(157) بمثل جارية فلتزن الزانية سرا أو علانية هو جارية بن سليمان بن الحارث بن يربوع بن حنظلة وكان جميلا له حديث.
(158) إن الشّقيّ وافد البراجم.
(159) شاكه أبا يسار.
(160) شدت لأسر عمرو بن عدي.
(161) يحمل شنّ ويفدّى لكيز.
الأمثال في النساء
(162) أبصر من الزّرقاء: يريد زرقاء اليمامة وهي معروفة.
(163) أبذى من المطلّقة.
(164) أحيى من هديّ.
(165) أحيى من فتاة.
(166) أحلى من ميراث العمة الرقوب.
(167) أخرق من ناكثة غزلها: وهي امرأة من قريش.
(168) أخزى من ذات النحيين.
(169) أحمق من دغة.
(170) أخيل من مذالة: يعنون الأمة لأنها تهان وهي تتبختر.
(171) أخيل من واشمة استها.
(172) أرنى من سجاح.
(173) أزنى من هر. وهي امرأة يهودية، وهي إحدى من قطع المهاجر يدها حين شمتت بموت النبي صلى الله عليه وسلم.
(174) أزهى من واشمة استها.
(175) أسرع من نكاح أمّ خارجة.
(176) أشأم من البسوس.
(177) أسرع من المهثهثة.(6/68)
(176) أشأم من البسوس.
(177) أسرع من المهثهثة.
(178) أشأم من منشم: قيل هي النعامة.
(179) أشأم من رغيف الحولاء.
(180) أشأم من ورقاء.
(181) أشغل من ذات النّحيين.
(182) أشبق من حبّى المدينيّة.
(183) أضلّ من موءودة.
(184) أطول من طنب الحمقاء.
(185) أعزّ من الزّبّاء.
(186) أعزّ من حليمة.
(187) أعز من أم قرفة.
(188) أغنج من مفنّقة.
(189) أغلم من سجاح.
(190) أفرغ من فؤاد أمّ موسى.
(191) أكذب من السّالئة.
(192) أنقى من مرآة الغريبة.
(193) أنجب من مارية: ولدت لزرارة: حاجبا ولقيطا، وعلقما.
(194) أنجب من بنت الخرشب: ولدت لزياد العبسي الكملة وعلقمة، ربيعا الكامل، وعمارة الوهاب، وقيس الحفاظ، وأنس الفوارس.
(195) أنجب من أم البنين: ولدت لمالك بن جعفر بن كلاب، ملاعب الأسنة: عامرا، وفارس قرزل: طفيل، وربيع المقترين: ربيعة، ونزّال المضيف:
سلمى، ومعوّذ الحكماء: معاوية.
(196) أنجب من خبيئة: ولدت لجعفر بن كلاب: خالدا الأصبغ ومالك الطيّان وربيعة الأحوص.(6/69)
سلمى، ومعوّذ الحكماء: معاوية.
(196) أنجب من خبيئة: ولدت لجعفر بن كلاب: خالدا الأصبغ ومالك الطيّان وربيعة الأحوص.
(197) أنجب من عاتكة: ولدت لعبد مناف هاشما وعبد شمس والمطلب.
(198) أوفى من خماعة.
(199) أوفى من فكيهة.
(200) أوفى من أم جميل.
(201) أقود من ظلمة: وقد قيل: أقود من الظّلمة.
(202) لن ترضى شانئة إلا بجرزة: يراد به الاستئصال.
(203) إن العوان لا تعلّم الخمرة.
(204) قطعت جهيزة قول كلّ خطيب: يضرب لمن يقطع على الناس كلامهم بجمعه.
(205) إن النّساء لحم على وضم إلا ما ذبّ عنه.
(206) كلّ ذات صدار خالة لي.
(207) كلّ شيء مهة ومهاة ما خلا النساء وذكرهنّ.
(208) أطرّي فإنّك ناعلة.
(209) أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك.
(210) ما لي ذنب إلا ذنب صحر.
(211) إنّ سرارها قوّم لي عنادها.
(212) وقعت في مرتعة فعيشي.
(213) ذري بما عندك ياليغاء.
(214) تحسبها حمقاء وهي باخس.
(215) توقّري يا زلزة.(6/70)
(214) تحسبها حمقاء وهي باخس.
(215) توقّري يا زلزة.
(216) تعلّم من أطفح: يزاد تعلّم لمن الذنب.
(217) قوّري والطفي.
(218) كالممهورة من مال أبيها: يضرب لمن يتحمّد بما لم يكن فيه.
(219) أنت كالممهورة إحدى خدمتيها.
(220) لو ذات سوار لطمتني.
(221) خرقاء وجدت صوفا.
(222) قيل لحبلى: ما تشتهين؟ فقالت: التمر وواها ليه.
(223) لن تعدم الحسناء ذاما.
(224) إسق رقاش إنها سقّاية.
(225) القول ما قالت حذام.
(226) المرأة من المرء وكلّ أدماء آدم.
(227) إن النساء شقائق الأقوام: أي لهن مثل ما عليهن.
(228) عثرت على الغزل بأخرة فلم تدع بنجد قردة.
(229) اطرقي وميشي: يضرب لمن يخلط في كلامه.
(230) لا تحمد أمة عام اشترائها ولا حرّة عام ابتنائها.
(231) كلّ ذات ذيل تختال.
(232) خرقاء وجدت ثلّة.
(233) لا تعدم صناع ثلّة.
(234) خرقاء ذات نيقة.
(235) خرقاء عيّابة.
(236) لا تعظيني ولا تعظعظي.(6/71)
(235) خرقاء عيّابة.
(236) لا تعظيني ولا تعظعظي.
(237) محسنة فهيلي.
(238) الثّيّب عجالة الرّاكب: يضرب في الحثّ على الرضا باليسير إذا أعوز الكثير.
(239) كالفاخرة بحدج ربّتها.
(240) وحمى ولا حبل.
(241) يا عبرى مقبلة، ويا سهرى مدبرة.
(242) جلّت الهاجن عن الولد: الهاجن الصغيرة.
(243) قد كنت مصفرّة قبل عاشرينا.
(244) وأخبرينا أخبرها دماءها.
(245) حانية مخضبة.
(246) إلا حظيّة فلا أليّة.
(247) كفّا مطلّقة تفتّ اليرمع.
(248) جعلت ما بها بي، وانطلقت تلمز.
(249) من حظّك نفاق أيّمك.
(250) إنّ الحماة أولعت بالكنّة وأولعت كنّتها بالظّنّة.
الأمثال في: القبائل والآباء والأمهات والشيوخ والصبيان والإخوة والأخوات والأحرار والعبيد والإماء
(251) أتية من فقيد ثقيف: وهو الذي هوى امرأة أخيه فتاه حيّا.
(252) أتية من أحمق ثقيف: هو يوسف بن عمر، وهو من التّيه والكبر.
(253) أذلّ من قيسي بحمص.
(254) أضلّ من قارظ عنزة.(6/72)
(253) أذلّ من قيسي بحمص.
(254) أضلّ من قارظ عنزة.
(255) أفسى من عبدي.
(256) أبطش من دوسر، كتيبة النعمان.
(257) أحنى من الوالد.
(258) أحنى من الوالدة.
(259) أخرق من صبيّ.
(260) أشجع من صبي.
(261) أضبط من صبي.
(262) أظلم من صبي.
(263) أكذب من صبي.
(264) أبخل من صبي.
(265) أبكى من يتيم.
(266) أسرع من دمعة الخصيّ.
القبائل
(267) لا يدرى أسعد الله أكثر أم جذام.
(268) فرق ما بين معد تحابّ.
(269) قدما كل المعدى أكل سوء.
(270) وافق شنّ طبقة.
(271) لولا وئام هلكت جذام.
(272) بعد الدّار كبعد النّسب.
(273) أرعى فزارة لا هناك المرتع.
(274) يا شنّ أثخني قاسطا.(6/73)
(273) أرعى فزارة لا هناك المرتع.
(274) يا شنّ أثخني قاسطا.
(275) لا تعدم من ابن عمك نصرا.
(276) يا بعضي دع بعضا: يضرب في عطف ذي الرحم.
(277) ربّ ابن عم ليس بابن عمّ لك.
(278) ربضك منك وإن كان سمارا.
(279) تباعدت العمة عن الخالة.
(280) إلى أمّه يلهف اللهفان.
(281) لست على أمّك بالدّهنا تدلّ.
(282) هل لك في أمّك مهزولة؟ قال: إنّ معها إخلابة، يضرب للرجل يحض على حق يلزمه فيرضى فيه بأمر مقارب.
(283) أمّ فرشت فأنامت.
(284) تنهانا أمّنا عن الغيّ وتعدو له فيه.
(285) لم ولمه عصيت أمي الكلمة؟ يضرب عند الندم على معصية الشقيق.
(286) هوت أمّه وهبلته لمه. يقال في مدح الأب.
(287) من أشبه أباه فما ظلم.
(288) كلّ فتاة بأبيها معجبة.
(289) لا أبوك نشر ولا التراب نفد.
(290) من يكن أبوه حذّاء تجدّد نعلاه.
الأخ
(291) ربّ أخ لم تلده أمك.
(292) هذا التصافي لا تصافي المحلب.
(293) إذا عزّ أخوك فهن.(6/74)
(292) هذا التصافي لا تصافي المحلب.
(293) إذا عزّ أخوك فهن.
(294) اسق أخاك النمريّ.
(295) الناس إخوان وشتّى في الشّيم.
(296) انصر أخاك ظالما أو مظلوما.
(297) مكره أخوك لا بطل.
(298) من لك بأخيك كلّه.
(299) أخوك من صدقك.
(300) إن أخاك ليسرّ بأن يعتقل: يقال في الذم.
(301) من كلّ شيء تحفظ أخاك إلّا من نفسه.
(302) إن على أختك تطردين: أي قد أعدّ لك قرنك.
(303) لا تلم أخاك، واحمد ربّا عافاك.
(304) إذا ترضّيت أخاك فلا إخاء لك به.
(305) أنا عذله وأخي خذله، وكلانا ليس بابن أمه.
(306) لا يدعى للجلّى إلا أخوها.
(307) النّفس تعلم من أخوها.
الشيوخ
(308) بئس مقام الشّيخ أمرس أمرس.
(309) كل امرىء سيعود مريئا.
(310) من العناء رياضة الهرم.
(311) تركته تقاس بالخداع: يضرب للشيخ، أي هو شاب في جلده.
(312) أهون هالك عجوز في عام سنة.
(313) أهون مظلوم عجوز معقوقة.(6/75)
(312) أهون هالك عجوز في عام سنة.
(313) أهون مظلوم عجوز معقوقة.
الشاب والصبيّ
(314) كان ذلك من شبّ إلى دبّ.
(315) كلّ امرىء في بيته صبيّ.
(316) اتّق الصبيان لا تصبك بأعقائها.
(317) أدرك القويّمة لا تأكلها الهويّمة.
العبيد
(318) عبد صريخه أمة.
(319) استعنت عبدي فاستعان عبدي عبده.
(320) مساواك عبد غيرك.
(321) ليس عبد بأخ لك.
(322) عبد وخلّي في يده.
(323) أعطي العبد كراعا. ومثله.
(324) عبد ملك عبدا فطلب دراعا.
(325) الحر يعطى والعبد يألم قلبه.
(326) يا عبد من لا عبد له.
(327) حبيب إلى عبد سوء محكده.
(328) احمل العبد على فرس إن هلك، هلك، وإن عاش فلك.
(329) لا أفعل ذلك ما أبس عبد بناقته.
(330) عبد أرسل في سومه.
(331) هو العبد زلمة.(6/76)
(331) هو العبد زلمة.
الإماء
(332) لا تفش سرّك إلى أمة.
(333) لا تفاكه أمة، ولا تبل على أكمة.
(334) كالأمة تفخر بحدج ربّتها.
(335) تركته تغنّيه الجرادتان: أي لاهيا في إمائها.
(336) تلقى أمة عملها.
(337) من أضرب بعد الأمة المعارة؟
(338) هاجت زبراء: وهي جارية أحنف.
الغلمان
(339) لا تغز إلّا بغلام قد غزا.
(340) كيف بغلام قد أعياني أبوه.
(341) تبشرني بغلام قد أعياني أبوه.
الأحرار
(342) لا حرّ بوادي عوف.
(343) تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها.
(344) أنجز حرّ ما وعد.
الولد
(345) ولدك من دمّى عقبيك.
(346) ابنك ابن بوحك.
(347) من سرّه بنوه، ساءته نفسه.
(348) إن الموصّين بنو سهوان.(6/77)
(347) من سرّه بنوه، ساءته نفسه.
(348) إن الموصّين بنو سهوان.
(349) زيّن في عين والد ولده.
(350) هم في أمر لا ينادى وليده.
(351) أبهذا الذين يشبهون.
(352) يعود لما أبنى فيهدمه حسل: يعني ولده.
(353) مثل ابنة الجبل مهما يقل تقل.
(354) أنا ابن بجدتها.
(355) تحلب بنيّ وأشدّ على يديه يقال لمن يفتي غيره على فعل ينسبه إليه وهو فاعل.
(356) دع بنيّات الطريق: أي خذ معظم الطريق، أي الأمر.
(357) احفظي بيتك ممّن لا تنشدين.
(358) بنت برح.
(359) بنت طبق.
(360) شرّك على رأسك: يقال ذلك في الشيء إذا استعظموه من داهية وغيرها.
الأمثال في النفس والجسد والأعضاء والجوارح والشّعر وما يشبه ذلك.
(361) أسرع من العير.
(362) أسرع من طرف العين.
(363) أسرع من لمح البصر.
(364) أوهى من طرف المؤق.
(365) أجرد من صلعة.
(366) أهدى من اليد إلى الفم.
(367) أعرى من إصبع.(6/78)
(366) أهدى من اليد إلى الفم.
(367) أعرى من إصبع.
(368) أقصر من اليد إلى الفم.
(369) أهدى من الإنسان إلى فيه.
(370) أسرع من اليد إلى الفم.
(371) أدقّ من الشعر.
(372) أهون من الشعر الساقط.
(373) ألزم من شعرات القصّ.
(374) ألزم من اليمين للشمال.
(375) أفرغ من يد تفتّ اليرمع.
(376) أقصر من أنملة.
(377) أذلّ من يد في رحم.
(378) أضعف من يد في رحم.
(379) أعيى من يد في رحم: يراد الجنيف.
(380) أحمق من الممتخط بكوعه.
(381) أدنى من حبل الوريد.
(382) أشكّ من ناب جائع.
(383) أعظم كمرا من الحواثر.
(384) آكل من الضّرس.
النّفس والجسد
(385) ألقى عليه شرا شره: أي ألقى نفسه عليه من حبه.
(386) ألقى عليه بعاعه. مثله.
(387) ألقى عليه أوراقه.(6/79)
(386) ألقى عليه بعاعه. مثله.
(387) ألقى عليه أوراقه.
مثل ذلك:
(388) هجم عليه نقابا: أي بنفسه.
(389) ضرب على ذلك الأمر حاشه: أي نفسه.
(390) ألقى عليه أجرامه وأجرانه: أي هواه.
(391) ضرب عليه جروته: أي وطن عليه نفسه.
(392) صدقته الكذوب: يعني نفسه.
(393) ما أنت بأنجاهم مرقة: يعني نفسا.
(394) النفس أعلم من أخوك النافع.
(395) أكذب النفس إذا حدّثتها.
(396) النفس مولعة بحبّ العاجل.
(397) ما زلت أفتل في الذّروة والغارب.
(398) نفسي تعلم أني خاسر.
(399) حتى أسمحت قرونته وقرينتيه وقرينيه أيضا.
(400) النفس عروف: أي إذا نزل أمر اعترفت نفسك بما نجحجح أعلم.
الرأس والعنق
(401) هو في ملء رأسه: أي هو فيما يشغله.
(402) جاحش عن خيط رقبته: يضرب للذي يدافع عن دمه.
(403) أعطاه بقوف رقبته: أي بجملته.
(404) أخذه بقوف رقبته.
(405) وأخذه سوط رقبته.
(406) وأخذه بظوف رقبته.(6/80)
(405) وأخذه سوط رقبته.
(406) وأخذه بظوف رقبته.
(407) يولغ به المخنّق.
(408) في رأسه خطّة.
(409) في رأسه نعرة.
(410) رماه بأقحاف رأسه أي بالدواهي.
(411) هو قفا غادر شرّ.
(412) من نجا برأسه فقد ربح.
(413) وقع في سي رأسه: يريد به الخصب والخير. وسيء برأسه وسوا رأسه وسوأ رأسه.
(414) تقطّع أعناق الرجال المطامع.
(415) رأس برأس وزيادة مائة.
(416) رمي منه في الرأس: يضرب في البغض حتى لا ينظر إليه.
(417) اختلفت رؤوسها فرتعت: يقال في اختلاف الآراء.
(418) إني لآكل الرأس وأعلم ما فيه.
الوجه
(419) وجه المحرّش أقبح.
(420) أقبح في وجه المآل تعرف إمرته.
(421) ما يعرف قطاته من لطاته.
(422) قبل البكاء كان وجهك عابسا.
(423) وابآبي وجوه اليتامى: يضرب في التحنّن على الأقارب.
اللحية والشعر
(424) فلم خلقت إذا لم أخدع الرجال: يعني لحيته.
(425) أصهب السّبال: من أسماء العدو.(6/81)
(424) فلم خلقت إذا لم أخدع الرجال: يعني لحيته.
(425) أصهب السّبال: من أسماء العدو.
(426) اقشعرّت منه الذوائب: يضرب في الجبان.
العين
(427) نظرت إليه عرض عين.
(428) نظرة من ذي علق.
(429) عينه فرارة.
(430) أعور، عينك والحجر.
(431) جعلته نصب عيني.
(432) لا آتيك ما حملت عيني الماء.
(433) ما بها عين وما بالدار عين.
(434) وما سقت عيني الماء.
(435) عند فلان من المال عائرة عين: يراد به الكثرة.
(436) إذا جاء الحين، حارت العين.
(437) أزرق العين: من أسماء العدو.
(438) هو على حندر عينه: يضرب في البغض.
(439) لأرينّك لمحا باصرا: يضرب في التوعد.
(440) غرّه بين عيني ذي رحم.
(441) ليس لعين ما رأت، ولكن لكفّ ما أخذت.
(442) هو في مثل صدقة البعير.
(443) وفي مثل حولاء الناقة: أي في الخصب.
(444) عين عرفت فذرفت.
(445) لحظ أصدق من لفظ.(6/82)
(444) عين عرفت فذرفت.
(445) لحظ أصدق من لفظ.
(446) هو شديد جفن العين: يقال ذلك للصبور على السهر.
(447) احذر إذا احمرّت حماليقه.
(448) ليست لما قرّت به العين ثمن.
(449) أطلب أثرا بعد عين.
(450) بعين ما أرينّك: أي اعجل وكن كأني أنظر إليك.
الأذن
(451) لا يسمع أذنا خمشا: أي لا يقبل نصحا.
(452) ليست على ذلك أذني: أي سكت عنه.
(453) أساء سمعا، فأساء إجابة.
(454) بأذن السماع سميت: معناه أن فعلك يصدق.
(455) من يسمع يخل.
(456) جاء بأذني عناق الأرض: أي بالباطل والكذب ويقال في الداهية أيضا.
(457) جعلت ذلك دبر أذني.
(458) جاء ناشرا أذنيه: أي طامعا.
الأنف
(459) كل شيء أخطأ الأنف جلل.
(460) أرغت حيث لا يضع الراقي أنفه.
(461) جرحه حيث لا يضع الراقي أنفه: أي لا دواء له.
(462) أنفك منك وإن كان أجدع.
(463) شفيت نفسي وجدعت أنفي.(6/83)
(462) أنفك منك وإن كان أجدع.
(463) شفيت نفسي وجدعت أنفي.
(464) مات فلان حتف أنفه.
(465) أنف في السماء وإست في الماء.
(466) جدع الحلال أنف الغيرة قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(467) كاس أنفه فيما يكره.
(468) أفعله رغم أنفه.
(469) لا أحبّ رئمان أنف وأمنع الضّرع.
(470) ربّ حام لأنفه وهو جادعه.
(471) شامخ بأنفه: يعني الصلف.
(472) لمكر ما جدع قصير أنفه.
(473) أنفك منك وإن دنّ.
الأسنان
(474) إنه ليحرق عليه الأرّم.
(475) قد تحدته من بنات النواجز.
(476) قد عضّ على نواجزه.
(477) متى عهدك بأسفل فيك: أي متى أبعدت فضرب مثلا للأمر القديم.
(478) ما في فيه حاكّه ولا تاكّه.
(479) جاء تضبّ لثته: يراد به الحرص.
(480) جاء وهو يقرع سن نادم.
(481) أعييتني بأشر فكيف بدردر؟
(482) أهد لجارك أشد لمضغك يقول: إذا أهديت أهدوا إليك.(6/84)
(481) أعييتني بأشر فكيف بدردر؟
(482) أهد لجارك أشد لمضغك يقول: إذا أهديت أهدوا إليك.
(483) الصبي أعلم بمضغ فيه.
(484) ضرّسوا فلانا: إذا أدموه، اللسان والنطق.
(485) كدمت غير مكدم.
(486) أهون مرزئة لسان ممخ.
(487) عليه من الله لسان صالحة: يقال ذلك في الثناء.
(488) من عضّ عليّ شبدعة سلم من الآثام: يريد اللسان.
(489) سكت ألفا ونطق خلفا.
(490) سرت إلينا شبادعهم: أي ذمهم وعيبهم.
(491) مقتل الرجل بين فكّيه.
الذقن
(492) ذليل استعان بذقنه.
(493) أفلتني جريعة الذقن.
(494) لألحقن حواقنك بذواقنك.
الفم
(495) كلّ جان يده إلى فيه.
(496) جرى منه مجرى اللّدود.
(497) لو وجدت إلى ذلك فاكرش لفعلته: أي لو وجدت سبيلا.
(498) فاها لفيك.
(499) أفواهها مجاسّها.
ويقال أيضا:
(500) أخاكها مجاسّها.(6/85)
ويقال أيضا:
(500) أخاكها مجاسّها.
(501) أراك بشر ما أحار مشفر.
(502) حيّاك من خلا فوه.
(503) ذكّرني فوك حماري أهلي.
(504) حدّثني فاه إلى فيّ.
(505) فلان خفيف الشّفة: أي قليل المسألة.
اليد
(506) أطعمتك يد شبعت ثم جاعت ثم شبعت، ولا أطعمتك يد جاعت ثم شبعت.
(507) إذا أرجحنّ شاصيا فارفع يدا، وإذا أرجعنّ أيضا.
(508) حلبت بالساعد الأشد: اليدين والفم.
(509) صفرت يداه لي عند فلان.
(510) يد ما تحجر في عكم: أي لا تخفى ولا تستر.
(511) بالسّاعد تبطش الكفّ.
(512) ذهبوا أيدي سبأ.
(513) على يديّ دار الحديث.
(514) هو على حبل ذراعك.
(515) أراد أن يأكل بيدين.
(516) لا تبطر صاحبك ذرعه: أي لا تحمله ما لا يطيق.
(517) ما تبلّ إحدى يديه الأخرى. يقال للبخيل.
(518) اقصر بذرعك.
(519) ارق على ظلعك.(6/86)
(518) اقصر بذرعك.
(519) ارق على ظلعك.
(520) يداك أوكتا وفوك نفخ.
(521) تركته على أنقى من الراحة.
(522) لقيته أول ذات يدين.
(523) كان فلان كراعا فصار ذراعا.
(524) كفّا مطلّقة تفتّ اليرمع.
(525) اليد العليا خير من اليد السفلى.
(526) إن الذليل ليس له عضد.
(527) فلان على يدي عدل.
(528) هذه يدي لك: يريد الانقياد.
(529) فلان يقلّب كفّيه على كذا: يقال عند الندم.
(530) سقط في يده: إذا ندم.
(531) رددت يده في فيه: إذا غطّته.
(532) فلان نازع يداي عاصيا.
(533) أعطاه عن ظهر يد.
(534) الأيدي الواحد بعشرة.
(535) ما لي بهذا الأمر يدان.
(536) فلان عندي باليمين وفلان عندي بالشمال.
(537) تربت يداك.
(538) هم عليه يد: أي مجتمعون.
(539) أشدد يديك بغرزه: أي ألزمه.
(540) عيّ أبأس من شلل.(6/87)
(539) أشدد يديك بغرزه: أي ألزمه.
(540) عيّ أبأس من شلل.
الصّدر
(541) شد للأمر حزيمه.
(542) جاء يضرب أصدريه: إذا جاء فارغا.
(543) تأبى ذلك بنات لببي.
(544) صدرك أوسع لسرّك.
الجنب
(545) عركت ذلك بجنبي.
(546) ما أبالي على أي قطريه وقع. وقتريه أيضا.
(547) بخيبة فلتكن الوجبة.
(548) من كلا جنبيك لا لبّيك.
البطن والظهر
(549) انقطع السّلى في البطن: أي فات الأمر.
(550) ما في بطنها نعرة: أي ليس بها حبل.
(551) بطني فعطّري، وسائري فذري.
(552) نزت به البطنة.
(553) كيف توقّي ظهر ما أنت راكبه؟
(554) قلب الأمر ظهرا لبطن.
(555) إن كنت تشد بي أزرك فارخه.(6/88)
(554) قلب الأمر ظهرا لبطن.
(555) إن كنت تشد بي أزرك فارخه.
(556) مات ببطنته لم يتغضغض منها شيء: يقال للبخيل.
(557) مات وهو عريض البطان.
(558) ما أعرفني كيف يجزّ الظهر.
(559) لا تجعل حاجتي منك بظهر.
(560) ببطنه يعدو مثل ذلك الذّكر.
(561) حوّلها من ظهرك إلى بطنك: أي أحلها إلى قرين.
(562) ما حكّ ظهري مثل يدي.
(563) عرف بطني تربة: قيل في ذروته وغاربه.
القلب والكبد
(564) يستمع المرء بأصغريه.
(565) اجعله في سويداء قلبك.
(566) ما أبردها على الكبد.
(567) هو بين الخلب والكبد.
(568) هو أسود الكبد.
الرّجل والساق
(569) رماه فأشواه: من الشواء وهي القوائم.
(570) إرق على ظلعك.
(571) قدح في ساقه.
(572) قرع له ساق.
(573) قرع له ظنبوبه إذا حدا.
(574) إن يدم أظلّك فقد نقب خفّي.(6/89)
(573) قرع له ظنبوبه إذا حدا.
(574) إن يدم أظلّك فقد نقب خفّي.
(575) بقّ نعليك وابذل قدميك.
(576) هلكوا على رجل فلان: أي في زمن فلان.
(577) لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا.
(578) شرّ ما أجاءك إلى مخّة عرقوب.
(579) أتتك بحائن رجلاه.
(580) لفلان قدم في الخير.
(581) جاء فلان يجرّ رجليه.
(582) لأطأنهم بأخمص رجلي.
(583) قد شمّرت ساقيها فشمرى.
(584) جاء بوركي خبر أرجلكم.
العروق
(585) أخبرته بعجري وبجري.
(586) فتح صدرك بعلم عجرك وبجرك.
(587) أيعيرني ببجري وينسى بجره.
(588) إن العروق عليها ينبت الشجر.
السه
(589) العين ذكاء السه.
(590) إيّاك وكل قرن أهلب.
(591) كالمصطاد أنت باسته.
(592) طار باست، فزعة.
(593) في استها ما لا يرى. يضرب لمن يميّره أكثر من مرآه.(6/90)
(592) طار باست، فزعة.
(593) في استها ما لا يرى. يضرب لمن يميّره أكثر من مرآه.
(594) اتّقى بسلحه سمره.
(595) جاء ينفض مذرويه.
(596) أفلت وانحصّ الذّنب.
(597) أفلت وله حصاص.
(598) قبل الضراط. استحصاف الأليتين.
(599) استه البائن أعلم.
(600) است لم تعوّد المجمر.
(601) إنك لتمدّ بسرم كريم.
(602) أريها استها وتريني القمر.
(603) أضحك من ضرطه، ويضرط من ضحكي.
(604) استه أضيق من ذلك.
(605) أضرطا وأنت الأعلى.
(606) استي اخبثى.
(607) إست في الأرض، وأنف في السماء.
الذكر
(608) نعم عوفك.
(609) إن الكمر أشباه الكمر.
(610) من يطل أير أبيه ينتطق به.
(611) لو خفت خصاهم ولكنها كالمزاد.
(612) هذا حر معروف.
(613) لا ماءك أبقيت ولا حرك أنقيت.(6/91)
(613) لا ماءك أبقيت ولا حرك أنقيت.
النكاح
(614) انكحيني وانظري.
(615) كمعلمة أمّها البضاع.
(616) لقوة صادفت قبيصا.
(617) بالرّفاء والبنين.
(618) هنئت فلا تنكه.
(619) قرب الوساد وطول السّواد.
(620) من ينكح الحسناء يعط مهرا.
الأمثال في الإبل والخيل والبغال والحمير
(621) أحقد من جمل.
(622) أحسن من شنف الأنضر.
(623) أخفّ حلما من بعير.
(624) أخيب من ناتج سقب من حائل.
(625) أخلف من ثيل البعير.
(626) أخلف من بول البعير.
(627) أذلّ من السّقبان بين الحلائب.
(628) أذلّ من الحوار.
(629) أخبط من عشواء.
(630) أذلّ من بعير سانية.
(631) أروى من بكر هبنّقة.
(632) أصول من جمل.
(633) أصبر من عود بدفّيه جلب.(6/92)
(632) أصول من جمل.
(633) أصبر من عود بدفّيه جلب.
(634) أصبر من ذي ضاغط معرّك.
(635) أشرب من الهيم.
(636) أغير من الفحل.
(637) أغير من الجمل.
(638) ألأم من سقب ريّان.
(639) أملخ من لحم الحوار.
(640) أهون من ضرطة الجمل.
(641) أثقل من حمل الدّهيم.
(642) أتخم من فصيل.
(643) أحمق من الرّبع.
(644) أنفر من أزبّ.
(645) أهدى من جمل.
(646) أشأم من قاشر: وهو فحل.
(647) أعزّ من الأبلق العقوق.
(648) أشهر من فارس الأبلق.
(649) أشهر من راكب الأبلق.
(650) أسمع من فرس.
(651) أشأم من خميرة.
(652) أطوع من فرس.
(653) أعدى من فرس.
(654) أقصر من ظاهرة الفرس.(6/93)
(653) أعدى من فرس.
(654) أقصر من ظاهرة الفرس.
(655) أجرأ من فارس خصاف.
(656) أجرأ من خاصى خصاف.
(657) أتعب من رائض مهر.
(658) أحسن من الدّهم الموقّفة.
(659) أبصر من فرس.
(660) أخلف من ولد الحمار.
(661) أذلّ من عير أبي سيارة.
(662) أذل من حمار مقيد.
(663) أجهل من حمار.
(664) أقصر من غبّ الحمار.
(665) أعقم من بغلة.
(666) أعقر من بغلة.
(667) أهون من ذنب الحمار على البيطار.
(668) أتبع من تولب.
(669) أشأم من داحس.
(670) أشأم من الزرقاء: قالوا هي الناقة، وربما نفرت وذهبت في الأرض.
(671) أكذب من الأخيذ الصيحان: قالوا: هذا الفصيل الذي أتخم من اللبن وقيل غير ذلك.
(672) أشأم من سراب: وهي ناقة البسوس.
(673) أسرع من فريق الخيل: يريد السابق الذي يفارقها.
(674) أنشط من عير الفلاة.(6/94)
(673) أسرع من فريق الخيل: يريد السابق الذي يفارقها.
(674) أنشط من عير الفلاة.
(675) أضرط من حمار.
(676) أحمق من أمّ الهنبر: قالوا هي الهنبر ولد الحمار وأمه الأتان.
الإبل
(677) صدقني سنّ بكره.
(678) كانت عليهم كراغية البكر.
(679) أكرم نجر الناجيات نجره.
(680) كلّ نجار إبل نجارها.
(681) نجارها نارها.
(682) لا تنسبوها وانظروا ما نارها: قالوا ذلك للبعير.
(683) أصوص عليها صوص: الأصوص الناقة الحائل السمينة.
والصوص الرجل اللئيم.
(684) أخذت الإبل أسلحتها.
(685) أعجب حيا نعمه.
(686) يهيّج لي السّقام، شولان البروق في كل عام.
(687) أصبر من عود.
(688) إني والله لا أحسن تكذابك وتأثامك، تشول بلسانك شولان البروث.
(689) كالمهدر في العنّة.
(690) لا يعدم الحوار من أمّة حنّة.
(691) لا تعدم ناقة من أمّها حنّة.
(692) تكذابك وتأثامك، تشول بلسانك شولان البرق.(6/95)
(691) لا تعدم ناقة من أمّها حنّة.
(692) تكذابك وتأثامك، تشول بلسانك شولان البرق.
(693) كفضل ابن المغاض على الفصيل: يراد به التقارب.
(694) استنّت الفصلان حتى القريعي.
(695) امهلني فواق ناقة.
(696) لا آتيك ما حنت النيب إلى النيب.
(697) لا آتيك ما أطّت الإبل.
(698) ما أفعل ذلك حتى يلج الجمل في سمّ الخياط.
(699) الغاشية تهيج الآبية.
(700) إن الغاشية تعشى النّابية.
(701) حرّك لها حوارها تحن.
(702) الفحل يحمى شوله معقولا.
(703) أدع لها حوارها تحن.
(704) زاحم بعود أو دع.
(705) الذّود إلى الذّود إبل.
(706) اذهبي فلا أنده سربك.
(707) شنشنة أعرفها من أخزم.
(708) إن جرجر العود فزده ثقلا، وإن إعيا فزده نوطا.
(709) إنما يجزي الفتى ليس الجمل.
(710) لا يضير الحوار وطء أمه.
(711) هل تنتج الناقة إلا لمن لقحت.
(712) أخلبت ناقتك أم أحلبت.
(713) رئمت لفلان بوّ ضيم.(6/96)
(712) أخلبت ناقتك أم أحلبت.
(713) رئمت لفلان بوّ ضيم.
(714) غلبت جلّتها حواشيها.
(715) عود يقلّح.
ومثله:
(716) ومن العناء رياضة الهرم.
(717) عود يعلّم العنج.
(718) استنوق الجمل.
(719) جاؤوا على بكرة أبيهم.
(720) اللّقوح الرّبعية مال وطعام.
(721) القزم من الأفيل.
(722) إذا زحّف البعير أعيته أذناه.
(723) اضربه ضرب غرائب الإبل.
(724) لا ناقتي في هذا ولا جملي.
(725) هان على الأملس ما لاقى الدّبر.
(726) هما كركبتي البعير.
(727) ما تقرن بفلان الصعبة.
(728) شتى تؤوب الحلبة.
(729) أدرك أرباب النّعم: أي من كان له عناية بالأمر.
(730) لكل أناس في بعيرهم خبر.
(731) عرض عليّ الأمر سوم عالة.
(732) ما استتر من قاد الجمل.
(733) كفى برغائها مناديا.(6/97)
(732) ما استتر من قاد الجمل.
(733) كفى برغائها مناديا.
(734) عرف حميقا جمله.
(735) اختلط المرعى بالهمل.
(736) إن تسلم الجلة فالنيب هدر.
(737) قودوه لي باركا.
(738) ضرب البعير في جهازه: إذا مات وضرب في رقبته.
(739) اتّخذ الليل جملا تدرك.
(740) إن الضّجور قد تحلب العلبة.
(741) كلّ أزبّ نفور.
(742) ما أرخص الجمل لوما الهرّ.
(743) كالنّازي بين القرينين.
(744) وقع القوم في سلى جمل: يراد به الشدة.
(745) هذا أمر لا تبرك عليه الإبل، أي شديد.
(746) وما هو في العير ولا في النفير.
(747) يخبط خبط عشواء.
(748) كلكم فليحتلب صعودا.
(749) يا إبلي عودي إلى مباركك.
(750) أرخت مشافرها للعس والحلب.
(751) عشمشم يغشى الشجر: وهما الأيهمان.
(752) جلّ الولد عن الهاجن.
(753) بئس العوض من جمل قيده.
(754) عجبا تحدث أيها العود.(6/98)
(753) بئس العوض من جمل قيده.
(754) عجبا تحدث أيها العود.
(755) لا يجمل الكذب بالشيخ.
(756) إحدى نواده البكر.
(757) أعديتني فمن أعداك؟ يخاطب ناقته وقد تثاءبت لتثاؤب لص فتثاءب لتثاؤبها.
(758) ناب وقد تقطع الدّوّيّة.
(759) كلّا زعمت العير لا تقاتل.
(760) الإبساس قبل الإيناس.
(761) لا أفعل ذلك ما أرزمت أم حائل.
(762) آخر البزّ على القلوس: يعني الدهيم التي حملت رؤوس زناد الذهلي.
(763) ما له سارحة ولا رائحة.
(764) لا أفعل ذلك ما حنّت الدهماء.
(765) لا أفعل ذلك ما حنّت النيب.
(766) لا أفعل ذلك. ما أطّت الإبل.
(767) لقد كنت وما يقاد بي البعير.
(768) لا تراهن على الصعبة، ولا تنشد القريض.
(769) الحرام يركب من لا حلال له.
(770) قد لا يقاد بي الجمل.
(771) ضرّح الشموس ناجزا بناجز.
(772) أوسعتهم سبّا وأودوا بالإبل.
(773) العنوق بعد النوق.
(774) يوم بيوم الخفض المجوّر.(6/99)
(773) العنوق بعد النوق.
(774) يوم بيوم الخفض المجوّر.
(775) كالحادي وليس له بعير.
(776) في مثل حدقة البعير.
(777) هم في مثل حولاء الناقة: مثل ذلك يريدون العشب والخصب.
الخيل
(778) هذا أوان الشّدّ، فاشتدّي زيم: زيم اسم فرس.
(779) كان جذعا باسقا من صوره، ما بين لحييه إلى سنوره.
(780) إنه لحثيث التوالي وسريع التوالي: يقال للفرس، وتواليه، مآخيره.
(781) لا يعدم شقيّ مهرا.
(782) طلب الأبلق العقوق.
(783) كان جوادي فخصي.
(784) كلّ مجر بالخلاء يسرّ.
(785) جري مذك حسرت عنه الحمر.
(786) جري المذكّيات غلّاب.
(787) مذّكية تقاس بالجذاع.
(788) الخيل تجري على مساويها.
(789) قد تبلغ القطوف الوساع.
(790) جاء فلان وقد لفظ لجامه.
(791) تجري يليق وتذم: ويليق اسم فرس.
(792) إن الجواد عينه فراره.
(793) هما كفرسي رهان.
(794) الخيل أعلم بفرسانها.(6/100)
(793) هما كفرسي رهان.
(794) الخيل أعلم بفرسانها.
(795) أحشّك وتروثني.
(796) عرفتني نسأها الله.
(797) تقفز الجعثن بي، يا مرّ ردها قعبا: يعني فرسه.
(798) شتّى تؤوب الحلبة: قالوا: هو في الخيل إذا عازف من الحلبة.
(799) غضب الخيل على اللّجم.
(800) لألحقن قطوفها بالمعناق.
(801) ترك الخداع من أجرى من مائة.
(802) كالأشقر إن تقدّم نحر، وإن تأخّر عقر.
(803) اتبع الفرس ولجامها.
(804) ما يشق غباره: أصله للخيل.
(805) أحقّ الخيل بالركض المعار.
الأمثال في الحمار
(806) أكرمت فارتبط.
(807) إذا أدنيت الحمار من الرّدهة فلا تقل له سأ.
(808) إذا قرّبت الحمار من الوهدة فلا تقل هد وهتّ.
(809) ودق العير إلى الماء: يضرب في المستسلم.
(810) أدنى حماريك فأزجري.
(811) أنكخنا الفرا، فسوف ترى.
(812) دون ذا أو ينفق الحمار.
(813) قد يضرط العير والمكواة في النار.
(814) إنك لآذى من العير إلى السهم.(6/101)
(813) قد يضرط العير والمكواة في النار.
(814) إنك لآذى من العير إلى السهم.
(815) اتخذوه حمار الحاجات.
(816) هما حماري العبادي.
(817) ما بقي منه إلا قدر ظمء الحمار.
(818) فلأضربنّه ضرب أداني الحمر.
(819) ذكّرني فوك حماري أهلي.
(820) ضرها جد العير الصّليّانة: يضرب للحالف.
(821) كان حمارا فاستأتن.
(822) أودى العير إلا ضرطا.
(823) ما بالعير من قماص.
(824) العير أوقى لدمه.
(825) جاء كخاصي العير.
(826) وقعا كعكمى عير.
(827) إن ذهب عير فعير في الرباط: لمن جاء مستجيبا.
(828) عير بعير وزيادة عشرة.
(829) عير عاره وتده.
(830) كل صيد في جوف الفرا.
(831) نجّى حمارا سمنه.
(832) لا يأبى الكرامة إلا حمار.
(833) سواسية كأسنان الحمار.
(834) قبل عير وما جرى.
(835) تركته جوف حمار: قيل لأنه لا ينتفع بشيء في بطنه ولا يؤكل وقيل غير ذلك.(6/102)
(834) قبل عير وما جرى.
(835) تركته جوف حمار: قيل لأنه لا ينتفع بشيء في بطنه ولا يؤكل وقيل غير ذلك.
(836) هو عير وحده وجحيش وحده.
(837) عير ركضته أمه، وركلته أيضا.
(838) قد حيل بين العير والنزوان.
(839) معيوراء تكادم.
(840) البغل نغل وهو لذلك أهل.
(841) الجحش لمّا فاتك الأعيار.
الأمثال في البقر والغنم والظباء
(841) أعجل من نعجة إلى حوض.
(842) أهون من ضرطة عنز.
(843) أقفط من تيوس البيّاع.
(844) أصرد من عير جرباء.
(845) أغرّ من ظبي مقمر.
(846) أصحّ من ظبي.
(847) أشقى من راعي ضأن ثمانين.
(848) أشغل من مرضع بهم ثمانين.
(849) أقفط من تيس بني حمّان.
(850) آمن من ظبي مقمر.
(851) أنوم من غزال.
(852) أوقل من وعل.
(853) أحمق من نعجة على حوض.(6/103)
(852) أوقل من وعل.
(853) أحمق من نعجة على حوض.
(854) أسخى من لافظة.
(855) أذل من اليعر.
(856) أذل من النّقد.
(857) أبله من ثور.
(858) أزهى من ثور.
الغنم والضأن
(859) لا تحبق في هذا الأمر عناق حوليّة.
(860) لا ينفط فيه عناق.
(861) عند النطاح يقلب الكبش الأجم.
(862) لا تنطح بها ذات قرن جمّاء.
(863) لا ينتطح فيه عنزان.
(864) لا أفعل ذلك حتى تجتمع مغزى الفزر.
(865) رمّدت الضأن فربّق ربّق.
(866) أضرعت المعزى فرمّق رمق، ورنّق أيضا.
(867) ماله عاطفة ولا نافطة.
(868) ماله ثاغية ولا راغية.
(869) عنز في حبل فاستتيست.
(870) المعزى تبهى ولا تبنى.
(871) كل شاة تناط برجلها.
(872) ما له هلّع ولا هلّعة. قالوا: هو الجري والقناص.
(873) خير حالبيك تنطحين.(6/104)
(872) ما له هلّع ولا هلّعة. قالوا: هو الجري والقناص.
(873) خير حالبيك تنطحين.
(874) حتفها تحمل ضأن بأظلافها.
(875) لا يعرف هرّا من بر: الهر: دعاء الغنم، والبر: سوقها.
(876) فرارة تسفهت قرارة: أي الضأن.
(877) نزو الفرار استجهل القرارا.
(878) أعنز بها كل داء.
(879) هيل هيل، درّي دبس. اسم شاة.
(880) لا تنطح جمّاء ذات قرن.
(1) (882) كالخروف أينما مال اتّقى الأرض بصوف.
(883) ما لفلان أمرّ ولا آمرة: الأمر: الخروف. الآمرة: الرحل.
(884) أجرى الله غنما خيرها.
(885) الخروف يتقلب على الصوف.
(886) كالكبش يحمل شفرة وزنادا.
(887) كل شاة معلقة برجلها.
(888) باءت غرار بكحل.
(889) الكلاب على البقر.
(890) نزو الفرار استجهل القرارا.
(891) ولد البقر من الوحش.
(892) إنما أكلت يوم أكمل الثور الأبيض.
(893) كالثور يضرب لما عافت البقر.
__________
(1) سقط سهوا عند الترقيم، الرقم (881).(6/105)
(894) تركت فلانا بملاحس البقر، أي الموضع لا أنيس به.
(895) جاء يجرّ بقره.
(896) من عيال البقر أولادها.
(897) في الظباء تركة.
(898) ترك ظبي ظلّه.
(899) كيف الطلا وأمه.
(900) لا أفعل ذلك ما لألأت به ظبي العرف بأذنابها.
(901) به داء ظبي.
(902) من لي بالسانح بعد البارح.
(903) ما يجمع بين الأروى والنعام.
(904) هو كادح الأروى بمثل مطرد الأوابد.
(905) تركتهم في كصيصة الظّبي.
(906) بحازج الأروى، قليلا ما ترى.
(907) أول الصيد فرع.
(908) تيس الحلب.
(909) ضب السحاة.
(910) قنفذ برقة.
(911) أرنب الخلة.
(912) شيطان الحماطة.
(913) ذنب الحمير.(6/106)
(913) ذنب الحمير.
الأمثال في الأسد والسّباع والوحوش
(914) أبخر من أسد.
(915) أجرأ من خاصي أسد.
(916) أجرأ من ذي لبد.
(917) أجرأ من أسامة.
(918) أجرأ من قسورة.
(919) أجرأ من ليث بخفّان.
(920) أجوع من ذئب.
(921) أحمى من أنف الأسد.
(922) أخف رأسا من الذئب.
(923) أخبث من ذئب الخمير.
(924) أخبث من ذئب الغضى.
(925) أختل من ذئب.
(926) أخون من ذئب.
(927) أخبّ من ذئب.
(928) أشجع من أسامة.
(929) أشجع من ليث عرّيسة.
(930) أشجع من ليث عفرّين.
(931) أشره من أسد.
(932) أصح من ذئب.
(933) أشدّ من أسد.
(934) أظلم من ذئب.(6/107)
(933) أشدّ من أسد.
(934) أظلم من ذئب.
(935) أعزّ من است النمر.
(936) أعز من أنف الأسد.
(937) أعدى من الذّئب.
(938) أعتى من الذئب.
(939) أعقّ من ذئبة.
(940) أمنع من لهاة الليث.
(941) أنشط من ذئب.
(942) أيقظ من ذئب.
(943) آلف من كلب.
(944) أبصر من كلب.
(945) أبخل من كلب.
(946) أبخر من فهد.
(947) أجوع من كلبة حومل.
(948) أشجع من كلب.
(949) أبول من كلب.
(950) أحمق من أم الهنبر.
(951) أحمق من جهيزة.
(952) أحذر من ذئب.
(953) أحول من ذئب.
(954) أحرص من ذئب.
(955) أخرس من كلب.(6/108)
(954) أحرص من ذئب.
(955) أخرس من كلب.
(956) أحرس من كلبة كريز.
(957) أخبّ من ثعالة.
(958) أختل من ثعالة.
(959) أخيل من ثعالة.
(960) أخيل من ثعلب في استه عهنة.
(961) أروغ من ثعالة.
(962) أزنى من قرد.
(963) أزنى من هجرس.
(964) أزنى من ضيون.
(965) أزنى من قط.
(966) أزنى من هر.
(967) أجبن من هجرس.
(968) أزهى من ثعلب.
(969) أسرع من كلب إلى ولوغه.
(970) أعطش من ثعلب.
(971) أسرع من لحسة الكلب أنفه.
(972) أسمع من سمع.
(973) أذلّ من صيد ليث عفرّين.
(974) أعبث من قرد.
(975) أكسب من فهد.
(976) أكسب من ذئب.(6/109)
(975) أكسب من فهد.
(976) أكسب من ذئب.
(977) ألحّ من كلب.
(978) ألأم من كلب على عرق.
(979) ألوط من دب.
(980) أوقح من ذئب.
(981) أولغ من كلب.
(982) أنبش من جيأل.
(983) أنعس من كلب.
(984) أنوم من فهد.
(985) أجرأ من خاصي الأسد.
(986) أسرع غدرة من الذئب.
(987) أبقى عدوا من الذئب.
(988) أسلط من سلقة: وهي الذئبة.
(989) أنكد من كلب أجصّ.
(990) أجوع من ذئب.
(991) أعقّ من ذئبة.
(992) أعيث من جعار.
(993) أحمق من ضبع.
(994) أغزل من الفرعل.
(995) أفحش من كلب.
(996) أجوع من زرعة (وبني كلبة).
(997) (لا) قرار على زأر من الأسد.(6/110)
(996) أجوع من زرعة (وبني كلبة).
(997) (لا) قرار على زأر من الأسد.
(998) أخذه أخذ سبعة. قالوا: أراد سبعة وقيل: أراد العدو وقيل هو اسم الرجل.
الذئب
(999) أبشر بغزو كولغ الذئب.
(1000) من استرعى الذئب ظلم.
(1001) الذئب يأدوا للغزال ليأكله. ويقال: يدأى أي متدارك.
(1002) الذئب يكنى أبا جعدة.
(1003) سقط العشاء به على سرحان.
(1004) الذئب خاليا أشد.
(1005) الذئب مغبوط جائعا.
(1006) لقد كنت ما أخشّى بالذئب (فاليوم قيل: الذئب الذئب) ويضربون المثل ب:
(1007) الذئب الخمر.
(1008) وذئب الغضا.
(1009) وسرحان القصيم.
(1010) خشّ ذؤالة بالحبالة. الذؤالة: الذئب.
(1011) نزلنا ببلدة يتنادى أصرماها: وهما الذئب والغراب.
(1012) ذئب الغضى.
(1013) سرحان القصيم.
(1014) ضريت فهي تخطف: وضربت أيضا قيل أرادوا به الذئب.
(1015) الذئب أدغم: يضرب لمن يظن به الخير وليس كذلك لأن الذئاب دغم.(6/111)
(1014) ضريت فهي تخطف: وضربت أيضا قيل أرادوا به الذئب.
(1015) الذئب أدغم: يضرب لمن يظن به الخير وليس كذلك لأن الذئاب دغم.
(1016) الذئب للضّبع.
(1017) لبست له جلد النمر.
الضبع
(1018) أطرقي أم عامر.
(1019) خامري أم عامر.
(1020) خامري حضاجر أتاك ما تحاذر.
(1021) عيثي جعار.
(1022) الضبع تأكل العظام ولا تدري ما قذى استها.
(1023) كمجير أم عامر.
(1024) اعرض عليه خصلتي الضّبع الراكب.
(1025) أحاديث الضبع استها.
(1026) كرهت خنازير الحميم الموغر.
في الكلب
(1027) استعسب فلان استعساب الكلب.
(1028) على أهلها تجني براقش. وهي كلبة وقيل امرأة.
(1029) نعم كلب في بؤس أهله.
(1030) لا أفعل ذلك حتى ينام ظالع الكلاب.
(1031) سمّن كلبك يأكلك.
(1032) لا تقتن من كلب سوء جروا.
(1033) أحب أهل الكلب إلى الكلب الظّاعن.(6/112)
(1032) لا تقتن من كلب سوء جروا.
(1033) أحب أهل الكلب إلى الكلب الظّاعن.
(1034) فلان ما يعوي ولا ينبح.
(1035) كلب عسّ، خير من أسد ربض.
(1036) كلب عسّ خير من أسد أندسّ.
(1037) الكلب على البقر.
(1038) أجع كلبك يتبعك.
(1039) يبعث الكلاب عن مرابضها.
(1040) أحبّ أهل الكلب إليه خانقه.
(1041) عجلت ما عجلت الكلبة أن تلد ذا عينين.
(1042) النبح ومن بعيد، أهون من العدو من قريب.
(1043) على فلان واقية الكلاب.
(1044) لا يضرّ السحاب نباح الكلاب.
الثعلب
(1045) إنما فلان ذئب الثعلب.
(1046) لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب.
(1047) كذلك النّجار يختلف: مثل ينسب إلى الثعلب.
(1048) زمان أربت بالكلاب الثعالب.
الهر
(1049) إذا اعترضت كاعتراض الهرة، أوشكت أن تسقط في أفرة.
(1050) ما يعرف هرّا من برّ.(6/113)
(1050) ما يعرف هرّا من برّ.
الأمثال في الهوام والحشرات
(1051) آكل من السوس.
(1052) أجول من قطرب.
(1053) أشهر من قطرب.
(1054) أفسد من السوس.
(1055) أجوع من قراد.
(1056) أسمع من قراد.
(1057) أذل من قراد بمنسم.
(1058) أجهل من فراشة.
(1059) أضعف من فراشة.
(1060) أطيش من فراشة.
(1061) أخفّ من فراشة.
(1062) أخطأ من فراشة.
(1063) أجهل من عقرب.
(1064) أزبّ من عقرب.
(1065) أعدى من العقرب.
(1066) أجمع من الذرّة.
(1067) أضبط من ذرة.
(1068) أخفى من الذرّة.
(1069) أقطف من فريخ الذّرّ.
(1070) أشمّ من ذرّة.
(1071) أكسب من جراد.(6/114)
(1070) أشمّ من ذرّة.
(1071) أكسب من جراد.
(1072) أجرد من جراد.
(1073) أصفى من لعاب الجراد.
(1074) أصفى من لعاب الجندب.
(1075) أصرد من جرادة.
(1076) أسرى من جراد.
(1077) أعظم من جراد.
(1078) أغوى من غوغاء الجراد.
(1079) أفسد من الجراد.
(1080) أنزى من الجراد.
(1081) أزهى من ذباب.
(1082) أشقى من الذباب بالذباب.
(1083) أندى من الذباب.
(1084) أطيش من ذباب.
(1085) أمهن من ذباب.
(1086) أهون من ذباب.
(1087) أجلّ من الحرش: مثل يحكي عن الضب.
(1088) أشرد من ورل.
(1089) أصبر من ضب.
(1090) أضلّ من ضب.
(1091) أضل من ورل.
(1092) أطول ذماء من الضب.(6/115)
(1091) أضل من ورل.
(1092) أطول ذماء من الضب.
(1093) أسمع من ضب.
(1094) أروى من ضب.
(1095) أخبّ من ضب.
(1096) أخدع من ضب.
(1097) أحير من ضب.
(1098) أخير من ورل.
(1099) أظلم من ورل.
(1100) أعقّ من ضب.
(1101) أعقد من ذنب الضّب.
(1102) أعقد من بعج الضب.
(1103) أعمر من ضب.
(1104) أقصر من فتر الضب.
(1105) هو أعلم بضبّ من حرشه.
(1106) أقصر من إبهام الضّب.
(1107) أذل من حمار قبّان.
(1108) أطول ذماء من الخنفساء.
(1109) أخنس من الخنفساء.
(1110) أخس من الخنفساء.
(1111) أنحس من فاسية.
(1112) أسرع غضبا من فاسية.
(1113) ألجّ من الخنفساء.(6/116)
(1112) أسرع غضبا من فاسية.
(1113) ألجّ من الخنفساء.
(1114) ألزق من الجعل.
(1115) آكل من الحوت.
(1116) أسبح من نون.
(1117) أروى من الحوت.
(1118) أظمأ من حوت.
(1119) أعطش من حوت.
(1120) أشجع من ليث عفرّين.
(1121) أصنع من سرفة.
(1122) أوهن من بيت العنكبوت.
(1123) أصنع من النحل.
(1124) أصنع من دود القز.
(1125) أصعف من بقّة.
(1126) أعزّ من مخ البعوض.
(1127) أضبط من نملة.
(1128) أروى من النملة.
(1129) أعطش من النمل.
(1130) أكسب من النمل.
(1131) أكثر من النمل.
(1132) أقوى من النملة.
(1133) أقصر من زب النملة.
(1134) أقطف من نملة.(6/117)
(1133) أقصر من زب النملة.
(1134) أقطف من نملة.
(1135) أسرى من جراد.
(1136) أضلّ من ولد اليربوع.
(1137) أسرق من زبابة.
(1138) أكسب من فأر.
(1139) أطول من الحية.
(1140) أسمع من حية.
(1141) أظلم من الحية.
(1142) أظلم من أفعى.
(1143) أعدى من الحية.
(1144) أروى من الحية.
(1145) أعرى من الأيّم.
(1146) أثبت من قراد.
(1147) أظفر من برغوث.
(1148) أفحش من قالية الأفاعي.
(1149) أشهر من جرجر.
(1150) أسرى من أنقد.
(1151) أسمع من قنفذ.
(1152) أرسح من ضفدع.
(1153) أعطش من النقّاقّة.
(1154) أدبّ من قرنبي.
(1155) أخشن من الشّيهم.(6/118)
(1154) أدبّ من قرنبي.
(1155) أخشن من الشّيهم.
(1156) أجزم من حرباء.
(1157) أظلم من تمساح.
(1158) أعلق من قراد.
(1159) أغزل من عنكبوت.
(1160) أغزل من سرفة.
(1161) أفسد من أرضة.
(1162) أفسى من ظربان.
(1163) أقطف من حلمة.
(1164) ألزق من برام.
(1165) ألزق من قرنبى.
(1166) أنتن من ظربان.
(1167) أشرد من ورل الحضيض.
(1168) أسرع من تلمّظة الورل.
(1169) أشرد من ورل [الحضيض].
(1170) أضلّ من ورل.
(1171) أسمع من دلدل.
(1172) أعذر من أم أدراص.
(1173) أكثر من الدّبّاء.
(1174) أسوأ من جرادة.
(1175) أخطأ من ذبابة.(6/119)
(1175) أخطأ من ذبابة.
الضّب
(1176) أطعم أخاك من عقنقل الضّب، إنك إن تمنعه منه يغضب.
(1177) هذا أجلّ من الحرش.
(1178) أتعلّمني بضبّ أنا حرشته.
(1179) ما أبالي ما نهىء من الضبّ وما نضج.
(1180) ما نهىء من ضبّك.
(1181) كل ضب عنده مرداته.
(1182) لا أفعل ذلك سن الحسل.
(1183) خلّه درج الضبّ.
(1184) لا يكون ذلك حتى يحن الضب في أثر الإبل الصادرة.
(1185) ما هو إلا الضبّ كدية.
(1186) ضب قلعة.
(1187) ما هو إلا ضبّ كذا، وضب كلدة. أي لا يقدر عليه.
(1188) إن تك ضبّا فأنا حسلة.
(1189) أخذه أخذ الضبّ ولده.
(1190) أنا أعلم بضبّ احترشته.
(1191) إذا أخذت برأس الضّبّ أغضبته.
(1192) إذا أخذت بذنبه أغضبته.
(1193) الضبّ أخبث نفسه.
(1194) حتى يؤلف بين الضب والنون.
(1195) تطلب ضبّا وهذا ضبّ مخرج رأسه.(6/120)
(1195) تطلب ضبّا وهذا ضبّ مخرج رأسه.
الظربان
(1196) هما يتماشيان جلد الظّربان.
(1197) بينهما جلد الظّربان.
(1198) فسا بينهم ظربان.
القنفذ
(1199) ذهبوا إسراء قنفذ.
(1200) قنفذ برقة: يضرب به المثل.
الفأر
(1201) سرينا ليلة ابن انقذ.
(1202) أضلّ دريص نفقه.
(1203) سقط في أم أدراص بليل مضلل.
(1204) باب بليلة أنقد.
(1205) برّز نارك، وإن هزلت فارك.
الحوت
(1206) أحوتا تماقس؟
الحية
(1207) شيطان الحماطة: يضرب به المثل فهو الحية.
(1208) إنه لهتر أهتار، وصلّ أصلال.
(1209) صمى صمام ابنة الجبل. يراد به الحية.
(1210) هو كالأرقم إن يقتل ينقم، وإن يترك يلقم.
(1211) أطرق إطراق الشجاع.(6/121)
(1210) هو كالأرقم إن يقتل ينقم، وإن يترك يلقم.
(1211) أطرق إطراق الشجاع.
(1212) جاء بإحدى بنات طبق.
(1213) لا يلسع المؤمن من جحر مرتين.
(1214) قد بكرت شبوة تزبئرّ.
(1215) سرت إلينا شبارعهم. وهي العقارب.
(1216) دبّت إلينا عقاربهم.
(1217) تلدغ العقرب وتصيء الجراد.
(1218) لا أدري أي الجراد عاره.
(1219) جاء القوم كالجراد المشعل.
(1220) علقت معالقها وصرّ الجندب.
(1221) وقع في أم جندب.
(1222) قد بدت جنادعه.
القراد
(1223) القردان حتى الحلم.
(1224) فلانا يقرد فلانا: أي يحتال له بخدعة.
(1225) لا يليق هذا بصفري: والصفر: حية تكون في البطن.
(1226) القرنبى في عين أمها حسنة.
(1227) ما عليها خز بصيصة: قالوا: هي البقّة.
(1228) ما الذباب وما مرقته.
(1229) كلّفتني مخّ البعوض.
(1230) لا أفعل ذلك حتى يحجّ البرغوث.
(1231) طامر بن طامر: قالوا: هو البرغوث.(6/122)
(1230) لا أفعل ذلك حتى يحجّ البرغوث.
(1231) طامر بن طامر: قالوا: هو البرغوث.
(1232) أنا أغنى من التّفّة عن الرّفّه: قالوا: التفة: عتاق الأرض. الرفة:
التّبن.
الأمثال في الطيور ضواريها وبغاثها
(1233) آمن من حمام مكة.
(1234) آلف من حمام مكة.
(1235) أحمق من حمامة.
(1236) أخرق من حمامة.
(1237) آلف من غراب عقدة.
(1238) أبعد من بيض الأنوق.
(1239) أعزّ من بيض الأنوق.
(1240) أبصر من باز.
(1241) أبصر من عقاب (ملاع).
(1242) أحذر من فرخ عقاب.
(1243) أحزم من فرخ عقاب.
(1244) أخطف من عقاب.
(1245) أزهى من غراب.
(1246) أعز من الغراب الأعصم.
(1247) أعز من عقاب الجوّ.
(1248) أبصر من نسر.
(1249) أبصر من غراب.
(1250) أخيل من غراب.(6/123)
(1249) أبصر من غراب.
(1250) أخيل من غراب.
(1251) أحذر من غراب.
(1252) أبكر من غراب.
(1253) أبصر من الوطواط باللّيل.
(1254) أجبن من صافر.
(1255) أجبن من صفرد.
(1256) أجبن من كروان.
(1257) أجبن من ليل.
(1258) أجبن من نهار.
(1259) أحمق من نعامة.
(1260) أحذر من ظليم.
(1261) أروى من نعامة.
(1262) أحمق من رخمة.
(1263) أحمق من الحبارى.
(1264) أحمق من عقعق.
(1265) أسرع من عقعق.
(1266) ألصّ من عقعق.
(1267) أحذر من عقعق.
(1268) أحلم من فرخ الطائر.
(1269) أحسن من طاووس.
(1270) أحسن من الدّيك.
(1271) أخفّ رأسا من الطير.(6/124)
(1270) أحسن من الدّيك.
(1271) أخفّ رأسا من الطير.
(1272) أصفى من عين الديك.
(1273) أشجع من ديك.
(1274) أخفّ حلما من العصفور.
(1275) أخيل من ديك.
(1276) أزهى من ديك.
(1277) أزهى من طاووس.
(1278) أسخى من لافظة.
(1279) أسفد من ديك.
(1280) أسفد من عصفور.
(1281) أسلح من حبارى.
(1282) أسلح من دجاجة.
(1283) أشأم من طير العراقيب.
(1284) أشأم من غراب البين.
(1285) أشبه من الغراب بالغراب.
(1286) أشرد من ظليم.
(1287) أشرب من خفيدد.
(1288) أشم من نعامة.
(1289) أشمّ من هقل.
(1290) أصنع من تنوّط.
(1291) أصدق من قطاة.
(1292) أصفى من عين الغراب.(6/125)
(1291) أصدق من قطاة.
(1292) أصفى من عين الغراب.
(1293) أصغر من صعوة.
(1294) أقصر من إبهام القطاة.
(1295) أكذب من فاختة.
(1296) أكمد من حبارى.
(1297) أكبر من لبد.
(1298) أمنع من عقاب الجو.
(1299) أنفر من نعامة.
(1300) أندّ من نعامة.
(1301) أهدى من قطا.
(1302) أهدى من حمامة.
(1303) أصحّ من ظليم.
(1304) أحذر من قرلّي.
(1305) أحزم من قرلّي.
(1306) أبخر من صقر.
(1307) أثقل من زواقي: وهي الديكة.
(1308) أموق من الرخمة.
(1309) أموق من نعامة.
(1310) أنجب من نعامة.
(1311) أشد سوادا من حنك: وهي الديكة.
(1312) أنسب من قطاة.
(1313) أشأم من الشقراق.(6/126)
(1312) أنسب من قطاة.
(1313) أشأم من الشقراق.
(1314) وجد تمرة الغراب.
(1315) أذل من بضة البلد.
(1316) أقصر من إبهام الحبارى.
العنقاء والعقاب
(1317) حلّقت به عنقاء مغرب.
(1318) طارت بهم العنقاء.
(1319) أودت بهم عقاب ملاع.
(1320) عقاب قلاع، كأنه لبد.
(1321) إن البغاث بأرضنا يستنسر.
(1322) أنطقي يا رخم إنك من طير الله.
(1323) وقعت رخمته: إذا وافقه وأحبه.
النعام
(1324) الأوب أوب نعامة.
(1325) ما يجمع بين الأروى والنعام.
(1326) خفت نعامته.
(1327) شالت نعامتهم.
الصقر والبازي
(1328) صقر يلوذ حمامة بالعوسج.
(1329) وهل ينهض البازي بغير جناح؟!
(1330) ما رأيت صقرا يرصده خرب.(6/127)
(1329) وهل ينهض البازي بغير جناح؟!
(1330) ما رأيت صقرا يرصده خرب.
(1331) تقلّدها طوق حمامة.
الغراب
(1332) هم في خير لا يطير غرابه.
(1333) لا يكون كذا حتى يشيب الغراب.
(1334) فلان واقع الغراب.
مثل قوله:
(1335) إنّه لساكن الريح وسكنت ريحه.
(1336) تفرس الأسد المشتّم. وتفرق من صوت الغراب.
(1337) تركت فلانا بوحش الإصمت.
(1338) أخاك كغراب الصّرد.
(1339) هو غراب بن دأية. يقال ذلك للكذاب.
الحبارى
(1340) كل شيء يحب ولده حتى الحبارى.
(1341) أطرق كرا، إن النعام في القرى.
(1342) بات فلان كمد الحبارى.
(1343) أطرق كرا يحلب لك.
(1344) أطرق كرا إنك لن ترى.
(1345) وعيد الحبارى الصّقر.
القطا
(1346) لو ترك القطا ليلا لنام.
(1347) ليس قطا مثل قطيّ.(6/128)
(1346) لو ترك القطا ليلا لنام.
(1347) ليس قطا مثل قطيّ.
(1348) لاقيت الأخيل: دعاء على المسافر.
الطّير
(1349) إنه لواقع الطير. يقال للحليم.
(1350) كأن على رأسه الطير.
(1351) خلا لك الجو فبيضي واصفري.
(1352) ما يزجر الطير بأسمائها. وما يسمى البقل بأسمائه.
(1353) ليس هذا بعشّك فادرجي.
(1354) لا تأكل حتى تطير عصافير نفسك.
(1355) طار أنضجها.
(1356) طار طائره.
(1357) فلان طيور فيوء.
(1358) انقطع قويّ من قاوية، ويقال: قابية من قوبها.
(1359) كانت بيضة العقر.
(1360) كانت بيضة الديك.
(1361) فلان بيضة البلد: يقال في المدح والذّم.
(1362) أفرخ قيض بيضها المنقاض.
(1363) أفرخوا بيضتهم.
(1364) مررت بهم الجمّاء الغفير. قال بعضهم: الجماء: البيضة.
والغفير: الريش، يريد الكثرة.
(1365) كلفتني بيض السمائم.
(1366) كلفتني بيض السّماسم.(6/129)
(1365) كلفتني بيض السمائم.
(1366) كلفتني بيض السّماسم.
(1367) فلان ما يفقىء البيض.
(1368) فلان لا يريد الرادية.
(1369) فلان لا ينضج الكراع. يقال ذلك في الضعيف.
(1370) فلان يحمي بيضته.
الأمثال في السماء والهواء والشمس والقمر والكواكب
(1371) أطول من السّكاك.
(1372) أطول من اللّوح.
(1373) أرفع من السماء.
(1374) أنأى من الكواكب.
(1375) أبعد من الكوكب.
(1376) أبعد من النّجم.
(1377) أهدى من النّجم.
(1378) أوسع من اللّوح.
(1379) أبعد من مناط العيّوق.
(1380) أرقّ من الهواء.
(1381) أشهر من الشمس.
(1382) أشهر من القمر.
(1383) أشهر من البدر.
(1384) أطول صحبة من الفرقدين.
(1385) أنكد من تالي النجم.
(1386) أبين شؤما من زحل.(6/130)
(1385) أنكد من تالي النجم.
(1386) أبين شؤما من زحل.
(1387) أضيع من قمر الشتاء.
السماء والهواء
(1388) لا أفعل ذلك ما إنّ السماء سماء.
(1389) لا أفعل ذلك ما إنّ في السماء نجما.
(1390) لا أفعل ذلك ما عنّى في السماء نجم.
(1391) رأى فلان الكوكب ظهرا ومظهرا.
(1392) أريها السّهى وتريني القمر.
(1393) جلاء الجوزاء: يضرب للذي يتوعد ولا يصنع شيئا.
(1394) جاء بالضّحّ والرّيح. الضح: الشمس.
(1395) لا أفعل ذلك ما ذرّ شارق.
(1396) إن يبغ عليك قومك لا يبغ القمر.
(1397) لا آتيك السمر والقمر.
(1398) سر وقمر لك.
(1399) في القمر ضياء، والشمس أضوأ منه.
(1400) هل يخفى القمر؟!
في الليل والنهار والغداة والعشي والزمان والدهر والأحوال
(1401) أبقى من الدهر.
(1402) أبين من وضح الصّبح.
(1403) أبين من فلق الصّبح.
(1404) أشهر من فلق الصبح.
(1405) أضوأ من الصّبح.(6/131)
(1404) أشهر من فلق الصبح.
(1405) أضوأ من الصّبح.
(1406) أضوأ من ابن ذكاء.
(1407) أضوأ من نهار.
(1408) أطول من الفلق.
(1409) أطول من يوم الفراق.
(1410) أطول من شهر الصوم.
(1411) أطول من الدهر.
(1412) أطغى من الليل.
(1413) أطفل من ليل على نهار.
(1414) أحير من الليل.
(1415) أنمّ من الصبح.
(1416) أسير من الليل.
(1417) أنمّ من ذكاء.
(1418) أجرأ من الليل.
(1419) أظلم من اللّيل.
(1420) أقود من الليل.
(1421) أقود من وضح النهار.
(1422) أندى من الليل الماطر.
الليل والنهار
(1423) لا أفعل ذلك ما اختلف الجديدان والملوان والفتيان.
(1424) لا أفعل ذلك ما اختلف الصّرفان.
(1425) خير ليلة بالأبد، ليلة بين الزباني والأسد.(6/132)
(1424) لا أفعل ذلك ما اختلف الصّرفان.
(1425) خير ليلة بالأبد، ليلة بين الزباني والأسد.
(1426) السميرات عليك.
(1427) جرشا فتعشه، بالسين والشين، وهي الساعة.
(1428) الهوية من الليل.
(1429) باتت بليلة حرّة.
(1430) باتت بليلة شتاء.
(1431) ما يوم حليمة بسر.
(1432) ليلة ليلاء.
(1433) يوم أيوم.
(1434) المكثار كحاطب الليل.
(1435) الليل أخفى للويل.
(1436) سمّر ذيلا وادّرع ليلا.
(1437) اتخذ الليل جملا تدرك.
(1438) إن الليل طويل وأنت مقمر.
(1439) يوم النّازلين بنيت سوق ثمانين.
(1440) أسائر اليوم وقد زال الظهر.
(1441) إن مع اليوم غدا يا مسعدة.
(1442) وهل يخفى على الناس النهار.
(1443) ما أشبه الليل بالبارحة.
(1444) الليل وأهضام الوادي.
(1445) يذهب يوم الغيم ولا يشعر به.
(1446) اليوم ظلم.(6/133)
(1445) يذهب يوم الغيم ولا يشعر به.
(1446) اليوم ظلم.
(1447) إحدى لياليك فهيسي هيسي.
(1448) يريك يوم برأيه.
(1449) تركته على مثل ليلة الصدر.
(1450) من ير يوما يرّ به.
(1451) يوم بيوم الخفض المجوّر.
(1452) إحدى لياليك (فهيسي).
(1453) من ابن كل جدة تبليها عدة.
(1454) الليل أعور لا يبصر فيه.
(1455) لم أر كاليوم في الحريمة.
(1456) لم أر كاليوم واقية.
(1457) لا أفعل ذلك ما حدا الليل نهارا.
(1458) أصبح ليل.
(1459) أنا ابن جلا. يريدون النهار.
(1460) حلب فلان الدهر أشطره.
(1461) أودى به الأزلم الجذع.
(1462) ما نلتقي إلا عن عفر.
(1463) لا أفعله ما جمر ابن جمير: قالوا: السمير: الدهر، والجمير مثله.
(1464) لا أفعل ذلك سجيس الأوجس.
(1465) لا أفعل ذلك سجيس عجيس.
(1466) لا أفعل ذلك دهر الدهارير.(6/134)
(1465) لا أفعل ذلك سجيس عجيس.
(1466) لا أفعل ذلك دهر الدهارير.
(1467) لا أفعل ذلك أبد الأبيد.
(1468) من عتب على الدهر، طالت معتبته.
(1469) لا أفعل (ذلك) عوض العائضين، ولا أفعله عوضي.
(1470) قد بيّن الصبح لذي عينين.
(1471) أقمت عنده في ضغيغ دهره: أي قدر تمامه.
(1472) كان ذلك (زمن) الفطحل.
(1473) ضحّ رويدا.
(1474) لقيته قبل كلّ صيح ونفر.
(1475) لقيته صكّة عميّ.
(1476) أرقب لك صبحا.
(1477) لكل صباح صبوح.
(1478) برد غداة، غرّ عبدا من ظمأ.
(1479) عند الصباح يحمد القوم السّرى.
(1480) عش ولا تغتر.
(1481) يأتيك كل غد بما فيه.
(1482) لقيته ذات العويم.
(1483) وقع الناس في قحوط.
(1484) عش رجبا تر عجبا.(6/135)
(1484) عش رجبا تر عجبا.
الأمثال في: الأرض والجبال والرمال والحجارة والبلدان والمواضع والماء والنار والزناد والتراب والبحر
(1485) آمن من الأرض.
(1486) أصبر من الأرض.
(1487) أوثق من الأرض.
(1488) أوطأ من الأرض.
(1489) أحفظ من الأرض.
(1490) أحمل من الأرض.
(1491) آكل من النار.
(1492) أثقل من ثهلان.
(1493) أكتم من الأرض.
(1494) أكثر من الرمل.
(1495) أثقل من نضار.
(1496) أثقل من عماية.
(1497) أثقل من شمام.
(1498) أثقل من أحد.
(1499) أثقل من دمخ الدّماخ.
(1500) أسرع من الماء إلى قراره.
(1501) أرقّ من الماء.
(1502) أحمق من لاعق الماء.
(1503) أحمق من ماضغ الماء.
(1504) أصفى من الماء.(6/136)
(1503) أحمق من ماضغ الماء.
(1504) أصفى من الماء.
(1505) أحمق من القابض على الماء.
(1506) أذبّ من خباب الماء.
(1507) أحمق ممّن لطم طمّ الماء.
(1508) أحمق من ترب العقد.
(1509) أحرّ من النار.
(1510) أحرّ من الجمر.
(1511) آكل من النار.
(1512) أحسن من النار.
(1513) أحقر من التراب.
(1514) أحضر من التراب.
(1515) أخفى من الماء تحت الرّفّة.
(1516) أخلف من نار الحباحب.
(1517) أسرع من النار في يبيس العرفج.
(1518) أسرع من شرارة في قصباء.
(1519) أطمع من قالب الصخرة.
(1520) أطول صحبة من ابني شمام.
(1521) أطول من فرسخي دير كعب.
(1522) أصلب من جندل.
(1523) أصلب من حجر.
(1524) أقضى من صخر.
(1525) أقسى من الحجر.(6/137)
(1524) أقضى من صخر.
(1525) أقسى من الحجر.
(1526) أصبر من الحجر.
(1527) أجرى من الماء.
(1528) أظلم من رمل.
(1529) أعذب من ماء غادية.
(1530) أعذب من ماء المفاصل.
(1531) أعذب من ماء الحشرج.
(1532) أعرض من الدهناء.
(1533) ألذّ من ماء غادية.
(1534) أعطش من رمل.
(1535) أعذب من الماء البارق.
(1536) أعمق من البحر.
(1537) ألطف من الماء.
(1538) ألهف من قالب الصخرة.
(1539) أنمّ من التراب.
(1540) أوجد من الماء.
(1541) أوجد من التراب.
(1542) أوسع من الدّهناء.
(1543) أندى من البحر.
(1544) أيبس من الصّخر.
(1545) أهول من الحريق.
(1546) أسرع من الخذروف. وهو حجر يلعب به.(6/138)
(1545) أهول من الحريق.
(1546) أسرع من الخذروف. وهو حجر يلعب به.
(1547) ألقى من وحي في حجر.
(1548) فلان أكثر حصى من فلان: أي أكثر عددا.
(1549) أعطش من رمل العقد.
(1550) أشرب من الهيم: قيل هي رمال بعينها واحداتها: هيماء.
(1551) أسهل من جلدان: وهو حمى من وراء الطائف إلى ناحية اليمن.
(1552) أحمق من ناطح الماء.
(1553) أحمق من ماطخ الماء: والمطبخ: اللعوق.
(1554) أصفى من ماء المفاصل.
الأرض
(1555) قتل أرضا عالمها.
(1556) من سلك الجدد أمن العثار.
(1557) قتلت أرض جاهلها.
(1558) النقد عند الحافرة: قالوا: الحافرة الأرض وقيل غير ذلك.
(1559) إنّه لأريض للخير.
(1560) لقيه بين سمع الأرض وبصرها.
(1561) لقيته بوحش أصمت.
(1562) أخذت الأرض زخارفها.
(1563) تلك الأرض لا تقضّ بضعتها ولا تنعفر بضعها.
(1564) برح الخفاء. الخفاء: المتطأطىء من الأرض.
(1565) قالوا: أصايرا ظاهرا.
(1566) إن جانب أعياك، فالحق بجانب.(6/139)
(1565) قالوا: أصايرا ظاهرا.
(1566) إن جانب أعياك، فالحق بجانب.
(1567) من تجنب الخبار، أمن العثار.
(1568) التقى الثّريان.
(1569) لا تؤبس الثّرى بيني وبينك.
(1570) جاء بالطّمّ والرّم: الطم: البحر. والرم: الثرى.
(1571) أفق قبل أن يحفر ثراك.
(1572) خذ من الرّضفة ما عليها.
(1573) ما يبضّ حجره.
(1574) رمي فلان بحجره.
(1575) كانت وقرة في حجر.
(1576) وجّه الحجر وجهة ماله، وقد بيضت وجهة وجهه.
(1577) صمّت حصاة بدم.
(1578) الولد للفراش وللعاهر الحجر.
(1579) جاء فلان بالقض والقضيض.
(1580) يا حبذا الإمارة ولو على الحجارة.
(1581) كأنما ألقمه حجرا.
(1582) على ما خيّلت وعث القصيم.
(1583) هل بالرّمل من أوشال.
(1584) وقعوا في أم حبوكر: أم حبوكر: الرملة.
(1585) أشرق ثبير، كما نغير.
(1586) الله أعلم ما حطّها من رأس يسوم.
(1587) رماه بثالثة الأثافي.(6/140)
(1586) الله أعلم ما حطّها من رأس يسوم.
(1587) رماه بثالثة الأثافي.
(1588) هو إحدى الأثافي.
(1589) لكن بشعفين أنت جدود.
(1590) إن وراء الأكمة ما وراءها.
(1591) لا تفش سرك إلى أمة، ولا تبل على أكمة.
(1592) هو ابنة الجبل.
(1593) صمّي ابنة الجبل.
(1594) مهما يقل تقل.
(1595) الليل يوارى حضنا.
(1596) إذا قطعنا علما بدا علم.
(1597) أنجد من رأى حضنا.
(1598) ما حللت ببطن تبالة لتحرم الأضياف.
(1599) خذ منها ما قطع البطحاء.
(1600) كلا جانبي هرشي لهنّ طريق.
(1601) وقع في وادي خدبّات.
(1602) ألقت مراسيها بذي رمرام.
(1603) ألقت مراسيها بوادي مضلل.
(1604) ألقت مراسيها بوادي ثهلل.
(1605) تمرّد مارد وعزّ الأبلق.
(1606) يكفيك ما بلغك المحلا.
(1607) أمرع واديه وأجنى حلّبه.
(1608) رويدا يعلون الجدد.(6/141)
(1607) أمرع واديه وأجنى حلّبه.
(1608) رويدا يعلون الجدد.
(1609) هيهات، هيهات الجناب الأخضر.
(1610) هذا ولمّا تردي تهامة.
(1611) بكل واد أثر من ثعلبة.
(1612) ليتك من وراء حوض الثعلب.
(1613) تركته بوحش أصمت.
(1614) جرى الوادي فطمّ على القريّ.
(1615) سال الوادي فذره.
(1616) تركته ببلدة إصمت.
(1617) قد بلّ عرشه ببقة.
(1618) أبرم الأمر ببقة.
(1619) أشبه شرج شرجا لو أنّ أسيمرا.
(1620) دخل ظفار حمّ.
(1621) ليس سلامان كعهدان.
(1622) لا هلك بواد خبر.
(1623) عسى الغوير أبؤسا.
(1624) فلان في سر قومه. يقال للأرض إذا كانت طيبة أرض سر.
(1625) قد بلغ الماء الزّبى.
(1626) إن ترد الماء بماء أكيس.
(1627) ماء ولا كصدماء.
(1628) كالقابض على الماء.
(1629) لو بغير الماء غصصت الماء: ملك الأمر.(6/142)
(1628) كالقابض على الماء.
(1629) لو بغير الماء غصصت الماء: ملك الأمر.
(1630) هو يرقم في الماء.
(1631) فلان ماء مسوس.
(1632) أعطاه غيضا من فيض.
(1633) لا أفعل ذلك ما بلّ البحر صوفه.
(1634) لا أفعل ذلك ما إنّ في الفرات قطرة.
(1635) هو أبرض من عير.
(1636) ماؤكم هذا ماء عناق.
(1637) لتجدنّ نبطه قريبا.
(1638) ثأطة مدّت بماء.
(1639) في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار.
(1640) ارخ يدك، واسترخ إن الزّناد من مرخ.
(1641) اقدح بدخلي في مرخ، ثم شد بعد أو أرخ.
(1642) إنه لمعتلث الزناد.
(1643) فلان وارى الزناد.
(1644) وريت بك زنادي.
(1645) فلان ثاقب الزند.
(1646) فلان كافي الزند.
(1647) صلدت زناده.
(1648) أضيء لي أقدح لك.
ويقال:
(1649) أقدح الزند بغفار أو مرخ.(6/143)
ويقال:
(1649) أقدح الزند بغفار أو مرخ.
(1650) ليس في جفيره غير زندين.
(1651) هما زندان في وعاء.
(1652) ما يصطلى بناره.
(1653) كأنه نار حباحب.
(1654) فلان حسبه ثائب.
(1655) ما بها نافخ ضرمة.
(1656) أتانا وكأنّ لحيته ضرمة عرفج.
(1657) كالمستغيث من الرمضاء بالنار.
(1658) نجارها نارها: والنار ها هنا: السمة.
(1659) هو القابس العجلان.
(1660) أي فتى قتله الدّخان؟
(1661) هرق على جمرك ماء.
(1662) لو كنت أنفخ في فحم.
(1663) اقدح إن لم تؤذ نارا ببحر.
الأمثال في السحاب والرعد والبرق والرياح والسراب والمطر والثلج والسّيل والنسيم
(1664) أبرد من الثلج.
(1665) أبرد من الغبّ: وهو البرد.
(1666) أبرد من عضرس.
(1667) أبرد من حبّقرّ.
(1668) أبرد من عبّقر.(6/144)
(1667) أبرد من حبّقرّ.
(1668) أبرد من عبّقر.
(1669) أبرد من غب المطر.
(1670) أبرد من أمرد.
(1671) أخفّ من النسيم.
(1672) أخفّ من الهباء.
(1673) أرق من الهباء.
(1674) أرق من دمع الغمام.
(1675) أرقّ من رقراق السّراب.
(1676) أسرع من الريح.
(1677) أسرع من البرق.
(1678) أسرع من السّيل إلى الحدور.
(1679) أطفىء من السيل تحت الليل.
(1680) أجرأ من السّيل.
(1681) أجرأ من الأيهمين.
(1682) أغرّ من سراب.
(1683) أغشم من السيل.
(1684) أكذب من يلمع.
(1685) أكذب من اليهير.
(1686) أمضى من الريح.
(1687) أمضى من السيل تحت الليل.
(1688) أولج من ريح.
(1689) أهون من النّباح على السحاب.
(1690) أهول من السيل.(6/145)
(1689) أهون من النّباح على السحاب.
(1690) أهول من السيل.
(1691) أشد بياضا من البرد.
(1692) إنما هو كبرق الخلّب.
(1693) يذهب يوم الغيم ولا يشعر به.
(1694) فلان يرعد ويبرق.
(1695) ربّ صلف تحت الراعدة.
(1696) برّق لمن لا يعرفك. ويقال: برقى بالتأنيث.
(1697) أرنيها نمرة أركها مطرة.
(1698) ذهب دمه درج الرّياح.
(1699) ذهبت هيف لأديانها.
(1700) إنّه لساكن الريح.
(1701) إن كنت ريحا لقد لاقيت إعصارا.
(1702) ريح حزّاء فالنجّاء.
(1703) ريحهما جنوب. يقال: للمتصافيين فإذا تفرقا قيل
(1704) شملت ريحها سراب.
(1705) ليس بأول من غرّه السراب.
(1706) أوردته حياض عطيش: يعنون السّراب.
(1707) المطر عام الرّبيع.
(1708) الصيف بحسب الممطور.
(1709) إنّ كل مطر الغيث يصلح.
(1710) الغيث مصلح ما خبّل على العرفجة.
(1711) برئت منه مطر السماء: أي أبدا.(6/146)
(1710) الغيث مصلح ما خبّل على العرفجة.
(1711) برئت منه مطر السماء: أي أبدا.
(1712) ربّ عجلة تهب ريشا.
(1713) وربّ غيث لم يكن غيثا.
(1714) ربّ فروقة يدعى ليثا.
(1715) قد بلغ السيل الزّبى.
(1716) قد سيل به ولا يدري.
(1717) كالسّيل تحت الدّمن.
(1718) ما أقوم بسيل تلعتك.
(1719) إنما أخشى سيل تلعتي.
(1720) اضطرّه السيل إلى معطشة.
(1721) هم درج السيول.
(1722) من يردّ السيل على أدراجه؟
الأمثال في الشجر والروضة والصمغ والنبات والمرعى والشوك
(1723) أذل من هرمة.
(1724) أشدّ حمرة من المصعة.
(1725) أطيب نشرا من روضة.
(1726) أضعف من بروقة.
(1727) أغرّ من الدّباء.
(1728) أمرّ من العلقم.
(1729) أكره من العلقم.
(1730) أذلّ من فقع بقاع.
(1731) أمرّ من الدّفلى.(6/147)
(1730) أذلّ من فقع بقاع.
(1731) أمرّ من الدّفلى.
(1732) أحمق من رجلة.
(1733) أكسى من البصل.
(1734) أبعد خيرا من قتادة.
الشّجر
(1735) طمعوا بخير أن ينالوه فأصابوا سلعا وقارا.
(1736) ذليل عاذ بقرملة.
(1737) في عضة ما ينبتنّ شكيرها.
(1738) تحمل عضة جناها.
(1739) في عيصه ما ينبت العود.
(1740) عيصك منك وإن كان أشبا.
(1741) النّبع يقرع بعضه بعضا.
(1742) هذا على طرف الثّمام.
(1743) عصبه عصب السّلمة.
(1744) هو يدبّ له الخمر.
(1745) يمشي له الضّراء.
(1746) كان ذلك كسلّ أمصوخة، وأمسوخة: بالسين.
(1747) أنا إذن كالخاتل بالمرخة.
(1748) ضغث على إبّالة.
(1749) شجر يرفّ.
(1750) أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجّب.
(1751) تجنّب الروضة وأحال يعدو.(6/148)
(1750) أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجّب.
(1751) تجنّب الروضة وأحال يعدو.
(1752) وقع في روضة وغدير.
(1753) إيّاكم وخضراء الدّمن.
النّبات
(1754) لا يغرنّك الدّباء، وإن كان في الماء.
(1755) جذّها جذّ العير الصّلّيانة.
(1756) حول الصّلّيان الزّمزمة.
(1757) مرعى ولا كالسّعدان.
(1758) تسألني برامتين شلجما.
(1759) المال بيني وبينه شقّ الأبلمة.
(1760) دقّك بالمنخار حبّ القلقل.
(1761) لست بخلاة بنجاة.
(1762) ليت حظّي من العشب خوصه.
(1763) أوضع من ابن قوضع.
(1764) لتجدنّي بقرن الكلأ.
(1765) عثر بأشرس الدّهر. والشّرس: ما صفر من الشّوك.
(1766) إنك عالم بمنابت القصيص.
(1767) كانوا مخلّين فلاقوا حمضا.
(1768) هو حوّاءة: يقال لمن يلزم بيته. وهو نبت.
(1769) لا ينبت البقلة إلا الحقلة.
(1770) لقد اتّقيتهم حتى ما أسمّي البقل (بأسمائه).
(1771) أحمر كأنه الضّربة.(6/149)
(1770) لقد اتّقيتهم حتى ما أسمّي البقل (بأسمائه).
(1771) أحمر كأنه الضّربة.
(1772) لأقلعنّك قلع الصّمغة الشبوك.
(1773) لا تجن من الشّوك العنب.
(1774) لا تنقش الشوكة بالشوكة فإن ضلعها معها.
(1775) لطمه لطم المنتقش.
(1776) جاء فلان بالشّوك والشّجر.
(1777) استغنت الشوكة عن التنقيح.
(1778) من دون ذلك خرط القتاد.
(1779) لا المرعى مرعى، ولا الوله عشب ولا بعير أخلف.
(1780) أساء رعيا فسقى.
(1781) رعى فأقصب.
(1782) شرّ الرّعاء الحطمة.
(1783) كثر الحلبة وقلّ الرّعاء.
(1784) أمرعت فانزل.
(1785) أصاب قرن الكلإ.
(1786) اختلط المرعيّ بالهمل.
الأمثال في الذهب والفضة والحديد والسيف والرمح وأصناف السلاح
(1787) أحسن من (شنف) الأنضر.
(1788) أشدّ من الحديد.
(1789) أرقّ من شق الجلم.
(1790) أشد من حد الجلم.(6/150)
(1789) أرقّ من شق الجلم.
(1790) أشد من حد الجلم.
(1791) أنفذ من الإبرة.
(1792) أضيق من خرت الإبرة.
(1793) أضيق من سمّ الإبرة.
(1794) أمضى من الصّمصامة.
(1795) أمضى من النّصل.
(1796) أنفذ من سنان.
(1797) أمضى من سنان.
(1798) أطول من الرمح.
(1799) أطول من ظل الرمح.
(1800) أضيق من ظل الرمح.
(1801) أنفذ من خازق.
(1802) أسرع من السّهم.
(1803) أنفذ من السّهم.
(1804) أصرد من السّهم.
(1805) أمرق من السّهم.
الجلد
(1806) خذه ولو بقرطي مارية.
(1807) عنده كنز النطفة وجران الرقيق.
(1808) ما يحسن القلبان في يدي حالبة الضّأن.
(1809) لو ذات سوار لطمتني.(6/151)
(1809) لو ذات سوار لطمتني.
الحديد
(1810) الحديد بالحديد يفلح.
(1811) لم أجد لشفرتي محزّا.
(1812) كالباحث عن المدية.
السّيف
(1813) سبق السيف العذل.
(1814) لا يجتمع السيفان في غمد واحد.
(1815) إني لأنظر إلى السيف وإليك.
(1816) من يشتري سيفي وهذا أثره؟
(1817) محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا.
(1818) ماز رأسك والسيف.
(1819) سلّوا السيف واستللت المنتن. ويقال المنتل.
(1820) لكل صارم نبوة.
(1821) لا تأمن الأحمق وبيده السيف.
(1822) في نظم سيفك ما ترى يا لقيم.
(1823) ذكّرتني الطّعن وكنت ناسيا.
(1824) الأمر سلكي وليس بمخلوجة.
(1825) يشجّ مرّة ويأسو مرّة.
(1826) الطّعن يظأر.
(1827) لأطعننّ في حوصهم.
(1828) فلان صلب القناة.
(1829) ظئار قوم طعن.(6/152)
(1828) فلان صلب القناة.
(1829) ظئار قوم طعن.
ومثله:
(1830) إن الهوان للّئيم مرأمة.
(1831) عاد السهم إلى النّزعة.
(1832) ما بها أهزع، ومثله: ومخشوب لم ينقّح.
(1833) الحذر قبل إرسال السّهم.
(1834) قد أنصف القارة من رماها.
(1835) نعتني بدائها وانسلّت.
(1836) ما بللت من فلان بأفوق ناصل.
(1837) ما بللت منه بأعزل.
(1838) رجع بأفوق ناصل.
(1839) ثار حابلهم على نابلهم.
(1840) اختلط الحابل بالنابل.
(1841) قبل الرّماء تملأ الكنائن.
(1842) ويقال أيضا: قبل الرمي يراش السّهم.
(1843) إحدى حظيّات لقمان.
(1844) تركته خير قوس سهما.
(1845) وما تنهض رابضته، أي رميّته.
(1846) أصمى رميته وأنمى رميته.
(1847) وهو أوثق سهم في كنانتي.
(1848) ما أصبت منه اقذّ ولا مريشا.
(1849) فاق السهم بيني وبينه.(6/153)
(1848) ما أصبت منه اقذّ ولا مريشا.
(1849) فاق السهم بيني وبينه.
(1850) من فاز بكم فاز بالسّهم الأخيب.
(1851) إعط القوس باريها.
(1852) إنباض بغير توتير.
(1853) قبل الرّمي يراش السهم.
(1854) أدركني ولو بأحد المغروّين.
(1855) نبل العبد أكثرها المرامي.
(1856) إن فلانا ليكسر عليّ أرعاظ النّبل غضبا.
(1857) ليت القسي كلها أرجلا.
(1858) مع الخواطىء سهم صائب.
(1859) رماه بنبله الصائب.
(1860) ارجع إن شئت في فوق، ويقال في فوقي.
(1861) من أنّى ترمي الأقرع تشجّه.
(1862) لا خير في سهم زلج.
(1863) لا تعجل بالإنباض قبل التّوتير.
(1864) كالمستتر بالغرض.
(1865) ركب فلان عودا وأصله في السّهم.
(1866) شغل عن الرامي الكنانة بالنّبل.
(1867) ألقى عصاه.
(1868) شقّ العصا.
(1869) ما قرعت عصا على عصا إلا حزن لها قوم وسرّ آخرون.
(1870) عصا الجبان أطول.(6/154)
(1869) ما قرعت عصا على عصا إلا حزن لها قوم وسرّ آخرون.
(1870) عصا الجبان أطول.
(1871) لا تدخل بين العصا ولحائها.
(1872) قشرت له العصا.
(1873) العصا من العصيّة.
(1874) قلب له ظهر المجنّ.
الأمثال في الحرب والقتل والأسر والجبن والفزع والشجاعة والغزو والصّياح
(1875) ما كفي حرب جانيها.
(1876) الحرب غشوم.
(1877) الحرب خدعة.
(1878) إنّ أخا الهيجاء من يسعى معك.
القتل
(1879) ليس بعد الإسار إلا القتل.
(1880) سواء علينا قاتلاه وسالبه.
(1881) لا يحزنك دم هراقه أهله.
(1882) أهل القتيل يلونه.
(1883) أبى قائلها إلّا تمّا.
(1884) كالمتمرغ في دم القتيل.
(1885) ليس بعد السلب إلا الإسار.
(1886) قتل نفسا مخيّرها.
(1887) بسلاح ما يقتلنّ القتيل.
(1888) الدم الدم، والهدم الهدم.(6/155)
(1887) بسلاح ما يقتلنّ القتيل.
(1888) الدم الدم، والهدم الهدم.
(1889) إن الجبان حتفه من فوقه.
(1890) دردب لمّا عضّه الثّقاف.
(1891) أفرخ روعك.
(1892) أغيرة وجبنا.
(1893) بصبصن إذ حدين بالأذناب.
(1894) بسلاح ما يقتل الرّجل.
(1895) أضرطا وأنت الأعلى.
(1896) لا يدعى للجلّى إلا أخوها.
(1897) ضربا وطعنا أو يموت الأعجل: الشجاع.
(1898) مكره أخوك لا بطل.
(1899) الفرار بقراب أكيس.
(1900) إن رمت المحاجزة فقبل المناجزة.
(1901) التّقدّم قبل التّندّم.
(1902) أجر ما استمسكت.
(1903) رويد الغزو ينمرق.
(1904) أول الغزو أخرق.
(1905) لا تسل الصّارخ وانظر ماله.
(1906) ابدأهم بالصراخ يفرّوا.
(1907) بعد الهياط والمياط.
(1908) أرطّي إن خيرك بالرّطيط.
(1909) مثل صيحة الحبلى.(6/156)
(1908) أرطّي إن خيرك بالرّطيط.
(1909) مثل صيحة الحبلى.
(1910) أصاخ إصاخة المندة للنّاشد.
(1911) أتيتك عاتا وصاتا وصت.
الأمثال في الثياب واللباس والخز والأدم والقز والآنية والدّل والسقاء والوعاء والعطر
(1912) هو أهون على من طلبه، ومن طلباء.
(1913) أذلّ من النّعل.
(1914) أرجل من خف.
(1915) أكذب من صنع.
(1916) أحمق من الدابغ على التّحلىء.
(1917) أطيب نشرا من الصّوار.
(1918) أهون من ربذة.
(1919) أهون من ثملة.
(1920) أطول من جيد الخرقاء.
مثله:
(1921) أطول من طنب الخرقاء.
(1922) أعرض ثوب الملبس.
(1923) ومثله: أعرض ظهر الملبس.
(1924) أو، عرض جنب الملبس.
(1925) أعرضت القرفة.
(1926) ما كانوا عندنا إلا ككفّة ثوب.
(1927) كأنها بردة أخماس.(6/157)
(1926) ما كانوا عندنا إلا ككفّة ثوب.
(1927) كأنها بردة أخماس.
(1928) هو كالساقط بين الفراشين.
(1929) شمّر واتّزر، والبس جلد النّمر.
(1930) كمّش ذلاذله.
(1931) من يطل ذيله ينتطق به.
(1932) هو الشّعار دون الدّثار.
(1933) جليس كثرت نفس شاغليه.
(1934) ليس عليك نسجه فاسحب وجر.
(1935) خلع الدّرع بيد الزّوج.
(1936) فلان نسج وحده.
(1937) غرّني برداك من غدافلي.
(1938) فلان طاهر الثياب.
(1939) فلان دنس الثياب.
(1940) أم فلان في ثوب فلان.
(1941) البس لكل حالة لبوسها، إمّا نعيمها وإنا بؤسها.
(1942) من عزّ بزّ.
(1943) أشبه امرءا بعض بزّه.
(1944) هم كبيت الأدم.
(1945) إن الشّراك قدّ من أديمه.
(1946) أجمع سيرين في خرزة.
(1947) إنما يعاتب الأديم ذو البشرة.
(1948) هو مؤدم مبشر.(6/158)
(1947) إنما يعاتب الأديم ذو البشرة.
(1948) هو مؤدم مبشر.
(1949) بقّ نعليك وابذل قدميك.
(1950) رجع بخفّي حنين.
(1951) كلّ الحذاء يحتذي الحافي الوقع.
(1952) زلّت به نعله.
(1953) لو كنت منّا لحدوناك.
(1954) ربّ نعل شرّ من الحفاء.
(1955) قد علقت دلوك دلو أخرى.
(1956) كأنما أفرغ عليه ذنوبا من ماء.
(1957) ألق دلوك في الدلاء.
(1958) هرق لها في قرقر ذنوبا.
(1959) ساجل فلان فلانا.
(1960) أهون مظلوم سقاء مروّب.
(1961) خلّ سبيل من وهى سقاؤه: ومن هريق بالفلاة ماؤه.
(1962) ما يقعقع له بالشّنان.
(1963) هذا أمر لا تفثأ له قدري.
(1964) استعجلت قديرها فامتلّت.
(1965) خير إناءيك كفأت.
(1966) كفت إلى وئيّة.
(1967) أدّى قدرا مستعيرها.
(1968) ما أصغيت لك إناء ولا أصفرت لك فناء.
(1969) إذا كنت في قوم فاحلب في إنائهم.(6/159)
(1968) ما أصغيت لك إناء ولا أصفرت لك فناء.
(1969) إذا كنت في قوم فاحلب في إنائهم.
(1970) سمن حتى صار كأنه الخرس.
(1971) حنّ قدح ليس منها.
(1972) صدقني وسم قدحه.
(1973) من فاز بفلان، فقد فاز بالسّهم الأخيب.
(1974) ليس الهناء بالدّسّ.
(1975) عنيّة تشفي الجرب.
(1976) ألقى حبله على غاربه.
(1977) رمي برسنه على غاربه.
(1978) قد أخذه برمّته.
(1979) جاوز الحزام الطّبيين.
(1980) التقت حلقتا البطان.
(1981) هو يحطب في حبله.
(1982) ما أنت بلحمة ولا ستاه.
(1983) وما أنت بنيرة ولا حفّة.
(1984) قد عيّ فلان بالإسناف.
(1985) هو على حبل ذراعك.
(1986) جرّوا له الخطير ما انجرّ لكم.
(1987) ما حويت ولا تويت.
(1988) جاحش عن خيط رقبته.
(1989) النّقد عند الحافر.
(1990) جاء بقرني حمار: إذا جاء بالباطل والكذب.(6/160)
(1989) النّقد عند الحافر.
(1990) جاء بقرني حمار: إذا جاء بالباطل والكذب.
(1991) كطالب القرن جدعت أذناه.
(1992) وجدت الدّابة ظلفها.
(1993) اجعله في وعاء غير سرب.
(1994) طويت فلانا على بلاله، وبلوله، وبللته.
(1995) إن بينهم عيبة مكفوفة.
(1996) كلّفت إليك عرق القربة، وعلق القربة.
(1997) ليت لي من فلان عرق القربة.
(1998) احفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء.
(1999) ما يحجز فلان في العكم.
(2000) لا يخصها مني في سقاء أوفر.
(2001) إذا سمعت بسري القين فإنه مصبّح.
(2002) مثل جليس السّوء كالقين إلّا يحرق ثوبك بشراره أو يؤذيك بدخانه.
(2003) إني صناع لو تبالي صنعتي.
(2004) أجناؤها أبناؤها.
(2005) حلأت حالية عن كوعها، ويروى: حزّت حازّة عن كوعها.
(2006) اعمل في عامين كرزا من وبر.
(2007) حزّت حازّة عن كوعها.
(2008) هو ماعز مقروظ.
(2009) بقّه وقد حلم الأديم.
(2010) ما يجعل قدّك إلى أديمك.(6/161)
(2009) بقّه وقد حلم الأديم.
(2010) ما يجعل قدّك إلى أديمك.
(2011) لا يعدم جلد السّوء عن عرف السّوء.
(2012) أحمر كالقرف.
(2013) هذا حظ جدّ من المبناة.
(2014) دقّوا بينهم عطر منشم.
(2015) لا مخبأ لعطر بعد عروس.
(2016) لا عطر بعد عروس. قال المفضّل: عروس رجل بعينه.
الأمثال في الرحى والطّعان والأكل والشّرب واللبن وسائر المأكولات والمشروبات
(2017) أقدم من الحنطة.
(2018) أشأم من رغيف الحولاء.
(2019) أدقّ من الشخب.
(2020) ألين من الزبدة.
(2021) أمسخ من اللحم الحوار، وأملخ
(2022) أحلى من النشب.
(2023) أحلى من الشّهد.
(2024) أحلى من السّلوى.
(2025) ألذّ من السّلوى.
(2026) أحلى من التمر الجنيّ.
(2027) آنس من نخلة.
(2028) أعظم بركة من نخلة مريم.
(2029) أصيغ من تمر بلاد الطائف.(6/162)
(2028) أعظم بركة من نخلة مريم.
(2029) أصيغ من تمر بلاد الطائف.
(2030) أسمع جعجعة ولا أرى طحنا.
(2031) كلّ أداة الخبز عندي غيره.
(2032) طحنه طحن إبل لم يكن طحن قبله.
(2033) تطعّم تطعم.
(2034) اعلل تحظب.
(2035) تخرّسي يا نفس لا مخرّسة لك اليوم.
(2036) ربّ أكلة تمنع الأكلات.
(2037) ليس لشبعة خير من صفرة تحفزها.
(2038) الثّيّب عجالة الرّاكب.
(2039) يلقم لقما ويغدّي زاده.
(2040) إنك لتأكل وسطا وتربض حجره.
(2041) يدرك الخضم بالقضم.
(2042) قد يبلغ بالقضم الخضم.
(2043) من يأكل لا يأكل قضما، ومن يأكل قضما لا يأكل خصما.
(2044) تجشّأ لقمان من غير شبع.
(2045) قد نهيتك عن شربة بالوشل.
(2046) لا تشرب مشرب صفو بكدر.
(2047) إنك ريّان فلا تعجل بشربك.
(2048) ليس الرّيّ عن التّشافّ.
(2049) أكل عليه الدهر وشرب.
(2050) احس فذق ومثله: إنه لشرّاب بأنقع.(6/163)
(2049) أكل عليه الدهر وشرب.
(2050) احس فذق ومثله: إنه لشرّاب بأنقع.
(2051) أحلب حلبا لك شطره.
(2052) لا أفعل ذلك ما اختلفت الدّرّة والجرّة.
(2053) لا يكون أول من التبأ لبأة.
(2054) إن الرّتيئة مما تفثأ الغضب.
(2055) ربضك منك وإن كان سمارا.
(2056) شخب في الإناء وشخب في الأرض.
(2057) أمهلني فواق ناقة.
(2058) صرّح الحقّ عن محضه.
(2059) أبان الصّريح عن الرّغوة.
(2060) أبى الحقين العذرة.
(2061) أعن صبوح ترقّق.
(2062) يسرّ حسوا في ارتغاء.
(2063) حال صبوحهم دون غبوقهم.
(2064) سبق درّته غراره.
(2065) ليس كل حين أحلب فأشرب.
(2066) الصّيف ضيّعت اللبن.
(2067) أتاك ريان بلبنه.
(2068) حلبتها ثم أقلعت.
(2069) درّت حلوبة المسلمين.
(2070) أثر الصّرار يأتي دون الذّيار.
(2071) لم تحلب ولم تغارّ فأودى اللبن.(6/164)
(2070) أثر الصّرار يأتي دون الذّيار.
(2071) لم تحلب ولم تغارّ فأودى اللبن.
(2072) شخب طمح.
(2073) لا يلبث الحلب الحوالب.
(2074) أدرّها وإن أبت.
(2075) عدا القارص فحزر.
(2076) شب شوبا لك بعضه.
(2077) يشوب ويروب.
(2078) يحلب بنيّ وأشدّ على يديه.
(2079) من ير الزّبد يعلم أنه من اللبن.
(2080) من ير الزّبد يخله من لبن.
(2081) لو قيل للشّحم: أين تذهب؟ لقال: أسوّي العوج.
(2082) أنا منه كحاقن الإهالة.
(2083) اختلط الخاثر بالزابد.
(2084) ما يدري أيخثر أم يذيب.
(2085) جمّل واجتمل.
(2086) لو شكان ذا إهالة. ومثله: لسرعان ذا إبانة ومثله: وشكان ذا إذابة وحقنا.
(2087) يا نفسي لا لهف لك كل بيضاء لك: يريد الشجر.
(2088) لا نجم في ذنب الكلب.
(2089) ليس الشحم باللحم ولكن من قواصيه.
(2090) شحمتي في قلعي.
(2091) سمنهم في أديمهم.(6/165)
(2090) شحمتي في قلعي.
(2091) سمنهم في أديمهم.
(2092) وقع على شحمة الرّكيّ، والرّقى.
(2093) ما كلّ بيضاء شحمة ولا كل سوداء تمرة.
(2094) لكن على الأثلاث لحم لا يظلّل.
(2095) شوى أخوك حتى إذا أنضج رمّد.
(2096) إنه يعلم من أين تؤكل الكتف.
(2097) غثّك خير من سمين غيرك.
(2098) كسؤر العبد من الحم الحوار.
(2099) من اشتوى أكل شواءكم.
(2100) ما هو بخلّ ولا خمر.
(2101) اليوم خمر وغدا أمر.
(2102) هي الخمر تكنى الطّلاء.
(2103) ذق تغتبط.
(2104) لا تكن حدوا فتسترط. ولا مرّا فتعقى.
(2105) وجد تمرة الغراب.
(2106) التمرة إلى التمرة تمر كلاهما.
(2107) التمر في البئر وعلى ظهر الجمل.
(2108) إنه لأشبه من التّمر بالتّمر السويق.
(2109) أحشفا وسوء كيلة؟
(2110) ترى الفتيان كالنّخل، وما يدريك ما الدّخل.
(2111) كمستبضع التّمر إلى هجر.
(2112) متى كان حكم الله في كرب النّخل.(6/166)
(2111) كمستبضع التّمر إلى هجر.
(2112) متى كان حكم الله في كرب النّخل.
(2113) قيل للحبلى ما تشتهين؟ قالت: التمر وواها ليه.
(2114) ما ظلمته نقيرا ولا فتيلا.
(2115) ما الخوافي كالقلبة ولا الخنّاز كالثّغبة.
(2116) عرف النخل أهله.
(2117) كلّ خاطب على لسانه تمرة.
الأمثال في المال والغنى والفقر، والصّدق والكذب، والحق والباطل، والحمق والحيلة، والإطراق والشر والظلم، والدعاء والاعتذار، والعلم والرأي
(2118) لم يذهب من مالك ما وعظك.
(2119) خير مالك ما نفعك.
(2120) جاء فلان بالطّمّ والرّم.
(2121) من مال جعد، وجعد غير محمود.
(2122) في وجه المال تعرف إمرته.
(2123) خير ما ردّ في أهل ومال.
(2124) جاء بالهيل والهيلمان.
(2125) لفلان كحل، ومثله: ولفلان سواد.
(2126) حسبك من غنيّ شبع وريّ.
(2127) الغنيّ طويل الذّيل ميّاس.
(2128) سوء حمل الفاقة يضع من الشرف.
(2129) المسألة آخر كسب الرجل.
(2130) الخلة تدعو إلى السّلّة.(6/167)
(2129) المسألة آخر كسب الرجل.
(2130) الخلة تدعو إلى السّلّة.
(2131) سواء هو والمعدوم والعدم.
(2132) ربّ مكثر مستقل لما في يده.
(2133) عرّ فقره بفيه، لعلّه يلهيه.
(2134) من قنع فنع، ومن قنع شبع.
(2135) إنّ في المرتعة لكل كريم مقنعة.
(2136) الصدق ينبي عنك لا الوعيد.
(2137) من عرف بالصدق جاز كذبه.
(2138) عند النّوى بكذبك الصّادق.
(2139) من عرف بالكذب، لم يجز صدقه.
(2140) إنّ خصلتين خيرهما الكذب لخصلتا سوء.
(2141) ليس لمكذوب رأي.
(2142) رأي الكذوب قد يصدق.
(2143) قد قيل ذلك إن حقّا وإن كذبا.
(2144) أكذب النفس إذا حدّثتها.
(2145) لا يدري المكذوب كيف يأتمر.
(2146) الحق أبلج، والباطل لجلج.
(2147) أبغض حقّ أخيك.
(2148) ما يمعن بحقّي ولا يذعن.
(2149) إذا طلبت الباطل انجح بك.
(2150) قد اتخذ الباطل دغلا.
(2151) من خاصم بالباطل أنجح به.(6/168)
(2150) قد اتخذ الباطل دغلا.
(2151) من خاصم بالباطل أنجح به.
(2152) أحمق لا يجأى مرغه.
(2153) أحمق بلغ.
(2154) معاداة العاقل، خير من مصادقة الجاهل.
(2155) زادك الله رعالة، كلّما ازددت مثالة.
(2156) خرقاء عيّابة.
(2157) إن تحت طريقتك لعند أوة.
(2158) مخرنبق لينباع.
(2159) لو كان ذا حيلة تحوّل.
(2160) المرء يعجز لا المحالة.
(2161) لا تنفع حيلة مع غيلة.
(2162) أمكرا وأنت في الحديد.
(2163) مجاهرة إذا لم أجد مختلا.
(2164) ترك الخداع من أجري من مائة.
(2165) إن لم تغلب فاخلب.
(2166) المعافى ليس بمخدوع.
(2167) أيّ فتى قتله الدخان.
(2168) لو كان ذا حيلة تحوّل.
(2169) إذا نزل بك الشر فاقعد به.
(2170) الشر يبدؤه صغاره.
(2171) من شرّ ما ألقاك أهلك.
(2172) إنّ من الشرّ خيارا.(6/169)
(2171) من شرّ ما ألقاك أهلك.
(2172) إنّ من الشرّ خيارا.
(2173) بعض الشر أهون من بعض.
(2174) إن حسبك من شرّ سماعه.
(2175) استقدمت رحالتك: يقال للمتعجل إلى الشر.
(2176) من نجل الناس نجلوه: أي شارّهم.
(2177) الشّرّ أخبث ما أوعيت من زاد.
(2178) حلقي وثوبي: يضرب في الشر.
(2179) ادفع الشّر عنك بعود أو عمود.
(2180) ليس أخو الشر كمن توقاه.
(2181) هو يكايله الشر ويحاسيه الشر.
(2182) سرق ما بينهم بشر.
(2183) أترك الشر يتركك.
(2184) أرى غيا أزدد فيه.
(2185) رأيته بأخي للشّر: أي بشر. ومثله: رأيته بأخي الخير.
(2186) خيرها بشرّها وخيرها بخيرها.
(2187) ادفع الشّر عنك بمثله إذا أعياك غيره.
(2188) الظّلم مرتعه وخيم.
(2189) من أشبه أباه فما ظلم.
(2190) الشحيح أعذر من الظالم.
(2191) هذه بتلك والبادي أظلم.
(2192) العالك عاليا.
(2193) تعسا لليدين والفم.(6/170)
(2192) العالك عاليا.
(2193) تعسا لليدين والفم.
(2194) ماله أحال وأجرب.
(2195) عقرا حلقا.
(2196) اللهم غيظا لا هبطا.
(2197) هنئت فلا تنكه.
(2198) ربّ سامع عذرتي لم يسمع قفوتي.
(2199) ربّ سامع بخبري لم يسمع عذري: لعل له عذر وأنت تلومه.
(2200) ترك الذنب أيسر من الاعتذار.
(2201) المعاذير مكاذب.
(2202) أعذر من أنذر.
(2203) قد بلغ فلان في العلم أطوريه.
(2204) العالم كالحمّة يأتيها البعداء، ويزهد فيها القرباء.
(2205) إذا زلّ العالم زلّ بزلّته العالم.
(2206) علمان خير من علم.
(2207) الرأي الدري.
(2208) رأي فاتر وغدر حاضر.
(2209) قد أحزم لو أعزم.
الأمثال في النوم، والفلك والطب والمنيّة والدواهي
(2210) آلف من الحمى.
(2211) أحرّ من القرع.
(2212) أطب من ابن حذيم. ويقال جد لم.
(2213) الحمّى أضرعتني لك.(6/171)
(2212) أطب من ابن حذيم. ويقال جد لم.
(2213) الحمّى أضرعتني لك.
(2214) إني إذا حككت قرحة أدميتها.
(2215) غدّة كغدة البعير، وموت في بيت سلوليّة.
(2216) ما به قلبة.
(2217) ما به ظبظاب.
(2218) عوير وكسير وكلّ غير خير.
(2219) ما هو إلا شرق أو غرق.
(2220) أضاف حتى ما يشتكي السّواف.
(2221) لا يعدم مانع علّة.
(2222) كان مثل الذّبحة على النّحر.
(2223) حال الجريض دون القريض.
(2224) أغبيط أم عارض.
(2225) لو كان درءا لم تئل.
(2226) لا علّة لا علة، هذه أوتاد وأخلّة، وفهرنا في الحلّة.
(2227) أرق على ظلعك.
(2228) آخر الداء الكيّ.
(2229) يا طبيب طب لنفسك، وطب أيضا.
(2230) القوم طبّون، وقرب طبّ.
(2231) قرب طبّا.
(2232) بقّطيه بطبّك.
(2233) إنّ دواء الفتق أن تحوصه.
(2234) دمّث لجنبك قبل النوم مضطجعا.(6/172)
(2233) إنّ دواء الفتق أن تحوصه.
(2234) دمّث لجنبك قبل النوم مضطجعا.
(2235) مطله مطل نعاس الكلب.
(2236) يأكل وسطا ويربض حجرة.
(2237) نام نومة عبّود.
(2238) ظلّت على فراشها تكرّى يقال تكرى.
(2239) لا ينام من أثير.
(2240) المنايا على الحوايا.
(2241) لم يفت من لم يمت.
(2242) الثّكل أرامها ولدا.
(2243) لا أفعل ذلك ما حيّ حيّ، أو مات ميّت.
(2244) المنيّة ولا الدّنيّة.
(2245) الموت الأحمر.
(2246) لا عتاب بعد الموت.
(2247) لا يملك الحائن حينه.
(2248) الموت السّجيح خير من الحياة الذّميمة.
(2249) العقوق ثكل من لم يثكل.
(2250) ولي الثّكل بنت غيرك.
(2251) إنه لداهية الغبر.
(2252) إنه لعضلة من العضل.
(2253) جاء بالدّاهية الدّهياء.
(2254) جاء بالرقم الرّقماء.
(2255) جاء بأم الرّبيق على أريق.(6/173)
(2254) جاء بالرقم الرّقماء.
(2255) جاء بأم الرّبيق على أريق.
(2256) جاء بإحدى بنات الطريق.
(2257) جاء بمطفئة الرّضف.
(2258) صمّي صمام.
(2259) وصمّي ابنة الجبل أيضا.
(2260) إنّ الدواهي في الآفاق تهترش، ويقال: ترتهس.
(2261) إن الخصاص يرى في جوفه الرّقم.
الأمثال الأفراد
(2262) إلا ده فلا ده.
(2263) ضرب أخماسا لأسداس.
(2264) ويل للشجيّ من الخليّ.
(2265) خذ ما طفّ واستطفّ.
(2266) ما يدري قبيلا من دبير.
(2267) سمن فأرن.
(2268) عاد الحيس يحاس.
(2269) هما صوعان في إناء.
(2270) اعتبر السّفر بأوّله.
(2271) سوّاء لوّاء، وقال بعضهم: سواه لواه.
(2272) لأقيمنّ قذلك ولأقيمنّ حدلك.
(2273) اذكر غائبا يقترب.
(2274) هذه بتلك فهل جزيتك.
(2275) الحفائظ تحلّل الأحقاد.(6/174)
(2274) هذه بتلك فهل جزيتك.
(2275) الحفائظ تحلّل الأحقاد.
(2276) ملكت فاسجح.
(2277) المقدرة تذهب الحفيظة.
(2278) لولا الوئام هلك اللّئام.
(2279) من يبغ في الدّين يصلف.
(2280) استكرمت فاربط.
(2281) أنا غرّيرك من هذا الأمر.
(2282) على الخبير سقطت.
(2283) عاط بغير أنواط.
(2284) خذ الأمر بقوابله.
(2285) الملسى لا عهدة له.
(2286) إن السلامة منها ترك ما فيها.
(2287) افعل كذا وخلاك ذم.
(2288) صيدك لا تحرّمه.
(2289) ربّ عجلة تهب ريثا.
(2290) النجاح مع الشّراح.
(2291) قد نفخت لو كنت تنفخ في فحم.
(2292) إن كنت تشدّ بي أزرك فأرخه.
(2293) رضيت من الغنيمة بالإياب.
(2294) الحريص يصيدك لا الجواد.
(2295) جاء فلان وقد لفظ لجامه.
(2296) سرق السارق فانتحر.(6/175)
(2295) جاء فلان وقد لفظ لجامه.
(2296) سرق السارق فانتحر.
(2297) ذلّ لو أجد ناصرا.
(2298) يعود على المرء ما يأتمر.
(2299) جانيك من يجني عليك.
(2300) أنا منه فالج بن خلاوة.
(2301) وجدت الناس أخبر تقله.
(2302) لا ينفعك من جار سوء توقّ.
(2303) أنت تئق وأنا مئق، فمتى نتّفق؟
(2304) عادة السّوء شرّ من المغرم.
(2305) همّك ما همّك، ويقال: همّك ما أهمّك.
(2306) ما أباليه عبكة.
(2307) يكفيك نصيبك شحّ القوم.
(2308) المرء توّاق إلى ما لم ينل.
(2309) خلاؤك أقنى لحيائك.
(2310) تسقط به النصيحة على الظّنّة.
(2311) لا بقيا للحميّة بعد الحرائم.
(2312) إنّه لنكد الحظيرة.
(2313) رهباك خير من رغباك.
(2314) دردب لما عضّه الثّقاف.
(2315) أنت مرّة عيش ومرة جيش.
(2316) يا حبذا التّراث لولا الذّلّة.
(2317) لأمدّنّ غضنك.(6/176)
(2316) يا حبذا التّراث لولا الذّلّة.
(2317) لأمدّنّ غضنك.
(2318) قد بدا نجيث القوم.
(2319) لا يحسن التعريض إلا ثلبا.
(2320) سفيه لم يجد مسافها.
(2321) من قلّ ذل، ومن أمر فلّ.
(2322) فلان ألوى بعيد المستمرّ.
(2323) من حفّنا أو رفنا فليقتصد.
(2324) قد ألنا وإيل علينا.
(2325) ارض من المركب بالتعليق.
(2326) أجر الأمور على أذلالها.
(2327) ما فيها صافر.
(2328) كأنهم جنّ عبقر.
(2329) قال فلان قولا ما مؤس البحر.
(2330) غمرات ثم ينجلين.
(2331) ضربك بالفطّيس خير من المطرقة.
(2332) صغراها مرّاها.
(2333) مصيّ مصيصا. يقال لمن يؤمن بالتثبت والتوقر.(6/177)
(2333) مصيّ مصيصا. يقال لمن يؤمن بالتثبت والتوقر.
الباب الخامس النجوم والأنواء (1) ومنازل القمر على مذهب العرب
نذكر أولا في هذا الباب منازل القمر وما قالت العرب فيها، وفي نزول القمر بها أو مصورة عنها، وطلوع كل واحد وسقوط رقيبه منها، ثم نذكر الصور والبروج، والصور خاصة، وعلى موضعه من برجه الذي هو فيه من فلك البروج عامة بعون الله تعالى.
فأما المنازل وهي ثمانية وعشرون نجما الشرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرفة والجبهة والزبرة والصرفة والعواء والسماك والغفر والزبانيان والإكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية وفرغ الدلو المقدم، وفرغ الدلو المؤخر، وبطن الحوت.
قال العرب في أسجاعها عند طلوع كل نجم إذا طلع الشّرطان، ألقت الإبل أوبارها في الأعطان، ويوشك أن يشتدّ حرّ الزمان.
ثم البطين فقالت: إذا طلع البطين، طلعت الأرض بكل زين، وحسنت في كل عين.
ثم الثريا وهو النجم إذا طلع النّجم، فالبرد في هدم، والعانات في كدم، والفلاحون في ضجم، والقيظ في حذم، والبرد في حطم، والعشب في صلم.
__________
(1) الأنواء: جمع نوء، وهو النجم مال للغروب، أو سقوط النجم في المغرب مع الفجر، وطلوع آخر يقابله من ساعته في المشرق، في كل ليلة إلى ثلاثة عشر يوما، وهكذا كل نجم إلى انقضاء السنة.(6/178)
ثم الدّبران: إذا طلع الدّبران توقدت الحزّان، وأخمدت النيران، وبات الفقير بكل مكان.
ثم الهقعة: إذا طلعت الهقعة، انتقل الناس للقلعة.
ثم الهنعة إذا طلعت الهنعة طلب الناس النجعة، وأحبوا إلى الوليف الرجعة.
ثم الذّراع: إذا طلعت الذراع، حسرت الشمس القناع، وأشعلت في الأفق الشعاع، وترقرق السراب بكل قاع.
النثرة إذا طلعت النثرة التقط البلح بكثرة، وأصابك من القر خضرة، ويوشك أن تظهر الخضرة.
ثمّ الطّرفة: إذا طلعت الطّرفة، حسنت السعفة، وصار التمر تحفة.
ثم الجبهة، إذا طلعت الجبهة أرطبت النخلة، وحسن النخل حمله.
ثم الزّبرة هي الخراتان إذا طلعت الزّبرة أرطبت البسرة، وإذا طلعت الخراتان طابت أم الجرذان وتزينت القنوان.
ثم الصّرفة، إذا طلعت الصّرفة احتال كلّ ذي حرفة، ورأيت الطير حفة، وفشت الخفة.
ثم العوّاء، إذا طلع العوّاء لم يبق في كرم جناء، واكتنس الظباء، وطاب الهواء، وضرب الخباء، وأمن على عوده الحرباء.
ثم السماك: إذا طلع السماك ولت العكاك (1)، فأجل حراك. وأصلح خباك، وصوب فناك، فكأنك بالفرقد أتاك.
ثم الغفر: إذا طلع الغفر، حسن في عين الناظر الجمر، وطالب التمر، وذهب البسر، وأتى من البرد السّفر.
ثم الزبانيان إذا طلعت الزباني فاطلب ما يكفيك زمانا، واستعدد لشتائك ولا تواني.
__________
(1) العكاك: الحر الشديد.(6/179)
ثم الإكليل: إذا طلع الإكليل، هاجت الفحول، ووفى كل خليل، واستبان على أهله الكثير والقليل.
ثم القلب: إذا طلع القلب. جاء الشتاء كالكلب، ووقع الثلج كالثرب وطلع على النسر كالركب، وانحجر من البرد الضّب.
ثم الشولة، إذا طلعت الشولة، أتاك الشتاء بصولة، وخرج النحل، وللطير عليهن دولة.
ثم النعائم، إذا طلعت النعائم، التطت البهائم من الصقيع الدائم، وخلص البرد إلى كل نائم.
ثم البلدة: إذا طلعت البلدة، أصاب الناس من البرد شدّة، وفشت الرعدة وأكلت القشدة، وقيل للبرد: اهده.
ثم سعد الذابح، إذا طلع سعد الذابح، انحجزت الضوابح، ولم تهر النوابح، من البرد البارح، وأورى عوده كل قادح.
ثم سعد بلع، إذا طلع سعد بلع، شيع العاجز الهبع، وطاب الوقع، وهيئت الربع، وكأنك بالبرد قد انقشع.
ثم سعد السعود، إذا طلع سعد السعود، ذاب كل مجمود، وخضر كل عود، ووقى كل مصرود، وانتشر كل مولود، وكره عند النار القعود.
ثم سعد الأخبية، إذا طلع سعد الأخبية طابت الأفنية، وقصرت الأبنية وزمّت الأسقية، وانتشرت الأخبية.
ثم فرغ الدلو المقدم، إذا طلع الدلو، شيع الضعيف الخلو، وهيب الجزو، ومن القيظ بعض الشبو.
ثم فرغ الدلو المؤخر، إذا طلع الفرغ، طلب الكلب الوغل، وشبع الفحل فلم يرع.
ثم الحوت، وهو السمكة، إذا طلعت السمكة، وتعلقت بالثوب الحسكة، نصبت الشبكة، وطاب الزمان للنسكة.
وقالوا أيضا: «طلع النجم عشاء، ابتغى الراعي كساء».(6/180)
ثم الحوت، وهو السمكة، إذا طلعت السمكة، وتعلقت بالثوب الحسكة، نصبت الشبكة، وطاب الزمان للنسكة.
وقالوا أيضا: «طلع النجم عشاء، ابتغى الراعي كساء».
يريدون طلوع الثريا بالعشيات وذلك عند اشتداد البرد. «وطلع النجم غديّة، ابتغى الراعي شكيّة (1)» يريدون شكوة يحمل فيها الماء لشدة الحر.
وجعلوا السنة أربعة أجزاء، فجعلوا الزمن الأول الصفرية (2). وسموا مطره الوسمي وحصته من السنة واحد وتسعون يوما، وجعلوا حصته من النجوم، سبعة أنجم تسقط مع الفجر إلى طلوع الشمس بين كل نجمين ثلاثة عشر يوما، فأول الصفرية وهو أول الوسمي سقوط أول نجومه، وهي عرقوة الدلو السفلى وهو الفرغ الأسفل.
والحوت والشرطان والبطين والثريا والدّبران والهقعة وسقوط عرقوة الدلو السفلى يكون لعشر يمضين من أيلول، ويستوي الليل والنهار بعد ذلك بأربع عشر ليلة وهو فصل، وسقوط كل نجم أن ينظر إليه الناظر مع طلوع الفجر إذا قيد فرسه من تحت بطنها في الأفق مما يلي المغرب وكلما سقط نجم طلع نظيره من المشرق لا يرين الطالع عند سقوط الساقط لأنه قريب من الشمس، فيفضحه ضوء النهار، ونوء كل نجم ما بعده إلى سقوط النجم الذي يليه، فإذا تم سقوطها انقطع مطر الوسمي.
وجعلوا الزمن الثاني الشتاء وحصته من السنة أحد وتسعون يوما بسقوط أول نجومه الهنعة والذراع والنثرة والطرفة والجبهة والزبرة والصرفة، فسقوط الهنعة يكون لعشر ليال تمضي من كانون فعند ذلك تسقط الهنعة وينتهي طول الليل وقصر النهار بعد ذلك بإحدى عشرة، فإذا سقطت الصرفة قالوا: انصرف الشتاء، فعند ذلك ينقطع الشتاء، ومنهم من يسمي الشتاء ربيعا.
ثم جعلوا الزمن الثالث الصيف وهو زمن الربيع وحصته من السنة إحدى وتسعون يوما وهو في آذار قالوا: «إذا مضى عشر من آذار، برد ماء الآبار، وتصرم الثمار، وصور النحل الآبار، واشتهى الغلام الإزار، وشدت على المطايا
__________
(1) الشكيّة: تصغير شكوة، وهي القرية الصغيرة.
(2) الصفرية: هو فصل الربيع.(6/181)
الأكوار، واستوى الليل والنهار»، وحصته من النجوم العواء والسماك والغفر والزبانيان والإكليل والقلب والشولة، فسقوط العواء في أحد عشر يوما من آزار ويستوي الليل والنهار بعد ذلك بإحدى عشرة ليلة فإذا تم سقوط هذه انقضى مطر الصيف وذلك عند طلوع الثريا.
وجعلوا الزمن الرابع القيظ ويسمى مطر الخريف، وحصته من السنة إحدى وتسعون يوما، بسقوط أول نجومه وذلك لعشر تمضي من حزيران ونجومه النعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية وعرقوة الدلو العليا وهي الفرغ المقدم فإذا تم سقوطها انقطع مطر الخريف وزمان القيظ وعاد زمان الصفرة. فذلك أربعة أزمنة عددها ثلاثمائة وأربعة وستون يوما ويزاد فيها يوم الجبهة حتى يتم العدد بثلاثمائة وخمسة وستين يوما ويصح كل زمن في وقته.
ومن العرب من جعل السنة ستة أجزاء، فجعل الزمان الأول الوسمي وجعل حصته من السنة شهرين وحصته من النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
وجعل الزمن الثاني الشتاء، وجعل حصته من السنة شهرين ومن النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
وجعل الزمن الثالث الربيع، وجعل حصته من السنة شهرين ومن النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
وجعل الزمن الرابع الصيف وحصته من السنة شهرين ومن النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
وجعل الزمن الخامس الحميم وجعل حصته من السنة شهرين ومن النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
وجعل الزمن السادس الخريف وجعل حصته من السنة شهرين ومن النجوم أربعة أنجم وثلثي نجم.
ويكرهون أن يكون ابتداء مطرهم بالشرطين ويخافون أن يكون ذلك العام جدباء. ويقولون: إنه إذا أصابهم في الشرطين مطير قالوا: نخاف أن يكون
أحداجا من الأنواء.(6/182)
ويكرهون أن يكون ابتداء مطرهم بالشرطين ويخافون أن يكون ذلك العام جدباء. ويقولون: إنه إذا أصابهم في الشرطين مطير قالوا: نخاف أن يكون
أحداجا من الأنواء.
يسمونها الأنيسين ويقال للواحد الأنيس ويقال: هما كوكبان بين يدي شرطين وسقوط الجبهة هو أول الربيع، وهو انكسار البرد، وظهور مظهر الدفء، وإنهاك العشب، ونتاج الإبل، وتوليد الغنم، وحينئذ ينتجون ويولدون ويحضنون.
وقالت امرأة من العرب: «لم أر كالربيع مضى، لم تقم عليه المآتم، ويقولون إن القر في بطون الإبل، فإذا ذهب القر صحت الإبل.
قال بعضهم: إذا سقطت النثرة سرت الإبل وكانت قبل ذلك باركة في أعطانها، وتلقى جلالها عنها ويؤمن هربه على المال، ويدب القراد ويطلع الضب رأسه وينضر الشجر لسخونة الأرض قبل أن يظهر الدفء.
وقالوا كفّا الشتاء: الذراعان والنثرة، وقالوا: لا يورق العود حتى تنوء الجبهة، فإذا أنأت سقطت الجمرة الأولى. والجمرات ثلاث:
فأولها: سقوط الجبهة لأربع عشرة يمضين من شباط.
والثاني: مع سقوط الزّبرة لثمان وعشرين من شباط.
والثالثة: مع سقوط الصرفة لثلاث عشرة يمضين من آذار.
وفي أول الجمرات مع سقوط الجبهة ساخ (1) الثرى وماذ (2) المعرق، وأورق العود، واختلفت رؤوس الإبل في مباركها، ولفظت الأرض ما فيها من نبت، وتزعم العرب أن نوء الجبهة أعم المطر نفعا يصل ما قبله وما بعده.
ويقال: إنه لم يمتلىء غائط قط من ماء نوء الجبهة إلا امتلأ عشبا.
ويقولون: عن نوء الجبهة إنه يظهر كل ثرى كان في بطن الأرض قبله وأنه إذا أخلف نوءها لم يتم ربيع ذلك العام.
وعقارب الشتاء أربع وهي البرد ينزل بهن القمر في العشر الأواخر من
__________
(1) ساخ: غاص لكثرة مائه.
(2) ماذ: حسن.(6/183)
الشهور العربية في ليالي الشتاء وقل ما يخلفوا أن يكون فيهن فرقا ولهن للمجرة ينزل القمر الأول العقرب وليلة ست وعشرين من الشهر العربي وهي تشرين الآخر، ثم الثانية العقرب الهرار بقارن القمر العقرب لأربع وعشرين من شهر العربي وذلك في كانون الأول ثم العقرب الجثوم الثالثة لاثنتين وعشرين من شهر العربي وذلك في كانون الآخر. ثم عقرب الختران ليلة عشرين من شهر العربي في شباط. وسميت الأولى المخرمة لأن القمر حين يحلها ولا يخرج منها حتى يستسر.
وسميت الثانية الهرار لموافقة طلوع الهرارين قلب العقرب والنسر الواقع حين يسريان في المشرق مع طلوع الفجر، وسميت الجثوم لشدة الشتاء وجثومه، وسميت الختران لنتاج الإبل وكثرة الختران في ذلك الوقت ثم يقارن القمر الثريا بعد ذلك بخمس عشرة ليلة فيكون لخامسة تمضي من الشهر العربي وفيه قال الشاعر (1): [الوافر]
إذا ما قارن القمر الثريا ... لخامسة فقد ذهب الشتاء
ثم الشهر الذي بعد هذا من شهور العرب يقارن فيه الثريا الثالثة ويقال إنها أغزر ليلة في السنة في كثرة اللبن، وذلك لأن الإبل يتكامل نتاجها، وتجلب الحملان في ذلك الوقت فتخلوا ألبان الشتاء لأهلها.
وقال الشاعر: [الوافر]
إذا ما قارن القمر الثريا ... لثالثة فقد كثر السلاء (2)
ثم يقارن القمر الثريا في الشهر الثالث مع استمراره، ويقال عند سقوط السماك يخاف الناشرة. وذلك لأن المطر ينقطع قبل سقوط السماك ثم يكون مطره عند سقوطه غير متصل بما كان قبله، وقد هاجت الأرض، وذهبت الوغرات، فإذا أصابه مطر نوء السماك نشر وعاد العود أخضر، وعاد في أصوله الورق، فإذا رعته الماشية، أدراها وضرها وأصابها عنه داء يسمونه الهرار (3)،
__________
(1) البيت لأسيد بن الحلاحل في لسان العرب (عدد)، والتنبيه والإيضاح 2/ 37، وتاج العروس (عدد)، وبلا نسبة في تهذيب اللغة 1/ 91.
(2) السلاء: شوك النخل.
(3) الهرار: داء جلدي كالورم بين جلد الإبل ولحمها.(6/184)
وقد جعلوا لكل من كان نجوما، وسموا سقوطها وطلوعها أنواء، فجعلوا السقوط علما لنجوم الوسمي، والشتاء والربيع، وهو نصف السنة وحين البرد وما قاربه من الذي من قبله، ومن بعده، وجعلوا الطلوع علما لنجوم الصيف والحميم والخريف، وما دنا منها من لين الزمان وهو نصف السنة.
