبلها أو
تحرّك بأي حركة، سواء وقع بعدها حرف مستعل أو مستفل في الاسم أو الفعل نحو {رِزْقاً} [البقرة: الآية 22] و {وَالْغََارِمِينَ} [التوبة: الآية 60] و {وَفِي الرِّقََابِ} [البقرة: الآية 177]، و {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيََالٍ عَشْرٍ} (2) [الفجر: الآيتان 1، 2] و {وَأَرِنََا مَنََاسِكَنََا} [البقرة: الآية 128، وغيرها] و {أَنْذِرِ النََّاسَ} [يونس: الآية 2] و {وَانْحَرْ (2) إِنَّ شََانِئَكَ} [الكوثر: الآيتان 2، 3] على قراءة ورش، و {رَأى ََ كَوْكَباً} [الأنعام: الآية 76] و {الذِّكْرى ََ} [الأنعام: الآية 68]، و {الدََّارُ} [البقرة: الآية 94] عند من أمال.
وأما الراء الساكنة فتكون أوّلا ووسطا وآخرا، وتكون في ذلك كله بعد فتح وضمّ وكسر فمثالها أوّلا بعد فتح {وَارْزُقْنََا} [المائدة: الآية 114] و {وَارْحَمْنََا} [البقرة: الآية 286، وغيرها]، وبعد ضمّ {ارْكُضْ} [ص: الآية 42]، وبعد كسر {يََا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنََا}
[هود: الآية 42] و {أَمِ ارْتََابُوا} [النّور: الآية 50] و {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: الآية 99] و {الَّذِي ارْتَضى ََ} [النّور: الآية 55] و {مَنِ ارْتَضى ََ} [الجنّ: الآية 27]، فالتي بعد فتح لا بد أن تقع بعد حرف عطف، والتي بعد الضم تكون بعد همزة الوصل ابتداء، وقد تكون كذلك بعد ضمّ وصلا، وقد تكون بعد كسر على اختلاف بين القراء بين القراء كما مثّلنا به، فإنّ قوله تعالى: {وَعَذََابٍ (41) ارْكُضْ} [ص: الآيتان 41، 42] يقرأ بضم التنوين، قيل على قراءة نافع وابن كثير والكسائي وأبي جعفر وخلف وهشام، ويقرأ بالكسر على قراءة أبي عمرو وعاصم وحمزة ويعقوب وابن ذكوان، فهي مفخمة على كل حال لوقوعها بعد ضم، ولكون الكسرة عارضة. وكذلك {أَمِ ارْتََابُوا} [النّور: الآية 50] و {يََا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنََا} [هود: الآية 42] و {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: الآية 99] و {يََا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي} [الفجر: الآيتان 27، 28] و {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا}
[الحجّ: الآية 77] و {الَّذِينَ ارْتَدُّوا} [محمّد: الآية 25] و {تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} [النمل:
الآيتان 36، 37] و {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ} [الملك: الآية 4] فلا تقع الكسرة قبل الراء في ذلك ونحوه إلا في الابتداء، فهي أيضا في ذلك مفخمة لعروض الكسرة قبلها وكون الراء في ذلك أصلها التفخيم.
وأما الراء الساكنة المتوسطة فتكون أيضا بعد فتح وضمّ وكسر، فمثالها بعد الفتح {الْبَرْقُ} [البقرة: الآية 20] و {خَرْدَلٍ} [الأنبياء: الآية 47] و {الْأَرْضِ} [البقرة: الآية 11] و {الْعَرْشِ} [الأعراف: الآية 54] و {وَالْمَرْجََانُ} [الرحمن: الآية 22] و {وَرْدَةً} [الرحمن: الآية 37] فالراء مفخمة في ذلك كله لجميع القراء، لم يأت منهم خلاف في حرف من الحروف سوى كلمات ثلاث وهي {قَرْيَةٍ} [البقرة: الآية 259] و {مَرْيَمَ} [البقرة: الآية 87] و {الْمَرْءِ} [البقرة: الآية 102]، فأما {قَرْيَةٍ} [البقرة: الآية 259] و {مَرْيَمَ} [البقرة: الآية 87]
فنصّ على الترقيق فيهما لجميع القراء أبو عبد الله بن سفيان وأبو محمد مكي وأبو العباس المهدوي وغيرهم من أجل سكونها ووقوع الياء بعدها. وقد بالغ أبو الحسن الحصري في تغليظ من يقول بتفخيم ذلك فقال:(1/95)
وأما الراء الساكنة المتوسطة فتكون أيضا بعد فتح وضمّ وكسر، فمثالها بعد الفتح {الْبَرْقُ} [البقرة: الآية 20] و {خَرْدَلٍ} [الأنبياء: الآية 47] و {الْأَرْضِ} [البقرة: الآية 11] و {الْعَرْشِ} [الأعراف: الآية 54] و {وَالْمَرْجََانُ} [الرحمن: الآية 22] و {وَرْدَةً} [الرحمن: الآية 37] فالراء مفخمة في ذلك كله لجميع القراء، لم يأت منهم خلاف في حرف من الحروف سوى كلمات ثلاث وهي {قَرْيَةٍ} [البقرة: الآية 259] و {مَرْيَمَ} [البقرة: الآية 87] و {الْمَرْءِ} [البقرة: الآية 102]، فأما {قَرْيَةٍ} [البقرة: الآية 259] و {مَرْيَمَ} [البقرة: الآية 87]
فنصّ على الترقيق فيهما لجميع القراء أبو عبد الله بن سفيان وأبو محمد مكي وأبو العباس المهدوي وغيرهم من أجل سكونها ووقوع الياء بعدها. وقد بالغ أبو الحسن الحصري في تغليظ من يقول بتفخيم ذلك فقال:
وإن سكنت والياء بعد كمريم ... فرقق وغلّظ من يفخّم عن قهر
وذهب المحقّقون وجمهور أهل الأداء إلى التفخيم فيهما، وهو الصواب، وذهب بعضهم إلى الأخذ بالترقيق لورش من طريق الأزرق، وبالتفخيم لغيره، والصواب المأخوذ به هو التفخيم للجميع، ولا فرق بين ورش وغيره. وأما {الْمَرْءِ} [البقرة: الآية 102] من قوله تعالى: {بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: الآية 102] و {الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: الآية 24] فذكر بعضهم ترقيقها لجميع القراء من أجل كسرة الهمزة بعدها، وذهب كثير من المغاربة إلى ترقيقها لورش من طريق المصريين، وقال الحصري:
ولا تقرأن را المرء إلا رقيقة ... لدى سورة الأنفال أو قصّة السّحر
والتفخيم هو الأصحّ، وهو القياس لورش وجميع القراء. ومثالها بعد الضم {الْقُرْآنُ} [البقرة: الآية 185] و {الْفُرْقََانَ} [آل عمران: الآية 4] و {غُرْفَةً} [البقرة: الآية 249] فلا خلاف في تفخيم الراء في ذلك كله. ومثالها بعد الكسرة {فِرْعَوْنَ} [البقرة:
الآية 49] و «شرذمة» و {شِرْعَةً} [المائدة: الآية 48] و {مِرْيَةٍ} [هود: الآية 17] و {الْفِرْدَوْسَ}
[المؤمنون: الآية 11] فأجمعوا على ترقيق الراء في ذلك كله لوقوعها بعد كسرة لازمة متصلة بالراء في كلمتها وليس بعدها حرف استعلاء، أما إذا كانت كسرة ما قبلها غير أصلية، سواء كانت عارضة متصلة ككسرة همزة الوصل نحو {ارْجِعُوا} [يوسف: الآية 81] و {ارْكَبُوا} [هود: الآية 41] في الابتداء، أو منفصلة عارضة نحو {إِنِ ارْتَبْتُمْ}
[المائدة: الآية 106] و {لِمَنِ ارْتَضى ََ} [الأنبياء: الآية 28] أو منفصلة لازمة نحو {الَّذِي ارْتَضى ََ لَهُمْ} [النّور: الآية 55]، أو كان بعد الراء في كلمتها حرف من حروف الاستعلاء فإن الراء حينئذ تفخّم لكل القراء، والواقع منه في القرآن العظيم {قِرْطََاسٍ} [الآية 7] بالأنعام، و {فِرْقَةٍ} [التّوبة: الآية 122] وو إرصاد [الآية 107] بالتوبة، و {مِرْصََاداً} [الآية 21] بالنبإ، و {لَبِالْمِرْصََادِ} [الآية 14] بالفجر. ويشترط أن لا يكون حرف الاستعلاء مكسورا كهذه الأمثلة، وأما إذا كان مكسورا ففي تفخيم الراء خلاف كما قال ابن الجزري:
والخلف في فرق لكسر يوجد قال المرعشي: اختلف أهل الأداء في تفخيم راء {فِرْقٍ} [الشّعراء: الآية 63] فمنهم من فخّمها نظرا إلى حرف الاستعلاء بعدها، ومنهم من رققها للكسر الذي في
حرف الاستعلاء لأن حرف الاستعلاء قد انكسرت صولته أي قوته المفخّمة لتحركه بالكسر المناسب للترقيق أو لكسر يوجد فيما قبله وما بعده، فيكون وجه الترقيق ضعف الراء لوقوعها بين كسرتين ولو سكّن وقفا لعروض السكون. قال الداني: والوجهان جيدان: الترقيق: وبه قطع مكي والصقلي وابن شريح، وادّعوا فيه الإجماع. والتفخيم:(1/96)
والخلف في فرق لكسر يوجد قال المرعشي: اختلف أهل الأداء في تفخيم راء {فِرْقٍ} [الشّعراء: الآية 63] فمنهم من فخّمها نظرا إلى حرف الاستعلاء بعدها، ومنهم من رققها للكسر الذي في
حرف الاستعلاء لأن حرف الاستعلاء قد انكسرت صولته أي قوته المفخّمة لتحركه بالكسر المناسب للترقيق أو لكسر يوجد فيما قبله وما بعده، فيكون وجه الترقيق ضعف الراء لوقوعها بين كسرتين ولو سكّن وقفا لعروض السكون. قال الداني: والوجهان جيدان: الترقيق: وبه قطع مكي والصقلي وابن شريح، وادّعوا فيه الإجماع. والتفخيم:
وبه قطع الداني في التيسير كما ذكره ابن الناظم. وقال الداني في غير التيسير:
والمأخوذ به فيه الترقيق، نقله النويري في شرح الطيبة، فهو أولى بالعمل إفرادا وبالتقديم جمعا. اه.
وأما الراء الساكنة المتطرفة فتكون كذلك بعد فتح وضمّ وكسر فمثالها بعد الفتح {يُغْفَرْ} [الأنفال: الآية 38] و {لَمْ يَتَغَيَّرْ} [محمّد: الآية 15] و {يَسْخَرْ} [الحجرات: الآية 11] و {لََا تَذَرْ} [نوح: الآية 26] و {فَلََا تَقْهَرْ} [الضّحى: الآية 9] و {فَلََا تَنْهَرْ} [الضّحى:
الآية 10]. ومثالها بعد الضم {وَانْظُرْ} [البقرة: الآية 259] و {أَنِ اشْكُرْ} [لقمان: الآية 12] و {فَلََا تَكْفُرْ} [البقرة: الآية 102] فالراء مفخمة في ذلك كله بلا خلاف. ومثالها بعد الكسر {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لََا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التّوبة: الآية 80] و {أَبْصِرْ} [الكهف: الآية 26] و {وَاصْطَبِرْ} [مريم: الآية 65، وغيرها] و {وَلََا تُصَعِّرْ} [لقمان: الآية 18] فلا خلاف في ترقيق الراء في ذلك كله لوقوعها ساكنة بعد الكسر، ولا اعتبار بوجود حرف الاستعلاء بعدها في هذا القسم لانفصاله عنها وذلك نحو {فَاصْبِرْ صَبْراً} [المعارج: الآية 5] و {أَنْذِرْ قَوْمَكَ}
[نوح: الآية 1] و {وَلََا تُصَعِّرْ خَدَّكَ} [لقمان: الآية 18]. والله تعالى أعلم.
هذا ما يتعلق بحكم الراء في الوصل، وأما ما يتعلق بحكمها في الوقف: فهي لا تخلو في الوصل من أن تكون ساكنة قبل الوقف عليها، أو متحركة فإن كانت ساكنة نحو {فَلََا تَنْهَرْ} [الضّحى: الآية 10] و {وَثِيََابَكَ فَطَهِّرْ} (4) [المدثر: الآية 4] {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (5) [المدثر: الآية 5] و {أَنْذِرْ قَوْمَكَ} [نوح: الآية 1] أو كانت مفتوحة نحو {أَمَرَ}
[البقرة: الآية 27] و {صَبَرَ} [الشّورى: الآية 43] و {غَفَرَ} [يس: الآية 27] ولن نصير [البقرة: الآية 61] و {السِّحْرَ} [البقرة: الآية 102] و {الْخَيْرَ} [الحج: الآية 77] و {وَالْحَمِيرَ} [النحل: الآية 8]، أو كانت مكسورة لالتقاء الساكنين نحو {وَاذْكُرِ اسْمَ}
المزمّل: الآية 8] و {أَنْذِرِ النََّاسَ} [يونس: الآية 2] أو كانت كسرتها منقولة نحو {وَانْحَرْ (2) إِنَّ شََانِئَكَ} [الكوثر: الآيتان 2، 3] و {انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} [الأعراف: الآية 143] و {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللََّهِ} [الرّوم: الآية 60] فإن الوقف على جميع ذلك بالسكون المجرد لا غير. وإن كانت مكسورة والكسرة فيها للإعراب نحو {بِالْبِرِّ} [البقرة: الآية 44] و {نَجََّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ} [الإسراء: الآية 67] و {بِالْحُرِّ} [البقرة: الآية 178] و {إِلَى الْخَيْرِ} [آل
عمران: الآية 104] و {لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: الآية 19]، أو كانت كسرتها للإضافة إلى ياء المتكلم نحو {نَذِيرِ} [الملك: الآية 17] و {نَكِيرِ} [سبأ: الآية 45، وغيرها]، أو كانت الكسرة في عين الكلمة نحو {يَسْرِ} [الآية 4] في سورة الفجر، و {الْجَوََارِ} [التّكوير: الآية 16] في الشورى والرحمن والتكوير، و {هََارٍ} [الآية 109] في التوبة على ما فيه من القلب، ونحو ذلك مما الكسرة فيه ليست منقولة ولا لالتقاء الساكنين: جاز في الوقف عليها الرّوم والسكون. وإن كانت مرفوعة نحو {قُضِيَ الْأَمْرُ} [يوسف: الآية 41] و {الْكِبَرُ} [البقرة: الآية 266] و {الْأُمُورُ} [البقرة: الآية 210، وغيرها] و {النُّذُرُ}
[الأحقاف: الآية 21] و {الْأَشِرُ} [القمر: الآية 26] و {الْخَيْرُ} [آل عمران: الآية 26]: جاز الوقف في جميع ذلك بالروم والإشمام والسكون. وإذا تقرر هذا فاعلم أنك متى وقفت بالسكون أو بالإشمام نظرت إلى ما قبلها: فإن كان قبلها كسرة نحو {بُعْثِرَ} [العاديات:(1/97)
هذا ما يتعلق بحكم الراء في الوصل، وأما ما يتعلق بحكمها في الوقف: فهي لا تخلو في الوصل من أن تكون ساكنة قبل الوقف عليها، أو متحركة فإن كانت ساكنة نحو {فَلََا تَنْهَرْ} [الضّحى: الآية 10] و {وَثِيََابَكَ فَطَهِّرْ} (4) [المدثر: الآية 4] {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (5) [المدثر: الآية 5] و {أَنْذِرْ قَوْمَكَ} [نوح: الآية 1] أو كانت مفتوحة نحو {أَمَرَ}
[البقرة: الآية 27] و {صَبَرَ} [الشّورى: الآية 43] و {غَفَرَ} [يس: الآية 27] ولن نصير [البقرة: الآية 61] و {السِّحْرَ} [البقرة: الآية 102] و {الْخَيْرَ} [الحج: الآية 77] و {وَالْحَمِيرَ} [النحل: الآية 8]، أو كانت مكسورة لالتقاء الساكنين نحو {وَاذْكُرِ اسْمَ}
المزمّل: الآية 8] و {أَنْذِرِ النََّاسَ} [يونس: الآية 2] أو كانت كسرتها منقولة نحو {وَانْحَرْ (2) إِنَّ شََانِئَكَ} [الكوثر: الآيتان 2، 3] و {انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} [الأعراف: الآية 143] و {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللََّهِ} [الرّوم: الآية 60] فإن الوقف على جميع ذلك بالسكون المجرد لا غير. وإن كانت مكسورة والكسرة فيها للإعراب نحو {بِالْبِرِّ} [البقرة: الآية 44] و {نَجََّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ} [الإسراء: الآية 67] و {بِالْحُرِّ} [البقرة: الآية 178] و {إِلَى الْخَيْرِ} [آل
عمران: الآية 104] و {لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: الآية 19]، أو كانت كسرتها للإضافة إلى ياء المتكلم نحو {نَذِيرِ} [الملك: الآية 17] و {نَكِيرِ} [سبأ: الآية 45، وغيرها]، أو كانت الكسرة في عين الكلمة نحو {يَسْرِ} [الآية 4] في سورة الفجر، و {الْجَوََارِ} [التّكوير: الآية 16] في الشورى والرحمن والتكوير، و {هََارٍ} [الآية 109] في التوبة على ما فيه من القلب، ونحو ذلك مما الكسرة فيه ليست منقولة ولا لالتقاء الساكنين: جاز في الوقف عليها الرّوم والسكون. وإن كانت مرفوعة نحو {قُضِيَ الْأَمْرُ} [يوسف: الآية 41] و {الْكِبَرُ} [البقرة: الآية 266] و {الْأُمُورُ} [البقرة: الآية 210، وغيرها] و {النُّذُرُ}
[الأحقاف: الآية 21] و {الْأَشِرُ} [القمر: الآية 26] و {الْخَيْرُ} [آل عمران: الآية 26]: جاز الوقف في جميع ذلك بالروم والإشمام والسكون. وإذا تقرر هذا فاعلم أنك متى وقفت بالسكون أو بالإشمام نظرت إلى ما قبلها: فإن كان قبلها كسرة نحو {بُعْثِرَ} [العاديات:
الآية 9] و {قَدْ قُدِرَ} [القمر: الآية 12] و {نََاصِرَ} [محمد: الآية 13، وغيرها] و {الْأَشِرُ}
[القمر: الآية 26]، أو ساكن بعد كسرة نحو {الذِّكْرِ} [النحل: الآية 43] و {الشِّعْرَ}
[يس: الآية 69] و {بِهِ السِّحْرُ} [يونس: الآية 81]، أو ياء ساكنة نحو {قَدِيرٌ} [الممتحنة:
الآية 7] و {نَذِيرٍ} [المائدة: الآية 19] و {لََا ضَيْرَ} [الشّعراء: الآية 50] و {الْخَيْرِ}
[فصّلت: الآية 49]، أو حرف ممال نحو {الدََّارُ} [البقرة: الآية 94] و {الْأَبْرََارَ}
[الإنسان: الآية 5] عند من أمال، أو مرقق في قوله: {بِشَرَرٍ} [المرسلات: الآية 32] عند من رقق الراء: رققتها. وإن كان من قبلها في الوقف مفتوحا أو مضموما: فإنها تفخّم للجميع سواء تخلّل بين هاتين الحركتين وبين الراء ساكن نحو {الْقَدْرِ} [القدر:
الآية 3] و «الصبر» و {الْفَجْرِ} [البقرة: الآية 187]، أو لم يتخلل نحو {الْبَصَرِ} [النّحل:
الآية 77] و {الزُّبُرِ} [القمر: الآية 43]. وقد نظم الملا علي القاري ما يتعلق بحكمها في الوقف فقال:
وفخّم الرّاء زمان الوقف ... إن لم تكن بعد ممال الحرف
أو بعد كسر أو سكون الياء ... ورقّقنها سائر البناء
ثم قال: ولا يخفى أن قولي «بعد كسر» بإطلاقه يعمّ ما يكون بفصل وبدونه فيشمل نحو {الذِّكْرِ} [النحل: الآية 43] و {الشِّعْرَ} [يس: الآية 69].
ثم اعلم أن الساكن الحاجز بين الكسر والراء إذا كان صادا نحو {ادْخُلُوا مِصْرَ}
[يوسف: الآية 99] أو طاء في قوله: {عَيْنَ الْقِطْرِ} [سبأ: الآية 12] فقد اختلف في ذلك أهل الأداء فمن اعتدّ بحرف الاستعلاء فخّم الراء، ومن لم يعتدّ به رقّقها، لكن ابن الجزري اختار في {مِصْرَ} [الزخرف: الآية 51] التفخيم، وفي {الْقِطْرِ} [سبأ: الآية 12]
الترقيق نظرا فيهما لحال الوصل، وعملا بالأصل يعني أن الراء في {مِصْرَ} [الزّخرف:(1/98)
ثم اعلم أن الساكن الحاجز بين الكسر والراء إذا كان صادا نحو {ادْخُلُوا مِصْرَ}
[يوسف: الآية 99] أو طاء في قوله: {عَيْنَ الْقِطْرِ} [سبأ: الآية 12] فقد اختلف في ذلك أهل الأداء فمن اعتدّ بحرف الاستعلاء فخّم الراء، ومن لم يعتدّ به رقّقها، لكن ابن الجزري اختار في {مِصْرَ} [الزخرف: الآية 51] التفخيم، وفي {الْقِطْرِ} [سبأ: الآية 12]
الترقيق نظرا فيهما لحال الوصل، وعملا بالأصل يعني أن الراء في {مِصْرَ} [الزّخرف:
الآية 51] مفتوح مفخم في الوصل، وفي {الْقِطْرِ} [سبأ: الآية 12] مكسور مرقّق، وهذا هو المعوّل عليه. وقد نظم ذلك شيخنا الشيخ محمد المتولي فقال:
واختير أن يوقف مثل الوصل ... في راء مصر القطر يا ذا الفضل
وإن أردت أن تقف على قوله: {أَنْ أَسْرِ} [طه: الآية 77، وغيرها] بالسكون في قراءة من وصل وكسر النون فإنّ الراء ترقق، أما على القول بأن الوقف عارض فظاهر، وأما على القول الآخر فإن الراء قد اكتنفتها كسرتان، وإن زالت الثانية وقفا:
فإن الكسرة قبلها توجب الترقيق. فإن قيل: إن الكسر عارض فتفخّم مثل {أَمِ ارْتََابُوا} [النّور: الآية 50] فالجواب أن يقال: كما أن الكسر عارض فالسكون عارض، ولا أولوية لأحدهما، فيلغيان معا، ويرجع إلى كونها في الأصل مكسورة، فترقّق على أصلها، وأما في قراءة الباقين وكذا {فَأَسْرِ} [هود: الآية 81] في قراءة من قطع أو وصل فمن لم يعتدّ بالعارض رقّق أيضا، ومن اعتدّ به احتمل عنده التفخيم للعروض، واحتمل الترقيق فرقا بين كسرة الإعراب وكسرة البناء لأن أصل (أسر) أسري بياء حذفت لبناء الفعل فيبقى الترقيق دلالة على الأصل، وفرقا بين ما أصله الترقيق وما عرض له، فإذا وقف على قوله: (أن) للاختبار وأراد الابتداء بقوله:
(أسر) على قراءة من وصل: فإنه يبتدئ بكسر الهمزة، وقد أشار إلى بيان ذلك صاحب كنز المعاني فقال:
وفاسر أن اسر الوصل أصل دنا وقف ... بترقيق راء في أن اسر لمن خلا
كذا رجّح الباقون فيه، وكلّهم ... يرجّحه في فاسر قطعا وموصلا
وهمزة اسر اكسر لدى البدء إن تقف ... على أن لدى أصل دنا وقف الابتلا
الفصل الثالث في بيان حكم اللامات تغليظا وترقيقا
اعلم أن تغليظ اللام على قسمين: متفق عليه، ومختلف فيه.
فالمتفق عليه: تغليظها من اسم الله تعالى، وإن زيد عليه الميم بعد فتحة أو ضمة نحو {قََالَ اللََّهُ} [آل عمران: الآية 55] و {شَهِدَ اللََّهُ} [آل عمران: الآية 18] و «يقول الله» و {رُسُلُ اللََّهِ} [الأنعام: الآية 124] و {قََالُوا اللََّهُمَّ} [الأنفال: الآية 32] قصدا لتعظيم هذا الاسم الأعظم ولأن موجب الترقيق معدوم، والفتحة والضمة يستعليان في الحنك، والاستعلاء خفيف، فإن كان قبلها كسرة محضة فلا خلاف في ترقيقها سواء كانت الكسرة
متصلة في الرسم أو منفصلة، عارضة أو لازمة، نحو {لِلََّهِ} [الفاتحة: الآية 2] و {بِاللََّهِ}
[البقرة: الآية 8] و {أَفِي اللََّهِ} [إبراهيم: الآية 10] و {بِسْمِ اللََّهِ} [الفاتحة: الآية 1] و {قُلِ اللََّهُمَّ} [آل عمران: الآية 26] ونحو {مََا يَفْتَحِ اللََّهُ} [فاطر: الآية 2] و {أَحَدٌ (1) اللََّهُ}
[الإخلاص الآيتان: 1، 2] وإنما رققت بعد الكسرة كراهة التصعّد بعد التسفّل واستثقالا له.(1/99)
فالمتفق عليه: تغليظها من اسم الله تعالى، وإن زيد عليه الميم بعد فتحة أو ضمة نحو {قََالَ اللََّهُ} [آل عمران: الآية 55] و {شَهِدَ اللََّهُ} [آل عمران: الآية 18] و «يقول الله» و {رُسُلُ اللََّهِ} [الأنعام: الآية 124] و {قََالُوا اللََّهُمَّ} [الأنفال: الآية 32] قصدا لتعظيم هذا الاسم الأعظم ولأن موجب الترقيق معدوم، والفتحة والضمة يستعليان في الحنك، والاستعلاء خفيف، فإن كان قبلها كسرة محضة فلا خلاف في ترقيقها سواء كانت الكسرة
متصلة في الرسم أو منفصلة، عارضة أو لازمة، نحو {لِلََّهِ} [الفاتحة: الآية 2] و {بِاللََّهِ}
[البقرة: الآية 8] و {أَفِي اللََّهِ} [إبراهيم: الآية 10] و {بِسْمِ اللََّهِ} [الفاتحة: الآية 1] و {قُلِ اللََّهُمَّ} [آل عمران: الآية 26] ونحو {مََا يَفْتَحِ اللََّهُ} [فاطر: الآية 2] و {أَحَدٌ (1) اللََّهُ}
[الإخلاص الآيتان: 1، 2] وإنما رققت بعد الكسرة كراهة التصعّد بعد التسفّل واستثقالا له.
واختلف فيما وقع بعد الراء الممالة وذلك في رواية السوسي في قوله: {نَرَى اللََّهَ}
[البقرة: الآية 55] و {وَسَيَرَى اللََّهُ} [التوبة: الآية 94] فيجوز تفخيم اللام لعدم وجود الكسر الخالص قبلها، وترقيقها لعدم وجود الفتح الخالص، والأول اختبار السخاوي كالشاطبي، ونصّ على الثاني الداني في جامعه وقال إنه القياس، والوجهان صحيحان مأخوذ بهما.
وأما نحو قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللََّهِ} [الأنعام: الآية 114] و {يُبَشِّرُ اللََّهُ} [الشّورى: الآية 23] إذا رققت للأزرق فإنه يجب تفخيم اللام من {اسْمَ اللََّهِ} [المائدة: الآية 4] بعدها قولا واحدا لوجود الموجب، ولا اعتبار بترقيق الراء قبلها فإن قلت: لم لم تفخّم لام {السَّلََامُ} [الحشر: الآية 23] وهو من أسمائه تعالى؟ قلت: نعم من أسمائه تعالى لكن الأول يدل على الذات بالمنطوق، وللفرق بينه وبين اللات في الوقف بالهاء مع عدم المنافرة. وإن قيل: لم كتب (الله) بلامين و (الذى) و (التى) بلام واحدة؟ قلت:
تفرقة بين المعرب والمبني. وإن قيل: لم حذفوا الألف الأخيرة خطأ؟ قلت: لكي لا تلتبس باللاه الذي هو اسم فاعل من لها يلهو، وقيل: تخفيفا [اه. مقدسي، وشرح الشيخ حجازي].
وأما المختلف فيه: فكلّ لام مفتوحة مخفّفة أو مشدّدة متوسطة أو متطرفة قبلها صاد مهملة أو طاء أو ظاء سواء فتحت هذه الثلاث أو سكنت خففت أو شدّدت نحو {عَلى ََ صَلََاتِهِمْ} [الأنعام: الآية 92] و {تََابُوا وَأَصْلَحُوا} [البقرة: الآية 160] و {أَوْ يُصَلَّبُوا}
[المائدة: الآية 33] و {آيََاتٍ مُفَصَّلََاتٍ} [الأعراف: الآية 133] و {أَنْ يُوصَلَ} [البقرة: الآية 27] و {لَهُ طَلَباً} [الكهف: الآية 41] و {مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: الآية 5] و {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} [الحج:
الآية 45] و {إِنْ طَلَّقَكُنَّ} [التّحريم: الآية 5] و {ظَلَمُوا} [البقرة: الآية 59] و {أَظْلَمَ} [البقرة:
الآية 20] و {بِظَلََّامٍ} [آل عمران: الآية 182] و {ظَلَّ وَجْهُهُ} [النّحل: الآية 58] وشبه ذلك، فقرأ ورش من طريق الأزرق بتغليظ اللام التالية لهذه الثلاثة من ذلك كله. أما إذا كانت اللام مضمومة أو مكسورة أو ساكنة نحو {لَظَلُّوا} [الرّوم: الآية 51] {إِلََّا مَنْ ظُلِمَ}
[النّساء: الآية 148] {فَظَلْتُمْ} [الواقعة: الآية 65] {تَطْلُعُ عَلى ََ قَوْمٍ} [الكهف: الآية 90] {يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} [الأحزاب: الآية 43] {وَصَّلْنََا لَهُمُ الْقَوْلَ} [القصص: الآية 51] وشبه ذلك، فإن اللام ترقّق لا غير، وكذلك إذا كانت هذه الأحرف مضمومة أو مكسورة نحو {ظُلَلٍ} [البقرة:
الآية 210] و {ظِلََالٍ} [يس: الآية 56] و {عُطِّلَتْ} [التّكوير: الآية 4] و {فُصِّلَتْ} [هود: الآية 1]: فالترقيق لا غير. اه.(1/100)
الآية 20] و {بِظَلََّامٍ} [آل عمران: الآية 182] و {ظَلَّ وَجْهُهُ} [النّحل: الآية 58] وشبه ذلك، فقرأ ورش من طريق الأزرق بتغليظ اللام التالية لهذه الثلاثة من ذلك كله. أما إذا كانت اللام مضمومة أو مكسورة أو ساكنة نحو {لَظَلُّوا} [الرّوم: الآية 51] {إِلََّا مَنْ ظُلِمَ}
[النّساء: الآية 148] {فَظَلْتُمْ} [الواقعة: الآية 65] {تَطْلُعُ عَلى ََ قَوْمٍ} [الكهف: الآية 90] {يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} [الأحزاب: الآية 43] {وَصَّلْنََا لَهُمُ الْقَوْلَ} [القصص: الآية 51] وشبه ذلك، فإن اللام ترقّق لا غير، وكذلك إذا كانت هذه الأحرف مضمومة أو مكسورة نحو {ظُلَلٍ} [البقرة:
الآية 210] و {ظِلََالٍ} [يس: الآية 56] و {عُطِّلَتْ} [التّكوير: الآية 4] و {فُصِّلَتْ} [هود: الآية 1]: فالترقيق لا غير. اه.
التتمة في بيان مراتب تفخيم حروف الاستعلاء وفي تقسيم حروف التفخيم إلى ثلاثة أقسام
قال المرعشي: وحروف الاستعلاء عند ابن الطحان الأندلسي ثلاثة أضرب في مقدار التفخيم: الأول: ما تمكّن أي قوي فيه التفخيم وهو ما كان مفتوحا، والثاني: ما كان دونه، وهو المضموم، والثالث: ما كان دون المضموم وهو المكسور، وعند ابن الجزري على خمسة أضرب: ما كان مفتوحا بعده ألف، ثم ما كان مفتوحا من غير ألف، وهذان مندرجان تحت أول الثلاثة، ثم ما كان مضموما، ثم ما كان ساكنا، ثم ما كان مكسورا. هذا ما ذكره المرعشي في رسالته نقلا عن ابن الجزري في التمهيد، ونقله عنه أيضا الحلبي والملّا علي في شرحيهما على الجزرية، والنحراوي في حاشيته على شرح شيخ الإسلام، وهو المأخوذ به والمعوّل عليه، واستصوبه شيخنا عمدة المحققين الشيخ محمد المتولي، وأنشأ فيه سؤالا وأجاب عنه بقوله:
نصّوا بأنّ حرف الاستعلاء ... مفخّم بدون ما استثناء
لكن وجدنا نحو غلّ يتّخذ ... مرقّقا فيما علينا قد أخذ
فما جواب هذه المسألة ... عندكم فتوضحوه بالّتي
يهدي السلام أولا إليكم ... وبعد فالجواب درّا ينظم
حروف الاستعلاء فخّم مطلقا ... وقيل بل ما كان منها مطبقا
والأول الصواب عند العلما ... ولكن الإطباق كان أفخما
ثم المفخمات عنهم آتيه ... على مراتب ثلاث وهيه
مفتوحها مضمومها مكسورها ... وتابع ما قبله ساكنها
فما أتى من قبله من حركه ... فافرضه مشكلا بتلك الحركة
وخاء إخراج بتفخيم أتت ... من أجل راء بعدها إذ فخمت
وقيل بل مفتوحها مع الألف ... وبعده المفتوح من دون ألف
مضمومها ساكنها مكسورها ... فهذه خمس أتاك ذكرها
فهي وإن تكن بأدنى منزله ... فخيمة قطعا من المستفلة
فلا يقال إنها رقيقه ... كضدّها تلك هي الحقيقة
فلا تكن مستشكلا لقولهم ... فخيمة في كل حال إذ علم
والاختبار شاهد لقولنا ... فكن بصيرا بالعلوم متقنا
تمّ الجواب شافيا ويختم ... باسم السلام دائما عليكم
وأخصر من هذا ما ذكره بعضهم فقال:(1/101)
نصّوا بأنّ حرف الاستعلاء ... مفخّم بدون ما استثناء
لكن وجدنا نحو غلّ يتّخذ ... مرقّقا فيما علينا قد أخذ
فما جواب هذه المسألة ... عندكم فتوضحوه بالّتي
يهدي السلام أولا إليكم ... وبعد فالجواب درّا ينظم
حروف الاستعلاء فخّم مطلقا ... وقيل بل ما كان منها مطبقا
والأول الصواب عند العلما ... ولكن الإطباق كان أفخما
ثم المفخمات عنهم آتيه ... على مراتب ثلاث وهيه
مفتوحها مضمومها مكسورها ... وتابع ما قبله ساكنها
فما أتى من قبله من حركه ... فافرضه مشكلا بتلك الحركة
وخاء إخراج بتفخيم أتت ... من أجل راء بعدها إذ فخمت
وقيل بل مفتوحها مع الألف ... وبعده المفتوح من دون ألف
مضمومها ساكنها مكسورها ... فهذه خمس أتاك ذكرها
فهي وإن تكن بأدنى منزله ... فخيمة قطعا من المستفلة
فلا يقال إنها رقيقه ... كضدّها تلك هي الحقيقة
فلا تكن مستشكلا لقولهم ... فخيمة في كل حال إذ علم
والاختبار شاهد لقولنا ... فكن بصيرا بالعلوم متقنا
تمّ الجواب شافيا ويختم ... باسم السلام دائما عليكم
وأخصر من هذا ما ذكره بعضهم فقال:
مراتب التفخيم حصرها يفي ... طب ضيف صدق ظلّ قل غير خفي
فالأوّل المفتوح بعده ألف ... وبعده المفتوح من دون ألف
مضمومها ساكنها فما كسر ... خمس من الصفات في السبع حصر
فتفخيم القاف مثلا على خمسة أضرب: الأوّل ما تمكّن أي قوي فيه التفخيم، وهو ما كان مفتوحا بعده ألف نحو {قََالَ} [البقرة: الآية 30] و {وَالْقََائِمِينَ} [الحج: الآية 26].
والثاني: ما كان دونه وهو ما كان مفتوحا من دون ألف بعده نحو {لَقَدْ كََانَ} [يوسف:
الآية 7] و {وَقَدْ خَلَقَكُمْ} [نوح: الآية 14] و {صَدَقَكُمُ} [آل عمران: الآية 169] و {يَقُولُ}
[البقرة: الآية 8]. والرابع: ما كان ساكنا قال شيخنا: الساكن فيه تفصيل وهو: إن كان ما قبله مفتوحا يعطي تفخيم المفتوح الذي لم يكن بعده ألف نحو {يَقْطَعُونَ} [التّوبة:
الآية 121] و {وَيَقْتُلُونَ} [البقرة: الآية 61، وغيرها]، وإن كان ما قبله مضموما يعطى تفخيم المضموم نحو {أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ} [التّوبة: الآية 54] و {وَيَرْزُقْهُ} [الطلاق: الآية 3]، وإن كان ما قبله مكسورا يعطى تفخيما أدنى مما قبله مضموم نحو {اقْرَأْ} [الإسراء: الآية 14] و {نُذِقْهُ} [الحج: الآية 25]. والخامس: ما كان مكسورا نحو {لََا قِبَلَ لَهُمْ} [النّمل:
الآية 37] و {قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: الآية 11].
ثم اعلم أن حروف الاستعلاء ويقال لها حروف التفخيم سبعة، ويتبعها حرفان:
الراء في حال تفخيمها، ولام التغليظ. قال المرعشي نقلا عن التمهيد: لأن اللام والراء المفخمتين يشبهان الحروف المستعلية. وقال المرعشي أيضا: الظاهر أنهما في حالتي تفخيمهما من الحروف المستعلية، وهي تنقسم في التفخيم إلى ثلاثة أقسام: أعلى، وأوسط، وأدنى فأعلاها اللام المفخمة. وأوسطها: حروف الإطباق، وهي في التفخيم على ثلاثة أقسام أيضا، وسيأتي بيانها. وأدناها: بقية الحروف. قال المرعشي: ولما كانت الطاء المهملة أقوى في الإطباق من أخواتها، كان تفخيمها أزيد من تفخيم أخواتها كما في الرعاية والتمهيد. ولما كانت الصاد والضاد متوسطتين في الإطباق كما عرفت، كانتا متوسطتين في التفخيم أيضا. ولما كانت الظاء المعجمة أضعف حروف الإطباق، في
الإطباق كان تفخيمها أقلّ من تفخيم أخواتها. وبالجملة فإنّ قدر التفخيم على قدر الاستعلاء والإطباق فالطاء المهملة أفخم الحروف، ولما كانت القاف أبلغ في الاستعلاء من الخاء والغين المعجمتين كما عرفت، كانت أفخم منهما، لكن لا يبلغ تفخيمها إلى مرتبة حروف الإطباق فالمجوّد الماهر يفرّق بين تفخيمي القاف والصاد في قوله: {وَعَلَى اللََّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النّحل: الآية 9] وشبهه اه.(1/102)
الراء في حال تفخيمها، ولام التغليظ. قال المرعشي نقلا عن التمهيد: لأن اللام والراء المفخمتين يشبهان الحروف المستعلية. وقال المرعشي أيضا: الظاهر أنهما في حالتي تفخيمهما من الحروف المستعلية، وهي تنقسم في التفخيم إلى ثلاثة أقسام: أعلى، وأوسط، وأدنى فأعلاها اللام المفخمة. وأوسطها: حروف الإطباق، وهي في التفخيم على ثلاثة أقسام أيضا، وسيأتي بيانها. وأدناها: بقية الحروف. قال المرعشي: ولما كانت الطاء المهملة أقوى في الإطباق من أخواتها، كان تفخيمها أزيد من تفخيم أخواتها كما في الرعاية والتمهيد. ولما كانت الصاد والضاد متوسطتين في الإطباق كما عرفت، كانتا متوسطتين في التفخيم أيضا. ولما كانت الظاء المعجمة أضعف حروف الإطباق، في
الإطباق كان تفخيمها أقلّ من تفخيم أخواتها. وبالجملة فإنّ قدر التفخيم على قدر الاستعلاء والإطباق فالطاء المهملة أفخم الحروف، ولما كانت القاف أبلغ في الاستعلاء من الخاء والغين المعجمتين كما عرفت، كانت أفخم منهما، لكن لا يبلغ تفخيمها إلى مرتبة حروف الإطباق فالمجوّد الماهر يفرّق بين تفخيمي القاف والصاد في قوله: {وَعَلَى اللََّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النّحل: الآية 9] وشبهه اه.(1/103)
الراء في حال تفخيمها، ولام التغليظ. قال المرعشي نقلا عن التمهيد: لأن اللام والراء المفخمتين يشبهان الحروف المستعلية. وقال المرعشي أيضا: الظاهر أنهما في حالتي تفخيمهما من الحروف المستعلية، وهي تنقسم في التفخيم إلى ثلاثة أقسام: أعلى، وأوسط، وأدنى فأعلاها اللام المفخمة. وأوسطها: حروف الإطباق، وهي في التفخيم على ثلاثة أقسام أيضا، وسيأتي بيانها. وأدناها: بقية الحروف. قال المرعشي: ولما كانت الطاء المهملة أقوى في الإطباق من أخواتها، كان تفخيمها أزيد من تفخيم أخواتها كما في الرعاية والتمهيد. ولما كانت الصاد والضاد متوسطتين في الإطباق كما عرفت، كانتا متوسطتين في التفخيم أيضا. ولما كانت الظاء المعجمة أضعف حروف الإطباق، في
الإطباق كان تفخيمها أقلّ من تفخيم أخواتها. وبالجملة فإنّ قدر التفخيم على قدر الاستعلاء والإطباق فالطاء المهملة أفخم الحروف، ولما كانت القاف أبلغ في الاستعلاء من الخاء والغين المعجمتين كما عرفت، كانت أفخم منهما، لكن لا يبلغ تفخيمها إلى مرتبة حروف الإطباق فالمجوّد الماهر يفرّق بين تفخيمي القاف والصاد في قوله: {وَعَلَى اللََّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النّحل: الآية 9] وشبهه اه.
الباب الرابع في بيان أحكام الإدغام، والإظهار، والإخفاء، والإقلاب
وفيه خمسة فصول وتتمة.
الفصل الأول في معنى الإدغام، وكيفيته، وفائدته، وشروطه، وأسبابه، وموانعه، والحروف التي تدغم والتي لا تدغم
اعلم أن الإدغام معناه لغة الإدخال، يقال: أدغمت اللجام في فم الفرس إذا أدخلته فيه، وأدغمت الميت في اللحد إذا جعلته فيه. واصطلاحا: خلط الحرفين المتماثلين أو المتقاربين أو المتجانسين فيصيران حرفا واحدا مشددا، ويرتفع اللسان عند النطق بهما ارتفاعة واحدة.
وكيفية الإدغام: أن تجعل الحرف الذي يراد إدغامه مثل المدغم فيه، فتجعل اللام في نحو {وَالشَّمْسَ} [الأنعام: الآية 96] شينا، وفي نحو {النََّارَ} [البقرة: الآية 24] نونا، والنون في {مَنْ يُؤْمِنُ} [التّوبة: الآية 99] ياء، وفي {مِنْ وََاقٍ} [الرّعد: الآية 34] واوا، فإذا حصل المثلان وجب إدغام الأوّل في الثاني حكما إجماعيا.
وفائدته: تخفيف اللفظ لثقل عود اللسان إلى المخرج الأوّل، أو مقاربه، فاختار العرب الإدغام طلبا للخفة لأن النطق بذلك أسهل من الإظهار كما يشهد به الحسّ والمشاهدة، ولذلك شبّه النحاة الإظهار بمشي المقيّد لأن الإنسان إذا نطق بحرف وعاد إلى مثله أو إلى مقاربه يكون كالراجع إلى حيث فارق أو إلى قريب من حيث فارق.
وشروطه اثنان: شرط للمدغم: وهو أن يلاقي المدغم فيه خطّا سواء التقيا لفظا أم لا ليدخل نحو {إِنَّهُ هُوَ} [البقرة: الآية 37] فلا تمنع الصلة التي هي الواو الملفوظ بها في {إِنَّهُ هُوَ} [البقرة: الآية 37] ويخرج نحو {أَنَا نَذِيرٌ} [العنكبوت: الآية 50] لوجود الألف خطّا وإن لم يكن يلفظ به. والشرط الثاني في المدغم فيه: وهو كونه أكثر من حرف إن كان من كلمة فيدخل نحو {خَلَقَكُمْ} [البقرة: الآية 21]، ويخرج نحو {نَرْزُقُكَ}
[طه: الآية 132] و {خَلَقَكَ} [الانفطار: الآية 7].
وأما أسبابه فثلاثة: أحدها: التماثل وهو أن يتحدد الحرفان مخرجا وصفة كالباءين والميمين نحو قوله: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنََا} [يوسف: الآية 56] و {وَيََا قَوْمِ مََا لِي} [غافر: الآية 41] و {اذْهَبْ بِكِتََابِي} [النّمل: الآية 28] و {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: الآية 10].(1/104)
وشروطه اثنان: شرط للمدغم: وهو أن يلاقي المدغم فيه خطّا سواء التقيا لفظا أم لا ليدخل نحو {إِنَّهُ هُوَ} [البقرة: الآية 37] فلا تمنع الصلة التي هي الواو الملفوظ بها في {إِنَّهُ هُوَ} [البقرة: الآية 37] ويخرج نحو {أَنَا نَذِيرٌ} [العنكبوت: الآية 50] لوجود الألف خطّا وإن لم يكن يلفظ به. والشرط الثاني في المدغم فيه: وهو كونه أكثر من حرف إن كان من كلمة فيدخل نحو {خَلَقَكُمْ} [البقرة: الآية 21]، ويخرج نحو {نَرْزُقُكَ}
[طه: الآية 132] و {خَلَقَكَ} [الانفطار: الآية 7].
وأما أسبابه فثلاثة: أحدها: التماثل وهو أن يتحدد الحرفان مخرجا وصفة كالباءين والميمين نحو قوله: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنََا} [يوسف: الآية 56] و {وَيََا قَوْمِ مََا لِي} [غافر: الآية 41] و {اذْهَبْ بِكِتََابِي} [النّمل: الآية 28] و {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: الآية 10].
وثانيها التجانس: وهو أن يتفقا مخرجا ويختلفا صفة كالتاء مع الطاء والدال مع التاء نحو قوله: {وَلْتَأْتِ طََائِفَةٌ} [النّساء: الآية 102] و {تَكََادُ تَمَيَّزُ} [الملك: الآية 8].
وثالثها التقارب: وهو أن يتقاربا مخرجا أو صفة كالدال والسين المهملتين فإنهما متقاربان مخرجا نحو {قَدْ سَمِعَ} [المجادلة: الآية 1] وكالتاء المثناة الفوقية والثاء المثلثة نحو {كَذَّبَتْ ثَمُودُ} [الشّعراء: الآية 141] فإنهما متقاربتان صفة لأنهما مهموستان منفتحتان مستفلتان مرقّقتان مصمتتان مشتركتان في انتفاء الاستطالة والصفير والتكرير والتفشّي والخفاء، إلا أن التاء شديدة والثاء رخوة فالتقارب في الصفة أن يتفقا في أكثرها، وكاللام والراء فإنهما متقاربان فيهما. وقد أشار بعضهم إلى بيان كلّ من الثلاثة فقال:
الاتفاق مخرجا وصفة ... تماثل في نحو باءين أتى
والخلف في الأوصاف دون المخرج ... تجانس في الطاء والتاء يجي
والقرب في المخرج أو في الصفة ... أو فيهما تقارب فاستثبت
كالدال مع سين وشين أو كرا ... واللام قد زال الجدال والمرا
قال المرعشي في حاشية رسالته: وأمّا عكس هذا بأن اختلفا مخرجا واتفقا صفة كالدال المهملة والجيم: فغير داخل في شيء من هذه الأقسام الثلاثة، وقد أدغم بعض القراء الدال في الجيم في مثل قوله تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللََّهُ} [الطّلاق:
الآية 3] ولعل الأولى إدخاله في المتجانسين بأن يقال: اتفقا مخرجا واختلفا صفة، أو بالعكس.
ثم اعلم أن الحرفين إن تماثلا والأوّل ساكن ففيه عمل واحد وهو الإدغام، أو الأوّل متحرّك ففيه عملان: إسكان وإدغام. وإن لم يتماثلا بأن تقاربا أو تجانسا والأوّل ساكن فعملان: قلب، وإدغام. أو متحرك فثلاثة أعمال: إسكان، وقلب، وإدغام.
فالساكن أقلّ عملا من المتحرك، ومن ثم سمّي إدغامه إدغاما صغيرا، وسمّي إدغام المتحرك بعد إسكانه: إدغاما كبيرا. وسمي كبيرا لكثرة وقوعه، وأن الحركة أكثر من السكون، وقيل لشموله نوعي المثلين والمتقاربين والمتجانسين، وقيل بل لكثرة عمله لأنه يحتاج فيه إلى إسكان الحرف الأوّل وإدغامه في الثاني من المتماثلين، ويزيد على ذلك
قلب الحرف الأوّل من المتقاربين والمتجانسين مثل الثاني فتبدل الحاء من {زُحْزِحَ عَنِ النََّارِ} [آل عمران: الآية 185] عينا، والسين من {النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التّكوير: الآية 7] زاء، والضاد من {لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} [النّور: الآية 62] شينا، ثم يدغم فيما بعده [اه. ابن غازي].(1/105)
فالساكن أقلّ عملا من المتحرك، ومن ثم سمّي إدغامه إدغاما صغيرا، وسمّي إدغام المتحرك بعد إسكانه: إدغاما كبيرا. وسمي كبيرا لكثرة وقوعه، وأن الحركة أكثر من السكون، وقيل لشموله نوعي المثلين والمتقاربين والمتجانسين، وقيل بل لكثرة عمله لأنه يحتاج فيه إلى إسكان الحرف الأوّل وإدغامه في الثاني من المتماثلين، ويزيد على ذلك
قلب الحرف الأوّل من المتقاربين والمتجانسين مثل الثاني فتبدل الحاء من {زُحْزِحَ عَنِ النََّارِ} [آل عمران: الآية 185] عينا، والسين من {النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التّكوير: الآية 7] زاء، والضاد من {لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} [النّور: الآية 62] شينا، ثم يدغم فيما بعده [اه. ابن غازي].
وأما موانع الإدغام فقسمان: متفق عليه، ومختلف فيه: فالمتّفق عليه ثلاثة: وهي كون الأوّل من المثلين أو المتقاربين منوّنا أو مشدّدا أو تاء ضمير: فالمنوّن نحو {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: الآية 54] و {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التّوبة: الآية 98] وفي {ظُلُمََاتٍ ثَلََاثٍ}
[الزّمر: الآية 6] و {رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: الآية 78] لأن التنوين حاجز قوي جرى مجرى الأصول فمنع من التقاء الحرفين، بخلاف صلة {إِنَّهُ هُوَ} [البقرة: الآية 37] لعدم القوّة، ولا تمنع زيادة الصفة في المدغم، ولذا أجمعوا على إدغام {بَسَطْتَ} [المائدة: الآية 28] ونحوه. والمشدّد نحو {رَبِّ بِمََا} [الحجر: الآية 39] و {مَسَّ سَقَرَ} [القمر: الآية 48] و {فَتَمَّ مِيقََاتُ} [الأعراف: الآية 142] و {الْحَقُّ كَمَنْ} [الرّعد: الآية 19] و {أَشَدَّ ذِكْراً}
[البقرة: الآية 200] ووجهه ضعف المدغم فيه عن تحمل المشدّد لكونه بحرفين، وإدغام حرفين في حرف ممتنع لأنه لو أدغم فيه لانعدم أحد الحرفين. وتاء الضمير أي سواء كان متكلما أم مخاطبا نحو {كُنْتُ تُرََاباً} [النّبأ: الآية 40] و {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ} [يونس: الآية 99] و {كِدْتَ تَرْكَنُ} [الإسراء: الآية 74] {خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء: الآية 61] و {جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} [الكهف: الآية 71]. وسبب إظهارهما كونهما على حرف واحد فالإدغام مجحف به، ولأن ما قبله ساكن ففي إدغامه جمع بين ساكنين، ولأنه إذا أدغم التبس الأمر فلا يدرى ضمير المخبر من ضمير المخاطب، ولا يخفى أن في إطلاقهم تاء الضمير على نحو {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ} [يونس: الآية 99] تجوّزا إذ التاء فيه ليست ضميرا على الصحيح.
والمختلف فيه من الموانع: الجزم: وقد جاء في المثلين في نحو قوله: {يَخْلُ لَكُمْ} [يوسف: الآية 9] و {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ} [آل عمران: الآية 85] و {وَإِنْ يَكُ كََاذِباً}
[غافر: الآية 28]، وفي المتجانسين {وَلْتَأْتِ طََائِفَةٌ} [النّساء: الآية 102] و {أَلْحَقْتُمْ بِهِ}
[سبأ: الآية 27] و {وَآتِ ذَا الْقُرْبى ََ} [الإسراء: الآية 26]، وفي المتقاربين في قوله: {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً} [البقرة: الآية 247]، والمشهور الاعتداد بهذا المانع في المتقاربين، وإجراء الوجهين في غيره. [اه. إتحاف البشر وشرح الشاطبية للسخاوي].
فإذا وجد الشرط والسبب، وارتفع المانع: جاز الإدغام، فإن كانا مثلين: أسكن الأوّل وأدغم في الثاني، وإن كانا غير مثلين: قلب كالثاني وأسكن ثم أدغم وارتفع
اللسان عنهما ارتفاعة واحدة من غير وقف على الأوّل لأن الإدغام لا يكون إلا عند وصل الكلمة بالتالية. [اه. إتحاف].(1/106)
فإذا وجد الشرط والسبب، وارتفع المانع: جاز الإدغام، فإن كانا مثلين: أسكن الأوّل وأدغم في الثاني، وإن كانا غير مثلين: قلب كالثاني وأسكن ثم أدغم وارتفع
اللسان عنهما ارتفاعة واحدة من غير وقف على الأوّل لأن الإدغام لا يكون إلا عند وصل الكلمة بالتالية. [اه. إتحاف].
ثم اعلم أن الحروف الأصول التسعة والعشرين تنقسم بالنسبة إلى هذا الباب أربعة أقسام: قسم منها لا يدغم في شيء وهو سبعة أحرف: الهمزة، والألف، والخاء المعجمة، والطاء، والظاء، والصاد المهملة، والزاي فالسبعة بمعزل عن التماثل إلا الأربعة الأخيرة باعتبار الإدغام فيها. والثاني: لا يدغم إلا في مثله وهو ستة أحرف: الهاء، والعين، والغين، والياء، والفاء، والواو. والثالث: لا يدغم إلا في مجانسه أو مقاربه لأنه لم يلق مثله، وهو خمسة أحرف: الجيم، والشين، والضاد، والدال، والذال، والرابع: يدغم في مثله ومجانسه ومقاربه وهو أحد عشر حرفا: الحاء المهملة، والقاف، والكاف، واللام، والنون، والراء، والباء، والتاء، والثاء، والسين، والميم اه.
الفصل الثاني في بيان الإدغام الكبير وهو ما تحرك أوّل حرفيه وينقسم إلى مثلين، وإلى غيره
أما المدغم من المثلين فهو ضربان: من كلمة، ومن كلمتين.
أمّا ما كان من كلمة: فهو كلمتان فقط وهما {مَنََاسِكَكُمْ} [الآية 200] بالبقرة و {مََا سَلَكَكُمْ} [الآية 42] بالمدثر، فلا يدغم غيرهما على الصحيح نحو {جِبََاهُهُمْ} [التّوبة:
الآية 35] و {وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: الآية 106] و {بِشِرْكِكُمْ} [فاطر: الآية 14] و {بِأَعْيُنِنََا}
[هود: الآية 37]. ولذلك أشار الإمام الشاطبي في حرزه فقال:
ففي كلمة عنه مناسككم وما ... سلككم وباقي الباب ليس معوّلا
وأما ما كان من كلمتين: فالوارد منه في القرآن سبعة عشر حرفا وهي: الباء نحو {لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} [البقرة: الآية 20]، والتاء نحو {الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمََا} [المائدة: الآية 106]، والثاء {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: الآية 191]، والحاء {النِّكََاحِ حَتََّى} [البقرة: الآية 235]، والراء {شَهْرُ رَمَضََانَ} [البقرة: الآية 185]، والسين {النََّاسَ سُكََارى ََ} [الحجّ: الآية 2]، والعين {يَشْفَعُ عِنْدَهُ} [البقرة: الآية 255]، والغين {يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلََامِ} [آل عمران: الآية 85]، والفاء {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ} [البقرة: الآية 213]، والقاف {فَلَمََّا أَفََاقَ قََالَ} [الأعراف:
الآية 143]، والكاف {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً} [آل عمران: الآية 41]، واللام {لََا قِبَلَ لَهُمْ}
[النّمل: الآية 37]، والميم {الرَّحِيمِ (3) مََالِكِ} [الفاتحة: الآيتان 3، 4]، والنون
{وَبَنِينَ (55) نُسََارِعُ} [المؤمنون: الآيتان 55، 56]، والواو {وَهُوَ وَلِيُّهُمْ} [الأنعام: الآية 127]، والهاء {فِيهِ هُدىً} [البقرة: الآية 2]، والياء {أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ} [البقرة: الآية 254]، فهذه سبعة عشر مثالا لكل حرف مثال، وقد جمع بعضهم السبعة عشر حرفا في أوائل هذه الكلمات فقال:(1/107)
الآية 143]، والكاف {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً} [آل عمران: الآية 41]، واللام {لََا قِبَلَ لَهُمْ}
[النّمل: الآية 37]، والميم {الرَّحِيمِ (3) مََالِكِ} [الفاتحة: الآيتان 3، 4]، والنون
{وَبَنِينَ (55) نُسََارِعُ} [المؤمنون: الآيتان 55، 56]، والواو {وَهُوَ وَلِيُّهُمْ} [الأنعام: الآية 127]، والهاء {فِيهِ هُدىً} [البقرة: الآية 2]، والياء {أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ} [البقرة: الآية 254]، فهذه سبعة عشر مثالا لكل حرف مثال، وقد جمع بعضهم السبعة عشر حرفا في أوائل هذه الكلمات فقال:
يا لائمي غيّرت مهجتي ... وكم تعنّفني بقلّة همّتي
نعيت ربعا فارقوه سادتي ... ونحت عليهم ثم حارت قصّتي
وأما المدغم من المتجانسين والمتقاربين فهو ضربان أيضا: في كلمة، وفي كلمتين. أما ما كان من كلمة فلم يدغم منه إلا القاف في الكاف إذا تحرك ما قبل القاف وكان بعد الكاف ميم جمع لتحقّق الثّقل بكثرة الحروف نحو {خَلَقَكُمْ} [البقرة: الآية 21] و {رَزَقَكُمُ} [المائدة: الآية 88]، فإن سكن ما قبل القاف نحو {مِيثََاقَكُمْ} [البقرة: الآية 63] و {مََا خَلْقُكُمْ} [لقمان: الآية 28] أو لم يأت بعد الكاف ميم جمع نحو {خَلَقَكَ}
[الانفطار: الآية 7] و {نَرْزُقُكَ} [طه: الآية 132] فلا خلاف في إظهاره إلا إذا كان بعد الكاف نون جمع وهي {طَلَّقَكُنَّ} [الآية 5] فقط بالتحريم، ففيه خلاف لكراهة اجتماع ثلاث تشديدات في كلمة. وقد جمع بعضهم الكلمات التي تدغم فيها القاف في الكاف في بيتين فقال:
خلقكم رزقكم والمضارع منهما ... صدقكم وواثقكم فنغرقكم وما
سبقكم بلا خلف فأدغم جميعها ... وفي حرف طلّقكن بالخلف أدغما
وأما ما كان من كلمتين: فإن المدغم من الحروف في مجانسه أو مقاربه بشرط انتفاء الموانع المتقدمة ستة عشر حرفا وهي: الباء، والتاء، والثاء، والجيم، والحاء، والدال، والذال، والراء، والسين، والشين، والضاد، والقاف، والكاف، واللام، والميم، والنون. وقد جمعها الشاطبي في بيت فقال:
شفا لم تضق نفسا بها رم دوا ضن ... ثوى كان ذا حسن سأى منه قد جلا
وسأذكرها على الترتيب فأقول:
أما الباء الموحدة فتدغم في الميم في قوله: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ} [المائدة: الآية 40] فقط، وهو في خمسة مواضع لاتحاد مخرجهما، وتجانسهما في الانفتاح والاستفال والجهر، وكافأت الغنة الشدة، وليس منه موضع آخر البقرة [الآية: 284] لأنه ساكن الباء في قراءة أبي عمرو، فهو واجب الإدغام عنده فمحلّه الإدغام الصغير لا الكبير. وفهم من تخصيص باء {يُعَذِّبُ} وميم (من) إظهار ما عدا ذلك نحو {أَنْ
يَضْرِبَ مَثَلًا} [البقرة: الآية 26] و {سَنَكْتُبُ مََا قََالُوا} [آل عمران: الآية 181] و {وَكُذِّبَ مُوسى ََ} [الحج: الآية 44]. ووجه تخصيص الخمسة ثقل ضمة الفعل بعد كسرة، ثم لا بدّ من إظهار الغنة في حال الإدغام في نفس الحرف الأول لأنك أبدلت من الباء ميما وفيها غنة.(1/108)
أما الباء الموحدة فتدغم في الميم في قوله: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ} [المائدة: الآية 40] فقط، وهو في خمسة مواضع لاتحاد مخرجهما، وتجانسهما في الانفتاح والاستفال والجهر، وكافأت الغنة الشدة، وليس منه موضع آخر البقرة [الآية: 284] لأنه ساكن الباء في قراءة أبي عمرو، فهو واجب الإدغام عنده فمحلّه الإدغام الصغير لا الكبير. وفهم من تخصيص باء {يُعَذِّبُ} وميم (من) إظهار ما عدا ذلك نحو {أَنْ
يَضْرِبَ مَثَلًا} [البقرة: الآية 26] و {سَنَكْتُبُ مََا قََالُوا} [آل عمران: الآية 181] و {وَكُذِّبَ مُوسى ََ} [الحج: الآية 44]. ووجه تخصيص الخمسة ثقل ضمة الفعل بعد كسرة، ثم لا بدّ من إظهار الغنة في حال الإدغام في نفس الحرف الأول لأنك أبدلت من الباء ميما وفيها غنة.
وأما التاء المثناة الفوقية فتدغم في عشرة أحرف: في الثاء نحو {الصََّالِحََاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا}
[المائدة: الآية 93]، وفي الجيم نحو {الصََّالِحََاتِ جَنََّاتٍ} [إبراهيم: الآية 23]، وفي الذال المعجمة نحو {وَالذََّارِيََاتِ ذَرْواً} (1) [الذّاريات: الآية 1]، وفي الزاي نحو {بِالْآخِرَةِ زَيَّنََّا}
[النمل: الآية 4]، وفي السين نحو {الصََّالِحََاتِ سَنُدْخِلُهُمْ} [النّساء: الآية 57]، وفي الشين نحو {بِأَرْبَعَةِ شُهَدََاءَ} [النّور: الآية 4]، وفي الصاد نحو {فَالْمُغِيرََاتِ صُبْحاً} (3) [العاديات: الآية 3]، وفي الضاد نحو {وَالْعََادِيََاتِ ضَبْحاً} (1) [العاديات: الآية 1]، وفي الطاء نحو {الْمَلََائِكَةُ طَيِّبِينَ} [النّحل: الآية 32]، وفي الظاء نحو {تَتَوَفََّاهُمُ الْمَلََائِكَةُ ظََالِمِي} [النّحل:
الآية 28].
وأما الثاء المثلثة: فتدغم في خمسة أحرف: التاء، والذال، والسين، والشين، والضاد، ففي التاء نحو {حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} [الحجر: الآية 65]، وفي الذال نحو {وَالْحَرْثِ ذََلِكَ} [آل عمران: الآية 14] لا غير. وفي السين نحو {وَوَرِثَ سُلَيْمََانُ} [النّمل: الآية 16]، وفي الشين نحو {حَيْثُ شِئْتُمََا} [البقرة: الآية 35]، وفي الضاد {حَدِيثُ ضَيْفِ} [الذّاريات:
الآية 24] فقط.
وأما الجيم: فتدغم في موضعين: أحدهما في الشين في {أَخْرَجَ شَطْأَهُ} [الفتح:
الآية 29]، والثاني في التاء في {ذِي الْمَعََارِجِ (3) تَعْرُجُ} [المعارج: الآيتان 3، 4].
وأما الحاء: فتدغم في العين في حرف واحد وهو {زُحْزِحَ عَنِ النََّارِ} [آل عمران:
الآية 185].
وأما الدال المهملة: فتدغم في عشرة أحرف: التاء، والثاء، والجيم، والذال، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والظاء المعجمة، إلا أن تكون الدال مفتوحة وبعد ساكن: فإنها لا تدغم إلا في التاء لقوّة التجانس ففي التاء نحو {الْمَسََاجِدِ تِلْكَ} [البقرة: الآية 187] {بَعْدَ تَوْكِيدِهََا} [النّحل: الآية 91]. وفي الثاء نحو {يُرِيدُ ثَوََابَ} [النّساء: الآية 134]، وفي الجيم نحو {دََاوُدُ جََالُوتَ} [البقرة: الآية 251] وفي الذال نحو {وَالْقَلََائِدَ ذََلِكَ} [المائدة: الآية 97]، وفي الزاي {يَكََادُ زَيْتُهََا} [النّور: الآية 35]، وفي السين نحو {الْأَصْفََادِ (49) سَرََابِيلُهُمْ} [إبراهيم: الآيتان 49، 50]، وفي الشين {وَشَهِدَ شََاهِدٌ} [يوسف: الآية 26]، وفي الصاد نحو {نَفْقِدُ صُوََاعَ} [يوسف: الآية 72]،
وفي الضاد {مِنْ بَعْدِ ضَرََّاءَ} [يونس: الآية 21]، وفي الظاء نحو {مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} [المائدة:(1/109)
وأما الدال المهملة: فتدغم في عشرة أحرف: التاء، والثاء، والجيم، والذال، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والظاء المعجمة، إلا أن تكون الدال مفتوحة وبعد ساكن: فإنها لا تدغم إلا في التاء لقوّة التجانس ففي التاء نحو {الْمَسََاجِدِ تِلْكَ} [البقرة: الآية 187] {بَعْدَ تَوْكِيدِهََا} [النّحل: الآية 91]. وفي الثاء نحو {يُرِيدُ ثَوََابَ} [النّساء: الآية 134]، وفي الجيم نحو {دََاوُدُ جََالُوتَ} [البقرة: الآية 251] وفي الذال نحو {وَالْقَلََائِدَ ذََلِكَ} [المائدة: الآية 97]، وفي الزاي {يَكََادُ زَيْتُهََا} [النّور: الآية 35]، وفي السين نحو {الْأَصْفََادِ (49) سَرََابِيلُهُمْ} [إبراهيم: الآيتان 49، 50]، وفي الشين {وَشَهِدَ شََاهِدٌ} [يوسف: الآية 26]، وفي الصاد نحو {نَفْقِدُ صُوََاعَ} [يوسف: الآية 72]،
وفي الضاد {مِنْ بَعْدِ ضَرََّاءَ} [يونس: الآية 21]، وفي الظاء نحو {مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} [المائدة:
الآية 39].
وأما الذال المعجمة فتدغم في حرفين: في السين من قوله تعالى: {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ}
[الكهف: الآية 61] موضعان في الكهف لا غير، وفي الصاد من قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ صََاحِبَةً} [الآية 3] بالجن فقط.
وأما الراء فتدغم في اللام إذا تحرّك ما قبلها نحو {سَخَّرَ لَكُمْ} [الحجّ: الآية 65]، {لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ} [المدثر: الآيتان 36، 37] {أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: الآية 78]، فإن سكن ما قبلها أدغمت في موضع الخفض والرفع نحو {وَالنَّهََارِ لَآيََاتٍ} [آل عمران: الآية 190]، {الْمَصِيرُ (285) لََا يُكَلِّفُ} [البقرة: الآيتان 285، 286]، ولا تدغم في موضع النصب نحو {وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهََا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مََا لََا تَعْلَمُونَ} (8) [النحل: الآية 8].
وأما السين المهملة فتدغم في حرفين: الزاي في قوله: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} (7) [التّكوير: الآية 7]، والشين من قوله: {الرَّأْسُ شَيْباً} [مريم: الآية 4] باختلاف بين المدغمين فيه. وأجمعوا على إظهار {لََا يَظْلِمُ النََّاسَ شَيْئاً} [يونس: الآية 44] لخفة الفتحة بعد السكون.
وأما الشين المعجمة فتدغم في السين المهملة من قوله: {ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء:
الآية 42] فقط.
وأما الضاد المعجمة فتدغم في الشين المعجمة من قوله: {لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} [النّور:
الآية 62] فقط. وتظهر في نحو قوله: {وَالْأَرْضِ شَيْئاً} [الآية 73] في سورة النحل، و {الْأَرْضَ شَقًّا} [الآية 26] في عبس، ولا فرق بينهما إلا الجمع بين اللغتين واتباع سنة القراءة. فإن قيل: إن الضاد أقوى من الشين لانطباقها واستعلائها ولا تدغم؟ قيل: يقابل الإطباق والاستعلاء تفشّي الشين، فيعتدلان، ويتكافآن، ثم إنهما متقاربان في المخرج لأن الشين من وسط اللسان والضاد من حافته.
وأما القاف فتدغم في الكاف إذا تحرّك ما قبلها نحو «خلق كل شيء»، {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشََاءُ} [المائدة: الآية 64]، فإن سكن ما قبلها لم تدغم نحو {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: الآية 76].
وأما الكاف فتدغم في القاف إذا تحرك ما قبلها نحو {لَكَ قُصُوراً} [الفرقان: الآية 10]، {يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} [البقرة: الآية 204]، فإن سكن ما قبلها لم تدغم نحو {وَتَرَكُوكَ قََائِماً} [الجمعة: الآية 11] و {وَلََا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} [يونس: الآية 65].
وأما اللام فتدغم في الراء إذا تحرك ما قبلها بأي حركة نحو {رُسُلُ رَبِّكَ} [هود:(1/110)
وأما الكاف فتدغم في القاف إذا تحرك ما قبلها نحو {لَكَ قُصُوراً} [الفرقان: الآية 10]، {يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} [البقرة: الآية 204]، فإن سكن ما قبلها لم تدغم نحو {وَتَرَكُوكَ قََائِماً} [الجمعة: الآية 11] و {وَلََا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} [يونس: الآية 65].
وأما اللام فتدغم في الراء إذا تحرك ما قبلها بأي حركة نحو {رُسُلُ رَبِّكَ} [هود:
الآية 81]، {أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} [النّحل: الآية 24] {كَمَثَلِ رِيحٍ} [آل عمران: الآية 117]، فإن سكن ما قبلها أدغمها مكسورة أو مضمومة فقط نحو {يَقُولُ رَبَّنََا} [البقرة: الآية 200]، {إِلى ََ سَبِيلِ رَبِّكَ} [النّحل: الآية 125]. فإن انفتحت بعد الساكن نحو {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ}
[الحاقّة: الآية 10] امتنع الإدغام لخفة الفتحة، إلا لام (قال) نحو {قََالَ رَبِّ} [نوح: الآية 5] {قََالَ رَجُلََانِ} [المائدة: الآية 23] فإنها تدغم حيث وقعت لكثرة دورها.
وأما الميم إذا تحرك ما قبلها فتسكن وتخفى بغنّة في الباء نحو {بِأَعْلَمَ بِالشََّاكِرِينَ}
[الأنعام: الآية 53] و {آدَمَ بِالْحَقِّ} [المائدة: الآية 27] لأنهما لما اشتركا في المخرج وتجانسا في الانفتاح والاستفال ثقل الإظهار والإدغام المحض بذهاب الغنة، فعدل إلى الإخفاء، فإن سكن ما قبلها نحو {إِبْرََاهِيمُ بَنِيهِ} [البقرة: الآية 132] و {الْأَحْلََامِ بِعََالِمِينَ}
[يوسف: الآية 44] و {الْيَوْمَ بِجََالُوتَ} [البقرة: الآية 249] فأجمعوا من هذه الطرق على الإظهار، وإنما اشترطوا الحركة لتحقّق الثقل والتمكّن من الغنّة، وليس في الإدغام الكبير مخفى غير ذلك. ونبّه بتسكين الميم على أن الحرف المخفى كالمدغم يسكن ثم يخفى، لكنه يفرق بينهما بأنه في المدغم يقلب ويشدّد الثاني، بخلاف المخفى.
وأما النون فتدغم إذا تحرّك ما قبلها في الراء واللام نحو {تَأَذَّنَ رَبُّكَ}
[الأعراف: الآية 167]، {نُؤْمِنَ لَكَ} [البقرة: الآية 55]، فإن سكن ما قبلها أظهرت عندها نحو {يَخََافُونَ رَبَّهُمْ} [النّحل: الآية 50] {يَكُونَ لَهُمُ} [الأحزاب: الآية 36]، إلا النون من {نَحْنُ} فقط فإنها تدغم نحو {نَحْنُ لَكَ} [الأعراف: الآية 132] لثقل الضمة مع لزومها ولكثرة دورها. اه.
الفصل الثالث في بيان الإدغام الصغير
وهو ما كان الحرف المدغم منه ساكنا. وينقسم إلى ثلاثة أقسام: واجب، وممتنع، وجائز.
أما الواجب: فهو إذا التقى حرفان أولهما ساكن نحو قوله: {أَيْنَمََا يُوَجِّهْهُ}
[النّحل: الآية 76] و {يُدْرِكْكُمُ} [النّساء: الآية 78] و {عَبَدْتُّمْ} [الكافرون: الآية 4] و {أَحَطْتُ} [النّمل: الآية 22] و {رَبِحَتْ تِجََارَتُهُمْ} [البقرة: الآية 16] و {قََالَتْ طََائِفَةٌ}
[الأحزاب: الآية 13] و {قَدْ تَبَيَّنَ} [البقرة: الآية 256] و {أَثْقَلَتْ دَعَوَا} [الأعراف: الآية 189] وجب إدغام الأوّل منهما بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن لا يكون أوّل المثلين هاء سكت وهي في قوله تعالى: {مََالِيَهْ (28) هَلَكَ} [الآيتان 28، 29] بسورة الحاقة فإن فيها لكل القراء ممن أثبت الهاء وجهين: الإظهار، والإدغام. والأول أرجح. وكيفيته أن تقف على الهاء من {مََا أَغْنى ََ عَنِّي مََالِيَهْ} (28) [الحاقة: الآية 28] وقفة لطيفة حال الوصل من غير قطع نفس لأنها هاء سكت لا حظّ لها في الإدغام، وقد انفصلت عمّا بعدها في الخط. ذكره أبو شامة، وسبقه إليه الداني في جامعه، واختاره المحقّق ابن الجزري، والوجهان لورش موزّعان على الوجهين في {كِتََابِيَهْ} [الحاقة: الآية 19، وغيرها] أي الإدغام على النقل، والسكت على التحقيق، وإلى ذلك أشار المنصوري بقوله:(1/111)
أما الواجب: فهو إذا التقى حرفان أولهما ساكن نحو قوله: {أَيْنَمََا يُوَجِّهْهُ}
[النّحل: الآية 76] و {يُدْرِكْكُمُ} [النّساء: الآية 78] و {عَبَدْتُّمْ} [الكافرون: الآية 4] و {أَحَطْتُ} [النّمل: الآية 22] و {رَبِحَتْ تِجََارَتُهُمْ} [البقرة: الآية 16] و {قََالَتْ طََائِفَةٌ}
[الأحزاب: الآية 13] و {قَدْ تَبَيَّنَ} [البقرة: الآية 256] و {أَثْقَلَتْ دَعَوَا} [الأعراف: الآية 189] وجب إدغام الأوّل منهما بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن لا يكون أوّل المثلين هاء سكت وهي في قوله تعالى: {مََالِيَهْ (28) هَلَكَ} [الآيتان 28، 29] بسورة الحاقة فإن فيها لكل القراء ممن أثبت الهاء وجهين: الإظهار، والإدغام. والأول أرجح. وكيفيته أن تقف على الهاء من {مََا أَغْنى ََ عَنِّي مََالِيَهْ} (28) [الحاقة: الآية 28] وقفة لطيفة حال الوصل من غير قطع نفس لأنها هاء سكت لا حظّ لها في الإدغام، وقد انفصلت عمّا بعدها في الخط. ذكره أبو شامة، وسبقه إليه الداني في جامعه، واختاره المحقّق ابن الجزري، والوجهان لورش موزّعان على الوجهين في {كِتََابِيَهْ} [الحاقة: الآية 19، وغيرها] أي الإدغام على النقل، والسكت على التحقيق، وإلى ذلك أشار المنصوري بقوله:
ووقفة لطيفة بماليه ... لكلّهم لمن روى كتابيه
محقّقا ومع نقله امتنع ... إظهاره والإدّغام يتّبع
الشرط الثاني: أن لا يكون حرف مدّ نحو {آمَنُوا وَعَمِلُوا} [البقرة: الآية 25] و {الَّذِي يُوَسْوِسُ} [النّاس: الآية 5] ونحو {إِلََّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ} [البقرة: الآية 255] و {سُبْحََانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: الآية 171] لئلا يذهب المدّ بالإدغام. وهذا النوع هو المسمى عندهم بمدّ التمكين، ومعنى التمكين أنه يجب على القارئ أن يفصل بين الواوين أو الياءين بمدّة لطيفة بمقدار المدّ الطبيعي، حذرا من الإدغام أو الإسقاط، وهو معنى قول أبي علي الأهوازي: المثلان إذا اجتمعا وكانا واوين قبل الأولى منهما ضمة، أو ياءين قبل الأولى منهما كسرة، فإنهم أجمعوا على أنهم يمدّان قليلا أي طبيعيّا ويظهران بلا تشديد ولا إفراط. وقد نظم ذلك صاحب الكنز فقال:
وما أوّل المثلين فيه مسكّن ... فلا بدّ من إدغامه متمثّلا
لدى الكلّ إلّا حرف مدّ فأظهرن ... كقالوا وهم في يوم وامدده مسجلا
لكلّ وإلّا هاء سكت بماليه ... ففيه لهم خلف والإظهار فضّلا
بسكت وأدغم إن نقلت كتابيه ... لورش وإن سكّنت أظهر كما خلا
فإن انفتح ما قبل الواو نحو {عَصَوْا وَكََانُوا} [البقرة: الآية 61] أو الياء نحو {لَدَيَّ}
[النمل: الآية 10، وغيرها] وجب إدغامهما عند جميع القراء، وأما إن كان المثلان في كلمة فإن حمزة وهشاما يدغمان الأول عند الوقف إذا كان حرف المدّ واوا أو ياء والحرف الثاني همزة نحو {بَرِيءٌ} [الأنعام: الآية 19] و {النَّسِيءُ} [التوبة: الآية 37] و {قُرُوءٍ} [البقرة:
الآية 228] فيبدلان الهمزة مع الواو واوا ومع الياء ياء، فيجتمع المثلان أولهما حرف مدّ فيدغمان الأوّل في الثاني اه.
الشرط الثالث: أن لا يكون أول الجنسين أو المتقاربين حرف حلق نحو {فَسَبِّحْهُ}
[ق: الآية 40] و {أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: الآية 6] و {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} [الزخرف: الآية 89] و {أَفْرِغْ عَلَيْنََا} [البقرة: الآية 250] و {لََا تُزِغْ قُلُوبَنََا} [آل عمران: الآية 8] لأن حروف الحلق بعيدة عن الإدغام لصعوبتها. ذكره الملا علي في شرحه على الجزرية.(1/112)
الآية 228] فيبدلان الهمزة مع الواو واوا ومع الياء ياء، فيجتمع المثلان أولهما حرف مدّ فيدغمان الأوّل في الثاني اه.
الشرط الثالث: أن لا يكون أول الجنسين أو المتقاربين حرف حلق نحو {فَسَبِّحْهُ}
[ق: الآية 40] و {أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: الآية 6] و {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} [الزخرف: الآية 89] و {أَفْرِغْ عَلَيْنََا} [البقرة: الآية 250] و {لََا تُزِغْ قُلُوبَنََا} [آل عمران: الآية 8] لأن حروف الحلق بعيدة عن الإدغام لصعوبتها. ذكره الملا علي في شرحه على الجزرية.
وأما الممتنع فهو أن يتحرك أولهما ويسكن ثانيهما: سواء كانا في كلمة نحو {فَإِنْ زَلَلْتُمْ} [البقرة: الآية 209] و {فَرَرْتُمْ} [الأحزاب: الآية 16] و {اتَّخَذَتْ بَيْتاً} [العنكبوت:
الآية 41]، أو كلمتين نحو {قََالَ الْمَلَأُ} [الأعراف: الآية 60] و {وَقََالَ ارْكَبُوا} [هود: الآية 41] فهذا لا يجوز إدغامه لأن شرط لأن شرط الإدغام تحرّك المدغم فيه.
وأما الجائز وهو المراد هنا فالوارد منه في القرآن تسعة أنواع:
النوع الأول: إدغام الباء الموحدة في مقاربها وهو حرفان: الميم والفاء أما الميم فاختلف القراء في إدغام الباء فيها في كلمتين: الأولى قوله تعالى: {وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ} [الآية 284] بالبقرة على قراءة الجزم، أظهرها ورش وابن كثير بخلاف عنه، وأدغمها قالون وأبو عمرو وحمزة والكسائي. والثانية قوله: {يََا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنََا} [الآية 42] بهود أظهرها ورش وابن عامر وخلف، واختلف عن قالون والبزّي وخلاد أي لكل منهم الإظهار والإدغام، والباقون بالإدغام. وأما الفاء فاختلفوا في إدغام الباء فيها في خمسة مواضع: {يَغْلِبْ فَسَوْفَ} [الآية 74] بالنساء، {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ} [الآية 5] بالرعد، {قََالَ اذْهَبْ فَمَنْ} [الآية 63] بالإسراء، {فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ} [الآية 97] بطه، {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولََئِكَ} [الآية 11] بالحجرات، أدغمها أبو عمرو والكسائي وخلاد، واختلف عن خلاد في قوله: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولََئِكَ} [الحجرات: الآية 11]، وأظهرها الباقون.
النوع الثاني: إدغام تاء التأنيث في مقاربها، وهو ستة أحرف: الثاء المثلثة نحو {كَذَّبَتْ ثَمُودُ} [الشّعراء: الآية 141]، والجيم نحو {نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النّساء: الآية 56] و {وَجَبَتْ جُنُوبُهََا} [الحج: الآية 36]، وليس غيرهما. والزاي نحو {خَبَتْ زِدْنََاهُمْ}
[الإسراء: الآية 97] لا غير، والسين نحو {أُنْزِلَتْ سُورَةٌ} [التّوبة: الآية 86]، والصاد {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النّساء: الآية 90] و {لَهُدِّمَتْ صَوََامِعُ} [الحجّ: الآية 40] وليس غيرهما.
والظاء نحو {كََانَتْ ظََالِمَةً} [الأنبياء: الآية 11]. ثم إن القراء في تاء التأنيث على ثلاث مراتب: منهم من أظهرها عند جميع حروفها وهو عاصم وقالون وابن كثير، ومنهم من أدغمها في جميع حروفها وهو أبو عمرو وحمزة والكسائي، ومنهم من أظهرها عند بعضها وأدغمها في بعضها، وهو ورش وابن عامر فأما ورش فإنه أدغمها في الظاء
خاصة وأظهرها عند الخمسة الباقية. وأما ابن عامر فإن الحروف المذكورة عنده على ثلاث مراتب: منها ما أظهر عنده قولا واحدا وهو السين والزاي، ومنها ما أدغم فيه قولا واحدا وهو الظاء والثاء، ومنها ما عنده فيه تفصيل وهو الصاد والجيم فأما الصاد فإنه أدغم فيه بلا خلاف في قوله تعالى {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النّساء: الآية 90]. واختلف راوياه عنه في قوله تعالى: {لَهُدِّمَتْ صَوََامِعُ} [الحجّ: الآية 40] فأظهر هشام وأدغم ابن ذكوان. وأما الجيم فإنه أظهر عندها بلا خلاف في {نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النّساء: الآية 56].(1/113)
والظاء نحو {كََانَتْ ظََالِمَةً} [الأنبياء: الآية 11]. ثم إن القراء في تاء التأنيث على ثلاث مراتب: منهم من أظهرها عند جميع حروفها وهو عاصم وقالون وابن كثير، ومنهم من أدغمها في جميع حروفها وهو أبو عمرو وحمزة والكسائي، ومنهم من أظهرها عند بعضها وأدغمها في بعضها، وهو ورش وابن عامر فأما ورش فإنه أدغمها في الظاء
خاصة وأظهرها عند الخمسة الباقية. وأما ابن عامر فإن الحروف المذكورة عنده على ثلاث مراتب: منها ما أظهر عنده قولا واحدا وهو السين والزاي، ومنها ما أدغم فيه قولا واحدا وهو الظاء والثاء، ومنها ما عنده فيه تفصيل وهو الصاد والجيم فأما الصاد فإنه أدغم فيه بلا خلاف في قوله تعالى {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النّساء: الآية 90]. واختلف راوياه عنه في قوله تعالى: {لَهُدِّمَتْ صَوََامِعُ} [الحجّ: الآية 40] فأظهر هشام وأدغم ابن ذكوان. وأما الجيم فإنه أظهر عندها بلا خلاف في {نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النّساء: الآية 56].
وأما {وَجَبَتْ جُنُوبُهََا} [الحجّ: الآية 36] فإنه أظهرها من رواية هشام، وعنه فيها الإظهار والإدغام من رواية ابن ذكوان [اه. ابن القاصح على الشاطبية].
النوع الثالث: إدغام الثاء المثلثة في مقاربها: ولم يأت في القرآن بعدها من مقاربها إلا الذال والتاء المثناة الفوقية. أما الذال فاختلفوا في إدغام الثاء فيها من قوله: {يَلْهَثْ ذََلِكَ} [الأعراف: الآية 176] أظهره ابن كثير وورش وهشام، وأدغمه الباقون. وأما التاء فاختلفوا في إدغام الثاء فيها في كلمتين الأولى قوله: {لَبِثْتَ} [البقرة: الآية 259] و {لَبِثْتُمْ} [الرّوم: الآية 56] حيث وقع أظهرها نافع وابن كثير وعاصم، وأدغمها الباقون. والثانية قوله: {أُورِثْتُمُوهََا} [الأعراف: الآية 43] أدغمها أبو عمرو وهشام والأخوان، وأظهرها الباقون.
النوع الرابع: إدغام الدال المهملة في مقاربها: وهو عشرة أحرف: الثاء المثلثة، والذال المعجمة، وحروف دال «قد». أما الثاء فاختلفوا في إدغام الدال فيها من قوله:
{وَمَنْ يُرِدْ ثَوََابَ} [الآية 145] معا بآل عمران، أدغمها البصري والشامي وحمزة والكسائي، وأظهرها الباقون وهم نافع وابن كثير وعاصم. وأما الذال المعجمة فاختلفوا في إدغام الدال فيها من قوله: {كهيعص (1) ذِكْرُ} [مريم: الآيتان 1، 2] أظهرها نافع وابن كثير وعاصم، وأدغمها الباقون، وأما حروف دال «قد» فهي ثمانية: الجيم نحو {وَلَقَدْ جََاءَكُمْ} [البقرة: الآية 92]، والذال نحو {وَلَقَدْ ذَرَأْنََا} [الأعراف: الآية 179]، والزاي نحو {وَلَقَدْ زَيَّنَّا} [الملك: الآية 5]، والسين نحو {قَدْ سَمِعَ} [المجادلة: الآية 1]، والشين نحو {قَدْ شَغَفَهََا} [يوسف: الآية 30]، والسين نحو {قَدْ سَمِعَ} [المجادلة: الآية 1]، والشين نحو {قَدْ شَغَفَهََا} [يوسف: الآية 30]، والصاد نحو {وَلَقَدْ صَرَّفْنََا} [الإسراء: الآية 41]، والضاد نحو {فَقَدْ ضَلَّ} [البقرة: الآية 108]، والظاء نحو {لَقَدْ ظَلَمَكَ} [ص: الآية 24]. ثم إن القراء السبعة في دال «قد» على ثلاث مراتب: منهم من أظهرها عند جميع حروفها الثمانية بلا خلاف، وهم قالون وابن كثير وعاصم. ومنهم من أدغمها في حروفها الثمانية بلا خلاف، وهم أبو عمرو وحمزة والكسائي. ومنهم من أظهر عند بعضها وأدغم في البعض الآخر وهم ورش وابن ذكوان وهشام أما ورش فإنه أدغمها في الضاد
والظاء، وأظهرها عند الستة الباقية، وأما ابن ذكوان: فإن الأحرف الثمانية عنده على ثلاث مراتب، منها أربعة أظهر عندها بلا خلاف وهي السين والصاد المهملتان والجيم والشين، ومنها ثلاثة أدغم فيها بلا خلاف وهي الضاد والظاء والذال المعجمات، ومنها حرف اختلف عنه فيه وهو الزاي. وأما هشام فإنه أظهر {لَقَدْ ظَلَمَكَ} [ص: الآية 24] وأدغم في السبعة البواقي اه.(1/114)
{وَمَنْ يُرِدْ ثَوََابَ} [الآية 145] معا بآل عمران، أدغمها البصري والشامي وحمزة والكسائي، وأظهرها الباقون وهم نافع وابن كثير وعاصم. وأما الذال المعجمة فاختلفوا في إدغام الدال فيها من قوله: {كهيعص (1) ذِكْرُ} [مريم: الآيتان 1، 2] أظهرها نافع وابن كثير وعاصم، وأدغمها الباقون، وأما حروف دال «قد» فهي ثمانية: الجيم نحو {وَلَقَدْ جََاءَكُمْ} [البقرة: الآية 92]، والذال نحو {وَلَقَدْ ذَرَأْنََا} [الأعراف: الآية 179]، والزاي نحو {وَلَقَدْ زَيَّنَّا} [الملك: الآية 5]، والسين نحو {قَدْ سَمِعَ} [المجادلة: الآية 1]، والشين نحو {قَدْ شَغَفَهََا} [يوسف: الآية 30]، والسين نحو {قَدْ سَمِعَ} [المجادلة: الآية 1]، والشين نحو {قَدْ شَغَفَهََا} [يوسف: الآية 30]، والصاد نحو {وَلَقَدْ صَرَّفْنََا} [الإسراء: الآية 41]، والضاد نحو {فَقَدْ ضَلَّ} [البقرة: الآية 108]، والظاء نحو {لَقَدْ ظَلَمَكَ} [ص: الآية 24]. ثم إن القراء السبعة في دال «قد» على ثلاث مراتب: منهم من أظهرها عند جميع حروفها الثمانية بلا خلاف، وهم قالون وابن كثير وعاصم. ومنهم من أدغمها في حروفها الثمانية بلا خلاف، وهم أبو عمرو وحمزة والكسائي. ومنهم من أظهر عند بعضها وأدغم في البعض الآخر وهم ورش وابن ذكوان وهشام أما ورش فإنه أدغمها في الضاد
والظاء، وأظهرها عند الستة الباقية، وأما ابن ذكوان: فإن الأحرف الثمانية عنده على ثلاث مراتب، منها أربعة أظهر عندها بلا خلاف وهي السين والصاد المهملتان والجيم والشين، ومنها ثلاثة أدغم فيها بلا خلاف وهي الضاد والظاء والذال المعجمات، ومنها حرف اختلف عنه فيه وهو الزاي. وأما هشام فإنه أظهر {لَقَدْ ظَلَمَكَ} [ص: الآية 24] وأدغم في السبعة البواقي اه.
