إهداء
أهدي هذا الكتاب إلى الذين تمسكوا بالأخلاق والقيم الإسلامية السامية، وبالقرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ونهجوا نهج الشافعي ودعوته للإصلاح في الدين، وتصحيح الأخطاء في الفقه، وتصويب الفكر الإسلامي في عصره والعصور التالية فاتبعه العامة والخاصة وكبار العلماء، وأخص بالإهداء السيد اللواء علي حمود وزير الداخلية الذي اتخذ القيم الإنسانية العليا طريقا والإسلام منهجا وسبيلا عبر مسيرة حياته، وقدم لي كل عون في إخراج هذا السفر الهام إلى النور.
والحمد لله(1/5)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدمة التحقيق
اهتم أبو بكر بن قاضي شهبة الأسدي الشهبي، الدمشقي، الشافعي، الفقيه بمناقب الإمام محمد بن إدريس الشافعي وتتبع آثاره، لأنه مؤسس الفقه الشافعي وناصر السنة النبوية الشريفة.
الفقيه المجدد المجتهد في الإسلام بشهادة الأعلام والعلماء الذين عاصروه، والذين جاؤوا بعدهم، بأنه لا نظير له في الاستنباط والقياس، واللغة ومراعاة النصوص، وتميز الإمام الشافعي عن أصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى بالاجتهاد والتجديد في الدين، فكان في نظر الجميع أقواهم حجة واحتجاجا وأكثرهم أتباعا، وأفصحهم لسانا وأصحهم قياسا، وأوضحهم إرشادا في كل ما كتبه في الأصول والفروع، وكان الشافعي أديبا شاعرا يحفظ شعر هذيل وغيرها، وينظم الشعر في أغراض شتى.
وقد اعتمد ابن قاضي شهبة في جمع مناقب الشافعي وطبقات أصحابه، على كتاب تاريخ الإسلام للإمام الذهبي وهو سفر كبير، فقدّم لنا ترجمة مختصرة عن الإمام الشافعي تناولت:
حياته ونسبه وعلمه وتصانيفه وزهده وورعه وعبادته، واعتراف الأئمة والعلماء في عصره، والتابعين بفضله وأخلاقه وسعة معرفته بالكتاب والسنة، ومناظراته ومطابقة أصوله وفروعه للشريعة السمحاء، في اتباع الكتاب والسنة والإجماع وآثار الصحابة والقياس.
وقد صنف عدد من العلماء المسلمين كتبا كثيرة في مناقب الشافعي وفضله، وتوسعوا في ذكر أقواله وأفعاله وحكمه، وجاء ابن قاضي شهبة متأخرا عنهم في عمله ولكنه ذيّل المناقب بطبقات أصحاب الشافعي عبر أربعة قرون تقريبا وحتى سنة 530هـ.
أما كتب الذين سبقوه في تصنيف مناقب الشافعي فهم:
1 - كتاب أبي سليمان: داود بن علي الأصفهاني، إمام أهل الظاهر (270210هـ).
2 - كتاب أبي عبد الله: محمد بن إبراهيم البوشنجي، المالكي (290204هـ).
3 - كتاب أبي يحيى: زكريا بن يحيى الساجي (307000هـ).
4 - كتاب أبي محمد: عبد الرحمن بن أبي حاتم (327240هـ).
5 - كتاب أبي الحسن: محمد بن الحسين الآبري العاصمي (363000هـ).
6 - كتاب الصاحب بن عباد (380326هـ).(1/6)
7 - كتاب أبي منصور: محمد بن عبد الله بن حماذ (388316هـ).
8 - كتاب أبي بكر: محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني (388000هـ).
9 - كتاب الحاكم أبي عبد الله: محمد بن عبد الله المعروف بابن البيّع (405321هـ).
10 - كتاب أبي القاسم: حمزة بن يوسف السهمي (427000هـ).
11 - كتاب أبي نعيم: أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني (430000هـ).
12 - كتاب أبي حاتم: محمد بن حبان البستي صاحب الصحيح (354000هـ).
13 - كتاب أبي علي: الحسن بن الحسين بن حمكان الأصبهاني (450000هـ).
14 - كتاب أبي عبد الله: محمد بن أحمد شاكر القطان (407000هـ).
15 - كتاب إسماعيل بن محمد السرخسي القراب (414000هـ).
16 - كتاب فخر الدين الرازي: محمد بن عمر بن الحسين (606000هـ).
17 - كتاب أبي الفتح: نصر المقدسي (490407هـ).
18 - كتاب أبي منصور: عبد القاهر بن طاهر البغدادي (428000هـ).
19 - كتاب أبي عبد الله: محمد بن سلامة المصري (454000هـ).
20 - كتاب أبي الحسين: محمد بن عبد الله الرازي (347000هـ).
21 - كتاب أبي الحسن الدارقطني. علي بن عمر (385306هـ).
22 - كتاب أبي بكر البيهقي (في مجلدين) (458384هـ).
نسب الإمام الشافعي ونشأته وحياته:
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس. القريشي، المطّلبي، الشافعي، الحجازي، المكي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقى معه في عبد مناف (1).
وينسب الشافعي إلى جده شافع بن السائب، وكان شافع قد لقي النبي صلى الله عليه وسلم يافعا وأسلم أبوه السائب يوم بدر، حيث كان صاحب راية بني هاشم، فأسر وفدى نفسه ثم أسلم (2).
__________
(1) انظر: فخر الدين الرازي: مناقب الشافعي 2723، ابن الجوزي: المنتظم 10/ 140134، النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 44.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 10/ 140، فخر الدين الرازي: مناقب الشافعي 23، 24.(1/7)
وأما أم الشافعي فهي أزدية (من قبيلة الأزد اليمانية) (1).
فقد ولد الشافعيّ هاشميّان: هاشم بن عبد المطلب، وهاشم بن عبد مناف، والشافعي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمته الشفاء بنت هاشم أخت عبد المطلب. وقال الشافعي: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ابن عمّي، وابن خالتي (2).
ولد الشافعي سنة 150هـ بغزة من بلاد الشام وبعد سنتين من عمره نقلته أمه إلى مكة، فعاش بها ونشأ وتعلم العلم والرمي، وكان فقيرا لا يكاد يجد أجرة المعلم، فتعلم القرآن وهو ابن سبع سنين وصار يجالس العلماء ويحفظ الحديث. ثم طلب الشعر وأيام العرب والأدب، ثم أخذ الفقه في مكة عن مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة، وانتقل إلى المدينة وتتلمذ على مالك بن أنس فلزمه وكان عمره ثلاث عشرة سنة، ومكث الشافعي على باب مالك أربع سنين، ثم خرج إلى اليمن واليا لبعض أعمالها ومقامه بها، إلى أن اتهم في مشاركته لبعض آل البيت بمؤامرة زمن هارون الرشيد، فحمل إلى بغداد وحبس وبعد محاورات ومراجعات مع محمد بن الحسن الشيباني المقرب من الخلافة العباسية انتهت بعفو الرشيد عن الشافعي وإكرامه. وخاض الشافعي في بغداد مناظرات هامة مع علماء الكلام والحديث فغلب مناظريه جميعا وقطعهم بالحجة الدامغة، فعلم الرشيد بموقع الشافعي وسعة علمه فقال: وما ينكر لرجل من عبد مناف أن يقطع محمد بن الحسن؟» وأمر له بجائزة، ورغب أن يلازمه كما رغب إليه المأمون في ذلك. لكن الشافعي استأذن في السفر إلى مصر والإقامة بها وذلك في سنة 199هـ وفي مصر انتشر مذهبه وفقهه بين الناس وصنف أفضل كتبه، وعاجلته المنية بعد مرض طويل فمات سنة 204هـ يوم الجمعة آخر يوم من شهر رجب ودفن بمصر رحمه الله (3).
شيوخ الشافعي وأساتذته:
روى الشافعي عن كثير من شيوخه ولكن المشهورين منهم من أصحاب الفقه والفتوى والعلم تسعة عشر شيخا، خمسة مكّيّون، وستة مدنيّون وأربعة عراقيّون.
المكيّون هم: سفيان بن عيينة، ومسلم بن خالد الزنجي، وسعيد بن سالم القداح، وداود بن عبد الرحمن العطار، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود.
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 10/ 140134، فخر الدين الرازي: مناقب الشافعي 29.
(2) البيهقي: مناقب الشافعي 871، فخر الدين الرازي: المناقب 29.
(3) النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 4645، وابن الجوزي: المنتظم: 14013410، الفخر الرازي: المناقب 4034.(1/8)
أما المدنيّون فهم: مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد الأنصاري، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي وإبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، ومحمد بن إسماعيل بن فديك، وعبد الله بن نافع الصايغ صاحب ابن أبي ذؤيب، وأيوب بن سويد الرملي.
وأما العراقيون فهم: وكيع بن الجراح، أبو أسامة حماد بن أسامة وهما كوفيّان، وإسماعيل بن علية، وعبد الوهاب بن عبد المجيد وهما بصريان.
ومن أهل اليمن: مطرف بن مازن، هشام بن يوسف قاضي صنعاء وعمرو بن أبي سلمة صاحب الأوزاعي ويحيى بن حسان صاحب الليث بن سعد (1).
وقد أثنى الشافعي على شيوخه فأعظم قدرهم وكان يقول: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز. وقال: إذا جاء الأثر فمالك النجم. وقال أيضا: إن مالكا كان مقدما عند أهل العلم بالمدينة والحجاز والعراق في الفضل، ومعروفا عندهم بالاتقان في الحديث.
وقال الشافعي عن سفيان بن عيينة: ما رأيت أحدا جمع الله فيه من آل الفتوى، ما جمع في سفيان بن عيينة، وما رأيت أحدا أحسن تفسيرا للحديث منه، وما رأيت أحدا أكف عن الفتيا منه. وكثيرة مناقب أساتذة الشافعي التي ذكرها في أحاديثه عنهم (2).
تلاميذ الشافعي وأصحابه:
أما العراقيون من أصحاب الشافعي فهم: أحمد بن حنبل، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، والحسين الكرابيسي، وأبو ثور: إبراهيم بن خالد الكلبي، وكان الزعفراني أتقنهم رواية.
أما المصريّون فهم: إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى المزني (ت 264هـ) وأبو محمد، الربيع بن سليمان المرادي الجيزي (ت 270هـ) وأبو يعقوب، يوسف بن يحيى البويطي (ت 232هـ) وأبو حفص: حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة التجيبي (ت 243هـ) وأبو موسى: يونس بن عبد الأعلى (ت 264هـ) ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري (ت 269هـ) وعبد الله بن الزبير الحميدي، خرج مع الشافعي إلى مصر فلما مات رجع إلى مكة (ت 219هـ).
__________
(1) انظر: النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 47، 58، 59، فخر الدين الرازي: مناقب الشافعي 4443.
(2) انظر: فخر الدين الرازي: مناقب الشافعي 49، 50، 56.(1/9)
ومن أصحاب الشافعي يحيى بن معين، وقتيبة بن سعيد، ومصعب بن عبد الله الزبيري، وعبد الله بن عبد الحكم، وبحر بن نصر، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن مسلم بن وراه، وأبو عبيد القاسم بن سلام (1).
وقد أثنى الشافعي على بعض أصحابه وتلاميذه، كالبويطي الذي امتحن بخلق القرآن ومات في بغداد، كما أثنى تلاميذ الشافعي عليه وعدّدوا مناقبه وحكمه، وعظّموه ونشروا مذهبه في بلاد الإسلام (2).
مصنفات الشافعي وكتبه:
ذكر الإمام أبو محمد الحسن بن محمد المروزي، أن الشافعي صنف مائة وثلاثة عشر كتابا في التفسير والفقه والأدب وغير ذلك (3).
وأول كتاب صنفه الشافعي كان كتاب (الرسالة) بناء على طلب عبد الرحمن بن مهدي إمام أهل الحديث وهو في أصول الفقه (4).
وصنف في العراق كتابه القديم المسمى (كتاب الحجة) رواه عنه من أصحابه العراقيين:
أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والزعفراني، والكرابيسي (5).
وفي سنة 199هـ صنف كتبه الجديدة بعد وصوله إلى مصر، فابتكر كتبا لم يسبق إليها منها:
أصول الفقه، وكتاب القسامة، وكتاب الجزية، وكتاب قتال أهل البغي (6) ويعتبر كتاب الأم من أهم وأوسع كتب الشافعي وهو في خمسة عشر مجلدا، وله كتاب الأمالي والإملاء (7) وروى المزني عن الشافعي (الجامع الكبير، والجامع الصغير ومختصريه)، وروى الربيع المرادي مختصرا، ومختصر البويطي، وكتاب حرملة (8). وصنف الشافعي كتبا أخرى منها: المسند في
__________
(1) انظر: النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 48، 61، فخر الدين الرازي: مناقب الشافعي 48، والبيهقي: مناقب الشافعي 2/ 325.
(2) انظر: فخر الدين الرازي: مناقب الشافعي 6858.
(3) انظر: النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 53.
(4) نفسه 2/ 47.
(5) نفسه 2/ 48.
(6) نفسه 2/ 48.
(7) نفسه 2/ 50، 53.
(8) نفسه 2/ 52.(1/10)
الحديث، أحكام القرآن، اختلاف الحديث، إثبات النبوة، الرد على البراهمة، المبسوط في الفقه، رواه عنه الربيع بن سليمان، والزعفراني (1) وقال ابن العماد الحنبلي: صنف الشافعي نحوا من مائتي جزء (2) وفي تذكرة طاهر الجزائري بلغت تصانيف الشافعي ما يقرب من مئة كتاب (3).
أهمية هذا الكتاب:
إن كتاب مناقب الإمام الشافعي الذي بين أيدينا، هو كتاب مختصر تضمن كثيرا من المعلومات التي أوردها الذهبي في تاريخ الإسلام عن الإمام الشافعي، وأعيان الشافعية وعلمائها، في مصر والشام، وخراسان، والحجاز، والعراق، وأفاد ابن قاضي شهبة في انتقائه لمناقب الشافعي من كتب المناقب الكثيرة التي صنفت، وأهمها: مناقب الشافعي للبيهقي، وما جاء به الذهبي من المناقب كان خلاصة موجزة لمناقب الشافعي، تناولت نسبه ومولده وتعليمه، وطلبه للعلم والأدب، وظهوره على علماء عصره، ومناظراته الهامة في العراق، ومعرفته بالحديث والقرآن وآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وإحاطته بعلوم عصره كالطب والنجوم والأنساب والشعر، وتأليفه للكتب في الفقه وعلوم الدين، وشهادة أئمة المسلمين وعلمائهم في جميع الأمصار للشافعي بالعلم والفقه والحكمة والتفوق.
وقدّم ابن قاضي شهبة (719) ترجمة مهمة لعلماء وفقهاء وكتاب الشافعية بدءا من سنة 211 هـ وحتى سنة 530هـ، من معظم الأمصار الإسلامية حيث انتشر مذهب الشافعي وفقهه وفضائله، ولم يكن الشافعي معنيّا بالشهرة، لأن مكانته في مجتمعه كانت سامية وقد قال داود بن علي: اجتمع للشافعي من الفضائل ما لم يجتمع لغيره: شرف نسبه، وأنه من رهط النبي صلى الله عليه وسلم وحفظه لكتاب الله، وجمعه لسنن النبي صلى الله عليه وسلم، وسلامة اعتقاده، وتجديده في الإسلام.
فجاء كتاب مناقب الشافعي، وطبقات أصحابه انتقاء موفقا وثمرة جهد كبير، قام به عالمان جليلان هما الإمام الذهبي المؤرخ الموسوعي المعروف، وأبو بكر ابن قاضي شهبة العالم المؤرخ المشهور، الذي قطف واختار أخبار الكتاب من روضة غناء هي تاريخ الإسلام فرتب
__________
(1) انظر: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 7356، ابن النديم: الفهرست 209، 210، هدية العارفين 92، ابن كثير: البداية والنهاية 254251.
(2) شذرات الذهب: 2192.
(3) التذكرة رقم 51، ق 37/ 2.(1/11)
موضوعاته بحسب ما تضمنته من أفكار، فروى الأحاديث النبوية الشريفة بأسانيدها عن شيوخ الشافعي، وقدّم لنا الإمام الشافعي شاعرا قديرا، وجمع ابن غانم أشعاره في ديوان، فكان الكتاب من المصادر التراثية الأصيلة، ودوحة غناء جمعها ابن قاضي شهبة فشملت أخبار الشافعي وأحواله ومناقبه وأدبه، والقسم الثاني من الكتاب حفل بأسماء عدد من أعيان الشافعية وتلاميذ الشافعي وأصحابه بحيث يغنينا عن استخدام كتب الطبقات الكبيرة المثقلة بالأسماء والمعلومات.
عملي في التحقيق:
اعتنيت بضبط النص نثره وشعره، ودققت الأعلام من معاجم التراث، وعدت إلى الكتب الأمهات والأصول، ووضعت علامات الترقيم اللازمة بحسب ما يقتضيه الكلام. ثم قسمت الورقة إلى قسمين: الأول للمتون والثاني للشروح والتخريج والتفسير وتراجم بعض الأعلام، وقسمت مناقب الشافعي إلى عناوين ثانوية فرضتها مضامين فقرات الكتاب، ثم خرّجت الأحاديث النبوية الشريفة والأخبار والأشعار من مصادرها ما وسعني ذلك، وضبطت تراجم الرجال من طبقات الشافعية، ووضعت إلى جانب كل ترجمة رقما فبلغت 719ترجمة. فضلا عن ترجمات عدد كبير من الأعلام الواردة أسماؤهم في المتون، ورجعت في ذلك إلى «سير أعلام النبلاء، وتاريخ الإسلام للذهبي». وشرحت الكلمات التي تحتاج إلى شرح، ووضحت أسماء الآماكن في الحواشي وخرجت الشعر من مصادره، وترجمت لأسماء عدد من الشعراء.
وميزت الآيات القرآنية بقوسين مزهّرين () وأثبت في الحاشية اسم السورة ورقم الآية.
ووضعت فهارس الكتاب.
وصف نسخة المخطوطة:
نسخة دار الكتب الظاهرية بدمشق، وهي برقم «57تاريخ ف 20» مقاس الورقة (19* 28 سم) وفي كل ورقة (23) سطرا ويتراوح في السطر بين 11إلى 14كلمة وعدد أوراقها 206 ورقة كتبت بخط نسخي مقروء، وهي بخط المنتقي أبي بكر بن أحمد المعروف بابن قاضي شهبة، وعلى حواشيها تعليقات لأبي بكر بمثابة تصويب أو توضيح لأي غموض في متن المخطوطة. ويوجد على الورقة الأولى: عنوان الكتاب: «مناقب الإمام الشافعي» وفي أعلاها الرقم العام للمخطوطة (3422)، وعلى الورقة الثانية العنوان الكامل للمخطوطة على شكل هرم مقلوب «كتاب مناقب الإمام الشافعي وطبقات أصحابه، من تاريخ الإسلام للحافظ أبي
عبد الله الذهبي. انتقاء الفقير إلى الله تعالى أبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن محمد بن قاضي شهبة الشافعي عفا الله عنهم، وفيه الذيل عليه في ذكر أصحاب الشافعي إلى زماننا».(1/12)
نسخة دار الكتب الظاهرية بدمشق، وهي برقم «57تاريخ ف 20» مقاس الورقة (19* 28 سم) وفي كل ورقة (23) سطرا ويتراوح في السطر بين 11إلى 14كلمة وعدد أوراقها 206 ورقة كتبت بخط نسخي مقروء، وهي بخط المنتقي أبي بكر بن أحمد المعروف بابن قاضي شهبة، وعلى حواشيها تعليقات لأبي بكر بمثابة تصويب أو توضيح لأي غموض في متن المخطوطة. ويوجد على الورقة الأولى: عنوان الكتاب: «مناقب الإمام الشافعي» وفي أعلاها الرقم العام للمخطوطة (3422)، وعلى الورقة الثانية العنوان الكامل للمخطوطة على شكل هرم مقلوب «كتاب مناقب الإمام الشافعي وطبقات أصحابه، من تاريخ الإسلام للحافظ أبي
عبد الله الذهبي. انتقاء الفقير إلى الله تعالى أبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن محمد بن قاضي شهبة الشافعي عفا الله عنهم، وفيه الذيل عليه في ذكر أصحاب الشافعي إلى زماننا».
وفي أعلى ويسار الورقة خاتم كبير مطموس، لعله خاتم دار الكتب الظاهرية، وتحت الخاتم كتب بخط كبير وجميل جدا عبارة: وقف على مدرسة الجد الشيخ مراد المرادي الفقير الحقير إلى رحمته. وفي أسفل الورقة وإلى اليسار خاتم صغير لعله خاتم المدرسة المرادية وكتب فوقه بخط مائل: من كتب المرادية.
وفي أسفل الورقة وبشكل معاكس لاتجاه الكتابة كتب ما يلي:
قال الحافظ اثير الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن غانم المصري في كتابه (مناقب الشافعي): أنشدنا الحافظ أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي بأصبهان، أنشدنا الإمام الحافظ أبو طاهر السلفي بثغر الاسكندرية:
إمامي الشافعي وحين أفتي ... بمذهبه المهذّب طاب عيشي
وقد قال النبيّ وصحّ عنه ... ألا إنّ الأئمّة من قريش
وتحت الشعر كتب: طلب الشافعي طبيبا [ذميّا] ولم أر لأصحابنا خلافا في الطبيب الذمّي، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سعد بن أبي وقاص أن يرسل طبيبا نصرانيا.
وقد روى الحاكم بسنده عن المزني قال:
أدخلت على الشافعي في مرضه طبيبا نصرانيا، فذكر ما كان، فإن صح ذلك عن الشافعي فقد نصّ على الجواز وهو الظاهر. وفي مناقب الشافعي لابن غانم عن محمد بن عبد الحكم قال: قال الشافعي كنت باليمن فرأيت أعماوين يتقاتلان وأبكم يصلح بينهما. والفقرة التالية هي:
ترجمة أبي بكر الفارسي صاحب «عيون المسائل في نصوص الشافعي» أحمد بن الحسن بن سهل توفي سنة 350هـ. إمام جليل وهو ممن استفهم على الشافعي، ذكر في الطبقة السابعة مع ابن خزيمة ونظرائه، وقصره هذا أن يكون أخذ عمّن لقي الشافعي رضي الله عنه. ونزيد ذلك أن محمود الخوارزمي ذكر أنه تفقه على المزني، وهو أول من درّس مذهب الشافعي ببلخ. كما نصّ عليه في ترجمة أبي الجود محمد بن (أبي قاسم) عبد الله بن أبي بكر محمد بن أبي علي الحسن بن أبي الحسن علي بن الإمام أبي بكر أحمد بن الحسين (أبو سهل). قال: سمعته يعني أبا الجود يذكر أن سهلا الذي في كتبه من التابعين، ويوافق هذا قول من قال: أنّ أبا بكر الفارسي توفي سنة خمسين وثلاثمائة قبل ابن سريج وهو ما ذكرته في الطبقات الوسطى لكن على قطع.(1/13)
وعلى القسم الثاني من الورقة كتب:
فإن صاحب عيون المسائل توفي بعد ابن سريج، لأني رأيت أصلا (0000) والظاهر أنه كتب في حياته. مما يدل على ذلك قول كاتبه فيما دعا للمصنف أمد الله في عمره فقال: أمدّ الله في عمره، أو أدام الله عمره.
وذكر في آخر الجزء الأول منه أنه فرغ منه في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة بسمرقند، وذكر في آخر المكاتبة أنه ورّخه في شوال سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، وهذه النسخة مجلّدة من ثمانية أجزاء ضمن مجلد واحد، ويوافق هذا أنه حكى عن ابن سريج ما سمعه المستمعون من زواره في مرض موته. مع إقرار بخطه أنه من تلاميذ ابن سريج () نفعا من ذكر هذا كلامه.
وأول الكتاب: الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، الملك الحق المبين، وآخر الكتاب: آخر المنتقى من تراجم الشافعية من المجلد الخامس عشر من تاريخ الإسلام للذهبي.
والنسخة مصورة عن أصل في دار الكتب الظاهرية وقد اعتمدت عليها في تحقيق مناقب الإمام الشافعي، طبقات أصحابه.
وهي نسخة تامة لا خروم فيها، ولكنها لا تخلو من بعض النواقص والأخطاء.
لذلك قارنتها مع تاريخ الإسلام للذهبي تحريا للدقة وسلامة المطابقة.
خاتمة:
إن عملي في كتاب مناقب الإمام الشافعي وطبقات أصحابه، هو مساهمة متواضعة في إحياء تراث الأجداد وتقديمه للقارىء العربي للإفادة منه والاطلاع على علم عبقري من أعلام الفقه الإسلامي، بهر عقول الناس والأفذاذ في عصره وما زال حتى عصرنا الحاضر. رحمه الله ونفعنا بعلمه وفكره.
وأحمد الله على توفيقي وعوني بأن يسّر لي إخراج هذا الأثر إلى النور، وقد بذلت في تحقيقه كل ما أستطيع من جهد وزمن، فإن أصبت فالحمد لله وإن أخطأت فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ورحم الله امرءا بيّن لي عيوبي.
دمشق الشام
10 - محرم 1421هـ
15 - نيسان 2000م
حققه
عبد العزيز حرفوش(1/14)
كتاب مناقب الإمام الشّافعيّ وطبقات أصحابه من تاريخ الإسلام للحافظ أبي عبد الله الذّهبيّ 150هـ 204هـ انتقاء أبي بكر أحمد بن محمّد بن عمر المعروف بابن قاضي شهبة عفا الله عنهم وفيه الذّيل عليه في ذكر أصحاب الشّافعيّ إلى زماننا(1/15)
كتاب مناقب الإمام الشّافعيّ وطبقات أصحابه من تاريخ الإسلام للحافظ أبي عبد الله الذّهبيّ 150هـ 204هـ انتقاء أبي بكر أحمد بن محمّد بن عمر المعروف بابن قاضي شهبة عفا الله عنهم وفيه الذّيل عليه في ذكر أصحاب الشّافعيّ إلى زماننا(1/16)
كتاب مناقب الإمام الشّافعيّ وطبقات أصحابه من تاريخ الإسلام للحافظ أبي عبد الله الذّهبيّ 150هـ 204هـ انتقاء أبي بكر أحمد بن محمّد بن عمر المعروف بابن قاضي شهبة عفا الله عنهم وفيه الذّيل عليه في ذكر أصحاب الشّافعيّ إلى زماننا(1/17)
تصدير
بسم الله الرّحمن الرّحيم ربّ يسّر وأعن الحمد لله ربّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، الملك الحقّ المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خاتم النّبيّين، وصلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلّم تسليما.
أما بعد، فهذا كتاب أذكر فيه من ترجمة الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، وتراجم أصحابه، من تاريخ الإسلام، لأبي عبد الله الذهبي.
وأضيف إلى ذلك إن شاء الله تعالى تراجم الشافعيّة الذين عاشوا في عصر الذّهبي وبعده إلى مشايخنا، والله أسأل أن ينفع به، إنّه قريب مجيب.
«مناقب الإمام الشافعي»
«باب ما جاء في نسب الشافعي ومولده وتعليمه»
محمد بن إدريس (1) بن العبّاس بن عثمان بن شافع بن السّائب بن عبيد
__________
(1) ترجمته في: التاريخ الكبير للبخاري 1/ 4رقم 73، أخبار القضاة لوكيع 3/ 49و 77، المعرفة والتاريخ: للنسوي 1/ 213، نسب قريش 96، الرازي: الجرح والتعديل 7/ 201رقم 1130، حلية لأولياء 9/ 16163رقم 415، المسعودي: مروج الذهب 1486و 27372735، العيون والحدائق 3/ 261والفهرست لابن النديم 263، الفرج بعد الشدة للتنوخي 1/ 45و 2/ 161، ربيع الأبرار 4/ 336. تاريخ جرجان 90و 109، طبقات الفقهاء للشيرازي 7371، تاريخ بغداد 2/ 7356رقم 454. الأنساب 7/ 254251، صفة الصفوة: ابن الجوزي 2/ 259248رقم 20، ومعجم الأدباء 17/ 281وابن الأثير، الكامل في التاريخ 6/ 359، وتهذيب الأسماء واللغات للنواوي 1/ 6744، ووفيات الأعيان 4/ 169163، والإشارات إلى معرفة الزيارات 33، 35، المختصر في أخبار البشر 2/ 26، 27، تذكرة الحفاظ 1/ 363361، سير أعلام النبلاء 10/ 995رقم 1، الوافي بالوفيات 2/ 181171، البداية والنهاية 10/ 254251،(1/19)
[بن (1) عبد يزيد بن هاشم بن المطّلب بن عبد مناف بن قصيّ] الشّافعي، المطّلبيّ.
الفقيه، نسيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد سنة خمسين ومائة (2) بغزّة، وحمل إلى مكة وهو ابن سنتين فنشأ بها، وأقبل على الأدب والعربية والشّعر، فبرع في ذلك. وحبّب إليه الرّمي حتى فاق الأقران، وصار يصيب من العشرة تسعة. ثم كتب العلم (3). وروى عن:
مسلم بن خالد الزّنجي (4) فقيه مكة، وداود بن عبد الرحمن العطار، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، وعمّه محمد بن علي بن شافع، ومالك بن أنس، وعرض عليه (الموطّأ) حفظا، وعطّاف بن خالد، وسفيان بن عيينة، وإبراهيم بن سعد، وإبراهيم بن أبي يحيى الأسلميّ (5) الفقيه، وإسماعيل بن جعفر، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكيّ، وعبد العزيز الدّراورديّ، ومحمد بن علي الجنديّ، وإسماعيل بن عليّة، ومطرّف بن مازن قاضي صنعاء وخلق سواهم.
وعنه: أبو بكر الحميديّ، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبيّ، وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطيّ، وحرملة بن يحيى، وأبو إبراهيم: إسماعيل بن يحيى المزنيّ، والحسين بن علي الكرابيسي، الحسن بن محمد الزّعفرانيّ ومحمد بن عبد لله بن عبد الحكم، والرّبيع بن سليمان المراديّ، وموسى بن أبي الجارود المكيّ، ويونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن سنان القطّان، وأبو الطاهر: أحمد بن عمرو بن السّرح، وبحر بن نصر الخولاني، وعبد العزيز
__________
والكاشف للذهبي 3/ 16رقم 4781، تهذيب التهذيب 9/ 3125رقم 39، النجوم الزاهرة 2/ 176، 177، وحسن المحاضرة 1/ 303، تاريخ الخميس للديار بكري 2/ 335، شذرات الذهب 2/ 119، الإنس الجليل 1/ 294، العقد الفريد 2/ 208، 3/ 27، التذكرة الحمدونية 1/ 203، 204، تبيين كذب المفتري لابن عساكر 251، 252، طبقات الشافعية للأسنوي 1/ 1411، الديباج: 227، حسن المحاضرة 1/ 121، طبقات المقابلة 2801، غاية النهاية 5/ 95، ترتيب المدارك 1/ 382.
(1) ما بين الحاصرتين من تاريخ الإسلام للذهبي وحرف الميم ترجمة رقم 323ص 304.
(2) ابن نظور: مختصر تاريخ دمشق 21/ 359.
(3) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 6.
(4) الزّنجيّ: لقب أطلقته عليه جاريته، لمحبته التمر، وكان كبير القدر في الفقه وضعيفا في الحديث، لسوء حفظه. انظر: سير أعلام النبلاء 10/ 6.
(5) كان أحد الضعفاء المتروكين. قاله ابن حبّان في: (الضعفاء) 1/ 107102، وكان مالك وابن المبارك ينهيان عنه / سير أعلام النبلاء 10/ 6.(1/20)
المكي، صاحب (1) «الحيدة» وخلق سواهم، وممّن روى عن الشافعي: أحمد بن محمد الأزرقيّ شيخ البخاريّ، وأحمد بن محمد بن سعيد الصّيرفيّ البغدادي، وأحمد بن سعيد الهمداني، وأحمد بن أبي شريح الرازيّ وأحمد بن خالد البغدادي الخلّال، وأحمد بن يحيى بن وزير المصريّ، وأحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب وأحمد بن صالح المصريّ، وإبراهيم بن محمد الشافعي، وإبراهيم بن المنذر، وإسحاق بن راهويه، وإسحاق بن بهلول، وأحمد بن يحيى بن عبد الرحمن الشافعي، المتكلّم، والحسن بن عبد العزيز الحرويّ، والحارث بن شريح البقّال، وداود بن يحيى البلخي، وسليمان بن داود المصري، وسليمان بن داود الهاشمي، والأصمعي، وعبد الغني بن عبد الغني المصري العسّال، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص، وعلي بن سعيد الرّميّ، وعلي بن سلمة اللّيثيّ، وعمرو بن سواد، وأبو حنيفة محزم بن عبد الله الأسواليّ، ومحمد بن يحيى العدليّ، ومحمد بن سعيد بن خالد العطّار، ومسعود بن سهل المصري الأسود، وهارون بن سعيد الأيليّ، ويحيى بن عبد الله الخثعمي. وهؤلاء أسماء من روى عن الشافعي للدّارقطني (2). وهذا التاريخ يضيق عن شمائل الإمام الشافعي رحمه الله، فإنّ غير واحد من العلماء قد أفردوا ترجمة للشافعي في مجلّد تامّ. قال الأبري (3): في مناقب الشافعي: سمعت الزّبير بن عبد الواحد الهمدانيّ أخبرني علي بن محمد بن عيسى، سمعت الربيع بن سليمان يقول: ولد الشافعيّ يوم مات أبو حنيفة، على هذا لا أعرفه (4).
__________
(1) هو: عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن مسلم بن ميمون الكناني المكيّ. قدم بغداد في أيام المأمون، وناظر بشرا المريسي في مسألة خلق القرآن. وله مصنفات منها: كتاب (الحيدة) مطبوع. وقال الذهبي في: (الميزان) 2/ 639لم يصح إسناد الكتاب إليه، وانظر: تاريخ الإسلام. ترجمة رقم (323).
(2) هو علي بن عمر الدارقطني الحافظ من علماء بغداد. انظر الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 8، والبيهقي: مناقب الشافعي 2/ 329، تاريخ الإسلام (ت 323).
(3) الأبري: هو أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الأبري السجستاني المتوفى سنة 363هـ، وينسب إلى بلد أبر من عمل سجستان، وقد وصف السبكي، كتاب (المناقب) للأبري بأنه حافل ومرتب على 74بابا.
(4) لم يختلف العلماء في زمن مولد الشافعي، وقال الحاكم: لا أعلم خلافا أنه ولد سنة خمسين ومئة. وقال الأبري في كتاب (مناقب الشافعي): ولد الشافعي يوم مات أبو حنيفة. انظر:
مناقب البيهقي 1/ 72، 74، والذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 12.(1/21)
ولكنا نذكر إن شاء الله له ترجمة حسنة فنقول:
كان السائب (1) بن عبيد المطّلبيّ أحد من أسر يوم بدر من المشركين، وكان يشبّه (2)
بالنبي صلى الله عليه وسلم وأمّه هي (3): الشفاء بنت أرقم بن نضلة، أخي عبد المطلب ابني هاشم.
ويقال: إنه قد أسلم بعد أن فدى نفسه، ولابنه (رؤبة) أعني شافعا، وعثمان بن شافع معدود من التّابعين (4).
وكانت أمّ الشافعي أزديّة (5) فعن ابن عبد الحكم قال (6): لمّا حملت أمّ الشافعي به رأت كأنّ المشتري خرج من فرجها، حتى انقضّ بمصر، ثم وقع في كلّ بلد منه شظيّة.
فتأوّل المعبّرون أنّه يخرج منها عالم يخصّ علمه أهل مصر، ثم يتفرّق في سائر البلدان، وعن الشافعي قال (7): لم يكن لي مال. فكنت أطلب العلم في الحداثة، أذهب إلى الديوان أستوهب (8) الظّهور أكتب فيها. وقال عمرو بن سوّاد:
__________
(1) كان السائب يوم بدر صاحب راية بني هاشم وأسلم في ذلك اليوم، والسائب هو: بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. انظر: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 58، مناقب الشافعي للبيهقي 1/ 77، 80، وأسد الغابة 2/ 317، ابن حجر: الإصابة 2/ 11.
(2) انظر: البيهقي: مناقب الشافعي 1/ 80، 85، أسد الغابة 2/ 225، تاريخ بغداد 2/ 58، الإصابة 2/ 11، 3/ 60وتوالي التأسس ص 45.
(3) الشفاء بنت الأرقم بن هاشم بن عبد مناف، وأم الشفاء هي: خالدة بنت أسد بن هاشم خالة الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وإخوته. الإصابة: 2/ 11، البيهقي: مناقب الشافعي 1/ 84، 85.
(4) أبناء السائب بن عبيد هم: شافع، وعبد الله، وعثمان. انظر: الإصابة 2/ 11، البيهقي:
مناقب الشافعي 1/ 79، 80، وأسد الغابة 2/ 317، تاريخ بغداد 2/ 58.
(5) انظر: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 58، ومختصر تاريخ دمشق 21/ 358، والإصبهاني: حلية الأولياء 9/ 68والذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 10.
والأزد قبيلة عربية يمانية كبرة، تنسب إلى أزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ (ابن الأثير: اللّباب 1/ 46).
(6) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 58، 59، ومرآة الجنان لليافعي 2/ 17.
(7) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 59، حلية الأولياء 9/ 77، صفة الصفوة 2/ 248.
(8) الخطب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 59وجاء فيه (الظّهور) وحلية الأولياء 9/ 77، صفة الصفوة 2/ 248.(1/22)
قال لي الشافعي (1): كانت نهمتي في شيئين: في الرّمي، وطلب العلم. فنلت من الرّمي حتى كنت أصيب عشرة من عشرة، وسكت عن العلم. فقلت له: أنت والله في العلم أكبر منك في الرّمي. قال: وولدت بعسقلان (2)، فلمّا أتت علي سنتان، حملتني أمي إلى مكة. هذه رواية صحيحة. وقال: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن أخي ابن وهب يقول: سمعت ابن خزيمة يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول (3): إن أم الشافعي رضي الله عنه فاطمة بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وإنها هي التي حملت الشافعي إلى اليمن وأدّبته. وأن يونس كان يقول: لا أعلم هاشميا ولد من هاشمية، إلا علي بن أبي طالب، والشافعي رضي الله عنهما. قال السّلّميّ في الطبقات الكبرى: وهذا أقول. وقال: إن أمّ الشافعي من ولد علي كرّم الله وجهه، وعليه الإمام أبو بكر الفارسي (4). فإنه نصّ في كتابه الذي صنّفه في مناقب الشافعي. لكن أنكره السّاجي، والأبريّ، والبيهقي، والخطيب، والأردستاني (5).
وزعموا أنها كانت أزدية، ومنهم من قال: كانت أسديّة، واحتجّ هؤلاء، بأنه لما قدم مصر، سأله بعض أهلها أن ينزل عنده، فأبى وقال: إنّما أنزل على أخوالي الأسديّين. وأنا أقول لا دلالة في هذا، على أن أمّه أسديّة (6)، وجواز أن تكون الأسديّة
__________
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 60، ومرآة الجنان 2/ 23، وحلية الأولياء 9/ 77، صفة الصفوة 2/ 248.
(2) عسقلان: مدينة بفلسطين على ساحل البحر، انظر: حلية الأولياء 9/ 67، توالي التأسيس ص 49، البيهقي: مناقب الشافعي 1/ 71، 77وقال ابن خلّكان: ولد بغزة، وقيل باليمن، والأول أصح (وفيات الأعيان 1/ 565، 568، وكذلك قاله الخطيب (تاريخ بغداد 2/ 59) وصفة الصفوة 2/ 248، وقال البيهقي: ولد سنة 150هـ، مناقب الشافعي 1/ 71.
(3) انظر: البيهقي: مناقب الشافعي 851، طبقات الشافعية 1931.
(4) هو: أحمد بن الحسن بن سهل الفارسي، الفقيه الشافعي، السبكي: طبقات الشافعية 1/ 286.
(5) هو: محمد بن عبد الواحد بن عبد الله بن أحمد بن المفضل بن شهريار الحافظ، أبو الحسن الإصبهاني المعروف بالأردستاني، الفقيه الشافعي، من بلدة أردستان القريبة من إصبهان «حاجي خليفة: كشف الظنون 6/ 61».
(6) نسبة إلى بني أسد، وهو اسم لعدة قبائل عربية منها: «بنو أسد من قريش، وبنو أسد بن خزيمة وبنو أسد بن ربيعة، وبنو أسد بن دودان، وبنو أسد بطن من قبيلة الأزد».
انظر: ابن الأثير: اللباب 1/ 52، 53.(1/23)
أمّ ابنه، أو أمّ جدّه، ونحو ذلك وأطالوا الكلام في ذلك، وهي التي شهدت عند القاضي مع أمّ بشر الرّستميّة، وأراد التفريق بينهما، فقالت: ليس لك ذلك إلى آخر ما نقلوا بذلك.
باب طلب الشافعي للعلم والأدب وظهوره على علماء عصره
وقال: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم:
حدّثنا: أحمد بن عبد الرحمن بن أخي ابن وهب: سمعت الشافعي (1) يقول: ولدت باليمن فخافت أمي علي الضّيعة. فقالت: الحق باهلك، فتكون مثلهم، فجهزتني إلى مكة فقدمتها وأنا ابن عشر سنين. فصرت إلى نسيب لي، فجعلت أطلب العلم، فيقول لي: لا تشتغل بهذا وأقبل على ما ينفعك، فجعلت همّتي في هذا العلم فطلبته، حتى رزقني الله منه (2) ما رزق. كذا قال: إنه ولد باليمن وهذا غلط، أو لعلّه أراد باليمن القبيلة. وقال أحمد بن إبراهيم الطائي الأوقع، وهو مجهول، نا: المزنيّ سمع الشافعيّ يقول (3): حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت «الموطّأ» وأنا ابن عشر سنين.
وقال أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الصمد بن أحمد المطّلبيّ: الشافعي المكيّ شيخ لابن جميع: قال أبو معاوية الأيليّ: سمعت الشافعي (4) يقول: أقمت في بطون العرب عشرين سنة، آخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن، فما علمت أنه مرّ بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد، ما خلا حرفين، أحدهما «دسّاها» (5). نا:
__________
وروى البيهقي عن أحمد بن محمد بن بنت الشافعي: أن أم جده الشافعي كانت أزديّة من الأزد وكان منزله بأسفل مكة، مناقب الشافعي 1/ 86.
(1) انظر: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 59، الذهبي: سير النبلاء 10/ 10، البيهقي:
مناقب الشافعي 1/ 73.
(2) البيهقي: مناقب الشافعي 741، تاريخ بغداد 2/ 59.
(3) ورد الخبر في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 62، 63والذهبي: سير النبلاء 10/ 11، توالي التأسيس: 50والبيهقي: مناقب الشافعي 1/ 101100، صفة الصفوة 2/ 250.
(4) البيهقي: المناقب 1/ 102، تاريخ بغداد 2/ 62، 63، 2/ 63، الحلية 9/ 104، الذهبي:
سير النبلاء 10/ 13، ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 21/ 368.
(5) دساها: أغواها. وقال مقاتل بن سليمان أنها لغة السودان وهي من كلام العرب، وقال ابن قتيبة في مشكل القرآن 263: {وَقَدْ خََابَ مَنْ دَسََّاهََا} أي نقصها وأخفاها بترك عمل البر وبركوب(1/24)
عبد الملك بن محمد أبو نعيم الفقيه حدّثني علاء الدين بن المغيرة، سمعت حزملة، سمعت الشافعي يقول: أتيت مالكا (1) وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، وكان ابن عمّ لي والي المدينة، فكلّم لي مالكا فأتيته. فقال: اطلب من يقرأ لك، فقلت: أنا أقرأ، فقرأت عليه، فكان ربّما قال لي لشيء مرّ: عده: فأعيده حفظا، فكأنه أعجبه، ثم سألته عن مسألة، فأجابني، ثم أخرى فقال: أنت تحبّ أن تكون قاضيا. وقال ابن عبد الحكم:
سمعت الشافعيّ يقول: قرأت على إسماعيل بن قسطنطين، وقال: قرأت على شبل (2)، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير، وأخبر ابن كثير أنه قرأ على مجاهد (3)، وأخبر مجاهد، أنه قرأ على ابن عباس. قال (4): وكان إسماعيل يقول: القرآن اسم، وليس بمهموز. ولم يؤخذ من «قرأت»، فلو أخذ من قرأت لكان كلّ ما قرىء قرآنا، ولكنّه اسم للقرآن، مثل التوراة والإنجيل (5) [بهمز قرأت، ولا يهمز القرآن]. وقال محمد بن إسماعيل: أظنّه براوية السّلمي. حدّثني حسين الكرابيسي (6) قال: بتّ مع الشافعي غير ليلة، فكان يصلّي نحو ثلث الليل، فما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر فمائة، وكان لا يمرّ بآية رحمة إلا سأل الله [لنفسه وللمؤمنين] ولا يمرّ بآية عذاب إلا تعوّذ بالله منها. وقال إبراهيم بن محمد بن الحسين الأصبهانيّ: ثنا الربيع (7) قال: كان الشافعي يختم القرآن ستين مرة في رمضان، وكان من أحسن الناس قراءة. فروى الزّبير عن عبد الواحد الأسترآباذيّ، قال: سمعت عباس بن الحسين: سمعت بحر بن نصر
__________
المعاصي. الذهبي: سير النبلاء 10/ 13.
(1) مالك: مالك بن أنس (أبو عبد الله) أحد أئمة المذاهب الإسلامية، وإليه تنسب المالكية؟
الذهبي: تذكرة الحفاظ: 198193وسير النبلاء 10/ 12وانظر الخبر في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 164، البيهقي: المناقب 1/ 101، حلية الأولياء 9/ 69.
(2) شبل: شبل بن عباد أبو داود المكي. شمس الدين بن ممد الجزري: غاية النهاية في طبقات الفراء 1/ 323.
(3) مجاهد: مجاهد بن جبر أبو الحجاج. شمس الدين محمد الجزري: غاية النهاية في طبقات الفراء 2/ 41، ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 21/ 396، تاريخ الإسلام ت 323.
(4) انظر: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 62وسير النبلاء للذهبي 10/ 13، ومناقب البيهقي 1/ 246، 277.
(5) نفسه، ومناقب الشافعي للبيهقي 1/ 276، 277، تاريخ بغداد 2/ 62.
(6) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 63، مناقب البيهقي 2/ 158، توالي التأسيس 68.
(7) انظر: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 63، البيهقي: المناقب 2791، 280.(1/25)
يقول (1): كنّا إذا أردنا أن نبكي، قلنا لبعضنا البعض: قوموا بنا إلى هذا الفتى المطّلبيّ يقرأ القرآن، فإذا أتيناه، استفتح القرآن، حتى يتساقط الناس [بين يديه] ويكثر عجيجهم بالبكاء، من حسن صوته، فإذا رأى ذلك أمسك عن القراءة. وقال أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود: وهو كذّاب، سمعت الربيع يقول: كان الشافعيّ يفتي (2) وله خمس عشرة سنة، وكان يحيي الليل إلى أن مات. وقال محمد بن محمد الباغنديّ:
«حدّثني الربيع بن سليمان قال: ثنا الحميديّ قال: قال سمعت (3) مسلم بن خالد الزّنجي وقد مرّ على لشافعي وهو يفتي، وهو ابن خمس عشرة سنة. فقال: يا أبا عبد الله أفت فقد آن لك أن تفتي. قال أبو بكر الخطيب: هكذا ذكر في هذه الحكاية، وليس ذلك، بمستقيم لأن الحميديّ، كان يصغر إذ ذاك عن الشافعي، وله تلك السنّ، والصواب (4): ما أخبرنا به علي بن المحسّن، ثنا: محمد بن إسحاق الصّفّار، ثنا:
عبد الله ابن محمد القزويني، سمعت الربيع بن سليمان، وسمعت الحميدي يقول: قال مسلم بن خالد الزّنجي للشافعي: يا أبا عبد الله أفت الناس، آن لك بالله أن تفتي (5).
وهو أمرد دون عشرين سنة، ورواها أبو نعيم الأسترآباذيّ، كذلك عن الربيع، عن الحميديّ قال: قال مسلم الزّنجي، وقال أبو نعيم الحافظ: ثنا علي، أنا، أبو النصر:
المصري، سمعت محمد بن العباس: سمعت إبراهيم بن مراد قال: كان الشافعي طويلا نبيلا جسيما. وقال الزّعفرانيّ: كان الشافعي (6) يخضب بالحنّاء، خفيف العارضين، وقال المزنيّ (7): ما رأيت أحسن وجها من الشافعي، وكان ربّما قبض على لحيته، فلا تفضل عن قبضته. وقال الربيع: سمعت الشافعي (8) يقول: كنت ألزم الرّمي، حتى كان
__________
(1) انظر: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 64، البيهقي: المناقب 2801.
(2) انظر: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 65، مناقب البيهقي 2/ 243، تاريخ ابن عساكر 14/ 405/ 1، والهبي: سير النبلاء 10/ 16.
(3) نفسه، وآداب لشافعي: 39، 40، تاريخ بغداد 2/ 64، حلية الأولياء 9/ 93صفة الصفوة 2/ 50.
(4) نفسه 2/ 64، والذهبي: سير النبلاء 10/ 16، توالي التأسيس 54، تاريخ بغداد 2/ 64، صفة الصفوة 2/ 250.
(5) نفسه 2/ 64، والذهبي: سير النبلاء 10/ 16، وحلية الأولياء 9/ 93، تاريخ بغداد 2/ 64.
(6) نفسه 2/ 68، البيهقي: المناقب 2/ 283.
(7) ابن العاد: شذرات الذهب 2/ 9والذهبي: سير النبلاء 10/ 11، مناقب البيهقي 2/ 284.
(8) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 60ومناقب البيهقي 2/ 128.(1/26)
الطّبيب يقول لي: أخاف أن يصيبك السّلّ من كثرة وقوفك في الحرّ، وكنت أصيب من العشرة تسعة.
وروى عبد الرحمن بن أبي حاتم، في كتاب «مناقب الشافعي» له بإسنادين، أنّ الشافعي قال (1): إني كنت أكتب في الأكتاف والعظام.
وقال الحميدي (2): سمعت الشافعي يقول: كنت يتيما في جحر أمي، ولم يكن عندها ما تعطي المعلّم، وكان المعلّم قد رضي مني أن أقوم على الصبيان إذا غاب، وأخفّف عنه (3). وقال الربيع: سمعت الشافعي (4) يقول: قدمت على مالك، وقد حفظت «الموطّأ».
وهذا فيه نظر، قال أبو الحسن الأبري: أخبرني الزّبير بن عبد الواحد، حدثي محمد بن عبد الله العروسيّ، ثنا الربيع قال: كان الحميديّ في سن الشافعي، قدم عليّ الشافعي وكان يقول: أبو عبد الله الشافعيّ إماما ومعلّما (5).
وقال (6) الربيع: سمعت الشافعي يقول: [قدمت على مالك وقد حفظت الموطأ] ظاهرا.
فقلت: أريد إسماعه فقال: اطلب من يقرأ لك، فقلت: لا عليك أن تسمع قراءتي، فإن سهل عليك قرأت لنفسي. فقال: اطلب من يقرأ لك. وكرّرت عليه، فلما سمع قراءتي قرأت لنفسي (7). وقال جعفر ابن أخي أبي ثور: سمعت عمّي يقول: كتب عبد الرحمن بن مهديّ إلى الشافعي وهو شابّ، أن يضع له كتابا (8) فيه معاني القرآن،
__________
(1) الرازي: آداب لشافعي ومناقبه 2423.
(2) الحميدي: عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميدي المكي أبو بكر، محدث، حافظ، فقيه، شافعي، ابن كثير: البداية 10/ 282وسير النبلاء للذهبي 10/ 11.
(3) الذهبي: سير النبلاء 10/ 11، حلية الأولياء 9/ 73، المناقب للبيهقي 1/ 92، 2/ 140، المناقب للرازي 9، توالي التأسيس ص 50.
(4) ابن خلكان: وفيات 4/ 164.
(5) البيهقي: المناقب 2/ 248، 261.
(6) ما بين الحاصرتين ساقط، تم استدراكه من الذهبي: سير النبلاء 10/ 14، وتاريخ الإسلام / ترجمة 323، البيهقي: المناقب 1/ 100.
(7) الذهبي: سير النبلاء 10/ 1412، حلية الأولياء 9/ 769، البيهقي 1011، توالي التأسيس 51.
(8) انظر ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 10، ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 21/ 378، وتاريخ(1/27)
ويجمع قبول الأخبار فيه، وحجّة الإجماع، والناسخ والمنسوخ من القرآن والسّنة، فوضع له كتاب «الرسالة».
قال عبد الرحمن بن مهدي (1): ما أصلّي صلاة، إلا وأنا أدعو للشافعي فيها.
قلت: وكان عبد الرحمن من كبار العلماء، قال فيه أحمد بن حنبل: عبد الرحمن بن مهدي إمام.
وروى أبو العباس بن سريج عن أبي بكر بن الجنيد. قال: حجّ بشر المريسيّ فرجع.
فقال لأصحابه (2): رأيت شابّا من قريش بمكة عالم، ما أخاف على مذهبنا إلا منه يعني الشافعي، وقال الزّعفراني: حجّ المريسيّ، فلمّا قدم قال (3): رايت بالحجاز رجلا، ما رأيت مثله سائلا ولا مجيبا يعني الشافعي. قال: فقدم [الشافعي] علينا بغداد فاجتمع إليه الناس، وخفّوا عن بشر فجئت إلى بشر. فقلت: هذا الشافعي الذي كنت تزعم: قد قدم فقال: إنه قد تغيّر عما كان عليه. قال [الزعفراني (4)]: فما كان مثله إلا مثل اليهود في أمر عبد الله بن سلّام. وقال الميموني (5): سمعت أحمد بن حنبل يقول: ستّة أدعو لهم سحرا أحدهم الشافعي، وقال هارون الزّنجانيّ: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل (6)
قال: قلت لأبي: يا أبه أيّ رجل كان الشافعيّ؟ فإني سمعتك تكثر الدّعاء له؟ فقال له:
يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف أو عنهما عوض؟ والزّنجانيّ مجهول.
وقال أبو داود: ما رأيت أحمد يميل إلى أحد، ميله إلى لشافعي. وقال أبو عبيد:
__________
بغداد 2/ 64، 65، البيهقي 1/ 230.
(1) انظر الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 65، ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 21/ 378، الجرح والتعديل 7/ 202، البيهقي 1/ 230.
(2) انظر الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 65، ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 21/ 381، البيهقي: المناقب 1/ 203.
(3) نفسه 2/ 65، والبيهقي: المناقب 1/ 202.
(4) ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 21/ 382وتتمة القول: «حيث قوالوا: سيدنا وابن سيدنا، فقال لهم: فإن أسلم؟ قالوا: شرّنا وابن شرّنا» وانظر: تاريخ بغداد 2/ 65، 66، البيهقي:
المناقب 1/ 202.
(5) تاريخ بغداد 2/ 66، صفة الصفوة 2/ 250.
(6) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 66، والذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 45، تهذيب الكمال (1163)، صفة الصفوة 2/ 250.(1/28)
ما رأيت رجلا أعقل من الشافعي (1). وقال قتيبة: الشافعي إمام. وقال أبو علي الصوّاف: حدّثني أحمد بن الحسين الحمّاني: سمعت أبا عبيد (2) يقول: رأيت الشافعي عند محمد بن الحسن وقد دفع إليه خمسين دينارا، وكان قد دفعإليه قبل ذلك خمسين درهما. وقال: إن اشتهيت العلم فالزم (3). قال أبو عبيد: فسمعت الشافعي يقول:
كتبت عن محمد بن الحسن وقر بعير (4)، ولما أعطاه محمد، قال له: لا تحتشم (5).
قال: لو كنت عندي ممّن أحتشمك ما قبلت برّك (6). تفرّد الحمّاني وهو مجهول. لكن قول الشافعي: حملت عن محمد بن الحسن وقر بختيّ صحيح، رواه ابن أبي حاتم (7)، قال: ثنا الرّبيع قال: سمعت الشافعي يقول:
«باب رحلة الشافعي إلى لعراق وخوضه في المناظرات وغلبته على مناظريه»
حملت عن محمد بن الحسن، حمل بختيّ ليس عليه إلّا سماعي (8)، وقال أبو حاتم: ثنا أحمد بن أبي سريج الرّازي: سمعت الشافعي يقول: أنفقت على كتب محمد بن الحسن ستين دينارا ثم تدبّرتها فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثا (9). قلت:
وكان الشافعي مع فرط ذكائه يستعمل ما يزيده حفظا وذكاء. قال هارون بن سعيد
__________
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 15، وابن كثير: البداية والنهاية 10/ 253، والمناقب للبيهقي 2/ 185، 186، 250، وحلية الأولياء 9/ 94، وتاريخ بغداد 2/ 67.
(2) أبو عبيد: علي بن الحسين بن حرب، فقيه، مجتهد، من القضاة له تصانيف (الزركلي، الأعلام 5/ 87.
(3) ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 21/ 367وقال البيهقي في المناقب 2/ 222 (لو لزمت البغلة انتفعت) تاريخ بغداد 2/ 67.
(4) الوقر: حمل البغل أو الحمار، والوسق: حمل البعير / مختار الصحاح.
(5) أي لا تخجل. حشمته وأحشمته: أخجلته، من الحشمة وهي الاستحياء / الخبر في الذهبي سير النبلاء 10/ 14ومختصر تاريخ دمشق 21/ 367.
(6) ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 21/ 367، والذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 14.
(7) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 14والخطيب: تاريخ بغداد 2/ 176، وحلية الأولياء 9/ 78، توالي التأسيس 54.
(8) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 14، الحلية 9/ 78، الخطيب: تاريخ بغداد 2/ 176، آداب الشافعي: 33، البيهقي 1/ 162.
(9) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 15، وابن عساكر: تاريخ دمشق 14/ 402/ 2، حلة الأولياء 9/ 78، البيهقي 1631.(1/29)
الأيليّ (1): قال لنا الشافعي: أخذت الكتّان سنة للحفظ، فأعقبني صبّ الدّم سنة.
وقال يونس (2) بن عبد الأعلى: لو جعمت أمة لو سعهم عقل الشافعي. وعن يحيى بن أكثم قال: كنا عند محمد بن الحسن في المناظرة، وكان الشافعيّ رجلا قرشيّ العقل، والفهم، والذّهن، صافي العقل، والفهم والدّماغ، سريع الإصابة، ولو كان أكثر سماعا للحديث لاستغنت أمة محمد صلى الله عليه وسلم به عن غيره من الفقهاء، رواها أبو جعفر الترمذي. حدّثني أبو الفضل الواشجردي: سمعت أبا عبد الله الصاغاتي عن يحيى فذكرها (3). وعن المأمون قال: قد امتحنت محمد بن إدريس في كلّ شيء فوجدته كاملا. قال عمرو بن عمار المكي الزاهد. حدثنا أحمد بن محمد بن بنت الشافعي: سمعت أبي وعمي يقولان: كان ابن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير، والفتيا، التفت إلى الشافعي فيقول: سلوا هذا (4) وقال أبو سعيد ابن الأعرابيّ: ثنا تميم بن عبد الله: سمعت سويد بن سعيد يقول: كنّا عند سفيان فجاء الشافعي، فروى سفيان حديثا رقيقا فغشي على الشافعي، فقيل: يا أبا محمد مات محمد بن إدريس. فقال: إن كان مات، فقد مات أفضل أهل زمانه (5). وقال الدّارقطنيّ في ذكر من روى عن الشافعي: ثنا: أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل النابلسي الشهيد، ثنا أحمد بن محمد بن زياد الأعرابيّ، سمعت نجم بن عبد الله الرازي: سمعت ابا زرعة: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: مات (6) الثّوري، ومات الورع، ومات
__________
(1) ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 9، والذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 17، البداية والنهاية 10/ 253، حلية الأولياء 9/ 136.
(2) البيهقي: المناقب 1862، توالي التأسيس 58، البداية والنهاية 10/ 253.
(3) انظر: تاريخ الإسلام ت 123، ص 313، والواشجردي نسبة إلى واشجرد بلدة وراء نهر جيحون.
ابن خلكان: وفيات 4/ 16، ابن حجر: تهذيب التهذيب 4/ 117، الذهبي: ميزان الاعتدال: 1/ 397، مناقب البيهقي 2/ 240.
(4) الذهبي: سير أعلام النبلاء 1/ 18، حلية الأولياء 1/ 93، وتاريخ ابن عساكر 14/ 404/ 2، البيهقي: المناقب 3381.
(5) الثوري: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (أبو عبد الله) محدث، فقيه / ابن حجر:
تهذيب التهذيب 4م 111. وانظر قول قتية في: الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 46، ومناقب البيهقي 2/ 250ولكن قوله فيه مبالغة، لأن السنن لم تمت بعد الشافعي.
(6) البيهقي: المناقب 2502.(1/30)
الشافعي. فماتت السّنن! ويموت أحمد (1) وتظهر البدع. وقال الحارث بن سريج البقّال: سمعت يحيى القطّان يقول: أنا أدعو الله للشافعي أخصّه به. وقال أبو بكر بن خلّاد وأنا أدعو الله في دبر صلاتي للشافعي (2). وقال داود بن علي الظاهريّ: سمعت إسحاق ابن راهويه (3) يقول: لقيني أحمد بن حنبل بمكة فقال: تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله. قال فأقامني على الشافعي. وقال أبو ثور (4): ما رأيت مثل الشافعيّ، ولا رأى هو مثل نفسه. وقال أيوب بن سويد صاحب الأوزاعيّ: ما ظننت أن أعيش حتى أرى مثل الشافعي (5)، وقال أحمد بن حنبل وله طرف عنه: إن الله يقيّض للناس في رأس كلّ مائة سنة، من يعلّمهم السّنن، وينفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب، قال: فنظرنا، فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي (6). وقال (7) حرملة:
سمعت الشافعي يقول: سمّيت ببغداد ناصر الحديث). وقال الفضل بن زياد: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما أحد مسّ محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منّة (8). وقال
__________
(1) أحمد: أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله، حيّان بن عبد الله، بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان الشيباني، المروزي، البغدادي (أبو عبد الله) إمام في الحديث والفقه، صاحب المذهب الحنبلي.
البيهقي: المناقب 2/ 250، حلة الأولياء 959، ابن الدريم: الفهرست 1/ 229، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 412، ابن حجر: تهذيب التهذيب 1/ 72.
(2) ابن عساكر: تاريخ دمشق 14/ 409/ 1، الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 20، حلية الأولياء 9/ 93، الجرح والتعديل 7/ 202.
(3) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 66، حلية الأولياء، مرآة الجنان لليافعي 2/ 17، والبيهقي: المناقب 2512.
(4) ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 165والذهبي: سير النبلاء 10/ 46، وتاريخ ابن عساكر 14/ 411ب / 2.
(5) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 46، المناقب: البيهقي 2/ 246، حلية الأولياء 9/ 97، الجرح والتعديل 7/ 202، مرآة الجنان لليافعي 172.
(6) انظر الخبر في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 62وابن الجوزي: المنتظم 10/ 139 والذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 46، حلية الأولياء 9/ 97، صفة الصفوة 2/ 250، البيهقي:
المناقب 531، 55.
(7) ابن العماد: شذرات الذهب 9/ 9، الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 2/ 68، الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 47، حلية الأولياء 9/ 107.
(8) ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 165، الذهبي: سير النبلاء 10/ 47، وتاريخ ابن عساكر(1/31)
أحمد: كان الشافعي، من أفصح الناس. وقال إبراهيم الحربي: سئل أحمد عن الشافعي فقال: حديث صحيح، ورأي صحيح. وقال الزّعفراني: ما قرأت على الشافعي حرفا من هذه الكتب، إلّا وأحمد حاضر (1). وقال إسحاق بن راهويه: ما تكلّم أحد بالرأي، وذكر الأوزاعي، والثّوريّ، وأبا حنيفة، ومالكا إلا والشافعيّ، أكثر أتباعا وأقلّ خطأ منه. الشافعيّ إمام (2). وقال ابن معين: ليس به: بأس. وعن أبي زرعة قال: ما عند الشافعيّ حديث فيه غلط (3). وقال أبو داود: ما أعلم للشافعي حديثا خطأ، وقال أبو حاتم: صدوق. وقال الربيع بن سليمان: لو رأيتم الشافعي، لقلتم إن هذه ليست كتبه، كان والله لسانه أكبر من كتبه (4). وعن يونس بن عبد الأعلى قال:
ما كان الشافعي إلا ساحرا، ما كنّا ندري ما يقول إذا قعدنا حوله، وكأنّ ألفاظه سكّر (5).
وعن عبد الملك بن هشام النّحوي قال: طالت مجالسنا للشافعيّ، فما سمعت منه لحنة قطّ، وكان ممّن تؤخذ (6) عنه اللّغة، وقال أحمد بن أبي سريج الرازي: ما رأيت أحدا أفوه، ولا أنطق من الشافعي (7). وقال الأصمعي: أخذت شعر هذيل عن الشافعي (8).
وقال الزّبير: أخذت شعر هذيل ووقائعها، عن عمي مصعب الزّبيري وقال: أخذتها عن الشافعي حفظا (9). وقال موسى بن سهل: ثنا أحمد بن صالح قال: قال لي الشافعي:
__________
14/ 415/ 1ومناقب البيهقي 2/ 255.
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 68، وتاريخ مابن عساكر 14/ 1416، البيهقي: المناقب 2/ 260.
(2) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 65، آداب الشافعي: 89، حلية الأولياء 9/ 102، توالي التأسيس 57.
(3) تاريخ ابن عساكر 15/ 2/ أ، والذهبي: سير النبلاء 10/ 47.
(4) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 67، الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 48، (مناقب) البيهقي 2/ 49، 50.
(5) تاريخ ابن عساكر 15/ 5/ أ، مناقب البيهقي 2/ 50، توالي التأسيس 60.
(6) تاريخ بغداد 2/ 67، الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 49، حلية الأولياء 289، توالي التأسيس 60.
(7) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 49، آداب الشافعي: 137، توالي التأسيس 58.
(8) نفسه، ومناقب البيهقي 2/ 44، معرفة السنن، والآثار 1/ 127، مناقب الرازي 87.
(9) ابن عساكر: تاريخ دمشق 14/ 411/ 1ومناقب البيهقي 2/ 45، والذهبي: سير النبلاء 10/ 49.(1/32)
تعبّد من قبل أن ترأس. فإنك إن ترأست لم تقدر أن تتعبّد (1). قال أحمد: وكان الشافعي إذا تكلم، كأنّ صوته صوت صنح أو جرس من حسن صوته (2). وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: ما رأيت الشافعي يناظر أحدا إلا رحمته. وقال: لو رأيت الشافعي يناظرك، لظننت أنه سبع يأكلك، وهو الذي علّم الناس الحجج (3). وقال الربيع بن سليمان: سئل الشافعي عن مسألة، فأعجب بنفسه فأنشأ يقول:
إذا (4) المشكلات تصدّين لي ... كشفت حقائقها بالنّظر
ولست بإمّعة (5) في الرجال ... أسائل هذا وذا: ما الخبر؟
ولكنّني مدره (6) الأصغري ... ن فتّاح خير وفرّاج شرّ (7)
وعن هارون بن سعيد الأيليّ قال: لو أنّ الشافعي ناظر على أن هذا العمود الحجر خشب لغلب لاقتداره على المناظرة (8). وقال الزعفراني: قدم علينا الشافعي بغداد سنة خمس وتسعين، فأقام عندنا سنتين ثم خرج إلى مكة، ثم قدم علينا سنة ثمان وتسعين،
__________
(1) ابن عساكر: تاريخ دمشق 15/ 6/ 1، ومناقب البيهقي 2/ 51، 158والذهبي: سير النبلاء 10/ 49.
(2) ابن عساكر: تاريخ دمشق 15/ 6/ أ، الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 50، مناقب البيهقي 2/ 51، توالي التأسيس 60.
(3) ابن عساكر: تاريخ دمشق 1/ 6/ ب، مناقب البيهقي 1/ 208، وتاريخ الإسلام (ت 323) ص 317.
(4) الأبيات من سبعة أبيات في (المناقب) للبيهقي 2/ 61، ياقوت: معجم الأدباء 17/ 309، والذهبي: سير النبلاء 5010ومختصر تاريخ دمشق 21/ 393، السبكي: الطبقات 1/ 300، توالي التأسيس 74، وتاريخ دمشق 15/ 6/ ب.
(5) الإمّعة: الرجل الذي يكون مع الناس ولا رأي له. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يكن أحدكم إمّعة».
(6) مدره الأصغرين: خطيب القوم، والمتكلم عنهم، وصاحب الرأي فيهم. والأصغران: القلب واللسان.
(7) في ديوان الشافعي جاء البيت الثالث:
«ولكنني مدره الأصغرين ... أقيس بما قد مضى ما غبر»
ص 89، البيهقي: المناقب 2/ 61.
(8) الخطيب: تاريخ بغداد 3/ 63، الذهبي: سير النبلاء 10/ 50، حلية الأولياء 9/ 103، وابن منظور: مختصر تاريخ دمشق: 2/ 362.(1/33)
فأقام عندنا أشهرا، ثم خرج يعني إلى مصر، قلت: وقد قدم قبل ذلك بغداد، قدمته الأولى التي لقي فيها محمد بن الحسن (1).
خروج الشافعي إلى مصر
وقال الربيع سمعت الشافعي يقول (2) في حكاية ذكرها: [من الطويل]:
لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ... ومن دونها أرض المهامه والقفر
فو الله ما أدري أللفوز والغنى؟ ... أساق إليها، أم أساق إلى قبري؟
فسيق والله إليهما جميعا. وقال ابن خزيمة، ويوسف بن عبد الأحد الرّعيني، ومحمد بن أحمد زغبة، وابو القاسم بن بشار: سمعنا الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق (3). رواه ابن خزيمة.
الدّارقطني: ثنا الحسن بن رشيق (4)، نا فقير بن موسى بن فقير الأسوانيّ، نا أبو حنيفة فحزم بن عبد الله الأسوانيّ، ثنا الشافعي، نا أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الخولانيّ الشّهليّ، ثنا ابن أبي ذئب عن المقبريّ، عن أبي شريح الكعبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يوم الفتح: «من قتل له قتيل فهو بخير النّظرين: إن أحبّ العقل أخذ، وإن أحبّ فله القود» (5) وقال علي بن محمد بن أبان القاضي: ثنا أبو يحيى
__________
(1) ابن كثير: البداية والنهاية 10/ 182، والذهبي: سير النبلاء 10/ 50، البيهقي: المناقب 2201، تاريخ بغداد 2/ 68.
(2) البيت الثاني: الذهبي: سير النبلاء 10/ 77، المناقب: البيهقي 2/ 108، ياقوت: معجم الأدباء 17/ 319، وتاريخ بغداد 2/ 70.
(3) الذهبي: سير النبلاء 10/ 18، ابن عساكر: تاريخ دمشق 14/ 476/ أ، معرفة السنن والآثار 1/ 114، وعلّق البيهقي على الخبر فقال: وقل من لم يقل من أصحابنا بتكفير أهل الأهواء من أهل القبلة، فإنه يحمل قول السلف رضي الله عنهم في تكفيرهم على كفر دون كفر، وهو المروي عن ابن عباس في تفسير الآية 44من سورة المائدة، البيهقي: المناقب 4071.
(4) الذهبي: سير النبلاء 10/ 51، الدولابي: الكنى والأسماء 1/ 159، 160، النسوي: المعرفة والتاريخ 1/ 39، 40والدارقطني: السنن 3/ 95، 96.
(5) أخرجه أبو داود (4504) والترمذي (1406) من طريق يحيى بن سعيد، من ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي شريح، وإسناده صحيح وفي الباب عن أبي هريرة، وفي مسند الشافعي 2/ 249وكما أخرجه البخاري 12/ 182ومسلم: 1355، والنسائي 8/ 38ورواه الدارقطني عن(1/34)
السّاجي، ثنا المزنيّ قال: لما وافى الشافعي مصر، قلت في نفسي، إن كان أحد يخرج ما في ضميري، وما تعلّق به خاطري من أمر التوحيد، [فالشافعي]. فصرت إليه وهو في مسجد مصر، فلما جثوث بين يديه قلت: إنه هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فعلمت أنّ أحدا لا يعلم علمك، فما الذي عندك؟ فغضب ثم قال: أتدري أين أنت؟
قلت نعم. قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسؤال عن ذلك؟ فقلت (1): لا فقال: هل تكلّم فيه الصحابة؟ قلت لا، قال: تدري كم نجوم السماء؟ قلت: لا. قال: فكم كوكب منها تعرف جنسه، طلوعه، أفوله، ممّ خلق؟ قلت: لا. قال: فشيء تراه بعينك من الخلق، لست تعرفه، تتكلم في علم خالقه.
ثم سألني عن مسألة في الوضوء، فأخطأت فيها ففرّعها على أربعة أوجه، فلم أجب في شيء منها. فقال: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات، تدع علمه، وتتكلّف علم الخالق، إذا هجس في ضميرك ذلك، فارجع إلى الله تعالى (2)، وإلى قوله: {وَإِلََهُكُمْ إِلََهٌ وََاحِدٌ} (3) الآية، والآية (4) بعدها. فاستدلّ بالمخلوق على الخالق، ولا تتكلّف علم ما لم يبلغه عقلك. قال: فتبت (5).
مدارها على أبي عليّ بن حمكان وهو ضعيف.
وقال ابن أبي حاتم: في كتابي عن الربيع بن سليمان. قال: حضرت الشافعي، أو حدّثني شعيب، إلا أنّي أعلم أنه حضر عبد الله بن عبد الحكم، ويوسف بن عمرو بن
__________
ابن رشيق (الكنى والأسماء 1/ 159، 160وروي عن طريق الربيع بن سليمان عن الشافعي (الرسالة ص 450) ورجاله ثقات. ورواه البيهقي في السنن 5/ 52والمعرفة 1/ 39من طرق الشافعي وأخرجه أحمد 4/ 32من طريق ابن إسحاق وأخرجه أبو داود والترمذي وأحمد جميعهم من طريق يحيى بن سعيد، ورواه أبو هريرة في حديث أخرجه البخاري 1/ 183، 184وكذلك:
أبو داود (2017).
(1) الذهبي: سير النبلاء 10/ 31، تاريخ الإسلام (ت 323) ص 319.
(2) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 32، تاريخ الإسلام ت 323ص 319.
(3) سورة البقرة (2) الآية (163) وتتمتها: {لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ الرَّحْمََنُ الرَّحِيمُ.}
(4) هي: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ.}
(5) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 32، والمناقب: للبيهقي 1/ 458وابن عساكر: تاريخ دمشق 115/ 8/ أ.(1/35)
يزيد، وحفص الفرد وكان الشافعي يسمّيه المنفرد. فسأل حفص عبد الله بن عبد الحكم فقال: ما تقول في القرآن؟ فابى أن يجيبه، فسأل يوسف، فلم يجبه وكلاهما أشار إلى الشافعي. فسأل الشافعي فاحتجّ عليه، فطالت المناظرة، فقام الشافعيّ بالحجّة عليه:
بأنّ القرآن كلام الله غير مخلوق، وكفّر حفصا (1) الفرد. قال الربيع: فلقيت حفصا في المسجد، فقال: أراد الشافعي قتلي (2). وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول، وعمل يزيد وينقص (3). وقال الربيع: قال الشافعي: تجاوز الله عما في القلوب، وكتب على الناس الأفعال والأقاويل. وقال المزنيّ: قال الشافعي: يقال لمن ترك الصلاة: لا يعملها، فإن صلّيت وإلا استتبناك، فإن تبت وإلا قتلناك كما تكفر، فنقول: إن آمنت وإلّا قتلناك (4).
وعن الربيع: قال الشافعي: ما أوردت الحجّة والحقّ على أحد، فقبلهما مني إلّا هبته واعتقدت مودّته، ولا كابرني على الحق أحد ودافع الحجة إلا سقط من عيني (5). وقال ابن عبد الحكم، وغيره: قال الشافعي: ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطىء (6). وقال أحمد بن حنبل. كان الشافعي: إذا ثبت عنده الحديث قلّده وخبر خصائله. لم يكن يشتهي الكلام، إنّما همّته الفقه (7). وقال عبد لله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول:
قال الشافعي: أنتم أعلم بالأخبار الصّحاح منّا. فإذا كان خبر صحيح (8) فأعلمني.
__________
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 32، والمناقب: للبيهقي 1/ 455، تاريخ الإسلام (ت 323) ص 320.
(2) نفسه، آداب الشافعي 194، 195، الحلية 9/ 112، والبيهقي: المناقب 1/ 455، الأسماء والصفات له 1/ 389.
(3) ابن عساكر: تاريخ دمشق 14/ 405أ، آداب الشافعي: 192، تهذيب الأسماء 1/ 66، البيهقي: المناقب 1/ 385.
(4) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 33، تاريخ الإسلام (ت 323) ص 320.
(5) نفسه، وابن عساكر: تاريخ 15/ 8/ ب، حلية لأولياء 9/ 117، ابن الجوزي: صفة الصفوة 2/ 251.
(6) البيهقي: المناقب 1741، صفة الصفوة 2512.
(7) ابن منظور مختصر تاريخ دمشق 3942، تاريخ الإسلام (ت 323).
(8) نفسه، وسير النبلاء للذهبي 10/ 33، (آداب الشافعي) 94، 95، الحلية 9/ 170، وشذرات الذهب 2/ 10، وطبقات الحنابلة 1/ 282، تاريخ دمشق لابن عساكر (15/ 1ورقة 2)، العلل ومعرفة الرجال (ت 1055).(1/36)
باب معرفته بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وزهده وسخاؤه
حتى أذهب إليه كوفيا كان أو بصريّا، أو شاميّا. وقال حرملة:
قال الشافعيّ: كلّ ما قلت فكان من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلاف قولي ممّا صحّ، فهو أولى ولا تقلّدوني (1).
وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقولوا: بها، ودعوا (2) ما قلته.
فقال: سمعته يقول: وقد قال له رجل: يا أبا عبد الله، نأخذ بهذا الحديث؟
فقال: متى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا صحيحا، ولم آخذ به، فأشهدكم أنّ عقلي قد ذهب (3).
وقال الحميدي: روى الشافعيّ يوما حديثا، فقلت: أتأخذ به؟ فقال: رأيتني خرجت من كنية، أو عليّ زنار حتى إذا سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لا أقول به (4)؟!
وقال الشافعي: إذا صحّ الحديث فهو مذهبي، وقال: إذا صحّ الحديث، فاضربوا بقولي الحائط (5).
وقال الرّبيع: سمعته يقول: أيّ سماء تظلّني، وأيّ أرض تقلّني، إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، فلم أقل به (6).
__________
(1) الذهبي: سير النبلاء 10/ 33، (آداب الشافعي) 67، 68والمناقب، البيهقي 1/ 473، وابن عساكر: تاريخ 15/ 9/ ب.
(2) الذهبي 10/ 34، (مناقب البيهقي) 1/ 475، وابن عساكر: تاريخ 15/ 10، توالي التاسيس 63، وحلية الأولياء 9/ 106، 107، صفة الصفوة 2/ 257.
(3) الذهبي 10/ 34، (مناقب البيهقي) 1/ 474، وحلية الأولياء 9/ 106، وصفة الصفوة 2/ 256، آداب الشافعي: 670.
(4) الذهبي 10/ 34، (مناقب البيهقي) 1/ 474، وحلية الأولياء 9/ 106، توالي التأسيس 63، آداب الشافعي 670.
(5) الذهبي: 10/ 34 (مناقب البيهقي) 9/ 474، 475وتاريخ الإسلام (ت 323).
(6) الذهبي 10/ 34، ومناقب البيهقي 1/ 475، حلية الأولياء 9/ 106، صفة الصفوة 2/ 256، تاريخ دمشق 15/ 10/ ب.(1/37)
وقال أبو ثور: سمعته يقول: كلّ حديث عن النبي، فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني (1).
وقال محمد بن بشر العكريّ وغيره: ثنا الربيع قال (2): كان الشافعي قد جزّأ الليل ثلاثة أجزاء: ثلثه الأول يكتب، والثاني يصلّي والثالث ينام.
قلت: هذه حكاية صحيحة تدلّ على أن ليله كله كان عبادة. فإن كتابة العلم عبادة، والنّوم لحقّ الجسد عبادة، قال عليه السلام: «إنّ لجسدك عليك حقّا» (3). وقال معاذ فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.
وقال أبو عوانة: حدّثنا الربيع، سمعت الشافعيّ يقول: ما شبعت منذ ستّ عشرة سنة إلّا مرة، فأدخلت يدي فتقيّأتها. رواها ابن أبي حاتم، فزاد بها: لأن الشبع يثقل البدن، ويزيل الفطنة، ويجلب لنّوم، ويضعف عن العبادة (4).
وعن الربيع: قال لي الشافعي: عليك بالزّهد، فإن الزّهد على الزّاهد، أحسن من الحليّ على النّاهد (5).
وقال إبراهيم بن الحسن الصّوفي: نا حرملة: سمعت الشافعيّ يقول: ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا (6).
__________
(1) الذهبي 10/ 35، وابن كثير البداية والنهاية 10/ 253، 254، آداب الشافعي 94.
(2) الذهبي 10/ 35، حلية الأولياء 9/ 135وابن عساكر: تاريخ 15/ 11/ أ، والخطيب: تاريخ بغداد 2/ 63، صفة الصفوة 2/ 255، التذكرة الحمدونية 1/ 203.
(3) أورده الذهبي في السير 8/ 175بلفظ: «إن لزوجك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا ولزورك عليك حقا» وعن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيته فقال له: إن لأهلك عليك حقا وإن لعبدك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا» وإسناده حسن وهو في المسند 2/ 200عن طريق عبد الوهاب بن عطاء بهذا الإسناد، وأورده الذهبي في: سير أعلام النبلاء 3/ 91، وأخرجه البخاري في الصوم 2/ 245وأخرجه في النكاح 6/ 152، وأخرجه مسلم في الصوم 182/ 1159باب النهي عن صوم الدهر، والنسائي 4/ 211في صوم يوم وإفطار يوم.
(4) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 36، 97، (آداب الشافعي): 106، وتهذيب الأسماء 1/ 54، والحلية 9/ 127، وتوالي التأسيس: 66.
(5) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 36، وابن عساكر: تاريخ 15/ 12/ أ، وحلية الأولياء:
9/ 130.
(6) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 36، مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 164، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 54، حلية الأولياء 9/ 135.(1/38)
وقال أبو ثور: ما كان الشافعيّ يمسك الشيء من سماحته (1).
وقال عمرو بن سوّاد: كان الشافعيّ أسخى الناس على الدينار، والدرهم، والطعام.
قال لي: أفلست ثلاث مرات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، حتى حليّ ابنتي وزوجتي، ولم أرهن قطّ (2).
وقال الربيع: أخذ رجل بركاب الشافعي، فقال لي: أعطه أربعة دنانير واعذر لي عنده (3).
وعن المزنيّ أن الشافعي وقف على رجل رآه حسن الرّمي، فأعطاه ثلاثة دنانير، وقال له: أحسنت (4).
وقال أبو عليّ الحصائريّ: سمعت الربيع يقول: مرّ الشافعيّ على حمار في [الحذّائين] فسقط سوطه، فوثب غلام (5) ومسحه بكمّه، وناوله إياه، فقال لغلامه:
أعطه تلك الدنانير، قال الربيع: ما أدري كانت تسعة دنانير أو سبعة (6).
وقال الربيع: تزوجت، فسألني الشافعي: كم أصدقتها؟ قلت: ثلاين دينارا.
عجّلت منها ستة، فأعطاني أربعة وعشرين دينارا (7). وعن الربيع: أن رجلا ناول الشافعي رقعة فيها: إني رجل بقّال، ورأس مالي درهم، وقد تزوّجت فأعنّي. فقال:
__________
(1) آداب الشافعي: 126وحلية الأولياء 9/ 132.
(2) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 37، ابن عساكر 15/ 13/ أ، (مناقب) البيهقي 2/ 222، آداب الشافعي 126.
(3) الذهبي: سير اعلام النبلاء 10/ 37، حلية الأولياء 9/ 130، توالي التأسيس 67، الانتقاء لابن عبد البر 94.
(4) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 37، آداب الشافعي 125، حلية الأولياء 9/ 132، مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 223.
(5) البيهقي: مناقب 2/ 221، وابن عساكر: تاريخ 15/ 13/ 2مناقب الفخر الرازي 128، تاريخ دمشق 15/ 13/ ب.
(6) قال الذهبي في السير: فأعطاه سبعة دنانير 10/ 37، ومناقب: البيهقي 2/ 221، ربيع الأبرار 1/ 603، التذكرة الحمدونية 2/ 340.
(7) آداب الشافعي: 125، حلية الأولياء 9/ 132، ابن عساكر: تاريخ 15/ 13/ ب، مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 223.(1/39)
يا ربيع، أعطه ثلاثين دينارا، واعذرني عنده. فقلت: إنّ هذا رجل تكفيه عشرة دراهم.
فقال: ويحك! أعطه (1). وقال ابن أبي حاتم: ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم: ثنا محمد بن روح: ثنا الزّبير بن سليمان القرشيّ، عن الشافعي قال: خرج هرثمة، فأقرأني سلام أمير المؤمنين هارون وقال: قد أمر لك بخمسة آلاف دينار، قال: فحمل إليه المال، فدعا الحجّام (2) فأخذ شعره فأعطاه خمسين دينارا. ثم أخذ رقاعا فصرّر صررا، وفرّقها في القرشيّين، حتى ما بقي معه إلا نحو مائة دينار (3).
وقال: أبو نعيم بن عديّ، والأصمّ والعكريّ، وأخرون: ثنا الربيع: أخبرني الحميدي. قال: قدم علينا الشافعي صنعاء، فضربت له الخيمة، ومعه عشرة آلاف دينار، فجاء قوم فسألوه، فما قلعت الخيمة ومعه منها شيء (4).
وقال ابن عبد الحكم (5): كان الشافعي أسخى الناس بما يجد. وقال إبراهيم بن محمد النّيسابوريّ: ثنا داود الظاهريّ، ثنا أبو ثور قال: كان الشافعي من أسمح الناس، كان يشتري الجارية الصّنّاع التي تبطخ وتعمل الحلوى، ويشترط عليها هو أن لا يقربها، لأنه كان عليلا، لا يمكنه أن يقرب النّساء لباسور به إذ ذاك. فكان يقول لنا: اشتهوا ما أردتم (6).
باب فضائل الشافعي
قلت: هذا أصابه بأخرة. وإلّا فقد تزوّج، وجاءته الأولاد.
وقال أبو عليّ بن حمكان (7) في كتاب «فضائل الشافعي»: ثنا إبراهيم بن محمد بن
__________
(1) الذهبي: سير النبلاء 10/ 38، وابن عساكر: تاريخ 15/ 13/ ب.
(2) هو من احترف مهنة الحجامة، ويقوم بامتصاص الدم بالمحجم / المعجم الوسيط /.
(3) الذهبي: سير النبلاء 10/ 38، مناقب البيهقي 2/ 226، حلية الأولياء 9/ 131، آداب الشافعي 128، توالي التأسيس 68.
(4) الذهبي: سير النبلاء 10/ 38، مناقب: البيهقي 2/ 220، تاريخ دمشق 15/ 114، مناقب الفخر الرازي 128.
(5) البيهقي: المناقب 2222، حلية الأولياء 1329، آداب الشافعي 125، 126، توالي التأسيس 68.
(6) مناقب: البيهقي 2/ 222، توالي التاسيس 68، حلية الأولياء 9/ 133، تاريخ دمشق 15/ 15/ أ.
(7) هو الحسن بن الحسين بن حمكان الحمداني الفقيه الشافعي نزيل بغداد، له كتاب مناقب الشافعي(1/40)
يحيى المزنيّ، ثنا ابن خزيمة، ثنا الربيع قال: أصحاب مالك يفخرون فيقولون: كان يحضر مجلس مالك، نحو من ستين معمّما (1). والله لقد عددت في مجلس الشافعي، ثلاثمائة معمّم، سوى من شذّ عني (2).
وقال الحسن بن سفيان: ثنا أبو ثور: سمعت الشافعي: وكان من معادن الفقه، ونقّاد المعاني، وجهابذة الألفاظ يقول: حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ: لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وأسماء المعاني معدودة محدودة، جميع أصناف الدّلالات على المعاني، لفظا وغير لفظ، خمسة أشياء أوّلها اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخطّ، ثم الذي يسمّى النّصبة، والنّصبة في الحال، الدّلالة التي تقوم مقام تلك الأصناف (3)، ولا تقصر على تلك الدّلالات، ولكلّ واحد من هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها، وحلية مخالفة لحلية أختها، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، وعن خفائها عن التفسير وعن أجناسها وأفرادها، وعن خاصّها وعامّها، وعن طباعها في السّارّ والضّارّ، وعما يكون بهوا بهرجا، وساقطا مدحرجا (4).
فقال الربيع: كنت أنا والمزنيّ والبويطيّ عند الشافعي فقال لي: أنت تموت في الحديث، وقال للمزنيّ: هذا لو ناظره الشّيطان قطعه وجدله.
وقال للبويطي: أنت تموت في الحديد (5). فدخلت على البويطي أيام المحنة، فرأيته مقيّدا مغلولا.
وقال أبو بكر محمد بن إدريس، ورّاق الحميديّ: سمعت الحميدي يقول: قال
__________
توفي سنة 405هـ «العبر» 3/ 89.
(1) المعمّم: من لبس العمامة على رأسه، وعمّمه: ألبسه العمامة، وكانت العمائم تيجان العرب / المعجم الوسيط /.
(2) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 39، وابن عساكر: تاريخ 15/ 15/ ب.
(3) الذهبي 10/ 52، وابن عساكر: تاريخ 14/ 416/ ب، تاريخ الإسلام (ت 323) ص 325.
(4) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 52، ابن عساكر: تاريخ 14/ 116/ ب.
(5) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 40، ومناقب: البيهقي 2/ 136، وكان البويطي قد امتحن في مسألة خلق القرآن أيام المأمون العباسي، ونقل من مصر إلى بغداد ومات في سجنه، وكان يبعث بالرسائل إلى أصحابه يستنجدهم في خلاصه، ابن النديم: الفهرست ص 298.(1/41)
الشافعي: خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها. وقد روي عن الشافعي عدة إصابات في الفراسة (1).
وعن الشافعي قال: أقدر الفقهاء على المناظرة من عوّد لسانه الرّكض في ميدان الألفاظ، ولم يتلعثم إذا رمقته العيون بالألحاظ (2).
وعنه قال: بئس الزّاد إلى المعاد، العدوان على العباد.
وعنه قال: العالم يسأل عما يعلم، وعمّا لا يعلم. فيثبّت ما يعلم ويتعلّم ما لا يعلم. والجاهل يأنف من التعليم ويأنف من التّعلّم (3).
وقال يونس: قال لي الشافعي: ليس إلى السلامة من الناس سبيل. فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه (4).
وعنه قال: ضياع الجاهل قلّة عقله، وضياع العالم أن يكون بلا إخوان، وأضيع منهما من واخى من لا عقل له (5).
وعنه قال: إذا خفت على عملك العجب، فاذكر رضى من تطلب، وفي أيّ نعيم ترغب، ومن أي عقاب ترهب، فحينئذ يصغر عندك عملك (6).
وعنه قال: ما رفعت من أحد فوق منزلته، إلا وضع مني بمقدار ما رفعت منه به.
وقال: آلات الرّياسة خمس: صدق اللهجة، وكتمان السرّ، والوفاء بالعهد، وابتداء النّصيحة، وأداء الأمانة (7).
وقال: من استغضب فلم يغضب، فهو حمار، ومن استرضي، فلم يرض فهو
__________
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 40، ومناقب: البيهقي 2/ 136، ولم يذكر ابن النديم بين كتب الشافعي أي كتاب في الفراسة / ص 295.
(2) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 41، وابن عساكر 15/ 17/ أ،.
(3) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 41، ابن عساكر 45/ 17/ أ.
(4) حلية الأولياء 9/ 122، آداب الشافعي 238، والذهبي: سير النبلاء 10/ 12، تاريخ دمشق 15/ 17أ.
(5) الذهبي: سير النبلاء 10/ 42، وابن عساكر تاريخ 15/ 17/ ب، تهذيب الأسماء واللغات 571، توالي التأسيس 72.
(6) نفسه.
(7) نفسه.(1/42)
شيطان (1). وقال: أيّما رجال أو أهل بيت، لم تخرج نساؤهم إلى رجال غيرهم، ورجالهم إلى نساء غيرهم، إلا كان في أولادهم حمق (2).
وقال الحسن بن سفيان: ثنا حرملة قال: سئل الشافعي عن رجل في فمه تمرة.
فقال: إن أكلتها فامرأتي طالق، وإن طرحتها فامرأتي طالق. قال: يأكل نصفها، ويطرح النّصف (3).
قال حسّان بن محمد الفقيه: سمع مني أبو العباس ابن سريج هذه الحكاية، وبنى عليها تفريعات الطّلاق. قال الربيع: سمعت الشافعي يقول: إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء الله، فما لله ولي (4).
وقال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة (5).
وقال: حكمي في أصحاب الكلام، أن يطاف بهم في القبائل، وينادى عليهم (6):
هذا [جزاء من ترك الكتاب والسّنّة، وأقبل على الكلام].
وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعيّ يقول:
ما صحّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يقال فيه لم ولا كيف (7). وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: الخلفاء خمس: أبو بكر، وعمر وعثمان، وعليّ، وعمر بن عبد العزيز (8). وقال ابن عبد الحكم: كان الشافعي بعد أن ناظر حفصا الفرد، يكره الكلام. ويقول: ما شيء أبغض إليّ من الكلام وأهله (9). وقال الربيع: دخلت على
__________
(1) مناقب: البيهقي 2/ 202، حلية الأولياء 9/ 143، وتوالي التأسيس 72، مناقب الفخر الرازي 123.
(2) آداب الشافعي: 133، 134، مناقب البيهقي 2/ 201، حلية الأولياء 9/ 125، الانتقاء 98.
(3) الذهبي: سير النبلاء 10/ 53، حلية الأولياء 9/ 143، تاريخ دمشق 1715.
(4) نفسه، مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 155.
(5) آداب الشافعي: 97، الحلية 9/ 119، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 53، 54، صفة الصفوة 2/ 251.
(6) مناقب: البيهقي 1/ 462، والذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 29.
(7) مناقب الشافعي للبيهقي 302، تاريخ الإسلام الذبي (ت 323) ص 331.
(8) ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 21/ 375، آداب الشافعي 1/ 689، مناقب الشافعي للبيهقي 1/ 448، الانتقاء 82، 83.
(9) حلية الأولياء 9/ 111.(1/43)
الشافعي وهو مريض، فقال: وددت أنّ الناس تعلّموا هذه الكتب، ولا ينسب إليّ منها شيء (1). وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول (2): وددت أن كلّ علم أعلّمه يعلمه الناس، أؤجر عليه ولا يحمدوني. وقال محمد بن مسلم بن واره: سألت أحمد بن حنبل قلت: ما ترى في كتب الشافعي التي عند العراقيين؟ هي أحبّ إليك أو التي بمصر؟ قال: عليك بالكتب التي وضعها بمصر. فإنه وضع هذه الكتب بالعراق، ولم يحكمها، ثم رجع إلى مصر فأحكم تلك. وقال ابن وارة: قلت لأحمد مرة: ما ترى لي من الكتب أن أنظر فيه؟ أرأي مالك، أو الثوريّ، أو الأوزاعيّ؟ فقال لي قولا أجلّهم أن أذكره، وقال: عليك بالشافعي، فإنه أكثرهم صوابا، وأتبعهم للآثار (3).
وقال عبد الله بن ناجية: سمعت ابن وارة يقول: لما قدمت من مصر أتيت أحمد بن حنبل، فقال لي: كتبت كتب الشافعي؟ قلت: لا. قال: فرّطت، ما عرفنا العموم من الخصوص، وناسخ الحديث من منسوخه، حتى جالسنا الشافعيّ، فحملني ذلك على الرّجوع إلى مصر [فكتبتها] (4).
وقال محمد بن يعقوب الفرجيّ: سمعت علي بن المدينيّ يقول: عليكم بكتب الشافعي (5).
باب معرفته بالطب
قلت: وكان الشافعي مع عظمته في علم الشريعة، وبراعته في العربية، بصيرا في الطب، نقل ذلك غير واحد. فعنه قال: عجبا لمن يدخل الحمّام ثم لا يأكل من ساعته، كيف يعيش؟ وعجبا لمن يحتجم ثم يأكل من ساعته كيف يعيش؟ (6). وقال حرملة عنه:
__________
(1) آداب الشافعي: 1/ 91، الحلية 9/ 118، والذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 29.
(2) آداب الشافعي: 1/ 92، وابن كثير: البداية 10/ 53، وحلية الأولياء 9/ 119، تهذيب الأسماء 1/ 54، توالي التأسيس 62.
(3) مناقب البيهقي 1/ 263، آداب الشافعي: 60، والذهبي: سير أعلام مالنبلاء 10/ 55، حلية الأولياء 9/ 93، 102، الانتقاء 76.
(4) ياقوت: معجم الأدباء 17/ 312، ومناقب البيهقي 1/ 262، ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 163.
(5) المناقب للبيهقي: 2/ 248.
(6) المناقب للبيهقي 2/ 119، وحلية الأولياء 9/ 113.(1/44)
من أكل الأترجّ (1) ثم نام لم يأمن أن تصيبه ذبحة.
وقال محمد بن عصمة الجوزجاني: سمعت الربيع، سمعت الشافعي يقول: ثلاثة أشياء، دواء من الأدواء له، وأعيت الأطباء مداواته: العنب، ولبن اللقاح، وقصب السكر، ولولا قصب السّكر ما أقمت ببلدكم (2).
وقال: سمعت الشافعي يقول: كان غلآمي أعشى، فلم يكن يبصر باب الدار، فأخذت له زيادة الكبد، فكحّلته بها فأبصر (3).
وعنه قال: عجبا لمن تعشّى البيض المسلوق ثم نام عليه، كيف لا يموت (4) وقال:
الفول يزيد في الدماغ، والدّباغ يزيد في العقل (5).
ونا يونس عنه قال: لم أر أنفع للوباء من البنفسج، يدهن به ويشرب (6).
وقال صالح بن محمد جزرة: سمعت الربيع سمعت الشافعي يقول: لا أعلم علما بعد الحلال والحرام، أنبل من الطّب، إلّا أن أهل الكتاب، قد غلبونا عليه. وقال حرملة: كان الشافعي يتلهّف على ما ضيّع المسلمون من الطّب، ويقول: ضيّعوا ثلث العلم، ووكّلوه إلى اليهود، والنّصارى (7). وقيل: إن الشافعي أخذ ينظر في التنجيم ثم تاب منه وهجره.
وقال أبو الشيخ: ثنا عمرو بن عثمان المكي، ثنا ابن بنت الشافعي قال: سمعت أبي يقول: كان الشافعي وهو حدث ينظر في النجوم، وما ينظر في شيء إلا فاق فيه. فجلس يوما وامرأته تطلق فحسب وقال: تلد جارية عوراء، على فرجها خال أسود، تموت إلى يوم كذا، وكذا. فولدت. وكان كما قال. فجعل على نفسه، أن لا ينظر فيه أبدا، ودفن تلك الكتب (8).
__________
(1) الأترج: مفردها ترنجة، وأترجة، وهو ثمر طيب الرائحة / لسان العرب 2/ 25مادة ترج.
(2) المناقب: للبيهقي 2/ 122.
(3) نفسه.
(4) نفسه 2/ 118، الذهبي: سير النبلاء 10/ 56وحلية الأولياء 9/ 143؟.
(5) حلية الأولياء 9/ 137، سير النبلاء 10/ 56، آداب الشافعي 322، 323، الانتقاء 37.
(6) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 57، آداب الشافعي: 323ومناقب الشافعي للبيهقي 2/ 118.
(7) نفسه، ومناقب: البيهقي 2/ 116، وحلية الأولياء 9/ 136، توالي التأسيس 66.
(8) نفسه، ومناقب البيهقي 2/ 126، مناقب الرازي 120، توالي التأسيس 65.(1/45)
وقال فوران (1): قسّمت كتب أبي عبد الله أحمد بن حنبل بين ولديه، فوجدت فيها رسالتي الشافعي العراقي والمصري، بخطّ أبي عبد الله.
باب ثناء العلماء على فقه الشافعي
وقال أبو بكر الصّومعيّ: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صاحب حديث لا يشبع من كتب الشافعي (2)، وقال البيهقي: أنا الحاكم سمعت أبا أحمد بن علي بن محمد المروزيّ، سمعت ابا غالب عليّ بن أحمد بن النّضر الأزديّ (3) يقول: سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عن الشافعي فقال: لقد منّ الله علينا به. لقد كنّا تعلّمنا كلام القوم، وكتبنا كتبهم حتى قدم علينا الشافعي. فلمّا سمعنا كلامه، علمنا أنه أعلم من غيره، وقد جالسناه الأيام والليالي، فما رأينا منه إلا كلّ خير. وقال له رجل: يا أبا عبد الله، فإن يحيى ابن معين وابا عبيد لا يرضيانه، يعني في نسبتهما إيّاه إلى التّشيّع. فقال أحمد: ما ندري ما يقولان والله ما رأينا منه إلا خيرا (4). وقال ابن عديّ الحافظ: ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القزوينيّ، ثنا صالح بن أحمد بن حنبل: سمت أبي يقول: سمعت «الموطّأ» من الشافعي. لأني رأيته منه ثبتا، وقد سمعته من جماعة قبله. وقال الحاكم أبو عبد الله:
سمعت الفقيه أبا بكر محمد بن عليّ الشاشيّ يقول: دخلت على ابن خزيمة (5)، وأنا غلام فقال: يا بنيّ على من درست الفقه؟ فسمّيت له أبا الليث (6). فقال: على من درس؟
__________
(1) فوران: هو إبراهيم بن فوران، أحد رواة الإمام أحمد بن حنبل، الذهبي: سير النبلاء 11/ 230، 291.
(2) الذهبي: سير النبلاء 10/ 57.
(3) علي بن أحمد بن النضر الأزدي، ضعّفه الدارقطني كما قال في: تاريخ بغداد 11/ 316، وانظر قول ابن حنبل في: البيهقي المناقب 2/ 259.
(4) الذهبي: سير النبلاء 10/ 58.
(5) ابن خزيمة محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن ياسر السلمي، النيسابوري، الشافعي، أبو بكر محدث، فقيه له تصانيف كثيرة، ابن كثير: البداية 11/ 149، الصفدي:
الواقي 2/ 196، الزركلي الأعلام 6/ 253.
(6) أبو الليث: هو: نصر بن محمد البخاري الزاهد / الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 13/ 301 (7278).(1/46)
قلت: على ابن سريج (1)، فقال: وهل أخذ ابن سريج العلم إلا من كتب مستعارة (2).
وقال بعضهم: أبو الليث هذا مهجور بالشّاش. فإن البلد للحنابلة.
وقال ابن خزيمة: وهل كان أحمد بن حنبل إلا غلاما من غلمان الشافعي (3).
باب أصحاب الشافعي وتداولهم كتبه
وقال أبو داود السّجستاني: وسأله زكريا الساجي: من أصحاب الشافعي؟ فقال:
أوّلهم الحميديّ، وأحمد بن حنبل، والبويطي، ومن غرائب الاتفاق، أن الإمام أحمد، روى عن رجل عن الشافعي. قال سليمان بن إبراهيم الحافظ: ثنا أبو سعيد النّقّاش، ثنا علي بن الفضل الحبوطيّ، ثنا عبد الله بن محمد بن زياد (ح)، وأنبأنا محمد بن محمد بن عبد الوهاب الحسيني، عن محمد بن محمد بن محمد بن غانم المقرىء، أنا أبو موسى الحافظ، أنا أبو علي الحدّاد، أنا أبو سعد السّمان، قدم علينا:
ثنا أحمد بن محمد بن محمود، بتستر (4)، نا الحسن بن أحمد بن المبارك قالا: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدّثني أبي، ثنا سليمان بن داود الهاشميّ، ثنا الشافعي عن يحيى بن سليم عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم «صلّى صلاة الكسوف، أربع ركعات، وأربع سجدات» (5) واللفظ للنّقّاش. قال أحمد بن سلمة النيسابوريّ: تزوج إسحاق بن راهويه بمرو (6)، بامرأة رجل كان عنده كتب الشافعيّ،
__________
(1) ابن سريج: أحمد بن عمر بن سريج (أبو العباس) شافعي، فقيه، متكلم، له مناظرات ومؤلفات / أنظر: ابن النديم: الفهرست ص 299.
(2) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 59، وانظر: تاريخ الإسلام (ت 323) ص 335.
(3) الذهبي: سير النبلاء 10/ 59، وأسلوب ابن خزيمة في الإطراء والذم لا تقبله أذواق العلماء ولا الشافعي.
(4) تستر: مدينة بخوزستان، وبها نهر تستر، فتحها المسلمون في عهد عمر، / ياقوت: معجم البلدان 2/ 3129.
(5) رواه عروة بن الزبير عن عائشة قالت: كسفت الشمس في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فصلى بالناس، فاستكمل أربع ركعات، وأربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف / ابن ماجه: السنن 1/ 401. وإسناد الحديث ضعيف لأن يحيى بن سليم، سيء الحفظ، ومنكر الحديث عن عبيد الله بن عمر.
(6) مرو: مدينة ببلاد فارس / ياقوت: معجم البلدان 5/ 116112، وخبر زواج ابن راهويه في:(1/47)
فتوفي، ولم يتزوج بها إلا لأجل الكتب، فوضع «الجامع الكبير» على كتاب الشافعي، ووضع «الجامع الصغير» على جامع الثوري (1) الصغير».
فقدم أبو إسماعيل الترمذي نيسابور (2)، وكان عنده كتب الشافعي، عن البويطيّ.
فقال له إسحاق: لا تحدّث بكتب الشافعي ما دمت هنا، فأجابه، فلم يحدّث بها حتى خرج (3). قلت: ترى من كان يكتب عن رجل، عن آخر، عن الشافعي، مع وجود إسحاق. وفي نفسي شك من صحة ذلك. هذا كلام الحافظ الذهبي. وما قاله: ردّه معه لا يوجب عدم صحة هذه الحكاية، لأن من أراد أن يكتب كتب الشافعي في ذلك الوقت، ويعجز عن الرجل من أصحاب الشافعي، كأن يكتب عن أبي إسماعيل الترمذي، ونظرائه وقد اشتهرت كتب الشافعي، وحملت إلى البلاد في حياة إسحاق، فلا وجه لما قاله.
وقال داود الظاهريّ: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: ما كنت أعلم أن الشافعي في هذا المحل. ولو علمت لم أفارقه (4). وقال محمد بن إبراهيم البوشنجيّ: قال إسحاق: قدمت مكة، فقلت للشافعيّ: ما حال جعفر بن محمد (5) عندكم؟ فقال:
ثقة. كتبنا عن إبراهيم بن أبي يحيى، عنه، أربع مئة حديث (6).
وقال يونس بن عبد الأعلى سمعت الشافعي يقول: ما رأيت أفقه من ابن عيينة، فأمسكت عن الفتيا منه (7).
ونقل أبو الشيخ بن حبّان وغيره من وجه أن الشافعي لما دخل مصر، أتاه جلّة أصحاب
__________
البيهقي: المناقب 2661.
(1) البيهقي: المناقب 2661، الرازي: آداب الشافعي 64.
(2) نيسابور: مدينة في بلاد فارس، معجم البلدان 1331315.
(3) مناقب: البيهقي 1/ 267، حلية الأولياء 5/ 102، وابن عساكر: تاريخ 15/ 4/ ب، وآداب الشافعي 64، 65.
(4) مناقب: البيهقي 1/ 265، والذهبي: سير النبلاء 10/ 570.
(5) جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بالصادق / الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 71.
(6) الرازي: الجرح والتعديل 2/ 483، مناقب: البيهقي 1/ 523، تهذيب التهذيب 2/ 103، وآداب الشافعي 177.
(7) ابن العماد: شذرات الذهب 1/ 355، الرازي: الجرح والتعديل 1/ 32، 33، الذهبي: سير النبلاء 10/ 71، آداب الشافعي 206، وابن عيينة: هو سفيان بن عيينة الهلالي الكوفي، محدث وفقيه. ترجم له ابن حجر في تهذيب التهذيب 4/ 117، تهذيب الأسماء 1/ 220.(1/48)
مالك، فأقبلوا عليه، فلما رأوه يخالف مالكا، وينقض عليه تنكّروا له وجفوه، فأنشأ يقول (1): [من الطويل]:
أأنثر درّا بين سارحة النّعم؟ ... أأنظم منثورا لراعية الغنم؟
لعمري لئن ضيّعت في شرّ بلدة ... فلست مضيعا بينهم غرر الكلم
فإن فرّج الله اللطيف بلطفه ... وصادفت أهلا للعلوم وللحكم
بثثت (2) مفيدا واستفدت ودادهم ... وإلّا فمخزون لديّ ومكتتم
ومن منح الجهّال علما أضاعه ... ومن منع المستوجبين فقد ظلم
وكاتم علم الدّين عمّن يريده ... يبوء بأوزار وإثم إذا كتم
وقال الحافظ ابن مندة: حدّث عن الربيع قال (3): رأيت أشهب بن عبد العزيز ساجدا وهو يقول في سجوده: اللهم أمت الشافعي وإلّا ذهب علم مالك، فبلغ الشافعي ذلك فتبسم وأنشأ يقول (4): من [الطويل]:
تمنّى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي خلاف الذي قضى ... تهيّأ لأخرى مثلها فكأن قد
وقد علموا لو ينفع العلم عندهم ... لئن متّ ما الدّاعي عليّ بمخلد
باب فصاحة الشافعي وشعره وحبه آل البيت
وقال المبرّد: دخل رجل على (الشافعي) فقال: إن أصحاب أبي حنيفة لفصحاء فاستوى الشافعي رضي الله عنه وأنشأ يقول (5): [من الوافر]:
__________
(1) الأبيات في ديوان الشافعي ص 165، والسبكي: طبقات الشافعية 1/ 294، والبيهقي: مناقب الشافعي 2/ 72، وحلية الأولياء 9/ 153.
(2) بثثت: نشرت.
(3) انظر: البيهقي: المناقب 742.
(4) الأبيات في: ديوان الشافعي ص 67، مناقب: البيهقي 2/ 73، السبكي: الطبقات 1/ 191، توالي التأسيس 83، مناقب الرازي 115، الحلية 9/ 149.
(5) الأبيات في: البيهقي: مناقب الشافعي 2/ 62، وابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 167، والقلقشندي: صح الأعشى 1/ 272، وديوان الشافعي ص 76.(1/49)
فلولا الشّعر بالعلماء يزري (1) ... لكنت اليوم أشعر من لبيد (2)
وأشجع في الوغى من كلّ ليث ... وآل مهلّب (3) وأبي يزيد (4)
ولولا خشية الرّحمن ربّي ... حسبت الناس كلّهم عبيدي
قال الحاكم: أخبرني الزّبير بن عبد الواحد، الزاهد الحافظ، أنا: أبو عمارة حمزة بن علي الجوهري، ثنا الربيع بن سليمان قال (5): حججنا مع الشافعي فما ارتقى شرفا (6)، ولا هبط واديا إلا وهو يبكي وينشد (7): [من الكامل]:
يا راكبا قف بالمحصّب (8) من منى ... واهتف بقاعد خيفها (9) والنّاهض
سحرا إذا فاض (10) الحجيج إلى منى ... فيضا كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضا حبّ آل محمّد ... فليشهد الثّقلان أني رافضي (11)
قلت: بهذا الاعتبار، قال أحمد بن عبد الله العجليّ في الشافعي كان يتشيّع وهو ثقة. قلت: ومعنى هذا التشيّع حبّ علي وبغض النّواصب، وأن يتّخذه مولى، عملا بما تواتر عن نبيّنا صلى الله عليه وسلم «من كنت مولاه فعليّ مولاه» (12) أما من تعرّض إلى أحد، من
__________
(1) يزري: يسيء، وينقص من القدر.
(2) لبيد: شاعر مخضرم عامري النسب، أسلم وله صحبة، وهو أحد أصحاب القصائد الطوال في الجاهلية.
(3) آل مهلب: المهلب بن أبي صفرة القائد المشهور في حرب الخوارج، وأولاده.
(4) أبو يزيد: من قادة الخوارج في العراق.
(5) انظر: البيهقي: المناقب 2/ 71.
(6) الشّرف: العلوّ والمكان العالي، وجبل مشرف. أي عال.
(7) الأبيات في: ديوان الشافعي ص 112، ومناقب الشافعي: للبيهقي 2/ 71، ياقوت: معجم الأدباء 17/ 320والسبكي: طبقات الشافعية 1/ 158، الوافي بالوفيات 1/ 178، والنجوم الزاهرة 2/ 177، المناقب: للفخر الرازي ص 51، تاريخ دمشق 10/ 191ب.
(8) المحصب: موضع في منى قرب مكة.
(9) الخيف: موضع في منى قرب مكة.
(10) فاض الحجيج: عادوا.
(11) قال الشافعي هذه الأبيات حين نسبته الخوارج إلى الرفض حسدا وبغيا. البيهقي: المناقب 712، السبكي الطبقات 1/ 158.
(12) رواه الترمذي في المناقب (3797) باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ورواه النسائي(1/50)
الصحابة بسبّ، فهو شيعيّ غال نبرأ منه.
وقال أبو عثمان الصابوني: أنشدني أبو منصور بن جمشاد قال: أنشدت لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي في الشافعي رضي الله عنه (1): [من الطويل]:
ومن شعب الإيمان حبّ ابن شافع ... وفرض أكيد حبّه لا تطوّع
وإني حياتي شافعيّ فإن أمت ... فتوصيتي بعدي بأن تتشفّعوا
قلت: وللشافعي رحمه الله أشعار كثيرة.
قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن غانم، في «كتاب مناقب الشافعي» وهو مجلد: وقد جمعت ديوان شعر الشافعي كتابا على حدة. ثم ساق بإسناده إلى ثعلب (2) أنه قال: الشافعيّ إمام في اللغة (3). وقال أبو نعيم بن عديّ (4): سمعت الربيع مرارا يقول: لو رأيت الشافعي، وحسن بيانه وفصاحته، لتعجّبت منه. ولو أنه ألّف هذه الكتب على عربيّته، التي كان يتكلّم بها معنا في المناظرة، لم يقدر على قراءة كتبه لفصاحته وغرائب ألفاظه، غير أنه كان في تأليفه (5) يوضح للعوامّ.
وقال أبو الحسن علي بن مهديّ الفقيه، ثنا محمد بن هارون، ثنا هميم بن همّام، ثنا حرملة: سمعت الشافعي يقول (6): ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم كلام
__________
في السنن الكبرى باب المناقب، وتحفة الأشراف للمزي 3/ 195 (3667) ورواه ابن عباس وأبو تهريرة وأنس، انظر: الخطيب البغدادي: 5/ 474، 7/ 377، 8/ 290، 12/ 344، وقال البيهقي في المناقب 3371يعني بذلك ولاء الإسلام وذلك انسجاما مع الآية {ذََلِكَ بِأَنَّ اللََّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكََافِرِينَ لََا مَوْلى ََ لَهُمْ} وقال عمر بن لخطاب لعلي رضي الله عنهما بعد سماعه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد أصبحت مولى لكل مؤمن أي ولي كل مسلم» الطحاوي: مشكل الآثار 2/ 379307.
(1) البيتان في: الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 73، البيهقي: المناقب 3622.
(2) ثعلب: أحمد بن يحيى الشيباني الكوفي المعروف بثعلب (أبو العباس) نحوي، لغوي / ابن النديم: الفهرست 1/ 74، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 36، الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 214.
(3) الذهبي: سير النبلاء 10/ 73، البيهقي: المناقب 522، 53.
(4) هو عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني الأستراباذي الفقيه المتوفى سنة 323هـ، وانظر:
مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 19.
(5) الذهبي: سير النبلاء 10/ 74، ومناقب: البيهقي 2/ 49، توالي التأسيس 77.
(6) نفسه.(1/51)
لعرب، أو قال: لسان العرب، وميلهم إلى لسان أرسطاليس.
الأصمّ: أنا الربيع: قال: قال الشافعي (1): المحدثات من الأمور ضربان، أحدهما: ما أحدث يخالف كتابا أو سنّة، أو أثرا، أو إجماعا، فهذه البدعة ضلالة، والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه. لو أحدث هذا. فهذه محدثة غير مذمومة.
وقد قال عمر رضي الله عنه: في قيام رمضان: نعمت البدعة هذه يعني أنّها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها ردّ لما مضى. رواه البيهقي، عن الصيرفيّ عنه (2).
وقال مصعب بن عبد الله: ما رأيت أحدا أعلم بأيام الناس من الشافعي (3).
معرفة الشافعي بالأنساب وأيام الناس
وروى أبو العباس بن سريج عن بعض النسّابين قال: كان الشافعي من أعلم الناس بالأنساب. لقد اجتمعوا معه ليلا فذاكرهم بأنساب النساء إلى الصباح. وقال أنساب الرجال يعرفها كلّ أحد (4)
وقال الحسن بن رشيق: أنا أحمد بن علي المدائني قال: قال المزني: قدم علينا الشافعي، فأتاه ابن هشام صاحب (المغازي) فذاكره أنساب الرجال، فقال له الشافعي بعد أن تذاكرا: دع عنك أنساب الرجال فإنها لا تذهب عنا وعنك، وخذ بنا في أنساب النساء، فلما أخذوا فيها بقي ابن هشام (5) «أي انقطع وتوقف عن المذاكرة».
وقال يونس بن عبد الأعلى: كان الشافعي إذا أخذ في أيام الناس يقول: هذه صناعته (6).
وقال أحمد بن محمد ابن بنت الشافعي: ثنا أبي قال: أقام الشافعي على العربية وايام
__________
(1) البيهقي: المناقب 4681، 469، الذهبي: سير النبلاء 10/ 70، حلية الأولياء 1139.
(2) الذهبي: سير النبلاء: 10/ 70، حلية الأولياء 9/ 113، والبيهقي: المناقب 1/ 469468، و 2/ 111.
(3) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 74ومناقب: البيهقي 1/ 488.
(4) نفسه، ومناقب الشافعي للبيهقي 1/ 488، 489و 2/ 42.
(5) انظر: البيهقي: المناقب 1/ 488، و 2/ 42، توالي التأسيس 60.
(6) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 75، تاريخ الإسلام (ت 323) ص 340.(1/52)
الناس عشرين سنة. وقال: ما أردت بهذا إلا الاستعانة على الفقه (1).
مرض الشافعي وأسقامه
وقال أبو حاتم: ثنا يونس بن عبد الأعلى قال: ما رأيت أحدا لقي من السّقم، ما لقي الشافعي، فدخلت عليه فقال: اقرأ عليّ ما بعد العشرين والمائة من آل عمران، فقرأت فلمّا قمت. قال: لا تغفل عني فإني مكروب. قال يونس: عنى بقراءتي ما بعد العشرين والمائة، ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أو نحوه (2).
وقال ابن خزيمة وغيره: ثنا المزنيّ قال: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه. فقلت: يا أبا عبد الله كيف أصبحت؟ فرفع رأسه وقال: أصبحت من الدنيا راحلا، ولإخواني مفارقا، ولسوء عملي ملاقيا، وعلى الله واردا. ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنّئها، أو إلى النار فأعزّيها، ثم بكى (3) وأنشأ يقول (4): [من الطويل]:
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت رجائي دون عفوك سلّما
تعاظمني (5) ذنبي فلمّا قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو (6) عن الذّنب لم ... تزل تجود وتعفو منّة وتكرّما
فإن (7) تنتقم مني فلست بآيس ... ولو دخلت نفسي بجرم جهنّما
فلو لاك لم يغو بإبليس عابد (8) ... فكيف وقد أغوى صفيّك آدما
__________
(1) المناقب: للبيهقي 2/ 42.