قالوا: سقوط الفرغ لأسفل، هو ذهاب الحر ودخول البرد، واستغناء عن أكثر سقي الإبل، لأن الظمأ يطول وإنما يحتاج للإبل في الشهر إلى أن ترد مرة لا تحتاج الغنم إلى أكثر من مرتين في الشهر وإن وقعت الأمطار جرأت الماشية فإذا سقط فرغ الدلو للأسفل عدوه طلع السماك الرامح ولذلك قال الشاعر:
[البسيط]
حتى رأيت عراقي الدلو ساقطة ... وذا السلاح مصوح الدلو قد طلعا
ورقيب الفرغ الأسفل العواء السماك الرامح يطلع معه، وهو يطلع قبل السماك الأعزل الذي ينزل به القمر، وأراد بقوله: «ذو السلاح»، السماك الرامح، ويزعم أهل الشام أن استواء الليل والنهار في استقبال الشتاء يكون في أيلول لست تبقى منه، في ذلك اليوم يطلع العواء ويسقط الدلو وبينه الفرغ المؤخر ويعود إلى السقوط ويدعون مؤخره أشد تقاربا لطلوع النجم والدبران ثم تسقط الهنعة، ويطلع رقيبها النعائم لأربعة وعشرين يوما يمضي من كانون الأول فسقوطها عدّوه هو أول مطر الشتاء وأنوائه. ثم تسقط الذراع ويطلع نظيرها البدرة لسبعة أيام تمضي من كانون الآخر ونوءها خمس ليال وقل ما يخلف نوء الذراع. والذراع عندهم ذراع الأسد والنثرة والطرف والجبهة والزّبرة والصرفة والعواء من الأسد، فما بين العواء والذراع عندهم من الأسد، ومنهم من يجعل السماك منه ثم يسقط النثرة لعشرين تمضي من كانون الآخر ويطلع رقيبها سعد الذابح ونوءها سبع ليال. قال ذو الرمة (1): [الطويل]
مرنّ الضّحى طاو بني صهواته ... لزوايا غمام النثرة المترادف
ثم يسقط الطرف، ويطلع نظيره سعد بلع، ليومين يمضيان من الشباط
__________
(1) البيت في ديوان ذي الرمة ص 1652.(6/185)
ونوءه لست ليال، لأن الجبهة تقترن بما قبلها وما بعدها، ونوءها غزير طويل مثل نوء الثريا، ثم يسقط الجبهة خمسة عشر يوما من شباط، ويطلع رقيبها سعد السعود، ونوءها سبع ليال، فإذا سقطت الجبهة انكسر الشتاء، وولد الناس، واجتنى أوائل الكمأة، وسقطت الجمرة الأولى، ثم تسقط الزبرة ليوم تبقى من شباط ويطلع رقيبها سعد الأخبية، وهي الجمرة الوسطى، ومطرها ينسب إلى الجبهة لقربها منها، ونوءها أربع ليال ثم تسقط الصرفة لثلاثة عشر يوما تمضي من آزار، ويطلع رقيبها فرغ الدلو، ونوءه ثلاث ليال وهو آخر نجوم الشتاء، وينصرف الشتاء وتمضي نصف السنة. وفي خمسة وعشرين يوما من آذار يسقط العواء ويطلع رقيبه فرغ الدلو المؤخر ونوءه ثلاث ليال، وتخرج الشمس من الحوت وتدخل الحمل ثم يجري مصعده نحو الشمال، ويستوي الليل والنهار، وقد مضى خط الوسمي والشتاء من السنة ثم يجيء حد الصيف، فإذا طلع النطح وهو الشرطان كان أول الصيف وأول البوارح بطلوع النجوم لا بسقوطها، وبارح كل نجم الطلوع، ونوء العواء أربع ليال وهو أول الوسمي، ويسقط الحوت لثمان يمضين من تشرين الأول، ويطلع رقيبه السماك الأعزل ونوءه ليلة، ونوء الحوت ليس نوءه بغزير ولا مشهود ولا يكاد العرب تذكره في كلامها ولا أشعارها، وذلك أنه نوء قصير عندهم لا مطر فيه، ونوء الدلو غزير طويل فهو يغترف نوء الحوت فلا يكاد يذكر، ثم يسقط الشرطان وهو النطح ويطلع رقيبه الغفر في أحد وعشرين يوما من تشرين الأول، وهو عند العرب أغزر من الحوت، وهم له أذكر ومطره بإذن الله من أنفع المطر لأنه خير ولي للدلو، لا يجف ثرى الدلو حتى يكون الشرطان له وليا، لأنه ينوء حين تحتاج الأرض إلى المطر.
قال ذو الرمة (1): [البسيط]
* حوّاء قرحاء أشراطية وكفت *
ثم يسقط البطين غدوة، ويطلع رقيبه الزبانيان لثلاث يمضين من تشرين
__________
(1) عجزه: فيها الذهاب وحفتها البراعيم
والبيت في ديوان ذي الرمة ص 399، ولسان العرب (ذهب)، (قرح)، (شرط)، (برعم)، وتهذيب اللغة 4/ 41، ومقاييس اللغة 2/ 362، ومجمل اللغة 2/ 348، وتاج العروس (ذهب)، (قرح)، (شرط)، (برعم)، والمخصص 9/ 10، وكتاب العين 3/ 43، 4/ 41، وديوان الأدب 2/ 260.(6/186)
الآخر، وهو عندهم شر الأنواء يكرهون المطر فيه لأنه نزر قليل، وقل ما أصابهم إلا أخطأهم نوء الثريا، ونوءها أشرف الأنواء وأغزرها وهم لا يذكرون نوء البطين في شعر ولا غيره.
ثم يسقط الثريا وهي النجم فيعترض في الأفق سبعا في ست عشرة يوما تمضي من تشرين الآخر، ونوءه سبعة أيام ويطلع رقيبها الإكليل، ونوء الثريا أحب الأنواء إلى العرب لأنها تنوء وقد دخلوا في البرد، فإذا أصابهم نوءها، برقت الأرض سنتها فإذا جادهم وثقوا بالحيا بإذن الله، فإذا أخطأهم فهي السّنة والقحط، إلا أن يكثر مطر الجبهة، ثم يسقط الدّبران ويطلع رقيبه القلب لتسعة وعشرين يوما من تشرين الآخر، ويطلع مع النسر الواقع، وتسمي العرب قلب العقرب والنسر الواقع إذا طلعا «الهرارين»، وليس سقوط الدّبران وطلوع قلب العقرب «النوء» ولا غرر، لأن نوء الثريا يفترق ما قبله وما بعده، ويقال إن ليس في السماء نجما مما ينزل به القمر ثلاثة عشر يوما، إلى أن يطلع الذي بعده، وذلك ما كان له بارح من منازل القمر فقد يكون البارح لغير المنازل، فيكون بارحه بقدر ما بينه وبين الذي يتلوه من الكواكب، فطلوع الشرطين لاثنتي عشرة تتبقى من نيسان، ويسقط الغفر ثم يطلع البطين ليوم يمضي من أيار، ويسقط الزبانيان، ثم يطلع النجم وهو الثريا، فأول البوارح بارح الثريا، وهو أقلها بارحا، وبارحه لين، وربما سكن وابتداؤه اليوم الرابع عشر من أيار ومعه يطلع العبوق، فيكون بارحه ثلاثة عشر يوما، ويهيج العود ويسقط رقيبه الإكليل، ثم يطلع الدّبران اليوم السابع والعشرين من آيار، وبارحه أشد من بارح النجم «واضع» وهو بارح طيب لا يشتد فيه الشمال ولا الحرور، ويسقط رقيبه القلب ثم يطلع الهقعة وهو أول جوزاء عند العرب لعشر يمضي من حزيران، ويسقط رقيبها الشولة ويستر بارحها، وهو أول بارح في الجوزاء، وفيه يؤكل البلح، ويدرك بعض الفواكه، ثم يطلع الهنعة وهي آخر الجوزاء لثمان تبقى من حزيران وهي أشد ريحا وحرورا وسموما، ويسقط رقيبها النعائم وهو أول ما يرى الأحمر والأصفر من النسر وتحرق الرمضاء. قال ذو الرمة (1): [الطويل]
__________
(1) البيت في ديوان ذي الرمة ص 93.(6/187)
حدا بارح الجوزاء أعراف موره ... به وعجاج العقرب المتناوح
يجعل البارح للجوزاء وجعل العجاج للعقرب وإذا استتم طلوع الجوزاء واشتد الحر وأوردوا إبلهم قالوا للراعي:
صر شطور إبلك لا توردها بهلا.
يقول: حتى تجود بها لبنا.
فيصر خلفين من أخلاف الناقة، ويترك اثنين للفصيل. فإذا طلعت الشعرى قيل للراعي: ثلّث فيصر ثلاثة أخلاف، فإذا طلع السهيل قيل للراعي: اجمع، فيصر أخلافها كلها فلذلك قالوا:
«إذا طلع سهيل فلأم الفصيل الويل» وإنما الويل للفصيل لأنهم يصرون أخلاق الناقة كلها.
وإذا طلعت الجوزاء توقدت المعزاء وكنست الظباء فلا تزال تقيل في مكانهما حتى تطلع العذرة، وطلوعها بين طلوع الشعرى وطلوع السهيل، ثم تطلع الشعرى الغميصاء وهي الذراع، وطلوعها لخمس تمضين من تموز وذلك أشد بوارح القيظ سموما، وفيه أول إدراك البسر، ويسقط رقيبها البلدة، ويسقط النسر الواقع وهي أشد الوغرات وهي التي يغطس فيها الإنسان بين البئر والحوض، وعندها أو بعيدها قليلا بسط المجرة وقالوا: جني النخل بكرة، ولم تترك في ذات در قطرة، ثم طلع النثرة والشعرى والعبور لثماني عشرة من تموز وذلك أشد ما يكون من الحر التهابا، والشعرى ليس لها نوء في المطر ووغرتها مثل وغرة جوزاء، ويسقط رقيبها سعد الذابح ثم يسقط الطرف لثلاث يمضين من آب، وتطلع معها الغدرة في تلك الغداة وفيها رياح وغلة وحر شديد، وعند ذلك تؤكل الرطب ويسقط رقيبها سعد بلع.
وقالت العرب: إذا طلعت الغدرة، فعلة نكرة، في بلاد البصرة، ثم تطلع الجبهة لست عشرة تمضي من آب ويومئذ يرثي أهل الحجاز سهيلا، وفيها بارح وحرور، ويكثر الرطب ويسقط رقيبها سعد السعود.
وسبعة وعشرين يوما من آب يرى أهل البصرة سهيلا، وسهيل الجبهة
يطلعان في يوم واحد، وقالوا: إذا طلع سهيل رفع كيل، ووضع كيل، ولاح للفصيل الويل.(6/188)
وسبعة وعشرين يوما من آب يرى أهل البصرة سهيلا، وسهيل الجبهة
يطلعان في يوم واحد، وقالوا: إذا طلع سهيل رفع كيل، ووضع كيل، ولاح للفصيل الويل.
يقولون يرفع كيل الحب، ويوضع كيل الزبيب والتمر، ويفصل الفصيل غرامة. وعند طلوع سهيل، يقال: يا آل سهيل في الأوعية، لأنه يفسد كثيرا مما يتخذونه من الأشربة والمري والكواميخ وأكثر ذلك أن يطيب ليلة، فعند ذلك يقال: برد ماء الخرقاء، وذلك أن الماء يبرد من غير مبرد للماء، وماء الخرقاء التي لا تبرد بمنزله.
قال الشاعر (1): [الطويل]
إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة ... سهيل أذاعت غزلها في القرائب
والعرب تستغني بذكر سهيل عن ذكر الجبهة فلا يذكرونها في أشعارهم، ثم تطلع الزّبرة وهي الخراتان، ويبرد الليل لسبعة وعشرين يوما من آب ويستقل سهيل ويسقط رقيبها سعد الأخبية.
ثم يطلع الصّرفة لعشر تمضين من أيلول ويقال: إذا طلعت الصرفة انصرف القيظ فعند ذلك ابتداء السنة ودخول الصفرية، ويسقط رقيبها فرغ الدلو الأعلى ثم يطلع العوّاء لثلاثة وعشرين يوما يمضي من أيلول، ويسقط رقيبه فرغ الدّلو الأسفل، ثم يطلع السماك لست تمضي من تشرين الأول، ويسقط رقيبه بطن الحوت، فعند ذلك يصرم النخل وليس من هذه الوغرات وغرة (2) إلا ولها بارح فإن اشتد هانت، وإن هان اشتدت فاستحقاق البوارح والوغرات من طلوع النجم إلى أن تنام الجوزاء، وذلك إلى استتمام طلوع الهنعة، ثم يطلع الغفر لسبعة عشر يوما تمضي من تشرين الأول، ويسقط رقيبه الشرطان ثم يطلع الزبانيان ليومين يمضيان من تشرين الآخر، ويسقط رقيبها البطين ثم يطلع الإكليل لخمسة عشر يوما من تشرين الآخر، ويسقط رقيبه النجم، ثم يطلع القلب لثمانية وعشرين
__________
(1) البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 193، وخزانة الأدب 2/ 112، 9/ 128، وشرح المفصّل 3/ 8، ولسان العرب (غرب)، والمحتسب 2/ 228، والمقاصد النحوية 3/ 359، والمقرب 1/ 213.
(2) الوغرة: شدة توقّد الحر.(6/189)
يوما تمضي من تشرين الآخر ويسقط رقيبه الدّبران، ويطلع النسر الواقع، ثم يطلع الشولة اليوم التاسع من كانون الأول، ويسقط رقيبها الذراع، ثم يطلع سعد الذابح لثمانية أيام تمضي من كانون الآخر، ويسقط رقيبها النثرة، ثم يطلع سعد بلع لأحد وعشرين يوما من كانون الآخر، ويسقط رقيبه الجبهة، ثم يطلع سعد الأخبية لخمسة عشر يوما تمضي من شباط، ويسقط رقيبه الزبرة، ثم يطلع فرغ الدلو المقدّم ليوم تبقى من شباط، ويسقط رقيبه الصرفة. ثم يطلع فرغ الدلو المؤخر لإحدى عشرة يوما تمضي من آذار، ويسقط رقيبه العواء، ثم يطلع الحوت لأربعة وعشرين يوما تمضي من آذار، ويطلع رقيبه السماك.
وأول منازل القمر: الشرطان ويقولون هما قرنا الحمل، وهما كوكبان مفترقان عند الأعلى، الشامي منهما كوكب صغير، وتسميان أيضا «النطح» وهما عن يمين المدقق ويدعيان أيضا «الإنسانين» ولسقوطهما بالغداة نوء ليلة، ولطلوعهما بالغداة بارح ليلة والله أعلم.
ثم ينزل بالبطين وهو بطن الحمل، وهو ثلاثة كواكب صغار متفرقات غير نيرات وهي عن يمين المنكب، ولسقوطهما نوء ثلاثة ليال، ولطلوعهما بارح ثلاث ليال.
ثم ينزل بالثريا وهي ستة كواكب مجتمعات طمس على حلقه إلية الشاة، ونوءها سبع ليال وبارحها أربع ليل.
ثم ينزل بالدّبران ويسمى «التابع والمجدح» ويسميه بعض العرب «الضيّقة» وهو كوكب أحمر نيّر، ويسمى الكواكب الصغار التي مع القلائص نوء ليلة، وبارحة ليلة وهو أول بوارح الصيف ويقصر القمر أحيانا فينزل بالضيقة وهي بين النجم والدبران كوكبان صغيران متقاربان كالملتصقين وقد قال الشاعر (1): [الطويل]
بضيقة بين النجم والدبران
__________
(1) صدره: فهلّا زجرت الطير ليلة جئته
والبيت للأخطل في ديوانه ص 10، ولسان العرب (ضيق)، (نجم)، وتهذيب اللغة 9/ 217، وجمهرة اللغة ص 910، وكتاب العين 5/ 186، وأساس البلاغة (ضيق)، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 3/ 383، والمخصص 9/ 12.(6/190)
ثم ينزل بالهقعة وهي رأس الجوزاء وتسمى «تحياه» وهي ثلاثة كواكب متقاربة، كما تنكت في الأرض بالإبهام والسبابة الوسطى مضمومة، ونوءها ثلاث ليال وبارحها ليلة.
ثم ينزل بالهنعة وهي في المجرة وبينهما وبين الذراع المقبوضة وهما كوكبان مقترنان، وعندهما يقطع القمر المجرة شاميا ونوءها ثلاث ليال وبارحها ليلة.
ثم ينزل بذراع الأسد المقبوضة، وهما كوكبان نيّران بينهما كواكب صغار يقال لها «الأظفار» ويبعد أحيانا فينزل بالذراع المبسوطة وهما أيضا كوكبان أحدهما نير يقال لها الشعرى الغميصاء، والآخر أصغر منه يميل إلى الحمرة يقال له «المرزم» وهو مرزم الذراع، ونوءها خمس ليال، وعند ذلك يشتد البرد، وبارحها ليلة وعند طلوعها تشتد رياح الصيف ويكثر الحرور والسموم.
ثم ينزل بالنثرة وهي فم الأسد ومنخراه وهي لطخة صغيرة بين كوكبين صغيرين وتدعى أيضا باللهاة، ولسقوطها نوء ليلة ولطلوعها بارح ليلة، وهو أشد ما يكون الحر.
ثم ينزل بالطرف وهما كوكبان صغيران مفترقان، وهما عينا الأسد وقدام الطرف كواكب صغار يقال لها: الأشفار ونوءه ست ليال وفيه تنقّ الضفادع، وتتزاوج الطير وتهب الجناثب، ولطلوعه بارح ليلة.
ثم ينزل بالجبهة، وهي كواكب أربعة، وهو فيها عوج أحدهما براق وهو اليماني منها، ونوءها سبع ليال وفيه ينكسر حد الشتاء وتورق الشجر، ويزقو المكاء، بارحها ليلة وسهيل يطلع بالحجاز مع طلوع الجبهة.
ثم ينزل بالخراتين وهما كوكبان نيّران وهما زبرة الأسد ولسقوطهما نوء ثلاث ليال ويرى فيه المطر فإن أخلف فبرد شديد، ولطلوعهما بارح ثلاث ليال، ويرى سهيل بالعراق.
ثم ينزل بالصرفة وهي كوكب أزهر، عنده كواكب صغار طمس ويسمى قنب الأسد، ونوءها ثلاث ليال، وعند طلوعها، برد الليل كله.
ثم ينزل بالعوّاء وهي خمسة كواكب مصطفة كأنها كتابة «ألف» وتدعى وركا الأسد وبعضهم يقول كلاب تتبع الأسد، ونوءها ليلة وبارحها ثلاث ليال وربما كان مطر هذا البارح لأنه يوافق نوء الدلو.(6/191)
ثم ينزل بالصرفة وهي كوكب أزهر، عنده كواكب صغار طمس ويسمى قنب الأسد، ونوءها ثلاث ليال، وعند طلوعها، برد الليل كله.
ثم ينزل بالعوّاء وهي خمسة كواكب مصطفة كأنها كتابة «ألف» وتدعى وركا الأسد وبعضهم يقول كلاب تتبع الأسد، ونوءها ليلة وبارحها ثلاث ليال وربما كان مطر هذا البارح لأنه يوافق نوء الدلو.
ثم ينزل السماك الأعزل وهو كوكب أزهر يقال، أحد ساقي الأسد، والسماك الرامح الساق الأخرى، ويعدل أحيانا فينزل بعجز الأسد وهي أربعة كواكب أسفل العواء يمانية وتدعى أيضا: عرش السماك، ولسقوط السماك نوء ليلة، ولطلوعه بارح ليلة.
ثم ينزل بالغفر وهو ثلاثة كواكب غير زهر.
ثم كوكبان مفترقان وهما قرنا العقرب، ويسميهما أهل الشام يدا العقرب.
ثم ينزل بالإكليل وهو رأس العقرب وهو ثلاثة كواكب مصطفة.
ثم ينزل بالشولة وهي ذنب العقرب ويسميها أهل الشام الإمرة، ونقصر أحيانا فينزل بالغفر مما بين القلب والشولة.
ثم ينزل بالنعائم وهي ثمانية كواكب زهر، منها أربعة وارد في المجرة ويسمى «النعام الواردة» وأربعة خارجة منها تدعى «النعام الصادرة»، ويدعى موضع النعائم «الوصل».
ثم ينزل بالبلدة وهي رقعة فيما بين النعائم وسعد الذابح، موضع قفر ليس فيه كوكب إلا خفي، ويعدل القمر أحيانا فينزل بالقلادة، وهي كواكب صغار مستديرة خفية فوق البلدة.
ثم ينزل سعد الذابح وهو كوكبان صغيران مقترنان أحدهما مرتفع في الشمال والآخر هابط في الجنوب، عند الأعلى منهما كوكب صغير يقال هي شاته التي يذبحها، وبين الكوكبين قدر ذراع في العين، وكذلك كل سعد في السعود.
ثم ينزل بسعد بلع، وهما كوكبان صغيران مستويان في المجرى.
ثم ينزل بسعد السعود، وهو ثلاثة كواكب أحدهما أنور من الآخرين
ويقصر القمر أحيانا، فينزل بسعد بأثره، وهما كوكبان أسفل من سعد السعود.(6/192)
ثم ينزل بسعد السعود، وهو ثلاثة كواكب أحدهما أنور من الآخرين
ويقصر القمر أحيانا، فينزل بسعد بأثره، وهما كوكبان أسفل من سعد السعود.
ثم ينزل بسعد الأخبية وهو أربعة كواكب، واحد منها في وسطها.
ثم ينزل بعرقوة الدلو العليا، وهي كوكبان أزهران مفترقان يقال لهما فرغا الخريف، ويدعيان ناهزي الدلو المقدمين، والناهز الذي يحرك الدلو ليمتلىء.
ثم ينزل بعرقوة الدلو السفلى وهي كوكبان أزهران مفرّقان ويقال لهما فرعا الربيع ويدعيان ناهزي الدلو المؤخرين، ولسقوطهما بالغداة نوء أربع ليال، ولطلوعهما بالغداة بارح ليلة، ويقصر القمر أحيانا فينزل بالكرب، والكرب الذي في وسط العراق، وربما نزل ببلدة الثعلب وهي بين الدلو والسمكة عن يمين المرفق.
ثم ينزل ببطن السمكة وهو كوكب أزهر نيّر في وسط منها مما يلي الرأس، وصورة السمكة التي في المجرى على حلقة السمكة كواكب تنفرج في فم السمكة فلا تزال تتسع كالجبلين إلى وسطها، ثم لا تزال تنضم إلى ذنبها، ويعدل القمر أحيانا فينزل بالسمكة الصغرى وهي أعلاهما في الشمال على مثل صورتها إلا أنها أعرض وأقصر، وهي تحت نحر الناقة، ولها نوء ليلة عند العرب ولطلوعها بالغداة بارح ليلة.
قد ذكرنا منازل القمر وما قيل من العرب في الأنواء والبوارج والمنازل ونذكر الآن صور الكواكب على مذهب المنجمين، ونسب كل كوكب عرفته العرب إلى موضعه منها بعون الله وتوفيقه.
قالوا: إن جميع الكواكب المرصودة سوى الصغار التي لم ترصد ألف واثنان وعشرون كوكبا سوى الصغيرة وهي ثلاثة كواكب تجمعها ثمان وأربعون صورة، منها في النصف الشمالي إحدى وعشرون صورة، وأسماؤها الدب الأصغر، والدب الأكبر، كوكبة التنين، فيقاوس العوّاء الذي يقال له الصّيّاح، والإكليل الشمالي وهو الفكّة، الجاثي على ركبته، الشلياق وهو النسر الواقع، الطائر وهو الدجاجة، ذات الكرسي، برشاوش وهو حامل رأس الغول، ممسك الأعنة، الحوّاء الذي يمسك الحية، حية الحواء، السهم، العقاب وهو النسر
الطائر، الدلفين قطعة الفرس الثاني المسلسلة، المثلث، كوكبة الفرس الأعظم.(6/193)
قالوا: إن جميع الكواكب المرصودة سوى الصغار التي لم ترصد ألف واثنان وعشرون كوكبا سوى الصغيرة وهي ثلاثة كواكب تجمعها ثمان وأربعون صورة، منها في النصف الشمالي إحدى وعشرون صورة، وأسماؤها الدب الأصغر، والدب الأكبر، كوكبة التنين، فيقاوس العوّاء الذي يقال له الصّيّاح، والإكليل الشمالي وهو الفكّة، الجاثي على ركبته، الشلياق وهو النسر الواقع، الطائر وهو الدجاجة، ذات الكرسي، برشاوش وهو حامل رأس الغول، ممسك الأعنة، الحوّاء الذي يمسك الحية، حية الحواء، السهم، العقاب وهو النسر
الطائر، الدلفين قطعة الفرس الثاني المسلسلة، المثلث، كوكبة الفرس الأعظم.
وعدد كواكب هذه الصورة التي من نفس الصورة ثلاثمائة وواحد وعشرون كوكبا، والتي حوالي الصور تسعة وعشرون كوكبا، ومنها على فلك البروج اثنتا عشرة صورة وهي: الحمل، والثور والتوأمان، والسرطان، والأسد، والعذراء، والميزان، والعقرب، والرامي، والجدي، وساكب الماء وهو الدلو، والسمكتان وهما الحوت.
وكواكبها من نفس الصور مائتان وتسعة وثمانون كوكبا وحوالي الصور سبعة وخمسون كوكبا سوى الضفيرة، ومنها في النصف الجنوبي خمس عشرة صورة وهي قيطس، والجبار وهو الجوزاء، النهر، الأرنب، الكلب الأصغر، السفينة، الشجاع، الباطئة، الغراب، قيطورس، الضبع، المجمرة، الإكليل الجنوبي، الحوت الجنوبي وكواكبها مائتا وسبعة وتسعون كوكبا، وحوالي الصور تسعة عشر كوكبا.
فأول الصور كوكبة الدب الأصغر وكواكبها من نفس الصورة سبعة منها ثلاثة على الذنب: وأربعة على مربع مستطيل. والعرب تسميه بنات نعش الصغرى، منها أربعة التي على المربع «نعش» والثلاثة التي على الذنب «بنات» وتسمى النيرين من الأربعة الفرقدين، والنير الذي على طرف الذنب الجدي، وهو الذي يتوخى به القبلة، وموضع الثلاثة التي على الذنب من قسمة البروج في الجوزاء والأربعة الأخرى في السرطان.
وكواكب الدب الأكبر سبع وعشرون من الصورة وثمانية حوالي الصورة، والعرب تسمي الأربعة النيرة على مربع نعش «سرير بنات نعش»، والثلاثة التي على الذنب «بنات نعش الكبرى». وبني نعش وآل نعش وتسمي الذي على أصل الذنب الجوز، والتي على وسطه العناق والذي على طرفه القايد وفوق العناق كوكب صغير يلاصق له يسمى السها والستا وهو الذي يمتحن به أبصارهم ويسمى الصيدق ونعيشا وفي أمثالهم «أريها السها وتريني القمر». وتسمي الستة التي على الأقدام الثلاثة على كل قدم منها اثنان في قدر واحد، على ثلاثة من أقدام الدب، على رجله اليمنى، كوكبان تسمى «قفزات الظباء»، كل اثنين منها
قفزة تشبه أثر ظلفي الظبي، والقفزة الأولى وهي التي على الرجل اليمنى من الصورة تتبعها الصرفة وهو الكوكب النيّر الذي على ذنب الأسد. والضفيرة وهي الكواكب المجتمعة التي فوق الصرفة وهي التي تسميها العرب «الهلبة»، وبين الهلبة وبين القفزة الأولى من البعد مثل البعد ما بين كل قفزتين. تقول العرب:(6/194)
وكواكب الدب الأكبر سبع وعشرون من الصورة وثمانية حوالي الصورة، والعرب تسمي الأربعة النيرة على مربع نعش «سرير بنات نعش»، والثلاثة التي على الذنب «بنات نعش الكبرى». وبني نعش وآل نعش وتسمي الذي على أصل الذنب الجوز، والتي على وسطه العناق والذي على طرفه القايد وفوق العناق كوكب صغير يلاصق له يسمى السها والستا وهو الذي يمتحن به أبصارهم ويسمى الصيدق ونعيشا وفي أمثالهم «أريها السها وتريني القمر». وتسمي الستة التي على الأقدام الثلاثة على كل قدم منها اثنان في قدر واحد، على ثلاثة من أقدام الدب، على رجله اليمنى، كوكبان تسمى «قفزات الظباء»، كل اثنين منها
قفزة تشبه أثر ظلفي الظبي، والقفزة الأولى وهي التي على الرجل اليمنى من الصورة تتبعها الصرفة وهو الكوكب النيّر الذي على ذنب الأسد. والضفيرة وهي الكواكب المجتمعة التي فوق الصرفة وهي التي تسميها العرب «الهلبة»، وبين الهلبة وبين القفزة الأولى من البعد مثل البعد ما بين كل قفزتين. تقول العرب:
«ضرب الأسد بذنبه الأرض فقفزت الظباء»، وتسمى أيضا الثعيليات والقرائن.
ويسمون الكواكب السبعة التي على العنق الصورة وصدرها، وهي كأنها نصف دائرة، تسمى سرير بنات النعش، والحوض والكواكب التي على الحاجب والعينين والأذن والخطم يسمى الظباء، يقولون: إن الظباء لما قفزت وردت الحوض.
وفي الجملة الثانية الخارجة من الصورة كوكب تسمى: كبد الأسد وفيها أيضا كوكبان يسميان مع كواكب خفية كثيرة «أولاد الظباء» وأكثر كواكب هذه الصورة في السرطان غير الثلاثة التي على الذنب فإن اثنين منهما في الأسد، والثالث الذي على طرف الذنب في الأسد.
كوكبة التنين وكواكبه أحد وثلاثون كوكبا كلها حزاء الصورة وعلى طرف لسانه كوكب تسميه العرب: «الراقص» وعلى رأسه أربعة تسميه «العوائد» وفي وسط العوائد كوكب صغير جدّا يسمى «الربع» وبين العوائد وبين الفرقدين كوكبان نيران يسميان الذئبين والجرين، والعوهقين، وفي أصل الذنب كوكب يسمى «الذبح» وقبلهما كوكبان خفيان يسميان أظفار الذئب، وقد وقعت العوائد بين الذئبين وبين النسر الواقع فشبهت العرب النيرين، بذئبين، والراقص في العقرب واثنان من العوائد في العقرب، واثنان في القوس واحد من الأثافي في الحمل واثنان في الثور والذنبان والذيخ في السنبلة، والأظفار في الأسد قد طمعا في استلاب الربع، وشبهت العوائد بأربع أينق قد عطفن على الربع، والنسر أيضا يحامي عليه، وعلى وسط الصورة ثلاثة كواكب تسمى الأثافي وهو الملتهب.
كوكبة قيقاوس وهو الملتهب كواكبه أحد عشر من الصورة واثنان من خارج الصورة وعلى جنبه الأيمن كوكب وعلى منكبه الأيسر اختلفت الروايات عن العرب فذكر بعضهم أنها تسميها «كوكبي الفرق» وذكر آخرون أنهما كوكبي
القرن، وأن هناك رأس ثور، وهذان كوكبان على قرنيه وليس هناك شيء من ذلك، وإنما وجدوا الكوكب الذي بين هذين الكوكبين. وقد سمته العرب الفرجة وموقعه بين الكوكبين كموقع الفرجة من أذني الدابة وقرني الثور، فصحفوا الفرق وجعلوه قرنا وذلك غلط منهم لأنهم سموها كوكبي الفرق لافتراقهما والفرجة هو كوكب على صدر الصورة، وعلى مرفقه الأيمن كوكبان وهي على دائرة واسعة من كواكب بين كوكبي الفرق وبين الثلاثة التي على طرف الجناح الأيمن من صورة الدجاجة وتسمى هذه الدائرة «القدر» وبين فخذيه ورجليه كواكب كثيرة تسمى «الشتاء» وتسمى «الأغنام» أيضا. وهذه الكواكب في الثور والحمل والحوت.(6/195)
كوكبة قيقاوس وهو الملتهب كواكبه أحد عشر من الصورة واثنان من خارج الصورة وعلى جنبه الأيمن كوكب وعلى منكبه الأيسر اختلفت الروايات عن العرب فذكر بعضهم أنها تسميها «كوكبي الفرق» وذكر آخرون أنهما كوكبي
القرن، وأن هناك رأس ثور، وهذان كوكبان على قرنيه وليس هناك شيء من ذلك، وإنما وجدوا الكوكب الذي بين هذين الكوكبين. وقد سمته العرب الفرجة وموقعه بين الكوكبين كموقع الفرجة من أذني الدابة وقرني الثور، فصحفوا الفرق وجعلوه قرنا وذلك غلط منهم لأنهم سموها كوكبي الفرق لافتراقهما والفرجة هو كوكب على صدر الصورة، وعلى مرفقه الأيمن كوكبان وهي على دائرة واسعة من كواكب بين كوكبي الفرق وبين الثلاثة التي على طرف الجناح الأيمن من صورة الدجاجة وتسمى هذه الدائرة «القدر» وبين فخذيه ورجليه كواكب كثيرة تسمى «الشتاء» وتسمى «الأغنام» أيضا. وهذه الكواكب في الثور والحمل والحوت.
كوكبة العواء ويسمى الصيّاح والنّقار وحارس الشمال: كواكبه اثنان وعشرون كوكبا من الصورة، وواحد خارج الصورة، وهو صورة رجل بيده اليمنى عصا فيما بين كواكب الفكة وبين بنات نعش الكبرى، فأما الكوكب الواحد الخارج من الصورة فهو بين فخذيه وتسميه العرب «السماك الرامح» وإنما سموه رامحا لأنها شبهت الكوكبين، أحدهما أعلى فخذ الصورة والآخر على ساقه رمح له، وشبهت كوكبين متقاربين على منطقة الصورة بعذبة الرمح من هذا الطرف، وكوكبين آخرين سموا الطرف الآخر الذي على الفخذ تابع الشمال، وراية الشمال وراية الفكة، ويسمى السماك منفردا: حارس السماء أيضا لأنه يرى أبدا في السماء لا يغيب تحت شعاع الشمس، وكذلك حكم سائر الكواكب التي لها عرض كبير في الشمال. على رأس الصورة ومنكبيه والعصا، كواكب يسميها العرب الضباع، وعلى اليد اليسرى وما حولها كواكب خفية يسمونها «أولاد الضباع» وحول السماك كواكب خفية يسمونها: السلاح، وقد يسمى الذي على الساق اليسرى مفردا: الرمح، والاثنان اللذان معه السلاح وأكثر العرب جعلوا السماكين ساقي الأسد، وجعلوا الرامح على ساقه اليمنى وهذه الكواكب في السنبلة. والميزان.
كوكبة الإكليل الشمالي «وهي» الفكة وكواكبها ثمانية على استدارة خلف عصا الصياح وتسميها العرب الفكة وفي استدارتها «ثلمة» تسميها العامة: قصعة
المساكين وفيها كوكب نيز تسمى المنير من الفكة وهي في الميزان والعقرب.(6/196)
كوكبة الإكليل الشمالي «وهي» الفكة وكواكبها ثمانية على استدارة خلف عصا الصياح وتسميها العرب الفكة وفي استدارتها «ثلمة» تسميها العامة: قصعة
المساكين وفيها كوكب نيز تسمى المنير من الفكة وهي في الميزان والعقرب.
وكوكبة الجاثي على ركبتيه ويسمى: الراقص أيضا، وهو صورة رجل قد مدّ يديه، وكواكبه ثمانية وعشرون سوى كوكب على طرف رجله اليمنى، فإنه مشترك بينه وبين طرف عصا الصياح وعلى يديه كواكب تسميها العرب مع كواكب أخر من كوكبة الشلياق وهي مصطفة معها النسق الشامي وعلى رأسه كوكب تسميه «كلب الراعي» وعلى مسافة كوكب تسميه النسق مفردا وحوالي النسق كواكب تسمى التماثيل وفي هذه الصورة أيضا كواكب من جملة الكواكب التي تسمى الضباع وهذه الكواكب في القوس والميزان.
كوكبة الشلياق ويسمى أيضا اللوزا والصبح والمعرفة والسلحفاة وكواكبه عشرة، النير منها هو، النسر الواقع، شبهته العرب بنسر قد ضم جناحيه إلى نفسه كأنهما قد وقعا، والجناحان هما اللذان مع هذا النير على مثلث والعامة تسميه:
«الأثافي»، وقدام النير كواكب خضبة يسمونها الأظفار ويسمون النسر الواقع مع قلب العقرب «الهرارين» لأنهما يطلعان معا في كثير من العروض وهي في الجدي.
كوكبة الطائر وهو الدجاجة، كواكبه سبعة عشر كوكبا من الصورة، واثنان من خارج الصورة وأكثر كواكبه في المجرة، وفي الصورة أربعة كواكب مصطفة قد قطعت المجرة عرضا تسميها العرب «الفوارس» شبهوها بأربعة فوارس يتسايرون، على ذنبه كوكب منير تسميه «ردفا» كأنه ردف للفوارس، بعضها في الجدي وأكثرها في الدلو.
كوكبة ذات الكرسي وهي صورة امرأة قاعدة على كرسي، وهي في نفس المجرة وكواكبها ثلاثة عشر كوكبا، والعرب تسمي النيرة منها: «الكف الخضيب» وهي كف الثريا اليمنى المبسوطة، وذلك أنه يمتد من عند الثريا سطر من كواكب فيه تقويس فيمر على أكثر كواكب ممسك رأس الغول، ويتصل بهذه الكواكب النيرة، فشبهت العرب السطر بيد ممدودة للثريا، وشبهت هذه الكواكب النيرة بأنامل مخضوبة وأحدها يرسم على الاسطرلاب وتسمى: الكف الخضيب وتسمى أيضا سنام الناقة، لأن هناك كواكب تشبه صورة ناقة، ولطخة سحابية
على يد ممسك رأس الغول جعلوها موضع السمة على فخذ الناقة وهي في الحمل والثور.(6/197)
كوكبة ذات الكرسي وهي صورة امرأة قاعدة على كرسي، وهي في نفس المجرة وكواكبها ثلاثة عشر كوكبا، والعرب تسمي النيرة منها: «الكف الخضيب» وهي كف الثريا اليمنى المبسوطة، وذلك أنه يمتد من عند الثريا سطر من كواكب فيه تقويس فيمر على أكثر كواكب ممسك رأس الغول، ويتصل بهذه الكواكب النيرة، فشبهت العرب السطر بيد ممدودة للثريا، وشبهت هذه الكواكب النيرة بأنامل مخضوبة وأحدها يرسم على الاسطرلاب وتسمى: الكف الخضيب وتسمى أيضا سنام الناقة، لأن هناك كواكب تشبه صورة ناقة، ولطخة سحابية
على يد ممسك رأس الغول جعلوها موضع السمة على فخذ الناقة وهي في الحمل والثور.
كوكبة برشاوش وهو حامل رأس الغول، وهو صورة رجل قائم على رجله اليسرى وقد رفع رجله اليمنى فوق رأسه، بيده اليسرى رأس غول، وكواكبه كلها فيما بين الثريا وبين كوكبة ذات الكرسي، وهي ستة وعشرون كوكبا من الصورة، وثلاثة حوالي الصورة. ويمتد من عند اللطخة التي على يده اليمنى، سطر يمر على كواكب كثيرة حتى ينتهي إلى كوكبين على قدمه قريبين من الثريا، شبهت العرب جميعها مع كوكبة ذات الكرسي التي على ظهر الناقة بيد الثريا، ممدودة، فسمت النّيّرة التي على ظهر الناقة الكف واللطخة والمعصم، والذي على المرفق الأيمن من حامل رأس الغول مع الذي على منكبه الأيمن الساعد واللذين على الجنب المابض، وآخر على الجنب أيضا إبرة المرفق، وثلاثة أحدهما على القدم اليمنى واثنان على الجنب العضد، والذي على الساق اليسرى المنكب، والاثنين المتقارنين اللذين يليان الثريا وهما على القدم اليسرى العاشق، وهي كلها في الثور.
كوكبة ممسك الأعنة وهو صورة رجل قائم خلف ممسك رأس الغول، بين الثريا وبين كوكبة الدب الأكبر، وكواكبه أربعة عشر كوكبا وعلى رأسه كوكبان تسميها العرب مع كواكب أخر بقرب منها «الخباء» لأنها على صورة الخباء، وعلى منكبه الأيسر كوكب نير تسميه العيوق، وعلى مرفقه الأيسر كوكب تسميه «العنز» وعلى المعصم الأيسر كوكبان متقاربان تسميان الجديين وتسمى العيوق لأجل ذلك العناز ويسمونه أيضا: العنز ويسمى رقيب الثريا لأنه يطلع في كثير من المواضع بطلوع الثريا.
ولذلك قال أبو ذؤيب (1): [الكامل]
فوردن والعيوق مقعد رابىء ال ... ضرباء فوق النجم لا يتتلع
__________
(1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في خزانة الأدب 1/ 418، 421، وشرح اختيارات المفضل ص 1702، وشرح أشعار الهذليين 1/ 19، والكتاب 1/ 413، ولسان العرب (رقب)، (ضرب)، (تلع)، (عوق)، (نجم)، (نظم)، والمحتسب 2/ 247، والمعاني الكبير ص 1148، وتاج العروس (رقب)، (ضرب)، (تلع)، (عوق)، (نظم)، وللهذلي في شرح المفصل 1/ 41، والمقتضب 4/ 344.(6/198)
ويسمى أيضا عيوق الثريا وعلى منكبه الأيمن كوكب يسمى مع آخرين على الكعبين توابع العيوق والأعلام.
وذكر بعض من صنف في الأنواء أن بين عائق الثريا وبين العيوق كوكبين تحت المجرة يسميان: المرجف والبرجيس، كواكبه كلها في الجوزاء.
كوكبة الحوا والحية: هي صورة رجل قائم، قد قبض بيديه جميعا على حية، وكواكب الحوا أربعة وعشرون من الصورة، وخمسة خارجة منها، وكواكب الحية ثمانية عشر كوكبا، وعلى منشأ عنق الحية كوكب، وآخر على صدغها، يتصلان بالكواكب المصطفة التي على المنكب والعضد والمرفق الأيمن من صورة الجاثي، يعدهما العرب من جملة النسق الشامي، وتسمى أربعة كواكب من كواكب الحية، مع النيرين اللذين على ركبتي الحواء الذي على ساقه اليمنى وهي كلها مصطفة على سطر فيه تعويج «النسق اليماني» وسمت هذه النسق يمانيا لأن كواكبه تغيب في ناحية الشام وشق اليمن، وسمت الأول شاميا لأن كواكبه تغيب في ناحية الشام، ويسمى البقعة التي بين النسقين الروضة، والكوكب التي في الروضة «الأغنام»، والذي على رأس الحوا «الراعي» والذي على رأس الجاثي «كلب الراعي»، كواكبها في العقرب، والقوس.
كوكبة السهم هي خمسة كواكب بين منقار الدجاجة وبين النسر الطائر في نفس المجرة العظيمة، ونصل السهم إلى ناحية المشرق والفوق، إلى ناحية المغرب، ولم يذكر عن العرب فيها شيء وهي في الجدي.
وكوكبة العقاب: وهو النسر الطائر، وكواكبه تسعة من الصورة وستة خارجة منها، والعرب تسمي الثلاثة المصطفة: «النسر الطائر» لأن بإزائه النسر الواقع، وسمي واقعا لوقوع جناحيه، وسمي هذا طائرا لانبساط جناحيه، وتسمي كوكبين من الخارجة عن الصورة وهما بين الثلاثة التي ذكرها وبين النعام الصادر الظليمين الصغيرين وهي في الجدي.
كوكبة الدلفين وكواكبه على مربع شبيه بالمعين تسميها العرب: «القعود» والعامة تسميها: «الصليب»، ويسمى الكوكب الذي على ذنب الدلفين عمود الصليب وهي في الدلو.
كوكبة قطعة الفرس، وهي أربع كواكب يتبع الدلفين، اثنان منهما متضايقان بينهما شبر على موضع الفم، واثنان على الرأس، ولم يذكر عن العرب فيها شيء.(6/199)
كوكبة الدلفين وكواكبه على مربع شبيه بالمعين تسميها العرب: «القعود» والعامة تسميها: «الصليب»، ويسمى الكوكب الذي على ذنب الدلفين عمود الصليب وهي في الدلو.
كوكبة قطعة الفرس، وهي أربع كواكب يتبع الدلفين، اثنان منهما متضايقان بينهما شبر على موضع الفم، واثنان على الرأس، ولم يذكر عن العرب فيها شيء.
والأربعة جميعا موضعها من الفلك وقسمته في الدلو كوكبة الفرس الأعظم، وكواكبها عشرون كوكبا، وهي صورة فرس له رأس ويدان وبدن إلى آخر الظهر، وليس له كفل ولا رجلان، وعلى سرته كوكب، وهي أيضا على رأس المرأة المسلسلة مشترك بينهما، ويرسم على الاسطرلاب يسمى سرة الفرس، ورأس المسلسلة، وعلى متنه أيضا كوكب يسمى جناح الفرس ويرسم أيضا على الاسطرلاب، وعند منشأ اليد أيضا كوكب يسمى منكب الفرس، على متنه كوكب نيّر عند منشأ العنق يسمى متن الفرس، والعرب تسمي هذه الأربعة الدلو، وتسمى الاثنين المتقدمين: وهما منكب الفرس ومتن الفرس: الفرغ الأول، والفرغ المقدم، ويسميان أيضا العرقوة العليا، وناهزي الدلو المقدمين، ويسمى الاثنين التاليين وهما سرة، وجناح الفرس الفرغ الثاني، والفرغ المؤخر والعرقوة السفلى وناهزي الدلو المؤخرين في البدن كوكبان يسميان النعام، ويسميان أيضا الكرب شبهتهما بمجمع العرقوبين في الوسط، وعلى رأس الفرس كوكبان أحدهما أنور، يسميان سعد البهام، وسعد النهي وعلى عنقه كوكبان يسميان سعد الهمام، وفي الصدر كوكبان متقاربان يسميان سعد البارع، وعلى الركبة اليمنى كوكبان يسميان سعد مطر، ويروى عن العرب أن القمر ربما قصر فنزل بالكرب، وتسمى بالبقعة التي بين الفرغ الثاني وبين السمكة من السماء بلدة الثعلب.
وتزعم أن القمر ربما قصر فنزل ببلدة الثعلب، فأما مواضعها من الفلك فإن المشترك الذي هو الرأس في أول الحمل وأما الباقية فإنها كلها في الحوت سوى سعد البهائم فإنه في الدلو.
كوكبة المسلسلة: تسمى المرأة التي لم تر بعلا، وتسمى باليونانية:
«أندرومينا» وكواكبها ثلاثة وعشرون كوكبا من الصورة، سوى النير الذي على الرأس فإنه على سرة الفرس، والعرب وجدت سطرين من كواكب قد أحاطا
بصورة سمكة عظيمة تحت نحر الناقة، بعضها من هذه الصورة وبعضها من كوكبة السمكة الشمالية من السمكتين اللتين في القسم الثاني عشر من صورة البروج فسمت العرب هذه السمكة العظيمة الحوت، وزعمت أن القمر ينزل ببطن الحوت فسمت المنزل الأخير من منازل القمر: بطن الحوت والرشا، وقد وقع الكوكب النير الذي على جنب المسلسلة على موضع البطن من الحوت، فقدر قوم من مؤلفي كتب الأنواء أن العرب سمت هذا الكوكب النير «بطن الحوت»، وأن القمر ينزل بهذا الكوكب والقمر لا ينزل بشيء من كواكب الحوت ولا ببطن الحوت وإنما يمر بموازاتها، وأما النير الذي على الرجل اليسرى من المسلسلة فإنهم اختلفوا فيه، يروي بعضهم عن العرب أنها سمته عناق الأرض وروى آخرون أن العناق هو النير الذي على رأس الغول، وذلك أنهم حكوا أن العناق: هو الكوكب الأزهر الذي لا يجاوزه إلا كوكبان صغيران، كأنه بهما النسر الواقع وليس هناك كوكب بهذه الصفة إلا النير الذي على رأس الغول، وموضع بطن الحوت والعناق جميعا من البروج في الحمل، وكذلك جميع الكواكب المسلسلة.(6/200)
«أندرومينا» وكواكبها ثلاثة وعشرون كوكبا من الصورة، سوى النير الذي على الرأس فإنه على سرة الفرس، والعرب وجدت سطرين من كواكب قد أحاطا
بصورة سمكة عظيمة تحت نحر الناقة، بعضها من هذه الصورة وبعضها من كوكبة السمكة الشمالية من السمكتين اللتين في القسم الثاني عشر من صورة البروج فسمت العرب هذه السمكة العظيمة الحوت، وزعمت أن القمر ينزل ببطن الحوت فسمت المنزل الأخير من منازل القمر: بطن الحوت والرشا، وقد وقع الكوكب النير الذي على جنب المسلسلة على موضع البطن من الحوت، فقدر قوم من مؤلفي كتب الأنواء أن العرب سمت هذا الكوكب النير «بطن الحوت»، وأن القمر ينزل بهذا الكوكب والقمر لا ينزل بشيء من كواكب الحوت ولا ببطن الحوت وإنما يمر بموازاتها، وأما النير الذي على الرجل اليسرى من المسلسلة فإنهم اختلفوا فيه، يروي بعضهم عن العرب أنها سمته عناق الأرض وروى آخرون أن العناق هو النير الذي على رأس الغول، وذلك أنهم حكوا أن العناق: هو الكوكب الأزهر الذي لا يجاوزه إلا كوكبان صغيران، كأنه بهما النسر الواقع وليس هناك كوكب بهذه الصفة إلا النير الذي على رأس الغول، وموضع بطن الحوت والعناق جميعا من البروج في الحمل، وكذلك جميع الكواكب المسلسلة.
كوكبة المثلث: وكواكبه أربعة كواكب بين كوكبة السمكة وبين النّيّر الذي على رأس الغول وهي أيضا بين الشرطين وبين النير الذي على الرجل اليسرى من صورة المرأة، وهو مثلث فيه طول على رأسه كوكب نيّر من الثلاثة الباقية على القاعدة الأنيسين ودرجاتهما في الطول أكثر من درجات الشرطين، ويطلعان مع ذلك قبل الشرطين لأن عرضهما في الشمال أكثر من عرض الشرطين فقدر أصحاب كتب الأنواء أن القمر ينزل أولا بالأنيسين ثم الشرطين، فحكوا عن العرب أن القمر ربما قصر فنزل بهما ولا يلحق الشرطين وذلك غلط، لأنهما يكونان قدام الشرطين إلى أن يقربا من خط وسط السماء ثم يتأخران عن الشرطين رويدا رويدا، حتى إذا صارا إلى المغرب غابا بين الشرطين فيجب أن يقال: إن القمر ربما أسرع فجاوز الشرطين ونزل بالأنيسين وكواكب المثلث كلها في الحمل.
صور البروج، اثنا عشر، أولها: الحمل وكواكبه ثلاثة عشر كوكبا من
الصورة وخمسة خارجة منها ومقدمه إلى جهة المغرب، ومؤخره إلى المشرق وهو ملتفت إلى مؤخره، ووجهه إلى ظهره، وقد اختلفت الروايات عن العرب في كواكب هذه الصورة والخارجة منها، فرأى بعضهم أنها تسمى الكوكبين النيرين اللذين على القرن الشرطين، والشرط وهو المنزل الأول من منازل القمر، لأن هذا القسم من البروج هو الأول من الأقسام الاثني عشرة، وبحلول هذه الصورة فيه في وقت الرصد سمي «الحمل» بجميع اللغات وذكروا أنهم يضيفون إلى الكوكبين اللذين ذكرناهما: الكواكب الخفي الذي أصل العنق فيسمونها الأشراط والنطح، وروى آخرون أنها تسمى أحد النيرين اللذين على القرن مع النير الخارج عن الصورة التي يرسم على الاسطرلاب وتسمى «الناطح» ويضيف إليهما الجنوبي من الاثنين اللذين على القرن ويسميها «الأشراط» والنطح ويسمون الذي على منشأ الألية مع المتقدم من ثلاثة هي على الألية مع كوكب خفي على الفخذ وهي على مثلث شبيه بالمتساوي الأضلاع على بطن الحمل، البطين وهو المنزل الثاني من منازل القمر وإنما صغروا البطين بالإضافة إلى بطن السمكة العظيمة وقد غلط كثير من أصحاب الأنواء وظنوا أن البطين هو من الكواكب الأربعة الخارجة عن الصورة، والشرطان النطح هي في الحمل والبطين وأكثر كواكب هذه الصورة هي في الثور بمواضعها من البروج.(6/201)
صور البروج، اثنا عشر، أولها: الحمل وكواكبه ثلاثة عشر كوكبا من
الصورة وخمسة خارجة منها ومقدمه إلى جهة المغرب، ومؤخره إلى المشرق وهو ملتفت إلى مؤخره، ووجهه إلى ظهره، وقد اختلفت الروايات عن العرب في كواكب هذه الصورة والخارجة منها، فرأى بعضهم أنها تسمى الكوكبين النيرين اللذين على القرن الشرطين، والشرط وهو المنزل الأول من منازل القمر، لأن هذا القسم من البروج هو الأول من الأقسام الاثني عشرة، وبحلول هذه الصورة فيه في وقت الرصد سمي «الحمل» بجميع اللغات وذكروا أنهم يضيفون إلى الكوكبين اللذين ذكرناهما: الكواكب الخفي الذي أصل العنق فيسمونها الأشراط والنطح، وروى آخرون أنها تسمى أحد النيرين اللذين على القرن مع النير الخارج عن الصورة التي يرسم على الاسطرلاب وتسمى «الناطح» ويضيف إليهما الجنوبي من الاثنين اللذين على القرن ويسميها «الأشراط» والنطح ويسمون الذي على منشأ الألية مع المتقدم من ثلاثة هي على الألية مع كوكب خفي على الفخذ وهي على مثلث شبيه بالمتساوي الأضلاع على بطن الحمل، البطين وهو المنزل الثاني من منازل القمر وإنما صغروا البطين بالإضافة إلى بطن السمكة العظيمة وقد غلط كثير من أصحاب الأنواء وظنوا أن البطين هو من الكواكب الأربعة الخارجة عن الصورة، والشرطان النطح هي في الحمل والبطين وأكثر كواكب هذه الصورة هي في الثور بمواضعها من البروج.
كوكبة الثور وصورته صورة ثور مؤخره إلى المغرب والجنوب ومقدمه بالمشرق.
وكواكبه اثنان وثلاثون كوكبا من الصورة سوى النير والذي على طرف قرنه الشمالي فإنه على الرجل اليمنى من ممسك الأعنة مشترك بينهما وأحد عشر كوكبا خارج الصورة فأما الكواكب الخفية في هذه الصورة وحواليها فكثيرة بلا نهاية وكذلك في سائر الصور وإنما نذكر عدد ما رصد منها من النيرات من الأقدار الستة.
فأما العرب فإنها تسمي الأربعة التي على سنام الناقة، مع ثلاثة أخر خفية لم ترصد، الثريا وهي متقاربة مجتمعة ولذلك جعلوها بمنزلة كوكب واحد وسموها «النجم» وسموها أيضا نجوم «الثريا»، وإنما سميت الثريا يتبركون بها،
ويزعمون أن المطر الذي يكون عند نوئها، تكون منه الثروة وهي تصغير ثروى، وكلهم ذكروا في كتبهم أنها على إلية الحمل نحو من ثلاثة أذرع في رأي العين وهي المنزل الثالث من منازل القمر، ويسمى الأحمر النير الذي على عين الثور الجنوبية الدبران لدبوره الثريا، ويسمى تابع النجم وتالي النجم والمجدح بكسر الميم وضمها ويسمى أيضا التابع فردا وحادي النجم الضيق ويسمى التي حواليه من الكواكب القلاص، ويزعمون أنها قلاص الفنيق، ويقولون أيضا غنيمته، ويسمون الاثنين المتقاربين اللذين على الأذن الشمالية الكلبين، وكلبي الدبران.(6/202)
فأما العرب فإنها تسمي الأربعة التي على سنام الناقة، مع ثلاثة أخر خفية لم ترصد، الثريا وهي متقاربة مجتمعة ولذلك جعلوها بمنزلة كوكب واحد وسموها «النجم» وسموها أيضا نجوم «الثريا»، وإنما سميت الثريا يتبركون بها،
ويزعمون أن المطر الذي يكون عند نوئها، تكون منه الثروة وهي تصغير ثروى، وكلهم ذكروا في كتبهم أنها على إلية الحمل نحو من ثلاثة أذرع في رأي العين وهي المنزل الثالث من منازل القمر، ويسمى الأحمر النير الذي على عين الثور الجنوبية الدبران لدبوره الثريا، ويسمى تابع النجم وتالي النجم والمجدح بكسر الميم وضمها ويسمى أيضا التابع فردا وحادي النجم الضيق ويسمى التي حواليه من الكواكب القلاص، ويزعمون أنها قلاص الفنيق، ويقولون أيضا غنيمته، ويسمون الاثنين المتقاربين اللذين على الأذن الشمالية الكلبين، وكلبي الدبران.
وقد روى كثير منهم عن العرب أنها تسميه «الضيقة» وذلك غلط فإن الضيقة هي الفرجة التي بين الثريا والدبران ويستحسنونها ويستحسنون أيضا الدبران ويقولون «فلان أشأم من حادي النجم»، ويتشاءمون بالمطر الذي يكون بنوئه. وهذه الكواكب في برج الثور.
كوكبة التوأمين وكواكبهما ثمانية عشر كوكبا من الصورة وسبعة خارجة من الصورة وهي صورة إنسانين رأساهما وسائر كواكبهما في الشمال والمشرق عن المجرة، وأرجلهما إلى الجنوب والمغرب في نفس المجرة وهما كالمتعانقين، قد اختلط كواكب أحدهما بكواكب أخرى، على كل واحد من الصورتين كوكب نير تسميها العرب «الذراع المبسوطة» وبقربهما كواكب صغار تسمى «الأظفار» وعلى قدمي التوأم التالي كوكبان يسميان «الهنعة» وهو المنزل السادس من منازل القمر، ويسميان «المنسان والزر»، وقد روى قوم أن أحدهما المنسان والآخر الزر على قدمي توأم المتقدم ثلاثة كواكب تسمى البخاتي وموضع الذراع المبسوطة من البروج في السرطان والتي على الأقدام في الجوزاء.
كوكبة السرطان: كواكبه تسعة من الصورة، وأربعة خارجة منها ومقدمه إلى المشرق والشمال، ومؤخره إلى المغرب والجنوب، وأول كواكبه لطخة سحابية يحيط بها أربعة كواكب، اثنان منها خلفها، واثنان قدامها. والعرب تسمي اللطخة النثرة وهو المنزل الثاني من منازل القمر وتسمى الكوكبين التاليين للطخة المنخرين منخري الأسد والنثرة مخطتة وتسمى أيضا اللطخة مع الاثنين اللذين على المنخرين فم الأسد وتسمى اللطخة اللهاة، ويسمى كوكب من الخارجة عن
الصورة وهو الذي خلف الكوكب الذي هو على الزباني الجنوبي مع واحد من الأربعة التي في رأس الأسد الطرف وهما عينا الأسد على مذهب العرب.(6/203)
كوكبة السرطان: كواكبه تسعة من الصورة، وأربعة خارجة منها ومقدمه إلى المشرق والشمال، ومؤخره إلى المغرب والجنوب، وأول كواكبه لطخة سحابية يحيط بها أربعة كواكب، اثنان منها خلفها، واثنان قدامها. والعرب تسمي اللطخة النثرة وهو المنزل الثاني من منازل القمر وتسمى الكوكبين التاليين للطخة المنخرين منخري الأسد والنثرة مخطتة وتسمى أيضا اللطخة مع الاثنين اللذين على المنخرين فم الأسد وتسمى اللطخة اللهاة، ويسمى كوكب من الخارجة عن
الصورة وهو الذي خلف الكوكب الذي هو على الزباني الجنوبي مع واحد من الأربعة التي في رأس الأسد الطرف وهما عينا الأسد على مذهب العرب.
فسمي كوكب من الخارجة عن الصورة مع كوكب صغير آخر الأشفار وقد سمى المنجمون اللطخة التي ذكرناها المعلف، والاثنين التاليين لهما الحمارين ويروى ذلك عن العرب، وهذه الكواكب كلها في السرطان.
كوكبة الأسد: كواكبه سبعة وعشرون كوكبا من الصورة وثمانية خارجة منها، وعلى وجهه كوكب تسميه مع كوكب آخر خارج عن صورة السرطان الطرف، وعلى المنخر والرأس كواكب يسمونها الأشفار، وإنما اختاروا من الصورتين جميعا الكوكبين الأصغرين، فجعلوهما الطرف لصغر عيني الأسد، وعلى الرقبة ثلاثة كواكب ورابعها النير الذي على القلب وهو الذي يسميه المنجمون قلب الأسد الملوكي، والعرب تسمي الأربعة جميعا الجبهة، جبهة الأسد وهو المنزل العاشر من منازل القمر، وعلى القطن كوكب نير، وعلى الحرقفة كوكب آخر تسميها العرب الزبرة، زبرة الأسد أي كاهله، وتسميان أيضا الخراتين، الواحدة خراة وعند النير الذي على القطن، كوكبان يقال إنهم شبهوهما بالشعر الذي ينتفش بين الكتفين، وبذلك سميت الزبرة، وهو المنزل الحادي عشر من منازل القمر، وعلى الذنب كواكب يسمى قنب الأسد، وهو وعاء قضيبه ويسمى أيضا الصرفة، وهو المنزل الثاني عشر، وسمي صرفة لانصراف الحر عند طلوعه من تحت شعاع الشمس بالغدوات، وانصراف البرد عند سقوطه في المغرب بالغدوات، وطلوع رقيبه وهو الفرغ الأول من تحت الشعاع، وثلاثة من جملة كواكب الخارجة عن الصورة فوق الذنب يسميها بطليموس الضفيرة، ويسميها العرب مع كواكب أخر، صغار متضايقة تشبه الثلاثة الهلبة، وذلك لأنه يخرج من عند الصرفة سطر من كواكب مقوسة فيها تعريج، فيتصل بالهلبة فهي أشبه شيء بذنب الأسد إذا رفعه، فشبهت العرب هذه الكواكب بالذنب، وشبهت النير الذي في أصل الذنب بوعاء القضيب، وشبهت الثلاثة التي ذكرناها مع الصغار المتقاربة التي في وسطها بالشعرة التي تكون على طرف الذنب، وسمتها الهلبة، وهي بعد القفزات الثلاث التي على قوائم الدب
الأكبر، وعامة المنجمين تسمي هذه الكواكب المجتمعة السنبلة لكثرة كواكبها وكثافتها.(6/204)
كوكبة الأسد: كواكبه سبعة وعشرون كوكبا من الصورة وثمانية خارجة منها، وعلى وجهه كوكب تسميه مع كوكب آخر خارج عن صورة السرطان الطرف، وعلى المنخر والرأس كواكب يسمونها الأشفار، وإنما اختاروا من الصورتين جميعا الكوكبين الأصغرين، فجعلوهما الطرف لصغر عيني الأسد، وعلى الرقبة ثلاثة كواكب ورابعها النير الذي على القلب وهو الذي يسميه المنجمون قلب الأسد الملوكي، والعرب تسمي الأربعة جميعا الجبهة، جبهة الأسد وهو المنزل العاشر من منازل القمر، وعلى القطن كوكب نير، وعلى الحرقفة كوكب آخر تسميها العرب الزبرة، زبرة الأسد أي كاهله، وتسميان أيضا الخراتين، الواحدة خراة وعند النير الذي على القطن، كوكبان يقال إنهم شبهوهما بالشعر الذي ينتفش بين الكتفين، وبذلك سميت الزبرة، وهو المنزل الحادي عشر من منازل القمر، وعلى الذنب كواكب يسمى قنب الأسد، وهو وعاء قضيبه ويسمى أيضا الصرفة، وهو المنزل الثاني عشر، وسمي صرفة لانصراف الحر عند طلوعه من تحت شعاع الشمس بالغدوات، وانصراف البرد عند سقوطه في المغرب بالغدوات، وطلوع رقيبه وهو الفرغ الأول من تحت الشعاع، وثلاثة من جملة كواكب الخارجة عن الصورة فوق الذنب يسميها بطليموس الضفيرة، ويسميها العرب مع كواكب أخر، صغار متضايقة تشبه الثلاثة الهلبة، وذلك لأنه يخرج من عند الصرفة سطر من كواكب مقوسة فيها تعريج، فيتصل بالهلبة فهي أشبه شيء بذنب الأسد إذا رفعه، فشبهت العرب هذه الكواكب بالذنب، وشبهت النير الذي في أصل الذنب بوعاء القضيب، وشبهت الثلاثة التي ذكرناها مع الصغار المتقاربة التي في وسطها بالشعرة التي تكون على طرف الذنب، وسمتها الهلبة، وهي بعد القفزات الثلاث التي على قوائم الدب
الأكبر، وعامة المنجمين تسمي هذه الكواكب المجتمعة السنبلة لكثرة كواكبها وكثافتها.
والصرفة في السنبلة وكذلك الهلبة وسائر كواكب هذه الصورة في الأسد.
كوكبة العذراء: وكواكبها ستة وعشرون كوكبا من الصورة وستة خارجة منها وهي صورة امرأة رأسها على جنوب الصرفة وقدمها قدام الزبانيين اللذين على كفة الميزان، وعلى منكبها الأيسر كوكب، وعلى الجنب الأيسر أيضا كوكب، ثم ينعطف إلى كوكب في الجنب الأيمن وآخر على المرفق، يصير الأربعة في زاوية مثل صورة كلاب تعوي يسميه العرب العواء وهو المنزل الثالث عشر وجعل بعضهم العواء وركي الأسد، وسماه بعضهم «محاسة» وهو حشوة البطن، وذكر بعضهم أن كواكب العواء هي كلاب تعوي خلف الأسد، وإنما سميت العواء للانعطاف الذي فيها يقال عويت الشيء إذا عطفته ويسمى أيضا عواء البرد لأنها إذا طلعت أو سقطت جاءت ببرد على الكتف اليمنى كوكب نير يسمى السماك الأعزل، وسمي الأعزل لأن بإزائه السماك الرامح، وسمي رامحا للرمح الذي على يمينه وهما الكوكبان النيران اللذان أحدهما يقدّمه والآخر يتبعه، وسمي الآخر أعزل لأنه لا سلاح معه، والمنجمون يسمون السماك الأعزل السنبلة والعرب يسميه أيضا ساق الأسد لأن عند أكثرهم أن السماكين هما ساقا الأسد، وعلى الذيل ثلاثة كواكب تسمى الغفر وهو المنزل الخامس عشر، ويزعمون أنه خير المنازل لأنه خلف ذنب الأسد وساقيه وأمام زباني العقرب وعادية الأسد في رأسه وأظفاره، وعادية العقرب في ذنبها وحمتها فيليه من الأسد ومن العقرب ما لا يضره، وذكر بعضهم أنه يكون مولد الأنبياء صلى الله عليهم وسلم، ويقال: إنه سمي الغفر من الغفرة وهي الشعر الذي في طرف ذنب الأسد، ويقال إنه سمي الغفر لنقصان ضوء كواكبه، يقال: غفرت أي غطيت، ويقال: إنه سمي الغفر لأنه فوق زباني العقرب، ولذلك سمي المغفر الذي يكون فوق الرأس، ومثل الرأس الذي يعلو الثوب، فيسمى الغفر ويمكن أن يقال إنه أيضا من التغطية، لأن المغفر يغطي الرأس والغفر الذي يغطي الثوب وكواكب العوا كلها في السنبلة وكواكب الغفر في الميزان.
كوكبة الميزان وهي ثمانية من الصورة وتسعة خارجة منها وعلى الكفة كوكبان نيران تسميها العرب زباني العقرب أي قرنيهما والإكليل، وهو المنزل السابع عشر من المنازل في هذه الصورة، ومن الخارج منها، وقد اختلفت الروايات في الإكليل فذكر بعضهم أنه الثلاثة التي على جبهة العقرب وهو غلط ولكنه من ثلاثة شبيهة بهذه الثلاثة في التقويس وكواكب هذه الصورة كلها في العقرب.(6/205)
كوكبة العذراء: وكواكبها ستة وعشرون كوكبا من الصورة وستة خارجة منها وهي صورة امرأة رأسها على جنوب الصرفة وقدمها قدام الزبانيين اللذين على كفة الميزان، وعلى منكبها الأيسر كوكب، وعلى الجنب الأيسر أيضا كوكب، ثم ينعطف إلى كوكب في الجنب الأيمن وآخر على المرفق، يصير الأربعة في زاوية مثل صورة كلاب تعوي يسميه العرب العواء وهو المنزل الثالث عشر وجعل بعضهم العواء وركي الأسد، وسماه بعضهم «محاسة» وهو حشوة البطن، وذكر بعضهم أن كواكب العواء هي كلاب تعوي خلف الأسد، وإنما سميت العواء للانعطاف الذي فيها يقال عويت الشيء إذا عطفته ويسمى أيضا عواء البرد لأنها إذا طلعت أو سقطت جاءت ببرد على الكتف اليمنى كوكب نير يسمى السماك الأعزل، وسمي الأعزل لأن بإزائه السماك الرامح، وسمي رامحا للرمح الذي على يمينه وهما الكوكبان النيران اللذان أحدهما يقدّمه والآخر يتبعه، وسمي الآخر أعزل لأنه لا سلاح معه، والمنجمون يسمون السماك الأعزل السنبلة والعرب يسميه أيضا ساق الأسد لأن عند أكثرهم أن السماكين هما ساقا الأسد، وعلى الذيل ثلاثة كواكب تسمى الغفر وهو المنزل الخامس عشر، ويزعمون أنه خير المنازل لأنه خلف ذنب الأسد وساقيه وأمام زباني العقرب وعادية الأسد في رأسه وأظفاره، وعادية العقرب في ذنبها وحمتها فيليه من الأسد ومن العقرب ما لا يضره، وذكر بعضهم أنه يكون مولد الأنبياء صلى الله عليهم وسلم، ويقال: إنه سمي الغفر من الغفرة وهي الشعر الذي في طرف ذنب الأسد، ويقال إنه سمي الغفر لنقصان ضوء كواكبه، يقال: غفرت أي غطيت، ويقال: إنه سمي الغفر لأنه فوق زباني العقرب، ولذلك سمي المغفر الذي يكون فوق الرأس، ومثل الرأس الذي يعلو الثوب، فيسمى الغفر ويمكن أن يقال إنه أيضا من التغطية، لأن المغفر يغطي الرأس والغفر الذي يغطي الثوب وكواكب العوا كلها في السنبلة وكواكب الغفر في الميزان.
كوكبة الميزان وهي ثمانية من الصورة وتسعة خارجة منها وعلى الكفة كوكبان نيران تسميها العرب زباني العقرب أي قرنيهما والإكليل، وهو المنزل السابع عشر من المنازل في هذه الصورة، ومن الخارج منها، وقد اختلفت الروايات في الإكليل فذكر بعضهم أنه الثلاثة التي على جبهة العقرب وهو غلط ولكنه من ثلاثة شبيهة بهذه الثلاثة في التقويس وكواكب هذه الصورة كلها في العقرب.
كوكبة العقرب وكواكبها أحد وعشرون كوكبا في الصورة، وثلاثة خارجة منها. قد ذكرنا ما فيها عن العرب في الثلاثة التي على جبهة العقرب، من أنهم يسمونه الإكليل، وقلنا: إنه غلط ودللنا على الإكليل في كوكب الميزان، فأما النير الذي على البدن فإن العرب تسميه القلب وقدامه كوكب تسميه مع آخر خلفه النياط، وتسمى التي في الخرزات الفقرات، ويسمى اللذين على طرف الذنب الشولة، وشولة العقرب، وتسمى الإبرة أيضا، وهو المنزل التاسع عشر من منازل القمر، والقمر لا يعدل إليها، ولكنه تمر على محاذاتها لأنها مائلة عن طريق الشمس ثلاث عشرة درجة وأكثر ما يعدل القمر عنها خمس درجات ويقال ربما قصر القمر فنزل بالفقار والقلب والنياط في العقرب والفقرات في الشولة والقوس.
كوكبة الرامي وكواكبها أحد وثلاثون كوكبا في الصورة وليس حواليها شيء من الكواكب المرصودة، هي صورة فارس قد وضع سهمه في قوسه ونزعها، وعلى زج السهم كوكب، وعلى مقبض القوس كوكب آخر، وعلى طرفه الجنوبي آخر وعلى طرف اليد اليمنى آخر، وهذه الأربعة على مربع منحرف، والاثنان الشماليان منها في وسط المجرة، والاثنان الجنوبيان في طرفها الشرقي، والعرب يسميها «النعام الوارد»، لأنها شبهت المجرة بنهر والنعام قد ورده وعلى المنكب الأيسر من الرجل كوكب وعلى فوق السهم آخر وعلى الكتف آخر وتحت الإبط آخر وهي على مربع منحرف بعيدة عن المجرة إلى ناحية المشرق والمغرب، تسميها النعام الصادر وعلى الطرف الشمالي من القوس كوكب، وعلى الستة الشمالية آخر يسميان الظليمين، ويسمى الموضع الذي بين النعائم الوصل، وهو
المنزل العشرون من منازل القمر وعلى رأس الفارس وعصابته ستة كواكب على خط مقوس خلف كوكب صحابي هو على عين الرامي تسمى القلادة والقلائص وتسمى أيضا الأدحى وتسمى الموضع الخالي تحت القلادة الذي ليس فيه كوكب البلدة، وهو المنزل الحادي والعشرون، ويقال: إن القمر ربما قصر فنزل بالقلادة ويجوز أن يكون كذلك لأن كواكبها قريبة من المنطقة، وعلى الفخذ اليسرى من الفرس كوكب وعلى الساق المؤخر اليمنى كوكب آخر يسميان الصردين والنعام الوارد في القوس وثلاثة من كواكب النعام الصادر في القوس وواحدة، وهو الذي على الكتف في المجرة والظليمان في القوس والقلادة في المجرة.(6/206)
كوكبة الرامي وكواكبها أحد وثلاثون كوكبا في الصورة وليس حواليها شيء من الكواكب المرصودة، هي صورة فارس قد وضع سهمه في قوسه ونزعها، وعلى زج السهم كوكب، وعلى مقبض القوس كوكب آخر، وعلى طرفه الجنوبي آخر وعلى طرف اليد اليمنى آخر، وهذه الأربعة على مربع منحرف، والاثنان الشماليان منها في وسط المجرة، والاثنان الجنوبيان في طرفها الشرقي، والعرب يسميها «النعام الوارد»، لأنها شبهت المجرة بنهر والنعام قد ورده وعلى المنكب الأيسر من الرجل كوكب وعلى فوق السهم آخر وعلى الكتف آخر وتحت الإبط آخر وهي على مربع منحرف بعيدة عن المجرة إلى ناحية المشرق والمغرب، تسميها النعام الصادر وعلى الطرف الشمالي من القوس كوكب، وعلى الستة الشمالية آخر يسميان الظليمين، ويسمى الموضع الذي بين النعائم الوصل، وهو
المنزل العشرون من منازل القمر وعلى رأس الفارس وعصابته ستة كواكب على خط مقوس خلف كوكب صحابي هو على عين الرامي تسمى القلادة والقلائص وتسمى أيضا الأدحى وتسمى الموضع الخالي تحت القلادة الذي ليس فيه كوكب البلدة، وهو المنزل الحادي والعشرون، ويقال: إن القمر ربما قصر فنزل بالقلادة ويجوز أن يكون كذلك لأن كواكبها قريبة من المنطقة، وعلى الفخذ اليسرى من الفرس كوكب وعلى الساق المؤخر اليمنى كوكب آخر يسميان الصردين والنعام الوارد في القوس وثلاثة من كواكب النعام الصادر في القوس وواحدة، وهو الذي على الكتف في المجرة والظليمان في القوس والقلادة في المجرة.
كوكبة الجدي وكواكبه ثمانية وعشرون كوكبا في الصورة، وليس حواليها كوكب مرصود، وعلى قرنه كوكبان أحدهما صغير يسميها العرب «سعد الذابح» يسمى ذابحا الثاني الصغير ذكروا أنه في مذبح الآخر، وقالوا أيضا إن الصغير هو شاته التي تذبح، وهو المنزل الثاني والعشرون من منازل القمر، وعلى الذنب كوكبان يسميان سعد ناشرة، ويسميان المحبين أيضا وهما على طريقة القمر، وموضع سعد الذابح في الجدي وسعد الناشرة في الدلو.
كوكبة ساكب الماء وهو الدلو وكواكبها اثنان وأربعون كوكبا من الصورة وثلاثة خارجة على الصورة، وعلى المنكب الأيمن من ساكب الماء كوكبان تسميهما العرب سعد الملك، وعلى منكبه الأيسر كوكبان يسميان مع كوكب على طرف ذنب الجدي سعد السعود، وهو المنزل الرابع والعشرون من منازل القمر، وسمته بهذا الاسم لتيمنهم من ذلك أن الثلاثة كلها في نحو عشر درجات من الدلو، فيطلع من تحت الشعاع إذا صارت الشمس في آخر الدلو، وأول الحوت، فيكون طلوعه عند انكسار البرد وسقوطه عند انكسار الحر، إذا صارت الشمس إلى أول السنبلة فيتفق في طلوعه ابتداء الأمطار في سقوطه انكسار السمائم وكثرة الرطب. وسقوط الطل، وروي عن العرب أن القمر ربما قصر فنزل بسعد ناشرة وذلك غلط، لأن سعد السعود يطلع قبل سعد ناشرة، وعرش سعد ناشرة في الجنوب درجتان والقمر يمر عليها ولا يعدل إلى سعد السعود، لأن عرض النير منها في الشمال نحو تسع درجات، والذي تحته ست درجات
وكسر، ويمر في الندرة على الثالث منها الذي على طرف ذنب الجدي في كل ثماني عشرة سنة مرة، إذا صار الرأس في عشر درجات من العقرب، وعلى اليد اليسرى ثلاثة كواكب تسمى سعد بلع، وهو المنزل الثالث والعشرون سمي بذلك لأن الاثنين منها جعلوهما سعدا، والواحد الأوسط الذي قد ابتلعه لأن الصغير من سعد الذابح هو كأنه في نحر الآخر، والأوسط من هذه قد نزل عن الحلق وصار في موضع البطن، فكأنه قد ابتلعه، وعلى الساعد الأيمن كوكبة، وعلى يده اليمنى ثلاثة كواكب تسمى سعد الأخبية، وهو المنزل الخامس والعشرون، سمي بذلك لأنه من أربعة كواكب. ثلاثة منها على مثلث وواحد في وسط المثلث، فجعلوا هذا الواحد سعدا والثلاثة له بمنزلة الخبأ، والنيّر الذي في آخر الصورة وهو آخر ممر الماء وهو في فم الحوت الجنوبي يسمى الضفدع الأول لأن النير الذي على الشوكة الجنوبية من ذنب قيطس يسمى الضفدع الثاني، ونذكر ذلك في صفة كوكبة قيطس، ويسمى الضفدع الأول الظليم أيضا، وفي آخر الشهر أيضا كوكب يسمى الظليم، وربما رسم على بعض الكرات هذان الكوكبان ويسميان الظليم وقد حكي عن العرب أن في ناحية الدلو في الجنوب سفينة، وأن أحد الضفدعين على مقدمها والآخر على مؤخرها وموضع سعد السعود في الدلو وكذلك سعد الملك وكذلك سعد الأخبية، وكوكبان من سعد بلع في الجدي والآخر في الدلو والضفدع أيضا في الدلو وسائر كواكب الصورة بعضها في الدلو، وبعضها في الحوت.(6/207)
كوكبة ساكب الماء وهو الدلو وكواكبها اثنان وأربعون كوكبا من الصورة وثلاثة خارجة على الصورة، وعلى المنكب الأيمن من ساكب الماء كوكبان تسميهما العرب سعد الملك، وعلى منكبه الأيسر كوكبان يسميان مع كوكب على طرف ذنب الجدي سعد السعود، وهو المنزل الرابع والعشرون من منازل القمر، وسمته بهذا الاسم لتيمنهم من ذلك أن الثلاثة كلها في نحو عشر درجات من الدلو، فيطلع من تحت الشعاع إذا صارت الشمس في آخر الدلو، وأول الحوت، فيكون طلوعه عند انكسار البرد وسقوطه عند انكسار الحر، إذا صارت الشمس إلى أول السنبلة فيتفق في طلوعه ابتداء الأمطار في سقوطه انكسار السمائم وكثرة الرطب. وسقوط الطل، وروي عن العرب أن القمر ربما قصر فنزل بسعد ناشرة وذلك غلط، لأن سعد السعود يطلع قبل سعد ناشرة، وعرش سعد ناشرة في الجنوب درجتان والقمر يمر عليها ولا يعدل إلى سعد السعود، لأن عرض النير منها في الشمال نحو تسع درجات، والذي تحته ست درجات
وكسر، ويمر في الندرة على الثالث منها الذي على طرف ذنب الجدي في كل ثماني عشرة سنة مرة، إذا صار الرأس في عشر درجات من العقرب، وعلى اليد اليسرى ثلاثة كواكب تسمى سعد بلع، وهو المنزل الثالث والعشرون سمي بذلك لأن الاثنين منها جعلوهما سعدا، والواحد الأوسط الذي قد ابتلعه لأن الصغير من سعد الذابح هو كأنه في نحر الآخر، والأوسط من هذه قد نزل عن الحلق وصار في موضع البطن، فكأنه قد ابتلعه، وعلى الساعد الأيمن كوكبة، وعلى يده اليمنى ثلاثة كواكب تسمى سعد الأخبية، وهو المنزل الخامس والعشرون، سمي بذلك لأنه من أربعة كواكب. ثلاثة منها على مثلث وواحد في وسط المثلث، فجعلوا هذا الواحد سعدا والثلاثة له بمنزلة الخبأ، والنيّر الذي في آخر الصورة وهو آخر ممر الماء وهو في فم الحوت الجنوبي يسمى الضفدع الأول لأن النير الذي على الشوكة الجنوبية من ذنب قيطس يسمى الضفدع الثاني، ونذكر ذلك في صفة كوكبة قيطس، ويسمى الضفدع الأول الظليم أيضا، وفي آخر الشهر أيضا كوكب يسمى الظليم، وربما رسم على بعض الكرات هذان الكوكبان ويسميان الظليم وقد حكي عن العرب أن في ناحية الدلو في الجنوب سفينة، وأن أحد الضفدعين على مقدمها والآخر على مؤخرها وموضع سعد السعود في الدلو وكذلك سعد الملك وكذلك سعد الأخبية، وكوكبان من سعد بلع في الجدي والآخر في الدلو والضفدع أيضا في الدلو وسائر كواكب الصورة بعضها في الدلو، وبعضها في الحوت.
كوكبة السمكتين وكواكبها أربعة وثلاثون كوكبا في الصورة، وأربعة خارجة عنها، وقد ذكرنا في صورة المرأة المسلسلة مذهب العرب في هذه النجوم.
الصور الجنوبية
كوكبة قيطس وهي صورة الحيوان البحري، ومقدمه في ناحية المشرق على جنوب كوكبة الحمل، ومؤخره في ناحية المغرب خلف الثلاثة الخارجة عن صورة ساكب الماء، والتسعة التي على طريق الماء التي كل ثلاثة منها على مثال واحد، وهي التي يسميها العرب «السفينة» وكواكبها اثنان وعشرون كوكبا، وعلى الرأس ستة كواكب تسميها العرب «الكف الجذماء»، يريدون كف الثريا، وذلك
أنهم وجدوا سطرين من كواكب يمتدان من عند الثريا، أحدهما نحو الشمال فتمر على أكثر كواكب ممسك رأس الغول، حتى ينتهي إلى الكواكب النيرة التي على ظهر الناقة، وهي كوكبة ذات الكرسي فشبهوا النيرة التي على ظهر الناقة بأنامل مخضوبة فسموا هذه اليد «الكف الخضيب»، والآخر يمتد من عند الثريا نحو الجنوب فتمر على الأربعة المصطفة على موضع القطع من الثور وينقطع عند هذه الستة التي على رأس قيطس فشبهوا هذه الستة التي على رأس القيطس، وشبهوا هذا السطر وهذه الكواكب الستة بيد جذماء لقصرها، ولأن امتدادها دون امتداد السطر الشمالي، وشبهوا الثريا برأس بين يدين، وعلى يديه خمسة كواكب تسمى «النعائم» والنعامات أيضا، وعلى الشعبة الجنوبية من كوكب يسمى الضفدع الثاني، وقد قيل إن جميع كوكبة قيطس تسمى البقر وموضع هذه الكواكب كلها في الحمل والحوت.(6/208)
كوكبة قيطس وهي صورة الحيوان البحري، ومقدمه في ناحية المشرق على جنوب كوكبة الحمل، ومؤخره في ناحية المغرب خلف الثلاثة الخارجة عن صورة ساكب الماء، والتسعة التي على طريق الماء التي كل ثلاثة منها على مثال واحد، وهي التي يسميها العرب «السفينة» وكواكبها اثنان وعشرون كوكبا، وعلى الرأس ستة كواكب تسميها العرب «الكف الجذماء»، يريدون كف الثريا، وذلك
أنهم وجدوا سطرين من كواكب يمتدان من عند الثريا، أحدهما نحو الشمال فتمر على أكثر كواكب ممسك رأس الغول، حتى ينتهي إلى الكواكب النيرة التي على ظهر الناقة، وهي كوكبة ذات الكرسي فشبهوا النيرة التي على ظهر الناقة بأنامل مخضوبة فسموا هذه اليد «الكف الخضيب»، والآخر يمتد من عند الثريا نحو الجنوب فتمر على الأربعة المصطفة على موضع القطع من الثور وينقطع عند هذه الستة التي على رأس قيطس فشبهوا هذه الستة التي على رأس القيطس، وشبهوا هذا السطر وهذه الكواكب الستة بيد جذماء لقصرها، ولأن امتدادها دون امتداد السطر الشمالي، وشبهوا الثريا برأس بين يدين، وعلى يديه خمسة كواكب تسمى «النعائم» والنعامات أيضا، وعلى الشعبة الجنوبية من كوكب يسمى الضفدع الثاني، وقد قيل إن جميع كوكبة قيطس تسمى البقر وموضع هذه الكواكب كلها في الحمل والحوت.
كوكب الجبار وهو الجوزاء وكواكبه ثمانية وثلاثون كوكبا من الصورة، وهو صورة رجل قائم في ناحية الجنوب على طريقة الشمس أشبه شيء بصورة الإنسان، له رأس ومنكبان ورجلان وبيده عصا وفي وسطه سيف وعلى رأسه ثلاثة كواكب صغار متقاربة تشبه نقط الثاء تسمى الهقعة، وهقعة الجوزاء أيضا، وقد روي أيضا: البحاتي والبحيات والبحتة والأثافي. وهو المنزل الخامس، وتسمى الذي على المنكب الأيمن، وهو نير عظيم منكب الجوزاء، ويد الجوزاء، فيروى عنهم أيضا مرزم الجوزاء، وهو غلط لأن من عادتهم أن يسموا الكوكب التي تقدم النير «المرزم»، وتسمى الثلاثة النيرة المصطفة على وسطه منطقة الجوزاء، ونطاق الجوزاء، والنظام والنظم فيروى أيضا نظم الجوزاء، وفقار الجوزاء وتسمى الثلاثة المنحدرة المتقاربة المصطفة النقط وسيف الجبار أيضا، ويسمى النير العظيم الذي على قدمه اليسرى رجل الجوزاء، وراعي الجوزاء، وقد روي أن هذا الكوكب يسمى «الناجذ» وأن الأحمر الذي على منكب الأيمن يسمى راعي الجوزاء، والذي على منكب الأيسر يسمى المرزم، وهو بالمرزم أولى لأنه يقدّم النير الأحمر، ويسمى التسعة المقوسة التي على الكم تاج الجوزاء وذوائب الجوزاء، وأكثر هذه الكواكب في الجوزاء، وبعضها في آخر الثور.
كوكبة النهر وكواكبها أربعة وثلاثون كوكبا من الصورة وليس حواليها شيء من الكواكب المرصودة، ويبتدىء من عند النير الذي قدم الجوزاء اليسرى، والعرب تسمي ثلاثة من الكواكب التي في أول النهر مع النهر على رجل الجوزاء فوق الكعب من رجله اليسرى «كرسي الجوزاء المقدم»، لأنها قد صارت على مربع شبيه بالكرسي، والنير الذي على رجل الجوزاء اليسرى قد صار على ضلع في المربع شبيه برجل على كرسي، وتسمى تسعة من كواكب النهر مع أربعة من الكواكب التي على صدر قيطس أدحى النعام، والتي حوالي هذه الكواكب تسمى البيض والقيض أيضا وفي آخر النهر نير يسمى «الظليم» وبين هذا البين الظليم وبين الظليم الذي في فم الحوت الجنوبي كواكب كثيرة تسمى الرئال (1) وكواكب هذه الصورة كلها في الحمل والثور غير ثلاثة التي في أوله فإنها في أول الجوزاء.(6/209)
كوكب الجبار وهو الجوزاء وكواكبه ثمانية وثلاثون كوكبا من الصورة، وهو صورة رجل قائم في ناحية الجنوب على طريقة الشمس أشبه شيء بصورة الإنسان، له رأس ومنكبان ورجلان وبيده عصا وفي وسطه سيف وعلى رأسه ثلاثة كواكب صغار متقاربة تشبه نقط الثاء تسمى الهقعة، وهقعة الجوزاء أيضا، وقد روي أيضا: البحاتي والبحيات والبحتة والأثافي. وهو المنزل الخامس، وتسمى الذي على المنكب الأيمن، وهو نير عظيم منكب الجوزاء، ويد الجوزاء، فيروى عنهم أيضا مرزم الجوزاء، وهو غلط لأن من عادتهم أن يسموا الكوكب التي تقدم النير «المرزم»، وتسمى الثلاثة النيرة المصطفة على وسطه منطقة الجوزاء، ونطاق الجوزاء، والنظام والنظم فيروى أيضا نظم الجوزاء، وفقار الجوزاء وتسمى الثلاثة المنحدرة المتقاربة المصطفة النقط وسيف الجبار أيضا، ويسمى النير العظيم الذي على قدمه اليسرى رجل الجوزاء، وراعي الجوزاء، وقد روي أن هذا الكوكب يسمى «الناجذ» وأن الأحمر الذي على منكب الأيمن يسمى راعي الجوزاء، والذي على منكب الأيسر يسمى المرزم، وهو بالمرزم أولى لأنه يقدّم النير الأحمر، ويسمى التسعة المقوسة التي على الكم تاج الجوزاء وذوائب الجوزاء، وأكثر هذه الكواكب في الجوزاء، وبعضها في آخر الثور.
كوكبة النهر وكواكبها أربعة وثلاثون كوكبا من الصورة وليس حواليها شيء من الكواكب المرصودة، ويبتدىء من عند النير الذي قدم الجوزاء اليسرى، والعرب تسمي ثلاثة من الكواكب التي في أول النهر مع النهر على رجل الجوزاء فوق الكعب من رجله اليسرى «كرسي الجوزاء المقدم»، لأنها قد صارت على مربع شبيه بالكرسي، والنير الذي على رجل الجوزاء اليسرى قد صار على ضلع في المربع شبيه برجل على كرسي، وتسمى تسعة من كواكب النهر مع أربعة من الكواكب التي على صدر قيطس أدحى النعام، والتي حوالي هذه الكواكب تسمى البيض والقيض أيضا وفي آخر النهر نير يسمى «الظليم» وبين هذا البين الظليم وبين الظليم الذي في فم الحوت الجنوبي كواكب كثيرة تسمى الرئال (1) وكواكب هذه الصورة كلها في الحمل والثور غير ثلاثة التي في أوله فإنها في أول الجوزاء.
كوكبة الأرنب: وكواكبه اثني عشر كوكبا من الصورة وعلى يديه أربعة كواكب على مربع يسميها العرب كرسي الجوزاء المؤخر وعرش الجوزاء لأنها فيما بين الرجلين في موضع العرش وقد روي أنها تسمى «النهال» وموضعها في الجوزاء.
كوكبة الكلب الأكبر وكواكبه ثمانية عشر كوكبا من الصورة وأحد عشر كوكبا حوالي الصورة، والنير العظيم الذي على موضع الفم يسمى «الشعري العبور»، والشعري اليمانية وسمته العبور لأنه قد عبر المجرة إلى ناحية الجنوب، وذلك أنهم يزعمون أن الشعريين هما أختا سهيل، وأن سهيل تزوج بالجوزاء، فبرك عليها وكسر فقارها، فهو هارب نحو الجنوب ولاذ بكبد السماء، وأن العبور عبرت المجرة إلى سهيل، وتسمى باليمانية لأن مغيبها في شق اليماني ويسمى أيضا «كلب الجبار»، لأنه يتبع الجوزاء أبدا، ويقدمها كوكب يسمى مرزم الشعري ومرزم العبور. وقد روي أنهم يسمونه الكلب، وعلى البدن والذنب أربعة كواكب تسمى العذارى وعذرة الجوزاء، وتسمى أربعة مصطفة من جملة الخارجة عن الصورة حوالي النيرين: القرود والأغربة. وقد روي أنهم يسمون
__________
(1) الرئال: فراخ النعام.(6/210)
المرزم وهو الذي على طرف يده اليمنى قدام النير العظيم مع الكوكب المتقدم من كوكبين خفيتين على ركبته اليسرى حضار والوزن تسميهما المحلفين والمحنثين أيضا، لأنهما يطلعان قبل السهيل، فيقدّران أحدهما سهيل، وفي ذلك غلط لأن سهيلا كوكب نيّر عظيم في القدر الأول، منفرد، لا يجاوره شيء من الكواكب وهذان هما من القدر الثالث فيما بين كواكب كثيرة يطلعان في وقت واحد ويرتفعان عن الآفاق التي يرتفع فيها سهيل ارتفاعا كثيرا، فلا يشبهان سهيلا وكواكبها في السرطان والقرود خارجة عن الصورة في الجوزاء.
كوكبة الكلب الأصغر وهما كوكبان بين النيّرين اللذين هما على رأس التوأمين، وبين النير العظيم الذي على فم الكلب الأكبر يتأخر عنهما إلى المشرق، أحدهما أنور وهو الشعري الشامية ويسمى أيضا الشعري الغميصاء لأن عندهم أنه أخت سهيل وأنه لما عبرت اليمانية المجرة إلى الجنوب وإلى ناحية سهيل فبكت حتى غمصت عيناها ويسمون أيضا الاثنين ذراع الأسد المقبوضة، سميت مقبوضة لتأخرها من الذراع الأخرى النيرين اللذين على رأس التوأمين، وأكثر الرواة زعموا أنه المنزل السابع من منازل القمر، وذلك غلط لأن القمر ينزل بالذراع الأخرى المبسوطة وهي من الكوكبين النيّرين اللذين على رأس التوأمين، والكوكبان اللذان من صورة الكلب المتقدّم في السرطان.
كوكبة السفينة وكواكبها خمسة وأربعون كوكبا من الصورة، والرويات عن العرب في هذه الكواكب. وفي السهيل مختلفة، فروى بعضهم أنهم يسمون النير العظيم الذي على طرف السكان الثاني «سهيلا» على الإطلاق وأن الكواكب النيّرة التي تليه يسمونها سهيل بلقين وسهيل حضار وسهيل رقاس وسهيل الوزن، وسهيل المحلف والمحنث، وزعم قوم أن تحت سهيل قدمي سهيل، وأن تحت قدمي سهيل كواكب زهر بيض، لا ترى بالعراق ولا بنجد، وأن أهل تهامة يسمونها البقر، وسهيل في الجوزاء.
كوكبة الشجاع وكواكبها خمسة وعشرون كوكبا من الصورة واثنان خارج الصورة وعلى آخر العنق كوكب يسميه العرب «الفرد» لانفراده عن أشباهه وتنحيه إلى ناحية الجنوب وأما سائر الكواكب فقد اختلفت الرواية فيها عن العرب،
وقال بعضهم: إن بين كوكب القرد وبين الخبأ كواكب مستطيلة مثل الحبل تسمى الشراسيف، أراد بذلك كوكبة الشجاع، وأراد بالخبأ كوكبة الغراب، وأن بين الشراسيف والخبأ كواكب مستديرة تسمى المعطف، أراد بذلك كوكب الباطئة، ثم ذكر أن هناك عرش السماك، وأنه يسمى الأحمال، وهو كوكبة الغراب بعينها، وذكر بعد ذلك أن بين الفرد وبين الزباني العقرب الخبأ اليماني، وليس هناك خبأ غير كوكبة الغراب، وقال بعضهم إن بين الفرد والزباني والعقرب الخبأ ثم الفرد ثم الشراسيف، ثم المعلف، وأكثر رواياتهم عن العرب، كذلك، وقد قال غيره، والشراسيف هي كوكبة الشجاع بين الفرد وبين كوكبه الغراب، التي تسمى عرش السماك، وهي أحد عشر كوكبا على مثلث على جنوب كوكبة الغراب، وأحد الكوكبين الخارجين عن الصورة، وهو الثاني منهما يخرج منه سطر فيما بين كوكبة الخارجين والشجاع، وبين كوكبة الأسد تسمى الخيل مع الكواكب النيرة التي تقع في السطر من كوكبة الأسد مع البقية من كوكبة الشجاع والكواكب الصغار التي في أثنائها، تسمى أفلاء الخيل، وفي خلالها كوكبة الباطئة بين القرد وبين كوكبة الغراب يسمى المعلف. وكواكب الشجاع في السرطان والأسد والسنبلة.(6/211)
كوكبة الشجاع وكواكبها خمسة وعشرون كوكبا من الصورة واثنان خارج الصورة وعلى آخر العنق كوكب يسميه العرب «الفرد» لانفراده عن أشباهه وتنحيه إلى ناحية الجنوب وأما سائر الكواكب فقد اختلفت الرواية فيها عن العرب،
وقال بعضهم: إن بين كوكب القرد وبين الخبأ كواكب مستطيلة مثل الحبل تسمى الشراسيف، أراد بذلك كوكبة الشجاع، وأراد بالخبأ كوكبة الغراب، وأن بين الشراسيف والخبأ كواكب مستديرة تسمى المعطف، أراد بذلك كوكب الباطئة، ثم ذكر أن هناك عرش السماك، وأنه يسمى الأحمال، وهو كوكبة الغراب بعينها، وذكر بعد ذلك أن بين الفرد وبين الزباني العقرب الخبأ اليماني، وليس هناك خبأ غير كوكبة الغراب، وقال بعضهم إن بين الفرد والزباني والعقرب الخبأ ثم الفرد ثم الشراسيف، ثم المعلف، وأكثر رواياتهم عن العرب، كذلك، وقد قال غيره، والشراسيف هي كوكبة الشجاع بين الفرد وبين كوكبه الغراب، التي تسمى عرش السماك، وهي أحد عشر كوكبا على مثلث على جنوب كوكبة الغراب، وأحد الكوكبين الخارجين عن الصورة، وهو الثاني منهما يخرج منه سطر فيما بين كوكبة الخارجين والشجاع، وبين كوكبة الأسد تسمى الخيل مع الكواكب النيرة التي تقع في السطر من كوكبة الأسد مع البقية من كوكبة الشجاع والكواكب الصغار التي في أثنائها، تسمى أفلاء الخيل، وفي خلالها كوكبة الباطئة بين القرد وبين كوكبة الغراب يسمى المعلف. وكواكب الشجاع في السرطان والأسد والسنبلة.
كوكبة الباطئة هي سبعة كواكب على شمال كوكبة الشجاع والعرب تسميها المعلف، وهي السنبلة.
كوكبة الغراب: سبعة كواكب خلف الباطئة وعلى جنوب السماك الأعزل والعرب تسميها عجز الأسد، فتزعم أن القمر ربما قصر فنزل بعجز الأسد، وتسميها أيضا عرش السماك الأعزل، وتسميها الأحمال أيضا والخبأ، وهي في السنبلة.
كوكبة القنطورس وهي حيوان مقدمه مقدم إنسان من رأسه إلى آخر ظهره، ومؤخره مؤخر رأس فرس، من منشأ ظهره إلى ذنبه على جنوب كوكبة الميزان وجهه إلى المشرق، ومؤخر الدّابة إلى المغرب. وكواكبه سبعة وثلاثون كوكبا.
كوكبة السبع: وهي ثمانية عشر كوكبا خلف كوكبة قنطورس وبعضها مختلطة بها، والعرب تسمي كواكب الصورتين جميعا الشماريخ، وهي تشبه الشماريخ لكثرتها وكثافة جمعها، ويسمون النير الذي على طرف اليد اليمنى من
الدابة، مع النير الذي على ركبة اليد اليسرى منها «حضار»، «والوزن» ويسمونها «محلفين»، لأن المتقدم منهما يمر على مجرى سهيل أو قريب منه، فإذا طلع أحدهما يشبهه من رآه بسهيل فيقول إنه سهيل، ويراه غيره فيعرفه فيقول ليس بسهيل فيتحالفان فيحنث أحدهما. ولم يذكر أنّ أيهما حضار وأيهما الوزن فيجوز أن يكون المتقدم حضار لأنهم يبدؤون به عند ذكرهما، وكواكبه جميعا في الميزان والعقرب.(6/212)
كوكبة السبع: وهي ثمانية عشر كوكبا خلف كوكبة قنطورس وبعضها مختلطة بها، والعرب تسمي كواكب الصورتين جميعا الشماريخ، وهي تشبه الشماريخ لكثرتها وكثافة جمعها، ويسمون النير الذي على طرف اليد اليمنى من
الدابة، مع النير الذي على ركبة اليد اليسرى منها «حضار»، «والوزن» ويسمونها «محلفين»، لأن المتقدم منهما يمر على مجرى سهيل أو قريب منه، فإذا طلع أحدهما يشبهه من رآه بسهيل فيقول إنه سهيل، ويراه غيره فيعرفه فيقول ليس بسهيل فيتحالفان فيحنث أحدهما. ولم يذكر أنّ أيهما حضار وأيهما الوزن فيجوز أن يكون المتقدم حضار لأنهم يبدؤون به عند ذكرهما، وكواكبه جميعا في الميزان والعقرب.
كوكبة المجمرة سبعة كواكب على جنوب الخرزة الرابعة والخامسة من ذنب العقرب ولم يذكر فيها عن العرب شيء وهي في القوس.
كوكبة الإكليل الجنوبي ثلاثة عشر كوكبا من الصورة فيما بين النعامين، وقالوا عن العرب إنها تسميها «القبة» لاستدارتها، وزعموا أنها أسفل من شولة العقرب، وليس هناك كواكب مستديرة تشبه القبة غيرها، وذكر أكثرهم أن وراء القبة الصردين. والصردان من كوكبة الرامي أحدهما على الفخذ اليسرى من الدابة، وهو الصرد الأعلى والآخر على ساقه اليمنى، وقال آخرون إنها تسمى أدحى النعام وهو عشه، لأنها على جنوب النعائم الصادر والوارد وهي في القوس.
كوكبة الحوت الجنوبي: أحد عشر كوكبا من الصورة على جنوب كوكبة الدالي رأسه إلى المشرق، وذنبه إلى المغرب، والعرب تسمي الذي على فم الضفدع الأول «الظليم» وهو المشتري بينه وبين كوكبة الدالي، وهو على آخر يمّ الماء.
هذا آخر الصور مما كانت تقوله العرب: كانوا يقولون: إن الدّبران خطب الثريا وأراد القمر أن يزوجه فأبت عليه، وولّت عنه، وقالت للقمر: ما أصنع بهذا السّبروت (1) الذي لا مآل له؟ فجمع الدّبران قلاصه ليتزوج بها، فهو يتبعها حيث توجهت يسوق صداقها، قال من يعنون القلاص يزعمون أن الجدي قتل نعشا فبناته تدرن به تريده، وأن سهيلا خطب الجوزاء فركضته برجلها، فطرحته حيث هوى، وضربها هو بالسيف فقطع وسطها.
__________
(1) السبروت: الفقير المعدم.(6/213)
الباب السادس أسجاع الكهنة
تحاكم عبد المطّلب بن هشام وبنو ثقيف إلى عزّى سلمة الكاهن، في ماء بالطائف يقال له: ذو الهرم فجاء الثقفيون فاحتفروه فخاصمهم عبد المطلب إلى عزى وخبّأوا له رأس جرادة في خرزة مزادة، وجعلوه في قلادة كلب لهم يقال له (سوّار)، فلما وردوا عليه قال: حاجتكم؟. فقالوا له: خبأنا لك خبيئا فأنبئنا عنه أولا، فقال: خبأتم لي شيئا طار فسطع فتصوّب (1) فوقع، في الأرض منه بقع، قالوا: لاده، أي بيّنه. قال: هو شيء طار، فاستطار، ذو ذنب جرّار، وساق كالمنشار، ورأس كالمسمار فقالوا: لاده، قال: إن لاده فلاده، هو رأس جرادة في خرز مزادة في عنق (سوّار) ذي القلادة قالوا: صدقت. وانتسبوا له، وقالوا:
أخبرنا فيما اختصمنا إليك؟ قال: أحلف بالضّياء والظّلم، والبيت الحرم، أن الدّفين ذا الهرم، للقرشي ذي الكرم، فغضب الثقفيون وقالوا: اقض لأرفعنا مكانا، وأعظمنا جفانا، وأشدّنا طعانا، فقال عبد المطّلب: اقض لصاحب الخيرات الكبر، ولمن كان سيد مضر، ولساقي الحجيج إذا كثر. فقال الكاهن:
إن مقالي فاسمعوا شهادة: إن بني النّضر كرام سادة، من مضر الحمراء ذي القلادة، أهل سناء ملوك قادة، زيارة البيت لهم عبادة. ثم قال: إن ثقيفا عبد من قيس فأعتق فولد فأبق، فليس له في النّسب من حق.
دعا أميّة بن عبد شمس، هاشم بن عبد مناف إلى المنافرة (2) فقال هاشم:
فإني أنافره على خمسين ناقة سود الحدق ننحرها بمكة، أو الجلاء عن مكّة عشر
__________
(1) تصوّب: أي انحدر.
(2) المنافرة: المفاخرة.(6/214)
سنين، فرضي أمية، وجعلا بينهما الخزاعي الكاهن، وخرجا إليه، ومعهما جماعة من قومهما، فقالوا: خبأنا خبيئا فإن أصابه تحاكمنا إليه، وإن لم يصبه تحاكمنا إلى غيره، فوجدوا أبا همهمة، وكان معهم أطباق جمجمة، فأمسكها معه، ثم أتوا الكاهن فأناخوا ببابه وكان منزله بعسفان فقالوا له: إنا قد خبأنا لك خبيئا فأنبئنا عنه، فقال: أحلف بالضوء والظّلمة، ومن بتهامة من تهمة، وما بنجد من أكمة، لقد خبّأتم لي أطباق جمجمة (1) مع البلندح (2) أبي همهمة. قالوا:
صدقت. احكم بين هاشم بن عبد مناف وبين أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أيهما أشرف بيتا ونسبا ونفسا؟ فقال: والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلم مسافر، من منجد وغائر، لقد تسبق هاشم أمية إلى المآثر، أول منه وآخر، فأخذ هاشم الإبل ونحرها وأطعمها من حضر، وخرج أمية إلى الشام فأقام بها عشر سنين، فيقال إنها أول عداوة بين بني هاشم، وبني أمية.
كانت سعدى بنت كريز بن ربيعة قد تطرقت وتكهنت، وهي خالة عثمان بن عفان رضي الله عنه، روى عن عثمان أنه قال: لما زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته رقية من عتبة بن أبي لهب، وكانت ذات جمال رائع، دخلتني الحسرة أو كالحسرة، ألا أكون سبقت إليها، ثم لم ألبث أن انصرفت إلى منزلي فألقيت خالتي، فلما رأتني قالت: [الرجز]
ابشر وحيّيت ثلاثا تترى ... ثم ثلاثا وثلاثا أخرى
ثم بأخرى كي تتمّ عشرا ... أتاك خير، ووقّيت شرا
نكحت والله حصانا زهرا ... وأنت بكر ولقيت بكرا
وافيتها بنت نفيس قدرا ... بنت نبيّ قد أشاد ذكرا
قال عثمان: فعجبت من قولها: وقلت: ما تقولين؟ فقالت: [الرجز]
عثمان يا ابن أختي يا عثمان ... لك الجمال ولك البيان
__________
(1) جمجمة: هي قدح من الخشب، ومنه سمي دير الجماجم لأنه يعمل فيه الأقداح من الخشب.
(2) البلندح: القصير السمين.(6/215)
هذا نبيّ معه البرهان ... أرسله بحقّه الدّيّان
وجاءه التّنزيل والفرقان ... فاتّبعه لا تحتالك الأوثان
فقالت: يا خالة، إنك لتذكرين ما قد وقع ذكره في بلدتنا فاثبتيه لي، فقالت: إن محمد بن عبد الله رسول من عند الله جاء بتنزيل الله، يدعو إلى الله، مصباحه مصباح، وقوله صلاح، ودينه فلاح، وأمره نجاح، وقرنه نطّاح، ذلّت له البطاح، ما ينفع الصّياح، لو وقع الذّباح، وسلّت الصّفاح ومرّت الرماح، قال:
ثم قامت فانصرفت ووقع كلامها في قلبي، وجعلت أفكر فيه. وذكر بعد ذلك إسلامه وتزويجه برقية، فكان يقال: أحسن زوج رقية وعثمان، فقيل فيهما:
أحسن زوج رآه إنسان، رقية وزوجه عثمان.
وروى المدائني: أن قريشا وثقيفا اختصموا في أرض، فجعلت ثقيف أمرها إلى كدام أو كلدة، وقام لقريش عبد المطلب، فقال الثقفي لعبد المطلب:
أنا فرك فأينا نفر فالمال لأصحابه، وتراضوا بسطيح، فخرجوا وخبأوا له عين جرادة، في خرزة مزادة، فساروا سبعا، فلما أتوه قال: لقد سرتم سيرا بلغ زعزعة، ووضع حتى تدليتم النقع في آخر السبع، قالوا: صدقت، قال: إن شئتم أخبرتكم قالوا: قد شئنا، قال: طار فسطع، فصاع فضبح، وامتلأ فنضح، قالوا:
زه، زه، زه، فقال الثقفي: احكم لأشدّنا ضرابا، وأكثرنا أعتابا، وأفضلنا رطابا (1). فقال عبد المطلب: أحكم لأكرمنا فعلا، وأكثرنا ضيفانا، وأعظمنا جفانا، قال سطيح: والسماء والأرض، وما بينهما من جدد ودحض، لعبد المطلب أولى بكل خفض ورفع، وضر ونفع.
وذكر أن بني كلاب وبني رباب من بني نضر خاصموا عبد المطلب في مال قريب من الطائف، فقال عبد المطلب: المال مالي، فسلوني أعطكم، قالوا:
لا. قال: فاختاروا حاكما. قالوا: ربيعة بن حذار الأسديّ، فتراضوا به، عقلوا مائة ناقة في الوادي وقالوا: من حكم له، فالإبل والمال له، وخرجوا، وخرج مع عبد المطلب حرب بن أمية: فلما نزلوا ربيعة، بعث إليهم بجزائر فنحرها عبد
__________
(1) الوطاب: سقاء اللبن (وهو جلد الجذع فما فوقه).(6/216)
المطلب وأمر فصنع جزورا وأطعم من أتاه، ونحر الكلابيون والنضريون ووشقوا (1). فقيل لربيعة في ذلك فقال: إن عبد المطلب امرؤ من ولد خزيمة فمتى يملق يصله بنو عمّه، وأرسل إليهم أن اخبأوا لي خبئا فقال عبد المطلب:
خبأت كلبا اسمه سوّار وفي عنقه قلادة، في خرزة مزادة، وضمّتها بعين جرادة.
فقال الآخرون: قد رضينا بما خبأت، وأرسلوا إلى ربيعة، فقال: خبأتم خبيئا حيا. قالوا: زد، قال: ذو برثن (2)، أغبر، وبطن أحمر، وظهر أنمر.
قالوا: قربت، قال: سما فسطع، ثم هبط فلطع، فترك الأرض بلقع، قالوا:
قربت فطبّق، قال: عين جرادة، في خرزة مزادة، في عنق سوّار ذي القلادة.
قالوا: زه زه! أصبت، فاحكم لأشدّنا طعانا، وأوسعنا مكانا. قال عبد المطلب:
احكم لأولانا بالخيرات، وأبعدنا عن السّوءات، وأكرمنا أمهات. قال ربيعة:
والغسق والشفق، والخلق المتّفق، ما لبني كلاب وبني رباب من حق، فانصرف يا عبد المطلب على الصواب، ولك فصل الخطاب، فوهب عبد المطلب المال لحرب بن أمية.
جلس نفر من قريش فتحدثوا فقال أبو ربيعة بن المغيرة. ليس في قريش كرجال ابن مخزوم، منا عبد الله بن عمر بن مخزوم وفلان. فقال أسيّد: إليك بنو قصيّ أشرف، فتداعوا إلى المنافرة فقال أسيد. إن نافرتك أخرجتك من مالك، وإن نافرتني فلك ما لي. فتراضوا بالكاهن الخزاعي فقال فقيم بن أبي همهمة، مهلا يا ربيعة، فأتى وخرجوا وساقوا إبلا ينحرها المنفر، فوجدوا في طريقهم حمامة وثمامة، فأخذوها ودفعوها إلى أسامة عند أبي همهمة فجعلها في ريش ظليم. فقالوا للكاهن: ما خبأنا؟ قال: أما وغمامة تتبعها عمامة، فوقعت بأرض تهامة، فطفا من وبلها كل طلح، لقد خبأتم لي فرخ حمامة أو أختها يمامة، في زف عمامة، مع غلامكم أسامة، وقالوا: احكم. فقال: أما وربّ الواطدات (3)
__________
(1) الوشيق والوشيقة: لحم يقدّد حتى ييبس، أو يغلى إغلاءة، ثم يقدد ويحمل في الأسفار، وهو أبقى قديد، ووشقه يشقه: قدّده.
(2) ذو برثن: أي: ذو مخالب.
(3) الواطدات: الثابتات، والمراد الجبال الثابتة العالية.(6/217)
الشم، والجراول (1) السود الصم، إنّ أسيّدا لهو الخصم، لا ينكر الفضل له في القمر، أما وربّ السماء والأرض، ما لاح لناظر، لقد سبق أسيّد أبا ربيعة بغير مراء. قالوا: فقضى بالفضل لمخزوم فقال: أما وربّ العاديات الضّبح، ما يعدل الحر بعبده مفشح، بمن أحل قومه بالأبطح، فنحر أسيد ورجعوا فأخذ مال أبي ربيعة، وكانت أخت أسيد عند أبي جهل فكلموها، فكلمت أخاها فردّ ماله.
ذكر الأصمعي أن هندا كانت عند الفاكه بن المغيرة المخزومي، وكان له بيت ضيافة يغشاه الناس فيدخلونه من غير إذن، فخلا ذلك البيت يوما واضطجع فيه الفاكه وهند، ثم قام الفاكه فترك هند لأمر عرض له، فأقبل رجل ممّن كان يغشى البيت فولجه فلمّا رأى المرأة نائمة ولّى هاربا، فأبصر الفاكه، فإذا رجل قد خرج من البيت فأقبل الفاكه إلى هند فرفسها برجله وقال: من هذا الذي كان عندك؟ فقالت: ما رأيت أحدا ولا انتبهت حتى أنبهتني. فقال لها: الحقي بأبيك قالت: أفعل، ومضت من فورها، وتكلم الناس في ذلك فقال لها أبوها: يا بنية، إن الناس قد أكثروا فيك الكلام، فأخبريني بالقصة على الصحة، فإن كان كاذبا دسست إليه من يقتله، فتنقطع القالة عنك فحلفت أيمنا بأنه لكاذب عليها، فقال عتبة للفاكه: إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم فهل لك في أن تحاكمني إلى بعض الحكام؟ فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم، وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف، وخرج معه هندا ونسوة معها يهدون بعض الكهنة، فلما شارفوا بلاد الكاهن، تنكّرت حال هند وتغيّر لونها، ورأى ذلك أبوها فقال لها: يا بنية، إني أرابني، ما بك وما ذاك إلا لمكروه عنك، فهلا كان هذا من قبل أن يشهر عند الناس سرّنا؟ قالت: يا أبت والله ما الذي رأيت منّي لمكروه، ولكني أعلم أنكم تأتون بشرا يخطىء ويصيب، فلا آمن أن يمسني ميسما يكون عليّ عارا في العرب، قال لها: فإني سأمتحنه قبل المسألة بشيء، وصفّر لفرس له فأدلى ثم أخذ حبّة بر فأدخلها في إحليله ثم أوكى عليها بسير وتركه حتى إذا وردوا على
__________
(1) الجراول: جمع جرول، وهي الأرض الكثيرة الحجارة، وقيل: الجراول: الحجارة، أو موضع من الجبل كثير الحجارة، واحدتها: جرولة.(6/218)
الكاهن أكرمهم ونحر لهم، فلما أكلوا قال عتبة إنا قد جئناك في أمر وقد خبأت لك خبيئا أختبرك به فانظر ما هو فقال: تمرة في كمرة، فقال له عتبة؟ أريد أبين من هذا. قال: حبة بر، في إحليل مهر، قال: صدقت، فانظر في أمر هؤلاء النسوة. فجعل يدنو من إحداهن ويضرب كتفها ويقول: انهضي، حتى دنا من هند، فضرب على كتفها، وقال: انهضي غير رسحاء (1) ولا زانية، ولتلدن ملكا يقال له معاوية: فوثب إليها الفاكه، فأخذ بيدها وقال لها: ارجعي إلى بيتك، فنترت يدها من يده، وقالت: إليك عني فو الله إني لأحرص أن يكون من غيرك، فتزوجها أبو سفيان فجاءت بمعاوية.
خرج خمسة نفر من طيّىء من ذوي الحجا والرأي، منهم برج بن مسهر، وهو أحد المعمّرين، وأنيف بن حارثة بن لأم، وعبد الله بن الحشرج أبو حاتم طيىء، ومارق الشاعر، ومرّة عبد رضى، يريدون سواد بن قارب الدوسي، ليمتحنوا علمه، فلما قربوا من السّراة، قالوا: ليخبأ كلّ رجل منكم خبيئا، ولا يخبر به صاحبه، لنسأله عنه، فإن أصاب عرفنا علمه، وإن أخطأ ارتحلنا عنه، فخبأ كل واحد منهم خبيئا ثم صاروا إليه، فأهدوا له إبلا وطرفا من طرف الحيرة، فضرب عليهم قبة، ونحر لهم، فلما مضت ثلاث دعا بهم فدخلوا عليه، فتكلّم برج وكان أسنّهم فقال: «جادك السحاب، وأمرع لك الجناب، وضفت عليك النّعم الرّغاب (2)، ونحن أولو الآكال (3) والحدائق والأغيال (4)
والنّعم الجفال (5)، ونحن أصهار الأملاك، وفرسان العراك». يورّي عنه أنهم من بكر بن وائل. فقال سواد: «والسماء والأرض، والغمر (6) والبرض (7)
والفرض (8) والقرض، إنكم لأهل الهضاب الشّم، والنخيل العمّ، والصخور
__________
(1) الرّسح، محركة: قلّة لحم العجز والفخذين، وكل ذئب: أرسح، لخفة وركية، والرسحاء:
القبيحة.
(2) الرغاب: جمع رغيبة، وهي الواسعة الكثيرة.
(3) الآكال: جمع أكل، بضم الهمزة، وهو الرزق والحظ من الدنيا.
(4) الأغيال: جمع غيل، وهو الماء الجاري.
(5) الجفال: الكثيرة الوفيرة.
(6) الغمر: الماء الكثير.
(7) البرض: الماء القليل.
(8) الفرض: ما فرضته على نفسك من جود.(6/219)
الصّم، من أجأ العيطاء (1)، وسلمى (2) ذات الرقبة السّطعاء (3)».
قالوا: إنا كذلك، وقد خبأ كلّ واحد منا خبيئا لتخبره باسمه وخبيئه، فقال لبرج: أقسم بالضياء والحلك والنجوم والفلك والشروق والدّلك، لقد خبأت برثن فرخ، في إعليط (4) مرخ، تحت آسرة الشّرخ قال: ما أخطأت شيئا، فمن أنا؟ قال: أنت برج بن مسهر، عصرة الممعر، وثمال المحجّر.
ثم قام أنيف بن حارثة فقال: ما خبييء، وما اسمي؟ فقال سواد:
«والسحاب والتراب والأصباب والأحداب، والنّعم والكتاب، لقد خبأت قطامة فسيط (5)، وقذّة مريط (6)، في مدرة من مديّ مطيط (7)». قال: ما أخطأت شيئا فمن أنا؟ قال: أنت أنيف قاري الضيف، ومعمل السيف، وخالط الشتاء بالصيف.
ثم قام عبد الله بن سعد، فقال: ما خبييء؟ ومن أنا؟ فقال سواد: اقسم بالسّوام العازب (8)، والوقير الكارب (9)، والمجدّ الراكب، والمشيح الحارب (10)، ولقد خبأت نفاثة فنن (11)، في قطيع قد مرن (12)، أو أديم قد جرن (13). قال: ما أخطأت، فمن أنا؟ قال: أنت ابن سعد النّوال، عطاؤك سجال، وشرّك عضال وعمدك طوال، وبيتك لا ينال، ثم قام عارق فقال: ما خبييء وما اسمي؟ قال: اقسم بنفنف اللّوح (14)، والماء المسفوح، والفضاء
__________
(1) العيطاء: الطويلة.
(2) أجأ وسلمى: جبلا طيّىء.
(3) السطعاء: الطويلة.
(4) الإعليط: وعاء ثمر المرخ الذي تقدح فيه النار.
(5) الفسيط: قلامة الظفر.
(6) القذّة: الريشة، والمريط: السهم الذي نتف ريشه.
(7) المطيط: الماء الخاثر في أسفل الحوض.
(8) السوام: المال الراعي من الإبل، والعازب: البعيد.
(9) الوقير: القطيع من النغم. والكارب: القريب.
(10) المشيح: الحاذر، والحارب: السالب.
(11) النفاثة: الشظية من السواك. والفنن: الغصن.
(12) قطيع: ما يقطع من الشجر. ومرن: لان.
(13) الأديم: الجلد. وجرن: لان.
(14) النفنف واللوح: الهواء.(6/220)
المندوح (1)، لقد خبأت زمعة طلا أعفر (2)، في زعنفة (3)، أديم أحمر، تحت حلس نضو أدبر (4)، قال: ما أخطأت شيئا فمن أنا؟ قال: أنت عارق ذو اللسان العضب، والقلب النّدب ومضّاء الغرب، ومنّاع السّرب (5)، ومبيح النّهب»، ثم قام مرّة فقال: ما خبييء وما اسمي؟ فقال سواد: أقسم بالأرض والسماء، والبروج والأنواء والظلمة والضياء لقد خبأت دمّة في رمّة (6)، تحت مشيط لمّة (7)، قال: ما أخطأت، فمن أنا؟ قال: أنت مرّة، السريع الكرة، البطيء الفرّة، الشديد المرّة» قالوا: فأخبرنا بما رأينا في طريقنا إليك، فقال: والناظر من حيث لا يرى، والسامع قبل أن يناجى، والعالم بما لا يدرى، لقد عنّت لكم عقاب عجزاء (8)، في شغانيب (9) دوحة جرداء، تحمل جدلا، فتماريتم (10) إما يدا وإما رجلا، فقالوا: كذلك ثم مه؟ قال: سنح لكم قبل طلوع الشّرق، سيّد أمق (11) على ماء طرق (12)» قالوا: ثم ماذا؟ فقال: تيس أفرق، سند في أبرق، فرماه الغلام الأزرق، فأصاب بين الوابلة (13)، والمرفق» قالوا: صدقت وأنت أعلم من تحمل الأرض، ثم انصرفوا، فقال عارق: [الوافر]
ألا لله علم لا يجارى ... إلى الغايات، في جنبي سواد
وهي أبيات.
__________
(1) المندوح: الواسع.
(2) الزمعة: الشعرات المتدليّات في رجل الأرنب. والطلا: ولد الظبي الصغير، والأعفر: ما يعلو بياضه حمرة.
(3) الزعنفة: الأطراف.
(4) النضو: المهزول من الإبل، أدبر: أي أصابه قرحة الدابة.
(5) السرب: الجماعة.
(6) الدمّة: القملة. والرّمة: العظام البالية.
(7) المشيط: الشعر الممشوط، واللمة: الشعر المجاوز شحمة الأذن.
(8) عجزاء: التي ابيضّ ذنبها.
(9) الشغانيب: جمع شغنوب، وهو الغصن الناعم الرطب.
(10) تماريتم: تجادلتم.
(11) السيد: الذئب، والأمق: الطويل.
(12) الطرق: الماء الذي بالت فيه الإبل.
(13) الوابلة: رأس العضد الذي يلي المنكب.(6/221)
الباب السابع أوابد العرب (1)
كان الرجل منهم إذا بلغت إبله مائة عمد البعير الذي أمأت به مائة فأغلق ظهره لئلا يركب، وليعلم أن صحابه ممء، حمى ظهره وإغلاق ظهره: أن تنزع سناسن فقرته، ويعقر سنامه، والفعل: تعنّى وهو معنى معنّى. قال الفرزدق (2):
[الوافر]
علوتك بالمفقّىء والمعنّى ... وبيت المحتبي والخافقات
التعمية والتفقئة:
كان الرجل إذا بلغت إبله ألفا فقأ عين الفحل، يقول: إن ذلك يدفع عنها العين والغارة وهي التفقئة قال (3): [الرجز]
وهبتها وأنت ذو امتنان ... تفقأ فيها أعين البعران
فإذا زادت الإبل على الألف عموه بالعين الأخرى وهي التعمية. قال الشاعر ينعى عليهم ذلك (4): [الرجز]
فكان شكر القوم عند المنن ... كيّ الصحيحات وفقء الأعين
عقد الرّتم:
__________
(1) أوابد العرب: هي أمور كانت عليها العرب في الجاهلية، بعضها يجري مجرى الديانات، وبعضها يجري مجرى الاصطلاحات والعادات، وبعضها يجري مجرى الخرافات، وجاء الإسلام بإبطالها (انظر صبح الأعشى 1/ 465454).
(2) البيت في ديوان الفرزدق 1/ 110، ولسان العرب (فقأ)، (عمي)، (عنا)، وكتاب العين، 2/ 253، وتهذيب اللغة 3/ 213، وتاج العروس (خفق)، (عنى).
(3) الرجز بلا نسبة في صبح الأعشى 1/ 459.
(4) الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب 2/ 462.(6/222)
كان الرجل إذا أراد سفرا عمد إلى شجرة، فعقد غصنا من أغصانها بآخر، فإن رجع ورآه معقودا زعم أن امرأته لم تخنه: وإن رآه محلولا زعم أنها قد خانته، قال الشاعر (1): [البسيط]
هل ينفعنك اليوم إن همّت بهم ... كثرة ما توصي وتعقاد الرّتم؟
خانته لما رأت شيئا بمفرقه ... وغرّه حلفها والعقد للرّتم
ذبح العتائر:
كان الرجل منهم يأخذ الشاة وتسمّى العتيرة والمعتورة فيذبحها، ويصبّ دمها على رأس الصّنم، وذلك يفعلونه في رجب، والعتر قيل هو مثل الذبح وقيل هو للصّنم الذي يعتر له.
قال الطّرماح (2): [الطويل]
فخرّ صريعا مثل عاترة النّسك
أراد بالعاترة الشاة المعتورة.
ذبح الظباء:
كان الرجل ينذر أنه إذا بلغت إبله أو غنمه مبلغا ما ذبح عنها كذا، فإذا بلغت ضنّ بها، وعمد إلى الظّباء يصطادها وفاء بالنذر ويذبحها. قال الشاعر (3):
[الخفيف]
عنتا باطلا وزورا كما يع ... تر عن حجرة الرّبيض الظّباء
كيّ السّليم عند الجرب:
__________
(1) البيت الأول بلا نسبة في لسان العرب (رتم)، وأساس البلاغة، (رتم)، والبيت الثاني بلا نسبة في صبح الأعشى 1/ 465.
(2) الشطر بلا نسبة في تاج العروس (عتر)، ولسان العرب (عتر).
(3) البيت للحارث بن حلزة في ديوانه ص 36، ولسان العرب (حجر)، (عتر)، (عنن)، وجمهرة اللغة ص 158، 392، وديوان الأدب 2/ 156، وجمهرة الأمثال 2/ 153، والحيوان 1/ 18، 5/ 511، وشرح القصائد السبع ص 484، وشرح القصائد العشر ص 399، وشرح المعلقات السبع ص 233، وشرح المعلقات العشر ص 124، والمعاني الكبير 2/ 683، وتاج العروس (عثر)، (عنّ).(6/223)
زعموا أن الإبل إذا أصابها العرّ (1) فأخذوا الصحيح كووه، زال العر عن السقيم. قال النابغة (2): [الطويل]
لكلّفتني ذنب امرىء وتركته ... كذي العرّ يكوى غيره وهو راتع
ويقال: إنهم يفعلون ذلك ويقولون: تؤمن معه العدوى.
ضرب الثور ليشرب البقر:
كانوا إذا امتنعت البقر عن شرب الماء ضربوا الثور، وزعموا أن الجنّ تركب الثيران، فتصد البقر عن الشّرب.
قال الأعشى (3): [الطويل]
وإني وما كلّفتماني وربكم ... ليعلم من أمسى أعق وأحربا
لكالثّور والجنّيّ يضرب ظهره ... وما ذنبه أن عافت الماء مشربا
وما ذنبه أن عافت الماء باقر ... وما إن تعاف الماء إلا ليضربا
وقال آخر (4): [الوافر]
كذاك الثور يضرب بالهراوى ... إذا ما عافت البقر الظماء
عقد السّلع والعشر:
كانوا إذا استمطروا يعمدون إلى البقر، ويعقدون في أذنابها السّلع والعشر يضرمون فيها النار ويصعدونها في الجبل، ويزعمون أنهم يمطرون في الوقت.
قال أمية به أبي الصلت (5): [الخفيف]
__________
(1) العرّ: هو الجرب.
(2) البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص 37، ولسان العرب (عرر)، وجمهرة اللغة ص 123، وديوان الأدب 3/ 20، وكتاب العين 1/ 85، وتاج العروس (عرر) والعقد الفريد 3/ 130، وكتاب الأمثال ص 273، والمستقصي 2/ 217، ومجمع الأمثال 2/ 158.
(3) الأبيات في ديوان الأعشى ص 165، والبيت الأول في تهذيب اللغة 1/ 57، والبيت الثاني في لسان العرب (ثور)، وتاج العروس (ثور)، والبيت الثالث في لسان العرب (ثور)، ومقاييس اللغة 1/ 278، 396.
(4) البيت بلا نسبة في صبح الأعشى 1/ 462.
(5) الأبيات في ديوان أمية بن أبي الصلت ص 3635، والبيت الأول في لسان العرب (عول)،(6/224)
ويشقّون باقر السهل للطّو ... د مهازيل خشية أن تبورا
عاقدين نيران في ثكن الأذ ... ناب منها لكي تهيج البحورا
سلع ما ومثله عشر ما ... عائل ما وعالت البيقورا
كعب الأرنب:
كانوا يعلّقونه على أنفسهم، ويقولون: إن من فعل هذا لم تصبه عين ولا سحر وذلك أن الجن تهرب من الأرنب لأنها ليست من مطايا الجن، لأنها تحيض. قال الشاعر (1): [الطويل]
ولا ينفع التعشير إن حمّ واقع ... ولا ودع يغني، ولا كعب أرنب
وقيل لزيد بن كثوة: أحقّ ما يقولون إن من علّق على نفسه كعب الأرنب لم تقربه جنّان الحيّ وعمّار الدار؟ فقال: إي والله ولا شيطان الحماطة (2) وجان العشيرة وغول القفر وكل الخوافي، إي والله وتطفأ عنه نيران السعالي.
دائرة المهقوع:
وهو الفرس الذي به الدئرة التي تسمّى الهقعة، فيزعمون أنه إذا عرق تحت صاحبه اغتلمت حليلته وطلبت الرجال قال (3): [الطويل]
إذا عرق المهقوع بالمرء أنعظت ... حليلته وازداد حرّا عجانها
السنام والكبد:
زعموا أن الإنسان إذا عشي ثم قلي له سنام، فأكله، وكلما أكل لقمة مسح جفنه الأعلى بسبّابته وقال:
يا سنام (4): [الرجز]
__________
والبيت الثاني لأمية بن أبي عائذ في لسان العرب (ثكن)، والبيت الثالث في الأزهية ص 81، والأشباه والنظائر 6/ 101، وشرح شواهد المغني 1/ 305.
(1) البيت بلا نسبة في صبح الأعشى 1/ 463.
(2) الحماطة: شجر يشبه التين.
(3) البيت بلا نسبة في لسان العرب (نعظ) (هقع)، وتهذيب اللغة 1/ 126، ومجمل اللغة 6/ 147، وتاج العروس (هقع)، وكتاب العين 1/ 96.
(4) يروى الرجز بلفظ:(6/225)
يا سناما وكبد ... ليذهب الهدبد
ليس شفاء الهدبد ... إلا السنام والكبد
عوفي صاحب العشى منه. والهدابد: العشي.
الطارف والمطروف:
ويزعمون أن الرجل إذا طرف عين صاحبه، فهاجت، فمسح الطارف عين المطروف سبع مرات وقال في كل مرة: بإحدى جاءت من المدينة، باثنتين جاءتا من المدينة، بثلاث جئن من المدينة إلى سبع، سكن هيجانها.
بكاء المقتول:
كان النساء لا يبكين المقتول إلى أن يدرك ثأره، فإذا أدرك بكينه. قال (1):
[الكامل]
من كان مسرورا يمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرا يندبنه ... يلطمن حرّ الوجه بالأسحار
وطء المقاليت (2): [الكامل]
يزعمون أن المرأة المقلات إذا وطئت قتيلا شريفا بقي أولادها، قال بشر بن أبي خازم (3): [الطويل]
تظلّ مقاليت النساء يطأنه ... تقلن: ألا يلقى على المرء مئزر؟
تعليق الحلي على السليم:
يزعمون أن السليم إذا علق عليه الحلي أفاق فيلقون عليه الأسورة والرّعاث
__________
إنه لا يبرىء داء الهدبد ... مثل القلايا من سنام وكبد
وهو بلا نسبة في لسان العرب (هدبد)، (ها)، وتاج العروس (هدبد)، (ها)، وجمهرة اللغة ص 303، 1167، وأساس البلاغة (هدب).
(1) البيتان بلا نسبة في صبح الأعشى 1/ 461، ونهاية الأرب 3/ 117.
(2) المقاليت: جمع مقلات، وهي المرأة التي لا يعيش لها ولد، وقيل: هي التي تلد واحدا ثم لا تلد بعد ذلك.
(3) البيت في ديوان بشر بن أبي خازم ص 88، وإصلاح المنطق ص 76، وشرح شواهد الإيضاح ص 413، ولسان العرب (قلت)، والمعاني الكبير ص 930، وهو بلا نسبة في مجالس ثعلب 1/ 71.(6/226)
ويتركونها عليه سبعة أيام ويمنع من النوم.
قال النابغة (1): [الطويل]
يسهد من نوم العشاء سليمها ... لحلي النّساء، في يديه، قعاقع
شقّ الرداء والبرقع: زعموا أن المرأة إذا أحبّت رجلا أو أحبها، ثم لم تشق عليه رداءه، أو يشق عليها برقعها، فسد حبهما، فإذا فعلا ذلك دام حبهما.
قال (2): [الطويل]
إذا شقّ برد شقّ بالبرد برقع ... دواليك حتى كلّنا غير لابس
فكم قد شققنا من رداء محبّر ... وكم برقع عن طفلة غير عانس
رمي السّن في الشمس:
يقولون إن الغلام إذا أثغر فرمى سنه في عين الشمس بسبّابته وإبهامه وقال:
أبدليني بها أحسن منها، ولتكن إياتك فيها أمن على أسنانه العوج والقلح والنّغل. قال طرفة (3): [الرمل]
بدّلته الشمس من منبته ... بردا أبيض مصقول الأشرّ
قال النابغة (4): [الطويل]
سقته إياة الشمس إلّا لثاته
وقال أبو دؤاد: [البسيط]
__________
(1) البيت في ديوان النابغة الذبياني ص 37، ولسان العرب (سهد)، (قعع)، وكتاب العين 1/ 64، وتهذيب اللغة 6/ 115، وتاج العروس (سهد)، (قعع).
(2) البيتان لسحيم عبد بني الحسحاس في ديوانه ص 16، وفي الديوان:
دوليك حتى ليس للبرد لابس
والبيت الأول، في جمهرة اللغة ص 438، والدرر 3/ 65، وشرح المفصّل 1/ 119، والكتاب 1/ 350، ولسان العرب (هذذ)، (دول)، وتاج العروس (دول).
(3) البيت في ديوان طرفة بن العبد ص 52، ومقاييس اللغة 1/ 109.
(4) عجزه: أسفّ ولم تكدم عليه بإثمد
والبيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص 21، ولسان العرب (كدم)، (أيا)، وتاج العروس (كدم)، (أيا، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 1/ 169، وتهذيب اللغة 15/ 651.(6/227)
ألقى عليه إياة الشمس أرواقا.
ذهاب الخدر:
يزعمون أن الرجل إذا خدرت رجله فذكر أحبّ الناس إليه، ذهب عنه الخدر. قال كثيّر (1): [الطويل]
إذا خدرت رجلي دعوتك أشتفي ... بذكراك من مذل بها فيهون
وقالت امرأة من كلاب: [الطويل]
إذا خدرت رجلي ذكرت ابن مصعب ... فإذا قلت: عبد الله أجلى فتورها
تراجع القلفة:
يزعمون أن من ولد في القمراء تراجعت قطعته فكان كالمختون، ودخل امرؤ القيس مع قيصر الحمام فرآه أقلف فقال (2): [البسيط]
إني حلفت يمينا غير كاذبة ... أنك أقلف إلا ما جنى القمر
إذا طعنت به مالت عمامته ... كما تجمّع تحت الفلكة الوبر
التعشير:
يزعمون أن الرجل إذا أراد دخول قرية فخاف وباءها، فوقف على بابها قبل أن يدخلها فعشّر كما ينهق الحمار، ثم دخلها لم يصبه وباؤها.
قال عروة بن الورد (3): [الطويل]
لعمري، لئن عشّرت من خشية الرّدى ... نهاق الحمير، إنّني لجزوع
تعليق السّن:
زعموا أن الصّبي إذا خيف عليه نظرة أو خطفة فعلّق عليه سن ثعلب أو
__________
(1) البيت في ديوان كثير عزّة ص 176، وبلا نسبة في لسان العرب (مذل)، والمخصص 5/ 84، وتاج العروس (مذل).
(2) البيتان في ديوان امرىء القيس ص 280، ولسان العرب (قلف)، وتاج العروس (لوث).
(3) البيت لعروة بن الورد في ديوانه ص 95، ولسان العرب (عشر)، وتاج العروس (عشر)، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 4/ 325، وكتاب العين 1/ 247، والمخصص 8/ 49.(6/228)
سن هرة أو غير ذلك أمن، فإن الجنّية إذا أرادته لم تقدر عليه، فإذا قال لها صواحباتها في ذلك. قالت: [الرجز]
كانت عليه نغره
ثعالب وهرره
والحيض حيض السّمره
أعوان السنة:
يزعم أنه قيل للسنة إنك مبعوثة، فقالت: ابعثوا معي أعواني: الحصبة والجدري والذئب والضبع.
حبس البلايا:
كانوا إذا مات الميت يشدّون ناقته إلى قبره، ويعكسون رأسها إلى ذنبها، ويغطّون رأسها بوليّة وهي البرذعة فإن أفلتت لم ترد عن ماء ولا مرعى، ويزعمون أنهم إنما يفعلون ذلك ليركبها صاحبها في المعاد ليحشر عليها كي لا يحتاج أن يمشي. قال على أبو زبيد (1): [الخفيف]
كالبلايا رؤوسها في الولايا ... مانحات السّموم حرّ الخدود
خروج الهامة:
زعموا أن الإنسان إذا قتل ولم يطلب بثأره، خرج من رأسه طائر يسمّى «الهامة» وصاح على قبره: «اسقوني!! اسقوني!! إلى أن يطلب بثأره. قال ذو الإصبع (2): [البسيط]
يا عمرو إلّا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حتى تقول الهامة: اسقوني
الحرقوص:
__________
(1) البيت في ديوان أبي زبيد الطائي ص 56، وصبح الأعشى 1/ 461، ولسان العرب (بلا)، ومقاييس اللغة 1/ 293، وأساس البلاغة (ولي)، وتاج العروس (بلى)، (ولي).