النوع الخامس: إدغام الذال المعجمة في مقاربها: وهو التاء المثناة الفوقية، وحروف ذال «إذ». أما التاء فاختلف القراء في إدغام الذال المعجمة فيها من قوله:
{فَنَبَذْتُهََا} [طه: الآية 96] و {عُذْتُ} [غافر: الآية 27] أدغمها أبو عمرو وحمزة والكسائي، وأظهرها الباقون، وكذا قوله: {اتَّخَذْتُمُ} [البقرة: الآية 51] و {أَخَذْتُ} [فاطر:
الآية 26] كيف جاء، أظهرها ابن كثير وحفص، وأدغمها الباقون. وأما حروف ذال «إذ»:
فهي ستة: التاء نحو {إِذْ تَبَرَّأَ} [البقرة: الآية 166]، والجيم نحو {إِذْ جََاؤُكُمْ} [الأحزاب:
الآية 10]، والدال نحو {إِذْ دَخَلُوا} [الحجر: الآية 52]، والسين نحو {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} [النّور:
الآية 12]، والصاد نحو {وَإِذْ صَرَفْنََا} [الأحقاف: الآية 29]، والزاي نحو {وَإِذْ زَيَّنَ}
[الأنفال: الآية 48]، ثم إن القرّاء في ذال (إذ) على ثلاث مراتب: منهم من أظهرها عند حروفها الستة وهم نافع وابن كثير وعاصم، ومنهم من أدغمها في حروفها الستة وهم أبو عمرو وهشام، ومنهم من أظهرها عند بعضها وهم الكسائي وخلف وخلاد وابن ذكوان، أما الكسائي وخلاد فإنهما أظهراها عند الجيم وأدغماها فيما بقي، وأما خلف فإنه أدغم في التاء المثناة الفوقية والدال المهملة، وأظهرها عند ما بقي. وأما ابن ذكوان فإنه أدغم في الدال وأظهر عند ما بقي. [اه. ابن القاصح على الشاطبية].
النوع السادس: إدغام الراء الساكنة في مقاربها: ولم يأت في القرآن إدغامها في مقاربها إلا في اللام نحو {يَغْفِرْ لَكُمْ} [الأحقاف: الآية 31] و {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ}
[الطور: الآية 48] ولم يدغمها فيها غير أبي عمرو بخلاف عن الدوري.
النوع السابع: إدغام الفاء في مقاربها: وهو الباء الموحدة، اختلفوا في إدغام الفاء فيها من قوله تعالى: {نَخْسِفْ بِهِمُ} [الآية 9] في سبأ وليس في القرآن غيره أدغمه الكسائي، وأظهره الباقون.
النوع الثامن: إدغام اللام المجزومة في الذال المعجمة، والراء، وحروف لام هل، وبل: أما الذال المعجمة: ففي قوله تعالى: {يَفْعَلْ ذََلِكَ} [البقرة: الآية 231] حيث وقع، أدغم اللام فيها أبو الحرث عن الكسائي، وأظهرها الباقون. وجملة ما في القرآن ستة
مواضع وهي {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الآية 231] بالبقرة، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللََّهِ فِي شَيْءٍ} [الآية 28] بآل عمران، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ عُدْوََاناً وَظُلْماً} [الآية 30]، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ ابْتِغََاءَ مَرْضََاتِ اللََّهِ} [الآية 114] كلتاهما بالنساء، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ يَلْقَ أَثََاماً} [الآية 68] بالفرقان، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ فَأُولََئِكَ هُمُ الْخََاسِرُونَ} [الآية 9] ب «المنافقون»، فإن لم يكن لام {يَفْعَلُ} مجزوما لم يدغمه أحد نحو {فَمََا جَزََاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذََلِكَ} [البقرة: الآية 85] اه. وأما الراء فاتفقوا على إدغام اللام فيها حيث وقع نحو {بَلْ رَبُّكُمْ} [الأنبياء: الآية 56] و {بَلْ رََانَ} [المطفّفين: الآية 14]، و {قُلْ رَبِّ}
[المؤمنون: الآية 93] إلا حفصا في قوله: {بَلْ رََانَ} كذا قال أبو شامة يعني أن حفصا يقرأ بالسكت على (بل)، والسكت فصل بين حرفين دون مقدار التنفس، ولو لم يسكت عليه كسائر القراء لأدغم البتة اه.(1/115)
النوع الثامن: إدغام اللام المجزومة في الذال المعجمة، والراء، وحروف لام هل، وبل: أما الذال المعجمة: ففي قوله تعالى: {يَفْعَلْ ذََلِكَ} [البقرة: الآية 231] حيث وقع، أدغم اللام فيها أبو الحرث عن الكسائي، وأظهرها الباقون. وجملة ما في القرآن ستة
مواضع وهي {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الآية 231] بالبقرة، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللََّهِ فِي شَيْءٍ} [الآية 28] بآل عمران، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ عُدْوََاناً وَظُلْماً} [الآية 30]، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ ابْتِغََاءَ مَرْضََاتِ اللََّهِ} [الآية 114] كلتاهما بالنساء، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ يَلْقَ أَثََاماً} [الآية 68] بالفرقان، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ فَأُولََئِكَ هُمُ الْخََاسِرُونَ} [الآية 9] ب «المنافقون»، فإن لم يكن لام {يَفْعَلُ} مجزوما لم يدغمه أحد نحو {فَمََا جَزََاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذََلِكَ} [البقرة: الآية 85] اه. وأما الراء فاتفقوا على إدغام اللام فيها حيث وقع نحو {بَلْ رَبُّكُمْ} [الأنبياء: الآية 56] و {بَلْ رََانَ} [المطفّفين: الآية 14]، و {قُلْ رَبِّ}
[المؤمنون: الآية 93] إلا حفصا في قوله: {بَلْ رََانَ} كذا قال أبو شامة يعني أن حفصا يقرأ بالسكت على (بل)، والسكت فصل بين حرفين دون مقدار التنفس، ولو لم يسكت عليه كسائر القراء لأدغم البتة اه.
وأما حروف لام «هل وبل» فثمانية: التاء المثناة الفوقية، والثاء المثلثة، والظاء المشالة، والزاي، والسين المهملة، والنون، والطاء المهملة، والضاد المعجمة، وقد جمعها الشاطبي في بيت فقال:
ألا بل وهل تروى ثنا ظعن زينب ... سمير نواها طلح ضرّ ومبتلا
وقد تقدمت أمثلتها في تجويد حرف اللام، وكذا تقدم ما لكل من هل وبل من الحروف الثمانية، فراجعه إن شئت. ثم إن القراء في لام هل وبل على ثلاث مراتب منهم من أدغم في الجميع، وهو الكسائي وحده، ومنهم من أظهر عند الجميع وهو نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم، ومنهم من أدغم في البعض وأظهر عند البعض الآخر وهم أبو عمرو وهشام وحمزة. أما أبو عمرو فإنه أدغم {هَلْ تَرى ََ} [الآية 3] بالملك والحاقة خاصة، وأظهر عند البواقي. وأما هشام فإنه أظهر عند النون والضاد وعند التاء بالرعد خاصّة، وأظهر عند البواقي. وأما هشام فإنه أظهر عند النون والضاد وعند التاء بالرعد خاصّة، وأدغم فيما سوى ذلك. وأما حمزة فإنه أدغم في الثاء والسين والتاء وأدغم من رواية خلاد بخلاف عنه في الطاء من {بَلْ طَبَعَ} [الآية 155] في النساء [اه.
شرح الشاطبية].
النوع التاسع: إدغام النون في الواو من {يس (1) وَالْقُرْآنِ} [يس: الآيتان 1، 2] ومن {ن وَالْقَلَمِ} [القلم: الآية 1] فأظهرها قالون وابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص، واختلف عن ورش في {ن وَالْقَلَمِ} [القلم: الآية 1] وأدغمها الباقون، وكذا تدغم النون من هجاء (سين) عند (الميم) من {طسم} (1) [الآية 1] أول الشعراء والقصص لكل القراء، إلا حمزة فإنه أظهرها.(1/116)
النوع التاسع: إدغام النون في الواو من {يس (1) وَالْقُرْآنِ} [يس: الآيتان 1، 2] ومن {ن وَالْقَلَمِ} [القلم: الآية 1] فأظهرها قالون وابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص، واختلف عن ورش في {ن وَالْقَلَمِ} [القلم: الآية 1] وأدغمها الباقون، وكذا تدغم النون من هجاء (سين) عند (الميم) من {طسم} (1) [الآية 1] أول الشعراء والقصص لكل القراء، إلا حمزة فإنه أظهرها.
الفصل الرابع في بيان أحكام النون الساكنة والتنوين
اعلم أن النون الساكنة هي التي لا حركة لها كقولك من وعن، وقد تحرّك لالتقاء الساكنين كقوله تعالى: {إِلََّا لِمَنِ ارْتَضى ََ} [الأنبياء: الآية 28] و {وَإِنِ امْرَأَةٌ} [النساء: الآية 128] وهي تثبّت لفظا وخطّا ووصلا ووقفا. وتكون في الأسماء والأفعال والحروف متوسطة ومتطرفة.
وأما التنوين: فهو نون ساكنة زائدة تلحق آخر الاسم تثبت لفظا ووصلا وتسقط خطّا ووقفا.
ثم إن لهما عند حروف المعجم أربعة أحوال عند الأكثرين وهي: الإظهار، والإدغام، والقلب، والإخفاء، أي بجعل قسمي الإدغام قسما واحدا، وجعلها بعضهم ثلاثة، فأسقط الإقلاب، وأدخله في الإخفاء فعلى كلامه يكون الإخفاء معه قلب أو لا قلب معه، والإدغام يكون محضا وغير محض] وقيل: بل خمسة، والخلف لفظي.
فعلى كونها أربعة أحوال فللإظهار ستة أحرف وللإدغام ستة أحرف، أربعة بغنة، واثنان بغير غنة، وللقلب حرف، وللإخفاء خمسة عشر حرفا، ولذلك أشار بعضهم بقوله:
عند حروف الحلق يظهران ... وعند يرملون يدغمان
بغنّة في غير را ولام ... وليس في الكلمة من إدغام
وعند حرف الباء يقلبان ... ميما وعند الباقي يخفيان
وسأذكرها إن شاء الله تعالى مفصّلة على هذا الترتيب، فأقول:
الحال الأوّل: الإظهار:
ومعناه لغة: البيان، واصطلاحا: إخراج كلّ حرف من مخرجه من غير غنة في المظهر، وذلك إذا وقع بعد النون الساكنة أو التنوين حرف من حروف الحلق الستة، وهي الهمزة، والهاء، والعين، والحاء المهملتان، والغين والخاء المعجمتان، وجمعها بعضهم في أوائل كلمات نصف بيت مرتبا على ترتيب المخارج فقال:
أخي هاك علما حازه غير خاسر وسميت هذه الحروف حروف الإظهار لظهور النون الساكنة والتنوين عند تلاقي واحد منها، سواء كانت تلك الحروف في كلمة منفصلة عنهما نحو {مَنْ آمَنَ} [البقرة:
الآية 62] و {كُلٌّ آمَنَ} [البقرة: الآية 285] أو في كلمة النون نحو {وَيَنْأَوْنَ} [الأنعام: الآية 26]، ولا يقع التنوين كذلك. والعلة في إظهارهما عند هذه الأحرف بعد مخرجهما عن مخرجهن لأنهن من الحلق، والنون من طرف اللسان، والإدغام إنما يسوّغه التقارب. ثم لما كان التنوين والنون سهلين لا يحتاجان في إخراجهما إلى كلفة، وحروف الحلق أشدّ الحروف كلفة وعلاجا في الإخراج: حصل بينهما وبينهن تباين لم يحسن معه الإخفاء كما لم يحسن الإدغام إذ هو قريب منه، فوجب الإظهار الذي هو الأصل، فكلما بعد الحرف كان التبيين أعلى، وهو أن تظهر النون الساكنة أو التنوين عند الهمزة والهاء إظهارا بيّنا ويقال له أعلى، وعند العين والحاء: أوسط، وعند الغين والخاء: أدنى. فمثالهما عند الهمزة {وَيَنْأَوْنَ} [الأنعام: الآية 26] و {مَنْ آمَنَ} [البقرة: الآية 62] و {كُلٌّ آمَنَ} [البقرة:(1/117)
أخي هاك علما حازه غير خاسر وسميت هذه الحروف حروف الإظهار لظهور النون الساكنة والتنوين عند تلاقي واحد منها، سواء كانت تلك الحروف في كلمة منفصلة عنهما نحو {مَنْ آمَنَ} [البقرة:
الآية 62] و {كُلٌّ آمَنَ} [البقرة: الآية 285] أو في كلمة النون نحو {وَيَنْأَوْنَ} [الأنعام: الآية 26]، ولا يقع التنوين كذلك. والعلة في إظهارهما عند هذه الأحرف بعد مخرجهما عن مخرجهن لأنهن من الحلق، والنون من طرف اللسان، والإدغام إنما يسوّغه التقارب. ثم لما كان التنوين والنون سهلين لا يحتاجان في إخراجهما إلى كلفة، وحروف الحلق أشدّ الحروف كلفة وعلاجا في الإخراج: حصل بينهما وبينهن تباين لم يحسن معه الإخفاء كما لم يحسن الإدغام إذ هو قريب منه، فوجب الإظهار الذي هو الأصل، فكلما بعد الحرف كان التبيين أعلى، وهو أن تظهر النون الساكنة أو التنوين عند الهمزة والهاء إظهارا بيّنا ويقال له أعلى، وعند العين والحاء: أوسط، وعند الغين والخاء: أدنى. فمثالهما عند الهمزة {وَيَنْأَوْنَ} [الأنعام: الآية 26] و {مَنْ آمَنَ} [البقرة: الآية 62] و {كُلٌّ آمَنَ} [البقرة:
الآية 285] في قراءة غير ورش لأنه يحرك النون والتنوين بحركة الهمزة. وعند الهاء {مِنْهُمْ} [البقرة: الآية 75] و {مِنْ هََادٍ} [الرّعد: الآية 33] و {جُرُفٍ هََارٍ} [التّوبة: الآية 109]. وعند العين {أَنْعَمْتَ} [الفاتحة: الآية 7] و {مِنْ عَمَلِ} [المائدة: الآية 90] و {حَقِيقٌ عَلى ََ} [الأعراف: الآية 105]. وعند الحاء {تَنْحِتُونَ} [الصّافات: الآية 95] و {مِنْ حَكِيمٍ}
[فصلت: الآية 42] و {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التّوبة: الآية 28]. وعند الغين {فَسَيُنْغِضُونَ}
[الإسراء: الآية 51] ولا ثاني له و {مِنْ غِلٍّ} [الأعراف: الآية 43] و {قَوْلًا غَيْرَ} [البقرة: الآية 59]. وعند الخاء {وَالْمُنْخَنِقَةُ} [المائدة: الآية 3] ولا ثاني له، و {وَمِنْ خِزْيِ} [هود: الآية 66] و {يَوْمَئِذٍ خََاشِعَةٌ} [الغاشية: الآية 2].
ثم اعلم أنه لا خلاف بين القراء العشرة في إظهار النون الساكنة والتنوين عند هذه الأحرف الستة، إلا ما كان من مذهب أبي جعفر من إخفائهما عند الغين والخاء المعجمتين. واستثنى بعض أهل الأداء له من ذلك: {وَالْمُنْخَنِقَةُ} [الآية 3] بالمائدة، و {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا} [الآية 135] بالنساء، و {فَسَيُنْغِضُونَ} [الآية 51] بالإسراء، فأظهر النون في هذه المواضع كالجمهور، وفي «النشر»: الاستثناء أشهر، وعدمه أقيس. ووجه الإخفاء عندهما قربهما من حرفي أقصى اللسان: القاف والكاف.
ووجه الإظهار العلة المشتركة وهي بعد مخرج حروف الحلق من مخرج النون، وإجراء الحروف الحلقية مجرى واحدا.
وحقيقة الإظهار: أن ينطق بالنون والتنوين على حدّهما، ثم ينطق بحروف الإظهار من غير فصل بينهما وبين حقيقتهما، فلا يسكت على النون ولا يقطعها عن حروف الإظهار. وتجويده أي الإظهار إذا نطقت به: أن تسكن النون ثم تلفظ بالحرف ولا
تقلقل النون بحركة من الحركات، ولا تسكنها بنقل ولا ميل إلى غنة، ويكون سكونها بلطف.(1/118)
وحقيقة الإظهار: أن ينطق بالنون والتنوين على حدّهما، ثم ينطق بحروف الإظهار من غير فصل بينهما وبين حقيقتهما، فلا يسكت على النون ولا يقطعها عن حروف الإظهار. وتجويده أي الإظهار إذا نطقت به: أن تسكن النون ثم تلفظ بالحرف ولا
تقلقل النون بحركة من الحركات، ولا تسكنها بنقل ولا ميل إلى غنة، ويكون سكونها بلطف.
قال في التمهيد: ذكر بعض القراء في كتبهم أن الغنّة باقية فيهما عند إظهارهما قبل حروف الحلق. وذكر الشيخ الداني عن فارس بن أحمد في مصنف له أن الغنة ساقطة منهما إذا أظهرا قبل حروف الحلق، وهو مذهب النحاة، وبه صرّحوا في كتبهم، وبه قرأت على كل شيوخي ما عدا قراءة يزيد والمسيبي.
قال المرعشي: ويمكن أن يكون النزاع لفظيّا لأن من قال ببقائها أراد في الجملة عدم انفكاك أصل الغنة عن النون ولو تنوينا، ومن قال بسقوطها أراد عدم ظهورها. اه.
الحال الثاني: الإدغام:
وقد تقدم معناه أوّل الباب. والإدغام يكون في ستة أحرف يجمعها حروف «يرملون» وهي تنقسم ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أنهما أي النون الساكنة والتنوين يدغمان بغنة في النون والميم بإجماع القراء نحو {مِنْ نَذِيرٍ} [القصص: الآية 46] و {شَيْءٍ نُكُرٍ} [القمر: الآية 6] و {مِنْ مََاءٍ} [البقرة: الآية 164] و {عَذََابٌ مُقِيمٌ} [التّوبة: الآية 68] إلا ما ورد عن حمزة:
فإنه أظهر النون من هجاء (سين) عند (الميم) من {طسم} (1) [الآية 1] أول الشعراء والقصص. قال مكي في الرعاية: إنهما يدغمان في النون والميم مع إظهار الغنة في نفس الحرف الأول، فيكون ذلك إدغاما غير مستكمل التشديد لبقاء بعض الحرف غير مدغم وهو الغنة. أقول: هذا رأي مكي في الرعاية، وقال أبو شامة: وأما إدغامهما في النون والميم فهو إدغام محض لأن في كلّ من المدغم والمدغم فيه غنة، فإذا ذهبت إحداهما يعني غنة المدغم بالإدغام: بقيت الأخرى، وهذا مذهب الجمهور، فالتشديد مستكمل على مذهبهم. قال في الرعاية ما حاصله: إن النون الساكنة يلزم إدغامها في النون سواء كان في كلمة أو في كلمتين، وسكونها قد يكون أصليّا نحو {مِنْ نََارٍ}
[الأعراف: الآية 12] وقد يكون عارضا نحو {لََا تَأْمَنََّا} [يوسف: الآية 11] و {مََا مَكَّنِّي}
[الكهف: الآية 95] اه.
فإن قلت: النون من طرف اللسان وفوق الثنايا، والميم من بين الشفتين وبينهما مخارج، فلم ساغ الإدغام مع التباعد؟ أجيب: بأنه قد يحصل للمتباعد وجه يسوغ إدغامه فالوجه الذي قرّب بين النون والميم ونحوهما هو الغنّة التي اشتركا فيها، فصارا بذلك متقاربين [اه. لطائف].
وفي شرح الميهي على تحفة الأطفال: وجه إدغامهما في النون: التماثل فهو من باب إدغام المثلين. وجه إدغامهما في الميم: التجانس أي الاشتراك في الغنة والجهر والانفتاح والاستفال، والكون بين الرخوة والشديدة. اه.(1/119)
فإن قلت: النون من طرف اللسان وفوق الثنايا، والميم من بين الشفتين وبينهما مخارج، فلم ساغ الإدغام مع التباعد؟ أجيب: بأنه قد يحصل للمتباعد وجه يسوغ إدغامه فالوجه الذي قرّب بين النون والميم ونحوهما هو الغنّة التي اشتركا فيها، فصارا بذلك متقاربين [اه. لطائف].
وفي شرح الميهي على تحفة الأطفال: وجه إدغامهما في النون: التماثل فهو من باب إدغام المثلين. وجه إدغامهما في الميم: التجانس أي الاشتراك في الغنة والجهر والانفتاح والاستفال، والكون بين الرخوة والشديدة. اه.
القسم الثاني: في إدغامهما في الواو والياء: اتفق القراء على إدغامهما فيهما من كلمتين كما أشار إليه أبو شامة نحو {مِنْ وََالٍ} [الرّعد: الآية 11] و {مَنْ يَقُولُ} [البقرة:
الآية 8] و {يَوْمَئِذٍ وََاهِيَةٌ} [الحاقّة: الآية 16] و {آيَةً يُعْرِضُوا} [القمر: الآية 2]. ولكن اختلفوا في بقاء الغنة عند الإدغام فقرأ خلف عن حمزة بعدم بقائها أصلا مع إدغامهما فيهما، فيكون إدغاما تامّا مستكمل التشديد، وقرأ الباقون بإدغامهما فيهما مع بقاء غنة ظاهرة، فيكون إدغاما ناقصا غير مستكمل التشديد. ووجه إدغامهما في الواو وفي الياء التجانس في الانفتاح والاستفال والجهر، ومضارعتهما النون والتنوين باللين الذي فيهما لأنه شبيه بالغنّة حيث يتّسع هواء الفم فيهما، وأيضا فإن الواو لمّا كانت من مخرج الميم أدغما فيها كما أدغما في الميم، ثم أدغما في الياء لشبهها بما أشبه الميم وهو الواو. والحجة للأكثرين في بقاء الغنة عند الياء والواو: ما في بقائها من الدلالة على الحرف المدغم، ويقوّي ذلك أنهم مجمعون على بقاء صوت الإطباق مع الطاء إذا أدغمت في التاء، نحو {بَسَطْتَ} [المائدة: الآية 28] و {أَحَطْتُ} [النّمل: الآية 22] فبقاء الإطباق مع إدغام الطاء شبيه ببقاء الغنة مع إدغام النون، والحجة لخلف في إذهاب الغنة أن حقيقة الإدغام أن ينقلب الحرف الأول من جنس الثاني، ويكمل التشديد، ولا يبقى للحرف ولا لصفاته أثر. واتفق العلماء على أن الغنة مع الواو والياء غنة المدغم، ومع النون غنة المدغم فيه.
واختلفوا مع الميم فذهب أبو الحسن بن كيسان النحوي وأبو بكر بن مجاهد المقري وغيرهما إلى أنها غنة المدغم من النون والتنوين تغليبا للأصالة لأن النون أو التنوين قد انقلبا إلى لفظ الميم، وهو اختيار الداني والمحققين، وهو الصحيح لأن الأول قد ذهب بالقلب فلا فرق بين «من من» و «إن من» وبين «هم من» و «أم من» ولا بد أن تكون الغنة في النونين أظهر من غيرهما.
تنبيه: التحقيق كما في الحلبي على مقدمة التجويد لابن الجزري أن الإدغام مع عدم الغنة: محض كامل التشديد، ومعها: غير محض ناقص التشديد من أجل صوت الغنة الموجودة معه فهو بمنزلة الإطباق الموجود مع الإدغام في {أَحَطْتُ} [النّمل: الآية 22] و {بَسَطْتَ} [المائدة: الآية 28] اه. ومقتضاه أنه متى وجدت الغنة كان الإدغام غير محض ناقص التشديد سواء قلنا إنها للمدغم أو للمدغم فيه، ومقتضى كلام الجعبري أنه
محض كامل التشديد مع الغنة حيث كان للمدغم فيه لا للمدغم. نبّه عليه شيخنا رحمه الله تعالى. وما ذكر من أن الإدغام إذا صاحبته الغنة يكون إدغاما ناقصا هو الصحيح في النشر وغيره، خلافا لمن جعله إخفاء، وجعل إطلاق الإدغام عليه مجازا كالسخاوي رحمه الله. ويؤيد الأول وجود التشديد فيه إذ التشديد ممتنع مع الإخفاء [اه. إتحاف البشر].(1/120)
تنبيه: التحقيق كما في الحلبي على مقدمة التجويد لابن الجزري أن الإدغام مع عدم الغنة: محض كامل التشديد، ومعها: غير محض ناقص التشديد من أجل صوت الغنة الموجودة معه فهو بمنزلة الإطباق الموجود مع الإدغام في {أَحَطْتُ} [النّمل: الآية 22] و {بَسَطْتَ} [المائدة: الآية 28] اه. ومقتضاه أنه متى وجدت الغنة كان الإدغام غير محض ناقص التشديد سواء قلنا إنها للمدغم أو للمدغم فيه، ومقتضى كلام الجعبري أنه
محض كامل التشديد مع الغنة حيث كان للمدغم فيه لا للمدغم. نبّه عليه شيخنا رحمه الله تعالى. وما ذكر من أن الإدغام إذا صاحبته الغنة يكون إدغاما ناقصا هو الصحيح في النشر وغيره، خلافا لمن جعله إخفاء، وجعل إطلاق الإدغام عليه مجازا كالسخاوي رحمه الله. ويؤيد الأول وجود التشديد فيه إذ التشديد ممتنع مع الإخفاء [اه. إتحاف البشر].
ثم اعلم أن النون الساكنة مع حروف الإدغام لا تدغم إلا إذا كانت متطرفة بأن يكون المدغم والمدغم فيه من كلمتين، أما إذا كانت متوسطة بأن كانا أي المدغم والمدغم فيه من كلمة نحو {الدُّنْيََا} [البقرة: الآية 85] و {بُنْيََانٌ} [الصف: الآية 4] و {قِنْوََانٌ} [الأنعام: الآية 99] و {صِنْوََانٌ} [الرّعد: الآية 4] ولا خامس لهن: فإنها تظهر لئلا يلتبس بالمضاعف لو أدغم، وهو ما تكرّر أحد أصوله ك (صوان) و (رمان) و (ديّان) لأنك إذا قلت (الديا) و (صوان) ألبس ولم يفرق السامع بين ما أصله النون وبين ما أصله التضعيف، فلم يعلم أنه من (الدني) و (الصنو) أو من (الدي) و (الصو)، فأبقيت النون مظهرة، ولذلك أشار الشاطبي فقال:
وعندهما للكلّ أظهر بكلمة ... مخافة إشباه المضاعف أثقلا
فإن قلت: هلّا أدغم بغنّة فيحصل الفرق بها بين المضاعف وغيره؟ فالجواب: أنها لما كانت فارقة فرقا خفيّا لم يكن الفرق معتبرا فمنع الإدغام خوفا من اللبس ظاهرا، ولذلك أظهرها العرب مع الميم في كلمة واحدة حيث قالوا «شاة زنماء» و «غنم زنم» ولم يقع في القرآن مثله اه.
القسم الثالث: أنهما يدغمان بلا غنة في اللام والراء، فيبدل كلّ من النون الساكنة والتنوين لاما ساكنة عند اللام، وراء عند الراء، ويدغم فيما بعده إدغاما تامّا لجميع القراء، نحو {مِنْ لَدُنْهُ} [النّساء: الآية 40] و {يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات: الآية 11] و {عَنْ رَبِّهِمْ} [المطفّفين: الآية 15] و {رَؤُفٌ رَحِيمٌ} [التّوبة: الآية 128] هذا ما قرأنا به من طريق الشاطبية والتيسير، وقرئ لنافع وأبي جعفر وابن كثير وأبي عمرو ويعقوب وابن عامر وحفص بإدغامهما بغنة عند الحرفين المذكورين من طريق الطيبة والنشر ولطائف الإشارات. ويسمّى الأوّل إدغاما كاملا لذهاب الغنة منه، وهذا هو المشهور المأخوذ به، ويسمى الثاني إدغاما ناقصا لبقاء أثر الغنة معه.
إن قلت: أليس يستثنى من الإجماع المذكور قوله: {مَنْ رََاقٍ} [القيامة: الآية 27] فإنّ حفصا لا يدغم النون في الراء هنا بل يسكت على «من» ثم يقول: {رََاقٍ}؟ قلت: لا يستثنى لأن إدغامهما فيهما إنما يكون عند ملاقاتهما إياهما، والسكتة تمنع الملاقاة،
وتفصل بين الحرفين، فلو لم يسكن حفص هنا لأدغم البتة. ووجه إدغامهما فيهما: قرب مخرجهن لأنهن من حروف طرف اللسان، أو كونهن من مخرج واحد على رأي الفرّاء، وكلّ منهما يستلزم الإدغام، وأيضا لو لم يدغما فيهما لحصل الثقل لاجتماع المتقاربين أو المتجانسين فبالإدغام يحصل الخفة لأنه يصير في حكم حرف واحد. ووجه حذف الغنة المبالغة في التخفيف لأن بقاءها يورث ثقلا ما. وسبب ذلك قلبهما حرفا ليس فيه غنّة ولا شبيها بما فيه غنة، واختير عدم الغنة حيث لم تثبت النون رسما نحو {أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ} [الكهف: الآية 48] و {أَلَّنْ نَجْمَعَ} [القيامة: الآية 3] و {أَلََّا تَزِرُ وََازِرَةٌ} [النّجم: الآية 38] و {أَلََّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ} [طه: الآية 89] و {أَلََّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللََّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ} [هود: الآية 2] ونحو {إِلََّا تَنْصُرُوهُ} [التّوبة: الآية 40] و {إِلََّا تَنْفِرُوا} [التّوبة: الآية 39] فإن ثبتت النون في الرسم نحو {أَنْ لََا مَلْجَأَ} [التّوبة: الآية 118] و {أَنْ لََا يَقُولُوا} [الأعراف: الآية 169] كما سيأتي بيان ذلك في المقطوع والموصول جاز إدغامها في اللام وإظهار الغنة معها، ولو وقعت النون الساكنة قبل اللام والراء في كلمة لكانت مظهرة لئلا يلتبس بالمضاعف، ولم يقع ذلك في القرآن.(1/121)
إن قلت: أليس يستثنى من الإجماع المذكور قوله: {مَنْ رََاقٍ} [القيامة: الآية 27] فإنّ حفصا لا يدغم النون في الراء هنا بل يسكت على «من» ثم يقول: {رََاقٍ}؟ قلت: لا يستثنى لأن إدغامهما فيهما إنما يكون عند ملاقاتهما إياهما، والسكتة تمنع الملاقاة،
وتفصل بين الحرفين، فلو لم يسكن حفص هنا لأدغم البتة. ووجه إدغامهما فيهما: قرب مخرجهن لأنهن من حروف طرف اللسان، أو كونهن من مخرج واحد على رأي الفرّاء، وكلّ منهما يستلزم الإدغام، وأيضا لو لم يدغما فيهما لحصل الثقل لاجتماع المتقاربين أو المتجانسين فبالإدغام يحصل الخفة لأنه يصير في حكم حرف واحد. ووجه حذف الغنة المبالغة في التخفيف لأن بقاءها يورث ثقلا ما. وسبب ذلك قلبهما حرفا ليس فيه غنّة ولا شبيها بما فيه غنة، واختير عدم الغنة حيث لم تثبت النون رسما نحو {أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ} [الكهف: الآية 48] و {أَلَّنْ نَجْمَعَ} [القيامة: الآية 3] و {أَلََّا تَزِرُ وََازِرَةٌ} [النّجم: الآية 38] و {أَلََّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ} [طه: الآية 89] و {أَلََّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللََّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ} [هود: الآية 2] ونحو {إِلََّا تَنْصُرُوهُ} [التّوبة: الآية 40] و {إِلََّا تَنْفِرُوا} [التّوبة: الآية 39] فإن ثبتت النون في الرسم نحو {أَنْ لََا مَلْجَأَ} [التّوبة: الآية 118] و {أَنْ لََا يَقُولُوا} [الأعراف: الآية 169] كما سيأتي بيان ذلك في المقطوع والموصول جاز إدغامها في اللام وإظهار الغنة معها، ولو وقعت النون الساكنة قبل اللام والراء في كلمة لكانت مظهرة لئلا يلتبس بالمضاعف، ولم يقع ذلك في القرآن.
الحال الثالث: الإقلاب:
ومعناه لغة: تحويل الشيء عن وجهه يقال قلبه أي حوّله عن وجهه. واصطلاحا:
جعل حرف مكان آخر. وقال بعضهم: هو عبارة عن قلب مع إخفاء لمراعاة الغنة، والمراد هنا قلب النون الساكنة والتنوين ميما مخفاة قبل الباء الموحدة مع بقاء الغنة الظاهرة، وهذا بإجماع القراء كما صرّح به في التيسير سواء كانت النون مع الباء في كلمة أو كلمتين. والتنوين لا يكون إلا من كلمتين، وذلك نحو {أَنْبِئْهُمْ} [البقرة: الآية 33] و {أَنْ بُورِكَ} [النّمل: الآية 8] و {سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحجّ: الآية 61]. قال ابن الجزري في النشر: فلا فرق حينئذ في اللفظ بين {أَنْ بُورِكَ} [النّمل: الآية 8] وبين {يَعْتَصِمْ بِاللََّهِ} [آل عمران: الآية 101] إلا أنه لم يختلف في إخفاء الميم المقلوبة عند الباء ولا في إظهار الغنة في ذلك بخلاف الميم الساكنة يعني أنه وقع اختلاف في إخفائها مع إظهار غنتها فذهب الجمهور إلى ذلك، وذهب البعض إلى إظهارها مع إخفاء غنتها كما سيأتي. ولا تشديد في ذلك لأنه بدل لا إدغام فيه إلا أنّ فيه غنة لأن الميم الساكنة من الحروف التي تصحبها الغنة. قال المرعشي: والظاهر أن معنى إخفاء الميم ليس إعدام ذاتها بالكلية، بل إضعافها وستر ذاتها في الجملة بتقليل الاعتماد على مخرجها وهو الشفتان لأن قوة الحرف وظهور ذاته إنما هو بقوّة الاعتماد على مخرجه، وهذا كإخفاء الحركة في قوله:
{لََا تَأْمَنََّا} [يوسف: الآية 11] إذ ذلك ليس بإعدام الحركة بالكلية بل بتبعيضها، وسيأتي.
وبالجملة إن الميم والباء يخرجان بانطباق الشفتين، والباء أدخل وأقوى انطباقا كما سبق في بيان المخارج، فتلفظ بالميم في نحو {أَنْ بُورِكَ} [النّمل: الآية 8] بغنّة ظاهرة وبتقليل انطباق الشفتين جدّا، ثم تلفظ بالباء قبل فتح الشفتين بتقوية انطباقهما، وتجعل المنطبق من الشفتين في الباء أدخل من المنطبق في الميم فزمان انطباقهما في {أَنْ بُورِكَ}
[النّمل: الآية 8] أطول من زمان انطباقهما في الباء لأجل الغنة الظاهرة حينئذ في الميم إذ الغنة الظاهرة يتوقف تلفظها على امتداد، ولو تلفظت بإظهار الميم هنا لكان زمان انطباقهما فيه كزمان انطباقهما في الباء لإخفاء الغنة حينئذ، ويقوى انطباقهما في إظهار الميم فوق انطباقهما في إخفائه لكن دون قوة انطباقهما في الباء إذ لا غنة في الباء أصلا بخلاف الميم الظاهرة فإنها لا تخلو عن أصل الغنة وإن كانت خفية، والغنة تورث الاعتماد ضعفا. ووجه قلبهما ميما عند الباء أنه لم يحسن الإظهار لما فيه من الكلفة من أجل الاحتياج إلى إخراج النون والتنوين من مخرجهما على ما يجب لهما من التصويت بالغنة، فيحتاج الناطق بهما إلى فتور يشبه الوقف، وإخراج الباء بعدهما من مخرجها يمنع من التصويت بالغنة من أجل انطباق الشفتين بها أي بالباء، ولم يحسن الإدغام للتباعد في المخرج والمخالفة في الجنسية حيث كانت النون حرفا أغنّ، وكذلك التنوين، والباء حرف غير أغنّ، وإذا لم تدغم الميم في الباء لذهاب غنتها بالإدغام مع كونها من مخرجها فترك إدغام النون فيها مع أنها ليست من مخرجها أولى، ولم يحسن الإخفاء كما لم يحسن الإظهار والإدغام لأنه بينهما، ولمّا لم يحسن وجه من هذه الأوجه أبدل من النون والتنوين حرف يؤاخيهما في الغنة والجهر، ويؤاخي الباء في المخرج والجهر وهو الميم، فأمنت الكلفة الحاصلة من إظهار النون قبل الباء [اه. شرح التحفة للميهي].(1/122)
{لََا تَأْمَنََّا} [يوسف: الآية 11] إذ ذلك ليس بإعدام الحركة بالكلية بل بتبعيضها، وسيأتي.
وبالجملة إن الميم والباء يخرجان بانطباق الشفتين، والباء أدخل وأقوى انطباقا كما سبق في بيان المخارج، فتلفظ بالميم في نحو {أَنْ بُورِكَ} [النّمل: الآية 8] بغنّة ظاهرة وبتقليل انطباق الشفتين جدّا، ثم تلفظ بالباء قبل فتح الشفتين بتقوية انطباقهما، وتجعل المنطبق من الشفتين في الباء أدخل من المنطبق في الميم فزمان انطباقهما في {أَنْ بُورِكَ}
[النّمل: الآية 8] أطول من زمان انطباقهما في الباء لأجل الغنة الظاهرة حينئذ في الميم إذ الغنة الظاهرة يتوقف تلفظها على امتداد، ولو تلفظت بإظهار الميم هنا لكان زمان انطباقهما فيه كزمان انطباقهما في الباء لإخفاء الغنة حينئذ، ويقوى انطباقهما في إظهار الميم فوق انطباقهما في إخفائه لكن دون قوة انطباقهما في الباء إذ لا غنة في الباء أصلا بخلاف الميم الظاهرة فإنها لا تخلو عن أصل الغنة وإن كانت خفية، والغنة تورث الاعتماد ضعفا. ووجه قلبهما ميما عند الباء أنه لم يحسن الإظهار لما فيه من الكلفة من أجل الاحتياج إلى إخراج النون والتنوين من مخرجهما على ما يجب لهما من التصويت بالغنة، فيحتاج الناطق بهما إلى فتور يشبه الوقف، وإخراج الباء بعدهما من مخرجها يمنع من التصويت بالغنة من أجل انطباق الشفتين بها أي بالباء، ولم يحسن الإدغام للتباعد في المخرج والمخالفة في الجنسية حيث كانت النون حرفا أغنّ، وكذلك التنوين، والباء حرف غير أغنّ، وإذا لم تدغم الميم في الباء لذهاب غنتها بالإدغام مع كونها من مخرجها فترك إدغام النون فيها مع أنها ليست من مخرجها أولى، ولم يحسن الإخفاء كما لم يحسن الإظهار والإدغام لأنه بينهما، ولمّا لم يحسن وجه من هذه الأوجه أبدل من النون والتنوين حرف يؤاخيهما في الغنة والجهر، ويؤاخي الباء في المخرج والجهر وهو الميم، فأمنت الكلفة الحاصلة من إظهار النون قبل الباء [اه. شرح التحفة للميهي].
وفي شرح الملّا علي: وجه القلب عسر الإتيان بالغنة في النون والتنوين مع إظهارهما، ثم إطباق الشفتين لأجل الباء، ولم يدغم لاختلاف نوع المخرج وقلة التناسب، فتعيّن الإخفاء، وتوصّل إليه بالقلب ميما لتشارك الباء مخرجا والنون غنّة اه.
وليحترز القارئ عند التلفظ به من كزّ الشفتين على الميم المقلوبة في اللفظ لئلا يتولد من كزّهما غنّة من الخيشوم ممطّطة فليسكن الميم بتلطّف من غير ثقل ولا تعسف.
الحال الرابع: الإخفاء:
ومعناه لغة: الستر يقال: اختفى الرجل عن أعين الناس بمعنى استتر عنهم.
واصطلاحا: النطق بحرف ساكن عار أي خال من التشديد على صفة بين الإظهار
والإدغام، مع بقاء الغنة في الحرف الأوّل وهو النون الساكنة أو التنوين. وحروفه خمسة عشر، وهي الباقية بعد الحروف المذكورة في الأحوال الثلاث السابقة. وقد جمع بعضهم حروف الإخفاء الخمسة عشر في أوائل كلمات هذا البيت فقال:(1/123)
واصطلاحا: النطق بحرف ساكن عار أي خال من التشديد على صفة بين الإظهار
والإدغام، مع بقاء الغنة في الحرف الأوّل وهو النون الساكنة أو التنوين. وحروفه خمسة عشر، وهي الباقية بعد الحروف المذكورة في الأحوال الثلاث السابقة. وقد جمع بعضهم حروف الإخفاء الخمسة عشر في أوائل كلمات هذا البيت فقال:
صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما ... دم طيّبا زد في تقى ضع ظالما
وجمعها ابن القاصح مرتّبة في أوائل كلمات هذا البيت فقال:
تلا ثم جاد ردكا زاد سل شذا ... صفا ضاع طيب ظل في قرب كلا
وهذه الحروف لا خلاف بين القراء في إخفاء النون الساكنة والتنوين بغنة عندها سواء اتصلت النون بهن في كلمة أو انفصلت عنهم في كلمة أخرى. فمثال الإخفاء عند التاء {يَنْتَهُوا} [المائدة: الآية 73] و {مِنْ تَحْتِهَا} [البقرة: الآية 25] و {جَنََّاتٍ تَجْرِي}
[البقرة: الآية 25]، وعند الثاء المثلثة {مَنْثُوراً} [الفرقان: الآية 23] و {مِنْ ثَمَرَةٍ} [البقرة:
الآية 25] و {جَمِيعاً ثُمَّ} [البقرة: الآية 29]، وعند الجيم {أَنْجَيْنََاكُمْ} [الأعراف: الآية 141] و {إِنْ جََاءَكُمْ} [الحجرات: الآية 6] و {شَيْئاً (60) جَنََّاتِ} [مريم: الآيتان 60، 61]، وعند الدال المهملة {أَنْدََاداً} [البقرة: الآية 22] و {مِنْ دَابَّةٍ} [الأنعام: الآية 38] و {قِنْوََانٌ دََانِيَةٌ} [الأنعام: الآية 99]، وعند الذال المعجمة نحو {مُنْذِرُ} [النّازعات: الآية 45] و {مِنْ ذَكَرٍ} [آل عمران: الآية 195] و {سِرََاعاً ذََلِكَ} [ق: الآية 44]، وعند الزاي {فَأَنْزَلْنََا} [البقرة: الآية 59]، و {فَإِنْ زَلَلْتُمْ} [البقرة: الآية 209] و {يَوْمَئِذٍ زُرْقاً} [طه:
الآية 102]، وعند السين المهملة {مِنْسَأَتَهُ} [سبأ: الآية 14] و {أَنْ سَيَكُونُ} [المزمّل:
الآية 20] و {عَظِيمٌ (41) سَمََّاعُونَ} [المائدة: الآيتان 41، 42]، وعند الشين المعجمة {يَنْشُرْ لَكُمْ} [الكهف: الآية 16] و {لِمَنْ شََاءَ} [المدّثّر: الآية 37] و {عَلِيمٌ (12) شَرَعَ}
[الشورى: الآيتان 12، 13]، وعند الصاد المهملة {يَنْصُرْكُمُ} [آل عمران: الآية 160] و {أَنْ صَدُّوكُمْ} [المائدة: الآية 2] و {رِيحاً صَرْصَراً} [فصّلت: الآية 16]، وعند الضاد المعجمة:
{مَنْضُودٍ} [هود: الآية 82] و {إِنْ ضَلَلْتُ} [سبأ: الآية 50]، و {قَوْماً ضََالِّينَ} [المؤمنون:
الآية 106] وعند الطاء المهملة {يَنْطِقُونَ} [المرسلات: الآية 35] و {مِنْ طِينٍ} [الأنعام:
الآية 2] و {صَعِيداً طَيِّباً} [النّساء: الآية 43] وعند الظاء المشالة {انْظُرْ} [الفرقان: الآية 9] و {مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ: الآية 22] و {ظِلًّا ظَلِيلًا} [النّساء: الآية 57] وعند الفاء: {انْفِرُوا}
[التّوبة: الآية 38] و {وَإِنْ فََاتَكُمْ} [الممتحنة: الآية 11] و {خََالِداً فِيهََا} [النّساء: الآية 14]. وعند القاف {يَنْقَلِبُونَ} [الشّعراء: الآية 227] و {وَلَئِنْ قُلْتَ} [هود: الآية 7] و {سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سبأ: الآية 50]، وعند الكاف {يَنْكُثُونَ} [الأعراف: الآية 135] و {مِنْ كُلِّ} [البقرة: الآية 164] و {عََاداً كَفَرُوا} [هود: الآية 60] وشبه ذلك. فهذه خمسة
وأربعون مثالا للنون المتوسطة والمتطرفة منها ثلاثون، وللتنوين خمسة عشر.(1/124)
الآية 2] و {صَعِيداً طَيِّباً} [النّساء: الآية 43] وعند الظاء المشالة {انْظُرْ} [الفرقان: الآية 9] و {مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ: الآية 22] و {ظِلًّا ظَلِيلًا} [النّساء: الآية 57] وعند الفاء: {انْفِرُوا}
[التّوبة: الآية 38] و {وَإِنْ فََاتَكُمْ} [الممتحنة: الآية 11] و {خََالِداً فِيهََا} [النّساء: الآية 14]. وعند القاف {يَنْقَلِبُونَ} [الشّعراء: الآية 227] و {وَلَئِنْ قُلْتَ} [هود: الآية 7] و {سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سبأ: الآية 50]، وعند الكاف {يَنْكُثُونَ} [الأعراف: الآية 135] و {مِنْ كُلِّ} [البقرة: الآية 164] و {عََاداً كَفَرُوا} [هود: الآية 60] وشبه ذلك. فهذه خمسة
وأربعون مثالا للنون المتوسطة والمتطرفة منها ثلاثون، وللتنوين خمسة عشر.
والحجة لإخفاء النون الساكنة والتنوين عند هذه الأحرف أنهما لم يقربا من هذه الحروف كقربهما من حروف الإدغام فيجب إدغامها فيهنّ من أجل القرب، ولم يبعدا منهن كبعدهما من حروف الإظهار فيجب إظهارهما عندهنّ من أجل البعد فلما عدم القرب الموجب للإدغام، والبعد الموجب للإظهار أعطيا حكما متوسطا بين الإظهار والإدغام وهو الإخفاء لأن الإظهار: إبقاء ذات الحرف وصفته معا، والإدغام التام: إذهابهما معا، والإخفاء هنا: إذهاب ذات النون والتنوين من اللفظ وإبقاء صفتهما التي هي الغنة، فانتقل مخرجهما من اللسان إلى الخيشوم لأنك إذا قلت:
(عنك) وأخفيت: تجد اللسان لا يرتفع ولا عمل له، ولم يكن بين العين والكاف إلا غنة مجردة. ولا يرد {أَنْتُمْ} ونحوه فإن ارتفاع الطرف من اللسان لخروج التاء لا للنون. ثم اعلم أن الإخفاء يكون تارة إلى الإظهار أقرب، وتارة إلى الإدغام أقرب، وذلك على حسب بعد الحرف منهما وقربه، ولفظ ذلك قريب بعضه من بعض، والذي نقله المرعشي في رسالته عن ابن الجزري أن حروف الإخفاء على ثلاث مراتب أقربها مخرجا إلى النون ثلاثة أحرف: الطاء والدال المهملتان، والتاء المثناة الفوقية، وأبعدها:
القاف والكاف، والأحرف الباقية متوسطة في القرب والبعد، وأن الإخفاء على ثلاث مراتب أيضا فكل حرف هو أقرب إلى النون يكون الإخفاء عنده أزيد، وما قرب إلى البعد يكون الإخفاء عنده دون ذلك، وما كان بعيدا يكون الإخفاء عنده أقلّ مما قبله، فإخفاؤهما عند الأحرف الثلاثة الأولى إخفاء أعلى يعني أن المخفى منهما عند هذه الأحرف أكثر من الباقي، وغنّتهما الباقية قليلة، يعني أن زمان امتداد الغنّة قصير، وإخفاؤهما عند القاف والكاف إخفاء أدنى، يعني أن يكون المخفى منهما أقل من الباقي، وغنّتهما الباقية كثيرة، بمعنى أن زمان امتدادهما طويل، وإخفاؤهما عند الأحرف الباقية إخفاء أوسط، وزمان غنّتهما متوسط، ولم أر في مؤلّف تقدير امتداد الغنة في هذه المراتب [اه. من رسالة المرعشي]. وقال في حاشيته عليها: قوله: «ولم أر في مؤلف» لو قلنا إن أعلاها قدر ألف وأدناها قدر ثلث ألف وأوسطها قدر ثلثي ألف لأصبنا الحقّ أو قربنا منه، والله أعلم. والذي نقلناه عن مشايخنا وعن العلماء المؤلفين في فن التجويد المتقنين: أن الغنة لا تزيد ولا تنقص عن مقدار حركتين كالمد الطبيعي لأن التلفّظ بالغنة الظاهرة يحتاج إلى التراخي لما ذكره في التمهيد أن الغنة التي في النون والتنوين أشبهت المدّ في الواو والياء، لكن ينبغي التحذير عن المبالغة في التراخي. اه.(1/125)
القاف والكاف، والأحرف الباقية متوسطة في القرب والبعد، وأن الإخفاء على ثلاث مراتب أيضا فكل حرف هو أقرب إلى النون يكون الإخفاء عنده أزيد، وما قرب إلى البعد يكون الإخفاء عنده دون ذلك، وما كان بعيدا يكون الإخفاء عنده أقلّ مما قبله، فإخفاؤهما عند الأحرف الثلاثة الأولى إخفاء أعلى يعني أن المخفى منهما عند هذه الأحرف أكثر من الباقي، وغنّتهما الباقية قليلة، يعني أن زمان امتداد الغنّة قصير، وإخفاؤهما عند القاف والكاف إخفاء أدنى، يعني أن يكون المخفى منهما أقل من الباقي، وغنّتهما الباقية كثيرة، بمعنى أن زمان امتدادهما طويل، وإخفاؤهما عند الأحرف الباقية إخفاء أوسط، وزمان غنّتهما متوسط، ولم أر في مؤلّف تقدير امتداد الغنة في هذه المراتب [اه. من رسالة المرعشي]. وقال في حاشيته عليها: قوله: «ولم أر في مؤلف» لو قلنا إن أعلاها قدر ألف وأدناها قدر ثلث ألف وأوسطها قدر ثلثي ألف لأصبنا الحقّ أو قربنا منه، والله أعلم. والذي نقلناه عن مشايخنا وعن العلماء المؤلفين في فن التجويد المتقنين: أن الغنة لا تزيد ولا تنقص عن مقدار حركتين كالمد الطبيعي لأن التلفّظ بالغنة الظاهرة يحتاج إلى التراخي لما ذكره في التمهيد أن الغنة التي في النون والتنوين أشبهت المدّ في الواو والياء، لكن ينبغي التحذير عن المبالغة في التراخي. اه.
تتمة:
قال في المرعشي: يجب على القارئ أن يحترز في حالة إخفاء النون من أن يشبع الضمة قبلها أو الفتحة أو الكسرة لئلا يتولّد من الضمة واو في مثل {كُنْتُمْ}، ومن الفتحة ألف في مثل {عَنْكُمْ}، ومن الكسرة ياء في مثل {مِنْكُمْ}
كما يقع من بعض القراء المتعسفين فإن ذلك خطأ صريح وزيادة في كلام الله تعالى.
وليحترز أيضا من المد عند الإتيان بالغنة في النون والميم في نحو {إِنَّ الَّذِينَ}
[البقرة: الآية 6] و {وَإِمََّا فِدََاءً} [محمّد: الآية 4] وكثيرا ما يتساهل في ذلك من يبالغ في إظهار الغنة فيتولد منها حرف مدّ فيصير اللفظ (إين الذين) و (وإيما فداء) وذلك خطأ أيضا. وليحترز أيضا من إلصاق اللسان فوق الثنايا العليا عند إخفاء النون فهو خطأ أيضا. وطريق الخلاص منه أن يجافي اللسان قليلا عن ذلك. وليحترز عن ترك الغنة في موضعها وعن إظهار النون فإنه خطأ فاحش ممن يعلم وممن لم يعلم إذ الجهل ليس بعذر. اه.
الفصل الخامس في الكلام على الميم الساكنة
ولها عند حروف المعجم ثلاثة أحكام: إخفاء، وإدغام، وإظهار:
1 - فالأول: الإخفاء عند الباء بغنة ظاهرة على ما اختاره الحافظ الداني وغيره من المحققين، وهو الذي عليه أهل الأداء بمصر والشام والأندلس وسائر البلاد الغربية سواء كان سكونها متأصّلا نحو {يَعْتَصِمْ بِاللََّهِ} [آل عمران: الآية 101] و {يَوْمَ هُمْ بََارِزُونَ} [غافر:
الآية 16] أو عارضا نحو {بِأَعْلَمَ بِالشََّاكِرِينَ} (53) [الأنعام: الآية 53] و {أَعْلَمُ بِالظََّالِمِينَ}
[الأنعام: الآية 58] في قراءة أبي عمرو ويعقوب. وذهب جماعة كأبي الحسن أحمد بن المنادي وغيره إلى إظهارها عندها إظهارا تامّا أي من غير غنة، وهو اختيار مكي القيسي وغيره، وهو الذي عليه أهل الأداء بالعراق وسائر البلاد الشرقية. وحكى أحمد بن يعقوب التائب إجماع القراء عليه. والوجهان صحيحان، مأخوذ بهما، إلا أن الإخفاء أولى للإجماع على إخفائها عند القلب، وعلى إخفائها في قراءة أبي عمرو ويعقوب حالة الإدغام. وهذا هو المسمّى عندهم بالإخفاء الشفوي لخروج الباء والميم من الشفتين. وفي المرعشي نقلا عن الرعاية: إن قلت من أظهر الميم هنا هل يظهر غنّتها؟ قلت: المنقول عن نشر ابن الجزري أنه لا يظهرها، وإن كانت الميم لا تخلو عن أصل الغنة إذ لولا أصل الغنة لكانت الميم باء لاتفاقهما في المخرج والصفات والقوّة اه. وفي القول المفيد: ووجه إخفاء الميم عند الباء أنهما لمّا اشتركا في
المخرج وتجانسا في الانفتاح والاستفال ثقل الإظهار والإدغام المحض، فذهبت الغنة، فعدل إلى الإخفاء اه.(1/126)
الآية 16] أو عارضا نحو {بِأَعْلَمَ بِالشََّاكِرِينَ} (53) [الأنعام: الآية 53] و {أَعْلَمُ بِالظََّالِمِينَ}
[الأنعام: الآية 58] في قراءة أبي عمرو ويعقوب. وذهب جماعة كأبي الحسن أحمد بن المنادي وغيره إلى إظهارها عندها إظهارا تامّا أي من غير غنة، وهو اختيار مكي القيسي وغيره، وهو الذي عليه أهل الأداء بالعراق وسائر البلاد الشرقية. وحكى أحمد بن يعقوب التائب إجماع القراء عليه. والوجهان صحيحان، مأخوذ بهما، إلا أن الإخفاء أولى للإجماع على إخفائها عند القلب، وعلى إخفائها في قراءة أبي عمرو ويعقوب حالة الإدغام. وهذا هو المسمّى عندهم بالإخفاء الشفوي لخروج الباء والميم من الشفتين. وفي المرعشي نقلا عن الرعاية: إن قلت من أظهر الميم هنا هل يظهر غنّتها؟ قلت: المنقول عن نشر ابن الجزري أنه لا يظهرها، وإن كانت الميم لا تخلو عن أصل الغنة إذ لولا أصل الغنة لكانت الميم باء لاتفاقهما في المخرج والصفات والقوّة اه. وفي القول المفيد: ووجه إخفاء الميم عند الباء أنهما لمّا اشتركا في
المخرج وتجانسا في الانفتاح والاستفال ثقل الإظهار والإدغام المحض، فذهبت الغنة، فعدل إلى الإخفاء اه.
تنبيه: اعلم أن الإخفاء على قسمين: إخفاء الحركة، وإخفاء الحرف والأوّل:
بمعنى تبعيض الحركة كما في قوله: {لََا تَأْمَنََّا} [يوسف: الآية 11] ونحوه، والثاني على قسمين: أحدهما: تبعيض الحرف وستر ذاته في الجملة كما في الميم الساكنة قبل الباء أصلية أو مقلوبة من النون الساكنة أو التنوين. وثانيهما: إعدام ذات الحرف بالكلية وإبقاء غنته كما في إخفاء النون الساكنة والتنوين عند الحروف الخمسة عشر المتقدمة.
2 - والثاني: الإدغام بغنة عند ميم مثلها وجوبا سواء كانت الأولى مقلوبة من النون الساكنة أو التنوين نحو {مِنْ مََاءٍ مَهِينٍ} [السجدة: الآية 8] وقد سبق بيانه، أو أصلية نحو {خَلَقَ لَكُمْ مََا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: الآية 29] و {أَمْ مَنْ أَسَّسَ} [التّوبة: الآية 109] ويطلق ذلك في كل ميم مشددة نحو قوله: {دَمَّرَ} [محمّد: الآية 10] و {يُعَمَّرُ} [البقرة: الآية 96]، ويلزم أن يأتي بكمال التشديد وإظهار الغنة في ذلك لأن الغنّة عندهم للمدغم فيه فلا فرق عندهم بين {مِمَّنْ} [البقرة: الآية 114] و {أَمْ مَنْ} [النّساء: الآية 109] اه.
مرعشي.
3 - والثالث: الإظهار أي وجوبا من غير إظهار غنة عند بقية الأحرف، وهي ما عدا الباء والميم، وهو ستة وعشرون حرفا سواء وقعت في كلمة نحو {أَنْعَمْتَ}
[الفاتحة: الآية 7] و {تُمْسُونَ} [الرّوم: الآية 17] أو في كلمتين نحو {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
[البقرة: الآية 179] و {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ} [البقرة: الآية 17] ويسمى هذا الإظهار إظهارا شفويا، ويكون عند الواو والفاء أشدّ إظهارا لئلا يتوهم أنها تخفى عندهما كما تخفى عند الباء.
ومنشأ ذلك اتحاد مخرجها بالواو وقربها من الفاء، فيسبق اللسان إلى الإخفاء، وذلك نحو {عَلَيْهِمْ وَلَا} [الفاتحة: الآية 7] و {وَتَرَكَهُمْ فِي} [البقرة: الآية 17]. ولذلك أشار ابن الجزري في نظمه فقال:
وأظهرنها عند باقي الأحرف ... واحذر لدى واو وفا أن تختفي
وقال الجمزوري:
واحذر لدى واو وفاء أن تختفي ... لقربها والاتّحاد فاعرف
تنبيه: اعلم أن الميم لا تدغم في مقاربها من أجل الغنة التي فيها، فلو أدغمت لذهبت غنتها فكان إخلالا وإجحافا بها، فأظهرت لذلك [اه. مقدسي]. وفي شرح القول المفيد: لا تدغم الميم في الواو وإن تجانسا في المخرج فرقا بينها وبين النون
المدغمة في الواو كما تقدّم، وخوفا من اللبس فلا يعرف هل هي ميم أم نون، وكذا لا تدغم في الفاء لقوّة الميم وضعف الفاء، ولا يدغم القويّ في الضعيف. وإذا أظهرتها عند هذه الأحرف فاحذر من إحداث الحركة في الميم ومن السكت عليها كما يفعله العامّة خوفا من الإخفاء أو الإدغام لما تقدّم، ولا تظهر غنتها عند إظهارها قبل حرف من حروف الإظهار كما يشعر به المنقول ساباق عن نشر ابن الجزري، وهو المحفوظ من مشافهة المشايخ الثقات، فيقوى الاعتماد على مخرجها، ويظهر سكونها بلا إظهار غنة فزمان إظهار الميم لعدم ظهور الغنة أسرع من زمان إخفائها، وأما الميم الساكنة المظهرة التي تظهر فيها الغنّة فهي الميم الموقوف عليها بدون الرّوم.(1/127)
واحذر لدى واو وفاء أن تختفي ... لقربها والاتّحاد فاعرف
تنبيه: اعلم أن الميم لا تدغم في مقاربها من أجل الغنة التي فيها، فلو أدغمت لذهبت غنتها فكان إخلالا وإجحافا بها، فأظهرت لذلك [اه. مقدسي]. وفي شرح القول المفيد: لا تدغم الميم في الواو وإن تجانسا في المخرج فرقا بينها وبين النون
المدغمة في الواو كما تقدّم، وخوفا من اللبس فلا يعرف هل هي ميم أم نون، وكذا لا تدغم في الفاء لقوّة الميم وضعف الفاء، ولا يدغم القويّ في الضعيف. وإذا أظهرتها عند هذه الأحرف فاحذر من إحداث الحركة في الميم ومن السكت عليها كما يفعله العامّة خوفا من الإخفاء أو الإدغام لما تقدّم، ولا تظهر غنتها عند إظهارها قبل حرف من حروف الإظهار كما يشعر به المنقول ساباق عن نشر ابن الجزري، وهو المحفوظ من مشافهة المشايخ الثقات، فيقوى الاعتماد على مخرجها، ويظهر سكونها بلا إظهار غنة فزمان إظهار الميم لعدم ظهور الغنة أسرع من زمان إخفائها، وأما الميم الساكنة المظهرة التي تظهر فيها الغنّة فهي الميم الموقوف عليها بدون الرّوم.
التتمة في بيان مراتب الإدغام والتشديد بحسب الكمال والنقصان
اعلم أن الإدغام على قسمين: تام، وناقص فالتام: إدراج الحرف الأوّل في الثاني ذاتا وصفة كإدغام التاء في الطاء من نحو قوله: {وَدَّتْ طََائِفَةٌ} [آل عمران: الآية 69]، والناقص: إدراج الحرف الأوّل في الثاني ذاتا لا صفة كإدغام الطاء في التاء من نحو قوله: {أَحَطْتُ} [النّمل: الآية 22] ونظائره. والصفة الباقية من المدغم إما إطباق أو استعلاء أو غنة، وقد سبق. ثم إن كلّ إدغام تامّ فتشديده مستكمل، وكل إدغام ناقص فتشديده غير مستكمل كما صرّح به في الرعاية.
ثم اعلم أن التشديد لا يستلزم الإدغام إذ بعض الكلمات فيه تشديد وليس سببه الإدغام، بل هو ثابت في أصل وضعه، نحو (إنّ وكأنّ ولكنّ) وأشباهها، ولا أثر للغنة فيها في نقص التشديد البتة، بل تشديدها مستكمل كما صرّح به في الرعاية، ثم إن ما ليس فيه غنة يشدّد بسرعة، وما فيه غنة يشدد بتراخ، وإن تشديد إدغام النون الساكنة والتنوين في الواو والياء يشدّد بتراخي التراخي [اه. مرعشي].(1/128)
ثم اعلم أن التشديد لا يستلزم الإدغام إذ بعض الكلمات فيه تشديد وليس سببه الإدغام، بل هو ثابت في أصل وضعه، نحو (إنّ وكأنّ ولكنّ) وأشباهها، ولا أثر للغنة فيها في نقص التشديد البتة، بل تشديدها مستكمل كما صرّح به في الرعاية، ثم إن ما ليس فيه غنة يشدّد بسرعة، وما فيه غنة يشدد بتراخ، وإن تشديد إدغام النون الساكنة والتنوين في الواو والياء يشدّد بتراخي التراخي [اه. مرعشي].
الباب الخامس في أحكام المدّ والقصر
وفيه سبعة فصول، وتتمة.
الفصل الأول في بيان معنى المدّ والقصر لغة واصطلاحا، وفي أقسامه، وشروطه، وأسبابه، وأحكامه
اعلم أن الأصل في هذا الباب ما نقله في النشر من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، ولفظه: كان ابن مسعود يقرئ رجلا فقرأ الرجل «إنما الصدقات للفقراء والمساكين» مرسلة أي مقصورة، فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: أقرأنيها {إِنَّمَا الصَّدَقََاتُ لِلْفُقَرََاءِ وَالْمَسََاكِينِ} [التّوبة: الآية 60] فمدّها، قال ابن الجزري: هذا حديث جليل حجة ونصّ في هذا الباب، رجال إسناده ثقات، رواه الطبراني في معجمه الكبير اه. [ابن غازي].
ثم اعلم أن المدّ معناه في اللغة: الزيادة قال تعالى: {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ} [آل عمران:
الآية 125] أي يزدكم وقال تعالى: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوََالٍ} [نوح: الآية 12] أي يزدكم، وتقول العرب: مددت مدّا أي زدت زيادة. ومعناه في اصطلاح القراء: إطالة الصوت بحرف من حروف المدّ الآتي ذكرها.
وأما القصر فمعناه في اللغة: الحبس، ومنه قوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورََاتٌ فِي الْخِيََامِ} (72) [الرّحمن: الآية 72] أي محبوسات فيها. ويعرّف القصر أيضا في اللغة:
بالمنع يقال: «قصرت فلانا عن حاجته: أي منعته عنها» ومنه {قََاصِرََاتُ الطَّرْفِ}
[الصّافات: الآية 48] وفي الاصطلاح: إثبات حرف المدّ من غير زيادة عليه.
ثم إن المدّ قسمان: أصلي، وفرعي فالأصلي هو المد الطبيعي الذي لا تقوم ذات حرف المدّ إلا به، ولا يتوقف على سبب، بل يكفي فيه وجود أحد حروف المد الثلاثة المجتمعة في قوله تعالى: {نُوحِيهََا} [هود: الآية 49]، وعلامته أن لا يوجد بعده ساكن ولا همزة. وسمّي طبيعيّا لأن صاحب الطبيعة السليمة لا ينقصه عن حدّه ولا
يزيد عليه. وحدّه مقدار ألف وصلا ووقفا، ونقصه عن ألف حرام شرعا، فيعاقب على فعله ويثاب على تركه، فما يفعله بعض أئمة المساجد وأكثر المؤذنين من الزيادة في المد الطبيعي عن حده العرفي أي عرف القرّاء فمن أقبح البدع وأشدّ الكراهة لا سيما وقد يقتدي بهم بعض الجهلة من القراء. فإن قيل: ما قدر الألف؟ فقل: هو أن تمد صوتك بقدر النطق بحركتين إحداهما حركة الحرف الذي قبل حرف المدّ والأخرى هي حرف المدّ مثاله: ب ب فحركة الباء الأولى هي حركة الحرف الذي قبل حرف المد، والثانية هي مقدار حرف المدّ نحو (قال) و (يقول) و (قيل) فحركة القاف في الأمثلة الثلاثة المذكورة هي إحدى الحركتين المذكورتين، والألف في المثال الأوّل والواو في المثال الثاني والياء في المثال الثالث هي الحركة الثانية [اه. من الثغر الباسم].(1/129)
ثم إن المدّ قسمان: أصلي، وفرعي فالأصلي هو المد الطبيعي الذي لا تقوم ذات حرف المدّ إلا به، ولا يتوقف على سبب، بل يكفي فيه وجود أحد حروف المد الثلاثة المجتمعة في قوله تعالى: {نُوحِيهََا} [هود: الآية 49]، وعلامته أن لا يوجد بعده ساكن ولا همزة. وسمّي طبيعيّا لأن صاحب الطبيعة السليمة لا ينقصه عن حدّه ولا
يزيد عليه. وحدّه مقدار ألف وصلا ووقفا، ونقصه عن ألف حرام شرعا، فيعاقب على فعله ويثاب على تركه، فما يفعله بعض أئمة المساجد وأكثر المؤذنين من الزيادة في المد الطبيعي عن حده العرفي أي عرف القرّاء فمن أقبح البدع وأشدّ الكراهة لا سيما وقد يقتدي بهم بعض الجهلة من القراء. فإن قيل: ما قدر الألف؟ فقل: هو أن تمد صوتك بقدر النطق بحركتين إحداهما حركة الحرف الذي قبل حرف المدّ والأخرى هي حرف المدّ مثاله: ب ب فحركة الباء الأولى هي حركة الحرف الذي قبل حرف المد، والثانية هي مقدار حرف المدّ نحو (قال) و (يقول) و (قيل) فحركة القاف في الأمثلة الثلاثة المذكورة هي إحدى الحركتين المذكورتين، والألف في المثال الأوّل والواو في المثال الثاني والياء في المثال الثالث هي الحركة الثانية [اه. من الثغر الباسم].
وأما المدّ الفرعي: فهو المدّ الزائد على المدّ الأصلي لسبب من الأسباب الآتية، وله شروط، وأسباب.
أما شروطه فثلاثة: الواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها، والألف الساكنة المفتوح ما قبلها. وهي لا تكون دائما إلا حرف مدّ ولين لأنها لا تتغير عن سكونها، ولا يتغير ما قبلها عن الحركة المجانسة لها، بخلاف الواو والياء، فإنهما تارة يكونان حرفي مدّ إذا سكنا وناسبهما حركة ما قبلهما. وتارة يكونان حرفي لين إذا انفتح ما قبلهما كالخوف والبيت. وسيأتي الكلام عليهما في محله إن شاء الله تعالى.
وأما أسبابه، وتسمّى موجباته، فشيئان: أحدهما لفظي، والآخر معنوي. فاللفظي إما همز بعد أحد حروف المدّ، أو سكون، والهمز إمّا أن يوجد بعد حرف المد في كلمة ويسمّى مدّا متصلا، أو في كلمتين ويسمّى مدّا منفصلا، والسكون إما لازم أو عارض.
وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى مفصّلا على هذا الترتيب.
وأما المعنوي فهو قصد المبالغة في النفي، وهو سبب قوي مقصود عند العرب، وإن كان سببا ضعيفا عند القرّاء، وهو ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: مدّ تعظيم وهو في (لا) النافية في كلمة التوحيد نحو {لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ}
[الصّافات: الآية 35] و {لََا إِلََهَ إِلََّا أَنْتَ} [الأنبياء: الآية 87] و {لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} [البقرة:
الآية 163].
قال ابن الجزري: وقد ورد هذا المدّ في هذه المواضع عند أصحاب القصر في المنفصل لهذا المعنى، ويسمى مدّ المبالغة لأنه طلب للمبالغة في نفي الألوهية عمّا
سوى الله تعالى، وهو مذهب معروف عند العرب لأنهم يمدّون ما لا أصل له في المدّ عند الدعاء أو الاستغاثة، وعند المبالغة في نفي شيء فالذي له أصل أولى وأحرى.(1/130)
قال ابن الجزري: وقد ورد هذا المدّ في هذه المواضع عند أصحاب القصر في المنفصل لهذا المعنى، ويسمى مدّ المبالغة لأنه طلب للمبالغة في نفي الألوهية عمّا
سوى الله تعالى، وهو مذهب معروف عند العرب لأنهم يمدّون ما لا أصل له في المدّ عند الدعاء أو الاستغاثة، وعند المبالغة في نفي شيء فالذي له أصل أولى وأحرى.
وقال النووي في أذكاره: ولهذا كان المذهب الصحيح المختار استحباب مدّ الذاكر قوله: {لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ} [الصّافات: الآية 35] لما فيه من التدبر، وأقوال السلف وأئمة الخلف في هذا مشهورة، ويدل على ذلك ما روي في حديث ابن عمر مرفوعا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله ومدّ بها صوته أسكنه الله دار الجلال دار سمّى بها نفسه فقال: {ذُو الْجَلََالِ وَالْإِكْرََامِ} [الرّحمن: الآية 27]، ورزقه الله النظر إلى وجهه الكريم». روي عن أنس رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله ومدّها هدمت له أربعة آلاف ذنب». قال ابن الجزري في النشر: وكلاهما ضعيفان يعمل بهما في فضائل الأعمال.
والثاني: مدّ التبرئة: وهو مروي عن حمزة في نحو {لََا رَيْبَ} [البقرة: الآية 2] و {لََا شِيَةَ فِيهََا} [البقرة: الآية 71] و {لََا قِبَلَ لَهُمْ} [النّمل: الآية 37] و {لََا إِكْرََاهَ} [البقرة:
الآية 256] و {فَلََا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: الآية 173] وغيرها. والمد للسبب المعنوي سواء كان في كلمة التوحيد أو في غيرها وسط لا يبلغ الإشباع لضعف سببه عن السبب اللفظي، وقد يجتمع السببان اللفظي والمعنوي في نحو {لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ} [الصّافات: الآية 35] و {لََا إِكْرََاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: الآية 256] و {فَلََا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: الآية 173] فيمدّ لحمزة مدّا مشبعا على أصله لأجل الهمزة، ويلغى المعنوي إعمالا للقوي وإلغاء للضعيف [اه. مرعشي بتصرف].
وأما أحكامه فثلاثة: أحدها الوجوب وهو في المد المتصل. وثانيها الجواز وهو في ثمانية أنواع: المد المنفصل، والمد العارض للإدغام، والمد العارض للوقف، وما نقلت فيه حركة الهمزة إلى الساكن قبلها عند من أجاز ذلك نحو (آلن) في موضعين بسورة يونس، ومدّ البدل نحو {آمَنُوا} [البقرة: الآية 9] و {أُوتُوا} [البقرة: الآية 101] و {إِيمََاناً} [آل عمران: الآية 173]، ومد اللّين نحو {شَيْءٍ} [البقرة: الآية 113] و {سَوْءٍ}
[الأنبياء: الآية 77، وغيرها]، ومدّ الصلة نحو {عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: الآية 6] وغيرها، ومد الرّوم في {هََا أَنْتُمْ أُولََاءِ} [آل عمران: الآية 119] و {هََا أَنْتُمْ هََؤُلََاءِ} [آل عمران: الآية 66] عند من سهّل همزة {أَنْتُمْ} وأدخل ألفا قبلها، و {إِسْرََائِيلَ} [البقرة:
الآية 40] و {دُعََاءً} [البقرة: الآية 171] و {نِدََاءً} [مريم: الآية 3] عند من سهّل الهمزة في ذلك كله ونحوه وصلا ووقفا. وثالثها: اللزوم: وهو قسمان: كلميّ وحرفيّ، وكلّ
منهما مثقّل أو مخفف. وسيأتي بيان ذلك كله أيضا إن شاء الله تعالى، وقد أشار إلى الأحكام الثلاثة صاحب التحفة فقال:(1/131)
الآية 40] و {دُعََاءً} [البقرة: الآية 171] و {نِدََاءً} [مريم: الآية 3] عند من سهّل الهمزة في ذلك كله ونحوه وصلا ووقفا. وثالثها: اللزوم: وهو قسمان: كلميّ وحرفيّ، وكلّ
منهما مثقّل أو مخفف. وسيأتي بيان ذلك كله أيضا إن شاء الله تعالى، وقد أشار إلى الأحكام الثلاثة صاحب التحفة فقال:
للمدّ أحكام ثلاثة تدوم ... وهي الوجوب والجواز واللزوم
فواجب إن جاء همز بعد مدّ ... في كلمة وذا بمتّصل يعدّ
وجائز مدّ وقصر إن فصل ... كلّ بكلمة وهذا المنفصل
ومثل ذا إن عرض السكون ... وقفا كتعلمون نستعين
أو قدّم الهمز على المدّ وذا ... بدل كآمنوا وإيمانا خذا
ولازم إن السكون أصّلا ... وصلا ووقفا بعد مدّ طولا
ثم اعلم أن الفرق في التسمية بين المدّ اللازم والواجب اصطلاحيّ، أما باعتبار المعنى اللغوي فلا فرق بينهما فإنه لا يجوز قصر أحدهما عند أحد من القراء، فلو قرئ بالقصر يكون لحنا قبيحا وخطأ صريحا أقول: يعني يقال لكل منهما باعتبار المعنى اللغوي: مدّ لازم ومدّ واجب إذ معناهما بحسب اللغة واحد وهو ما لا يجوز تركه [اه. ملا علي باختصار].
الفصل الثاني في بيان المدّ المتصل وما فيه من المراتب للقراء السبعة
اعلم أن المدّ المتصل: هو الذي اتصل سببه بشرطه ك {جََاءَ} [النساء: الآية 43، وغيرها] و {شََاءَ} [البقرة: الآية 20، وغيرها] و {وَجِيءَ} [الزمر: الآية 69] وغيرها و {سِيءَ}
[هود: الآية 77] وغيرها و {سُوءَ} [البقرة: الآية 49، وغيرها] و {قُرُوءٍ} [البقرة: الآية 228] و «نبيء» و {النَّسِيءُ} [التوبة: الآية 37] و «النبوءة» عند من همزها وشبه ذلك، وله محل اتفاق، ومحل اختلاف فمحل الاتفاق: هو أن القرّاء اتفقوا على اعتبار أثر الهمزة وهو زيادة المدّ المسمّى عندهم في الاصطلاح بالمدّ الفرعيّ، ومحلّ الاختلاف: هو تفاوتهم في مقدار تلك الزيادة على حسب مذاهبهم فيه فأطولهم مدّا: ورش وحمزة، وقدّر بثلاث ألفات، ثم عاصم بألفين وألفين ونصف، والشامي وعلي بألفين، وقالون وابن كثير وأبو عمرو بألفين وبألف ونصف، ثم إن هذه الألفات المذكورات قدر كل ألف منها حركتان عربيتان، وكان مشايخنا يقدّرون لنا ذلك تقريبا بحركات الأصابع أي قبضا أو بسطا، وذلك يكون بحالة متوسطة ليست بسرعة ولا بتأنّ. فاعلم ضبط ذلك لتكون على يقين في ضبط كل مرتبة. ومن قال بأن أطول المدّ خمس ألفات فعنده مقدار كلّ ألف حركة، فتكون الجملة ستّ حركات لأنه يريد غير ما فيه من المدّ الطبيعي، ومقداره
عنده حركة، وكذا من قال بأن مقدار التوسط ثلاث ألفات، ودونه ألفان: فإنه يريد غير ما فيه من المدّ الطبيعي ومقداره عنده حركة كما تقدم، فتنبه لذلك لئلا تختلف عليك الأقوال. [اه. ابن غازي مع بعض زيادة]. وإنما سمي هذا المدّ واجبا لأن جميع القرّاء أجمعوا على مدّه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ولا خلاف بينهم في مدّه قطعا، حتى قال إمام المتأخرين محرر الفن ابن الجزري رحمه الله تعالى: «تتبعت قصر المتصل فلم أجده في قراءة صحيحة ولا شاذة، بل رأيت النصّ بمدّه عن ابن مسعود رضي الله عنه». وقد تقدّم ذكره أوّل الباب فالمدّ محل اتفاق، والزيادة محل اختلاف، وقد علما.(1/132)
اعلم أن المدّ المتصل: هو الذي اتصل سببه بشرطه ك {جََاءَ} [النساء: الآية 43، وغيرها] و {شََاءَ} [البقرة: الآية 20، وغيرها] و {وَجِيءَ} [الزمر: الآية 69] وغيرها و {سِيءَ}
[هود: الآية 77] وغيرها و {سُوءَ} [البقرة: الآية 49، وغيرها] و {قُرُوءٍ} [البقرة: الآية 228] و «نبيء» و {النَّسِيءُ} [التوبة: الآية 37] و «النبوءة» عند من همزها وشبه ذلك، وله محل اتفاق، ومحل اختلاف فمحل الاتفاق: هو أن القرّاء اتفقوا على اعتبار أثر الهمزة وهو زيادة المدّ المسمّى عندهم في الاصطلاح بالمدّ الفرعيّ، ومحلّ الاختلاف: هو تفاوتهم في مقدار تلك الزيادة على حسب مذاهبهم فيه فأطولهم مدّا: ورش وحمزة، وقدّر بثلاث ألفات، ثم عاصم بألفين وألفين ونصف، والشامي وعلي بألفين، وقالون وابن كثير وأبو عمرو بألفين وبألف ونصف، ثم إن هذه الألفات المذكورات قدر كل ألف منها حركتان عربيتان، وكان مشايخنا يقدّرون لنا ذلك تقريبا بحركات الأصابع أي قبضا أو بسطا، وذلك يكون بحالة متوسطة ليست بسرعة ولا بتأنّ. فاعلم ضبط ذلك لتكون على يقين في ضبط كل مرتبة. ومن قال بأن أطول المدّ خمس ألفات فعنده مقدار كلّ ألف حركة، فتكون الجملة ستّ حركات لأنه يريد غير ما فيه من المدّ الطبيعي، ومقداره
عنده حركة، وكذا من قال بأن مقدار التوسط ثلاث ألفات، ودونه ألفان: فإنه يريد غير ما فيه من المدّ الطبيعي ومقداره عنده حركة كما تقدم، فتنبه لذلك لئلا تختلف عليك الأقوال. [اه. ابن غازي مع بعض زيادة]. وإنما سمي هذا المدّ واجبا لأن جميع القرّاء أجمعوا على مدّه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ولا خلاف بينهم في مدّه قطعا، حتى قال إمام المتأخرين محرر الفن ابن الجزري رحمه الله تعالى: «تتبعت قصر المتصل فلم أجده في قراءة صحيحة ولا شاذة، بل رأيت النصّ بمدّه عن ابن مسعود رضي الله عنه». وقد تقدّم ذكره أوّل الباب فالمدّ محل اتفاق، والزيادة محل اختلاف، وقد علما.
[اه. شرح القول المفيد، وشرح الشيخ الحجازي].
قال الجعبري: ووجه المدّ أنّ حرف المدّ ضعيف خفيّ، والهمز قوي صعب، فزيد في المدّ تقوية للضعيف عند مجاورة القويّ. وقيل: ليتمكن من النطق بالهمزة على حقّها من شدّتها وجهرها، وقيل: ليستعان به على النطق بالهمزة، وليكون صونا لحرف المدّ عن أن يسقط عند الإسراع لخفائه وصعوبة الهمز. وأما وجه التفاوت في مراتب المد:
فلأجل مراعاة سنن القراءة.
تنبيه: قال في الإتحاف: إذا تغيّر سبب المدّ، جاز المدّ والقصر مراعاة للأصل ونظرا للّفظ، سواء كان السبب همزا أو سكونا، وسواء كان التغير بين بين أو بإبدال أو حذف أو نقل، والمدّ اختيار الداني وابن شريح والشاطبي والجعبري وغيرهم. والتحقيق عند صاحب النشر: التفصيل بين ما ذهب أثره كالتغير بالحذف. فالقصر نحو {هََؤُلََاءِ إِنْ} [البقرة: الآية 31] عند من يسقط أولى الهمزتين، وما بقي أثر يدل عليه، فالمد ترجيحا للموجود على المعدوم كقراءة قالون بتسهيل الهمزة المذكورة بين بين، ونص عليه في طيبته بقوله:
والمدّ أولى إن تغيّر السّبب ... وبقي الأثر أو فاقصر أحب
[اه. إتحاف].
الفصل الثالث في بيان المد المنفصل وما فيه من المراتب للقرّاء السبعة
اعلم أن المدّ المنفصل هو الذي انفصل عن شرطه وهو أن يقع حرف المدّ آخر كلمة والهمز أوّل كلمة أخرى نحو: {بِمََا أُنْزِلَ} [البقرة: الآية 4] و {فِي أَنْفُسِكُمْ} [البقرة:
الآية 235] و {قُولُوا آمَنََّا} [البقرة: الآية 136] ونحو {عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ} [البقرة: الآية 6] عند من وصل الميم، و {لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: الآية 8] {إِذََا زُلْزِلَتِ} [الزّلزلة: الآية 1]
بين السورتين، ونحو {اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ} [غافر: الآية 38] عند من أثبت الياء، وسواء كان حرف المد ثابتا رسما أم ساقطا منه ثابتا لفظا كما مثّلنا به. وتقدّم أنّ المدّ في هذا النوع يسمّى جائزا أي لاختلاف القراء فيه فابن كثير والسوسي يقصرانه ويمدانه، والباقون يمدّونه بلا خلاف، ولم يقل أحد من العلماء إن الذين يمدون من القرّاء هنا يمدّون قدرا واحدا مشبعا فالمنقول هنا عن القراء ليس إلا التفاوت في المدّ، فمن مدّ فمدّه متفاوت على قدر مراتبهم في التحقيق والترتيل والتوسط والحدر، كما تقدم بيان ذلك فأطولهم مدّا ورش وحمزة، وقدّر بثلاث ألفات، ثم عاصم بألفين وألفين ونصف، ثم ابن عامر والكسائي بألفين، ثم قالون والدوري بألف وبألف ونصف، ثم ابن كثير والسوسي بألف، وهذه المرتبة الأخيرة عارية عن المدّ الفرعي، وهي الخامسة الزائدة على المتصل.(1/133)
الآية 235] و {قُولُوا آمَنََّا} [البقرة: الآية 136] ونحو {عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ} [البقرة: الآية 6] عند من وصل الميم، و {لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: الآية 8] {إِذََا زُلْزِلَتِ} [الزّلزلة: الآية 1]
بين السورتين، ونحو {اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ} [غافر: الآية 38] عند من أثبت الياء، وسواء كان حرف المد ثابتا رسما أم ساقطا منه ثابتا لفظا كما مثّلنا به. وتقدّم أنّ المدّ في هذا النوع يسمّى جائزا أي لاختلاف القراء فيه فابن كثير والسوسي يقصرانه ويمدانه، والباقون يمدّونه بلا خلاف، ولم يقل أحد من العلماء إن الذين يمدون من القرّاء هنا يمدّون قدرا واحدا مشبعا فالمنقول هنا عن القراء ليس إلا التفاوت في المدّ، فمن مدّ فمدّه متفاوت على قدر مراتبهم في التحقيق والترتيل والتوسط والحدر، كما تقدم بيان ذلك فأطولهم مدّا ورش وحمزة، وقدّر بثلاث ألفات، ثم عاصم بألفين وألفين ونصف، ثم ابن عامر والكسائي بألفين، ثم قالون والدوري بألف وبألف ونصف، ثم ابن كثير والسوسي بألف، وهذه المرتبة الأخيرة عارية عن المدّ الفرعي، وهي الخامسة الزائدة على المتصل.
والحاصل أن المدّ المنفصل والمتصل اتفقا في الزيادة وتفاوتا في النقص فلا يجوز فيهما الزيادة على ست حركات، ولا يجوز نقص المتصل عن ثلاث حركات، ولا المنفصل عن حركتين، وهذا كله تقريبا لا يضبط إلا بالمشافهة من أفواه المشايخ والسماع من الأستاذ الراسخ، ثم الإدمان عليه، وقد أشار بعضهم إلى ما لكل من القرّاء السبعة في مراتب المد المتصل والمنفصل فقال:
ومنفصلا أشبع لورش وحمزة ... كمتّصل والشام مع عاصم تلا
بأربعة ثم الكسائي كذا اجعلن ... وعن عاصم خمس وذا فيهما كلا
ومنفصلا فاقصر وثلّث ووسّطن ... لقالون والدوري كموصول انقلا
ولكن بلا قصر وعن صالح ومكّي ... لمتّصل ثلّث ووسّطه تفضلا
مع القصر في المفصول صاح وثلّثن ... ووسّط لموصول على القصر تجملا
وثلّث على التثليث وامدده أربعا ... على مثلها خمسا بخمس تسبّلا
وفي ذي اتصال حيث ثلّثت فاقصرن ... لمنفصل وامدد ثلاثا لتعدلا
وفي أربع قصر أتى مع أربع ... وفي الخمس خمس ذي المراتب جمّلا
وبيان ذلك أن الذي نقلناه عن مشايخنا أن قالون وابن كثير وأبا عمرو يقصرون المنفصل ويمدّون المتصل ثلاث حركات وأربع حركات، وأن لقالون والدوري طريقة أخرى وهي مدّهما معا ثلاثا وأربعا، وأن ابن عامر والكسائي وعاصما يمدّونهما معا أربع حركات، وأن لعاصم طريقة أخرى وهي مدّهما معا خمس حركات، وأن ورشا وحمزة يمدّانهما ستّ حركات. إذا تأملت ذلك وجدت المراتب ستّا: قصر المنفصل، ومدّ
المتصل، ثلاثا وأربعا، ومدهما معا ثلاثا أو أربعا أو خمسا أو ستّا. هذا إذا تقدم المنفصل، أمّا إذا تقدّم المتصل وتأخر المنفصل: فالمراتب ستّ أيضا، وهي أنك إذا مددت المتصل ثلاثا أتيت في المنفصل بالقصر وثلاثة، وإذا مددت المتصل أربعا أتيت في المنفصل بالقصر وأربع، وإذا مددت المتصل خمسا تعيّن مدّ المنفصل كذلك، وكذا يتعين مدّه ستّا إذا مددت المتصل ستّا.(1/134)
ومنفصلا أشبع لورش وحمزة ... كمتّصل والشام مع عاصم تلا
بأربعة ثم الكسائي كذا اجعلن ... وعن عاصم خمس وذا فيهما كلا
ومنفصلا فاقصر وثلّث ووسّطن ... لقالون والدوري كموصول انقلا
ولكن بلا قصر وعن صالح ومكّي ... لمتّصل ثلّث ووسّطه تفضلا
مع القصر في المفصول صاح وثلّثن ... ووسّط لموصول على القصر تجملا
وثلّث على التثليث وامدده أربعا ... على مثلها خمسا بخمس تسبّلا
وفي ذي اتصال حيث ثلّثت فاقصرن ... لمنفصل وامدد ثلاثا لتعدلا
وفي أربع قصر أتى مع أربع ... وفي الخمس خمس ذي المراتب جمّلا
وبيان ذلك أن الذي نقلناه عن مشايخنا أن قالون وابن كثير وأبا عمرو يقصرون المنفصل ويمدّون المتصل ثلاث حركات وأربع حركات، وأن لقالون والدوري طريقة أخرى وهي مدّهما معا ثلاثا وأربعا، وأن ابن عامر والكسائي وعاصما يمدّونهما معا أربع حركات، وأن لعاصم طريقة أخرى وهي مدّهما معا خمس حركات، وأن ورشا وحمزة يمدّانهما ستّ حركات. إذا تأملت ذلك وجدت المراتب ستّا: قصر المنفصل، ومدّ
المتصل، ثلاثا وأربعا، ومدهما معا ثلاثا أو أربعا أو خمسا أو ستّا. هذا إذا تقدم المنفصل، أمّا إذا تقدّم المتصل وتأخر المنفصل: فالمراتب ستّ أيضا، وهي أنك إذا مددت المتصل ثلاثا أتيت في المنفصل بالقصر وثلاثة، وإذا مددت المتصل أربعا أتيت في المنفصل بالقصر وأربع، وإذا مددت المتصل خمسا تعيّن مدّ المنفصل كذلك، وكذا يتعين مدّه ستّا إذا مددت المتصل ستّا.