(2) المناقب للبيهقي 2/ 293، وآداب الشافعي: 76، 77، والذهبي: سير النبلاء 10/ 75، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 65.
(3) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 75، الزهد الكبير للبيهقي 222رقم 575.
(4) الأبيات في ديوان الشافعي ص 169، والبيهقي: مناقب الشافعي 2/ 111، ياقوت: معجم الأدباء 17/ 307302، توالي التأسيس 83، وأورد البيهقي الشطر الثاني من البيت الأول:
«جعلت الرجا مني لعفوك سلّما» ومسالكي بدل مذاهبي.
(5) تعاظم: زاد، وطما.
(6) في ديوان الشافعي ص 169: الشطر الأول من البيت الثالث هو: «وأيقنت أن العفو منك سجية» وكذلك أورده البيهقي في المناقب 2/ 111.
(7) في ديوان الشافعي ص 170: (وإن).
(8) في ديوان الشافعي ص 169: (فلولاك لم يصمد لإبليس عابد) وهو الأصح حتى يستقيم(1/53)
وإني لآتي الذنب أعرف قدره ... وأعلم أنّ الله يعفو تكرّما (1)
وقال الأصمّ: ثنا الربيع قال: دخلت على الشافعي وهو مريض، فسألني عن أصحابنا، فقلت: إنّهم يتكلّمون.
فقال: ما ناظرت أحدا قطّ على الغلبة، وبودّي أنّ جميع الخلق تعلّموا هذا الكتاب، يعني كتبه على أن لا ينسب إليّ منه شيء.
قال هذا: يوم الأحد، ومات يوم الخميس، وانصرفنا من جنازته ليلة الجمعة، فرأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين، وله نيّف وخمسون سنة (2).
وقال ابن أبي حاتم: ثنا الربيع: حدّثني أبو الليث الخفّاف، وكان معدّلا: حدّثني العزيزيّ، وكان متعبّدا، قال: رأيت ليلة مات الشافعي، كأنه يقال: مات النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة، فأصبحت، فقيل مات الشافعي رحمه الله (3).
قال حرملة: قدم علينا الشافعي مصر سنة تسع وتسعين ومائة.
وقال أبو علي بن حمكان: ثنا الزّبير بن عبد الواحد، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا سفيان بن وكيع قال: رأيت فيما يرى النائم، كأن القيامة قد قامت، والناس في أمر عظيم. إذ بدر لي أخي،
فقلت: ما حالكم؟
قال: عرضنا على ربّنا.
قلت: فما حال أبي؟
قال: غفر له، وأمر به إلى الجنّة.
فلت: ومحمد بن إدريس؟
__________
المعنى، وفي تاريخ الإسلام: لم يغو.
(1) ديوانه ص 170: قافية البيت ترحّما (رحمة وحنانا) وعند البيهقي: المناقب الشطر الأول هو:
«وأيقنت أو العفو منك سجية».
(2) مناقب البيهقي 2/ 297، والذهبي: سير النبلاء 10/ 79والخطيب: تاريخ بغداد 2/ 70وصفة الصفوة 2/ 258.
(3) حلية الأولياء 9/ 101، مناقب البيهقي 3012، 302، تاريخ دمشق 15/ 25أ.(1/54)
قال: حشر إلى الرحمن وفدا، وألبس حلل الكرامة، وتوّج بتاج البهاء (1).
قال زكريا بن أحمد البلخي وغيره: سمعنا أبا جعفر بن أحمد بن نصر الترمذي.
يقول: رأيت في المنام، النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده بالمدينة، كأني جئت إليه فسلّمت عليه، وقلت: يا رسول الله، أكتب رأي أبي حنيفة؟ قال: لا. فقلت: أكتب رأي مالك؟
قال: لا تكتب منه إلا ما وافق حديثي. فقلت: أكتب رأي الشافعي؟ فقال بيده:
هكذا، كأنه ينتهرني. وقال: تقول رأي الشافعي إنه ليس برأي، ولكنه ردّ على من خالف سنّتي (2).
وقد روي عن جماعة عديدة نحو هذه القصة، ونحو التي قبلها، في أنه غفر له، وساق جملة منها الحافظ ابن عساكر في ترجمة الشافعي رحمه الله تعالى وأسكنه الجنّة مع محبّيه، إنه سميع مجيب. هذا كلام الحافظ شمس الدين الذهبي.
المصنفات في مناقب الشافعي
وقد أكثر العلماء رحمهم الله تعالى، من المصنفات في مناقب الشافعي، وأحواله ومن المتقدمين: داود بن علي الأصفهاني، وأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، وزكريا الساجي (3)، وأبي الحسن الدارقطني، وأبي الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم الآبري السجستاني، وأبي عبد الله محمد بن أحمد بن شاكر القطان المصري، وأبي علي بن حمكان (4)، وأبي عبد الله (5) الحاكم، وأبي بكر البيهقي، وأبي الفتح نصر المقدسي، وخلائق من المتقدمين. ومن المتأخرين، الإمام فخر الدين الرازي، وأثير الدين أبي عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن غانم (المعروف بابن المقرىء) وله في ذلك كتاب كبير سمّاه شفاء الصدور، في محاسن صدر الصدور (6).
__________
(1) انظر: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 69وتاريخ دمشق لابن عساكر 15/ 25أ، تاريخ الإسلام للذهبي «ت 323» ص 341، 342.
(2) نفسه، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 21/ 408، 409، وحلية الأولياء، 9/ 100، تاريخ بغداد 2/ 69مرآة الجنان 2/ 27، تاريخ الإسلام (ت 323) ص 342.
(3) هو أبو يحيى: زكريا بن يحيى الساجي المتوفى سنة 307هـ، مناقب البيهقي 1/ 10.
(4) الحسن بن الحسين بن حمكان الأصبهاني المتوفى سنة 450هـ، مناقب البيهقي 1/ 10.
(5) محمد بن عبد الله بن البيع (405321)، مناقب البيهقي 1/ 10.
(6) العلماء الذين صفنوا في مناقب الشافعي أخبارهم في: البيهقي: طبقات الشافعية 1/ 345343،(1/55)
ثم اختصره في مجلد، وآخرون وكتبهم في مناقبه مشهورة، ومن أحسنها، وأنفعها:
كتاب البيهقي (1) وهو مجلدان ضخمان، مشتملان على معايش من كل شيء استوعب فيها معظم أحواله، ومناقبه بالأسانيد الصحيحة، والدلائل الصريحة. قال أبو عبد لله ابن غانم: وصنف الإمام أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق ابن السنّي (2) كتابه، الذي سماه: «موافقة الشافعي، سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم» وهذه نبذة قصيرة، في مناقب الشافعي رضي الله عنه وأيده، على ما تقدم. قال أبو عبد الله بن غانم، في كتابه مناقب الشافعي: أبوه إدريس كان يتأله ويتعبد، وكان من الصالحين، ممن كان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وكان يرى بالمدينة ما يكره، فخرج إلى عسقلان، فأقام بها حتى مات. قال ابن غانم: ووجدت في مناقب الشافعي رضي الله عنه، من جمع أبي عبد الله محمد بن علي الخاقاني، سمعت ابا بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عمار بن العباس يقول: سمعت عمي إبراهيم بن محمد الشافعي يقول: ولد الشافعي (3)
بغزة، وكان والده خرج إلى الشام، فتزوج بوالدة الشافعي بغزة، فأقام بها ومات بها.
وخرج عمه حتى بلغه وفاة أخيه بها، فتزوج بوالدته، وحملها مع ابن أخيه، إلى مكة قال: ولم يقربها قط. وقال: ما تزوجت بها رغبة في النساء، ولكني أردت صيانة ولد أخي، وقال أبو حاتم وابن حبان: ما رأى أبوه وهو ابن سنتين (4). وقال الحافظ أبو عبد الله الحاكم، نا أبو الوليد حسان ابن محمد الفقيه قال: سمعت أبا العباس بن سريج
__________
والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 58، أسد الغابة 2/ 317، الإصابة 2/ 11، مناقب الشافعي: البيهقي 1/ 9، 10.
(1) البيهقي: أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي، الخسروجردي، الخراساني الشافعي (أبو بكر) محدث وفقيه صنف كتبا عدة منها: كتاب مناقب الشافعي. انظر: ابن الجوزي: المنتظم 8/ 342، وابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 22.
(2) انظر: السبكي: طبقات الشافعية 2/ 96والذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 142.
(3) انظر: ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 9، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 56، 59، الرازي: آداب الشافعي ص 23، والذهبي: سير أعلام البنلاء 10/ 6، البيهقي: المناقب 1/ 71.
(4) قال الشافعي: ولدت بغزة سنة خمسين ومائة، وحملت إلى مكة ابن سنتين، تهذيب الأسماء 1/ 45، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 6056، صفة الصفوة 2/ 140، البداية والنهاية 10/ 251، الوافي 2/ 171.(1/56)
يحكي عن بعض مشايخه، قال: شهدت أمّ الشافعي وأمّ بشر المريسي (1) بمكة، عند القاضي قال: فأراد أن يفرق بينهما. فقالت أم الشافعي رضي الله عنه: ليس لك ذلك، لأن الله تعالى يقول: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدََاهُمََا فَتُذَكِّرَ إِحْدََاهُمَا الْأُخْرى ََ} (2) فلم يفرق بينهما.
ولا تعرف هذه المسألة منقولة في مذهب ولدها. قال حرملة: سمعت الشافعي يقول:
كنت صبيّا بمكة، فرأيت في المنام رجلا ذا هيبة، يؤمّ الناس في المسجد الحرام، فلما فرغ من صلاته أقبل على الناس يعلّمهم، قال: فدنوت منه، فقلت: علّمني. فاخرج ميزانا من كمّه فأعطاني. فقال: هذا لك. قال الشافعي رضي الله عنه: وكان ثمّ معبّر، فعرضت المنام عليه فقال: إنك تبلغ وتصير إماما في العلم، وتكون على السبيل والسّنّة، لأن إمام المسجد الحرام فوق الأئمة كلهم، وأفضلهم، وأمّا الميزان، فإنك تعلم حقيقة الشيء في نفسه (3).
رواه أبو عبد الله بسنده عن حرملة وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: ما أفلح في طلب العلم إلّا من طلبه بالقلة ولقد كنت أطلب ثمن القرطاس فيعزّ علي (4). وقال الربيع: قيل للشافعي: إلى متى يحسن بالمرء أن يتعلم؟ قال: ما دامت الحياة، يحسن به (5) رواه ابن غانم، بسنده عن الربيع، وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: أقدر الناس على طلب العلم الفقراء (6) رواه الآبري عن الربيع، وروى أبو نعيم بسنده عن
__________
(1) بشر المريسي: أحمد أصحاب أبي حنيفة، وكان وافق المعتزلة في خلق القرآن، وأكفرهم في خلق الأفعال، وقال ابن تيمية كان من المرجئة. بل من كبار الجهمية، وروى ابن زنجويه عن أحمد بن حنبل قال: كنت في مجلس ابي يوسف القاضي حين أمر ببشر المريسي، فجرّ برحله فأخرج. ثم رأيته بعد ذلك في المجلس. ورغم ورعه وزهده ابتعد عنه الناس لأنه كان من أصحاب الكلام وخوضه في ذلك. أخذ بشر عن القاضي أبو يوسف، وكان له قدر عند الدولة لقوله بخلق القرآن، وكفّره بعض العلماء، له مصنفات مات سنة 218هـ. السبكي الطبقات 2/ 179، الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 202199، البيهقي: مناقب 203، 204، ابن تيمية: منهاج السنة 1/ 256، وانظر خبر شهادة أم الشافعي وأم المريسي أمام القاضي بمكة في: مناقب البيهقي 1/ 203.
(2) سورة البقرة (2) الآية 282.
(3) مناقب البيهقي 1/ 99.
(4) البيهقي: مناقب 2/ 141، الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 79.
(5) البيهقي: مناقب 2/ 138، 141.
(6) انظر: آداب الشافعي ومناقبه، لأبي محمد الرازي 1/ 134.(1/57)
المزني، عن الشافعي قال: العلم مروءة من لا مروءة له (1). وقال عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم: سألت الشافعي أيّ آية أرجى؟ قال: قوله {يَتِيماً ذََا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذََا مَتْرَبَةٍ} (2) رواه الحاكم وقال يحيى بن نصر الحولانيّ المصريّ (3): قدم الشافعي من الحجاز، فبقي بمصر أربع سنين ووضع هذه الكتب في أربع سنين، ثم مات.
وكان: أقدم معه من الحجاز كتب ابن عيينة، وخرج إلى يحيى بن حسان (4)، فكتب عنه، وأخذ كتابا من كتب أشهب (5) بن عبد العزيز: فيه آثار وكلام من كلام أشهب.
وكان يضع الكتب بين يديه، ويصنف الكتب، فإذا ارتفع له كتاب، جاءه صديق له يقال له: ابن هرم (6). فيكتب ويقرأ عليه البويطيّ: وجميع من يحضر يسمع في كتاب ابن هرم، ثم ينسخونه بعد.
تصنيف الشافعي الكتب في مصر
وكان الربيع على حوائج الناس، فربّما غاب في حاجة فيعلّم له، فإذا رجع قرأ الربيع عليه ما فاته (7). رواه ابن أبي حاتم عن يحيى. وقال الربيع: أقام الشافعي هاهنا أربع سنين فأملى ألفا وخمسمائة ورقة، وكتاب السنن، وأشياء كثيرة كلها في أربع سنين (8).
وكان عليلا شديد العلّة، وكان ربّما يخرج الدم منه، وهو راكب، حتى تبتل سراويله،
__________
(1) انظر: مناقب البيهقي 2/ 156.
(2) سورة البلد (90) الآية (1615).
(3) ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 10، وآداب الشافعي ومناقبه، الرازي ص 70، مناقب البيهقي 1/ 240.
(4) هو: أبو زكريا التنيسي، صاحب الليث المتوفى سنة 208هـ، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 151، حسن المحاضرة 1/ 157، شذرات الذهب 2/ 22.
(5) هو: أبو عمرو العامري المصري صاحب مالك، المتوفى سنة 204هـ، شذرات الذهب 2/ 12، حسن المحاضرة 1/ 166.
(6) هو: إبراهيم بن محمد بن هرم المصري صاحب الشافعي المتوفى قبله. طبقات الشافعية للسبكي 1/ 231، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 62، وتوالي التاسيس ص 79، العبادي: طبقات العبادي 2928.
(7) مناقب البيهقي 1/ 241، وآداب الشافعي وهامشه ص 7170.
(8) انظر: آداب الشافعي ومناقبه للرازي ص 70، حلية الأولياء 9/ 129، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 63، وتاريخ بغداد 2/ 67.(1/58)
ومركبه، وسرجه (1) وخفّه. رواه أبو الحسن الآبري عن الربيع (2)، وقال الحاكم أبو عبد الله: ثنا أبو الوليد محمد بن حسان الفقيه، ثنا إبراهيم بن محمود قال: سمعت الربيع يقول (3): ألف الشافعي رضي الله عنه هذا الكتاب «المبسوط» حفظا. لم يكن معه كتاب. قال إبراهيم: فأخبرت يونس بن عبد الأعلى بهذا.
فقال: قد قيل هذا. وقال الربيع بن عبد الواحد: سمعت عبد الله بن محمد يقول:
سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: لما أردت أن أملي أحكام القرآن، قرأت القرآن مائة مرة (4). رواه أبو عبد الله بن غانم بسنده إلى الربيع. وقال أبو زكريا الساجي، ومحمد بن علي بن حبيب الطرائفي: ثنا الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: أريت في المنام كأنّ آت أتاني، فحمل كتبي وبثّها في الهواء فتطايرت.
فاستعبرت بعض المعبّرين، فقال: إن صدقت رؤياك لم يبق بلد من بلدان الإسلام، إلا ودخله علمك (5). وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: لولا أن يطول على الناس، لوضعت في كل مسألة حججا وبيانا (6). رواه الحاكم عن أبي الوليد الفقيه. ثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال: سمعت هارون الأيلي، ثا الربيع فذكره، وقال المزني: سمعت الشافعي يقول: العلم ثلاثة: الفقه للأديان والطّب للأبدان والنحو للسان (7). ذكره يحيى الساجي، ثنا ابن بنت الشافعي قال: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: إذا أردت علم الصلاة، فعليك بأهل المدينة، وإن أردت المناسك، فعليك بأهل مكة، وإن أردت الملاحم، فعليك بأهل الشام، وإن أردت الفقه، فعليك بأهل الكوفة (8) وقال إبراهيم الحربي: قدم الشافعي رضي الله عنه بغداد، وفي مسجد الجامع الغربي عشرون حلقة لأصحاب الرأي، فلما كان في الجمعة الثانية،
__________
(1) انظر: مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 291.
(2) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 65.
(3) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 68، آداب الشافعي ومناقبه، للرازي 1/ 242، والبيهقي:
المناقب 1/ 8.
(4) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 21/ 389، آداب الشافعي ومناقبة للرازي 1/ 244.
(5) مناقب البيهقي 1/ 259.
(6) مناقب البيهقي 1/ 163و 1/ 178، آداب الشافعي ومناقبه، للرازي 1/ 178.
(7) الصفدي: الوافي 2/ 174، حلية الأولياء 9/ 112، مناقب الفخر 119.
(8) مناقب البيهقي 1/ 170.(1/59)
لم يثبت فيها إلا ثلاث حلق، أو أربع حلق (1). وقال أبو الفضل الزجاج: لما قدم الشافعي رضي الله عنه إلى بغداد كان في الجامع إما ست وأربعون، أو خمسون حلقة، فلما دخل بغداد، ما زال يفقد من كل حلق حلقة، ويقول لهم: قال الله تعالى، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يقولون: قال: أصحابنا. حتى ما بقي في المسجد حلقة غيره (2).
رواه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي، عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن المجمر قال: سمعت عبد العزيز الحنبلي صاحب الزجاج قال: سمعت أبا الفضل الزجاج فذكره.
شهادة أئمة المسلمين للشافعي بالتقدم في العلم
وقال الربيع: كان الشافعي رضي الله عنه، يجلس في حلقته إذا صلى الصبح فيجيئه أهل القرآن، فإذا طلعت الشمس قاموا. وجاء أهل الحديث، فيسألونه عن تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا واستوفت الحلقة للمذاكرة، والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا، وجاء أهل العربية والعروض، والنحو والشعر، ولا يزالون إلى أن يقرب انتصاف النهار. ثم ينصرف (3). وقال الربيع: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرى النائم قبل حلمي فقال لي: يا غلام، قلت: لبيك يا رسول الله قال: ممن أنت؟ قلت: من رهطك يا رسول الله، قال: ادن مني، فدنوت منه، فأخذ من ريقه، ففتحت فمي فأمرّ بريقه على لساني وفمي وشفتي، وقال: امض بارك الله فيك. فما أذكر أني لحنت في حديث بعد ذلك ولا شعر (4). وراه أبو عبد الرحمن السلمي، عن أبي سعيد بن رميح الحافظ. ثنا علي بن أحمد بن علي الحافظ قال: سمعت علي بن محمد بن عبد الله القرشي، يقول: سمعت الربيع فذكره. قال أحمد بن حنبل: ما سبق الشافعي إلى كتاب الجزية. وقال المزني وغيره: ما سبق إلى كتاب الشفعة (5). وقال الربيع: أخبرني أبو يعقوب البويطي عن الحميدي قال: كان
__________
(1) مناقب البيهقي 1/ 225، والخطيب: تاريخ بغداد 2/ 68.
(2) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 68، مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 21/ 383، مناقب البيهقي 1/ 225.
(3) ياقوت: معجم الأبداء 17/ 304.
(4) مناقب البيهقي 1/ 98.
(5) مناقب البيهقي: 1/ 261.(1/60)
سفيان بن عيينة، ومسلم بن خالد، وسعيد بن سالم وعبد المجيد بن عبد العزيز، وشيوخ أهل مكة يصفون الشافعي، ويعرفونه من صغره، مقدّما عندهم بالذكاء، والعقل والصيانة، ويقولون: لم نعرف له صبوة (1) وقال يحيى بن سعيد القطان، حين عرض عليه كتاب الرسالة للشافعي: ما رأيت أعقل، أو أفقه منه (2). وقال الزعفراني: سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: أنا أدعو للشافعي في صلواتي منذ أربعين سنة (3) رواه البيهقي، وقال ابن أبي حاتم: ثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال: أخبرت عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال: إني لأدعو الله عز وجل للشافعي، في دبر كل صلاة، أو في كل يوم، يعني لما فتح الله عز وجل عليه من العلم، ووفقه للسداد فيه (4). وقد روى البيهقي وغيره، أن يحيى القطان لما عرض عليه كتاب الرسالة للشافعي قال: ما رأيت أعقل أو أفقه منه (5). وقال الزعفراني: لما قرأ عبد الرحمن بن مهدي كتاب الرسالة، قال: ما أطيب أن يكون في هذه الأمة اليوم مثل هذا الرجل: أو أن الله خلق مثل هذا الرجل (6). حكاه الآبري عن الزعفراني وقال أبو جابر الرازي: ثنا حماد بن زاذان، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: إذا رأيت المصري، والخراساني يحبّ الشافعي، فاعلم أنه صاحب سنّة (7). رواه ابن غانم في كتاب المناقب، بسنده إلى أبي حاتم، وقال زكريا الساجي: حدثني محمد بن إسماعيل قال: سمعت مصعب الزبيري يقول: قال لي محمد بن الحسن: إن كان أحد يخالفنا يوما فيثبت خلافه علينا فالشافعي. فقيل له: لم؟ قال لتأنّيه ولتيقّنه في السؤال والاستماع (8)، وقال محمد بن الحسن: إن تكلم أصحاب الحديث يوما، فبلسان الشافعي يتكلمون (9). وقال أبو حسان الحسن بن عمار الزيادي: كنت في دهليز
__________
(1) مناقب البيهقي 2/ 243، توالي التاسيس 5554، ومناقب الرازي ص 20.
(2) الخطيب: تاريخ بغداد 2/ 67، مناقب البيهقي 1/ 233.
(3) الرازي: الجرح والتعديل 7/ 202، مناقب البيهقي 10/ 233، والذهبي: سير النبلاء 10/ 86.
(4) مناقب البيهقي 1/ 233.
(5) الذهبي: سير النبلاء 10/ 15، مناقب البيهقي 1/ 233.
(6) ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 164.
(7) لم أعثر على سنده.
(8) مناقب البيهقي 1/ 160.
(9) النووي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 50.(1/61)
محمد بن الحسن، وولده محمد، وجاء الشافعي، فلما نظر إليّ الشافعي، ثنى رجله، ونزل وقال لغلامه: اذهب فاعتذر. فقال له الشافعي: لنا وقت غير ذا، فأخذ يده فدخلا الدار. قال أبو حسان: فاختار مجالسة الشافعي، على قرينته في الدار يعني دار الخلافة (1). وقال أبو حسان أيضا: ما رأيت محمد بن الحسن، يعظم أحدا من أهل العلم إعظامه للشافعي، ولقد جاءه الشافعي يوما، وقد ركب محمد بن الحسن، فلقيه على باب الدار، فرجع محمد إلى منزله، وخلا به يومه إلى الليل، ولم يأذن لأحد عليه. رواها أبو الحسن الآبري، بسنده عن أبي حسان الزبادي (2). قال البيهقي:
وحكى عن أبي يوسف القاضي أنه حين خرج الشافعي من عند الرشيد، بعث إليه يقرئه السلام ويقول: صنّف الكتب، فإنك أولى من تصنف الكتب في زمانك هذا (3).
وهذه الحكاية لا تصح، فإن القاضي أبا يوسف، مات سنة اثنتين وثمانين قبل قدوم الشافعي إلى لعراق. وقال يونس (4) بن عبد الأعلى: رأيت الشافعي عند عبد الله بن وهب، فلما قام قال لي ابن وهب: ما رأيت رجلا أيقظ ولا أفهم بردّ الجواب ولا أعظم مروءة من هذا، يعني الشافعي (5). رواه ابن غانم بسنده إلى يونس، وقال الربيع:
أخبرني البويطي، أن يحيى بن حسان. كان يقول (6): ما رأيت مثل الشافعي، وكان شديد المحبة للشافعي. قدم الفسطاط فقال: إنما جئت للسلام على الشافعي (7). رواه الآبري، عن واحد من آخر، عن الربيع، وقال أبو عبد الله الحاكم: حدثي أبو العباس الوليد بن بكر المالكي. ثنا أحمد بن محمد بن علي بن جابر التّنّيسيّ، عن شيوخه أن الشافعي لما ورد على تنّيس (8)، نزل على يحيى بن حسان، وكان من المياسير (9)، وكان طبّاخه لا يعيد اللون في الأسبوع إلا مرة، فأمر الشافعي الطبّاخ، بإعادة لون استطابه،
__________
(1) ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 165، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 21/ 379.
(2) نفسه.
(3) مختصر تاريخ دمشق لابن منظر 21/ 264، البيهقي: المناقب 2/ 246.
(4) ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 9.
(5) مختصر تاريخ دمشق لابن منظر 21/ 380.
(6) مناقب البيهقي 2/ 247.
(7) نفسه.
(8) تنيس: جزيرة في مصر يحيط بها ماء مالح تقع بين الفرما ودمياط، ياقوت معجم البلدان 2/ 5451.
(9) المياسير: جمع موسر: وهو ذو اليسار والغنى،. / المعجم الوسيط /.(1/62)
فلما وضع على المائدة، تغيّر يحيى بن حسان، فقال الشافعي: أنا أمرته بهذا، فسرّي عنه، ثم قال للغلام الطبّاخ: أنت حرّ لوجه الله، شكرا لانبساط أبي عبد الله الشافعي في رحلنا (1). وقال ابن أبي حاتم: حدثني أبو عمار الخوارزمي، نزيل مكة، قال: كتب إليّ. ثنا أبو تراب حميد بن أحمد المصري. قال: كنت عند أحمد بن حنبل، نتذاكر في مسألة، فقال رجل لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله لا يصح فيه حديث، فقال لي: يصح فيه حديث، فيه قول الشافعي، وحجته أثبت شيء فيه (2). ثم قال: قلت للشافعي:
ما تقول في مسألة كذا، وكذا، فأجاب فيها. فقلت من أين؟ قل: هل فيه حديث أو كتاب؟. قال: بلى، فنزع في ذلك، حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث نصر. وقد روي عن الإمام أحمد، من غير طريق (3)، أنه أخذ بركاب الشافعي، ومشى معه، فبلغ ذلك يحيى بن معين، فأرسل إلى أحمد يلومه، ويقول: اضطرك الأمر إلى أن تمشي إلى جانب بغلة الشافعي. فقال له أحمد: وأنت لو مشيت من الجانب الآخر لانتفعت. ثم قال أحمد: من أراد الفقه فليلزم ذنب هذه البغلة (4) وقال محمد بن عبد الرحمن الدينوري. سمعت أحمد بن حنبل قال (5): كانت أقفيتنا أصحاب الحديث، في أيدي أصحاب أبي حنيفة. ما تنزع حتى رأينا الشافعي، وكان أفقه الناس في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كان يكفيه قليل الطلب في الحديث. رواه ابن أبي حاتم، وقال عبد الملك بن حميد بن ميمون بن مهران: قال لي أحمد بن حنبل: ما لك لا تنظر في كتب الشافعي؟ فما من أحد وضع الكتب حتى ظهرت [كتب الشافعي ولا أحد] أتبع للسّنّة من الشافعي (6).
رواه ابن أبي حاتم عن أبيه، عن عبد الملك، وقال إسحاق بن راهويه (7): كنت مع
__________
(1) مناقب البيهقي 2/ 247.
(2) انظر: الخطيب البغداجي: تاريخ بغداد 2/ 67، ومختصر تاريخ دمشق 21/ 284، تهذيب التهذيب 3/ 499، مناقب البيهقي 2/ 154، آداب الشافعي 86.
(3) مناقب البيهقي 2/ 253.
(4) مناقب البيهقي 2522، تاريخ بغداد 612، مختصر تاريخ دمشق 21/ 385.
(5) مناقب البيهقي 1/ 224، حلية الأولياء 9/ 98، الرازي: الجرح والتعديل 7/ 203.
(6) الرازي: الجرح والتعديل 7/ 204، البيهقي: المناقب 1/ 261، آداب الشافعي 561.
(7) آداب الشافعي ومناقبه للرازي ص 42، السبكي طبقات الشافعية 1/ 236، تهذيب ابن عساكر 2/ 32، صفة الصفوة: 2/ 166.(1/63)
أحمد بن حنبل بمكة. فقال: تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله. رواه الحافظ أبو نعيم بسنده عن إسحاق، فقال زكريا الساجي، وعمرو بن عثمان المكي. ثنا عبد الله ابن داود، عن أبي توبة البغدادي، قال: رأيت أحمد بن حنبل، عند الشافعي في المسجد الحرام. فقلت: يا أبا عبد الله هذا سفيان بن عيينه، يحدث في ناحية المسجد، فقال (1): هذا يغوث يعني الشافعي، وذاك لا يغوث يعني ابن عيينه. وقال أبو بكر بن شاذان، سمعت أبا القاسم بن منيع يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان الفقه قفلا على أهله، حتى فتحه الله تعالى بالشافعي (2)، رواه البيهقي. وقال ابن شاذان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، سمعت أبي يقول: لولا الشافعي، ما عرفنا فقه الحديث.
رواه الخطيب البغدادي، عن شيخه عن ابن ياذان، وقال محمد بن عوف: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء، في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه (3). رواه الحاكم أبو عبد الله بسنده إلى محمد بن عوف. وقال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: الشافعي كان صاحب حديث؟. قال: إي والله صاحب حديث! إي والله صاحب حديث! إي والله صاحب حديث (4)! رواه الحاكم بسنده عن أبي بكر الأثرم. وقال يحيى بن زكريا النيسابوري: قال أحمد بن حنبل: قدم علينا نعيم بن حماد، فحضّنا على طلب المسند، فلما قدم الشافعي رضي الله عنه، وضعنا على المحجة (5) البيضاء. رواه أبو الحسن الآبري بسنده عن يحيى بن زكريا، وقال زكريا الساجي: حدثني محمد بن خالد، وفي رواية ابن خلاد البغدادي، قال: ثنا الفضل بن زياد، عن أحمد بن حنبل قال: هذا الذي ترون كلّه أو عامته من الشافعي.
ما بتّ منذ أربعين سنة أو قال ثلاثين سنة، إلا وأنا أدعو الله للشافعي واستغفر له (6). رواه الحافظان أبو بكر البيهقي، والخطيب البغدادي، وقال أبو بكر المروروذي: قال أحمد إذا سئلت عن مسألة لا أعرف منها خبرا، قلت فيها: بقول الشافعي لأنه إمام وعالم من قريش. وذكر الخطيب البغدادي، بسنده عن أبي عثمان ابن بنت الشافعي قال: قال لي
__________
(1) الرازي: آداب الشافعي ص 43، 44، توالي التاسيس ص 58، البيهقي: المناقب 2/ 256.
(2) مناقب البيهقي 2/ 257، 1/ 301.
(3) انظر: ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 9، البيهقي: المناقب 2/ 41.
(4) ابن عساكر: تاريخ دمشق 14/ 2/ 417414.
(5) ابن خلكان وفيات لأعيان 4/ 164، مناقب البيهقي 1/ 224، حلية الأولياء 9/ 101.
(6) مناقب البيهقي 2/ 254، تاريخ بغداد 2/ 62.(1/64)
أحمد بن حنبل (1): أبوك أحد الستة الذين أدعو لهم في كل سحر. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عالم قريش يملأ الأرض علما» (2) رواه بالإسناد أبو عبد الرحمن السلمي، بسنده إلى المروروذي لا يصحّ فيه حديث فقال: من يقول الشافعي رواه؟ وقال خطار بن بشر كنت أسأل أبا عبد الله أحمد بن حنبل، فيجيبني، ويلتفت إلى ابن بنت الشافعي فيقول: هذا مما علمنا أبو عبد الله يعني الشافعي (3) رواه أبو عبد الله بن غانم بسنده، وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانىء: سألت أحمد بن حنبل: كتب مالك أو الشافعي هي أحبّ إليك؟ أم كتب أبي حنيفة، وأبي يوسف؟ فقال: كتب الشافعي أحبّ إليّ. وهو وإن وضع كتابا فهو يفتي في الحديث، وهؤلاء يفتون في الرأي، فكم بين هذين (4)؟.
رواه الحاكم أبو عبد الله. وقال محمد بن مسلم بن واره: سألت أحمد بن حنبل كلام من أكتب؟ وذكرت له مالكا، والشافعي، فقال: إن كان لابد، فكلام الشافعي بطريق البويطي. فإن لم تجد، فأبي الوليد (5). رواه أبي غانم في كتاب المناقب، بسنده إلى ابن واره. وقال أحمد بن القاسم صاحب أبي عبيد: أردت الخروج إلى مصر، فأتيت أحمد بن حنبل، فقلت: يا أبا عبد الله: إني أريد الخروج إلى مصر، بم تأمرني؟ قال:
اكتب كتب الشافعي (6)، وقال أبو بكر أحمد بن عثمان بن سعيد الأحول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما كان أصحاب الحديث يعرفون معاني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حتى قدم الشافعي فبيّنها لهم (7). رواها أبو عبد الله الحاكم، وقال ابن مجاهد: سمعت أحمد بن الليث يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إني لأدعو الله للشافعي في صلواتي منذ أربعين سنة، أقول: اللهم اغفر لي، ولوالدي، ولمحمد بن إدريس الشافعي. فما
__________
(1) الخطيب: تاريخ بغداد 2/ 61، البيهقي: المناقب 2/ 317.
(2) أورده الذهبي في سير النبلاء 10/ 82، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 60، 61، (مناقب) البيهقي 1/ 54، توالي التأسيس: 4846، (الحلية) 9/ 65، (مناقب) الرازي:
126 - وابن كثير البداية والنهاية 10/ 253وأخرجه الطيالسي (أبو داود) في مسنده ص 4039عن طريق الجارود عن أبي الأحوص عن ابن مسعود.
(3) الأصبهاني: حلية الأولياء 9/ 102100.
(4) نفسه، ومناقب البيهقي 1/ 262.
(5) الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 43، ومناقب البيهقي 1/ 263.
(6) أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء 9/ 97، وسير أعلام النبلاء 10/ 55ومناقب البيهقي 1/ 263.
(7) نفسه 9/ 98، ومناقب البيهقي 1/ 301.(1/65)
كان فيهم أتبع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منه (1)، رواه ابو بكر البيهقي. وثنا أحمد بن حنبل عن الشافعي [فقال]: أشهر من أن يذكر، وأعظم من أن يحصر، قال الحافظ ابن غانم:
وفيها روي عن الإمام أحمد بن حنبل، في فضائل إمام الأمة، أبي عبد الله الشافعي [هي] كثيرة لو استوفيناه، لطال، ولا يسعه هذا المختصر قال: وقد جمعت كتابا على حديثه فيما روي عن أحمد بن حنبل في فضائل الشافعي. وقال أبو بكر أحمد بن الفضل:
سمعت إسحاق بن راهويه يقول: وقد اجتمع مع أحمد بن حنبل ببغداد. والشافعي نازل بباب الطاق (2). نرى أن نلقاه. قال أحمد: إنه رجل إمام من أئمة لمسلمين، وقد لقيته مرات، وعدت إليه عودة بعد عودة، لكن قم بنا إليه. قال إسحاق: فقمنا إليه فوجدناه يقرأ القرآن، فسلمنا عليه، فأجلسنا مجلسة كتبه، فلما أن فرغ من درسه، التفت إلى أحمد فقال: يا أبا عبد الله من الرجل؟ فقال: أخونا إسحاق بن راهويه، قال إسحاق:
فأدناني وعانقني وقال: الحمد لله الذي جمع بيني وبينكما. قال إسحاق: فتناظرنا في الحديث، فلم أر أعلم منه. ثم ناظرنا في الفقه، فلم أر أفقه منه، ثم ناظرنا في القرآن، فلم أر أقرأ منه، ثم ناظرنا في اللغة، فوجدته نفسه (اللغة)، وما رأت عيناي مثله قط.
قال: فخرجنا من عنده، والتفت إليّ أحمد فقال لي: يا أبا يعقوب، كيف رأيت الرجل؟ فقلت: راجحا، وافرا زاد الله مثله في المسلمين (3)، رواه الحافظ ابن غانم بسنده. وقال أبو عبد الله البوشنجي: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: وقد ذاكر في قوله يعني قول الشافعي: هو متين القول (4). رواه الحاكم أبو عبد الله بسنده، وقال جعفر بن محمد النيسابوري: سمعت إسحاق بن راهويه وسئل فقيل له: كيف وضع الشافعي هذه الكتب؟ وكان عمره قصيرا. فقال إسحاق: جمع الله له عقله لقلّة عمره (5). رواه الحاكم. وقال أبو الحسن علي بن زريق الآدمي: سمعت أبا عبد الرحمن
__________
(1) أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء 9/ 10298، ومناقب البيهقي 1/ 55، تاريخ بغداد 2/ 60، توالي التأسيس ص 57.
(2) باب الطاق: أحد أبواب بغداد / الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 1/ 116، 2/ 197، 4/ 382، البيهقي: المناقب 3211، ابن عساكر: تاريخ دمشق 14/ 2/ 411.
(3) الرازي: الجرح والتعديل 7/ 202، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 21/ 379.
(4) مناقب البيهقي 2/ 261.
(5) مناقب البيهقي 1/ 259، تهذيب التهذيب 3/ 499.(1/66)
الشامي يقول: قال إسحاق بن راهويه: الشافعي خطيب العلماء (1). فقلت: أسمعته من إسحاق؟ فقال: لا. نا عبد الله بن فضالة عنه. رواه الحافظ أبو بكر البيهقي بسنده عن أبي الحسن ابن زريق وقال أبو عبد الله بن عبد الرحمن العسالي: سمعت عبيد الله بن فضالة النسائي الثقة المأمون يقول: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: الشافعي إمام (2).
رواه البيهقي أيضا. وقال محمد بن إسحاق المروزي: سمعت إسحاق بن راهويه يقول (3): الأئمة في زماننا: الشافعي، والحميدي وأبو عبيد. رواه ابن غانم. وقال محمد بن علي بن المديني: قال لي: أبي لا تترك للشافعي حرفا واحدا إلا كتبته، فإن فيه معرفة (4). رواه الآبري. وقال محمد بن يعقوب بن الفرجي قال: قال علي بن المديني: كان الشافعي لي صديقا، وكان سبب معرفتي إياه عند أبي عبيد، وكان ابن عبيد يعظمه ويجلّه. رواه نالآبري أيضا. وقال محمد بن علي الصايغ: سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن إدريس الشافعي في الناس بمنزلة العافية للخلق والشمس للدنيا، جزاه الله عن الإسلام وعن نبيه صلى الله عليه وسلم خيرا (5). رواه أبو عبد الله بن غانم بسنده. وقال القاضي أبو محمد بن خلاد: قال يحيى بن معين: مثل الشافعي في الفقهاء، مثل الخليفة في الأمراء، ولقد علّم الشافعي أصحاب الحديث الثقافة (6). رواه ابن أبي حاتم أيضا، وقال الزعفراني (7): كنت مع يحيى بن معين في جنازة، فقال له رجل: يا أبا زكريا، ما تقول في الشافعي؟ فقال: دع هذا عنك، لو كان الكذب له مطلقا لكانت مروءته تمنعه أن يكذب. رواه الحافظ أبو نعيم، ثنا أحمد بن إسحاق، حدثني أبو الطيب أحمد بن روح، ثنا الزعفراني، وقال أبو عبد الله البوشنجي (8): سألت يحيى بن معين عمّن أكتب كتب الشافعي؟ قال: عن الربيع. قال: وذاك قبل خروجي إلى مصر. رواه أبو الحسن
__________
(1) مناقب البيهقي 2/ 261.
(2) مناقب البيهقي 2/ 261.
(3) مناقب البيهقي 1/ 30.
(4) مناقب البيهقي 10/ 270، 2/ 248، الذهبي: سير النبلاء 10/ 59.
(5) الذهبي: سير النبلاء 10/ 45، ابن عساكر: تاريخ 14/ 415/ 1.
(6) لم أعثر على سنده.
(7) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 387، الذهبي: سير النبلاء 10/ 47، حلية الأولياء 9/ 97، البيهقي: المناقب 2502.
(8) مناقب البيهقي 2/ 249.(1/67)
الآبري. وقال جعفر بن أبي عمار الطيالسي: سألت يحيى بن معين عن الشافعي فقال:
ثقة (1). رواه ابن أبي حاتم بسنده. وقال أبو بكر ابن إدريس ورأيت الحميدي. قال الحميديّ (2): كنّا نريد أن نردّ على أصحاب الرأي فلم نحسن كيف نرد عليهم؟ حتى جاء الشافعي، ففتح لنا. رواه ابن أبي حاتم. ثنا أبو بكر فذكره. ورواه الآبري بسنده، عن أحمد بن المقدام. قال: سمعت الحميدي يقول: كنّا ننكر (3) على أصحاب الرأي ولا نحسن نردّ عليهم، حتى أغاثنا لله تعالى بالشافعي. وقال الربيع: كان الحميدي في سن الشافعي، قدم على الشافعي، وكان يقول: أبو عبد الله الشافعي (4) إمامنا ومعلمنا.
رواه الآبري بسنده. وقال عبد الواحد بن معبد: كان الحميدي يقول: حدثنا سيد العلماء محمد بن إدريس الشافعي (5). رواه الآبري عن شيخه عن عبد الواحد. وقال داود بن علي الأصفهاني: حدثني أبو جعفر المعروف بخيّاط السّنّة قال: قال لي: أحمد بن حنبل: جاءني الحميدي فقال لي (6): يا أبا عبد الله، تجالس الشافعي؟ فقلت له:
وما له لا أجالسه؟ أجالسته؟ فقال: لا. قال: فقلت له: اذهب حتى تجالسه، حتى إذا تكلمت تفهم. قال: فعاد إليّ بعد مجالسته. فقال: يا أبا عبد الله فرّطنا في هذا الرجل. وقال: أبو بكر بن إدريس ورّاق الحميدي. قال: سمعت الحميدي يقول:
كان الشافعي ربما ألقى عليّ، وعلى ابنه أبي عمارة المسألة فيقول: أيكما أصاب فله دينار؟ (7). رواه ابن أبي حاتم عن، أبي بشر الدولابي، عن أبي بكر الورّاق. وقال أحمد بن مدرك الرازي: ثنا قتيبة بن سعيد قال: رأيت الشافعي بمكة. فذكر مصر في مناظرته، ثم قال قتيبة: لو وصل إليّ كلامه لكتبته ما رأت عيناي أكيس منه (8). رواه الساجي، عن أحمد بن مدرك، وقال علي بن عبد العزيز البغوي: سمعت أبا عبيد
__________
(1) مناقب البيهقي 2/ 249.
(2) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 383، البيهقي: المناقب 2/ 154، حلية الأولياء 9/ 95.
(3) البيهقي: المناقب 1542، 268، الرازي: آداب ص 41.
(4) الأصبهاني: حلية الأولياء 9/ 94.
(5) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 387، البيهقي: المناقب 2/ 269.
(6) مناقب البيهقي 2/ 255.
(7) الأصبهاني: حلية الأولياء 9/ 119، البيهقي: المناقب 2/ 268، الرازي: آداب الشافعي ص 79.
(8) مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 250.(1/68)
القاسم بن سلام يقول: ما رأيت رجلا قط أعقل، ولا أورع، ولا أفصح، ولا أنبل رأيا من الشافعي (1). وقال الحسن بن راشد: سمعت الربيع بن سليمان يقول: جاءني أبو عبيد القاسم بن سلام، فأخذ مني كتب الشافعي (2). رواها الحافظ أبو بكر البيهقي.
وقال القاسم بن عباد: أخبرني أبي قال: ذكر الشافعي رضي الله عنه للشاذكوني فقال:
ما ظنكم برجل دخل العراق يذاكر بخمسة آلاف حديث يحفظها، ويحفظ معانيها، وكان يحضر مجلس سفيان، وابن عبيد، وسأله سفيان عن أشياء كثرة، وكان مع ذلك جوادا كريما ذا سؤدد، ومروءة يواسي إخوانه، ويفضل على إخوانه لا يقتني دينارا ولا درهما، ولا عقارا (3). رواه ابن غانم في كتاب المناقب. وقال زكريا الساجي: سمعت بدر بن مجاهد يقول: قال لي سفيان الشاذكوني: اكتب رأي الشافعي، واخرج إلى أبي ثور، فاكتب عنه فإنه مذهب أصحابنا الذي نعرفه، وامض إلى أبي ثور لا يفوتك (4) بنفسه.
وعن محمد بن أحمد بن موران، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم. قال: قدم الشافعي مصر، وكان صنّف الكتب، فأعطاني أبي شيئا من الورق فقال: مرّ به إلى القرشيين، وسلهم أن يكتبوا لك شيئا من كلامه في أحكام القرآن فإني ما رأيت رجلا أحسن استنباطا منه. قال: فأعطيته الورق، فجعل يكتب. فمات الشافعي فأوصى، أن يردّ الورق إلينا قال: فردّ إلينا. قال محمد: فإذا قد كتب بعضه بخطّه في أحكام القرآن، وهي عندنا إلى الآن (5). رواه أبو الحسن الآبري بسنده. قال أبو الحسن: محمد بن عبد الله بن عبد السلام (مكحول ببيروت) قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، وذكر الشافعي قال: قال أبو عبد الله بن عبد الحكم (6): ما رأيت مثل هذا الرجل.
__________
(1) الذهبي: سير النبلاء 10/ 10، مناقب البيهقي 2/ 25، ابن عساكر: تاريخ 14/ 103/ 2، ومختصر تاريخ دمشق 21/ 372، البداية والنهاية 10/ 253، الحلية 9/ 94، تهذيب التهذيب 3/ 499.
(2) مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 251.
(3) لم أعثر على سنده.
(4) مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 263.
(5) مناقب البيهقي 2/ 263.
(6) البيهقي: المناقب 2/ 263.(1/69)
شهادة علماء مصر للشافعي بالعلم وثناؤهم عليه
وقال يحيى بن زكريا بن حيويه: سمعت المزني يقول: قدم علينا الشافعي: وكان بمصر عبد الملك بن هشام (1) صاحب المغازي، وكان علّامة أهل مصر في العربية والشعر، فقيل له: في أن يصير إلى الشافعي، فتثاقل، ثم ذهب إليه. فقال (2):
ما ظننت أن الله خلق مثل الشافعي، وكان ابن هشام بعد ذلك، قد اتخذ قول الشافعي حجة في اللغة. رواه البيهقي بسنده، وابن حيون، وقال الربيع: قال أبو يعقوب البويطي (3): ما عرفنا نحن مقدار الشافعي، حتى رأينا أهل العراق، يذكرون الشافعي، ويصفونه بوصف لا نحسن نحن أن نصفه. فقد كان حذّاق العراق بالفقه والنظر، وكل صنف من أهل الحديث، وأهل العربية، والنّظّار، يقولون: إنهم لم يرو مثل الشافعي.
رواه أبو السن الآبري عن رجل عن آخر عن الربيع. وقال الربيع: قال لي أبو يعقوب البويطي (4): رأيت الناس بمصر، والشام والعراق، والكوفة والبصرة، والحجاز والمدينة، ومكة، من كل صنف، ممن له معرفة بالعلم والفقه، ولسان العرب، والسنن وأيام العرب، والعلم بالكلام، وكل صنف، والله ما رأيت أحدا يشبه الشافعي، ولا يقاربه في صنف من العلم. والله (5) إن الشافعي أورع عندي، وأشدّ توقيا، من كل من رأيته ينسب إلى الورع، فقد رأيت من الصالحين عندنا، بمصر والحجاز، وسائر البلدان خلقا كثيرا. رواه الآبري أيضا وقال الربيع (6): رأيت أبا يعقوب البويطي يكثر
__________
(1) عبد الملك بن هشام: عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري، الذهلي، السدوسي، المعافري، البصري (أبو محمد) إخباري، نسابة، أديب، لغوي، نحوي، قدم مصر وحدث بها، وتوفي بها، وله مصنفات، انظر: البيهقي: المناقب 2/ 371ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 365، السيوطي: حسن المحاضرة 1/ 306، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 45.
(2) مناقب البيهقي 1/ 488، 2/ 271وتوالي التأسيس ص 60.
(3) الأصبهاني: حلية الأولياء 9/ 94، 95، 97، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 69، البيهقي: المناقب 2/ 271.
(4) نسبة إلى بويط، قرية بصعيد مصر قرب بوصير أو سيوط، واسمه يوسف بن يحيى أبو يعقوب خليفة الشافعي توفي سنة 231أو 232هـ، تاريخ بغداد 14/ 299، وفيات الأعيان 2/ 346، طبقات السبكي 1/ 275، الخطط التوفيقية 10/ 16، ومناقب البيهقي 2/ 271.
(5) مناقب البيهقي 2/ 271.
(6) مناقب البيهقي 2/ 271.(1/70)
التأسف على الشافعي، وما فاته، فقلت له: يا أبا يعقوب، قد كان الشافعي لك محبا يقدمك على أصحابه. وكنت أراك (1) شديد الهيبة له، فما منعك أن تسأله عن كلّ ما كنت تريد؟ فقال لي: قد رأيت الشافعي ولينه وتواضعه، والله ما كلمته في شيء قطّ، إلا وأنا كالمقشعرّ من هيبته. ثم قال: قد رأيت ابن هرم، وكل من كان في زمان الشافعي بمصر، كيف كانوا يهابونه؟ وقد رأيت هيبة السلاطين عند الشافعي. رواه الآبري أيضا.
وقال ابن أبي حاتم: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي نزيل مكة، فيما كتب إليّ قال: قال أبو ثور (2): كنت أنا وإسحاق بن راهويه، وحسين الكرابيسي، وذكر جماعة من العراقيين [قال]: ما تركنا بدعتنا، حتى رأينا الشافعي (3).
شهادة أئمة وعلماء العراق بالعلم
وقال أبو عبد الله النّسوي، قال: أبو ثور: لما ورد الشافعي العراق، جاءني حسين الكرابيسي، وكان يختلف معي إلى أصحاب الرأي، فقال: قد ورد رجل من أصحاب الحديث، يتفقّه، فقم بنا نسخر به، فقمنا وذهبنا، حتى دخلنا عليه، فسأله الحسين عن مسألة، فلم يزل الشافعي يقول: قال الله تعالى، وقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أظلم [علينا] البيت وتركنا بدعتنا واتبعناه (4). رواه ابن أبي حاتم عن أبي عثمان الخوارزمي عن النّسوي وقال أبو عبيد بن حربويه: سمعت داود بن علي يقول (5): كنت عند أبي ثور، إذ دخل عليه رجل فقال: يا أبا ثور. أما ترى هذه المصيبة التي نزلت بالناس؟
قال: وما هي؟ قال: يقولون: إن «الثوري» أفقه من «الشافعي» فقال:
يا سبحان الله، وقد قالوها! قال: نعم قال: نحن نقول: إن الشافعي أفقه من إبراهيم النّخعي وذويه، وقد جاءنا هذا بالثوري. رواه الحاكم أبو عبد الله. وقال أبو المظفر منصور بن محمد السّمعاني: سمعت أبا الحسن علي بن عبد الله الفقيه، قال: سمعت عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي، قال: سمعت أبا الفرج النّسائي، قال: سمعت
__________
(1) مناقب البيهقي 2/ 272.
(2) مناقب البيهقي 2/ 264.
(3) الأصبهاني: حلية الأولياء 9/ 103، ومناقب البيهقي 2/ 264.
(4) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 383، مناقب البيهقي 1/ 221، حلية الأولياء 9/ 103.
(5) مناقب البيهقي 2/ 277، توالي التأسيس ص 59.(1/71)
جدي قال (1): سمعت أبا ثور يقول: كنت إذا رأيت الشافعي، خيّل إليك أن الكتاب نزل عليه بلسانه. وإذا رأيت أبا عبيد القاسم بن سلام، رأيت رجلا لا يحسن أن يكذب (2).
وقال الحاكم: أبو عبد الله في تاريخ نيسابور، سمعت إسحاق ابن سعد بن الحسن بن سفيان يقول: سمعت جدي يقول: سمعت أبا ثور يقول: ما رأيت مثل الشافعي ولا رأى الشافعي مثل نفسه (3). وقال أبو الحسن الآبري: حدثني الزبير بن عبد الواحد، ثنا الحسن بن سفيان قال: قال: أبو ثور (4): من زعم أنه رأى مثل محمد بن إدريس، في علمه، وفصاحته، ومعرفته، وثباته وتمكنه، فقد كذب. فإن محمد بن إدريس، منقطع القرين في حياته، فلما مضى لسبيله لم يعتض منه. وقال محمد بن خلف البزاز:
سئل أبو ثور، فقيل له (5): أيما أفقه الشافعي أو محمد بن الحسن؟ فقال أبو ثور:
الشافعي أفقه من محمد، وأبي يوسف، وأبي حنيفة، وحماد وإبراهيم، وعلقمة، والأسود. رواه الحافظ الخطيب البغدادي.
وقال الحسن بن سفيان: سمعت أبا ثور يقول: كثيرا ما يمازحني الشافعي بقوله يا أبا البقر.
رواه الحاكم أيضا، وقال ابن أبي حاتم: سمعت دبيس قال (6): كنت مع أحمد بن حنبل في المسجد الجامع فمرّ حسين يعني الكراببيسي فقال: هذا يعني الشافعي، رحمة من الله لأمة محمد، ثم جئت إلى حسين فقلت: ما تقول في الشافعي؟ فقال:
ما أقول في رجل، ابتدأ في أفواه الناس بالكتاب، والسنة، والاتفاق، ما كنّا ندري ما الكتاب والسنة، نحن ولا الأوّلون، حتى سمعنا من الشافعي الكتاب، والسنة، والإجماع. وقال محمد بن هارون بن عبد لخالق: سمعت الحسين الكرابيسي يقول:
__________
(1) لم أعثر على سنده.
(2) لم أعثر على سنده.
(3) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 380، البيهقي: المناقب 2/ 264، تاريخ دمشق 14/ 2/ 412.
(4) الخطيب: تاريخ بغداد 2/ 67، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 197، ومختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 380.
(5) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 386، الخطيب: تاريخ بغداد 2/ 69.
(6) الأصبهاني: حلية الأولياء 9/ 98، ومناقب البيهقي 1/ 368.(1/72)
ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى الشافعي مثل نفسه (1). رواه الحافظ أبو بكر البيهقي، وقال محمد بن إسماعيل: ثنا حسين بن علي الكرابيسي قال: جاء مصعب الزبيري إلى الشافعي، فقال: أقرأ عليك أشعار الهذليين، فقال الشافعي: ما على وجه الأرض أحد يقيم أشعار الهذليين. فلما ذهب مصعب ينشده بيتا، ردّ عليه ذلك البيت. وكان غير الذي ينشده مصعب، في عذوبة لسان الشافعي (2). قال حسين: ما رأيت أفصح من الشافعي، ولا أعذب (3) لسانا. وقال أهل الصناعة في النحو: ما رأينا الشافعي لحن قط (4). رواه البيهقي بسنده، وقال إبراهيم بن محمود: سمعت الحسن الزعفراني يقول: ما رأيت مثل الشافعي، أفضل، ولا أكرم ولا أسخى، ولا أتقى، ولا أعلم منه (5). وقال أحمد بن روح البغدادي: ثنا الزعفراني قال: ما رأيت الشافعي لحن قط، وكان يقرأ عليه، من كلّ شعر فيعرفه (6). رواها البيهقي. وقال: زكريا الساجي، عن جعفر بن أحمد عن الزعفراني قال (7): ما كان الشافعي إلا بحرا. وقال الحاكم أبو عبد الله: وفيما كتب إليّ أبو سعد بن الأعرابي، أنه سمع الزعفراني يقول: ما حمل أحد محبرة إلا وللشافعي عليه منّة (8). وقال موسى بن سهل الرّملي، قلت لأحمد بن صالح:
أجالست أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي؟ فقال: سبحان الله كنت أقصّر في مجالسته (9)، رواه البيهقي بسنده، وقال موسى بن سهل أيضا: سمعت أحمد بن صالح، ذكر الشافعي فقال: كان متعبدا قد آثر الفقه، واشتغل به (10). وقال الزبير بن عبد الواحد: ثنا القزويني، قال: سمعت المزني يقول: لو كنا (11) نفهم عن الشافعي كلّ ما يقول؟ لأتيناكم عنه بصنوف العلم، ولكنّا لم نكن نفهم. رواه الآبري. وعن
__________
(1) نفسه 9/ 97.
(2) ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 165، البيهقي: المناقب 462، 2/ 266.
(3) الذهبي: سير النبلاء 10/ 74، والبيهقي 2/ 49.
(4) الذهبي: سير النبلاء 10/ 19، مناقب البيهقي 2/ 267544.
(5) الأصباني: حلية الأولياء 9/ 132.
(6) مناقب البيهقي 2/ 265.
(7) مناقب البيهقي 2/ 266.
(8) الذهبي: سير النبلاء 10/ 47، ابن عساكر تاريخ دمشق 14/ 415/ 1، مناقب البيهقي 2/ 265.
(9) مناقب البيهقي 2/ 270.
(10) انظر: البيهقي المناقب 9/ 158، 269، 270.
(11) مناقب البيهقي 2/ 273.(1/73)
المزني أنه قال: وأيّ علم كان يذهب على الشافعي، ولكن لم نكن نفهم فقصّرنا، وعاجله الموت (1)، وقال أحمد بن عبد الرحمن: قال المزني: لو وزن عقل الشافعي، بنصف عقل أهل الأرض لرجح بهم. ولو كان الشافعي في بني إسرائيل لاحتاجوا إليه (2).
رواه لبيهقي. وقال أبو يحيى البلخي: سمعت عثمان بن سعد يقول: سمعت المزني يقول: أحذقنا، أحذقنا، سرّاقة من الشافعي (3).
ترغيب الشافعي للناس بالعلم
وقال أبو بكر الرازي: سمعت جعفر بن محمد الخلاطي يقول: سمعت أبا إبراهيم المزني قال: سمعت الشافعي رضي الله عنه، وسئل كيف شهوتك للأدب؟ قال: أسمع بالحرف منه مما لم أسمعه، فتودّ أعضائي أن لها أسماعا، تتنعم به كمثل ما تنعّمت به الأذنان (4).
قيل: كيف حرصك عليه؟ قال: حرص (5) الجموع، المنوع على بلوغ لذّته في المال. قيل: وكيف طلبك له؟ قال: طلب المرأة المضلّة ولدها، وليس لها غيره (6).
رواه ابن غانم. وقال يونس بن عبد الأعلى: إن الله تعالى يحب الحق [فقد] كان الشافعي نسيج وحده في هذه المعاني (7). رواه ابن غانم. وقال الآبري: سمعت ابن خزيمة يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول (8): لو رأيتم الشافعي وبيانه، لكان أعجب المسلم من كتبه هذه. قال: وكان الشافعي إذا أخذ في العربية. قلت بهذا أعلم، وإذا تكلم في الشعر، وإنشاده، لقلت بهذا أعلم، وإذا تكلم في الفقه، لقلت بهذا أعلم.
__________
(1) مناقب البيهقي 2/ 273.
(2) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 369، ومناقب البيهقي 2/ 274.
(3) مناقب البيهقي 2/ 273.
(4) مناقب البيهقي 2/ 143.
(5) مناقب البيهقي 2/ 144.
(6) مناقب البيهقي 2/ 144.
(7) مناقب البيهقي 1/ 306، السنن الكبرى 9/ 311، غريب الحديث لأبي عبيد 1381352.
(8) نفسه.(1/74)
معرفة الشافعي بالحديث والسنة والأدب والطب (1)
وقال أبو القاسم علي بن أحمد بن مهران: ثنا الحسن بن حفص قال: سمعت الربيع يقول: ما أحد بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقوم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشافعي. رواه ابن غانم بسنده، وقال زكريا الساجي: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كلّما ذكرت ما أكل التراب من لسان الشافعي، هانت عليّ الدنيا (2). وقال عبد الرحمن بن معمر أخو كهمس: قال: سأل الربيع بن سليمان (3) قال: قلت: رجل حلف بالطلاق، أن ما في الأرض كتاب، يعني بعد كتاب الله عز وجل، أكثر صوابا من كتاب مالك. قال:
كتبت. قلت: فحلف أن ليس في الأرض كتاب أكثر صوابا من كتاب أبي حنيفة، قال:
كتبت. قلت: فحلف أن ليس في الأرض كتاب أكثر صوابا من كتاب الشافعي. قال:
لا، كتبت. رواه الآبري عن رجل عن ابن معمر، وقال الآبري: عن الربيع، عن عبد الواحد، عن محمد بن عبد الله القزويني قال: قال رجل من أصحاب الحديث من الغرباء، للربيع بن سليمان: يا أبا محمد هذه الأخبار التي تخبرنا عن الشافعي أحب إلينا من كثير من علم عند القوم (4). فقال الربيع: لو ذهبت أحدّثكم بأيام الشافعي وأخباره، ما أتيت عليه في سنة (5). وقال محمد بن هارون الروماني: سمعت الريبع ابن سليمان يقول: كان الشافعي يناظر الناس، على قدر أفهامهم، فلو أنه ناظرهم على قدر فهمه ما فهموا عنه (6). رواه ابن غانم، وقال محمد بن خزيمة: سمعت الربيع بن سليمان يقول: والله ما اجترأت أن أشرب الماء، والشافعي ينظر إليّ، هيبة له (7). رواه ابن غانم أيضا. وقال ابن أبي حاتم: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: ما من أحد
__________
(1) مناقب البيهقي 4751.
(2) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 391، مناقب البيهقي 2/ 49، آداب الشافعي 137، وابن عساكر: تاريخ دمشق 15/ 1/ 6.
(3) لم أعثر على سنده.
(4) لم أعثر على سنده.
(5) لم أعثر على سنده.
(6) الذهبي: سير النبلاء 10/ 74.
(7) مختصر تاريخ ابن عساكر 21/ 401، اليهقي: مناقب الشافعي 2/ 145، 245، وابن عساكر تاريخ دمشق ج 15ورقة 16.(1/75)
ممن خالفنا، يعني خالف مالكا، أحب إلي من الشافعي (1)، وقال سعيد بن عمرو البردعي: سمعت محمد بن عبد الحكم يقول: ليس أبو عبيد عندنا بفقيه، قلت: لم؟
قال: لأنه يجمع أقاويل الناس، فيختار لنفسه منها قولا. قلت: فمن الفقيه؟ قال:
الذي يستنبط أصلا، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لم يسبق إليه ثم يشعّب من ذلك (2)
الأصل مائة شعبة.
قلت (3): ومن يقو على هذا؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي. رواه أبو الحسن الآبري، عن أبي الحسن علي بن محمد بن قدامة الأردبيلي، عن البردعي، وقال ابن أبي حاتم: ثنا نصر بن المكي، ثنا ابن عبدا لحكم قال: ما رأيت مثل الشافعي. كان أصحاب الحديث ونقّاده، يجيئون إليه، فيعرضون عليه غوامض علم الحديث. فربما أعلّ نقد النقّاد منهم، فيوقفهم على غوامض من علل الحديث لم يقفوا عليها، فيقومون وهم متعجبون منه، ويأتيه أصحاب الفقه، المخالفون والموافقون، فلا يقومون إلا وهم مذعنون له بالحذق والدراية، ويجيىء أصحاب الأدب، فيقرأون عليه الشعر فيفسره لهم، ولقد كان يحفظ عشرة آلاف بيت شعر من أشعار هذيل، بإعرابها وغريبها، ومعانيها، وكان من أضبط الناس للتاريخ، وكان يعينه على ذلك شيئان، وفور عقل وصحة دين. وكان ملاك (4) أمره، إخلاص العمل لله عز وجل (5). وقال أبو سعيد الفريابي: قال علي بن محمد: لمحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أو قيل له: أن عبد الملك الماجشون، ناظر لشافعي فضغطه.
فقال محمد: لو قيل لعبد الملك: أن الشافعي يريد أن يناظرك، لظن أن سبعا يريد أن يأكله، وأين عبد الملك من الشافعي (6)؟ رواه أبو الحسن الآبري. وروي بسنده أيضا، عن أبي سعيد محمد بن عقيل الفريابي. قال: قلت لمحمد بن عبد الحكم: أين ابن عليّة (7) من الشافعي؟. قال: ما بينهما إلا كما بين المشرق والمغرب. كنت أناظر
__________
(1) مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 246.
(2) مناقب البيهقي 2/ 272، الفخر الرازي: مناقب الشافعي ص 64.
(3) الفخر الرازي: مناقب الشافعي ص 64.
(4) الملاك: بالكسر والفتح: قوام الشيء، ما يعتمد عليه فيه.
(5) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 381، الفخر الرازي: مناقب الشافعي ص 64.
(6) الذهبي: سير النبلاء 10/ 49، 50، ومختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 392.
(7) هو إبراهيم بن عليّة من غلمان أبي بكر الأصم شيخ المعتزلة، قال عنه الشافعي بأنه ضالّ يضلّ(1/76)
ابن عليّة، فأقطعه، وما رأيت أحدا يحسن على الشافعي (1). وقال الساجي في كتاب فضائل الشافعي له: ثنا محمد بن الربيع الخيري قال: سمعت محمد بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: أروي لثلاثمائة شاعر مجنون (2). وقال الحسن بن علي بن الأشعث: أخبرني أبو ليث بن الأيلي قال (3): سألنا «محمد بن عبد لله بن عبد الحكم» أن نقرأ عليه كتب الشافعي قال: فأجابنا إلى ذلك، على أن تكون قراءتنا في منزله، قال: فجئنا فابتدأنا بالقراءة عليه، وكان رجل ممن يتفقه بقول المذنبين. يقال له:
محمد بن سعيد المقرئ، له عنده مجلس. قال: فجاء، فوجدنا ونحن نقرأ عليه، فقال لنا: روحوا فإن لنا مجلسا، وأي شيء نصنع بهذه الكتب؟ قال: فقلت له أنا ومحمد نسمع ليس يمنعك أنت من هذه الكتب، إلا أنك لا تحسن أن تقرأها. فقال:
أنا لا أحسن أن أقرأها؟ أنا أقرأ كتب عبد الملك بن الماجشون، أفلا أحسن أن أقرأ كتب الشافعي؟! قال: وكان محمد متكئا، فجلس إنكارا لقوله فقال: يا أبا عبد الله، والله ما عبد الملك بن الماجشون، عند محمد بن إدريس الشافعي إلا بمنزلة الفطيم عند الكبير (4). رواه الحاكم: أبو عبد الله. وقال محمد بن الربيع بن سليمان: سألت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم. هل رأيت مثل الشافعي؟ فقال: الشافعي لم ير مثل نفسه (5). رواه أبو غانم. وقال أحمد بن أبي سريج: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، الذابّ عن السنة، والمنكر على أهل البدعة، فذكر كلاما (6). رواه الخطيب بسنده إليه، وقال ابن بنت الشافعي: سمعت الربيع بن بكار يقول: قال لي عمي مصعب: كتبت عن فتى من بني شافع من أشعار هذيل ووقائعها. وقرأ: لم تر عيناي مثله. قال: قلت له: يا عم أنت تقول: لم تر عيناي مثله. قال: نعم يا بني. لم تر عيناي مثله (7). رواه الحافظ أبو بكر الخطيب. وقال بحر بن نصر: ما رأيت ولا سمعت
__________
الناس. البيهقي: مناقب 1/ 457، والذهبي: سير النبلاء 10/ 24.
(1) مناقب الشافعي للبيهقي 1/ 208.
(2) مناقب البيهقي 2/ 47.
(3) مناقب البيهقي 1/ 208، 2/ 343، 344.
(4) مناقب الشافعي للبيهقي 1/ 208، 2/ 344.
(5) مناقب الشافعي للبيهقي 1/ 207، 208، 2/ 263، 272.
(6) مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 279.
(7) الذهبي: سير النبلاء 10/ 49، مناقب البيهقي 2/ 45.(1/77)
في عصر الشافعي، أتقى منه ولا أورع من الشافعي، ولا أحسن صوتا منه بالقرآن (1).
رواه الآبري بسنده.
اجتهاد الشافعي في الفقه وحسن استنباطه
وقال: أبو زرعة الرازي: سمعت كتب الشافعي، من الربيع أيام يحيى بن عبد الله بن بكير، سنة ثمان وعشرين ومائتين، وعند ما عزمت على سماع كتب الشافعي، بعت ثوبين رقيقين، كنت حملتهما لأقطعهما لنفسي، فبعتهما وأعطيت الوراق (2). رواه ابن أبي حاتم عنه. وقال سعيد بن عزة البردعي: سمعت أبا زرعة يقول: ذهب عني خمسون ألف حديث مما كنت أحفظ، باشتغالي، أو نظري في كتب الشافعي (3). رواه أبو الحسن الآبري وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة قال: بلغني: أن إسحاق بن راهويه، كتب له كتب الشافعي، فتبيّن في كلامه أشياء: قد أخذها عن الشافعي، وقد جعلها لنفسه (4). وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: محمد بن إدريس الشافعي، فقيه بالدين صدوق (5). قال: وسمعته يقول: قال لي أحمد بن صالح: تريد أن تكتب كتب الشافعي، قلت: نعم. لابد أن أكتبها. وقال أبو نصر محمد بن حمدويه المروزي:
سمعت أحمد بن سيار يقول: لولا الشافعي لدرس الإسلام (6). رواه أبو عبد الله الحاكم بسنده، وقال إبراهيم بن محمود بن حمزة. قال داود بن علي الأصبهاني في ذكر صفة الشافعي رحمه الله (7): ومن فضائله حفظه لكتاب ربه، ومعرفته به، وجمعه لسنن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعرفته بالواجب منها من غيره، ومعرفته بناسخ القرآن، من منسوخه، والعام منه والخاص، ثم معرفته بسيرة هدى نبيه صلى الله عليه وسلم، وأئمة الهدى بعده،
__________
(1) مناقب البيهقي 2/ 158.
(2) مناقب البيهقي 1/ 264.
(3) مناقب البيهقي 2/ 348.
(4) انظر: أبو محمد الرازي: آداب الشافعي ومناقبه ص 63، حلية الأولياء 9/ 104، توالي التأسيس ص 58.
(5) مناقب البيهقي 2/ 249.
(6) ابن حجر تهذيب التهذيب 3/ 499.
(7) المناقب: للبيهقي 2/ 276، مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 386.(1/78)
ومغازي رسول صلى الله عليه وسلم، وخلفائه من بعده، وتركه تقليد أهل بلده، وإيثاره ما دل عليه كتاب ربّه، وثبت عن نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم ما كشف تمويه المخالفين.
وما أبطل من زخرفتهم الحق الذي قذف به على باطلهم فزهق (1). قال الله عز وجل:
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبََاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} (2) ثم ما بيّن من الحق الذي سهّل بتوفيق خالقه معرفته، حتى استطال به، من لم يكن يميز بين ظلام وضياء مثلا، وألّفوا الكتب، وناظروا المخالفين. قال (3): ومنها ما منّ الله به عليه، من منطقه الذي طبع عليه، وكان يعترف له به كل من شاهده، ويقرّ بتقصيره عن بلوغ أدنى ما من الله به عليه منه.
قال (4): ومنها ما وقاه الله من شحّ نفسه الموجب له الفلاح قال الله تعلى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (5) وما منّ عليه به من سماحته وجوده، ثم ساق الكلام إلى أن قال (6): وما علمت أحدا في عصره، كان أمنّ على أهل الإسلام منه، لما نشر من الحق، وقمع من الباطل، وأظهر من الحجج، وعلّم من الخير، رحمة الله ورضوانه عليه، وعرف الله ربه جلّ ثناؤه ذلك له، وجمع بيننا، وبين نبينا صلى الله عليه وسلم والصالحين من عباده، وبينه في جنته، مع جميع الأحبة. إنه لطيف خبير. قال الحاكم أبو عبد الله: قال أبو الوليد فيما أحرز عنه: سمعت إبراهيم بن محمود يقول: سمعت داود بن علي فذكره، وقال الحاكم: ثنا أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه، ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمود قال ابن عبده: ثنا إبراهيم بن عبد الله بن العلاء الدمشقي، ثنا أبو عبد الله بن العلاء قال: سمعت: الزهري يقول: أربعة فقهاء: سعيد بن المسيب بالمدينة، وعامر الشعبي بالكوفة، والحسن بن الحسن بالبصرة، ومكحول بالشام (7) قال أبو إسحاق: فعرضت ذلك على أبي سليمان داود بن علي الفقيه. فقال: لو لم أجبن لقلت: مطّلبيّنا لم يكن دونهم في الفقه، أو أفقه منهم. وقال أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر: قال داود بن علي: وهذا قول مطّلبيّنا الشافعي، الذي علاهم بنكته، وقهرهم
__________
(1) البيهقي: المناقب 2/ 276.
(2) سورة الأنبياء (21) الآية (18).
(3) البيهقي: المناقب 2/ 276.
(4) البيهقي: المناقب 2/ 276.
(5) سورة الحشر (59) الآية (9).
(6) مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 27.
(7) ابن عساكر: تاريخ دمشق 14/ 2/ 417.(1/79)
بأدلّته، وباينهم بشهامته، وظهر عليهم بحمازته (1) التّقيّ في دينه، النقيّ في حسبه الفاضل في نفسه، المتمسّك بكتاب ربّه عز وجل، المقتدي بسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، الماحي لآثار أهل البدع، الذاهب بخبرهم، الطّامس لسيرهم (2). فأصبحوا كما قال الله عز وجل {هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيََاحُ وَكََانَ اللََّهُ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً} (3) رواه الحاكم أبو عبد الله عن رجل، عن أبي عبد الرحمن، وقال أبو بكر بن الحداد الفقيه: حدثني كثير الخادم قال: سمعت داود يقول: بودي لو أدركت الشافعي، وقطعت يميني (4)، رواه ابن غانم في كتاب المناقب له، وقال ابن خزيمة: لولا أن الله تعالى أعان أصحاب الحديث بالشافعي رضي الله عنه، لكانوا أسارى في أيدي أصحاب الرأي (5). حكاه ابن غانم، وقال الحاكم: سمعت ابا بكر أحمد بن العباس المقري يقول: سمعت أبا بكر بن كاهلة يقول (6): من قرأ بقراءة أبي عمرو بن العلاء، وتفقّه بفقه الشافعي، حمل طرقه، وقد حكي مثل ذلك، عن أبي العباس بن سريج، فقال (7): من أراد أن يتظرف فعليه بمذهب الشافعي في الفقه، وقراءة أبي عمرو ابن العلاء، وشعر عبد الله بن المعتز. وقال الأستاذ أبو منصور محمد بن عبد الله بن حمشاذ الزاهد. قال: سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي، قال:
سمعت بلالا الحواص يقول (8): كنت في تيه بني إسرائيل، فإذا برجل يماشيني فعجبت منه، ثم ألهمت أنه الخضر عليه السلام، فقلت: بحقّ الحق عليك، أن تخبرني من أنت؟ قال: أنا أخوك أبو العباس الخضر. فقلت: أريد أن أسألك مسائل. قال: سل قلت: ما تقول في الشافعي؟ قال هو من الأوتاد. قلت: وأحمد بن حنبل. قال: رجل صدّيق. قلت: فبشر بن الحارث، قال: لم يخلق بعد مثله. قلت (9): بأية وسيلة رأيتك؟ قال: ببرّك أمك. رواه أبو عبد الله ابن غانم، بسنده إلى أبي منصور، وقاله:
__________
(1) شدته وصلابته. انظر اللسان 7/ 205204، وابن عساكر: تاريخ دمشق 5. 14/ 2/ 417.
(2) النووي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 763،.
(3) سورة الكهف (18) الآية (45).
(4) لم أعثر على سنده.
(5) انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر 10/ 20/ 1، توالي التأسيس 61، النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 51.
(6) النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 64.
(7) النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 64، البيهقي: المناقب 2/ 280، 281.
(8) لم أعثر على سنده.
(9) لم أعثر على سنده.(1/80)
أبو محمد بن أبي حاتم، أخبرني أبو محمد قريب الشافعي. فيما كتب إلي، ثنا أبي قال (1): عاتب محمد بن إدريس، يعني الشافعي، ابنه أبا عثمان. فكان مما قال له يعظه به: يابني والله لو علمت أن الماء البارد، يثلم من مروءتي شيئا ما شربت إلا حارّا. وقال ابن بنت الشافعي: سمعت أبا الوليد بن أبي الجارود يقول (2): التقى الشافعي رضي الله عنه، وعبد الملك بن الماجشون بمكة، فتناظرا، فانصرف الناس، وما يدري أحد ما قالا من الفصاحة؟. وقال أبو الوليد ابن أبي الجارود: كان يقال: إن محمد بن إدريس لغة وحده، يحتجّ به كما يحتجّ بالبطن من العرب (3).
معرفة الشافعي باللغة وديوان العرب
وقال أبو بكر ابن الأنباري: حدثني أبي عن أبي عصيدة، قال: قال أبو عثمان المازني الشافعي: عندنا حجة في النحو (4). وقال محمد بن عبد الله بن إسحاق:
سمعت المبرد يقول: رحم الله الشافعي، كان من أشعر الناس، وآدب الناس، وأعرفهم بالقراءات (5). وقال أبو عبد الله الحاكم: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول:
سمعت بعض أصحابنا يقول: سمعت الجاحظ يقول (6): نظرت في كتب الشافعي، فإذا هو درّ منظوم إلى درّ، ونظرت في كلام فلان فإذا هو كلام الأطباء. وقال أبو عمرو غلام ثعلب: سمعت ثعلبا يقول: إنما توحّد الشافعي باللغة لأنه من أهلها. وأما أبو حنيفة فإنه تمنّاها على بعد. وفي رواية إنما توحّد الشافعي باللغة، لأنه كان حاذقا بها، فأما أبو حنيفة، فلو عمل كل شيء ما عوتب، لأنه كان خارجا من اللغة (7). رواها الحاكم أبو عبد الله، وقال حرملة بن يحيى: سمعت الشافعي يقول: أصحاب النحو جنّ الإنس
__________
(1) الذهبي: سير النبلاء: 10/ 89، مناقب البيهقي 2/ 187.
(2) الذهبي: سير النبلاء 10/ 54.
(3) مناقب البيهقي 2/ 49.
(4) النووي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 50.
(5) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 391، مناقب البيهقي 1/ 279و 2/ 48، ياقوت معجم الأدباء 17/ 312.
(6) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 390، مناقب البيهقي، الرازي 1/ 260.
(7) نفسه 21/ 391، ومناقب البيهقي 2/ 51.(1/81)
يبصرون، ما لا يبصر غيرهم (1)، وقال محمد بن عبد الحكم: قال لي الشافعي: ليس يقدّم أهل البادية على شعر ذي الرمة (2) أحدا. وقال الربيع بن سليمان: قال الشافعي:
قد كان من العرب من يقول: حمام (3) الطّير، ناش (4) الطائر: أي يعقل عقل الناس؟.
قال الشافعي: وقد قالوا فيها شعرا كثيرا، وذهبوا إلى ما وصف، من أن أصواتها غناء وبكاء، معقول عندهم، وليس ذلك في شيء من الطّائر، غير ما وقع عليه باسم الحمام.
من أقوال وحكم الشافعي
وقال إبراهيم بن محمود: سمعت الربيع بن سليمان يقول: المروءة أربعة أركان:
حسن الخلق، والسّخاء، والتّواضع، والنّسك (5). وقال أيوب بن سليمان: قال الشافعي: جوهر المرء في خلال ثلاث: كتمان الفقر حتى يظن الناس من عفّتك أنك غني، وكتمان الغضب حتى يظن الناس أنك راض، وكتمان الشدة حتى يظن الناس أنك منعم (6). وقال: قال الشافعي: من أحب أن يقضي الله له بالخير، فليحسن بالناس الظن (7). وقال البويطي: سمعت الشافعي يقول: لا يكمل الرجل في الدنيا إلا بأربع، بالديانة والأمانة، والصيانة: أو الرزانة (8). وقال علي بن إسماعيل بن طباطبا العلوي:
قال: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي يقول: الانبساط إلى الناس مجلبة لقرناء السوء، والانقباض عنهم مكسبة للعداوة، فكن بين المنقبض والمنبسط (9). وقال
__________
(1) مناقب البيهقي 2/ 53.
(2) مناقب البيهقي 2/ 54.
(3) انظر: مناقب البيهقي 2/ 55. حمام، وحمامات، وحمائم، جمع ومفردها حمامة. وهي للذكر والأنثى. والحمام عند العرب: ذوات الأطواق نحو الفواخيت والقماري، وساق حرّ، والقطا، والوراشين وأشباه ذلك / مختار الصحاح.
(4) نأش، والتناؤش بالهمز: التأخر والتباعد / مختار الصحاح /، مناقب البيهقي 2/ 55.
(5) مناقب البيهقي 2/ 188.
(6) مناقب البيهقي 1/ 23.
(7) النواوي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 55.
(8) الذهبي: سير النبلاء 10/ 98، مناقب البيهقي 2/ 189، النووي: تهذيب 1/ 55.
(9) الذهبي: سير النبلاء 10/ 89، مناقب البيهقي 2/ 190، حلية الأولياء 9/ 122.(1/82)
أحمد بن محمد بن الحسن البصري: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول:
أربعة لا يعبأ الله بهم يوم القيامة، تقوى جندي، وزهد خصي، وأمانة امرأة، وعبادة صبي (1). وقال أحمد البصري: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: ثلاثة إن أهنتهم أكرموك، وإن أكرمتهم أهانوك: المرأة، والمملوك، والنبطي (2). وقال المزني: سمعت الشافعي يقول: سمعت بعض إخواننا ممن أثق به. قال: تزوجت لأصون ديني، فذهب ديني ودين أبي، ودين جيراني (3). وقال الربيع بن سليمان سمعت الشافعي يقول: صحبة من لا يخاف العار، عار يوم القيامة (4). وقال يونس (5) بن عبد الأعلى، قال لي الشافعي: عاشر كرام الناس، تعش كريما، ولا تعاشر اللئام، فتنسب إلى اللؤم (6). وقال أبو الفضل بن مهاجر: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: أظلم الظالمين لنفسه، من تواضع لمن لا يكرمه، ورغب في مودة من لا ينفعه، وقيل مدح من لا يعرفه (7)، وقال أبو عبد الله محمد بن حمدان الطرائفي: يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ليس بأخيك من احتجت إلى مداراته (8). وقال عبد الله بن أحمد: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول: من صدق في أخوة أخيه، قبل علله وسدّ خلله، وغفر زلله (9).
وقال الربيع سمعت الشافعي يقول: إني إذا أبغضت الرجل، أبغضت شقّي الذي يليه (10). وقال أبو عبد الرحمن السّلمي: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت
__________
(1) مناقب البيهقي 2/ 191.
(2) مناقب البيهقي 2/ 191.
(3) مناقب الشافعي: البيهقي 1/ 24.
(4) النواوي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 57.
(5) هو: يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة بن حفص بن حبان الصدفي المصري، الإمام، صاحب الشافعي وأحد رواته ولد سنة 170هـ، ومات سنة 264هـ، النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 168.
(6) مناقب الشافعي: البيهقي 1/ 124، النووي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 57.
(7) مناقب الشافعي: البيهقي 1/ 23.
(8) الذهبي: سير النبلاء 10/ 98، مناقب البيهقي 2/ 194، النووي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 55.
(9) النووي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 55، البيهقي: مناقب الشافعي 2/ 194.
(10) مناقب البيهقي 2/ 194.(1/83)
عبد الصمد بن يعقوب البزاز، بمصر يقول: سمعت المزني يقول: سألت الشافعي من السّفل؟ قال: من يكون إكرامه لمخالفيه، أكثر من إكرامه لأهل مذهبه وليس ذلك إلا لقلة فضله وعلمه، يريد أن يستكثر بهم، ومتى يوالى العدو؟ (1). وقال محمد بن حمدان الطرائفي: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: طبع ابن آدم على اللّؤم، فمن شأنه أن يتقرب ممن يتباعد منه، ويتباعد ممن يتقرب منه (2). وقال الحسن بن علي التعاويذي: سمعت عبد الله بن محمد القزويني يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: من أحسن ظنّه بلئيم، كان أدنى عقوبته الحرمان (3).
وقال أحمد بن علي بن صالح: سمعت ابن عفير يقول: سمعت الشافعي يقول: من علامة الصّديق أن يكون لصديق صديقه صديقا (4). وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: لا تقصر في حق أخيك اعتمادا على مودته (5). قال: وقال الشافعي:
لا تبذل وجهك لمن يهون عليه ردّك (6). وقال الحسن بن مقسم: يقول: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي يقول: من برّك فقد أوثقك، ومن جفاك، فقد أطلقك (7).
وقال البويطي: قال الشافعي (8): من نمّ بك، ومن نقل إليك، نقل عنك، ومن إذا أرضيته قال فيك ما ليس فيك، ومن إذا أغضبته قال فيك، ما ليس فيك (9)، وقال أبو بكر المقرىء: ثنا محمد بن المعافى الصيداوي قال: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: الكيّس العاقل هو الفطن المتغافل (10)، وقال الحسن بن حبيب عن الربيع:
سمعت الشافعي يقول: أصحاب المروءات في جهد (11). وقال الربيع بن سليمان:
سمعت الشافعي يقول: الحرّية هي الكرم والتقوى، فإذا اجتمعا في شخص فهو
__________
(1) مناقب البيهقي 2/ 194.
(2) مناقب البيهقي 2/ 195، حلية الأولياء 9/ 124.
(3) مناقب البيهقي 2/ 196.
(4) الذهبي: سير النبلاء 10/ 99، مناقب البيهقي 2/ 196.
(5) النووي: تهذيب 1/ 56والبيهقي مناقب الشافعي 2/ 197.
(6) النووي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 56، مناقب الشافعي 2/ 197.
(7) النووي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 56، مناقب الشافعي 2/ 197.
(8) مناقب البيهقي 1/ 198، والنووي: تهذيب الأسماء 1/ 56.
(9) الذهبي: سير النبلاء 10/ 99، مناقب البيهقي 2/ 198.
(10) مناقب البيهقي 2/ 198.
(11) مناقب البيهقي (المقدمة 1/ 24).(1/84)
حرّ (1). وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: التواضع من أخلاق الكرام والتكبر من شيم اللئام (2). قال: وسمعت الشافعي يقول: أرفع الناس قدرا، من لا يرى قدره، وأكثر الناس فضلا، من لا يرى فضله (3). وقال المزني: سمعت الشافعي يقول: من ولي القضاء، فلم يفتقر فهو لص (4). وقال محمد بن إسماعيل الخولاني:
سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال لي الشافعي: يا أبا موسى، إذا كثرت عليك الحوايج، فابدأ بأهمها (5). وقال أبو سعيد الحسن بن عامر: قال: سمعت الربيع يقول: قال الشافعي: يقال: ليس بعاقل من لم يأكل مع عدوه في غضارة ثلاثين سنة (6). وقال ابن خزيمة: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: الشفاعات بركات المروءات (7). وعن الربيع قال الشافعي: ليس في الطيّب سرف (8). وقال الطحاوي: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال الشافعي: الوقار في النّزهة سخف (9). وقال البويطي: قال الشافعي: ليس من المروءة أن يخبر الرجل بسنّه قال الحاكم أبو عبد الله: هذا صيانة كثيرة للمروءة، وهي أن المخبر بسنّه، لابد من أن يكون بين مصدّق ومكذّب. فقائل يقول: نقّص من سنّه رغبة في الشباب، وأخر يقول: زاد في سنّه طلبا للتّشايخ، ثم إن كان من أهل العلم، قيل: حتى لقي فلانا وهو صغير (10)؟
وقال أحمد بن مدرك الرازي: حدّثنا حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي يقول:
ما حلفت بالله قط صادقا ولا كاذبا (11). وقال يوسف بن عبد الأحد: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال لي الشافعي: يا أبا موسى قد أنست بالفقر حتى صرت
__________
(1) نفسه.
(2) الذهبي: سير النبلاء 10/ 99، ومناقب البيهقي 2/ 200.
(3) مناقب البيهقي 2/ 201.
(4) مناقب البيهقي 2/ 203.
(5) مناقب البيهقي 2/ 204.
(6) مناقب البيهقي (2/ 206) والغضارة: صحفة من طين.
(7) مناقب البيهقي 2/ 206.
(8) مناقب البيهقي 2/ 206.
(9) مناقب البيهقي 5/ 212.
(10) مناقب البيهقي 2/ 215.
(11) الذهبي: سير النبلاء 10/ 36، تهذيب الأسماء واللفغات 1/ 54، وتاريخ ابن عساكر 15/ 12/ 1.(1/85)
لا أستوحش منه (1). وقال أبو عبد الله الحاكم: سمعت الزعفراني عبد الواحد يقول:
سمعت سعد بن أحمد القضاعي يقول: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول:
قال لي بعض أهل العلم يوما: ليأتينّ على الناس زمان، لو تمسي الأرض مفروشة دنانير، مكتوب على كل دينار: لا إله إلا الله، من أخذ هذا الدينار دخل النار، لأصبحت الأرض وما عليها دينار (2).
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل. قال: سمعت أبي يقول: أدخل الشافعي رضي الله عنه، عليهم يعني أصحاب أبي حنيفة، إذا بدأ الموضّىء بعضو دون عضو، فقال: قال الله عز وجل {* إِنَّ الصَّفََا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعََائِرِ اللََّهِ} (3) فقال: وكان أصحاب أبي حنيفة إذا بدىء بالمروة قبل الصفا، يعيد ذلك الشّوط (4).
وفاة الشافعي وتربته ورؤى أصحابه
قال: توفي الشافعي رضي الله عنه بعد العشاء الآخرة، بعد ما صلى المغرب وقال غيره: توفي (5) مع العشاء سلخ جمادى الآخرة سنة أربع ومائتين. قال أبو عبد الله الحاكم: أخبرنا أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه. قال: سمعت أبا العمران الأشيب، يحكي عن أبي أخرم عن المزني قال: ناحت الجن ليلة مات الشافعي عليه (6). وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: حكى بعض أصحابنا عن الأستاذ أبي القاسم بن حبيب المفسّر، أنه سمع أبا العباس عبد الله بن محمد بنوشنج (7) يقول: سمعت أبا نعيم عبد الملك بن محمد يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول (8): قدم رسول الخليفة على الشافعي
__________
(1) البيهقي: مناقب الشافعي 2/ 149، 168.
(2) البيهقي: مناقب الشافعي 2/ 184.
(3) سورة البقرة (2) الآية (158).
(4) انظر الخبر في: مناقب الشافعي، للبيهقي 1/ 360.
(5) مات الشافعي يوم الخميس، ودفن يوم الجمعة مساء فرأى الناس هلال شعبان سنة 204هـ، الذهبي: سير النبلاء 10/ 76، البيهقي: مناقب 2/ 297.
(6) مناقب البيهقي 2/ 305.
(7) نوشنج: ياقوت: معجم البلدان 5/ 311.
(8) انظر: مناقب الشافعي، للبيهقي 1/ 156.(1/86)
رضي الله عنه بمصر. يدعوه للقضاء، فقال الشافعي رضي الله عنه: اللهم إن كان هذا خيرا لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري، فأمضه، وإن لم يكن خيرا لي فاقبضني إليك.
قال: فتوفي بعد هذه الدعوة بثلاثة أيام، ورسول الخليفة على بابه، وقد روى القاضي أبو الطيب (1)، أنّ المأمون كتب إلى الشافعي، يدعوه ليوليّه القضاء في الشرق والغرب.
فأبى ودعا بالمزني في مرض موته، ونهاه عن تولي القضاء، فأظهر له كتاب المأمون، وقال له: ما أظهره لأحد غيرك (2). وذكر الرافعي في (الشرح الكبير)، أنّ الكتاب إلى الشافعي كان من الرشيد، والأول أشبه بالصواب. وروى ابن غانم في كتاب المناقب له، عن أبي عمر البلخي، قال: سمعت أبا عبد الله الضّبي يقول: حدثي أبو عبد الله الحسين بن جعفر الورّاق، قال: قرأت بمصر على حجر عند رأس قبر الشافعي رضي الله عنه. محفورا فيه هذين البيتين، وحدّثونا أنه قول رجل من أهل العراق، من أجلّة الفقهاء، نذر بالعراق أن يخرج إلى مصر، ويختم عند قبر الشافعي رضي الله عنه بأربعين ختمة. ثم يرجع. فخرج إلى مصر مناقلة، وختم على قبر الشافعي أربعين ختمة، ثم حفر هذين البيتين في الحجر المنصوب على قبره (3):
قد وفينا بنذرنا يا ابن إدري ... س وزرناك من بلاد العراق
وقرأنا عليك ما قد حفظنا ... من كلام المهيمن الخلّاق
وقال أبو عبد الله الحليمي (4): رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، في المنام ببخارى، كأنه في صحراء على ربوة من الأرض، وبين يديه الأئمة الأربعة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم أجمعين وكل واحد منهم على يسار صاحبه، دونه وأنا دونهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه الأحاديث التي في كتاب الشافعي، وهو يرويها عنّي يجب أن تأخذها لفظا بعد لفظ. رواه أبو عبد الله بن غانم بسنده إلى الحليمي. وروى أيضا بسنده عن أحمد بن محمد الأنماطي العدل. حدثني أحمد بن نصر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي فقلت: يا رسول الله بمن تأمرنا أن نقتدي به من أمتك في عصرنا، ويركن إلى قوله، ويعتقد مذهبه، فقال: عليكم بمحمد بن إدريس الشافعي، فإنه مني وأنّ الله
__________
(1) لم أعثر على سنده.
(2) لم أعثر على سنده.
(3) البيتان في: مناقب البيهقي 2/ 305.
(4) البيهقي: مناقب الشافعي 2/ 40.(1/87)
تعالى قد رضي عنه، وعن جميع أصحابه ومن يصحبه، ومن يعتقد مذهبه إلى يوم القيامة. فقلت له وغيره: قال: أحمد بن حنبل، فنعم الفقيه الورع الزاهد (1). وقال الزبير بن عبد الواحد: سمعت الحسين بن محمد الدينوري بأسدآباد، يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، راكبا ومعه فارسان، فسألت عنهما فقيل لي: هذا أبو بكر وهذا عمر. فتقدمت إليه فقلت: يا رسول الله، إني أذهب مذهب الشافعي، فقال لي بيده:
استمسك به فإنه العروة الوثقى (2). وقال أبو الحسن علي بن أحمد الصوفي: سمعت أحمد بن إبراهيم الإصطخري يقول: بينا أنا نائم ذات ليلة، إ أتاني آت فقال لي:
النبي صلى الله عليه وسلم يدعوك، فجئت فسلمت. قال: فرأيت رجلا عن يمينه ورجلا عن يساره ومن دونه رجلا، فقلت: من هذا الذي عن يمينك؟ فقال: الحسن بن أبي الحسن البصري، والذي عن يسارك، قال: محمد بن إدريس الشافعي، والذي بين يديك. قال:
أحمد بن موسى بن مجاهد. خذ من زهد هذا، وأشار إلى الحسن، وتفقه بهذا، فأشار إلى الشافعي، واقرأ على هذا، يعني ابن مجاهد. كلّ معي في الجنة، وعرج بهم بلا تنغّم، وهو يقرأ جنات عدن يدخلونها. رواه ابن غانم. في كتاب المناقب، بسنده وروى مثله عن بكار بن محمد النسيلي، قال: سمعت الربيع غير مرة يقول: رأيت الشافعي رضي الله عنه في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال (3): أنا في الفردوس الأعلى، فقلت: بماذا؟ قال: بكتاب صنفته، وسميته كتاب الرسالة (4). وقال الحسن بن حبيب الدمشقي: حدثني الربيع بن سليمان. قال: رأيت الشافعي رضي الله عنه بعد وفاته في المنام. فقلت: يا أبا عبد الله ما صنع الله بك؟ قال: أجلسني على كرسي من ذهب، ونثر عليّ اللؤلؤ (5) الرطب. وقال أبو بكر: أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود الرقّي: سمعت المزني يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فسألته عن الشافعي
__________
(1) النووي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 65.
(2) ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق لابن عسارك 21/ 408.
(3) انظر: ابن الجوزي: صفة الصفوة 2/ 172، تاريخ بغداد 2/ 70، وفيات الأعيان 4/ 165وابن عساكر: تاريخ دمشق (مخطوط) 15/ 1ورقة (4).
(4) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 391، وكتاب الشافعي (الرسالة) هو مقدمة على كتاب الأم للشافعي: ياقوت: معجم الأدباء 17/ 313.
(5) الخطيب: تاريخ بغداد 2/ 70، وابن الجوزي: المنتظم 10/ 138، ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 21/ 413.(1/88)
فقال: من أراد كنيتي وسنتي فعليه بمحمد بن إدريس الشافعي فإنه مني وأنا منه؟ (1).
رواه ابن أبي حاتم، وقال أبو عبد الله الحاكم حدثني: أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المؤدّب، حدثني محمد بن أحمد بن زكريا عن معبد بن جمعه، قال: سمعت ابا زرعة المكي يقول: سمعت عثمان ابن خرزاذ الأنطاكي. يقول: رأيت فيما يرى النائم، كأن القيامة قد قامت، وكأنّ الله جلّ ثناؤه قد برز لفصل القضاء، وكأنّ الخلائق قد حشروا، وكأنّ مناديا ينادي من بطنان العرش: ألا أدخلوا أبا عبد الله، وأبا عبد الله. وأبا عبد الله. وأبا عبد الله الجنة. فقلت لملك جنبي: من هؤلاء؟ قال: أولهم مالك بن أنس، وثانيهم سفيان الثوري وثالثهم محمد إدريس الشافعي ورابعهم أحمد بن حنبل، هؤلاء أئمّة الدين (2) [قد سيق بهم إلى الجنة] ومحمد بن إدريس قد سيّر إلى الجنة (3).
وروى الحاكم بسنده عن أبي عبد الله الدينوري قال: سمعت أبا الحسن الشافعي يقول:
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت يا رسول الله: بم جزي الشافعي عنك؟ حيث يقول في كتاب الرسالة: وصلى الله على محمد، كل ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
فقال: جزي عنّي أنه لا يوقف للحساب (4) يوم القيامة. وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: حدثني أبو القاسم عبد الله بن الحسن بن منصور الطبري. قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت يا رسول الله: ما تقول في صحيح البخاري؟ فقال لي:
صحيح كلّه، أو خذه كلّه، أو نحو هذا من الكلام. لو أنه أدخل فيه الشافعي (5). وقال الحافظ أثير الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن غانم المقري، في كتاب «مناقب الشافعي» (6) وهو كتاب جليل: سمعت الإمام الحافظ أبا بكر محمد بن أبي عمار موسى بن عمار الحازمي البغدادي، يقول: سمعت أبا الرضا سعيد بن محمد الشهرزوري القاضي، يقول (7): رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله،
__________
(1) الخطيب: تاريخ بغداد 2/ 69.
(2) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 21/ 413، والبيهقي: مناقب 2/ 303، تاريخ دمشق لابن عساكر 15/ 1/ 26.
(3) نفسه، ومناقب البيهقي 2/ 303، تاريخ دمشق لابن عساكر 15/ 1/ 26.
(4) مناقب الشافعي، للبيهقي 2/ 304، ابن عساكر: تاريخ دمشق 15/ 1/ 4.
(5) لم أعثر على سنده.
(6) لم نعثر على هذا الكتاب ولعله مفقود.
(7) لم أعثر على سند لقوله.(1/89)
ما تقول في مسند الشافعي؟ قال: أنا قلته كلمة بكلمة، ثم قلت: يا رسول الله، فما تقول في كتابي البخاري ومسلم؟ قال: صحيح. قلت: ما تقول في موطأ مالك بن أنس؟ قال: هو صحيح.
وهذا آخر ما وردنا، من مناقب الإمام الشافعي، على ما ذكر الحافظ أبو عبد الله الذهبي.
وجميع ما ذكره هو، وزدنا عليه شيا يسيرا، بالنسبة إلى ما ذكر في مناقبه، وإلى ما ذكر من محاسنه ومناقبه في التواريخ. كتاريخ أبي القاسم بن عساكر، وتاريخ أبي بكر الخطيب رضي الله عنه وأرضاه، وجمعنا وإياه في بحبوحة جنته بمنّه وكرمه، ونشرع في ذكر أصحابه على السنين.
* * *
طبقات أصحاب الشافعي بين سني (530211هـ)(1/90)
* * *
طبقات أصحاب الشافعي بين سني (530211هـ)
سنة إحدى عشرة ومائتين
1 - عبد الحميد بن الوليد (1) بن المغيرة (أبو زيد) الأشجعيّ، مولاهم المصريّ، الفقيه، الإخباريّ، سمع الليث وابن لهيعة، ومالك وجماعة، وأخذ الآداب عن ابن الكلبي، وأبي عبيدة، والواقدي، والهيثم بن عديّ وطائفة، وكان عجبا من العجب، علّامة، ولقّب بكبد لأنه كان ثقيلا. روى عنه: سعيد بن عفير، وأحمد بن يحيى بن وزير، وغيرهما. وتوفي في (2) شوّال سنة إحدى عشرة ومائتين عن سبعين سنة.
سنة تسع عشرة ومائتين
2 - عبد الله بن الزّبير بن عيسى (3) خ. د. ت. ن. الإمام أبو بكر القرشي الأسديّ الحميديّ، لحميد بن زهير بن الحارث بن أسد، المكي محدّث مكة وفقيهها، وأجلّ أصحاب سفيان بن عيينة، سمع: ابن عيينة، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد العزيز
__________
(1) الفسوي: المعرفة والتاريخ 1/ 699، والكنى والأسماء للدولابي 1/ 180، وطبقات الفقهاء للشيرازي 103.
(2) قال الشيرازي في طبقات الفقهاء 103: «ذكره الدارقطني في كتابه في ذكر من روى عن الشافعي».
(3) ترجمته في: ابن سعد: الطبقات الكبرى 5/ 502، تاريخ ابن معين 2/ 308، التاريخ الكبير للبخاري 5/ 9796رقم 276، الكنى والأسماء للدولابي 1/ 118، تاريخ الطبري 1/ 399، المعارف لابن قتيبة 526، تاريخ الموصل للأزدي 416، الجرح والتعديل 5/ 56، جمهرة أنساب العرب 108، الأنساب لابن السمعاني 4/ 231، معجم البلدان 1/ 797، سير أعلام النبلاء 10/ 621616، الكاشف للذهبي 2/ 77، الوافي بالوفيات 17/ 179رقم 161، النجوم الزاهرة 2/ 231، شذرات الذهب 2/ 45، 46، طبقات الحفاظ 178، ابن كثير: البداية 10/ 282، السيوطي: حسن المحاضرة 1/ 347، حاجي خليفة: كشف الظنون 1418، الشيرازي: طبقات 10099، السبكي 2/ 143140، الإسنوي: طبقات 1/ 2019، ابن الصلاح: طبقات 2/ 788.(1/91)
الدّراورديّ، وفضيل بن عياض، ومروان بن معاوية، والوليد بن مسلم، ووكيعا، والشافعي، وطائفة. وعنه: خ. ود. ت. ن. والبخاري وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عن رجل عنه، وهارون الجمّال، ومحمد بن يحيى الذّهليّ، وسلمة بن شبيب، ويعقوب الفسويّ، ويعقوب السّدوسيّ، وأبو زرعة وأبو حاتم الرّازيّان،، وأبو بكر محمد بن إدريس المكيّ، وورّاقة، ومحمد بن عبد الله بن سنجر الجرجانيّ، ومحمد بن عبد الله بن البرقيّ، وبشر بن موسى، والكديمي، وخلق. قال أحمد بن حنبل: الحميديّ عندنا إمام (1). وقال أبو حاتم (2): أثبت الناس في ابن عيينة:
الحميديّ. قال: جالست سفيان (3) بن عيينة تسع عشرة سنة أو نحوها. وقال:
يعقوب (4) بن سفيان: ثنا الحميديّ، وما لقيت أنصح للإسلام وأهله منه. وقال غيره:
كان حجّة حافظا. كان لا يكاد يخفى عليه شيء من حديث سفيان. وقال بشر بن موسى: ثنا الحميديّ وذكر حديث: «إن الله خلق آدم على صورته» (5) فقال: لا تقل غير هذا على التسليم والرّضى، بما به جاء القرآن، والحديث، ولا تستوحش أن تقول:
كما قال القرآن والحديث. قال الفسوي (6): سمعت الحميديّ يقول: كنت بمصر وكان لسعيد بن منصور حلقة في مسجد مصر يجتمع إليه أهل خراسان، وأهل العراق.
فجلست إليهم فذكروا شيخا لسفيان فقالوا: كم يكون حديثه؟ فقلت: كذا وكذا، فاستكثر ذلك سعيد وابن ديسم. فلم أزل أذاكرهما بما عندهما عنه، ثم أخذت أغرب عليهما فرأيت فيهما الحياء والخجل (7). وقال محمد بن سهيل القهستانيّ، ثنا الربيع:
سمعت الشافعي يقول: ما رأيت صاحب بلغم أحفظ من الحميديّ، كان يحفظ لابن عيينة، عشرة آلاف حديث (8)، وقال محمد بن إسحاق المروزيّ: سمعت إسحاق بن
__________
(1) تهذيب الكمال 14/ 513.
(2) الرازي: الجرح والتعديل 5/ 75.
(3) البخاري: التاريخ الكبير 5/ 97.
(4) الفسوي: المعرفة والتاريخ 3/ 184.
(5) الحديث: أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص 216، وفي الأدب المفرد، كما أخرجه أحمد في مسنده 2/ 251وأخرجه الحميدي في مسنده برقم 1120، 1121وأخرجه البخاري عن طرق همام عن أبي هريرة 5/ 113برقم (1102).
(6) المعرفة والتاريخ 2/ 179.
(7) اختصر المؤلف رواية الفسوي وهي أطول مما هنا.
(8) السبكي: طبقات الشافعية 2/ 140.(1/92)
راهويه يقول: الأئمة في زماننا: الشافعي والحميدي وأبو عبيد (1). وقال علي بن خلف: سمعت الحميدي يقول: ما دمت بالحجاز، وأحمد بالعراق، وإسحاق بخراسان. لا يغلبنا أحد (2)، وقال السراج: سمعت محمد بن إسماعيل يقول:
الحميدي إمام في الحديث (3). قلت: والحميديّ معدود في الفقهاء الذين تفقّهوا بالشافعي. قال ابن سعد (4) والبخاري (5): توفي بمكة سنة تسع عشرة ومائتين، وقال غيرهما: في ربيع الأول.
3 - القاسم بن سلام (6) الإمام أبو عبيد البغداديّ، الفقيه الأديب، صاحب المصنفات الكثيرة، في القراءات، والفقه واللغات، والشعر. قرأ القرآن على الكسائي، وإسماعيل بن جعفر، وشجاع بن أبي نصر، وسمع الحروف من طائفة. وقد سمع:
إسماعيل بن عبّاس، وإسماعيل بن جعفر، وهشيم بن بشير، وشريك بن عبد الله، وهو أكبر شيخ له، وعبد الله بن المبارك، وأبا بكر بن عياش، وجرير بن عبد الحميد، وسفيان بن عيينة، وعبّاد بن عبّاد، وعبّاد بن العوّام. وخلقا آخرهم موتا هشام ابن عمّار، وعنه: عبد الله بن عبد الرحمن الدّارمي، وأبو بكر بن أبي الدّنيا، وعبّاس الدّوري، والحارث بن أبي أسامة، وأحمد بن يوسف التّغلبي، وعلي بن عبد العزيز البغوي، ومحمد بن يحيى بن سليمان المروزي، وأحمد بن يحيى البلاذريّ الكاتب، وآخرون، قال علي البغوي: ولد أبو عبيد بهراة (7)، وكان أبوه عبدا لبعض أهل
__________
(1) نفسه.
(2) في السبكي: طبقات الشافعية 2/ 141.
(3) في السبكي: طبقات الشافعية 2/ 141.
(4) الطبقات الكبرى 5/ 502.
(5) التاريخ الكبير 5/ 97.
(6) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 416403/ 12، ياقوت: معجم الأدباء 16/ 154، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 54، النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 257، الذهبي: ميزان الاعتدال 2/ 338، الطبقات الكبرى لابن سعد 7/ 355، والسبكي: طبقات الشافعية 2/ 160153، وابن الصلاح: طبقات 2/ 829، التاريخ الكبير للبخاري 7/ 172رقم 778، البلاذري: أنساب الأشراف 36، 39السعودي مروج الذهب 8، جمهرة أنساب العرب لابن حزم، 5، 82، طبقات الشيرازي 92، الكامل في التاريخ 6/ 509، وفيات الأعيان 1/ 201، النجوم الزاهرة 2/ 211، طبقات الحفاظ 179، 180.
(7) ابن الجوزي: المنتظم 11/ 95.(1/93)
هراة (1). وقال أبو بكر الخطيب: كان أبو روميا (2). [ويحكى أن سلاما] (3) أخرج يوما أبا عبيد مع ابن مولاه في الكتّاب، فقال للمؤدّب: علّم (4) القاسم فإنها كيّسة (5) وقال محمد بن سعد (6): كان أبو عبيد مؤدّبا صاحب نحو وعربية، وطلب للحديث والفقه.
ولي قضاء طرسوس، أيام ثابت بن نصر بن مالك، ولم يزل معه ومع ولده، وقدم بغداد ففسّر بها غريب الحديث، وصنّف كتبا، وحدّث وحجّ، فتوفي بمكة سنة أربع وعشرين ومائتين (7). وقال ابن يونس: قدم مصر مع ابن معين سنة ثلاث عشرة، وكتب بمصر (8). وقال إبراهيم بن أبي طالب: سألت أبا قدامة السّرخسي عن الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، فقال: أمّا أفقههم وأفهمهم فالشافعي، إلا أنه قليل الحديث. وأما أورعهم فأحمد بن حنبل، وأما أحفظهم فإسحاق، وأما أعلمهم بلغات العرب فأبو عيبد (9). وقال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: الحقّ يحبّ الله، أبو عبيد أفقه مني، وأعلم مني (10). وقال الحسن بن سفيان: سمعت ابن راهويه يقول: إنا نحتاج إلى أبي عبيد وأبو عيبد لا يحتاج إلينا (11). وقال عباس الدّوري: سمعت أحمد بن حنبل يقول أبو عبد الرحمن يزداد عندنا كل يوم خيرا، وقال أبو قدامة سمعت أحمد بن حنبل يقول أبو عبيد أستاذ (12). وعن حمدان بن سهل، قال:
سألت يحيى بن معين عن أبي عبيد فقال: مثلي يسأل عن أبي عبيد؟ أبو عبيد يسأل عن
__________
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 403.
(2) نفسه.
(3) ما بين الحاصرتين ساقطة، والاستدراك من المنتظم: لابن الجوزي 11/ 95.
(4) هكذا في الأصل، ونزهة الألبا 110، أما في تاريخ بغداد 12/ 403، وسير أعلام النبلاء 10/ 419 «علّمي».
(5) البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 403وكيّسة: هي من لهجة الأعاجم.
(6) الطبقات الكبرى 7/ 355.
(7) وبها أرخه البخاري، وفي وفيات الأعيان وفاته سنة اثنتين وعشرين أو ثلاث بعد الفراغ من الحج (1/ 61، 62).
(8) المزي: تهذيب الكمال 2/ 1110.
(9) تاريخ بغداد 12/ 410، وإبناه الرواة 3/ 18.
(10) تاريخ بغداد 12/ 411، وأنباء الرواة 3/ 19للقفطي، ووفيات الأعيان 4/ 561.
(11) نزهة الألبا 112، وأنباء الرواة 3/ 19للفقطي.
(12) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 1/ 271.(1/94)
الناس (1)، وقال أبو داود: ثقة مأمون (2). وقال الدارقطني ثقة. إمام جبل (3). وسلّام أبوه روميّ. وقال أبو عبد الله الحاكم: كان أبو محمد بن قتيبة، يتعاطى التّقدّم في علوم كثيرة، ولم يرضه أهل علم منها، وإنما الإمام المقبول عند الكلّ فابو عبيد. وقال إبراهيم الحربيّ: رأيت ثلاثة تعجز النساء أن تلدن مثلهم: رأيت أبا عبيد ما مثّلته إلا بجبل، نفخ فيه روح، ورأيت بشر بن الحارث، فما شبّهته إلا برجل عجن من قرنه إلى قدمه علما. ورأيت أحمد بن حنبل، فرأيت كأن الله قد جمع له علم الأولين من كل صنف. يقول: ما شاء، ويمسك (4) ما شاء وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: عرضت (كتاب غريب الحديث) لأبي عبيد على أبي، فاستحسنه، وقال: جزاه الله خيرا (5).
وقال مكرم بن أحمد القاضي: قال إبراهيم الحربيّ: كان أبو عبيد كأنه جبل نفخ فيه الروح، يحسن كلّ شيء، إلا الحديث صناعة أحمد بن حنبل، ويحيى (6). قال: وكان أبو عبيد يؤدّب غلاما، ثم اتصل بثابت بن نصر، فولّي ثابت طرسوس، فولّى (7) أبا عبيد قضاءها ثمان عشرة سنة، فانشغل عن كتابة الحديث (8)، كتب في حداثته عن هشم وغيره، فلما صنّف، احتاج أن يكتب عن يحيى بن صالح، وهشام بن عمّار (9).
وأضعف كتبه كتاب (الأموال) فيجيىء إلى باب فيه ثلاثون حديث أو خمسون أصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيجيىء بحديث حديثين يجمعهما من حديث الشام. ويتكلم في ألفاظهما، وليس له كتاب مثل «غريب المصنف» (10) قال: وانصرف أبو عبيد يوما فمرّ بدار إسحاق الموصلي، فقالوا له: يا ابا عبيد صاحب هذه الدار يقول: إن في كتابك «غريب المصنف» ألف حرف خطأ. فقال: كتاب فيه أكثر من مائة ألف يقع فيه ألف خطأ ليس بكثير. ولعلّ إسحاق عنده رواية، وعندنا رواية، فلم يعلم. والروايتان صواب، ولعله
__________
(1) تاريخ بغداد 12/ 414، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 258.
(2) تاريخ بغداد 12/ 415، السبكي: طبقات الشافعية 1/ 271.
(3) السبكي: طبقات الشافعية 1/ 271.
(4) تاريخ بغداد 12/ 412، وفيات الأعيان 4/ 61.
(5) تاريخ بغداد 12/ 407، نزهة الألباء 111.
(6) تاريخ بغداد 12/ 413، تهذيب الأسماء 2/ 258.
(7) ابن الجوزي: المنتظم 11/ 97.
(8) تاريخ بغداد 12/ 413وإنباه الرواة 3/ 19.
(9) تاريخ بغداد 12/ 413.
(10) نفسه.(1/95)
أخطأ في حروف، وأخطأنا في حروف، فيبقى الخطأ شيء يسير (1) قال: وكتاب غريب الحديث فيه أقلّ من مائتي حرف، سمعت والباقي: قال الأصمعي: وقال أبو عمرو:
وفيه خمسة وأربعون حديثا، لا أصل لها، أتى فيها أبو عبيد. من أبي عبيدة معمر بن المثنّى (2) وقال عبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسي من علماء بغداد النحويين على مذهب الكوفيين: ورواة اللغة والغريب والعلماء بالقراءات، ومن جمع صنوفا من العلم، وصنّف الكتب في كلّ فنّ من العلوم والآداب، فأكثر، وشهر: أبو عبيد القاسم بن سلّام (3). وكان مؤدبا لآل هرثمة (4). وصار في ناحية عبد الله بن طاهر، وكان ذا فضل، ودين، وجود ومذهب حسن (5). روى عن: أبي زيد، وأبي عبيدة، والأصمعيّ، واليزيديّ، وابن الأعرابيّ، وأبي زياد الكلابيّ، وعن الأمويّ، وأبي عمرو الشيباني، والكسائي، والأحمر، والفرّاء (6). وروى (7) الناس من كتبه المصنّفة، بضعة وعشرين كتابا في القرآن، والفقه، وغريب الحديث، والغريب المصنّف، والأمثال، ومعاني الشعر، وغير ذلك، وله كتب لم يروها، قد رأيتها في ميراث بعض الطاهريين، تباع كثيرة، في أصناف الفقه كلّه (8). قال: وبلغنا أنه كان إذا صنّف كتابا، أهداه إلى عبد الله بن طاهر، فيجعل إليه مالا خطيرا استحسانا لذلك، وكتبه مستحسنة مطلوبة في كلّ بلد. والرّواة عنه، مشهورون ثقات، ذوو ذكر ونبل (9). قال: وقد سبق إلى جمع كتبه، فمن ذلك: (المصنّف الغريب) وهو أجلّ كتبه (10) في اللغة، فإنه احتذى فيه كتاب النّضر بن شميل، الذي يسميه كتاب «الصفات» بدأ فيه بخلق الإنسان.
ثم بخلق الفرس، ثم بالإبل، فذكر صنفا بعد صنف، وهو أكبر من كتاب أبي عبيد وأجود. ومنها: كتاب «الأمثال» وقد صنّف فيها قبله الأصمعي، وأبو زيد، وأبو
__________
(1) تاريخ بغداد 12/ 413، وإنباه الرواة 3/ 20، معجم الأدباء 16/ 258.
(2) نفسه.
(3) تاريخ بغداد 12/ 414.
(4) ابن الجوزي، المنتظم 11/ 96.
(5) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 414.
(6) ابن الجوزي: المنتظم 11/ 96.
(7) تاريخ بغداد 12/ 413، وإنباه الرواة 3/ 20، معجم الأدباء 16/ 258.
(8) تاريخ بغداد 12/ 404.
(9) تاريخ بغداد 12/ 404.
(10) ابن الجوزي: المنتظم 11/ 96.(1/96)
عبيدة وجماعة، إلا أنه جمع رواياتهم في كتابه، وكتاب غريب الحديث. أول من عمله أبو عبيدة، وقطرب، والأخفش، والنّضر، ولم يأتوا بالأسانيد. وعمل أبو عدنان البصريّ كتابا في (غريب الحديث) وذكر فيه الأسانيد، وصنّفه على أبواب السّنن، إلا أنه ليس بالكبير، فجمع أبو عبيدة عامّة ما في كتبهم وفسّره، وذكر الأسانيد، وصنّف (المسند) على حدته، وأحاديث كل رجل من الصحابة والتابعين) على حدته، وأجاد تصنيفه، فرغب فيه أهل الحديث، والفقه واللغة. لاجتماع ما يحتاجون إليه فيه.
وكذلك كتابه في معاني القرآن، وذلك أن أول من صنّف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة، ثم قطرب، ثم الأخفش، وصنّف من الكوفيين الكسائيّ، ثم الفرّاء، فجمع أبو عبيد من كتبهم، وجاء فيه بالآثار وأسانيدها. وتفاسير الصحابة، والتابعين والفقهاء.