(2) البيت في ديوان ذي الأصبع العدواني ص 92، ولسان العرب (هوم)، وتهذيب اللغة 6/ 47، والمخصص 13/ 183، وتاج العروس (هميم)، وجمعرة اللغة ص 1100، والمعاني الكبير ص 977، والشعر والشعراء ص 712.(6/229)
دويّبة أكبر من البرغوث يزعمون أنه يدخل أحراح الأبكار فيفتضّهن وأنشدوا (1): [الرجز]
ما لقي البيض من الحرقوص
من مارد لصّ من اللّصوص
يدخل تحت الغلق المرصوص
بمهر لا غال ولا رخيص
عضّ الصّفر:
زعموا أن الإنسان إذا جاع عضّ على شرسوفه حيّة، تكون في البطن يقال لها «الصّفر». قال الشاعر (2): [البسيط]
لا يتأرّى لما في القدر يرقبه ... ولا يعضّ على شرسوفه الصّفر
تثنية الضربة:
يزعمون أن الجنّية تموت من أوّل ضربة، فإذا ثنّيت عاشت. قال تأبط شرا: [الوافر]
فقالت: عد، فقلت: رويدا ... إنّي على أمثالها ثبت الجنان
خيانة القين:
زعموا أن عمرو بن شأس كان غيورا، ينزل ربوة من الأرض منفردا عن الناس فطرق الجنّ ليلا فأوجس منهم خيفة، ثم تنحى عنهم ويسمع إلى ما قالوا، فقالوا: أما إن محلّه هذا على عين، وإن في إبله دويّبة وهي داء إبله، وأنّ أحد أولاده ليس له. فلما أصبح ثاب إليه عقله فحفر الموضع، فوجد العين ثم طلب الدّويّبة، فوجدها وقتلها ثم فكّر فقال: كيف لي بتعرّف خبر أولادي؟ فبينا هم
__________
(1) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (حرقص)، وتهذيب اللغة 5/ 302، وتاج العروس (حرقص)، وجمهرة اللغة ص 1196، ومقاييس اللغة 4/ 48.
(2) البيت لأعشى باهلة في لسان العرب (صفر)، (أرى)، وتاج العروس (صفر)، (أرى)، وتهذيب اللغة 12/ 167، 15/ 313وديوان الأدب 1/ 212، وكتاب العين 7/ 113، وللحارث الباهلي في كتاب العين 8/ 303، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 740، 1094، ومقاييس اللغة 1/ 88.(6/230)
مع عمرو في الصيد حتى طردوا النّعام، وأصابه الصّيد، لجأوا إلى ظلّ شجرة فقال لأحدهم: لماذا تصلح هذه الشجرة؟ فقال: لقوم كرام طردوا الصيد نصف النهار ثم جاؤوا إليها. وقال للآخر مثله فقال: لأن تكسر فتبنى منها مظلّة، فقال: هما ابناي. ثم قال للثالث: لماذا تصلح هذه الشجرة؟ فقال: لأن تحرق فحما. فاتّهمه فتسمّى بنو أسد: القيون: وقال أوس ابن حجر (1): [الكامل]
بكرت أميّة غدوة برهين ... خانتك إن القين غير أمين
وقول آخر (2): [الوافر]
* وعهد الغانيات كعهد فين *
تعفير الزند:
إذا قدحوا أخذوا يعفرون رأس الزند، يقولون: إن ذلك يخرج ناره قال الطرماح (3): [الوافر]
وأخرج أمّه لسواس سلمى ... لمعفور الضّبا ضرم الجنين
حيض الضّبع:
يقولون: إن الضّبع تحيض، وإنها تنتاب جيف القتلى، فتركب كمرها، وتستعمله وقالوا في قول الشاعر معاني، أحدها: هذا (4): [المديد]
تضحك الضّبع لقتلي هذيل ... فترى الذّئب لها يستهلّ
خضاب النّحر:
__________
(1) البيت في لسان العرب (قين).
(2) عجزه: ونت عنه الجعائل مستذاق
والبيت لنهشل بن حري في ديوانه ص 117، ولسان العرب (ذوق)، وجمهرة الأمثال 1/ 23، ومجمع الأمثال 1/ 41، وتاج العروس (لمق)، ولجرير في أساس البلاغة (ذوق) وليس في ديوانه، وبلا نسبة في تهذيب اللغة 9/ 263.
(3) البيت في ديوان الطرماح ص 522، ولسان العرب (سوس)، وكتاب العين 7/ 336.
(4) البيت من قصيدة تنسب للشنفرى ولتأبط شرا، ولابن أخت تأبط شرا، ولخلف الأحمر. انظر ديوان الشنفرى ص 84، والبيت الشاهد للشنفرى في الأغاني 6/ 83، ولخلف الأحمر في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 2/ 837، وشرح ديوان الحماسة للتبريزي 2/ 164، ولتأبط شرا، في لسان العرب (ضحك)، وتاج العروس (ضحك)، ولابن أخت تأبط شرا في العقد الفريد 3/ 300.(6/231)
كانوا إذا أرسلوا الخيل على الصيد، فسبق واحد منها، خضبوا صدره بدم الصيد علامة له. قال (1): [الطويل]
كأنّ دماء الهاديات بنحره ... عصارة حنّاء بشيب مرجّل
نصب الراية:
كانت العواهر تنصب على أبواب بيوتها رايات لتعرف بها، ومن شتائمهم:
يابن ذات الراية!
دم الأشراف:
يقولون: إنه ينفع من عضّه الكلب، قال (2): [الوافر]
من البيض الوجوه بني نمير ... دماؤهم من الكلب الشّفاء
رمي البعرة:
كانت المرأة إذا أخذت على زوجها سنة، وكان رأس الحول رمت ببعرة.
ومعناه: أن هذا هيّن ومنه المثل السائر: أهون من لقعة ببعرة.
ضمان أبي الجعد:
وهو الذئب قال الراجز: [الرجز]
أخشى أبا الجعد وأم العمرو
يعني الذئب والضبع، وضمانه أن العرب تقول: إن الضّبع إذا هلكت وكانت له جراء تكفّل الذئب بقوتها. قال الكميت (3): [الطويل]
__________
(1) البيت لامرىء القيس في ديوانه ص 23، ولسان العرب (هدي)، وتاج العروس (رجل)، (هدي)، ومقاييس اللغة 4/ 82، وبلا نسبة في تهذيب اللغة 15/ 233.
(2) يروى البيت بلفظ:
بناة مكارم وأساة كلم ... دماؤهم من الكلب الشفاء
والبيت للقاسم بن حنبل المري في معجم الشعراء ص 333، وذهب محقق شرح ديوان الحماسة للمرزوقي إلى أنه لأبي الطمحان القيني. انظر شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 1659، الحاشية، والبيت بلا نسبة في جمهرة اللغة ص 377، وأساس البلاغة (بني)، والحيوان 2/ 5، والمعاني الكبير ص 243.
(3) البيت للكميت في ديوانه 2/ 80، ولسان العرب (وجر)، (جهز)، (عول)، (حضن)، والتنبيه(6/232)
وكما خامرت في حصنها أم عامر ... لذي الحبل حتى عال أوس عيالها
معالجة الضبع:
كان الرجل يأتي وجارها ومعه حبل فيدخله ويقول: خامري أمّ عامر ابشري بشاء هزلى، وجراد وعظلى.
فتسكن حتى يقيّدها فإن رأت الضوء قيل تقييدها، وثبت على الصائد فقتلته.
رعية الجأب:
وهو الحمار الوحشي يقولون: إنه يعلو نشزا من الأرض مع أتنه، مال على الشمس حتى تغيب ثم شرد يفعل ذلك خشية القانص قال (1): [المتقارب]
وظلّت صوافن خزر العيون ... إلى الشمس من رهبة أن تغيبا
شرب العير:
يزعمون أن الحمار إذا ورد الماء بالأتن تقدمها، فخاض الماء من خوف الرماه، ثم رشف الماء رشفا خفيفا، فإذا أمن أعلى الجرع، فجثن إليه إذا سمعن جرعه. قال الشاعر: [الطويل]
فلما رماها بالنجار وأشرفت ... على راكد كالهدم سكّانه الرأل
ثناها بهمس الرشف حتى قاربت ... وأعلى جرعا، فاستجابت على مهل
قطع المشافر:
كانوا إذا سلكوا مفازة جدباء أعطشوا الإبل ثم سقوها ريها، وقطعوا مشافرها طولا فلا يمكنها أن ترعى، فيبقى الماء في أجوافها، فإذا أعوزهم الماء، شقّوا الكرش بالسيف وشربوا الماء استقاء السيف يعني به. هذا هو القطع. قال الشاعر: [الطويل]
__________
والإيضاح 2/ 240، وتهذيب اللغة 3/ 196، 6/ 35، وتاج العروس (جهز)، (عول)، (حضن)، والحيوان 1/ 98، 6/ 398، والمعاني الكبير ص 212، والمستقصي 1/ 77.
(1) يروى: «أن تغيما» بدل «أن تغيبا»، والبيت لربيعة بن مقروم الضبي في لسان العرب (غيم)، وشرح اختيارات المفضل ص 836، وتاج العروس (غيم)، وبلا نسبة في كتاب العين 4/ 455.(6/233)
ودوّيّة بها يخشى الرّدى ... وليس بها إلا اليمانيّ مخلّف
المخلّف: المسقى أي لا يستقي فيها إلا السيف.
التسويد:
كانوا يجعلون الدم في المصير ويلقونه على النار ثم يأكلونه.
التصفيق:
كانوا إذا ضلّ منهم الرجل في الفلاة، قلب ثيابه، وحبس ناقته، وصاح في أذنيها كأنه يومىء إلى إنسان، وصفّق بيديه قائلا: الوحا الوحا، النّجا النّجا، هيكل السّاعة السّاعة، إليّ، إليّ عجّل، ثم يحرّك الناقة فتهتدي. قال (1): [الطويل]
وأذن بالتّصفيق من ساء ظنّه ... فلم يدر من أيّ اليدين جوابها
يعني: يسوء ظنّه بنفسه إذا ضل.
ضرب الأصم:
يزعمون أن الأصمّ يتشدّد في الضرب لأنه لا يسمع شيئا فيظن أنه قد قصر. قال الشاعر (2): [المتقارب]
فأوصيكما بطعان الكماة ... فقد تعلمان بأن لا خلودا
وضرب الجماجم ضرب الأصمّ ... حنكل شاته تجني هبيدا
جزّ النواصي:
كانوا إذا أسروا رجلا ومنّوا عليه وأطلقوه، جزّوا ناصيته، ووضعوها في الكنانة.
قال الحطيئة (3): [البسيط]
__________
(1) البيت بلا نسبة في صبح الأعشى 1/ 462.
(2) البيتان بلا نسبة في لسان العرب (شوب)، (صمم)، وتهذيب اللغة 6/ 219، 12/ 127، وتاج العروس (شوب).
(3) البيت في ديوان الحطيئة ص 109، ولسان العرب (نكس)، وتهذيب اللغة 10/ 73، وتاج العروس (نكس)، وأساس البلاغة (نكس).(6/234)
قد ناضلوك فسلّوا من كنانتهم ... مجدا تليدا ونبلا غير أنكاس
وقالوا: يعني بالنّبل: الرجال.
وقالت خنساء (1): [المتقارب]
جززنا نواصي فرسانهم ... وكانوا يظنّون ألا تجزّا
الالتفات:
زعموا أنّ من خرج في سفر فالتفت وراءه، تطيّروا له من ذلك سوى العاشق، فإنهم كانوا يتفاءلون إلى ذلك، ليرجع إلى من خلّف.
البحيرة:
كان أهل الوبر يقطعون لآلهتهم من أموالهم من اللحم، وأهل المدر يقطعون لها من الحرث، فكانت الناقة إذا أنجبت خمسة أبطن عمدوا إلى الخامس ما لم يكن ذكرا فشقّوا أذنها، وتركوها فتلك البحيرة، فربما اجتمع منها هجمة من البحر فلا يجزّ لها وبر ولا يذكر عليها إن ركبت اسم الله، ولا يحمل عليها شيء، وكانت ألبانها للرجال دون النساء.
السائبة:
كان يسيّب الرجل الشيء من ماله، إما بهيمة، وإما إنسانا فيكون حراما أبدا، منافعها للرجال دون النساء.
الوصيلة:
كانت الشاة إذا وضعت سبعة أبطن عمدوا إلى السابع، فإن كان ذكرا ذبح، وإن كانت أنثى تركت في الشاء، فإن كان ذكرا وأنثى قيل: وصلت أخاها فحرّما جميعا. فكانت منافعها، وابن الأنثى منها للرجال دون النساء.
الحامي:
كان الفحل إذا أدرك أولاد أولاد أولاده، فصار ولده جدّا، قالوا «حمي
__________
(1) البيت في ديوان الخنساء ص 274.(6/235)
ظهره، اتركوه» فلا يحمل عليه، ولا يركب ولا يمنع من ماء ولا مرعى، فإذا ماتت هذه التي جعلوا لآلهتهم، اشترك في أكلها الرجال والنساء وذلك قول الله عز وجل: {وَقََالُوا مََا فِي بُطُونِ هََذِهِ الْأَنْعََامِ خََالِصَةٌ لِذُكُورِنََا وَمُحَرَّمٌ عَلى ََ أَزْوََاجِنََا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكََاءُ} [الأنعام 139].
وأما أهل المدر والحرث كانوا إذا حرثوا حرثا، وغرسوا غرسا، خطّوا في وسطه خطّا، فقسموه بين اثنين، فقالوا: ما دون هذا الخط لآلهتهم، وما وراءه لله، فإن سقط مما جعلوا لآلهتهم أقرّوه، وإذا أرسلوا الماء في الذي لآلهتهم فانفتح في الذي سمّوه لله سدّوه، وإن انفتح من ذاك في هذا قالوا: اتركوه فإنه فقير إليه. فأنزل الله عز وجل: {وَجَعَلُوا لِلََّهِ مِمََّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعََامِ نَصِيباً فَقََالُوا هََذََا لِلََّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهََذََا لِشُرَكََائِنََا فَمََا كََانَ لِشُرَكََائِهِمْ فَلََا يَصِلُ إِلَى اللََّهِ وَمََا كََانَ لِلََّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى ََ شُرَكََائِهِمْ سََاءَ مََا يَحْكُمُونَ} (136) [الأنعام: 136].
الأزلام:
كانوا إذا كانت مداراة أو نكاح أو أمر يريدونه، فلا يدرون ما الأمر فيه، ولم يصح لهم، أخذوا قداحا لهم فيها «افعل» ولا تفعل، ونعم، لا، خير، شر، بطيء، سريع» أما المداراة فإن قداحها كانت بيضا ليس فيها شيء، كانوا يجيلونها، فمن خرج سهمه فالحقّ له، وللحضر والسّفر سهمان فيأتون السادن من سدنة الأوثان فيقول السّادن: اللهم أيهما كان خيرا فأخرجه لفلان: فيرضى بما خرج له. وإذا شكّوا في نسب الرجل أجالوا له القداح وفيها: صريح وملصق، فإن خرج الصريح ألحقوه بهم ولو كان دعيّا، وإن خرج الملصق نفوه، وإن كان صريحا. فهذه قداح الاستقسام.
الميسر:
أما الميسر فإن القوم كانوا يجتمعون فيشترون الجزور بينهم، فيفصلونها على عشرة أجزاء ثم يؤتى بالحرضة وهو رجل يتألّه عندهم، لم يأكل لحما قط بثمن فيؤتى بالقداح وهي أحد عشر قدحا، سبعة منها لها حظّ إن فازت وعلى
أهلها غرم إن خابت بقدر ما لها من الحظ عند الفوز، وأربعة تثقل بها القداح، لا حظّ لها إن فازت، ولا غرم عليها إن خابت، فأما التي لها الحظ:(6/236)
أما الميسر فإن القوم كانوا يجتمعون فيشترون الجزور بينهم، فيفصلونها على عشرة أجزاء ثم يؤتى بالحرضة وهو رجل يتألّه عندهم، لم يأكل لحما قط بثمن فيؤتى بالقداح وهي أحد عشر قدحا، سبعة منها لها حظّ إن فازت وعلى
أهلها غرم إن خابت بقدر ما لها من الحظ عند الفوز، وأربعة تثقل بها القداح، لا حظّ لها إن فازت، ولا غرم عليها إن خابت، فأما التي لها الحظ:
فأوّلها: الفذّ، في صدره حزّوا أحد، فإن خرج أخذ نصيبا، وإن خاب غرم صاحبه ثمن نصيب.
ثم التّوأم له نصيبان إن فاز، وعليه ثمن نصيبين إن خاب.
ثم الضّريب وله ثلاثة أنصباء.
ثم الحلس ولها أربعة.
ثم النّافس وله خمسة.
ثم المسبل وله ستة.
ثم المعلّى وله سبعة.
وأسماء الأربعة التي تثقل بها القداح: السّفيح والمنيح والمضعّف والمصدّر. فيؤتى بالقداح كلّها، وقد عرف كلّ رجل ما اختار من السبعة، ولا تكون الأيسار إلا سبعة، لا يكونون أكثر من ذلك، فإن نقصوا رجلا أو رجلين فأحب الباقون أن يأخذوا ما فضل من القداح فيأخذ الرجل القدح أو القدحين فيأخذ فوزهما إن فازا، أو يغرم عنهما إن خابا ويدعى ذلك «التتميم» قال النابغة (1): [البسيط]
إنّي أتمّم أيساري وأمنحهم ... مثنى الأيادي، وأكسوا الجفنة الأدما
فيعمد إلى القداح، فتشد مجموعة في قطعة جلد تسمى «الرّبابة»، ثم يعمد إلى «الحرضة» فيلف على يده اليمنى صنفة ثوب لئلا يجد مس قدح له في صاحبه هوى، فيحابيه في إخراجه، ثم يؤتى بثوب أبيض يدعى «المجول» فيبسط بين يدي الحرضة، ثم يقوم على رأسه رجل يدعى «الرقيب» ويدفع ربابة القداح إلى الحرضة وهو محوّل الوجه عنها، فيأخذها بيمينه، ويدخل شماله من تحت
__________
(1) البيت في ديوان النابغة الذبياني ص 63، ولسان العرب (تمم)، (ثنى)، وتهذيب اللغة 14/ 263، ومقاييس اللغة 1/ 34، وتاج العروس (ثنى).(6/237)
الثّوب، فينكز القداح بشماله، فإذا نهد منها قدح تناوله فدفعه إلى الرّقيب، فإن كان مما لا حظّ له ردّ إلى الرّبابة، فإن خرج المعلّى أخذ صاحبه سبعة أنصباء، فإن خرج بعده المسبل أخذ الثلاثة الباقية، وغرم الذين خابوا ثلاثة أنصباء من جزور أخرى. على هذه الحال يفعل بمن فاز وبمن خاب. فربما نحروا عدة جزر، ولا يغرم الذين فازوا من ثمن الجزور شيئا، وإنما الغرم على الذين خابوا، ولا يحل للخائبين أن يأكلوا من ذلك اللحم شيئا، فإن فاز قدح الرجل فأرادوا أن يعيدوا قدحه ثانية على خطار ما فعلوا ذلك به.
نكاح المقت:
كان الرجل إذا مات، قام أكبر ولده فألقى ثوبه على امرأة أبيه، فورث نكاحها فإن لم يكن له فيها حاجة، يزوّجها بعض إخوته بمهر جديد، فكانوا يرثون نكاح النساء كما يرثون المال، فأنزل الله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسََاءَ كَرْهاً وَلََا تَعْضُلُوهُنَّ} [النساء: 19].
الاستئسار:
وكان الرجل يحمل في الحرب على الرجل بالطّرف الذي فيه الزّجّ، فيقول: استأسر! فإن لم يفعل قلب له السّنان.
قال زهير (1): [الطويل]
ومن يعص أطراف الزّجاج فإنه ... يطيع العوالي ركّبت كلّ لهذم
الذئاب:
ويزعمون أنه إذا ظهر بأحد الذئاب دم، مال عليه صاحبه فقتله.
قال ابن الطّثريّة (2): [الطويل]
فتى ليس لابن العمّ كالذئاب إن رأى ... بصاحبه يوما دما فهو آكله
__________
(1) البيت في ديوان زهير بن أبي سلمى ص 31، ولسان العرب (زجج)، وتاج العروس (زجج).
(2) البيت للفرزدق في لسان العرب (حول)، وليس في ديوانه، ولزينب الطثرية في الأغاني 8/ 185، وأمالي القالي 2/ 82، وللعجير السلولي في أمالي القالي 1/ 271.(6/238)
نباح الكلاب:
ويقولون: إن الكلاب إذا نبحت السماء، دلّ ذلك على الخصب.
قال (1): [الطويل]
ومالي لا أغزو وللدهر كرّة ... وقد نبحت نحو السماء كلابها
نقب لحي الكلب:
وكانوا ينقبون لحي الكلب في السنة الصعبة، لئلا يسمع الأضياف نباحه.
خرزة السّلوان.
ويزعمون أن للسّلوان خرزة إذا حكّها العاشق بماء، وشرب ما يخرج منها، سلا وصبر.
قال ذو الرّمّة (2): [الرجز]
لا أشرب السّلوان ما سليت
ما بي غنى عنك وإن غنيت
نيران العرب (3)
نار الاستسقاء:
منها النار التي كانوا يستعملونها في الجاهلية الجهلاء، وهي الجاهلية الأولى فإنهم كانوا إذا تتابعت عليهم الأزمات، وركد عليهم البلاء واشتدّ الجدب، واحتاجوا إلى الاستمطار واجتمعوا وجمعوا ما قدروا عليه من البقر، ثم عقدوا في أذنابها وبين عراقيبها السّلع والعشر ثم صعدوا بها في جبل وعر
__________
(1) البيت بلا نسبة في كتاب الحيوان 2/ 291 (طبعة دار الكتب العلمية).
(2) الرجز لرؤبة في ديوانه ص 2625، ولسان العرب (سلا)، وتهذيب اللغة 13/ 68، وتاج العروس (سلا)، والمخصص 15/ 60، وللعجاج في ديوانه 2/ 186185، وبلا نسبة في كتاب العين 7/ 297، وجمهرة اللغة ص 860، ومقاييس اللغة 3/ 92، ومجمل اللغة 3/ 82، وديوان الأدب 4/ 67، 95، والمخصص 13/ 141.
(3) انظر صبح الأعشى 1/ 467466.(6/239)
وأشعلوا فيها النار، وضجّوا بالدعاء والتضرّع، فكانوا يرون أن ذلك من أسباب السّقيا.
وأنشد الورل الطّائيّ (1): [البسيط]
لا درّ درّ رجال خاب سعيهم ... يستمطرون لدى الأزمات بالعشر
أجاعل أنت بيقورا مسلّعة ... ذريعة لك بين الله والمطر
ونار أخرى وهي التي توقد عند ذلك، ويدعون الله الحرمان والمنع من منافعها، على الذي ينقض العهد ويخيس بالعهد، ويقولون في الحلف: الدّم، الدم، والهدم، الهدم يحرّكون الدال في هذا الموضع لا تزيده الشمس إلا شرّا، وطول الليالي إلا ضرّا، ما بل البحر صوفه، وما أقامت رضوى في مكانها إن كان جبلهم رضوى، وكل قوم يذكرون المشهور من جبالهم وربّما دنوا منها حتى تكاد تحرقهم، يهوّلون على من يخافون الغدر من جهته بحقوقها ومنافعها ومرافقها بالتّخويف من حرمان منفعتها. قال الكميت (2): [الطويل]
هم خوّفوني بالعمى هوّة الرّدى ... كما شبّ نار الحالفين المهوّل
وقال أوس بن حجر (3): [الطويل]
إذا استقبلته الشمس صدّ بوجهه ... كما صدّ عن نار المهوّل حالف
ولقد تحالفت قبائل من قبائل مرّة بن عوف، فتحالفوا عند نار دنوا منها وعشوا بها وهوّلوا بها حتى محشتهم النار، فسمّوا «المحاش»، وكان سيّدهم والمطاع فيهم أبو ضمرة بن سنان بن أبي حارثة ولذلك يقول النابغة (4): [الكامل]
__________
(1) البيتان للورل الطائي في لسان العرب (بقر)، (سلع)، والتنبيه والإيضاح 2/ 87، وتاج العروس (بقر)، (سلع)، وبلا نسبة في تهذيب اللغة 2/ 99، ومجمل اللغة 1/ 282، وديوان الأدب 2/ 61.
(2) البيت في ديوان الكميت ص 49، ونهاية الأرب 1/ 111، والمعاني الكبير ص 434.
(3) البيت في ديوان أوس بن حجر ص 69، ولسان العرب (هول)، وأساس البلاغة (هول)، ومقاييس اللغة 1/ 294، ومجمل اللغة 4/ 457، وتاج العروس (هول)، والمعاني الكبير ص 434، والأزمنة والأمكنة 2/ 357.
(4) البيت في ديوان النابغة الذبياني ص 102، ولسان العرب (حوش)، (محش)، (حشا)، وتهذيب اللغة 4/ 196، وكتاب العين 3/ 261، ومقاييس اللغة 2/ 65، ومجمل اللغة 2/ 68، وتاج العروس (حوش)، (محش)، (حشا).(6/240)
جمّع محاشك يا يزيد فإنّني ... جمّعت يربوعا لكم وتميما
وربما تحالفوا وتعاقدوا على الملح. والملح شيئان: أحدهما الدّقة، والآخر اللبن. وأنشد لأبي الطّمحان (1): [الطويل]
وإنّي لأرجو ملحها في بطونكم ... وما بسطت من جلد أشعث أغبرا
وذلك أنه جاورهم فكان يسقيهم اللّبن فقال: أرجو أن تسرعوا في ردّ إبلي على ما شربتم من ألبانها. وقوله: «وما بسطت من جلد أشعث أغبرا»، كأنه يقول: كنتم مهازيل، والمهزول يتقشّف جلده، وينقبض، فسمنتهم، فبسط ذلك من جلودكم.
نار الطّرد:
نار أخرى: وهي التي كانوا ربما أوقدوها خلف المسافر، وخلف الزائر، الذي لا يحبّون رجوعه، يقولون في الدعاء: أبعده الله وأسحقه وأوقدوا نارا على إثره، وأنشدوا (2): [الطويل]
وجمّة أقوام حملت ولم أكن ... كموقد نار إثرهم للتّندّم
والجمّة: هي الجماعة يمشون في الدّم وفي الصّلح، يقول: لم تندم على ما أعطيت من الحمالة عند كلام الجماعة، فتوقد خلفهم نارا لئلا يعودوا ومن ذلك قول الشاعر (3): [المتقارب]
صحوت وأوقدت للجهل نارا ... وردّ عليك الصّبا ما استعارا
يقول: إنّي أردت ألا يراجعك الجهل فأوقدت خلفه نارا.
نار أخرى:
وهي: كانوا إذا أرادوا حربا، فتوقعوا جيشا عظيما، وأرادوا الاجتماع،
__________
(1) البيت لأبي الطمحان القيني في لسان العرب (ملح)، والتنبيه والإيضاح 1/ 272، وأساس البلاغة (ملح)، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 569، والمخصص 1/ 26.
(2) البيت بلا نسبة في لسان العرب (نور)، وتهذيب اللغة 15/ 232.
(3) البيت بلا نسبة في لسان العرب (وقد)، وتهذيب اللغة 9/ 250، وتاج العروس (وقد).(6/241)
أوقدوا ليلا نارا على جبلهم، ليبلغ الخبر أصحابهم قال عمرو بن كلثوم (1):
[الوافر]
ونحن غداة أوقد في خزازي ... رفدنا فوق رفد الرّافدينا
وربما جدّوا في جمع عشائرهم فأوقدوا نارين، وذلك قول الفرزدق (2):
[الكامل]
ضربوا الصّنائع والملوك وأوقدوا ... نارين، أشرفتا على النّيران
وربما أوقدوا نارا واحدة، وربما أوقدوا نارا عدة، فأما النار الواحدة فقد توقد للقريب، ويستدل بها بالليل من يلتمس ذلك من باغ، وزائر وجائع، فإن كان الرجل قادرا مطعاما، أوقد الليل كلّه، وأكثر ذلك في ليالي الشتاء، وربما صنعوا ذلك عند توقع الجيوش العظام، واستجماع قبائلهم، قال ابن ميادة (3): [الطويل]
وناراه نار كلّ مدفّع ... وأخرى يصيب المجرمين سعيرها
ونار أخرى وتسمى يلمع، وهو حجر يلمع، ويبصر من بعيد، فإذا دنوت منه لم تر شيئا، قال متمّم (4): [الطويل]
وقيسا وجزءا بالمشقّر ألمعا
ونار أخرى وهي التي توقد للسليم إذا سهد، كما قال النابغة (5): [الطويل]
__________
(1) البيت في ديوان عمرو بن كلثوم ص 82، ولسان العرب (خزر)، (خزز)، وتاج العروس (خزر)، (خزز)، والبيان والتبيين 3/ 22، وجمهرة أشعار العرب 1/ 407، والحيوان 4/ 476، وشرح القصائد السبع ص 409، وشرح القصائد العشر ص 352، وشرح المعلقات السبع ص 182، وشرح المعلقات العشر ص 94.
(2) البيت في شرح ديوان الفرزدق ص 883.
(3) البيت في ديوان ابن ميادة ص 54.
(4) يروى البيت بتمامه:
وغيرني ما غال قيسا ومالكا ... وعمرا وجونا بالمشقّر ألمعا
والبيت لمتمم بن نويرة في ديوانه ص 114، ولسان العرب (لمع)، (لوم)، وتاج العروس (لمع)، وشرح اختيارات المفضل ص 1184، وجمهرة أشعار العرب ص 755.
(5) يروى: «قعاقع» بدل: «فقاقع»، والبيت في ديوان النابغة الذبياني ص 33، ولسان العرب (سهد) (قعع)، وكتاب العين 1/ 64، وتهذيب اللغة 6/ 115، وتاج العروس (سهد)، (قعع).(6/242)
يسهّد من الليل التمام سليمها ... ولحلي النساء في يديه فقاقع
وتلك النار توقد للمجروح والمضروب إذا خافوا عليه الكزاز (1) من نزف الدم، وهم يكرهون له النوم في تلك الحال، والشّطار لا يدعون المضروب على ظهره بالسّياط أن ينام يرون أن حتفه فيه، ويحمون النوم صاحب عضة الكلب، وفي نار المجروح يقول الأعشى (2): [الطويل]
بدامية يغشى الفراش رشاشها ... يبيت لها ضوء من النار جاحم
ونار أخرى وذلك أن الملوك إذا سبوا القبيلة بأسرها وخرجت إليهم السادات في الفداء أو الاستيهاب، فيكرهون أن يعرضوا النساء نهارا فيفتضحن فيعرضهن ليلا في الظلمة دون النار والضوء، فيخفى عليه قدر ما يجيس لنفسه من الصفي، وقدر ما تجود به نفسه من أخذ فداء أو امتنان على الوفد فتوقد.
لذلك قال الشاعر (3): [الطويل]
نساء بني شيبان يوم أوارة ... على النار إذ تجلى له فتيانها
ونار أخرى، وهي نار الوسم والميسم:
يقال للرجل: ما نارك؟ فيقول: خباط (4) أو علاط أو حلقة أو كذا أو كذا وعرض بعض اللصوص إبلا قد أغار عليها وسلبها من كل جانب، وجمعها من قبائل شتّى، ففرّ بها إلى بعض الأسواق، فقال له بعض التجار. ما نارك؟ وإنما يسألون عن ذلك لأنهم يعرفون ميسم كل قوم وكرم إبلهم من لؤمها به فقال (5): [الوافر]
يسألني الباعة ما نجارها ... إذا زعزعوها قسمت أبصارها
وكل دار لأناس دارها ... وكلّ نار العالمين نارها
نار الزحفتين:
__________
(1) الكزاز: داء يصيب الإنسان نتيجة النزف الشديد للدم.
(2) البيت في ديوان الأعشى ص 9.
(3) البيت في أيام العرب في الجاهلية ص 99، بلفظ: «سبايا بني شيبان».
(4) الخباط: سمة طويلة عرضا تكون في فخذ البعير، والعلاط: سمة ربما تكون خطا أو خطين تكون في عرض عنق البعير، والحلقة: سمة على شكل الحلقة تكون في فخذ البعير أو أصل أذنه.
(5) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (نجر).(6/243)
هي نار أبي سريع، وهو العرفج، لأن العرفج إذا التهبت فيه النار أسرعت وعظمت وشاعت واستفاضت أسرع من كل شيء، فمن كان يقربها يزحف عنها ثم لا تلبث أن تنطفىء من ساعتها، في مثل تلك السرعة فيحتاج الذي زحف عنها، إلى أن يزحف إليها من ساعته، فلا تزال ولا يزال المصطلي بها كذلك، فمن أجل ذلك قيل لها نار الزحفتين.
ونار أخرى: وهي التي يذكر العرب أن الغيلان توقدها بالليل للعبث والتخييل وإضلال السابلة.
ونار أخرى: وهي مذكورة على الحقيقة لا على المثل، وهي من أعظم مفاخر العرب وهي النار التي ترفع للسفر ولم يلتمس القرى، فكلما كانت أضخم وموضعها أرفع، كانت أفخر، قال الشاعر (1): [الوافر]
له نار تشبّ بكلّ واد ... إذا النيران ألبست القناعا
نار الإياب:
ونار أخرى: وهي التي توقد للقادم من سفر سالما غانما، قال (2): [الرمل]
يات لبينى أوقدي النارا ... إنّ من تهوين قد حارا
حار: رجع. قال الله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلى ََ} [الانشقاق: 14 15] أي لن يرجع.
نار العار:
ونار أخرى: كانت العرب إذا غدر الرجل بجار، أوقد له نارا بمنى أيام الحج على الأخشب، وهو الجبل المطل على منى ثم صاحوا: هذه غدرة فلان
__________
(1) يروى عجز البيت بلفظ:
إذا الظلماء جللت البقاعا
والبيت لأبي زياد الأعرابي في الحماسة المغربية ص 297، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 1592، وشرح ديوان الحماسة للتبريزي 4/ 71، ومعاهد التنصيص 2/ 59، وبلا نسبة في الحيوان 5/ 75.
(2) البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص 100.(6/244)
فيدعو عليه الناس. قالت امرأة من بني هاشم: [الوافر]
فإن تهلك فلم تعرف عقوقا ... ولم توقد لنا بالغدر نارا
وقال بعض الحكماء: النيران أربعة: نار تأكل وتشرب، وهي نار المعدة، ونار لا تأكل ولا تشرب وهي نار الحجر، ونار تشرب ولا تأكل وهي نار البرق، ونار تأكل ولا تشرب وهي نار الحطب.
ويقال أيضا: النيران أربعة: فنار تشرب ولا تأكل، ونار تأكل ولا تشرب، ونار تأكل وتشرب، ونار لا تأكل ولا تشرب فأما النار التي تشرب ولا تأكل فهي النار التي هي من الشجر، والنار التي تأكل ولا تشرب فناركم هذه، والنار التي لا تأكل ولا تشرب فالنار التي في الحجر، والنار التي تأكل وتشرب فنار جهنم.(6/245)
ويقال أيضا: النيران أربعة: فنار تشرب ولا تأكل، ونار تأكل ولا تشرب، ونار تأكل وتشرب، ونار لا تأكل ولا تشرب فأما النار التي تشرب ولا تأكل فهي النار التي هي من الشجر، والنار التي تأكل ولا تشرب فناركم هذه، والنار التي لا تأكل ولا تشرب فالنار التي في الحجر، والنار التي تأكل وتشرب فنار جهنم.
الباب الثامن وصايا العرب
أخبرنا الصاحب إسماعيل بن القاسم عن الأبجي عن محمد بن الحسن عن أبي نصر، عن الأصمعي قال: سمعت أعرابيا يقول لبنيه وهو يوصيهم:
اتّقوا الظهيرة الغرّاء، والفلاة الغبراء، وردوا الماء بالماء.
أوصى الحارث بن كعب بنيه فقال: يا بنيّ، قد أتت عليّ مائة وستون سنة ما صافحت يميني يمين غادر، ولا قنعت نفسي بخلّة فاجر، ولا صبوت بابنة عمّ ولا كنّة، ولا بحت لصديق عليّ بسرّ.
ولا طرحت عندي مؤسسة قناعها، ولا بقي على دين عيسى ابن مريم أحد من العرب غيري، وغير تميم بن مرّة، وأسد بن خزيمة، فموتوا على شريعتي، واحفظوا وصيّتي، إلهكم فاتّقوه، يكفكم المهم من أموركم، ويصلح لكم حالكم، وإيّاكم والمعصية، يحل بكم الدّمار ويوحش منكم الديار، وكونوا جميعا، ولا تفرقوا، فتكونوا شيعا بزّوا قبل أن تبزّوا، فموت في عزّ، خير من حياة في ذل وعجز، فكل ما هو كائن كائن، وكلّ جمع إلى تباين، والدهر صرفان: صرف بلاء وصرف رخاء، واليوم يومان: يوم حبرة ويوم عبرة، والناس رجلان: رجل معك، ورجل عليك. زوّجوا النساء من الأكفاء وإلا فانتظروا بهن القضاء، وليكن طيبهن الماء، وإياكم والورهاء فإنها أدوأ الداء.
يا بني: قد أكلت مع أقوام، وشربت مع أقوام، فذهبوا وغبرت وكأني بهم قد لحقت. ثم أنشأ يقول: [المتقارب]
أكلت شبابي وأفنيته ... وأمضيت بعد دهور دهورا
في أبيات أخر.
قال أبو عمرو بن العلاء: أنكح ضرار بن عمرو الضّبيّ ابنته من معبد بن زرارة، فلما أخرجها إليه قال: يا بنيّة أمسكي عليك الفضلين: فضل الغلمة، وفضل الكلام، ضرار هو الذي رفع عنزته بعكاظ وقال: «ألا إن شرّ حائل أمّ، فزوّجوا أمهات»، وذلك أنه صرع بين القنا، فأشبل عليه إخوته لأمّه حتى أنقذوه.(6/246)
أكلت شبابي وأفنيته ... وأمضيت بعد دهور دهورا
في أبيات أخر.
قال أبو عمرو بن العلاء: أنكح ضرار بن عمرو الضّبيّ ابنته من معبد بن زرارة، فلما أخرجها إليه قال: يا بنيّة أمسكي عليك الفضلين: فضل الغلمة، وفضل الكلام، ضرار هو الذي رفع عنزته بعكاظ وقال: «ألا إن شرّ حائل أمّ، فزوّجوا أمهات»، وذلك أنه صرع بين القنا، فأشبل عليه إخوته لأمّه حتى أنقذوه.
لما حضرت قيس بن عاصم الوفاة، دعا بنيه فقال: يا بنيّ احفظوا عني، فلا أحد أنصح لكم منّي. إذا متّ، فسوّدوا كباركم ولا تسوّدوا صغاركم، فيسفّه الناس كباركم وتهونوا عليهم، وعليكم باستصلاح المال، فإنه منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس فإنها آخر كسب المرء.
لما أقام ابن قميئة بين العقابين. قال له أبوه: أطرّ رجليك، وأصرّ إصرار الفرس، واذكر أحاديث غد، وإياك وذكر الله في هذا الموضع فإنه من الفشل.
أوصى أبو الأسود ابنه فقال: يا بني، إذا جلست في قوم فلا تتكلم بما هو فوقك فيمقتوك، ولا بما هو دونك فيزدروك، وإذا وسّع الله عليك فابسط يدك، وإذا أمسك عليك فأمسك ولا تجاود الله، فإنّ الله أجود منك.
قال بعضهم لبنيه: يا بنيّ لا تعادوا أحدا، وإن ظننتم أنّه يضركم، ولا تزهدوا في صداقة أحد، وإن ظننتم أنه لا ينفعكم، فإنكم لا تدرون متى تخافون عداوة العدو، ولا متى ترجون صداقة الصديق، ولا يعتذر إليكم أحد إلا قبلتم عذره، وإن علمتم أنه كاذب، زجّوا الأمر زجّا.
وقال سعد العشيرة لبنيه عند موته: إيّاكم وما يدعو إلى الاعتذار، ودعوا قذف المحصنات، لتسلم لكم الأمهات، وإياكم والبغي، ودعوا المراء والخصام، تهبكم العشائر، وجودوا بالنّوال تنم لكم الأموال، وإياكم ونكاح الورهاء، فإنها أدوأ الداء، وابعدوا من جار السوء داركم، ودعوا الضغائن فإنها تدعو إلى التّقاطع.
وقال بعضهم: سمعت بدويّا يقول لابنه: يا بني: كن سبعا خالسا، أو ذئبا خانسا، أو كلبا حارسا، وإيّاك وأن تكون إنسانا ناقصا.
قال هانىء قبيصة بن مسعود الشيباني يوم ذي قار يحرض بني وائل:(6/247)
وقال بعضهم: سمعت بدويّا يقول لابنه: يا بني: كن سبعا خالسا، أو ذئبا خانسا، أو كلبا حارسا، وإيّاك وأن تكون إنسانا ناقصا.
قال هانىء قبيصة بن مسعود الشيباني يوم ذي قار يحرض بني وائل:
الحذر لا ينجي من القدر، والدّنيّة أغلظ من المنيّة، واستقبال الموت خير من استدباره، والطّعن في الثّغر، خير وأكرم منه في الدبر، يا بني: هالك معذور، خير من ناج فرور، قاتلوا، فما للمنايا من بدّ.
قال أكثم بن صيفي (1): يا بني تميم لا يفوتنّكم وعظي إن فاتكم الدهر بنفسي، إنّ بين حيزومي وصدري لبحرا من الكلم، لا أجد له مواقع غير أسماعكم، ولا مقارّ إلا قلوبكم فتلقوها بأسماع صاغية، وقلوب واعية، تحمدوا عواقبها:
إن الهوى يقظان، والعقل راقد، والشهوات مطلقة، والحزم معقول، والنفس مهملة، والروية مقيّدة، ومن يجهل التواني، ويترك الرّويّة يتلف الحزم.
ولن يعدم المشاور مرشدا، والمستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل، ومن سمع سمع به، ومصارع الألباب تحت ظلال الطمع، ولو اعتبرت مواقع المحن، ما وجدت إلا في مقاتل الكرام، وعلى الاعتبار طريق الرشاد، ومن سلك الجدد أمن العثار، ولن يعدم الحسود أن يتعب قلبه، ويشغل فكره، ويثير غيظه، ولا يجاوز ضره نفسه.
يا بني تميم: الصّبر على جرع الحلم، أعذب من جني ثمر الندم، ومن جعل عرضه دون ماله، استهدف الذم، وكلم اللسان أنكى من كلم الحسام، والكلمة مزمومة، ما لم تنجم من الفم، فإذا نجمت فهي سبع محرّب، أو نار تلهّب، ولكل خافية مختف، ورأي الناصح اللبيب دليل لا يجوز، ونفاذ الرأي في الحرب، أنفذ من الطعن والضرب.
استشار قوم أكثم بن صيفي في حرب أرادوها، وسألوا أن يوصيهم، فقال:
أقلّوا الخلاف على أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصّياح من الفشل، والمرء يعجز
__________
(1) هو أكثم بن صيفي بن رياح بن الحارث بن مخاشن بن معاوية التميمي، حكيم العرب في الجاهلية، أحد المعمرين، أدرك الإسلام ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه مات وهو في الطريق إلى المدينة، توفي سنة 9هـ (الأعلام 2/ 6، الإصابة 1/ 113).(6/248)
لا المحالة، فإن أحزم الفريقين الرّكين، وربّ عجلة تهب ريثا، واتّزروا للحرب وادّرعوا الليل، فإنه أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف.
وقال علقمة بن لبيد العطاردي لابنه: يا بني إذا نازعتك نفسك إلى صحبة الرجال، فاصحب من إذا صحبته زانك، وإن خدمته صانك، وإن عرتك به مؤونة أعانك، اصحب من إن قلت صدّق قولك، وإن ملت سدّد صولك، اصحب من إن مددت يدك بفضل مدّها، وإن بدت منك ثلمة، سدّها، وإن رأى منك حسنة عدّها. اصحب من إن سألته أعطاك، وإن سكتّ أغناك، اصحب من لا يأتيك من البوائق، ولا يختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق.
وقال بعضهم لابنه: كن يا بنيّ جوادا بالمال في موضع الحق، ضنينا بالأسرار عن جميع الخلق، فإن أحمد جود المرء، الإنفاق في وجه البر، والبخل بمكتوم السّر.
أوصى بعض الأنصار، ابنه فقال: يا بني، إني موصيك بوصيّة، إن لم تحفظها عنّي كنت خليقا ألا تحفظها عن غيري، يا بني اتق الله، وإن استطعت أن تكون اليوم خيرا منك من أمس، وغدا خيرا منك اليوم، فافعل، وإذا عثر عاثر من بني آدم فاحمد ألا تكونه، وإيّاك والطّمع، فإنه فقر حاضر، وعليك باليأس، فإنّك لن تيأس من شيء إلا أغناك الله عنه، وإيّاك ما يعتذر منه، فإنه لا يعتذر من خير أبدا، وإذا قمت إلى صلاتك فصلّ صلاة مودّع، وإنك ترى أنك لا تصلّي بعدها أبدا.
روي عن الكلبي قال: لما قتل قيس بن زهير أهل الهبات، خرج حتى لحق بالنمر بن قاسط، فقال: يا معشر النمر، أنا قيس بن زهير، حريب، طريد، شريد، موتور فانظروا لي امرأة قد أدّبها الغنى وأدّبها الفقر، قال: فزوّجوه امرأة منهم، فقال: إني لا أقيم فيكم حتى أخبركم بأخلاقي. إني فخور غيور، آنف، ولست أفخر حتى أبتلي، ولا أغار حتى أرى، ولا آنف حتى أظلم. فرضوا أخلاقه، فأقام فيهم حتى ولد له، ثم أراد التحوّل عنهم. فقال: يا معشر النمر:
إني أرى لكم عليّ حقّا بمصاهرتي إياكم، ومقامي بين أظهركم، وإني أوصيكم بخصال آمركم بها، وأنهاكم عن خصال، عليكم بالأناة فإنّ بها تدرك الحاجة،
وتنال الفرصة، وتسويد من لا تعابون بتسويده، والوفاء فإنّ به يعيش الناس، وإعطاء ما تريدون إعطاءه قبل المسألة، ومنع ما تريدون منعه قبل الإنعام وإجارة الجار على الدهر، وتنفيس البيوت عن منازل الأيامي، وخلط الضّيف بالعيال، وأنهاكم عن الرّهان فإني به ثكلت مالكا أخي، وعن البغي فإنه صرح زهيرا أبي، وعن السّرف في الدماء، فإنّ قتلى أهل العبات أورثني العار. ولا تعطوا في الفضول فتعجزوا عن الحقوق، وأنكحوا الأيامى الأكفاء، فإن لم تصيبوا بهن الأكفاء فخير بيوتهنّ القبور. واعلموا أني أصبحت ظالما مظلوما، ظلمتني بنو بدر بقتلهم مالكا، وظلمتهم بقتلي من لا ذنب له. ثم رحل عنهم فلحق بعمان، فتنصّر بها، وأقام حتى مات. وقيل: إنه احتاج فكان يأكل الحنظل حتى قتله، لم يخبر أحدا بحاجته.(6/249)
إني أرى لكم عليّ حقّا بمصاهرتي إياكم، ومقامي بين أظهركم، وإني أوصيكم بخصال آمركم بها، وأنهاكم عن خصال، عليكم بالأناة فإنّ بها تدرك الحاجة،
وتنال الفرصة، وتسويد من لا تعابون بتسويده، والوفاء فإنّ به يعيش الناس، وإعطاء ما تريدون إعطاءه قبل المسألة، ومنع ما تريدون منعه قبل الإنعام وإجارة الجار على الدهر، وتنفيس البيوت عن منازل الأيامي، وخلط الضّيف بالعيال، وأنهاكم عن الرّهان فإني به ثكلت مالكا أخي، وعن البغي فإنه صرح زهيرا أبي، وعن السّرف في الدماء، فإنّ قتلى أهل العبات أورثني العار. ولا تعطوا في الفضول فتعجزوا عن الحقوق، وأنكحوا الأيامى الأكفاء، فإن لم تصيبوا بهن الأكفاء فخير بيوتهنّ القبور. واعلموا أني أصبحت ظالما مظلوما، ظلمتني بنو بدر بقتلهم مالكا، وظلمتهم بقتلي من لا ذنب له. ثم رحل عنهم فلحق بعمان، فتنصّر بها، وأقام حتى مات. وقيل: إنه احتاج فكان يأكل الحنظل حتى قتله، لم يخبر أحدا بحاجته.
بلغ أبا الأغر أنّ أصحابه بالبادية قد وقع بينهم شرّ، فأرسل ابنه الأغر فقال: يا بني كن يدا لأصحابك على من قاتلهم، وإيّاك والسيف فإنه ظل الموت، واتّق الرمح فإنه رشاء المنيّة، ولا تقرب السهام فإنها رسل لا تؤامر مرسلها، قال فبماذا أقاتل؟
قال: بما قال الشاعر (1): [الطويل]
جلاميد أملاء الأكفّ كأنها ... رؤوس رجال حلّقت في المواسم
وقال رجل من بني هلال لبنيه: يا بني اظهروا النسك فإن الناس إن رأوا من أحدكم بخلا قالوا: مقتصد لا يحب الإسراف وإن رأوا عيا قالوا: متوقّ يكره الكلام، وإن يروا جبنا قالوا: متحرّج يكره الإقدام على الشبهات.
وكانت العرب إذا أوفدت وافدا تقول له: إياك والهيبة فإنها خيبة، وعليك بالفرصة فإنها خلسة، ولا تبت عند ذنب الأمر، وبت عند رأسه.
أوصت أعرابية ابنتها عند إهدائها إلى زوجها، فقالت: اقلعي زجّ رمحه، فإن أقرّ فاقلعي سنانه، فإن أقر كسرى العظام بسيفه، فإن أقر فاقطعي اللحم على
__________
(1) البيت لامرأة من بني حنيفة في أساس البلاغة (ملأ)، ولنافع بن خليفة الغنوي في ذيل الأمالي ص 117، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 1/ 507، والكامل للمبرد ص 333.(6/250)
ترسه، فإن أقرّ فضعي الإكاف على ظهره، فإنما هو حمار.
وأوصت أخرى ابنتها وقد زوّجتها فقالت: لو تركت الوصية لأحد لحسن أدب أو لكرم حسب لتركتها لك. ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل. يا بنية:
إنك قد خلّفت العشّ الذي فيه درجت، والموضع الذي منه خرجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، كوني لزوجك أمة، يكن لك عبدا، واحفظي عني خصالا عشرا، تكن لك ذخرا وذكرا، أما الأولى والثانية: فحسن الصحابة بالقناعة، وجميل المعاشرة بالسمع والطاعة، ففي حسن الصحابة راحة القلب، وفي جميل المعاشرة رضا الرب. والثالثة والرابعة: التفقد لموضع عينه، والتعاهد لموضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا تجد أنفه منك خبث ريح، واعلمي أن الكحل أحسن الحسن المودود، وأن الماء أطيب الطّيب الموجود، والخامسة والسادسة. فالحفظ لماله، والإرعاء على حشمه وعياله، واعلمي أن أصل الاحتفاظ بالمال من حسن التقدير، والإرعاء على الحشم والعيال من حسن التدبير. والسابعة والثامنة: التعاهد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، فحرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة. والتاسع والعاشر: فلا تفشين له سرّا ولا تعصين له أمرا، فإنك إن أفشيت سرّه، لم تأمني غدره وإن عصيت أمره أوغرت صدره.
لما حضرت وكيعا الوفاة، دعا بنيه فقال: يا بني إنّ قوما سيأتونكم قد قرحوا جباههم وعرضوا لحاهم، يدّعون أن لهم على أبيكم دينا فلا تقضوهم، فإنّ أباكم قد حمل من الذّنوب ما إن غفرها الله لم تضره هذه، وإلا فهي مع ما تقدم.
لما حضرت سعد بن زيد مناة الوفاة جمع ولده، فقال: يا بنيّ أوصيكم بالناس شرّا، كلموهم نزرا، واظعنوهم شدرا، ولا تقبلوا لهم عذرا، اقصروا الأعنة، واشحذوا الأسنة، وكلوا القريب يرهبكم البعيد.
وأوصت امرأة ابنتها وقد أهدتها إلى زوجها، فقالت: كوني له فراشا يكن لك معاشا، وكوني له وطاء يكن لك غطاء، وإيّاك والاكتئاب إذا كان فرحا، والفرح إذا كان كئيبا، ولا يطلعنّ منك على قبيح، ولا يشمّن منك إلا الطيب
ريحا، ولا تفشين له سرا، فإنك إن أفشيت سرّه، سقطت من عينه، ولم تأمني غدره، وعليك بالدّهن والكحل فهما أطيب الطيب.(6/251)
وأوصت امرأة ابنتها وقد أهدتها إلى زوجها، فقالت: كوني له فراشا يكن لك معاشا، وكوني له وطاء يكن لك غطاء، وإيّاك والاكتئاب إذا كان فرحا، والفرح إذا كان كئيبا، ولا يطلعنّ منك على قبيح، ولا يشمّن منك إلا الطيب
ريحا، ولا تفشين له سرا، فإنك إن أفشيت سرّه، سقطت من عينه، ولم تأمني غدره، وعليك بالدّهن والكحل فهما أطيب الطيب.
وزوّج عامر بن الظرب ابنته من ابن أخيه، فلما أرادوا تحويلهما قال لأمها: مري ابنتك ألا تنزل مفازة إلا ومعها ماء فإنه للأعلى جلاء وللأسفل نقاء، ولا تكثر مضاجعته فإنه إذا ملّ البدن ملّ القلب، ولا تمنعه شهوته، فإن الحظوة الموافقة.
فلم تلبث إلا شهرا حتى جاءته مشجوجة، فقال لابن أخيه: يا بني، ارفع عصاك عن بكرتك تسكن فإن كانت نفرت من عير أن تنفر، فذاك الداء الذي ليس له دواء، وإن لم يكن بينكما وفاق ففراق الخلع أحسن من الطلاق، وإن لم تنزل أهلك ومالك، فردّ عليه صداقه، وخلعها منه فهو أول خلع كان في العرب.
قال أكثم بن صيفي: ألزموا النساء المهابة، وأكرموا الخيل، ونعم لهو الحرّة المغزل وحيلة من لا حيلة له، الصبر.
وقال أكثم بن صيفي لولده: يا بني تقاربوا في المودّة، ولا تتّكلوا على القرابة.
أوصى رجل من ربيعة ابنه، فقال: يا بني إذا حزّ بك أمر فحك ركبتك بركبة شيخ من قومك، وشاوره، فإني أردت التزويج فأتيت شيخا من قومي في بادية، فجلست إليه حتى خفّ من عنده، فقال: يا ابن أخي لك حاجة؟ فقلت:
نعم، أردت التزويج فأتيتك أشاورك، فقال: أقصيرة النسب أو طويلته؟ فما أخيرت ولا أردأت أي لم أقل خيرا ولا رديئا فقال: يا ابن أخي إني لأعرف في العين إذا لم تنكر ولم تعرف فأما العين إذا عرفت فإنما تتحاوص للمعرفة، وإذا أنكرت فإنها تجحظ للإنكار، وإذا لم تعرف ولم تنكر فإنها تسجو سجوا، يا ابن أخي. لا تزوّج إلى قوم أهل دناءة، أصابوا من الدنيا عثرة، فتشركهم في دناءتهم، ولا يشركونك في أموالهم. فقال، فقمت وقد أكفيت.
أوصت امرأة من كلب ابنها فقالت: يا بني إذا رأيت المال مقبلا فأنفق،
فإنه يحتمل النفقة، وإذا رأيته مدبرا فأنفق فإن ذهابه فيما تريد، خير من ذهابه فيما لا تريد.(6/252)
أوصت امرأة من كلب ابنها فقالت: يا بني إذا رأيت المال مقبلا فأنفق،
فإنه يحتمل النفقة، وإذا رأيته مدبرا فأنفق فإن ذهابه فيما تريد، خير من ذهابه فيما لا تريد.
قال الغضبان بن القبعثري لولده: يا بني إذا سمعتم صيحة بليل، فلا تخرجوا إليها، فإن صاحبها لو وجد بدرة لم يدعكم إليها.
كان دريد بن الصمة يقول: النصيحة ما لم تهجم على الفضيحة، وإذا أجدبتم فلا ترعوا حمى الملوك، فإنّه من رعاه غانما لم يرجع سالما، ولا تحقروا شرّا فإنه كثير، ومن خرق ستركم فأرقعوه، ومن حاربتم فلا تغفلوه، وأحيلوا جدكم كله عليه، ومن أسدى إليكم خطة خير فأضعفوا له، وإلا فلا تعجزوا أن تكونوا مثله، ومن كانت له مروءة فليظهرها، ولا تنكحن دنيّا من غيركم، فإن عاره عليكم، وإياكم وفاحشة النساء، وعليكم بصلة الرّحم، فإنها تديم الفضل، وترين النّسل، وأسلموا كل جريرة بجريرته، ولا تسخطن خلقا من غيركم فتعلموه بينكم.
قال أعرابي لأخيه وكان بخيلا: يا أخي إن لم تفن مالك أفناك، وإن لم يكن لك كنت له، فكله قبل أن يأكلك.
وقال جد زيد بن حارثة لبنيه: اتقوا إلهكم، ولا تستثيروا السّباع من مرابضها فتندموا، وداروا الناس بالكفّ عنهم تسلموا، وخفوا عن السؤال ولا تتثاقلوا.
قيل: بلغ طيىء بن أدد، وولد ولده وهو حي خمسمائة رجل فجمعهم حين حضرت الوفاة فقال: يا بنيّ، إنكم قد نزلتم منزلا لا تدخلون منه، ولا يدخل عليكم، فارعوا مرعى الضّبّ الأعور، يعرف قدره ويبصر حجره، ولا تكونوا كالجراد لقف واديا، وترك واديا، وإياكم والبغي، فإن الله إذا أراد هلاك النملة، جعل لها جناحين.
أوصى سعد العشيرة بنيه عند موته فقال: يا بنيّ إلهكم اتّقوا في الليل والنهار، وإيّاكم وما يدعوا إلى الاعتذار، ودعوا قفو المحصنات، تسلم لكم الأمهات، وإياكم والبغي على قومكم، تعمر لكم الساحات، ودعوا المراء
والخصام، تسلم لكم المروءة والأحلام، وتحببوا إلى العشائر يهبكم العمائر، وجودوا بالنّوال تثمر لكم الأموال، وإياكم ونكاح الحمقاء الورهاء، فإنها أدوى الداء، وأبعدوا عن جار السوء داركم، ومن قرين الغي مزاركم ودعوا الضغائن فإنها تدعو إلى التباين، ولا تكونوا لآبائكم عاقين. وحيّاكم ربكم وسلمكم.(6/253)
أوصى سعد العشيرة بنيه عند موته فقال: يا بنيّ إلهكم اتّقوا في الليل والنهار، وإيّاكم وما يدعوا إلى الاعتذار، ودعوا قفو المحصنات، تسلم لكم الأمهات، وإياكم والبغي على قومكم، تعمر لكم الساحات، ودعوا المراء
والخصام، تسلم لكم المروءة والأحلام، وتحببوا إلى العشائر يهبكم العمائر، وجودوا بالنّوال تثمر لكم الأموال، وإياكم ونكاح الحمقاء الورهاء، فإنها أدوى الداء، وأبعدوا عن جار السوء داركم، ومن قرين الغي مزاركم ودعوا الضغائن فإنها تدعو إلى التباين، ولا تكونوا لآبائكم عاقين. وحيّاكم ربكم وسلمكم.
وأوصى قيس بن معدي كرب الكندي أولاده حين بلغوا فقال: يا بني، عليكم بهذا المال، فاطلبوه بأجمل الطلب، ثم اصرفوه في أجمل مذهب، وصلوا منه الأرحام، واصطنعوا منه الأقوام واجعلوه جنّة لأعراضكم، يحسن في الناس مقالكم، فإنّ بذله كمال الشرف وثبات المروءة، حتى أنه يسوّد غير السيّد، ويقوّي غير الأيّد، حتى يكون في أنفس الناس نبيها، وفي أعينهم مهيبا، ومن كسب مالا، فلم يصل منه رحما، ولم يعط منه سائلا، ولم يصن به عرضا، بحث الناس عن أصله، فإن كان مدخولا هتكوه، وإن كان صحيحا كسروه، إما دنيّة أو عرقا لئيما حتى يهجنوه.
وأوصى الأشعث بن قيس فقال: يا بني ذلوا في أعراضكم وانخدعوا في أموالكم، فإن أباكم كذاك كان يفعل، لتخفّف بطونكم من أموال الناس، وظهوركم من دمائهم، فإنّ لكل أمر تبعة، وأصلحوا المال لجفوة السّلطان، ونبوة الزمان، وأجملوا في طلب الرزق، حتى يوافق النجاح قدرا، وكفوا عند أول مسألة فإنه كفى بالود منعا، وامنعوا نساءكم إلا من أكفائكم، فإنكم أهل بيت يكتفي بكم الكريم، ويتشرّف بكم اللئيم، وكونوا في عوام الناس ما لم يضطرب حبل، فإذا اضطرب حبل، فالحقوا بعشائركم، وعودوا بفضلكم على قومكم، فإنّه لم يزل رجل منكم يرجى عذره وتعمّر يده.
وأوصى أود بن صفر بن سعد العشيرة فقال: يا بني، سلوا الناس ولا تخبروهم، وأخيفوهم ولا تخافوهم.
وأوصى أسلم بن أفصى الخزاعي. فقال: يا بنيّ اتّقوا ربّكم في اللّيل إذا دجا، وفي النّهار إذا أضاء، يكفكم كل ما تخافون ويتقي، وإيّاكم ومعصيته، فإنه ليس لكم وراءه وزر، ولا لكم دونه محتضر، يا بني: جودوا بالنّوال وكفّوا عن السؤال، يا بني: إنكم إن وهبتم قليلا فسيعود لكم نحلا، فلا تمنعنّ سائلا محقّا
كان أو مبطلا، فإن كان محقا فلا تحرموه، وإن كان مبطلا فقد أذهب خفره، وصرّح الحياء عن بصره فأعطوه، ولا تماروا عالما ولا جاهلا، فإن العالم يحجكم فيغلبكم، وإن الجاهل يلحكم فيغضبكم فإذا جاء الغضب كان فيه العطب، وإيّاكم والفجور بحرم الأقوام، فإنه قلّما انتهك رجل حرمة إلا ابتلي في حرمته، وإياكم وشرب الخمر، فإنها متلفة للمال، طلّابة لما لا ينال، وإن كان فيها صلاح البدن، فإنّ فيها مفسدة للعقل. وإياكم والاختلاف فإنّه ليس معه ائتلاف، ولا يكوننّ لكم جار السواء جارا، ولا خذن السوء زوّارا، وعليكم بصلة الرّحم تكثر أموالكم، ولا تقطعوا فتعف من دياركم آثاركم، وإيّاكم والعجز والتّواني، فإنّهما يورثان الندامة، ويكثران الملامة، يا بني: أنتم مثل شجرة نابتة الأركان ملتفّة الأغصان ولا تختلفوا فتذبل الأغصان، وتجفّ الشجرة، فتكونوا أشلاء بكل مكان، يا بني، قد أتت عليّ مائتي سنة ما شتمت ولا شتمت، ولا قلت من لوم: ماذا صنعت؟ خذوا بوصيّتي تسلموا، ولا تخالفوا فتندموا.(6/254)
وأوصى أسلم بن أفصى الخزاعي. فقال: يا بنيّ اتّقوا ربّكم في اللّيل إذا دجا، وفي النّهار إذا أضاء، يكفكم كل ما تخافون ويتقي، وإيّاكم ومعصيته، فإنه ليس لكم وراءه وزر، ولا لكم دونه محتضر، يا بني: جودوا بالنّوال وكفّوا عن السؤال، يا بني: إنكم إن وهبتم قليلا فسيعود لكم نحلا، فلا تمنعنّ سائلا محقّا
كان أو مبطلا، فإن كان محقا فلا تحرموه، وإن كان مبطلا فقد أذهب خفره، وصرّح الحياء عن بصره فأعطوه، ولا تماروا عالما ولا جاهلا، فإن العالم يحجكم فيغلبكم، وإن الجاهل يلحكم فيغضبكم فإذا جاء الغضب كان فيه العطب، وإيّاكم والفجور بحرم الأقوام، فإنه قلّما انتهك رجل حرمة إلا ابتلي في حرمته، وإياكم وشرب الخمر، فإنها متلفة للمال، طلّابة لما لا ينال، وإن كان فيها صلاح البدن، فإنّ فيها مفسدة للعقل. وإياكم والاختلاف فإنّه ليس معه ائتلاف، ولا يكوننّ لكم جار السواء جارا، ولا خذن السوء زوّارا، وعليكم بصلة الرّحم تكثر أموالكم، ولا تقطعوا فتعف من دياركم آثاركم، وإيّاكم والعجز والتّواني، فإنّهما يورثان الندامة، ويكثران الملامة، يا بني: أنتم مثل شجرة نابتة الأركان ملتفّة الأغصان ولا تختلفوا فتذبل الأغصان، وتجفّ الشجرة، فتكونوا أشلاء بكل مكان، يا بني، قد أتت عليّ مائتي سنة ما شتمت ولا شتمت، ولا قلت من لوم: ماذا صنعت؟ خذوا بوصيّتي تسلموا، ولا تخالفوا فتندموا.
يقال إنّ أوس بن حارثة أبا الأنصار لما حضرته الوفاة ولم يكن له ولد غير مالك، وكان لأخيه الخزرج خمسة، قيل له: كنا نأمرك بالتزويج في شبابك فلم تفعل حتى حضرك الموت، وليس لك ولد إلا مالك. فقال: لم يهلك هالك، ترك مثل مالك، وإن كان الخزرج ذا عدد، وليس لمالك ولد، فلعلّ الذي استخرج العذق من الجريمة (1)، والنار من الوثيمة (2) أن يجعل لمالك نسلا، ورجالا بسلا (3)، وكلنا إلى الموت، يا مالك: المنيّة ولا الدّنيّة والعتاب قبل العقاب، والتجلّد ولا التّلبّد، واعلم أن القبر خير من الفقر ومن لم يعط قاعدا منع قائما، وشرّ شارب الشراب المشتفّ (4) وأقبح طاعم للطعام المقتفّ (5)، وذهاب البصر خير من كثير من النظر، ومن كرم الكريم، الدفاع عن الحريم، ومن قلّ ذلّ، ومن أمر فلّ، وخير الغنى القناعة، وشر الفقر الخضوع: والدهر
__________
(1) الجريمة: النواة.
(2) الوثيمة: الجمارة.
(3) البسل: جمع الباسل، وهو الشجاع.
(4) المشتفّ: أي شارب البقية التي تبقى في الإناء.
(5) المقتفّ: المتعجل.(6/255)
صرفان، صرف رخاء، وصرف بلاء، واليوم يومان: يوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإن كان عليك فاصبر، فكلاهما سينحسر، يميتك المفيت، خير من أن يقال هبيت (1)، وكيف بالسلامة لمن ليست له إقامة؟ وحيّاك ربّك والسلام.
جمع زرارة بن عدس التميمي بنيه وهم يومئذ عشرة: حاجب ولقيط ومعبد ومالك ولبيد وعلقمة وخزيمة وسعد ومناة وعمرو والمنذر فقال: يا بنيّ: إنكم أصبحتم بيت تميم، بل بيت مضر، يا بني: ما هجمت على قوم قط من العرب لا يعرفونني إلا أجلّوني فإذا عرفوني ازددت عندهم شرفا، وفي أعينهم عظما، ولا وفدت إلى ملك عربي قط ولا أعجمي إلا آثرني وشفعني: يا بني: خذوا من آدابي، وقفوا عند أمري، واحفظوا وصيّتي، وموتوا على شريعتي، وإيّاكم أن تدخلوا قبري حوية أسبّ بها. فو الله ما شايعتني نفسي على إتيان دنيّة ولا عمل بفاحشة، ولا جمعني وعاهرة سقف بيت قط، ولا حسّنت لنفسي الغدر منذ شدّت يداي إزاري، ولا فارقني جار لي عن قلى، ولا حملتني نفسي على هوى يعيبني في مضر، يا بني: إن القالة إليكم سريعة، والآذان سميعة، فاتّقوا الله في الليل إذا أظلم، وفي النهار إذا انتشر، يكفكم ما أهمّكم، وإياكم وشرب الخمر، فإنها مفسدة للعقول، والأجساد، ذهّابة بالطارف والتلاد، زوّجوا النساء الأكفاء، وإلا فانتظروا بهنّ القضاء، واذكروا قومكم إذا غابوا عنكم بمثل الذي تحبون أن تذكروا به، يا بني: انشروا الخير تنشروا، واستروا الشرّ تستروا، يا بني: قد أدركت سفيان بن مجاشع شيخا كبيرا، فأخبرني أنه قد حان خروج نبيّ من بني مضر بمكّة يدعى أحمد، يدعو إلى البر والإحسان، ومحاسن الأخلاق، فإن أدركتموه فاتّبعوا لتزدادوا بذلك شرفا إلى شرفكم، وعزّا إلى عزّكم، يا بني: وما بقي على دين عيسى ابن مريم غيري وغير أسد بن خزيمة، يا بني: لولا عجلة لقيط إلى الحرب، والحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث، لقدمته أمامكم، وهو فارس مضر الحمراء، فعليكم بحاجب فإنه حليم عند الغضب، جواد عند
__________
(1) هبيت: أي حمقت وضعفت.(6/256)
المطّلب، فرّاج للكرب، ذو رأي لا ينكش (1) وزمّاع (2) لا يفحش، فاسمعوا له وأطيعوا جنّبكم ربّكم الرّدى.
أوصى القرافصة ابنته نائلة حين زفّها إلى عثمان فقال: يا بنيّة، إنك تقدمين على نساء قريش، هنّ أقدر على الطّيب منك، فلا تلقبي على خصلتين أقولهما لك: الكحل والماء، تطهّري حين يكون ريح جلدك كأنه ريح شن (3) أصابه مطر.
أوصى يزيد بن المهلب ابنه مخلدا حين استخلفه على جرجان فقال: يا بنيّ قد استخلفتك، فانظر هذا الحي من اليمن، فكن منهم كما قال الشاعر (4):
[الطويل]
إذا كنت مرتاد الرجال لنفعهم ... فرش واصطنع عند الذين بهم ترمي
وانظر هذا الحي من ربيعة فإنهم شيعتك وأنصارك، فاقض حقوقهم، وانظر هذا الحي من تميم، فامطر ولا تزه لهم، ولا تدنهم فيطمعوا، ولا تقصهم فينقطعوا عنك، وكن بين المطيع وبين المدبر، وانظر هذا الحي من قيس، فإنهم أكفاء قومك في الجاهلية، ومناصفوهم المنابر في الإسلام، ورضاهم منكم البشر: يا بني: إن لأبيك صنائع فلا تفسدها فإنه كفى بالمرء من النّقص أن يهدم ما بنى أبوه، وإيّاك والدّماء، فإنه لا بقية بعدها، وإياك وضرب الأبشار، فإنه عار باق، ووتر مطلوب، واستعمل على النّجدة والفضل دون الهوى، ولا تعزل إلا عند العجز أو الخيانة، ولا يمنعك من اصطناع الرجل أن يكون غيرك قد سبقك إليه، فإنك إنما تصطنع الرجال لنفسك، ولتكن صينعتك عند من يكافئك عند العشائر، احمل الناس على أحسن أدبك، يكفوك أنفسهم، وإذا كتبت كتابا فأكثر النّظر فيه، وليكن رسولك فيما بيني وبينك، من يفقه عنّي وعنك، فإنّ كتاب
__________
(1) لا ينكش: أي لا يستقصى ما فيه.
(2) الزمّاع: ذو العزم.
(3) ريح شنّ: ريح يابسة جافة.
(4) البيت بلا نسبة في أساس البلاغة (ريش)، ولفظ صدر البيت فيه:
إذا كنت مختار الرجال لنفعهم(6/257)
الرجل موضع عقله، ورسوله موضع سرّه، واستودعك الله فإنه ينبغي للمودع أن يسكت، وللمشيّع أن ينصرف، وما خفّ من المنطق، وقلّ من الخطبة أحبّ إلى أبيك.
وأوصى المنذر بن مالك البجلي بنيه وكان قد أصاب دماء في قومه فلحق ببني هلال بن عامر، فلما حضره الموت جمع بنيه فقال: باسمك اللهم، يا بنيّ احفظوا أدبي يكفكم، وابتغوا وصاتي تلحقوا بصالح قومكم، فإنّي لم أكلكم إلى أديب حيّ، والمعنيّ بكم غائب عنكم، آثروا ما يجمل، واقنوا أخياركم، وأطيعوا ذوي الرأي منكم، وأجلّوا ذوي أسنانكم، ولا تعطوا الدّنيّة، وإن كان الصبر على خطة الضّيم أبقى لكم، وتناصروا تكونوا حمى، وإذا قدمتكم على قومكم فلتكن خلتكم واحدة، ولا تستروا دفين داء لم يدرك مثله، يقطعوا عنكم النار، وتعدموا بقومكم غيرهم، ولا تدبروا أعجاز ما قد أودت صدوره فتفشلوا، وعفّوا عن الدّناءة، ووقّروا أهل الكفاية، ولا تواكلوا الرفد والنجدة فتجدي عظتكم، واتّخذوا لأسراركم من علانيتكم حجازا تكفوها، ولا تفيلوا الرأي بالظّن، فيبدع بكم، وأطيلوا الصّمن، إلا من حق تسبقوا: والزموا الأناة تقر قدمكم، واغتنموا الفرصة تظفروا، وعجّلوا تحمدوا، ولا تأخذوا حبلا من قليل فإن القليل ذليل، وخذوا الحبل من ذي المرة الكاثر، وشمّر لدرك الثأر، ومنعة الجار، واظعنوا في الشّهر الأصم (1) تبلغوا دار قومكم سالمين، وأوفوا بالعهد، واتقوا الغدر، فشؤم النساء والغدر أورثاني دار الغربة.
وأوصى عمر بن يشكر البجلي فقال: يا بني إذا غدوتم فبكّروا، وإذا أرحتم فهجّروا، وإذا أكلتم فأوتروا، وإذا شربتم فأسئروا أوتروا، أي كلوا بثلاث أصابع.
أوصى مصعب بن يشكر فقال: يا بني أوسعوا الحبا، وحلّوا الربا، وكونوا أسّى تكونوا حمى.
__________
(1) الشهر الأصمّ: هو شهر رجب لأنه لا يسمع فيه صوت السلاح ولا استغاثة مستغيث لأنه من الأشهر الحرم.(6/258)
وأوصى عمرو بن كلثوم التّغلبي فقال: يا بني إني قد بلغت من الهرم ما لم يبلغه أحد من آبائي إلا جدّي: تلك الرجل كان ملك جده فسمّي «الرجل» لكماله، ولا بدّ من أمر مقتبل، وأن ينزل بي ما نزل بالآباء والأجداد والأمهات والأولاد، وإني والله ما عيّرت رجلا قط بشيء إلا وعيّرني بمثله، وإن حقا فحقا، وإن كان باطلا فباطلا، من سبّ يسب، فكفوا عن الشّتم، فإنه أسلم لأعراضكم، وصلوا أرحامكم، تعمر داركم، وأكرموا جاركم، يحسن ثناؤكم، وزوّجوا بنات العم بني العم، فإن تعدّيتم بهن إلى الغرباء، فلا تألوا بهن عن الأكفاء، وابعدوا بيوت الرجال عن النساء، فإنه أغضّ للبصر، وأعفّ للذّكر، فإذا كانت المعاينة واللقاء، ففي ذلك داء من الأدواء، ولا خير فيمن لا يغار لغيره، كما يغار لنفسه، وقلّ من انتهك حرمة لغيره، إلا انتهكت منه حرمته، وامنعوا ضيم الغريب من القريب، فإنك تذل على قريبك ولا يجمل بك ذل غريبك، فإذا تنازعتم في الدماء، فلا يكونن حقكم اللقاء، ورب رجل خير من ألف، وودّ خير من خلف، وإذا حدّثتم فعوا، وإذا حدّثتم فأوجزوا، فإن مع الإكثار يكون الإهذار، وموت عاجل خير من ضنى آجل، وما بكيت من زمان إلا دهاني بعده زمان، وربما شجاني من لم يكن أمره عناني، ولا عجبت من أحدوثة إلا رأيت بعدها أعجوبة، واعلموا أنّ أشجع القوم العطوف، كما أن أكرم الحتوف قتل بالسيوف، ولا خير فيمن لا رويّة له عند الغضب، ولا من إذا عوتب لم يعتب، ومن الناس من لا يرجى خيره، ولا يخاف شرّه، فبكؤه خير من درّه، وعقوقه خير من برّه، ولا تبرّحوا في حبّكم، فإنه من برح في حبّ، آل ذلك إلى قبيح البغض، وكم من قدر زارني وزرته، فانقلب الدهر بنا فبرته، وقلّ ما رأيت غضبا إلا فترته أكتسب بغضا، واعلموا أنّ الحليم سليم، وأن السّفيه كليم، إني لم أمت، ولكني هرمت، ودخلتني ذلة فسكنت، وضعف قلبي فأهترت سلمكم ربّكم وحيّاكم.
أوصى تميم بن مر فقال: يا بنيّ عليكم بلا، فإنها ترفع للحين وإياكم ونعم، فإنها رجا للمين، وعليكم بالمسألة، فإنه است المسؤول أضيق، ولا تحقروا اليسير أن تأخذوه، فإن اليسير إلى اليسير كثير، واستعيروا ولا تعيروا، واظهروا للناس الحاجة لكي لا تسألوا فتمنعوا فتكون أسناهم هي الضيقة، وإن
وعدتم الناس شيئا فأكرموهم، وامطلوهم، فإن الذي يصدق في الموعد وإن مطل وهو مقل، يكون حريّا بالنجح في الموعد، إذا أمكنته المقدرة، وابدؤوا الناس بالشر يردّ عنكم الشر، وإياكم والوهن فيجرأوا عليكم، ولا تشتطوا في مهور النساء، فإن ذلك أكسد لأيامكم، جمع الله لكم أمركم.(6/259)
أوصى تميم بن مر فقال: يا بنيّ عليكم بلا، فإنها ترفع للحين وإياكم ونعم، فإنها رجا للمين، وعليكم بالمسألة، فإنه است المسؤول أضيق، ولا تحقروا اليسير أن تأخذوه، فإن اليسير إلى اليسير كثير، واستعيروا ولا تعيروا، واظهروا للناس الحاجة لكي لا تسألوا فتمنعوا فتكون أسناهم هي الضيقة، وإن
وعدتم الناس شيئا فأكرموهم، وامطلوهم، فإن الذي يصدق في الموعد وإن مطل وهو مقل، يكون حريّا بالنجح في الموعد، إذا أمكنته المقدرة، وابدؤوا الناس بالشر يردّ عنكم الشر، وإياكم والوهن فيجرأوا عليكم، ولا تشتطوا في مهور النساء، فإن ذلك أكسد لأيامكم، جمع الله لكم أمركم.
وأوصى قيس بن عاصم فقال: يا بني خذوا عنّي فلا أحد أنصح لكم مني، إذا دفنتموني فانصرفوا إلى رحالكم، فسوّدوا أكبركم، فإن القوم إذا سوّدوا أكبرهم، خلفوا آباءهم، ولا تسوّدوا أصغركم فإنّ القوم إذا سودوا أصغرهم أزرى ذلك بهم في أكفائهم. وإيّاكم ومعصية الله، وقطيعة الرحم، وتمسكوا بطاعة أمرائكم، فإنهم من رفعوا ارتفع، ومن وضعوا اتّضع، وعليكم بهذا المال، فاستصلحوه فإنه منبهة للكريم، واستغناء عن اللئيم، وإياكم والمسألة فإنها أخر كسب الرجل، فإنّ أحدا لم يسأل إلا ترك كسبه، وإياكم والنّياحة فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عنها، وادفنوني في ثيابي التي كنت أصلّي فيها وأصوم، ولا يعلم بكر بن وائل بمدفني فإني كنت أعاديهم في الجاهلية، وبيننا وبينهم خماشات (1)، فأخاف أن يدخلوها عليكم فيعيبوا عليكم دينكم، وخذوا بثلاث خصال: إياكم وكلّ عرق لئيم أن تلابسوه، فإنه إن يسرركم يوما، فسوف يسؤكم يوما، واكظموا الغيظ، واحذروا بني أعداء آبائكم، فإنهم على منهاج آبائهم لآبائكم. ثم قال (2): [البسيط]
أحيا الضغائن آباء لنا هلكوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء
قال الكلبي: فنحل هذا البيت سابقا البربري، فعيسى أول من قاله.
وأوصى وكيع بن حسان بن أبي سود فقال: يا بنيّ إن أبي والله ما ورّثني إلا بدعا سحقا ورمحا خطيّا، وما ورّثني دينارا ولا درهما، وقد جمعت لكم هذا المال الذي ترون من حلّه وحرامه وإيّاكم إذا متّ أن تأتيكم هذه الباعة من أهل
__________
(1) خماشات: جمع خماشة، وهي الجراحات والجنايات وكل ما كان دون القتل والدية من قطع أو جرح أو ضرب أو نهب، ونحو ذلك من أنواع الأذى.
(2) البيت بلا نسبة في البيان والتبيين 2/ 80.(6/260)
الأسواق، فيقولون: لنا على أبيكم دين، يا بني، إن كان الله يريد أن يغفر لي، فو الله ما ديني في ذنوبي إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود، وإن كان لا يريد أن يغفر لي، فو الله ما ديني في تلك الذّنوب إلا كحصاة رمي بها في بحر، شدّوا أيديكم على مالكم، واحفظوه ولا تقضوا عني شيئا، ثم مات.
وأوصى عامر بن صعصعة فقال: يا بني جودوا على الناس ولا تسألوهم، وتهضّموا عدوّكم ولا تستذلّن جاركم.
وأوصى أبجر بن جابر العجلي ابنه حجّارا حين أراد الإسلام فقال له: إن كان لا بدّ لك من الإسلام، فاحفظ عنّي ثلاثا، انزل من هذا السّلطان بحيث أنزلك، فإنه إن يقال لك تقدم قدّامك، خير لك من أن يقال لك تأخّر وراءك، واستكثر من الصديق، فإنّ العدوّ كثير، وإيّاك والخطب فإنها نشوار (1)، كثير العثار.
__________
(1) يقال: نشورت الدابة نشوارا: أبقت من علفها، والمقصود أن الخطب فيها فضل كلام لا يؤمن الصواب فيه فيعثر اللسان.(6/261)
الباب التاسع في أسامي أفراس العرب
نذكر أولا أسامي أفراس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نتبعها بذكر سائر الأفراس المعروفة.
يقال إنّ أول فرس ملكه عليه السلام فرس ابتاعه بالمدينة من رجل من بني فزارة بعشر أوراق، وكان اسمه عند الأعرابي «الضرس» فسماه عليه السلام «السّكب» وكان له فرس يدعى «المرتجز»، وكان له «لزاز الظرب» واللحيف وقيل: لحاف، واليعسوب.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أن أول من اتخذ الخيل وركبها إسماعيل عليه السلام. وقالوا: كان داود يحبّها حبّا شديدا وجمع ألف فرس، فلما ورثها سليمان عليه السلام قال: «ما ورّثني داود مالا أحبّ إليّ من هذه الخيل» وضمرها وصنعها.
فمن الأفراس القديمة:
«زاد الرّكب».
قالوا: إنّ قوما من الأزد من أهل عمان، قدموا على سليمان بعد تزوجه بلقيس ملكة سبأ، فأعطاهم هذا الفرس وانتشرت الخيل منه في العرب.
الهجيسيّ:
كان لبني تغلب، استطرقوا الأزد لمّا سمعوا بذكر زاد فنتج لهم الهجيسيّ.
الديناري:
لبني عامر، استطرقوا من بكر بن وائل فنتجوه عن الهجيسي.(6/262)
الديناري:
لبني عامر، استطرقوا من بكر بن وائل فنتجوه عن الهجيسي.
أعوج:
استطرقوها على سبل وكانت أجود ما أدرك وأمها سوادة قسّامة وكان فيّاض وقسامة لبني جعدة، ويزعم أنّ فياضا من حوشية وبار، وقال بعضهم: «ليس أعوج بني هلال من بنات زاد الركب هو أكرم من ذلك، هو من بنات حوشية وبار»، وإنما أعوج الذي كان ابن الديناري فرس «لبهراء» سمي باسم «أعوج» فأما أعوج الأكبر فإن أمه سبل من حوشية وبار.
ذو العقال:
لبني ثعلبة بن يربوع هو ابن أعوج بن ديناري.
الورد:
فرس حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه من بنات ذي العقّال، ومنه يقول (1): [الخفيف]
ليس عندي إلا سلاح و «ورد» ... قارح من بنات ذي «العقّال»
الغراب والوجيه، ولاحق والمذهب ومكتوم:
هذه جميعا لغنيّ بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان فيها يقول طفيل الغنوي (2): [الطويل]
«بنات الغراب» و «الوجيه» و «لاحق» ... «وأعوج» تنمي نسبة المتنسّب
وقال (3): [الطويل]
دقاق كأمثال السّراحين ضمّر ... ذخائر ما أبقى «الغراب» ومذهب
أبوهنّ «مكتوم» و «أعوج» أنجبا ... ورادّا وحوّا ليس فيهن مغرب
__________
(1) البيت لحمزة بن عبد المطلب في لسان العرب (عقل)، وتاج العروس (عقل)، (ورد).
(2) البيت لطفيل الغنوي في ديوانه ص 23، ولسان العرب (وجه)، ومقاييس اللغة 4/ 180، وكتاب العين 2/ 185، وتاج العروس (عرف)، (وجه).
(3) البيتان في ديوان طفيل الغنوي ص 43، 44، ولسان العرب (سرح)، وتهذيب اللغة 4/ 301، وتاج العروس (سرح) (كثم).(6/263)
جلوى:
كانت لبني ثعلبة بن يربوع أم داحس وهو ابن ذي العقّال.
الغبراء:
كانت لقيس بن زهير، وهي خالة داحس وأخته لأبيه.
الحنفاء:
أخت داحس لأبيه من ولد ذي العقال لحذيفة من بدر الفزاري.
قسام:
لبني جعدة بن كعب، فيه يقول الجعدي (1): [الطويل]
أغرّ «قساميّ» كميت محجّل ... خلا يده اليمنى فتحجيله خسا
فيّاض وسوادة أمّ سبل.
لبني جعدة. فيها يقول النابغة الجعدي (2): [الرمل]
وعناجيج جياد نجب ... نجل «فيّاض» ومن آل سبل
الحمالة والقريط:
لبني سليم. فيها يقول العباس بن مرداس (3): [الكامل]
ابن «الحمالة» و «القريط» فقد ... أنجبت من أمّ ومن فحل
اللّطيم:
فرس ربيعة بن مكدّم.
مصاد: فرس ابن غادية الخزاعيّ ولها يقول (4): [المتقارب]
صبرت مصادا إزاء اللّطي ... م حتّى كأنّهما في قرن
__________
(1) البيت للنابغة الجعدي في ملحق ديوانه ص 221، ولسان العرب (قسم)، وتاج العروس (غرر)، (قسم).
(2) البيت في ديوان النابغة الجعدي ص 87، ولسان العرب (فيض)، وتاج العروس (فيض)، (سبل).
(3) البيت لعباس بن مرداس في لسان العرب (حمل)، وتاج العروس (حمل)، وليس في ديوانه.
(4) البيت غادية الخزاعي الأسلمي في تاج العروس (لطم).(6/264)
ويزعمون أن ابن غادية هو الذي قتل ربيعة بن مكدم «يوم الكديد» وأنه كان حليفا لبني سليم، ونسب الناس قتله إلى نبيشة بن حبيب السّلميّ.
الأجدل:
فرس أبي ذر الغفاريّ.
اليعسوب:
فرس الزبير بن العوام، من نتاج بني أسد من بنات العسجدي، والعسجدي من نسل الحرون.
ذو اللّمّة:
فرس عكاشة بن محصن الأسديّ وروي أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند عكاشة.
ثادق: لبعض بني أسد فيه يقول (1): [المتقارب]
وباتت تلوم على ثادق ... ليشرى فقد جدّ عصيانها
العسجديّ: لبني أسد، من بنات زاد الركب، وكانت من نتاج الديناريّ لاحق الأصغر: من بنات لاحق الأكبر.
زرّة: للجميح بن منقد الأسدي وفيه يقول: [الوافر]
رميتهم «بزرّة» إذا تواصوا ... وسار بنحرها أسل الرماح
حزمة:
لحنظلة بن فاتك الأسديّ ولها يقول (2): [الوافر]
جزتني أمس «حزمة» سعي صدق ... وما أقفيتها دون العيال
الحمالة الصّغرى: لطليحة بن خويلد الأسدي ولها يقول: [الطويل]
__________
(1) البيت لحاجب بن حبيب الأسدي في لسان العرب (تدق)، وتاج العروس (تدق)، وبلا نسبة في مجمل اللغة 1/ 354، ومقاييس اللغة 1/ 273.
(2) البيت لحنظلة بن فاتك الأسدي في لسان العرب (حزم)، وتاج العروس (حزم).(6/265)
نصبت لهم صدر «الحمالة» إنها ... معاودة قيل الكماة: نزال
ومن خيل بني أسد: الظّليم وظبية ومعروف ومنيحة وناصح.
ولبني تميم:
الشّوهاء:
فرس حاجب بن زرارة ولها يقول بشر بن أبي خازم (1): [الوافر]
وأفلت حاجب تحت العوالي ... على «شوهاء» تركع في الظّراب
الحشّاء: فرس عمرو بن عمرو وكانت خنثى ولها يقول جرير (2):
[الطويل]
كأنكّ لم تشهد لقيطا وحاجبا ... وعمرو بن عمرو إذ دعا: يال دارم
ولولا مدى «الحشا» وبعد جرائها ... لقاظ قصير الخطو دامي المراغم
ويروى: ولا مدى الخنثى.
الرّقيب:
فرس الزّبرقان بن بدر وهو السعدي. له يقول: [البسيط]
أقفي «الرقيب» أداويه وأصنعه ... عاري النواهق لا جاف ولا قفر
النّباك وحلّاب وأثال: لبني حنظلة، والشّيّط: من خيل ضبّة.
والعرادة: فرس كلحبة اليربوعي وفيها يقول (3): [الوافر]
تسائلني بنو جشم بن بكر ... أغرّاء «العرادة» أم بهيم
هي الفرس التي كرّت عليكم ... عليها الشيخ كالأسد الظليم
__________
(1) يروى: «على شقّاء» بدل: «على شوهاء»، والبيت لبشر بن أبي خازم في ملحق ديوانه ص 227، وبلا نسبة في لسان العرب (ركع)، (شوه)، وأساس البلاغة ص 176، (ركع)، والمخصص 13/ 87، وجمهرة اللغة ص 770، وتاج العروس (ركع).
(2) البيتان في ديوان جرير ص 563.
(3) البيتان لكحلبة اليربوعي في لسان العرب (عرد)، (عرر)، (حلف)، والتنبيه والإيضاح 2/ 39، وتهذيب اللغة 1/ 102، وتاج العروس (عرد)، (عرر).(6/266)
يريد الذي يشد في الظلام.
العباب: فرس مالك بن نويرة. وفيه يقول (1): [الطويل]
تدارك إرخاء «العباب» ومرّة ... لبون ابن حبّى وهو أسفان كامد
لازم: فرس سحيم بن وثيل اليربوعي، وفيه يقول ابنه جابر (2): [الطويل]
أقول لأهل الشّعب إذ يسرونني ... ألم تعلموا أنّي ابن فارس «لازم»
كامل: فرس زيد الفوارس الضّبيّ وفيه يقول العائف الضبي (3): [الكامل]
يرمي بغرّة «كامل» وبنحره ... خطر النفوس وأيّ حين خطار
ذات العجم، وذو الوشوم، ووحفة، وذو الوقوف كلها لبني تميم.
مبدوع:
للحارث بن ضرار الضّبي وله يقول: [الوافر]
تشكّى الغزو «مبدوع» وأضحى ... كأشلاء اللّجام به كدوح
الجون:
لمتمّم بن نويرة اليربوعي وله يقول مالك أخوه (4): [الطويل]
ولولا دوائي «الجون» قاظ متمّم ... بأرض الخزامى وهو للذّل عارف
الغرّاف والسّميدع:
للبراء بن قيس بن عتّاب، وفيه يقول: [الطويل]
__________
(1) البيت في المخصص 16/ 172.
(2) يروى البيت بلفظ:
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني ... ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
والبيت لسحيم بن وثيل اليربوعي في لسان العرب (يسر)، (يأس)، (زهدم)، والتنبيه والإيضاح 2/ 310، وتهذيب اللغة 13/ 60، وتاج العروس (يسر)، (يئس)، (زهدم)، (لزم)، وديوان الأدب 4/ 216، وأساس البلاغة (يئس)، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 6/ 154، وديوان الأدب 3/ 258، والمخصص 13/ 20.
(3) البيت لعائف الضبي في لسان العرب (كمل)، وتاج العروس (كمل).
(4) البيت لمالك بن نويرة في ديوانه ص 75، وتاج العروس (جون).(6/267)
فإن يك «غرّاف» تبدّل فارسا ... سواي فقد بدّلت منه «السّميدعا»
المكسّر:
لعتيبة بن الحارث بن شهاب وله يقول مالك بن نويرة: [الطويل]
ولو زهم الأصلاب منّا لزاحمت ... عتيبة، إذ دمّى جبين «المكسّر»
شولة:
لزيد الفوارس: [الطويل]
قصرت من صدر «شولة» إنما ... ينجّي من الكرب الكيّ المناجد
النّحّام:
لسليك بن السّلكة وفيه يقول (1): [الوافر]
كأنّ حوافر «النّحّام» لمّا ... تروّح صحبتي أصلا محار
المرنوق:
لعامر بن الطفيل، وله يقول يوم فيف الريح، يوم فقئت عينه (2): [الطويل]
لقد علم «المرنوق» أنّي أكرّه ... على جمعهم كرّ المنيح المشهّر
حذقة:
فرس خالد بن جعفر وعليها قتل زهير بن جذيمة وفيها يقول (3): [الوافر]
أريغوني إراغتكم فإنّي ... و «حذقة» كالشّجا تحت الوريد
جروة:
__________
(1) البيت للسليك بن السلكة في ديوانه ص 28، ولسان العرب (حور)، (حزم)، (لخم)، وجمهرة اللغة ص 573، وتاج العروس (حور)، (لخم).
(2) البيت لعامر بن الطفيل في ديوانه ص 61، ولسان العرب (زنق)، وتاج العروس (زنق).
(3) يروى البيت بلفظ:
فمن يك سائلا عني فإني ... وحذقة كالشجا تحت الوريد
والبيت لخالد بن جعفر بن كلاب في لسان العرب (حذف)، ومجمل اللغة 2/ 41، وتاج العروس (روغ)، (حذف)، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 508.(6/268)
لشدّاد أبي عنترة ولها يقول (1): [الوافر]
فمن يك سائلا عنّي فإنّي ... و «جروة» لا تباع ولا تعار
الأبجر:
لعنترة وله يقول: [الكامل]
لا تعجلي، أشدد حزام «الأبجر» ... إنّي إذا الموت دنا لم أضجر
الأدهم وابن النعامة أيضا لعنترة. وفي الأدهم يقول (2): [الكامل]
يدعون عنترة، والرماح كأنّها ... أشطان بئر في لبان «الأدهم»
وفي ابن النعامة (3): [الكامل]
ويكون مركبك القلوص ورجله ... «وابن النعامة» يوم ذلك مركبي
وجزة:
ليزيد به سنان بن أبي حارثة.
محاج:
لمالك بن عوف النّصري وهو الذي كان يدعى «الأسد الرّهيص» وله يقول يوم حنين (4): [الرجز]
اقدم «محاج» إنه يوم نكر
مثلي على مثلك يحمي ويكر
العبيد:
فرس العباس بن مرداس الذي يقول فيه (5): [المتقارب]
__________
(1) البيت لشداد بن معاوية (والد عنترة) في الأغاني 17/ 139، وشرح أبيات سيبويه 1/ 357، والصاحبي في فقه اللغة ص 216، والكتاب 1/ 302، ولسان العرب (جرا)، ولعنترة في ديوانه ص 309، ولزيد الخيل في ديوانه ص 104.
(2) البيت في ديوان عنترة ص 216، والأغاني 9/ 212.
(3) البيت لعنترة في ديوانه ص 274، والمخصص 13/ 206، ولخزز بن لوذان السدوسي في لسان العرب (نعم)، وتاج العروس (عتق).
(4) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (محج).
(5) البيت في ديوان العباس بن مرداس ص 84، ولسان العرب (نهب)، (عبد)، وتاج العروس (نهب)، (عبد).(6/269)
أتجعل نهبي ونهب «العبي ... د» بين عيينة والأقرع
صوبة والصّموت:
للعباس مرداس الذي يقول فيه: [الطويل]
أعددت «صوبة» و «الصّموت» ومارنا ... ومفاضة للرّوع كالسّحل
البيضاء، وقصاف، وزرّة، والمصبّح، وزامل، والصّيود، وقرزل، والقويس وسلّم: كلها لقيس.
خصاف: لسفيان بن ربيعة الباهلي، وعليها قتل «قولا المرزبان» وضرب به المثل فقيل: أجرأ من فارس خصاف.
ميّاس: لشقيق بن جزء الباهلي.
السّلس: لمهلهل، ولما قال الحارث بن عباد (1): [الخفيف]
قرّبا مربط «النعامة» منّي ... لقحت حرب وائل عن حيال
فقال مهلهل: [مجزوء الخفيف]
«اركب «نعامة» إنّ ... ي راكب السّلس»
زيم: للأخنس بن شهاب التغلبيّ ولها يقول (2): [الرجز]
هذا أوان الشّدّ، فاشتدي «زيم»
المنكدر وخميرة والنّباك لبني تغلب.
العنز:
لأبي عفراء بن سنان المحاربي، محارب عبد القيس ولها يقول (3): [الوافر]
__________
(1) البيت للحارث بن عباد في الأزهية، ص 280، والحيوان 1/ 22، ولسان العرب (قلص)، (نعم)، (عنن)، وتاج العروس (نعم)، (عنن).
(2) الرجز لرشيد بن رميض في الأغاني 15/ 199، ولسان العرب (شدد)، والتنبيه والإيضاح 2/ 29، وللأغلب العجلي في الحماسة الشجرية 1/ 144، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 830، وسر صناعة الإعراب 2/ 509، ولسان العرب (زيم)، وتاج العروس (زيم).
(3) البيت لأبي عمر بن سنان بن محارب في تاج العروس (عنز)، وبلا نسبة في لسان العرب (عنز)، ومجمل اللغة 3/ 414.(6/270)
دلفت لها بصدر «العنز» لمّا ... تحامتها الفوارس والرجال
هراوة، الأعزاب:
لعبد القيس ولها يقول لبيد (1): [الكامل]
تهدي أوائلهنّ كلّ طمرّة ... جرداء مثل «هراوة الأعزاب»
وكانوا يعطونها العزب منهم، فيغير عليها، حتى إذا تأهّل أعطوها العزب الآخر.
الجون:
وفرس امرىء القيس بن حجر وله يقول (2): [الطويل]
ظللت وظلّ «الجون» عندي مسرجا ... كأنّي أعدّي عن جناح قبيض
اليحموم:
فرس النعمان بن المنذر وفيه يقول الأعشى (3): [الطويل]
ويأمر «لليحموم» كلّ عشيّة ... بقتّ وتعليق، فقد كاد يستق
العطّاف:
فرس عمرو بن معدي كرب. وله يقول: [الكامل]
يختبّ بي «العطّاف» حول بيوتهم ... ليست عداوتنا كبرق الخلّب
الهطّال:
لزيد الخيل وفيه يقول (4): [الوافر]
أقرّب مربط «الهطّال» إني ... أرى حربا تلقّح عن حيال
العطّاس:
__________
(1) البيت في ديوان لبيد بن ربيعة ص 21، وشرح المفصل 5/ 25، ولسان العرب (هرا).
(2) البيت في ديوان امرىء القيس ص 76.
(3) البيت في ديوان الأعشى ص 33.
(4) البيت في الأغاني 17/ 173.(6/271)
لعبد الله بن عبد المدان الحارثي ويقول فيه (1): [الطويل]
يخبّ بي «العطّاس» رافع طرفه ... له ذمرات في الخميس العرمرم
العصا:
لجذيمة الأبرش، وهي بنت العصيّة لإياد ولها قيل: «العصا من العصيّة» وقيل أيضا: «يا ضلّ ما تجري به العصا»، ويقال: «إنّ قصيرا ركبها لما صار جذيمة في بلاد الروم، فركضها، فذكر أنها لم تقف إلا على رأس ثلاثين ميلا، ثم وقفت وبالت، فبنى على ذلك الموضع برج، فسمي: «برج العصا». وفيها يقول عدي (2): [الوافر]
فخبرت «العصا» الأنباء عنه ... ولم أر مثل فارسها هجينا
الضّبيب:
لحسّان بن حنظلة الطائي، حمل عليه كسرى، حين انهزم من بهرام جوبين، فنجا، فقال حسّان بن حنظلة: [الطويل]
تلافيت كسرى أن يضام ولم أكن ... لأتركه في الخيل يعثر راجلا
بذلت له ظهر «الضّبيب» وقد بدت ... مسوّمة من خيل ترك وكابلا
البريت:
فرس إياس بن قبيصة الطائي، وله يقول حارثة بن أوس الكلبي: [الطويل]
كأنّ استه إذ أخطأته رماحنا ... وفات «البريت» لبده يتصبّب
ذنابى حبارى أخطأ الصّقر رأسها ... فجادت بمكنون من السّلح يثعب
حومل:
لحارثة بن أوس الكلبي وله يقول (3): [الوافر]
لولا جري «حومل» يوم عذر ... لمزّقني وإيّاها السّلاح
__________
(1) البيت بلا نسبة في تاج العروس (عطس).
(2) البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص 182، وتاج العروس (عصا).
(3) البيت لحارثة بن أوس بن عبد ود في تاج العروس (غدر)، (حمل).(6/272)
القريط، ونحلة، وساهم: لكندة.
وفيها يقول امرؤ القيس بن عابس الكندي (1): [الكامل]
أرباب «نحلة» و «القريط» و «ساهم» ... إنّي هنالك آلف مألوف
مردود:
لرجل من غسّان وفيها يقول ربيعة بن مقروم الضّبّيّ (2): [الطويل]
وفارس «مردود» أشاطت رماحنا ... وأجزرن مسعودا ضباعا وأذؤبا
الضّبيح: لخوّات بن جبير وفيه يقول يوم هوازن: [الكامل]
وعلى «الضّبيح» صرعت أول فارس ... أولى، فأولى يا بني لحيان
الورهاء:
فرس قتادة. ولها يقول مالك بن خالد بن الشّريد (3): [الوافر]
وأفلتنا قتادة يوم ترج ... على «الورهاء» تطعن في العنان
كنزة:
لمقعد بن شمّاس الجذامي ولها يقول (4): [الوافر]
أتأمرني «بكنزة» أمّ عمرو ... لأشريها؟ فقلت لها: ذريني
اليسير:
لأبي النضير السّعدي، وله يقول: [الوافر]
ألا أبلغ بني سعد رسولا ... بأنّي قد سبقت على «اليسير»
فإنّي «واليسير» إذا التقينا ... لكالمتكافئين على الأمور
__________
(1) البيت لسبيع بن الخطيم التيمي في تاج العروس (قرط)، (نحل)، ومعجم البلدان (القريظ).
(2) البيت في المفصليات ص 378، والأصمعيات ص 263.
(3) البيت في تاج العروس (وره).
(4) البيت بلا نسبة في تاج العروس (قشع).(6/273)
الجون:
للحارث بن أبي شمر الغسّاني، وله يقول علقمة بن عبدة (1): [الطويل]
وأقسمت لولا فارس «الجون» منهم ... لآبوا خزايا والإياب حبيب
العرن:
لعمير بن جبل البجليّ وله يقول: [البسيط]
يا ليت شعري! وليت أهلكت إرما ... هل يجزينّي بما أبليته «العرن»
هوجل: لربيعة بن غزالة السّكوني وله يقول (2): [الخفيف]
أيها السائلي «بهوجل» إني ... قائل الحقّ فاستمع ما أقول
الهدّاج: للرّيب بن الشّريق السعدي، وفيه قتل شقيق وحرمي (3): [الطويل] شقيق وحرميّ أراقا دماءنا ... وفارس «هدّاج» أشاب النّواصيا
العارم: لمنذر بن الأعلم الخولاني. وله يقول: [الرمل]
جال بي «العارم» في مأقط ... يغشى وأغشيه صدور العوال
نصاب: للأحوص بن عمرو، و «القرّاع»، له أيضا ويقول فيه (4): [البسيط] أرمي المقانب «بالقرّاع» معترضا ... معاود الكرّ مقداما إذا نزفا
الغزالة: لمحطّم بن الأرقم الخولانيّ ولها يقول: [الوافر]
تجول بي «الغزالة» في مكرّ ... كريه، ما يرام بضعف قلب
صعدة: لذؤيب بن هلال الخزاعيّ الكاهن وفيها يقول يوم أخذت منه:
[الطويل]
لعمرك إني يوم حانت بجدّة ... و «صعدة» إذ لاقيتهم، لذليل
النّعامة: لقرّاص الأزدي ولها يقول (5): [الطويل]
__________
(1) البيت في ديوان علقمة بن عبدة ص 43، وتاج العروس (جون).
(2) البيت في تاج العروس (وكل).
(3) البيت للحارثية في لسان العرب (هدج).
(4) البيت لغزالة السكوني في تاج العروس (قرع).
(5) البيت في تاج العروس (نعم).(6/274)
عرضت لهم صدر «النّعامة» أذرعا ... ولم أرج ذكرا، كلّ نفس أسوقها
الورد: لمالك بن شرحبيل ومنه يقول الأسعر الجعفي (1): [الخفيف]
كلّما قلت إنني ألحق «الور ... د» تمطّت به سبوح ذنوب
ذو الرّيش: لأبي هند الخولانيّ، وله يقول: [الطويل]
لعمري لقد أبقت «لذي الرّيش» بالعدى ... مواسم خزي ليس تبلى مع الدّهر
الطّيّار: لأبي ريسان الخولانيّ وله يقول (2): [الطويل]
لقد فضّل «الطّيّار» في الخيل إنّه ... يكرّ إذا حامت خيول ويحمل
ذو العنق: لمقداد بن الأسود الكندي.
الجناح: لمحمد بن مسلمة الأنصاريّ.
العوراء: قيس بن معاوية بن الفاتك، وكان يعرف بفارس العوراء.
المعلّى: لأسعر بن أبي حمران الجعفيّ وفيه يقول (3): [المتقارب]
أريد دماء بني مازن ... وراق «المعلّى» بياض اللّبن
بهرام: للنّعمان العتكيّ وله يقول (4): [الخفيف]
قد جعلنا «بهرام» للنّبل ترسا ... وأجبنا المضاف حين دعانا
صهبى: للنّمر بن تولب العكليّ ولها يقول: [الوافر]
أيذهب باطلا عدوات «صهبى» ... وركض الخيل تختلج اختلاجا
أطلال: لبكير بن عبد الله بن الشداخ الليثي وشهد مع سعد القادسية ويقال: إنه لما قطعوا الجسر الذي على نهر القادسية صاح بها وقال: «أطلال» فاجتمعت ووثبت فإذا هي من وراء النهر وهزم الله به المشركين يومئذ، فيقال إن عرض ذلك النهر يومئذ أربعون ذراعا فقالت الأعاجم: هذا أمر من السماء.
__________
(1) البيت في تاج العروس (ورد)، (سعر).
(2) البيت في تاج العروس (طير).
(3) البيت في تاج العروس (علو).
(4) البيت في تاج العروس (بهرم).(6/275)
وقال فيه الشاعر (1): [الطويل]
لقد غاب من خيل بموقان أحجمت ... بكير بن عبد الله فارس «أطلال»
الحليل: فرس مقسم بن كثير الأصبحيّ وله يقول (2): [البسيط]
ليت الفتاة الأصبحية أبصرت ... صبر «الحليل» على الطريق اللّاحب
العصفريّ: لمحمد بن يوسف أخي الحجّاج وكان من ولد الحرون.
الصريح وثادق والغمامة وقيد، كانت الملوك أبناء المنذر ولها يقول أبو دؤاد الإيادي (3): [الكامل]
نجل «الغمامة» و «الصّريح» و «ثادق» ... وبنات «قيد» نجل كلّ جواد
الشّعور: للحبطات وفيها يقول بعضهم: [الوافر]
فإنّي لن يفارقني مشيح ... نزيغ بين «أعوج» و «الشّعور»
خباس وناعق: لبني فقيم، وفيها يقول دكين بن رجاء الفقيميّ (4): [الرجز] بين «الخباسيّات» و «الأوافق» ... وبين آل «ساطع» و «ناعق»
«والأعوجيّات» وآل «لاحق»
رعشن: لمراد وفيه قيل (5): [الوافر]
وخيل قد وزعت «برعشنيّ» ... شديد الأسر يستوفي الحزاما
الصّغا: لمجاشع بن مسعود السّلميّ: وكانت من نجل الغبراء اشتراها عمر بن الخطاب بعشرة آلاف درهم، ثم غزا مجاشع، فقال عمر: تحبس هذه بالمدينة وصاحبها في نحر العدوّ وهو إليها أحوج فردّها إليه، فأنجبت عنده ولده حتى بعث الحجاج بن يوسف فأخذها بعينها.
القتاديّ والتّرياق: للخزرج في الإسلام، ولهما يقول إبراهيم بن بشير
__________
(1) البيت للشماخ بن ضرار في ديوانه ص 456، ولسان العرب (طلل)، وتاج العروس (طلل).
(2) البيت في تاج العروس (حلل).
(3) البيت في ديوان أبي دؤاد الإيادي ص 311.
(4) الرجز في تاج العروس (أفق).
(5) البيت لسلمة بن يزيد الجعفي في لسان العرب (رعش)، وتاج العروس (رعش).(6/276)
الأنصاري (1): [البسيط]
بين «القتاديّ» و «التّرياق» نسبتها ... جرداء معروقة اللّحيين سرحوب
الحرون: لمسلم بن عمرو الباهليّ اشتراه من رجل من بني هلال من نتاجهم وهو الحرون بن الخزز، وكان مسلم تزايد هو المهلّب بن أبي صفرة، على الحرون حتى بلغا به ألف دينار وكان مسلم أبصر الناس بفرس، وصنعة له، إنما كان يلقب «بالسائس» من بصره بالخيل فلما بلغ ألف دينار، وقد كان الفرس أصابه مغلة فلصق خاصرتاه، وكان صاحبه يبرأ من حرانه، فقال المهلب:
«فرس حرون مخطف بألف دينار قيل له: إنه ابن عوج. قال: لو كان أعوج نفسه على هذه الحالة ما ساوى هذا الثمن. فاشتراه مسلم. ثم أمر به فعطّش عطشا شديدا، وأمر بالماء، فبرّد فشرب منه حتى امتلأ، ثم أمر رجلا فركبه، وركضه حتى ملأه ربوا، فرجعت خاصرتاه، وسبق الناس دهرا، لا يتعلّق به فرس، ثم افتحله فلم ينجل إلا سابقا. وليس في الأرض جواد من لدن زمن يزيد معاوية ينسب إلا إلى الحرون. نتج البطين والبطان بن البطين لم ير مثلهما قط والقتاديّ، وكانت ترسل الخيل فيجيء السابق لمسلم ثم المصلّي، ثم توالى له عشرون فرسا ليس لأحد فيها شيء، فلما مات مسلم وورد الحجاج أخذ البطين من قتيبة بن مسلم، فبعث به إلى عبد الملك فوهبه لابنه الوليد، فسبق الناس ثم استفحله فهو أبو الذائد، والذّائد أبو أشقر مروان.
جلوى: لعبد الرحمن بن مسلم هي بنت الحرون لصلبه، ومن ولد الحرون.
مناهب: لبني يربوع.
الضّيف: لبني تغلب.
حميل: لبني عجل.
والبواب: أخو الّذائد بن البطين.
والصّاحب: لغنيّ.
__________
(1) البيت في تاج العروس (ترق).(6/277)
والقدح: لهم، سبق النّاس بالمدينة في زمان عمر بن عبد العزيز.
وغطيف: لعبد العزيز بن حاتم الباهلي.
والعصفريّ: لمحمد بن يوسف أخي الحجاج.
وذو الموتة: لبني سلول اشتراه بشر بن مروان بألف دينار.
وكان باليمامة عند الحكم بن عرعرة فرس يقال له: «الحموم»، من نسل الحرون فطلبها منه هشام بن عبد الملك، فقال الحكم: إن لها حقّا وصحبة، وما تطيب نفسي عنها، ولكني أهب لأمير المؤمنين ابنا لها، سبق الناس عاما أوّل، وإنه لرابض: قال: فضحك القوم فقال: وما يضحككم؟ أرسلتها عاما أول بجوّ في حلبة ربيعة وإنها لعقوق به، قد ربض في بطنها، فسبقت، فبعث به إلى هشام، فسبق الناس وما اثّغر وإنما قال وهو رابض. لأن الولد لا يربض في بطن الفرس إلا بعد عشرة أشهر فأراد أنها سبقت وهي مثقل.
الكميت، وريش، وذؤاب: لبني المعجب بن سفيان. يقول فيها المرقال:
[الرجز]
ورثت عن رب الكميت منصبا ... ورثت «ريشا» وورثت «ذؤابا»
ومن سوابق أهل الشام من الخارجية، التي لا يعرف لها نسب، فرسا عباد بن زياد القطراني، والأعرابي ومنه يقول التميمي: [الرجز]
قدنا من الشام إلى البلدان ... بنات الأعرابيّ كالعقبان
وفيما تقدم ذكره عدة من حر الأفراس، لم ننسبها إلى أربابها ونذكرها الآن فمن خيل بني أسد: ظبية، ومعروف، والمنيحة وناصح.
وأما ظبية فلهراش ولها يقول (1): [الوافر]
ظننتم أنّ «ظبية» لن تؤدي ... ورأي السوء يزري باللئام
ومعروف، لسلمة بن هند الغاضريّ وله يقول: [الطويل]
__________
(1) البيت في تاج العروس (ظبي).(6/278)
أكفّىء «معروفا» عليهم كأنّه ... إذا أزورّ من وقع الأسنّة أحرد
والمنيحة: فرس دثار بن فقعس الأسديّ ولها يقول (1): [الخفيف]
قرّبا مربط «المنيحة» منّي ... شهّت الحرب للصّلاة سعارا
وناصح لفضالة بن هند بن شريك، وله يقول: [الطويل]
«أناصح» شمّر للرّهان فإنها ... غداة حفاظ جمّعتها الحلائب
أثال: لضمرة بن ضمرة، وفيها يقول: [الوافر]
ولو صادفتني «وأثال» فيها ... رأيت العبد يطعن في ذراها
والخذواء: للشيطان بن الحكم الغنوي، وفيه يقول الطفيل بن عوف:
[الطويل]
لقد منّت «الخذواء» منّا عليهم ... وشيطان إذ يدعوكم ويثوّب
ولبني ضبّة الشّيّط: فرس أنيف بن جبلة الضبيّ، وهو جدّ داحس من قبل أمّه فيما يزعم العبسيون. وله يقول الشاعر: [الوافر]
«أنيف» لقد بخلت بعسب عود ... على جار بضبّة مستراد
والفينان: فرس قرابة بن هقرام الضبي، وله يقول: [الوافر]
إذا «الفينان» ألحقني بقوم ... فلم أقتل، فشلّ إذا بناني
وذات العجم: لرجل من بني حنظلة، وفيها يقول الزّبرقان بن بدر:
[الطويل]
رزئت أبي وابني شريف كليهما ... وفارس «ذات العجم» تحلو شمائله
ذو الوشوم: لعبد الله بن عدّاء البرجميّ. ومنه يقول: [الطويل]
أعارض في الحزن عدوا برأسه ... وفي السهل أعلو «ذا الوشوم» فأركب
وحفة: لعلاثة الحنظلي ولها يقول (2): [الطويل]
فما زلت أرميهم «بوحفة» عارضا ... لهم صدرها وحدّا أزرق منجل
__________
(1) البيت في تاج العروس (منح).
(2) البيت في لسان العرب (وحف)، وتاج العروس (وحف).(6/279)
ذو الوقوف: لرجل من بني نهشل وله يقول الأسود بن يعفر (1): [الكامل] خالي ابن فارس «ذي الوقوف» مطلّق ... وأبي أبو أسماء عبد الأسود
ذو الحمار: لمالك بن نويرة، منه يقول (2): [الطويل]
جزائي دوائي «ذو الخمار» وصنعتي ... على حين لا يقوى على الخيل عالف
الشّقراء: للرّقاد بن المنذر الضّبيّ وفيها يقول (3): [الطويل]
إذا المهرة «الشقراء» أدرك ظهرها ... فشبّ الإله الحرب بين القبائل
الورد لأحمر بن جندل بن نهشل وله يقول الشاعر: [الطويل]
تجنّبتنا «بالورد» يوم رأيتنا ... يمرّ كمرّ الثعلب المتمطّر
«الورد» أيضا لعامر بن طفيل: وفيه قتل يوم الرقم (4): [الطويل]
ولولا نجاء «الورد» لا شيء غيره ... وأمر الإله، ليس لله غالب
إذا لسكنت العام نفء ومنعجا ... بلاد الأعادي، أو بكتك الحبائب
وجزة: لزيد بن سنان بن أبي الحارثة ولها يقول (5): [الوافر]
رميتهم «بوجزة» إذ تواصوا ... وسال بحدّها أسل الرماح
البيضاء: لبحير بن عبد الله بن سلمة بن قشير، ولها يقول: [الطويل]
تمطّت بي «البيضاء» بعد اختلاسة ... على دهش، وخلتني لم أكذّب
قصاف: لزياد بن الأشهب القشيري. ولها يقول: [الوافر]
أتاني «بالقصاف» وقال: خذه ... علانية فقد برح الخفاء
زرّة: لمرداس بن أبي عامر أبي العباس، وفيها يقول: [الطويل]
وما كان تهليلي لدي إذ رميتهم ... «بزرّة» إلا حاسرا غير معلم
المصبّح: لعوف بن الكاهن السّلميّ. وله يقول: [الطويل]
__________
(1) البيت في ديوان الأسود بن يعفر ص 33، وتاج العروس (وقف).
(2) البيت في ديوان مالك بن نويرة ص 75، ولسان العرب (خمر).
(3) البيت في تاج العروس (شقر).
(4) البيتان لتميمة بنت أهبان العبسية في تاج العروس (ورد)، (نفأ)، (نعج)، والأغاني 21/ 78.
(5) البيت ليزيد بن سنان في لسان العرب (وجز).(6/280)
نصبت لهم صدر «المصبّح» بعدما ... تدارك ركض منهم متعاجل
زامل: لمرداس بن معاوية السلمي، وقيل: معاوية بن مرداس، أخو العباس وفيه يقول: [الطويل]
لعمري لقد أكثرت تعريض «زامل» ... لوقع السلاح أو ليفزع عابرا
الصّيود: لبني سليم ومنها يقول عباس بن مرداس (1): [الوافر]
أبوها «للضّبيب» أو افتلتها ... ذوات السّنّ من آل «الصّيود»
العرادة: لأبي دؤاد الإيادي واسمه حارثة بن الحجاج ولها يقول:
[الخفيف]
قرّبا مربط العرادة إن ال ... حرب فيها تلاتل وهموم
الحمالة: لطفيل بن مالك، ثم صارت إلى عامر بن الطفيل وفيها يقول سلمة بن عوف النصري (2): [الطويل]
نجوت بنصل السّيف لا غمد فوقه ... وسرج على ظهر «الحمالة» قاتر
قرزل: للطّفيل بن مالك أيضا، ويقول فيه أوس بن حجر (3): [السريع]
والله لولا «قرزل» إذ نجا ... لكان مثوى خدّك الأخرما
القويس: لسلمة بن الحارث العبسي ولها يقول (4): [الطويل]
عطفت له صدر «القويس» وأتّقي ... بلين من المرّان: أسمر مطرد
سلّم: لزبّان بن سيّار الفزاريّ، وفيه يقول لزيد الخيل: [الطويل]
مننت فلا تكفر بلائي ونعمتي ... وأدّ كما أدّاك يا زيد «سلّما»
المنكدر: لرجل من بني غنم بن ثعلب وله يقول المرّار: [الرجز]
ببعيد قدره ذي عذر ... صلتان من بنات «المنكدر»
__________
(1) البيت في تاج العروس (صيد).
(2) البيت في تاج العروس (نحو).
(3) البيت في ديوان أوس بن حجر ص 113، ولسان العرب (قرزل)، (خرم)، وتاج العروس (قرزل)، (خرم).
(4) البيت لسلمة بن الخرشب الأنماري في تاج العروس (قوس).(6/281)
خميرة: لشيطان بن مدلج الجثميّ ولها يقول: [الطويل]
أتتني بها تسري «خميرة» موهنا ... كمسرى الدّهيم أو «خميرة» أشأم
نباك: لمخلد بن شمّاخ التغلبي وله يقول (1): [الوافر]
فإنّي لن يفارقني «نباك» ... يرى التقريب والتّعداء دينا
الشّموس: ليزيد بن حذّاق ولها يقول (2): [الطويل]
ألا هل أتاها أنّ شكّة حازم ... عليّ، وأنّي قد صنعت «الشّموسا»
أسامي الأفراس التي ذكرناها ونسبناها إلى أربابها أفراس رسول الله صلى الله عليه وسلم:
السّكب، المرتجز، لزاز، الظّرب، واللحيف، واليعسوب.
الأفراس القديمة: زاد الركب، الهجيسيّ، الديناري، أعوج، سبل، فيّاض، قسامة، ذو العقال، جلوى، حمالة.
أفراس مضر وربيعة: الورد، الغراب، الوجيه، لاحق، الذّهب، مكتوم، داحس، الغبراء، الحنفاء، قسّام، فيّاض، سوادة، الحمالة، القريط، اللّطيم، مصاد الأجدل، اليعسوب، ذو اللّمة، ثادق، العسجديّ، لاحق الأصغر، زرّة، حزمة، الحمالة الصغرى، الظّليم، ظبية، معروف، ناصح، الشّوهاء، الخنثى، الرّقيب، النّباك، العرادة، حلّاب، أثال، نشيط، الخذواء، الشيّط، العباب لازم كامل ذات العجم ذو الوشوم وحفة، ذو الوقوف، مبدوع، الجون، الغرّاف، شولة النّحّام، المزنوق، الحذفة، جروة، الأبجر، وجزة، محاج العبيد، صونة، الصّموت، البيضاء، قصاف، المصبّح، زامل، الصيود، قرزل، القويس، سلّم، خصاف، ميّاس، السلس، اليسير، العرّاج، نصاب، الصفا، النّعامة، صهباء، أطلال، الشّموس، حباس، مناهب، حميل، البواب، الصّاحب، القدح، العصفريّ، ذو الموتة، الحموم، الكميت، رس، ذؤاب، القطرانيّ، الأعرابيّ، الفينان، المنكدر، الخميرة، النّباك، العنز، هراوة الأعزاب، الورهاء، السّميدع، الوديعة، الشّقراء.
__________
(1) البيت لسفاح بن خالد الشيباني في تاج العروس (نبك).
(2) البيت في تاج العروس (شمس)، وشرح اختيارات المفضّل ص 1282، ولسان العرب (سندس).(6/282)
أفراس اليمن: الجون، اليحموم، العطّاف، الهطّال، العطّاس، العصا، العصيّة، الضّبيب، البريت، حومل، مريط، نحلة، شاهر، مودود، الضّبيح، كنزة، العارم العرن، موكل، هوجل، القرّاع، الغزالة، صعدة، الورد، ذو الرّيش، الطّيّار، ذو العنق، الحشّاء، المعلّى، بهرام، الحليل، الصّريح، ثادق، الغمامة مريد، رعشن، القتاري التّرياق، صهبى، الخيل.
ومن الأفراس التي لم تنسب إلى أربابها: الأتان، الطّيّار، الرّبيب، العريان، الصّبيح، مندوب، اليحموم، الظّليم، أم غليط، اليسار، الحفّار، الخطّار، الصّموت، غزلاء، الميّاس، سبحة، الضّاوي، الأصفر، الحوّاء، الغراب، الوالقي، البقية، الطّريح.(6/283)
ومن الأفراس التي لم تنسب إلى أربابها: الأتان، الطّيّار، الرّبيب، العريان، الصّبيح، مندوب، اليحموم، الظّليم، أم غليط، اليسار، الحفّار، الخطّار، الصّموت، غزلاء، الميّاس، سبحة، الضّاوي، الأصفر، الحوّاء، الغراب، الوالقي، البقية، الطّريح.
الباب العاشر فيه: أسامي سيوف العرب
أسياف رسول الله صلى الله عليه وسلم:
المخذّم، ورسوب. وأصاب من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف منها:
سيف قلعي، وسيف يدعى الحنف، وسيف يدعى يسارا.
أسياف علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ذو الفقار كان للعاص بن منبّه السهمي قتله علي رضي الله عنه يوم بدر، وأتى بسيفه فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، وفيه قيل:
لا سيف إلا ذو الفقار ... ، ولا فتى إلا عليّ
وروي أنه سمع ذلك في الهواء يوم أحد، وروي أن بلقيس أهدت إلى سليمان بن داود عليه السلام سبعة أسياف: ذو الفقار، وذو النون، وضرس الحمار، والكشوح، والصمصامة، وهذاما، ورسوبا.
فأما ذو الفقار: فكان لمنبّه بن الحجاج السهمي، وأما الصمصامة وذو النون فكانا لعمرو بن معد يكرب، وأما مخذم ورسوب فكانا للحارث بن جبلة الغساني شهد بها يوم حليمة، مظاهرا بين درعين متقلدا لسيفين فقال علقمة بن عبدة فيه (1): [الطويل]
مظاهر سربالي حديد عليهما ... عقيلا سيوف مخذم ورسوب
فقلدهما الحارث صنما كان لطيىء في الجاهلية يقال له «الفلس» وكان أهل
__________
(1) البيت في ديوان علقمة بن عبدة ص 44، ولسان العرب (خذم)، ومعجم البلدان (مناة)، وشرح اختيارات المفضل ص 1592، وتاج العروس (رسب)، (خذم).(6/284)
الجاهلية يقلدون الأصنام السيوف فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه، فهدم الفلس وأخذ السيفين، فقدم بهما على النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إن الحارث كان قلدهما مناة.
وسيف حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه: «اللّيّام» وفيه قتل يوم أحد وقتل عثمان بن أبي طلحة ومعه اللّواء (1): [البسيط]
قد ذاق عثمان يوم الحدّ من أحد ... مع «اللّيّام»، فأودى وهو مذموم
سيف عبد المطلب الذي ورثه عن أبيه «العطشان» وفيه يقول (2): [البسيط] من خانه سيفه في يوم ملحمة ... فإن «عطشان» لم ينكل ولم يخن
سيف عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد «ولول» وفيه يقول (3): [الرجز]
أنا ابن عتّاب وسيفي «ولول» ... والموت دون الجمل المجلّل
سيف هبيرة بن أبي وهب المخزومي الهذلول وفيه يقول (4): [الطويل]
وكم من كميّ قد سلبت سلاحه ... وغادره «الهذلول» يكبو مجدّلا
سيف الحارث بن هشام «الأخيرش» قال فيه: [الطويل]
وجنّبت خيلي بنحل ولا ونت ... ولا لمت يوم الروع وقع «الأخيرش»
نحل: موضع بالأردن.
سيف عكرمة بن أبي جهل «النّزيف» قال يوم بدر وقد قتل ابن عفراء (5):
[الطويل]
وقبلهما أردى «النزيف» سميدعا ... له من سناء المجد بيت منقّب
__________
(1) البيت لحمزة بن عبد المطلب في لسان العرب (لوح)، وتاج العروس (لوح)، وتهذيب اللغة 5/ 249.
(2) البيت في لسان العرب (عطش)، وتاج العروس (عطش).
(3) الرجز في تاج العروس (ولول).
(4) البيت لهبيرة بن أبي وهب المخزومي في تاج العروس (هذل)، ولبعض بني مخزوم في لسان العرب (هذل).
(5) البيت في لسان العرب (نزف)، وتاج العروس (نزف).(6/285)
سيف عمر بن محمد بن أبي قيس بن عبد ود «الملك» قال: [البسيط]
إنّ «الملك» لسيف ما ضربت به ... يوما من الدهر إلا جدّ أو كسرا
سيف ضرّار بن الخطاب الفهري «السّحاب» قال فيه (1): [البسيط]
فما «السحاب» غداة الحر من أحد ... بناكل الحدّ إذا عاينت غسانا
سيف عمرو بن العاص «اللج» قال في بعض حروب الشام: [الرجز]
اضربهم «باللّج»
حتى يجلو الفج
لمن مشى ودج
سيف عمر بن سعد بن أبي وقاص «الملاء» قيل فيه (2): [الطويل]
تجرّد فيها «والملاء» بكفّه ... وأبيض يعشو من ملاوة البصر
سيف خالد بن يزيد بن معاوية «العمر» قال (3): [الطويل]
قطعت بها مستبطنا تحت ربطتي ... وفوق قميص «العمر» ذا شطب غضبا
سيوف خالد بن الوليد: «المرسب» وفيه يقول (4): [الرجز]
ضربت بالمرسب رأس البطريق
علوت منه مجمع الفروق
«الآؤلق» وفيه يقول (5): [الرجز]
__________
(1) البيت في تاج العروس (سحب).
(2) يروى البيت بلفظ:
تجرّد فيها والملاء بكفّه ... ليحمذ منها ما تشذّر واستعر
والبيت لابن النويعم في تاج العروس (ملأ).
(3) يروى البيت بلفظ:
سريت بها مستلطفا دون ريطتي ... ودون ردائي الجرد ذا شطب عضبا
والبيت بلا نسبة في لسان العرب (لطف)، وتهذيب اللغة 13/ 347، وأساس البلاغة (لطف)، وتاج العروس (لطف).
(4) الرجز في لسان العرب (سب)، وتاج العروس (رسب).
(5) الرجز في تاج العروس (ألق).(6/286)
أضربهم بالآولق
ضرب غلام ممئق
بصارم ذي رونق
والقرطبا (1): [البسيط]
علوت «بالقرطبا» رأس ابن مارية ... عمرو، فأصبح وسط الحرب مثلولا
«وذو القرط» ومنه يقول (2): [الخفيف]
«وبذي القرط» قد قتلت رجلا ... من كهول طماطم وعراب
سيف المختار بن أبي عبيد الثقفي «ذو الراحة» قال فيه (3) [الرجز]
ربّ كميّ عاش دهرا مصعبا ... بنى عليه المجد بيتا مرتّبا
علاه «ذو الراحة» حتى أجلبا ... تركته في دمه مخضّبا
سيف حكيم بن جبلة العبدي «اليابس» قال فيه يوم الجمل (4): [الرجز] أضربهم باليابس
ضرب غلام عابس
سيف الحارث بن ظالم «ذو الحيات»، قال: [الطويل]
ضربت «بذي الحيات» مفرق رأسه ... وكان سلامي يحتويه الجماجم
و «المغلوب» ومنه يقول (5): [الرجز]
أنا أبو ليلى، وسيفي المغلوب
سيف قيس بن زهير العبسي «ذو النون» ومنه يقول: [الوافر]
سيخبر قومه حنش بن عمرو ... إذا لاقاهم وابنا بلال
__________
(1) البيت في تاج العروس (قرطب).
(2) البيت لخالد بن الوليد في تاج العروس (قرط).
(3) الرجز في تاج العروس (روح).
(4) الرجز في تاج العروس (يبس).
(5) يروى: «المعلوب» بالعين المهملة، والرجز للحارث بن ظالم في تهذيب اللغة 2/ 407، وجمهرة اللغة ص 367، وتاج العروس (أشب)، وبلا نسبة في لسان العرب (شذب)، (علب).(6/287)
ويخبره مكان «النّون» منّي ... وما أعطيته عرق الحلال
سيف عبد الرحمن بن سراقة بن جعشم الكناني «المجر» قال فيه: [الوافر] فاضرب فحلها فهوى صريعا ... وغادره «المجرّ» إلى ثلاثة
سيف عبد الله بن مسبرة الجرشي «المرهف» قال فيه (1): [البسيط]
علوت «بالمرهف» المأثور هامته ... فما استجاب لداعيه وقد سمعا
سيف عبد الله بن الحجاج التغلبي «القوط» قال: [البسيط]
فما ذممت أخي «قوطا» فأبغضه ... ولا نبا نبوة يوما فيخزيني
سيف عمرو بن معد يكرب «ذو النون» قال: [الوافر]
و «ذو النون» الصّفيّ، صفيّ عمرو ... وكلّ وارد الغمرات نابي
وصمصامة: قال: [الوافر]
خليل لم أهبه عن قلاه ... ولكنّ المواهب في الكرام
سنان أزرق لا عيب فيها ... «وصمصامي» يصمّم في العظام
سيف عدي بن حاتم «الأفل» وفيه يقول (2): [الكامل]
إنّي لأبذل طارفي وتلادي ... إلا «الأفلّ» وشكتي والجرولا
سيف معقل الجراح «الجو» قال: [المنسرح]
وربّ قرن علوت مفرقه ... «بالجو» فيه كشعلة القبس
سيف زيد الخيل الطائي «القرين» وقال فيه (3) [الطويل]
فمن يك أمسى لائما لكميعة ... فمع «القرين» ما نبابي ولا نكل
سيف قيس بن المكشوح المرادي «المقوم» قال (4): [الكامل]
ليس المقوم حين أخبره ... يوم الحفاظ بنا كل الحدّ
سيف الأشر «اليم» قال يوم الجمل (5): [المتقارب]
__________
(1) البيت لعبد الله بن سبرة في لسان العرب (زعف)، وتهذيب اللغة 2/ 145، وتاج العروس (زعف).
(2) البيت في تاج العروس (فلل).
(3) البيت في تاج العروس (قرن).
(4) البيت في تاج العروس (قوم).
(5) البيتان في تاج العروس (يمم).(6/288)
ما خائن «اليم» في مآقط ... ولا مشهر إذ شددت الإزارا
على أنّه قد نبا نبوة ... فأجمعت النفس منه حذارا
يعني، حين ضرب ابن الزبير على رأسه فنبا.
سيف بجير بن حارثة بن لام «لسان الكلب» قال فيه (1): [الطويل]
فإن لسان الكلب مانع حوزتي ... إذا حشدت معن وأفناء بحتر
سيف زهير بن جناب الكلبي «اليج» قال فيه: [الوافر]
ضربت قذاله «باليج» حتى ... سمعت السيف قبقب في العظام
سيف عرفجة بن سلامة الكلبي «الليل» قال (2): [مجزوء الكامل]
آتيك سلمى باطلا ... «والليل» ذو الغربين كمعي
سيف عبد الرحمن بن سليم الكلبي «عابس» قال الفرزدق (3): [الطويل]
إذا ما تردّى «عابسا» فاض سيفه ... دماء ويعطى ماله أن تبسّما
سيف عبد الملك بن الغافل الخولاني «الخطير» وكان سيفا عريضا، أخضر، في معزبه فل.
فلما ولي العباس بن محمد بن إبراهيم اليمن، استعمل روق بن عباد بن محمد بن كثير بن شهاب الخولاني، على مخلاف «خولان» فقال: حاجتي «الخطير» تهبه لي. فوهبه له.
وقال ابن شهاب: [المتقارب]
ولا أبتغي بدلا «بالخطير» ... فكلّ بديل به أعور
سيف أبي الحسين بن عمرو الكندي «القفزن» قال: [الرجز]
إني ابن الحبر، وسيفي «القفزن» ... أسبره حجر بن عمرو بن هوزن
سيف قيس بن معد يكرب «القلزم» (4) قال: [الرجز]
__________
(1) البيت في لسان العرب (كلب).
(2) البيت لعرفجة بن سلامة الكلبي، وقيل الكندي، في تاج العروس (ليل).
(3) البيت في ديوان الفرزدق 2/ 279، وتاج العروس (عبس).
(4) الرجز في تاج العروس (قلزم).(6/289)
أنا ابن وقاص وسيفي القلزم ... كم من كميّ بطل مسوّم
تركته يحكو مكاء الأعجم
سيف الأشعث بن قيس «التمثال».
سيف أبرهة بن الصباح الحميري «العمار» مكتوب فيه:
أنا العمار، اضرب بي، ولا تمار.
سيف ابن مرثد بن عبس «ذي جدن» مكتوب فيه: أنا برثن الأسد، المفرق بين الوالد والولد.
سيف المنذر: «القحزنات» قال الغوي حين قتله المنذر عبيد بن الأبرص الأسدي: [الطويل]
دعا أسدا «والقحزنات» تنوشه ... ومن دونه هضب الرجام فالعنق
سيف بن ذي يرحم مكتوب فيه: «أنا ثأر الله من الظالمين».
سيف شرحيل «الصقل».
سيف عمرو بن الحليّ الكلاعي «الحبحاب» قال فيه (1): [مجزوء الوافر] مقتدرا فما قضا ... ك للحبحاب إذ وقعا
سيف عمرو أبي سلمة «الملواح»، قال سراقة البارقي: [الوافر]
إذا قبضت أنامل كفّ عمرو ... على «الملواح» واحتدم اللقاء
سيف قيس بن الخطيم «ذو الخرصين» قال (2): [الطويل]
ضربت «بذي الخرصين» رقبة مالك ... فأنت نفس قد أصبت شفاءها
سيف مالك بن كعب الهمداني ثم الأرحبيّ «الباتك» قال (3): [الرجز]
أنا أبو حارث واسمي مالك
من أرحب في العدد الضبارك
__________
(1) البيت في تاج العروس (حبحب).
(2) البيت لقيس بن الخطيم في ديوانه ص 44، وتاج العروس (خرص).
(3) الرجز في تاج العروس (بتك).(6/290)
أمهى غرابيه لنا ابن فاتك
سيف مالك بن العجلان الأنصاري «المسنون» قال (1): [الرجز]
أنا ابن عجلان زعيم الحبين ... علوت «بالمسنون» رأس البطين
سيف أبي دجانة سماك بن حرب الساعدي «الحت»: [الرجز]
أنا سماك وقبيلي ساعده ... وسيفي «الحت» ودرعي الزائده
سيف أبي قتادة الأنصاري «الهجوم» قال: [الوافر]
إذا كان «الهجوم» ضجيع جنبي ... ورمحي والهراء من العوالي
سيف أسيد بن الحضير الأشهلي «الأزرق» قال: [الرجز]
أنا أبو يحيى وسيفي «الأزرق» ... كم قطّ من جماجم وأسوق
سيف ثابت بن قيس بن شماس «الملوّح» قال: [الوافر]
فمن يك لائما للسيف منكم ... فما كان «الملوّح» بالملوم
سيف عامر بن يزيد بن عامر الكناني «القراقر» لقيه مكرز بن حفص من بني معيص وكان عامر قد قتل أخاه فابتدره بالسيف فأخذه وعلاه به حتى قتله وقال:
[الطويل]
وأيقنت أنّي إن أجله بضربة ... متى ما أصبه «بالقراقر» يعطب
سيف عمر بن الخطاب رضي الله عنه «ذو الوشاح» أخذه من ابنه عبد الله بصفين يوم قتل وفيه قال: [الطويل]
إذا كان سيفي «ذا الوشاح» ومركبي ... الظّليم فلم يطل دم أنا طالبه
سيف زمعة بن الأسود بن المطلب «لسان الكلب» صار لابنه عبد الله وبه قتل هدبة بن خشرم، وقال المسود بن الوباك لما قتله: [الوافر]
«لسان الكلب» قطّع ويل ثأري ... فأذهب غلّي، وشفيت نفسي
سيف زيد بن الحارثة الكلبي «الغريف» قال فيه: [الكامل]
سيفي «الغريف» وفوق جلدي نثرة ... من صنع داود لها أزرار
__________
(1) الرجز في تاج العروس (سنن).(6/291)
سيف عبد الله بن الحارث بن نوفل «الشقيق» أراده معاوية رضي الله عنه على بيعه وأثمن له فأبى وقال: [الكامل]
آليت لا أشري الشقيق برغبة ... معاوي، إنّي بالشقيق ضنين
وقال الجرير للفرزدق: [الطويل]
فلو «بشقيق» النوفلي ضربته ... لقسمته والسيف ليس بناكل
ولكن بسيف القين سبحك غالب ... ضربت به بأشر حاف وناعل
سيف خالد بن سعيد بن العاص أبو أحيحة «ذعلوق» قال: [الرجز]
إني سعيد ووشاحي «ذعلوق» ... أعلو به هامة كلّ بطريق
سيف سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل «الفائز» وآخر اسمه «الخيل» قال:
[الرجز]
اضرب «بالفائز» و «الخيل» ... ضرب كريم ماجد بهلول
سيف خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد «ذو الكف» قال (1): [الطويل] سل ابن أثال هل علوت قذاله ... «بذي الكفّ» حتى خرّ منه موسّد
__________
(1) البيت في تاج العروس (كفف).(6/292)
الباب الحادي عشر نوادر الأعراب
دخل أعرابيّ البصرة في يوم جمعة، والناس في الصلاة، فركع معهم فرجموه، فرفع يده، ولطم الذي يليه، وأخذ يزاحم ويقول في صلاته: [الرجز]
ترحماني بحذاء من حمى ... عبل الذّراعين، شديدا ملطما
ولّى يوسف بن عمر أعرابيا عملا له فأصاب عليه خيانة فعزله، فلما قدم عليه قال له: يا عدوّ الله أكلت مال الله، قال: فمن مال من آكل إذن.