ثم اعلم أن المدّ المنفصل لا يجري حكمه المتقدم من اعتبار المراتب إلا في الوصل، فلو وقف القارئ على حرف المدّ عاد إلى أصله، وسقط المد الزائد لعدم موجبه. ووجه المدّ للهمز أنّ حروف المدّ خفية، والهمز بعيد المخرج، صعب في اللفظ، فإذا لاصق حرفا خفيّا خيف عليه أن يزداد خفاء، فقوّي بالمدّ احتياطا لبيانه وظهوره. ووجه القصر أنّ الهمز لمّا كان فيه بصدد الزوال في حال الوقف لم يعط في حال الثبات حكما، بخلاف المتصل: فإن الهمز فيه لازم وصلا ووقفا.
تنبيه:
اعلم أنه إذا اجتمع في حال القراءة مدّان متصلان نحو {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً} [البقرة: الآية 22] لا يجوز للقارئ أن يمدّ أحدهما دون الآخر، بل تجب التسوية بينهما لقول ابن الجزري في مقدمته: «واللفظ في نظيره كمثله». ولأنها من جملة التجويد فإن مد الأوّل مقدار ألفين لا يمد الثاني أكثر من ألفين ولا ينقصه، وإن مدّه مقدار ألفين ونصف لا يمد الثاني أكثر من ألفين ونصف ولا ينقصه، وكذا إذا اجتمع مدّان منفصلان نحو: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمََا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [البقرة: الآية 4] لا يجوز للقارئ أن يمد أحدهما دون الآخر لما تقدّم فإن مدّ الأوّل مقدار ألف ونصف لا يمد الثاني أكثر من ألف ونصف ولا ينقصه، وإن مدّه مقدار ألفين لا يمد الثاني أكثر من ألفين ولا ينقصه. قال الشيخ النويري في شرحه على الدرة: والقراءة بخلط الطرق وتركيبها حرام أو مكروهة أو معيبة.
وقال ابن الجزري: والصواب عندي في ذلك التفصيل وهو أنه إن كان قرأ ذلك على سبيل الرواية لا يجوز من حيث إنه كذب في الرواية وتخليط على أهل الدراية، وإن لم يكن على سبيل النقل والرواية بل على سبيل التلاوة فإنه جائز، وإن كنا نعيب ذلك على أئمة القراءات العارفين باختلاف الروايات من وجه تساوي العلماء بالعوام، لا من وجه أن ذلك مكروه أو حرام [اه. باختصار] وجزم في موضع آخر بالكراهة من غير تفصيل، والتفصيل هو التحقيق [اه. غيث النفع].(1/135)
وقال ابن الجزري: والصواب عندي في ذلك التفصيل وهو أنه إن كان قرأ ذلك على سبيل الرواية لا يجوز من حيث إنه كذب في الرواية وتخليط على أهل الدراية، وإن لم يكن على سبيل النقل والرواية بل على سبيل التلاوة فإنه جائز، وإن كنا نعيب ذلك على أئمة القراءات العارفين باختلاف الروايات من وجه تساوي العلماء بالعوام، لا من وجه أن ذلك مكروه أو حرام [اه. باختصار] وجزم في موضع آخر بالكراهة من غير تفصيل، والتفصيل هو التحقيق [اه. غيث النفع].
الفصل الرابع في بيان أقسام المدّ اللازم
اعلم أن المد اللازم على أربعة أقسام: لازم كلمي، ولازم حرفي، وكلّ منهما مثقل أو مخفف، ولكلّ ضابط يميزه.
1 - أما اللازم الكلمي المثقّل فضابطه أن يأتي بعد حرف المد حرف ساكن مدغم وجوبا نحو {الطَّامَّةُ} [النّازعات: الآية 34] و {الصَّاخَّةُ} [عبس: الآية 33] و {دَابَّةٍ}
[البقرة: الآية 164] و {الْحَاقَّةُ} (1) [الحاقّة: الآية 1] و {أَتُحََاجُّونِّي} [الأنعام: الآية 80] و {تَأْمُرُونِّي} [الزمر: الآية 64] في قراءة من شدّد النون و {أَتَعِدََانِنِي} [الأحقاف: الآية 17] في قراءة هشام. فأصل ذلك كما قال أبو الطيب عبد المنعم بن غلبون في أصل كلام العرب لا في القرآن: (الطاممة) و (الصاخخة) و (الداببة) و (الحاققة) و (أتحاججونني) و (تأمرونني) فسكّنوا الحرف الأوّل وأدغموه في الثاني، وكذا نون المضارعة في نون الوقاية، فلا يسمّى هذا السكون عارضا بل لازما، ولم يأت في القرآن مثال للياء.
وسمّي لازما لالتزام القراء مدّه مقدارا واحدا من غير تفاوت فيه، وهو ثلاث ألفات على الأصح المشهور من خمسة أقوال ذكرها صاحب النشر. ويقال أيضا سمي لازما للزوم سببه في الحالين، أي حالي الوصل والوقف. ولذلك أشار ابن الجزري في مقدمته بقوله:
فلازم إن جاء بعد حرف مدّ ... ساكن حالين وبالطول يمدّ
وسمّي كلميّا لوجود حرف المد مع الحرف المدغم في كلمة واحدة، ومثقّلا لوجود التشديد بعد حرف المد إذ الحرف المشدد أثقل [اه. ابن غازي]. أما إذا كان حرف المد في كلمة والحرف الساكن في كلمة أخرى فإنه يحذف منه حرف المد في اللفظ نحو {وَقََالُوا اتَّخَذَ} [البقرة: الآية 116] و {وَالْمُقِيمِي الصَّلََاةِ} [الحج: الآية 35] و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (1) [التّكوير: الآية 1] [اه. شرح تحفة الأطفال للميهي].
2 - وأما اللازم الكلمي المخفف فضابطه أن يأتي بعد حرف المد حرف ساكن في الحالين نحو (آلئن) في موضعي يونس على البدل في قراءة غير نافع، و {وَمَحْيََايَ}
[الأنعام: الآية 162] في قراءة نافع حيث يسكن الياء بخلاف عن ورش، ونحو {أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: الآية 6، وغيرها] في قراءة ورش بالبدل في أحد وجهيه، و {وَاللََّائِي يَئِسْنَ} [الطلاق: الآية 4] عند من أسكن الياء مظهرة أي وهو البزي وأبو عمرو بخلاف.
وسمي لازما لما تقدم في القسم الذي قبله، وكلميّا لوجود حرف المد مع الحرف
الساكن في كلمة واحدة، ومخففا لأن الحرف الساكن الموجود بعد حرف المد أخفّ من المدغم.(1/136)
وسمي لازما لما تقدم في القسم الذي قبله، وكلميّا لوجود حرف المد مع الحرف
الساكن في كلمة واحدة، ومخففا لأن الحرف الساكن الموجود بعد حرف المد أخفّ من المدغم.
تنبيه: في القرآن ستة مواضع يجب مدّها عند جميع القراء القدر المتقدم وهو ثلاث ألفات أو تسهيلها مع القصر وهي (ء آلذّكرين) معا بالأنعام، و (ء آلئن) معا بيونس، و (ء آلله أذن لكم) [الآية 59] بها أيضا، و (ء آلله خير) [الآية 59] بالنمل، وموضع سابع في قراءة أبي عمرو وأبي جعفر وهو «آلسحر» [الآية 81] بيونس أيضا. وقد أشار إلى ذلك ابن الجزري في الطبيعة فقال:
وهمز ووصل من كآلله أذن ... أبدل لكل أو فسهّل واقصرن
وقال الشاطبي في الحرز:
وإن همز وصل بين لام مسكّن ... وهمزة الاستفهام فامدده مبدلا
فللكلّ ذا أولى ويقصره الذي ... يسهّل عن كلّ كالآن مثّلا
[اه. شرح ابن غازي].
3، 4وأما اللازم الحرفي فضابطه أن يوجد حرف في فواتح بعض السور هجاؤه ثلاثة أحرف أوسطها حرف مدّ، والثالث ساكن، وذلك في ثمانية أحرف يجمعها قولك: «نقص عسلكم» منها سبعة تمد مدّا مشبعا بلا خلاف على القول المشهور وهي: النون والقاف والصاد والسين المهملتان واللام والكاف والميم، ثم المدغم من ذلك فيما بعده من الحروف يسمى مثقّلا، وغير المدغم يسمّى مخففا، فلام من قوله: {الم} (1) [البقرة: الآية 1] مثقل في قراءة غير أبي جعفر، وميم مخفّف على كل قراءة. و (ص) {ذِكْرُ} [الآية 2] من فاتحة مريم وغيرها، والسين من {طسم} (1) [الآية 1] من فاتحة الشعراء والقصص، {يس (1) وَالْقُرْآنِ} [يس: الآيتان 1، 2] و {ن وَالْقَلَمِ} [القلم: الآية 1] مثقّلة في قراءة من أدغم، ومخففة في قراءة من لم يدغم، ويسمى كلّ من هذين النوعين لازما لالتزام القراء مدّه القدر المتقدم في الكلمي، وحرفيّا لوجود حرف المد مع الحرف الساكن أو المدغم في حرف واحد [اه. ابن غازي]. وفي المرعشي قال أبو شامة: فإن تحرك الساكن في هذا القسم نحو {الم (1) اللََّهُ} [الآيتان 1، 2] أوّل آل عمران فإنه بفتح الميم وحذف الهمزة عند جميع القراء إلا الأعشى و {الم (1) أَحَسِبَ النََّاسُ} [الآيتان 1، 2] أول العنكبوت فإنه بفتح الميم على قراءة ورش خاصة، فإنه ينقل فتحة همزة الاستفهام إلى الميم، ويحذف الهمزة فيجوز في هذين المثالين المد نظرا إلى الساكن الأصلي
على الراجح، ويجوز القصر نظرا إلى الحركة العارضة، وإنما كانت فتحة مع أن الأصل في التخلص من التقاء الساكنين الكسر مراعاة لتفخيم لام اسم الله إذ لو كسرت الميم لرقّقت لام لفظ الجلالة وانتفت المحافظة على تفخيمها. قال في الطراز: الصواب أن الميم حينئذ فتحت لتفخيم لفظ الجلالة لا للنقل على حسب التخفيف كما ذكر، ولذلك أشار صاحب الكنز فقال:(1/137)
3، 4وأما اللازم الحرفي فضابطه أن يوجد حرف في فواتح بعض السور هجاؤه ثلاثة أحرف أوسطها حرف مدّ، والثالث ساكن، وذلك في ثمانية أحرف يجمعها قولك: «نقص عسلكم» منها سبعة تمد مدّا مشبعا بلا خلاف على القول المشهور وهي: النون والقاف والصاد والسين المهملتان واللام والكاف والميم، ثم المدغم من ذلك فيما بعده من الحروف يسمى مثقّلا، وغير المدغم يسمّى مخففا، فلام من قوله: {الم} (1) [البقرة: الآية 1] مثقل في قراءة غير أبي جعفر، وميم مخفّف على كل قراءة. و (ص) {ذِكْرُ} [الآية 2] من فاتحة مريم وغيرها، والسين من {طسم} (1) [الآية 1] من فاتحة الشعراء والقصص، {يس (1) وَالْقُرْآنِ} [يس: الآيتان 1، 2] و {ن وَالْقَلَمِ} [القلم: الآية 1] مثقّلة في قراءة من أدغم، ومخففة في قراءة من لم يدغم، ويسمى كلّ من هذين النوعين لازما لالتزام القراء مدّه القدر المتقدم في الكلمي، وحرفيّا لوجود حرف المد مع الحرف الساكن أو المدغم في حرف واحد [اه. ابن غازي]. وفي المرعشي قال أبو شامة: فإن تحرك الساكن في هذا القسم نحو {الم (1) اللََّهُ} [الآيتان 1، 2] أوّل آل عمران فإنه بفتح الميم وحذف الهمزة عند جميع القراء إلا الأعشى و {الم (1) أَحَسِبَ النََّاسُ} [الآيتان 1، 2] أول العنكبوت فإنه بفتح الميم على قراءة ورش خاصة، فإنه ينقل فتحة همزة الاستفهام إلى الميم، ويحذف الهمزة فيجوز في هذين المثالين المد نظرا إلى الساكن الأصلي
على الراجح، ويجوز القصر نظرا إلى الحركة العارضة، وإنما كانت فتحة مع أن الأصل في التخلص من التقاء الساكنين الكسر مراعاة لتفخيم لام اسم الله إذ لو كسرت الميم لرقّقت لام لفظ الجلالة وانتفت المحافظة على تفخيمها. قال في الطراز: الصواب أن الميم حينئذ فتحت لتفخيم لفظ الجلالة لا للنقل على حسب التخفيف كما ذكر، ولذلك أشار صاحب الكنز فقال:
ومدّ له عند الفواتح مشبعا ... وإن طرأ التحريك فاقصر وطوّلا
لكلّ وذا في آل عمران قد أتى ... وورش فقط في العنكبوت له كلا
قال ابن آجروم: وهذا الاختلاف الحاصل في {الم (1) اللََّهُ} [آل عمران: الآيتان 1، 2] وفي {الم (1) أَحَسِبَ النََّاسُ} [العنكبوت: الآيتان 1، 2] إنما يكون في حال الوصل، أما الوقف فلا خلاف في الإشباع لصحة السكون، وهو أصلي، يعني أن زوال السكون في الوصل في {الم (1) اللََّهُ} [آل عمران: الآيتان 1، 2] وفي {الم (1) أَحَسِبَ النََّاسُ}
[العنكبوت: الآيتان 1، 2] هو عارض، ورجوعه في الوقف أصليّ، وليس كباب {يَعْلَمُونَ}
[البقرة: الآية 77] إذ السكون فيه عارض، والأصل الحركة فتأمل [اه. برهان] وأما الأعشى وهو طريق أبي بكر راوي عاصم فإنه يقرأ {الم (1) اللََّهُ} [آل عمران: الآيتان 1، 2] بسكون الميم وإثبات الهمزة [اه. مرعشي].
وأما (العين) من فاتحتي مريم والشورى ففيها خلاف ذكره الشاطبي بقوله:
وفي عين الوجهان، والطول فضّلا قال بعض الشراح: أراد بالوجهين المدّ والتوسط. وقال بعضهم: أراد بقوله الوجهان التوسط والقصر بدليل قوله بعد «والطول فضّلا» أي الطول أفضل من مقابله وهو التوسط والقصر. وقال ابن الجزري في طيبته:
ونحو عين فالثلاثة لهم أي لجميع القراء: الطول: وهو الأفضل ومقدّم على غيره، وهو مذهب ابن مجاهد، وعليه جلّ أهل الأداء، والحجة لتفضيله أنه قياس مذهبهم في الفصل بين الساكنين، وأن فيه مجانسة لما جاوره من المدود. والتوسط: وهو مذهب ابن غلبون وجماعة، والحجة لتفضيله التفرقة بين ما حركته من جنسه وبين ما قبله حركة من غير جنسه، فيكون لحرف المدّ مزية على حروف اللين. قال مكي: مدّ عين دون ميم قليل لانفتاح ما قبل عين لأنّ حرف المد واللين أمكن في المد من حروف اللين. والقصر:
لعدم وجود حرف المد [اه. شرح ابن غازي وشرح التحفة]. وإلى الأقسام الأربعة أشار
صاحب التحفة فقال:(1/138)
لعدم وجود حرف المد [اه. شرح ابن غازي وشرح التحفة]. وإلى الأقسام الأربعة أشار
صاحب التحفة فقال:
أقسام لازم لديهم أربعة ... وتلك كلميّ وحرفيّ معه
كلاهما مخفّف مثقّل ... فهذه أربعة تفصّل
فإن بكلمة سكون اجتمع ... مع حرف مدّ فهو كلميّ وقع
أو في ثلاثيّ الحروف وجدا ... والمدّ وسطه فحرفيّ بدا
كلاهما مثقّل إن أدغما ... مخفّف إذا لم يدغما
واللازم الحرفيّ أوّل السّور ... وجوده وفي ثمان انحصر
يجمعها حروف «كم عسل نقص» ... وعين ذو وجهين والطول أخصّ
والحاصل أن مجموع أسماء الحروف في أوائل السور أربعة عشر حرفا جمعها صاحب التحفة في قوله: «صله سحيرا من قطعك»، وجمعت في قوله بعضهم «نص حكيم له سر قاطع» وجمعها بعضهم في قوله: «طرق سمعك النصيحة». وهي تنقسم إلى أربعة أقسام سبعة منها تمدّ مدّا مشبعا بلا خلاف لوجود الموجب لذلك وهو السكون، وواحد منها فيه الخلاف المتقدم، وهو العين، وخمسة منها ليس فيها إلا المد الطبيعي لعدم الساكن بعدها، وهي المذكورة في قول بعضهم: «حيّ طهر» فالحاء من أول الحواميم السبعة، والياء من أول مريم وكذا من يس، والطاء من أول طه والشعراء والنمل والقصص، والهاء من أول مريم وطه، والراء من أول يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر، وواحد ليس فيه مد أصلا وهو ألف لكون هجائه ثلاثة أحرف ليس أوسطها حرف مد، وهذا معنى قول الشاطبي رحمه الله تعالى:
وفي نحو طه القصر إذ ليس ساكن ... وما في ألف من حرف مدّ فيمطلا
وقد أوضح ذلك صاحب تحفة الأطفال فقال:
وما سوى الحرف الثلاثي لا ألف ... فمدّه مدّ طبيعيّ ألف
وذاك أيضا في فواتح السّور ... في لفظ حيّ طاهر قد انحصر
ويجمع الفواتح الأربع عشر ... (صله سحيرا من قطعك) ذا اشتهر
تنبيه: اعلم أنه إذا اجتمع في حال القراءة مدّان لازمان مثقّلان نحو {أَتُحََاجُّونِّي فِي اللََّهِ} [الأنعام: الآية 80]، أو مثقل ومخفّف نحو {الم} (1) [البقرة: الآية 1] و {المص} (1) [الأعراف: الآية 1] لا يجوز للقارئ أن يمد أحدهما دون الآخر بل تجب التسوية بينهما لقول ابن الجزري المتقدم في المد المنفصل.(1/139)
وما سوى الحرف الثلاثي لا ألف ... فمدّه مدّ طبيعيّ ألف
وذاك أيضا في فواتح السّور ... في لفظ حيّ طاهر قد انحصر
ويجمع الفواتح الأربع عشر ... (صله سحيرا من قطعك) ذا اشتهر
تنبيه: اعلم أنه إذا اجتمع في حال القراءة مدّان لازمان مثقّلان نحو {أَتُحََاجُّونِّي فِي اللََّهِ} [الأنعام: الآية 80]، أو مثقل ومخفّف نحو {الم} (1) [البقرة: الآية 1] و {المص} (1) [الأعراف: الآية 1] لا يجوز للقارئ أن يمد أحدهما دون الآخر بل تجب التسوية بينهما لقول ابن الجزري المتقدم في المد المنفصل.
الفصل الخامس في بيان المد العارض للسكون
ضابطه أن يقع بعد حرف المد أو اللين ساكن عارض سكونه إما للوقف نحو {الْعََالَمِينَ} [الفاتحة: الآية 2، وغيرها] و {الدِّينَ} [البقرة: الآية 132] و {نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:
الآية 5] وكذا نحو {مَآبٍ} [الرعد: الآية 29] و {خََاطِئِينَ} [القصص: الآية 8] و {مُسْتَهْزِؤُنَ} [البقرة: الآية 14] لغير ورش. وإما للإدغام عند بعض القراء كالإدغام الكبير لأبي عمرو من رواية السوسي وذلك نحو {الرَّحِيمِ (3) مََالِكِ} [الفاتحة: الآيتان 3، 4] و {فِيهِ هُدىً} [البقرة: الآية 2] وشبهه، فللقرّاء في ذلك ثلاثة مذاهب: الأوّل: الإشباع كاللازم لاجتماع الساكنين اعتدادا بالعارض. قال في النشر: واختاره الشاطبي لجميع القرّاء، واختاره بعضهم لأصحاب التحقيق، كحمزة ومن معه. والثاني: التوسط لمراعاة اجتماع الساكنين مع ملاحظة كونه عارضا فحطّه عن الأصل، وهو مذهب أبي بكر بن مجاهد وأصحابه، واختاره الشاطبي للكل أيضا، واختاره بعضهم لأصحاب التوسط كابن عامر ومن معه. والثالث: القصر لعروض السكون فلا يعتدّ به لأن الوقف يجوز فيه التقاء الساكنين مطلقا. واختاره الجعبري، وخصّه بأصحاب الحدر كأبي عمرو ومن معه، والصحيح كما في النشر جواز كلّ من الثلاثة للجميع لعموم قاعدة الاعتداد بالعارض وعدمه عن الجميع. وقال في البرهان: وهذا الخلاف لا يجري إلا إذا وقف على الكلمة بالسكون أو بالإشمام فإن وقف عليها بالرّوم فليس غير القصر لعدم موجب المد وهو السكون لأن الرّوم هو الإتيان ببعض الحركة على ما يأتي قريبا فلا سكون فيه.
فتحصّل مما ذكرناه أن الكلمة الموقوف عليها إذا لم يكن آخرها همزا ولا حرفا مشدّدا وكانت مرفوعة، وكان قبل الحرف الموقوف عليه حرف مدّ أو لين نحو {نَسْتَعِينُ}
[الفاتحة: الآية 5] و {خَيْرٌ} [البقرة: الآية 54] و {خَوْفٌ} [البقرة: الآية 38] جاز فيها السكون والإشمام والرّوم، فيحصل فيها في الوقف من الإشباع والتوسط والقصر سبعة أوجه على التخيير ثلاثة مع السكون المجرّد، وثلاثة مع الإشمام، وواحد مع الرّوم، وهو القصر، فإن كانت الكلمة مخفوضة أو مكسورة نحو {الرَّحِيمِ} [الفاتحة: الآية 3] و {الدِّينَ}
[البقرة: الآية 132] و {حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: الآية 19] وكذا {أَنْ يُكَذِّبُونِ} [الشّعراء: الآية 12] و {اتَّبِعُونِ} [غافر: الآية 38] فلا يجوز فيها الإشمام بل السكون والروم فقط، فيحصل فيها في الوقف أربعة أوجه: ثلاثة مع السكون، وواحد مع الرّوم، ولا بد من حذف الياء الزائدة مع الروم في نحو قوله: {أَنْ يُكَذِّبُونِ} [الشّعراء: الآية 12] و {اتَّبِعُونِ}
[غافر: الآية 38] و {دَعََانِ} [البقرة: الآية 186] عند من يثبتها في الوصل، فإنها تحذف مع
الروم كما تحذف مع السكون، وإن كانت منصوبة أو مفتوحة نحو {الْعََالَمِينَ} [الفاتحة:(1/140)
فتحصّل مما ذكرناه أن الكلمة الموقوف عليها إذا لم يكن آخرها همزا ولا حرفا مشدّدا وكانت مرفوعة، وكان قبل الحرف الموقوف عليه حرف مدّ أو لين نحو {نَسْتَعِينُ}
[الفاتحة: الآية 5] و {خَيْرٌ} [البقرة: الآية 54] و {خَوْفٌ} [البقرة: الآية 38] جاز فيها السكون والإشمام والرّوم، فيحصل فيها في الوقف من الإشباع والتوسط والقصر سبعة أوجه على التخيير ثلاثة مع السكون المجرّد، وثلاثة مع الإشمام، وواحد مع الرّوم، وهو القصر، فإن كانت الكلمة مخفوضة أو مكسورة نحو {الرَّحِيمِ} [الفاتحة: الآية 3] و {الدِّينَ}
[البقرة: الآية 132] و {حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: الآية 19] وكذا {أَنْ يُكَذِّبُونِ} [الشّعراء: الآية 12] و {اتَّبِعُونِ} [غافر: الآية 38] فلا يجوز فيها الإشمام بل السكون والروم فقط، فيحصل فيها في الوقف أربعة أوجه: ثلاثة مع السكون، وواحد مع الرّوم، ولا بد من حذف الياء الزائدة مع الروم في نحو قوله: {أَنْ يُكَذِّبُونِ} [الشّعراء: الآية 12] و {اتَّبِعُونِ}
[غافر: الآية 38] و {دَعََانِ} [البقرة: الآية 186] عند من يثبتها في الوصل، فإنها تحذف مع
الروم كما تحذف مع السكون، وإن كانت منصوبة أو مفتوحة نحو {الْعََالَمِينَ} [الفاتحة:
الآية 2، وغيرها] و {الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: الآية 6] و {لََا رَيْبَ} [البقرة: الآية 2] فلا يجوز فيها روم ولا إشمام بل السكون فقط، فيحصل فيها في الوقف ثلاثة أوجه: الطول، والتوسط، والقصر مع السكون المجرد، وإن كانت الكلمة الموقوف عليها فيها خلاف للقرّاء بأن كانت تقرأ وصلا بالنصب والرفع مثلا نحو قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} [الأنعام:
الآية 73] و {قََالَ اللََّهُ هََذََا يَوْمُ} [المائدة: الآية 119] فينبغي للقارئ إذا قرأ بالرفع أن يقف بالرّوم ليظهر اختلاف القراءتين في اللفظ وصلا ووقفا.
ثم اعلم أن المعتبر في جواز الرّوم والإشمام الحركة الظاهرة الملفوظ بها سواء كانت أصلية أو نائبة عن غيرها، فيجوز الروم فيما جمع بألف وتاء مزيدتين وما ألحق به نحو {خَلَقَ اللََّهُ السَّمََاوََاتِ} [العنكبوت: 44، وغيرها] و {وَإِنْ كُنَّ أُولََاتِ} [الطلاق: الآية 6] وإن كان منصوبا لأن نصبه بالكسرة، ولا يجوز في الاسم الذي لا ينصرف نحو {إِلى ََ إِبْرََاهِيمَ} [البقرة: الآية 125] و {بِإِسْحََاقَ} [هود: الآية 71] لأن جره بالفتحة و (ثمود) يجوز صرفه وعدم صرفه، وكلاهما جاء نظما ونثرا، ومنع صرفه للعلمية والتأنيث باعتبار القبيلة، والصرف لعدم التأنيث باعتبار الحي أو الأب، فيجري حكم الوقف عليه على هذا. وإن كان الحرف الموقوف عليه مشدّدا نحو {صَوََافَّ} [الحجّ: الآية 36] و {غَيْرَ مُضَارٍّ} [النّساء: الآية 12] و {وَلََا جَانٌّ} [الرحمن: الآية 39، وغيرها] فليس فيه سوى الإشباع تغليبا لأقوى السببين وهو السكون المدغم بعد حرف المدّ، وإلغاء للأضعف.
قال في غيث النفع نقلا عن ابن الجزري: «ولو قيل بزيادة المدّ في الوقف على قدره في الوصل لم يكن بعيدا لاجتماع ثلاثة سواكن. والوقف على المنصوب منه فيه السكون فقط، وعلى المجرور فيه السكون والروم، وعلى المرفوع فيه السكون والروم والإشمام.
وإن كان همزا فله حالتان: الأولى: أن يكون قبله حرف لين كالياء والواو الساكنتين بين الفتح والهمزة نحو {شَيْءٍ} [البقرة: الآية 113] و {سَوْءٍ} [الأنبياء: الآية 74] فهو مثل ما تقدم أي إن كان مجرورا ففيه أربعة أوجه: القصر، والتوسط، والطول مع السكون المجرد، والروم على القصر. وإن كان مرفوعا ففيه سبعة أوجه: ثلاثة مع السكون المجرد، وثلاثة مع الإشمام، وواحد مع الروم وهو القصر. الثانية: أن يكون قبله حرف مدّ وهو إما مكسور نحو {مِنَ السَّمََاءِ} [البقرة: الآية 19] أو مفتوح نحو {جََاءَ} [النّصر:
الآية 1] و {شََاءَ} [البقرة: الآية 20] أو مضموم نحو {السُّفَهََاءُ} [البقرة: الآية 13] و (العلمؤا) [فاطر: الآية 28] فلو وقف لحفص مثلا على المفتوح وقف بألف أو ألفين ونصف أو ثلاث ألفات فهذه ثلاثة أوجه، والمكسور فيه ما مرّ وفيه الروم على الوجهين
الأوّلين، فتصير خمسة، والمضموم فيه ما مرّ وفيه الإشمام على كلّ من الأوجه الثلاثة، فتصير ثمانية، ولو وقف لأبي عمرو مثلا على نحو {السَّمََاءِ} [البقرة: الآية 19] بالسكون، فإن لم يعتدّ بالعارض كان مثل حالة الوصل، ويكون كمن وقف له على «الكتاب» بالقصر، وإن اعتدّ بالعارض زيد في ذلك إلى الإشباع كما إذا قرئ له وصلا بألف ونصف، فإنه يزاد له التوسّط بألفين والإشباع بثلاثة. وإذا وقف عليه للأزرق لم يجز له غير الإشباع لأن سبب المدّ لم يتغير، بل ازداد قوّة بسكون الوقف، ولو وقف له أعني الأزرق على {يَسْتَهْزِؤُنَ} [الأنعام: الآية 5، وغيرها] و {مُتَّكِئِينَ} [الكهف: الآية 31] و {مَآبٍ} [الرعد: الآية 29، وغيرها]. فمن روي عنه المد وصلا وقف كذلك، اعتدّ بالعارض أم لا، ومن روى التوسط وصلا ووقف به إن لم يعتدّ بالعارض، وقف بالمدّ إن اعتدّ به. ومن روى القصر كطاهر بن غلبون وقف كذلك إن لم يعتد بالعارض، وبالتوسط والإشباع إن اعتد به.(1/141)
الآية 1] و {شََاءَ} [البقرة: الآية 20] أو مضموم نحو {السُّفَهََاءُ} [البقرة: الآية 13] و (العلمؤا) [فاطر: الآية 28] فلو وقف لحفص مثلا على المفتوح وقف بألف أو ألفين ونصف أو ثلاث ألفات فهذه ثلاثة أوجه، والمكسور فيه ما مرّ وفيه الروم على الوجهين
الأوّلين، فتصير خمسة، والمضموم فيه ما مرّ وفيه الإشمام على كلّ من الأوجه الثلاثة، فتصير ثمانية، ولو وقف لأبي عمرو مثلا على نحو {السَّمََاءِ} [البقرة: الآية 19] بالسكون، فإن لم يعتدّ بالعارض كان مثل حالة الوصل، ويكون كمن وقف له على «الكتاب» بالقصر، وإن اعتدّ بالعارض زيد في ذلك إلى الإشباع كما إذا قرئ له وصلا بألف ونصف، فإنه يزاد له التوسّط بألفين والإشباع بثلاثة. وإذا وقف عليه للأزرق لم يجز له غير الإشباع لأن سبب المدّ لم يتغير، بل ازداد قوّة بسكون الوقف، ولو وقف له أعني الأزرق على {يَسْتَهْزِؤُنَ} [الأنعام: الآية 5، وغيرها] و {مُتَّكِئِينَ} [الكهف: الآية 31] و {مَآبٍ} [الرعد: الآية 29، وغيرها]. فمن روي عنه المد وصلا وقف كذلك، اعتدّ بالعارض أم لا، ومن روى التوسط وصلا ووقف به إن لم يعتدّ بالعارض، وقف بالمدّ إن اعتدّ به. ومن روى القصر كطاهر بن غلبون وقف كذلك إن لم يعتد بالعارض، وبالتوسط والإشباع إن اعتد به.
تنبيهان
: إذا اجتمع سببان قوي وضعيف عمل بالقوي وألغي الضعيف إجماعا، وذلك في نحو قوله: {آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} [المائدة: الآية 2] و {وَجََاؤُ أَبََاهُمْ} [يوسف: الآية 16] فلا يجوز فيه توسّط ولا قصر للأزرق، وإذا وقف على نحو {نَشََاءُ} [الأنعام: الآية 83] و {تَفِيءَ} [الحجرات: الآية 9] و {السُّوءَ} [النّساء: الآية 17] بالسكون لا يجوز فيه القصر عن أحد ممّن همز، وإن كان ساكنا للوقف. وكذا لا يجوز التوسط لمن مذهبه الإشباع وصلا، بل يجوز عكسه، وهو الإشباع وقفا لمن مذهبه التوسط وصلا [اهـ.
شرح القول المفيد].
الثاني: إذا اجتمع في حال القراءة مدّان عارضان أو أكثر كأن وقف على قوله:
{رَبِّ الْعََالَمِينَ} [الفاتحة: الآية 2] وعلى {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: الآية 1] لا ينبغي للقارئ أن يمدّ أحدهما أقلّ أو أكثر من الآخر، وكذا إذا اجتمع حرفا لين كأن وقف على قوله: {لََا رَيْبَ} [البقرة: الآية 2] وعلى قوله: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: الآية 3] لأن ذلك وإن لم يكن حراما لكنه مكروه ومعيب يقبح على الفاعل ارتكابه ويعاتب عليه عند أهل هذا الشأن لما فيه من تركيب الطرق وتخليطها، ولأن التسوية في ذلك من جملة التجويد.
وقد أوضحت ذلك وبينته في أربع طرق: الطريقة الأولى: ذكر الشيخ جلبي في كتابه الفيض الرباني أن أوجه الاستعاذة الأربعة تتضمن خمسة عشر وجها أربعة على قطع الجميع: الأوّل: قصر {الرَّجِيمِ} [النّحل: الآية 98] و {الرَّحِيمِ} [الفاتحة: الآية 3] و {الْعََالَمِينَ} [الفاتحة: الآية 2]، والثاني: روم {الرَّجِيمِ} [النّحل: الآية 98]
و {الرَّحِيمِ} مع قصر {الْعََالَمِينَ}، والثالث: توسط الجميع، والرابع: مدّ الجميع.(1/142)
وقد أوضحت ذلك وبينته في أربع طرق: الطريقة الأولى: ذكر الشيخ جلبي في كتابه الفيض الرباني أن أوجه الاستعاذة الأربعة تتضمن خمسة عشر وجها أربعة على قطع الجميع: الأوّل: قصر {الرَّجِيمِ} [النّحل: الآية 98] و {الرَّحِيمِ} [الفاتحة: الآية 3] و {الْعََالَمِينَ} [الفاتحة: الآية 2]، والثاني: روم {الرَّجِيمِ} [النّحل: الآية 98]
و {الرَّحِيمِ} مع قصر {الْعََالَمِينَ}، والثالث: توسط الجميع، والرابع: مدّ الجميع.
وأربعة على وصل الاستعاذة بالبسملة: قصر {الرَّحِيمِ} مع {الْعََالَمِينَ}، وروم {الرَّحِيمِ} مع قصر {الْعََالَمِينَ}، وتوسطهما، ومدّهما. وأربعة على قطع الاستعاذة ووصل البسملة بالقراءة تفهم مما سبق، وثلاثة في {الْعََالَمِينَ} على وصل الجميع.
وقال: هذه الطريقة التي تقتضي ما نقلناه عن شيخنا المرار العديدة وسمعناه ممن يقرءون عليه بها، ونقل عن الشيخ الطباخ رحمه الله طريقة أخرى وهي جواز تثليث {الْعََالَمِينَ} على الروم. وعليه فتكون الأوجه أحدا وعشرين وجها لأنها تزيد ستة:
توسط {الْعََالَمِينَ} ومدّه على روم {الرَّجِيمِ} و {الرَّحِيمِ} في قطع الجميع، أو {الرَّجِيمِ} فقط في وصل البسملة بالقراءة، أو {الرَّحِيمِ} فقط في وصلها بالاستعاذة.
الثانية: لو وقف على {الْعََالَمِينَ} وعلى {غَيْرِ} [الفاتحة: الآية 7] مثلا: تعين قصر {غَيْرِ} على قصر {الْعََالَمِينَ}، فإذا وسطت {الْعََالَمِينَ} جاز في غير توسط وقصر، فإذا مددت {الْعََالَمِينَ} جاز التثليث في {غَيْرِ}، ولذلك أشار بعضهم بقوله:
وكلّ من أشبع نحو الدين ... ثلاثة يجري بوقف اللّين
ومن يرى قصرا فبالقصر اقتصر ... ومن يوسّطه يوسّط أو قصر
الثالثة: إذا تقدم اللين على المد كأن وقف على قوله: {لََا رَيْبَ} [البقرة: الآية 2] و {عَلَى} جاز لك تثليث {عَلَى} على قصر {لََا رَيْبَ}، وتوسطهما، ومدّ {عَلَى}، ومدّهما معا، ولذلك أشار بعضهم بقوله:
وكلّ من قصر حرف اللين ... ثلاثة يجري بنحو الدين
وإن توسطه فوسط أشبعا ... وإن تمدّه فمدّ مشبعا
فيكون في ترتيبهما ستة أوجه تقدّم اللين أو تأخّر وإن كانت الكيفية في التقديم ليست كالكيفية في التأخير، والظاهر جواز الروم في {غَيْرِ} عند قصرها ولو على توسّط {الْعََالَمِينَ}، أو المدّ لأن الروم وإن كان كالوصل إنما هو فيما هو واقع ألا ترى أنه يجوز وصل {غَيْرِ} على توسط {الْعََالَمِينَ}. وعليه فتكون الأوجه تسعة لأن الروم يأتي على قصر {غَيْرِ}، و {غَيْرِ} تقصر ثلاث مرات [اه. فيض رباني مع بعض زيادة].
الرابعة: قال في غيث النفع: إذا وصلت سورة البقرة بالفاتحة من قوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: الآية 7] إلى قوله: {عَلَى} لحفص مثلا: يأتي على ما يقتضيه الضرب ثمانية وأربعون وجها. بيانها أنك تضرب خمسة {الرَّحِيمِ} [الفاتحة:(1/143)
وكلّ من قصر حرف اللين ... ثلاثة يجري بنحو الدين
وإن توسطه فوسط أشبعا ... وإن تمدّه فمدّ مشبعا
فيكون في ترتيبهما ستة أوجه تقدّم اللين أو تأخّر وإن كانت الكيفية في التقديم ليست كالكيفية في التأخير، والظاهر جواز الروم في {غَيْرِ} عند قصرها ولو على توسّط {الْعََالَمِينَ}، أو المدّ لأن الروم وإن كان كالوصل إنما هو فيما هو واقع ألا ترى أنه يجوز وصل {غَيْرِ} على توسط {الْعََالَمِينَ}. وعليه فتكون الأوجه تسعة لأن الروم يأتي على قصر {غَيْرِ}، و {غَيْرِ} تقصر ثلاث مرات [اه. فيض رباني مع بعض زيادة].
الرابعة: قال في غيث النفع: إذا وصلت سورة البقرة بالفاتحة من قوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: الآية 7] إلى قوله: {عَلَى} لحفص مثلا: يأتي على ما يقتضيه الضرب ثمانية وأربعون وجها. بيانها أنك تضرب خمسة {الرَّحِيمِ} [الفاتحة:
الآية 3] وهي الطول، والتوسط، والقصر، والروم، والوصل، في ثلاثة {الضََّالِّينَ}
[الفاتحة: الآية 7] وهي الطول، والتوسط، والقصر خمسة عشر، ثم تضرب الخمسة عشر في ثلاثة {عَلَى} خمسة وأربعون، تضيف إليها ثلاثة {عَلَى} مع وصل الجميع، فالمجموع ما ذكر. فإذا فهمت هذا فلتعلم أن الصحيح من هذه الأوجه اثنا عشر وجها.
بيانها أنك تأتي بالطول في {الضََّالِّينَ} و {الرَّحِيمِ} و {عَلَى} ثم بروم {الرَّحِيمِ}
ووصله مع الطول في {عَلَى} فيهما فهذه ثلاثة أوجه، ومثلها مع التوسط في {الضََّالِّينَ}، ومثلها مع القصر تسعة، ثم تصل الجميع مع ثلاثة {عَلَى} اثنا عشر وجها. اه.
التتمة في ذكر أنواع المدّ
اعلم أن المدّ اسم جنس تحته أنواع أنهاها بعضهم إلى أربعة عشر نوعا، وبعضهم إلى ستة عشر، وبعضهم إلى أربعة وثلاثين نوعا، وعبّر عنها بعضهم بالألقاب. والذي أذكره في هذه الرسالة أحدا وعشرين نوعا:
النوع الأوّل: مدّ الأصل نحو {جََاءَ} [النّصر: الآية 1] و {شََاءَ} [البقرة: الآية 20] و {خََابَ} [طه: الآية 111] و {طََابَ} [النّساء: الآية 3] و {وَحََاقَ} [هود: الآية 8] و {زََاغَ} [النّجم: الآية 17]، سمّي بذلك لأن حرف المد والهمزة من أصل الكلمة، وإيضاحه أن الأصل جيأ وشيأ وخيب وطيب وحيق وزيغ بوزن فعل بفتح الفاء والعين في الجميع فالياء من أصل الكلمة لأنها في مقابلة العين من فعل فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وكذا الهمز فيما همز من هذه الألفاظ من أصل الكلمة أيضا لأنه في مقابلة اللام من فعل. وأما {خََافَ} [البقرة: الآية 182] فهو واوي وأصله خوف بوزن فعل بفتح الفاء وكسر العين، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا. فعلم أن مد الأصل لا يتوقف على ما كان مهموزا من هذا النوع، بل يعمّ المهموز وغيره. والمهموز من أقسام المد المتصل [اه. ابن غازي].
والثاني: المد المتصل نحو {سِيءَ} [هود: الآية 77] و {سِيئَتْ} [الملك: الآية 27] و {سُوءَ} [البقرة: الآية 49] سمي بذلك لاتصال حرف المد بسببه وهو الهمزة.
والثالث: المد الممكّن نحو قوله: {أُولََئِكَ} [البقرة: الآية 5] سمي بذلك لأن القارئ لا يتمكن من تحقيق الهمزة وإخراجها من مخرجها إلا به، وهو من أقسام المتصل، ويدخل أيضا في مدّ الرّوم عند حمزة في وقفه.(1/144)
والثاني: المد المتصل نحو {سِيءَ} [هود: الآية 77] و {سِيئَتْ} [الملك: الآية 27] و {سُوءَ} [البقرة: الآية 49] سمي بذلك لاتصال حرف المد بسببه وهو الهمزة.
والثالث: المد الممكّن نحو قوله: {أُولََئِكَ} [البقرة: الآية 5] سمي بذلك لأن القارئ لا يتمكن من تحقيق الهمزة وإخراجها من مخرجها إلا به، وهو من أقسام المتصل، ويدخل أيضا في مدّ الرّوم عند حمزة في وقفه.
والرابع: المدّ المتوسط نحو {رِئََاءَ} [البقرة: الآية 264] وغيرها و (برآؤا) [الممتحنة:
الآية 4] و {الْأَنْبِيََاءَ} [آل عمران: الآية 112] في قراءة نافع. قال ابن غازي: سمّي بذلك لتوسط حرف المدّ بين همزتين محقّقتين أو محقّقة ومسهّلة لأنه يمدّ مدّا متوسطا، كذا قالوه، وهو مشكل إذ لا فرق بينه وبين غيره في إجراء المراتب المتقدمة فيه، وهو من أقسام المتصل أيضا.
والخامس: المد المنفصل نحو {إِنََّا أَوْحَيْنََا إِلَيْكَ} [النّساء: الآية 163] سمّي بذلك لانفصال حرف المد عن كلمة الهمزة، ويسمّى مدّ البسط: لأنه يبسط بين الكلمتين بساطا، فيفصل به بينهما.
والسادس: مدّ التعظيم نحو {لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ} [الصّافات: الآية 35] عند من يقصر المنفصل.
والسابع: مدّ المبالغة وهو مدّ لا النافية للجنس نحو {لََا رَيْبَ} [البقرة: الآية 2] و {لََا شِيَةَ فِيهََا} [البقرة: الآية 71] عند حمزة فقط بمقدار ألفين.
والثامن: مدّ الرّوم في {هََا أَنْتُمْ هََؤُلََاءِ} [آل عمران: الآية 66] و {هََا أَنْتُمْ أُولََاءِ} [آل عمران: الآية 119] عند من سهّل همزة أنتم وأدخل ألفا قبلها سمي بذلك لأن القارئ يروم بعده الهمزة فلا يأتي بها محقّقة. ويجري ذلك في وقف حمزة في نحو {إِسْرََائِيلَ}
[البقرة: الآية 40] و {دُعََاءً} [البقرة: الآية 171] و {نِدََاءً} [مريم: الآية 3] وما أشبه ذلك.
والتاسع: مدّ الحجز كقوله: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: الآية 6] ونحوه على قراءة من أدخل ألفا بين الهمزتين، سواء حققت الهمزة الثانية أم سهلت، سمي بذلك لأنه يحجز بين الهمزتين.
والعاشر: مدّ العدل نحو {وَلَا الضََّالِّينَ} [الفاتحة: الآية 7]. سمي بذلك لأنه يعدل حركة أو لأنه متساو عند القرّاء في المدّ، ويسمى أيضا باللازم الكلمي المثقل.
والحادي عشر: مدّ الفرق نحو قوله: (ء آلذّكرين) [الأنعام: الآية 143، وغيرها]، (ء آلله) [يونس: الآية 59] و «آلسحر» [يونس: الآية 81] و (آلئن) [يونس: الآية 51] في قراءة من مدّ. سمّي بذلك للفرق بين الاستفهام والخبر، وهو من أقسام المدّ اللازم الكلميّ المثقّل أو المخفّف كما تقدم.
والثاني عشر: المدّ الخفيّ نحو {أَرَأَيْتُمْ} [الأنعام: الآية 46] و {هََا أَنْتُمْ} [آل عمران:(1/145)
والحادي عشر: مدّ الفرق نحو قوله: (ء آلذّكرين) [الأنعام: الآية 143، وغيرها]، (ء آلله) [يونس: الآية 59] و «آلسحر» [يونس: الآية 81] و (آلئن) [يونس: الآية 51] في قراءة من مدّ. سمّي بذلك للفرق بين الاستفهام والخبر، وهو من أقسام المدّ اللازم الكلميّ المثقّل أو المخفّف كما تقدم.
والثاني عشر: المدّ الخفيّ نحو {أَرَأَيْتُمْ} [الأنعام: الآية 46] و {هََا أَنْتُمْ} [آل عمران:
الآية 66] على مذهب ورش حيث يبدل الهمزة الثانية المتحركة ألفا ويسكن ما بعدها كالياء والنون من هذين المثالين، سمي بذلك لإخفاء الهمزة بإبدالها ألفا، وهو من أقسام المد اللازم الكلمي المخفف.
والثالث عشر: المدّ العارض للإدغام في قراءة أبي عمرو ويعقوب في نحو {الرَّحِيمِ (3) مََالِكِ} [الفاتحة: الآيتان 3، 4] و {قََالَ لَهُمُ} [آل عمران: الآية 173] و {يَقُولُ رَبَّنََا} [البقرة: الآية 200] فلهما في مثل ذلك: المد، والتوسط، والقصر.
والرابع عشر: المدّ العارض للوقف: وهو أن يوجد بعد حرف المد أو اللين حرف سكّنه القارئ لأجل الوقف نحو {الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: الآية 157] و {نَسْتَعِينُ}
[الفاتحة: الآية 5] و {خَوْفٌ} [البقرة: الآية 38] و {بَيْتٍ} [الذّاريات: الآية 36]. وتقدم أنه يجوز فيه لكل القرّاء ثلاثة أوجه: المد، والتوسط، والقصر.
والخامس عشر: مدّ التمكين: وهو إذا اجتمعت الواو الساكنة المضموم ما قبلها مع واو أخرى نحو {آمَنُوا وَعَمِلُوا} [البقرة: الآية 25] أو الياء الساكنة المكسورة ما قبلها مع ياء أخرى نحو {فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة: الآية 203] فيجب الفصل بين الواوين أو الياءين بمدّة لطيفة بمقدار المد الطبيعي حذرا من الإدغام أو الإسقاط.
والسادس عشر: مدّ البدل نحو {آدَمَ} [البقرة: الآية 31] و {آزَرَ} [الأنعام:
الآية 74] و {أُوتُوا} [البقرة: الآية 101] و «إيمان». سمي بذلك لأن المدّ بدل من الهمزة الساكنة فأصل {آدَمَ} [البقرة: الآية 31] (أأدم) بهمزة مفتوحة فساكنة، أبدلت الهمزة الساكنة ألفا، وأصل {أُوتُوا} [البقرة: الآية 101] (أأتوا) بهمزة مضمومة بعدها همزة ساكنة أبدلت الهمزة الساكنة واوا، وأصل إيمان (إإمان) بهمزة مكسورة بعدها همزة ساكنة أبدلت الهمزة الساكنة ياء، وقد أشار إلى هذا المعنى أبو القاسم الشاطبي بقوله:
وإبدال أخرى الهمزتين لكلّهم ... إذا سكنت عزم كآدم أوهلا
السابع عشر: مدّ الهجاء ويسمّى الثابت واللازم، وهو الموجود في فواتح السور التي هجاؤها على ثلاثة أحرف، أوسطها حرف مد نحو لام وميم، وصاد، سمي بذلك لأن السكون فيه لازم، فإن لم يكن على ثلاثة أحرف أوسطها حرف مدّ بأن كان على حرفين كطاء طه وحاء وياء يس سمّي مد هجاء لا لازما، واقتصر فيه على المد الطبيعي.
الثامن عشر: مد اللين نحو {شَيْءٍ} [البقرة: الآية 113] و {السَّوْءِ} [النحل: الآية 60]، فقد اتفق كل القراء على قصره وصلا، إلا ورشا من طريق الأزرق فإن له التوسط والمد وصلا ووقفا. اه.(1/146)
وإبدال أخرى الهمزتين لكلّهم ... إذا سكنت عزم كآدم أوهلا
السابع عشر: مدّ الهجاء ويسمّى الثابت واللازم، وهو الموجود في فواتح السور التي هجاؤها على ثلاثة أحرف، أوسطها حرف مد نحو لام وميم، وصاد، سمي بذلك لأن السكون فيه لازم، فإن لم يكن على ثلاثة أحرف أوسطها حرف مدّ بأن كان على حرفين كطاء طه وحاء وياء يس سمّي مد هجاء لا لازما، واقتصر فيه على المد الطبيعي.
الثامن عشر: مد اللين نحو {شَيْءٍ} [البقرة: الآية 113] و {السَّوْءِ} [النحل: الآية 60]، فقد اتفق كل القراء على قصره وصلا، إلا ورشا من طريق الأزرق فإن له التوسط والمد وصلا ووقفا. اه.
تنبيه
: قال الصفّار في جواب الخل الأود: وكيفية مد الياء من {شَيْءٍ} [البقرة:
الآية 113] ونحوه: أن ترفع وسط اللسان إلى ما يقابله من الحنك كارتفاعه إذا نطقت بالياء من «ليث» و {غَيْثٍ} [الحديد: الآية 20] ونحوهما، ويمكث ثمّ بقدر ما يحصل التوسط، ويزيد في المكث إن كان مشبعا. وكيفية مد الواو من {السَّوْءِ} ونحوه أن تضم شفتيك كانضمامهما إذا نطقت بالواو من {عَتَوْا} [الأعراف: الآية 166] و {شَرَوْا} [البقرة: الآية 102] ونحوهما، ويمكث ذلك الضم بقدر ما يحصل التوسّط، ويزيد في المكث إذا أراد الإشباع كما تقدم [اه. من المجرد على الدرّ اللامع].
التاسع عشر: مدّ الصلة عند من وصل ميم الجمع الواقعة قبل همزة القطع نحو {عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ} [البقرة: الآية 6] وغيرها وهما ورش وقالون فمدّ ورش في هذا النوع من طريق الأزرق بمقدار ثلاث ألفات، واختلف عن قالون فروي عنه القصر بمقدار ألف، وهو الاقتصار على المد الطبيعي، وقرأنا له بألف ونصف، وبألفين من طريق الشاطبية، فإن وقع بعدها غير همزة القطع فقالون يقتصر فيه على المدّ الطبيعي نحو {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا} [الفاتحة: الآية 7]، وأما ابن كثير فيمدّ مدّا طبيعيّا مطلقا سواء وقع بعدها همزة قطع أم لا.
العشرون: مدّ العوض: وهو في كل هاء كناية قبلها فعل مجزوم آخره ياء حذفت لأجل الجازم وعوّضت عنها هاء الضمير، وقد اختلف القراء في إسكان تلك الهاء وتحريكها مع القصر والمد، نحو {يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: الآية 75] و {نُوَلِّهِ مََا تَوَلََّى}
[النّساء: الآية 115] وهو فيما بعده همز: من قبيل المد المنفصل، وفيما ليس بعده همز:
من قبيل المدّ الطبيعي عند من يمدّه. علم ذلك من قول أبي شامة عند قول الشاطبي رحمه الله:
وسكّن يؤدّه مع نولّه ونصله ... ونؤته منها فاعتبر صافيا حلا
تنبيه
: اعلم أن هاء الكناية في عرف القرّاء عبارة عن هاء الضمير التي يكنى بها عن الواحد المذكر الغائب، والمراد بها الإيجاز والاختصار، وأصلها الضم إلا أن يقع قبلها كسر أو ياء ساكنة فحينئذ تكسر. ولها في كتاب الله أربعة أحوال:
الأوّل: أن تقع بين متحركين نحو {إِنَّهُ كََانَ} [النّساء: الآية 2] و {إِنَّهُ هُوَ} [البقرة:(1/147)
: اعلم أن هاء الكناية في عرف القرّاء عبارة عن هاء الضمير التي يكنى بها عن الواحد المذكر الغائب، والمراد بها الإيجاز والاختصار، وأصلها الضم إلا أن يقع قبلها كسر أو ياء ساكنة فحينئذ تكسر. ولها في كتاب الله أربعة أحوال:
الأوّل: أن تقع بين متحركين نحو {إِنَّهُ كََانَ} [النّساء: الآية 2] و {إِنَّهُ هُوَ} [البقرة:
الآية 37] {قََالَ لَهُ صََاحِبُهُ وَهُوَ} [الكهف: الآية 37] و {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً} [البقرة: الآية 26] و {لِقَوْمِهِ يََا قَوْمِ} [البقرة: الآية 54] ولا خلاف في صلتها حينئذ بعد الضم بواو، وبعد الكسر بياء لأنها حرف خفيّ، إلا مواضع اختلف فيها وهي قوله: {بِيَدِهِ} موضعان بالبقرة، وموضع ب «المؤمنون»، وموضع بيس، و {يُؤَدِّهِ} [الآية 75] معا و {نُؤْتِهِ}
[الآية 145] معا بآل عمران، و {نُؤْتِهِ} [الآية 20] موضع بالشورى، و {نُوَلِّهِ} [الآية 115] و {وَنُصْلِهِ} [الآية 115] بالنساء، و {أَرْجِهْ} [الآية 111] بالأعراف و [الآية 36] بالشعراء، و {يَأْتِهِ} [الآية 75] بطه، و {وَيَتَّقْهِ} [الآية 52] بالنور، و {فَأَلْقِهْ} [الآية 28] بالنمل، و {يَرْضَهُ لَكُمْ} [الآية 7] بالزمر، و {يَرَهُ} [الآية 7، وغيرها] معا بالزلزلة. وتفصيلها في كتب القراءات.
الثاني: أن تقع بين ساكنين مطلقا نحو {وَآتََاهُ اللََّهُ} [البقرة: الآية 251] و {تَذْرُوهُ الرِّيََاحُ} [الكهف: الآية 45] و {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ} [إبراهيم: الآية 17] و {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر:
الآية 3].
الثالث: أن تقع بين متحرك وساكن نحو {اسْمُهُ الْمَسِيحُ} [آل عمران: الآية 45] و {لَهُ الْمُلْكُ} [البقرة: الآية 247] و {لَهُ الْحَمْدُ} [القصص: الآية 70] وهذان لا خلاف في عدم صلتهما لئلا يجتمع ساكنان على غير حدّهما.
الرابع: أن تقع بين ساكن ومتحرك نحو {فِيهِ هُدىً} [البقرة: الآية 2] و {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} [الدّخان: الآية 47] وهذا مختلف فيه فابن كثير يصل الهاء المضمومة بواو مدية، والمكسورة بياء مدية نحو {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ} [يوسف: الآية 20] و {وَمََا أَنْسََانِيهُ إِلَّا الشَّيْطََانُ} [الكهف: الآية 63] ووافقه حفص عن عاصم في حرف واحد وهو و {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهََاناً} [الآية 69] بالفرقان، ووافقه هشام أيضا في قوله: {أَرْجِهْ} في الموضعين فإنه قرأهما بهمز ساكن قبل الهاء وبضم الهاء ووصلها بواو ساكنة كما يقرؤه ابن كثير، والباقون يقرءون بترك الصلة.
تنبيه
: يجب المدّ في هاء الضمير وصلا، ويمتنع وقفا فإنها تسكّن لأجل الوقف في نحو قوله: {وَجْهَهُ} [البقرة: الآية 112] و {لَهُ} [البقرة: الآية 117] و {بِهِ} [البقرة: الآية 22] و (هذه) و {أَمْرِهِ} [المائدة: الآية 95] و {فَضْلِهِ} [البقرة: الآية 90] وما أشبه ذلك، وهذا المد يسمى مدّا معنويّا. وأما الهاء من نحو {إِلََهَ} [البقرة: الآية 255] و {فَوََاكِهُ}
[المؤمنون: الآية 19] و {مََا نَفْقَهُ} [هود: الآية 91] ومن {وَجْهُ أَبِيكُمْ} [يوسف: الآية 9] ونحو {وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان: الآية 17] و {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ} [مريم: الآية 46] و {لَئِنْ لَمْ}
{يَنْتَهِ} [الأحزاب: الآية 60] بالفوقية والتحتية فلا تمدّ لأن الهاء فيها ليست بهاء ضمير بل هي من نفس الكلمة. اه.(1/148)
: يجب المدّ في هاء الضمير وصلا، ويمتنع وقفا فإنها تسكّن لأجل الوقف في نحو قوله: {وَجْهَهُ} [البقرة: الآية 112] و {لَهُ} [البقرة: الآية 117] و {بِهِ} [البقرة: الآية 22] و (هذه) و {أَمْرِهِ} [المائدة: الآية 95] و {فَضْلِهِ} [البقرة: الآية 90] وما أشبه ذلك، وهذا المد يسمى مدّا معنويّا. وأما الهاء من نحو {إِلََهَ} [البقرة: الآية 255] و {فَوََاكِهُ}
[المؤمنون: الآية 19] و {مََا نَفْقَهُ} [هود: الآية 91] ومن {وَجْهُ أَبِيكُمْ} [يوسف: الآية 9] ونحو {وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان: الآية 17] و {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ} [مريم: الآية 46] و {لَئِنْ لَمْ}
{يَنْتَهِ} [الأحزاب: الآية 60] بالفوقية والتحتية فلا تمدّ لأن الهاء فيها ليست بهاء ضمير بل هي من نفس الكلمة. اه.
الحادي والعشرون: المدّ الطبيعي: وهو مدّ الألف من نحو (قال)، والواو من نحو (يقول)، والياء من نحو (قيل). وسمي بذلك لأن صاحب الطبيعة السليمة لا ينقصه عن حده ولا يزيد عليه، وحدّه مقدار ألف كما تقدّم، وله ثلاثة أحوال: الأول:
يكون ثابتا في كل حال نحو {الْعََالَمِينَ} [الفاتحة: الآية 2] وغيرها. الثاني: يكون محذوفا في الوصل ثابتا في الوقف نحو {مَوْئِلًا} [الكهف: الآية 58] و {هُدىً} [البقرة: الآية 5] و {أَمْناً} [النّور: الآية 55] فإن وقف على كل منها يقف بالألف، فيصير مدّا طبيعيا، وأما في الوصل فهي بالتنوين.
الثالث: ما يثبت وصلا ويحذف وقفا نحو {هََذِهِ} و {بِهِ} [البقرة: الآية 22] و {أُمُّهُ} [الأحقاف: الآية 15] فإن وقف على هذه الهاءات وقف بالسكون، وإن وصل مدّها مدّا طبيعيّا، أي إن لم يكن بعدها همز. فإن قيل: هل يجوز المدّ من قوله: {وَأَنَا عَجُوزٌ} [هود: الآية 72] و {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: الآية 72] وما أشبه ذلك أم لا؟
أجيب: بأن من قال يجوز فقد أخطأ، ومن قال لا فقد أخطأ، والجواب التفصيل ففي حالة الوصل لا يجوز المدّ اتفاقا، وفي حالة الوقف يجب المدّ مقدار ألف اتفاقا.
ثم اعلم أن هذه الألقاب المذكورة لا تنافي تقسيم بعضهم المدّ إلى لازم وواجب وجائز، فأدرج في اللازم الكلميّ والحرفيّ، وجعل في الواجب المتصل وحده، وجعل في الجائز المنفصل والعارض، وفرضوا ذلك فرعيّا، وجعلوا ما عدا ذلك أصليّا، وعنوا بالأصلي المدّ الطبيعي الذي تقدّم ذكره، وبالفرعي اللازم والواجب والجائز لأن هذه الألقاب لتلك المدود لا يضرّ فيها تعدّد اللقب لشيء واحد [اه. غنية الطالبين].(1/149)
ثم اعلم أن هذه الألقاب المذكورة لا تنافي تقسيم بعضهم المدّ إلى لازم وواجب وجائز، فأدرج في اللازم الكلميّ والحرفيّ، وجعل في الواجب المتصل وحده، وجعل في الجائز المنفصل والعارض، وفرضوا ذلك فرعيّا، وجعلوا ما عدا ذلك أصليّا، وعنوا بالأصلي المدّ الطبيعي الذي تقدّم ذكره، وبالفرعي اللازم والواجب والجائز لأن هذه الألقاب لتلك المدود لا يضرّ فيها تعدّد اللقب لشيء واحد [اه. غنية الطالبين].
الباب السادس في بيان أحكام الوقف والابتداء
وفيه تسعة فصول وتتمة.
الفصل الأول في الحثّ على تعلّم الوقف والابتداء وتعليمهما ليكون الشخص على بصيرة فيهما
اعلم أن هذا الباب مما ينبغي للقارئ أن يهتم بمعرفته ويصرف في إتقانه أكبر همّته، حتى إن بعضهم جعل تعلم الوقف واجبا لما ورد أن عليّا رضي الله عنه سئل عن قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمّل: الآية 4] فقال: «الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف». وبما ورد عن ابن عمر أنه قال: لقد عشنا برهة من دهرنا وإنّ أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على النبيّ صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزجرها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها». قال ابن الجزري في النشر: ففي كلام علي رضي الله عنه دليل على وجوب تعلمه ومعرفته، وفي كلام ابن عمر رضي الله عنهما برهان على أن تعلمه إجماع من الصحابة رضي الله عنهم، وصحّ، بل تواتر عندنا، تعلّمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبي جعفر يزيد بن القعقاع إمام أهل المدينة الذي وهو من أعيان التابعين، وصاحبه الإمام نافع بن أبي نعيم، وأبي عمرو بن العلاء، ويعقوب الحضرمي، وعاصم بن أبي النجود، وغيرهم من الأئمة، وكلامهم في ذلك معروف، ونصوصهم عليه مشهورة من الكتب، ومن ثمّ اشترط كثير من أئمة الخلف على المجيز أن لا يجيز أحدا إلا بعد معرفة الوقف والابتداء، وكان أئمتنا يوقفوننا عند كل حرف ويشيرون إلينا فيه بالأصابع سنّة لذلك، أخذوها عن شيوخهم الأوّلين رحمة الله عليهم أجمعين. وصحّ عن الشعبي وهو من أئمة التابعين علما وفقها ومقتدى به أنه قال: إذا قرأت {كُلُّ مَنْ عَلَيْهََا فََانٍ} (26) [الرّحمن: الآية 26] فلا تسكت حتى تقرأ {وَيَبْقى ََ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلََالِ وَالْإِكْرََامِ} (27) [الرّحمن: الآية 27]. وقال الإمام أبو زكريا: الوقف في الصدر الأوّل الصحابة والتابعين وسائر العلماء مرغوب فيه من مشايخ القرّاء والأئمة الفضلاء، مطلوب فيما سلف من الأعصار، واردة به الأخبار الثابتة والآثار الصحيحة ففي
الصحيحين أن أم سلمة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطّع قراءته يقول: الحمد لله رب العالمين ثم يقف» الحديث. قال بعضهم: إن معرفة الوقف تظهر مذهب أهل السنّة من مذهب المعتزلة كما لو وقف على قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مََا يَشََاءُ وَيَخْتََارُ}
[القصص: الآية 68] فالوقف على {وَيَخْتََارُ} هو مذهب أهل السنّة لنفي اختيار الخلق لا اختيار الحق فليس لأحد أن يختار، بل الخيرة لله تعالى، أخرج هذا الأثر البيهقي في سننه. وروي أن رجلين أتيا النبيّ صلى الله عليه وسلم فتشهّد أحدهما فقال: «من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما» ووقف، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «قم بئس الخطيب أنت قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى» ففي الخبر دليل واضح على كراهة القطع على المستبشع من اللفظ المتعلق بما يبين حقيقته ويدل على المراد منه لأنه صلى الله عليه وسلم إنما أقام الخطيب لمّا قطع على ما يقبح إذ جمع بقطعه بين حال من أطاع ومن عصى، ولم يفصل بين ذلكم، وإنما كان ينبغي له أن يقطع على قوله: «فقد رشد» ثم يستأنف ما بعد ذلك، أو يصل كلامه إلى آخره فيقول: «ومن يعصهما فقد غوى». فإذا كان مثل هذا مكروها مستبشعا في الكلام الجاري بين المخلوقين فهو في كلام الله تعالى أشدّ كراهة واستبشاعا وتجنبه أولى وأحقّ.(1/150)
اعلم أن هذا الباب مما ينبغي للقارئ أن يهتم بمعرفته ويصرف في إتقانه أكبر همّته، حتى إن بعضهم جعل تعلم الوقف واجبا لما ورد أن عليّا رضي الله عنه سئل عن قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمّل: الآية 4] فقال: «الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف». وبما ورد عن ابن عمر أنه قال: لقد عشنا برهة من دهرنا وإنّ أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على النبيّ صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزجرها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها». قال ابن الجزري في النشر: ففي كلام علي رضي الله عنه دليل على وجوب تعلمه ومعرفته، وفي كلام ابن عمر رضي الله عنهما برهان على أن تعلمه إجماع من الصحابة رضي الله عنهم، وصحّ، بل تواتر عندنا، تعلّمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبي جعفر يزيد بن القعقاع إمام أهل المدينة الذي وهو من أعيان التابعين، وصاحبه الإمام نافع بن أبي نعيم، وأبي عمرو بن العلاء، ويعقوب الحضرمي، وعاصم بن أبي النجود، وغيرهم من الأئمة، وكلامهم في ذلك معروف، ونصوصهم عليه مشهورة من الكتب، ومن ثمّ اشترط كثير من أئمة الخلف على المجيز أن لا يجيز أحدا إلا بعد معرفة الوقف والابتداء، وكان أئمتنا يوقفوننا عند كل حرف ويشيرون إلينا فيه بالأصابع سنّة لذلك، أخذوها عن شيوخهم الأوّلين رحمة الله عليهم أجمعين. وصحّ عن الشعبي وهو من أئمة التابعين علما وفقها ومقتدى به أنه قال: إذا قرأت {كُلُّ مَنْ عَلَيْهََا فََانٍ} (26) [الرّحمن: الآية 26] فلا تسكت حتى تقرأ {وَيَبْقى ََ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلََالِ وَالْإِكْرََامِ} (27) [الرّحمن: الآية 27]. وقال الإمام أبو زكريا: الوقف في الصدر الأوّل الصحابة والتابعين وسائر العلماء مرغوب فيه من مشايخ القرّاء والأئمة الفضلاء، مطلوب فيما سلف من الأعصار، واردة به الأخبار الثابتة والآثار الصحيحة ففي
الصحيحين أن أم سلمة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطّع قراءته يقول: الحمد لله رب العالمين ثم يقف» الحديث. قال بعضهم: إن معرفة الوقف تظهر مذهب أهل السنّة من مذهب المعتزلة كما لو وقف على قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مََا يَشََاءُ وَيَخْتََارُ}
[القصص: الآية 68] فالوقف على {وَيَخْتََارُ} هو مذهب أهل السنّة لنفي اختيار الخلق لا اختيار الحق فليس لأحد أن يختار، بل الخيرة لله تعالى، أخرج هذا الأثر البيهقي في سننه. وروي أن رجلين أتيا النبيّ صلى الله عليه وسلم فتشهّد أحدهما فقال: «من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما» ووقف، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «قم بئس الخطيب أنت قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى» ففي الخبر دليل واضح على كراهة القطع على المستبشع من اللفظ المتعلق بما يبين حقيقته ويدل على المراد منه لأنه صلى الله عليه وسلم إنما أقام الخطيب لمّا قطع على ما يقبح إذ جمع بقطعه بين حال من أطاع ومن عصى، ولم يفصل بين ذلكم، وإنما كان ينبغي له أن يقطع على قوله: «فقد رشد» ثم يستأنف ما بعد ذلك، أو يصل كلامه إلى آخره فيقول: «ومن يعصهما فقد غوى». فإذا كان مثل هذا مكروها مستبشعا في الكلام الجاري بين المخلوقين فهو في كلام الله تعالى أشدّ كراهة واستبشاعا وتجنبه أولى وأحقّ.
وقال الهذلي في كامله: «الوقف حلية التلاوة»، وزينة القارئ، وبلاغ التالي، وفهم المستمع، وفخر العالم، وبه يعرف الفرق بين المعنيين المختلفين والنقيضين المتنافيين والحكمين المتغايرين».
وقال أبو حاتم: «من لم يعرف الوقف لم يعرف القرآن». وقال ابن الأنباري: «من تمام معرفة القرآن معرفة الوقف والابتداء إذ لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن إلا بمعرفة الفواصل» فهذا أدلّ دليل على وجوب تعلّمه وتعليمه فينبغي للقارئ أن يقطع الآية التي فيها ذكر النار أو العقاب عمّا بعدها إن كان بعدها ذكر الجنة أو الثواب، وكذلك يقطع الآية التي فيها ذكر الجنة أو الثواب عمّا بعدها إن كان بعدها ذكر النار أو العذاب، وذلك نحو قوله: {فَأُولََئِكَ أَصْحََابُ النََّارِ هُمْ فِيهََا خََالِدُونَ} [البقرة: الآية 81] هنا الوقف التام، ولا يجوز أن يوصل ذلك بقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ}
[البقرة: الآية 82]. ونحو قوله: {يُدْخِلُ مَنْ يَشََاءُ فِي رَحْمَتِهِ} [الإنسان: الآية 31] هنا الوقف التام، ولا يجوز أن يوصله بقوله: {وَالظََّالِمِينَ} [الإنسان: الآية 31]. وكذا كلّ ما هو خارج عن حكم الأوّل فإنه يقطع. اه.
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: «اعلم أن القارئ كالمسافر، والمقاطع التي ينتهي إليها القارئ كالمنازل التي ينزلها المسافر، وهي مختلفة بالتام والحسن وغيرهما مما يأتي كاختلاف المنازل في الخصب، ووجود الماء والكلأ، وما يتظلل به من شجر
ونحوه، والناس مختلفون في الوقف فمنهم من جعله على مقاطع الأنفاس، ومنهم من جعله على رءوس الآي. والأعدل أنه قد يكون في أوساط الآي، وإن كان الأغلب في أواخرها، وليس آخر كل آية وقفا، بل المعاني معتبرة، والأنفاس تابعة لها، والقارئ إذا بلغ الوقف وفي نفسه طول يبلغ الوقف الذي يليه: فله مجاوزته إلى ما يليه مما بعده، فإن علم أنّ نفسه لا يبلغ ذلك، فالأحسن له أن لا يجاوزه كالمسافر إذا لقي منزلا خصبا ظليلا كثير الماء والكلأ، وعلم أنه إن جاوزه لا يبلغ المنزل الثاني، واحتاج إلى النزول في مفازة لا شيء فيها من ذلك، فالأوفق له أن لا يجاوزه، فإن عرض له أي للقارئ عجز بعطاس أو قطع نفس أو نحوه عند ما يكره الوقف عليه، عاد من أوّل الكلام ليكون الكلام متصلا بعضه ببعض ولئلا يكون الابتداء بما بعده موهما للوقوع في محذور كقوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللََّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قََالُوا} [آل عمران: الآية 181] فإن ابتدأ بما يوهم ذلك كان مسيئا إن عرف معناه. وقال ابن الأنباري: «لا إثم عليه لأن نيته الحكاية عمن قاله وهو غير معتقد له، ولا خلاف أنه لا يحكم بكفره من غير تعمّد أو اعتقاد لظاهره». اه.(1/151)
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: «اعلم أن القارئ كالمسافر، والمقاطع التي ينتهي إليها القارئ كالمنازل التي ينزلها المسافر، وهي مختلفة بالتام والحسن وغيرهما مما يأتي كاختلاف المنازل في الخصب، ووجود الماء والكلأ، وما يتظلل به من شجر
ونحوه، والناس مختلفون في الوقف فمنهم من جعله على مقاطع الأنفاس، ومنهم من جعله على رءوس الآي. والأعدل أنه قد يكون في أوساط الآي، وإن كان الأغلب في أواخرها، وليس آخر كل آية وقفا، بل المعاني معتبرة، والأنفاس تابعة لها، والقارئ إذا بلغ الوقف وفي نفسه طول يبلغ الوقف الذي يليه: فله مجاوزته إلى ما يليه مما بعده، فإن علم أنّ نفسه لا يبلغ ذلك، فالأحسن له أن لا يجاوزه كالمسافر إذا لقي منزلا خصبا ظليلا كثير الماء والكلأ، وعلم أنه إن جاوزه لا يبلغ المنزل الثاني، واحتاج إلى النزول في مفازة لا شيء فيها من ذلك، فالأوفق له أن لا يجاوزه، فإن عرض له أي للقارئ عجز بعطاس أو قطع نفس أو نحوه عند ما يكره الوقف عليه، عاد من أوّل الكلام ليكون الكلام متصلا بعضه ببعض ولئلا يكون الابتداء بما بعده موهما للوقوع في محذور كقوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللََّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قََالُوا} [آل عمران: الآية 181] فإن ابتدأ بما يوهم ذلك كان مسيئا إن عرف معناه. وقال ابن الأنباري: «لا إثم عليه لأن نيته الحكاية عمن قاله وهو غير معتقد له، ولا خلاف أنه لا يحكم بكفره من غير تعمّد أو اعتقاد لظاهره». اه.
الفصل الثاني في بيان الفرق بين الوقف، والسكت، والقطع، وفي تقسيم الوقف
اعلم أن الوقف معناه في اللغة: الحبس، يقال: وقفت الدابة وأوقفتها إذا حبستها عن المشي. وفي الاصطلاح: عبارة عن قطع الصوت على الكلمة زمنا يتنفس فيه عادة بنيّة استئناف القراءة إما بما يلي الحرف الموقوف عليه، أو بما قبله، لا بنيّة الإعراض.
وينبغي البسملة معه في فواتح السور كما نصّ عليه في النشر، ويأتي في رءوس الآي وأوساطها، ولا بد من التنفس معه، ولا يأتي في وسط كلمة، ولا فيما اتصل رسما يعني وإن لم يكن وسط الكلمة فلا يوقف على (أين) في قوله تعالى: {أَيْنَ مََا تَكُونُوا}
[البقرة: الآية 148] لاتصاله رسما اه. مرعشي.
والسكت معناه في اللغة: المنع يقال سكن الرجل عن الكلام أي امتنع منه، وفي الاصطلاح: قطع الكلمة من غير تنفس بنية القراءة.
والقطع معناه في اللغة: الإبانة والإزالة تقول: قطعت الشجرة إذا أبنتها أزلتها. وفي الاصطلاح: عبارة عن قطع القراءة رأسا فهو كالانتهاء، فالقارئ به كالمعرض عن القراءة، والمنتقل منها إلى حالة أخرى سوى القراءة، وهو الذي يستعاذ بعده للقراءة
المستأنفة أدبا، ولا يكون إلا على رأس آية لأن رءوس الآي في نفسها مقاطع. وذكر ابن الجزري في النشر بسند متصل إلى عبد الله بن أبي الهذيل أنه قال: إذا افتتح أحدكم آية يقرؤها فلا يقطعها حتى يتمها. اه.(1/152)
والقطع معناه في اللغة: الإبانة والإزالة تقول: قطعت الشجرة إذا أبنتها أزلتها. وفي الاصطلاح: عبارة عن قطع القراءة رأسا فهو كالانتهاء، فالقارئ به كالمعرض عن القراءة، والمنتقل منها إلى حالة أخرى سوى القراءة، وهو الذي يستعاذ بعده للقراءة
المستأنفة أدبا، ولا يكون إلا على رأس آية لأن رءوس الآي في نفسها مقاطع. وذكر ابن الجزري في النشر بسند متصل إلى عبد الله بن أبي الهذيل أنه قال: إذا افتتح أحدكم آية يقرؤها فلا يقطعها حتى يتمها. اه.
تنبيه
: اعلم أن الوقف على أربعة أقسام: اختياريّ: بالياء التحتية وهو أن يقصد لذاته من غير عروض سبب من الأسباب. واضطراري: وهو ما يعرض بسبب ضيق النفس ونحوه كعجز ونسيان، فحينئذ يجوز الوقف على أي كلمة كانت، وإن لم يتم المعنى، كأن وقف على شرط دون جوابه، أو على موصول دون صلته، لكن يجب الابتداء من الكلمة التي وقف عليها إن صلح الابتداء بها. وانتظاريّ: وهو أن يقف على كلمة ليعطف عليها غيرها حين جمعه لاختلاف الروايات. واختباريّ: بالباء الموحدة، ومتعلقه الرسم لبيان المقطوع والموصول والثابت من المحذوف، ولا يوقف عليه إلا لعذر كانقطاع نفس أو سؤال ممتحن أو تعليم قارئ كيف يقف إذا اضطر لأنه قد يضطر إلى الوقف على شيء فلا يدري كيف يقف.
ثم اعلم أن العلماء رحمهم الله تعالى اختلفوا في الوقف الاختياري على خمسة أقوال: أشهرها وأعدلها ما ذكره الداني وابن الجزري وهو أربعة أقسام: تامّ، وكاف، وحسن، وقبيح. فالوقف التامّ هو الوقف على كلمة لم يتعلق ما بعدها بها ولا بما قبلها لا لفظا ولا معنى كالوقف على {الْمُفْلِحُونَ} [الآية 5] في سورة البقرة.
والوقف الكافي هو الوقف على كلمة لم يتعلق ما بعدها بها ولا بما قبلها لفظا بل معنى فقط كالوقف على قوله: {لََا يُؤْمِنُونَ} [الآية 6] في أوّل البقرة لأنها مع ما بعدها وهو {خَتَمَ اللََّهُ} [البقرة: الآية 7] متعلق بالكافرين. والوقف الحسن هو الوقف على كلمة تعلّق ما بعدها بها أو بما قبلها لفظا بشرط تمام الكلام عند تلك الكلمة كالوقف على {الْحَمْدُ لِلََّهِ} [الآية 2] في الفاتحة لأن {رَبِّ} [الفاتحة: الآية 2] صفة له، فتعلق ما بعد الكلمة الموقوف عليها بها لفظا. وكالوقف على {عَلَيْهِمْ} [الآية 7] الأوّل في الفاتحة لأن {غَيْرِ} [الفاتحة: الآية 7] صفة ل {الَّذِينَ} [الفاتحة: الآية 7] أو بدل منه. والوقف القبيح هو الوقف على لفظ غير مفيد لعدم تمام الكلام، وقد تعلق ما بعده بما قبله لفظا ومعنى كالوقف على {بِسْمِ} من {بِسْمِ اللََّهِ}
[الفاتحة: الآية 1]، وعلى {الْحَمْدُ} من {الْحَمْدُ لِلََّهِ} [الفاتحة: الآية 2]، وعلى {مََالِكِ} أو {يَوْمِ} من {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) [الفاتحة: الآية 4] لأنه لا يعلم إلى أي شيء أضيف. أو على كلام يوهم وصفا لا يليق به تعالى كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ثم اعلم أن التعلق اللفظي هو أن يكون ما بعده متعلقا بما قبله من جهة الإعراب كأن يكون صفة أو معطوفا، بشرط أن يكون ما قبله كلاما تامّا. وأما المعنوي فهو أن يكون تعلقه من جهة المعنى فقط دون شيء من تعلقات الإعراب كالإخبار عن حال المؤمنين في أوّل سورة البقرة مثلا فإنه لا يتم إلا إلى قوله: {الْمُفْلِحُونَ} [الآية 5]، ثم أحوال الكافرين تتم عند قوله: {وَلَهُمْ عَذََابٌ عَظِيمٌ} [الآية 7]، ثم أحوال المنافقين تتم عند قوله: {إِنَّ اللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الآية 20] حيث لم يبق لما بعده تعلق بما قبله لا لفظا ولا معنى. [اه. ملا علي].(1/153)
والوقف الكافي هو الوقف على كلمة لم يتعلق ما بعدها بها ولا بما قبلها لفظا بل معنى فقط كالوقف على قوله: {لََا يُؤْمِنُونَ} [الآية 6] في أوّل البقرة لأنها مع ما بعدها وهو {خَتَمَ اللََّهُ} [البقرة: الآية 7] متعلق بالكافرين. والوقف الحسن هو الوقف على كلمة تعلّق ما بعدها بها أو بما قبلها لفظا بشرط تمام الكلام عند تلك الكلمة كالوقف على {الْحَمْدُ لِلََّهِ} [الآية 2] في الفاتحة لأن {رَبِّ} [الفاتحة: الآية 2] صفة له، فتعلق ما بعد الكلمة الموقوف عليها بها لفظا. وكالوقف على {عَلَيْهِمْ} [الآية 7] الأوّل في الفاتحة لأن {غَيْرِ} [الفاتحة: الآية 7] صفة ل {الَّذِينَ} [الفاتحة: الآية 7] أو بدل منه. والوقف القبيح هو الوقف على لفظ غير مفيد لعدم تمام الكلام، وقد تعلق ما بعده بما قبله لفظا ومعنى كالوقف على {بِسْمِ} من {بِسْمِ اللََّهِ}
[الفاتحة: الآية 1]، وعلى {الْحَمْدُ} من {الْحَمْدُ لِلََّهِ} [الفاتحة: الآية 2]، وعلى {مََالِكِ} أو {يَوْمِ} من {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) [الفاتحة: الآية 4] لأنه لا يعلم إلى أي شيء أضيف. أو على كلام يوهم وصفا لا يليق به تعالى كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ثم اعلم أن التعلق اللفظي هو أن يكون ما بعده متعلقا بما قبله من جهة الإعراب كأن يكون صفة أو معطوفا، بشرط أن يكون ما قبله كلاما تامّا. وأما المعنوي فهو أن يكون تعلقه من جهة المعنى فقط دون شيء من تعلقات الإعراب كالإخبار عن حال المؤمنين في أوّل سورة البقرة مثلا فإنه لا يتم إلا إلى قوله: {الْمُفْلِحُونَ} [الآية 5]، ثم أحوال الكافرين تتم عند قوله: {وَلَهُمْ عَذََابٌ عَظِيمٌ} [الآية 7]، ثم أحوال المنافقين تتم عند قوله: {إِنَّ اللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الآية 20] حيث لم يبق لما بعده تعلق بما قبله لا لفظا ولا معنى. [اه. ملا علي].
الفصل الثالث في بيان ما يتعلق بالوقف التام
اعلم أن الوقف التامّ هو الذي يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده، وأكثر ما يوجد في رءوس الآي وعند انقضاء القصص نحو الوقف على {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} (1) [الفاتحة: الآية 1] والابتداء بقوله: {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (2) [الفاتحة: الآية 2]، ونحو الوقف على {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) [الفاتحة: الآية 4]، والابتداء بقوله: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: الآية 5]، ونحو {وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:
الآية 5] والابتداء بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة: الآية 6]، ونحو {إِنَّ اللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: الآية 20] والابتداء بقوله: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: الآية 21].
وقد يكون قبل انقضاء الفاصلة نحو {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهََا أَذِلَّةً} [النّمل: الآية 34] هذا انقضاء كلام بلقيس، ثم قال تعالى: {وَكَذََلِكَ يَفْعَلُونَ} [النّمل: الآية 34] وهو رأس آية. وقد يكون وسط الآية نحو {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جََاءَنِي} [الفرقان: الآية 29] وهو تمام حكاية قول الظالم وهو أبيّ بن خلف، ثم قال تعالى: {وَكََانَ الشَّيْطََانُ لِلْإِنْسََانِ خَذُولًا} [الفرقان: الآية 29] وهو رأس آية. وقد يكون بعد انقضاء الفاصلة بكلمة نحو {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهََا سِتْراً} [الكهف: الآية 90] آخر الآية، وتمام الكلام {كَذََلِكَ} [الكهف: الآية 91] أي أمر ذي القرنين كذلك. ونحو {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: الآيتان 137، 138]، رأس الآية {مُصْبِحِينَ}
[الصافات: الآية 137]، والتمام {وَبِاللَّيْلِ} [الصّافات: الآية 138] لأنه معطوف على المعنى أي بالصبح وبالليل. ومثله {عَلَيْهََا يَتَّكِؤُنَ (34) وَزُخْرُفاً} [الزخرف: الآيتان 34، 35] رأس الآية {يَتَّكِؤُنَ} والتمام {وَزُخْرُفاً} لأنه معطوف على ما قبله من قوله: {سُقُفاً مِنْ
فِضَّةٍ} [الزّخرف: الآية 33]. قال ابن الجزري في النشر: وقد يكون الوقف تامّا على تفسير وإعراب، وقد يكون غير تام على تفسير وإعراب آخر نحو قوله: {وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ} [آل عمران: الآية 7] وقف تام على أنّ ما بعده مستأنف، وهو قول ابن عباس وعائشة وابن مسعود وغيرهم، ومذهب أبي حنيفة وأكثر أهل الحديث، وبه قال نافع والكسائي ويعقوب والفراء والأخفش، وأبو حاتم وسواهم من أئمة العربية، قال عروة: «الراسخون في العلم لا يعلمون التأويل لكن يقولون آمنا به، وهو غير تام عند آخرين والتمام عندهم {وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: الآية 7] فهو عندهم معطوف عليه وهو اختيار ابن الحاجب وغيره. ونحو {قُلْ إِنْ كََانَ لِلرَّحْمََنِ وَلَدٌ} [الزّخرف: الآية 81] وقف تام إن جعلت {إِنْ} نافية بمعنى ما، وهو قول ابن عباس أي ما كان للرحمن ولد، وإن جعلت شرطية كان الوقف على العابدين، والمعنى: إن كنتم تزعمون أن للرحمن ولدا {فَأَنَا أَوَّلُ الْعََابِدِينَ} [الزخرف: الآية 81] أي أوّل من عبد الله واعترف أنه إله. وقد يكون الوقف تاما على قراءة وغير تام على أخرى نحو {مَثََابَةً لِلنََّاسِ وَأَمْناً}
[البقرة: الآية 125] تامّ على قراءة من كسر خاء {وَاتَّخِذُوا} [البقرة: الآية 125]، وكاف على قراءة من فتحها. ونحو {إِلى ََ صِرََاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: الآية 1]: تامّ على قراءة من رفع الاسم الجليل بعدها، وحسن على قراءة من خفض. وقد يتفاضل التامّ في التمام نحو {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ} (5) [الفاتحة:(1/154)
وقد يكون قبل انقضاء الفاصلة نحو {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهََا أَذِلَّةً} [النّمل: الآية 34] هذا انقضاء كلام بلقيس، ثم قال تعالى: {وَكَذََلِكَ يَفْعَلُونَ} [النّمل: الآية 34] وهو رأس آية. وقد يكون وسط الآية نحو {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جََاءَنِي} [الفرقان: الآية 29] وهو تمام حكاية قول الظالم وهو أبيّ بن خلف، ثم قال تعالى: {وَكََانَ الشَّيْطََانُ لِلْإِنْسََانِ خَذُولًا} [الفرقان: الآية 29] وهو رأس آية. وقد يكون بعد انقضاء الفاصلة بكلمة نحو {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهََا سِتْراً} [الكهف: الآية 90] آخر الآية، وتمام الكلام {كَذََلِكَ} [الكهف: الآية 91] أي أمر ذي القرنين كذلك. ونحو {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: الآيتان 137، 138]، رأس الآية {مُصْبِحِينَ}
[الصافات: الآية 137]، والتمام {وَبِاللَّيْلِ} [الصّافات: الآية 138] لأنه معطوف على المعنى أي بالصبح وبالليل. ومثله {عَلَيْهََا يَتَّكِؤُنَ (34) وَزُخْرُفاً} [الزخرف: الآيتان 34، 35] رأس الآية {يَتَّكِؤُنَ} والتمام {وَزُخْرُفاً} لأنه معطوف على ما قبله من قوله: {سُقُفاً مِنْ
فِضَّةٍ} [الزّخرف: الآية 33]. قال ابن الجزري في النشر: وقد يكون الوقف تامّا على تفسير وإعراب، وقد يكون غير تام على تفسير وإعراب آخر نحو قوله: {وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ} [آل عمران: الآية 7] وقف تام على أنّ ما بعده مستأنف، وهو قول ابن عباس وعائشة وابن مسعود وغيرهم، ومذهب أبي حنيفة وأكثر أهل الحديث، وبه قال نافع والكسائي ويعقوب والفراء والأخفش، وأبو حاتم وسواهم من أئمة العربية، قال عروة: «الراسخون في العلم لا يعلمون التأويل لكن يقولون آمنا به، وهو غير تام عند آخرين والتمام عندهم {وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: الآية 7] فهو عندهم معطوف عليه وهو اختيار ابن الحاجب وغيره. ونحو {قُلْ إِنْ كََانَ لِلرَّحْمََنِ وَلَدٌ} [الزّخرف: الآية 81] وقف تام إن جعلت {إِنْ} نافية بمعنى ما، وهو قول ابن عباس أي ما كان للرحمن ولد، وإن جعلت شرطية كان الوقف على العابدين، والمعنى: إن كنتم تزعمون أن للرحمن ولدا {فَأَنَا أَوَّلُ الْعََابِدِينَ} [الزخرف: الآية 81] أي أوّل من عبد الله واعترف أنه إله. وقد يكون الوقف تاما على قراءة وغير تام على أخرى نحو {مَثََابَةً لِلنََّاسِ وَأَمْناً}
[البقرة: الآية 125] تامّ على قراءة من كسر خاء {وَاتَّخِذُوا} [البقرة: الآية 125]، وكاف على قراءة من فتحها. ونحو {إِلى ََ صِرََاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: الآية 1]: تامّ على قراءة من رفع الاسم الجليل بعدها، وحسن على قراءة من خفض. وقد يتفاضل التامّ في التمام نحو {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ} (5) [الفاتحة:
الآيتان 4، 5] كلاهما تام إلا أن الأوّل أتمّ من الثاني لاشتراك الثاني وما بعده في معنى الخطاب بخلاف الأوّل.