وروى النّصف منه، ومات (1). وأما الفقه فإنه عمد إلى مذهب مالك، والشافعي فتقلّد أكثر ذلك، وأتى بشواهده وجمعه من حديثه ورواياته، واحتجّ باللغة والنحو فحسّنها بذلك (2). وله في القراءات كتاب جيد ليس لأحد من الكوفيين قبله مثله، وكتاب في الأموال، من أحسن ما صنّف في الفقه وأجوده (3). وقال أبو بكر بن الأنباري: كان أبو عبيد (4) يقسّم لليل، فيصلي ثلثه وينام ثلثه، ويصنّف ثلثه. وقال الحافظ عبد الغني بن سعيد: في كتاب (الطهارة) لأبي عبيد حديثان، ما حدّث بهما غيره، ولا حدّث بهما عنه غير محمد بن يحيى المروزيّ، أحدهما حديث شعبة عن عمرو بن أبي وهب، والآخر حديث عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبريّ، حدّث به عن يحيى القطّان، عن عبيد الله، وحدّث به الناس، عن يحيى، عن ابن عجلان (5). وقال ثعلب: لو كان أبو عبيد في بني إسرائيل لكان عجبا (6). وقال القاضي أبو العلاء الواسطي: أنبأ محمد بن جعفر التّميميّ، ثنا أبو علي النحوي، نا الفساطيطيّ قال (7): كان أبو عبيد مع عبد الله بن
__________
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 404، 405.
(2) نفسه 12/ 405.
(3) نفسه.
(4) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 408، نزهة الألبا 111، وفيات الأعيان 4/ 61، طبقات الشافعية للسبكي 1/ 271.
(5) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 413.
(6) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 411، إنباه الرواة 3/ 19.
(7) ابن الجوزي: المنتظم 11/ 97.(1/97)
طاهر، فبعث إليه أبو دلف (1)، يستهديه أبا عبيد مدّة شهرين، فأخذه إليه فأقام شهرين، فلما أراد الانصراف وصله بثلاثين ألف درهم، فلم يقبلها. وقال: أنا في جنبة رجل لم يحوجني إلى صلة غيره. فلما عاد إلى ابن طاهر وصله بثلاثين ألف دينار. فقال: أيها الأمير قد قبلتها، ولكن قد أغنيتني بمعروفك وبرّك، وقد رأيت أن أشتري بها سلاحا وخيلا، وأوجّه بها إلى الثّغر، ليكون الثواب متوفّرا على لأمير ففعل (2)، وقال علي بن عبد العزيز: سمعت أبا عبيد يقول: المتّبع للسّنّة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب السيف في سبيل الله (3). وقال عباس الدّوري: سمعت أبا عبيد يقول:
عاشرت الناس، وكلّمت أهل العلم، فما رأيت قوما أوضح وضحا، ولا أضعف حجّة من الرافضة، ولا أحمق منهم. ولقد ولّيت قضاء الثّغر فنفيت ثلاثة (4): جهميّين ورافضيا أو رافضيّين وجهميّا. وقال: إني لأتبيّن في عقل الرجل، أن يدع الشمس، ويمشي في الظّل (5). وقال بعضهم: كان أبو عبيد أحمر الرأس واللحية، قريبا وقورا، يخضب بالحنّاء (6). وقال الزّبيديّ: عددت حروف (الغريب) فوجدته سبعة عشر ألف وتسعمائة وسبعين (7). وقا أبو عبيد: دخلت البصرة لأسمع من حمّاد بن زيد، فإذا هو قد مات. فشكوت ذلك إلى عبد الرحمن بن مهدي، فقال: مهما سبقت به فلا تسبقنّ بتقوى الله (8). وقال محمد بن الحسين الآبري: سمعت ابن خزيمة: سمعت أحمد بن نصر المقرىء يقول: قال: إسحاق إن الله لا يستحيي من الحق. أبو عبيد أعلم مني، ومن أحمد بن حنبل، والشافعي (9). وقال عبد الله بن طاهر الأمير، ورويت عنه من
__________
(1) أبو دلف: القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل (أبو دلف) العجلي أمير الكرج. كان جوادا، شجاعا، أديبا، وشاعرا. توفي سنة 225هـ. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 423416.
(2) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 416، معجم الأدباء 16/ 256، طبقات الشافعية للسبكي 1/ 271.
(3) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 410، طبقات الحنابلة 1/ 262.
(4) تاريخ ابن معين 2/ 480.
(5) تاريخ بغداد 12/ 410.
(6) وفيات الأعيان 4/ 61، إنباه الرواة 3/ 23.
(7) معجم الأدباء 16/ 259، إنباه الرواة 3/ 21.
(8) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 408، 409.
(9) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 411، معجم الأدباء 16/ 256، نزهة الألبّا 112.(1/98)
وجهين: للناس أربعة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه (1) والقاسم بن معن في زمانه، وأبو عبيد في زمانه. وقال عبدان بن محمد المروزيّ: ثنا أبو سعيد الضرير قال: كنت عند عبد الله بن طاهر، فورد عليه نعيّ أبي عبيد فأنشأ يقول (2): [من البسيط]:
يا طالب العلم قد مات ابن سلّام ... وكان فارس علم غير محجام
مات الذي كان فينا ربع أربعة ... لم يلق مثلهم إسناد أحكام
خير البريّة عبد الله أوّلهم ... وعامر ولنعم التّلو يا عام [البسيط]
هما اللذان أنافا فوق غيرهما ... والقاسمان ابن معن وابن سلّام (3)
ومناقب أبي عبيد كثيرة، وقد حكى عنه البخاري في كتاب (أفعال العباد) وذكره أبو داود في كتاب (الزكاة) وغيره في تفسير أسنان الإبل. مات سنة أربع وعشرين، وعاش ثمانيا وستين سنة، رحمه الله تعالى. روى الحاكم عن زكريا السّاجي، بلغني عن أحمد بن الوزير، أنه قال: ما شرب الشافعيّ من كدر مرّتين، ولا عاد في جماع جارية مرّتين.
قال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: لم يثبت عن ابن عبّاس في التفسير، إلا سنّة عامة. وقال سمعت الشافعي يقول: ثلاثة أشياء ليس لطب فيها حيلة: الحماقة، والطاعون، والهرم. وفي آخر كتاب آداب الشافعي لابن أبي حاتم، سمعت ابن عبد الأعلى يقول: قال الشافعي: لم أر شيئا أنفع للوباء من البنفسج، يدهن به ويشرب (4). قال التسيلي في الطبقات: والوباء غير الطاعون، فلا منافاة بين الأمرين.
4 - يعقوب بن يوسف بن معقل بن شيبان النّيسابوريّ (5)، والد أبي العباس الأصمّ.
روى عن: ابن راهويه، ومحمد بن حميد، وعلي بن حجر، وطبقتهم، ثم رحل
__________
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 411، معجم الأدباء 16/ 257، نزهة الألبّا 140.
(2) الأبيات في: تاريخ بغداد 12/ 412، إنباه الرواة 3/ 50، طبقات الشافعية للسبكي 1/ 272، معجم الأدباء 16/ 257، الذهبي: سير أعلام النبلاء 10/ 506. نزهة الألبا 113، 141.
(3) البيتان في الذهبي: سير النبلاء 10/ 506، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 412، نزهة الألباء 141، ياقوت: معجم الأدباء 16/ 257، إنباه الرواة 3/ 20.
(4) آداب الشافعي 323، 324، مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 118.
(5) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 14/ 286 (7582) وابن الصلاح: طبقات 1/ 292.(1/99)
بابنه، فلقي أصحاب ابن عيينة، وابن وهب روى عنه: ابنه وأبو عمرو السّهلي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، ومحمد بن مخلد الدّوريّ. وكان من أبرع الناس خطّا، نسخ الكثير بالأجرة، ومات في المحرم سنة سبع وسبعين ومائتين. قاله: الذهبي فنقل إلى حاشية ترجمة ولده.
5 - يعقوب بن (1) يوسف بن يعقوب بن عبد الله (أبو يوسف) الأخرم الشّيباني، النّيسابوريّ، والد الحافظ أبي عبد الله محمد، سمع قتيبة بن سعيد، وإسحاق بن راهويه، وسويد بن سعيد، وعبد الله بن معاوية الجمحي، وهشام بن عمّار، ومحمد بن وهب بن أبي كرية الحرّاني، وطبقتهم، وعنه [ابنه] عبد الله وأبو حامد بن الشرقي، وعلي بن حمشاذ، ومحمد بن صالح بن هانىء، وأبو النصر محمد بن محمد الفقيه، وآخرون، وكان رئيسا نبيلا، فقيها كثير العلم. توفي في شعبان سنة سبع ومائتين، قاله: الذهبي، فنقل إلى ترجمة ولده، تتميما للفائدة.
فائدة: رجلان: أحدهما ارتاضت نفسه على الطاعة، واسترخت بها، ونعمت، ومازنت، وتاقت إليها طواعية ومحبة، والآخر يجاهد نفسه على تلك الطاعات، ويكرهها عليها.
أيّها أفضل؟ روي عن أحمد بن حنبل، أنه سأله رجل عن نحو ذلك، فقال: ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «(2) من تعلّم القرآن وهو كبير فشقّ عليه، فله أجران» وهذا ظاهر في ترجيح المكره نفسه، لأن له عملين جهادا، أو طاعة أخرى، ولذلك كان له أجران.
قال ابن رجب في قواعده: وهذا قول ابن عطاء، وطائفة من الصوفية، من أصحاب أبي سلبيمان الداراني. وقال الجنيد، وجماعة من عباد البصرة: أن الباذل لذلك طوعا، ومحبة أفضل. وهو اختيار الشيخ تقي الدين ابن تيمية، لأن مقامه في طمأنينة النفس،
__________
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 14/ 296 (7607) والإسنوي: طبقات 1/ 75 وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 902و 1/ 287.
(2) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه ج 1ص 550، (برقم 798) ولفظه: «والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له أجران». وفي مسند أحمد 6/ 48و 98، 170، 239، 266ولفظه: عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأه وهو يشق عليه، أجره مرتين».(1/100)
أفضل من أعمال متعددة، لأنه من أرباب المنازل والمقامات، والآخر من أرباب السلوك والندامات، فمثلهما كمثل رجلين، أحدهما مقيم عليه مشتغل بالطواف، والآخر يقطع المفاوز، والقفار، في السير إلى مكة، فعمله أشق، والأول أفضل.
سنة إحدى وثلاثين ومائتين
6 - يوسف بن يحيى الإمام أبو يعقوب المصري البويطي (1) الفقيه، صاحب الشافعي.
روى عن: ابن وهب، والشافعي وغيرهما، وعنه: الربيع المراديّ رفيقه وإبراهيم الحربيّ، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، وأبو حاتم وقال: صدوق. وأحمد بن إبراهيم بن فيل، والقاسم بن هاشم السّمسار، وآخرون. وكان صالحا عابدا، متهجّدا دائم الذّكر، والتّشاغل بالعلم (2). بلغنا أن الشافعي قال (3): ليس في أصحابي أعلم من البويطي. قال إمام الأئمة ابن خزيمة: كان ابن عبد (4) الحكم، أعلم من رأيت بمذهب مالك، فوقعت بينه وبين البويطي وحشة، عند موت الشافعي، فحدّثني أبو جعفر السّكّري قال: تنازع ابن عبد الحكم، والبويطي بمجلس الشافعي، فقال البويطي: أنا أحقّ به منك، وقال الآخر كذلك. فجاء الحميديّ، وكان تلك الأيام بمصر فقال: قال الشافعي: ليس أحد أحقّ بمجلس من يوسف، وليس أحد من أصحابي أعلم منه، فقال له ابن عبد الحكم: كذبت. قال: كذبت أنت وأبوك وأمّك. وغضب ابن عبد الحكم، وجلس البويطي (5) في مجلس الشافعي، وجلس ابن عبد الحكم في الطّاق الثالث. قال زكريا بن أحمد البلخي: نا أبو جعفر محمد بن أحمد الترمذي: ثنا الربيع بن سليمان قال: كان البويطي حين مرض الشافعي بمصر هو وابن عبد الحكم، والمزني (6)،
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 2/ 114، 175، وابن النديم الفهرست 1/ 212 والبغدادي: هدية العارفين 2/ 549حاجي خليفة: كشف الظنون 1942، الزركلي: الأعلام 9/ 338، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 14/ 299وينسبه البويطي إلى بلدة بويط من أعمال الصعيد الأدنى بمصر. وابن الصلاح: طبقات 2/ 681.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 11/ 174.
(3) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 14/ 301، الإسنوي: طبقات الشافعية 1/ 20.
(4) ابن عبد الحكم: عبد الله بن عبد الحكم المصري، ابن النديم: الفهرست 281.
(5) البغدادي: هدية العارفين 2/ 549، تاريخ بغداد 14/ 300، 301.
(6) المزني: هو أبو إبارهيم إسماعيل بن إبراهيم المزني، من قبيلة مزينة اليمنية، من أصحاب(1/101)
فاختلفوا في الحلقة، أيّهم يقعد فيها؟ فبلغ الشافعي، فقال: الحلقة للبويطي، فلهذا اعتزل ابن عبد الحكم الشافعي وأصحابه، وكانت أعظم حلقة في المسجد. والناس إليه في الفتيا، والسلطان إليه. فكان أبو يعقوب البويطي، يصوم، ويقرأ القرآن. لا يكاد يمر يوم وليلة إلا ختم، مع صنائع المعروف إلى لناس. قال: فسعي به، وكان أبو بكر الأصمّ (1) من سعى به، ليس هو بابن كيسان الأصم. وكان أصحاب ابن أبي دؤاد وابن (2)
الشافعي ممن سعى به، حتى كتب فيه ابن أبي دؤاد، إلى والي مصر، فامتحنه فلم يجب. وكان الوالي حسن الرأي فيه. فقال: قل فيما بيني وبينك قال: إنه يقتدي بي مائة ألف، ولا يدرون المعنى. قال: وكان قد أمر أن يحمل (3) إلى بغداد في أربعين رطل حديد. قال الربيع: وكان المزني ممن سعى به، وحرملة. قال أبو جعفر الترمذي. فحدثني الثقة عن البويطي، أنه قال: برىء الناس من دمي إلا ثلاثة: حرملة والمزني، وآخر (4). وقال الربيع: كان البويطي أبدا يحرك شفتيه بذكر (5) الله.
ما أبصرت أحدا أنزع بحجّة في كتاب الله من البويطي، ولقد رأيته (6) على بغل، في عنقه غلّ، وفي رجليه قيد، وبين الغل والقيد سلسلة حديد، وهو يقول: إنما خلق الله الخلق بكن، فإذا كانت مخلوقة، فكأنّ مخلوقا، خلق بمخلوق. ولئن أدخلت عليه، لأصدقنّه يعني الواثق (7)، ولأموتنّ في حديدي هذا، حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم. وقال الربيع أيضا: كتب إليّ البويطي، أن صبّر نفسك للغرباء، وحسّن خلقك لأهل حلقتك، فإني لم أزل أتبع الشافعي رحمه الله يكثر أن يتمثّل بهذا البيت:
أهبن لهم نفسي لكي يكرمونها ... ولن تكرم النّفس التي لا تهينها (8)
__________
الشافعي، توفي سنة 264هـ بمصر، وله مصنفات / ابن النديم: الفهرست ص 298.
(1) هو محمد بن منذر النيسابوري الفقيه (أبو بكر) حاجي خليفة: كشف الظنون 33، 135، 140.
(2) ساقطة.
(3) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 14/ 301.
(4) الذهبي: سير أعلام النبلاء 12/ 60، 61.
(5) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 14/ 300.
(6) ابن الجوزي: المنتظم 11/، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 14/ 300.
(7) تاريخ بغداد 14/ 312.
(8) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 14/ 302، البيهقي: مناقب الشافعي 2/ 101، 147،(1/102)
قلت: ولما توفي الشافعي جلس في حلقته بعده أبو يعقوب البويطي، ثم إنه حمل في أيام المحنة إلى العراق مقيدا، فسجن إلى أن مات في سنة إحدى وثلاثين ومائتين في رجب، رضي الله عنه. قال أبو عمرو المستملي: حضرنا مجلس محمد بن يحيى الذّهليّ، فقرأ علينا كتاب (1) البويطي إليه (2)، وإذا فيه: والذي أسألك أن تعرض حالي على إخواننا أهل الحديث. لعلّ الله يخلّصني على أيديهم. فإني في الحديد، وقد عجزت عن أداء الفرائض الطهارة، والصلاة (3). اضطر إلى هذا الخبر رحمه الله، لم يكن أسفه إلّا على أداء الفرائض ولم يأبه بالقيد ولا بالسجن، فرحمه الله ورضي عنه.
فضجّ الناس بالبكاء، والدّعاء له. ومن محاسن البويطي، قال أبو بكر الأثرم: كنا في مجلس البويطي فقرأ علينا عن الشافعي: أن التيمّم ضربتان. فقلت له: حديث عمّار، عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن التيمّم ضربة واحدة (4) فحكّ من كتابه: ضربتان وصيّره ضربة، على حديث عمّار ثم قال: قال الشّافعي: إذا رأيتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألبست فاضربوا على قولي، وخذوا بالحديث، فإنّه قولي. قال ابن الصلاح: روى هذا الحافظ أبو بكر بن مردويه، وهو القول الذي حكي عن القديم أنّ التّيمم للوجه والكف فحسب.
7 - عبد العزيز بن عمران (5) بن أيوب بن مقلص، الإمام أبو علي الخزاعيّ. مولاهم المصري الفقيه. كان من كبار أصحاب ابن وهب، والشافعي. لزمهما مدّة. وكان صالحا ورعا زاهدا، توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين. روى عنه: أبو زرعة، وابو حاتم وجماعة، وهو ابن بنت سعيد بن أبي أيوب. قال أبو حاتم: صدوق.
سنة ست وثلاثين ومائتين
8 - الحارث بن سريج أبو عمرو الخوارزمي (6)، ثم البغدادي النّقّال (بالنون)، روى
__________
الجاحظ: البيان والتبيين 2/ 89.
(1) ابن الجوزي: المنتظم 11/ 175وتاريخ بغداد 14/ 303.
(2) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 14/ 303.
(3) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 14/ 299.
(4) أخرجه البخاري (347).
(5) ترجمته في السبكي: طبقات الشافعية 2/ 143، الإسنوي 2/ 144، ابن الصلاح: طبقات 2/ 693، أخبار القضاة لوكيع 1/ 191والجرح والتعديل 5/ 391.
(6) ترجمته في: الخطيب: تاريخ بغداد 8/ 209، 211 (4329) وطبقات الفقهاء للشيرازي(1/103)
عن: حماد بن سلمة، ويزيد بن زريع، وسفيان بن عيينة، وعنه لابن أبي الدنيا، وإبراهيم بن هاشم البغوي، وأحمد بن الحسن الصّوفي. قال النسائي: متروك. وقال موسى بن هارون. مات النّقّال، وكان واقفيّا يتّهم بالحديث، سنة ست وثلاثين ومائتين.
9 - إبراهيم بن المنذر (1) بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد بن أسد خ، ت، س، ق، أبو إسحاق الأسديّ، المدني المعروف، بالحزاميّ. وقال هو أخو حكيم بن حزام، كان إبراهيم بن المنذر من أئمة الحديث بالمدينة. روى عن: سفيان بن عيينة، وابن وهب، ومعن بن عيسى، وابن أبي فديك وأبي ضمرة والوليد بن مسلم، وخلق كثير. وعنه: خ. ق.، وت. س. بواسطة، وأحمد بن إبراهيم البسريّ، وثعلب النّحوي، وبقيّ بن مخلد، وابن أبي الدنيا، وأبو جعفر محمد بن أحمد الترمذي ومحمد بن إبراهيم البوشنجي، ومطيّن، ومسعدة بن سعد العطّار، وخلق. قال صالح: ثقة صدوق (2) وكذا قال أبو حاتم (3). وقال عثمان الدارمي: رأيت يحيى بن معين، كتب عن إبراهيم بن المنذر أحاديث ابن وهب، ظننتها (المغازي) (4).
وقال عبدان بن أحمد الهمداني: سمعت أبا حاتم يقول: إبراهيم بن المنذر أعرف بالحديث من إبراهيم بن حمزة، إلا أنه خلط في القرآن (5). جاء إلى أحمد بن حنبل فاستأذن عليه، فلم يأذن له، وجلس حتى خرج فسلّم عليه فلم يردّ عليه السلام. وقال
__________
102، ابن السمعاني: الأنساب 12/ 131، 132.
(1) ترجمته في: التاريخ الكبير للبخاري 1/ 321، أخبار القضاة لوكيع 1/ 10، 105، 129، 231، 268، تاريخ الطبري 2/ 155تريخ جرجان للسهمي 322، 361، 455، الإكمال لابن ماكولا 3/ 35، نشوار المحاضرة للتنوخي 6/ 196، تذكرة الحفاظ 1/ 470، الكاشف 1/ 48 رقم 207، سير أعلام النبلاء 10/ 689، رقم 255، الوافي بالوفيات 6/ 150، البداية والنهاية 10/ 315، شذرات الذهب 2/ 86، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 6/ 179، الرازي:
الجرح والتعديل 2/ 139، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 82، 83، وابن الصلاح: طبقات 2/ 702.
(2) تاريخ بغداد 6/ 181.
(3) الجرح والتعديل 2/ 139.
(4) نفسه.
(5) تاريخ بغداد 6/ 180.(1/104)
الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: أيّ شيء يبلغني عن الحزمي؟ لقد جاءني بعد قدومه من العسكر، فلما رأيته أخذتني الحميّة، فقلت: ما جاء بك إليّ؟ قالها أبو عبد الله بانتهار. قال: فخرج فلقي أبا يوسف، يعني عمه، فجعل يعتذر. وقال يعقوب الفسويّ: مات في المحرّم سنة ست وثلاثين ومائتين (1). وقيل: حفظ عن مالك مسألة.
سنة سبع وثلاثين ومائتين
10 - إبراهيم بن محمد (2) بن العباس بن عثمان بن شافع، بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب ن. ق أبو إسحاق القرشيّ المطّلبي. ابن عم الشافعي، المكي. سمع أباه، وفضيل بن عياض، جدّه لأمّه محمد بن علي بن شافع، والمنكدر بن محمد بن المنكدر، وحمّاد بن زيد، وعبد العزيز بن أبي حازم، وابن عيينة، وجماعة. وعنه: ق.، ون. بواسطة وأحمد بن سيّار المروزي، وأبو بكر بن أبي عاصم، وبقيّ بن مخلد، ومطيّن، وثّقته النسائي وغيره (3). ومات سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين (4).
سنة أربعين ومائتين
11 - إبراهيم (5) بن خالد بن أبي اليمان د. ق. أبو ثور الكلبي البغدادي، الفقيه
__________
(1) تاريخ بغداد 6/ 181.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 2/ 8180، ابن الصلاح: طبقات 2/ 701وابن عبد البر 104، وأخبار القضاة لوكيع 3/ 258، الكنى والأسماء للدولاني 1/ 99، الجرح والتعديل 2/ 129رقم 407، تهذيب الكمال للمزي 2/ 175، 176رقم 230، سير أعلام النبلاء 11/ 165رقم 69، العقد الثمين 3/ 256، تهذيب التهذيب 1/ 153، 155رقم 276، شذرات الذهب 2/ 88.
(3) تهذيب الكمال للمزي 2/ 176.
(4) المعجم المشتمل لابن عساكر 68رقم 117.
(5) ترجمته في: الرازي: الجرح والتعديل 2/ 97رقم 266، طبقات الفقهاء، للشيرازي 72، 92، 101، الفهرس لابن النديم 265المعجم المشتمل لابن عساكر 65رقم 109، ابن الأثير، الكامل في التاريخ 7/ 75، وفيات الأعيان 1/ 7، المزي: تهذيب الكمال 2/ 8381، سير(1/105)
أحد الأعلام. وقيل كنيته أبو عبد الله، ولقبه أبو ثور. روى عن: ابن عيينة، وابن عليّة، وعبيدة بن حميد، وأبي معاوية، ووكيع، ومعاذ بن معاذ، وعبد الرحمن بن مهدي، والشافعي، ويزيد بن هارون وجماعة. وعنه: د.، ق.، ومسلم بن الحجّاج، خارج (الصحيح) وأبو القاسم البغوي، والقاسم بن زكريا المطرّز، ومن أصحاب أبي ثور: أحمد بن محمد بن الحسن بن حنيل، أبو بكر البغدادي، الفقيه صاحب أبي ثور، كان أحد العظماء في وقته، توفي في ذي القعدة سنة خمس وثلاثين ومائتين. ومحمد بن صالح بن ذريح، ومحمد بن إسحاق السرّاج، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبّار الصوفي وجماعة. قال عبد الرحمن بن خاقان: سألت أحمد بن حنبل عن أبي ثور فقال: لم يبلغني إلا خيرا، إلا أنه لا يعجبني الكلام الذي يصيّرونه في كتبهم (1). وقال أبو بكر الأعين: سألت أحمد بن حنبل عنه فقال: أعرفه بالسّنة منذ خمسين سنة، وهو عندي في مسلاح (2) سفيان الثوري. وقال غيره: إن رجلا سأل أحمد بن حنبل عن مسألة فقال: سل غيرنا، سل أبا ثور (3). قال السّلمي: هذا غلوّ من أبي حاتم، وأبو ثور أظهر من أن يحتاج إلى توثيق، ولقي بكلام أحمد له سرفا. وقال أبو عبد الله الحاكم: كان ثقة أهل بغداد، ومفتيهم في عصره، وأحد أعيان المحدّثين المعنيين، وقال ابن عبد البر: كان حسن النّظر فيما يروي من الأمر، إلا أن له شذوذا، يعني في الفقه، فارق فيه الجمهور، وقد عدّوه أحد أئمة الفقهاء. وقال النسائي: هو أحد الفقهاء. ثقة. مأمون (4). وقال ابن حبّان (5): كان أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وورعا وفضلا وخيرا. ممّن صنّف الكتب، وفرّع على السّنن، وذبّ عنها وقمع مخالفيها. وقال بدر بن مجاهد: قال لي سليمان الشاذكوني: اكتب رأي (6) الشافعي،
__________
أعلام النبلاء 12/ 7672، تذكرة الحفاظ 2/ 512، 513، ميزان الاعتدال 1/ 29رقم 80، تاريخ بغداد 6/ 6965رقم 3100.
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 6/ 66.
(2) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 6/ 66وطبقات الفقهاء للشيرازي 92.
(3) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 6/ 66.
(4) نفسه.
(5) في الثقات 8/ 74.
(6) أخذ أبو ثور عن الشافعي أشياء كثيرة، وخالفه في أشياء كثيرة، وأحدث لنفسه مذهبا اشتقه من مذهب الشافعي، وأكثر أهل أذربيجان وأرمينية يتفقهون على مذهبه. انظر: ابن النديم:
الفهرست ص 297، وتاريخ بغداد 6/ 67.(1/106)
واخرج إلى أبي ثور، فاكتب عنه لا يفوتنّك بنفسه. وقال أبو بكر الخطيب (1): كان ابو ثور أولا يتفقّه بالرأي، ويذهب إلى قول أهل العراق، حتى قدم الشافعي بغداد. فاختلف إليه أبو ثور، ورجع عن الرأي إلى الحديث. وقال أبو حاتم (2): هو رجل يتكلم بالرأي، فيخطىء ويصيب، وليس محلّه محلّ المتّسعين في الحديث. قال التسيلي:
وقوله: خيرا ثم الكلام. وقوله ممّن صنّف الكتب، ابتدأ بكلام، فليس أبو ثور خير من صنف الكتب على الإطلاق. وقال عبيد بن محمد البزّار صاحبه (3): توفي أبو ثور في صفر سنة أربعين ومائتين. وممّن توفي هذا العام.
12 - أحمد بن يحيى (4) بن عبد العزيز أبو عبد الرحمن الأشعريّ نسبا، ويعرف بأبي عبد الرحمن الشافعي. واشتهر بالكنية، والنسبة لكونه تفقّه بالشافعي، وغلب عليه الجدل، والمناظرة، والكلام. أخذ عنه: داود بن علي الأصبهاني، علم الاختلاف.
قاله: أبو عبيد بن حربويه. وقال الخطيب: حدّث عن: الوليد بن مسلم، والشافعي.
روى عنه: محمد بن إبراهيم القوهستاني، ومطيّن، ثم ساق الخطيب له حديثا. قال الدارقطني: كان من كبار أصحاب الشافعي، ثم صار (5) من أصحاب ابن أبي دؤاد، واتّبعه على رأيه.
13 - ابن كلّاب (6): هو أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلّاب، المتكلم البصريّ، كان يردّ على المعتزلة وربما وافقهم. ذكر ابو طاهر الذّهلي، أنّ الأمام داود بن علي الإصبهاني، أخذ الكلام والجدل عن عبد الله بن كلّاب. وفي ترجمة الحارث بن أسد
__________
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 6/ 65، 67.
(2) الرازي: الجرح والتعديل 2/ 98.
(3) مات أبو ثور في بغداد ودفن بها في مقبرة باب الكنائس / الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 6/ 69، أرخه ابن حبان في الثقات 8/ 74، وابن عساكر في المعجم المشتمل 65، 109.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5/ 200 (رقم الترجمة (2673) وسير أعلام النبلاء 10/ 555، الفهرست لابن النديم 267.
(5) هو أحمد بن أبي دؤاد ابن جرير (أبو عبد الله القاضي) قاضي قضاة المعتصم العباسي كان على مذهب الجهمية / الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 156142.
(6) ترجمته في: ابن النديم: الفهرست ص 255، السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 2/ 299، 300سير أعلام النبلاء 11/ 176174، لسان الميزان 3/ 291290، ومقالات الإسلاميين للأشعري 1/ 249وما بعدها.(1/107)
المحاسبي للخطيب (1)، أنه تخرّج بأبي محمد عبد الله بن سعيد القطّان، الملقب فيما حكاه هو كلّابا، وأصحابه كلّابيّة لأنه كان يجرّ الخصوم إلى نفسه، بفضل بيانه كأنه كلّاب. قال شيخنا ابن تيمية: كان له فضل، وعلم، ودين، وكان ممّن انتدب للردّ على الجهميّة. ومن قال عنه: إنه ابتدع ما ابتدعه، ليظهر دين النّصارى على المسلمين، كما يذكره طائفة ويذكرون أنه أرضى أخته بذلك، فهذا كذب عليه، افتراه عليه المعتزلة والجهميّة الذين ردّ عليهم. فإنهم يزعمون أنّه من أثبت الصّفات. فقد قال: بقول النّصارى. قال شيخنا: وهو أقرب إلى السّنّة من خصومه بكثير، فلما أظهروا القول بخلق القرآن، وقال أهل السّنّة، بل هو كلام الله غير مخلوق، فأحدث ابن كلّاب.
القول: بأنه كلام قائم بذات الربّ، بلا قدرة ولا مشيئة، فهذا لم يكن يتصوّره عاقل، ولا خطر ببال الجمهور.
وقوله: بلا قدرة ولا مشيئة، يعني أن صفة الكلام ليست من أجله بحسب القدرة، والمشيئة، كما أن الإنسان حي فالله وصفه بالحياة، لا يدخل في القدرة والمشيئة كذا الكلام.
حتى أحدث القول به ابن كلّاب، وقد صنّف كتبا كثيرة في التوحيد والصّفات، وبيّن فيها أدلّة عقليّة، على فساد قول الجهمية، وبيّن فيها أن علوّ الله تعالى على عرشه، ومباينته لخلقه، معلوم بالفطرة، والأدلّة العقلية، كما دلّ على ذلك الكتاب والسّنّة، وكذلك ذكرها الحارث المحاسبيّ، في كتاب «فهم القرآن».
14 - عبد العزيز بن يحيى (2) بن مسلم بن ميمون الكناني، المكي، الفقيه، صاحب كتاب (الحيدة) وكان يلقّب بالغول لدمامة منظره. روى عن سفيان بن عيينة، ومروان الفزاريّ، وعبد الله بن معاذ الصّنعانيّ، والشافعي، وهشام بن سليمان المخزومي، وعنه: أبو العيناء محمد بن القاسم، والحسين بن الفضل البجلي، وأبو بكر يعقوب بن إبراهيم التّميمي وغيرهم. وهو قليل الحديث، قال الخطيب: قدم بغداد زمن المأمون، وجرى بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن، وكان من أهل العلم والفضل. وله مصنّفات عدة. وكان ممّن تفقّه بالشافعي، واشتهر بصحبته. وقال داود بن علي
__________
(1) تاريخ بغداد 8/ 211، وليس في الترجمة ذكر لابن كلّاب.
(2) تاريخ بغداد 10/ 449، ابن النديم الفهرست 61: طبقات الشيرازي 84، السبكي: طبقات 2/ 144، الإسنوي: طبقات 1/ 241، شذرات الذهب 2/ 95.(1/108)
الطاهريّ: كان عبد العزيز بن يحيى المكّي، أحد أتباع الشافعي، والمقتبسين عنه، وقد طالت صحبته له، وخرج معه إلى اليمن، وآثار الشافعي في كتب عبد العزيز ظاهرة.
ونقل الخطيب في (تاريخه) عن عبد العزيز بن يحيى المكي قال: دخلت على أحمد بن أبي دؤاد، وهو مفلوج، فقلت: إني لم آتك عائدا، ولكن جئت لأحمد الله على أنه سجنك في جلدك. قلت: هذا يدل على أن عبد العزيز كان حيّا في حدود الأربعين. والله أعلم، وقال المرزباني: ثنا أحمد بن محمد بن عيسى، نا أبو العيناء قال: لما دخل عبد العزيز المكّي على المأمون، وكانت خلقته بشعة جدا، ضحك المأمون وأعجبه، وضحك أبو إسحاق المعتصم فقال: يا أمير المؤمنين لم ضحك هذا؟ لم يصطف الله يوسف لجماله، وإنما اصطفاه لدينه وبيانه. وضحك المأمون، وأعجبه.
قلت: لم يصحّ إسناد كتاب (الحيدة) إلى عبد العزيز رحمه الله تعالى.
15 - موسى الإمام أبو الوليد بن أبي (1) الجارود، المكّي الفقيه، صاحب الشافعي، من كبار أصحاب الشافعي، روى عنه: بشر والربيع بن سليمان المرادي، ويعقوب الفسويّ، وابن وارة، وأظنه قديم الوقت، وله رواية عن سفيان ابن عيينة أيضا، قال الدارقطني: روى عن الشافعي حديثا كثيرا. روي عنه: كتاب (الأمالي) وغير ذلك، وكان من المتفقهين بمذهب الشافعي بمكة. قلت: ذكره الترمذيّ في آخر كتابه (الجامع).
سنة ثلاث وأربعين ومائتين
16 - الحارث بن أسد المحاسبي (2)، أبو عبد الله البغدادي، الصوفيّ الزاهد، العارف، صاحب المصنّفات في أحوال القوم، روى عن: يزيد بن هارون وغيره.
__________
(1) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 1/ 38، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 162168، الشيرازي:
طبقات 98، 100، الأنساب للسمعاني 2/ 339، النواوي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 1/ 120، تهذيب التهذيب 10/ 339رقم 595.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 2/ 4233، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 103، البغداد: تاريخ بغداد 8ظ 211، وابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 373، الأنساب لابن السمعاني 11/ 151، حلية الأولياء 10/ 73، 110، صفة الصفوة 2/ 367رقم 270، سير أعلام النبلاء 12/ 110.(1/109)
وعنه: أبو العبّاس بن مسروق، وأحمد بن القاسم أخو أبي الليث، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبّار الصوفي، والجنيد رحمه الله، وإسماعيل بن إسحاق السرّاج، وأبو علي بن خيران الفقيه، واسمه حسين، قال الخطيب، وله كتب كثيرة في الزهد، وأصول الديانة، والردّ على المعتزلة والرافضة. قال الجنيد (1)، مات والد الحارث المحاسبي، يوم مات. وإن الحارث لمحتاج إلى دانق، وخلّف مالا كثيرا، فما أخذ منه الحارث حبة. وقال: أهل ملّتين لا يتوارثان (2). وكان أبوه ضعيفا واقعيا (3) يعني يقف في القرآن، لا يقول: مخلوق ولا غير مخلوق. وقال أبو الحسن بن مقسم: سمعت أبا علي بن خيران الفقيه يقول: رأيت الحارث بن أسد، بباب الطاق متعلّقا بأبيه، والناس قد اجتمعوا عليه، يقول له: طلّق أمي فإنك على دين، وهي على غيره. وقال أبو نعيم: أنبأنا الخلدي: سمعت الجنيد (4) يقول: كان الحارث يجيىء إلى منزلنا فيقول:
اخرج معنا نصحر فأقول: تخرجني من عزلتي، وأمني على نفسي إلى الطّرقات والآفات، ورؤية الشّهوات؟ فيقول: اخرج معي ولا خوف عليك. فأخرج معه. فكأن الطريق فارغ من كلّ شيء، لا نرى شيئا نكرهه، فإذا حصلت معه في المكان الذي يجلس فيه، يقول: سلني. فأقول: ما عندي سؤال. ثم تنثال عليّ السؤالات، فأساله فيجيبني للوقت، ثم يمضي فيعملها كتبا، وكان يقول لي: كم تقول عزلتي أنسي؟ لو أن نصف الخلق تقرّبوا مني، ما وجدت بهم أنسا، ولو أن النصف الآخر، نأى عني ما استوحشت لبعدهم، واجتاز بي الحارث يوما، وكان كثير الضّرّ، فرأيت على وجهه زيادة الضّر من الجوع، فقلت: يا عمّ لو دخلت إلينا؟ قال: أو تفعل؟ قلت: نعم، وتسرّني بذلك. فدخلت بين يديه وعمدت إلى بيت عمي، وكان لا يخلو من أطعمة فاخرة، فجئت بأنواع من الطعام، فأخذ لقمة، فرأيته يلوكها ولا يزدردها، فوثب وخرج وما كلّمني. فلما كان من الغد لقيته فقلت يا عم: سررتني ثم نغّصت عليّ. قال: يا بني أما الفاقة فكانت شديدة، وقد اجتهدت أن أنال من الطعام، ولكن بيني وبين الله علامة، إذا لم يكن الطعام رضيّا ارتفع إلى أنفي منه، زفرة فلم تقبله نفسي فقد رميت بتلك
__________
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/ 214.
(2) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/ 214.
(3) نفسه.
(4) نفسه، وطبقات الصوفية، للسلمي 56، 60.(1/110)
اللقمة في دهليزكم. وقال ابن مسروق: قال الحارث المحاسبي: لكلّ شيء جوهر، وجوهر الإنسان العمل، وجوهر العقل التوفيق. قال: وسمعت الحارث يقول (1): ثلاثة أشياء عزيزة: حسن الوجه مع الضيافة، وحسن الخلق مع الديانة، وحسن الإخاء مع الأمانة. ومن كلامه: ترك الدنيا مع ذكرها، صفة الزاهدين، وتركها مع نسيانها صفة العارفين، وقد كان الحارث كبير الشأن، قليل المثل، لكنه دخل في شيىء يسير من الكلام فنقموه عليه. قال أحمد بن إسحاق الصّبغي الفقيه: سمعت إسماعيل بن إسحاق السرّاج يقول: قال لي أحمد ابن حنبل: بلغني أن الحارث هذا يكثر المكوث عندك، فلو أحضرته، منزلك، وأجلستني من حيث لا يراني فأسمع كلامه، فقصدت الحارث وسألته أن يحضرنا تلك الليلة، وأن يحضر أصحابه، فقال: فيهم كثرة، فلا تزدهم على الكسب والتّمر. فأتيت أبا عبد الله فأعلمته، فحضر إلى غرفة، واجتهد في ورده.
وحضر الحارث وأصحابه، فأكلوا ثم صلّوا العتمة، ولم يصلّوا بعدها، وقعدوا بين يدي الحارث لا ينطقون إلى قراب نصف الليل، ثم ابتدأ رجل منهم، فسأل عن مسألة. فأخذ الحارث في الكلام وأصحابه يسمعون. كأن على رؤوسهم الطّير، فمنهم من يبكي، ومنهم من يحنّ، ومنهم من يزعق، وهو في كلامه. فصعدت الغرفة لأتعرّف حال أبي عبد الله، فوجدته قد بكى حتى غشي عليه، فانصرفت إليهم، ولم تزل تلك حالهم، حتى أصبحوا وذهبوا (2)، فصعدت إلى أبي عبد الله فقال (3): ما أعلم أني رأيت مثل هؤلاء القوم، ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا الرجل. ومع هذا فلا أرى لك صحبتهم ثم قام وخرج. رواها أبو عبد الله الحاكم، عن الصّبغي (4)، وقال سعيد بن عمرو البردعي: شهدت أبا زرعة وسئل عن الحارث المحاسبي وكتبه، فقال: إيّاك وهذه الكتب. هذه كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر، فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب. قيل له: هذه الكتب عبرة. قال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة، فليس له في هذه الكتب عبرة. أبلغكم أن مالكا والثوري والأوزاعي، صنّفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس؟ فما أسرع الناس للبدع (5). وقال أبو سعيد بن الأعرابي في
__________
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/ 212.
(2) في تاريخ بغداد [فقاموا وتفرقوا] 8/ 215.
(3) في تاريخ بغداد «فقلت كيف رأيت هؤلاء يا أبا عبد الله فقال: ما أعلم» 8/ 215.
(4) تاريخ بغداد 8/ 214، 215، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 39، 40.
(5) تاريخ بغداد 8/ 215.(1/111)
(طبقات النّسّاك): كان الحارث قد كتب الحديث وتفقه، وعرف مذاهب النّسّاك، وآثارهم وأخبارهم. وكان من العلم بموضع. لولا أنه تكلم في مسألة اللفظ، ومسألة الإيمان صحبة جماعة، وكان الحسن المسوحيّ من أسنّهم (1). وقال أبو القاسم النصرآباذي: بلغني أن الحارث تكلم في شيء من الكلام، فهجره أحمد بن حنبل.
فاختفى في دار ببغداد، ومات فيها لم يصلّ عليه إلا أربعة نفر، ومات سنة ثلاث وأربعين (2). قال الحسين بن عبد الله الحزقيّ: سالت المروزيّ عن ما أنكر أبو عبد الله، على المحاسبي، فقال: قلت لأبي عبد الله: قد خرج الحارث المحاسبي إلى الكوفة، فكتب الحديث وقال: أنا أتوب من جميع ما أنكر عليّ أبو عبد الله، فقال: ليس لحارث توبة، يشهدون عليه بالشيء ويجحد، إنما التوبة لمن اعترف. فأما من شهد عليه، وجحد فليس له توبة. ثم قال: احذروا عن حارث بالآفة إلا حارث قال: فقلت: إن أبا بكر ابن حمّاد قال لي: إنّ الحارث مرّ به ومعه أبو حفص الخصّاف. قال: فقلت له:
يا أبا عبد الله تقول: إن كلام الله بصوت. فقال لأبي حفص أجبه فقال أبو حفص: متى قلت بصوت احتجت أن تقول: بكذا وكذا. فقلت للحارث: إيش تقول أنت؟ قال: قد أجابك أبو حفص. فقال (3) أبو عبد الله أحمد بن حنبل: أنا من اليوم أحذّر عن حارث، حدّثني المحاربيّ عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله، قال: إذا تكلّم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء. قلت: وبعد هذا فرحم الله الحارث، وأين مثل الحارث.
17 - حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران م. ت. ن أبو حفص التّجيبيّ (4)، مولى بني رميلة، المصريّ الحافظ، صاحب الشافعي، كان من أروى
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 1/ 218، 2/ 275، 284، 3/ 380، 6/ 245، تاريخ بغداد 8/ 215، وفيات الأعيان 2/ 58.
(2) تاريخ بغداد 8/ 212، 216، وفيات الأعيان 2/ 58.
(3) الذهبي: تاريخ الإسلام، وفيات حرف الحاء (الحارث المحاسبي) ص 209.
(4) ترجمته في: التاريخ الكبير للبخاري 3/ 69رقم 245، المعرفة والتاريخ للفسوي 1/ 536، الجرع والتعديل 3/ 274، الفهرست لابن النديم 265، طبقات الفقهاء للشيرازي 86، 89، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 159، السبكي: طبقات الشافعية 1/ 257، حاجي خليفة: كشف لظنون 1582، 1630.(1/112)
الناس عن ابن وهب، وروى عن الشافعي وأيوب ابن سويد الرّملي، وبشر بن بكر التّنيسي، وسعيد بن أبي مريم وجماعة، وعنه: م. ق. ون.، عن أحمد بن الهثم، عنه وحفيده أحمد بن طاهر، وأبو عبد الرحمن أحمد بن عثمان النسائي، وأبو يعقوب إسحاق بن موسى النيسابوريّ، وبقيّ بن مخلد، والحسن بن سفيان، ومحمد بن أحمد بن عثمان المدينيّ، ومحمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني، وخلق. قال أبو حاتم: لا يحتجّ به (1). وقال عباس، عن يحيى بن معين (2): قال شيخ بمصر: يقال له حرملة كان أعلم الناس بابن وهب وقال ابن عديّ (3): سألت عبد الله بن محمد بن إبراهيم الفرهاذانيّ فقال: حرملة ضعيف. وقال أبو عمر الكنديّ: كان فقيها، لم يكن بمصر أحد أكتب عن ابن وهب منه وذلك لأن ابن وهب أقام في منزلهم ستة أشهر مستخفيا من عبّاد، إذ طلبه ليولّيه القضاء بمصر. أخبرني بذلك يحيى بن أبي معاوية، وأخبرني أبو سلمة، وأبو دجانة قالا: سمعنا حرملة يقول: عادني: بن وهب من الرّمد. وقال:
يا أبا حفص إنه لا يعاد من الرمد، ولكنك من أهلي. وعن أحمد بن صالح المصري قال: صنّف ابن وهب مائة ألف وعشرين ألف حديث، عند بعض [الناس منها النصف يعني نفسه] وعند بعض الناس الكلّ، يعني حرملة. وقال محمد بن موسى الحضرمي: وحديث ابن وهب كله عند حرملة، إلا حديثين. قال ابن عدي: وقد تحرّيت حديث حرملة وفتّشته الكثير، فلم أجد في حديثه ما يجب أن يضعّف من أجله.
ورجل توارى ابن وهب عندهم، ويكون حديثه كله عنده، فليس ببعيد أن يغرب على غيره. وقال هارون بن سعيد: سمعت أشهب ونظر إلى حرملة، فقال: هذا خير أهل المسجد. وقال ابن يونس: ولد سنة ست وستين ومائة، ومات لتسع بقين من شوّال سنة ثلاث وأربعين (4). قال: وكان أملى الناس بما حدّث به ابن وهب. قلت: لم يرحل حرملة، ولا عنده عن أحد من الحجازيين شيء.
__________
(1) البرازي: الجرح والتعديل 3/ 274.
(2) تاريخ يحيى بن معين 2/ 105.
(3) الكامل في ضعفاء الرجال 2/ 863.
(4) في الانتقاء لابن عبد البر 109وفي طبقات الشافعية لابن هداية 25، أنه مات سنة 266هـ. أما ابن عساكر، في المعجم المشتمل فقال: توفي سنة 244هـ.(1/113)
سنة أربع وأربعين ومائتين
18 - إسحاق بن موسى (1) بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن يزيد الأنصاري، الخطمي د. ت. ن. ق. أبو موسى المدني الفقيه، نزيل سامرّاء، ثم قاضي نيسابور، سمع: ابن عيينة، وعبد السلام بن حرب، ومعن بن عيسى، وجماعة.
وكان فاضلا صاحب سنّة. ذكره أبو حاتم الرّازي، وأطنب في الثناء عليه، وروى عنه، وبقيّ بن مخلد، والفريابيّ، وابن خزيمة، وابنه موسى بن إسحاق الخطميّ. قيل: إنه توفي بجوسيّة (2) من أعمال حمص سنة أربع وأربعين. وثّقه النّسائي، وكثيرا ما يقول الترمذي: ثنا الأنصاري. وهو هذا. وقد تفرّد بحديث رواه عنه النسائي، وابن ناجية، وطائفة. قال: ثنا معن، نا مالك، عن عبد الله بن إدريس، عن شعبة بن سعد بن إبراهيم، عن أبيه: قال: بعث عمر إلى عبد الله بن مسعود، وإلى أبي الدرداء، وإلى أبي مسعود، فقال: ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فحبسهم في المدينة حتى استشهد.
سنة خمس وأربعين ومائتين
19 - أحمد بن نصر (3) بن زياد (أبو عبد الله) القرشي، النيسابوري، المقرىء الزاهد، عن عبد الله بن نمير وابن أبي فديك وأبي أسامة، والنّضر بن شميل، وجماعة.
سمع منه: أبو نعيم أحد شيوخه.
وحدّث عنه: ت. ن.، وسلمة بن شبيب، وابن خزيمة، وأبو عروبة الحرّاني وخلق. وكان كثير الرحلة، إلى الشام. والعراق، ومصر. ورحل إلى أبي عبيد على
__________
(1) ترجمته في: الرازي: الجرح والتعديل 2/ 235، الثقات لابن حبان 8/ 116، تاريخ بغداد 6/ 355رقم 3382، الكامل في التاريخ 7/ 86، تهذيب الكمال 2/ 480، سير أعلام النبلاء 11/ 552، البداية والنهاية 10/ 346، شذرات الذهب 2/ 105، الوافي بالوفيات 8/ 437.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 11/ 324.
(3) ترجمته في: شمس الدين الجزري: غاية النهاية في طبقات الفراء 1/ 145، الجرح والتعديل 2/ 79، تهذيب تاريخ دمشق 2/ 104، تهذيب الكمال 1/ 503498، سير أعلام النبلاء 12/ 239، سير أعلام النبلاء 2/ 239.(1/114)
كبر السّنّ متفقّها، فأخذ عنه، وكان يفتي بنيسابور على مذهبه، وعليه تفقه ابن خزيمة، قبل أن يرحل. وكان ثقة نبيلا، مأمونا، صاحب سنّة. توفي سنة خمس وأربعين. قال الحاكم: كان فقيه أهل الحديث في عصره، كثير الحديث، والرحلة، رحمه الله.
سنة ثمان وأربعين ومائتين
20 - أحمد بن صالح خ. د. أبو جعفر الطبريّ أبوه، المصري (1) الحافظ أحد أركان العلم والحفظ. قال ابن يونس: كان أبوه جنديّا من أجناد طبرستان، فولد له أحمد بمصر سنة سبعين ومائة (2). قلت: سمع سفيان بن عيينة، وعبد الله ابن وهب، وحرميّ بن عمارة، وعنبسة بن سعيد، وابن أبي فديك، وعبد الرزاق، وعبد الله بن نافع، وطائفة. وعنه: خ. د.، ثم خ. عن رجل عنه وعمر والناقد والذّهلي، ومحمد بن عبد الله بن نمير ومحمود بن غيلان، وأبو زرعة الدّمشقي، وصالح جزرة، وأبو إسماعيل الترمذي، وخلق كثير، آخرهم أبو بكر بن أبي دؤاد. وقدم بغداد سنة اثنتي عشرة ومائتين، فسمع من عفّان وجالس أحمد بن حنبل وناظره، قال أبو زرعة:
سألني أحمد بن حنبل من بمصر؟ قلت له: أحمد بن صالح. فسرّ بذكره ودعا له. وقال صالح بن محمد: قال أحمد بن صالح: كان عند ابن وهب مائة ألف حديث، كتبت عنه خمسين ألف حديث (3). قال: صالح لم يكن بمصر أحد يحسن الحديث غير أحمد بن صالح. وكان رجلا جامعا، يعرف الفقه والحديث، والنحو، ويتكلم في حديث الثوري، وشعبة، وأهل العراق، يعني يذاكر به. قال: وكان يذاكر بحديث الزّهري ويحفظه. وقال علي بن لحسين بن الجنيد: سمعت ابن نمير يقول: ثنا أحمد بن صالح، وإذا جاوزت الفرات فليس أحد مثله (4)، وسئل عنه أبو حاتم فقال: ثقة كتبت
__________
(1) ترجمته في: المزي: تهذيب لكمال ترجمة 49 (1/ 354340) والعقد الثمين 3/ 48، تاريخ بغداد 4/ 195، وميزان الاعتدال 1/ 103، 104، المعرفة والتاريخ: الفسوي 1/ 290، 1842، الجرح والتعديل 2/ 56، تاريخ جرجان للسهمي 368، طبقات السبكي 1/ 186، سير أعلام النبلاء 12/ 161.
(2) تاريخ بغداد 4/ 202.
(3) تاريخ بغداد 4/ 200.
(4) تاريخ بغداد 4/ 199.(1/115)
عنه، بمصر، ودمشق، وأنطاكية (1). وقال البخاريّ: هو ثقة ما رأيت أحدا يتكلم فيه بحجة. وقال يعقوب (2) الفسوي: كتب عن: ألف شيخ وكسر، حجّتي فيما بيني وبين الله رجلان: أحمد بن حنبل، وأحمد بن صالح. وقال العجلي: أحمد بن صالح ثقة، صاحب سنة. وقال الآجرّي: سمعت أبا داود يقول: كتب أحمد بن صالح المصري عن سلامة بن روح، وكان لا يحدّث عنه، وكتب عن ابن زبالة خمسين ألف حديث، وكان لا يحدّث عنه. وقال ابن وارة الحافظ: أحمد بن حنبل ببغداد وأحمد بن صالح بمصر، والنّفيليّ بحرّان، وابن نمير بالكوفة هؤلاء أركان الدين. وقال البغويّ: سمعت أبا بكر بن زنجويه يقول: قدمت مصر فأتيت أحمد بن صالح، فسألني: من أين أتيت؟ قلت: من بغداد، قال: تكتب لي موضع منزلك، فإني أريد أن أوافي العراق، حتى تجمع بيني وبين أحمد بن حنبل، قال: فقدم، فدفعت به إلى أحمد بن حنبل، فقام إليه ورحّب به وقرّبه، وقال: بلغني أنك جمعت حديث الزّهري فتعال: حتى نذاكر ما روي عن الصحابة. فتذاكرا، فلم يغرب أحدهما على الآخر ثم تذاكرا ما روي عن أنباء الصحابة، إلى أن قال أحمد بن حنبل: عندك عن الزّهري عن محمد بن جبير، عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما يسرّني أنّ لي حمر النّعم، وأنّي لم أشهد حلف المطيّبين» (3) فقال أحمد بن صالح: أنت الأستاذ وتذكر مثل هذا؟ فجعل أحمد يتبسم ويقول: رواه عنه رجل مقبول أو صالح، عبد الرحمن بن إسحاق. فقال: من رواه عنه. فقال: ثناه رجلان ثقتان: ابن عليّة،
__________
(1) الجرح والتعديل 2/ 56.
(2) تاريخ بغداد 4/ 200.
(3) جاء الحديث في أكثر من لفظ في المسند، ففي رواية، إسماعيل بن علية 1/ 193 (ما يسرني
وأن لي حلف المطيبين) وفي الثانية من طريق بشر بن الفضل «شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي حمر النعم وإني أنكثه» وكلاهما أسند عن عبد الرحمن بن عوف عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف، وهذا سند رجاله ثقات، أورده الهيثمي في المجمع 8/ 172وزاد نسبته لأبي يعلى والبزار، وذكره ابن كثير في البداية 2/ 290عن البيهقي، بإسناده إلى إسماعيل بن علية، وذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 4/ 197والذهبي في سير النبلاء 12/ 170، 171/ ونقل ابن كثير عن البيهقي قوله: وزعم بعض أهل السير أنه أراد حلف الفضول، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدرك حلف المطيبين، وعلّق عليه ابن كثير فقال: هذا لا شك فيه. والمراد بهذا الحلف حلف الفضول وكان في دار عبد الله بن جدعان قبل المبعث بعشرين سنة.(1/116)
وبشر بن المفضّل. فقال: سألتك بالله، إلّا ما أمليته عليّ. فقال: من الكتاب. ثم قام وأخرج الكتاب وأملاه. فقال أحمد بن صالح: لو لم أستفد من العراق إلا هذا الحديث كان كثيرا. ثم ودّعه وخرج. وقال أبو زرعة الدمشقي: حدّثني أحمد بن صالح: حدّثت أحمد بن حنبل بحديث زيد بن ثابت في بيع الثمار، فأعجبه واستزادني مثله، فقلت:
ومن أين مثله؟ وعن أبي نعيم قال: ما قدم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز من هذا الفتى، يعني أحمد بن صالح. وقال عبدان: سمعت أبا داود يقول: أحمد بن صالح ليس هو كما يتوهّمه الناس. وقال صالح جزرة، حضرت مجلس أحمد بن صالح.
فقال: حرج على كلّ مبتدع، وماجن أن يحضر مجلسي. فقلت: أما الماجن فأنا هو.
وذاك أنه قيل له: إنّ صالحا الماجن قد حضر مجلسك. قال (1) أبو بكر الخطيب: يقال كان آفة أحمد بن صالح الكبر وشراسة الخلق. وقال النسائي فيه جفاء في مجلسه، فذلك الذي أفسد بينهما. قال ابن عدي: سمعت محمد بن هارون البرقي يقول: حضرت مجلس أحمد بن صالح، وطرده النسائي (2) من مجلسه، فحمله على أن يتكلم فيه. قال النّسائي في (الكنى) (3): أبو جعفر أحمد بن صالح المصري، ليس بثقة ولا مأمون، تركه محمد بن يحيى، ورماه يحيى بن معين بالكذب، ثناه معاوية بن صالح عن يحيى قال: أحمد بن صالح كذّاب يتفلسف. وقال ابن عديّ: سمعت محمد بن سعد السعديّ سمعت النسائي: سمعت معاوية بن صالح يقول: سألت ابن معين عن أحمد بن صالح فقال: رأيته كذّابا يخطر في جامع مصر، وروى الحاكم، عن أبي حاتم السّيّاريّ، ثنا أبو بكر محمد داود الرازي يقول: ارتحلت إلى أحمد بن صالح، فدخلت، فتذاكرنا إلى أن فات الوقت، ثم أخرجت من كمّي أطرافا، فيها أحاديث، سألته عنها. فقال لي:
تعود. فعدت من الغد مع أصحاب الحديث، فأخرجت الأطراف، وسألته عنها، فقال: تعود. فقلت: أليس قلت لي بالأمس: تعود؟ ما عندك ما يكتب أو ردّ عليّ مسندا أو مرسلا أو حرفا ممّا أستفيد، فإن لم أورد لك عمّن هو أوثق منك. فلست بأبي زرعة. ثم قمت، وقلت لأصحابنا: من ههنا ممّن يكتب عنه؟ قالوا: يحيى بن بكير.
فذهبت إليه. وروى أبو عمرو الداني عن مسلمة بن القاسم الأندلسي قال: الناس
__________
(1) ابن الجوزي 12/ 9والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 201.
(2) نفسه.
(3) نفسه.(1/117)
مجمعون على ثقة أحمد بن صالح. وقال: وكان سبب تضعيف النسائي له، أنه كان لا يحدّث أحدا حتى يشهد عنده رجلان، أنه من أهل الخير والعدالة، كما كان يفعل زائدة، فدخل النسائي بلا إذن، ولم يأته بمن يشهد له، فلما رآه أنكره، وأمر بإخراجه.
وقال ابن عدي: كان النسائي ينكر عليه أحاديث، منها عن ابن وهب، عن مالك، عن سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة (1) «الدين النصيحة» والحديث، رواه يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب. قال: وقد كان سمع في كتب حرملة فمنعه حرملة، ولم يدفع إليه إلا نصف الكتب. فكان أحمد يقول: قال: أحمد بن صالح: صنّف ابن وهب، مائة ألف وعشرين ألف حديث فعند بعض الناس يعني حرملة منها الكلّ، وعند بعض الناس النصف يعني نفسه. قال: وسمعت القاسم بن مهدي يقول: كان أحمد بن صالح، يستعير مني كل جمعة الحمار، فيركبه إلى الصلاة، وكنت جالسا عند حرملة في الجامع، فجاء أحمد على باب الجامع، فنظر إلينا، وإلى حرملة ولم يسلّم. فقال حرملة: انظر إلى هذا، بالأمس يحمل دواتي، واليوم يمرّ بي فلا يسلّم عليّ! قال القاسم: ولم يحدّثني أحمد لأني كنت جالسا عند حرملة. قال: وسمعت عبد الله بن محمد بن سلم المقدسي يقول: قدمت مصر فبدأت بحرملة، نكتب عنه كتاب عمرو بن الحارث، ويونس بن يزيد، و (الفوائد) ثم ذهبت إلى أحمد بن صالح، فلم يحدّثني، فحملت كتاب يونس فحرّقته بين يديه لأرضيه، وليتني لم أحرقه، فلم يرض، ولم يحدّثني. قال ابن عدي: وأحمد من حفّاظ الحديث، وكلام ابن معين فيه تحامل. وأمّا سوّء ثناء النسائي عليه، فلما تقدّم. إلى أن قال: ولولا أني شرطت أن أذكر في كتابي كلّ من تكلّم فيه متكلّم، لكنت أجلّ أحمد بن صالح أن أذكره. وقال ابن يونس: مات في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين. قال: لم يكن عندنا بحمد الله كما قال النسائي، ولم تكن له آفة غير الكبر. وقال القاضي تاج الدين السّبكي في الطبقات الكبرى: وقد ذكر أن الذي
__________
(1) أخرجه أحمد 2/ 297والترمذي (1926) من طريق ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وقال الترمذي: حديث حسن. كما أخرجه مسلم (55) والنسائي 7/ 156، 157، وأحمد أيضا 4/ 102وجميعهم من طريق سفيان، عن سهل بن أبي صالح عن ابن يزيد الليثي، عن تميم الدارمي. والدارمي أخرجه من طريق ابن عمر وسنده قوي 2/ 311، وحديث ابن عباس أخرجه أحمد 1/ 315وسنده ضعيف. وأخرجه النسائي 7/ 157في البيعة / باب النصيحة للإمام، من طريق إسماعيل بن جعفر، وأورده الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 14/ 207.(1/118)
كان يقع فيه، وقال فيه ابن معين: هذا العالم، هو أحمد بن صالح المصري، وهو شيخ علمه، فإنه لم يعن أحمد بن صالح هذا، فإن هذا كان من أقرانه في الحفظ والإتقان، وشيخ علمه، في حديث أهل مصر والحجاز، وذكر أيضا أنه كان بينه وبينه مسامرة.
21 - الحسين بن علي بن يزيد (أبو علي) الكرابيسيّ (1)، البغدادي، الفقيه، سمع:
إسحاق الأزرق ومعن بن عيسى، ويعقوب بن إبراهيم، والشافعي، وتفقه به، ويزيد بن هارون، وعنه: عبيد بن محمد بن خلف البزّار، ومحمد بن علي فستقة، وكان فقيها فصيحا ذكيا، صاحب تصانيف في الفقه، والأصول تدلّ على تبحرّه. قال الخطيب أبو بكر: حديث الكرابيسي يعزّ جدا، وذلك أن أحمد بن حنبل كان يتكلم فيه بسبب مسألة اللفظ، وكان هو أيضا يتكلم في أحمد، فتجنّب الناس الأخذ عنه لهذا السبب. ولما بلغ يحيى بن معين أنه يتكلّم في أحمد، قال: ما أحوجه إلى أن يضرب. ثم لعنه. قال أبو الطيّب الماورديّ: فيما رواه أبو بكر بن شاذان، عن عبد الله بن إسماعيل بن برهان عنه قال: جاء رجل إلى الحسين الكرابيسيّ فقال: ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله غير مخلوق. قال الرجل: فما تقول: في لفظي بالقرآن؟ قال حسين: لفظك به مخلوق.
فمضى الرجل إلى أحمد بن حنبل فعرّفه ذلك، فأنكره وقال: هذه بدعة. فرجع إلى حسين، فعرّفه إنكار أبي عبد الله، فقال له حسين: تلفّظك بالقرآن غير مخلوق، فرجع إلى أحمد فعرّفه رجوع حسين وأنه قال: تلفّظك بالقرآن غير مخلوق. فأنكر أحمد ذلك أيضا، وقال: هذا أيضا بدعة. فرجع إلى حسين فعرّفه إنكار أبي عبد الله أيضا فقال:
إيش نعمل بهذا الصّبيّ؟ إن قلنا: مخلوق قال: بدعة، وإن قلنا: غير مخلوق. قال:
بدعة. قال: فبلغ ذلك أبا عبد الله، فغضب له أصحابه، فتكلّموا في حسين الكرابيسي. وقال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد الله عن الكرابيسي، وما أظهر فكلح وجهه، ثم أطرق، ثم قال: هذا قد أظهر رأي جهم. قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجََارَكَ فَأَجِرْهُ حَتََّى يَسْمَعَ كَلََامَ اللََّهِ} (2)، ممّن يسمع؟ إنما جاء بلا وهم من
__________
(1) ترجمته في: ابن النديم: الفهرست ص 230، ولخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/ 64 (4139)، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 181، السبكي: طبقات الشافعية 1/ 251، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 117، النووي: تهذيب الأسماء 2/ 84، الأنساب: السمعاني 10/ 371، الوافي بالوفيات 12/ 430، البداية والنهاية 11/ 12، النجوم الزاهرة 2/ 321.
(2) سورة التوبة رقم 9الآية 6.(1/119)
هذه الكتب التي وضعوها، تركوا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على هذه الكتب. وقال ابن عدي: سمعت محمد بن عبد الله الصّيرفيّ الشافعي يقول لهم (1): يعني التلامذة:
اعتبروا بهذين: حسين الكرابيسي، وابو ثور. فالحسين في علمه وحفظه، وأبو ثور لا يعشره في علمه، فتكلّم فيه أحمد بن حنبل في باب اللفظ فسقط، وأثنى على أبي ثور فارتفع للزومه السنّة. توفي سنة ثمان، وقيل: سنة خمس وأربعين ومائتين. وقال أبو جعفر محمد بن الحسين بن هارون الموصلي: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل قلت:
أنا رجل من أهل الموصل، والغالب على بلدنا الجهمية، وقد وقعت مسألة الكرابيسيّ «نطقي بالقرآن مخلوق» فقال: إيّاك وهذا الكرابيسي، لا تكلّمه، ولا تكلّم من يكلّمه، قلت: وهذا القول وما يتشعّب منه، يرجع إلى قول جهم؟ قال: كلّه من قول جهم.
سنة خمسين ومائتين
22 - أحمد بن عمرو (2) بن عبد الله بن عمرو بن السّرح م. د. ن. ق. أبو الطاهر الأمويّ، مولاهم المصري الفقيه. [روى] عن سفيان بن عيينة، وابن وهب، وسعيد الآدم، وعنه: م. د. ن. ق.، وطائفة آخرهم أبو بكر بن أبي داود وكان من جلّة العلماء شرح «موطأ ابن وهب».
23 - عمرو بن الشيخ أبي طاهر (3) أحمد بن عمرو ابن السّرح، المصري، أبو عبد الله. قال الذهبي: ثقة، زاهد، صالح، روى عن: سعيد بن أبي مريم وغيره، وعنه: الطبراني، وأبو طالب أحمد بن نصر الحافظ، وآخرون توفي سنة ثمان وثمانين.
وثّقه ابن يونس.
وتوفي لأربع عشرة خلت، من ذي القعدة سنة خمسين، وتفرّد عن ابن وهب
__________
(1) ابن عدي الكامل 2/ 776.
(2) ترجمته في: المزي: تهذيب الكمال 1/ 415 (86) وابن حجر: تهذيب التهذيب 1/ 64، الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 79، وابن العماد: شذرات الذهب 2/ 120، ابن فرحون: الديباج 35، 36، السبكي: طبقات الشافعية 1/ 199، البداية والنهاية 11/ 6، حسن المحاضرة 1/ 309، سير أعلام النبلاء 12/ 62رقم 14.
(3) ترجمه في: المعجم الصغير للطبراني 1/ 257.(1/120)
بحديث. قال ابن عدي: ثناه أبو العلاء، الكوفيّ، والقاسم بن مهدي، والعباس بن محمد، ومحمد بن زياد بن حبيب، وغيرهم قالوا: ثنا أبو الطاهر بن السّرح، ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث، عن أبي يونس عن أبي هريرة، مرفوعا «كلّ بني آدم سيد، فالرجل سيّد أهل بيته، والمرأة سيدة بيتها» (1) هذا حديث صحيح غريب، ومن أهل هذه الطبقة.
24 - أحمد بن يحيى بن وزير (2) بن سليمان بن مهاجر ن. أبو عبد لله التّجيبيّ، مولاهم المصري الحافظ، النحوي، أحد الأئمة. روى عن: عبد الله بن وهب، وشعيب بن الليث، وأصبغ بن الفرج، وخلق سواهم. وعنه: ن. وقال ثقة، والحسن بن يعقوب المصري، وأبو بكر بن أبي داود، وآخرون. قال أبو عمر الكندي:
كان من أعلم أهل زمانه، بالشعر والغريب وأيام الناس. توفي في شوال سنة خمسين [في حبسه رحمه الله. ولد سنة إحدى وسبعين ومائة، كان فقيها من أصحاب ابن وهب].
25 - محمد بن الإمام (أبي عبد الله) محمد بن إدريس الشافعي (3)، قاضي الجزيرة.
توفي بالجزيرة بعد الأربعين ومائتين [يكنى (4) أبا عثمان]، روى عن: أبيه وغيره. وذكر ابن يونس، أنه سمع أيضا من سفيان بن عيينة، قال: وله أخ باسمه، توفي سنة إحدى وثلاثين بمصر.
26 - أحمد بن أبي سريج الصّبّاح النّهشليّ (5) خ. د. ن. وقيل أحمد بن عمر بن الصّباح (أبو جعفر) الرازي البغدادي. قرأ القرآن على أبي الحسن الكسائيّ، وأقرأه.
وسمع: شعيب بن حرب، وابا معاوية الضّرير، وابن عليّة، ووكيعا، وجماعة،
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه، عن ابن السرح، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث عن أبي يونس (سليم بن جبير المصري) مولى أبي هريرة، وهو حديث صالح الإسناد غريب، ووثقه النسائي ورجاله ثقات. وأورده الذهبي في السير 12/ 6362.
(2) ترجمته في: المزي: تهذيب الكمال 1/ 519 (ترجمة رقم 126) والسمعاني: الأنساب 7/ 303، معجم الأدباء 5/ 149، بغية الوعاة 1/ 174.
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 3/ 197رقم 1242، الوافي بالوفيات 1/ 114 رقم 12.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 11/ 289.
(5) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 205 (ترجمة رقم 1894) الجرح والتعديل 2/ 56، تاريخ جرجان للسهمي 410والسبكي: طبقات 1/ 199.(1/121)
وعنه: خ. د. ن.، وأبو بكر ابن أبي داود، وأهل الرّيّ. وقرأ عليه: العباس بن الفضل الرازي. وقال النسائي: ثقة. وروى عنه أيضا: أبو زرعة وأبو حاتم. وقال:
صدوق.
27 - عسكر بن الحصين أبو تراب النّخشبيّ (1) الزاهد من كبار مشايخ الطريق ونخشب هي نسف بلدة من نواحي بلخ. صحب حاتما الأصم وغيره. وحدّث عن: محمد بن عبد الله بن نمير، ونعيم بن حمّاد، وأحمد بن نصر النيسابوري، وغيرهما، وعنه:
أحمد بن الجلّاء، وأبو بكر بن أبي عاصم، وعبد الله ابن أحمد بن حنبل، وعبد الله بن محمد بن زكريا الإصبهانيّ، ويوسف بن الحسين الرازي، وعلي بن أحمد السائح، وآخرون. وكان صاحب أحوال وكرامات. روى عن: أحمد بن نصر عن أبي غسان الكوفيّ، عن مسلم بن جعفر. قال: قال وهب بن منبّه (2): الإيمان عريان ولباسه التقوى وزينته الحياء وماله الفقه. وقال: ثلاث من مناقب الإيمان: الاستعداد للموت، والرضا بالكفاف، والتفويض إلى الله. وثلاث من مناقب الكفر: طول الغفلة عن الله، والطّيرة، والحسد. عن يوسف ابن الحسين، قال: كنت مع أبي تراب بمكة، فقال:
أحتاج إلى كيس دراهم، فإذا رجل قد صبّ في حجره كيس دراهم، فجعل يفرّقه على من حوله، وكان فيهم فقير يتراءى له أن يعطيه شيئا، فما أعطاه شيئا. ونفدت الدراهم، وبقيت أنا، وأبو تراب والفقير فقال له: تراءيت لك غير مرة، فلم تعطني شيئا فقال له:
أنت لا تعرف المعطي. وعن أبي تراب قال: إذا رأيت الصوفي قد سافر بلا ركوة فاعلم أنه قد عزم على ترك الصلاة، وسئل أبو تراب عن صفة العارف، فقال: الذي لا يكدّره شيء، ويصفو به كل شيء. وقال أبو عبد الله بن الجلّاء: لقيت ألفي شيخ، ما لقيت فيهم من الصادقين، إلا رجلين أحدهما أبو تراب النّخشبي، والآخر أبو عبيد البسري.
وقال أحمد بن مروان الدّينوري: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: جاء أبو تراب النّخشبي إلى أبي، فجعل يقول أبي: فلان ضعيف، فلان ثقة، فقال أبو تراب:
لا تغتاب العلماء يا شيخ. فالتفت أبي إليه، فقال: ويحك هذا نصيحة، ليس هذا
__________
(1) ترجمته في تاريخ بغداد للبغدادي 12/ 316، 317 (658) الأنساب 12/ 60، طبقات السبكي 2/ 25، اللباب 3/ 303، طبقات الصوفية 151146، البداية والنهائية 10/ 346، النجوم الزاهرة 2/ 321، طبقات الشعراني 1/ 96.
(2) ابن الجوزي: صفة الصفوة: 2/ 192.(1/122)
غيبة. كان أبو تراب رحمة الله عليه، كثير الحج، فانقطع ببادية الحجاز، فنهشته السّباع، في سنة خمس وأربعين ومائتين (1).
28 - يعقوب بن إسحاق بن البهلول بن حسان الأنباري (2)، أحد القرّاء الأئمة، كان صالحا زاهدا قانتا، عالما بالعدد أو الحروف وغير ذلك، روى عن: محمد بن بكار بن الرّيان وغيره، وهو والد يوسف بن يعقوب الأزرق، مات يعقوب قبل والده، فحزن عليه، وجزع لفراقه مع أنه عاش أربعا وستين سنة، وتوفي سنة إحدى وخمسين.
سنة اثنتين وخمسين ومائتين
29 - إسحاق بن بهلول بن حسّان أبو يعقوب التّنوخي (3)، الأنباريّ، الحافظ، سمع: أباه وأبا معاوية، وسفيان بن عيينة، وإسحاق الأزرق، ووكيعا، وشعيب بن حرب، يحيى القطّان، وابن مهدي، وإسماعيل بن عليّة، ويحيى بن آدم، وخلقا، وعنه: إبراهيم الحربي، وأبو بكر بن أبي الدنيا، والفريابي، وابن صاعد، وحفيده يوسف عن يعقوب الأزرق، وأبو عبد الله المحامليّ، وآخرون. وكان من كبار الأئمة.
قال الخطيب: صنّف كتابا في الفقه، وله مذاهب اختارها. وصنّف كتابا في القراءات، وصنّف (المسند) وكان ثقة، قال ابنه (4) البهلول: استدعى المتوكل أبي إلى سرّ من رأى، حتى سمع منه، ثم أمر فنصب له منبر، وحدّث في الجامع، وأقطعه إقطاعا، مغلّه في السّنة اثنا عشر ألفا، ووصله بخمسة آلاف درهم في السنة. فكان يأخذها، وأقام إلى أن قدم المستعين بغداد، فخاف أبي من الأتراك، أن يكبسوا الأنبار فانحدر إلى بغداد، ولم يحمل معه كتبه، فطالبه محمد بن عبد الله بن طاهر أن يحدّث، فحدّث ببغداد من حفظه بخمسين (5) ألف حديث، لم يخطىء في شيء منها. رواها أحمد بن
__________
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 316، 137، وحلية الأولياء 10/ 220.
(2) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 6/ 369366، الجرح والتعديل 2/ 214رقم 736، الثقات لابن حبان 9/ 119، سير أعلام النبلاء 12/ 491189، البداية والنهاية 11/ 11، الوافي بالوفيات 8/ 408، شذرات الذهب 2/ 126.
(3) ترجمته في: البغدادي: تاريخ بغداد 6/ 366، الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 91، ابن العماد:
شذرات الذهب 2/ 126.
(4) ابن الجوزي المنتظم 12/ 58.
(5) نفسه.(1/123)
يوسف الأزرق، عن عمّه إسماعيل بن يعقوب، عن عمه البهلول. وقال أبو طالب أحمد بن بن محمد بن إسحاق بن البهلول: تذاكرت أنا، وابن صاعد، ما حدّث به جدّي ببغداد، فقلت له: قال لي أنيس المستملي: إنه حدّث من حفظه ببغداد بأربعين ألف حديث. فقال ابن صاعد: لا يدري أنيس ما قال. حدّث إسحاق بن البهلول من حفظه ببغداد بأكثر من خمسين ألف حديث. ولد إسحاق بالأنبار سنة أربع وسبعين ومائة، ومات بها في ذي الحجة سنة اثنين وخمسين ومائتين (1).
30 - الربيع بن سليمان الجيزيّ (2) د. ن. أبو محمد الأزدي! مولاهم الأعرج.
سمع: الشافعي. وابن وهب وإسحاق بن بكر، وعبد الله بن يوسف وعنه: د. ن.،
وأبو بكر بن أبي داود، وأبو جعفر الطحاوي، وجماعة. وكان حسن الحديث صدوقا، توفي في ذي الحجة سنة ست وخمسين ومائتين، قبل الربيع المراديّ بأربع عشرة سنة، وفي هذه السنة، توفي أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، صاحب الصحيح، وقد أخذ عن أصحاب الشافعي، وهو مذكور في طبقات الشافعي، وترجمته طويلة في كراس.
سنة ثمان وخمسين ومائتين
31 - أحمد بن سنان بن أسد (3) بن حبّان، خ. م. د. ق. أبو جعفر الواسطي، القطّان، الحافظ، سمع: أبا معاوية، ووكيعا، وعبد الرحمن بن مهدي، وهذه الطبقة. وعنه: ع. سوى ت. ن.، ويحيى بن صاعد، وابن خزيمة، وابنه جعفر بن أحمد بن سنان، وعبد الرحمن بن ابي حاتم، وقال فيه: هو إمام أهل زمانه وقال أبوه أبو حاتم: ثقة صدوق، وقال جعفر بن أحمد بن سنان: سمعت أبي يقول: ليس في
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 12/ 58، الثقات لابن حبّان 8/ 120.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 2/ 132، والإسنوي: طبقات 1/ 3130، الشيرازي:
طبقات 10099، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 750، الجرح والتعديل 3/ 464رقم 2082، أخبار القضاة لوكيع 2/ 201، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 187، وسير أعلام النبلاء 12/ 591رقم 223، وفيات الأعيان 2/ 292.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 2/ 65، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 706.(1/124)
الدنيا مبتدع إلا يبغض أصحاب الحديث، وإذا ابتدع رجل نزعت حلاوة الحديث من قلبه. قال أبو القاسم بن عساكر: توفي سنة ست ويقال: سنة ثمان وقيل: سنة تسع وخمسين ومائتين.
سنة ستين ومائتين
32 - الحسن بن محمد بن الصّبّاح ع. سوى م. (1) أبو علي الزّعفراني، كان يسكن درب الزعفراني ببغداد، فنسب إليه. عن: ابن عيينة، وأبي معاوية، وابن عليّة، وعبيدة بن حميد، وحجّاج الأعور، وعبد الوهّاب الثقفي، ويزيد بن هارون، وخلق، وروى عن الشافعي كتابه القديم، عنه: ع. سوى م.، وأبو القاسم البغوي وابن صاعد، وزكريا الساجي، وابن خزيمة، وأبو عوانة، ومحمد بن مخلد، وأبو سعيد بن الأعرابيّ. وطائفة. قال النسائي: ثقة وقال ابن حبّان (2): كان أحمد بن حنبل، وأبو ثور يحضران عند الشافعي، وكان الحسن الزعفراني، هو الذي يتولى القراءة، وقال زكريا الساجي: سمعت الزعفراني يقول: قدم علينا الشافعي، فاجتمعنا إليه، فقال:
التمسوا من يقرأ لكم، فلم يجترىء أحد يقرأ عليه غيري، وكنت أحدث القوم سنّا، ما كان في وجهي شعرة، وإني لأتعجّب اليوم من انطلاق لساني، بين يدي الشافعي، وأتعجّب من جسارتي يومئذ، فقرأت عليه الكتب كلّها: إلا كتابين فإنه قرأهما علينا، من كتاب المناسك، وكتاب الرسالة على الشافعي، قال لي: من أي العرب أنت؟ قلت:
ما أنا بعربيّ، وما أنا إلا من قرية يقال لها: الزعفرانية. قال: مات سيد هذه القرية.
وكان الزعفراني فصيحا بليغا. قال علي بن محمد بن عمر الفقيه: ثنا أبو عمر الزاهد:
سمعت أبا القاسم بن بشار الأنماطي: سمعت المزنيّ: سمعت الشافعيّ يقول: رأيت ببغداد نبطيّا، يتنحّى عليّ، حتى كأنه عربي، وأنّه نبطيّ، فقيل له: من هو؟ فقال (3):
__________
(1) ترجمته في: أخبار القضاة لوكيع 1/ 11، 42، 64، تاريخ الطبري 1/ 255، 25، الجرح والتعديل 3/ 36رقم 153، تاريخ بغداد 7/ 410407تاريخ جرحان للسهمي 189، طبقات الفقهاء للشيرازي 103100، الأنساب 6/ 698، معجم البلدان 1/ 247، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 160، تهذيب الكمال 6/ 313310، المنتظم لابن الجوزي 5/ 23رقم 49، السبكي طبقات 2/ 117114، طبقات الإسنوي 1/ 32، شذرات الذهب 2/ 140.
(2) الثقات 8/ 137.
(3) السبكي طبقات الشافعية 2/ 116115.(1/125)
الزعفراني. قال السّلّمي في الطبقات الكبرى: لناسخها الذهبي إنه منسوب إلى درب الزعفراني، والصواب أن درب الزعفراني، منسوب إلى الزعفراني وإنّ الزعفراني منسوب إلى القرية. مات الزعفراني في سلخ سنة ستين ومائتين وكان من كبار الفقهاء، والمحدّثين ببغداد.
33 - أحمد بن محمد بن سعيد بن جبلة. أبو عبد الله الصّيرفي (1) البغدادي سمع: ابن عيينة، ومعن بن عيسى، والشافعي، وعنه: أحمد بن عبد الله الوكيل، وأبو عبيد بن المحاملي وجماعه (مستور).
سنة ثلاث وستين ومائتين
34 - محمد بن أحمد بن حفص الحرشي (2)، أبو عبد الله النيسابوري الإمام، والد أبي عمرو، سمع يحيى بن يحيى، وعبدان بن عثمان، وعثمان ومسلم بن إبراهيم، وسليمان بن حرب، وإسماعيل بن أبي أويس، وطبقتهم، بخراسان، والعراق، والحجاز، وكان من كبار الفقهاء بنيسابور، روى عنه أبو عمرو الشملي، وأبو عمرو الخيري، وابن خزيمة، وآخرون. قال ابنه أبو عمرو. الخيري سمعت أبي يقول: قلت للمفتي: ما لك لا تروي عن سعيد غير هذا الحديث؟ قال: كان يستعلي ولا يحدثني، وقال ابن خزيمة: أول من حمل علم الشافعي إلى خراسان، محمد بن أحمد بن حفص، من ابن حيون، الذي تعلم من الشافعي كتاب الرسالة، فإن محمدا هذا لم يدخل مصر.
وتوفي في رجب سنة ثلاث وستين. قرأت وفاته بخط الشملي.
سنة أربع وستين ومائتين
35 - أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم أبو عبد الله القرشي (3)، مولاهم المصري، الملقب يحشد، سمع الكثير من عمه عبد الله بن وهب، وسمع من الشافعي، وبشير بن بكر التغلبي، وغير واحد، وعنه مسلم وأبو زرعة، وأبو حاتم،
__________
(1) ترجمته في: تاريخ بغداد 5/ 11رقم 2361.
(2) ترجمته في: الوافي بالوفيات 2/ 30، الأنساب 4/ 111.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 2/ 26، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 707.(1/126)
ومحمد بن جرير الطبري، وأبو بكر بن زياد النيسابوري، وعبد الرحمن بن أبي حاتم وآخرون. قال ابن عدي: رأيت أهل مصر الذين لحقتهم مجمعين على ضعفه ورأيت الغرباء لا يشبعون من الرواية عنه، وسألت عبدان عنه فقال: كان مستقيم الأمر في أيامنا. قال ابن عدي: ومن ضعّفه أنكر عليه أحاديث، أنا ذاكر بعضها، فروى له خمسة أحاديث، قال: وأنكر عليه كثرة روايته عن عمه، وحرملة أكبر منه. قال: وكلما أنكروه عليه فيتحمل، وإن لم يروه عنه غيره. ولعلّه خص به، فمن ذلك حدثني عمي ابن وهب، ثنا مخرمة بن بكير عن أبيه، عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. «إذا كان الجهاد على باب أحدكم، فلا يخرج إلا بإذن أبويه» (1) وثنا عمي حدثني يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (المؤنثين أولاد الجن) (2) قيل لابن عباس: كيف ذلك؟ قال: نهى الله ورسوله أن يأتي الرجل حائضا، فإذا أتاها سبقه بها الشيطان فحملت منه، فأتت بالمؤنث. قال ابن عدي: لا أعلمه.
رواه عمر بن أخي ابن وهب. وقال خالد بن سعيد: سمعت سعيد بن عثمان القتامي، وسعد بن معاذ، ومحمد بن قطيش، يحسنون الثناء على أحمد بن أخي ابن وهب، ويوافقونه، وقال لنا سعيد بن عثمان: قدمنا مصر فوجدنا يونس أمره صعبا. ووجدنا ابن أخي ابن وهب أمره أسهل، فجمعنا له دنانير وأعطيناه. وقرأنا عليه موطّأ عمّه، وكان ثقة. قال خالد: وسمعت محمد بن قطيش يقول: فصار في نفسي، فأردت أن أسأل ابن عبد الحكم، فقلت له: أصلحك الله، العالم يأخذ على قراءة العلم، فشعر فيما ظهر لي، أني أنا سألته عن أحمد. فقال لي جابر: عافاك الله. حلال أن لا أقرأ لك ورقة إلا بدرهم، ومن آخذني أن أقعد معك طول النهار، وأدع ما يلزمني من أشيائي، ونفقة عيالي.
__________
(1) أخرج النسائي في السنين، عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو، أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال له: أحيّ والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد. السنن 6/ 10.
وفي رواية أخرى عن محمد بن طلحة، أن جاهمة السلمي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستشاره في الغزو فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها. السنن 6/ 11. والحديث أخرجه البخاري في الجهاد 6/ 97، 98، ومسلم 2549في البر والصلة، ومعنى الحديث ثابت من حديث عبد الله بن عمرو عبد الرحمن بن وهب بهذا الإسناد، والذهبي في السير 12/ 321.
(2) الحديث لم أعثر عليه.(1/127)
قلت توفي أحمد في ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين.
36 - إسماعيل بن يحيى بن عمرو بن مسلم، الفقيه، أبو إبراهيم المزني (1)
المصري، صاحب الشافعي، روى عن الشافعي ونعيم بن حماد، وعلي بن معبد بن شداد وغيرهم، روى عنه: أبو بكر بن خزيمة، وأبو بكر بن زياد النّيسابوري، وابن جوصا، والطّحاوي، وابن أبي حاتم، وأبو الفوارس بن الصابوني، وآخرون. وتفقه به خلق وصنّف التّصانيف، قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي (2): فأما الشافعي رحمه الله فقد انتقل فقهه إلى أصحابه، فمنهم أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق المزّني. مات بمصر سنة أربع وستين ومائتين، وكان زاهدا، عالما، مجتهدا مناظرا، محجاجا، غوّاصا على المعاني الدقيقة. صنّف كتبا كثيرة: (الجامع الكبير) و (الجامع الصغير) و (مختصر المختصر) و (المنثور) و (المسائل المعبرة) و (الترغيب في العلم) وكتاب (الوثائق). قال الشافعي: المزني ناظر (3)
مذهبي. قلت: ورد أن المزني رحمه الله، كان إذا فرغ من مسألة، وأودعها مختصره، صلى ركعتين (4). وقيل: إن بكّار بن قتيبة، قدم مصر على قضائها. وهو حنفيّ، فاجتمع بالمزني مرّة، فسأله رجل من أصحاب بكّار، فقال: قد جاء في الأحاديث تحريم النّبيذ وتحليله، فلم قدّمتم التّحريم على التحليل؟ فقال المزني: لم يذهب أحد إلى تحريم النبيذ في الجاهلية. ثم حلّل، ووقع الإتفاق على أنّه كان حلالا فحرّم. فهذا بفضل أحاديث التحريم على التحليل فاستحسن بكّار ذلك منه (5). وقال عمرو بن تميم المكي: سمعت محمد بن إسماعيل الترمذي، سمعت المزني يقول: لا يصحّ لأحد
__________
(1) ترجته في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 217، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 3/ 39، النواوي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 285، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 148، حاجي خليفة: كشف الظنون 400، 1635، وتذكرة الحفاظ ص 558. وينسب إلى مزينة إحدى قبائل اليمن. الجرح والتعديل 2/ 204رقم 688مروج الذهب 2736الفهرست لابن النديم 298، طبقات الفقهاء للشيرازي 97، سير أعلام النبلاء 12/ 497492اللباب 2/ 205، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 10993، البداية والنهاية 11/ 36، الوافي بالوفيات 9/ 238.
(2) الشيرازي: طبقات الفقهاء 97.
(3) السبكي: طبقات الشافعية 2/ 94وفي وفيات الأعيان «ناصر».
(4) ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 217، السبكي طبقات الشافعية 2/ 94.
(5) ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 218.(1/128)
توحيد حتى يعلم أن الله تعالى على العرش بصفاته. قلت: مثل أي شيء؟ قال: سميع بصير عليم (1). قال السّلميّ: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان: سمعت محمد بن علي الكنانيّ سمعت عمرو بن عثمان المكي يقول: ما رأيت أحدا من المتعبّدين، في كثرة من لقيت منهم، أشدّ اجتهادا من المزنيّ، ولا أدوم على العبادة منه. وما رأيت أحدا أشدّ تعظيما للعلم وأهله منه. وكان من أشد الناس تضييقا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس، وان يقول: أنا خلق من أخلاق الشافعي رضي الله عنه (2)، وبلغنا أن المزنيّ كان مجاب الدّعوة، ذا زهد وتقشّف، أخذ عنه خلق من علماء خراسان، والشام، والعجم، وقيل كان إذا فاتته صلاة الجماعة، صلى الصلاة خمسا وعشرين مرة (3). وكان يغسل الموتى تعبّدا وديانة.
فإنه قال: تعانيت غسل الموتى ليرقّ قلبي، فصار لي عادة، وهو الذي غسّل الشافعي رحمه الله. وكان رأسا في الفقه، ولم يكن له معرفة بالحديث كما ينبغي. توفي لست بقين من رمضان سنة أربع وستين، عن تسع وثمانين سنة. وصلى عليه الربيع بن سليمان المراديّ. ومن أصحاب المزنيّ: الإمام أبو القاسم الأنماطي، شيخ ابن سريج، وزكريا الساجي، وإمام الأئمة ابن خزيمة، وثقه أبو سعيد ابن يونس، وقال: كان يلزم الرباط، وقال ابن أبي حاتم: سمعت منه، وهو صدوق.
37 - يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة بن حفص بن حيّان الإمام أبو موسى الصدفيّ (4) المصريّ الفقيه المقرىء، ولد في ذي الحجة سنة سبعين ومائة، وقرأ القرآن على ورش وغيره، وأقرأ الناس وسمع من سفيان بن عيينة، وابن وهب، والوليد بن مسلم، ومعن بن عيسى، وأبي حمزة أنس بن عياض والشافعي، وتفقه عليه، وسمع من طائفة سواهم، وقرأ أيضا على سقلاب، ومعلّى بن دحية وهما أيضا، من أصحاب نافع، قرأ عليه غير واحد. وروى عنه: القراءة موسى بن سهل، ومحمد بن الربيع، وأسامة بن أحمد التجيبي، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن جرير الطبري، وحدث عنه: مسلم، والنسائي، وابن ماجه، وأبو عوانه، وأبو بكر بن زياد
__________
(1) سير أعلام النبلاء 12/ 494.
(2) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 2/ 94.
(3) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 2/ 94، وفيات الأعيان 1/ 218.
(4) ترجمته في: الذهبي: تذكرة الحفاظ ص 527، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 180170، الإسنوي 1/ 3433.(1/129)
النيسابوري، وأبو الطاهر أحمد بن محمد المديني، وخلق كثير. وانتهت إليه رئاسة العلم بديار مصر (1) لعلمه وفضله، وورعه، ونبله ومعرفته بالفقه، وأيام الناس، وروي عن الشافعي قال: ما رأيت بمصر أحدا، أعقل من يونس بن عبد الأعلى، وقال يحيى بن حسان: يونسكم (2) هذا من أركان الإسلام. وكان يونس كثير الشّهود، أقام في الشهادة ستين سنة وثقه غير واحد، وما نقموا عليه، إلّا روايته عن الشافعي الحديث الذي في متنه: «لا مهدي إلا عيسى بن مريم» (3) كان يعرفه عن الشافعي. توفي في ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين في عمر المائة. قال النسائي: ثقة. وقال ابن أبي حاتم:
سمعت أبي يوثّق يونس بن عبد الأعلى، ويرفع من شأنه، قلت: حديثه المذكور عن الشافعي، إنما قال فيه حدّثت عن الشافعي، فذكره هكذا. وجدت في كتاب يونس رواية المدائني عنه. ورواه جماعة عنه عن الشافعي، فكان دلّسه بلفظ عن؟، وأسقط من حديثه عن الشافعي، والله أعلم. قال الحاكم: سمعت الزبير بن عبد الله البغدادي يقول: سمعت ابن صاعد يقول: وحدثنا عن يونس بن عبد الأعلى بحديث لابن وهب، ثم قال: باباه باباه. قد حدّث بهذا الحديث، أحمد بن حنبل، عن عثمان بن صالح، عن ابن وهب، فقال له عبد الحميد: ثنا، عبد الله بن أحمد عن أبيه قال: يا أبا عبد الحميد، ذاك فات، وهذا عال إذا حدثت بحديث عال فأخبر به أصحابنا. وذكر السّلمي، وقد صرّح الرواة عن يونس بأنه قال: حدّثنا الشافعي ثم رواه بسنده عن يونس، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي، ثنا محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن أبي صالح، عن الحسن بن أبي الحسن، عن أنس بن مالك مرفوعا. رواه ابن ماجه عن يونس، وقيل: إن الشافعي تفرد به، عن محمد بن خالد. والصحيح أن الجندي يرويه، وذكر الحاكم أن الجندي رجل مجهول. وقال صاحب ابن معاذ: عدل إليّ الجنيد مسيرة يومين من صنعاء فدخل عليّ بحديث مهم، فطلب مبدأ الحديث وقد حدّثه عنده، عن محمد بن
__________
(1) شمس الدين أبو الخير الجزري: غاية النهاية في طبقات القراء 2/ 406.
(2) نفسه.
(3) أخرجه ابن ماجه (4039) والحاكم 4/ 441من طريق يونس بن عبد الأعلى، عن محمد بن إدريس الشافعي، عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن، عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا سند لا تقوم به حجة، لأن محمد بن خالد الجندي مجهول، والحسن مدلس.
وقال الذهبي في (الميزان) 4/ 481عن الحديث: هو منكر جدا. وأورده الذهبي في سير النبلاء 12/ 351.(1/130)
خالد الجندي عن أبان، ابن أبي عباس، هو متروك، عن الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو منقطع، وأما الشافعي فلم يروه عنه غير يونس.
سنة سبع وستين ومائتين
38 - إدريس بن نصر (1) بن سابق أبو عبد الله الخولانيّ، مولاهم المصري، عن: ابن وهب، وأيوب بن سويد الرملي والشافعي، وحمزة بن ربيعة، وأشهب، وبشر بن أبي بكر وطائفة، وعن ابن جوصا، وابن جعفر، الطحاوي، وابن زياد النيسابوري، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأحمد بن مسعود بن مرة الزّبيري، ومحمد بن بشر الزّبيري العسكري، وأبو عوانه، وابو الفوارس ابن السّندي، وأحمد بن عبد الله البهنسيّ العطار، وأحمد بن عليّ بن شعيب المديني، وأحمد بن عليّ بن حسن المدائني، وأحمد بن محمد بن أسيد الإصبهاني، وأحمد بن محمد بن الحرث الغباب المصري، وأحمد بن محمد بن فضالة الحمصي الصّفّار، وأحمد بن إبراهيم بن أبي أيوب المصري، وأحمد بن محمد بن شاهين، وأحمد بن محمد بن يحيى بن بلال النيسابوري، وأحمد بن يوسف، بن تميم المصري، وابو العباس الأصم، وابن خزيمة، وخلق. وروى النسائي في حديث مالك، الذي حققه عن زكريا خيّاط السّنّة، عن بحر بن نصر هذا، قال الطحاوي: ولد بحر بن نصر، والربيع المرادي والمزني كلّهم في سنة أربع وسبعين ومائة، قلت: توفي في شعبان سنة سبع وستين، وقد وثّقه ابن أبي حاتم وغيره.
سنة ثمان وستين ومائتين
39 - أحمد بن سيّار (2) بن أيوب ن. أبو الحسن المروزيّ، الحافظ الفقيه، أحد
__________
(1) ترجمته في: ابن اصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 729، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 110، 112.
(2) ترجمته في: الجرح والتعديل 2/ 53رقم 61، الثقات لابن حبّان 8/ 54، المزيّ: تهذيب الكمال 1/ 326323، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 183، البداية والنهاية 11/ 42، النجوم الزاهرة 3/ 44، هدية العارفين 1/ 50، البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 189187، النووي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 113، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 154، حاجي(1/131)
الأعلام. سمع: عثمان وسليمان بن حرب، وعبدان، ومحمد بن كثير، وصفوان بن صالح الدمشقي، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن نكير وطبقتهم. وعنه، النسائي، ووثقه. وقيل: إن المحاربي، روي عنه، عن محمد بن أبي بكر المقدّمي وروى عنه:
محمد بن نصر المروزي، وابن خزيمة، وأبو بكر بن أبي داود، ومحمد بن عقيل البلخيّ، وأبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب، وحاجب بن أحمد الطّوسي، وطائفة. وهو مصنّف (تاريخ مرو). وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: ثنا عنه علي بن الجنيد، ورأيت أبي يطنب في مدحه، ويذكره بالعلم والفقه. قلت: وهو أحد أصحاب الوجوه من الشافعية، أوجب الأذان للجمعة دون غيرها. وأوجب رفع اليدين في تكبيرة الإحرام. كداود الظاهري، وكان بعض العلماء يشبّهه في زمانه بابن المبارك، علما وفضلا رحمهما الله تعالى. توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وقد استكمل سبعين سنة.
40 - محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين (1) بن ليث، الإمام أبو عبد الله المصري، الفقيه، أخو عبد الرحمن وسعيد، ولد سنة اثنين وثمانين ومائة. روى عن:
عبد الله بن وهب وابن أبي فديك وأبي ضمرة أنس بن عياض، وبشر بن بكير. وأيوب بن سويد الرّملي، وإسحاق بن الفراش، وأشهب بن عبد العزيز، وشعيب بن الليث بن سعد، وأبي عبد الرحمن المقري وطائفة، ولزم الشافعي مدة، وتفقه به وبابنه عبد الله وغيرهما. وعنه: النسائي وابن خزيمة، وابن صاعد، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وعمرو بن عثمان المكي الزاهد، وأبو بكر بن زياد النيسابوري وإسماعيل بن داود بن وردان، وأبو العباس الأصم، وجماعة، وثّقه (2) النسائي، وقال مرة: لا بأس به.
وقال غيره: كان أبوه قد ضمّه إلى الشافعي، فكان الشافعي معجبا به، لذكائه وحرصه على الفقه. قال أبو عمر الصّدفي: رأيت أهل مصر لا يعدلون به أحدا، ويصفونه بالفضل والعلم والتواضع، وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: ما رأيت في فقهاء الإسلام،
__________
خليفة: كشف الظنون 303، الذهبي: سير النبلاء 12/ 111609.
(1) ترجمته في: الذهبي: تذكرة الحفاظ ص 546، 547 (ترجمة رقم 665) الصفدي: الوافي 3/ 338، 339ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 154، البغدادي: هدية العارفين 2/ 18، الذهبي: ميزان الاعتدال 3/ 86تاريخ الطبري 1/ 13، 3/ 168، الجرح والتعديل 7/ 300، طبقات الشيرازي 99، وفيات الأعيان 4/ 195193، سير أعلام النبلاء 12/ 501493.
(2) المعجم المشتمل 249.(1/132)
أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين (1). من محمد بن (2) عبد الله بن عبد الحكم، وقال مرّة: كان محمد بن عبد الله أعلم من رأيت على أديم الأرض بمذهب مالك، وأحفظهم له. سمعته يقول: كنت أتعجب ممّن يقول في المسائل: لا أدري (3). قال ابن خزيمة:
وأما الإسناد، فلم يكن يحفظه، وكان من أصحاب الشافعي، وكان ممن يتكلم فيه، فوقعت بينه وبين البويطي (4) وحشة، في مرض الشافعي. فحدثني أبو جعفر السكري صديق الربيع قال: لما مرض الشافعي، جاء ابن عبد الحكم ينازع البويطي في مجلس الشافعي. فقال البويطي: أنا أحقّ به منك. فجاء الحميدي وكان بمصر. فقال: قال الشافعي: ليس أحد أحقّ بمجلسي من البويطي، وليس أحد من أصحابي أعلم منه.
فقال له ابن عبد الحكم: كذبت. فقال الحميدي: كذبت أنت وأبوك وأمّك. فغضب ابن عبد الحكم، وترك مجلس الشافعي. فحدّثني ابن عبد الحكم قال: كان الحميدي معي في الدار، نحوا من سنة، وأعطاني كتاب ابن عيينة، ثم أبوا إلا أن يوقعوا بيننا ما وقع. روى هذا كله الحكم عن حسينك التّميمي، عن ابن خزيمة (5). وعن المزنيّ قال: نظر الشافعي إلى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وقد ركب دابّته فأتبعه بصره، وقال: وددت أن لي ولدا مثله، وعليّ ألف دينار، لا أجد قضاءها (6). وقال أبو الشيخ: ثنا عماو بن عثمان المكي، رأيت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يصلي الضّحى، فكان كلما صلى ركعتين، سجد سجدتين، فسأله من يأنس به فقال: أسجد شكرا لله على ما أنعم علي من صلاة الركعتين (7). وقال ابن أبي حاتم (8): صدوق، ثقة. أحد فقهاء مصر من أصحاب مالك. وقال ابن إسحاق (9) الشيرازي: قد حمل محمد في محنة القرآن، إلى ابن أبي دؤاد ولم يجب إلى ما طلب منه، وردّ إلى مصر،
__________
(1) الذهبي: ميزان الاعتدال 3/ 611سير أعلام النبلاء 12/ 498، تذكرة الحفاظ 2/ 547.
(2) هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري (أبو عبد الله) ويعرف بابن عبد الحكم. السبكي:
طبقات الشافعية 1/ 175، 2/ 7167، 3/ 56، 102، 256.
(3) السبكي: طبقات الشافعية 2/ 68.
(4) يوسف بن يحيى البويطي المصري (أبو يعقوب) السبكي: طبقات الشافعية 2/ 170162.
(5) طبقات الشافعية للسبكي 2/ 68، 69، تذكرة الحفاظ، 2/ 547، سير أعلام النبلاء 12/ 498.
(6) وفيات الأعيان 4/ 193، 194، الوافي بالوفيات 3/ 339، سير أعلام النبلاء 12/ 499.
(7) سير أعلام النبلاء 12/ 499.
(8) الرازي: الجرح والتعديل 7/ 300، 301.
(9) الشيرازي: طبقات الفقهاء 99.(1/133)
وانتهت إليه الرئاسة بمصر، يعني في العلم، وقال غيره إنه هرب واختفى، وقد نالته محنة أخرى صعبة، مرّت في ترجمة أخيه الشهيد عبد الحكم، سنة سبع وثلاثين (1).
نسب ابن الجوزي، قال أبو سعيد بن يونس: كان محمد المفتي بمصر في إيامه. توفي يوم الأربعاء، النصف من ذي القعدة، سنة ثمان وستين، وصلّى عليه بكّار بن قتيبة القاضي. وله تصانيف كثيرة منها: كتاب (أحكام القرآن)، وكتاب (الردّ على الشافعي فيما خالف فيه الكتاب والسنة) وكتاب (الرد على أهل العراق)، وكتاب (أدب القضاة). وفي المحدثين أيضا.
41 - محمد بن عبد الله بن عبد الحكم (2)، رحل وروى عن: أحمد بن مسعود المقدسي، روى أبو نعيم الحافظ حديثه في (الحلية)، فقال: ثنا ابو حامد أحمد بن محمد بن الحسن، حدثنا: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم.
سنة سبعين ومائتين
42 - الربيع بن سليمان بن عبد الجبّار بن (3) كامل، الفقيه أبو محمد المرادي، مولاهم المصري، المؤذّن صاحب الشافعي، وراوي كتبه، ولد سنة أربع وثلاث وسبعين ومائة. وسمع: عبد الله بن وهب، وشعيب بن الليث بن سعد، وبشر بن بكر التّنيسي، وأيوب بن سويد الرملي، والشافعي، ويحيى بن حسان، وأسد بن موسى وجماعة، وعنه أبو داود فالنسائي، وابن ماجه والترمذي. عن رجل عنه، وهو محمد بن إسماعيل السّلمي، وأبو زرعة والرازي، وأبو حاتم، وابنه عبد الرحمن بن أبي حاتم، وزكريا بن يحيى الساجي، وأبو نعيم بن عدي، وأبو جعفر الطحاوي وأبو بكر ابن زياد النيسابوري، والحسن بن حبيب الحصائري، وأحمد بن مسعود العكبريّ، وأحمد بن بهزاد السّيرافي، وابن صاعد، وأبو العباس الأصمّ، وآخرون. وثّقه أبو
__________
(1) سير أعلام النبلاء 12/ 511.
(2) ترجمته في: تهذيب التهذيب 9/ 262رقم 434.
(3) ترجمته في: التقريب 1/ 245، ابن الجوزي: المنتظم 12/ 238، وابن النديم: الفهرست ص 297، الجرح والتعديل 3/ 264، لعبر 2/ 45، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 139132، الإسنوي 1/ 4039، الشيرازي: طبقات، تاريخ بغداد 14/ 299، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 751، وفيات الأعيان 2/ 291، سير أعلام النبلاء 12/ 587.(1/134)
سعيد بن يونس وغيره. وعن الربيع قال: كلّ محدّث حدّث بمصر بعد ابن وهب، كنت مستمليه (1). وقال النسائي: لا بأس به (2). وقال عليّ بن قديد: كان الربيع يقرأ بالألحان. وقال الطحاوي: مات الربيع بن سلمان مؤذّن جامع الفسطاط المعروف اليوم بجامع عمرو بن لعاص يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء لإحدى وعشرين ليلة، خلت من شوّال من سنة سبعين (3). وصلّى عليه الأمير خمارويه بن أحمد ابن طولون. قلت: وقد روى عنه الترمذي بالإجازة. وآخر من حدّث عنه: أبو الفوارس السندي. ويروى عن الشافعي أنه قال للربيع: لو أمكنني أن أطعمك العلم لأطعمتك (4). قال ابن عبد البر: قد ذكر محمد بن إسماعيل الترمذي، من أخذ عن الربيع، كتب الشافعي ورحل إليه الناس من الآفاق، فذكر نحو مائتي رجل (5). قال ابن عبد البر: كان الربيع لا يؤذّن في منارة جامع مصر أحد قبله، وكانت الرحلة في كتب الشافعي إليه، وكان فيه سلامة وغفلة، ولم يكن قائما بالفقه (6). قال السّلميّ: ألا إنما كان أفهم وأفقه من غيره في قول الإمام.
بل هو ثقة، ثبت، خرّج إمام الأئمة ابن خزيمة، حديثه في صحيحه، وكذلك ابن حبان والحاكم. ومما ينسب إلى الربيع من الشعر: [من المنسرح]:
صبرا (7) جميلا ما أسرع الفرجا ... من صدق الله في الأمور نجا
من خشي الله لم ينله أذى ... ومن رجا الله كان حيث رجا
قلت: كان الربيع أعرف من المزني بالحديث، وكان المزني أعرف بالفقه منه بكثير، حتى كان هذا لا يعرف إلّا الحديث، وهذا لا يعرف إلّا الفقه. توفي في عشر السبعين ومائتين.
43 - عليّ بن محمد بن عبد الله بن عبد (8) الحكم، المصري الفقيه، تفقّه على أبيه، وسمع: محمد بن رميح وغيره، وتوفي سنة سبع وثمانين. ذكره الذهبي.
__________
(1) المزي: تهذيب الكمال 9/ 89.
(2) نفسه.
(3) الثقات لابن حبّان 8/ 240.
(4) طبقات الشافعية للسبكي 2/ 134.
(5) طبقات الشافعية للسبكي 2/ 134.
(6) سير أعلام النبلاء 12/ 589.
(7) البيتان في: الذهبي: سير النبلاء 12/ 589، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 134.
(8) الذهبي: تاريخ الإسلام، تراجم حرف (العين) رقم 370ص 230.(1/135)
44 - إسماعيل بن سعيد أبو إسحاق الجرجاني (1) الحافظ، سمع: أحمد بن يونس، ويونس بن عديّ، وسليمان الشاذكوني وكتب كتب الشافعي، عن حرملة. قال ابن عدي الحافظ: كان إسماعيل يكتب في الليلة تسعين ورقة بخطّ دقيق.
سنة إحدى وسبعين ومائتين
45 - قحزم بن عبد الله بن قحزم أبو حنيفة الأسواني (2)، الفقيه، قال ابن يونس:
يروي عن الشافعي. توفي في جمادى الأولى سنة إحدى وسبعين ومائتين. وقال ابن عبد البر: روى عن الشافعي كثيرا من كتبه، وكان مفتيا، وأصله من القبط، كتب كثيرا من كتب الشافعي، وصحبه وروى عنه عشرة آخرون.
سنة سبع وسبعين ومائتين
46 - القاسم بن محمد بن قاسم بن محمد بن سبّار (3)، مولى الوليد بن عبد الملك، أبو محمد الأندلسيّ، القرطبي البياني، الفقيه، أحد الأعلام، رحل وأخذ عن الأئمة:
الحارث بن مسكين، وإبراهيم بن المنذر الحزاميّ، وأبي الطاهر بن السّرح، وإبراهيم بن محمد الشافعي، ويونس بن عبد الأعلى، وأبي إبراهيم المزني وطائفة.
ولزم محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، حتى برع في الفقه، وفاق أهل عصره، وصار إماما مجتهدا، لا يقلّد أحدا. وقد ألّف كتاب «الإيضاح» في الرّد على المقلّدين، وكان يميل إلى مذهب الشافعي، وأهل الأثر (4). تفقه به خلق بالأندلس، وروى عنه:
سعيد بن عمّار الأعناقي، وأحمد بن خالد بن الحباب، ومحمد بن عمر بن لبابة، وابنه محمد بن القاسم، ومحمد بن عبد الملك بن أعين، وآخرون. قال ابن (5) الفرضيّ:
__________
(1) ترجمته في: السهمي: تاريخ جرحان 102100، ابن الأثير: اللباب 2/ 6، السمعاني:
الأنساب 7/ 259.
(2) ترجمته في: السبكي: الطبقات الكبرى 2/ 160، 161.
(3) ترجمته في: الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 199، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 78، المقري:
نفح الطيب 6/ 130147وابن الفرضى: تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس 1/ 399397.
(4) تاريخ علماء الأندلس 1/ 356.
(5) تاريخ علماء الأندلس 1/ 355.(1/136)
لزم ابن عبد الحكم التفقه والمناظرة، وتحقق به وبالمزني، وكان يذهب مذهب الحجّة والنظر، وترك التقليد، ويميل إلى مذهب الشافعي، ولم يكن بالأندلس مثل قاسم في حسن النظر، والبصر بالحجّة. قال أحمد بن خالد: ما رأيت مثل قاسم في الفقه، ممّن دخل الأندلس من أهل الرجال. وقال محمد بن عبد الله بن قاسم الزاهد: سمعت بقيّ بن مخلد يقول: قاسم بن محمد، أعلم من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم. وقال أسلم بن عبد العزيز: سمعت ابن عبد الحكم يقول: لم يقدم علينا من الأندلس أحد أعلم من قاسم بن محمد، ولقد عاتبته حين رجوعه إلى الأندلس.
قلت: أقم عندنا فإنك تعقد هنا رئاسة، ويحتاج الناس إليك. فقال: لابد من الوطن. قال ابن الفرضي: لكن قاسم ألّف في الرد على يحيى بن إبراهيم بن مزين، وعبد الله بن خالد، والقبتي، كتابا نبيلا يدل على علم، وله كتاب شريف في خبر الواحد (1)، وكان تلى وثائق الأمير محمد، يعني صاحب الأندلس طول أيامه. وقال أبو علي الغسّاني، سمعت ابن عبد البر يقول: لم يكن أحد ببلدنا أفقه من قاسم بن محمد، وأحمد بن خالد الحباب، توفي سنة ست وسبعين، وقيل: في أول سنة سبع وسبعين ومائتين.
47 - سهل بن عبد الله بن الفرّخان (2) الإصبهاني، الزاهد، أبو طاهر، رحل في العلم إلى (3) الشام، وسمع: سليمان ابن بنت شرحبيل، ومحمد بن أبي السّريّ العسقلاني، ومحمد بن مصفّى، وحرملة، وصفوان بن صالح، وهشام بن عمار. وعنه: محمد بن أحمد بن يزيد الزّهري، ومحمد بن عبد الله الصّفّار، وأبو علي الصّحّاف، وأحمد بن إبراهيم بن يوسف، وجماعة من أهل إصبهان، وكان كبير القدر، ويقال: إنه من الأبدال. وقد سمع أبو نعيم الحافظ من أصحابه. وقال (4): مات سنة ست وسبعين رحمه الله تعالى. وكان مجاب الدعوة وكان أهل بلدنا مفزعهم إلى دعائه. له آثار
__________
(1) صنف محمد بن إدريس: تفسير القرآن، الجامع في الفقه، الزينة، طبقات التابعين هدية العارفين للبغدادي 2/ 19، الزركلي أعلام 6/ 250.
(2) ترجمته في: ذكر أخبار إصبهان 1/ 339، حلية الأولياء 10/ 212، 213، رقم 547، سير أعلام النبلاء 13/ 333رقم 152، الوافي بالوفيات 16/ 5شمس الدين أبو الخير الجزري: غاية النهاية في طبقات الفراء 1/ 319 (ترجمة رقم (1400).
(3) ورحل إلى مصر أيضا.
(4) أخبار إصبهان 339.(1/137)
مشهورة في إجابة الدّعاء، وهو في حالة من إدمان الذكر والمشاهدة والحضور، والتقوى من حضور النّفس (1) فشائع ذائع. حكي ذلك عن مشايخنا وهو أوّل من حمل من علم الشافعي، مختصر حرملة، ولقي أحمد بن عاصم، وأحمد بن أبي الحواريّ، وعبد الله بن خبيق. وكتب الكتب رحمه الله ورضي عنه.
سنة ثمان وسبعين
48 - المغيرة بن محمد بن المهلّب أبو حاتم المهلّبي الأزدي (2) البصريّ الأديب.
حدث عن: محمد بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن رجاء، وجماعة. وعنه: محمد المرزبان، ومحمد بن يحيى الصّولي. وكان صدوقا بارع الأدب، حسن النّظم. مدح المتوكّل وغيره [رأيت له نسخة كبيرة عن الأنصاري] (3).
49 - محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران، أبو حاتم، الغطفاني (4)، الحنظلي، الرازي، الحافظ. أحد الأئمة الأعلام. ولد سنة خمس وتسعين ومائة. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كتبت الحديث سنة تسع وثمانين، وأنا ابن عشر سنوات. سمع: عبد الله بن موسى، وأبا نعيم وطبقتهما بالكوفة. ومحمد بن عبد الله الأنصاري، والأصمعي، وطبقتهما في البصرة، وعفان وهوذة بن خليفة، وطبقتهما ببغداد وأبا مسهر، وأبا الجماهر محمد بن عثمان، وطبقتهما بدمشق. وأبا اليمان ويحيى الوحاظيّ وطبقتهما بحمص وسعد بن أبي مريم وطبقته بمصر وخلقا
__________
(1) حلية الأولياء 10/ 212.
(2) ترجمته في: الثقات لابن حبّان 9/ 169، البغدادي: تاريخ بغداد 13/ 195، 196 (7173).
(3) وقال الخطيب البغدادي: كان أديبا إخباريا ثقة، وهو من أهل البصرة، ورد بغداد، حدّث بها.
تاريخ بغداد 13/ 195.
(4) ترجمته في: الرازي: الجرح والتعديل 7/ 204، الثقات لابن حبّان 9/ 137، تاريخ جرجان للسهمي 47، 153، تاريخ بغداد 2/ 7773العجم المشتمل لابن عساكر 224رقم 755، الكامل في التاريخ 7/ 439، سير أعلام النبلاء 13/ 263247، البداية والنهاية 11/ 59، الوافي بالوفيات 2/ 183، تاريخ الخلفاء 267، السبكي: طبقات الشافعية 1/ 300299/ والبغدادي: هدية العارفين 2/ 19والزركلي: الأعلام 6/ 250، تذكرة الحفاظ 2/ 567، وشمس الدين أبو الخير الجزري: غاية النهاية في طبقات الفراء 2/ 97رقم 2841، طبقات الحفاظ 255.(1/138)
بالنواحي والثّغور. وتردّد في الرحلة زمانا. قال ابنه: سمعت أبي يقول: أوّل سنة خرجت في طلب الحديث، أقمت سبع (1) سنين. أحصيت ما مشيت على قدميّ زيادة على ألف فرسخ، ثم تركت العدّ بعد ذلك، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشيا، ثم إلى الرّملة ماشيا، ثم إلى دمشق، ثم إلى أنطاكية، ثم إلى طرسوس (2)، ثم رجعت إلى حمص، ثم منها إلى الرّقّة، ثم ركبت إلى العراق، كل هذا وأنا ابن عشرين (3) سنة.
دخلت الكوفة في رمضان سنة ثلاث (4) عشرة. قلت: أدرك عبيد الله قبل موته بشهرين، قال: وجاءنا نعي أبي عبد الرحمن المقرىء وأنا بالكوفة، ورحلت مرّة ثانية، سنة اثنين وأربعين ومائتين. ورجعت إلى الريّ سنة خمس وأربعين، وحججت رابع حجّة، سنة خمس وخمسين. قال: وفيها حجّ ابني عبد الرحمن وحزرت ما كتبت عن ابن نفيل، يكون نحوا من أربعة عشر ألفا (5). وكتب محمد بن مصفّى عنّي جزءا انتخبه. قلت:
وحدّث عنه من شيوخه: الصّغّار، ويونس بن عبد الأعلى، وعبده بن سليمان المروزيّ، ومحمد بن عوف الحمصي، والربيع من سليمان المرادي، ومن أقرانه: أبو زرعة الرازي، وأبو زرعة الدمشقي، ومن أصحاب السّنن: أبو داود، والنسائي، وقيل: إن البخاري، وابن ماجه، رويا عنه. ولم يصحّ وأبو بكر وابن صاعد، وأبو عوانة، والقاضي المحاملي، وأبو الحسن علي بن إبراهيم القطّان، صاحب ابن ماجه، وأبو عمرو محمد بن أحمد بن حكيم المديني، ومحمد بن مخلد العطّار، والحسن بن عيّاش، وحفص بن عمر الأردبيليّ، وسليمان بن يزيد القاضي. وعبد الرحمن بن حمدان الجلّاب، وبكر بن محمد المروزيّ الصّيرفيّ، وعبد المؤمن بن خلف النّسفي، وأبو حامد أحمد بن علي بن (6) حسنويه. المقريء التاجر وخلق كثير وقال ابن أبي حاتم (7): قال لي موسى ابن إسحاق القاضي: ما رأيت أحفظ من والدك، وقال
__________
(1) تاريخ بغداد 2/ 74.