كانت في وكيع بن أبي سود أعرابية، وهوج شديد، فقال يوما وهو يخطب: إنّ الله خلق السموات والأرض في ست سنين، فقال بعض جلسائه:
في ستة أيام. فقال: قلت الأولى وإنّي لأستقلها.
وصعد المنبر فقال: إن ربيعة لم تزل غضابا على الله منذ بعث نبيّه في مضر، ألا [و] إنّ ربيعة قوم كشف، فإذا لقيتموهم فأطعنوا الخيل في مناخرها، فإن فرسا لم يطعن في منخره إلا كان أشد على فارسه من عدوه.
ورئي بعضهم في شهر رمضان نهارا يأكل فاكهة، فقيل له: ما تصنع؟ قال:
سمعت الله يقول: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذََا أَثْمَرَ} [الأنعام: 141] وخفت أن أموت من قبل أن أفطر، فأكون عاصيا.
قيل لآخر: ما يمنعك أن تمنع جارتك، فإنّه يتحدث إليها فتيان؟ قال:
وهي طائعة أو كارهة؟
قالوا: طائعة، فقال: أما امتنعت جارتي مما تكره؟
قال: لما صرّفت اليمانية من أهل مزّة الماء عن أهل دمشق، ووجّهوه إلى
الصّحارى كتب إليهم أبو الهيذام: يا أهل مزّة، ليمسّينّني الماء أو لتصبّحنّكم الخيل؟ قال: فوافاهم الماء قبل أن يعتموا فقال أبو الهيذام: «الصدق ينبي عنك لا الوعيد».(6/293)
قال: لما صرّفت اليمانية من أهل مزّة الماء عن أهل دمشق، ووجّهوه إلى
الصّحارى كتب إليهم أبو الهيذام: يا أهل مزّة، ليمسّينّني الماء أو لتصبّحنّكم الخيل؟ قال: فوافاهم الماء قبل أن يعتموا فقال أبو الهيذام: «الصدق ينبي عنك لا الوعيد».
قيل لأعرابي من طيىء: أبا امرأتك حبل؟ فقال: لا، وذو بيّنة في السماء، ما أدري، ما لها ذنب تشتال به، ولا آتيها إلا وهي ضبعة.
وقف أعرابي فسأل قوما، فقالوا: عليك بالصيارفة فقال: هناك والله قرارة اللؤم.
خطب عتاب بن ورقاء فحث على الجهاد وقال: هذا كما قال الله عز وجل (1): [الخفيف]
كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيول
وخطب ولي اليمامة فقال: إنّ الله لا يأخذ عباده على المعاصي، وقد أهلك أمة عظيمة في ناقة ما كانت تساوي مائتي درهم.
خطب عدي بن وتاد الإيادي فقال: أقول لكم كما قال العبد الصالح: {مََا أُرِيكُمْ إِلََّا مََا أَرى ََ وَمََا أَهْدِيكُمْ إِلََّا سَبِيلَ الرَّشََادِ} [غافر: 29] قالوا ليس هذا قول العبد الصالح، إنما هو من قول فرعون، فقال:
ومن قاله، فقد أحسن.
سمع أعرابي سورة براءة فقال: ينبغي أن يكون هذا آخر القرآن، قيل له:
ولم؟ قال: رأيت عهودا تنبذ.
وقال الأصمعي: صلّى أعرابيا فأطال الصلاة، وإلى جانبه ناس فقالوا: ما أحسن صلاته فقطع صلاته، وقال: وأنا مع هذا صائم.
استشهدوا أعرابيا على رجل وامرأة، فقال: رأيته قد تقمّصها، يحفزها بمؤخره، ويجذبها بمقدّمه، وخفي عليّ المسلك.
__________
(1) البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص 338، والعقد الفريد 6/ 159، والأغاني 8/ 138، وعيون الأخبار 3/ 49، والبيان والتبيين 2/ 235، والكامل للمبرد ص 186.(6/294)
رفع أعرابي يده بمكة فقال: اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس.
وكان أعرابي باليمامة واليا على الماء، وإذا اختصم إليه اثنان، وأشكل عليه القضاء حبسهما جميعا حتى يصطلحا، ويقول: زوال اللّبس أو الحبس.
رأى أعرابيّ رقافة فقال: ما هذه؟ قالوا: خبزة مرققة، قال: فكيف تؤكل؟
قالوا: تلف وتؤكل قال: فما عناؤكم ببسطها؟
سمع أعرابيّ المغيرة بن شعبة (1) يقول: من زنا تسع زنيات وعمل حسنة واحدة، محيت عنه التّسع، وكتبت له الواحدة، فقال الأعرابي: فهلمّ نتّجر في الزنى.
وجد أعرابي مرآة وكان قبيحا، فنظر فيها ورأى وجهه فاستقبحه، فرمى بها وقال: لشر ما طرحك أهلك.
العتبيّ: كان مجالسا لرجل من بني الحجاز، فقال يوما: نظرت من جنسي، فلم أجده فأصابتني هجنة إلا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، فقلنا له: هذا أنت الآن صريح، وإسماعيل هجين فأيكما أشرف؟ قال:
فمسح سباله وقال: أما أنا فلا أقول شيئا.
ولي أعرابي تبالة فصعد المنبر، فلا حمد الله ولا أثنى عليه، حتى قال:
اللهم أصلح عبدك وخليفتك أنّي أنت، إن الأمير أصلحه الله ولّاني عليكم. وأيم الله ما أعرف من الحق موضع سوطي هذا، وإني والله لا أوتي بظالم ولا مظلوم إلا ضربته حتى يموت.
شهد آخر عند بعض الولاة على رجل بالزّنى فقال له: أشهد أنك رأيته كالميل في المكحلة، فقال الأعرابي: لو كنت جلدة استها ما شهدت بها.
تغدّى أعرابي مع قوم فأتى بخلّال قلبه ثم قال: وأصنع بهذه الصيصية (2) ماذا؟
__________
(1) هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، أبو عبد الله، ولد بالطائف سنة 20قبل الهجرة، أحد دهاة العرب وقادتهم، صحابي، يقال له مغيرة الرأي، توفي سنة 50هـ (الأعلام 7/ 277).
(2) الصيصية، بالكسر: شوكة الحائك يسوّي بها السّدى واللّحمة، وشوكة الديك، وقرن البقر والظباء، والحصن، وكل ما امتنع به.(6/295)
جلس أعرابيّ وأعرابية، طائي وطائية، فأكلا من التّمر، وشربا من اللبن فقال الرجل: أنحن أشبع يا أمّ فلان أم معاوية؟ فقالت: نحن أشبع، وهم أكسى!
ركب شيخ من بني تميم سفينة ومعه ابن له، وفي السفينة، جماعة نسبهم الشيخ فإذا كلّهم من الأزد، فأخذ الشيخ حديدة، وجعل ينقر بها السفينة فقال له ابنه: يا به ما تصنع؟ قال: أخرقها، قال: إذا تغرق! قال: يا بني: ألا ترضى أن أغرق أنا وأنت وثمانية عشر رجلا من الأزد؟!
كان أعرابي إذا توضّأ، غسل وجهه قبل استه، فقيل له في ذلك، فقال: لا أبدأ بالخبيثة قبل الطّيبة.
قال بعضهم: أتيت لخما وجذاما، فكانوا يقدّمون العروس، فصلّى بهم سبعة أيام، فقلت لهم: ما هذه السّنّة؟ قالوا: أما سمعت الله يقول في كتابه: كاد العروس أن يكون ملكا.
قال الأصمعي: عذلت أعرابيّا في الكذب، فقال: والله إني لأسمعه من غيري، فيدار بي من شهوته.
كان بعض الأعراب يأكل ومعه بنوه، فجعلوا يأخذون اللحم من بين يديه، فقال: يا بنيّ إن الله تعالى يقول: {فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ وَلََا تَنْهَرْهُمََا} [الإسراء: 23]، لأن تقولوا لي «أفّ» ألف مرة، إذ في كلّ مرّة سبعون انتهارا، أهون عليّ ممّا تفعلون.
قال بعضهم: سمعت أعرابيا يقول في صلاته: اغفر لي ولمحمد فقط، وأسألك تعجيل حسابي قبل أن يهلك الخلق.
قيل لأعرابيّ: ما طعم اللّبن؟ قال: طعم الخير.
قال أعرابيّ: خطب منا رجل مغموز امرأة مغموزة فقيل لوليّ المرأة: تعمّم لكم فزوجتموه، فقال: إنا تبرقعنا له، قبل أن يتعمّم لنا.
قدّم بعضهم الصلاة على امرأة كانت فاسدة فقال في الدعاء: اللهم! إنها كانت تسيء خلقها، وتعصي بعلها، وتبذل فرجها، وتحزن جارها، فحاسبها حسابا أدقّ من شعر استها!
ولي أعرابيّ البحرين فجمع اليهود فقال لهم: ما تقولون في عيسى؟ قالوا:(6/296)
قدّم بعضهم الصلاة على امرأة كانت فاسدة فقال في الدعاء: اللهم! إنها كانت تسيء خلقها، وتعصي بعلها، وتبذل فرجها، وتحزن جارها، فحاسبها حسابا أدقّ من شعر استها!
ولي أعرابيّ البحرين فجمع اليهود فقال لهم: ما تقولون في عيسى؟ قالوا:
قتلناه وصلبناه فقال: لا تخرجوا من السجن حتى تؤدوا ديته.
قيل لأعرابي: أتعرف أبا عمرو؟ قال: كيف لا أعرفه؟ وهو متربّع في كبدي، يعني الجوع.
خرج المهدي يتصيد فغار به فرسه حتى دفع إلى خباء أعرابيّ فقال: يا أعرابيّ هل من قرى؟ قال: نعم، وأخرج له فضلة من ملّة فأكلها، وفضلة من لبن في كرش فسقاه، ثم أتاه نبيذ في زكرة، فسقاه قعبا فلما شرب المهديّ قال: أتدري من أنا؟ قال: لا والله، قال: أنا من خدم الخاصّة، قال: بارك الله لك في موضعك، ثم سقاه آخر، فلما شربه قال: يا أعرابيّ أتدري من أنا؟ قال:
نعم زعمت أنك من خدم الخاصة، قال: لا بل أنا من قوّاد أمير المؤمنين، فقال:
رحبت بلادك، وطال مزارك، ثم سقاه قدحا آخر ثالثا، فلما فرغ منه قال: يا أعرابيّ أتدري من أنا؟ قال: زعمت أخيرا أنك من قواد أمير المؤمنين قال: لا ولكنّي أمير المؤمنين، فأخذ الأعرابي الزّكرة فأوكاها، وقال: والله لئن شربت الرابع لتقولنّ: إنك لرسول الله، فضحك المهدي وأحاطت بهم الخيل ونزل أبناء الملوك والأشراف، فطار قلب الأعرابي فقال له: لا بأس عليك، وأمر له بصلة فقال: أشهد أنك صادق ولو ادّعيت الرابعة لخرجت منها.
رأوا أعرابيّا يبول في المسجد، فصاحوا إليه فقال: أنا والله أفقه منكم، إنه مسجد باهلة.
وقيل لآخر: لم لا تشري البطيخ؟ قال: لا والله لا أشتري حتى يبلغ من رخصه أن يكون من تناول من بائعه بطيخة، وعدا، رماه بأخرى.
لزم أعرابي سفيان بن عيينة (1) حتى سمع منه ثلاثة آلاف حديث، ثم جاء يودعه فقال له سفيان: يا أعرابي! ما أعجبك من حديثنا؟ قال: ثلاثة أحاديث:
حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب الحلواء ويحب العسل، وحديثه عليه
__________
(1) سفيان بن عيينة: تقدمت ترجمته.(6/297)
السلام إذا وضع العشاء وحضرت الصلاة فابدؤوا بالعشاء، وحديث عائشة عنه صلى الله عليه وسلم: ليس من البرّ الصوم في السفر.
دخل أعرابيّ على يزيد بن المهلّب وهو في فراشه والناس سماطان (1)
فقال: كيف أصبح الأمير؟ قال يزيد: كما تحب. فقال: لو كنت كما أحب، كنت أنت مكاني، وأنا مكانك. فضحك.
قيل لأعرابي: لم يقال للعبد: باعك الله في الأعراب؟ قال: لأنّا نجيع كبده، ونعرّي جلده. ونطيل كدّه.
توفي ابن لأعرابيّ، فعزّاه بعض إخوانه فقال لا تتّهم الله في قضائه فقال:
والله لا أتّهم غيره، ولا ذهب با بني سواه.
قيل لأعرابي: في خلافة من ولدت؟ قال: في خلافة يوسف بن عمر أو كسرى بن هرمز وأعوذ بالله أن أقول على الله إلا حقّا!
قال الأصمعي: رأيت أعرابيّا يرفع على وال ضربه فقال: والله إنه ليقبل الرّشوة، ويقضي بالعشوة (2)، ويطيل النشوة (3)، ولقد بنى جماما زندقة وكفرا.
قدّم إلى أعرابي كامخ، فقال: ممّ يعمل هذا؟ قالوا: من اللّبن والحنطة، قال: أصلان كريمان، لكنهما ما أنجبا.
قال ابن قريعة: سمع أعرابي قارئا يقرأ القرآن: {الَّذِينَ إِذََا ذُكِرَ اللََّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] وقوله عز وجل: {تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ} [الحديد: 16]. فقال الأعرابي: اللهم لا تجعلني منهم. فقيل له: ويحك لم قلت هذا؟ قال: لولا أنهم قوم سوء، لم توجل قلوبهم.
قال الأصمعي: أصابتنا السماء بالبدو فنزلنا بعض أخبية بني نعيم، وفيهم عروس فلما حضرت الصلاة قدّموه فصلّى بهم، وكان ذلك سنتهم أن يقدّموا
__________
(1) سماطان: أي صفان جانبان، وكل صف من الرجال سماط.
(2) العشوة، بالضم والكسر: ركوب الأمر على غير بيان، ويثلث، وبالفتح: الظلمة.
(3) النشوة: السكر.(6/298)
العروس سبعة أيام، فقلت لهم: ما هذه السّنّة؟ قالوا: أو ما سمعت الله يقول:
كاد العروس أن يكون ملكا مرّ أعرابي بقوم من اليهود فقال: ويلكم ألا تسلمون، ألا تأنفون مما أنزل الله فيكم وعيّركم به؟ قالوا: يا أعرابي، وما الذي أنزله فيها؟
قال قوله: ألا لعنة الله على اليهود، إنّ اليهود إخوة القرود، قالوا: فإنّ الذي أنزل فيكم أعظم من هذا، قال: وما هو؟ قالوا قوله: «الأعراب أشدّ كفرا ونفاقا»، فقال: يا إخوتاه، مكذوب علينا وعليكم.
وأخذ رجل ينكح شاة، فرفع إلى الوالي وكان أعرابيّا، فقال الرجل: يا قوم أوليس الله يقول: «أو ما ملكت أيمانكم». والله ما ملكت يميني غيرها، فخلّى عنه وحدّ الشاة وقال: الحدود لا تعطّل، فقال إنها بهيمة، فقال: لو وجب حكم على بهيمة وكانت أمي وأختي لحددتهما.
قال بعضهم: وليت مخلافا (1) من مخاليف اليمن فأتيت بشيخ كبير فقلت:
أمسلم أنت؟ قال: بلى، قلت: أتعرف النبي؟ قال: بلغني أنه كان رجلا صالحا، قلت: فابن من كان؟ قال: لا والله ما أدري، إلا أني أظنه من رهط معن بن زائدة.
أصاب أعرابيّ سروالا، وهو لا يدري ما هو، فأخذه فأدخل يده في رجل السروال وبقي رأسه داخلا، وجعل يقلّب وليس يدري كيف يلبسه، فلما أعياه، رمى به وقال: ما أظن هذا إلا من قمص الشيطان.
وقيل لأعرابي: اقرأ: «لم يكن» فقال: ما وددت أن أحسّ «ما كان» فكيف «ما لم يكن»؟
قال الأصمعي: نزلنا على المياه، فإذا أعرابية نائمة، فأنبهناها للصلاة، فأتت الماء فوجدته باردا فتركته، وتوجّهت إلى القبلة، وهي قاعدة، فكبّرت ثم قالت: اللهمّ إنّي قمت إليك وأنا عجلى، وصلّيت وأما كسلى، فاغفر لي ما ترى، عدد الثرى، قبل غيري وما جرى، قال: فعجبنا، فقلت: يا هذه، ليست هذه بصلاة، قالت: يا عمّ، إنها والله صلاتي منذ أربعين سنة.
__________
(1) المخلاف: الكورة، ومنه: مخاليف اليمن.(6/299)
قال: تقدم أعرابيّ للصلاة فقرأ: «الحمد لله» ثم قال: قد أفلح من همّ في صلاته، وأخرج الواحب من زكاته، وأطعم المسكين من نخلاته، وجانب الفحش وفاعلاته، وحافظ على بعيره وشاته، الله أكبر، فضحك من كان خلفه فقال: أنّى ضحكتم؟ والله لقد علمتني عجوز لنا أدركت النبي يعني مسيلمة (1).
كان أعرابيّ إذا توضّأ بدأ بوجهه فغسله، ثم غسل فرجه، ويقول: لا أبدأ بالخبيثة.
قال الأصمعيّ: حضرت الصلاة، فقال أعرابيّ: حيّ على العمل الصّالح، قد قام الفلاح، ثم قال يصلّي، وقال: اللهم احفظ لي حسبي ونسبي، واردد عليّ ضالّتي، واحفظ هملي والسلام عليك ورحمة الله.
قال: وقامت امرأة تصلّي فقرأت: اللهم إني أعوذ بك من شر قريش وثقيف، ومن شر ما جمعت من اللّفيف، وأعوذ بك من حرّ ملك أمره، وعبد ملأ بطنة، الله أكبر.
وقف أعرابي يسأل شيئا فقيل له: يا أعرابي، هل لك في خير مما تطلب؟
قال: وما هو؟
قال: تعلمنا سورة من القرآن، قال: والله إني لا أحسن منها ما إن حفظت كفاني، أحسن منه خمس سور، قال: فقلنا: اقرأ، فقرأ: الحمد لله، وإذا جاء نصر الله، وإنا أعطيناك الكوثر. ثم سكت، فقلنا له: هذه ثلاثة فأين الثنتان؟
قال: إني وهبتهما لابن عمّ لي، يريد أني علمتهما إياه ولا والله أعود في شيء وهبته أبدا.
خاصم أعرابي امرأته إلى السلطان فقيل له: ما صنعت؟ قال: خيرا،
__________
(1) هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي، ولد ونشأ في اليمامة، وتلقّب في الجاهلية بالرحمن، وفي الأمثال: «أكذب من مسيلمة»، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل القضاء على فتنته، ولما انتظم الأمر لأبي بكر الصّديق، انتدب قائده خالد بن الوليد لمحاربته، فكان أن ظفر خالد به وقتله سنة 12هـ. (انظر: السيرة النبوية لابن هشام 3/ 74، فتوح البلدان للبلاذري ص 10094، الكامل في التاريخ لابن الأثير 2/ 300298).(6/300)
تجاثينا لركبنا قبلا، فأكبّها الله لوجهها، ولو أمر بي إلى السجن.
قال: سمعت أعرابيا يدعو مادّا يده عند الكعبة وهو يقول: اللهم إن كنت ترى يدا أكرم منها، فاقطعها.
صعد بعضهم المنبر في عمله يخطب فقال: والله لئن أكرمتموني أكرمتكم، وإن أهنتموني لتكوننّ أهون عليّ من ضرطتي هذه، وضرط.
قيل لأعرابي: أتعرف الأنبياء؟ قال: أي والله، إني بهم لعالم، قالوا:
فسمّهم، قال: لا تمسكوا محمدا صلى الله عليه وسلم، وعيسى وموسى، وأمسكوا فرعون، والله ما الثناء عليه بحسن، ولوطا والله أهل البادية يكرهون فعله، ولكن أهل العراق لا يرون به بأسا.
وقال: رأيت أعرابيّا من طيىء، وهو يتوضأ للصلاة ولا يحسن، فقلت: يا أعرابيّ ما هذا الوضوء؟ قال: يا جاهل! أما سمعت الله يقول في محكم كتابه:
من شدّد على عبادي شدّدت عليه.
وقيل لأعرابيّ: كيف أصبحت؟ قال: بخير. فقال له آخر: كيف أصبحت؟
قال: كما أخبرت هذا.
وشهد أعرابي عند عامل على رجل، فقال المشهود عليه: لا تقبل شهادته فإنه لا يقرأ من كتاب الله شيئا قال: بلى، قال: فاقرأ، فقال (1): [الطويل]
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد
فقال القاضي: إنها لمحكمة، قال المشهود عليه: تعلّمها والله البارحة.
قال: رأيت أعرابيا يتيمّم فقال: والله إني لأكره عادة السّوء.
قال: بلغني أن أعرابيين كانا يطوفان بالبيت، فكان أحدهما يقول: اللهم
__________
(1) البيت للفرزدق في خزانة الأدب 1/ 444، وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 66، وأوضح المسالك، وتخليص الشواهد ص 198، والحيوان 1/ 346، والدرر 2/ 24، وشرح الأشموني 1/ 99، وشرح التصريح 1/ 173، وشرح شواهد المغني 2/ 848، وشرح ابن عقيل ص 119، وشرح المفصل 1/ 99، 9/ 132، ومغني اللبيب، 2/ 452، وهمع الهوامع 1/ 102.(6/301)
هب لي رحمتك، فاغفر لي، فإنّك تجد من تعذّبه غيري، ولا أجد من يرحمني غيرك، فقال صاحبه: اقصد حاجتك ولا تغمز بالناس.
أقبل عيينة بن حصن الفزاري قبل إسلامه إلى المدينة، فلقيه ركب خارجين منها، فقال لهم: أخبروني عن هذا الرجل، يعني النبي عليه السلام فقالوا له:
الناس فيه ثلاثة: رجل أسلم فهو معه يقاتل قريشا والعرب، ورجل لم يسلم فهو يقاتله، وبينهم الترابح، ورجل يظهر له الإسلام إذا لقيه، ويظهر لقريش أنه معهم: قال: ما يسمّى هؤلاء؟ قالوا: المنافقون، قال: ليس فيمن وصفتم أحزم من هؤلاء، أشهدكم أني من المنافقين.
قال الأصمعي: مرّ أعرابي بقوم يختصمون في مسيل ماء، فقال: فيم يختصمون؟ قالوا: في مسيل ماء. قال: والله ما بلت في موضع مرّتين.
قال: وشكت أعرابية زوجها في صواحب لها فقلن لها: طلّقيه، فقالت:
اشهدن أنه طالق، فقلن لها: ثنّي فقالت: اشهدن أنه طالق، فقلن لها: ثلّثي فقالت: اشهدن أني طالق ثلاثا، فاختصموا إلى والي الماء، فتكلمت فقال: إيها أفي ثلاث لا يجوز فيجازيك، الزمي الطريق المهيع، ودعي بنات الطريق، وانتعلي الميّت، كيف قلت؟ قالت: قلت: هو طالق ثلاثا، قال: فتفكّر الوالي ساعة، ثم قال: أراك تحلّين له، ولا أراه يحلّ لك.
حضر أعرابي مجلسا يتذاكرون فيه قيام الليل فقيل له: يا أبا أمامة أتقوم بالليل؟ قال: أي والله، قالوا: فما تصنع؟ قال: أبول فأرجع.
قيل لآخر: أيّ بنيك الثلاثة أثقل؟ فقال: ليس بعد الكبير أثقل من الصّغير إلا الوسيط.
اغتاب أعرابيّ رجلا، ثم التفت فرآه فقال: لو كان خيرا ما حضرته.
ولّى المهلّب بعض الأعراب كورة بخراسان وعزل واليا كان بها، فلما وردها الأعرابي، صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس اقصدوا لما أمركم الله به فإنه عز وجل رغّبكم في الآخرة الباقية وزهّدكم في الدنيا الفانية فرغبتم في هذه، وزهدتم في تلك، فيوشك أن تفوتكم الفانية ولا
تحصل لكم الباقية فتكونوا كما قال الله: «لا ماءك أبقيت ولا حرك أنقيت» واعتبروا بهذا المعزول عنكم، كيف سعى وجمع فصار ذلك كله إليّ، على رغم من أنفه، وصار كما قال الله في محكم كتابه: [الرجز](6/302)
ولّى المهلّب بعض الأعراب كورة بخراسان وعزل واليا كان بها، فلما وردها الأعرابي، صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس اقصدوا لما أمركم الله به فإنه عز وجل رغّبكم في الآخرة الباقية وزهّدكم في الدنيا الفانية فرغبتم في هذه، وزهدتم في تلك، فيوشك أن تفوتكم الفانية ولا
تحصل لكم الباقية فتكونوا كما قال الله: «لا ماءك أبقيت ولا حرك أنقيت» واعتبروا بهذا المعزول عنكم، كيف سعى وجمع فصار ذلك كله إليّ، على رغم من أنفه، وصار كما قال الله في محكم كتابه: [الرجز]
أنعمي أمّ خالد ... ربّ ساع لقاعد
أتى أعرابيّ برقاقة فتأملها ثم قال: لقد سحقك الدهر.
قدّم إلى أعرابي كامخ فقال: ما هذا؟ قيل: كامخ. فقال: من كمخ به؟
وذلك أنهم يقولون: كمخت البقرة إذا ثلطث.
واجتمع اثنان منهم على كامخ فقال أحدهما: خيرا ورب الكعبة، وذاقه الآخر فاستطابه فقال: أحسبه خبز الأمير.
دخل أعرابيّ على سليمان بن عبد الملك وبين يديه فالوذج فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين، قال: هذا شيء من أكله مات، قال: أفلا أذوقه! قال: ذقه، فذاقه وشمّر عن ساعده، وجعل يأكل ويقول: أوصيكم بعيالي خيرا.
مرّ أعرابي بقرص سفود (1) وقد سقط من بعض الحاج فأخذه فلما نظر إلى وسطه رمى به وقال: من سلح عليك؟ لا حيّاك الله.
قال الأصمعي: سمع أعرابيّ واحدا يقرأ: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمََالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيََاةِ الدُّنْيََا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} (104) [الكهف: 104103] فقال: وأبيك، إني لأعرف هؤلاء القوم بنعتهم فقيل له: ومن هم؟ قال: الذين يثردون ويأكل غيرهم.
قدّم أعرابي رجلا إلى القاضي واستعدى عليه، وتقدّم شاهدان فقالا: نشهد أنه قد ظلم الأعرابي، فقال الأعرابي: كذبا، ما ظلمني ولكنه لوى حقّي.
نظر بعض الأمراء إلى أعرابيّ كان قائما بين يديه نظرا شديدا، فقال الأعرابيّ: لقد همّ الأمير لي بخير؟ قال: لا، قال: فبشرّ! قال: لا، قال:
__________
(1) السفود: حديدة يشوى بها، وتسفيد اللحم: نظمه فيها للاشتواء. وقيل: السفود: الأسياخ التي يشوى عليها اللحم المعروف في مصر بالكباب.(6/303)
فالأمير إذا مجنون!.
قال النّضر بن شميل: ما شيت أبا جابر الأعرابي فرأى بقعة شمس فرمى بنفسه فيها فقلت: ما لك؟ قال: الشمس، قلت: أو تعجبك؟ قال: هي أدفأ ثيابي. قال: وسمعته يقول: اللهمّ اسقنا شمسا. قيل له: إنما يقال هذا في الغيث، قال: أنا إلى الشمس أعطش.
قيل لأعرابي: ألا تغزو؟ فإنّ الله قد أنذرك فقال: والله إني لأبغض الموت على فراشي في عافية، فكيف أن أمضي إليه ركضا.
حكي أنه أولم رجل وليمة، فحضرها أعرابي، وجعل يأكل ولا يرفع رأسه، حتى حضره الفالوذج فرفع رأسه فنظر إلى شيخ معتزل عن القوم فقال: ما بال شيخنا لا يأكل؟ قيل: إنه صائم، فقال: وما أحوجه إلى الصّوم؟ قال: طلب المغفرة والفوز بالجنة، فقال الأعرابي: فإذا نال الجنة أفتراه يطعم فيها أطيب من الفالوذج.
ركب أعرابي بحيرة (1) فقيل له: إنها حرام لا يحلّ ركوبها، قال: يركب الحرام من لا حلال له.
قدم أعرابي إلى والي، ليشهد على رجل بالزنى، فقال له الوالي: بم تشهد؟ قال: رأيت هذا دائم الأفكل كأنما هو عسالة عسل تلسب خصييه والمرأة سطيحة تحته، وهي تغطّ غطيط البكر، ولعابها يهمع، والله أعلم بما وراء ذلك.
وسئل أبو المغوار وقد تقدّم ليشهد مثل ذلك فقال: رأيت امرأة صرعى، ورجل يقوى فوه على فيها، ومسربته على مسربتها، والقنب غائب واليافعان يضربان بين المسفعة وهو يردي باسته والله أعلم بما وراء ذلك.
دخل أعرابي سوق النخاسين يشتري جارية فلما اشتراها وأراد الانصراف، قال النّخّاس: فيها ثلاث خصال، فإن رضيت وإلّا فدعها، قال: قل: قال: إنها
__________
(1) البحيرة: الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن، عمدوا إلى الخامس منها ما لم يكن ذكرا فشقّوا أذنها، وتركوها، فلا يجزّ لها وبر، ولا يحمل عليها شيء، ولا يذكر عليها إن ذكّيت اسم الله تعالى، وتكون ألبانها للرجال دون النساء (صبح الأعشى 1/ 459458).(6/304)
ربما غابت أياما ثم تعود إذا طلبت، قال: كأنك تعني أنها تأبق. قال: نعم، قال: لا عليك أنا والله أعلم الناس بأثر الذر على الصفا، فلتأخذ أي طريق شاءت فإنا نردها، ثم ماذا؟ قال: إنها ربما نامت فقطرت منها القطرة بعد القطرة. قال: كأنك تعني أنها تبول بالفراش قال: نعم، قال: لا عليك فإنها لا تتوسّد عندنا إلا التراب، فلتبل كيف شاءت، ثم ماذا؟ قال: إنها ربما عبثت بالشيء تجده عندنا، قال: كأنك تعني أنها تسرق ما تجد؟ قال: نعم قال: لا عليك فإنها والله ما تجد ما يقوتها، فكيف ما تسرقه؟ وأخذ بيدها وانطلق بها.
قيل لأعرابي: أيسرّك أنك نبيّ؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: يطول سفري، وأهجر دار قومي، وأنذر بالعذاب عشيرتي، قيل: فيسرّك أنّك خليفة؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: ينقص عمري، ويكثر تعبي، ولا تكبروني، أمشي وحدي، قيل: أيسرّك أن تدخل الجنة وأنت باهليّ؟ قال: على أن لا يعرف فيها نسبي.
سمع أعرابي قوما يقولون: إذا كان للإنسان على سحمة أذنه شعر كان دليلا على طول عمره، فضرب يده على شحمة أذنه فوجد عليها شعرا فقال: الله بالله وبك.
قيل لأعرابي: ما ترى يصنع الخليفة في مثل هذا اليوم الشديد البرد؟ قال:
تجده قد أخذ لحم جزور بيده اليمنى، وقدرة تمر بيده اليسرى، وبين يديه قصعة لبن، وقد استقبل الشمس بوجهه، واحتبى بكسائه فيكدم هذا مرة وهذه مرة ويتحسّى من اللّبن مرّة.
وقفت أعرابية على قوم يصلون جماعة فلما سجدوا صاحت وقالت: صعق الناس ورب الكعبة.
قيل لأعرابي: أتعرف إبليس؟ قال: أما الثناء عليه فسيىء، والله أعلم بسريرته.
ودخل آخر مسجدا والإمام يقرأ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}
[المائدة: 3] فقال الأعرابي: والكامخ فلا تنسه، أصلحك الله.
وسمع آخر رجلا يقرأ: {وَفِي السَّمََاءِ رِزْقُكُمْ وَمََا تُوعَدُونَ} (22) [الذاريات: 22] فقال: يابن عم، إنه لبعيد سحيق.
قال الأصمعي: صلّى بنا أعرابي بالبادية فقال: الحمد لله، بفصاحة وبيان، ثم قال: ثبت ما يوسف ذوي ماء ولا غلّة، فأصبح في قعر الرّكيّة ثاويا.(6/305)
وسمع آخر رجلا يقرأ: {وَفِي السَّمََاءِ رِزْقُكُمْ وَمََا تُوعَدُونَ} (22) [الذاريات: 22] فقال: يابن عم، إنه لبعيد سحيق.
قال الأصمعي: صلّى بنا أعرابي بالبادية فقال: الحمد لله، بفصاحة وبيان، ثم قال: ثبت ما يوسف ذوي ماء ولا غلّة، فأصبح في قعر الرّكيّة ثاويا.
ثم ركع، فقلت: يا أعرابي، ليس هذا من القرآن قال: بلى والله، لقد سمعت كلاما هذا معناه.
قال: وقرأ آخر: {وَالضُّحى ََ} (1) [الضحى: 1] بقراءة حسنة حتى بلغ قوله:
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ََ} (6) [الضحى: 6] قال: وإن هؤلاء العلوج يقولون:
قال: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ََ} (7) [الضحى: 7] لا والله ما أقولها فما أنا ضال، الله أكبر.
وقرأ آخر:
{إِذََا جََاءَ نَصْرُ اللََّهِ وَالْفَتْحُ} (1) [النصر: 1] ثم ارتجّ عليه، وجعل يكرر فلم يذكر الآية فالتفت في صلاته وقال لمن وراءه: قد بقيت عليّ آية لا أذكرها، ولكني سآتيكم بآية خير مما نسيت وهي: «محلقين حجاجا»، الله أكبر.
قال: وسمعت آخر وهو يقول: اللهمّ هب لي ما مضى من سيىء عمل، فإن عدت فلك الخيار فيما وهبت لي.
قال بعضهم:
رأيت أعرابيا في بعض أيام الصيف، قد جاء إلى نهر، وجعل يغوص في الماء، ثم يخرج ثم يغوص أيضا، ويخرج وكلّما خرج مرة، حلّ عقدة من عقد في خيط كان معه، قلت: ما شأنك؟
قال: جنابات الشتاء أحصيهن كما ترى وأقضيهن في الصيف.
وسئل آخر عن مسألة من الفرائض ففكر ساعة، ثم قال:
انظروا هل مات مع هذا الميّت أحد من قرابته؟ قالوا: لا، قال: إنّ الفريضة لا تصحّ إلا بموت آخر.
وقدّم إلى أعرابي موز فجعل يقلّبه ويقول: لا أدري، ممن أتعجب، ممّن خاطه، أو ممن حشاه!
قيل لآخر: هل في بيتك دقيق؟ فقال: لا، والله ولا «جليل».(6/306)
وقدّم إلى أعرابي موز فجعل يقلّبه ويقول: لا أدري، ممن أتعجب، ممّن خاطه، أو ممن حشاه!
قيل لآخر: هل في بيتك دقيق؟ فقال: لا، والله ولا «جليل».
قيل لأعرابية: ما صفة الأير عندكم؟ فقالت: عصبة ينفخ فيها الشيطان فلا يرد أمرها.
وشربت أعرابية نبيذا، فسكرت، وقالت لبعض الحاضرين: أيشرب هذا نساؤكم؟ قال: نعم، قالت: لئن صدقت، ما يدري أحدكم من أبوه.
قال بعضهم: سألت أعرابيا عن شهر رمضان، كيف صاموه؟ فقال: تجرّد منا ثلاثون رجلا، وأنذرناه في يوم واحد.
مات لأعرابيّ ابن صغير فقيل: هذا شفيعك يوم القيامة فقال: هلكنا والله، هو أضعفنا حجة، وأقطعنا لسانا، وليته يقوم بأمر نفسه.
شرب أعرابيّ لبنا، وابنه على يساره ورجل آخر عن يمينه، فسقى ابنه قبل الرجل، فقيل له: السّنّة أن تسقي من عن يمينك، فقال: قد علمت أنه أحبّ إليّ من السّنة.
قيل لأعرابي: أتخاف أحدا قال: نعم، الذئب في البادية، والشرطي في الحضرة.
صلى أعرابي خلف إمام قرأ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللََّهُ وَمَنْ مَعِيَ} [الملك:
28]، فقال: أهلكك الله وحدك ما ترد إلّا من معك.
قيل لآخر: ما لك لا تغزو الروم؟ قال: أخشى أن أقتل ولا يطلب بثأري.
سقط أعرابي عن بعيره فانكسر بعض أضلاعه، فأتى الجابر يستوصفه فقال: خذ تمر شهرين فانزع أقماعه ونواه واعجنه بسمن، واضمده عليه. فقال الأعرابي: تمن؟ قال: خباء خلق في أرض قفر وجلة، في أسفلها تمر، وكلب إذا أمطرت السماء يزاحمني في البيت.
قيل لأعرابي: كيف أكلك؟ قال: كما لا يحب البخيل.
سأل رجل من بني تميم عن رجل فقيل له: دعاه ربّه، فأجاب، فقال: ولم أجاب؟ لا أجاب، أما علم أن الموت إحدى المهالك؟
جاء أعرابي الحضر وكان يوم جمعة، فرأى الناس في الجامع، فقال لبعضهم: ما هذا؟ وكان المسؤول ماجنا، قال: هذا يدعو إلى طعام، قال: فما يقول صاحب المنبر؟ قال: يقول ما يرضي الأعراب أن يأكلوا، حتى يحملوا معهم، فتخطّى الأعرابي رقاب الناس، حتى دنا من الإمام فقال: يا هذا إنما يفعل ما تقول سفهاؤنا.(6/307)
سأل رجل من بني تميم عن رجل فقيل له: دعاه ربّه، فأجاب، فقال: ولم أجاب؟ لا أجاب، أما علم أن الموت إحدى المهالك؟
جاء أعرابي الحضر وكان يوم جمعة، فرأى الناس في الجامع، فقال لبعضهم: ما هذا؟ وكان المسؤول ماجنا، قال: هذا يدعو إلى طعام، قال: فما يقول صاحب المنبر؟ قال: يقول ما يرضي الأعراب أن يأكلوا، حتى يحملوا معهم، فتخطّى الأعرابي رقاب الناس، حتى دنا من الإمام فقال: يا هذا إنما يفعل ما تقول سفهاؤنا.
جاء آخر إلى صيرفيّ بدرهم، فقال الصّيرفي: هذا السّتوق (1) قال: وما السّتّوق؟ قال: داخله نحاس، وخارجه فضة، فكسره فلما رأى النحاس قال:
بأبي أنت، أشهد أنك تعلم الغيب
وجاء آخر إلى السوق بدرهم يشتري به تمرا، فقيل له مثل ذلك، فقال:
أعطوني بالفضّة تمرا، وبالنّحاس زيتا.
نزل عطّار يهودي بعض أحياء العرب ومات، فأتوا شيخا لهم لم يكن يقطع في الحيّ أمر دونه فأعلموه خبر اليهوديّ، فجاء فغسّله وكفّنه، وتقدّم وأقام الناس معه، وقال: اللهم إن هذا اليهودي جاء وله ذمام، فأمهلنا نقضي ذمامه، فإذا صار في لحده فشأنك والعجل.
مر أعرابي وفي يده رغيف، بغلام معه سيف، فقال له: يا غلام، بعني هذا السيف بهذا الرغيف. قال: ويلك أمجنون أنت؟ قال الأعرابي: لعن الله شرهما في البطن.
قيل لأعرابي: هل تعرف من النجوم شيئا؟
قال: ما أعرف منها إلا بنات نعش، ولو تفرقن ما عرفتهن.
عض ثعلب أعرابيا، فأتى راقيا، فقال له الراقي: ما عضّك؟ قال: كلب، واستحى أن يقول ثعلب فلما ابتدأ يرقيه، قال: اخلط به شيئا من رقية الثعلب.
سئل آخر عن حاله مع عشيقته، فقال: ما نلت منها محرما، غير أنني إذا هي بالت بلت حيث تبول.
__________
(1) الدرهم السّتّوق، كتنّور، وقدّوس: زيف، بهزج، ملبّس بالفضة، أو ما كان الصفر أو النحاس هو الغالب والأكثر.(6/308)
قال بعضهم: صلّيت الغداة في مسجد باهلة بالبصرة، فقام أعرابي فسأل، فأمر له إنسان منهم برغيفين فرآهما صغيرين رقيقين، فلم يأخذهما، ومضى، وجاء برغيف كبير حسن فقال لباهلة: استفحلوا هذا الرغيف لخبزكم فلعلّه ينجب.
دخل أعرابيّ الحمّام وفيه نبطي، فبال الأعرابيّ وضرط، فقال النبطي:
باسم هان الله، قال الأعرابي: يا ابن الخبيثة، فيكم ضراطي، أحسن من تسبيحك.
قرأ إمام في صلاته: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (1) [التكوير: 1] فلما بلغ إلى قوله: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} (26) [التكوير: 26] ارتجّ عليه، فجعل يرددها وكان خلفه أعرابي معه جرابه، فلما طال عليه الأمر، ولم يكن ينبعث. تقدم الأعرابي فصفعه بالجراب، وقال: أما أنا فإني كلواذي، وهؤلاء الكشاخنة (1) لا أدري أين يذهبون.
أبو زيد: قلت لأعرابي: أتقرأ من القرآن شيئا؟
قال: ما أنشد منه حرفا.
تفاخر قوم بكبر الأيور؟ فقال أعرابي حضرهم: لو كان ذلك فخرا، لكان البغل من قريش.
سأل أعرابي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له، حتى انتهوا إلى ذكر معاوية فقالوا: إنه كان كاتبه، فقال: أفلح ورب الكعبة، فإن الأمور بيد الكاتب.
سمع أعرابي قوله تعالى: {وَفِي السَّمََاءِ رِزْقُكُمْ وَمََا تُوعَدُونَ} (22) [الذاريات: 22] فقال: وأين السّلم؟
وقرأ بعضهم في صلاته: «إنا بعثنا نوحا» فقيل له: إنما هو {أَرْسَلْنََا} [نوح:
1]، فقال: ما بينهما إلا لجاجك.
__________
(1) الكشاخنة: جمع كشخان، وهو الرئيس، والدّيوث، والكشخنة: الدياثة، وعدم الغيرة، وكشخنه:
شتمه بها.(6/309)
وقرأ آخر: (فمن يعمل مثقال ذرّة شرا يره، ومن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره) (1) فقيل له: غيّرت فقال (2): [الطويل]
خذا صدر هرشى أو قفاها فإنّه ... كلا جانبي هرشى لهنّ طريق
صلّى آخر بقوم وجعل يردّد: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللََّهُ وَمَنْ مَعِيَ} [الملك: 28] فقال أعرابي من خلفه: أهلكك الله وحدك ما تريد إلا من معك.
قيل لأعرابي: أيهما أحب إليك: أن تلقى الله ظالما أو مظلوما؟ فقال: بل ظالما قيل: ولم؟ قال: وما عذري إذا قال لي: خلقتك قويّا، ثم جئت تستعدي!
سأل أعرابي عبد الملك فقال: سل الله فقال: قد سألته فأحالني عليك، فضحك وأعطاه.
سمع أعرابي يقول: أترى هذه الأعاجم تنكح نساءنا في الجنة؟ فقال له آخر: ذلك بأعمالهم الصالحة. فقال: توطأ إذا رقابنا والله قبل ذلك.
وكان آخر يدعو فيقول: اللهمّ اغفر للعرب خاصّة، وللموالي عامة، فأما العجم فهم عبيدك والأمر إليك.
أكل أعرابي قرشيا (3) فقيل له: ما تأكل؟ فقال: فالوذج، إلّا أنكم قد حمصتموه بعدي.
امتنع أعرابيّ من غسل اليد بعد الأكل، وقال: فقد ريحه كفقده!
قيل لآخر: هل تعرف التّخمة؟ فقال: ما هو؟ قال: أن يمتلىء الإنسان من الطعام حتى يؤذيه ولا يشتهيه، قال: وهل يكون إلا في الجنّة؟!
قيل لآخر اشتد به الوجع: لو تبت؟ فقال: لست ممن يعطي على الضّيم، إن عوفيت تبت.
__________
(1) لفظ الآية الكريمة في القرآن الكريم: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (8) [الزلزلة: 87].
(2) البيت لعقيل بن علفة في معجم البلدان (هرش)، وبلا نسبة في لسان العرب (هرش)، ومقاييس اللغة 1/ 147، 6/ 47، ومجمل اللغة 4/ 475، وتاج العروس (هرش)، (أنف).
(3) القرشية: حنطة صلبة في الطحن، خشنة الدقيق.(6/310)
طلبوا يوما هلال شهر رمضان فقال لهم أبو مهدية: كفوا فما طلب أحد عيبا إلا وجده.
خرجت من واحد منهم ريح، وحضرت الصلاة، فقام يصلي، فقيل له في ذلك، فقال: لو أوجبت على نفسي الوضوء بكلّ ريح تخرج منّي، لخلتموني ضفدعا أو حوتا.
قال الأصمعي: سمعت أبا غرارة يقول: من أكل سبع موزات، وشرب من لبن الأوارك، تجشّأ بخور الكعبة.
قال هشام بن عبد الملك: من يسبّني ولا يفحش، هذا المطرف له. فقال له أعرابي حضر: القه يا أحول. فقال هشام: خذه قاتلك الله.
دخل أعرابي المخرج، فخرج منه صوت، فجعل فتيان حضروه يضحكون منه فقال: يا فتيان هل سمعتم شيئا في غير موضعه!
قال الأصمعي: قيل لأبي المخشّ: كيف كان ابنه المخش؟ قال: كان أشدق خرطمانيّا، إذا تكلّم سال لعابه كأنما ينظر من قلتين كأنّ ترقوته بوان أو خالفة، وكأنّ منكبه كركرة جمل ثفال، فقأ الله عينيّ هاتين إن كنت رأيت بهما أحسن منه، قبله ولا بعده.
وقال أبو المخشّ: كانت لي ابنة تجلس معي على المائدة فتبرز كفّا كأنها صلفة في ذراع كأنه جمّارة، فلا تقع عينها على أكلة نفيسة إلا خصّتني بها، فزوجتها، وصرت أجلس مع ابن لي على المائدة، فيبرز كفّا كأنها كرنافة (1) في ذراع كأنه كربة فو الله ما إن تسبق عيني إلى لقمة طيّبة إلا سبقت يده إليها.
ذكر أنّ رجلا من الأزد كان يطوف بالبيت، وهو يدعو لأمّه ولا يذكر أباه، فعوتب فقال: هذه ضعيفة وأبي رجل، فقال: باهلي؟ قال: أعيذك بالله من ذاك قال: أي والله وأنا مع ذلك مولى لهم فأقبل الأعرابي يقبل يديه ويتمّسح به، فقال
__________
(1) الكرناف، بالكسر والضم: أصول الكرب تبقى في الجذع بعد قطع السعف، الواحد: بهاء. جمعه كرانيف. والكرنيفة، بالكسر: ضخامة الأنف. والمكرنف الأنف الضخم، ولاقط التمر من كرانيف النخل.(6/311)
له الرجل: لم تفعل ذلك؟ قال: لأني أثق بأن الله عز وجل لم ينلك بهذا في الدنيا، إلا وأنت من أهل الجنة.
وروى أبو هريرة قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني جائع فأطعمني، فقدم له لقمة من سلت، وقال له: سمّ وكل، يا أعرابي، فأكل حتى شبع وبقيت منها بقية، فقال الأعرابي للنبي عليه اليلام: إنك لرجل صالح.
قيل لأعرابي: ما اسم المرق عندكم؟ قال: السّخين. قيل: فإذا برد؟ قال:
لا ندعه حتى يبرد.
قال بعضهم: أبقت جارية للحيّ فقيل لنا: إنها عند بني أبي الحلّاج، فأتيته وقلت له: إن جارية من الحيّ أبقت، بلغنا أنها عند بنيك، فقال: حتى أنظر، فدخل ثم خرج فقال: هي عندهم، فأوردوا قليلا لمخجونها بخجات ثم ندفعها إليكم.
ذكر أعرابي امرأة وزوجها بالحدة فقال: هي قدّاحة وزوجها حرّاق.
قيل لأعرابي: أتعرفون التّخمة عندكم؟ قال: نعم، هي كثيرة عندنا، قيل:
وما هي؟ قال: يصبح الإنسان وكأن بنات البقر تلحس فؤاده، يعني الجوع.
قيل لأعرابي من بني تميم: أيهما أحب إليك أن تلقى الله ظالما أو مظلوما، قال: لا، بل ظالما والله، قالوا: سبحان الله أتحب الظلم، قال: فما عذري إن أتيته مظلوما.
يقول: خلقتك مثل البعير الصحيح ثم تأتيني تعصر عينك وتشتكي.(6/312)
يقول: خلقتك مثل البعير الصحيح ثم تأتيني تعصر عينك وتشتكي.
الباب الثاني عشر أمثال العامة
(1) باع كرمه واشترى معصرة.
(2) باع الدّواء واشترى رمكة (1).
(3) إن كان معلم وإلا قدحرج.
(4) من صيّر نفسه نخالة، أكلته الدجاج.
(5) أصبر من خلد الحداد.
(6) أنذل من فأر السجن.
(7) من أنفق ولم يحسب، خرب بيته، ولم يعلم.
(8) المنخل جديد سبعة أيام.
(9) ينيك المولى، ويفرح الخصيّ.
(10) الفضوليّ دخل النار.
(11) ما فرحنا بإبليس، فكيف بأولاده؟
(12) ما رضيناه نديم، صار زوج أم.
(13) اسكت بخرا في حق.
(14) كأنه حرّ قد تحسّى كشكية.
__________
(1) الرّمكة، بالضم: لون الرماد.(6/313)
(15) ليس للأمر بصاحب، من لم ينظر في العواقب.
(16) انفلت كلّ إنسان يتهجّى ما يشتهي.
(17) حين تقلين تدرين.
(18) الحائك إذا بطر، سمّى ابنته سمّانة.
(19) عاص غاص، أخرج إحره.
(20) ببطر يلعب الشّر.
(21) الشيطان يدري من ربّه، ولكن، تحتر نفسه.
(22) الشيطان يعدو بلا منشور، فكيف إذا سجّل له.
(23) أوّل الدّنّ درديّ.
(24) شبر من ألية الحمل، خير من ثلاثة أذرع من ذنب الثّور.
(25) اللّيّة في البريّة من البليّة.
(26) سفّ السّويق، ونفخ البوق لا يجتمعان.
(27) الحولاء مع العور الملوزة العينين.
(28) كادت الجدة أن تكون عروسا.
(29) الرّيح تصفّق الأبواب، والأبواب تصفّق الحيطان، والبليّة على صاحب الدار.
(30) الحجر يجاز، والعصفور مجاز.
(31) فلان كالكعبة، يزار ولا يزور.
(32) الجلّ خير من الفرس.
(33) السّاجور (1) خير من الكلب.
__________
(1) الساجور: القلادة التي توضع في عنق الكلب.(6/314)
(34) الجل خير من الغرب.
(35) إذا أراد الله إهلاك النّملة، أنبت لها جناحين.
(36) شرّ السّمك الذي يكدّر الماء.
(37) حقّ من كتب بالمسك، أن يختم بالعنبر.
(38) اخرج الطمع من قلبك قبل أن تحل القيد من رجلك.
(39) من غضب بلا شيء، رضي بلا شيء.
(40) كلّ شيء وثمنه.
(41) كلّ إنسان وهمّه.
(42) يسمون، ودونه.
(43) من ضاق صدره، اتّسع لسانه.
(44) إذا ذكرت الكلب، فأعدّ له العصا.
(45) من لم يذق اللّحم، أعجبته الرئة.
(46) مدّ رجليك، على قدر الكساء.
(47) الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون.
(48) ليس في الحب مشورة.
(49) ليس في الشهوات خصومة.
(50) هان على النّظارة، ما يمرّ على ظهر المجلود.
(51) كلّما كثر الجراد، طاب لقطه.
(52) من كان في الخان فغمّه عليك.
(53) المستقرض من كيسه يأكل.
(54) كل واشبع ثم أذلّ وارفع.
(55) ضيقة عاجلة، خير من ربح بطيء.(6/315)
(54) كل واشبع ثم أذلّ وارفع.
(55) ضيقة عاجلة، خير من ربح بطيء.
(56) أختم الطّين ما دام رطبا.
(57) رأس المال أحد الرّبحين.
(58) العبد من لا عبد له.
(59) الحرّ حرّ، وإن مسّه الضّر.
(60) العبد عبد وإن ملك الدّر.
(61) الهوى إله معبود.
(62) استراح من لا عقل له.
(63) اللّذّات بالمؤنات.
(64) كفّ بخت، خير من كوم علم.
(65) للحيطان آذان.
(66) من لم يتغدّ بدانقين، تعشّ بأربعة دوانيق.
(67) خذ اللّص قبل أن يأخذك.
(68) إذا تخاصم اللّصوص، وجد صاحب المتاع متاعه.
(69) من طلى نفسه بالنخالة، أكلته البقر.
(70) كلام الليل يمحوه النّهار.
(71) لكلّ جديد لذّة.
(72) ولكلّ مقيم حرمة.
(73) جزاء مقبّل الوجعاء ضرطة.
(74) الثقيل حمى الرّوح.
(75) حدّث عن البحر ولا حرج.
(76) من كان له دهن، طلى استه.(6/316)
(75) حدّث عن البحر ولا حرج.
(76) من كان له دهن، طلى استه.
(77) الاستقصاء شؤم.
(78) العيب تحدث.
(79) من ساعة إلى ساعة فرج.
(80) لا تأمن إلا الأمير، إذا غشّك الوزير.
(81) الصّرف لا يحتمله الظّرف.
(82) ربّما غلا الرّخيص.
(83) انقص من أشنانك، وزد في ألوانك.
(84) من كان دليله البوم، كان مأواه الخرابات.
(85) إذا جاء نهر الله، بطل نهر عيسى.
(86) ليس على الطبيب اسفيدباج.
(87) لا نعلّم اليتيم البكاء.
(88) من جرّب المجرّب، حلّت به الندامة.
(89) الطبل قد تعوّد اللّطام.
(90) كلّ واحد يقول: نفسي نفسي.
(91) الثّقيل إذا تخفّف، صار طاعونا.
(92) صفقة نقد، خير من بدرة النّسيئة.
(93) تشويش العمامة من المروءة.
(94) من اشترى ما لا ينبغي، باع بما لا ينبغي.
(95) هو ألوط من ثغرة.
(96) ألوط من حيّة.
(97) أنعى من علق.(6/317)
(96) ألوط من حيّة.
(97) أنعى من علق.
(98) صمّت حصاة بدم.
(99) أقبح من السّحر.
(100) أوحش من الهجر.
(101) فيهم من كل رق رقعة.
(102) هم أبناء الدّهاليز.
(103) ما أشبه السفينة بالملّاح.
(104) له في كلّ قدر مغرفة.
(105) يضرط من است واسعة.
(106) نزلت بواد غير ذي زرع.
(107) تنفخ في حديد بارد.
(108) أثقل من كراء الدّار.
(109) أكسد من الفرو في الصّيف.
(110) هو ابن زانية مريب.
(111) فلان في النفط، فإن الزيت مبارك.
(112) باعه الله في الأعراب.
(113) لا يقاس الملائكة بالحدّادين.
(114) هو أوسع من رحمة الله.
(115) به داء الملوك.
(116) إيش في الضّرطة من هلاك المنجل؟
(117) يأكل أكل اليتيم في بيت الوصيّ.
(118) يأكل أكل الشّص (1) في بيت اللّص.(6/318)
(117) يأكل أكل اليتيم في بيت الوصيّ.
(118) يأكل أكل الشّص (1) في بيت اللّص.
(119) رأسك والحائط.
(120) هو ألزم من الدّقيق.
(121) ليت الفجل يهضم نفسه.
(122) عجوز منتقبة.
(123) قفل على خربة.
(124) أضيع من حليّ على زنجية.
(125) أضيع من سراج في شمس.
(126) هو رقيق الحافر.
(127) يدهن رأسه من قارورة فارغة.
(128) يرضى من المعاصي بالتّهم.
(129) يظنّ بالناس، ما يظن بنفسه.
(130) دعوته دعوة السّنة.
(131) دعوته قبح حرشنه.
(132) الغنيّ فساه شمامات.
(133) أوحش من زوال النعمة، (والنّعم).
(134) وقع نقبه على كنيف.
(135) حسبته صيدا، فصار قيدا.
(136) يضبط ضبط الأعمى.
__________
(1) الشصّ: اللص الحاذق، والذي لا يدع شيئا إلا أتى عليه.(6/319)
(137) اقلب وقد أصبت.
(138) ليس وراء عبادان قرية.
(139) أخفى من خصيّ.
(140) أبخل من حوزي.
(141) أكثر من باجعفر في الدّيلم.
(142) خذه بالموت حتى يرضى بالحمى.
(143) أنت نائم ورجالك في الماء.
(144) هو أحسن من الدنيا المقبلة.
(145) لا تلاطم إلا شقيّ.
(146) ليس حفصة من رجال أم عاصم.
(147) ليت كل أرملة مثل أم جعفر.
(148) تحوّل القوس ركوة.
(149) زاد في الشطرنج بغل.
(150) البستان كلّه كرفس.
(151) وقع اللّص على اللص.
(152) نزلت سلمى بسلمى.
(153) من هالك إلى مالك.
(154) إن كان لا بدّ من قيد، فليكن مجلو.
(155) لا يعلم ما في الخف، إلا الله والإسكاف.
(156) يستلب القطعة من شرق الأسد.
(157) استر ما لله.
(158) بساط النبيذ يطوى.(6/320)
(157) استر ما لله.
(158) بساط النبيذ يطوى.
(159) فلان كالضّريع، لا يسمن ولا يغني من جوع.
(160) هو يطيّن عين الشمس.
(161) تخلصت منه بشعرة.
(162) كلّما طار قصّوا أجناحيه.
(163) أخلق من قفا نبك.
(164) أعتق من الأهيىء.
(165) أعتق من الحنطة.
(166) جاهك عندنا جاه كلب ممطور في مقصورة في الجامع.
(167) لا يسوى باقة بقل.
(168) لا يقوم عطره بفساه.
(169) ليس في عصاه سير.
(170) حرسا وما يسطرون.
(171) رأسه في القليّة، واسته في الخرية.
(172) هو كإيمان المرجىء، لا يزيد ولا ينقص.
(173) يقوم أيرك، وينيك غيرك.
(174) كاد المجرب أن يكون ساحرا.
(175) اتّكلنا منه على خصّ (1).
(176) أخطأت استه الحفرة.
__________
(1) الخصّ، بالضم: البيت من القصب، أو البيت يسقف بخشبة كالأزج، وحانوت الخمار، وجيّد الخمر، والخصّ، بالكسر: الناقص.(6/321)
(177) هو مع كفره قدريّ.
(178) هو مع وسخه لوطيّ.
(179) أمّ الكاذب عربية.
(180) كلما دار ضرطت.
(181) انصب دقيقك على الشوك.
(182) لا يجني من خلّه عصيدة.
(183) هي الطاقة من تلك الباقة.
(184) هو قرة عين الشّامت.
(185) هو من طبقة السّه.
(186) غضب الصّارف على المصروف، غضب الجلّاد على المضروب.
(187) لو ضاعت صفعة، ما وجدت إلا على قفاه.
(188) سوقنا سوق الجنّة.
(189) هو أعرى من الخشبة.
(190) هو أكسى من الكعبة.
(191) هو حائط مائل.
(192) بخرّ أحد بشعره.
(193) وجهه يردّ الرّزق من فراسخ.
(194) هو فالوذج الجسر.
(195) هو كالشّبث في القدر.
(196) فلان يفسو على الكنيف.
(197) هو رئيس الجديد، وبيت القصيد، ورأس التّخت.
(198) هو سبع في قفص.(6/322)
(197) هو رئيس الجديد، وبيت القصيد، ورأس التّخت.
(198) هو سبع في قفص.
(199) هو ابن عمّ النّبي من دلدل.
(200) هو قرابته من يعفور.
(201) قد أدى عنه حق الخميس.
(202) الظّفر به هزيمة.
(203) فلان يفزع من ظلّه.
(204) يضرب بين الدابة والشعير.
(205) يلجم الفأر في بيته.
(206) ينيك حمير الحاج.
(207) من عبد الله في خلق الله!
(208) كلامه ريح في قفص.
(209) مع الحمّى دمّل.
(210) قد وقعت إصبعه في الذرة.
(211) قوله وبوله سواء.
(212) أعرفه بشرى الأصل.
(213) حدثني من الخفّ إلى مقنعه.
(214) ومق (1) الطّست إلى الطّسّة.
(215) رقصت في زورقة.
(216) يكثر الجون بالعفن.
(217) قد تعوّد خبز السّفرة.
__________
(1) ومقه ومقا: أحبّه، فهو وامق، وتومّق: تودّد.(6/323)
(218) حاضرنا شيئا والذي كان معنا انفلت.
(219) زلق الحمار وكان من شهوة المكاري.
(220) فلان يسرج بالخيل.
(221) إذا استوى فسكين، وإن اعوجّ فمنجل.
(222) هو ما تحت التّبن.
(223) لا يقوى على الحمار، فيميل على الإكاف (1).
(224) يصيد الحية بيد غيره.
(225) كان سندانا فصار مطرقة.
(226) حوصلي وطيري.
(227) هذا الفرس، وهذا الميدان.
(228) العمل، للزرنيخ والاسم للنّورة.
(229) إذا استطعم السّكران، فاضحك في وجهه.
(230) من أنت في الرّقعة؟
(231) لا يقتل الصّبيّ بعلّة الدّاية.
(232) افرش له بنفخة.
(233) فلان يضرب الطّبل تحت الكساء.
(234) يده تحت الوجاء.
(235) ليس على الرّفّ إلا الرّف.
(236) يفعل ذلك في موت كلّ خليفة.
(237) قد حرك السلسلة.
__________
(1) الإكاف: البرذعة.(6/324)
(238) فلان زيادة الكرش.
(239) هو أخلق من بردة النّبيّ.
(240) هو أطوع لي من خاتمي.
(241) أنطق من ببغاء.
(242) أقود من درهم واضح.
(243) أطيب من عرسي.
(244) أجدّ من النّور في شعرة القاضي.
(245) أحسن من سوق العروس.
(246) أشرّ من زنديق.
(247) أعبس من هرّة مقشعرّة.
(248) أسعى من شصّ برّ قعيد.
(249) أنتن من الجورب العفن.
(250) ألزم من الذّنوب.
(251) أطمع من قيم الرّباط.
(252) أنشط من أير دخل نصفه.
(253) كأنه عامل البرّ يتحنّن.
(254) مواعيد والكمون.
(255) كوديّ يسخر من جنديّ.
(256) يركب الفيل، ويقول: لا تبصروني.
(257) فيه كلّ عيب وعنين.
(258) هو دابّة أبي دلامة.
(259) هو زنبيل الحوائج.(6/325)
(258) هو دابّة أبي دلامة.
(259) هو زنبيل الحوائج.
(260) لو كان في البومة خير، ما تركها الصّياد.
(261) من زرع في سبخه، حصد الفقر.
(262) عناية القاضي، خير من شاهدي عدل.
(263) طريق الحافي على أصحاب النّعال.
(264) طريق الأصلع على أصحاب القلانس.
(265) بحر النار إلى قرصه.
(266) اللّيّة في البرّيّة من البليّة.
(267) من ير السّلجم وبياضه، يظنّه كله دسما.
(268) لا تر الصّبيّ بياض أسنانك، فيرك حمرة استه.
(269) ليس كلّ من قال نار، احترق لسانه.
(270) الخنفساء في عين أمّها مليحة.
(271) لا تسب أمتي اللئيمة، فأسبّ أمّك الكريمة.
(272) من تكلّم بما يحبّ سمع ما لا يحب.
(273) تمرة وزنبور.
(274) كلّ نكير شره.
(275) لا تأكل خبزك على خوان غيرك.
(276) أنا أجرّه إلى المحراب وهو يجرّني إلى الخراب.
(277) الشيطان لا يخرّب كرمه.
(278) من أنفق ولم يحسب، هلك ولم يدر.
(279) أنذل من زند المراق.
(280) أعتق من الحمامة.(6/326)
(279) أنذل من زند المراق.
(280) أعتق من الحمامة.
(281) أحمق من الجمل الذي يضرب استه ويصيح رأسه.
(282) إذا لم تجده، كم تجلده؟
(283) ليس من كرامة الدجاجة غسل رجليها.
(284) انفخي في استه وعظّميه، فإنّ التّينور جاره.
(285) ذكر الفيل بلاده.
(286) يأكل الفيل ويقنص من البقّة.
(287) من لم يثق باسته، لم يشرب اهليلج.
(288) من اشتهى اللهو، علّق في خصاه جرسا.
(289) ضرطت فلطمت عين زوجها.
(290) من حبّ طبّ، واستقى ثم صبّ.
(291) من يطفر من وتد إلى وتد، يدخل آخرها في استه.
(292) من أكل على مائدتين اختنق.
(293) ما أطيب العرس لولا النّفقة.
(294) من كان طبّاخه أبو جعران، ما عسى أن يكون الألوان؟
(295) هذا هواك فذق كما عشقت الشبوق.
(296) كل التّمر على أنّه كان رطبا.
(297) الخصيّ ابن مائة سنة، واسته ابن سنتين.
(298) إذا بطر الحائك، اشترى بخبزه رمّانا.
(299) قامت الابنة تعلّم الأم النيك.
(300) من استحيى من ابنة عمّه، يولد له في الآخرة.
(301) فرّ من القطر، وقعد تحت الميزاب.(6/327)
(300) من استحيى من ابنة عمّه، يولد له في الآخرة.
(301) فرّ من القطر، وقعد تحت الميزاب.
(302) خذ سرّة الخصيّ، ينفتح شرجه.
(303) الجمل بدرهم والحبل بألف دينار ولا أبيعهما إلا معا.
(304) كلّ شيء في القدر يخرجها المغرفة.
(305) ما تركه اللّصّ، أخذه العرّاف.
(306) ما أشبه التّين بالسرفين.
وهذه أمثال اشترك فيها الخواص والعوام، فقال أهل الأدب وقال السفل:
(307) العزّ في عرف الفرس.
(308) لا بغال إلا بغال البردعة.
(309) الذّلّ في ذيل البقر.
(310) تأكل اثنين وتكسب أربعة.
(311) السّيد يعطي، والعبد يألم قلبه.
(312) المولى يرضى، والعبد يشقّ استه.
(313) من اصطنع قوما اجتنى.
(314) إنّ البراطيل (1)، تنصر الأباطيل.
(315) لا تعرف من لا تعرف.
(316) افعل الخير، ودعه.
(317) لا تعرف الخير بالشّرّ.
(318) لا تفعل الخير لا يصيبك سوء.
(319) الغمرات ثم ينجلين.
__________
(1) البراطيل: جمع برطيل، وهو الرشوة، وبرطل فلانا: رشاه، فتبرطل: فارتشى.(6/328)
(320) لا يكون بعد الغمّ إلا الضيق الشّديد.
(321) قيمة كل امرىء ما يحسن.
(322) من ليس معه درهم لا يسوى درهما.
(323) من اشترى، فقد اشتوى.
(324) قيمة كلّ امرىء ما يملك.
(325) لا يعرف قبيله من دبيره.
(326) لا يعرف محساه من مفساه.
(327) لا في العير ولا في النفير.
(328) لا في حرّها ولا في استها.
(329) ما بقيت لهم ثاغية ولا راغية.
(330) ما تبقى إلا حرّها والبادية.
(331) جيء به من حيث ليس، وليس.
(332) بعض الشرّ أهون من بعض.
(333) الشّرّ يطفى بالشّر.
(334) القرض قرض.
(335) النّسيئة نسيان.
(336) التّقاضي هذيان.
(337) وافق شنّ طبقه.
(338) طوال لاثنين يكفي أربعة.
(339) الجماعة مجاعة.
(340) من فمي أستلبها.
(341) من استي لفقها.(6/329)
(340) من فمي أستلبها.
(341) من استي لفقها.
(342) هو يغرف من بحر.
(343) أكّار نزل على صاحب الدّار.
(344) بقر تنيك حمارا.
(345) ليس كلّ أخضر طري.
(346) ليس كلّ مدوّر بعر.
(347) هو يضرط من است واسعة.
(348) قدّم خيرا إثما تجده.
(349) قدّم خيرك ثم أيرك.
(350) أصبحت شطرا بطرا.
(351) أصبحت وقد وجدت في خراك فلسا.
(352) عاد غيث ولا خسرنا.
(353) فلا علينا ولا لنا.(6/330)
(353) فلا علينا ولا لنا.
الباب الثالث عشر نوادر أصحاب الشّراب والسّكارى
قال بعضهم: إذا رأيت الرجل يشرب وحده، فاعلم أنه لا يفلح أبدا، وإذا لم يشرب إلا مع الإخوان فارج له الإقلاع.
كان بعض أولاد الملوك إذا شرب وسكر عربد على ندمائه، وكان إذا صحا يندم، ويستدعي من عربد عليه ويعطيه ألف درهم وما يقاربها. فقال له بعضهم يوما: أنا رجل مضيق، وأنا مع ذلك ضعيف ولا أحتمل عربدة بألف درهم فإن رأيت أن تعربد عليّ بمائتي درهم، فقلت: فاستظرفه وأعطاه وأحسن إليه.
سقط سكران في كنيف قد امتلأ، فجعل يقول: يا أصحابي ما للقعود ها هنا معنى.
قالوا: للنبيذ حدّان، حدّ لا همّ فيه، وحدّ لا عقل فيه، فعليك بالأوّل واتّق الثاني.
كان أبو نواس يقول: خمر الدّنيا، خير من خمر الجنّة، وقد وصفها الله تعالى بأنها لذة للشّاربين. فقيل: كيف؟ قال: لأن هذا نموذج والأنموذج من كلّ شيء أبدا أجود.
قيل لبعضهم: فلان هل يشرب الخمر؟ قال: نعم إذا اشترى بثمن لحم خنزير مسروق.
قال رجل لبعض أصحاب النبيذ: وجّهت إليك رسولا عشية أمس، فلم يجدك. قال: ذاك وقت لا أكاد أجد فيه نفسي.
قال أبو العيناء: النّبيذ بمكسود والغمّ.
سقى بعضهم ضيفا له نبيذا رديئا، وقال له: هذا التبيذ من عانة، فقال الضّيف: من أسفل العانة بأربعة أصابع.(6/331)
قال أبو العيناء: النّبيذ بمكسود والغمّ.
سقى بعضهم ضيفا له نبيذا رديئا، وقال له: هذا التبيذ من عانة، فقال الضّيف: من أسفل العانة بأربعة أصابع.
قال بعضهم: ما نحب أن تدعى القينة في الصيف نهارا، وفي الشتاء ليلا إلا لنذهب البرد.
قيل لبعضهم: كم الصلاة؟ قال: الغداة، والظّهر. قالوا: فالعصر. قال:
تعرّف وتنكّر، قالوا: فالعشاء. قال: يبلغها الجواد. قالوا: فالعتمة؟ قال: ما كانت لنا في حساب قط.
قال بعضهم: ليكن النّقل كافيا، وإلّا أبغض بعضنا بعضا.
خرج بعض السّكارى من مجلس ومشى في طريق فسقط وتبوّع وجاء كلب يلحس فمه وشفتيه والسّكران يقول: خدمك بنوك، وبنو بنيك، فلا عدموك. ثم رفع الكلب رجله وبال على وجهه فجعل يقول: وماء حارّ يا سيدي! بارك الله عليك.
خرج سوّار القاضي يوما من داره يريد المسجد ماشيا، فلقيه سكران فعرفه. فقال: القاضي أعزّه الله يمشي، امرأته طالق إن حملتك إلّا على عاتقي. فقال: ادن يا خبيث. فدنا فحمله على عاتقه ثم رفع رأسه فقال: اهملج أو أعنق؟ قال: يا خبيث! مشيا بين مشيتين واحذر العثار والزّلق والصق بأصول الحيطان. فقال السكران: كأنك أردت الملا من الفروسية يا أبا عبد الله، فلما أوصله إلى المسجد، أمر سوّار بحبسه فقال: أيها القاضي هذا جزائي منك، فتبسّم، وتركه.
قال: تواثب اثنان من المعربدين في مجلس وتواجا (1) بسكينيهما، فأصاب السّكين طرف أنف أحدهما وكمرة (2) الأير للآخر، وسقط من أنف هذا ما أشرف، وكذلك من كمرة هذا، وطلب كلّ واحد منهما في الظّلمة ما انقطع منه،
__________
(1) تواجآ: من وجأ، أي ضرب باليد والسكين، في أي موضع كان، والاسم: الوجاء.
(2) الكمرة: رأس الذكر.(6/332)
فوقعت كمرة هذا في يد هذا، فلزقه على أنفه بجرّارته وشدّه، ووقع طرف أنف هذا في يد صاحبه، فلزقه بجرّارته وشدّه، فالتحم الجرحان وبرآ، وصار هذا يتنفّس من كمرة صاحبه، وصاحبه يبول وينيك بأنفه ما عاشا!
وعاتبت امرأة ابنها على شرب النّبيذ فقال: والله لأشربنّ اليوم، خاصّة، حتى أرى هذين الدّيكين أربعة وفي الدار ديك واحد يدرج وكان الغلام قد شرب، فقالت له أمّه: فاترك من يدك القدح فقد بر قسمك، ورأيت الواحد اثنين.
شرب الأقيشر في حانوت خمّار حتى أنفد ما معه، ثم شرب بثيابه حتى غلقت، وبقي عريان ليس عليه شيء، وجلس في وسط تبن يستتر به، فمرّ به رجل ينشد ضالّته فقال: اللهمّ اردد عليه، واحفظ علينا. فقال له الحمار:
سخنت عينك! أي شيء يحفظ عليك ربّك؟ قال: هذا التّبن لا يأخذه صاحبه فأهلك من البرد.
كانت عليّة بنت المهدي تقول: من أصبح وعنده فضلة طباهجة (1)، وقنينة ناقصة وتفّاحة معضوضة، فلم يصطبح فلا تعدّه من الفتيان.
وكتب أخ كان لأبي عبد الرحمن العطوي إليه يعذله في النّبيذ، فكتب إليه:
يا أخي، أما تستحي لي أن تكون توبتي على يدك؟
دخل رجل على ابن سيّابة، وبين يديه خمر قد اشتراه ولم يشرب منه بعد، فقال: لك الويل إن كان إلّا الخمر. فقال ابن سيّابة: الويل لي إن لم يكن خمرا.
سئل إسحاق عن النّدماء فقال: واحد، غمّ، واثنان: همّ، وثلاثة: قوام، وأربعة: تمام، وخمسة: مجلس، وستّة: زحام، وسبعة: جيش، وثمانية:
عسكر، وتسعة: اضرب طبلك، وعشرة: الو بهم من شئت.
قال إبراهيم الموصلي: دخلت يوما على الفضل بن جعفر، فصادفته وهو
__________
(1) الطباهجة: اللحم المشرح المقلي: فارسي معرب.(6/333)
يشرب وعنده كلب، فقلت له: أتنادم كلبا؟ قال: نعم، يمنعني أذاه ويكف عني أذى سواه، يشكر قليلي، ويحفظ مبيتي، ومقيلي وعقيلي. وأنشد:
وأشرب وحدي من كراهية الأذى ... مخافة شرّ أو سباب لئيم
وكان آخر يشرب وحده، وكان مدمنا للشّرب، وكان إذا جلس وضع بين يديه صراحيّة الشراب، وصراحيّة فارغة، ثم يصبّ القدح ويشربه، ويقول للصّراحية الفارغة: هذا سروري بك، ثم يصبّ القدح ويشربه. ويقول للصّراحية: هذا سرورك بي، ويصبّه فيها، ويكون هذا دأبه إلى أن يسكر.
حضر بعض التّجّار مجلس شرب فجعل يسرع في النّقل فقال بعض الظّراف: هذا يشرب النّقل، وينتقل بالنبيذ.
قال بعضهم: ليس يقوم سكر العشي بمكروه خمار الغداة، فقال آخر:
لولا سرور خمار الغداة، لم أحتمل سكر العشيّ.
قال بعضهم: رأيت أبا نواس يضحك من سكران، فقال: ما رأيت سكرانا قبله. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأني كنت أسكر قبل الناس، ولا أعلم ما يكون حالهم. قال: رأيت سكرانا قد وقع في الطين وهو يصيح ويقول:
رحم الله من أخذ بيدي، وله أبنّة، في مثل حالتي، وهو يرى حاله، حال نعمة.
حمل آخر على قفا حمّال ليردّه إلى منزله، فسأل الناس الحمّال، وقالوا:
ما هذا؟ فرفع السكران رأسه وقال: بقيّة مما ترك آل موسى، وآل عمران، تحمله الملائكة.
قال بعضهم: مرّ بنا سكران فسلّم، فلم نرد عليه، فحلّ مئزره ليبول وسطنا. فقيل له: ما تصنع؟ ويلك! قال: ما ظننت أنّ ها هنا إنسان!
تقدّم سكران فصلّى بقوم، فلما سجد نام في سجوده، فحرّكوه فانتبه.
وقال: القدح ليس هو لي.
وصلّى الوليد بن عقبة وهو أمير الكوفة بالناس صلاة الفجر أربع ركعات، وقرأ: [مجزوء الرمل]
علق القلب الرّبابا ... بعدما شابت وشابا
إنّ دين الله حقّ ... لا أرى فيه ارتيابا
ثم سلّم والتفت إلى أصحابه وقال: أزيدكم! أي يكفيكم، ونام في المحراب وتقيّأ. قيل لبعض الحكماء: كيف ابنك؟ قال: على ما أريده ما لم يسكر، وعلى ما يريده النبيذ إذا سكر.(6/334)
وصلّى الوليد بن عقبة وهو أمير الكوفة بالناس صلاة الفجر أربع ركعات، وقرأ: [مجزوء الرمل]
علق القلب الرّبابا ... بعدما شابت وشابا
إنّ دين الله حقّ ... لا أرى فيه ارتيابا
ثم سلّم والتفت إلى أصحابه وقال: أزيدكم! أي يكفيكم، ونام في المحراب وتقيّأ. قيل لبعض الحكماء: كيف ابنك؟ قال: على ما أريده ما لم يسكر، وعلى ما يريده النبيذ إذا سكر.
قال بعضهم: شربت يوما عند ختنى النّباذ إذ دفع الباب، فدخل فقّاع ختنى، وقال: أمي زانية إن تركتك تذوق قدحا أو توفّي ثمنه، أو تعطي رهنا بما تشرب، قال: فسارّه بشيء لم أسمعه، وتراضيا، وجلس يشرب، فقلت: ختنى، ما أعطاك؟ قال: أعطاني رهنا وثيقا قال: جعل امرأته في يدي، إلى أن يجيء بثمن ما يشرب يوم كذا. قال: فغلبني الضّحك وقلت: ما ظننت أنّ الطّلاق يرهن إلى السّاعة.
وشرب آخر عند بعض الخمّارين، فلم يكن يسكر، فشكا ذلك إلى الخمّار فقال: اصبر فإن هذا يأخذ في آخره، فلمّا خرج أخذه الطائف فقال: صدق الرجل، هذا أخذ في آخره.
قال بعضهم: قلت لواحد من السّفل، رأيته في بيت خمّار: جئت إلى ها هنا مطّفلا؟ فقال: بل اتكيت على درهم ودانقين، وجئت.
أخذ الطائف بالبصرة، رجلا، سكران، فقال لرجاله: جرّوه. فقال:
أصلحك الله، لست سكرانا قال:
فاقرأ «سورة البقرة». قال: أعزّك الله، لعلّك لا تريد أن تطوف اللّيلة.
شرب جعفري ولهبي على سطح، فلمّا أخذ الشراب منهما، رمى الجعفري بنفسه إلى أسفل، وقال: أنا الطيّار في الجنّة، فتكسّر. وتشبّث اللهبي بالحائط، وقال: أنا ابن المقصوص في النّار.
مر سكران وهو يترنّح برجل يبول، فقال له: من أنت؟
قال: رجل من أهل الأرض، قال: فاقطعني نصفها.
قال: قد فعلت. قال السّكران: أمّه زانية، إن درعها إلا داري.(6/335)
قال: رجل من أهل الأرض، قال: فاقطعني نصفها.
قال: قد فعلت. قال السّكران: أمّه زانية، إن درعها إلا داري.
قيل لشيخ: أتشرب النبيذ؟ قال: مقدار ما أتقوى به على ترك الصّلاة.
قال أبو بكر بن عيّاش: كنت وسفيان الثوري وشريك بن عبد الله نمشي بين الحيرة والكوفة، فرأينا شيخا أبيض الرأس واللّحية، حسن السمعة، له رواء فقلنا: هذا شيخ جليل، قد سمع الحديث، ورأى الناس، وكان سفيان أطلبنا للحديث، وأشدّنا بحثا وأعلمنا به، وأحفظنا له، فتقدم إلى الشيخ وسلّم، ثم قال:
أعندك رحمك الله شيء من الحديث؟ قال: أمّا الحديث فلا، ولكن عندي عتيق سنتين، فنظرنا، فإذا هو خمّار.
باع بعضهم ضيعته فقال له المشتري: بالعشيّ أشهد عليك.
قال: لو كنت ممّن يفرغ بالعشي، ما بعت ضيعتي.
خرج ثمامة من منزل ضيّق له، مع المغرب، وهو سكران، فإذا هو بالمأمون قد ركب في نفر، فلما رآه ثمامة عدل عن طريقه وبصر به المأمون، فضرب كفل دابّته وحاذاه، فوقف ثمامة، فقال له المأمون: ثمامة! قال: إي والله، قال: من أنا؟ قال: لا أدري والله. فضحك المأمون حتى انثنى على دابّته.
وقال: عليك لعائن الله. فقال ثمامة: تترى إن شاء الله. وأمر له بخمسين ألف درهم.
قدم شراعة بن زيد على الوليد بن يزيد، وكان كتب في إقدامه عليه، فلما دخل ما سأله عن سفره، ولا عن نفسه، حتى قال: يا شراعة، إني والله ما أرسلت إليك لأسألك عن كتاب الله، ولا أستفتيك عن سنّة رسول الله عليه الصلاة والسلام. قال: لو سألتني عنهما لوجدتني حمارا. قال: إنما أرسلت إليك لأسألك عن الفتوة. قال: يا أمير المؤمنين فاسأل عنها طبيبها الرفيق، ودهقانها العالم. قال: أخبرني عن الأشربة. قال: سلني: قال: ما تقول في الماء؟ قال: لا بدّ لي منه، والحمار شريكي فيه. قال: ما تقول في اللبن؟ قال:
ما رأيته منذ فطمت، إلا استحيلت أمّي لطول مصّي ثديها. قال: فما تقول في
السّويق: قال: شراب المريض والمحزون والمستعجل. قال: فما تقول في نبيذ التمر؟ قال سريع امتلاؤه، وسريع انتشاره، وضرط أكثره. قال: فما تقول في الزّبيب: قال: يحام به حول الأمر. قال: فما تقول في الخمر؟ قال: فوضع يده على صدره، ثم قعد، وقال: يا أمير المؤمنين تلك صديقة روحي. قال: وأنت أيضا صديقي. قال: فما تقول في الطعام؟ قال: ليس لصاحب النّبيذ على الطعام سبيل. قال: فأي المجالس أعجب إليك؟ قال: يا أمير المؤمنين والله العجب لمن لم يغرقه المطر، أو تحرقه الشمس، كيف يجلس إلا تحت السحاب؟ والله ما شرب الناس على وجه، أحسن من وجه السّماء.(6/336)
ما رأيته منذ فطمت، إلا استحيلت أمّي لطول مصّي ثديها. قال: فما تقول في
السّويق: قال: شراب المريض والمحزون والمستعجل. قال: فما تقول في نبيذ التمر؟ قال سريع امتلاؤه، وسريع انتشاره، وضرط أكثره. قال: فما تقول في الزّبيب: قال: يحام به حول الأمر. قال: فما تقول في الخمر؟ قال: فوضع يده على صدره، ثم قعد، وقال: يا أمير المؤمنين تلك صديقة روحي. قال: وأنت أيضا صديقي. قال: فما تقول في الطعام؟ قال: ليس لصاحب النّبيذ على الطعام سبيل. قال: فأي المجالس أعجب إليك؟ قال: يا أمير المؤمنين والله العجب لمن لم يغرقه المطر، أو تحرقه الشمس، كيف يجلس إلا تحت السحاب؟ والله ما شرب الناس على وجه، أحسن من وجه السّماء.
قيل لعبد العزيز بن آدم: إنّ بنيك يشربون النبيذ. قال: صفوهم لي.
فوصفوهم بالخرق والطيش قال: هؤلاء يدعونه: قالوا له. ولكن آدم أوقر ما يكون إذا شرب، قال: إنه والله هو الذي لا يدعه أبدا.
كتب أخو العطوي إليه يعذله في النّبيذ. فكتب إليه: أما تستحي أن تكون توبتي على يدك؟!
قال الجاحظ: رأيت أسود في يده قنّينة وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟
قال: أخاف أن تنكسر قبل أن أسكر!(6/337)
قال: أخاف أن تنكسر قبل أن أسكر!
الباب الرابع عشر في الكذب
قال دغفل: حمي النعمان ظهر الكوفة، ومن ثم قيل: شقائق النّعمان، فخرج يوما يسير في ذلك الظهر، فإذا هو بشيخ يخصف النعل، فقال: ما أولجك ها هنا؟ قال: طرد النّعمان الرّعاء، فأخذوا يمينا وشمالا، فانتهيت إلى هذه الوهدة في خلاء من الأرض، فنتجت الإبل، وولدت الغنم، وامتلأت السّمن، والنّعمان معتمّ لا يعرفه الرّجل. قال: أو ما تخاف النعمان؟ قال: وما أخاف منه لربما لمست بيدي هذه بين عانة أمه وسرّتها، فأجده كأنه أرنب جاثم، فهاج النعمان غضبا وسفر عن وجهه، فإذا خزرات الملك، فلمّا رآه الشيخ قال:
أبيت اللعن!، لا تر أنك ظفرت بشيء، قد علمت العرب أنه ليس بين لابتيها شيخ أكذب منّي، فضحك النعمان ومضى.
سمعت الصاحب (1) رحمة الله عليه، يحكي عن الوزير أبي محمد المتنبّي أنّ بعض الأحداث من أهل بغداد من أولاد أرباب النّعم، فارق أباه مستوحشا، وخرج إلى البصرة، وكان في الفتى أدب وظرف وفضل، فدخلها، وقد انقطع عنه، وتحيّر في أمره، فسأل عمّن يستعان به من أهلها من الفضلاء، فوصف له نديم الأمير، كان بها في ذلك الوقت من المهالبة فقعده، وعرض عليه نفسه وعرّفه أمره فقال له: أنت من أصلح الناس لمنادمة هذا الأمير، وهو أحوج الناس إليك إن صبرت منه على خلّة واحدة فقال: وما هو؟ قال: هو رجل مشغوف بالكذب لا يصبر عنه، ولا يفيق منه، ولا بدّ لك من تصديقه في كل شيء يقوله، وكلّ كذب يختلقه، لتحظى بذلك عنده، وإن لم تفعل ذلك لم آمنه
__________
(1) هو الصاحب بن عباد، المتوفى سنة 385هـ، تقدمت ترجمته.(6/338)
عليك. فقال الفتى: أنا أفعل ذلك واحتذ من رسمك فيه، ولا تجاوزه فوصفه هذا النّديم لصاحبه. فقال: لا يكونن بغداديّا سيّىء الأدب، فضمن عنه حسن الأدب، وإقامة شروط الخدمة. فاستحضره وحضر، وأعجب به، وخلع عليه، فحملت إليه صلة من الثّياب والدّراهم وغيرها، ووضعت بين يديه، وواكله وأحضره مجلس أنسه، وهو في أثناء ذلك يأتي بالعظائم من الكذب فيصدّقه إلى أن قال مرّة وقد أخذ الشراب من الفتى: إنّ لي عادة في كلّ سنة أن أطبخ قدرا كبيرة وقت ورود حاج خراسان، وأدعوهم وأطعمهم جميعهم من تلك القدر الواحدة فتحيّر الفتى وقال: أي شيء هي هذه القدر بادية العرب؟ دهناء تميم؟
بحر قلزم؟ فغضب الأمير، وأمر بتمزيق الخلع عليه وطرده في بعض الليل، وأقبل على النّديم يعنّفه ويلومه. وعاد الفتى إلى باب النديم، وبات عليه إلى أن أصبح، وعاد الرجل إلى منزله، فدخل إليه واعتذر بالسّكر، وضمن أن لا يعود لمثل ذلك، فعاد إلى صاحبه وحسّن أمره، وقال: إنه كان بعيد عهد في الشّراب وعمل النبيذ فيه عملا لم يشعر معه بشيء مما جرى. وأنه بكّر إلى سير، فرآه اللصوص عند عوده فعارضوه وأخذوا منه حلّة الأمير ومانعهم فمزّقوا عليه خلعه، فرسم بإعادته إلى المجلس، وأضعف له في اليوم الثاني الجائزة والخلعة وجعل الفتى يتقرّب بأنواع التقرّب إليه، وإذا كذب الأمير صدّقه، وحلف عليه.
إلى أن جرى ذكر الكلاب الرّبيبة والصّغار فقال الأمير: قد كان عندي منها عدة في غاية الصّغر، حتى أتى لآمر بأن تلقى في المكحلة، وكان لي مضحك أعبث به، فأمرت أن يكحل من تلك المكحلة إذا قام وسكر وكان إذا أصبح وأفاق من سكره يرى تلك الكلاب وهي تنبح في عينه ولا يقدر عليها لصغرها.
قال: فقام الفتى وخلع الثياب المخلوعة عليه، وترك الجائزة وعاد عريانا.
قال: لا صبر لي على كلاب تنبح من أجفان العين، اعمل بي ما شئت، وفارق البصرة، وعاد إلى بغداد.
قال المدائني: كان عندنا بالمدائن رجل، يقال له: دينارويه وكان خبيثا، قال له والي المدائن: إن كذبت كذبة لم أعرفها فلك عندي زقّ شراب ودراهم وغيرهما. قال له دينارويه: هرب لي غلام فغاب عنّي دهرا لا أعرف له خبرا
فاشتريت بطيخة فشققتها، فإذا الغلام فيها يعمل خفا وكان إسكافا، قال العامل:(6/339)
قال المدائني: كان عندنا بالمدائن رجل، يقال له: دينارويه وكان خبيثا، قال له والي المدائن: إن كذبت كذبة لم أعرفها فلك عندي زقّ شراب ودراهم وغيرهما. قال له دينارويه: هرب لي غلام فغاب عنّي دهرا لا أعرف له خبرا
فاشتريت بطيخة فشققتها، فإذا الغلام فيها يعمل خفا وكان إسكافا، قال العامل:
قد سمعت هذا. قال: كان لي برذون يدبر، فوصف لي قشر الرّمان فألقيتها على دبرته، فخرج في ظهره شجرة رمّان عظيمة. قال: قد سمعت بهذا أيضا. قال:
كان لغلامي فروة فقمل، فطرحها فحملها القمل ميلين. قال: قد سمعت بهذا.
فلما رأى أنه يبطل عليه كلّ ما جاء به قال: إنّي وجدت في كتب أبي صكّا، فيه:
أربعة آلاف درهم والصك عليك.
فقال: وهذا كذب وما سمعته قط. قال: فهات ما خاطرت عليه، فأخذه.
قال الشّعبيّ: حضرت مجلس زياد وحضره رجل فقال: أصلح الله الأمير، إن لي حرمة أذكرها؟ قال: هاتها. قال: رأيتك بالطائف وأنت عظيم ذو ذؤابة، قد أحاط بك جماعة من الغلمان فأنت تركض هذا مرّة برجلك، وتنطح هذا مرّة برأسك، وتكدم هذا مرّة بأنيابك، فكانوا مرّة ينثالون عليك هذه حالهم، ومرة يندون عليك، وأنت تتبعهم حتى كاثروك، واستعدوا عليك فجئت حتى أخرجتك من بينهم وأنت سليم وكلّهم جريح، فقال: صدقت، أنت ذلك الرّجل؟ قال: أنا ذاك. قال: حاجتك؟ قال: حاجة مثل الغنيّ عن الطّلب. قال: يا غلام اعطه كلّ صفراء وبيضاء عندك، فنظر فإذا قيمة ما يملكه في ذلك اليوم أربعة وخمسون ألف درهم فأخذها وانصرف: فقيل له بعد ذلك: أأنت رأيت زيادا وهو غلام في شدّة الحال. قال: أي والله لقد رأيته اكتنفه صبيّان صغيران كأنهما من سخال المعز، فلولا أنّي أدركته، لظننت أنهما يأتيان على نفسه.
قال رجل من آل الحارث بن ظالم: والله لقد غضب الحارث يوما فانتفخ في ثوبه فبدر في عنقه أزرار، ففقأت أربعة أعين من عيون جلسائه.
ومما حكاه أبو العنبس عن أبي جعفر الرزاز. قال: رأيت ببلاد الأغلب خصيا نصفه أبيض، ونصفه أسود، شعر رأسه أشقر، وكنت في مركب، وأشرف علينا طائر من طيور البحر في منقاره فيل، وعلى عنقه فيل، وفي كلّ مخلب من مخالبه فيل، وتحت إبطه كركدن، وهو يطير بها إلى وكره ليزقّ فراخه.
ورأيت بالمراغة عين ماء ورأيت شجرة تحمل مشمسا داخل المشمس
تمرة، ونوى التمرة باقلاء عبّاسية.(6/340)
ورأيت بالمراغة عين ماء ورأيت شجرة تحمل مشمسا داخل المشمس
تمرة، ونوى التمرة باقلاء عبّاسية.
ورأيت بالنعمانية رجلا تعشّى ونام، وبيده تمرة فجرّه النمل ستة أميال، ورأيت خمسة من المخنّثين تغدوا في قصعة، وجدّفوا بكفاف طبولهم حتى عبروا نهر بلخ. وكان لأبي خف من مرّي مصاعد.
قال بعضهم: كان لأبي منقاش اشتراه بعشرين ألف درهم. فقيل له: ما كان ذلك المنقاش؟ كان من جوهر أو مكللا بالجوهر؟ فقال: لا كذبت. قال:
كان هذا المنقاش إذا نتفت به شعرة بيضاء، عادت سوداء.
قال المبرّد، تكاذب أعرابيا بيان فقال أحدهما: خرجت مرة على فرس لي، فإذا أنا بظلمة شديدة فتمّمتها حتى وصلت إليها، فإذا قطعة من الليل لم تنتبه، فما زلت أحمل عليها بفرسي حتى أنهيتها فانجابت. فقال: ألا لقد رميت ظبيا بسهم. فعدل الظبي يمنة، فعدل السّهم خلفه، ثم تياسر السّهم، ثم علا الظّبي فعلا السّهم ثم انحدر فأخذه.
قال وزعم الرواة أن عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب قال لابني الجون الكنديين: إنّ لي عليكما حقا لرحلتي ووفادتي، فدعوني أنذر قومي من موضعي. فقالوا: شأنك. فصاح بقومه فأسمعهم على مسيرة ليلة.
وسئل أبو عبيدة عن مثل هذه الأخبار من أخبار العرب فقال لي: إن العجم تكذب فتقول: كان رجل نصفه من نحاس ونصفه من رصاص. فتعارضها العرب بمثل هذا وشبهه.
ومن ذلك ما يحكون في خبر لقمان بن عاد فإنهم يصفون أن جارية له سئلت عما بقي من بصره لدخوله في السنّ. فقالت: والله لقد ضعف بصره، ولقد بقيت منه بقيّة إنه ليفصل بين أثر الأنثى والذّكر من الذّر إذا دبّ على الصفا.
في أشياء تشاكل هذا من الكذب.
قال الأصمعي: قلت لأعرابيّ كنت أعرفه بالكذب: أصدقت قط؟ فقال:
لولا أني أصدق في هذا لقلت لك: لا.
وتحدثوا عن عمرو بن معديكرب أنه كان معروفا بالكذب، وأنّ أهل الكوفة الأشراف كانوا يظهرون بالكناسة فيتحدّثون على دوابّهم إلى أن تطردهم الشمس، فوقف عمرو بن معدي كرب، وخالد بن الصّقعب النهدي وأقبل عمرو يحدّثه فقال: أغرنا على بني نهد، فخرجوا مستغيثين بخالد بن الصقعبي فحملت عليه فطعنته فأذريته ثم ملت عليه بالصّمصامة فأخذت رأسه فقال خالد: خلا أبا ثور، إنّ قتيلك هو المحدّث، فقال: يا هذا إذا حدّثت فاسمع، فإنّما يتحدّث بمثل هذا لنرهب به الأعداء.(6/341)
لولا أني أصدق في هذا لقلت لك: لا.
وتحدثوا عن عمرو بن معديكرب أنه كان معروفا بالكذب، وأنّ أهل الكوفة الأشراف كانوا يظهرون بالكناسة فيتحدّثون على دوابّهم إلى أن تطردهم الشمس، فوقف عمرو بن معدي كرب، وخالد بن الصّقعب النهدي وأقبل عمرو يحدّثه فقال: أغرنا على بني نهد، فخرجوا مستغيثين بخالد بن الصقعبي فحملت عليه فطعنته فأذريته ثم ملت عليه بالصّمصامة فأخذت رأسه فقال خالد: خلا أبا ثور، إنّ قتيلك هو المحدّث، فقال: يا هذا إذا حدّثت فاسمع، فإنّما يتحدّث بمثل هذا لنرهب به الأعداء.
وقيل: لخلف الأحمر (1) وكان شديد التعصّب لليمن أكان عمرو بن معديكرب يكذب؟ فقال: كان يكذب في المقال، ويصدق في الفعال.
وذكر أنّ قاصّا كان يكثر التحديث عن هرم بن حيّان، فاتّفق أن كان معه هرم في المسجد وهو يقول: حدّثني هرم مرة بعد مرة بأشياء لا يعرفها هرم فقال له: يا هذا أتعرفني؟ أنا هرم بن حيّان، ما حدّثتك بهذا من شيء، فقال له القاصّ: وهذا أيضا من عجائبك، أنه ليصلّي في المسجد خمسة عشر رجلا اسم كل واحد منهم هرم، فكيف توهّمت أن ليس في الدنيا هرم غيرك؟
وشبيه بهذا ما شهدناه، وهو أنّه لما وفد أبو القاسم بن بابك على الصّاحب رحمه الله وأنشده مدائحه فيه، طعن عليه بعض الحاضرين وذكر أنه منتحل وأنه ينشد قصائد قد قالها ابن نباتة، فأراد الصاحب أن يمتحن، فاقترح عليه أن يقول قصيدة يصف فيها الفيل على ورق عرد، فقال أبو القاسم قصيدته المعروفة التي أجاد فيها واستحسنها الصّاحب. وقال له: شككت له، خيّب الشكّ، ولام الطّاعن على كذبه، وادّعائه أنه ينتحل شعر غيره فقال: يا مولانا، هذا والله معه ستّون فيلية، كلها على هذا الورق لابن نباتة.
وقال المبرّد كان بالرقة قاصّ يكثر الحديث عن بني إسرائيل، فيظنّ به
__________
(1) هو خلف بن حيان، أبو محرز البصري المعروف بخلف الأحمر، توفي سنة 180هـ، صنف كتاب «خيال العرب، وما قيل فيه من الشعر» (كشف الظنون 5/ 348، وانظر ترجمته في: مراتب النحويين 46، طبقات النحويين 161، نزهة الألباء 37، إنباه الرواة 1/ 348، بغية الوعاة 242).(6/342)
الكذب، فقال له يوما الحجّاج بن خيثمة: ما كان اسم بقرة بني إسرائيل؟ فقال خثيمة (عجل) فقال له رجل من ولد أبي موسى الأشعري: في أيّ كتب وجدت هذا؟ قال: في كتاب عمرو بن العاص.
وقال العتبي: أنا أصدق في صغير ما يضرّني، ليجوز كذبي في كبير ينفعني.
وروي أن رجلا أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم قال:
يا رسول الله إنما أوخذ من الذّنوب بما ظهر، وأنا أستسرّ بخلال أربع:
الزّنى، والسّرقة وشرب الخمر، والكذب، فأيّهن شئت تركت لك، يا رسول الله قال: دع الكذب. فلمّا ولّي عنه همّ بالزّنى فقال: يسألني رسول الله فإن جحدت نقضت ما جعلت له، وإن أقررت حدّدت أو رجمت، فلم يزن، ثم همّ بالسّرقة ثم بشرب الخمر، ثم فكّر في مثل ذلك، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، قد أخذت عليّ السّبل، قد تركتهنّ جميعا.
شهد أعرابي عند معاوية فقال له: كذبت، فقال الأعرابي: الكاذب والله المتزمّل في ثيابك، فقال معاوية: هذا جزاء من عجل.
وذكروا أنّ رجلا نظر إلى ظبية، فقال له أعرابي: أتحبّ أن تكون لك؟
قال: نعم قال: فاعطني أربعة دراهم حتى أردّها إليك، ففعل، فخرج يمحص في أثرها فحدّق وجدّ، حتّى أخذ بقرنيها، فجاء بها، وهو يقول: [الرجز]
وهي على البعد تلوّي خدّها
تريغ شدّي وأريغ شدّها
كيف ترى عدو غلام ردّها
ذكر أنّه أضلّ أعرابي بعيرا له عربيا، وكان في الصائفة، فبينا هو يطوف في طلبه، إذا هو في حجرة الوالي ببختي لنا به صريف، عليه بلمة فتأمّله طويلا، ثم رجع إلى أصحابه فقال: بعيري الذي ضلّ قد وجدته، فجاء معه نحو من خمس مائة رجل من قومه من حمير إلى الوالي فقالوا: نشهد إنّه بعيره، فقال له الوالي:
خذه، فلما انصرف قال له بعضهم: يا فلان ألم يكن بعيرك الذي أضللته عربيا؟
قال: بلى، ولكنه أكل من شعير الأمير فتبخّت.(6/343)
خذه، فلما انصرف قال له بعضهم: يا فلان ألم يكن بعيرك الذي أضللته عربيا؟
قال: بلى، ولكنه أكل من شعير الأمير فتبخّت.
اشترى رجل من الأعراب شاة على أنها تحلب قفيزا فإذا هي تحلب أقل من ذلك، فقال لأصحابه: تشهدون بي على شاتي هذه أنها تسرق السّمع، فإني بها أبا عطاء فقال: أصلحك الله، إن هذا باعني شاة على أنها تحلب قفيزا، وامرأته طالق إن لم يكن عوج عندها في الأكل جائع وهذه، وهؤلاء الأربعة يشهدون على ما قلت، فالتفت إليهم فقال: أتشهدون على شهادة محدودة؟ قال أولهم: أشهد أني رأيت هذه الشاة وثبت على شيء طوله أربعون ذراعا فأكلته حتى بلغت طرفه فقال للثاني: بم تشهد؟ قال: أشهد أني رأيت هذه الشاة وثبت على قدر لرجل من الجيران يطبخ فيها لحم، فأكلت اللحم وحسيت المرق وكسرت القدر، وضربت عظما برجلها. فشجب القاضي وهو له به، ثم قال للثالث: بم تشهد قال: أشهد أني رأيت هذه الشاة وثبت على جماعة تبول، فأكلت بعضها صحاحا، وبعضها مقطّعا. فقال أبو عطاء للرابع: لا تشهد بشيء، فإني أخشى أن يشهد أنها أهلكت رجلا فآخذك بالدّية.
وكان ورد على كافي الكفاة أبو الفضل ابن العميد، وقبله شيخ حسن الهيئة والشيبة والشارب والبزّة، يرجع إلى فضل كثير، ويفتق في العلوم، ويقول شعرا جيّدا وكان مشغوفا بالكذب وكانت له أوابد، وعجاب، يحدّث بها عن نفسه ولا يتحاشى من كبير ولا صغير. مما حكى أنه قال: إنّي سلكت طريقا بالروم في شدّة البرد، فلما ارتفع النهار سمعنا في الهواء أصواتا مختلفة، وكلاما عاليا، ولم نر أحدا، فإذا قوم كانوا سلكوا طريقا فقطعوا الطريق قبلنا في الليل، وجمدت أصواتهم من شدّة البرد في الجوّ، فلما حمي النهار وطلعت الشمس على الأصوات الجامدة، ذابت، فكنّا نسمعها، وواحد يقول: «اشدد الرّحل»، وآخر يقول: «اسرج الدّابة»، وما يجانس ذلك من كلام حفظ عنهم.
وذكر أنه وجد في هذا الطريق جبلا أسود، فشدّ به رحله، فلمّا طلعت عليه الشّمس، تقطّع وطار وسقط رحله على الطريق، وأن ذلك كان من اجتماع خطاطيف كثيرة أصابها البرد، فأدخل كل واحد رأسه في است الآخر، وصارت على هيئة الجبل، فلما مسّها حر الشمس، طارت!
قال أبو حيّة: رميت والله ظبية فلمّا نفذ السّهم ذكرت بالظبية حبيبة لي، شبّهتها بها فشددت السّهم حتى قبضت على قذذه فرددته.(6/344)
وذكر أنه وجد في هذا الطريق جبلا أسود، فشدّ به رحله، فلمّا طلعت عليه الشّمس، تقطّع وطار وسقط رحله على الطريق، وأن ذلك كان من اجتماع خطاطيف كثيرة أصابها البرد، فأدخل كل واحد رأسه في است الآخر، وصارت على هيئة الجبل، فلما مسّها حر الشمس، طارت!
قال أبو حيّة: رميت والله ظبية فلمّا نفذ السّهم ذكرت بالظبية حبيبة لي، شبّهتها بها فشددت السّهم حتى قبضت على قذذه فرددته.
وقال الجاحظ: قيل لخباز إنك لتكذب بالحديث قال: وما عليك إذا كان الذي أزيد فيه أحسن منه، فو الله ما ينفعك صدقه ولا يضرّك كذبه، وما يدور الأمر إلا على لفظ جيّد ومعنى حسن، لكنّك والله لو أردت ذلك، لتلجلج لسانك، ولذهب كلامك.
قال أبو بكر الشيباني كنت أسيرا مع بني عمّ لي من بني شيبان، وفينا من موالينا جماعة في أيدي التّغالبة، فضربوا أعناق بني عمّي وأعناق الموالي، على وهدة من الأرض، فكنت والذي لا إله غيره أرى دم العربيّ ينماز من دم المولى، حتى أرى بياض الأرض بينهما فإذا كان هجينا قام فوقه، ولم يعتزل عنه.(6/345)
قال أبو بكر الشيباني كنت أسيرا مع بني عمّ لي من بني شيبان، وفينا من موالينا جماعة في أيدي التّغالبة، فضربوا أعناق بني عمّي وأعناق الموالي، على وهدة من الأرض، فكنت والذي لا إله غيره أرى دم العربيّ ينماز من دم المولى، حتى أرى بياض الأرض بينهما فإذا كان هجينا قام فوقه، ولم يعتزل عنه.
الباب الخامس عشر نوادر المجّان
قال بعض المجّان: اليمين الكذب كالتّرس خلف الباب.
شرب الهفني دواء فأسرف عليه حتى أنحله وذهب بجسمه فأتاه إخوانه يعودونه فقال: ما علمت أني من جراحتي اليوم.
دنا جماعة منهم إلى فقاعيّ فشربوا من عنده فقاعا (1) ثم قالوا: ليس معنا شيء، فخذ منّا رهنا قال: وما الرّهن؟ قال: تأخذ من كلّ واحد منا صفعة، فلما كان بعد أيام، جاؤوه وقالوا: خذ ثمن الفقّاع وردّ علينا الرهون، فجعل يأبى ويمتنع ويقول: لا حاجة لي في الثمن. قالوا: يا أحمق: لك حقك والسلعة لنا رهن عندك، فأخذ ما أعطوه شاء أم آبى، وصفعوا خدّه بقدر ما كان صفعهم كلهم واحدا واحدا.
تداين من بقّال شيئا بنسيئة، وحلف له أنه لا يجامع امرأته إلى أن يقضي دينه، فكان قد راهن أن يدع امرأته عند البقّال.
شرب داود المصاب مع قوم شهر رمضان ليلا، وقالوا له في وجه السحر:
قم فانظر هل تسمع أذانا؟ فأبطأ عنهم ساعة ثم رجع فقال: اشربوا فإني لم أسمع الأذان سوى من مكان بعيد.
نظر رجل إلى ابن سيابة يوم جمعة وقد لبس ثيابه فقال: يا أبا إسحاق أظنك تريد الجامع قال: لعن الله الظالم والمريد.
__________
(1) الفقاع: شراب يتخذ من الشعير، سمي به لما يعلوه من الزبد.(6/346)
كتب بعضهم إلى صديق له: أمّا بعد، فقد أظلّنا هذا العدو (يعني شهر رمضان). فكتب إليه في الجواب «لكن أهون عليك من شوال».
قيل لبعضهم: من أبغض الناس إليك؟ قال: مشايخ الدرب.
قيل لابن مضاء الرازي: قد كبرت، فلو تبت وحججت كان خيرا لك، قال: ومن أين لي ما أحج به؟
قال: بع بيتك، قال: فإذا رجعت فأين أنزل؟ وإن أقمت وجاورت بمكة أليس الله يقول: يا صعفان، بعت بيتك وجئت تنزل على بيتي؟
وتزوّج بامرأة وأمهرها أربعة آلاف درهم، فاستكثر ذلك بعض أصدقائه فقال: الأمر يسهل مع غريم كلما ألفيته نكته.
وكان بسجستان ماجن يعرف بعمرو الخزرجي، استقبله يوما رجل من أصدقائه وقد شجّوه وسالت الدماء على وجهه، فقال لعمرو: ليس تعرفني؟
فقال: ما رأيتك في هذا الزي قط فاعذرني، إني لم أتثبّتك.
وكان في بعض السنين قحط وغلاء ووقع بين امرأته وبين جيرة لها خصومة، فضربت وكسرت ثنيتها، فانصرفت إليه باكية وقالت: فعل بي ما هو ذا تراه، وضربت وكسرت لي ثنية فقال: لا تغتمّي، ما دام الثّغر هذا، تكفيك ثنية واحدة.
ومازحه يوما إنسان ومدّ يده إلى أيره وجعل يرطله فقال عمرو: إن أحببت أن تأكله فكله هنا، فإنّك إن رددته إلى البيت، غصبتك أم الصبيان عليه.
وسئل عن زوجته وجمالها فقال: هي كباقة نرجس، رأسها أبيض، ووجهها أصفر، ورجلها خضراء.
وقال رجل لصديق له: إن لك شيئين ليس لله مثلها قال: ما ذاك؟ قال:
لك ابني عم بغّاءين. وليس لله ذلك.
وصار جماعة من جيرانه إليه وسألوه أن يعطيهم شيئا يصرفونه في ثمن يواري مسجد في جيرته فقال لهم: إن كنتم رأيتموني في المسجد يوما من
الأيام، أو دخلت لحاجة فضلا عن الصلاة، فكلّفوني أن أفرشه طولا في جهرميّة اشتريها لكم.(6/347)
وصار جماعة من جيرانه إليه وسألوه أن يعطيهم شيئا يصرفونه في ثمن يواري مسجد في جيرته فقال لهم: إن كنتم رأيتموني في المسجد يوما من
الأيام، أو دخلت لحاجة فضلا عن الصلاة، فكلّفوني أن أفرشه طولا في جهرميّة اشتريها لكم.
وقال يوما الناس لا يعلمون متى يموتون، وأنا أعلم متى أموت. قالوا:
وكيف علمت؟ قال: أنا أعلم إذا دخل كانون الثاني وهبّت الريح الباردة وليس لي جبة وما أتدثّر به، فإني أموت لا محالة.
وقيل له: هل تعرف الدّرهم وتنقده؟ فقال: منذ زمان رأيته، فإذا رأيته رجوت أن أعرفه.
وقع بينه وبين امرأته كلام فقالت له: قد والله شيّبتني وبيّضت رأسي.
فقال: إن كنت أنا بيّضت رأسك، فمن قلع أسنانك؟
وصار بعض المجان إلى باب داره ودقّ الباب، فلما دنت امرأته من الباب قال لها: افتحي حتى أدخل وأنيكك، وأنظر أنت أطيب أم امرأتي؟ فقالت: سل عمرا فقد ناكنا جميعا.
وقال له يوما إنسان: متى عهدك بالنيك؟ فقال: سل أمّك فقد نسيته.
قيل لبعض المجّان: البشرى! فقد رزق الأمير البارحة ابنا، فقال: سمعت هذا الخبر من يومين. قيل له: إنما ولد البارحة، كيف سمعته أنت من يومين؟
قال: خبر السّوء يتقدم بثلاثة أيام.
صرع امرأة بعض المجان، فقرأ عليها مثل ما يقرأ المعزّم، ثم قال: أمسلم أنت أم يهودي أم نصراني؟ فأجابه الشيطان على لسانها وقال: أنا مسلم. قال:
فكيف استحللت أن تتعرض لأهلي وأما مسلم مثلك؟ قال: لأني أحبها. قال:
ومن أين جئت؟ قال: من جرجان قال: فلم صرعتها؟ قال: لأنها تمشي في البيت مكشوفة الرأس. قال: يا سيدي إذا كنت بهذه الغيرة، هلّا حمّلت من جرجان وقاية تلبسها ولا تتكشّف؟
قام بعضهم من مجلس ليصلّي فقيل له: أي صلاة تصليها الأولى أو العصر؟ فقال الماجن وكان حاضرا: أي صلاة صلّاها فهي الأولى، فإنه ما صلّى غيرها.
وكان بعضهم لا يصلّي فقبل له في ذلك. فقال: أليست الصلاة مع الميتة حرام؟ قالوا: نعم. قال: فإن أيري هذا هو ميّت من ثلاثين سنة.(6/348)
قام بعضهم من مجلس ليصلّي فقيل له: أي صلاة تصليها الأولى أو العصر؟ فقال الماجن وكان حاضرا: أي صلاة صلّاها فهي الأولى، فإنه ما صلّى غيرها.
وكان بعضهم لا يصلّي فقبل له في ذلك. فقال: أليست الصلاة مع الميتة حرام؟ قالوا: نعم. قال: فإن أيري هذا هو ميّت من ثلاثين سنة.
قال أحمد بن أبي طاهر: دعوت أصدقائي فجاؤوا معهم بصفع فمددت يدي إليه فقال لي: يا ابن البظراء، هذا مزاج من داره على دجلة، وفي بستانه طاووس، وفي اصطبله فيل، وعلى باب داره، زرافة، ليس من داره بكرا وخبزه شرا، ودواؤه في رنقة وفي حجرته ديك، وعلى بابه كلب.
قال آخر: الصّفع غلة، ولكنه مذلة.
قال آخر: الصفع المجّان، خير من البطالة بكراء.
قيل لأدهم المضحك، وكان أسود، وقد أمر الوالي أن لا يخرج أحد إلى المصلّى إلا في سواد قال: فأنا أخرج عريان.
قال المتوكل لبعض المجان، اطلب لي نصارى يسلمون، فغاب عنه أياما ثم عاد إليه، وقال: الإسلام والحمد لك في الإقبال، ولم أجد ما طلبت، ولكن ها هنا مشايخ مستورون من المسلمين يتنصرون إن أردت.
قال بعضهم: رأيت بعض المجّان المتنادرين بعد موته في النوم فقلت له:
يا فلان ما فعل بك ربك؟
قال: يا أحمق، ترى صهري فعل بي ما يفعله بكل أحد، وعاملني ما يعامل به غيري؟
قال بعضهم: رأيت العتّابي في سوق البزارين (1) جالسا يبول على أعقاب منادين فقلت: تفعل هذا مع أدبك البارع فقال: إنما اغتنمت هذه الخلوة.
قال بعضهم: مرّ بي عبادي بين يديه حمار عليه قفص من زجاج فقلت:
أي شيء معك! إن عثر الحمار، فلا شيء.
قال: كوني أنا سفلة في الدنيا، سفلة في الآخرة قيل: كيف ذلك! قال:
__________
(1) البزّار: بياع بزر الكتان، أي: زيته بلغة البغاددة.(6/349)
أما دنياي فكما ترون، وأما الآخرة فإن دخلت الجنة فلم أطمع أن أكون مع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وإن دخلت النار، لم أطمع أن أكون مع معاوية بن أبي سفيان!
استرثّ رجل حال أبي هفان فقال له: ما شأنك قال: لا أدري إما أن أكون عند الله وفي عداد الموتى، أو تكون الملائكة تسرق لذّتي.
كان نعمان أحد ولد الفضل بن نعمان ماجنا ذا نوادر، فقال له جماعة من أصحابه: هذا شهر رمضان فمن يصلّي بالجيران التراويح؟ فقال: كلّ واحد منهم: ليس فينا من ينشط لذلك قال: نعم فالعبوا بالنّرد إحدى عشرة فصلة ترويحتين فمن تقمّر (1) صلّى ترويحتين، ثم العبوا أبدا حتى يفرغوا من عدد التراويح حتى لا يقع على واحد منهم خيف.
كان بعض المجان لا يصوم تطوعا إلا يوم الأربعاء، فعوتب على ذلك فقال: أصومه رحمة له، لأني لا أجد أحدا يصومه.
أكل بعضهم سمكا كثيرا ففلج، فلما كان من الغداء اشتهى اللّبن والسّمك، فقالوا له: أبدّه الله في نفسك فقال: تخافون أفلج مرة أخرى.
قال بعضهم: مررت بشيخ يأكل في شهر رمضان جهارا فقلت له: أما تتّقي الله؟ فقال: لست مرائيا، عافاك الله.
قيل لبعضهم: روي في الحديث: أن الله إنما رزق الأحمق ليعلّم العاقل أنه لا يجرّ إلى نفسه بعقله شيئا، فقال: كان يكفي إنسان واحد للأنموذج.
قال بعض الظرفاء لصديق له: أنت عندي غدا. فقال: تقوّي ظهري برقعة.
أشرف قوم كانوا في سفينة على الهلاك، فأخذوا يدعون الله بالنجاة ويتضرّعون ورجل فيهم ساكت لا يتكلم فقالوا له: لم لا تدعو أنت أيضا؟ فقال:
هو منّي إلى ها هنا وأشار إلى أنفه، وإن تكلّمت، غرّقكم.
__________
(1) تقمّر: أي غلب بالمراهنة.(6/350)
قال بعضهم: غضب العشّاق مثل مطر الرّبيع.
قال بعضهم: نيك الخصيّ أوّله بكاء وآخره ضحك قالوا: وكيف ذاك؟
قال: لأنه إذا ناك المرأة عضّها فتبكي، وإذا نزى ضرط فتضحك.
قيل لبعضهم: ما بال الكلب إذا بال يرفع رجله؟ قال: يخاف أن يتلوّث درّاعته قيل: وللكلب درّاعة؟ قال: هو يتوهّم أنه بدرّاعة.
حكي عن بعض الشّيوخ أنه قال: مررت بالبصرة فرأيت ماجنين يقول أحدهما للآخر: تحالفا علينا على غير أمر كان منّا، فجمعت خطّي وأنني أستطعم حديثهما، فإذا هما يقولان: أي والله إنّ هذا لعجب يقول إبليس، «فوربّك لأغوينّهم أجمعين». ويقول الله: «فالحق والحق أقول لأملأنّ جهنم ومن يقوم لتحالفهما». قال: فلما رأياني حولا وجه الحديث، وانثنيا في معنى آخر.
قيل لابن سيابة: ما نظنّك تعرف الله. وكيف لا أعرف من أجاعني، وأعراني، وأدخلني في حر أمّي.
قام شملة ولزمه آخر وكانا ماجنين، فقال: حتى لا تفلح أبدا تعالى فقال:
أما أنا فقد جئت، فإن شئت أنت، فتعال.
سئل أبو الريان الحمصي عن معنى قول النبي عليه السلام حين سئل متى تقوم الساعة؟ فأشار بأصابعه الثلاث وتأول على ثلاثمائة سنة، فقال: إنما أراد الطلاق (إنه لا يدري).
قال بعضهم: سمعت بعض المجّان يقول: فلان أخذ من الحافي نعله.
قال: وسمعت آخر يقول: لعن الله فلانا يطرّ من العريان كمّه.
مرّ ماجن بالمدينة برجل قد لسعته عقرب. فقال: أتريد أن أصف لك دواءها؟ قال: نعم. قال: عليك بالصّياح إلى الصّباح.
نظر بعضهم إلى صبيّ بغيض فقال: هذا والله من أولاد الإيمان. فقالوا:
كيف! قال: يقول أبوه نحرت ابني هذا عند الكعبة، أهديت ابني هذا إلى مقام إبراهيم، ثكلت ابني هذا.
قال قدامة بن نوح: أولاد الزّنى أنجب، وذلك أن الرجل يزني بشهوته كلّها ونشاطه فيخرج الولد كاملا، والباقون من جماع بغير شهوة وتصنّع من الرجل لامرأته.(6/351)
كيف! قال: يقول أبوه نحرت ابني هذا عند الكعبة، أهديت ابني هذا إلى مقام إبراهيم، ثكلت ابني هذا.
قال قدامة بن نوح: أولاد الزّنى أنجب، وذلك أن الرجل يزني بشهوته كلّها ونشاطه فيخرج الولد كاملا، والباقون من جماع بغير شهوة وتصنّع من الرجل لامرأته.
قال بعضهم: حفظت من أحاديث النبي عليه السلام أربعة ونصف قيل له:
وما هو! قال: حديثه ابتلّت النعال، فالصّلاة في الرّحال. وحديثه عليه السلام:
ابردوا بالظّهر فإن شدة الحر من فيح جهنم. وحديثه: إذا حضرت الصلاة والعشاء فابدؤوا بالعشاء. وحديثه: ليس من البر الصيام في السفر، ونصف الحديث: حبّب إليّ من دنياكم النساء والطّيب، وكانت قرة عينه في الصلاة وليست كذلك.
مرّ بعضهم في طريق فعيي من المشي، فرفع رأسه إلى السماء فقال: يا رب، ارزقني دابة، فلم يمش إلا قليلا حتى لحقه أعرابي راكب رمكة (1) وخلفه مهر لها صغير قد عيي فقال للرجل: احمله ساعة، فامتنع الرجل فقنّعه بالسّوط حتى حمله، فلما حمله نظر إلى السماء فقال: يا رب، ليس الذنب لك، إنما الذّنب لي حيث لم أفسّرك، دابة تركبني أو أركبها.
اشترى بعضهم جارية فقيل له: اشتريتها لخدمتك أو لخدمة النّساء! فقال:
بل لنفسي، ولو اشتريت للنساء لكنت أشتري مملوكا فحلا.
كان أبو زهرة ماجنا كان يحمق، فصعد يوما في درجة طويلة، فلما قطعها، قال: ما بيننا وبين السماء إلا مرحلة وقد رميت الشياطين من دون هذه المسافة.
ودخل يوما من باب صغير وكان طويلا فقال: أدخلتم الجمل في سم الخياط قبل يوم القيامة؟
قال بعضهم: لو أعطى الله الناس أمانيّهم لافتضحوا، قيل: وكيف! قال:
لأنه ليس في الدنيا امرأة إلا وهي تشتهي أن يكون أير صاحبها مثل أير الحمار، وهو يشتهي أن يكون حرّها أضيق من حلقة الخاتم، متى كان هذا في هذا.
ورث بعضهم مالا، فكتب على خاتمه «الوحى» فلمّا أفلس كتب على خاتمه «استرحنا».
__________
(1) الرمكة: الفرس والبرذون تتخذ للنسل.(6/352)
الباب السادس عشر نوادر في الفسّاء والضّرّاط
قال بعض العباديين: من حبس ضرطته، كتب استه من الكاظمين الغيظ.
ضرط أبو الأسود عند معاوية واستكتمه فأراد أن يضع منه، لمّا كان عليه من التشيّع فلما اجتمع الناس أخبرهم بضرطه قال له أبو الأسود: إن امرءا اؤتمن على ضرطة فلم يكتمها لحريّ، أن لا يؤتمن على أمر الأمّة.
مشت فتاة في الطريق وإلى جانبها فاستعجلت فضرطت فقال الشيخ:
سبحان الله. فوقفت وقالت: سبّحت في غلّ وقيدين، يا بغيض يا مقيت، ممن تسبّح؟ قطعت عليك الطريق؟ فتعلقت لك بثوب؟ شتمت لك عرضا؟ رميتك بفاحشة؟ حبستك عن حاجة؟ امض على حالك لا مصحوبا ولا محفوظا. فخجل الشيخ حتى كأنه هو الذي ضرط.
ضرط الرّجل بحضرة عمر فلمّا حضرت الصلاة، قال عمر: عزمت على من كانت هذه الريح منه، إلا توضّأ، فقال جرير بن عبد الله: لو عزمت علينا جميعا أن نتوضأ كان أستر للرّجل وأكرم في الفعل. فقال له عمر: جزاك الله خيرا، فلقد كنت سيدا في الجاهلية، سيدا في الإسلام، عزمت عليكم ألا توضأتم، فقاموا جميعا وسترت على الرجل.
وكان سعيد بن جبير الكاتب من المعروفين بالضراط، وكان يضرط على عيدان القيان ويزعم أن الضراط أحسن من السماع.
وضارط مرّة أبا هفان ثلاثا. قال: اجعلهما نغمة بين شدوين، فغلط أبو هفان وضرط، فقال سعيد: نقضت الشرط قال: صدقت، زدت على قومي ما
ليس فيهم، وكان أبو هفان عبديّا، وعبد قيس تعيّر بالفسو.(6/353)
وضارط مرّة أبا هفان ثلاثا. قال: اجعلهما نغمة بين شدوين، فغلط أبو هفان وضرط، فقال سعيد: نقضت الشرط قال: صدقت، زدت على قومي ما
ليس فيهم، وكان أبو هفان عبديّا، وعبد قيس تعيّر بالفسو.
وقال مرة لأبي هفان: والله لئن ضرطت عليك ضرطة لأبلغنك فيها إلى فيه في دفعة. فقال: الله الله يا مولاي، زدني أخرى، وبلّغني مكة فإني صرورة (1).
فضرط عليه ضرطة أصعقت أبا هفان، ورجي عليها بالقرآن: {مََا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلََّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} (42) [الذاريات: 42]، وقال أبو هفان: يا سيدي، ردّني من الثعلبية فقد كفاني!
وقال المأمون لحاتم الريش وكان ضراطا: أنت أمير الضّراطين، وقال: أنا أوسع منك سلطانا إذن، لأنّ الإيمان خاصّ والضّراط عامّ.
وقال له مرّة: يا حاتم أين بلغ ابنك؟ فقال: أول ما فسا يا أمير المؤمنين!
دخل أعرابي إلى الحجاج فجعل يشكو إليه جدب السّنة، فبينا هو مفرط في ذلك إذ ضرط فقال: أصلح الله الأمير، وهذه أيضا من بليّة هذه السنة.
فضحك وأجازه.
وخاصم آخر خصما له بين يدي بعض الولاة، فغضب أحدهما وأرزى على صاحبه في الكلام، فبينا هو على تلك الحال حتى ضرط، فقال: وهذه أيضا في لحيتك.
قيل للمنصور وكان مريضا: إن فلانا ضرط في مجلس فتنبه فقال: {ذََلِكَ فَضْلُ اللََّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشََاءُ} [المائدة: 54].
كان بالأهواز عامل أصمّ، وكان يضرط في مجلسه، ويحسب أنه يفسو، فضرط مرة بين أهل عمله وبين يديه كاتب له، فأخذ كاتبه رقعة وكتب فيها:
أصلح الله الأمير إن هذا الذي يخرج ضراط يسمع، وهو يرى أنه فساء يخفى، فإن رأى أن يمسك، فعل إن شاء الله فوقّع في حاشيته: إنما استكفيناك أمر خراجنا، ولم نصدرك على ضراطنا، فتغافل كما تغافل القوم، فأنت واحد منهم.
__________
(1) الصرورة: الذي لم يحج قط.(6/354)
ذكر أنّ ابن سيّابة كان عند كاتب من كتّاب المهدي فسأله حاجة فمنعه، وجرّ الكاتب دواته فضرط فقال: ذلك تقدير العزيز العليم.
فقال ابن سيابة: [الطويل]
إذا أذنبوا قالوا مقادير قدّرت ... وما العار إلا ما تجرّ المقادر
دخل أعرابي على يزيد وهو يتغدى فقال لأصحابه أفرجوا لأخيكم فقال الأعرابي: لا حاجة لي إلى ذلك إن أطنابي والحمد لله طوال، فلما جلس وتهيّأ ليأكل ضرط، فقال له يزيد واستضحك: ما أظن إلا طنبا من أطنابك قد انقطع.
وعطس رجل فضرط وأراد بعض جلسائه أن يقول: يرحمك الله، فقال:
ضرطت والله. فقال: صدقت والله.
وحدّثني بعض مشايخ الكتّاب بالري: لما مات ابن فراشكين صاحب جيش خراسان بالري، قام بالأمر بعده واحد كان يقال له: «نبال غز» قال: فكنّا بين يديه يوما إذا تقدّم صاحب البريد، وقال له: أيها الأمير قد نزل ركن الدولة خارجا من أصفهان طامعا في الري، قال: وتغير لونه وتحرّك وضرط، وأراد أن يستوي قاعدا فضرط ضرطة أخرى، وثلّث وربع، فقال له صاحب البريد: الرجل منا بعد على ثمانين فرسخا. قال: فغضب وقال له: يا فاعل تقرّر أني أضرط هو ذا من الفزع؟ أنا إنما أضرط من الغضب.
وضرط بعض جلساء الصاحب رحمه الله في مجلسه، وكان معه على سرير، فخجل وأراد أن يدفع عن نفسه، فقال: هو صرير التّخت، يعني السرير، فقال الصّاحب: بل هو صرير التّحت.
وكان يتكلم يوما في مسألة من الأصوات فضرط بعض الحاضرين فقال الصاحب: وهذا أيضا من الأصوات، ومر في المسألة يتكلّم على عادته فيها.
قيل لبعضهم: لا تضرط، فإن الضّراط شؤم، قال: أحرى أن أدعه في جوفي.
نظر الحسن البصري إلى رجل عليه بزة سريّة فقال: ما يصنع هذا؟ قالوا:
يضرط فقال: ما طلب الدنيا بما يستحق أحد غير هذا.(6/355)
نظر الحسن البصري إلى رجل عليه بزة سريّة فقال: ما يصنع هذا؟ قالوا:
يضرط فقال: ما طلب الدنيا بما يستحق أحد غير هذا.
مدّ رجل رجله إلى أكّار (1) له، وقال: اطلب شوكة قد شاكتني. فجعل الأكار يطلبها بإبرة فانفلتت من الرجل ضرطة فقال الأكّار: لست أرى الشوكة، ولكن هو ذا اسمع صوتها.
تزوّج رجل بامرأة فضرطت ليلة الزّفاف، فخجلت، وبكت، فقال لها: لا تبكي فقد قيل: إن المرأة إذا ضرطت ليلة الزّفاف، كان ذلك دليلا على خصب السّنة، قال: فضرطت أخرى، قال: لا فإن بيتنا الذي ندّخر فيه الغلة بيت واحد صغير، ولا يسع أكثر من هذا.
قال المدائني: أتى عبد الله بن علي برجل من أصحاب مروان فعرفه فقال:
يا غلام الصاعقة بسيف كان لا لمرتشي إلا هتكته. فقال الشامي: من لا يحسن هذا، أما والله لو كان هذا الكلام منك لعلمت أنك لا تقوله. قال: يا ابن الفاعلة، وتخاطبني أيضا، اضربوا رأسه بالعمود، فضرط الشامي ضرطة وقع العمود لها من يد الغلام، ونفرت دابة عبد الله، فضحك، وقال له: اذهب فأنت عتيقها. قال الشامي. وهذا أيضا من الإدبار، كنا ندفع الموت بأسيافنا، فصرنا ندفعه بأستاهنا.
صعد المغيرة المنبر فضرط فحرّك يده وضرب بها استه وقال: كلّ است ضروط، ثم نزل وتوضّأ، وعاد إلى مكانه.
قال بعضهم: كنت جالسا عند صديق لي، فجاءته رقعة من منزله، فنظر فيها وضرط، فحادثته ساعة واغتفلته، وأخذت الرقعة، وقرأتها فإذا فيها: فني، الدقيق، وندر الخبز.
تلاعب اثنان بالشّطرنج، وعدلهما آخر فشرطا عليه أن لا يدبدب، ولا يعلم واحدا منهما وينبهه على لعب، فرأى شاه رخ لأحدهما ولم يملك نفسه ولم يقدر أن يتكلّم ليمينه، فضرط من القلق الذي أخذه وفطن الرجل بضرطة
__________
(1) الأكّار: الحراث، والمزارع.(6/356)
لشاه رخ، فادّعى خصمه أنّ ذلك دبدبة واحتكما إلى الصّولي، فقال: إن كان جرى من هذا الرجل في مثل هذا المجلس وسم الضراط، فليس ذلك بدبدبة، وإن لم يعرف منه ذلك قبل هذا، فهو دبدبة.
كان بعض العلماء به طرش، وكان يرسل الضرطة في مجلسه ويحسبها فسوة، فعرّفه كاتبه ذلك في رقعة فوقّع في جوابها: أقلّ مالي عند أهل علمي، أن يحتملوا إليّ صرف ما بين الفسوة والضّرطة.
أدخل إنسان أبخر إلى بعض الرؤساء وسارّه بشيء فتأذّى ببخره، فلما فرغ من حديثه فسا وزاد البلاء على الرّجل فقال له: قم يا ابن الفاعلة، عافاك الله فإنك غارم الطّرفين.
دخل رجل من أهل السّواد في يوم جمعة، المدينة، وأراد تجديد الوضوء، فأخذ كوز ماء من عند بعض من يجلس على باب الجامع، وتطهّر به، فلما أراد أن يذهب طالبه صاحب الماء بقطعة مما معه، فقال: ليس معي شيء، قال: فلم أخذت الماء وتطهّرت به؟ فقال: إن كنت تطهّرت بمائك فها، وضرط ضرطة منكرة، وقال: خذ طهورك، فقد رددته عليك، ودخل المسجد وصلّى بحالته.
سمع عبادة من جوف ابن حمدون (1) قرقرة، فقال له: يا ابن حمدون ولدت في شباط؟ أي أنت كثير الرياح، وذلك أن ابن حمدون ضرط في مجلس المتوكل وفي ذلك للشعراء أشعار كثيرة.
مرّ ابن علقمة على جماعة من عبد القيس، فضرط بعض فتيانهم، فالتفت إليهم فقال: يا عبد القيس، فسّائين في الجاهلية، ضرّاطين في الإسلام، إن جاء دين آخر خريتم.
أثنى رئيس وفد على الملك، فإنه كذلك إذ فلتت منه ضرطة فالتفت إلى
__________
(1) ابن حمدون: هو أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود بن حمدون البغدادي الكاتب، من ندماء المتوكل على الله العباسي، أستاذ ثعلب، توفي في حدود سنة 241هـ، له عدة مصنفات، منها:
«أسماء الجبال والمياه والأودية»، «أشعار بني مرة بن همام»، «شعر ثابت قطنة»، «شعر العجيل السلولي»، «نوادر الأعراب»، (كشف الظنون 5/ 48).(6/357)
استه فقال يخاطبها: مثل هذا الملك، يصلح أن يثنى عليه من جميع الجوارح، ولكن إذا رأيت اللسان يتكلّم فاسكتي. فضحك الملك وقضى حوائجهم.
سأل بعض الولاة عن أبي نصر الهروي ليعبّر له رؤيا رآها، فقيل هو ممرور يأوي للصحراء، فبعث إليه، فأتي به فقال: إنّي رأيت كأنّ في كمي عصافير، فجعلت تفلت واحدة واحدة وتطير، فلما كان آخر عصفورة كادت تفلت فحبستها. قال: أكلت عدسية فبتّ تضرط ليلتك، فلمّا كان آخرها، أردت أن تسلح فحبسته. قال الوالي: اسكت قبّحك الله، قال: هو والله ما قلته. فلما خرج قال: الرجل والله ما أخطأ شيئا.
كان بالمدينة عطاران يهوديان فأسلم أحدهما ولقيه صاحبه بعد حين فقال:
كيف رأيت دين الإسلام؟ قال خير دين، إلا أنّهم لا يدعونا نفسو في الصلاة قال صاحبه: ويلك! افس وهم لا يعلمون.
صلّى أطروش خلف إمام وإلى جنبه أبخر، فلما سلّم الإمام قال الأبخر للأطروش، سهّل الإمام في صلاته، فقال: نعم قد علمت أنه فسا، وهو ذا أشم الرائحة.
قال بعضهم: دخلت على يزيد بن مريد فقال لي: رأيت البارحة رؤيا.
فقلت: وما هي، أعزّ الله الأمير؟ قال: رأيت كأنّي اصطدت طيطوية فذبحتها، وسال الدم قلت: افتضّ الأمير جارية بكرا. قال: قد كان ذاك، قلت: ما في الرؤيا شيء آخر؟ قال: ما هو؟ قلت: وكان بينكما ضرطة. قال: منّي والله كانت، فمن أين علمت؟ قلت: رأيت في الرؤيا طيطى فعلمت ذلك. فضحك وأمر لي بجارية.
دخل رجل الحمّام ومعه أطروش، فجعل الرجل يضرط، ثم التفت إلى الأطروش فقال: ما بقي من سمعك؟ قال: اسمع الكلام، بعد الكلام، والضّراط في الحمّام.
ومرت امرأة في زقاق فضرطتت والتفتت فإذا شيخ خلفها، فقالت: ويلي، مذ كم أنت خلفي؟ قال الشيخ: مذ قدّمت طبق التّقل.
كان للمدائي غلام فدعاه يوما ليغمزه فأقبل الغلام يغمز رجليه، والمدائني يفسو، ثم قال: تبارك الله ما أضعف ابن آدم. فقال الغلام بالعجلة: وأفساه!(6/358)
ومرت امرأة في زقاق فضرطتت والتفتت فإذا شيخ خلفها، فقالت: ويلي، مذ كم أنت خلفي؟ قال الشيخ: مذ قدّمت طبق التّقل.
كان للمدائي غلام فدعاه يوما ليغمزه فأقبل الغلام يغمز رجليه، والمدائني يفسو، ثم قال: تبارك الله ما أضعف ابن آدم. فقال الغلام بالعجلة: وأفساه!
قال بعضهم: حضرنا مجلسا فيه قينة. فتحركت فضرطت وقشورت (1)
وقطعت الزّير، فتغافلوا ثم قالت لبعضهم: ما تحب أن أغنّيك، فقال:
[المنسرح]
يا ريح ما تصنعين بالدّجن ... كم لك من محو منظر حسن
قال: فكأنما خجلها من اقتراحه، أشدّ من خجلها من ضرطتها.
روي أن حجاما كان يأخذ من شارب عمر فتنحنح عمر، فضرط الحجّام، فأعطاه أربعين درهما.