وقد يتأكد الوقف على التام لبيان معنى مقصود وهو ما لو وصل طرفاه لأوهم معنى غير المراد، وهذا هو الذي عبّر عنه السجاوندي باللازم. وعبّر عنه بعضهم بالواجب، فمن ذلك الوقف على قوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوََاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مََا جََاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظََّالِمِينَ} [البقرة: الآية 145] والابتداء بقوله: {الَّذِينَ آتَيْنََاهُمُ الْكِتََابَ} [البقرة: الآية 146] لئلا يوهم أن {الَّذِينَ} صفة {الظََّالِمِينَ} وهو مستأنف مدح في عبد الله بن سلام وأصحابه. ومن ذلك الوقف على قوله: {وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ}
[البقرة: الآية 274] والابتداء بقوله: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبََا} [البقرة: الآية 275] لأن وصله بما قبله يوقع في محذور. ومنه الوقف على قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللََّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قََالُوا إِنَّ اللََّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيََاءُ} [آل عمران: الآية 181] والابتداء بقوله: {سَنَكْتُبُ مََا قََالُوا} [آل عمران: الآية 181] لأنه لو وصل لأوهم أن ما بعده من مقولهم، بينما هو إخبار من الله عن الكفار. ومنه الوقف على قوله: {سُبْحََانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النّساء: الآية 171]
والابتداء بقوله: {لَهُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ وَمََا فِي الْأَرْضِ} [النساء: الآية 171] لأنه لو وصل لأوهم أن ما بعده صفة له فكان المنفيّ ولدا موصوفا بأنه يملك السموات والأرض، والمراد نفي الولد مطلقا. ومنه الوقف على قوله: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصََارى ََ أَوْلِيََاءَ} [المائدة: الآية 51] والابتداء بقوله: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيََاءُ بَعْضٍ} [المائدة: الآية 51] لأنه لو وصل لأوهم أن الجملة بعده صفة لأولياء، فيكون النهي عن اتخاذهم أولياء صفتهم أن بعضهم أولياء بعض، فإذا انتفى هذا الوصف جاز اتخاذهم أولياء، وهو محال، وإنما النهي عن اتخاذهم أولياء مطلقا. ومنه الوقف على قوله: {يَعْرِفُونَهُ كَمََا يَعْرِفُونَ أَبْنََاءَهُمُ}
[الأنعام: الآية 20] والابتداء بقوله: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} [الأنعام: الآية 20] لأنه لو وصله لأوهم أن الجملة بعده نعت لأبناء عبد الله بن سلام وأصحابه المؤمنين. ومنه الوقف على قوله تعالى: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: الآية 81] والابتداء بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنعام: الآية 82] لأنه لو وصله لأوهم أن {الَّذِينَ آمَنُوا} متصل بما قبله بل هو مبتدأ خبره {أُولََئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} [الأنعام: الآية 82] ومنه قوله: {وَاللََّهُ لََا يَهْدِي الْقَوْمَ الظََّالِمِينَ} [التوبة: الآية 19]، والابتداء بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهََاجَرُوا} [التوبة: الآية 20] لئلا يوهم أن {الَّذِينَ آمَنُوا} صفة لما قبله. ومنه الوقف على قوله: {وَلََا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} [يونس: الآية 65]، والابتداء بقوله: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلََّهِ جَمِيعاً} [يونس: الآية 65] لئلا يوهم أن ذلك من مقولهم. ومثله {فَلََا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ}
[الآية 76] بياسين، والابتداء بقوله: {إِنََّا نَعْلَمُ مََا يُسِرُّونَ} [يس: الآية 76] لما تقدم.(1/155)
وقد يتأكد الوقف على التام لبيان معنى مقصود وهو ما لو وصل طرفاه لأوهم معنى غير المراد، وهذا هو الذي عبّر عنه السجاوندي باللازم. وعبّر عنه بعضهم بالواجب، فمن ذلك الوقف على قوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوََاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مََا جََاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظََّالِمِينَ} [البقرة: الآية 145] والابتداء بقوله: {الَّذِينَ آتَيْنََاهُمُ الْكِتََابَ} [البقرة: الآية 146] لئلا يوهم أن {الَّذِينَ} صفة {الظََّالِمِينَ} وهو مستأنف مدح في عبد الله بن سلام وأصحابه. ومن ذلك الوقف على قوله: {وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ}
[البقرة: الآية 274] والابتداء بقوله: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبََا} [البقرة: الآية 275] لأن وصله بما قبله يوقع في محذور. ومنه الوقف على قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللََّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قََالُوا إِنَّ اللََّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيََاءُ} [آل عمران: الآية 181] والابتداء بقوله: {سَنَكْتُبُ مََا قََالُوا} [آل عمران: الآية 181] لأنه لو وصل لأوهم أن ما بعده من مقولهم، بينما هو إخبار من الله عن الكفار. ومنه الوقف على قوله: {سُبْحََانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النّساء: الآية 171]
والابتداء بقوله: {لَهُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ وَمََا فِي الْأَرْضِ} [النساء: الآية 171] لأنه لو وصل لأوهم أن ما بعده صفة له فكان المنفيّ ولدا موصوفا بأنه يملك السموات والأرض، والمراد نفي الولد مطلقا. ومنه الوقف على قوله: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصََارى ََ أَوْلِيََاءَ} [المائدة: الآية 51] والابتداء بقوله: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيََاءُ بَعْضٍ} [المائدة: الآية 51] لأنه لو وصل لأوهم أن الجملة بعده صفة لأولياء، فيكون النهي عن اتخاذهم أولياء صفتهم أن بعضهم أولياء بعض، فإذا انتفى هذا الوصف جاز اتخاذهم أولياء، وهو محال، وإنما النهي عن اتخاذهم أولياء مطلقا. ومنه الوقف على قوله: {يَعْرِفُونَهُ كَمََا يَعْرِفُونَ أَبْنََاءَهُمُ}
[الأنعام: الآية 20] والابتداء بقوله: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} [الأنعام: الآية 20] لأنه لو وصله لأوهم أن الجملة بعده نعت لأبناء عبد الله بن سلام وأصحابه المؤمنين. ومنه الوقف على قوله تعالى: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: الآية 81] والابتداء بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنعام: الآية 82] لأنه لو وصله لأوهم أن {الَّذِينَ آمَنُوا} متصل بما قبله بل هو مبتدأ خبره {أُولََئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} [الأنعام: الآية 82] ومنه قوله: {وَاللََّهُ لََا يَهْدِي الْقَوْمَ الظََّالِمِينَ} [التوبة: الآية 19]، والابتداء بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهََاجَرُوا} [التوبة: الآية 20] لئلا يوهم أن {الَّذِينَ آمَنُوا} صفة لما قبله. ومنه الوقف على قوله: {وَلََا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} [يونس: الآية 65]، والابتداء بقوله: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلََّهِ جَمِيعاً} [يونس: الآية 65] لئلا يوهم أن ذلك من مقولهم. ومثله {فَلََا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ}
[الآية 76] بياسين، والابتداء بقوله: {إِنََّا نَعْلَمُ مََا يُسِرُّونَ} [يس: الآية 76] لما تقدم.
ومنه الوقف على قوله: {وَمََا كََانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللََّهِ مِنْ أَوْلِيََاءَ} [هود: الآية 20] والابتداء بقوله: {يُضََاعَفُ لَهُمُ الْعَذََابُ} [هود: الآية 20] لئلا يوهم الحالية والوصفية. وقوله:
{مِنْ مَرْقَدِنََا} [يس: الآية 52]، والابتداء بقوله: {هََذََا مََا وَعَدَ الرَّحْمََنُ} [يس: الآية 52] لئلا يصير هذا من صفة المرقد، فيبقى ما وعد الرحمن بلا مبتدأ، وقيل: الوقف على قوله: {هََذََا} بجعله بدلا من {مَرْقَدِنََا} [يس: الآية 52] ويجعل {مََا وَعَدَ الرَّحْمََنُ}
[يس: الآية 52] خبر مبتدأ محذوف تقديره: الذي بعثكم وعد الرحمن. ومنه الوقف على قوله: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكََافِرِينَ} [الزمر: الآية 32] والابتداء بقوله: {وَالَّذِي جََاءَ بِالصِّدْقِ} [الزّمر: الآية 33] لئلا يوهم العطف. وقوله: {أَنَّهُمْ أَصْحََابُ النََّارِ} [غافر:
الآية 6] والابتداء بقوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} [غافر: الآية 7] لأنه لو وصل لصار {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} صفة لأصحاب النار، وليس كذلك. ومنه الوقف على قوله: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [القمر: الآية 6]، والابتداء بقوله: {يَوْمَ يَدْعُ الدََّاعِ} [القمر: الآية 6] لأنه لو وصل صار {يَوْمَ يَدْعُ} ظرفا للتولّي عنهم، وليس كذلك، بل هو ظرف {يُخْرَجُونَ}،
و {خُشَّعاً أَبْصََارُهُمْ} [القمر: الآية 7] حال من الضمير في {يُخْرَجُونَ} تقديره: يخرجون خشّعا أبصارهم يوم يدع الداع. وقوله: {شَدِيدُ الْعِقََابِ} [الحشر: الآية 7] والابتداء بقوله: {لِلْفُقَرََاءِ الْمُهََاجِرِينَ} [الحشر: الآية 8] لأنه لو وصل فهم أن شدّة العقاب للفقراء، وليس كذلك، بل قوله: {لِلْفُقَرََاءِ} خبر مبتدأ محذوف، أي والفيء المذكور للفقراء [اه. من السجاوندي والأشموني والداني].(1/156)
الآية 6] والابتداء بقوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} [غافر: الآية 7] لأنه لو وصل لصار {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} صفة لأصحاب النار، وليس كذلك. ومنه الوقف على قوله: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [القمر: الآية 6]، والابتداء بقوله: {يَوْمَ يَدْعُ الدََّاعِ} [القمر: الآية 6] لأنه لو وصل صار {يَوْمَ يَدْعُ} ظرفا للتولّي عنهم، وليس كذلك، بل هو ظرف {يُخْرَجُونَ}،
و {خُشَّعاً أَبْصََارُهُمْ} [القمر: الآية 7] حال من الضمير في {يُخْرَجُونَ} تقديره: يخرجون خشّعا أبصارهم يوم يدع الداع. وقوله: {شَدِيدُ الْعِقََابِ} [الحشر: الآية 7] والابتداء بقوله: {لِلْفُقَرََاءِ الْمُهََاجِرِينَ} [الحشر: الآية 8] لأنه لو وصل فهم أن شدّة العقاب للفقراء، وليس كذلك، بل قوله: {لِلْفُقَرََاءِ} خبر مبتدأ محذوف، أي والفيء المذكور للفقراء [اه. من السجاوندي والأشموني والداني].
وفي المرعشي: إن قلت: قال الداني: الوقف التام عند تمام القصص وانقضائها، وهذا يدلّ على أن جمل القصة الواحدة متعلّق بعضها ببعض معنى، فيلزم أن لا يكون في أثناء قصة يوسف عليه السلام وشبهها وقف تامّ، مع أنّ الداني قال في سورة يوسف:
الوقف على {حَكِيمٌ} [الآية 6] تام وكذا الوقف على {لَخََاسِرُونَ} [الآية 14] وعلى {لََا يَشْعُرُونَ} [الآية 15]، مع أن هذه الوقوف في أثناء قصة يوسف عليه السلام؟! قلت: في سورة يوسف عليه السلام قصص متعدّدة متعلقة بيوسف عليه السلام فقصة رؤياه تتم عند قوله: {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الآية 6]، وقصة تدبير إخوته وتبعيده عن أبيه تتم عند قوله:
{إِذاً لَخََاسِرُونَ} [الآية 14]، وقصة ما فعلوه به تتم عند قوله: {لََا يَشْعُرُونَ} وهكذا إلى آخر ما يتعلق به عليه السلام، وتعدّ جميع القصص المتعلقة بيوسف عليه السلام بتلك السورة قصة واحدة وحدة اعتبارية لا حقيقية، ولا يفهم مقاطع القصص في القرآن إلا الأفراد من العلماء. اه.
الفصل الرابع في بيان الوقف الكافي
اعلم أن الوقف الكافي هو الذي يحسن الوقف عليه أيضا والابتداء بما بعده، غير أن الذي بعده متعلق به من جهة المعنى دون تعلّق شيء من جهة الإعراب نحو {أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لََا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: الآية 6] ثم قال: {خَتَمَ اللََّهُ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ} [البقرة: الآية 7] فآخر الآية كلام تام ليس له تعلق بما بعده من جهة الإعراب، لكن له تعلق من جهة المعنى لأن قوله: {خَتَمَ اللََّهُ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ} [البقرة: الآية 7] إخبار عن حال الكفار، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة: الآية 6] إخبار عن حالهم أيضا، ومثل ذلك الوقف على قوله:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ} [النّساء: الآية 23] والابتداء بما بعد ذلك في الآية كلها إلى قوله: {رَحِيماً} [النساء: الآية 23]. ومثله الوقف على قوله: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبََاتُ}
[المائدة: الآية 5] والابتداء بما بعد ذلك لأنه كله معطوف. ومثله الوقف على قوله: {وَلََا عَلى ََ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النّور: الآية 61]، والابتداء بما بعد ذلك إلى قوله:
{أَوْ أَشْتََاتاً} [النّور: الآية 61]. وكذا الوقف على فواصل سورة الجن، والمدّثر، والتكوير، والانفطار، والانشقاق، والشمس وضحاها، والابتداء بما بعدهن لأن ذلك كله معطوف بعضه على بعض، فما بعده كلام مستغن عمّا قبله لفظا وإن اتّصل معنى، لكن لا يوقف على الفاصلة التي قبل الجواب لاتصالها به، وقد يتفاضل في الكافية كتفاضل التام نحو {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: الآية 10] كاف، {فَزََادَهُمُ اللََّهُ مَرَضاً}
[البقرة: الآية 10] أكفى منه، {بِمََا كََانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: الآية 10] أكفى منهما. وأكثر ما يكون التفاضل في رءوس الآي نحو {أَلََا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهََاءُ} [البقرة: الآية 13] كاف، {وَلََكِنْ لََا يَعْلَمُونَ} [البقرة: الآية 13] أكفى منه، ونحو {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة: الآية 93] كاف، {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: الآية 93] أكفى منه، ونحو {رَبَّنََا تَقَبَّلْ مِنََّا} [البقرة: الآية 127] كاف {إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:(1/157)
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ} [النّساء: الآية 23] والابتداء بما بعد ذلك في الآية كلها إلى قوله: {رَحِيماً} [النساء: الآية 23]. ومثله الوقف على قوله: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبََاتُ}
[المائدة: الآية 5] والابتداء بما بعد ذلك لأنه كله معطوف. ومثله الوقف على قوله: {وَلََا عَلى ََ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النّور: الآية 61]، والابتداء بما بعد ذلك إلى قوله:
{أَوْ أَشْتََاتاً} [النّور: الآية 61]. وكذا الوقف على فواصل سورة الجن، والمدّثر، والتكوير، والانفطار، والانشقاق، والشمس وضحاها، والابتداء بما بعدهن لأن ذلك كله معطوف بعضه على بعض، فما بعده كلام مستغن عمّا قبله لفظا وإن اتّصل معنى، لكن لا يوقف على الفاصلة التي قبل الجواب لاتصالها به، وقد يتفاضل في الكافية كتفاضل التام نحو {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: الآية 10] كاف، {فَزََادَهُمُ اللََّهُ مَرَضاً}
[البقرة: الآية 10] أكفى منه، {بِمََا كََانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: الآية 10] أكفى منهما. وأكثر ما يكون التفاضل في رءوس الآي نحو {أَلََا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهََاءُ} [البقرة: الآية 13] كاف، {وَلََكِنْ لََا يَعْلَمُونَ} [البقرة: الآية 13] أكفى منه، ونحو {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة: الآية 93] كاف، {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: الآية 93] أكفى منه، ونحو {رَبَّنََا تَقَبَّلْ مِنََّا} [البقرة: الآية 127] كاف {إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:
الآية 127] أكفى منه، وقد يكون الوقف كافيا على تفسير أو إعراب، ويكون غير كاف على آخر نحو {يُعَلِّمُونَ النََّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: الآية 102] كاف إن جعلت «ما» بعده نافية موصولة، فإن جعلت موصولة كان حسنا فلا يبتد بها لأن ما قبلها غير رأس آية.
ونحو {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: الآية 4] كاف على أن يكون ما بعده مبتدأ خبره {عَلى ََ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: الآية 5] وحسن على أن يكون ما بعده خبر {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: الآية 3] أو خبر {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [البقرة: الآية 4]. وقد يكون كافيا على قراءة، وغير كاف على أخرى، نحو {وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ}
[البقرة: الآية 139] كاف على قراءة من قرأ {أَمْ تَقُولُونَ} [البقرة: الآية 140] بتاء الخطاب، وتامّ على قراءة من قرأ بياء الغيبة، ونحو {يُحََاسِبْكُمْ بِهِ اللََّهُ} [البقرة: الآية 284] كاف على قراءة من رفع {فَيَغْفِرُ} [البقرة: الآية 284] {وَيُعَذِّبُ} [البقرة: الآية 284]، وحسن على قراءة من جزمهما، ونحو {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللََّهِ وَفَضْلٍ} [آل عمران: الآية 171] كاف على قراءة من كسر همزة {وَأَنَّ اللََّهَ لََا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: الآية 171]، وحسن على قراءة من فتحها.
وقد يتأكد الوقف الكافي لبيان المعنى المقصود كما تقدّم في التام فمن ذلك الوقف على قوله: {وَمََا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: الآية 8]، والابتداء بقوله: {يَخْدَعُونَ}
[البقرة: الآية 9] لأن قوله: {بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: الآية 8] وغيرها منكّر، والجملة بعد المنكّر تتعلق به، فلو وصل صار التقدير: وما هم بمؤمنين مخادعين فينتفي الوصف عن الموصوف، فينتقض المعنى لأن المراد نفي الإيمان عنهم وإثبات الخداع لهم.
ومنه الوقف على قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيََاةُ الدُّنْيََا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}
[البقرة: الآية 212] والابتداء بقوله: {وَالَّذِينَ اتَّقَوْا} [البقرة: الآية 212] وهو مبتدأ و {فَوْقَهُمْ} [البقرة: الآية 212] خبره، ولو وصل صار ظرفا ل {وَيَسْخَرُونَ} [البقرة: الآية 212] أو حالا لفاعل «يسخر»، وقبحه ظاهر. ومنه قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قََالُوا إِنَّ اللََّهَ ثََالِثُ ثَلََاثَةٍ} [المائدة: الآية 73] والابتداء بقوله: {وَمََا مِنْ إِلََهٍ إِلََّا إِلََهٌ وََاحِدٌ}
[المائدة: الآية 73] لأنه يوهم السامع أنه من قول النصارى الذين يقولون بالتثليث، وليس كذلك. ومنه قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} [يوسف: الآية 24] والابتداء بقوله: {وَهَمَّ بِهََا}
[يوسف: الآية 24]، وبهذا يتخلص القارئ من شيء لا يليق بنبيّ معصوم أن يهمّ بامرأة، وينفصل من حكم القسم قبله من قوله: {وَلَقَدْ} [يوسف: الآية 24]، ويصير {وَهَمَّ بِهََا} [يوسف: الآية 24] مستأنفا إذ الهمّ من السيد يوسف منفيّ لوجود رؤيته البرهان، فالهمّ الثاني غير الهمّ الأوّل، وقيل: الوقف على قوله: {وَهَمَّ بِهََا} [يوسف:(1/158)
ومنه الوقف على قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيََاةُ الدُّنْيََا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}
[البقرة: الآية 212] والابتداء بقوله: {وَالَّذِينَ اتَّقَوْا} [البقرة: الآية 212] وهو مبتدأ و {فَوْقَهُمْ} [البقرة: الآية 212] خبره، ولو وصل صار ظرفا ل {وَيَسْخَرُونَ} [البقرة: الآية 212] أو حالا لفاعل «يسخر»، وقبحه ظاهر. ومنه قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قََالُوا إِنَّ اللََّهَ ثََالِثُ ثَلََاثَةٍ} [المائدة: الآية 73] والابتداء بقوله: {وَمََا مِنْ إِلََهٍ إِلََّا إِلََهٌ وََاحِدٌ}
[المائدة: الآية 73] لأنه يوهم السامع أنه من قول النصارى الذين يقولون بالتثليث، وليس كذلك. ومنه قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} [يوسف: الآية 24] والابتداء بقوله: {وَهَمَّ بِهََا}
[يوسف: الآية 24]، وبهذا يتخلص القارئ من شيء لا يليق بنبيّ معصوم أن يهمّ بامرأة، وينفصل من حكم القسم قبله من قوله: {وَلَقَدْ} [يوسف: الآية 24]، ويصير {وَهَمَّ بِهََا} [يوسف: الآية 24] مستأنفا إذ الهمّ من السيد يوسف منفيّ لوجود رؤيته البرهان، فالهمّ الثاني غير الهمّ الأوّل، وقيل: الوقف على قوله: {وَهَمَّ بِهََا} [يوسف:
الآية 24]. ومنه الوقف على قوله: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنََا} [الإسراء: الآية 8] والابتداء بقوله:
{وَجَعَلْنََا} [الإسراء: الآية 8] لأنه لو وصل صار قوله: {وَجَعَلْنََا} معطوفا على قوله:
{عُدْنََا} [الإسراء: الآية 8]، داخلا تحت شرط {وَإِنْ عُدْتُمْ} [الإسراء: الآية 8]. ومنه الوقف على قوله: {وَمََا أَرْسَلْنََاكَ إِلََّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الإسراء: الآية 105] والابتداء بقوله:
{وَقُرْآناً} [الإسراء: الآية 106] لأنه لو وصل صار قوله: {وَقُرْآناً} [الإسراء: الآية 106] معطوفا فاقتضى أن يكون الرسول «قرآنا»، بل التقدير: وفرقنا قرآنا {فَرَقْنََاهُ} [الإسراء:
الآية 106] أي أحكمناه. ومنه الوقف على قوله: {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقََالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} (14) [الدّخان: الآية 14] والابتداء بقوله: {إِنََّا كََاشِفُوا الْعَذََابِ} [الدّخان: الآية 15] لأنه لو وصل لصار {إِنََّا كََاشِفُوا الْعَذََابِ} [الدّخان: الآية 15] من مقول الكفار. ومنه الوقف على قوله:
{الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} (12) [الطّور: الآية 12] والابتداء بقوله: {يَوْمَ يُدَعُّونَ}
[الطّور: الآية 13] لأنه لو وصل لصار {يَوْمَ} ظرفا لقوله: {يَلْعَبُونَ}. ومنه الوقف على قوله: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلََالٍ وَسُعُرٍ} (47) [القمر: الآية 47] والابتداء بقوله: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ} [القمر: الآية 48] لأنّ {يَوْمَ يُسْحَبُونَ} ليس بظرف لضلالتهم، وإنما هو ظرف لمحذوف أي يقال لهم ذوقوا مسّ سقر. ومنه الوقف على قوله: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللََّهِ} [المنافقون: الآية 1] والابتداء بقوله: {وَاللََّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} [المنافقون: الآية 1] لأنه لو وصل لصار {وَاللََّهُ يَعْلَمُ} من مقول المنافقين. ومنه الوقف على قوله: {فَمَنْ شََاءَ ذَكَرَهُ} (12) [عبس: الآية 12] والابتداء بقوله: {فِي صُحُفٍ} [عبس: الآية 13] لأنه لو وصل صارت الصحف محلّ ذكر من شاء أن يذكر القرآن، وهو محال، بل التقدير: هو في صحف مكرمة. [اه. سجاوندي].(1/159)
{الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} (12) [الطّور: الآية 12] والابتداء بقوله: {يَوْمَ يُدَعُّونَ}
[الطّور: الآية 13] لأنه لو وصل لصار {يَوْمَ} ظرفا لقوله: {يَلْعَبُونَ}. ومنه الوقف على قوله: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلََالٍ وَسُعُرٍ} (47) [القمر: الآية 47] والابتداء بقوله: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ} [القمر: الآية 48] لأنّ {يَوْمَ يُسْحَبُونَ} ليس بظرف لضلالتهم، وإنما هو ظرف لمحذوف أي يقال لهم ذوقوا مسّ سقر. ومنه الوقف على قوله: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللََّهِ} [المنافقون: الآية 1] والابتداء بقوله: {وَاللََّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} [المنافقون: الآية 1] لأنه لو وصل لصار {وَاللََّهُ يَعْلَمُ} من مقول المنافقين. ومنه الوقف على قوله: {فَمَنْ شََاءَ ذَكَرَهُ} (12) [عبس: الآية 12] والابتداء بقوله: {فِي صُحُفٍ} [عبس: الآية 13] لأنه لو وصل صارت الصحف محلّ ذكر من شاء أن يذكر القرآن، وهو محال، بل التقدير: هو في صحف مكرمة. [اه. سجاوندي].
الفصل الخامس في بيان ما يتعلق بالوقف الحسن
اعلم أن الوقف الحسن هو الذي يحسن الوقف عليه، وفي الابتداء بما بعده خلاف لتعلّقه به من جهة اللفظ إذ كثيرا ما تكون آية تامة وهي متعلقة بما بعدها ككونها مستثنى والأخرى مستثنى منها لأن ما بعده مع ما قبله كلام واحد من جهة المعنى كما تقدم، أو كونها نعتا لما قبله، أو بدلا، أو حالا، أو توكيدا كما سيأتي بيانه. وسمي حسنا لأنه يفهم معنى يحسن السكوت عليه، ويكون رأس آية وغير رأس آية، فإن كان غير رأس آية حسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده، فيستحب لمن وقف عليه أن يبتدئ من الكلمة الموقوف عليها، فإن لم يفعل فلا إثم عليه كما ذكره المرعشي، وقال بجواز الابتداء بما بعده الشيخ ابن قاسم البقري في رسالته «غنية الطالبين». وقال الشيخ خالد في شرحه على الجزرية: والمختار أن الوقف على التام والكافي والحسن جائز وكذا حكم الابتداء اه. وأما إن كان رأس آية نحو قوله: {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (2) [الفاتحة:
الآية 2] و {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: الآية 1] فوقفه حسن أيضا، ويحسن الابتداء بما بعده لكون الموقوف عليه من رءوس الآي، وهو على خلاف في أن الوقف على مثل ذلك أولى أو وصله بما بعده، وسيجيء تحقّقه. قال الملا علي في شرحه: ثم اعلم أن الوقف على رءوس الآي سنّة لما ذكره ابن ابن الجزري بروايته عن أبيه بسنده المتصل إلى أم سلمة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ قطّع آية آية يقول: {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} (1) ثم يقف، ثم يقول {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (2) ثم يقف، ثم يقول: {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} (3) ثم يقف». ثم قال:
ولهذا الحديث طرق كثيرة، وهو أصل في هذا الباب.
أقول: فظاهر هذا الحديث أن رءوس الآي يستحبّ الوقف عليها سواء وجد تعلق لفظيّ بما بعده أم لا، وهو الذي اختاره البيهقي، وقال أبو عمرو الداني: وهو أحبّ إليّ، لكنه خلاف ما ذهب إليه أرباب الوقوف كالسجاوندي وصاحب الخلاصة وغيرهما من أن رءوس الآي وغيرها في حكم واحد من جهة تعلق ما بعده بما قبله وعدم تعلقه يعني لفظا ولذا كتبوا (قف) و (لا) فوق بعض الفواصل كما كتبوا فوق غيرها. [اه.
باختصار].
وفي المرعشي: قال السيوطي: يحسن الابتداء بما بعد الموقوف عليه في الوقف التام والكافي، ولا يحسن في الوقف الحسن إلا أن يكون رأس آية، فإنه يحسن الابتداء
حينئذ بما بعد الموقوف عليه في اختيار أكثر أهل الأداء لمجيئه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة رضي الله عنها: قال بعض الشارحين أي لحديث أم سلمة: هذا إذا كان ما بعده مفيدا لمعنى، وإلا فلا يحسن الابتداء به: كقوله تعالى في سورة البقرة: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيََا وَالْآخِرَةِ} [الآيتان 219، 220] فإن {تَتَفَكَّرُونَ} رأس آية، لكن لا يفيد ما بعده معنى، فلا يحسن الابتداء به، ويستحب العود إلى ما قبله، وإنما قال السيوطي «في اختيار أكثر أهل الأداء» لأن الداني لم يحسّنه حيث صرّح في كتابه «المكتفى» بأن الابتداء ب {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} (3) [الفاتحة: الآية 3] وب {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) [الفاتحة: الآية 4] لا يحسن عند الوقف على ما قبلهما لأنه مجرور، والابتداء بالمجرور قبيح لأنه تابع له. اهـ. أقول: قبح الابتداء لا يخصّ بالمجرور، بل الابتداء بكل تابع قبيح عنده، وإنما ذكر المجرور لخصوص المقام، ولو قال لأنه تابع والابتداء بالتابع قبيح لكان أظهر. [اه. من حاشية المرعشي].(1/160)
وفي المرعشي: قال السيوطي: يحسن الابتداء بما بعد الموقوف عليه في الوقف التام والكافي، ولا يحسن في الوقف الحسن إلا أن يكون رأس آية، فإنه يحسن الابتداء
حينئذ بما بعد الموقوف عليه في اختيار أكثر أهل الأداء لمجيئه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة رضي الله عنها: قال بعض الشارحين أي لحديث أم سلمة: هذا إذا كان ما بعده مفيدا لمعنى، وإلا فلا يحسن الابتداء به: كقوله تعالى في سورة البقرة: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيََا وَالْآخِرَةِ} [الآيتان 219، 220] فإن {تَتَفَكَّرُونَ} رأس آية، لكن لا يفيد ما بعده معنى، فلا يحسن الابتداء به، ويستحب العود إلى ما قبله، وإنما قال السيوطي «في اختيار أكثر أهل الأداء» لأن الداني لم يحسّنه حيث صرّح في كتابه «المكتفى» بأن الابتداء ب {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} (3) [الفاتحة: الآية 3] وب {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) [الفاتحة: الآية 4] لا يحسن عند الوقف على ما قبلهما لأنه مجرور، والابتداء بالمجرور قبيح لأنه تابع له. اهـ. أقول: قبح الابتداء لا يخصّ بالمجرور، بل الابتداء بكل تابع قبيح عنده، وإنما ذكر المجرور لخصوص المقام، ولو قال لأنه تابع والابتداء بالتابع قبيح لكان أظهر. [اه. من حاشية المرعشي].
وقال صاحب القول المفيد: وبهذا الحديث أي حديث أمّ سلمة استدلّ بعضهم على أن الوقف على رءوس الآي سنة وقال أبو عمرو: هو أحب إليّ، واختاره البيهقي في شعب الإيمان، وغيره من العلماء، وتعقبهما الجعبري في كتابه «الاهتداء» بأن الاستدلال بهذا الحديث على سنّية وقف الفواصل لا دلالة فيه على ذلك، لأنه إنما قصد به إعلام الفواصل قال: وجهل قوم هذا المعنى وسمّوه وقف السنّة، إذ لا يسنّ إلا ما فعله تعبّدا، ولكن هو وقف بيان. اهـ، وأيضا تعقب الاستدلال به الحافظ ابن حجر العسقلاني، ونظره من وجهين، إلى أن قال بعد النظرين: والأظهر أنه عليه الصلاة والسلام إنما كان يقف ليبين للمستمعين رءوس الآي، ولو لم يكن لهذا لما وقف على {الْعََالَمِينَ} [الفاتحة: الآية 2] ولا {الرَّحِيمِ} لما في الوقف عليهما من قطع الصفة من الموصوف، ولا يخفى ما في ذلك اهـ، وفي ابن غازي: قال شيخنا الشيخ سلطان في مقدمة التكبير من طريق الشاطبية والدرة عند قوله: «ثم تجمع من قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (6) [الكافرون: الآية 6] إلى قوله: {وَاسْتَغْفِرْهُ} [النّصر: الآية 3]، ولا يباح الوقف على قوله: {وَالْفَتْحُ} [النّصر: الآية 1] وإن كان رأس آية لأن رءوس الآي إنما يباح الوقف عليها إن تمّ الكلام بأن أخذ المبتدأ خبره، والفعل فاعله، والشرط جوابه، وكذا القسم، فلا يوقف على نحو {وَالْعَصْرِ} (1) [العصر: الآية 1] وكذا {وَالنَّجْمِ إِذََا هَوى ََ} (1) [النّجم: الآية 1] لكن إذا طال الكلام قبل الإتيان بالجواب يباح الوقف حينئذ كما في فواصل {وَالشَّمْسِ وَضُحََاهََا} (1) [الشمس: الآية 1] فيصح الوقف على فواصلها ولو كان قبل الجواب إلا على الفاصلة التي قبل قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكََّاهََا} (9)
[الشّمس: الآية 9] لاتصالها بالجواب. وكذا {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (1) [التّكوير: الآية 1] وكذا لا يوقف على رءوس الآي ولا على غيرها وإن تمّ الكلام بالمعنى المتقدّم حيث توقف الكلام على الإتيان بالصلة أو الحال مثلا كما في نحو {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} (4) [الماعون: الآية 4] وكما في نحو {وَمََا خَلَقْنَا السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ وَمََا بَيْنَهُمََا لََاعِبِينَ} (38) [الدّخان: الآية 38] فلا يوقف على قوله {لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون: الآية 4] ولا على {وَمََا بَيْنَهُمََا} اه. وقال بعض المفسرين: اعلم أن الآي توقيفية، وتكون كلمة واحدة نحو {وَالضُّحى ََ} (1) [الضّحى: الآية 1] و {وَالْفَجْرِ} (1) [الفجر: الآية 1] ولو لم يصحّ الوقف عليها لعدم تمام الكلام، والنبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقف عليها ليعلم الحاضرون أنها آية، ثم يصل إذا لم يتم الكلام، ولذلك أشار بعضهم بقول:(1/161)
وقال صاحب القول المفيد: وبهذا الحديث أي حديث أمّ سلمة استدلّ بعضهم على أن الوقف على رءوس الآي سنة وقال أبو عمرو: هو أحب إليّ، واختاره البيهقي في شعب الإيمان، وغيره من العلماء، وتعقبهما الجعبري في كتابه «الاهتداء» بأن الاستدلال بهذا الحديث على سنّية وقف الفواصل لا دلالة فيه على ذلك، لأنه إنما قصد به إعلام الفواصل قال: وجهل قوم هذا المعنى وسمّوه وقف السنّة، إذ لا يسنّ إلا ما فعله تعبّدا، ولكن هو وقف بيان. اهـ، وأيضا تعقب الاستدلال به الحافظ ابن حجر العسقلاني، ونظره من وجهين، إلى أن قال بعد النظرين: والأظهر أنه عليه الصلاة والسلام إنما كان يقف ليبين للمستمعين رءوس الآي، ولو لم يكن لهذا لما وقف على {الْعََالَمِينَ} [الفاتحة: الآية 2] ولا {الرَّحِيمِ} لما في الوقف عليهما من قطع الصفة من الموصوف، ولا يخفى ما في ذلك اهـ، وفي ابن غازي: قال شيخنا الشيخ سلطان في مقدمة التكبير من طريق الشاطبية والدرة عند قوله: «ثم تجمع من قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (6) [الكافرون: الآية 6] إلى قوله: {وَاسْتَغْفِرْهُ} [النّصر: الآية 3]، ولا يباح الوقف على قوله: {وَالْفَتْحُ} [النّصر: الآية 1] وإن كان رأس آية لأن رءوس الآي إنما يباح الوقف عليها إن تمّ الكلام بأن أخذ المبتدأ خبره، والفعل فاعله، والشرط جوابه، وكذا القسم، فلا يوقف على نحو {وَالْعَصْرِ} (1) [العصر: الآية 1] وكذا {وَالنَّجْمِ إِذََا هَوى ََ} (1) [النّجم: الآية 1] لكن إذا طال الكلام قبل الإتيان بالجواب يباح الوقف حينئذ كما في فواصل {وَالشَّمْسِ وَضُحََاهََا} (1) [الشمس: الآية 1] فيصح الوقف على فواصلها ولو كان قبل الجواب إلا على الفاصلة التي قبل قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكََّاهََا} (9)
[الشّمس: الآية 9] لاتصالها بالجواب. وكذا {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (1) [التّكوير: الآية 1] وكذا لا يوقف على رءوس الآي ولا على غيرها وإن تمّ الكلام بالمعنى المتقدّم حيث توقف الكلام على الإتيان بالصلة أو الحال مثلا كما في نحو {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} (4) [الماعون: الآية 4] وكما في نحو {وَمََا خَلَقْنَا السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ وَمََا بَيْنَهُمََا لََاعِبِينَ} (38) [الدّخان: الآية 38] فلا يوقف على قوله {لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون: الآية 4] ولا على {وَمََا بَيْنَهُمََا} اه. وقال بعض المفسرين: اعلم أن الآي توقيفية، وتكون كلمة واحدة نحو {وَالضُّحى ََ} (1) [الضّحى: الآية 1] و {وَالْفَجْرِ} (1) [الفجر: الآية 1] ولو لم يصحّ الوقف عليها لعدم تمام الكلام، والنبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقف عليها ليعلم الحاضرون أنها آية، ثم يصل إذا لم يتم الكلام، ولذلك أشار بعضهم بقول:
الوقف فوق رءوس الآي سنّة من ... عليه جبريل بالقرآن قد نزلا
محمّد المصطفى المبعوث من مضر ... ومن إلينا به دين الهدى وصلا
وكان يبدأ بعد الوقف إن صلحت ... بداءة، كن لما قد قلت ممتثلا
أما إذا البدء لم يصلح فكان يرى ... عود البدء لما قبل الذي انفصلا
ووقفه كان تعليما لمستمع ... آي القرآن كما قد قاله النّبلا
فثق بما قلت واحذر قول من يك ... مطلقا لوقف وبدء تبلغ الأملا
وقال كان رسول الله عند رءو ... س الآي بالوقف مشغوفا ومشتغلا
ويبدأن ولم يرجع وذا خطأ ... إن كان ما بعد بدء يورث الخللا
والمصطفى منه معصوم كما وردت ... به الأحاديث والتنزيل قد نزلا
وفي المرعشي نقلا عن بعضهم: إن المراد بالوقف في حديث أم سلمة السكت لأن الوقف والسكت والقطع عبارات يطلقها المتقدمون غالبا ويراد بها الوقف، وأما المتأخرون ففرّقوا بين كلّ منها. وفيه أيضا في المقالة الرابعة: قال في النشر: والصحيح أن السكت مقيّد بالسماع والنقل فلا يجوز إلا فيما صحّت الرواية به لمعنى مقصود بذاته كما سيأتي بيانه في التنبيه الخامس في بيان السكت، وقيل: يجوز في رءوس الآي مطلقا أي سواء صحّت الرواية به أم لا حال الوصل لقصد البيان أي بيان أنها رءوس الآي، وبعضهم حمل الحديث الوارد على ذلك اه، وفي المكتفى لأبي عمرو الداني قال: حدّثنا فارس بن أحمد المقرئ: قال: حدّثنا جعفر بن محمد الدقاق قال: حدّثنا عمر بن يوسف قال: حدّثنا الحسين بن شريك قال: حدّثنا أبو حمدون قال: حدّثنا اليزيدي عن أبي عمرو «أنه كان يسكت عند رأس كل آية وكان يقول إنّه أحبّ إليّ إذا
كان رأس آية أن يسكت عندها وقد وردت السّنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند استعماله التقطيع»، كما حدّثنا خلف بن إبراهيم بن محمد المقرئ قال: حدّثنا أحمد بن محمد المكي قال: حدّثنا علي بن عبد العزيز قال: حدّثنا أبو عبيد قال: حدّثنا يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطّع قراءته يقول: {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ (2) الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ (3) مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) [الفاتحة: الآيات 41] ومرقوم فيه على رأس كل آية نقطة حمراء محلّ قوله، ثم يقف» اه.(1/162)
الوقف فوق رءوس الآي سنّة من ... عليه جبريل بالقرآن قد نزلا
محمّد المصطفى المبعوث من مضر ... ومن إلينا به دين الهدى وصلا
وكان يبدأ بعد الوقف إن صلحت ... بداءة، كن لما قد قلت ممتثلا
أما إذا البدء لم يصلح فكان يرى ... عود البدء لما قبل الذي انفصلا
ووقفه كان تعليما لمستمع ... آي القرآن كما قد قاله النّبلا
فثق بما قلت واحذر قول من يك ... مطلقا لوقف وبدء تبلغ الأملا
وقال كان رسول الله عند رءو ... س الآي بالوقف مشغوفا ومشتغلا
ويبدأن ولم يرجع وذا خطأ ... إن كان ما بعد بدء يورث الخللا
والمصطفى منه معصوم كما وردت ... به الأحاديث والتنزيل قد نزلا
وفي المرعشي نقلا عن بعضهم: إن المراد بالوقف في حديث أم سلمة السكت لأن الوقف والسكت والقطع عبارات يطلقها المتقدمون غالبا ويراد بها الوقف، وأما المتأخرون ففرّقوا بين كلّ منها. وفيه أيضا في المقالة الرابعة: قال في النشر: والصحيح أن السكت مقيّد بالسماع والنقل فلا يجوز إلا فيما صحّت الرواية به لمعنى مقصود بذاته كما سيأتي بيانه في التنبيه الخامس في بيان السكت، وقيل: يجوز في رءوس الآي مطلقا أي سواء صحّت الرواية به أم لا حال الوصل لقصد البيان أي بيان أنها رءوس الآي، وبعضهم حمل الحديث الوارد على ذلك اه، وفي المكتفى لأبي عمرو الداني قال: حدّثنا فارس بن أحمد المقرئ: قال: حدّثنا جعفر بن محمد الدقاق قال: حدّثنا عمر بن يوسف قال: حدّثنا الحسين بن شريك قال: حدّثنا أبو حمدون قال: حدّثنا اليزيدي عن أبي عمرو «أنه كان يسكت عند رأس كل آية وكان يقول إنّه أحبّ إليّ إذا
كان رأس آية أن يسكت عندها وقد وردت السّنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند استعماله التقطيع»، كما حدّثنا خلف بن إبراهيم بن محمد المقرئ قال: حدّثنا أحمد بن محمد المكي قال: حدّثنا علي بن عبد العزيز قال: حدّثنا أبو عبيد قال: حدّثنا يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطّع قراءته يقول: {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ (2) الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ (3) مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) [الفاتحة: الآيات 41] ومرقوم فيه على رأس كل آية نقطة حمراء محلّ قوله، ثم يقف» اه.
إذا عرفت هذا فاعلم أن العلماء رحمهم الله اختلفوا في الوقف على رءوس بعض الآي فمنهم من اختار الوقف عليها والابتداء بما بعدها لحديث أم سلمة المتقدم، ولم ينظر إلى عدم تمام الكلام كالوقف على قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: الآية 220] رأس الآية والابتداء بقوله: {فِي الدُّنْيََا وَالْآخِرَةِ} [البقرة: الآية 220]، أو على قوله:
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى ََ} (9) [العلق: الآية 9] رأس الآية والابتداء بقوله: {عَبْداً إِذََا صَلََّى} (10) [العلق: الآية 10]، ولا إلى إيهام الوقف أو الابتداء معنى فاسدا لا يليق كالوقف على قوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} (4) [الماعون: الآية 4] والابتداء ب {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلََاتِهِمْ}
[الماعون: الآية 5] أو على قوله: {أَلََا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ} (151) [الصّافات: الآية 151] والابتداء بقوله: {وَلَدَ اللََّهُ} [الصّافات: الآية 152] فهذا وما شابهه لا يخفى ما فيه فتأمل. ومنهم من أجاز الوقف عليها ولم يجوّز الابتداء لما تقدم، ومنهم من أجاز السكت على رأس كل آية أي من دون تنفس فهذه ثلاثة مذاهب تتعلق بالوقف الحسن، فاختر لنفسك منها ما يحلو، والله أعلم.
لكن الذي نقلناه عن مشايخنا مشافهة هو المذهب الأوّل، وهو المشهور عند غالب أهل هذا الفن، ثم اعلم أنه قد يكون الوقف حسنا على تقدير، وكافيا على آخر، وتامّا على غيرهما، نحو قوله: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: الآية 2] يجوز أن يكون حسنا إذا جعل {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: الآية 3] نعتا {لِلْمُتَّقِينَ} وأن يكون كافيا إذا جعل {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ} رفعا بمعنى هم الذين، أو نصبا. بتقدير أعني الذين ويجوز أن يكون تامّا إذا جعل {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} مبتدأ خبره {أُولََئِكَ عَلى ََ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: الآية 5].
وقد يكون الوقف حسنا والابتداء قبيحا نحو قوله: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ} [الممتحنة: الآية 1] فالوقف حسن والابتداء ب {وَإِيََّاكُمْ} [الممتحنة: الآية 1] قبيح لفساد المعنى، إذ يصير تحذيرا عن الإيمان بالله تعالى، وقد يتأكد الوقف الحسن لبيان المعنى المقصود كما تقدم
كالوقف على قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرََائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى ََ} [البقرة: الآية 246] والابتداء بقوله: {إِذْ قََالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ} [البقرة: الآية 246] لئلا يوهم أن العامل فيه {أَلَمْ تَرَ}. والوقف على قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرََاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتََاهُ اللََّهُ الْمُلْكَ} [البقرة: الآية 258] والابتداء بقوله: {إِذْ قََالَ إِبْرََاهِيمُ} [البقرة: الآية 258]. والوقف على قوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} [المائدة: الآية 27] والابتداء بقوله: {إِذْ قَرَّبََا قُرْبََاناً} [المائدة: الآية 27]. والوقف على قوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} [يونس: الآية 71] والابتداء بقوله: {إِذْ قََالَ لِقَوْمِهِ} [يونس: الآية 71]. والوقف على قوله: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرََاهِيمَ} (51) [الحجر: الآية 51] والابتداء بقول: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ} [الحجر: الآية 52]. والوقف على قوله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتََابِ مَرْيَمَ} [مريم:(1/163)
وقد يكون الوقف حسنا والابتداء قبيحا نحو قوله: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ} [الممتحنة: الآية 1] فالوقف حسن والابتداء ب {وَإِيََّاكُمْ} [الممتحنة: الآية 1] قبيح لفساد المعنى، إذ يصير تحذيرا عن الإيمان بالله تعالى، وقد يتأكد الوقف الحسن لبيان المعنى المقصود كما تقدم
كالوقف على قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرََائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى ََ} [البقرة: الآية 246] والابتداء بقوله: {إِذْ قََالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ} [البقرة: الآية 246] لئلا يوهم أن العامل فيه {أَلَمْ تَرَ}. والوقف على قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرََاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتََاهُ اللََّهُ الْمُلْكَ} [البقرة: الآية 258] والابتداء بقوله: {إِذْ قََالَ إِبْرََاهِيمُ} [البقرة: الآية 258]. والوقف على قوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} [المائدة: الآية 27] والابتداء بقوله: {إِذْ قَرَّبََا قُرْبََاناً} [المائدة: الآية 27]. والوقف على قوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} [يونس: الآية 71] والابتداء بقوله: {إِذْ قََالَ لِقَوْمِهِ} [يونس: الآية 71]. والوقف على قوله: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرََاهِيمَ} (51) [الحجر: الآية 51] والابتداء بقول: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ} [الحجر: الآية 52]. والوقف على قوله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتََابِ مَرْيَمَ} [مريم:
الآية 16] والابتداء بقوله: {إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهََا} [مريم: الآية 16]. والوقف على قوله:
{وَهَلْ أَتََاكَ حَدِيثُ مُوسى ََ} (9) [طه: الآية 9] والابتداء بقوله: {إِذْ رَأى ََ نََاراً} [طه: الآية 10]. والوقف على قوله: {إِذََا جََاءَ لََا يُؤَخَّرُ} [نوح: الآية 4] والابتداء بقوله: {لَوْ كُنْتُمْ} [نوح: الآية 4] لأن جواب لو محذوف تقديره: لو كنتم تعلمون ما كفرتم. كلّ ذلك وما شابهه ألزم السجاونديّ بالوقف عليه لئلا يوهم أنّ العامل في (إذ) الفعل المتقدم. وقد ذكروا الوقف على قوله: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: الآية 9] والابتداء بقوله: {وَتُسَبِّحُوهُ} [الفتح: الآية 9] لئلا يوهم اشتراك عود الضمائر على شيء واحد فإن الضمير في الأوّلين عائد على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي الآخر عائد على الله تعالى، وكذا الوقف على قوله: {أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ أَنْ تَعْتَدُوا} [المائدة: الآية 2] والابتداء بقوله: {وَتَعََاوَنُوا} [المائدة: الآية 2] لأنه لو وصل صار ما بعده معطوفا أي {أَنْ تَعْتَدُوا} و {تَعََاوَنُوا} بحذف إحدى التاءين، وإنما هو أمر مستأنف. وكذا الوقف على قوله: {وَلُعِنُوا بِمََا قََالُوا} [المائدة: الآية 64] والابتداء بقوله: {بَلْ يَدََاهُ} [المائدة: الآية 64] لأن وصله يوهم أن قوله: {بَلْ يَدََاهُ} مفعول {قََالُوا}. والوقف على قوله:
{الْمُنََافِقُونَ وَالْمُنََافِقََاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التّوبة: الآية 67] والابتداء بقوله: {يَأْمُرُونَ}
[التوبة: الآية 67] لأنه لو وصل صارت الجملة صفة لبعض وهي صفة لكل المنافقين.
ومثله {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنََاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيََاءُ بَعْضٍ} [التّوبة: الآية 71] لما تقدم. ومثله الوقف على {وَإِنَّ الدََّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوََانُ} [العنكبوت: الآية 64] والابتداء بقوله: {لَوْ كََانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: الآية 64] لأن التقدير لو علموا حقيقة الدارين لما اختاروا اللهو الفاني على الحيوان الباقي، ولو وصل لصار وصف الحيوان معلقا بشرط أن لو علموا ذلك، وهو محال. ومثله الوقف على قوله: {ذََلِكُمُ اللََّهُ رَبُّكُمْ خََالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [غافر: الآية 62] والابتداء بقوله: {لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} [غافر: الآية 62] لأنه لو
وصل صارت جملة {لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} وصفا لشيء. ومثله الوقف على {إِنَّ هََؤُلََاءِ قَوْمٌ لََا يُؤْمِنُونَ} [الزخرف: الآية 88] والابتداء بقوله: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلََامٌ} [الزّخرف: الآية 89] لئلا يوهم أنه من مقول الرسول لله عزّ وجلّ. ومثله الوقف على قوله: {رَبِّ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ وَمََا بَيْنَهُمََا} [الدّخان: الآية 7] والابتداء بقوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}
[الدخان: الآية 7] لأن ربوبيته لا تتعلق بكونهم موقنين، ومثله في سورة الشعراء. ومثله الوقف على قوله: {إِنَّكُمْ عََائِدُونَ} [الدّخان: الآية 15] والابتداء بقوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ}
[الدّخان: الآية 16] لأنه لو وصل صار يوم نبطش ظرفا لعودهم إلى الكفر، وهو يوم القيامة أو يوم بدر، والعود إلى الكفر فيهما غير ممكن. [اه. من السجاوندي والثغر الباسم].(1/164)
ومثله {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنََاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيََاءُ بَعْضٍ} [التّوبة: الآية 71] لما تقدم. ومثله الوقف على {وَإِنَّ الدََّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوََانُ} [العنكبوت: الآية 64] والابتداء بقوله: {لَوْ كََانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: الآية 64] لأن التقدير لو علموا حقيقة الدارين لما اختاروا اللهو الفاني على الحيوان الباقي، ولو وصل لصار وصف الحيوان معلقا بشرط أن لو علموا ذلك، وهو محال. ومثله الوقف على قوله: {ذََلِكُمُ اللََّهُ رَبُّكُمْ خََالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [غافر: الآية 62] والابتداء بقوله: {لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} [غافر: الآية 62] لأنه لو
وصل صارت جملة {لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} وصفا لشيء. ومثله الوقف على {إِنَّ هََؤُلََاءِ قَوْمٌ لََا يُؤْمِنُونَ} [الزخرف: الآية 88] والابتداء بقوله: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلََامٌ} [الزّخرف: الآية 89] لئلا يوهم أنه من مقول الرسول لله عزّ وجلّ. ومثله الوقف على قوله: {رَبِّ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ وَمََا بَيْنَهُمََا} [الدّخان: الآية 7] والابتداء بقوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}
[الدخان: الآية 7] لأن ربوبيته لا تتعلق بكونهم موقنين، ومثله في سورة الشعراء. ومثله الوقف على قوله: {إِنَّكُمْ عََائِدُونَ} [الدّخان: الآية 15] والابتداء بقوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ}
[الدّخان: الآية 16] لأنه لو وصل صار يوم نبطش ظرفا لعودهم إلى الكفر، وهو يوم القيامة أو يوم بدر، والعود إلى الكفر فيهما غير ممكن. [اه. من السجاوندي والثغر الباسم].
الفصل السادس في بيان ما يتعلق بالوقف القبيح
هو نوعان:
أحدهما: الوقف على كلام لا يفهم منه معنى لشدة تعلقه بما بعده لفظا ومعنى كالوقف على قوله: {بِسْمِ} من {بِسْمِ اللََّهِ} [الفاتحة: الآية 1]، و {الْحَمْدُ} من {الْحَمْدُ لِلََّهِ} [الفاتحة: الآية 2]، وعلى {رَبِّ} من نحو {رَبِّ الْعََالَمِينَ} [الفاتحة: الآية 2]، وعلى (ملك) من {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) [الفاتحة:
الآية 4]، وعلى {إِيََّاكَ} من {إِيََّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: الآية 5]، وعلى {صِرََاطَ}، من {صِرََاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ} [الفاتحة: الآية 7] فكلّ هذا لا يتمّ منه كلام، ولا يفهم منه معنى لأنه لا يعلم إلى أي شيء أضيف فالوقف عليه قبيح لا يجوز تعمد الوقف عليه إلا لضرورة كأن انقطع نفس القارئ أو عطس أو ضحك أو غلبة النوم أو عرض له شيء من الأعذار التي لا يمكن بها أن يصل إلى ما بعده، أو كان الوقف لتعليم وامتحان، فحينئذ يجوز له الوقف على أي كلمة كانت وإن لم يتم المعنى، لكن يستحب له وقيل يجب أن يبتدئ من الكلمة التي قبل الموقوف عليها أو بها على حسب ما يقتضيه المعنى من الحسن لأن الوقف قد أبيح للضرورة فلما اندفعت لم يبق مانع من الابتداء بما قبله. ولهذا قال ابن الجزري في مقدمته:
وغير ما تمّ قبيح وله ... يوقف مضطرّا ويبدأ قبله
لأن المقصود تبيين معاني كتاب الله تعالى وتكميلها فالوقف مبين وفاصل بعضه من بعض، وبذلك تحسن التلاوة، فيحصل الفهم والدّراية، ويتضح منهاج الهداية.(1/165)
وغير ما تمّ قبيح وله ... يوقف مضطرّا ويبدأ قبله
لأن المقصود تبيين معاني كتاب الله تعالى وتكميلها فالوقف مبين وفاصل بعضه من بعض، وبذلك تحسن التلاوة، فيحصل الفهم والدّراية، ويتضح منهاج الهداية.
ولنذكر لك إن شاء الله تعالى قاعدة للوقوف القبيحة التي لا تجوز من هذا النوع لتكميل الفائدة، فنقول:
اعلم أن كلّ كلمة تعلقت بما بعدها بأن يكون ما بعدها من تمامها لا يوقف عليها كالمضاف دون المضاف إليه نحو {بِسْمِ اللََّهِ} [الفاتحة: الآية 1]، و {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ} [مريم: الآية 2]. ولا يوقف على الموصوف دون صفته نحو {اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (6) [الفاتحة: الآية 6]، ولا على الرافع دون المرفوع نحو {وَأُولََئِكَ} من {وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: الآية 5]، ونحو {هُنََالِكَ دَعََا} [آل عمران: الآية 38] والابتداء ب {زَكَرِيََّا} [آل عمران: الآية 38]. ولا الناصب دون المنصوب نحو {اهْدِنَا}
من {اهْدِنَا الصِّرََاطَ} [الفاتحة: الآية 6]، ولا المعطوف عليه دون المعطوف نحو {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: الآية 3] فلا يجوز الوقف عليه حتى يقول: {وَيُقِيمُونَ الصَّلََاةَ}
[البقرة: الآية 3]. ولا على إنّ وأخواتها دون أسمائهن، ولا على أسمائهن دون أخبارهن فليس للقارئ أن يقف على {إِنَّ} ولا {إِنَّ اللََّهَ} وشبه ذلك. ولا على ظن وأخواتها دون منصوباتها فلا يقف على {وَظَنُّوا} من قوله: {وَظَنُّوا أَنْ لََا مَلْجَأَ مِنَ اللََّهِ إِلََّا إِلَيْهِ}
[التّوبة: الآية 118]، ولا على صاحب الحال دونها نحو {وَمََا خَلَقْنَا السَّمََاءَ وَالْأَرْضَ وَمََا بَيْنَهُمََا} [الأنبياء: الآية 16] حتى يقول: {لََاعِبِينَ} [الأنبياء: الآية 16]، ولا على المستثنى منه دون المستثنى نحو {إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: الآيتان 2، 3]، لكن هذا ونحوه في الوقف عليه خلاف لكونه رأس آية. ومن الممتنع بلا خلاف الوقف على نحو قوله تعالى: {وَقََالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النََّارُ} [البقرة: الآية 80] وعلى {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} [البقرة: الآية 83] والابتداء بقوله: {إِلََّا أَيََّاماً} [البقرة: الآية 80] و {إِلََّا قَلِيلًا} [البقرة: الآية 83]. ولا على المفسّر دون التفسير نحو {وَإِذْ وََاعَدْنََا مُوسى ََ أَرْبَعِينَ}
[البقرة: الآية 51] و {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلََاثَ مِائَةٍ} [الكهف: الآية 25] و {إِنَّ هََذََا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ} [ص: الآية 23] والابتداء بقوله: {لَيْلَةً} [البقرة: الآية 51] و {سِنِينَ}
[الكهف: الآية 25] و {نَعْجَةً} [ص: الآية 23]. ولا على الذي، والتي، والذين، وما، من دون صلاتهن نحو الوقف على {الَّذِي} [النّاس: الآية 5] والابتداء ب {يُوَسْوِسُ}
[النّاس: الآية 5]، وعلى {وَالَّتِي} [الأنبياء: الآية 91] والابتداء ب {أَحْصَنَتْ فَرْجَهََا}
[الأنبياء: الآية 91]، ولا على {الَّذِينَ} [البقرة: الآية 3] والابتداء ب {يُؤْمِنُونَ} [البقرة:
الآية 3] ولا على (من) من نحو قوله: {وَقََالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلََّا مَنْ} [البقرة: الآية
111] والابتداء {كََانَ هُوداً أَوْ نَصََارى ََ} [البقرة: الآية 111]، وكالوقف على {وَمََا} من نحو {قُولُوا آمَنََّا بِاللََّهِ وَمََا} [البقرة: الآية 136] والابتداء ب {أُنْزِلَ إِلَيْنََا} [البقرة: الآية 136]، وكالوقف على {فَمِنْهُمْ} [البقرة: الآية 253] والابتداء ب {مَنْ آمَنَ} [البقرة: الآية 253]، ولا على {وَمِنْهُمُ} [التوبة: الآية 61] والابتداء ب {الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} [التّوبة:(1/166)
الآية 3] ولا على (من) من نحو قوله: {وَقََالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلََّا مَنْ} [البقرة: الآية
111] والابتداء {كََانَ هُوداً أَوْ نَصََارى ََ} [البقرة: الآية 111]، وكالوقف على {وَمََا} من نحو {قُولُوا آمَنََّا بِاللََّهِ وَمََا} [البقرة: الآية 136] والابتداء ب {أُنْزِلَ إِلَيْنََا} [البقرة: الآية 136]، وكالوقف على {فَمِنْهُمْ} [البقرة: الآية 253] والابتداء ب {مَنْ آمَنَ} [البقرة: الآية 253]، ولا على {وَمِنْهُمُ} [التوبة: الآية 61] والابتداء ب {الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} [التّوبة:
الآية 61] ونحو ذلك. ولا على الفعل دون مصدره نحو الوقف على {وَكَلَّمَ اللََّهُ مُوسى ََ}
[النّساء: الآية 164] ونحو {وَسَلِّمُوا} [الأحزاب: الآية 56] والابتداء ب {مُوسى ََ تَكْلِيماً}
[النّساء: الآية 164] و {تَسْلِيماً} [الأحزاب: الآية 56]. ولا على حروف الاستفهام وأسمائه دون ما استفهم بها عنه، نحو الوقف على (ما) من قوله تعالى: {وَمََا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يََا مُوسى ََ} (83) [طه: الآية 83] ومن قوله: {وَمََا رَبُّ الْعََالَمِينَ}
[الشّعراء: الآية 23]، و (كيف) من قوله: {فَكَيْفَ إِذََا جِئْنََا} [النّساء: الآية 41]، وعلى (أين) من {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} (26) [التّكوير: الآية 26] والابتداء بما بعدهنّ بأن يبتدئ ب {أَعْجَلَكَ} [طه: الآية 83] و {رَبُّ الْعََالَمِينَ} [الشعراء: الآية 23] و {إِذََا جِئْنََا}
[النّساء: الآية 41] و {تَذْهَبُونَ} [التّكوير: الآية 26] وشبه ذلك. وكذا الوقف على همزة الاستفهام من نحو {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النََّاسَ} [يونس: الآية 99] و {أَفَإِنْ مََاتَ} [آل عمران:
الآية 144] و {آللََّهُ خَيْرٌ} [النمل: الآية 59] و {آلذَّكَرَيْنِ} [الأنعام: الآية 143] والابتداء بما بعده. والوقف على (هل) من قوله: {هَلْ لَنََا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} [آل عمران:
الآية 154] والابتداء بما بعده. ولا على أدوات الشرط دون المشروط نحو {وَمَنْ} من قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً} [النساء: الآية 110]. ولا على الشرط دون الجزاء نحو {وَمََا تَفْعَلُوا} من قوله: {وَمََا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللََّهُ} [البقرة: الآية 197]. ولا على الأمر دون جوابه نحو {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: الآية 16] دون {يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الكهف: الآية 16] لأن هذه كلها لا يتمّ بها كلام ولا يفهم منها معنى فلا يجوز الوقف عليها ولا الابتداء بما بعدها.
وفي المرعشي: اعلم أن الوقف قبل تمام الكلام ليس إلا ترك ما استحبّ لما قال السيوطي: قولهم لا يجوز الوقف على المضاف دون المضاف إليه ولا على الفعل دون الفاعل ولا على الفاعل دون المفعول إلى آخر ما تقدم إنما يريدون بذلك الجواز الأدائيّ وهو الذي يحسن في القراءة، ولا يريدون بذلك أنه حرام أو مكروه إلا أن يقصد بذلك تحريف القرآن وخلاف المعنى الذي أراد الله تعالى فإنه يكفر والعياذ بالله تعالى فضلا عن أن يأثم، ويجب ردعه بحسبه على ما تقتضيه الشريعة المطهرة.
النوع الثاني: فيما يوهم الوقف عليه أو الابتداء وصفا لا يليق به تعالى، أو يفهم معنى غير ما أراده الله تعالى كالوقف على قوله: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَسْتَحْيِي} [البقرة: الآية 26]، و {إِنَّ اللََّهَ لََا يَهْدِي} [غافر: الآية 28]، أو على قوله: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللََّهُ}
[البقرة: الآية 258] و {لِلَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلََّهِ} [النّحل: الآية 60] و {لََا يَبْعَثُ اللََّهُ} [النّحل: الآية 38] و {إِنَّ اللََّهَ لََا يُحِبُّ} [النساء: الآية 36] لأن المعنى يفسد بفصل ذلك مما بعده من قوله: {أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} [البقرة: الآية 26] و {لََا يَهْدِي الْقَوْمَ الظََّالِمِينَ} [البقرة: الآية 258] و {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} [غافر: الآية 28] و {الْمَثَلُ الْأَعْلى ََ} [النّحل:(1/167)
وفي المرعشي: اعلم أن الوقف قبل تمام الكلام ليس إلا ترك ما استحبّ لما قال السيوطي: قولهم لا يجوز الوقف على المضاف دون المضاف إليه ولا على الفعل دون الفاعل ولا على الفاعل دون المفعول إلى آخر ما تقدم إنما يريدون بذلك الجواز الأدائيّ وهو الذي يحسن في القراءة، ولا يريدون بذلك أنه حرام أو مكروه إلا أن يقصد بذلك تحريف القرآن وخلاف المعنى الذي أراد الله تعالى فإنه يكفر والعياذ بالله تعالى فضلا عن أن يأثم، ويجب ردعه بحسبه على ما تقتضيه الشريعة المطهرة.
النوع الثاني: فيما يوهم الوقف عليه أو الابتداء وصفا لا يليق به تعالى، أو يفهم معنى غير ما أراده الله تعالى كالوقف على قوله: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَسْتَحْيِي} [البقرة: الآية 26]، و {إِنَّ اللََّهَ لََا يَهْدِي} [غافر: الآية 28]، أو على قوله: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللََّهُ}
[البقرة: الآية 258] و {لِلَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلََّهِ} [النّحل: الآية 60] و {لََا يَبْعَثُ اللََّهُ} [النّحل: الآية 38] و {إِنَّ اللََّهَ لََا يُحِبُّ} [النساء: الآية 36] لأن المعنى يفسد بفصل ذلك مما بعده من قوله: {أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} [البقرة: الآية 26] و {لََا يَهْدِي الْقَوْمَ الظََّالِمِينَ} [البقرة: الآية 258] و {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} [غافر: الآية 28] و {الْمَثَلُ الْأَعْلى ََ} [النّحل:
الآية 60] و {مَنْ يَمُوتُ} [النّحل: الآية 38] و {مَنْ كََانَ مُخْتََالًا فَخُوراً} [النّساء: الآية 36] فمن انقطع نفسه على شيء من ذلك وجب عليه أن يرجع إلى ما قبله، ويصل الكلام بعضه ببعض، فإن لم يفعل أثم، وكان من الخطأ العظيم الذي لو تعمده متعمد لخرج بذلك عن دين الإسلام لإفراده من القرآن ما هو متعلّق بما قبله أو بما بعده، وكون إفراده ذلك افتراء على الله وجهلا به.
ومن هذا النوع في القبح الوقف على قوله: {وََاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقََالُوا} [البقرة:
الآيتان 115، 116] و {لَقَدْ سَمِعَ اللََّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قََالُوا} [آل عمران: الآية 181] و {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قََالُوا} [المائدة: الآية 17] وقوله: {فَاعْبُدُونِ (25) وَقََالُوا} [الأنبياء: الآيتان 25، 26] و {مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ} [الصّافات: الآية 151] و {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ} [الأنبياء: الآية 29] و {وَمََا لِيَ} [يس: الآية 22] و {وَقََالَتِ الْيَهُودُ} [المائدة: 64والتوبة: الآية 30] و {وَقََالَتِ النَّصََارى ََ} [التوبة: الآية 30] و {وَقََالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصََارى ََ} [المائدة: الآية 18] و {فَبَعَثَ}
[المائدة: الآية 31] و {إِلََّا أَنْ قََالُوا أَبَعَثَ} [الإسراء: الآية 94] والابتداء بما بعد ذلك من قوله: {اتَّخَذَ اللََّهُ وَلَداً} [البقرة: الآية 116] و {إِنَّ اللََّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيََاءُ} [آل عمران: الآية 181] و {إِنَّ اللََّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: الآية 17] و {إِنَّ اللََّهَ ثََالِثُ ثَلََاثَةٍ}
[المائدة: الآية 73] {اتَّخَذَ الرَّحْمََنُ وَلَداً} [الأنبياء: الآية 26] و {وَلَدَ اللََّهُ} [الصّافات: الآية 152] و {إِنِّي إِلََهٌ مِنْ دُونِهِ} [الأنبياء: الآية 29] و {لََا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [يس: الآية 22] و {يَدُ اللََّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: الآية 64] و {عُزَيْرٌ ابْنُ اللََّهِ} [التوبة: الآية 30] و {الْمَسِيحُ ابْنُ اللََّهِ} [التّوبة: الآية 30] و {نَحْنُ أَبْنََاءُ اللََّهِ وَأَحِبََّاؤُهُ} [المائدة: الآية 18] و {اللََّهُ غُرََاباً}
[المائدة: الآية 31] و {اللََّهُ بَشَراً رَسُولًا} [الإسراء: الآية 94].
ومثل ذلك في القبح الوقف على الأسماء التي تبين نعوتها حقائقها كقوله تعالى:
{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} (4) [الماعون: الآية 4] وشبهه لأن المصلين اسم ممدوح محمود لا
يليق به ويل، وإنما خرج من جملة الممدوحين بنعته المتصل به وهو قوله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلََاتِهِمْ سََاهُونَ} (5) [الماعون: الآية 5].(1/168)
{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} (4) [الماعون: الآية 4] وشبهه لأن المصلين اسم ممدوح محمود لا
يليق به ويل، وإنما خرج من جملة الممدوحين بنعته المتصل به وهو قوله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلََاتِهِمْ سََاهُونَ} (5) [الماعون: الآية 5].
وأقبح من هذا وأشنع وأبشع الوقف على الحرف المنفي الذي يأتي بعده حرف الإيجاب نحو قوله: {لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ} [الصّافات: الآية 35] و {وَمََا مِنْ إِلََهٍ إِلَّا اللََّهُ}
[آل عمران: الآية 62، وغيرها] و {لََا إِلََهَ إِلََّا أَنَا} [النّحل: الآية 2]. قال الداني: لو وقف واقف قبل حرف الإيجاب من غير عارض لكان ذنبا عظيما لأن المنفيّ في ذلك كلّ ما عبد غير الله عزّ وجلّ، ومثله {وَمََا أَرْسَلْنََاكَ إِلََّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الإسراء: الآية 105]، {وَمََا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلََّا لِيَعْبُدُونِ} (56) [الذاريات: الآية 56]. إن وقف واقف على ما قبل حرف الإيجاب في ذلك آل إلى نفي إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، وإلى نفي خلق الجن والإنس، وكذلك {وَعِنْدَهُ مَفََاتِحُ الْغَيْبِ لََا يَعْلَمُهََا إِلََّا هُوَ} [الأنعام: الآية 59]، و {قُلْ لََا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللََّهُ} [النّمل: الآية 65] وما كان مثله، وذلك من عظيم القول اه.
ومن القبيح أيضا الوقف على الكلام المنفصل الخارج عن حكم ما وصل به، كأن وقف على قوله تعالى: {وَإِنْ كََانَتْ وََاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ} [النّساء: الآية 11] فإنّ المعنى يفسد بهذا الوقف لأنه يفهم منه أن الأبوين مشتركان في النصف مع البنت، أو يوهم أن يكون لأبويه أيضا النصف، وليس كذلك بل المعنى أنّ النصف للبنت دون الأبوين، والأبوان مستأنفان بما يجب لهما مع الولد ذكرا كان أو أنثى واحدا أو جمعا.
وكذا الوقف على قوله: {إِنَّمََا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى ََ} [الأنعام: الآية 36] إذ الوقف عليه يفيد أن الموتى تستجيب مع الذين يسمعون، وليس كذلك، بل المعنى أن الموتى لا يستجيبون، وإنما أخبر الله عنهم أنهم يبعثون، فهم مستأنفون بحالهم.
وكذا قوله تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلََّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ}
[النور: الآية 11] إن وقف على ذلك كان خطأ وفسد المعنى لأن من كنى عنهم أوّلا مؤمنون، ومتولّي الكبر منافق، وهو عبد الله بن أبيّ ابن سلول فهو مستأنف بما يلحقه خاصة في الآخرة من عظيم العذاب.
وكذا قوله: {فَأَخََافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هََارُونُ} [القصص: الآيتان 33، 34] إن وقف على ذلك لا يصح لأن موسى عليه السلام إنما خاف القتل على نفسه دون أخيه، وأخوه مستأنف بحاله وصفته.
وكذلك ما كان مثله وفي معناه نحو: {وَعَدَ اللََّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيََاتِنََا} [المائدة: الآيتان 9، 10] و {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ أَضَلَّ أَعْمََالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ} [محمد: الآيتان 1، 2]. و {الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذََابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ} [فاطر: الآية 7] و {لِلَّذِينَ اسْتَجََابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى ََ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ} [الرّعد: الآية 18] و {أَنَّهُمْ أَصْحََابُ النََّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} [غافر: الآيتان 6، 7]. و {مَنْ يَهْدِ اللََّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ}
[الكهف: الآية 17] و {فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا} [آل عمران: الآية 20] و {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا} [الأنفال: الآية 38] و {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصََانِي} [إبراهيم: الآية 36]. و {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ} [إبراهيم: الآية 7] وشبه ذلك مما هو خارج عن حكم الأول من جهة المعنى لأنه متى قطع عليه دون ما يبين حقيقته ويوضح مراده لم يكن شيء أقبح منه لأنه سوّى بالوقف بين حال من آمن ومن كفر، وبين من اهتدى ومن ضلّ فهذا جليّ الفساد، وفيه بطلان الشريعة والخروج من الملة، فيلزم من انقطع نفسه على ذلك أن يرجع حتى يصل بعضه ببعض، أو يقطع على إحدى القصتين، أو على آخر القصة الثانية إن شاء، ومن لم يفعل ذلك فقد أثم واعتدى وجهل وافترى.(1/169)
وكذا قوله: {فَأَخََافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هََارُونُ} [القصص: الآيتان 33، 34] إن وقف على ذلك لا يصح لأن موسى عليه السلام إنما خاف القتل على نفسه دون أخيه، وأخوه مستأنف بحاله وصفته.
وكذلك ما كان مثله وفي معناه نحو: {وَعَدَ اللََّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيََاتِنََا} [المائدة: الآيتان 9، 10] و {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ أَضَلَّ أَعْمََالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ} [محمد: الآيتان 1، 2]. و {الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذََابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ} [فاطر: الآية 7] و {لِلَّذِينَ اسْتَجََابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى ََ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ} [الرّعد: الآية 18] و {أَنَّهُمْ أَصْحََابُ النََّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} [غافر: الآيتان 6، 7]. و {مَنْ يَهْدِ اللََّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ}
[الكهف: الآية 17] و {فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا} [آل عمران: الآية 20] و {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا} [الأنفال: الآية 38] و {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصََانِي} [إبراهيم: الآية 36]. و {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ} [إبراهيم: الآية 7] وشبه ذلك مما هو خارج عن حكم الأول من جهة المعنى لأنه متى قطع عليه دون ما يبين حقيقته ويوضح مراده لم يكن شيء أقبح منه لأنه سوّى بالوقف بين حال من آمن ومن كفر، وبين من اهتدى ومن ضلّ فهذا جليّ الفساد، وفيه بطلان الشريعة والخروج من الملة، فيلزم من انقطع نفسه على ذلك أن يرجع حتى يصل بعضه ببعض، أو يقطع على إحدى القصتين، أو على آخر القصة الثانية إن شاء، ومن لم يفعل ذلك فقد أثم واعتدى وجهل وافترى.
وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى الخطيب لمّا قال: «من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما» ووقف، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «قم بئس خطيب القوم أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى». قال أبو عمرو: ففي الخبر دليل واضح على كراهة القطع على المستبشع من اللفظ المتعلّق بما يبين حقيقته ويدل على المراد منه لأنه صلى الله عليه وسلم إنما أقام الخطيب لمّا قطع على ما يقبح إذ جمع بقطعه بين حال من أطاع ومن عصى، ولم يفصل بين ذلك، وإنما كان ينبغي له أن يقف على قوله: «فقد رشد»، ثم يستأنف: «ومن يعصهما فقد غوى»، أو يصل كلامه إلى آخره. وإذا كان مثل هذا مكروها مستقبحا في الكلام الجاري بين الناس، فهو في كلام الله أشدّ كراهة وقبحا، وتجنّبه أولى وأحقّ.
[اه. من المكتفى لأبي عمرو].
الفصل السابع في بيان وقف التعسّف، ووقف المراقبة
اعلم أن وقف التعسف قد ذكره صاحب الثغر الباسم نقلا عن ابن الجزري في النشر فقال: ليس كل ما يتعسفه بعض المعربين، أو يتكلفه بعض القراء، أو يتأوله
بعض أهل الأهواء مما يقتضي وقفا أو ابتداء، ينبغي أن لا يتعمّد الوقف عليه، بل ينبغي تحرّي المعنى الأتمّ والوقف الأوجه. فمن ذلك الوقف على قوله: {أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة: الآية 6] والابتداء ب هم {لََا يُؤْمِنُونَ} (6) [البقرة: الآية 6] على أنها جملة من مبتدأ وخبر. ومنه الوقف على قوله: {وَارْحَمْنََا أَنْتَ} [البقرة: الآية 286] والابتداء ب {مَوْلََانََا فَانْصُرْنََا} [البقرة: الآية 286] على معنى النداء. ونحو الوقف على {ثُمَّ جََاؤُكَ يَحْلِفُونَ} [النّساء: الآية 62] ثم الابتداء {بِاللََّهِ إِنْ أَرَدْنََا} [النّساء: الآية 62].(1/170)
اعلم أن وقف التعسف قد ذكره صاحب الثغر الباسم نقلا عن ابن الجزري في النشر فقال: ليس كل ما يتعسفه بعض المعربين، أو يتكلفه بعض القراء، أو يتأوله
بعض أهل الأهواء مما يقتضي وقفا أو ابتداء، ينبغي أن لا يتعمّد الوقف عليه، بل ينبغي تحرّي المعنى الأتمّ والوقف الأوجه. فمن ذلك الوقف على قوله: {أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة: الآية 6] والابتداء ب هم {لََا يُؤْمِنُونَ} (6) [البقرة: الآية 6] على أنها جملة من مبتدأ وخبر. ومنه الوقف على قوله: {وَارْحَمْنََا أَنْتَ} [البقرة: الآية 286] والابتداء ب {مَوْلََانََا فَانْصُرْنََا} [البقرة: الآية 286] على معنى النداء. ونحو الوقف على {ثُمَّ جََاؤُكَ يَحْلِفُونَ} [النّساء: الآية 62] ثم الابتداء {بِاللََّهِ إِنْ أَرَدْنََا} [النّساء: الآية 62].
ومنه الوقف على {سُبْحََانَكَ مََا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مََا لَيْسَ لِي} [المائدة: الآية 116] ثم الابتداء ب {بِحَقٍّ} [المائدة: الآية 116]. ومنه الوقف على {ادْعُ لَنََا رَبَّكَ} [الأعراف: الآية 134] ثم الابتداء ب {بِمََا عَهِدَ عِنْدَكَ} [الأعراف: الآية 134]. ومنه الوقف على {وَإِذْ قََالَ لُقْمََانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يََا بُنَيَّ لََا تُشْرِكْ} [لقمان: الآية 13] ثم الابتداء {بِاللََّهِ إِنَّ الشِّرْكَ} [لقمان: الآية 13] على معنى القسم. ومنه الوقف على {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلََا جُنََاحَ} [البقرة: الآية 158] والابتداء ب {عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمََا} [البقرة: الآية 158].
ومنه الوقف على قوله: {وَهُوَ اللََّهُ فِي السَّمََاوََاتِ} [الأنعام: الآية 3] والابتداء ب {وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} [الأنعام: الآية 3]. ومنه الوقف على {مََا كََانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}
[القصص: الآية 68] مع وصله بقوله: {وَيَخْتََارُ} [القصص: الآية 68] قبله على أن «ما» موصولة. ومنه {فَانْتَقَمْنََا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكََانَ حَقًّا} [الرّوم: الآية 47] ويبتدئ {عَلَيْنََا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الرّوم: الآية 47] بمعنى واجب أو لازم.
ومن ذلك قول بعضهم في {عَيْناً فِيهََا تُسَمََّى سَلْسَبِيلًا} (18) [الإنسان: الآية 18] إن الوقف على {تُسَمََّى} أي عينا مسماة معروفة، والابتداء ب {سَلْسَبِيلًا} هكذا جملة أمرية أي سل طريقا موصلة إليها، وهذا مع ما فيه من التحريف يبطله إجماع المصاحف على أنه كلمة واحدة. ومنه أيضا تعسّف بعضهم إذا وقف على {وَمََا تَشََاؤُنَ إِلََّا أَنْ يَشََاءَ} [التكوير:
الآية 29] ويبتدئ {اللََّهُ رَبُّ الْعََالَمِينَ} [التكوير: الآية 29] ويبقى {يَشََاءَ} بغير فاعل. ومنه الوقف على قوله: {وَإِذََا رَأَيْتَ ثَمَّ} [الإنسان: الآية 20] ويبتدئ {رَأَيْتَ نَعِيماً} [الإنسان: الآية 20] وليس بشيء لأن الجواب بعده، و {ثَمَّ} ظرف لا يتصرف، فلا يقع فاعلا ولا مفعولا، وغلط من أعربه مفعولا لرأيت أو جعله محذوفا، والتقدير إذا رأيت الجنة رأيت فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ومنه الوقف على قوله: {كَلََّا لَوْ تَعْلَمُونَ} [التّكاثر: الآية 5] ثم الابتداء ب {عِلْمَ الْيَقِينِ} [التّكاثر: الآية 5] فإن ذلك وما أشبهه تعنت وتعسّف لا فائدة فيه، فينبغي تجنبه
لأنه محض تقليد، وعلم العقل لا يعمل به إلا إذا وافق النقل، فعليك بمراعاة ما نصّ عليه أئمة هذا الشأن، فهو أولى من اتّباع الأهواء. والله الموفق للصواب.(1/171)
ومنه الوقف على قوله: {كَلََّا لَوْ تَعْلَمُونَ} [التّكاثر: الآية 5] ثم الابتداء ب {عِلْمَ الْيَقِينِ} [التّكاثر: الآية 5] فإن ذلك وما أشبهه تعنت وتعسّف لا فائدة فيه، فينبغي تجنبه
لأنه محض تقليد، وعلم العقل لا يعمل به إلا إذا وافق النقل، فعليك بمراعاة ما نصّ عليه أئمة هذا الشأن، فهو أولى من اتّباع الأهواء. والله الموفق للصواب.
قال العلماء: يدخل الواقف على هذه الوقوف المنهيّ عنها في عموم قوله صلى الله عليه وسلم في حق من لم يعمل بالقرآن: «ربّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه» اه.
وأما وقف المراقبة فقد ذكره ابن غازي أيضا في شرحه، والشيخ محمد صادق الهندي في رسالته «كنوز ألطاف البرهان في رموز أوقاف القرآن» وسمّاه وقف المعانقة أي إذا تعانق الوقفان بأن اجتمعا في محل واحد فلا يصح للقارئ أن يقف على كل منهما، بل إذا وقف على أحدهما امتنع الوقف على الآخر لئلا يختلّ المعنى.
قال ابن غازي في شرحه على الجزرية: قد يجيزون الوقف على حرف، ويجيز آخرون الوقف على آخر، ويكون بين الوقفين مراقبة على تضاد، فإذا وقف على الأوّل امتنع الوقف على الثاني. كمن أجاز الوقف على قوله: {لََا رَيْبَ} [البقرة: الآية 2] فإنه لا يجيزه على {فِيهِ} [البقرة: الآية 2]، والذي يجيزه على {فِيهِ} لا يجيزه على {لََا رَيْبَ}.
وسأذكر إن شاء الله تعالى ما تيسر من هذا النوع وهو خمسة وثلاثون موضعا.
فأقول:
في البقرة أربعة مواضع: أولها: الوقف على قوله: {لََا رَيْبَ} [الآية 2] فإنه يراقب قوله: {فِيهِ} [الآية 2]. وثانيها: الوقف على {عَلى ََ حَيََاةٍ} [الآية 96] فإنه يراقب {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الآية 96]. وثالثها: الوقف على {تَهْتَدُونَ} [الآية 150] فإنه يراقب {تَعْلَمُونَ} [الآية 151]. ورابعها: {وَلََا يَأْبَ كََاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ} [الآية 282] فإن بينه وبين {كَمََا عَلَّمَهُ اللََّهُ} [الآية 282] مراقبة.
وفي آل عمران أربعة مواضع: أوّلها: {وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ} [الآية 7] فإن بينه وبين {وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [الآية 7] مراقبة. وثانيها: {وَقُودُ النََّارِ} [الآية 10] فإنه يراقب {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} [الآية 11]. وثالثها: {مََا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً} [الآية 30] فإنه يراقب {وَمََا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [الآية 30]. ورابعها: {أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [الآية 171] فإنه يراقب {الْقَرْحُ} [الآية 172].
وفي المائدة ثلاثة مواضع: أولها: {مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} [الآية 26] فإنه يراقب {أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الآية 26]. وثانيها: {مِنَ النََّادِمِينَ} [الآية 31] فإنه يراقب {مِنْ أَجْلِ ذََلِكَ} [الآية
32]. وثالثها: {وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [الآية 41] يراقب قوله: {هََادُوا} [الآية 41]. وقال الشيخ السجاوندي: الوقف على {قُلُوبُهُمْ} أولى.(1/172)
وفي المائدة ثلاثة مواضع: أولها: {مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} [الآية 26] فإنه يراقب {أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الآية 26]. وثانيها: {مِنَ النََّادِمِينَ} [الآية 31] فإنه يراقب {مِنْ أَجْلِ ذََلِكَ} [الآية
32]. وثالثها: {وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [الآية 41] يراقب قوله: {هََادُوا} [الآية 41]. وقال الشيخ السجاوندي: الوقف على {قُلُوبُهُمْ} أولى.
وفي الأعراف أربعة مواضع: أولها: {جََاثِمِينَ} [الآية 91] فإنه يراقب {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} [الآية 92]. وثانيها: {لََا تَأْتِيهِمْ} [الآية 163] فإنه يراقب {كَذََلِكَ} [الآية 163]. وثالثها: {قََالُوا بَلى ََ} [الآية 172] فإنه يراقب {شَهِدْنََا} [الآية 172]. ورابعها: {مِنَ الْخَيْرِ} [الآية 188] فإنه يراقب {السُّوءُ} [الآية 188].
وفي التوبة موضع واحد وهو: {مُنََافِقُونَ} [الآية 101] فإنه يراقب {الْمَدِينَةِ} [الآية 101]. وقيل: الوقف على {مُنََافِقُونَ} أولى. ويقال له: الوقف المنزّل.
وفي يونس موضع واحد: وهو {لِيُؤْمِنُوا} [الآية 13] يراقب {كَذََلِكَ} [الآية 13].
وفي إبراهيم موضع واحد: وهو {وَثَمُودَ} [الآية 9] يراقب {مِنْ بَعْدِهِمْ} [الآية 9].
وفي الفرقان ثلاثة مواضع أولها: {آخَرُونَ} [الآية 4] يراقب قوله: {وَزُوراً}
[الآية 4]. وثانيها: {جُمْلَةً وََاحِدَةً} [الآية 32] يراقب {كَذََلِكَ} [الآية 32]. وثالثها:
{خَبِيراً} [الآية 58] يراقب {عَلَى الْعَرْشِ} [الآية 59].
وفي الشعراء: {مُنْذِرُونَ} [الآية 208] يراقب {ذِكْرى ََ} [الآية 209].
وفي القصص: {إِلَيْكُمََا} [الآية 35] يراقب قوله: {بِآيََاتِنََا} [الآية 35]، وقيل:
الوقف على {إِلَيْكُمََا} أولى.
وفي الأحزاب موضعان: أولهما: {عَوْرَةٌ} [الآية 13] يراقب قوله: {وَمََا هِيَ بِعَوْرَةٍ} [الآية 13]. وثانيهما: {إِلََّا قَلِيلًا} [الآية 60] يراقب {مَلْعُونِينَ} [الآية 61].
وفي المؤمن [غافر]: {يُصْرَفُونَ} [الآية 69] يراقب {رُسُلَنََا} [الآية 70].
وفي الزخرف: {حم} (1) [الآية 1] يراقب {وَالْكِتََابِ الْمُبِينِ} (2) [الآية 2].
وفي الدخان موضعان: أولهما: {حم} (1) [الآية 1] يراقب {وَالْكِتََابِ الْمُبِينِ} (2) [الآية 2]. وثانيهما: {طَعََامُ الْأَثِيمِ} (44) [الآية 44] يراقب {كَالْمُهْلِ} [الآية 45].
وفي القتال [محمد]: {أَوْزََارَهََا} [الآية 4] يراقب {ذََلِكَ} [الآية 4].
وفي الفتح: {فِي التَّوْرََاةِ} [الآية 29] يراقب {فِي الْإِنْجِيلِ} [الآية 29].
وفي الممتحنة: {وَلََا أَوْلََادُكُمْ} [الآية 3] يراقب {يَوْمَ الْقِيََامَةِ} [الآية 3].
وفي الطلاق: {الْأَلْبََابِ} [الآية 10] يراقب {الَّذِينَ آمَنُوا} [الآية 10].(1/173)
وفي الممتحنة: {وَلََا أَوْلََادُكُمْ} [الآية 3] يراقب {يَوْمَ الْقِيََامَةِ} [الآية 3].
وفي الطلاق: {الْأَلْبََابِ} [الآية 10] يراقب {الَّذِينَ آمَنُوا} [الآية 10].
وفي المدّثر: {أَصْحََابَ الْيَمِينِ} [الآية 39] يراقب {فِي جَنََّاتٍ} [الآية 40].
وفي الانشقاق: {أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الآية 14] يراقب {بَلى ََ} [الآية 15] [اه. كنوز ألطاف البرهان مع الاختصار والتحرير].
ومن أراد توجيه ما ذكرته فعليه بمطالعة كتب التفسير أو كتب الوقف والابتداء كالأشموني، والسجاوندي، والخلاصة.
قال ابن غازي في شرحه: وأوّل من نبّه على المراقبة في الوقف والابتداء الإمام الأستاذ أبو الفضل الرازي، أخذه من المراقبة في العروض.
الفصل الثامن في بيان حكم الوقف على قوله: بلى ونعم وكلّا
قال في غنية الطالبين: اعلم أن «بلى» وقعت في القرآن في اثنين وعشرين موضعا، وأنها على ثلاثة أقسام: قسم يختار الوقف عليه، وقسم يمتنع الوقف عليه، وقسم اختلف فيه فمنهم من جوّز الوقف عليه، ومنهم من منعه.
أما ما يختار عليه الوقف فعشرة مواضع:
منها ثلاثة بالبقرة: قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللََّهِ مََا لََا تَعْلَمُونَ (80) بَلى ََ} [الآيتان 80، 81] وقوله: {إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ (111) بَلى ََ} [الآيتان 111، 112] وقوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قََالَ بَلى ََ} [الآية 260]. ومنها واحد بآل عمران قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللََّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلى ََ} [الآيتان 75، 76]. وواحد بالأعراف {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قََالُوا بَلى ََ} [الآية 172]. وأول موضعي النحل: {مََا كُنََّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى ََ} [الآية 28].