(2) ثغر من ثغور الشام بين إنطاكية وحلب وبلاد الروم، وتبعد عن أذنه 6فراسخ، بناها الخليفة هارون الرشيد. ياقوت: معجم البلدان 4/ 28، 29.
(3) تقدمة المعرفة 1/ 360.
(4) سنة ثلاث عشرة ومائتين، تقدمة المعرفة 1/ 361.
(5) تقدمة المعرفة 1/ 363.
(6) تاريخ الإسلام، ترجمة رقم 536ص 432.
(7) الرازي: الجرح والتعديل 7/ 204.(1/139)
أحمد بن سلمة الحافظ: ما رأيت بعد إسحاق بن راهويه، ومحمد بن يحيى، أحفظ للحديث من أبي حاتم، ولا أعلم بمعانيه (1). وقال ابن أبي حاتم: سمعت يونس بن عبد الأعلى، بقول: أبو زرعة وأبو حاتم: إماما خراسان، بقاؤهما صلاح للمسلمين (2). وقال هبة الله اللالكائي: أبو حاتم إمام حافظ، ثبت. وقال النّسائي ثقة (3): وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كنت أذاكر أبا زرعة فقال لي: يا أبا حاتم قلّ من يفهم هذا، إذا رفعت هذا من واحد أو اثنين، فما أقلّ من يحسن هذا.
وربّما أتيتك في شيء، وأبقى إلى أن ألتقي معك، لا أجد من يشفيني (4). وقال القاسم بن أبي صالح الهمداني: سمعت أبا صالح يقول: قال لي أبو زرعة ترفع يديك في القنوت؟ قلت: لا. قلت: أفترفع أنت؟ قال: نعم. فقلت: ما حجّتك؟ قال:
حديث ابن مسعود. قلت: رواه ليث بن أبي سليم، قال: حديث أبي هريرة. قلت:
رواه ابن لهيعة. قال: حديث ابن عباس. قلت: رواه عوف. قال: ما حجّتك في تركه قلت: حديث أنس (5) «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء، إلا في الاستسقاء». فسكت أبا زرعة. قلت: قد ثبتت عدة أحاديث في رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الدّعاء، وأنس حكى بحسب ما رآه منه، والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي من أغرب عليّ حديثا صحيحا، فله عليّ درهم يتصدّق به. وكان ثمّ خلق أبي زرعة، فمن دونه، وإنما كان مرادي أن يلقى عليّ ما لم أسمع به. فيقولون: هو عند فلان، فأذهب فأسمعه، فلم يتهيأ لأحد أن يغرب عليّ حديثا (6). وسمعت أبي يقول: كان محمد بن يزيد الأسفاطي قدولع بالتفسير، وبحفظه. فقال يوما: ما تحفظون من قوله تعالى {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلََادِ} (7) فسكتوا.
فقلت: ثنا أبو صالح، عن معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس.
__________
(1) تاريخ بغداد 2/ 75.
(2) تاريخ بغداد 2/ 76.
(3) تاريخ بغداد 2/ 77.
(4) تاريخ بغداد 2/ 76.
(5) الحديث، أخرجه البخاري في الاستسقاء 2/ 429باب رفع الإمام يده في الاستسقاء، ومسلم (89/ 7).
(6) تاريخ بغداد 2/ 75.
(7) سورة ق، الآية 36.(1/140)
قال: (ضربوا في البلاد) (1). وسمعت أبي يقول: قدم محمد بن يحيى النيسابوري الرّيّ فألقيت عليه ثلاثة عشر حديثا، من حديث الزهري، فلم يعرف منها إلا ثلاثة أحاديث (2). قلت: إنما ألقي عليه من حديث الزهري، لأن محمدا كان إليه المنتهى، في معرفة حديث الزّهري. قد جمعه، وصنّفه وتتبّعه. حتى كان يقال له: الزهر.
قال: وسمعت أبي يقول: كنت في البصرة سنة أربع عشرة، ثمانية أشهر فجعلت أبيع ثيابي حى نفذت. فمضيت مع صديق لي، أدور على الشيوخ، فانصرف رفيقي [عند] العشاء، ورجعت، فجعلت أشرب الماء من الجوع، ثم أصبحت، فغدا عليّ رفيقي فطفت معه على جوع شديد، وانصرفت جائعا، فلما كان من الغد غدا عليّ فقلت: أنا ضعيف لا يمكنني، قال: ما بك؟ قلت: لا أكتمك مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا.
قال صديقي: معي دينار، فنصفه لك، وتجعل النّصف الآخر في الكراء. قال عبد الرحمن: فخرجنا من البصرة، وأخذت منه النصف دينار. سمعت أبي يقول:
لا أحصي كم مرّة سرت من الكوفة إلى بغداد.
توفي أبو حاتم رحمه الله في شعبان سنة وسبع وسبعين (3) وله اثنتان وثمانون سنة.
قال: فأنشدني أبو محمد الأياديّ في أبي مرثيّة بقصيدة طويلة أوّلها (4): [من المتقارب]:
يا نفس ما لك لا تجزعينا ... وعيني ما لك لا تدمعينا
ألم تسمعي بكسوف العلو ... م في شهر شعبان محقا مبينا
ألم تسمعي خبر المرتضى ... أبي حاتم أعلم العالمينا
سنة ثمان ومائتين
50 - محمد بن إسماعيل بن يوسف (5) السّالميّ، الترمذي، البغدادي، الحافظ.
__________
(1) تقدمة المعرفة 2/ 357.
(2) تقدمة المعرفة 1/ 358.
(3) كانت وفاته سنة 277هـ. وعمر طويلا. سير أعلام النبلاء 13/ 263.
(4) الأبيات في: سير أعلام النبلاء للذهبي 13/ 262.
(5) ترجمته في: الرازي: الجرح والتعديل 7/ 190رقم 1085، الثقات لابن حبّان 9/ 150، تاريخ بغداد 2/ 4442، سير أعلام النبلاء 13/ 242، الوافي بالوفيات 3/ 212، طبقات الحفاظ(1/141)
رحل، وسمع، وصنّف.
سمع: محمد بن عبد الله الأنصاري، وأبا نعيم، وقبيصة، وسعيد بن أبي مريم، ومسلم بن إبراهيم، وأبا بكر الحميدي، وسليمان بن بنت شرحبيل، والحسن بن سوّار البغوي، وإسحاق الغروي، وخلقا كثيرا.
وعنه: الترمذي، والنسائي، وموسى بن هارون، والغرياني، وإسماعيل الصّفّار، وخيثمة الأطرابلسيّ، وأبو سهل القطّان وأبو بكر الشافعي، وأبو بكر النّجاد، وخلق.
قال النسائي: ثقة (1).
وقال الدارقطني: ثقة صدوق. تكلّم فيه أبو حاتم.
وقال الخطيب (2): كان مكاشفا مشهورا بمذهب السّنّة.
وقال ابن المناوي: توفي في رمضان سنة ثمانين ومائتين.
51 - الحسن بن محمد بن مزيد. أبو سعيد الإصبهاني (3).
سمع: إبراهيم بن محمد بن عرعرة، وهشام بن عمار، وحامد بن يحيى البلخي.
وعنه: أهل إصبهان، ومات قبل الثمانين.
قال أبو نعيم: هو أول من حمل علم الشافعي إلى إصبهان.
52 - محمد بن الربيع بن سليمان المراديّ (4)، المصري.
حدّث عن: يحيى بن بكير وغيره، ولم تطل حياته بعد أبيه. فقد توفي سنة ثلاث وسبعين ومائتين.
__________
263، العبر 2/ 64، الكاشف 3/ 20رقم 4799، طبقات الحنابلة 1/ 279، دول الإسلام 1/ 169، الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 605604، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 7/ 265، ابن كثير: البداية 11/ 69.
(1) المعجم المشتمل 228. ابن حجر: تهذيب التهذيب 9/ 62، 63، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 176.
(2) تاريخ بغداد 2/ 42.
(3) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 452، ذكر أخبار إصبهان 1/ 260.
(4) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 851.(1/142)
53 - إسحاق بن أبي عمران أبو يعقوب (1) اليحمدي الاستراباديّ.
هو إسحاق بن موسى بن عبد الرحمن بن عبيد الشافعي.
سمع: قتيبة، وابن راهويه، وهشام بن عمار، وحرملة وطبقتهم بخراسان والشام ومصر والعراق.
روى عنه: أبو نعيم بن عدي، ووالد عبد الله بن عديّ القطّان.
ذكره حمزة في (تاريخ جرجان).
قال السّلمي في الطبقات الكبرى بعد ذكر ما بين الترجمتين من كلام الذهبي: والذي يقع لي أنهما واحد، وليس هو والد أبي عوانة بل غيره، هذا إسحاق بن موسى، وربّما قيل أبي عمران، ووالد أبي عوانة غيره.
وقول شيخنا الذهبي: ظفرت له برواية عن إسحاق بن أبي عمران لا يلزم منه أن يكون هو أباه. فإذا كان ابن عوانة لم يستوف في مسند شيوخه، هذا إن صحّ أنه لم يذكر في كتابه، إسحاق بن أبي عمران.
فإن قلت: لا شك أن روايته عن أبيه، وعدم روايته عن إسحاق، بن أبي عمران مريبة.
قلت: لكن ذكر الحاكم لأبي عوانة، في الرّواة عن هذا الشيخ من غير تنبيه عنه. على أن ذكره (مريبة)، تعني أن غيره أقوى من تلك، مع ما انضم إليها من أن أبا عوانه نفسه، أخذ عن المزني والربيع، على أن الحال تحتمل، والخطيب فيه تيسير، وأما تفرقة شيخنا بين إسحاق بن موسى ابن عمران عن إسحاق بن أبي عمران، فلا أحسبه إلا وهما، وما أراه إلا أنهما واحد، والعلم عند الله تعالى.
سنة خمس وثمانين ومائتين
54 - إسحاق بن المأمون (2) بن إسحاق الطالقاني، أبو سهل.
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 2/ 258، 259، وابن الصلاح: طبقات 2/ 725، تاريخ جرجان للسهمي 518رقم 1073، تهذيب تاريخ دمشق 2/ 453، الوافي بالوفيات 8/ 427رقم 3900.
(2) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 6/ 383رقم 3417.(1/143)
سكن بغداد، وحدّث عن: سعيد بن يعقوب الطالقاني، وإسحاق [بن منصور (1)] الكوسج.
وعنه: محمد بن مخلد، وعبد الصمد الطّستي وغيرهما.
كتبوا عنه كتاب. الشافعي، عن الربيع، عنه. وكان كثير الكتب، مات سنة خمس وثمانين.
55 - عمر بن عبد العزيز بن عمران (2) بن أيوب بن مقلاص. أبو حفص الخزاعيّ، مولاهم المصري.
عن: أبيه وسعيد بن أبي مريم، ويحيى بن بكير.
وعنه: النسائي، وأبو جعفر الطّحاوي، وعبد الله بن جعفر بن الورد، وأحمد بن الحسين بن عنبة الرازي، والطبراني.
وكان فقيها ثقة خيّرا.
توفي سنة خمس وثمانين ومائتين.
56 - محمد بن عقيل. أبو سعيد الفريابيّ (3).
حدّث بمصر عن: قتيبة بن سعيد، وداود بن مخراق، وجماعة.
وعنه: علي بن محمد المصري، الواعظ، وأبو محمد بن الورد، وأبو طالب أحمد بن نصر، وأبو القاسم الطّبراني.
وكان أحد الفقهاء، توفي بمصر في صفر سنة خمس وثمانين.
57 - عثمان بن سعيد بن بشّار (4).
الفقيه أبو القائم البغدادي، الأنماطي، الشافعي الأحول. شيخ الشافعية ببغداد.
__________
(1) كما في: تاريخ بغداد 6/ 383.
(2) ترجمته في: السبكي 2/ 144143، الإسنوي: طبقات 2/ 143، ابن الصلاح: طبقات 2/ 693، وابن قاضي شهبة 1/ 1918.
(3) السبكي: طبقات الشافعية 2/ 245243، 3/ 79، والذهبي تاريخ الإسلام ترجمة رقم 477رقم 275.
(4) السبكي: طبقات الشافعية 2/ 301، 302، تاريخ بغداد 11/ 292، وفيات الأعيان 3/ 241، البداية والنهاية 11/ 85، شذرات الذهب 2/ 198.(1/144)
وتفقّه: على: المزني والربيع بن سليمان.
وعليه تفقّه: الإمام أبو العباس بن سريج.
توفي سنة ثمان وثمانين ومائتين، في شوال ببغداد.
قال الشيخ أبو إسحاق: كان هو السبب في نشاط الناس ببغداد. لكتب فقه الشافعي، وحفظه. وممن توفى سنة خمس وثمانين.
58 - كنيز الفقيه: أبو علي الخادم (1)، مولى المنتصر بالله بن المتوكّل. يروي عن حرملة بن يحيى، والربيع المرادي، والحسن بن محمد، الزعفراني.
وعنه: أبو علي الحصائريّ، وأبو القاسم الطبراني.
وكان يقرىء الفقه بجامع دمشق، على مذهب الشافعي. وكان من أئمة المذهب.
قال الحسن بن حبيب الحصائري: سمعت أبا علي كنيز الخادم يقول: كنت للمنتصر بالله، فلما مات خرجت إلى مصر. فكنت: أجلس في حلقة ابن عبد الحكم، وأناظرهم على مذهب الشافعي، وكانوا مالكيين، فكنت أقيم قيامتهم. فلما لم يقووا عليّ سعوا بي إلى أحمد بن طولون. وقالوا هذا جاسوس للدولة هاهنا، فحبسني سبع سنين. ثم لما مات أطلقت. فأعدت الصلاة: سبع سنين لأن الحبس كان قذرا.
قال الحصائري كان فقيها عليما بقول الشافعيّ.
59 - محمد بن إبراهيم بن سعيد: الإمام الكبير، أبو عبد الله العبدي (2)، الفقيه المالكي، البوشنجي.
شيخ أهل الحديث في زمانه بنيسابور، رحل وطوّف وصنّف (3).
وسمع: يحيى بن بكير، ويوسف بن عديّ، وروح بن صلاح وجماعة بمصر.
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 2/ 79، ابن الصلاح طبقات 2/ 831والإسنوي 2/ 344، وتاج العروس مادة كنز. والمعجم الصغير للطبراني 1/ 27.
(2) ترجمه في: شذرات الذهب 2/ 205لابن العماد، الصفدي: الوافي بالوفيات 1/ 342، الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 207، 208، والزركلي: الأعلام 5/ 94، وتقريب التهذيب 2/ 140. السبكي: طبقات الشافعية 2/ 207189، الإسنوي: طبقات 1/ 190188، ابن قاضي شهبة 1/ 3736ابن الصلاح: طبقات 2/ 835.
(3) انظر مصنفاته في الفقه الشافعي في: الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 208.(1/145)
ومحمد بن سنا العونيّ، وأميّة بن بسطام، ومسدّدا، ومحمد بن المنهال الضرير، وعبد الله بن عائشة، وهدبة بن خالد بالبصرة.
وإسماعيل بن أبي أويس، وإبراهيم بن حمزة، وجماعة بالمدينة وسعيد بن منصور بمكة
وأحمد بن يونس اليربوعي، وجماعة بالكوفة
وسليمان بن بنت شرجيل وجماعة بدمشق
وأبا نصر التمّار، وطبقته ببغداد.
ذكره السّليماني فقال: أحد أئمة أصحاب مالك، ثم سمّى شيوخه.
وعنه: محمد بن إسحاق الصّفاني، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وهما أكبر منه، وابن خزيمة، وأبو العباس الدّغولي، وأبو حامد بن الشّرقي، وأبو بكر الصّبغي، ودعلج، ويحيى بن محمد العنبري، وإسماعيل بن نجيد، وخلق كثير. آخرهم موتا أبو الفوارس أحمد بن محمد بن جمعة، المتوفى سنة ستّ وستين وثلاثمائة.
قال دعلج: حدثني فقيه من أصحاب داود بن علي، أن أبا عبد الله دخل عليهم يوما، وجلس آخر الناس، ثم إنه تكلم مع داود، فأعجب به وقال لعلّك أبو عبد الله البوشنجي؟
قال نعم.
فقام إليه فأجلسه إلى جنبه، وقال لأصحابه: قد حضركم من يفيد ولا يستفيد.
وقال يحيى العنبريّ: شهدت جنازة الحسين القبّاني، فصلى عليه أبو عبد الله البوشنجي، فلما اراد الانصراف قدّمت دابّته، وأخذ أبو عمرو الخفّاف بلجامه، وأخذ ابن خزيمة بركابه، وأبو بكر الجارودي، وإبراهيم بن أبي طالب، يسوّيان عليه ثيابه، فمضى ولم يمنع واحدا بمنع.
وقال ابن حمدان: سمعت ابن خزيمة يقول: لو لم يكن في أبي عبد الله من البخل بالعلم ما كان، ما خرجت إلى مصر.
وقال منصور بن العباس الهروي: صحّ عندي أن اليوم الذي توفي فيه البوشنجي.
سئل ابن خزيمة عن مسألة فقال: لا أفتي حتى يوارى أبو عبد الله لحده.
وقال أبو النضر محمد بن محمد الفقيه: سمعت أبا عبد الله البوشنجي يقول: من أراد
الفقه والعلم بغير أدب، فقد اقتحم أن يكذب على الله ورسوله.(1/146)
وقال أبو النضر محمد بن محمد الفقيه: سمعت أبا عبد الله البوشنجي يقول: من أراد
الفقه والعلم بغير أدب، فقد اقتحم أن يكذب على الله ورسوله.
قلت: وكان أبو عبد الله البوشنجي إماما في اللغة وكلام العرب.
قال أبو عبد الله الحاكم: سمعت أبا بكر بن جعفر، سمعت: أبا عبد الله البوشنجي يقول للمستملي: الزم لفظي وخلاك ذم.
وقال عبد الله بن الأخرم: سمعت أبا عبد الله البوشنجي غير مرة يقول: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير. وذكره بملء الفم.
وقال الحاكم: ثنا محمد بن أحمد بن موسى الأديب، ثنا أبو عبد الله البوشنجي: ثنا عبد الله بن يزيد الدمشقي، ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: رأيت في المقسلاط (1) صنما من نحاس، إذا عطش نزل فشرب.
فسمعت البوشنجي يقول: ربما تكلّمت العلماء بالكلمة على المعارضة، وعلى سبيل تفدهم علوم حاضرهم، ومقدار أفهامهم تأديبا لهم، وامتحانا لأوهامهم.
هذا عبد الرحمن، وهو أحد علماء الشام، وله كتب في العلم. قال: رأيت على المقسلاط، وهو موضع بدمشق، وهو سوق الرقيق. قال: رأيت عليه صنما، وهو عامود طويل، إذا عطش نزل فشرب، يريد أنه لا يعطش، لو عطش نزل. يريد أنه لا ينزل. فهو ينفي عنه النزول والعطش.
وقال أبو زكريا العنبريّ، سمعت أبا عبد الله البوشنجي يقول: محمد بن إسحاق بن سيّار: عندنا ثقة.
قال الحاكم: كان والد أبي زكريا، قد تكفّل بأسباب أبي عبد الله البوشنجي، فسمع منه أبو زكريا الكثير. وقال: قال لي مرة: أحسنت. ثم التفت إلى أبي. فقال: قد قلت: لابنك أحسنت، ولو قلت هذا لأبي عبيد لفرح.
وقال الحسن بن يعقوب: كان مقام أبي عبد الله بنيسابور على الليثية (2)، فلما انقضت
__________
(1) المقسلاط: موضع بدمشق، أما نزول الصنم للشرب، فهو أسطورة. انظر: السبكي: طبقات 2/ 194.
(2) الليثية: أسرة تنسب إلى يعقوب بن الليث، الذي استولى على خراسان سنة 259هـ، وأسر واليها محمد بن طاهر بن عبد الله، ومات يعقوب بن الليث بجنديسابور من كور خراسان سنة 265 هـ، فولي أخوه عمرو بن الليث من بعده، ودام حكم الليثيين إلى سنة 287هـ. الأصفهاني:
تاريخ سني ملوك الأرض، ص 177176.(1/147)
أيامهم، خرج إلى بخارى، إلى حضرة إسماعيل الأمير، فالتمس منه بعد أن أقام عنده برهة، أن يكتب أرزاقه بنيسابور.
وقال الحاكم: سمعت الحسين بن الحسن الطّوسي، سمعت: أبا عبد الله البوشنجي يقول: أخذت من الليثية سبعمائة ألف درهم.
وقال دعلج: سمعت أبا عبد الله يقول: وأشار إلى أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة فقال: محمد بن إسحاق: كيّس، وأنا لا أقول هذا لأبي ثور.
وقال محمد بن يعقوب بن الأخرم الحافظ: روى البخاري عن أبي عبد الله البوشنجي حديثا في (الصحيح).
قلت: في (الصحيح) للبخاري: ثنا محمد، نا النّفيلي. فإن لم يكن البوشنجي، وإلا فهو محمد بن يحيى، والأغلب أنه البوشنجي، نا النّفيلي، ثنا مسكين بن بكير، ثنا شعبة عن خالد الخزاعي الأصغر، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن عمر: أنّها نسخت {وَإِنْ تُبْدُوا مََا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} (1) الآية.
وقال الحاكم: ثنا الأصم، ثنا: الصّفاني، أخبرني محمد بن إبراهيم، ثنا النّفيلي، فذكر حديثا. ثم قال الحاكم: ثناه محمد بن جعفر، ثنا البوشنجي، وقال: ثنا عنه بسرخس: عبد الله بن المغيرة المهلّبي، وبمرو: محمد بن أحمد بن حاتم وجماعة.
وبترمذ: أبو نصر محمد بن محمد، وببخارى: أحمد بن سهل الفقيه، وبسمرقند:
عبد الله بن محمد الثقفي، وبنسف: أحمد بن جمعة.
توفي أبو عبد الله في غرة المحرم سنة إحدى وتسعين، وصلى عليه إمام الأئمة أبن خزيمة. وقيل: مات في سلخ ذي الحجة من سنة تسعين، ودفن (2) من الغد، ومولده سنة أربع ومائتين.
سنة اثنين وتسعين ومائتين
60 - جعفر بن عبد الرحمن.
__________
(1) الآية 284من سورة البقرة (2).
(2) دفن بنيسابور، في غرة محرم سنة إحدى وتسعين ومائتين. ابن الجوزي: المنتظم 13/ 29، ذكره ابن أبي حاتم في: الجرح والتعديل 7/ 187.(1/148)
أبو محمد النيسابوري السّلماني (1). تفقه بمصر على المزني.
وسمع: إسحاق بن راهويه، ومحمد بن رافع، وعبد الله بن مروان العابديّ، وأبا كريب، وإسماعيل بن موسى الفزاريّ، وأحمد بن عبدة الضّبّي، ويونس بن عبد الأعلى وخلقا كثيرا.
وعنه: أبو عبد الله بن الأخرم وأبو الفضل، محمد بن إبراهيم، وأبو الوليد حسان الفقيه، وآخرون.
وتوفي في ذي القعدة، سنة اثنين وتسعين (2).
61 - إسحاق بن أبي عمران الإسفراييني (3) الفقيه.
هو إسحاق بن موسى بن عمران، أبو يعقوب الشافعي صاحب المزني.
تفقّه على: أبي إبراهيم المزني.
وسمع (المبسوط) من الربيع.
وسمع من: قتيبة، وإسحاق (4)، وعلي بن حجر، وإبراهيم بن يوسف البلخي، ومحمد بن بكّار بن الرّيان، وجبارة بن المفلّس، ومنصور بن أبي مزاحم، وأبي مصعب، وهشام بن عمار، وخلق كثير بالشام، والعراق ومصر.
وعنه: مؤمّل بن الحسن، وأبو عوانة، ومحمد بن عبدك، ومحمد بن الأخرم، وجماعة.
وكان من كبار الأئمة في الفقه والحديث.
توفي بإسفرائين، في رمضان سنة أربع وثمانين (5).
__________
(1) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام، (ترجمة رقم 132) ص 114.
(2) كانت وفاته في سنة 291هـ في نيسابور. الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 207، 208.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعي 2/ 259258، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 725، سير أعلام النبلاء 13/ 458456رقم 226، الوافي بالوفيات 8/ 419، الكامل في التاريخ 7/ 489، البداية والنهاية 11/ 78، المختصر في أخبار البشر 2/ 758.
(4) هو إسحاق بن راهويه: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله بن مطر بن عبيد الله بن غالب بن عبد الوارث المروزي المعروف بابن راهويه (أبو يعقوب) محدث، فقيه، مصنف (237161هـ)، وفيات الأعيان 1/ 80، شذرات الذهب 2/ 89.
(5) كانت وفاة إسحاق الإسفراييني في رمضان سنة 284هـ، الذهبي: سير أعلام النبلاء 13/ 458.(1/149)
قلت: وهو والد الحافظ أبو عوانة، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد، فيما أرى وأظنّ أن الحاكم، وهم في تسمية أبيه موسى بن عمران (1).
وقد ذكر أن أبا عوانة روى عنه، وما بيّن أنه ولده. وما ذكر في تاريخه ترجمة أخرى لوالد أبي عوانة. وقد رأيت أنا في (صحيح أبي عوانة)، روايته عن أبيه في أماكن، عن علي بن حجر وابن راهويه، وأبي مروان العثماني، وما ظفرت له برواية عن إسحاق بن أبي عمران، فهو آخر (2)، والله أعلم.
سنة ثلاث وتسعين ومائتين
62 - عبدان بن محمد بن عيسى.
الفقيه أبو محمد المروزيّ (3). زاهد نبيل ثقة، صاحب حديث.
سمع: قتيبة بن سعيد وعبد الله بن منير، وأبا كريب، وإسماعيل بن مسعود، والجحدريّ، وعبد الجبّار بن العلاء، [(4)]، وعلي بن حجر. والربيع المرادي، وطائفة بخراسان، والعراق، والحجاز.
وعنه: عمر بن علك، وأبو العباس الدّغولي، وأبو حامد بن الشّرقي. وأبو نعيم عبد الرحمن بن محمد الغفاري، ويحيى بن محمد العنبري، وعلي بن جمشاذ، وأحمد بن العسّال، وأبو القاسم الطّبراني، وآخرون.
وكان إليه المرجوع في الفتوى بمرو، بعد أحمد بن سيّار، وقد رحل أيضا إلى مصر، وتفقه على أصحاب الشافعي، وبرع في المذهب، وكان يوصف بالحفظ والزهد، وقد صنّف «الموطأ» وغير ذلك.
قال أبو نعيم الغفاري: سمعته يقول: ولدت ليلة عرفة سنة عشرين. قال أبو نعيم:
وتوفي ليلة عرفة أيضا. سنة ثلاث وتسعين. قلت: وكان لقاء الطبراني له بمكة.
__________
(1) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 13/ 458456، وابن عساكر: تاريخ دمشق 2/ 395/ 2.
(2) انظر العبارة في: سير أعلام النبلاء للذهبي 13/ 458.
(3) ترجمته في: السيوطي: حسن المحاضرة 1/ 197، البغدادي: هدية العارفين 1/ 442، السبكي: طبقات 2/ 297، والإسنوي طبقات 2/ 202، وابن الصلاح: طبقات 2/ 796.
(4) ساقطة من الأصل. وهي في تاريخ الإسلام للذهبي «وبندار».(1/150)
قال ابن السّمعاني في الأنساب: عبدان الجنوجردي (1) نسبة إلى قرية من قرى مرو، واسمه عبد الله، وهو أحد من أظهر مذهب الشافعي بخراسان. وكان المرجوع إليه في الفتاوى والمعضلات، بعد أحمد بن سيّار. وكان ابن سيار قد حمل كتب الشافعي إلى مرو، وأعجب بها الناس، فأراد عبدان أن ينسخها، فمنعه ابن سيّار من ذلك، فباع ضيعة له بجننوجرد وسار إلى مصر، ونسخ كتب الشافعي على الوجه الأكمل. ورجع فدخل أحمد بن سيّار عليه مسلّما ومهنّئا. واعتذر من منع الكتب. فقال: لا تعتذر فإن لك علي منّة في ذلك، فلو دفعت الكتب إليّ لما رحلت إلى مصر.
سنة أربع وتسعين ومائتين
63 - محمد بن نصر المروزي (2).
الإمام أبو عبد الله، أحد الأعلام في العلوم، والأعمال.
ولد سنة اثنتين ومائتين ببغداد، ونشأ بنيسابور، وسكن سمرقند وغيرها. وكان أبوه مروزيا.
قال الحاكم فيه: إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة.
سمع بخراسان: يحيى بن يحيى، وإسحاق (3)، وأبا خالد بن يزيد بن صالح، وعمرو بن زرارة، وصدقة بن الفضل المروزي، وعلي بن حجر.
وبالريّ: محمد بن مهران، ومحمد بن مقاتل، ومحمد بن حميد.
وببغداد: محمد بن بكّار، وعبد الله القواريري، وجماعة.
وبالبصرة: أبا الربيع الزهراني: وهدبة، وشيبان: وعبد الواحد بن غياث.
وبالكوفة: سعيد بن عمرو الأشعثيّ، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وجماعة.
__________
(1) الجنوجردي نسبة إلى بلدة جنوجرد من أعمال مرو.
(2) ترجمته في: البغدادي: تاريخ بغداد 3/ 315، ابن الجوزي: المنتظم 13/ 54، ابن كثير:
البداية 11/ 102، ابن الأثير: الكامل 7/ 182، ابن العاد: شذرات الذهب 2/ 216، حاجي خليفة: كشف الظنون 1367، 1451، السبكي: طبقات 2/ 246، الإسنوي: طبقات 2/ 372، ابن الصلاح: طبقات 1/ 277.
(3) إسحاق: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المعروف بابن راهويه. شذرات الذهب 2/ 89.(1/151)
وبالحجاز: أبا مصعب، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وجماعة.
وبالشام هشام بن عمار، وجماعة.
قلت: وبمصر يونس بن عبد الأعلى، والربيع المرادي (1).
وتفقه على أصحاب الشافعي.
وقال الخطيب (2): حدّث عن عبدان بن عثمان، وسمّى جماعة، وقال: كان من أعلم الناس باختلاف (3) الصّحابة، ومن بعدهم.
قلت: روى عنه: أبو العباس: السّراج، ومحمد بن المنذر بن شكر، وأبو حامد بن الشّرفي، وأبو عبد الله محمد بن الأخرم، وأبو النّضر محمد بن محمد.
الفقيه، وابنه إسماعيل بن محمد بن محمد بن نصر، ومحمد بن إسحاق السّمرقندي، وخلق كثير.
قال أبو بكر الصّيرفي: لو لم يصنّف المروزي، إلا كتاب «القسامه». لكان من أفقه الناس (4).
وقال أبو بكر بن إسحاق الصّبغي، وقيل له: ألا تنظر إلى تمكّن أبي علي الثّقفي في عقله؟. قال: ذاك عقل الصّحابة والتابعين من أهل المدينة.
قيل: وكيف ذاك؟ قال: إن مالك بن أنس، كان من أعقل أهل زمانه. وكان يقال:
إنه صار إليه عقل من جالسهم من التابعين، فجالسه يحيى بن يحيى النّيسابوري، فأخذ من عقله حتى لم يكن بخراسان مثله، فكان يقال: هذا عقل مالك، وسمته، ثم جالس يحيى بن محمد بن نصر سنين، حتى أخذ من سمته وعقله، فلم ير بعد يحيى من فقهاء خراسان أعقل منه. ثم إن أبا علي الثقفي، جالس محمد بن نصر أربع سنين، فلم يكن بعده أعقل (5) منه.
وقال عبد الله بن محمد الإسفرائيني: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم
__________
(1) ابن الجوزي: المنظم 13/ 54.
(2) تاريخ بغداد 3/ 315.
(3) يعني: في الأحكام. كما في تاريخ بغداد.
(4) انظر: تاريخ بغداد 3/ 316.
(5) سير أعلام النبلاء 14/ 34، 35.(1/152)
يقول: كان محمد بن نصر بمصر إماما، فكيف بخراسان (1)؟.
وقال القاضي محمد بن محمد: كان الصّدر الأول من مشايخنا يقولون: رجال خراسان أربعة: ابن المبارك، وإسحاق، ويحيى، ومحمد بن نصر.
وقال ابن الأخرم: انصرف محمد بن نصر من الرحلة الثانية، سنة ستين ومائتين، فاستوطن نيسابور، ولم تزل تجارته بنيسابور، أقام مع شريك له مضارب، وهو يشتغل بالعلم والعبادة، ثم خرج سنة خمس وسبعين إلى سمرقند، واقام بها، وشريكه بنيسابور. وكان وقت مقامه هو المفتي والمقدّم، بعد وفاة محمد بن يحيى، فإن (حيكان) (2) يعني يحيى بن محمد بن يحيى ومن بعده، أمّروا له بالفضل والتقدم (3).
قال ابن الأخرم: ثنا إسماعيل بن قتيبة.
سمعت محمد بن يحيى غير مرة، إذا سئل عن مسألة يقول: سلوا أبا عبد الله المروزي.
وقال أبو بكر الصّبغي: أدركت إمامين لم أرزق السماع منهما أبو حاتم الرازي، ومحمد بن نصر المروزي. فأما عبد بن ربيعة: فما رأيت أحسن (4) صلاة منه، ولقد بلغني أن زنبورا قعد على جبهته، فسال الدّم على وجهه ولم يتحرك (5).
وقال ابن الأخرم (6): ما رأيت أحسن صلاة من محمد بن نصر. كان الذباب يقع على أذنه فيسيل الدم، ولا يذبّه عن نفسه. ولقد كنا نتعجّب من حسن صلاته، وخشوعه، وهيئته للصلاة. كان يضع ذقنه على صدره، فتتصلّب كأنه خشبة منصوبة، وكان من أحسن الناس خلقا، كأنما فقىء في وجهه حبّ الرّمان، وعلى خدّيه كالورد، ولحيته بيضاء (7).
وقال أحمد بن محمد بن إسحاق الصّبغي: سمعت محمد بن عبد الوهاب الثقفي،
__________
(1) تاريخ بغداد 3/ 316.
(2) حيكان: هو الحافظ يحيى بن بن محمد الذهلي، شيخ نيسابور.
(3) سير أعلام النبلاء 64/ 536.
(4) ابن الجوزي: المنتظم: 13/ 55.
(5) تاريخ بغداد 3/ 317.
(6) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 54.
(7) سير أعلام النبلاء 14/ 36، 37.(1/153)
يقول: كان إسماعيل بن أحمد والي خراسان، يصل محمد بن نصر، في [كل] (1) بأربعة آلاف درهم، ويصله أخوه إسحاق بمثلها، ويصله أهل سمرقند بمثلها، فكان ينفقها من السنة إلى السنة، من غير أن يكون له عيال. فقيل له: لو ادّخرت [شيئا (2)] لنائبة.
فقال سبحان الله، أنا بقيت بمصر كذا سنة [فكان (3)]، قوتي، وثيابي وكاغدي، وخبزي، وجميع ما أنفقته على نفسي في السنة عشرين درهما، فترى إن ذهب هذا لا يبقى (4) ذاك؟.
فقال السّليماني: محمد بن نصر إمام الأئمة الموفّق من السماء. سكن سمرقند.
سمع: يحيى بن يحيى، وعبدان، والمسندي، وإسحاق، له كتاب (تعظيم قدر الصلاة) وكتاب (رفع اليدين) وغيرها من الكتب المعجزة.
مات هو وصالح جزرة في سنة أربع وتسعين.
قال: نا أبو بكر الخطيب (5): انا الجوهري، انا ابن حيويه، ثنا عفّان بن جعفر اللّبّان، قال: حدثني محمد بن نصر قال: خرجت من مصر ومعي جارية لي، فركبت البحر أريد مكة. فغرقت فذهب مني ألف جزء وصرت إلى جزيرة أنا وجاريتي، فما رأينا فيها أحدا، وأخذني العطش. فلم أقدر على الماء، فوضعت رأسي على فخذ جاريتي مستسلما للموت. فإذا رجل قد جاءني ومعه كوز. فقال لي: هاه.
فشربت وسقيتها، ثم مضى فما أدري من أين جاء، ولا من أين ذهب (6).
وقال أبو الفضل محمد بن عبيد الله البلعمي: سمعت الأمير إسماعيل بن أحمد يقول: كنت بسمرقند، فجلست يوما للمظالم، وجلس أخي إسحاق إلى جنبي، إذ دخل محمد بن نصر، فقمت له إجلالا لعلمه. فلما خرج عاتبني أخي وقال: أنت والي خراسان تقوم لرجل من الرعية، وهذا ذهاب السياسة.
__________
(1) ما بين الحاصرتين ساقطة.
(2) ما بين الحاصرتين ساقطة.
(3) ما بين الحاصرتين ساقطة.
(4) تاريخ بغداد 3/ 317، 318.
(5) ابن الجوزي، المنتظم 13/ 55وابن الصلاح: طبقات 1/ 279.
(6) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 3/ 317.(1/154)
فبتّ تلك الليلة وأنا منقسم (1) القلب، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام (2)، كأني واقف مع أخي إسحاق إذ أقبل النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بعضدي فقال: ثبت ملكك وملك بنيك، بإجلال محمد بن نصر (3)، ثم التفت إلى إسحاق وقال: ذهب ملك إسحاق وملك بنيه، باستخفافه بمحمد بن نصر.
وكان محمد بن نصر زوج خنّة، بخاء معجمة ثم نون، أخت يحيى بن أكثم القاضي.
توفي بسمرقند، في المحرم سنة أربع وتسعين (4).
وقال أبو عبد الله بن مندة: في مسألة الإيمان: صرّح محمد بن نصر في كتاب (الإيمان) بأن الإيمان مخلوق، وأن الإقرار والشهادة، وقراءة القرآن بلفظه مخلوق، وهجره على ذلك علماء وقته، وخالفه أئمة أهل خراسان والعراق.
قلت: ولو أننا كلما أخطأ إمام مجتهد في مسألة خطأ مغفورا له هجرناه وبدّعناه لما سلم أحد من الأئمة، والله الهادي إلى الحق والرّاحم للخلق (5).
وقال أبو محمد بن حزم الظاهري (6) في بعض تواليفه: أعلم الناس، من كان أجمعهم للسّنن، وأضبطهم لها، وأذكرهم لمعانيها، وأدراهم بصحتها. وربما اجتمع الناس عليه فيما اختلفوا فيه. قال: وما نعلم هذه الصفة بعد الصحابة، أتمّ منها في محمد بن نصر المروزي، فلو قال قائل: ليس لرسول الله حديث ولا لأصحابه، إلا وهو عند محمد بن نصر، لما بعد عن الصدق رحمه الله ورضي عنه.
__________
(1) «وأنا منقسي القلب» في الأصل.
(2) «في النوم».
(3) انظر تاريخ بغداد 3/ 38.
(4) كانت وفاة أبي عبد الله محمد بن نصر المروزي في المحرم سنة 294هـ، تاريخ بغداد 3/ 318315، وابن كثير البداية والنهاية 11/ 102، 103.
(5) صنف المروزي من الكتب: كتاب الصلاة، الوتر، الورع، قيام الليل، القسامة في الفقه.
الشيرازي: طبقات الفقهاء 77، 88، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 16، 217.
(6) هو: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف الأندلسي الفارسي (أبو محمد) فقيه، أديب، أصولي، محدث، حافظ، متكلم، لغوي، ولد سنة (456384هـ) صنف كثيرا من الكتب وانتقده العلماء والأدباء، فأجمعوا على تضليله وقاطعوه وطردوه. انظر:
الحميدي: جذوة المقتبس 293290، معجم الأدباء 25723512.(1/155)
سنة خمس وتسعين ومائتين
64 - محمد بن أحمد بن نصر الفقيه.
أبو جعفر الترمذي (1)، شيخ الشافعية بالعراق.
قال ابن شريح: رحل وسمع: يحيى بن بكير، ويوسف بن عدي، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وإسحاق بن إبراهيم الطيبي، والقواريري. وطبقتهم، وتفقّه على أصحاب الشافعي، وهو صاحب وجه في المذهب.
روى عنه: عبد الباقي بن قانع، وأحمد بن كامل، وأحمد بن يوسف بن خلّاد، وأبو القاسم الطبراني.
وكان إماما قدوة، زاهدا، ورعا، قانعا، باليسير، كبير القدر.
وقال الدارقطني: ثقة مأمون ناسك.
حكى أبو إسحاق إبراهيم بن السريّ الزجّاج، أنه كان يجري عليه في الشهر أربعة دراهم.
قال: وكان لا يسأل أحدا شيئا.
وقال محمد بن موسى بن حمّاد: أخبرني أنه تقوّت بضعة عشر يوما بخمس حبّات.
وقال: لم أكن أملك غيرها، فاشتريت بها لفتا، وكنت آكل منه.
وقال الإمام أبو زكريا النواويّ، أن أبا جعفر جزم بطهارة شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خالف في هذه المسألة جمهور الأصحاب.
قلت: يجب على كل مسلم أن يقطع بطهارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لما حلق رأسه فرّق شعره الكريم على أصحابه، ولم يكن ليفرّق عليهم شيئا نجسا.
قال أحمد بن عثمان بن شاهين والد أبي حفص: حضرنا عند أبي جعفر الترمذي، فسئل عن حديث «إن الله تعالى (2) ينزل مرئيّا إلى سماء الدنيا» فالنّزول كيف يكون؟ يبقى
__________
(1) ترجمته في: الخطيب (البغدادي: تاريخ بغداد 1/ 365، ابن خلكان، وفيات الأعيان 4/ 195، السبكي: طبقات الشافعية 1/ 220، وابن العماد: شذرات الذهب 2/ 220، والذهبي: العبر 2/ 103، وابن الجوزي: المنتظم 13/ 77.
(2) أخرج البخاري الحديث، في التهجد، باب: الدعاء والصلاة 3/ 25بلفظ: «إن الله ينزل إلى(1/156)
فوقه علوّ؟ فقال: النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
قال أحمد بن كامل: لم يكن للشافعية بالعراق أرأس منه، ولا أورع ولا أكثر تقلّلا.
توفي أبو جعفر رحمه الله في المحرم سنة خمس وتسعين، وقد أكمل أربعا وتسعين سنة، ونقل أنه اختلط بأخرة.
سنة ثمان وتسعين ومائتين
65 - الجنيد بن محمد بن الجنيد.
أبو القاسم النّهاونديّ الأصل، البغدادي، القواريري (1)، الخزّاز وقيل كان أبوه قواريريّا، يعني زجّاجا. وكان هو خزّازا.
كان شيخ العارفين، وقدوة السائرين وعلم الأولياء في زمانه، رحمة الله عليه.
ولد ببغداد بعد العشرين ومائتين، فيما أحسب أو قبلها.
وتفقّه على أبي ثور.
وسمع من الحسن بن عرفة وغيره.
واختصّ بصحبة السريّ السّقطيّ، والحارث المحاسبي، وأبي حمزة البغدادي.
وأتقن العلم، ثم أقبل على شبابه، واشتغل بما خلق له (2)، وحدّث بشيء يسير.
__________
السماء الدنيا» وأخرجه مسلم (758) في صلاة المسافرين، باب: الترغيب في الدعاء، من طريق مالك عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأورده الذهبي: في سير النبلاء 18/ 152، 11/ 33.
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 7/ 249241، ابن كثير: البداية 11/ 113، الذهبي: سير النبلاء 14/ 7066والسبكي: طبقات الشافعية 2/ 260، ابن العماد: شذرات 2/ 228، ابن الجوزي: صفة الصفوة 2/ 245416، الشعراني: الطبقات 1/ 98، 101، طبقات الصوفية للسلمي 163155، حلية الأولياء 10/ 287255، وفيات الأعيان 1/ 373، النجوم الزاهرة 3/ 168.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 118، الإسنوي: الطبقات 1/ 334، ابن الصلاح: طبقات 2/ 733.(1/157)
روى عنه الخلديّ، وأبو محمد الجريري، وأبو بكر الشبلي، ومحمد بن علي بن حبيش، وعبد الواحد بن علوان، وطائفة من الصوفية.
وكان ممّن برّز في العلم والعمل.
قال أحمد بن جعفر بن المنادي في تاريخه: سمع الكثير (1)، وشاهد الصالحين، وأهل المعرفة، ورزق من الذكاء، وصواب الجواب (2) في فنون العلم، ما لم ير في زمانه مثله، عند أحد من قرنائه، ولا ممّن أرفع منه سنّا (3)، ممّن كان منهم ينسب إلى العلم الباطن، والعلم الظاهر في عفاف، وعزوف عن الدنيا، وأبنائها.
لقد قيل لي: إنه قال ذات يوم: كنت أفتي في حلقة أبي ثور، ولي عشرين سنة.
وقال أحمد بن عطاء الرّوذباري: كان الجنيد يتفقّه لأبي ثور ويفتي في حلقته.
وعن الجنيد قال: ما أخرج الله تعالى إلى الأرض علما وجعل للخلق إليه سبيلا، إلا وقد جعل لي فيه حظّا.
وقيل: إنه كان في سوقه، وكان ورده كل يوم ثلاثمئة ركعة، وكذا ألف تسبيحة (4).
وقال أبو نعيم: ثنا علي بن هارون، ومحمد بن أحمد بن يعقوب، قالا: سمعنا الجنيد غير مرة يقول: علمنا مضبوط بالكتاب والسّنة، من لم يحفظ الكتاب، ويكتب الحديث، ولم يتفقّه لا يقتدى (5) به.
وقال عبد الواحد ابن علوان الرّحبي. سمعته يقول: علمنا هذا يعني التصوف، مشبّك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (6).
وعن ابن سريج، أنه تكلم يوما فأعجب بعض الحاضرين. فقال ابن سريج: هذا بركة مجالستي لأبي القاسم الجنيد (7).
__________
(1) في تاريخ بغداد: سمع الكثير من الشيوخ.
(2) في تاريخ بغداد: الجوابات.
(3) في تاريخ بغداد: 7/ 242.
(4) الخطيب: تاريخ بغداد 7/ 42، وصفة الصفوة 2/ 416، وطبقات الشافعية للسبكي 2/ 28.
(5) الخطيب: تاريخ بغداد 7/ 243، وحلية الأولياء 10/ 255.
(6) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 7/ 243.
(7) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 7/ 243، وفيات الأعيان 1/ 373، طبقات الأولياء 131.(1/158)
وعن أبي القاسم الكعبي، أنه قال يوما: رأيت لكم شيخا ببغداد يقال له: الجنيد.
ما رأت عيناي مثله، كأن الكتبة التي كانت أكثر شكا يحضرونه لألفاظه، والفلاسفة يحضرونه لدقّة معانيه والمتكلمون يحضرونه لتمام علمه وكلامه باين عن فهمهم، وعلمهم (1).
وقال الخلديّ: لم ير في شيوخنا، من اجتمع له علم وحال غير الجنيد. كانت له حال خطيرة، وعلم غزير. فإذا رأيت حاله وحجّته على علمه، وإذا رأيت علمه وحجّته على حاله (2).
وقال أبو سهل الصّعلوكيّ (3): سمعت أبا محمد المرتعش يقول: قال الجنيد: كنت بين يدي السرّي السقطي ألعب، وأنا ابن سبع سنين، وبين يديه جماعة، يتكلمون في الشّكر.
فقال يا غلام ما الشكر؟.
فقال: أن لا يعصى الله بنعمه.
فقال اخشى أن يكون حظّك من الله لسانك.
قال الجنيد: فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها لي (4).
وقال السّلّمي: سمعت جدّي إسماعيل بن نجيد يقول: كان الجنيد يجيىء فيفتح حانوته، ويدخل ويسبل السّتر، ويصلي أربعمائة ركعة (5).
وعن الجنيد قال: أعلى درجة الكبر، أن ترى نفسك، وأدناها أن تخطر ببالك يعني نفسك (6).
وقال الجريري: سمعته يقول: ما أخذنا التصوّف عن القال والقيل، لكن عن الجوع وترك الدنيا. وقطع المألوفات.
__________
(1) نفسه.
(2) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 7/ 243، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 28، وصفة الصفوة 2/ 417.
(3) ابن الجوزي: المنظم 13/ 118.
(4) ابن الجوزي: صفة الصفوة 2/ 417، تاريخ بغداد 7/ 244، 245.
(5) ابن الجوزي: صفة الصفوة 2/ 417، تاريخ بغداد 7/ 245.
(6) حلية الأولياء 10/ 273، وتريخ بغداد 7/ 245.(1/159)
وذكر أبو جعفر الفرغاني، أنه سمع الجنيد يقول: أقلّ ما في الكلام سقوط هيبة الربّ جلّ جلاله من القلب، والقلب إذا عري من الهيبة، عري من الإيمان.
ويقال: كان نقش خاتمه: «إن كنت تأمله فلا تأمنه».
وعنه قال: من خالفت إشارته معاملته، فهو مدّع كذاب.
وقال أبو علي الرّوذباري: قال الجنيد: سألت الله أن لا يعذبني بكلامي، وربما يقع في نفسي أن زعيم القوم أرذلهم (1).
وعن الخلدي عن الجنيد قال: أعطي أهل بغداد الشطح والعبادة، وأهل خراسان (2)
القلب والسخاء، وأهل البصرة الزهد والقناعة، وأهل الشام الحلم والسلامة، وأهل الحجاز الصبر والإنابة.
وقال إسماعيل بن نجيد: هؤلاء لا رابع لهم: ببغداد الجنيد، وأبو عثمان بنيسابور، وأبو عبد الله بن الجلّاء بالشام (3).
وقال أبو بكر العطويّ: كنت عند الجنيد حين احتضر، فختم القرآن.
قال: ثم ابتدأ، فقرأ من البقرة سبعين آية ثم مات (4).
وقال أبو نعيم: أنا الخلديّ قال: رأيت الجنيد في النوم. فقلت: ما فعل الله بك؟
قال: كانت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات، وفنيت تلك العلوم، ونفذت تلك الرسوم، وما نفعنا إلا ركعات كنّا نركعها في الأسحار (5).
وقال أبو الحسين بن المنادي: مات الجنيد ليلة النّيروز في شوّال. سنة ثمان وتسعين ومائتين (6).
وقال: فذكر لي أنهم حزروا الجمع يومئذ، الذين صلّوا عليه نحو ستين ألف إنسان.
__________
(1) حلية الأولياء 10/ 63، صفة الصفوة 2/ 420.
(2) سير أعلام النبلاء 14/ 69.
(3) تاريخ بغداد 7/ 246، طبقات الصوفية 176.
(4) تاريخ بغداد 7/ 248، حلية الأولياء 10/ 264.
(5) تاريخ بغداد 7/ 248، صفة الفوة 2/ 424.
(6) تاريخ بغداد 7/ 248، وفيات الأعيان 1/ 374.(1/160)
ثم ما زالوا يأتون قبره في كل يوم نحو الشهر. ودفن عند قبر السرّي السّقطي (1). قلت:
ورّخه بعضهم في سنة سبع فوهم (2).
سنة تسع وتسعين ومائتين
66 - أحمد بن محمد بن ساكن.
أبو عبد الله (3) الزّنجاني، الفقيه. من كبار الأئمة، رحل إلى العراق ومصر، وتفقّه على: إبراهيم المزني وغيره.
وسمع: إسماعيل ابن بنت السّدّي، وابا مصعب الزّهري، وأبا كريب، والحسن بن علي الحلواني وطبقتهم.
وعنه عبد الرحمن بن أبي حاتم، وعلي بن إبراهيم بن سلمة القطان، ويوسف بن القاسم الميانجي، وجماعة، آخرهم إبراهيم بن أبي حمّاد الأبهري.
قال أبو يعلى الخليلي: توفي قبل الثلاثمئة. بقي إلى سنة تسع وتسعين ومائتين.
67 - محمد بن عاصم بن يحيى.
أبو عبد الله الإصبهاني (4)، الفقيه الشافعي، كاتب القاضي،
رحل وأخذ عن: أصحاب الشافعي، وابن وهب، وعلي بن حرب وسلمة بن شبيب.
وعنه: أحمد بن بندار، وأبو أحمد العسّال، والطبراني.
قال أبو الشيخ (5): صنّف كتبا كثيرة، وتفقّه على مذهب الشافعي، رضي الله عنه، توفي سنة تسع وتسعين ومائتين (6).
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 119، تاريخ بغداد 7/ 248.
(2) وفيات الأعيان 1/ 374، وطبقات الشعراني 1/ 84.
(3) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 718، الجرح والتعديل 2/ 74، 75، رقم 150، الأكمال لابن ماكولا 4/ 244.
(4) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 2/ 241، ابن حجر: تهذيب التهذيب 9/ 241، وذكر أخبار إصبهان لأبي نعيم 2/ 233، 234، الإسنوي: طبقات 1/ 416، ابن الصلاح: طبقات 2/ 854، المعجم الصغير للطبراني 2/ 52، 54.
(5) انظر: تهذيب التهذيب 9/ 241.
(6) كانت وفاته سنة 299هـ / 912م، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 19.(1/161)
سنة ثلاثمئة
68 - محمد بن علي (1).
الفقيه، أبو عبد الله الجرجاني، الشافعي، أحد الأئمة.
تفقّه على المزني، صار من كبار الأئمة.
وحدّث عن هشام بن عمّار، وأبي كريب، وجماعة.
وعنه: أبو زكريا يحيى العنبريّ، وأبو عبد الله بن الأخرم، وجماعة،
توفي سنة ثلاثمئة (2). وممن توفي في هذا العشر.
69 - إسحاق بن (3) موسى.
أبو يعقوب اليحمدي، الفقيه.
أول من حمل كتب الشافعي إلى بلد استراباذ،
وكان صدوقا، عالما محدّثا.
سمع: قتيبة (4)، وابن راهويه، وهشام بن عمّار، وحرملة التّجيبي، وخلقا.
وعنه: محمد بن أحمد الغطريف، وجعفر بن شهرزيل. آخر المنتقى، من تاريخ أبي عبد الله الذهبي، من تراجم الفقهاء الشافعية، من المائة الثالثة وهي المائة التي كان فيها الإمام أبو عبد الله الشافعي.
سنة إحدى وثلاثمئة
70 - إبراهيم بن هانىء بن خالد (5) المهلّبي.
__________
(1) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 1/ 576، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 864، تاريخ جرجان للسهمي 389رقم 647وفيه: أبو عبد الله محمد بن علوية بن الحسين الفقيه الرزّاز.
(2) لثلاث خلون من شهر ربيع الأول.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 2/ 259258، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 725ورد اسمه فيها: إسحاق بن موسى بن عبد الرحمن اليحمدي الإسترابادي (أبو يعقوب).
(4) قتيبة: قتيبة بن سعيد.
(5) ترجمته في: ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 121، اللباب 3/ 276، بن الجوزي: المنتظم(1/162)
أبو عمران الجرجاني. الفقيه الشافعي، الزاهد.
تفقّه عليه جماعة من أهل جرجان، كأبي بكر الإسماعيليّ.
وقد سمع بسمرقند من: أبي محمد الدّارمي وببغداد من: أحمد بن منصور الرّماديّ وغيره.
روى عنه: أبو بكر الإسماعيلي، وابن عديّ، وإبراهيم بن موسى السّهمي، وغيرهم، وكان من جلّة العلماء.
71 - عامر بن أحمد بن محمد.
أبو الحسن (1) الشّونيزيّ، الشافعي، سكن إصبهان.
وحدّث عن: أحمد بن عبد لجبّار، وعبد الله بن محمد بن النعمان، وإبراهيم بن فهد.
وعنه: الطبراني وأبو الشيخ.
سنة اثنتين وثلاثمئة
72 - بشر بن نصر بن منصور (2).
الفقيه، أبو القاسم الشافعي المعروف بغلام عرق.
توفي بمصر في جمادى الآخرة. وكان بغداديا.
وقال ابن يونس: كان متضلّعا في الفقه ديّنا.
73 - محمد بن عثمان بن إبراهيم بن زرعة (3).
__________
13/ 145، تاريخ جرجان 133رقم 139.
(1) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 763، المعجم الصغير للطبراني، ذكر أخبار إصبهان 2/ 39.
(2) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 7/ 88، وابن كثير: البداية والنهاية 11/ 122، ابن الجوزي: المنتظم 13/ 152.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 198196، الإسنوي: طبقات 1/ 519، وابن الصلاح: طبقات 2/ 861، ولاة مصر للكندي 271، سير أعلام النبلاء 14/ 231رقم 135، الوافي بالوفيات 4/ 82رقم 1546، شذرات الذهب 2/ 239.(1/163)
الثقفي، مولاهم الدمشقي أبو زرعة.
كانت داره بنواحي باب البريد.
ولي قضاء مصر، سنة أربع وثمانين ومائتين، وولي قضاء دمشق. وكان جدّه يهوديا فأسلم.
روى عنه الحسن الحصائري وغيره.
وكان حسن المذهب، عفيفا، متثبّتا.
وكان قد نزع الطّاعة، وقام مع ابن طولون، وخلع أبا أحمد الموفق. ووقف عند المنبر يوم الجمعة، وقال: أيها الناس، أشهدكم أني قد خلعت أبا أحمق كما يخلع الخاتم من الإصبع فالعنوه. فعل ذلك أبو زرعة. بأمر أحمد بن طولون (1).
وكانت قد جرت وقعة بين ابن الموفّق، وبين خمارويه بن أحمد بن طولون، في سنة إحدى وسبعين ومائتين، وتسمّى وقعة الطّواحين (2)، وانتصر فيها أحمد بن الموفّق، ورجع إلى دمشق. وكانت هذه الوقعة بضواحي الرملة.
فقال ابن الموفق لكاتبه أحمد بن محمد الواسطيّ: انظر من كان يبغضنا. قال: فأخذ يزيد بن عبد الصمد، وأبو زرعة الدمشقي، والقاضي أبو زرعة، مقيّدين، فاستحضرهم يوما في طريقه إلى بغداد.
فقال: أيّكم القائل: قد نزعت أبا أحمق؟ فانعقدت ألسنتنا وأيسنا من الحياة.
قال أبو زرعة الدمشقي المحدث: فأما أنا فأبلست وأمّا يزيد فخرس وكان تمتاما، وكان أبو زرعة محمد بن عثمان أحدثنا سنّا.
فقال: أصلح الله الأمير. فقال الواسطي: قف حتى يتكلم أكبر منك. فقلنا:
أصلحك الله هو يتكلم عنا. فقال: تكلم.
قال: والله ما فينا هاشمي صريح (3) ولا قرشي صحيح ولا عربي فصيح، ولكنا قوم ملكنا، يعني قهرنا ثم روى أحاديث في السمع والطاعة، وأحاديث في العفو، والإحسان، وكان هو المتكلم بالكلمة التي نطالب بخزيها. وقال: إني أشهدك أيها
__________
(1) الولاة والقضاة 519، 520.
(2) الولاة والقضاة 520.
(3) في الولاة والقضاة 520 «صحيح».(1/164)
الأمير، أن نسائي طوالق، وعبيدي أحرار، ومالي (1) [عليّ] حرام، إن كان من هؤلاء القوم أحد قال هذه الكلمة. ووراءنا حرم وعيال، وقد تسامع الناس بهلاكنا. وقد قدرت، وإنما العفو بعد القدرة. فقال للواسطي: أطلقهم لا كثّر الله أمثالهم. فانشغلت أنا ويزيد بن عبد الصمد، في نزهة (2) بإنطاكية وطيبها عند عثمان بن خرّزاد، وسبق هو إلى حمص (3). قال ابن زولاق في «تاريخ قضاة مصر»: ولي أبو زرعة قضاء مصر سنة أربع وثمانين، وكان يذهب إلى قول الشافعي، ويوالي عليه ويصانع. وكان عفيفا، شديد التّوقّف في إنفاذ الأحكام، وله مال كثير وضياع كبار بالشام (4). واختلف في أمره، قيل: إن هارون بن خمارويه، متولّي مصر كان في عهده أن القضاء إليه، فولّاه القضاء، وقيل: إن المعتضد كتب له عهدا (5). قال: كان القاضي يرقي من وجع الضرس، ويدفع إلى صاحب الوجع حشيشة، توضع عليه فيسكن. قال: وكان يزن عن الغرماء الضعفاء، وربّما أراد القوم النزهة، يأخذ الواحد بيد الآخر، فيطالبه فيقرّ له ويبكي، فيرحمه ويزن عنه (6). وسمعت محمد بن أحمد بن الحداد الفقيه شيخنا يقول:
سمعت منصور بن إسماعيل الفقيه، يقول: كنت عند أبي زرعة القاضي، فذكر الخفاء، فقلت: له: أيها القاضي. يجوز أن يكون السفيه وكيلا؟ قال: لا. قلت: فوليّا لامرأة؟ قال: لا. قلت: فأمينا؟ قال: لا. قلت: فشاهدا. قال: لا. قلت:
فيكون خليفة؟ قال لي: يا أبا الحسن هذه من مسائل الخوارج (7). وكان أبو زرعة قد شرط لمن يحفظ (مختصر المزني) مائة دينار يهبها له. وهو أدخل مذهب الشافعي دمشق، وحكم به القضاة، وكان الغالب عليها قول الأوزاعي. قال: وكان أبو زرعة من الأكلة، يأكل سلّ مشمش، ويأكل سلّ تين، وما أشبه ذلك، وبقي على قضاء مصر ثماني سنين وشهرين، فصرف وأعيد إلى القضاء، محمد بن عبدة بن حرب، فإنه ظهر من الاختفاء، فولاه محمد بن سليمان الكاتب القضاء.
__________
(1) زيادة من: الولاة والقضاة 520.
(2) في الولاة والقضاة 521: «في نزه».
(3) الولاة والقضاة 520، 521.
(4) الولاة والقضاة 519.
(5) نفسه.
(6) نفسه 522.
(7) نفسه.(1/165)
74 - هارون بن نصر أبو الخيار الأندلسي (1) بها صحب بقي بن مخلد بضع عشرة سنة، فأكثر عنه، ومال إلى كتب الشافعي فحفظها، وكان من أهل النظر والحجّة والإمامة.
سنة ثلاث وثلاثمئة
75 - أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر أبو عبد الرحمن، النّسائي (2) القاضي مصنّف «السّنن» وغيرها من التصانيف. وبقيّة الأعلام، ولد سنة خمس عشرة ومائتين.
وسمع: قتيبة، وإسحاق بن راهويه، وهشام بن عمار، وعيسى بن حمّاد، والحسين بن منصور السّلّمي النيسابوري، وعمرو بن فرارة، ومحمد بن النّصر المروزي، وسويد بن نصر، وأبا كريب، وخلقا سواهم، بعد الأربعين ومائتين بخراسان، والعراق، والشام، ومصر، والحجاز، والجزيرة. وعنه: أبو بشر الدّولابي، وأبو علي الحسين النيسابوري، وحمزة بن محمد الكناني، وأبو بكر بن السّنّي، ومحمد بن عبد الله بن حيّويه، وأبو القاسم الطبراني، وخلق سواهم. رحل إلى قتيبة وهو ابن خمس عشرة سنة، وقال: أقمت عنده سنة وشهرين. ورحل إلى مرو، ونيسابور، والعراق، والشام، ومصر، والحجاز، وسكن مصر وكان يسكن بزقاق القناديل (3). وكان مليح الوجه ظاهر الدّم، مع كبر السّن، وكان يؤثر لباس البرود النّوبية الخضر، ويكثر الجماع، مع صوم يوم، وإفطار يوم، وكان له أربع زوجات، يقسم لهنّ، ولا يخلو مع ذلك من سريّة. وكان يكثر أكل الدّيوك الكبار، وتشترى له وتسمّن، فقال بعض الطلبة: ما أظنّ أبا عبد الرحمن إلا أنه يشرب النّبيذ للنّضرة التي في وجهه، وقال آخرون: ليت شعرنا ما يقول في إتيان النساء في أدبارهن؟ فسئل فقال:
__________
(1) ترجمه في: الذهبي: تاريخ الإسلام ص 14، (ترجمة رقم 114)، تاريخ علماء الأندلس 2/ 169رقم 1531وسير أعلام النبلاء 14/ 233رقم 136، جذوة المقتبس 364رقم 860.
(2) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات (1/ 77)، وابن الجوزي: المنتظم 13/ 155، وابن كثير:
البداية 11/ 123وابن العماد: شذرات الذهب 2/ 239، وابن الأثير: الكامل 6/ 490، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 83والذهبي: تذكرة الحفاظ 698، تاريخ بغداد 4/ 98، تاريخ جرجان 267، 26، معجم البلدان 5/ 282، تهذيب الكمال 2/ 328، سير أعلام النبلاء 14/ 135125، طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 480، 481.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 156ومعجم البلدان 3/ 145.(1/166)
النّبيذ حرام، ولا يصحّ في الدّبر شيء. ولكن حدّث محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس قال: «ائت (1) حرثك من حيث شئت» فلا ينبغي أن يتجاوز قوله هذا الفصل.
سمعه الوزير ابن حنزابة، من محمد بن موسى المأمونيّ صاحب النسائي. وفيه: سمعت قوما ينكرون عليه كتاب (الخصائص) لعلي رضي الله عنه، وتركه يصنف فضائل الشيخين فذكر له ذلك فقال: دخلت إلى دمشق، والمنحرف عن علي بها كثير، فصنّفت كتاب (الخصائص) رجاء أن يهديهم الله ثم صنّف بعد ذلك (فضائل الصحابة) فقيل له وأنا أسمع: ألا تخرّج (فضائل معاوية؟ فقال: بدا الحقّ ليس فيه كفر، أيّ شيء أخرّج؟ «لا أشبع الله بطنه» (2) فسكت السائل. قلت: لعلّ هذه فضيلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم (3) من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة» قال أبو علي النيسابوري: حافظ خراسان في زمانه: ثنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي (4). وقال أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ: من يصر على ما يصر عليه النسائي؟
كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة. يعني عن قتيبة. عنه ما حدّثت (5) بها، وقال
__________
(1) باتفاق أهل العلم، يجوز للرجل إتيان زوجته بأي صفة يشاء، ومن حيث أمره الله {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنََّى شِئْتُمْ} وقال ابن عباس: ائتها من بين يديها ومن خلفها، بعد أن يكون في المأتى. أخرجه الدارمي 1/ 258، من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وأخرجه الطبري (4310) من طريق عطاء بلفظ آخر، أما الإتيان في الدّبر، فحرام ومن فعله غرر (خطر)، وأخرج الشافعي 2/ 360، وأحمد 2/ 413، والطحاوي 2/ 25من حديث خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهنّ» سنده صحيح.
وأخرج احمد 2/ 444وأبو داود (21621) وابن ماجه (1923) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله: «ملعون من أتى امرأة في دبرها» وسنده صحيح.
(2) حديث: اللهم لا تشبع بطنه، هو في مسند الطيالسي برقم 2688من طريق أبي عوانة عن أبي حمزة، والقصاب عن ابن عباس. أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى معاوية ليكتب له فقال: إنه يأكل، ثم بعث إليه صلى الله عليه وسلم فقال إنه يأكل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أشبع الله بطنه). أخرجه مسلم في البر والصلة برقم (2604)، وأنساب الأشراف 4/ 125، والذهبي: سير النبلاء 14/ 129.
(3) اخرجه مسلم برقم (2600) من حديث عائشة، وبرقم (2601) من حديث أبي هريرة، وبرقم (2602) من حديث جابر بن عبد الله، ولفظ حديث أبي هريرة: «اللهم إنما أنا بشر، فأيّما رجل من المسلمين سببته، أو لعنته، أو جلدته، فاجعلها له زكاة ورحمة». وأورده الذهبي في سير النبلاء 14/ 130.
(4) تهذيب الكمال 1/ 333.
(5) تهذيب الكمال 1/ 335.(1/167)
الدارقطني: أبو عبد الرحمن مقدّم على كلّ من يذكر بهذا العلم من أهل عصره (1)، قال قاضي مصر أبو القاسم عبد الله بن محمد بن أبي العوّام السّعدي، ثنا أحمد بن شعيب النسائي: انا إسحاق بن راهويه، نا محمد بن أعين، قال: قلت لابن المبارك: أنّ فلانا يقول: من زعم أن قوله تعالى {إِنَّنِي أَنَا اللََّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} (2) مخلوق فهو كافر.
فقال ابن المبارك: صدق. قال النسائي: بهذا أقول. وقال ابن طاهر المقدسي: سألت سعد بن علي الزّنجاني عن رجل فوثّقه، فقلت: قد ضعّفه النسائي. فقال: يا بني إنّ لأبي عبد الرحمن شرطا في الرّجال، أشدّ من شرط البخاري ومسلم. وقال محمد ابن المظفّر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر، يضعّفون اجتهاد النسائي، في العبادة بالليل والنهار، وأنه خرج إلى الغداء مع أمير مصر، فوصف من شهامته وإقامته السّنن المأثورة، في فداء المسلمين، واحترازه عن مجالس الذي خرج معه، والانبساط في المأكل. وأنه لم يزل ذلك رأيه، إلى أن استشهد بدمشق من جهة الخوارج. وقال الدارقطني: كان ابن الحداد، أبو بكر كثير الحديث، ولم يحدّث عن غير النسائي، وقال: رضيت به حجّة بيني وبين الله تعالى (3)، وقال أبو عبد الرحمن بن مندة: عن حمزة العقبي المصري وغيره، أنّ النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق، فسئل بها عن معاوية، وما روي في فضائله فقال: لا يرضى رأسا برأس حتى يفضّل (4). قال:
فما زالوا يدفعون في حضنه (5) حتى أخرج من المسجد. ثم حمل إلى الرملة (6)، وتوفي بها رحمه الله ورضي عنه (7). وقال الدارقطني: إنه خرج حاجا فامتحن بدمشق، وأدرك الشهادة، فقال: احملوني إلى مكة. فحمل وتوفي بها. وهو مدفون بين الصّفا والمروة. وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاث وثلاثمئة (8). قال: وكان أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعلمهم بالحديث والرجال. وقال ابن يونس في تاريخه: كان إماما حافظا
__________
(1) تهذيب الكمال 1/ 334.
(2) الآية (14) من سورة طه (20).
(3) تهذيب الكمال 1/ 335.
(4) ابن الجوزي: المنتظم: 13/ 156.
(5) ابن الجوزي: المنتظم: 13/ 156، وفيات الأعيان 1/ 77.
(6) الرملة: بلدة بفلسطين بين يافا وبيت المقدس. أحمد الهاشمي: نزهة الفكر 1/ 355.
(7) تهذيب الكمال للمزي 1/ 336، وفيات الأعيان 1/ 77.
(8) المنتظم لابن الجوزي 13/ 156، تهذيب الكمال 1/ 340.(1/168)
ثبتا، خرج من مصر في ذي القعدة سنة اثنين وثلاثمئة. وتوفي بفلسطين يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر، سنة ثلاث وثلاثمئة. قلت: هذا هو الصحيح والله أعلم.
76 - الحسن بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز بن النّعمان الشيباني (1) النّسوي. أبو العباس، الحافظ، مصنّف (المسند). تفقّه على أبي ثور، وكان يفتي بمذهبه. وسمع أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، وقتيبة، وحسّان بن موسى، وعبد الرحمن بن سلّام الجمحي، وسليمان بن فرّوخ، وسهل بن عثمان العسكري، وأمما، وسمع تصانيف أبي بكر بن أبي شيبة (2) عنه، وأكثر (المسند) من إسحاق وكتاب (السنن) من أبي ثور (والتفسير) من محمد بن أبي بكر المقدّمي، وسمع من:
سعد بن يزيد الفرّان، ويزيد بن صالح. روى عنه: ابن خزيمة، والقدماء وابن علي الحافظ، ويحيى بن منصور القاضي، ومحمد بن إبراهيم الهاشمي وأبو عمّار بن حمدان، وأبو بكر الإسماعيلي، وابن حبّان، وحفيده ابن سعد الفسوي، وخلق كثير.
وقال محمد بن جعفر البستي: سمعته يقول: لولا اشتغالي بحبّان بن موسى، لجئتكم بأبي الوليد، وسلمان بن حرب، وقال الحاكم: كان محدّث (3) خراسان في عصره، مقدّما في الثّبت والكثرة والفهم، والفقه، والأدب، وروى عنه: ابن حبّان، فأكثر، وذكره في الثقات (4). وقال: كان ممّن رحل وصنّف، وحدّث على تيقّظ، مع صحة الديانة والصلابة في السّنة. مات في قريته بالوز في شهر رمضان، وحضرت دفنه، وقال أبو بكر أحمد بن علي الرازي في حياة الحسن بن سفيان: ليس للحسن في الدنيا نظير (5). وقال أبو الوليد الفقيه: كان الحسن أديبا فقيها، أخذ الأدب عن أصحاب النّضر بن شميل، والفقه عن (6) أبي ثور. وقال الحاكم: سمعت محمد بن داود بن
__________
(1) ترجمته في: ابن كثير: البداية 11/ 124، ابن الأثير: الكامل 6/ 490، الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 703، وبدران الجرح والتعديل 33/ 16، تهذيب تاريخ ابن عساكر 4/ 181، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 263، 268، وابن العماد: شذرات الذهب 2/ 241، الوافي بالوفيات 12/ 32، النجوم الزاهرة 3/ 689، هدية العارفين 1/ 268.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 157.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 157.
(4) ابن حبان: الثقات 82/ 171.
(5) تهذيب تاريخ دمشق 4/ 182.
(6) ابن الجوزي: المنتظم: 13/ 158.(1/169)
سلمان يقول لنا: نّا عند الحسن بن سفيان، فدخل ابن خزيمة وأبو عمرو، والحيريّ، وأبو بكر بن علي الرازي في جماعة، وهم متوجّهون إلى فراوة. فقال أبو بكر بن علي:
قد كتبت هذا الطّبق من حديثك (1). قال: هات. فأخذ يقرأ، فلما قرأ أحاديث، أدخل إسنادا في إسناد، فردّه الحسن، ثم بعد ساعة، فعل ذلك فردّه الحسن، فلما كان الثالثة، قال له الحسن: ما هذا؟ لقد احتملتك مرّتين، وهذه الثالثة، وأنا ابن تسعين سنة، فاتّق الله في المشايخ، فربّما استجيبت فيك دعوة. فقال له ابن خزيمة: مه.
لا تؤذ الشيخ. قال: إنما أردت أن يعلم أن أبا العباس يعرف حديثه (2) قلت: بالوز قرية على ثلاثة فراسخ من نسا (3).
77 - منصور بن إسماعيل أبو الحسن التميمي (4) المصري، الضرير، الفقيه الشافعي الشاعر، قال ابن خلكان، له مصنّفات مليحة في المذهب، وله شعر سائر. وهو القائل (5): [من مجزوء الكامل]:
لي حيلة فيمن ينمّ ... وليس لي في الكذب حيله (6)
من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتي فيه قليله
وقال القضاعي: أصله من رأس عين، وكان فقيها متصرّفا في كل علم، شاعرا مجوّدا، لم يكن في زمانه مثله، توفي سنة (7) ثلاث. وقال ابن يونس: كان فهيما حاذقا، صنّف مختصرات (8) في الفقه في مذهب الشافعي. وكان شاعرا مجوّدا، خبيث
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم: 13/ 161.
(2) نفسه.
(3) نفسه، الجرح والتعديل 3/ 16.
(4) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 289، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 478، ياقوت: معجم الأدباء 19/ 185، ابن الجوزي: المنتظم 13/ 187، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 249، حاجي خليفة: كشف الظنون 1468، 1674، السيوطي: حسن المحاضرة 1/، معجم الشعراء للمرزباني 373، طبقات الشيرازي 107، 108، البداية والنهاية 11/ 130.
(5) البيتان في: الذهبي: سير النبلاء 14/ 238، وابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 290.
(6) هذا البيت مكسور عروضيا حتى في الأصل.
(7) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 187، وفيات الأعيان 5/ 291.
(8) معجم الأدباء 19/ 185، شذرات الذهب 2/ 249.(1/170)
اللسان بالهجو. يظهر في شعره التّشيّع (1)، وكان جنديّا قبل أن يعمى. وذكر ابن زولاق في ترجمة القاضي أبي عبيد بن حربوية، أنه كانت له قصة مع منصور ابن إسماعيل الفقيه، طالت وعظمت، وذكر أنه كان خاليا به، فجرى ذكر المطلّقة ثلاثا الحامل، ووجوب نفقتها، فقال أبو عبيد: زعم زاعم أن لا نفقه لها، وأنكر منصور ذلك.
وقال: أقائل هذا من أهل القبلة؟ ثم انصرف منصور. وحدّث الطّحاوي، فأعاده على أبي عبيد، فأنكره أبو عبيد، على حضوره منصور: أنا أكذبه. قال لنا أبو بكر بن الحداد: حضر منصور، فتبيّنت في وجهه الندم، على حضوره فلولا عجلة القاضي بالكلام، لما تكلّم منصور، ولكن قال القاضي: ما أريد أحدا يدلّ عليّ (لا) منصور (ولا) نصّار، يحكون عنا، ما لم نقل. فقال منصور: قد علم الله أنك قلت. فقال:
كذبت. قال: قد علم الله من الكاذب. ونهض. كتب المؤلف في سنة ست، وأوصى أن تنقل إلى سنة ثلاث.
سنة أربع وثلاثمئة
78 - عبد الله بن محمد (2) أبو القاسم الأكفاني. الفقيه، صاحب المزني، وقيل:
توفي في سنة سبع كما سيأتي.
79 - محمد بن عبد الوهّاب بن هشام. أبو زرعة (3) الأنصاري، الجرجاني، الفقيه الحافظ، أحد من جمع بين الفقه والحديث. روى عن: عبد الله بن محمد الزّهري، وأحمد بن سعيد الدّارمي، وهارون بن إسحاق الهمداني، وجماعة. وعنه: ابن عدي، وأبو بكر الإسماعيلي، والغطريفي. وضاهر الإسماعيلي، وعليه تفقّه الإسماعيلي، توفي في ذي الحجة.
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 187، وفيات الأعيان 5/ 291.
(2) ترجم له ابن الجوزي على أنه: «عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله أبو لقاسم الأسدي المعدل، ويعرف بالأكفاني) حدث عن المزني وكان ثقة. وتوفي في محرم سنة 307هـ وكان جاء من مكة.
ابن الجوزي: المنتظم 13/ 191.
(3) الذهبي: تاريخ الإسلام ص 148 (ت رقم 210)، والسهمي: تاريخ جرجان 388، (ت رقم 646).(1/171)
سنة ست وثلاثمئة
80 - أحمد بن عمر بن سريج القاضي، أبو العباس (1)، البغدادي، إمام أصحاب الشافعي، شرح المذهب ولخّصه، وصّف التصانيف، وردّ على المخالفين للنصوص.
سمع (2): الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، وعلي بن اشكاب، وأبا داود السجستاني، وعباس بن محمد الدّوري وعنه (3) أبو القسم الطبراني، وأبو أحمد الغطريفي، وأبو الوليد حسان بن محمد، وتفقّه عليه عدة أئمة. توفي في جمادى الأولى من السنة، وله سبع وخمسون سنة وستة أشهر (4) وقع حديثه بعلوّ في جزء الغطريفي لأصحاب ابن طبرزد. وقال أبو إسحاق الشيرازي في الطبقات (5): كان يقال له: الباز الأشهب. ولي القضاء بشيراز، قال: وكان يفضّل على جميع أصحاب الشافعي، حتى على المزني، وأنّ فهرست كتبه كان يشتمل على أربعائة مصنف. وكان الشيخ أبو حامد الإسفراييني، يقول: نحن نجري مع أبي العباس، في ظواهر الفقه، دون دقائقه، تفقّه على أبي القاسم الأنماطي، وأخذ عنه خلق، وعنه انتشر مذهب الشافعي. وقال أبو علي ابن خيران: سمعت أبا العباس بن سريج، يقول: رأيت كأنّا مطرنا كبريتا أحمر، فملأت أكمامي وجيبي وحجري، فعبّر لي أني أرزق علما عزيزا كعزّة الكبريت الأحمر (6). وقال أبو الوليد الفقيه: سمعت ابن سريج يقول: قلّ: ما رأيت من المتفقهة من اشتغل بالكلام؟ فأفلح. ويفوته الفقه. ولا يصل إلى معرفة الكلام. قال الحاكم:
وحكى الذهبي في ترجمة أبي العباس المبرّد وقد توفي سنة خمس ومائتين قال: حكى الحطاني عن الدقاق النحوي قال: اجتمع ابن سريج الفقيه الشافعي، والمبرّد، وأبو بكر
__________
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 287، الذهبي: العبر 2/ 132، السبكي:
طبقات الشافعية: 3/ 21، 39، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 247، ابن الجوزي: المنتظم 13/ 182، وابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 66، 67، الإسنوي 2/ 20، ابن الصلاح:
طبقات 2/ 712.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 183.
(3) نفسه.
(4) نفسه.
(5) طبقات الشيرازي ص 108، 109.
(6) تاريخ بغداد 4/ 288.(1/172)
محمد بن داود الطاهريّ، في طريق، فتقدم ابن سريج وتلاه المبرّد، فلما خرجوا إلى القضاء، قال ابن سريج: الفقه قدّمني. وقال ابن داود الأدب أخّرني. فقال المبرّد:
أخطأتما معا، إذا صحّت المودّة، سقط التّكليف انتهى. ولعلّ ذلك وقع وسنّ ابن سريج نحو ثلاثين سنة. فإنه لما مات المبرّد، كان عمره خمسا وثلاثين سنة. قال الحاكم:
سمعت حسان بن محمد الفقيه يقول: كنا في مجلس ابن سريج سنة ثلاث وثلاثمئة، فقام إليه شيخ من أهل العلم، فقال: أبشر أيها القاضي: فإن الله يبعث على رأس كلّ مائة سنة، من يجدّد يعني للأمّة أمر دينها. والله تعالى بعث على رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وعلى رأس المائتين أبا عبد الله الشافعي، وبعثك على رأس الثلاثمئة. ثم أنشأ يقول (1):
اثنان قد مضيا فبورك فيهما ... عمر الخليفة ثم حلف السّؤدد
الشافعيّ الألمعيّ محمد ... إرث النّبوّة وابن عمّ محمّد
أبشر أبا العبّاس إنك ثالث ... من بعده سقيا لتربة أحمد
فصاح أبو العباس بن سريج وبكى. وقال: لقد نعى إليّ نفسي. قال حسان: مات القاضي أبو العباس في تلك السنة. قلت: وكان على رأس الأربعمائة، أبو حامد الإسفراييني، وعلى رأس الخمسمائة الغزالي، وعلى رأس الستمائة، الحافظ عبد الغني، وعلى رأس السبعمائة شيخنا ابن دقيق العيد. على أن بعض هؤلاء يخالفني فيهم خلق من العلماء، والذي أعتقده في الحديث أن لفظ (من يجدّد)، للجمع لا للفرد، والله أعلم. وان أبو العباس على مذهب السلف في الصفات يؤمن بها ولا يؤولها، ويميزها كما جاءت، وهو صاحب مسألة الذود في الحلف بالطلاق، وقد روى التّنوخي في (نشواره) (2) قال حدّثني القاضي أبو العنبري بالبصرة، حدّثني أبو عبد الله شيخ من أصحاب ابن سريج، كتبت عنه الحديث قال: قال لنا ابن سريج يوما:
أحسب أن المنيّة قربت. قلنا: وكيف؟ قال: رأيت البارحة كأن القيامة قد قامت، والناس قد حشروا وكأن مناديا ينادي بصوت عظيم: بم أجبتم المرسلين؟ فقلت:
__________
(1) انظر: الذهبي: تاريخ الإسلام، ص 177، (ترجمة رقم 269)، ابن النديم: الفهرست 299، 300، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 290287والأبيات في تاريخ الإسلام للذهبي ص 177.
(2) التنوخي: نشوار المحاضرة 8/ 186، 187.(1/173)
بالإيمان والتصديق فقيل: ما سئلتم عن الأقوال، بل سئلتم عن الأعمال. فقلت: أما الكبائر، فقد اجتنبناها، وأما الصّغائر فعوّلنا فيها عفو الله ورحمته. قال: وانتبهت فقلنا له: ما في هذا ما يوجب سرعة الموت. فقال: أما سمعتم قوله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنََّاسِ حِسََابُهُمْ} (1) قال: فمات بعد ثمانية عشر يوما رحمه الله تعالى.
71 - إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الحارث أبو القاسم الكلابي (2) الفقيه الشافعي، أظنّه بصريّا سمع من: الحارث بن مسكين، ومحمد بن هشام السّدوسي وكان ثقة صالحا.
82 - عبد الله (عبدان) بن أحمد بن موسى بن زياد (أبو محمد) الأهوازي الجواليقي (3) الحافظ، واسمه: عبد الله فخفّف، طوّف البلاد، وصنّف التّصانيف (4)، وسمع: سهل بن عثمان العسكري، وأبا كامل الجحدري، وخليفة بن خيّاط، ومحمد ابن بكّار، ووهب بن بقيّة، وهشام بن عمار، وأبا بكر، وعثمان ابني أبي شيبة، وزيد بن الحريش (5). وخلقا كثيرا. روى عنه: ابن قانع، وحمزة الكناني، والطبراني، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو عمرو بن حمدان، وأبو بكر بن المقري، وآخرون. ورحل الحفّاظ، إلى عسكر مكرم للقيه، وكان أحد الحفاظ الأثبات (6). قال الحاكم: سمعت أبا علي الحافظ يقول: رأيت من أئمة الحديث أربعة: إبراهيم بن أبي طالب، وابن خزيمة بنيسابور، والنّسائي بمصر، وعبدان بالأهواز. أما عبدان فكان يحفظ مائة ألف (7) حديث، ما رأيت في المشايخ أحفظ منه. وقال حمزة الكناني:
__________
(1) الآية: سورة الأنبياء (21) الآية (1).
(2) ترجمته في: ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 129وابن الجوزي: المنتظم 13/ 181.
(3) ترجمته في: الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 688، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 7/ 287، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 9/ 379، 379، وابن الجوزي: المنتظم: 13/ 184، سير أعلام النبلاء 14/ 173168، البداية والنهاية 11/ 129، النجوم الزاهرة 3/ 195، شذرات الذهب 2/ 249.
(4) البغدادي: هدية العارفين 1/ 3، 4، الزركلي: الأعلام 1/ 189.
(5) الاستدراك من تاريخ الاسلام، ترجمة رقم 285ص 188.
(6) تاريخ بغداد 9/ 378.
(7) تاريخ بغداد 9/ 378، المنتظم لابن الجوزي 13/ 185.(1/174)
سمعت عبدان يقول: دخلت البصرة ثماني عشرة مرة، من أجل حديث السجستاني (1).
وجمعت ما يجمعه أصحاب الحديث، إلا حديث مالك، فإنه لم يكن عندي (الموطأ) بعلّو إلا حديث أبي حصين، وسمعته يقول: جمعت لبشر بن المفضّل ستماية حديث، من شاء يزيد عليّ. وقال الحاكم: كان أبو علي النيسابوري، لا يسامح في المذاكرة، بل يواجه الرّدّ في الملأ، فوقع بينه، وبين عبدان لذلك. فسمعت أبا علي يقول: أتيت أبا بكر بن عبدان فقلت: الله الله، تحتال لي في حديث سهل بن عثمان العسكري، عن جنادة، عن عبيد الله بن عمر! فقال: قد حلف الشيخ، أن لا يحدّث بهذا الحديث، وأنت بالأهواز. فأصلحت أشيائي للخروج، وودّعت الشيخ، وشيّعني أصحابنا، ثم اختفيت إلى يوم المجلس. ثم حضرت متنكّرا، لا يعرفني أحد. فأملى الحديث، وأملى غير ذلك. مما كان قد امتنع عليّ منها، ثم بلغه بعد أني كنت في المجلس، فتعجّب وقال أبو حاتم بن حبّان: ثنا عبدان بعسكر مكرم (2)، وكان عسيرا نكدا، وقال الرامهرمزيّ: كنا عند عبدان، فقال: من دعي فلم يجب فقد عصى الله بفتح الباء. فقال له ابن سريج: إن رأيت أن تقول يجب. فأبى، وعجب من صواب ابن سريج، كما عجب ابن سريج من خطئه. وقال: ابن عدي: عبدان كبير الإسم. قال لي: جاءني أبو بكر بن أبي غالب، فذهب إلى شاذان الفارسي، فلم يلحقه، فعطف إلى ابن أبي عاصم بأصبهان، ثم جاءني فقال: فاتني شاذان، وذهبت إلى ابن أبي عاصم، فلم أره مليّا بحديث البصرة، وجئتك لأكتب حديثهم عنك، لأنك مليّ بهم فاخرجت إليه حديثهم، وقاطعته كلّ يوم على مائة حديث. قال ابن عدي: ثنا عبدان ثنا محمد بن عمرو بن سلمة، ثنا ابن وهب، فذكر حديثا. كذا قال وإنما هو عمرو بن سواد. وكان عبدان يخطىء فيه، فيقول مرّة: كما ذكرنا، ومرّة يقول: محمد بن عمرو، وإنما هو عمرو بن سواد. قال: وكانت هيبة عبدان، تمنعنا أن نقول له. وثنا بحديث فيه أشرس، فقال:
وشرس. فتوقّفت في الرد عليه. مات عبدان رحمه الله في آخر سنة ستّ، وله تسعون سنة وأشهر (3).
__________
(1) تاريخ بغداد 9/ 378، المنتظم لابن الجوزي 13/ 185.
(2) ابن الجوزي المنتظم 13/ 185.
(3) ابن الجوزي المنظم 13/ 185، هدية العارفين 1/ 3/ 4 (كانت وفاته سنة 306هـ).(1/175)
سنة سبع وثلاثمئة
83 - زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن (1) بن يحيى بن عدي بن عبد الرحمن بن الأبيض، بن الدّيلم بن باسل بن ضبّة الضّبي، أبو يحيى الساجي، البصري الحافظ، سمع: عبيد الله بن معاذ العنبري، ومحمد بن موسى الحرشيّ، وسليمان بن داود المهدي، وأبا الربيع الزهراني، وطالوت بن عبّاد، وعبد الواحد بن غياث، وموسى بن عمر الهاري، وأبا كامل الفضل بن الحسين الجحدري، وابن ابي الشوارب، وعبد الأعلى بن حمّاد، وأبا يحيى روى له عن طريق جرير بن عبد الحميد، وقد رحل إلى مصر، والكوفة، والحجاز. وسمع أيضا من: هدبة بن خالد، وعنه: أبو أحمد بن عدي، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو عمرو بن حمدان، ويوسف الميانجي، وعبد الله بن محمد بن السّقاء الواسطي، ويوسف بن يعقوب البجيرميّ وعلي بن لؤلؤ الورّاق، وكان من الثقات الأئمة. سمع منه: الأشعري، وأخذ عنه مذهب أهل الحديث، ولزكريا السّاجي كتاب جليل في العلل يدلّ على تبحّره وإمامته.
سنة ثمان وثلاثمئة
84 - محمد بن المفضّل بن سلمة بن عاصم أبو الطيّب، الضّبّي (2) البغدادي الفقيه الشافعي، صاحب ابن شريح، وكان موصوفا بفرط الذكاء. صنّف كتبا عدة، وهو صاحب وجه. وكان يرى تكفير تارك الصلاة، ومن وجوهه أن الوليّ إذا أذن للسّفيه أن يتزوّج، لم يصحّ، كالصبي مات شابا. وكان أبوه، وجدّه من مشاهير أئمّة اللغة العربية.
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 299، 302، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 250، الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 250، الفهرست لابن النديم 300، ابن حجر: لسان الميزان 2/ 488، حاجي خليفة: كشف الظنون 32، البداية والنهاية 11/ 131، الجرح والتعديل 3/ 601، وينسب زكريا إلى: ساج وهو نوع من الخشب الجيد.
(2) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 3/ 308، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 582، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 253.(1/176)
سنة عشر وثلاثمئة
85 - إبراهيم بن جابر أبو إسحاق البغدادي (1) الفقيه. له تصنيف مفيد في اختلاف الفقهاء. وكان إماما ثقة. حدّث عن الحسن بن أبي الربيع، وأحمد بن منصور الرّمادي. وعنه الطبراني، وأبو الفضل عبيد الله الزّهري. عاش خمسا وسبعين سنة.
ولم يذكر الخطيب ما كان مذهبه فهو مجتهد رحمه الله. قلت: قد قال النواوي في شرح الحديث، في مواضع: أنه من أصحاب الشافعي، وذكره غير واحد في طبقات الشافعية.
86 - محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب أبو جعفر، الطّبري (2)، الإمام صاحب التصانيف، من أهل آمل طبرستان. طوّف الأقاليم، وسمع: محمد بن عبد الملك أبي الشوارب، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإسماعيل بن موسى الفزاريّ، وأبا كريب وهنّاد بن السّريّ، والوليد بن شجاع، وأحمد بن منيع [البغوي]، ومحمد بن حميد الرازي، ويونس بن عبد الأعلى، وخلقا سواهم، وقرأ القرآن على سليمان بن عبد الرحمن الطّلحي، صاحب خلّاد. وسمع الحروف من: يونس بن عبد الأعلى، وأبي كريب، وجماعة. وصنف كتابا حسنا في القراءات (3)، فأخذ عنه: ابن مجاهد، ومحمد بن أحمد الدّاجوائي، وعبد الواحد بن أبي هاشم.
ورى عنه: أبو شعيب الحرّاني، وهو أكبر منه سنّا وسندا، ومخلدا الباقرحيّ، والطبراني، وعبد الغفار الحضيني، وأبو عمرو بن حمدان، وأحمد بن كامل، وطائفة سواهم. قال أبو بكر الخطيب (4): كان ابن جرير أحد الأئمة، يحكم بقوله، ويرجع إلى
__________
(1) ترجمته في: ابن النديم: الفهرست: 1/ 218، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 6/ 53، حاجي خليفة: كشف الظنون 1386.
(2) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 162، ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 190، 192، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 120، الذهبي: طبقات القراء 1/ 213، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 145، ابن العاد: شذرات الذهب 2/ 260، ابن الأثير: اللباب 2/ 274، ياقوت: معجم الأدباء 18/ 9440، الذهبي: العبر 2/ 146، الصفدي: الوافي 2/ 284، البغدادي: هدية العارفين 2/ 26، ابن الصلاح: طبقات الشافعية ت 1/ 116.، وابن الجوزي: المنتظم 13/ 215.
(3) تاريخ بغداد 2/ 169162، معجم الأدباء 18/ 9440، الفهرست لابن النديم ص 237.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 215، والخطيب: تاريخ بغداد 2/ 163.(1/177)
رأيه، لمعرفته وفضله. جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظا لكتاب الله بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسّنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، ناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة، والتابعين، بصيرا بأيام الناس، وأخبارهم، له الكتاب المشهور (في تاريخ (1) الأمم) وكتاب (النّفيس) (2) الذي لم يصنّف مثله، وكتاب (تهذيب الآثار) لم أر مثله في معناه، ولكن لم يتمّه. وله في الأصول والفروع كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء. وتفرّد بمسائل حفظت عنه. وقال غيره: مولده بآمل طبرستان سنة أربع وعشرين ومائتين، قال أبو محمد الفرغانيّ: كتب إليّ المراغيّ يذكر، أن المكتفي قال للحسن بن العباس: إني أريد أن أوقف وقفا يجمع أقاويل العلماء، على صحته ويسلم من الخلاف. قال:
فأحضر ابن جرير، فأملى عليهم كتابا بذلك. فأخرجت له جائزة سنيّة، ما رضي أن يقبلها، فقيل له: لابد من جائزة أو قضاء حاجة. فقال: نعم. أسأل أمير المؤمنين، أن يتقدم إلى الشّرط أن يمنعوا السّؤّال من دخول المقصورة يوم الجمعة. فتقدم بذلك، وعظم في نفوسهم (3). قال أبو محمد الفرغاني صاحب ابن جرير فأرسل إليه العباس بن الحسن الوزير: قد أحببت أن أنظر في الفقه.
وسأله أن يعمل له مختصرا. فعمل له كتاب (الخفيف) وأنفذه إليه. فوجّه إليه بألف دينار، فلم يقبلها، فقيل له: تصدّق بها. فلم يفعل (4). وقال الخطيب (5): سمعت علي بن عبيد الله اللغوي يقول: مكث ابن جرير أربعين سنة، يكتب كل يوم أربعين ورقة. وأما أبو محمد الفرغاني، فقال في «صلة التاريخ» له: إن قوما من تلامذة أبي جعفر الطبري، حسبوا لأبي جعفر منذ بلغ الحلم إلى أن مات. ثم قسّموا على تلك المدة أوراق مصنّفاته، فصار لكلّ يوم أربع عشرة ورقة (6). وقال الشيخ أبو حامد الإسفراييني شيخ الشافعية: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصّل تفسير محمد بن جرير لم يكن
__________
(1) هو تاريخ الأمم والملوك، المعروف بتاريخ الطبري، الفهرست: ابن النديم ص 327.
(2) هو كتاب تفسير الطبري المعروف، وقد اختصره جماعة منهم أبو بكر بن الإخشيد. الفهرست ص 327.
(3) ابن عساكر، تاريخ دمشق 37/ 249.
(4) ابن عساكر، تاريخ دمشق 37/ 249، 250.
(5) تاريخ بغداد 2/ 163، ابن الجوزي: المنتظم 13/ 216.
(6) ياقوت: معجم الأدباء 18/ 44.(1/178)
كثيرا (1). وقال حسينك بن علي النيسابوري: أول ما سألني ابن خزيمة قال: كتبت عن محمد بن جرير؟ قلت: لا. قال: فلم؟ قلت: لأنه كان لا يظهر، وكانت الحنابلة تمنع من الدخول عليه، فقال: بئس ما فعلت. ليتك لم تكتب عن كل من كتبت عنهم.
وسمعت منه (2). وقال أبو بكر بن بالويه: سمعت إمام الأئمة ابن خزيمة يقول: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة (3). وقال أبو محمد الفرغاني: كان محمد بن جرير ممّن لا تأخذه في الله لومة لائم، مع عظيم ما يلحقه من الأذى، والشناعات من جاهل وحاسد، وملحد. فأما أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه، وزهده في الدنيا، ورفضه لها، وقناعته بما كان يرد عليه، من حصّة خلّفها له أبوه بطبرستان يسيرة. وذكر عبيد الله بن أحمد السّمسار وغيره، أن أبا جعفر بن جرير، قال لأصحابه (4): هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحو ثلاثين ألف ورقة. قالوا: هذا مما أفنى الأعمار قبل تمامه. فقال: إنا لله ماتت الهمم. فأملاه في نحو ثلاثة آلاف ورقة (5). ولما أراد أن يملي التفسير. قال لهم كذلك، ثم أملاه بنحو ذلك من التاريخ. قال الفرغاني: وحدّثني هارون بن عبد العزيز قال: قال لي أبو جعفر الطبري. أظهرت مذهب الشافعي، واقتديت به ببغداد عشر سنين، وتلقّاه مني ابن بشار الأحول، شيخ ابن سريج. قال الفرغاني: فلما اتسع علمه، أدّاه بحثه واجتهاده إلى ما اختاره في كتبه. وكتب إليّ المراغي: أن الخاقاني لما تقلّد الوزارة، وجّه إلى الطبري بمال كثير. فأبى أن يقبله، فعرض عليه القضاء فامتنع، فعاتبه أصحابه وقالوا: لك في هذا ثواب، وتحيي سنّة قد درست. وطمعوا أن يقبل ولاية المظالم، فانتهرهم، وقال: قد كنت أظنّ أني لو رغبت في ذلك، لنهيتموني عنه (6). وقال محمد بن علي بن سهل الإمام: سمعت محمد بن جرير، وهو يكلّم ابن صالح الأعلم، فقال: من قال إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى؟ إيش هو؟ قال ابن صالح مبتدع! فقال: ابن جرير مبتدع، مبتدع. هذا يقتل. قال أبو محمد الفرغاني: تمّ
__________
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 163، ابن النديم: الفهرست ص 237.
(2) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 164.
(3) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 164، ومعجم الأدباء 18/ 43.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 216.
(5) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 216، تاريخ بغداد 2/ 163، ومعجم الأدباء 18/ 42.
(6) الذهبي: تاريخ الإسلام ترجمة رقم 486ص 282.(1/179)
من كتبه كتاب «التفسير»، وتمّ كتاب «القراءات»، و «العدد» و «التنزيل»، وتمّ له كتاب «اختلاف العلماء» (1) وتمّ كتاب «التاريخ» إلى عصره، وتمّ كتاب «تاريخ الرجال من الصحابة والتابعين»، إلى شيوخه، وتم كتاب «الطيف (2) والقول في أذكار شرائع الإسلام» وهو مذهبه الذي اختاره وجوّده، واحتجّ له، وهو ثلاثة وثمانون (3) كتابا. وتمّ كتاب «الخفيف» (4) وهو مختصر، وتمّ كتاب «التّبصير (5) في أصول الدين». وابتدأ بتصنيف كتاب «تهذيب (6) الآثار»، وهو من عجائب كتبه، ابتدأ بما رواه أبو بكر الصديق، مما صحّ عنده بسنده، وتكلّم على كل حديث منه بعلله، وطرقه، وما فيه من الفقه والسّنن، واختلاف العلماء، وحججهم، وما فيه من المعاني والغريب، فتمّ منه «مسند العشرة وأهل البيت والموالي»، ومن مسند ابن عباس قطعة كبيرة، فمات قبل تمامه، وابتدأ بكتاب «البسيط» (7) فخرّج منه كتاب الطهارة، في نحو ألف وخمسمائة ورقة، وخرّج منه أكثر كتاب الصلاة، وخرّج منه آداب الحكّام، وكتاب «المحاضر والسجلات» وغر ذلك. ولما بلغه أن أبا بكر بن أبي داود، تكلّم في حديث غدير خمّ (8)، عمل كتاب الفضائل، فبدأ بفضل الخلفاء الراشدين، وتكلّم على تصحيح حديث غدير خمّ، واحتجّ لتصحيحه. حكى التّنوخي عن عثمان بن محمد السّلّمي:
حدّثني ابن منجو القائد قال: حدّثني غلام لابن المزوّق قال (9): اشترى لي مولاي جارية وزوّجنيها، فأجبتها، وأبغضني، وكانت تنافرني دائما، إلى أن أضجرتني، فقلت لها:
أنت طالق ثلاثا. فقالت: لا خاطبتني بشيء، إلا قلت لك مثله، فكم أحتملك؟ فقال في الحال: أنت طالق ثلاثا. قال: فأبلست، خرجت فدللت على محمد بن جرير،
__________
(1) ابن النديم: الفهرست ص 327.
(2) ابن النديم: الفهرست ص 327وهو كتاب في الفقه.
(3) الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 486) ص 283.
(4) ابن النديم: الفهرست ص 327.
(5) ابن النديم: الفهرست ص 327.
(6) وهو كتاب في الحديث ولم يتمّه. ابن النديم: الفهرست ص 327.
(7) خرّج منه عددا من الكتب ولم يتمّه، ابن النديم: الفهرست ص 327، ياقوت معجم الأدباء 18/ 44، 45.
(8) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه،
انظر: مشكل الآثار للطحاوي 2/ 309307، والبيهقي: المناقب 3371.
(9) انظر القصة في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 486) ص 283.(1/180)
فقال: أقم معها، بعد أن تقول لها: أنت طالق ثلاثا إن طلّقتك. قال ابن عقيل: وله جواب آخر، أن يقول كقولها: أنت طالق ثلاثا (بفتح التاء) فلا يحنث. وقال ابن الجوزي: وأيضا فما كان يلزمه أن يقول لها ذلك على الفور. فكان له أن يتمادى إلى قبل الموت. قلت: ولو قال لها: أنت طالق ثلاثا، وعنى الاستفهام، لم تطلق. ولو قال:
طالق ثلاثا، ونوى به الطّلق لا الطّلاق، لم تطلق أيضا في الباطن. وجواب آخر على قاعدة من يراعي سبب اليمين، ونيّة الحالف، أنه ليس عليه، أن يقول لها كقولها. فإن نيّته كانت إذا آذته بكلام، أن يقول لها ما يؤذيها. وهذه ما كانت تتأذى بالطلاق. لأنها ناشزة مضاجرة ولأنّ الحالف عنده هذه الكلمة، مستثناة بقرينة الحال. كما استفتى من عموم إطلاقه كقوله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} (1) و {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} (2) فخرج من هذا العموم أشياء بالضرورة، وهذا فصيح في كلام العرب سائغ، لأن الحالف، لم يرده، ولا قصد إدخاله في العموم أصلا، كما لم يقصد إدخال كلمة الكفر لو كفرت.
فقالت له: أنت ولد الله، تعالى الله، أو سبّت الأنبياء. فما كان يحنث بسكوته عن مثل قولها. وقال الفرغاني: رحل ابن جرير لما ترعرع من آمل، وسمح له أبوه في السفر.
وكان طول حياته يبعث إليه بالشيء بعد الشيء إلى البلدان. فسمعته يقول: أبطأت عنّي نفقة والدي، واضطررت إلى أن فتقت كمّي القميص فبعتهما. وقال ابن كامل: توفي عشيّة الأحد، ليومين بقيا من شوّال سنة عشر، ودفن في داره برحبة يعقوب (3)، ولم يغيّر شيبة، وكان السواد في رأسه ولحيته كثيرا، وكان أسمر (4) إلى الأدمة، أعين، نحيف الجسم، مديد القامة، فصيحا. واجتمع عليه من لا يحصيهم إلا الله، وصلّي على قبره عدة شهور ليلا ونهارا، ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب. من ذلك قول ابن سعيد بن الأعرابي (5): [من الخفيف]:
حدث مفظع وخطب جليل ... دقّ عن مثله اصطبار الصّبور
قام ناعي العلوم أجمع لمّا ... قام ناعي محمد بن جرير
__________
(1) سورة النمل (27) الآية 23.
(2) سورة الأحقاف (46) الآية 25.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 217.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 215.
(5) البيتان في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 111، وتاريخ بغداد 2/ 169166، والسبكي طبقات 3/ 126.(1/181)
وقد رثاه ابن دريد بقصيدة بديعة طويلة يقول فيها (1): [من البسيط]:
إنّ المنيّة لم تتلف به رجلا ... بل أتلفت علما للدين منصوبا
كان الزمان به تصفوا مشاربه ... والآن أصبح بالتكدير مقطوبا
كلّا وأيامه الغرّ التي جعلت ... للعلم نورا وللتقوى محاريبا
87 - أبو علي بن خيران (2) قيل توفي في حدود سنة إحدى عشر وثلاثمئة وسيأتي سنة عشرين إن شاء الله تعالى.
88 - محمد بن إسحاق بن خزيمة (3) بن المغيرة بن صالح بن بكر السّلمي، النيسابوري، إمام الأئمة أبو بكر، الحافظ، سمع إسحاق بن راهويه، ومحمد بن حميد الرازي، وما حدّث عنهما لصغره، فإنه ولد في صفر سنة ثلاث وعشرين وماتين ومحمد ابن غيلان، ومحمد بن أبان المستملي، وإسحاق بن موسى الخطمي، وعتبة بن عبد الله اليحمدي، وعلي بن حجر، وابا قدامة السّرخسي، وأحمد بن منيع، وبشر بن معاذ وابا كريب، وعبد الجبار بن العلاء، ويونس بن عبد الأعلى، وخلقا كثيرا.
وعنه: البخاري ومسلم في غير (الصحيح) ومحمد بن عبد الحكم شيخه، وأبو عمرو بن المبارك، وإبراهيم بن أبي طالب، وهم أكبر منه، وأبو علي النيسابوري، وإسحاق بن سعد النّسوي، وأبو عمرو بن حمدان، وأبو حامد أحمد بن محمد بن بالويه، وأبو بكر أحمد بن مهران المقريء، ومحمد بن أحمد بن علي بن نصير المعدّل، وحفيده محمد بن الفضل ابن محمد بن إسحاق، وخلق كثير. قال أبو
__________
(1) الأبيات في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 111، وتاريخ بغداد 2/ 169167، والسبكي طبقات 3/ 126.
(2) هو: الحسين بن صالح بن خيران (أبو علي) الفقيه الشافعي. له ترجمة في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/ 53، وابن كثير البداية والنهاية 11/ 171، وابن العماد: شذرات الذهب 2/ 287، وابن خلكان: وفيات الأعيان 2/ 133، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 274271، وطبقات الإسنوي 1/ 463.
(3) ترجمته: طبقات السبكي 3/ 111109، ابن كثير، البداية والنهاية 11/ 149، وابن العماد:
شذرات الذهب 2/ 262، 263، ابن الجوزي: المنتظم 13/ 233، الإسنوي: طبقات 1/ 462، ابن الصلاح: طبقات 2/ 843، الشيرازي: طبقات 105، الجرح والتعديل 7/ 196، الثقات لابن حبّان 9/ 156، تاريخ جرجان للسهمي 413، وسير أعلام النبلاء 14/ 382365.(1/182)
عثمان: سعيد بن إسماعيل الحيريّ قال: ثنا أبو بكر بن خزيمة قال: كنت إذا أردت أن أصنّف الشيء، دخلت الصلاة مستخيرا، حتى يفتح لي فيها، ثم ابتدىء التّصنيف، وقال الزاهد أبو عثمان الحيريّ: إن الله ليدفع البلاء عن أهل هذه المدينة، بمكان محمد بن إسحاق. فقال أبو بكر محمد بن جعفر: سمعت ابن خزيمة يقول: وسئل من أين أوتيت العلم؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ماء زمزم لما شرب له» (1) فإني لما شربت ماء زمزم، سألت الله علما نافعا. فقال أبو بكر بن بالويه: سمعته يقول: وقيل له: لو حلقت شعرك في الحمّام، فقال: لم يثبت عندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حمّاما قطّ، ولا حلق شعره. إنما يأخذ شعري جارية لي بالمقراض. وقال محمد بن الفضل:
كان جدّي أبو بكر لا يدّخر شيئا جهده، بل ينفقه على أهل العلم. وكان لا يعرف أسنجة (2) الوزن، ولا يميز بين العشرة والعشرين. وقال أبو بكر: محمد بن سهل الطّوسي: سمعت الربيع بن سليمان وقال لنا: هل تعرفون ابن خزيمة؟ قلنا: نعم.
قال: استفدنا منه أكثر مما استفاد منّا. وقال محمد بن إسماعيل السّكّري: سمعت ابن خزيمة يقول: حضرت مجلس المزني يوما، فسئل عن شبه العمد، فقال السائل: إنّ الله وصف في كتابه، القتل صنفين عمدا، أو خطأ. فلم قلتم إنه على ثلاثة أصناف؟ يحتجّ بعلي بن زيد بن جدعان. فسكت المزني. فقلت لمناظره: قد روى هذا الحديث أيضا، أبوب وخالد الحذّاء. فقال لي: فمن عقبة بن أوس؟ قلت: بصريّ. روى عنه ابن سيرين مع جلالته. فقال للمزني: أنت تناظر أو هذا؟ فقال: إذا جاء الحديث، فهو يناظر لأنه أعلم بالحديث مني، ثمّ أتكلّم أنا. وقال محمد بن الفضل: سمعت جدي يقول: استأذنت أبي في الخروج إلى قتيبة، فقال: اقرأ القرآن أولا، حتى آذن لك.
فاستظهرت القرآن. فقال لي: اسكت حتى تصلّي بالختمة، فمكثت فلما عيينا أذن لي، فخرجت إلى مرو، وسمعت بمرو الرّوذ، من محمد بن هشام، فنعي إلينا قتيبة. وقال أبو علي الحسين بن محمد الحافظ: لم أرد مثل محمد بن إسحاق. وقال ابن سريج:
وذكر له ابن خزيمة، فقال: يستخرج النّكت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنّقاش، وقال
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في السنن برقم (3062) عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن طريق ابن عباس. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وأحمد في المسند 3/ 357، والبيهقي في: السنن البكرى 5/ 148والخطيب: تاريخ بغداد 10/ 166.
(2) أسنجة: مفردها: السّنجة. وهي سنجة الميزان: ما يوزن به كالرطل، والأوقية وتجمع على سنج أيضا. / المعجم الوسيط /.(1/183)
أبو زكريا العنبري: سمعت ابن خزيمة يقول: ليس لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول. إذا صحّ الخبر عنه (1). وقال محمد بن صالح بن هانىء: سمعت ابن خزيمة يقول: من لم يقرّ بأن الله على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته، فهو كافر حلال الدم، وكان (2) ماله فيئا. وقال أبو الوليد الفقيه: سمعت ابن خزيمة يقول: القرآن كلام الله. ومن قال:
مخلوق؟ فهو كافر، يستتاب، فإن تاب، وإلّا قتل (3). ولا يدفن في مقابر المسلمين.
وقال الحاكم في علوم الحديث: فضائل ابن خزيمة، مجموعة عندي في أوراق كثيرة.
ومصنّفاته تزيد على مائة وأربعين (4) كتابا، سوى المسائل. المصنّفة، أكثر من مائة جزء. وله فقه حديث بريرة في ثلاثة أجزاء. وقال أحمد بن عبد الله المعدّل: سمعت عبد الله بن خالد الإصبهاني يقول: سئل عبد الرحمن بن أبي حاتم عن ابن خزيمة، فقال: ويحكم هو يسأل عنا، ولا نسأل عنه. هو إمام يقتدى به. وقال أبو بكر محمد بن علي الفقيه الشاشي: حضرت ابن خزيمة. فقال له أبو بكر النّقّاش المقريء: أنه لما وقع بين المزني وابن عبد الحكم قيل للمزني: إنه يردّ على الشافعي. فقال: لا يمكنه إلا محمد بن إسحاق. فقال أبو بكر: كذا كان. وقال الحاكم: سمعت أبا سعد عبد الرحمن بن المقريء سمعت ابن خزيمة يقول: القرآن كلام الله، ووحيه، وتنزيله غير مخلوق. ومن قال: إن شيئا من تنزيله، ووحيه مخلوق؟ أو يقول إن أفعاله تعالى مخلوقة، أو تقوّل إنّ القرآن محدث فهو جهميّ (5). ومن نظر في كتبي؟ بان له أن الكلّابيّة كذبة فيما يختلقون عني. فقد عرف الخلق، أنه لم يصنّف أحد في التوحيد، والقدر، وأصول العلم مثل تصانيفي. وقال أبو أحمد حسينك: سمعت إمام الأئمة ابن خزيمة، يحكي عن عليّ بن خشرم، عن إسحاق بن راهويه أنه قال: أحفظ سبعين ألف حديث. فقلت لابن خزيمة: فكم يحفظ الشيخ؟ فضربني على رأسي وقال: ما أكثر فضولك. ثم قال: يا بني ما كتبت سوادا في بياض، إلا وأنا أعرفه (6). قال: وحكى أبو بشر القطان قال: رأى جار لابن خزيمة من أهل العلم، كأن لوحا عليه صورة
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام ترجمة رقم 39وفيات سنة 311هـ ص 424.
(2) نفسه.
(3) نفسه.
(4) انظر: الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 268259، حضرة العارفين 292.
(5) الذهبي: تاريخ الإسلام، وفيات سنة 311هـ ورقم 39، ص 425.
(6) ابن العماد: شذرات الذهب 2632622.(1/184)
نبينا صلى الله عليه وسلم، وابن خزيمة يعتقله. فقال المعبّر: هذا رجل يحيي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وقد نقل الحكم: أن ابن خزيمة، عمل دعوة عظيمة، بنيسان فمر في الأسواق يعزم على التجار، فبادروا معه، وخرجوا، ونقل كلّ ما في البلد، من المأكل والشّواء والحلواء، وكان يوما مشهودا بكثرة الخلق، لم يتهيّأ مثله إلا لسلطان كبر. قال الإمام أبو علي الحافظ: كان ابن خزيمة إماما ثبتا، معدوم النّظير، توفي ابن خزيمة، في ثاني ذي القعدة (2). وقد استوعب أخباره الحاكم أبو عبد الله في (تاريخ نيسابور)، وفيها أشياء كيّسة، وأخبار مفيدة. ذكر ابن حبّان (3): أنه لم ير مثل ابن خزيمة في حفظ الإسناد، والمتن. فأخبرنا ابن الخلّال، أنبا ابن اللتّي، أنا أبو الوقت، أنا أبو اسماعيل الأنصاري، أنا عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن صالح، نا أبي، نا محمد بن حبّان التّميمي، قال: ما رأيت على وجه الأرض، من يحسن صناعة السّنن، ويحفظ ألفاظها الصّحاح، وزياداتها، حتى كأنّ السّنن كلها بين عينيه، إلا محمد بن إسحاق فقط (4).
سنة ثلاث عشرة وثلاثمئة
89 - محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران (5) الثّقفي، مولاهم النيسابوري، أبو العباس السّراج الحافظ، محدّث خراسان، ومسندها، ورأى يحيى بن يحيى النيسابوري، وسمع: قتيبة، وإبراهيم بن يوسف، ومحمد بن إبراهيم، البلخيين، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن عمرو زننج، وأبا كريب، ومحمد بن بكّار، وداود بن
__________
(1) تاريخ الإسلام (ت 39) ص 425.
(2) كانت وفاته سنة 311هـ في شهر ذي القعدة وولادته سنة 233هـ، ابن كثير: البداية 11/ 149، الوافي 2/ 196.
(3) الثقات 9/ 156وقال عن ابن خزيمة: «وكان رحمه الله أحد أئمة الدنيا علما وفقها وحفظا وجمعا واستنباطا، حتى تكلم في السنن بإسناد لا نعلم سبق إليها غيره من أئمتنا مع الاتفاق الوافر والدين الشديد».
(4) الرازي: الجرح والتعديل 7/ 196.
(5) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 1/ 248، والذهبي: تذكرة الحفاظ: 2/ 168، وابن العاد: شذرات الذهب 2/ 268، الزركلي: الأعلام: 6/ 29، وابن الجوزي المنتظم 13/ 252، المسعاني: الأنساب 3/ 134، الصفدي: الوافي 2/ 187، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 108، الإسنوي: طبقات 2/ 34، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 153، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 99.(1/185)
رشيد وخلقا من طبقتهم، وخلقا من طبقة أخرى بعدهم. روى عنه: البخاري ومسلم وأبو حاتم بن حبّان، وأبو إسحاق المزني، وأبو حامد أحمد بن محمد بن بالويه، وأحمد بن محمد البحيري، وأبو الوفا أحمد بن محمد المزني، والحسين بن أحمد المخلّدي، والحسين بن علي التّميمي حسينك، وأبو عمرو بن حمدان، وأبو سهل الصّعلوكي، وأبو بكر مهران المقريء، وخلق كثير آخرهم الخفّاف. قال أبو إسحاق المزني: سمعته يقول: ختمت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اثني عشر ألف ختمة. وضحّيت عنه اثنتي عشرة ألف أضحية. وقال محمد بن أحمد الدّقّاق: رأيت السّراج يضحي في كل أسبوع، أو أسبوعين، أضحية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يصيح بأصحاب الحديث فيأكلون، وكان أبو سهل الصّعلوكي يقول: ثنا أبو العباس محمد بن إسحاق، الأوحد في فنّه، الأكمل في وزنه. قلت: وان كثير الأموال والثروة. قال الحاكم: ثا أبو أحمد بن أبي الحسن قال: أرسلني ابن خزيمة إلى أبي العباس السّراج. فقال: قل له:
أمسك عن ذكر أبي حنيفة وأصحابه، فإن أهل البلد قد شوّشوا، فأدّيت الرسالة، فزبرني، من قال أبو سهل الصّعلوكي: كنا نقول السّرّاج كالسّراج. قال الحاكم: سمعت أبا سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان، يقول: لما وقع من أمر الكلّابية ما وقع بنيسابور.