صلّى أشعب يوما إلى جانب مروان بن عثمان، وكان مروان عظيم العجيزة، والخلق فأفلتت منه ريح عند نهوضه لها صوت فانصرف أشعب من الصّلاة يوهم الناس أنه هو الذي خرجت منه الرّيح، فلمّا انصرف مروان إلى منزله، جاء أشعب فقال له: الدّية. قال: دية ماذا، قال: الضّرطة التي تحملتها عنك، وإلا شهرتك والله، فلم يدعه حتى أخذ منه شيئا صالحا.
وصلى الله على محمد وحسبنا الله ونعم المعين.
الحمد لله للصواب، والصلاة على سيدنا محمد المؤيّد بفصل الخطاب، وبعد قال أحمد بن نوشراز القاضي، كبت الله أعاديه وحسّاده، وبلغه في الدارين أقصى مراده.
كنت قد ابتدأت بتصحيح هذا الجزء السادس من كتاب نثر الدّر الذي جميع آخر آية السبعة موجودة في هذا المجلد يوم السبت سابع عشر من شعبان عقب صبيحة ليلة «الصك» بيومين لسنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، فيسّر الله سبحانه وتعالى منوي من التصحيح، إلى أن بلغت منتهى السادس المذكور مقيّدا النعمة العلمية في هذا الورق يوم الخميس المعمور سادس من شهر رمضان للسنة
__________
(1) قوشرت: أي ضربت بيدها وصفقت.(6/359)
المذكورة تيسيرا جليا معلوما لذوي الأفهام، مكتوما عن أعين أولي الاهتمام، ويتلوه الجزء السابع الذي نختم به السياحة في بحار المعاني ومراد المباني، والسبع المثاني، انتهى.
كتبه المصحح حامدا ومصلّيا ومسلّما.(6/360)
كتبه المصحح حامدا ومصلّيا ومسلّما.
فهرس المحتويات
المقدمة 3
الباب الأول: نكت من فصيح كلام العرب وخطبهم 5
الباب الثاني: فقر وحكم للأعراب 26
الباب الثالث: أدعية مختارة وكلام للسّؤال عن الأعراب وغيرهم 47
الباب الرابع: أمثال العرب 59
في أسماء الرجال وصفاتهم 59
من الحكمة 60
سائر ما جاء من الأمثال في أسماء الرجال 66
الأمثال في النساء 68
الأمثال في: القبائل والآباء والأمهات والشيوخ والصبيان والأخوة والأخوات والأحرار والعبيد والإماء 72
القبائل 73
الأخ 74
الشيوخ 75
الشاب والصبيّ 76
العبيد 76
الإماء 77
الغلمان 77
الأحرار 77
الولد 77
النّفس والجسد 79
الرأس والعنق 80
الوجه 81
اللحية والشعر 81
العين 82(6/361)
اللحية والشعر 81
العين 82
الأذن 83
الأنف 83
الأسنان 84
الذقن 85
الفم 85
اليد 86
الصّدر 88
الجنب 88
البطن والظهر 88
القلب والكبد 89
الرّجل والساق 89
العروق 90
السه 90
الذكر 91
النكاح 92
الأمثال في الإبل والخيل والبغال والحمير 92
الإبل 95
الخيل 100
الأمثال في الحمار 101
الأمثال في البقر والغنم والظباء 103
الغنم والضأن 104
الأمثال في الأسد والسّباع والوحوش 107
الذئب 111
الضبع 112
في الكلب 112
الثعلب 113
الهر 113
الأمثال في الهوام والحشرات 114
الضّب 120(6/362)
الأمثال في الهوام والحشرات 114
الضّب 120
الظربان 121
القنفذ 121
الفأر 121
الحوت 121
الحية 121
القراد 122
الأمثال في الطيور ضواريها وبغاثها 123
العنقاء والعقاب 127
النعام 127
الصقر والبازي 127
الغراب 128
الحبارى 128
القطا 128
الطّير 129
الأمثال في السماء والهواء والشمس والقمر والكواكب 130
السماء والهواء 131
في الليل والنهار والغداة والعشي والزمان والدهر والأحوال 131
الليل والنهار 132
الأمثال في: الأرض والجبال والرمال والحجارة والبلدان والمواضع والماء والنار والزناد والتراب والبحر 136
الأرض 139
الأمثال في السحاب والرعد والبرق والرياح والسراب والمطر 144
الأمثال في الشجر والروضة والصمغ والنبات والمرعى والشوك 147
الشّجر 148
النّبات 149
الأمثال في الذهب والفضة والحديد والسيف والرمح وأصناف السلاح 150
الجلد 151
الحديد 152
السّيف 152(6/363)
الحديد 152
السّيف 152
الأمثال في الحرب والقتل والأسر والجبن والفزع والشجاعة والغزو والصّياح 155
القتل 155
الأمثال في الثياب واللباس والخز والأدم والقز والآنية والدّل والسقاء والوعاء والعطر 157
الأمثال في الرحى والطّعان والأكل والشّرب واللبن وسائر المأكولات والمشروبات 162
الأمثال في المال والغنى والفقر، والصّدق والكذب، والحق والباطل، والحمق والحيلة، والإطراق والشر والظلم، والدعاء والاعتذار، والعلم والرأي 167
الأمثال في النوم، والفلك والطب والمنيّة والدواهي 171
الأمثال الأفراد 174
الباب الخامس: النجوم والأنواء ومنازل القمر على مذهب العرب 178
الصور الجنوبية 208
الباب السادس: أسجاع الكهنة 214
الباب السابع: أوابد العرب 222
نيران العرب 239
الباب الثامن: وصايا العرب 246
الباب التاسع: في أسامي أفراس العرب 262
الباب العاشر: فيه: أسامي سيوف العرب 284
الباب الحادي عشر: نوادر الأعراب 293
الباب الثاني عشر: أمثال العامة 313
الباب الثالث عشر: نوادر أصحاب الشّراب والسّكارى 331
الباب الرابع عشر: في الكذب 338
الباب الخامس عشر: نوادر المجّان 346
الباب السادس عشر: نوادر في الفسّاء والضّرّاط 353(6/364)
الجزء السابع
نثر الدّرّ في المحاضرات تأليف الوزير الأديب أبي سعد منصور بن الحسين الآبي المتوفّى 421هـ
تحقيق خالد عبد الغني محفوظ
الجزء السّابع
منشورات محمّد علي بيضوى لنشر كتب السّنّة والجماعة دار الكتب العلمية بيروت لبنان(7/1)
منشورات محمّد علي بيضوى لنشر كتب السّنّة والجماعة دار الكتب العلمية بيروت لبنان
مقدمة المؤلف
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ربّ يسّر بتوفيقك اللهم نلزم الجدد الواضح، والسّنن القاصد، والمنار المنير، والصراط المستقيم، والنهج المفضي إلى سعادة الأبد، وإلى النعيم الدائم السّرمد، وإلى جنتك التي لا هادي إليها غير فضلك وإحسانك، ولا دليل عليها غير رضاك ورضوانك. بك نستعين ونعتضد، وعليك نتوكّل ونعتمد، وإياك نعبد ونحمد، ولرضاك ندأب ونجهد، وبمحمد نبيّك نتوسّل، وبشفاعته نتوصّل.
هذا هو الفصل السابع من كتاب نثر الدّرّ ويشتمل على ستة وعشرين بابا:
الباب الأول: نكت من كلام الأنبياء، عليهم السلام، ولقمان الحكيم.
الباب الثاني: نكت للفلاسفة.
الباب الثالث: نكت للفرس.
الباب الرابع: مواعظ ونكت للزهاد.
الباب الخامس: نكت لجماعة من الأدباء والعلماء.
الباب السادس: الكبر المستحسن والمستقبح.
الباب السابع: نوادر في الجود والسخاء ومحاسن الأخلاق.
الباب الثامن: في الشجاعة والجبن.
الباب التاسع: في الأسماء الحسنة والقبيحة.
الباب العاشر: في التعريضات.
الباب الحادي عشر: نكت وحكم للهند.
الباب الثاني عشر: في الرؤيا والفأل والزجر والعيافة والأوهام.
الباب الثالث عشر: فيمن قال شعرا فانتصف منه بنثر.(7/3)
الباب الثاني عشر: في الرؤيا والفأل والزجر والعيافة والأوهام.
الباب الثالث عشر: فيمن قال شعرا فانتصف منه بنثر.
الباب الرابع عشر: أمثال ونوادر على ألسنة البهائم.
الباب الخامس عشر: نوادر ونكت للمتكلمين.
الباب السادس عشر: نوادر أبي العبر.
الباب السابع عشر: نوادر أبي العنبس.
الباب الثامن عشر: نوادر لأصحاب الخطب والأذان والصلاة.
الباب التاسع عشر: نوادر أصحاب المهن والصناعات الخسيسة.
الباب العشرون: نوادر ابن أبي عتيق.
الباب الحادي والعشرون: نوادر اللصوص، ومن سرق له شيء.
الباب الثاني والعشرون: نوادر الحمقى والمغفّلين.
الباب الثالث والعشرون: نوادر ابن الجصاص.
الباب الرابع والعشرون: نوادر أصحاب المذاهب والجهّال والمتعصّبين.
الباب الخامس والعشرون: نوادر الأطباء.
الباب السادس والعشرون: اتفاقات عجيبة: جدّا وهزلا.(7/4)
الباب السادس والعشرون: اتفاقات عجيبة: جدّا وهزلا.
الباب الأول نكت من كلام الأنبياء، عليهم السلام، وكلام لقمان الحكيم
قال المسيح، عليه السلام: «البر ثلاثة: المنطق والنظر والصمت، فمن كان منطقه في غير ذكر فقد لغا، ومن كان نظره في غير اعتبار فقد سها، ومن كان صمته في غير فكر فقد لها».
ورأوه، عليه السلام، يخرج من بيت مومسة فقالوا: يا روح الله ما تصنع عند هذه؟ قال: «إنما يأتي الطبيب المرضى».
وعيّرته اليهود بالفقر فقال: «من الغنى أتيتم».
وكان يقول للدنيا: «كنت ولم أكن فيك، وتكونين ولم أكن فيك، شقيت إن شقيت فيك».
في زبور داود، عليه السلام: «من بلغ السبعين اشتكى من غير علة».
قال عيسى، عليه السلام: «في المال ثلاث خصال». قالوا: وما هي يا روح الله؟ قال: «يكسبه من غير حلّه». قالوا: فإن كسبه من حله. قال:
«يمنعه من حقه». قالوا: فإن وضعه في حقه. قال: «يشغله إصلاحه عن عبادة ربه».
ويروى عنه أنه قال: «يباعدك من غضب الله ألّا تغضب».
قيل ليوسف عليه السلام: لم تجوع وأنت على خزائن الأرض؟ فقال:
«أخاف أن أشبع فأنسى الجائع».
لقي يحيى عيسى، عليهما السلام، فقال له عيسى: «إنك لتبتسم ابتسام آمن». فقال: «إنك لتعبس عبوس قانط». فأوحى الله تعالى إلى عيسى: «الذي يصنع يحيى أحب إليّ فإنه أحسنكما ظنّا بي».
قالوا: كتب يوسف، عليه السلام، على باب السجن: «هذه منازل البلوى، وقبور الأحياء، وتجربة الأصدقاء، وشماتة الأعداء».
وقال المسيح، عليه السلام: «لو لم يعذب الله على معصيته، لكان ينبغي ألا يعصى شكرا لنعمته».(7/5)
قالوا: كتب يوسف، عليه السلام، على باب السجن: «هذه منازل البلوى، وقبور الأحياء، وتجربة الأصدقاء، وشماتة الأعداء».
وقال المسيح، عليه السلام: «لو لم يعذب الله على معصيته، لكان ينبغي ألا يعصى شكرا لنعمته».
وقال: «أمر لا تدري متى يغشاك ما يمنعك أن تستعدّ له قبل أن يفجأك؟». قالوا: مكتوب في الصحف الأولى: «إذا أغنيت عبدي من طبيب يستشفيه، وعما في يدي أخيه، وعن باب سلطان يستعديه، وعن جار يؤذيه، فقد أسبغت عليه النعم». قال يعقوب، عليه السلام، ليوسف: ما كان خبرك؟
قال: لا تسألني عما فعل بي إخوتي وسلني عما فعل بي ربي.
قال عيسى عليه السلام: «إني بطحت لكم الدنيا وأحبستكم على ظهرها، فليس ينازعكم فيها إلا الملوك والنساء، فأما الملوك فلا تنازعوهم الدنيا فإنهم لن يعرضوا لكم ما تركتموهم، وأما النساء فاتقوهنّ بالصوم».
وقال عليه السلام لرجل لا يستحق: حفظك الله. فقيل له: أتقول هذا لمثل هذا؟ فقال: «لسان عوّد الخير فهو ينطق به لكل أحد».
وقال داود عليه السلام: «نعم العون الغنى واليسار على الدّين».
وقال لابنه سليمان عليه السلام: «يا بنيّ لا تستبدلنّ بأخ لك قديم أخّا مستفادا ما استقام لك، فإنك إن فعلت تغيرت إليه نعمة الله عليك، ولا تستقل أن يكون لك عدوّ واحد، ولا تستكثر أن يكون لك ألف صديق».
قيل لأيوب عليه السلام: أيّ شيء كان في بلائك أشدّ عليك؟ فقال:
«شماتة الأعداء».
قال المسيح عليه السلام: «إلى متى تصفون الطريق للمدلجين وأنتم مقيمون مع المتحيرين، إنما ينفع من العلم القليل ومن العمل الكثير».
وقال: «لا يزني فرجك ما غضضت طرفك».
ومرّ بخلق من بني إسرائيل كلما قالوا شرا قال المسيح خيرا. فقال له شمعون الصفا: كما قالوا شرّا تقول خيرا؟! قال: «كل امرىء يعطي مما عنده».
ويروى عنه أنه كان يقول: «إن احتجتم إلى الناس فكلوا قصدا، وامشوا جانبا».
وقال: «كما ترك الملوك لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا».(7/6)
ويروى عنه أنه كان يقول: «إن احتجتم إلى الناس فكلوا قصدا، وامشوا جانبا».
وقال: «كما ترك الملوك لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا».
دخل جاثليق (1) النصارى إلى مصعب (2) وكلّمه بكلام أغضبه، فعلاه بقضيب. فتركه حتى سكن غضبه ثم قال: إن أذن الأمير أخبرته بما أنزل الله على المسيح عليه السلام. قال: أخبر. قال: قال: «لا ينبغي للسلطان أن يغضب، فإنه إنما يأمر فيطاع، ولا ينبغي له أن يعجل فليس بفوته شيء، ولا ينبغي أن يظلم فإنما به يدفع الظلم. فاستحيا مصعب وترضّاه».
مرّ عيسى، عليه السلام، برجل وهو يأكل لحما فقال: «لحم يأكل لحما، أفّ لهذا».
قالوا: إن أصل قولهم في المثل: «كأنّ على رؤوسهم الطير» أن سليمان، عليه السلام، كان يقول للريح: أقلينا، وللطّير أظلّينا، فتقله وأصحابه الريح، وتظلهم الطير فكان أصحابه يغضّون أبصارهم هيبة له، ولا يتكلمون إلا أن يسألهم فيجيبوه، فقيل للقوم إذا سكنوا: «كأنما على رؤوسهم الطير».
روي عن شميط أنه قال: أوحى الله إلى داود: «قل للملأ من بني إسرائيل لا يدعوني والخطايا بين أضبائهم ليلقوها ثم ليدعوني» بين أضباثهم أي في قبضاتهم، يقال: ضبثت له أي قبضت عليه.
وروي أن داود، عليه السلام، كان إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله فلا تشدها إلا الأسر، أي أن تعصب.
أوحى الله تعالى إلى داود، عليه السلام: «ذكّر عبادي إحساني إليهم، فإنهم لا يحبّون إلا من أحسن إليهم».
قال كعب (3): في التوراة «أحمد وأمته الحمادون، يوضؤون أطرافهم، ويأتزرون على أنصافهم».
__________
(1) الجاثليق: رئيس الأساقفة عند الكلدانيين، يكون تحت يد بطريق أنطاكية، معرب كاثوليكوس باليونانية، والجمع جثالقة.
(2) هو مصعب بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي القرشي، أبو عبد الله، أحد الولاة الأبطال في صدر الإسلام، كان عضد أخيه عبد الله الأقوى في تثبيت ملكه في العراق، قتله جيش عبد الملك بن مروان سنة 71هـ (الأعلام 7/ 248247).
(3) كعب: هو كعب الأحبار، كعب بن ماتع بن ذي هجن الحميري، أدرك زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يره،(7/7)
قيل: إن مريم، عليها السلام، سألت ربها أن يطعمها لحما لا دم فيه، فأطعمها الجراد. فقالت: «اللهم عيّشه بلا رضاع، وتابع بينه بلا شياع».
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عيسى، عليه السلام، قام خطيبا في بني إسرائيل، فقال: «يا بني إسرائيل لا تكلّموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها: ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تظلموا، ولا تكافئوا ظالما فيبطل فضلكم، يا بني إسرائيل الأمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فاتبعوه، وأمر بيّن غيّه فاجتنبوه، وأمر اختلف فيه فردوه إلى الله عزّ وجلّ».
قال كعب: في التوراة: «محمد عبدي ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق».
قال كعب: قرأت في بعض ما أنزل الله على الأنبياء: «الهدية تفقأ عين الحكيم».
قيل مكتوب في حكمة آل داود: «على العاقل أن يكون عالما بأهل زمانه، مالكا للسانه، مقبلا على شانه».
لما قذف إبراهيم، عليه السلام، في النار قال له جبريل عليه السلام: ألك حاجة يا خليل الله؟ قال: أمّا إليك فلا.
قال الحواريون لعيسى، عليه السلام: ما تقول في الأمراء؟ قال: «إن أمرهم جعل لكم فتنة فلا يدخّلنكم حبّهم في معصية الله، ولا يخرجنّكم بغضهم من طاعة الله، أدّوا إليهم حقوقهم تخلصوا من شرهم ويسلم لكم دينكم».
في الإنجيل: «كونوا حلماء كالحيّات وبلها كالحمام».
قال سليمان عليه السلام: «ليكون أصدقاؤك كثيرا، وليكن صاحب سرّك منهم واحدا من ألف».
__________
وأسلم في خلافة أبي بكر، وقيل: في خلافة عمر. وكان قبل إسلامه على دين اليهود، توفي في خلافة عثمان سنة 32هـ (تهذيب الأسماء 2/ 68).(7/8)
وقال المسيح عليه السلام: «إن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، وإلى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، فأماتوا منها ما خشوا أن يميت قلوبهم، وتركوا منها ما علموا أنه سيتركهم».
وقال عليه السلام: «ويلكم يا عبيد الدنيا، كيف تخالف فروعكم أصولكم، وعقولكم أهواؤكم، قولكم شفاء يبرىء الداء، وعملكم داء لا يقبل الدواء، ولستم كالكرمة التي حسن ورقها، وطاب ثمرها، وسهل مرتقاها، ويلكم يا عبيد الدنيا، أنتم كالشجرة التي قلّ ورقها وكثر شوكها وخبث ثمرها، وصعب مرتقاها، ويلكم يا عبيد الدنيا، جعلتم العلم تحت أقدامكم، من شاء أخذه، وجعلتم الدنيا فوق رؤوسكم لا يستطاع تناولها، لا عبيد أتقياء، ولا أحرار كرام. ويلكم يا أجراء السّوء، أما الأجر فتأخذون، وأما العمل فتفسدون، سوف تلقون ما تجرّون، يوشك رب العمل أن ينظر في عمله الذي أفسدتم، وفي أجره الذي أخذتم. ويلكم يا غرماء السّوء، تبدأون بالهدية قبل قضاء الدّين، بالنوافل تطوّعون، وما أمرتم به لا تؤدّون، إن رب الدّين لا يرضى بالهدية حتى يقضى دينه».
وقال داود عليه السلام: «اللهم لا صحة تطغيني، ولا مرض يضنيني، ولكن بين ذلك».
عيّرت اليهود عيسى، عليه السلام، بالفقر فقال: «من الغنى أتيتم».
وقال: «الدنيا لإبليس مزرعة، وأهلها له حرّاثون».
وقال: «تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل وتتركون طلب الجنة وأنتم لا تدخلونها إلّا بالعمل».
ومرّ بقوم يبكون على ذنوبهم فقال: «اتركوها تغفر لكم».
وقيل له: من نجالس؟ قال: «من تذكّركم الله رؤيته، ويزيد في عملكم منطقه، ويرغّبكم في الآخرة عمله».
وقيل: مكتوب في التوراة: «لا يعاد الحديث مرّتين».
وقال وهب (1): مكتوب في التوراة: «الزاني لا يموت حتى يفتقر، والقوّاد لا يموت حتى يعمى، ومدحة الظالم تسخط الرب».(7/9)
وقيل: مكتوب في التوراة: «لا يعاد الحديث مرّتين».
وقال وهب (1): مكتوب في التوراة: «الزاني لا يموت حتى يفتقر، والقوّاد لا يموت حتى يعمى، ومدحة الظالم تسخط الرب».
روي أن موسى، عليه السلام، سأل ربه عزّ وجلّ فقال:: «رب ما أحكم الحكم، وما أغنى الغنى، وما أفضل الشكر؟» فقال جلّ ثناؤه: «أحكم الحكم أن تحكم على الناس بما تحكم به على نفسك، وأغنى الغنى أن يرضي العبد بما قسم له، وأفضل الشكر ذكر الله».
كان عيسى، عليه السلام، يقول: «كثرة الطعام تميت القلب كما تميت كثرة الماء الزرع».
وقال: «تحبّبوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، وتقرّبوا إليه بالتباعد منهم، وأحبوا ما أحبّ الله، واكرهوا ما كره الله، ولا تجالسوا أهل المعاصي فيرغبوكم في الدنيا وينسوكم الآخرة».
قالوا: في الزبور مكتوب «إذا كان في البيت برّ فتعبّد».
ولما حبس يوسف أخاه كتب إليه يعقوب، عليه السلام: «إن الأنبياء لا تسرق ولا تلد سارقا».
قال داود: يا رب كيف لي أن أشكر نعمتك؟ فأوحى الله إليه: «إذا علمت أن النعم التي لك مني فقد شكرتني».
وقيل لنوح، عليه السلام، وكان في بيت عليه خصّ: لو اتخذت بيتا؟! «فقال: هذا كثير لمن يموت».
أوحى الله إلى إبراهيم، عليه السلام: «أتدري لم اتخذتك خليلا؟ قال: لا يا رب، قال: لأني اطّلعت إلى قلبك فوجدتك تحبّ أن ترزأ ولا ترزأ».
__________
(1) هو وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن سيحان، من أبناء فارس، كنيته أبو عبد الله، كان ينزل ذمار على مرحلتين من صنعاء، روى عن جابر بن عبد الله، وابن عباس، وكان عابدا فاضلا، قرأ الكتب. ومكث وهب بن منبه أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء الآخرة، قال أبو حاتم: وهم خمسة إخوة: وهب وهمام وغيلان وعقيل ومعقل والد عقيل بن معقل، توفي وهب في المحرم سنة 113هـ، وقيل: سنة 114هـ، وقيل: سنة 110هـ، وهو ابن ثمانين سنة (كتاب الثقات لابن حبان 5/ 488487).(7/10)
أوحى الله تعالى إلى المسيح، عليه السلام: «أن عظ نفسك، فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني».
لقمان: قال: «ضرب الوالد للولد كالسماد في الزرع».
وقال: «نقلت الصخر، وحملت الحديد فلم أر شيئا أثقل من الدّين، وأكلت الطيبات، وعانقت الحسان، فلم أر ألذّ من العافية».
وقال لابنه: «إذا أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه فإن أنصفك في غضبه وإلا فدعه».
وقال: «لا تمنعنّك مساوىء أخيك من ذكر محاسنه».
وقال: «ثلاثة لا يعرفون إلّا في ثلاثة مواطن: الحليم عند الغضب، والشجاع عند الحرب، والأخ عند الحاجة».
وقال لابنه: «يا بنيّ تودّد إلى الناس فإن التودد إليهم أمن، ومعاداتهم خوف».
وقال: «يا بنيّ كل أطيب الطعام، ونم على أوطأ الفراش، يقول: أكثر الصيام، وأطل بالليل القيام».
وقال لابنه: «يا بنيّ خصلتان إذا أنت حفظتهما فلا تبالي ما ضيّعت بعدهما: دينك لمعادك ودرهمك لمعاشك».
وقال: «إياك والكسل والضجر، فإنك إذا كسلت لم تؤدّ حقّا، وإذا ضجرت لم تصبر على حق».
وقال: «يا بنيّ استعذ بالله من شرار النساء وكن من خيارهنّ على حذر».
وقال: «إياك وصاحب السوء، فإنه كالسيف المسلول يعجب منظره ويقبح أثره».
وقال لابنه: «إذا أتيت مجلس قوم فارمهم بسهم الإسلام ثم اجلس، فإن أفاضوا في ذكر الله فأجل سهمك مع سهامهم، وإن أفاضوا في غيره فخلّهم وانهض، يريد بسهم الإسلام السلام».
وقال: لا ينبغي للعاقل أن يخلّي نفسه من أربعة أوقات: فوقت منها يناجي فيه ربه، ووقت يحاسب فيه نفسه، ووقت يكسب فيه لمعاشه، ووقت يخلّي فيه بين نفسه وبين لذتها في غير محرّم يستعين بذلك على سائر الأوقات».(7/11)
وقال لابنه: «إذا أتيت مجلس قوم فارمهم بسهم الإسلام ثم اجلس، فإن أفاضوا في ذكر الله فأجل سهمك مع سهامهم، وإن أفاضوا في غيره فخلّهم وانهض، يريد بسهم الإسلام السلام».
وقال: لا ينبغي للعاقل أن يخلّي نفسه من أربعة أوقات: فوقت منها يناجي فيه ربه، ووقت يحاسب فيه نفسه، ووقت يكسب فيه لمعاشه، ووقت يخلّي فيه بين نفسه وبين لذتها في غير محرّم يستعين بذلك على سائر الأوقات».
وقال: «يا بنيّ إن الأوطار تكسب الأوزار، فارفض وطرك، واغضض بصرك».
دخل كعب على عمر فأدناه، وأمره بالجلوس إلى جنبه، فتنحى كعب قليلا، فقال له عمر: وما منعك من الجلوس إلى جنبي؟ فقال: لأني وجدت في حكمة لقمان مما أوصى به ابنه قال: «يا بني إذا قعدت لذي سلطان فليكن بينك وبينه مقعد رجل، فلعله أن يأتيه من هو آثر عنده منك فيريد أن تتنحّى له عن مجلسك فيكون ذلك نقصا عليك وشينا».
قال لقمان لابنه: «ارحم الفقراء لقلة صبرهم، والأغنياء لقلة شكرهم، وارحم الجميع لطول غفلتهم».
وقال: «يا بنيّ لا تأكل شيئا فوق شبع، فإنك إن تنتبذه للكلب خير لك من أن تأكله».
وقال: يا بنيّ أكلت المقر، وأطلت على ذلك الصبر، فلم أجد شيئا أمرّ من الفقر.
كان داود، عليه السلام، يسرد درعا، ولقمان عنده، فقال ما هذا؟ فسكت عنه، فلما فرغ لبسها وقال: نعم اللباس للحرب فقال لقمان: «الصمت حكم وقليل فاعله».
وقال: «يا بنيّ قد ندمت على الكلام، ولم أندم على السكوت».
وقال: «العالم مصباح فمن أراد الله به خيرا اقتبس منه».
وقال: «لا يهونن عليكم من قبح منظره ورثّ لباسه، فإن الله تعالى إنما ينظر إلى القلوب، ويجازي بالأعمال».
وقال: «يا بنيّ من كذب ذهب جمال وجهه، ومن ساء خلقه كثر غمّه، ونقل الصخور من مواضعها أيسر من تفهيم من لا يفهم».
وقال: «لا مال كصحة البدن، ولا نعيم كطيب نفس».(7/12)
وقال: «يا بنيّ من كذب ذهب جمال وجهه، ومن ساء خلقه كثر غمّه، ونقل الصخور من مواضعها أيسر من تفهيم من لا يفهم».
وقال: «لا مال كصحة البدن، ولا نعيم كطيب نفس».
وقال: «يا بنيّ إذا افتقرت فلا تحدثنّ أحدا بفقرك كيلا يبغضك الناس وتهون عليهم».
وقال: يا بنيّ عليك بمجالس العلماء، واستمع كلام الحكماء فإن الله يحيي القلب الميت بالحكمة كما يحيي الأرض بوابل المطر.
وقال: «يا بنيّ إن غاية الشرف والسؤدد في الدنيا والآخرة حسن العقل لأن العبد إن حسن عقله غطّى ذلك عيوبه، وأصلح مساوئه، ورضي عنه خالقه، وكفى بالمرء عقلا أن يسلم الناس من شره».(7/13)
وقال: «يا بنيّ إن غاية الشرف والسؤدد في الدنيا والآخرة حسن العقل لأن العبد إن حسن عقله غطّى ذلك عيوبه، وأصلح مساوئه، ورضي عنه خالقه، وكفى بالمرء عقلا أن يسلم الناس من شره».
الباب الثاني نوادر ونكت للفلاسفة
نظر فيلسوف إلى امرأة قد خنقت على شجرة فقال: ليت كلّ شجرة تحمل مثل هذه الثمرة.
مرّت بسقراط امرأة، وهو يتشرّق، فقالت له: يا شيخ ما أقبحك! فقال:
لولا أنك من المرائي الصدئة لغمّني ما بان من قبح صورتي فيك.
ورأى سقراط رجلا يضرب غلاما له ويرعد، فقال: ما الذي بلغ بك هذا الذي أرى؟ فقال: إساءة هذا الغلام، فقال: إن كان كلما جنى عليك جناية سلطته على نفسك تفعل به ما أرى فما أسرع ما تهرم نفسك من هذا الفعل.
ونظر إلى امرأة حين أريد قتله، وهي تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت:
وكيف لا أبكي وأنت تقتل ظلما؟ فقال لها: فكأنك أردت أن أقتل بحق.
وكان سقراط يقول لتلامذته: أقلّوا من القنية تقلّ مصائبكم.
وقال له تلميذ له: كيف لا أرى أيها الحكيم فيك أثر حزن؟ قال: لأني لا أملك شيئا إن فقدته حزنني.
فقال له آخر: فإن انكسر هذا الحبّ الذي أنت فيه فماذا تفعل؟ وكان سقراط يأوي إذ ذاك في كنف حبّ فقال سقراط إن انكسر الحب لم ينكسر المكان.
وقال: «ما اخترت أن تحيا به فمت دونه».
خطب رجلان إلى ديمانوس بنته، وكان أحدهما فقيرا والآخر غنيا، فاختار الفقير، فسأله الإسكندر عن ذلك، فقال: لأن الغنيّ كان جاهلا فكنت أخاف عليه الفقر، والفقير كان عاقلا فرجوت له الغنى.
قيل لبعضهم: ما أعمّ الأشياء نفعا؟ فقال: موت الأشرار.
قيل لأفلاطون: ما الشيء المعزّي للناس على مصائبهم؟ فقال: أما للعلماء فعلمهم بأنها اضطرارية، وأما لسائر الناس فتأسّي الحسن.(7/14)
قيل لبعضهم: ما أعمّ الأشياء نفعا؟ فقال: موت الأشرار.
قيل لأفلاطون: ما الشيء المعزّي للناس على مصائبهم؟ فقال: أما للعلماء فعلمهم بأنها اضطرارية، وأما لسائر الناس فتأسّي الحسن.
قال بعضهم: لا شيء أنفس من الحياة، ولا غبن أعظم من إنفاذها لغير حياة الأبد.
قال آخر للإسكندر: إذا كان سرّ الملك عند اثنين دخلت على الملك الشبهة، واتّسعت على الرجلين المعاريض فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن اتهمهما اتهم بريئا بجناية مجرم. وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له، وعن الآخر ولا حجة عليه.
قيل لآخر: ما العقل؟ قال: الإصابة بالظن، ومعرفة ما لم يكن بما كان.
قال أرسطا طاليس: العاقل يوافق العاقل، والجاهل لا يوافق العاقل ولا الجاهل، ومثال ذلك المستقيم الذي ينطبق على المستقيم، فأما المعوجّ فإنه لا ينطبق على المعوجّ ولا على المستقيم.
نظر سقراط إلى السّيل، وقد حمل امرأة، فقال: زادت الكدر كدرا والشرّ بالشر يهلك.
طلب أهل يونان رجلا للملك بعد موت ملك لهم، فاسموا واحدا فقال فيلسوف لهم: لا يصلح هذا للملك. فقالوا: ولم؟ قال: هو كثير الخصومة، فليس يخلو في خصومته أن يكون ظالما أو مظلوما، والظالم لا يصلح للملك لظلمه، والمظلوم أحرى ألا يصلح لضعفه، فقالوا له: صدقت، أنت أولى منه، وملّكوه.
قيل لبعضهم: إن فلانا يحكي عنك كلّ سوء، فقال: لأنه لا يهتدي إلى الخير فيحكي.
قيل لبعضهم، وكان محبوسا: ألا تكلّم الملك في إطلاقك؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: لأن الفلك أحدّ، والقضاء أجدّ، من أن تبقى حال على حدّ.
قال الإسكندر لما قتل دارا: قاتل دارا لا يبقى.
قيل لديوجانس: لم تأكل في السوق؟ قال: لأني جعت في السوق.(7/15)
قال الإسكندر لما قتل دارا: قاتل دارا لا يبقى.
قيل لديوجانس: لم تأكل في السوق؟ قال: لأني جعت في السوق.
ورأى غلاما لقيطا يرمي بالحجارة، فقال: لا ترم، لعلك تصيب أباك ولا تدري.
ورأى آخر مؤدبا يعلم جارية الكتابة، فقال: لا تزد الشر شرّا، تسقي سهمها سمّا لترمى به يوما ما.
ورأى جارية تحمل نارا، فقال: نار على نار، والحامل شرّ من المحمول.
ورأى مرة امرأة في ملعب فقال: ما خرجت لترى، ولكن خرجت لترأى.
ورأى امرأة عوراء تصنع نفسها فقال: نصف الشر شرّ أيضا.
قال بعضهم: إني لأعجب من الناس، وقد مكنهم الله من الاقتداء به، فيدعون ذلك إلى الاقتداء بالبهائم.
وقيل لآخر: ما الفضل بينك وبين الملك؟ قال: هو عبد الشهوات وأنا مولاها.
وقيل لآخر: إن الملك لا يحبك، قال: إن الملك لا يحب من هو أكبر منه.
وقيل لآخر: من الجواد؟ قال: من جاد بماله، وصان نفسه عن مال غيره.
قيل لسقراط: لم لا تذكر في شرائعك عقوبة من قتل أباه؟ قال: لم أعلم أن هذا يكون.
قال سقراط لأرسجانس: لا تسوطنّ النار بسكين (قيل: أراد إذا رأيت الغضبان فلا تهيّجه).
وقال أيضا له: احذر الأسد غير ذي الأربع، (قال: أراد السلطان).
قيل للإسكندر: إن فلانا يثلبك فلو عاقبته!! قال: هو عند العقاب أعذر.
وقال الإسكندر: ليس من الإنصاف أن يقاتل أصحابي عنّي، ولا أقاتل عن نفسي.
قيل لفيلسوف: ما بال الثمرة غشاؤها هو المأكول منها والنواة في جوفها، والجوزة بخلاف ذلك؟ قال: لم تكن العناية بما يؤكل في حال الأكل، إنما كانت العناية ببقاء النوع، فحفظت النواة بالغشاء، والجوزة بالقشرة.(7/16)
وقال الإسكندر: ليس من الإنصاف أن يقاتل أصحابي عنّي، ولا أقاتل عن نفسي.
قيل لفيلسوف: ما بال الثمرة غشاؤها هو المأكول منها والنواة في جوفها، والجوزة بخلاف ذلك؟ قال: لم تكن العناية بما يؤكل في حال الأكل، إنما كانت العناية ببقاء النوع، فحفظت النواة بالغشاء، والجوزة بالقشرة.
قال بقراط: سلّوا القلوب عن المودّات فإنها شهود لا تقبل الرّشى.
قال رجل للإسكندر: إن العسكر الذي فيه دارا كثير، فقال الإسكندر: إن الغنم وإن كثرت تذلّ لذئب واحد.
ورأى الإسكندر سميّا له لا يزال ينهزم في الحروب، فقال: أيها الرجل، إما أن تغيّر فعلك، وإما أن تغير اسمك.
رأى فيلسوف مدينة حصينة بسور محكم فقال: هذا موضع النساء لا موضع الرجال.
جاء بعض الكلبيّين، وهو جلس من اليونانيين، إلى الإسكندر فقال: هب لي مثقالا واحدا، فقال الإسكندر: ليس هذا عطاء ملك، قال: فهب لي قنطارا. فقال الإسكندر: ليس هذا سؤال كلبيّ.
أشير على الإسكندر بالبيات في بعض الحروب فقال: ليس من آيين الملوك استراق الظفر.
قيل لأرسطا طاليس: ما بال الحسدة يحزنون أبدا؟ فقال: لأنهم لا يحزنون لما ينزل بهم من الشر فقط، بل لما ينال الناس أيضا من الخير.
وقال: الإفلال حصن للعاقل من الرذائل، وطريق إليها للجاهل.
قيل لفيلسوف: ما صناعة الخطيب قال: أن يعظّم شأن الأشياء الحقيرة، ويصغّر شأن الأشياء العظيمة.
قال آخر: الدنيا لذات معدودة: منها لذة ساعة، ولذة يوم ولذة ثلاثة ولذة شهر، ولذة سنة، ولذة الدهر، فأما لذة ساعة فالجماع، وأما لذة يوم فمجلس شراب، وأما لذة ثلاثة فلين البدن بعد الاستحمام، وأما لذة شهر فالفرح بالعرس، وأما لذة سنة بالفرح بالمولود الذكر، وأما لذة الدهر فلقاء الإخوان مع الجدة.
قال آخر: التفكّر في الخير يدعو إلى العمل به، والتفكّر في الشر يدعو إلى تركه.(7/17)
قال آخر: الدنيا لذات معدودة: منها لذة ساعة، ولذة يوم ولذة ثلاثة ولذة شهر، ولذة سنة، ولذة الدهر، فأما لذة ساعة فالجماع، وأما لذة يوم فمجلس شراب، وأما لذة ثلاثة فلين البدن بعد الاستحمام، وأما لذة شهر فالفرح بالعرس، وأما لذة سنة بالفرح بالمولود الذكر، وأما لذة الدهر فلقاء الإخوان مع الجدة.
قال آخر: التفكّر في الخير يدعو إلى العمل به، والتفكّر في الشر يدعو إلى تركه.
قال آخر: العشق جهل عارض وافق قلبا فارغا.
قال أرسطا طاليس للإسكندر: احفظ عنّي ثلاث خصال، قال: وما هن؟
قال: صل عجلتك بتأنّيك، وسطوتك برفقك، وضرّك بنفعك، قال: زدني، قال: انصر الحق على الهوى تملك الأرض ملك الاستعباد.
قال أفلاطون: تعرف خساسة المرء بكثرة كلامه بما لا ينفعه، وإخباره بما لا يسأل عنه.
وقال: لا تؤخّر إنالة المحتاج إلى غد، فإنك لا تدري ما يعرض في غد.
وقال: أعن المبتلى إذا لم يكن سوء عمله ابتلاه.
وقال: إن تعبت في البرّ فإن التعب يزول والبرّ بقي، وإن التذذت بالآثام فإن اللذة تزول والآثام تبقى.
وقال: أجهل الجهّال من عثر بحجر مرّتين.
وقال: كفاك موبّخا على الكذب علمك بأنك كاذب، وكفاك ناهيا عنه خوفك إذا كذبت.
كان على خاتم فيثاغورس: «شر لا يدوم خير من خير لا يدوم».
قال آخر: العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلا، والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالما.
قال آخر: الهالك على الدنيا رجلان: رجل نافس في عزّها، ورجل آنف من ذلّها.
قال آخر: «من زاد أدبه على عقله كان كالراعي الضعيف مع غنم كثير».
قال آخر: أعجب ما في الإنسان أن ينقص ماله فيقلق، وينقص عمره فلا يقلق.
قال آخر: الشكر محتاج إلى القبول، والحسب محتاج إلى الأدب، والسرور محتاج إلى الأمن، والقرابة محتاجة إلى المودّة، والمعرفة محتاجة إلى التّجارب، والشرف محتاج إلى التواضع، والنجدة محتاجة إلى الجدّ.(7/18)
قال آخر: أعجب ما في الإنسان أن ينقص ماله فيقلق، وينقص عمره فلا يقلق.
قال آخر: الشكر محتاج إلى القبول، والحسب محتاج إلى الأدب، والسرور محتاج إلى الأمن، والقرابة محتاجة إلى المودّة، والمعرفة محتاجة إلى التّجارب، والشرف محتاج إلى التواضع، والنجدة محتاجة إلى الجدّ.
قال رجل لسقراط، ورآه يأكل العشب: لو خدمت الملك لم تحتج أن تأكل الحشيش، فقال له: لو أكلت الحشيش لم تحتج أن تخدم الملوك.
قال بعضهم لولده يحثّهم على الكسب: لا تتّكلوا على البخت فإنه ربما لم يكن وربما كان وذهب، فأما الحسب فرأيته بلاء على أهله فإنه يقال للناقص: هذا ابن فلان فيتضاعف غمه وعاره، ولو لم يكن في العلم إلا أنّ العالم يكرم وإن لم يكسب لكفاه.
حكي عن الإسكندر أنه لما احتضر كتب إلى أمه وهي بالإسكندرية: إذا قرأت كتابي يا أمّه فاصنعي طعاما كثيرا وأطعميه الناس، ولا تطعمي منه إلّا من لم تصبه مصيبة، فعرفت موته.
قال بعضهم لسقراط: ذكرتك لفلان فلم يعرفك، فقال: لا يضرني ألّا يعرفني هو، ويضره ألا يعرفني ولا أعرفه، لأني لا أعنى بمعرفة خسيس، ولا يجهل مثلي إلا خسيس.
قيل لبعضهم: ما بالكم لا تأنفون من التعلّم من كل أحد؟ قال: لأنّا قد علمنا أن العلم نافع من حيث أصيب.
قيل لآخر ألا تخوض معنا في حديثنا؟ فقال: الحظ للمرء في أذنه، والحظ في لسانه لغيره.
قيل لآخر: أيّ الحيوان لا يشبع؟ قال: الذي يربح.
قيل لأفلاطون: ما بالكم إذا أصبتم الشيء الذي يسركم تسرون به، وإذا أصابكم الشيء الذي يغم لم يغمّكم؟ قال: لأن الشيئين جميعا إما أن يتركانا أو نتركهما.
وقيل له: فلان يخضب بالسواد، فقال: لأنه يكره أن يؤخذ بحنكة الشيخ.
قال آخر لتلميذ له فهّمه شيئا: أفهمت؟ قال: نعم، قال: كذبت لأن دليل الفهم السرور، ولم أرك سررت.(7/19)
وقيل له: فلان يخضب بالسواد، فقال: لأنه يكره أن يؤخذ بحنكة الشيخ.
قال آخر لتلميذ له فهّمه شيئا: أفهمت؟ قال: نعم، قال: كذبت لأن دليل الفهم السرور، ولم أرك سررت.
قيل لآخر: متى يحمد الكذب؟ قال: إذا قرّب بين المتقاطعين، قيل:
فمتى يذم الصدق؟ قال: إذا كان غيبة، قال: فمتى يكون قليل البذل أحمد؟
قال: إذا كان قليله في الحقوق، وكثيرة في الفسوق، قيل: فمتى يكون الصّمت خيرا؟ قال عند النساء.
قيل لإيدجانس: ألك بيت تستريح فيه؟ قال: حيث أستريح فهو بيتي.
ونظر رجل إلى حكيم يجامع فقال له: أيّ شيء تعمل؟ قال: إنسانا إن تمّ.
قيل لسقراط: أيّ السباع أحسن؟ قال: المرأة.
صعد إيدجانس إلى موضع عال ثم صاح، معاشر الناس، فاجتمعت العامة إليه من كل جانب، فقال: ما بالكم؟ لم أدعكم، إنما دعوت الناس.
قال سولون: أصلح ما عوشر به الملوك قلة الخلاف وتخفيف المؤونة.
وسئل: ما أصعب الأشياء على الإنسان؟ فقال: أن يعرف نفسه، ويكتم سرّه.
سقراط: استشاره فتى في التزوّج فقال له: احذر من أن يعرض لك ما يعرض للسمك في المصيدة، فإن الخارج عنها يطلب الدخول فيها والداخل فيها يطلب الخروج منها.
دخل أرسطا طاليس إلى الإسكندر ليعزيه بفجيعة فتأخر عن المعزّين ثم قال: لم أدخل إليك لأعزّيك، ولكن لأرى صبرك على المصائب فأقتني ذلك منك.
رأى ديوجانس جارية تعلّم الكتابة فقال: سهم يسقى سمّا.
وسئل عن وقت الغداء فقال: لمن أمكنه إذا احتاج، ولمن لا يمكنه إذا وجد.
وقيل له: ما الغنى؟ فقال: الكفّ عن الشهوات.
وسئل ما الذي ينبغي للرجل أن يتحفظ منه؟ قال: يتحفظ من حسد إخوانه، ومكر أعدائه.(7/20)
وقيل له: ما الغنى؟ فقال: الكفّ عن الشهوات.
وسئل ما الذي ينبغي للرجل أن يتحفظ منه؟ قال: يتحفظ من حسد إخوانه، ومكر أعدائه.
قال قراطيس: «إن أحببت ألّا تفوتك شهوتك فاشته ما يمكنك».
جلس الإسكندر يوما فلم يسأله أحد حاجة، فقال لجلسائه، إني لا أعدّ هذا اليوم من أيام ملكي.
قال سولون: «الجواد من جاد بماله، وصان نفسه عن مال غيره».
قال أفلاطون: لا ينبغي للعاقل أن يتمنّى لصديقه الغنى فيزهو عليه، ولكن يتمنى أن يساويه في الحال.
سأل الإسكندر حكماء أهل بابل: أيّما أبلغ عندكم الشجاعة أو العدل؟
قالوا: إذا استعملنا العدل استغنينا عن الشجاعة.
كتب أرسطا طاليس إلى الإسكندر: املك الرعيّة بالإحسان فإنها إذا قدرت أن تقول قدرت أن تفعل، فاجتهد ألا تقول تسلم من أن تفعل.
قال بعضهم لا سرّ إلّا في مكيدة تحاول، أو منزلة تزاول، أو سريرة مدخولة تكتم، ولا حاجة في ظهور شيء من ذلك.
وقال: «ما كتمته عدوّك فلا تظهر عليه صديقك».
سئل بعضهم: أيّ شيء أولى أن يتعلّمه الأحداث؟ فقال: الأشياء التي إذا صاروا رجالا احتاجوا إليها.
همّ الإسكندر بأن يوجّه رسولا إلى الفرس ثم تخوّف أن يغدر به، فقال له الرسول: أيها الملك إن نفسي طيّبة بأن أقتل فيما تحبّ، فقال له الإسكندر:
والواجب أن أشفق على مثلك.
سئل أرسطا طاليس: أيّ شيء أصعب على الإنسان تحمّلا؟ فقال:
السكوت.
سئل دياجونس عن رجل يعرفه هل هو غنيّ؟ فقال: أنا أعلم أن له مالا، ولكني لا أعلم أغنيّ هو أم لا؟ لأني لست أدري كيف عمله في ماله.
سئل بعض ملوكهم أين أموالك وكنوزك؟ فالتفت إلى أصحابه وقال: عند هؤلاء.
قيل لبعض الحكماء: إنه يصعب أن ينال الإنسان ما لا يشتهي، فقال:(7/21)
سئل بعض ملوكهم أين أموالك وكنوزك؟ فالتفت إلى أصحابه وقال: عند هؤلاء.
قيل لبعض الحكماء: إنه يصعب أن ينال الإنسان ما لا يشتهي، فقال:
أصعب من ذلك أن يشتهي ما لا يناله.
لتز (1) أفلاطون على الزهد في المال فقال: كيف يرغب فيما ينال بالبخت لا بالاستحقاق، ويأمر البخل والشّره بحفظه، والجود والزهد بإتلافه؟
وسئل ما أصلح حالات المدن؟ فقال: أن يتفلسف ملوكها، ويملك فلاسفتها.
وقال: ينبغي إذا عوقب الحدث أن يترك له موضع من ذنبه لئلا يحمله الإحراج على المكابرة.
وسئل بماذا ينتقم الإنسان من عدوه؟ قال: بأن يتزيّد فضلا في نفسه.
قال أرسطا طاليس: لا ينبغي للملك أن يرغب في الكرامة التي ينالها من العامّة طوعا أو كرها، ولكن في التي يستحقها بحسن الأثر، وصواب التدبير.
أهدي إلى الإسكندر أوان من فخّار فاستحسنها ثم أمر بكسرها، فسئل عن ذلك فقال: علمت أنها تكسر على أيدي الخدم واحدا واحدا فيهيج فيّ الغضب، فأرحت نفسي منها مرة واحدة.
قيل لجادوسيس الصّقليّ: إنك من مدينة خسيسة، فقال: أما أنا فيلزمني العار من قبل بلدي، وأما أنت فعار لازم لأهل بلدك.
وعيّر آخر سقراط بنسبه فقال سقراط: نسبي منّي ابتدأ، ونسبك إليك انتهى.
قيل لأفلاطون: لم لا تكاد تجتمع الحكمة والمال؟ فقال: لعزة وجود الكمال.
قيل لبعضهم: ما الشر المحبوب؟ فقال: الغنى.
قيل لبعضهم: إن فلانا يشتمك بالغيب، فقال: لو ضربني بالغيب لم أبال.
__________
(1) لتز: أي دفع ولكز.(7/22)
قيل لأرسطا طاليس: ما بال الحسدة يحزنون أبدا؟ قال: لأنهم لا يحزنون لما ينزل بهم من الشرّ فقط، بل لما ينال الناس من الخير أيضا.
وقال: «كيف يرجو العقل النجاة، والهوى والشهوة قد اكتنفاه».
قال الإسكندر لبعض حكماء بابل: أوصني، فقال: «لا تكثر القنية فإنها ينبوع الأحزان».
قال سقراط: إذا كان العالم غير معلّم قل غناء علمه كما يقلّ غناء المكثر البخيل.
وقال أرسطا طاليس: يمنع الجاهل أن يجد ألم الحمق المستقرّ في قلبه ما يمنع السكران من أن يجد مسّ الشوكة تدخل في يده.
كان سقراط يقول: «القنية مخدومة، ومن خدم غير نفسه فليس بحرّ».
وقيل له: بأيّ خصلة تتفضّل على أهل زمانك؟ فقال: بأنّ غرضهم في الحياة أن يأكلوا، وغرضي في الأكل أن أحيا.
تزوج بعضهم امرأة نحيفة، فقيل له في ذلك، فقال: اخترت من الشر أقلّه.
وقيل لآخر أراد سفرا: تموت في الغربة، فقال: ليس بين الموت في الوطن والموت في الغربة فرق، لأنّ الطريق إلى الآخرة واحد.
رأى أفلاطون مدّعيا للصراع ولم يكن صرع أحدا قطّ تحوّل طبيبا، فقال: الآن أحكمت الصراع، يتهيأ لك أن تصرع من شئت.
وصف للإسكندر حسن بنات دارا وجمالهن، فقال: من القبيح أن تغلب رجال قوم، ويغلبنا نساؤهم.
تحاكم إلى الإسكندر رجلان من أصحابه فقال لهما: الحكم يرضي أحدكما ويسخط الآخر، فاستعملا الحقّ ليرضيكما جميعا.
قال سقراط: «العامة إذا رأت منازل الخاصة حسدتها عليها، وتمنّت أمثالها، فإذا رأت مصارعها تدالها».
وقال: «العفو يفسد من اللّئيم بقدر ما يصلح من الكريم».
وسافر مرة مع بعض الأغنياء، فقيل له: في الطريق صعاليك يأخذون سلب الناس ويطالبونهم بالمال، فقال الغنيّ: الويل لي إن عرفوني، فقال سقراط: الويل لي إن لم يعرفوني.(7/23)
وقال: «العفو يفسد من اللّئيم بقدر ما يصلح من الكريم».
وسافر مرة مع بعض الأغنياء، فقيل له: في الطريق صعاليك يأخذون سلب الناس ويطالبونهم بالمال، فقال الغنيّ: الويل لي إن عرفوني، فقال سقراط: الويل لي إن لم يعرفوني.
قال الإسكندر لأرسطا طاليس: أوصني في عمّالي خاصة، فقال: انظر من كان له عبيد فأحسن سياستهم فولّه الجند، ومن كانت له ضيعة فأحسن تدبيرها فوله الخراج.
قيل لحكيم: ما الشيء الذي لا يستغنى عنه؟ قال: التوفيق.
كتب فيلسوف على بابه لا يدخل هذا المنزل شرّ، فقال له ديوجانس:
فمن أين تدخل امرأتك إذن؟
رأى ديوجانس رجلين لا يفترقان، فسأل عنهما، فقيل: إنهما صديقان، فقال: فما بال أحدهما فقير والآخر غنيّ؟
قيل لأفلاطون: لم يخضب فلان بالسواد؟ قال: يكره أن يؤخذ بحنكة الشيخ.
نظر فيلسوف إلى رجل يرمي، وسهامه تذهب يمينا وشمالا، فقعد موضع الهدف، فقيل له في ذلك، فقال: لم أر موضعا أسلم منه.
قال سقراط: ليس ينبغي أن يقع التصديق إلّا بما يصحّ، ولا العمل إلا بما يحل، ولا الابتداء إلا بما تحمد فيه العاقبة.
دخل رجل على بعضهم وهو يأكل خبزا يابسا قد بلّه في الماء فقال:
كيف تشتهي هذا؟ قال: أدعه حتى أشتهيه.
حكي عن الإسكندر أنه قال: علم النجوم ضربان: غامض دقيق لا يدرى غوره وظاهر جليل لا يؤمن خطاؤه.
قيل لبقراط: ما لك لا تشاهد الناس؟ قال: لأني وجدت الانفراد بالخلوة أجمع لدواعي السّلوة، وعزّ في الوحدة خير من ذلّ في الجماعة، والوحدة أسهل من مداراة الخلطة.
قصد الإسكندر موضعا لمحاربة أهله، فحاربه النساء فكفّ عنهنّ، وقال:
هذا جيش إن غلبناه لم يكن فيه فخر، وإن غلبوا كانت الفضيحة.
قال سقراط: «اللّين جوهر الكرم، والشّدة جوهر اللؤم».(7/24)
هذا جيش إن غلبناه لم يكن فيه فخر، وإن غلبوا كانت الفضيحة.
قال سقراط: «اللّين جوهر الكرم، والشّدة جوهر اللؤم».
وقال أرسطا طاليس: «لكل شيء صناعة، وحسن الاختيار صناعة العقل».
وقال بقراط: «من شرّ نفسه لنفع غيره فهو أحمق».
وقال: «للمرأة ستران: بعلها وقبرها».
وقال: «من حسدك لم يشكرك على إحسانك إليه».
وقال الإسكندر: «البغي آخر مدّة الملوك».
وقال: «الاستطالة تهدم الصنيعة».
قال بقراط: «لأن يكون الحرّ عبدا لعبيده خير من أن يكون عبدا لشهواته».
قال بعض الفلاسفة: «أنقص الناس عقلا من ظلم من دونه».
قيل لبعضهم: لم تخالط السّفل؟ فقال: لأن الحكماء قد فقدوا.
وقيل لآخر: أيّ العلوم أفضل؟ قال: ما العامة فيه أزهد.
قال فيلسوف لأهل مدينته: ليت طبيبكم كان صاحب جيشكم فإنه قد قتل الخلق وليت صاحب جيشكم كان طبيبكم فإنه لم يقتل أحدا قط.
قال أفلاطون: من جهل الشيء ولم يسأل عنه جمع على نفسه فضيحتين.
وقال: أشرف الناس من بذل مع الإضافة، وصدق عند الغضب.
قال بقراط: ينبغي للعاقل إذا أصبح أن ينظر في المرآة، فإن كان وجهه حسنا لم يشنه بقبيح، وإن كان قبيحا لم يجمع بين قبيحين.
ذكر المال عند أفلاطون فقال: ما أصنع بما يعطيه الحظّ، ويحفظه اللؤم، ويهلكه الكرم.
قال بعضهم لسقراط: ما أفقرك! فقال: لو عرفت راحة الفقر لشغلك التوجّع لنفسك عن التوجّع لي، فالفقر ملك ليس عليه محاسبة.(7/25)
قال بعضهم لسقراط: ما أفقرك! فقال: لو عرفت راحة الفقر لشغلك التوجّع لنفسك عن التوجّع لي، فالفقر ملك ليس عليه محاسبة.
كتب الإسكندر من بلاد فارس إلى أرسطاطاليس
من الإسكندر الملك إلى الأرسطاطاليس الحكيم، عليك منا السلام. أما بعد:
فإن دوائر الأسباب ومواقع العلل وإن كانت أسعدتنا بالأمور التي أصبح الناس لنا بها دائنين، فإنّا جدّ واجدين لمس الاضطرار إلى حكمتك، غير جاحدين للإقرار بفضلك، والاستتامة إلى مشورتك، والاجتباء لرأيك، والاعتقاد لأمرك ونهيك لما بلونا من جداء ذلك علينا، وذقنا من جني منفعته، حتى صار ذلك بنخوعه (1) فينا، وترشيحه لعقولنا، كالغذاء لنا، فما ننفك نعوّل عليه، ونستمد منه، كاستمداد الجداول من البحور، وتحويل الفروع على الأصول، وقوّة الأشكال بالأشكال.
وقد كان فيما سبق إلينا من النصر والفلج، وأتيح لنا من الظفر والقهر، وبلغناه من العدو من النكاية، ما يعجز القول عن وصفه، ويقصر الشكر للمنعم على الإنعام به.
وإنه كان من ذلك أنّا جاوزنا أرض سوريّة والجزيرة وبابل إلى أرض فارس، فلما حللنا بعقوة أهلها وساحة بلادهم لم يكن ذلك إلّا ريثما أن تلقانا نفر منهم برأس ملكهم هدية إلينا، وطلبا للحظوة عندنا، فأمرنا بصلب من جاء به وشهرته لسوء بلائه، وقلّة ارعوائه ووفائه.
ثم أمرنا بجمع من كان هنالك من أبناء ملوكهم وأحرارهم وذوي الشرف منهم، فرأينا رجالا عظيمة أجسامهم وأحلامهم، حاضرة ألبابهم وأذهانهم، رائعة مناظرهم ومناطقهم، دليلا ما ظهر من روائهم أن وراءه من قوة أيديهم، وشدة بأسهم وتحدّيهم، ما لم يكن ليكون لنا معه سبيل إلى غلبتهم، وإعطابهم بأيديهم، لولا أن القضاء أدالنا منهم، وأظفرنا بهم، وأظهرنا عليهم، ولم نر بعيدا من الرأي في أمرهم أن نستأصل شأفتهم، ونجتثّ أصلهم، ونلحقهم بمن مضى من أسلافهم لتسكن القلوب بذلك إلى الأمن من جرائرهم وبوائقهم.
__________
(1) النخوع: الإخلاص، يقال: نخع فلانا الود والنصيحة: أي أخلصهما له.(7/26)
فرأينا ألا نعجل بإسعاف بادي الرأي في قتلهم، دون الاستظهار عليهم بمشورتك فيهم، فارفع إلينا مشورتك فيما استشرناك فيه بعد صحته عندك، وتقليبك إياه على نظرك. وسلام أهل السلام فليكن علينا وعليك.
فأجابه أرسطاطاليس
للإسكندر المؤيّد بالنصر على الأعداء المهديّ الظفر بالملوك من أصغر عبيده وأوضع خوله أرسطا طاليس الخنوع بالسجود، والتذلّل في السلام، والإذعان بالطاعة. أما بعد:
فإنه لا قوة بالنطق وإن احتشد الناطق فيه، واجتهد في تثقيف معانيه، وتأليف حروفه على الإحاطة بأقلّ ما يناله العذر من بسطة علو الملك، وسموّ ارتفاعه عن كلّ قول، وإيتائه على كل وصف، واغترابه لكل إطناب.
وقد تقرر عندي من مقدمات أعلام فضل الملك في مهلة سبقه، وبروز شأوه، ويمن نقيبته منذ أدّت إلى حاسّة بصري صورة شخصه، واضطرب في حسّ سمعي صوت لفظه ووقع وهمي على تعقّب مخارج رأيه، أيام كنت أؤدّي إليه من تعليمي إياه ما أصبحت قاضيا على نفسي بالحاجة إلى تعلّمه منه.
ومهما يكن مني إليه في ذلك فإنما هو عقل مردود إلى عقله، مستنبطة أوائله وتواليه من علمه وحكمته. وقد حكى لي كتاب الملك مخاطبته إياي ومساءلته لي عمّا لا يتخالجني الشكّ في أن لقاح ذلك ونتاجه من عنده صدر، وعليه كان ورد.
وأنا فيما أشير به على الملك وإن اجتهدت فيه، واحتشدت له، وتجاوزت حد الوسع والطاقة مني في استنظافه كالعدم مع الوجود، بل كما لا يتجزّى في جنب أعظم الأشياء، ولكنّي غير ممتنع من أجابة الملك إلى ما سأل على يقيني تعظيم غناه عني وشدّة فاقتي إليه، وأنا رادّ إلى الملك ما أفدته منه، ومشير عليه بما أخذته عنه، فقائل له: إن لكل تربة لا محالة قسما من كل فضيلة، وإن لفارس قسمتها بما أخذته عنه، فقائل وإنك إن تقتل أشرافهم تخلّف الوضعاء بأعقابهم، وترث سفلتهم منازل عليتهم، ويغلب أدنياؤهم على
مراتب ذوي أخطارهم، ولم يبتل الملوك قط ببلاء هو أعظم عليهم، وأشد توهينا لسلطانهم من غلبة السّفلة وذلّ الوجوه، فاحذر الحذر كلّه أن تمكّن تلك الطبقة من الغلبة والحركة، وإن نجم منهم بعد اليوم على جندك وأهل بلدك ناجم دهمهم منه ما لا رويّة فيه ولا بقيّة معه.(7/27)
وأنا فيما أشير به على الملك وإن اجتهدت فيه، واحتشدت له، وتجاوزت حد الوسع والطاقة مني في استنظافه كالعدم مع الوجود، بل كما لا يتجزّى في جنب أعظم الأشياء، ولكنّي غير ممتنع من أجابة الملك إلى ما سأل على يقيني تعظيم غناه عني وشدّة فاقتي إليه، وأنا رادّ إلى الملك ما أفدته منه، ومشير عليه بما أخذته عنه، فقائل له: إن لكل تربة لا محالة قسما من كل فضيلة، وإن لفارس قسمتها بما أخذته عنه، فقائل وإنك إن تقتل أشرافهم تخلّف الوضعاء بأعقابهم، وترث سفلتهم منازل عليتهم، ويغلب أدنياؤهم على
مراتب ذوي أخطارهم، ولم يبتل الملوك قط ببلاء هو أعظم عليهم، وأشد توهينا لسلطانهم من غلبة السّفلة وذلّ الوجوه، فاحذر الحذر كلّه أن تمكّن تلك الطبقة من الغلبة والحركة، وإن نجم منهم بعد اليوم على جندك وأهل بلدك ناجم دهمهم منه ما لا رويّة فيه ولا بقيّة معه.
فانصرف عن هذا الرأي إلى غيره، واعمد إلى من قبلك من أولئك العظماء والأحرار فوزّع بينهم مملكتهم، وألزم اسم الملك كلّ من ولّيته منهم ناحية، واعقد التاج على رأسه، وإن صغر ملكه فإن المتسمّي بالملك لازم لاسمه، والمعتقد التاج لا يخضع لغيره، ولا ينشب ذلك أن يوقع بين كل ملك منهم وبين صاحبه تدابرا وتقاطعا وتغالبا على الملك، وتفاخرا بالمال حتى ينسوا بذلك أضغانهم عليك، وأوتارهم قبلك، وتعود حربهم لك حربا بينهم، وحنقهم عليك حنقا منهم على أنفسهم، ثم لا يزدادون في ذلك بصيرة إلا أحدثوا بها لك استقامة، فإن دنوت منهم دانوا لك، وإن نأيت عنهم تعزّزوا بك، حتى يثبت كلّ ملك منهم على جاره باسمك، ويسترهبه بجندك، وفي ذلك شاغل لهم عنك، وأمان لأحداثهم بعدك، ولا أمان للدهر، ولا ثقة بالأيام.
قد أدّيت إلى الملك ما رأيته لي حظّا، وعليّ حقّا من إجابتي إياه إلى ما سألني عنه، مع أدائي النصيحة إليه فيه، والملك أعلى عينا، وأنفذ رويّة، وآصل رأيا، وأبعد همّة فيما استعان بي عليه، وكلّفني تبيينه له، والمشورة به، فلا زال الملك متغرّفا من فوائد النعم، وعواقب الصّنع، وتوطّد الملك، وتنقّل الأجل، ودرك الأمل، ما تأتي فيه مقدرته على غاية قصوى ما ينال البشر، والسلام الذي لا انقضاء له ولا انتهاء ولا مدة فليكن على الملك والملك.(7/28)
قد أدّيت إلى الملك ما رأيته لي حظّا، وعليّ حقّا من إجابتي إياه إلى ما سألني عنه، مع أدائي النصيحة إليه فيه، والملك أعلى عينا، وأنفذ رويّة، وآصل رأيا، وأبعد همّة فيما استعان بي عليه، وكلّفني تبيينه له، والمشورة به، فلا زال الملك متغرّفا من فوائد النعم، وعواقب الصّنع، وتوطّد الملك، وتنقّل الأجل، ودرك الأمل، ما تأتي فيه مقدرته على غاية قصوى ما ينال البشر، والسلام الذي لا انقضاء له ولا انتهاء ولا مدة فليكن على الملك والملك.
الباب الثالث حكم ونوادر للفرس
في رسالة كسرى إلى الهرمزان أما بعد: فإنه لو كان الملوك يعرفون من حاجتهم إلى ذوي الرأي مثل الذي يعرف أهل الرأي من حاجتهم إلى الملوك لم يكن عجبا أن ترى مواكب الملوك على أبواب العلماء، كما ترى مواكب العلماء على أبواب الملوك، ولذلك قال الأولون: «إذا أراد الله بأمّة خيرا جعل الملك في علمائهم والعلم في ملوكهم».
قال كسرى: أنا على ما لم أقل أقدر منّي على رد ما قد قلته.
وقال: اجتماع المال عند الأسخياء أحد الخصبين واجتماعه عند البخلاء أحد الجدبين.
وقال: من عمل عمل أبيه كفي نصف التعب.
قال بزرجمهر: التذلّل للغلبة في حينها خير من الظفر في غير حينه.
نظر ملك منهم يوما إلى ملكه فأعجبه فقال: إنّ هذا لملك إن لم يكن بعده هلك!! وإنه لسرور لولا أنه غرور، وإنه يوم لو كان يوثق له بغد.
قيل لبزرجمهر: هل تعرف نعمة لا يحسد صاحبها عليها؟ قال: نعم، التواضع.
قيل: فهل تعرف بلاء لا يرحم صاحبه؟ قال: نعم، العجب.
وقال: ما أحسن الصبر لولا أن النفقة عليه من العمر.
قال له أنو شروان: متى يكون العيّ فصيحا؟ قال: إذا وصف حبيبا.
قال بعضهم: الصّدق زين إلا أن يكون سعاية فإن الساعي أخبث ما يكون إذا صدق.
وقال بعضهم: من زعم أنه لا يحب المال فهو عندي كاذب حتى يثبت صدقه، فإذا ثبت صدقه فهو عندي أحمق.(7/29)
قال بعضهم: الصّدق زين إلا أن يكون سعاية فإن الساعي أخبث ما يكون إذا صدق.
وقال بعضهم: من زعم أنه لا يحب المال فهو عندي كاذب حتى يثبت صدقه، فإذا ثبت صدقه فهو عندي أحمق.
سئل بزرجمهر عن الرزق قال: إن كان قد قسم فلا تعجله، وإن كان لم يقسم فلا تتبعه.
وقال: المصطنع إلى اللئيم كمن طوّق الخزير ثبرا، وقرّط الكلب درّا، وألبس الحمار وشيا، وألقم الحية شهدا.
وقال: من قوي فليقو على طاعة الله، ومن ضعف فليضعف عن محارم الله.
وكان يقول: السعيد يتبع الرزق، والشقيّ يتبع مسقط الرأس.
وقيل له: أيّ العيوب أقبح؟ قال: قلّة معرفة الرجل بنفسه.
كتب رجل من الخاصّة إلى أنو شروان: إن رجلا من العامة دعاه إلى منزله فأطعمه من طعام الخاصة وسقاه من شرابها، وقد كان الملك نهى عن ذلك وأوعد فيه، فأحببت ألا أطوي عنه خبرا. فوقّع في كتابه: أحمدنا نصيحتك، وذممنا صاحبك لسوء اختياره الإخوان.
قال بزرجمهر لكسرى، وعنده أولاده: أيّ أولادك أحب إليك؟ قال:
أرغبهم في الأدب، وأجزعهم من العار، وأنظرهم إلى الطبقة التي فوقه.
وقال: من عيب الدنيا أنها لا تعطي أحدا استحقاقه، إما أن تزيده وإما أن تنقصه.
وقال بزرجمهر: الحازم إذا أشكل عليه الرأي بمنزلة من أضلّ لؤلؤة فجمع ما حول مسقطها من التراب ثم التمسها حتى وجدها، فكذلك الحازم يجمع وجوه الرأي في الأمر المشكل ثم يضرب بعضه ببعض حتى يخلص الرأي.
رفع إلى أنوشروان أن عامل الأهواز قد جبى من المال ما يزيد على الواجب في وقته، وأن ذلك أجحف بالرعية، فوقّع: ردّ هذا المال إلى هؤلاء الضعفاء فإن تكثير الملك لماله بظلم رعيته بمنزلة من حصّن سطوحه بما اقتلعه من قواعد بنيانه.
قال بزرجمهر: «الملوك تعاقب بالهجران ولا تعاقب بالحرمان».(7/30)
رفع إلى أنوشروان أن عامل الأهواز قد جبى من المال ما يزيد على الواجب في وقته، وأن ذلك أجحف بالرعية، فوقّع: ردّ هذا المال إلى هؤلاء الضعفاء فإن تكثير الملك لماله بظلم رعيته بمنزلة من حصّن سطوحه بما اقتلعه من قواعد بنيانه.
قال بزرجمهر: «الملوك تعاقب بالهجران ولا تعاقب بالحرمان».
قال أردشير: «الدين أس والملك حارس، وما لم يكن له أس فمهدوم، وما لم يكن له حارس فضائع».
كان على عهد كسرى رجل يقول: من يشتري ثلاث كلمات بألف دينار؟ فيطنز (1) منه، إلى أن اتّصل البريد فأنهى خبره إلى كسرى، فأحضره وسأله عنها. فالتمس إحضار المال فأحضر، فقال الرجل: ليس في الناس كلّهم خير، فقال كسرى: هذا صحيح، ثم قال: ولا بد منهم، فقال:
صدقت، والثالث: أي شيء؟ قال: فالبسهم على قدر ذلك، فقال له كسرى:
قد استوجبت المال فخذه، قال: لا حاجة لي به، قال: فلم طلبته؟ قال:
لأني أردت أن أرى من يشتري الحكمة بالمال، فاجتهد به كسرى في قبوله، فأبى أن يقبل.
قال كسرى لبعض عمّاله: كيف نومك بالليل؟ قال: أنامه كلّه، قال:
أحسنت لو سرقت ما نمت هذا النوم!
وقال لأصحابه: أيّ شيء أضرّ على الإنسان؟ قالوا: الفقر، فقال كسرى:
الشحّ أضر منه لأن الفقير إذا وجد اتّسع، والشحيح لا يتّسع وإن وجد.
وكان ملوك الفرس إذا بلغهم أنّ كلبا مات في قرية لا يعرف لموته سبب أمروا بأخذ أهل القرية بالبيّنة بأن الكلب مات حتف أنفه لم يمت جوعا.
قال بزرجمهر: لا شرف إلا شرف العقل، ولا غنى إلّا غنى النفس.
قال أنو شروان: العطلة تهيّج الفكرة، والفكرة تهيج الفتنة.
وكان على خاتمه: «لا يكون عمران بحيث يجور السلطان».
قال بزرجمهر: أخيب الناس سعيا من أقام في دنياه على غير سداد، وارتحل إلى آخرته بغير زاد.
ورأى فقيرا جاهلا فقال: بئسما اجتمع على هذا: فقر ينغّص دنياه، وجهل يفسد آخرته.
__________
(1) الطّنز: السخرية، طنز به، فهو طنّاز، ويطنز منه: أي يسخر به.(7/31)
قال أبرويز لابنه شيرويه: لا توسّعنّ على جندك فيستغنوا عنك، ولا تضيّقنّ عليهم في العطاء فيضجّوا منك، أعطهم عطاء قصدا، وامنعهم منعا جميلا، ووسّع عليهم في الرجاء، ولا توسع عليهم في العطاء.
قال بزرجمهر: الإخوان كالسلاح فمنهم كالرمح تطعن به من بعيد، ومنهم كالسهم الذي ترمي به ولا يعود إليك، ومنهم كالسيف الذي لا يفارقك.
قال كسرى: لا تظهر إنكار ما لا عدّة معك أن تدفعه.
وقال لبزرجمهر: ما بال معاداة الصديق أقرب مأخذا من مصادقة العدوّ؟
فقال: لأن إنفاق المال أهون من كسبه، وهدم البناء أهون من رفعه، وكسر الإناء أهون من إصلاحه.
وقال بزرجمهر: يستحبّ من الخريف الخصب، ومن الربيع الزّهر، ومن الجارية الملاحة، ومن الغلام الكيس، ومن الغريب الانقباض.
قيل لكسرى: أيّ الناس أحبّ إليك أن يكون عاقلا؟ قال: عدوّي، قيل:
وكيف ذلك؟ قال: لأنه إذا كان عاقلا فأنا منه في عافية.
سئل بزرجمهر في نكبته عن حاله، فقال: عوّلت على أربعة أشياء قد هوّنت عليّ ما أنا فيه: أولها، أني قلت: القضاء والقدر لا بد من جريانهما.
والثاني، أني قلت: إن لم أصبر فما أصنع؟ والثالث، أني قلت: قد كان يجوز أن يكون أشد من هذا، والرابع، قلت: لعل الفرج قريب وأنت لا تدري.
قال أنو شروان: جميع أمر الدنيا منقسم إلى ضربين لا ثالث لهما، واحد في دفعه حيلة فالاصطبار دواؤه، والآخر لا حيلة في دفعه فالاضطرار شفاؤه.
وكان إذا ولّى رجلا وقّع في كتابه: «سس خيار الناس بالمحبة، وامزج للعامة الرغبة بالرهبة، وسس سفلة الناس بالإخافة».
وسمع الموبذ (1) في مجلسه ضحك الخدم فقال: أما يمنع جلالة الملك وهيبته هؤلاء الغلمان من الضحك؟ فقال أنو شروان: إنما يهابنا أعداؤنا.
__________
(1) الموبذ: قاضي الفرس قبل الإسلام، وموبذ موبذان: قاضي قضاة الفرس.(7/32)
ولما قتل بزرجمهر بعث إلى ابنته فجاءته مكشوفة الرأس، فلما رأته غطّت رأسها، فقال أنو شروان: سلوها عن ذلك فقالت: ما رأيت أحدا حتى رأيته.
قال سابور: «لم أهزل في أمر ولا نهي قطّ، ولم أخلف وعدا ولا وعيدا قط، وولّيت للغناء لا للهوى، وضربت للأدب لا للغضب، وأودعت في قلوب الرعية المحبة من غير جرأة، والهيبة من غير ضغينة، وعممت بالقوت، ومنعت الفضول».
سئل أنو شروان أيّ الأشياء أحق بالاتّقاء؟ قال: أعظمها مضرة، قيل: فإن جهل قدر المضرة؟ قال: أعظمها من الهوى نصيبا.
وقال: «لا تنزلنّ ببلد ليس فيه خمسة أشياء: سلطان قاهر، وقاض عادل، وسوق قائمة، وطبيب عالم، ونهر جار».
وسأل كسرى موبذه: أيما أكثر الشياطين أو الناس؟ فقال: إن حسبت الأكراد والرعاة والعامة وأهل الأسواق من الناس فإن الناس له كثير.
ويقال: إن كسرى أنزل الكتّاب كلواذى، وكانوا يأتون في كل يوم فيعملون عملهم ثم ينصرفون إلى منازلهم، وفرّق إذنهم، فكان يأذن لهم في أوقات مختلفة ليشغلهم ببعد المسافة، ولئلا يجتمعوا فيدبّروا على الملك.
وكانوا يقولون: «كلّ عزيز دخل تحت القدرة فهو ذليل، وكل مقدور عليه مملوك محقور».
قال بزرجمهر: «من أحبك نهاك ومن أبغضك أغراك».
وقيل له: هل من أحد لا عيب فيه؟ قال: الذي لا عيب فيه الذي لا يموت.
وقال كسرى: أيّ شيء أضرّ؟ فأجمعوا على الفقر، فقال: الشّح أضر منه لأن الفقير قد يصيب الفرجة.
وسئل أنو شروان عن منفعة الولد الصالح قال: يستلذّ به العيش، ويهون به الموت.
سألت امرأة بزرجمهر عن مسألة فقال: لا أعرف جوابها، فقالت: أنت تأخذ من الملك ما تأخذ ولا تعرف جواب مسألة لي؟ فقال: إن الملك يعطيني على ما أعلمه ولو أعطاني على ما لا أعلمه لم يسعني بيت ماله ليوم واحد.(7/33)
وسئل أنو شروان عن منفعة الولد الصالح قال: يستلذّ به العيش، ويهون به الموت.
سألت امرأة بزرجمهر عن مسألة فقال: لا أعرف جوابها، فقالت: أنت تأخذ من الملك ما تأخذ ولا تعرف جواب مسألة لي؟ فقال: إن الملك يعطيني على ما أعلمه ولو أعطاني على ما لا أعلمه لم يسعني بيت ماله ليوم واحد.
وقالوا: من قدر أن يحترس من أربع خصال لم يكن في تدبيره خلل:
الحرص، والعجب واتّباع الهوى، والتّواني.
قيل لأنو شروان: اصطنعت فلانا ولا نسب له، فقال: اصطناعنا إياه نسبه.
دخل دهقان (1) على المهلّب (2) فقال: أصلح الله الأمير: ما أشخصتني إليك الحاجة، ولا قنعت بالمقام على الغنى، ولا أرضى إذ قمت هذا المقام بالنصفة منك، فقال: ويحك ما تقول؟ قال: أصلحك الله، الناس ثلاثة: فقير، وغنيّ ومستزيد، فالفقير من منع حقّه، والغنيّ من أعطي ما يستحقّه، والمستزيد من طلب الفضل بعد درك الغنى، وإنك أعزّك الله لمّا أنصفتني بإدائك لي حقّي، تطلّعت نفسي إلى استزادتك فوق حقّي، فإن منعتني فقد أنصفتني، وإن زدتني زادت منّتك عظما عليّ، فأحسن جائزته، وأمره بلزومه، وأعجبه ما رأى من ظرفه.
قال كسرى: النّبيذ صابون الغم.
حكى المعلّى بن أيوب عن بعض حكماء فارس أنه قال: تعجّب الجاهل من العاقل أكثر من تعجّب العاقل منه.
من وصية كسرى: «لا تستشعروا الحقد فيدهمكم العدو ولا تحبّوا الاحتكار فيشملكم القحط، وكونوا لأبناء السبيل مأوى تؤوا غدا في المعاد، وتزوّجوا في الأقارب، فإنه أثبت للنسب، وأقرب للسبب، ولا تركنوا إلى الدنيا. فإنها لا تدوم، ولا ترفضوها مع ذلك فإن الآخرة لا تنال إلا بها».
__________
(1) الدهقان: رئيس القرية، ومقدم أهل الزراعة من العجم، فارسي معرب.
(2) هو المهلب بن أبي صفرة ظالم بن مسروق، المتوفّى سنة 73هـ، تقدمت ترجمته.(7/34)
وقال: «الحرب سوق، وتجارتها الغلبة، فمن لم يكن له بضاعة لم يكن له تجارة».
وقال: من حارب بأجرة فهو يعرض هزيمة لأن حربه بلا غضب ولا نيّة ولا أنفة ولا حميّة.
قال بزرجمهر: «أدنى الأنفس نفس تكرى للحرب».
قال أسفنديار: أفره ما يكون من الدواب لا يستغني عن السوط، وأعفّ من تكون من النساء لا تستغني عن الزوج، وأعقل من يكون من الرجال لا يستغني عن مشاورة ذوي الألباب.
وقال عمرو بن العاص لدهقان نهر تيرى: بم ينبل الرجل عندكم؟
فقال: بترك الكذب فإنه لا يشرف إلّا من يوثق بقوله، وبقيامه بأمر أهله فإنه لا ينبل من يحتاج إهله إلى غيره، وبمجانبة الريب فإنه لا يعز من لا يؤمن أن يصادف على سوأة، وبالقيام بحاجات الناس، فإنه من رجي الفرج لديه كثرت غاشيته.
وقال بزرجمهر: من كثر أدبه كثر شرفه وإن كان قبل وضيعا، وبعد صوته وإن كان خاملا، وساد وإن كان غريبا، وكثرت الحاجات إليه وإن كان مقترا.
وقال بعض ملوكهم لوزيره، وأراد محنته: ما خير ما يرزقه العبد؟ قال:
عقل يعيش به، قال: فإن عدمه؟ قال: فمال يستره، قال: فإن عدمه؟ قال:
فأدب يتحلى به، قال: فإن عدمه؟ قال: فصاعقة تحرقه.
وقال أردشير: «من لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه كان حتفه في أغلب خلال الخير عليه».
لما مات قباذ قال الموبذ: كان الملك أمس أنطق منه اليوم، وهو اليوم أوعظ منه أمس.
وقيل لبعض أشرافهم في علّته التي مات فيها: ما بك؟ فقال: فكر عجيب، وحسرة طويلة. فقيل له: ممّ ذاك؟ فقال: ما ظنكم بمن يقطع سفرا قفرا بلا زاد، ويسكن قبرا موحشا بلا مؤنس، ويقدم على حكم عدل بلا حجّة؟
وقال أردشير: إن للآذان مجّة، وللقلوب مللا، ففرقوا بين الحكمتين بلهو يكن ذلك استجماما.(7/35)
وقيل لبعض أشرافهم في علّته التي مات فيها: ما بك؟ فقال: فكر عجيب، وحسرة طويلة. فقيل له: ممّ ذاك؟ فقال: ما ظنكم بمن يقطع سفرا قفرا بلا زاد، ويسكن قبرا موحشا بلا مؤنس، ويقدم على حكم عدل بلا حجّة؟
وقال أردشير: إن للآذان مجّة، وللقلوب مللا، ففرقوا بين الحكمتين بلهو يكن ذلك استجماما.
وكان أنو شروان يقول: القلوب تحتاج إلى أقواتها من الحكمة كاحتياج الأبدان إلى أقواتها من الغذاء.
وقال أردشير: «الدّاء في كلّ مكتوم».
قال سابور: لمّا رأيت تأتّي الأشياء لذوي الجهل على جهلهم وانصرافها عن ذوي الألباب والعقول، علمت أن المدبّر غيرهما، وأنها جارية بغير تدبير العاقل والأحمق.
قال أردشير: اشغل النفس بما يحسن قطعا لها عما لا يحسن.
كان كسرى إذا غضب على بعض حاشيته هجره ولم يقطع عنه خيره، فقيل له في ذلك، فقال: «نحن نعاقب بالهجران لا بالحرمان».
وقال أنو شروان: إياك وما يعتذر أو يستحيا منه فإنما يعتذر من الذنب، ويستحيا من القبيح.
قال أردشير: «الابتداء بالمعروف، نافلة وربّه فريضة».
قال بزرجمهر: إذا اشتبه عليك أمران فانظر أحبّهما إلى نفسك فاجتنبه، وإذا أعياك فشاور امرأة وخالفها.
قيل لأردشير: هل ندمت على شيء قطّ؟ قال: نعم، على معروف أمكنني فأخّرته.
قيل لأنو شروان: أيّ شيء أحقّ أن تجتهد فيه في الصّبا وفي الشباب وفي كل حين؟ قال: أمّا في الصّبا فالتأدّب، وأمّا في الشباب فالعمل، وأما في كل حين فاجتناب الذّنوب.
قيل لمزدك (1): ما الفرق بين الحزن والغضب؟ قال: إذا كان الأمر ممّن فوقك أحزنك، وأما إذا كان ممّن دونك أغضبك.
__________
(1) مزدك: هو رجل مشهور منسوب إلى الزندقة، ظهر في زمن قباذ أحد ملوك الفرس من الأكاسرة، وادّعى النبوة ونهى عن المخالفة والمباغضة، وزعم أن ذلك إنما يحصل بسبب النساء والماء، فأمر بالاشتراك والمساواة فيهما، وتبعه قباذ على ذلك. وكان يقول: إن النور عالم(7/36)
جلس كسرى للمظالم فتقدم إليه رجل قصير وجعل يصيح أنا مظلوم، وهو لا يلتفت إليه، فقال له الموبذ: انظر في أمره، قال كسرى: القصير لا يظلمه أحد، فقال الرجل: أيها الملك، الذي ظلمني هو أقصر مني، فضحك ونظر في أمره.
وقال بزرجمهر: الفراغ يهيّج الفكرة، والفكرة تهيّج الفتنة.
قال أنو شروان: الناس ثلاث طبقات، تسوسهم ثلاث سياسات: طبقة من خاصّة الأبرار، يسوسهم العطف واللّين والإحسان، وطبقة من خاصّة الأشرار تسوسهم الغلظة والشدّة والعنف، وطبقة هم العامّة، يسوسهم اللين والشدة لئلا تحرجهم الشدة، ولا يبطرهم اللّين.
وقالوا: التقاط الرّشى وضبط الملك لا يلتقيان.
كانت الفرس تقول: نحن لا نملّك من يحتاج أن يشاور، فقال بعضهم:
نحن لا نملّك من يستغني عن المشورة.
قيل لأنو شروان: ما وثائق الحزم؟ قال: أن يختلّ الأعداء من المال، فإن الناس أتباعه.
قال بعض ملوكهم: يكاد الملك أن يكون مستغنيا عن كل شيء إذا كان حكيما إلا عن شيء واحد وهو المشورة.
قالت أم بزرجمهر: يا بنيّ ركوب الأهوال يأتي بالغنى، وهو أوثق أسباب الفناء.
وأوصى بعض ملوكهم ابنه فقال: أطلق من الناس عقد كلّ حقد، واقطع عنهم سبب كل وتر، وتغاب عن كل دنيّة، ولا تركبنّ شبهة، ولا تعجل إلى تصديق ساع فإن الساعي غاشّ، وأن قال قول النصيح.
__________
حساس والظلام جاهل أعمى، والنور يفعل بالقصد والاختيار والظلمة تفعل على الخبط والاتفاق، وأن امتزاج النور والظلمة كان بالاتفاق والخبط دون القصد والاختيار وكذلك الخلاص، وله أتباع يقال لهم المزدكية، ولم يزل على ذلك حتى قتله شروان بن قباذ هو وأتباعه (صبح الأعشى في صناعة الإنشا للقلقشندي 13/ 299298).(7/37)
قال بزرجمهر: إذا كان القدر حقّا فالحرص باطل، وإذا كان الغدر في الناس طباجا فالثّقة بكل أحد عجز، وإذا كان الموت لكل أحد راصدا فالطّمأنينة إلى الدنيا حمق.
قال أردشير: «إصلاح الشيم بالقناعة، ونموّ العقل بالعلم».
كتب أنو شروان إلى مرازبة (1) خراسان: عليكم بأهل الشجاعة والسخاء فإنهم أهل حسن الظنّ بالله.
وقال بعض حكمائهم: لو كان الإفراط محمودا في شيء ما كان إلّا في الحلم والجود، ولو تلاحى فيهما الإفراط والاعتدال لكان الاعتدال أولاهما بالذم لسلامة الجود من جميع العيوب.
كتب أبرويز من حبسه إلى ابنه: إن كلمة منك تسفك دما، وإن أخرى منك تحقن دما، وإن سخطك سيوف مسلولة على من سخطت عليه، وإن رضاك بركة مستفيضة على من رضيت عنه، وإن نفاذ أمرك مع ظهور كلامك، فاحترس في غضبك من قولك أن يخطىء، ومن لونك أن يتغيّر، ومن جسدك أن يخفّ فإن الملوك تعاقب قدرة، وتعفو حلما، وما ينبغي للقادر أن يستخفّ ولا للحليم أن يزدهى، فإذا رضيت فابلغ بمن رضيت عنه يحرّض سواه على رضاك، وإذا سخطت فضع من سخطت عليه يهرب من سواه من سخطك، وإذا عاقبت فانهك (2) لئلا يتعرض لعقوبتك، واعلم أنك تجلّ عن الغضب، وأن الغضب يصغر عن ملكك، وقدّر لسخطك من العقاب كما تقدّر لرضاك من الثواب.
وكتب إليه في رسالة: لا زالت النعمة عند الأجواد، والسلطان في أهل العلم، والعدل في الحكّام لأن بنعمة الأجواد يعمّ الدنيا الخصب، وبعلم الملك يشمل الناس الأمن، ويعدل الحكّام تخلو الدنيا من الظلم.
__________
(1) المرازبة: واحدها مرزبان، فارسي معرب، وهو الفارس الشجاع المقدم على القوم دون الملك.
ويقال للرئيس من العجم: مرزبان.
(2) أنهك: أي بالغ في العقوبة، ونهكه السلطان نهكا: بالغ في عقوبته.(7/38)
وفي عهد سابور إلى ابنه: وزيرك فليكن مقبول القول عندك، رفيع المنزلة لديك، يمنعه مكانه منك، وما يثق به من لطافة منزلته عندك، من الخنوع لأحد والضراعة إلى أحد، والمداهنة لأحد في شيء مما تحت يديه لتبعثه الثقة بك على محض النصيحة لك، والمنابذة لمن أراد غشّك وانتقاصك حقّك، وإذا أورد عليك رأيا يخالفك ولا يوافق الصواب عندك، فلا تجتهد جهد الظنين، ولا تردّه عليه بالتجهّم، فيفت في عضده ذلك، ويقبضه إثباتك كلّ رأي يلوح له صوابه، بل اقبل ما رضيت من رأيه وقوله، وعرفه ما تخوّفت من ضرر الرأي الذي انصرفت عنه، لينتفع بأدبك فيما يستقبل النظر فيه، واحذر كلّ الحذر من أن تنزل بهذه المنزلة سوى وزيرك ممن يطيف بك من خاصّتك وخدمك، أو أن تسهّل لأحد منهم السبيل إلى الانبساط بالنطق عندك، والإفاضة في أمر رعيتك وعملتك، فإنه لا يوثق بصحة رأيهم، ولا يؤمن الانتشار فيما ائتمنوا عليه من السر المكتوم من سواهم.
وفي هذا العهد: واعلم أن قوام أمرك بدرور الخراج، ودرور الخراج بعمارة البلاد، وبلوغ الغاية في ذلك باستصلاح أهله بالعدل عليهم، والمعاونة لهم فإن بعض ذلك لبعض سبب، وعوامّ الناس لخواصّهم عدّة، وبكل صنف منهم إلى الآخر حاجة، فاختر لذلك أفضل من تقدر عليه من كتّابك، وليكونوا من أهل البصر والعفاف والكفاية، وأسند إلى كل امرىء منهم شقصا يضطلع به، ويمكنه تعجيل الفراغ منه، فإن اطلعت على أن أحدا منهم خان أو تعدّى فنكّل به، وبالغ في عقوبته، واحذر أن تستعمل على الأرض الكثير خراجها إلا البعيد الصّوت، العظيم شرف المنزلة، ولا تولّينّ أحدا من قواد جندك الذين هم عدّة للحروب، وجنّة من الأعداء خراجا فلعلك تهجم من بعضهم على خيانة للأموال، وتضييع للعمل، فإن سوّغته المال وأغضيت له عن التضييع كان ذلك إهلاكا وإضرارا بالرعية وداعية إلى فساد غيره، وإن أنت كافأته فقد استفدته وأضغنت صدره، وهذا أمر توقّيه حزم، والإقدام عليه خرق، والتقصير فيه عجز.
وفيه: واعلم أن من أهل الخراج من يلجىء بعض أرضه وضياعه إلى خاصّة الملك وبطانته لأحد أمرين، أنت حريّ بكراهتهما. إما للامتناع من جور
العمال وظلم الولاة، فتلك منزلة يظهر به سواء أثر العمّال وضعف الملك وإخلاله بما تحت يده، وإما للدفع بما يلزمهم من الحق، والكسر له، فهذه خلّة يفسد بها أدب الرعية، وتنتقص بها الأموال، فاحذر ذلك، وعاقب الملجئين والملجأ إليهم.(7/39)
وفيه: واعلم أن من أهل الخراج من يلجىء بعض أرضه وضياعه إلى خاصّة الملك وبطانته لأحد أمرين، أنت حريّ بكراهتهما. إما للامتناع من جور
العمال وظلم الولاة، فتلك منزلة يظهر به سواء أثر العمّال وضعف الملك وإخلاله بما تحت يده، وإما للدفع بما يلزمهم من الحق، والكسر له، فهذه خلّة يفسد بها أدب الرعية، وتنتقص بها الأموال، فاحذر ذلك، وعاقب الملجئين والملجأ إليهم.
وفي كتاب للموبذ إلى هرمز بن سابور: فأمّا وزراء الملك فيجب أن يختارهم من أهل بيت الوزارة والحسب والعقل والصلاح والتجربة والأناة ومحض الطاعة وشدّة الاهتمام بصلاح الخاصّة والعامّة، وقلّة الشّره والحرص على الدنيا. ولا يؤثر على الملك قريبا ولا بعيدا، ولا يمالىء عليه لرغبة ولا رهبة، ولا يلتمسه شيئا يرجو به نفعا، أو يخاف به ضرّا، وأن يطيع آراءهم، ويتّهم بعضهم على بعض، وألا يطمع أحدا في أعمالهم، ولا في الإصغاء إليه، فإن الوزير الناصح أكثر الناس له عامة وبطانة الملك وقرابته خاصة، وما شيء أزين للملك ولا أنفع ولا أعود عليه من الوزير الناصح.
وقال أبرويز لوزيره: اكتم السرّ، واصدق في الحديث، واجتهد في النصيحة، واحترس بالحذر، فعلّي ألا أعجل عليك حتى استأني، ولا أقدم عليك حتى أستيقن ولا أطمع فيك فأغتالك.
وقال لكاتبه: إنما الكلام أربعة أقسام: سؤالك الشيء، وسؤالك عن الشيء، وأمرك بالشيء، وخبرك عن الشيء، فهذه دعائم المقالات، إن التمس إليها خامس لم يوجد، وإن نقص منها واحد لم تتمّ، فإذا طلبت فأسجح، وإذا سألت فأوضح، وإذا أمرت فاحتم، وإذا خبّرت فحقّق.
وصف رجل أنو شروان فقال: كان والله من أصبر الناس، قيل: وما بلغ من صبره؟ فقال: كان له كاتب بليد فكان يكتب له تذكرة بحوائجه فينسى التّذكرة.
يقولون: للوزير على الملك، وللكاتب على الصاحب ثلاث خصال: رفع الحجاب عنه، واتّهام الوشاة عليه، وإفشاء السر إليه.
وحكي أن سابور استشار وزيرين كانا له، فقال أحدهما: «لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحدا إلا خاليا به، فإنه أصون للسّر، وأحزم في الرأي، وأدعى
إلى السلامة، وأعفى لبعضنا من غائلة بعض لأن الواحد رهن بما أفشي إليه، وهو أحرى ألّا يظهره رهبة للملك، ورغبة إليه، وإذا كان عند اثنين فظهر، دخلت على الملك الشبهة، واتّسعت على الرجلين المعاريض، فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن اتّهمهما اتهم بريئا بجناية مجرم وإن عفا عنهما عفا عن واحدا لا ذنب له، وعن الآخر ولا حجة عليه».(7/40)
وحكي أن سابور استشار وزيرين كانا له، فقال أحدهما: «لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحدا إلا خاليا به، فإنه أصون للسّر، وأحزم في الرأي، وأدعى
إلى السلامة، وأعفى لبعضنا من غائلة بعض لأن الواحد رهن بما أفشي إليه، وهو أحرى ألّا يظهره رهبة للملك، ورغبة إليه، وإذا كان عند اثنين فظهر، دخلت على الملك الشبهة، واتّسعت على الرجلين المعاريض، فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن اتّهمهما اتهم بريئا بجناية مجرم وإن عفا عنهما عفا عن واحدا لا ذنب له، وعن الآخر ولا حجة عليه».
نسخة عهد أردشير بن بابك إلى من يخلفه من بعده
من ملك الملوك أردشير بن بابك إلى من يخلفه بعقبه من ملوك فارس السلام والعافية أما بعد:
فإن صنيع الملوك على غير صنيع الرعية، فالملك يطيعه العزّ والأمن والسرور والقدرة على طباع الأنفة والجرأة والعبث والبطر. ثم له، كلما ازداد في العمر تنفّسا وفي الملك سلامة، زيادة في هذه الطبائع الأربعة حتى تسلمه إلى «سكر السلطان الذي هو أشدّ من سكر الشراب» فينسى النكبات والعثرات والغير والدوائر. ويحين تسلّط الأيام ولؤم غلبة الدهر، فيرسل يده بالفعل ولسانه بالقول. وقد قال الأولون منا: «عند حسن الظن بالأيام تحدث الغير».
وقد كان من الملوك من يذكّره عزّه الذلّ، وأمنه الخوف، وسروره الكآبة، وقدرته العجز، فإذا هو قد جمع بهجة الملوك، وفكرة السوقة، ولا حزم إلا في جمعهما.
اعلموا أن الذي أنتم لا قوه بعدي هو الذي لقيني من الأمور، وهي بعدي واردة عليكم بمثل الذي وردت به عليّ، فيأتيكم السرور والأذى في الملك من حيث أتياني، وأن منكم من سيركب الملك صعبا فيمنى من شماسه وجماحه وخبطه واعتراضه مثل الذي منيت به، وأن منكم من سيرث الملك عن الكفاة المذلّلين له مركبه، وسيجري على لسانه ويلقى في قلبه أن قد فرّغ له وكفي واكتفي وفرّغ للسعي في العبث والملاهي، وأن من قبله من الملوك إلى التوطيد له أجروا، وفي التمكين له سعوا، وأن قد خصّ بما حرموا، وأعطي ما منعوا، فيكثر أن يقول مسرّا ومعلنا: خصّوا بالعمل وخصصت بالدّعة، وقدّموا قبلي إلى الغرر وخلّفت في الثقة.
وهذا الباب من الأبواب التي يكسر بها سكور الفساد، ويهاج بها دواهم البلاء، ويعمي البصير عن لطيف ما ينتهك من الأمور في ذلك.(7/41)
اعلموا أن الذي أنتم لا قوه بعدي هو الذي لقيني من الأمور، وهي بعدي واردة عليكم بمثل الذي وردت به عليّ، فيأتيكم السرور والأذى في الملك من حيث أتياني، وأن منكم من سيركب الملك صعبا فيمنى من شماسه وجماحه وخبطه واعتراضه مثل الذي منيت به، وأن منكم من سيرث الملك عن الكفاة المذلّلين له مركبه، وسيجري على لسانه ويلقى في قلبه أن قد فرّغ له وكفي واكتفي وفرّغ للسعي في العبث والملاهي، وأن من قبله من الملوك إلى التوطيد له أجروا، وفي التمكين له سعوا، وأن قد خصّ بما حرموا، وأعطي ما منعوا، فيكثر أن يقول مسرّا ومعلنا: خصّوا بالعمل وخصصت بالدّعة، وقدّموا قبلي إلى الغرر وخلّفت في الثقة.
وهذا الباب من الأبواب التي يكسر بها سكور الفساد، ويهاج بها دواهم البلاء، ويعمي البصير عن لطيف ما ينتهك من الأمور في ذلك.
فإنّا قد رأينا الملك الرشيد السعيد المنصور المكفيّ المظفّر الحازم في الفرضة، البصير بالعورة، اللطيف للشبهة، المبسوط له في العلم والعمر، يجتهد فلا يعدو إصلاح ملكه حياته إلا أن يتشبه به متشبه. ورأينا الملك القصير عمره، القريبة مدته، إذا كان سعيه بإرسال اللسان بما قال، واليد بما عملت، بغير تدبير يدرك، أفسد جميع ما قدّم له من الصلاح قبله، ويخلّف المملكة خرابا على من بعده.
وقد علمت أنكم ستبلون مع الملك بالأزواج والأولاد والقرناء والوزراء والأخدان والأنصار والأصحاب والأعوان والمتنصحين والمتقربين والمضحكين والمزينين، وكل هؤلاء، إلا قليلا، أن يأخذ لنفسه أحبّ إليه من أن يعطي منها، وإنما عمله لسوق يومه وحياة غده، فنصيحته الملوك نصيحة لنفسه، وغاية الصلاح عنده صلاح نفسه، وغاية الفساد عنده فساد من يجعل نفسه هي العامّة، والعامة هي الخاصّة، فإن خصّ بنعمة دون الناس فهي عنده نعمة عامة، وإذا عمّ الناس بالنصر على العدوّ والعدل في البيضة والأمن على الحريم والحفظ للأطراف والرأفة من الملك والاستقامة من الملك ولم يخصّص من ذلك بما يرضيه سمّى تلك النعمة نعمة خاصّة، ثم أكثر شكيّته الدهر ومذّمته الأمور، يقيم للسلطان سوق المودّة ما أقام له سوق الأرباح، ولا يعلم ذلك الوزير القرين أن في التماس الرّيح على السلطان فساد جميع الأمور. وقد قال الأولون منا: «رشاد الوالي خير للرّعية من خصب الزمان».
واعلموا أن الملك والدّين توأمان، لا قوام لأحدهما إلا بصاحبه لأن الدّين أسّ الملك وعماده، ثم صار الملك بعد حارس الدين، فلا بدّ للملك من أسّه ولا بدّ للدين من حارسه فإن ما لا حارس له ضائع، وإن ما لا أسّ له مهدوم، وأنّ رأس ما أخاف عليكم مبادرة السّفلة إياكم إلى دراسة الدّين وتأويله والتفقّه فيه فتحملكم الثقة بقوة الملك على التهاون بهم فتحدث في الدين رياسات مستسرّات فيمن قد وترتم وجفوتم وحرمتم وأخفتم وصغّرتم
من سفلة الناس والرعية وحشو العامّة، ولم يجتمع رئيس في الدين مسرّ ورئيس في الملك معلن في مملكة واحدة إلا انتزع الرئيس في الدين ما في يد الرئيس في الملك لأن الدين أسّ، والملك عماد، وصاحب الأسّ أولى بجميع البنيان من صاحب العماد. وقد مضى قبلنا ملوك كان الملك منهم يتعهّد الجملة بالتفتيش، والجماعات بالتفصيل، والفراغ وكانوا بالأشغال، كتعهّده جسده بقصّ فضول الشعر والظفر، وغسل الدّرن والغمر ومداواة ما ظهر من الأدواء وما بطن.(7/42)
واعلموا أن الملك والدّين توأمان، لا قوام لأحدهما إلا بصاحبه لأن الدّين أسّ الملك وعماده، ثم صار الملك بعد حارس الدين، فلا بدّ للملك من أسّه ولا بدّ للدين من حارسه فإن ما لا حارس له ضائع، وإن ما لا أسّ له مهدوم، وأنّ رأس ما أخاف عليكم مبادرة السّفلة إياكم إلى دراسة الدّين وتأويله والتفقّه فيه فتحملكم الثقة بقوة الملك على التهاون بهم فتحدث في الدين رياسات مستسرّات فيمن قد وترتم وجفوتم وحرمتم وأخفتم وصغّرتم
من سفلة الناس والرعية وحشو العامّة، ولم يجتمع رئيس في الدين مسرّ ورئيس في الملك معلن في مملكة واحدة إلا انتزع الرئيس في الدين ما في يد الرئيس في الملك لأن الدين أسّ، والملك عماد، وصاحب الأسّ أولى بجميع البنيان من صاحب العماد. وقد مضى قبلنا ملوك كان الملك منهم يتعهّد الجملة بالتفتيش، والجماعات بالتفصيل، والفراغ وكانوا بالأشغال، كتعهّده جسده بقصّ فضول الشعر والظفر، وغسل الدّرن والغمر ومداواة ما ظهر من الأدواء وما بطن.
وقد كان من أولئك الملوك من صحّة ملكه أحبّ إليه من صحة جسده، وكان بما يخلّفه من الذكر الجميل المحمود أفرح وأبهج منه بما يسمعه بأذنه في حياته، فتتابعت تلك الأملاك بذلك كأنهم ملك واحد، وكأن أرواحهم روح واحدة، يمكّن أوّلهم لآخرهم، ويصدّق آخرهم أوّلهم، تجتمع أنباء أسلافهم ومواريث آرائهم وصياغات عقولهم عند الباقي منهم بعدهم، فكأنهم جلوس معه يحدّثونه، ويشاورونه، حتى كان على رأس دارا بن دارا ما كان من غلبة الإسكندر على ما غلب عليه من ملكنا، فكان إفساده أمرنا، وتفريقه جماعتنا، وتخريبه عمران مملكتنا أبلغ له فيما أراد من سفك دمائنا. فلما أذن الله في جمع مملكتنا ودولة أحسابنا كان من ابتعاثه إيانا ما كان «وبالاعتبار يتّقى العثار»، ومن يخلفنا أوجد للاعتبار منا لما استدبروا من أعاجيب ما مرّ علينا.
اعلموا أن سلطانكم إنما هو على أجساد الرعية، وأنه لا سلطان للملوك على القلوب.
واعلموا أنكم إن غلبتم الناس على ما في أيديهم فلن تغلبوهم على عقولهم.
واعلموا أن العاقل المحروم سالّ عليكم لسانه، وهو أقطع سيفيه، وأن أشد ما يضربكم به من لسانه ما صرف الحيلة فيه إلى الدّين، فكان بالدّين يحتجّ، وللدين، فيما يظهر، يغضب فيكون للدين بكاؤه، وإليه دعاؤه، ثم هو أوجد للتابعين والمصدّقين والمناصحين والموالين والمؤازرين منكم، لأن بغضة الناس موكلة بالملوك، ومحبّتهم ورحمتهم موكلة بالضعفاء المغلوبين.
وقد كان من قبلنا من الملوك يحتالون لعقول من يحذرون، بتخريبها فإن العاقل لا تنفعه جودة تجربة إذا صيّر عقله خرابا. وكانوا يحتالون للطاعنين بالدين على الملوك فيسمّونهم بالمبتدعين، فيكون الدين هو الذي يقتلهم ويريح الملوك منهم.(7/43)
واعلموا أن العاقل المحروم سالّ عليكم لسانه، وهو أقطع سيفيه، وأن أشد ما يضربكم به من لسانه ما صرف الحيلة فيه إلى الدّين، فكان بالدّين يحتجّ، وللدين، فيما يظهر، يغضب فيكون للدين بكاؤه، وإليه دعاؤه، ثم هو أوجد للتابعين والمصدّقين والمناصحين والموالين والمؤازرين منكم، لأن بغضة الناس موكلة بالملوك، ومحبّتهم ورحمتهم موكلة بالضعفاء المغلوبين.
وقد كان من قبلنا من الملوك يحتالون لعقول من يحذرون، بتخريبها فإن العاقل لا تنفعه جودة تجربة إذا صيّر عقله خرابا. وكانوا يحتالون للطاعنين بالدين على الملوك فيسمّونهم بالمبتدعين، فيكون الدين هو الذي يقتلهم ويريح الملوك منهم.
ولا ينبغي للملك أن يعترف للعبّاد والنّسّاك والمتبتّلين أن يكونوا أولى بالدين ولا أحدب عليه ولا أغضب له منه.
ولا ينبغي للملك أن يدع النّسّاك بغير الأمر والنهي لهم في نسكهم ودينهم، فإن خروج النسّاك وغير النسّاك من الأمر والنهي عيب على الملوك وعيب على المملكة، وثلمة يستبينها الناس بيّنة الضرر للملك ولمن بعده.
واعلموا أن تصبّر الوالي على غير أخدانه وتقريبه غير وزرائه فتح لأبواب محجوب عنه علمها. وقد قيل: «إذا استوحش الوالي ممّن لم يوطّن نفسه عليه أطبقت عليه ظلم الجهالة». وقيل: «إن أخوف ما يكون العامة آمن ما يكون الوزراء».
اعلموا أن دولتكم تؤتى من مكانين: أحدهما، غلبة بعض الأمم المخالفة لكم، والآخر فساد دينكم، ولن يزال حريمكم من الأمم محروسا ودينكم من غلبة الأديان محفوظا ما عظّمت فيكم الولاة، وليس تعظيمهم بترك كلامهم، ولا إجلالهم بالتنحّي عنهم ولا المحبّة لهم بالمحبة لكل ما يحبّون، ولكنّ تعظيمهم تعظيم أديانهم وعقولهم، وإجلالهم إجلال منزلتهم من الله جلّ وعزّ، ومحبتهم محبة إصابتهم وحكاية الصواب عنهم.
واعلموا أنه لا سبيل إلى أن يعظّم الوالي إلا بالإصابة في السياسة، ورأس إصابة السياسة أن يفتح الوالي لمن قبله من الرعية بابين: أحدهما، باب رقّة ورحمة ورأفة وبذل وتحنّن وإلطاف ومواتاة ومواساة وبشر وتهلّل وانبساط وانشراح، والآخر، باب غلظة وخشونة وتعنّت وشدة وإمساك ومباعدة وإقصاء، ومخالفة ومنع وقطوب وانقباض ومحقرة إلى أن يبلغ القتل.
واعلموا أني لم أسمّ هذين البابين باب رفق وباب عنف، ولكني سميتهما جميعا بأبي رفق لأن فتح باب المكروه مع باب السرور هو أوشك لإغلاقه حتى لا يبتلى به أحد.(7/44)
واعلموا أنه لا سبيل إلى أن يعظّم الوالي إلا بالإصابة في السياسة، ورأس إصابة السياسة أن يفتح الوالي لمن قبله من الرعية بابين: أحدهما، باب رقّة ورحمة ورأفة وبذل وتحنّن وإلطاف ومواتاة ومواساة وبشر وتهلّل وانبساط وانشراح، والآخر، باب غلظة وخشونة وتعنّت وشدة وإمساك ومباعدة وإقصاء، ومخالفة ومنع وقطوب وانقباض ومحقرة إلى أن يبلغ القتل.
واعلموا أني لم أسمّ هذين البابين باب رفق وباب عنف، ولكني سميتهما جميعا بأبي رفق لأن فتح باب المكروه مع باب السرور هو أوشك لإغلاقه حتى لا يبتلى به أحد.
واعلموا أن في الرعية من الأهواء الغالبة للرّأي، والفجور المستثقل للدين، والسّفلة الحنقة على الوجوه بالنّفاسة والحسد ما لا بدّ معه أن يقرن بباب الرأفة باب الغلظة، وبباب الاستبقاء باب القتل.
واعلموا أن الوالي قد يفسد بعض الرعيّة من حرصه على صلاحها، أو قد يغلظ عليها من شدّة رقّته لها، وقد يقتل منها من حرصه على حياتها.
واعلموا أن قتالكم الأعداء من الأمم قبل قتالكم الأدب من أنفس رعيتكم ليس بحفظ ولكنه إضاعة، وكيف يجاهد العدو بقلوب مختلفة وأيد متعادية؟
وقد علمتم أن الذي بني عليه الناس وجبلت عليه الطّباع حبّ الحياة وبغض الموت، وأن الحرب تباعد من الحياة، وتدني من الموت، فلا دفع ولا منع ولا صبر ولا محاماة مع هذا إلّا بأحد وجهين: إما بنية، والنية ما لا يقدر عليه الوالي عند الناس بعد النية التي تكون في أوّل الدولة، وإما بحسن الأدب وإصابة السياسة.
واعلموا أن بدء ذهاب الدّولة إنما يبدأ من قبل إهمال الرعية بغير أشغال معروفة ولا أعمال معلومة، فإذا فشا الفراغ تولّد منه النظر في الأمور والفكر في الأصول فإذا نظروا في ذلك نظروا فيه بطبائع مختلفة، فتختلف بهم المذاهب، ويتولّد من اختلاف مذاهبهم تعاديهم وتضاغنهم، وهم في ذلك مجتمعون في اختلافهم على بغض الملوك لأن كل صنف منهم إنما يجري إلى فجيعة الملك الذي يملكه، ولكنهم لا يجدون سلما إلى ذلك أوثق من الدين، ولا أكثر أتباعا، وأعزّ امتناعا، ولا أشد على الناس صبرا، ثم يتولد من تعاديهم أن الملك لا يستطيع جمعهم على هوى واحد، فإذا انفرد ببعضهم فهو عدو لبعض.
ثم يتولّد من تعاديهم وعداوتهم للملك كثرتهم، فإنّ من شأن العامّة الاجتماع على الاستثقال للولاة والنّفاسة (1) عليهم، لأن في الرعية المحروم
__________
(1) نفس عليه الشيء نفاسة: لم يره أهلا له، ونفس عليه بخير: حسد. والنفاسة: الحسد.(7/45)
والمضروب والمقام عليه وفيه وفي حميمه الحدود، والداخل عليه بعز الملك الذلّ في نفسه وخاصته، فكل هؤلاء يجري إلى متابعة أعداء الملك، ثم يتولد من كثرتهم أن يجبن الملك على الإقدام عليهم فإن إقدام الملك على جميع الرعية تغرير بملكه ونفسه، ويتولّد من جبن الولاة عن تأديب العامّة تضييع الثّغور التي فيها الأهمّ من ذوي الدّين وذوي البأس لأن الملك إذا سدّ الثغور بخاصّة المناصحين له وخلت به العامة الحاسدة والمعادية، لم يعد بذلك تدريبهم في الحرب وتقويتهم في السلاح، وتعليمهم المكيدة مع البغضة، فهم عند ذلك أقوى عدوّ وأخفره وأخلفه للظفر، ولا بد من استطراد هذا كله إذا ضيّع أوّله.
فمن ألقى منكم الرعية بعدي وهي على حال أقسامها الأربعة التي هي:
أصحاب الدّين والحرب والتدبير والخدمة. من ذلك:
الأساورة صنف، والعبّاد والنّساك وسدنة النيران صنف، والكتّاب والمنجمون والأطباء صنف، والزّرّاع والمهّان والتّجار صنف.
فلا يكوننّ بإصلاح جسده أشدّ اهتماما منه بإحياء تلك الحال، وتفتيش ما يحدث فيها من الدّخلات فلا يكوننّ لانتقاله عن الملك بأجزع منه لانتقال صنف من هذه الأصناف إلى غير مرتبته لأن تنقّل الناس عن مراتبهم سريع في نقل الملك عن ملكه، إما إلى خلع وإما إلى قتل فلا يكونن من شيء من هذه الأشياء بأوحش منه من رأس صار ذنبا، وذنب صار رأسا، أو يد مشغولة أحدثت فراغا، أو كهيم صار ضريرا، أو لئيم مرج.
فإنه يتولد من تنقّل الناس عن حالاتهم أن يلتمس كل امرىء منهم فوق مرتبته، فإذا انتقل عنها أوشك أن يرى أشياء أرفع مما انتقل إليه فيغبط أو ينافس فيه.
وقد علمتم أن من الرعية أقواما هم أقرب الناس إلى الملوك حالا، وفي تنقّل الناس عن حالاتهم مطمعة للذين يلون الملوك في الملك، ومطمعة للذين دون الذين يلون الملوك في تلك الحال، وهذا لقاح بوار الملك.
ومن ألقى منكم الرعية وقد أضيع أول أمرها فألفاها في اختلاف من الدين، واختلاف من المراتب وضياع من العامة، وكانت به على المكاثرة قوة فليكاثر بقوته ضعفهم، وليبادر بالأخذ بأكظامهم قبل أن يبادروا بالأخذ بكظمه، ولا يقولنّ أخاف العسف، فإنما يخاف العسف من يخاف جريرة العسف على نفسه، وأما إذا كان العسف لبعض الرعيّة صلاحا لبقيّتها، وراحة له ولمن بقي معه من الرعية من النّغل والدغل والفساد فلا يكونّن إلى شيء بأسرع منه إلى ذلك، فإنه ليس نفسه يعسف، ولا أهل موافقته يعسف ولكنّما يعسف عدوّه.(7/46)
وقد علمتم أن من الرعية أقواما هم أقرب الناس إلى الملوك حالا، وفي تنقّل الناس عن حالاتهم مطمعة للذين يلون الملوك في الملك، ومطمعة للذين دون الذين يلون الملوك في تلك الحال، وهذا لقاح بوار الملك.
ومن ألقى منكم الرعية وقد أضيع أول أمرها فألفاها في اختلاف من الدين، واختلاف من المراتب وضياع من العامة، وكانت به على المكاثرة قوة فليكاثر بقوته ضعفهم، وليبادر بالأخذ بأكظامهم قبل أن يبادروا بالأخذ بكظمه، ولا يقولنّ أخاف العسف، فإنما يخاف العسف من يخاف جريرة العسف على نفسه، وأما إذا كان العسف لبعض الرعيّة صلاحا لبقيّتها، وراحة له ولمن بقي معه من الرعية من النّغل والدغل والفساد فلا يكونّن إلى شيء بأسرع منه إلى ذلك، فإنه ليس نفسه يعسف، ولا أهل موافقته يعسف ولكنّما يعسف عدوّه.
ومن ألفى منكم الرعية في حال فسادها، ولم ير بنفسه عليها قوّة في صلاحها، فلا يكوننّ لقميص قمل بأسرع خلعا منه لما لبس من ذلك الملك، وليأته البوار، إذا أتاه، وهو غير مذكور بشؤم ولا منوّه به في دناءة. ولا مهتوك به ستر ما في يديه.
واعلموا أن فيكم من يستريح إلى اللهو والدّعة ثم يديم من ذلك ما يورّثه خلقا وعادة فيكون ذلك لقاح جدّ لا لهو فيه، وتعب لا خفض معه، مع الهجنة في الرأي، والفضيحة في الذكر. وقد قال الأولون منا: «لهو رعيّة الصدق بتقريظ الملوك ولهو ملوك الصّدق بالتودّد إلى الرعية».
واعلموا أنه من شاء منكم ألّا يسير بسيرة إلّا قرّظت عليه فعل، ومن شاء منكم بعث العيون على نفسه فأزكاها فلم يكن الناس بعيب نفوسهم بأعلم منهم بعيبه فعل.
ثم إنه ليس منكم ملك إلّا كثير الذكر لمن يلي الأمر بعده.
ومن فساد الرعية نشر أمور ولاة العهود، فإن في ذلك من الفساد أن أوّله دخول عداوة ممضّة بين الملك ووليّ عهده، وليس يتعادى متعاديان بأشدّ من أن يسعى كلّ واحد منهما في قطع سؤل صاحبه، وهكذا الملك ووليّ عهده، لا يسرّ الأرفع أن يعطي الأوضع سؤله في فنائه، ولا يسر هذا الأوضع أن يعطي الآخر سؤله في البقاء، ومتى كان فرح أحدهما في الراحة من صاحبه تدخل في كل واحد وحشة من صاحبه في طعامه وشرابه، ومتى تباينا بالتّهمة يتّخذ كل
واحد أحبّاء وأخدانا وأهلا، ثم يدخل كلّ واحد منهما وغر على أحبّاء صاحبه، ثم تنساق الأمور إلى إهلاك أحدهما لما لا بد له من الفناء، فتفضي الأمور إلى الآخر وهو حنق على جيل من الناس يرى أنه موتور إن لم يحرمهم ويضعهم وينزل بهم التي كانوا يريدونها به، لو ولّوا، فإذا وضع بعض الرعيّة وأسخط بعضا على هذه الجهة تولّد من ذلك ضغن وسخط من الرعية، ثم ترامى ذلك إلى بعض ما أحذر عليكم بعدي.(7/47)
ومن فساد الرعية نشر أمور ولاة العهود، فإن في ذلك من الفساد أن أوّله دخول عداوة ممضّة بين الملك ووليّ عهده، وليس يتعادى متعاديان بأشدّ من أن يسعى كلّ واحد منهما في قطع سؤل صاحبه، وهكذا الملك ووليّ عهده، لا يسرّ الأرفع أن يعطي الأوضع سؤله في فنائه، ولا يسر هذا الأوضع أن يعطي الآخر سؤله في البقاء، ومتى كان فرح أحدهما في الراحة من صاحبه تدخل في كل واحد وحشة من صاحبه في طعامه وشرابه، ومتى تباينا بالتّهمة يتّخذ كل
واحد أحبّاء وأخدانا وأهلا، ثم يدخل كلّ واحد منهما وغر على أحبّاء صاحبه، ثم تنساق الأمور إلى إهلاك أحدهما لما لا بد له من الفناء، فتفضي الأمور إلى الآخر وهو حنق على جيل من الناس يرى أنه موتور إن لم يحرمهم ويضعهم وينزل بهم التي كانوا يريدونها به، لو ولّوا، فإذا وضع بعض الرعيّة وأسخط بعضا على هذه الجهة تولّد من ذلك ضغن وسخط من الرعية، ثم ترامى ذلك إلى بعض ما أحذر عليكم بعدي.
ولكن لينظر الوالي منكم لله تعالى ثم للرعية ثم لنفسه، ثم لينتخب وليّا للعهد من بعده، ثم يكتب اسمه في أربع صحائف فيختمها بخاتمه فيضعها عند أربعة نفر من خيار أهل المملكة، ثم لا يكون منهم في سرّ ولا علانية أمر يستدلّ به على وليّ ذلك العهد، لا في إدناء وتقريب يعرف به، ولا في إقصاء وتنكّب يستراب له، وليتق ذلك في اللّحظة والكلمة، فإذا هلك جمعت تلك الكتب التي عند الرهط الأربعة إلى النسخة التي عند الملك، ففضضن جميعا ثم نوّه بالذي وضع اسمه في جميعهن.
يلقى الملك، إذا لقيه، بحداثة عهده بحال السوقة، فيلبس ذلك الملك، إذا لبسه، على بصر السّوقة وسمعها ورأيها أذنه، فإن في سكر السلطان الذي يناله ما يكتفى به له من سكر ولاية العهد مع سكر الملك، فيصم ويعمى قبل لقاء الملك كصمّ الملوك وعماهم، ثم يلقى الملك فيزيده صمّا وعمى مع ما يلقى في ولاية العهد من بطر السلطان وحيلة العتاة وبغي الكذابين وترفية النّمامين، وتحميل الوشاة بينه وبين من فوقه.
ثم اعلموا أنه ليس للملك أن يكذب لأنه لا يقدر أحد على استكراهه.
وليس له أن يلعب ولا يعبث لأن العبث واللعب من عمل الفراغ، وليس له أن يفرغ لأن الفراغ من عمل السّوقة، وليس له أن يحسد لأن الحسد لا يجب أن يكون إلا على ملوك الأمم على حسن التدبير، وليس له أن يخاف لأن الخوف من المعوز. وليس له أن يتسلط إن هو أعوز.
واعلموا أن زين الملك في استقامة الحال ألا تختلف منه ساعات العمل والمباشرة وساعات الفراغ والدّعة وساعات الركوب والنزهة فإن اختلافها منه خفّة، وليس للملك أن يخفّ.
واعلموا أنكم لن تقدروا على ختم أفواه الناس من الطعن والإزراء عليكم، ولا قدرة بكم على أن تجعلوا القبيح حسنا.(7/48)
واعلموا أن زين الملك في استقامة الحال ألا تختلف منه ساعات العمل والمباشرة وساعات الفراغ والدّعة وساعات الركوب والنزهة فإن اختلافها منه خفّة، وليس للملك أن يخفّ.
واعلموا أنكم لن تقدروا على ختم أفواه الناس من الطعن والإزراء عليكم، ولا قدرة بكم على أن تجعلوا القبيح حسنا.
واعلموا أن لباس الملك ومطعمه مقارب للباس السوقة ومطعمهم، وبالحريّ أن يكون فرحهما بما نالا من ذلك واحدا، وليس فضل الملك على السوقة إلا بقدرته على اقتناء المحامد واستفادة المكارم، فإن الملك إذا شاء أحسن وليس السوقة كذلك.
واعلموا أنه يحقّ على الملك منكم أن يكون ألطف ما يكون نظرا، أعظم ما يكون خطرا، وألا يذهب حسن أثره في الرعية خوفه لها، وألا يستغني بتدبيره اليوم عن تدبير غد، وأن يكون حذره للملاقين أشدّ من حذره للمباعدين وأن يتّقي بطانة السّوء أشدّ من اتقائه عامة السوء. «ولا يطمعنّ ملك في إصلاح العامّة إذا لم يبدأ بتقويم الخاصّة».
واعلموا أن لكل ملك بطانة، وأن لكل رجل من بطانته بطانة، ثم لكل امرىء من بطانة البطانة بطانة، حتى يجتمع في ذلك جميع أهل المملكة، فإذا أقام الملك بطانته على حال الصواب أقام كل امرىء منهم بطانته على مثل ذلك، حتى تجتمع على الصلاح عامّة الرعيّة.
واعلموا أن الملك منكم قد تهون عليه العيوب لأنه لا يستقبل بها، وإن عملها، حتى يرى أن الناس يتكاتمونها بينهم كتكاتمهم إياه تلك العيوب، وهذا من الأبواب الداعية إلى طاعة الهوى، وطاعة الهوى داعية إلى غلبته «فإذا غلب الهوى اشتدّ علاجه من السوقة المغلوبة فضلا عن الملك الغالب».
اتقوا بابا واحدا طالما أمنته فضرّني، وحذرته فنفعني، احذروا إفشاء السّرّ عند الصّغار من أهليكم وخدمكم فإنه لا يصغر أحد منهم عن حمل ذلك السر إلا ضيّع منه شيئا يضعه حيث تكرهون، إما سقطا وإما عبثا، والسّقط أكثر ذلك. اجعلوا حديثكم لأهل المراتب، وحباءكم لأهل الجهاد، وبشركم لأهل الدين، وسركم عند من يلزمه خير ذلك وشره، وزينة وشينة.
واعلموا أن «صحة الظنون مفاتيح اليقين» وأنكم ستستيقنون من بعض رعيتكم بخير وشر، وستظنون ببعضهم خيرا وشرّا، فمن استيقنتم منه الخير والشرّ فليستيقن منكم بهما، ومن ظننتموهما به فليظنّهما بكم في أمره، فعند ذلك يبدو من المحسن إحسانه، فيخالف الظنّ به فيغتبط ومن المسيء إساءته فيصدّق الظنّ به فيندم.(7/49)
اتقوا بابا واحدا طالما أمنته فضرّني، وحذرته فنفعني، احذروا إفشاء السّرّ عند الصّغار من أهليكم وخدمكم فإنه لا يصغر أحد منهم عن حمل ذلك السر إلا ضيّع منه شيئا يضعه حيث تكرهون، إما سقطا وإما عبثا، والسّقط أكثر ذلك. اجعلوا حديثكم لأهل المراتب، وحباءكم لأهل الجهاد، وبشركم لأهل الدين، وسركم عند من يلزمه خير ذلك وشره، وزينة وشينة.
واعلموا أن «صحة الظنون مفاتيح اليقين» وأنكم ستستيقنون من بعض رعيتكم بخير وشر، وستظنون ببعضهم خيرا وشرّا، فمن استيقنتم منه الخير والشرّ فليستيقن منكم بهما، ومن ظننتموهما به فليظنّهما بكم في أمره، فعند ذلك يبدو من المحسن إحسانه، فيخالف الظنّ به فيغتبط ومن المسيء إساءته فيصدّق الظنّ به فيندم.
واعلموا أن للشيطان في ساعات من الدهر طمعا في السلطان عليكم:
منها ساعة الغضب والحرص والزّهو، فلا تكونوا له في شيء من ساعات الدهر أشدّ قتالا منكم عندهن حتى تنقشعن. وكان يقال: «اتّق مقارفة الحريص القادر فإنه إن رآك في القوت رأى منك أخبث حالاتك، وإن رآك في الفضول لم يدعك وفضولك».
استعينوا بالرأي على الهوى فإن ذلك تمليك للرأي على الهوى.
واعلموا أن من شأن الرأي الاستخذاء للهوى، إذا جرى الهوى على عادته، وقد عرفنا رجالا كان الرجل منهم يؤنس من قوّة طباعه ونبالة رأيه ما تريه نفسه أنه على إزاحة الهوى عنه وإن جرى على عادته، ومعاودته الرأي وإن طال به عهده قادر لثقة يجدها بقوّة الرأي، فإذا تمكّن الهوى منه فسخ عزم رأيه، حتى يسمّيه كثير من الناس ناقصا في العقل، فأما البصراء فيستبينون من عقله عند غلبة الهوى عليه ما يستبان من الأرض الطيّبة الموات.
واعلموا أن في الرعية صنفا من الناس هم بإساءة الوالي أفرح منهم بإحسانه وإن كان الوالي لم يترهم (1)، وكان الزمان لم ينكبهم، وذلك لاستطراف حادثات الأخبار فإن استطراف الأخبار معروف من أخلاق حشو الناس، ثم لا طرفة عندهم إلا فيما اشتهر فجمعوا في ذلك سرور كل عدوّ لهم ولعامتهم مع ما وتروا به أنفسهم وولاتهم. فلا دواء لأولئك إلا بالأشغال.
__________
(1) الوتر: الظلم فيه، كالترة والوتيرة، ووتر الرجل: أفزعه وأدركه بمكروه. ووتر ماله: نقصه إياه.
ووتر أهله: قتل أحدهم.(7/50)
وفي الرعية صنف وتروا الناس كلّهم، وهم الذين قووا على جفوة الولاة، ومن قوي على جفوتهم فهو غير سادّ ثغرا، ولا مناصح إماما، ومن غش الإمام فقد غش الناس طرّا وإن ظن أنه للعامة مناصح، وكان يقال: «من لم ينصح عملا من غش عامله».
وفي الرعية صنف تركوا إتيان الملوك من قبل أبوابهم وأتوهم من قبل وزرائهم، فليعلم الملك منكم أنه من أتاه من قبل بابه فقد آثره بنصيحة إن كانت عنده، ومن أتاه من قبل وزرائه فهو مؤثر للوزير على الملك في جميع ما يقول ويفعل.
وفي الرعية صنف دعوا إلى أنفسهم الجاه بالأياء والردّ له ووجدوا ذلك عند المغفلين نافقا، وربما قرّب الملك الرجل من أولئك لغير نبل في رأي، ولا إجزاء في العمل، ولكن الأياء والرّدّ أغرباه.
وفي الرعية صنف أظهروا التواضع واستشعروا الكبار، فالرجل منهم يعظ الملوك زاريا عليهم بالموعظة، يعتد ذلك تقرّبا إليهم، ويتّخذ ذلك أسهل طريقي طعنه عليهم: ويسمّي ذلك هو وكثير ممن معه تحرّيا للدين فإن أراد الملك هوانهم لم يعرف لهم ذنبا يهانون عليه، وإن أراد إكرامهم فهي منزلة حبوا بها أنفسهم على رغم الملوك، وإن أراد إسكاتهم كان السماع ذلك أنه استثقل ما عندهم من حفظ الدين، وإن أمروا بالكلام قالوا: إنما نفسد ولا نصلح، فأولئك أعداء الدول وآفات الملوك: فالرأي للملوك تقريبهم من الدنيا، فإنهم إليها أجروا، وفيها عملوا ولها سعوا، وإياها أرادوا، فإذا تلوثوا بها بدت فضائحهم، وإن امتنعوا مما في أيدي الملوك فإن فيما يحدثون ما يجعل للملوك سلّما إلى سفك دمائهم. وكان بعض الملوك يقول: «القتل أقل للقتل» (1).
وفي الرعية صنف أتوا الملوك من قبل النصائح لهم، والتمسوا إصلاح منازلهم بإفساد منازل الناس، فأولئك أعداء الناس، وأعداء الملوك «ومن عادى الملوك وجميع الناس والرعية فقد عادى نفسه».
__________
(1) في المثل: «القتل أنفى للقتل» انظر مجمع الأمثال 1/ 185.(7/51)
واعلموا أن الدهر حاملكم على طبقات: منهنّ حال السخاء حتى تدنو من السرف، ومنهنّ حال التقدير حتى تقرب من البخل، ومنهنّ حال الأناة حتى تصير إلى البلادة، ومنهن حال المناهزة للفرصة حتى تدنوا من الخفّة، ومنهن حال الطلاقة في اللسان حتى تدنو من الهذر، ومنهن حال الأخذ بحكم الصّمت حتى تدنوا من العيّ. فالملك منكم جدير أن يبلغ من كل طبقة في محاسنها حدّها فإذا وقف على الحدود التي وراءها سرف ألجم نفسه عما وراءها.
واعلموا أن الملك منكم ستعرض له شهوات من غير ساعاتها، والملك إذا قدّر ساعة العمل، وساعة الفراغ، وساعة المشرب، وساعة المطعم، وساعة الفضلة، وساعة اللهو، كان جديرا ألّا يعرف منه الاستقدام بالأمور ولا الاستئخار بها عن ساعاتها، فإن اختلاف ذلك يورث مضرّتين:
إحداهما، السّخف، وهي أشد الأمرين، والأخرى، نقض الجسد بنقض أقواته وحركاته.
واعلموا أن من ملوككم من سيقول: لي الفضل على من كان من قبلي من آبائي وعمومتي ومن ورثت عنه هذا الأمر لبعض الإحسان يكون منه، فإذا قال ذلك سوعد عليه بالمتابعة له، فليعلم ذلك الملك أنه والمتابعين له إنما وضعوا أيديهم وألسنتهم في قصب آبائه من الملوك وهم لا يشعرون، وبالحريّ أن يشعر بعض المتابعين له فيغمض على ما لا يحزنه من ذلك.
واعلموا أن ابن الملك وأخاه وابن أخيه وعمّه وابن عمه يقول: كدت أكون ملكا، وبالحريّ ألّا أموت حتى أكون ملكا، فإذا قال ذلك قال ما لا يسرّ الملك، فإن كتمه «فالداء في كل مكتوم» وإن أظهره كلم ذلك في قلب الملك كلما يكون لقاحا للتباين والتعادي، وسيجد ذلك القائل، من المتابعين والمحتملين والمنمنمين ما تمنى لنفسه ما يزيده إلى ما اشتاق إليه شوقا، فإذا تمكّن في صدره الأمل لم يرج النّيل إلا في اضطراب من الحيل وزعزعة تدخل على الملك وأهل المملكة، فإذا تمنّى ذلك فقد جعل الفساد سلّما إلى الصلاح، ولم يكن الفساد سلّما إلى صلاح قط:
وقد رسمت لكم في ذلك مثالا لا مخرج لكم من هذا إلّا به.
اجعلوا الملك لا ينبغي إلا لأبناء الملوك من بنات عمومتهم، ولا يصلح من أولاد بنات العمّ إلّا كامل غير سخيف العقل، ولا عازب الرأي، ولا ناقص الجوارح، ولا معتوب عليه في الدين فإنكم إذا فعلتم ذلك قلّ طلّاب الملك، وإذا قل طلّابه استراح كل امرىء إلى ما يليه، ونزع إلى جديلته، وعرف حاله، وغضّ بصره، ورضي بمعيشته، واستطاب زمانه.(7/52)
وقد رسمت لكم في ذلك مثالا لا مخرج لكم من هذا إلّا به.
اجعلوا الملك لا ينبغي إلا لأبناء الملوك من بنات عمومتهم، ولا يصلح من أولاد بنات العمّ إلّا كامل غير سخيف العقل، ولا عازب الرأي، ولا ناقص الجوارح، ولا معتوب عليه في الدين فإنكم إذا فعلتم ذلك قلّ طلّاب الملك، وإذا قل طلّابه استراح كل امرىء إلى ما يليه، ونزع إلى جديلته، وعرف حاله، وغضّ بصره، ورضي بمعيشته، واستطاب زمانه.
واعلموا أنه سيقول قائل من عرض رعيّتكم أو من ذوي قرابتكم: ما لأحد عليّ فضل لو كان لي ملك، فإذا قال ذلك فقد تمنّى الملك وهو لا يشعر، ويوشك أن يتمناه بعد ذلك وهو يشعر، فلا يرى ذلك من رأيه خطلا، ولا من فعله زللا، وإنما يستخرج ذلك فراغ القلب واللسان مما يكلّف أهل الدين والكتّاب والحسّاب، أو فراغ اليد مما يكلّف الأساورة، أو فراغ البدن مما يكلّف التّجّار والمهنة والخدم.
واعلموا أنا على فضل قوّتنا، وإجابة الأمور إيانا، وجدّة دولتنا، وشدة بأس أنصارنا، وحسن نيّة وزرائنا لم نستطع إحكام تفتيش الناس حتى بلغنا من الرعيّة مكروهها، ومن أنفسنا مجهودها.
واعلموا أن الملك ورعيته جميعا يحقّ عليهم ألّا يكون للفراغ عندهم موضع «فإن التضييع في فراغ الملك، وفساد المملكة في فراغ الرعية».
واعلموا أنه لا بدّ من سخط سيحدث منكم على بعض إخوانكم المعروفين بالنصحية لكم، ولا بدّ من رضى سيحدث لكم على بعض أعدائكم المعروفين بالغش لكم، فلا تحدثوا عندما يكون من ذلك، انقباضا عن المعروف بالنصيحة، ولا استرسالا إلى المعروف بالغش.
وقد خلّفت لكم رأيي إذ لم أستطع تخليف بدني، وقد حبوتكم بما حبوت به نفسي، وقضيت حقكم فيما آسيتكم به من رأيي، فاقضوا حقّي بالتشفيع لي في صلاح أنفسكم والتمسّك بعهدي إليكم، فإني قد عهدت إليكم عهدي وفيه صلاح جميع ملوككم وعامتكم وخاصتكم، ولن تضيعوا ما احتفظتم بما رسمت لكم ما لم تضعوا غيره، فإذا تمسكتم به كان علامة في بقائكم ما بقي الدهر.
ولولا اليقين بالبوار النازل على رأس الألف من السنين لظننت أني قد خلّفت فيكم ما إن تمسكتم به كان علامة في بقائكم ما بقي الدهر، ولكن الفناء إذا جاءت أيامه أطعتم أهواءكم، واستثقلتم ولاتكم، وأمنتم، وتنقّلتم عن مراتبكم، وعصيتم خياركم، وكان أصغر ما تخطئون فيه سلّما إلى أكبر منه حتى تفتقوا ما رتقنا، وتضيّعوا ما حفظنا.(7/53)
وقد خلّفت لكم رأيي إذ لم أستطع تخليف بدني، وقد حبوتكم بما حبوت به نفسي، وقضيت حقكم فيما آسيتكم به من رأيي، فاقضوا حقّي بالتشفيع لي في صلاح أنفسكم والتمسّك بعهدي إليكم، فإني قد عهدت إليكم عهدي وفيه صلاح جميع ملوككم وعامتكم وخاصتكم، ولن تضيعوا ما احتفظتم بما رسمت لكم ما لم تضعوا غيره، فإذا تمسكتم به كان علامة في بقائكم ما بقي الدهر.
ولولا اليقين بالبوار النازل على رأس الألف من السنين لظننت أني قد خلّفت فيكم ما إن تمسكتم به كان علامة في بقائكم ما بقي الدهر، ولكن الفناء إذا جاءت أيامه أطعتم أهواءكم، واستثقلتم ولاتكم، وأمنتم، وتنقّلتم عن مراتبكم، وعصيتم خياركم، وكان أصغر ما تخطئون فيه سلّما إلى أكبر منه حتى تفتقوا ما رتقنا، وتضيّعوا ما حفظنا.