وواحد ب «يس»: {بِقََادِرٍ عَلى ََ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى ََ} [الآية 81]. وواحد بغافر: {قََالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنََاتِ قََالُوا بَلى ََ} [الآية 50]. وأول موضعي الأحقاف:
{بِقََادِرٍ عَلى ََ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ََ بَلى ََ} [الآية 33]. وواحد بالانشقاق: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلى ََ} [الآيتان 14، 15].
وأما ما يمتنع الوقف عليه فسبعة مواضع:
أولها: بالأنعام {قََالَ أَلَيْسَ هََذََا بِالْحَقِّ قََالُوا بَلى ََ وَرَبِّنََا} [الآية 30].
وثانيها: بالنحل {مَنْ يَمُوتُ بَلى ََ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا} [الآية 38].
وثالثها: بسبإ {قُلْ بَلى ََ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [الآية 3].(1/174)
وثانيها: بالنحل {مَنْ يَمُوتُ بَلى ََ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا} [الآية 38].
وثالثها: بسبإ {قُلْ بَلى ََ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [الآية 3].
ورابعها: بتنزيل [الزّمر] في الأول منها {بَلى ََ قَدْ جََاءَتْكَ آيََاتِي} [الآية 59].
وخامسها: بالأحقاف في ثاني حرفيها {قََالُوا بَلى ََ وَرَبِّنََا} [الأنعام: الآية 30].
وسادسها: بالتغابن {قُلْ بَلى ََ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [الآية 7].
وسابعها: بالقيامة {بَلى ََ قََادِرِينَ عَلى ََ أَنْ نُسَوِّيَ بَنََانَهُ} (4) [الآية 4].
وأما ما اختلف. فيه فخمسة مواضع:
أحدها: بآل عمران {بِثَلََاثَةِ آلََافٍ مِنَ الْمَلََائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى ََ إِنْ تَصْبِرُوا} [الآيتان 124، 125].
وثانيها: بالزمر {قََالُوا بَلى ََ وَلََكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذََابِ} [الآية 71].
وثالثها: بالزخرف: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنََّا لََا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوََاهُمْ بَلى ََ وَرُسُلُنََا} [الآية 80].
ورابعها: بالحديد: {قََالُوا بَلى ََ وَلََكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ} [الآية 14].
وخامسها: بالملك: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قََالُوا بَلى ََ قَدْ جََاءَنََا} [الآيتان 8، 9].
وأما لفظ «نعم» فالواقع منه في القرآن أربعة مواضع، يوقف على واحد منها، والثلاثة الباقية لا يوقف عليها، ولا يبتدأ إلا بما قبلها.
فأما الذي يوقف عليه فالأول من الأعراف قوله: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مََا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قََالُوا نَعَمْ} [الآية 44]، وأما الثلاثة التي لا يوقف عليها: فواحد بالأعراف {قََالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} (114) [الآية 114]، وواحد بالشعراء {قََالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} (42) [الآية 42]، وواحد بالصافات {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دََاخِرُونَ} (18) [الآية 18].
وقد نظم بعضهم حكم (بلى) و (نعم) على ما تقدّم فقال:
حروف بلى عشرون واثنان جاءت ... بستّ وعشر في القرآن بسورة
ثلاثة أقسام أتى منع بدئها ... لكلّ إذا لم تأت في فتح آية
وقال إذا لم يتّصل قسم بها ... أبو عمرو الداني فقف بكفاية
فأوّلها عشر ويختار وقفنا ... عليه لدى جمع من الناس جلّة
فستّ بأعراف ونحل وغافر ... وياسين وانشقّت والأحقاف أثبت
وأربع زهراوين والثان سبعة ... تغابن أنعام سبأ مع قيامة
وفي النحل والأحقاف ثان وأوّل ... بتنزيل امنع وقفها ببصيرة
وثالثها في زخرف وحديدها ... وملك وتنزيل وآخر كلمة
بزهر فهذي الخمس خلفهم بها ... ومختار مكّيّ الوصل في الخمس تمّت
وفي الكلّ أقوال سوى ما ذكرته ... وحسن جميع ليس يخفى بوصلة
نعم أربع قف بدء الأعراف وامنعن ... بغير لدى وقف وعند البداءة
* وأما لفظ «كلّا» فالواقع مه في القرآن ثلاثة وثلاثون موضعا في خمس عشرة سورة، وهي كلها في النصف الأخير [من القرآن]، وفي السّور المكية منه.(1/175)
حروف بلى عشرون واثنان جاءت ... بستّ وعشر في القرآن بسورة
ثلاثة أقسام أتى منع بدئها ... لكلّ إذا لم تأت في فتح آية
وقال إذا لم يتّصل قسم بها ... أبو عمرو الداني فقف بكفاية
فأوّلها عشر ويختار وقفنا ... عليه لدى جمع من الناس جلّة
فستّ بأعراف ونحل وغافر ... وياسين وانشقّت والأحقاف أثبت
وأربع زهراوين والثان سبعة ... تغابن أنعام سبأ مع قيامة
وفي النحل والأحقاف ثان وأوّل ... بتنزيل امنع وقفها ببصيرة
وثالثها في زخرف وحديدها ... وملك وتنزيل وآخر كلمة
بزهر فهذي الخمس خلفهم بها ... ومختار مكّيّ الوصل في الخمس تمّت
وفي الكلّ أقوال سوى ما ذكرته ... وحسن جميع ليس يخفى بوصلة
نعم أربع قف بدء الأعراف وامنعن ... بغير لدى وقف وعند البداءة
* وأما لفظ «كلّا» فالواقع مه في القرآن ثلاثة وثلاثون موضعا في خمس عشرة سورة، وهي كلها في النصف الأخير [من القرآن]، وفي السّور المكية منه.
قال السيوطي في الإتقان: قال مكي: هي أربعة أقسام:
القسم الأول: ما يحسن الوقف عليها على معنى الردع، وهو الاختيار، ويجوز الابتداء بها على معنى «حقّا» وذلك أحد عشر موضعا: الأول والثاني بمريم {عِنْدَ الرَّحْمََنِ عَهْداً (78) كَلََّا} [الآيتان 78، 79]، {لَهُمْ عِزًّا (81) كَلََّا} [الآيتان 81، 82]. والثالث ب «المؤمنون» {فِيمََا تَرَكْتُ كَلََّا} [الآية 100]. والرابع في سبأ {شُرَكََاءَ كَلََّا} [الآية 27].
والخامس والسادس بالمعارج {ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلََّا} [الآيتان 14، 15]، {جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلََّا} [الآيتان 38، 39]. والسابع والثامن بالمدثر {أَنْ أَزِيدَ (15) كَلََّا} [الآيتان 15، 16]، {مُنَشَّرَةً (52) كَلََّا} [الآيتان 52، 53]. والتاسع بالمطففين {أَسََاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلََّا}
[الآيتان 13، 14]. والعاشر بالفجر {أَهََانَنِ (16) كَلََّا} [الآيتان 16، 17]. والحادي عشر بالهمزة: {أَخْلَدَهُ (3) كَلََّا} [الهمزة: الآيتان 3، 4].
القسم الثاني: ما لا يحسن الوقف عليها ولا الابتداء بها، بل توصل بما قبلها وبما بعدها، وهو موضعان الأول من سورة النبأ {ثُمَّ كَلََّا سَيَعْلَمُونَ} (5) [الآية 5]، والثاني من ألهاكم التكاثر: {ثُمَّ كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} (4) [الآية 4].
القسم الثالث: ما يحسن الوقف عليها ولا يجوز الابتداء بها بل توصل بما قبلها، وهو موضعان في الشعراء: {أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قََالَ كَلََّا} [الآيتان 14، 15]، {إِنََّا لَمُدْرَكُونَ (61) قََالَ كَلََّا} [الآيتان 61، 62].
القسم الرابع: ما لا يحسن الوقف عليها ولكن يبتدأ بها وهو الثماني عشرة الباقية بسورة المدثر موضعان: {كَلََّا وَالْقَمَرِ} (32) [الآية 32] {كَلََّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} (54) [الآية 54]، وبسورة القيامة ثلاثة مواضع {كَلََّا لََا وَزَرَ} (11) [الآية 11] {كَلََّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعََاجِلَةَ} (20) [الآية 20] {كَلََّا إِذََا بَلَغَتِ التَّرََاقِيَ} (26) [الآية 26]، وبسورة النبأ موضع {كَلََّا سَيَعْلَمُونَ} (4) [الآية 4]، وبسورة عبس موضعان: {عَنْهُ تَلَهََّى (10) كَلََّا إِنَّهََا تَذْكِرَةٌ} (11) [الآيتان 10، 11]، {ثُمَّ إِذََا شََاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلََّا لَمََّا} [الآيتان 22، 23]، وبسورة الانفطار موضع {رَكَّبَكَ (8)
كَلََّا بَلْ} [الآيتان 8، 9]، وبسورة التطفيف ثلاثة مواضع: {لِرَبِّ الْعََالَمِينَ (6) كَلََّا إِنَّ}
[الآيتان 6، 7]، {مََا كََانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلََّا إِنَّهُمْ} [الآيتان 14، 15] {تُكَذِّبُونَ (17) كَلََّا إِنَّ}
[الآيتان 17، 18]، وبسورة الفجر موضع {حُبًّا جَمًّا (20) كَلََّا إِذََا} [الآيتان 20، 21].(1/176)
القسم الرابع: ما لا يحسن الوقف عليها ولكن يبتدأ بها وهو الثماني عشرة الباقية بسورة المدثر موضعان: {كَلََّا وَالْقَمَرِ} (32) [الآية 32] {كَلََّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} (54) [الآية 54]، وبسورة القيامة ثلاثة مواضع {كَلََّا لََا وَزَرَ} (11) [الآية 11] {كَلََّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعََاجِلَةَ} (20) [الآية 20] {كَلََّا إِذََا بَلَغَتِ التَّرََاقِيَ} (26) [الآية 26]، وبسورة النبأ موضع {كَلََّا سَيَعْلَمُونَ} (4) [الآية 4]، وبسورة عبس موضعان: {عَنْهُ تَلَهََّى (10) كَلََّا إِنَّهََا تَذْكِرَةٌ} (11) [الآيتان 10، 11]، {ثُمَّ إِذََا شََاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلََّا لَمََّا} [الآيتان 22، 23]، وبسورة الانفطار موضع {رَكَّبَكَ (8)
كَلََّا بَلْ} [الآيتان 8، 9]، وبسورة التطفيف ثلاثة مواضع: {لِرَبِّ الْعََالَمِينَ (6) كَلََّا إِنَّ}
[الآيتان 6، 7]، {مََا كََانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلََّا إِنَّهُمْ} [الآيتان 14، 15] {تُكَذِّبُونَ (17) كَلََّا إِنَّ}
[الآيتان 17، 18]، وبسورة الفجر موضع {حُبًّا جَمًّا (20) كَلََّا إِذََا} [الآيتان 20، 21].
وبسورة العلق ثلاثة مواضع {كَلََّا إِنَّ الْإِنْسََانَ} [الآية 6] {كَلََّا لَئِنْ لَمْ} [الآية 15] {كَلََّا لََا تُطِعْهُ} [الآية 19]. وبسورة التكاثر موضعان: {كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ()} [الآية 3] {كَلََّا لَوْ تَعْلَمُونَ} [الآية 5]. اه. إتقان.
وقد أشار إلى ذلك بعضهم فقال:
بكاف كلّا معا والمؤمنين سبا ... وسال حقّا بها حرفان قد وقعا
أزيد كلّا وما يتلو منشّرة ... والثاني في سورة التطفيف فاستمعا
وقبل بل لا الذي في الفجر قد ذكروا ... وبعد أخلده حرف أتى اتّبعا
وكلّها جوّزوا وقفا بها وكذا ... وقفا بما قبلها يا من لذاك وعا
وثان ألهاكم والثان في نبأ ... فالوقف فيها وفيما قبلها منعا
وموضعا الشّعرا جاز الوقوف بها ... لا وقف ما قبلها في الموضعين معا
وفي البواقي اعكسا أقسام أربعة ... تمّت مهذبة قد عزّ من قنعا
هذا وعن بعضهم جاز الوقوف على ... جميعها ثم بعض مطلقا منعا
الفصل التاسع في خمس تنبيهات مهمة يحتاج القارئ إليها
* التنبيه الأول: في بيان جواز الوقف عند طول الفواصل والقصص:
قال ابن غازي: «يغتفر عند طول الفواصل، والقصص، والجمل المعترضة ونحو ذلك، وفي حالة جمع القراءات، وقراءة التحقيق والترتيل ما لا يغتفر في غير ذلك.
فربما أجيز الوقف والابتداء لبعض ما ذكر، ولو كان لغير ذلك لم يبح، وهذا الذي سماه السجاوندي «المرخّص ضرورة» ومثّله بقوله تعالى: {وَالسَّمََاءَ بِنََاءً} [البقرة: الآية 22].
والأحسن تمثيل بنحو {قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة: الآية 177]، وبنحو {وَالنَّبِيِّينَ}
[البقرة: الآية 177]، وبنحو {وَأَقََامَ الصَّلََاةَ وَآتَى الزَّكََاةَ} [البقرة: الآية 177]، وبنحو {عََاهَدُوا} [البقرة: الآية 100]، ونحو كلّ من: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ وَبَنََاتُكُمْ وَأَخَوََاتُكُمْ} [النّساء: الآية 23] إلى قوله: {إِلََّا مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} [النّساء: الآية 24]، إلا أنّ الوقف على آخر الفاصلة قبله أكفأ، ونحو كلّ من فواصل {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1)
[المؤمنون: الآية 1] إلى آخر القصة وهو {هُمْ فِيهََا خََالِدُونَ} (11) [الآية 11]. ونحو فواصل {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} (1) [ص: الآية 1] إلى جواب القسم عند الأخفش والكوفيين والزجّاج وهو {إِنْ كُلٌّ إِلََّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقََابِ} (14) [ص: الآية 14]. وقيل:(1/177)
والأحسن تمثيل بنحو {قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة: الآية 177]، وبنحو {وَالنَّبِيِّينَ}
[البقرة: الآية 177]، وبنحو {وَأَقََامَ الصَّلََاةَ وَآتَى الزَّكََاةَ} [البقرة: الآية 177]، وبنحو {عََاهَدُوا} [البقرة: الآية 100]، ونحو كلّ من: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ وَبَنََاتُكُمْ وَأَخَوََاتُكُمْ} [النّساء: الآية 23] إلى قوله: {إِلََّا مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} [النّساء: الآية 24]، إلا أنّ الوقف على آخر الفاصلة قبله أكفأ، ونحو كلّ من فواصل {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1)
[المؤمنون: الآية 1] إلى آخر القصة وهو {هُمْ فِيهََا خََالِدُونَ} (11) [الآية 11]. ونحو فواصل {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} (1) [ص: الآية 1] إلى جواب القسم عند الأخفش والكوفيين والزجّاج وهو {إِنْ كُلٌّ إِلََّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقََابِ} (14) [ص: الآية 14]. وقيل:
الجواب {كَمْ أَهْلَكْنََا} [ص: الآية 3] وقيل: الجواب {ص} [ص: الآية 1] على أن معناه: صدق الله أو محمد، على قول من أجاز تقديم الجواب. وقيل: الجواب محذوف تقديره: لقد جاءكم، أو إنك لمن المرسلين، أو إنه المعجز، أو ما الأمر كما تزعمون.
ونحو ذلك الوقف على فواصل {وَالشَّمْسِ وَضُحََاهََا} (1) [الشّمس: الآية 1] إلى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكََّاهََا} (9) [الشّمس: الآية 9]. وكذلك أجيز الوقف على {لََا أَعْبُدُ مََا تَعْبُدُونَ} (2) [الكافرون: الآية 2] دون {يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ} [الكافرون: الآية 1]، وعلى {اللََّهُ الصَّمَدُ} (2) [الإخلاص: الآية 2] دون {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} (1) [الإخلاص: الآية 1]، وإن كان كل ذلك معمول «قل». ومن ثمّ كان المحقّقون يقدّرون إعادة العامل أو عاملا آخر ونحو ذلك فيما طال. اه.
* التنبيه الثاني: في عدم جواز الوقف عند قصر الجمل:
قال ابن غازي: اعلم أنه كما اغتفر الوقف لما ذكر من طول الفواصل والقصص، قد لا يغتفر ولا يحسن فيما قصر من الجمل، وإن لم يكن التعلق لفظيّا نحو: {وَلَقَدْ آتَيْنََا مُوسَى الْكِتََابَ وَقَفَّيْنََا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنََا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنََاتِ} [البقرة: الآية 87] لقرب الوقف على {بِالرُّسُلِ} [البقرة: الآية 87] وعلى {الْقُدُسِ} [البقرة: الآية 87]، وعلى نحو {مََالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: الآية 26] لم يغتفروا القطع عليه لقربه من {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشََاءُ} [آل عمران: الآية 26] وأكثرهم لم يذكر {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشََاءُ} [آل عمران: الآية 26] لقربه من {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشََاءُ} [آل عمران: الآية 26]، ولذا لم يغتفر كثير منهم الوقف على {وَتُعِزُّ مَنْ تَشََاءُ} [آل عمران: الآية 26] لقربه من {وَتُذِلُّ مَنْ تَشََاءُ} [آل عمران: الآية 26]، وبعضهم لم يرض الوقف على {وَتُذِلُّ مَنْ تَشََاءُ} [آل عمران: الآية 26]، وبعضهم لم يرض الوقف على {وَتُذِلُّ مَنْ تَشََاءُ} [آل عمران: الآية 26] لقربه من {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران: الآية 26]. وكذا لم يرضوا الوقف على {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهََارِ} [آل عمران: الآية 27] وعلى {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [آل عمران: الآية 27] لقربه من {وَتُولِجُ النَّهََارَ فِي اللَّيْلِ} [آل عمران: الآية 27] ومن {وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [آل عمران: الآية 27].
وقد يغتفر ذلك في حالة الجمع، وطول المدّ، وزيادة التحقيق، وقصد التعليم، فيلحق بما قبل لما ذكرنا، بل قد يحسن، كما أنه إذا عرض ما يقتضي الوقف من بيان معنى أو تنبيه على خفيّ: وقف عليه، وإن قصر، بل ولو كان كلمة واحدة ابتدأ بها، كما
نصّوا على الوقف على (بلى) و (كلا) ونحوهما مع الابتداء بها لقيام الكلمة مقام الجملة كما تقدم التنبيه عليه.(1/178)
وقد يغتفر ذلك في حالة الجمع، وطول المدّ، وزيادة التحقيق، وقصد التعليم، فيلحق بما قبل لما ذكرنا، بل قد يحسن، كما أنه إذا عرض ما يقتضي الوقف من بيان معنى أو تنبيه على خفيّ: وقف عليه، وإن قصر، بل ولو كان كلمة واحدة ابتدأ بها، كما
نصّوا على الوقف على (بلى) و (كلا) ونحوهما مع الابتداء بها لقيام الكلمة مقام الجملة كما تقدم التنبيه عليه.
* التنبيه الثالث: ينبغي أن يراعى في الوقف الازدواج:
فيوصل ما يوقف على نظيره مما يوجد التمام عليه، وانقطع تعلقه مما بعده لفظا، وذلك من أجل ازدواجه نحو {لَهََا مََا كَسَبَتْ} [البقرة: الآية 134] مع {وَلَكُمْ مََا كَسَبْتُمْ}
[البقرة: الآية 134]، ونحو {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلََا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: الآية 203]، مع {وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلََا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: الآية 203] ونحو {لَهََا مََا كَسَبَتْ} [البقرة: الآية 286] مع {وَعَلَيْهََا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: الآية 286] ونحو {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهََارِ} [آل عمران: الآية 27] مع {وَتُولِجُ النَّهََارَ فِي اللَّيْلِ} [آل عمران: الآية 27] ونحو {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [آل عمران: الآية 27] مع {وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [آل عمران: الآية 27] ونحو {مَنْ عَمِلَ صََالِحاً فَلِنَفْسِهِ} [فصّلت: الآية 46] مع {وَمَنْ أَسََاءَ فَعَلَيْهََا} [فصّلت: الآية 46] وهذا اختيار نصر بن محمد ومن تبعه من أئمة الوقف. [اه. ابن غازي].
* التنبيه الرابع: قال في «شرح الدر اليتيم». «قول الأئمة: لا يجوز الوقف على كذا وكذا، إنما يريدون به الوقف الاختياري الذي يحسن في القراءة ويروق في التلاوة حال الاختيار، ولا يريدون به كونه حراما أو مكروها إذ ليس في القرآن من وقف واجب يأثم القارئ بتركه، ولا من وقف حرام يأثم بوقفه لأنهما أي الوصل والوقف لا يدلّان على معنى حتى يختلّ بذهابهما، إلا أن يكون لذلك الوقف والوصل سبب يؤدي إلى تحريمه كأن يقصد القارئ الوقف على قوله: {وَمََا مِنْ إِلََهٍ} [آل عمران: الآية 62]، و {إِنِّي كَفَرْتُ} [إبراهيم: الآية 22]، و {إِنَّ اللََّهَ لََا يَسْتَحْيِي} [البقرة: الآية 26] وشبه ذلك مما قدمناه من غير ضرورة إذ لا يفعل ذلك مسلم. فإن قصد الإخبار كأن قصد نفي الآلهة، أو أخبر عن نفسه بالكفر، أو نفي الاستحياء عن الله عزّ وجلّ: كفر، وذلك لا يعلم إلا بقرينة تظهر منه أو بإخباره عن نفسه. فإن لم يقصد: لا يحرم، وإن لم تعلم منه قرينة تدل على كفره فلا يحكم به. هذا حكم العالم، أما العامّيّ فلا يحكم عليه بشيء من ذلك إلا إن علم منه قرينة تدل على كفره، أو شيء من ذلك، فيحكم بها، والأحسن أن يجتنب الوقف على مثل ذلك بالتيقّظ وعدم الغفلة دفعا لإيهام أنه وقف على مثل ذلك قصدا. [اه. مع بعض زيادة لابن غازي].
* التنبيه الخامس: في بيان السكت: وهو عبارة عن قطع الصوت زمنا دون زمن الوقف عادة من غير تنفس، وله أسماء أخر وهي: وقيفة، ووقفة خفيفة، ووقفة يسيرة، وسكتة لطيفة، وسكتة يسيرة، [كذا في الإتقان].
قال في النشر: والصحيح أن السكت مقيّد بالسماع والنقل فلا يجوز إلا فيما صحت الرواية به بمعنى مقصود بذاته وقيل: يجوز في رءوس الآي مطلقا أي سواء صحت الرواية أم لا حال الوصل كقصد البيان أي بيان أنها رءوس الآي.(1/179)
* التنبيه الخامس: في بيان السكت: وهو عبارة عن قطع الصوت زمنا دون زمن الوقف عادة من غير تنفس، وله أسماء أخر وهي: وقيفة، ووقفة خفيفة، ووقفة يسيرة، وسكتة لطيفة، وسكتة يسيرة، [كذا في الإتقان].
قال في النشر: والصحيح أن السكت مقيّد بالسماع والنقل فلا يجوز إلا فيما صحت الرواية به بمعنى مقصود بذاته وقيل: يجوز في رءوس الآي مطلقا أي سواء صحت الرواية أم لا حال الوصل كقصد البيان أي بيان أنها رءوس الآي.
وبعضهم حمل الحديث الوارد عن أم سلمة رضي الله عنها على هذا، واختاره صاحب «الدر اليتيم» أيضا، ولذلك قال: «وجاء في رءوس الآي مطلقا وفي غيرها سماعا أي مسموعا مرويا عن حفص في أحد وجهيه في أربعة مواضع:
أحدها: قوله تعالى في سورة الكهف {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً} [الآية 1]، فإن السكت هنا لبيان أن ما بعده، وهو قوله: {قَيِّماً} [الآية 2] ليس متصلا بما قبله، بل هو منصوب بفعل مضمر أي أنزل.
وثانيها: قوله تعالى في سورة يس {مِنْ مَرْقَدِنََا} [الآية 52] فإن السكت هنا لبيان أن كلام الكفار قد انقضى، وما بعده وهو قوله: {هََذََا مََا وَعَدَ الرَّحْمََنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}
[الآية 52] ليس من كلامهم، بل هو من كلام الملائكة أو المؤمنين.
وثالثها: قوله تعالى في سورة القيامة {وَقِيلَ مَنْ رََاقٍ} (27) [الآية 27].
ورابعها: قوله تعالى في سورة المطففين {كَلََّا بَلْ رََانَ} [الآية 14].
فإن السكت على (من) في الأوّل، وعلى (بل) في الثاني لبيان أن كلّا منهما مع ما بعده ليس بكلمة واحدة، بل كلّ منهما مع ما بعده كلمتان إذ عند الوصل وعدم السكت يدغم النون واللام في الراء التي بعدهما، فيتوهم أن كلّا منهما مع ما بعده كلمة واحدة على صيغة فعال.
ولبعض الأئمة سكت في بعض المواضع. وبيانه في كتب القراءات.
وفي المرعشي: قال أبو شامة: المختار الوقف على {مََالِيَهْ} [الحاقة: الآية 28]، فإن وصل لم يتأت الوصل إلا بالإدغام أو تحريك الساكن.
وقال في الرعاية: المختار أن لا تدغم الهاء الأولى الساكنة في الثانية من قوله:
{مََالِيَهْ (28) هَلَكَ} [الحاقة: الآيتان 28، 29] يعني في الوصل، وأن ينوى عليها الوقف، وقد أخذ قوم في ذلك بالإدغام والتشديد، وليس هو بمختار لأنه يصير قد أثبت هاء السكت في الوصل، وذلك قبيح. اه.
ومراده من قوله: وأن ينوى عليها الوقف: هو السكت كما أشار إليه أبو شامة عند قول الشاطبي: «وما أوّل المثلين فيه مسكّن».
قال أبو الحسن في التذكرة: وينبغي لمن أثبت هاء السكت في {لَمْ يَتَسَنَّهْ}
[البقرة: الآية 259] و {كِتََابِيَهْ} [الحاقة: الآية 19] و {حِسََابِيَهْ} [الحاقة: الآية 20] و {مََالِيَهْ}
[الحاقة: الآية 28] و {سُلْطََانِيَهْ} [الحاقة: الآية 29] و {وَمََا أَدْرََاكَ مََا هِيَهْ} (10) [القارعة: الآية 10] أن يقف عليها في حال وصلها وقفة يسيرة ثم يصل، ولا خلاف بينهم في ثبوت الهاء حالة الوقف. [اه. باختصار].(1/180)
ومراده من قوله: وأن ينوى عليها الوقف: هو السكت كما أشار إليه أبو شامة عند قول الشاطبي: «وما أوّل المثلين فيه مسكّن».
قال أبو الحسن في التذكرة: وينبغي لمن أثبت هاء السكت في {لَمْ يَتَسَنَّهْ}
[البقرة: الآية 259] و {كِتََابِيَهْ} [الحاقة: الآية 19] و {حِسََابِيَهْ} [الحاقة: الآية 20] و {مََالِيَهْ}
[الحاقة: الآية 28] و {سُلْطََانِيَهْ} [الحاقة: الآية 29] و {وَمََا أَدْرََاكَ مََا هِيَهْ} (10) [القارعة: الآية 10] أن يقف عليها في حال وصلها وقفة يسيرة ثم يصل، ولا خلاف بينهم في ثبوت الهاء حالة الوقف. [اه. باختصار].
التتمة في تقسيم الابتداء، وفي بيان كيفية البداءة بهمزة الوصل
قال المرعشي في رسالته نقلا عن السيوطي: الابتداء لا يكون إلا اختياريا لأنه ليس كالوقف تدعو إليه ضرورة فلا يجوز إلا بمستقلّ بالمعنى موف بالمقصود. وهو في أقسامه كأقسام الوقف الأربعة تتفاوت تماما وكفاية وحسنا وقبحا بحسب تمام الكلام وعدم تمامه وفساد المعنى وإحالته نحو الوقف على قوله: {وَمِنَ النََّاسِ}
[البقرة: الآية 8] فإن الابتداء ب {النََّاسِ} قبيح لعدم إفادته معنى، وابتداء بقوله:
{وَمِنَ} تامّ لعدم تعلقه بما قبله لا لفظا ولا معنى، ولو وقف على {مَنْ يَقُولُ}
[البقرة: الآية 8] كان الابتداء ب {مِنَ} حسنا لتعلقه لفظا بالخبر المتقدم، والابتداء ب {يَقُولُ} أحسن لأن تعلق الصلة بالموصول أخفّ من تعلق المبتدأ بالخبر، وكذلك الوقف على قوله: {خَتَمَ اللََّهُ} [البقرة: الآية 7] قبيح والابتداء بلفظ الجلالة أقبح، وب {خَتَمَ} كاف، والوقف على {عُزَيْرٌ ابْنُ} [التّوبة: الآية 30] و {الْمَسِيحُ ابْنُ} [التوبة: الآية 30] قبيح، والابتداء ب {ابْنُ} أقبح، وب {عُزَيْرٌ}
و {الْمَسِيحُ} أشد قبحا.
وكذا الوقف على قوله: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيََّاكُمْ} [الممتحنة: الآية 1] حسن، والابتداء به قبيح لفساد المعنى إذ يصير تحذيرا من الإيمان. ونحو قوله: {لََا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي}
[يس: الآية 22]: الوقف على {لََا أَعْبُدُ} قبيح لعدم تمام الكلام، والابتداء به قبيح أيضا لكونه موهما للخطأ في المعنى.
ثم إن قبح الابتداء بالحرف الموقوف عليه إما لعدم كونه مفيدا لمعنى، وإما لكونه موهما للمعنى الفاسد، وإما لكونه هو مع ما بعده خطأ منقولا عن كافر.
فيجب على من انقطع نفسه على شيء من ذلك أن يرجع إلى ما قبله، ويصل الكلام بعضه ببعض، فإن لم يفعل أثم، وربما كفر والعياذ بالله تعالى إن قصد ذلك كما تقدم.
واعلم أن القارئ كما يضطر إلى الوقف القبيح يضطرّ إلى الابتداء القبيح أيضا، وذلك إذا كان المقول عن بعض الكفرة طويلا لا ينتهي نفس القارئ إلى آخر المقول، فيقف في بعض مواضعه بالضرورة، فيضطرّ إلى الابتداء بما بعده إذ لا فائدة حينئذ في العود إلى (قال) أو (قالوا) لأنه ينقطع نفسه في أثناء المقولة البتة وكلّ القول كفر كقوله تعالى في سورة المؤمنون: {وَقََالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقََاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنََاهُمْ فِي الْحَيََاةِ الدُّنْيََا مََا هََذََا إِلََّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [المؤمنون: الآية 33] إلى قوله: {وَمََا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} [المؤمنون: الآية 38] فإنه قلّما يوجد قارئ ينتهي نفسه إلى آخر المقول هنا، وكلّ المقول كفر.(1/181)
فيجب على من انقطع نفسه على شيء من ذلك أن يرجع إلى ما قبله، ويصل الكلام بعضه ببعض، فإن لم يفعل أثم، وربما كفر والعياذ بالله تعالى إن قصد ذلك كما تقدم.
واعلم أن القارئ كما يضطر إلى الوقف القبيح يضطرّ إلى الابتداء القبيح أيضا، وذلك إذا كان المقول عن بعض الكفرة طويلا لا ينتهي نفس القارئ إلى آخر المقول، فيقف في بعض مواضعه بالضرورة، فيضطرّ إلى الابتداء بما بعده إذ لا فائدة حينئذ في العود إلى (قال) أو (قالوا) لأنه ينقطع نفسه في أثناء المقولة البتة وكلّ القول كفر كقوله تعالى في سورة المؤمنون: {وَقََالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقََاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنََاهُمْ فِي الْحَيََاةِ الدُّنْيََا مََا هََذََا إِلََّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [المؤمنون: الآية 33] إلى قوله: {وَمََا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} [المؤمنون: الآية 38] فإنه قلّما يوجد قارئ ينتهي نفسه إلى آخر المقول هنا، وكلّ المقول كفر.
وبالجملة: ليس من وصل ولا وقف ولا ابتداء يوجب تعمد الكفر، وإن كان تعمّد بعضها إثما كما عرفت، نعم قصد معنى يوهمه شيء من هذه الثلاثة إذا كان خلاف ما أراد الله كفر، وإن لم يكن اعتقاده كفرا في الواقع لأن قصد ذلك تحريف للقرآن، وهو كفر كما صرح به السيوطي، ولا يلزم من تعمد شيء من هذه الثلاث قصد المعنى الذي يوهمه، وذلك ظاهر. [اهـ. مرعشي].
وأما البداءة بهمزة الوصل: فاعلم أنها إما أن تكون في اسم أو فعل فإن كانت في اسم. فلا يخلو إما أن يكون الاسم معرّفا بالألف واللام، وإما أن يكون منكّرا.
فإن كان معرّفا بالألف واللام نحو قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلََّهِ} [الفاتحة: الآية 2] و {الْعََالَمِينَ} [الفاتحة: الآية 2] فالبداءة فيه بفتح الهمزة. وإن لم يكن معرّفا بالألف واللام فإنه يقع في سبعة ألفاظ في القرآن.
أولها: {ابْنَ} من نحو {عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [البقرة: الآية 87]. وثانيها: {ابْنَتَ} من قوله تعالى: {ابْنَتَ عِمْرََانَ} [التّحريم: الآية 12] و {ابْنَتَيَّ هََاتَيْنِ} [القصص: الآية 27].
وثالثها: {امْرِئٍ} من نحو قوله تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ} [النور: الآية 11] و {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النّساء: الآية 176] و {امْرَأَ سَوْءٍ} [مريم: الآية 28]. ورابعها: {اثْنَيْنِ} من قوله تعالى: {لََا تَتَّخِذُوا إِلََهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمََا هُوَ إِلََهٌ وََاحِدٌ} [النّحل: الآية 51]. وخامسها:
{امْرَأَتُ} نحو قوله تعالى: {امْرَأَتُ عِمْرََانَ} [آل عمران: الآية 35]، و {امْرَأَتَ نُوحٍ}
[التحريم: الآية 10] {وَامْرَأَتَ لُوطٍ} [التحريم: الآية 10] و {امْرَأَتَيْنِ تَذُودََانِ} [القصص: الآية 23]. وسادسها: {اسْمُ} نحو قوله: {اسْمُ رَبِّكَ} [الرّحمن: الآية 78] و {اسْمُهُ أَحْمَدُ}
[الصّف: الآية 6]. وسابعها: {اثْنَتَيْنِ} نحو قوله: {فَإِنْ كََانَتَا اثْنَتَيْنِ} [النّساء: الآية 176]، و {اثْنَتََا عَشْرَةَ} [البقرة: الآية 60] و {اثْنَيْ عَشَرَ} [المائدة: الآية 12].
فإذا ابتدأت في هذه كلّها فابدأ بكسر الهمزة. وإذا وقعت أي همزة الوصل في فعل فانظر إلى ثالثة فإن كان مكسورا أو مفتوحا فالبداءة فيه بكسر الهمزة نحو اضرب وارجع واذهب وانطلق واستخرج. وإن كان ثالثه مضموما ضمّا لازما فالبداءة فيه بضم الهمزة نحو {اتْلُ} [العنكبوت: الآية 45] و {انْظُرْ} [الفرقان: الآية 9] و {اضْطُرَّ} [البقرة:(1/182)
{امْرَأَتُ} نحو قوله تعالى: {امْرَأَتُ عِمْرََانَ} [آل عمران: الآية 35]، و {امْرَأَتَ نُوحٍ}
[التحريم: الآية 10] {وَامْرَأَتَ لُوطٍ} [التحريم: الآية 10] و {امْرَأَتَيْنِ تَذُودََانِ} [القصص: الآية 23]. وسادسها: {اسْمُ} نحو قوله: {اسْمُ رَبِّكَ} [الرّحمن: الآية 78] و {اسْمُهُ أَحْمَدُ}
[الصّف: الآية 6]. وسابعها: {اثْنَتَيْنِ} نحو قوله: {فَإِنْ كََانَتَا اثْنَتَيْنِ} [النّساء: الآية 176]، و {اثْنَتََا عَشْرَةَ} [البقرة: الآية 60] و {اثْنَيْ عَشَرَ} [المائدة: الآية 12].
فإذا ابتدأت في هذه كلّها فابدأ بكسر الهمزة. وإذا وقعت أي همزة الوصل في فعل فانظر إلى ثالثة فإن كان مكسورا أو مفتوحا فالبداءة فيه بكسر الهمزة نحو اضرب وارجع واذهب وانطلق واستخرج. وإن كان ثالثه مضموما ضمّا لازما فالبداءة فيه بضم الهمزة نحو {اتْلُ} [العنكبوت: الآية 45] و {انْظُرْ} [الفرقان: الآية 9] و {اضْطُرَّ} [البقرة:
الآية 173] و {اؤْتُمِنَ} [البقرة: الآية 283] و {اسْتُهْزِئَ} [الأنعام: الآية 10، وغيرها] و {اجْتُثَّتْ} [إبراهيم: الآية 26] وما أشبه ذلك.
وقد أشار ابن الجزري في مقدمته لذلك فقال:
وابدأ بهمز الوصل من فعل بضمّ ... إن كان ثالث من الفعل يضم
واكسره حال الكسر والفتح وفي ... الأسماء غير اللام كسرها وفي
ابن مع ابنة امرئ وابنين ... وامرأة واسم مع اثنتين
وأما إن كان ثالثه مضموما ضمّا عارضا: فإنه يبدأ بكسر الهمزة نظرا لأصله نحو {امْشُوا} [ص: الآية 6] و {اقْضُوا} [يونس: الآية 71] و {ابْنُوا} [الكهف: الآية 21، وغيرها] و {وَأُتُوا} [البقرة: الآية 25، وغيرها] فإن أصله (امشيوا واقضيوا وابنيوا وائتيوا) بكسر عين الفعل كاضربوا: لأنك إذا أمرت الواحد والاثنين قلت: امش وامشيا واقض واقضيا وابن وابنيا وأت وأتيا فتجد عين الفعل مكسورة فتعلم أن الضمة فيه عارضة.
فإن قيل: لم كسرت همزة الوصل في الفعل إذا كان ثالثه مكسورا، وضمّت إذا كان ثالثه مضموما، ولم تفتح إذا كان ثالثه مفتوحا بل كسرت؟
فالجواب: أنها لو فتحت فيما كان ثالثه مفتوحا لالتبس المضارع بالأمر فكسرت لذلك. اه.
ثم اعلم أن همزة الوصل تكون في الماضي الخماسي والسداسي، وفي أمرهما كانطلق واستخرج، وفي أمر الثلاثي كاضرب واعلم، ومن شأنها أنها لا تكون في مضارع مطلقا، ولا في حرف غير لام التعريف، ولا في ماض على ثلاثة أحرف كأكل وأذن وأمن بقصر الهمزة وكسر الميم، ولا في ماض على أربعة أحرف كأكرم وأحسن وأحكم وأطعم وأنفق وآمن بمد الهمزة وفتح الميم وأخرج ونحوها، ولا في أمر الرباعي ك {أَكْرِمِي مَثْوََاهُ} [يوسف: الآية 21] و {وَأَحْسِنْ كَمََا أَحْسَنَ اللََّهُ إِلَيْكَ}
[القصص: الآية 77] ونحوهما. فالهمزة في هذه المواضع كلها همزة قطع مفتوحة مطلقا كما ذكرنا، إلا في مضارع الرباعي فمضمومة مطلقا سواء كان مجردا أو مزيدا.
وأما مصدر الخماسي والسداسي كالانطلاق والاستخراج فهمزتهما همزة وصل، ويبدأ
فيهما بالكسر، بخلاف مصدر الرباعي كالإكرام فإن همزته همزة قطع مكسورة وصلا وبدءا.(1/183)
وأما مصدر الخماسي والسداسي كالانطلاق والاستخراج فهمزتهما همزة وصل، ويبدأ
فيهما بالكسر، بخلاف مصدر الرباعي كالإكرام فإن همزته همزة قطع مكسورة وصلا وبدءا.
تنبيه
: قد علم مما تقدم أن الهمزة نوعان: همزة قطع، وهمزة وصل فهمزة القطع هي التي تثبت وصلا وخطّا وابتداء إلا ما ورد عن بعض القراء كورش فإنه يقرأ بنقل حركة همزة القطع إلى الساكن قبلها، ما لم يكن الساكن قبلها حرف مدّ أو لين: فيحرّك ذلك الساكن بحركتها، ويسقط الهمزة من اللفظ، بشرط أن يكون الساكن آخر كلمة ولو تنوينا، والهمزة أول كلمة بعدها نحو {مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن: الآية 54] و {كُفُواً أَحَدٌ}
[الإخلاص: الآية 4].
ولذلك أشار الشاطبي بقوله:
وحرّك لورش كلّ ساكن آخر ... صحيح بشكل الهمز واحذفه مسهلا
وهمزة الوصل هي التي تسقط وصلا وتثبت ابتداء. ولذلك أشار الطيبي بقوله:
وهمزة تثبت في الحالين ... همزة قطع نحو أبيضين
وهمزة تثبت في البدء فقط ... همزة وصل نحو قولك: النمط
قال شارح القول المفيد: وتحذف همزة الوصل المكسورة إذا دخلت عليها همزة الاستفهام، وتبقى همزة الاستفهام مفتوحة وذلك في سبعة مواضع: خمسة منها متفق على قطعها، واثنان مختلف فيهما.
أما الخمسة المتفق عليها فهي قوله تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ} [الآية 80] بالبقرة، وقوله:
{أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} [الآية 78] بمريم، وقوله: {افْتَرى ََ عَلَى اللََّهِ كَذِباً} [الآية 8] بسبإ، وقوله:
{أَسْتَكْبَرْتَ} [الآية 75] بسورة ص، وقوله: {أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} [الآية 6] بالمنافقين.
وأما المختلف فيهما فقوله: {أَصْطَفَى الْبَنََاتِ} [الآية 153] بالصافات فوصلها أبو جعفر وورش بخلاف عنه من طريق الطيبة، وقطعها الجميع.
وقوله تعالى: {أَتَّخَذْنََاهُمْ سِخْرِيًّا} [الآية 63] بسورة ص فوصلها أبو عمرو وحمزة والكسائي، وقطعها الباقون.
وأما همزة الوصل المفتوحة الواقعة بين همزة الاستفهام ولام التعريف فلم تحذف لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، بل تبدل ألفا وتمد طويلا لالتقاء الساكنين، وهو الوجه القوي المفضّل، أو تسهّل بين الهمزة والألف، والوجهان صحيحان مأخوذ بهما. وذلك في ست كلمات متفق عليها وهي {آلذَّكَرَيْنِ} في موضعي الأنعام، و (آلئن) في
موضعي يونس، و {آللََّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [الآية 59] في يونس أيضا، و {آللََّهُ خَيْرٌ} [الآية 59] بالنمل، وواحدة مختلف فيها وهي {السِّحْرُ إِنَّ اللََّهَ سَيُبْطِلُهُ} [الآية 81] بيونس قرأها أبو عمرو وأبو جعفر بالإبدال ألفا وبالتسهيل بين بين، وقرأها الجماعة بالإخبار.(1/184)
وأما همزة الوصل المفتوحة الواقعة بين همزة الاستفهام ولام التعريف فلم تحذف لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، بل تبدل ألفا وتمد طويلا لالتقاء الساكنين، وهو الوجه القوي المفضّل، أو تسهّل بين الهمزة والألف، والوجهان صحيحان مأخوذ بهما. وذلك في ست كلمات متفق عليها وهي {آلذَّكَرَيْنِ} في موضعي الأنعام، و (آلئن) في
موضعي يونس، و {آللََّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [الآية 59] في يونس أيضا، و {آللََّهُ خَيْرٌ} [الآية 59] بالنمل، وواحدة مختلف فيها وهي {السِّحْرُ إِنَّ اللََّهَ سَيُبْطِلُهُ} [الآية 81] بيونس قرأها أبو عمرو وأبو جعفر بالإبدال ألفا وبالتسهيل بين بين، وقرأها الجماعة بالإخبار.
ولذلك أشار الطيبي بقوله:
وهمز وصل إن عليه دخلا ... همزة الاستفهام أبدل سهلا
إن كان همز أل وإلا فاحذفا ... كأتّخذتم أفترى وأصطفى(1/185)
وهمز وصل إن عليه دخلا ... همزة الاستفهام أبدل سهلا
إن كان همز أل وإلا فاحذفا ... كأتّخذتم أفترى وأصطفى
الباب السابع في بيان الوقف على مرسوم الخط
أي خطّ المصاحف العثمانية التي أجمع عليها الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وهو المعبّر عنه عند القرّاء بالوقف الاختباري بالباء الموحدة. وفيه أربعة فصول، وتتمة.
الفصل الأول في الحثّ على اتّباع رسم المصاحف العثمانية، وفي بيان كيفية جمع القرآن بعد تفرّقه، ومن جمعه، وعدد المصاحف التي كتبت
اعلم أنه ينبغي لكل ذي لبّ سليم أن يتلقى ما كتبته الصحابة بالقبول والتسليم، كيف لا وقد أمرنا الشارع صلى الله عليه وسلم بالاتباع، وزجرنا عن أنواع المخالفة، والابتداع روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اقتدوا باللّذين من بعدي: أبي بكر وعمر» زاد السيوطي في الجامع الصغير: «فإنهما حبل الله الممدود، من تمسّك بهما فقد تمسّك بالعروة الوثقى»، وقال صلى الله عليه وسلم: «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» فيلزمنا اتّباعهم إذ هم الأئمة القدوة والصحابة العمدة فما فعله صحابيّ واحد وأمرنا به فلنا الأخذ عنه والاقتداء بفعله واتّباع أمره، كيف لا وقد اجتمع على كتابة المصحف حين كتبوه اثنا عشر ألفا من الصحابة رضي الله عنهم، ونحن مأجورون على اتباعهم ومأثومون على مخالفتهم؟! فيجب على كل مسلم أن يقتدي بهم وبفعلهم فما كتبوه بواو فواجب أن يكتب بواو، وما كتبوه بغير واو فواجب أن يكتب بغير واو، وما كتبوه بألف فواجب أن يكتب بألف، وما كتبوه بغير ألف فواجب أن يكتب بغير ألف، وما كتبوه بياء فواجب أن يكتب بياء، وما كتبوه بغير ياء فواجب أن يكتب بغير ياء، وما كتبوه متّصلا فواجب أن يكتب متصلا، وما كتبوه منفصلا فواجب أن يكتب منفصلا، وما كتبوه من هاءات التأنيث بالتاء المجرورة فواجب أن يكتب بالتاء المجرورة، وما كتبوه منها بالهاء فواجب أن يكتب بالهاء. [اه. برهان].
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: «تحرم مخالفة خطّ المصحف العثماني في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك».
وفي شرح ابن غازي: وقد نقل الجعبري وغيره إجماع الأئمة الأربعة على وجوب اتّباع مرسوم المصحف العثماني، وأجمع أهل الأداء وأئمة القرّاء على لزوم تعلّم مرسوم المصاحف فيما تدعو إليه الحاجة.(1/186)
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: «تحرم مخالفة خطّ المصحف العثماني في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك».
وفي شرح ابن غازي: وقد نقل الجعبري وغيره إجماع الأئمة الأربعة على وجوب اتّباع مرسوم المصحف العثماني، وأجمع أهل الأداء وأئمة القرّاء على لزوم تعلّم مرسوم المصاحف فيما تدعو إليه الحاجة.
وقال الإمام الخراز في كتابه «عمدة البيان في الزجر عن مخالفة رسم المصاحف» ما نصه:
فواجب على ذوي الأذهان ... أن يتبعوا المرسوم في القرآن
ويقتدوا بما رآه نظرا ... إذ جعلوه للأنام وزرا
وكيف لا يجب الاقتداء ... لما أتى نصّا به الشّفاء
إلى عياض أنّه من غيّرا ... حرفا من القرآن عمدا كفّرا
زيادة أو نقصا أو أن يبدلا ... شيئا من الرّسم تأصّلا
ثم اعلم أنّ كلّ ما كتب في المصحف على غير أصل لا يقاس عليه غيره من الكلام لأن القرآن يلزمه لكثرة الاستعمال ما لا يلزم غيره، واتباع المصحف في هجائه واجب، والطاعن في هجائه كالطاعن في تلاوته، كيف وقد تواطأ عليه إجماع الأمة حتى قالوا في جميع هجائه: إنه كتب بحضرة جبريل عليه السلام، وإن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يملي زيد بن ثابت من تلقين جبريل عليه السلام، ويشهد لذلك إطباق القرّاء على قوله:
{وَاخْشَوْنِي} [الآية 150] في البقرة بإثبات الياء، وفي المائدة بحذفها في الموضعين، ونظائر ذلك كثيرة.
ويشهد لذلك أيضا ما ذكره العلّامة الشيخ أحمد بن المبارك في كتاب «الذهب الإبريز» عن شيخه العارف بالله تعالى الشيخ عبد العزيز الدبّاغ أنه قال: «رسم القرآن العزيز سرّ من أسرار المشاهدة وكمال الرفعة، قال سيدي أحمد: فقلت له: هل رسم الواو بدل الألف في نحو (الصلاة، والزكوة، والربو، والحيوة، ومشكوة)، وزيادة الواو في (سأوريكم، وأولئك، وأولاء، وأولت)، وزيادة الياء في (هداهم، ملإيه، وبأيّيكم، وبأييد) هل هذا كله صادر من النبيّ صلى الله عليه وسلم أم من الصحابة؟ فقال: هو صادر من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أمر الكتّاب من الصحابة أن يكتبوه على هذه الهيئة، فما نقصوا ولا زادوا على ما سمعوا من النبيّ صلى الله عليه وسلم.
فقلت له: إن جماعة من العلماء ترخّصوا في أمر الرسم وقالوا: إنما هو اصطلاح من الصحابة مشوا فيه على ما كانت قريش تكتب عليه في الجاهلية؟
فقال: ما للصحابة ولا لغيرهم في رسوم للقرآن ولا شعرة واحدة، وإنما هو توقيف من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصانها لأسرار لا تهتدي إليها العقول، وهو سرّ من الأسرار خصّ الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية فلا يوجد شيء من هذا الرسم لا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في غيرها من الكتب السماوية، فكما أن نظم القرآن معجز فرسمه معجز أيضا، وكيف تهتدي العقول إلى سرّ زيادة الألف في {مِائَةَ} [البقرة: الآية 259] دون {فِئَةٍ} [البقرة: الآية 249]، وإلى سرّ زيادة الياء في (بأييد) [الذاريات:(1/187)
فقلت له: إن جماعة من العلماء ترخّصوا في أمر الرسم وقالوا: إنما هو اصطلاح من الصحابة مشوا فيه على ما كانت قريش تكتب عليه في الجاهلية؟
فقال: ما للصحابة ولا لغيرهم في رسوم للقرآن ولا شعرة واحدة، وإنما هو توقيف من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصانها لأسرار لا تهتدي إليها العقول، وهو سرّ من الأسرار خصّ الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية فلا يوجد شيء من هذا الرسم لا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في غيرها من الكتب السماوية، فكما أن نظم القرآن معجز فرسمه معجز أيضا، وكيف تهتدي العقول إلى سرّ زيادة الألف في {مِائَةَ} [البقرة: الآية 259] دون {فِئَةٍ} [البقرة: الآية 249]، وإلى سرّ زيادة الياء في (بأييد) [الذاريات:
الآية 47] وبأيّيكم [القلم: الآية 6] أم كيف تتوصل إلى سرّ زيادة الألف في {سَعَوْا}
[الآية 51] بالحج ونقصانها من {سَعَوْا} [الآية 5] بسبإ، وإلى سر زيادتها في {عَتَوْا}
[الأعراف: الآية 166] حيث كان ونقصانها من {وَقََالَ الَّذِينَ لََا يَرْجُونَ لِقََاءَنََا لَوْلََا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلََائِكَةُ أَوْ نَرى ََ رَبَّنََا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً} (21) [الآية 21] بالفرقان وإلى سر زيادتها في {يَعْفُوَا الَّذِي} [البقرة: الآية 237] ونقصانها من {يَعْفُوَ عَنْهُمْ} [الآية 99] بالنساء؟ وإلى سر زيادتها في {آمَنُوا} [البقرة: الآية 9] وإسقاطها من {وَبََاؤُ}
[البقرة: الآية 61] و {جََاؤُ} [آل عمران: الآية 184] و {تَبَوَّؤُا} [الحشر: الآية 9] و {فََاؤُ}
[الآية 226] بالبقرة؟
أم كيف تبلغ العقول إلى وجه حذف بعض أحرف من كلمات متشابهة دون بعض كحذف الألف من {قُرْآناً} [الآية 2] بيوسف و [الآية 3] بالزخرف، وإثباتها في سائر المواضع، وإثبات الألف بعد واو {سَمََاوََاتٍ} [الآية 12] في فصّلت، وحذفه من غيرها؟
وإثبات الألف في {الْمِيعََادِ} [الأنفال: الآية 42] مطلقا، وحذفها من موضع الأنفال؟
وإثبات الألف في {سِرََاجاً} [الآية 61] حيث وقع، وحذفها من موضع الفرقان؟ وكيف يتوصل إلى فتح بعض التاءات، وربطها في بعض؟ فكلّ ذلك لأسرار إلهية وأغراض نبوية، وإنما خفيت على الناس لأنها أسرار باطنية لا تدرك إلا بالفتح الربّاني، فهي بمنزلة الألفاظ والحروف المتقطّعة التي في أوائل السور فإن لها أسرارا عظيمة ومعاني كثيرة، وأكثر الناس لا يهتدون إلى أسرارها ولا يدركون شيئا من المعاني الإلهية التي أشير إليها، فكذلك أمر الرسم الذي في القرآن حرفا بحرف. [اه. باختصار من الجوهر الفريد].
وقال السيوطي في الإتقان: «وأعظم فوائد رسم القرآن أنه حجاب منع أهل الكتب أن يقرءوه على وجه واحد دون موقف». وقال صاحب غنية الطالبين: «إن القرآن لم يجتمع في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم في مصحف واحد، وإنما كانت الصحابة رضي الله عنهم قبل
أن يكثر الورق يكتبون ما نزل في القرآن على عسب السّعف جمع عسيب وهو الأصل العريض من جريد النخل، وعلى الألواح من أكتاف الغنم، وغيرها من العظام الطاهرة، والخزف، والأدم أي الجلود مثل رقّ الغزال، واللخاف وهي الحجارة العريضة البيض.(1/188)
وقال السيوطي في الإتقان: «وأعظم فوائد رسم القرآن أنه حجاب منع أهل الكتب أن يقرءوه على وجه واحد دون موقف». وقال صاحب غنية الطالبين: «إن القرآن لم يجتمع في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم في مصحف واحد، وإنما كانت الصحابة رضي الله عنهم قبل
أن يكثر الورق يكتبون ما نزل في القرآن على عسب السّعف جمع عسيب وهو الأصل العريض من جريد النخل، وعلى الألواح من أكتاف الغنم، وغيرها من العظام الطاهرة، والخزف، والأدم أي الجلود مثل رقّ الغزال، واللخاف وهي الحجارة العريضة البيض.
قال في المطالع: «وهذه الأشياء هي التي يطلق عليها اسم المصحف في قولهم:
«مخلّف طه سبحتان ومصحف»، وكان دأب الصحابة رضي الله عنهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبادرة إلى حفظ القرآن وتصحيحه وتتبّع وجوه قراءاته. وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعرضه على جبريل عليه السلام في كل عام في رمضان مرة، وفي العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين. وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه قد شهد العرضة الأخيرة، وهي حاكمة على المتقدمات، وهي التي كان يقرئ الناس بها حتى مات رضي الله عنه. ولذلك اعتمده الصّدّيق رضي الله عنه في جمع القرآن على ما سيأتي بيانه، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واتصل بربه عزّ وجلّ قام بالأمر بعده أحقّ الناس به أبو بكر رضي الله عنه. وفي خلافته ارتدّت قبائل من العرب، وكان مسيلمة الكذاب وأصحابه منها، وكان يدّعي النبوة بكذبه، فجهّز إليه عصابة من المسلمين أولي بأس شديد، وأمّر عليهم سيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه، فقاتلوهم قتالا شديدا، وتأخر الفتح، فقتل من المسلمين ألف ومائتان، منهم سبعمائة من القرّاء، فانهزم المسلمون، فحمل البراء بن مالك على أصحاب مسيلمة، فانهزموا، وتبعهم المسلمون حتى أدخلوهم حديقة، فأغلقوا عليهم بابها، فحمل البراء درقته، وألقى نفسه عليهم حتى حصل معهم في الحديقة، وضاربهم حتى فتح الباب للمسلمين، فدخلوا وقتلوا مسيلمة وأصحابه، وقتل من المسلمين زهاء عشرة آلاف، فسميت حديقة الموت. فلما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما وقع بقرّاء القرآن، خشي على من بقي منهم، وأشار على أبي بكر بجمع القرآن، فأرسل أبو بكر رضي الله عنه إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه وأمره بجمع القرآن، فجمعه. قال زيد: «فكنت أتتبع القرآن من المصحف ومن صدور الرجال والرقاع والأكتاف والأضلاع والعسب واللخاف وهي الحجارة العريضة البيض كاللوح».
فإن قيل: كان زيد حافظا للقرآن وجامعا له فما وجه تتبّعه المذكورات؟
فالجواب: أنه كان يستكمل وجوه قراءاته ممن عنده ما ليس عنده، وكذا نظره في المكتوبات التي قد عرفت كتابتها وتيقّن أمرها فإنها أو أكثرها مما كتب بين يدي النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلا بد من النظر فيها وإن كان حافظا ليستظهر بذلك، وليعلم هل فيها قراءة غير قراءته أم لا. وإذا استند الحافظ عند الكتابة إلى أصل يعتمد عليه كان آكد وأثبت.
وفي إرشاد القرّاء والكاتبين: أن زيدا كتب القرآن كلّه بجميع أحرفه وأوجهه المعبّر عنها بالأحرف السبعة الواردة في الحديث الشريف في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسّر منه» قاله لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لمّا جاءه بهشام بن حكيم وقد لبّبه بردائه أي جعله في عنقه وجرّه منه لمّا سمعه يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها له رسول الله صلى الله عليه وسلم.(1/189)
فالجواب: أنه كان يستكمل وجوه قراءاته ممن عنده ما ليس عنده، وكذا نظره في المكتوبات التي قد عرفت كتابتها وتيقّن أمرها فإنها أو أكثرها مما كتب بين يدي النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلا بد من النظر فيها وإن كان حافظا ليستظهر بذلك، وليعلم هل فيها قراءة غير قراءته أم لا. وإذا استند الحافظ عند الكتابة إلى أصل يعتمد عليه كان آكد وأثبت.
وفي إرشاد القرّاء والكاتبين: أن زيدا كتب القرآن كلّه بجميع أحرفه وأوجهه المعبّر عنها بالأحرف السبعة الواردة في الحديث الشريف في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسّر منه» قاله لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لمّا جاءه بهشام بن حكيم وقد لبّبه بردائه أي جعله في عنقه وجرّه منه لمّا سمعه يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان أوّلا أتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمّتك القرآن على حرف واحد، فقال: «أسأل الله معافاته ومعونته وإن أمّتي لا تطيق ذلك»، ثم أتاه الثانية بقراءته على حرفين، فقال له مثل ذلك، ثم أتاه الثالثة بثلاثة، فقال مثل ذلك، ثم أتاه الرابعة فقال: «إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيّما حرف قرءوا عليه أصابوا».
واختلفت أقوال العلماء في المراد بهذه الأحرف السبعة على نحو من أربعين قولا، واضطربوا في ذلك اضطرابا كثيرا حتى أفرده بعضهم بالتأليف، مع إجماعهم على أنه ليس المراد أنّ كلّ كلمة تقرأ على سبعة أوجه إذ لا يوجد ذلك إلا في كلمات يسيرة نحو {أَرْجِهْ} [الأعراف: الآية 111، وغيرها] و {وَجِبْرِيلَ} [البقرة: الآية 98، وغيرها]، وعلى أنه ليس المراد القرّاء السبعة المشهورين.
فذهب بعضهم وصحّحه البيهقي، واقتصر عليه في القاموس إلى أنها لغات.
واختلفوا في تعيينها فقال أبو عبيدة: قريش، وهذيل، وثقيف، وهوازن، وكنانة، وتميم، واليمن، وقيل غير ذلك. وقال المحقق ابن الجزري: ولا زلت أستشكل هذا الحديث وأفكّر فيه وأمعن النظر من نحو نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء الله تعالى وذلك أني تتبعت القراءات صحيحها وضعيفها وشاذّها فإذا هي يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها وذلك إما في الحركات بلا تغيير في المعنى والصورة نحو (البخل) باثنين، و {يَحْسَبُ} [الهمزة: الآية 3] بوجهين، أو بتغيير في المعنى فقط نحو {فَتَلَقََّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمََاتٍ} [البقرة: الآية 37]، وإما في الحروف بتغير في المعنى لا في الصورة نحو {تَبْلُوا} [يونس: الآية 30] و {تَتْلُوا} [البقرة: الآية 102]، وعكس ذلك نحو {بَسْطَةً} [البقرة: الآية 247] و {بَصْطَةً}، أو بتغيرهما نحو {أَشَدَّ مِنْكُمْ} [التّوبة: الآية 69] و {مِنْهُمْ} [البقرة: الآية 75]، وإما في التقديم والتأخير نحو {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التّوبة: الآية 111]، أو في الزيادة والنقصان نحو {وَوَصََّى} [البقرة: الآية 132] و (أوصى) فهذه سبعة أوجه لا يخرج الاختلاف عنها».
ثم لمّا تمّت الصحف أخذها أبو بكر عنده إلى أن حضره مرض الموت فسلّمها إلى الفاروق رضي الله عنه، فلم تزل عنده إلى أن مات، فأخذتها أمّ المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما، فلم تزل عندها إلى أن وقعت غزوة أرمينية في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة 30هـ، فاختلف الناس في القرآن اختلافا كثيرا، وهمّوا أن يقتتلوا بسبب ذلك، فجاء حذيفة بن اليمان رضي الله عنه إلى عثمان بن عفان وقال: يا أمير المؤمنين أدرك القرآن لئلّا يختلف الناس فيه اختلافا شديدا كاليهود والنصارى في التوراة والإنجيل فقد وقعوا بسبب ذلك الاختلاف في أمر عظيم فاكتبه في مصحف ترجع الناس إليه.(1/190)
واختلفوا في تعيينها فقال أبو عبيدة: قريش، وهذيل، وثقيف، وهوازن، وكنانة، وتميم، واليمن، وقيل غير ذلك. وقال المحقق ابن الجزري: ولا زلت أستشكل هذا الحديث وأفكّر فيه وأمعن النظر من نحو نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء الله تعالى وذلك أني تتبعت القراءات صحيحها وضعيفها وشاذّها فإذا هي يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها وذلك إما في الحركات بلا تغيير في المعنى والصورة نحو (البخل) باثنين، و {يَحْسَبُ} [الهمزة: الآية 3] بوجهين، أو بتغيير في المعنى فقط نحو {فَتَلَقََّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمََاتٍ} [البقرة: الآية 37]، وإما في الحروف بتغير في المعنى لا في الصورة نحو {تَبْلُوا} [يونس: الآية 30] و {تَتْلُوا} [البقرة: الآية 102]، وعكس ذلك نحو {بَسْطَةً} [البقرة: الآية 247] و {بَصْطَةً}، أو بتغيرهما نحو {أَشَدَّ مِنْكُمْ} [التّوبة: الآية 69] و {مِنْهُمْ} [البقرة: الآية 75]، وإما في التقديم والتأخير نحو {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التّوبة: الآية 111]، أو في الزيادة والنقصان نحو {وَوَصََّى} [البقرة: الآية 132] و (أوصى) فهذه سبعة أوجه لا يخرج الاختلاف عنها».
ثم لمّا تمّت الصحف أخذها أبو بكر عنده إلى أن حضره مرض الموت فسلّمها إلى الفاروق رضي الله عنه، فلم تزل عنده إلى أن مات، فأخذتها أمّ المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما، فلم تزل عندها إلى أن وقعت غزوة أرمينية في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة 30هـ، فاختلف الناس في القرآن اختلافا كثيرا، وهمّوا أن يقتتلوا بسبب ذلك، فجاء حذيفة بن اليمان رضي الله عنه إلى عثمان بن عفان وقال: يا أمير المؤمنين أدرك القرآن لئلّا يختلف الناس فيه اختلافا شديدا كاليهود والنصارى في التوراة والإنجيل فقد وقعوا بسبب ذلك الاختلاف في أمر عظيم فاكتبه في مصحف ترجع الناس إليه.
ففزع عثمان لذلك، وجمع الصحابة رضي الله عنهم، وكانت عدّتهم يومئذ اثني عشر ألفا، وأخبرهم الخبر، فأعظموه جميعا، ورأوا ما رأى حذيفة، فأرسل عثمان إلى حفصة أمّ المؤمنين أن أرسلي إليّ الصحف ننسخها ونردّها إليك، فبعثت بها إليه.
وأحضر زيد بن ثابت ومعه جماعة من قريش، وأمرهم أن ينسخوها في المصاحف، وجعل الرئيس عليهم زيد بن ثابت لعدالته وحسن سيرته ولكونه كان كاتب الوحي بين يدي النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان قد قرأ القرآن على النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد العرضة الأخيرة وهي حاكمة على المتقدمات وكان يقرئ الناس بها، ولذلك اعتمده الصدّيق رضي الله عنه في جمعه للقرآن على ما تقدّم، فنسخوها رضي الله عنهم في الورق، ولم يغيّروا، ولم يبدّلوا، ولم يقدّموا، ولم يؤخّروا، بل كتبوه على الترتيب كما في اللوح المحفوظ باتفاق منهم بتوقيف جبريل عليه السلام للنبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، وإعلامه عند نزول كلّ آية بموضعها، وأين تكتب. ولم يختلفوا إلا في لفظ {التََّابُوتُ} [البقرة: الآية 248] فقال بعضهم: يكتب بالتاء المجرورة «كالطاغوت»، وخالف بعضهم وقال: يكتب بالهاء المربوطة «كالتوراة»، فراجعوا عثمان في ذلك، فقال: «اكتبوه بالتاء المجرورة فإنها لغة قريش» فكتبوا كما أمرهم به. فلما تمت الكتابة قال عثمان رضي الله عنه: التمسوا له اسما. فقال قوم: الكتاب، وقال آخرون: السّفر، وقال آخرون: «المصحف» وهو اسم أعجمي ذكره ابن السكيت في إصلاح المنطق ومعناه جامع الصّحف.
ثم ردّ عثمان الصحف إلى حفصة رضي الله عنها، وأرسل إلى كل مصر بمصحف مما نسخوا، وأمرهم أن يحرقوا كلّ مصحف يخالف الذي أرسل إليهم به.
قال القسطلاني: أوّل باب: جمع القرآن في الصّحف، ثم جمع تلك الصحف في المصحف بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإنما ترك النبيّ صلى الله عليه وسلم جمع القرآن في مصحف واحد لعدم وجود الورق، ولأن النّسخ كان يرد على بعضه، فلو جمعه ثم رفعت تلاوة بعضه لأدّى إلى
الاختلاف والاختلاط، فحفظه الله تعالى في القلوب إلى انقضاء زمن النسخ فكان التأليف في الزمن النبوي، والجمع في المصحف في زمن الصدّيق، والنسخ في المصاحف في زمن عثمان رضي الله عنه، وقد كان القرآن كلّه مكتوبا في عهده صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد.(1/191)
قال القسطلاني: أوّل باب: جمع القرآن في الصّحف، ثم جمع تلك الصحف في المصحف بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإنما ترك النبيّ صلى الله عليه وسلم جمع القرآن في مصحف واحد لعدم وجود الورق، ولأن النّسخ كان يرد على بعضه، فلو جمعه ثم رفعت تلاوة بعضه لأدّى إلى
الاختلاف والاختلاط، فحفظه الله تعالى في القلوب إلى انقضاء زمن النسخ فكان التأليف في الزمن النبوي، والجمع في المصحف في زمن الصدّيق، والنسخ في المصاحف في زمن عثمان رضي الله عنه، وقد كان القرآن كلّه مكتوبا في عهده صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد.
* واختلف في عدد المصاحف: فقيل إنها أربعة، وهو الذي اتفق عليها أكثر العلماء، وقيل إنها خمسة، وقيل إنها ستة، وقيل سبعة، وقيل ثمانية.
أما كونها أربعة: فقيل إنه أبقى مصحفا بالمدينة، وأرسل مصحفا إلى الشام، ومصحفا إلى الكوفة، ومصحفا إلى البصرة.
وأما كونها خمسة: فالأربعة المتقدم ذكرها، والخامس أرسله إلى مكة.
وأما كونها ستة: فالخمسة المتقدّم ذكرها، والسادس اختلف فيه: فقيل جعله خاصة لنفسه، وقيل: أرسله إلى البحرين.
وأما كونها سبعة: فالستة المتقدم ذكرها، والسابع أرسله إلى اليمن.
وأما كونها ثمانية: فالسبعة المتقدم ذكرها، والثامن كان لعثمان يقرأ فيه، وهو الذي قتل وهو بين يديه. [اه. غنية الطالبين].
قال ابن القاصح: قال أبو علي: أمر عثمان رضي الله عنه زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكّي، وبعث المغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرّحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن قيس مع البصري. وكان في تلك البلاد الجمّ الغفير من حفّاظ القرآن من التابعين، فقرأ كلّ مصر بما في مصحفه، ونقلوا ما فيه عن الصحابة الذين تلقّوه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم تجرّد للأخذ عن هؤلاء رجال سهروا ليلهم في ضبطها، وتعبوا نهارهم في نقلها، حتى صاروا في ذلك أئمة للاقتداء وأنجما للاهتداء، اجتمع أهل بلدهم على قبول قراءتهم، ولم يختلف عليهم اثنان في صحة روايتهم ودرايتهم، ولتصدّيهم للقراءة نسبت إليهم، وكان المعوّل فيها عليهم، نفعنا الله بهم. آمين.
الفصل الثاني في بيان المقطوع والموصول، وحكم الوقف عليهما
اعلم وفقني الله وإياك أنه لا بد للقارئ من معرفة المقطوع والموصول ليقف على المقطوع في محل قطعه حال انقطاع نفسه، أو اختباره أي امتحانه بأن اختبره المعلم
أو غيره، وعلى الموصول عند انقضائه. والذي يتأكد معرفته من ذلك واعتنى بذكره كثير من العلماء ستة عشر نوعا:(1/192)
اعلم وفقني الله وإياك أنه لا بد للقارئ من معرفة المقطوع والموصول ليقف على المقطوع في محل قطعه حال انقطاع نفسه، أو اختباره أي امتحانه بأن اختبره المعلم
أو غيره، وعلى الموصول عند انقضائه. والذي يتأكد معرفته من ذلك واعتنى بذكره كثير من العلماء ستة عشر نوعا:
1 - النوع الأول: في (أن) المفتوحة الهمزة الخفيفة النون مع (لا) النافية: وهي في الرسم على ثلاثة أقسام:
أحدها: مقطوع بلا خلاف في عشرة مواضع، وهي {حَقِيقٌ عَلى ََ أَنْ لََا أَقُولَ عَلَى اللََّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [الآية 105]، و {أَنْ لََا يَقُولُوا عَلَى اللََّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [الآية 169]، كلاهما بالأعراف، و {وَظَنُّوا أَنْ لََا مَلْجَأَ مِنَ اللََّهِ} [الآية 118] بالتوبة، و {أَنْ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [الآية 14]، و {أَنْ لََا تَعْبُدُوا إِلَّا اللََّهَ إِنِّي أَخََافُ عَلَيْكُمْ} [الآية 26] كلاهما بهود، و {أَنْ لََا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً} [الآية 26] بالحج، و {أَنْ لََا تَعْبُدُوا الشَّيْطََانَ} [الآية 60] بيس، و {وَأَنْ لََا تَعْلُوا عَلَى اللََّهِ} [الآية 19] بالدخان، و {أَنْ لََا يُشْرِكْنَ بِاللََّهِ} [الآية 12] بالممتحنة، و {أَنْ لََا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ} [الآية 24] بسورة ن والقلم. فهذه العشرة تقطع فيها «أن» عن «لا»، ويوقف على النون وقفا اختياريّا.
وثانيها: فيه خلاف، وهو موضع واحد بسورة الأنبياء، وهو قوله: {أَنْ لََا إِلََهَ إِلََّا أَنْتَ سُبْحََانَكَ} [الآية 87] فكتب في أكثر المصاحف مقطوعا، وفي بعضها موصولا كما في شرح المقدسي. وفي الجوهر الفريد نقلا عن شرح الرائية: أن المختار فيه القطع، وقيل: الوصل أشهر كما في شرح القسطلاني والملّا علي وابن غازي.
وثالثها: موصول باتفاق وهو ما عدا الأحد عشر المتقدمة نحو قوله: {أَلََّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللََّهَ إِنَّنِي لَكُمْ} [الآية 2] بهود، و {أَلََّا تَزِرُ وََازِرَةٌ} [الآية 38] في النجم، و {أَلََّا تَعْلُوا عَلَيَّ}
[الآية 31] بالنمل، و {أَلََّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} [الآية 89] ب «طه».
وأما «إلا» المكسورة الهمزة، وهي «لا» النافية المدغم فيها «إن» الشرطية:
فموصولة اتفاقا حيثما وقعت نحو {إِلََّا تَفْعَلُوهُ} [الأنفال: الآية 73]، {إِلََّا تَنْصُرُوهُ}
[التّوبة: الآية 40]، و {وَإِلََّا تَغْفِرْ لِي} [هود: الآية 47] ونحوها.
2 - النوع الثاني: في (أن) مع (لن) الناصبة. وهي فيه على قسمين:
أولهما: موصول باتفاق، وهو موضعان: قوله: {أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً} [الآية 48] بالكهف، وقوله: {أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظََامَهُ} [الآية 3] بالقيامة.
وثانيهما: مقطوع بلا خلاف وهو ما عدا ذلك نحو قوله: {أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ}
[الآية 12] بالفتح، و {أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ} [الآية 5] بسورة الجن، و {أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} [الآية 5] بالبلد.
قال الملّا علي في شرحه على الجزرية: وأما قوله: {أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [الآية 20] بالمزمل فقال بعضهم: موصول، وقال آخرون: مفصول على ما وقع في المقنع. ولعل الشيخ ابن الجزري اختار الفصل الذي هو الأصل، ولهذا لم يتعرض لبيان الخلاف.(1/193)
وثانيهما: مقطوع بلا خلاف وهو ما عدا ذلك نحو قوله: {أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ}
[الآية 12] بالفتح، و {أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ} [الآية 5] بسورة الجن، و {أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} [الآية 5] بالبلد.
قال الملّا علي في شرحه على الجزرية: وأما قوله: {أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [الآية 20] بالمزمل فقال بعضهم: موصول، وقال آخرون: مفصول على ما وقع في المقنع. ولعل الشيخ ابن الجزري اختار الفصل الذي هو الأصل، ولهذا لم يتعرض لبيان الخلاف.
3 - النوع الثالث: في (إن) الشرطية مع (لم) وهي فيه على قسمين:
أحدهما: موصول باتفاق، وهو موضع واحد، وهو قوله: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ}
[الآية 14] بهود.
وثانيها: مقطوع بلا خلاف، وهو ما عدا ذلك نحو {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} [الآية 50] بالقصص، و {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} [الآية 24] بالبقرة، {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا} [الآية 73] بالمائدة وشبه ذلك.
وأما (أن لم) المفتوح الهمزة: فمقطوع بلا خلاف أيضا نحو {أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} [الآية 7] بالبلد، و {ذََلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ} [الآية 131] بالأنعام.
4 - النوع الرابع: في (إن) الشرطية مع (ما)، وهي فيه على قسمين:
أوّلهما: مقطوع وهو موضع واحد وهو قوله: {وَإِنْ مََا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ}
[الآية 40] بسورة الرعد.
وثانيهما: موصول، وهو ما عداه فتدغم النون في الميم لفظا وخطّا نحو {وَإِمََّا نُرِيَنَّكَ} [الآية 46] بيونس و [الآية 77] بغافر، و {فَإِمََّا تَثْقَفَنَّهُمْ} [الآية 57] و {وَإِمََّا تَخََافَنَّ}
[الآية 58] كلاهما بالأنفال، و {فَإِمََّا تَرَيِنَّ} [الآية 26] بمريم، و {فَإِمََّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمََّا فِدََاءً} [الآية 4] بالقتال.
وأما (أمّا) المفتوح الهمزة فهو موصول حيث جاء بلا خلاف نحو {أَمَّا اشْتَمَلَتْ}
[الآية 143] معا بالأنعام. و {أَمََّا يُشْرِكُونَ} [الآية 59]، و {أَمََّا ذََا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الآية 84] كلاهما بالنمل.
5 - النوع الخامس: في (أم) مع (من) الاستفهامية، وهي فيه على قسمين:
أحدهما: مقطوع بلا خلاف وهو أربعة مواضع {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} [الآية 109] بالنساء، و {أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيََانَهُ} [الآية 109] بالتوبة، و {أَمْ مَنْ خَلَقْنََا} [الآية 11] بالصافات، و {أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً} [الآية 40] بفصلت.
وثانيهما: موصول وهو ما عدا ذلك فتدغم الميم الأولى في الميم الثانية لفظا وخطّا نحو {أَمَّنْ لََا يَهِدِّي} [الآية 35] بيونس و {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ} [الآية 60] و {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ} [الآية 62] بالنمل.
6 - النوع السادس: في (من) الجارة مع (ما) الموصولة، وهي فيه على ثلاثة أقسام:(1/194)
وثانيهما: موصول وهو ما عدا ذلك فتدغم الميم الأولى في الميم الثانية لفظا وخطّا نحو {أَمَّنْ لََا يَهِدِّي} [الآية 35] بيونس و {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ} [الآية 60] و {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ} [الآية 62] بالنمل.
6 - النوع السادس: في (من) الجارة مع (ما) الموصولة، وهي فيه على ثلاثة أقسام:
أحدها: مقطوع باتفاق، وهو موضعان: قوله: {فَمِنْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} [الآية 25] بالنساء، وقوله: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} [الآية 28] بالروم.
وثانيها: فيه خلاف وهو قوله: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مََا رَزَقْنََاكُمْ} [الآية 10] بالمنافقين. فكتب في بعض المصاحف مقطوعا وفي بعضها موصولا.
وثالثها: موصول بلا خلاف وهو ما عدا ما تقدم نحو قوله: {وَمِمََّا رَزَقْنََاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الآية 3] و {مِمََّا نَزَّلْنََا عَلى ََ عَبْدِنََا} [الآية 23] بالبقرة. وأما قوله: {مِنْ مََالِ اللََّهِ}
[النّور: الآية 33]، و {مِنْ مََاءٍ مَهِينٍ} [السجدة: 8] وشبههما فمقطوع حيث وقع.
وإذا دخلت (من) الجارة على (من): فإن ذلك كتب في الإمام وفي جميع المصاحف متصلا بلا خلاف نحو {مِمَّنِ افْتَرى ََ} [الأنعام: الآية 21] و {مِمَّنْ كَذَّبَ}
[الأنعام: الآية 157] و {مِمَّنْ يَنْقَلِبُ} [البقرة: الآية 143] و {مِمَّنْ دَعََا} [فصّلت: الآية 33] و {مِمَّنْ مَعَكَ} [هود: الآية 48]. اه. وإذا دخلت (من) على (ما) نحو {مِمَّ خُلِقَ}
[الطّارق: الآية 5] فموصول باتفاق أيضا.
7 - النوع السابع: في ذكر (عن) مع (ما) الموصولة، وهي فيه على قسمين:
أحدهما: مقطوع وهو موضع واحد بالأعراف وهو قوله: {عَنْ مََا نُهُوا عَنْهُ} [الآية 166].
وثانيهما: موصول وهو ما عدا ذلك نحو قوله تعالى: {عَمََّا يُشْرِكُونَ} [التّوبة:
الآية 31]، و {عَمََّا يَعْمَلُونَ} [البقرة: الآية 144]، و {عَمََّا يَقُولُونَ} [المائدة: الآية 73].
وأما (عن) مع (من) الموصولة فهي مقطوعة بلا خلاف، وهي في موضعين لا ثالث لهما وهما قوله: {عَنْ مَنْ يَشََاءُ} [الآية 43] بالنور، و {عَنْ مَنْ تَوَلََّى} [الآية 29] بالنجم.
8 - النوع الثامن: في ذكر (إنّ) المشدّدة المكسورة الهمزة مع (ما) الموصولة، وهي فيه على ثلاثة أقسام:
أحدها: مقطوع بلا خلاف وهو قوله: {إِنَّ مََا تُوعَدُونَ لَآتٍ} [الآية 134] بالأنعام.
وثانيها: مختلف فيه وهو قوله: {إِنَّمََا عِنْدَ اللََّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [الآية 95] بالنحل، والوصل فيه أشهر وأقوى.
وثالثها: موصول بلا خلاف وهو ما عدا ذلك نحو {إِنَّمََا تُوعَدُونَ} [الآية 5] بالذاريات و [الآية 7] بالمرسلات، و {إِنَّمََا صَنَعُوا كَيْدُ سََاحِرٍ} [الآية 69] ب «طه»، و {إِنَّمَا اللََّهُ إِلََهٌ وََاحِدٌ} [الآية 171] بالنساء.(1/195)
وثانيها: مختلف فيه وهو قوله: {إِنَّمََا عِنْدَ اللََّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [الآية 95] بالنحل، والوصل فيه أشهر وأقوى.
وثالثها: موصول بلا خلاف وهو ما عدا ذلك نحو {إِنَّمََا تُوعَدُونَ} [الآية 5] بالذاريات و [الآية 7] بالمرسلات، و {إِنَّمََا صَنَعُوا كَيْدُ سََاحِرٍ} [الآية 69] ب «طه»، و {إِنَّمَا اللََّهُ إِلََهٌ وََاحِدٌ} [الآية 171] بالنساء.
9 - النوع التاسع: في (أنّ) بفتح الهمزة وتشديد النون مع (ما)، وهي على ثلاثة أقسام:
أحدها: مقطوع بلا خلاف، وهو ثلاثة مواضع، قوله: {وَأَنَّ مََا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبََاطِلُ} [الآية 62] بالحج، و {وَأَنَّ مََا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبََاطِلُ} [الآية 30] بلقمان، و {يَحْسَبُ أَنَّ مََالَهُ أَخْلَدَهُ} (3) [الآية 3] بالهمزة.
وثانيها: مختلف فيه وهو قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ} [الآية 41] بالأنفال، والوصل فيه أقوى وأشهر.
وثالثها: موصول باتفاق وهو ما عدا ذلك نحو قوله تعالى: {فَاعْلَمُوا أَنَّمََا عَلى ََ رَسُولِنَا الْبَلََاغُ الْمُبِينُ} [الآية 92] بالمائدة و [الآية 12] بالتغابن.
10 - النوع العاشر: في ذكر (أين) مع (ما)، وهي فيه على أربعة أقسام:
أحدها: موصول باتفاق وهو موضعان: قوله تعالى: {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ}
[الآية 115] بالبقرة، وقوله تعالى: {أَيْنَمََا يُوَجِّهْهُ لََا يَأْتِ بِخَيْرٍ} [الآية 76] بالنحل.
وثانيها: يستوي فيه الفصل والوصل، وهو موضعان أيضا، قوله تعالى: {أَيْنَ مََا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللََّهِ} [الآيتان 92، 93] بالشعراء، وقوله: {أَيْنَمََا ثُقِفُوا أُخِذُوا}
[الآية 61] بالأحزاب، فمن شاء قطع ومن شاء وصل لأنه وجد في بعض المصاحف «أين» مقطوعة عن «ما» فيهما، وفي بعضها موصولها بها.
وثالثها: مفصول على الأرجح لأنه وجد في أكثر المصاحف مقطوعا وهو موضع واحد بسورة النساء، وهو قوله تعالى: {أَيْنَمََا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [الآية 78].
وإلى ذلك أشار الشاطبي في العقيلة فقال:
والخلف في سورة الأحزاب والشّعرا ... وفي النّساء يقلّ الوصل معتمرا
ورابعها: مقطوع باتفاق جميع المصاحف، وهو ما عدا هذه الخمسة نحو قوله تعالى: {أَيْنَ مََا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللََّهُ جَمِيعاً} [الآية 148] بالبقرة، و {أَيْنَ مََا كُنْتُمْ تَدْعُونَ}
[الآية 37] بالأعراف، و {أَيْنَ مََا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [الآية 73] بغافر، و {أَيْنَ مََا كُنْتُمْ} [الآية 4] بالحديد، و {أَيْنَ مََا كََانُوا} [الآية 7] بالمجادلة. [اه. ابن غازي].
11 - النوع الحادي عشر: في ذكر (كل) مع (ما)، وهي على ثلاثة أقسام:(1/196)
والخلف في سورة الأحزاب والشّعرا ... وفي النّساء يقلّ الوصل معتمرا
ورابعها: مقطوع باتفاق جميع المصاحف، وهو ما عدا هذه الخمسة نحو قوله تعالى: {أَيْنَ مََا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللََّهُ جَمِيعاً} [الآية 148] بالبقرة، و {أَيْنَ مََا كُنْتُمْ تَدْعُونَ}
[الآية 37] بالأعراف، و {أَيْنَ مََا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [الآية 73] بغافر، و {أَيْنَ مََا كُنْتُمْ} [الآية 4] بالحديد، و {أَيْنَ مََا كََانُوا} [الآية 7] بالمجادلة. [اه. ابن غازي].
11 - النوع الحادي عشر: في ذكر (كل) مع (ما)، وهي على ثلاثة أقسام:
الأول: مقطوع بلا خلاف، وهو قوله تعالى: {وَآتََاكُمْ مِنْ كُلِّ مََا سَأَلْتُمُوهُ}
[الآية 34] بإبراهيم.
والثاني: فيه خلاف وهو أربعة مواضع: قوله تعالى: {كُلَّمََا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ} [الآية 91] بسورة النساء، وقوله: {كُلَّمََا دَخَلَتْ أُمَّةٌ} [الآية 38] بالأعراف، وقوله: {كُلَّ مََا جََاءَ أُمَّةً رَسُولُهََا} [الآية 44] ب «المؤمنون»، وقوله: {كُلَّمََا أُلْقِيَ فِيهََا فَوْجٌ} [الآية 8] بالملك، فكتبت (كل) في بعض المصاحف مقطوعة عن (ما) وفي بعضها موصولة. وقد ذكر ذلك الشاطبي في العقيلة فقال:
وقل وآتاكم من كل ما قطعوا ... والخلف في كلّما ردّوا فشا خبرا
وكلّما ألقي اسمع كلّما دخلت ... كلما جاء عن خلف يلي وقرا
والثالث: موصول بالإجماع، وهو ما عدا هذه الخمسة، نحو قوله تعالى:
{كُلَّمََا رُزِقُوا مِنْهََا} [البقرة: الآية 25]، وقوله: {أَفَكُلَّمََا جََاءَكُمْ رَسُولٌ} [البقرة: الآية 87]، و {كُلَّمََا أَوْقَدُوا} [المائدة: الآية 64]، وما أشبه ذلك.
12 - النوع الثاني عشر: في (بئس) مع (ما)، وهي فيه على ثلاثة أقسام:
أولها: مقطوع بلا خلاف، وهو ستة مواضع خمسة منها باللام، وواحد بالفاء فالتي باللام: واحد بالبقرة وهو قوله: {وَلَبِئْسَ مََا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} [الآية 102]، وهو ثالثها. وأربعة بالمائدة: قوله: {لَبِئْسَ مََا كََانُوا يَعْمَلُونَ} [الآية 62]، و {لَبِئْسَ مََا كََانُوا يَصْنَعُونَ} [الآية 63]، و {لَبِئْسَ مََا كََانُوا يَفْعَلُونَ} [الآية 79]، و {لَبِئْسَ مََا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [الآية 80]. والذي بالفاء في آل عمران وهو قوله تعالى: {فَبِئْسَ مََا يَشْتَرُونَ}
[الآية 187].
وثانيها: مختلف فيه وهو قوله تعالى: {قُلْ بِئْسَمََا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمََانُكُمْ}. ثاني البقرة [الآية 93] كتب في بعض المصاحف مقطوعا وفي بعضها موصولا.
وثالثها: موصول بالإجماع وهو موضعان: قوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} أولى البقرة [الآية 90]، وقوله: {قََالَ بِئْسَمََا خَلَفْتُمُونِي} [الآية 150] بالأعراف، اتفقت جميع المصاحف على وصل (بئس) ب (ما) الموصولة في هذين الموضعين في جميع المصاحف. وإلى ذلك أشار الشاطبي بقوله:
قل بئسما بخلاف ثم يوصل مع ... خلفتموني ومن قبل اشتروا نشرا
13 - النوع الثالث عشر: في (كي) مع (لا)، وهي فيه على قسمين:(1/197)
قل بئسما بخلاف ثم يوصل مع ... خلفتموني ومن قبل اشتروا نشرا
13 - النوع الثالث عشر: في (كي) مع (لا)، وهي فيه على قسمين:
أحدهما: موصول باتفاق أي اتفقت المصاحف على وصل (كي) الناصبة ب (لا) النافية وذلك في أربعة مواضع: قوله: {لِكَيْلََا تَحْزَنُوا عَلى ََ مََا فََاتَكُمْ} [الآية 153] بآل عمران، وقوله: {لِكَيْلََا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} [الآية 5] بالحج، وقوله:
{لِكَيْلََا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} [الآية 50] ثاني الأحزاب، وقوله: {لِكَيْلََا تَأْسَوْا عَلى ََ مََا فََاتَكُمْ} [الآية 23] بالحديد، ولذلك أشار الشاطبي بقوله:
في آل عمران والأحزاب ثانيها ... والحجّ وصلا لكيلا والحديد جرى
وثانيهما: مقطوع باتفاق، وهو ما عدا هذه الأربعة نحو {لِكَيْ لََا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً}
[الآية 70] بالنحل، و {لِكَيْ لََا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الآية 37] أولى الأحزاب، و {كَيْ لََا يَكُونَ دُولَةً} [الآية 7] بالحشر.
14 - النوع الرابع عشر: في لفظ (في) مع (ما)، وهي فيه على ثلاثة أقسام:
أولها: مقطوع بلا خلاف، وهو موضع واحد بسورة الشعراء وهو قوله: {أَتُتْرَكُونَ فِي مََا هََاهُنََا آمِنِينَ (146)} [الآية 146].
وثانيها: يستوي فيه القطع والوصل، والقطع أكثر، وهو في عشرة مواضع:
الأول: قوله: {فِي مََا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} [الآية 240] ثاني البقرة.