كان السّراج يمتحن أولاد الناس، فلا يحدّث أولاد لكلّابيّه، فأقامني في المجلس مرة فقال: قل: أنا أبرأ إلى الله من الكلابيّة، فقلت: إن قلت هذا: لا يطعمني أبي الخبز.
فضحك، وقال: دعوا هذا. قال أبو زكريا العنبري: سمعت أبا عمرو الخفّاف يقول للسراج: لو دخلت على الأمير ونصحته. قال: فجاء وعنده أبو عمرو، فقال: هذا شيخنا وأكبرنا، وقد حضر لينتفع الأمير بكلامه. فقال السّراج: أيّها الأمير إن الإقامة كانت فرادى، وهي كذا بالحرمين، وفي جامعنا مثنى مثنى، وإن الدّين خرج من الحرمين، فإن رأيت أن تأمر بالإفراد، فقال: فخجل الأمير وأبو عمرو، والجماعة، إذ كانوا قصدوه في أمر البلد. فلما خرج عاتبوه. فقال: استحييت من الله أن أسأل أمر الدنيا، وأدع أمر الدين. وقال أبو عبد الله بن الأخرم: استعان بن السراج في التخريج على صحيح مسلم، فكنت أتحيّر من كثرة حديثه، وحسن أصوله، وكان إذا وجد حديثا عاليا في الباب، يقول: لابد من أن تكتب هذا، فأقول: ليس من شرط صاحبنا، فيقول: فشفّعني في هذا الحديث الواحد. وقال أبو عمرو بن نجيد: رأيت السّراج يركب حماره، وعباس المستملي بين يديه، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يقول:
يا عباس غيّر كذا، اكسر كذا. وقال الحاكم: سمعت أبي يقول: لما ورد الزعفراني،
وأظهر خلق القرآن، سمعت السّراج غير مرة، إذا مرّ بالسوق يقول: العنوا الزعفراني، فيضجّ الناس بلعنه، حتى ضيّق عليه بنيسابور، وخرج إلى بخارى، توفي السّراج إلى رحمة الله، في ربيع الآخر، وله سبع وتسعون سنة (1).(1/186)
يا عباس غيّر كذا، اكسر كذا. وقال الحاكم: سمعت أبي يقول: لما ورد الزعفراني،
وأظهر خلق القرآن، سمعت السّراج غير مرة، إذا مرّ بالسوق يقول: العنوا الزعفراني، فيضجّ الناس بلعنه، حتى ضيّق عليه بنيسابور، وخرج إلى بخارى، توفي السّراج إلى رحمة الله، في ربيع الآخر، وله سبع وتسعون سنة (1).
سنة خمس عشرة وثلاثمئة
90 - عبد الله بن محمد بن جعفر (2)، أبو القاسم القزويني الشافعي، ولي نيابة الحكم بدمشق، ثم ولي قضاء الرّملة، ثم سكن مصر. وحدّث عن: يونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن عوف الجمحي، والربيع بن سليمان المرادي، وجماعة، وعنه: عبد الله بن السقّا، الحافظ، وأبو بكر بن المقريء، وابن عدي، ويوسف الميانجي ومحمد بن المظفر، وجماعة. وقال ابن المقريء: رأيتهم يضعّفونه، وينكرون عليه أشياء. وقال ابن يونس: كان محمودا فيما يتولى، وكانت له حلقة للاشتغال بمصر، وللرواية. وان يظهر عبادة وورعا. وكان قد ثقل سمعه شديدا. وكان يفهم الحديث، ويحفظ، ويجمّع إلى دارة الحفّاظ ويملي عليهم، ويجتمع في مجلسه جمع عظيم. وقال الحاكم: سألت الدارقطني، عن عبد الله بن محمد القزويني بمصر فقال: كذّاب، وضع لعمّار بن الحارث أكثر من مائة حديث. وقال ابن عساكر (3): قرأت بخط إبراهيم بن عبد الله بن حصن الأندلسي، محتسب دمشق: سمعت الدارقطني يقول: عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني كذّاب، ألّف سنن الشافعي.
وقال: خلّط في آخر عمره، ووضع أحاديث على متون فافتضح. قلت: وضعّفه جماعة واتّهمه آخرون. وقال ابن يونس: خرّقت الكتب في وجهه وتركوا مجلسه [وقال الدارقطني: كذّاب].
__________
(1) كانت وفاته في شهر ربيع الآخر سنة 313هـ بنيسابور / ابن الصلاح: طبقات 1/ 100، وولادته نسنة 218هـ، المنتظم 13/ 252.
(2) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 358، (ترجمة رقم 5512)، تاريخ جرجان للسهمي 455، التدوين في أخبار قزوين 3/ 242، الوافي بالوفيات 17/ 472، طبقات السبكي 2/ 235، النجوم الزاهرة 35/ 169، شذرات الذهب 2/ 270.
(3) تاريخ دمشق 24/ 198، 199، التدوين في اخبار قزوين للرافعي 3/ 242.(1/187)
سنة ست عشرة وثلاثمئة
91 - محمد بن محمد (1) بن الربيع بن سليمان المرادي [روى] عن: جدّه، مات فجأة، روى عنه: ابن يونس، ثم أعاده سنة ثمان عشرة: وقال: مات في ذي الحجة منه، وقال فيه: أبو سليمان سمع جده، وبكار بن قتيبة.
92 - أبو إسماعيل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد أبو عوانة النيسابوري (2)، ثم الإسفراييني. الحافظ، صاحب (المسند الصحيح) المخرّج على كتاب مسلم، سمع بخراسان، والعراق، والحجاز، واليمن، والشام، والثغور، والجزيرة، وفارس، وإصبهان، ومصر، سمع: محمد بن يحيى، ومسلم بن الحجّاج. ويونس بن عبد الأعلى، وعمر بن شبّة، وأحمد بن أخي ابن وهب، وشعيب بن عمرو الضّبعي، وعلي بن حرب وعلي بن أشكاب، وسعدان بن نصر، والحسن بن محمد الزعفراني، والربيع المرادي، ومحمد بن عبد الحكم، وخلقا سواهم. وعنه: أحمد بن علي الرازي الحافظ، وأبو علي النيسابوري، ويحيى بن منصور، وعبد الله بن عدي، والطبراني، وأبو بكر الإسماعيلي، وحسينك بن علي التّميمي، وابنه أبو مصعب محمد بن يعقوب، وآخر من روى عنه، ابن أخته أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني. ودخل دمشق مرات قال الحاكم: وأبو عوانة من علماء الحديث، وأثباتهم، سمعت ابنه محمدا يقول: إنه توفي سنة ست عشرة. وقال غيره: على قبر أبي عوانة، مشهد بإسفرائين يزار، وهو بداخل البلد رحمة الله عليه. وكان أول من أدخل مذهب الشافعي، وتصانيفه إلى إسفرائين. أخذ ذلك عن المزني والربيع.
سنة سبع عشرة وثلاثمئة
93 - الزّبير (3) بن أحمد بن سليمان بن عبد الله بن عاصم بن المنذر بن الزّبير بن العوام
__________
(1) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام ص 524، 572 (ت رقم 396) وترجمة أخرى (برقم 273) ص 524.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 2/ 321، ابن خلكان: وفيات الأعيان 2/ 417، وابن الأثير: الكامل 8/ 62.
(3) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 239، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 254، الخطيب: تاريخ بغداد 8/ 471، ابن النديم: الفهرست 1/ 212، ابن الجزري: طبقات القراء(1/188)
السدي الزّبيري البصري: الفقيه الشافعي الضّرير وله تصانيف في الفقه «كالكافي» وغيره، وحدّث عن: محمد بن سنان القزاز، وغيره. وعنه: أبو بكر النّقّاش، وعمر بن بشران، وعلي بن لؤلؤ، ومحمد بن بخيت. وكان ثقة إماما، مقرئا. عرض على: روح بن قرّة، ورويس، ومحمد بن يحيى القطعي، ولم يختم عليه، قرأ عليه أبو بكر (1) النقّاش وغيره.
سنة ثمان عشرة وثلاثمئة
94 - محمد بن إبراهيم (2) بن المنذر الإمام (أبو بكر) النيسابوري، الفقيه، صاحب التصانيف، نزيل مكة. صنّف كتبا لم يصنّف مثلها في الفقه، وغيره له كتاب (المبسوط في الفقه) وهو كتاب جليل، وكتاب (الإشراف في اختلاف العلماء) وهو مشهور، وكتاب (الإجماع) وكان على نهاية من معرفة الحديث والاختلاف. وكان مجتهدا لا يقلّد أحدا، سمع: محمد بن ميمون، ومحمد بن إسماعيل الصايغ، ومحمد بن عبد الحكم. روى عنه: أبو بكر بن المقريء، ومحمد بن يحيى عن عمار الدّمياطي، شيخ الطّلمنكيّ، والحسن بن علي بن سفيان، وأخوه الحسين وآخرون. قال أبو إسحاق الشيرازي توفي سنة تسع أو عشر. وهذا ليس بشيء، فإن ابن عمّار لقيه سنة ثماني عشرة، ووجدت ابن القطان، نقل وفاته في هذه السنة فليعتمد (3).
وقال السّلمي في الطبقات الكبرى: المحمدون الأربعة، محمد بن نصر وابن جرير، وابن خزيمة، وابن المنذر، من أصحابنا، وقد بلغوا درجة الاجتهاد المطلق، ولم يخرجهم ذلك عن كونهم من أصحاب الشافعي المخرّجين على أصوله أو مذهبه، لو فاق اجتهادهم اجتهاده، بل قد ادعى من هو بعده من أصحابنا الخلّص، كالشيخ أبي علي وغيره، أنهم وافق رأيهم رأي الإمام الأعظم فتبعوه ونسبوا إليه لأنهم مقلدون، فما ظنّك
__________
1/ 293، سير أعلام النبلاء 15/ 57، 58.
(1) أبو بكر النقاش: محمد بن الحسن النقاش / ابن الجزري: طبقات القراء 1/ 293.
(2) ترجمته في: ابن النديم: الفهرست 1/ 215، ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 207، السبكي:
طبقات الشافعية 3/ 108102، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 782، ابن حجر: لسان الميزان 5/ 27، سير أعلام النبلاء 14/ 492490، الوافي بالوفيات 1/ 336، تاريخ الخلفاء للسيوطي 358، شذرات الذهب 2/ 280، هدية العارفين 2/ 31.
(3) النووي: تهذيب 1972، 198.(1/189)
بهولاء الأربعة، فإنهم وإن خرّجوا عن رأي الإمام الأعظم في كثير من المسائل، وفيها نحو مائتي حديث لم يحدث بها الشافعي. فلم يخرّجوا في الأغلب ما عرفوا ذلك، واعلم أنهم في حزب أصحابنا الشافعية معدودون، وعلى أصوله في الأغلب مخرّجون، وبطريقته مهتدون، وبمذهبه يتمذهبون.
سنة تسع عشرة وثلاثمئة
95 - علي بن الحسين بن حرب (1) بن عيسى البغدادي، القاضي (أبو عبيد) بن حربويه. سمع: أحمد بن المقدام العجلي، ويوسف بن موسى، والحسن بن عرفة، وزيد بن أخرم، والحسن بن محمد الزعفراني، روى عنه: أبو عمر بن حيّويه، وأبو بكر المقريء، وجماعة. قال البرقاني: ذكرته للدارقطني، فذكر من جلالته وفضله وقال: حدّث عنه النسائي في الصحيح، ولم يحصل لي عنه حرف. وقد مات بعد أن كتبت بخمس سنين (2). قلت: ولي قضاء مصر ثماني عشرة سنة، فسار إليها في سنة ثلاث وتسعين ومائتين (3). قال ابن زولاق: كان عالما بالاختلاف، والمعاني والقياس، عارفا بعلم القرآن، والحديث، فصيحا، عاقلا عفيفا، قوّالا بالحق، سمحا متعصّبا. ثم ذكر ابن زولاق، احترام أمير مصر (تكين) له. فإنه كان يأتي مجلسه، ولا يدعه يقوم له. وإذا جاء هو إلى مجلس (تكين)، مشى تكين وتلقّاه. ولم يكن في زيّه ولا منظره بذاك. وكان بوجهه جدريّ، ولكنه كان من فحول العلماء. قال الفقيه أبو بكر الحداد: سمعت أبا عبيد القاضي يقول: مالي وللقضاء. لو اقتصرت على الوراقة ما كان خطي بالرديء. وكان رزقه في الشهر مائة وعشرين دينارا. قال ابن زولاق: قال أبو عبيد القاضي: ما تقلّد إلا عصبيّ أو غبيّ وقال: فجميع أحكامه بمصر باختباره، وكان أولا يذهب إلى قول أبي ثور. قال: وكان يورّث ذوي الأرحام. وقد ولي قضاء واسط قبل مصر. قال: وأبو عبيد آخر قاض ركب إليه الأمراء بمصر، وقد تسرّى بمصر
__________
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 11/ 365، الولاة والقضاة ص 491والزركلي:
الأعلام 4/ 377وابن العماد: شذرات الذهب 2/ 283281، السبكي. طبقات 3/ 446، الإسنوي: طبقات 1/ 379، ابن الصلاح: طبقات 2/ 810.
(2) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 11/ 397.
(3) الكندي: الولاة والقضاء 481.(1/190)
بجارية، فتجنّت عليه وطلبت البيع. وكان به فتق. وذكر ابن زولاق، حكايات عدة تدلّ على وقاره، وكمال عقله، وإمامته، وعدله، وورعه التام. وقال: حدّث عنه في سنة ثلاثمئة النسائي. قال أبو زكريا النواوي (1): كان من أصحاب الوجوه، تكرر ذكره في (المهذّب) و (الروضة) وقال ابن يونس (2): هو قاضي مصر أقام بها طويلا وكان شيئا عجيبا ما رأينا مثله، لا قبله ولا بعده. وكان يتفقّه على مذهب أبي ثور، وعزل عن القضاء سنة إحدى عشرة، لأنه كتب يستعفي من القضاء، ووجّه رسولا إلى بغداد يسأل في عزله، وأغلق بابه وامتنع من الحكم، فأعفي، فحدّث حين جاء عزله وأملى مجالس ورجع إلى بغداد. وكان ثقة ثبتا، حدّث عن: زيد بن أخزم، وأحمد بن المقدام وطبقتهما. وروى الخطيب في تاريخه: أن ابن حربويه (3) توفي في صفر، وصلى عليه أبو سعيد الاصطخري، ومنهم شخص يقال له:
96 - أبو عبيد الله محمد (4) بن عبدة بن حرب القاضي. قاضي مصر، له ترجمة طويلة في تاريخ الإسلام. توفي سنة ثلاث عشرة وثلاثمئة.
سنة عشرين وثلاثمئة
97 - الزّبير بن أحمد بن سليمان أبو عبد الله الزّبيري الفقيه الشافعي. توفي في صفر بالبصرة. وصلى عليه ابنه أبو عاصم. وقد تقدّم ذكره. له مصنّفات (5).
98 - أبو علي بن خيران، هو الحسين بن صالح بن خيران (6)، الفقيه الشافعي، من
__________
(1) النواوي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 258.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 302وهو أبو سعيد بن يونس الصّدفي.
(3) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 11/ 395 (ترجمة رقم 6276).
(4) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام، ص 467 (ت 135)، الولاة والقضاة للكندي ص 479، 480، والخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 2/ 379 (ت رقم 892).
(5) صنّف للزبير بن أحمد كتبا منها: الكافي في الفقه، رياضة المتعلم، الاستشارة والإستخارة ومات سنة 317هـ وقيل 319هـ وقيل 320هـ / السبكي: طبقات الشافعية 2242، ابن النديم:
الفهرست 2121/. وترجمته في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 2/ 69رقم 227، السبكي:
طبقات الشافعية 2/ 224، الخطيب: تاريخ بغداد 8/ 471، ابن النديم الفهرست 1/ 212، ابن الصلاح: طبقات 2/ 751.
(6) ترجمته في: الخطيب: تاريخ بغداد 8/ 53، وابن كثير: البداية والنهاية 11/ 171، وابن(1/191)
كبار الأئمّة ببغداد. قال أبو الطّيّب الطبري: كان أبو علي بن خيران، يعاتب ابن سريج على ولاية القضاء. ويقول: هذا الأمر لم يكن في أصحابنا، إنما كان في أصحاب أبي حنيفة، وقال أبو إسحاق الشيرازي في ترجمة ابن خيران (1) عرض عليه القضاء، فلم يتقلّد، وكان بعض وزراء المقتدر، وكّل بداره ليتقلد القضاء، فلم يتقلّد وخوطب الوزير في ذلك. فقال: إنما قصدنا ليقال في زماننا: من وكّل بداره ليتقلّد القضاء فلم يتقلد.
قلت: تخرّج بأبي علي بن خيران جماعة ببغداد. وقيل: إن وفاته سنة عشرين وهم.
وإنما توفي في حدود سنة عشر. والأول أظهر، فإن أبا بكر محمد بن أحمد الحداد الفقيه، سافر من مصر إلى بغداد، يسعى لأبي عبيد بن حربويه القاضي، في أن يعفى من قضاء مصر. فقال ابن زولاق في (تاريخ قضاة مصر): وشاهد ابن الحداد ببغداد في شوّال سنة عشر، باب أبي علي بن خيران الفقيه الشافعي، مسمورا (2) لامتناعه من القضاء وقد استتر. قال: فكان الناس يأتون بأولادهم الصغار فيقولون لهم: انظروا حتى تحدّثوا بهذا. قال أبو عبد الله الحسين بن محمد العسكري: توفي لثلاث عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة عشرين. وامتنع من القضاء. فوكّل الوزير ابن عيسى ببابه، فشاهدت الموكّلين على بابه حتى كلّم فأعفاه. وقال: ختم الباب بضعة عشر يوما.
قلت: لم يبلغنا على من اشتغل؟ ولا من أخذ عنه. وأظنّه مات كهلا، ولم يسمع شيئا فيما أعلم.
99 - منصور بن إسماعيل بن الحسن التميمي (3) المصري، الفقيه، الشافعي الضرير، مصنّف كتاب (الهداية) وكتاب (الواجب) وغير ذلك. تفقّه على أصحاب الشافعي، وتوفي قبل العشرين وثلاثمئة، وقيل: توفي سنة ست وثلاثمئة.
__________
العماد: شذرات الذهب 2/ 287وابن الجوزي: المنتظم 13/ 310.
(1) طبقات الفقهاء 110للشيرازي.
(2) المسمور: المثبت المغلق بالخشب والمسامير.
(3) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات 2/ 164، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 478، ياقوت:
معجم الأدباء 19/ 182، وابن الجوزي: المنتظم: 6/ 152، السيوطي: حسن المحاضرة 1/ 225، حاجي خليفة: كشف الظنون 1468، 1661، 2031، والإسنوي طبقات 1/ 299.(1/192)
سنة إحدى وعشرين وثلاثمئة
100 - محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهيه (1)، أبو بكر الأزدي، البصري، نزيل البصرة. تنقّل في جزائر البحر، وفارس، وطلب الأدب واللغة، وكان أبوه من رؤساء زمانه، وكان أبو بكر رأسا في العربية، وأشعار العرب. وله شعر كثير، وتصانيف (2)
مشهورة، حدّث عن (3): أبي حاتم السّجستاني، وأبي الفضل العباس الرّياشي، وابن أخي الأصمعي، روى (4) عنه: أبو سعيد السّيرافي، وأبو بكر بن شاذان، وأبو الفرج صاحب (الأغاني) وأبو عبيد المرزباني، وأبو العباس إسماعيل بن ميكال، وغيرهم، وعاش بضعا وتسعين سنة. فإن مولده في سنة ثلاث وعشرين ومائتين. قال أحمد بن يوسف الأزرق: ما رأيت أحفظ من ابن دريد، وما رأيته قرىء عليه ديوان قطّ إلا وهو يسابق إلى روايته لحفظه (5) له. وقال أبو حفص بن شاهين (6): كنا ندخل على ابن دريد، فنستحيي مما نرى من العيدان المعلّقة والشراب. وقد جاوز التسعين. وقال أبو منصور (7) الأزهري: دخلت عليه فرأيته سكران، فلم أعد إليه. ولابن دريد كتاب (الجمهرة) وكتاب (الأمالي) وكتاب (اشتقاق أسماء القبائل) وكتاب (المجتبى) وهو صغير، وكتاب (الخيل) وكتاب (السّلاح) وكتاب (غريب القرآن) ولم يتمّ، وكتاب (أدب الكاتب) وكتاب (فعلت وأفعلت) وكتاب (المطر) وغير ذلك. وحكى (8)
الخطيب عن أبي بكر الأسدي قال: كان يقال: ابن دريد أعلم الشعراء، وأشعر العلماء.
وقال ابن يوسف الأزرق: كان ابن دريد واسع الحفظ جدا، وله قصيدة طنّانة يمدح بها الشافعي رحمه الله، ويذكر علومه، دفن هو وأبو هاشم الجبّائي في يوم واحد في مقبرة
__________
(1) ترجمته في: الخطيب تاريخ بغداد 2/ 195، الذهبي: العبر 2/ 187، ابن كثير: البداية 11/ 176، والسبكي: طبقات الشافعية 3/ 138.
(2) انظر كتبه في: ابن النديم: الفهرست 611، هدية العارفين 2/ 32.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 330.
(4) نفسه.
(5) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 196.
(6) نفسه، ياقوت: معجمو الأدباء 18/ 130.
(7) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 330.
(8) نفسه، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 196ومعجم الأدباء 18/ 129.(1/193)
الخيرزان، لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان، فقيل: مات علم الكلام، واللغة جميعا (1). وأول شعر قاله (2): [من البسيط]:
ثوب الشباب عليّ اليوم بهجته ... فسوف تنزعه عنّي يد الكبر
أنا ابن عشرين لا زادت ولا نقصت ... إنّ ابن عشرين من شيب على خطر
وكان عبد الله بن ميكال على إمرة الأهواز للمقتدر، فأحضر ابن دريد لتأديب ولده إسماعيل، فقال فيهما مقصورته المشهورة، فوصلاه بجوائز منها ثلاثمئة دينار من خاصّة الصّبي وحده. ذكره أبو الحسن الدّارقطني فقال: تكلّموا فيه (3). قلت: ووقع لنا من عواليه في «أمالي الوزير».
سنة اثنين وعشرين وثلاثمئة
101 - أبو علي الرّوذباري (4) شيخ الصوفية. قيل: اسمه أحمد بن محمد بن القاسم بن منصور البغدادي. وقيل: اسمه حسن بن هارون. وهو خال أحمد بن عطاء الرّوذباري. أخذ عنه: ابن أخته، ومحمد بن عبد الله بن شاذان الرّازي، وأحمد بن علي الوجيهي، ومعروف الزنجاني، وآخرون، وأرّخ وفاته أبو سعيد النقّاش. وقد سكن مصر، وصار شيخها. صحب أبا القاسم الجنيد، وأبا الحسين النّوري، وأبا حمزة، وطبقتهم من البغداديين، وصحب بالشام، أبا عبد الله بن الجلّاء، وكان فقيها عالما محدّثا (5). روى عن مسعود الرملي وغيره. وسئل عمّن يسمع الملاهي. ويقول:
هي لي حلال، لأني قد وصلت إلى درجة لا يؤثّر فيّ اختلاف الأحوال. فقال: نعم. قد
__________
(1) ابن لجوزي: المنتظم 13/ 331، تاريخ بغداد 2/ 197، وكانت وفاته سنة 321هـ ودفن بالخيزرانية ببغداد.
(2) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 196ومعجم الأدباء 18/ 129.
(3) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 196.
(4) ترجمته في: ابن الجوزي: صفة الصفوة 2/ 293 (ترجمة رقم 134) واسمه: أحمد بن القاسم في طبقات السلمى 354، طبقات الصوفية 354الخطيب: تاريخ بغداد 1/ 329، الأنساب 6/ 180، ياقوت معجم البلدان 3/ 77، السبكي 3/ 48، الإسنوي 1/ 576، ابن اصلاح طبقات 1/ 394، طبقات الشعراني 1/ 129، ابن العماد، شذرات 2/ 296، حلية الأولياء 10/ 356، البداية والنهاية 11/ 180.
(5) السلمي: طبقات الصوفية 354.(1/194)
وصل لعمري، ولكن إلى سقر (1). وقال: أنفع اليقين ما عظّم الحقّ في عينيك، وصغّر ما دونه عندك، وأثبت الرجاء، والخوف في قلبك (2). وقال أبو علي الكاتب: ما رأيت أحدا أجمع لعلم الشريعة والحقيقة، من أبي علي الرّوذباري. وقال أحمد بن عطاء: كان خالي يتفقّه بالحديث، ويفتي بالمقاطيع. وعن أبي علي قال (3): أستاذي في التصوف الجنيد، وأستاذي في الحديث إبراهيم الحربي، وأستاذي في الفقه أبو العباس بن سريج، وأستاذي في الأدب ثعلب (4). وعن الجعابي قال: رحلت إلى عبدان، فأتيت مسجده فوجدت شيخا، فكلّمته فذاكرني بأكثر من مائتي حديث في الأبواب. وكنت قد سلبت في الطريق، فأعطاني الذي عليه، فلما دخل عبدان اعتنقه وبشّ به، فقلت لهم:
من هذا؟ قالوا: أبو علي الرّوذباري، ثم كلّمته بعد فرأيته حافظا، رحمه (5) الله ورضي عنه.
102 - أبو نعيم بن عدي (6). هو عبد الملك بن عديّ الجرجاني، توفي سنة اثنتين في قول علي بن محمد بن شعيب الأسترآبادي، وقال غيره سنة ثلاث كما يأتي، وقال ابن كثير: إنه توفي سنة عشرين وهو غلط.
سنة ثلاث وعشرين وثلاثمئة
103 - عبد الملك بن محمد بن (7) عديّ أبو نعيم الجرجاني الأسترآباذي، الفقيه الحافظ الرحال، سمع: عمر بن شبّة، وعلي بن حرب، والرمادي، ويزيد بن
__________
(1) السلمي: طبقات الصوفية 365، حلية الأولياء 10/ 356.
(2) السلمي: طبقات الصوفية 359.
(3) السلمي: طبقات الصوفية 360، تاريخ بغداد 1/ 331، وصفة الصفوة لابن الجوزي 2/ 293.
(4) السلمي: طبقات الصوفية 360، نفسه.
(5) ابن الجوزي: صفة الصفوة 2/ 294، وتاريخ بغداد 1/ 330، 331.
(6) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 428. تاريخ جرجان للسهمي 532، معجم البلدان 1/ 175، تذكرة الحفاظ 3/ 816، وشذرات الذهب 2/ 299.
(7) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 428، شذرات الذهب لابن العماد 2/ 299، تذكرة الحفاظ 4/ 162، طبقات الفقهاء للشيرازي 85، 104، الكامل في التاريخ 8/ 296، سير أعلام النبلاء 14/ 541، طبقات السبكي 2/ 242، البداية والنهاية 11/ 183، النجوم الزاهرة 3/ 251، هدية العارفين 1/ 424، معجم طبقات الحفاظ 123.(1/195)
عبد الصمد، وسلمان بن سيف، والربيع بن سليمان، وعمار بن رجاء، ومحمد بن عيسى الدّامغانيّ، ومحمد بن عوف، وأبا زرعة الرازي، وأبا حاتم، وطبقتهم بالعراق، ومصر، والشام، والجزيرة، والحجاز، وخراسان. روى عنه: ابن صاعد، وأبو علي الحافظ، وأبو محمد المخلّدي، وأبو إسحاق المزني، وأبو بكر الجوزقيّ، وأبو سعد محمد بن عبد الرحمن الإدريسي، وخلق سواهم. قال الحاكم:
كان من أئمة المسلمين، ورد نيسابور وهو متوجه إلى بخارى، فروى عنه الحفّاظ، وسمعت الأستاذ أبا الوليد حسان بن محمد يقول: لم يكن في عصرنا من الفقهاء أحفظ للفقهيّات، وأقاويل الصحابة بخراسان من أبي نعيم الجرجاني، ولا بالعراق من أبي بكر بن زياد النيسابوري. قال: وسمعت أبا علي الحافظ يقول: كان أبو نعيم الجرجاني أحد الأئمة (1)، ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة، مثله أو أفضل منه، كان يحفظ الموقوفات، والمراسيل، كما نحفظ نحن المسانيد (2). وقال أبو سعد الإدريسيّ: في حفظه وعلمه. وقال الخطيب (3): كان أحد الأئمة، ومن الحفّاظ لشرائع الدين، مع صدق وتيقّظ وورع. وقال حمزة السهمي (4): كان مقدّما في الفقه، والحديث، وكانت الرحلة إليه. ولد سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وتوفي في آخر السنة، وأرّخه الحاكم سنة اثنتين وعشرين.
سنة أربع وعشرين وثلاثمئة
104 - أحمد بن موسى بن العباس بن (5) مجاهد، أبو بكر البغدادي، شيخ القراء في عصره، ومصنّف كتاب السّبعة. سمع: الرمادي، وسعدان بن نصر، ومحمد بن عبد الله المزني، وأبا بكر الصّفاني، وجماعة وقرأ القرآن على: قنبل، وأبي
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 311.
(2) الخطيب: تاريخ بغداد 10/ 429.
(3) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 428.
(4) انظر: السهمي: تاريخ جرجان 532هـ.
(5) ترجمته: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5/ 144، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 185، الزركلي الأعلام 1/ 261، السبكي: طبقات 3/ 57، والجزري: طبقات القراء 1/ 142139، الإسنوي: طبقات 2/ 294، ابن الصلاح: طبقات 1/ 408.(1/196)
الزّعراء (1) بن عبدوس، وغيرهما. وسمع الحروف من جماعة سمّاهم في كتاب (القراءات) له. وقال الخطيب بإسناد ذكره إلى ثعلب أنه قال في سنة ست وثمانين ومائتين (2): ما بقي في عصرنا أعلم بكتاب الله من ابن مجاهد. وكان من أهل الظّرف.
جاء عنه في ذلك أشياء. قال مرّة: من قرأ لأبي عمرو، وتمذهب للشافعي، واتّجر في البزّ، وروى شعر ابن المعتز، فقد كمل ظرفه. وعن عبيد الله الزّهري قال: انتبه أبي فقال: رأيت يا بنيّ كأنّ من يقول (3): مات مقوّم وحي الله. فلما أصبحنا إذا بابن مجاهد قد مات. قرأ عليه (4) خلق كثير، منهم: عبد الواحد بن أبي هاشم، وأبو عيسى بكّار بن أحمد، والحسن بن سعيد المطوّعي، وأبو الفرج الشنبوذي، وأبو بكر الشّذائي، وأبو أحمد السامري، وأحمد بن محمد العجلي، وأبو علي الحسين بن حبش الدّينوري، وأبو الحسن علي بن الحسين الفضائري، وأبو الحسن عبيد الله بن البوّاب، وطلحة بن محمد بن جعفر، وأبو الحسن منصور بن محمد بن منصور العراد، وآخر من بقي في الدنيا ممّن قرأ عليه، وأبو علي الحسين بن عثمان المجاهدي، الضرير، عاش إلى سنة أربعائة. وكان يأخذ على الإنسان الختمة بدينار أعني المجاهدي. وممن حدّث عن ابن مجاهد، أبو حفص بن شاهين، والدارقطني، وعمر الكتّاني، وأبو بكر بن شاذان، وأبو مسلم الكاتب، وكان ثقة مأمونا. ولد (5) سنة خمس وأربعين ومائتين، وتوفي في شعبان من هذا العام. قال أبو عمرو الدّاني: فاق ابن مجاهد في عصره، سائر نظائره من أهل صناعته، مع اتّساع علمه وبراعة فهمه وصدق لهجته وظهور نسكه، ثم سمّى الدّانيّ خلقا كثيرا ممّن قرأ عليه، وأنه تصدّر للإقراء، في حياة محمد بن يحيى الكسائي (6).
وقال عبد الواحد بن أبي هاشم: سأل رجل ابن مجاهد: لم لا تختار لنفسك حرفا يحمل
__________
(1) هو: عبد الرحمن بن عبدوس أبو الزعراء البغدادي، القارىء الثقة، مات سنة بضع وثمانين ومائتين / غاية النهاية 1/ 374.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 35835713، الخطيب: تاريخ بغداد 5/ 147.
(3) نفسه.
(4) انظر غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري 3743731.
(5) كانت وفاته لعشر بقين من شعبان ودفن في مقبرة باب البستان ببغداد سنة 324هـ وخلّف مالا / ابن الجوزي المنتظم 13/ 358ومكان ولادته بسوق العطش ببغداد. الجزري: طبقات القراء 1/ 139، سنة 245هـ / ابن الجوزي 13/ 357.
(6) ابن الجوزي: طبقات القراء 1/ 374.(1/197)
عنك؟ قال: نحن إلى أن نعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا، أحوج منّا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا. وسمعت فارس بن أحمد يقول: انفرد ابن مجاهد عن قنبل بعشر أحرف، ولم يتابع عليها. وقال عليّ بن عمر المقريء: كان لابن مجاهد في حلقته أربعة وثمانون خليفة، يأخذون على الناس. وقال عبد الباقي بن الحسن: كان في حلقته خمسة عشر ضريرا، يتلقّنون لعاصم (1). وقيل: كان مجاهد يجيد الغناء والموسيقى، وفيه ظرف البغاددة، مع الدين والخير.
105 - عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل بن (2) ميمون، أبو بكر النّيسابوري، الحافظ الفقيه الشافعي، مولى آل عثمان بن عفّان رضي الله عنه. سمع محمد بن يحيى، وأحمد بن يوسف، وعبد الله بن هاشم، وأحمد بن الأزهر ببلده، ويونس، والربيع، والمزني، وأحمد بن أخي ابن وهب، المصريين، وأبا زرعة الرازي، والعباس بن الوليد البيروتي، والحسن بن محمد الزعفراني، والرّمادي، وعلي بن حرب، ومحمد بن عوف، وهذه الطبقة. وعنه: ابن عقدة، وأبو علي النيسابوري، وحمزة الكتاني، وأبو إسحاق بن حمزة الإصبهاني، والدارقطني، وابن المظفّر، حفّاظ الدنيا، وأبو عمر بن حيّويه، وأبو حفص الكتاني، وابن شاهين، والمخلّص، وعبيد الله بن أحمد الصيدلاني، وإبراهيم بن خرّشيد قوله، وآخرون، قال الحاكم:
كان إمام عصره من الشافعية بالعراق، ومن أحفظ الناس للفقهيّات، واختلاف الصحابة.
وقال الدارقطني (3): ما رأيت أحفظ منه، وكان يعرف زيادات الألفاظ في المتون. فلما قعد للتحديث، قالوا: حدّث. قال: بل سلوا. فسئل عن أحاديث أجاب فيها وأملاها. وقال يوسف القوّاس: سمعت أبا بكر النيسابوري يقول (4): نعرف من أقام أربعين سنة لم ينم الليل، ويتقوّت كل يوم بخمس حبّات، فيصلي صلاة الغداة، على طهارة العشاء الآخرة. ثم قال: أنا هو. وهذا كله قبل أن أعرف أمّ عبد الرحمن لمن زوّجني. ثم قال: ما اراد الله إلا الخير. وقال الدارقطني: كنّا في مجلس فيه أبو طالب
__________
(1) هو: عاصم بن بهدلة أبي النجود شيخ الإقراء بالكوفة / غاية النهاية في طبقات القراء 1/ 346.
(2) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 120، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 186، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 310، الإسنوي: طبقات 2/ 481، والذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 37، الزركلي: الأعلام 4/ 139، وابن العماد: شذرات الذهب 2/ 312.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 363، وتاريخ بغداد 10/ 121.
(4) نفسه.(1/198)
الحافظ، والجعابي، وغيرهما، فجاء فقيه فسأل: من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ «وجعلت تربتها لنا طهورا» (1) فلم يجيبوه. ثم ذكروا وقاموا وسألوا أبا بكر بن زياد. فقال: نعم ثنا فلان. ثم ساق الحديث من حفظه. والحديث في مسلم. قال ابن نافع: توفي في رابع ربيع الآخر. قلت: وولد سنة ثمان وثلاثين ومائتين (2).
106 - علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن (3) سالم بن إسماعيل بن عبيد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى، عبد الله بن قيس الأشعري. أبو الحسن البصري، المتكلّم صاحب التصانيف (4)، في الكلام، والأصول، والملل والنّحل.
ولد سنة ستين ومائتين، وقيل: سنة سبعين، أخذ عن: أبي علي الجبّائي، الكلام، وسمع من: زكريا الساجي، وأبي خليفة الجمحي، وسهل بن نوح، ومحمد بن يعقوب المقريء، وعبد الرحمن بن خلف الضّبي، البصريين. وروى عنهم في تفسيره كثيرا.
وكان معتزليا (5)، ثم تاب من الاعتزال. وصعد يوم الجمعة كرسيّا بجامع البصرة، ونادى بأعلى صوته: من عرفني فقد عرفني؟ ومن لم يعرفني؟ فأنا فلان بن فلان، كنت أقول بخلق القرآن، وأن الله لا يرى بالأبصار، وأنّ أفعال الشرّ أنا فاعلها (6)، وأنا تائب، معتقد الرّد على المعتزلة، مبيّن لفضائحهم. قال الأهوازي: سمعت أبا عبد الله
__________
(1) أرّخه مسلم في أول المساجد (522) من طريق أبي بكر بن شيبة، ورواه أبو عوانة، وأورده الخطيب: تاريخ بغداد 10/ 121.
(2) دفن ببغداد بباب الكوفة / ابن الجوزي: المنتظم 13/ 364.
(3) ترجمته في: ابن النديم: الفهرست 1/ 181، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 11/ 346، ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 284، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 347، ابن كثير: البداية 11/ 187، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 303، السمعاني: الأنساب 1/ 273، الإسنوي:
طبقات 1/ 72، ابن الصلاح: طبقات 2/ 604، هدية العارفين 1/ 676، سير أعلام النبلاء 15/ 9085، الكامل في التاريخ 8/ 392، ابن الجوزي: المنتظم 2914.
(4) صنف أبو الحسن الأشعري 55مصنفا وقيل أكثر ومنها: الفصول في الرد على الملحدين والخارجين عن الملة، خلق الأعمال الرد على المجسمة، الرد على ابن الراوندي في الصفات والقرآن / ابن النديم: الفهرست 1/ 181، النجوم الزاهرة 3/ 259.
(5) ابن النديم: الفهرست ص 257، وابن الصلاح: طبقات 2/ 605، ابن الجوزي: المنتظم 14/ 29.
(6) أنا أفعلها: الفهرست ص 257، وتاريخ الإسلام ت 183ص 154وفيات سنة 324هـ، المنتظم 14/ 30.(1/199)
الجمزاني يقول: لم نشعر يوم الجمعة، وإذا بالأشعري قد طلع على منبر الجامع بالبصرة بعد الصلاة، ومعه شريط فشدّه على وسطه، ثم قطعه. وقال: اشهدوا عليّ أني كنت على غير دين الإسلام، وإني أسلمت الساعة، وإني تائب من الاعتزال. ثم نزل (1). قال أبو عمرو الزّجاجي: سمعت ابا سهل الصعلوكي يقول: حضرنا مع الأشعري مجلس علويّ بالبصرة، فناظر أبو الحسن المعتزلة، وكانوا كثيرا حتى أتى على الكلّ فهزمهم.
كلّ ما انقطع واحد، أخذ الآخر، حتى انقطعوا، فعدنا في المجلس الثاني فما عاد أحد فقال: بين يدي العلوي: اكتب على الباب فرّوا. وقال أبو الحسن علي بن محمد بن يزيد الحلبي: سمعت أبا بكر بن الصّيرفي يقول: كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم، حتى أظهر الله الأشعري، فحجرهم في أقماع السّمسم (2). وابن الصيرفي هذا من كبار الأئمة الشافعية. وقال ابن الباقلّاني (3): سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول: دخلت البصرة، وكنت أطلب أبا الحسن، فإذا هو في مجلس يناظر، وثمّ جماعة من المعتزلة، فكانوا يتكلمون، فإذا سكتوا وأنهوا كلامهم. قال: كذا قلت، وكذا وكذا، والجواب كذا، وكذا، إلى أن يجيب الكلّ. فلما قام تبعته، فقلت: كم لسان لك؟ وكم أذن لك؟ وكم عين لك؟ فضحك وقال: من أين أنت؟ قلت: من شيراز. وكنت أصحبه بعد ذلك. وقال ابن باكويه: سمعت ابن خفيف، فذكر حكاية وفيها: فحملني أبو الحسن إلى دار لهم، تسمى دار الماوردي، فاجتمع به جماعة من مخالفيه، فقلت له:
تسألهم مسألة؟ فقال: السّؤال بدعة، لأني أظهرت بدعة أنقض بها كفرهم. وإنما هم يسألوني عن منكرهم فيلزمني ردّ باطلهم إلزاما. فسالوه، فتعجبت من حسن كلام الشيخ أبي الحسن حين أجاب. ولم يكن في القوم من يوازيه في النّظير (4). قال ابن عساكر:
قرأت بخطّ عليّ بن نقاء المصري المحدّث، في رسالة كتب بها، أبو محمد بن أبي زيد القيرواني (5) المالكي. جوابا لعلي بن أحمد بن إسماعيل البغدادي المعتزلي، حين ذكر الأشعري، ونسبه إلى ما هو منه بريء، فقال ابن أبي زيد في حقّ الأشعري: هو رجل مشهور إنه يردّ على أهل البدع، وعلى القدريّة الجهميّة، متمسّك بالسّنن. قال الأستاذ
__________
(1) تبيين كذب المفتري، لابن عساكر ص 40، والفهرست ص 257، طبقات الشافعية 2/ 345.
(2) تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي 11/ 347، ابن كثير: البداية 11/ 187.
(3) تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي 11/ 346، 347.
(4) تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي 11/ 346، 347، وابن الجوزي: المنتظم 14/ 29، 30.
(5) ابن عساكر: تبيين كذب المفتري ص 123.(1/200)
أبو إسحاق الإسفرائيني: كنت في جنب أبي الحسن الباهلي، كقطرة في البحر، وسمعت الباهلي يقول: كنت أنا في جنب الأشعري رحمه الله، كقطرة في جنب البحر (1). وعن ابن الباقلّاني، قال: أفضل أحوالي أن أفهم كلام الشيخ أبي الحسن الأشعري. وقال بندار ابن أبي برك خادم الأشعري. كانت غلّة أبي الحسن من ضيعة وقفها جدّهم، بلال على عقبه، فكانت نفقته في السنة سبعة عشر درهما (2). وذكر الحافظ أبو محمد بن حزم، أن لأبي الحسن خمسة وخمسين (3) تصنيفا. وأنه توفي سنة أربع وعشرين. وكذا قال: أبو بكر بن فورك، والقرّاب، وقال غيرهم: سنة ثلاثين.
وقيل: سنة نيّف وثلاثين (4)، أخذ عنه: زاهر بن أحمد السّرخسي، وأبو عبد الله بن مجاهد، وغير واحد، وله كتاب (الإبانة) وعامّته في عقائد أهل السنة، وهو مشهور وكتاب جمل المقالات وكتاب (اللّمع) وكتاب (الموجز) وكتاب (فرق الإسلاميين) و (اختلاف المصلّين) ومن نظر في هذه الكتب عرف محلّه. ومن أراد أن يتبحر في معرفة الأشعري، فليطالع كتاب (تبيين كذب المفتري) تأليف أبي القاسم ابن عساكر. اللهمّ توفّنا على السّنّة وأدخلنا الجنة، واجعل أنفسنا بك مطمئنّة، نحبّ فيك أولياءك، ونبغض فيك أعداءك. ونستغفر للعصاة من عبادك، ونعمل بمحكم كتابك، ونؤمن بمتشابهه، ونصفك بما وصفت به نفسك، ونصدّق بما جاء به رسولك، إنك سميع الدّعاء آمين (5).
قيل: إن الأشعري سأل أبا علي الجبائي (6)، عن ثلاثة إخوة: مؤمن تقيّ، وكافر، وصبيّ، ماتوا ما حالهم؟ قال: المؤمن في الجنة، والكافر في النار، والصغير من أهل السلامة. فقال: إن أراد الصغير أن يرق إلى درجة التقي، هل يؤذن له؟ قال: لا. قال له: إن أخاك إنما نال هذه الدرجة بطاعاته؟ وليس لك مثلها. قال: فإن قال: التقصير
__________
(1) ابن عساكر: تبيين كذب المفتري ص 125.
(2) ابن عساكر: تبيين كذب المفتري ص 142.
(3) وفي رواية: زادت تآليفه على مائتين أو ثلاثمئة مصنّف، انظر: ابن الدنيم: الفهرست 1/ 181، حاجي خليفة: كشف الظنون 208، 838.
(4) ولد سنة: 26هـ ومات سنة نيف وثلاثين وثلاثمائة / المنتظم 3014.
(5) تاريخ الإسلام للذهبي، وفيات سنة 324هـ (ت 183) ص 157.
(6) هو محمد بن عبد الوهّاب بن سلّام بن خالد بن حمزة بن إبان الجبائي البصري (أبو علي) معتزلي، متكلم. ولد سنة 235هـ ومات سنة 303هـ بالبصرة ودفن بجبا من عمل خوزستان.
من آثاره: تفسير القرآن. / ابن كثير: البداية 11/ 125، الصفدي: الوافي 4/ 74، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 3/ 189.(1/201)
ليس مني، فلو أحييتني حتى كنت أطعتك؟ قال: يقول الله له: كنت أعلم أنك لو بقيت لعصيت، ولعوقبت فراعيت مصلحتك، فقال أبو الحسن: فلو قال الأخ الكافر: يا ربّ علمت حاله كما علمت حالي فهلّا راعيت مصلحتي مثله؟ فانقطع الجبّائي. فسبحان من لا يسأل عما يفعل. قال القشيري: سمعت ابا علي الدّقاق: سمعت زاهر بن أحمد الفقيه يقول: مات الأشعري. ورأسه في حجري، وكان يقول شيئا في حال نزاعه، من داخل حلقه، فأدنيت إليه رأسي، فكان يقول: لعن الله المعتزلة موّهوا ومخرقوا. وقال أبو حازم العبدوي: سمعت زاهر بن أحمد يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داره ببغداد أتيته فقال: اشهد عليّ أني لا أكفّر أحدا من أهل هذه القبلة، لأن الكلّ يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كلّه اختلاف العبارات. وممّن أخذ عن الأشعري: ابن مجاهد، وزاهر وأبو الحسن الباهلي، وأبو الحسين عبد العزيز بن محمد بن إسحاق الطبري، وأبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري، وأبو جعفر الأشعري النقّاش، وبندار بن الحسين الصوفي. قال أبو يعقوب: إسحاق بن إبراهيم القرّاب في تاريخه: توفي أبو الحسن الأشعري، سنة أربع وعشرين وثلاثمئة، وكذا ورّخه أبو بكر بن فورك (1) [الإصبهاني] وغيره.
107 - عبد الله بن محمد بن (2) الحسن أبو محمد الشّرقي، أخو أبي حامد الشرقي، كان أسنّ من أبي حامد. سمع: الذّهليّ، وعبد الله بن هاشم وعبد الرحمن بن بشر، وأحمد بن الأزهر، وأحمد بن يوسف، وأحمد بن منصور، وعنه: أحمد بن إسحاق الضّبعي، وأبو علي الحافظ، ويحيى بن إسماعيل الحربي، وعبد الله بن حامد الواعظ، وأبو الحسن الماسرجسي ومحمد بن أحمد بن عبدوس، ومحمد بن الحسين الحسني، قال الحاكم: توفي في ربيع الآخر، سنة ثمان وعشرين وثلاثمئة، وله اثنتان وتسعون سنة. وقد رأيته: شيخ طوال، أسمر، له أذنان كأنهما مروحتان، وأصحاب المحابر بين يديه، ولم أرزق السماع منه. وكان أوحد وقته في معرفة الطّبّ. ولم يدع الشّرب إلى أن مات. فذلك الذي نقموا عليه. وكان أخوه لا يرى لهم السماع منه لذلك.
__________
(1) انظر: ابن عساكر: تبيين كذب لمفتري 135.
(2) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 110 (5237)، ابن الصلاح: طبقات 1/ 148، 168، 2/ 678.(1/202)
108 - محمد بن شعيب بن إبراهيم العجليّ (1)، أبو الحسن البيهقي، مفتي الشافعية، وأحد المذكورين بالفصاحة، أخذ عنه الأستاذ أبو الوليد حسان.
109 - محمد (2) بن عبد الله بن إبراهيم أبو عبد الله الجرجاني، الشافعي. قال جعفر المستغفري: كان كبش الشافعية في وقته، فقيه، مناظر.
سنة خمس وعشرين وثلاثمئة
110 - أحمد بن محمد بن الحسن (3) أبو حامد ابن الشرقي النيسابوري، الحجّة الحافظ تلميذ مسلم. سمع: محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف، وأحمد بن الأزهر، وأحمد بن حفص بن عبد الله، وعبد الرحمن بن بشر وأبا حاتم، ومحمد بن إسحاق الصاغاتي، وعبد الله بن محمد بن شاكر، وعبد الله بن أبي مسرّة وخلقا. وصنّف (الصحيح) وكان واحد عصره حفظا، وثقة، ومعرفة. حجّ مرات. قال السّلمي:
سألت الدارقطني عن أبي حامد فقال: ثقة مأمون. قلت: ممّ تكلّم فيه ابن عقدة؟
فقال: سبحان الله ترى يؤثّر فيه مثل كلامه فلو كان بدل ابن عقدة يحيى بن معين.
قلت: وأبو علي؟ قال: ومن أبو علي حتى يسمع كلامه فيه. وقال الخطيب: أبو حامد فقيه حافظ متقن. وقال حمزة السّهمي: سألت أبا بكر ابن عبدان، عن ابن عقدة، إذا نقل حديثا في الجرح والتعديل هل يقبل قوله؟ قال: لا يقبل. نظر إليه ابن خزيمة فقال:
حياة أبي حامد تحجز بين الناس وبين الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
روى عنه: أبو بكر محمد بن محمد الباغندي، وأبو العباس بن عقدة، وأبو أحمد العسّال، وأبو أحمد بن عدي، وأبو علي الحفّاظ، وزاهر بن أحمد، والحسن بن أحمد
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 173، الإسنوي: طبقات 1/ 217، وابن الصلاح:
طبقات 2/ 853.
(2) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 1/ 348، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 858.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 41، 42، الذهبي تذكرة الحفاظ 3/ 39، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 306، والخطيب: تاريخ بغداد 4/ 426، البداية والنهارية لابن كثير 11/ 188.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 367، والإسنوي: طبقات 2/ 90، وابن الصلاح: طبقات 1/ 378.(1/203)
المخلّدي، وأبو بكر محمد بن عبد الله الجوزقي وغيرهم. ولد سنة أربعين ومائتين، وتوفي في رمضان. وصلّى عليه أخوه عبد الله (1).
111 - إسماعيل بن عبد الواحد أبو هاشم الرّبعي (2)، المقدسي، الشافعي القاضي. ولي قضاء مصر نحوا من شهرين، في سنة إحدى وعشرين، ثم أصابه فالج، وتحوّل إلى الرملة، فمات بها في هذا العام، وكان من كبار الشافعية، وكان جبّارا ظلوما، ولم تطل ولايته.
112 - محمد بن عبد الرحمن بن محمد أبو العباس الدّغولي (3) السّرخسي، الفقيه، الحافظ. إمام وقته بخراسان، سمع: الذّهلي، وعبد الرحمن بن بشر، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، وطبقتهم بنيسابور، والعراق. وعنه: أبو علي الحافظ، وأبو بكر الجوزقي وجماعة. قال أبو الوليد الفقيه: قيل لأبي العباس الدّغولي: لم لا تقنت في صلاة الفجر؟ فقال: لراحة الجسد، ومداراة الأهل والولد، وسنّة أهل البلد. وعن أبي أحمد بن عدي قال: ما رأيت مثل أبي العباس الدّغولي. وقال أبو بكر أحمد بن الحسين الحافظ: خرجنا مع ابن خزيمة إلى سمرقند، لتهنئة الأمير الشهيد، والتعزية عن الأمير الماضي أبي إبراهيم. فلما انصرفنا. قلت لمحمد بن إسحاق: ما رأينا في سفرنا مثل أبي العباس الدّغولي. فقال ابو بكر: ما رأيت أنا مثل أبي العباس. وقال محمد بن العباس: قال الدّغولي: أربع مجلّدات لا تفارقني في السفر والحضر: (كتاب المزني) و (كتاب العين) و (التاريخ) للبخاري، و (كليلة ودمنة) (4) ثلاثة ورابعهم كلبهم.
سنة ست وعشرين وثلاثمئة
113 - أحمد بن علي بن بيغجور أبو بكر الأخشيد (5)، المتكلّم المعتزليّ. روى في
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 367.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 222، الإسنوي: طبقات 2/ 395، ابن الصلاح:
طبقات 2/ 727، الولاة والقضاة للكندي 184، 485، 539.
(3) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات 2/ 855، الإسنوي: طبقات 1/ 518، وابن قاضي شهبة 1/ 8887، الأنساب، ابن السمعاني 5/ 359، تذكرة الحفاظ 3/ 823، سير أعلام النبلاء 14/ 562553، الوافي بالوفيات 3/ 226.
(4) شذرات الذهب: 2/ 307، طبقات الحفاظ 343.
(5) ترجمته في: ابن حجر: لسان الميزان 1/ 231، ابن النديم: الفهرست 1/ 173، الذهبي:
سير النبلاء 1/ 53، الوافي بالوفيات 7/ 219، والخطيب: تاريخ بغداد 4/ 309 (2099)(1/204)
مصنفاته عن: أبي مسلم الكجّي، وموسى بن إسحاق الأنصاري، ومات كهلا في هذا العام. قال الوزير أبو محمد بن حزم: رأيت لأبي بكر أحمد بن علي بن بيفجور المعروف بابن الإخشيد، أحد أركان المعتزلة، وكان أبوه من أبناء ملوك فرغانة الأتراك.
وقد ولي أبوه الثغور، وكان أبو بكر يتفقّه للشافعي، فرأيت له في بعض كتبه (1) يقول:
التوبة هي الندم فقط. وإن لم ينو مع ذلك ترك المراجعة، لتلك الكبيرة. وهذا أشنع ما يكون من قول المرجئة. لأن كل مسلم نادم على ما يفعله من الكبائر. قلت: ومن تلامذة أبي بكر هذا، القاضي أبو الحسن محمد بن محمد بن عمرو النيسابوري، المعتزليّ، الملقّب بالبيض، ورأيت له كتابا حافلا في (نقل القرآن). وقد روى فيه عن جماعة، وبحث فيه بحوثا جيدة. عاش ستا وخمسين سنة (2) أرّخه الخطيب، وقد ارتحل إلى أبي خليفة الجمحيّ.
سنة سبع وعشرين وثلاثمئة
114 - أحمد بن بشر بن محمد بن إسماعيل بن بشر (3) التّجيبي، أبو عمر، الأندلسي بن الأعبس، القرطبي اللغوي. روى عن محمد بن وضاح، ومطرّف بن قيس، والخشني. وكان شافعي المذهب، يميل إلى النظر والحجّة، رحمه الله. روى عنه جماعة، وكان بارعا في اللغة، ثقة، ثم أفاد من ألسنة الأئمة. وقال فيه الإمام أبو الأعمش التجيبي القرطبي: وكان فقيها مجتهدا، علّامة، رأسا في اللغة والنحو أرّخه عياض.
115 - الحسن بن أحمد بن يزيد أبو سعيد الإصطخري (4)، شيخ الشافعية، سمع
__________
الإسنوي: طبقات 1/ 71، وابن الصلاح: طبقات 2/ 711.
(1) من كتبه: المعونة في الأصول لم يتمه، كتاب المبدي، نقل القرآن، مختصر تفسير الطبري 1/ ابن النديم الفهرست 1/ 173.
(2) ولد سنة 270هـ ومات سنة 326هـ / لسان الميزان: ابن حجر 1/ 231.
(3) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام ص 199 (ترجمة رقم 307)، تاريخ علماء الأندلس 1/ 33برقم 102، جذوة المقتبس 118 (ت رقم 698).
(4) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 2/ 74، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 230، 253، ابن كثير: البداية 11/ 193، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 312، ابن النديم: الفهرست 300، والزركلي الأعلام 2/ 179، الإسنوي 1/ 46، وابن الصلاح: طبقات 2/ 735.(1/205)
ببغداد سعدان بن نصر، وحفص بن عمرو الرّبالي، والرّمادي، وجبل بن إسحاق.
وعنه: ابن المظفّر، والدارقطني، وابن شاهين، وأبو الحسن بن الدندي، وغيرهم.
قال أبو إسحاق المروزي: لمّا دخلت بغداد، لم يكن بها من يستحق أن ندرس عليه إلا ابن سريج، وأبو سعيد الإصطخري. وقال الخطيب (1): ولي قضاء قم. وقد ولي حسبة بغداد، فأحرق مكان الملاهي، وكان ورعا زاهدا، متقلّلا من الدنيا. وله تصانيف مفيدة، منها: كتاب «أدب القضاء»، ليس لأحد مثله. قلت: وكان من أصحاب الوجوه في المذهب، وقيل (2): إن قميصه، وعمامته، وطيلسانه، وسراويله، كانت من شقّة واحدة، وعاش نيفا وثمانين سنة. وقد استقضاه المقتدر على سجستان. وقد استفتاه المقتدر في الصّابئين، فأفتاه، بقتلهم لأنهم يعبدون الكواكب. فعزم الخليفة على ذلك، حتى جمعوا له مالا كثيرا. مات الإصطخريّ في جمادى الآخرة رحمه الله تعالى (3).
116 - الحسن بن القاضي أبي زرعة (4) محمد بن عثمان الدمشقي، أبو عبد الله، قاضي دمشق وابن قاضيها. ولي قضاء ديار مصر، سنة أربع وعشرين، وتوفي يوم عيد الأضحى سنة سبع بمصر. هذا ما قال فيه ابن عساكر. ولما غلب الإخشيد على ديار مصر، أقام الحسين في القضاء. وكان قضاء مصر إلى ابن أبي الشوارب، وهو مقيم ببغداد فيستخلف من شاء. فكتب بالعهد إلى الحسين، وركب بالسّواد وقرىء عهده.
واستناب الإمام أبا بكر بن الحداد، شيخ ديار مصر، وكان الحسين كبير القدر معظّما.
نقيبته بسيف ومنطقة. وكان ينفق على مائدته في الشهر أربعمائة دينار. واتسعت ولايته وجمع له القضاء بمصر والشام. فحكم على مصر، ودمشق، والرملة وحمص، وكثرت نوابه. ولكن لم تمتد أيامه، وعاش ثلاثا وأربعين سنة. وكان كريما جوادا عارفا بالقضاء منفّذا للأحكام.
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 13/ 385، تاريخ بغداد 7/ 269.
(2) نفسه.
(3) ابن النديم: الفهرست ص 300.
(4) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 281، الإسنوي: طبقات، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 746، تهذيب تاريخ دمشق 4/ 329، البداية والنهاية 11/ 191، سير أعلام النبلاء 15/ 309، الوافي بالوفيات 2/ 302.(1/206)
117 - عبد الرحمن بن أبي حاتم (1) محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو محمد التميمي الحنظلي. وقيل: بل الحنظليّ فقط، وهي نسبة إلى درب حنظلة بالري، كان يسكنه والده. هو الإمام بن الإمام حافظ الريّ، وابن حافظها. رحل مع أبيه صغيرا وبنفسه كبيرا. وسمع أباه، وابن واره، وأبا زرعة، والحسين بن عرفة، وأحمد بن سنان القطان، وأبا سعيد الأشدّ، وعلي بن المنذر الطريقيّ، ويونس بن عبد الأعلى، وخلقا كثيرا، بالحجاز والشام، ومصر، والعراق، والجبال، والجزيرة. روى عنه:
الحسين بن عليّ حسينك التميمي، ويوسف الميانجي، وأبو الشيخ، وعلي بن عبد العزيز بن مردك، وأحمد بن محمد بن الحسين البصير، وأبو القاسم بن عبد الله بن محمد بن أسد الفقيه، وأبو علي حمد بن عبد الله الإصبهاني، وإبراهيم وأحمد ابنا محمد بن عبد الله بن يزداد، وإبراهيم بن محمد النصرآباذيّ، وأبو سعيد عبد الله بن محمد الرازي، وعلي بن محمد القصّار، وآخرون. قال أبو يعلى الخليلي: أخذ علم أبيه، وأبي زرعة، وكان بحرا في العلوم، ومعرفة الرجال. صنّف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار (2). قال: وكان زاهدا يعدّ من الأبدال (3). وقال يحيى بن مندة: صنّف ابن أبي حاتم (المسند) (4) في ألف جزء، وكتاب (الزهد) وكتاب (الكنى) و (الفوائد الكثيرة) و (فوائد الرازيين) وكتاب (مقدمة الجرح والتعديل) وأشياء.
قلت: وله كتاب في (الجرح والتعديل) في عدة مجلّدات. تدلّ على سعة حفظه، وإمامته. وله كتاب في (الرد على الجهميّة) (5) في مجلّد كبر، يدلّ على تبحّر في
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 324، ابن حجر: لسان الميزان 3/ 308، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 191، الإسنوي 416، السمعاني: الأنساب 4/ 252، البغدادي:
هدية العارفين 1/ 513، ابن الصلاح: طبقات 1/ 534، تاريخ جرجان للسهمي 139، 327، تهذيب تاريخ دمشق 2/ 50، التدوين في أخبار قزوين 3/ 153سير أعلام النبلاء 13/ 263، النجوم الزاهرة 3/ 365، طبقات الحفاظ 345، 346.
(2) التدوين في أخبار قزوين 3/ 154.
(3) الأبدال: قوم من الصالحين، بهم يقيم الله الأرض، أربعون منهم في الشام، وثلاثون في سائر البلاد لا يموت منهم واحد إلا قام مكانه آخر، فلذلك سمّوا أبدالا / ابن منظور: لسان العرب 1/ 344 (بدل) والتدوين في أخبار قزوين 3/ 154.
(4) السبكي: طبقات الشافعية 2/ 238237، طبقات المفسرين: للسيوطي 17، 18.
(5) الجهمية: هم أصحاب جهم بن صفوان، الذي دعا في مدينة ترمذ، إلى الجبرية، ووافق المعتزلة(1/207)
السّنة، وله (تفسير كبير) سائرة آثار مسنده في أربع مجلدات كبار، قلّ أن يوجد مثله.
وقد صنّف أبو الحسين علي بن إبراهيم الرازي، الخطيب المجاور بمكة، لأبي محمد ترجمة، قال فيها: سمعت علي بن الحسن المصري ونحن في جنازة عبد الرحمن ابن أبي حاتم يقول: قلنسوة عبد الرحمن من السماء، وما هو بعجب، رجل [نشأ] منذ ثمانين سنة على وتيرة واحدة، لم ينحرف عن الطريق. وسمعت علي بن أحمد الفرضي يقول:
ما رأيت أحدا ممّن عرف عبد الرحمن بن أبي حاتم، ذكر عنه جهالة قط. وسمعت عباس بن أحمد يقول: بلغني أن أبا حاتم قال: ومن يقو على عبادة عبد الرحمن.
لا أعرف لعبد الرحمن ذنبا. سمعت ابن أبي حاتم يقول: لم يدعني أبي أشتغل في الحديث، حتى قرأت القرآن على الفضل بن شاذان الرازي، ثم كتبت الحديث. قال أبو لحسن: وكان عبد الرحمن قد كساه الله بهاء ونورا يسرّ به من نظر إليه. سمعته يقول:
أخرجني أبي، يعني رحل بي، سنة خمس وخمسين ومائتين، وما احتملت بعد، فلما أن بلغنا الليلة التي خرجنا فيها من المدينة، نريد ذا الحليفة (1).
احتلت فحكيت لأبي، فسرّ بذلك رحمه الله، حيث أدركت حجّة الإسلام (2). وسمع عبد الرحمن في هذه السنة، من محمد بن أبي عبد الرحمن المقريء، صاحب ابن عيينة. قال: وسمعت علي بن أحمد الخوارزمي، يقول: سمعت عبد الرحمن نيقول:
كنّا بمصر سبعة أشهر لم نأكل فيها مرقة كل نهارنا، نقسم لمجالس الشيوخ، وبالليل للنسخ والمقابلة. فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا فقالوا: هو عليل. فرأينا في طريقنا سمكا أعجبنا. قال: فاشتريناه، فلما صرنا إلى البيت، حضر وقت مجلس بعض الشيوخ، فلم يمكّننا إصلاحه ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام، وكاد أن يتغّير فأكلناه نيّئا، ولم يكن لنا فراغ أن نعطيه لمن يشويه. ثم قال: لا يستطاع العلم براحة الجسد. قال أبو الحسن: كان له ثلاث رحلات: رحلة مع أبيه سنة خمس،
__________
في نفي الصفات الأزلية عن الخالق. قتله سالم بن أحوز المازني في مدينة مرو، في أواخر العهد الأموي. / الشهرستاني: الملل والنحل 1/ 109/ وانظر: السبكي: طبقات الشافعية 2/ 230، 238.
(1) ذا الحليفة: مكان يبعد عن المدينة ستة أميال، وكان أحد منازل النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من المدينة لحج أو عمرة فكان ينزل تحت شجرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة. / ابن شبة: تاريخ المدينة 1/ 73، الروض المعطار: الحميري 196، معجم ما استعجم 2/ 464.
(2) التدوين في أخبار قزوين 3/ 154.(1/208)
والسنة التي بعدها. ثم إنه حجّ مع محمد بن حمّاد الظهراني في الستين ومائتين. ثم رحل بنفسه إلى السواحل، والشام، ومصر، في سنة اثنتين وستين ومائتين. ثم إنه رحل إلى إصبهان، فأدرك يونس بن حبيب ونحوه، في سنة أربع وستين. سمعت أبا عبد الله القزويني الواعظ، يقول: إذا صلّيت مع عبد الرحمن، فسلّم نفسك إليه يعمل فيها ما شاء. دخلنا يوما على أبي محمد يغلّس في مرض موته، فكان على الفراش قائما يصلي، وركع فأطال الركوع. وقال عمر بن إبراهيم الهرويّ الزاهد: ثنا الحسين بن أحمد الصّفار: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: وقع عندنا الغلاء، فأنفذ بعض أصدقائي حبوبا من إصبهان، فبعته بعشرين ألف درهم، وسألني أن أشتري له دارا عندنا، فإذا نزل علينا نزل فيها. فأنفقتها على الفقراء. وكتب إليّ: ما فعلت؟ قلت:
اشتريت لك بها قصرا في الجنة. قال: رضيت إن ضمنت ذلك لي، فاكتب على نفسك صكّا. قال: ففعلت، فأريت في المنام، قد وفينا بما ضمنت، ولا تعد لمثل هذا.
وقال أبو الوليد سليمان بن خلف الساجي: عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثقة، حافظ، وقال أبو الربيع محمد بن الفضل البلخي: سمعت أبا بكر محمد بن مهرويه الرازي:
سمعت علي بن الحسين بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين، يقول: إنّا لنطعن على أقوام، حطّوا رحالهم في الجنة، منذ أكثر من مائتي سنة. قال ابن مهرويه: فدخلت على ابن أبي حاتم وهو يقرأ على الناس كتاب «الجرح والتعديل» فحدّثته بهذا فبكى، وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب وجعل يبكي (1) ويستعيدني الحكاية. توفي رحمه الله في المحرّم في عشر التسعين (2).
118 - محمد بن علي أبو بكر المصري (3) العسكري الفقيه الشافعي، مفتي عسكر مصر وعينهم. تفقه للشافعي. وروى كتبه عن الربيع، وحدّث أيضا عن: يونس بن عبد الأعلى وطبقته. مات في ربيع الأول. قاله أبو سعيد بن يونس.
__________
(1) تاريخ الإسلام للذهبي، وفيات سنة 327 (ترجمة 332) ص 209.
(2) كانت وفاة عبد الرحمن بن أبي حاتم سنة 327هـ / الذهبي: تذكرة الحفاظ 48463، البداية والنهاية 11/ 191.
(3) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 2/ 206205، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 865.(1/209)
سنة ثمان وعشرين وثلاثمئة
119 - غيلان بن زفر. الفقيه أبو الهيذام (1) المازني الشافعي، كانت له حلقة اشتغال بدمشق. كتب عنه والد تمّام الرازي.
120 - محمد بن عبد الوهّاب بن عبد الرحمن بن عبد الوهّاب أبو علي الثقفي (2)
النيسابوري، الزاهد، الواعظ، الفقيه، من ولد الحجّاج بن يوسف. ولد بقهستان، سنة أربع وأربعين ومائتين: وسمع في كبره: من محمد بن عبد الوهاب الفرّاء، وموسى بن نضر الرازي، وأحمد بن ملاعب البغدادي، ومحمد بن الجهم وجماعة.
وعنه: أبو بكر بن إسحاق الصّبغي، وأبو الوليد حسان بن محمد، وهما من طبقته، وأبو علي الحافظ، وأبو أحمد الحاكم وجماعة، وتوفي في جمادى الأولى. قال الحاكم: شهدت جنازته، فلا أذكر أني رأيت بنيسابور مثل ذلك الجمع. وحضرت مجلس وعظه وسمعته يقول: إنك أنت الوهاب. وقال شيخنا أبو أحمد بن إسحاق:
شمائل الصحابة، والتابعين أخذها الإمام مالك عنهم. يعني، وأخذها عن مالك يحيى بن يحيى، وأخذها عنه محمد بن نصر المروزي، وأخذها عنه أبو علي الثقفي، سمعت أبا الوليد الفقيه يقول: دخلت على ابن سريج ببغداد، فسألني على من درست فقه الشافعي؟ قلت: على أبي علي الثقفي. قال: لعلّك تعني الحجّاجي الأزرق؟ قلت:
بلى. قال: ما جاءنا من خراسان أفقه منه. سمعت أبا العباس الزاهد، يقول: كان أبو علي الثقفي في عصره، حجّة الله على خلقه. سمعت أبا بكر الصّبغي يقول: ما عرفنا الجدل والنظر، حتى ورد أبو علي الدمشقي من العراق. وقال السّلّمي (3): لقي أبو علي: أبا حفص النيسابوري، وحمدون القصار. قال (4): كان إماما في أكثر علوم
__________
(1) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام، ص 233، (ترجمة رقم 399).
(2) ترجمته في: الشعراني: الطبقات الكبرى 1/ 125، السّلمي: طبقات الصوفية 361، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 196192، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 315، أبو القاسم القشيري: الرسالة القشيرية: ص 26، الإسنوي 2/ 326325، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 861، ابن قاضي شهبة 1/ 88.
(3) السّلمي: طبقات الصوفية 361.
(4) السّلمي: طبقات الصوفية ص 361.(1/210)
الشرع، مقدما في كل فنّ منه. عطّل أكثر علومه، واشتغل بالصوفية، وقعد فتكلّم عليهم، أحسن كلام في عيوب النفس، وآفات الأفعال. ومع علمه وكماله، خالف الإمام ابن خزيمة في مسائل، منها: مسألة التوفيق والخذلان، ومسألة الإيمان، ومسألة اللفظ بالقرآن. فألزم البيت. ولم يخرج منه إلى أن مات (1)، وأصابه في ذلك الجلوس محن. قال السّلمي (2): وكان يقول: يا من باع كل شيء بلا شيء. واشترى لا شيء (3)
بكلّ شيء. فقال: «أفّ (4) من أشغال الدّنيا، إذا أقبلت! وأفّ من حسراتها إذا أدبرت!. والعاقل من لا يركن إلى شيء، إذا أقبل كان منشغلا وإذا أدبر كان حسرة».
وقال أبو بكر الرازي: سمعته يقول: ترك الرياء للرياء أقبح من الرياء. وقال أبو الحسين: سمعت أبا علي يقول: هو ذا! انظر إلى طريق نجاتي مثل ما أنظر إلى الشّمس، ولست أخطو خطوة. وكان أبو عليّ كثيرا ما يتكلم في رؤية عيب الأفعال.
سنة تسع وعشرين وثلاثمئة
121 - محمد بن عبيد (5) الله بن محمد بن رجاء الوزير، أبو الفضل البلعمي، التميمي البخاري. واحد عصره في العقل والرأي سمع: أبا الموجّه محمد بن عمرو، والإمام محمد بن نصر، المروزيين، وله كتاب (تلقيح البلاغة) وكتاب (المقالات) وغير ذلك. ثم إن الحاكم، بعد أن قال: أكثر من هذا، روى أحاديث عن جماعة عنه، وهو وزير صاحب ما وراء النهر وخراسان. إسماعيل بن أحمد، وكان جدّه الأعلى، قد استولى على بلعم، وهي من بلاد الروم حين دخلها مسلمة بن عبد الملك. فأقام بها، وكثر نسله بها، فنسبوا إليها. سمع أكثر الكتب من محمد بن نصر، وكان ينتحل مذهبه، وله يد طولى في الإنشاء والبلاغة. مات في صفر.
__________
(1) كانت وفاة أبي علي الثقفي سنة 328هـ.
(2) السلمي: طبقات الصوفية ص 364.
(3) السلمي: طبقات الصوفية ص 364.
(4) السلمي: طبقات الصوفية ص 364رقم 9.
(5) ترجمته في: ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 324، حاجي خليفة: كشف الظنون 480، ابن الصلاح 1/ 224، السبكي 3/ 188، الإسنوي 1/ 217، الأنساب 2/ 291، سير أعلام النبلاء رقم 133.(1/211)
سنة ثلاثين وثلاثمئة
122 - الحسين بن (1) إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن سعيد بن أبان (أبو عبد الله) الضّبي، البغدادي، المحاملي القاضي. ولد في أول سنة خمس وثلاثين (2). وأول سماعه سنة أربع وأربعين ومائتين. سمع: أبا هشام الرفاعي، وعمرو بن علي الغلّاس، وعبد الرحمن بن يونس السراج، وزياد بن أيوب، ويعقوب الدّورقي، وأحمد بن المقدام، وأحمد بن إسماعيل السّهمي، خلقا كثيرا. روى عنه: دعلج، والدارقطني، وابن جميع، وإبراهيم بن خرشيد قوله، وابن الصّلت الأهوازي، وأبو عمر بن مهدي، وأبو محمد بن البيّع. قال الخطيب (3): كان فاضلا دينا صادقا، شهد عند القضاة وله عشرون سنة، وولي قضاء الكوفة ستين سنة. وقال ابن جميع: عند المحاملي سبعون رجلا من أصحاب ابن عيينة (4). وقال أبو بكر الداودي: كان يحضر مجلس المحاملي، عشرة آلاف رجل (5). استعفى من القضاء، قبل سنة عشرين وثلاثمئة، وكان محمودا في ولايته. عقد سنة سبعين ومائتين في داره مجلسا للفقه، فلم يزل أهل العلم والنظر يختلفون إليه (6). وقال محمد بن الحسين الإسكاف: رأيت في النوم كأن قائلا يقول:
إن الله ليدفع عن أهل بغداد البلاء بالمحاملي (7). آخر من روى عن المحاملي عاليا، سبط السّلفي، وبالإجازة ابن عبد الدائم. ولعلّه قد تفرّد بالرواية عن مائة شيخ. ومن شيوخه: البخاري، وأبو حاتم، والحسن بن الصّباح البزّاد، والحسن الزعفراني، ومحمد بن المثنّى الزّمن، ومحمد بن الوليد البسري، ومحمد بن عبد الله المخرّمي،
__________
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/ 19 (4065)، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 203، الإسنوي: طبقات 2/ 385، وابن الصلاح 2/ 7420، الفهرست لابن النديم 233، اللباب 3/ 171، الكامل في التاريخ 8/ 392، سير أعلام النبلاء 15/ 263258رقم 110، العبر 2/ 222، الوافي بالوفيات 12/ 341، شذرات الذهب 2/ 326، الأعلام للزركلي 2/ 251، طبقات الحفاظ 343، مرآة الجنان 2/ 297.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 2114.
(3) الخطيب: تاريخ بغداد 8/ 19، ابن الجوزي: المنتظم 14/ 21.
(4) الخطيب: تاريخ بغداد 8/ 20.
(5) الخطيب: تاريخ بغداد 8/ 20.
(6) نفسه 8/ 22.
(7) نفسه.(1/212)
وطبقتهم. وأول سماعه، في سنة أربع وأربعين ومائتين، قال حمزة بن محمد بن طاهر: سمعت ابن شاهين يقول: حضر معنا ابن المظفّر مجلس المحامليّ، فقال لي:
يا ابا حفص ما عدمنا من أبي محمد بن صاعد إلا عيينه. يريد أن المحامليّ في طبقة ابن صاعد. أملى المحامليّ مجلسا في ثاني عشر ربيع الآخر من السنة. ثم مات بعد ذلك المجلس، بأحد عشر يوما رحمه الله.
123 - زكريا بن أحمد (1) بن المحدّث يحيى بن موسى ختّ أبو يحيى البلخي، تولي قضاء دمشق أيام المقتدر، وحدّث عن: يحيى بن أبي طالب، وأبي حاتم الرازي، وعبد الرحمن بن مرزوق البزوريّ، وعبد الصمد بن الفضل البلخي، ومحمد بن الفضل البخاري، ومحمد بن سعد العوفيّ، وجماعة، وعنه: أبو الحسين الرازي، وأبو بكر وأبو زرعة، ابنا أبي دجانة، وأبو بكر ابن المقريء، وعبد الوهّاب الكلابيّ، وأبو بكر بن أبي الحديد، وخلق كثير. وكان من كبار الشافعية، وأصحاب الوجوه تكرر ذكره في (المهذّب) و (الوسيط). فمن غرائبه: أن القاضي إذا أراد نكاح من لا وليّ لها، له أن يتولّى طرفيّ العقد. قال الرافعي: يقال: إنه لما كان قاضيا بدمشق. تزوّج امرأة ولّى أمرها لنفسه. ومن غرائبه قال: لو شرط في القراض أن يعمل ربّ المال مع العامل جاز. حكاه عنه: العبّادي في الترجمة له.
124 - محمد بن عبد الله أبو بكر الصّيرفي البغدادي (2). تفقّه على ابن سريج. قيل:
كان أعلم الناس بالأصول بعد الشافعي، وله كتاب (في الشروط)، في غاية الحسن، وله مصنّفات في أصول المذهب وفروعه. وكان صاحب وجه. سمع: أحمد بن منصور الرّمادي، روى عنه: علي بن محمد الحلبي سمع منه بمصر. وتوفي في رجب. ومن غرائب وجوهه إيجاب الحدّ على من وطىء في النكاح بلا وليّ إذا كان يعتقد تحريم ذلك.
__________
(1) ترجمته في: تهذيب تاريخ دمشق 5/ 384، سير أعلام النبلاء 15/ 293، رقم 135، البداية والنهاية 131، شذرات الذهب 2/ 326، العبر 2/ 222، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 398، الإسنوي 1/ 190، ابن الصلاح: طبقات 2/ 752، الأعلام 3/ 81.
(2) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5/ 449، ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 337 وابن النديم: الفهرست 1/ 213، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 716، ابن الأثير: اللباب 2/ 66، الصفدي: الوافي 3/ 346، وابن العماد: شذرات الذهب 2/ 325، والإسنوي 2/ 122، الأنساب ن 8/ 361، طبقات الشيرازي 91.(1/213)
125 - محمد بن يوسف بن بشر بن النّضر بن مرداس (1)، أبو عبد الله الهرويّ، الحافظ، الفقيه الشافعي. أحد الرحّالين في العلم. سمع محمد بن حمّاد الطّهراني، والربيع المرادي، وأحمد بن البرقيّ، ومحمد بن عوف الحمصي، والحسن بن مكرم، والعباس بن الوليد البيروتي، وخلقا سواهم، وعنه الطبراني، والزّبير بن عبد الواحد، الأسداباذيّ، وعبد الواحد بن أبي هاشم المقريء، وأبو بكر الأجهريّ، وآخرون توفي في رمضان، وقد كمّل المائة وتجاوزها بأشهر. وآخر من حدّث عنه: أبو بكر بن أبي الحديد، وثّقه الخطيب.
سنة إحدى وثلاثين وثلاثمئة
126 - حسن بن سعد بن (2) إدريس بن خلف أبو علي الكتاميّ القرطبيّ، الحافظ سمع من بقيّ بن مخلد مسنده. ورحل، فسمع بمكة من: علي بن عبد العزيز. وباليمن من:
إسحاق الدّبري وعبيد الكشوريّ، وبمصر من: أبي يزيد القراطيسي، وسمع من: أبي مسلم الكجّي، قال ابن الفرضي (3). وكان يذهب إلى ترك التقليد، ويميل إلى قول الشافعي. وكان يحضر الشّورى، فلما رأى أن الفتيا دائرة على المالكية، ترك شهودها، وسمع الناس منه الكثير. وكان شيخا صالحا، لم يكن بالضّابط جدا. توفي يوم الجمعة، يوم عرفة، وكان مولده، سنة ثمان وأربعين.
سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمئة
127 - أحمد بن عامر بن بشر. أبو حامد المروروذي (4) الفقيه الشافعي. تفقّه على
__________
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 3/ 405 (1533) والإسنوي 2/ 524وابن الصلاح:
طبقات 2/ 879، معجم البلدان 3/ 402، تذكرة الحفاظ 3/ 833، سير أعلام النبلاء 15/ 252 رقم 105، البداية والنهائية 11/ 204، الوافي بالوفيات 5/ 246، شذرات المذهب 2/ 328.
(2) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام، (ترجمة 153) ص 74، تاريخ علماء الأندلس 1/ 110 (ترجمة رقم 341) الأنساب 10/ 351، العبر 2/ 225، تذكرة الحفاظ 3/ 870، سير أعلام النبلاء 15/ 345رقم 246، الوافي بالوفيات 12/ 27، مرآة الجنان 2/ 310، طبقات الحفاظ 356، شذرات الذهب 2/ 359.
(3) تاريخ علماء الأندلس 1/ 110، شذرات الذهب 2/ 359.
(4) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 69، رقم 473، ابن كثير: البداية 11/ 209،(1/214)
أبي إسحاق المروزي، وصنّف (الجامع) في الفقه، وشرح (مختصر المزني) وصنّف في أصول الفقه، وكان إماما لا يشقّ غباره. نزل البصرة، وعنه أخذ فقهاؤها. قلت:
ذكره في هذه السنة وهم بلا شك، وهو في سنة اثنتين وستين (1). وصنّف الحافظ شمس الدين، فأعاده على الصواب في موضعه كما سيأتي.
128 - محمد بن بشر بن بطريق، أبو بكر الزّبيريّ (2) العكريّ، سمع: بحر بن نصر الخولاني، وابن عبد الحكم الفقيه، وجماعة. وعنه: أبو بكر بن المقريء، وعبد الرحمن بن عمر النحاس، وقال يحيى بن علي بن الطحان: عند كثير من أهل العلم، أنه مصري، لأنه دخل مصر صغيرا، وولد بسامرّاء سنة ثمان وأربعين. قال ابن يونس: هو مولى عتيق بن مسلمة الزّبيري. والزّبيري ضبطه الصّوريّ. توفي في شوال.
سنة خمس وثلاثين وثلاثمئة
129 - أحمد بن أبي أحمد الطبريّ (3)، أبو العباس بن القاصّ الفقيه الشافعي، صاحب ابن سريج، إمام كبير، صنّف في المذهب (كتاب المفتاح) و (أدب القاضي) و (المواقيت) و (التلخيص) الذي شرحه، أبو عبد الله ختن الإسماعيلي، تفقّه عليه أهل طبرستان، وكانت وفاته بطرسوس. وقد شرح حديث أبي عمير. وحدّث عن: أبي خليفة وغيره.
__________
السبكي: طبقات الشافعية 2/ 82، معجلم البلدان 5/ 112، ابن النديم: الفهرست 1/ 264، حاجي خليفة: كشف الظنون 575، 1635، الشيرازي: طبقات الفقهاء 114، العبر 2/ 326، سير أعلام النبلاء 16، 166، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 211، الوافي بالوفيات 6/ 256، شذرات الذهب 3/ 40.
(1) ذكره الذهبي في الطبقة السادسة والثلاثين، وفيات سنة 362هـ باسم: «أحمد بن بشر ابن عامر».
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 1/ 299، 2/ 110، سير أعلام النبلاء 15/ 314، لسان الميزان 5/ 39، حسن المحاضرة 1/ 226.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 6359، الإسنوي: طبقات 2/ 297، ابن الصلاح: طبقات 2/ 704، طبقات الشيرازي 91، الأنساب 10/ 24، وفيات الأعيان 1/ 68، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 252، سير أعلام النبلاء 15/ 371، الوافي الوفيات 9/ 227، البداية والنهاية 11/ 539.(1/215)
130 - محمد بن أحمد بن الربيع (1) بن سليمان بن أبي مريم. أبو رجاء الأسوانيّ المصري الشاعر. صاحب القصيدة التي ما أعلم في الوجود أطول منها. ذكره ابن يونس، وإنه مات في ذي القعدة. وأنه سمع من علي بن عبد العزيز البغويّ. وأنه كان أديبا وفقيها على مذهب الشافعي. له قصيدة (2) نظم فيها أخبار العالم. فذكر قصص الأنبياء، نبيّا نبيّا عليهم السلام. قال: وبلغني أنه سئل قبل موته بسنتين: كم بلغت قصيدتك إلى الآن؟ فقال: ثلاثين ومائة ألف بيت، وقد بقي عليّ منها أشياء. ونظم فيها الفقه، ورقم كتاب (المزنيّ) فيها، وكتب الطبّ، وكتب الفلسفة. وكان فيه سكون ووقار. وكان حسن الصيانة. توفي في ذي الحجة (3)، قلت: كذا أعاد وفاته، بعد أن قدّم أنها في ذي القعدة، ثم روى عنه حديثا.
131 - أحمد بن إسماعيل بن إسحاق بن بحر أبو عبد الله الفارسي (4)، بغدادي الدار، ثقة، وتفقّه على مذهب الشافعي. روى عن: أبي زرعة الدمشقي، وعمار بن خرّزاذ، وإسحاق بن إبراهيم الدّبري، وبكر بن سهيل الدّمياطي.
روى عنه: الدارقطني، فأكثر، وإبراهيم بن خرّشيد قولة، وأبو عمر بن مهديّ، ومولده سنة تسع وأربعين ومائتين.
سنة سبع وثلاثين وثلاثمئة
132 - أحمد بن عبد الله بن زكريا، أبو الحسين (5) الجرجاني الفقيه، تلميذ ابن
__________
(1) ترجمته في: الإدفوي: الطالع السعيد 267، السيوطي: حسن المحاضرة 1/ 226، السبكي:
طبقات الشافعية 3/ 7170، ابن الجوزي: المنتظم 14/ 61، حاجي خليفة: كشف الظنون 1342، 1636/ ابن الصلاح: طبقات 2/ 837، الوافي بالوفيات 2/ 36، النجوم الزاهرة 3/ 294، الأعلام 5/ 309.
(2) انظر: ابن الجوزي: المنتظم 14/ 61.
(3) انظر: ابن الجوزي: المنتظم 14/ 61.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 50، وابن كثير البداية والنهاية 11/ 218، والسبكي: طبقات 3/ 120، الكامل في تاريخ 8/ 468، وابن الصلاح: طبقات الشافعية 2/ 844.
(5) الذهبي: تاريخ الإسلام، ص 145 (ترجمة 215) تاريخ جرجان ص 99 (ترجمة رقم 75).(1/216)
سريج، سمع: مطيّنا، وأبا خليفة وطبقتهما. وعنه: الحاكم وغيره.
133 - أحمد بن محمد بن سليمان الحافظ، أبو الطيب الحنفي الصّعلوكي (1)، النيسابوري، عم الأستاذ أبي سهل، كان إماما مقدّما في معرفة الفقه، واللغة، أدرك الأسانيد العالية، وصنّف في الحديث، وأمسك عن الرواية بعد أن عمّر. قال الحاكم:
وكنّا نراه مرة. سمع: يحيى الذّهلي وعلي بن الحسن بن أبي عيسى الدارابجردي.
ومحمد بن عبد الوهّاب. وبالريّ: علي بن الجنيد، ومحمد بن أيّوب. وببغداد:
عبد الله بن أحمد. روى عنه: الأستاذ أبو سهل، والحافظ أبو عبد الله بن الأخرم.
وسمعت منه حديثا في المذاكرة. توفي في (2) رجب، وكان من أئمة الشافعية.
سنة ثمان وثلاثين وثلاثمئة
134 - الحسن بن حبيب بن عبد الملك (3) الدمشقي الفقيه، أبو علي، الشافعي، الحصائريّ. حدّث بكتاب الأم للشافعي عن أصحابه. سمع: الربيع بن سليمان المؤذن، وبكّار بن قتيبة، ومحمد بن إسماعيل الصايغ، والعباس بن الوليد البيروتي، وصالح بن أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وأبا أميّة الطّرسوسي.
وقرأ على: هارون بن موسى الأخفش. روى عنه: عبد لعزيز بن غلبون. وابن جميع، وابن المقريء، وأبو حفص بن شاهين، وتمّام الرازي، وأبو بكر بن أبي الحديد، وعبد الرحمن بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي نصر، وخلق سواهم. وقال: ولدت سنة اثنتين وأربعين ومائتين. وقال عبد العزيز الكتّاني: هو ثقة، فقيه، حافظ لمذهب الشافعي. ومات في ذي القعدة. وقال ابن عساكر: كان إمام مسجد باب الجابية.
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 2/ 98والقفطي: إنباه الرواة 1/ 105، الأنساب 8/ 65، سير أعلام النبلاء 15/ 391، الوافي بالوفيات 7/ 396، وهو الحنفي نسبا، الشافعي مذهبا.
(2) كانت وفاته في شهر رجب سنة 337ته. إنباه الرواة للقفطي 1/ 105.
(3) ترجمته في: ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 346، الإسنوي: طبقات 1/ 317، السبكي:
طبقات الشافعية 3/ 356355، ابن الصلاح: طبقات 2/ 735، تهذيب تاريخ دمشق 4/ 159، العبر 2/ 247، وسير أعلام النبلاء 15/ 383، النجوم الزاهرة 3/ 300، شذرات الذهب 2/ 346.(1/217)
135 - محمد بن يحيى بن زكريّا. أبو الحسن (1) الرازي، القاضي الحافظ، من كبار الأئمة. سمع ببغداد من: أبي شعيب الحرّاني، وبالكوفة من: مطّيّن، وتفقّه بابن سريج، وصنّف في الفقه (2) والأصول ومات شهيدا.
سنة تسع وثلاثين وثلاثمئة
136 - عبد الرحمن بن سلمويه. أبو بكر الرازيّ (3) الفقيه، الشافعي. نزيل مصر.
روى عن: أبي شعيب الحرّاني، وغيره. وعنه: أبو محمد النحاس. قال ابن يونس:
كان ثقة، له حلقة بجامع مصر للعلم، كتب الكثير عن أهل بلده، وغيرهم.
137 - محمد بن طالب بن عليّ، أبو الحسين (4)، النّسفي الفقيه، إمام الشافعية، بتلك الديار، كان فقيها عارفا باختلاف العلماء، نقيّ الحديث، صحيحه، ما كتب إلا عن الثقات. وكذا قال جعفر المستغفريّ، سمع علي بن عبد العزيز بمكة، وموسى بن هارون، وطائفة. وتوفي في رجب بنسف.
138 - محمد بن عبد الله بن أحمد أبو عبد الله، الإصبهاني (5) الصّفّار. قال الحاكم (6): هو محدّث عصره، وكان مجاب الدعوة، لم يرفع رأسه إلى السماء كما بلغنا نيّفا وأربعين سنة. سمع ببلده: أحمد بن عصام وأسيد بن عاصم، وأحمد بن رستم، وعبيدا الغزّال، وجماعة في سنة ثلاث وستين ومائتين. وبفارس: أحمد بن مهران بن خالد، وببغداد: أحمد بن عبد الله النّرسي، ومحمد بن الفرج الأزرق.
__________
(1) ترجمته في: الذهبي: سير أعلام النبلاء 15/ 379رقم 201ويعرف أيضا بمحمد بن حيكويه.
(2) صنف في أصول الفقه وفروعه / سير أعلام النبلاء 15/ 379.
(3) ترجمته في: السمعاني: الأنساب 6/ 41، وابن الجوزي: المنتظم 14/ 82، السبكي 3/ 324، الإسنوي 1/ 579.
(4) ترجمته في: الذهبي: سير أعلام النبلاء 11/ 50، السبكي 3/ 174، الإسنوي: طبقات 2/ 482.
(5) ترجمته في: ذكر أخبار إصبهان 2/ 271، الأنساب 8/ 74، العبر 2/ 250، سير أعلام النبلاء 15/ 477، الوافي بالوفيات 3/ 416، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 224، السبكي: طبقات 3/ 178، الإسنوي 2/ 136، ابن الصلاح: طبقات 1/ 179.
(6) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 83.(1/218)
والتصانيف (1): من: أبي بكر بن أبي الدنيا. وبمكة: علي بن عبد لعزيز وجماعة.
وصنّف في الزّهديّات (2). وورد نيسابور قبل الثلاثمئة فسكنها. وكان قد سمع (المسند) من عبد الله بن أحمد بن حنبل. وكتب مصنّفات إسماعيل القاضي. وصحب العبّاد، ورحل إلى الحسن بن سفيان، وحصّل (المسند)، ومصنّفات ابن أبي شيبة
قال الحاكم: كان ورّاقه أبو العباس المصري خانه واختزل عيون كتبه، وأكثر من خمسمائة جزء من أصوله، فكان يجامله أبو عبد الله جاهدا في استرجاعها منه، فلم ينجح في شيء. وكان كبير المحلّ في الصّنعة، فذهب علمه بدعاء الشيخ عليه. روى عنه:
أبو علي الحافظ، وأكثر مشايخنا. وتوفي في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين (3)، وله ثمان وتسعون سنة. قلت: روى عنه الحاكم بن البيّع، ومحمد بن إبراهيم الجرجاني، ومحمد بن موسى الصّيرفي، وأبو الحسن الحجّاجي، وأبو عبد الله بن مندة، وآخرون.
سنة أربعين وثلاثمئة
139 - أبو إسحاق المروزيّ (4)، إبراهيم بن أحمد بن إسحاق شيخ المذهب [الشافعي] وشيخ أبي زيد المروزي، الزاهد، أحد أعلام المذهب. أقام ببغداد مدة طويلة، يفتي ويدرّس. وأنجب من أصحابه خلق كثير. شرح المذهب ولخّصه. وتفقّه على أبي العباس بن سريج. وانتقل في آخر عمره إلى مصر، وإليه ينسب درب المروزي الذي في قطيعة الربيع. ومن جملة أصحابه أبو حامد المرورّوذي، عالم أهل البصرة، ومفتيهم. توفي أبو إسحاق بمصر في تاسع رجب، وقيل: في حادي عشرة (5) من السنة، ودفن عند ضريح الشافعي رحمه الله.
__________
(1) نفسه.
(2) البغدادي: هدية العارفين 392.
(3) مات في ذي القعدة سنة 339هـ، وابن الجوزي: المنتظم 14/ 83.
(4) ترجمته في: ابن النديم: الفهرست 269، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 26، الشيرازي:
طبقات الفقهاء 92أبو الفداء: المختصر في أخبار البشر 2/ 99، حاجي خليفة: كشف الظنون 1632، شذرات الذهب 2/ 355.
(5) صنف أبو إسحاق من الكتب: شرح مختصر المزني، الفصول في معرفة الأصول، الشروط والوثائق، الوصايا وحساب الدور، وكتاب الخصوص والعموم / ابن النديم: الفهرست 299.(1/219)
سنة اثنتين وأربعين وثلاثمئة
140 - أحمد بن (1) إسحاق بن أيّوب بن يزيد. أبو بكر النيسابوري الشافعي الفقيه المعروف بالصّبغي (2). رأى يحيى بن الذّهلي، وأبا حاتم الرازي، وسمع: الفضل بن محمد الشعراني، وإسماعيل بن قتيبة، ويعقوب بن يوسف القزويني، ومحمد بن أيوب، وببغداد: الحارث بن أبي أسامة، وإسماعيل القاضي، وبالبصرة هشام بن علي، وبمكة: علي بن عبد العزيز، وعنه: حمزة بن محمد الترمذي، وأبو علي الحافظ، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو أحمد الحاكم، وأبو عبد الله الحاكم، ومحمد بن إبراهيم الجرجاني، وخلق كثير. ولد سنة ثمان وخمسين ومائتين، وتوفي في شعبان (3). وكان في صباه قد اشتغل بعلم الفروسيّة، فما سمع إلى سنة ثمانين. وكان إماما في الفقه. قال الحاكم: أقام يفتي نيفا وخمسين سنة، لم يؤخذ عليه في فتاويه، مسألة وهم فيها (4). وله الكتب المطوّلة، مثل (5): (الطهارة) و (الصلاة) و (الزكاة). ثم كذلك إلى آخر كتاب (المبسوط) وله كتاب (الأسماء والصفات) وكتاب (الإيمان والقدر)، وكتاب (فضل الخلفاء الأربعة) وكتاب (الرؤية) وكتاب (الأحكام) وكتاب (الإمامية) وكان يخلف ابن خزيمة، في الفتوى بضع عشرة سنة في الجامع وغيره. وسمعته وهو يخاطب فقيها. فقال: حدّثونا عن سليمان بن حرب، فقال ذلك الفقيه: دعنا من حدّثنا إلى متى حدّثنا وأخبرنا؟. فقال الصبغي:
يا هذا لست أشمّ من كلامك رائحة الإيمان، ولا يحلّ لك أن تدخل داري. ثم هجره إلى أن مات. وسمعت محمد بن حمدون يقول: صحبت أبا بكر الصبغي سنين، فما رأيته
__________
(1) ترجمته في: الأنساب 8/ 33، التدوين في أخبار قزوين 2/ 141، العبر 2/ 258، سير أعلام النبلاء 15/ 489483، الوافي بالوفيات 6/ 239، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 129، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 361، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 3/ 310، حاجي خليفة:
كشف الظنون 1275، الذهبي: مختصر دول الإسلام 1/ 166، الإسنوي 2/ 122، ابن الصلاح: طبقات 2/ 704.
(2) نسبة إلى الصّبغ، وهو ما يصبغ به الألوان وكانت مهنة أحد اجداده «الأنساب 8/ 33».
(3) مات سنة 342هـ، شذرات الذهب 3612.
(4) انظر: التدوين في أخبار قزوين 2/ 141، 142.
(5) ابن هداية: طبقات الشافعية 20، 21، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 361.(1/220)
قط ترك قيام الليل، لا في سفر ولا في حضر. قال الحاكم: وسمعت أبا بكر غير مرّة، إذا أنشد بيتا يفسّره ويغّيره، يقصد ذلك، وكان يضرب المثل بعقله ورأيه (1). سئل عن الرجل يدرك الركوع، ولم يقرأ الفاتحة. فقال: يعيد الركعة. ثم صنّف هذه المسألة:
وروى عن أبي هريرة، وجماعة من التابعين وقالوا: يعيد الرّكعة. ورأيته غير مرّة إذا أذّن المؤذن، يدعو بين الأذان والإقامة. ثم يبكي، وربما كان يضرب برأسه الحائط. حتى خشيت يوما أن يدمي رأسه. وما رأيت في جميع مشايخنا أحسن صلاة منه. وكان لا يدع أحدا يغتاب في مجلسه. وثنا قال: ثنا يعقوب القزويني، فذكر حديثا ثم قال الحاكم:
كتبه عني الدارقطني، وقال: ما كتبته عن أحد (2) قطّ. وسمعت أبا بكر الصبغي، يقول: حملت إلى الرّيّ، وأبو حاتم حيّ وسألته عن مسألة في ميراث أبي. ثم انصرفنا إلى نيسابور. وسمعت أبا بكر يقول: خرجنا من مجلس إبراهيم الحربي، ومعنا رجل كثير المجون، فرأى أمردا فتقدّم فقال: السلام عليك. وصافحه، وقبّل عينيه وخدّه، ثم قال: ثنا الدّتري تصنيفا بإسناده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحبّ أحدكم أخاه فليعلمه» (3) قال: فقلت له: ألا تستحي، تلوط وتكذب في الحديث. يعني أنه ركّب الإسناد.
141 - القاسم بن القاسم بن مهدي (4) الزاهد. أبو العباس المروزي، السّيّاري (5)، ابن بنت الحافظ، أحمد بن سيّار المروزي، كان شيخ أهل مرو في زمانه في الحديث، والتّصوف، وأول من تكلم عندهم في الأحوال. وكان فقيها، إماما، محدّثا، صحب أبا بكر محمد بن موسى الفرغاني، وسمع أبا الموجّه محمد بن عمرو بن الموجّه، وأحمد بن عبّاد وغيرهما. وعنه: عبد الواحد بن علي السيّاري. وأبو عبد الله الحاكم، وجماعة من شيوخ خراسان. ومن قوله: من حفظ قلبه مع الله بالصدق أجرى الله على
__________
(1) التدوين في أخبار قزوين 2/ 142.
(2) اليافعي: مرآة الجنان 2/ 334.
(3) حديث موضوع وكاذب ولا سند له.
(4) ترجمته في: طبقات الصوفية للسلمي 447440، حلية الأولياء 10/ 380، الرسالة القشيرية 28، الأنساب 7/ 212، اللباب 2/ 162، العبر 2/ 260، سير أعلام النبلاء 15/ 200رقم 282، النجوم الزاهرة 3/ 309، شذرات الذهب 2/ 364، الطبقات الكبرى للشعراني 1/ 139.
(5) السيّاري: نسبة إلى جدّه أحمد بن سيّار (الأنساب 7/ 212).(1/221)
لسانه الحكم. وقال: الخطرة للأنبياء، والوسوسة للأولياء، والفكرة للعوامّ، والعزم للفتيان. وقال: قيل لبعض الحكماء: من أين معاشك؟ فقال: من عند من ضيّق المعاش، على من شاء من غير علّة، ووسّع على من شاء من غير علّة.
142 - محمد بن موسى بن يعقوب (1) بن عبد الله المأمون، بن هارون الرشيد، أبو بكر العباسي. وكان فقيها شافعيا. قد ولي مكة في شيبته، وعمّر دهرا. وكان ذا رأي وعقل، وتودّد، وعمي بآخرة. وقال ابن يونس: توفي في ذي الحجة بمصر. ومولده كان بمكة سنة ثمان وستين ومائتين، روى (الموطأ) عن علي بن عبد العزيز، عن القعبي، وحدّث أيضا عن النّسائي، وكان ثقة مأمونا (2).
سنة أربع وأربعون وثلاثمئة
143 - أحمد بن الخضر (3) بن أحمد الفقيه (أبو الحسن) النيسابوري الشافعي، الحافظ، سمع: إبراهيم بن علي الذّهلي، وأحمد بن النّصر بن عبد الوهّاب، وأبا عبد الله البوشنجي، وعنه: أبو الوليد الفقيه، وأبو علي الحافظ، وأبو عبد الله الحافظ، توفي في جمادى الآخرة.
144 - محمد بن إسماعيل بن وهب (4) بن عباس المصري الفقيه، كتب الحديث ورواه، وأخذ عن المزني قليلا. مات عن ست وثمانين سنة، وقد كفّ بصره.
145 - محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر (أبو بكر) (5) بن الحداد المصري، الفقيه
__________
(1) السياري، ابن الجوزي: المنتظم 41/ 93، وتاريخ الإسلام للذهبي: وفيات سنة 342هـ رقم 439.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 93.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 93، الذهبي: سير أعلام النبلاء 13/ 529، 14/ 167، السبكي:
طبقات 3/ 14، ألإسنوي: طبقات 1/ 75، وابن الصلاح: طبقات 2/ 706، ذكر أخبار إصبهان 1/ 165.
(4) الذهبي: تاريخ الإسلام، وفيات سنة 344هـ، ص 284، (ترجمة رقم 464).
(5) ترجمته في: طبقات فقهاء الاشفعية للعبادي 1/ 132، طبقات الشيرازي 93، الأنساب 4/ 71، الولاة والقضاة للكندي 557551، سير أعلام النبلاء 15/ 451145، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 229، 230، ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 336، الصفدي: الوافي 2/ 69، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 108، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 367، السبكي: طبقات(1/222)
الشافعي، شيخ المصريين. ولد يوم وفاة المزني، وسمع من النسائي وغيره، وجالس الإمام أبا إسحاق المروزيّ لما قدم عليهم، ودخل بغداد في سنة عشر. ودخل على ابن جرير الطبري، وأخذ عنه. وسمع من: روح بن الفرج، ومحمد بن جعفر بن الإمام، وخلق. وصنّف كتاب الفروع في المذهب. وهو صغير الحجم، دقّق مسائله. شرحه القفّال المروزيّ، وأبو الطيّب الطبري، وأبو علي السّنحيّ (1). وكان أبو بكر غوّاصا على المعاني، محقّقا كبير القدر. له وجه (2) في المذهب. ولي القضاء والتدريس بمصر، وكانت الملوك تعظّمه وتحترمه. وكان متصرّفا في علوم كثيرة. قال أبو عبد الرحمن السّلّمي: سمعت الدارقطني: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد النّسوي، المعدّل بمصر: سمعت أبا بكر بن الحداد، وذكره بالفضل والدين، والاجتهاد، يقول: أخذت نفسي، بما رواه الربيع عن الشافعي، أنه كان يختم في رمضان ستين ختمة، سوى ما يقرأ في الصلاة. فأكثر ما قدّرت عليه تسعا وخمسين ختمة. وأتيت في غير رمضان ثلاثين ختمة (3) قال الدارطني: كان ابن الحداد كثير الحديث، لم يحدّث عن غير أبي عبد الرحمن النّسائي، وقال: رضيت به حجّة بيني وبين الله. وذكر غيره أن الإمام أبا بكر بن الحداد حدّث عن: محمد بن عقيل الفريابي الفقيه، وأبي يزيد القراطيسي، وعمر بن مقلاص، والنّسائي، وغيرهم. قاله ابن يونس (4). ثم قال: كان يحسن النحو، والفرائض، ويدخل على السلاطين، وكان حافظا للفقه، على مذهب الشافعي، وكان كثير الصلاة متعبّدا (5). ولي القضاء بمصر نيابة لابن هارون الرّملي (6)، وقال غيره: حجّ ومرض في الرّجوع، فلما وصل إلى الجبّ، توفي عند البئر والجمّيزة.
يوم الثلاثاء لأربع بقين من المحرّم سنة أربع، وهو يوم دخول الحاجّ إلى مصر (7). وعاش
__________
3/ 79، الإسنوي: طبقات 1/ 398ابن الصلاح: طبقات 2/ 840، النجوم الزاهرة 3/ 313، تاريخ الخلفاء 405.
(1) ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 197.
(2) ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 367.
(3) السبكي: طبقات الشافعي 2/ 115112.
(4) نفسه.
(5) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 101، والولاة والقضاة للكندي 551.
(6) ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 267، الولاة والقضاة للكندي 551.
(7) ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 268، الولاة والقضاة للكندي 557، ابن الجوزي: المنتظم 14/ 101.(1/223)
تسعا وسبعين سنة وشهورا. ورّخه المسّبحي، وقال: كان فقيها، وعالما، كثير الصلاة، والصيام، يصوم يوما، ويفطر يوما، ويختم القرآن في كل يوم وليلة، قائما مصليا (1). قال: وصلّي عليه يوم الأربعاء، ودفن بسفح المقطّم عند قبر والدته، وحضر جنازته أبو القاسم بن الإخشيد، وأبو المسك كافور، والأعيان (2). وكان نسيج وحده في حفظ القرآن واللغة والتوسّع في علم الفقه. وكانت له حلقة من سنين كثيرة، يغشاها المسلمون. وكان جدّا (3) كلّه رحمه الله. فما خلق بمصر بعده مثله. وكان عالما أيضا بالحديث، والأسماء، والرجال، والتاريخ (4). قال ابن زولاق في كتاب (قضاة مصر): ولمّا كان في شوّال سنة أربع وعشرين وثلاثمئة. سلّم محمد بن طفج الأخشيد، قضاء مصر إلى أبي بكر الحداد (5). وكان أيضا ينظر في المظالم، ويوقّع فيها (6). ونظر في الحكم خلافة عن الحسين بن محمد بن أبي زرعة: محمد بن عثمان الدمشقي، وهو لا ينظر وكان يجلس في الجامع، وفي داره. وربّما جلس في دار ابن أبي زرعة، ووقّع في الأحكام، وكاتب خلفاء النّواحي (7). وذكر من أوصافه الجميلة ما تقدم. وأنه كان حسن الثّياب رقيقها، حسن المركوب، فصيحا، غير مطعون عليه في لفظ ولا فضل، ثقة في اليد والفرج واللسان، مجتمعا على صيانته، وطهارته. وكان من محاسن مصر، حاذقا بعلم القضاء (8). أخذ ذلك عن عبيد القاضي. إلى أن قال:
وكلّ من وقف على ما ذكرناه يقول: صدقت. ولد في رمضان سنة أربع وستين ومائتين، وكتب عن طائفة، وعوّل على النّسائي، وأخذ عنه علم الحديث. وأخذ الفقه، عن أبي سعيد محمد بن عقيل الفريابي، وعن بشر بن نصر، غلام عرف، وعن منصور بن إسماعيل، وابن بحر. وأخذ العربية عن: محمد بن ولّاد. وكان لمحبّته للحديث،
__________
(1) الولاة والقضاة للكندي 552.
(2) سنة أربع وأربعين وثلاثمئة. ودفن بسفح جبل المقطعم عند أبويه / ابن العماد: شذرات 2/ 268، وانظر: وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 198.
(3) جدّا: عظيما.
(4) السبكي: طبقات الشافعية 2/ 115112.
(5) الولاة والقضاة للكندي 486، 487، 542، وشذرات الذهب 2/ 367.
(6) الولاة والقضاة للكندي 491 (سنة 333هـ).
(7) الولاة والقضاة للكندي 552.
(8) ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 367، البداية والنهاية 11/ 230229.(1/224)
لا يدع المذاكرة، وكان ينقطع إليه أبو منصور محمد بن سعد الباروديّ الحافظ، فأكثر عنه في مصنّفاته. فذاكره يوما بأحاديث، فاستحسنها أبو بكر وقال: اكتبها لي. فكتبها له، فقال: يا أبا منصور إجلس في الصّفّة، ففعل، فقام أبو بكر وجلس بين يديه، وسمعها منه، وقال: هكذا يؤخذ العلم. فاستحسن الناس ذلك منه. وكانت ألفاظه تتّبع، وأحكامه تجمع، ورميت له رقعة فيها (1):
قولوا لحدّادنا الفقيه ... والعالم الماهر الوجيه
ولّيت حكما بغير عقد ... وغير عهد نظرت فيه
ثم أبحت الفروج لمّا ... وقّعت فيها على البديه (2)
في الأبيات. يعني أن مادة ولايته من (3) الإخشيد لا من الخليفة. وله كتاب (أدب القاضي) في أربعين جزءا، وكتاب (الباهر في الفقه) في نحو مائة جزء، وكتاب (جامع الفقه) وكتاب (المسائل المولّدات) وفيه يقول أحمد بن محمد الكحّال في قصيدة (4):
الشافعيّ تفقّها والأصمعيّ ... تفهّما والتّابعين تزهّدا
ثم أخذ ابن زولاق، يذكر عن ابن الحداد، ما يدلّ على تشيّعه قال: فحدّثنا بكتاب «خصائص علي رضي الله عنه»، عن النسائي، فبلغه عن بعضهم شيء في عليّ، فقال:
لقد هممت أن أملي الكتاب في الجامع. وماذا عليه لو أملاه في الجامع؟.
وحدّثني علي بن حسن، قال: سمعت ابن الحداد يقول: كنت في مجلس ابن الإخشيد، فلمّا قمنا أمسكني وحدي، فقال: أيّهم أفضل، أبو بكر أو عمر، أو عليّ؟
فقلت: اثنين حذاء واحد. قال: فأيّما أفضل أبو بكر أو علي. قلت: إن كان عندك فعليّ، وإن كان جبرا فأبو بكر. فضحك وقال: هذا يشبه ما بلغني عن محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم. أنه سأله رجل: أيّما أفضل أبو بكر أو علي؟ فقال: عد إليّ بعد ثلاث فجاءه فقال: تقدّمني إلى مؤخّر الجامع، فتقدّمه، فنهض ابن عبد الحكم، واستعفاه،
__________
(1) ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 268.
(2) انظر بقية الأبيات في: الولاة والقضاة 556.
(3) شذرات الذهب 2/ 368.
(4) انظر البيت في: الولاة والقضاة 557، وسير أعلام النبلاء 15/ 449، والسبكي: طبقات الشافعية 3/ 81.(1/225)
فأبى، فقال: أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ. وبالله لئن أخبرت بهذا عني لأقولنّ للأمير أحمد بن طولون فيضربك بالسّياط (1). قال: ثم بعد ستّة أشهر ورد العهد بالقضاء من ابن أبي الشوارب لابن أبي زرعة، فركب بالسّواد إلى الجامع، وقرىء عهده على المنبر، وله يومئذ أربعون سنة. وكان عارفا بالأحكام منفّذا، ثم جمع له قضاء دمشق، وحمص، والرّملة، وغير ذلك. وكان حاجبه بسيف ومنطقة. ولم يزل ابن الحداد يخلفه إلى آخر أيامه (2). وكان الحسين بن أبي زرعة، يتأدّب معه ويعظّمه، ولا يخالفه في شيء. ثم عزل من بغداد ابن أبي الشوارب، بأبي نصر يوسف بن عمر القاضي، فبعث العهد إلى ابن أبي زرعة باستمراره (3).
146 - محمد بن عبد الله بن الحسين (4)، الفقيه، أبو بكر الصّبغي النيسابوري الشافعي. من كبار أئمة المذهب. قال الحاكم: كان حانوته مجمع الحفّاظ والمحدّثين (5). سمع بخراسان، أبا حامد ابن الشرقيّ، وطبقته، وبالرّيّ: أبا محمد بن أبي حاتم وببغداد: ابن مخلد، والمحامليّ. وجمع على «صحيح مسلم» مات في ذي الحجّة كهلا.
147 - محمد بن محمد بن يوسف (6) بن الحجّاج، أبو النّضر الطّوسيّ، الفقيه، الشافعي، سمع: تميم بن محمد، وإبراهيم بن إسماعيل، ببلده والحسين بن محمد القبّاني، ومحمد بن عمرو الحرشيّ، وأحمد بن سلمة بنيسابور ويحيى بن ساساويه بمرو وعثمان بن سعيد الدارمي، ومعاذ بن نجده بهراة ومحمد بن أيّوب بالرّيّ، وإسماعيل القاضي، والحارث بن أبي أسامة ببغداد وعلي بن عبد العزيز بمكة، وبسمرقند مصنّفات، محمد بن نصر الفقيه وأكثر عنه. وبالكوفة، أحمد بن موسى بن
__________
(1) الولاة والقضاة للكندي 553، 556.
(2) ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 198.
(3) ابن العماد: شذرات الذهب: 2/ 367، وابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 198.
(4) ترجمته في: الأنساب 8/ 36، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 169168.
(5) ذكر السبكي: أن الصبغي كان يبيع الصبغ في حانوته على عادة العلماء المتقدمين الذين كانوا يتسببون في المعاش. / طبقات الشافعية الكبرى 2/ 168.
(6) ترجمته في: ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 229وابن الجوزي: المنتظم 14/ 100، الأنساب 8/ 264، سير أعلام النبلاء 15/ 492490، الوافي بالوفيات 1/ 210، طبقات الإسنوي 1/ 162، النجوم الزاهرة 3/ 312، شذرات الذهب 2/ 368.(1/226)
إسحاق فأكثر عنه. قال الحاكم: رحلت إليه مرّتين، وسمعت كتابه المخرّج على مسلم، وسألته: متى تتفرّغ للتصنيف مع هذه الفتاوى. فقال: قد جزّأت الليل ثلاثة أجزاء: جزءا للتصنيف، وجزءا لقراءة القرآن، وجزءا للنوم (1). وكان إماما عابدا، بارع الأدب، ما رأيت في مشايخي أحسن صلاة منه. كان يصوم النهار، ويقوم الليل، ويتصدّق بالأفضل من قوته. ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر (2). سمعت أحمد بن منصور الحافظ يقول: أبو النّضر يفتي من نحو سبعين سنة، ما أخذ عليه في الفتوى قطّ.
وقال الحاكم: دخلت طوس، وأبو أحمد الحافظ على قضائها. فقال لي: ما رأيت قطّ في بلد من بلاد الإسلام مثل أبي النّضر. توفي أبو النّضر في شعبان (3).
148 - محمد بن يعقوب بن يوسف الشّيباني (4). الحافظ (أبو عبد الله) بن الأخرم، النيسابوري، ويعرف أبوه بابن الكرمانيّ. قال الحاكم: كان أبو عبد الله صدر أهل الحديث ببلدنا بعد أبي حامد بن الشرقي كان يحفظ ويفهم وصنّف على صحيحي البخاري ومسلم. وصنّف (المسند الكبير) وسأله أبو العباس السّراج أن يخرّج له، على (صحيح مسلم) ففعل. قال الحاكم: سمعت الحافظ أبا عبد الله بن الأخرم غير مرّة يقول: ذهب عمري في جمع هذا الكتاب. يعني كتاب مسلم وسمعته يندم على تصنيفه (المختصر) فيما اتفق عليه البخاريّ ومسلم. ويقول: من حقّنا أن نجتهد في زيادة الصحيح.
قال الحاكم: وكان من أنجى الناس. ما أخذ عليه لحن قطّ. سمع: إبراهيم بن عبد الله السعدني، وعلي بن الحسن الهلاليّ، وخشنام بن الصّدّيق، ويحيى بن الذّهلي، ومحمد بن عبد الوهاب، وحامد بن أبي حامد، ثم كتب عن طبقتين بعد هؤلاء. ولم يسمع إلا بنيسابور. وله كلام حسن في العلل والرّجال. روى عنه: أبو بكر
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 101، الأنساب 8/ 265.
(2) الأنساب 8/ 64، ابن الجوزي: المنتظم 10114.
(3) كانت وفاة أبي النضر الطوسي، في شهر شعبان من سنة 344هـ. / ابن الجوزي: المنتظم 14/ 101، والبداية والنهاية 22911.
(4) ترجمته في: ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 268، البغدادي: هدية العارفين 2/ 41، ابن تفري بردى، النجوم الزاهرة 3/ 313، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 76، ابن السمعاني:
الأنساب 11/ 403، الإسنوي 1/ 74، وابن الصلاح: طبقات 1/ 287، سير أعلام النبلاء 15/ 470466.(1/227)
الصّبغي، وأبو الوليد الفقيه، وله أربع وتسعون سنة، وصلّى عليه محمد بن يحيى، وله ثماني سنين، سمعت محمد بن صالح بن هاني يقول: كان ابن خزيمة، يقدّم أبا عبد لله بن يعقوب على أقرانه، ويعتمد على قوله فيما يرد عليه، وإذا شكّ في شيء عرضه عليه.
149 - يحيى بن محمد بن عبد الله بن العنبر (1) بن عطاء السّلّمي، مولاهم، أبو زكريا العنبري، النيسابوري. العدل، المفسّر، الأديب الأوحد. سمع: إبراهيم بن أبي طالب، ومحمد بن إبراهيم البوشنجي. والحسين بن محمد القبّاني، ومحمد بن عمرو الحرشيّ وطائفة. روى عنه: أبو بكر بن عبدش (2) وأبو علي الحافظ، وهما من أقرانه، وأبو الحسين الحجّاجي، والحاكم أبو عبد الله فمن بعدهم. وتوفي في شوّال عن ستّ وسبعين سنة، ولم يرحل. قال أبو علي الحافظ: أبو زكريا يحفظ من العلوم، ما لو كلّفنا حفظ شيء منها لعجزنا عنه. وما أعلم أني رأيت مثله. وقال الحاكم: اعتزل أبو زكريا الناس، وقعد عن حضور المحافل بضع عشرة سنة (3). سمعته يقول (4): للعالم المختار أن يرجع إلى أحسن حال، فيأكل الطيّب والحلال، ولا يأكل [أو] يكسب بعلمه المال، ويكون علمه له جمال، وماله من الله المتعال منّ عليه وإفضال.