والحقّ علينا وعليكم ألا تكونوا للبوار أغراضا، وفي الشؤم أعلاما، فإن الدهر إذا أتى بالذي تنتظرون اكتفى بوحدته.
ونحن ندعوا الله تعالى لكم بنماء المنزلة، وبقاء الدولة، دعوة لا يفنيها فناء قائلها، ولا يميتها موت داعيها حتى المنقلب، ونسأل الله الذي عجّل بنا وأخّركم، وقدّمنا وخلّفكم، أن يرعاكم رعاية يرعى بها من تحت أيديكم، وأن يرفعكم رفعة يضع بها من عاداكم، وأن يكرمكم كرامة يهين بها من ناوأكم، ونستودعكم الله العظيم وديعة يكفيكم بها الدهر الذي يسلمكم إلى وباله وغيره وعثراته وغدراته والسلام على أهل الموافقة ممن يأتي عليه العهد من الأمم الكائنة بعدي.(7/54)
ونحن ندعوا الله تعالى لكم بنماء المنزلة، وبقاء الدولة، دعوة لا يفنيها فناء قائلها، ولا يميتها موت داعيها حتى المنقلب، ونسأل الله الذي عجّل بنا وأخّركم، وقدّمنا وخلّفكم، أن يرعاكم رعاية يرعى بها من تحت أيديكم، وأن يرفعكم رفعة يضع بها من عاداكم، وأن يكرمكم كرامة يهين بها من ناوأكم، ونستودعكم الله العظيم وديعة يكفيكم بها الدهر الذي يسلمكم إلى وباله وغيره وعثراته وغدراته والسلام على أهل الموافقة ممن يأتي عليه العهد من الأمم الكائنة بعدي.
الباب الرابع مواعظ ونكت للزهّاد
قال عمر بن عبد العزيز لبعضهم: «إنّي أخاف الله مما دخلت فيه» (1).
قال: لست أخاف عليك أن تخاف، إنما أخاف عليك إلّا تخاف.
قال بعضهم: لا تجعل بينك وبين الله منعما، وعدّ النّعم منه عليك مغرما.
دخل سالم بن عبد الله على هشام في البيت فقال له هشام: سل حاجتك، قال: «أكره أن أسأل في بيت الله غير الله».
وقيل لرابعة القيسيّة (2): لو كلّمت أهلك أن يشتروا لك خادما يكفيك مؤونة بيتك! فقالت: «إني لأستحي أن أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟».
قال بكر بن عبد الله: «أطفئوا نار الغضب بذكر نار جهنم».
ولما خبّر أبو حازم سليمان بن عبد الملك بوعيد الله للمذنبين، قال: فأين رحمة الله؟ قال: {قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: الآية 56].
كان بلال بن سعد يقول: «زاهدكم راغب، ومجتهدكم مقصّر، وعالمكم جاهل، وجاهلكم مغتر».
وقال عامر بن عبد قيس: «الدنيا والدة للموت، ناقضة للمبرم، مرتجعة للعطية، وكلّ من فيها يجري إلى ما لا يدري، وكلّ مستقرّ فيها غير راض بها، وذلك شهيد على أنها ليست بدار قرار».
__________
(1) في البيان والتبيين 1/ 211: إني أخاف الله فيما تقلدت.
(2) هي رابعة بنت إسماعيل العدوية القيسية البصرية، الزاهدة المتعبدة، المتوفية سنة 135هـ، تقدمت ترجمتها.(7/55)
باع عبد الله بن عتبة بن مسعود أرضا له بثمانين ألفا فقيل له: لو اتخذت لولدك ذخرا من هذا المال! قال: أنا أجعل هذا المال ذخرا لي، وأجعل الله ذخرا لولدي.
رأى إياس بن قتادة العبشمي شيبة في لحيته فقال: «أرى الموت يطلبني، وأراني لا أفوته، أعوذ بك من فجاءة الأمور. يا بني سعد قد وهبت لكم شبابي فهبوا لي شيبتي» ولزم بيته فقال له أهله: تموت هزلا، قال: «لأن أموت مؤمنا مهزولا أحب إليّ من أن أموت منافقا سمينا».
قال بكر بن عبد الله: وما الدنيا؟ أما ما مضى منها فحلم، وما بقي منها فأماني.
قال مورّق: خير من العجب بالطاعة ألّا تأتي بطاعة.
وقال: ضاحك معترف بذنبه خير من باك مدلّ على ربه.
وقال بكر بن عبد الله: اجتهدوا في العمل فإن قصر بكم ضعف فكفّوا عن المعاصي.
قال: أوحى الله إلى الدنيا من خدمني فاخدميه، ومن خدمك فاستخدميه.
قيل لرابعة: هل عملت عملا ترين أنه يقبل منك؟ قالت: إن كان شيء فخوفي أن يردّ عليّ.
قيل لرجل مريض: كيف تجدك؟ قال: لم أرض حياتي لموتي.
نظر حبيب يوما إلى مالك بن دينار وهو يقسم صدقة له علانية فقال له:
يا أخي إذا ركزت كنزا فاستره.
دخل الأوزاعيّ على المهديّ فقال له: إن الله قد أتاك فضيلة الدنيا، وكفاك طلبها فاطلب فضيلة الآخرة فقد فرّغك لها.
قال عمرو بن عبيد للمنصور: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها، وإن هذا الذي أصبح بيدك لو بقي في يد من كان قبلك لم يصر إليك، فاحذر ليلة تمخّض بيوم هو آخر عمرك، قال: فبكى المنصور، وقال
له: سل حاجة، قال: نعم، يا أمير المؤمنين، لا تعطني حتى أسألك، ولا تدعني حتى أجيئك.(7/56)
قال عمرو بن عبيد للمنصور: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها، وإن هذا الذي أصبح بيدك لو بقي في يد من كان قبلك لم يصر إليك، فاحذر ليلة تمخّض بيوم هو آخر عمرك، قال: فبكى المنصور، وقال
له: سل حاجة، قال: نعم، يا أمير المؤمنين، لا تعطني حتى أسألك، ولا تدعني حتى أجيئك.
قيل: ليس من قدر الدنيا أن تعطي أحدا ما يستحقّه، إما أن تزيده وإما أن تنقصه.
قيل لخالد بن صفوان: من أبلغ الناس؟ قال: الحسن لقوله: فضح الموت الدنيا.
وقيل لزاهد: كيف سخت نفسك عن الدنيا؟ قال: أيقنت أنّي خارج منها كارها فأحببت أن أخرج منها طوعا.
سمع بعضهم سائلا يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون فيما عند الله فقال: اقلب وضع يدك على من شئت.
قيل لأبي حازم: كيف الناس يوم القيامة؟ فقال: أما العاصي فآبق قدم به على مولاه، وأما المطيع فغائب قدم على أهله.
ومرّ إبراهيم بن أدهم بباب المنصور فنظر إلى السّلاح والحرس فقال:
المريب خائف.
قيل لراهب: ما أصبرك على الوحدة؟ فقال: أنا جليس ربي إذا شئت أن يناجيني قرأت كتابه، وإن شئت أن أناجيه صلّيت.
كان يقال: «خف الله لقدرته عليك، واستحي منه لقربه منك».
قالوا: «احذر أن يصيبك ما أصاب من ظلمك».
قال الرشيد: للفضيل بن عياض (1): ما أزهدك! قال الفضيل: أنت أزهد مني لأنّي زهدت في الدنيا وهي فانية، وزهدت أنت في الآخرة وهي باقية.
قال الفضيل: يا رب إني لأستحي أن أقول: توكلت عليك، لو توكلت عليك لما خفت ولا رجوت غيرك.
__________
(1) هو الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر. التميمي الخراساني، توفي سنة 187هـ. (انظر ترجمته في: حلية الأولياء 8/ 84، الطبقات الكبرى للشعراني 1/ 79، الرسالة القشيرية 11، شذرات الذهب 1/ 316، البداية والنهاية 1/ 198، طبقات الصوفية 6).(7/57)
قال بعضهم: من اكتسب غير قوته فهو خازن غيره.
عوتب بعضهم على كثرة الصدقة فقال: لو أراد رجل أن ينتقل من دار إلى دار ما ترك في الأولى شيئا.
بعث ملك إلى عابد: ما لك لا تخدمني وأنت عبدي. فقال: لو اعتبرت لعلمت أنك عبد لعبدي لأني أملك الهوى، فهو عبدي، وأنت تتبع الهوى فأنت عبده.
حكيم: أمسك ماض، ويومك منتقل، وغدك متّهم.
قال أبو حازم: إنما بيني وبين الملوك يوم واحد أما أمس فلا يجدون لذّته، ولا أجد شدته، وأما غد فإني وإيّاهم منه على خطر، وإنما هو اليوم فما عسى أن يكون؟
دخل متظلّم على سليمان بن عبد الملك فقال: اذكر يا أمير المؤمنين يوم الأذان، فقال: وما يوم الأذان؟ قال اليوم الذي قال الله فيه: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللََّهِ عَلَى الظََّالِمِينَ} [الأعراف: الآية 44]. فبكى سليمان، وأزال ظلامته.
سئل الفضل (1) عن الزهد قال: هو الحرفان في كتاب الله {لِكَيْلََا تَأْسَوْا عَلى ََ مََا فََاتَكُمْ وَلََا تَفْرَحُوا بِمََا آتََاكُمْ} [الحديد: الآية 23].
كتب محبوس إلى الرشيد إنه ما مرّ يوم من نعيمك إلا مرّ يوم من بؤسى والأمر قريب والسلام.
قيل لبعضهم: ما الخبر؟ قال: طاب الخبر {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى ََ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: الآية 54].
وقيل: المحسن في معاده كالغائب يقدم على أهله مسرورا، والمسيء:
كالآبق يردّ إلى أهله مأسورا.
وقف أعرابيّ على قبر هشام، وخادم له يقول: ما لقينا بعدك! فقال: إيها عليك، أما إنّه لو نشر لأخبرك أنه لقي أشدّ مما لقيتم.
__________
(1) هو الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي، أبو عيسى، واعظ من أهل البصرة، وهو رئيس طائفة، من المعتزلة تنسب إليه، توفي سنة 140هـ (الأعلام 5/ 151).(7/58)
كتب طاوس (1) إلى مكحول (2): أما بعد، فإنك قد أصبت بما ظهر علمك عند الناس منزلة وشرفا، فالتمس بما بطن من عملك عند الله منزلة وزلفى، واعلم أن إحدى المنزلتين ستزيد الأخرى والسلام.
قال ابن المعتمر (3): الناس ثلاثة أصناف: أغنياء، وفقراء، وأوساط، فالفقراء موتى إلّا من أغناه الله بعزّ القناعة، والأغنياء سكارى إلّا من عصمه الله بتوقّع الغير، وأكثر الخير مع أكثر الأوساط، وأكثر الراحة مع الفقراء، والأغنياء تستخفّ بالفقر من بطر الغني.
قيل لحاتم: علام بنيت أمرك؟ قال: على أربع خصال: علمت أنّ رزقي لا يأكله غيري فلم أهتمّ به، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا مبادره، وعلمت أني بعين الله في كل حال فاستحييت منه.
قال بعض السلف: أنت في طلب الدنيا مع الحاجة إليها معذور، وأنت في طلبها مع الاستغناء عنها مغرور.
دخل سفيان الثوريّ على المهديّ وهو بمكة فقال له: حدثنا أبو عمران أيمن بن نابل عن قدامة بن عبد الله الكلابيّ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة يوم النحر: «لا ضرب، ولا طرد، ولا إليك إليك» فقد رأيت الناس يضربون بين يديك. وجاء عن عمر بن الخطاب أنه أنفق في حجّة حجّها بضعة عشر دينارا وقال: ما أحسب هذا إلّا سرفا في أموال المسلمين، وما أراك
__________
(1) هو طاوس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن، من أكابر التابعين، تفقها بالحديث وجرأة على وعظ الخلفاء، توفي سنة 106هـ (انظر: حلية الأولياء 4/ 4).
(2) مكحول الدمشقي: هو الحافظ أبو عبد الله مكحول بن عبد الله الشامي الفقيه، عالم دمشق، أصله من سبي كابل، توفي سنة 116هـ، صنّف: «كتاب السنن في الحديث»، «كتاب المسائل في الفقه». (كشف الظنون 6/ 470، وانظر ترجمته أيضا في: تذكرة الحفاظ 1/ 101، حلية الأولياء 5/ 177، المعارف لابن قتيبة ص 452، الكواكب الدرية 1/ 303، البداية والنهاية 9/ 305).
(3) هو منصور بن المعتمر بن عبد الله السلمي، أبو عتاب الكوفي الحافظ، كان أثبت أهل الكوفة في الحديث، توفي سنة 132هـ (صفة الصفوة 3/ 62، الأعلام 7/ 305).(7/59)
تدري كم أنفقت؟ فقال له المهديّ: لو كان المنصور حيّا ما احتمل هذا الكلام منك، فقال سفيان: لو كان المنصور حيّا ثم أخبرك بما لقي ما تقاربك مجلسك.
نظر بعضهم إلى رجل يفحش فقال له: يا هذا إنك إنما تملي على حافظيك كتابا إلى ربك، فانظر ما تقول.
قيل لبعضهم: ولي فلان ولاية، فلو أتيته! فقال: والله ما فرحت له فأهنّيه، ولا ساءته فأعزّيه.
قال إبراهيم النخعيّ (1): كم بينكم وبين أقوام أقبلت الدنيا عليهم فهربوا منها، وأدبرت عنكم فتبعتموها؟
قال أبو حازم: إذا تتابعت عليك نعم ربّك وأنت تعصيه فاحذره.
وقال له سليمان بن عبد الملك: عظني، قال: عظّم ربّك أن يراك حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك.
قال مطرّف (2): لأن يسألني ربي ألا فعلت؟ أحبّ إليّ من أن يسألني لم فعلت؟
قيل لحكيم: صف لنا الدنيا وأوجز، قال: ضحكة مستعبر.
قال آخر لبعض الصالحين بالبصرة: أنا خارج إلى بغداد فهل لك من حاجة؟ قال ما أحبّ أن أبسط أملي حتى تذهب إلى بغداد وتجيء.
قيل للعتّابيّ (3): إن فلانا بعيد الهمّة، قال: إذن لا يقنع بدون الجنة.
وقيل له: إن فلانا بعيد الهمّة عالم، قال: إذن لا يفرح بالدنيا.
__________
(1) هو إبراهيم بن يزيد النخعي، الزاهد، توفي سنة 95هـ (انظر ترجمته في: البداية والنهاية 9/ 151، الكواكب الدرية 1/ 150، تهذيب التهذيب 1/ 177، حلية الأولياء 4/ 219).
(2) مطرف: هو مطرف بن عبد الله بن الشخير، الناسك، المتعبد، توفي سنة 195هـ (انظر ترجمته في: البداية والنهاية 9/ 23، 77، 78، 152، الطبقات الكبرى لابن سعد 7/ 103، الكواكب الدرية 1/ 299، حلية الأولياء 2/ 198).
(3) العتابي: هو كلثوم بن عمرو بن أيوب العتابي التغلبي، أبو عمرو، شاعر، مدح الرشيد ورمي بالزندقة، توفي سنة 104هـ (الأعلام 5/ 231).(7/60)
كان وهب بن منبّه (1) يقول: «مثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له ضرّتان إن أرضى إحداهما أسخط الأخرى».
وقف رجل على قبر بعض الجبابرة فقال: أيّها الجبار، كم من نفس قتلتها طلبا للراحة منها أصبحت اليوم وهي أكثر شغلك.
قال الفضل الرقاشي: إنا والله ما نعلّمكم ما تجهلون ولكنا نذكّركم ما تعلمون.
كان الفضيل، وهو يعظ ابنه عليّا، كثير الزهد ويقول: يا بنيّ ارفق بنفسك.
وكان يوما خلف الإمام يصلي، وقرأ سورة الرحمن، فجعل يتلو إلى قوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورََاتٌ فِي الْخِيََامِ} (72) [الرّحمن: الآية 72] فلما سلّم الإمام سمع أباه ينادي: يا عليّ، أما سمعت ما قرأ الإمام؟ فيقول ابنه: يا أبة شغلني ما كان قبلها {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمََاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوََاصِي وَالْأَقْدََامِ} (41) [الرّحمن: الآية 41].
قيل لابن عيينة: إن فلانا ينتقصك. فقال: نطيع الله فيه على قدر ما عصى الله فينا.
قيل لبعضهم: ما مثل الدنيا؟ قال: هي أقلّ من أن يكون لها مثل.
عوتب سهل بن عبد الله على كثرة الصدقة فقال: لو أراد الرجل أن ينتقل من دار إلى دار أكان يترك في الأولى شيئا؟ لا والله.
دخل لصّ على بعض الزهّاد فلم ير في داره شيئا. فقال: يا هذا أين متاعك؟ قال: حوّلته إلى دار أخرى.
قيل للربيع بن خثيم (2): يا ربيع، أنا ما رأيتك تذمّ أحدا، قال: ويلك! ما أنا عن نفسي راض فأتحول من ذمّي إلى ذمّ الناس إن الناس خافوا الله على ذنوب العباد وأمنوه على ذنوبهم.
__________
(1) هو وهب بن منبه الصنعاني، أبو عبد الله المؤرخ، عالم بأساطير الأولين والإسرائيليات، توفي سنة 114هـ (الأعلام 8/ 125).
(2) الربيع بن خثيم: أبو يزيد الثوري الكوفي، أحد أصحاب عبد الله بن مسعود، توفي سنة 63هـ.
(انظر ترجمته في البداية والنهاية 8/ 224، تهذيب الكمال 6/ 130، كتاب الثقات لابن حبان 4/ 224، تهذيب التهذيب 3/ 210، كتاب المعارف لابن قتيبة ص 497).(7/61)
قال عيسى بن موسى، وهو أمير الكوفة لأبي شيبة قاضي الرّيّ: لم لا تغشانا فيمن يغشانا؟ قال: لأني إن جئتك فقرّبتني فتنتني، وإن أقصيتني حزنتني وليس عندي ما أخافك عليه، ولا عندك ما أرجوك له.
قال بعض الزّهاد: تأمّل ذا الغنى، ما أدوم نصبه، وأقلّ راحته، وأخسّ من ماله حظّه، وأشدّ من الأيام حذره، ثم هو بين سلطان يهتضمه، وعدوّ يبغي عليه، وحقوق تلزمه، وأكفاء يسوءونه، وولد يودّ فراقه، قد بعث عليه الغنى من سلطانه العنت، ومن أكفائه الحسد، ومن أعدائه البغي، ومن ذوي الحقوق الذمّ، ومن الولد الملامة!!.
قال سفيان: يا ابن آدم، إنّ جوارحك سلاح الله عليك بأيّها شاء قتلك.
قال بعضهم: رأيت صوفيّا في البادية فقلت له: أين الزاد؟ قدّمته إلى المعاد.
قال بعضهم: ما تبالي حسّنت جورا أو دخلت فيه، وقبّحت عدلا أو خرجت منه؟
قال ميمون بن هارون في قوله تعالى: {وَلََا تَحْسَبَنَّ اللََّهَ غََافِلًا عَمََّا يَعْمَلُ الظََّالِمُونَ} [إبراهيم: الآية 42] تعزية للمظلوم ووعيد للظالم.
دخل عبد الوارث بن سعيد على رجل يعوده فقال: كيف أنت؟ قال: ما نمت منذ أربعين ليلة، فقال: يا هذا، أحصيت أيام البلاء، فهل أحصيت أيام الرخاء؟
قال آخر: العجب لمن يغترّ بالدنيا، وإنما هي عقوبة ذنب.
قال ابن السّماك: «خف الله حتى كأنك لم تطعه، وارج الله كأنك لم تعصه».
قال آخر: العالم طبيب هذه الأمّة والدنيا داؤها، فإذا كان الطبيب يطلب الداء فمتى يبرىء غيره؟
دخل قوم منزل عابد فلم يجدوا شيئا يقعدون عليه، فما خرجوا قال: لو كانت الدنيا دار مقام لاتّخذنا لهم أثاثا.
قال بعض الزّهاد: قد أعياني أن أنزل على رجل يعلم أني لست آكل من رزقه شيئا.(7/62)
دخل قوم منزل عابد فلم يجدوا شيئا يقعدون عليه، فما خرجوا قال: لو كانت الدنيا دار مقام لاتّخذنا لهم أثاثا.
قال بعض الزّهاد: قد أعياني أن أنزل على رجل يعلم أني لست آكل من رزقه شيئا.
قال آخر: يا ابن آدم، ما لك تأسف على مفقود لا يردّه عليك الفوت، وتفرح بموجود لا يتركه في يدك الموت.
قال إبراهيم بن أدهم (1): نحن نسل من نسل الجنة سبانا إبليس منها بالمعصية، وحقيق على المسبيّ ألا يهنأ بعيشه حتى يرجع إلى وطنه.
قيل لمحمد بن واسع: فلان زاهد فقال: وما قدر الدنيا حتى يحمد من يزهد فيها؟
كتب زاهد إلى آخر: صف لي الدنيا والآخرة. فكتب إليه: «الدّنيا حلم، والآخرة يقظة، والمتوسط بينهما الموت، ونحن في أضغاث ننقل إلى أجداث».
قيل لآخر: ما لك تدمن المشي على العصا، ولست بكبير ولا مريض؟
قال: لأعلم أني مسافر، وأنها دار قلعة، فإن العصا من آلة السفر.
قيل لآخر: أتعبت نفسك، قال: راحتها أطلب.
كتب آخر إلى عابد: بلغني تفرّغك للعبادة فما سبب المعاش؟ فكتب إليه: يا بطّال يبلغك عنّي أني منقطع إلى الله وتسألني عن المعاش؟
قال الرشيد لابن السمّاك: عظني وأوجز. فقال: اعلم أنك أول خليفة يموت.
قيل لأبي حازم: ما مالك؟ قال: شيئان لا عدم لي معهما: الرضى عن الله، والغنى عن الناس.
شتم رجل زاهدا، فقال له: هي صحيفتك أمل فيها ما شئت.
قال سفيان: إذا أردت أن تعرف الدنيا فانظر عند من هي.
وقال غيره: «كل شيء فاتك من الدنيا فهو غنيمة».
وقال معدان: اعمل للدّنيا على قدر مكثك فيها، وللآخرة كذاك.
__________
(1) إبراهيم بن أدهم بن منصور التميمي البلخي، أبو إسحق، زاهد مشهور عالم، له أخبار كثيرة، توفي سنة 161هـ (الأعلام 1/ 31، البداية والنهاية 10/ 135، حلية الأولياء 7/ 367).(7/63)
مرّ عبد الله بن المبارك (1) برجل واقف بين مقبرة ومزبلة فقال: يا رجل، إنك بين كنزين: كنز الأموال، وكنز الرجال.
دخل الإسكندر مدينة فتحها، فسأل عن أولاد الملوك بها، فقال أهلها:
بقي رجل منهم يسكن المقابر، فدعا به فأتاه، فقال له: ما دعاك إلى لزوم المقابر؟ قال: أحببت أن أميّز بين عظام ملوكهم وعظام عبيدهم، فوجدتهما سواء، فقال له الإسكندر: هل لك أن تتبعني فأحيي شرفك وشرف آبائك إن كانت لك همّة؟ فقال: همّتي عظيمة، فقال: وما هي؟ قال: حياة لا موت معها وشباب لا هرم معه، وغنى لا فقر معه، وسرور لا مكروه فيه، قال: ليس عندي هذا، قال: فدعني ألتمسه ممن هو عنده.
قال مطرّف: إني لأستلقي بالليل على فراشي فأتدبر القرآن كلّه، فأعرض نفسي على أعمال أهل الجنة فأرى أعمالهم شديدة {كََانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مََا يَهْجَعُونَ} (17) [الذّاريات: الآية 17]. {يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيََاماً} [الفرقان:
الآية 64]. {أَمَّنْ هُوَ قََانِتٌ آنََاءَ اللَّيْلِ سََاجِداً وَقََائِماً} [الزّمر: الآية 9]. {تَتَجََافى ََ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضََاجِعِ} [السّجدة: الآية 16]. فلا أرى صفتي فيهم. ثم أعرض نفسي على أعمال أهل النار {مََا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} (42) [المدّثّر: الآية 42].
{وَأَمََّا إِنْ كََانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضََّالِّينَ} (92) [الواقعة: الآية 92] فلا أراني فيهم. ثم أمرّ بهذه الآية {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التّوبة: الآية 102] فأرجو أن أكون أنا وأنتم يا إخواننا منهم.
قال يحيى بن معاذ (2): الوعد حق الخلق على الله، فهو أحقّ من وفى، والوعيد حقه على الخلق، فهو أحق من عفا.
__________
(1) هو عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، أبو عبد الرحمن المروزي، تركي الأب، الخوارزمي، نزيل بغداد، ولد سنة 118هـ، وتوفي بهيت سنة 181، من تصانيفه: «أربعين في الحديث»، «تفسير القرآن»، «الدقائق في الرقائق»، «رقاع الفتاوى»، «كتاب البر والصلة»، «كتاب التاريخ»، «كتاب الجهاد»، «كتاب الزهد»، «كتاب السنن في الفقه». (كشف الظنون 5/ 438، وانظر ترجمته أيضا في: كتاب الوفيات ص 143، شذرات الذهب 1/ 295، حلية الأولياء 8/ 162، البداية والنهاية 10/ 188186).
(2) هو يحيى بن معاذ بن جعفر الرازي، الواعظ، كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، خرج إلى بلخ وأقام فيها مدة، ثم رجع إلى نيسابور، وتوفي بها سنة 258هـ (انظر ترجمته في: البداية(7/64)
مات ابن لعمر بن ذرّ فقال: أي بنيّ شغلني الحزن لك عن الحزن عليك.
وقالوا: من هوان الدنيا على الله ألّا يعصى إلّا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بتركها.
قال عبد الله بن شدّاد: أرى دواعي الموت لا تقلع، وأرى من مضى لا يرجع، لا تزهدوا في معروف فإن الدهر ذو صروف، كم من راغب قد كان مرغوبا إليه، وطالب أصبح مطلوبا إليه، والزمان ذو ألوان، من يصحب الزمان ير الهوان، وإن غلبت يوما على المال، فلا تغلبنّ على الحيلة على حال، وكن أحسن ما تكون في الظاهر حالا أقل ما تكون في الباطن مآلا.
قال شبيب بن شيبة لأبي جعفر: إن الله لم يجعل فوقك أحدا، فلا تجعلنّ فوق شكرك شكرا.
وقال عمرو بن عبيد للمنصور: إن الله قد وهب لك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك من الله ببعضها.
قال خالد الرّبعيّ: كنا نحدّث «إن مما يعجّل الله عقوبته، أو قال: لا تؤخر عقوبته: الأمانة تخان، والإحسان يكفر، والرّحم تقطع، والبغي على الناس».
كان بعض الزهاد يقول: ابن آدم تكلأ بحفظه وتصبح عازما على معصيته؟
دخل المبارك بن فضالة على المنصور وهو بالجسر فقال: يا أمير المؤمنين، حدّثني فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش من كان له على الله دالة فليقم، فلا يقوم إلّا أهل العفو» فقال أبو جعفر: قد عفوت، ورجع من الجسر ولم يدخل البصرة.
__________
والنهاية 11/ 35، طبقات الصوفية ص 107، حلية الأولياء 1/ 51، صفة الصفوة 4/ 71، الطبقات الكبرى للشعراني 1/ 94، الرسالة القشيرية ص 21، وفيات الأعيان 2/ 296، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 14/ 208، شذرات الذهب 2/ 138، نفحات الأنس ص 166، الكواكب الدرية 1/ 496، هدية العارفين 2/ 516، كشف المحجوب للهوجيري ص 122، النجوم الزاهرية 3/ 30).(7/65)
نسب محمد بن كعب نفسه إلى القرظيّ فقيل له: ولم لم تقل:
الأنصاريّ؟ قال: «أكره أن أمن على الله بما لم أفعله».
مرّ محمد بن واسع بقوم فقيل له: هؤلاء زهاد، فقال: وما قدر الدنيا حتى يحمد الزاهد فيها؟
كان شعبة (1) يقول لأصحابه: «لو أردت الله ما خرجت إليكم، ولو أردتم الله ما جئتموني».
كان الربيع بن خثيم يقول: «لو كانت الذنوب تفوح ما جلس أحد إلى أحد».
قيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ قال: آسفا على أمسي كارها ليومي متهما لغدي.
وقيل لآخر: لم تركت الدنيا؟ قال: لأني أمنع من صافيها وأمتنع من كدرها.
وقيل لآخر: ما الذي تطلب؟ فقال: الراحة، قيل: فهل وجدتها؟ قال:
قد وجدت أني لا أجدها في الدنيا.
وقيل لآخر: لم تركت الدنيا؟ قال: أنفت من قليلها، وأنف مني كثيرها.
قال أبو هفّان: كان مزيّن يخدم رئيسا، وكان الرئيس قد خالطه بياض، فكان يأمر المزين بلقطه، فلمّا انتشر البياض قال المزيّن: يا سيّدي قد ذهب وقت اللّقاط وجاء وقت الصّرام، قال: فبكى الرئيس من قوله.
دخل سفيان بن عيينة على الرشيد وهو يأكل بملعقة فقال: يا أمير المؤمنين، حدّثني عبيد الله بن يزيد عن جدّك ابن عباس في قوله جلّ وعزّ:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنََا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: الآية 70] قال: جعلنا لهم أيديا يأكلون بها، فكسر الملعقة.
__________
(1) هو شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي، أبو بسطام الواسطي ثم البصري، توفي سنة 160هـ (انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 9/ 255، تذكرة الحفاظ 1/ 181، تهذيب التهذيب 4/ 338).(7/66)
قيل لميمون بن مهران (1): إنّ رقيّة امرأة هشام ماتت فأعتقت كلّ مملوك لها، فقال ميمون: يعصون الله مرتين: يتجملون به وهو في أيديهم بغير حق، فإذا صار لغيرهم أسرفوا فيه.
عزّى رجل الرشيد فقال: آجرك الله في الباقي، ومتّعك بالفاني. فقال:
ويحك! ما تقول؟ وظن أنه غلط، فقال: ألم تسمع الله يقول: {مََا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمََا عِنْدَ اللََّهِ بََاقٍ} [النّحل: الآية 96] فسرّي عنه.
دخل عمر بن ذرّ على ابنه، وهو يجود بنفسه فقال: يا بنيّ إنه ما علينا من موتك غضاضة، ولا بنا إلى أحد سوى الله حاجة، فلما قضى نحبه، وصلّى عليه، وواراه، وقف على قبره فقال: يا ذرّ، إنه قد شغلنا الحزن لك على الحزن عليك لأنّا لا ندري ما قلت وما قيل لك، اللهمّ إني قد وهبت له ما قصّر فيه مما افترضت عليه من حقّي، فهب له ما قصر فيه من حقّك، واجعل ثوابي عليه له، وزدني من فضلك إني إليك من الراغبين.
قال بعض الصالحين: لو أنزل الله عزّ وجلّ كتابا أنه معذّب رجلا واحدا لخفت أن أكونه، وأنه راحم رجلا واحدا لرجوت أن أكونه، وأنه معذبي لا محالة ما ازددت إلا اجتهادا. لئلا أرجع على نفسي بلائمة.
وقال مطرف بن عبد الله لابنه: «يا عبد الله، العلم أفضل من العمل، والحسنة بين السيئتين كقول الحقّ بين فعل المقصّر والغالي».
ومن كلامه: «خير الأمور أوساطها، وشرّ السّير الحقحقة، وشر القراءة الهذرمة».
وكان ابن السماك يقول: إذا فعلت الحسنة فافرح بها واستقللها فإنك إذا استقللتها زدت عليها، وإذا فرحت بها عدت إليها.
ويروى عن أويس القرنيّ أنه قال: «حقوق الله لم تدع عند مسلم درهما».
__________
(1) هو ميمون بن مهران بن موسى بن وردان، أبو أيوب، من أجلاء علماء التابعين وزهادهم وعبادهم وأئمتهم، كان إمام أهل الجزيرة، توفي سنة 117هـ (البداية والنهاية 9/ 327 332).(7/67)
قال يحيى بن معاذ الرازيّ (1): إنّ لله عليك نعمتين: السراء للتذكير، والضراء للتطهير فكن في السراء عبدا شكورا، وفي الضراء حرّا صبورا.
دخل ابن السّمّاك يوما على الرشيد فدعا الرشيد بماء ليشربه فقال: ماء! ناشدتك الله، أرأيت لو منعت من شربه ما الذي كنت فاعله؟ فقال: كنت أفتديه بنصف ملكي، فقال: اشرب هنيئا لك، فلمّا فرغ من شربه قال: ناشدتك الله، أرأيت لو منعت من خروجه ما كنت تفعل؟ قال: كنت أفتديه بنصف ملكي، فقال: إنّ ملكا يفتدى بشربة ماء لخليق بألا ينافس عليه.
كان يحيى بن معاذ يقول للناس: لا تكونوا ممن يفضحهم يوم موتهم ميراثه، ويوم القيامة ميزانه.
قال المنصور لعمرو بن عبيد: عظني. فقال: أعمّا رأيت أو ما سمعت؟
فقال: بل عظني بما رأيت، فقال له: مات عمر بن عبد العزيز فخلّف أحد عشر ابنا وبلغت تركته سبعة عشر دينارا، كفّن منها بخمسة دنانير، واشترى موضع قبره بدينارين، وأصاب كلّ واحد من ولده ثمانية عشر قيراطا، ومات هشام فخلّف أحد عشر ابنا وأصاب كلّ واحد من ولده ألف ألف دينار، فرأيت رجلا من ولد عمر بن عبد العزيز قد حمل في يوم واحد على مائة فرس في سبيل الله، ورأيت رجلا من ولد هشام يسأل الناس ليتصدّق عليه.
قال بعضهم: الدنيا دار تجارة، فويل لمن تزوّد منها الخسارة.
قال بعضهم: اصبروا عباد الله على عمل لا غنى بكم عن ثوابه، واصبروا عن عمل لا صبر لكم على عقابه.
__________
(1) هو يحيى بن معاذ بن جعفر الرازي، الواعظ، كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، خرج إلى بلخ وأقام فيها مدة، ثم رجع إلى نيسابور، وتوفي بها سنة 258هـ (انظر ترجمته في: البداية والنهاية 11/ 35، طبقات الصوفية ص 107، حلية الأولياء 1/ 51، صفة الصفوة 4/ 71، الطبقات الكبرى للشعراني 1/ 94، الرسالة القشيرية ص 21، وفيات الأعيان 2/ 296، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 14/ 208، شذرات الذهب 2/ 138، نفحات الأنس ص 166، الكواكب الدرية 1/ 496، هدية العارفين 2/ 516، كشف المحجوب للهوجيري ص 122، النجوم الزاهرة 3/ 30).(7/68)
قال أبو حازم: ما كرهت أن يكون معك غدا فاتركه اليوم، وما أحببت أن يكون معك غدا فقدّمه اليوم.
قال إبراهيم التّيميّ: مثّلت في نفسي الجنة آكل من ثمارها وأعانق أزواجها، وألبس حللها: ومثلت في نفسي النار أعالج أغلالها، وآكل من زقّومها، فقلت: يا نفس، أيّ شيء تريدين الآن؟ قالت: أريد أن أردّ إلى الدنيا فأعمل، فقلت: الآن أنت في الأمنية فافعل.
كان بعض التّابعين إذا قيل له: كيف أصبحت؟ يقول: في أجل منقوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابنا، والنار من ورائنا، ولا ندري ما الله يفعل بنا.
وكان روح بن مدرك يقول في موعظته: الآن قبل أن تسقم فتضنى، وتهرم فتفنى ثم تموت فتنسى،. ثم تقبر فتبلى، ثم تنشر فتحيا، ثم تبعث فتشقى، ثم تحضر فتدعى، ثم توقف فتجزى بما قدّمت فأمضيت، وأذهبت فأفنيت، من موبقات سيّئاتك، وسالفات شهواتك، وملفّقات فعلاتك، الآن وأنتم سالمون، الآن وأنتم مستعتبون.
قال أبو حازم: عجبا لقوم يعملون لدار يرحلون عنها كلّ يوم مرحلة، ويتركون أن يعملوا لدار يرحلون إليها كلّ يوم مرحلة.
قيل لمحمد بن واسع: كيف حالك؟ فقال: كيف حال من لا يدري كيف حاله؟
أراد رجل الحجّ فقال لامرأته: إنّي عازم على الحج، فقالت: بسم الله، قال: فكم أخلّف عليك من النفقة؟ قالت: بقدر ما تخلّف عليّ من الحياة.
يروى عن خالد بن صفوان أنه قال: ملأت البحر الأخضر بالذّهب الأحمر، فإذا الذي يكفيني من ذاك رغيفان وكوزان وطمران.
دخل مالك بن دينار على بلال بن أبي بردة وهو أمير البصرة فقال:
إني قرأت في بعض الكتب: «من أحمق من السّلطان؟ ومن أجهل ممّن عصاني؟ ومن أغرّ ممّن اغترّ بي؟ أيا راعي السوء دفعت إليك غنما سمانا
سحاحا، فأكلت اللحم وشربت اللبن، وائتدمت بالسّمن، ولبست الصّوف، وتركتها عظاما، ما تقعقع».(7/69)
إني قرأت في بعض الكتب: «من أحمق من السّلطان؟ ومن أجهل ممّن عصاني؟ ومن أغرّ ممّن اغترّ بي؟ أيا راعي السوء دفعت إليك غنما سمانا
سحاحا، فأكلت اللحم وشربت اللبن، وائتدمت بالسّمن، ولبست الصّوف، وتركتها عظاما، ما تقعقع».
قيل: طاف الرشيد بالبيت فوطىء جرادة، فلم يدر ما عليه فيها، فبعث المأمون إلى الفضيل بن عياض، فسلّم عليه وقال: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: لنا إليك حاجة فأحبّ أن تصير إلينا، فلم يجب الفضيل بشيء، فرجع المأمون وقال: رأيت رجلا ليست به إليك حاجة، فقام الرشيد مغضبا حتى تخوّفنا على الفضيل منه، قال: فوقف عليه وسلّم، فوسّع الفضيل، أو رد السلام عليه، فلما جلس أقبل على الفضيل فقال: رحمك الله، قد كان الواجب أن تأتينا، وتعرف حقّنا إذ ولّانا الله أموركم، وصيرنا الحكّام في دمائكم، والذابّين عن حريمكم، وإذا لم تأتنا فقد أتيناك، إني وطئت الآن في الطواف على جندبة فما ديتها؟ قال: فبكى الفضيل بكاء شديدا حتى علا صوته، وقال:
إذا كان الراعي يسأل الغنم هلكت الغنم، وإنما يجب على الراعي أن يرتاد لغنمه الرعي وجيّد الكلأ وعذب الماء، فإذا كنت يا أمير المؤمنين غافلا عن معالم الدّين فبأيّ شيء تسوس رعيتك؟ قال: فخجل الرشيد حتى عرق وانصرف.
اختلفوا بحضرة الزّهريّ (1) في معنى قول القائل: فلان زاهد، فقال الزّهريّ الذي لا يغلب الحرام صبره ولا الحلال شكره.
قال عمر بن ذرّ: الحمد لله الذي جعلنا من أمة تغفر لهم السيئات ولا تقبل من غيرهم الحسنات.
قال يونس بن عبيد (2): سمعت ثلاث كلمات لم أسمع بأعجب منهنّ قول حسان بن أبي سنان: ما شيء أهون من ورع، إذا رابك شيء فدعه. وقول ابن
__________
(1) الزهري: هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، أبو بكر الزهري، أول من دوّن الحديث، وأحد الفقهاء والأعلام التابعين بالمدينة، توفي سنة 124هـ، صنّف «كتاب المغازي» (انظر ترجمته في: كشف الظنون 6/ 7، تهذيب التهذيب 9/ 445، غاية النهاية 2/ 262، تذكرة الحفاظ 1/ 102، وفيات الأعيان 1/ 571).
(2) هو يونس بن عبيد بن دينار العبدي البصري، أبو عبد الله، من حفاظ الحديث الثقات، من أصحاب الحسن البصري، توفي سنة 139هـ (الأعلام 8/ 262).(7/70)
سيرين: ما حسدت أحدا على شيء قطّ. وقول مورّق العجليّ: لقد سألت الله حاجة أربعين سنة ما قضاها ولا يئست منها، قيل: وما هي؟ قال: ترك ما لا يعنيني.
قال أبو حازم الأعرج: إن عوفينا من شر ما أعطينا لم يضرّنا فقد ما زوي عنّا.
وقال: الدنيا غرّت أقواما فعملوا فيها بغير الحق ففاجأهم الموت فخلّفوا مالهم لمن لا يحمدهم، وصاروا إلى من لا يعذرهم، وقد خلفنا بعدهم فينبغي لنا أن ننظر إلى الذي كرهنا منهم فنجتنبه، والذي غبطناهم به فنستعمله.
قال قتادة: يعطي الله العبد على نيّة الآخرة ما شاء من الدنيا والآخرة، ولا يعطيه على نية الدنيا إلا الدنيا.
قال مطرّف بن عبد الله: لا تنظروا إلى خفض عيشهم، ولين لباسهم، ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم، وسوء منقلبهم.
لقي ناسك ناسكا ومعه خفّ، فقال له: ما تصنع بهذا؟ قال: عدة للشتاء، قال: كانوا يستحيون من هذا.
رأى ناسك ناسكا في المنام فقال: كيف وجدت الأمر يا أخي؟ قال:
وجدنا ما قدّمنا، وغرمنا ما أنفقنا، وخسرنا ما خلّفنا.
قال أبو حازم: نحن لا نريد أن نموت حتى نتوب، ونحن لا نتوب حتى نموت.
قالوا: ليس في النار عذاب أشدّ على أهلها من علمهم بأنه ليس لكربهم تنفيس، ولا لضيقهم ترفيه، ولا لعذابهم غاية، وليس في الجنة نعيم أبلغ من علمهم بأن ذلك الملك لا يزول.
سمع مطرّف رجلا يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، فأخذ بذراعه وقال:
لعلك لا تفعل! من وعد فقد أوجب.
قال رجل من الزهاد: إذا ابتليت أن تدخل مع الناس إلى سلطان فإذا أخذوا في الثناء فخذ في الدعاء.
روي أن عبد الملك قال حين ثقل ورأى غسّالا يلوي ثوبا بيده: وددت أنّي كنت غسالا لا أعيش إلا بما أكسب يوما فيوما فذكر ذلك لأبي حازم فقال:(7/71)
قال رجل من الزهاد: إذا ابتليت أن تدخل مع الناس إلى سلطان فإذا أخذوا في الثناء فخذ في الدعاء.
روي أن عبد الملك قال حين ثقل ورأى غسّالا يلوي ثوبا بيده: وددت أنّي كنت غسالا لا أعيش إلا بما أكسب يوما فيوما فذكر ذلك لأبي حازم فقال:
«الحمد لله الذي جعلهم عند الموت يتمنّون ما نحن فيه، ولا نتمنّى عند الموت ما هم فيه».
كان الربيع بن خثيم إذا قيل له: كيف أصبحت أبا يزيد؟ قال: مذنبين نأكل أرزاقنا وننظر آجالنا.
قال بعض الملوك لبعض الزهاد: اذمم الدنيا، فقال: أيّها الملك، هي الآخذة لما تعطي، المورّثة بعد ذلك الندم، السالبة ما نكسو، الوارثة بعد ذلك الفضوح، تسدّ بالأراذل مكان الأفاضل، والعجزة مكان الحزمة، تجد في كلّ من كلّ خلفا، وترضى بكلّ من كلّ بدلا، تسكن دار كلّ قرن قرنا، وتطعم سؤر كلّ قوم قوما.
ذكر أنه كان للنّعمان بن المنذر إخوة ثلاثة يقال لأحدهم: مالك، وللآخر عمرو، هو محرّق، والثالث علقمة، وكان مالك ذا فضل بيّن، ورأي جزل، فهلك مالك فأعظم ذلك عمرو وكربه وكان عمرو مرجوّا عند عامّة مملكته لبوائق الدهر، وحوادث الأيام فلما رأى المنذر بن النّعمان بن المنذر ما بعمه عمرو من الوجد على مالك أفظعه ذلك وكربه، وكسف باله وغيّر حاله، ودخل عليه من ذلك ما كاد أن يكون شبيها بموت مالك فسأل المنذر بن النعمان أباه أن يجمع له رؤساء أهل مملكته وعلماءهم وخطباءهم وحلماءهم وذوي الشرف منهم، ثم يأذن له في الكلام والقيام في أمر مالك، والتعزية بعمّه. فأجابه أبوه النعمان إلى ذلك، وأعجبه ما دعاه إليه، فلما توافت الرجال احتفل النعمان يعني حفّل المجلس، وحشدهم، وأنزلهم على قدر منازلهم فلما أخذوا مجالسهم قام المنذر بن النعمان فثنيت له نمرقة الشرف على منبر الكرامة عن يمين النعمان وهو كبير المتكلمين في جسيم الأمور فرفع صوته فقال:
يا عمرو، يا ابن ثمرة الرأي ومعدن الملك، إنما الخلق للخالق، والشكر للمنعم، والتسليم للقادر، ولا بدّ مما هو كائن.
يا عمرو، إنه لا أضعف من مخلوق، ولا أقوى من خالق، ولا أقوى ممّن طلبته في يديه، ولا أعجز ممن هو في يد طالبه.(7/72)
يا عمرو، يا ابن ثمرة الرأي ومعدن الملك، إنما الخلق للخالق، والشكر للمنعم، والتسليم للقادر، ولا بدّ مما هو كائن.
يا عمرو، إنه لا أضعف من مخلوق، ولا أقوى من خالق، ولا أقوى ممّن طلبته في يديه، ولا أعجز ممن هو في يد طالبه.
يا عمرو، إن التفكّر نور، والغفلة ظلمة، والجهالة ضلالة، وقد ورد الأوّل، والآخر مسوق متعبّد، وفي الأسى عزاء، والسعيد من وعظ بغيره.
يا عمرو، إنه قد جاءك ما لا يردّ، وذهب عنك ما ليس براجع، فما الحيلة لبقاء ما سيذهب؟
يا عمرو، إنما الشيء من مثله، وقد مضت قبلنا أصول نحن فروعها، فما بقاء فرع بعد أصله.
يا عمرو، انظر إلى طبقات حالاتك من لدن أن كنت في صلب أبيك إلى أن بلغت منزلة الشرف، وحدّ العقل، وغاية الكرامة، فهل قدرت أو قدروا على أن ينقلوك أو تنتقل عن طبقة قبل انقضائها، أو بتعجيل نعمة قبل أوان تحيّنها؟ وانظر إلى آبائك الذين كانوا أهل الملك والأخلاق المحمودة، هل وجدوا سبيلا أو وجدت لهم إلى بقاء ما أحبّوا أو بقوا بعده؟
يا عمرو، فلأيّ أيام الدهر ترتجي؟ أيوم لا يجيء بما في غيره، أو يوم لا يستأخر ما فيه عن أوان مجيئه؟ وانظر إلى الدهر تجده أياما ثلاثة: يوما مضى لا ترجوه، ويوما بقي لا بدّ منه، ويوما يأتي لا تأمنه.
يا عمرو أمس موعظة، واليوم غنيمة، وغدا لا تدري من أهله، فأمس شاهد مقبول شهادته، وحكيم مؤدّب، قد فجعك بنفسه، وخلّف في يديك حكمته واليوم صديق مودّع، كان طويل الغيبة، وهو سريع الظعن، أتاك ولم تأته، وقد مضى قبله شاهد عدل، فإن كان ما فيه لك فأتبعه بمثله، واتق اجتماع شهادتهما عليك وغدا يجيء بما فيه.
يا عمرو، أكمل الأداة الصبر عند المصائب، واليقين، فأين المهرب مما هو كائن؟ إنما تنقلب في كفّ الطالب.
يا عمرو، إنّ أهل هذه الدار سفر لا يحلّون عقد الرّحال إلّا في غيرها، وإنما يتبلّغون فيها بالعواري، فما أحسن الشكر للمنعم، والتسليم للمعير!.
يا عمرو، من أحقّ بالتسليم من لا يجد مهربا من طالبها إلا إليه، ولا معينا إلّا عونا إليه؟(7/73)
يا عمرو، إنّ أهل هذه الدار سفر لا يحلّون عقد الرّحال إلّا في غيرها، وإنما يتبلّغون فيها بالعواري، فما أحسن الشكر للمنعم، والتسليم للمعير!.
يا عمرو، من أحقّ بالتسليم من لا يجد مهربا من طالبها إلا إليه، ولا معينا إلّا عونا إليه؟
يا عمرو، انظر مما جزعت، وما استنكر، وما تحاول؟ فإن كان الجزع ردّك إلى ثقة من درك الطّلبة، وكنت قويّا على رد ما كرهت، فكيف تعجز عن الغلبة على ما أحببت؟ فإن كنت حاولت مغلوبا فمن أفنى القرون الأولى قبلك؟
يا عمرو: «إنّ أعظم المصيبة سوء الخلف منها».
يا عمرو، إنه من يتناول ثمرة ما لا يكون استقرت في يديه الخيبة. أفمن هذا المعدن ترجو درك الغنيمة؟
يا عمرو: «إن العلم لا ينال إلا بالتعلّم» فمن رأيت تعلّم ما لا يعلّم، وأدرك ما لا يكون فيمن كان قبلك؟
يا عمرو، فما غناؤك في طلب من في طلبك أم كيف رجوت رجعة مالك إليك وأنت تساق إليه؟ وما جزعك على الظاعن عنك اليوم وأنت مرتحل في طلبه غدا؟ وما طمعك في رد ما هو كائن بما لا يكون، فأفق فإن المرجع قريب، ولا تمعن فيضرّ بك العمى، وتنوّهك الجهالة، وأنت ذو الحظّ الكثير من الدنيا في قسمك، وأخو ذي الملك في قرابتك، وابن الملوك المتبّعين في نسبك، قد أتاك الخبر في كلّ ما قالوا، وأنت غافل، فلا تكونن في الشكر دون الحق عليك.
يا عمرو، إنما ابتلاك بالمصيبة المنعم، وأخذ منك العطية المعطي، وما يريد أكثر، فإن نسيت الصبر فلا تغفل الشكر، وكلّا فلا تدع.
يا عمرو، إنه لا أغنى من منعم، ولا أحوج من منعم عليه واحذر من الغفلة استلاب النّعم وطول الندامة. واعلم أنه لا أضيع ممن غفل عن نفسه ولا يغفل عنه طالبه.
يا عمرو، إن أخاك قد برز لعظيم صلتك، ولاستكمال كرامتك ولطف بما تراه لموعظتك.
يا عمرو، فهذا يوم ثناؤه عظيم، وبقاء ما فيه بعدنا طويل، وسيحظى بعد اليوم السعيد، ويتذكّر من منافعه اللبيب.(7/74)
يا عمرو، إن أخاك قد برز لعظيم صلتك، ولاستكمال كرامتك ولطف بما تراه لموعظتك.
يا عمرو، فهذا يوم ثناؤه عظيم، وبقاء ما فيه بعدنا طويل، وسيحظى بعد اليوم السعيد، ويتذكّر من منافعه اللبيب.
يا عمرو، إنما جمعت منافع هذا اليوم وجنوده لدفع ضرّ الجهالة عنك، وإنما أوقدت مصابيح الهدى لتيه تحيّرك وسهلت سبل الخير لرجاء رجعتك.
فلم أر كاليوم ضل مع نوره متحيّر، ولا أعيا مداويه سقيم.
يا عمرو، ما أصغر المصيبة اليوم مع فائدة أهل الغنيمة غدا، وكثر فيه خيبة الخائب.
يا عمرو إن أبت نفسك إلا علم رأي من جميع التجارب فقد كفيت فاسمع جوابهم: زعم فرسان الحروب وقادة الجنود أنه غلب على مالك غالب آبائك أهل التّتويج والملك الكبير وزعم حفظة الخزائن أنها عوار عندكم أهل البيت، وأنها لا تقبل في فكاك الأسارى، وزعم رؤساء الأطبّاء أن مالكا هلك بداء معلّميهم الذين ماتوا به، ولا دواء لدائهم ذلك وزعم أهل التجارب والحيلة الكبرى أن صاحب مالك قد شغلهم بأنفسهم عنك، فإن فرغوا أتوك.
يا عمرو، وقد أسرع فيك الداعي، وأعذر فيك الطالب، وانتهى الأمر بك إلى حدّ الرجاء، ولا أحد أعظم رزيّة قي عقله ممن ضيّع اليقين وأعطى الأمل قياده.
قال: ثم أقبل المنذر على الملك أبيه النعمان فقال: أيّها الملك المنعم، إن أعظم العظة اليوم ما أعطيتها بجمعك إيّانا وإذنك لنا في الكلام، وخير الهدية للغائب ما حمّلتنا، وإنا أيّها الملك الرفيع جدّه مع معرفتنا بفضلك لن نرفعك فوق منزلتك، وبحسبك ألا يكون فوقك إلّا الخالق، ونعم المخلوق أنت، تردّ المدبر إلى حظّه وتكفّ المتتابع عن حمقه، وتدلّ مبتغي الخير على هيئته، ومثل دوائك شفاء السقيم.
قال: ثم أقبل المنذر على الناس بالموعظة فقال: أيّها الناس، إنما البقاء بعد الفناء، وقد خلقنا ولم نك شيئا ثم نعود، ألا إنما العواري اليوم، والهبات غدا، وقد رزئنا من قبلنا، ولنا وارثون، قد حان الرحيل عن محلّ النازل، ألا
وقد تقارب تسلّب فاحش، أو عطاء نزل، فاستصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه، واسلكوا سبل الخير، ولا تستوحشوا فيها لقلّة أهلها، واذكروا حسن صحابة الله إياكم.(7/75)
قال: ثم أقبل المنذر على الناس بالموعظة فقال: أيّها الناس، إنما البقاء بعد الفناء، وقد خلقنا ولم نك شيئا ثم نعود، ألا إنما العواري اليوم، والهبات غدا، وقد رزئنا من قبلنا، ولنا وارثون، قد حان الرحيل عن محلّ النازل، ألا
وقد تقارب تسلّب فاحش، أو عطاء نزل، فاستصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه، واسلكوا سبل الخير، ولا تستوحشوا فيها لقلّة أهلها، واذكروا حسن صحابة الله إياكم.
أيها الناس، إني أعظكم وأبدأ بنفسي، فاستبدلوا العواري بالهبات، وارضوا بالباقي خلفا، من الفاني تلفا، واحتملوا المصائب بالحسبة تستجلبوا بها النّعماء واستديموا الكرامة بالشكر تستوجبوا الزيادة، واعرفوا الفضل في البقاء في النعمة، والغنى في السلامة قبل المثلة الفاحشة، أو المثلاث السيئة، وقبل انتقال النعم، ودول الأيام، وتصرّف الخطوب.
أيها الناس، إنما أنتم في هذه الدنيا أغراض تنضل فيكم المنايا، وما أنتم فيه نهب للمصيبات: مع كل جرعة لك شرق، وفي كل أكلة لكم غصص، لا تنالون نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يستقبل معمّر منكم يوما من عمره إلا بهدم آخر من أجله، ولا تجدّد له زيادة في أكله إلا بإنفاد ما قبله من رزقه، ولا يحيا له أثر إلا مات له أثر، فأنتم أعوان الحتوف على أنفسكم، وفي معايشكم أسباب مناياكم، لا يمنعكم شيء منها، ولا يغيّبكم شيء عنها، لها بكلّ سبب منكم صريع يحتزز، ومقرّب ينتظر، لا ينجو من حبائلها الحذر، ولا يدفع عن مقاتله الأريب، وهذه أنفسكم تسوقكم إلى الفناء، فلمن تطلبون البقاء؟ وهذا الليل والنهار لم يرفعا شيئا شرفا إلا أسرعا الكرّة على هدم ما شرّفا بتفريق ما جمعا.
أيها الناس، اطلبوا الخير وولّيه، واحذروا الشر وولّيه. واعلموا «أن خيرا من الخير معطيه، وشرّا من الشرّ فاعله».
ذكر أن قسّ بن ساعدة (1) كان يخطب متوكّئا على عصا فيقول: مطر ونبات، وآباء وأمهات، وذاهب وآت، وآيات في إثر آيات، وأموات بعد أموات، وضوء وظلام، وليال وأيام، وفقير وغني، وسعيد وشقيّ، ومحسن
__________
(1) هو قس بن ساعدة الإيادي، من كبار خطباء العرب وحكمائهم في الجاهلية، كان أسقف نجران، وقيل: إنه أول عربي خطب وهو يتوكأ على سيف أو عصا، وأول من استعمل في كلامه «أما بعد»، توفي نحو سنة 23قبل الهجرة. (الإصابة 5/ 551).(7/76)
ومسيء. أين الأرباب الفعلة ليصلح كل عامل عمله، كلا بل هو الله إله واحد، ليس بمولود ولا والد، أعاد وأبدى، وإليه المآب غدا.
أما بعد: يا معشر إياد، أين ثمود وعاد، وأين الآباء والأجداد، أين الحسن الذي لم يشكر، والظّلم الذي لم ينقم؟ كلّا وربّ الكعبة ليعودنّ ما بدا، ولئن ذهب يوما ليعودن يوما ما، افهموا ما سمعتم، واحفظوا وعوا.
تمنّى قوم عند يزيد الرقاشيّ فقال: أتمنى أنا كما تمنيتم، فقالوا: تمنّ، فقال: ليتنا لم نخلق، وليتنا إذ خلقنا لم نعص، وليتنا إذ عصينا لم نمت، وليتنا إذ متنا لم نبعث، وليتنا إذ بعثنا لم نحاسب، وليتنا إذ حوسبنا لم نعذب، وليتنا إذ عذّبنا لم نخلّد.
قالوا إن رأس مال أبي خزيمة كان درهما واحدا ستين سنة، كان يشتري صوفا فيغزله ويبيعه.
قال محمد بن سلّام: قال لنا يونس (1) ذا صباح: إني فكّرت في أمر فاسمعوا، قلنا: هات، قال: كلّ من أصبح على وجه الأرض في النار، فقلنا:
ما تزيد؟ قال: إلا أمّتنا هذه، فإذا صرت إلى أمّتنا فالسلطان ومن يطيف به هلكى إلا القليل، وإذا قطت هذه الطبقة حتى تبلغ الشاش والبطائح، فأكلة ربا وباعته وشربة خمر وباعتها إلا القليل، وإذا خلّفت هذا الخندق حتى تأتي رمل يبرين وأعلام الروم، فلا غسل من جنابة ولا إسباغ وضوء، ولا إتمام صلاة ولا علم بحدود ما أنزل الله على رسوله إلا قليل، فإذا صرت إلى الأمصار فأصحاب هذه الكراسي من أهل السّوق والكلأ فليس إلا ذئب مستدفر بذئبة، يختلك عن دينارك ودرهمك، يكذب في المرابحة، ويطفّف في المكيال ويخسر في الميزان، إلا قليل، فإذا صرت إلى أصحاب هذه الغلّات الذين كفوا المؤونة وأنعم الله عليهم، فيمسي أحدهم سكران، ويصيح مخمورا إلا قليل، والله الرحمن إن في هذه الدار معي لقطيعا، فإذا صرت إلى قوم دون هؤلاء لم ينعم
__________
(1) يونس: لعله أبو عبد الرحمن يونس بن حبيب البصري، الأديب النحوي، المتوفّى سنة 183هـ، له من الكتب: «كتاب الأمثال»، «كتاب اللغات»، «كتاب النوادر الصغير»، «كتاب النوادر الكبير»، «معاني الشعر»، «معاني القرآن». (كشف الظنون 6/ 571).(7/77)
عليهم بما أنعم على هؤلاء فواحد طرّار وآخر يستقفي، فإذا صرت إلى أصحاب هذه السواري فهذا يشهد على هذا بالكفر، وهذا على هذا بالبراءة، فو الله لئن لم يعمّنا الله بالمغفرة إنها للفضيحة.
دخل عمرو بن عبيد على بعض الأمراء وهو يجود بنفسه فقال له: إن الله تعبّدك في حال الصحة بالعمل، ووضع عنك في هذه الحال عمل الجوارح، ولم يكلّفك إلا عملا بقلبك، فأعطه بقلبك ما يجب له عليك.
كتب ناسك إلى آخر يستوصفه الدنيا والآخرة، فكتب إليه: الدنيا حلم، والآخرة يقظة، والمتوسط بينهما الموت، ونحن في أضغاث ننقل إلى أجداث.
رأى دهثم وهو أحد العبّاد، رجلا يضرب غلامه، فوعظه ونهاه، فقلب السّوط وأخذ يضرب دهثما، وتسارع الناس، فقال دهثم دعوه فقد أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأحتاج الآن أن أصبر على ما أصابني، فبذلك نطق الكتاب (1).
وكان معروف الكرخيّ يقول: ليكن الله جليسك وأنيسك وموضع شكواك، فإن الناس لا ينفعون ولا يضرون، ولا يعطون ولا يحرمون، و «إن شفاء ما ينزل بك من المصائب كتمانه».
__________
(1) أي قوله تعالى: {يََا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلََاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ََ مََا أَصََابَكَ إِنَّ ذََلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (17) [لقمان: الآية 17].(7/78)
الباب الخامس نكت من كلام العلماء والأدباء
حكى الصّاحب رحمه الله عن الإيجي عن ابن دريد قال: سمعت أبا حاتم يقول: فاتني نصف العلم، فقلت: وكيف ذاك؟ قال: تصدّرت ولم أكن للتصدّر أهلا، واستحييت أن أسأل من دوني، وأختلف إلى من فوقي، فذلك الجهل إلى اليوم في نفسي.
وحكى عن ابن المنجّم قال: كنت أحضر وأنا صغير مجلس ثعلب (1)
فأراه ربما سئل عن خمسين مسألة وهو يقول: لا أدري، لا أعلم، لم أسمع.
وحكى عن ابن كامل عن أبي العيناء قال: سمعت أبا زيد يقول: يا أهل البصرة، جئتكم بالقليل الصحيح.
مدّ الشعبي يده على مائدة قتيبة بن مسلم يلتمس الشراب، فلم يدر صاحب الشراب اللبن يريد أم العسل أم الماء، فقال له: أيّ الأشربة أحبّ إليك؟ قال: أعزّها مفقودا، وأهونها موجودا، قال قتيبة: اسقه ماء.
قال أبو عمرو بن العلاء: لو كانت ربيعة فرسا لكانت شيبان غرّتها.
__________
(1) ثعلب: هو أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار النحوي، أبو العباس الشيباني الكوفي البغدادي، المعروف بثعلب، ولد سنة 208هـ، وتوفي ببغداد سنة 291هـ، له من التصانيف: «اختلاف النحاة»، «الأوسط في النحو»، «حد النحو»، «شرح لامية العرب»، «غريب القرآن»، «فصيح اللغة»، «كتاب استخراج الألفاظ من الأخبار»، «كتاب إعراب القرآن»، «كتاب الأمثال»، «كتاب الأيمان والدواهي»، «كتاب التصغير»، «كتاب الشواذ»، «كتاب القراءات»، «كتاب ما يجري وما لا يجري»، «كتاب ما ينصرف وما لا ينصرف»، «كتاب المسائل»، «كتاب الوقف والابتداء»، «كتاب الموفقي» مختصر في النحو، «ما يلحن فيه العامة»، «المجالسات» في النحو واللغة والأخبار، «المصون في النحو»، «معاني الشعر»، «معاني القرآن». (كشف الظنون 5/ 54).(7/79)
قيل لأبي عبيدة: إن الأصمعيّ قال: بينا أبي يساير سلم بن قتيبة على فرس له فقال أبو عبيدة: سبحان الله! «المتشبّع بما لم يؤت كلابس ثوبي زور» والله ما كان يملك أبوه دابة إلا في ثيابه.
وقال رجل بين يدي أبي عبيدة: إن الأصمعيّ دعيّ، فقال أبو عبيدة:
كذبت، لا يدّعي أحد إلى أصمع.
قال أبو عمرو: غاية المدح أن يمدحك من لا يريد مدحك، وغاية الذمّ أن يذمّك من لا يريد ذمّك.
وقال أبو عمرو: لا يزال الإنسان بخير ما اشتدّ ضرسه وأيره.
قال بعضهم: كنت أمشي مع الخليل فانقطع شسع نعلي، فخلع نعله، فقلت: ما تصنع؟ فقال: «أواسيك في الحفاء».
قيل للمفضل: لم لا تقول الشّعر وأنت من العلماء به؟ قال: علمي به يمنعني منه.
قال الخليل: أشتهي أن أكون عند الله من أرفع الناس، وعند الناس من أوسط الناس، وعند نفسي من أسفل الناس.
قال رجل المبرد: أسمعني فلان في نفسي فاحتملته، ثم أسمعني فيك فجعلتك أسوتي واحتملته، فقال له: ليسا سواء، احتمالك في نفسك حلم، وفي صديقك غدر.
قال الخليل: أخرج من منزلي فألقى رجلا من أربعة: رجلا أعلم مني فهو يوم فائدتي، أو رجلا مثلي فهو يوم مذاكراتي، أو متعلما مني فهو يوم ثوابي، أو رجلا دوني في الحقيقة، وهو يرى أنّه فوقي، يحاول أن يتعلم مني وكأنه يعلّمني، فذاك لا أهتمّ به ولا أنظر إليه.
قال محمد بن مناذر: كنت مع الخليل فلقي صديقا له قد ولي عملا، فعذله وقال له: أمكنت هؤلاء من خلاقك يرتكضون فيه، ومن دينك يترامون به، فاعتذر إليه الرجل، فما مضت الأيام حتى ولي الخليل ضياع يزيد بن حاتم
فلقيه الرجل فقال: نهيتني عن شيء وأتيته! فقال الخليل (1): [البسيط](7/80)
قال محمد بن مناذر: كنت مع الخليل فلقي صديقا له قد ولي عملا، فعذله وقال له: أمكنت هؤلاء من خلاقك يرتكضون فيه، ومن دينك يترامون به، فاعتذر إليه الرجل، فما مضت الأيام حتى ولي الخليل ضياع يزيد بن حاتم
فلقيه الرجل فقال: نهيتني عن شيء وأتيته! فقال الخليل (1): [البسيط]
اعمل بعلمي وإن قصّرت في عملي ... ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري
لمّا عزم الرشيد على الحجّ قال لجلسائه، وفيهم الأصمعيّ، من يعادلني على ألّا يسكت؟ فصمتوا إلا الأصمعيّ، فإنّه ضمن معادلته على الوفاء بهذه الشريطة، فلما استويا في القبة أخذ في كتاب المبتدأ، فلم يزل يسوقه حتى استتمّه في آخر معادلته إياه.
قال الخليل: من استعمل الجزم في وقت الاستغناء عنه استغنى عن الاحتيال في وقت الحاجة إليه.
كان يونس يقول: «إذا شهر لك الأحنق سيفا فتوقّه بجنّة الرفق».
قال أبو عمرو بن العلاء: الغبن غبنان: الغلاء والرّداءة، فإن استجدت الشّرى ذهب أحد الغبنين.
قال جحظة: قال لي ثعلب: «المرأة الصالحة كالغراب الأعصم»، وهو الأبيض الرجلين، ولا يكاد يوجد.
قال الصّولي (2): كنّا عند ثعلب فغضب على واحد، ثم سكن بعد إفراط فقال: حدّثنا من رأى العتّابيّ يخاصم وقد زاد في القول فعوتب فقال: «إذا تشاجرت الخصوم طاشت الحلوم، ونسيت العلوم».
قال أبو موسى الحامض قرىء على ثعلب من كتاب بخط ابن الأعرابيّ (3)
خطأ، فقيل: أفنغير؟ قال: دعوه ليكون عذرا لمن أخطأ».
__________
(1) البيت للخليل بن أحمد في عيون الأخبار 2/ 125.
(2) الصولي: هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صولتكين الكاتب، أبو بكر الصولي الشطرنجي البغدادي، المتوفّى سنة 335هـ، له من الكتب: «أخبار أبي تمام»، «أخبار أبي سعيد الجبائي»، «أخبار الشعراء»، «أخبار عمرو بن العلاء»، «أدب الكاتب»، «الأنواع»، «الأوراق في أخبار آل العباس وأشعارهم»، «تفضيل السنان»، «سؤال وجواب رمضان لأبي النجم»، «الشامل في علم القرآن»، «شرح الحماسة»، «كتاب رمضان»، «كتاب الشطرنج»، «كتاب العبادة»، «كتاب العباس بن الأحنف ومختار شعره»، «كتاب الغرر في الأمالي»، «كتاب الوزراء»، «ما اتفق لفظه واختلف معناه»، «مناقب علي بن الفرات» وغير ذلك (كشف الظنون 6/ 38).
(3) ابن الأعرابي: هو محمد بن زياد، أبو عبد الله، كان راوية لأشعار القبائل، كثير الحفظ، ولم يكن في الكوفيين أشبه برواية البصريين منه، توفي سنة 230هـ (إنباه الرواة 3/ 128).(7/81)
وقف رجل حسن الشّارة، جميل البزّة حلو الإشارة، على المبرد فسأله عن مسألة، فأحال ولحن وتسكّع، فقال له المبرد: يا هذا أنصفنا من نفسك إما أن تلبس على قدر كلامك، وإما أن تتكلم على قدر بزّتك.
قال المبرد: كانت في أخلاق الحسن بن رجاء شراسة، وفي كفّه ضيق، فكتبت إليه: الناس أعزّ الله الأمير رجلان: حرّ وعبد، فثمن الحر الإكرام، وثمن العبد الإنعام، فأصلحه هذا القول لي ولغيري مدة ثم رجع إلى طبعه.
وقال المبرد: إذا عمل الرجل كتابا أو قال شعرا فقد استهدف، فإن أحسن فقد استشرف، وإن أساء فقد استقذف.
قال أبو العيناء: ما رأيت مثل الأصمعيّ قطّ، أنشد بيتا من الشعر فاختلس الإعراب ثم قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: كلام العرب الدّرج.
وحدّثني عبد الله بن سوّار أنّ أباه قال: العرب تجتاز بالإعراب اجتيازا.
وحدّثني عيسى بن عمر أن ابن أبي إسحق قال: العرب ترفرف على الإعراب ولا تتفيهق فيه.
وسمعت يونس يقول: العرب تشامّ الإعراب ولا تحقّقه.
وسمعت الخشخاش بن جناب يقول: العرب تقع بالإعراب وكأنها لم ترده.
وسمعت أبا الخطاب يقول: إعراب العرب الخطف والحذف، قال:
فتعجّب كلّ من حضر منه.
قال أحمد بن المعذّل: لما جاءنا الأخفش ليؤدّبنا قال: جنّبوني ثلاثة أشياء: أن تقولوا: بس، وأن تقولوا: عم، وليس لفلان بخت.
قال الصولي: قال لي محمد بن أحمد بن إسحق وقد تذاكرنا فضل المبرّد فقال: ما رأى مثل نفسه دخل إلى عيسى بن فرّخانشاه وقد رضي له بعد أن غضب عليه فقال له: أعزّك الله، لولا تجرّع مرارة الغضب ما التذّت حلاوة الرضى، ولا يحسّ مدح الصّفو إلا عند ذمّ الكدر، ولقد أحسن هذا
البحتريّ في قوله (1): [البسيط](7/82)
قال الصولي: قال لي محمد بن أحمد بن إسحق وقد تذاكرنا فضل المبرّد فقال: ما رأى مثل نفسه دخل إلى عيسى بن فرّخانشاه وقد رضي له بعد أن غضب عليه فقال له: أعزّك الله، لولا تجرّع مرارة الغضب ما التذّت حلاوة الرضى، ولا يحسّ مدح الصّفو إلا عند ذمّ الكدر، ولقد أحسن هذا
البحتريّ في قوله (1): [البسيط]
ما كان إلّا مكافأة وتكرمة ... هذا الرضى، وامتحانا ذلك الغضب
وربما كان مكروه الأمور إلى ... محبوبها سببا ما مثله سبب
فقال له عيسى: أطال الله بقاءك، وأحسن عنا جزاءك، قائل كما قال أبو نواس (2): [الرجز]
من لّا يعدّ إلّا ما عرف
كنّا متى نشاء منه نغترف
رواية لا تجتنى من الصّحف
وأنا أصل البحتريّ لتمثّلك بشعره، ووصله بنحو صلته.
قال أبو عبيدة: ألأم الناس الأغفال الذين لم يهجوا ولم يمدحوا.
قال أبو حاتم قال أبو عبيدة: لا تردّنّ على أحد خطأ في حفل فإنه يستفيد منك: ويتّخذك عدوّا.
قال الخليل: قولهم: «أرسل حكيما ولا توصه» هو الدرهم.
صار أبو العيناء إلى الأصمعي فقال له: ما معك؟ قال: شعر المجنون، قال: ليس له عندي إسناد، فلما كان في اليوم الثاني أتاه فقال: ما معك؟ قال:
شعر المخبّل، قال: أمس معك المجنون، واليوم المخبّل، إذا كان غدا تعال أنت وحدك.
سئل أبو العباس المبرّد لم سمّيت المبرّد؟ قال: كان سبب ذلك أن صاحب الشرطة طلبني للمنادمة والمذاكرة، فكرهت ذلك، فدخلت يوما إلى أبي حاتم السجستاني (3)، فجاء رسول الوالي يطلبني، فقال لي أبو حاتم: ادخل في
__________
(1) البيتان في ديوان البحتري 1/ 171.
(2) الرجز في ديوان أبي نواس ص 133.
(3) هو أبو حاتم السجستاني، سهل بن محمد بن عثمان بن يزيد الجشمي، الإمام، توفي سنة 250هـ، وقيل: سنة 248هـ، له من التصانيف: «اختلاف المصاحف»، «إعراب القرآن»، «خلق الإنسان»، «كتاب الإبل»، «كتاب الأتباع»، «كتاب الإدغام»، «كتاب الأضداد» في اللغة، «كتاب الجراد»، «كتاب الحر والبرد والشمس»، «كتاب الحشرات»، «كتاب الخصب والقحط»، «كتاب الدرع»، «كتاب الزرع»، «كتاب الزينة»، «كتاب السيوف والرماح»، «كتاب الشتاء(7/83)
هذا، يعني غلاف مزمّلة فارغا، فدخلت فيه وغطّى رأسه، ثم خرج إلى الرسول، فقال: ليس هو عندي، فقال: أخبرت أنه دخل إليك، قال: فادخل الدار وفتّشها، فدخل وطاف في كلّ موضع من الدار، ولم يفطن للغلاف ثم خرج، فجعل أبو حاتم يصفّق ويقول: المبرّد المبرّد، وتسامع الناس بذلك فلهجوا به.
قال اليوسفيّ الكاتب: كنت يوما عند أبي حاتم السّجستانيّ إذا أتاه شابّ من أهل نيسابور فقال: يا أبا حاتم، إني قدمت بلدكم، وهو بلد العلم والعلماء، وأنت شيخ أهل المدينة، وقد أحببت أن أقرأ عليك كتاب سيبويه، فقال له: الدين النصيحة، إذا أردت أن تنتفع بما تقرأه فاقرأ على هذا الغلام محمد بن يزيد، فتعجبت من ذلك.
قال المبرد: الغيبة جهد العاجز.
وكتب يوما كتابا إلى الطائيّ يعتذر فيه ثم أخّره وقال: الكتاب إلى الطائيّ بمنزلة الديكبريكة (1) إن أقللت خلّها صارت قليّة، وإن زدت فيها صارت سكباجا، وأكره أن أعرب فلا يفهم أو أقصّر فيستخفّ بالكتاب.
قال أبو عمرو بن العلاء: الغبن في شيئين الغلاء والرّداءة، فإن استجدت الشّرى أحرزت أحد الغبنين.
قال الأصمعيّ: رأيت فرس أبي النّجم الذي قال فيه: [الرجز]
فجاءت الخيل ونحن نشكله
فقوّمته أربعين درهما.
__________
والصيف»، «كتاب الشوق إلى الوطن»، «كتاب الطير»، «كتاب العشب والبقال»، «كتاب الغيث»، «كتاب الفرس»، «كتاب فرق الآدميين وذوات الأربع»، «كتاب الفصاحة»، «كتاب القراءات»، «كتاب القسي والسهام والنبال»، «كتاب الكرم»، «كتاب اللبن والحليب»، «كتاب المذكر والمؤنث»، «كتاب المقاطع والمبادي»، «كتاب المقصود والممدود»، «كتاب المياه»، «كتاب النبات والشجر»، «كتاب النحل والعسل»، «كتاب النخلة»، «كتاب الوحوش»، «كتاب الهجاء»، «ما يلحن فيه العامة». (كشف الظنون 5/ 411، 412، مراتب النحويين ص 80، إنباه الرواة 2/ 58، غاية النهاية 1/ 320، بغية الوعاة ص 265).
(1) الديكبريكة: نوع من الأطعمة، من لحم ومرق يطبخ بالخل، ومن الناس من يحليه بالسكر.(7/84)
ورؤي بعض العلماء، وهو يكتب من فتى حديثا، فقيل له: مثلك يكتب عن هذا؟ فقال: إما إنّي أحفظ له منه، لكني أردت أن أذيقه كأس الرياسة ليدعوه ذلك إلى الازدياد من العلم.
سأل كيسان خلفا فقال: يا أبا محرز، علقمة بن عبدة جاهليّ أو من بني ضبة؟ فقال: يا مجنون، صحّح المسألة حتى يصحّ الجواب.
قال بعضهم: التعليق في حواشي الكتب كالشّنوف في آذان الأبكار.
قال أبو إسحق الكلابزي: تخرّق كتاب سيبويه في كمّ المازنيّ نيّفا وعشرين مرة.
ذكر شعبة بن الحجاج عند أبي زيد الأنصاريّ فقال: هل العلماء إلا شعبة من شعبة؟ أخبرنا بذلك الصاحب رحمه الله قال: أخبرنا أحمد بن خلف قال:
أخبرنا محمد بن القاسم أبو العيناء عن أبي زيد.
قال الخليل: كن على مدارسة ما في قبلك أحرص منك على حفظ ما في كتبك.
وقال أيضا: اجعل ما في كتبك رأس مال، وما في صدرك للنّفقة.
قال الأصمعيّ: كان يقال: ثلاثة يحكم لهم بالنّبل حتى يدرى من هم، وهم: رجل رأيته راكبا، أو سمعته يعرب، أو شممت منه طيبا، وثلاثة يحكم عليهم بالاستصغار حتى يدرى من هم، وهم: رجل شممت منه رائحة نبيذ في محفل، أو سمعته في مصر عربيّ يتكلم بالفارسية، أو رجل رأيته على ظهر طريق ينازع في القدر.
قال الخليل بن أحمد: الأيام ثلاثة: معهود ومشهود وموعود، فالمعهود أمس، والمشهود اليوم، والموعود غدا.
قال أبو عبيدة: كنا نكتب عن أعرابيّ فصيح أرجوزة ومعنا كيسان، فطالت حتى نفدت ألواح كيسان فجعل يمحو ما كتب في أول ألواحه منها، فقلت:
ويحك لم تفعل هذا؟ فقال: حتى تكون الأرجوزة عندي بتمامها.
قال أبو عبيدة: أدخلني الفضل بن يحيى على الرشيد، فقال لي: يا معمر، بلغني أنك وضعت كتابا في الخيل حسنا، وأنا أشتهي أن أسمعه، قال:(7/85)
ويحك لم تفعل هذا؟ فقال: حتى تكون الأرجوزة عندي بتمامها.
قال أبو عبيدة: أدخلني الفضل بن يحيى على الرشيد، فقال لي: يا معمر، بلغني أنك وضعت كتابا في الخيل حسنا، وأنا أشتهي أن أسمعه، قال:
وكان عنده الأصمعيّ فقال: يا أمير المؤمنين، وما تصنع بكتاب؟ نجيء بفرس الساعة فنصفه، فقال الرشيد: هاتوا فرسا، فما كان أسرع أن جيء به، فقام الأصمعي فأخذ بأذنه ثم قال: هذا كذا وقال فيه الشاعر: كذا، وهذا كذا وقال فيه الشاعر: كذا. قال: فأقبل عليّ الرشيد فقال: ما تقول يا معمر فيما قال؟
قال: قلت: يا أمير المؤمنين، أصاب في بعض، وأخطأ في بعض، فأما ما أصاب فيه فمني تعلّمه، وأما ما أخطأ فيه فلا أدري من أين جاء به، والرشيد يضحك.
قال أبو عبيدة: العارضة كناية عن البزا.
قال يونس: المفحم يأتيه دون ما يرضى، ويطلب فوق ما يقوى.
قال الأصمعي: قال لي أبو عمرو بن العلاء: من عرف فضل من فوقه عرف فضله فإن جحد جحد.
وقال أبو عمرو: لا تأت إلّا من ترجو نائله، أو تخاف سطوته، أو ترجو بركة دعائه أو تقتبس من عمله.(7/86)
وقال أبو عمرو: لا تأت إلّا من ترجو نائله، أو تخاف سطوته، أو ترجو بركة دعائه أو تقتبس من عمله.
الباب السادس الكبر المستحسن والمستقبح
قال أبو عثمان (1): من الكبر المستحسن قول وكيع بن أبي سود لعدي بن أرطاة حين قال: سوّ عليّ ثوبي فقال له: أذكرتني ضيق خفّي، أيّها الأمير، خذ خفّي، فضحك عديّ وقال: يا أبا مطرّف، إنّ الجليس ليلي من جليسه أكثر من، هذا. فقال: إذا عزلت فكلّفنا ما أحببت، ثم ركب الحسن البصريّ فأخذ وكيع متبرّعا بركابه حتى ركب، فاستحسن ذلك الكبر مع هذا التواضع.
دخل عمارة بن حمزة على المنصور فقعد في مجلسه، وقام رجل فقال:
مظلوم يا أمير المؤمنين، قال: من ظلمك؟ قال: عمارة غصبني ضيعتي، فقال المنصور: يا عمارة قم فاقعد مع خصمك، فقال: ما هو بخصم إن كانت الضيعة له فلست أنازعه فيها، وإن كانت لي فهي له، ولا أقوم من مجلس قد شرفني أمير المؤمنين بالرّفعة إليه لأقعد في أدنى منه بسبب ضيعة.
لما عزل الحجاج أميّة بن عبد الله عن خراسان أمر رجلا من بني تميم فعابه بخراسان وشنّع عليه، فلما قفل لقيه التميميّ فقال: أصلح الله الأمير لا تلمني فإني كنت مأمورا فقال: يا أخا بني تميم، وحدّثتك نفسك أني وجدت عليك؟ قال: قد ظننت ذلك، قال: إنّ لنفسك عندك قدرا.
جرى بين الرشيد وزبيدة نزاهة نفس عمارة بن حمزة وكبره، فقالت له:
ادع به وهب له سبحتي هذه فإن شراءها خمسون ألف دينار، فإن ردّها عرفنا نزاهته فوجّه إليه فحضر، فحادثه وأعطاه السّبحة، فجعلها عمارة بين يديه،
__________
(1) أبو عثمان: هو عمرو بن بحر الجاحظ. المتوفّى سنة 255هـ، تقدمت ترجمته.(7/87)
فلما قام تركها، فقالت: أنسيها؟ فأتبعوه خادما بالسبحة، فقال للخادم: هي لك، فرجع وقال: وهبها لي عمارة، فأعطت زبيدة بها الخادم ألف دينار وأخذتها. وقد روي أن هذا الخبر كان مع أبي العباس السفاح وزوجته أمّ سلمة.
كان مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب، أحد بني قيس بن ثعلبة، وإليه تنسب المسامعة، سيّد بكر بن وائل في الإسلام، وهو الذي قال لعبيد الله بن زياد بن ظبيان، أحد بني تيم اللات بن ثعلبة، وكان حدّثه أمر مسعود بن عمرو من الأزد ولم يعلمه فقال له عبيد الله، وهو أحد فتاك العرب، وقاتل مصعب بن الزّبير: أيكون مثل هذا الحدث ولا تعلمني؟ لقد هممت أن أضرمها عليك نارا، فقال مالك: اسكت أبا مطر، فو الله إنّك في كنانتي سهم أنا أوثق به منك، فقال له عبيد الله: أنا في كنانتك! فو الله لو قمت فيها لطلتها، ولو قعدت فيها لخرقتها، فقال مالك وأعجبه: أكثر الله في العشيرة مثلك، فقال: سألت ربّك شططا.
خطب عبد الملك بن مروان إلى عقيل بن علّفة ابنته على أحد بنيه، وكانت لعقيل إليه حاجات، فقال: أما إذ كنت فاعلا فجنّبني هجنائك.
وحدّث الجاحظ قال: أتيت أبا الربيع الغنويّ، وكان من أفصح الناس وأبلغهم، ومعي رجل من بني هاشم فناديت: أبو الربيع ههنا؟ فخرج إليّ وهو يقول: خرج إليك رجل كريم، فلما رأى الهاشميّ استحيا من الفخر بحضرته فقال: أكرم الناس رديفا، وأشرفهم حليفا! فتحدّث مليا، ونهض الهاشميّ، فقلت: يا أبا الربيع من خير الخلق؟ قال: الناس والله، قلت: فمن خير الناس؟
قال: العرب والله قلت: فمن خير العرب؟ قال: مضر والله، قلت: فمن خير مضر؟ قال: قيس والله، قلت: فمن خير قيس؟ قال: يعصر والله، فقلت: فمن خير يعصر؟ قال: غنيّ والله، قلت: فمن خير غنيّ؟ قال: المخاطب لك والله، قلت: فأنت خير الخلق؟ قال: إي والله، قلت: أيسرّك أن تكون ابنة يزيد بن المهلّب تحتك؟ قال: لا والله، قلت: ولك ألف دينار، قال: لا والله، قلت:
فالفا دينار، قال: لا والله، قلت: ولك الجنة، فأطرق مليّا ثم قال: على ألّا تلد مني.
قوله: أكرم الناس رديفا وأشرفهم حليفا، فإن أبا مرئد الغنويّ كان رديف رسول الله عليه وسلم، وحليف حمزة بن عبد المطلب رحمه الله.(7/88)
فالفا دينار، قال: لا والله، قلت: ولك الجنة، فأطرق مليّا ثم قال: على ألّا تلد مني.
قوله: أكرم الناس رديفا وأشرفهم حليفا، فإن أبا مرئد الغنويّ كان رديف رسول الله عليه وسلم، وحليف حمزة بن عبد المطلب رحمه الله.
يروى عن الأصمعي أنه رأى رجلا يختال في أزيّرة في يوم قر فقال له:
ممن أنت يا مقرور؟ قال: أنا ابن الوحيد، أمشي الخيزلى، ويدفئني حسبي.
وقيل لآخر في مثل هذه الحال: أما يوجعك البرد؟ قال: بلى، ولكنني أذكر حسبي فأدفأ.
كان عوف بن القعقاع بن معبد بن زرارة: من أتيه الناس وأشدهم وأجفاهم، قال له رجل مرّة: الطريق يا عبد الله، فقال: أعبد الله أنا؟ فكان الحجاج يقول: لو أدركته لقتلته تقرّبا إلى الله عزّ وجلّ.
كان جذيمة الأبرش لا ينادمه أحد تعظما ويقول: إنما ينادمني الفرقدان ونظنّ أن قول الشاعر (1): [الطويل]
وكنّا كندماني جذيمة حقبة
أراد به الفرقدين، وليس كما ذكرته الرّواة من حديث مالك وعقيل، فإنهما كان يجوز عليهما الافتراق ولا يجوز ذلك لفرقدين.
حكى ابن ثوابة أنه قال لغلامه: اسقني ماء فقال: نعم، فقال: إنما تقول:
من يقدر أن يقول: لا، وأمر بصفعه.
ودعا يوما أكارا (2) وكلّمه، فلما فرغ دعا بماء وتمضمض استقذارا لمخاطبته.
__________
(1) عجزه:
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
والبيت لمتمم بن نويرة في ديوانه ص 111، وتاج العروس (حبر)، (صدع)، جمهرة الأشعار ص 599، الكامل للمبرد 4/ 30.
(2) الأكار: الحرّات.(7/89)
الباب السابع نوادر في الجود والسخاء ومحاسن الأخلاق
كان هرم بن سنان آلى على نفسه ألا يسلّم عليه زهير إلا أعطاه، فقلّ مال هرم فأبقى عليه زهير، فكان يمرّ بالنادي، وفيه هرم، فيقول: أنعموا صباحا ما خلا هرما وخير القوم تركت.
أتى الحسن بن شهريار الحسن بن سهل فكلّمه في رجل فقال له: العيال متوافرون، والضّياع متحيّفة، والوظائف قائمة، وذو العادة لا يرضيه دون عادته، وقد أمرت له بثلاثين ألف درهم، فقال له الحسن بن شهريار: إنما مقدار الرجل الذي سألتك أن يعطى ألفا وألفين، فقال: يا حسن إن لكلّ شيء زكاة، وزكاة الجاه بذله، فإذا أجرى الله لإنسان على يدك خيرا فلا تعترض فيه.
كان طلحة بن عبد الله بن عوف الزّهريّ أجود قريش في زمانه، فقالت له امرأته: ما رأيت قوما ألأم من إخوانك، قال لها: لمه وأنّى قلت؟ قالت: أراهم إذا أيسرت أتوك، وإن أعسرت تركوك، قال: هذا والله من كرمهم، يأتوننا في حال القوة عليهم، ويتركوننا في حال العجز عنهم.
بعث روح بن حاتم بن المهلّب إلى رجل بثلاثين ألف درهم، وكتب إليه: قد وجّهت إليك بما لا أقلّله تكبّرا، ولا أكثّره تمنّنا، ولا أستثيبك عليه ثناء، ولا أقطع لك بها رجاء.
وصف رجل خالد بن عبد الله القسريّ بالشجاعة، وردّ عليه بعض من حضر وقال: إن خالدا لم يشهد حربا قطّ، فقال له صاحبه: اسكت فإن الصّبر عند الجود أعظم من الصبر عند البأس.
لما قتل جعفر بن يحيى قال أبو نواس: مضى والله الكرم والجود والأدب والعقل، فقيل له: ويحك! تهجوه في حياته وتمدحه في مماته؟ فقال:
ذاك والله لجهلي، وشقاء جدّي، وركوبي هواي، أيكون في الدنيا أكرم من جعفر، ولقد رفع إليه صاحب الخبر أنّي هجوته. وقلت (1): [الطويل](7/90)
لما قتل جعفر بن يحيى قال أبو نواس: مضى والله الكرم والجود والأدب والعقل، فقيل له: ويحك! تهجوه في حياته وتمدحه في مماته؟ فقال:
ذاك والله لجهلي، وشقاء جدّي، وركوبي هواي، أيكون في الدنيا أكرم من جعفر، ولقد رفع إليه صاحب الخبر أنّي هجوته. وقلت (1): [الطويل]
لقد غرّني من جعفر حسن بابه ... ولم أدر أنّ اللّؤم حشو إهابه
ولست وإن أطنبت في مدح جعفر ... بأوّل إنسان خرى في ثيابه
فوقع في رقعته: يدفع إليه عشرة آلاف درهم يغسل بها ثيابه؟
حدّث أن رجلا شيخا أتى سعيد بن سلم وكلّمه في حاجة وماشاه، فوضع زجّ عصاه التي يتوكّأ عليها على رجل سعيد حتى أدماها، فما تأوّه لذلك، وما نهاه، فلما فارقه قيل له: كيف صبرت منه على هذا؟ قال: خفت أن يعلم جنايته فينقطع عن ذكر حاجته.
مرّ عبد العزيز بن مروان بمصر فسمع امرأة تصيح بابنها يا عبد العزيز، فوقف فقال: من المسمّى باسمنا؟ ادفعوا إليه خمسمائة دينار، قال: فما ولد في أيامه مولود بمصر إلا سمّي عبد العزيز.
مرض قيس بن سعد بن عبادة، فاستبطأ عوّاده، فقال لمولى له: ما بال الناس لا يعودونني؟ قال: للدّين عليهم، قال: بادر فيهم، من كان عليه شيء فهو له، فكسروا درجته من تهافتهم عليه.
كان عبد الله بن جدعان حين كبر أخذت بنو تيم على يده ومنعوه أن يعطي شيئا من ماله، فكان الرجل إذا أتاه يطلب منه قال له: ادن مني، فإذا دنا منه لطمه، ثم قال: اذهب فاطلب بلطمتك أو ترضى فترضيه بنو تيم، وفيه يقول الشاعر (2): [الخفيف]
والذي إن أشار نحوك لطما ... تبع اللطم نائل وعطاء
وكان سعيد بن العاص إذا سأله سائل فلم يكن عنده ما يعطيه قال: اكتب عليّ سجلا إلى أيام يسري.
__________
(1) البيتان في ديوان أبي نواس ص 188.
(2) البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص 180، وعيون الأخبار 1/ 335، ونسب قريش ص 293.(7/91)
اشترى عبد الله بن أبي بكر جارية بستين ألف درهم فطلبت دابة تحمل عليها، فلم توجد، فجاء رجل بدابته فحملها، فقال له عبد الله: اذهب إلى منزلك ووهبها له.
أرتج على عبد الله بن عامر بالبصرة يوم أضحى، فمكث ساعة ثم قال:
لا أجمع عليكم عيّا وبخلا، من أخذ شاة من السوق فهي له، وعليّ ثمنها.
أهدى رجل إلى مالك هدية، فأظهر الغم بها، فقال له جلساؤه في ذلك، فقال: فكيف وهي لا تخلو من أن تكون من مبتد أي من رجل أتقلد له يدا، أو من رجل قلّدته نعمة، فأكون قد أخذت على نعمتي ثمنا.
قصد رجل طلحة الطّلحات بسجستان واستأذن الحاجب فقال له: بم تمتّ؟ قال: إنّ لي عند الأمير يدا، قال: فخبّرني أرفع إليه، قال: لا أقول إلّا له، فدخل الحاجب وعرفه، فأذن له، فمثل بين يديه فقال: ما هذه اليد التي لك عندنا؟ قال: كنت يوما مع الأمير جالسا فأماط عن لحيتي أذى، قال: فهذه يدي لا يدك، قال: صدقت أيها الأمير جئت لتربّها (1)، قال: حبّا ونعمة، وأحسن إليه.
استحمل رجل معن بن زائدة فقال معن: يا غلام أعطه بعيرا وبغلا وبرذونا وفرسا وجارية، ولو وجدنا مركوبا غير هذا لأعطيناه.
طلب رجل من أبي العباس خطرا فلم يعطه، فبلغ ذلك معن بن زائدة وهو باليمن فأرسل إليه بجراب خطر فيه ألف دينار وكتب إليه: اختضب بالخطر وانتفع بالنّخالة.
باع أبو الجهم داره، فلمّا أرادوا الإشهاد عليه قال: بكم تشترون من جوار سعيد بن العاص؟ قالوا: سبحان الله! وهل رأيت أحدا يشتري جوار أحد أو يبيعه؟ قال: لا تشترون مني جوار إنسان إن أسأت إليه أحسن؟! لا أريد أن أبيعكم شيئا، ردّوا عليّ داري، فبلغ ذلك سعيدا فبعث إليه بألف دينار.
__________
(1) تربّها: تتممها وتكملها.(7/92)
قال رجل لآخر: ائت فلانا فإنه لم ينظر إلى قفا محروم قط.
أراد الرشيد أن يخرج إلى القاطول فقال يحيى بن خالد لرجاء بن عبد العزيز وكان على نفقاته: ما عند وكلائنا من المال؟ قال: سبعمائة ألف درهم، قال: فاقبضها إليك يا رجاء، فلما كان من الغد غدا إليه رجاء فقبّل يده وعنده منصور بن زياد فلما خرج قال لمنصور: قد ظننت أن الرجل قد توهم أنا وهبنا المال له وإنما أمرناه بقبضه من الوكلاء ليحفظها علينا لحاجتنا إليها في وجهنا هذا، قال منصور: فأنا أعلمه ذلك، قال: إذن يقول لك قل له:
يقبّل يدي كما قبلت يده فلا تقل شيئا فقد تركتها له.
استلب رجل رداء طلحة بن عبيد الله فذهب رجل يتبعه فقال له طلحة:
دعه، فما فعل هذا إلا من حاجة.
كان خالد بن عبد الله القسريّ يكثر الجلوس ثم يدعو بالبدر ويقول: إنما هذه الأموال ودائع لا بدّ من تفريقها. فقال ذلك مرة، وقد وفد عليه أخوه أسد بن عبد الله من خراسان، فقام فقال: هدأت أيها الأمير، إنّ الودائع إنما تجمع لا تفرّق، قال: ويحك! إنها ودائع للمكارم وأيدينا وكلاؤها، فإذا أتانا المملق فأغنيناه، والظمآن فأرويناه، فقد أدّينا فيه الأمانة.
وكان طلحة الطلحات يقول: من كان جوادا فليعط ماله أخول أخول (1)، إن المال إذا كثر زيّن وأحبّ صاحبه صحبته.
قالوا: حدّ السّخيّ أن يعطي ما يحتاج إليه إلى من يحتاج إليه في الوقت الذي يحتاج إليه.
وسئل عمرو بن عبيد عن السخاء فقال: أن تكون بمالك متبرّعا، وعن مال غيرك متورّعا.
قيل لإسحق بن الموصليّ: صف لنا سخاء يحيى بن خالد، فقال: أمّا الفضل فيرضيك بفعله، وأما جعفر فيرضيك بقوله، وأما محمد فيفعل بحسب ما يجد، وأما موسى فيفعل بما لا يجد.
__________
(1) أخول أخول: أي متفرقا.(7/93)
قرع رجل باب بعضهم، فقال لجاريته: أبصري من القارع، فقالت: من ذا؟ قال: أنا صديق لمولاك، قال الرجل: قولي: والله إنك لصديق؟ فقالت له، فقال: والله إني لصديق، فنهض الرجل، وبيده سيف وكيس، يسوق جاريته وفتح الباب وقال: ما شأنك؟ قال: راعني أمر، قال: لابك ما ساءك، فإنّي قد قسمت أمرك بين نائبة فهذا المال، وبين عدوّ فهذا السّيف، أو أيمة فهذه الجارية.
أولم عديّ بن حاتم وليمة فقال لابن له حدث: كن بالباب فأذن لمن تعرف، وامنع من لا تعرف، فقال له مرتجلا: [مجزوء الرمل]
أنا في الطّاعة أمضى ... لك من سيف حسام
لا يكن أوّل ما ول ... ليتني منع الطّعام
فضمّه إليه وقال: نزعك عرق جدّك.
مرّ يزيد بن المهلّب بأعرابية في خروجه من سجن عمر بن عبد العزيز يريد البصرة فقرته عنزا فقبلها، ثم قال لابنه معاوية: ما معك من النفقة؟ قال:
ثمان مائة دينار، قال: فادفعها إليها، فقال له ابنه: إنك تريد الرجال، ولا تكون الرجال إلا بالمال، وهذه يرضيها اليسير، وهي بعد لا تعرفك، قال: إن كانت ترضى باليسير فإنّي لا أرضى إلّا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي، ادفعها إليها.
قال الأحنف: كثرت عليّ الديات بالبصرة لما قتل مسعود، فلم أجدها في حاضرة تميم فخرجت نحو يبرين فسألت عن المقصود هناك، فأرشدت إلى قبّة، فإذا شيخ جالس بفنائها مؤتزر بشملة محتب بحبل فسلّمت عليه، وانتسبت له. فقال: ما فعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قلت: توفّي. قال: فما فعل عمر بن الخطاب الذي كان يحفظ العرب ويحوطها؟ قلت: مات. قال:
فأيّ خير في حاضرتكم بعدهما؟
قال: فذكرت الديات التي لزمتنا للأزد وربيعة، فقال: أقم، فإذا راع قد أراح عليه ألف بعير فقال: خذها، ثم أراح عليه آخر مثلها، فقال: خذها، قلت: لا أحتاج إليها، فانصرفت بالألف، وو الله ما أدري من هو إلى الساعة.
كان يقال لطلحة بن عبيد الله: طلحة الخير، وطلحة الجود.(7/94)
قال: فذكرت الديات التي لزمتنا للأزد وربيعة، فقال: أقم، فإذا راع قد أراح عليه ألف بعير فقال: خذها، ثم أراح عليه آخر مثلها، فقال: خذها، قلت: لا أحتاج إليها، فانصرفت بالألف، وو الله ما أدري من هو إلى الساعة.
كان يقال لطلحة بن عبيد الله: طلحة الخير، وطلحة الجود.
وروي أنه باع ضيعة له بخمسة آلاف ألف درهم، فقسّمها في الأطباق، وأنه منعه أن يخرج إلى المسجد حتى لفّق له بين ثوبيه.
ويقال: إن شاعرا أتى أبا البختريّ وهب بن وهب وكان جوادا فمدحه فهشّ إليه وثنى له الوسادة ورفده وحمله وأضافه، فلما أراد الرجل الرّحلة لم يخدمه أحد من غلمان أبي البختريّ، ولا عقد له ولا حلّ، فأنكر الرجل ذلك مع جميل فعله به، فعاتب بعضهم، فقال له الغلام: إنا إنّما نعين النازل على الإقامة، ولا نعين الراحل على الفراق، فبلغ هذا الكلام جليلا من القرشيّين فقال: والله لفعل هؤلاء العبيد على هذا المقصد أحسن من رفد سيّدهم.
قال أبو يعقوب الخطّابي: قدمت على السّريّ بن عبد الله فتحرّك، فرأيت عليه إزارا قوّمته خمسة دراهم فأبدرته بصري فقال: هذا إزاري، وقد فرّقت في قومك العام أربعين ألف دينار!
قال معن بن زائدة: قاتلنا ابن هبيرة بواسط فظفرنا وغنمنا، وأصابني عشرة آلاف درهم فرّقتها في زوّاري وأضيافي، وأحرز أصحابي ما كان لهم، فلما كان الغد ظفر بنا وأخذ ما كان مع أصحابي، وبقي ما كان لي مننا في أعناق الرجال.
باع حكيم بن حزام من معاوية داره بستين ألف دينار، فقيل له: غبنك معاوية، فقال: والله ما أخذتها في الجاهلية إلا بزقّ خمر، وأشهدكم أنها في سبيل الله فانظروا أيّنا المغبون؟
قال بعض العرب: «حدّث عن البحر ولا حرج، وحدّث عن بني إسرائيل ولا حرج، وحدّث عن معن ولا حرج».
ذكر عند سفيان بن عيينة سخاء عبد الله بن جعفر وتعجّب منه، فقال:
كيف يتعجّب من سخائه وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر أن يخلفه الله في ولده بأفضل ما خلف به أحدا من عباده الصالحين السخاء؟
أخذ سليمان بن عبد الملك ابن هبيرة بألف ألف درهم، فأتى يزيد بن المهلّب فقال: زاد الله في توفيقك وسرورك، أخذت بما لم يسعه مالي، فقلت:(7/95)
كيف يتعجّب من سخائه وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر أن يخلفه الله في ولده بأفضل ما خلف به أحدا من عباده الصالحين السخاء؟
أخذ سليمان بن عبد الملك ابن هبيرة بألف ألف درهم، فأتى يزيد بن المهلّب فقال: زاد الله في توفيقك وسرورك، أخذت بما لم يسعه مالي، فقلت:
ما لما نزل بي إلّا السيّد الكريم، مدره العرب، ووزير الخليفة، وصابح المشرق. فقام رجل من قوم ابن هبيرة فقال: أيها الأمير، إنه ما خصّ هذا عمّنا، وقد أتيناك فيما شكا، فإن تكفه فليس بأعجب ما فيك، وإن تدفعه فليس له غيرك. وقام آخر فقال: لو أصبنا أحدا فوقك اخترناه، أو دونك انحططنا إليه، وقد أتيناك فيما فدحه فإن تستقلله فقد ترجى لأكثر، وأن تستكثره فقد تضطلع دونه، فو الله ما الدخان بأدلّ على النار، والعجاج على الريح، من ظاهر أمرك على باطنه. وقام آخر فقال: عظم شأنك أن يستعان عليك أو يستعان بك، ولست تأتي شيئا من المعروف إلّا صغر عنك، وعظمت عنه، ولا غاية بلغها أحد من العرب إلا بلغتها، فحظّك فيها مقدم، وحقك فيها معظم، لا نقيسك بأحد من الملوك إلا عظمت عنه، ونزنك بأحد منهم إلا رجحت به، والله ما العجب أن تفعل، ولكن العجب ألّا تفعل. فقال يزيد: مرحبا بكم، وأهلا، إنّ خير المال ما قضي به الحقّ، وابتني به المكرمة، وإنما لي من مالي ما فضل عن الناس، وايم الله أن لو أعلم أحدا أهلا لحاجتكم مني أرشدتكم إليه، فاحتكموا وأكثروا، فقال ابن هبيرة: النّصف أصلحك الله، فقال: اغد على مالك فاقبضه، فدعوا له وقاموا فمضوا غير بعيد، فندموا، فظن ذلك بهم يزيد، فقال: ردّهم، فرجعوا فقالوا: أقلنا أصلحك الله، قال: قد فعلت، وتحملها كلّها عنه.
قال ابن عباس قدم علينا الوليد بن عتبة المدينة واليا كأنّ وجهه ورقة مصحف، فو الله ما ترك فينا عانيا (1) إلا فكّه، ولا غريما إلّا أدّى عنه، ينظر إلينا بعين أرقّ من الماء ويكلّمنا بكلام أحلى من الجنى، ولقد شهدت منه مشهدا لو كان من معاوية لذكرته منه أبدا: تغدّينا عنده، فأقبل الخبّاز بالصحفة، فعثر بوسادة، وبدرت الصحفة من يده، فو الله ما ردّها إلا ذقنه، وصار ما فيها في حجره، ومثل الغلام وما فيه من الرّوح إلّا ما يقيم رجله، فقام فدخل فغيّر
__________
(1) العاني: الأسير.(7/96)
ثيابه، ثم أقبل تبرق أسارير وجهه، فأقبل على الخبّاز فقال: يا بائس ما أرانا إلّا وقد روّعناك، أنت وأولادك أحرار لوجه الله. فهذا هو التواضع الجميل، والبذل الحسن، والكبر المحض.
قال سلم بن زياد لطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعيّ: إني أريد أن أصل رجلا له عليّ حقّ وصحبة بألف ألف درهم فما ترى؟ قال: أرى أن تجعل هذه لعشرة، قال: فأصله بخمس مائة ألف درهم؟ قال: كثير، فلم يزل به حتى وقف على مائة ألف درهم، قال: أفترى مائة ألف يقضى بها ذمام رجل له انقطاع وصحبة ومودّة وحقّ واجب؟ قال: نعم، قال: هي لك، وما أردت غيرك، قال: فأقلني، قال: لا أفعل والله.
قبض غريم للحسن بن سهل بعد محنته عليه، وصار به إلى مجلس أحمد بن أبي دواد أراد أن يضع منه حسدا له، وركب أحمد، وجلس الحسن ينتظره فدخل كاتب للحسن فقال له: بعت الضّيعة؟ قال: نعم، قال: بكم؟
قال: بثلاثين ألف دينار قال: وقبضت الثمن؟ قال: نعم، قال: زن لهذا الغريم ماله، وسأل جميع من كان حضر للحكم، وكان بعضهم يطالب بعضا، وهم ينتظرون عود ابن أبي دواد، فأدّى عن كلّ مطالب ما عليه، ورجع ابن أبي دواد فلم يجد في مجلس الحكم أحدا، فسأل عن الخبر فأخبر بالقصّة، فكان بعد ذلك من الواصفين لجلالة الحسن بن سهل وكرمه.
دخل رجل على خالد بن عبد الله القسريّ فقال: السلام عليك يا مفلح، قال: وكيف قلت ذلك؟ قال: لأن الله عزّ وجلّ قال في كتابه: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: الآية 9] وقد وقاك الله شحّ نفسك.
قال المأمون لمحمد بن عبّاد المهلّبيّ: بلغني عنك سرف في إعطائك، فقال: يا أمير المؤمنين: «منع ما يوجد سوء ظن بالله».
وروي أن رسول الله، صلى الله عليه وآله، أتي بأسرى من بني العنبر، فأمر بقتلهم وأفرد منهم رجلا، فقال عليّ، عليه السلام: الرب واحد، والدّين واحد، والذنب واحد، فما بال هذا من بينهم؟ فقال: «نزل عليّ جبريل فقال:
اقتل هؤلاء واترك هذا، فإن الله شكر له سخاء فيه».
وقال صلى الله عليه وآله لآخر: «لولا سخاء فيك ومقك (1) الله عليه لشردت بك أفّ لك من وافد قوم».(7/97)
اقتل هؤلاء واترك هذا، فإن الله شكر له سخاء فيه».
وقال صلى الله عليه وآله لآخر: «لولا سخاء فيك ومقك (1) الله عليه لشردت بك أفّ لك من وافد قوم».
وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام: «لا تقتل السامريّ فإنه سخيّ».
أنفذ جبلة بن الأيهم من الروم مالا إلى حسّان بن ثابت، فلما أتاه الرسول وأقرأه السلام عن جبلة، قال له: هات ما بعث معك من المال، قال: وما علمك بأنه بعث معي بشيء؟ قال: ما أرسل إليّ بالسلام قطّ إلّا ومعه مال.
كان المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في جيش مسلمة حين غزا الروم في خلافة عمر بن عبد العزيز إلى أن بلغ فيها القسطنطينيّة فتشابها فسامه مسلمة بماله الذي يعرف بالمعرضة فأبى المغيرة أن يبيعه، ثم أصابت أهل تلك الغزاة مجاعة فباعه إياه بخمسة عشر ألف دينار فنقده مسلمة الثّمن، فبعث المغيرة بذلك المال مع من اشترى له إبلا من كلب، واشترى له دقيقا وزيتا وقباطيّ، وحمل ذلك على الإبل، وكانوا لا يقدرون على الحطب، فأمر بالقباطيّ فأدرجت في الزّيت وأوقدها، ونحر الإبل واطّبخ واختبز وأطعم الناس، وكان في تلك الغزاة أخوه أبو بكر بن عبد الرحمن فقيل له: نرى نارا في العسكر، فقال: لا تجدونها إلّا في رحل المغيرة من طعامه. فلما قفل الناس من غزاتهم تلك وبلغ الخبر عمر بن عبد العزيز قال عمر لمسلمة: أنت كنت أقوى وأولى بإطعام الناس من المغيرة، وذلك لك ألزم لأنك إنما كنت تطعمهم من بعض مالك، وهو أطعمهم بحطمة ماله، فاقصمه البيع، فإنه بيع ضعطة لا يجوز، فعرض ذلك مسلمة على المغيرة فأبى، وقال: قد أنفذت البيع. فأمر عمر بن عبد العزيز بتلك الضّيعة فردّت على المغيرة، وأمر بالمال يدفع إلى مسلمة من بيت المال، فتصدّق المغيرة بالمعرضة، أو أمر أن يطعم الحاجّ منها يوم عرفة وثلاثة منى، فهو السويق والسمن والتمر الذي يطعم بمنى من صدقة المغيرة.
__________
(1) ومقه ومقا ومقة: أحبه فهو وامق، وتومّق: تودّد.(7/98)
الباب الثامن الشجاعة والجبن
قيل لبعضهم: ما الشجاعة؟ قال: صبر ساعة.
حكي عن ابن أبي عتيق قال: نظرت إلى عبد الله بن الزبير وعبد الله بن صفوان، وقد ذهب الناس عنهما، فلم يبق معهما أحد، وهما نائمان يغطّان في الليلة التي قتلا في صبيحتها.
قيل لبني الحارث: كيف كنتم تفعلون؟ قالوا: كنّا لا نبدأ أحدا بظلم، ولم نك بالكثير فنتواكل، ولا بالقليل فنتخاذل وكنا نصبر بعد الناس ساعة.
قال بعض الشّجعان لرفيق له، وقد أقبل العدو: اشدد قلبك، قال: أنا أشدّه ولكنه يسترخي.
اجتاز كسرى في بعض حروبه بشيخ قد تمدّد في ظلّ شجرة ونزع سلاحه وشدّ دابته فقال له: أنا في الحرب وأنت على مثل هذه الحال؟! فقال الشيخ:
أيها الملك، إنما بلغت هذه السنّ باستعمالي هذا التوقي، فقال كسرى: زه (1).
خرج المعتصم إلى بعض متصيّداته فظهر له أسد، فقال لرجل من أصحابه أعجبه قوامه وسلاحه وتمام خلقه: هل فيك خير؟ فقال بالعجلة: لا يا أمير المؤمنين، فضحك المعتصم وقال: قبّحك الله وقبّح طللك (2).
لمّا ذهب بهدبة ليقتل انقطع قبال نعله، فجلس يصلحه، فقيل له: تصلحه وأنت على ما أنت عليه؟ فقال: [الوافر]
أشدّ قبال نعلي لن يراني ... عدوّي للحوادث مستكينا
__________
(1) زه: كلمة فارسية بمعنى: أحسنت.
(2) طللك: شخصك وهيئتك.(7/99)
كان الحارث بن هشام المخزوميّ في وقعة اليرموك، وبها أصيب، فأثبتته الجراح، فاستسقى ماء، فأتي به، فلما تناوله نظر إلى عكرمة بن أبي جهل صريعا في مثل حاله، فردّ الإناء على الساقي وقال: امض إلى عكرمة ليشرب أوّلا فإنه أشرف منّي، فمضى به إليه، فأبى أن يشرب قبله، فرجع إلى الحارث فوجده ميّتا، ورجع إلى عكرمة فوجده أيضا ميتا، لم يشرب أحد منهما الماء.
قال الموصليّ: حدّثني رجل من أهل الأدب قال: كانت لفتى من قريش وصيفة نظيفة جميلة الوجه حسنة الأدب، وكان بها معجبا، فأضاق، فاحتاج إلى ثمنها، فحملها إلى العراق، زمن الحجّاج، فباعها فوقعت إلى الحجاج، فكانت تلي خدمته، فقدم عليه فتى من ثقيف أحد بني أبي عقيل، فأنزله قريبا منه وألطفه، فدخل عليه يوما والوصيفة تقمز (1) رجل الحجاج، وكان للفتى جمال وهيئة، فجعلت الوصيفة تسارق الثّقفيّ النظر، وفطن الحجّاج فقال للفتى: ألك أهل؟ قال: لا، قال: خذ بيد هذه الوصيفة فاسكن إليها واستأنس بها، إلى أن أنظر لك بعض بنات عمّك، فدعا له وأخذها مسرورا، وانصرف إلى رحله، فباتت معه ليلتها وهربت بغلس فأصبح، لا يدري أين هي، وبلغ الحجاج ذلك فأمر مناديا فنادى برئت الذّمة ممن آوى وصيفة من صفتها وأمرها كيت وكيت، فلم يلبث أن أتي بها فقال لها: يا عدوّة الله، كنت عندي من أحب الناس، واخترت لك ابن عمي شابا حسن الوجه، ورأيتك تسارقينه النظر، فدفعتك إليه، وأوصيته بك، فما لبثت إلّا سواد ليلتك حتى هربت. قالت يا سيدي اسمع قصّتي ثم اصنع ما أحببت، قال: هات، قالت: كنت لفلان القرشيّ، وكان بي معجبا، فاحتاج إلى ثمني، فحملني إلى الكوفة، فلما صرنا قريبا منها دنا مني فوقع عليّ، فلم يلبث أن سمع زئير الأسد فوثب عني إليه، واخترط سيفه، ثم حمل عليه فضربه وقتله، ثم أقبل إليّ وما برد ما عنده، فقضى حاجته. وقالت:
ابن عمّك هذا الذي اخترته لي، لمّا أظلم الليل قام إليّ، فإنه لعلى بطني إذ وقعت فأرة من السقف عليه فضرط ثم وقع مغشيا عليه، فمكث زمانا طويلا
__________
(1) القمز: الجمع، والأخذ بأطراف الأصابع.(7/100)
أقلّبه وأرشّ على وجهه الماء وهو لا يفيق، فخفت أن تتّهمني به فهربت فزعا من القتل، فما ملك الحجاج نفسه وقال: ويحك! لا تعلمي بهذا أحدا فإنه فضيحة، قالت: يا سيدي على ألا تردّني إليه، فقال لها: لك ذاك.
سمعت عائشة الناس يوم الجمل يكبرون فقالت: لا تكبّروا فإنّ كثرة التكبير عند القتال من الفشل.
قال عمر لعمرو بن معديكرب: أخبرني عن الحرب، قال: مرّة المذاق، إذا قلصت عن ساق، من صبر فيها عرف. ومن ضعف عنها تلف.
حدّث جار لأبي حيّة النّميريّ قال: كان لأبي حية سيف ليس بينه وبين الخشب فرق، وكان يسمّيه «لعاب المنية»، فأشرقت عليه، وانتضاه واستذفره، وهو واقف على باب بيت في داره، وقد سمع حسّا وهو يقول: أيها المغترّ بنا، والمجترىء علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك، خير قليل، وسيف صقيل، لعاب المنية الذي قد سمعت به، مشهورة: ضربته، لا تخاف نبوته، اخرج بالعفو عنك، قبل أن أدخل بالعقوبة عليك، إني والله إن أدع قيسا تملأ الفضاء خيلا ورجلا، فيا سبحان الله! ما أكثرها وأطيبها، ثم فتح الباب على وجل، فإذا كلب قد خرج، فقال: الحمد لله الذي مسخك كلبا، وكفاني حربا.
قال رجل من العرب انهزمنا من قطريّ وأصحابه، فأدركني رجل على فرس، فسمعت حسّا منكرا خلفي، فالتفتّ فإذا أنا بقطري، فيئست من الحياة، فلما عرفني قال: أوجع خاصرتها، واشدد عنانها، قطع الله يدك، قال: ففعلت ومضيت.
قال عمير بن الحباب: إذا رأيت سوادا بليل فلا تكن أشدّ السوادين فرقا فإنه يهابك كما تهابه، ولو صدمت الأسد لحاد عنك.
قيل لعمرو بن معديكرب: إن الآثار في ظهرك لكثيرة، قال: لأنّي كفيت أمامي ولم يكفني أحد ما وراء ظهري.
قيل لعباد بن الحصين الحبطيّ: في أيّ جنّة تحبّ أن تلقى عدوّك؟ قال:
في أجل مستأخر.
سئل المهلّب عن رجل في شجاعته فقدّمه، فقال له: فأين ابن الزبير:(7/101)
في أجل مستأخر.
سئل المهلّب عن رجل في شجاعته فقدّمه، فقال له: فأين ابن الزبير:
وابن حازم؟ فقال: إنما سألتني عن الإنس ولم تسأل عن الجن.
كان عمير بن الحباب السّلميّ فارس الإسلام، وكان مع ابن زياد لما حارب ابن الأشتر فقال: لما كان في الليلة التي يريد ابن الأشتر أن يواقع في صبيحتها خرجت إليه، وكان لي صديقا، ومعي رجل من قومي، فصرت في عسكره فرأيته وعليه قميص هرويّ وملاءة وهو موشّح بالسيف يجوس عسكره فيأمر فيه وينهى، فالتزمته من ورائه، فو الله ما التفت إليّ ولكن قال: من هذا؟
قلت: عمير بن الحباب، فقال: مرحبا بأبي المغلّس كن بهذا الموضع حتى أعود إليك، فقلت لصاحبي: أرأيت أشجع من هذا قطّ؟ يحتضنه رجل من عسكر عدوّه ولا يدري من هو فلا يلتفت! ثم عاد إليّ فقال: ما الخبر؟ وكان في أربعة آلاف فقلت: القوم كثير، والرأي أن تناجزهم، فإنه لا صبر بهذه العصابة على مطاولة هذا الجمع الكثير، فقال: نصبح إن شاء الله فنحاكمهم إلى ظبات السّيوف وأطراف القنا، قلت: فأنا منخزل عنك بثلث الناس غدا.
سأل ابن هبيرة عن مقتل عبد الله بن خازم فقال رجل ممّن حضر مجلسه: سألت وكيع بن الدّورقية كيف قتلته؟ فقال: غلبته بفضل فناء كان لي عليه، فصرعته وجلست على صدره، وقلت: يا لثارات الدّويلة يعني أخاه من أمه فقال من تحتي: قتلك الله، تقتل كبش مضر بأخيك وهو لا يساوي كفّ نوى؟ ثم تنخّم فملأ وجهي نخاما، فقال ابن حبيرة هذه والله البسالة. استدل عليها بكثرة ريقه في ذلك الوقت.
كان حبيب بن مسلمة الفهريّ يغزو التّرك، فخرج ذات مرة إلى بعض غزواته فقالت له امرأته: أين موعدك؟ قال: سرادق الطاغية أو الجنة، قالت:
إني أرجو أن أسبقك إلى أيّ الموضعين كنت فيه، فجاء فوجدها في السّرادق:
سرادق الطاغية تقاتل الترك.
قال: عرض الأسد لأهل قافلة، فخرج رجل، فلما رأى الأسد سقط وركبه الأسد، فشدّوا عليه بأجمعهم واستنقذوه، فتنحّى الأسد، فقالوا: ما حالك؟ قال: لا بأس ولكنّ الأسد خرى في سراويلي.
قال المهلّب: أشجع الناس ثلاثة: ابن الكلبيّة، وأحمر قريش، وراكب البغلة: فابن الكلبيّة: مصعب بن الزبير، أفرد في سبعة وأعطي الأمان، وأحمر قريش: عمر بن عبيد الله بن معمر، ما لقي خيلا قطّ إلا كان في سرعانها، وراكب البغلة: عبّاد بن حصين الحبطيّ، ما كنّا في كربة قطّ إلا فرّجها، قال: فقال الفرزدق وكان حاضرا: فأين أنت من عبد الله بن الزّبير، وعبد الله بن خازم السّلميّ؟ فقال: ويحك! إنما ذكرنا الإنس فإما الجنّ فلم نذكرهم بعد.(7/102)
قال: عرض الأسد لأهل قافلة، فخرج رجل، فلما رأى الأسد سقط وركبه الأسد، فشدّوا عليه بأجمعهم واستنقذوه، فتنحّى الأسد، فقالوا: ما حالك؟ قال: لا بأس ولكنّ الأسد خرى في سراويلي.
قال المهلّب: أشجع الناس ثلاثة: ابن الكلبيّة، وأحمر قريش، وراكب البغلة: فابن الكلبيّة: مصعب بن الزبير، أفرد في سبعة وأعطي الأمان، وأحمر قريش: عمر بن عبيد الله بن معمر، ما لقي خيلا قطّ إلا كان في سرعانها، وراكب البغلة: عبّاد بن حصين الحبطيّ، ما كنّا في كربة قطّ إلا فرّجها، قال: فقال الفرزدق وكان حاضرا: فأين أنت من عبد الله بن الزّبير، وعبد الله بن خازم السّلميّ؟ فقال: ويحك! إنما ذكرنا الإنس فإما الجنّ فلم نذكرهم بعد.(7/103)
قال: عرض الأسد لأهل قافلة، فخرج رجل، فلما رأى الأسد سقط وركبه الأسد، فشدّوا عليه بأجمعهم واستنقذوه، فتنحّى الأسد، فقالوا: ما حالك؟ قال: لا بأس ولكنّ الأسد خرى في سراويلي.
قال المهلّب: أشجع الناس ثلاثة: ابن الكلبيّة، وأحمر قريش، وراكب البغلة: فابن الكلبيّة: مصعب بن الزبير، أفرد في سبعة وأعطي الأمان، وأحمر قريش: عمر بن عبيد الله بن معمر، ما لقي خيلا قطّ إلا كان في سرعانها، وراكب البغلة: عبّاد بن حصين الحبطيّ، ما كنّا في كربة قطّ إلا فرّجها، قال: فقال الفرزدق وكان حاضرا: فأين أنت من عبد الله بن الزّبير، وعبد الله بن خازم السّلميّ؟ فقال: ويحك! إنما ذكرنا الإنس فإما الجنّ فلم نذكرهم بعد.
الباب التاسع الأسماء الحسنة والقبيحة
تقدّم رجلان إلى شريح فقال أحدهما: ادع أبا الكويفر ليشهد، فردّه شريح ولم يسأل عنه وقال: لو كنت عدلا لم ترضها.
سأل عمر رجلا أراد أن يستعين به على أمر عن اسمه، فقال: ظالم بن سرّاق، فقال: تظلم أنت ويسرق أبوك!! ولم يستعن به.
وسمع عمر بن عبد العزيز رجلا ينادي آخر: يا أبا العقلين، فقال: لو كان عاقلا لكفاه أحدهما.
قيل لبعضهم: قد رزقت ابنا فاختر له كنية، فقال: كنّوه أبا عبد رب السموات السبع وربّ العرش العظيم.
نادى منادي معاوية وهو يعرض الجند: أين فيشلة بن الرّهاز؟ فأقبل فتى شاب، فقال معاوية: ويلك! ما هذا الاسم؟ قال: سماني به أبي، قال:
فهلّا غيّرت بالكنية؟ قال: قد فعلت، قال: ما الكنية؟ قال: أبو اليقّاط، فنفاه.
قال هشام: خرج عمر إلى حرّة واقم، فلقي رجلا من جهينة فقال له:
ما اسمك؟ قال: شهاب، قال: ابن من؟ قال: ابن جمرة، قال: وممّن أنت؟
قال: من الحرقة، قال: ثم ممّن؟ قال: من بني ضرام، قال: وأين منزلك؟
قال: بحرّة ليلى، قال: فأين تريد؟ قال: لظى وهو موضع فقال عمر:
أدرك أهلك فما أراك تدركهم إلا وقد احترقوا، قال: فأدركهم وقد أحاطت بهم النار.
سأل رجل أبا عبيدة عن اسم رجل، فقال: ما أعرف اسمه. فقال حسّان:
أنا أعرف الناس به، هو خراش أو خداش أو رباش أو شيء آخر، فقال أبو
عبيدة: ما أحسن ما عرفته، فقال: إي والله هو من قريش أيضا، قال: وما يدريك؟ قال: أما ترى احتواءه على الشين من كل جانب؟(7/104)
أنا أعرف الناس به، هو خراش أو خداش أو رباش أو شيء آخر، فقال أبو
عبيدة: ما أحسن ما عرفته، فقال: إي والله هو من قريش أيضا، قال: وما يدريك؟ قال: أما ترى احتواءه على الشين من كل جانب؟
كان لأبي العتاهية ابن يسمّى عتاهية، وابن آخر اسمه عبد إلهي، يعني الله، وبنت اسمها بهاء الله، وكان له أختان: اسم إحداهما سر الله، والأخرى حسبها الله.
استعرض المعلّى بن أيوب الجند، فقال لواحد: ما اسمك؟ قال برّادة، قال: ابن من؟ قال: بريد، قال: وممّن أنت؟ قال: من البردان، قال: وأين منزلك؟ قال: في درب الثلج، فصاح المعلى يا غلام دواج وبرجد، والله كززنا.
وشبيه بهذه الحكاية قولهم: لقي المبرّد برد الخيار في سوق الثلج، في كانون الثاني فسأله عن قولهم: ثلج صدره، أو ثلج.
لقي واحد أعرابيا فقال له: ما اسمك؟ قال: قوّاد، قال: قبّح الله أباك، ضيقت عليه الأسامي حتى سماك قوّادا؟ فقال: إن كان ضيّق الاسم فقد وسّع الكنية، قال: أبو من؟ قال: أبو الصحاري.
وسمّى رجل جاريته مائة ألف أو يزيدون.
وقف أعرابيّ على قوم فسألهم عن أسمائهم، فقال أحدهم: اسمي محرز، وقال آخر: اسمي وثيق، وقال آخر: منيع، وقال آخر: ثابت، وقال آخر: شديد، فقال الأعرابي: قبحكم الله! ما أظن الأقفال عملت إلا من أسمائكم.
كنى بعضهم ابنه أبا عبد رب السوات السبع ورب العرش العظيم.
ولد لبعضهم ابن، فقال: سمّوه عمر بن عبد العزيز فإنه بلغني أنه كان رجلا صالحا.
قيل لرجل: أبو من؟ فقال: أبو عبد الملك الكريم الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، فقال: مرحبا بك يا نصف القرآن، ارتفع.
قال السفاح للسيد الحميريّ: أأنت السيد؟ قال: أنا ابن فلان وأمير المؤمنين السيد.(7/105)
قيل لرجل: أبو من؟ فقال: أبو عبد الملك الكريم الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، فقال: مرحبا بك يا نصف القرآن، ارتفع.
قال السفاح للسيد الحميريّ: أأنت السيد؟ قال: أنا ابن فلان وأمير المؤمنين السيد.
قال ابن أبي البغل لرجل: ولد لي مولود فما أسمّيه؟ فقال: لا تخرج من الإصطبل وسمّه ما شئت.
قال برصوما الزامر لأبيه: لم تجد اسما تسمّيني أحسن من هذا؟ فقال: لو علمت أنك تجالس الخلفاء باسمك لسميتك يزيد بن مزيد.
رفع رجل قصة إلى محمد بن عبد الله وعليها حريث بن الفراس فصيّره خريت في الفراش، ووقّع تحته بئس ما فعلت.
كان للفرزدق عدة بنين أسماؤهم لبطة وعبطة وسبطة.
وسمعت الصاحب رحمه الله يقول: كان عليّ بن عيسى يلقّب بسكتكت، وله أخ يلقب بكلملم، والآخر يلقب بعرمرم.
كتب رجل كتاب عناية لابن عبد الله العاقل، فعنون الكتاب لأبي الفياض بحر ابن الفرات فقال له: زن بي الزورق وإلا غرقت ولم أصل إليه.
كان أبو العاج على جوالى البصرة فأتي برجل من أهل الذمة فقال: ما اسمك؟ فقال: بندار بن بندار، فقال اسم ثلاثة وجزية واحد؟ لا والله العظيم، وأخذ منه ثلاث جزيات.
قال أبو مسمع البصريّ: كنا نجالس أبا الهذيل في مجلسه، فجاءنا شاب له رواء ومنظر وسمت، فقعد فأجللناه لظاهره، فقال أبو الهذيل: ليس للعجم كتاب أجلّ من الكتاب المترجم بجاودان كرد، وقد استفتح مؤلّفه بثلاث كلمات ليس لهنّ نظير، منها أنه قال: من أخبرك أن عاقلا لم يصبر على مضض المصيبة فلا تصدّقه، ومن أخبرك أن عاقلا أساء إلى من أحسن إليه فلا تصدقه، ومن أخبرك أنّ حماة أحبّت كنّة فلا تصدّقه. فانبرى الغلام وجثا وقال: حدّثني أبي عن جدّي بثلاث هنّ أحسن منهنّ، فقال أبو الهذيل: منّ علينا بهنّ فقال:
قال جدّي رحمة الله عليه: من أخبرك أن الجائع كالشبعان فلا تصدّقه، ومن أخبرك أن النائم كاليقظان فلا تصدّقه، ومن أخبرك أن الراضي كالغضبان فلا
تصدقه. فقلنا له: أمن العرب أنت أم من العجم؟ قال: من بينهما. قلنا: فمن أيّ بلد أنت؟ قال: من دوين السماء وقويق الأرض فقال له الجاحظ: ما اسمك؟ قال: لجام، قال: فالكنية؟ قال: أبو السرج، فقال له: فما لك لا تنهق وأنت حمار؟ فقام مغضبا يجر إزاره وهو يقول: ليس الذنب لكم، إنما الذنب لي حين أجالس أمثالكم وأنتم لا تدرون ما طحاها.(7/106)
قال جدّي رحمة الله عليه: من أخبرك أن الجائع كالشبعان فلا تصدّقه، ومن أخبرك أن النائم كاليقظان فلا تصدّقه، ومن أخبرك أن الراضي كالغضبان فلا
تصدقه. فقلنا له: أمن العرب أنت أم من العجم؟ قال: من بينهما. قلنا: فمن أيّ بلد أنت؟ قال: من دوين السماء وقويق الأرض فقال له الجاحظ: ما اسمك؟ قال: لجام، قال: فالكنية؟ قال: أبو السرج، فقال له: فما لك لا تنهق وأنت حمار؟ فقام مغضبا يجر إزاره وهو يقول: ليس الذنب لكم، إنما الذنب لي حين أجالس أمثالكم وأنتم لا تدرون ما طحاها.
قال الحسن بن شهويار: قالت وصيفتي لواحد: ما اسمك؟ قال: عبدان، قالت: ابن من؟ قال: عذار، قالت: فلذلك سمي أبوك عذار؟
قال أبو بكر بن دريد: قلت لابن شاهين: ما بال الحسين بن فهم يشتمك؟ قال: ما أدري، غير أني سمعت أن أباه حدّث عن أبيه قال: كان إذا ولد لأبي مولود فتح المصحف فقرأ أوّل الورقة فيسمّي ذلك المولد به، رضي أم سخط، فولد له مولود ففتح المصحف فقرأ {فَهُمْ لََا يَعْلَمُونَ} [التّوبة: الآية 93] ففتح المصحف ثانيا فقرأ {فَهُمْ لََا يُبْصِرُونَ} [يس: الآية 9] فسماه فهما.
كان محمد بن المتنبّية على واسط فتقدّم إليه رجل مع خصمه فقال: ادع بيّنتك، فقال: تعال يا أبا الذئب، تعال يا أبا زعفران، تعالى يا أبا الياسمين، تعال يا أبا الصلابة، فقال: انطلق، ما هؤلاء بشهود.
نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالمدينة على كلثوم فدعا غلاميه يا يسار ويا سالم، فقال النبي عليه السلام لأبي بكر: «سلمت لنا الدّار في يسر».
كان أبو ثور الفقيه يمشي في السوق فإذا براكب خلفه يقول: الطريق الطريق! فلم يتنبّه له، فقال: يا ثور، الطريق! فرفع إليه رأسه وقال: ما أقرب ما وقعت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سمّوا أولادكم أسماء الأنبياء، وأحسن الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها الحارث وهمام، وأقبحها حرب ومرّة».
وروي عن ريطة بنت مسلم عن أبيها قال: شهدت مع النبي، عليه الصلاة والسلام، حنينا فقال: ما اسمك؟ قلت: غراب، قال: أنت مسلم، كأنه كره أن يكون اسمه غرابا.
كما قال لقوم قالوا له: نحن بنو زنية: «أنتم بنو رشدة»، وكما قال لحزن جدّ سعيد بن المسيّب: «أنت سهل».(7/107)
وروي عن ريطة بنت مسلم عن أبيها قال: شهدت مع النبي، عليه الصلاة والسلام، حنينا فقال: ما اسمك؟ قلت: غراب، قال: أنت مسلم، كأنه كره أن يكون اسمه غرابا.
كما قال لقوم قالوا له: نحن بنو زنية: «أنتم بنو رشدة»، وكما قال لحزن جدّ سعيد بن المسيّب: «أنت سهل».
ذكر أنه كان لمعاوية بنت اسمها أمة رب المشارق.
وسمّى رجل بأذربيجان ابنه: عبد من الأرض جميعا قبضته، والسموات مطوّيات بيمينه.
كانت امرأة لها زوج يقال له: موسى، فكانت تسميه إذا خاطبته، فكره ذلك منها، فحلف بالطلاق إن سمّته باسمه، فكانت بعد ذلك تقول: أبو الصبيان، فلما كانت ذات ليلة صلّت صلاة الوتر، فقرأت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (1) [الأعلى: الآية 1] فلما انتهت إلى آخر السورة خافت إن هي قالت:
{صُحُفِ إِبْرََاهِيمَ وَمُوسى ََ} (19) [الأعلى: الآية 19] أن تطلق، فقالت: صحف إبراهيم وأبو الصّبيان، الله أكبر.
ومثل ذلك أمر عليّة بنت المهدي فإنها كانت تشبّب في شعرها بخادم لها اسمه طلّ، فنهاها الرشيد عن ذلك وعن أن تسميه أو تذكره، فتسمّع يوما عليها وهي تقرأ القرآن، فلما بلغت قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهََا وََابِلٌ فَطَلٌّ} [البقرة:
الآية 265] قالت: فإن لم يصبها وابل فالذي نهانا عنه أمير المؤمنين.
خاصم إلى إياس بن معاوية رجل فادّعى دعوى قال: أحضرني شهودا، فنادى الرجل شاهدا يا أبا الرازقي، فقال إياس: ادع غير هذا وقل لهذا ينصرف.
قال ابن المبارك: كان عندنا رجل يكنّى أبا خارجة، فقلت (له): لم كنوك أبا خارجة؟ فقال: لأني ولدت يوم دخل سليمان بن عليّ البصرة.
دخل شيخ على هشام بن عبد الملك فقيل له: ما اسمك؟ فقال: أبو الحسن واليها، فقيل له: أما يكفيك واحدة؟ فقال: إن ضاعت واحدة كانت الأخرى.
قيل: وكان بحمص قاض كنيته أبو العمشليق.
قال رجل لابنه: يا بني. أتدري لم سمّيتك معروفا؟ قال: لا؟ قال: لئلا ينسى اسمك.(7/108)
قال رجل لابنه: يا بني. أتدري لم سمّيتك معروفا؟ قال: لا؟ قال: لئلا ينسى اسمك.
الباب العاشر التعريضات
حكي أن بشر بن مروان قال يوما: من يدلّني على فرس جواد سابق؟
فقال عكرمة بن ربعيّ: قد أصبته أصلحك الله عند حوشب بن يزيد، نجا عليه يوم الرّيّ. يعرّض بانهزامه عن أبيه فلذلك قول الشاعر: [الكامل]
نجّى حليلته وأسلم شيخه ... لمّا رأى وقع الأسنّة حوشب
فضحك بشر، واضطغنها حوشب. فقال بشر بعد أيام من يعلم مكان بغلة قوية؟ فقال حوشب: بغلة واصل بن مساور: فإنه بلغني قوّته، يحمل واصلا وعكرمة، وكان عكرمة يتّهم بامرأة واصل.
اجتمع الشعراء بباب أمير من أمراء العراق، فمرّ رجل بباز، فقال رجل من بني تميم لآخر من بني نمير: هذا البازي! فقال النميريّ: إنه يصيد القطا.
عرّض الأول بقول جرير (1): [الوافر]
أنا البازي المطلّ على نمير ... أتيح من السماء لها انصبابا
وأراد الآخر قول الطرمّاح (2): [الطويل]
تميم بطرق اللّؤم أهدى من القطا ... وإن سلكت طرق المكارم ضلّت
قال عبد الملك لثابت بن عبد الله بن الزبير: أبوك أعلم بك حيث كان يشتمك. فقال: يا أمير المؤمنين، أتدري لم كان يشتمني؟ قال: لا. قال:
__________
(1) البيت في ديوان جرير ص 819، ولسان العرب (طلل)، وتاج العروس (طلل).
(2) البيت في ديوان الطرماح ص 59، وعيون الأخبار 2/ 195، والشعر والشعراء ص 591، وبهجة المجالس 1/ 201، وثمار القلوب ص 482، ومجمع الأمثال 3/ 510.(7/109)
نهيته أن يقاتل بأهل مكة وأهل المدينة فإن الله لا ينصره بهما قال: وكيف؟
قال: أمّا أهل مكة فأخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخانوا، ثم جاءوا إلى المدينة فأخرجهم منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيرّهم. يعرّض بالحكم بن أبي العاص. وأمّا أهل المدينة فخذلوا عثمان حتى قتل بينهم. فقال: عليك لعنة الله قد علمت ما تريد.
وقال له مرة: ما ثابت من الأسماء، ليس باسم رجل ولا امرأة. قال: يا أمير المؤمنين، لا ذنب لي، لو كان اسمي إليّ ما سميت نفسي إلا زينبا.
يعرّض بأنه كان يعشق زينب بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وخطبها فقالت: لا أدع نفسي بأبي الذّبان.
وقال عبد الملك لخالد بن يزيد وقد ابيضّت عنفقته: ما لك كأنك عاض على صوفة؟ فقال خالد: إنهنّ يلثمنني لا يكرهن ذلك ولا يعرضن عنّي.
يعرض ببخر عبد الملك وشيب عارضه.