والثاني والثالث {فِي مََا آتََاكُمْ} [الآية 48] بالمائدة و [الآية 165] بالأنعام. والرابع: {فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الآية 145] بها أي بالأنعام. والخامس: {فِي مَا اشْتَهَتْ} [الآية 102] بالأنبياء. والسادس قوله: (في ما افضتم) [الآية 14] بالنور. والسابع: {فِي مََا رَزَقْنََاكُمْ}
[الآية 28] بالروم. والثامن والتاسع قوله: {فِي مََا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الآية 3] و {فِي مََا كََانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الآية 46] كلاهما بالزمر. والعاشر: {فِي مََا لََا تَعْلَمُونَ} [الآية 61] بالواقعة.
قال ابن غازي: هذا ما قاله ولد الشمس ابن الجزري في شرح منظومة أبيه رحمهما الله تعالى، وهو الحق الذي صرّح به علماء الرسم. وعكس بعض الشّرّاح للجزرية فجعل العشرة متّفقا على قطعها، وحكى الخلاف في الذي بالشعراء، ولم أعلم من أين أخذه! اه.
وثالثها: موصول باتفاق المصاحف: وهو ما عدا الأحد عشر المذكورة نحو قوله:
{فَاللََّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيََامَةِ فِيمََا كََانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الآية 113] بالبقرة، و {فِيمََا فَعَلْنَ فِي
أَنْفُسِهِنَّ} [الآية 234] أوّل موضعي البقرة، و {فِيمَ كُنْتُمْ} [الآية 97] بالنساء، و {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرََاهََا} (43) [الآية 43] بالنازعات، و {فِيمََا أَخَذْتُمْ} [الآية 68] بالأنفال، وشبه ذلك.(1/198)
{فَاللََّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيََامَةِ فِيمََا كََانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الآية 113] بالبقرة، و {فِيمََا فَعَلْنَ فِي
أَنْفُسِهِنَّ} [الآية 234] أوّل موضعي البقرة، و {فِيمَ كُنْتُمْ} [الآية 97] بالنساء، و {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرََاهََا} (43) [الآية 43] بالنازعات، و {فِيمََا أَخَذْتُمْ} [الآية 68] بالأنفال، وشبه ذلك.
15 - النوع الخامس عشر: في ذكر (لام الجر) مع ما بعدها، وهي فيه على قسمين:
أحدهما: مقطوع بلا خلاف وهو في أربعة مواضع الأول قوله تعالى: (فمال هؤلاء القوم) [الآية 78] بالنساء. والثاني قوله تعالى: {مََا لِهََذَا الْكِتََابِ} [الآية 49] بالكهف. والثالث قوله تعالى: {مََا لِهََذَا الرَّسُولِ} [الآية 7] بالفرقان. والرابع قوله تعالى:
{فَمََا لِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الآية 36] بالمعارج.
وثانيهما: موصول باتفاق وهو ما عدا هذه الأربعة نحو قوله: {وَمََا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ}
[الليل: الآية 19]، و {مََا لِلظََّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ} [غافر: الآية 18] وشبه ذلك.
16 - النوع السادس عشر: في ذكر (يوم) مع (هم)، وهي فيه على قسمين:
أحدهما: مقطوع باتفاق، وهو في موضعين: أولهما: {يَوْمَ هُمْ بََارِزُونَ} [الآية 16] بسورة غافر. وثانيهما: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النََّارِ يُفْتَنُونَ} (13) [الآية 13] بالذاريات. وإنما فصلت (يوم) عن (هم) لأن يوم ليس بمضاف إلى الكناية فيهما، وإنما هو مضاف إلى الجملة، يعني يوم فتنتهم ويوم بروزهم، ف (هم) في الموضعين في موضع رفع على الابتداء، وما بعده الخبر.
وثانيهما: موصول بلا خلاف وهو ما عدا هذين الموضعين نحو {يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [الآية 83] بالزخرف و [الآية 42] بالمعارج، و {يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} [الآية 45] بالطور، ف (يوم) مع (هم) حرف واحد لأن (هم) في موضع خفض بإضافة (اليوم) إليه، والخافض والمخفوض بمنزلة حرف واحد. اه.
تتمتان
* الأولى: في كلمات اتفقت المصاحف على قطعها:
منها قوله: {وَحَيْثُ مََا كُنْتُمْ}
موضعان بالبقرة ف (حيث) كلمة و (ما) كلمة أخرى، ومنها قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي} [الآية 245] بالبقرة و [الآية 11] بالحديد، ف (من) كلمة و (ذا) كلمة أخرى، ومنها قوله: {أَنْ يُمِلَّ هُوَ} [الآية 282] بالبقرة أيضا ف (يمل) كلمة و (هو) كلمة أخرى، ومنها قوله: {لَا انْفِصََامَ لَهََا} [البقرة: الآية 256]، ف (لا) كلمة و (انفصام) كلمة أخرى، ومنها {قََالَ ابْنَ أُمَّ}
[الآية 150] بالأعراف ف (ابن) كلمة و (أم) كلمة أخرى، ومعنى القطع أن تكتب الألف بعد النون مقطوعة. ومنها قوله: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى ََ} [الأعراف: الآية 98] وقوله: {أَ
وَآبََاؤُنَا} [الصّافات: الآية 17] قرئ بإسكان الواو وفتحها فمن فتحها جعلها واو عطف والهمزة للاستفهام، وكانت مع ما بعدها كلمة واحدة لأنها وحدها لا تستقل بنفسها، ومن أسكنها كانت (أو) التي للعطف وهي مستقلة، فتكون كلمة، وما بعدها كلمة فعلى الأوّل لا يجوز الوقف على الواو، وعلى الثاني يجوز.(1/199)
منها قوله: {وَحَيْثُ مََا كُنْتُمْ}
موضعان بالبقرة ف (حيث) كلمة و (ما) كلمة أخرى، ومنها قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي} [الآية 245] بالبقرة و [الآية 11] بالحديد، ف (من) كلمة و (ذا) كلمة أخرى، ومنها قوله: {أَنْ يُمِلَّ هُوَ} [الآية 282] بالبقرة أيضا ف (يمل) كلمة و (هو) كلمة أخرى، ومنها قوله: {لَا انْفِصََامَ لَهََا} [البقرة: الآية 256]، ف (لا) كلمة و (انفصام) كلمة أخرى، ومنها {قََالَ ابْنَ أُمَّ}
[الآية 150] بالأعراف ف (ابن) كلمة و (أم) كلمة أخرى، ومعنى القطع أن تكتب الألف بعد النون مقطوعة. ومنها قوله: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى ََ} [الأعراف: الآية 98] وقوله: {أَ
وَآبََاؤُنَا} [الصّافات: الآية 17] قرئ بإسكان الواو وفتحها فمن فتحها جعلها واو عطف والهمزة للاستفهام، وكانت مع ما بعدها كلمة واحدة لأنها وحدها لا تستقل بنفسها، ومن أسكنها كانت (أو) التي للعطف وهي مستقلة، فتكون كلمة، وما بعدها كلمة فعلى الأوّل لا يجوز الوقف على الواو، وعلى الثاني يجوز.
وأما الواوات في نحو قوله: {أَوَعَجِبْتُمْ} [الأعراف: الآية 63] {أَوَلَيْسَ اللََّهُ}
[العنكبوت: الآية 10] {أَوَكُلَّمََا عََاهَدُوا} [البقرة: الآية 100] {أَوَلَمََّا أَصََابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ}
[آل عمران: الآية 165] {أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ} [الزّخرف: الآية 18] فواوات عطف لا يجوز الوقف عليها، ومنها قوله: {أَيًّا مََا تَدْعُوا} [الآية 110] بالإسراء فقوله: (أيّا) كلمة و (ما) كلمة أخرى، ومنها قوله: {وَإِذََا مََا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الآية 37] بالشورى ف (غضبوا) كلمة و (هم) كلمة أخرى.
ومعنى القطع هنا أن تكتب الألف بعد الواو. ومنها قوله: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً}
[الآية 4] بيوسف ف (أحد) و (عشر) كلمتان فيجوز الوقف على أولاهما للضرورة، ومنها قوله: {وَمِنْ هََؤُلََاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} [الآية 47] بالعنكبوت (فمن) كلمة و (هؤلاء) كلمة أخرى، ومنها قوله: {وَمََا لِيَ لََا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [الآية 22] في يس. ف (ما) كلمة و (لي) كلمة أخرى أي لا مانع لي من عبادته، وكذا قوله تعالى: {مََا لِيَ لََا أَرَى الْهُدْهُدَ} [الآية 20] بالنمل، ومنها قوله: {فِيمََا إِنْ مَكَّنََّاكُمْ فِيهِ} [الآية 26] بالأحقاف، فترسم (فيما) وحدها و (إن) وحدها و (مكّناكم) وحدها، ومنها قوله: {هََاؤُمُ اقْرَؤُا كِتََابِيَهْ}
[الحاقة: الآية 19] ف (هاؤم) كلمة وهي بغير واو بعد الميم و (اقرءوا) كلمة أخرى.
ومنها قوله: {إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى ََ} [الأعلى: الآية 9] فترسم (إن) وحدها (ونفعت) وحدها، ومنها قوله: {إِرَمَ ذََاتِ الْعِمََادِ} (7) [الآية 7] بالفجر، ف (إرم) كلمة و (ذات) كلمة أخرى، ومنها قوله: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقََاهََا} (12) [الآية 12] بالشمس ف (إذ) كلمة و (انبعث) كلمة أخرى وهي بألف ونون متصلة بالباء الموحدة، ومنها قوله تعالى:
{مِنْ طُورِ سَيْنََاءَ} [المؤمنون: الآية 20] و {وَطُورِ سِينِينَ} (2) [التين: الآية 2] ف (طور) كلمة وما بعدها كلمة أخرى.
قال في شرح اللؤلؤ المنظوم: وما وقع أكثر نسخ المتن والشرح من منع الوقف على راء (طور) بدون ما بعدها فسهو لا يعوّل عليه.
ومنها قوله: {إِلْ يََاسِينَ} فترسم (إل) وحدها و (يس) وحدها سواء قرأنا بكسر الهمزة وسكون اللام أو بفتحها مع المد وجر اللام، لكن يمتنع الوقف على (إل) بدون (يس) عند من قرأ بكسر الهمزة وسكون اللام وهم: ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة
والكسائي وكذا أبو جعفر وخلف، أما من قرأ (آل) بفتح الهمزة والمد مع كسر اللام وهم الباقون فإنه يجوز الوقف عنده على (آل) بدون (يس) إذ هما مضاف ومضاف إليه (كآل لوط) و (آل فرعون) و (آل موسى).(1/200)
ومنها قوله: {إِلْ يََاسِينَ} فترسم (إل) وحدها و (يس) وحدها سواء قرأنا بكسر الهمزة وسكون اللام أو بفتحها مع المد وجر اللام، لكن يمتنع الوقف على (إل) بدون (يس) عند من قرأ بكسر الهمزة وسكون اللام وهم: ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة
والكسائي وكذا أبو جعفر وخلف، أما من قرأ (آل) بفتح الهمزة والمد مع كسر اللام وهم الباقون فإنه يجوز الوقف عنده على (آل) بدون (يس) إذ هما مضاف ومضاف إليه (كآل لوط) و (آل فرعون) و (آل موسى).
ومنها قوله تعالى: {وَلََاتَ حِينَ مَنََاصٍ} [الآية 3] بسورة (ص) فقوله: (ولات) كلمة و (حين) كلمة أخرى على الصحيح، و (لا) فيها عند الأكثرين نافية دخلت عليها التاء علامة لتأنيث الكلمة كما دخلت على (ربّ) و (ثمّ) فيقال (ربّت) و (ثمّت) فتكون التاء متصلة ب (لا) حكما، وهذا مذهب الخليل وسيبويه والكسائي وأئمة النحو والقراءة فعلى هذا يوقف على التاء أو على الهاء بدلا منها فالكسائي وقف عليها بالهاء، والباقون بالتاء تبعا للرسم، وأجمعوا على أنه لا يجوز الوقف على (لا) والابتداء ب (تحين). وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: إن (التاء) مفصولة من (لا) موصولة (بحين)، قال: فالوقف عندي على (لا) والابتداء ب (تحين) لأني نظرتها في الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه (ولا تحين) (التاء) متصلة ب (حين). [اه. مقدسي].
قال ابن غازي في شرحه: ويؤيد قول أبي عبيد ما ذكره ابن الجزري في النشر حيث قال: «إني رأيتها مكتوبة في المصحف الذي يقال له الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه: (لا) مقطوعة و (التاء) موصولة ب (حين)، ورأيت به أثر الدم، وتتبعت فيه ما ذكره أبو عبيد فرأيته كذلك، وهذا المصحف هو اليوم بالمدرسة الفاضلية من القاهرة المحروسة».
وقال المقدسي في شرحه على الجزرية: وأنا رأيته أيضا ورأيت أثر الدم فيه، وغالب أهل القاهرة إذا توجّهت على أحد منهم يمين لا يحلّف إلا عنده بالمكان الذي ذكره. قال القسطلاني: والأكثرون على خلاف ذلك، وحملوا ما حكاه أبو عبيد على أنه مما خرج في خطّ المصاحف عن القياس. اه. ومعنى حين: الوقت، ومعنى مناص: الفرار، فيكون: فنادوا وليس الوقت وقت فرار. [اه. شرح القول المفيد].
ومنها قوله تعالى: {حم (1) عسق} (2) [الشورى: الآيتان 1، 2] فقوله: {حم} (1) كلمة و {عسق} (2) كلمة أخرى.
* التتمة الثانية: في كلمات اتفقت المصاحف على وصلها:
منها قوله تعالى: {لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [الآية 159] بآل عمران كلمة واحدة، واللام للتوكيد، وهمزة الوصل متصلة بها، وكذا قوله: {لَاتَّبَعْنََاكُمْ} [الآية 167] بآل عمران أيضا، و {لَاتَّبَعْتُمُ} [الآية 83] بالنساء، و {لَافْتَدَوْا} [الآية 18] بالرعد، و {لَابْتَغَوْا}
[الآية 42] و {لَاتَّخَذُوكَ} [الآية 73] بالإسراء، و {لَاصْطَفى ََ} [الآية 4] بالزمر. وشبه ذلك.(1/201)
منها قوله تعالى: {لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [الآية 159] بآل عمران كلمة واحدة، واللام للتوكيد، وهمزة الوصل متصلة بها، وكذا قوله: {لَاتَّبَعْنََاكُمْ} [الآية 167] بآل عمران أيضا، و {لَاتَّبَعْتُمُ} [الآية 83] بالنساء، و {لَافْتَدَوْا} [الآية 18] بالرعد، و {لَابْتَغَوْا}
[الآية 42] و {لَاتَّخَذُوكَ} [الآية 73] بالإسراء، و {لَاصْطَفى ََ} [الآية 4] بالزمر. وشبه ذلك.
ومنها قوله تعالى: {يَا بْنَ أُمَّ} [الآية 94] ب «طه» كلمة واحدة، يعني أنهم كتبوا بعد النون واوا موصولة بها، وفيه وصل حرف النداء بالباء الموحدة أيضا.
ومنها {حِينَئِذٍ} [الواقعة: الآية 84] و {يَوْمَئِذٍ} [آل عمران: الآية 167] كلمتان متصلتان، ومنها {مَهْمََا} [الآية 132] بالأعراف، و {فَنِعِمََّا} [الآية 58] بالبقرة و [الآية 58] بالنساء، و {رُبَمََا} [الآية 2] بالحجر، وكذا {وَيْكَأَنَّ} [الآية 82] و {وَيْكَأَنَّهُ} [الآية 82] معا بالقصص بوصل الياء التحتية بالكاف فيهما. ومنها {مِنْسَأَتَهُ} [الآية 14] بسورة سبأ بوصل النون بالسين المهملة.
ومنها قوله: {مََا عَنِتُّمْ} [الآية 118] بآل عمران و [الآية 128] بالتوبة، و {لَعَنِتُّمْ}
[الآية 7] بالحجرات بوصل النون بالتاء الفوقية من غير دال بينهما في الثلاثة.
وقد جمع بعضهم ذلك في قوله:
عنتّم برسم قد أتت في ثلاثة ... بتاء فلا ترسم بدال أخا العلا
ففي آل عمران أتت وبتوبة ... وبالحجرات اختم كذا نقل الملا
ومنها قوله: (سلسلا) [الآية 4] بسورة الإنسان بوصل اللام بالسين المهملة وهي كلمة واحدة باتفاق المصاحف. ومنها قوله: {مَنََاسِكَكُمْ} [البقرة: الآية 200] و {أَنُلْزِمُكُمُوهََا} [هود: الآية 28] و {أُورِثْتُمُوهََا} [الأعراف: الآية 43] و {وَكَأَيِّنْ} [آل عمران:
الآية 146] بوصل الياء التحتية بالنون، ومنها {كََالُوهُمْ} [الآية 3] و {وَزَنُوهُمْ} [الآية 3] بالمطففين فإنهما كتبا في جميع المصاحف موصولين بدليل حذف الألف بعد الواو فيهما، فدلّ ذلك على أن الواو غير منفصلة فتكون موصولة. وقد اختلف في كون ضميرهم مرفوعا منفصلا أو منصوبا متصلا، والصحيح أنه منصوب لاتصاله رسما بدليل حذف الألف بينه وبين الواو إذ لو كان ضمير رفع لفصل بالألف. [اه. مقدسي] ثم إن في معنى {وَزَنُوهُمْ} [المطفّفين: الآية 3] نحو {رَزَقْنََاهُمْ} [البقرة: الآية 3]، و {أَعْطَيْنََاكَ}
[الكوثر: الآية 1]، و {أَنْزَلْنََاهُ} [الأنعام: الآية 92] ونحوها.
ومنها (آل) المعرفة فإنها لكثرة دورها نزلت منزلة الجزء مما دخلت عليه، فوصلت. ومنها (ياء النداء) فإنها لمّا حذفت ألفها بقيت على حرف الواو فاتصلت. ومنها (ها) من {هََؤُلََاءِ} و {هََا أَنْتُمْ} و {هََذَا}، وكذا كل كلمة اتصل بها ضمير متصل سواء كان على حرف واحد أو أكثر نحو (ربى) و {رَبَّكُمُ}، و {رُسُلِهِ} و (رسلنا)
و {رُسُلُكُمْ}، و (أنجيكم) و {يُحْيِيكُمْ}، وكذا حروف المعجم في فواتح السور {المص} (1) {المر} {كهيعص} (1) {طس} {طسم} (1) {حم} (1)، إلا قوله: {حم (1) عسق (2)} فإنه كتب مقطوعا كما تقدم.(1/202)
ومنها (آل) المعرفة فإنها لكثرة دورها نزلت منزلة الجزء مما دخلت عليه، فوصلت. ومنها (ياء النداء) فإنها لمّا حذفت ألفها بقيت على حرف الواو فاتصلت. ومنها (ها) من {هََؤُلََاءِ} و {هََا أَنْتُمْ} و {هََذَا}، وكذا كل كلمة اتصل بها ضمير متصل سواء كان على حرف واحد أو أكثر نحو (ربى) و {رَبَّكُمُ}، و {رُسُلِهِ} و (رسلنا)
و {رُسُلُكُمْ}، و (أنجيكم) و {يُحْيِيكُمْ}، وكذا حروف المعجم في فواتح السور {المص} (1) {المر} {كهيعص} (1) {طس} {طسم} (1) {حم} (1)، إلا قوله: {حم (1) عسق (2)} فإنه كتب مقطوعا كما تقدم.
ثم اعلم أن ما ذكره القراء من قولهم هذا مقطوع وهذا موصول المراد به القطع والوصل في كل شيء بحسبه فمعنى القطع في (أن لّا) المفتوحة الهمزة و (إن لن) و (إن ما) المكسورة الهمزة المخففة النون و (إن لّم) المكسورة الهمزة والمفتوحة أيضا و (عن ما) و (عن من) و (من ما) رسمها كلها بنون بعد أوّل حرف كلّ منها مع قطعها عمّا بعدها كما ترى، ومعنى الوصل فيها رسمها بغير نون مع وصل الحرف الأوّل بالثاني في (عمّا) و (عمن) و (ممّا) كما ترى، ومعنى الوصل في (إلّا) المكسورة الهمزة (وممّن) رسمها معا بغير نون مع وصل الميم الأولى بالثانية في (ممّن) كما ترى، ومعنى القطع في (أم من) رسمها بميمين الأولى مقطوعة عن من الثانية كما ترى، ومعنى الوصل عدم كتابة الميم الأولى، ومعنى الوصل في (أمّا) المفتوحة الهمزة كتابتها بميم واحدة كما ترى.
فإن قيل: ما ثمرة معرفة المقطوع والموصول؟
أجيب: بأن ثمرته جواز الوقف على إحدى الكلمتين المقطوعتين باتفاق، ووجوه على الأخيرة من الموصولتين باتفاق أيضا، وأما ما اختلف في قطعه ووصله فيجوز الوقف على كلتا الكلمتين نظرا إلى قطعهما، ويجب على الأخيرة نظرا إلى وصلهما. اه.
قال في الإتحاف: فجميع ما كتب موصولا مما ذكر وغيره لا يجوز الوقف فيه إلا على الكلمة الأخيرة منه لأجل الاتصال الرسمي، ولا يجوز فصله بوقف إلا برواية صحيحة، ومن ثمّ اختير عدم فصل {وَيْكَأَنَّ} و {وَيْكَأَنَّهُ} كما تقدّم مع وجود الرواية بفصله. نعم روى قتيبة عن الكسائي التوسّع في ذلك، والوقف على الأصل، لكن الذي استقرّ عليه عمل الأئمة والمشايخ القراء ما تقدّم من وجوب الوقف على الكلمة الأخيرة، وهو الأحرى والأولى بال
صواب كما في النشر. اه.
الفصل الثالث في بيان الوقف على الثابت والمحذوف من حروف المدّ
وهو ثلاثة أنواع:
* النوع الأول: في حذف الألف وثبوتها:
اعلم أن كلّ ألف حذفت في الوصل لالتقاء الساكنين فإنها ثابتة رسما ووقفا نحو {فَإِنْ كََانَتَا اثْنَتَيْنِ} [النساء: الآية 176]، و {ذََاقَا الشَّجَرَةَ} [الأعراف: الآية 22]، و {عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف: الآية 22]، و {دَعَوَا اللََّهَ رَبَّهُمََا} [الأعراف: الآية 189]، و {وَاسْتَبَقَا الْبََابَ} [يوسف: الآية 25]، و {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ} [الكهف: الآية 33]، و {وَقََالا الْحَمْدُ} [النمل: الآية 15]، و {وَقِيلَ ادْخُلَا النََّارَ} [التحريم: الآية 10]، و {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: الآية 67]، و {قُلْنَا احْمِلْ فِيهََا} [هود: الآية 40]، و {يََا أَيُّهَا} حيث وقع نحو {يََا أَيُّهَا النََّاسُ} [البقرة: الآية 21]، و {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ} [المائدة: الآية 41]، و {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [الأنفال: الآية 64]، و {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ} [البقرة: الآية 104] إلا ثلاثة مواضع (أيّه المؤمنون) [الآية 31] بالنور، و (يأيّه السّاحر) [الآية 49] بالزخرف. و (أيّه الثّقلان) [الآية 31] بالرحمن، فوقف عليها بالألف أبو عمرو والكسائي، ووقف الباقون بغير ألف اتباعا للرسم، وكذا كل ألف منقلبة عن ياء حذفت في الوصل لالتقاء الساكنين فإنها ثابتة في الوقف نحو {الْقَتْلى ََ الْحُرُّ} [البقرة: الآية 178]، و {مُوسَى الْكِتََابَ} [البقرة: الآية 53]، و {مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} [فاطر: الآية 42]، و {ذِكْرَى الدََّارِ}
[ص: الآية 46]، و {لَإِحْدَى الْكُبَرِ} [المدّثّر: الآية 35]، ونحو {وَآتَى الْمََالَ} [البقرة: الآية 177]، و {وَآتَى الزَّكََاةَ} [البقرة: الآية 177، وغيرها]، و {وَيَأْبَى اللََّهُ} [التوبة: الآية 32]، و {وَتَخْشَى النََّاسَ} [الأحزاب: الآية 37]، و {يُوَفَّى الصََّابِرُونَ} [الزّمر: الآية 10]، وما أشبه ذلك من الأسماء والأفعال.(1/203)
* النوع الأول: في حذف الألف وثبوتها:
اعلم أن كلّ ألف حذفت في الوصل لالتقاء الساكنين فإنها ثابتة رسما ووقفا نحو {فَإِنْ كََانَتَا اثْنَتَيْنِ} [النساء: الآية 176]، و {ذََاقَا الشَّجَرَةَ} [الأعراف: الآية 22]، و {عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف: الآية 22]، و {دَعَوَا اللََّهَ رَبَّهُمََا} [الأعراف: الآية 189]، و {وَاسْتَبَقَا الْبََابَ} [يوسف: الآية 25]، و {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ} [الكهف: الآية 33]، و {وَقََالا الْحَمْدُ} [النمل: الآية 15]، و {وَقِيلَ ادْخُلَا النََّارَ} [التحريم: الآية 10]، و {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: الآية 67]، و {قُلْنَا احْمِلْ فِيهََا} [هود: الآية 40]، و {يََا أَيُّهَا} حيث وقع نحو {يََا أَيُّهَا النََّاسُ} [البقرة: الآية 21]، و {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ} [المائدة: الآية 41]، و {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [الأنفال: الآية 64]، و {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ} [البقرة: الآية 104] إلا ثلاثة مواضع (أيّه المؤمنون) [الآية 31] بالنور، و (يأيّه السّاحر) [الآية 49] بالزخرف. و (أيّه الثّقلان) [الآية 31] بالرحمن، فوقف عليها بالألف أبو عمرو والكسائي، ووقف الباقون بغير ألف اتباعا للرسم، وكذا كل ألف منقلبة عن ياء حذفت في الوصل لالتقاء الساكنين فإنها ثابتة في الوقف نحو {الْقَتْلى ََ الْحُرُّ} [البقرة: الآية 178]، و {مُوسَى الْكِتََابَ} [البقرة: الآية 53]، و {مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} [فاطر: الآية 42]، و {ذِكْرَى الدََّارِ}
[ص: الآية 46]، و {لَإِحْدَى الْكُبَرِ} [المدّثّر: الآية 35]، ونحو {وَآتَى الْمََالَ} [البقرة: الآية 177]، و {وَآتَى الزَّكََاةَ} [البقرة: الآية 177، وغيرها]، و {وَيَأْبَى اللََّهُ} [التوبة: الآية 32]، و {وَتَخْشَى النََّاسَ} [الأحزاب: الآية 37]، و {يُوَفَّى الصََّابِرُونَ} [الزّمر: الآية 10]، وما أشبه ذلك من الأسماء والأفعال.
وأما قوله: {فَلَمََّا تَرََاءَا} [الآية 61] بالشعراء فبإثبات الألف بعد الهمزة المفتوحة في الوقف دون الرسم لأنه رسم بألف واحدة بعد الراء في جميع المصاحف، وقياسه أن يرسم بألف وياء. واختلف في الألف الثابتة والمحذوفة في الرسم: هل هي الأولى أو الثانية؟ فذهب الداني إلى أن الأولى هي المحذوفة، وأن الثابتة هي الثانية، وذهب غيره إلى أن الأولى هي الثابتة، وأن الثانية هي المحذوفة، وهو الصحيح.
تنبيهان:
التنبيه الأول: في كلمات اتفق القراء على إثبات الألف فيها عند الوقف لثبوتها رسما في جميع المصاحف
قوله: {اهْبِطُوا مِصْراً} [الآية 61] بالبقرة، وقوله: {وَلَيَكُوناً مِنَ الصََّاغِرِينَ} [الآية 32] بيوسف، وقوله: {لَنَسْفَعاً بِالنََّاصِيَةِ} [الآية 15] بسورة العلق، و (إذا) المنوّنة حيث وقعت نحو {فَإِذاً لََا يُؤْتُونَ} [النّساء: الآية 53]، و {إِذاً لَابْتَغَوْا}
[الإسراء: الآية 42]، و {وَإِذاً لََا يَلْبَثُونَ} [الإسراء: الآية 76]، وشبه ذلك. وكذا اتفقوا
على إثبات الألف وقفا في قوله: {لََكِنَّا هُوَ اللََّهُ رَبِّي} [الآية 38] بالكهف لأن الألف ثابتة في الرسم فيها أيضا، والوقف تابع للرسم. اه.(1/204)
قوله: {اهْبِطُوا مِصْراً} [الآية 61] بالبقرة، وقوله: {وَلَيَكُوناً مِنَ الصََّاغِرِينَ} [الآية 32] بيوسف، وقوله: {لَنَسْفَعاً بِالنََّاصِيَةِ} [الآية 15] بسورة العلق، و (إذا) المنوّنة حيث وقعت نحو {فَإِذاً لََا يُؤْتُونَ} [النّساء: الآية 53]، و {إِذاً لَابْتَغَوْا}
[الإسراء: الآية 42]، و {وَإِذاً لََا يَلْبَثُونَ} [الإسراء: الآية 76]، وشبه ذلك. وكذا اتفقوا
على إثبات الألف وقفا في قوله: {لََكِنَّا هُوَ اللََّهُ رَبِّي} [الآية 38] بالكهف لأن الألف ثابتة في الرسم فيها أيضا، والوقف تابع للرسم. اه.
التنبيه الثاني: في كلمات اختلف القراء في إثبات الألف فيها وحذفها عند الوقف مع ثبوتها في الرسم في جميع المصاحف العثمانية.
منها قوله: (ثمودا) في أربعة مواضع (ألا إنّ ثمودا كفروا ربّهم) [الآية 68] بهود، و (وثمودا وأصحاب الرّس) [الآية 38] بالفرقان، و (وثمودا وقد تبيّن لكم) [الآية 38] بالعنكبوت، و (وثمودا فما ابقى) (51) [الآية 51] بالنجم، فحفص وحمزة وكذا يعقوب يقرءون وصلا بغير تنوين، ويقفون بلا ألف كما جاء نصّا عنهم، وإن كانت مرسومة، ووافقهم شعبة في موضع النجم فقط، والباقون بالتنوين وصلا، ويقفون بالألف.
ومنها قوله: {الظُّنُونَا} [الآية 10] و {الرَّسُولَا} [الآية 66] و {السَّبِيلَا} [الآية 67] بالأحزاب فنافع وابن عامر وشعبة وكذا أبو جعفر قرءوا بألف بعد النون واللام وصلا ووقفا في الثلاثة تبعا للرسم، وابن كثير وحفص والكسائيّ وخلف بإثباتها في الوقف دون الوصل، والباقون بحذفها في الحالين.
ومنها قوله: (سلسلا) [الآية 4] بسورة الإنسان قرأه نافع وهشام وشعبة والكسائي، وكذا أبو جعفر بالتنوين وصلا، وبإبداله ألفا وقفا، والباقون بغير تنوين وصلا. واختلفوا في الوقف فوقف البصري وروح بالألف تبعا للخط، وحمزة وقنبل وكذا رويس وخلف بإسكان اللام من غير ألف تبعا للّفظ، والبزّي وابن ذكوان وحفص لهم الوجهان: الوقف بالألف، والوقف بالسكون.
ومنها قوله: {قَوََارِيرَا} [الآيتان 15، 16] بسورة الإنسان أيضا فيهما للقراء خمسة أوجه:
الأول: تنوينهما وصلا، والوقف عليهما بالألف لنافع وشعبة والكسائي وأبي جعفر.
والثاني: تنوين الأول، والوقف عليه بالألف، وترك التنوين من الثاني والوقف عليه بالإسكان للمكي وخلف.
والثالث: ترك التنوين منهما والوقف على الأول بالألف لكونه رأس آية، وعلى الثاني بالإسكان للبصري وابن ذكوان وحفص وروح.
والرابع: ترك التنوين منهما وصلا والوقف عليهما بالألف لهشام.
والخامس: ترك التنوين منهما وصلا، والوقف عليهما بالسكون لحمزة ورويس.(1/205)
والرابع: ترك التنوين منهما وصلا والوقف عليهما بالألف لهشام.
والخامس: ترك التنوين منهما وصلا، والوقف عليهما بالسكون لحمزة ورويس.
والحاصل أن الذين يقفون عليهما بالألف: نافع وشعبة وهشام والكسائي، وكذا أبو جعفر، والذين يقفون على الأول بالألف وعلى الثاني بالسكون: ابن كثير وأبو عمرو وابن ذكوان وحفص، وكذا روح وخلف، والذي يقف عليهما بالسكون: حمزة وكذا رويس. اه.
* النوع الثاني: في حذف الواو وثبوتها عند الوقف:
اعلم أن كل واو واحد أو جمع حذفت في الوصل لالتقاء الساكنين فإنها ثابتة رسما ووقفا نحو قوله: {يَمْحُوا اللََّهُ مََا يَشََاءُ} [الرعد: الآية 39]، {يَرْجُوا اللََّهَ}
[الأحزاب: الآية 21]، و {وَلََا تَسُبُّوا الَّذِينَ} [الأنعام: الآية 108] {فَيَسُبُّوا اللََّهَ} [الأنعام:
الآية 108]، و {تَبَوَّؤُا الدََّارَ} [الحشر: الآية 9]، و {مُلََاقُوا اللََّهِ} [البقرة: الآية 249]، و {تَتْلُوا الشَّيََاطِينُ} [البقرة: الآية 102]، و {نَسُوا اللََّهَ} [التّوبة: الآية 67]، و {وَقُلْ لِعِبََادِي يَقُولُوا الَّتِي} [الإسراء: الآية 53]، و {فَاسْتَبَقُوا الصِّرََاطَ} [يس: الآية 66]، و {كََاشِفُوا الْعَذََابِ} [الدّخان: الآية 15]، و {مُرْسِلُوا النََّاقَةِ} [القمر: الآية 27]، و {صََالُوا النََّارِ} [ص:
الآية 59] و {لَصََالُوا الْجَحِيمِ} [المطففين: الآية 16] و {أُولُوا الْأَلْبََابِ} [الرّعد: الآية 19]، و {مََا قَدَرُوا اللََّهَ} [الحج: الآية 74]، و {جََابُوا الصَّخْرَ} [الفجر: الآية 9] وشبه ذلك، إلا أربعة أفعال فحذفت منها الواو رسما ولفظا ووصلا ووقفا وهي قوله: {وَيَدْعُ الْإِنْسََانُ} [الآية 11] بالإسراء، و {وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ} [الآية 24] بالشورى، و {يَوْمَ يَدْعُ الدََّاعِ} [الآية 6] بالقمر، و {سَنَدْعُ الزَّبََانِيَةَ} (18) [الآية 18] بالعلق.
قال الحافظ السيوطي في الإتقان: والسرّ في حذف الواو من هذه الأفعال الأربعة: التنبيه على سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل وشدّة قبول الفعل المتأثر به في الوجود. أمّا: {وَيَدْعُ الْإِنْسََانُ بِالشَّرِّ} [الإسراء: الآية 11] فيدل على أنه سهل عليه ويسارع فيه كما يسارع في الخير، بل إثبات الشر من جهة ذاته أقرب إليه من الخير، وأما {وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ} [الشّورى: الآية 24] فللإشارة إلى سرعة ذهابه واضمحلاله، وأما {يَوْمَ يَدْعُ الدََّاعِ} [القمر: الآية 6] فللإشارة إلى سرعة قبول الدعاء وسرعة إجابة الداعين. وأما {سَنَدْعُ الزَّبََانِيَةَ} (18) [العلق: الآية 18] فللإشارة إلى وقوع الفعل وسرعة إجابة الزبانية وقوة البطش. وحذفت الواو أيضا من قوله: {وَصََالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [الآية 4] بسورة التحريم على أنه اسم جنس كقوله: {إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ} (2) [العصر: الآية 2]، وقيل: جمع، وعليه فالمراد به خيار المؤمنين، وقيل: أبو بكر وعمر، وقيل:
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ولحذف الواو من هذه المواضع الخمسة أشار في اللؤلؤ المنظوم فقال:(1/206)
قال الحافظ السيوطي في الإتقان: والسرّ في حذف الواو من هذه الأفعال الأربعة: التنبيه على سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل وشدّة قبول الفعل المتأثر به في الوجود. أمّا: {وَيَدْعُ الْإِنْسََانُ بِالشَّرِّ} [الإسراء: الآية 11] فيدل على أنه سهل عليه ويسارع فيه كما يسارع في الخير، بل إثبات الشر من جهة ذاته أقرب إليه من الخير، وأما {وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ} [الشّورى: الآية 24] فللإشارة إلى سرعة ذهابه واضمحلاله، وأما {يَوْمَ يَدْعُ الدََّاعِ} [القمر: الآية 6] فللإشارة إلى سرعة قبول الدعاء وسرعة إجابة الداعين. وأما {سَنَدْعُ الزَّبََانِيَةَ} (18) [العلق: الآية 18] فللإشارة إلى وقوع الفعل وسرعة إجابة الزبانية وقوة البطش. وحذفت الواو أيضا من قوله: {وَصََالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [الآية 4] بسورة التحريم على أنه اسم جنس كقوله: {إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ} (2) [العصر: الآية 2]، وقيل: جمع، وعليه فالمراد به خيار المؤمنين، وقيل: أبو بكر وعمر، وقيل:
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ولحذف الواو من هذه المواضع الخمسة أشار في اللؤلؤ المنظوم فقال:
يمح بشورى يوم يدع الدّاع مع ... ويدع الإنسان سندع الواو دع
وهكذا وصالح الذي ورد ... في سورة التحريم فاظفر بالرّشد
وكلّ فعل مضارع أسند إلى الفاعل الظاهر فإنه بحذف الواو رسما ولفظا، وصلا ووقفا نحو {وَيَقُولُ الَّذِينَ} [المائدة: الآية 53]، و {وَيُجََادِلُ الَّذِينَ} [الكهف: الآية 56] وشبه ذلك، ما لم تكن الواو لام الفعل، فإن كانت لام الفعل ثبتت رسما ووقفا، وحذفت وصلا لالتقاء الساكنين ونحو {مََا تَتْلُوا الشَّيََاطِينُ} [البقرة: الآية 102]، و {يَمْحُوا اللََّهُ مََا يَشََاءُ} [الرّعد: الآية 39] و {يَرْجُوا اللََّهَ} [الأحزاب: الآية 21، وغيرها] وما أشبه ذلك.
وأما الفعل الذي في أوّله نون فهو بغير واو رسما ولفظا، وصلا ووقفا نحو {وَمََا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: الآية 48] ما لم تكن الواو لام الفعل أيضا، فإن كانت لام الفعل ثبتت رسما ووصلا ووقفا نحو {نَدْعُوا} [النّحل: الآية 86] وما أشبهه.
وكلّ واو ساكنة حرّكت في الوصل لالتقاء الساكنين فإنه يوقف عليها بالسكون نحو {اشْتَرَوُا الضَّلََالَةَ} [البقرة: الآية 16] و {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} [البقرة: الآية 94] و {دَعَوُا اللََّهَ مُخْلِصِينَ} [يونس: الآية 22] و {وَلَوِ افْتَدى ََ بِهِ} [آل عمران: الآية 91] ونحو ذلك، وكذا إن حرّكت حركة إعراب كأن دخل عليها ناصب نحو {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي} [البقرة: الآية 237] و {لِيَرْبُوَا فِي أَمْوََالِ النََّاسِ} [الروم: الآية 39] و {لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ} [الرعد: الآية 30] وما أشبه ذلك وقد حذفت الواو رسما ووصلا ووقفا بعد ميم الجمع إذا لقيها ساكن نحو {عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} [البقرة: الآية 61] و {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [آل عمران: الآية 139] {تِلْكُمُ الْجَنَّةُ}
[الأعراف: الآية 43] و {هََاؤُمُ اقْرَؤُا} [الحاقة: الآية 19] وما أشبه ذلك. [اه. من الثغر الباسم ببعض تصرف].
* النوع الثالث: في حذف الياء وثبوتها عند الوقف:
اعلم أن الياءات التي في أواخر الكلمات القرآنية تنقسم إلى قسمين: الأول: اتفقت المصاحف العثمانية على إثباته. والثاني: اتفقت على حذفه.
فأما القسم الذي اتفقت على إثباته: فهو ينقسم إلى ما يكون بعد الياء منه متحرك، وما يكون بعدها ساكن: فما كان بعدها منه متحرك: ثبتت الياء فيه وصلا ووقفا لجميع القرّاء نحو {إِنِّي أَعْلَمُ} [البقرة: الآية 30] و {أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ} [آل عمران: الآية 52]
و {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطََّائِفِينَ} [الحج: الآية 26]، وما كان بعدها منه ساكن حذفت في الوصل لأجله وثبتت في الوقف لعدمه نحو قوله: {وَلََا تَسْقِي الْحَرْثَ} [البقرة: الآية 71] و {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} [البقرة: الآية 269] و {وَيُرْبِي الصَّدَقََاتِ} [البقرة: الآية 276] و {أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ}
[يوسف: الآية 59] و {يَأْتِيَ اللََّهُ} [البقرة: الآية 109] و {مُخْزِي الْكََافِرِينَ} [التّوبة: الآية 2] و {نَأْتِي الْأَرْضَ} [الرّعد: الآية 41] و {أَيْدِي النََّاسِ} [الرّوم: الآية 41] و {وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ}
[الحشر: الآية 2] و {يُلْقِي الرُّوحَ} [غافر: الآية 15] و {تَأْتِي السَّمََاءُ} [الدّخان: الآية 10] و {بِهََادِي الْعُمْيِ} [الآية 81] بالنمل و {لََا نَبْتَغِي الْجََاهِلِينَ} [القصص: الآية 55]، و {وَمََا كُنََّا مُهْلِكِي الْقُرى ََ} [القصص: الآية 59] و {حََاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} [البقرة: الآية 196] و {مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: الآية 1] و {وَالْمُقِيمِي الصَّلََاةِ} [الحج: الآية 35] و {آتِي الرَّحْمََنِ}
[مريم: الآية 93] و {مُعْجِزِي اللََّهِ} [التّوبة: الآية 2].(1/207)
فأما القسم الذي اتفقت على إثباته: فهو ينقسم إلى ما يكون بعد الياء منه متحرك، وما يكون بعدها ساكن: فما كان بعدها منه متحرك: ثبتت الياء فيه وصلا ووقفا لجميع القرّاء نحو {إِنِّي أَعْلَمُ} [البقرة: الآية 30] و {أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ} [آل عمران: الآية 52]
و {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطََّائِفِينَ} [الحج: الآية 26]، وما كان بعدها منه ساكن حذفت في الوصل لأجله وثبتت في الوقف لعدمه نحو قوله: {وَلََا تَسْقِي الْحَرْثَ} [البقرة: الآية 71] و {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} [البقرة: الآية 269] و {وَيُرْبِي الصَّدَقََاتِ} [البقرة: الآية 276] و {أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ}
[يوسف: الآية 59] و {يَأْتِيَ اللََّهُ} [البقرة: الآية 109] و {مُخْزِي الْكََافِرِينَ} [التّوبة: الآية 2] و {نَأْتِي الْأَرْضَ} [الرّعد: الآية 41] و {أَيْدِي النََّاسِ} [الرّوم: الآية 41] و {وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ}
[الحشر: الآية 2] و {يُلْقِي الرُّوحَ} [غافر: الآية 15] و {تَأْتِي السَّمََاءُ} [الدّخان: الآية 10] و {بِهََادِي الْعُمْيِ} [الآية 81] بالنمل و {لََا نَبْتَغِي الْجََاهِلِينَ} [القصص: الآية 55]، و {وَمََا كُنََّا مُهْلِكِي الْقُرى ََ} [القصص: الآية 59] و {حََاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} [البقرة: الآية 196] و {مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: الآية 1] و {وَالْمُقِيمِي الصَّلََاةِ} [الحج: الآية 35] و {آتِي الرَّحْمََنِ}
[مريم: الآية 93] و {مُعْجِزِي اللََّهِ} [التّوبة: الآية 2].
ثم اعلم أن لبعض هذه الياءات الثابتة نظائر محذوفة خطّا فلا بد للقارئ من معرفتها لئلا تلتبس الثابتة بالمحذوفة، فيذهب إلى جواز حذف الثابت منها، وحاذفه لاحن، واللاحن في القرآن آثم.
فالثابتة سبعة عشر حرفا في أربعة وعشرين موضعا وهي: {وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ} [الآية 150] و {يَأْتِي بِالشَّمْسِ} [الآية 258] كلاهما بالبقرة، {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللََّهُ} [الآية 31] بآل عمران، {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيََاتِ رَبِّكَ} [الآية 158]، {قُلْ إِنَّنِي هَدََانِي رَبِّي} [الآية 161] بالأنعام، {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الآية 53]، {فَهُوَ الْمُهْتَدِي} [الآية 178] بالأعراف، و {إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلََا} [الآية 104] بيونس {فَكِيدُونِي جَمِيعاً} [الآية 55] بهود، {مََا نَبْغِي} [الآية 65] و {وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [الآية 108] بيوسف، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ} [الآية 111] بالنحل، {فَلََا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ} [الآية 70] بالكهف، {فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا} [الآية 90] ب «طه»، {أَنْ يَهْدِيَنِي} [الآية 22] بالقصص، و {وَأَنِ اعْبُدُونِي} [الآية 61] بيس، {لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا}
[الآيتان 14، 15] {أَفَمَنْ يَتَّقِي} [الآية 24] {لَوْ أَنَّ اللََّهَ هَدََانِي} [الآية 57] بالزمر، {لَوْلََا أَخَّرْتَنِي إِلى ََ} [الآية 10] بالمنافقين، {دُعََائِي إِلََّا} [الآية 6] بسورة نوح، {يََا عِبََادِ لََا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} [الآية 68] بالزخرف على القول بأنها مرسومة بالياء في مصاحف أهل المدينة والشام {يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} [الآية 56] بالعنكبوت، {يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} [الآية 53] بالزمر.
وأما النظائر المحذوفة فهي وإن كانت مذكورة في الزوائد الآتية، لكن أردت أن أذكرها هنا لكون ذكر الشيء مع نظيره أقرب للفهم، وأوضح وأتمّ، وعدّتها سبعة عشر حرفا في عشرين موضعا وهي:
{وَاخْشَوْنِ وَلََا} [الآية 44] بالمائدة، {يَوْمَ يَأْتِ لََا تَكَلَّمُ} [الآية 105] بهود، {اتَّبِعُونِ} [الآية 38] بغافر والزخرف، {هََذََانِ} [طه: الآية 63] بالأنعام، {الْمُهْتَدِ}
[الآية 97] بالإسراء و [الآية 17] بالكهف، {ثُمَّ كِيدُونِ فَلََا} [الآية 195] بالأعراف، {مََا كُنََّا نَبْغِ} [الآية 64] بالكهف، {وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [الآية 20] بآل عمران، {فَلََا تَسْئَلْنِ} [الآية 46] بهود، {أَنْ يَهْدِيَنِ} [الآية 24] بالكهف، {فَاعْبُدُونِ} [الآية 25] بالأنبياء، {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ} [الآية 90] بيوسف، {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} [الآية 62] بالإسراء، {دُعََاءِ (40) رَبَّنَا} [الآيتان 40، 41] بإبراهيم، {وَلِيَ دِينِ} [الآية 6] ب «الكافرون»، {فَبَشِّرْ عِبََادِ (17) الَّذِينَ} [الآيتان 17، 18] {يََا عِبََادِ فَاتَّقُونِ} [الآية 16] {قُلْ يََا عِبََادِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الآية 10] بالزمر. اه.(1/208)
وأما النظائر المحذوفة فهي وإن كانت مذكورة في الزوائد الآتية، لكن أردت أن أذكرها هنا لكون ذكر الشيء مع نظيره أقرب للفهم، وأوضح وأتمّ، وعدّتها سبعة عشر حرفا في عشرين موضعا وهي:
{وَاخْشَوْنِ وَلََا} [الآية 44] بالمائدة، {يَوْمَ يَأْتِ لََا تَكَلَّمُ} [الآية 105] بهود، {اتَّبِعُونِ} [الآية 38] بغافر والزخرف، {هََذََانِ} [طه: الآية 63] بالأنعام، {الْمُهْتَدِ}
[الآية 97] بالإسراء و [الآية 17] بالكهف، {ثُمَّ كِيدُونِ فَلََا} [الآية 195] بالأعراف، {مََا كُنََّا نَبْغِ} [الآية 64] بالكهف، {وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [الآية 20] بآل عمران، {فَلََا تَسْئَلْنِ} [الآية 46] بهود، {أَنْ يَهْدِيَنِ} [الآية 24] بالكهف، {فَاعْبُدُونِ} [الآية 25] بالأنبياء، {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ} [الآية 90] بيوسف، {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} [الآية 62] بالإسراء، {دُعََاءِ (40) رَبَّنَا} [الآيتان 40، 41] بإبراهيم، {وَلِيَ دِينِ} [الآية 6] ب «الكافرون»، {فَبَشِّرْ عِبََادِ (17) الَّذِينَ} [الآيتان 17، 18] {يََا عِبََادِ فَاتَّقُونِ} [الآية 16] {قُلْ يََا عِبََادِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الآية 10] بالزمر. اه.
وأما القسم الذي اتفقت المصاحف على حذفه فهو الذي يعبّر عنه في فن القراءات بالزوائد: وإليه أشار الشاطبي في الحرز بقوله:
ودونك يا آت تسمّى زوائد ... لأنّ كنّ عن خطّ المصاحف معزلا
وسميت بذلك لزيادتها على المتّبع وهو رسم المصاحف العثمانية التي أجمع الصحابة عليها، وهو قياسي واصطلاحي.
فالقياسي: ما وافق فيه اللفظ الخطّ، والاصطلاحي: ما خالفه ببدل أو زيادة أو حذف أو وصل أو فصل، وضابطها أن تكون الياء محذوفة رسما، مختلفا في إثباتها وحذفها وصلا، أو وصلا ووقفا، ولا يكون ما بعدها إذا ثبتت إلا متحركا، وهي تكون في الأسماء نحو {الدََّاعِ} [البقرة: الآية 186] و {الْجَوََارِ} [التّكرير: الآية 16] و {الْمُنََادِ} [ق:
الآية 41] و {التَّنََادِ} [غافر: الآية 32]، وفي الأفعال: نحو {يَأْتِ} [البقرة: الآية 148] و {يَسْرِ} [الفجر: الآية 4] و {يَتَّقِ} [الطّلاق: الآية 2] و {نَبْغِ} [الكهف: الآية 64]، فهي في هذه وشبهها لام الكلمة، وتكون فاصلة وغير فاصلة.
فأما غير الفاصلة فخمس وثلاثون: منها ثلاث عشرة أصلية وهي {الدََّاعِ} [الآية 186] في البقرة موضع، وفي القمر موضعان، و {يَوْمَ يَأْتِ} [الآية 105] في هود، و {الْمُهْتَدِ} [الآية 97] في الإسراء و [الآية 17] في الكهف، و {مََا كُنََّا نَبْغِ} [الآية 64] بالكهف، و {وَالْبََادِ} [الآية 25] في الحج، و {كَالْجَوََابِ} [الآية 13] في سبأ، و {الْجَوََارِ}
في حم عسق، و {الْمُنََادِ} [الآية 41] في ق، و {يَرْتَعْ} [الآية 12] في يوسف، و {مَنْ يَتَّقِ} [الآية 90] فيه أيضا.
وغير الأصلية منها اثنتان وعشرون وهي ثنتان في البقرة {إِذََا دَعََانِ} [الآية 186] و {وَاتَّقُونِ يََا أُولِي الْأَلْبََابِ} [الآية 197]، وثنتان في آل عمران {وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [الآية 20]
و {وَخََافُونِ} [الآية 175]. وفي المائدة {وَاخْشَوْنِ وَلََا} [الآية 44]، وفي الأنعام {وَقَدْ هَدََانِ} [الآية 80]، وفي الأعراف {ثُمَّ كِيدُونِ فَلََا} [الآية 195]، وفي هود ثنتان {فَلََا تَسْئَلْنِ} [الآية 46] عند من كسر النون {وَلََا تُخْزُونِ} [الآية 78]، وفي يوسف {حَتََّى تُؤْتُونِ}
[الآية 66]، وفي إبراهيم {بِمََا أَشْرَكْتُمُونِ} [الآية 22]، وفي الإسراء {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} [الآية 62]، وفي الكهف أربع: {أَنْ يَهْدِيَنِ} [الآية 24] و {إِنْ تَرَنِ} [الآية 39] و {أَنْ يُؤْتِيَنِ}
[الآية 40] و {أَنْ تُعَلِّمَنِ} [الآية 66]، وفي طه: {أَلََّا تَتَّبِعَنِ} [الآية 93] وفي النمل ثنتان: {أَتُمِدُّونَنِ} [الآية 36] و {فَمََا آتََانِيَ اللََّهُ} [الآية 36]، وفي الزمر ثنتان {يََا عِبََادِ فَاتَّقُونِ} [الآية 16] {فَبَشِّرْ عِبََادِ (17) الَّذِينَ} [الآيتان 17، 18]، وفي غافر {اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ} [الآية 38]، وفي الزخرف {وَاتَّبِعُونِ هََذََا} [الآية 61].(1/209)
وغير الأصلية منها اثنتان وعشرون وهي ثنتان في البقرة {إِذََا دَعََانِ} [الآية 186] و {وَاتَّقُونِ يََا أُولِي الْأَلْبََابِ} [الآية 197]، وثنتان في آل عمران {وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [الآية 20]
و {وَخََافُونِ} [الآية 175]. وفي المائدة {وَاخْشَوْنِ وَلََا} [الآية 44]، وفي الأنعام {وَقَدْ هَدََانِ} [الآية 80]، وفي الأعراف {ثُمَّ كِيدُونِ فَلََا} [الآية 195]، وفي هود ثنتان {فَلََا تَسْئَلْنِ} [الآية 46] عند من كسر النون {وَلََا تُخْزُونِ} [الآية 78]، وفي يوسف {حَتََّى تُؤْتُونِ}
[الآية 66]، وفي إبراهيم {بِمََا أَشْرَكْتُمُونِ} [الآية 22]، وفي الإسراء {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} [الآية 62]، وفي الكهف أربع: {أَنْ يَهْدِيَنِ} [الآية 24] و {إِنْ تَرَنِ} [الآية 39] و {أَنْ يُؤْتِيَنِ}
[الآية 40] و {أَنْ تُعَلِّمَنِ} [الآية 66]، وفي طه: {أَلََّا تَتَّبِعَنِ} [الآية 93] وفي النمل ثنتان: {أَتُمِدُّونَنِ} [الآية 36] و {فَمََا آتََانِيَ اللََّهُ} [الآية 36]، وفي الزمر ثنتان {يََا عِبََادِ فَاتَّقُونِ} [الآية 16] {فَبَشِّرْ عِبََادِ (17) الَّذِينَ} [الآيتان 17، 18]، وفي غافر {اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ} [الآية 38]، وفي الزخرف {وَاتَّبِعُونِ هََذََا} [الآية 61].
وأما الفاصلة فستة وثمانون: الأصلية منها خمس وهي: {الْمُتَعََالِ} [الآية 9] بالرعد، و {التَّلََاقِ} [الآية 15] و {التَّنََادِ} [الآية 32] بغافر، و {وَاللَّيْلِ إِذََا يَسْرِ} (4) [الآية 4] و {بِالْوََادِ} [الآية 9] بالفجر.
وغير الأصلية إحدى وثمانون وهي ثلاث في البقرة: {فَارْهَبُونِ} [الآية 40] {فَاتَّقُونِ} [الآية 41] و {وَلََا تَكْفُرُونِ} [الآية 152]، وفي آل عمران {وَأَطِيعُونِ} [الآية 50]، وفي الأعراف {فَلََا تُنْظِرُونِ} [الآية 195] بضم أوله وكسر ثالثه، وفي يونس مثلها. وفي هود {ثُمَّ لََا تُنْظِرُونِ} [الآية 55]، وفي يوسف ثلاث: {فَأَرْسِلُونِ} [الآية 45] و {وَلََا تَقْرَبُونِ} [الآية 60] {أَنْ تُفَنِّدُونِ} [الآية 94]، وفي الرعد ثلاث: {مَتََابِ} [الآية 30] و {عِقََابِ} [الآية 32] و {مَآبٍ} [الآية 29]. وفي إبراهيم ثنتان: {وَعِيدِ} [الآية 14] و {وَتَقَبَّلْ دُعََاءِ} [الآية 40]. وفي الحجر ثنتان: {فَلََا تَفْضَحُونِ} [الآية 68] و {وَلََا تُخْزُونِ} [الآية 69]. وفي النحل ثنتان: {فَارْهَبُونِ} [الآية 51] {فَاتَّقُونِ} [الآية 2]، وفي الأنبياء ثلاث: {فَاعْبُدُونِ} موضعان، {فَلََا تَسْتَعْجِلُونِ} [الآية 37]. وفي الحج {نَكِيرِ}
[الآية 44]. وفي «المؤمنون» ستة: {بِمََا كَذَّبُونِ} موضعان، {فَاتَّقُونِ} [الآية 52] {أَنْ يَحْضُرُونِ} [الآية 98] {رَبِّ ارْجِعُونِ} [الآية 99] {وَلََا تُكَلِّمُونِ} [الآية 108]. وفي الشعراء ست عشرة: {أَنْ يُكَذِّبُونِ} [الآية 12] {أَنْ يَقْتُلُونِ} [الآية 14] {سَيَهْدِينِ} [الآية 63] {فَهُوَ يَهْدِينِ} [الآية 78] و {وَيَسْقِينِ} [الآية 79] و {يَشْفِينِ} [الآية 80] {ثُمَّ يُحْيِينِ}
[الآية 81] و (وأطيعون) ثمانية مواضع، و {إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ} [الآية 117]. وفي النمل {حَتََّى تَشْهَدُونِ} [الآية 32] وفي القصص ثنتان: {أَنْ يَقْتُلُونِ} [الآية 33] {أَنْ يُكَذِّبُونِ} [الآية 34]، وفي العنكبوت {فَاعْبُدُونِ} [الآية 56]، وفي سبأ {نَكِيرِ} [الآية 45]، وفي فاطر مثله، وفي يس ثنتان: {وَلََا يُنْقِذُونِ} [الآية 23] {فَاسْمَعُونِ} [الآية
25]، وفي الصافات ثنتان: {لَتُرْدِينِ} [الآية 56] {سَيَهْدِينِ} [الآية 99]، وفي ص ثنتان: {عِقََابِ} [الآية 14] و {عَذََابِ} [الآية 8]، وفي الزمر {فَاتَّقُونِ} [الآية 16]، وفي غافر {عِقََابِ} [الآية 5]، وفي الزخرف ثنتان: {سَيَهْدِينِ} [الآية 27] و {وَأَطِيعُونِ} [الآية 63]. وفي الدخان ثنتان: {تَرْجُمُونِ} [الآية 20] {فَاعْتَزِلُونِ} [الآية 21]، وفي ق ثنتان:(1/210)
وغير الأصلية إحدى وثمانون وهي ثلاث في البقرة: {فَارْهَبُونِ} [الآية 40] {فَاتَّقُونِ} [الآية 41] و {وَلََا تَكْفُرُونِ} [الآية 152]، وفي آل عمران {وَأَطِيعُونِ} [الآية 50]، وفي الأعراف {فَلََا تُنْظِرُونِ} [الآية 195] بضم أوله وكسر ثالثه، وفي يونس مثلها. وفي هود {ثُمَّ لََا تُنْظِرُونِ} [الآية 55]، وفي يوسف ثلاث: {فَأَرْسِلُونِ} [الآية 45] و {وَلََا تَقْرَبُونِ} [الآية 60] {أَنْ تُفَنِّدُونِ} [الآية 94]، وفي الرعد ثلاث: {مَتََابِ} [الآية 30] و {عِقََابِ} [الآية 32] و {مَآبٍ} [الآية 29]. وفي إبراهيم ثنتان: {وَعِيدِ} [الآية 14] و {وَتَقَبَّلْ دُعََاءِ} [الآية 40]. وفي الحجر ثنتان: {فَلََا تَفْضَحُونِ} [الآية 68] و {وَلََا تُخْزُونِ} [الآية 69]. وفي النحل ثنتان: {فَارْهَبُونِ} [الآية 51] {فَاتَّقُونِ} [الآية 2]، وفي الأنبياء ثلاث: {فَاعْبُدُونِ} موضعان، {فَلََا تَسْتَعْجِلُونِ} [الآية 37]. وفي الحج {نَكِيرِ}
[الآية 44]. وفي «المؤمنون» ستة: {بِمََا كَذَّبُونِ} موضعان، {فَاتَّقُونِ} [الآية 52] {أَنْ يَحْضُرُونِ} [الآية 98] {رَبِّ ارْجِعُونِ} [الآية 99] {وَلََا تُكَلِّمُونِ} [الآية 108]. وفي الشعراء ست عشرة: {أَنْ يُكَذِّبُونِ} [الآية 12] {أَنْ يَقْتُلُونِ} [الآية 14] {سَيَهْدِينِ} [الآية 63] {فَهُوَ يَهْدِينِ} [الآية 78] و {وَيَسْقِينِ} [الآية 79] و {يَشْفِينِ} [الآية 80] {ثُمَّ يُحْيِينِ}
[الآية 81] و (وأطيعون) ثمانية مواضع، و {إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ} [الآية 117]. وفي النمل {حَتََّى تَشْهَدُونِ} [الآية 32] وفي القصص ثنتان: {أَنْ يَقْتُلُونِ} [الآية 33] {أَنْ يُكَذِّبُونِ} [الآية 34]، وفي العنكبوت {فَاعْبُدُونِ} [الآية 56]، وفي سبأ {نَكِيرِ} [الآية 45]، وفي فاطر مثله، وفي يس ثنتان: {وَلََا يُنْقِذُونِ} [الآية 23] {فَاسْمَعُونِ} [الآية
25]، وفي الصافات ثنتان: {لَتُرْدِينِ} [الآية 56] {سَيَهْدِينِ} [الآية 99]، وفي ص ثنتان: {عِقََابِ} [الآية 14] و {عَذََابِ} [الآية 8]، وفي الزمر {فَاتَّقُونِ} [الآية 16]، وفي غافر {عِقََابِ} [الآية 5]، وفي الزخرف ثنتان: {سَيَهْدِينِ} [الآية 27] و {وَأَطِيعُونِ} [الآية 63]. وفي الدخان ثنتان: {تَرْجُمُونِ} [الآية 20] {فَاعْتَزِلُونِ} [الآية 21]، وفي ق ثنتان:
{وَعِيدِ} [الآية 45] معا. وفي الذاريات ثلاث: {لِيَعْبُدُونِ} [الآية 56] {أَنْ يُطْعِمُونِ}
[الآية 57] {فَلََا يَسْتَعْجِلُونِ} [الآية 59]. وفي القمر ستة: جميعهن {وَنُذُرِ} [الآية 16، وغيرها]، وفي الملك ثنتان: {نَذِيرِ} [الآية 17] و {نَكِيرِ} [الآية 18]، وفي نوح:
{وَأَطِيعُونِ} [الآية 3]، وفي المرسلات: {فَكِيدُونِ} [الآية 39]، وفي الفجر ثنتان:
{أَكْرَمَنِ} [الآية 15] و {أَهََانَنِ} [الآية 16]، وفي الكافرون: {وَلِيَ دِينِ} [الآية 6]، فالجملة مائة وإحدى وعشرون ياء، وإذا أضيف إليها (تسألن) في الكهف تصير مائة واثنتين وعشرين اختلف القراء في إثباتها وحذفها، ولهم في ذلك أصول تعلم من كتب القراءات فراجعها إن شئت فهذا جميع ما وقعت فيه الياء الزائدة قبل المتحرك.
وأما الياء الزائدة الواقعة قبل الساكن فهي في أحد عشر حرفا في سبعة عشر موضعا وهي: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ} [البقرة: الآية 269] على قراءة يعقوب بكسر التاء، و {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللََّهُ} [الآية 146] بالنساء، و {وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ} [الآية 3] بالمائدة، و {يَقُصُّ الْحَقَّ} [الآية 57] بالأنعام على قراءته بسكون القاف وكسر الضاد المعجمة، و {نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} [الآية 103] بيونس، و {بِالْوََادِ الْمُقَدَّسِ} [الآية 12] ب «طه» و [الآية 16] بالنازعات، و {وََادِ النَّمْلِ} [الآية 18] بسورة النمل، و {الْوََادِ الْأَيْمَنِ} [الآية 30] بالقصص، و {لَهََادِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الآية 54] بالحج، و {بِهََادِ الْعُمْيِ} [الآية 53] بالروم. {يُرِدْنِ الرَّحْمََنُ} [الآية 23] بيس، و {صََالِ الْجَحِيمِ} [الآية 163] بالصافات و {يُنََادِ الْمُنََادِ} [الآية 41] ب «ق». و {تُغْنِ النُّذُرُ} [الآية 5] بالقمر. و {الْجَوََارِ الْمُنْشَآتُ} [الآية 24] بالرحمن، و {الْجَوََارِ الْكُنَّسِ} (16) [الآية 16] بالتكوير.
وقد أشار إلى ذلك شيخنا المتولي في كتابه اللؤلؤ المنظوم فقال:
يردن يؤت الواد يقض تغن ... باقتربت صال الجوار اخشون
يناد هاد الحجّ والرّوم وفي ... يونس ننج المؤمنين اليا احذف
وقف بحذف الياء عند السبعة ... ألا بروم لعليّ وحمزة
وعن عليهم بنمل وادي ... والخلف للمكّيّ في ينادي
يعني أن القراء السبعة تقف عليها بحذف الياء إلا ثلاث كلمات: الأولى: قوله:(1/211)
يردن يؤت الواد يقض تغن ... باقتربت صال الجوار اخشون
يناد هاد الحجّ والرّوم وفي ... يونس ننج المؤمنين اليا احذف
وقف بحذف الياء عند السبعة ... ألا بروم لعليّ وحمزة
وعن عليهم بنمل وادي ... والخلف للمكّيّ في ينادي
يعني أن القراء السبعة تقف عليها بحذف الياء إلا ثلاث كلمات: الأولى: قوله:
{وَمََا أَنْتَ بِهََادِ الْعُمْيِ} [الآية 53] بالروم، أثبت الياء فيها وقفا حمزة والكسائي باتفاق من الشاطبية، وبخلف من الطيبة. والثانية: قوله: {عَلى ََ وََادِ النَّمْلِ} [الآية 18] بسورته، أثبت الياء فيها وقفا الكسائيّ باتفاق من الشاطبية، وبخلف من الطيبة أيضا.
والثالثة: قوله: {يَوْمَ يُنََادِ الْمُنََادِ} [الآية 41] بسورة ق أثبت الياء فيها وقفا ابن كثير بخلف من الشاطبية والطيبة، وأما أبو جعفر وخلف فحكمهما في هذه الكلمات كنافع وصلا ووقفا، إلا أن أبا جعفر زاد إثبات الياء في قوله تعالى: {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمََنُ}
[يس: الآية 23] مفتوحة وصلا، وساكنة وقفا، وأما يعقوب فأثبت الياء في الجميع وقفا.
تنبيه
: بقي من الزوائد نوعان لا خلاف في حذف الياء منهما في الحالين:
أحدهما: ما حذف من آخر كلّ اسم منادى أضافه المتكلم إلى نفسه سواء حذف منه حرف النداء نحو {رَبِّ أَرِنِي} [البقرة: الآية 260] {رَبِّ قَدْ} [يوسف: الآية 101] {رَبِّ هَبْ لِي} [آل عمران: الآية 38] {رَبِّ ابْنِ لِي} [التّحريم: الآية 11] وشبهها، أو لم يحذف نحو {قُلْ يََا عِبََادِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الزّمر: الآية 10] {يََا عِبََادِ فَاتَّقُونِ} [الزّمر: الآية 16] {يََا قَوْمِ}
[البقرة: الآية 54] {يََا رَبِّ} [الفرقان: الآية 30] {يََا أَبَتِ} [يوسف: الآية 4] والياء في هذا النوع ياء إضافة كلمة برأسها استغني بالكسر عنها.
ولم يثبت في المصاحف من ذلك سوى موضعين بلا خلاف وهما {يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} [الآية 56] بالعنكبوت، و {يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} [الآية 53] بالزمر، وموضع فيه خلاف وهو {يََا عِبََادِ لََا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} [الآية 68] في الزخرف فهو في مصاحف أهل المدينة والشام بياء، وفي مصاحف أهل العراق بغير ياء فالقرّاء مجمعون على حذف ذلك وصلا ووقفا إلا ما انفرد به رويس في {يََا عِبََادِ فَاتَّقُونِ} [الزّمر: الآية 16].
وثانيهما: ما حذف رسما ولفظا لأجل التنوين، وجملتها ثلاثون حرفا في سبعة وأربعين موضعا نحو {مُوصٍ} [البقرة: الآية 182] و {بََاغٍ} [البقرة: الآية 173] و {عََادٍ}
[البقرة: الآية 173] و (آت) و {نََاجٍ} [يوسف: الآية 42] و {غَوََاشٍ} [الأعراف: الآية 41] و {دََانٍ} [الرحمن: الآية 54] و {بََاقٍ} [النّحل: الآية 96] و {هََادٍ} [الرعد: الآية 7، وغيرها] و {وََالٍ} [الرّعد: الآية 11] و {رََاقٍ} [القيامة: الآية 27] و {مُفْتَرٍ} [النّحل: الآية 101] و {مُهْتَدٍ} [الحديد: الآية 26] و {مُعْتَدٍ} [ق: الآية 25] و {تَرََاضٍ} [البقرة: الآية 233] و {بِوََادٍ} [إبراهيم: الآية 37] و {قََاضٍ} [طه: الآية 72] و {فََانٍ} [الرّحمن: الآية 26] و {رََاقٍ}
[القيامة: الآية 27] و {أَيْدٍ} [الأعراف: الآية 195] و {حََامٍ} [المائدة: الآية 103] و {زََانٍ}
[النور: الآية 3] و {لَيََالٍ} [الحاقّة: الآية 7] و {مُلََاقٍ} [الحاقة: الآية 20] و {آنٍ} [الرحمن:(1/212)
وثانيهما: ما حذف رسما ولفظا لأجل التنوين، وجملتها ثلاثون حرفا في سبعة وأربعين موضعا نحو {مُوصٍ} [البقرة: الآية 182] و {بََاغٍ} [البقرة: الآية 173] و {عََادٍ}
[البقرة: الآية 173] و (آت) و {نََاجٍ} [يوسف: الآية 42] و {غَوََاشٍ} [الأعراف: الآية 41] و {دََانٍ} [الرحمن: الآية 54] و {بََاقٍ} [النّحل: الآية 96] و {هََادٍ} [الرعد: الآية 7، وغيرها] و {وََالٍ} [الرّعد: الآية 11] و {رََاقٍ} [القيامة: الآية 27] و {مُفْتَرٍ} [النّحل: الآية 101] و {مُهْتَدٍ} [الحديد: الآية 26] و {مُعْتَدٍ} [ق: الآية 25] و {تَرََاضٍ} [البقرة: الآية 233] و {بِوََادٍ} [إبراهيم: الآية 37] و {قََاضٍ} [طه: الآية 72] و {فََانٍ} [الرّحمن: الآية 26] و {رََاقٍ}
[القيامة: الآية 27] و {أَيْدٍ} [الأعراف: الآية 195] و {حََامٍ} [المائدة: الآية 103] و {زََانٍ}
[النور: الآية 3] و {لَيََالٍ} [الحاقّة: الآية 7] و {مُلََاقٍ} [الحاقة: الآية 20] و {آنٍ} [الرحمن:
الآية 44] و {مُسْتَخْفٍ} [الرّعد: الآية 10] و {لَعََالٍ} [يونس: الآية 83] و {بِكََافٍ} [الزّمر:
الآية 36] و {جََازٍ} [لقمان: الآية 33] و {هََارٍ} [التّوبة: الآية 109].
وقف ابن كثير بالياء في أربعة أحرف منها في عشرة مواضع وهي: (هاد) في خمسة منها اثنان بالرعد، واثنان بالزمر، والخامس بالطّول [غافر]، {رََاقٍ} في موضعي الرعد، وموضع غافر، و {وََالٍ} [الآية 11] بالرعد، و {بََاقٍ} [الآية 96] بالنحل، فإن عرف الاسم بأل ك {الدََّاعِ} [الآية 186] و {الْمُهْتَدِ} [الآية 17] جاز إثبات الياء وحذفها وصلا ووقفا في الرفع والجر، أما في النصب فلا تحذف الياء بحال سواء كان الاسم معرّفا بأل أو منوّنا نحو {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدََّاعِيَ} [طه: الآية 108]، و {وَدََاعِياً إِلَى اللََّهِ}
[الأحزاب: الآية 46] لخفة الفتحة اه.
تنبيه
: ما حذف من الكلمة من واو أو ألف أو ياء للجازم غير ما مرّ فهو محذوف خطّا ولفظّا، ووصلا ووقفا نحو {وَلََا تَقْفُ مََا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: الآية 36] و {ادْعُ لَنََا رَبَّكَ} [البقرة: الآية 68] و {إِنْ نَعْفُ عَنْ طََائِفَةٍ مِنْكُمْ} [التّوبة: الآية 66] و {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} [غافر: الآية 26] و {وَمَنْ يَعْشُ} [الزخرف: الآية 36] ونحو {وَلََا يَأْبَ الشُّهَدََاءُ}
[البقرة: الآية 282] و {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ} [النساء: الآية 9] و {أَلَمْ تَرَ} [البقرة: الآية 243] و {وَلََا تَنْسَ نَصِيبَكَ} [القصص: الآية 77] ونحو {وَلََا تَبْغِ الْفَسََادَ} [القصص: الآية 77] و {اتَّقِ اللََّهَ} [البقرة: الآية 206] و {وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزََابُ} [الأحزاب: الآية 20] و {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ} [البقرة: الآية 283] و {وَلْتَأْتِ طََائِفَةٌ} [النساء: الآية 102] و {مَنْ يَهْدِ اللََّهُ}
[الأعراف: الآية 178] و {وَمَنْ يَعْصِ اللََّهَ} [النساء: الآية 14] و {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئََاتِ}
[غافر: الآية 9] وما أشبه ذلك.
الفصل الرابع في بيان هاء التأنيث التي تكتب تاء مجرورة والتي تكتب هاء
اعلم أن كل ما ذكر في كتاب الله تعالى من هاءات التأنيث في الأسماء المفردة فهو مرسوم بالهاء نحو {دَعْوَةَ} و {سَكْرَةُ} و {رَبْوَةٍ} و (هيئة) و {وَالْمُؤْتَفِكَةَ} و {رِسََالَةَ}
و {قََائِمَةٌ} و {الْآخِرَةَ} وما أشبه ذلك، إلا مواضع رسمت بالتاء المجرورة يجب على القارئ معرفتها ليقف عليها عند ضيق النفس أو الاختبار أو التعليم.
وهي على قسمين: قسم اتفقوا على قراءته بالإفراد، وقسم اختلفوا فيه أي في قراءته بالإفراد أو الجمع. فالمتفق عليه ثلاث عشرة كلمة المتكرر منها ستة وهي {رَحْمَةٌ} و {نِعْمَةَ} و {امْرَأَتُ} و {سَنَةٍ} و {لَعْنَةَ} و {مَعْصِيَةِ} وغير المتكرر سبعة:(1/213)
اعلم أن كل ما ذكر في كتاب الله تعالى من هاءات التأنيث في الأسماء المفردة فهو مرسوم بالهاء نحو {دَعْوَةَ} و {سَكْرَةُ} و {رَبْوَةٍ} و (هيئة) و {وَالْمُؤْتَفِكَةَ} و {رِسََالَةَ}
و {قََائِمَةٌ} و {الْآخِرَةَ} وما أشبه ذلك، إلا مواضع رسمت بالتاء المجرورة يجب على القارئ معرفتها ليقف عليها عند ضيق النفس أو الاختبار أو التعليم.
وهي على قسمين: قسم اتفقوا على قراءته بالإفراد، وقسم اختلفوا فيه أي في قراءته بالإفراد أو الجمع. فالمتفق عليه ثلاث عشرة كلمة المتكرر منها ستة وهي {رَحْمَةٌ} و {نِعْمَةَ} و {امْرَأَتُ} و {سَنَةٍ} و {لَعْنَةَ} و {مَعْصِيَةِ} وغير المتكرر سبعة:
(كلمة) و {قُرَّةَ} و {بَقِيَّةٌ} و {فِطْرَتَ} و {شَجَرَةَ} و {جَنَّةَ} و {ابْنَهُ}.
فأما {رَحْمَةٌ} فرسمت بالتاء المجرورة في سبعة مواضع وهي {يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللََّهِ}
[الآية 218] بالبقرة، و {إِنَّ رَحْمَتَ اللََّهِ قَرِيبٌ} [الآية 56] بالأعراف، و {رَحْمَتُ اللََّهِ وَبَرَكََاتُهُ}
[الآية 73] بهود، و {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ} [الآية 2] بمريم، و {فَانْظُرْ إِلى ََ آثََارِ رَحْمَتِ اللََّهِ} [الآية 50] بالروم، و {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الآية 32] و {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ} [الآية 32] كلاهما بالزخرف. وقد جمعها شيخنا المتولّي في بيتين من اللؤلؤ المنظوم فقال:
يرجون رحمت وذكر رحمت ... ورحمت الله قريب فاثبت
ورحمت الله بهود مع إلى ... آثار رحمت كزخرف كلا
وما عدا هذه السبعة يرسم بالهاء نحو {لََا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللََّهِ} [الزمر: 53].
وأما {نِعْمَةَ} فرسمت بالتاء المجرورة في أحد عشر موضعا وهي: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ وَمََا أَنْزَلَ} [الآية 231] بالبقرة، و {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ} [الآية 103] بآل عمران، و {اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ} [الآية 11] بالمائدة و {بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللََّهِ} [الآية 28]، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللََّهِ} [الآية 34] كلاهما بإبراهيم، و {وَبِنِعْمَتِ اللََّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [الآية 72]، و {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللََّهِ} [الآية 83]، و {اشْكُرُوا نِعْمَتَ اللََّهِ} [الآية 114]، كلّ من الثلاثة بالنحل، و {فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللََّهِ} [الآية 31] بلقمان، و {اذْكُرُوا نِعْمَتَ} [الآية 3] بفاطر، و (فذكّر فما انت بنعمت ربّك) [الآية 29] بالطور.
وقد جمعها في اللؤلؤ المنظوم فقال:
ونعمت الله عليكم في البقر ... كفاطر وآل عمران اشتهر
والثاني في العقود مع حرفين ... جاءا بإبراهيم آخرين
ثمّ ثلاثة بنحل أخّرت ... وموضع الطّور ولقمان ثبت
وما عدا هذه الأحد عشر رسمت بالهاء كالثلاثة الأول التي بالنحل وهي قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللََّهِ لََا تُحْصُوهََا} [الآية 18] وقوله تعالى: {وَمََا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللََّهِ} [الآية 53] وقوله تعالى: {أَفَبِنِعْمَةِ اللََّهِ يَجْحَدُونَ} [الآية 71]. وكالأولى من إبراهيم {وَإِذْ قََالَ مُوسى ََ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ} [الآية 6]، وكالأولى والثالثة
من العقود [المائدة] وهي قوله: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ} [الآية 7] وقوله: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم) [الآية 20].(1/214)
ونعمت الله عليكم في البقر ... كفاطر وآل عمران اشتهر
والثاني في العقود مع حرفين ... جاءا بإبراهيم آخرين
ثمّ ثلاثة بنحل أخّرت ... وموضع الطّور ولقمان ثبت
وما عدا هذه الأحد عشر رسمت بالهاء كالثلاثة الأول التي بالنحل وهي قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللََّهِ لََا تُحْصُوهََا} [الآية 18] وقوله تعالى: {وَمََا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللََّهِ} [الآية 53] وقوله تعالى: {أَفَبِنِعْمَةِ اللََّهِ يَجْحَدُونَ} [الآية 71]. وكالأولى من إبراهيم {وَإِذْ قََالَ مُوسى ََ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ} [الآية 6]، وكالأولى والثالثة
من العقود [المائدة] وهي قوله: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللََّهِ عَلَيْكُمْ} [الآية 7] وقوله: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم) [الآية 20].
وأما {امْرَأَتُ} إذا أضيفت إلى زوجها فهي مرسومة بالتاء المجرورة، وذلك في سبعة مواضع وهي: {إِذْ قََالَتِ امْرَأَتُ عِمْرََانَ} [الآية 35] في آل عمران، و {امْرَأَتُ الْعَزِيزِ}
[الآية 30] اثنان في يوسف، و {امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [الآية 9] في القصص، و {امْرَأَتَ نُوحٍ}
[الآية 10] و {وَامْرَأَتَ لُوطٍ} [الآية 10]، و {امْرَأَتَ لُوطٍ} [الآية 10.، و {امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} [الآية 11] الثلاثة في التحريم.
والضابط في ذلك: أن كلّ امرأة تذكر مع زوجها فهي مفتوحة التاء كما قال شيخنا المتولي:
وامرأة مع زوجها قد ذكرت ... فهاؤها بالتاء رسما وردت
وما عدا هذه السبعة فهو مرسوم بالهاء نحو قوله: (وإن امرأت خافت) [النّساء: الآية 128].
وأما (سنّة) فرسمت بالتاء المجرورة في خمسة مواضع وهي: {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} [الآية 38] بالأنفال و {إِلََّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} [الآية 43] {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللََّهِ تَبْدِيلًا} [الآية 43] و {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللََّهِ تَبْدِيلًا} [الآية 43] الثلاثة بفاطر و {سُنَّتَ اللََّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبََادِهِ} [الآية 85] بغافر.
وقد جمعها شيخنا المتولي في اللؤلؤ المنظوم فقال:
سنّت فاطر وفي الأنفال ... حرف كذا في غافر ذو بال
وما عدا هذه الخمسة رسمت بالهاء نحو قوله: {سُنَّةَ اللََّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا} [الآية 38] بالأحزاب.
وأما (لعنة) فرسمت بالتاء المجرورة في موضعين الأول: قوله تعالى: {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللََّهِ عَلَى الْكََاذِبِينَ} [الآية 61] بآل عمران. والثاني: قوله تعالى: {وَالْخََامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللََّهِ عَلَيْهِ إِنْ كََانَ مِنَ الْكََاذِبِينَ} (7) [الآية 7] بالنور. وقد أشار إليهما شيخنا المتولي فقال:
لعنت في عمران وهو الأوّل ... وموضع النور وليس يشكل
وما عدا هذين الموضعين فمرسوم بالهاء نحو قوله: {أُولََئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللََّهِ} [الآية 161] بالبقرة و {أُولََئِكَ جَزََاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللََّهِ} [الآية 87] بآل عمران.
وأما {مَعْصِيَةِ} فرسمت بالتاء المجرورة في موضعين وهما (ومعصيت الرّسول) كلاهما بالمجادلة، ولا ثالث لهما في القرآن.
وأما (كلمة) فرسمت بالتاء المجرورة في موضع واحد وهو قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى ََ} [الآية 137] بالأعراف [اه. من الثغر الباسم وشرح اللؤلؤ المنظوم].(1/215)
وأما {مَعْصِيَةِ} فرسمت بالتاء المجرورة في موضعين وهما (ومعصيت الرّسول) كلاهما بالمجادلة، ولا ثالث لهما في القرآن.
وأما (كلمة) فرسمت بالتاء المجرورة في موضع واحد وهو قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى ََ} [الآية 137] بالأعراف [اه. من الثغر الباسم وشرح اللؤلؤ المنظوم].
وقال في الجوهر الفريد: قال أبو عمرو: وكتب في مصاحف أهل العراق {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى ََ} [الآية 137] في الأعراف بالتاء المجرورة ورسمه الغازي بن قيس بالهاء، ولم يعتمد الشاطبي وابن الجزري وصاحب المورد وغيرهم إلا على الأوّل وهو القطع برسمه بالتاء كما في مصاحف العراق. [اه. اختصار].
وما عدا هذا الموضع يرسم بالهاء نحو {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} [هود:
الآية 119] و {كَلِمَةً طَيِّبَةً} [إبراهيم: الآية 24] و {كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} [إبراهيم: الآية 26] وشبه ذلك.
وأما (بقية) فرسمت بالتاء المجرورة في موضع واحد وهو قوله تعالى: {بَقِيَّتُ اللََّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} [الآية 86] بهود، وما عداها بالهاء نحو {أُولُوا بَقِيَّةٍ} [الآية 116] بهود، و {وَبَقِيَّةٌ مِمََّا تَرَكَ آلُ مُوسى ََ} [البقرة: الآية 248].
وأما (قرة) فرسمت بالتاء المجرورة في موضع واحد، وهو قوله: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [الآية 9] بالقصص، وما عداها بالهاء نحو قوله تعالى: {فَلََا تَعْلَمُ نَفْسٌ مََا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [الآية 17] بالسجدة، وقوله تعالى: {رَبَّنََا هَبْ لَنََا مِنْ أَزْوََاجِنََا وَذُرِّيََّاتِنََا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: الآية 74].
وأما {فِطْرَتَ} فرسمت بالتاء المجرورة في موضع واحد وهو قوله تعالى: {فِطْرَتَ اللََّهِ} [الآية 30] بالروم، ولا ثاني لها في القرآن.
وأما {شَجَرَةِ} فرسمت بالتاء المجرورة في موضع واحد، وهو قوله تعالى: إنّ شجرت الزّقّوم (43) [الآية 43] بالدخان، وما عداها يرسم بالهاء نحو قوله: {شَجَرَةِ الْخُلْدِ} [الآية 120] ب «طه».
وأما (جنّة) فرسمت بالتاء في موضع واحد وهو قوله: (وجنات نعيم) [الآية 89] بالواقعة، وما عداها يرسم بالهاء نحو قوله: {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ} (38) [الآية 38] بالمعارج.
وأما (ابنة) فرسمت بالتاء في موضع واحد وهو قوله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرََانَ}
[الآية 12] في التحريم، ولا ثاني له في القرآن.
وقد جمع ذلك شيخنا المتولي فقال:(1/216)
وأما (ابنة) فرسمت بالتاء في موضع واحد وهو قوله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرََانَ}
[الآية 12] في التحريم، ولا ثاني له في القرآن.
وقد جمع ذلك شيخنا المتولي فقال:
معصيت الرسول ثمّ فطرت ... قرّت عين وبقيت ابنت
شجرة الدخان ثم كلمت ... الأعراف جنّت التي في وقعت
وأما القسم الذي اختلفوا في قراءته بالإفراد والجمع فهو اثنا عشر موضعا منها قوله: «كلمات» في أربعة مواضع:
أوّلها: بالأنعام و (وتمّت كلمات ربّك صدقا وعدلا) [الآية 115] قرأها بالجمع نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر، وقرأها الكوفيون ويعقوب بالإفراد.
وثانيها: الأولى بيونس (كذلك حقّت كلمت ربّك على الّذين فسقوا) [الآية 33].
وثالثها: الثانية بها [يونس] {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لََا يُؤْمِنُونَ} (96) [الآية 96].
ورابعها: التي بغافر: (وكذلك حقّت كلمات ربّك على الّذين كفروا) [الآية 6] قرأهن البصريان وابن كثير والكوفيون بالإفراد، وقرأهنّ الباقون بالجمع. واتفقت المصاحف على كتب أولى يونس بالتاء المجرورة، واختلفت في الثانية وحرف غافر فرسما في المدني والشامي بالتاء، وفي العراقي بالهاء، وقطع ابن الجزري وغيره بأنهما بالتاء، وعلى ذلك شرّاح الجزرية.
ثم إنك إذا نظرت لرسمهما هاء جاز لك الوقف عليهما بها لمن قرأهما بالإفراد، وإذا نظرت لرسمهما تاء أجريتهما كنظائرهما.
والخامس: {آيََاتٌ لِلسََّائِلِينَ} [الآية 7] بيوسف، قرأها ابن كثير بالإفراد، والباقون بالجمع.
والسادس والسابع: {غَيََابَتِ الْجُبِّ} [الآية 10] معا بيوسف قرأهما المدنيان بالجمع، والباقون بالإفراد.
والثامن: {آيََاتٌ مِنْ رَبِّهِ} [الآية 50] بالعنكبوت، قرأها ابن كثير وشعبة وحمزة والكسائي وخلف بالإفراد، وقرأها الباقون بالجمع.
والتاسع: {فِي الْغُرُفََاتِ آمِنُونَ} [الآية 37] بسبإ قرأها حمزة بالإفراد، والباقون بالجمع.
والعاشر: (فهم على بيّنت منه) [الآية 40] بفاطر، قرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحفص وحمزة وخلف بالإفراد، وقرأه الباقون بالجمع.
والحادي عشر: {مِنْ ثَمَرََاتٍ مِنْ أَكْمََامِهََا} [الآية 47] بفصّلت قرأها المدنيان وابن عامر وحفص بالجمع، والباقون بالإفراد.(1/217)
والعاشر: (فهم على بيّنت منه) [الآية 40] بفاطر، قرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحفص وحمزة وخلف بالإفراد، وقرأه الباقون بالجمع.
والحادي عشر: {مِنْ ثَمَرََاتٍ مِنْ أَكْمََامِهََا} [الآية 47] بفصّلت قرأها المدنيان وابن عامر وحفص بالجمع، والباقون بالإفراد.
والثاني عشر: {جِمََالَتٌ صُفْرٌ} [المرسلات: 33] قرأه حمزة والكسائي وخلف وحفص بالإفراد، والباقون بالجمع.
ووقف ابن كثير وأبو عمرو والكسائي وكذا يعقوب على جميع ما تقدّم من قوله:
(رحمت) إلى هنا بالهاء، إلا ما قرءوه بالجمع من المختلف في إفراده وجمعه فقد وقفوا عليه بالتاء، كما أن الباقين يقفون على الجمع بالتاء. والوقف على الهاء لغة قريش وجماعة من فصحاء العرب، والوقف بالتاء لغة طيئ، وقد أشار إلى ذلك شيخنا المتولي في اللؤلؤ المنظوم فقال:
وكلّ ما فيه الخلاف يجري ... جمعا وفردا فبتاء فادر
وذا جمالات وآيات أتى ... في يوسف والعنكبوت يا فتى
وكلمات وهو في الطّول معا ... أنعامه ثم بيونس معا
والغرفات في سبأ وبيّنت ... في فاطر وثمرات فصّلت
غيابت الجبّ وخلف ثاني ... يونس والطّول فع المعاني
وقف الكسائيّ والبصريّ بها ... إلا الذي بالجمع قال، انتبها
وقد رسموا بالتاء المجرورة ستّ كلمات وهي: {يََا أَبَتِ} [يوسف: الآية 4] و {هَيْهََاتَ} [المؤمنون: الآية 36] و {مَرْضََاتِ} [البقرة: الآية 207] و {ذََاتَ بَهْجَةٍ}
[النمل: الآية 60] و {وَلََاتَ} [ص: الآية 3] و {اللََّاتَ} [النجم: الآية 19] لكن اختلفوا في الوقف عليها:
أما {يََا أَبَتِ} [الآية 4] وهو بيوسف ومريم والقصص والصافات فوقف عليها بالهاء خلافا للرسم ابن كثير وابن عامر، وكذا أبو جعفر ويعقوب، ووقف الباقون بالتاء على الرسم. وأما {هَيْهََاتَ} [الآية 36] في موضعي «المؤمنون»، فوقف عليها البزّي والكسائي بالهاء، واختلف عن قنبل فقطع له بالتاء صاحب التيسير والشاطبية، وبذلك قرأ الباقون. وأما {مَرْضََاتِ} [البقرة: الآية 207] وهو في ثلاثة مواضع بالبقرة والنساء والتحريم. و {وَلََاتَ حِينَ مَنََاصٍ} [الآية 3] بص، و {ذََاتَ بَهْجَةٍ} [الآية 60] بالنمل، و {اللََّاتَ} [الآية 19] بالنجم، فوقف الكسائي عليها بالهاء، والباقون بالتاء، وخرج {ذََاتَ بَهْجَةٍ} [النمل: الآية 60] و {ذََاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: الآية 1] المتفق على التاء فيه وقفا.