سنة خمس وأربعين وثلاثمئة
150 - أحمد بن محمد بن (5) إسماعيل بن نعيم. أبو حامد الطّوسي الفقيه المفتي.
تلميذ ابن سريج. سمع: ابن الضّريس، ومطّيّنا، وطبقتهما. وعنه: الحاكم.
151 - أحمد بن منصور بن عيسى الحافظ، أبو حامد (6) الطّوسي، الأديب الفقيه،
__________
(1) ترجمته في: ياقوت: معجم الأدباء 02/ 34، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 486485، سير أعلام النبلاء 15/ 533، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 901، الأنساب 9/ 74، العبر 2/ 265، النجوم الزاهرة 4/ 314، شذرات الذهب 2/ 396.
(2) معجم الأدباء 20/ 34 (عبدوس).
(3) نفسه.
(4) نفسه.
(5) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 40، وابن الصلاح: طبقات 2/ 716.
(6) ترجمته في: الذهبي: سير أعلام النبلاء 15/ 536 (ترجمة رقم 314) الصفدي: الوافي(1/228)
الشافعي، ذو الفنون والفضائل. سمع: عبد الله بن شيرويه وإسحاق بن إبراهيم الأنماطي، وطبقتهما. وعنه: للحاكم وغيره. قال أبو النضر الفقيه: ما رأيت بكورتنا مثله، وقال غيره: كان يحفظ ويذكّر.
152 - الحسن بن الحسين بن أبي (1) هريرة (أبو علي) الفقيه الشافعي، القاضي.
بغدادي، إمام، مشهور، صاحب وجه في المذهب، تفقه على أبي العباس بن سريج، وعلى أبي إسحاق المروزيّ، وعلّق على شرح المزني، وعلّق عنه الشرح: أبو علي الطبري وغيره وأخذ عنه الدارقطني، ترجمته صغيرة عند الخطيب.
153 - محمد بن أحمد أبو بكر الحداد (2) الفقيه، قيل: توفي فيها وقيل: سنة أربع.
154 - محمد بن عبد الواحد (3) بن أبي هاشم البغدادي، أبو عمر الزاهد، غلام ثعلب، اللغوي المشهور. سمع: موسى ابن سهل الوشّاء، ومحمد بن يونس الكديمي، وأحمد بن عبيد الله النّرسيّ، وإبراهيم بن الهيثم البلديّ، وأحمد بن سعيد الجمّال، وجماعة. وعنه أبو عبد الله الحاكم، وأبو الحسن بن رزقويه، وأبو الحسين بن بشران، وأحمد بن عبد الله المحاملي، وأبو علي بن شاذان، وهو آخر من حدّث عنه. قال الخطيب: سمعت غير واحد يحكي أن الأشراف، والكتّاب، وأهل الأدب كانوا يحضرون عند أبي عمر الزاهد، ليسمعوا منه كتب ثعلب وغيرها. وكان له جزء، جمع فيه فضائل معاوية، فلا يقرئهم شيئا حتى يبتدىء بقراءة ذلك الجزء. وكان جميع شيوخنا يوثّقونه في الحديث. وقال أبو علي التّنوخي (4): من الرّواة الذين لم ير قط
__________
8/ 188، السبكي: طبقات 3/ 57، الإسنوي 2/ 162، ابن الصلاح: طبقات 2/ 406.
(1) ترجمته في: البغدادي: تاريخ بغداد 7/ 198 (ترجمة رقم 3808) السبكي: طبقات 3/ 256، الإسنوي: طبقات 2/ 518، ابن الصلاح: طبقات 2/ 739، تذكرة الحفاظ 30/ 912، وفيات الأعيان 2/ 75رقم 159.
(2) ترجمته في: ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 229، 230، ابن الجوزي: المنتظم 14/ 101، وابن الصلاح: طبقات 2/ 840، والسبكي 3/ 9879والإسنوي 1/ 398.
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 356، وابن كثير البداية والنهاية 11/ 230، وابن خلكان: وفيات الأعيان 4/، ابن النديم: الفهرست 114، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 171، معجم الأدباء 18/ 226، وابن الصلاح 1/ 220.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 104، ونشوار المحاضرة 4/ 226.(1/229)
أحفظ منهم، أبو عمر غلام ثعلب، أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة، فيما بلغني، حتى اتّهموه لسعة حفظه: فكان يسأل عن الشيء الذي يظنّ السائل، أنه قد وضعه فيجيب عنه، ثم يسأله غيره عنه بعد سنة، فيجيب عنه بذلك الجواب. وقال رئيس الرؤساء (1)
[أبو القاسم] علي بن الحسن: قد رأيت أشياء مما أنكروا عليه، مدوّنة في كتب أهل العلم. وقال عبد الواحد (2) بن علي بن برهان: لم يتكلّم في اللغة أحد أحسن من كلام أبي عمر الزاهد قال: وله كتاب (غريب الحديث) صنّفه على (مسند أحمد). نقل القفطيّ: أن صناعة أبي عمر كانت التّطريز وكان اشتغاله بالعلوم، قد منعه من التّكسّب (3)
فلم يزل مضيّقا عليه. وكان إبراهيم بن ماسيّ يصله، وكان آية في حفظ الأدب، وكان في شيبته يؤدّب ولد القاضي عمر بن يوسف. وله من التصانيف (4): (غريب الحديث)، (كتاب الياقوتة)، (فائت الفصيح) كتاب (العشرات) كتاب (الشّورى) تفسير أسماء الشعراء، (كتاب القبائل)، (النوادر) كتاب (يوم وليلة) وغير ذلك.
وفيه يقول أبو العباس أحمد اليشكريّ (5):
أبو عمر أوفى من العلم مرتقى ... يذلّ مساميه ويردي مطاوله
فلو أنني أقسمت ما كنت كاذبا ... بأن لم ير الرّاؤون بحرا يعادله
إذا قلت شارفنا أواخر علمه ... تفجّر حتى قلت هذا أوائله
توفي رحمه الله في ثالث عشر ذي القعدة سنة خمس وأربعين وثلاثمئة.
سنة ست وأربعين وثلاثمئة
155 - محمد بن يعقوب (6) بن يوسف بن معقل بن سنان (أبو العباس) الأموي،
__________
(1) نفسه.
(2) صنف أبو عمر الزاهد عددا كبيرا من الكتب منها: كتاب الفصيح، المرجان، الساعات، وغيرها / ابن النديم: الفهرست ص 114.
(3) الفقطي: إنباه الرواة 1723.
(4) انظر: ابن النديم: الفهرست ص 113، 114.
(5) الأبيات ف: تاريخ بغداد 2/ 359ومعجم الأدباء 18/ 232وطبقات السبكي 3/ 119وابن الصلاح 1/ 221، توفي أبو عمر سنة 345هـ / الفهرست ص 113.
(6) ترجمته في: ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 232، وابن الجوزي: المنتظم 14/ 112، الإكمال لابن ماكولا 7/ 319، الأنساب 1/ 297294، معجم البلدان 2/ 187، تهذيب تاريخ دمشق(1/230)
مولى بن أمية، النيسابوري، الأصم. وكان يكره أن يقال له الأصمّ. فكان أبو بكر بن إسحاق الصبغي يقول فيه المعقلي. وقال الحاكم (1): حتى كان لا يسمع نهيق الحمار وكان محدث إنما ظهر به الصمم بعد انصرافه من الرحلة فاستحكم فيه عصره بلا مدافعة (2). حدّث في الإسلام، ستّا وسبعين سنة، ولم يختلف في صدقه، وصحة سماعاته، وضبط والده يعقوب الورّاق لها (3). أذّن سبعين سنة فيما بلغني في مسجده، وكان حسن الخلق سخيّ النفس، ربما كان يحتاج (4) فيورّق، ويأكل من أجرته، وكان يكره الأخذ على التحديث (5). وكان ورّاقه وابنه أبو سعيد يطالبان الناس، ويعلم هو فيكره ذلك. ولا يقدر على مخالفتهما (6). سمع منه الآباء والأبناء والأحفاد (7). سمع منه الحسن بن الحسين بن منصور كتاب (الرسالة)، ثم سمعها منه ابنه أبو الحسن، ثم ابنه عمر. وما رأيت الرحالة في بلد أكثر منهم إليه (8). رأيت جماعة من الأندلس والقيروان، ومن أهل فارس، وخوزستان على بابه. وسمعته يقول: ولدت سنة سبع وأربعين. ورأى محمد بن يحيى الذّهلي، وسمع: أحمد بن يوسف السّلمي، وأحمد بن الأزهر، ففقد سماعه منهما عند رجوعه من مصر. رحل به أبوه (9) سنة خمس وستين على طريق إصبهان. فسمع بها: هارون بن سليمان، وأسيد بن عاصم. ولم يسمع بالأهواز، ولا بالبصرة، وسمع بمكة من أحمد بن شيبان الرّملي فقط. ودخل مصر فسمع: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم الفقيه، وبكّار بن قتيبة، والربيع بن سليمان، وبحر بن نصر، وإبراهيم بن منقذ. وسمع بعسقلان: أحمد بن الفضل الصائغ. وببيت المقدس من غير واحد وببيروت: العباس بن الوليد، سمع منه مسائل
__________
2/ 212، اللباب 1/ 56، الكامل في التاريخ 8/ 520، سير أعلام النبلاء، 15/ 460452، الوافي بالوفيات 5/ 223، النجوم الزاهرة 3/ 315، شذرات الذهب 2/ 373.
(1) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 112.
(2) ابن السمعاني: الأنساب 1/ 294.
(3) ابن السمعاني: الأنساب 1/ 294.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 112.
(5) النساب 1/ 295.
(6) نفسه.
(7) نفسه.
(8) الأنساب 1/ 295، المنتظم لابن الجوزي 14/ 112.
(9) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 112.(1/231)
الأوزاعي. وبدمشق: ابن ملّاس النّميري، ويزيد بن عبد الصمد. وبحمص:
محمد بن عوف. وبطرسوس: أبا أمية فأكثر عنه. وبالرقة محمد بن علي بن ميمون، وبالكوفة: الحسن بن علي بن عفان، وسعيد بن محمد الحجوائي (1)، شيخ ثقة. سمع ابن عيينة، ووكيعا. وسمع المغازي وغيرها، من أحمد بن عبد الجبار العطاردي، وبعض المسند من أحمد بن غرزة الغفاري. ثم دخل بغداد، فسمع: محمد ابن إسحاق الصّغاني، وعباس بن محمد الدّوري، ومحمد بن عبيد الله بن المنادي، ويحيى بن جعفر، وحنبل بن إسحاق، فأكثر عنهما. خرج (2) علينا في ربيع الأول سنة أربع وأربعين، فلما نظر إلى كثرة الناس والغرباء، وقد امتلأت السكة بهم، وقد قاموا يطرّقون له، ويحملونه على عواتقهم من داره إلى مسجده، فجلس على جدار المسجد وبكى، ثم نظر إلى المستملي فقال: اكتب. سمعت الصّغاني يقول: سمعت الأشجّ يقول:
سمعت عبد الله بن إدريس يقول (3): أتيت باب الأعمش بعد موته، فدققت الباب، فأجابتي امرأة (هاي هاي)، يعني تبكي. فقالت: يا عبد الله ما فعلت جماهير العرب التي كانت تأتي هذا الباب؟ ثم بكى الكثير. ثم قال (4): كأني بهذه السكة لا يدخلها أحد منكم فإني لا أسمع، وقد ضعف البصر، وحان الرحيل، وانقضى الأجل. فما كان بعد شهر أو أقل حتى كفّ بصره، وانقطعت الرحلة إليه، ورجع أمره إلى أنه، كان يناول قلما، فإذا أخذه بيده، علم أنهم يطلبون الرواية، فيقول: ثنا الربيع بن سليمان، ويسرد أحاديث يحفظها، وهي أربعة عشر حديثا، وسبع حكايات. وصار بأسوأ حال.
وتوفي (5) في ربيع الآخر، سنة ست وأربعين. وقد ثنا عنه: أبو عبد الله محمد بن يعقوب الأخرم، وأبو بكر بن إسحاق، ويحيى العنبري، وعبد الله بن سعد، وأبو الوليد حسان بن محمد، وأبو علي الحافظ. وحدّث عنه جماعة لم أدركهم منهم: أبو عمرو الحيريّ، ومؤمّل بن الحسن، وأبو علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي. قلت: وروى عنه: الحاكم، فأكثر عنه، وأبو عبد الله. بن مندة، وأبو عبد الرحمن السّلمي، وأبو بكر الحيريّ، وأبو سعيد الصيرفي، ومحمد بن إبراهيم المزكي، ومحمد بن إبراهيم
__________
(1) لم أجد هذه النسبة في كتب الأنساب.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 112.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 112، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 232.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 113، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 232.
(5) نفسه 14/ 113، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 232.(1/232)
الجرجاني، وأبو بكر محمد بن محمد بن رجاء، وعبد الرحمن بن محمد بن بالويه، وابن محمش الفقيه، وأبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن حبيب القاضي، ومحمد بن محمد بن بالويه، والحسين بن عبدان التاجر، وأبو القاسم عبد الرحمن السراج، وأبو بكر محمد بن أحمد النّوقانيّ (1)، وأبو نصر محمد بن علي الفقيه، وأحمد بن محمد الشاذياخيّ (2)، وأبو سعد أحمد بن محمد بن مزاحم الصّغّار، وإبراهيم بن محمد الطّوسي الفقيه، وإسحاق بن محمد السّوسي، وعبد الله بن يوسف الإصبهاني، وعبد الرحمن بن أبي حامد المقريء، وأحمد بن عبد الله المهرجاني (3)، وعبد الرحمن بن عبد الله بن سختويه، وعلي بن محمد الطرازي، وأبو بكر محمد بن علي بن حيد (4)، وأحمد بن محمد بن الحسين السّليطي (5) النحوي، والحسين ابن أحمد المعاذي (6)، ومنصور بن الحسين بن محمد النيسابوري. وتوفي هو والطّرازي (7) في سنة، وهما آخر من سمع منه، وآخر من روى عنه في الأرض أبو نعيم الحافظ، كتابة.
وقال الحاكم: سمعت أبا العباس يقول: حدّثت بكتاب «معاني القرآن» للفرّاء سنة نيف وسبعين ومائتين. وسمعت محمد بن حامد يقول: سمعت ابا حامد الأعمش يقول:
كتبنا عن أبي العباس ابن يعقوب الورّاق سنة خمس وسبعين في مجلس محمد بن عبد الوهاب الفرّاء. سمعت محمد ابن الفضل: سمعت جدّي أبا بكر بن خزيمة، وسئل عن سماع كتاب (المبسوط) تأليف الشافعي من الأصم (8). فقال: اسمعوا منه. فإنه ثقة، قد رأيته يسمع بمصر. وقال: سمعت أبا أحمد الحافظ: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: ما بقي لكتاب المبسوط راو غير أبي العباس الورّاق.
__________
(1) هذه النسبة إلى نوقان وهي إحدى بلدتي طوس. / الأنساب 12/ 161.
(2) هذه النسبة إلى موضعين، أحدهما إلى باب نيسابور، مثل قرية متصلة بالبلد بها دار للسلطان.
وشاذياخ: قرية ببلخ على أربعة فراسخ منها. والنسبة إليها الشاذياخي أيضا. الأنساب 7/ 240، (24، 242).
(3) المهرجاني: هذه النسبة إلى موضعين أحدهما بلدة أسفرايين ويقال لها المهرجان. (الأنساب 11/ 535).
(4) انظر: ابن ماكولا: الإكمال (2/ 191).
(5) السليطي: هذه النسبة إلى سليط، وهو اسم لجدّ المنتسب إليه (الأنساب 7/ 119).
(6) المعاذي: هذه النسبة إلى آل معاذ، وهو بيت كبير بمرو (الأنساب 11/ 379).
(7) الطرازي: هذه النسبة إلى (طراز) وهي بلدة على حدّ ثغر الترك (الأنساب 8/ 222)
(8) انظر: السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 1/ 24، 3/ 41، 5/ 11، 7/ 293، 9، 169(1/233)
وبلغنا أنه ثقة صدوق. قال الذهبي: وقع لنا جملة من طريق الأصم. من ذلك (مسند الشافعي) في مجلده وهو المسند لم يفرده الشافعي رحمه الله، بل خرّجه أبو جعفر محمد بن جعفر بن مطر لأبي العباس الأصم، مما كان يروي عن الربيع عن الشافعي رضي الله عنه. من كتاب (الأمّ) وغيره. قال الحاكم: قرأت بخطّ أبي علي الحافظ، يحثّ الأصمّ على الرجوع عن أحاديث أدخلوها عليه، منها حديث الصّفاني، عن علي بن حكيم في قبض العلم وحديث أحمد بن شيبان، عن سفيان عن الزهري، عن سالم عن أبيه: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية. فوقّع الأصمّ: كلّ من روى عني هذا، فهو كذّاب، وليس هذا في كتابي. ثم روى المؤلف بسنده من طرق عن: أحمد بن شيبان الرّملي، ثنا سفيان بن عيينة، عن الزّهري، عن نافع، عن ابن عمر قال: «(1) بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريّة، إلى نجد فبلغ سهمانهم اثني عشر بعيرا ونفلنا النبي صلى الله عليه وسلم، بعيرا بعيرا». وهم فيه أحمد بن شيبان وصوابه ما رواه الحميديّ، عن سفيان فقال: عن أيّوب، بدل الزّهري. فأمّا الذي أنكره أبو علي الحافظ. على الأصم، ورجع الأصم كونه وهم فيه، على أحمد بن شيبان. فقال فيه: سالم بدل نافع. وقال الحاكم: قرأت بخطّ ابي عمرو، وأحمد بن المبارك المستملي: حدّثني محمد بن يعقوب بن يوسف أبو العباس الورّاق: ثنا الربيع بن سليمان، نا. بشر بن بكر فذكر حديثين. قلت: بين وفاة أحمد بن المبارك هذا، وهو حافظ مشهور سمع من قتيبة وطبقته، وبين وفاة أبي نعيم الذي يروي بالإجازة عن الأصم، مائة وأربعون سنة وست سنين. قال الحاكم: حضرت أبا العباس يوما، خرج ليوذّن للعصر، فوقف وقال بصوت عال: أنبا الربيع بن سليمان قال: أنبا الشافعي، ثم ضحك وضحك الناس، ثم أذّن، وسمعت أبا العباس يقول:
__________
(1) هي سرية أبي قتادة بن ربعي الأنصاري، إلى أرض محارب بنجد في شهر شعبان سنة 8هـ وأهلها من غطفان، فغنم المسلمون مائتين من الإبل، وألفي شاة من الغنم وسبوا كثيرا، وقسموا الغنائم فأصاب كلّ رجل اثنا عشر بعيرا. (ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/ 1/ 95، الطبري تاريخ 2/ 148، ابن الجوزي: المنتظم 3/ 323، الحديث بتمامه في: موطأ مالك ص 298، 299 رقم 978في كتاب الجهاد، باب جامع النفل في الغزو «وعبد عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد، بلادا كثيرة، فكانت سهمانهم اثنتي عشر بعيرا، أو أحد عشر بعيرا، ونفّلوا بعيرا بعيرا». رواه لبخاري من طريق مالك (3134) ورواه مسلم (1749) وأحمد في المسند 2/ 62.(1/234)
رأيت أبي في المنام فقال لي: عليك بكتاب البويطي (1)، فليس في كتب الشافعي كتاب أقلّ خطأ منه. رحمه الله تعالى.
سنة سبع وأربعين وثلاثمئة
156 - محمد بن أبي زكريا (2) يحيى بن النّعمان أبو بكر الهمذاني، الفقيه الشافعي.
صاحب ابن سريج. كان أوحد زمانه بالفقه، وله كتاب (السّنن) لم يسبق إلى مثله.
سمع: موسى بن إسحاق الأنصاري. وأبا خليفة، وجماعة. وعنه: أبو عبد الله الحاكم، وأبو بكر بن لال، والقاضي عبد الجبار المتكلّم. توفي في ذي الحجه، ترجمه شيرويه.
سنة ثمان وأربعين وثلاثمئة
157 - عبد الله بن محمد بن الحسن بن الخصيب (3) بن الصّقر. أبو بكر الإصبهاني الشافعي. ولي قضاء دمشق سنة إحدى وثلاثين. ثم ولي قضاء مصر، ثم ولى قضاء دمشق، سنة نيّف وأربعين، من جهة الخليفة المطيع (4). وحدّث عن: أحمد بن الحسين الطيالسي، وبهلول بن إسحاق، ومحمد بن يحيى المروزي، وإبراهيم بن أسباط، وأبي شعيب الحرّاني، ويوسف القاضي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وطبقتهم. وصنّف كتابا في الفقه، سمّاه (المسائل المجالسيّة). روى عنه: ابنه أبو
__________
(1) هو: يوسف بن يحيى أبو يعقوب البويطي (نسبة إلى قرية بويط بصعيد مصر) صاحب الشافعي وخليفته امتحن في بغداد في خلق القرآن ومات بالسجن فيها سنة 231هـ / المسعاني: الأنساب 2/ 339، الذهبي: الكاشف 3/ 263، 4.
(2) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 2/ 525، وابن الصلاح: طبقات الشافعية 2/ 879، وهدية لعارفين 2/ 42.
(3) ترجمته في: ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 13/ 271 (ترجمة رقم 87) والإسنوي: طبقات 1/ 43وابن الصلاح: طبقات 2/ 794، وابن قاض شهبة 1/ 102، الولاة والقضاة للكندي:
492، 549، سير أعلام النبلاء 15/ 540، 541رقم 319، ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية 1/ 130رقم 81، قضاة دمشق 29، 30لابن طولون، الأعلام 4/ 264، إيضاح المكنون 2/ 430.
(4) انظر: الولاة والقضاة للكندي 577، ابن طولون قضاة دمشق 29.(1/235)
الحسن بن الخصيب بن عبد الله، ومنير بن أحمد الخلّال، والحافظ عبد الغني، وعبد الرحمن بن عمر بن نصر، وعبد الرحمن بن النحاس. توفي في المحرّم بمصر.
قبل ابنه القاضي محمد، الذي ولي القضاء بعده بأشهر. وحديثه في «الخلعيّات» (1)
وغيرها. وكان توليه القضاء، من جهة محمد بن صالح بن أمّ شيبان (2). فركب بالسّواد في آخر سنة تسع وثلاثين، إلى دار ابن الإخشيد. وكان قد امتنع أن يخلف ابن أمّ شيبان، فقيل له: فيكون ابنك محمد خليفه وأنت النّاظر ففعل ذلك، فنظر في أمر مصر وبعث نواب الحكم إلى النواحي، ونظر في الأوقاف وتصدر للأحكام، وشاور العلماء، وحمدت سيرته. ثم قدم أبو طاهر الذّهلي قاضي دمشق، فركب الخصيب وابنه إليه، فلم يجداه. ثم علم فلم يكافئهما، فصارت عداوة (3) ثم حج أبو طاهر وعاد، وردّ إلى دمشق، وفسد ما بين أبي طاهر وبين أهل دمشق، فاستحضره كافور إلى مصر، فعمل فيه أهل دمشق محضرا وعاونهم ابن الخصيب، وهيأ جماعة يذمّون أبا طاهر عند كافور، فعزل عن دمشق ووليها الخصيبي (4)، فاستخلف عليها ابن حذلم (5). ثم وقع بين الخصيبيّ، وبين ولده محمد، وأراد الابن أن يستبدّ بالقضاء، وعاند الأب (6). ووقع بينهما وبين أبي بكر بن الحداد الفقيه (7). ثم استقلّ الأب بالقضاء. وله تصانيف، وردّ على محمد بن جرير.
سنة تسع وأربعين وثلاثمئة
158 - حسان بن محمد (8) بن أحمد بن هارون بن حسان بن عبد الله بن عبد الرحمن
__________
(1) الولاة والقضاة للكندي 577، ابن طولون قضاة دمشق 29.
(2) انظر: الولاة والقضاة للكندي ص 492.
(3) انظر: الولاة والقضاة للكندي 5.
(4) انظر: الولاة والقضاة للكندي 578، ولابن طولون: قضاة دمشق ص 30.
(5) هو: أحمد بن سليمان بن أيوب الأسدي الدمشق الأوزاعي المذهب. / ترجمة الذهبي في تاريخ الإسلام برقم 613.
(6) الولاة والقضاة 578.
(7) نفسه.
(8) ترجمته في: ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 236، ابن الجوزي: المنتظم 14/ 128، ابن العماد: شذرات الذهب 2/ 380، اليافعي: مرآة الجنان 2/ 343، حاجي خليفة: كشف(1/236)
ابن عنبسة بن عبد الرحمن بن عنبسة بن عبد الرحمن بن عبنسة بن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف. القرشي، الأموي. الأستاذ أبو الوليد، الفقيه الشافعي. قال فيه الحاكم (1): إمام أهل الحديث بخراسان. وأزهد من رأيت من العلماء، وأعبدهم (2). درس على ابن سريج، وسمع أحمد بن الحسن الصّوفي وغيره ببغداد ومحمد بن إبراهيم البوشنجي، ومحمد بن نعيم بنيسابور، والحسن بن سفيان بنسا. وخلقا سواهم. روى عنه: أبو عبد الله الحاكم (3)، والقاضي أبو بكر الحيري، وأبو زاهر بن محمش، وأبو الفضل أحمد بن محمد السّهلي الصّفّار، وآخرون. وهو صاحب وجه في المذهب، فمن غرائبه أن المصلّي إذا كرّر الفاتحة مرّتين بطلت صلاته.
وهو خلاف نصّ الشافعي، وحكاه أبو حامد الإسفراييني، في تعليقه عن القديم. ومن غرائب أبي الوليد، أن الحجامة تفطر الحاجم والمحجوم، وادّعى أنه المذهب لصحّة الحديث، وذلك غلط لأن الشافعي قال: الحديث منسوخ. وصنّف (4) الأستاذ أبو الوليد المخرّج على مذهب الشافعي المخرّج على (صحيح مسلم). وقال أبو سعيد الأديب:
سألت أبا علي الثقفي، قلت: من نسأل بعدك؟ قال: أبا الوليد. وقال الحاكم:
سمعت أبا الوليد: سمعت الحسن بن سفيان سمعت حرملة يقول: سئل الشافعي عن رجل وضع في فيه تمرة، وقال لامرأته: إن أكلتها فأنت طالق، وإن طرحتها فأنت طالق. فقال الشافعي: يأكل نصفها، ويطرح نصفها (5). قال أبو الوليد: سمع مني أبو العباس بن سريج هذه الحكاية، وبنى عليها باقي تفريعات الطلاق، وقال الحاكم: ثنا أبو الوليد قال: قال أبي: أيّ كتاب تجمع؟ قلت: أخرّج على كتاب البخاري. قال عليك بكتاب مسلم فإنه أكثر بركة، فإن البخاري كان ينسب إليه اللّغط. قال الحاكم:
أرانا أبو الوليد حسان بن محمد نقش خاتمه «الله ثقة حسان بن محمد» (6). وقال: أرانا
__________
الظنون 557، 873. السبكي 2/ 191.
(1) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 128/ الإسنوي 2/ 472وابن الصلاح: طبقات 2/ 691، البداية والنهاية 11/ 236.
(2) السبكي: طبقات الشافعية 2/ 191.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 128.
(4) نفسه.
(5) البداية والنهاية 11/ 236.
(6) البداية والنهاية 11/ 236.(1/237)
عبد الملك بن محمد بن عدي نقش خاتمه: «الله ثقة عبد الملك بن محمد». وقال:
أرانا الربيع نقش خاتمه «الله ثقة الربيع بن سليمان». وقال: كان نقش خاتم الشافعي «الله ثقة محمد بن إدريس» (1). وساق الحاكم قصيدة لابن محمش الزياديّ نيّف وستون بيتا يرثي بها الإمام أبا الوليد. توفي (2) أبو الوليد رحمه الله في ربيع الأول عن اثنتين وسبعين سنة.
159 - الحسين بن علي بن يزيد (3) بن داود. الحافظ أبو علي النيسابوري. قال الحاكم (4): هو واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع والمذاكرة والتصنيف. سمع:
إبراهيم بن أبي طالب، وعلي بن الحسين، وعبد لله بن شيرويه، وجعفر بن أحمد الحافظ، وبهراة الحسين بن إدريس، محمد بن عبد الرحمن، وبنسا: الحسن بن سفيان
وبجرجان: عمران بن موسى.
وببغداد: عبد الله بن ناجية والقاسم المطرّز
وبالكوفة: محمد بن جعفر العتّات
وبالبصرة: أبا خليفة
وبواسط: جعفر بن أحمد بن سنان
وبالأهواز: عبدان
وبإصبهان محمد بن نصير
وبالموصل: أبا يعلى
__________
(1) انظر: الطبقات الكبرى للشافعية: السبكي 2/ 191.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 129، وكانت وفاته في ربيع الأول سنة 349هـ.
(3) ترجمته في: ألخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/ 71، 72، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 236، وابن الجوزي: المنتظم 14/ 128، تهذيب تاريخ دمشق 4/ 350، معجم البلدان 5/ 332، 333، العبر 2/ 281، سير أعلام النبلاء 16/ 5951، تذكرة الحفاظ 3/ 905902، دول الإسلام 1/ 216، مرآة الجنان 2/ 343، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 280267، الوافي بالوفيات 12/ 430، النجوم الزاهرة 3/ 324، طبقات الحفاظ 368، 369، شذرات الذهب 2/ 380، الأعلام 2/ 266.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 129.(1/238)
وبمصر: أبا عبد الرحمن إبراهيم بن العلاء
وبغزة: الحسن بن الفرج، راوي الموطأ
وبمكة: الفضل الجندي
وبالشام: أصحاب إبراهيم بن العلاء، والمعافى بن سليمان. ولد سنة 277هـ.
وتوفي في جمادى الأولى. وأول سماعه سنة 294هـ. وكان يشتغل بالصياغة، فنصحه بعض العلماء، وأشار عليه بالعلم (1). قال: خرجت إلى هراة سنة خمس وتسعين، وحضرت أبا خليفة وهو يهدّد وكيلا له يقول: تعود يا لكع. فقال: لا أصلحك الله، فقال: بل أنت لا أصلحك الله. قم عني. قال الحاكم: وكنت أرى أبا علي، معجبا بأبي يعلى الموصلي وإتقانه. قال: كان لا يخفى عليه من حديثه إلا اليسير، ولولا اشتغاله بسماع كتب أبي يوسف بن بشر بن الوليد لأدرك بالبصرة أبا الوليد، وسليمان بن حرب. قال الحاكم: كان أبو علي باقعة (2) في الحفظ، لا تطاق مذاكرته ولا يفي بمذاكرته أحد من حفّاظنا (3). خرج إلى بغداد سنة عشر ثانيا. وقد صنّف وجمع، وأقام ببغداد، وما بها أحد أحفظ منه (4). إلا أن يكون أبا بكر الجعابي. فإني سمعت أبا علي يقول: ما رأيت ببغداد أحفظ منه. وسمعت أبا علي يقول: كتب عني أبو محمد صاعد، غير حديث في المذاكرة، كتب عني ابن جوصا. جملة (5). قلت: وروى عنه: أبو بكر أحمد بن إسحاق الصّبغي، وأبو الوليد الفقيه، وهما أكبر منه وابن مندة، والحاكم، وابن محمش، والسّلّمي، والمشايخ.
وقال أبو بكر بن أبي دارم الحافظ (6): ما رأيت ابن عقدة يتواضع لأحد من الحفاظ كتواضعه لأبي علي النيسابوري. وقال الحاكم: سمعت أبا علي يقول: اجتمعت ببغداد مع أبي أحمد العسّال، وإبراهيم بن حمزة، وأبي طالب بن نصر، وأبي بكر الجعابي.
فقالوا: أمليت علينا من حديث نيسابور، مجلسا، فامتنعت، فما زالوا بي حتى أمليت
__________
(1) تهذيب تاريخ دمشق 4/ 350.
(2) الاقعة: الدّاهية.
(3) تهذيب تاريخ دمشق 4/ 350.
(4) نفسه 4/ 351.
(5) تاريخ بغداد 8/ 71، 72.
(6) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 129.(1/239)
عليهم ثلاثين حديثا، وما أجاب واحد منهم في حديث منها، إلا ابن حمزة في حديث واحد (1). قال الحاكم: وكان أبو علي يقول: ما رأينا في أصحابنا مثل الجعابي، حيّرني حفظه. قال الحاكم: فحكيت ذلك لأبي بكر الجعابي فقال: يقول: أبو علي هذا وهو أستاذي على الحقيقة (2). قال أبو عبد الرحمن السّلّمي: سألت الدارقطني عن أبي علي النيسابوري، فقال: إمام مهذب. وقال السلفي: سمعت غانم بن أحمد سمعت أحمد بن الفضل الباطرقاني (3)، سمعت ابن مندة، يقول: سمعت أبا علي النيسابوري، وما رأيت أحفظ منه قال: ما تحت أديم السماء أصحّ من كتاب مسلم. وقال عبد الرحمن بن مندة: سمعت أبا عبد الله، يقول: ما رأيت في اختلاف الحديث، والإتقان، أحفظ من أبي علي النيسابوري (4). وقال القاضي أبو بكر الأبهري: سمعت أبا بكر بن أبي داود، يقول لأبي علي النيسابوري: إبراهيم عن إبراهيم عن إبراهيم، من هم؟ فقال: إبراهيم بن طهمان عن إبراهيم بن عامر البجلي، عن إبراهيم النّخعي، فقال: أحسنت يا أبا علي.
سنة خمسين وثلاثمئة
160 - الحسن بن القاسم. أبو علي الطبري (5) الفقيه، مصنّف (المحرّر) في النّظر.
وهو أول من جرّد الخلاف وصنّفه، وصنّف كتاب «الإفصاح». ودرّس مذهب الشافعي ببغداد، بعد شيخه أبي علي بن أبي هريرة. وأخذ عنه الفقهاء، وهو صاحب وجه في المذهب. وصنّف كتاب (العدّة) وكتاب (المحرّر) وله مصنّفات في الأصول.
__________
(1) الخطيب: تاريخ بغداد 8/ 72.
(2) تهذيب تاريخ دمشق 4/ 351.
(3) الباطرقاني: نسبة إلى باطرقان إحدى قرى إصبهان (الأنساب 20/ 40).
(4) تهذيب تاريخ دمشق 4/ 351.
(5) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/ 87، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 238، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 466، النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 261، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 358، العبر 2/ 286، كشف الظنون 211، 1539، 1612، 1635، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 3، ابن الجوزي: المنتظم 14/ 135، السبكي:
طبقات الشافعية 3/ 280، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 3/ 328، الإسنوي: طبقات 2/ 154.(1/240)
161 - عتبة بن عبيد الله بن موسى (1) بن عبيد الله الهمذاني، القاضي أبو السائب.
وكان أبوه تاجرا يؤمّ بمسجد بهمذان، فاشتغل هو بالعلم، غلب عليه في الابتداء التصوف والزهد. وسافر فلقي الجنيد والعلماء. وعني بفهم القرآن وكتب الحديث، وتفقّه للشافعي. ثم دخل مراغة (2)، واتصل بأبي القاسم بن أبي الساج، وتولى قضاء مراغة، ثم تقلّد قضاء أذربيجان كلّها. ثم تقلّد قضاء همذان. ثم سكن بغداد واتصل بالدولة، وعظم شأنه. إلى أن ولي قضاء القضاة بالعراق في سنة ثمان وثلاثين. وتوفي في ربيع الآخر وله ستّ وثمانون سنة، وقد سمع في الكهولة. وحدّث عن: عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي. وهو أول من ولي قضاء القضاة بالعراق من الشافعية.
162 - محمد بن أحمد بن خنب (3). أبو بكر البغدادي الدّهقان نزيل بخارى ومسندها. سمع: يحيى ابن أبي طالب، والحسن بن مكرم، وابن أبي الدّنيا، وجعفرا الصائغ، وموسى بن سهل الوشّاء، وابا قلابه، وأبو أحمد بخاري. سكن بغداد، وولد له بها محمد هذا، ونشأ بها ثم رجع إلى محتده. وهو ابن عشرين سنة. وروى. وكان شافعي المذهب، محدّثا فاضلا. ولد سنة ست وستين ومائتين. وعنه: أبو أحمد الحاكم، وإسماعيل بن الحسين الزاهد، ومحمد بن أحمد الفنجار، وعلي بن القاسم بن شاذان الرازي، وأحمد بن الوليد الزّوزني، شيخ البيهقيّ، وأبو نصر أحمد بن محمد بن إبراهيم البخاري، وعامة أهل ما وراء النهر. قال أبو كامل البصيريّ: سمعت بعض مشايخي يقول: كنا في مجلس ابن خنب، فأملى في فضائل عليّ بعد فراغه من فضائل أبي بكر، وعمر وعثمان، إذ قام أبو الفضل السّليماني، وصاح: أيّها الناس، إن هذا دجّال، فلا تكتبوا عنه. وخرج من المجلس لأنه ما سمع فضائل الثلاثة. توفي في غرّة رجب. سنة خمسين وثلاثمئة.
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 344343، تاريخ بغداد 12/ 322320، الكامل في التاريخ 8/ 536، العبر 2/ 287، سير أعلام النبلاء 16/ 47، المختصر في أخبار البشر 2/ 103، البداية والنهاية 11/ 239، النجوم الزاهرة 3/ 329، شذرات الذهب 3/ 5.
(2) مراغه: بلدة مشهورة وأعظم بلاد أذربيجان (معجم البلدان 5/ 93).
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 1/ 296، وفيه: «محمد بن أحمد بن خنب بن أحمد بن راجيان أبو بكر» وابن كثير: والبداية والنهاية 11/ 239، الإكمال لابن ماكولا 2/ 157، سير أعلام النبلاء 15/ 524523، العبر 2/ 288، شذرات الذهب 3/ 7. ومات ابن خنب في شهر رجب سنة 350هـ / تاريخ بغداد 1/ 296.(1/241)
163 - أحمد بن الحسن بن سهل أبو بكر (1) الفارسي، صاحب ابن سريج، فقيه إمام، له المصنّفات (2) الباهرة في المذهب الشافعي، ومن وجوهه، أن الكلب الأسود لا يحلّ صيده، كمذهب أحمد.
سنة إحدى وخمسين وثلاثمئة
164 - الحسين بن الفتح أبو علي (3) النيسابوري، الفقيه الشافعي، سمع الفريابي وغيره وعنه: يوسف الميانجي، وابن جميع (4)، وأبو محمد بن النحاس المصري.
165 - دعلج بن أحمد بن دعلج أبو محمد السّجزي (5)، الفقيه المعدّل، ولد سنة ستين ومائتين، أو قبلها، وسمع بعد الثمانين، من: علي بن عبد العزيز بمكة، وهشام بن علي السّيرافي، وعبد العزيز بن معاوية بالبصرة، ومحمد بن أيّوب، وابن الجنيد بالرّي، ومحمد بن إبراهيم البوشنجي، ومحمد بن عمرو الحرشي، وطائفة بنيسابور. وعثمان بن سعيد الدارمي وغيره بهراة، ومحمد بن غالب، ومحمد بن رميح البزاز. ومحمد بن سليمان الباغندي وخلقا ببغداد وغيرها وعنه: الدارقطني، والحاكم، وابن زرقويه، وأبو عليّ بن شاذان، وأبو إسحاق، الإسفرائينيّ.
وعبد الملك بن بشران، وخلق. قال الحاكم (6): أخذ عن ابن خزيمة المصنّفات، وكان يفتي بمذهبه. وكان شيخ أهل الحديث، له صدقات جارية على أهل الحديث بمكة. والعراق، وسجستان. سمعته يقول: تقدّم إلي الليلة بمكة ثلاثة فقالوا: أخ لك
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 1/ 184، وحاجي خليفة: كشف الظنون: 825، 1188، الإسنوي: طبقات 2/ 254.
(2) صنف أبو بكر الفارسي: الذخيرة في أصول الفقه، والانتقاد على المزني، وعيون المسائل في نصوص الشافعي.
(3) الذهبي: تاريخ الإسلام، وفيات سنة 351هـ ص 53.
(4) هو: أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الغساني الصيداوي المتوفى سنة 402هـ بصيدا، له معجم شيوخه.
(5) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/ 387، وابن كثير: البداية والنهاية 11/ 241، 242، العبر 2/ 291، والذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 92، وابن الجوزي: المنتظم 14/ 143، السبكي 3/ 291، ابن الصلاح: 2/ 750.
(6) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 143.(1/242)
بخراسان قتل أخانا، ونحن نقتلك به. فقلت: اتقوا الله فإن خراسان ليست بمدينة واحدة، فلم أزل أداريهم إلى أن اجتمع الناس وخلّوا عني فهذا سبب انتقالي من مكة إلى بغداد. وقال الحاكم (1): سمعت الدارقطني يقول: صنّفت لدعلج المسند الكبير، فكان إذا شكّ في حديث ضرب عليه. ولم أر في مشايخنا أثبت (2) منه، وسمعت عمر البصري يقول: ما رأيت ببغداد ممن انتخبت عليهم أصحّ كتبا، ولا أحسن سماعا من دعلج. قال الحاكم: اشترى دعلج بمكة دار العبّاسيّة، بثلاثين ألف دينار. قال: ويقال: لم يكن في الدنيا من التّجار أيسر من دعلج. وقال الخطيب: بلغني أنه بعث بالمسند إلى ابن عقدة لينظر فيه، وجعل في الأجزاء بين كل ورقتين دينارا. وقال ابن حيّويه (3): أدخلني دعلج دارا واراني بدرا من المال معبّأة. وقال لي: يا ابا مر: خذ من هذا ما شئت، فشكرت له. وقلت: أنا في كفاية وغنى عنها. وقال أبو ذرّ الهروي: بلغني أن معز الدولة قال: أول مال من المواريث أخذ مال دعلج. خلّف ثلاثمئة ألف دينار، وقال أبو العلاء الواسطي: كان دعلج يقول: ليس في الدنيا مثل داري، لأنه ليس في الدنيا مثل بغداد، ولا ببغداد مثل القطيعة، ولأنها مثل درب أبي خلف، ولا في الدّرب مثل داري. ونقل الخطيب (4): أن رجلا صلّى الجمعة، فرأى رجلا ناسكا، لم يصلّ فكلّمه، فقال: استر، عليّ لدعلج خمسة آلاف درهم. فلما رأيته، أحدثت في ثيابي، فبلغ دعلج، فطلب الرجل إلى منزله، وأبرأه منها، ووصله بخمسة آلاف لكونه روّعه.
وقال أحمد بن الحسين الواعظ (5): أودع أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي، عشرة آلاف دينار ليتيم فأنفقها. فلمّا كبر الصّبي، أمر السلطان بدفع المال إليه، قال ابن أبي موسى: فضاقت عليّ الدنيا، فبكّرت على بغلتي إلى الكرخ (6)، فوقفت على مسجد دعلج، فصلّيت خلفه الفجر، فلمّا انفتل رحّب بي، فأدخلنا داره، فقدّم هريسة فأكلنا، فقصّرت فقال: أراك منقبضا!، فأخبرته فقال: حاجتك مقضيّة. فلما فرغنا، وزن لي
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 144.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 144، البداية والنهاية 11/ 241.
(3) نفسه.
(4) نفسه.
(5) نفسه 14/ 145، 146.
(6) الكرخ: من أحياء بغداد، كان في وسطها، واليوم محلة مفردة، / ياقوت: معجم البلدان 4/ 448.(1/243)
عشرة آلاف دينار، وقمت أطير فرحا، ثم أعطيت الصّبيّ المال، وعظم ثناء الناس عليّ، فاستدعاني أمير من أولاد الخليفة، فقال (1): قد رغبت في معاملتك، وضمّنتك أملاكي، فضمنت منه، فربحت ربحا مفرطا، حتى كسبت في ثلاثة أعوام، ثلاثين ألف دينار، فحملت إلى دعلج ذهبه،. فقال: ما خرجت والله الدنانير عن يدي، ونويت أن آخذ عوضها، حلّ (2) بها الصبيان. فقال: أيها الشيخ؟ أي شيء أصل هذا المال حتى تهب لي منه عشرة آلاف دينار؟ فقال: نشأت وحفظت القرآن، وطلبت الحديث، وتاجرت فوافاني تاجر فقال: أنت دعلج؟ فقلت: نعم. فقال: قد رغبت في تسليم مالي إليك مضاربة، وسلّم إليّ (بارنمجات) (3) ألف ألف درهم. وقال لي: إبسط يدك فيه، ولا تعلم موضعا تنفقه إلا حملت منه إليه، ولم يزل يتردد إليّ سنة بعد سنة يحمل إليّ مثل هذا والمال ينمّي فلما كان في آخر السنة اجتمعنا. قال لي: أنا كثير (4) الأسفار في البحر، فإن قضى الله عليّ قضاء، فهذا المال كلّه لك، على أن تتصدّق منه، وتبني المساجد. قال دعلج: فأنا أفعل مثل هذا، وقد ثمّر الله المال في يدي فاكتم عليّ ما عشت. رواها الخطيب عن أبي منصور محمد بن محمد العسكري، حدثني أحمد بن الحسين فذكرها. توفي دعلج في جمادى الآخرة وله ستّ وتسعون سنة رحمه الله.
166 - محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون (5) الموصلي، البغدادي، أبو النّفّاش، المقرىء، المفسّر. كان إمام أهل العراق في القراءات والتفسير. روى (6)
عن: إسحاق بن سنين الختلي، وأبي مسلم الكجّي، ومطيّن بن إبراهيم بن زهير الحلواني، ومحمد بن عبد الرحمن الشامي، والحسن بن سفيان، والحسين بن إدريس
__________
(1) نفسه.
(2) حلّ: أي اشتر بها الحلوى للصبيان، أو هي تقدمة للأولاد.
(3) في الأصل (بارنماجات).
(4) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 147.
(5) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 205201، ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 298، ابن الجوزي: المنتظم 14/ 148، ياقوت: معجم الأدباء 18/ 146، السبكي:
طبقات الشافعية 3/ 145، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 115، ابن الجزري: طبقات القراء 2/ 119، الصفدي: الوافي 2/ 345، وابن كثير: البداية 11/ 242، والإسنوي: طبقات 2/ 483، ابن الصلاح: طبقات 1/ 139، ابن العماد: شذرات 3/ 8، البغدادي: هدية العارفين 2/ 44.
(6) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 148.(1/244)
الهروي، ومحمد بن عليّ الصائغ، وقرأ القرآن على الحسن بن العباس بن أبي مهران، وعلى الحسن بن الحباب ببغداد، وعلى أحمد بن أنس بن مالك، وهارون بن موسى الأخفش، بدمشق. وعلى ابن أبي ربيعة محمد بن إسحاق بن أعين، وعلي بن أبي محمد الخيّاط، وعلى أحمد بن علي البزّاز، وجماعة سواهم. وذكر أن قراءته كانت على: ابن أبي مهران، في سنة خمس وثمانين ومائتين. قرأ عليه أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران، وعبد العزيز بن جعفر الفارسي، وأبو الحسن الحمّامي، والقاضي أحمد بن محمد بن عبدون الشافعي، وإبراهيم بن أحمد الطبري، وعلي بن محمد العلّاف، المقرىء، وأبو عبد الملك النّهرواني، وأبو الفرح (1) الشّنبوذي، وعلي بن جعفر السّعيدي، والحسن بن محمد الفحّام، وأبو القاسم علي بن محمد الزّيدي الحرّاني، الشريف، وهو آخر من قرأ في الدنيا عليه. والحسن بن علي بن بشار النيسابوري، وطائفة سواهم. روى (2) عنه: أبو بكر بن مجاهد، أحد شيوخه، وجعفر الخلدي، وهو من أقرانه، والدارقطني، وأبو حفص بن شاهين، وأبو أحمد عبد الله بن محمد الفرضي، وأبو علي بن شاذان، وآخرون، وصنّف (3) التفسير، وسمّاه (شفاء الصدور). وصنّف القراءات، وأكثر التطواف من مصر، إلى ما وراء النهر في لقاء المشائخ، وله كتاب (الإشارة في غريب القرآن)، و (الموضّح في القرآن ومعانيه)، و (المعجم الأوسط) و (المعجم الأصغر) وكتاب (المعجم الأكبر في أسماء القرّاء وقراءاتها)، وكتاب (القراءات بعللها) وكتاب (السبعة الأوسط) وآخر لطيف، وغير ذلك. وذكر ابن أبي الفوارس أن مولده سنة ست وستين ومائتين، قلت: والذي وضح لي أنّ هذا الرجل مع جلالته ونبله متروك ليس بثقة.
وأجود ما قيل فيه، قول أبي عمرو الدّاني، قال: والنّقّاش مقبول الشهادة. على أنه قد قال: ابن، فارس بن أحمد، سمعت عبد الله بن الحسين، سمعت ابن شنبوذ يقول:
خرجت من دمشق، إلى بغداد. وقد فرغت من القراءة، على هارون الأخفش، فإذا بقافلة مقبلة، فيها أبو بكر النّقّاش، وبيده رغيف، فقال لي: ما فعل الأخفش؟ قلت:
توفي. قال: ثم انصرف النقاش وقال: قرأت على الأخفش. وقال طلحة بن محمد بن
__________
(1) انظر: معرفة القراء 1/ 237.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 148.
(3) ابن النديم: الفهرست ص 50.(1/245)
جعفر: كان النقاش يكذب في الحديث. قال: والغالب عليه القصص. وقال البرقاني:
كل حديث النقاش منكر. وقال هبة الله اللالكائي الحافظ: تفسير النقاش لشفاء الصّدور. وقال الخطيب (1): في أحاديثه مناكير بأسانيد مشهورة. قلت: وروى عنه جماعة، أن أبا غالب ابن بنت، معاوية بن عمرو، حدّثه، قال: ثنا جدّي عن زائدة، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبل دعاء حبيب على حبيبه» قال الدارقطني (2): قلت للنّقّاش: هذا حديث موضوع فرجع عنه.
قال الخطيب: قد رواه أبو علي الكوكبيّ عن أبي غالب. وقال الدارقطني في كتاب (المصحّفين) له: إن النقاش قال مرّة: كسرى «أبو» شروان، جعلها كنية. وقال:
كان يدعو فيقول: لا رجعت يد تعطيك (صفراء) بفتح، وبمدّ وصوابه صفرا. وقال الخطيب: سمعت أبا الحسين بن الفضل القطّان يقول: حضرت أبا بكر النقاش، وهو يجود (3) بنفسه، في ثالث شوال سنة إحدى وخمسين، فجعل يحرّك شفتيه، ثم نادى بأعلى صوته {لِمِثْلِ هََذََا فَلْيَعْمَلِ الْعََامِلُونَ} (4) يردّدها ثلاثا، ثم خرجت نفسه. قلت: قد اعتمد صاحب (5) (التيسير) على رواية أتته.
سنة اثنتين وخمسين وثلاثمئة
167 - عبد الله بن أحمد بن إبراهيم أبو العباس، (6)، اليونسيّ، المعروف بالأبياني، التّميمي. تفقّه على يحيى بن عمرو المغامي يوسف، وأحمد بن أبي سليمان، وعنه: أبو محمد بن أبي زيد، وأبو محمد عبد الله الأصيلي: وكان فقيه إفريقية، وكان يميل إلى مذهب الشافعي، وهو بمذهب مالك أقصد.
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 148، والخطيب: تاريخ بغداد 2/ 201، 205.
(2) نفسه.
(3) توفي النقاش في الثاني من شهر شوال سنة 351هـ ودفن في داره غداة الأربعاء وكان يسكن دار القطن.
(4) سورة الصافات الآية 61. ابن الجوزي: المنتظم 14/ 149، والخطيب: تاريخ بغداد 2/ 201، 215.
(5) هو أبو عمرو الداني،.
(6) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 9/ 371 (ترجمة رقم 4947)، وتاريخ الإسلام:
وفيات سنة 352هـ ص 73.(1/246)
168 - محمد بن عبد الله بن محمد (1) بن بشر أبو عبد الله المزني، المغفلي الهرويّ، سمع: أحمد بن نجدة، وعلي بن محمد الجكاني، وعنه: أبو عبد الله الحاكم، وأبو علي بن شاذان، وأبو الحسن بن رزقويه، ووثقه الخطيب، وتوفي بنيسابور.
سنة ثلاث وخمسين وثلاثمئة
169 - أحمد بن أبي بكر محمد بن الزاهد (2) الكبير، أبي عثمان سعيد بن إسماعيل أبو سعيد الحيريّ، النّيسابوريّ الشهيد (3)، الحافظ، سمع: أبا عمرو الخفّاف، وعبد الله بن سرفعه، والحسن بن سفيان، والقاسم بن خلف الدّوري، وحامد بن شعيب، والقاسم بن الفضل الرازي، وخلقا سواهم. وصنّف (التفسير الكبير).
(والصحيح المخرّج على صحيح مسلم) والأبواب وغير ذلك. ولما خرج إلى بغداد، خرج بعسكر كبير، وأموال، واجتمع عليه ببغداد، خلق كثير، فاستشهد بطرسوس. وله خمس وستون سنة. روى عنه الحاكم.
سنة أربع وخمسين وثلاثمئة
170 - محمد بن (4) إسحاق بن أيوب (أبو العباس) النيسابوري، أخو الإمام أبي بكر الضّبعي، ومحمد الأسنّ قال الحاكم: لزم الفتوّة إلى آخر عمره، وكان أخوه ينهانا عنه، لما كان يتعاطاه. لا لجرح في سماعه. سمع إبراهيم بن عبد الله السّعدي، ويحيى بن محمد الذّهلي، وسهل بن عمّار، ومحمد بن أيّوب بن الضّريس وعاش مائة سنة، وزيادة أربع سنين، وعقد له مجلس الإملاء بعد وفاة أخيه، قلت: روى عنه الحاكم.
__________
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5/ 455 (ترجمة رقم 2994) السبكي: طبقات 3/ 181، الإسنوي: طبقات 2/ 526، ابن الصلاح: طبقات 1/ 194.
(2) ترجمته في: الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 125، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 43، ابن العماد:
شذرات الذهب 3/ 12، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5/ 23، الإسنوي 2/ 483، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 382.
(3) استشهد بطرسوس، ودفن بها سنة 353هـ.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 1/ 252 (ترجمة رقم 74).(1/247)
171 - محمد بن حبّان بن أحمد بن حبّان (1) بن معاد بن معبد بن شهيد بن هدبه بن مرّة بن سعد بن يزيد بن مرّة بن زيد بن عبد الله بن دارم بن حنظلة بن مالك. بن زيد بن مناة بن تميم. (أبو حاتم التميمي) البستي (2)، الحافظ، العلّامة، صاحب التصانيف. سمع: الحسن بن إدريس الهروي، وأبا خليفة، وأبا عبد الرحمن النّسائي، وعمران بن موسى وأبا يعلى، والحسن بن سفيان، وابن قتيبة العسقلاني، والحسين بن عبد لله القطان، وجعفر بن أحمد الدمشقي، وحاجب ابن أزكين، وأحمد بن الحسن الصوفي، وابن خزيمة، والسرّاج، وهذه الطبقة بالشام، والعراق، ومصر، والجزيرة، وخراسان، والحجاز، وعنه: الحاكم، ومنصور بن عبد الله الخالدي، وأبو معاذ عبد الرحمن بن محمد بن رزق الله السّجستاني، وأبو الحسن محمد بن أحمد بن هارون الزّوزني، ومحمد بن أحمد بن منصور النّوقاني، وجماعة.
قال أبو سعيد الإدريسي: كان على قضاء سمرقند زمانا، وكان من فقهاء الدين، وحفّاظ الآثار، عالما بالطب، والنجوم، وفنون العلم. ألّف (المسند الصحيح) و (والتاريخ)، (الضّعفاء)، وفقّه الناس بسمرقند. وقال الحاكم: كان من أوعية العلم في الفقه، واللغة، والحديث، والوعظ، ومن عقلاء الرجال. قدم نيسابور.
فسمع من عبد الله بن شيرويه، ورحل إلى بخارى، فلقي عمر بن محمد بن بجير، ثم ورد نيسابور، سنة أربع وثلاثين، ثم خرج إلى قضاء نسا، ثم انصرف إلينا سنة سبع وثلاثين، فأقام بنيسابور، وبنى الخانكاه (3)، وقرىء عليه جملة من مصنّفاته (4). ثم
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 131، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 259، ابن تفري بردي النجوم الزاهرة 3/ 342، الصفدي: الوافي 2/ 317، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/ 186، الذهبي تذكرة الحفاظ 3/ 125ت، ابن العماد: شذرات الذهب 4/ 16، البغدادي:
هدية العارفين 2/ 44، 45، حاجي خليفة: كشف الظنون 277، 1075، 1400، 2031، الإسنوي: طبقات 1/ 418، ابن الصلاح: طبقات 1/ 115، سزكين: تاريخ التراث 1/ 383830.
(2) البستي: نسبة إلى مدينة بست بين سجستان وغزنين وهراة / معجم البلدان 1/ 414.
(3) الخانكاه: أو الخانقاه: جمعه خوانق، وخانقاوات، وهي كلمة فارسية الأصل بمعنى بيت، وتعني البيت الذي ينقطع فيه الصوفية للعبادة والذكر.
(4) صنف كثيرا من الكتب ومنها: الثقات، معرفة القبلة، الطبقات الإصبهانية، والمسند الصحيح في الحديث، روضة العقلاء ونزهة الفضلاء / البغدادي: هدية العارفين 2/ 44، 45، وابن كثير: البداية والنهاية 11/ 259.(1/248)
خرج من نيسابور سنة أربعين إلى وطنه. وكانت الرحلة إليه لسماع مصنّفاته. وقال الخطيب: كان ثقة نبيلا، فهما. وقد ذكره ابن الصلاح في طبقات الشافعية. وقال:
غلط الغلط الفاحش في تصرّفه. وقال ابن حبّان في كتاب (الأنواع والتقاسيم) له:
ولعلّنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ. وقال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري:
سألت يحيى بن عمار، عن أبي حاتم بن حبّان، هل رأيته؟ قال: وكيف لم أره؟
ونحن أخرجناه من سجستان، كان له علم كثير، ولم يكن له كثير دين. قدم علينا فأنكر الحمد لله وأخرجناه. فقلت: إنكار الحمد وإثباته، ممّا لم يبتّ به نصّ، والكلام حكم فضول، ومن حسن إسلام المرء، تركه مالا يعنيه، والإيمان بأن الله تعالى ليس كمثله شيء من قواعد العقائد. وكذلك الإيمان بأن الله تعالى بائن من خلقه، متميزة ذاته المقدسة في ذوات مخلوقاته. وقال أبو إسماعيل الأنصاري: سمعت عبد الصمد بن محمد بن محمد، سمعت أبي يقول: أنكروا على ابن حبّان قوله: النّبوة: العلم والعمل، فحكموا عليه بالزندقة، وهجر، وكتب فيه إلى الخليفة، فكتب بقتله.
وسمعت غيره يقول: كذلك أخرج إلى سمرقند (1). وقال الحاكم: سمعت أحمد بن محمد الطّيبي يقول: توفي أبو حاتم ليلة الجمعة، لثمان بقين من شوّال سنة أربع وخمسين، بمدينة بست (2)، قلت: قوله: النبوة العلم والعمل، كقوله عليه السلام:
«الحجّ عرفة» (3) وفي ذلك أحاديث. ومعلوم أن الرجل لو وقف بعرفة فقط، ما صار بذلك حاجّا، وإنما ذلك أشهر أركان الحج، وكذلك قول ابن حبّان: بذكر أولى نعوت النبي، فلا يكون العبد نبيّا إلا أن يكون عالما عاملا، ولو كان عالما فقط لما عدّ نبيّا أبدا. وإلّا فلا حيلة لبشر في اكتساب النبوة.
172 - محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدويه أبو بكر (4) الشافعي البزّار، المحدّث.
__________
(1) سمرقند: مدينة مشهورة في بلاد ما وراء النهر، وهي قصبة بلاد الصّغد / ياقوت: معجم البلدان 3/ 247246.
(2) بست: مدينة هامة من أعمال كابل، تقع بين سجستان وهراة / ياقوت: معجم البلدان 1/ 414.
(3) الحديث من طريق عبد الرحمن بن يعمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد 4/ 310309، والحميدي (899) وأبو داود (1949) والترمذي (889) والنسائي 5/ 264، وابن ماجة (3015) والدارمي 2/ 59، والدارقطني 2/ 210، والبيهقي 5/ 116والطيالسي 1/ 220والحاكم 1/ 464 والذهبي: سير النبلاء 9/ 516، 16/ 96.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5/ 456، وابن كثير: البداية والنهاية 11/ 260(1/249)
مولده بجبّل (1) في جمادى الأولى، والآخرة سنة ستين ومائتين. وسكن بغداد، فسمع:
محمد بن الجهم السمّريّ، ومحمد بن شداد البيهقي، وموسى بن سهل الوشّاء، وأبا قلابة، وعبد الله بن روح المدائني، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، ومحمد بن الفرج الأزرق، ومحمد بن غالب بن تمتام، وإسماعيل القاضي، وجماعة يطول ذكرهم.
وعنه: الدارقطني، وابن شاهين، وأحمد بن عبد الله المحاملي، وأبو علي بن شاذان، وخلق كثر: آخرهم أبو طالب بن غيلان. قال الخطيب (2): كان ثقة، ثبتا، حسن التصنيف، جمع أبوابا وشيوخا. حدّثني ابن مخلد، أنه رأى مجلسا كتب عن الشافعي سنة ثمان عشرة وثلاثمئة. ولما منعت الديلم (3)، يعني بني بويه الناس عن ذكر فضائل الصحابة، وكتبوا سبّ السلف على أبواب المساجد. كان أبو بكر الشافعي، يتعمّد إملاء أحاديث الفضائل في الجامع، ويفعل ذلك حسبة (4) وقربة. وقال حمزة السّهمي: سئل الدارقطني، عن محمد بن عبد الله الشافعي، فقال: ثقة جدّ، ما كان في ذلك الوقت أوثق منه. وقال الدارقطني أيضا: هو الثقة المأمون، الذي لم يغمز بحال. وقال ابن رزقويه: توفي في ذي الحجة سنة أربع (5). قلت (الغيلانيات) هي أعلى ما يروى في الدنيا من حديثه، وأعلى ما كان عند ابن الحصين شيخ ابن طبرزد. وعند الشافعي أعلى إسنادا منه، فإنه ليس بين سماعه، وموته إلا ثمانية وسبعون عاما. ومثل هذا كثير الوجود، وإنما على حديثه، تأخّر صاحبه ابن غيلان وصاحب صاحبه ابن الحصين، فإن كل واحد منهما عاش بعد ما سمع ثمانيا وثمانين سنة والله أعلم.
__________
وابن الجوزي المنتظم 14/ 172، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 91، الصفدي: الوافي 3/ 347، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 16، حاجي خليفة: كشف الظنون 832/ الإسنوي: طبقات 2/ 25، ابن الصلاح: طبقات 1/ 174.
(1) جبّل: قرية على دجلة بين بغداد وواسط / الإسنوي طبقات 2/ 250أوردها جيل، مصحفة، والصواب ما أثبتناه.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 172.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 173.
(4) كان أبو بكر الشافعي يحدث بفضائل الصحابة في جامع المدينة ببغداد وفي مسجده بباب الشام.
انظر: ابن الجوزي: المنتظم 14/ 173.
(5) كانت وفاته في سنة 354هـ في شهر ذي الحجة ودفن ببغداد.(1/250)
173 - نعيم بن عبد الملك بن محمد بن عديّ (1) (أبو الحسن) الإسترآبادي.
فاضل، ثقة، رئيس. رحل به أبوه وسمّعه من: أبي مسلم الكجّي، وعبد الله بن أحمد، وأحمد بن الحسن البصري، وبكر بن سهل الدّمياطي، وسمع «الجامع الصحيح» من الكزبري، وتوفي سنة ثلاث أو أربع وخمسين. روى عنه الفتى أبو بكر محمد بن يوسف الشالنجي، الجرجاني، وأبو زرعة محمد بن يوسف الحافظ، وحفيده عبد الملك بن أحمد بن نعيم، قاضي جرجان وآخرون.
سنة خمس وخمسين وثلاثمئة
174 - أحمد بن محمد بن شارك، أبو حامد (2) الهرويّ، الفقيه الشافعي، مفتي هراة، وعالمها، ومفسّرها، ونحويّها، سمع: محمد بن عبد الرحمن النامي، والحسن بن سفيان وابا يعلى وعبد الله بن شيرويه النيسابوري وعبد الله بن زيدان البجلي وسيف بن محسن الصوفي. وطبقتهم أخذ عنه: أبو عبد الله الحاكم، وأبو إبراهيم النصرآباذي، وأهل هراة، وبهامات. وسيأتي في أواخر الطبقة، الاختلاف في وفاته، وقال هناك. قال الحاكم: كان حسن الحديث توفي بهراة، سنة خمس وخمسين، وكذلك قال أبو النضر الغامي، وذكره مرة أخرى، وقال: توفي في ربيع الآخر، سنة ثمان وخمسين. والله أعلم.
175 - الحسين بن داود (3) بن علي بن عيسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب العلويّ، النيسابوريّ. قال الحاكم في ترجمته (4):
شيخ آل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصره بخراسان، وكان من أكثر الناس صلة وصدقة، ومحبّة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. صحبته برهة من الدهر، فما سمعته ذكر عثمان إلا قال:
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام، وفيات سنة 354هـ، ص 117، تاريخ جرجان 479 (ترجمة 960).
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 45، وابن الصلاح: طبقات 2/ 718، وطبقات الإسنوي 2/ 525رقم 1223.
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/ 45، وابن كثير: البداية والنهاية 11/ 261، وابن الصلاح: طبقات 149، 151، 379.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 176.(1/251)
الشهيد وبكى. وما سمعته يذكر عائشة إلا قال: الصّدّيقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله وبكى. سمع (1): جعفر بن أحمد الحافظ، وابن شيرويه، ولزم ابن خزيمة، وكان جدّه علي بن عيسى، أزهد العلوّية في عصره، وأكثرهم اجتهادا، وكان عيسى يلقّب الفيّاض لكثرة عطائه وجوده (2)، وكان محمد بن القاسم ينادم الرشيد، والمأمون، وكان القاسم راهب آل محمد صلى الله عليه وسلم. وكان أبوه أمير المدينة، وأحد من روى عنه، مالك في (الموطأ) قاله: الحاكم.
سنة ست وخمسين وثلاثمئة
176 - أحمد بن عبد الله (3) بن محمد بن عبد الله أبو محمد المزني، المعقلي الهروي، قال الحاكم: كان إمام أهل خراسان بلا مدافعة، سمع علي بن محمد الجكّاني، وأحمد بن نجدة بن العريان، وجماعة بهراة، وإبراهيم بن أبي طالب بنيسابور، وإبراهيم بن يوسف الهسنجاني (4) وعمران بن موسى بن مجاشع، والحسن بن شعبان، ويوسف القاضي، وأبا خليفة، ومطّيّنا وعبدان، وعبيد بن غنّام، وعلي بن أحمد بن علّان المصري، وطائفة سواهم بالشام، ومصر، والعراق، وعنه من شيوخه:
أبو العباس بن عقدة، وعمرو بن الربيع بن سليمان، ومن هو أكبر منه، أبو بكر ابن إسحاق الصبغي، روى عنه الحاكم، وأبو بكر القفال، وأبو عبد الله الخازن. قال الحاكم: وقد حجّ بالناس وخطب بمكة، وقدّم إليه المقام، وهو قاعد في جوف الكعبة، ولقد سمعتهم بمكة، يذكرون أن هذه الولاية لم تكن قط لغيره (5). ومن شعره (6): [من الوافر]:
نزلنا مكرهين بها فلمّا ... ألفناها خرجنا مكرهينا
وما حبّ الديار بنا ولكن ... أمرّ العيش فرقة من هوينا
__________
(1) نفسه.
(2) نفسه.
(3) ترجمته في: ألسبكي: طبقات الشافعية 3/ 17، الإسنوي 2/ 526، ابن الصلاح: طبقات 2/ 710.
(4) الهسنجاني: نسبة إلى قرية هسنجان من قرى الرّي. / اللباب 3/ 388، الإكمال 7/ 418.
(5) انظر: ابن الصلاح: الطبقات 2/ 710.
(6) البيتان في: السبكي: الطبقات 3/ 17والإسنوي: الطبقات 5262.(1/252)
وذكر الحاكم عن عطية عن أبي محمد المزني، أنه كان فوق الوزراء، وأنهم كانوا يصدرون عن رأيه، وجاور مرة بمكة قال: وكنت ببخارى أستملي، فذكر أنه حصل له وجد وشيء من عشى، بسبب إملاء حكاية وأبيات. وتوفي بعد جمعة، فتوفي في سابع عشر رمضان، سنة ست وخمسين (1). ورأيت الزبير أبا علي البلعمي، وقد حمل في تابوته، ثم حمل تابوته إلى هراة، فدفن بها. سمعت ابنه بشرا يقول: آخر كلمة تكلم بها، أن قبض على لحيته، ورفع يده اليمنى إلى السماء، وقال: ارحم شيبة شيخ جاءك بتوفيقك إلى الفطرة. قال الحاكم: وسمعت أبا الفضل السليماني، وكان صالحا يقول:
رأيت أبا محمد المزني في المنام، بعد وفاته بليلتين، وهو يتبختر في مشيته ويقول بصوت عال: وما عند الله خير وأبقى. وقال أبو نصر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي في تاريخ هراة (2): أحمد بن عبد الله بن محمد بن بشر بن معقل بن حسان بن عبد الله بن معقل المزني، الملقب بالفأر الأبيض. كان إمام عصره بلا مدافعة، في أنواع العلوم مع دنوّه من الوزارة، وعلوّ القدر عند السلطان. ولم يذكر له مولدا، ولعله في حدود السبعين ومائتين.
177 - عبد بن محمد بن (3) أحمد بن حبّان أبو الطّيب قاضي طوس. قال الحاكم:
روى عن مسدّد بن قطن، ومحمد بن إسماعيل بن مهران وجماعة، وخرّجت له الفوائد، وكان من أعيان أصحاب أبي علي الثّقفي، توفي سنة ست وخمسين.
سنة سبع وخمسين وثلاثمئة
178 - عمر بن أكثم بن حيّان (4) بن بشر أبو بشر الأسدي، القاضي، من بيت قضاء، ورئاسة ببغداد. ولي القضاء في أيام المطيع لله نيابة، ثم ولي قضاء القضاة، وكان فقيها
__________
(1) كانت وفاته في رمضان سنة 356هـ.
(2) انظر: السبكي: الطبقات الكبرى 7/ 150، 151/ 3/ 18، 4/ 116، ابن اصلاح: الطبقات 2/ 710.
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 1/ 339 (ترجمة رقم 252)، والذهبي: تاريخ الإسلام / وفيات سنة 356هـ ص 142.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 11/ 249 (5997) والسبكي: طبقات الشافعية 3/ 470، والإسنوي: طبقات 1/ 7978، وابن الصلاح: طبقات 2/ 821، سير أعلام النبلاء 16/ 111رقم 76.(1/253)
شافعي المذهب. قال الخطيب (1): لم يل القضاء ببغداد من الشافعية أحد مثله، غير أبي السائب القاضي. توفي أبو بشر في عشر الثمانين. وولي قضاء العراق بعده أبو محمد عبيد الله بن معروف.
سنة ثمان وخمسين وثلاثمئة
179 - أحمد بن محمد بن (2) سهل الفقيه (أبو الحسين) الطّبسيّ، الشافعي، أحد الأعلام، وصاحب أبي إسحاق المروزي. سمع ابن خزيمة، وابن صاعد، وله تعليقة في المذهب عظيمة في نحو ألف جزء. توفي بالطّبسين. روى عنه الحاكم.
180 - سيبويه المصري (3) الملقب أيضا بالفصيح، اسمه: أبو بكر محمد بن موسى بن عبد العزيز الكندي، الصّيرفي، المعروف بابن الجبّي، ولد سنة أربع وثمانين ومائتين. سمع من: المنجنيقي، والنّسائي، والطّحاوي، وتفقّه للشافعي، وجالس أبا بكر بن الحداد، وتتلمذ له في الفقه، وكان معتزليا، متظاهرا به ويتكلم في الزهد. وفي عبادات الصوفية بعبادة حلوة، وله شعر وفضائل. مات في شهر صفر. قاله ابن ماكولا:
ويأتي في محمد، ثم قال: محمد بن موسى بن عبد العزيز أبو بكر الكندي الصيرفي، المصري، الفقيه، الملقّب سيبويه. ويعرف بابن الجبّي، سمع أبا عبد الرحمن النسائي، وأبا يعقوب المنجنيقي، وكان فقيها شافعيا توفي بالاعتزال، وتفقّه على أبي بكر بن الحداد.
سنة تسع وخمسين وثلاثمئة
181 - أحمد بن محمد بن (4) القطان (أبو الحسين) البغدادي الفقيه الشافعي، تلميذ
__________
(1) تاريخ بغداد: 11/ 249 (ت 5997).
(2) ترجمته في: ابن الأثير: اللباب 2/ 81، السبكي 3/ 44، الإسنوي 2/ 159، وابن الصلاح:
طبقات 2/ 718، الأنساب 8/ 210.
(3) ترجمته في: الإسنوي: الطبقات 1/ 347، وابن اصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 876، معجم الأدباء 19/ 61، بغية الوعاة 208، الوافي بالوفيات 5/ 90رقم (2098)، الإكمال 4/ 420.
(4) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 53، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 365،(1/254)
ابن سريج، عمّر وشاخ، ودرّس، وأفتى، وله وجه في المذهب، وعليه تفقّه ابن المرزبان البغدادي، وغيره. وله مصنّفات كثرة. توفي في جمادى الأولى.
182 - الفتح بن عبد الله الفقيه أبو نصر الهرويّ (1)، العابد، سمع الحسين بن إدريس، والحسن بن شيبان وغيرهما. وعنه أبو عبد الله الحاكم. وقال: عاش خمسا وثمانين سنة. فقرأ الفقه والكلام على أبي علي الثقفي. إلى أن صار من مشايخ المتكلّمين، حدثني بعضهم: أنه رآه ليلة بكى إلى الصباح.
183 - محمد بن عبد العزيز بن حسنون أبو طاهر (2) الإسكندراني، الفقيه، الشافعي، شيخ جليل معمّر، حدّث بدمشق عن: مقدام بن داود الرّعيني، وبكر بن سهل الدمياطي، وصالح بن شعيب، وجعفر الفريابي وجماعة. وعنه: تمّام وعبد الوهّاب الميداني، والهيثم بن أحمد الصباغ، ومحمد بن عبد الله المنيني وغيرهم. توفي في شهر نرجب.
سنة ستين وثلاثمئة
184 - عبد الله بن عمر (3) بن أحمد بن محمد أبو القاسم القيسي البغدادي، الفقيه الشافعي، ويعرف بعبيد الفقيه نزيل قرطبة. قال أبو الوليد الفرضي: قدم الأندلس، وكان قد تفقّه، وناظر عند أبي سعيد الأصطخري، والقاضي أبي عبد الله المحاملي، وقرأ القرآن على ابن مجاهد، وعلى ابي الحسن بن شنّبوذ، وسمع من أبي جعفر محمد بن إبراهيم الدّبيلي. وأبي جعفر الطّحاوي، وأبي القاسم البغوي، وعبد الله بن أبي داود الدحداح الدمشقي، وابن صاعد، وكان عالما بالأصول والفروع، إماما في القراءات، صنّف في الفقه، والقراءات، والفرائض. قال: وقد ضعّفه بعضهم برواية ما لم يسمع عن بعض الدمشقيّين. ولد سنة خمس وتسعين ومائتين وكان المستنصر صاحب الأندلس، قد أكرمه. وتوفي في ذي الحجة بقرطبة. قلت: لم يسمّ أحدا روى عنه.
__________
ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 28، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 269، الإسنوي: طبقات 2/ 298، السبكي في (الوسطى) 40، وابن الصلاح: الطبقات 2/ 714.
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام، وفيات سنة 953هـ، ص 194.
(2) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 1/ 79، ابن الصلاح: طبقات 2/ 856.
(3) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 343، تاريخ علماء الأندلس 1/ 253، رقم 771.(1/255)
قال ابن الفرضي: سمعت محمد بن أحمد بن يحيى بن مفرّج ينسبه إلى الكذب ووقفت على بعض ذلك.
185 - عبد الله بن علي (1) القاضي العلّامة أبو محمد الطبري، الشافعي، المعروف بالعراقي، ويعرف بين أهل جرجان بالمنجنيقي. ولّي قضاء جرجان، وكان فقيها، إماما فصيحا. بليغا، على مذهب الأشعريّ في النظر. ورد نيسابور سنة تسع وخمسين وثلاثمئة. وتوفي بقرب دال ببخارى. وقد روى عن: عمران بن موسى بن مجاشع، ويحيى بن صاعد. وعنه أبو عبد الله الحاكم.
186 - محمد بن محمد بن أحمد بن [حرابة بن ماردة (2)] الفقيه، أبو بكر، الإبريسميّ السّمرقندي، الشافعي، روى عن: محمد بن صالح الكرابيسي، وأحمد بن أبي الفضل البكري، ومحمد بن عبد الرحمن الأرزقاني، وجماعة، وعنه أبو سعيد الإدريسيّ وورّخه قبل الستّين.
187 - محمد بن أحمد بن علي بن (3) شاهويه القاضي أبو بكر الفارسيّ الحنفي، أحد الأعلام. سمع: أبا خليفة، وزكريا السّاجي، درّس بنيسابور، ثم درّس ببخارى، بمدرسة أبي حفص، صاحب محمد بن الحسن مدّة. ومات بنيسابور في ذي القعدة سنة إحدى وستين وثلاثمئة. انتهى. وقد ذكره السّلميّ في طبقات الشافعية فوهم.
سنة اثنتين وستّين وثلاثمئة
188 - أحمد بن بشر بن عامر (4) أبو حامد، المروروذي، الفقيه الشافعي، نزيل البصرة، تفقّه على أبي إسحاق المروزي، وصنّف (الجامع) في المذهب، وشرح
__________
(1) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 2/ 395، ابن الصلاح: طبقات الشافعية 2/ 791، الأنساب 543.
(2) الذهبي: تاريخ الإسلام، وفيات سنة 360هـ، ص 238، اللباب 1/ 25.
(3) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 78، وفيات الأعيان 1/ 584، الوافي بالوفيات 2/ 41رقم 316.
(4) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات 1/ 69، النواوي: تهذيب الأسماء 2/ 211، السبكي:
طبقات 3/ 12، 13، الإسنوي: الطبقات 2/ 370، ابن الصلاح: الطبقات 1/ 327، البغدادي: هدية العارفين 1/ 66، شذرات الذهب 3/ 40، معجم البلدان 5/ 112، سير أعلام النبلاء 16/ 188166.(1/256)
(مختصر المزني)، وصنّف في الأصول، وكان إماما، لا يشقّ غباره، وعنه: أخذ فقهاء البصرة.
189 - إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه (1) النيسابوري، الشيخ أبو إسحاق المزكّي. قال الحاكم: هو شيخ نيسابور في عصره، وكان من العبّاد المجتهدين، الحجّاجين، المنفقين، على العلماء والفقراء. سمع: ابن خزيمة، وأبا العباس السراج، وأحمد بن محمد الماسرجسيّ، وأبا العباس الأزهري، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، ومحمد بن هارون الحضرمي، وأبا العباس الدّغوليّ، وخلقا سواهم، وأملى عدّة سنين. وكنا نعدّ في مجلسه أربعة عشر محدّثا، منهم: أبو العباس الأصمّ، ومحمد بن يعقوب بن الأخرم. قلت: روى عنه الحاكم، وأبو الحسن بن رزقويه، وأبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو بكر البرقاني، وأبو علي بن شاذان، وأبو نعيم. وآخر من روى عنه، أبو طالب بن غيلان. قال الخطيب: كان ثقة ثبتا مكثرا، مواصلا للحج، انتخب عليه الدارقطني. وكتب الناس عنه علما كثيرا، مثل: (تاريخ السراج) وغير ذلك. و (تاريخ البخاري) وعدة كتب لمسلم، وكان عند البرقاني، سقط أجزاء وكتب لكن ما روي عنه في صحيحه، قال: في نفسي منه لكثرة ما يغرب. ثم إنه قوّاه وقال عندي عنه أحاديث عالية، كنت أخرجتها نازلة، إلا أني لا أقدر على إخراجها لكبر السّن. قال الخطيب: وثنا الحسين ابن شيطا سمعت أبا اسحاق المزكي، يقول (2)، يقول: أنفقت على الحديث بدرا من الدّنانير، وقدمت بغداد في سنة ست عشرة، ومعي خمسين ألف درهم بضاعة. ورجعت إلى نيسابور، ومعي أقل من ثلثها، أنفقت ما ذهب منها على أهل الحديث. توفي في شعبان، وقد خرج من بغداد إلى نيسابور، وعاش سبعا وستين سنة وعنه: خالد وعلي ويحيى ومحمد وعبد الرحمن وقد رووا الحديث.
190 - عمرو بن أحمد بن محمد (3) بن الحسن أبو أحمد الاسترآبادي الفقيه، سمع
__________
(1) ترجمته في: ألسمعاني: الأنساب 11، التونكي: معجم المصنفين 4/ 404، الذهبي، العبر 2/ 237، ابن العاد: شذرات 3/ 40، الإسنوي: الطبقات 1/ 396، البغدادي: تاريخ بغداد 6/ 168، ابن كثير: البداية 11/ 274، ابن الصلاح: طبقات 1/ 317، الصفدي: الوافي 6/ 123، ابن الجوزي: المنتظم 14/ 216.
(2) انظر: ابن الجوزي: المنتظم 14/ 217.
(3) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 1/ 8080، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 468، ابن(1/257)
أباه، وهميم بن همّام، وعمران بن موسى بن مجاشع، وأبا خليفة، وعبدان، وعبد الله بن ناجية، وعبد لله بن مسلم المقدسي، وابن قتيبة العسقلاني، ودرس الفقه بمصر، على منصور بن إسماعيل الفقيه، يروي عنه، أبو سعد عبد الرحمن الإدريسي، وقال: أنا تولّيت الصلاة عليه.
سنة ثلاث وستين وثلاثمئة
191 - إبراهيم بن سليمان (1) بن عديّ العسكري المصري، الشافعي، سمع أبا عبد الرحمن النسائي، توفي في رجب.
192 - محمد بن الحسين (2) بن إبراهيم بن عاصم، أبو الحسن، الأبرّي (3)، ثم السّجستاني، رحل وطوّف، وسمع: أبا العباس بن السراج، وابن خزيمة، ومحمد بن الربيع الجيزيّ، وابا عروبة الحرّاني، ومحمد بن يوسف الهروي، وزكريا بن أحمد البلخي ومكحولا البيروتي، وأبا نعيم بن عدي، وهذه الطبقة يروي عنه: علي بن بشري، ويحيى بن عمّار السجستانيّان. وصنّف كتابا كبيرا في مناقب الشافعي. وآبر:
من قرى سجستان، توفي في شهر رجب، ثم أعاد ونقل وقال: توفي قريبا من سبعين وثلاثمئة. وزاد هناك. محدث مشهور.
سنة أربع وستين وثلاثمئة
193 - محمد بن إبراهيم (4) بن الخضر القاضي أبو الفرج البصري الشافعي، ويعرف بابن سكّرة، سمع: عبدان الأهوازي وتوفي بمصر في ربيع الآخر، وقد ولّي قضاء طبريّة.
__________
الصلاح: طبقات 2/ 825، وتاريخ جرجان 534رقم 1131.
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام. وفيات سنة 363هـ ص 303.
(2) ترجمته في: الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 155، الصفدي: الوافي 2/ 372، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 147، الإسنوي: طبقات 1/ 81، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 46، حاجي خليفة: كشف الظنون 1839، ابن الصلاح: طبقات 2/ 848.
(3) نسبة إلى قرية آبر من عمل سجستان / اللباب 1/ 17.
(4) الذهبي: تاريخ الإسلام، وفيات سنة 364هـ، ص 329.(1/258)
سنة خمس وستين وثلاثمئة
194 - إسماعيل بن نجيد (1) بن أحمد بن يوسف بن سالم أبو عمرو السّلمي النيسابوري، الصوفي الزاهد، شيخ عصره في التصوّف، والمعاملة، ومسند مصر.
قال الحاكم: ورث من آبائه أموالا كثيرة، فأنفق سائرها على الزهاد، والعلماء.
وصحب أبا عثمان الحيري، والجنيد، وسمع: إبراهيم بن أبي طالب، ومحمد بن إبراهيم البوسنجي، وأبا مسلم الكجّي، وعبد الله بن أحمد، ومحمد بن أيوب الرازي، وعلي بن الحسين بن الجنيد، وجماعة. وعنه: سبطه أبو عبد الرحمن السّلّمي، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو نضر أحمد بن عبد لرحمن الصّفّار، وعبد الرحمن بن علي بن حمدان، وعبد القاهر بن طاهر الفقيه، وأبو نضر عمر بن عبد العزيز بن قتادة، وأبو العلاء صاعد بن محمد القاضي، وأبو نصر محمد بن عبدش وطائفة، آخرهم أبو حفص عمر بن مسرور. ومن مناقبه (2)، أن شيخه أبا عثمان، طلب شيئا لبعض الثغور. فتأخّر ذلك فضاق صدره، وبكى على رؤوس الناس، فجاءه أبو عمرو بن نجيد، بألفي درهم. فدعا له ثم قال لما جلس (3): أيها الناس إني قد رجوت لأبي عمرو الجنة بما فعل، فإنه ناب عن الجماعة، وحمل كذا. فقام ابن نجيد على رؤوس الناس وقال: إنما حملت ذلك من مال أمي وهي كارهة، فينبغي أن يردّ عليّ لأردّه عليها. فأمر أبو عثمان الحيري بالكيس فردّ إليه. فلما جنّ عليه الليل، جاء بالكيس وطلب من أبي عثمان ستر ذلك، فبكى أبو عثمان، وكان بعد ذلك يقول: أنا أخشى من همّة أبي عمّار. وقال السّلمي (4): جدّي له طريقة ينفرد بها، من صون الحال وتلبيسه وسمعته يقول (5): كلّ حال لا يكون عن نتيجة علم وإن جلّ، فإنّ ضرره على صاحبه، أكثر من نفعه. وسمعته
__________
(1) ترجمته في: السلمي: طبقات الصوفية ص 457454، الشعراني: الطبقات الكبرى 1/ 141، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 50، ابن الصلاح: طبقات 1/ 430، القشيري: الرسالة القشيرية ص 37، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 222، ابن الجوزي: المنتظم 14/ 248.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 249.
(3) انظر: ابن الجوزي: المنتظم 14/ 249.
(4) السلمي: طبقات الصوفية ص 454.
(5) السلمي: طبقات الصوفية ص 455.(1/259)
يقول (1) لا تصفوا لأحد قدم في العبودية، حتى تكون أفعاله عنده كلّها رياء، وأحواله عنده كلّها دعاوى. وقال جدّي (2): من قدر على إسقاط جاهه عند الخلق، سهل عليه الإعراض عن الدنيا وأهلها. وسمعت أبا عمرو بن مطر، سمعت أبا عثمان الحيريّ يقول: وخرج من عند ابن نجيد: يلومني الناس في هذا الفتى، وأنا لا أعرف على طريقته سواه، وربما كان أبو عثمان يقول: أبو عمرو خلفي من بعدي، قال لي ابن أبي زرقاء: قال فلان: جدّك من أوتاد الأرض. توفي (3) ابن نجيد رحمه الله في ربيع الأول عن ثلاث وتسعين سنة، وقد سمعنا خبره بالإجازة العالية.
195 - عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن مبارك (4) (أبو أحمد) الجرجاني، الحافظ، ويعرف بابن القطّان. رحل إلى الشام ومصر رحلتين، أولاهما (5) سنة سبع وتسعين، فسمع من الكبار: عبد الرحمن بن القاسم الرّواس، وأبا عقيل أنس بن السّلم، وابا خليفة، والحسن بن شعبان، وبهلول بن إسحاق الأنباري، ومحمد بن سليمان بن أبي سويد، وعمران بن موسى بن مجاشع، وأبا عبد الرحمن النّسائي، ومحمد بن يحيى المروزي، وعبدان، وأبا يعلى، والحسن بن محمد المدني، صاحب يحيى بن بكير، والحسن بن الفرج، الغزي، وأبا عروبة، وزكريا الساجي، وأحمد بن يحيى التّستري، والباغندي، وأبا يعقوب المنجنيقي، وجعفر بن محمد بن الليث، صاحب أبي الوليد، وعلي بن العباس البجلي، وأحمد بن الحسن الصوفي، وأحمد بن بشر الصوري، وأمما سواهم. وعنه: أبو العباس بن عقدة، وهو من شيوخه، وأبو سعد الماليني، والحسن بن رامين، وحمزة بن يوسف السّهمي، وأبو الحسين بن العالي، وآخرون. وكان مصنّفا حافظا. له كتاب (الكامل في معرفة الضعفاء)
__________
(1) نفسه.
(2) نفسه ص 456.
(3) كانت وفاته سنة ست وستين وثلاثمئة. / السلمي: طبقات الصوفية ص 454.
(4) ترجمته في: الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 143، ابن الأثير: اللباب 1/ 219، البغدادي: هدية العارفين 1/ 447، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 51، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 233، البداية والنهاية 11/ 283، وابن الصلاح: طبقات 294، 330، 361، 373، 379، 444، 470/ النجوم الزاهرة 4/ 111، تاريخ جرجان 289287رقم 443، طبقات الإسنوي 2/ 206رقم 820، سير أعلام النبلاء 16/ 154، 156رقم 111.
(5) البغدادي: هدية العارفين 1/ 447.(1/260)
(1). في غاية الحسن. ذكر فيه كلّ من تكلّم فيه، ولو كان من رجال الصحيح، وذكر في كلّ ترجمة حديثا فأكثر من غرائب ذلك الرجل، ومناكيره وتكلّم على الرجال بكلام منصف. قال الحافظ ابن عساكر (2): كان ثقة، على لحن فيه، ولد سنة سبع وسبعين ومائتين. وكتب الحديث ببلده سنة تسعين، وصنّف (الكامل في الضعفاء)، في نحو ستين جزءا. قال حمزة السّهمي (3): سألت الدارقطني، أن يصنّف كتابا في الضعفاء.
فقال: أليس عندك كتاب ابن عديّ؟ قلت: نعم. قال: فيه كفاية لا يزاد عليه، وقد صنّف ابن عدي، على مختصر المزني كتابا سمّاه (الإنتصار). قال حمزة السّهمي: كان حافظا، متقنا، لم يكن في زمانه مثله. تفرّد بأحاديث وهب منها لابنيه: عدي، وأبي زرعة، وتفرّدا بها. وقال أبو الوليد الساجي: ابن عدي حافظ لا بأس به. قال حمزة:
توفي في جمادى الآخرة وصلّى عليه أبو بكر الإسماعيلي. قلت: كان لا يعرف العربية مع عجمة فيه، وأما في العلل، والرّجال، فحافظ لا يجارى، رحمه الله تعالى.
196 - عبد الله بن محمد بن عبد الله الناصح بن شجاع (4) (أبو أحمد) المفسّر الفقيه، الشافعي، الدمشقي، نزيل مصر، سمع أحمد بن علي بن سعيد المروزي، وعبد الرحمن بن القاسم بن الروّاس، وعلي بن غالب السّكسكي، ومحمد بن إسحاق بن راهويه، وعبد الله بن محمد بن علي البلخي الحافظ، وجنيد بن خلف السّمرقندي، لقي هؤلاء الثلاثة في الحج، وانتقى عليه أبو الحسن الدارقطني، وحدّث عنه الحفّاظ: عبد الغني، وابن مندة، وأحمد بن محمد بن أبي العوّام، وأبو النّعمان تراب، وإسماعيل بن عبد الرحمن النحاس، وإبراهيم بن عليّ الغازي، وعلي بن محمد بن علي الفارسي وآخرون. توفي في رجب.
197 - محمد بن طاهر (5) (أبو نصر الوزيري ابن المفسّر الأديب). سمع عبد الله بن
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 2/ 233.
(2) تاريخ دمشق 22/ 139.
(3) تاريخ جرجان 267.
(4) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 314، الإسنوي: طبقات 2/ 398، وابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 795، العبر 2/ 338، شذرات الذهب 3/ 51، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 452، حسن المحاضرة 1/ 169، الوافي بالوفيات 17/ 484، سير أعلام النبلاء 16/ 282، 283، رقم 199هـ.
(5) ترجمته في: السبكي: طبقات 3/ 175، الإسنوي: طبقات 2/ 542، ابن الصلاح: طبقات(1/261)
الشّرفي، وأبا حامد بن بلال. وعنه: أبو عبد الله الحاكم. توفي بهراة، وكان من أئمة الشافعية.
198 - محمد بن علي (1) بن إسماعيل الإمام أبو بكر الشاشي، الفقيه، الشافعي المعروف بالقفّال الكبير. كان إمام عصره بما وراء النهر، وكان فقيها، محدّثا أصوليّا، لغويّا شاعرا، لم يكن للشافعية بما وراء النهر مثله في وقته، رحل إلى خراسان، وإلى العراق، والشام. وسار ذكره، واشتهر اسمه. وصنّف في الأصول والفروع. قال الحاكم: كان أعلم أهل ما وراء النهر، يعني في عصره بالأصول. وأكثرهم رحلة في طلب الحديث، سمع: إمام الأئمة، محمد بن خزيمة، ومحمد بن جرير الطبري، وعبد الله المدائني، ومحمد بن محمد الباغندي، وأبا القاسم البغوي، وأبا عروبة الحرّاني، وطبقتهم. وقد قال الشيخ أبو إسحاق في الطبقات (2): توفي سنة ست وثلاثين وثلاثمئة، وهذا وهم، ولعلّه تصحّف عليه ثلاثين بلفظة ستين، فإن أبا عبد الله الحاكم، ذكر وفاته في آخر سنة خمس وستين بالشاش. وكذا ورّخه أبو سعيد السّمعاني (3)، وزاد. أنه ولد سنة إحدى وتسعين ومائتين. وقال الشيخ أبو إسحاق (4): إنه درس على أبي العباس بن سريج. قلت: ولم يدركه فإنه رحل من الشاش سنة تسع وثلاثمئة، وأبو العباس فقد ذكرنا وفاته سنة ستّ وثلاثمئة. قال أبو إسحاق (5). له مصنّفات كثيرة ليس لأحد مثلها، وهو أول من صنّف الجدل الحسن من الفقهاء. وله كتاب في (أصول الفقه) وله (شرح الرسالة) (6)، وعنه انتشر فقه الشافعي فيما وراء النهر. قلت: ومن
__________
1/ 168، السمعاني: الأنسباب 12/ 266، ابن الأثير: اللباب 3/ 365.
(1) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/، النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 282، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 2، ابن الأثير: اللباب 2/ 174، الصفدي: الوافي 4/ 112، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 4/ 111، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 51.
السمعاني: الأنساب 7/ 244، ياقوت: معجم البلدان 3/ 309، البغدادي: هدية العارفين 2/ 48، الإسنوي 2/ 79، ابن الصلاح: طبقات 1/ 228، السيوطي: طبقات المفسرين 3736.
(2) طبقات الفقهاء 112.
(3) الأنساب 260.
(4) طبقات الفقهاء ص 112للشيرازي.
(5) نفسه.
(6) الرسالة: كتاب الرسالة للشافعي.(1/262)
غرائب وجوه القفّال هذا، ما ذكره في (الروضة) أبو زكريا، أن المريض يجوز له الجمع بين الصلاتين بعذر المرض. ومن ذلك أنه يستحبّ أنّ الكبير يعقّ عن نفسه. وقد قال الشافعي: لا يعقّ عن كبير (1). وممّن روى عنه، أبو عبد لله الحاكم، وابن مندة، وأبو عبد الرحمن السّلمي، وأبو عبد الله الحليمي، وأبو نصر عمر بن قتادة، وغيرهم، وابنه القاسم، هو مصنّف (التقريب) نقل عنه صاحب (النهاية) وصاحب (الوسيط). وقال ابن السمعاني في أبي بكر القفّال: أنه صنّف كتاب (دلائل النبوة) وكتاب (محاسن الشريعة)، وقال أبو زكريا النّواوي: إذا ذكر القفّال الشاشي، فالمراد هو، وإذا ورد القفّال المروزيّ، فهو القفّال الصغير، الذي كان بعد الأربعمائة. قال: ثم إن الشاشي يتكرر ذكره في التفسير والحديث، والأصول والكلام، وأما المروزي فيتكرّر ذكره في الفقهيّات، وقال أبو عبد الله الحليمي: كان شيخنا القفّال، أعلم من لقيته من علماء عصره، وقال البيهقيّ في (شعب الإيمان): أنشدنا ابن قتادة، أنشدنا أبو بكر القفال (2): [من المتقارب]:
أوسّع رحلي على من نزل ... وزادي مباح على من أكل
نقدّم حاضر ما عندنا ... وإن لم يكن غير خبز وخلّ
فأمّا الكريم فيرضى به ... وأما اللئيم فمن لم أبل
قال أبو الحسن الصّفّار: سمعت أبا سهل الصّعلوكي، وسئل عن تفسير أبي بكر القفّال، فقال: قدّسه من وجه، ودنسه من وجه. أي دنّسه من جهة نصره مذهب الاعتزال.
سنة ست وستين وثلاثمئة
199 - علي بن أحمد بن (3) المرزبان أبو الحسن البغدادي، الفقيه الشافعي. كان إماما
__________
(1) النواوي: الروضة 3/ 229.
(2) الأبيات في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 229228، والذهبي: سير النبلاء 16/ 285، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 383، والسبكي: الطبقات: 3/ 204، طبقات المفسرين، للداودي 2/ 198.
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 11/ 325 (ترجمة رقم 6144) ابن خلكان:
وفيات 3/ 281، السبكي: طبقات 3/ 346، الإسنوي 2/ 378، ابن العماد: شذرات(1/263)
ورعا، أخذ الفقه عن أبي الحسين بن القطّان، وعنه: أخذ الشيخ أبو حامد الإسفرائني.
أول ما قدم العراق. وهو صاحب وجه في المذهب، وبلغنا عنه أنه قال: ما لأحد عليّ مظلمة. توفي في رجب.
سنة سبع وستين وثلاثمئة
200 - عبد الله بن (1) علي بن الحسين (أبو محمد) القومسي (2)، الفقيه، قاضي جرجان. روى عن أبيه، والبغوي، وابن صاعد، وتفقّه على أبي إسحاق المروزي، توفي في ربيع الآخر، وقد قارب الثمانين.
201 - محمد بن حسان (3) بن محمد (أبو منصور) ابن العلّامة أبي الوليد، الفقيه النيسابوري، كان يصوم صوم داود ثلاثين عاما، سمع: السراج، وأبا العباس الماسرجسي، وكان من كبار الفقهاء، رفسته دابّته فاستشهد يوم الأضحى، روى عنه:
الحاكم. وله أخ باسمه عاش، بعده مدّة رحمهما الله تعالى.
سنة ثمان وستين وثلاثمئة
202 - علي بن محمد بن (4) أحمد الجرجاني، الزاهد الفقيه، المعروف بأبي الحسن القصري، كان مفتيا، عارفا بمذهب الشافعي، روى عن البغوي، وأبي بكر بن أبي داود، وأحمد بن عبد الكريم الوزّان، وعبد الرّحيم بن عبد المؤمن. توفي يوم عاشوراء. روى عنه: حمزة السّهمي، والجرجانيّون.
__________
3/ 56، البغدادي: هدية العارفين 1/ 681، ابن الصلاح: طبقات 2/ 603.
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 310، الإسنوي: طبقات 2/ 307، ابن الصلاح:
طبقات 2/ 701، تاريخ جرجان 274رقم 456.
(2) القومسي: نسبة إلى قومس، وهي كورة كبيرة واسعة، تشتمل على مدن وقرى ومزارع في ذيل جبل طبرستان. اللباب 2/ 62، معجم البلدان 4/ 414.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 136135، الإسنوي: طبقات 2/ 473، ابن الصلاح: طبقات 2/ 847، وتاريخ الإسلام / وفيات سنة 357هـ ص 382.
(4) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 2/ 307، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 814، وتاريخ جرجان ص 316.(1/264)
سنة تسع وستين وثلاثمئة
203 - أحمد بن عبد الوهّاب (1) بن يونس، أبو عمر القرطبي الشافعي، تلميذ عبيد الشافعي الفقيه. كان ذكيا عالما، بالاختلاف كيّسا، مناظرا نحويّا، لغويّا، وكان ينسب إلى الاعتزال، توفي فيها أو في صدر سنة سبعين.
204 - محمد بن سلمان (2) بن محمد بن سليمان بن هارون الإمام، أبو سهل الحنفي، العجلي الصّعلوكيّ، النيسابوري، الفقيه الشافعي الأديب، اللغوي المتكلّم، المفسّر النحوي، الشاعر المفتي، الصوفي. حبر زمانه، وبقيّة أقرانه. هذا قول الحاكم فيه. وقال: ولد سنة ستّ وتسعين ومائتين، وأول سماعه سنة خمس وثلاثمئة، واختلف إلى أبي بكر بن خزيمة، ثم إلى أبي علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي، وناظر وبرع، ثم استدعي إلى إصبهان، فلما بلغه نعي عمّه أبي الطّيب، خرج متخفّيا، فورد نيسابور سنة سبع وثلاثين وثلاثمئة. ثم نقل أهله من إصبهان، وأفتى ودرّس بنيسابور، نيّفا وثلاثين سنة. سمع: ابن خزيمة، وأبا العباس السراج، وأبا العباس أحمد بن محمد الماسرجسيّ، وأبا قريش محمد بن جمعة. وأحمد بن عمر المحمد آباذي، وبالرّي أبا محمد بن أبي حاتم، وببغداد إبراهيم بن عبد الصمد، وأبا بكر بن ألأنباري، والمحاملي. وكان يمتنع عن التحديث كثيرا إلى سنة خمس وستين، فأجاب للإملاء.
وقد سمعت أبا بكر بن إسحاق الصّبغيّ غير مرّة، يعود الأستاذ أبا سهل، ويقول:
بارك الله فيك، لا أصابتك العين. وسمعت أبا منصور الفقيه يقول: سئل أبو الوليد الفقيه، عن أبي بكر القفّال، وأبي سهل الصّغلوكي، أيّهما أرجح؟ فقال: ومن يقدر أن يكون مثل أبي سهل؟ وقال الفقيه أبو بكر الصيرفي: لم ير أهل خراسان مثل: أبي
__________
(1) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 2/ 307306، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 710، تاريخ علماء الأندلس 1/ 47رقم 154، الوافي بالوفيات 7/ 162رقم 3094.
(2) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات 1/ 164158، السبكي: طبقات 3/ 173167، الإسنوي: طبقات 2/ 125124، السمعاني: الأنساب 8/ 63، ابن الأثير: اللباب 2/ 242، ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 204، الذهبي: العبر 2/ 352، ابن الملقن: طبقات الأولياء 215، ابن العماد، شذرات 3/ 7069، ابن تفري بردي: النجوم 4/ 137136، الوافي بالوفيات 3/ 124، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 241، العبر 2/ 352، تبيين كذب المفتري 184183، سير أعلام النبلاء 16/ 239235.(1/265)
سهل، ولا رأى مثل نفسه، وقال الحاكم أبو عبد الله: أبو سهل مفتي البلدة وفقيهها، وأجدل من رأينا من الشافعيين بخراسان، ومع ذلك أديب، وشاعر، ونحوي، كاتب عروضي، محبّ للفقراء، وقال أبو إسحاق (1) الشيرازي: أبو سهل الصّعلوكي الحنيفي من بني حنيفة، صاحب أبي إسحاق المروزي. مات في آخر سنة تسع وستين، وكان فقيها، أديبا، شاعرا، متكلّما، مفسّرا صوفيّا، كاتبا. وعنه أخذ ابنه أبو الطيّب، وفقهاء نيسابور. قلت: وهو صاحب وجه، ومن غرائبه أنه قال: إذا نوى غسل الجنابة والجمعة معا، لا يجزئه لواحد منهما، وقال: بوجوب النّيّة لإزالة النجاسة، وقد نقل الماورديّ، والبغوي، للإجماع أنها لا تشترط. وقال أبو العباس الفسويّ: كان أبو سهل الصّعلوكي مقدّما في علم الصوفية، صحب الشّبلي، وأبا علي الثقفي، والمرتعش وله كلام حسن في التصوّف. قلت: ومناقبه جمّة، ومنها ما رواه القشيري، أنه سمع أبا بكر بن فورك يقول (2): سئل الأستاذ أبو سهل عن جواز رؤية الله بالعقل. فقال: الدليل عليه، شوق المؤمن إلى لقائه والشوق إرادة مفرطة، والإرادة لا تتعلق بمحال، وقال السّلمي (3): سمعت أبا سهل يقول: ما عقدت على شيء قطّ، وما كان الإعراض عن الاعتراض (4). وقال: سمعته يقول: من قال لشيخه لم؟ لا يفلح أبدا. وقد حضر أبو القاسم النّصرآباذي وجماعة، وحضر قوّال، فكان فيما عني به. جعلت تنزّهي نظري إليك. فقال النّصرآباذي: قل: جعلت، فقال أبو سهل بل جعلت، فرأينا النّصرآباذي ألطف قولا منه في ذلك، فرأى ذلك فينا فقال: ما لنا وللتفرقة أليس يمين الجمع أحقّ؟
وهذا حقيقة قول ابن العربي، وأضرابه في وحدة الوجود. نسأل الله العافية. فسكت النّصرآباذي ومن حضر. وقال لي أبو سهل: أقمت ببغداد سبع سنين فما مرّت بي جمعة إلا ولي على الشّبلي وقفة، أو سؤال، ودخل الشّبلي، على أبي إسحاق المروزي، فرآني عنده فقال: ذا المجنون من أصحابك؟ [قال]: لا بل من أصحابنا. وقال عمر بن أحمد بن مسرور مما أنشدنا أبو سهل لنفسه (5): [من الطويل]:
__________
(1) الشيرازي: طبقات الفقهاء 120.
(2) ابن الصلاح: طبقات 1/ 164.
(3) طبقات الأولياء 215.
(4) طبقات الأولياء 215والرسالة القشيرية 166.
(5) سير أعلام النبلاء 16/ 239، طبقات السبكي 3/ 171، الوافي بالوفيات 3/ 124.(1/266)
أنام على سهو وتبكي الحمائم ... وليس لها جرم ومنّي الجرائم
كذبت وبيت الله لو كنت عاقلا ... لما سبقتني بالبكاء الحمائم
وقال الحاكم: سمعت الأستاذ أبا سهل، ودفع إليه مسألة فقرأها علينا وهي (1):
تمنّيت شهر الصّوم لا لعبادة ... ولكن رجاء أن أرى ليلة القدر
فأدعوا له الناس دعوة عاشق ... عسى أن يريح العاشقين من الهجر
فكتب أبو سهل في الحال (2):
تمنّيت ما لو نلته فسد الهوى ... وحلّ به للحين قاصمة الظّهر
فما في الهوى طبّ ولا لذة سوى ... معاناة ما فيه يقاسى من الهجر
قال الحاكم: توفي أبو سهل في ذي القعدة، سنة تسع وستين، بنيسابور رحمه الله تعالى.
سنة سبعين وثلاثمئة
205 - محمد بن أحمد (3) بن الأزهر بن طلحة (أبو منصور) الهروي، الأزهري، النّحوي اللّغوي، الشافعي. سمع بهراة، من: الحسين بن إدريس، ومحمد بن عبد الرحمن الساجي، وطائفة، ثم رحل إلى بغداد، وسمع: ابا القاسم البغوي، وأبا بكر بن أبي داود، وإبراهيم بن عرفة ونفطويه، وابن السراج وأبا الفضل المنذري. ولم يأخذ عن ابن دريد تديّنا فإنه قال: دخلت داره غير مرّة، فألفيته على كرسيّه سكرانا. أخذ عنه أبو عبيد الهروي، صاحب الفريبين، وحدّث عنه أبو يعقوب القرّاب، وأبو ذرّ عبد بن أحمد، وأبو عثمان سعيد القرشي وأبو الحسين الباشانيّ، وغيرهم. وكان بارعا في المذهب، ثقة ورعا، فاضلا. وقيل: إنه أسر فوجدوا بخطّه أنه قال: امتحنت
__________
(1) البيتان في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 163، والذهبي: تاريخ الإسلام. وفيات سنة 369، ص 426.
(2) البيتان في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 163.
(3) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 434، ياقوت: معجم الأدباء 17/ 164، الذهبي:
تذكرة الحفاظ 3/ 160: طبقات الشافعية 3/ 63، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 72، البغدادي: هعدية العارفين 2/ 19، ابن الصلاح: طبقات 1/ 83، ابن تفري بردي: النجوم 4/ 139.(1/267)
بالأسر سنة. عارضت القرامطة الحاجّ بالهبير (1)، وكان القوم الذين وقعت في سهمهم، عربا نشأوا بالبادية، يبتغون مساقط الغيبث أيام النّجع، ويرجعون إلى إعداد المياه في محاضرهم زمن القيظ. ويتكلّمون بطباعهم البدوية، ولا يكاد يوجد في منطقهم لحن، أو خطأ فاحش. فبقيت في أسرهم دهرا طويلا، وكنّا نشتّي بالدّهناء (2)، ونربع بالصّمّان (3)، وأسندت منهم ألفاظا جمّة. صنّف (4): كتاب (تهذيب اللغة) في عشر مجلّدات، وكتاب (التقريب في التفسير) وكتاب تفسير (ألفاظ المزني) وكتاب (علل القراءات) وكتاب (الروح) وما ورد فيها من الكتاب والسنة، وكتاب (تفسير الأسماء الحسنى) وكتاب (الردّ على الليث)، وكتاب (تفسير إصلاح المنطق) وكاب (تفسير السّبع الطّوال) وكتاب (تفسير ديوان أبي تمّام) وله سوى ذلك من المصنّفات، وتوفي (5)
رحمه الله في ربيع الآخر، وولد سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
206 - محمد بن الحسن (6) أبو جعفر الفقيه الشافعي المعروف، بالباحث له ترجمة طويلة عند ابن الصّلاح كذا ترجمه.
ولم يزد ثم أعاده بعد أسطر، فقال: محمد بن عليّ (7) بن عبد الله أبو جعفر المروزيّ، الأديب. أحد الشعراء بخراسان، ويعرف بالباحث، أخذ عنه الحاكم.
وقال: سمع بعد الأربعين وثلاثمئة ومات ببخارى.
__________
(1) الهبير: هو رمل زرود في طريق مكة، معجم البلدان 5/ 392.
(2) الدّهناء: هي سبعة أجبل من الرمل في عرضها، من ديار بني تميم بين كل جبلين شقيقة، وطولها من حزن ينسوعة إلى رمل يبرين، وهي من أكثر بلاد الله كلأ مع قلّة أغذاء ومياه، وإذا أخصبت الدهناء ربعت العرب. معجم البلدان 2/ 493.
(3) الصّمّان: جبل في أرض تميم أحمر، وهي أرض فيها غلظ وارتفاع، وقيعان واسعة، / معجم البلدان 3/ 423.
(4) انظر كتب الأزهري في: ياقوت: معجم الأجباء 17/ 164، 167، البغدادي: هدية العارفين 2/ 49، شذرات الذهب 3/ 73.
(5) توفي في هراة في شهر ربيع الآخر سنة 370هـ.
(6) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 135131، السبكي: طبقات الشافعية 8/ 143، الإسنوي، طبقات 1/ 219.
(7) ولي الحكم في بلاد كثيرة بخراسان ويعرف بالبحاث وكان شاعرا عظيما، شافعيا. مات ببخارى سنة 370هـ. انظر السبكي: طبقات الشافعية 3/ 143، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 134.(1/268)
سنة إحدى وسبعين وثلاثمئة
207 - أحمد بن (1) إبراهيم بن إسماعيل بن العبّاس، الإمام أبو بكر الإسماعيلي، الجرجاني، الحافظ الفقيه، الشافعي، ولد سنة سبع وسبعين ومائتين، وسمع من:
الزاهد محمد بن عمر المقابري، الجرجاني، سنة تسع وثمانين ومائتين، وسمع قبل ذلك. قال حمزة السّهمي: سمعته (2) يقول: لمّا ورد نعي محمد بن أيّوب الرازي، دخلت الدار وبكيت، وصرخت، ومزّقت على نفسي القميص، ووضعت التراب على رأسي، فاجتمع عليّ أهلي ومن في منزلي. وقالوا: ما أصابك؟ قلت: نعي إليّ محمد بن أيوب الرازي، فإن منعتموني الارتحال إليه فاسألوا قلبي. وأذنوا لي بالخروج عند ذلك، وأصحبوني خالي إلى نسا، إلى الحسن بن سفيان، وأشار الإسماعيلي إلى وجهه وقال: لم يكن لي هاهنا طاقة، فقدمت عليه وسألته أن أقرأ عليه (المسند) وغيره. فكان ذلك أوّل رحلتي في [طلب] الحديث ورجعت (3). قلت: كان هذا في سنة أربع وتسعين، فإن فيها توفي محمد بن أيوب. قال: ثم خرجت إلى بغداد، في سنة ستّ وتسعين، وصحبني بعض أقربائي، قلت: سمع إبراهيم بن زهير الحلواني، في هذه النّوبة، وجمزة بن محمد بن عيسى الكاتب، وأحمد بن محمد بن مسروق، ومحمد بن يحيى بن سليمان المروزي، والحسن بن علويّه، وعبد الله بن ناجية، والفريابي، وطائفة ببغداد. وسمع أيضا بها، من: يوسف بن يعقوب القاضي، وإبراهيم بن عبد الله المخرمي، وسمع بالكوفة من محمد بن عبد الله الحضرمي مطيّن، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وإسماعيل بن محمد المزني، صاحب أبي نعيم، ومحمد بن الحسن بن سماعة، وبالبصرة من محمد بن حبّان بن الأزهر، وجعفر بن
__________
(1) ترجمته في اللباب 1/ 58، سير أعلام النبلاء 16/ 296292، هدية العارفين 1/ 66، معجم البلدان 2/ 122، العبر 2/ 358، تاريخ جرجان 7769، ابن الجوزي: المنتظم 14/ 281، ابن كثير: البداية 11/ 298، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 149، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 80، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 4/ 140، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 75، حاجي خليفة: كشف الظنون 1735، الإسنوي: طبقات 1/ 346، ابن الصلاح: طبقات 2/ 703.
(2) ابن الجوزي: المنتظم: 14/ 282.
(3) تاريخ جرجان 109.(1/269)
أحمد بن الليث، وأبي خليفة الجمحي، وبالأنبار من بهلول بن إسحاق التّنوخي، وسعيد بن عجب، وبالأهواز من عبدان، وبالموصل من أبي يعلى، وأشباههم، وصنّف (الصحيح) و (المعجم) (1) وغير ذلك. وروى عنه: الحاكم، وأبو بكر البرقاني، وحمزة بن يوسف السّهمي، وأبو حازم العبدويّ، والحسن بن محمد الباساني، وأبو الطيب محمد بن علي الطبري، وأبو بكر محمد بن إدريس الجرجرائي (2)
الحافظ، وعبد الواحد بن محمد بن منير العدل، وأبو عمرو عبد الرحمن بن محمد الفارسي، سبط الشيخ، وطائفة سواهم.
وقال حمزة: سمعت الدارقطني (3) يقول: كنت قد عزمت غير مرة، أن أرحل إلى أبي بكر الإسماعيلي فلم أرزق. قال حمزة: وسمعت أبا محمد الحسن بن علي الحافظ، بالبصرة يقول: كان الواجب للشيخ أبو بكر الإسماعيلي أن يصنّف لنفسه مصنّفا، ويختار على حسب اجتهاده، فإنه كان يقدر عليه، لكثرة ما كان كتب، ولغزارة علمه وفهمه وجلالته. وما كان ينبغي أن يتبع كتاب محمد بن إسماعيل، فإنه كان أجلّ من أن يتّبع غيره، أو كما قال. وقال أبو عبد الله الحاكم: كان أبو بكر واحد عصره، وشيخ المحدّثين والفقهاء، وأجلّهم في الرئاسة، والمروءة، والسخاء. ولا خلاف بين عقلاء الفريقين من أهل العلم فيه. قال حمزة: وسألني الوزير أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات بمصر، عن أبي بكر الإسماعيلي وسيرته، وما صنّف؟ فكنت: أخبره بما صنّف من الكتب، وجمع من المسانيد والمقلّين، وتخريجه على كتاب البخاري جمع سيرته، فتعجّب من ذلك، منهم: ابن المظفّر الحافظ، يحكون [عن] جودة قراءة أبي بكر، وقالوا: كان مقدّما في جميع المحالس، كان إذا حضر مجلسا لا يقرأ غيره. قال حمزة (4): توفي في غرّة رجب سنة إحدى وسبعين، وله أربع وتسعون سنة. قلت (5):
ورأيت له مجلّدا من مسند كبير إلى الغاية، من حساب مائة مجلّد أو أكثر، فإن هذا المجلّد فيه بعض (مسند عمر) يدلّ على إمامته، وله (معجم شيوخه) مجلد صغير،
__________
(1) منه نسخة خطية بمكتبة ولي الدين رقم 845 (134ورقة) سنركين: تاريخ التراث العربي 1/ 329، / المنتظم 14/ 282.
(2) الجرجرائي: نسبة إلى جرجرايا، بلدة قريبة من دجلة بين بغداد وواسط / اللباب 1/ 270.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 282، تاريخ جرجان 109.
(4) نفسه، وتاريخ جرجان 109، المنتظم 14/ 282.
(5) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 282.(1/270)
رواه عنه أبو بكر البرقاني، لذا يقول: كتبت في صغري إملاءات بخطي، في سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وأنا يومئذ ابن ستّ سنين، فضبطته ضبط مثلي في ذلك لوقت، على أني لم أخرّج من هذه البداية شيئا، فيما صنّفت من السّنن، وأحاديث الشيوخ. وقد أخذ عن ابي بكر: ابنه أبو سعد، وفقهاء جرجان، وقال القاضي أبو الطّيب: دخلت جرجان قاصدا إليه، وهو حيّ فمات قبل أن ألقاه.
208 - عبد الله بن الحسين (1) بن إسماعيل أبو بكر الضّبي المحاملي، ولّي قضاء ميّافارقين، وآمد، ثم ولّي قضاء حلب، وأنطاكية. وكان عفيفا نزها، سمع أباه، وأبا بكر بن زياد النيسابوري وغيرهما.
209 - محمد بن أحمد بن عبد الله (2) بن محمد الفقيه، أبو زيد المروزي الشافعي الزاهد، حدّث ببغداد وبنيسابور، ودمشق ومكة. عن محمد بن يوسف الفربريّ، وعمر بن علّك المروزيّ ومحمد بن عبد الله السعدي، وأبي العباس الدّغولي (3)، وأحمد بن محمد بن المنكدري وغيرهم. وعنه: الهيثم بن أحمد الصبّاغ، وعبد الواحد بن مشماش، وعبد الوهّاب الميداني، وعلي بن السّمسار، الدمشقيون، والحاكم، والسّلّمي، وأهل نيسابور، وأبو الحسن الدارقطني مع تقدّمه، وأبو بكر البرقاني، ومحمد بن أحمد المحاملي، البغداديّون، والفقيه أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي وآخرون. وقال: ولدت سنة إحدى وثلاثمئة. قال الحاكم (4): كان أحد أئمة المسلمين، ومن أحفظ الناس لمذهب الشافعي وأحسنهم نظرا، وأزهدهم في الدنيا. سمعت أبا بكر البزّار يقول (5): عادلت (6) الفقيه أبا زيد من نيسابور إلى مكة، فما
__________
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 9/ 440، وابن كثير: البداية والنهاية 11/ 298، والسبكي: طبقات الشافعية 3/ 307، وابن الصلاح: طبقات 2/ 787.