عرض معاوية أفراسه على عبد الرحمن بن الحكم، فقال له عبد الرحمن:
هذا أجشّ، وهذا هزيم. يعرّض بمعاوية. فقال معاوية: لكنه لا يشبّب بكنائنه.
يعرض به وذلك أنه كان يشبّب بأمّ أبان بنت عثمان، وبقطيّة بنت بشر بن عامر بن مالك ملاعب الأسنة. وكانتا عند أخيه مروان. وأراد عبد الرحمن قول الشاعر (1): [الطويل]
ونجّى ابن هند سابح ذو علالة ... أجشّ هزيم والرماح دواني
دخل مطيع بن إياس على قوم، وعندهم قينة فقالوا: اسقوه ولم يكن أكل فاستحيا وشرب، فلما أوجعه النّبيذ قال لها: تغنّين (2): [المتقارب]
خليليّ داويتما ظاهرا ... فمن ذا يداوي جوى باطنا؟
فعلم أنه يعرّض بالجوع. فأطعموه.
__________
(1) البيت للنجاشي الحارثي في ديوانه ص 107، ولسان العرب (جشش)، (هزم)، وجمهرة اللغة ص 89، وتاج العروس (جشش).
(2) البيت لعمرو بن سعيد بن زيد بن نفيل في محاضرات الأدباء 3/ 637.(7/110)
نظر الفرزدق إلى ابن هبيرة وعليه ثياب تقعقع، فقال: تسبّح. أراد بذلك قول الشاعر (1): [الطويل]
إذ ألبست قيس ثيابا لزينة ... تسبّح من لؤم الجلود ثيابها
لما عزل إسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة عن البصرة شيّعوه فقالوا:
عففت عن أموالنا وعن دمائنا. فقال: وعن أبنائكم. يعرّض بيحيى بن أكثم في اللّواط.
كان جعفر بن يحيى يكني الفضل بن الرّبيع أبا روح وهي كنية الفرخ وأهل المدينة يسمّون اللّقيط فرخا، وكان الربيع لقيطا مجهول الأب، مختلفا في نسبه، فكان جعفر يأكل مع الرشيد يوما، فوضعت بين أيديهم ثلاثة أفراخ، وقال الرشيد لجعفر يمازحه: قاسمني هذه نستوفي أكلها. قال:
قسمة عدل أو قسمة جور؟ فقال: قسمة عدل. فأخذ جعفر فرخين وترك فرخا واحدا. فقال الرشيد: أهذا العدل؟ قال: نعم. معي فرخان، ومعك فرخان. قال: فأين الآخر؟ قال: هذا، وأومأ إلى الفضل، فتبسّم الرشيد، وقال: يا فضل، لو تمسّكت بولائنا لسقط هذا عنك. ولم يفهم الفضل ما قالا.
قال بعضهم: حضرت عند بعض الكتّاب الأجلّاء، وقد ناظره رجل في شيء فغصّصه الحجّة، فغاظه، فقال له: يا مأبون، فاعتمد الرجل بيديه على الأرض يقوم وأنشد (2): [الطويل]
كلانا يرى الجوزاء يا جمل إن بدت ... ونجم الثّريّا والمزار بعيد
قال المأمون لقارىء: اقرأ، فقرأ: فسوّلت له نفسه قتل أخيه فقتله فأمر بحبسه.
قال الجاحظ: كان عندنا أناس من الأزد ومعهم ابن حزن، وابن حزن هذا عدوي، وكان يتعصّب لأصحابه من بني تميم، وكانوا على النبيذ، فسقط
__________
(1) البيت في ديوان الفرزدق ص 59.
(2) البيت لمسعود بن خرشة المزني في الأغاني 21/ 251، 253.(7/111)
ذباب في قدح بعضهم، فقال بعضهم: غطّ التميميّ، ثم سقط آخر في قدح آخر، فقال: غطّ التميميّ، فلما كان في الثالثة قال ابن حزن: غطّه فإن كان تميميا رسب وإن كان أزديا طفا. يعرّض بأن أزد عمان ملاحون.
نظر ابن الهفتي إلى دستيجة (1) فيها من كلّ فاكهة أطيبها، ومن كل ريحان أحسنه فرمقها، ولحظها، وشره إليها، وكانت في منزل بخيل يعلم أنه يمنعه منها فقال للمغني: بالله غنّني تعريضا بما رآه (2): [الطويل]
أيا زينة الدنيا التي لا ينالها ... مناي، ولا يدنو لقلبي صريمها
دخل رجل من محارب قيس على عبد الله بن يزيد الهلاليّ وهو بأرمينيّة فقال له عبد الله: ماذا لقينا البارحة من شيوخ محارب؟ ما تركونا ننام يعني الضفادع فقال المحاربيّ: أصلحك الله، إنهم أضلوا برقعا لهم فكانوا في بغائه. أراد الأول قول الشاعر (3): [الطويل]
تكش بلا شيء شيوخ محارب ... وما خلتها كانت تريش ولا تبري
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدلّ عليها صوتها حيّة البحر
وأراد الآخر قول الشاعر (4): [الطويل]
لكلّ هلاليّ من اللّؤم برقع ... ولابن يزيد برقع وجلال
قال أبو عبيدة: بينا أشراف الكوفة بالكناسة إذ أقبل أسماء بن خارجة الفزاريّ، فوقف، وأقبل ابن المكعبر فوقف متنحيا عنه، فأخذ أسماء خاتما كان في يده، فصّه فيروزج فدفعه إلى غلام، وقال: اذهب إلى ذاك فادفعه إليه.
يعني ابن المكعبر، فأخذ ابن المكعبر شسع نعله، فربطه في الخاتم وردّه. أراد الفزاريّ قول الشاعر (5): [الطويل]
لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر ... كما كلّ ضبّيّ من اللّؤم أزرق
__________
(1) الدستيجة: الإناء، فارسي معرب.
(2) البيت للمجنون في ديوانه ص 252، وأمالي القالي 1/ 220، والأغاني 2/ 81.
(3) البيتان للأخطل في ديوانه ص 332.
(4) البيت بلا نسبة في عيون الأخبار 2/ 97، ومحاضرات الأدباء 1/ 342.
(5) البيت لسويد بن أبي كاهل اليشكري في ديوانه ص 46، وبلا نسبة في لسان العرب (زرق) وجمهرة اللغة ص 708، والمخصص 1/ 100، 10/ 83، وتاج العروس (زرق).(7/112)
وأراد الضّبّيّ قول الشاعر (1): [البسيط]
لا تأمننّ فزاريّا خلوت به ... على قلوصك وأكتبها بأسيار
قال رجل لآخر: مرحبا بأبي المنذر، فقال: ليست هذه كنيتي، فقال:
نعم، ولكنها كنية مسيلمة. يعرّض بأنه كذاب.
أسرت طيّىء غلاما من العرب، فقدم أبوه ليفديه فاشتطّوا عليه، فقال أبوه: لا والذي جعل الفرقدين يمسيان ويصبحان على جبلي طيّىء ما عندي غير ما بذلته، ثم انصرف وقال: لقد أعطيته كلاما إن كان فيه خير فهمه. كأنه قال:
الزم الفرقدين على جبل طيّىء، ففهم الابن تعريضه، وطرد إبلا لهم من ليلته ونجا.
قال عمر بن هبيرة الفزاريّ لأيوب بن ظبيان النّميريّ، وهو يسايره: غضّ من بغلتك. فقال: إنها مكتّبة. أراد ابن هبيرة قول جرير (2): [الوافر]
فغضّ الطّرف إنك
وأراد النميريّ قول ابن دارة (3): [البسيط]
لا تأمنّن فزاريا خلوت به
ومرّ الفرزدق بمضرّس وهو ينشد قوله (4): [الطويل]
تحمّل من وادي أشيقر حاضره
__________
(1) البيت لسالم بن دارة في لسان العرب (مدر)، (جوف)، وتهذيب اللغة 11/ 211، وتاج العروس (مدر)، (جوف)، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 240، 256، 724، ومقاييس اللغة 5/ 158، وكتاب العين 5/ 341، وأساس البلاغة (كتب).
(2) البيت بتمامه:
فغضّ الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
والبيت لجرير في ديوانه ص 821، وجمهرة اللغة ص 1096، وخزانة الأدب 1/ 72، وشرح المفصل 9/ 128، ولسان العرب (حدد)، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 411، والكتاب 3/ 533، والمقتضب 1/ 185.
(3) تقدم البيت بتمامه مع تخريجه قبل قليل.
(4) عجزه:
وألوى بريعان الخيام أعاصره
والبيت في معجم البلدان (اشيقر)، وأمالي القالي 2/ 236.(7/113)
وقد اجتمع عليه الناس، فقال الفرزدق، يا أخا بني فقعس، متى عهدك بالقنان؟ قال: تركته تبيض فيه الحمّر أراد الفرزدق قول نهشل بن حري (1):
[الكامل]
ضمن القنان لفقعس سوآتها ... إنّ القنان لفقعس لمعمّر
وأراد مضرس قول أبي المهوّش الأسدي يرد عليه (2): [الكامل]
قد كنت أحسبكم أسود خفيّة ... فإذا لصاف تبيض فيه الحمّر
وإذا تسرّك من تميم خصلة ... فلما يسوؤك من تميم أكثر
مرّ أبو خليفة المحاربيّ على أبي عمرو العدويّ عديّ تيم الرباب وعندهم بقرة قد ذبحت، وكانت غثّة، فقال أبو خليفة: يا أبا عمرو، ما ننفي عن دارنا جيفة إلّا صارت إليكم. فقال أبو عمرو: يا أبا خليفة، إنما هي سحابة تمر فتغسل ذلك كله. أراد أبو خليفة قول الشاعر: [الطويل]
إذا ما نفينا جيفة عن ديارنا ... رأيت عديّا حول جيفتنا تسري
وأراد أبو عمرو قول الشاعر: [الطويل]
إذا كنت ندماني على الخمر فاسقني ... بماء سحاب لم يخضه محارب
عرض ابن هبيرة على ضبّيّ كان يمازحه فصّ فيروزج. يعرّض بقول الشاعر (3): [الطويل]
ألا كل ضبّيّ من اللّؤم أزرق
دخل أبو الحسن بن طباطبا العلويّ على أحمد بن عثمان، قاضي أصبهان وكان قد هجاه بأهاج كثيرة فأراد أن ينتصف منه، فقال له: بلغني أنك تشعر وتجيد. فقال: كذا يقول الناس. فقال تعريضا بنسبه: أشعرت أن قريشا لم تكن تجيد الشعر؟
__________
(1) البيت في معجم البلدان (القنان).
(2) البيتان لأبي المهوش الأسدي في خزانة الأدب 6/ 370، 373، ولسان العرب (حمر)، (لصف)، وتاج العروس (لصف)، وبلا نسبة في الاشتقاق ص 224، وإصلاح المنطق ص 178، وسمط اللآلي ص 859، وشرح المفصل 4/ 63.
(3) تقدم البيت بتمامه مع تخريجه قبل قليل.(7/114)
قال رجل متّهم في النسب لآخر مثله: يا دعيّ، فأنشد تعريضا به (1):
[الخفيف]
عبد شمس أبوك وهو أبونا ... لا نناديك من مكان بعيد
قال بعضهم: اكتريت من جمّال فكان يحدو بنا في الطريق بقول الشاعر (2): [الرجز]
أبلج بين حاجبيه نوره
ولا يزيد عليه، فلما بلغنا المقصد قال: [الرجز]
إذا تغدّى رفعت ستوره
فقلنا: هلّا حدوت به مع البيت الأول؟ قال: خشية أن تحسبوا أنّي أعرّض بزادكم.
قيل لابن مجاهد: إن الصّوليّ قد صنّف كتابا في القرآن سمّاه «الشامل» فقال: هو جيّد الدّست. يعرّض بأنه شطرنجيّ، لا يحسن غيره.
خرج المأمون يوما ومعه رقعة مكتوب فيها: يا موسى. فقال: هل تعرفون له معنى؟ فقالوا: لا. فقال إسحق بن إبراهيم الطاهريّ: يا أمير المؤمنين، هذا إنسان يحذّر إنسانا، أما سمعت قول الله تعالى: {قََالَ يََا مُوسى ََ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النََّاصِحِينَ} [القصص: الآية 20]؟
فقال المأمون: صدقت، هذه صرف جاريتي كتبت إلى أختها متيّم جارية عليّ بن هشام: أني عازم على قتله، فحذّرته.
قال رجل من بني هاشم لأبي العيناء: يا حلقيّ، فقال: مولى القوم منهم. يعرض بولائه فيهم.
كان هشام بن عمرو التغلبيّ على نصيبين، فخرج يشيّع أبا مسلم، فقال أبو مسلم: كيف يقول عمك مهلهل: [الكامل]
إنّي لأذكر ميتتي، ونجيبتي ... تحتي، فأدفعها تخبّ ذميلا
إني لأكره أن أعيش مظلّما ... طول الحياة، وأن أعيش ذليلا
__________
(1) البيت لابن عدي الأموي في الأغاني 1/ 108، ومحاضرات الأدباء 2/ 394.
(2) الرجز بلا نسبة في أساس البلاغة (بلج)، ومقاييس اللغة 1/ 296.(7/115)
فقال هشام لكاتبه: اكتب إلى أمير المؤمنين، وعرّفه أن أبا مسلم قد خلع الطاعة.
قيل: دخل الحسن بن سهل إلى المأمون فحلف عليه أن يشرب عنده فأخذ القدح بيده، فقال له: بحقّي عليك إلّا أمرت من شئت أن يغنّيك فأومأ الحسن إلى إبراهيم بن المهديّ. فقال له المأمون: غنّه يا إبراهيم، فاندفع وغنّى (1): [البسيط]
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت ... كما استعان بريح عشرق زجل
فغضب المأمون، ووثب عن مجلسه، ودعا بإبراهيم فقال له: لا تدع كيدك وغلّك؟ أنفت من إيمائه إليك، فغنيته معرّضا بما يعرّض له من السواد بشعر فيه ذكر الوسواس؟ والله لقد كنت أقدمت على قتلك حتى قال لي: إن قتلته فعلت ما فعله الناس قبلك، وإن عفوت عنه فعلت ما لم يفعله أحد قبلك فعفوت عنك لقوله، فلا تعد.
قالوا لما فتح قتيبة بن مسلم سمرقند أفضى إلى أثاث لم ير مثله وآلات لم ير مثلها، فأراد أن يري الناس عظيم ما فتح الله عليهم، فأمر بدار ففرشت له، وفي صحنها قدور يرتقى إليها بالسلاليم، فإذا بالحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرّقاشي قد أقبل، والناس جلوس على مراتبهم، والحضين شيخ كبير فلما رآه عبد الله بن مسلم قال لقتيبة: ائذن لي في معاتبته؟ قال:
لا ترده فإنّه خبيث الجواب، فأبى عبد الله إلّا أن يأذن له، وكان عبد الله يضعّف، وكان تسوّر حائطا إلى امرأة قبل ذلك فأقبل على الحضين فقال:
أمن الباب دخلت يا أبا ساسان؟ قال: أجل. أسنّ عمّك عن تسوّر الحيطان، يعرض به. قال: أرأيت هذه القدور؟ قال: هي أعظم من ألّا ترى. قال، ما أحسب بكر بن وائل رأى مثلها؟ قال: أجل، ولا عيلان لو كان رآها سمّي شبعان، ولم يسمّ عيلان قال له عبد الله: يا أبا ساسان: أتعرف الذي يقول (2):
__________
(1) البيت للأعشى في ديوانه ص 105، ولسان العرب (وسس)، (عشرق)، (زجل)، وتهذيب اللغة 3/ 277، وتاج العروس (وسس)، (عشرق)، (زجل).
(2) البيت لحارثة بن بدر الغداني في تاريخ الطبري 5/ 416.(7/116)
[الطويل] عزلنا وأمّرنا وبكر بن وائل ... تجرّ خصاها تبتغي من تحالف؟
قال: أعرفه، وأعرف الذي يقول (1): [الوافر]
وخيبة من يخيب على غنى ... وباهلة بن يعصر والركاب
يريد يا خيبة من يخيب. قال: أفتعرف الذي يقول (2): [الطويل]
كنّا فقاح الأزد حول ابن مسمع ... إذا عرقت أفواه بكر بن وائل؟
قال: نعم وأعرف الذي يقول (3): [الكامل]
قوم قتيبة أمّهم وأبوهم ... لولا قتيبة أصبحوا في مجهل
قال: أما الشعر فأراك ترويه، فهل تقرأ من القرآن شيئا؟ قال: أقرأ منه الأكثر الأطيب {هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} (1) [الإنسان: الآية 1] قال: فأغضبه، فقال: والله لقد بلغني أن امرأة الحضين حملت إليه وهي حامل من غيره. قال: فما تحرك الشيخ عن هيئته الأولى، ثم قال على رسله: وما يكون؟ تلد غلاما على فراشي فيقال: فلان ابن الحضين، كما يقال: عبد الله بن مسلم. فأقبل قتيبة على عبد الله وقال: لا يبعد الله غيرك.
بعث بشامة بن الأعور العنبري إلى أهله بثلاثين شاة ونحي (4) صغير فيه سمن، فسرق الرسول شاة واحدة وأخذ من رأس النّحي شيئا من السّمن. فقال لهم الرسول، ألكم إليه حاجة أخبره بها؟ قالت امرأته: أخبره، أن الشهر محاق، وأن جدينا الذي كان يطالعنا وجدناه مرثوما. فاسترجع منه الشاة والسمن.
__________
(1) البيت لزيد الخيل الطائي في الأغاني 17/ 257.
(2) البيت بلا نسبة في العقد الفريد 4/ 37، وأمالي المرتضى 1/ 287، والكامل للمبرد 3/ 13.
(3) البيت بلا نسبة في المخصص 13/ 173، والإمتاع والمؤانسة 3/ 172.
(4) النحي: الزق الذي يجعل فيه السمن.(7/117)
مر ابن أبي علقمة بمجلس بني ناجية، فكبا حماره لوجهه، فضحكوا، فقال: ما يضحككم؟ رأى وجوه قريش فسجد. عرّض بنسبهم.
كان البراء بن قبيصة صاحب شراب، فدخل إلى الوليد بن عبد الملك وبوجهه أثر. فقال: ما هذا؟ قال: فرس لي أشقر ركبته فكبا بي. فقال: لو ركبت الأشهب لما كبا بك. يريد الماء.(7/118)
كان البراء بن قبيصة صاحب شراب، فدخل إلى الوليد بن عبد الملك وبوجهه أثر. فقال: ما هذا؟ قال: فرس لي أشقر ركبته فكبا بي. فقال: لو ركبت الأشهب لما كبا بك. يريد الماء.
الباب الحادي عشر حكم ونوادر للهند
في كليلة ودمنة: قد تصل النّصال إلى الأجواف، فتستخرج وتندمل جراحها، والقول إذا وصل إلى القلب لم يستخرج.
قالوا: كان من سنّة الهند، إذا أصيب أحدهم بمصيبة تعظم عليه، أن يلبسوا السلاح ويحتشدوا، ويبلغوا الطاقة في العدّة، ثم يصيروا إلى بابه، فيقولوا: بلغنا أنك سلبت شيئا بلغ منك، فاستعددنا وجئنا لنحارب من سلبك، ونردّ عليك ما سلبت. فيقول لهم: إنكم لا تقدرون على ذلك، والذي سلبنيه لا يقاتل ولا يغالب. فيقولون له: فإذا كان الأمر هكذا فلا تجزع على فائت لا حيلة في ردّه، ثم يتفرّقون عنه.
في كتاب كليلة ودمنة: لا يطمع الملك الضعيف الوزير في ثبات ملكه.
وفيه: الدنيا كالماء المالح الذي متى يزدده شاربه شربا يزدد به ظمأ وعطشا.
الأدب يذهب عن العاقل السّكرة ويزيد الأحمق سكرا، كالنهار يزيد البصير بصرا ويزيد الخفّاش سوء بصر.
صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشرّ، كالريح إذا مرّت على النّتن حملت نتنا، وإذا مرت على الطيّب حملت طيبا.
من نصح لمن لا شكر له، كان كمن ينثر بذره في السباخ، أو كمن أشار على معجب أو كمن سارّ الأصمّ.
لا يردّ يأس العدوّ القويّ مثل التذلّل والخضوع، كما أن الحشيش يسلم من الريح العاصفة بلينه لها وانثنائه معها.
ليس العدوّ بموثوق به، ولا مفتقر إليه، وإن أظهر جميلا فإنّ الماء لو أطيل إسخانه لم يمنعه ذلك من إطفاء النار إذا صبّ عليها.(7/119)
لا يردّ يأس العدوّ القويّ مثل التذلّل والخضوع، كما أن الحشيش يسلم من الريح العاصفة بلينه لها وانثنائه معها.
ليس العدوّ بموثوق به، ولا مفتقر إليه، وإن أظهر جميلا فإنّ الماء لو أطيل إسخانه لم يمنعه ذلك من إطفاء النار إذا صبّ عليها.
تقول الهند: الشارب تعتريه أربع أحوال: تعتريه أولا طاوسيّة، ثم قرديّة، ثم سبعيّة، ثم خنزيريّة.
وفي بعض كتبهم: الكرام أصبر نفوسا، واللئام أصبر أبدانا.
قالوا: شرّ السلطان من خافه البريء، وشرّ البلاد ما ليس له خصب ولا أمن، وشرّ الإخوان الخاذل، وشرّ المال ما لا ينفق منه.
وقالوا: من التمس الرّخصة من الإخوان عند المشورة، ومن الأطباء عند المرض ومن الفقهاء عند الشبهة، أخطأ الرأي، وازداد مرضا، وحمّل الوزر.
الحازم يحذر عدوّه على كل حال، يرهب المواثبة إن قرب والغارة إن بعد، والكمين إن انكشف، والاستطراد إن ولّى، والمكر إن رآه وحيدا، ويكره القتال ما وجد منه بدّا، لأن النفقة فيه من الأنفس، والنفقة في غيره من المال.
جانب الموتور وكن أحذر ما تكون منه، ألطف ما يكون بك، فإنّ السلامة بين الأعداء وحشة بعضهم من بعض، ومع الأنس والثّقة حضور آجالهم.
ثلاثة أشياء لا تنال إلا بارتفاع همّة، وعظيم خطر: عمل السلطان، وتجارة البحر، ومناجزة العدو.
بعض المقاربة حزم، وكلّ المقاربة عجز، كالخشبة المنصوبة في الشمس، تمال فيزيد ظلها، ويفرط في الإمالة فينقص الظل.
ليس من خلّة يمدح بها الغنيّ إلّا والفقير يذمّ بها، فإن كان شجاعا قيل:
أهوج، وإن كان وقورا قيل: بليد، وإن كان لسنا قيل: مهذار، وإن كان زمّيتا قيل: عيّ.
قالوا: لا ثناء مع كبر. وستة أشياء لا ثبات لها: ظلّ الغمام، وخلّة الأشرار، وعشق النّساء، والمال الكثير، والسلطان الجائر، والثناء الكاذب.
قال أبو الأشعث (1): سألت بهلة الهنديّ، ما البلاغة فيكم؟ فأخرج إليّ صحيفة كانت ترجمتها: «أوّل البلاغة اجتماع آلة البلاغة، وذلك أن يكون الخطيب رابط الجأش، ساكن الجوارح، قليل اللحظ، متخيّر اللّفظ، لا يكلّم سيد الأمّة بكلام الرّعيّة، ولا الملوك بكلام السّوقة، وأن يكون في قواه فضل للتّصرّف في كل طبقة، ولا يدقّق المعاني كلّ التدقيق، ولا ينقّح الألفاظ كلّ التنقيح، ولا يصفّيها كلّ التصفية، ولا يهذّبها غاية التهذيب. ولا يفعل ذلك حتى يصادف حكيما، أو فيلسوفا عليما، ومن قد تعوّد حذف فضول الكلام، وإسقاط مشتركات الألفاظ.(7/120)
قالوا: لا ثناء مع كبر. وستة أشياء لا ثبات لها: ظلّ الغمام، وخلّة الأشرار، وعشق النّساء، والمال الكثير، والسلطان الجائر، والثناء الكاذب.
قال أبو الأشعث (1): سألت بهلة الهنديّ، ما البلاغة فيكم؟ فأخرج إليّ صحيفة كانت ترجمتها: «أوّل البلاغة اجتماع آلة البلاغة، وذلك أن يكون الخطيب رابط الجأش، ساكن الجوارح، قليل اللحظ، متخيّر اللّفظ، لا يكلّم سيد الأمّة بكلام الرّعيّة، ولا الملوك بكلام السّوقة، وأن يكون في قواه فضل للتّصرّف في كل طبقة، ولا يدقّق المعاني كلّ التدقيق، ولا ينقّح الألفاظ كلّ التنقيح، ولا يصفّيها كلّ التصفية، ولا يهذّبها غاية التهذيب. ولا يفعل ذلك حتى يصادف حكيما، أو فيلسوفا عليما، ومن قد تعوّد حذف فضول الكلام، وإسقاط مشتركات الألفاظ.
قال بعض حكمائهم لابنه: يا بنيّ، عليك بالحكمة والأدب، فلأن يذمّ الزمان فيك خير من أن يعاب بك.
__________
(1) أبو الأشعث: هو معمّر بن عباد السلمي، صاحب الفرقة المعمّرية من المعتزلة، قالوا: الله لم يخلق غير الأجسام وأما الأعراض فيخترعها الأجسام إما طبعا كالنار للإحراق والشمس للحرارة، وإما اختيارا كالحيوان للألوان، وقالوا: لا يوصف الله بالقدم لأنه يدل على التقادم الزماني والله سبحانه ليس بزماني، ولا يعلم الله نفسه وإلا اتحد العالم والمعلوم، والإنسان لا فعل له غير الإرادة مباشرة كانت أو توليدا (كشاف اصطلاحات الفنون 2/ 1595، معجم الفرق الإسلامية ص 230).(7/121)
الباب الثاني عشر في الرؤيا والفأل والزّجر والعيافة والأوهام
لمّا خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن حسن، عليهم السلام، على المنصور رأى المنصور فيما يراه النائم كأنه قد صارع محمدا، وأن محمدا صرعه، وقعد على صدره فهمّه ذلك، ونفى راحته. وجمع العابرين (1)، فكلّ وقف. فسأل جدّ أبي العيناء، فقال: إنك تغلبه، وتظهر عليه، قال: وكيف؟
قال: لأنك كنت على الأرض، والأرض لك، وكان هو فوقك، والسماء له.
فسرّي عنه.
اتّفقت القافة (2) من بني مدلج أنهم لم يروا قدما أشبه بالقدم التي في المقام من قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. روت الكافّة عن الكافّة ذلك.
روى المدائنيّ عن أشياخه قالوا: بعث صاحب الروم إلى النبي، عليه السلام، رسولا، وقال له: انظر أين تراه، ومن إلى جنبه، وانظر ما بين كتفيه، حتى ترى الخامة أو الشامة. فقدم ورسول الله صلى الله عليه وسلم، على نشز، واضعا قدميه في الماء، عن يمينه عليّ، عليه السلام، فلما رآه النبيّ، عليه السلام، قال: تحوّل فانظر إلى ما أمرت به، فنظر، ثم رجع إلى صاحبه فأخبره الخبر. فقال: ليعلونّ أمره، وليملكنّ ما تحت قدميّ. قال: تفاءل بالنّشز العلوّ، وبالماء الحياة.
وأخبر عن أشياخه أن شيرويه بعث إلى النبي، عليه السلام، مصوّرا وزاجرا (3)، فأتياه، وصوّر المصوّر صورته، ولم يجد الزاجر شيئا يزجر به
__________
(1) العابرون: أي مفسّروا الرؤيا، من تعبير الرؤيا.
(2) القافة: جمع قائف، وهو من يعرف الآثار ويتتبعها.
(3) الزّجر: العيافة والتكهّن، وهو من زجر الطائر، فيطير سانحا أو بارحا فيتيمن به أو يتطير منه.(7/122)
فرجع، فلما دخلا على شيرويه أخذ الصورة فوضعها على وسادته، وقال للزاجر: ما زجرت، قال: لم أر هناك شيئا أزجر عليه وقد زجرت ههنا، والرجل قاهر، مظفّر وذلك أنك أخذت صورته فوضعتها على وسادتك.
قيل: لما توارى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد الهجرة خرجت قريش بمعقل بن أبي كرز الخزاعيّ، فوجدوا أثره، عليه السلام، فقال معقل: لم أر وجه محمد قطّ، ولكن إن شئتم ألحقت لكم هذا الأثر؟ قالوا: قل. قال: هو من الذي في مقام إبراهيم فبسط أبو سفيان بن حرب ثوبه عليه وقال: قد خرفت، وذهب عقلك.
قال: والقافة بنو كرز من خزاعة، وهم أقوف الناس.
قال: اختلف رجلان من القافة يوم الصّدر في أثر بعير فيما بين مكة ومنى، فقال أحدهما: جمل، والآخر: ناقة. فاتّبعا الأثر، يبدو مرة ويخفى أخرى، فلم يزالا كذلك حتى دخلا شعب بني عامر، فإذا بعير واقف، فاستدارا به، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم. فنظرا فإذا هو خنثى، وقد أصابا جميعا.
روى المدائنيّ: أن عليا، عليه السلام، بعث معقل بن قيس الرّياحيّ من المدائن في ثلاثة آلاف، وأمره أن يأخذ على الموصل، ويأتي نصيبين ورأس العين، حتى يأتي الرّقّة فيقيم بها، فسار معقل حتى نزل الحديثة، فبينا معقل ذات يوم جالس إذ نظر إلى كبشين ينتطحان، حتى جاء رجلان، وأخذ كلّ واحد منهما كبشا فذهب به. فقال شدّاد بن أبي ربيعة الخثعميّ وكان زاجرا ينصرفون من وجهكم هذا، لا يغلبون ولا تغلبون. قالوا: وما علمك؟ قال:
أو ما رأيت الكبشين انتطحا حتى حجز بينهما، ليس لواحد على صاحبه فضل؟
وأخبر، قال: خرج زاجر يزجر لغائب قد طالت غيبته، ومعه تلميذ له، فتلقاهما قوم يحملون جنازة، ويد الميّت على صدره، فقال الزاجر للتلميذ:
مات الرجل. فقال: لا، ما مات، ألا ترى يد الميت على صدره يخبر أنه هو الميت، والرجل حيّ؟ فرجعا، وقدم الغائب.
وأخبر عن ابن أبي ليلى: تمارت الجن، أهم أعيف (1) أم بنو أسد؟ فأتوا بني أسد، فوجدوا الحيّ خلوفا (2)، فقالوا: ابعثوا معنا من يخبرنا عن لقاح ذهبت لنا. فقال النساء: ليس عندنا غير هذا الغلام، فإن وثقتم لنا أن تردّوه علينا بعثنا به معكم. ففعلوا. فلما خرجوا رأى الغلام عقابا، فبكى. فقالوا: ما يبكيك؟ قال: رفعت جناحا، وخفضت جناحا، وحلفت بالله صراحا، ما أنتم بإنس ولا تطلبون لقاحا، فردّوه.(7/123)
مات الرجل. فقال: لا، ما مات، ألا ترى يد الميت على صدره يخبر أنه هو الميت، والرجل حيّ؟ فرجعا، وقدم الغائب.
وأخبر عن ابن أبي ليلى: تمارت الجن، أهم أعيف (1) أم بنو أسد؟ فأتوا بني أسد، فوجدوا الحيّ خلوفا (2)، فقالوا: ابعثوا معنا من يخبرنا عن لقاح ذهبت لنا. فقال النساء: ليس عندنا غير هذا الغلام، فإن وثقتم لنا أن تردّوه علينا بعثنا به معكم. ففعلوا. فلما خرجوا رأى الغلام عقابا، فبكى. فقالوا: ما يبكيك؟ قال: رفعت جناحا، وخفضت جناحا، وحلفت بالله صراحا، ما أنتم بإنس ولا تطلبون لقاحا، فردّوه.
قال: كان عامل بالسّواد يكذّب زاجرا عندهم، وأراد امتحانه يوما، فسأله عن غنم له قد أخرجت إلى ناحية، هل وصلت؟ فأخرج الزاجر غلامه ليستمع ما يزجر به وقد كان العامل أمر غلامه أن يكمن في ناحية، ويصيح صياح ابن آوى فعاد غلام الزاجر فأخبره بما سمع، فقال للعامل: قطع على الغنم، وسيقت، فضحك العامل، وقال ما أراها إلا قد وصلت، وكان الصائح غلامي.
قال: إن كان الصائح ابن آوى فقد ذهبت، وإن كان غلامك فقد قتل راعيها قبل ذهابها. فبلغهم بعد ذلك قتل الراعي وذهاب الغنم.
ولما دعا ابن الزّبير إلى نفسه قام عبد الله بن مطيع ليبايع، فقبض ابن الزبير يده، وقال لعبيد الله بن عليّ بن أبي طالب: قم فبايع. فقال عبيد الله:
قم يا مصعب فبايع، فقام فبايع. فقال الناس: منع ابن مطيع أن يبايع، وبايع مصعبا، ليتعرفنّ في أمره صعوبة وشرّا.
وهذا مثل ما قاله رجل من بني أسد، وقد نظر إلى طلحة بن عبيد الله يبايع أمير المؤمنين عليّا، عليه السلام، وكان أول من بايع، فقال: يد شلاء، وبيعة لا تتمّ. وكانت يد طلحة أصيبت يوم أحد.
قال سلم بن قتيبة: إني لأعجب ممن يتطيّر. ذهبت لي ناقة فخرجت في طلبها، فأدركني هانىء بن عبيد يركض وهو يقول (3): [الوافر]
فلايق إن بعثت لها بغاة ... وجدّك، ما البغاة بواجدينا
__________
(1) أعيف: من العيافة، وهي زجر الطير والتفاؤل أو التشاؤم.
(2) خلوفا: أي خاليا من الرجال.
(3) البيت بلا نسبة في عيون الأخبار 1/ 145، والحيوان 3/ 450.(7/124)
ثم لحقني آخر، وهو يقول: [البسيط]
والشرّ يلقى مطالع الأكم
قال: ثم لقيني رجل قد ذهبت معالم وجهه بالنار، فقلت: هل أحسست من ناقة؟ ووصفتها له. فقال: ههنا، وأشار بيده، وإذا أبيات، فأتيتهم فوجدتها عندهم.
قالوا: خرج رجل في حاجة له، ومعه سقاء من لبن فسار صدر يومه ثم عطش، فأناخ ليشرب. فإذا غراب ينعب، فأثار راحلته ثم سار، فلما أظهر أناخ ليشرب، فنعب الغراب، فأثار راحلته ثم سار، فلما عطش أناخ ليشرب، فنعب الغراب وتمرّغ في التراب، فضرب الرجل السّقاء بسيفه فإذا فيه أسود (1) ضخم، فمضى، فإذا غراب واقع على سدرة، فصاح به، فوقع على سلمة، فصاح به، فوقع على صخرة، فانتهى إليها، فأثار كنزا وذهب. فلما رجع إلى أبيه قال له:
إيه، ما صنعت؟ قال: سرت صدر يومي، ثم أنخت لأشرب، فنعب الغراب.
فقال: أثره. قال: أثرته. ثم أنخت لأشرب، فنعب الغراب قال: أثره. قال:
أثرته. ثم أنخت لأشرب فنعب الغراب وتمرّغ في التراب. قال: اضرب السقاء وإلا فلست بابني. قال: فعلت، فإذا أسود ضخم. قال: ثم مه؟ قال: ثم رأيت غرابا واقعا على سدرة. قال: أطره وإلا فلست بابني. قال: أطرته، فوقع على سلمة. قال: أطره وإلا فلست بابني. قال: فعلت، فوقع على صخرة. قال:
أحذني (2) يا بنيّ. قال: أفعل، وأحذاه.
قال بعضهم: كنّا مع يزيد بن الوليد، وهو متبدّ قبل خلافته، فخرج يوما لحاجة، ثم رجع متغيّرا، فقال: إني سائلكم عن نفسي فاصدقوني. قلنا: ما كنا لنقول شيئا تكرهه. فقال: أنشدكم الله إلا قلتم: هل تعلمون مني شؤما؟ قلنا:
معاذ الله، أنت أيمن الناس نقيبة. قال: فإن رجلا لقيني فقال: يا ذا الخال، أترى هذا الخال الذي بوجهك؟ قلت: لا، وأنا والله أراه. قال: لو كنت تراه ما كان على وجه الأرض أشأم منك على أهل بيته، ومضى. قال المدائني: فكان كما قال. قتل الوليد بن يزيد، ووقع بأسهم بينهم، وذهب ملكهم.
__________
(1) الأسود: أخبث الحيات وأعظمها.
(2) أحذني: أي أعطني مما أصبت.(7/125)
وقيل: إنّ الخال إذا كان على الفم كان صاحبه مهبوطا به أبدا، وإذا كان بين العينين لم يمن صاحبه حتى يجوز بإنسان يقتله، وإذا كان على الحاجب والأشفار لم يزل صاحبه ينظر في خير أبدا، وإن كان على الشفة كان صاحب شراب، وإن كان في الحلق كان معظّما، وإن كان في العضد لم يزل ذا عضد من مال وقرابة قويّة، وإذا كان في الظهر كان ذا ظهر من مال وولد، وإن كان في البطن كان مبطونا ذا أولاد. وإذا كان على الكشح لم يزل بإزائه كاشح خبيث ينظر إليه، وإذا كان على ظهر الكف كان ممسكا، وإن كان في باطنها كان متلافا، وإن كان في الأرفاغ والمذاكير فهو كثير الجماع، وإن كان في الألية لم يزل مخمولا، وإن كان تحت القدم فكذلك.
وكان على لسان سلم بن قتيبة شامة سوداء، فكان الحسن يقول: ليلغنّ دما. قال المدائنيّ: فكان من أمره بالبصرة ما كان مع سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلّب.
قال أبو عبيدة: استعمل عمر بن الخطّاب حابس بن سعد الطائيّ على قضاء حمص، ودفع إليه عهده فأتاه من الغد فقال: يا أمير المؤمنين، إني رأيت رؤيا، فأتيتك لأقصّها عليك. قال: وما هي؟ قال: رأيت الشمس والقمر اقتتلا. قال: فمع أيّهما كنت؟ قال: مع القمر. قال: كنت مع الآية الممحوّة اردد عليّ عهدي. فقتل بصفّين مع معاوية.
كان سعيد بن المسيّب يعبر الرؤيا، فرأى عبد الملك بن مروان كأنه قد بال في الكعبة أربع مرات وكان سعيد يلعن عبد الملك وآل مروان: الظّلم منهم فدسّ إليه رجلا، فقال له: قصّ عليه الرؤيا، ولا تخبره أني أنا رأيتها.
فلما قصّها عليه الرجل قال: لعلّ هذا اللّعين، رأى هذه الرؤيا. إنه سيملّك لصلبه أربعة. فملك الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام.
أتى رجل عنبسة بن سعيد فقال له: إني رأيت الحجّاج في النوم فقلت:
ما صنعت وما صنع بك؟ فقال: ما أنت وذاك يا عاضّ أير أبيه؟ فقال: أشهد أنك رأيت أبا محمد حقّا.
شخص أبو الشّمقمق مع خالد بن يزيد بن مزيد، وقد تقلّد الموصل، فلما أراد الدخول إليها اندقّ لواؤه في أول درب منها، فتطيّر من ذلك وعظم عليه، فقال أبو الشمقمق (1): [الكامل](7/126)
ما صنعت وما صنع بك؟ فقال: ما أنت وذاك يا عاضّ أير أبيه؟ فقال: أشهد أنك رأيت أبا محمد حقّا.
شخص أبو الشّمقمق مع خالد بن يزيد بن مزيد، وقد تقلّد الموصل، فلما أراد الدخول إليها اندقّ لواؤه في أول درب منها، فتطيّر من ذلك وعظم عليه، فقال أبو الشمقمق (1): [الكامل]
ما كان مندقّ اللواء لريبة ... تخشى، ولا أمر يكون مبدّلا
لكنّ هذا الرمح ضعّف متنه ... صغر الولاية فاستقلّ الموصلا
فسرّي عن خالد، وكتب صاحب البريد بذلك إلى المأمون، فزاده ولاية ديار ربيعة، وكتب إليه: هذا التضعيف لوصل متن رمحك. فأعطى خالد أبا الشمقمق عشرة آلاف درهم.
جاء رجل فوقف بباب المهديّ، وأعلم الرّبيع أنه قد رأى للمهديّ رؤيا يريد أن يقصّها عليه مشافهة، فاستأذن له، فدخل، وكان الرجل ذا رواء وهيئة فقال: إني رأيت كأن آتيا أتاني، فقال: أخبر أمير المؤمنين أنه يعيش ثمانين سنة والعلامة أنه يرى في منامه في هذه الليلة ثمانين فصّا يواقيت قد وهبت له.
قال: تمتحن هذه الليلة، فإن صدقت رؤياك أعطيناك، وإن كان الأمر بخلاف ذلك لم نعاقبك، لأن الرؤيا تصدق وتكذب. فقال الرجل: فما تقول لي عيالي وصبياني إذا علموا أني وصلت إلى الخليفة وبشّرته وخرجت هكذا. فيعجّل إليّ أمير المؤمنين شيئا من صلته، وأنا أحلف بالطلاق أني ما كذبت. فأمر له بعشرة آلاف درهم، وأخذ منه كفيلا ليحضر في غد، فلما كان تلك الليلة رأى المهديّ في المنام ما قاله الرجل، وأصبح متعجّبا، وحضر الرجل، فلما رآه قال: ما رأيت شيئا. فقال الرجل: امرأته طالق إن لم تكن رأيت ذلك فقال: ويلك! أحلف لك بالطلاق قد والله رأيت ذلك. فقال: الله أكبر، يجب أن تفي بما وعدتني. فأمر له بثلاثة آلاف دينار، وأخذها وانصرف. فقيل للرجل بعد ذلك:
هل صدقت؟ قال: لا، ولكني لما ألقيت إليه ذلك أخطره بباله، وحدّث به نفسه، وشغل به فكره، فرآه في المنام، فحلفت بالطلاق، وطلّقتها واحدة، وزدت في مهرها عشرة دراهم، وأخذت خمسين ألف درهم.
__________
(1) البيتان في محاضرات الأدباء 1/ 147.(7/127)
لما انصرف أبو مسلم من حرب عبد الله بن عليّ رأى كأنه على فيل، والشمس والقمر في حجره، فأرسل إلى عابر كان يألفه، وقصّ عليه فقال:
الرسم، فقبض عشرة آلاف درهم، وقال: قل، فقال: اعهد عهدك فإنك هالك قال الله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحََابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} (2) [الفيل: الآيتان 1، 2]؟ وقال: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسََانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} (10) [القيامة: الآيتان 9، 10].
اضطرّ الناس في قديم الدهر إلى ملك، فجاءوا بواحد، ووضعوا التاج على رأسه، فقال: هذا ضيّق، فتطيروا من ذلك، وجاءوا بتاج واسع وطمعوا أن يقول: هذا واسع فيكون ضد قوله الأول، فقال: أريد أضيق من هذا، فنفوه.
جاء رجل إلى عابر قال: رأيت في النوم كأنّي راكب دابة أشهب له ذنب أخضر قال: إن صدقت رؤياك استدلجت فجلة.
قال أبو عمرو بن العلاء: خرجنا حجّاجا، واكترينا من رجل فجعل في طريقه يرتجز إذا حدا بنا ولا يزيد على قوله (1): [الرجز]
يا ليت شعري، هل بغت عليّه؟
فلما انصرفنا من مكة قالها في بعض الطريق، فأجابه صوت في ظلمة:
[الرجز]
نعم نعم، وناكها حجيّه
أحمر، ضخم في قفاه كيّه
فأسكت الرجل، فلما صرنا إلى البصرة أخبرنا، قال: دخل عليّ جيراني يسلّمون، فإذا فيهم رجل ضخم أحمر، قلت لأهلي: من هذا؟ قالوا: هذا رجل كان ألطف جيراننا بنا، وأحسنهم تعهّدا لنا، فجزاه الله خيرا، فلما ولّى إذا أثر كيّ في قفاه، قلت للمرأة: ما اسمه قالت: حجيّة. قلت: الحقي بأهلك فقد أتانا خبر حجية.
__________
(1) الرجز في محاضرات الأدباء 3/ 241.(7/128)
بينما كان أبو الحسن بن الفرات في أيامه الأولى يشرب في يوم ثلاثاء وهو اليوم الذي قبض عليه في غده ويعمل في خلال شربه، إذ مرّت به رقعة فيها: [البسيط]
إن كان ما أنتم فيه يدوم لكم ... ظننت ما أنا فيه دائما أبدا
لكن سكنت إلى أنّي وأنكم ... سنستجدّ خلاف الحالتين غدا
فكأنه اغتمّ بذلك، ثم أخذ في شأنه، وقال لجارية كانت في المجلس كان يألف غناءها، ويتفاءل بما لا تزال تغنيه: غنّي، فابتدأت وغنت (1):
[الطويل]
أمنعيّة بالبين ليلى ولم تمت ... كأنّك عمّا قد أظلّك غافل
ستعلم إن جدّت بكم غربة النّوى ... ونادوا بليلى أنّ صبرك زائل
فكأنه تنغّص والتاث، ووافته بدعة الصغيرة، فقام إلى دار له جديدة، ودعا بالشراب، وتناول قدحا، والتمس من بدعة صوتا فتطلبّت له صوتا تتفاءل به بسبب الدار الجديدة فغنت: [المنسرح]
أمرت لي منزلا لأسكنه ... فصرت عنه المعبّد القاسي
ولم تحفظ البيت الثاني، فلما كان من غد حدثت عليه الحادثة.
قال إبراهيم بن المهديّ: لما حصر طاهر الأمين في المدينة كنت معه، فدعاني ليلة، فقال: ما ترى طيب هذه الليلة، وحسن القمر، وضوءه في الماء؟
فقلت: إنه لحسن، فاشرب، فشرب رطلا، وسقاني مثله، وابتدأت فغنيت بما يشتهيه عليّ. فقال: هل لك فيمن يضرب عليك؟ فقلت: ما أستغني عن ذلك.
فدعا بجارية متقدمة يقال لها: ضعف فتطيرت من اسمها: فلما جاءت قال:
غنّي، فغنت (2): [الطويل]
كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأيسر ذنبا منك، ضرّج بالدم
__________
(1) البيتان للمجنون في ديوانه ص 215، والأغاني 2/ 75.
(2) البيت للنابغة الجعدي في العقد الفريد 5/ 215، والحيوان 1/ 322، وبهجة المجالس 1/ 63.(7/129)
فاشتد ذلك عليه، وعليّ أني لم أره. فال لها: غنيني غير هذا، فغنت (1): [البسيط]
أبكي فراقهم عيني وأرّقها ... إن التفرّق للأباب بكّاء
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا، وريب الدهر عدّاء
فقال: لعنك الله، أما تعرفين من الغناء غير هذا؟ فقالت: ما تغنّيت إلا بما كنت تحبّه، ثم غنّت (2): [المنسرح]
أما وربّ السكون والحرك ... إنّ المنايا كثيرة الشرك
ما اختلف الليل والنهار ولا ... دارت نجوم السماء والفلك
إلا لنقل السلطان من ملك ... عان بحبّ الدنيا إلى ملك
فقال لها غضبة الله عليك، قومي، فقامت. وكان له قدح بلّور حسن يحبّه، فعثرت به فكسرته، فقال لي: أما ترى؟ أظنّ أمري قد قرب فقلت: بل يطيل الله بقاءك، ويكبت عدوّك. فسمعنا قائلا يقول: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيََانِ} [يوسف: الآية 41]. فقال: أما سمعت يا إبراهيم؟ قلت: ما سمعت شيئا، وكنت قد سمعت. وكان ذلك آخر عهدي به.
دخل رجلان على عائشة، فقالا: إنّ أبا هريرة يحدّث أنّ النبيّ، عليه السلام، قال: «إنما الطّيرة في المرأة والدار والدّابة» فطارت شفقا. فقالت:
كذب. والذي أنزل القرآن على أبي القاسم، عليه السلام، إنما قال: «كان أهل الجاهلية يقولون: إن الطيرة في الدابة والمرأة والدار» ثم قرأت {مََا أَصََابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلََا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلََّا فِي كِتََابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهََا} [الحديد: الآية 22].
جاء رجل إلى معبّر، فقال: رأيت في المنام كأني هوذا أقلي بعر الجمل على مقلاة. قال المعبّر: هات قطعة حتى أعبّرها لك. قال: لو كانت معي قطعة كنت اشتريت باذنجان وأقليه ولا أقلي البعر.
__________
(1) البيتان بلا نسبة في الأغاني 1/ 56.
(2) الأبيات لأبي العتاهية في ديوانه ص 316، وعيون الأخبار 2/ 307، وبلا نسبة في نهاية الأرب 22/ 101، وتاريخ الطبري 8/ 107.(7/130)
قال بعضهم: كنت في بعض الأوقات مصاعدا من البصرة إلى بغداد، فلما بلغت البطائح رأيت ضريرا يريد أن يصاعد، فسألته عن حاله ومعاشه، فقال: أنا أعبّر الرؤيا. فقلت له: ويحك! فلم اخترت بغداد مع كثرة المعبّرين بها على ذلك المكان الذي ليس فيه من ينازعك في صناعتك؟ فقال: هؤلاء النّبط بنو البظر لا يدعهم البقّ أن يناموا، وإذا لم يناموا كيف يرون الرؤيا؟
فضحكت منه.
قال بعضهم: رأيت في المنام الحجاج بن يوسف، كأنّي قلت له: ما فعل ربّك بك؟ فقال: قتلني بكل رجل قتلته قتلة، ثم رأيته بعد ذلك بمدة في النوم، وكأني أقول له: ما فعل بك ربّك؟ فقال: أليس قد قلت مرة يا ابن الفاعلة؟
جاء رجل إلى سعيد بن المسيّب، فقال: رأيت كأن حديّا (1): جاءت فوقفت على شرفة من شرفات المسجد. فقال: إن صدقت رؤياك تزوّج الحجاج في أهل هذا البيت. فتزوج الحجاج أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر.
قال بعض بني أسد: لا يخطىء الرجل عن أبيه خصلة من ثلاث: رأسه أو صوته أو مشيه.
قال بعضهم: رأيت بعض المجّان المتنادرين بعد موته، في النوم، فقلت له: يا فلان، ما فعل بك ربّك؟ فقال: يا أحمق، ترى صاهرني؟ فعل بي ما يفعله بكل أحد.
يروى أن رجلا قال: حضرت الموقف مع عمر بن الخطاب فصاح به صائح يا خليفة رسول الله، عليه السلام، ثم قال: يا أمير المؤمنين، فقال رجل من خلفي: دعاه باسم ميّت، مات، والله، أمير المؤمنين، فالتفتّ فإذا رجل من لهب، ولهب من بني نصر من الأزد. فلما وقفنا لرمي الجمار، إذا حصاة قد صكّت صلعة عمر، فقال قائل: أشعر، والله، أمير المؤمنين، والله لا يقف هذا الموقف أبدا. فالتفتّ فإذا ذلك اللهبيّ بعينه، فقتل عمر قبل الحول.
__________
(1) الحديا: الحدأة، وهو طائر.(7/131)
وزعم أبو عبيدة أن فاطمة بنت خرشب الأنماريّة أريت في المنام قائلا يقول: أعشرة هدرة (1) أحبّ إليك، أم ثلاثة كعشرة؟ فلم تقل شيئا، فعاد لها في الليلة الثانية، فلم تقل شيئا، ثم قصّت ذلك على زوجها زياد بن عبد الله بن ناشب العبسيّ، فقال: إن عاد الليلة فقولي: ثلاثة كعشرة، فولدتهم كلّهم غاية:
ولدت ربيع الحفّاظ، وعمارة الوهّاب، وأنس الفوارس، فهي إحدى المنجبات من العرب.
يروى عن حسان المعروف بالنّبطيّ قال: رأيت الحجّاج فيما يرى النائم، فقلت: أصلح الله الأمير! ما فعل بك ربّك؟ قال: أتشتمني؟ وقال: يا نبطيّ، أهذا عليك! قال: فقصصت هذه الرؤيا على ابن سيرين، فقال: لقد رأيت الحجّاج بالصّحّة.
رأى الحجّاج في منامه أن عينيه قلعتا، فطلق الهندين: هند بنت المهلب، وهند بنت أسماء بن خارجة، فلم يلبث أن جاءه نعيّ أخيه من اليمن في اليوم الذي مات فيه ابنه محمد، فقال: هذا والله تأويل رؤياي.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت كأنّي في دار عقبة بن رافع، فأتيت برطب ابن طالب، فأوّلت أنّ العاقبة قال: أو الرفعة لنا، في الدنيا والآخرة، وأن ديننا قد طاب».
قال سعيد بن المسيّب: إني رأيت موسى النبيّ، عليه السلام، يمشي على البحر حتى صعد إلى قصر، ثم أخذ برجلي شيطان فألقاه في البحر، وإنّي لا أعلم نبيا هلك على رجله من الجبابرة ما هلك على رجل موسى، عليه السلام، وأظنّ هذا قد هلكك، يعني عبد الملك. قال: فأتى نعيّه بعد أربع.
ورأى ابن سيرين في منامه كأنّ الجوزاء تقدمت الثّريّا، فجعل يوصي، وقال: يموت الحسن، وأموت بعده، وهو أشرف مني، فمات الحسن، ومات محمد بعده بمائة يوم.
قيل للصادق، عليه السلام: كم تتأخّر الرؤيا؟ فقال: رأى رسول الله، عليه السلام، كأن كلبا أبقع يلغ في دمه، فكان شمر بن ذي الجوشن قاتل
__________
(1) الهدرة: السقاط من الناس.(7/132)
الحسين، عليه السلام، ذلك الكلب، وكان أبرص، فكان تأويل الرؤيا بعد ستّين سنة.
روى مصعب قال: قال لي رجل: شردت لنا إبل، فأتيت حلبسا الأسديّ، فسألته عنها، فقال لبنيّة له: خطي له، فخطّت ونظرت، ثم تقبّضت وقامت، ونظر إليها حلبس فضحك وقال: أتدري لم قامت؟ قلت: لا. قال:
رأت أنك تتزوّجها، وتجد إبلك، فاستحيت فقامت. قال: فخرجت، فأصبت إبلي، ثم تزوجتها بعد.
وروى المدائنيّ عن شريح بن الأقعس العنبريّ قال: عزبت (1) لي إبل، فأتيت رجلا من بني أسد، فقلت: انظر. قال: فخطّط خطوطا، فقال: تصيب إبلك بكناسة الكوفة. قلت: بيّن. قال: وتذهب عينك. قلت: زدني. قال:
وتزوّج امرأة أشرف منك، قال: فخرجت وما شيء أبغض إليّ من أن أصيب إبلي ليكذب فيما قال. قال: فأتيت الكناسة فأصبت إبلي، وخرجت مع ابن الأشعث فذهبت عيني. وحججت مع ابنة قيس بن الحسحاس العنبريّ فقالت لي مولاة لها في الطريق: هل لك أن تزوّج؟ قلت: وددت قالت: فاخطبها إذا قدمت. ففعلت، فأبوا ذلك، فلم أزل حتى زوّجونيها.
قال سلم بن قتيبة: لقيني إياس بن معاوية، وأنا لا أعرفه ولا يعرفني، فقال: أنت ابن قتيبة؟ قلت: نعم، قال: عرفتك بشبه عمّك عمرو بن مسلم.
قلت: وأين أنا من عمّي؟ وعمي ضخم أمعر، وأنا آدم نحيف الجسم. فقال:
ليس القياس على هذا.
خرج عمر بن عبيد الله بن معمر، ومعه مالك بن خداش الخزاعيّ، غازيين، فمرّا بامرأة، وعليها جماعة، وهي تخطّ لهم، فنظر إليها مالك، فضحك منها هزؤا. فقالت: أيها الضاحك، أما والله لا تخرج من سجستان حتى تموت، ويتزوّج هذا الرجل امرأتك، وأشارت إلى عمر. فمات بسجستان، فتزوّج عمر امرأته. وهي رملة بنت عبد الله الخزاعيّ.
__________
(1) العزيب من الإبل والشاء: التي تعزب عن أهلها في المرعى، وإبل عزيب: لا تروح على الحيّ.(7/133)
ولّى المنصور الحسن بن زيد المدينة، ثم غضب عليه فعزله، وبيعت أمواله فاشترى رجل من أهل الربذة أمة له، فقالت: إنّ ابن زيد قد وقع بي فحملت. فكفّ عنها، فوضعت غلاما، فخرج به إلى ولد الحسن، فخرجوا جميعا به. فأتوا والي مكة، فبعث إلى شيخ من القافة، فقالوا له: إن هذا الغلام له نسب يلحقه إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو ينفيه منه. قال: فخرج الشيخ يتخطّى الناس ويقوف، فأخذ بيد الغلام وقال: هذا عمّه، فصيح به فتركه، ثم أتى آخر فقال: عمّه، فصيح به فتركه، حتى عدّد ولد الحسن غير أبيه، وكان متكئا فرفع رأسه، فقال الشيخ: الله أكبر، هذا أبو الغلام. فألحق به.
جاء رجل إلى معبّر، فقال: رأيت في المنام كأن على حر امرأتي كلبين يتهارشان. فقال: تأويله أنها طلبت دبقا تنتفه به فلم تجده، فجزّته بمقراض.
فكان الأمر كما قال.
جاء رجل إلى ابن سترين فقال: إني رأيت في منامي كأني أشد الزّقاق (1)
شدّا شديدا وكان مع الرجل جراب فقال له ابن سيرين: أنت رأيت هذا؟
قال: نعم. فقال لمن حوله: ينبغي أن يكون هذا الرجل يخنق الصّبيان، وينبغي أن يكون في جرابه آلة الخنق. فوثبوا إلى الجراب، فوجدوا فيه أوتارا وحلقا، فسلّموه إلى السلطان.
رأى عبد الله بن الزبير أنّه صارع عبد الملك بن مروان، فصرعه عبد الله وغرز فيه أربعة أوتاد في يديه ورجليه، فأرسل فسأل سعيد بن المسيّب.
فقال: إن صدقت رؤياه غلبه عبد الملك، وخرج من صلبه أربعة كلّهم يكون خليفة.
روي عن محمد بن عمّار بن ياسر قال: والله إني لبسوق من أسواق المدينة، بعد ما ذهب نصف الليل، إذ سمعت صائحا يقول:
ربّ خير ومير، ودينار كحافر عير
__________
(1) الزقاق: جمع زقّ، وهو الوعاء الذي يتخذ للشراب وغيره.(7/134)
قال: فصاح به صائح آخر فقال: ويلك! ضلّك ضلّك. فقال:
بشرقيّ غربيّ بيت أمّ عمير
قال: فأتيت بيت أمّ عمير، فجلست عند جدار خرب، فوجدت عنده دينارا مثل القرص، فبعته بتسعين درهما، وغبنت فيه.
خرج هشام بن عبد الملك يوما، فلقي أعور، فتشاءم به، وأمر بضربه.
فقال الأعور: إنّ الأعور شؤمه على نفسه، والأحول شؤمه على الناس. وكان هشام أحول، فاستحيا وخلّاه.
وكان عمرو بن اللّيث أعور، وكان يتطيّر، فخرج يوما مبكّرا للصيد، فلقي رجلا أعور، فتطيّر منه، وأمر بضربه، فقال الرجل: لم تضربني؟ فقال:
لأنك أعور، وقد تشاءمت بك، وأنا خارج إلى الصيد. فقال الأعور: انظر الآن أيّ الأعورين أشأم على صاحبه؟ فضحك وخلّاه.(7/135)
لأنك أعور، وقد تشاءمت بك، وأنا خارج إلى الصيد. فقال الأعور: انظر الآن أيّ الأعورين أشأم على صاحبه؟ فضحك وخلّاه.
الباب الثالث عشر من قال شعرا فانتصف منه بنثر
هجا الأخطل سويد بن منجوف، فقال (1): [الطويل]
وما جذع سوء خرّق السّوس جوفه ... لما حمّلته وائل بمطيق
فقال له سويد: والله يا أبا مالك، ما تحسن تهجو ولا تمدح، أردت هجائي فمدحتني، جعلت وائلا تحمّلني أمورها، وما طمعت في بني تغلب، فضلا عن بكر.
طعن عامر بن الطّفيل ضبيعة بن الحارث. فقال ضبيعة: [الكامل]
لولا اعتراض في الأغرّ وجرأة ... لفعلت فاقرة بجيش سعيد
فقال عامر: يعجز عن فرسه ويتوعّدني!!
أنشد بعضهم: [الرجز]
يا مسمع ابن مالك يا مسمع
اصنع كما كان أبوك يصنع
فقال قائل: إذن ينيك أمّه.
أنشد الأحوص جريرا (2): [الطويل]
يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها ... وأفضل شيء ما به العين قرت
فقال جرير: يقر بعينها أن يولج فيها مثل ذراع البكر، أفيقرّ ذلك بعينك؟.
__________
(1) البيت في ديوان الأخطل ص 195، والحيوان 5/ 162، والشعر والشعراء ص 495.
(2) البيت في ديوان الأحوص ص 88، والأغاني 1/ 305، والإمتاع والمؤانسة 3/ 184.(7/136)
لما قال مسكين الدارمي (1): [الكامل]
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر
قالت امرأته: صدق لأنها ناره وقدره.
دخل عبد الله بن الحويرث على بشر بن عبد الملك بن مروان، فأنشده:
إنّي رحلت إلى بشر لأعرفه ... إذ قيل بشر ولم أعدل به أحدا
فقال: لو قلت: ليعرفني، لأعطيتك ما سألت، ليس المدح كما قلت.
أنشد جرير قول الأخطل (2): [الطويل]
وإنّي لقوّام مقاوم لم يكن ... جرير ولا مولى جرير يقومها
فقال: صدق، أنا لا أقوم بين يدي قسّ لأخذ القربان، ولا بين يدي سلطان لأداء الجزية.
سمع أبو الهديل رجلا ينشد (3): [الكامل]
يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل
فقال: يوشك أن تكون هذه دار قوّاد أو خمّار.
سأل جعفر بن سليمان ندماءه عن قول جرير (4): [الكامل]
لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
__________
(1) البيت في ديوان مسكين الدارمي ص 45، والشعر والشعراء ص 551، وعيون الأخبار 2/ 193، 3/ 240، وبهجة المجالس 1/ 290، والأغاني 20/ 214، ومحاضرات الأدباء 2/ 395.
(2) البيت للأخطل في ديوانه ص 233، وحماسة البحتري ص 212، والخصائص 3/ 145، وشرح المفصل 10/ 90، وللفرزدق في المقتضب 1/ 122، وبلا نسبة في المنصف 1/ 306.
(3) البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص 123، وخزانة الأدب 2/ 412، والدرر 4/ 76، وشرح أبيات سيبويه 1/ 69، وشرح شواهد المغني 1/ 378، 2/ 964، والكتاب 3/ 19، ومغني اللبيب 1/ 129، وهمع الهوامع 2/ 9، وتاج العروس (جبن)، وبلا نسبة في شرح الأشموني 3/ 562.
(4) البيت في ديوان جرير ص 841، والشعر والشعراء ص 496، والعقد الفريد 6/ 47، وعيون الأخبار 3/ 32.(7/137)
فقال أعرابي من أخر المجلس: أنا أعلم ما كان يفعل: كان ينيكها.
فضحكوا، وقالوا: أصبت.
أنشد رجل يحيى بن خالد: [البسيط]
إني امرؤ في أعالي بيت مكرمة ... إذا تمزّق ثوبي أرتدي حسبي
فقال يحيى: ما أقلّ غناء هذا الرّداء في كانونين.
وقف أعرابيّ من بني فقعس على جماعة يسألهم، وهو عريان، فأنشد (1):
[الوافر]
كساني فقعس وكسا بنيه ... عطاف المجد إنّ له عطافا
فقال بعضهم: لو كساك خرقة تواريك كانت أصلح لك من هذا العطاف.
قصد بعض الشعراء أبا دلف، فقال له: ممّن أنت؟ فقال: من بني تميم.
فقال أبو دلف: من الذين يقول فيهم الشاعر (2): [الطويل]
تميم بطرق اللّؤم أهدى من القطا؟
فقال: نعم، بتلك الهداية جئتك. فخجل أبو دلف، واستكتمه، وأحسن جائزته.
قال بعضهم في الصاحب رحمه الله (3): [المتقارب]
وردنا لنشكر كافي الكفاة ... ونسأله الكفّ عن برّنا
فقال له بعضهم: قد كفيت، فليس يعطي أحدا شيئا.
ولما قال إبراهيم بن هرمة (4): [البسيط]
لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلّا قريبة الأجل
__________
(1) البيت بلا نسبة في محاضرات الأدباء 2/ 501.
(2) عجزه:
وإن سلكت طرق المكارم ضلّت
والبيت للطرماح في ديوانه ص 59. وتقدم البيت مع تخريجه في الباب العاشر: التعريضات.
(3) البيت في محاضرات الأدباء 2/ 376.
(4) البيت في محاضرات الأدباء 2/ 395، والأغاني 20/ 372، وعيون الأخبار 3/ 249.(7/138)
قال مزبّد: صدق ابن الخبيثة، فإنه لا يشتري إلّا شاة الأضحى التي يذبحها من ساعته.
سمع بعضهم منشدا ينشد (1): [الطويل]
وما طبخوها غير أنّ غلامهم ... سعى في نواحي كرمهم بشهاب
فقال: أحرقوها أحرقهم الله.
أنشد المأمون قول العباس بن الأحنف (2): [الطويل]
هم كتموني سيرهم ثم أزمعوا ... وقالوا: اتّعدنا للروّاح وبكّروا
فقال: سخروا بأبي الفضل أعزه الله.
لما قال أرطاة بن سهيّة للربيع بن قعنب (3): [البسيط]
لقد رأيتك عريانا ومؤتزرا ... فما علمت أأنثى أنت أم ذكر؟
قال له: لكنّ سهيّة قد علمت، وسهية أمه، فغلبه.
حضر أعرابيّ حلقة يونس، فأنشد قول جرير (4): [البسيط]
يصرعن ذا اللّبّ حتّى لا حراك به ... وهنّ أضعف خلق الله أركانا
فقال: ما أراد والله إلا البراغيث.
عمّى أبو الحسين الصّوفيّ على الأستاذ أبي الفضل ابن العميد بيتا على طريق الترجمة، وهو (5): [مجزوء الرمل]
أنا إن لم أك أهوا ... ك فرأسي في حرمّي
فأخرجه، ووقّع تحته: وإن هويت؟
__________
(1) البيت لأبي نواس في محاضرات الأدباء 2/ 689، وليس في ديوانه.
(2) البيت في ديوان العباس بن الأحنف ص 146، والأغاني 2/ 363، ومحاضرات الأدباء 3/ 65.
(3) البيت في محاضرات الأدباء 2/ 395، والشعر والشعراء 529.
(4) البيت في ديوان جرير ص 163، والأغاني 21/ 367، والعقد الفريد 6/ 454.
(5) البيت في محاضرات الأدباء 4/ 701.(7/139)
قال إسحق بن إبراهيم: أنشدني ابن الأعرابيّ يوما (1): [الطويل]
وأصبح في حيث التقينا عشيّة ... سوار، وخلخال ورد، ومطرف
ومنقطعات من عقود تركنها ... كجمر الغضا في بعض ما تتخطرف
قال: فقلت له: يا أبا عبد الله، لا والله، ولا في معترك الرشيد وأمّ جعفر يكون هذا.
قال أبو العباس: أنشدت أبا الهذيل (2): [الكامل]
وإذا توهّم أن يراها ناظر ... ترك التوهّم وجهها مكلوما
فقال ينبغي أن تناك هذه بأير من خاطر.
وأنشدت النظّام (3): [الوافر]
إذا همّ النديم له بلحظ ... تمشّت في مفاصله الكلوم
فقال: ما ينبغي أن ينادم هذا إلا الأعمى.
لما قتل مسلمة بن عبد الملك يزيد بن المهلّب قال ثابت قطنة يرثيه (4):
[الكامل]
يا ليت أسرتك الذين تغيّبوا ... كانوا ليومك بالعراق شهودا
فقال مسلمة: وأنا والله وددت حتى أسقيهم بكأسه.
أنشد عبد الملك قول بعض الخوارج (5): [الطويل]
ومنا سنان الموت وابن عويمر ... ومرّة فانظر أيّ ذاك تعيب؟
__________
(1) البيتان لجران العود في ديوانه ص 24، والبخلاء ص 233، والشعر والشعراء ص 725.
(2) البيت في كتاب الحيوان 7/ 166.
(3) النظام: هو إبراهيم بن سيار بن هانىء البصري، أبو إسحق النظام، من أئمة المعتزلة، فيلسوف متكلم. توفي سنة 231هـ (انظر: الأعلام 1/ 43، تاريخ بغداد 6/ 97، أمالي المرتضى 1/ 132، اللباب 3/ 230، خطط المقريزي 1/ 346، النجوم الزاهرة 2/ 234، تاريخ المسعودي 6/ 371).
(4) البيت في الأغاني 13/ 46.
(5) البيت في عيون الأخبار 2/ 155، والحماسة البصرية ص 523.(7/140)
فقال عبد الملك: كلّ ذاك أعيب.
لما أسلمت رملة ابنة شيبة بن ربيعة قالت هند بنت عتيبة فيها (1):
[الوافر]
تدين لمعشر قتلوا أباها ... أقتل أبيك جاءك باليقين؟
فقالت: نعم، قتله جاءني باليقين.
وقف أعرابي من بني فقعس على جماعة يسألهم وعلى عنقه جراب وعليه حرقة لا تواري عورته وأنشد (2): [الوافر]
كساني فقعس وكسا بنيه ... عطاف المجد إنّ له عطافا
فقال له ابن أبي حصين: أفلا كساك حرقة تواري بها عورتك؟
لما قال جرير (3): [البسيط]
صارت حنيفة أثلاثا فثلثهم ... من العبيد وثلث من مواليها
قيل لرجل من بني حنيفة: من أيّ الأثلاث أنت؟ قال: من الثلث الملغيّ.
أنشد ابن أبي عتيق قول عمر بن أبي ربيعة (4): [الخفيف]
حبذا أنت يا بغوم وأسما ... ء وليل يضمّنا وخلاء
فقال: وقمقم يسخّن فيه الماء.
أنشد عبد الملك قول بعض الخوارج (5): [الطويل]
فمنّا يزيد والبطين وقعنب ... ومنا أمير المؤمنين شبيب
ومنا سنان الموت وابن عويمر ... ومرّة فانظر أيّ ذاك تعيب
فقال عبد الملك: كلّ ذاك أعيب.
__________
(1) البيت في الإصابة 7/ 654.
(2) تقدم البيت مع تخريجه قبل قليل.
(3) البيت في ديوان جرير ص 545، والكامل للمبرد 3/ 25.
(4) البيت في ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 48، والأغاني 1/ 170.
(5) تقدم البيت الثاني مع تخريجه قبل قليل، وهما لعتبان بن أصلة الشيباني في شعر الخوارج ص 64، وعيون الأخبار 2/ 155.(7/141)
عرض على بلال بن أبي بردة الجند، فمر به رجل من بني نمير معه رمح قصير، فقال له بلال: يا أخا بني نمير، ما أنت كما قال الشاعر (1):
[الوافر]
لعمرك ما رماح بني نمير ... بطائشة الصّدور ولا قصار
فقال أصلح الله الأمير، ما هو لي، إنما استعرته من رجل من الأشعريين.
ولما قال إسماعيل بن يسار في قصيدته التي يفتخر فيها بالفرس على العرب: [الخفيف]
إذ نربّي بناتنا وتدسّو ... ن سفاها بناتكم في التّراب
قال له العربيّ: لأن حاجتنا إلى البنات غير حاجتكم. يعني أن الفرس تنكح بناتهم.
كتب علي بن الجهم إلى جارية كان يهواها (2): [الطويل]
خفي الله فيمن قد تبلت فؤاده ... وتيّمته حتى كأنّ به سحرا
دعي البخل لا أسمع به منك إنّما ... سألتك شيئا ليس يعري لكم ظهرا
فكتبت إليه على ظهر الرّقعة: إن لم يعر لنا ظهرا فإنه يملأ لنا بطنا.
قال محمد بن الحارث: كان علّوية بعيد الخجل، صفيق الوجه، لا يكاد يخجله شيء، فاجتمعنا يوما عند المعتصم ومعنا إبراهيم بن المهديّ، فلما خرجنا قال إبراهيم لعلوية: هل أحدثت شيئا من الغناء؟ قال: صنعت (3):
[الطويل]
إذا كان لي شيئان يا أمّ مالك ... فإنّ لجاري منهما ما تخيّرا
وفي واحد إن لم يكن غير واحد ... أراه له أهلا وإن كنت معسرا
__________
(1) البيت في نهاية الأرب 3/ 273.
(2) البيت في ديوان علي بن الجهم ص 145، والعقد الفريد 6/ 71.
(3) البيتان لحاتم الطائي في الأغاني 11/ 350349، وليسا في ديوانه، وبلا نسبة في عيون الأخبار 1/ 341.(7/142)
فقال إبراهيم: وإن كان امرأتك كانت؟ فانقطع علوية انقطاعا قبيحا، وخجل حتى لم ينفع نفسه ذلك اليوم.
أنشد الرشيد قول ابن أبي عيينة (1): [الطويل]
لقد قنّعت قحطان خزيا بخالد ... فهل لك فيه يخزك الله يا مضر؟
فقال: لا، بل تؤثرون به وتكرمون.
سمع محمد بن موسى المنجّم قول عديّ بن الرّقّاع (2): [الكامل]
وعلمت حتى لست أسأل واحدا ... عن علم واحدة لكي أزادها
فقال محمد: أنّى رأيته فاعرض عليه أصناف العلوم، فكلما مرّ به ما لا يحسنه صفعته.
سمعت سكينة بنت الحسين عليه السلام قول العرجي (3): [الكامل]
يقعدن في التّطواف آونة ... ويطفن أحيانا على فتر
فنزعن عن سبع وقد جهدت ... أحشاؤهنّ: موائل الخمر
فقالت للجارية: قولي له: ويحك! لو طاف الفيل بهذا البيت لجهدت أحشاؤه.
بصر الفرزدق بجرير محرما فقال: والله لأفسدنّ على ابن المراغة حجّه، ثم جاء مستقبلا له فجهره بمشقص كان معه، ثم قال (4): [الطويل]
إنك لاق بالمشاعر من منى ... فخارا فخبّرني بمن أنت فاخر؟
فقال جرير: لبيك اللهم لبيك. ولم يجبه.
__________
(1) البيت في الأغاني 20/ 115، والشعر والشعراء ص 879.
(2) البيت في ديوان عدي بن الرقاع ص 37، والأغاني 9/ 303، والشعر والشعراء ص 623، والبيان والتبيين 3/ 245، والحيوان 3/ 64، والموشح ص 13، ونهاية الأرب 4/ 247.
(3) البيتان في ديوان العرجي ص 185.
(4) البيت في ديوان الفرزدق ص 438، والبيان والتبيين 2/ 181.(7/143)
ولما قال جرير (1): [الطويل]
أعياش قد ذاق القيون مواسمي ... وأوقدت ناري فادن دونك فاصطل
قال عياش: إني إذا لمقرور، فغلب عليه.
وقام عبد الله بن الحجّاج الثعلبيّ إلى عبد الملك، فقال (2): [الكامل]
أدنو لترحمني، وتجبر خلّتي ... وأراك تدفعني، فأين المدفع؟
فقال عبد الملك: إلى النار.
قال إسحق الموصلي: أنشدني ابن كناسة لنفسه (3): [الطويل]
لقد كان فيها للأمانة موضع ... وللكفّ مرتاد، وللعين منظر
فقلت: ما بقي شيء. قال: فأين الموافقة؟
قال صالح بن حسان للهيثم بن عديّ: أعلمت أن النابغة كان مخنثا؟
فقال: كيف ذاك؟ قال: لقوله (4): [الكامل]
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد
والله ما يحسن هذه الإشارة إلا مخنث. فسمع ذلك رجل من قيس، فقال: بل صاحبك الأعشى هو المخنث حيث يقول (5): [البسيط]
قالت هريرة لما جئت زائرها: ... ويلي عليك، وويلي منك يا رجل
قال يزداد بن المتطبب: أبو العتاهية أشعر الناس في قوله (6): [الخفيف] فتنفّست ثم قلت: نعم، حب ... با جرى في العروق عرقا فعرقا
فقال له بعض الظرفاء: صار عندك أشعر الناس من طريق المحبة والعروق.
__________
(1) البيت في ديوان جرير ص 945، وشرح شواهد الإيضاح ص 141، ولسان العرب (دون)، وتاج العروس (دون)، والبيان والتبيين 1/ 305، والكامل للمبرد 1/ 371، ومحاضرات الأدباء 3/ 151.
(2) البيت في لسان العرب (حجل)، والأغاني 13/ 158، والبيان والتبيين 1/ 390، وعيون الأخبار 1/ 103، 104.
(3) البيت في عيون الأخبار 4/ 100، وبهجة المجالس 2/ 48.
(4) البيت في ديوان النابغة الذبياني ص 93، والشعر والشعراء 1/ 176، والمقاصد النحوية 3/ 102، ولسان العرب (نصف).
(5) البيت في ديوان الأعشى ص 107، وخزانة الأدب 8/ 394، 11/ 352، وشرح المفصل 1/ 129، ولسان العرب (ويل)، وتاج العروس (ويل)، والمحتسب 2/ 213.
(6) البيت في محاضرات الأدباء 1/ 94.(7/144)
الباب الرابع عشر أمثال ونوادر على لسان البهائم
قالوا: عيّر ثعلب لبؤة بأنها إنما تلد في عمرها جروا واحدا. فقالت:
نعم، إلا أنه أسد.
قالوا: يقول الأرنب: أنا أسرع عدوا من كلّ كلب، ولولا أني ألتفت فأرى اللّحى التي تركض أصحابها خلفي، وأسمع صياحهم، وأرى اجتهادهم، فيقع عليّ الضحك تعجّبا من عقولهم، فأسترخي لما لحقني قطّ كلب.
قالوا: صحب ذئب وثعلب أسدا، فاصطادوا عيرا وظبيا وأرنبا، فقال الأسد للذئب: اقسم هذا بيننا. فقال: العير لك، والظبي لي، والأرنب للثعلب. فغضب الأسد، وأخذ الذئب حتى قطع رأسه، وقال للثعلب:
اقسمه أنت. فقال: العير لغدائك، والظبي لعشائك، والأرنب تتفكّه به في الليل. فقال: من علّمك هذه القسمة العادلة؟ فقال: رأس الذئب الذي بين يديك.
قالوا: وجد بعير وأرنب وثعلب جبنة، فاصطلحوا على أن تكون لأكبرهم سنّا، فقال الأرنب: أنا ولدت قبل أن خلق الله السموات والأرض. فقال الثعلب: صدق فإني حضرت وقت ولادته، فأخذ البعير الجبنة بفيه، ورفع رأسه وقال: من رآني يعلم أني لم أولد البارحة.
قيل للثعلب: تحمل كتابا إلى الكلب وتأخذ مائة دينار؟ فقال: أما الكراء فوافر، ولكنّ الطريق مخوف.
وقع في شرك صياد ثعلبان، فقال أحدهما لصاحبه: يا أخي، أين نلتقي؟
قال: في الفرّائين بعد ثلاثة أيام.
دخل كلب مسجدا خرابا، فبال على المحراب، وفي المسجد قرد نائم، فقال للكلب: أما تخاف الله؟ تبول في المحراب! قال الكلب: ما أحسن ما صورك حتى تتعصب له!.(7/145)
قال: في الفرّائين بعد ثلاثة أيام.
دخل كلب مسجدا خرابا، فبال على المحراب، وفي المسجد قرد نائم، فقال للكلب: أما تخاف الله؟ تبول في المحراب! قال الكلب: ما أحسن ما صورك حتى تتعصب له!.
قالوا: إن جديا وقف على سطح يشتم ذئبا في الأرض. فقال له الذئب:
لست الذي يشتمني، ولكن مكانك يفعل ذلك.
وقالوا: إن ثعلبا تعلّق بعوسجة (1) ليصعد حائطا، فعقرته، فأقبل يلومها.
فقالت: يا هذا، لم نفسك في التعلّق بما يتعلّق بكل شيء.
كان رجل من بني أسد يساير عاملا للبندنيجين، فمرّا بدار خربة عليها بومتان تصفران، فقال العامل: ليت شعري ما يقولان؟ فقال الأسديّ: إن أمّنتني أخبرتك. قال: فأنت آمن. قال: خطب أحدهما، وهو الذكر، الأخرى، وهي الأنثى، على ابنه. فقالت: قد زوجتك على مائتي خربة. قال: ومن أين لي مائتا خربة؟ فقالت: إن بقي هذا العامل علينا إلى آخر السنة فأنا أعطيك خمسة آلاف خربة. فغضب العامل لذلك، وقال: لولا الأمان لقتلتك.
عدا كلب خلف ظبي، فقال له الظبي: إنك لا تلحقني. قال: لم؟ قال:
لأني أعدو لنفسي، وأنت تعدو لصاحبك.
قالوا: قالت الخنفساء لأمها: ما أمرّ بأحد إلا بزق عليّ. قالت: من حسنك تعوّذين.
قالوا: قبض كلب على أرنب، فقال الأرنب: والله ما فعلت بي هذا لقوّتك، ولكن لضعفي.
وقالوا: صاد رجل قنبرة، فلما صارت في يده قالت: ما تريد أن تصنع بي؟ قال: أريد أن أذبحك وآكلك. قالت: فإني لا أشفي من قرم (2)، ولا أشبع من جوع، وإن تركتني علّمتك ثلاث كلمات هي خير لك من أكلي، أما الأولى فأعلّمك وأنا في يدك، وأما الثانية فأعلمك وأنا على الشجرة، والثالثة إذا صرت على الجبل. فقال: هاتي. فقالت: لا تلهفن على ما فاتك. فتركها وصارت
__________
(1) العوسج: شجر كثير الشوك.
(2) القرم: شدّة الشهوة إلى اللحم.(7/146)
على الشجرة، ثم قالت: لا تصدّقنّ بما لا يكون، ثم قالت: يا شقيّ، لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درّتين هما خير لك من كنز. فعضّ على شفتيه متلهّفا، ثم قال: علميني الثالثة. فقالت: أنت قد أنسيت الثنتين، فكيف أعلّمك الثالثة؟ ألم أقل لك: لا تتلهّفنّ على ما فاتك، ولا تصدّقن بما لا يكون؟ أنا وريشي ولحمي لا أكون زنة درّتين، فكيف يكون في حوصلتي ذاك؟ ثم طارت فذهبت.
كان أبو أيوب الموريانيّ وزير المنصور إذا دعاه المنصور يصفرّ ويرعد مع مكانه منه، ومحلّه عنده فقيل له في ذلك. فقال: مثلي ومثلكم في هذا مثل باز وديك تناظرا، فقال البازي: ما أعرف أقل وفاء منك. قال: وكيف؟ قال:
تؤخذ بيضة، فيحضنك أهلك وتخرج على أيديهم، فيطعمونك بأكفّهم، ويحسنون إليك، حتى إذا وجدت منهم غفلة طرت، وصحت وعلوت الحيطان، وفارقت الدار التي كبرت فيها إلى غيرها، وأنا أوخذ من الجبال، فأوثق، وتحاط عينيّ، وأطعم الشيء اليسير، وأؤنس يوما أو يومين، ثم أطلق على الصيد، فأطير وحدي، وآخذه لصاحبي، وأمسكه عليه، وأعود إلى مكاني. فقال له الديك: ذهب عليك الصواب، أنت والله لو رأيت على السفافيد من البزاة اليسير من الكثير الذي أراه من الديكة، ما عدت عليهم قطّ ولكن لو عرفتم من المنصور ما أعرفه لكنتم أسوأ حالا مني عند طلبه لكم.
وقال الثعلب: إذا كان البخت مقبلا كان الكرم حاملا، وحافظ الكرم نائما، والنهر مادّا، والقمر زاهرا.
وقالوا: لو كان عنب الثعلب حلوا ما تركته الثعالب في الصحاري.(7/147)
وقالوا: لو كان عنب الثعلب حلوا ما تركته الثعالب في الصحاري.
الباب الخامس عشر نوادر ونكت للمتكلّمين
حكى الصاحب رحمه الله أنه كان من أصحاب أبي الهذيل (1) غلام يعرف بعبد الله الفارسيّ، فدعاه يوما يحيى بن أصفح وكان رأس المجبرة (2)
إلى دعوته، فأكلا، ودعاه إلى الشراب فأجابه وشرب معه، وأراد يحيى أن يسكر الغلام ويعدّه، فسكر قبل الغلام، فقام إليه الغلام، وفعل به ما أراد يحيى أن يفعله. وأخذ قطعة رقّ، وكتب عليها: [الرمل]
فعلة جاءت لعمري منكره ... نيك شيخ من شيوخ المجبره
قدرة أوجبت الفعل ولم ... يكن الله ليأبى قدره
وألصقها بجبهته، فلما أفاق ورأى ذلك قال: لعن الله القدريّة (3) جئنا ننيكهم، ناكونا.
__________
(1) أبو الهذيل العلّاف: هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي، أبو الهذيل العلّاف، ولد في البصرة سنة 135هـ، وتوفي بسامراء سنة 235هـ، من أئمة المعتزلة، عالم في الكلام، كف بصره في آخر أيامه، له عدة مصنّفات منها: «كتاب الميلاس» (كشف الظنون 6/ 11، الأعلام 7/ 131، وفيات الأعيان 1/ 480، لسان الميزان 5/ 413، مروج الذهب 2/ 298، تاريخ بغداد 3/ 266، أمالي المرتضى 1/ 124، دائرة المعارف الإسلامية 1/ 416، نكت الهميان ص 277).
(2) المجبرة: هم الجبرية: وهو مذهب أهل الجبر، ومنهم مثلا الجهمية أتباع الجهم بن صفوان.
فهم أنكروا كل قدرة للإنسان على الخلق، ومنها خلق أفعاله، وأفرطوا في مغالاتهم برد كل شيء يحدث في هذا العالم ومن ضمنه أفعال الإنسان إلى الله تعالى وقدرته المطلقة، وهكذا يصبح الإنسان بنظر أهل الجبر كسائر الأشياء أو الجمادات لا إرادة له ولا اختيار، فهو مجبر على أفعاله ليس له فيها أدنى حرية لأنها من فعل الله، ونسبتها للإنسان إنما هي من قبيل المجاز لا أكثر ولا أقل، كما هو الحال بالنسبة إلى نسبة الأفعال إلى الجماد، كالقول: أثمرت التفاحة، أشرقت الشمس (الموسوعة الفلسفية العربية ص 674).
(3) القدرية: هم المعتزلة، لقبوا بالقدرية لقولهم بالقدر خيره وشره من العبد ونفوا ذلك عن الله(7/148)
قال رجل لعمرو بن عبيد (1): إني لأرحمك مما يقول الناس فيك. قال:
فما تسمعني أقول؟ قال: ما أسمعك تقول إلا خيرا. قال: فإيّاهم فارحم.
ومرّ بجماعة عكوف فقال: ما هذا؟ قالوا: سارق يقطع. فقال: لا إله إلا الله! سارق السر يقطعه سارق العلانية.
قال رجل لثمامة (2): لم كفر الكافر؟ فقال: الجواب عليه.
وقال هشام بن الحكم (3) وكان يقول بالجسم لأبي الهذيل: ما الدليل على أن الباري عزّ وجلّ ليس بجسم؟ قال: لأنه لا نصف له.
قال أبو شمر (4): ما شككت في شيء قطّ. قال النظّام: لكني ما شيء إلا شككت فيه. ففضّل الناس قول النظّام.
ناظر بختويه الجنديسابوري عافية بن شبيب البصريّ، فقال: بختويه: ما دليلك على إثبات الخالق؟ فقال: شعرة أمّك التي تحلقها فتنبت، فلو لم يكن لها منبت لم تنهت. قال بختويه: فينبغي أن يكون بظر أمّك حين قطع فلم ينبت دليلا على أنه لا منبت؟
قال بعض ولاة البصرة بينا أنا في مجلسي إذ سمعت صيحة عظيمة ظننت أنها فتنة، فإذا شيخ قد لبّب رجلا شابّا، فلما دنيا مني قلت للشيخ: ما شأنك؟
__________
تعالى. (انظر: كشاف اصطلاحات الفنون ص 15751574، الفرق بين الفرق ص 114 201، الملل والنحل ص 43، طبقات المعتزلة ص 28).
(1) عمرو بن عبيد: هو عمرو بن عبيد بن باب أبو عثمان المحدث الزاهد المتكلم البصري، شيخ المعتزلة في عصره ومفتيها كان جده من سبي فارس، وأبوه نساجا ثم شرطيا للحجاج في البصرة، له رسائل وكتب، وبعض العلماء يراه مبتدعا. قال يحيى بن معين: كان من الدهرية الذين يقولون: إنما الناس مثل الزرع. توفي بحران سنة 144هـ، له من الكتب: «تفسير القرآن عن الحسن البصري»، «خطب ورسائل»، «ديوان شعره» (انظر: كشف الظنون 5/ 802، الأعلام 5/ 81، وفيات الأعيان 1/ 384، البداية والنهاية 10/ 78، ميزان الاعتدال 2/ 294، طبقات المعتزلة ص 35، مفتاح السعادة 2/ 35).
(2) هو ثمامة بن أشرس النميري، أبو معن، من كبار المعتزلة، رئيس فرقة الثمامية من المعتزلة، توفي سنة 213هـ (الملل والنحل 1/ 70، الأعلام 2/ 105).
(3) هو هشام بن الحكم، أبو محمد، رئيس فرقة الهشامية من المشبهة، توفي سنة 190هـ (الملل والنحل 1/ 103، الأعلام 8/ 85).
(4) أبو شمر: هو سالم بن شمر، رئيس فرقة الشمرية، من المرجئة (الملل والنحل 1/ 142).(7/149)
قال: شتمني وشتم أبويّ، قال: كانا يجمعان بين الزاني والزانية. قال: فقلت للشابّ: ما تقول؟ قال: صدق، وقد فعلت ذلك، وكانت خطيئة، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه، فإن عفا وإلا فأنا بين يديك، خذ له بحقه مني. قال الشيخ:
قد عفوت عنه.
فلما أراد الشيخ أن يقوم سأله الشابّ أن يجلس. فقلت: ما بالك؟
قال: قد قلت في أبويه ما قلت، واستغفرت الله من ذلك، وهو يزعم أن الله يجمع بين الزاني والزانية، فليستغفر الله من ذلك. قال: فجهدنا بالشيخ أن يستغفر منه فأبى. وإذ إنّ الكلام قد جرى بينهما في العدل والجبر، وكان الشيخ مجبرا.
قال رجل من المجبرة: ما سرق حماري بعد الله إلا فلان. فقال له آخر:
قد وقعت على أحد السارقين، فخذ في طلب الآخر.
قيل لمحمد بن واسع: ما تقول في القدر؟ فقال: إن الله تعالى إذا جمع الخلائق يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم، ولم يسألهم عما قضى عليهم.
وقال آخر: إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة سألهم عما فعلوه، ولم يسألهم عما فعل هو بهم.
قال الشغافيّ: كان عندنا نصرانيّ خبيث يتكلم ويناظر، فكان إذا أتاه مجبر ليناظره قال: أنت تزعم أن الله خلق كفري، وأني لا أقدر على الإسلام. فما معنى مناظرتي؟ وإذا أتاه معتزليّ قال: خذ سلاحك حتى آخذ سلاحي فإن الأمر بيني وبينك جدّ.
قال بعضهم: سمعت مجبرا يقول وقد احتجّ عليه بالقرآن، واحتجّ هو أيضا بالقرآن. فقيل له: أترى الذي تلونا عليك ينقضه ما تلوته علينا؟ فقال:
لا، ولكن إذا خلّط ربّنا علينا فلا بد من أن يخلّط عليكم.
وقال الشغافيّ: حضر أبو عبد الرحمن الحبلي عند بعض الولاة بالبصرة، وحضر رجل من المجبرة، فأتي الوالي بطرّار أحول. فقال الوالي: للمجبر ما ترى فيه؟ قال: أرى أن تضربه عشرين درّة. فقال لأبي عبد الرحمن: ما ترى؟
قال: أرى أن تضربه أربعين: عشرين لطرّه، وعشرين لحوله. فقال: يا أبا
عبد الرحمن، أأضربه على الحول؟ قال: نعم، إذا كانا جميعا من خلق الله:(7/150)
قال: أرى أن تضربه أربعين: عشرين لطرّه، وعشرين لحوله. فقال: يا أبا
عبد الرحمن، أأضربه على الحول؟ قال: نعم، إذا كانا جميعا من خلق الله:
الطرّ والحول، فما جعل الله الضرب على أحدهما أحقّ منه على الثاني.
قال داود الأصبهانيّ للموفق: أصلح الله الأمير، لقد أهلك أبو مخالد الناس. فقال له: الله أم أبو مخالد أهلكهم؟
سأل رجل أبا الهذيل، فقال: أفعال العباد مخلوقة؟ قال: لا. قال: فمن خلقها؟ قال أبو الهذيل. أنت مشجوج؟ قال: لا. قال: فمن شجك؟
قيل للنظام: أتناظر أبا الهذيل؟ قال: نعم، وأطرح له رخاء من عقلي.
سئل بعض المتكلمين عن النفس فقال: هي النفس. وسئل عن الرّوح فقال: هي الريح. فقال السائل: فعلى هذا كلما تنفّس الرجل خرجت نفسه، وكلما ضرط خرجت روحه، فانقلب المجلس ضحكا.
قال عثمان الطويل: جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء فقال:
هل تعرف في كلام العرب أن أحدا فرّط فيما لا يقدر عليه؟ قال: لا. قال:
فأخبرني عن قول الله تعالى: {يََا حَسْرَتى ََ عَلى ََ مََا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللََّهِ} [الزّمر: الآية 56] أفرّط فيما قدر عليه، أو فيما لا يقدر عليه؟ قال أبو عمرو لأصحابه: قد أبان لكم أبو عثمان القدر بحرفين.
سأل بعض المجبرة أبا الهذيل العلاف: من يجمع بين الزاني والزانية؟
فقال: أما عندنا بالبصرة فالقوّادون.
اجتمع محمد بن جرير الطبريّ (1) مع أبي القاسم البلخيّ المتكلم عند
__________
(1) هو محمد بن جرير بن يزيد بن خالد بن كثير، أبو جعفر الطبري، البغدادي المولد والوفاة، ولد سنة 224هـ، وتوفي سنة 310هـ. صاحب التاريخ المشهور، والتفسير المشهور (جامع البيان)، له من المصنّفات: «الآداب الحميدة والأخلاق النفيسة»، «اختلاف الفقهاء»، «تاريخ الرجال»، «تاريخ الأمم والملوك وأخبارهم ومولد الرسل وأنباؤهم»، «جامع البيان في تفسير القرآن»، «تهذيب الآثار»، «كتاب البسيط في اللغة»، «الجامع في القراءات»، «كتاب التبصير»، في الأصول، «كتاب الحفيف في الفقه»، «كتاب الزكاة»، «كتاب الشذور»، «كتاب الشروط»، «كتاب الصلاة»، «كتاب الطهارة»، «كتاب العدد والتنزيل»، «كتاب الفضائل»، «كتاب القراءة»، «كتاب المحاضر والسجلات»، «كتاب المسترشد»، «كتاب الوصايا» وغيرها (كشف الظنون 6/ 2726، معجم الأدباء 6/ 424، وفيات الأعيان 1/ 577، طبقات المفسرين ص 30).(7/151)
الدّاعي، أو الناصر، فقال له محمد بن جرير: كم في خمس من الإبل؟ قال أبو القاسم: ليس هذا من صناعتي. ولكني مع ذلك أقول: فيها شاة. قال: فأسألك عن صناعتك. أخبرني عن هذا العالم بأسره، أليس هو ملك الله عزّ وجلّ؟
قال: نعم. قال: فيملك ما لم يخلقه؟ يريد أفعال العباد قال أبو القاسم:
فأخبرني عن هؤلاء القيام من العبيد، أليس هم ملك الناصر؟ قال: نعم. قال:
فخلقهم؟ فانقطع ابن جرير وخجل. فقال له الناصر: هلّا برئت إليه من صناعته كما برىء إليك من صناعتك ولم يزاحمك فيها؟
كان أبو عمرو بن العلاء يقول: كان لبيد مجبرا، وكان الأعشى عدليّا وأنشد للبيد (1): [الرمل]
من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال، ومن شاء أضلّ
وللأعشى (2): [المنسرح]
استأثر الله بالوفاء وبال ... عدل، وولّى الملامة الرّجلا
قال بعض المتكلمين: دخلنا على فينون النصرانيّ، وجرى ذكر ابن كلّاب المتكلم، فقال: رحمه الله، عني أخذ مذهبه في تلك الرواية ولو عاش نصّرنا المسلمين.
قال رجل من أهل الكوفة لهشام بن الحكم: أترى الله جلّ ثناؤه في فضله وعدله وكرمه كلفنا ما لا نطيق ثم يعذّبنا عليه؟ قال: قد فعل، ولكن لا نستطيع أن نتكلم.
قال أبو عثمان (3): كان أبو إسحق النظام أضيق الناس صدرا بحمل سرّ، وكان شرّ ما يكون إذا يؤكّد عليه صاحب السر، وكان إذا لم يؤكّد عليه نسي القصة، فيسلم صاحب السر.
__________
(1) البيت في ديوان لبيد ص 174، ولسان العرب (ضلل)، وتاج العروب (ضلل)، وتهذيب اللغة 11/ 465.
(2) البيت في ديوان الأعشى ص 233، والشعر والشعراء ص 75، والحماسة البصرية ص 588.
(3) أبو عثمان: هو الجاحظ، تقدمت ترجمته.(7/152)
وقال له مرة قاسم التّمار: سبحان الله! ما في الأرض أعجب منك، أودعنّك سرّا فلم تصبر عن نشره يوما واحدا؟ والله لأشكونّك في الناس. فقال:
يا هؤلاء، سلوه، نممت عليه مرة ومرتين وثلاثا وأربعا فلمن الذنب الآن؟ فلم يرض أن يشاركه في الذنب حتى صيّر الذنب كلّه لصاحب السر.
كان واصل بن عطاء (1) طويل العنق، فيروى عن عمرو بن عبيد أنه نظر إليه من قبل أن يكلمه فقال: لا يفلح هذا ما دامت عليه هذه العنق.
وكان واصل ألثغ، قبيح اللّثغة في الراء، فحذفها من كلامه لاقتداره.
ومما حكي عنه أنه ذكر بشارا فقال: أما لهذا الأعمى المكتني بأبي معاذ من يقتله؟ أما والله لولا أن الغيلة خلق من أخلاق الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه ثم لا يكون إلا سدوسيّا أو عقيليّا!
فقال: «الأعمى» ولم يقل: «الضرير»، وقال: «المكتني» ولم يقل:
«بشار»، وقال: «الغالية» ولم يقل: «المغيريّة» ولا «المنصوريّة» وقال: «لبعثت» ولم يقل: «لأرسلت» وقال: «على مضجعه» ولم يقل: على «فراشه»، وذكر بني عقيل لأن بشارا كان يتوالى إليهم.
قال محمد بن الجهم للمكّي صاحب النظام: أراك مستبصرا في اعتقاد الجزء الذي لا يتجزأ، فينبغي أن يكون عندك حقا حقا. قال: أما أن يكون عندي حقا حقا فلا، ولكنه عندي حق.
__________
(1) هو واصل بن عطاء الغزّال، أبو حذيفة، رأس المعتزلة، بليغ متكلم، ولد بالمدينة سنة 80هـ، وتوفي بالبصرة سنة 131هـ، له عدة تصانيف منها: «أصناف المرجئة»، «كتاب التوبة»، «كتاب الخطب في التوحيد والعدل»، «كتاب الخطبة التي أخرج منها الراء»، «كتاب الدعوة»، «كتاب السبيل إلى معرفة الحق»، «كتاب طبقات أهل العلم والجهل»، «كتاب ما جرى بينه وبين عمرو بن عبيد»، «كتاب معاني القرآن»، «كتاب المنزلة بين المنزلتين» (انظر: كشف الظنون 6/ 499، الأعلام 8/ 108، خطط المقريزي 2/ 345، وفيات الأعيان 2/ 170، مروج الذهب 2/ 298، فوات الوفيات 2/ 317، تاريخ الإسلام 5/ 311، مرآة الجنان 1/ 274، النجوم الزاهرة 1/ 313، لسان الميزان 6/ 214، شذرات الذهب 1/ 182).(7/153)
وكان محمد بن الجهم قد ولّاه موضعا من كسكر، فكان المكيّ لا يحسن أن يسمّي ذلك المكان ولا يتهجّاه ولا يكتبه ولا يقرأه، وكان اسم الموضع شاتمشتا.
قال الحجاج يوما: عليّ بعدوّ الله: معبد الجهميّ وكان في حبسه، قد حبسه في القدر فأتي بشيخ ضعيف فقال له: تكذّب بقدر الله؟ قال: أيها الأمير، ما أحب لك أن تكون عجولا. إن أهل العراق أهل بهت وبهتان، وإني خالفتهم في أمر فشهّروا عليّ. قال: وفيم خالفتهم؟ قال: زعموا أن الله قدّر عليهم وقضى قتل عثمان، وزعمت أنا أنهم كذبوا في ذلك. قال: صدقت أنت وكذبوا. خلّوا سبيله.(7/154)
قال الحجاج يوما: عليّ بعدوّ الله: معبد الجهميّ وكان في حبسه، قد حبسه في القدر فأتي بشيخ ضعيف فقال له: تكذّب بقدر الله؟ قال: أيها الأمير، ما أحب لك أن تكون عجولا. إن أهل العراق أهل بهت وبهتان، وإني خالفتهم في أمر فشهّروا عليّ. قال: وفيم خالفتهم؟ قال: زعموا أن الله قدّر عليهم وقضى قتل عثمان، وزعمت أنا أنهم كذبوا في ذلك. قال: صدقت أنت وكذبوا. خلّوا سبيله.
الباب السادس عشر نوادر أبي العبر (1)
قيل له: قد أمر أمير المؤمنين بردّ المظالم. قال: فقولوا له: يردّ على سورة براءة بسم الله الرحمن الرحيم.
عهد لأبي العبر:
من أبي العبر الرقيع ذي الحسب الرفيع لأبي العجل الوضيع: إني ولّيتك خراج ضياع الهواء، ووكّلت بك البلاء، وفوّضت إليك مساحة سحاب الهواء، وعدّ ثمار الأشجار، وكيل ماء الأنهار، وحفظ طراز الأوقار، وإحصاء حماحم الفار، وحدقات البوم، وورق الزقّوم، وقسمة الشّوم بين الهند والروم. وأجريت في ذلك لك من الأرزاق بغض أهل الحمص لأهل العراق، وأمرتك أن تجعل ديوانك بالمغرب ومجلسك بإفريقية، وعيالك بميسان، وإصطبلك بأصبهان، ومطبخك بحرّان، وبيت مالك بسجستان. وخلعت خفّي حنين، وقميصا من الدّين، وسيفا من حين، وسراويل من شين، وعمامة من سخنة عين، وحملتك على حمار مقطوع الذنب والأذنين، مكوّر الرجلين. وأمرتك أن تطوف على عملك في كل يوم مرّتين. وكتب يوم الأربعاء غداة الأحد بعد العصر لست مضت من شهر ربيع الأول سنة ثمانين إلّا مائتين.
وقال له أبو العباس ثعلب: الظبي معرفة أو نكرة؟ قال: إن كان مشويّا موضوعا على المائدة فهو معرفة، وإن كان في الصحراء فهو نكرة.
__________
(1) أبو العبر: هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي، أبو العباس، الملقب بحمدون الحامض، الشاعر الماجن، كان نديما للمتوكل، توفي سنة 250هـ (الأغاني 23/ 197، الوافي بالوفيات 2/ 41).(7/155)
قال أبو العبر: سألت أبا الجحش فقلت: أيها الحكيم، لم صار الدّيك بالغدوات يرفع إحدى رجليه دون الأخرى؟ فقال: لأنه لو رفهما جميعا لسقط.
قال: وقلت له: أيّ شيء لا يمكن أن تلحم به؟ فقال: الهاون.
دخل أبو العبر إلى مالك بن طوق، ومالك لا يعرفه، فقال: أبو من؟
قال: أبو كل بصل. قال: وما هذا من الكنى؟ قال: وما أنكرت؟ كم بين كل ثوم وبين كل بصل؟ فغضب مالك وكانت كنيته أبو كلثوم وقال: أظنك شاربا. قال: بل إني صاحب الكيلجة. قال خذوا منه كفيل حتى ننظر في أمره.
فقال: أنا أصلحك الله إنسان فقير، فخذ مني كشاة. قال مالك: ويلكم! من هذا؟ خذوه. قيل: هذا أبو العبر. فسكن وعانقه.
قال: أما قبل: فإنا وجدنا في حكمة أهل الشام أنه لا يأكل إنسان الفاكهة إلا شرى أو صدقة أو هدية أو سرقة. ومن كان في البيت لم ير الناس ولم يروه إلا أن يدخلوا إليه، أو يخرج إليهم. وما أقلّ ما تجد في مائة يهوديّ واحدا مسلما.
ويروي عن أبي الزّنبور بأن أول من يدخل الجنة من البهائم الطنبور.
قال: وكيف ذاك يرحمك الله؟ قال: لأنه في دار الدنيا يعصر حلقه، ويعرك أذناه، ويضرب بطنه فيقال له يوم القيامة: خذوا برجله ألقوه في الجنة فإنه متعوب.
وحدّث لبادة عن أبي سوادة قال: أوّل من يدخل النار من البهائم البرادة، لأنها تشرف على حرم الجيران السادة فتحشر مع المنجنيق والعرادة.
وقيل له: لم صارت دجلة أكبر من الفرات؟ قال: لأن القلم يكون في الدواة.
وقيل له: لم صار الجمل إذا ضربت أسته صاح رأسه؟ قال: لأن الأرزّ إذا طبخوه أكلوه بسكّر، وإذا خبزوه أكلوه بمالح.
قيل له: فلم صار كل أعرج يجمع؟ والحبّ لا يشترى حتى يصفع؟ قال:
لأن المرآة ترى وجهك فيها، والسمكة لا تأكلها حتى تشويها.
قال: إذا أردت أن تعلّم ابنك السباحة حتى تموت أنت وجيرانك من العطش، فخذ رطل داذي، وأوقيتين حبك، وثلاثة أرباع نهر كرخايا، وثلّثه بتسع ساعات من ليلة الميلاد، فيجيك خفّ واسع.(7/156)
لأن المرآة ترى وجهك فيها، والسمكة لا تأكلها حتى تشويها.
قال: إذا أردت أن تعلّم ابنك السباحة حتى تموت أنت وجيرانك من العطش، فخذ رطل داذي، وأوقيتين حبك، وثلاثة أرباع نهر كرخايا، وثلّثه بتسع ساعات من ليلة الميلاد، فيجيك خفّ واسع.
وإذا أردت أن تعلّم ابنك رمي النّشّاب فلا تعرف القوس من الطّبطاب في سيته، فخذ رطل نورة، وشمعة مربّعة، وما أدري ما أقول، وقد والله تعلّمت، فإن أردتها حامضة فاطرح فيها شيئا من مصل.
رقية الزّنبور:
إذا رأيته فاهرب منه، فإن لسعك فقد لسعك، وإن لم يلسعك فخذه وسل حمته وطيّره. حيلة مجربة.
خطبة نكاح:
الحمد لله المفرّق بين الأحبة، ومعيدهم إلى التربة، خالق الموت. ومبدّد الشمل، ومبعّد الآمال من الأهل والأولاد، ومدني الآجال، إلى من كثرت عنده الأموال. أحمده وأستعينه، وأومن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا، صلى الله عليه، عبده ورسوله، وأشهد أن كل شيء لا محالة زائل، وما شاء كان من قضائه، وقد جعل الله لكل شيء سببا، وجعل سبب الطّلاق غضبا، وقد قال عزّ وجلّ: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنََاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: الآية 49]. وقال:
{يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطّلاق: الآية 1]. فعليكم بالافتداء بمن كان قبلكم من الحمقى فقد سنّوا للحرّة حولا، وللأمة شهرا، فطلقوهن من بعد سنة وأخرجوهن من بيوتكم، فقد قال الأوّل: [الخفيف]
اذهبي قد قضيت منك مرادي ... فمتى شئت أن تبيني فبيني
واستبدلوا بهنّ في كل حول مرتين فإن ذلك أذهب للمال، وأسخن للعين. واحذروا كيدهنّ ومكرهنّ وخلاقهنّ وعقوقهنّ، وعاملوهنّ بالسب، وتعاهدوهنّ بالضرب، إن الله تعالى يقول: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضََاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}
[النّساء: الآية 34] وهذا فلان ابن فلان.
قال أبو العبر: كنّا نختلف ونحن أحداث إلى رجل يعلّمنا الهزل فكان يقول: أول ما تريدون قلب الأشياء. فكنا نقول إذا أصبح: كيف أمسيت؟ وإذا أمسى: كيف أصبحت؟ وإذا قال لأحدنا: تعال إليّ تأخر إلى خلف، وإذا قال اذهب سعى بين يديه. وكانت له أرزاق يعمل كتابتها في كل سنة، فعملها مرة وأنا معه فلما فرغ من التوقيع فيها، وبقي الختم قال لي: أتربها وهاتها. قال:(7/157)
اذهبي قد قضيت منك مرادي ... فمتى شئت أن تبيني فبيني
واستبدلوا بهنّ في كل حول مرتين فإن ذلك أذهب للمال، وأسخن للعين. واحذروا كيدهنّ ومكرهنّ وخلاقهنّ وعقوقهنّ، وعاملوهنّ بالسب، وتعاهدوهنّ بالضرب، إن الله تعالى يقول: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضََاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}
[النّساء: الآية 34] وهذا فلان ابن فلان.
قال أبو العبر: كنّا نختلف ونحن أحداث إلى رجل يعلّمنا الهزل فكان يقول: أول ما تريدون قلب الأشياء. فكنا نقول إذا أصبح: كيف أمسيت؟ وإذا أمسى: كيف أصبحت؟ وإذا قال لأحدنا: تعال إليّ تأخر إلى خلف، وإذا قال اذهب سعى بين يديه. وكانت له أرزاق يعمل كتابتها في كل سنة، فعملها مرة وأنا معه فلما فرغ من التوقيع فيها، وبقي الختم قال لي: أتربها وهاتها. قال:
فمضيت وصببت عليها ماء، فبطلت، فلما رآها قال لي: ويلك! ما صنعت؟
قلت: ما نحن فيه طول النهار من عكس الأشياء. فقال: والله لا صحبتني، أنت أجهل مني وأحمق.(7/158)
قلت: ما نحن فيه طول النهار من عكس الأشياء. فقال: والله لا صحبتني، أنت أجهل مني وأحمق.
الباب السابع عشر نوادر أبي العنبس (1)
كان يقول: أنا أقطع المجبر بمسألة واحدة، أرفع يدي بحذاء قفاه وأقول له: هل أقدر على صفعك؟ فإن قال: بلى، فقد رجع عن مذهبه، وإن قال:
لا، أعلمته أني قادر على ذلك.
قال أبو العنبس: رأيت رجلا يعرج، فقلت له: ما لك؟ قال: غدا يريد أن يدخل في رجلي شوك.
وقال: أنا وأخي توأمان، وخرجت أنا وهو من الصّيمرة في يوم واحد وساعة واحدة، ودخلت أنا وهو سر من رأى في وقت واحد، فولي هو القضاء وصرت أنا صفعانا، فمتى يصح أمر النجوم؟
قال أبو العنبس، سمعت حمدويه بنت الخراساني في ليلة كسوف وهي تبكي، وتتضرّع وتقول: يا رب، عذّبني بكلّ شيء ولا تعذّبني بالنار، اضربني بالفالج، ارمني بقاصمة الظهر، كلّ شيء ولا النار، أصرخ والله وأصيح إن احترقت ثيابي أبقى مجردة!!. قال: وكانت مثل ياسمينة نقيّة أو فضّة مصفّاة ألّا أنها كانت بلهاء.
__________
(1) أبو العنبس: هو محمد بن إسحق بن إبراهيم بن المغيرة بن ماهان المنجم، أبو العنبس الصيمري الكوفي، ثم البغدادي، نادم المعتمد على الله العباسي، كان أديبا، ولد سنة 212هـ، وتوفي في حدود سنة 275هـ، له من المصنّفات: «الأحاديث الشاذة»، «أحكام النجوم»، «أخبار أبي فرعون كندر بن حجدر»، «استغاثة الجمل إلى ربه»، «أصل الأصول في علم الميقات»، «أنفاس ابن الحائك»، «تأخير المعرفة»، «الجوارش والترياقات»، «الرد على المنجمين»، «طنبلنب»، «فضل السلم على الدرجة»، وغيره الكثير (كشف الظنون 6/ 19، تاريخ بغداد 1/ 238، معجم الشعراء ص 442، الوافي بالوفيات 2/ 191، البداية والنهاية 11/ 156، الأعلام 6/ 28، معجم المؤلفين 9/ 38).(7/159)
قال أبو العنبس: سألت أبا الفضل بن الراشديّة الحنبلي المتصوّف، فقلت: يا أبا الفضل، صف لي المؤمنين. فقال: قوم أحرزوا براهينهم في الهرر، واستعملوا قبل ذلك الحذر، وعلموا أن الأمور بقضاء وقدر. قلت:
رحمك الله، فصف لي أهل التوكّل. قال: نعم، قوم تركوا سعة الطريق، وسلكوا سبل المضيق، واستعملوا الحركة بالشهيق، فخرجت براهينهم ولها بهيق.
قلت: رحمك الله، فما علامة حبّ الآخرة؟ قال: أن ترى أعينهم ساهرة، وقلوبهم طائرة، حتى يضعوا البراهين في المواضع الغائرة. قلت:
رحمك الله، فما علامة صدق المودّة؟ قال: تراهم إذا انكشفت حقائق الظهور، وبلغت البراهين الصدور، واشتدّ الاضطراب المقدور، ظهر الكيد المستور، فإنه خرج من التّنّور. قلت: رحمك الله، فما علامة الرّفق؟ قال: اللّطف لإخراج الكيد من الحقيقة، إذا كانت الطبيعة رقيقة. قلت: فما علامة المؤيّدين؟ قال:
إذا كان أول ليلة من رجب، رأيتهم قد جثوا على الرّكب، فوضعوا البراهين في الثّقب، بلا كدّ ولا تعب.
قلت: فما علامة التّقى؟ قال: أن ترى أعينهم نائمة، وقلوبهم هائمة، وبراهينهم قائمة. قلت: فصف لي أهل الإخلاص؟ قال: نعم، اعلم أن لله عبادا عاينوا الحقائق بمكنون الإضمار، فصارت الكمرات منهم كالمنار، وطلبوا الطريق إلى اعتبار، فالتفّت الساق بالساق، وتبدت الأفخاذ بالزّاق، فيا حسنهم في الشهيق والحنين، والزفير والأنين، حتى إذا صبّوا ماء الصفاء، على حافات أنهار الوفاء، وانتزعوا الأعور الغريق، على رأسه شيء أحمر رقيق، فذاك علامة التوفيق.
قلت: فعلامة الأمانة؟ قال: قوم أخرجوا الكيد من السيدانة، وهو أحمر مثل الرّمّانة. قلت: فعلامة الخيانة؟ قال: إذا وضع أحدهم الدّرهم في الشّدق والمردّى في البثق، ثم انتزعه برفق، رأيت على رأسه مثل الدّبق. قلت: كيف الطريق إلى المصر؟ قال: أن تأخذ الشّوذر بالقهر، فتضع البيرم في الحفر، وتظهر الاضطراب عند المتر، تنجو بذلك من أهوال يوم الحشر. قلت: فعلامة
ضعف اليقين؟ قال: أن تخرج البراهين من الورا، وهي مخضوبة بالخرا. قلت:(7/160)
قلت: فعلامة الأمانة؟ قال: قوم أخرجوا الكيد من السيدانة، وهو أحمر مثل الرّمّانة. قلت: فعلامة الخيانة؟ قال: إذا وضع أحدهم الدّرهم في الشّدق والمردّى في البثق، ثم انتزعه برفق، رأيت على رأسه مثل الدّبق. قلت: كيف الطريق إلى المصر؟ قال: أن تأخذ الشّوذر بالقهر، فتضع البيرم في الحفر، وتظهر الاضطراب عند المتر، تنجو بذلك من أهوال يوم الحشر. قلت: فعلامة
ضعف اليقين؟ قال: أن تخرج البراهين من الورا، وهي مخضوبة بالخرا. قلت:
فعلامة الصابرين؟ قال: قوم أخذوا براهين العارفين بأيمانهم، وأودعوها في مكنون حقائقهم، فجالت في الظّلمات، بفنون الحركات. فلما دنا تدفّق ماء المحبّة، في عيون رياض المودّة، ظهر الكيد المستور، وهو أحمر مسرور.
قلت: فعلامة أهل الحزن؟ قال: إذا رأيتهم في أوقات السّحر، قد أولجت البراهين في الهرر، وتحركت الجوارح بقدر، ثم ظهر ما استتر شممت من القوم رائحة القذر.
قال أبو العنبس: سمعت رجلا طويل اللّحية يقول لآخر: ليت شعري من كان القاضي على عهد رسول الله عليه السلام؟ فقال له الآخر: كان هو، عليه السلام، القاضي بين المسلمين، والناظر في أمورهم. فقال الألحى: اسكت يا أحمق، كان رسول الله عليه السلام أتقى خلق الله، وأعقل من أن يدخل في عمل السلطان.
قال أبو العنبس: كنت إذا لقيت حجّاجا الكاتب أقول له: حيّا الله وجها أراك به. فقيل له: إن أبا العنبس يظنز بك يقول إذا لقيك: حيّا الله وجها أراك به، وإنما يريد وجه نفسه. فقال: أنا له العاضّ حر أمّه. قال: فلما لقيني بعد ذلك قلت له وأنا لا أعلم أنه قد فطن: حيا الله وجها أراك به. فقال لي:
ولكن لا حيّا الله وجها أراك به. فقلت: ولا بيّاه.(7/161)
ولكن لا حيّا الله وجها أراك به. فقلت: ولا بيّاه.
الباب الثامن عشر نوادر لأصحاب الخطب والأذان والصلاة
جاز شيخ بباب مسجد، والمؤذّن يقيم الصلاة، فدخل يستغنم الجماعة، فلما نظر المؤذن إلى شيبته ووقاره سأله أن يتقدّم ويصلّي بهم، فامتنع، وتقدّم المؤذّن فصلّى بهم، فلما فرغ أقبل على الشيخ وقال: ما منعك أن تصلي بنا وتكتسب أجرا مع محلّك من السن؟ فقال: أنا وحقّك إذا كنت على غير طهر لا أؤمّ بالناس.
قيل لأعرابيّ: ما قرأ إمامكم البارحة؟ فقال: أوقع بين موسى وهارون شرّا شمرّا.
قرأ إمام في صلاته {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطََانُ لَهُ قَرِيناً فَسََاءَ} [النّساء: الآية 38] وركع.
وقرأ آخر: {قُلْ إِنْ كََانَ لِلرَّحْمََنِ وَلَدٌ فَأَنَا} [الزّخرف: الآية 81] وركع.
كان بعض المغفّلين يؤذّن في مسجد، فكان إذا فرغ من أذانه يقول: لا إله إلا الله، سبحانك، هذا بهتان عظيم.
استأجر أهل ضيعة موذّنا بعشرة دراهم كلّ شهر، فاستزادهم فقالوا: لا نزديك، ولكن نسامحك حيّ على الفلاح.
كان ابن مكرم يسجد سجدتي السهو قبل الصلاة، فقيل له في ذلك.
فقال: إذا لم أشكّ في أني أسهو فلم لا أقدّم سجدتي السهو؟
رأى أبو حنيفة رجلا يصلّي ولا يركع، فقال: يا هذا، لا صلاة لك بغير ركوع. فقال: إني رجل عظيم البطن، فإذا ركعت ضرطت، فأيّما خير: صلاة بلا ركوع، أو ركوع بضراط؟
قال بعضهم: رأيت مؤذّنا قد أذّن ثم عدا، فقلت له: إلى أين؟ فقال:(7/162)
رأى أبو حنيفة رجلا يصلّي ولا يركع، فقال: يا هذا، لا صلاة لك بغير ركوع. فقال: إني رجل عظيم البطن، فإذا ركعت ضرطت، فأيّما خير: صلاة بلا ركوع، أو ركوع بضراط؟
قال بعضهم: رأيت مؤذّنا قد أذّن ثم عدا، فقلت له: إلى أين؟ فقال:
أحب أن أسمع أذاني من بعيد.
وفعل آخر مثل ذلك، فسئل عنه فقال: أردت أن أنظر أين يبلغ أذاني؟
قال: ورأيت مؤذّنا يؤذّن من رقعة في يده، فسقطت الرقعة واحتملها الريح، فجعل يعدو ويقول: خذوا أذاني، خذوا أذاني.
قال: ورأيت آخر يؤذّن من رقعة، فقلت له: لم لا تحفظه؟ فقال: لا أدري، ولكن سل القاضي، فجئت إليه وهو في المسجد، فدخلت وسلّمت عليه. فعدا إلى بيته وأخرج دفترا وتصفّحه ثم قال: وعليك السلام. فعذرت المؤذن لمّا رأيت سخنة عين القاضي.
بينا إمام يصلّي بقوم التراويح في شهر رمضان، وهو يقرأ سورة يوسف، إذ عرضت له في بطنه ريح، وقد كان بلغ قوله تعالى: {قََالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ}
[يوسف: الآية 51] وقدّر أنه قد غلط فركع، وأفلتت منه ضرطة عظيمة، فقال واحد من خلقه {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} [يوسف: الآية 51].
وأحدث إمام في الصلاة، فتأخّر وقدّم رجلا، وذهب يجدّد الوضوء، فقدّر الإمام الثاني أنه لا يجوز له أن يصلّي له، فوقف ينتظر صاحبه، فلما طال قيامه تنحنحوا من خلفه، فالتفت إليهم وقال: ما لكم؟ إنما قدمني رجل فأنا أحفظ مكانه إلى أن يرجع ويعمل ما يرى.
وقيل ليونس النحويّ وكان لهم إمام يقنت ويطيل: يا أبا عبد الرحمن:
لو قلت لإمامنا: يخفّف من قنوته؟ فقال: قد سألته فلم يفعل. قالوا: فهل عندك من الدعاء ما تدعو به في طول قيامه؟ قال: لا، ولكني إذا فرغت من دعائي لم أزل أدعو عليه حتى يركع.
قرأ إمام في الصلاة سورة القارعة، فلما بلغ قوله تعالى {وَأَمََّا مَنْ خَفَّتْ مَوََازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هََاوِيَةٌ} (9) [القارعة: الآيتان 8، 9] قال: فأمه زانية.
فقطع القوم صلاتهم، وأنكروا ذلك. فقال: يا قوم، تمنعوني من شتم الكفار؟!
قال بشر المرّيسي لأبي العتاهية: لا تصلّ خلف إمام مسجدكم فإنه مشبّه.(7/163)
فقطع القوم صلاتهم، وأنكروا ذلك. فقال: يا قوم، تمنعوني من شتم الكفار؟!
قال بشر المرّيسي لأبي العتاهية: لا تصلّ خلف إمام مسجدكم فإنه مشبّه.
قال: كلا، إنه قرأ بنا البارحة في الصلاة {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} (1) [الإخلاص:
الآية 1].
صعد عديّ بن أرطاة المنبر، فلما رأى جمع الناس حصر فقال: الحمد لله الذي يطعم هؤلاء ويسقيهم.
خطب مصعب بن حيان خطبة نكاح، فحصر فقال: لقّنوا موتاكم قول: لا إله إلا الله. قالت أمّ الجارية: عجّل الله موتك، ألهذا دعوناك؟
ولما حصر عبد الله بن عامر على منبر البصرة، فشقّ ذلك عليه، قال له زياد: أيّها الأمير، إنك إن أقمت عامّة من ترى أصابه أكثر مما أصابك، فقيل لرجل من الوجوه: قم فاصعد المنبر وتكلّم، فلما صعد حصر وقال: الحمد لله الذي يرزق هؤلاء، وبقي ساكتا، فأنزلوه، وصعد آخر، فلما استوى قائما وقابل بوجهه وجوه الناس وقعت عينه على صلعة رجل، فقال: اللهمّ العن هذه الصلعة.
وقيل لوازع اليشكريّ: قم فاصعد وتكلّم، فلما رأى جمع الناس قال:
لولا أن امرأتي حملتني على إتيان الجمعة اليوم ما جمّعت، وأنا أشهدكم أنها طالق ثلاثا. ولذلك قال الشاعر (1): [الطويل]
وما ضرّني ألّا أقوم بخطبة ... وما رغبتي في ذا الذي قال وازع؟
خطب وال فلم تسمع خطبته، فسئل من كان قريبا منه: ما قال الأمير؟
قال: سارّ أهل عمله بشيء لم أفهمه.
حكى الصاحب عن الطبراني (2) قال: كان لأبي خليفة الفضل بن حباب
__________
(1) البيت والخبر في عيون الأخبار 2/ 256، والبيان والتبيين 2/ 252251، وبهجة المجالس 1/ 74، والمستطرف 2/ 702.
(2) الطبراني: هو سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الحافظ أبو القاسم الطبراني، من طبرية الشام، ولد بها سنة 260هـ، وتوفي بأصبهان سنة 360هـ، من تصانيفه: «تفسير القرآن»، «حديث الشاميين»، «دلائل النبوة»، «الطوالات» في الحديث، «عشرة النساء»، «كتاب الأوائل»، «كتاب الدعوات»، «كتاب الرمي»، «كتاب السّنّة»، «كتاب المكارم وذكر الأجواد»، «كتاب المناسك»، «كتاب النوادر»، «المعجم الأوسط» يحتوي على نحو اثنين وخمسين ألف(7/164)
ابن رقيع يركب مع أمراء البصرة، يضرب الصوالجة، ويدّعي الفروسية ويحتلّ مكان أبيه، إلى أن ورد عليهم أمير غريب، فركب معه على عادته، وتبرّم الأمير به، فتقدّم إلى حاجبه بتنفيره. فتقدم الحاجب إلى أصحاب الغواشي فداروا عليه دورة، وأخذت الغواشي قفاه فهرب وعاد إلى منزله، وسبق الخبر إلى أبيه. وكان يصلّي الابن بأبيه وأصحابه، فلما حان وقت الصلاة وابتدأ بالركعة الأولى، فقرأ فاتحة الكتاب، ثم ابتدأ فقرأ {هَلْ أَتََاكَ حَدِيثُ الْغََاشِيَةِ} (1) [الغاشية: الآية 1]؟ وتذكّر القصة فأرتج عليه، فأعاد ذلك ثلاث مرّات، فصاح أبوه من خلفه: نعم، قد أتاني حديث الغاشية، ما تتخلف. مرّ في صلاتك.
اختصم بعض التّجّار في جارية، فجعلوها على يدي المؤذّن وسألوه أن تبيت عنده إلى غد، فلما أصبح المؤذّن قال: ذهبت الأمانة من الناس. قيل له:
وكيف ذلك؟ قال: ذكروا أنها بكر، وقد جرّبتها فوجدتها ثيّبا.
صعد وكيع بن أبي سود المنبر بخراسان، فقال في خطبته: إن الله تعالى يقول في كتابه (1): [الخفيف]
ليس شيء على المنون بباق ... غير وجه المسبّح الخلّاق
فقال له رجل: أصلح الله الأمير، هذا شعر قاله عديّ بن زيد. قال:
أحسن والله عديّ وأجمل، ثم قال: فتى حروب لا فتى منابر.
وولي آخر اليمامة، فلما صعد المنبر أرتج عليه، فقال: حيّا الله هذه الوجوه السارّة، وجعلني فداءها، قد أمرت طائفي بالليل لا يرى أحدا إلّا أتاني به ولو كنت أنا، ثم نزل.
نظر رجل إلى آخر يصلّي، فقال الآخر: ما أحسن صلاته! فقطع الرجل الصلاة وقال: وأنا مع هذا صائم.
__________
حديث، «المعجم الصغير» في أسماء شيوخه، «المعجم الكبير» في الصحابة، «مسند أبي سفيان»، «مسند شعبة». (كشف الظنون 5/ 396).
(1) البيت لعدي بن زيد في الأغاني 2/ 113.(7/165)
كان بعضهم إذا فرغ من صلاته وضع خدّه على الأرض وقال (1):
[البسيط]
المستغيث بعمرو عند كربته ... كالمستغيث من الرّمضاء بالنار
وهو يقدّر أنه يستجير بالله من النار.
قال بعضهم: دخلت الشام فرأيت جماعة يتنقّصون أمير المؤمنين عليّا عليه السلام ومنهم من يشتمه، فأنكرت ذلك، وجزعت له، ولجأت إلى مسجد كان منّي بالقرب، فشكوت ذلك إلى المؤذّن، فقال: ما أنكرت؟ قد كان ههنا منذ أيام رجل يتنقّص أبا محمد الحجاج بن يوسف!
وقال: رأيت بالشام حانوتا تحت مسجد، يباع فيه الخمر.
كان سعيد بن حميد يهوى غلاما فزاره يوما وأقام عنده، فلما كان وقت المغرب أراد أن ينصرف، فقال له: حين سررنا بك أردت أن تكدّره؟ لا أقلّ من أن تقيم إلى العشاء؟ فحلف الغلام أنه إذا سمع أذان العتمة لم يقعد. فقال سعيد: رضيت، ثم عمد إلى الدواة فكتب إلى مؤذن المحلّة (2): [الخفيف]
قل لداعي الفراق: أخّر قليلا ... قد قضينا حقّ الصلاة طويلا
ليس في ساعة تؤخّرها وز ... ر تجازى به، وتأتي جميلا
وتراعى حقّ الفتوّة فينا ... وتعافى من أن تكون ثقيلا
فلما قرأ الرّقعة لم يؤذّن تلك الليلة، ومرّ القوم في سرورهم، والفتى يترقب الأذان إلى أن سمع صوت الحارس، فقال له: إذا شئت؟ قال: أخاف نكير الحارس. قال: يا غلام، افرش له، فبات عنده.
قال المتوكل لعبادة: رفع إليّ أنك ضربت إمام مسجد، وإن لم تأت بعذر أدّبتك. قال: يا أمير المؤمنين، كنت قد خرجت في بعض الأيام لحاجة لي
__________
(1) البيت للجيم بن سعد في الأغاني 24/ 51، ويروى البيت بلفظ:
والمستجير بعمرو عند كربته ... كالمستجير من الدعصاء بالنار
والبيت لابن دريد في تاج العروس (دعص)، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في لسان العرب (دعص)، وجمهرة اللغة ص 653.
(2) الأبيات في الأغاني 18/ 157156.(7/166)
غلسا، فمررت بمسجد قد أذّن فيه لصلاة الفجر، فقلت: أقضي هذه العبادة، ثم أتوجّه لحاجتي، فدخلت، فأقام المؤذّن، ودخلنا في الصلاة، فابتدأ الإمام فقرأ الفاتحة، وافتتح سورة البقرة، فقلت: لعله يريد أن يقرأ آيات من هذه السورة فانتهى إلى آخرها في الركعة الأولى، ثم قام إلى الثانية، فلم أشكّ في أنه يقرأ مع الفاتحة سورة الإخلاص. فافتتح سورة آل عمران حتى أتمّها، ثم أقبل بوجهه على الناس، وقد كادت الشمس تطلع. فقال: أعيدوا صلاتكم رحمكم الله فإني لم أكن على طهارة، فقمت إليه وصفعته. فضحك المتوكل من ذلك.
خطب عتّاب بن ورقاء، فقال: هذا كما قال الله تعالى: إنما يتفاضل الناس بأعمالهم، وكلّ ما هو آت قريب. قالوا له: إن هذا ليس من كتاب الله.
قال: ما ظننت إلّا أنه من كتاب الله.
قرأ إمام سورة (ق) في صلاة الفجر، وخلفه أعرابي له حاجة فلما بلغ الإمام قوله تعالى: {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} [ق: الآية 36]؟ قال الأعرابيّ: لا والله أو أخرى في ثيابي.
صعد بعض الولاة المنبر ليخطب في يوم الجمعة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم حصر، فلم يدر ما يقول، ثم قال: معاشر المسلمين، تدرون ما أريد أن أقول لكم؟ قالوا: لا، قال: فإذا لم تدروا فلماذا أتعب نفسي؟ ونزل. فلما كان في يوم الجمعة الثانية اجتمع الناس وقالوا: نقول له: نعم، إن قال لنا ما قال في الجمعة الأولى. فصعد المنبر وقال: معاشر الناس، تدرون ما أقول لكم؟
قالوا: نعم. قال: فإذا كنتم تدرون فلماذا أوذي نفسي؟ ونزل. فلما كانت الجمعة الثالثة قال مثل قوله. فقال بعض الناس: لا. وقال بعضهم: نعم. قال:
فليقل من يعلم لمن لا يعلم، ونزل.
صلى الرشيد ليلة فقرأ {وَمََا لِيَ لََا أَعْبُدُ الَّذِي} [يس: الآية 22]؟ وأرتج عليه، فكرّر مرارا، وابن أبي مريم يصلي خلفه، فصاح: لا أدري والله! فضحك الرشيد حتى قطع صلاته.(7/167)
صلى الرشيد ليلة فقرأ {وَمََا لِيَ لََا أَعْبُدُ الَّذِي} [يس: الآية 22]؟ وأرتج عليه، فكرّر مرارا، وابن أبي مريم يصلي خلفه، فصاح: لا أدري والله! فضحك الرشيد حتى قطع صلاته.
الباب التاسع عشر نوادر أصحاب المهن والصناعات الخسيسة
حج رجل من أهل العراق، فتقدم إلى مزيّن وقال له: احلق رأسي حلقا جيّدا، واستقبل الشعر بالموسى، وأقبل يصف له كيف يعمل. فقال له:
حسبك! هوذا، أحلق رأسك حلقا لا يراه أحد إلا اشتهى أن يصفعك.
حدّث بعضهم قال: نكب بعض ندماء الخليفة نكبة اضطرّ معها إلى الاستتار، فاستتر وطال شعره، فقال للرجل الذي كان مستترا عنده: قد كان لي غلام سنديّ مزين أعتقته ولا أعرف خبره منذ حين، فاذهب إلى موضع كذا واطلبه، واجلس إليه، ثم اذكرني له فإن رأيته يتوجّع لي فعرّفه مكاني، وخذ به معك، وإن رأيته يذمني أو يشكوني فدعه ولا تذكرني له. فذهب الرجل حتى لقيه وجاراه في خبر مولاه. فقال: يا سيدي، ومن أين تعرفه؟ فإني والله تالف شوقا إليه، واغتماما له، أحسن الله صحبته حيث كان. فقال الرجل: هو عندي، وقد استدعاك، فنهض السّنديّ وقبّل يد الرجل، وصار معه إليه، فلما دخل إليه أظهر سرورا به، وقبّل الأرض بين يديه، وأخذ شعره وحجمه، فأعطاه دينارا. فلما خرج لقي ابنا له، فقال له: ويحك! أليس وجّه إليّ فلان مولاي وهو مستتر في دار فلان في الموضع الفلانيّ، فصرت إليه وخدمته وحجمته النّقرة وأعطاني دينارا؟ فقال له ابنه ذلك: حجمته النقرة بلا أخدعين؟
قتلته! وليس هذا حقّه علينا، وما عرّج على شيء حتى قصد الدار التي وصفها له أبوه، ودقّ الباب، وقال: أنا فلان ابن خادمك المزيّن، ففتحوا له، وقبّل يديه ورجليه، وأظهر من الاغتمام بأمره، مثل ما أظهره أبوه، ثم قال: عرّفني غلامك أبي أنه حجمك النّقرة وحدها، وهذا وقت حار، وقد ثار الدم. والوجه أن تحجم الأخدعين. فقال لم يكن بي إلى هذا حاجة، والآن وقد أشرت به،
فاستخر الله، فحجمه الأخدعين، وأعطاه دينارا وأخرجه. فلقي أخا له، فقال ذلك: كان من الأمر كذا وكذا، فمرّ مبادرا، وقال مثل قوله، وفعل مثل فعله حتى حجمه على الساقين، وأخذ دينارا وخرج. فلقي صهرا له فأخبره بالقصة، فبادر مسرعا حتى صار إلى باب الدار ودخل، وفعل مثل فعلهما، وقال: لا بد مع حجامة الساقين والأخدعين من قطع الجهارك. فقال الرجل:(7/168)
قتلته! وليس هذا حقّه علينا، وما عرّج على شيء حتى قصد الدار التي وصفها له أبوه، ودقّ الباب، وقال: أنا فلان ابن خادمك المزيّن، ففتحوا له، وقبّل يديه ورجليه، وأظهر من الاغتمام بأمره، مثل ما أظهره أبوه، ثم قال: عرّفني غلامك أبي أنه حجمك النّقرة وحدها، وهذا وقت حار، وقد ثار الدم. والوجه أن تحجم الأخدعين. فقال لم يكن بي إلى هذا حاجة، والآن وقد أشرت به،
فاستخر الله، فحجمه الأخدعين، وأعطاه دينارا وأخرجه. فلقي أخا له، فقال ذلك: كان من الأمر كذا وكذا، فمرّ مبادرا، وقال مثل قوله، وفعل مثل فعله حتى حجمه على الساقين، وأخذ دينارا وخرج. فلقي صهرا له فأخبره بالقصة، فبادر مسرعا حتى صار إلى باب الدار ودخل، وفعل مثل فعلهما، وقال: لا بد مع حجامة الساقين والأخدعين من قطع الجهارك. فقال الرجل:
نعم، لا أدري أيش ذنبي إليكم يا بني القحاب، اجلس. فأجلسه وقام وجلس في سمارية، وانحدر إلى دار الخليفة، فلما رآه الحجّاب يستأذن تعجبوا، ودخلوا فاستأذنوا له، فلما دخل انكبّ بين يدي الخليفة، فقبّل الأرض، ثم قال: يا سيدي، يا أمير المؤمنين، اسمع قصّتي وحالي، وقصّ عليه خبر الحجّامين وما لقي منهم، وقال: هؤلاء أولاد القحاب هوذا، يأخذون دمي بالمحاجم، خذه أنت بالسيف دفعة واحدة، وارحمني مما أنا فيه. فضحك، ورجع له، ورده إلى منزلته.
جاء حائك إلى الأعمش فقال: ما تقول في الصلاة خلف الحائك؟ قال:
لا بأس بها على غير وضوء. قال: فما تقول في شهادته؟ قال: تقبل شهادته مع شاهدين عدلين. فقال الحائك: فهذا ولا شيء واحد.
تنبّى حائك بالكوفة، فقالوا: ما رأينا نبيّا حائكا. فقال: وهل رأيتم نبيّا صيرفيّا؟
وقيل لحائك: لو كنت خليفة أي شيء كنت تشتهي؟ قال: تمر وكسب.
قيل لابنه: ولو كنت ابن خليفة ما كنت تشتهي؟ فقال: وهل ترك هذا من اللذات شيئا حتى أشتهيه؟
ارتفع رجل كان في الأصل حائكا حتى ولي ولاية، فقال له يوما مغنّ له وقد كان قرب العيد: هب لي أيّها الأمير عمامة أتعمّم بها يوم العيد. فقال له: هات الغزل حتى أرد عليك العمامة قبل العيد بثلاثة أيام.
روي عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: {وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشّعراء: الآية 111]. قال: الحاكة.
وروي عنه أنه قال: عقل سبعين امرأة عقل رجل واحد، وعقل سبعين حائكا عقل امرأة واحدة.(7/169)
روي عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: {وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشّعراء: الآية 111]. قال: الحاكة.