*(1/218)
أما {يََا أَبَتِ} [الآية 4] وهو بيوسف ومريم والقصص والصافات فوقف عليها بالهاء خلافا للرسم ابن كثير وابن عامر، وكذا أبو جعفر ويعقوب، ووقف الباقون بالتاء على الرسم. وأما {هَيْهََاتَ} [الآية 36] في موضعي «المؤمنون»، فوقف عليها البزّي والكسائي بالهاء، واختلف عن قنبل فقطع له بالتاء صاحب التيسير والشاطبية، وبذلك قرأ الباقون. وأما {مَرْضََاتِ} [البقرة: الآية 207] وهو في ثلاثة مواضع بالبقرة والنساء والتحريم. و {وَلََاتَ حِينَ مَنََاصٍ} [الآية 3] بص، و {ذََاتَ بَهْجَةٍ} [الآية 60] بالنمل، و {اللََّاتَ} [الآية 19] بالنجم، فوقف الكسائي عليها بالهاء، والباقون بالتاء، وخرج {ذََاتَ بَهْجَةٍ} [النمل: الآية 60] و {ذََاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: الآية 1] المتفق على التاء فيه وقفا.
*
تنبيه
: اعلم أن كلّ ما ذكر في كتاب الله من الأسماء بالجمع مطلقا فهو مرسوم بالتاء المجرورة نحو {آيََاتٍ} [البقرة: الآية 99] و {بَيِّنََاتٍ} [البقرة: الآية 99] و {مُتَبَرِّجََاتٍ} [النّور: الآية 60] و {وَالْمُؤْتَفِكََاتِ} [التوبة: الآية 70] و {الْمُنْشَآتُ} [الرّحمن:
الآية 24] وما أشبه ذلك، ورسموا أيضا {مَلَكُوتَ} [الأنعام: الآية 75] و {جََالُوتَ}
[البقرة: الآية 251] و {طََالُوتَ} [البقرة: الآية 247] و {التََّابُوتُ} [البقرة: الآية 248] و {الطََّاغُوتُ} [البقرة: الآية 257] بالتاء المجرورة، ورسموا {الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [الآية 25] بالنساء بالتاء المجرورة، وكذا تاء التأنيث اللاحقة للفعل نحو {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} [طه:
الآية 111] و {وَقََالَتِ اخْرُجْ} [يوسف: الآية 31]، و {الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} [التكوير: الآية 13]، و {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ} [الشعراء: الآية 91]، و {زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} [الزّلزلة: الآية 1]، و {نَفَعَتِ الذِّكْرى ََ} [الأعلى: الآية 9] و {أَزِفَتِ} [الآية 57] الأولى بالنجم، وما أشبه ذلك من الأفعال. أما {الْآزِفَةُ} [الآية 57] الثانية بالنجم فهي مرسومة بالهاء لأنها من الأسماء المفردة.
وكلّ ما في القرآن من لفظ {الصَّلََاةَ} و {الزَّكََاةَ} و {الْحَيََاةِ}، فهو مرسوم بالهاء معرّفا كان أو منكّرا ما لم يضف للضمير، وكلّ ما فيه من لفظ {التَّوْرََاةَ} و {بِالْغَدََاةِ}
و {النُّجُومَ} فهو مرسوم بالهاء أيضا، وقد رسموا {تُقََاةً} [الآية 28] بآل عمران، و {لَوْمَةَ لََائِمٍ} [الآية 54] بالمائدة، و {مُزْجََاةٍ} [الآية 88] بيوسف و {كَمِشْكََاةٍ} [الآية 35] بالنور، و {وَمَنََاةَ} [الآية 20] بالنجم، و {تَحِلَّةَ أَيْمََانِكُمْ} [الآية 2] بالتحريم، و {رِحْلَةَ الشِّتََاءِ} [الآية 2] بسورة قريش، كلها بالهاء أيضا.
الفصل الخامس في تقسيم الوقف على مرسوم الخط
اعلم أن الوقف على مرسوم الخط ينقسم إلى قسمين: متفق عليه، ومختلف فيه. فالمتّفق عليه تقدّم بيانه أوّل الباب في الوقف على المقطوع والموصول.
والمختلف فيه ينحصر في خمسة أقسام: الإبدال، والإثبات، والحذف، والوصل، والقطع.
فأما الإبدال فهو إبدال حرف بآخر، كإبدال التاء المجرورة هاء لمن يقف بها على الكلمات السابق ذكرها، أو التنوين ألفا للجميع نحو {سَمِيعاً عَلِيماً} [النّساء: الآية 148]، و {غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان: الآية 6]، أو إبدال الهمزة ألفا أو واوا أو ياء عند الوقف على المهموز لحمزة وهشام.
وأما الإثبات فهو على قسمين: أحدهما إثبات ما حذف رسما، وثانيهما إثبات ما حذف لفظا. أما إثبات ما حذف رسما فينحصر في نوعين: الأول: هاء السكت، وهو من الإلحاق. الثاني: أحد حروف العلة الواقعة قبل الساكن المحذوفة لأجله.(1/219)
فأما الإبدال فهو إبدال حرف بآخر، كإبدال التاء المجرورة هاء لمن يقف بها على الكلمات السابق ذكرها، أو التنوين ألفا للجميع نحو {سَمِيعاً عَلِيماً} [النّساء: الآية 148]، و {غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان: الآية 6]، أو إبدال الهمزة ألفا أو واوا أو ياء عند الوقف على المهموز لحمزة وهشام.
وأما الإثبات فهو على قسمين: أحدهما إثبات ما حذف رسما، وثانيهما إثبات ما حذف لفظا. أما إثبات ما حذف رسما فينحصر في نوعين: الأول: هاء السكت، وهو من الإلحاق. الثاني: أحد حروف العلة الواقعة قبل الساكن المحذوفة لأجله.
أما النوع الأوّل: وهو (هاء السكت) فيجيء في خمسة أصول وكلمات مخصوصة.
الأصل الأول: (ما) الاستفهامية المجرورة بحرف الجر، وذلك خمس كلمات (لم) و (عمّ) و (فيم) و (بم) و (ممّ)، وقف البزّي وكذا يعقوب بزيادة هاء السكت بخلاف عنهما في الكلمات الخمس عوضا عن الألف المحذوفة لأجل دخول حرف الجر على (ما) الاستفهامية، ووقف الباقون على الميم اتباعا للرسم.
الأصل الثاني: الضمير المفرد الغائب المذكّرا كان أو مؤنثا، وذلك لفظ (هو) و (هي) حيث وقعا أي سواء اقترنا بواو أو فاء أو لام أو لا، وقف عليه يعقوب بزيادة هاء السكت، ووقف الباقون على الواو والياء اتباعا للرسم.
الأصل الثالث: النون المشددة من ضمير جمع الإناث كيف وقع سواء اتصل باسم نحو {نِسََائِهِنَّ} [النّور: الآية 31] و {أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف: الآية 31] و {وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة:
الآية 12]، أو فعل نحو {وَآتُوهُنَّ} [النّساء: الآية 25] و {لََا تُخْرِجُوهُنَّ} [الطّلاق: الآية 1]، أو حرف نحو {إِلَيْهِنَّ} [يوسف: الآية 31] و {عَلَيْهِنَّ} [البقرة: الآية 228] و {فِيهِنَّ}
[البقرة: الآية 197] أو لم يتصل نحو {بَنََاتِي هُنَّ} [هود: الآية 78]. قال ابن الجزري في النشر: «وقد أطلقه بعضهم، وأحسب أن الصواب تقييده بما كان بعد هاء كما نقلوا، ولم أجد أحدا مثّل بغير ذلك فإن نصّ على غيره أحد يوثق به رجعنا إليه، وإلا فالأمر كما ظهر لنا والله أعلم» وقف عليه يعقوب بزيادة هاء السكت، ووقف الباقون على النون المشددة اتباعا للرسم.
الأصل الرابع: الياء المشدّدة للمتكلم المدغمة، سواء اتصلت باسم نحو {بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: الآية 22] و {بِيَدَيَّ} [ص: الآية 75] و {لَدَى} [النمل: الآية 10]، أو حرف نحو {إِلَيَّ} [الجنّ: الآية 1] و {عَلَيَّ} [الأحقاف: الآية 15] وقف عليه يعقوب بزيادة هاء السكت باختلاف عنه، ووقف الباقون على الياء اتباعا للرسم.
الأصل الخامس: النون المفتوحة التي في آخر الأسماء نحو {الْعََالَمِينَ} [الفاتحة:
الآية 2، وغيرها] و {الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: الآية 157، وغيرها] و {الَّذِينَ} [الفاتحة: الآية 7، وغيرها] و {وَمََا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: الآية 8] وقف عليه يعقوب بزيادة هاء السكت، والباقون على النون اتباعا للرسم [اه. إتحاف البشر، وشرح الدرة للرميلي].
وأما الكلمات المخصوصة فهي أربع: {يََا وَيْلَتى ََ} [المائدة: الآية 31]، و {يََا أَسَفى ََ}
[يوسف: الآية 84]، و {يََا حَسْرَتى ََ} [الزمر: الآية 56]، و {ثُمَّ} الظرف المفتوح الثاء المثلثة نحو {فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} [البقرة: الآية 115] و {وَإِذََا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ} [الإنسان: الآية 20] وقف رويس باختلاف عنه بزيادة هاء السكت في الكلمات الأربع، ووقف الباقون على الألف في الكلمات الثلاث الأول، وعلى الميم المشددة ساكنة في الكلمة الرابعة، ولا خلاف بينهم في حذف الهاء وصلا في جميع ما ذكر.(1/220)
الآية 2، وغيرها] و {الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: الآية 157، وغيرها] و {الَّذِينَ} [الفاتحة: الآية 7، وغيرها] و {وَمََا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: الآية 8] وقف عليه يعقوب بزيادة هاء السكت، والباقون على النون اتباعا للرسم [اه. إتحاف البشر، وشرح الدرة للرميلي].
وأما الكلمات المخصوصة فهي أربع: {يََا وَيْلَتى ََ} [المائدة: الآية 31]، و {يََا أَسَفى ََ}
[يوسف: الآية 84]، و {يََا حَسْرَتى ََ} [الزمر: الآية 56]، و {ثُمَّ} الظرف المفتوح الثاء المثلثة نحو {فَثَمَّ وَجْهُ اللََّهِ} [البقرة: الآية 115] و {وَإِذََا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ} [الإنسان: الآية 20] وقف رويس باختلاف عنه بزيادة هاء السكت في الكلمات الأربع، ووقف الباقون على الألف في الكلمات الثلاث الأول، وعلى الميم المشددة ساكنة في الكلمة الرابعة، ولا خلاف بينهم في حذف الهاء وصلا في جميع ما ذكر.
وأما النوع الثاني: وهو أحد حروف العلة: الألف، والواو، والياء. فنقول: أمّا ما حذف من الألف الساكن ففي كلمة واحدة وهي {أَيُّهَ} في ثلاثة مواضع (أيّه المؤمنون) [الآية 31] في النور، و (يأيّه السّاحر) [الآية 49] بالزخرف، و {أَيُّهَ الثَّقَلََانِ} [الآية 31] بالرحمن، كما تقدّم، فوقف عليها بالألف أبو عمرو الكسائي، وكذا يعقوب، ووقف الباقون بغير ألف تباعا للرسم.
وأما ما حذف من الواو الساكن رسما ففي أربعة مواضع: {وَيَدْعُ الْإِنْسََانُ} [الآية 11] بالإسراء، {وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ} [الآية 24] بالشورى، و {يَدْعُ الدََّاعِ} [الآية 6] بالقمر، و {سَنَدْعُ الزَّبََانِيَةَ} (18) [الآية 18] بالعلق كما مرّ. والوقف على الأربعة للجميع على الرسم أي بحذف الواو، إلا ما انفرد به الداني عن يعقوب من الوقف على الأصل. ولم يذكر ذلك في الطيبة ولا عرّج عليه لكونه انفراده على عادته من قراءة الداني على أبي الفتح وأبي الحسن. قال في النشر: «وقد قرأت به عليه من طريقه».
وأما قوله {نَسُوا اللََّهَ} [التّوبة: الآية 67] فالوقف عليه بالواو للجميع على الرّسم خلافا لبعضهم.
وأما قوله: {وَصََالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التّحريم: الآية 4] فليس من هذا الباب، وقد اتفق فيه اللفظ والرسم والوصل والوقف [اه. رميلي على الدرّة].
وأما ما حذف من الياء لساكن: فهو أحد عشر حرفا في سبعة عشر موضعا وهي: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ} [البقرة: الآية 269] إلى آخر ما تقدم وقف عليها يعقوب بالياء، ووقف الباقون بالحذف اتباعا للرسم إلا ثلاث كلمات يعلم حكم الوقف عليها مما تقدم. وأما القسم الثاني من الإثبات وهو إثبات ما حذف لفظا فإن ذلك في أربع عشرة كلمة، منها سبع كلمات اتفق القرّاء على الوقف عليها بهاء السكت، واختلفوا في إثباتها وصلا وهي {يَتَسَنَّهْ} [الآية 259] بالبقرة و {اقْتَدِهْ} [الآية 90] بالأنعام، فحذف الهاء منهما وصلا حمزة والكسائي، وكذا خلف ويعقوب، و {كِتََابِيَهْ} معا بالحاقة،
و {حِسََابِيَهْ} [الآية 20] بها، حذف الهاء منهن وصلا يعقوب، و {مََالِيَهْ} [الآية 28] و {سُلْطََانِيَهْ} [الآية 29] بها أيضا، و {مََا هِيَهْ} [الآية 10] بالقارعة، حذف الهاء منهن وصلا حمزة وكذا يعقوب.(1/221)
وأما ما حذف من الياء لساكن: فهو أحد عشر حرفا في سبعة عشر موضعا وهي: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ} [البقرة: الآية 269] إلى آخر ما تقدم وقف عليها يعقوب بالياء، ووقف الباقون بالحذف اتباعا للرسم إلا ثلاث كلمات يعلم حكم الوقف عليها مما تقدم. وأما القسم الثاني من الإثبات وهو إثبات ما حذف لفظا فإن ذلك في أربع عشرة كلمة، منها سبع كلمات اتفق القرّاء على الوقف عليها بهاء السكت، واختلفوا في إثباتها وصلا وهي {يَتَسَنَّهْ} [الآية 259] بالبقرة و {اقْتَدِهْ} [الآية 90] بالأنعام، فحذف الهاء منهما وصلا حمزة والكسائي، وكذا خلف ويعقوب، و {كِتََابِيَهْ} معا بالحاقة،
و {حِسََابِيَهْ} [الآية 20] بها، حذف الهاء منهن وصلا يعقوب، و {مََالِيَهْ} [الآية 28] و {سُلْطََانِيَهْ} [الآية 29] بها أيضا، و {مََا هِيَهْ} [الآية 10] بالقارعة، حذف الهاء منهن وصلا حمزة وكذا يعقوب.
ومنها سبع كلمات اختلف القراء في إثبات الألف فيها وحذفها وصلا ووقفا مع ثبوتها في الرسم في جميع المصاحف وهي (ثمودا) في مواضعها الأربعة المتقدمة، و {الظُّنُونَا} [الأحزاب: الآية 10] و {الرَّسُولَا} [الأحزاب: الآية 66] و {السَّبِيلَا} [الآية 67] بالأحزاب، و (سلسلا) [الآية 4] و {قَوََارِيرَا (15) قَوََارِيرَا} [الآيتان 15، 16] بسورة الإنسان.
وقد تقدم بيان قراءة كلّ القرّاء وصلا ووقفا في النوع الأوّل من الفصل الثالث في بيان الوقف على الثابت والمحذوف من حروف المدّ، فراجعه إن شئت.
* وأما الحذف فهو أيضا على قسمين:
أحدهما: حذف ما ثبت رسما. وثانيهما: حذف ما ثبت لفظا.
فالأول: في كلمة واحدة وهو {وَكَأَيِّنْ} وقعت في سبع مواضع كما تقدم، فحذف النون منها ووقف على الياء أبو عمرو، وكذا يعقوب، ووقف الباقون على النون.
والثاني: وهو حذف ما ثبت لفظا ولم يقع مختلفا فيه، وهو الواو والياء الثابتان في هاء الكناية لفظا، المحذوفان رسما، وكذل كصلة ميم الجمع فما ثبت منها في الوصل سقط في الوقف على وفاق بينهم.
وأما وصل المقطوع رسما فوقع في ثلاثة أحرف: {أَيًّا مََا} [الآية 110] بسورة الإسراء، (ما ل) [الفرقان: الآية 7] في مواضعها الأربعة، و {إِلْ يََاسِينَ} [الآية 130] بالصافات.
أما قوله: {أَيًّا مََا} فوقف حمزة والكسائي وكذا رويس على (أيّا) دون (ما)، ووقف الباقون على (ما) قال في الإتحاف: والأرجح والأقرب للصواب كما في النشر جواز الوقف لى كل من (أيّا) و (ما) لكل القراء اتباعا للرسم لكونهما كلمتين انفصلتا رسما كما يعلم من شرّاح الطيبة.
وأما (ما ل) [الفرقان: الآية 7] و {إِلْ يََاسِينَ} [الصّافات: الآية 130] فتقدّم الكلام عليهما في الفصل الثاني من هذا الباب.
وأما قطع الموصول رسما فوقع في ثلاثة أحرف {وَيْكَأَنَّ اللََّهَ} [الآية 82] و {وَيْكَأَنَّهُ} [الآية 82] بالقصص، و {أَلََّا يَسْجُدُوا} [الآية 25] بالنمل، أما قوله:
{وَيْكَأَنَّ} [القصص: الآية 82] و {وَيْكَأَنَّهُ} [الآية 82] فقد تقدم الكلام عليهما.
وأما قوله: {أَلََّا يَسْجُدُوا} [النّمل: الآية 25] فالوقف على {يَهْتَدُونَ} [النّمل: الآية 24] قبله تام لمن قرأ «ألا» بالتّخفيف وهو الكسائي وأبو جعفر ورويس لأن «ألا» في قراءتهم للاستفتاح، وحكمها أن يفتتح به الكلام، ويصحّ الوقف لهم على «ألا» وعلى «ياء» لأن كل واحدة كلمة مستقلة، وعليهما معا، ويبتدئون «اسجدوا» بضم همزة الوصل لأنه ثلاثي مضموم الثالث ضمّا لازما وحذفت همزة الوصل خطّا على مراد الوصل، فهو على تقدير: ألا يا هؤلاء اسجدوا فهما كلمتان فمن ثمّ فصلت وقفا.(1/222)
{وَيْكَأَنَّ} [القصص: الآية 82] و {وَيْكَأَنَّهُ} [الآية 82] فقد تقدم الكلام عليهما.
وأما قوله: {أَلََّا يَسْجُدُوا} [النّمل: الآية 25] فالوقف على {يَهْتَدُونَ} [النّمل: الآية 24] قبله تام لمن قرأ «ألا» بالتّخفيف وهو الكسائي وأبو جعفر ورويس لأن «ألا» في قراءتهم للاستفتاح، وحكمها أن يفتتح به الكلام، ويصحّ الوقف لهم على «ألا» وعلى «ياء» لأن كل واحدة كلمة مستقلة، وعليهما معا، ويبتدئون «اسجدوا» بضم همزة الوصل لأنه ثلاثي مضموم الثالث ضمّا لازما وحذفت همزة الوصل خطّا على مراد الوصل، فهو على تقدير: ألا يا هؤلاء اسجدوا فهما كلمتان فمن ثمّ فصلت وقفا.
ومن قرأ «ألّا» بالتشديد لم يقف على قوله {يَهْتَدُونَ} [النّمل: الآية 24]، فإن وقف فهو جائز لأنه رأس آية.
ولا يجوز له الوقف على الياء لأنها بعض كلمة، ولا يجوز الوقف على بعض الكلمة دون بعض، ولا يجوز الوقف للجميع على (أن) المدغم نونها في (لا) لأن كل ما كتب موصولا لا يجوز الوقف فيه إلا على الكلمة الأخيرة منه لأجل الاتصال الرسمي، ولا يجوز فصله إلا برواية صحيحة كوقف الكسائي على الياء في قوله:
{وَيْكَأَنَّ} [الآية 82] و {وَيْكَأَنَّهُ} [الآية 82] بالقصص اه.
الفصل السادس في بيان أنواع الوقف على أواخر الكلم وما يجوز فيه الرّوم والإشمام، أو الرّوم فقط، وما لا يجوز
اعلم أن أنواع الوقف ثلاثة:
أولها: الإسكان المحض وهو الأصل لأن العرب لا يبتدئون بساكن، ولا يقفون على متحرك إذ الابتداء بالساكن متعذّر أو متعسر. والوقف بالسكون قال بعضهم: إنه واجب شرعي يثاب على فعله ويعاقب على تركه، ولا يخفى ما في ذلك من المشقة العظيمة، وقال بعضهم: صناعيّ فيقبح على القارئ تركه ويعزّر عليه عند أهل ذلك الشأن، إلا أن في ذلك فسحة عظيمة على الإنسان.
فإن قلت: الأصل هو الحركة لا السكون فبأي علة يصير السكون أصلا في الوقف؟! فالجواب: أنه لما كان الغرض من الوقف الاستراحة، والسكون أخفّ من الحركات كلها وأبلغ في تحصيل الاستراحة، صار أصلا بهذا الاعتبار.
وثانيها: الرّوم وهو إضعافك الصوت بالحركة حتى يذهب معظم صوتها فيسمع لها صوت خفيّ يسمعه القريب المصغي دون البعيد لأنها غير تامة. والمراد بالبعيد
الأعمّ من أن يكون حقيقة أو حكما، فيشمل الأصمّ، والقرب إذا لم يكن مصغيا. وقد أشار الشاطبي إلى هذا المعنى بقوله:(1/223)
وثانيها: الرّوم وهو إضعافك الصوت بالحركة حتى يذهب معظم صوتها فيسمع لها صوت خفيّ يسمعه القريب المصغي دون البعيد لأنها غير تامة. والمراد بالبعيد
الأعمّ من أن يكون حقيقة أو حكما، فيشمل الأصمّ، والقرب إذا لم يكن مصغيا. وقد أشار الشاطبي إلى هذا المعنى بقوله:
ورومك إسماع المحرّك واقفا ... بصوت خفيّ كلّ دان تنوّلا
والروم والاختلاس يشتركان في التبعيض، وبينهما عموم وخصوص فالرّوم أخصّ من حيث إنه لا يكون في المفتوح والمنصوب على الأصح، ويكون في الوقف دون الوصل، والثابت فيه من الحركة أقلّ من المحذوف، والاختلاس أعمّ لأنه يتناول الحركات الثلاث كما في قوله: {لََا يَهْدِي} [البقرة: الآية 258] و {نِعِمََّا} [النّساء: الآية 58] و {يَأْمُرُكُمْ} [البقرة: الآية 67] عند بعض القرّاء في الأمثلة الثلاثة، ولا يختص بالآخر، والثابت فيه من الحركة أكثر من المحذوف.
قال المرعشي في حاشيته: «وهذا لا يضبط إلا بالمشافهة أي مشافهة الشيخ وهي المخاطبة بالشفة إلى الشفة يعني لا يعرف قدر الثّلثين والثّلث من الحركة بالقياس إلى شيء كما عرف قدر الحركة في المدّ بعقد الأصبع، بل أمره مفوّض إلى تخمين الشيخ الماهر في الأداء، فيخمن ذلك الشيخ الثلثين والثلث، ويلفظه ويسمعه منه المتعلم، ويتكلف الأداء مثل أدائه، فإذا أدّى مثل أدائه يتكلّف حفظه، ويقصد تقوية حفظه كأنه يربطه بحبل إلى أسطوانة قلبه خشية أن ينسى أداء الشيخ ويحرّفه.
وقد جمع العلّامة الطيبيّ الكلمات التي ورد فيها الاختلاس فقال:
والاختلاس في نعمّا أرنا ... ونحو باريكم ولا تأمنّا
ولا تعدوا لا يهدي إلّا ... وهم يخصّمون فادر الكلّ
وثالثها الإشمام: وهو أن تضمّ الشفتين بعيد الإسكان إشارة إلى الضم، وتدع بينهما بعض انفراج ليخرج منه النفس، ولا بد من اتصال ضمّ الشفتين بالإسكان، فلو تراخى:
فإسكان مجرد عن الإشمام، وهو معنى قول الشاطبي:
والإشمام إطباق الشّفاه بعيد ما ... يسكّن لا صوت هناك فيصحلا
ولا يدرك لغير البصير، ويكون أوّلا ووسطا وآخرا، خلافا لمكّي في تخصيصه بالآخر كما في الجعبري.
والمراد من الإشمام الفرق بين ما هو متحرك في الأصل وعرض سكونه للوقف، وبين ما هو ساكن في كلّ حال.
قال السيوطي: وفائدة الرّوم والإشمام بيان الحركة الأصلية التي ثبتت في الوصل للحرف الموقوف عليه ليظهر للسامع في الروم وللناظر في الإشمام كيف تلك الحركة اه. فظهر أن قصد بيان الحركة لا يكون إلا عند وجود الناظر عند الإشمام، والسامع عند الروم، فلا روم ولا إشمام عند قراءة القرآن في الخلوة، والله أعلم [اه. من حاشية المرعشي].(1/224)
والمراد من الإشمام الفرق بين ما هو متحرك في الأصل وعرض سكونه للوقف، وبين ما هو ساكن في كلّ حال.
قال السيوطي: وفائدة الرّوم والإشمام بيان الحركة الأصلية التي ثبتت في الوصل للحرف الموقوف عليه ليظهر للسامع في الروم وللناظر في الإشمام كيف تلك الحركة اه. فظهر أن قصد بيان الحركة لا يكون إلا عند وجود الناظر عند الإشمام، والسامع عند الروم، فلا روم ولا إشمام عند قراءة القرآن في الخلوة، والله أعلم [اه. من حاشية المرعشي].
ثم اعلم أن الإشمام يطلق على أربعة أنواع:
أحدها: ضمّ الشفتين بعد إسكان الحرف عند الوقف لكل القراء. وقد تقدم ذكره.
وثانيها: إخفاء الحركة بين الحركة والساكن كما في قوله {لََا تَأْمَنََّا} [يوسف: الآية 11] عند الكل، قاله أبو شامة، وروي فيها الإدغام المحض مع الإشارة إلى الضمة مع لفظك بالنون المدغمة عن جميع القراء. كذا قاله أبو شامة أيضا، وهو عين الإشمام المتقدم عند الوقف إلا أنه هاهنا مع لفظك بالنون أي الأولى، وفي الوقف عقب الفراغ من الحرف.
وثالثها: خلط حرف بحرف كخلط الصاد بالزاي في نحو {الصِّرََاطَ} [الفاتحة:
الآية 6] و {بِمُصَيْطِرٍ} و {أَصْدَقُ} [النّساء: الآية 87] و {يُصْدِرَ} [القصص: الآية 23] لمن يشمها.
ورابعها: خلط حركة بحركة أخرى كخلط الكسرة بالضمة في نحو {قِيلَ} [البقرة:
الآية 11] و {وَغِيضَ} [هود: الآية 44] و {وَجِيءَ} [الزمر: الآية 69] لمن يشمّها.
وحاصل ما يجوز فيه الروم والإشمام أو الروم فقط وما لا يجوز: أن الموقوف عليه ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يوقف عليه بالأنواع الثلاثة أعني السكون والروم والإشمام، وهو ما كان متحركا بالرفع أو الضم نحو {نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: الآية 5]، و {عَذََابٌ}
[البقرة: الآية 10]، و {عَظِيمٌ} [النّور: الآية 16]، و {مِنْ قَبْلُ} [البقرة: الآية 25]، و {مِنْ بَعْدُ} [البقرة: الآية 230] و {يُصْلِحُ} [الأعراف: الآية 77] سواء كانت الحركة فيها أصلية كما مثّل أم منقولة من حرف حذف من نفس الكلمة نحو {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ}
[عبس: الآية 34] و {السُّوءُ} [الزمر: الآية 61] و {شَيْءٌ} [آل عمران: الآية 128] المرفوعين، و {دِفْءٌ} [النّحل: الآية 5]، و {مِلْءُ} [آل عمران: الآية 91] كما في وقف حمزة وهشام.
القسم الثاني: يوقف عليه بالسكون والروم فقط، ولا يجوز فيه الإشمام، وهو ما كان متحركا في الوصل بالخفض أو الكسر نحو {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} (3) [الفاتحة: الآية 3] {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) [الفاتحة: الآية 4].(1/225)
القسم الأول: يوقف عليه بالأنواع الثلاثة أعني السكون والروم والإشمام، وهو ما كان متحركا بالرفع أو الضم نحو {نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: الآية 5]، و {عَذََابٌ}
[البقرة: الآية 10]، و {عَظِيمٌ} [النّور: الآية 16]، و {مِنْ قَبْلُ} [البقرة: الآية 25]، و {مِنْ بَعْدُ} [البقرة: الآية 230] و {يُصْلِحُ} [الأعراف: الآية 77] سواء كانت الحركة فيها أصلية كما مثّل أم منقولة من حرف حذف من نفس الكلمة نحو {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ}
[عبس: الآية 34] و {السُّوءُ} [الزمر: الآية 61] و {شَيْءٌ} [آل عمران: الآية 128] المرفوعين، و {دِفْءٌ} [النّحل: الآية 5]، و {مِلْءُ} [آل عمران: الآية 91] كما في وقف حمزة وهشام.
القسم الثاني: يوقف عليه بالسكون والروم فقط، ولا يجوز فيه الإشمام، وهو ما كان متحركا في الوصل بالخفض أو الكسر نحو {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} (3) [الفاتحة: الآية 3] {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) [الفاتحة: الآية 4].
قال المقدسي في شرحه على الجزرية: ووجه امتناع إشمام الكسرة أن إشمامها يكون بحطّ الشفة السفلى، ولا يتأتى غالبا إلا برفع العليا، فيوهم الفتح اه.
القسم الثالث: لا يوقف عليه إلا بالسكون فقط، ولا يجوز الرّوم ولا الإشمام أصلا، وذلك في عدّة مواضع:
أولها: هاء التأنيث الموقوف عليها بالهاء نحو {الْجَنَّةَ} [البقرة: الآية 35] و {الْمَلََائِكَةِ} [البقرة: الآية 31] و {الْقِبْلَةَ} [البقرة: الآية 143] بخلاف ما يوقف عليه بالتاء للرسم.
قال ملّا علي القاري: أمّا هاء التأنيث فإنها تنقسم إلى ما رسم بالهاء نحو الأمثلة المتقدمة، وإلى ما رسم بالتاء نحو {يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللََّهِ} [البقرة: الآية 218] و {اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللََّهِ} [المائدة: الآية 11] فما رسم بالهاء لا يوقف عليها إلا بالهاء الساكنة إذ المراد من الروم والإشمام بيان حركة الحرف الموقوف عليه حالة الوصل ولم يكن على الهاء حركة في الوصل إذ هي مبدلة من التاء، والتاء معدومة في الوقف. أمّا ما رسم بالتاء فإن الرّوم والإشمام يدخلان فيه على مذهب من وقف بالتاء لأنها تاء محضة وهي التي كانت في الوصل.
وثانيها: ما كان ساكنا في الوصل نحو قوله: {فَلََا تَنْهَرْ} [الضّحى: الآية 10] و {وَلََا تَمْنُنْ} [المدثر: الآية 6] و {وَانْحَرْ} [الكوثر: الآية 2]. ومنه ميم الجمع فلا يجوز فيه الروم والإشمام لأن الروم والإشمام إنما يكونان في المتحرّك دون الساكن.
وأما من قرأ ميم الجمع بالضم والصلة في الوصل فلا يجوز على قراءته الروم والإشمام أيضا عند الحافظ أبي عمرو الداني وأبي القاسم الشاطبي رحمهما الله تعالى لأن ميم الجمع لا حركة لها في الوصل فترام أو تشمّ في الوقف، وإنما حركتها عارضة لأجل واو الصلة. وأجازهما مكيّ قياسا على هاء الضمير، وردّه الشيخ ابن الجزري في النشر.
وثالثها: ما كان متحركا في الوصل بحركة عارضة: إما للنقل نحو: {قُلْ أُوحِيَ}
[الجن: الآية 1] و {وَانْحَرْ (2) إِنَّ شََانِئَكَ} [الكوثر: الآيتان 2، 3] في قراءة ورش، وإما لالتقاء الساكنين نحو: {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمّل: الآية 2] و {قُلِ ادْعُوا} [الأعراف: الآية 195]
و {أَنْذِرِ النََّاسَ} [يونس: الآية 2] ومثله ميم الجمع نحو {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [آل عمران: الآية 139] و {لَهُمُ النََّاسُ} [آل عمران: الآية 173] فلا يجوز فيه الروم والإشمام لأن الحركة إنما عرضت لساكن لقيته حالة الوصل فلا يعتدّ بها لأنها تزول في الوقف لذهاب المقتضى أي اجتماع الساكنين فلا وجه للروم والإشمام، ومنه (يومئذ) و (حينئذ) لأن كسرة الذال إنما عرضت عند إلحاق التنوين، فإذا زال التنوين وقفا رجعت الذال إلى أصلها وهو السكون، بخلاف {غَوََاشٍ} [الأعراف: الآية 41] و {كُلٍّ} [هود: الآية 40] لأن التنوين دخل فيهما على متحرك فالحركة فيها أصلية.(1/226)
وثالثها: ما كان متحركا في الوصل بحركة عارضة: إما للنقل نحو: {قُلْ أُوحِيَ}
[الجن: الآية 1] و {وَانْحَرْ (2) إِنَّ شََانِئَكَ} [الكوثر: الآيتان 2، 3] في قراءة ورش، وإما لالتقاء الساكنين نحو: {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمّل: الآية 2] و {قُلِ ادْعُوا} [الأعراف: الآية 195]
و {أَنْذِرِ النََّاسَ} [يونس: الآية 2] ومثله ميم الجمع نحو {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [آل عمران: الآية 139] و {لَهُمُ النََّاسُ} [آل عمران: الآية 173] فلا يجوز فيه الروم والإشمام لأن الحركة إنما عرضت لساكن لقيته حالة الوصل فلا يعتدّ بها لأنها تزول في الوقف لذهاب المقتضى أي اجتماع الساكنين فلا وجه للروم والإشمام، ومنه (يومئذ) و (حينئذ) لأن كسرة الذال إنما عرضت عند إلحاق التنوين، فإذا زال التنوين وقفا رجعت الذال إلى أصلها وهو السكون، بخلاف {غَوََاشٍ} [الأعراف: الآية 41] و {كُلٍّ} [هود: الآية 40] لأن التنوين دخل فيهما على متحرك فالحركة فيها أصلية.
وإلى ذلك أشار الشاطبي بقوله:
وفي هاء تأنيث وميم الجميع قل ... وعارض شكل لم يكونا ليدخلا
ورابعها: ما كان في الوصل متحركا بالفتح والنصب غير منوّن نحو {الْعََالَمِينَ}
[الفاتحة: الآية 2] و {الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: الآية 16] و {لََا رَيْبَ} [البقرة: الآية 2] فلا يجوز لك الروم فيهما لخفة الفتحة وسرعتها في النطق فلا تكاد تخرج إلا كاملة على حالها في الوصل، ولا يجوز لك الإشمام أيضا لقول ابن الجزري في مقدمته:
وأشم إشارة بالضمّ في رفع وضمّ لأنك لو ضممت الشفتين في غيرهما لأوهمت خلافه اه.
التتمة في بيان كيفية الوقف على هاء الضمير
اعلم أن أهل الأداء اختلفوا في كيفية الوقف على هاء الضمير فذهب كثير منهم إلى جواز الروم والإشمام فيها مطلقا، وهو الذي في التيسير والتجريد والتلخيص وغيرها. وذهب آخرون إلى المنع مطلقا، وهو ظاهر كلام الشاطبي وفاقا للداني في غير التيسير.
والمختار كما قاله ابن الجزري منعهما فيها إذا كان قبلها ضمّ أو واو ساكنة أو كسر أو ياء ساكنة نحو {يَعْلَمُهُ} [البقرة: الآية 270] و {يَرْفَعُهُ} [فاطر: الآية 10] و {عَقَلُوهُ}
[البقرة: الآية 75] و {وَلِيَرْضَوْهُ} [الأنعام: الآية 113] و {بِهِ} [البقرة: الآية 22] و {رَبِّهِ}
[البقرة: الآية 37] و {فِيهِ} [البقرة: الآية 2] و {إِلَيْهِ} [البقرة: الآية 178]، وجوازهما إذا لم يكن قبلها ذلك بأن انفتح ما قبل الهاء، أو وقع قبلها ألف أو إسكان صحيح نحو {لَنْ تُخْلَفَهُ} [طه: الآية 97] و {اجْتَبََاهُ} [النّحل: الآية 121] و {وَهَدََاهُ} [النّحل: الآية 121] و {مِنْهُ} [البقرة: الآية 60] و {عَنْهُ} [المسد: الآية 2] و {أَرْجِهْ} [الأعراف: الآية 111] في قراءة الهمز و {وَيَتَّقْهِ} [النور: الآية 52] عند من سكّن القاف.
قال المحقّق ابن الجزري: وهو أعدل المذاهب عندي [اه. إتحاف البشر].(1/227)
والمختار كما قاله ابن الجزري منعهما فيها إذا كان قبلها ضمّ أو واو ساكنة أو كسر أو ياء ساكنة نحو {يَعْلَمُهُ} [البقرة: الآية 270] و {يَرْفَعُهُ} [فاطر: الآية 10] و {عَقَلُوهُ}
[البقرة: الآية 75] و {وَلِيَرْضَوْهُ} [الأنعام: الآية 113] و {بِهِ} [البقرة: الآية 22] و {رَبِّهِ}
[البقرة: الآية 37] و {فِيهِ} [البقرة: الآية 2] و {إِلَيْهِ} [البقرة: الآية 178]، وجوازهما إذا لم يكن قبلها ذلك بأن انفتح ما قبل الهاء، أو وقع قبلها ألف أو إسكان صحيح نحو {لَنْ تُخْلَفَهُ} [طه: الآية 97] و {اجْتَبََاهُ} [النّحل: الآية 121] و {وَهَدََاهُ} [النّحل: الآية 121] و {مِنْهُ} [البقرة: الآية 60] و {عَنْهُ} [المسد: الآية 2] و {أَرْجِهْ} [الأعراف: الآية 111] في قراءة الهمز و {وَيَتَّقْهِ} [النور: الآية 52] عند من سكّن القاف.
قال المحقّق ابن الجزري: وهو أعدل المذاهب عندي [اه. إتحاف البشر].
وإلى ذلك أشار الشاطبي في حرزه فقال:
وفي الهاء للإضمار قوم أبوهما ... ومن قبله ضمّ أو الكسر مثلا
أو إمّا هما واو وياء وبعضهم ... يرى لهما في كلّ حال محلّلا
قال القسطلاني في شرحه على الجزرية: وجه الروم والإشمام: الإجراء على القاعدة، ووجه المنع: طلب الخفة إذ الخروج من ضمّ إلى ضمّ وإشارة إليه، ومن كسر إلى كسر وإشارة إليه مستثقل، وتأكد ذلك في الهاء لخفائها وبعد مخرجها، واحتياج القارئ لأجل ذلك إلى تكلّف إظهارها وتبيينها. وإذا انضم ذلك إلى ما تقدم ذكره شقّ لا محالة اه. ولا بد من حذف الصلة مع الروم كما تحذف مع السكون اهـ.(1/228)
وفي الهاء للإضمار قوم أبوهما ... ومن قبله ضمّ أو الكسر مثلا
أو إمّا هما واو وياء وبعضهم ... يرى لهما في كلّ حال محلّلا
قال القسطلاني في شرحه على الجزرية: وجه الروم والإشمام: الإجراء على القاعدة، ووجه المنع: طلب الخفة إذ الخروج من ضمّ إلى ضمّ وإشارة إليه، ومن كسر إلى كسر وإشارة إليه مستثقل، وتأكد ذلك في الهاء لخفائها وبعد مخرجها، واحتياج القارئ لأجل ذلك إلى تكلّف إظهارها وتبيينها. وإذا انضم ذلك إلى ما تقدم ذكره شقّ لا محالة اه. ولا بد من حذف الصلة مع الروم كما تحذف مع السكون اهـ.
الباب الثامن في بيان ما يتعلق بختم القرآن
وفيه ثلاثة فصول وتتمة.
الفصل الأوّل في بيان حكم التكبير، وسببه، وصيغته، ومن أين يبتدئ به القارئ وإلى أين ينتهي، وفي بيان أوجهه لابن كثير من طريق الحرز، وجميع القراء من طريق الطيبة
*حكمه
: اعلم أن التكبير سنّة عند ختم القرآن، وقد ورد فيه عن أهل مكة حديث مسلسل. ورواه بعضهم في جميع سور القرآن، وأنه ليس بقرآن، وإنما هو ذكر جليل أثبته الشرع على وجه التخيير بين سور القرآن، كما أثبت الاستعاذة في أول القراءة.
ولذلك لم يرسم في جميع المصاحف المكية وغيرها.
وسبب التكبير كما قال الجمهور من المفسرين والقرّاء: أن الوحي أبطأ وتأخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما قيل: اثنا عشر وقيل: خمسة عشر وقيل: أربعون يوما فقال المشركون تعنّتا وعدوانا: إن محمدا ودّعه ربّه وقلاه، أي أبغضه وهجره فجاءه جبريل عليه السلام وألقى عليه {وَالضُّحى ََ (1) وَاللَّيْلِ} [الضحى: الآيتان 1، 2] إلى آخرها، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم عند قراءة جبريل لها: «الله أكبر» تصديقا لما كان ينتظر من الوحي، وتكذيبا للكفار، وألحق ذلك بما بعد «والضحى» من السّور تعظيما لله عزّ وجلّ، فكان تكبيره آخر قراءة جبريل وأوّل قراءته صلى الله عليه وسلم.
واختلف في سبب تأخر الوحي، فقيل: لتركه الاستثناء حين قالت اليهود لقريش:
سلوه عن الرّوح وأصحاب الكهف وذي القرنين؟ فسألوه، فقال: ائتوني غدا أخبركم، ونسي أن يقول: «إن شاء الله» فانقطع الوحي تلك المدّة. وقيل: كبّر صلى الله عليه وسلم فرحا وسرورا بالنعم التي عدّدها الله عليه في سورة الضحى خصوصا نعمة قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ََ} (5) [الضحى: الآية 5] فقد قال أهل البيت: هي أرجى آية في كتاب الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم لما نزلت: «إذا لا أرضى وواحد من أمتي في النار». وقيل غير ذلك.
وقد اتفقت الحفاظ على أن التكبير لم يرفعه أحد إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا البزّي فقد روي عنه بأسانيد متعدّدة أنه قال: سمعت عكرمة بن سليمان يقول: قرأت على إسماعيل بن عبد الله المكي، فلما بلغت {وَالضُّحى ََ} قال لي: كبّر عند خاتمة كل سورة حتى تختم فإنّي قرأت على عبد الله بن كثير فأمرني بذلك، وأخبرني ابن كثير أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك، وأخبره مجاهد أنه قرأ على عبد الله بن عباس فأمره بذلك، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبيّ بن كعب فأمره بذلك، وأخبره ابن أبيّ أنه قرأ على النبيّ صلى الله عليه وسلم فأمره بذلك. ورواه الحاكم في مستدركه على الصحيحين عن أبي يحيى محمد بن عبد الله بن يزيد الإمام بمكة عن محمد بن علي بن زيد الصائغ عن البزي، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجه الشيخان. وأما غير البزي فإنما رواه موقوفا عن ابن عباس. قال ابن الجزري: وقد صحّ التكبير عند أهل مكة قرائهم، وعلمائهم، وأئمتهم، ومن روى عنهم صحة استفاضت وذاعت وانتشرت حتى بلغت حد التواتر في كل حال صلاة وغيرها عند ختم القرآن العظيم [اه. غيث النفع باختصار].(1/229)
سلوه عن الرّوح وأصحاب الكهف وذي القرنين؟ فسألوه، فقال: ائتوني غدا أخبركم، ونسي أن يقول: «إن شاء الله» فانقطع الوحي تلك المدّة. وقيل: كبّر صلى الله عليه وسلم فرحا وسرورا بالنعم التي عدّدها الله عليه في سورة الضحى خصوصا نعمة قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ََ} (5) [الضحى: الآية 5] فقد قال أهل البيت: هي أرجى آية في كتاب الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم لما نزلت: «إذا لا أرضى وواحد من أمتي في النار». وقيل غير ذلك.
وقد اتفقت الحفاظ على أن التكبير لم يرفعه أحد إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا البزّي فقد روي عنه بأسانيد متعدّدة أنه قال: سمعت عكرمة بن سليمان يقول: قرأت على إسماعيل بن عبد الله المكي، فلما بلغت {وَالضُّحى ََ} قال لي: كبّر عند خاتمة كل سورة حتى تختم فإنّي قرأت على عبد الله بن كثير فأمرني بذلك، وأخبرني ابن كثير أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك، وأخبره مجاهد أنه قرأ على عبد الله بن عباس فأمره بذلك، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبيّ بن كعب فأمره بذلك، وأخبره ابن أبيّ أنه قرأ على النبيّ صلى الله عليه وسلم فأمره بذلك. ورواه الحاكم في مستدركه على الصحيحين عن أبي يحيى محمد بن عبد الله بن يزيد الإمام بمكة عن محمد بن علي بن زيد الصائغ عن البزي، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجه الشيخان. وأما غير البزي فإنما رواه موقوفا عن ابن عباس. قال ابن الجزري: وقد صحّ التكبير عند أهل مكة قرائهم، وعلمائهم، وأئمتهم، ومن روى عنهم صحة استفاضت وذاعت وانتشرت حتى بلغت حد التواتر في كل حال صلاة وغيرها عند ختم القرآن العظيم [اه. غيث النفع باختصار].
قال في الإتحاف: وروى الحافظ الداني بسنده إلى الحميدي قال: سألت سفيان (يعني ابن عيينة) قلت: يا أبا محمد رأيت شيئا ربما فعله الناس عندنا: يكبّر القارئ في شهر رمضان إذا ختم (يعني في الصلاة)؟ فقال: رأيت صدقة بن عبد الله بن كثير يؤمّ الناس أكثر من سبعين سنة فكان إذا ختم القرآن كبّر. وروى السخاوي عن أبي محمد الحسن بن محمد بن عبد الله القرشي أنه صلّى بالناس التراويح خلف المقام بالمسجد الحرام، فلما كانت ليلة الختم، كبّر من خاتمة {وَالضُّحى ََ} إلى آخر القرآن في الصلاة.
فلما سلّم إذا بالإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه قد صلّى وراءه. قال: فلما أبصرني قال لي: أحسنت أصبت السّنّة.
وفيه أيضا نقل عن سيدي محمد البكري صاحب الكنز أنه قال: «ويستحب إذا قرأ في الصلاة سورة الضحى أو ما بعدها إلى آخر القرآن أن يقول بعدها: «لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد» قياسا على خارج الصلاة كما سيأتي الكلام عليه فإن العلة قائمة وهي تعظيم الله وتكبيره والحمد على قمع أعداء الله وأعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال:
وهل يأتي بذلك سرّا أو جهرا؟ أو يقال فيه ما قيل في السورة إذا كانت الصلاة جهرية جهر أو سرّية أسرّ؟ ثم قال: وينبغي أن يسرّ به مطلقا. قال: وتكون السكتة التي قبل الركوع بعد هذا، فإذا فرغ منه قال: «اللهم إني أسألك من فضلك» اه وظاهره ندب ذلك أعني التكبير في الصلاة في الختم وغيره حتى لو قرأ سورة من سور التكبير
ك «الكافرون» والإخلاص مثلا في ركعتين كبّر، وهو واضح للعلة السابقة، لكن قوله:(1/230)
وهل يأتي بذلك سرّا أو جهرا؟ أو يقال فيه ما قيل في السورة إذا كانت الصلاة جهرية جهر أو سرّية أسرّ؟ ثم قال: وينبغي أن يسرّ به مطلقا. قال: وتكون السكتة التي قبل الركوع بعد هذا، فإذا فرغ منه قال: «اللهم إني أسألك من فضلك» اه وظاهره ندب ذلك أعني التكبير في الصلاة في الختم وغيره حتى لو قرأ سورة من سور التكبير
ك «الكافرون» والإخلاص مثلا في ركعتين كبّر، وهو واضح للعلة السابقة، لكن قوله:
«وينبغي أن يسرّ به» يخالفه ما نقله ابن العماد من استحباب الجهر بالتكبير بين السور، ولم يقيده بخارج الصلاة، وكذا نقله العلّامة ابن حجر الهيتمي في شرح العباب عن البدر الزركشي، وأقرّه، وهو أيضا ظاهر النصوص السابقة. والذين ثبت عنهم التكبير في الصلاة منهم من كان إذا قرأ الفاتحة وأراد الشروع في السورة كبّر وبسمل ثم ابتدأ السورة. ومنهم من كان يكبّر إثر كل سورة ثم يكبّر للركوع حتى ينتهي إلى آخر (الناس)، فإذا قام في الركعة الثانية قرأ الفاتحة وما تيسر من أوّل البقرة. قال في النشر: ثم رأيت في الوسيط للإمام الكبير أبي الفضل الرازي الشافعي رحمه الله تعالى ما هو نصّ على التكبير في الصلاة، وهو أنّي تتبعت كلام الفقهاء من أصحابنا فلم أر لهم نصّا غير ما ذكرت، وكذا لم أر للحنفية أو للمالكية. وأما الحنابلة فقال الفقيه الكبير أبو عبد الله محمد بن مفلح في كتاب الفروع له: وهل يكبّر لختمه في (والضحى) و (ألم نشرح) آخر كل سورة؟ روايتان، ولم تستحبه الحنابلة لقراءة غير ابن كثير. وقيل. ويهلّل [اه. بالحرف].
والحاصل أن التكبير صحّ من روايتي البزي وقنبل، وورد عن أبي عمرو من رواية السوسي، وكذا عن أبي جعفر لكن من رواية العمري. أما البزي فلم يختلف عنه فيه، واختلف عن قنبل فالجمهور من المغاربة على عدم التكبير له، وهو الذي في التيسير وغيره. وروى عنه التكبير جمهور العراقيين وبعض المغاربة، والوجهان في الشاطبية وغيرها. وأما السوسي فقطع له به الحافظ أبو العلاء من جميع طرقه، لكن إذا بسمل لأن راوي التكبير لا يجيز بين السورتين سوى البسملة، وقطع له به في التجريد من طريق ابن حبش من أوّل (ألم نشرح) إلى آخر (الناس)، ولا تهليل له كما في التقريب، وروى عند سائر الرواة ترك التكبير كالجماعة.
*وأما صيغته
: فاعلم أنهم اتفقوا على أن لفظه «الله أكبر» قبل البسملة، من غير زيادة تهليل ولا تحميد لكلّ من البزي وقنبل، فيقول: الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم، وروى آخرون عنهما زيادة التهليل قبل التكبير، فتقول: «لا إله إلا الله والله أكبر بسم الله» الخ. قال ابن الحباب: سألت البزي عن التكبير كيف هو؟ فقال: لا إله إلا الله والله أكبر. وقطع به العراقيون من طريق ابن مجاهد، وزاد بعضهم له التحميد بعد التكبير فتقول: «لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد بسم الله» الخ وهذا طريق أبي طاهر عبد الواحد بن أبي هاشم عن ابن الحباب، ورواية ابن صباح عن قنبل. وقد جرى عمل الشيوخ في هذا التكبير بقراءة ما صحّ فيه وإن لم يكن من طرق الكتاب الذي قرءوا به
لأن المحلّ محلّ إطناب للتلذذ بذكر الله تعالى عند ختم كتابه. والله أعلم [اه. غيث النفع].(1/231)
: فاعلم أنهم اتفقوا على أن لفظه «الله أكبر» قبل البسملة، من غير زيادة تهليل ولا تحميد لكلّ من البزي وقنبل، فيقول: الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم، وروى آخرون عنهما زيادة التهليل قبل التكبير، فتقول: «لا إله إلا الله والله أكبر بسم الله» الخ. قال ابن الحباب: سألت البزي عن التكبير كيف هو؟ فقال: لا إله إلا الله والله أكبر. وقطع به العراقيون من طريق ابن مجاهد، وزاد بعضهم له التحميد بعد التكبير فتقول: «لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد بسم الله» الخ وهذا طريق أبي طاهر عبد الواحد بن أبي هاشم عن ابن الحباب، ورواية ابن صباح عن قنبل. وقد جرى عمل الشيوخ في هذا التكبير بقراءة ما صحّ فيه وإن لم يكن من طرق الكتاب الذي قرءوا به
لأن المحلّ محلّ إطناب للتلذذ بذكر الله تعالى عند ختم كتابه. والله أعلم [اه. غيث النفع].
*وأما محلّ ابتدائه وانتهائه
: فاختلف مثبتوه من أي موضع يبتدأ به وإلى أين ينتهي فذهب جماعة كالداني إلى أن ابتداءه من آخر (والضحى) وانتهاءه آخر (الناس).
وقال آخرون إن ابتداءه من أوّل (ألم نشرح)، وقال آخرون: من أوّل (والضحى)، وكلا الفريقين يقول: انتهاؤه أوّل (الناس). ولم يقل أحد إن ابتداءه من آخر (والليل)، ومن أطلقه كالشاطبي فإنما يريد به أوّل (والضحى)، وعلى ذلك جرى العمل إلى آخر (الناس). ومنشأ هذا الخلاف أن تكبيره صلى الله عليه وسلم كان آخر قراءة جبريل عليه السلام لسورة (والضحى) وأوّل قراءته صلى الله عليه وسلم لها، فإن جعلناه لقراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم كان من أوّل (والضحى)، وهو ظاهر في جعله للأوائل وأوّلها (والضحى). قال عكرمة المخزومي: رأيت مشايخنا الذين قرءوا على ابن عباس رضي الله عنهما يأمرون بالتكبير من (والضحى)، وإن جعلناه لقراءة جبريل عليه السلام كان بعد (والضحى)، وهو ظاهر في جعله للأواخر. قال مجاهد: قرأت على ابن عباس تسع عشرة ختمة وكلها يأمرني بأن أكبّر فيها من أوّل (ألم نشرح). ويفهم من هذا الوجه الخلاف بين (الناس) و (الفاتحة). [اه. من ابن القاصح ببعض تصرف].
*وأما أوجهه فثمانية
: وجهان على احتمال كون التكبير لأوّل السورة، ووجهان على احتمال كونه لآخرها، وثلاثة تحتمل كلا التقديرين، وواحد ممنوع. فأما الوجهان اللذان لأوّل السورة فأوّلهما: القطع على آخر السورة ووصل التكبير بالبسملة ووصلها بأوّل السورة. والثاني: قطع التكبير عن آخر السورة، ووصله بالبسملة مع الوقف عليها، والابتداء بأوّل السورة. وأما اللذان لآخر السورة: فأوّلهما: وصل التكبير بآخر السورة مع الوقف عليه، ووصل البسملة بأوّل السورة. والثاني: وصل التكبير بآخر السورة، والوقف عليه وعلى البسملة، ثم الابتداء بأوّل السورة. وأما الثلاثة المحتملة كلا التقديرين:
فالأوّل: وصل الجميع أعني التكبير بآخر السورة وبالبسملة، ووصلها بأوّل السورة.
والثاني: القطع على آخر السورة وعلى التكبير، ووصل البسملة بأول السورة الثالث: قطع الجميع أعني قطع التكبير عن الآخر وعن البسملة وقطعها عن أوّل السورة، فهذه السبعة جائزة بين (الضحى) و (ألم نشرح) وهكذا إلى آخر (الفلق) و (الناس). ويجوز بين (الليل) و (الضحى) خمسة أوجه بإسقاط الوجهين اللذين لآخر السورة إذ لم يقل أحد إنه لآخر (الليل). وبين (الناس) و (الفاتحة) خمسة أوجه أيضا بإسقاط الوجهين اللذين لأوّل السورة إذ لم يقل أحد إنه لأوّل الفاتحة. وإلى ذلك كله أشار خاتمة المحققين وعمدة
المدققين شيخنا المتولّي مرتبا للأوجه فقال:(1/232)
والثاني: القطع على آخر السورة وعلى التكبير، ووصل البسملة بأول السورة الثالث: قطع الجميع أعني قطع التكبير عن الآخر وعن البسملة وقطعها عن أوّل السورة، فهذه السبعة جائزة بين (الضحى) و (ألم نشرح) وهكذا إلى آخر (الفلق) و (الناس). ويجوز بين (الليل) و (الضحى) خمسة أوجه بإسقاط الوجهين اللذين لآخر السورة إذ لم يقل أحد إنه لآخر (الليل). وبين (الناس) و (الفاتحة) خمسة أوجه أيضا بإسقاط الوجهين اللذين لأوّل السورة إذ لم يقل أحد إنه لأوّل الفاتحة. وإلى ذلك كله أشار خاتمة المحققين وعمدة
المدققين شيخنا المتولّي مرتبا للأوجه فقال:
من بعد حمد الله والصلاة ... على النبيّ شافع العصاة
فهاك أوجها لتكبير أتى ... لابن كثير هم بحرز يا فتى
وهو عن البزّي بلا خلاف ... وهو لقنبل على الخلاف
وبعض التهليل زاد عن كلا ... قبل وللبزّيّ بعض حمدلا
من بعده وبدؤه من والضّحى ... من أوّل أو آخر قد صحّحا
وحكمه عندهم السّنيّه ... وسبعة أوجه مرضيّه
قطع الجميع ثمّ وصل التسمية ... بأوّل السورة وهي الآتية
ووصل تكبير بها مع قطعها ... عن أوّل السورة ثمّ وصلها
وختم سورة بتكبير صل ... وقف عليه كالرحيم تعدل
وللرّحيم صل ببدء السورة ... وصل لكلّ ذا تمام السبعة
لكنّ ختم الليل لا تصله بال ... تّكبير واقفا به كما نقل
كذاك ختم الناس لا تقطعه مع ... وصلك تكبيرا ببسم تتّبع
يبقى بكلّ خمسة صحيحة ... يعرفها مستكمل القريحة
ومثله التهليل قل والحمدلة ... وأوّل الضّحى فلا تحميد له
وعند إسكان ولي دين فلا ... يأتي سوى التكبير للبزّي انقلا
والفتح مع كلّ الوجوه آتي ... وحمد ربّنا مع الصلاة
على النبيّ المصطفى والآل ... وصحبه خاتمة المقال
وأما الوجه الثامن الممنوع فهو وصل التكبير بآخر السورة وبالبسملة مع الوقف عليها لأن البسملة لأوّل السورة إجماعا لا لآخرها، فلا يجوز أن تفصل عنها وتتصل بآخر السورة، وهذه الأوجه الثمانية تعلم من قول الشاطبي:
فإن شئت فاقطع دونه أو عليه أو ... صل الكلّ دون القطع معه مبسملا
وذلك أن قوله: «فإن شئت فاقطع دونه» أي التكبير شامل لأربعة أوجه:
وجهي أوّل السورة، ووجهين من الثلاثة المحتملة، وهما الأخيران، وقوله: «أو عليه» أي التكبير شامل لوجهي آخر السورة، وقوله: «أو صل الكلّ» شامل للوجه الثالث من الثلاثة المحتملة، وقوله: «دون القطع معه مبسملا» شامل للوجه الثامن الممنوع.(1/233)
وجهي أوّل السورة، ووجهين من الثلاثة المحتملة، وهما الأخيران، وقوله: «أو عليه» أي التكبير شامل لوجهي آخر السورة، وقوله: «أو صل الكلّ» شامل للوجه الثالث من الثلاثة المحتملة، وقوله: «دون القطع معه مبسملا» شامل للوجه الثامن الممنوع.
تنبيهات:
الأول
: قال المحقق: ليس الاختلاف في هذه الأوجه السبعة اختلاف رواية يلزم الإتيان بها كلها بين كل سورتين، وإن لم يفعل ذلك كان إخلالا بالرواية، بل هو اختلاف تخيير، نعم الإتيان بوجه مما يختص بكونه لآخر السورة، أو بوجه مما يختص بكونه لأوّلها، أو بوجه من الثلاثة المحتملة متعين إذ الاختلاف في ذلك اختلاف رواية فلا بد من الإتيان به إذا قصد جمع تلك الطرق، وقد كان الحاذقون من شيوخنا يأمروننا بأن نأتي بين كل سورتين بوجه من السبعة لأجل حصول التلاوة بجميعها، وهو حسن ولا يلزم الإتيان بها كلها، بل التلاوة بوجه منها إذا حصلت معرفتها من الأستاذ كاف.
التنبيه الثاني
: من قال بالجمع بين التهليل والتكبير والتحميد فلا بدّ أن يكون بهذا اللفظ وعلى هذا الترتيب: «لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد»، لا يفصل بعضه من بعض، مع تقديم ذلك على البسملة، كذلك وردت الرواية، وثبت الأداء، ولا يصح ولا يجوز التحميد مع التكبير إلا أن يكون التهليل معه، ويجوز التهليل مع التكبير من غير تحميد.
التنبيه الثالث
: إذا قرأت بالتكبير وحده، أو مع غيره من تهليل، أو تهليل وتحميد، وأردت قطع القراءة على آخر السورة من سور التكبير، فعلى مذهب من جعل التكبير لآخر السورة كبّرت وقطعت القراءة، فإن أردت الابتداء بالسورة بسملت من غير تكبير، وعلى مذهب من جعله لأوّل السورة قطعت على آخر السورة من غير تكبير، فإذا ابتدأت بالسورة كبّرت قبل التسمية، ولهذا كان من يكبّرون في صلاة التراويح يكبّرون آخر كل سورة، ثم يكبّرون للركوع، ومنهم من كان إذا قرأ الفاتحة وأراد الشروع في السورة كبّر إجراء على هذا. والله أعلم اه.
تتمة مهذبة في رواية التكبير في أوّل كل سورة لجميع القراء من طريق الطيبة
قال ابن غازي في شرحه على الجزرية: وأما التكبير المرويّ عن جميع القرّاء في أوائل جميع سور القرآن فهو ما ذكره الحافظ أبو العلاء الهمداني والهذلي عن أبي الفضل الخزاعي، قال الهذلي: وعند الدينوري كذلك يكبّر في أوّل كل سورة لا تختص بالضحى ولا غيرها لجميع القرّاء، وذكر مثل ذلك أيضا صاحب الإتحاف وقال: وإليه أشار في طيبة النشر بقوله: وروي:
عن كلّهم أوّل كلّ يستوي
قال ابن الجزري: والدينوري هذا هو أبو علي الحسين بن محمد بن حبش الدينوري، إمام متقن ضابط، قال عنه الداني: متقدم في علم القراءات، مشهور بالإتقان، ثقة، مأمون. اه.(1/234)
عن كلّهم أوّل كلّ يستوي
قال ابن الجزري: والدينوري هذا هو أبو علي الحسين بن محمد بن حبش الدينوري، إمام متقن ضابط، قال عنه الداني: متقدم في علم القراءات، مشهور بالإتقان، ثقة، مأمون. اه.
والحاصل أن الآخذين بالتكبير لجميع القراء منهم من أخذ به من خاتمة (الضحى)، وقد تقدّم، ومنهم من أخذ به في جميع سور القرآن. وصيغة التكبير المشهور عنهم «الله أكبر» اه.
فإذا أراد القارئ أن يبتدئ بأي سورة كانت: يجيء لكل القرّاء اثنا عشر وجها:
الأول: قطع الكلّ بلا تكبير، والثاني: كذلك لكن مع وصل البسملة بأوّل السورة، والثالث: قطع الكل مع التكبير، والرابع: كذلك مع وصل البسملة بأوّل السورة، والخامس: الوقف على الاستعاذة مع وصل التكبير بالبسملة مع الوقف عليها، والسادس:
كذلك لكن مع وصل البسملة بأوّل السورة، والسابع: وصل الاستعاذة بالبسملة مع الوقف عليها بلا تكبير، والثامن: وصل الكل بلا تكبير، والتاسع: وصل الاستعاذة بالتكبير مع الوقف عليه وعلى البسملة، والعاشر: كذلك لكن مع وصل البسملة بأوّل السورة، والحادي عشر: وصل الاستعاذة بالتكبير مع وصله بالبسملة مع الوقف عليها، والثاني عشر: وصل الكل مع التكبير.
وإذا أراد وصل السورة بالسورة ففيه لجميع القرّاء على وجه البسملة ثمانية أوجه:
الأول: قطع الكل بلا تكبير، والثاني: كذلك لكن مع وصل البسملة بأول السورة، والثالث: قطع الكل مع التكبير، والرابع: كذلك لكن مع وصل البسملة بأوّل السورة، والخامس: القطع على آخر السورة مع وصل التكبير بالبسملة مع الوقف عليها، والسادس: كذلك لكن مع وصل البسملة بأول السورة، والسابع: وصل الكل بلا تكبير، والثامن: وصل الكل مع التكبير، وهذه كلها من طريق الهذلي وأبي العلاء الهمداني [اه.
من أسنى المطالب للأزميري].
الفصل الثاني في بيان أحوال السلف بعد ختم القرآن
اعلم أن الخاتمين لكتاب الله على ثلاثة أحوال:
فمنهم من كان إذا ختم أمسك عن الدعاء، وأقبل على الاستغفار مع الخجل والحياء، وهذا حال من غلب عليه الخوف من الله تعالى، وشهود التقصير في العمل،
ولم يأمنوا من الآفات، وخشوا مناقشة الحساب، فأقبلوا على الاستغفار، وقنعوا أن يخرجوا من الدنيا لا لهم ولا عليهم.(1/235)
فمنهم من كان إذا ختم أمسك عن الدعاء، وأقبل على الاستغفار مع الخجل والحياء، وهذا حال من غلب عليه الخوف من الله تعالى، وشهود التقصير في العمل،
ولم يأمنوا من الآفات، وخشوا مناقشة الحساب، فأقبلوا على الاستغفار، وقنعوا أن يخرجوا من الدنيا لا لهم ولا عليهم.
ومنهم قوم كانوا إذا ختموا دعوا، وهو مرويّ عن ابن مسعود وأنس بن مالك وغيرهما، وهؤلاء قوم غلب عليهم شهود الربوبية لله تعالى، وشهدوا من أنفسهم العبودية له تعالى، ووجدوا من أنفسهم الفقر والفاقة إلى ربهم، وعاينوا منه سعة الرحمة وعموم الفضل للمحسن والمسيء، وإسباغ النعم على المقبل والمدبر، فأطمعهم ذلك وقوّى رجاءهم في الله، وعلموا أن القرآن الكريم شافع ومشفع فلم يهلهم أمر ذنوبهم وإن عظمت، فمدّوا إلى الله يد المسألة، وتضرعوا إليه، وابتهلوا، وعلموا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، مع ملاحظة قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: الآية 60] فكان دعاؤهم عبودية لله تعالى.
ومنهم قوم كانوا يصلون الخاتمة بالفاتحة عودا على بدء من غير فصل بينهما لا بدعاء، ولا غيره لوجهين: أحدهما: ما رواه الترمذي من حديث أبي سعيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: «من شغله القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه»، ثانيهما: ما في ذلك من التحقق بمعنى الحلول والارتحال الوارد في الحديث المرويّ من طريق عبد الله بن كثير عن درباس مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس عن أبيّ بن كعب رضي الله عنهم عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «أنه كان إذا قرأ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النََّاسِ} (1) [النّاس: الآية 1] افتتح من {الْحَمْدُ لِلََّهِ} [الفاتحة: الآية 2] ثم قرأ من البقرة إلى {وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: الآية 5] ثم دعا بدعاء الختم، ثم قام». قال الحافظ ابن الجزري في نشره: وصار العمل على هذا في سائر أمصار المسلمين في قراءة ابن كثير وغيرها، ويسمونه الحالّ المرتحل أي الذي حلّ في قراءة آخر الختمة، فارتحل إلى ختمة أخرى، فلا يزال سائرا إلى الله تعالى، وعكس بعضهم، فقال: الحالّ المرتحل الذي يحلّ في ختمة عند فراغه من ختمة أخرى، والأول أظهر. والقصد بهذا الحث على كثرة التلاوة، وأنه مهما فرغ من ختمة شرع في ختمة أخرى من غير تراخ كما كان الصالحون، فكانوا لا يفترون عن تلاوته ليلا ونهارا، حضرا وسفرا، صحة وسقما، ولهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه فكان بعضهم يختم في شهرين، وبعضهم في شهر، وبعضهم في عشرة أيام، وبعضهم في ثمانية، وبعضهم في سبعة، وهم الأكثرون، وبعضهم في ستة، وبعضهم في خمسة، وبعضهم في أربعة، وبعضهم في ثلاثة، وبعضهم في اثنين، وبعضهم في يوم وليلة ومنهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتميم الداري،
وسعيد بن جبير، ومجاهد والشافعي، وبعضهم في كل يوم وليلة ختمتين وهكذا كان يفعل البخاري في رمضان فكان يصلّي بأصحابه كل ليلة إلى أن يختم، ويقرأ في النهار ختمة يختمها عند الإفطار، ومنهم من كان يختم ثلاثا، ومنهم من كان يختم أربعا بالليل، وأربعا بالنهار، وهذا ممن خرقت لهم العادة، وبعضهم أكرمه الله بأكثر من هذا.(1/236)
ومنهم قوم كانوا يصلون الخاتمة بالفاتحة عودا على بدء من غير فصل بينهما لا بدعاء، ولا غيره لوجهين: أحدهما: ما رواه الترمذي من حديث أبي سعيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: «من شغله القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه»، ثانيهما: ما في ذلك من التحقق بمعنى الحلول والارتحال الوارد في الحديث المرويّ من طريق عبد الله بن كثير عن درباس مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس عن أبيّ بن كعب رضي الله عنهم عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «أنه كان إذا قرأ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النََّاسِ} (1) [النّاس: الآية 1] افتتح من {الْحَمْدُ لِلََّهِ} [الفاتحة: الآية 2] ثم قرأ من البقرة إلى {وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: الآية 5] ثم دعا بدعاء الختم، ثم قام». قال الحافظ ابن الجزري في نشره: وصار العمل على هذا في سائر أمصار المسلمين في قراءة ابن كثير وغيرها، ويسمونه الحالّ المرتحل أي الذي حلّ في قراءة آخر الختمة، فارتحل إلى ختمة أخرى، فلا يزال سائرا إلى الله تعالى، وعكس بعضهم، فقال: الحالّ المرتحل الذي يحلّ في ختمة عند فراغه من ختمة أخرى، والأول أظهر. والقصد بهذا الحث على كثرة التلاوة، وأنه مهما فرغ من ختمة شرع في ختمة أخرى من غير تراخ كما كان الصالحون، فكانوا لا يفترون عن تلاوته ليلا ونهارا، حضرا وسفرا، صحة وسقما، ولهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه فكان بعضهم يختم في شهرين، وبعضهم في شهر، وبعضهم في عشرة أيام، وبعضهم في ثمانية، وبعضهم في سبعة، وهم الأكثرون، وبعضهم في ستة، وبعضهم في خمسة، وبعضهم في أربعة، وبعضهم في ثلاثة، وبعضهم في اثنين، وبعضهم في يوم وليلة ومنهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتميم الداري،
وسعيد بن جبير، ومجاهد والشافعي، وبعضهم في كل يوم وليلة ختمتين وهكذا كان يفعل البخاري في رمضان فكان يصلّي بأصحابه كل ليلة إلى أن يختم، ويقرأ في النهار ختمة يختمها عند الإفطار، ومنهم من كان يختم ثلاثا، ومنهم من كان يختم أربعا بالليل، وأربعا بالنهار، وهذا ممن خرقت لهم العادة، وبعضهم أكرمه الله بأكثر من هذا.
الفصل الثالث في بيان الأدعية الواردة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح بعد ختم القرآن
اعلم أن الدعاء يتأكد عند ختم القرآن لأنه من مواضع الإجابة فقد ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن أو قال من جمع القرآن كانت له عند الله دعوة مستجابة إن شاء عجّلها له في الدنيا، وإن شاء ادّخرها له في الآخرة» رواه الطبراني. وعن أنس رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال:
«مع كل ختمة دعوة مستجابة» وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ للقارئ عند ختم القرآن دعوة مستجابة» وعند أيضا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «إنّ للقارئ عند ختم القرآن دعوة مستجابة وشجرة في الجنة»، وروى الدارمي في مسنده عن حميد الأعرج، قال: من قرأ القرآن ثم دعا أمّن على دعائه أربعة آلاف ملك. وعن حبيب بن أبي عمرة: إذا ختم الرجل القرآن قبّل الملك بين عينيه. وعن مجاهد: تنزل الرحمة عند ختم القرآن.
وأفضل الدعاء ما نقل عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم مع الإتيان بآدابه التي منها: الإخلاص لوجه الله تعالى، وتقديم عمل صالح كصدقة، وتجنب الحرام أكلا وشربا، والوضوء، واستقبال القبلة، ورفع اليدين مكشوفتين، والجثوّ على الركبتين، والمبالغة في الخشوع لله تعالى، والخضوع بين يديه، وحسن التأدّب مع الله تعالى، وعدم تكلّف السجع فيه، والثناء على الله تعالى أولا وآخرا، والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلم قبل الدعاء وبعد لما روي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: كل دعاء محجوب حتى يصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وسلم وعلى آله، ولما روي عن عمر أنه قال: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى يصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وسلم (واختم بها) فإنّ الله سبحانه وتعالى بكرمه يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أن يدع ما بينهما». وحضور القلب لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يجيب دعاء من قلب غافل لاه». رواه الترمذي وقال: مستقيم الإسناد. ويتأكد القيام عند الدعاء، وأن يجمع
أهله وعشيرته عند الختم للأحاديث المروية في ذلك، وأن يعمّ بدعائه جميع المسلمين وإخوانه الحاضرين والغائبين لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا دعا الغائب لغائب قال له الملك: ولك مثل ذلك» رواه غندر عن أبي هريرة، وورد «من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة» رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت، والاستغفار دعاء. وأن يدعو لولاة المؤمنين بإصلاح شأنهم. ومن السنة أن لا يخص نفسه بدعاء لحديث «لا يؤمّن الرجل قوما فيخصّ نفسه بدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم» أخرجه أبو داود عن ثوبان، وفي رواية للترمذي: «لا يحلّ لرجل أن ينظر في بيت رجل بغير إذنه، ولا يحل لرجل أن يؤمّ قوما فيخصّ نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم»، وأن يمسح وجهه بيديه بعد الفراغ منه لما روي عن ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا سألتم الله تعالى فاسألوه ببطون أكفّكم، ولا تسألوه بظهورها، وامسحوا بها وجوهكم» [اه. ابن غازي نقلا عن النشر].(1/237)
وأفضل الدعاء ما نقل عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم مع الإتيان بآدابه التي منها: الإخلاص لوجه الله تعالى، وتقديم عمل صالح كصدقة، وتجنب الحرام أكلا وشربا، والوضوء، واستقبال القبلة، ورفع اليدين مكشوفتين، والجثوّ على الركبتين، والمبالغة في الخشوع لله تعالى، والخضوع بين يديه، وحسن التأدّب مع الله تعالى، وعدم تكلّف السجع فيه، والثناء على الله تعالى أولا وآخرا، والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلم قبل الدعاء وبعد لما روي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: كل دعاء محجوب حتى يصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وسلم وعلى آله، ولما روي عن عمر أنه قال: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى يصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وسلم (واختم بها) فإنّ الله سبحانه وتعالى بكرمه يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أن يدع ما بينهما». وحضور القلب لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يجيب دعاء من قلب غافل لاه». رواه الترمذي وقال: مستقيم الإسناد. ويتأكد القيام عند الدعاء، وأن يجمع
أهله وعشيرته عند الختم للأحاديث المروية في ذلك، وأن يعمّ بدعائه جميع المسلمين وإخوانه الحاضرين والغائبين لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا دعا الغائب لغائب قال له الملك: ولك مثل ذلك» رواه غندر عن أبي هريرة، وورد «من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة» رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت، والاستغفار دعاء. وأن يدعو لولاة المؤمنين بإصلاح شأنهم. ومن السنة أن لا يخص نفسه بدعاء لحديث «لا يؤمّن الرجل قوما فيخصّ نفسه بدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم» أخرجه أبو داود عن ثوبان، وفي رواية للترمذي: «لا يحلّ لرجل أن ينظر في بيت رجل بغير إذنه، ولا يحل لرجل أن يؤمّ قوما فيخصّ نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم»، وأن يمسح وجهه بيديه بعد الفراغ منه لما روي عن ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا سألتم الله تعالى فاسألوه ببطون أكفّكم، ولا تسألوه بظهورها، وامسحوا بها وجوهكم» [اه. ابن غازي نقلا عن النشر].
إن من الأدعية المروية عنه صلّى الله عليه وسلم الجامعة لخيري الدنيا والآخرة:
اللهم إنّا عبيدك وأبناء عبيدك وأبناء إمائك، ناصيتنا بيدك، ماض فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا وشفاء صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، وسائقنا وقائدنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم ودارك دار السلام، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصّدّيقين والشهداء والصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين»، قال ابن الجزري في التمهيد نقلا عن السخاوي: «إن أبا القاسم الشاطبي كان يدعو الله بهذا الدعاء عند ختم القرآن»، قال السخاوي: وأنا أزيد عليه «اللهم اجعله لنا شفاء وهدى وإماما ورحمة، وارزقنا تلاوته على النحو الذي يرضيك عنا، ولا تجعل لنا ذنبا إلا غفرته، ولا همّا إلا فرّجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا عدوّا إلا كفيته ولا غائبا إلا رددته، ولا عاصيا إلا عصمته، ولا فاسدا إلا أصلحته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا عيبا إلا سترته، ولا عسيرا إلا يسّرته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضا ولنا فيها صلاح، إلا أعنتنا على قضائها في يسر منك وعافية، يا أرحم الراحمين». وزاد على ذلك ابن الجزري فقال: «اللهمّ انصر جيوش المسلمين نصرا عزيزا، وافتح لهم فتحا مبينا، اللهم انفعنا بما علّمتنا، وعلّمنا ما ينفعنا، وزدنا علما تنفعنا به، اللهم افتح لنا بخير، واجعل عواقب أمورنا إلى خير، اللهم إنّا نعوذ بك من فواتح الشرّ وخواتمه، وأوّله وآخره، وظاهره وباطنه، اللهمّ لا تجعل بيننا وبينك في رزقنا أحدا سواك، واجعلنا أغنى
خلقك بك، وأفقر عبادك إليك، وهب لنا غنى لا يطغينا، وصحة لا تلهينا، وأغننا عمّن أغنيته عنّا، واجعل آخر كلامنا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتوفّنا وأنت راض عنا غير غضبان، واجعلنا في موقف القيامة من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون برحمتك يا أرحم الراحمين.(1/238)
اللهم إنّا عبيدك وأبناء عبيدك وأبناء إمائك، ناصيتنا بيدك، ماض فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا وشفاء صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، وسائقنا وقائدنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم ودارك دار السلام، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصّدّيقين والشهداء والصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين»، قال ابن الجزري في التمهيد نقلا عن السخاوي: «إن أبا القاسم الشاطبي كان يدعو الله بهذا الدعاء عند ختم القرآن»، قال السخاوي: وأنا أزيد عليه «اللهم اجعله لنا شفاء وهدى وإماما ورحمة، وارزقنا تلاوته على النحو الذي يرضيك عنا، ولا تجعل لنا ذنبا إلا غفرته، ولا همّا إلا فرّجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا عدوّا إلا كفيته ولا غائبا إلا رددته، ولا عاصيا إلا عصمته، ولا فاسدا إلا أصلحته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا عيبا إلا سترته، ولا عسيرا إلا يسّرته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضا ولنا فيها صلاح، إلا أعنتنا على قضائها في يسر منك وعافية، يا أرحم الراحمين». وزاد على ذلك ابن الجزري فقال: «اللهمّ انصر جيوش المسلمين نصرا عزيزا، وافتح لهم فتحا مبينا، اللهم انفعنا بما علّمتنا، وعلّمنا ما ينفعنا، وزدنا علما تنفعنا به، اللهم افتح لنا بخير، واجعل عواقب أمورنا إلى خير، اللهم إنّا نعوذ بك من فواتح الشرّ وخواتمه، وأوّله وآخره، وظاهره وباطنه، اللهمّ لا تجعل بيننا وبينك في رزقنا أحدا سواك، واجعلنا أغنى
خلقك بك، وأفقر عبادك إليك، وهب لنا غنى لا يطغينا، وصحة لا تلهينا، وأغننا عمّن أغنيته عنّا، واجعل آخر كلامنا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتوفّنا وأنت راض عنا غير غضبان، واجعلنا في موقف القيامة من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون برحمتك يا أرحم الراحمين.
ومنها: «اللهمّ إنك أنزلته شفاء لأوليائك، وشقاء على أعدائك، وغمّا على أهل معصيتك فاجعله لنا دليلا على عبادتك، وعونا على طاعتك، واجعله لنا حصنا حصينا من أعدائك، وحرزا مانعا من سخطك، ونورا يوم لقائك نستضيء به في خلقك، ونجوز به على صراطك، ونهتدي به إلى جنتك، اللهم انفعنا بما صرّفت فيه من الآيات، وذكّرنا بما ضربت فيه من المثلات، وكفّر بتلاوته عنا السيئات، إنك مجيب الدعوات. اللهم اجعله أنيسنا في الوحشة، ومصاحبنا في الوحدة، ومصباحنا في الظّلمة، ودليلنا في الحيرة، ومنقذنا من الفتنة، واعصمنا به من الزّيغ والأهواء، وكيد الظالمين ومضلّات الفتن. اللهمّ إنك عفوّ تحبّ العفو فاعف عنّا واهدنا وعافنا، وارزقنا، وتوفّنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، يا أرحم الراحمين، وصلّى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين وآله الطيبين الطاهرين، وسلّم عليه في العالمين، آمين».
قال ابن الجزري: ورأينا بعض الشيوخ يبتدعون الدعاء عقب الختم بقولهم: صدق الله العظيم، وبلّغ رسوله النبيّ الكريم، وهذا تنزيل من رب العالمين، ربّنا آمنّا بما أنزلت واتّبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين.
وبعضهم كان يقول قبل تلاوته: اللهم عظّم رغبتي فيه، واجعله نورا لبصري، وشفاء لصدري، وذهابا لهمّي وحزني، اللهمّ زيّن به لساني، وجمّل به وجهي، وقوّ به جسدي، وثقّل به ميزاني، وارزقني حقّ تلاوته، وقوّني على طاعتك آناء الليل وأطراف النهار، واحشرني مع النبيّ صلّى الله عليه وسلم وآله الأخيار.
واختلف في إهداء ثواب الختمة ونحوها للنبيّ صلّى الله عليه وسلم فقيل بمنعه لعدم الإذن فيه بخلاف الصلاة عليه، وسؤال الوسيلة له صلّى الله عليه وسلم لأنه تحصيل الحاصل لأن له صلّى الله عليه وسلم مثل أجر من تبعه، وأجازه الشيخ أبو بكر الموصلي، وقال: هو مستحب. وتبعه كثير. وهذا هو الراجح عندنا معشر الشافعية. قال العلّامة ابن حجر في باب الإجارة من شرحه للمنهاج: «إنّ القول الأول وهم» وأطال في الاستدلال لأرجحية الثاني، وحكى الغزالي عن علي بن الموفق أنه حجّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حججا، ذكر القضاعي أنها ستون حجة.
وذكر محمد بن إسحاق أنه ختم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أكثر من ثلاثة عشر ألف ختمة،
وضحّى عنه مثل ذلك. واستحب بعضهم أن يختم الدعاء بقوله تعالى: {سُبْحََانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمََّا يَصِفُونَ (180) وَسَلََامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (182) [الصافات:(1/239)
وذكر محمد بن إسحاق أنه ختم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أكثر من ثلاثة عشر ألف ختمة،
وضحّى عنه مثل ذلك. واستحب بعضهم أن يختم الدعاء بقوله تعالى: {سُبْحََانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمََّا يَصِفُونَ (180) وَسَلََامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (182) [الصافات:
الآيات 182180] وصلّى الله على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبيّ الأمّيّ وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين إلى يوم الدين آمين.
التتمة في بيان آداب قارئ القرآن، وقراءته، وحمله وكتابته
. اعلم أن طلب حفظ القرآن العزيز والاجتهاد في تحرير النطق بلفظه، والبحث عن مخارج حروفه ومعاني صفاتها، والرغبة في تحسين الصوت به ونحو ذلك وإن كان مطلوبا حسنا لكن فوقه ما هو أهمّ منه وأولى وأتمّ وهو فهم معانيه، والتفكّر فيه، والعمل بمقتضاه، والوقوف عند حدوده، والتأدّب بآدابه، وقد روي في فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة في قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنََاهُمُ الْكِتََابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلََاوَتِهِ} [البقرة: الآية 121] الآية، قال: يتبعونه حقّ اتّباعه. وقال الغزالي: تلاوة القرآن حقّ تلاوته أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب فحظّ اللسان:
تصحيح الحروف، وحظّ العقل: تفسير المعاني، وحظّ القلب: الاتعاظ والتأثر والانزجار والائتمار فاللسان يرتّل، والعقل ينزجر، والقلب يتّعظ، اه. وفي الجامع الكبير للسيوطي رحمه الله من حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم صلّى بالناس فقرأ عليهم سورة فأغفل منها آية فسألهم: «هل تركت منها شيئا»؟ فسكتوا. فقال: ما بال أقوام يقرأ عليهم كتاب الله لا يدرون ما قرئ عليهم فيه ولا ما ترك!! هكذا كانت بنو إسرائيل: خرجت خشية الله من قلوبهم، فغابت قلوبهم وشهدت أبدانهم، ألا وإن الله عزّ وجلّ لا يقبل من أحد عملا حتى يشهد بقلبه ما شهد ببدنه» [اه. إتحاف].
وفي الدر النظيم: «يجب على القارئ أن يخلص في قراءته، وأن يريد بها وجه الله تعالى، وأن لا يقصد بها توصلا إلى شيء سوى ذلك».
وقال في الإتقان: ويكره اتخاذ القرآن معيشة لما رواه عمران بن حصين مرفوعا:
«من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيأتي قوم يقرءون القرآن يسألون به الناس». وأن يستحضر في ذهنه أنه يناجي ربّه ويتلو كتابه فيقرأ على حالة من يرى الله تعالى فإن لم يكن يراه فإنّ الله سبحانه وتعالى يراه، ثم إذا أراد القراءة نظّف فاه بالخلال ثم بالسواك لقوله صلّى الله عليه وسلم: «إن أفواهكم طرق القرآن فطيّبوها بالسواك» ويقول عند الاستياك: «اللهمّ بارك
لي فيه يا أرحم الرّاحمين» ويمرّ السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمرارا لطيفا. أمّا متنجّس الفم: فتكره له القراءة، وقيل: تحرم كمسّ المصحف باليد النجسة. ويسنّ أن يكون متطهرا متطيّبا بماء ورد ونحوه لأنه أفضل الأذكار. وإذا عرض له خروج ريح فليمسك عن القراءة حتى يتكمل خروجها ثم يعود إلى قراءته، رواه أبو داود عن عطاء بن أبي رباح. قال النووي: وهو أدب حسن، وكذلك إذا تثاءب أمسك عنها أيضا حتى ينقضي التثاؤب لأنه إذا قرأ فهو مخاطب لربه ومناج له، والتثاؤب من الشيطان. قال مجاهد: «إذا تثاءبت وأنت تقرأ فأمسك عن القراءة تعظيما وإجلالا للقرآن». وأن يقرأ في مكان نظيف، وأفضله المسجد، وكره قوم القراءة في الحمّام والطريق. قال النووي: ومذهبنا: لا تكره فيهما». وفي الإتقان: «وأن لا يقرأ في الأسواق ولا في مواطن اللّغط واللغو ومجمع السفهاء ألا ترى أن الله تعالى ذكر عباد الرحمن وأثنى عليهم بأنهم إذا مرّوا باللغو مرّوا كراما، هذا المرور بنفسه، فكيف إذا مرّ بالقرآن الكريم تلاوة بين ظهراني أهل اللغو السفهاء!». وأن يجتنب الضحك والحديث الأجنبي خلال القراءة إلا لحاجة. قال الحليمي: لأن كلام الله لا ينبغي أن يؤثر عليه كلام غيره. وأيّده البيهقي بما في الصحيح: «كان ابن عمر رضي الله عنه إذا قرأ القرآن لا يتكلم حتى يفرغ منها أي من القراءة».(1/240)
«من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيأتي قوم يقرءون القرآن يسألون به الناس». وأن يستحضر في ذهنه أنه يناجي ربّه ويتلو كتابه فيقرأ على حالة من يرى الله تعالى فإن لم يكن يراه فإنّ الله سبحانه وتعالى يراه، ثم إذا أراد القراءة نظّف فاه بالخلال ثم بالسواك لقوله صلّى الله عليه وسلم: «إن أفواهكم طرق القرآن فطيّبوها بالسواك» ويقول عند الاستياك: «اللهمّ بارك
لي فيه يا أرحم الرّاحمين» ويمرّ السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمرارا لطيفا. أمّا متنجّس الفم: فتكره له القراءة، وقيل: تحرم كمسّ المصحف باليد النجسة. ويسنّ أن يكون متطهرا متطيّبا بماء ورد ونحوه لأنه أفضل الأذكار. وإذا عرض له خروج ريح فليمسك عن القراءة حتى يتكمل خروجها ثم يعود إلى قراءته، رواه أبو داود عن عطاء بن أبي رباح. قال النووي: وهو أدب حسن، وكذلك إذا تثاءب أمسك عنها أيضا حتى ينقضي التثاؤب لأنه إذا قرأ فهو مخاطب لربه ومناج له، والتثاؤب من الشيطان. قال مجاهد: «إذا تثاءبت وأنت تقرأ فأمسك عن القراءة تعظيما وإجلالا للقرآن». وأن يقرأ في مكان نظيف، وأفضله المسجد، وكره قوم القراءة في الحمّام والطريق. قال النووي: ومذهبنا: لا تكره فيهما». وفي الإتقان: «وأن لا يقرأ في الأسواق ولا في مواطن اللّغط واللغو ومجمع السفهاء ألا ترى أن الله تعالى ذكر عباد الرحمن وأثنى عليهم بأنهم إذا مرّوا باللغو مرّوا كراما، هذا المرور بنفسه، فكيف إذا مرّ بالقرآن الكريم تلاوة بين ظهراني أهل اللغو السفهاء!». وأن يجتنب الضحك والحديث الأجنبي خلال القراءة إلا لحاجة. قال الحليمي: لأن كلام الله لا ينبغي أن يؤثر عليه كلام غيره. وأيّده البيهقي بما في الصحيح: «كان ابن عمر رضي الله عنه إذا قرأ القرآن لا يتكلم حتى يفرغ منها أي من القراءة».