(2) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 1/ 314، وابن كثر: البداية والنهاية 11/ 299، السمعاني: الأنساب: 9/ 226، ابن الأثير: اللباب 2/ 407، ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 208، الصفدي: الوافي 2/ 71، السبكي 3/ 71، الإسنوي: طبقات 2/ 379، ابن العماد: شذرات 3/ 76، ابن الصلاح: طبقات 1/ 94.
(3) الدّغولي: نسبة إلى دغول وهو اسم رجل / اللباب 1/ 503، 504.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 287.
(5) نفسه، وابن الصلاح: طبقات 1/ 59، المنتظم 28714.
(6) عادلت: أي ركبت معه.(1/271)
أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة، وقال الخطيب: حدّث ببغداد ثم جاور بمكة، وحدّث هناك بصحيح البخاري، عن الفربري، وأبو زيد أجلّ من روى ذلك الكتاب.
وقال أبو إسحاق الشيرازي (1): ومنهم أبو زيد المروزي صاحب أبي إسحاق المروزي.
مات بمرو في رجب سنة إحدى وسبعين. قال: وكان حافظا للمذهب، حسن النظر مشهورا بالزهد، وعنه أخذ أبو بكر القفّال، وفقهاء مرو، قرأت على أبي علي الأمين:
أخبركم ابن المكي: أنا عبد الأول، أنا أبو إسماعيل الأنصاري، أنا أحمد بن محمد بن إسماعيل، سمعت خالد بن عبد الله المروزي، سمعت أبا سهل محمد بن أحمد المروزي، سمعت أبا زيد المروزي الفقيه، يقول: كنت نائما بين الرّكنين والمقام، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: يا أبا زيد إلى متى تدرّس كتاب الشافعي؟ ولا تدّرس كتابي؟
فقلت: يا رسول الله وما كتابك؟ قال: (جامع) محمد بن إسماعيل يعني البخاري رحمه الله.
210 - محمد بن خفيف بن اسفكشاذ، أبو (2) عبد الله الضّبّي، الشرازي، الصّوفي، شيخ إقليم فارس رضي الله عنه، حدّث عن: حمّاد بن مدرك، والنّعمان بن أحمد الواسطي، ومحمد بن جعفر التّمّار، والحسين المحاملي، وجماعة. وعنه: أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي، والحسن بن حفص الأندلسي، وإبراهيم بن الخضر الشيّاح، ومحمد بن عبد الله بن باكويه، وأبو بكر بن الباقلّاني المتكلّم، قال أبو عبد الرحمن السّلّمي: أقام بشيراز، وكانت أمّه بنيسابور، وهو اليوم شيخ المشائخ، وتاريخ الزّمان لم يتبق للقوم أقدم منه سنّا، ولا أتمّ حالا، صحب رويم بن أحمد، وأبا العباس بن عطاء، ولقي الحسين بن منصور الحلّاج، وهو من أعلم المشائخ بعلوم الظاهر، متمسّك بالكتاب والسّنّة، فقيه على مذهب الشافعي. فمن كلامه قال:
__________
(1) طبقات الفقهاء 115.
(2) ترجمته في: السلمي: طبقات الصوفية ص 462، القشيري: الرسالة القشيرية ص 37، الشعراني الطبقات الكبرى 1/ 142، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 76، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 149، ابن الجوزي: المنتظم 14/ 288، ياقوت الحموي: معجم البلدان 3/ 381، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 299، الإسنوي: طبقات 1/ 476، ابن الأثير:
اللباب 2/ 222، البغدادي: هدية العارفين 2/ 49، حاجي خليفة: كشف الظنون 1447، ابن تفري بردي: النجوم 4/ 141، تذكرة الحفاظ 3/ 950، تبيين كذب لمفتري 192190، الأنساب 7/ 451، سير أعلام النبلاء 16/ 345342.(1/272)
ما سمعت شيئا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وأستعمله، حتى الصلاة على أطراف الأصابع، وهي صعبة. قال السّلّمي (1): قال أحمد بن يحيى الشيرازي: ما أرى التصوّف إلّا انختم بأبي عبد الله بن خفيف، وكان رحمه الله من أولاد الأمراء، فتزهّد حتى قال: كنت أذهب وأجمع الخرق من المزابل، وأغسلها، وأصلح منها ما ألبسه، وبقيت أربعين شهرا، أفطر كلّ ليلة على كفّ باقلّاء (2)، فافتصدت فخرج من عرقي شبيه بالدم فغشي عليّ، فتحير الفصّاد، وقال: ما رأيت جسدا بلا دم إلا هذا (3)، وقال ابن باكويه:
سمعت أبا أحمد الكبير يقول: سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول: تهت في البادية، وجعت حتى سقطت لي ثمانية أسنان، وانتثر شعري ثم وقعت إلى فيد (4)، وأقمت بها حتى تماثلت وحججت، ثم مضيت إلى بيت المقدس، ودخلت الشام، فنمت إلى جانب دكّان صبّاغ، وكان معي في المسجد رجل به [بطن] قيّام (5)، فكان يخرج ويدخل إلى الصباح، فلما أصبحنا صاح الناس، وقالوا: نقبت دكان الصباغ، وسرقت، فدخلوا المسجد ورأونا، فقال المبطون: لا أدري غير أن هذا طول الليل كان يدخل ويخرج، وما كنت خرجت أنا إلا مرّة تطهّرت، فجرّوني، وضربوني وقالوا: تكلّم، فاعتقدت التّسليم، فكانوا يغتاضون من سكوتي، فحملوني إلى دكّان الصبّاغ، وكان أثر رجل اللصّ في الرّماد، فقالوا: ضع رجلك فيه، فوضعت. فكانت على قدر رجلي، فزادهم غيظا (6). وجاء الأمير، ونصبت القدر فيها الزّيت يغلي، وأحضرت السكّين، ومن يقطع اليد. فرجعت إلى نفسي فإذا هي ساكنة. فقلت: إن أرادوا قطع يدي، سألتهم أن يعفوا عنّي لأكتب بها، فبقي الأمير يهددني ويقول ويصول، فنظرت إليه فعرفته، وكان مملوكا لوالدي يكلّمني بالعربية. فكلّمته بالفارسيّة، فنظر إليّ. وقال:
أبو الحسين، وكنت أكنّى بها [في] صباي، فضحكت فعرفني، فأخذ يلطم رأسه ووجهه، واشتغل الناس به، فإذا بضجّة عظيمة، وإذا اللّصوص قد مسكوا، فذهبت
__________
(1) السلمي: طبقات الصوفية ص 462.
(2) الباقلاء: نبات عشبي سنوي زراعي من فصيلة القطانيات الفراشية / المعجم الوسيط /.
(3) ابن عساكر: تيين كذب المفتري 191.
(4) فيد: اسم مكان بشرقي سلمى أحد جبلي طيء، وينسب إليه حمى فيد: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 154، 7/ 190/ وابن هشام: السيرة 2/ 577.
(5) قيّام: كثير القيام، لا يهدأ ولا يستقر.
(6) ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 299، الشعراني الطبقات 1/ 142.(1/273)
والناس ورائي، وأنا ملطّخ بالدماء جائع لي أيام لم آكل، فرأتني عجوز فقيرة فقالت:
ادخل إلينا، فدخلت ولم يرني الناس، وغسلت وجهي ويديّ، فإذا الأمير قد أقبل يطلبني، فدخل ومعه جماعة، وجرّ من منطقته سكّينا وحلف بالله وقال: إن أمسكني إنسان لأقتلنّ نفسي، وضرب بيده رأسه ووجهه مائة صفعة، حتى منعته أنا ثم اعتذر وجهد بي أن أقبل شيئا فأبيت وهربت ليومي من المدينة (1). فحدّثت بعض المشايخ فقالوا: هذا عقوبة انفرادك فما دخلت [مكانا] [بعد ذلك] فيه فقراء، إلا قصدتهم. وقال أبو عبد الله بن باكويه: سمعت أبا عبد الله بن خفيف، وقد سأله قاسم الإصطخري عن الأشعري فقال: كنت مرة بالبصرة جالسا مع عمرو بن علّويه على ساجة (2) في سفينة نتذاكر في شيء. فإذا بأبي الحسن الأشعري، قد عبر وسلّم علينا وجلس، فقال عبرت عليكم أمس في الجامع، فرأيتكم تتكلمون في شيء، عرفت الألفاظ، ولم أعرف المغزى، فأحبّ أن تعيدوها عليّ قلت: وفي أي شيء كنّا؟ قال: سؤال إبراهيم عليه السلام {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ََ} (3) وسوال موسى عليه السلام {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} (4) فقلت: نعم. قلت: إن سؤال إبراهيم، هو سؤال موسى، إلا أن سؤال إبراهيم سؤال متمكّن، وسؤال موسى سؤال صاحب غلبة وهيجان.
فكان تصريحا، وكان سؤال إبراهيم تعريضا، وذلك أنه قال: أرني كيف تحيي الموتى، فأراه كيفية المحيا، ولم يره كيفية الإحياء، لأن الإحياء صفته، والمحيا قدرته. فأجابه إشارة كما سأله إشارة. إلا أنه قال في الآخر: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللََّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (5) والعزيز: المنيع. فقال أبو الحسن: هذا كلام صحيح. ثم إني مشيت مع أبي الحسن، وسمعت مناظرته، وتعجبت من حسن كلامه، حين أجابهم. قال أبو العباس الفسوي (6): صنّف شيخنا ابن خفيف من الكتب، ما لم يصنّفه أحد، وانتفع به جماعة صاروا أئمة، يقتدى بهم، وعمّر حتى عمّ نفعه البلدان، وقال أبو الفتح عبد الرحيم بن أحمد، خادم ابن خفيف: سمعت أبا عبد الله بن جعفر يقول: سألنا يوما القاضي
__________
(1) ابن كثير: البداية والنهاية 29911، الشعراني: الطبقات الكبرى 1421.
(2) الساجة: مفرد الساج، وهو الخشب المجلوب من الهند.
(3) سورة البقرة، الآية: 260.
(4) سورة الأعراف. الآية: 143.
(5) سورة البقرة، الآية: 260.
(6) ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 299.(1/274)
أبو العباس بن سريج، بشيراز (1) ونحن نحضر مجلسه لدرس الفقه فقال لنا: محبّة الله فرض أم لا؟ فقلنا: فرض. قال: ما الدليل؟ فما فينا من أجاب بشيء، فسألناه؟
فقال: قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كََانَ آبََاؤُكُمْ وَأَبْنََاؤُكُمْ} (2) الآية. قال: فتوعّدهم الله على تفضيل محبتهم لغيره، على محبته. والوعيد لا يقع إلا على فرض لازم. وقال ابن باكويه: كنت سمعت ابن خفيف يقول: كنت في بدايتي أقرأ في ركعة واحدة عشرة آلاف مرة {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} (3) وربما كنت أقرأ في الركعة القرآن كله. وعن ابن خفيف أنه كان به وجع الخاصرة، فكان إذا أخذه، أقعده عن الحركة، فكان إذا أقيمت الصلاة يحمل على الظهر إلى المسجد. فقيل له: لو خفّفت على نفسك. فقال: إذا سمعتم حيّ على الصلاة، ولم تروني في الصّف، فاطلبوني في المقابر (4)، وقال ابن باكويه: نظر أبو عبد الله بن خفيف يوما إلى ابن أمّ مكتوم (5)، وجماعة من أصحابه، يكتبون شيئا.
فقال: ما هذا؟ قالوا: نكتب كذا وكذا. قال: اشتغلوا بتعلّم شيء، ولا يغرّنّكم كلام الصوفية، فإني كنت أخبىء محبرتي في جيب مرقّعتي، والورق في حجرة سراويلي، وأذهب خفية إلى أهل العلم، فإذا علموا بي خاصموني، وقالوا: لا تفلح. ثم احتاجوا إليّ. توفي ليلة ثالث رمضان، عن خمس وتسعين سنة، وقيل: عاش مائة سنة وأربع سنين، وازدحم الخلق على جنازته، وكان أمرا عظيما، وصلّوا عليه نحوا من مائة مرّة (6)
رحمه الله ورضي عنه.
سنة اثنين وسبعين وثلاثمئة
211 - أحمد بن (7) محمد بن علي بن الحسين بن يحيى القصري، أبو بكر
__________
(1) شيراز: قصبة بلاد فارس، تبعد عن نيسابور 120فرسخا، بناها المسلمون في القرن الأول الهجري، معجم البلدان: ياقوت 3/ 380، 381.
(2) سورة التوبة (9)، الآية (24).
(3) سورة الإخلاص (112) الآية (1).
(4) طبقات الأولياء 293رقم 11.
(5) هو: أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم، تاج الدين، أبو العباس، السبكي: طبقات الشافعية 9/ 188، 10/ 196.
(6) انظر: طبقات الأولياء 294.
(7) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5/ 69 (ترجمة رقم 2446)، السبكي 3/ 47،(1/275)
السّيبي (1) الفقيه الشافعي، أحد الأئمة درس على إسحاق المروزي، ونشر الفقه ببلدة (قصر ابن هبيرة). وتوفي رحمه الله في رجب، وله ستّ وسبعون سنة.
212 - عبد العزيز بن مالك (2)، الفقيه، أبو القاسم القزوينيّ الشافعي، سمع محمد بن مسعود، وأبا علي الطّوسي والعباس بن الفضل بن شاذان، ومحمد بن صالح الطبّريّ. قال أبو يعلى الخليلي: أدركته وقرىء عليه وأنا حاضر.
213 - محمد بن علي (3) بن الحسين (أبو علي) الإسفرائينيّ الحافظ، المعروف بابن السّقّاء، تلميذ أبي عوانة، رحل وسمع: أبا عروبة الحرّاني، ومحمد بن زياد المصري، وعلي بن عبد الله بن مبشّر الواسطي، ويحيى بن محمد بن صاعد، وأحمد بن عمير بن حوصا، وخلقا كثيرا، وكان شافعيا، واعظا صالحا. روى عنه:
أبو عبد الله الحاكم وغيره. وهو والد علي شيخ البيهقي. توفي ببلده إسفرائين في ذي القعدة. وقد ذكره ابن عساكر. فقال: روى عنه: ابنه علي، وأبو سعيد أحمد بن الكرابيسيّ المروزي. قال الحاكم: هو من المعروفين بكثرة الرحلة، والحديث، والتصنيف، وصحبة الصالحين.
214 - محمد بن القاسم (4) أبو بكر المصريّ، الفقيه الشافعي المعروف، بوليد، روى عن: أبي عبد الرحمن النّسائي، وعبّاس البصري، وبنان الجمّال الزاهد، وروى عنه: يحيى بن علي الطّحان، ثم أعاده في السّنة الآتية وقال: محمد بن محمد بن شاد أخذ الأدب والفقه ولم يزد، وأخذ عنه الحاكم، وأرّخه النواوي. وقال [توفي في جمادى الآخرة وله خمس وثمانون سنة] (5).
__________
الإسنوي 2/ 38.
(1) السّيبي: نسبة إلى سيب: قرية قرب قصر ابن هبيرة / اللباب 2/ 164. وابن الصلاح: طبقات 2/ 720، الأنساب 7/ 216.
(2) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 334، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 780.
(3) ترجمته في: الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 196، 197، الإسنوي: طبقات 2/ 39، ابن الصلاح: طبقات 1/ 232، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 81، سير أعلام النبلاء 16/ 351، وابن عساكر: تاريخ دمشق 38/ 565.
(4) ابن العماد: شذرات 3/ 81، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 869.
(5) استدركت وفاته من تاريخ الإسلام، وفيات سنة 372هـ ص 529.(1/276)
سنة ثلاث وسبعين وثلاثمئة
215 - أحمد بن محمد (1) الإمام (أبو العباس) الدّيبليّ الشافعي، الزاهد، الخيّاط، نزيل مصر. ذكر أبو العباس أنه كان جيد المعرفة بالمذهب، يقتات من الخياطة، فكان يعمل القميص في جمعة بدرهم وثلث، وكان حسن العيش، واللباس، طاهر اللسان، سليم القلب صوّافا، تاليا، كثير النظر في كتاب (الربيع) مع كتاب (الأم) للشافعي، وكان مكاشفا ربّما يخبر بأشياء فتوجد كما يقول. وكان مقبولا عند الموافق والمخالف حتى كان أهل الملل يتبركون بدعائه، مرض فتوّليت خدمته، فشهدت منه أحوالا سنيّة، وسمعته يقول: كلّما ترى أعطيته ببركة القرآن والفقه. وقال لي: قيل إنك تموت ليلة الأحد. فكذا كان. وما كان يصلي إلا في الجماعة، فكنت: أصلّي به. فصلّيت به ليلة الأحد المغرب، فقال لي: تنحّ فإني أريد الجمع بالعشاء، لا أدري إيش يكون مني، فجمع وأوتر، ثم أخذ في السّباق وهو حاضر معنا إلى نصف الليل، فنمت ساعة وقمت فقال: أيّ وقت هو؟ قلت: قرب الصّبح. قال: حوّلني إلى القبلة، وكان معي أبو سعد (2) الماليني، فحوّلناه إلى القبلة، فأخذ يقرأ، فقرأ قدر خمسين آية ثم قبض ومات في سنة ثلاث وسبعين وثلاثمئة، أحسبه في رمضان. وكانت جنازته شيئا عجيبا، ما بقي بمصر أحد من أهلها أو من المغاربة أولياء السلطان إلا صلّوا عليه. وذكر القضاعيّ، بأن قبره ومسجده مشهوران به. قال: وكانت له كرامات مشهورة.
216 - محمد بن أحمد بن (3) إبراهيم (أبو الطيب) الفقيه ابن أبي بردة، البغدادي، الشافعي، سمع: أبا القاسم البغويّ، وأبا بكر بن أبي داود، وابن مجاهد، وتفقّه على أبي عيد الاصطخري، وأبي إسحاق المروزي. قال ابن الفرضي قال لي: إنه حجّ سنة أربع وعشرين. قال: وقدمت مصر، فلقيت بها أصحاب المزني، والربيع المرادي،
__________
(1) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 403، السبكي: طبقات 3/ 55، الإسنوي: طبقات 1/ 521، الصفدي: الوافي 8/ 138، حسن المحاضرة 1/ 169.
(2) هو: أحمد بن محمد بن أحمد (أو بعد) الماليني، المحدث، الحافظ الزاهد / السبكي:
طبقات الشافعية 4/ 6059.
(3) الذهبي: تاريخ الإسلام، وفيات سنة 374هـ ص 546، تاريخ علماء الأندلس 2/ 114رقم 1403/ والوافي 2/ 51.(1/277)
ولقد صغروا في عينيّ لما كنت أعرفه من رجال بغداد، وقدم أبو الطيّب قرطبة، فأكرمه المستنصر بالله ورزقه، وكان من أعلم الناس بمذهب الشافعي، ولم يقدم علينا مثله، ولم يكن له كتب، ذهب مع ماله، وكان ينسب إلى الاعتزال. وبلغ ذلك السلطان، فأخرجه من البلد، في رجب سنة ثلاث وسبعين، وتوفي بتاهرت في ذلك العام، ومولده في حدود الثلاثمئة.
سنة خمس وسبعين وثلاثمئة
217 - عبد العزيز (1) بن إسماعيل، أبو القاسم الصّيدلاني، المصري، الشافعي، روى عن: الأشعث بن محمد بن محمد الكوفي.
218 - الحسين بن علي بن محمد بن يحيى (2) أبو أحمد التميمي، النيسابوري، يقال له: حسينك، ويعرف أيضا بابن قتيبة، من بيت حشمة ورياسة، تربى في حجر الإمام أبي بكر بن خزيمة. وكان ابن خزيمة (3) إذا تخلّف في آخر أيامه عن مجلس السّلطان، بعث بأبي أحمد نائبا عنه، وكان يقدّمه على أولاده، قال الحاكم (4): صحبته حضرا وسفرا نحو ثلاثين سنة، فما رأيته يترك قيام الليل، ويقرأ كل ليلة سبعا (5). وكانت صدقاته دائمة سرّا وعلانية، أخرج مرّة عشرة أنفس من الغزاة بآلتهم بدلا عن نفسه، ورابط غير مرّة، وأول سماعه سنة خمس وثلاثمئة (6).
سمع من ابن خزيمة، وأبي العباس السراج، ورحل سنة تسع، فسمع: عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان، وعبد الله بن محمد البغوي، وعبد الله بن زيدان البجلي، وأبا عوانة الإسفرائيني، وعنه: أبو بكر البرقاني، والحاكم، وعمر بن أحمد بن مسرور،
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإلام، وفيات سنة 375هـ، ص 559.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 275271، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 744، الإسنوي: طبقات 1/ 215، ابن كثير: البداية والنهائية 11/ 304، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/ 74، رقم 4154.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 312.
(4) نفسه.
(5) سبعا من القرآن الكريم.
(6) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 312.(1/278)
وأبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، وجماعة. وقال الخطيب: كان ثقة حجّة، وتوفي في ربيع الآخر، وخرج السلطان للصلاة عليه. وقال الحاكم: الغالب على سماعاته الصّدق، وهو شيخ العرب في بلدنا، ومن ورث الثّروة القديمة وأسلافه جلّة (1).
219 - سعيد بن محمد (2) الفقيه (أبو أحمد) المطّوّعي، رئيس نسا، سمع أبا حامد بن الشرّقي، وجماعة. وتفقّه ببغداد، على أبي علي بن أبي هريرة، وكان بطلا شجاعا كبير القدر، غزير الفضل روى عنه الحاكم وغيره.
220 - عبد العزيز بن (3) عبد الله بن محمد (أبو القاسم) الدّاركي، الفقيه الإمام الشافعي، درس بنيسابور الفقه مدة، ثم سكن بغداد، وكانت له حلقة للفتوى. قال الشيخ أبو حامد الإسفرائيني: ما رأيت أفقه من الدّاركي. قلت: وكان أبوه من محدّثي إصبهان، تفقّه ابو القاسم على أبي إسحاق المروزي، وعليه تفقّه الشيخ أبو حامد، وجماعة. وانتهى (4) إليه معرفة مذهب الشافعي. وله وجوه في المذهب، منها أنه قال:
لا يجوّز للمسلم في الدقيق (5). روى عن جدّه لأمه الحسن بن محمد لدّاركي، وربما كان يجتهد في المسألة والفتوى، فيقال له في ذلك، فيقول: ويحكم، فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، والأخذ بالحديث أولى من الأخذ بقول الشافعي، وأبي حنيفة (6)، ودارك. من أعمال إصبهان. قال الخطيب (7): ثنا أبو القاسم الأزهري، وعبد العزيز الأزجي، وأحمد بن محمد العتيقي، وأبو القاسم التّنوخي، وكان ثقة، انتقى عليه الدارقطني، وقال ابن أبي الفوارس (8): كان يتّهم بالاعتزال، وتوفي في
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 312.
(2) ترجمته في: ألسبكي: طبقات الشافعية 3/ 301، ابن الصلاح: الطبقات 2/ 756.
(3) ترجمته في: البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 463، ابن كثير البداية والنهاية 11/ 304، السبكي:
طبقات 3/ 330، العبر 2/ 371، طبقات الفقهاء للشيرازي 117، 118، معجم البلدان 2/ 423، الأنساب 5/ 276، الإسنوي 1/ 508، وابن الصلاح 2/ 780.
(4) ابن لجوزي: المنتظم 14/ 314.
(5) تهذيب الأسماء واللغات 2/ 264.
(6) وفيات الأعيان 3/ 189.
(7) الخطيب: تاريخ بغداد 10/ 464
(8) نفسه.(1/279)
شوال، وله بضع وسبعون سنة رحمه الله تعالى.
221 - محمد بن أحمد بن (1) حسنويه بن أحمد الحسنويّ، النيسابوري، القارىء.
سمع: ابن خزيمة، والسراج وعنه الحاكم. توفي في جمادى الأولى.
222 - يوسف (2) بن القاسم بن يوسف بن فارس بن سوّار القاضي، أبو القاسم الميانجي (3) الشافعي، ناب في القضاء بدمشق، عن قاضي مصر والشام، أبي الحسن علي بن النعمان، وكان مسند الشام في زمانه، سمع: أبا خليفة، وزكريا الساجي، وأحمد بن يحيى التّستري، وعبدان الأهوازي، ومحمد بن جرير، والقاسم المطرّز، والباغندي، وعبد الله بن زيدان، وأبا العباس السراج، وحامد بن شعيب، ومحمد بن المعافى الصيداوي، وسمع قبل الثلاثمئة، ورحل وطوّف، واستوطن دمشق، روى عنه: ابن أخيه صالح بن أحمد، وأحمد بن الحسن الطيّان، وعلي بن السّمسار، ومحمد وأحمد ابنا عبد الرحمن بن أبي نصر، وأحمد بن سلمة بن كامل، وعبد الوهاب الميداني، وخلق كثير. قال ابن الوليد الباجي: هو محدّث مشهور لا بأس به. وقال عبد العزيز الكتّاني: ثنا عنه عدّة فوق الأربعين، وكان مولده قبل التسعين ومائتين، وكان ثقة نبيلا. قال عمر: توفي في شعبان سنة، سبع وسبعين وثلاثمئة.
سنة سبع وسبعين وثلاثمئة
223 - أمة الواحد (4) بنت القاضي أبي عبد الله، الحسين بن إسماعيل المحاملي، روت عن أبيها وإسماعيل الورّاق وعبد الغافر بن سلامة، وحفظت القرآن والفقه على مذهب الشافعي والفرائض، والدّور، والعربية، وغير ذلك من العلوم الإسلامية. روى
__________
(1) كانت وفاته في شهر صفر ودفن في مقبرة الخيزران وعاش 59سنة، ابن الجوزي: المنتظم 31514، وترجمته في: ابن كثر: البداية والنهاية 11/ 304، وردت كنيته في: المنتظم 7/ 130، والبداية والنهاية حسنوية وفي تاريخ الإسلام «حسن».
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 488، ابن الصلاح: الطبقات 2/ 905، معجم البلدان 5/ 238، اللباب 3/ 278، العبر 2/ 371، النجوم الزاهرة 4/ 148، شذرات الذهب 3/ 86، هدية العارفين 2/ 549، تهذيب ابن عساكر 6/ 361.
(3) الميانجي: نسبة إلى ميانج، موضع بالشام / معجم البلدان 5/ 238، اللباب 3/ 279.
(4) ترجمتها في: ابن الصلاح: طبقات 2/ 753729، الوافي بالوفيات 9/ 387.(1/280)
عنها: الحسن بن محمد الخلّال وغيره. وهي أم القاضي أبي الحسين محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي. قال ابن أخيها أحمد بن عبد الله: اسمها ستيتة. وكانت من أحفظ الناس للفقه، وقال البرقاني (1): كانت بنت المحاملي تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة وتوفّيت رحمها الله في رمضان.
224 - بكر بن أحمد (2) البغدادي، القزويني الشافعي، سمع محمد بن أبي عمارة وعنه الخليلي.
225 - علي بن محمد بن إسماعيل (3) بن محمد بن بشر أبو الحسن الأنطاكي، المقرىء الفقيه، الشافعي، قرأ ببلده على إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي، بالرّوايات، وصنّف ما قرأه، ودرّس ودخل الأندلس، في سنة اثنتين وخمسين، وكان بارعا في القراءات. قال أبو الوليد الفرضي: أدخل [إلى] الأندلس علما جمّا، وكان بصيرا بالعربية والحساب، وله حظّ من الفقه. قرأ الناس عليه، وسمعت أنا منه، وكان رأسا في القراءات، لا يتقدمه أحد في معرفتها في وقته. وكان مولده بأنطاكية، سنة تسع وتسعين ومائتين. ومات بقرطبة في أول ربيع الأول. قلت: قرأ عليه أبو الفرج الهيثم الصّباغ، وإبراهيم بن مبشّر المقرئان. وحدّث عنه، عبد الله بن أحمد بن معاذ الدّاراني، سمع منه: لمّا مرّ بدمشق، وروى حديثا كثيرا عن الشاميين، وذكر الصالحون مرّة عند المنصور بن أبي عامر. فقال: أفضل من هنا أبو الحسن الأنطاكي، فكلّ من سمّيتم جاء إليّ، إلا هو فما وقف لي قطّ. وقال محمد بن عتّاب: كان عيش أبي الحسن من غزل خادمته، وكان يجرى عليه في الشهر جراية سلطانية. فلما مات وجدت في تركته مصرورة، لم يحلّها رحمة الله عليه.
226 - محمد بن أحمد (4) بن عبد الرحمن أبو الحسين الملطي، المقرىء، الفقيه،
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 325 (اسمها ستيتة وتكنى أمة الواحد. وتوفيت في رمضان سنة 377 هـ).
(2) ترجمته في: السبكي: الطبقات الكبرى 5/ 349، وتاريخ الإسلام / وفيات 377هـ ص 607.
(3) ترجمته في: ابن الجزري: طبقات القراء 1/ 564، السبكي: طبقات 3/ 468، الإسنوي 1/ 83، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 815، شذرات الذهب 3/ 90، معرفة القراء 1/ 275، تذكرة الحفاظ 3/ 973.
(4) ترجمته في: ابن الجزري: طبقات القراء 2/ 67، والسبكي: طبقات الشافعية 6/ 8079،(1/281)
الشافعي، نزيل عسقلان. قال الدّاني (1): أخذ القراءة عرضا، عن أبي بكر بن مجاهد، وأبي بكر بن الأنباري. وجماعة مشهورة بالثقة والإتقان، وسمعت إسماعيل بن رجاء يقول: كان أبو الحسن كثير العلم، كثير التصنيف في الفقه، ويقول الشعر. قلت:
روى عنه، إسماعيل هذا، وعمر بن أحمد الواسطي، وداود بن مصحّح العسقلاني، وعبيد الله بن سلمة. صنّف الكتب، وله قصيدة في نعت القراءة كالخاقانية (2)، أوّلها:
أقول لأهل اللّبّ والفضل والحجر ... فقال مريد للثواب وللأجر
وقد روى الحديث عن، عدي بن عبد الباقي، وخيثمة بن سليمان، وأحمد بن مسعود الوزّان، وجماعة.
سنة ثمان وسبعين وثلاثمئة
227 - محمد بن العباس (3) بن أحمد بن محمد بن العباس بن أحمد بن عاصم، الرئيس (أبو عبد الله) بن أبي ذهل الضّبّي العصمي الهروي. سمع: محمد بن معاذ الماليني، وأبا نصر محمد بن عبد الله التميمي، وحاتم بن محبوب، وأبا عمر والحيري، ومؤمّل بن الحسن الماسرجسي، ويحيى بن صاعد، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأدرك البغوي في علّة الموت، ولم يسمع منه. روى عنه الأئمة الكبار:
الدارقطني، وأبو الحسين الحجّاجي، والحاكم أبو عبد الله، وأبو أيّوب القرّاب. وعامّة الهرويّين، وكان يعاشر العلماء، والصالحين. وله أفضال كثيرة عليهم، وكان (4)
يضرب له الدينار، دينارا ونصفا، فيتصدّق بالدنانير التي من هذا الوزن، ويقول: إني لأفرح إذا ناولت فقيرا كاغدة فيتوهّم أنه فضّة، فيفتحه فيفرح، ثم يزن، فيفرح ثانيا.
وقد قال مرّة: ما مسّت يدي دينارا، ولا درهما من نحو ثلاثين سنة. قال الحاكم: قد صحبت أبا عبد الله بن أبي ذهل حضرا وسفرا، فما رأيت أحسن وضوءا، ولا صلاة
__________
وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 838، معجم البلدان 3/ 402.
(1) ابن الجزري: طبقات القراء 2/ 67.
(2) القصيدة طويلة، عارض بها الملطي، أبا مزاحم الخاقاني / ابن الجزري: طبقات القراء 2/ 67.
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 3/ 119، السبكي: طبقات 3/ 175، الإسنوي 2/ 207.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 336.(1/282)
منه، ولا رأيت في مشايخنا أحسن تضرّعا، وابتهالا منه، ولقد سألت الوالي عن أعشار، غلّات أبي عبد الله كم تبلغ؟ فقال: ربّما زادت على ألف حمل. وحدّثني أبو أحمد الكاتب، أن النسخة التي كانت عنده بأسماء من يقوتهم أبو عبد الله بهراة، يزيد على خمسة آلاف بيت، وعرضت على أبي عبد الله ولايات جليلة، فامتنع، ومولده سنة أربع وسبعين ومائتين، واستشهد في صفر (1)، فأخبرني من صحبه أنه دخل الحمّام، فلمّا خرج ألبس قميصا ملطّخا، فانتفخ ومات شهيدا، وقال أبو النضر عبد الرحمن النامي: أنه صنّف صحيحا، على (صحيح البخاري) وتفقّه ببغداد ولم يجتمع لرئيس بهراة (2) ما اجتمع له من آلات السيادة، ونسبه أبو بكر الخطيب، فقال: هو محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن عصم بن بلال بن عصم أبو عبد الله العصمي. قال الخطيب: أول سماعه سنة تسع وثلاثمئة بهراة. وورد بغداد مرات، وحدّث بها، روى عنه: الدارقطني، وأبو الفتح ابن أبي الفوارس، وأبو بكر البرقاني، وغيرهم. قال الخطيب: وكان ثقة نبيلا، من ذوي الأقدار العالية. قال مرّة: قد توفي جماعة، أودعوا مصنّفاتهم عني (3). سمعت البرقاني (4) يقول: كان ملك هراة تحت إمرة ابن أبي ذهل لقدره وأبوّته.
228 - محمد بن محمد (5) بن أحمد بن إسحاق أبو أحمد النيسابوري، الكرابيسي، الحاكم الحافظ، صاحب التصانيف، وهو الحاكم الكبير، سمع: محمد بن شادن، وأحمد بن محمد الماسرجسي، ومحمد بن محمد الباغندي، ومحمد بن حميد بن
__________
(1) مات العصمي برستاق من رساتيق نيسابور، في شهر صفر سنة 378هـ وأوصى أن يحمل تابوته إلى هراة فحمل ثم قبر هنا. / ابن الجوزي: المنتظم 14/ 336، وابن الصلاح: طبقات 1/ 173.
(2) هراة: مدينة مشهورة في إقليم خراسان، كثيرة السكان والمياه، تخرج منها كثير من العلماء والكتّاب / ياقوت: معجم البلدان 5/ 396، 397.
(3) وردت العبارة عند الخطيب: «جماعة من أئمة العلم حدثوا عني وأودعوها مصنّفاتهم» تاريخ بغداد 3/ 121.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 336.
(5) ترجمته في: ابن الجوزي: المنتظم 14/ 335، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 9/ 20، 21، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 174، 176، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 4/ 154، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 93، الإسنوي: طبقات 1/ 421420، وابن الصلاح 2/ 870، الوافي بالوفيات 1/ 115، هدية العارفين 2/ 50، 51.(1/283)
المجدّر، وعبد الله البغوي، وابن أبي داود ببغداد، ومحمد بن الحسين الخثعمي، وعبد الله بن زيدان البجلي بالكوفة وأبا عروبة بحرّان، وسعد بن هاشم بطبرية، ومحمد بن الفيض، وسعيد بن عبد العزيز، ومحمد بن جبر وابن جوصا بدمشق، ومحمد بن إبراهيم الدّبيلي بمكة، وخلقا سواهم بالبصرة، وحلب، والثّغور. روى عنه: علي بن حمّاد، وهو أكبر منه، وأبو عبد الله الحكم، وأبو عبد الرحمن السّلّمي، ومحمد بن أحمد الجارودي، وأبو بكر ابن منجويه، وعمر بن أحمد بن مسرور، وصاعد بن محمد القاضي، وأبو سعد الكنجرودي، وأبو عثمان البحيري، وخلق.
وقال أبو عبد الله الحاكم: أبو أحمد الحافظ، إمام عصره في الصنعة. وكان من الصالحين الثابتين على سنن السّلف، ومن المصنّفين فيما يعتقده في أهل البيت، والصحابة. وقلّد القضاء في مدن كثيرة، وإنما سمع الحديث وهو ابن نيّف وعشرين سنة. صنّف على كتابيّ البخاري ومسلم، وعلى جامع أبي عيسى الترمذي، فقلت له:
قد صنفت على كتابي البخاري ومسلم، وتتبعت على شرط الترمذي، قال (1): نعم سمعت عمر بن علّك يقول: مات محمد بن إسماعيل، ولم يخلف بخراسان، مثل أبي عيسى في العلم والزّهد، والورع بكى حتى عمي رحمه الله، قال الحاكم في تتمة ترجمة أبي أحمد: وصنّف كتاب (الأسماء والكنى)، وكتاب (العلل) و (المخرّج على كتاب المزني) وكتاب (الشروط) وكان عارفا بها، وصنّف الشرح والأبواب، وقلّد قضاء الشّاش (2)، فحكم بها أربع سنين، ثم قضاء طوس (3)، فكنت أدخل عليه والمصنفات بين يديه، فيقضي بين اثنين، فإذا تفرّغ أقبل على التصنيف، ثم إنه قدم نيسابور سنة خمس وأربعين وثلاثمئة، ولزم مسجده، وأقبل على العبادة والتواليف، وأريد غير مرة على القضاء، فامتنع وكفّ بصره، سنة ستّ وسبعين، وهو حافظ عصره بهذه الديار، قال السّلمي: سمعت أبا أحمد الحافظ يقول: حضرنا مع الشيوخ، عند أمير خراسان نوح بن نصر. فقال: من يحفظ منكم حديث أبي بكر في الصّدقات (4)؟ فلم يكن فيه من
__________
(1) في الأصل (نعم) وفي تذكرة الحفاظ: (قال لي).
(2) الشاش: إقليم يقع في بلاد ما وراء النهر (نهر سيحون) متاخمة لبلاد الترك وقصبتها مدينة (بنكث) وهي كورة واسعة / معجم البلدان: ياقوت 3/ 308، 309.
(3) طوس: مدينة بخراسان، تبعد عن نيسابور عشرة فراسخ، وتتكون من قسمين: الطابران ونوقان، ويتبع لها أكثر من ألف قرية، / معجم البلدان: ياقوت 4/ 49.
(4) رواه البخاري في الزكاة 3/ 250، 251، 254، باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست(1/284)
يحفظه، وكان عليّ خلقان، وأنا في آخر الناس، فقلت للوزير: أنا أحفظ فقال: هاهنا فتى من نيسابور يحفظه. قال: فقدمت، ورويت الحديث. فقال: مثل هذا لا يضيّع وولّاني قضاء الشاش. وقال الحاكم: أبو عبد الله توفي في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة وكان قد تغيّر حفظه لما كفّ، ولم يختلط قطّ.
229 - محمد بن محمد (1) بن إبراهيم، أبو بكر بن دوسلة الهمذاني الشافعي النّجار، روى عن القاسم بن القاسم السياري، ومحمد بن أحمد بن محبوب، وأهل مرو، وعنه: أبو بكر محمد إبراهيم الزنجاني، ومحمد بن عيسى، توفي في صفر.
سنة ثمانين وثلاثمئة
230 - الحسين بن محمد (2) بن القاضي، الحسين بن إسماعيل المحاملي، أبو بكر.
سمع: جده، ومحمد بن حمدويه، المروزي، وأبا العباس بن عقدة. روى عنه: أبو محمد الجوهري، أحاديث مستقيمة. قاله الخطيب: وتوفي في شعبان الموقر، سنة ثمانين، وهو أول هذه الطبقة.
231 - عثمان بن عمر (3) بن عبد الرحمن الفقيه، أبو عمرو البغدادي الشافعي، ويعرف بابن أخي النّجار، سكن دمشق وسمع من: ابن جوصا، ومحمد بن يوسف الهروي، وأبي الطيّب بن عبادل، وجماعة. وعنه: عبد الرحمن بن عمر بن [أبي] نصر، تمّام الرازي، والحافظ عبد الغني، وأبو سعد المالينيّ وغيرهم.
232 - علي بن محمد بن (4) مهدي أبو الحسن الطبري المتكلم الأصولي، رحل في طلب العلم، وصحب أبا الحسن الأشعري بالبصرة مدة وتخرّج عنه، وصنّف التصانيف (5)، وتبحّر في علم الكلام، وهو مؤلّف كتاب (مشكل الأحاديث الواردة في
__________
عنده، وباب زكاة الغنم.
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام. وفيات سنة 379هـ ص 639.
(2) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/ 101وابن الجوزي: المنتظم 14/ 345.
(3) الذهبي: تاريخ الإسلام. وفيات سنة 380تقريبا ص 683.
(4) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 468466، الإسنوي 2/ 398397، وابن الصلاح: طبقات 2/ 817.
(5) انظر: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 468.(1/285)
الصفات) روى عنه: أبو سعد الماليني وغيره، وهو يروي عن أصحاب محمد بن إسحاق الصّنعاني، والعطارديّ.
233 - محمد بن الحسن (1) بن علي أبو طاهر الأنطاكي، المقرىء المحقّق، قال أبو عمرو الدّاني: هو من أجلّ أصحاب إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي، وأضبطهم. روى عنه القراءة جماعة من نظرائه، كابن غليون، وقيل: إنه توفي قبل سنة ثمانين وثلاثمئة، بيسير منصرفه من مصر. وقال غيره: قرأ على ابن عبد الرزاق، وعتيق بن عبد الرحمن الأدميّ. روى عنه، علي بن داود الداراني، وعلي بن محمد الحيّاني، وفارس بن أحمد الضرير، وعبد المنعم بن غليون، وتصدر للإقراء مدة.
234 - محمد بن عمر (2) بن شبّويه أبو علي الشبّوي المروزي. سمع (صحيح البخاري) سنة ست عشرة وثلاثمئة من الفربري، وكان ثقة مقبولا. ورواه عنه:
سعيد بن أبي سعيد العيّار، قال أبو بكر السّمعاني: لما توفي الشّبّوي، سمع الناس (الصحيح) من أبي القاسم الكشميهني، وكان أبو علي من كبار الصوفية، ذكره السّلمي، فقال: كان من أصحاب، أبي العباس السيّاري، له لسان ذرب في [علوم] القوم وكان الأستاذ أبو علي الدقاق يميل إليه، وكان يكتب الحديث، وهو الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم. فقال: قلت: يا رسول الله شيّبتني هود والواقعة. قال: ما الذي شيّبك منهما؟ قال: {فَاسْتَقِمْ كَمََا أُمِرْتَ} (3).
سنة إحدى وثمانين وثلاثمئة
235 - أحمد بن الحسين (4) بن مهران، أبو بكر الإصبهاني، ثم النيسابوري المقرىء
__________
(1) ترجمته في: ابن الجزري: طبقات القراء 2/ 118 (ترجمة رقم 2932) ومعرفة القراء 1/ 277، 278رقم 20.
(2) ترجمته في: الإسنوي: الطبقات 2/ 80، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 867، اللباب 3/ 99، سير أعلام النبلاء 6/ 423، تاريخ بغداد 3/ 145، الأنساب 7/ 285.
(3) سورة هود (11)، الآية 122.
(4) ترجمته في: ابن الجوزي: المنتظم 14/ 358وابن الجزري: طبقات القراء 1/ 49، 50، ياقوت: معجم الأدباء 3/ 12، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 173، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 4/ 160، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 97، قاضي خليفة: كشف الظنون 1025،(1/286)
العابد، مصنّف كتاب (1) (الغايات في القراءات) قرأ لهشام بدمشق، ولابن ذكوان على أبي الحسن محمد بن النضر الأخرم. وببغداد على زيد بن أبي بلال الكوفي، وابن مقسّم، وأبي بكر النقّاش، وأبي الحسين بن ثوبان، وأبي عيسى بكار بن أحمد، وهبة الله بن جعفر، وبخراسان على غير واحد. وسمع من: أبي حفص العباس السراج، وابن خزيمة، وأحمد بن محمد بن حسين الماسرجسي، ومكي بن عبدان.
روى عنه: الحاكم، وأبو حفص بن مسرور، وابو سعد الكندرودي، وعبد الرحمن بن الحسن بن علّيك، والمقرىء أبو سعد أحمد بن إبراهيم. قال الحاكم: كان إمام عصره في القراءات، وكان أعبد من رأينا من القرّاء، وكان مجاب الدعوة، انتقيت عليه خمسة أجزاء، وتوفي في شوّال وله ست وثمانون سنة.
236 - محمد بن الحسين (2) بن مهران، أبو الحسن النيسابوري، الكاتب، أخو الأستاذ أبي بكر، سمع عبد الله بن شيرويه، وابن خزيمة، وعنه الحاكم. وقال: كان يصحبه الملوك والوزراء، توفي سنة ثمان وخمسين وثلاثمئة، وعاش سبعا وثمانين سنة. وتوفي في هذا اليوم.
237 - أبو الحسن العامري (3)، صاحب الفلسفة، حدّثني عمر بن أحمد الزاهد، وهو ابن ما شاء الله بن مسرور، شيخ الفراوي، وقد سمعت الثقة من أصحابنا، يذكر أنه رأى أبا بكر بن مهران في المنام، في الليلة التي دفن فيها، فقلت: أيها الأستاذ ما فعل الله بك. قال: إن الله عز وجل، أقام أبا الحسين العامري بحذائيّ. فقال: هذا فداؤك من النار. وقال الحاكم: قرأنا على ابن مهران ببخارى، كتاب (الشامل) له في القراءات، وقرأت أنا كتاب (الغاية) له، على أبي الفضل بن عساكر، بإجازته من المؤيد الطّوسي وزينب الشعرية، قالا: أنبا زاهر الشحامي، أنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن موسى المقرىء، أنا المصنّف رحمه الله وقد قرأ عليه جماعة، منهم أبو الوفا مهدي بن طوارة شيخ الهذلي.
__________
الأنساب 2/ 545، العبر 3/ 44.
(1) صنف أبو بكر من الكتب: الغاية في القراءات، الشامل في القراءات، طبقات القراء، الوقف والابتداء. واختلاف عدد السور / المنتظم 14/ 358.
(2) ترجمته في: تاريخ الإسلام للذهبي (وفيات سنة 358) ص 182.
(3) ترجمته في: السبكي: الطبقات 4/ 211، الإسنوي: الطبقات 2/ 27، ابن الصلاح. طبقات 1/ 285، البغدادي: هدية العارفين 1/ 60، الصفدي. الوافي 5/ 195.(1/287)
238 - عبد الرحيم بن محمد (1) بن حمدون، ابن نجّار الفقيه، أبو الفضل النيسابوري، البخاري نسبة إلى جدّه. كان من أعيان أصحاب أبي الوليد الفقيه، درس في دكانه، وسمع من أبي حامد بن الشرقي، ومكّي بن عبدان، وحدّث، توفي في جمادى الأولى، وقد توفي سنة ثمان وأربعين والده.
239 - محمد بن القاسم (2) بن أحمد بن فاذشاه (أبو عبد الله) الأصبهاني، الشافعي، المتكلم الأشعري، المعروف بالنّتيف. ذكره أبو نعيم فقال: أكثر المصنّفات في الأصول، والفقه، والأحكام، ورحل إلى البصرة وروى عن: محمد بن سليمان المالكي، وعلي بن إسحاق المادرائي، وأبي علي اللؤلؤي، وتوفي في شهر ربيع الأول. قلت: ولعلّه أخذ بالبصرة، عن أبي الحسن الأشعري، فإنه أدركه، قال أبو نعيم: كان ينتحل مذهب الأشعري.
240 - يعقوب بن موسى أبو الحسين الأردبيلي (3)، سكن بغداد، وحدّث بسؤالات البرذعي، عن أبي زرعة، عن أحمد بن طاهر بن النّجم، عن البرذعي، روى عنه:
الدارقطني، مع تقدمه، وأبو بكر البرقانيّ ووثّقه، وكان فقيها شافعيّا رحمه الله.
سنة اثنين وثمانين وثلاثمئة
241 - أحمد بن بندار (4) بن محمد بن عبد الله بن مهران أبو زرعة، العبسي الأسترآبادي (5)، الفقيه، قاضي أستراباذ. كتب بأردبيل، عن حفص بن عمر بن زبلة الحافظ، ودرس الفقه ببغداد، على أبي علي بن أبي هريرة، فيما يقال.
__________
(1) ترجمته في الإسنوي: طبقات 1/ 210، السبكي: طبقات 3/ 328، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 776.
(2) ترجمته في: ذكر أخبار إصبهان 2/ 300، 301، وتاريخ الإسلام (وفيات سنة 381هـ) ص 42.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات 3/ 488، الإسنوي: طبقات 1/ 84، الشرازي: طبقات 123، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 14/ 295رقم (7605).
(4) ترجمته في: السبكي: طبقات 2/ 241، ياقوت معجم البلدان 1/ 174.
(5) الأستراباذي: نسبة إلى استراباذ بلدة من بلاد مازندران بين سارية وجرجان / اللباب 1/ 51.(1/288)
242 - عبد الله بن أحمد (1) بن محمد بن يعقوب، أبو القاسم النسائي، الفقيه الشافعي، حدّث ببغداد سنة اثنتين وأربعين وثلاثمئة، وسمع منه: أحمد بن جعفر الختلي، وأبو القاسم عبد الله بن الثلّاج، وكان قد سمع من الحسن بن سفيان مسنده، وبه ختم الرواية عن الحسن، وسمع مسند ابن راهويه، من عبد الله بن شيرويه عنه، وسمع بالعراق، من محمد بن محمد الباغندي، وطبقته. روى عنه: الحاكم وغيره، وقال الخطيب: قال الحاكم: توفي في شوال سنة اثنتين وثمانين بنسا، وعندي في (تاريخ الحاكم) أنه توفي سنة أربع وثمانين، والله أعلم. قال: وكان شيخ العدالة، والعلم بنسا. وعاش نيّفا وتسعين سنة.
243 - محمد بن عبد (2) الله بن محمد بن شيرويه نزيل فسا المذكور في سنة ثمانين.
ختم حديث الحسن بن سفيان.
سنة ثلاث وثمانين وثلاثمئة
244 - طاهر بن (3) محمد بن عبد لله بن إبراهيم البغدادي، أبو عبد الله الكاتب، سمع: أبا حامد الحضرمي وأحمد بن القاسم الفرائضي، ومحمد بن عبد الله المستعيني، وعنه: أبو عبد الله الحاكم، وأبو سعد الكنجرودي وغيرهما، مات بنيسابور، معدود في فقهاء الشافعية. قال ابن الصلاح: هو فيما أحسب والد الأستاذ منصور [بن] عبد القاهر (4).
245 - يحيى بن أحمد (5) بن محمد بن حسن أبو عمرو، المخلدي النيسابوري، كان
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 305، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 787، تاريخ بغداد 9/ 394، العبر 3/ 20، 21، النجوم الزاهرة 4/ 163، شذرات 3/ 103، طبقات السبكي 3/ 305، 306.
(2) ترجمته في: الذهبي تاريخ الإسلام. (وفيات عشر السبعين وثلاثمئة) ص 461/ وفسا: مدينة بفارس تبعد أربع مراحل عن شيراز / معجم البلدان 4/ 260، 261.
(3) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 619، تاريخ بغداد 9/ 358رقم 4923.
(4) ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 619.
(5) ترجمته في: السبكي: طبقات 3/ 484، ابن الأثير: اللباب 3/ 181، وابن الصلاح: طبقات 2/ 678، وتاريخ الإسلام للذهبي: (وفيات سنة 383هـ) ص 71.(1/289)
فقيها، إماما من كبار الشافعية، عابدا كثير التلاوة، حدّث عن المؤمّل بن الحسن الماسرجسيّ، وابن الشرفي، ومكي بن عبدان، ورحل إلى الشام، مع أبي بكر بن مهران، بعد الثلاثين وثلاثمئة، فسمعا منه معا. روى عنه الحاكم وقال: توفي في ربيع الآخر.
سنة أربع وثمانين وثلاثمئة
246 - أحمد بن الحسن (1) بن القاسم أبو بكر الهمذاني، الفلكيّ الحاسب، قال حفيده الحافظ أبو الفضل عليّ بن الحسين: كان جدّي جامعا للفنون، كان عالما بالأدب، والنّحو والعروض وسائر العلوم. لا سيّما علم الحساب، ولقب بالفلكيّ، لهذا المعنى. حتى كان يقال: إنه لم ينشأ في الشرق والغرب، أعلم بالحساب منه، وكان هيوبا، ذا حشمة، ومنزلة. سمع عليّ بن سعد البزّار، ومحمد بن الحسين الجهنيّ، وأبا بكر بن سهل الدّينوريّ، الحافظ سمع منه: ابناه، أبو الصّقر حسن، وحسين، وعبد الله بن أحمد الكرخي، وتوفي في ذي القعدة، وله خمس وثمانون سنة.
247 - محمد بن علي (2) بن سهل بن مصلح الفقيه، أبو الحسن الماسرجسي (3)، ابن بنت الحسن بن عيسى بن ماسرجس، النيسابوري، الشافعي شيخ الشافعية، في عصره سمع خاله مؤمّل بن الحسن، ومكّي بن عبدان، وأبا حامد بن الشرفي وجماعة، ورحل في حدود الأربعين وثلاثمئة، فسمع إسماعيل الصّفّار ببغداد، وعبد الله بن شوذب بواسط، وابن داسة بالبصرة، وابن الأعرابي بمكة، وابن حذلم بدمشق، وأصحاب يونس بن عبد الأعلى، والمزني بمصر، قال الحاكم: كان أعرف الأصحاب بالمذهب، صحب أبا إسحاق المروزيّ إلى مصر، ولزمه وتفقّه به، ثم انصرف إلى بغداد، فكان
__________
(1) ترجمته في: السمعاني: الأنساب 9/ 330329، وابن الصلاح: طبقات 2/ 612، ياقوت:
معجم الأدباء 3/ 10، بغية الوعاة 1/ 303رقم 558.
(2) ترجمته في: ترجمته في: الشيرازي: طبقات 116، الإسنوي: طبقات 2/ 380، ابن الصلاح: طبقات الشافعية 2/ 863، الوافي بالوفيات 4/ 115، 116، وفيات الأعيان 4/ 202، شذرات الذهب 3/ 110.
(3) الماسرجي: نسبة إلى ماسرجس وهو اسم جد صاحب لترجمة / اللباب 3/ 148.(1/290)
معيد أبي عليّ ابن أبي هريرة. ثم رجع إلى بلده، وعقد مجلس النظر، ومجلس الإملاء، فأملى زمانا. وتوفي في جمادى الآخرة، عن ستّ وسبعين سنة، تفقّه عليه القاضي أبو الطيب الطبري، وجماعة. وحدّث عنه الحاكم، وأبو نعيم، وأبو عثمان الصابوني، وأبو سعد الكنجروديّ، هو صاحب وجه في المذهب.
سنة خمس وثمانين وثلاثمئة
248 - أحمد بن (1) الحسين بن أحمد الفقيه، أبو نصر النيسابوري الشافعي، أحد الأئمة. سمع أبا حامد بن الشرقي، وطبقته. وعنه: الحاكم وقال: توفي في جمادي الأولى.
249 - أحمد بن محمد بن عبدوس (2) أبو الحسن الحاتميّ الفقيه الشافعي، سمع الأصم وجماعة، وكان من الفضلاء، ومات في الكهولة في حياة والده سنة خمس وثمانين وثلاثمئة. ذكر هذا استطرادا في سنة ستّ وتسعين.
250 - علي بن عمر بن أحمد بن (3) مهدي بن مسعود بن النّعمان بن دينار، بن عبد الله أبو الحسن البغدادي، الدارقطني، الحافظ المشهور، صاحب المصنّفات، سمع من أبي القاسم البغوي، وأبي بكر بن أبي داود، وابن صاعد، ومحمد بن إبراهيم بن فيروز، ومحمد بن هارون الحضرمي، وعليّ بن عبد الله بن مبشر الواسطي، ومحمد بن القاسم المحاربي، وأبي عليّ محمد بن سليمان المالكي، وأبي عمر محمد بن يوسف القاضي، والقاسم والحسين ابني المحاملي، وأبي بكر بن زياد النيسابوري، وبدر بن
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 14، ابن الصلاح: طبقات 2/ 705.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 4746، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 719.
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 4034 (ترجمة رقم 6404)، ابن خلكان:
وفيات الأعيان: 1/ 417، 418، ابن كثير: البداية 11/ 317، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 462، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 186، ابن الجزري: طبقات القراء 1/ 558، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 116، الإسنوي 1/ 508، معجم البلدان 2/ 406، معجم الأدباء 2/ 408، النجوم الزاهرة: 4/ 172، وسير أعلام النبلاء 16/ 461449، وابن الصلاح:
طبقات 2/ 616.(1/291)
الهيثم، وأحمد بن إسحاق بن البهلول، وعبد الوهاب بن أبي حيّة، وأحمد بن القاسم الفرائضي، وأبي طالب أحمد بن نصر الحافظ، وخلق كثير ببغداد. والكوفة، والبصرة، وواسط، ورحل في الكهولة إلى الشام، ومصر. فسمع القاضي أبا الطاهر الذّهلي. وهذه الطبقة، حدّث عنه: أبو حامد الإسفرائيني الفقيه، وأبو عبد الله الحاكم، وعبد الغني بن سعيد المصري، وتمّام الرازي، وأبو بكر البرقاني، وأبو ذرّ عبيد بن أحمد، وأبو نعيم، وأحمد بن الحسن الطيّان الدمشقي، وعلي بن السّمسار، وأبو محمد الخلّال، وأبو القاسم التنوخي، وأبو طاهر بن عبد الرحيم الكاتب، والقاضي أبو الطيب الطبري، وأبو عمر بكر بن بشران، وأبو الحسن العتيقي، وحمزة السّهمي، وأبو الغنائم عبد الصمد بن المأمون، وأبو محمد الجوهري، وأبو الحسن بن المهتدي بالله، وأبو الحسين بن الأبنوسي، وخلق كثير. ومولده سنة ستّ وثلاثمئة.
قال الحاكم: صار الدارقطني أوحد عصره، في الحفظ والفهم، والورع، وإماما في القرّاء، والنّحويين، وفي سنة سبع وستين، أقمت ببغداد أربعة أشهر، وكثر اجتماعنا بالليل والنهار، فصادفته فوق ما وصف لي، وسألته عن العلل، والشيوخ. وله مصنّفات يطول ذكرها، وأشهد أنه لم يخلف على أديم الأرض مثله. وقال الخطيب:
كان الدارقطني (1)، وحيد عصره وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة، بعلل الحديث، وأسماء الرجال، مع الصدق، والثقة، وصحّة الاعتقاد والإضطلاع في علوم، سوى علم الحديث، منها القراءات، فإن له فيها مصنّفا مختصرا، جمع الأصول في أبواب، عقدها في أول الكتاب. وسمعت من يعتني بالقراءات يقول: لم يسبق أبو الحسن إلى طريقته التي سلكها في عقد الأبواب، المقدّمة في أول القراءات، وصار القرّاء بعده يسلكون ذلك (2). ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء فإن كتابه (السّنن) (3) يدلّ على ذلك.
ومنها (المعرفة بمذاهب الفقهاء). وبلغني أنه درّس فقه الشافعي، على أبي سعيد الأصطخري، وقيل: على غيره. ومنها (المعرفة بالأدب والشعر) فقيل: إنه كان
__________
(1) ابن الجزري: طبقات القراء 1/ 559.
(2) تاريخ الإسلام (وفيات سنة 385هـ) ص 101.
(3) انظر مؤلفات الدارقطني في: تاريخ بغداد 403412، وابن كثير: البداية 11/ 317، 318، تذكرة الحفاظ 1901863، ابن الجوزي: المنتظم 38037814، ابن الجوزي: المنتظم 37914.(1/292)
يحفظ دواوين جماعة، فحدّثني حمزة بن محمد بن طاهر، أنه كان يحفظ ديوان السيد الحميريّ. ولهذا نسب إلى التّشيّع. وحدّثني الأزهري قال: بلغني أن الدارقطني، حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصّفّار. فجلس ينسخ جزءا والصّفار يملي. فقال رجل:
لا يصحّ سماعك وأنت تنسخ. فقال الدارقطني: فهمي للإملاء خلاف فهمك. تحفظ كم أملى الشيخ؟ قال: لا. قال: أملى ثمانية عشر حديثا، الحديث الأول عن فلان بن فلان، ومتنه كذا. والحديث الثاني عن فلان عن فلان، ومتنه كذا، ثم مرّ في ذلك، حتى أتى على الأحاديث، فعجب الناس منه، أو كما قال. وقال رجاء (1) بن محمد المعدّل: قلت للدارقطني: أرأيت مثل نفسك؟ فقال: قال الله تعالى: {فَلََا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} (2). فألححت عليه فقال (3): لم أر أحدا جمع ما جمعت. وقال (4) أبو ذرّ عبيد بن أحمد: قلت للحاكم ابن البيّع: هل رأت مثل الدارقطني؟ فقال: هو لم ير مثل نفسه، فكيف أنا؟ رواها الخطيب في تاريخه. عن أبي الوليد الباجيّ، عن أبي ذرّ.
فهذا من رواية الكبار عن الصّفّار. وكان عبد الغني المصري، إذا حكى عن الدارقطني يقول: قال أستاذي. وقال الخطيب (5): سمعت أبا الطيّب الطبري يقول: الدارقطني أمير المؤمنين [في الحديث] وقال الخطيب: قال لي الأزهري: كان الدارقطني ذكيا، إذا ذوكر شيئا من العلم، أيّ نوع كان، وجد عنده من نصيب وافر، ولقد حدّثني محمد بن طلحة أنه حضر مع الدارقطني دعوة، فجرى ذكر الأكلة، فاندفع الدارقطني يورد أخبار الأكلة، ونوادرهم حتى قطع أكثر ليلته بذلك، وقال الأزهري (6): رأيت الدارقطني، أجاب ابن أبي الفوارس، عن علّة حديث أو اسم، ثم قال له: يا أبا الفتح ليس بين الشرق والغرب، من يعرف هذا غيري. وقال البرقاني (7): وكان الدارقطني، يملي عليّ (العلل) من حفظه. قلت: وهذا شيء مدهش، كونه كان يملي (العلل) من حفظه، فمن أراد أن يعرف قدر ذلك، فليطالع كتاب (العلل) للدارقطني، ليعرف كيف كان
__________
(1) ابن الجزري: طبقات القراء 1/ 559.
(2) سورة النجم (53) الآية (32).
(3) ابن الجزري: طبقات القراء 5591.
(4) تاريخ بغداد 12/ 4036، ابن الجوزي: المنتظم 14/ 379.
(5) تاريخ بغداد 373612، ابن الجوزي: المنتظم 14/ 380.
(6) ابن الجوزي: المنتظم 14/ 379.
(7) نفسه.(1/293)
الحفّاظ. قال أبو عبد الرحمن السّلمي: سمعت الدارقطني يقول: ما في الدنيا شيء أبغض إلي من الكلام (1). ونقل ابن طاهر المقدسي أنهم اختلفوا ببغداد، فقال (2) قوم:
[عثمان أفضل] وقال قوم: عليّ أفضل. قال الدارقطني: فتحاكموا إليّ فأمسكت.
وقلت: الإمساك خير. ثم لم ار لديني السّكوت، فدعوت الذي جاءني مستفتيا. قلت:
قل لهم عثمان افضل بإتفاق جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا قول أهل السّنّة، أوّل عقد يحلّ من الرّفض. وقال الخطيب (3): هل كان أبو الحسن يملي عليك العلل من حفظه؟ قال: نعم. وأنا الذي جمعتها، وقرأها الناس من نسختي. ثم قال الخطيب:
وحدّثني العتيقي. قال: حضرت الدارقطني، وجاء أبو الحسين البيضاويّ يقرب ليسمع منه. فامتنع، واعتلّ ببعض العلل، فقال: هذا رجل غريب، وسأله أن يملي عليه أحاديث، فأملى عليه أبو الحسين من حفظه، مجلسا تزيد أحاديثه على العشرة متون جميعها «نعم الشيء الهدية أمام الحاجة» فانصرف الرجل. ثم جاءه بعد، وقد أهدى له شيئا، فقرّبه وأملى عليه من حفظه، سبعة عشر حديثا، متون جميعها ومنها: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» (4) وقال محمد بن طاهر المقدسي: كان للدارقطني مذهب في التدليس خفيّ، يقول (5): فيما لم يسمعه من أبي القاسم البغوي، قرىء على أبي القاسم البغوي، حدّثكم فلان. قلت: وأخذ الدارقطني، عن أبي بكر بن مجاهد سماعا، وقرأ على أبي بكر النقّاش، وعلى ابن سعيد القزّاز، وأحمد بن بويان، وأحمد بن محمد الديباجي، وبرع في القراءات، وتصدّر في آخر أيامه للإقراء وقد نقلت من خطّه حديثا، والجزء بوقف الضيائيّة (6)، ووقع لي حديثه عاليا بالإجازة. وقال الخطيب (7): حدّثني
__________
(1) تاريخ الإسلام: الذهبي: وفيات سنة 385هـ. ص 103.
(2) كان مثل هذا الجدل في بغداد يعكس مدى الصراع السياسي بين الناس.
(3) تاريخ بغداد 3712، المنتظم 14/ 379.
(4) أخرجه ابن ماجه في السنن برقم 3732، وانظر: كنز العمال 9/ 258484، ورواه البزار، وابن خزيمة، والطبراني، وابن عدي، والبيهقي عن جرير، ورواه البزار عن أبي هريرة، ورواه ابن عدي عن معاذ، وأبي قتادة. ورواه الحاكم، عن جابر، ورواه الطبراني عن ابن عباس، ورواه ابن عساكر عن أنس، وعدي بن حاتم. وهو حديث حسن. انظر: السيوطي: الجامع الصغير مع شرحه 1/ 211، 242.
(5) انظر: طبقات القراء: ابن الجزري / 5585281.
(6) الضيائية: هي إحدى مدارس دمشق القديمة / النعيمي: الدارس 2/ 98.
(7) الخطيب: تاريخ بغداد 403412.(1/294)
أبو نصر علي بن هبة الله بن ماكولا. قال: رأيت في المنام في شهر رمضان، كأني أسأل عن حال الدارقطني في الآخرة، وما آل إليه أمره؟ فقيل لي: ذاك يدعى في الجنّة الإمام. قلت (1): توفي في ثامن ذي القعدة.
251 - محمد بن (2) عبد الله بن محمد بن نصر بن ورقاء أبو بكر الأودنيّ، وأودن قرية من قرى بخارى. قيّده ابن السمعاني (بضم الهمزة)، ونصر ابن ماكولا، ومن تبعه (على فتحها).
كان إمام الشافعية في زمانه بما وراء النهر، وهو من أصحاب الوجوه، قال الحاكم:
كان من أزهد الفقهاء، وأودعهم، وأعبدهم، وأبكاهم على تقصيره، وأشدّهم تواضعا وإنابة. قلت (3): روى عن الهيثم بن كليب الشاشي، وعبد المؤمن بن خلف النّسفي، ومحمد بن صابر البخاري، روى (4) عنه: الحاكم، وأبو عبد الله الحليمي، ومحمد بن أحمد غنجار، وجعفر المستغفريّ. وتوفي ببخارى (5) في شهر ربيع الآخر، ومن غرائب وجوهه، أن الرّبا حرام في كل شيء فلا يجوز بيع مال بجنسه مطلقا. ومن شيوخه ببخارى: يعقوب بن يوسف القاسميّ.
سنة ست وثمانين وثلاثمئة
252 - أحمد بن أبي إسحاق (6) إبراهيم بن محمد بن يحيى (أبو حامد) ابن المزكّي النيسابوري، قال الحاكم: له إجازة من أبي العباس الدّغولي بخطّ يده. وسمع من:
__________
(1) ولد الدارقطني ستة 305هـ، ومات سنة 385هـ، ودفن بقرب قبر معروف الكرخي / ابن الصلاح: الطبقات 2/ 617.
(2) ترجمته في:: ابن ماكولا: الإكمال 1/ 149، المسعاني: الأنساب 1/ 380، ياقوت: معجم البلدان 1/ 277، ابن الأثير: اللباب 1/ 92، ابن خلكان: وفيات 4/ 209، العبر 3/ 31، الصفدي: الوافي 3/ 316، السبكي: طبقات 3/ 182، الإسنوي: طبقات 1/ 54، ابن العماد: شذرات 3/ 118، ابن الصلاح: طبقات 1/ 195.
(3) ابن الصلاح: طبقات 1/ 195.
(4) الإسنوي: طبقات 1/ 54.
(5) ابن خلكان: وفيات الأعيان 94، الصفدي: الوافي 7/ 316.
(6) السبكي: الطبقات الكبرى 1/ 105، 5/ 105، 171، 221، تاريخ بغداد 4/ 20رقم 1615، المنتظم 14/ 384، البداية والنهاية 11/ 319، سير أعلام النبلاء 16/ 496رقم 366.(1/295)
محمد بن الحسين القطّان، وبمكّة من ابن الأعرابي، وببغداد من ابن البختري، والصّغّار، وطبقتهم. روى عنه: أبوه، وأبو الحسن محمد بن المظفّر الحافظ، أملى ببغداد، ونيسابور، وحضر مجالسه القضاة، والأشراف، وخرّجت له فوائد: وتوفي في شعبان، ومولده سنة ثلاث وعشرين وثلاثمئة، وصحبته ببغداد، وبطريق مكّة، وعندي أن الملائكة لم تكتب عليه خطيئة، وصام الدهر نيّفا وعشرين سنة، وكان عابدا مجتهدا. قلت: وهو أحد الإخوة، حدّث بهمذان، فروى عنه من أهلها، جعفر الأبهريّ، وأبو كر الزّنجاني، وأحمد بن عبد الرحمن بن سعدويه، وآخرون، وأبو العلاء محمد بن علي الواسطي، وأبو سعد الكنجروديّ.
253 - علي بن القاضي (1) أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبّي المحاملي، أبو القاسم البغدادي، سمع: أباه ومحمد بن محمد الباغندي، وابن زياد النيسابوري، وعنه: ابن أخيه أحمد بن عبد الله، وأبو القاسم الأزهري. وثّقه الخطيب، وتوفي في رمضان.
254 - محمد بن حسان (2) بن محمد الفقيه (أبو عبد الله) بن أبي الوليد النيسابوري، الشافعي، أفتى ودرّس زمن أبيه، وروى عن: ابن الشرفي، وابن عبدان، وعنه:
الحاكم وجماعة. مات في شوال وله أربع وثمانون سنة.
255 - محمد بن الحسن (3) بن إبراهيم، أبو عبد الله الإستراباذي، وقيل: إنه جرجاني، الفقيه الشافعي المعروف بالختن. كان ختن الإمام أبي بكر الإسماعيلي، ولد سنة إحدى عشرة وثلاثمئة، وكان إماما فاضلا، ورعا مشهورا، وله وجوه حسنة في المذهب، وكان مقدّما في الأدب، ومعاني القرآن، والقرآن وكان مناظرا. سمع الحديث: من أبي نعيم عبد الملك بن عدي، وجماعة بجرجان، ومن عبد الله بن
__________
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 11/ 400 (ترجمة رقم 9280).
(2) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 847، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 473.
(3) ترجمته في: السمعاني: الأنساب 5/ 47، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 143، ابن الصلاح:
طبقات 1/ 119، الإسنوي: طبقات 1/ 465، ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 203، النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 255، الصفدي: الوافي 2/ 348، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 120، البغدادي: هدية العارفين 2/ 55.(1/296)
فارس، ونحوه بإصبهان، ومن أبي العباس الأصم بنيسابور، وأكثر عنه، وقد شرح التلخيص لأبي العباس ابن القاصّ، وخلّف من الأولاد: أبا بشر الفضل، وأبا النّصر عبيد الله، وأبا عمرو عبد الرحمن، وأبا الحسن عبد الواسع. توفي بجرجان يوم عرفة، ودفن يوم الأضحى.
256 - محمد بن عبد الله بن (1) حمشاذ أبو منصور الحمشاذي (2) النيسابوري، الفقيه، الأديب الزاهد، سمع من: أبي حامد بن بدال، وأبي بكر القطّان، وفي الرحلة من ابن الأعرابيّ. وابن البختريّ وكان زاهدا عابدا كبير الشأن، تخرّج به أئمة، وعاش اثنتين وسبعين، وكان من كبار الشافعية.
سنة سبع وثمانين وثلاثمئة
257 - عبد الله بن محمد بن (3) إبراهيم بن أسد أبو القاسم الرّازيّ، الفقيه الشافعي المحدّث نزيل مصر، وكان يلقّب بالدّود، سمع: عبد الرحمن بن أبي حاتم، وغيره بالرّيّ، وأحمد بن إبراهيم بن عبادل، ومحمد بن يوسف الهروي بدمشق، قال أبو إسحاق الحبّال: كان مكثرا جدا. قلت: روى عنه: عبد الكريم بن عبد الواحد الحسناباديّ، وعبد الوهّاب بن محمد المصري، ومحمد بن مغلّس، وأبو عمر الطّلمنكيّ، ومات في جمادى الآخرة.
258 - عبد السلام بن السّمح (4) بن نابل أبو سليمان الهواري، سمع: أبا سعيد بن الأعرابي، وأبا جعفر بن النحاس النحوي، وطائفة. وتفقّه بمصر للشافعي، وكان
__________
(1) ترجمته في: الصفدي: الوافي 3/ 317، السبكي: طبقات 3/ 181179، الإسنوي: طبقات 1/ 421، وابن الصلاح: طبقات 1/ 189.
(2) الحمشاذي: نسبة إلى حمشاذ، اسم لبعض أجداد أبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن حمشاذ بن سختويه / الأنساب 4/ 221، اللباب 1/ 389.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 71، الصفدي: الوافي 17/ 496، ابن الصلاح:
طبقات الشافعية 1/ 509، الوافي بالوفيات 17/ 496رقم 424، طبقات القراء 1/ 447446 رقم 1860.
(4) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 2/ 527، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 777، تاريخ علماء الأندلس 1/ 287، 288رقم 857.(1/297)
زاهدا صالحا، سكن الأندلس، أكثر عنه ابن الفرضي. وقال: توفي في صفر وله أربع وثمانون سنة.
سنة ثمان وثمانين وثلاثمئة
259 - حمد أو (أحمد) بن محمد بن إبراهيم بن خطّاب (1) الإمام (أبو سلمان) الخطّابي البستي، الفقيه، الأديب، مصنّف كتاب (معالم السّنن)، وكتاب غريب الحديث، وكتاب (شرح أسماء الله الحسنى)، وكتاب (الغنية عن الكلام وأهله) وكتاب (العزلة) وغير ذلك من التصانيف (2). سمع أبا سعيد بن الأعرابي بمكة، وأبا بكر بن داسة بالبصرة، وإسماعيل الصّغّار ببغداد، وأبا العباس الأصمّ بنسابور، وطبقتهم. وأقام بنيسابور مدّة يصنّف ويفيد. روى (3) عنه: أبو عبد الله الحاكم، والشيخ أبو حامد الإسفرائيني، وأبو نصر محمد بن أحمد بن سليمان البلخي الغزنويّ، وأبو مسعود الحسين بن محمد الكرابيسي، وأبو عمرو محمد بن عبد لله الورداني البسطامي، وأبو ذرّ عبيد بن أحمد الهرويّ، وجعفر بن محمد المروزي، وأبو بكر محمد بن الحسين الغزنوي المقرىء، وعلي بن الحسن الفقيه السّجزي، ومحمد بن علي بن عبد الملك الفارسي الفسويّ، وأبو عبيد الهروي، صاحب الفرسين، وعبد الغافر بن محمد الفارسي، وقد سمّاه أبو منصور الثعالبي في كتاب (اليتيمة) أبا سلمان أحمد بن محمد، والصواب حمد، كما قاله الجمّ الغفير، ويقال: إنه من ولد زيد بن الخطاب بن نفيل العدويّ. ولم يثبت. أخبرنا أبو الحسن اليونيني، وشهدة العامريّة. قالا: أنا جعفر الهمذاني، أنا أبو طاهر السّلفي، سمعت أبا المحاسن الرّويانيّ بالريّ، سمعت أبا نصر البلخي بغزنة، سمعت أبا سليمان الخطابي، سمعت
__________
(1) ترجمته في: ياقوت: معجم الأدباء 4/ 246، 10/ 68، 272، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 209، القفطي: إنباه الرواة 1/ 125، ابن الأثير: اللباب 1/ 452، ابن تفري بردي:
النجوم الزاهرة 4/ 199، شذرات الذهب 3/ 127، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 136، 137، 324، الأنساب 180، وفيات الأعيان 2/ 216214، سير أعلام النبلاء 16/ 495.
(2) انظر: حاجي خليفة: كشف الظنون 108، 1004، 1022، 1410، تذكرة الحفاظ 3/ 219.
(3) انظر: شذرات الذهب: ابن العماد 1281233.(1/298)
أبا سعيد بن الأعرابيّ، ونحن نسمع عليه هذا الكتاب، يعني كتاب السّنن) لأبي داود وأشار إلى النّسخة، وهي بين يديه. لو أن رجلا لم يكن لديه من العلم إلا المصحف، الذي فيه كتاب الله. ثم هذا الكتاب، لم يحتج معهما إلى شيء من العلم البتّة. ولأبي سليمان مقطّعات من الشعر في كتاب (اليتيمة) للثّعالبي منها (1): [من الطويل]:
وما غربة الإنسان في شقّة النّوى ... ولكنّها والله في عدم الشّكل
وإني غريب بين بست وأهلها ... وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي
وله (2): [الطويل]
فسامح ولا تستوف حقّك كلّه ... وأبق فلم يستوف قطّ كريم
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور سليم
وقد أخذ الخطّابي اللغة، عن أبي عمر الزاهد، والفقه عن أبي علي بن أبي هريرة، وأبي بكر القفّال، وغيرهما. وذكر أبو يعقوب القرّاب، وفاته في ربيع الآخر رحمه الله.
260 - محمد بن (3) أحمد بن متّ، أبو بكر الإشتيخي (4). سمع: (صحيح البخاري) في سنة تسع عشرة وثلاثمئة، من أبي عبد الله الفربري، وحدّث به، توفي في رجب، وكان من كبار الشافعية، مع الزهد والعبادة رحمه الله. روى عنه: أبو سعد الإدريسي، وعليّ بن سختام السمرقندي، وجماعة.
261 - محمد بن عبد الله بن محمد (5) بن زكريا الحافظ (أبو بكر) الشّيباني
__________
(1) البيتان في: الذهبي: سير أعلام النبلاء 17/ 28، والثعالبي: اليتيمة 4/ 335.
(2) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 285، والثعالبي: اليتيمة 4/ 336.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 2/ 125، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 841، اللباب 1/ 63، معجم البلدان 1/ 196، شذرات الذهب 3/ 129، الأنساب 1/ 268، سير أعلام النبلاء 16/ 521، رقم 382.
(4) الإشتيخني: نسة إلى قرية إشتيخن، من قرى الصفد بسمرقند / معجم البلدان 1/ 196.
(5) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 184، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 205، ابن الأثير: اللباب: 1/ 251، الصفدي: الوافي 3/ 316، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 129، ابن تفري بردي: النجوم الزهرة 4/ 199، البغدادي: هدية العارفين 2/ 56، السمعاني: الأنساب 3/ 365، الإسنوي: طبقات 1/ 353، ابن الصلاح: طبقات 1/ 204.(1/299)
الجوزقي (1) العدل شيخ نيسابور، ومحدثها، وابن أخت محدّثها، أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي، روى عن: أبي العباس السّراج، وأبي نعيم بن عدي، الجرجاني، وأبي العباس الدّغولي، رحل به خاله، إلى سرخس [وسمع] مكي بن عبدان، وأبا حامد بن الشرقي، وأخيه عبد الله بن الشرقي، ورحل فسمع أبا سعيد بن الأعرابي بمكة، وأبا علي الصّفّار ببغداد، وأبا حاتم الوسقندي (2) بالري، والقاسم بن عبد الواحد بهمذان. وصنّف (3) (المسند الصحيح) على كتاب (مسلم) وجوزق: قرية من قرى نيسابور، وأمّا أبو الفضل إسحاق الهروي الجوزقي الحافظ، فمنسوب إلى جوزق من عمل هراة. ولأبي بكر الجوزقي، كتاب (المتّفق) [وهو] مشهور، وله كتاب (المتفق الكبير) في نحو ثلاثمئة جزء، يرويه أبو عثمان الصابوني. وروى عن:
أبي بكر قال: أنفقت في الحديث مائة ألف درهم، وما كسبت به درهما. قال الحاكم:
وانتقيت له فوائد في عشرين جزءا، ثم بعدها ظهر سماعه من السّراج، وتوفي في شوّال عن اثنتين وثمانين سنة. روى عنه: الحاكم، والكنجروذيّ، وسعد بن محمد البحيري، ومحمد بن علي الخشّاب، وسعيد بن أبي سعد العيّار، وأحمد بن منصور بن خلف المغربي وأخرون. وزاد على المصنّف، فإنه توفي سنة ست وثمانين (4).
262 - محمد بن عبد الله بن حمشاد (5) (أبو منصور) النيسابوري، الزاهد أحد الأئمة. سمع: أبا حامد بن بلال، ومحمد بن الحسين القطان، وإسماعيل الصّفّار، وابن البختري، وتفقّه على جماعة، وأخذ العلم عن جماعة، والعربية عن أبي عمر الزاهد ونحوه، ودخل إلى اليمن، وكان مجتهدا في العبادة، زاهدا واعظا، كثير التصانيف، تخرّج به جماعة، وكان مجاب الدعوة، توفي في رجب، وله اثنتان وسبعون سنة وله نحو ثلاثمئة مصنّف.
__________
(1) الجوزقي: نسبة إلى جوزق نيسابور / اللباب 1/ 309.
(2) الوسقندي: نسبة إلى قرية وسقند من قرى الريّ / معجم البلدان 5/ 376.
(3) انظر: ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 129، السبكي: طبقات الشافعية 1843.
(4) انظر: الصفدي: الوافي 3163، البغدادي: هدية لعارفين 562.
(5) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 2/ 169167، الصفدي: الوافي 3/ 317، الإسنوي: طبقات 1/ 421، وابن الصلاح: طبقات 1/ 189، تاريخ الإسلام: الذهبي:
وفيات سنة 388هـ ص 176.(1/300)
سنة تسع وثمانين وثلاثمئة
263 - زاهر بن أحمد (1) بن محمد بن عيسى أبو محمد السّرخسي، الفقيه الشافعي، المقرىء المحدث. سمع أبا لبيد، ومحمد بن إدريس الشامي، وأبا يعلى محمد بن زهير الأبليّ، وأبا القاسم البغوي، ويحيى بن صاعد، ومحمد بن حفص الجويني، ومحمد بن المسيّب الأرغياني، ومؤمّل بن الحسن الماسرجسي، وأبا جعفر أحمد بن محمد بن إسحاق العنبري وإبراهيم بن عبد الله العسكري الزبيبي، وعلي بن عبد الله بن مبشّر، ومحمد بن هارون الحضرمي، وأبا علي محمد بن سليمان المالكي، وذكره الحاكم فقال: شيخ عصره بخراسان، سمعت مناظرته في مجلس أبي بكر بن إسحاق الصبغي، وكان قد قرأ على ابي بكر بن مجاهد، وتفقّه عند أبي إسحاق المروزيّ، ودرس الأدب على أبي بكر بن الأنباري، وكانت كتبه ترد عليّ على الدوام. توفي في ربيع الآخر، وله ستّ وتسعون سنة، روى عنه: الحاكم، وأبو عمار الصابوني، ومحمد بن أحمد بن محمد بن جعفر المزكّي، وأبو عثمان سعيد بن محمد البحيري، والقاضي أبو المظفّر منصور بن إسماعيل بن أبي قرّة الحنفي، وكريمة الكشميهنيّة (2)
المجاورة وخلق سواهم، وقد أخذ عن أبي الحسن الأشعري علم الكلام وشهده، وهو يقول عند الموت: لعن الله المعتزلة، موّهوا ومخرقوا. وروى الموطّأ عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، عن أبي مصعب، عن مالك. سمعناه بالإجازة العالية من طريقه.
264 - عبد الله بن حامد (3) بن محمد أبو محمد النيسابوري، الفقيه الواعظ، كان أبوه من كبار تجّار إصبهان. فسكن نيسابور، فتفقّه على أبي الحسن البيهقي، وأخذ علم الكلام عن أبي علي الثقفي، وسمع أبا حامد بن الشرقي، ومكّي بن عبدان، وارتحل إلى أبي علي بن أبي هريرة، وعاش ثلاثا وثمانين سنة. وصلى عليه الفقيه أبو بكر بن فورك.
روى عنه: الحاكم، وأهل نيسابور.
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 3/ 93، رقم 183، الوافي بالوفيات 14/ 167، 168رقم 230، النجوم الزاهرة 4/ 200، البداية والنهاية 11/ 326، سير أعلام النبلاء 16/ 470رقم 352، تذكرة الحفاظ 3/ 6021، العبر 3/ 43، المتظم 15/ 15.
(2) الكشميهنية: نسبة إلى قرية من قرى مرو القديمة / اللباب 3/ 99.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 307306، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 787، وتاريخ الإسلام: وفيات سنة 389هـ ص 182، 183.(1/301)
265 - عبد المنعم بن عبد الله بن غلبون (1) أبو الطيّب الحلبي، المقرىء الشافعي، نزيل مصر، قرأ على أبي الحسن محمد بن جعفر بن المستفاض الفريابي، وأبي سهل صالح بن إدريس، ونجم بن نذير، ونصر بن يوسف المجاهدي، وإبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي، وأبي الحسن عليّ بن محمد المكّي، ولطيف بن عبد الله، صاحب قنبل. وأبي بكر أحمد بن الحسين النحوي، وغيرهم. وأكثر شيوخه الذين تلى عليهم: ابن عبد الرزاق، وقد سمع رواية السّوسي، على جعفر بن سليمان المشعلاني بحلب، قال: ثنا أبو شعيب السوسي، وسمع قراءة: ابن عامر من الحسن بن حبيب الحصائري، وسمع الحديث من عبد الله بن الحسين الأنطاكي، وسليمان بن محمد بن زويط، وعديّ بن أحمد بن عبد الباقي الأذنيّ. وأحمد بن محمد بن عمارة الدمشقي، قرأ عليه القراءات ابنه طاهر، مصنّف (التذكرة)، والحسن بن عبد الله الصقلّي، وأبو عمر الطّلمنكيّ، والحسن بن قتيبة الصّقليّ، وأحمد بن علي الربعيّ، وأبو جعفر أحمد بن علي الأزدي، ومكيّ بن أبي طالب التنيسيّ، وأبو العباس بن تنيس، وأحمد بن عليّ بن هاشم تاج الأئمة، وغيرهم. وحدّث عنه: عبيد الله بن أحمد بن السخت الرّقيّ، وأحمد بن إبراهيم بن كامل الصّوري، ومحمد بن جعفر الميماسيّ، والحسن بن إسماعيل الضّرّاب، قال أبو علي الحسين بن محمد الغسّاني الحافظ: كان ثقة خيّارا. وذكره أبو عمرو الدّاني، فقال: كان حافظا للقراءة، ضابطا ذا عفاف ونسك، وفضل، وحسن تصنيف، وقال غيره: ولد سنة تسع وثلاثمئة وقال الحبّال:
توفي يوم الجمعة لسبع خلون من جمادى الأولى.
266 - محمد (2) بن محمد بن علي أبو بكر بن أبي الحسن، السّرخسيّ، النيسابوريّ الشافعي، تفقّه على والده، وسمع من ابن نجيد، وطبقته، ومات شابّا.
__________
(1) ترجمته في: ابن الجزري: طبقات القراء 1/ 470، 471، ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 277، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 338، الإسنوي: طبقات 2/ 400، ابن العماد:
شذرات 3/ 131، حسن المحاضرة 1/ 209، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 574، العبر 3/ 44، تذكرة الحفاظ 3/ 1021.
(2) ترجمته في: تاريخ الإسلام: الذهبي (وفيات سنة 389هـ) ص 188.(1/302)
سنة تسعين وثلاثمئة
267 - عبد الواحد (1) بن الحسين القاضي أبو القاسم محمد الصّيمريّ الشافعي، أحد الأعلام، ومن أصحاب الوجوه في المذهب، تفقّه بأبي حامد المروروذيّ، وبأبي الفيّاض البصريّ وارتحل الفقهاء إليه، إلى البصرة. وكان من أوعية العلم، تفقّه عليه اقضى القضاة الماورديّ، وغيره. وله كتاب (الإيضاح في المذهب) في سبع مجلدات، وكتاب (القياس والعلل) وغير ذلك. سمعوا منه بعض كتبه في سنة سبع وثمانين.
سنة أحدى وتسعين وثلاثمئة
268 - عبد الرحمن بن محمد (2) بن أحمد بن سعيد أبو القاسم، التاجر النيسابوري.
كان يحمل إلى مجالس الحديث، ومعه العبيد والخدم، وجماعة من الورّاقين، فسمع من أبي العبّاس الأصمّ، ثم رحل به طاهر الوراق إلى المحبوبي بمرو، فأكثر عنه، وتفقّه على أبي سهل الصّعلوكي، ثم في آخر عمره استشهد على يد الملحد، عبد الملك البستي في رمضان
سنة اثنين وتسعين وثلاثمئة
269 - عبد الأعلى بن محمد (3) النيسابوري، الفقيه الشافعي، تفقّه على أبي الوليد، حسّان بن محمد، وحدّث عن أبي العباس الأصمّ، وغيره. وتوفي في المحرّم.
270 - علي بن (4) عبد العزيز القاضي (أبو الحسن) الجرجاني، الفقيه الشافعي،
__________
(1) ترجمته في: النووي: تهذيب السماء واللغات 2/ 265، البغدادي: هدية العارفين 1/ 433، الشيرازي: طبقات 125، الإسنوي: طبقات 2/ 123، القرشي: الجواهر 1/ 333، حاجي خليفة: كشف الظنون 48، 211، 1499، السبكي: طبقات 3/ 339، ابن الصلاح: طبقات 2/ 575.
(2) الذهبي: تاريخ الإسلام، وفيات سنة 391هـ، ص 256.
(3) الذهبي: تاريخ الإسلام، وفيات سنة 392هـ، ص 268.
(4) ترجمته في: المنتظم 7/ 221، 222رقم 353، النجوم الزاهرة 4/ 205، الإسنوي: طبقات 1/ 351348، الشيرازي: طبقات الفقهاء 122، سير أعلام النبلاء 17/ 19رقم 10، تذكرة(1/303)
الشاعر، وله ديوان مشهور، وكان حسن السيرة في أحكامه، صدوقا، جمّ الفضائل، بديع الخطّ جدا. ورد نيسابور سنة سبع وثلاثين، مع أخيه في الصّبا، وسمعا سائر الشيوخ، ولي قضاء الرّيّ. وقال الثّعالبي (1) في (يتيمة الدهر) هو فرد الزمان ونادرة الفلك، وإنسان حدقة العلم، وقبّة تاج الأدب، وفارس عسكر الشعر، يجمع خطّ ابن مقلة، إلى نثر الجاحظ، إلى نظم البحتري، شعره كثير. وله كتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه) أبان فيه عن فضل غزير. وهو القائل الأبيات المشهورة:
يقولون لي فيك انقباض وإنّما ... رأوا رجلا عن موقف الذّلّ أحجما (2)
توفي بالرّي، وحمل إلى جرجان، فدفن بها ومن شعره (3):
ولا ذنب للأفكار أنت تركتها ... إذا احتشدت لم تنتفع باحتشادها
سبقت بإفراد المعاني وألفت ... خواطرك الألفاظ بعد شرادها
فإن نحن حاولنا اختراع بديعة ... حصلنا على مسروقها ومعادها
وله أيضا:
قد برّح الحبّ بمشتاقك ... فأوله أحسن أخلاقك (4)
لا تجفه وارع له حقّه ... فإنّه آخر عشّاقك
وللصاحب ابن عباد يخاطبه:
إذا نحن سلّمنا لك العلم كلّه ... فدعنا وهذي الكتب ننشي صدورها (5)
__________
الحفاظ 3/ 1025، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 322، السهمي: تاريخ جرجان 318، السبكي: طبقات الشافعية: 3/ 462459، ياقوت: معجم الأدباء 14/ 14، ابن العماد:
شذرات الذهب 3/ 57، ابن كثير: البداية والنهاية 11/ 331، يتيمة الدهر: 3/ 238.
(1) الثعالبي: يتيمة الدهر 3/ 238.
(2) البيت في: ابن الجوزي: المنظم 15/ 35، وفي تاريخ الإسلام: وفيات سنة 392هـ، ص 272، يتيمة الدهر 4/ 23، معجم الأدباء 14/ 17، والسبكي طبقات الشافعية 3/ 461.
(3) الأبيات في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 462459، الثعالبي: يتيمة الدهر 4/ 16، وفيات الأعيان 3/ 280.
(4) البيتان في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 462459، وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 279، يتيمة الدهر 4/ 10.
(5) البيتان في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 459، ياقوت: معجم الأدباء 14/ 16.(1/304)
فإنّهم لا يرتضون مجيئنا ... بجزع إذا نظمت أنت شذورها
وللقاضي أبي الحسن الجرجاني (تفسير القرآن) وكتاب (تهذيب التاريخ). قال الثعالبي: ترقّى محلّه إلى قاضي القضاة بالرّيّ، فلم يعزله إلا موته (1). وقال عنه: صلى عليه القاضي عبد الجبار بن أحمد، وقال أبو سعد منصور بن الحسين الآبي في تاريخه:
وقع اختيار فخر الدولة ابن ركن الدولة، على أن يولّي علي بن عبد العزيز الجرجاني، قضاء مملكته، بعد موت الصاحب بن عبّاد بعام. فكان ذلك من محاسن فخر الدولة، وكان هذا القاضي لم ير لنفسه مثلا، ولا مقارنا مع العفّة والنزاهة، والعدل، والصّرامة. وقال حمزة السّهمي (2): أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن الحسن بن إسماعيل الجرجاني، كان قاضي جرجان، ثم ولي قضاء القضاة بالرّيّ، وكان من مفاخر جرجان، توفي في الثالث والعشرين من ذي الحجة.
271 - محمد بن محمد (3) بن جعفر أبو بكر البغدادي، الدّقّاق، الفقيه الشافعي، الحاكم. قال الخطيب: روى حديثا واحدا، ولم يكن عنده سواه، لأن كتبه احترقت، أنبأه الصّيمريّ عنه، عن أحمد بن إسحاق بن البهلول، عن أبي كريب. وكان أبو بكر هذا، يلقّب خباط، وله كتاب (4) في الأصول، على مذهب الشافعي رحمه لله، وكان فيه دعابه.
272 - محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه (5) بن نعيم (أبو سهل) الضّبي، ابن أخي عبد الله الحاكم، النيسابوري. قال الحاكم: سمع الكثير قبلي ومعي، وكتب بخطّه جملة، وحدّث، وكان أكبر مني بخمس عشرة سنة، وكذا
__________
(1) الثعالبي: يتيمة الدهر 4/ 3.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 15/ 36وكانت وفاته بالري وحمل تابوته إلى جرجان فدفن بها. وتاريخ جرجان 318رقم 560.
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 3/ 229، وابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/ 21، الشيرازي: طبقات الفقهاء 118، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 4/ 206، الإسنوي: طبقات 1/ 522ابن الصلاح: طبقات 2/ 831، الأنسان 5/ 361، المنتظم 3615.
(4) صنف الدقاق عددا من الكتب منها: شرح المختصر، فوائد الفوائد. كتاب أصول الفقه. حاجي خليفة: كشف الظنون ص 1300.
(5) الذهبي: تاريخ الإسلام: وفيات سنة 392هـ، ص 275.(1/305)
علقمة بن قيس، أكثر من عمّه، وعنه الأسود بن يزيد، وكذا عمار بن القعقاع بن سبرة، وممن أخذ عنه عبد الله بن شبرمة. توفي سنة اثنتين وتسعين، في جمادى الآخرة، وله سبع وثمانون سنة رحمه الله.
سنة ثلاث وتسعين وثلاثمئة
273 - أحمد بن محمد (1) بن حاتم، أبو حاتم، الطّوسي، الفقيه، سمع أبا سعيد بن الأعرابي، والصّفّار، وطبقتهما. وعنه [الحاكم ليس (2) بحكيم]. من جزء ابن عرفة.
274 - محمد بن الحسين (3) بن داود، أخو أبي الحسن، محمد بن الحسين (4)
العلويّ، النيسابوري كان كثير المروءة والأفضال على الصّلحاء. يكنى أبا علي. روى عن أبي حامد بن بلال، ومحمد بن الحسين القطّان، روى عنه، الحاكم. وقال: توفي في شعبان. وذكر ابن الصلاح هذا، وأخاه في طبقات الشافعيين، وقيل: إن هذا درّس فقه الشافعي رحمه الله.
275 - محمد بن أبي إسماعيل، علي (5) بن الحسين بن الحسن بن القاسم بن محمد الشريف السيد أبو الحسن العلويّ الحسني، الزّيدي، الهمذاني المعروف بالوصيّ. روى عن عبد الرحمن الجلاب، وأحمد بن عبيد، وعبدان بن يزيد الدقاق، وجماعة بهمذان. وإسماعيل الصّفّار، وجعفر الخلدي، وابن كامل القاضي ببغداد، والطبراني بإصبهان، وخيثمة الأطرابلسي بالشام، وجماعة. روى عنه: محمد بن عيسى، وعبد الرحمن بن أبي الليث الصّفّار، ومحمد بن عمر بن عزيز التككي، وجعفر بن محمد الأبهري، وآخرون. قال شيرويه: كان ثقة صدوقا، صوفيّا واعظا، تفقّه
__________
(1) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات 1/ 101، 293والسبكي: طبقات 3/ 41.
(2) النقص استدرك من تاتريخ الإسلام / وفيات سنة 393هـ، ص 279.
(3) الذهبي: تاريخ الإسلام: وفيات سنة 393هـ ص 290.
(4) هو محمد بن الحسين بن داود الحسني النقيب (أبو الحسين)، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 149148.
(5) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 14/ 428 (7791)، والبداية والنهاية لابن كثير 11/ 335، وابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/ 33، لسان الميزان 5/ 299، تذكرة الحفاظ 3/ 1026، سير أعلام النبلاء 17/ 7977.(1/306)
ببغداد، على أبي علي بن أي هريرة، وتزهّد، وجاور بمكة، ورجع فأقام ببخارى مدّة، وبها مات في ثاني عشر المحرّم، سنة ثلاث وتسعين. قلت: وروى عنه أيضا أبو سعد الكنجروذي، وسمع من الأضمّ، وقيل: إنه مات (1) ببلخ، وقال السّلّمي: كان أحد الأشراف علما ونسبا، ومحبّة للفقراء، وصحبة لهم، مع ما يرجع إليه من العلوم. كتب الحديث والفقه، وصحب الخلدي، وكان يكرمه، ودخل دويرة الصوفية بالرّملة، فكان يخدمهم أياما، حتى قدم فقير، فأتى فقبّل رأسه، وقال: هذا شريف الجبل، وليس بهمذان أغنى منهم ولا أجلّ. فقام إليه عباس الشاعر، فقبّل رجله، فأخذ الشريف أبو الحسن ركوته. وذهب إلى مصر، وقال الحاكم: عاش ثلاثا وثمانين عاما، وقال أبو سعد الإدريسي: يحكى عنه أنه كان يجازف في الرواية في آخر عمره.
سنة خمس وتسعين وثلاثمئة
276 - محمد بن علي (2) بن الحسين العلوي، الهمذاني، السيد أبو الحسن، مات في المحرم. قاله: جعفر المستغفري وقد تقدم في سنة ثلاث، وفي سنة خمس، أرّخه غنجار.
277 - محمد بن عليّ أبو جعفر (3) البلاذريّ، تفقّه على أبي إسحاق المروزي ببغداد، وسمع من السبكي والموجودين، لقيه الحاكم ببخارى، ثم قدم نيسابور، ونزل عند القاضي أبي بكر الحيريّ. مات في نصف المحرّم، وكان من كبار الشافعية.
سنة ست وتسعين وثلاثمئة
278 - أحمد بن محمد (4) بن زكريا الأستاذ (أبو العباس) الفسوي الزاهد، شيخ
__________
(1) تاريخ بغداد: الخطيب 14/ 426.
(2) السبكي: طبقات الشافعية 1/ 119، 2/ 68، 1/ 220، وتقدمت ترجمته في سنة 393هـ، البداية والنهاية 11/ 335الكامل 338.
(3) ترجمته في: الإسنوي: طالبقات 1/ 221، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 236.
(4) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 22، الإسنوي: طبقات 2/ 136، البغدادي: هدية العارفين 1/ 65، الخطيب: تاريخ بغداد 5/ 9، ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 3/ 260، ابن الصلاح: طبقات 1/ 380، العبر 3/ 60.(1/307)
الحرم، سمع ابن عديّ الجرجاني، وأحمد بن عطاء الرّوذباريّ، وجمح بن القاسم الدمشقي، وأبا بكر الرّبعي، وطائفة بالشام والعراق، والعجم، روى عنه: أبو نصر بن الحبّان، وأبو علي الأهوازي، وأبو يعلى إسحاق الصابوني، وطائفة. قال الخطيب:
كان ثقة. ثنا عنه أبو محمد الخلّال وغيره، وله (تاريخ الصوفية) وكتاب (محكم مذهب الشافعي)، وصحب ابن خفيف، إلى فارس ومصر، ومكة.
279 - إسماعيل بن أبي بكر أحمد (1) بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس، العلّامة، أبو سعد الإسماعيلي، الجرجاني، الفقيه، شيخ الشافعية بجرجان. كان مقدّما في الفقه والعربية. كثير التصانيف، رئيسا مفضّلا على أهل العلم، روى عن: أبيه، وابن عديّ، وأبي العباس الأصمّ، وابن دحيم الشّيباني، وأحمد بن كامل بن شجرة، وعن:
محمد بن حفص المكي، وجماعة، روى عنه بنوه: المفضّل، والسّريّ، وسعد، ومسعدة، وأبو القاسم التنوخي، وأبو محمد الخلّال، وحمزة بن يوسف السّهمي، وخلق سواهم، وثّقه الخطيب وغيره. قال القاضي أبو الطيّب: ورد الإمام أبو سعد بغداد، فأقام بها سنة ثم حجّ، وعقد له الفقهاء مجلسين، تولى أحدهما، أبو حامد الإسفرائيني، والآخر أبو محمد البامي (2). وتوفي في نصف ربيع الآخر ليلة الجمعة، وله ثلاث وستون سنة، وممّا أكرمه الله به أنه مات، وهو في صلاة المغرب، يقرأ:
{إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) ففاضت نفسه. قال حمزة السّهمي (4): كان إمام زمانه، مقدّما في الفقه، وأصول الفقه، والعربية، والكتابة، والشروط، والكلام.
صنّف في أصول الفقه كتابا كبيرا، وتخرّج على يده جماعة، مع الورع الثّخين والمجاهدة والنّصح للإسلام، والسّخاء وحسن الخلق. بالغ السّهمي في تقريظه.
__________
(1) ترجمته في: السهمي: تاريخ جرجان: 149147، اليافعي: مرآة الجنان 2/ 448، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 6/ 309، وابن كثير: البداية والنهاية 11/ 336، وابن الأثير: الكامل 8/ 37، الإسنوي: طبقات 1/ 51، ابن العماد: شذرات 3/ 147، ابن الصلاح: طبقات 1/ 417، السبكي: طبقات 3/ 37، سير أعلام النبلاء 17/ 87، 88، تبيين كذب المفتري 211207، الوافي بالوفيات 9/ 87رقم 4002.
(2) الخطيب: تاريخ بغداد 6/ 310.
(3) سورة الفاتحة (1)، الآية (4).
(4) تاريخ جرجان 106، 107.(1/308)
280 - شعيب بن محمد بن شعيب (1) أبو صالح العجلي البيهقي، وكان أبوه فقيه الشافعية في عصره بنيسابور. وسمع شعيب من: أبي نعيم، عبد الملك بن عديّ، ومحمد بن حمدون، وأبي حامد بن الشرفي، ومكّي بن عبد الله وبالعراق من أبي بكر بن الأنباري، وأبي عبد الله المحاملي، وروى الكثير بنيسابور، روى عنه الحاكم، وقال:
توفي في صفر، وولد سنة تسع وثلاثمئة، وروى عنه أيضا: أبو عثمان سعيد البحيري.
281 - عليّ بن محمد بن إسحاق (2) بن محمد بن يزيد (أبو الحسين) الحلبي، القاضي الفقيه الشافعي، نزيل مصر، سمع جدّه إسحاق، وعليّ بن عبد الحميد الغضائريّ، وعبد الرحمن بن عبيد الله ابن أخي الإمام، ومحمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطيّ، ومحمد بن نوح الجنديسابوريّ، ومحمد بن الربيع الجيزيّ، وأبي بكر بن زياد النيسابوريّ، وجماعة سواهم. روى عنه: عبد الملك بن عثمان الزاهد، ورشأ بن نظيف، والحسين بن عتيق التنيسي، وعبد الله بن عمر البغدادي الرّزاز، وأبو الحسن محمد بن مكّي، وآخرون. قال أبو عمّار الدّاني: روى عن ابن مجاهد كتاب (السبعة) (3) وهو وشيخنا أبو مسلم، آخر من بقي من أصحاب ابن مجاهد، وعمّر أبو الحسن عمرا طويلا، حتى نيّف على عشر ومائة فيما بلغني. قلت: ورّخ موته القاضي.
وقال: يقال: إنه ولد سنة خمس وتسعين ومائتين. قلت: فعلى هذا يكون عاش مائة سنة ونيّف سنة.
سنة سبع وتسعين وثلاثمئة
282 - عبد الرحمن بن المزكّي (4) أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى، أبو الحسن النيسابوري. حدّث بنيسابور وبغداد، عن محمد بن عمر بن حفص، وابن الشرقي،
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 303، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 760، وابن السمعاني: الأنساب 2/ 382.
(2) ترجمته في: ابن الجزري: طبقات القراء 1/ 564، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 814، العبر 3/ 61، النجوم الزاهرة 4/ 315، شذرات الذهب 3/ 147، 148.
(3) هو كتاب القرّاء السبعة لابن مجاهد.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 302، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 323، الإسنوي: الطبقات 2/ 397، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 527.(1/309)
وأبي العباس الأصمّ، وأبي بكر القطان، وأبي حامد بن بلال، وجماعة. وخرّجوا له الفوائد. قال الحاكم: توفي في شعبان، وكان من عقلاء الرجال العبّاد. وقال الخطيب: كان ثقة، ثنا عنه، محمد بن طلحة. قلت: وروى عنه، عمر بن أحمد النيسابوري الحوري، وأحمد بن منصور المقري.
283 - عبد الرحمن بن محمد (1) بن إسحاق أبو القاسم بن الحاكم (أبو أحمد) الأنماطي المزكّي النيسابوري، ثقة جليل، روى عن أبي العباس، الأصمّ، وأقرانه، وتوفي في يوم الشك.
284 - النّعمان بن محمد بن محمود (2) بن النعمان (أبو نصر) الجرجاني التاجر، نزيل نيسابور، سمع أبا طاهر محمد بن الحسن المحمد أباذي، والأصمّ، وأبا يعقوب إسحاق بن إبراهيم النّحوي، الجرجاني، وتفقّه على أبي بكر الإسماعيلي، وسمع بآمل من أصحاب أبي حاتم الرازي، وأكثر عن ابن عدي، روى عنه: أبو عبد الله الحاكم.
سنة ثمان وتسعين وثلاثمئة
285 - أحمد بن علي بن (3) أحمد بن محمد بن الفرج (أبو بكر) الهمذاني الشافعي الفقيه، المعروف بابن لآل (4). روى عن: أبيه، والقاسم بن أبي صالح، وعبد الرحمن الخلّال، وموسى الفرّاء، وعبد الله بن أحمد الزعفراني، من أهل همذان، وإسماعيل الصّفّار، وعبد الرحمن الطّبشيّ، وعبد الباقي بن قانع، وعثمان بن السّمّاك، وعبد الله بن شوذب الواسطي، وعلي بن الفضل الستوري، وجماعة بالعراق. وأبي سعيد بن الأعرابي بمكة، وحفص بن عمر الأردبيليّ، وعلي بن محمد بن عامر
__________
(1) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام: وفيات سنة 397هـ، ص 343.
(2) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام: وفيات سنة 397هـ ص 348، تاريخ جرجان ص 480، (ت 965).
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 1/ 19، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 151، الإسنوي: طبقات 2/ 362، حاجي خليفة: كشف الظنون 1572، 1575، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 711، وابن قاضي شهبة 1/ 137، الشيرازي: طبقات 118، تاريخ بغداد 4/ 318، 319رقم (2123) هدية العارفين 1/ 69.
(4) ابن لال: معناه الأخرس.(1/310)
النهاونديّ. وأبي نصر محمد بن حمدويه المروزيّ، وأبي بكر بن محمويه العسكري، وأبي الحسن علي بن إبراهيم القطّان. روى عنه: جعفر بن محمد الأبهري، ومحمد بن عيسى الدّينوريّ وابو مسعود أحمد بن محمد البجلي الرّازيّ. وأخذ عن: ابن عيسى بن عباد الدّينوريّ، وأبو الفرج عبد الحميد بن الحسن القضاعي، وأبو الفرج البجلي، وخلق كثير من أهل همذان، ومن الواردين عليها، وكان إماما، ثقة مفتيا. قال شيرويه: كان ثقة، أوحد زمانه. ومفتي البلد يعني همذان [وهو] يحسن هذا الشأن.
له مصنّفات في علوم الحديث، غير أنه كان مشهورا بالفقه، ورأيت له كتاب (السنن) و (معجم الصحابة) ما رأيت شيئا أحسن منه. ولد سنة ثمان وثلاثمئة، وتوفي في سادس عشر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين. والدّعاء عند قبره مستجاب. وسمعت يوسف بن الحسن التنكري، سمعت أبا علي الحسن بن علي بن بندار الفرضي بزنجان، يقول: ما رأيت قطّ مثل أبي بكر بن لال. وسمعت أبا طالب الزاهد، يقول: سمعت أبا سعيد الشّكلي، وابا الحسن بن حميد يقولان: كثيرا ما سمعنا أبي بكر بن لآل يقول في دعائه: اللهم لا تحييني في سنة أربعمائة. قالا: فمات سنة تسع وتسعين.
286 - عبد الله بن محمد أبو محمد البخاري (1)، الفقيه، الشافعي المعروف بالبافي (2)، نزيل بغداد، تفقّه على أبي علي بن أبي هريرة، وأبي إسحاق المروزي، وبرع في المذهب، وكان ماهرا بالعربية، حاضر البديهة، حلو النّظم، وهو من أصحاب الوجوه، تفقّه به جماعة. قال الخطيب: أنشدنا أبو القاسم التنوخي، أنشدني أبو محمد اليافي لنفسه (3):
ثلاثة ما اجتمعن في رجل ... إلّا وأسلمته إلى الأجل
ذلّ اغتراب وفاقة وهوى ... وكلّ سائق على عجل
__________
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 139، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 317، وابن كثير: البداية والنهاية 11/ 340، الزركلي: الأعلام 4/ 120، 121، السمعاني:
الأنساب 2/ 4847ياقوت: معجم البلدان 1/ 326، ابن الأثير: اللباب 1/ 112، الصفدي:
الوافي 17/ 500، الإسنوي: طبقات 1/ 191، ابن تفري بردي: النجوم 4/ 219، ابن العماد: شذرات 3/ 152، ابن الصلاح: طبقات 1/ 517.
(2) البافي: نسبة إلى باف وهي إحدى قرى خوارزم / اللباب 1/ 112.
(3) الأبيات في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 518.(1/311)
يا عاذل العاشقين إنك لو ... أنصفت رفّعتهم عن العذل
وقصد البافي صديقا له، فلم يجده، فطلب دواة وكتب له (1): [من الخفيف]:
كم حضرنا وليس يقضى التلاقي ... نسأل الله خير هذا الفراق
إن تغب لم أغب، وإن لم تغب ... غبت وكان افتراقنا باتفاق
أثنى عليه الخطيب، وقال (2): كان من أفقه أهل وقته في المذهب، بليغ العبارة، مع عارضة وفصاحة، يعمل الخطب، ويكتب الكتب الطويلة، من غير رويّة، وتوفي في المحرّم رحمه الله.
سنة تسع وتسعين وثلاثمئة
287 - أحمد بن محمد (3) بن أحمد بن جعفر أبو بكر الإصبهاني، القصّار الفقيه الشافعي، روى عن أبي عليّ بن عاصم وعبد الله بن خالد البرداني، وعبد الله بن جعفر بن فارس، ومحمد بن إسحاق بن عبّاد البصري وأبي أحمد العسّال، وكان ثبتا صالحا كبير القدر، حدّث عنه: عبد الرحمن بن مندة وأخوه عبد الوهاب ومحمد بن أحمد بن علي السّمسار ومحمد بن يحيى الصّفّار وجماعة.
288 - طاهر بن عبد المنعم (4) بن عبيد الله بن غلبون (أبو الحسن) الحلبي المصري المقرىء، مصنّف (التذكرة في القراءات) وغير ذلك. كان من كبار المقرئين، هو وأبوه أبو الطيّب، قرأ على والده، وعلى أبي عديّ، عبد العزيز بن علي المصري بمصر، وعلى أبي الحسن عليّ بن محمد بن صالح الهاشمي بالبصرة، وهو من أصحاب العباس
__________
(1) البيتان في: ابن الجوزي: المنتظم 15/ 63، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 517 والذهبي: سير النبلاء 17/ 69، أورد الشطر الأول (قد حضرنا وليس يقضى تلاقي) وتاريخ الإسلام 4/ 107/ 2، والأنساب 2/ 48، وتاريخ بغداد 10/ 140139.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 15/ 63، الخطيب: تاريخ بغداد 13910.
(3) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 714، الإسنوي: طبقات 2/ 308، ذكر أخار إصبهان 1/ 169.
(4) ترجمته في: ابن الجزري: طبقات القراء 1/ 339، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 219، السيوطي: حسن المحاضرة 1/ 233، حاجي خليفة: كشف الظنون 384، الإسنوي: طبقات 2/ 762، ابن الصلاح: طبقات 2/ 762.(1/312)
الأشناني، وقرأ بالبصرة أيضا، على أبي الحسن محمد بن يوسف بن نهار الحرتكي، صاحب ابن ثوبان، وتصدّر للإقراء عرض عليه: أبو عمرو الدّاني، وإبراهيم بن ثابت الإقليسيّ. وروى عنه كتاب (التذكرة) أبو الفتح أحمد بن بابشاذ، ومحمد بن أحمد بن علي القزويني وغيرهما.
289 - يحيى بن زكريا (1) بن أحمد ابن أخت أبي بكر البلخي ثم الدمشقي الشاهد، كان أبوه قد ولّي قضاء دمشق، فولد بها هذا، وسمع من إبراهيم بن أبي ثابت، وأبي علي الحضائري، وخيثمة، ولم يدرك السّماع من ابيه. روى عنه: أبو القاسم.
إبراهيم بن محمد الحنّائي، وأخوه عليّ، والحسن بن الحسين بن يحيى بن زكريا، حفيده، وتوفي في ربيع الآخر، وقد نيّف على السبعين.
سنة أربعمائة
290 - عبد الرحمن بن (2) عبد الله بن علي بن سمقويه، أبو بكر، المزكّي، الفقيه الشافعي، النيسابوري، روى عن: أبي العباس الأصمّ وغيره. ودرّس الفقه سنين.
مات في رمضان الميمون، قبل الأربعمئة.
291 - علي بن عمر بن العباس أبو الحسين (3) الرازي الفقيه. أحد الأعلام، المعروف، بالقضاء الشافعي قال أبو يعلى الخليلي: أفضل من لقيناه بالرّيّ، كان مفتيا قريبا من ستين سنة. أكبر من عبد الرحمن بن أبي حاتم، وابن معاوية الكاغدي، وأحمد بن خالد الحروريّ، ومحمد بن قارن، ولقي بآخره شيوخ بغداد، ابن السّمّاك، والنّجاد، وكان عالما، له في كل علم حظّ، وبلغ قريبا من مائة سنة. سمعت عبد الله بن محمد الحافظ، يقول: لم يعش أحد من الشافعية ما عاش هذا. وكان عالما بالفتاوى والنّظر. قلت: روى عنه هبة الله اللآلكائي، وعبد الجبّار بن عبد الله بن برزة الرازي، وجماعة. ولا أعلم متى توفي.
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 143، 298، 299، الذهبي: تاريخ الإسلام، وفيات سنة 399 هـ، ص 381، وموسوعة علماء المسلمين في لبنان ق 51/ 194رقم 1815.
(2) السبكي: طبقات الشافعية 5/ 105، والذهبي: تاريخ الإسلام. وفيات سنة 400هـ ص 384.
(3) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام: وفيات سنة 400هـ ص 400.(1/313)
292 - محمد بن الحسن بن سليمان (1)، القاضي أبو جعفر، المطوّعيّ (2)، المعروف بالباحث، ولّي القضاء، بكور خراسان وله مصنّفات كثيرة. أراده ابن عبّاد، على القضاء على شرط، أن ينحل الاعتزال. فما سمع [له] ذكره ابن الصلاح في الشافعية.
293 - أبو حيّان التوحيدي (3)، صاحب المصنّفات، واسمه علي بن محمد بن العباس، الصوفي، كان في حدود الأربعمئة، وله مصنّفات عديدة (4) في الأدب، والفصاحة، والفلسفة. وكان سيء الاعتقاد. نفاه الوزير أبو محمد المهلّبي. قال ابن بابي في كتاب (الخريدة والفريدة): كان أبو حيان كذّابا، قليل الدين والورع، كثير القذف، والمجاهرة بالبهتان، تعرّض لأمور جسام من القدح في الشريعة. والقول بالتعطيل، ولقد وقف سيدنا الصاحب كافي الكفاة على بعض ما كان يدغله، ويخفيه، من سوء الاعتقاد، فطلبه ليعظه، فهرب والتجأ إلى أعدائه، ونفق عليهم بزخرفه وإفكه، ثم عثروا منه على قبيح دخيلته وسوء عقيدته، وما يبطنه من الألحاد، ويرويه في الإسلام من الفساد، وما يلصقه بأعلام الصحابة من القبائح، ويضيفه إلى السّلف الصالح من الفضائح. فطلبه الوزير المهلّبي، فاستتر منه، ومات في الاستتار، وأراح الله منه، ولم يؤثر عنه إلا مثلبة، أو مخزية (5)، وقال أبو الفرج بن الجوزي في تاريخه (6): زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الرّاونديّ، وأبو حيّان التوحيديّ، وأبو العلاء المعريّ، وأشدّهم على الإسلام أبو حيّان لأنه صرّح وهو مجمج (7) ولم يصرّح. قلت: وكان من تلامذة
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 145143، الإسنوي: طبقات 1/ 219، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 131، يتيمة الدهر 4/ 445443، معجم الأدباء 18/ 17.
(2) في السبكي: طبقات الشافعية 3/ 143 (الزوزني) مات سنة 400هـ.
(3) ترجمته في: ياقوت: معجم الأدباء 15/ 5250، ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 112، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 2، 3، النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 223، السيوطي:
بغية الوعاة 2/ 190، البغدادي: هدية العارفين 1/ 284، سير أعلام النبلاء 17/ 123119، الإسنوي 1/ 301، ابن الصلاح 2/ 17.
(4) صنف أبو حيان التوحيدي كثيرا من الكتب منها: بصائر القدماء، وبشائر الحكماء، الرد على ابن جني في شعر المتنبي، الامتاع والمؤانسة، الإشارات الإلهية، والرسالة الصوفية. حاجي خليفة: كشف الظنون 140، 167، 246.
(5) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 5/ 287.