وروي عنه أنه قال: عقل سبعين امرأة عقل رجل واحد، وعقل سبعين حائكا عقل امرأة واحدة.
وقال ميمون بن مهران: السّلام على الحائك يوهن العقل الرّكين.
وقالوا فيهم: إنهم سرقوا نعل النبيّ عليه السلام وعمامة يحيى بن زكريا، وجراب الخضر، وعصا موسى، وغزل سارة، وشاة دانيال، وقصعة هود، وفأس عمر، وسمكة عائشة من التنور.
واستدلتهم مريم فدلّوها على غير الطّريق، فدعت عليهم أنّ الله يجعلهم سخرية للناس، وألا يبارك في كسبهم.
جاء رجل به وجع الضّرس إلى قلّاع ليقلعه، فقال: أريد درهما. فقال له: أحسن. فقال: أقلع ضرسا آخر إن أردت ولا أنقص من الدرهم شيئا.
استدعى بعضهم قلّاعا ليقلع ضرسا له، وكان الرجل أبخر (1)، فلما فتح فاه قام القلاع وقال: ليس هذا من عملي، هذا من عمل الكنّاسين.
دعا حجّام جماعة من الكنّاسين يكسحون له بئرا، فقال أحدهم لصاحبه:
اسقني ماء. فقال الآخر: تدري عند من نعمل نحن!؟ قال: لا. قال: إنا نعمل عند حجّام. قال: إنا لله، الحمد لله حيث علمنا به قبل أن نشرب في كيزانهم، أردت، والله، أن أرمي بكل ما في جوفي.
قال: وسمعت واحدا يقول لآخر: إن كنت كناس بن كناس فقل لي: كم رجل لابنة وردان (2).
قال بعضهم: نظرت إلى كنّاسين في داري، وهم يتغدّون، فلما رأوني من بعد صاح أحدهم: إن كنت تريد أن تأكل معناه فاغسل يدك أولا؟
جاءت امرأة إلى صفّار بمرجل مثقوب ليصلحه، فسدّ الثقب بقليل طين، وسوّده، وردّه عليها. فلما صبّت فيه الماء ابتلّ الطين، وسال الماء، فجاءت
__________
(1) البخر: النتن في الفم وغيره، فهو أبخر، وهي بخراء.
(2) ابنة وردان: هي الخنفساء، وتعيش في الحشوش وبيوت الخلاء.(7/170)
إليه وقالت له: ويلك! ألست قلت: قد أصلحت المرجل؟ وها هو بعد مثقوب كما كان. قال: لعلك صببت فيه ماء؟ قالت: نعم، لأيش نريده إلّا لماء؟ قال:
ظننت إنك تجعلين فيه نوى أو نخالة أو صوفا، فأما ما يصبّ فيه الماء فأنا لا أحسن أن أصلحه.
نظر ملاح إلى رجل قد وثب على ظهر فرسه فقال: لا إله إلا الله! ما أحسن ما استوى على كوثله (1)!!
قيل لملاح: كم بيننا وبين العصر؟ قال: مرديّ شمس.
قيل للمجدّر القرّاد: كيف أصبحت؟ فقال: كيف يصبح من يرجو خير هذا؟ وأشار إلى قرده.
قال الأصمعيّ: مررت بكنّاس في بعض الطّرق، وهو ينقل على ظهره وينشد (2): [الطويل]
وأكرم نفسي إنني إن أهنتها ... وحقّك لم تكرم على أحد بعدي
فقلت: عن أي شيء أكرمتها وهذه الجرة على رقبتك؟ فقال: من الوقوف بباب مثلك.
قال الواقديّ: رأيت بقّالا بالمدينة، وقد أشعل بين يديه سراجا بالنهار، فقلت له: ما هذا؟ قال: أرى الناس يبيعون ويشترون حولي، ولا يدنو مني أحد، فقلت: عسى لا يروني، فأسرجت لهم حتى يروني.
وقف رجل على صاحب له، وهو ينادي: هذا عسل، هذا سكر، هذا قند (3). فتقدّم إليه رجل وقال: عندي عليل يشتهي بطّيخة حامضة، فقال له:
خذ ولا تلتفت إلى قولي فإنّه خلّ.
قال بعضهم: رأيت ثلاثة من الهرّاسين على بقعة واحدة، وهم يتكايدون في مدح هرائسهم، فرأيت واحدا وقد أخرج من هريسته قطعة على المغرفة وأشالها وهو يقول: انزلي ولك الأمان. فقال الثاني: يا قوم، أدركوني،
__________
(1) الكوثل: مؤخر السفينة.
(2) البيت في الأغاني 1/ 430.
(3) القند: عصارة قصب السكر إذا جمد.(7/171)
الحقوني، أنا أجذبها وهي تجذبني والغلبة لها. فقال الثالث: أنا لا أدري ما يقولون. من أكل من هريستي أسرج (1) ببوله شهرا.
خاصم حجّام مرة حذّاء فقال للحذاء: أنت تمشّط وتسرّج وأنا أمشّط وأسرّج، وأنت تحذف وأنا أحذف وأنت تشقّ الجلد بشفرة وأنا أشقّه بمشراط، فأي فضل لك عليّ؟
تخاصم رجلان، وكان أحدهما ندّافا. فقال الآخر: والله لو وضعت إحدى رجليك على حراء والأخرى على ثبير، ثم أخذت قوس قزح وندفت الغيم على جباب الملائكة، ما كنت إلّا ندّافا.
قدّمت امرأة رزام الطحّان رزاما إلى صاحب الشرطة فادّعت عليه شيئا، فجحدها، وقال: أصلح الله الأمير، إن كانت صادقة فخريت سيفا بالعرض.
قال بعضهم: مررت بجماعة من الكنّاسين قد وقفوا على بئر لينقّوه فقالوا لأحدهم: انزل، فتجرّد، فنزل وهو يقول (2): [الخفيف]
لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا ... وأخو الحرب من أطاق النزّولا
قال بعضهم: وردت القرما وهي على أربعة فراسخ من الرّملة مع رفقاء لي، فإذا بصائح يصيح بالغداة: الهريسة الهريسة. فأنفذنا من يشتريها، فرجع وقال: الهرّاس يقول: اثردوا، فثردنا، وعاد إليه. قال: ففتح بزالا من قدر، فإذا بماء صاف قد انحدر منها، فبعد حين خرجت حبّات حنطة، فضرب بيده على منكبي وقال: بختك مقبل، فإنها اليوم ثخينة.
جاء رجل إلى صديق له من أهل السّوق، فشكا إليه إضاقة، وسأله أن يقرضه دراهم. فقال: نعم، وكرامة، يا غلام، هات الكيس والميزان والمرآة، ووزن له ما التمسه، فأخذه الرجل وأثنى عليه، وقام ليقبّل رأسه فقال: يا أخي،
__________
(1) أي أوقد السراج.
(2) البيت والقصة في الحيوان 6/ 429، والعقد الفريد 5/ 217، والأغاني 19/ 167، وبهجة المجالس 1/ 477، ومحاضرات الأدباء 3/ 135.(7/172)
لا أحبّ أن تقبّل رأسي، ولكن لي إليك حاجة. قال: وما هي؟ قال: انظر في هذه المرآة، كيف تبصر وجهك من الفرح ناضرا مشرقا؟ فأحبّ أن يكون وجهك إذا سألتك ردّ ما قبضت مثلما هو الساعة.
أحبّ الرشيد أن ينظر إلى أبي شعيب القلّال كيف يعمل القلال، فأدخلوه القصر وأتوه بجمع ما يحتاج إليه من آلة العمل، فبينا هو يعمل إذ هو بالرشيد قائما فوق رأسه، فلما رآه نهض قائما. فقال له الرشيد: دونك ما دعيت له، فإني لم آت بك لتقوم لي، وإنما أتيت بك لتعمل بين يديّ. قال: وأنا لم آتك ليسوء أدبي، وإنما أتيتك لأزداد بك في كثرة صوابي. قال له الرشيد: بلغني أنك إنما تعوّضت بي حين كسدت صنعتك. فقال أبو شعيب: يا سيّد الناس، ما كساد عملي في جلال وجهك؟ فضحك الرشيد حتى غطّى وجهه. ثم قال:
ما رأيت والله أنطق منه أولا، ولا أعيا آخرا. ينبغي أن يكون هذا أعقل الناس أو أجنّ الناس.
هاج بأبي علقمة الدم، فأتوه بحجّام يحجمه، فقال له: أنق غسل المحاجم، واشدد قصب الملازم، وأرهف ظبات المشارط، وأسرع الوضع، وعجّل النّزع، وليكن شرطك وخزا، ومصّك نهزا، ولا تكرهنّ أبيّا، ولا تردّن أتيّا. فوضع الحجّام محاجمه في جونته وقال: اسقوا هذا شربة فإنه إلى الدواء أحوج منه إلى الحجامة.
قال بعضهم: رأيت بمكة زنجيّا قد خرج من كنيف يكنسه، وعلى عنقه جرّة، وفي رجله لبنة، وهو يقول (1): [الخفيف]
جنّباني ديار هند وسعدى ... لم أكن راضيا بدار هوان
قال: فقلت: ويحك! وأيّ هوان أعظم مما أنت فيه؟ فقال: تنحّ عني، ولا تقذّرني.
قال بعضهم: رأيت سمّاكا بين يديه جزّيّ منتن، وهو يقول: من يشتري الشنّة جزافا؟
__________
(1) البيت في العقد الفريد 6/ 449.(7/173)
قال أبو هفّان: سمعت في بعض أصحاب السّماد بالبصرة من يقول:
اشتريت في ضيعتنا هذه سمادا بألف وستمائة دينار ما كان في جميعه جعس تأخذه العين.
قال: دعا حجّام كناسين.
كانوا يسمّون الحائك أخضر العين والأكّار أخضر النواجذ.
استحضر عبيد الله بن سليمان الوزير حجاما غريبا وقال: قد تبرّمت بحجّامي لكثرة فضوله، فأحضروه شيخا، فلمّا أخذ آلته قال عبيد الله: «أعط القوس باريها» فقال: أيها الوزير، ما أول هذا البيت؟ فقال عبيد الله: الله أكبر! هربنا من فضوليّ ووقعنا فيما هو شرّ منه، هات أنت، ما أوله؟ فقال الحجام:
أنشدنا الرّياشيّ بمكة (1): [البسيط]
يا باري القوس بريا ليس يحسنه ... أفسدت قوسك أعط القوس باريها
قيل للحجّام: قبيس، لأن المسانّ التي لهم تحمل من جبل أبي قبيس:
كان بالبصرة رئيس للكناسين يقال له: أبو إبراهيم، فقال له محمد بن سليمان يوما: احمل مائة سفينة إلى النخل وخذ ثمنها مع المائة التي كنت حملتها فقال: تلك المائة كنت جعلتها طعمة للأمير.
قال الأصمعيّ: شر الناس الدلالون، لأن أول من دلّ إبليس، حيث قال لآدم: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلى ََ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لََا يَبْلى ََ} [طه: الآية 120].
وقال غيره: نعم المعين على البيع والابتياع وعلى الألفة والاجتماع الدلالون.
استأجر رجل حمّالا ليحمل قفصا فيه قوارير على أن يعلّمه ثلاث خصال ينتفع بها، فلمّا بلغ ثلث الطريق قال: هات الخصلة الأولى؟ فقال: من قال لك
__________
(1) البيت للحطيئة في شرح شواهد الشافية ص 411، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في خزانة الأدب 8/ 359، 360، ومجمع الأمثال 1/ 345.(7/174)
إن الجوع خير من الشّبع فلا تصدّقه، فقال: نعم، فلمّا بلغ نصف الطريق قال:
هات الثانية؟ فقال: من قال لك: المشي خير من الركوب فلا تصدّقه. قال:
نعم، فلما انتهى إلى باب الدار قال: هات الثالثة؟ قال: من قال لك: إنه يوجد حمّال أرخص منك فلا تصدّقه. فرمى الحمّال بالقفص وقال: من قال لك: بقي في القفص قارورة صحيحة فلا تصدّقه.(7/175)
نعم، فلما انتهى إلى باب الدار قال: هات الثالثة؟ قال: من قال لك: إنه يوجد حمّال أرخص منك فلا تصدّقه. فرمى الحمّال بالقفص وقال: من قال لك: بقي في القفص قارورة صحيحة فلا تصدّقه.
الباب العشرون نوادر ابن أبي عتيق (1)
دخل على عائشة وكانت عمّته في مرضها الذي ماتت فيه، فقال:
كيف أصبحت؟ جعلني الله فداك، قالت: أجدني ذاهبة. قال: فلا إذن.
كانت له جارية، ولها صديق، فكان يجيء كلّ عشيّة فيصيح من الباب:
اقدحوا لنا نارا، فتخرج إليه الجارية. فخرجت الجارية مرة إلى البستان، وجاء الرجل على العادة فقال: اقدحوا لنا نارا. فصاح ابن أبي عتيق: يا هذا، قدّاحنا في هذه الليلة في البستان.
قال: بينا هو مرة على سطحه، وجارية له تعشّيه، إذ مطرت عليه حجارة من فوق السطح، فأشرف فإذا فتى يرمي بها ويؤذن الجارية بمجيئه. فقال له:
عافاك الله، الساعة تعشّيني وتنزل إليك.
وقالت له جاريته يوما: إنّ فلانا القارىء وكان يظهر التنسّك قد قطع عليّ الطريق وآذاني ويقول لي: أنا أحبّك. فقال لها: فقولي له: وأنا أيضا أحبّك ثم واعديه المنزل، ففعلت، وأدخلته المنزل، وكان قد واعد جماعة من أصحابه ليضحكوا من الرجل. ودخلت الجارية إلى البيت الذي فيه الرجل، فدعاها، فاعتلت عليه، فوثب إليها، فاحتملها، وضرب بها الأرض. فدخل عليه ابن أبي عتيق وأصحابه، وقد تورّكها، فخجل وقام، وقال: يا فسّاق، ما تجمّعكم ههنا إلا لريبة. فقال ابن أبي عتيق وأصحابه: استر علينا، ستر الله عليك.
__________
(1) ابن أبي عتيق: هو عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، من نساك قريش وطرفائهم، غلبت عليه الدعابة وشهر بها (انظر: العقد الفريد 6/ 20، الكامل للمبرد 2/ 238235).(7/176)
تغدّى يوما عند عبد الله بن جعفر، في عدّة من قريش، وإذا الكريم رثّ الثياب، فقال ابن أبي عتيق: أصلحك الله، ما تطعمنا إلا في كفارة يمين.
وقع بين حيّين من قريش منازعة، فخرجت عائشة على بغلة، فلقيها ابن أبي عتيق فقال: إلى أين؟ جعلت فداك. فقالت: أصلح بين هذين الحيّين.
قال: والله ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل، فكيف إذا قيل يوم البغل!؟
فانصرفت.
ولما بلغه قول نصيب (1): [الطويل]
ولدت ولم أخلق من الطّير إن بدا ... صنا بارق نحو الحجاز أطير
قال: قل: غاق غاق وطر، أي أنك غراب لأنه كان أسود.
ولقي ابن أبي عتيق عبد الله بن عمر فقال له: ما تقول في إنسان هجاني، فقال لي (2): [الكامل]
أذهبت مالك غير متّرك ... في كلّ مومسة وفي الخمر
ذهب الإله بما تعيش به ... وبقيت وحدك غير ذي وفر؟
فقال: أرى أن تأخذ بالفضل وتصفح. فقال له ابن أبي عتيق: أنا، والله.
أرى غير ذلك. قال: وما هو؟ قال: أرى أن أنيكه. فقال عبد الله: سبحان الله!! ما تترك الهزل؟ وافترقا، ثم لقيه ابن أبي عتيق بعد ما ظن أن ابن عمر قد نسي ذلك، فقال له: أتدري ما فعلت بذلك الإنسان؟ قال: أيّ إنسان؟ قال:
الذي أعلمتك أنه هجاني. قال: ما فعلت به؟ قال: كلّ مملوك لي فهو حر إن لم أكن قد نكته، فأعظم ذلك ابن عمر، واضطرب. فقال له ابن أبي عتيق:
امرأتي والله هي التي قالت الشعر وهجتني. قال: وامرأته أم إسحق بنت طلحة بن عبيد الله.
__________
(1) البيت في الأغاني 1/ 375.
(2) البيتان في العقد الفريد 2/ 70، ونهاية الأرب 4/ 5.(7/177)
كان ابن أبي عتيق يتعشّى، ومعه رجل من الأنصار، فوقع حجر في الدار، ووقع آخر، وثالث. فقال لجاريته: اخرجي فانظري أذّنوا للمغرب؟
فخرجت وجاءت بعد ساعة وقالت: قد أذّنوا وصلّوا. فقال له الرجل الذي كان عنده: أليس قد صلّينا قبل أن ندخل؟ قال: بلى، ولكن لو لم أرسلها تسأل عن ذلك لرجمنا إلى الغداة، أفهمت؟ قال: نعم قد فهمت.
ولما سمع قول عمر بن أبي ربيعة (1): [الخفيف]
من رسولي إلى الثّريّا فإنّي ... ضقت ذرعا بهجرها والكتاب؟
ركب بغلته من المدينة يريد مكة، فلما بلغ قيل له: أحرم. قال: إن ذا الحاجة لا يحرم. وجاء حتى دخل على الثريا، فقال: ابن عمّك يقول:
[الخفيف]
ضقت ذرعا بهجرك والكتاب
ثم ركب بغلته وعاد.
وقال مروان بن الحكم يوما إني مشغوف ببغلة للحسن بن عليّ عليهما السلام فقال له ابن أبي عتيق: إن دفعتها إليك أتقضي لي ثلاثين حاجة؟
ومروان يومئذ أمير بالمدينة. قال: نعم، قال: إذا اجتمع الناس عندك العشية فإني آخذ مآثر قريش، وأمسك عن ذكر الحسن، فلمني على ذلك، فلما أخذ القوم مجالسهم أفاض في أوليّة قريش. فقال له مروان: ألا تذكر أوّليّة أبي محمد، وله في هذا ما ليس لأحد؟ قال: إنما كنا في ذكر الأشراف، ولو كنا في ذكر الأنبياء لقدّمنا لأبي محمد ما له. فلما خرج ليركب تبعه ابن أبي عتيق، فقال له الحسن عليه السلام، وتبسّم: ألك حاجة؟ فقال: ذكرت البغلة، فنزل الحسن ودفعها إليه.
ولما ولي عثمان بن حيّان المرّيّ المدينة اجتمع إليه الأشراف من قريش والأنصار، فقالوا: إنك لا تعمل عملا أجدى ولا أولى من تحريم الغناء والزنا.
__________
(1) البيت في ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 58، والأغاني 1/ 227، وخزانة الأدب 2/ 30، وبهجة المجالس 1/ 278، وزهر الآداب ص 247.(7/178)
ففعل، وأجّلهم ثلاثا، فقدم ابن أبي عتيق في الليلة الثالثة، فحطّ رحاله بباب سلّامة الزرقاء، وقال لها: بدأت بك قبل أن أصير إلى منزلي. فقالت: أو ما تدري ما حدث؟ وأخبرته الخبر. فقال: أقيمي إلى السحر حتى ألقاه. قالت:
إني أخاف ألّا نغنّي. قال: إنه لا بأس عليك. ثم مضى إلى عثمان بن حيّان، فاستأذن عليه وأعلمه أن أجدّ ما أقدمه حبّ التسليم عليه، ثم قال: إن أفضل ما عملت تحريم الغناء. فقال: إنّ أهلك أشاروا عليّ بذلك. فقال: إنك قد وفّقت، ولكنّي رسول امرأة إليك، تقول: قد كانت هذه صناعتي، فتبت إلى الله منها، وأنا أسألك أيها الأمير أن لا تحول بينها وبين مجاورة قبر النبيّ، عليه السلام. فقال عثمان: إذن أدعها لك. قال: إذن لا يدعك الناس. ولكن تدعو بها فتنظر إليها، فإن كانت ممن يترك تركتها. قال: فادع بها. فأمرها ابن أبي عتيق فتقشّفت وأخذت بيدها سبحة، وصارت إليه، فحدثته عن مآثر آبائه، ففكه لها، فقال لها ابن أبي عتيق: اقرئي للأمير، فأعجب بذلك. فقال لها: احدي للأمير. فحرّكه حداؤها. فقال له ابن أبي عتيق: فكيف لو سمعتها في صناعتها؟
فقال: قل لها فلتقل، فأمرها فغنّت (1): [الطويل]
سددن خصاص الخيم لمّا دخلته ... بكلّ لبان واضح وجبين
فنزل عثمان عن سريره حتى جلس بين يديها، وقال: لا والله، ما مثلك يخرج عن المدينة. فقال ابن أبي عتيق: يقول الناس: أذن لسلامة في المقام، ومنع غيرها. قال عثمان: قد أذنت لهم جميعا.
وقيل لابن أبي عتيق لمّا خصي المخنثون: إن الدلال قد خصي. فقال:
إنا لله، أما والله لئن فعل ذلك به لقد كان يحسن (2): [مجزوء الوافر]
لمن ربع بذات الجي ... ش أمسى دارسا خلقا
ثم استقبل القبلة يصلّي، فلما كبّر سلّم ثم التفت إلى أصحابه وقال:
اللهمّ كان يحسن خفيفه، فأما ثقيله فلا، الله أكبر.
__________
(1) البيت في الكامل للمبرد 2/ 233، والعقد الفريد 6/ 49، ونهاية الأرب 5/ 55، والأغاني 8/ 10.
(2) البيت لجعفر بن الزبير بن العوام في معجم البلدان (جيش)، وبلا نسبة في الأغاني 19/ 168.(7/179)
وجاء إليه رجل: فقال: جئتك خاطبا مودّتك. قال: فهلّا سفاحا فهو ألذّ.
وجلس يوما مع أبي بكر بن حزم في مجلس القضاء وأبو بكر يومئذ على المدينة وعلى قضائها فخاصمت إليه امرأة متنقّبة، لها عين حسنة حوراء، فأقبل أبو بكر على ابن أبي عتيق فقال: ما تقول في أمر هذه المرأة؟ فقال: لها عين مظلومة، إلى أن طالت الخصومة وأزلقتها، فكشفت وجهها، فإذا أنف ضخم قبيح، فقال ابن أبي عتيق: لها أنف ظالمة.
وجلس يوما يتغدّى، ومعه أولاده، فجعلوا يتناولون اللحم من بين يديه.
فقال: يا بني، إن الله أوصى بالوالدين، فقال: {فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ} [الإسراء: الآية 23] والله لأن تقولوا لي: أفّ ثلاثين مرة أيسر عليّ من أخذكم اللحم من بين يديّ.
وكان يخاصم القاسم بن محمّد في صدقة أبي بكر ليليها معه، فوكّل القاسم عبد الرحمن ابنه بخصومته، وكانت دار يزيد بن عبد الملك تبنى بالمدينة باللعّابين الدّفوف، والزمر، والصنج. فتقدّم ابن أبي عتيق يوما من ذاك إلى القاضي، وهو في رحبة القضاء، فجعل عبد الرحمن يخاصمه ويحتجّ عليه، وابن أبي عتيق نفسه وعينه في ذلك اللّعب، فعلاه عبد الرحمن يومئذ.
فقيل لابن أبي عتيق: ما كانت قصّتك؟ ما قمت اليوم له، ولا قعدت، ولا احتججت عليه؟ فقال: «ألوي بحجّتي الزامر».
وكان يوما مع عروة بن الزّبير، وهم بجمع، إذ ترنم ابن أبي عتيق بقول الشاعر (1): [الطويل]
ألم ترها لا يبعد الله دارها ... إذا ما مشت في مشيها كيف تصنع؟
فقال عروة: سبحان الله!! أفي هذا الموضع وعلى هذه الحال؟ فقال: أما والله لو سمعته من جارية حسنة الوجه والخلق ما أدركت ذكاتك!
__________
(1) البيت في عيون الأخبار 4/ 89، والعقد الفريد 6/ 21، ونهاية الأرب 4/ 53.(7/180)
ومرّ بصبيان يلعبون، فقال: يا أصحابي، ما ذقنا عيشا منذ فارقناكم.
اشتاق عبد الله بن عروة إلى حديث ابن أبي عتيق، فبعث إليه يسأله أن يجيئه. فقال للرسول: قل له: موعدك الحوض. فقال عبد الله بن عروة: هذا موعد مغمّس، ارجع إليه فقل له: أيّ حوض؟ فقال: حوض القيامة. فرجع الرسول وأخبره. فضجر عبد الله وقال: قل له: يا سفيه، أتعدني حوضا لا ترده؟(7/181)
اشتاق عبد الله بن عروة إلى حديث ابن أبي عتيق، فبعث إليه يسأله أن يجيئه. فقال للرسول: قل له: موعدك الحوض. فقال عبد الله بن عروة: هذا موعد مغمّس، ارجع إليه فقل له: أيّ حوض؟ فقال: حوض القيامة. فرجع الرسول وأخبره. فضجر عبد الله وقال: قل له: يا سفيه، أتعدني حوضا لا ترده؟
الباب الحادي والعشرون نوادر اللصوص ومن سرق له شيء
سرق لرجل دراهم. فقيل له: هي في ميزانك. قال: مع الميزان سرقت.
وسرق خرج آخر وفيه ثيابه وأسبابه، فقيل له: وجب أن تقرأ عليه سورة يس، وتعوّذه بها. فقال: كان جامع القرآن كلّه في الخرج.
أخذ طرّاز كان قطع طرفا من مركب لنصر بن هارون النصرانيّ وزير عضد الدولة. فقيل له: تجسر على هذا في مثل هذه الأيام، ومع سيّد الملك وهيبة وزيره؟ فقال: إن الله تعالى هو أجلّ من الملك، وأمره أعلى من أمره، ولست أترك ما أنزل الله في القرآن لرجل كافر نصرانيّ، ولا خوفا من الملك. فقالوا:
وما الذي أنزل الله في القرآن بما يرخص ذلك؟ قال: قوله تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران: الآية 127].
لقي اللّصوص رجلا، فلما أرادوا نزع ثيابه قال لهم: لا تأخذوا ثيابي فإني أبعث إليكم بثمنها. فقال كبيرهم: سبحان الله!! ما أقبح قطع طريق بنسيئة.
كان بعض اللصوص لا يسرق إلّا الحمير، فقيل له في ذلك. فقال: قد روي أنه إذا كان يوم القيامة أحيا الله الناس والبهائم كلّها فأنا أسرق الحمير حتى إذا جاءني أربابها يوم القيامة وطالبوني بها قلت: هوذا حمارك خذه وانصرف.
أخذ قوم لصّا ومعه كارة من ثياب قد سرقها، فجهدوا به أن يخلّي عنها فلم يفعل، وجعل يقول: أنا تائب على أيديكم. قالوا: فدع الثياب. فقال: يا غفلا، فبأي شيء أستعين على التوبة؟
دخل لص على رجل ليس في بيته إلا قطعة باريّة (1)، وهو نائم عليها، فلم يزل اللّصّ يطوف في البيت، ويطلب شيئا، وصاحب البيت ينظر إليه، فلما طال عليه ضحك وقال: كوّر فديتك كوّر!! وسمع اللص ضحكه، فقال:(7/182)
أخذ قوم لصّا ومعه كارة من ثياب قد سرقها، فجهدوا به أن يخلّي عنها فلم يفعل، وجعل يقول: أنا تائب على أيديكم. قالوا: فدع الثياب. فقال: يا غفلا، فبأي شيء أستعين على التوبة؟
دخل لص على رجل ليس في بيته إلا قطعة باريّة (1)، وهو نائم عليها، فلم يزل اللّصّ يطوف في البيت، ويطلب شيئا، وصاحب البيت ينظر إليه، فلما طال عليه ضحك وقال: كوّر فديتك كوّر!! وسمع اللص ضحكه، فقال:
نعم، اضحك يا حسن المروّة أضحك!!
ودخل اللّصوص على آخر ليس في بيته شيء، وجعلوا يطلبون ويفتشون، فانتبه الرجل، ورآهم، فقال: يا فتيان، هذا الذي تطلبونه بالليل، قد طلبناه بالنهار فلم نجده.
قدم رجل من سفر، فحكى أنّ لصّين خرجا عليهم فقطعا الطريق، فقيل له: وكم كنتم؟ قال: كنّا ستين رجلا، قال: فوبّخ، فقال: اسكتوا، إذا أحاط بنا واحد، وسلبنا الآخر، كيف كنا نصنع؟
سرق مصحف لمالك بن دينار، فكان إذا وعظ بعد ذلك فبكوا يقول بصوت شج: كلنا نبكي، فالمصحف من سرقه؟
سرق لرجل عنز، فقال: ما أخذها إلّا من أمّه زانية، فلما يئس منها قال:
اللهم أنت أعطيت وأنت أخذت.
سرق لصّ ثياب رجل، فقال الرجل: هذا يوم مشوم، فقال اللص: ليس على كل أحد.
دخل لصّ دار قوم، فلم يجد فيها شيئا إلّا دواة فكتب على الحائط: عزّ عليّ فقركم وغناي.
سرق لبعضهم دنانير، واتّهم بذلك ابنا له، فجعل الناس يدخلون إليه، ويسألونه، فقال له بعضهم: الخلف عند الله وهو يردّه. فقال الرجل: بل الدنانير عند الخلف وليس يردّها.
دخل لصّ على رجل، فلم يجد عنده شيئا، وجعل يطوف، وصاحب البيت يضحك، ويقول: كوّر فديتك كوّر. فقال اللصّ: اضحك يا حسن المروّة اضحك (2).
__________
(1) الباريّة: الحصير المنسوج، فارسي معرب.
(2) تقدم الخبر قبل قليل.(7/183)
سرق لبعضهم بغل، فقال بعض إخوانه: الذنب لك لإهمالك أمرك، فقال الآخر: الذنب لغلامك لقلّة تفقّده لمنزلك، وقال الآخر: الذنب لسائسك حين غاب عن إصطبلك. فقال صاحب البغل: فاللصّ إذن أبرؤنا من الذنب!
سرق رجل حمارا، ودفعه إلى آخر ليبيعه، فسرق منه، فعاد إلى الأول فقال له: بعت الحمار؟ قال: نعم. قال: بكم؟ قال: برأس المال.
دخل على بعضهم اللّصوص، فأخذوا كلّ شيء كان في منزله، فلمّا مضوا أخذ صاحب المنزل الباريّة ومضى في أثرهم. فقالوا له: ما تصنع معنا؟
قال: نطلب بيتا نتحوّل إليه بالكلّية.
كان بالرّيّ شيخ من العلويّة مستهتر بالشراب، لا يفيق منه ساعة واحدة، وكان ضعيف الحال جدّا، لا يملك على وجه الأرض شيئا، وكان يحتال في كل سنة، ويتخذ شيئا من الشراب يدخره لنفسه، ويضطرب من بعد في طلب قوته، وكان في حجرة بكراء. واتّفق أنه دخل عليه لصّ، فطاف الحجرة، فلم يجد شيئا، ودخل البيت فوجد فيه حبّين مملوئين شرابا، وقصعة كان يشرب فيها صاحب المنزل من الحبّ، فاغتنم ذلك، وشرب من ذلك الشراب حتّى سكر ونام، وانتبه العلويّ من نومه، فرأى الرجل طريحا من السّكر فأخذ منديله وباعه في السّوق واشترى به طعاما وأكله، وترك للص فضلة، وشرب حتى سكر ونام، وأفاق اللص فوجد الطعام فقال: هذا رجل فتى قد زلّ لي من طعامه زلّة، فأكل وشرب ونام. وأفاق العلويّ في اليوم الثاني، ففعل بجمشك اللص مثل ما فعله بمنديله، ثم بعد ذلك بمئزر كان معه، عساه أراد أن يكوّر فيه، ولم يزل ذلك دأبه في كل يوم ودأب اللصّ إلى أن انتبه اللّصّ ذات يوم، وهو عريان ليس عليه ما يواري عورته، فصاح بالعلوي وقال: أين ثيابي؟ فقام وقال: خذ الحساب: المنديل أكلته اليوم الأول، والقميص أكلته اليوم الثاني، وجعل يعدّد عليه. فصبر اللصّ إلى أن أظلم الليل، فخرج عريانا.
ذكر أن سليمان بن عبد الملك كتب إلى أبي بحر بن نافنّة: أن ابن لي قصرا بالجرف أنزله إذا قدمت المدينة. فبنى له قصرا ضيّقا، ودأب في عمله الليل والنهار فرقا من قدوم سليمان، وعمل فيه أيام الجمع. وراح إلى الصلاة
متخفيا، وقد خلت الطريق فلقيه أبو عليّ الأسود وكان يقطع الطريق فقال:(7/184)
ذكر أن سليمان بن عبد الملك كتب إلى أبي بحر بن نافنّة: أن ابن لي قصرا بالجرف أنزله إذا قدمت المدينة. فبنى له قصرا ضيّقا، ودأب في عمله الليل والنهار فرقا من قدوم سليمان، وعمل فيه أيام الجمع. وراح إلى الصلاة
متخفيا، وقد خلت الطريق فلقيه أبو عليّ الأسود وكان يقطع الطريق فقال:
يا أبا بحر، ضع ثوبيك. قال: يا أبا علي، رقيقي أحرار لوجه الله إن كنت أخذتهما إلا بخمسة دنانير، وهم أحرار إن لم أردّهما إليك أو خمسة دنانير.
قال: فأنغض أبو عليّ رأسه، وقال: يا أبا بحر، أرأيت أحدا قطع قطّ بنسيئة؟
ضع ثوبيك. فوضعهما ورجع عريانا. وقدم بعقب ذلك سليمان بن عبد الملك، فنظر إلى القصر وإلى ضيقه فقال: عليك لعنة الله، لقد سرّني ما صنع بك أبو علي، يا عاضّ كذا من أمه.
بات رجل في منزله، وليس له فيه شيء، فطرقه لصّ في الليل وأحسّ الرجل به، فقال: يا غلام، ودعاه ببعض أسماء العبيد، تعالى وغمّزني. فقال اللص: الرجل سكران، وهو ذا يحسبني بعض غلمانه وإذا غمّزته ساعة غلبه النوم، وقمت فكوّرت جميع ما في البيت، فجعل يغمّزه، ومد الرجل يده إلى اللصّ فجذبه إلى نفسه، وناكه، واللصّ ساكت لا يجسر أن يتكلّم، ولا يشكّ أن الرجل قد غلط، وكلما أراد أن يقوم وقدّر أن الرجل قد نام عاوده وناكه مرة أخرى، حتى فعل ذلك به مرارا، ومضى الليل، وخاف اللصّ أن يفضحه الصبح فقام ليتسلّق الحائط ويهرب. فصاح به الرجل: متى نشطت للعود فعد.
فصاح اللصّ: أما أنا فأجد موضعا أسرق منه شيئا ولكن الشأن فيك حين لا تجد نيكا إلا إذا أتاك لصّ.(7/185)
فصاح اللصّ: أما أنا فأجد موضعا أسرق منه شيئا ولكن الشأن فيك حين لا تجد نيكا إلا إذا أتاك لصّ.
الباب الثاني والعشرون نوادر الحمقى والمغفلين
كان للمهديّ ابن يقال له: يعقوب يحمّق، وكان إذا خطر بباله الشيء فيشتهيه دعا بدفتر فيه ثبت ما في خزانته فيكتبه هناك. فضجّ خازنه وقال: يا سيدي، تثبت عليّ ما ليس في الخزانة؟ فكان بعد ذلك يثبت الشيء ثم يثبت تحته: ليس عنده ذلك، وإنما أثبتّه ليكون ذكره عنده إلى أن نملكه.
ووصف ذلك للمأمون فكذّب به حتى أحضر دفترا له فيه ثبت ثياب بخطه، وفيه: ومن الثياب المثقّلة الإسكندرانية لا شيء، أستغفر الله، بل عندنا زرّ من جبّة كان للمهديّ رحمه الله، ومن الفصوص الياقوت الأحمر البهرمان الصافية لا شيء، أستغفر الله، بل عندنا درج كان فيه للمهدي خاتم هذه صفته، وأشياء تشبه هذا. فلما قرأه المأمون استفرغ ضحكا، وقال: ما ظننت أن مثل هذا يخلق ولا سمعت بمثله فيما مضى.
ويعقوب هذا هو الذي كان يتبخر بمثلثة، وفسا والمجمر تحته، فقال:
ليست هذه المثلّثة بطيّبة، فقالت دايته: كانت طيبة وهي مثلّثة فلمّا ربّعتها أنت فسدت.
قال إسحق الموصليّ: تذاكر قوم من نزار واليمن أصنام الجاهليّة فقال رجل من الأزد عندي والله الحجر الذي كان قومنا يعبدونه. قالوا: وما ترجو به؟ قال: لا أدري ما يكون!
وقال إسحق: سمعت كيسان يسأل خلفا يقول له: يا أبا محرز، علقمة بن عبدة جاهليّ أو من بني ضبّة؟ فقال: يا مجنون، صحّح المسألة حتى يصحّ الجواب.
حضر القطيعيّ مع قوم جنازة رجل، فنظر إلى أخيه فقال: أهذا هو الميت؟ من أخوه؟(7/186)
وقال إسحق: سمعت كيسان يسأل خلفا يقول له: يا أبا محرز، علقمة بن عبدة جاهليّ أو من بني ضبّة؟ فقال: يا مجنون، صحّح المسألة حتى يصحّ الجواب.
حضر القطيعيّ مع قوم جنازة رجل، فنظر إلى أخيه فقال: أهذا هو الميت؟ من أخوه؟
نظر ابن عتّاب إلى وجهه في المرآة، فقهقه، فقيل له: ما يضحكك؟
قال: كيف لا أضحك من وجه لو كان على غيري لضحكت حتى أخرى؟
قال عدنان التاجر، وكان من وجوه بغداد، لبعض الفقهاء: إني قد عزمت لما أصبت به من موت ولدي على قتل نفسي، فهل تخاف عليّ من السلطان شيئا؟
قال الجاحظ: كان لنا جار مغفل جدّا، وكان طويل اللحية، فقالت له امرأته يوما: من حمقك طالت لحيتك، فقال: من عيّر عيّر.
وولد له ولد، فقيل له: ما تسمّيه؟ فقال: عمر بن عبد العزيز.
وهنئوه به فقال: هو من الله ومنكم.
أكل بعضهم مع أمه بزماورد، فيه رأس، فقال: يا أمي، كلي فإنه للجماع.
قال المأمون لمحمد بن عبد الله الطّوسي: ما حال غلّتنا بالأهواز، وما أتاك من خبر سعرها؟ فقال: أمّا متاع أمير المؤمنين فقائم على سوقه، وأما متاع أمّ جعفر فمسترخي. فقال: اغرب لعنك الله.
قيل لجامع الصيدلانيّ: لا تكثر من أكل الملح فإنه يضر بالبصر، قال لا أزيد على أن أمصه وأرمي بثفله.
كان شذرة بن الزّبرقان بن بدر من الحمقى، فدخل يوم الجمعة المسجد الجامع فقام وأخذ بعضادتى الباب، ثم قال: السلام عليكم، أألج؟ فقالوا: هذا يوم لا يستأذن فيه. فقال: أيلج مثلي على جماعة مثل هؤلاء وهو لا يعرف مكانه؟!
كان إسماعيل بن عليّة يصلّي الليل أجمع، وإلى جانبه جارة له تضرب بالطّنبور، فلمّا أصبح قال لوكيله: جارتنا هذه أراها فقيرة، الليل أجمع كانت تندف، فأعطاها مائة درهم.
عاد رجل مريضا، وقد كان مات لأهل المريض رجل فلم يعلموه بموته فقال: يهون عليكم إذا مات هذا ألّا تعلموني به أيضا؟(7/187)
كان إسماعيل بن عليّة يصلّي الليل أجمع، وإلى جانبه جارة له تضرب بالطّنبور، فلمّا أصبح قال لوكيله: جارتنا هذه أراها فقيرة، الليل أجمع كانت تندف، فأعطاها مائة درهم.
عاد رجل مريضا، وقد كان مات لأهل المريض رجل فلم يعلموه بموته فقال: يهون عليكم إذا مات هذا ألّا تعلموني به أيضا؟
قال أبو خيثمة اشتريت لعمار بن محمد فروا. فقال: أرى شعره قصيرا تراه ينبت؟
قال قبيصة ورأى جرادا يطير: لا يهولنّكم ما ترون، فإن عامتها موتى.
وتغدّى أبو السرايا عند سليمان بن عبد الملك، وهو يومئذ وليّ عهد، وقدّامه جدي. فقال: كل من كليته، فإنها تزيد في الدماغ. فقال: لو كان هذا هكذا كان رأس الأمير مثل رأس البغل.
وكتب مسلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلّب: إنك والله ما أنت بصاحب هذا الأمر، صاحب هذا الأمر مغمور موتور، وأنت مشهور غير موتور. فقال له رجل من الأزد يقال له عثمان بن المفضل: قدّم ابنك مخلدا حتى يقتل فتصير موتورا.
ولقي رجل رجلا، ومعه كلبان، فقال له: هب لي أحدهما. قال: أيّهما تريده؟ قال: الأسود. قال: الأسود أحبّ إليّ من الأبيض. قال: فهب لي الأبيض. قال: الأبيض أحبّ إليّ من كليهما.
قال الجاحظ: وقع بين جار لنا وجار له يكنى أبا عيسى كلام، فقال:
اللهمّ خذ منّي لأبي عيسى. قالوا: تدعو الله على نفسك؟ قال: فخذ لأبي عيسى مني.
شرد بعير لهبنّقة القيسيّ، قال: من جاء به فله بعيران. فقيل له: أتجعل في بعير بعيرين؟ قال: إنكم لا تعرفون فرحة الوجدان، وكنيته أبو نافع، واسمه يزيد بن ثروان.
ولما خلع قتيبة بن مسلم سليمان بن عبد الملك بخراسان وقام خطيبا قال: يا أهل خراسان، أتدرون من وليكم؟ إنما وليكم يزيد بن ثروان، كناية عن هبنقة القيسي قال: وذلك أن هبنقة كان يحسن من إبله إلى السّمان ويدع المهازيل ويقول: إنما أكرم ما أكرم الله، وأهين ما أهان الله، وكذلك كان
سليمان، كان يعطي الأغنياء، ولا يعطي الفقراء ويقول: أصلح ما أصلح الله، وأفسد ما أفسد الله.(7/188)
ولما خلع قتيبة بن مسلم سليمان بن عبد الملك بخراسان وقام خطيبا قال: يا أهل خراسان، أتدرون من وليكم؟ إنما وليكم يزيد بن ثروان، كناية عن هبنقة القيسي قال: وذلك أن هبنقة كان يحسن من إبله إلى السّمان ويدع المهازيل ويقول: إنما أكرم ما أكرم الله، وأهين ما أهان الله، وكذلك كان
سليمان، كان يعطي الأغنياء، ولا يعطي الفقراء ويقول: أصلح ما أصلح الله، وأفسد ما أفسد الله.
دخل كردم على بلال فدعاه إلى الغداء فقال: قد أكلت. قال: وما أكلت؟ قال: قليل أرزّ فأكثرت منه.
ودخل عكابة دار بلال فرأى ثورا مجلّلا فقال: ما أفرهه من بغل لولا أن حوافره مشقوقة!
قال الهيثم: خطب قبيصة، وهو خليفة أبيه على خراسان، فأتاه كتابه فقال: هذا كتاب الأمير، وهو والله أهل أن أطيعه، وهو أبي، وهو أكبر مني.
واستعمل معاوية رجلا من كلب، فذكر يوما المجوس وعنده الناس فقال:
لعن الله المجوس ينكحون أمّهاتهم، والله لو أعطيت مائة ألف درهم ما نكحت أمّي. فبلغ ذلك معاوية فقال: قاتله الله، أترونه لو زادوه على مائة ألف فعل؟! وعزله.
وكان معاوية بن مروان محمقّا، وهو الذي قال لأبي امرأته: ملأتنا بنتك البارحة بالدم. قال: إنها من نسوة يخبأن ذلك لأزواجهن.
وكان عبد الملك بن هلال الهنائيّ عنده زبيل حصا، فكان يسبّح بواحدة واحدة، فإذا ملّ شيئا طرح ثنتين ثنتين، ثم ثلاثا ثلاثا، فإذا ملّ قبض قبضتين وقال: سبحان الله بعدد هذا، وإذا ضجر أخذ بعرى الزّبيل وقلبه وقال: الحمد لله وسبحان الله بعدد هذا وإذا بكّر لحاجة لحظ الزبيل وقال: سبحان الله عدد ما فيه.
قال أبو شجاع الحمصيّ لحجّام رآه يختن غلاما له به عناية: ارفق به فديتك فإنه لم يختن قطّ.
ولد لرجل طويل اللّحية ابن، فجاء بمنجّم يعمل له مولدا، فقال له:
أحبّ أن تجعل عطارد في طالعه، فإنه بلغني أنه يعطي الكتبة.
قيل للبكراوي: أبامرأتك حبل؟ قال: شيء يسير ليس بشيء.
وحكى يوما عن الفرس شيئا فقال: ونادى كسرى: الصلاة جامعة.
قال أبو عثمان: إن عمرو بن هدّاب لما ذهب بصره ودخل عليه الناس يعزّونه دخل عليه إبراهيم بن جامع، وكان كالجمل المحجوم وله صوت جهير فقال له: يا أبا أسيد، لا يسوءنك ذهابهما، فإنك لو رأيت ثوابهما في ميزانك تمنّيت أن الله قطع يديك ورجليك ودق ظهرك وأدمى ضلعك.(7/189)
وحكى يوما عن الفرس شيئا فقال: ونادى كسرى: الصلاة جامعة.
قال أبو عثمان: إن عمرو بن هدّاب لما ذهب بصره ودخل عليه الناس يعزّونه دخل عليه إبراهيم بن جامع، وكان كالجمل المحجوم وله صوت جهير فقال له: يا أبا أسيد، لا يسوءنك ذهابهما، فإنك لو رأيت ثوابهما في ميزانك تمنّيت أن الله قطع يديك ورجليك ودق ظهرك وأدمى ضلعك.
كان فزارة على مظالم البصرة وكان مغفّلا فسمع يوما صياحا، فقال: ما هذا الصّياح! قالوا: قوم تكلّموا في القرآن. فقال: اللهمّ أرحنا من القرآن.
واجتاز به صاحب دراج فقال له فزارة: كيف تبيع هذا الدّرّاج؟ قال:
واحدا بدرهم. قال: لا، أحسن إلينا. قال: كذا بعت. قال: نأخذ منك اثنين بثلاثة دراهم. قال: خذ. قال: يا غلام، أعظه ثمن اثنين فإنه سهل البيع.
نظر عامر بن كريز إلى ابنه عبد الله يخطب على منبر البصرة وأعجبه قال:
فأشار إلى أيره وقال للناس: أميركم خرج من هذا.
كان عبد الرحمن بن أبي حاتم شيخ أصحاب الحديث بالرّيّ، وكان ذا سلامة، ذكر عنده محمد بن الحسن الفقيه فقيل: مات بالرّيّ. فقال: دخل إلى الرّيّ دخلتين لا أدري في أيهما مات.
وذكر أنه دخل إلى الحمّام وقد بخّر بالكّندر، وظن الدّخان غبارا فقال للقيّم: قد قلت لكم غير مرة: إذا دخلت أنا الحمّام فلا تغبّروا.
كتب بعضهم على خاتمه أنا فلان ابن فلان. رحم الله من قال آمين.
قيل لبعضهم: حمارك قد سرق قال: الحمد لله الذي لم أكن فوقه.
نظر بعضهم إلى السماء فقال: يا ربّ، ما أحسن سماءك! زادك الله مزيد كلّ خير.
قال الجاحظ: قلت يوما لعبدوس بن محمد وقد سألته عن سنّه: لقد عجّل عليك الشيب. فقال: وكيف لا يعجل علي؟ وأنا محتاج إلى من لو نفذ فيه حكمي لسرّحته مع النّعاج، وألقطّه مع الدّجاج، وجعلته قيّم السراج، ووقاية يد الحلاج. هذا أبو ساسان أحمد بن العباس العجلي، له ألف ألف درهم في كل سنة فعطس فقلت له: يرحمك الله فقال لي: يعرفكم الله.
قال الجاحظ: قلت لأبي الجسيم: إن رأيت أن ترضى عن فلان فافعل قال: لا، والله، حتى يبلغني أنه قد قبّل رجلي.(7/190)
قال الجاحظ: قلت يوما لعبدوس بن محمد وقد سألته عن سنّه: لقد عجّل عليك الشيب. فقال: وكيف لا يعجل علي؟ وأنا محتاج إلى من لو نفذ فيه حكمي لسرّحته مع النّعاج، وألقطّه مع الدّجاج، وجعلته قيّم السراج، ووقاية يد الحلاج. هذا أبو ساسان أحمد بن العباس العجلي، له ألف ألف درهم في كل سنة فعطس فقلت له: يرحمك الله فقال لي: يعرفكم الله.
قال الجاحظ: قلت لأبي الجسيم: إن رأيت أن ترضى عن فلان فافعل قال: لا، والله، حتى يبلغني أنه قد قبّل رجلي.
وكان عبدون بن مخلد أخو صاعد إذا قبض يده عن الطعام يقول: الحمد لله الذي لا يحلف بأعظم منه.
كان أزهر الحمار أحد قواد عمرو بن اللّيث بين يدي عمرو يوما يأكل البطيخ. فقال له عمرو: كيف طعمه يا أزهر؟ قال: يا أيها الأمير، أكلت الخرا قط؟
وكان أزهر هذا قبل بلوغ عمرو بن الليث وأخيه ما بلغا مكانا بسجستان، كان أكرى عشرة من الحمر إلى بعض المواضع، فلما رجع ركب أحدها وعدّ الحمير ولم يعدّ الذي تحته فكانت تسعة فاضطرب وقال: كانت حميري عشرة، ثم نزل فعدّها فكانت عشرة، وركب وعدّها فكانت تسعة، ولم يزل هذا دأبه إلى أن قال: أمشي أنا وأربح حمارا، فنزل ومشى على رجليه فسمّي الحمار لذلك.
قال ابن قريعة: دخل بعض هؤلاء الحمقى الخلاء وأراد أن يحلّ سراويله، فغلط وحلّ إزاره، وخرى في السراويل.
مات لأبي العطوف ابن وكان يتفلسف فلما دلّوه في القبر قال للحفار:
أضجعه على شقّه الأيسر فإنه أهضم للطعام.
عرض هشام بن عبد الملك الجند فأتاه رجل من حمص بفرس كلما قدّمه نفر، فقال هشام: ما هذا عليه لعنة الله؟ قال الحمصيّ: يا سيدي، هو فاره، ولكن شبهك ببيطار كان يعالجه، فنفر.
صارت عجوز إلى قوم تعزّيهم في ميّت، فرأت عندهم عليلا، فلما أرادت أن تقوم قالت: والحركة تغلظ عليّ في كل وقت، فأعظم الله أجركم في هذا العليل، فلعله يموت.
قدّمت إلى بنت السلط عصيدة، فلما ذاقت قالت: مساكين، أرادوا أن يسوّوا عصيدة فأفسدوها.
ومن حمقى قريش بكّار بن عبد الملك بن مروان. طار له باز فقال لصاحب الشرطة: أغلق باب المدينة حتى لا يخرج البازي.
قال بعضهم: رأيت بالبصرة رجلين يتنازعان في العنب الرازقيّ والنيروزي أيّهما أحلى؟ فجرى بينهما الافتراء والقذف، ثم تواثبا، وقطع الكوفيّ إصبع البصريّ وفقأ البصريّ عين الكوفيّ، ثم رأيتهما متصافيين بعد ذلك، متنادمين.(7/191)
ومن حمقى قريش بكّار بن عبد الملك بن مروان. طار له باز فقال لصاحب الشرطة: أغلق باب المدينة حتى لا يخرج البازي.
قال بعضهم: رأيت بالبصرة رجلين يتنازعان في العنب الرازقيّ والنيروزي أيّهما أحلى؟ فجرى بينهما الافتراء والقذف، ثم تواثبا، وقطع الكوفيّ إصبع البصريّ وفقأ البصريّ عين الكوفيّ، ثم رأيتهما متصافيين بعد ذلك، متنادمين.
أجريت الخيل مرة فطلع فيها فرس سابق، فجعل رجل من النظارة يكثر الفرح ويثب، فقال له آخر: يا فتى، هذا الفرس لك؟ قال: لا، ولكن اللجام لي.
قيل لرجل من أهل حمص وقد أملك بنته كم كان لابنتك من سنة حين زوّجتها؟ قال: لا، والله ما أدري؟ إلا أني زوجتها حين اسودّت شعرتها.
كان رجل يختلف إلى الأعمش فيؤثره، وكان أصحاب الأعمش يسوؤهم ذلك، ففتشوا الرجل فإذا هو حمار، وكان سكوته للعي. فقالوا: سل الأعمش كما نسأله نحن وخاطبه. فقال له: يا أبا محمد، متى يحرم على الصائم الطعام؟
قال: إذا طلع الفجر، قال: فإن طلع الفجر نصف الليل؟ فقال الأعمش: عد إلى ما كنت عليه من الخرس.
كان أبو يوسف ولّى الفضل بن غانم قضاء الرّيّ، وكان الناس يختلفون إليه، ويقرأون كتب الفقه عليه، فجاؤوا يوما وأخذتهم السماء. فقال: ألم أقل لكم: إذا رأيتم الغيم فتعالوا قبل ذلك بيوم؟
سئل بعضهم عن أخوين أيّهما أسن؟ قال: هما توأمان، وهما على ما أظنّ من أمّ واحدة.
نقش رجل على فصّ خاتمه الهمّ أرخص الحنطة، ونقش ابنه آمين.
أخذ رجل ينكح شاة، فرفع إلى الوالي، فقال: يا قوم، أليس الله يقول:
{أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ} [النّساء: الآية 3]؟ والله ما ملكت يميني غيرها فخلّي عنه وحدّ الشاة. وقال: الحدود لا تعطّل، فقيل: إنها بهيمة. فقال: ولو وجب حكم على بهيمة وكانت أمي أو أختي لحددتها.
قال بعضهم: قرأت قصّة أهل طوس إلى المأمون يسألونه تحويل مكّة إلى طوس.
لقي الطائف رجلا فغمّض عينيه فأخذه فقال: يا ابن الخبيثة، أنا قد غمّضت عيني فكيف أبصرتموني؟(7/192)
قال بعضهم: قرأت قصّة أهل طوس إلى المأمون يسألونه تحويل مكّة إلى طوس.
لقي الطائف رجلا فغمّض عينيه فأخذه فقال: يا ابن الخبيثة، أنا قد غمّضت عيني فكيف أبصرتموني؟
كان أبو ضمضم على شرطة الكوفة، فلم يحدث في عمله شيء، فأخذ رجلا من الطريق، وجرّده للسياط، واجتمع الناس، فقال الرجل: ما ذنبي أصلحك الله؟ قال: أحبّ أن تجملنا بنفسك ساعة.
ومدح بعض الشعراء محمد بن عبدوس صاحب الشرقية فقال له: أمّا أن أعطيك شيئا من مالي فلا، ولكن اذهب فاجن جناية حتى لا أحدّك فيها.
ورفع رجل فقالوا: إنه قد وجد في الحمّام يجلد عميرة (1)، فقال: في حمام الرجال أو في حمام النساء؟ قالوا: في حمام الرجال. قال: قد أحسن، ليته قتلها، مرة في حمام الرجال أيش تصنع؟!
كان بعضهم يزرع قراحا (2) له، ويتعيش فيه، فبينا هو يوما يسقي أرضه وقد أعجبه الماء في زرعه وفرح به، وأراد أن يحمد الله عليه جعل يقول: يا رب كم لك من أجر فيما أسقيتنا من هذا الماء.
قال بعضهم: قد رأيت واحدا قد جلس يبول، فإذا أيره أير حمار.
فقلت: ويلك! ما أنت إلا حمّال، كيف تقدر أن تحمل هذا وتمشي به؟ فقال:
أسألك الله أهو كبير؟ قلت: نعم. قال: فإنّ أهل بيتنا يستصغرونه.
قال بعض المؤدبين: كنت أؤدّب ابنا لمحمد بن الحجاج فخرج يوما، وابنه يدرس كتاب الصفات للأصمعيّ، فسألني عن معناه، فقلت له: أعزّك الله يعرف به صفات الناس والوحوش والسلاح والمطر وغير ذلك، فلما كان بعد أيّام نشأت سحابة فخرج إليّ محمد مغضبا فقال: أنت في أضيق الحرج على ما أخذت مني في تأديب ابني، قلت: ولم؟ قال: سألته الساعة عن هذه السحابة أتمطر أم لا؟ فقال: لا أعلم الغيب.
قال: وبلغني عن شيخ أن ابنه سأله فقال: يا أبة، ما الرمادية وما مذهبهم؟ قال: قوم يبولون في الرماد، قوم سوء أشر ما يكون. فقال الصبي:
__________
(1) جلد عميرة: هي العادة السرية.
(2) القراح: هي الأرض المخلصة للزرع، ليس عليها بناء ولا شجر.(7/193)
قد عرفت القدرية من غير أن تقول لي. قال: من هم يا سيدنا؟ قال: الذين يخرون في القدور، فضمّه إليه وقبله وقال: أحسنت يا أبا العباس، أشهد أنك فرخ جماعي.
قال بعضهم: رأيت ابن خلف الهمذانيّ في صحراء يطلب شيئا، فقلت له: ما تبغي ههنا؟ قال: دفنت شيئا ولست أهتدي إليه، فقلت: هلّا علّمت عليه بشيء؟ قال: جعلت علامتي قطعة من الغيم كانت فوقه وما أراها الساعة.
ونظر مرة في الحبّ وهو الزير فرأى وجهه، فعدا إلى أمّه وقال: يا أمّي، في الحبّ لصّ، فجاءت الأمّ وتطلّعت فيه وقالت: إي والله ومعه قحبة.
وقال: إنما سمّي السكنجبين بهذا الاسم، لأن الإنسان يشتكي جبينه فإذا شربه سكن.
قال بعضهم: سمعته يقول في كلام جرى في ذكر رجل: هو والله ألوط من لوط.
وذكر بين يديه رجل فقال: هو رجل سوء. قيل له: ومن أين علمت؟
قال: قد أفسد بعض أهلنا. قيل: ومن هو؟ قال: أمّي صانها الله.
ومات له ابن فقيل: هاتوا فلانا ليغسله، فقال: لا أريده، فإنه عسوف وأخاف أن يقتله.
وزار يوما قوما فأكرموه، وغلّفوه بغالية وطيّبوه، فحكّته شفته العليا، وخشي إن حكّها أن تأخذ إصبعه الغالية فأدخل إصبعه الغالية فأدخل إصبعه تحت الشفة العليا وحكّها من داخل.
وقيل له: كم بين همذان وروذراور؟ فقال: سبعة ذاهب، وثلاثة جاي.
ودخل يوما إلى إصطبله، فرأى فراريج كثيرة فقال: يا فراريج، متى تحمّ حتى نأكلكم.
وحكى من رآه يعدو وسط داره عدوا شديدا ويقول شيئا بصوت عال، قال: فسألته عن قصته فقال: أردت أن أسمع صوتي من بعيد.
واستعير منه سرج فقال: والله ما نزلت عنه إلّا الساعة.(7/194)
وحكى من رآه يعدو وسط داره عدوا شديدا ويقول شيئا بصوت عال، قال: فسألته عن قصته فقال: أردت أن أسمع صوتي من بعيد.
واستعير منه سرج فقال: والله ما نزلت عنه إلّا الساعة.
دخل على رجل يعزّيه فقال: عظّم الله مصيبتك، وأعان أخاك على ما يرد عليه من يأجوج ومأجوج، فضحك من حضر، فقال: لم تضحكون؟ إنما أردت هاروت وماروت.
وقال يوما لصديق له: أريد أن أشرب على عورة وجهك عشرة أرطال نبيذ مريق، يريد غرة وجهك، ونبيذ مروق.
وقال يوما لمغنّية كان يحبّها: أنا والله لك مائق، يريد وامق فقالت:
ليس لي وحدي أنت مائق، أنت والله مائق للخلق.
أخذ الطلق امرأته فدخل فقال للقابلة: أخرجيه بالله ابنا ولك دينار، ولك ما شئت، بالله لا أحتاج إلى وصيّتك.
كان منصور بن زياد خال المهديّ، ووالي خراسان من جهته يحمّق، وكان نقش خاتمه يا حنّان يا منّان تحنّن تمنّن على عبدك الأمين منصور بن زياد.
لمّا مات المكتنجي حزن المتوكل عليه، وقال: من ينشطني إذا كسلت؟
ويسلّيني إذا حزنت، فقيل له: قد خلّف ابنين مليحين، فأمر بإحضارهما وكلمهما فرضيهما، وجعلت أرزاق أبيهما للأكبر منهما، وجعل للأصغر أيضا رزق دون ما لأخيه. فقال الصغير: هذا يا سيدي خلاف ما يجب فينا قال: وما الذي يجب؟ قال: إنما نتقدّم نحن، وتقدم أبونا قبل بالحماقة، ومن شأن العقلاء إذا مات الرجل منهم أن يجعل ابنه الكبير مكانه، فأما الحمقى فإنهم يجعلون الصغير مكان أبيه، ومع هذا أنا أحمق من أخي بكثير. قال: وما الدليل على ذلك؟ قال: ههنا أدلة كثيرة، أقربها أن أبي حجّ في العالم الماضي فلما قرب قدومه خرج أخي من سرّ من رأى إلى الكوفة لتلقّيه، ومضيت أنا إلى حلوان لأني كنت أشدّ شوقا منه إليه، فلما قدم وجاءني كتابه من سرّ من رأى إلى حلوان جئت، وإنما فعلت هذا لشدّة شوقي إليه، فسرّ أبي بما كان مني سرورا عظيما. فقال المتوكّل: صدقت، أنت أحمق من أخيك بكثير، اجعلوا الرئاسة له، واجعلوا أخاه مكانه.
اعترض أبو الجندب الأرمنيّ دوابّه فأصاب فيها واحدا مهزولا قال: هاتوا الطبّاخ فبطحه وضربه خمسين مقرعة، فقال له: يا سيدي، أنا طبّاخ لا أعرف أمر الدوابّ. قال: فلم لم تقل لي؟ اذهب الآن فإذا أذنبت ذنبا ضربت السائس ستين مقرعة، زيادة عشرة.(7/195)
ويسلّيني إذا حزنت، فقيل له: قد خلّف ابنين مليحين، فأمر بإحضارهما وكلمهما فرضيهما، وجعلت أرزاق أبيهما للأكبر منهما، وجعل للأصغر أيضا رزق دون ما لأخيه. فقال الصغير: هذا يا سيدي خلاف ما يجب فينا قال: وما الذي يجب؟ قال: إنما نتقدّم نحن، وتقدم أبونا قبل بالحماقة، ومن شأن العقلاء إذا مات الرجل منهم أن يجعل ابنه الكبير مكانه، فأما الحمقى فإنهم يجعلون الصغير مكان أبيه، ومع هذا أنا أحمق من أخي بكثير. قال: وما الدليل على ذلك؟ قال: ههنا أدلة كثيرة، أقربها أن أبي حجّ في العالم الماضي فلما قرب قدومه خرج أخي من سرّ من رأى إلى الكوفة لتلقّيه، ومضيت أنا إلى حلوان لأني كنت أشدّ شوقا منه إليه، فلما قدم وجاءني كتابه من سرّ من رأى إلى حلوان جئت، وإنما فعلت هذا لشدّة شوقي إليه، فسرّ أبي بما كان مني سرورا عظيما. فقال المتوكّل: صدقت، أنت أحمق من أخيك بكثير، اجعلوا الرئاسة له، واجعلوا أخاه مكانه.
اعترض أبو الجندب الأرمنيّ دوابّه فأصاب فيها واحدا مهزولا قال: هاتوا الطبّاخ فبطحه وضربه خمسين مقرعة، فقال له: يا سيدي، أنا طبّاخ لا أعرف أمر الدوابّ. قال: فلم لم تقل لي؟ اذهب الآن فإذا أذنبت ذنبا ضربت السائس ستين مقرعة، زيادة عشرة.
وقال يوما وقد ركب إلى العيد لبعض غلمانه: أرسل إلى المزين حتى يكون حاضرا، وتقدّم إليه ألّا يمسّ من شعر رأسي شيئا حتى أعود من الصلاة فإنّ الحجّامين كثيرو الفضول.
واجتاز به رجل يبيع الثلج فقال: أرنا ما معك؟ فكسر له قطعة ثلج وناوله، فقال أريد أبرد من هذا. فكسر له من الجانب الآخر فقال: نعم، هذا أبرد، فكيف سعر هذا وسعر ذاك؟ فقال: هذا رطل بدرهم، ومن الأول رطل ونصف بدرهم. فقال: أحسن حتى نأخذ من هذا لنا، ومن ذاك للحاشية.
جاز إبراهيم المصلحيّ يوما بطين مبلول في شارع باب الشام فقال لهم:
السلطان يريد أن يركب، فإن أنا رجعت ورأيت هذا الطين مكانه ضربته بالنار ولا تنفعكم شفاعة أحد.
وقال الطبيب مرة لأزهر الحمار: خذ رمّانتين فاعصرهما بشحمهما واشرب ماءهما، فعمد إلى رمّانتين وقطعة من شحم الغنم فدقهما في موضع واحد وشرب ماءهما.
واشترى بعضهم جارية، فغضبت امرأته، فحلف أنّه لا يجامعها سنة ولا يترك غيره يجامعها بسببه.
ونظر جامعه الصيدلانيّ في المرآة، فضحك، فقالوا: يا أبا محمد، مالك تضحك؟ قال: من وجهي، وهو من بعيد أحسن منه من قريب.
وقيل له يوما: كم سنة لك؟ قال: إحدى وسبعون سنة. قيل: فمن تذكر من خلفاء بني العباس؟ قال: إيتاخ.
ومضى إلى السوق ليشتري لابنه نعلا فقالوا: كم سنّة؟ فقال: لا أدري، ولكنه ولد أول ما جاء العنب الرازقيّ. ومحمد ابني أستودعه الله أكبر منه بشهرين ونصف سنة.
وأتي بصكّ دار ليشهد فيه فقال: لا أشهد حتى أرى الدار، فلما رأى الدار، رمى بالصّكّ وقال: والله لا شهدت، قيل له: ولم ذاك؟ قال: لأنها سرقة، وأنها أول أمس كانت في ذلك الجانب وهي اليوم ههنا.(7/196)
ومضى إلى السوق ليشتري لابنه نعلا فقالوا: كم سنّة؟ فقال: لا أدري، ولكنه ولد أول ما جاء العنب الرازقيّ. ومحمد ابني أستودعه الله أكبر منه بشهرين ونصف سنة.
وأتي بصكّ دار ليشهد فيه فقال: لا أشهد حتى أرى الدار، فلما رأى الدار، رمى بالصّكّ وقال: والله لا شهدت، قيل له: ولم ذاك؟ قال: لأنها سرقة، وأنها أول أمس كانت في ذلك الجانب وهي اليوم ههنا.
وكان بعضهم يقول في تسبيحه: لا إله إلا الله جملة كافية.
وحلف بعضهم فقال: لا والقبر الذي تضمّن محمدا وجبريل عليهما السلام.
ورث بعضهم نصف دار فقال يوما: قد عزمت على بيع نصف الدار الذي لي وأشتري به النصف الآخر لتصير كلّها إليّ.
وكتب المنصور إلى زياد بن عبيد الله الحارثي ليقسم مالا بين القواعد والعميان والأيتام. فدخل عليه أبو زياد التميميّ وكان مغفلا فقال: أصلحك الله، اكتبني في القواعد، فقال: عافاك الله، القواعد هن النساء اللاتي قعدن عن أزواجهن. فقال: اكتبني في العميان، قال: اكتبوه فإن الله تعالى يقول: {فَإِنَّهََا لََا تَعْمَى الْأَبْصََارُ وَلََكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحجّ: الآية 46] قال أبو زياد:
واكتب ابني في الأيتام. فقال: نعم، من كنت أباه فهو يتيم.
ووجّه بعضهم بلحم إلى بيته فقال للرسول: قل لهم: اطبخوه سكباجا (1).
فقال: ليس عندهم. فقال له: يا بغيض، فاطبخوه إذن كشكية (2).
ووقعت لبعضهم ابنة في البئر، فاطلع في البئر فرآها وناداها، فأجابته فقال لها: لا تبرحي من موضعك حتى أذهب أجيء بمن يخرجك.
وكان منهال إذا انكسف القمر يقول: ارحم ترحم، فإذا انجلى قال:
تهنؤك العافية.
قال ابن الماجشون: كان لي صديق من أهل المدينة ففقدته أياما ثم رأيته فسألته عن حاله، فقال: نزلت بالكوفة فقلت: وكيف صبرت بها وهم يسبّون أبا بكر وعمر؟ فقال: يا ابن أمّي، قد والله صبرت لهم على ما هو أعظم من هذا،
__________
(1) السكباج: مرق يعمل من اللحم والخل.
(2) الكشكية، أو الكشك: طعام يصنع من القمح واللبن.(7/197)
إنهم يفضّلون الكناسيّ على معبد في الغناء. فحدّثت المهدي بذلك فضحك حتى استلقى.
قيل لبعضهم: قد جاء الذّباب. فقال: ما ذقته بعد.
وسئل بعضهم عن مولده فقال: ولدت رأس الهلال النصف من شهر رمضان بعد العيد بثلاثة أيام، احسبوا الآن كيف شئتم.
قال: وسمعت بعضهم يدعو ويقول: اللهمّ اغفر لأمّي ولأختي ولامرأتي فقلت له: كيف تركت ذكر أبيك؟ قال: لأنه مات وأنا صبيّ لم أدركه ولم أعرفه.
لقي رجل رجلا فقال له: متى قدمت؟ قال: غدا. فقال: لو قدمت اليوم لسألتك عن صاحب لي، فمتى تخرج؟ فقال: أمس. قال: لو أدركتك لكتبت معك كتابا.
ونظر بعضهم إلى جرادة في أول ما يجيء الجراد فقبّلها ووضعها على عينه، يريد أنها باكورة.
وانكسرت خشبة في منزل بعضهم، فمضى إلى الخشّابين يشتري بدلها.
فقالوا: كم تريد طولها؟ فقال: سبع في ثمان.
وخلا بعضهم بمناجاة ربّه وجعل يدعو ويقول: اللهمّ ارزقني خمسة آلاف درهم حتى أتصدّق منها، وإن لم تصدّقني فادفع إليّ ثلاثة آلاف درهم واحبس الباقي عندك، فإن تصدّقت وإلّا تصدق بها على ما شئت.
اعتلّ الهبيريّ والي البصرة، فدخل إليه بعض عوّاده فقال له: ما تشكو؟
قال: حرارة. قال: فما أكلت؟ قال: شويت خوامزكه فمصصت متوضّاها يريد خوامزكها وزماكها.
وقال بعضهم: سقط ابني في الدّكّان فوطىء كلب على لسانه فسقطت لهاته فعالجته بدم الأبوين.
وكتب بعضهم إلى أبيه: كتابي إليك من فوق فرسخ بدورقين يوم الجمعة عشية الأربعاء لأربعين ليلة خلت من جمادى الأوسط، وأعلمك أعزّك الله
أني مرضت مرضة لو كان غيري لكان قد مات. فكتب إليه أبوه: أمّك طالق ثلاثا بتاتا لو متّ ما كلّمتك أبدا.(7/198)
وكتب بعضهم إلى أبيه: كتابي إليك من فوق فرسخ بدورقين يوم الجمعة عشية الأربعاء لأربعين ليلة خلت من جمادى الأوسط، وأعلمك أعزّك الله
أني مرضت مرضة لو كان غيري لكان قد مات. فكتب إليه أبوه: أمّك طالق ثلاثا بتاتا لو متّ ما كلّمتك أبدا.
قيل لبعضهم: دخلت الكتّاب فأيّ شيء تعلمت؟ قال: الحساب. قال:
فأربعة بين ثلاثة أنفس كم يصيب كلّ واحد منهم؟ قال: لنفسين درهمين درهمين ولا يصيب الثالث شيئا.
خرج رجل من منزله ومعه صبيّ عليه قميص أحمر، فحمله على عاتقه ثم نسيه، فجعل يقول لكل من لقيه: رأيت صبيا عليه قميص أحمر؟ فقال له إنسان: لعله الذي على عاتقك، فرفع رأسه ولطم الصبيّ وقال: يا ماصّ كذا، ألم أقل لك: إذا كنت معي لا تفارقني ولا تبرح؟
وكان بعضهم في يده ثلاثة عشر درهما، وركب زورقا فرأى على عنق واحد كان بجنبه برغوثا، فأخذه بالسبابة والإبهام من اليد التي فيها الدراهم، ثم توجّه نحو الماء ليرمي البرغوث فرمى بالدّراهم وبقي البرغوث في يده، ثم التفت إلى أصحابه فقال: رأيتم مثل هذا البرغوث تقوّم عليّ بثلاثة عشر درهما.
وقال بعضهم: رأيت خميصا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: اللهمّ هب لها العافية وفرّح قلبها، وافعل بها واصنع، ولم يدع لنفسه ولا لأحد غيرها.
فقلت: من هذه التي تخصّها بالدّعاء؟ قال: امرأتي. قلت: ما أوجب أن تجعل دعاءك كلّه لها حتى لا تدعو لنفسك ولا لأبويك؟ فقال: أخبرك يا أخي، اعلم أني صحبت الخلق، وعاشرت الناس، وطفت البلدان فما وجدت إنسانا أنيكه غيرها. فقلت له: يحقّ لك إن كان هذا يا شيخ.
وقال رجل لحمصيّ: إذا كان يوم القيامة يؤتى بالذي فجر بامرأة جاره، فيؤخذ من سيّئات الجار إلى حسنات جاره. فقال الحمصيّ: والله إن كان هذا فما في يوم القيامة أحسن من الكشاخنة (1) بعد المخنثّين.
وحمل بعضهم بولا في طست إلى الطبيب وقال: هذا بول امرأتي. فقال:
هلا جئت به في قارورة؟! قال: جعلت فداك إحليلها أوسع من ذاك.
__________
(1) الكشاخنة: جمع كشخان، وهو الديّوث، والقواد على أهله.(7/199)
ونظر حمصيّ إلى منارة المسجد، فقال لآخر: ما كان أطول أولئك الذين بنوا هذه المنارة! فقال له: اسكت ما أجهلك! ترى أن في الأرض أحدا يطول هذه المنارة؟ وإنما بنوها على الأرض ثم أقاموها، أو حفروا بئرا وقلبوها.
حضر جماعة من أهل زنجان باب السّلطان فشكوا ثقل أصولهم، وتضاعف المؤن عليهم، فأجيبوا إلى حطيئة، فقالوا: نحب أن نقتصر منها على الأخماس بدل الأعشار، فصار ذلك رسما عليهم.
قال بعضهم: رأيت شيخا طويل اللحية يعدو، فقلت: ما لك؟ قال: مرّ بك رجل أخضر عليه كساء أصلع؟
قال: ورأيت رجلا طويل اللّحية راكبا حمارا، وهو يضربه. فقلت له: يا هذا، ارفق. فقال: إذا لم يقدر يمشي فلم صار حمارا.
تفاخر أحمقان: مصريّ ويمنيّ، فقال المصريّ: هلكت والله اليمن إن لم يكن النبيّ عليه السلام منها لا تدخل الجنة والله أبدا. فقال اليمنيّ: فابن المهلب وأولاده يحاربون عليها أبدا وزيادة حتى يدخلوها بسلام بالسيف.
ولما دخل الأكراد مدينة السلام مع أبي الهيجاء، واجتازوا بباب الطاق قال بعض المشايخ من التّجّار: هؤلاء الذين قال الله تعالى في كتابه: الأكراد أشد كفرا ونفاقا. فقال له إنسان: يا هذا، إنما قال الله {الْأَعْرََابِ} [التّوبة:
الآية 90]. قال الشيخ: يا سبحان الله!! يقطع علينا الأكراد، ونكذب على الأعراب؟
قال بعضهم: دخلت حمّاما بهيت، وأهلها عامّتهم قلف، فإذا أنا برجل قد دخل، وهو آخذ برأس إحليله، وقد أشاله إلى فوق، ثم تمكن جالسا، وصب من إحليله شيئا ودلك به رأسه ولحيته، وفعل ذلك مرارا. فقلت له:
ويلك! ما هذا؟ قال: دهن يا سيدي، طلبت من عند العطّار قارورة فلم تكن عنده، فأخذت الدّهن من هذا الموضع، وهو ذا أستعمله.
قدّم رجل ابنا له إلى القاضي ليحجر عليه. فقال: فيم تحجر عليه؟ قال الأب: أصلحك الله، إن كان يحفظ آيتين من كتاب الله فلا تحجر عليه. فقال
له القاضي: اقرأ. فقال (1): [الوافر](7/200)
قدّم رجل ابنا له إلى القاضي ليحجر عليه. فقال: فيم تحجر عليه؟ قال الأب: أصلحك الله، إن كان يحفظ آيتين من كتاب الله فلا تحجر عليه. فقال
له القاضي: اقرأ. فقال (1): [الوافر]
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فقال الأب: أصلحك الله، إن قرأ أخرى فلا تحجر عليه. فحجر عليهما جميعا.
قال بعضهم: جالسني رجل فغبر لا يكلّمني ساعة، ثم قال: هل جلست قطّ على رأس تنور فخريت فيه آمنا مطمئنا؟ قال: قلت: لا. قال: فإنك لم تعرف شيئا من النعيم قطّ.
وقال هشام بن عبد الملك ذات يوم لأصحابه: أيّ شيء ألذّ؟ فقال له الأبرش بن حسان: أصابك جرب قطّ فحككته؟ قال: ما لك؟ أجرب الله جلدك، ولا فرج عنك، وكان آنسا به.
دخل كردم الدّراع أرض قوم يذرعها، فلمّا انتهى إلى زنقة منها لم يحسن أن يذرعها. فقال: هذه ليست لكم. قالوا: هي لنا ميراث، وما نازعنا فيها أحد قطّ. قال: لا، والله ما هي لكم. قالوا: فحصّل لنا حساب ما لا نشكّ فيه.
فقال: عشرون في عشرين عشرون. قالوا: من أجل هذا الحساب صارت الزنقة ليست لنا.
وقال قاسم التمار: التوى مني عرق حين قعدت منها مقعد الرجل من الغلام.
مات رجل من جند أهل الشام عظيم القدر، فحضر جنازته الحجاج، فصلّى عليه وجلس على شفير قبره وقال: لينزل قبره بعض إخوانه، فنزل أحدهم فقال وهو يسوّي عليه: يرحمك الله أبا قنان، إن كنت ما علمت لتجيد الغناء، وتسرع ردّ الكأس، لقد وقعت في موضع سوى لا تخرج والله منه إلى يوم الدّكّة. فما تمالك الحجّاج أن ضحك فأكثر وكان لا يكثر الضحك في جدّ ولا هزل. فقال له: هذا موضع هذا لا أم لك؟! قال: أصلح الله
__________
(1) البيت للعرجي في ديوانه ص 34، ولسان العرب (سدد)، (ضيع)، وتاج العروس (سدد)، (ضيع)، وبلا نسبة في تهذيب اللغة 12/ 277، ومقاييس اللغة 3/ 66، ومجمل اللغة 3/ 60، وديوان الأدب 3/ 90.(7/201)
الأمير، فرسه حبيس في سبيل الله لو سمعته يتغنّى (1): [الرجز]
يا لبهنى أوقدي النارا
لانتشر الأمير على سعنة وكان الميت يلقب سعنة، وكان من أوحش الخلق صورة وأدّمهم فلم يبق أحد إلا استفرغ ضحكا. وقال الحجاج:
أخرجوه، إنا لله! يا أهل الشام، ما أبين حجة أهل العراق في جهلكم!
خرج رجل من المغفلين فرأى في زرعه فسادا فقال: يا رب أنت تنهى عن الفحشاء، فهذا حسن هو؟
قال بعضهم: رأيت رجلا محموما مصدّعا، وهو يأكل التمر، ويتكرّهه.
فقلت له: ويحك! لم تأكل هذا في حالك هذه؟ هذا يقتلك. فقال: عندنا شاة ترضع، وليس لها نوى، فأنا آكل هذا التمر مع كراهيتي له لأطعمها النوى.
قال: فقلت: فأطعمها التمر بالنوى. قال: أو يجوز هذا؟ قلت: نعم. قال: قد والله فرّجت عني، لا إله إلا الله، ما أحسن العلم!
أخرج صبيّ رأسه من منظرة، فوقعت عليه بردة فأوجعته، فشتم من رمى، فاطّلع أبوه من الكوّة لينظر من رمى فلما رأى البردة رفع رأسه إلى السماء وقال: ارم سيدي ما عرفك الصبي.
__________
(1) الرجز في الأغاني 2/ 147، عيون الأخبار 2/ 50، والعقد الفريد 6/ 18، والبخلاء ص 233.(7/202)
الباب الثالث والعشرون نوادر ابن الجصّاص (1)
كان ابن الجصّاص يتّجر في الجواهر، وكانت له ثروة عظيمة، ومحلّ عند الخلفاء. ونكب في أيام المقتدر، فبلغت مصادرته التي أدّاها آلاف ألف دينار، وكان مغفّلا.
وهو الذي كانت في فمه درّة وأراد أن يبصق، فبصق على الخليفة ورمى بالدرة في دجلة، وهو يظنّ أنه قد ناول الخليفة الدرة وبصق في الماء.
وعرض على بعض الخلفاء عقدا مثمّنا فقال: هل رأيت في عرس أمّك مثله؟
وكان إذا قنت يقول في دعائه: يا أويس القرنيّ، يا كعب الأحبار بحقّ محمد وجرجيس إلّا وسّعت أمّتك على الدقيق.
وكان يقول أيضا في دعائه: اللهمّ اغفر لي من ذنوبي ما تعلم وما لا تعلم.
ودخل يوما على ابن الفرات فقال: يا سيدي، عندنا في الجزيرة كلاب لا يتركونا ننام من الصّياح والقتال. قال: أحسبهم جراء. قال: لا تظن ذلك أيها الوزير، كلّ كلب مثلي ومثلك.
ونظر يوما في المرآة فقال: اللهمّ سوّد وجوهنا يوم تسودّ الوجوه، وبيّضها يوم تبيضّ الوجوه.
__________
(1) ابن الجصاص: هو الحسين بن عبد الله الجوهري، أبو عبد الله، المعروف بابن الجصاص، كان ذا مال عظيم وثروة واسعة، وكان مغفلا شديد التغفل في كلامه وأفعاله توفي سنة 315هـ (البداية والنهاية 11/ 168، نهاية الأرب 23/ 40).(7/203)
وقال بعضهم: اطلعت عليه وهو يقرأ في المصحف ويبكي وينتحب ويشهق، فقلت له: ما لك؟ قال: أكلت اليوم مع الجواري المخيض بالبصل فآذاني، فلما رأيته في المصحف {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسََاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: الآية 222] قلت: ما أعظم قدرة الله! قد بيّن كلّ شيء حتى أكل اللبن مع الجواري.
وأراد مرة أن يدنو من بعض جواريه فمنعته وتشاجت عليه، فقال: قد والله أغضبتني، أعطي الله عهدا إن قربتك سنة، ولا قربك أحد بسببي.
وقرأ مرة في المصحف، فجعل يقول: رخيص، رخيص. فقيل له في ذلك فقال: ويحك! أما ترى تفضّل الله جلّ وعزّ، يقول: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} [الحجر: الآية 3] أما هذا رخيص؟
وعزّاه إنسان عن ميّت له وقال: لا تجزع واصبر. فقال: نحن قوم لم نتعوّد الموت.
وقال يوما: أنا أشتهي بغلة مثل بغلة النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتى أسمّيها دلدل.
وقال يوما: قد خريت على يدي، لو غسلتها ألف مرّة لم تتنظف حتّى أغسلها مرّتين.
ونظر في المرآة ثم قال لإنسان عنده: ترى لحيتي قد طالت؟ فقال له ذلك الحاضر: المرآة في يدك. فقال: صدقت، ولكن يرى الشاهد ما لا يرى الغائب.
ودخل عليه بعضهم، ومعه ابن له، فقال له: هذا ابنك؟ فقال: نعم.
قال: وليس لأمّه غيرك؟ قال: ويصلح في دينكم لامرأة زوجين؟! قال: لا، ولكني أردت صحة أمرها منك، وكيف جاء هذا الولد الذي لا يشبهك.
وسمع رجلا ينشد شعرا في هند. فقال: لا تذكروا حماة النبي إلا بخير.
وقال بعضهم: كنت عند أبي إسحق الزجاج النحويّ أعزّيه بأمّه، وعنده الرؤساء إذ أقبل ابن الجصّاص ودخل ضاحكا، وهو يقول: الحمد لله يا أبا إسحق. قد والله سرّني. فدهش الزجاج ومن حضر، فقال بعضهم: يا هذا،
كيف سرك ما غمّه وغمنا له؟ قال: ويحك! إنه بلغني أنه هو الذي، فلما صح عندي أنها هي التي سرني. فضحك الناس.(7/204)
وقال بعضهم: كنت عند أبي إسحق الزجاج النحويّ أعزّيه بأمّه، وعنده الرؤساء إذ أقبل ابن الجصّاص ودخل ضاحكا، وهو يقول: الحمد لله يا أبا إسحق. قد والله سرّني. فدهش الزجاج ومن حضر، فقال بعضهم: يا هذا،
كيف سرك ما غمّه وغمنا له؟ قال: ويحك! إنه بلغني أنه هو الذي، فلما صح عندي أنها هي التي سرني. فضحك الناس.
وقرأ يوما في المصحف {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يََا حَسْرَتى ََ عَلى ََ مََا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللََّهِ} [الزّمر: الآية 56] فقال: فديت جنبك يا سيدي، أيش أصاب جنبك يا مولاي؟ عزّ عليّ، ليت بي ما بك يا سيدي.
كان يكسر مرة بين يديه لوز، فطفرت لوزة، وأبعدت، فقال: لا إله إلا الله! تعجبا من كل شيء هرب من الموت حتى في البهائم.
ومن دعائه: اللهمّ أرخص السوق على الدقيق، اللهمّ إنك تجد من تغفر له غيري، ولا أجد من يعذبني سواك، حسبي الله! اللهم امسخني حورية وزوجني من عمر بن الخطاب. فقالت زوجته له: سل أن يزوجك من النبيّ عليه السلام، إن كان ولا بد فقال: لا أحب أن أصير ضرة عائشة.
وصلّى خلف الإمام، فلما قال: {وَلَا الضََّالِّينَ} [الفاتحة: الآية 7] قال ابن الجصاص: أي لعمري أراد آمين.
وقرأ يوما في المصحف {رَبَّنََا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النََّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران:
الآية 192] ثم قال: يحق له أن يخرى والله من أدخل النار، يخرى ثم يخرى.
وقال لابن الفرات يوما: أعزّ الله الوزير، امنع هؤلاء الزنادقة من الاجتماع فإنه بلغني أنهم يتكلمون بالكبائر. قال: وما الذي يقولون؟ قال:
بلغني أنهم يقولون: إن الصّور ليس هو من قرن.
وأتاه غلامه يوما بفرخ وقال: انظر هذا الفرخ، ما أشبهه بأمه! قال: أمه ذكر أم أنثى؟
وقال يوما أتبرّك بكتب أحمد بن حنبل، وما أعمل كلّ يوم شيئا حتى أمرّها على وجهي. قيل له: فأين أنت عن القرآن؟ قال: أما هذا فقد جربته.
وسمع آية من القرآن في بعض المجالس، فقال: حسن والله، هاتوا دواة وقرطاسا أكتب هذا. قالوا له: هذا من القرآن، وفي دارك خمسون مصحفا.
فكتبها وقال: لكل جديد لذة، وبعث بها إلى معلّم ولده وأمره أن يحفّظهم ذلك.(7/205)
وسمع آية من القرآن في بعض المجالس، فقال: حسن والله، هاتوا دواة وقرطاسا أكتب هذا. قالوا له: هذا من القرآن، وفي دارك خمسون مصحفا.
فكتبها وقال: لكل جديد لذة، وبعث بها إلى معلّم ولده وأمره أن يحفّظهم ذلك.
وبنى ابنه دارا، فأدخل أباه إليها ليبصرها، وقال: انظر يا أبة، هل ترى عيبا؟ فطافها حتى دخل المستراح (1)، فاستحسنه، وقال: فيه عيب واحد، وهو ضيق بابه فإن المائدة لا تدخله.
وكتب إلى وكيل له بأن يحمل إليه مائة منا قطنا، فحملها فلمّا حلجت استقلّ الحليج وكتب إلى وكيله: إنه لم يحصل من هذا القطن إلّا ربعه، فلا تزرع بعدها قطنا بحبّه، وازرع الحليج، ويكون معه أيضا شيء من الصوف.
وقال مرة لمغنّيه غنّي (2): [الطويل]
خليليّ هبّا نصطبح بسماد
يريد: بسواد. فقالت له: إذا عزمت على هذا فاصطبح وحدك.
وقال يوما: ينبغي للإنسان أن يصير إلى المقابر ليغتاظ. يريد: ليتعظ.
وقال يوما لصديق له: وحياتك الذي لا إله إلا هو.
واستأذن يوما على بعض الوزراء، وعرض عليه شيئا من الجوهر وقال:
وقع هذا في السيق. فضحك الوزير. فقال: أعزّ الله الوزير، إن في تخفض ما بعدها.
وتردّد إلى بعض النحويّين ليصلح لسانه، فقال له بعد مدّة: الفرس بالسّين أو بالصّين؟
وقال يوما: قمت البارحة إلى المستراح، وقد طفىء القنديل، فما زلت أتلمّظ المقعدة حتى وجدتها.
__________
(1) المستراح: موضع قضاء الحاجة.
(2) عجزه:
ونروي قلوبا هامهنّ صوادي
والبيت للأخطل في الأغاني 20/ 322، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في الاقتضاب 3/ 240، ومحاضرات الأدباء 1/ 108.(7/206)
وقال يوما لعبيد الله بن سليمان: أيّها الوزير، أنت سيف الله في أرضه، فلا تقع على شيء إلّا هرّيته، ولا يقع عليك شيء إلّا هرّأك، فأنت مثل الشّوك لا يمشي عليه إنسان إلا دخل في رجله، ولا يدخل في رجل إنسان إلا أوجعه.
وانبثق له كنيف، فقال لغلامه: بادر وأحضر من يصلحه حتى نتغدّى به قبل أن يتعشّى بنا.
وأهدى إلى العباس بن الحسن الوزير نبقا وكتب إليه: [الهزج]
تفيّلت بأن تبقى ... فأهديت لك النّبقا
فكتب في جوابه: لم تتفيّل يا أبا عبد الله، ولكنك تبقّرت.(7/207)
تفيّلت بأن تبقى ... فأهديت لك النّبقا
فكتب في جوابه: لم تتفيّل يا أبا عبد الله، ولكنك تبقّرت.
الباب الرابع والعشرون نوادر أصحاب المذاهب والجهّال من المتعصّبين
كان بعض ولد روح بن حاتم يتشيّع، وكان لا يشتم من الصحابة إلا طلحة، فقيل له يوما: كيف وقعت على طلحة؟ أتعرفه وتعرف قدمه في الإسلام؟ فقال: وكيف لا أعرفه؟ طلحة امرأة الزّبير.
قال رجل من أهل الكوفة لهشام بن الحكم: أترى الله جلّ ثناؤه في فضله وعدله وكرمه كلّفنا ما لا نطيق ثم يعذّبنا عليه؟ قال: فعل ولكن لا نستطيع أن نتكلّم.
قال الأخفش: سمعت أبا حيّة النّميريّ يقول: أتدري ما يقول القدريّون؟
قلت: ما يقولون؟ قال: يقولون: إنّ الله لم يكلّف العباد ما لا يطيقون، وصدق والله القدريون، ولكنا لا نقول كما يقولون.
قال بعضهم: مررت بجماعة قد أخذوا رجلا وضربوه ضرب التّلف، وهم يجرّونه إلى السلطان. فقلت لبعضهم: ما تريدون منه؟ قال واحد: هو زنديق، لا يؤمن بالقيسيّ.
دخل بعض العامّة على جعفر بن سليمان، يشهد على رجل، فقال:
أصلح الله الأمير هو رافضيّ قدري جهميّ مرجيّ، يشتم الحجاج بن الزبير الذي هدم الكعبة على عليّ بن أبي سفيان. قال له جعفر: ما أدري علام أحسدك!! على علمك بالأنساب، أو معرفتك بالمقالات؟ قال: والله ما خرجت من الكتّاب حتى تعلّمت هذا كلّه.
قال الجاحظ: كان عند الرستميّ قوم من التّجّار، فحضرت الصلاة فنهض الرستميّ ليصلّي، فنهضوا معه. فقال: ما لكم ولهذا؟ إنما فرض الله، عزّ وجلّ، هذا ليذلّ به المتكبرين مثلي ومثل فرعون وهامان ونمروذ وكسرى.
حجّ خراسانيّ من أهل السّنة، فلما حضر الموسم أخذ دليلا يدلّه على المناسك، فلما فرغ أعطاه شيئا يسيرا لا يرضيه، فأخذه منه، ثم جاء به إلى بعض الأركان فنطح الركن برأسه. فقال الخراسانيّ: ما هذا؟ قال: كان معاوية يأتي هذا الركن فينطحه برأسه، وكلما كانت النطحة أشدّ كان الأجر أعظم. فشد الخراسانيّ على الركن ونطحه نطحة سالت الدماء منها على وجهه وسقط مغشيّا عليه فتركه الرجل ومرّ.(7/208)
قال الجاحظ: كان عند الرستميّ قوم من التّجّار، فحضرت الصلاة فنهض الرستميّ ليصلّي، فنهضوا معه. فقال: ما لكم ولهذا؟ إنما فرض الله، عزّ وجلّ، هذا ليذلّ به المتكبرين مثلي ومثل فرعون وهامان ونمروذ وكسرى.
حجّ خراسانيّ من أهل السّنة، فلما حضر الموسم أخذ دليلا يدلّه على المناسك، فلما فرغ أعطاه شيئا يسيرا لا يرضيه، فأخذه منه، ثم جاء به إلى بعض الأركان فنطح الركن برأسه. فقال الخراسانيّ: ما هذا؟ قال: كان معاوية يأتي هذا الركن فينطحه برأسه، وكلما كانت النطحة أشدّ كان الأجر أعظم. فشد الخراسانيّ على الركن ونطحه نطحة سالت الدماء منها على وجهه وسقط مغشيّا عليه فتركه الرجل ومرّ.
قيل لبعضهم: ما تقول في معاوية؟ قال: رحمه الله ورضي عنه. قيل:
فما تقول في يزيد؟ قال: لعنه الله ولعن أبويه.
قال بعضهم لأبيه: يا أبة، قد علمت أنّ الرمادية هم الذين يبولون في الرّماد، فما القدرية؟ قال الذين يخرؤون في القدور.
قال بعض بني هاشم، وقد ذكرت الصحابة عنده، قال: أنا لا أعرف إلّا الشيخين الله والنبيّ.
تشاجر نفسان من العوامّ: أحدهما يتشيّع والآخر ناصبيّ، فقال المتشيّع:
إن مولاي عليّا، عليه السلام، يوم القيامة على الحوض يسقيني ولا يسقيك.
قال الآخر: إن لم يسقني سقاني أبو بكر شربة، وعمر شربة، وعثمان، وطلحة، والزبير، حتى عدّ التسعة، فقال له صاحبه: يا ماصّ بظر أمه، أكلت كربج حتى تشرب هذا الماء كلّه؟
كان بعض الشيعة من أهل قزوين له ضيعة تسمّى «شيذكين» فلحقه جور السّلطان وأجحف به ثقل الخراج حتى خربت الضّيعة، وحجّ الرجل، فبينا هو في الموقف إذ قام إنسان عمريّ فجعل يقول: أنا ابن الذي خرّج الخراج، ودوّن الدواوين، وفعل وصنع. فقام القزوينيّ، وقال له: اسكت يا مشؤوم فإنّ بشؤم جدّك خربت «شيذكين».
حدّث أن ثلاثة من المشايخ حضروا الجامع. فقال واحد لآخر: جعلت فداك، أيّهما أفضل: معاوية بن أبي سفيان أم عيسى ابن مريم؟ فقال: لا، والله ما أدري. فقال الثالث: يا كشخان، تقيس كاتب الوحي إلى نبيّ النصارى؟
قال بعضهم: رأيت بالقادسية أيام الحجاج إنسانا يصيح ويقول: ما يبغض العيون إلّا عين، فقلت له: ما معنى قولك: العيون؟ قال: أبو بكر، اسمه عبد الله، وعمر، وعثمان، وعليّ. لا يبغضهم إلا عين معناه: إلا عاضّ بظر أمّه.(7/209)
حدّث أن ثلاثة من المشايخ حضروا الجامع. فقال واحد لآخر: جعلت فداك، أيّهما أفضل: معاوية بن أبي سفيان أم عيسى ابن مريم؟ فقال: لا، والله ما أدري. فقال الثالث: يا كشخان، تقيس كاتب الوحي إلى نبيّ النصارى؟
قال بعضهم: رأيت بالقادسية أيام الحجاج إنسانا يصيح ويقول: ما يبغض العيون إلّا عين، فقلت له: ما معنى قولك: العيون؟ قال: أبو بكر، اسمه عبد الله، وعمر، وعثمان، وعليّ. لا يبغضهم إلا عين معناه: إلا عاضّ بظر أمّه.
وعظ واحد منهم آخر فقال له: الزم السّنّة، فإنك إن لزمت السّنة دخلت الجنة. فقال له الآخر: وما السّنة؟ قال: حبّ أبي بكر بن أبي طالب وعمر بن أبي قحافة، وعثمان بن سفيان؟ وأستاذهم كلهم معاوية بن أبي سفيان. قال:
ومن معاوية هذا؟ قال: ويلك ألا تعرفه؟ هذا كان من حملة العرش، فزوّجه النبيّ، عليه السلام، بنته عائشة.
قال أبو العيناء: مر بنا واحد ينادي على جرّيّ (1)، فاستقذرناه. فقال لي شيخ كان إلى جنبي: علمت يا أبا عبد الله أني لا آكله إلا مرة واحدة في السّنة من أجل السّنّة لا غير؟ قلت: وأي سنّة في أكل الجري؟ قال: سبحان الله! كان عليّ بن أبي طالب يكرهه.
__________
(1) الجرّيّ: نوع من السمك، قبيح منظره، عاري الجلد، زهم لا يستطاع أكله إلا محسيا، يرمى كله إلا ذنبه.(7/210)
الباب الخامس والعشرون نوادر الأطباء
قالوا: مرّ ماسرجويه الطبيب ببعضهم، فقال: ويلك يا ماسرجويه! إني أجد في حلقي بححا. قال: هذا من عمل بلغم. فلما جازه قال: أنا أحسن أن أقول: بلغم، ولكن كلّمني بالعربية، فكلمته بالعربية.
قال الصّولي: عدت بعض الرّؤساء من علّة وسمعته يقول للطبيب: أكلت فراريج. فقال له: كان يكفيك فرّوج واحد. فقال: إن الفراريج لا تضرّ. فقال الطبيب: يا سيدي: إذا لبس الإنسان عشر غلائل قصب فقد لبس لبّادة.
قال ابن ماسويه لرجل شكا إليه قصوره عن الباءة (1): عليك بالكباب والشراب، وشعر أبي الخطاب، يعني عمر بن أبي ربيعة لغزله.
قال أبو علقمة للطبيب: إنّي أجد في بطني قرقرة ومعمعة. فقال: أمّا القرقرة فضراط لم ينضج، وأما المعمعة فلا أدري ما هي.
قال المتوكّل لبختيشوع: ما أخفّ النّقل على الشراب؟ قال: نقل أبي نواس. قال: وما هو؟ قال (2): [المنسرح]
ما لي في الناس كلّهم مثل ... مائي خمر، ونقلي القبل
قيل لطبيب: ما يذهب بشهوة الطين؟ قال: زاجر من عقل.
قال بعضهم: اعلم أنك تأكل ما تستمرئه، وما لا تستمرئه، فهو يأكلك.
قال جالينوس: صاحب الجماع مقتبس من نار الحياة، فإن شاء فليقلل، وإن شاء فليكثر.
__________
(1) الباءة، والباه، والباء: النكاح والجماع.
(2) البيت في ديوان أبي نواس ص 371.(7/211)
قيل لابن ماسويه: الباقليّ بقشره أصحّ في الجوف؟ قال: هذا من طبّ الجياع.
يقال: إن أردشير ومن تقدّمه من ملوك الفرس كانوا لا يثبتون في ديوانهم الطبيب إلا بعد أن يلسعوه أفعى، ثم يقال له: إن شفيت نفسك فأنت طبيب حقّا، وإن مت كانت التجربة عليك لا علينا.
وكان ملوك الروم إذا اعتلّ طبيب أسقطوه من ديوانهم، وقالوا له: أنت مثلنا.
وكان بعض ملوك العرب إذا جاءه طبيب قدّم إليه مائدة، وأمره أن يركّب منها غذاء لتقوية أبدان المجاهدين، وعلاجا للمرضى، وتدبيرا للناقهين، وتفكّها للمترفين، وسببا ممرضا، وسمّا قاتلا للأعداء، فإذا فعل ذلك أثبته، وإلّا صرفه.
حكي عن بعض الأطبّاء أنه قال لإنسان شكا إليه علّة، فقال: خذ من البنفسج المربّى قدر روثة، وصبّ عليه ماء حارّا قدر محجمه ثم دوفه حتى يصير كأنّه مخاط، ثم اشربه. فقال المريض: أمّا دون أن أضرب بالسّياط فلا.
قال ابن ماسويه: قال لي أخ لعبيد الله بن يحيى: أخبرني عن الطبائع الأربع، هي من عقاقير الجبل؟ فضحكت. فقال: ممّ تضحك؟ قلت: أهو وزير لا يعرف الطبائع؟ فقال لي: ما أنا طبيب.
قال رجل لطبيب: يا سيدي، إن أمي تجد في حلقها ضيقا ويبسا وحرارة. قال الطبيب: ليت الذي في حلق أمك في حر امرأتك، وأنّ على حلق أمّك السكين.
وجاء ماجن إلى طبيب فقال: أجد في أطراف شعري شبه المغص، وفي بطني ظلمة، وإذا أكلت الطعام تغيّر في جوفي. قال الطبيب: أمّا ما تجده من المغص في أطراف شعرك فاحلق رأسك ولحيتك، فإنك لا تجد منه شيئا، وأما الظلمة التي في بطنك فعلّق على باب استك قنديلا حتى لا تجدها، وأما تغيّر الطعام في بطنك فكل خرا واربح النفقة.
دخل رجل حمّاما فسرقت ثيابه، فخرج وهو عريان، وعلى باب الحمّام طبيب. فقال له: ما قصّتك؟ قال: سرقوا ثيابي. قال: بادر ونفّس الدمّ، حتى يخفّ عنك الغمّ.(7/212)
وجاء ماجن إلى طبيب فقال: أجد في أطراف شعري شبه المغص، وفي بطني ظلمة، وإذا أكلت الطعام تغيّر في جوفي. قال الطبيب: أمّا ما تجده من المغص في أطراف شعرك فاحلق رأسك ولحيتك، فإنك لا تجد منه شيئا، وأما الظلمة التي في بطنك فعلّق على باب استك قنديلا حتى لا تجدها، وأما تغيّر الطعام في بطنك فكل خرا واربح النفقة.
دخل رجل حمّاما فسرقت ثيابه، فخرج وهو عريان، وعلى باب الحمّام طبيب. فقال له: ما قصّتك؟ قال: سرقوا ثيابي. قال: بادر ونفّس الدمّ، حتى يخفّ عنك الغمّ.
قيل لبعض الأطباء: أيّ وقت للطعام أصلح؟ فقال: أمّا لمن قدر فإذا جاع، ولمن لم يقدر فإذا وجد.
مرّ طبيب بابن عبد الواسع المازنيّ، فشكا إليه ريحا في بطنه. فقال: خذ كفّ صعتر. قال: يا غلام، الدواة والقرطاس، ثم قال: أصلحك الله، ما كنت قلت؟ قال قلت: خذ كفّ صعتر، ومكّوك شعير. قال: لم لم تذكر الشعير أولا؟ قال: ولا علمت أنّك حمار إلّا الساعة.
مرض أحمق، فدخل إليه الطبيب، فساءله عن حاله. فقال: أنا اليوم صالح، وقد قرمت إلى الثلج. فقال الطبيب: الثلج رديء يزيد في رطوبتك، وينقص من قوّتك. فقال: أنا إنما أمصّه وأرمي بثفله.
ذكر زرقان المتكلّم قال: أقمت عند ابن ماسويه يوما، فقدّمت المائدة وجيء عليها بسمك ولبن، فامتنعت من أحدهما. فقال لي: لم امتنعت؟ فقلت:
خوفا من أن أجمع بينهما. فقال لي: أنت رجل من أهل النظر وتقول هذا القول! ليس يخلو أن يكون كلّ واحد منهما ضدّا لصاحبه، أو موافقا له فإن كان ضدّا له فقد أدخلنا على الشيء ضدّه، وإن كان موافقا فاعمل على أنّا وددنا سمكا أكلناه.
جاء رجل إلى بعض الأطباء، فشكا إليه وجع بطنه. فقال له: ما أكلت؟
قال: خبزا محترقا. فدعا الطبيب بذرور ليكحله. فقال الرجل: إنما أشكو بطني. قال: قد علمت، ولكنّي أكحلك لتبصر الخبز المحترق فلا تأكله بعد هذا.
قال شيخ من الأطباء: الحمد لله، فلان يزاحمنا في الطّبّ ولم يختلف إلى البيمارستان تمام خمسين سنة.
قال بعضهم لطبيب ناوله دواء: قدر كم آخذ منه؟ قال: تأخذ منه قدر بعرة وتدوفه بقدر محجمة ماء وتضربه.
قال بعضهم: قال لي طبيب: إياك ومجالسة الثّقلاء فإنا نجد فيما تقدم من كتب الطّبّ أن في مجالستهم تخم الأرواح.(7/213)
قال بعضهم لطبيب ناوله دواء: قدر كم آخذ منه؟ قال: تأخذ منه قدر بعرة وتدوفه بقدر محجمة ماء وتضربه.
قال بعضهم: قال لي طبيب: إياك ومجالسة الثّقلاء فإنا نجد فيما تقدم من كتب الطّبّ أن في مجالستهم تخم الأرواح.
قيل: دخل بعض الهاشميّين على أبي جعفر، فسلّم عليه. فقال له أبو جعفر: كيف المولود؟ قال: في عافية. قال: كم له؟ قال: سبعة أيام. قال:
فقال متطبب أبي جعفر: كيف عقله؟ قال: أما سمعتني قلت لأمير المؤمنين:
إنما له سبعة أيام؟ قال الطبيب: إن المولود إذا كان حادّ النظر قليل البكاء كان عاقلا.
ترك لافس التصوير وتطبّب، فقيل له في ذلك. فقال: الخطأ في التصوير تدركه العيون، وخطأ الطّبّ تواريه القبور.
سئل طبيب عن دواء المشي. فقال: سهم ترمي به في جوفك أخطأ أم أصاب.
وسئل آخر فقال: هو كالصابون في الثّوب ينقّيه، ولكن يخلقه ويبليه.
شكا رجل إلى طبيب سوء انهضام طعامه، فقال: كله مهضوما.
قال طبيب لمريض: لا تأكل السّمك واللّحم. فقال: لو كان عندي ما اعتلك.
أصاب بعضهم صداع، فضمّد رأسه بدارصيني، وفلفل. فقال له الطبيب:
عزمت على أن تضعه في التنور؟(7/214)
عزمت على أن تضعه في التنور؟
الباب السادس والعشرون اتفاقات عجيبة في الجدّ والهزل
قال حمّاد بن الزّبرقان: حفظت ما لم يحفظ أحد، ونسيت ما لم ينس أحد. كنت لا أحفظ القرآن، فأنفت أن أجيء بمن يعلّمني، فحفظته من المصحف في شهر واحد. ثم قبضت يوما على لحيتي لأقصّ ما فضل عن قبضتي فنسيت أني أحتاج أن أقصّ ما دون القبضة فقصصت أعلاها، فاحتجت أن أجلس في البيت سنة إلى أن استوت.
حدّث أبو عاصم النبيل بحديث فقال: حدّثني أبو بكر ابني عني. وكان الابن كتبه عنه ونسيه الأب فذكّره.
وفي ضدّ ذلك، ما حكاه الصاحب رحمه الله عن بعضهم، قال: كان يقول: حدّثني ابني عني كأنه أعلم به منّي، على معنى قولهم: «كمعلّمة أمّها البضاع».
قال بعضهم: من طرائف المجّان أني بتّ ليلة عند قوم، وحركتني الطبيعة في بعض الليل، ولم أعرف موضع الخلاء، فوقعت على بيت فيه مهد، وفيه صبيّ نائم وليس عنده أحد، فعمدت إلى الصبيّ فأخرجته من المهد، وجعلته في حجري، وجمعت عليه ذيلي، وحوّلت أستي إلى المهد وخريت فيه، وقمت أردّ الصبيّ، فإذا به قد وضع في حجري أضعاف ما خريت في مهده، فبقيت متحيّرا في محنة، ما أعلم أن أحدا دفع إلى مثلها.
وحكي أنه فعل مثل ذلك إنسان آخر ببستوقة فيها صحناة، في دار رجل كان قد أضافه، وأنه قدّم إليه ذلك في طعامه من غد.
قال عبد الملك بن عمير اللّيثيّ: دخلت على عبد الملك بن مروان وهو جالس في بهو على سرير، وقد وضع بين يديه رأس مصعب بن الزبير. فلما
رأيته قلت متعجّبا: لا إله إلا الله!! لقد رأيت اليوم عجبا تذكّرت به عجائب.(7/215)
قال عبد الملك بن عمير اللّيثيّ: دخلت على عبد الملك بن مروان وهو جالس في بهو على سرير، وقد وضع بين يديه رأس مصعب بن الزبير. فلما
رأيته قلت متعجّبا: لا إله إلا الله!! لقد رأيت اليوم عجبا تذكّرت به عجائب.
قال: وما ذاك؟ قلت: رأيت عبيد الله بن زياد في هذا البهو جالسا على هذا السّرير، وبين يديه رأس الحسين بن عليّ، عليه السلام. ثم دخلت بعد ذلك على المختار في هذا البهو جالسا على هذا السرير، وبين يديه رأس عبيد الله بن زياد. ثم دخلت على مصعب في هذا البهو على هذا السرير، وبين يديه رأس المختار. وقد دخلت عليك يا أمير المؤمنين في هذا البهو على هذا السرير، وبين يديك رأس مصعب. فبادر عبد الملك ونزل عن السّرير، وخرج من البهو، وأمر بهدمه.
قرىء في أخبار البرامكة: أنه وجد في بعض الأوارجات (1) السلطانية في أولها: وما حمل إلى الأمير أبي الفضل جعفر بن يحيى أعزّه الله لهدّية النّيروز من العين الطّرز مائة ألف دينار. وفي آخر الحساب: وما أخرج لثمن النّفط والبواري والحطب لإحراق جثة جعفر بن يحيى بضعة عشر درهما.
ركب يزيد بن نهشل النهشليّ بعيرا له، فلما استوى في غرزه قال: اللهمّ إنك قلت: {سُبْحََانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنََا هََذََا وَمََا كُنََّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزّخرف: الآية 13]. اللهمّ إنّي أشهدك أني له مقرن. فنفر البعير، وتعلّقت رجله في الغرز، والبعير يجمز به حتى مات.
قال ثعلب: قال السّدّيّ: أتيت كربلاء أبيع البز بها، فعمل لنا شيخ من طيّىء طعاما فتعشّينا عنده، فذكرنا قتل الحسين، رضي الله عنه، فقلت: ما شرك في قتله أحد إلا مات بأسوا ميتة. فقال: ما أكذبكم يا أهل العراق! فأنا فيمن شرك في ذلك. فلم نبرح حتى دنا من المصباح وهو يتّقد بنفط، فذهب يخرج الفتيلة بإصبعه، فأخذت النار فيها، فجعل يطفئها بريقه، فأخذت النار في لحيته، فعدا فألقى نفسه في الماء، فرأيته كأنه حممة.
قالوا: كان بمدينة السلام رجل ذو يسار، فبينا هو ذات يوم في منزله وقد جلس ليأكل مع امرأته، وبين يديه سكباجة قد فاحت رائحتها إذ دنا سائل
__________
(1) الأوارجات: جمع أوارجة، من كتب أصحاب الدواوين في الخراج ونحوه.(7/216)
من الباب، وكان ممن امتحن بنكبة بعد نعمة، فقال: أطعموني من فضل ما رزقكم الله. فقامت المرأة وغرفت له من القدر، وأخذت رغيفين لتناوله. فلما رأى الزوج ذلك حلف عليها ألّا تدفع إليه شيئا، ومضى السائل خائبا حزينا، واستوفى الرجل طعامه، وصعد السطح لبعض حوائجه فعثر بشيء وانتكس، فسقط في الأرض، ووقص ومات. وحازت المرأة ميراثه وتصرّفت فيه، وفرّقت شيئا من أسبابه الرّثّة في المساكين، فكان في جملتها مضرّبة خلقة وقعت إلى هذا الرجل السائل ففتّها ليغسلها ويجعلها قميصا يلبسه، فوجد فيها ألف دينار، فأخذها وغيّر بها حاله. وضرب الدهر، وأتت على ذلك الأيام، فطلب امرأة يتزوّجها. فقالت له بعض الدلّالات: ههنا امرأة صالحة قد ورثت، فما تقول في مواصلتها؟ فأنعم لها. فسعت الدلّالة بينهما حتى اتّفقا واجتمعا، فلما دخل بها تحدثا ذات يوم فقالت المرأة: فاعلم أن هذه هي الدار التي وقفت عليها، وأنا تلك المرأة، وأنّ زوجي صعد في ذلك اليوم السطح فسقط ومات. وقد أورثك الله ماله ومسكنه وزوجته، فسجد الرجل لله شكرا، وحدّث إخوانه تعجّبا.
قال بعض تجّار البحر: حملنا مرة متاعا إلى الصّين من الأبلّة وكان قد اجتمع ركب فيه عشر سفن، قال: ومن رسمنا إذا توجّهنا في مثل هذا الوجه أن نأخذ قوما ضعفاء، ونأخذ بضائع قوم فبينا أنا قد أصلحت ما أريد إذ وقف عليّ شيخ، فسلّم، فرددت، فقال: لي حاجة قد سألتها غيرك من التجّار فلم يقضها. قلت: فما هي؟ قال: اضمن لي قضاءها حتى أقول. فضمنت، فأحضرني رصاصة فيها نحو من مائة منا، وقال لي: تأمر بحمل هذه الرصّاصة معك، فإذا صرتم في لجّة كذا فاطرحها في البحر. فقلت: يا هذا، ليس هذا مما أفعله. قال: فقد ضمنت لي. وما زال بي حتى قبلته، وكتبته في رزنامجي.
فلما صرنا في ذلك الموضع عصفت علينا ريح فنسينا أنفسنا وما معنا، ونسيت الرّصاصة، ثم خرجنا من اللّجة وصرنا حتى بلغنا موضعا، فبعت ما صحبني، وحضرني رجل فقال لي: أمعك رصاص؟ فقلت: ليس معي رصاص. فقال لي غلام: معنا رصاص. قلت: لم أحمل رصاصا معي. قال: بلى، الشيخ سلّم إليك، فذكرت فقلت: خالفناه وبلغنا ههنا وما عليّ أن أبيعه، فإن ذلك فيه ما
أراد. فقلت للغلام: أحضرها، وساومني الرجل بها، فبعتها بمائة وثلاثين دينارا. وابتعت بها للشّيخ من طرائف الصّين. وخرجنا فوافينا المدينة، وبعت تلك الطرائف فبلغت سبعمائة دينار، وصرت إلى البصرة إلى الموضع الذي وصفه الشيخ، ودققت باب داره، وسألت عنه، فقيل: قد توفّي قلت: فهل خلّف أحدا يرثه؟ قالوا: لا نعلم إلا ابن أخ له في بعض نواحي البحر. قال:(7/217)
فلما صرنا في ذلك الموضع عصفت علينا ريح فنسينا أنفسنا وما معنا، ونسيت الرّصاصة، ثم خرجنا من اللّجة وصرنا حتى بلغنا موضعا، فبعت ما صحبني، وحضرني رجل فقال لي: أمعك رصاص؟ فقلت: ليس معي رصاص. فقال لي غلام: معنا رصاص. قلت: لم أحمل رصاصا معي. قال: بلى، الشيخ سلّم إليك، فذكرت فقلت: خالفناه وبلغنا ههنا وما عليّ أن أبيعه، فإن ذلك فيه ما
أراد. فقلت للغلام: أحضرها، وساومني الرجل بها، فبعتها بمائة وثلاثين دينارا. وابتعت بها للشّيخ من طرائف الصّين. وخرجنا فوافينا المدينة، وبعت تلك الطرائف فبلغت سبعمائة دينار، وصرت إلى البصرة إلى الموضع الذي وصفه الشيخ، ودققت باب داره، وسألت عنه، فقيل: قد توفّي قلت: فهل خلّف أحدا يرثه؟ قالوا: لا نعلم إلا ابن أخ له في بعض نواحي البحر. قال:
فتحيّرت، وقيل لي: إن داره موقوفة في يد أمين القاضي، فرجعت إلى الأبلّة والمال معي. فبينا أنا ذات يوم جالس إذ وقف على رأسي رجل فقال: أنت فلان؟ قلت: نعم. قال: أكنت خرجت إلى الصين؟ قلت: نعم. قال: وبعت رجلا هناك رصاصا؟ قلت: نعم. قال: أفتعرف الرجل وتأملته؟ قلت: أنت هو. قال: نعم، إني قطعت من تلك الرّصاصة شيئا لأستعمله، فوجدتها مجوفة، ووجدت فيها اثني عشر ألف دينار، وقد جئت بالماء، فخذ، عافاك الله. فقلت له: ويحك!! والله ما المال لي، ولكنّه كان من خبره كذا وكذا، وحدثته. قال: فتبسّم الرجل، ثم قال: أتعرف الشيخ؟ قلت: لا. قال: هو عمي، وأنا ابن أخيه، وليس له وارث غيري، وأراد أن يزوي هذا المال عنّي، وهو هرّبني من البصرة سبع عشرة سنة، فأبى الله إلّا ما ترى على رغمه. قال:
فأعطيته الدنانير كلّها ومضى إلى البصرة وأقام بها.
قال بعضهم: جلس رجل إلى قوم، فصاح به إنسان من خلفه، فالتفت إليه فمات. فقيل لابنه: كيف مات أبوك؟ فحكى لهم كيف مات أبوه والتفت فمات هو أيضا.
قال يحيى بن اليمان: رأيت رجلا بات أسود الرأس واللّحية شابّا ملء العين، نام ليلة فرأى في منامه كأنّ الناس قد حشروا، وإذا بنهر من لهب النّار، وإذا بجسر يجوز الناس عليه، يدعون بأسمائهم، فإذا نودي الرجل أجاب، فنجا أو هلك. قال: فدعي باسمي، فدخلت الجسر، فإذا هو كحدّ السيف يمور بي يمينا وشمالا. قال: فأصبحت أبيض الرأس واللّحية.
قال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: حدّثني أبو محمد الرّباطيّ رباط خاوة من عمل جرجان قال: كنت قبارا فبينا أنا في منزلي إذ طرقني ليلا
ركب مستعجلين فركبت، فإذا أنا بشموع وخدم، فأمروني بالحفر، فحفرت قبرا، وأودعوه تابوتا، وعفّيت عليه بالتراب، وأجالوا خيلهم عليه، تغويرا للوضع فانصرفوا. فظننت أنه كنز، فأسرعت فانتشته، وكشفت عن التابوت فإذا فيه رجل فوضعت يدي على أنفه، فإذا هو قريب من التلف، فاستخرجته وأعدت التراب إلى ما كان عليه، واحتملته إلى منزلي. وعاد القوم حذرا أن يكون قد تنبّه على ما في التابوت، ونفضوا الصحراء التي كان فيها، فلم يجدوا أثرا ولا حسّا لأحد، وأنا مشرف من منزلي أرى ما يصنعون. فلما أمنوا مما توهّموا انصرفوا. وترادّت نفس الرجل، فسألته عن حاله. فقال: أنا محمد بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ، رضي الله عنهم، فأقام عندي إلى أن قويت نفسه وتراجعت، ثم شخص إلى العراق، ثم إلى الحجاز، وظهر باليمن، وبويع له بأمير المؤمنين، ودخل مكة، ثم خرج على عهدهم وبايع المؤمنون لابن أخيه عليّ بن موسى بالعهد، فخرج محمد إلى المأمون بخراسان. وأدركته منيّته بجرجان، فاحتفرت له ودفنته، فكان بين الدفنين عشر سنين.(7/218)
قال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: حدّثني أبو محمد الرّباطيّ رباط خاوة من عمل جرجان قال: كنت قبارا فبينا أنا في منزلي إذ طرقني ليلا
ركب مستعجلين فركبت، فإذا أنا بشموع وخدم، فأمروني بالحفر، فحفرت قبرا، وأودعوه تابوتا، وعفّيت عليه بالتراب، وأجالوا خيلهم عليه، تغويرا للوضع فانصرفوا. فظننت أنه كنز، فأسرعت فانتشته، وكشفت عن التابوت فإذا فيه رجل فوضعت يدي على أنفه، فإذا هو قريب من التلف، فاستخرجته وأعدت التراب إلى ما كان عليه، واحتملته إلى منزلي. وعاد القوم حذرا أن يكون قد تنبّه على ما في التابوت، ونفضوا الصحراء التي كان فيها، فلم يجدوا أثرا ولا حسّا لأحد، وأنا مشرف من منزلي أرى ما يصنعون. فلما أمنوا مما توهّموا انصرفوا. وترادّت نفس الرجل، فسألته عن حاله. فقال: أنا محمد بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ، رضي الله عنهم، فأقام عندي إلى أن قويت نفسه وتراجعت، ثم شخص إلى العراق، ثم إلى الحجاز، وظهر باليمن، وبويع له بأمير المؤمنين، ودخل مكة، ثم خرج على عهدهم وبايع المؤمنون لابن أخيه عليّ بن موسى بالعهد، فخرج محمد إلى المأمون بخراسان. وأدركته منيّته بجرجان، فاحتفرت له ودفنته، فكان بين الدفنين عشر سنين.
قالوا: كانت في عبد الصمد بن عليّ عجائب:
منها أنه مات بأسنانه التي ولد بها ولم يثّغر وكانت أسنانه قطعة واحدة.
ومنها أنه كان في قعدد يزيد بن معاوية، هما في النسب إلى عبد مناف سواء.
وقام على منبر قام عليه يزيد وبينهما مائة سنة.
وحجّ بالناس في سنة مائة وسبعين وحجّ يزيد بالناس في سنة خمسين وبينهما مائة وعشرون سنة.
ومنها أنه دخل سربا فيه ريش فطارت ريشتان فلصقتا بعينيه فذهب بصره.
ومنها أنه كان يوما عند الرشيد، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا مجلس فيه أمير المؤمنين، وعمّه، وعمّ عمّه وعمّ عمّ عمّه يعني سليمان بن أبي جعفر عمّ
الرشيد، والعباس بن محمد عمّ أبيه، وعبد الصمد عمّ جدّه. ويقال: إن أم عبد الصمد هي كثيرة التي يقول فيها ابن قيس الرقيات (1): [البسيط](7/219)
ومنها أنه كان يوما عند الرشيد، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا مجلس فيه أمير المؤمنين، وعمّه، وعمّ عمّه وعمّ عمّ عمّه يعني سليمان بن أبي جعفر عمّ
الرشيد، والعباس بن محمد عمّ أبيه، وعبد الصمد عمّ جدّه. ويقال: إن أم عبد الصمد هي كثيرة التي يقول فيها ابن قيس الرقيات (1): [البسيط]
عاد له من كثيرة الطرب
ومن الاتفاقات العجيبة، ما كان من المعتصم وإبراهيم بن المهديّ. قال الصولي: لا نعرف خليفة قبّل يد خليفة ثم قبل ذلك الخليفة بعينه يده، إلا ما كان من فعل المعتصم بإبراهيم ثم فعل إبراهيم بالمعتصم. وحدّث قال: كان المعتصم في فتنة الأمين يمضي مع عليّ بن الجنيد إلى إسكاف فيقيم عنده، ولا يقصّر عليّ في خدمته وإكرامه والنفقة عليه. وكان عليّ أكثر الناس مزاحا، وأحسنهم كلاما. فآذاه المعتصم في شيء فقال عليّ: والله لا تفلح أبدا على المزح فحفظها المعتصم، فلمّا دخل بغداد خليفة، أمر وصيفا بإحضار عليّ، فأحضروه، وكان عدوّا للفضل بن مروان فقال له: يا عليّ، زعمت أني لا أفلح أبدا، هل بعد هذا الفلاح شيء من أمر الدنيا؟ فقال له: الذي أفلح عندي الفضل بن مروان، فضحك المعتصم وكان يقول: من ذلك اليوم اعتقدت أن أنكب الفضل ثم قال: يا عليّ، أتذكر حيث وقفت لإبراهيم بن المهديّ بمربّعة الخرسيّ فنزلت فقبّلت يده ثم أدنيت ابني هارون فقبّل يده، وقلت:
عبدك هارون ابني، فأمر له بعشرة آلاف درهم؟ قال عليّ: أذكر ذلك. قال:
فإنه ترجّل لي اليوم وقبّل يدي في ذلك الموضع بعينه، ثم قال لي: عبدك هبة الله ابني، وأدناه وقبّل يدي، فأمرت له بعشرة آلاف درهم، ولم تطب له نفسي بغيرها. فقال: بئس والله ما فعل أمير المؤمنين. قال: وكيف؟ ويلك! قال:
إبراهيم أمر لهارون بعشرة آلاف درهم وليس في يده إلّا بغداد وحدها. وفي يد أمير المؤمنين الشرق والغرب. قال: صدقت، أعطوه عشرة آلاف دينار. وفرّق المعتصم في أهله ثلاثين ألف ألف درهم.
دخل إيتاخ إلى الواثق وهو بآخر رمق لينظر هل مات أم لا، فلما دنا منه نظر إليه الواثق بمؤخر عينه ففزع إيتاخ ورجع القهقهرى إلى أن وقع سيفه في ملبن الباب فاندق، وسقط إيتاخ على قفاه هيبة لنظرة الواثق. قيل: فلم تمض
__________
(1) البيت في ديوان ابن قيس الرقيات ص 67، وخزانة الأدب 7/ 286، والأغاني 5/ 79.(7/220)
ساعة حتى مات الواثق فعزل في بيت ليغسّل، واشتغلوا عنه، فجاءت هرّة فأكلت عينه التي نظر بها إلى إيتاخ فتراجع وسقط واندق سيفه هيبة منها، فعجب الناس من ذلك. وكان إيتاخ زعيما لسبعين ألف غلام تركيّ.
ومثله لسان مروان بن محمد، فإنه لمّا قتل، وأخذ رأسه وأرادوا إنفاذه إلى أبي العباس أمروا بتنظيفه، فجاء كلب فأخذ لسانه وجعل يمضغه. فقال عبد الله بن عليّ: «لو لم يرنا الدهر من عجائبه إلّا لسان مروان في فم كلب لكفانا ذلك».
قيل: إنه كان سبب موت المنتصر، أنه وجد حرارة، ففصد بمبضع مسموم فمات. وأنّ الطبيب الذي فعل به ذلك احتاج إلى الفصد بعد أيام، فأخرج لتلميذه دست مباضع ليفصده، وفيها ذلك المبضع، وقد أنسيه، ففصده به تلميذه فمات الطبيب.
وحكي عن المستعين أنه قال: كان المنتصر قد جعلني في ناحية أخيه موسى الأحدب وكان لأبيه وأمه وأحسن إليّ، فلما ثقل اغتممت، ورأيت موسى مسرورا طامعا في الخلافة، فانصرفت إلى بيتي مغموما فطرقني رسول أوتامش ففزعت لذلك، وودّعت أمّي وخرجت مع جماعة من الموالي حتى أدخلت حجرة، وجاءني كاتب فسكّن مني، وجعل يؤنسني ويحدّثني ويخدمني، فأصبحت يومي صائما. وأخرجوني في عشيّة ذلك اليوم، فبايعوني.
قال أحمد بن أبي الأصبغ: لمّا ولي المستعين الخلافة، دعاني أحمد بن الخصيب وقد استوزره فقال لي: اكتب الساعة في إشخاص أبي صالح عبد الله بن محمد بن يزداد، من فارس بأسرع من عندك وأفرههم. فورد أبو صالح بعد شهر، فمكث جمعة ودب في أمر أحمد بن الخصيب حتى ولّي مكانه ونفي أحمد بن الخصيب إلى أقريطش. قال: فدعاني أبو صالح حين ولّي فقال: اكتب الساعة إلى همذان في إشخاص شجاع بن القاسم إلى الحضرة، ووجّه إليه بالذي جاء بي من فارس، قال: ففعلت ذلك، فوافى شجاع، فتقلد كتبة أوتامش، فلما تمكّن نكب أبا صالح وقام مكانه.
خرج أبو العيناء وهو ضرير له نيّف وتسعون سنة إلى البصرة في سفينة فيها ثمانون نفسا، فغرقت فلم يسلم غيره، فلما صار إلى البصرة توفّي بها وذلك في سنة اثنتين وثمانين ومائتين.(7/221)
قال أحمد بن أبي الأصبغ: لمّا ولي المستعين الخلافة، دعاني أحمد بن الخصيب وقد استوزره فقال لي: اكتب الساعة في إشخاص أبي صالح عبد الله بن محمد بن يزداد، من فارس بأسرع من عندك وأفرههم. فورد أبو صالح بعد شهر، فمكث جمعة ودب في أمر أحمد بن الخصيب حتى ولّي مكانه ونفي أحمد بن الخصيب إلى أقريطش. قال: فدعاني أبو صالح حين ولّي فقال: اكتب الساعة إلى همذان في إشخاص شجاع بن القاسم إلى الحضرة، ووجّه إليه بالذي جاء بي من فارس، قال: ففعلت ذلك، فوافى شجاع، فتقلد كتبة أوتامش، فلما تمكّن نكب أبا صالح وقام مكانه.
خرج أبو العيناء وهو ضرير له نيّف وتسعون سنة إلى البصرة في سفينة فيها ثمانون نفسا، فغرقت فلم يسلم غيره، فلما صار إلى البصرة توفّي بها وذلك في سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
كان الواقديّ شيخا سمحا، وأظلّه شهر رمضان، ولم تكن عنده نفقة، فاستشار امرأته بمن ينزل خلّته من إخوانه؟ فقالت: بفلان الهاشميّ. فأتاه فذكر له خلته فأخرج له صرّة فيها ثلاثمائة دينار فقال: والله ما أملك غيرها.
فأخذها الواقديّ فساعة دخل منزله جاءه بعض أخولته وشكا إليه، خلّته، فدفع إليه الصّرة بختمها، وعاد صاحب الصّرّة إلى منزله. فجاءه الهاشميّ فشكا خلّته فناوله الصّرة فعرفها الهاشميّ، فقال له: من أين لك هذه؟ فحدّثه بقصته، فقال: قم بنا إلى الواقديّ، فأتوه. فقال له الهاشميّ: حدّثني عنك وعن إخراج الصرة فحدّثه الحديث على وجهه فقال الهاشميّ: فأحقّ ما يعمل في هذه الصّرة أن نقتسمها ونجعل فيها نصيبا للمرأة التي وقع اختيارها عليّ، ففعلوا.
جاء وفد من اليمن فقالوا: يا رسول الله، لقد أحيانا الله تعالى ببيتين من شعر امرىء القيس. قال: وما ذاك؟ قالوا: أقبلنا نريدك حتى إذا كنا بموضع كذا وكذا أخطأنا الماء، فمكثنا ثلاثا لا نقدر عليه، فانتهينا إلى موضع طلح وسمر، فانطلق كلّ رجل منا إلى أصل شجرة ليموت في ظلّها. فبينا نحن في آخر رمق، إذا راكب قد أقبل معتم، فلما رآه بعضنا تمثّل (1): [الطويل]
لمّا رأت أنّ الشريعة همّها ... وأن البياض من فرائصها دامي
تيمّمت العين التي عند ضارج ... يفيء عليها الظّلّ عرمضها طامي
فقال الراكب: من يقول هذا الشعر؟ فقال بعضنا: امرؤ القيس. قال:
هذه والله ضارج عندكم وقد رأى ما بنا من الجهد فزحفنا إليها فإذا بيننا وبينه نحو من خمسين ذراعا وإذا هي كما وصف امرؤ القيس يفيء عليها
__________
(1) البيتان في ديوان امرىء القيس ص 475، ولسان العرب (ضرج)، (عرمض)، وتاج العروس (ضرج)، (عرمض)، والتنبيه والإيضاح 1/ 212، وعيون الأخبار 1/ 143، والشعر والشعراء ص 117، وخزانة الأدب 1/ 335، ومعجم البلدان (ضارج).(7/222)
الظلّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك رجل مشهور في الدنيا خامل في الآخرة، مذكور في الدنيا منسيّ في الآخرة، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار».
قالوا: بينا حذيفة بن اليمان وسلمان الفارسيّ يتذاكران عجائب الزمان وتغيّر الأيام وهما في عرصة إيوان كسرى، وكان أعرابيّ من غامد يرعى شويهات له نهارا، فإذا كان الليل صيّرهن إلى داخل العرصة، وفي العرصة سرير رخام كان ربما عليه جلس كسرى، فصعدت شويهات الغامديّ إلى ذلك السّرير فقال سلمان: «ومن أعجب ما تذاكرنا صعود غنيمات الغامديّ إلى سرير كسرى».
قال بعضهم: دخلت على صابح مولى منارة في يوم شات وهو في قبّة طارمة مغشّاة بالسّمور، مفروشة بالسّمور، وبين يديه كانون من فضّة، وهو يوقد عليه بعود. ثم مرّت سنيّات فرأيت صابحا على حمار بإكاف يقف على الناس على الجسر فيقول: أنا صابح مولى منارة، تصدّقوا عليّ رحمكم الله، فلا يعطيه كثير من الناس، وإن أعطاه إنسان، أعطاه درهما واحدا فما دونه.
قال الجاحظ: نصب ابن لمحمد بن إبراهيم كاتب ابن أبي دواد فخّا على ظهر الطريق إلى جانب حائط. فجاء بعض الأتراك فبال في موضعه، فلما أراد أن يتمسّح، نظر إلى نبكة مرتفعة فتمسّح بها، فوقع الفخّ في ذكره وخصييه وظنّ التركيّ أنه أفعى، فمرّ يعدو، وابن محمد يعدو خلفه ويصيح:
فخّي، فخّي، والتركيّ يقول: فخّ أيش؟ ويلك! فاجتمع الناس فخلّصوا خصيي التركيّ من الفخّ. وكتب بذلك صاحب البريد إلى المعتصم، فلما دخل ابن أبي داود، قال له: من كاتبك هذا الذي يصيد ابنه خصى الأتراك بالفخاخ؟ فقال: والله ما أعرفه يا أمير المؤمنين، فلمّا انصرف سأل عن الخبر، وأخرج الغلام عن داره.
قال بعض الأعراب: أضللت بعيرا لي فخرجت في طلبه، فبينا أنا أسير إذ رأيت خباء فإذا فيه جارية جميلة. فاستضفتها فأضافتني، وقدّمت إليّ طعاما، فلما مددت يدي إليه، طلع بعلها فقال: ما هذا؟ قالت: ضيف استقرانا فقريناه.
فقال: وإنما تزوجتك لتقرين الضيف؟ أخرج عافاك الله، فخرجت من الخباء، وركبت بعيري وتركته يذهب حيث شاء، قال: فأضاء لي الفجر عن فتى كأنّ وجهه فلقة قمر، قلت: هل من مضافة؟ قال: انزل فقدّم إليّ طعاما، فلما شرعت في الأكل إذا زوجته قد طلعت، فقالت: ما هذا؟ قال: ضيف استضافنا فأنزلناه. فقالت: إنما تزوجتك على أن تقري الأضياف؟ قم عافاك الله واخرج.(7/223)
قال بعض الأعراب: أضللت بعيرا لي فخرجت في طلبه، فبينا أنا أسير إذ رأيت خباء فإذا فيه جارية جميلة. فاستضفتها فأضافتني، وقدّمت إليّ طعاما، فلما مددت يدي إليه، طلع بعلها فقال: ما هذا؟ قالت: ضيف استقرانا فقريناه.
فقال: وإنما تزوجتك لتقرين الضيف؟ أخرج عافاك الله، فخرجت من الخباء، وركبت بعيري وتركته يذهب حيث شاء، قال: فأضاء لي الفجر عن فتى كأنّ وجهه فلقة قمر، قلت: هل من مضافة؟ قال: انزل فقدّم إليّ طعاما، فلما شرعت في الأكل إذا زوجته قد طلعت، فقالت: ما هذا؟ قال: ضيف استضافنا فأنزلناه. فقالت: إنما تزوجتك على أن تقري الأضياف؟ قم عافاك الله واخرج.
قال: فضحكت. فقال لي: ممّ ضحكت قلت: نزلت في أوّل الليل على جارية كان من قصّتها كيت وكيت، ثم نزلت عليك فكان من قصتك ما رأيت.
قال: أفلا أخبرك بأعجب من ذلك؟ قال: بلى. قال: تلك والله أختي لأبي وأمي، وهذه أخت الرجل لأبيه وأمه.
وصلى الله على محمد وآله(7/224)
وصلى الله على محمد وآله
فهرس المحتويات
الفصل السابع من نثر الدّرّ مقدمة المؤلّف 3
الباب الأول نكت من كلام الأنبياء، عليهم السلام، وكلام لقمان الحكيم 5
الباب الثاني نوادر ونكت للفلاسفة 14
كتب الإسكندر من بلاد فارس إلى أرسطا طاليس 26
فأجابه أرسطا طاليس 27
الباب الثالث حكم ونوادر للفرس 29
نسخة عهد أردشير بن بابك إلى من يخلفه من بعده 41
الباب الرابع مواعظ ونكت للزهّاد 55
الباب الخامس نكت من كلام العلماء والأدباء 79
الباب السادس الكبر المستحسن والمستقبح 87
الباب السابع نوادر في الجود والسخاء ومحاسن الأخلاق 90
الباب الثامن الشجاعة والجبن 99
الباب التاسع الأسماء الحسنة والقبيحة 104
الباب العاشر التعريضات 109
الباب الحادي عشر حكم ونوادر للهند 119
الباب الثاني عشر في الرؤيا والفأل والزّجر والعيافة والأوهام 122
الباب الثالث عشر من قال شعرا فانتصف منه بنثر 136
الباب الرابع عشر أمثال ونوادر على لسان البهائم 145
الباب الخامس عشر نوادر ونكت للمتكلّمين 148
الباب السادس عشر نوادر أبي العبر 155
الباب السابع عشر نوادر أبي العنبس 159(7/225)
الباب السادس عشر نوادر أبي العبر 155
الباب السابع عشر نوادر أبي العنبس 159
الباب الثامن عشر نوادر لأصحاب الخطب والأذان والصلاة 162
الباب التاسع عشر نوادر أصحاب المهن والصناعات الخسيسة 168
الباب العشرون نوادر ابن أبي عتيق 176
الباب الحادي والعشرون نوادر اللصوص ومن سرق له شيء 182
الباب الثاني والعشرون نوادر الحمقى والمغفلين 186
الباب الثالث والعشرون نوادر ابن الجصّاص 203
الباب الرابع والعشرون نوادر أصحاب المذاهب والجهّال من المتعصّبين 208
الباب الخامس والعشرون نوادر الأطباء 211
الباب السادس والعشرون اتفاقات عجيبة في الجدّ والهزل 215(7/226)