ويسنّ أن يلبس ثياب التجمّل كما يلبسها للدخول على الأمير لأنه يناجي ربه، وأن يجلس عند القراءة مستقبل القبلة، وأن يكون جلوسه بسكينة ووقار، مطرقا رأسه، غير متربّع ولا جالس على هيئة التكبّر.
وأن يستعيذ الله من الشيطان الرجيم قبل القراءة لقوله تعالى: {فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ مِنَ الشَّيْطََانِ الرَّجِيمِ} (98) [النّحل: الآية 98] أي إذا أردت قراءته وهو الذي عليه الجمهور قديما وحديثا. وذهب قوم إلى أنه يتعوّذ بعدها لظاهر الآية، وقوم إلى وجوبها لظاهر الأمر. وصيغته المختارة عند عامة الفقهاء وجميع القرّاء «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». وأما الجهر بها: فقال الداني: لا أعلم خلافا بين أهل الأداء في الجهر بها عند افتتاح القراءة قال ابن القاصح: وهذا في استعاذة القارئ على المقرئ، أو بحضرة من يسمع قراءته، أما من قرأ خاليا أو في الصلاة: فالإخفاء أولى، ويكفيه تعوّذ واحد ما لم يقطع قراءته بكلام أو فصل طويل كالفصل بين الركعات أي بأن يكون بين القراءتين قدر ركعة بأركانها وسننها، وإلا فلا يطلب تعوّذ ثان. قال ابن الجزري: وهل هي سنّة عين أو سنّة كفاية؟ حتى لو قرأ جماعة جملة فهل تكفي استعاذة واحد منهم كالتسمية على الأكل؟ أم لا؟. لم أر فيه نصّا، والظاهر
الأوّل لأن المقصود اعتصام القارئ بالله والتجاؤه إليه من شر الشيطان فلا يكون تعوّذ واحد كافيا عن آخر. اه.(1/241)
وأن يستعيذ الله من الشيطان الرجيم قبل القراءة لقوله تعالى: {فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ مِنَ الشَّيْطََانِ الرَّجِيمِ} (98) [النّحل: الآية 98] أي إذا أردت قراءته وهو الذي عليه الجمهور قديما وحديثا. وذهب قوم إلى أنه يتعوّذ بعدها لظاهر الآية، وقوم إلى وجوبها لظاهر الأمر. وصيغته المختارة عند عامة الفقهاء وجميع القرّاء «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». وأما الجهر بها: فقال الداني: لا أعلم خلافا بين أهل الأداء في الجهر بها عند افتتاح القراءة قال ابن القاصح: وهذا في استعاذة القارئ على المقرئ، أو بحضرة من يسمع قراءته، أما من قرأ خاليا أو في الصلاة: فالإخفاء أولى، ويكفيه تعوّذ واحد ما لم يقطع قراءته بكلام أو فصل طويل كالفصل بين الركعات أي بأن يكون بين القراءتين قدر ركعة بأركانها وسننها، وإلا فلا يطلب تعوّذ ثان. قال ابن الجزري: وهل هي سنّة عين أو سنّة كفاية؟ حتى لو قرأ جماعة جملة فهل تكفي استعاذة واحد منهم كالتسمية على الأكل؟ أم لا؟. لم أر فيه نصّا، والظاهر
الأوّل لأن المقصود اعتصام القارئ بالله والتجاؤه إليه من شر الشيطان فلا يكون تعوّذ واحد كافيا عن آخر. اه.
وليحافظ على قراءة البسملة أوّل كلّ سورة غير براءة لأن أكثر العلماء على أنها آية من أوّل كل سورة، فإذا أخلّ بها كان تاركا لبعض الختمة عند الأكثرين، أما في الابتداء بما بعد أوائل السور ولو بكلمة فتجوز البسملة وعدمها لكلّ من القراء تخييرا، كذا أطلق الشاطبي كالداني في التيسير، وعلى اختيار البسملة جمهور العراقيين، وعلى اختيار عدمها جمهور المغاربة. ومنهم من خصّ الإتيان بالبسملة بمن فصل بها بين السورتين كقالون ومن معه، وخصّ تركها بمن لم يفصل بها كحمزة ومن معه، ويجوز على ترك البسملة ترك الوقف من التعوّذ ووصله بالقراءة إلا أن يكون أوّل القراءة اسم جلالة أو نحو {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السََّاعَةِ} [فصّلت: الآية 47] أو {هُوَ اللََّهُ الَّذِي لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ عََالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهََادَةِ} [الحشر: الآية 22] فالأولى الوقف لما في الوصل من البشاعة.
واختلف المتأخرون في أجزاء براءة [التوبة]: هل هي كغيرها من السور أم لا؟
اختار السخاويّ الجواز، وإلى المنع ذهب الجعبريّ، والصواب كما في النشر أن يقال: إن من ذهب إلى ترك البسملة في أواسط غير براءة لا إشكال عنده في تركها في وسط براءة، وكذلك لا إشكال في تركها فيها عند من ذهب إلى التفصيل إذ البسملة عندهم في وسط السورة تابعة لأوّلها، ولا تجوز البسملة في أوّلها عند الأكثر، فكذلك في وسطها. وأما من ذهب إلى البسملة في الأجزاء مطلقا: فإن اعتبر أصل العلّة التي من أجلها حذفت البسملة وهي نزولها بالسيف كالشاطبي ومن تبعه: لم يبسمل، وإن لم يعتبر بقاء أثرها ولم يرها علّة: بسمل بلا نظر.
قال ابن غازي: والسنّة أن يصل البسملة بالحمدلة، وأن يجهر بها حيث يشرع الجهر بالقراءة.
قال بعضهم: اعلم أن العلماء اختلفوا في الجهر والإسرار بالقرآن، ورووا في فضل كلّ منهما أحاديث كثيرة وآثارا مشهورة فمما يدل على استحباب الإسرار ما روي أنه صلّى الله عليه وسلم قال: «فضل قراءة السّرّ على قراءة العلانية كفضل صدقة السّرّ على صدقة العلانية» وفي لفظ آخر: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسرّ به كالمسر بالصدقة».
وفي الخبر العام: يفضّل عمل السرّ على عمل العلانية بسبعين ضعفا، وكذلك قوله صلّى الله عليه وسلم: «خير الرزق ما يكفي، وخير الذكر الخفى». وفي الخبر: «لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة بين المغرب والعشاء». ومما يدلّ على استحباب الجهر ما روي
أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سمع جماعة من أصحابه يجهرون في صلاة الليل، فصوّب ذلك. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم من الليل يصلّي فليجهر بالقراءة فإن الملائكة وعمّار الدار يسمعون قراءته ويصلّون بصلاته». ومرّ صلى الله عليه وسلم بثلاثة من أصحابه رضي الله عنهم مختلفي الأحوال فمرّ على أبي بكر رضي الله عنه وهو يخافت فسأله عن ذلك فقال: «إن الذي أناجيه هو يسمعني»، ومرّ على عمر رضي الله عنه وهو يجهر فسأله عن ذلك فقال: «أوقظ الوسنان وأزجر الشيطان وأرضي الرحمن»، ومرّ على بلال رضي الله عنه وهو يقرأ آيا من هذه السورة وآيا من هذه السورة، ويسرّ تارة ويجهر أخرى، فسأله عن ذلك فقال: أخلط الطيّب بالطيّب، وأنتقل من بستان، إلى بستان. فقال صلى الله عليه وسلم: «كلّكم قد أحسن وأصاب» فالوجه في الجمع بين هذه الأحاديث أن الإسرار أفضل حيث خاف الرياء أو تأذّى به مصلّون أو نيام، والجهر أفضل في غير ذلك لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدّى القارئ إلى السامعين، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همّه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم، ويزيد في النشاط. ويدلّ لهذا الجمع حديث أبي داود بسند صحيح عن أبي سعيد: «اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال: «ألا كلّكم مناج لربّه فلا يؤذينّ بعضكم بعضا ولا يرفعنّ بعضكم على بعض في القراءة» وقال بعضهم: يستحبّ الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها لأن المسرّ قد يملّ، فيأنس بالجهر، والجاهر قد يكلّ فيستريح بالإسرار. اه.(1/242)
وفي الخبر العام: يفضّل عمل السرّ على عمل العلانية بسبعين ضعفا، وكذلك قوله صلّى الله عليه وسلم: «خير الرزق ما يكفي، وخير الذكر الخفى». وفي الخبر: «لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة بين المغرب والعشاء». ومما يدلّ على استحباب الجهر ما روي
أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سمع جماعة من أصحابه يجهرون في صلاة الليل، فصوّب ذلك. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم من الليل يصلّي فليجهر بالقراءة فإن الملائكة وعمّار الدار يسمعون قراءته ويصلّون بصلاته». ومرّ صلى الله عليه وسلم بثلاثة من أصحابه رضي الله عنهم مختلفي الأحوال فمرّ على أبي بكر رضي الله عنه وهو يخافت فسأله عن ذلك فقال: «إن الذي أناجيه هو يسمعني»، ومرّ على عمر رضي الله عنه وهو يجهر فسأله عن ذلك فقال: «أوقظ الوسنان وأزجر الشيطان وأرضي الرحمن»، ومرّ على بلال رضي الله عنه وهو يقرأ آيا من هذه السورة وآيا من هذه السورة، ويسرّ تارة ويجهر أخرى، فسأله عن ذلك فقال: أخلط الطيّب بالطيّب، وأنتقل من بستان، إلى بستان. فقال صلى الله عليه وسلم: «كلّكم قد أحسن وأصاب» فالوجه في الجمع بين هذه الأحاديث أن الإسرار أفضل حيث خاف الرياء أو تأذّى به مصلّون أو نيام، والجهر أفضل في غير ذلك لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدّى القارئ إلى السامعين، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همّه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم، ويزيد في النشاط. ويدلّ لهذا الجمع حديث أبي داود بسند صحيح عن أبي سعيد: «اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال: «ألا كلّكم مناج لربّه فلا يؤذينّ بعضكم بعضا ولا يرفعنّ بعضكم على بعض في القراءة» وقال بعضهم: يستحبّ الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها لأن المسرّ قد يملّ، فيأنس بالجهر، والجاهر قد يكلّ فيستريح بالإسرار. اه.
ويسنّ أن يخلو بقراءته حتى لا يقطع عليه أحد بكلام فيخلطه بجوابه. وإذا مرّ بأحد وهو يقرأ فيستحبّ له أن يقطع القراءة ويسلّم ثم يرجع لقراءته، ولو أعاد التعوّذ كان حسنا، ويقطعها لردّ السلام وجوبا، وللحمد بعد العطاس، وللتشميت، ولإجابة المؤذن ندبا، وإذا ورد عليه من فيه فضيلة من علم أو صلاح أو شرف: فلا بأس بالقيام له على سبيل الإكرام لا للرياء. ويسنّ أن يقرأ على ترتيب المصحف قال في شرح المذهب:
لأن ترتيبه لحكمة فلا يتركها إلا فيما ورد به الشرع كصلاة صبح يوم الجمعة ب {الم (2) تَنْزِيلُ} [السجدة: الآيتان 1، 2] و {هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ} [الإنسان: الآية 1] ونظائره، فلو فرّق السّور أو عكسها جاز، وقد ترك الأفضل. وأن يلتقط الآيات من كل سورة فيقرأها فإنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مرّ ببلال رضي الله عنه وهو يقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة، «فقال: «يا بلال مررت بك وأنت تقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة؟» قال: أخلط الطيّب بالطيّب فقال: «اقرأ السورة على وجهها» أو قال: «على نحوها». وقال ابن عوف: سألت ابن سيرين عن الرجل يقرأ من السورة آيتين ثم يدعها ويأخذ في غيرها؟ قال: ليتّق أحدكم أن يأثم إثما كبيرا وهو لا يشعر.
وأن يقرأه بالترتيل لقوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمّل: الآية 4] قال ابن عباس رضي الله عنهما: لأن اقرأ البقرة وآل عمران أرتّلهما وأتدبرهما أحبّ إليّ من أن أقرأ القرآن كلّه هذرمة. وأن يقرأه بالتدبر والتفهّم لأنه المقصود الأعظم والمطلوب الأهمّ، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال تعالى: {كِتََابٌ أَنْزَلْنََاهُ إِلَيْكَ مُبََارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيََاتِهِ}
[ص: الآية 29] وقال: {أَفَلََا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النّساء: الآية 82]. وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتفكّر في معنى ما يلفظ به، فيعرف معنى كلّ آية ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان مما قصّر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مرّ بآية فيها اسم محمد صلّى الله عليه وسلم صلّى الله عليه سواء القارئ والمستمع، ويتأكد ذلك عند قوله: {إِنَّ اللََّهَ وَمَلََائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (56) [الأحزاب:(1/243)
لأن ترتيبه لحكمة فلا يتركها إلا فيما ورد به الشرع كصلاة صبح يوم الجمعة ب {الم (2) تَنْزِيلُ} [السجدة: الآيتان 1، 2] و {هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ} [الإنسان: الآية 1] ونظائره، فلو فرّق السّور أو عكسها جاز، وقد ترك الأفضل. وأن يلتقط الآيات من كل سورة فيقرأها فإنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مرّ ببلال رضي الله عنه وهو يقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة، «فقال: «يا بلال مررت بك وأنت تقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة؟» قال: أخلط الطيّب بالطيّب فقال: «اقرأ السورة على وجهها» أو قال: «على نحوها». وقال ابن عوف: سألت ابن سيرين عن الرجل يقرأ من السورة آيتين ثم يدعها ويأخذ في غيرها؟ قال: ليتّق أحدكم أن يأثم إثما كبيرا وهو لا يشعر.
وأن يقرأه بالترتيل لقوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمّل: الآية 4] قال ابن عباس رضي الله عنهما: لأن اقرأ البقرة وآل عمران أرتّلهما وأتدبرهما أحبّ إليّ من أن أقرأ القرآن كلّه هذرمة. وأن يقرأه بالتدبر والتفهّم لأنه المقصود الأعظم والمطلوب الأهمّ، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال تعالى: {كِتََابٌ أَنْزَلْنََاهُ إِلَيْكَ مُبََارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيََاتِهِ}
[ص: الآية 29] وقال: {أَفَلََا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النّساء: الآية 82]. وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتفكّر في معنى ما يلفظ به، فيعرف معنى كلّ آية ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان مما قصّر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مرّ بآية فيها اسم محمد صلّى الله عليه وسلم صلّى الله عليه سواء القارئ والمستمع، ويتأكد ذلك عند قوله: {إِنَّ اللََّهَ وَمَلََائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (56) [الأحزاب:
الآية 56]، وإذا مرّ بآية رحمة استبشر وسأل، أو عذاب أشفق وتعوّذ، أو تنزيه نزّه وعظّم، أو دعاء تضرّع وطلب. أخرج أبو داود والنسائي وغيرهما عن عوف بن مالك قال: «قمت مع النبيّ صلّى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمرّ بآية عذاب إلا وقف وتعوّذ». وروى أبو داود والترمذي حديث: «من قرأ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} (1)، فانتهى إلى آخرها فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.
ومن قرأ {لََا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيََامَةِ} (1) فانتهى إلى آخرها {أَلَيْسَ ذََلِكَ بِقََادِرٍ عَلى ََ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ََ}
(40) [القيامة: الآيات 401] فليقل: بلى. ومن قرأ {وَالْمُرْسَلََاتِ} فبلغ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} (50) [المرسلات: الآيات 501] فليقل: آمنّا بالله. قال النووي رحمه الله تعالى وفي: {فَبِأَيِّ آلََاءِ رَبِّكُمََا تُكَذِّبََانِ} (13) يقول: ولا بشيء من نعمك ربّنا نكذّب فلك الحمد» رواه الحاكم، وفي {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمََاءٍ مَعِينٍ} [الملك: الآية 30] يقول: «الله رب العالمين» وفي ختم «والضحى» وما بعدها التكبير، رواه البيهقي. وكان إبراهيم النخعي رحمه الله إذا قرأ {وَقََالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللََّهِ} [التوبة: الآية 30] خفض بها صوته.
وأن يكثر من البكاء عند القراءة لقوله صلّى الله عليه وسلم: «اتلوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا». وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «إذا قرأتم سجدة سبحان [الإسراء: 107] فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا، فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه» وإنما طريق تكلّف البكاء أن يحضر قلبه الحزن، فمن الحزن ينشأ البكاء. قال صلّى الله عليه وسلم: «إن القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا». ووجه إحضار الحزن أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد والمواثيق والعهود، ثم يتأمل في تقصيره في امتثال أوامره وزواجره، فيحزن لا محالة، ويبكي، فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر أرباب القلوب الصافية فليبك على فقد
الحزن والبكاء فإنّ ذلك من أعظم المصائب. وروي أن البكاء عند القراءة صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين.(1/244)
وأن يكثر من البكاء عند القراءة لقوله صلّى الله عليه وسلم: «اتلوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا». وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «إذا قرأتم سجدة سبحان [الإسراء: 107] فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا، فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه» وإنما طريق تكلّف البكاء أن يحضر قلبه الحزن، فمن الحزن ينشأ البكاء. قال صلّى الله عليه وسلم: «إن القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا». ووجه إحضار الحزن أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد والمواثيق والعهود، ثم يتأمل في تقصيره في امتثال أوامره وزواجره، فيحزن لا محالة، ويبكي، فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر أرباب القلوب الصافية فليبك على فقد
الحزن والبكاء فإنّ ذلك من أعظم المصائب. وروي أن البكاء عند القراءة صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين.
وأن يراعي حقّ الآيات، فإذا مر بآية سجدة من سجدات التلاوة سجد ندبا، خلافا للحنفية حيث قالوا بوجوبها، وهي في الجديد أربع عشرة سجدة: في الأعراف، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، واثنان في الحج، وفي الفرقان، والنمل، والم السجدة، وحم فصّلت، والنجم، والانشقاق، واقرأ باسم ربك.
وأما سجدة ص [الآية 24] فسجدة شكر، والصارف لها عن سجدات التلاوة إلى الشكر حديث النسائي: «سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرا». أي على قبول توبته، وزاد بعضهم: «آخر الحجر» نقله، ابن الغرس في أحكامه [اه. إتقان].
ويدعو في سجوده بما يليق بالآية التي قرأها مثل أن يقرأ قوله تعالى: {خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لََا يَسْتَكْبِرُونَ} [السّجدة: الآية 15] فيقول: اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك أو على أوليائك. وإذا قرأ قوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقََانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} (109) [الإسراء: الآية 109] فيقول: اللهم اجعلني من الباكين إليك الخاشعين لك. وكذلك في كل سجدة.
ويشترط في هذه السجدة شروط الصلاة من: ستر العورة، واستقبال القبلة، وطهارة الثوب والبدن والمكان، ومن لم يكن على طهارة عند السماع يسجد بعد أن يتطهر.
ويسنّ الاستماع والإنصات لقراءة القرآن، وترك اللغط والحديث الأجنبي بحضور القراءة قال تعالى: {وَإِذََا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) [الأعراف: الآية 204]، وورد أن الملائكة لم يعطوا فضيلة حفظ القرآن فهم حريصون على استماعه من الإنس والجن. ويستحب للقارئ إذا انتهت قراءته أن يصدّق الله ربّه، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلّى الله عليه وسلم، ويشهد على ذلك أنه حق، فيقول: «صدق الله العظيم، وبلّغ رسوله الكريم، ونحن على ذلك من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط» ثم يدعو بما أحبّ من الأدعية المتقدمة.
ثم اعلم أنه إذا أرتج على القارئ فلم يدر ما بعد الموضع الذي انتهى إليه فسأل عنه غيره، فينبغي له أن يتأدب لما جاء عن ابن مسعود والنخعي وبشير بن أبي مسعود قالوا: إذا سأل أحدكم أخاه عن آية، فيقرأ ما قبلها ثم يسكت، ولا يقول كيف كذا وكذا فإنه يلبس عليه. اه.
ويسنّ أن يتعاهد القرآن لما في الصحيحين: «تعاهدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشدّ تفلتا من الإبل في عقلها» وفي خزينة الأسرار: وأخرج البخاري ومسلم وأحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «تعاهدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أي القرآن أشد تفصّيا من قلوب الرجال من الإبل في عقلها» بضم العين والقاف جمع «عقال» ككتب جمع «كتاب» اه.(1/245)
ثم اعلم أنه إذا أرتج على القارئ فلم يدر ما بعد الموضع الذي انتهى إليه فسأل عنه غيره، فينبغي له أن يتأدب لما جاء عن ابن مسعود والنخعي وبشير بن أبي مسعود قالوا: إذا سأل أحدكم أخاه عن آية، فيقرأ ما قبلها ثم يسكت، ولا يقول كيف كذا وكذا فإنه يلبس عليه. اه.
ويسنّ أن يتعاهد القرآن لما في الصحيحين: «تعاهدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشدّ تفلتا من الإبل في عقلها» وفي خزينة الأسرار: وأخرج البخاري ومسلم وأحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «تعاهدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أي القرآن أشد تفصّيا من قلوب الرجال من الإبل في عقلها» بضم العين والقاف جمع «عقال» ككتب جمع «كتاب» اه.
وفي الصحيحين أيضا أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت منه» فنسيانه وكذا نسيان شيء منه كبيرة كما صرّح به النووي في الروضة وغيرها لحديث أبي داود وغيره:
«عرضت عليّ ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها».
وروي أنه صلّى الله عليه وسلم قال: «من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله تعالى يوم القيامة أجذم».
أخرجه أبو داود. وعن سعد بن عبادة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم»، والأجذم هنا قيل مقطوع اليد، وقيل:
مقطوع الحجّة، وقيل: هو الذي به جذام. نسأل الله السلامة والعافية بمنّه وكرمه.
وروى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «من خشي أن ينسى القرآن فليقل: اللهم نوّر بكتابك بصري، وأطلق به لساني، واشرح به صدري، واستعمل به جسدي بحولك وقوتك فإنه لا حول ولا قوة إلا بك» [اه. من الدر النظيم]. والسّنة أن يقول: «أنسيت كذا» لا «نسيته» إذ ليس هو فاعل النسيان. هذا ما يتعلق بآداب القراءة.
وأما آداب مسّ المصحف وحمله وكتابته: فالاعتناء بها أشدّ وآكد مما تقدم. قال في شرح الخطيب: ويحرم على المحدث ولو حدثا أصغر مسّ شيء من المصحف وحمله، وكذا مسّ خريطة وصندوق فيهما مصحف بشرط أن يكونا معدّين له، وكذا مسّ علاقة لائقة به، وكذا مسّ جميع كرسي بشرط أن يكون عليه المصحف، وكذا يحرم عليه مسّ ما كتب لدراسة قرآن ولو بعض آية كلوح لأن القرآن قد أثبت فيه للدراسة، فيحرم مسّ جميعه، وكذا علاقته، ويحرم محوه بالريق أي بالبصق عليه. أما إذا بصق على خرقة ومحاه بها لم يحرم.
أما ما كتب لغير الدراسة كالتميمة، وهي ورقة يكتب فيها شيء من القرآن وتعلق على الرأس مثلا للتبرك، والثياب التي يكتب عليها، فلا يحرم مسّها ولا حملها، ويحرم
كتب القرآن أو شيء من أسمائه تعالى بنجس أو على نجس ومسّه به إذا كان غير معفوّ عنه، ويكره كتب القرآن على حائط ولو لمسجد وثياب وطعام ونحو ذلك، ويجوز هدم الجدار ولبس الثياب وأكل الطعام ولا تضرّ ملاقاته ما في المعدة، بخلاف ابتلاع قرطاس عليه اسم الله تعالى فإنه يحرم عليه، ولا يكره كتب شيء من القرآن في إناء ليسقى ماؤه للشفاء، خلافا لما وقع لابن عبد السلام في فتاويه من التحريم، وأكل الطعام كشرب الماء لا كراهة فيه. ولا يمنع المميّز المحدّث من مس مصحف ولوح لدراسته وتعلمه، أما لتعليم غيره فلا يجوز له ذلك كمؤدب الأطفال. لكن أفتى الإمام ابن حجر بأنه يسامح لمؤدب الأطفال الذي لا يستطيع أن يقيم على الطهارة في مسّ الألواح لما فيه من المشقة، لكن يتيمم لأنه أسهل من الوضوء، فإن استمرت المشقة فلا حرج. [اه.(1/246)
أما ما كتب لغير الدراسة كالتميمة، وهي ورقة يكتب فيها شيء من القرآن وتعلق على الرأس مثلا للتبرك، والثياب التي يكتب عليها، فلا يحرم مسّها ولا حملها، ويحرم
كتب القرآن أو شيء من أسمائه تعالى بنجس أو على نجس ومسّه به إذا كان غير معفوّ عنه، ويكره كتب القرآن على حائط ولو لمسجد وثياب وطعام ونحو ذلك، ويجوز هدم الجدار ولبس الثياب وأكل الطعام ولا تضرّ ملاقاته ما في المعدة، بخلاف ابتلاع قرطاس عليه اسم الله تعالى فإنه يحرم عليه، ولا يكره كتب شيء من القرآن في إناء ليسقى ماؤه للشفاء، خلافا لما وقع لابن عبد السلام في فتاويه من التحريم، وأكل الطعام كشرب الماء لا كراهة فيه. ولا يمنع المميّز المحدّث من مس مصحف ولوح لدراسته وتعلمه، أما لتعليم غيره فلا يجوز له ذلك كمؤدب الأطفال. لكن أفتى الإمام ابن حجر بأنه يسامح لمؤدب الأطفال الذي لا يستطيع أن يقيم على الطهارة في مسّ الألواح لما فيه من المشقة، لكن يتيمم لأنه أسهل من الوضوء، فإن استمرت المشقة فلا حرج. [اه.
باجوري].
ويستحب كتبه وإيضاحه إكراما له، وكذا يستحب نقطه وشكله صيانة له من اللحن والتحريف. قال في «إرشاد القراء والكاتبين»: فينبغي لمن يريد أن يكتب مصحفا أن تكون كتابته على مقتضى الرسم العثمانيّ، ولا يكتبه على مقتضى الخط المتداول على القياس، ولا يجوز لأحد أن يطعن في شيء من مرسوم الصحابة الأكابر إذ الطعن في الكتابة كالطعن في التلاوة، وقال أشهب: سئل مالك رحمه الله تعالى: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء اليوم؟ فقال: لا إلا على الكتبة الأولى. قال الداني في المحكم: ولا مخالف لمالك في ذلك من علماء الأمة لأن ما روي عنه هو مذهب باقي الأئمة، ومستند الأئمة الأربعة هو مستند الخلفاء الأربعة، وروي عنه أيضا أن هذا في غير المصاحف الصغار التي تتعلم فيها الصبيان وألواحهم، أما هي فلا، وقال صاحب الجوهر الفريد: قال البيهقي في شعب الإيمان: من كتب مصحفا ينبغي له أن يحافظ على الهجاء التي كتب به الصحابة المصاحف ولا يخالفهم في شيء مما كتبوه فإنهم كانوا أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا وأعظم أمانة منّا، فلا ينبغي أن نظنّ بأنفسنا استدراكا عليهم رضي الله عنهم. اه.
ويستحب تقبيل المصحف بالقياس على تقبيل الحجر الأسود لأنه هدية من الله عزّ وجلّ، فشرّع تقبيله. ويستحبّ تطييبه وتعظيمه وجعله على كرسي أو على محل مرتفع أو فوق سائر الكتب تعظيما له.
ويستحب تعاهده بالقراءة فيه كل يوم لما ورد عن معاوية رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاثة هم الغرباء في الدنيا: القرآن في جوف الظالم، ورجل صالح بين قوم سوء، والمصحف في بيت لا يقرأ فيه» هكذا ذكره أبو الليث. وروي عنه صلّى الله عليه وسلم أنه
قال: «من تعلّم القرآن وعلّق مصحفه لم يتعاهده ولم ينظر فيه: جاء يوم القيامة متعلقا به يقول: يا ربّ عبدك هذا اتّخذني مهجورا اقض بيني وبينه».(1/247)
ويستحب تعاهده بالقراءة فيه كل يوم لما ورد عن معاوية رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاثة هم الغرباء في الدنيا: القرآن في جوف الظالم، ورجل صالح بين قوم سوء، والمصحف في بيت لا يقرأ فيه» هكذا ذكره أبو الليث. وروي عنه صلّى الله عليه وسلم أنه
قال: «من تعلّم القرآن وعلّق مصحفه لم يتعاهده ولم ينظر فيه: جاء يوم القيامة متعلقا به يقول: يا ربّ عبدك هذا اتّخذني مهجورا اقض بيني وبينه».
ويحرم توسّده لأن فيه إذلالا وامتهانا، وكذا مدّ الرّجلين إليه، قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد: «القيام للمصحف بدعة لم يعهد في الصدر الأول» والصواب ما قاله النووي في التبيان: «أنه يستحب ذلك لما فيه من التعظيم له وعدم التعاون» والقراءة في المصحف أفضل منها عن ظهر قلب لأنه يجمع القراءة والنظر في المصحف، وهو عبادة أخرى، نعم إن زاد خشوعه وحضور قلبه في قراءته عن ظهر قلب فهي أفضل في حقّه. قاله النووي تفقها، وهو حسن. اه.
فينبغي للقارئ أن يحافظ على هذه الآداب جميعها على قدر الطاقة لأنه ورد:
«أن من ابتلي بترك الآداب وقع في ترك السنن، ومن ابتلي بترك السنن وقع في ترك الواجبات، ومن ابتلي بترك الواجبات وقع في ارتكاب المحرّمات، ومن ابتلي بارتكاب المحرمات وقع في ترك الفرائض، ومن ابتلي بترك الفرائض وقع في استحقار الشريعة، ومن ابتلي بذلك وقع في الكفر» نعوذ بالله من ذلك. قال الشافعي رحمه الله تعالى:
«ليس في سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلا الأمر باتّباعها. ومن علامات محبة المؤمن لرسول الله صلّى الله عليه وسلم الاقتداء به في الأخلاق والأفعال والحركات والسكنات، والأكل والشرب من الحلال، وغير ذلك». [اه. من خزينة الأسرار].(1/248)
«ليس في سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلا الأمر باتّباعها. ومن علامات محبة المؤمن لرسول الله صلّى الله عليه وسلم الاقتداء به في الأخلاق والأفعال والحركات والسكنات، والأكل والشرب من الحلال، وغير ذلك». [اه. من خزينة الأسرار].
الخاتمة في بيان ما ورد من الأحاديث والآثار في فضل القرآن العظيم، وفضل قراءته، وفضل أهله، وفضل تعلّمه وتعليمه، وآداب كلّ من المعلم والمتعلم
فضل القرآن العظيم
اعلم أن الله تبارك وتعالى جعل كتابه للأدواء شفاء ولصداء القلوب جلاء، وأن خير القلوب قلب واع له، وخير الألسنة لسان يتلوه، وخير البيوت بيت يكون فيه، وأنه أعظم الكتب المنزّلة فهو النور المبين الذي لا يشبهه نور، والبرهان المستبين الذي تشتفي به النفوس وتنشرح به الصدور، لا شيء أفصح من بلاغته، ولا أرجح من فصاحته، ولا أكثر من إفادته، ولا ألذّ من تلاوته، فمن تمسك به فقد نهج منهج الصواب، ومن ضلّ عنه فقد خاب وخسر وطرد عن الباب.
قال في الإحياء: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «القرآن فيه خبر من قبلكم، ونبأ من بعدكم وحكم ما بينكم» وفي ابن غازي: قال صلّى الله عليه وسلم: «القرآن أفضل من كل شيء دون الله، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله عزّ وجلّ على خلقه فمن وقّر القرآن فقد وقّر الله، ومن لم يوقّر القرآن فقد استخفّ بحقّ الله، وحرمة القرآن عند الله كحرمة الوالد على ولده». أخرجه الترمذي الحكيم مرسلا، والحاكم في تاريخه موصولا. وقال صلّى الله عليه وسلم:
«القرآن شافع مشفّع وصادق مصدّق من لم يشفع له القرآن يوم القيامة كبّه الله في النار على وجهه»، وفي رواية: «من شفع له القرآن يوم القيامة نجا لأن شفاعته مانعة من الدخول في العذاب، وشفاعة غيره مخرجة له من بعد وقوعه»، وقال صلّى الله عليه وسلم: «من لم يشتف بالقرآن لا شفاه الله» وروي عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّ القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد» قيل: يا رسول الله وما جلاؤها؟ قال: «قراءة القرآن وذكر الموت». وقال صلّى الله عليه وسلم:
«من أعطي القرآن وظنّ أن أحدا أعطي أكثر منه فقد استصغر ما عظّمه الله وعظّم ما صغّره الله» اه.
قال ابن غازي: والمراد بقوله: «ما عظّمه الله» هو القرآن قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنََاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثََانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (87) [الحجر: الآية 87]، والمراد بقوله: «وعظّم ما صغّره الله» يعني الدنيا. قال صلّى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء» وقال صلّى الله عليه وسلم: «القرآن غنى لا فقر معه ولا غنى دونه». قال ابن
غازي: والمراد «بالغنى» في الحديث غنى النفس بأن تصير نفس القارئ غنية عمّا في أيدي الناس من الدنيا الحقيرة لما يرى عنده من عظم القرآن وعظم الثواب المرتّب له على قراءته، وأعظم من ذلك مناجاته لخالقه. وقال الفضيل بن عياض: حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا أن يسهو مع من يسهو، ولا أن يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن. وقال صلّى الله عليه وسلم: «أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل»، وقال صلّى الله عليه وسلم: «أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن».(1/249)
قال ابن غازي: والمراد بقوله: «ما عظّمه الله» هو القرآن قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنََاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثََانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (87) [الحجر: الآية 87]، والمراد بقوله: «وعظّم ما صغّره الله» يعني الدنيا. قال صلّى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء» وقال صلّى الله عليه وسلم: «القرآن غنى لا فقر معه ولا غنى دونه». قال ابن
غازي: والمراد «بالغنى» في الحديث غنى النفس بأن تصير نفس القارئ غنية عمّا في أيدي الناس من الدنيا الحقيرة لما يرى عنده من عظم القرآن وعظم الثواب المرتّب له على قراءته، وأعظم من ذلك مناجاته لخالقه. وقال الفضيل بن عياض: حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا أن يسهو مع من يسهو، ولا أن يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن. وقال صلّى الله عليه وسلم: «أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل»، وقال صلّى الله عليه وسلم: «أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن».
وفي بستان العارفين: روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال:
«عرضت عليّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الإنسان من المسجد، فلم أر خيرا أعظم من قراءة القرآن. وعرضت عليّ ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من آية أو سورة أوتيها الرجل فنسيها» اه.
وأخرج مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول:
«اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه» وأخرج البيهقي عن أنس رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «نوّروا منازلكم بالصلاة وتلاوة القرآن» وعن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن: يا ربّ حلّه، فيلبس تاج الكرامة. ثم يقول: يا ربّ زده، فيلبس حلّة الكرامة. ثم يقول: يا ربّ ارض عنه، فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق، ويزداد بكل آية حسنة» رواه الترمذي وحسّنه وابن خزيمة والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتّل كما كنت ترتل في الدنيا فإنّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها» رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وسئل ابن حجر عن حديث: «يقال لصاحب القرآن: «اقرأ وارق الخ» من المخصوص بهذه الفضيلة؟ هل هو من يحفظ القرآن في الدنيا عن ظهر قلب ومات كذلك؟ أم يستوي فيه هو ومن يقرأ في المصحف؟ فأجاب بقوله: الخبر المذكور خاصّ بمن يحفظه عن ظهر قلب لا من يقرأ في المصحف لأن مجرد القراءة في الخط لا يختلف الناس فيها ولا يتفاوتون قلة وكثرة، وإنما الذي يتفاوتون فيه هو الحفظ لا يختلف الناس فيها ولا يتفاوتون قلة وكثرة، وإنما الذي يتفاوتون فيه هو الحفظ عن ظهر قلب، فلهذا تتفاوت منازلهم في الجنة بحسب تفاوت حفظهم، ومما يؤيد ذلك أنّ حفظ القرآن عن ظهر قلب فرض كفاية على الأمة، ومجرد القراءة في المصحف من غير حفظ لا يسقط بها الطلب فليس لها كثير فضل كفضل الحفظ، فتعيّن أنه أعني الحفظ عن ظهر قلب هو المراد في الخبر، وهذا ظاهر من لفظ الخبر بأدنى تأمل. اه.
وقال صلّى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: «يا معاذ إن أردت عيش السعداء، وميتة الشهداء، والنجاة يوم الحشر، والأمن يوم الخوف، والنور يوم الظلمات، والظلّ يوم الحرور، والريّ يوم العطش، والوزن يوم الخفة، والهدي يوم الضلال، فادرس القرآن فإنه ذكر الرحمن، وحرز من الشيطان، ورجحان في الميزان» أخرجه الديلمي [اه. ابن غازي].(1/250)
وسئل ابن حجر عن حديث: «يقال لصاحب القرآن: «اقرأ وارق الخ» من المخصوص بهذه الفضيلة؟ هل هو من يحفظ القرآن في الدنيا عن ظهر قلب ومات كذلك؟ أم يستوي فيه هو ومن يقرأ في المصحف؟ فأجاب بقوله: الخبر المذكور خاصّ بمن يحفظه عن ظهر قلب لا من يقرأ في المصحف لأن مجرد القراءة في الخط لا يختلف الناس فيها ولا يتفاوتون قلة وكثرة، وإنما الذي يتفاوتون فيه هو الحفظ لا يختلف الناس فيها ولا يتفاوتون قلة وكثرة، وإنما الذي يتفاوتون فيه هو الحفظ عن ظهر قلب، فلهذا تتفاوت منازلهم في الجنة بحسب تفاوت حفظهم، ومما يؤيد ذلك أنّ حفظ القرآن عن ظهر قلب فرض كفاية على الأمة، ومجرد القراءة في المصحف من غير حفظ لا يسقط بها الطلب فليس لها كثير فضل كفضل الحفظ، فتعيّن أنه أعني الحفظ عن ظهر قلب هو المراد في الخبر، وهذا ظاهر من لفظ الخبر بأدنى تأمل. اه.
وقال صلّى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: «يا معاذ إن أردت عيش السعداء، وميتة الشهداء، والنجاة يوم الحشر، والأمن يوم الخوف، والنور يوم الظلمات، والظلّ يوم الحرور، والريّ يوم العطش، والوزن يوم الخفة، والهدي يوم الضلال، فادرس القرآن فإنه ذكر الرحمن، وحرز من الشيطان، ورجحان في الميزان» أخرجه الديلمي [اه. ابن غازي].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلا في اثنتين:
رجل علّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له، فقال: يا ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: يا ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل» رواه البخاري، والمراد بالحسد هنا الغبطة وهو تمنّي مثل ما للمحسود لا تمني زوال النعمة عنه فإن ذلك هو الحسد المذموم نعوذ بالله منه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر، ولا ينالهم الحساب، هم على كثيب من مسك حتى يفرغ من حساب الخلائق:
رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وأمّ به قوما هم به راضون، وداع يدعو إلى الصلاة ابتغاء وجه الله، وعبد أحسن فيما بينه وبين ربه وفيما بينه وبين مواليه» رواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد لا بأس به، ورواه في الكبير بنحوه.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرّم الله وجهه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«من قرأ القرآن فاستظهره، فأحلّ حلاله وحرّم حرامه، أدخله الله به الجنة، وشفّعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار» رواه ابن ماجة والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث غريب [اه. ابن غازي].
هذا بعض ما ورد في فضل القرآن العظيم وفضل أهله.
وأما فضل تعلّمه وتعليمه
فقال السيد محمد حقي في خزينة الأسرار: روى البخاري وأبو داود والترمذي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه». وفي رواية البيهقي: «إن أفضلكم من تعلّم القرآن وعلّمه». وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «خيركم من قرأ القرآن وأقرأه» اه. يعني أن خير الكلام كلام الله تعالى، وكذلك خير الناس بعد النبيين من تعلّم القرآن وعلّمه، أي واختار قراءته على غير كلام الله تعالى، وكان الإمام أبو عبد الرحمن السلمي التابعي الجليل يقول حين يروى هذا الحديث عن عثمان بن عفان: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه» هذا الذي أقعدني مقعدي هذا يشير إلى كونه جالسا في المسجد
الجامع بالكوفة يعلّم القرآن ويقرئه مع جلالة قدره وكثرة علمه وحاجة الناس إلى علمه، وهو يقرئ الناس بجامع الكوفة أكثر من أربعين سنة، وعليه قرأ الحسن والحسين رضي الله عنهما، وكذا كان السلف رحمهم الله تعالى لا يعدلون بإقراء القرآن شيئا.(1/251)
فقال السيد محمد حقي في خزينة الأسرار: روى البخاري وأبو داود والترمذي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه». وفي رواية البيهقي: «إن أفضلكم من تعلّم القرآن وعلّمه». وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «خيركم من قرأ القرآن وأقرأه» اه. يعني أن خير الكلام كلام الله تعالى، وكذلك خير الناس بعد النبيين من تعلّم القرآن وعلّمه، أي واختار قراءته على غير كلام الله تعالى، وكان الإمام أبو عبد الرحمن السلمي التابعي الجليل يقول حين يروى هذا الحديث عن عثمان بن عفان: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه» هذا الذي أقعدني مقعدي هذا يشير إلى كونه جالسا في المسجد
الجامع بالكوفة يعلّم القرآن ويقرئه مع جلالة قدره وكثرة علمه وحاجة الناس إلى علمه، وهو يقرئ الناس بجامع الكوفة أكثر من أربعين سنة، وعليه قرأ الحسن والحسين رضي الله عنهما، وكذا كان السلف رحمهم الله تعالى لا يعدلون بإقراء القرآن شيئا.
وفي خزينة الأسرار أيضا: أخرج أبو نعيم أنه عليه الصلاة والسلام قال: «يا عليّ تعلّم القرآن وعلّمه الناس فلك بكل حرف عشر حسنات، فإن متّ متّ شهيدا. يا علي تعلّم القرآن وعلّمه الناس فإن متّ حجّت الملائكة إلى قبرك كحجّ النّاس إلى بيت الله العتيق» اه.
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «يا أبا هريرة تعلّم القرآن وعلّمه الناس، ولا تزل كذلك حتى يأتيك الموت فإنه إن أتاك الموت وأنت كذلك حجّت الملائكة إلى قبرك كما يحجّ المؤمنون إلى بيت الله الحرام». [ذكره الجعبري في شرح الشاطبية].
وفي ابن غازي: أخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة وأبيّ بن كعب رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «تعلّموا القرآن فاقرءوه فإنّ مثل القرآن لمن تعلّمه فقرأه وقام به كمثل جراب محشوّ مسكا تفوح ريحه على كل مكان، ومثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكئ على مسك». وفي بهجة الناظرين: روي أنه صلّى الله عليه وسلم قال: «من علّم ولده آية من القرآن كان له خيرها»، وفي رواية: «كان له أجرها» حيثما تليت، وكتب له براءة من النار، وكذلك المؤدّب الذي علّمه إياها، ومن علّم ولده حتى يكتب بيده، فقد أدّى ما وجب عليه، وتستغفر له الملائكة حتى يموت، ويستغفر للمؤدّب كلّ شيء طلعت عليه الشمس حتى الحيتان في البحر».
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «خير الناس وخير من يمشي على وجه الأرض المعلّمون لكتاب الله فإنهم كلما خلق الدين جدّدوه، أعطوهم ولا تشاحّوهم فإن المعلم إذا قال للصبي قل بسم الله الرحمن الرحيم فقالها كتب الله براءة للصبيّ وبراءة للمعلم، وبراءة لأبويه من النار» [اه. بهجة الناظرين وابن غازي].
وعن إبراهيم النخعي قال: معلّم الصبيان تستغفر له الملائكة في السموات، والدوابّ في الأرض، والطيور في الهواء، والحيتان في البحار.
وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال في حجة الوداع:
«اللهم اغفر للمعلمين وأطل أعمارهم وبارك لهم في كسبهم ومعاشهم» قال الفقيه: يعني
قوت يوم بيوم. وعن أنس بن مالك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اللهمّ أغن العلماء وأفقر المعلمين»، يعني لا تكثر أموالهم لأنه لو كثرت أموالهم تركوا التعليم. [اه. بستان العارفين].(1/252)
«اللهم اغفر للمعلمين وأطل أعمارهم وبارك لهم في كسبهم ومعاشهم» قال الفقيه: يعني
قوت يوم بيوم. وعن أنس بن مالك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اللهمّ أغن العلماء وأفقر المعلمين»، يعني لا تكثر أموالهم لأنه لو كثرت أموالهم تركوا التعليم. [اه. بستان العارفين].
وفي النفحات النبوية: روي عن الحسن بن محمد عن ابن عباس مرفوعا:
«اللهم اغفر للمعلمين وأطل أعمارهم وأظلّهم تحت ظلك فإنهم يعلّمون كتابك المنزّل» اه.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الماهر بالقرآن مع السّفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاقّ له أجران» كذا في المصابيح. وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تعلّم كتاب الله تعالى، ثم اتّبع ما فيه هداه الله به من الضلالة، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب». [كذا في الإتقان] وفي هذا القدر كفاية.
*وأما آداب المعلم
: فشرطه أن يكون مسلما، بالغا، عاقلا، ثقة، مأمونا، ضابطا، متنزها عن أسباب الفسق ومسقطات المروءة، ولا يجوز له أن يقرأ إلا بما سمعه ممن توفرت فيه هذه الشروط أو قرأه عليه وهو مصغ له، أو سمعه بقراءة غيره عليه، ويجب عليه أن يخلص النية لله تعالى، ولا يقصد بذلك غرضا من أغراض الدنيا كمعلوم يأخذه على ذلك، أو ثناء يلحقه من الناس، أو منزلة تحصل له عندهم ففي الخبر: «أن الله عزّ وجلّ خلق جنة عدن وخلق فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثم قال لها: تكلّمي، فقالت: «قد أفلح المؤمنون» ثلاثا. ثم قالت: أنا حرام على كل بخيل ومراء». وفيه أيضا: «من عمل من هذه الأعمال شيئا يريد به غرضا من الدنيا لم يشمّ عرف الجنة، وعرفها يوجد على مسيرة خمسمائة عام». فإن كان له شيء يأخذه على ذلك فلا يأخذه بنية الإجارة بل بنية الإعانة على ما هو بصدده، ويقول مع المعرفة:
«أنا عبد الله أخدمه وآكل وأشرب وألبس من رزقه، وخدمتي له حقّ عليّ، ورزقه لي محض فضل منه، وإذا كانت نيّته هذه، فلا يتضجّر، ولا يترك القراءة لقطع المعلوم، فإن قطعها لقطعه فهو دليل على فساد نيته، وهذا يجري في كل من يأخذ شيئا على وظيفة شرعية كالإمام والمدرّس والمؤذّن وحارس الثغور. [اه. غيث النفع].
وقال الرميلي في شرحه على الدرة: «وأما أخذ الأجرة على الإقراء: ففيه خلاف على مشهور بين العلماء فمنع أبو حنيفة والزهري وجماعة أخذ الأجرة، وأجازها الحسن وابن سيرين والشعبي إذا لم يشترط، ومذهب الشافعي ومالك وعطاء: جوازها إذا شارط واستأجره إجارة صحيحة.
قلت: لكن يشترط أن يكون في بلده غيره، أما إذا لم يكن غيره فلا يحلّ له أخذ الأجرة لأن الإقراء صار عليه واجبا.(1/253)
وقال الرميلي في شرحه على الدرة: «وأما أخذ الأجرة على الإقراء: ففيه خلاف على مشهور بين العلماء فمنع أبو حنيفة والزهري وجماعة أخذ الأجرة، وأجازها الحسن وابن سيرين والشعبي إذا لم يشترط، ومذهب الشافعي ومالك وعطاء: جوازها إذا شارط واستأجره إجارة صحيحة.
قلت: لكن يشترط أن يكون في بلده غيره، أما إذا لم يكن غيره فلا يحلّ له أخذ الأجرة لأن الإقراء صار عليه واجبا.
قال في بستان العارفين: التعليم على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يعلّم للحسبة ولا يأخذ عوضا، والثاني: أن يعلّم بالأجرة، والثالث: أن يعلّم بغير شرط، فإذا أهدي إليه قبله، فأما إذا علّم للحسبة فهو مأجور فيه، وعمله عمل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأما إذا علّم بالأجرة فقد اختلف الناس فيه، قال أصحابنا المتقدمون: لا يجوز له أخذ الأجرة لأن النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: «بلّغوا عني ولو آية» فأوجب على أمته التبليغ كما أوجب الله تعالى على النبيّ صلى الله عليه وسلم التبليغ، فكما لم يجز للنبيّ عليه الصلاة والسلام أخذ الأجرة فكذلك لا يجوز لأمته. وقال جماعة من العلماء المتأخرين مثل عصام بن يوسف ونصير بن يحيى وأبي نصر بن سلام وغيرهم: إنه يجوز. فالأفضل للمعلم أن يشارط على الأجر للحفظ وتعليم الهجاء والكتابة، فلو شارط لتعليم القرآن أرجو أن لا بأس به لأن المسلمين قد توارثوا ذلك واحتاجوا إليه.
وأما إذا علّم بغير شرط، وأهدي إليه وقبل الهدية فإنه يجوز في قولهم جميعا لأن النبيّ عليه الصلاة والسلام كان معلّما وكان يقبل الهدية. وروى أبو المتوكل الباجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في غزاة فمرّوا بحيّ من أحياء العرب فقالوا: هل فيكم من راق فإن سيد الحيّ قد لدغ؟ فرقاه رجل بفاتحة الكتاب، فبرأ، فأعطي قطيعا من الغنم، فأبى أن يأخذه، فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «بم رقيته»؟ قال: بفاتحة الكتاب، قال: فما يدريك أنها رقية؟ خذها واضربوا لي معكم فيها بسهم». يعني أنّ أخذه مباح. اه.
وينبغي للمقرئ أن يتخلق بالأخلاق الحميدة المرضيّة من الزهد في الدنيا والتقلل منها، وعدم المبالاة بها وبأهلها، والسخاء، والحلم، والصبر، ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، وملازمة الورع، والخشوع، والسكينة، والوقار، والتواضع، والخضوع. وينبغي له تحسين هيئته وليحذر من الملابس المنهيّ عنها، ومما لا يليق بأمثاله، ويجلس غير متكئ، مستقبل القبلة، متطهرا طهارة كاملة، خصوصا إذا كان معلما للصبيان لأنه يحتاج إلى مس المصحف والألواح، وينبغي له أن يزيل نتن إبطيه أو ما له رائحة كريهة بما أمكن له، ويمسّ من الطّيب ما يقدر عليه، ولا يعبث بلحيته، ولا بغيرها، وليحفظ بصره عن الالتفات إلا لحاجة، وليكن متدبرا في معاني القرآن، ساكن الأطراف إلا إذا احتاج إلى إشارة للقارئ، فيضرب بيده الأرض ضربا خفيفا، أو يشير بيده أو برأسه ليفطن القارئ لما فاته، ويصبر عليه حتى يتفكر، فإن
تذكّر وإلا أخبره بما ترك. وليحذر كلّ الحذر من الرياء والحسد والحقد والغيبة، واحتقار غيره وإن كان دونه، والعجب، وقلّ من يسلم منه.(1/254)
وينبغي للمقرئ أن يتخلق بالأخلاق الحميدة المرضيّة من الزهد في الدنيا والتقلل منها، وعدم المبالاة بها وبأهلها، والسخاء، والحلم، والصبر، ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، وملازمة الورع، والخشوع، والسكينة، والوقار، والتواضع، والخضوع. وينبغي له تحسين هيئته وليحذر من الملابس المنهيّ عنها، ومما لا يليق بأمثاله، ويجلس غير متكئ، مستقبل القبلة، متطهرا طهارة كاملة، خصوصا إذا كان معلما للصبيان لأنه يحتاج إلى مس المصحف والألواح، وينبغي له أن يزيل نتن إبطيه أو ما له رائحة كريهة بما أمكن له، ويمسّ من الطّيب ما يقدر عليه، ولا يعبث بلحيته، ولا بغيرها، وليحفظ بصره عن الالتفات إلا لحاجة، وليكن متدبرا في معاني القرآن، ساكن الأطراف إلا إذا احتاج إلى إشارة للقارئ، فيضرب بيده الأرض ضربا خفيفا، أو يشير بيده أو برأسه ليفطن القارئ لما فاته، ويصبر عليه حتى يتفكر، فإن
تذكّر وإلا أخبره بما ترك. وليحذر كلّ الحذر من الرياء والحسد والحقد والغيبة، واحتقار غيره وإن كان دونه، والعجب، وقلّ من يسلم منه.
ويستحب له أن يوسّع مجلسه ليتمكّن جلساؤه فيه لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «خير المجالس أوسعها»، وليقدّم الأوّل فالأوّل، فإن رضي الأول بتقديم غيره قدّمه. وينبغي له القيام من مجلسه لمن يستحق الإكرام من طلبته رضي الأول بتقديم غيره قدّمه. وينبغي له القيام من مجلسه لمن يستحق الإكرام من طلبته وغيرهم استمالة لقلوبهم على حسب ما يراه فقد كان نافع يقوم لابن جمّاز إذا رآه، ويرفع قدره ويجلّ منزلته، لأنه كان رفيقه في القراءة على أبي جعفر ثم قرأ عليه. وينبغي له أن يسوّي بين الطلبة بحسبهم، إلا أن يكون أحدهم مسافرا أو يتفرّس فيه النجابة أو غير ذلك.
ويجوز له الإقراء في الطريق قال الرميلي في شرحه على الدرة: «لا نعرف أحدا أنكر ذلك إلا ما روي عن الإمام مالك رحمه الله تعالى أنه قال: «ما أعلم القراءة تكون في الطريق». وكان الشيخ علم الدين السخاوي وغيره يقرءون في الطريق. وروى ابن أبي داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان يقرئ في الطريق. وعن عمر بن عبد العزيز أنه أذّن فيها. قال الشيخ محيي الدين النووي: «وأما القراءة في الطريق فالمختار أنها جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها، فإن التهى عنها كرهت كما كره النبيّ صلى الله عليه وسلم القراءة للناعس محافظة من الغلط».
قال الرميلي في شرحه على الدرة: «وقد قرأت على الشيخ شمس الدين بن الصائغ غير مرة تارة أكون أنا وهو ماشيين، وتارة يكون هو راكبا على البغلة وأنا ماش». وقال ابن عطاء بن السائب: «كنا نقرأ على أبي عبد الرّحمن السلمي وهو يمشي» قال السخاوي عقب هذا: «وقد عاب قوم علينا الإقراء في الطريق، ولنا في أبي عبد الرحمن أسوة، كيف وقد كان لمن هو خير منّا قدوة» اه.
*وأما آداب المتعلم
: فيجب عليه أن يخلص نيّته، ثم يجدّ في قطع ما يقدر عليه من العلائق والعوائق الشاغلة عن تمام مراده، وليبادر في شبابه وأوقات عمره للتحصيل، ولا يغترّ بخدع التسويف فهذه آفة الطالب، وأن لا يستنكف عن أحد وجد عنده فائدة، وليقصد شيخا كملت أهليته وظهرت ديانته، جامعا لتلك الشروط المتقدمة أو أكثرها، فإذا دخل عليه فليكن كامل الحال متنظفا متأدبا. ويجب عليه أن ينظر شيخه بعين الاحترام، ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على نظرائه، فهو أقرب إلى انتفاعه ورسوخ ما يسمعه منه في ذهنه. قال إمامنا الشافعي رحمه الله تعالى: «كنت أتصفح الورق بين يدي مالك رحمه الله تصفحا رفيقا هيبة له لئلا يسمع وقعها». وقال الربيع
صاحب الشافعي: «ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليّ هيبة له». فإن وقع من شيخه نقص فليجعل النقص من نفسه بأنه لم يفهم قول الشيخ. وقال السادة الصوفية: «من لم ير خطأ شيخه خيرا من صواب نفسه لم ينتفع» وكان بعضهم إذا ذهب إلى شيخه يتصدّق بشيء ويقول: اللهم استر عيب معلّمي عنّي ولا تذهب بركة علمه منّي. قال ابن غازي: وحيث عرفت فضل قرّاء القرآن والثواب المترتب لهم فينبغي لك تعظيمهم واحترامهم والقيام بمصالحهم واعتقاد صلاحهم والتأدّب في حقهم، فيتأدّب الشخص معهم كما يتأدّب في حضرة النبيّ صلى الله عليه وسلم لو كان موجودا لأنهم ورثوه من غير اجتهاد كما تلقّي من الحضرة النبوية، بخلاف غيرهم من العلماء فإن المتعلم يتأدب معهم كما يتأدّب مع والده لأن العلم مأخوذ بالاجتهاد. قال الشيخ شرف الدين العمريطي في نظمه للأجرومية:(1/255)
: فيجب عليه أن يخلص نيّته، ثم يجدّ في قطع ما يقدر عليه من العلائق والعوائق الشاغلة عن تمام مراده، وليبادر في شبابه وأوقات عمره للتحصيل، ولا يغترّ بخدع التسويف فهذه آفة الطالب، وأن لا يستنكف عن أحد وجد عنده فائدة، وليقصد شيخا كملت أهليته وظهرت ديانته، جامعا لتلك الشروط المتقدمة أو أكثرها، فإذا دخل عليه فليكن كامل الحال متنظفا متأدبا. ويجب عليه أن ينظر شيخه بعين الاحترام، ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على نظرائه، فهو أقرب إلى انتفاعه ورسوخ ما يسمعه منه في ذهنه. قال إمامنا الشافعي رحمه الله تعالى: «كنت أتصفح الورق بين يدي مالك رحمه الله تصفحا رفيقا هيبة له لئلا يسمع وقعها». وقال الربيع
صاحب الشافعي: «ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليّ هيبة له». فإن وقع من شيخه نقص فليجعل النقص من نفسه بأنه لم يفهم قول الشيخ. وقال السادة الصوفية: «من لم ير خطأ شيخه خيرا من صواب نفسه لم ينتفع» وكان بعضهم إذا ذهب إلى شيخه يتصدّق بشيء ويقول: اللهم استر عيب معلّمي عنّي ولا تذهب بركة علمه منّي. قال ابن غازي: وحيث عرفت فضل قرّاء القرآن والثواب المترتب لهم فينبغي لك تعظيمهم واحترامهم والقيام بمصالحهم واعتقاد صلاحهم والتأدّب في حقهم، فيتأدّب الشخص معهم كما يتأدّب في حضرة النبيّ صلى الله عليه وسلم لو كان موجودا لأنهم ورثوه من غير اجتهاد كما تلقّي من الحضرة النبوية، بخلاف غيرهم من العلماء فإن المتعلم يتأدب معهم كما يتأدّب مع والده لأن العلم مأخوذ بالاجتهاد. قال الشيخ شرف الدين العمريطي في نظمه للأجرومية:
إذ الفتى حسب اعتقاده رفع ... وكلّ من لم يعتقد لم ينتفع
ومعناه أن الله تعالى يرفع كلّ شخص على حسب اعتقاده في شيخه، فإن لم يعتقد فيه لم ينفعه الله بعلمه ولا بقراءته، وينبغي أن لا يذكر عند شيخه أحدا من أقرانه، ولا يقول: قال فلان خلافا لقولك. وأن يردّ غيبة شيخه إذا سمعها إن قدر، فإن تعذّر عليه ردّها قام وفارق ذلك المجلس، وإذا قرب من حلقة الشيخ فليسلّم على الحاضرين، وليخصّ الشيخ بالتحية، ولا يتخطّى رقاب الناس، بل يجلس حيث انتهى به المجلس إلا أن يأذن له الشيخ في التقدم، ولا يقيم أحدا من مجلسه فإن آثره لم يقبل اقتداء بابن عمر رضي الله عنهما إلا أن يقسم عليه أو يأمر الشيخ بذلك، ولا يجلس بين صاحبين إلا بإذنهما، وإذا جلس فليوسع، ويتأدب مع رفقته وحاضري مجلس الشيخ فإنّ ذلك تأدب مع الشيخ وصيانة لمجلسه، ولا يرفع صوته رفعا بليغا، ولا يضحك، ولا يكثر الكلام، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا، بل يكون مقبلا على الشيخ مصغيا إلى كلامه.
قال الشيخ محيي الدين النووي: «ومن آدابه أن يحتمل جفوة الشيخ وسوء خلقه، ولا يصدّه ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله، فيتأوّل أفعاله وأقواله التي ظاهرها الفساد بتأويلات صحيحة، فلا يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق. وينبغي أن لا يقرأ على الشيخ في حالة شغل الشيخ وملله وغمّه وجوعه وعطشه ونعاسه وقلقه ونحو ذلك مما يشقّ على الشيخ أو يمنعه من كمال حضور القلب. وإذا أراد القراءة ينبغي له أن يستاك بعود من أراك فإنه أبقى للفصاحة وأنقى للنكهة، ويجوز له القيام لشيخه وأستاذه وهو يقرأ، أو لمن فيه فضيلة من علم أو صلاح أو سنّ أو حرمة بولاية أو غير ذلك.
وقال الشيخ النووي: «إنّ قيام القارئ في هذه الأحوال وغيرها مستحبّ، لكن بشرط أن يكون القيام على سبيل الإكرام والاحترام لا على سبيل الرياء والإعظام».(1/256)
قال الشيخ محيي الدين النووي: «ومن آدابه أن يحتمل جفوة الشيخ وسوء خلقه، ولا يصدّه ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله، فيتأوّل أفعاله وأقواله التي ظاهرها الفساد بتأويلات صحيحة، فلا يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق. وينبغي أن لا يقرأ على الشيخ في حالة شغل الشيخ وملله وغمّه وجوعه وعطشه ونعاسه وقلقه ونحو ذلك مما يشقّ على الشيخ أو يمنعه من كمال حضور القلب. وإذا أراد القراءة ينبغي له أن يستاك بعود من أراك فإنه أبقى للفصاحة وأنقى للنكهة، ويجوز له القيام لشيخه وأستاذه وهو يقرأ، أو لمن فيه فضيلة من علم أو صلاح أو سنّ أو حرمة بولاية أو غير ذلك.
وقال الشيخ النووي: «إنّ قيام القارئ في هذه الأحوال وغيرها مستحبّ، لكن بشرط أن يكون القيام على سبيل الإكرام والاحترام لا على سبيل الرياء والإعظام».
وينبغي مراعاة ما تقدّم من الآداب زيادة على ذلك.
وفي هذا القدر كفاية، ومن أراد زيادة على ما ذكرته فعليه بشرح الرميلي على الدرّة، والإتقان للسيوطي. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وهذا آخر ما يسّر الله تعالى جمعه في هذه الرسالة، والحمد لله على إتمامها، ونسأل الله تعالى أن ينفع بها كما نفع بأصولها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وسببا للفوز بجنات النعيم، وأعوذ به من علم لا ينفع، ومن دعاء لا يسمع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، أعوذ به من شر هذه الأربع.
وكان الفراغ من تبييضها يوم الثلاثاء المبارك الرابع من شهر جمادى الأولى سنة 1305هـ خمس وثلاثمائة بعد الألف من هجرة من خلقه الله على أكمل وصف، سيد الأوّلين والآخرين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والمسئول ممن اطّلع عليها إذا رأى فيها عيبا أن يصلحه برفق ولين من غير إنكار فإنّ من ألّف فقد استهدف، والإنسان محلّ الخطأ والنسيان، خصوصا في هذا الزمان الذي كثرت فيه الشواغل والهموم، وعظمت فيه الشدائد والغموم.
فنسأل الله تعالى أن ينجينا من آفاته، وأن يمنّ علينا وأحبّتنا بالموت على الإيمان والحمد لله أولا وآخرا، ظاهرا وباطنا، وصلى الله وسلّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وذريته، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
نحمدك أن أنزلت الفرقان هدى للمتقين، ونصلّي ونسلم على من أنزل الله عليه {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} (9) [الحجر: الآية 9].
وبعد: فقد تم بحمد الله تدقيقي كتاب «نهاية القول المفيد في فن تجويد القرآن المجيد» للعلّامة المرحوم الشيخ محمد مكي نصر مصحّحا على النسخة التي راجعها المغفور له العلامة المقرئ الشيخ علي محمد الشهير بالضباع مراجع المصاحف الشريفة بمشيخة المقارئ المصرية، وعلى ما أتيح لي من كتب التجويد بمعرفة العبد الفقير أحمد عبده بن علي حسن. ولمّا كنت أضعف من أن أضطلع بهذا الأمر، ولكن هكذا الله قدّر فإنني أرجو ممّن اطّلع عليه أن ينبهني إلى ما فيه من خطأ حتى أصححه إن شاء الله وكان بحمد الله فراغي من تدقيقه في العشرين من ذي الحجة من عام 1421هـ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.(1/257)
وبعد: فقد تم بحمد الله تدقيقي كتاب «نهاية القول المفيد في فن تجويد القرآن المجيد» للعلّامة المرحوم الشيخ محمد مكي نصر مصحّحا على النسخة التي راجعها المغفور له العلامة المقرئ الشيخ علي محمد الشهير بالضباع مراجع المصاحف الشريفة بمشيخة المقارئ المصرية، وعلى ما أتيح لي من كتب التجويد بمعرفة العبد الفقير أحمد عبده بن علي حسن. ولمّا كنت أضعف من أن أضطلع بهذا الأمر، ولكن هكذا الله قدّر فإنني أرجو ممّن اطّلع عليه أن ينبهني إلى ما فيه من خطأ حتى أصححه إن شاء الله وكان بحمد الله فراغي من تدقيقه في العشرين من ذي الحجة من عام 1421هـ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهرس المحتويات
تقديم 3 ترجمة المصنّف 3 خطبة الكتاب 5 المقدمة الفصل الأول في بيان حكم التجويد، وحقيقته، وموضوعه، وفائدته، وغايته، وأركان القراءة الصحيحة 11 حكم التجويد 11 الفصل الثاني فيما ورد عن الأئمة من مراتب القراءة التي ينبغي للقارئ أن يقرأ بها القرآن المجيد 17 الفصل الثالث في بيان الأمور المحرّمة التي ابتدعها القرّاء في قراءة القرآن 20 الفصل الرابع في بيان اللحن الجلي والخفي، وحدّهما، وحكمهما 24 التتمة في تقسيم الواجب في علم التجويد إلى واجب شرعي أو صناعي 26 الباب الأول في بيان ما يتعلق بمخارج الحروف الفصل الأول في بيان معنى المخرج، وكيفيته، ومعنى الحرف لغة واصطلاحا، وعدد الحروف، والحركات الأصلية والفرعية 31 الفصل الثاني في بيان عدد مخارج الحروف 35 الفصل الثالث في بيان ما يحتاج إلى معرفته طالب فن التجويد وهو أسنان الفم 42 فائدة 42 التتمة في بيان ألقاب الحروف 43
الباب الثاني في بيان صفات الحروف الفصل الأول في بيان ما تعرف به الصفة من همس وجهر ونحوهما 44 الفصل الثاني في بيان عدد الصفات، ومعناها لغة واصطلاحا، وبيان عدد حروفها 45 خاتمة في الكلام على صفتي الخفاء والغنة، وبيان حروفهما 59 الفصل الثالث في بيان الفرق بين الحروف المشتركة في المخرج والصفة 60 الفصل الرابع في بيان الصفات القوية والضعيفة 62 الفصل الخامس في توزيع الصفات على موصوفاتها مرتبة على ترتيب مخارجها، وفي ذكر ما يتعلق بكل حرف من التجويد 63 التتمة في تجويد الحرف المشدد 91 الباب الثالث في بيان أحكام التفخيم والترقيق الفصل الأول في بيان حقيقة التفخيم والترقيق، وما يجب تفخيمه وترقيقه من الحروف 93 الفصل الثاني في بيان حكم الراء تفخيما وترقيقا 94 الفصل الثالث في بيان حكم اللامات تغليظا وترقيقا 99 التتمة في بيان مراتب تفخيم حروف الاستعلاء وفي تقسيم حروف التفخيم إلى ثلاثة أقسام 101 الباب الرابع في بيان أحكام الإدغام، والإظهار، والإخفاء، والإقلاب الفصل الأول في معنى الإدغام، وكيفيته، وفائدته، وشروطه، وأسبابه، وموانعه، والحروف التي تدغم والتي لا تدغم 104 الفصل الثاني في بيان الإدغام الكبير وهو ما تحرك أوّل حرفيه وينقسم إلى مثلين، وإلى غيره 107 الفصل الثالث في بيان الإدغام الصغير 111
الفصل الرابع في بيان أحكام النون الساكنة والتنوين 117 الحال الأوّل: الإظهار 117 الحال الثاني: الإدغام 119 الحال الثالث: الإقلاب 122 الحال الرابع: الإخفاء 123 الفصل الخامس في الكلام على الميم الساكنة 126 التتمة في بيان مراتب الإدغام والتشديد بحسب الكمال والنقصان 128 الباب الخامس في أحكام المدّ والقصر الفصل الأول في بيان معنى المدّ والقصر لغة واصطلاحا، وفي أقسامه، وشروطه، وأسبابه، وأحكامه 129 الفصل الثاني في بيان المدّ المتصل وما فيه من المراتب للقراء السبعة 132 الفصل الثالث في بيان المد المنفصل وما فيه من المراتب للقرّاء السبعة 133 الفصل الرابع في بيان أقسام المدّ اللازم 136 الفصل الخامس في بيان المد العارض للسكون 140 التتمة في ذكر أنواع المدّ 144 الباب السادس في بيان أحكام الوقف والابتداء الفصل الأول في الحثّ على تعلّم الوقف والابتداء وتعليمهما ليكون الشخص على بصيرة فيهما 150 الفصل الثاني في بيان الفرق بين الوقف، والسكت، والقطع، وفي تقسيم الوقف 152 الفصل الثالث في بيان ما يتعلق بالوقف التام 154 الفصل الرابع في بيان الوقف الكافي 157 الفصل الخامس في بيان ما يتعلق بالوقف الحسن 160 الفصل السادس 165 في بيان ما يتعلق بالوقف القبيح 165 الفصل السابع في بيان وقف التعسّف، ووقف المراقبة 170
الفصل الثامن في بيان حكم الوقف على قوله: بلى ونعم وكلّا 174 الفصل التاسع في خمس تنبيهات مهمة يحتاج القارئ إليها 177 التتمة في تقسيم الابتداء، وفي بيان كيفية البداءة بهمزة الوصل 181 الباب السابع في بيان الوقف على مرسوم الخط الفصل الأول في الحثّ على اتّباع رسم المصاحف العثمانية، وفي بيان كيفية جمع القرآن بعد تفرّقه، ومن جمعه، وعدد المصاحف التي كتبت 186 الفصل الثاني في بيان المقطوع والموصول، وحكم الوقف عليهما 192 تتمتان 199 الفصل الثالث في بيان الوقف على الثابت والمحذوف من حروف المدّ 203 الفصل الرابع في بيان هاء التأنيث التي تكتب تاء مجرورة والتي تكتب هاء 213 الفصل الخامس في تقسيم الوقف على مرسوم الخط 219 الفصل السادس في بيان أنواع الوقف على أواخر الكلم وما يجوز فيه الرّوم والإشمام، أو الرّوم فقط، وما لا يجوز 223 التتمة في بيان كيفية الوقف على هاء الضمير 227 الباب الثامن في بيان ما يتعلق بختم القرآن الفصل الأوّل في بيان حكم التكبير، وسببه، وصيغته، ومن أين يبتدئ به(1/259)
تقديم 3 ترجمة المصنّف 3 خطبة الكتاب 5 المقدمة الفصل الأول في بيان حكم التجويد، وحقيقته، وموضوعه، وفائدته، وغايته، وأركان القراءة الصحيحة 11 حكم التجويد 11 الفصل الثاني فيما ورد عن الأئمة من مراتب القراءة التي ينبغي للقارئ أن يقرأ بها القرآن المجيد 17 الفصل الثالث في بيان الأمور المحرّمة التي ابتدعها القرّاء في قراءة القرآن 20 الفصل الرابع في بيان اللحن الجلي والخفي، وحدّهما، وحكمهما 24 التتمة في تقسيم الواجب في علم التجويد إلى واجب شرعي أو صناعي 26 الباب الأول في بيان ما يتعلق بمخارج الحروف الفصل الأول في بيان معنى المخرج، وكيفيته، ومعنى الحرف لغة واصطلاحا، وعدد الحروف، والحركات الأصلية والفرعية 31 الفصل الثاني في بيان عدد مخارج الحروف 35 الفصل الثالث في بيان ما يحتاج إلى معرفته طالب فن التجويد وهو أسنان الفم 42 فائدة 42 التتمة في بيان ألقاب الحروف 43
الباب الثاني في بيان صفات الحروف الفصل الأول في بيان ما تعرف به الصفة من همس وجهر ونحوهما 44 الفصل الثاني في بيان عدد الصفات، ومعناها لغة واصطلاحا، وبيان عدد حروفها 45 خاتمة في الكلام على صفتي الخفاء والغنة، وبيان حروفهما 59 الفصل الثالث في بيان الفرق بين الحروف المشتركة في المخرج والصفة 60 الفصل الرابع في بيان الصفات القوية والضعيفة 62 الفصل الخامس في توزيع الصفات على موصوفاتها مرتبة على ترتيب مخارجها، وفي ذكر ما يتعلق بكل حرف من التجويد 63 التتمة في تجويد الحرف المشدد 91 الباب الثالث في بيان أحكام التفخيم والترقيق الفصل الأول في بيان حقيقة التفخيم والترقيق، وما يجب تفخيمه وترقيقه من الحروف 93 الفصل الثاني في بيان حكم الراء تفخيما وترقيقا 94 الفصل الثالث في بيان حكم اللامات تغليظا وترقيقا 99 التتمة في بيان مراتب تفخيم حروف الاستعلاء وفي تقسيم حروف التفخيم إلى ثلاثة أقسام 101 الباب الرابع في بيان أحكام الإدغام، والإظهار، والإخفاء، والإقلاب الفصل الأول في معنى الإدغام، وكيفيته، وفائدته، وشروطه، وأسبابه، وموانعه، والحروف التي تدغم والتي لا تدغم 104 الفصل الثاني في بيان الإدغام الكبير وهو ما تحرك أوّل حرفيه وينقسم إلى مثلين، وإلى غيره 107 الفصل الثالث في بيان الإدغام الصغير 111
الفصل الرابع في بيان أحكام النون الساكنة والتنوين 117 الحال الأوّل: الإظهار 117 الحال الثاني: الإدغام 119 الحال الثالث: الإقلاب 122 الحال الرابع: الإخفاء 123 الفصل الخامس في الكلام على الميم الساكنة 126 التتمة في بيان مراتب الإدغام والتشديد بحسب الكمال والنقصان 128 الباب الخامس في أحكام المدّ والقصر الفصل الأول في بيان معنى المدّ والقصر لغة واصطلاحا، وفي أقسامه، وشروطه، وأسبابه، وأحكامه 129 الفصل الثاني في بيان المدّ المتصل وما فيه من المراتب للقراء السبعة 132 الفصل الثالث في بيان المد المنفصل وما فيه من المراتب للقرّاء السبعة 133 الفصل الرابع في بيان أقسام المدّ اللازم 136 الفصل الخامس في بيان المد العارض للسكون 140 التتمة في ذكر أنواع المدّ 144 الباب السادس في بيان أحكام الوقف والابتداء الفصل الأول في الحثّ على تعلّم الوقف والابتداء وتعليمهما ليكون الشخص على بصيرة فيهما 150 الفصل الثاني في بيان الفرق بين الوقف، والسكت، والقطع، وفي تقسيم الوقف 152 الفصل الثالث في بيان ما يتعلق بالوقف التام 154 الفصل الرابع في بيان الوقف الكافي 157 الفصل الخامس في بيان ما يتعلق بالوقف الحسن 160 الفصل السادس 165 في بيان ما يتعلق بالوقف القبيح 165 الفصل السابع في بيان وقف التعسّف، ووقف المراقبة 170
الفصل الثامن في بيان حكم الوقف على قوله: بلى ونعم وكلّا 174 الفصل التاسع في خمس تنبيهات مهمة يحتاج القارئ إليها 177 التتمة في تقسيم الابتداء، وفي بيان كيفية البداءة بهمزة الوصل 181 الباب السابع في بيان الوقف على مرسوم الخط الفصل الأول في الحثّ على اتّباع رسم المصاحف العثمانية، وفي بيان كيفية جمع القرآن بعد تفرّقه، ومن جمعه، وعدد المصاحف التي كتبت 186 الفصل الثاني في بيان المقطوع والموصول، وحكم الوقف عليهما 192 تتمتان 199 الفصل الثالث في بيان الوقف على الثابت والمحذوف من حروف المدّ 203 الفصل الرابع في بيان هاء التأنيث التي تكتب تاء مجرورة والتي تكتب هاء 213 الفصل الخامس في تقسيم الوقف على مرسوم الخط 219 الفصل السادس في بيان أنواع الوقف على أواخر الكلم وما يجوز فيه الرّوم والإشمام، أو الرّوم فقط، وما لا يجوز 223 التتمة في بيان كيفية الوقف على هاء الضمير 227 الباب الثامن في بيان ما يتعلق بختم القرآن الفصل الأوّل في بيان حكم التكبير، وسببه، وصيغته، ومن أين يبتدئ به(1/260)
تقديم 3 ترجمة المصنّف 3 خطبة الكتاب 5 المقدمة الفصل الأول في بيان حكم التجويد، وحقيقته، وموضوعه، وفائدته، وغايته، وأركان القراءة الصحيحة 11 حكم التجويد 11 الفصل الثاني فيما ورد عن الأئمة من مراتب القراءة التي ينبغي للقارئ أن يقرأ بها القرآن المجيد 17 الفصل الثالث في بيان الأمور المحرّمة التي ابتدعها القرّاء في قراءة القرآن 20 الفصل الرابع في بيان اللحن الجلي والخفي، وحدّهما، وحكمهما 24 التتمة في تقسيم الواجب في علم التجويد إلى واجب شرعي أو صناعي 26 الباب الأول في بيان ما يتعلق بمخارج الحروف الفصل الأول في بيان معنى المخرج، وكيفيته، ومعنى الحرف لغة واصطلاحا، وعدد الحروف، والحركات الأصلية والفرعية 31 الفصل الثاني في بيان عدد مخارج الحروف 35 الفصل الثالث في بيان ما يحتاج إلى معرفته طالب فن التجويد وهو أسنان الفم 42 فائدة 42 التتمة في بيان ألقاب الحروف 43
الباب الثاني في بيان صفات الحروف الفصل الأول في بيان ما تعرف به الصفة من همس وجهر ونحوهما 44 الفصل الثاني في بيان عدد الصفات، ومعناها لغة واصطلاحا، وبيان عدد حروفها 45 خاتمة في الكلام على صفتي الخفاء والغنة، وبيان حروفهما 59 الفصل الثالث في بيان الفرق بين الحروف المشتركة في المخرج والصفة 60 الفصل الرابع في بيان الصفات القوية والضعيفة 62 الفصل الخامس في توزيع الصفات على موصوفاتها مرتبة على ترتيب مخارجها، وفي ذكر ما يتعلق بكل حرف من التجويد 63 التتمة في تجويد الحرف المشدد 91 الباب الثالث في بيان أحكام التفخيم والترقيق الفصل الأول في بيان حقيقة التفخيم والترقيق، وما يجب تفخيمه وترقيقه من الحروف 93 الفصل الثاني في بيان حكم الراء تفخيما وترقيقا 94 الفصل الثالث في بيان حكم اللامات تغليظا وترقيقا 99 التتمة في بيان مراتب تفخيم حروف الاستعلاء وفي تقسيم حروف التفخيم إلى ثلاثة أقسام 101 الباب الرابع في بيان أحكام الإدغام، والإظهار، والإخفاء، والإقلاب الفصل الأول في معنى الإدغام، وكيفيته، وفائدته، وشروطه، وأسبابه، وموانعه، والحروف التي تدغم والتي لا تدغم 104 الفصل الثاني في بيان الإدغام الكبير وهو ما تحرك أوّل حرفيه وينقسم إلى مثلين، وإلى غيره 107 الفصل الثالث في بيان الإدغام الصغير 111
الفصل الرابع في بيان أحكام النون الساكنة والتنوين 117 الحال الأوّل: الإظهار 117 الحال الثاني: الإدغام 119 الحال الثالث: الإقلاب 122 الحال الرابع: الإخفاء 123 الفصل الخامس في الكلام على الميم الساكنة 126 التتمة في بيان مراتب الإدغام والتشديد بحسب الكمال والنقصان 128 الباب الخامس في أحكام المدّ والقصر الفصل الأول في بيان معنى المدّ والقصر لغة واصطلاحا، وفي أقسامه، وشروطه، وأسبابه، وأحكامه 129 الفصل الثاني في بيان المدّ المتصل وما فيه من المراتب للقراء السبعة 132 الفصل الثالث في بيان المد المنفصل وما فيه من المراتب للقرّاء السبعة 133 الفصل الرابع في بيان أقسام المدّ اللازم 136 الفصل الخامس في بيان المد العارض للسكون 140 التتمة في ذكر أنواع المدّ 144 الباب السادس في بيان أحكام الوقف والابتداء الفصل الأول في الحثّ على تعلّم الوقف والابتداء وتعليمهما ليكون الشخص على بصيرة فيهما 150 الفصل الثاني في بيان الفرق بين الوقف، والسكت، والقطع، وفي تقسيم الوقف 152 الفصل الثالث في بيان ما يتعلق بالوقف التام 154 الفصل الرابع في بيان الوقف الكافي 157 الفصل الخامس في بيان ما يتعلق بالوقف الحسن 160 الفصل السادس 165 في بيان ما يتعلق بالوقف القبيح 165 الفصل السابع في بيان وقف التعسّف، ووقف المراقبة 170
الفصل الثامن في بيان حكم الوقف على قوله: بلى ونعم وكلّا 174 الفصل التاسع في خمس تنبيهات مهمة يحتاج القارئ إليها 177 التتمة في تقسيم الابتداء، وفي بيان كيفية البداءة بهمزة الوصل 181 الباب السابع في بيان الوقف على مرسوم الخط الفصل الأول في الحثّ على اتّباع رسم المصاحف العثمانية، وفي بيان كيفية جمع القرآن بعد تفرّقه، ومن جمعه، وعدد المصاحف التي كتبت 186 الفصل الثاني في بيان المقطوع والموصول، وحكم الوقف عليهما 192 تتمتان 199 الفصل الثالث في بيان الوقف على الثابت والمحذوف من حروف المدّ 203 الفصل الرابع في بيان هاء التأنيث التي تكتب تاء مجرورة والتي تكتب هاء 213 الفصل الخامس في تقسيم الوقف على مرسوم الخط 219 الفصل السادس في بيان أنواع الوقف على أواخر الكلم وما يجوز فيه الرّوم والإشمام، أو الرّوم فقط، وما لا يجوز 223 التتمة في بيان كيفية الوقف على هاء الضمير 227 الباب الثامن في بيان ما يتعلق بختم القرآن الفصل الأوّل في بيان حكم التكبير، وسببه، وصيغته، ومن أين يبتدئ به(1/261)
تقديم 3 ترجمة المصنّف 3 خطبة الكتاب 5 المقدمة الفصل الأول في بيان حكم التجويد، وحقيقته، وموضوعه، وفائدته، وغايته، وأركان القراءة الصحيحة 11 حكم التجويد 11 الفصل الثاني فيما ورد عن الأئمة من مراتب القراءة التي ينبغي للقارئ أن يقرأ بها القرآن المجيد 17 الفصل الثالث في بيان الأمور المحرّمة التي ابتدعها القرّاء في قراءة القرآن 20 الفصل الرابع في بيان اللحن الجلي والخفي، وحدّهما، وحكمهما 24 التتمة في تقسيم الواجب في علم التجويد إلى واجب شرعي أو صناعي 26 الباب الأول في بيان ما يتعلق بمخارج الحروف الفصل الأول في بيان معنى المخرج، وكيفيته، ومعنى الحرف لغة واصطلاحا، وعدد الحروف، والحركات الأصلية والفرعية 31 الفصل الثاني في بيان عدد مخارج الحروف 35 الفصل الثالث في بيان ما يحتاج إلى معرفته طالب فن التجويد وهو أسنان الفم 42 فائدة 42 التتمة في بيان ألقاب الحروف 43
الباب الثاني في بيان صفات الحروف الفصل الأول في بيان ما تعرف به الصفة من همس وجهر ونحوهما 44 الفصل الثاني في بيان عدد الصفات، ومعناها لغة واصطلاحا، وبيان عدد حروفها 45 خاتمة في الكلام على صفتي الخفاء والغنة، وبيان حروفهما 59 الفصل الثالث في بيان الفرق بين الحروف المشتركة في المخرج والصفة 60 الفصل الرابع في بيان الصفات القوية والضعيفة 62 الفصل الخامس في توزيع الصفات على موصوفاتها مرتبة على ترتيب مخارجها، وفي ذكر ما يتعلق بكل حرف من التجويد 63 التتمة في تجويد الحرف المشدد 91 الباب الثالث في بيان أحكام التفخيم والترقيق الفصل الأول في بيان حقيقة التفخيم والترقيق، وما يجب تفخيمه وترقيقه من الحروف 93 الفصل الثاني في بيان حكم الراء تفخيما وترقيقا 94 الفصل الثالث في بيان حكم اللامات تغليظا وترقيقا 99 التتمة في بيان مراتب تفخيم حروف الاستعلاء وفي تقسيم حروف التفخيم إلى ثلاثة أقسام 101 الباب الرابع في بيان أحكام الإدغام، والإظهار، والإخفاء، والإقلاب الفصل الأول في معنى الإدغام، وكيفيته، وفائدته، وشروطه، وأسبابه، وموانعه، والحروف التي تدغم والتي لا تدغم 104 الفصل الثاني في بيان الإدغام الكبير وهو ما تحرك أوّل حرفيه وينقسم إلى مثلين، وإلى غيره 107 الفصل الثالث في بيان الإدغام الصغير 111
الفصل الرابع في بيان أحكام النون الساكنة والتنوين 117 الحال الأوّل: الإظهار 117 الحال الثاني: الإدغام 119 الحال الثالث: الإقلاب 122 الحال الرابع: الإخفاء 123 الفصل الخامس في الكلام على الميم الساكنة 126 التتمة في بيان مراتب الإدغام والتشديد بحسب الكمال والنقصان 128 الباب الخامس في أحكام المدّ والقصر الفصل الأول في بيان معنى المدّ والقصر لغة واصطلاحا، وفي أقسامه، وشروطه، وأسبابه، وأحكامه 129 الفصل الثاني في بيان المدّ المتصل وما فيه من المراتب للقراء السبعة 132 الفصل الثالث في بيان المد المنفصل وما فيه من المراتب للقرّاء السبعة 133 الفصل الرابع في بيان أقسام المدّ اللازم 136 الفصل الخامس في بيان المد العارض للسكون 140 التتمة في ذكر أنواع المدّ 144 الباب السادس في بيان أحكام الوقف والابتداء الفصل الأول في الحثّ على تعلّم الوقف والابتداء وتعليمهما ليكون الشخص على بصيرة فيهما 150 الفصل الثاني في بيان الفرق بين الوقف، والسكت، والقطع، وفي تقسيم الوقف 152 الفصل الثالث في بيان ما يتعلق بالوقف التام 154 الفصل الرابع في بيان الوقف الكافي 157 الفصل الخامس في بيان ما يتعلق بالوقف الحسن 160 الفصل السادس 165 في بيان ما يتعلق بالوقف القبيح 165 الفصل السابع في بيان وقف التعسّف، ووقف المراقبة 170
الفصل الثامن في بيان حكم الوقف على قوله: بلى ونعم وكلّا 174 الفصل التاسع في خمس تنبيهات مهمة يحتاج القارئ إليها 177 التتمة في تقسيم الابتداء، وفي بيان كيفية البداءة بهمزة الوصل 181 الباب السابع في بيان الوقف على مرسوم الخط الفصل الأول في الحثّ على اتّباع رسم المصاحف العثمانية، وفي بيان كيفية جمع القرآن بعد تفرّقه، ومن جمعه، وعدد المصاحف التي كتبت 186 الفصل الثاني في بيان المقطوع والموصول، وحكم الوقف عليهما 192 تتمتان 199 الفصل الثالث في بيان الوقف على الثابت والمحذوف من حروف المدّ 203 الفصل الرابع في بيان هاء التأنيث التي تكتب تاء مجرورة والتي تكتب هاء 213 الفصل الخامس في تقسيم الوقف على مرسوم الخط 219 الفصل السادس في بيان أنواع الوقف على أواخر الكلم وما يجوز فيه الرّوم والإشمام، أو الرّوم فقط، وما لا يجوز 223 التتمة في بيان كيفية الوقف على هاء الضمير 227 الباب الثامن في بيان ما يتعلق بختم القرآن الفصل الأوّل في بيان حكم التكبير، وسببه، وصيغته، ومن أين يبتدئ به
القارئ وإلى أين ينتهي، وفي بيان أوجهه لابن كثير من طريق الحرز، وجميع القراء من طريق الطيبة 229 تنبيهات 234 تتمة مهذبة في رواية التكبير في أوّل كل سورة لجميع القراء من طريق الطيبة 234 الفصل الثاني في بيان أحوال السلف بعد ختم القرآن 235 الفصل الثالث في بيان الأدعية الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح بعد ختم القرآن 237 التتمة في بيان آداب قارئ القرآن، وقراءته، وحمله وكتابته 240
الخاتمة في بيان ما ورد من الأحاديث والآثار في فضل القرآن العظيم، وفضل قراءته، وفضل أهله، وفضل تعلّمه وتعليمه، وآداب كلّ من المعلم والمتعلم فضل القرآن العظيم 249(1/262)
القارئ وإلى أين ينتهي، وفي بيان أوجهه لابن كثير من طريق الحرز، وجميع القراء من طريق الطيبة 229 تنبيهات 234 تتمة مهذبة في رواية التكبير في أوّل كل سورة لجميع القراء من طريق الطيبة 234 الفصل الثاني في بيان أحوال السلف بعد ختم القرآن 235 الفصل الثالث في بيان الأدعية الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح بعد ختم القرآن 237 التتمة في بيان آداب قارئ القرآن، وقراءته، وحمله وكتابته 240
الخاتمة في بيان ما ورد من الأحاديث والآثار في فضل القرآن العظيم، وفضل قراءته، وفضل أهله، وفضل تعلّمه وتعليمه، وآداب كلّ من المعلم والمتعلم فضل القرآن العظيم 249(1/263)