(6) لم يترجم ابن الجوزي في (المنتظم) لأبي حيان، ولكنه ذكره في ترجمة أبي العلاء المعري بمثل الذي هنا وأكثر. وانظر ما قاله في: طبقات السكي 5/ 288، وبغية الوعاة 2/ 191.
(7) مجمج: لم يبيّن الشيء أو الخبر أو الكلام.(1/314)
علي بن عيسى الرّمّاني، وقد بالغ في الثناء على الرّمّاني، في كتابه الذي ألّفه في تقريظ الجاحظ. فانظر إلى الحامد والمحمود. وأجود الثلاثة: الرّمّاني مع اعتزاله، وتشيّعه، وأبو حيّان هو الذي نسب نفسه إلى التوحيد، كما سمّى ابن تومرت أتباعه. فقال:
الموحّدين. وكما سمّى صوفيّة الفلاسفة نفوسهم بأهل الوحدة، وأهل الاتحاد. أخبرني أحمد بن سلامة كتابة عن الطّرسوسيّ، عن ابن طاهر الحافظ، قال: سمعت أبا الفتح عبد الوهّاب الشيرازي بالريّ، يقول: سمعت ابا حيّان التوحيدي يقول: أناس مضوا تحت التّوهّم، وظنّوا أن الحق معهم، وكان الحقّ وراءهم، ققلت: مثلك يا معشر [الشر] بل أنت حامل لواءهم. وقيل: إن أبا حيّان معدود في كبار الشافعية. ذكره لي القاضي عز الدين الكناني. وقال الشيخ محي الدين النواوي في مقدمة (الأسماء) (1):
أبو حيّان التوحيدي من أصحابنا المصنّفين. ومن غرائبه (2)، أنه قال في بعض رسائله:
لا ربا في الزعفران، ووافقه عليه القاضي أبو حامد المروروزي والصحيح جريان الربا فيه، وقد ذكره ابن النّجار، وقال: له المصنّفات الحسنة، كالبصائر وغيرها، وكان فقيرا صابرا، متديّنا إلى أن قال: وكان صحيح العقيدة، كذا قال، بل كا عدوا لله خبيثا. قال: وسمع أبا بكر الشافعي، وجعفر الخلدي، وأبا سعيد السّيرافي، والقاضي أحمد بن بشر بن عامر العامري. وعنه علي بن يوسف القاضي: ومحمد بن منصور بن جيكان (3)، وعبد الكريم بن محمد الدّاوودي، ونصر بن عبد العزيز المقرىء الفارسي، ومحمد بن إبارهيم بن فارس، الشيرازيّون، ولقي الصاحب بن عبّاد وأمثاله. قلت:
وسماع نصر بن عبد العزيز منه، في سنة خمس وتسعين وثلاثمئة. وقد سمع منه بشيراز أبو سعد عبد الرحمن بن ممّجة الإصبهاني، وآخر ما نقل عن الجراعي في سنة أربعمئة.
سنة إحدى وأربعمئة
294 - أحمد بن محمد بن محمد بن عبد لرحمن. أبو عبيد الهروي (4)، المؤدّب،
__________
(1) كتاب: تهذيب الأسماء واللغات، للإمام النواوي 2/ 223.
(2) ابن الصّلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 687، والنووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 223.
(3) انظر: تبصير المنتبه 1/ 475.
(4) ترجمته في: ابن خلكان، وفيات الأعيان 1/ 9695، ياقوت: معجم الأدباء 4/ 260، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 84، وابن العماد: شذرات الذهب 3/ 161، وابن كثير البداية(1/315)
اللغوي، مصنّف (الغريبين) (1) في اللغة لغة القرآن، ولغة الحديث. أخذ اللغة عن:
الأزهري، وغيره. وتوفي في رجب لستّ خلون منه. وقد ذكره القاضي في (وفيات الأعيان) (2) فقال: سار كتابه في الآفاق، وهو من الكتب النافعة، ثم قال: وقيل: إنه كان يحبّ البذلة، فيتأوّل في الخلوة، ويعاشر أهل الأدب في مجالس اللذة، والطّرب، عفا الله عنه وعنّا. ويقال له: الفاشاني (بالفاء). وفاشان، (بفاء مشوبة بباء، قرية من قرى هراة، وذكره ابن الصلاح في (طبقات الشافعية) (3). فقال: روى الحديث عن:
أحمد بن محمد بن ياسين، وأبي إسحاق أحمد بن محمد بن يونس البزّار، الحافظ.
روى عنه: أبو عثمان الصابوني، وأبو عمر المليحيّ (كتابه الغريبين).
295 - عبد الملك (4) بن أحمد بن نعيم بن الحافظ أبي نعيم عبد الملك بن عديّ، أبو نعيم، الإستراباذيّ، ولي قضاء جرجان، وحدّث عن: جدّه أبي نعيم، وابن ماجة (5)
أحمد بن الحسن القزويني، وليس هو صاحب السّنن المشهورة، والحافظ ابن عديّ.
توفي في آخر السنة.
296 - علي بن محمد أبو الفتح البستي (6)، الكاتب الشاعر المشهور، وقيل: اسمه
__________
11/ 344، حاجي خليفة: كشف الظنون 2/ 1206، وابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 4/ 228، البغدادي: هدية العرافين 1/ 70، ابن الصلاح: طبقات 1/ 402، الإسنوي:
طبقات 2/ 518.
(1) صنف: غريب القرآن، وغريب الحديث، وولاة هراة، حاجي خليفة: كشف الظنون 1206، 1209.
(2) ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 34.
(3) ابن الصلاح: طبقات الشافعية 4021.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 433 (ترجمة رقم 5592) وتاريخ جرجان للسهمي ص 277 (ت 467).
(5) ابن ماجة صاحب السنن المشهورة هو: محمد بن يزيد بن ماجة الربعي القزويني (أبو عبد الله) مات سنة 273هـ، الذهبي: تذكرة الحفاظ 2/ 189.
(6) ترجمته في: الثعالبي، يتيمة الدهر 4/ 309284، وابن كثير: البداية 11/ 345، حاجي خليفة، كشف الظنون 1336، 1626، البغدادي، هدية العارفين 1/ 685، فهرس المخطوطات المصورة 1/ 455، ابن السمعاني: الأنساب 1/ 210، ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 378376، الذهبي: العبر 3/ 75، الصفدي: الوافي 12/ 196، السبكي:
طبقات 5/ 293، الإسنوي: 1/ 221، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 4/ 106، ابن العماد:(1/316)
علي بن محمد بن حسين بن يوسف بن عبد العزيز. وقيل: علي بن أحمد بن الحسن.
له أسلوب معروف في التّجنيس. روى عنه من شعره: أبو عبد الله الحاكم، وأبو عثمان الصابوني، وأبو عبد الله الحسين بن علي البرذعيّ. قال الحاكم: هو واحد عصره.
حدّثني أنه سمع الكثير من أبي حاتم بن حبّان. ومن نثره:
من أصلح فاسده (1)، أرغم حاسده. عادات السادات سادات العادات (2). لم يكن لنا طمع في درك درّك، فأعفنا من شرك، شرّك (3) يا جهل. من كان على السّلطان مدّلا، وللإخوان مذلّا (4)، إذا صحّ ما فاتك (5) فلا تأس على ما فاتك. المعاشرة، ترك المعايرة (6). من سعادة جدّك، وقوفك عند حدّك.
ومن شعره (7): [من الوافر]:
أعلّل بالمنى روحي لعلّي ... أروّح بالأماني الهمّ عنّي
وأعلم أنّ وصلك لا يرجّى ... ولكن لا أقلّ من التمّنّي
وله أيضا (8): [من البسيط]:
زيادة المرء في دنياه نقصان ... وربحه غير محض الخير خسران
وكلّ وجدان حظّ لا ثبات له ... فإنّ معناه في التّحقيق فقدان
يا عامرا لخراب الدّار مجتهدا ... بالله، هل لخراب العمر عمران
ويا حريصا على الأموال يجمعها ... أقصر فإنّ سرور المال أحزان
زع الفؤاد عن الدنيا وزخرفها ... فصفوها كدر والوصل هجران
أحسن إلى النّاس تستعبد قلوبهم ... فطالما استعبد الإنسان إحسان
__________
شذرات الذهب 3/ 159، طبقات ابن الصلاح 2/ 644.
(1) الثعالبي يتيمة الدهر 4/ 287، وفيات الأعيان 3/ 376.
(2) نفسه.
(3) نفسه 4/ 288.
(4) نفسه 4/ 287.
(5) نفسه.
(6) نفسه 4/ 288.
(7) البيتان في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 296.
(8) الأبيات وعددها (20) بيتا في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 294، 295.(1/317)
وإن أساء مسييء فليكن لك في ... عروض زلّته صفح وغفران
واشدد يديك بحبل الله معتصما ... فإنّه الرّكن إن خانتك أركان
من استعان بغير الله في طلب ... فإنّ ناصره عجز وخذلان
من جاد بالمال مال الناس قاطبة ... إليه والمال للإنسان فتّان
من سالم النّاس يسلم من غوائلهم ... وعاش وهو قرير العين جذلان
والنّاس أعوان من وانته دولته ... وهم عليه إن خانته أعوان
يا ظالما فرحا بالسّفد ساعده ... إن كنت في سنة فالدهر يقظان
لا تحسبنّ سرورا دائما أبدا ... من سرّه زمن ساءته أزمان
لا تغترر بشباب رائق فضل ... فكم تقدّم قبل الشيب شبّان
ويا أخا الشّيب لو ناصحت نفسك لم ... يكن لمثلك في اللّذات إمعان
هب الشّبيبة تبلي عذر صاحبها ... ما عذر أشيب يستهويه شيطان
كلّ الذّنوب فإنّ الله يغفرها ... إن شيّع المرء إخلاص وإيمان
وكلّ كسر فإنّ الدّين يجبره ... وما لكسر قناة الدّين جبران
297 - محمد بن الحسين (1) بن داود بن علي السيد (أبو الحسين) العلويّ الحسنيّ النيسابوري، شيخ الأشراف في عصره. سمع: أبا حامد، وأبا محمد ابني الشرفي، ومحمد بن إسماعيل بن إسحاق المروزيّ صاحب علي بن حجر، ومحمد بن الحسين القطّان، ومحمد بن عمر بن جميل الأزديّ، وأبا حامد بن بلال، وعبيد الله بن إبراهيم بن بالويه، وأبا نصر محمد بن حمدويه بن سهل الغازي، وأبا بكر بن دلّويه الدّقّاق، وكان يسأل الحديث، فلا يحدّث. ثم في الآخر عقدت له الإملاء، وانتقيت له ألف حديث. وكان يعدّ في مجلسه ألف محبرة. فحدّث وأملى ثلاث سنين، ثم توفي فجأة في جمادى الآخرة (2). وروى عنه أيضا الإمام أبو بكر البيهقي، وهو من كبار شيوخه، بل أكبرهم، وأبو بكر محمد بن القاسم الصّفّار، وأبو القاسم إسماعيل بن زاهر، ومحمد بن عبيد الله الصّرّام، وأبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذّن، وعمر بن
__________
(1) ترجمته في: العبر 3/ 76، سير أعلام النبلاء 17/ 98، 99رقم 60، الوافي بالوفيات 2/ 373 رقم 843، والسبكي: طبقات الشافعية الكبرى 3/ 148، 149، شذرات الذهب 3/ 162.
(2) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 148، 149.(1/318)
شاه المقرىء، وأحمد بن محمد بن مكرم الصيدلاني، وموسى بن عمران بن محمد الأنصاري، وفاطمة بنت الزاهد أبي علي الدّقّاق، وآخرون. وتفرّد بالرواية عن جماعة من كبار شيوخه.
298 - منصور (1) بن عبد الله بن عدي، الواعظ، الفاضل أبو حاتم بن الحافظ أبي أحمد الجرجاني، روى عن: أبيه، والإسماعيليّ. روى عنه: ابنه إسماعيل. وكان يعظ في مسجد والده، إلى أن مات في سابع جمادى الأولى.
299 - يحيى بن يحيى (2) بن محمد (أبو الحسن) ابن المحدّث أبي زكريا العنبريّ.
سمع أباه: وشهد وحدّث، وتوفي في رجب. ورّخه الحاكم.
سنة اثنتين وأربعمئة
300 - محمد بن (3) عبد الله بن الحسن (أبو الحسين) ابن اللبّان، البصري، الفرضي، العلّامة. سمع: أبا العباس الأثرم، ومحمد بن بكر بن داسه. وحدّث (بسنن أبي داود) ببغداد، فسمعها منه: القاضي أبو الطيب الطبري. وغيره. وقيل:
إنه كان يقول: ليس في الدنيا فرضي إلا من أصحابي، أو أصحاب أصحابي، أو لا يحسن شيئا. ولا ريب أنه إليه المنتهى في هذا الشأن. ولكن لو سكت لكان أكمل له.
فإن العالم إذا قال مثل هذا، مجّته نفوس العقلاء، ودخله كبر وخيلاء. وقال الشيخ أبو إسحاق: كان ابن اللبّان إماما في الفقه والفرائض. صنّف فيها كتبا كثيرة ليس لأحد مثلها. أخذ عنه أئمّة وعلماء. قال ابن أرسلان: دخل ابن اللبّان خوارزم (4) في أيام أبي
__________
(1) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 44) ص 52، تاريخ جرجان ص 475 (ترجمة رقم 949).
(2) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 49) ص 53.
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5/ 472 (3022)، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 164، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 4/ 231، الصدفي: الوافي 3/ 319، البغدادي:
هدية العارفين 2/ 59، العبر 3/ 80، الإسنوي: 2/ 263، حاجي خليفة: كشف الظنون 206، 1245/ ابن الصلاح: طبقات 1/ 184، سير أعلام النبلاء 17/ 217.
(4) خوارزم: إقليم واسع ببلاد الترك، قصبتها: الجرجانية، وهي من بلاد نهر جيحون، / ياقوت:
معجم البلدان 2/ 394395.(1/319)
العباس مأمون بن محمد بن علي بن مأمون خوارزم شاه. فأكرمه وبرّه، وبالغ، وأمر فبني باسمه مدرسة ببغداد، ينزل فيها فقهاء خوارزم. وكان هو يدرّس بها، وخوارزم شاه يبعث إليه كل سنة بمال. ثم قال: وأنا رأيت هذه المدرسة، وقد خربت بقرب قطيعة الربيع. وثّقه الخطيب (1)، وقال: انتهى إليه علم الفرائض، وصنّف فيه كتبا، وتوفي في ربيع الأول.
سنة ثلاث وأربعمئة
301 - الحسين (2) بن الحسن بن محمد بن حليم، القاضي أبو عبد الله، الحليميّ البخاري، الفقيه الشافعي، أوحد الشافعيين بما وراء النهر، وأنظرهم، وآدبهم، بعد أستاذيه أبي بكر القفّال، وأبي بكر الأوديّ. سمع: أبا بكر محمد بن أحمد بن خنب، وبكر بن محمد المروزيّ، وغيرهما. وكان مولده بجرجان سنة ثمان وثلاثين وثلاثمئة.
وحمل إلى بخارى صغيرا. وقيل: بل ولد ببخارى، وكان رئيس أصحاب الحديث، وله التصانيف (3) المفيدة، نقل منها البيهقي كثيرا. وله وجوه حسنة في المذهب. روى عنه الحاكم مع تقدّمه، وتوفي في ربيع الأول. وروى عنه: أبو زكريا عبد الرحيم البخاري، وأبو سعد الكنجروديّ.
302 - الهيثم بن أحمد (4) بن محمد بن سلمة. أبو الفرج القرشيّ، الدمشقي، الفقيه الشافعي، المعروف بابن الصّباغ. إمام مسجد سوق اللؤلؤ [بدمشق]. قرأ على: أبي الفرج الشّنبوذيّ، وأبي الحسن علي بن محمد بن إسماعيل. وصنّف [كتابا في] قراءة حمزة. وحدّث عن: ابن أبي العقب، وأبي عبد الله بن مروان، وجماعة. وروى عنه:
__________
(1) تاريخ بغداد 5/ 470.
(2) ترجمته في: الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 219، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 343333، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 167، حاجي خليفة: كشف الظنون 1047، 1871، سير أعلام النبلاء 17/ 234231، والإسنوي: طبقات 1/ 404، وابن الصلاح: طبقات 2/ 742، تاريخ جرجان للسهمي 198، 199.
(3) صنف الحليمي من الكتب: منهاج الدين في شعب الإيمان، في نحو ثلاث مجلدات، آيات الساعة. أحوال القيامة. حاجي خليفة: كشف الظنون 1047.
(4) ابن الجزري: طبقات القراء 2/ 357، ابن الصلاح: طبقات 2/ 892، والسبكي: طبقات 5/ 357356، وغاية النهاية 2/ 357رقم 3793.(1/320)
علي بن محمد بن شجاع، وعلي الحنّائي، وأبو علي الأهوازيّ، وآخرون. وكان من فضلاء الشاميين. توفي في ربيع الأول.
سنة أربع وأربعمائة
303 - أحمد بن علي (1) بن عمرو الحافظ، أبو الفضل، السّليماني، البيكنديّ، البخاري. رحل إلى الآفاق، ولم يكن له نظير في عصره ببخارى، حفظا وإتقانا، وعلوّ إسناد، وكثرة تصانيف. سمع: محمد بن حمدويه بن سهل، وعلي بن إسحاق المادرائيّ، ومحمد بن يعقوب الأصمّ، ومحمد بن صابر بن كاتب البخاريّ، ومحمود بن إسحاق الخزاعيّ، وصالح بن زهير البخاريّين، وعلي بن سختويه، وعلي بن إبراهيم بن معاوية، النيسابوريين. وعبد الله بن جعفر بن فارس الإصبهاني.
قال ابن السمعاني في كتاب (الأنساب) (2): السّليماني نسب إلى جدّه لأمّه، أحمد بن سليمان البيكنديّ. له التصانيف الكبار. وكان يصنّف في كل جمعة شيئا، ويدخل من بيكند إلى بخارى، ويحدّث بما صنّف. روى عنه: جعفر بن محمد المستغفري وولده أبو ذرّ محمد بن جعفر، وجماعة بتلك الديار. توفي في ذي القعدة. وله من العمر ثلاث وتسعون سنة. فإنه ولد سنة إحدى عشرة وثلاثمئة.
304 - سهل بن محمد (3) بن سليمان الإمام (أبو الطّيب) ابن الإمام أبي سهل العجلي، الحنفي، الصّعلوكي، النيسابوري، الفقيه الشافعي، مفتي نيسابور، وابن
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 4241، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 226224، وابن الأثير: اللباب 2/ 132، 557، الإسنوي 2/ 40، ابن الصلاح: طبقات 1/ 355، ابن العماد: شذرات 3/ 172، البغدادي: هدية العارفين 1/ 71، الصفدي: الوافي 7/ 216، السمعاني الأنساب 1/ 122، ياقوت: معجم البلدان 1/ 523.
(2) ابن السمعاني: الأنساب 7/ 122.
(3) ترجمته في: ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 172، حاجي خليفة: كشف الظنون 1100، 1645، الزركلي: الأعلام 3/ 210، البغدادي: هدية العارفين 1/ 415، ابن كثير: البداية 12/ 324، الإسنوي 2/ 126، ابن خلكان: وفيات 2/ 435، الشيرازي طبقات / 100، السبكي: طبقات 4/ 393، ابن الصلاح: طبقات 1/ 480، الأنساب 2/ 64، تبيين كذب المفتري 214211، سير أعلام النبلاء 17/ 209207رقم 121، الوافي بالوفيات 16/ 12، 13، هدية العارفين 1/ 412.(1/321)
مفتيها، تفقّه على: أبيه، وسمع: من أبي العباس الأصمّ، وأبي علي الرّفّاء، وجماعة من أقرانهما. ودرس الفقه، واجتمع إليه الخلق. قال أبو عبد الله الحاكم: هو أنظر من رأينا، وتخرّج به جماعة، وحدّث، وأملى. قال: وبلغني أنّه كان في مجلسه أكثر من خمسمائة محبرة. وقال أبو إسحاق: كان فقيها أديبا، جمع رئاسة الدين والدنيا. وأخذ عنه فقهاء نيسابور. وقال الحاكم: كان أبوه يجلّه ويقول: سهل والد. قلت: روى عنه الحاكم، وأبو بكر البيهقي، ومحمد بن سهل، أبو نصر الشاذياخيّ وآخرون. ومن بديع نثره (1): من تصدّر قبل أوانه، فقد تصدّى لهوانه. وقال: إذا كان رضى الخلق معسورا لا يدرك، كان ميسوره لا يترك. إنما نحتاج إلى إخوان العشرة، لزمان العسرة. توفي رحمه الله في رجب.
سنة خمس وأربعمئة
305 - الحسن بن (2) أحمد بن محمد الليث، الحافظ الكشّي ثم الشيرازي الفقيه (أبو علي) كان جليل القدر من أهل القرآن. سمع ببغداد من: إسماعيل الصّفّار، وعبد الله بن درستويه، وبنيسابور من: الأصم، وابن الأخرم الشيباني وبفارس من:
الحسن بن عبد الرحمن الرّامهرمزيّ. سمع منه: أبو عبد الله الحاكم وقال: هو متقدّم في معرفة القراءات، حافظ للحديث، رحّال. قدم علينا أيام الأصمّ، ثم قدم علينا سنة ثلاث وخمسين. وذكر غيره، وفاته في شعبان. ومات ابنه محمد في سنة 438هـ. وقد ذكر ابن الصلاح أبا علي في (الطبقات الشافعية) (3) مختصرا. فقال: هو والد الليث، وأبي بكر. وذكره أبو عبد الله القصّار، في (طبقات أهل شيراز) وأثنى عليه كثيرا، ثم قال: ومن أصحابه زيد بن عمر بن خلف الحافظ، ومحمد بن موسى الحافظ، ومحمد بن عبد الرحمن الحافظ، توفي لثمان عشرة مضت من شعبان، وابنه أبو بكر
__________
(1) انظر: ابن عساكر: تبيين كذب لمفتري 214211، وفيات الأعيان 2/ 435.
(2) ترجمته في: السمعاني: الأنساب 10/ 441، ابن الأثير: اللباب 3/ 100، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 302الإسنوي: طبقات 2/ 91، ابن كثير: البداية 11/ 207، ابن العماد: شذرات 3/ 175، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 442، تذكرة الحفاظ 3/ 1037، سير أعلام النبلاء 17/ 109، 210.
(3) انظر: ابن الصلاح: طبقات 4421.(1/322)
محمد، سمع من ابن المنقريّ. مات سنة سبع وأربعين وأربعمئة. قال يحيى بن مندة:
روى عن: أبي علي أبو الشيخ حديثا واحدا. وقد سمع بإصبهان، من أبي محمد بن فارس.
306 - الحسن بن الحسين (1) بن حمكان (أبو علي) الهمذاني، الشافعي الفقيه، نزيل بغداد، روى عن: عبد الرحمن بن حمدان الجلّاب، وعلي بن إبراهيم، وعلّان البلديّ، وجعفر الخلدي، وأبي بكر محمد بن الحسن النّقّاش. روى عنه: أحمد بن علي النّوّزيّ، وأبو القاسم الأزهريّ، ومحمد بن جعفر الأستراباذيّ وآخرون. وكان قد عني بطلب الحديث، بحيث أنه قال: كتبت بالبصرة وحدها عن أربعمئة وسبعين شيخا.
ثم إنه طلب الفقه بعد ذلك. قال الخطيب: سمع الأزهريّ يضعّفه ويقول: ليس بشيء في الحديث.
307 - عبد الواحد بن الحسين (2) أبو القاسم الصّمريّ الفقيه. شيخ الشافعية بالبصرة، ومن أصحاب الوجوه. حضر مجلس أبي حامد المرورّوذيّ، وتفقّه بصاحبه أبي الفيّاض البصريّ. رحل الناس للتفقّه عليه، وهو شيخ أقضى القضاة الماورديّ. وله كتاب (الإيضاح في المذهب) وهو كتاب جليل. ومن غرائب وجوهه أنه قال: لا يملك الرجل الكلأ النّابت في ملكه. ومنها: أنه لا يجوز مسّ المصحف لمن بعض بدنه نجس. وكان في هذا العصر بالبصرة، ولا أعلم تاريخ موته، وإنما كتبته اتّفاقا.
308 - محمد بن الإمام أبي بكر أحمد (3) بن إبراهيم بن إسماعيل. أبو نصر الإسماعيلي. رأس في أيام أبيه، وبعد موته. وكان له جاه عظيم بجرجان، وقبول زائد. وقد رحل في صباه، وسمع من: محمد بن يعقوب الأصمّ، وأبي يعقوب البحريّ، ودعلج، وابن دحيم الكوفيّ، وأبي بكر الشافعي، وجماعة كثيرة. وكان
__________
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 7/ 299. الإسنوي طبقات 1/ 422، السبكي:
طبقات 4/ 304، ابن الصلاح: طبقات 2/ 736.
(2) ترجمته في: النواوي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 265، الشيرازي: طبقات الفقهاء 125، البغدادي: هدية العارفين 1/ 433والسبكي: طبقات الشافعية 3/ 339، الإسنوي 2/ 127، ابن الصلاح: طبقات 2/ 575/ مات سنة 386هـ.
(3) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1م 293، 316، 418، وتاريخ جرجان للسهمي 452رقم 883، وابن عساكر: تبيين كذب المفتري 231، 232.(1/323)
يدرّس الحديث. أملى مجالس كثيرة، وتوفي في ربيع الآخر روى عنه: حمزة السهمي، وقال في تاريخه (1): كان له جاه عظيم، وقبول عند الخاص والعام في كثير من البلدان. وقال السّلّمي في الطبقات الكبرى: ذكره ابن عساكر في كتاب (التبيين) (2)، لكونه وأهل بيته من أجلّاء الأشاعرة، وقول شيخنا الذهبي في ترجمة المذكور: وزعم ابن عساكر أنه كان أشعريا لا يتوهّم فيه. إذ الأمر عندنا بخلاف ذلك، فإن أشعرية هذا الرّجل، وأهل بيته أوضح من أن تخفى. ولكن شيخنا على عادته في الإيهام، غضّ من الأشاعرة سامحه الله.
309 - محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه (3) بن نعيم بن الحكم، الضّبّي، الطّهماني، النيسابوري الحافظ أبو عبد الله. الحاكم المعروف بابن البيّع. صاحب التصانيف في علوم الحديث. ولد يوم الاثنين ثالث ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمئة، طلب العلم من الصّغر باعتناء أبيه وخاله. فأول سماعه سنة ثلاثين، واستملى على أبي حاتم بن حبّان، سنة أربع وثلاثين. ورحل إلى العراق سنة إحدى وأربعين، بعد موت إسماعيل الصّفّار، بأشهر. وحجّ ورحل إلى بلاد خراسان، وماوراء النهر.
وشيوخه الذين سمع منهم بنيسابور وحدها، نحو ألف شيخ. وسمع بالعراق، وغيرها من البلدان من نحو ألف شيخ. وحدّث عن أبيه. وقد رأى أبوه مسلم بن الحجّاج. روى عن: محمد بن عليّ المذكّر، ومحمد بن يعقوب الأصمّ، ومحمد بن يعقوب بن الأخرم، ومحمد بن عبد الله بن أحمد الإصبهاني الصّفّار، نزيل نيسابور، ومحمد بن أحمد بن محبوب المروزيّ، وأبي حامد أحمد بن عليّ بن حسنويه المقرىء، والحسن بن يعقوب البخاريّ، والقاسم بن القاسم السيّاريّ، وأبي بكر أحمد بن إسحاق الصّبغي الفقيه، وأبي النّضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه، وأبي جعفر محمد بن
__________
(1) تاريخ جرجان 452.
(2) هو كتاب تبيين كذب المفتري، فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري.
(3) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5/ 473، وابن خلكان وفيات 4/ 281280، والسبكي طبقات الشافعية 4/ 171155، وابن الجوزي: المنتظم 15/ 110109، ابن الأثير، اللباب 1/ 198، وابن حجر: لسان الميزان 5/ 233232، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 10451039، ابن كثير: البداية 11/ 355، البغدادي: هدة العارفين 2/ 59، الإسنوي 1/ 407405، الأنساب 2/ 370، وابن العماد: شذرات 3/ 176، ابن الصلاح: طبقات 1/ 1008، سير أعلام النبلاء 17/ 177162، تاريخ الخلفاء 216.(1/324)
صالح بن هانىء، وأبي عمرو عثمان بن السمّاك، وأبي بكر أحمد بن سلمان النّجّاد، وأبي محمد عبد لله بن جعفر بن درسنويه، وأبي محمد بن حمدان الجلّاب، الهمذاني، والحسين بن الحسن الطّوسي، وعلي بن محمد بن عقبة الشيباني، الكوفي، وأبي علي الحسين بن علي النيسابوري، الحافظ. وبه تخرّج: وأبي الوليد حسّان بن محمد المزكّي الفقيه، وأبي جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي المؤدّب. وعبد الباقي بن قانع الأموي الحافظ، ومحمد بن حاتم بن خزيمة الكشّيّ، شيخ معمّر، قدم عليهم (1).
روى عن: عبد بن حميد، وغيره. ولم يزل يسمع حتى كتب عن غير واحد، أصغر منه سنّا وسندا، روى عنه: أبو الحسن الدارقطني، وهو من شيوخه، وأبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو العلاء محمد بن علي الواسطي، وأبو ذرّ عبد بن أحمد الهرويّ، وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، وأبو يعلى الخليل بن عبد الله القزويني. وأبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري، وعثمان بن محمد المحمي الزكيّ وعبد الحميد بن أبي نصر البحيريّ، وابو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذّن، وجماعة، آخرهم أبو بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي (2). وانتخب على خلق كثير، وجرح وعدّل. وقبل قوله في ذلك، لسعة علمه ومعرفته بالعلل، والصحيح والسقيم. وقرأ القرآن العظيم على: أبي عبد الله محمد بن أبي منصور الصّرّام، وابن الإمام المقرىء بنيسابور، وعلى: أبي علي بن النّقّار الكوفيّ، وأبي عيسى بكّار البغدادي، وتفقّه على: أبي علي ابن أبي هريرة، وأبي سهل محمد بن سليمان الصّعلوكي، وأبي الوليد حسان بن محمد.
والإمام المقرىء أحمد بن العباس، قرأ على أحمد بن سهل الأشنانيّ وغيره. وذاكر أبا بكر محمد بن عمر الجعابي، وأبا علي النيسابوريّ، وأبا الحسن الدارقطني. وسمع منه: أحمد بن أبي عثمان الحيريّ، وأبو بكر القفّال الشاشي، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزنيّ، وابن المظفّر، وهم من شيوخه. وصحب من الصوفية: أبا عمرو بن نجيد، وجعفر الخلدي، وأبا عثمان المغربيّ، وجماعة سواهم بنيسابور. ورحل إليه من البلاد، وحدّث عنه في حياته، وأبلغ من هذا، أن أبا عمر (3) الطّلمنكي، كتب علوم
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 183) ص 123.
(2) نفسه.
(3) هو: أحمد بن محمد بن عبد الله، المقرىء أبو عمر الطلمنكي، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 102، 4/ 157، 5/ 71.(1/325)
الحديث للحاكم عن شيخ له. سنة تسع وثمانين وثلاثمئة، بسماعه من صاحب الحاكم، عن الحاكم. أخبرنا أبو علي بن الخلّال، أنا جعفر الهمداني، أنا أبو طاهر بن سلف.
سمعت إسماعيل بن عبد الجبّار القاضي بقزوين، يقول: سمعت الخليل بن عبد الله الحافظ يقول: فذكر الحاكم أبا عبد الله وعمه، وقال: له رحلتان إلى العراق والحجاز.
الرحلة الثانية، سنة ثمان وستين، وناظر الدارقطني، فرضيه وهو ثقة، واسع العلم.
بلغت تصانيفه للكتب الطّوال والأبواب، وجمع للشيوخ، قريبا من خمسمائة جزء، يستقصي في ذلك، يؤلّف الغثّ، والسمين، ثم يتكلّم عليه، فيبيّن ذلك، وتوفي سنة ثلاث وأربعمئة.
قلت: وهم الخليل في وفاته، ثم قال: سألني في اليوم، لمّا دخلت عليه ويقرأ عليه في فوائد العراقيّين: سفيان الثوري، عن أبي سلمة، عن الزّهري، عن سهل بن سعد حديث الاستئذان. فقال لي: من أبو سلمة هذا؟ فقلت من وقتي: هو المغيرة بن مسلم السّرّاج. فقال لي: وكيف يروي المغيرة عن الزهري؟ فبقيت كذا. ثم قال: قد أمهلتك أسبوعا، حتى تتفكر فيه. قال: فتفكرت ليلتي حتى بقيت أكرّر التفكّر، فلما وقعت إلى أصحاب الجزيرة، من أصحابه، تذكّرت محمد بن أبي حفصة، فإذا كنيته أبو سلمة.
فلما أصبحت حضرت مجلسه، ولم أذكر شيئا، حتى قرأت عليه نحو مائة حديث، فقال لي: هل تفكرت فيما جرى؟ فقلت: نعم. هو محمد بن أبي حفصة. فتعجّب. وقال لي: نظرت في حديث سفيان لأبي عمرو البحيري؟ فقلت: لا. وذكرت له ما أقمت في ذلك، فتحيّر وأثنى عليّ، ثم كنت أسأله. فقال لي: أنا إذا ذاكرت اليوم في باب، لا بدّ من المطالعة لكبر سنّي. فرأيته في كلّ ما ألقي عليه بحرا. وقال لي: اعلم بأن خراسان، وما وراء النهر، لكل بلدة تاريخ صنّفه عالم منها، ووجدت نيسابور، مع كثرة العلماء بها، لم يصنّفوا فيه شيئا، فدعاني ذلك إلى أن صنّفت (تاريخ النيسابوريّين) (1) فتأملته ولم يسبقه إلى ذلك أحد. وصنّف لأبي علي بن سيمجور كتابا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وأزواجه، وحديثه. وسمّاه (الإكليل (2). لم أر أحدا رتّب ذلك الترتيب وكنت أسأله عن الضّعفاء الذين نشأوا بعد الثلاثمئة بنيسابور وغيرها، من شيوخ
__________
(1) صنف أبو عبد لله الحاكم تاريخ نيسابور، واسمه: محمد بن عبد الله بن حمدون الحاكم / السبكي: طبقات الشافعية 1/ 119، 2/ 52، 3/ 40، 183، 4/ 141.
(2) صنف أبو عبيد الله الحاكم (الإكليل) / السبكي: طبقات الشافعية 4/ 156.(1/326)
خراسان، وكان يبين من غير محاباة. أخبرنا المسلم بن علّان، ومؤمّل بن محمد كتابة قالا: أنا، أبو اليمن الكنديّ أنا: أبو منصور القزاز، أنا: أبو بكر الخطيب. قال: أبو عبد الله بن البيّع الحاكم، كان ثقة، وأول سماعه في سنة ثلاثين وثلاثمئة، وكان يميل إلى التشيّع (1). فحدثني إبراهيم بن محمد الأرمويّ، بنيسابور، وكان صالحا عالما، قال (2): جمع أبو عبد الله الحاكم أحاديث، وزعم أنها صحاح، على شرط خ. م، منها: حديث الطائر، و «من كنت مولاه فعليّ مولاه» (3). فأنكر (4) عليه أصحاب الحديث ذلك، ولم يلتفتوا إلى قوله. وقال أبو نعيم بن الحدّاد: سمعت الحسن بن أحمد السمرقندي، الحافظ: سمعت أبا عبد الرحمن الشاذياخيّ الحاكم يقول: كنّا في مجلس السيد أبي الحسن، فسئل أبو عبد الله الحاكم، عن حديث الطّير فقال:
لا يصحّ، ولو صحّ لما كان أحد أفضل من عليّ بعد النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: هذه الحكاية سندها صحيح، فما باله أخرج حديث الطّير في (المستدرك على الصحيح) (5)؟ فلعلّه تغيّر رأيه. وأنبأونا عن أبي سعد عبد الله بن عمر الصّفّار، وغيره، عن أبي الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي، قال: أبو عبد الله الحاكم: هو إمام أهل الحديث في عصره، العارف به حقّ معرفته، يقال له الضّبيّ، لأن جدّ جدّته، عيسى بن عبد الرحمن الضّبيّ، وأم عيسى هي متّويه بنت إبراهيم بن طهمان الفقيه، وبيته بيت الصلاح والورع والمتأدبين في الإسلام. وقد ذكر أباه في تاريخه، فأغنى عن إعادته.
ولد سنة (6) إحدى وعشرين وثلاثمئة، ولقي عبد الله بن محمد الشّرقي، وأبا حامد بن بلال، وأبا عليّ الثقفي، ولم يسمع منهم وسمع من أبي طاهر المحمد آباذيّ، وأبي بكر القطّان، ولم يظفر بمسموعه منهما. وتصانيفه المشهورة تطفح بذكر شيوخه.
__________
(1) انظر: الخطيب: تاريخ بغداد 5/ 473، ابن الجوزي: المنتظم 15/ 109.
(2) شرط خ م البخاري ومسلم، المنتظم 15/ 109.
(3) حديث «من كنت مولاه فعليّ مولاه». حديث صحيح ثابت، أخرجه الترمذي (4713) وأخرجه أحمد بن حنبل 4/ 370، 372من حديث زيد بن أرقم، وسنده صحيح، وأخرجه ابن ماجه (121) من حديث البراء بن عازب، وابن حبّان (2205) والحاكم في المستدرك 3/ 110، وابن المغازلي في: مناقب أمير المؤمنين عليّ، 31رقم 32و 26و 27.
(4) انظر: ابن الجوزي: المنتظم 15/ 109، وتاريخ بغداد 5/ 473.
(5) انظر الحاكم: المستدرك 3/ 110وجاء في المنتظم لابن الجوزي 15/ 109: قال أبو عبد الله الحاكم: «حديث الطائر لم يخرج في الصحيح وهو صحيح».
(6) انظر: ابن الجوزي: المنتظر 15/ 109، تاريخ بغداج 5/ 473.(1/327)
وقد قرأ القرآن بخراسان، والعراق، على قرّاء وقته. وتفقّه على: أبي الوليد حسان، والأستاذ أبي سهل. واختصّ بصحبة إمام وقته أبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغيّ، فكان الإمام يراجعه في السّؤال، والجرح والتعديل، والعلل. وأوصى إليه في أمور مدرسته دار السّنة، وفوّض إليه تولية أوقافه في ذلك (1). وذاكر مثل: الجعابيّ (2)، وأبا علي الماسرجسيّ الحافظ، الذي كان أحفظ زمانه. وقد شرع الحاكم في التصنيف، سنة سبع وثلاثين، فاتفق له من التصانيف (3)، ما لعلّه يبلغ قريبا من ألف جزء، من تخريج الصحيحين، والعلل، والتراجم، والأبواب، والشيوخ، ثم المجموعات، مثل (معرفة علوم الحديث) و (مستدرك الصحيحين) و (تاريخ النيسابوريين) وكتاب (مزكّي الأخبار) و (المدخل إلى علم الصحيح) وكتاب (الإكبليل) و (فضائل الشافعي) وغير ذلك. ولقد سمعت مشايخنا يذكرون أيّامه، ويحكون: أن متقدّمي عصره، مثل الإمام أبي سهل (4) الصّعلوكي، والإمام ابن فورك (5)، وسائر الأئمة، يقدّمونه على أنفسهم، ويراعون حقّ فضله، ويعرفون له الحرمة الأكيدة. ثم أطنب عبد الغافر في نحو ذلك من تعظيمه. وقال: هذه جمل يسيرة، هي غيض من فيض سيره وأحواله. ومن تأمّل كلامه في تصانيفه، وتصرّفه في أماليه، ونظره في طرق الحديث، أذعن لفضله، واعترف له بالمزيّة على من تقدّمه، وإتعابه من بعده، وتعجيزه اللاحقين، عن بلوغ شأوه (6). عاش حميدا ولم يخلف في وقته مثله. مضى إلى رحمة الله، في ثامن صفر سنة خمس وأربعمائة (7). وقال أبو حازم عمر بن أحمد
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 4/ 64، غاية النهاية في طبقات القراء: ابن الجزري 2/ 184.
(2) الجعابي: محمد بن عمر بن محمد أبو بكر الجعابي الفقيه / السبكي: طبقات الشافعية 1/ 316و 3/ 287و 4/ 19.
(3) الذهبي: سير أعلام النبلاء 17/ 177162، ابن الصلاح: الطبقات 1/ 998، ابن الجزري:
طبقات القراء 2/ 185.
(4) هو: محمد بن سليمان بن محمد العجلي الحنفي الصعلوكي (أبو سهل) الفقيه / السبكي:
طبقات الشافعية 2/ 173266.
(5) هو: محمد بن الحسن الأنصاري الأصبهاني أبو بكر (ابن فورك) السبكي: طبقات الشافعية 1/ 218، 3/ 172، 4/ 135127.
(6) الشأو: الغاية والأمد / مختار الصحاح /.
(7) مات الحاكم (ابن البيع) سنة 405هـ / تاريخ بغداد 5/ 474، ابن حجر: لسان الميزان 5/ 232، 233.(1/328)
العبدوي الحافظ: سمعت الحاكم أبا عبد الله، إمام أهل الحديث في عصره يقول:
شربت ماء زمزم، وسألت الله تعالى أن يرزقني حسن التصنيف. قال أبو حازم: وسمعت السّلمي يقول: كتب على ظهر جزء: من حديث أبي الحسين الحجّاجي. الحافظ.
فأخذ القلم، وضرب على الحافظ، وقال: إيش أحفظ أنا؟! فأبو عبد لله ابن البيّع أحفظ مني، وأنا لم أر من الحفاظ إلا أبا علي النيسابوري، وابن عقدة (1). وسمعت السّلمي يقول: سألت الدارقطني: أيّهما أحفظ ابن مندة (2)، أو ابن البيّع؟ فقال: ابن البيّع أتقن حفظا. قال أبو حازم: أقمت عند الشيخ أبي عبد لله العصميّ، قريبا من ثلاث سنين، ولم أر في جملة مشايخنا أتقن منه، ولا أكثر تنقيرا (3). وكان إذا أشكل عليه شيء، أمرني أن أكتب إلى الحاكم أبي عبد الله. فإذا ورد جواب حاسم، حكم به، وقطع بقوله. ذكر هذا كله الحافظ أبو القاسم بن عساكر أنه قرأه بخطّ أبي الحسن، علي بن سليمان اليمنيّ. قال: وقع لي عن أبي حازم العبدويّ، فذكره. وممّن روى عن الحاكم من الكبار، قال أبو صالح المؤذن: أنا مسعود بن علي السّجزيّ: ثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك: ثنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن جعفر الحيريّ الحافظ: ثنا أحمد بن محمد بن الفضل بن مطرّف الكرابيسي، سنة سبع وأربعين وثلاثمئة: ثنا محمد بن حمدويه الحافظ: ثنا أحمد بن سليمان النجّاد، ثنا محمد بن عثمان، ثنا الحمّاني: ثنا سعير بن الخمس، عن عبيد الله عن القاسم، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ بلالا يؤذّن بليل الحديث» (4) ثم قال مسعود السّجزي: حدّثنيه الحاكم غير مرّة بهذا.
وكان للحاكم لما رووه عنه ستّ وعشرون سنة. وقال أبو موسى المدينيّ: أنا هبة الله بن عبد الله الواسطي، قال: ثنا الخطيب: أنا أبو القاسم الأزهري: ثنا الدارقطني: حدثي محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوريّ، ثنا محمد بن جعفر النّسوي، نا الخليل بن محمد النّسوي، ثنا خدّاش بن مخلد، ثنا يعيش بن هشام، ثنا مالك عن الزهري، عن
__________
(1) هو: أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي (أبو العباس) أبو عقدة / السبكي: طبقات الشافعي 1/ 316، 3/ 18، 10/ 222.
(2) هو: عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق الحافظ أبو عبد الله، ابن مندة / السبكي: طبقات الشافعية 1/ 65، 3/ 227، 4/ 60، 6/ 378، 7/ 221.
(3) الذهبي: ميزان الاعتدال 3/ 85، غاية النهاية في طبقات القراء: ابن الجزري 2/ 185.
(4) السبكي: طبقات الشافعية 1/ 87، أخرجه أحمد في المسند 6/ 42، ومسلم (1092) والترمذي (203) والنسائي 2/ 10.(1/329)
أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أحسن الهديّة أمام الحاجة» (1) هذا باطل عن مالك. وقد رواه الموقّريّ، وهو واه، عن الزهريّ مرسلا، قال أبو موسى الحافظ: أنا الحسين أبي القاسم سعد بن علي، أنه سمع أبا نصر الوائلي يقول: لمّا ورد أبو الفضل (2) الهمداني إلى نيسابور، وتعصّبوا له، ولقّبوه (بديع الزمان). أعجب بنفسه، إذ كان يحفظ المائة بيت. إذا أنشدت بين يديه، وينشدها من آخرها إلى أوّلها مقلوبة. فأنكر على الناس قولهم: فلان الحافظ في الحديث. ثم قال: وحفظ الحديث ممّا يذكر!؟ فسمع به الحاكم ابن البيّع، فوجه إليه بجزء، وأجلّ له جمعة في حفظه، فردّ إليه الجزء بعد الجمعة، وقال: من يحفظ هذا: محمد بن فلان، وجعفر بن فلان، عن فلان؟ أسامي مختلفة، وألفاظ متباينة. فقال له الحاكم: فعرف نفسك، واعلم أنّ حفظ هذا أصعب ممّا أنت فيه. ثم روى أبو موسى المديني، أن الحاكم دخل الحمّام واغتسل وخرج، ثم قال: آه. وقبضت روحه وهو متّزر لم يلبس قميصه بعد، ودفن بعد العصر، يوم الأربعاء. وصلى عليه القاضي أبو بكر الحيريّ (3). وقال الحسن بن أشعث القرشيّ:
رأيت الحاكم في المنام على فرس في هيئة حسنة وهو يقول: النجاة. فقلت له: أيّها الحاكم، في ماذا؟ قال: في كتبه الحديث. قال الخطيب في تاريخه (4): حدّثني الأزهري قال: ورد ابن البيّع بغداد قديما. فقال: ذكر لي أن حافظكم، يعني الدارقطني، خرّج لشيخ واحد مائة جزء، فأروني بعضها. فحمل إليه منها، وذلك مما خرّجه لأبي إسحاق الطبري. فنظر في أول الجزء الأول، حديثا لعطيّة العوفيّ. فقال:
استفتح بشيخ ضعيف، ثم رمى الجزء من يده، ولم ينظر في الباقي. أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد ببعلبكّ: أنبا: أبو محمد عبد العظيم المنذري: سمعت علي بن الفضل: سمعت أحمد بن محمد الحافظ: سمعت محمد بن طاهر الحافظ يقول: سألت
__________
(1) قال الذهبي: حديث ملصق بمالك، وقد حدّث به الوليد الموقّري وهو أحد الضعفاء. قال أبو حاتم عنه ضعيف الحديث، وقال ابن المديني: لا يكتب حديثه، وقال ابن خزيمة: لا أحتج به، وكذبه يحيى بن معين وقال النسائي متروك الحديث، وقال الدارقطني: باطل. والحديث عن مالك عن الزهري عن أنس. انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 172.
(2) هو: جعفر بن علي بن هبة الله الهمداني (أبو الفضل)، السبكي: طبقات الشافعية 1/ 189، 8/ 318، 10/ 173.
(3) انظر: ابن خلكان وفيات الأعيان 6146131، الصفدي: الوافي 3223203.
(4) الخطيب: تاريخ بغداد 5/ 474.(1/330)
أبا القاسم سعد بن علي الزّنجاني الحافظ بمكة. قلت له: أربعة من الحفاظ تعاصروا، أيّهم أحفظ؟ فقال: من؟ قلت: الدارقطني ببغداد، وعبد الغني (1) بمصر، وأبو عبد الله بن مندة بإصبهان، وأبو عبد الله الحاكم بنسابور. فسكت فألححت عليه؟
فقال: أمّا الدارقطني، فأعلمهم بالعلل، وأمّا عبد الغني فأعلمهم بالأنساب، وأمّا ابن مندة، فأكثرهم حديثا مع معرفة تامة، وأمّا الحاكم فأحسنهم تصنيفا. قلت: قد مرّ عن الدارقطني، أنه أتقن حفظا من ابن مندة. رواها أبو موسى المدينيّ في ترجمة الحاكم، بالإجازة عن ابن طاهر. اخبرنا أبو بكر بن أحمد الفقيه: أنا محمد بن سليمان بن معالي، أنا يوسف بن خليل، أنا محمد بن إسماعيل الطّرسوسي، ح، وأنبأني أحمد بن سلامه، عن الطّرسوسيّ، أن محمد بن طاهر الحافظ كتب إليهم، أنه سأل أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، عن الحاكم أبي عبد الله النيسابوريّ، فقال: ثقة في الحديث.
شيعي (2). أنبأنا ابن سلامة عن الطّرسوسي، عن ابن طاهر. قال كان الحاكم شديد التعصّب، للشيعة في الباطن، وكان يظهر التّسنّن، في التقديم والخلافة. وكان منحرفا غاليّا عن معاوية وأهل بيته، يتظاهر به، ولا يعتذر منه. فسمعت أبا الفتح سمكويه بهراة يقول: سمعت عبد الواحد المليحيّ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السّلمي يقول (3):
دخلت على أبي عبد الله الحاكم، وهو في داره، لا يمكنه الخروج إلى المسجد، من أصحاب أبي عبد الله بن كرّام، وذلك أنهم كسروا منبره، ومنعوه من الخروج. فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل شيئا لاسترحت من هذه المحنة. فقال:
لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي، يعني معاوية. وسمعت المظفّر بن حمزة بجرجان: سمعت أبا سعد المالينيّ يقول: طالعت كتاب (المستدرك على الشيخين) الذي صنّفه الحاكم من أوله إلى آخره، فلم أر فيه حديثا على شرطهما. قلت: هذا إسراف وغلوّ من المالينيّ، وإلا ففي هذا (المستدرك) جملة وافرة على
__________
(1) هو: عبد الغني بن سعيد الأزدي الحافظ المصري (أبو محمد) / السبكي: طبقات الشافعية 1/ 317، 2/ 155، 3/ 260، 5/ 362.
(2) الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 183) ص 131، وقال ابن الجوزي في المنتظم 15/ 109: «كان ابن البيع يميل إلى التشيع» وكذلك ابن الجزري غاية النهاية 2/ 185. وكان ابن البيع لا يحب معاوية بن أبي سفيان وينكر فضائله فتعرض لنقمة الذين يشايعون معاوية واتهم بالتشيع ومنع من الخروج من بيته / ابن الجوزي: المنتظم 5/ 110.
(3) انظر: ابن الجوزي: المنتظم 15/ 110.(1/331)
شرطهما، وجملة كبيرة على شرط أحدهما. لعلّ مجموع ذلك نحو النصف وفيه نحو الربع مما صحّ سنده وفيه بعض الشيء أدلة عليه، وما بقي، وهو نحو الربع، فهو مناكير وواهيات لا تصحّ. وفي بعض ذلك موضوعات، قد أعلمت بها لمّا اختصرت هذا (المستدرك) ونبّهت على ذلك. سمعت أبا محمد بن السمرقندي يقول: بلغني أن مستدرك الحاكم، ذكر بين يدي الدارقطني، فقال: نعم يستدرك عليهما حديث الطّير.
فبلغ ذلك الحاكم، فأخرج الحديث من الكتاب. قلت: لا بل هو في (المستدرك)، بل وفيه أشياء موضوعة، نعوذ بالله من الخذلان. قال ابن طاهر: ورأيت أنا حديث الطّير، علّقه الحاكم في جزء ضخم بخطّه، فكتبته للتعجّب. قلت: وللحاكم «جزء في فضائل فاطمة رضي الله عنها». وقد قال الحاكم: في ترجمة أبي علي النيسابوريّ الحافظ من تاريخه، قال: ذكر يوما ما روى سليمان التّيميّ عن أنس، فمررت أنا في الترجمة، وكان بحضرة أبي علي رحمه الله، وجماعة من المشايخ، إلى أن ذكرت حديث «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» (1) فحمل بعضهم عليّ فقال أبو علي له:
لا تفعل، فما رأيت أنت: ولا نحن في سنّه مثله، وأنا أقول: إذا رأيته رأيت ألف رجل من أصحاب الحديث. وقد مرّ أن الحاكم توفي في صفر سنة خمس وأربعمائة.
310 - يوسف بن (2) أحمد بن كجّ القاضي الشهيد (أبو القاسم) الدّينوريّ، صاحب أبي الحسين بن القطان. وحضر مجلس الدّاركيّ أيضا. كان يضرب به المثل في حفظ مذهب الشافعيّ، وجمع بين رئاسة الفقه والدّنيا، وارتحل الناس إليه من الآفاق رغبة في علمه وجوده. وله (3) مصنفات كثيرة، وكان بعض الناس يفضّله على أبي حامد شيخ
__________
(1) ذكره الذهبي في: سير النبلاء 5/ 347، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 160، رواه سليمان التيمي عن أنس. وهو حديث متفق عليه رواه أبو هريرة أيضا، أخرجه ابن ماجه في الفتن (3936) باب النهي عن النهبة، وتتمة الحديث: «ولا يشرب الخمر من يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة، يرفع الناس إليه أبصارهم، حين ينتهبها وهو مؤمن».
(2) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 7/ 26الشيرازي: طبقات الفقهاء 118، أبو الفداء:
المختصر في أخبار البشر 2/ 144، وابن العماد: شذرات الذهب 3/ 177، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 154، الإسنوي: طبقات 2/ 341، وابن الصلاح: طبقات 2/ 903، الشيرازي 118، 119، الأنساب 10/ 63، العبر 3/ 92، سير أعلام النبلاء 17/ 183رقم 104، البداية والنهاية 11/ 355، تاريخ الخلفاء 416.
(3) أهم كتبه كتاب: «التجربة» ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 178177، الشيرازي: طبقات الفقهاء ص 98.(1/332)
الشافعية ببغداد قتله العيارون (1) بالدّينور (2)، ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان سنة خمس رحمه الله تعالى، وهو صاحب وجه. قال له فقيه: يا أستاذ: الإسم لأبي حامد، والعلم لك. قال: ذاك رفعته بغداد، وحطّتني الدّينور.
سنة ست وأربعمائة
311 - أحمد بن أبي (3) طاهر محمد بن أحمد الإمام (أبو حامد) الإسفراينيّ، الشافعيّ. قدم بغداد وهو صبيّ، فتفقّه على أبي الحسن بن المرزبان. وأبي القاسم الداركي، حتى صار أحد أئمة وقته، وعظم جاهه عند الملوك، وحدّث عبد الله بن عدي، وأبي بكر الإسماعيلي، وأبي الحسن الدارقطني وجماعة. قال أبو إسحاق في الطبقات (4): انتهت إليه رئاسة الدين والدنيا ببغداد، وعلّق عنه تعاليق في «شرح المزني»، وطبّق الأرض بالأصحاب، وجمع مجلسه ثلاثمئة متفقّه (5). وقال أبو زكريا النّووي (6): تعليق الشيخ أبي حامد في نحو خمسين مجلدا ذكر مذاهب لعلماء، وبسط أدلتها والجواب عنها، تفقّه عليه: أقضى القضاة أبو الحسن الماورديّ، والفقيه سليم الرازي، وأبو الحسن المحاملي، وأبو علي السنجي، تفقّه هذا السّنجيّ عليه، وعلي القفّال، وهما شيخا طريقتي العراق، وخراسان، وعنهما انتشر المذهب. وقال الخطيب (7): حدّثونا عنه، وكان ثقة. رأيته وحضرت تدريسه في مسجد عبد الله بن
__________
(1) العيارون: مفردها عيّار. وتطلق على الرجل الكثير النشاط والتطواف والحركة / مختار الصحاح / وانظر مقتل ابن كج في: ابن الجوزي: المنتظم 11015.
(2) الدينور: من مدن الجبال تقع قرب قرميسين من أعمال همذان، وتبعد عنها أكثر من 20فرسخا / ياقوت: معجم البلدان 2/ 545.
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 368، ابن الأثير: الكامل 8/ 92، ابن كثير:
البداية والنهاية 12/ 3032، الصفدي: الوافي 7/ 357، السبكي: طبقات 4/ 61، الإسنوي:
طبقات 1/ 57، 59، ابن العماد: شذرات 3/ 178، البغدادي: هدية العارفين 1/ 71، وفيات الأعيان 1/ 72، 74، السمعاني: الأنساب 1/ 37، 38، ياقوت: معجم البلدان 1/ 178، ابن الصلاح: طبقات 1/ 373، النجوم الزاهرة 4/ 239، طبقات الشيرازي 103.
(4) طبقات الفقهاء 103.
(5) ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 72، 73، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 62.
(6) تهذيب الأسماء واللغات ج 1ق 2/ 210.
(7) تاريخ بغداد 4/ 369.(1/333)
المبارك، وسمعت من يذكر أنه كان يحضر درسه سبعمائة فقيه، وكان الناس يقولون: لو رآه الشافعي لفرح به. ولد سنة أربع وأربعين وثلاثمئة، فقدم بغداد سنة أربع وستين. قال الخطيب: وحدّثني أبو إسحاق الشيرازي: سألت القاضي أبا عبد الله الصّيمريّ: من أنظر من رأيت من الفقهاء؟ فقال: أبو حامد الإسفرايينيّ.
قال أبو حيّان التوحيدي في «رسالة ما يتمثّل به العلماء» سمعت الشيخ أبا حامد يقول لطاهر العبّادانيّ: لا تعلّق كثيرا مما تسمع مني في مجالس الجدل، فإن الكلام يجرى فيها على ختل الخصم، ومغالطته، ودفعه، ومغالبته، فلسنا نتكلم فيها لوجه الله خالصا.
ولو أردنا ذلك لكان خطونا إلى الصمت أسرع من تطاولنا في الكلام وإن كنّا في كثير من هذا نبوء بغضب الله تعالى، فإنا مع ذلك نطمع في سعة رحمة الله (1). قلت: كذا سار الذهبي في ترجمة أبي حامد الإسفراييني، وإنما المراد القاضي أبا حامد المروزي، فإنه عاصر أبا حيّان وهو إمام الجدل، وأبو حيّان من نظراء أبي حامد الإسفرايينيّ، بل ربّما يكون أسنّ منه، ومات قبله، فإن كان موجودا سنة أربعمائة، لا نعرف له خبر بعدها والله أعلم. وقال ابن الصلاح: وعلى أبي حامد تأوّل بعض العلماء حديث (2): «إن الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها»: فكان الشافعيّ على رأس المائتين، وابن سريج في رأس الثالثة، وأبو حامد في رأس الرابعة. قال السّلمي في الطبقات الكبرى: بعد حكاية التوحيدي. قلت: وهو طبع مريب فإن ما سمع من المغالطات، والمكالمات في مجالس النظر، يحصل به من يعلم على إقامة الحجّة، ونشر العلم، وبعث الهمم على طلبه، مما يعظم في نظر أهل الحق، ويقبل عنده. وله الخلوص، وتعود بركة فائدته وانتشارها على عدم الخلوص. يقرب من الإخلاص، إن شاء الله. وهذه الحكاية عن الشيخ أبي حامد، تدلّ على أن ما كان يكتب عنه بإذنه، فقد أخلص فيه، وقد كتب عنه من العلم، ما لم يكتب عن أحد، فقد فقّهه هذا الإخلاص في هذه الكبيرة، فإنه طبّق الدنيا بعلمه. ومما كتب عنه: أنه في سنة ثمان وتسعين (3)
وثلاثمئة، أخرج الشيعة ببغداد مصحفا قالوا: إنه مصحف ابن مسعود، وهو مخالف
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 4/ 62.
(2) الحديث صحيح، أخرجه أبو داود في السنن (4291) والحاكم في المستدرك 4/ 522، والخطيب: تاريخ بغداد 2/ 61.
(3) السبكي: طبقات الشافعية 4/ 64، ابن الجوزي: المنظم 15/ 55.(1/334)
للمصاحف كلّها، فثار عليهم أهل السّنة، وثاروا هم أيضا، ثم آل الأمر إلى جمع العلماء، والقضاة في مجلس، فحضر الشيخ أبو حامد، وأحضر المصحف المشار إليه، فأشار الشيخ أبو حامد، والفقهاء بتحريقه، ففعل ذلك بمحضر منهم، فغضب الشيعة. وقصد جماعة من أحداثهم دار الشيخ أبي حامد ليردّوه، فانسلّ منها. ثم سكن الخلق وعاد الشيخ أبو حامد إلى داره. وعن سليم الرازي: أن أبا حامد في أول أمره، كان يحرس في درب، وكان يطالع الدرس على زيت الحرس، وأنه أفتى وهو ابن سبع عشرة سنة. قال الخطيب (1): مات في شوّال، وكان يوما مشهودا. ودفن في داره، ونقل سنة عشر وأربعمائة ودفن بباب حرب.
312 - الحسن بن علي بن محمد الأستاذ أبو علي الدّقاق (2) الزاهد، النيسابوري، شيخ الصوفية، وشيخ أبي القاسم القشيريّ، سمع: أبا عمرو بن حمدان، وأبا الهيثم محمد بن مكّي الكشميهنيّ، وأبا علي محمد بن عمر الشّبويّ. ذكره عبد الغافر مختصرا، فقال: لسان وقته، وإمام عصره، تعلّم العربية وحصّل علم الأصول، وخرج إلى مرو، تفقّه بها على الخضريّ، وأعاد على أبي بكر القفّال المروزيّ وبرع. ثم أخذ في العمل، وسلك طريق التصوّف، وصحب أبا القاسم النّصرآباذي، حكى عنه أبو القاسم القشيريّ، أحوالا وكرامات، توفي في ذي الحجّة سنة خمس.
313 - عبيد الله (3) بن محمد بن أحمد بن محمد بن عليّ بن مهران. الإمام، أبو أحمد ابن أبي مسلم البغدادي، الفرضيّ المقرىء أحد شيوخ العراق، ومن سار ذكره في الآفاق. قرأ القرآن على أحمد بن عثمان بن بويان وهو آخر من قرأ في الدنيا عليه.
وسمع: المحاملي، ويوسف بن البهلول الأزرق. وحضر مجلس أبي بكر بن الأنباريّ.
قال الخطيب: كان ثقة، ورعا، ديّنا. وقال العتيقي: ما رأينا في معناه مثله. وقال
__________
(1) ابن الصلاح: طبقات 1/ 177176، تاريخ بغداد 4/ 370، وفيات الأعيان 1/ 74.
(2) ترجمته في: ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 180، حاجي خليفة كشف الظنون 1434، السبكي: طبقات: 4/ 329، الإسنوي 1/ 523، تبيين كذب المفتري لابن عساكر 226، 227، شذرات الذهب 3/ 180، وابن لصلاح: طبقات 2/ 738.
(3) في المنتظم لابن الجوزي 15/ 113، اسمه عبد الرحمن، وفي تاريخ بغداد عبد الله، وكذلك في الأصل، السبكي: طبقات 5/ 232، شذرات الذهب 3/ 181، الإسنوي طبقات 2/ 267، ابن الصلاح: طبقات 2/ 804.(1/335)
الأزهري: إمام من الأئمة. وقال عيسى بن أحمد الهمداني (1): كان أبو أحمد إذا جاء إلى الشيخ أبي حامد الإسفرايينيّ، قام من مجلسه ومشى إلى باب المسجد حافيا مستقبلا له. وقال الخطيب: ثنا منصور بن عمر الفقيه قال: لم أر في الشيوخ من يعلّم لله غير أبي أحمد الفرضيّ. قال (2): وكان قد اجتمعت فيه أدوات الرئاسة من علم، وقرآن وإسناد، وحاله متسعة من الدنيا. وكان مع ذلك أورع الخلق، وكان يقرأ علينا الحديث بنفسه، وكنت أطيل القعود معه، وهو حالة واحدة لا يتحرك ولا يعبث بشيء. ولم أر في الشيوخ مثله. قلت: قرأ عليه: نصر بن عبد العزيز الفارسيّ، نزيل مصر، وأبو علي الحسن بن القاسم غلام الهرّاس، والحسن بن علي العطّار، وأبو بكر محمد بن عليّ الخياط، وغيرهم، وحدّث عنه: أبو محمد الخلّال، وعمر بن عبد الله البقّال، وأحمد بن عليّ بن أبي عثمان الدّقاق، وعلي بن أحمد البسريّ، وعلي بن محمد بن محمد بن الأخضر الأنباري، وآخرون. توفي في شوال (3) عن اثنتين وثمانين سنة.
314 - محمد بن الحسن بن فورك (4) أبو بكر الإصبهانيّ الفقيه المتكلّم، سمع (مسند الطيالسيّ) من: عبد الله بن جعفر الإصبهاني، واستدعي إلى نيسابور، لحاجتهم إلى علمه، فاستوطنها، وتخرّج به طائفة في الأصول والكلام. وله تصانيف (5) جمّة، وكان رجلا صالحا. وقد سمع أيضا من خرّزاد الأهوازيّ.
روى عنه: أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيريّ، وأبو بكر أحمد بن علي بن خلف، وآخرون. قال عبد الغافر بن إسماعيل: قبره بالحيرة يستسقى به. ذكر ابن حزم في «النصائح» أن ابن سبكتكين قتل ابن فورك، لقوله: إن نبينا صلى الله عليه وسلم، ليس هو نبيّ
__________
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 380، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 3.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 15/ 114.
(3) نفسه.
(4) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 272، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 135127، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 4/ 240، الصفدي: الوافي 2/ 344، شذرات الذهب 3/ 182، البغدادي: هدية العارفين 2/ 60، ابن الصلاح: طبقات 2/ 136، الذهبي: العبر 1/ 95.
(5) من مصنفات ابن فورك: دقائق الأسرار، مشكل الآثار، أسماء الرجال، تفسير القرآن، والنظامي في أصول الدين، ألّفه للوزير نظام الملك / حاجي خليفة: كشف الظنون 200، 439، 1106، 1960.(1/336)
اليوم، بل كان رسول الله، وزعم أن هذا قول جميع الأشعرية. قال ابن الصلاح: ليس كما زعم، بل هو تشنيع عليهم، أثارته الكرّامية (1) فيما حكاه القشيريّ، وتناظر ابن فورك، وأبو عثمان (2) المغربي في الوليّ، هل يعرف أنه وليّ؟ فكان ابن فورك ينكر أن يعرف ذلك. وأبو عثمان يثبت ذلك. وحكى بعضهم عن ابن فورك أنه قال: كلّ موضع ترى فيه اجتهادا، ولم يكن عليه نور، فاعلم أنه بدعة خفيّة. وذكره القاضي شمس الدين في (وفيات الأعيان) (3). فقال فيه: الأستاذ أبو بكر المتكلّم الأصوليّ، الأديب النحويّ، الواعظ الإصبهاني، درس بالعراق مدّة، ثم توجه إلى الرّيّ، فسعت به المبتدعة، فراسله أهل نيسابور فورد عليهم، وبنوا له بها مدرسة ودارا، وظهرت بركته على المتفقّهة، وبلغت مصنّفاته قريبا من مائة مصنّف. ودعي إلى مدينة غزنة، وجرت له بها مناظرات. وكان شديد الردّ على أبي عبد الله بن كرّام. ثم عاد إلى نيسابور، فسمّ في الطريق، فمات بقرب بست، ونقل إلى نيسابور، ومشهده بالحيرة ظاهر يزار، ويستجاب الدعاء عنده (4). قلت: أخذ طريقة الأشعري عن أبي الحسن الباهليّ، وغيره. قال عبد الغافر بن إسماعيل: سمعت ابا صالح المؤذّن يقول: كان أبو علي الدقاق يعقد المجلس، ويدعو للغائبين، والحاضرين من أعيان البلد وأئمتهم، فقيل له: قد نسيت ابن فورك، ولم تدع له. فقال أبو عليّ: كيف أدعو له؟ وكنت أقسم على الله البارحة بأيمانه أن يشفي علّتي، وكان به وجع البطن تلك الليلة. وقال البيهقي:
سمعت القشيريّ يقول: سمعت ابن فورك يقول: حملت مقيّدا إلى شيراز لفتنة في الدين، فوافينا باب البلد مصبحا، وكنت مغموما، فلمّا أسفر النهار، وقع بصري على محراب في مسجد على باب البلد، مكتوب عليه {أَلَيْسَ اللََّهُ بِكََافٍ عَبْدَهُ} (5) فحصل لي
__________
(1) هم أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرّام، ولد في سجستان، وجاور بمكة خمس سنين وورد نيسابور فحبسه طاهر بن عبد الله، ثم انصرف إلى الشام، وعاد إلى نيسابور، فحبسه محمد بن طاهر، وخرج منها سنة 251هـ إلى القدس، فمات فيها / الذهبي: ميزان الاعتدال 4/ 2221 والشهرستاني: الملل والنحل 113108.
(2) هو: سعيد بن سلام القيرواني (373) كان زاهدا ورعا، ورد نيسابور ومات بها.
انظر: السلمي: طبقات الصوفية 483479، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 9/ 112.
(3) وفيات الأعيان لابن خلكان 4/ 272.
(4) الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 203) ص 148.
(5) سورة الزمر، الآية 36.(1/337)
تعريف باطنيّ، أني أكفى عن قريب فكان كذلك. وصرفوني بالعزّ. قلت: كان مع دينه صاحب قلبة وبدعة. قال أبو الوليد سليمان الباجيّ: لما طالب ابن فورك الكرّاميّة، أرسلوا إلى محمود بن سبكتكين صاحب خراسان يقولون له: إن هذا الذي يؤلّب علينا أعظم بدعة وكفرا عندك منّا، فاسأله عن محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب، هل هو رسول الله اليوم أم لا (1)؟ فعظم على محمود الأمر، وقال: إن صحّ هذا عنه لأقتلنّه. ثم طلبه وسأله فقال: كان رسول الله، وأما اليوم فلا، فأمر بقتله فشفّع إليه. وقيل: هو رجل له سنة. فأمر بقتله بالسّم، فسقي السّم (2). وقد دعا ابن حزم للسلطان محمود. إذ وفّق لقتل ابن فورك لكونه قال: إن رسول الله كان رسولا في حياته فقط، وإن روحه قد بطل، وتلاشى، وليس هو في الجنّة عند الله تعالى، يعني روحه. وفي الجملة ابن فورك خير من ابن حزم وأجلّ وأحسن نحلة. قال الحاكم أبو عبد الله: أنبا ابن فورك، ثنا عبد الله بن جعفر فذكر حديثا (3).
315 - عبد الملك (4) بن أبي عثمان محمد بن إبراهيم (أبو سعد) النيسابوري الواعظ، الزاهد المعروف بالخركوشيّ. وخركوش: سكة بمدينة نيسابور. روى عن:
حامد بن محمد الرّفّاء، ويحيى بن منصور القاضي، وإسماعيل بن نجيد، وأبي عمرو بن مطر، وتفقّه على: أبي الحسن الماسرجسيّ، وسمع بالعراق ودمشق، وحجّ وجاور، وصحب الزّهّاد، وكان له القبول التام. وصنّف كتاب (5) «دلائل النبوة»، وكتاب «التفسير»، وكتاب «الزهد» وغير ذلك. قال الحاكم: أقول: إني لم ار أجمع منه علما، وزهدا، وتواضعا، وإرشادا إلى الله، وإلى الزهد في الدنيا، زاده الله توفيقا، وأسعدنا بأيامه، وقد سارت مصنفاته في المسلمين. وقال الخطيب (6): كان
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام (رقم 203) ص 149.
(2) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 4/ 130.
(3) الذهبي: تاريخ الإسلام ت رقم 203) ص 149.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 432، وابن الجوزي: المنتظم 15/ 115، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 223222، الإسنوي: طبقات 1/ 477، ابن الصلاح: طبقات 2/ 799، معجم البلدان 2/ 360، الأنساب 5/ 9493، سير أعلام النبلاء للذهبي 17/ 256، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 184، 185، البغدادي 1/ 625هدية العارفين.
(5) انظر: حاجي خليفة: كشف الظنون 245، 514، 1045، الذهبي: تذكرة الحفاظ 2533.
(6) تاريخ بغداد، للخطيب 10/ 432.(1/338)
ثقة، ورعا صالحا. قلت: روى عنه الحاكم، وهو أكبر منه، والحسن بن محمد الخلّال، وعبد العزيز الأزجيّ، وأبو القاسم التنوخيّ، وعلي بن محمد الحنّائي، وأبو القاسم القشيريّ، وابو صالح المؤذّن، وأبو علي الأهوازيّ، وابو بكر البيهقي، وأبو الحسين بن المهتدي بالله. وأحمد بن علي بن خلف الشيرازي، وعلي بن عثمان الإصبهاني البيّع، وآخرون. وتوفي في جمادى الأولى سنة سبع. وكان أبو سعد ممّن، وقع له القبول في الأرض، وكان الفقراء في مجلسه كالأمراء. وكان يعمل القلانس ويبيعها، ويأكل من كسب يمينه. بنى في سكّته مدرسة ودارا للمرضى، ووقف عليها الأوقاف. وله خزانة كتب كبيرة، موقوفة. فالله يرحمه. وذكر ابن عساكر، أنه كان أشعريّا (1)، وقال محمد بن عبيد الله الصّرّام. رأيت الأستاذ أبا سعد الزاهد بالمصلّى للاستسقاء على رأس الملأ، وسمعته يصيح (2):
إليك جئنا وأنت جئت بنا ... وليس ربّ سواك يغنينا
بابك رحب فناؤه كرم ... تؤوي إلى بابك المساكينا
316 - محمد بن أحمد (3) بن شاكر (أبو عبد الله المصريّ القطان، الذي جمع (فضائل الشافعي). روى عن: عبد الله بن جعفر بن الورد، والحسن بن رشيق، وجماعة. روى عنه: القاضي أبو عبد الله القضاعي، أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبّال، وجماعة، توفي في المحرم.
317 - محمد (4) بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل. أبو الحسين الضّبي، المحامليّ، سمع: إسماعيل الصّفّار، وعثمان بن السمّاك، والنّجاد، وكان إماما ثقة. قال الدارقطني: حفظ القرآن، والفرائض، ودرس مذهب الشافعي، وكتب الحديث. وهو عندي ممّن يزداد كل يوم خيرا. قال الخطيب مولده سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمئة، توفي
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة 226) ص 163، تبيين كذب المفتري 233.
(2) البيتان في: تبيين كذب المفتري لابن عساكر ص 236.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 95، ابن الصلاح: طبقات 2/ 838، شذرات الذهب 3/ 185، حسن المحاضرة 1/ 211.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 1/ 333، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/ 115، وابن الجوزي: المنتظم 15/ 123، السبكي: طبقات 4/ 104103، الإسنوي:
طبقات 2/ 383، ابن اصلاح: 2/ 840.(1/339)
في رجب (1)، وقد حضرت مجلسه غير مرّة. قلت: وروى عنه سليم الرازي، وأبو الغنائم. ابن أبي عثمان، وجماعة. ولم يذكره السّلّمي في طبقاته، ولا الإسنوي، وكذا الذين بعده.
سنة ثمان وأربعمئة
318 - الحسن (2) بن محمد بن يحيى. أبو محمد بن الفحّام، السامريّ، المقرىء.
شيخ مسند، متفنّن. سمع: أبا جعفر بن البختريّ، وإسماعيل الصّفّار، وقرأ بالروايات على أبي بكر النّقّاش، وأبي بكر بن مقسم، ومحمد بن أحمد بن الخليل، وعمر بن أحمد الحمّال، الذي لقّنه، وأبي عيسى بكّار، وأبي بكر عبد الله بن محمد الخبّاز، بسامرّاء. قرأ عليه: أبو علي غلام الهرّاس، وغيره. وحدّث عنه: محمد بن محمد بن عبد العزيز العكبري، وغيره. وكان فقيها على مذهب الشافعي، فاضلا ولكن كان يتشيّع. قال الخطيب: مات بسامرّاء، وكان يرمى بالتشيّع.
319 - علي بن (3) إبراهيم بن إسماعيل. أبو الحسن المصريّ، الشّرفيّ الفقيه، الشافعي الضرير، والشّرف: مكان بمصر. حدّث عن: أبي الفوارس الصابوني، وأبي محمد بن الورد. روى عنه: أبو الفضل السعدي، وأحمد بن بابشاذ، وأبو إسحاق الحبّال، وغيرهم، توفي في ذي القعدة.
320 - محمد بن الحسين (4) بن محمد بن الهيثم. أبو عمر البسطاميّ، الفقيه الشافعي الواعظ، قاضي نيسابور، رحل وسمع، بالعراق، والأهواز، وإصبهان، وسجستان.
__________
(1) ولد سنة 332هـ ومات في رجب سنة 407هـ / ابن الجوزي: المنتظم 15/ 123.
(2) ترجمته في: البغدادي: تاريخ بغداد 7/ 424 (ترجمة رقم 3992) وابن الجوزي: المنتظم 15/ 192.
(3) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ت رقم 254) ص 176، السمعاني: الأنساب 7/ 315، اللباب 2/ 192.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 247، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/ 115 وابن الجوزي: المنتظم 15/ 123، الأنساب: السمعاني 2/ 215، الذهبي: العبر 3/ 99، الصفدي: الوافي 3/ 6، السبكي: طبقات 4/ 140، الإسنوي: طبقات 1/ 244، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 187، ابن الصلاح: طبقات 1/ 152.(1/340)
وأملى وأقرأ المذهب. وحدّث عن: أبي القاسم الطبرانيّ، وأحمد بن محمود بن خرّزاد القاضي، وجماعة. وكان في ابتداء أمره يعقد مجلس الوعظ، والتذكير، ثمّ تركه.
وأقبل على التدريس، والمناظرة، والفتوى. ثم ولي قضاء نيسابور، سنة ثمان وثمانين وثلاثمئة. وأظهر أهل الحديث من الفرح والاستبشار، والاستقبال، والثناء ما يطول شرحه. وأعقب ابنين: الموفّق، والمؤيّد، سيديّ عصرهما. روى عنه: ابن عبد الله الحاكم، مع تقدّمه، وأبو بكر البيهقيّ، وأبو الفضل محمد بن عبد الله الصّرّام، وسفيان ومحمد ابنا الحسين بن فتحويه، ويوسف الهمذانيّ، وكان نظير أبي الطيّب سهل بن محمد الصّعلوكي حشمة، وجاها، وعلما، وعزة، فصاهره أبو الطيّب، وجاء من بينهما جماعة سادة وفضلاء.
وتوفي في ذي القعدة. ونقل الخطيب (1) في تاريخه عن أبي صالح المؤذن، ومحمد بن المزكّي أنه توفي سنة سبع.
سنة عشر وأربعمئة
321 - أحمد (2) بن إسحاق بن خربان. أبو عبد الله النّهاونديّ، ثم البصريّ. الشاهد الفقيه، الذي يروي عن: أبي محمد الرّامهرمزيّ، وابن داسة، وجماعة، وتفقه للشافعي على القاضي ابي حامد المروروذيّ. أخذ عنه: أبو بكر البرقانيّ، وابن اللبان، وغيرهما. وذكره ابن الصلاح في (فقهاء المذهب)، وقال: مات بالبصرة في حدود سنة عشر وأربعمئة.
322 - عبد الواحد بن محمد (3) بن عثمان. أبو القاسم البجليّ، الجويريّ، البغداديّ. سمع من: جعفر الخلديّ، والنّجّار وأبي بكر النقّاش، وعنه: أبو بكر
__________
(1) انظر: الخطيب: تاريخ بغداد 2472.
(2) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات الفقهاء والشافعية 1/ 366 (ترجمته رقم 95) والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد / 36.
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 11/ 14وابن الجوزي: المنتظم 15/ 137، السبكي: طبقات 5/ 228، الإسنوي: طبقات 1/ 227، الأنساب 6/ 360، سير أعلام النبلاء 17/ 276، شذرات الذهب 3/ 191.(1/341)
الخطيب، وكان بصيرا بمذهب الشافعي، وبالأصول، له مصنّفات في الأصول (1).
وكان أشعريا، مات في رجب.
323 - محمد بن محمد بن محمش بن علي بن داود. الفقيه أبو طاهر الزّيادي (2)، الأديب الفقيه الشافعي. كان يسكن ميدان زياد بن عبد الرحمن من نيسابور، فنسب إليه، وكذا قال: عبد الغافر الفارسي، وقصّة كلام ابن السمعاني، أنه إنما سمّي بذلك، نسبة إلى بعض أجداده، وصرح به العبّاديّ، وقال: إنه منسوب إلى بشير بن زياد. قال القاضي تاج الدين السّلمي: نسبه أن يكون هذا أصح. وكان أبوه من أعيان العبّاد. ولد أبو طاهر سنة سبع عشر وثلاثمئة. وسمع سنة خمس وعشرين وثلاثمئة.
وبعدها، من: أبي حامد بن بلال، ومحمد بن الحسين القطان، وعبد الله بن يعقوب الكرمانيّ، والعباس بن قوهيار، ومحمد بن الحسن المحمد آباذيّ، وأبي عثمان عمرو بن عبد الله البصري، وأبي علي الميداني، وحاجب بن أحمد الطّوسيّ، وعلي بن حمشاذ، ومحمد بن يعقوب الأصمّ، وأبي عبد الله محمد بن عبد الله الصّفّار. وأدرك أبا حامد بن الشرقيّ، ولم يسمع منه. وكان إمام أصحاب الحديث بنيسابور، وفقيههم، ومفتيهم، بلا مدافعة، وله معرفة قوية بالعربية. قال عبد الغافر بن إسماعيل: بقي يملي نحو ثلاث سنين، ولولا ما اختص به من الإقتار وحرفة أهل العلم، لما تقدم عليه أحد من أصحابه. أخبرنا عنه: الإمام جدّي، وأبو سعد بن رامش، وعثمان بن محمد المحميّ، وأبو بكر بن يحيى المزكّي، وعلي بن أحمد الواحديّ، وأحمد بن خلف، وأبو صالح المؤذن، ومات في شعبان، قلت: روى عنه: الحاكم أبو عبد الله مع تقدمه، وأبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيريّ، وعبد الجبّار بن برزة، ومحمد بن محمد الشاماتيّ، والقاسم بن الفضل الثقفي. وحديثه بعلوّ في (الثّقفيّات).
324 - محمد بن محمد (3) بن عبد الله بن الحسين. القاضي أبو منصور الأزديّ.
الهرويّ. أحد الأعلام. محدّث فقيه، رحل وسمع: محمد بن علي بن دحيم
__________
(1) انظر: الشيرازي: طبقات الفقهاء 104، 105.
(2) السبكي، طبقات الشافعية 4/ 198وابن العماد: شذرات الذهب 3/ 192وحاجي خليفة: كشف الظنون 163، الإسنوي: ابن الصلاح: طبقات 2/ 874، الطبقات 1/ 609.
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 3/ 224 (ترجمة رقم 1286) الإسنوي: طبقات 2/ 527، شذرات الذهب 2/ 192، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 197196، وابن الصلاح:
طبقات 3/ 73، 78.(1/342)
الشّيباني، ودعلج بن أحمد، والحسن بن عمران الحنظلي، وأحمد بن عثمان الأدميّ.
وأكبر شيخ سمع منه: شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري. روى عنه: أحمد بن أحمد بن حمدين، وعبد الرحمن بن أبي عاصم الجوهريّ، وأبو سعد يحيى بن أبي نصر العدل، وأبو عدنان القاسم بن عليّ القرشيّ، وشيخ الإسلام، وخلق كثير. وكان إمام الشافعية في عصره بهراة، أملى مدّة وطال عمره وكان واسع الرواية، توفي فجأة في المحرّم بهراة.
المتوفّون بعد الأربعمائة ظنّا 325أحمد بن محمد (1) بن أحمد بن موسى. أبو حامد النيسابوريّ الشافعيّ، المعروف بأميرك بن أبي ذرّ. قال عبد الغافر: نبيل موثوق به، أصيل. روى عن الأصمّ، وأقرانه، أنا عنه: أبو صالح المؤذن، ومحمد بن يحيى، سمعنا منه في سنة ثمان [وأربعمئة].
326 - محمد بن يحيى بن سراقة، أبو الحسن العامريّ (2) البصريّ، الفقيه الشافعي، الفرضيّ المحدّث، صاحب التصانيف في الفقه والفرائض «وأسماء الضعفاء والمجروحين»، أقام بآمد مدة، وكان حيّا في سنة أربعمئة، أخذ عن أبي الفتح كتابه في «الضعفاء» ثم نقّحه وراجع فيه الدارقطني. ورحل في الحديث. وروى عنه: ابن داسه وابن عبّاد، والهجيميّ، ورحل إلى فارس وإصبهان والدّينور. وله مصنّف حسن في الشهادات.
سنة إحدى عشرة وأربعمئة
327 - إبراهيم بن (3) محمد بن إبراهيم بن يوسف. أبو إسحاق الطّوسي الفقيه، من
__________
(1) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 715، الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 350) ص 218.
(2) ترجمته في: الصفدي: الوافي 5/ 195، السبكي: طبقات 4/ 214211، الإسنوي: طبقات 2/ 27، حاجي خلف: كشف الظنون 1/ 481، البغدادي: هدية العارفين 2/ 60، ابن الصلاح: طبقات 1/ 285وسير اعلام النبلاء رقم 172.
(3) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 702، السبكي: الطبقات 4/ 262،(1/343)
كبار الشافعية، ومناظريهم، وله الثروة والجاه الوافر. سمع: الأصمّ، وأبا الحسن الكارزيّ، وأبا الوليد الفقيه، والطرائفيّ وجماعة. وعنه البيهقيّ، ومحمد بن يحيى.
توفي في رجب.
328 - الفضل (1) بن محمد بن الحسن بن إبراهيم. أبو بكر الجرجانيّ، سبط الإمام أبي بكر الإسماعيليّ. مات في جمادى الأولى. روى عن: أحمد بن الحسين بن ماجه القزوينيّ، وابن عدي، وأبي بكر الإسماعيلي ونعيم بن عبد الملك، وولي قضاء جرجان.
سنة اثني عشرة وأربعمئة
329 - أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن حفص بن الحافظ الأنصاريّ، الحافظ أبو سعد الهرويّ (2) المالينيّ الصوفي الصالح طاووس الفقراء، سمع بخراسان، والعراق، والشام، ومصر، والنّواحي. وحدّث عن: محمد بن عبد الله السّليطي، وأبي أحمد بن عديّ، وأبي عمرو بن بجير، وأبي الشيخ، وأبي بكر الإسماعيليّ، وعبد العزيز بن هارون البصريّ، وأبي بكر القطيعيّ، والحسن بن رشيق العسكريّ، ويوسف الميانجيّ، والفضل بن جعفر المؤذن، ومحمد بن أحمد بن عليّ بن النّعمان الرمليّ، وخلق كثير. وكتب من الكتب الطّوال ما لم يكن عند غيره. قال الخطيب: كان ثقة متقنا صالحا. روى عنه: أبو حازم العبدويّ والحافظ عبد الغنيّ وتمّام الرازي.
وهما أكبر منه وأبو بكر البيهقي، وأبو بكر الخطيب، وأبو نصر عبيد الله بن سعيد
__________
المنتخب من السياق 121، 122رقم 470.
(1) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2. 2/ 1825، السبكي: الطبقات 3/ 472 و 5/ 304، تاريخ جرجان 333.
(2) الذهبي: تذكرة الحافظ 3/ 256، وابن العماد: شذرات الذهب 3/ 195، وابن تفري بردي:
النجوم الزاهرة 4/ 256وحاجي خليفة، كشف الظنون 53. العش: فهرس مخطوطات الظاهرية 6/ 277، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 371السمعاني: الأنساب 11/ 100، الوافي:
الصفدي: 7/ 330، السبكي: طبقات 4/ 59، البغدادي: هدية العارفين 1/ 72، ابن الصلاح: طبقات 1/ 360، تاريخ جرجان للسهمي 124رقم 112، تهذيب تاريخ دمشق 1/ 443، معجم البلدان 5/ 14، المنتخب من السياق 89برقم 193، سير أعلام النبلاء 17/ 303301، البداية والنهاية 12/ 11.(1/344)
السجزيّ، وعبد الرحمن بن مندة، وأحمد بن عبد الرحمن الذّكواني، وأبو عبد الله القضاعيّ، ومحمد بن أحمد بن شبيب الكاغديّ، وأبو الحسن الخلعيّ، والحسين بن طلحة النّعالي، وآخرون. قال حمزة السّهمي (1) في (تاريخ جرجان): إن الماليني دخل جرجان، في سنة أربع وستين وثلاثمئة، ورحل رحلات كثيرة إلى إصبهان، وإلى العراق، والشام، ومصر، والحجاز، وخراسان، وما وراء النهر. ومات بمصر في سنة تسع وأربعمئة. قلت: وهم في وفاته (2). أخبرنا: أبو الحسين اليونينيّ: انا: أبو الفضل الهمذاني، أنا: السّلفي، أنا: المبارك بن عبد الجبار، سمعت عبد العزيز بن عليّ الأزجيّ يقول: أخذت من أبي سعد المالينيّ أجرة النسخ والمقابلة خمسين دينارا في دفعة واحدة. رواها أبو القاسم بن عساكر، في تاريخه، بالإجازة عن السّلفي. وقال أبو إسحاق الحبّال: توفي أبو سعد المالينيّ، يوم الثلاثاء السابع عشر من شوّال سنة اثنتي عشرة. وذكره ابن الصلاح في «طبقات الشافعية» (3).
330 - الحسن بن الحسين بن رامين (4). القاضي (أبو محمد) الأسترآباذيّ. نزل بغداد، وحدّث عن: خلف بن محمد الخيّام، وبشر بن أحمد الإسفرايينيّ، وعبد الله بن عديّ الحافظ، وأبي بكر القطيعي، وإسماعيل بن نجيد، والقاضي يوسف بن القاضي الميانجيّ. ورحل إلى خراسان، والعراق والشام في الصّبا. روى عنه: أبو بكر الخطيب، وعبد الواحد بن علوان، وابن عقيل، وطاهر بن أحمد الفارسيّ، نزيل دمشق. قال الخطيب (5): كان صدوقا، فاضلا صالحا، وكان يفهم الكلام على مذهب الأشعريّ، والفقه على مذهب الشافعي.
331 - محمد بن أحمد (6) بن محمد بن أحمد بن رزق بن عبد الله بن يزيد بن خالد
__________
(1) انظر: تاريخ جرجان ص 124.
(2) نفسه.
(3) انظر: عبد الغافر الفارسي: المنتخب من السياق 89، وابن الصلاح: الطبقات 1/ 360.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 7/ 300، وابن كثير البداية والنهاية 12/ 11، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 444 (ترجمة رقم 156).
(5) تاريخ بغداد 7/ 300رقم 3811.
(6) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 1/ 351، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 1010، تذكرة الحافظ 3/ 1052، سير أعلام النبلاء 17/ 258رقم 155، الوافي بالوفيات 2/ 60، البداية والنهاية 12/ 12، النجوم الزاهرة 4/ 256، شذرات الذهب 3/ 116.(1/345)
البغدادي. البزّاز المحدّث (أبو الحسن) ابن رزقويه. سمع: إسماعيل بن محمد الصّفار، ومحمد بن يحيى الطائي، وعلي بن محمد المصريّ، وعبد الله بن عبد الرحمن العسكري، وطبقتهم، ومن بعدهم. قال الخطيب (1): كان ثقة، صدوقا، كثير السماع والكتابة، حسن الاعتقاد، مديما لتلاوة القرآن. بقي يملي في جامع المدينة من بعد سنة ثمانين وثلاثمئة إلى قبل وفاته بمديدة. وهو أوّل شيخ كتبت عنه، وذلك في سنة ثلاث وأربعمئة، مجلسا. وذلك بعد أن كفّ بصره. وسمعته (2)
يقول: ولدت سنة خمس وعشرين وثلاثمئة، وأوّل سماعي من الصّفّار، سنة سبع وثلاثين. وقال أبو القاسم (3) الأزهري: أرسل بعض الوزراء إلى ابن رزقويه، بمال فردّه تورّعا وكان ابن رزقويه يذكر أنه درّس الفقه على مذهب الشافعي. قال الخطيب (4):
وسمعته يقول: والله ما أحبّ الحياة لكسب، ولا تجارة، ولكن لذكر الله، والحديث، وسمعت البرقانيّ يوثّق (5) ابن رزقويه. قلت: وروى عنه: أبو الحسن محمد بن المهدي بالله، ومحمد بن علي الحندقوقي، وعبد العزيز بن طاهر الزاهد، ومحمد بن إسحاق الباقرحيّ، ونصر وعلي ابنا أحمد بن البطر، وعبد الله بن عبد الصمد بن المأمون، وابو الغنائم محمد بن أبي عثمان.
332 - محمد بن الحسين بن موسى. أبو عبد الرحمن الأزديّ (6) أبا، السّلّميّ جدّا، لأنه سبط أبي عمرو إسماعيل بن بجير بن أحمد بن يوسف السّلّميّ، النيسابوري، كان شيخ الصوفية، وعالمهم بخراسان، سمع من: أبي العباس الأصمّ، وأحمد بن علي بن حسنويه المقرىء، وأحمد بن محمد بن عبدوس، ومحمد بن أحمد بن سعيد الرازي
__________
(1) انظر: الخطيب: تاريخ بغداد 1/ 351، وابن الجوزي: المنتظم 15/ 149.
(2) نفسه.
(3) نفسه.
(4) نفسه.
(5) انظر: ابن الجوزي: المنتظم 15/ 149.
(6) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 2/ 248، وابن الجوزي: المنتظم 15/ 150، والسبكي:
طبقات الشافعية 4/ 143، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 10431، ابن كثير: البداية 12/ 12، 13، الذهبي: ميزان الاعتدال 3/ 543، النجوم الزاهرة 4/ 256، وابن الأثير الكامل في التاريخ 8/ 136، ابن الصلاح: طبقات 2/ 850، الأنساب 7/ 113، سير أعلام النبلا 17/ 255247، الوافي بالوفيات 2/ 380، النجوم الزاهرة 4/ 256، شذرات الذهب 3/ 196، 197.(1/346)
صاحب ابن وارة، وأبي ظهير عبد الله بن فارس العمريّ البلخي، ومحمد بن المؤمّل الماسرجسيّ، والحافظ أبي علي الحسن بن محمد النيسابوريّ، وسعيد بن القاسم البردعيّ، وأحمد بن محمد بن رميح النّسوي، وجدّه أبي عمرو. وكان ذا عناية تامة بأخبار الصوفية. صنّف (1) لهم سننا، وتفسيرا، وتاريخا (2) وغير ذلك. قال الحافظ عبد الغافر في تاريخه (3) أبو عبد الرحمن شيخ الطريقة في وقته، الموفّق في جميع علوم الحقائق، ومعرفة طريق التصوف، وصاحب التصانيف المشهورة العجيبة في علم القوم. وقد ورث التصوّف عن أبيه وجدّه، وجمع من الكتب ما لم يسبق إلى ترتيبه، حتى بلغ فهرست تصانيفه (4) المائة أو أكثر، وحدّث أكثر من أربعين سنة إملاء وقراءة، وكتب الحديث بنيسابور، ومرو، والعراق والحجاز، وانتخب عليه الحفّاظ الكبار، سمع من: أبيه وجدّه أبي عمرو، والأصمّ، وأبي عبد الله الصّفّار، ومحمد بن يعقوب الحافظ، وأبي جعفر الرازيّ، وأبي الحسن الكارزيّ، والإمام أي بكر الصّبغيّ، والأستاذ أبي الوليد، وابني المؤمّل، ويحيى بن منصور القاضي، وأبي بكر القطيعيّ، وولد في (5) رمضان سنة ثلاثين وثلاثمئة. قلت: وروى عنه الحاكم في تاريخه (6)، وقال: قلّ ما رأيت من أصحاب المعاملات مثل أبيه، وأمّا هو فإنه صنّف في علوم التصوف. وسمع الأصمّ، وأقرانه، وقيل: ولد سنة خمس وعشرين وثلاثمئة، وكتب بخطّه عن الصّبغي، سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمئة. قلت، وروى عنه أيضا أبو القاسم القشيريّ، وأبو بكر البيهقي، وأبو سعيد بن رامش، وأبو بكر محمد بن يحيى المزكّي، وأبو صالح المؤذن، ومحمد بن سعيد التفليسي، وأبو بكر بن خلف، وعلي بن أحمد المدينيّ المؤذن، والقاسم بن الفضل الثقفي، وخلق سواهم (7) قال أبو القاسم القشيريّ: وسمعت أبا عبد الرحمن السّلمي، سأل أبا علي الدقاق: الذّكر أتمّ أم الفكر؟
فقال أبو علي: ما الذي يفتح عليكم به؟ فقال أبو عبد الرحمن: عندي الذّكر أتمّ من
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 15/ 151.
(2) ابن الصلاح: طبقات 2/ 850، والسبكي: طبقات 4/ 147.
(3) الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 57) ص 304، وكتاب عبد الغافر هو: (سياق التاريخ).
(4) نفسه ص 305.
(5) نفسه ص 304وفي ولادته خلاف وقيل: 325هـ وقيل 333هـ.
(6) تاريخ الإسلام (ت 57).
(7) نفسه.(1/347)
الفكر، لأن الحق سبحانه وتعالى، يوصف بالذكر ولا يوصف بالفكر. وما وصف به الحق أتمّ فيما اختص به الخلق، فاستحسنه الأستاذ أبو علي رحمه الله. قال أبو القاسم:
وسمعت الشيخ أبا عبد الرحمن يقول: خرجت إلى مرو في حياة الأستاذ أبي سهل الصّعلوكي، وكان له قبل خروجي. أيام الجمعة بالغدوات، ومجلس دور القرآن يختم فيه، فوجدته عند رجوعي قد رفع ذلك المجلس، وعقد لابن العقابي (1) في ذلك الوقت مجلس القول، والقول هو الغناء، فداخلني من ذلك شيء، وكنت أقول في نفسي: قد استبدل مجلس الختم، بمجلس القول. فقال لي يوما: أيش يقول الناس عني؟ قلت:
يقولون: رفع مجلس القرآن ووضع مجلس القول. فقال: من قال لأستاذه لم؟ لا يفلح أبدا. وقال الخطيب في تاريخه (2): قال لي محمد بن يوسف النيسابوري القطان: كان السّلميّ غير ثقة، وكان يضع للصوفية. قال الخطيب (3): قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل، وكان مع ذلك مجوّدا، صاحب حديث. وله بنيسابور دويرة للصوفية. قال الخطيب (4): وأنا أبو القاسم القشيري، قال: كنت بين يدي أبي علي الدقاق، فجرى حديث أبي عبد الرحمن السلمي، وأنه يقوم في السماع موافقة للفقراء، فقال أبو عليّ:
مثله في حاله، لعلّ السّكون أولى به، امض إليه فستجده قاعدا في بيت كتبه، وعلى وجه الكتب مجلّدة صغيرة مربّعة فيها أشعار الحسين (5) بن منصور، فهاتها ولا تقل له شيئا.
قال: فدخلت عليه، فإذا هو في بيت كتبه، والمجلّدة، حيث ذكر أبو علي. فلما قعدت أخذ في الحديث، وقال: كان بعض الناس ينكر عليّ وأخذ من العلماء حركته في السماع، فرئي ذلك الإنسان يوما خاليا في بيت وهو يدور كالمتوحّد، فسئل عن حاله فقال: كانت مسألة مشكلة عليّ، فتبيّن لي معناها، فلم أتمالك من السرور حتى قمت أدور. فقل له: مثل، هذا يكون حالهم، فلما رأيت ذلك منهما، تحيّرت كيف أفعل بينهما، فقلت: لا وجه إلا الصدق فقلت: إن أبا عليّ وصف هذه المجلّدة وقال:
__________
(1) العقابي: نسبة إلى العقابة، وهو بطن من حضرموت / السبكي: طبقات الشافعية 4/ 146.
(2) تاريخ بغداد 2/ 248.
(3) نفسه.
(4) نفسه 2/ 248، 249.
(5) هو: الحسين بن منصور الحلاج الصوفي، الفارسي، المتكلم. مات ببغداد سنة 359هـ. وله تصانيف كثيرة. انظر: السبكي: طبقات الشافعية 6/ 243، 10/ 348، المسعودي: التنبيه والإشراف 387، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/ 141112.(1/348)
احملها إليّ من غير أن تعلم الشيخ وأنا أخافك وليس يمكنني مخالفته، فأيش تأمر فأخرج أجزاء من كلام الحسين بن منصور، وفيها تصنيف لها سمّاه: «الصّيهور في نقض الدّهور» وقال: احمل هذا إليه. قال الخطيب (1): توفي السّلمي في شعبان. قلت:
كان وافر الجلالة، له أملاك ورثه من أمّه، وورثتها هي من أبيها. وتصانيفه يقال: إنها ألف جزء (2)، وله كتاب سمّاه: «حقائق التفسير» (3). وليته لم يصنّفه، فإنه تحريف (4)
وقرمطة، فدونك الكتاب فسترى العجب، ورويت عنه تصانيفه وهو حيّ. وقع لي من عالي حديثه.
سنة ثلاث عشرة وأربعمئة
333 - محمد بن أحمد بن محمد (5). أبو الفضل الجارودي (6) الهرويّ الحافظ.
سمع: أبا علي حامد بن محمد الرّفّاء، ومحمد بن عبد الله السّلطيّ، وأبا إسحاق القرّاب، والد الحافظ أبي يعقوب، وعبد الله بن الحسين النّضريّ والمروزيّ، وسليمان بن أحمد الطبرانيّ، ومحمد بن علي بن حامد، وإسماعيل بن بجير السّلّميّ، وأحمد بن محمد بن سلمويه النيسابوري، وعمر بن محمد بن جعفر الأهوازيّ البصري، وجماعة كثيرة بنيسابور، والرّيّ، وهمدان، وإصبهان، والبصرة، وبغداد، والحجاز. روى عنه: أبو عطاء المليحيّ، وشيخ الإسلام عبد الله بن محمد الأنصاري، والهرويّون. وكان شيخ الإسلام إذا روى عنه يقول: ثنا إمام أهل المشرق (أبو الفضل). قال أبو النّضر الفاميّ: كان عديم النّظير في العلوم، خصوصا في علم الحفظ
__________
(1) تاريخ بغداد 2/ 249.
(2) انظر: الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 235233.
(3) اسم كتابه: حقائق تفسير القرآن الكريم / السبكي: طبقات الشافعية 3/ 6260، تذكرة الحفاظ 3/ 233، 235.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 15/ 151.
(5) ترجمته في: الأنساب لابن السمعاني 3/ 159، اللباب 1/ 249، 250، العبر 3/ 114، وسير أعلام النبلاء 17/ 386284رقم 245، الوافي بالوفيات 2/ 61، طبقات الحفاظ 413، شذرات الذهب 3/ 199، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 51، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 116115، وابن الصلاح: الطبقات 2/ 840.
(6) الجاروديّ: نسبة إلى الجارود، وهو اسم لبعض أجداده / الأنساب 3/ 159.(1/349)
والتحديث، وفي التقلّل من الدنيا، والاكتفاء بالقوت، وحيدا في الورع، وقد رأى بعض الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، فأوصاه بزيارة قبر الجارودي. وقال: إنه كان فقيرا سنيّا، وقال بعضهم: هو أول من سنّ بهراة تخريج الفوائد، وشرح الرجال والتصحيح، وقال ابن طاهر: سمعت أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري يقول: سمعت الجاروديّ يقول: دخلت إلى الطبراني فقرّبني وأدناني، وكان يتعسّر عليّ في الأخذ، فقلت له: أيّها الشيخ: تتعسّر عليّ وتبذل للآخرين. قال: لأنّك تعرف قدر هذا الشأن.
توفي الجارودي في الثالث والعشرين من شوّال سنة ثلاث عشرة (1).
سنة أربع عشرة وأربعمئة
334 - إسماعيل بن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن السّرخسيّ (2)، الهرويّ، أبو محمد القرّاب، المقرىء العابد أخو الحافظ إسحاق. كان إماما في كل علم، صنّف التصانيف، وكان قدوة في الزهّد سمع: أحمد بن محمد بن مقسم ببغداد، وأبا بكر الإسماعيليّ، بجرجان، ومنصور بن العباس بهراة. روى عن شيخ الإسلام، وأهل هراة، وله مصنّف في «مناقب الشافعي»، وكتاب «درجات التائبين» وقال الحافظ يوسف بن أحمد الشيرازي: كان في عدة علوم إماما، منها الحديث، والقراءات ومعاني القرآن، والفقه، والأدب. وله تصانيف كلها في غاية الحسن. وله كتاب «الجمع بين الصحيحين». وكتاب في الزهد والتقلّل من الدنيا آية، وفي الإمامة بلا نظير. فلم يجد سوق فضله بهراة نفاقا. كان الصيت إذ ذاك ليحيى بن عمّار. وكذا قال:
أبو النّصر الفاميّ في تاريخه (3) وأكثر. قال: أبو عمرو بن الصلاح (4): رأيت كتابه «الكافي في علم القراءات» في عدّة مجلّدات. وهو كتاب ممتع مشتمل على علم كثير.
__________
(1) قتلته القرامطة في مكة سنة 413هـ. تذكرة الحفاظ 3/ 51.
(2) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 115، ابن الجزري، طبقات القراء 1/ 160، حاجي خليفة:
كشف الظنون 599، البغدادي: هدية العارفين 1/ 209، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 414، سير أعلام النبلاء 17/ 381379، طبقات الشافعية للإسنوي 1/ 309، غاية النهاية 1/ 160، وهدية العارفين 1/ 209.
(3) الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 122) ص 338.
(4) ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 416411.(1/350)
وقال في «مناقب الشافعي»: لقيت جماعة من أصحاب ابن سريج. وكان القرّاب قد تفقه على الداركي عبد العزيز ببغداد. قلت: مات في شعبان من السنة. ومن شيوخه (1): محمد بن عبد الله الشيرازي، وأبو عمار بن حمدان، وعلي بن عيسى العاصميّ، وأبو أحمد الغطريفيّ، ومخلد بن جعفر الباقرحيّ، وبشر بن أحمد الإسفراييني. روى كتابه في «درجات التائبين»، عمر بن كرم الدينوريّ بسماعه من أبي الوقت السّجزيّ، قال: أنا أبو عطاء عبد الأعلى بن عبد الواحد المليحي، عنه.
335 - القاسم بن جعفر (2) بن عبد الوحد بن العباس بن عبد الواحد (أبو جعفر) بن سليمان بن علي بن عبد لله بن عباس بن عبد المطلب، القاضي أبو عمر الهاشمي، العباسي، البصري. سمع: عبد الغافر بن سلامة الحمصي، وابا العباس محمد بن أحمد الأثرم، وعلي بن إسحاق المادرائي، ومحمد بن الحسين الزعفراني الواسطي، والحسين بن يحيى بن عيّاش القطان، ويزيد بن إسماعيل الخلّال، صاحب الرّمادي، وأبا علي اللؤلؤي، والحسن بن عثمان الفسويّ، وجماعة. وولد في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمئة، وروى عنه: أبو بكر الخطيب، وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي الإصبهاني المستملي، وأبو علي الوحشيّ، وهنّاد بن إبراهيم النّسفي، وسليم بن أيوب الرازي، والمسيّب بن محمد الأرغيانيّ، وعلي بن أحمد التّستريّ، وأبو القاسم عبد الملك بن شغبة، وجعفر بن محمد العبّادانيّ، وآخرون. قال أبو الحسن علي بن محمد بن نصر الدّينوريّ ابن اللّبّان: سمعت (سنن أبي داود) على أبي عمر الهاشمي بقراءتي ست مرات. وسمعته يقول: أحضرني والدي سماع هذا الكتاب، وأنا ابن ثمان سنين، فأثبتّ حضوري، ولم يثبت السّماع، ثم أحضرني، وأنا ابن تسع، فأثبت حضوري، ولم يثبت السماع وسمعته وأنا ابن عشر سنين، فأثبت حينئذ سماعي، وقال الخطيب:
كان أبو عمر ثقة أمينا، ولي القضاء بالبصرة، وسمعت منه بها، (سنن أبي داود)
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 115، طبقات القراء لابن الجزري 1/ 160، حاجي خلف: كشف الظنون 599، 745، 1023.
(2) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 451، الذهبي: العبر 3/ 117، السبكي:
طبقات الشافعية 5/ 310، وابن العماد شذرات الذهب 3/ 201، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 661، سير أعلام النبلاء 17/ 225رقم 134، البداية والنهاية 12/ 17، ابن نقطة:
التقييد 428، 429رقم 574.(1/351)
وغيرها. ومات في التاسع والعشرين من ذي القعدة (سنة أربع عشرة وأربعمئة) (1).
336 - محمد بن (2) أحمد بن سميكة. القاضي أبو الفرج البغدادي، الفقيه الشافعي، روى عن: النّجّاد وغيره. وانتقى عليه ابن أبي الفوارس (3).
337 - يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أبو زكريا بن المزكّي أبي إسحاق (4).
مسند نيسابور وشيخ التّزكية. كان ثقة نبيلا زاهدا، صالحا، ورعا، متقنا، وما كان يحدّث إلا وأصله بيده يقابل به. وعقد الإملاء مدّة، وقرىء عليه الكثير. وقد تفقّه على الأستاذ أبي الوليد. روى عن: أبي العباس الأصمّ، وأبي عبد الله بن الأخرم، وأبي الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس، والحسن بن يعقوب البخاري، وأبي بكر أحمد بن إسحاق الصّبغيّ الفقيه، وطائفة من النيسابوريين. وأبي سهل بن زياد، وأحمد بن سلمان النجّاد، وعبد الله بن إسحاق الخراساني، وأحمد بن كامل القاضي، وأحمد بن عثمان الأدميّ البغداديين، ومحمد بن علي بن دهيم الكوميّ، وجماعة كثيرة. وانتقى عليه الحافظ أبو بكر الإصبهاني، وغيره. وحدّث عنه: أبو بكر البيهقي، في جميع كتبه. وأبو صالح المؤذن، وعثمان بن محمد المحميّ، وعلي بن أحمد المؤذن ابن الأخرم، وهبة الله بن أبي الصّهباء، وابنه أبو بكر محمد بن يحيى، والقاسم بن الفضل الثقفي، وآخرون. مات في ذي الحجة (5).
__________
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 452، تاريخ بغداد 2/ 451، والبداية والنهاية لابن كثير 12/ 17.
(2) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 1/ 289، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 17، وأورد ابن الجوزي اسمه «محمد بن أحمد بن الحسين بن يحيى، أبو الفرج، القاضي الشافعي، يعرف بابن سميكة. المتظم 16115.
(3) وزاد ابن الجوزي على ترجمته ابن سميكة «وان ثقة توفي في 6ربيع الأول سنة 414هـ ودفن في مقر باب حرب» المنتظم 15/ 161.
(4) ترجمته في: التقييد لابن نقطة 483رقم 655، المنتخب من السياق 481، 482رقم 636، سير أعلام النبلاء 17/ 295رقم 179، العبر 3/ 118، طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 396، 397، شذرات الذهب 3/ 202، تاريخ التراب العربي 1/ 379رقم 313، وكحالة: معجم المؤلفين 13/ 181.
(5) انظر: ابن نقطة: التقييد 483، والمنتخب من السياق: عبد الغافر 481، 482، والذهبي:
تذكرة الحفاظ 2453.(1/352)
سنة خمس عشر وأربعمئة
338 - أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضّبّي، المحاملي (1)، الفقيه الشافعي (أبو الحسن). درس الفقه على الشيخ أبي حامد، وكان عجيبا في الذكاء والفهم صنّف في الفقه، كتاب «المجموع» وهو كتاب كبير، وكتاب «المقنع» في مجلد، وكتاب «اللّباب»، وغير ذلك. وصنّف في الخلاف كثيرا. وسمع من:
الحافظ محمد بن المظفر، وطبقته، ورحل به أبوه إلى الكوفة، فسمّعه من ابن أبي السرّي البكّائي. ولد سنة ثمان وستين وثلاثمئة وروى عنه: أبو بكر الخطيب، وحضر دروسه. وقال الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين الموسويّ: دخل عليّ أبو الحسن المحاملي مع الشيخ أبي حامد، ولم أكن أعرفه، فقال لي أبو حامد: هذا أبو الحسن ابن المحاملي، وهو اليوم أحفظ للفقه منّي. وقال الشيخ أبو إسحاق في (الطبقات): تفقّه أبو الحسن على الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وله عنه تعليقة تنسب إليه، وله مصنّفات كثيرة في الخلاف والمذهب، ودرس ببغداد. قلت: وتوفي في ربيع الآخر، وتوفي أبوه سنة سبع وأربعمئة. كما مرّ.
339 - عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن الخليل القاضي أبو الحسن الهمداني (2)، الأسدآباذي (3)، شيخ المعتزلة، وصاحب التصانيف. عاش دهرا طويلا، وكان فقيها في المذهب. سمع من: أبي الحسن بن سلمة القطان، وعبد الرحمن بن حمدان الحلّاب، وعبد الله بن جعفر بن فارس، والزّبير بن عبد الواحد
__________
(1) ترجمته في: الخطيب: تاريخ بغداد 4/ 372، طبقات الشيرازي 108، الأنساب ن 12/ 51، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 210، سير أعلام النبلاء 17/ 403، 405، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 48، 51، وابن كثير البداية 12/ 18، وابن الجوزي المنتظم 8/ 17، وابن خلكان، وفيات 1/ 74وابن لأثير: الكامل 9/ 341، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 4/ 263، حاجي خليفة: كشف الظنون 351، 1103، 1541، ابن العماد: شذرات 3/ 202، الإسنوي: طبقات 2/ 2/ 381، وابن الصلاح: طبقات 1/ 366.
(2) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 11/ 113، الذهبي، ميزان الاعتدال 2/ 533، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 59، ابن الأثير، الكامل 9/ 115، ابن العماد، شذرات الذهب 3/ 203، اليافعي: مرآة الجنان 3/ 29، البغدادي، هدية العارفين 1/ 498، السّمعاني:
الأنساب 1/ 225، ابن الصلاح: طبقات 1/ 523.
(3) الأسدآباذي: نسبة إلى بلدة أسدأباذ القريبة من همذان / الأنساب 1/ 224.(1/353)
الأسدآباذي. روى عنه: أبو القاسم علي بن المحسّن التّنوخي، والحسن بن علي الصّيمريّ الفقيه، وأبو يوسف عبد السلام بن محمد القزوينيّ، المفّسّر المعتزلي، وآخرون، ولي قضاء الرّيّ وبلادها. ورحلت إليه الطّلبة، وسار ذكره. رحم الله المسلمين. وله تصانيف مشهورة، مات في ذي القعدة، وقد شاخ.
340 - عمر بن أحمد (1) بن عمر. أبو سهل الصّفّار الإصبهاني الفقيه الشافعي.
سمع: عبد الله بن فارس. وأحمد بن معبد السّمسار. روى عنه جماعة آخرهم موتا أبو الفتح الحدّاد، توفي في ذي القعدة.
341 - محمد بن إدريس (2) بن محمد بن إدريس بن سليمان الحافظ أبو بكر الشافعي الجرجرائي (3)، تلميذ محمد بن أحمد المفيد، رحّال جوّال. سمع ببغداد من: أحمد بن نصر الذارع، وطبقته. وبجرجان من: أي بكر الإسماعيليّ، وبإصبهان من: ابن المقرىء. وبدمشق من: محمد بن أحمد الخلّال، وعثمان بن عمر الشافعي. وبلخ وأنطاكية والنواحي. وسمع الناس بانتخابه. روى عنه: عبد الصمد بن إبراهيم البخاري الحافظ. وهنّاد النّسفي، وأحمد بن الفضل الباطرقاني (4)، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح العطار، وأبو حامد أحمد بن محمد بن ماما الحافظ، وآخرون. سكن بخارى في آخر عمره، وكان موصوفا بالمعرفة والحفظ، وما علمت فيه جرحا. توفي في شهر ربيع الأول. ذكره ابن النجار. وأما ابن عساكر فذكره مجهولا، لم يعرفه.
سنة ست عشرة وأربعمئة
342 - علي بن الحسن (5) بن خليل. القاضي (أبو الحسين) المصري الفقيه الشافعي، توفي في صفر. قال الحبّال: هو من كبار تلامذة إسماعيل الحدّاد الفقيه.
__________
(1) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 820، ذكر أخبار إصبهان 1/ 358.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 115114، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 843، شذرات الذهب 3/ 203، الأنساب 3/ 222، سير أعلام النبلاء 17/ 382، الوافي بالوفيات 2/ 181.
(3) الجرجرائي: نسبة إلى بلدة جرجرايا، تقع بين بغداد، وواسط (عن معجم البلدان).
(4) الباطرقاني: نسبة إلى بلدة باطرقان إحدى قرى إصبهان / الأنساب 2/ 40.
(5) ترجمته في: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 258) ص 404ووفيات الحبال رقم 228.(1/354)
سنة سبع عشرة وأربعمئة
343 - عبد الله بن أحمد بن عبد الله الإمام أبو بكر المروزيّ، القفّال (1). شيخ الشافعية بخراسان. كان يعمل الأقفال وحذق في عملها حتى صنع قفلا بآلاته، ومفتاحه، وزن أربع حبّات. فلما صار ابن ثلاثين سنة أحسّ من نفسه ذكاء، فأقبل على الفقه، فبرع فيه، وفاق الأقران. وهو صاحب طريقة الخراسانيين في الفقه. تفقّه عليه:
أبو عبد الله المسعودي، وأبو علي السّنجيّ، وأبو القاسم الفوراني (2). وهو من كبار فقهاء المراوزة. وتوفي بمرو في جمادى الآخرة، وله تسعون سنة. قال الفقيه ناصر العمريّ: لم يكن في زمان أبي بكر القفّال أفقه منه، ولا يكون بعده مثله. وكنا نقول:
إنه ملك في صورة الإنسان. تفقّه على أبي زيد الفاشانيّ (3). وسمع منه ومن: الخليل بن أحمد القاضي، وجماعة. وحدّث وأملى. وكان رأسا في الفقه، قدوة في الزهد. ذكره أبو بكر السمعاني في أماليه، فقال: وحيد زمانه، فقها، وحفظا، وورعا، وزهدا.
وله في المذهب من الآثار ما ليس لغيره. من أهل عصره. وطريقته المهذبة في مذهب الشافعي، التي حملها عنه أصحابه، أمتن طريقة وأكثرها تحقيقا. رحل إليه الفقهاء من البلاد، وتخرّج به أئمّة. ابتدأ بطلب العلم وقد صار ابن ثلاثين سنة، فترك صنعته، وأقبل على العلم. وقال غيره: كان القفّال قد ذهبت عينه. وذكر ناصر المروزيّ، أن بعض الفقهاء المختلفين إلى القفّال، احتسب على بعض أتباع الأمير متولي مرو، فرفع الأمير ذلك إلى محمود سبكتكين فقال: أيأخذ القفّال شيئا من ديواننا؟ قال: لا. قال:
__________
(1) ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 46، البغدادي: هدية العارفين 1/ 450، أبو الفداء: المختصر في أخبار البشر 2/ 156، ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 2021، السمعاني: الأنساب 10/ 212، ياقوت: معجم البلدان 5/ 116، الذهبي: العبر 3/ 124، الصفدي: الوافي 7/ 46، السبكي: طبقات 5/ 6253، الإسنوي: طبقات 2/ 298، ابن العماد: شذرات 3/ 207، ابن الصلاح: طبقات 1/ 496.
(2) الفوراني: نسبة إلى فوران أحد أجداده / الأنساب 9/ 341.
(3) الفاشاني: نسبة إلى قرية فاشان: إحدى قرى مرو، توفي سنة 371هـ، واسمه الكامل:
محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد الفاشاني المروزي / انظر تاريخ الإسلام، وفيات سنة 371، ص 505503.(1/355)
فهل يتلبّس بشيء من الأوقاف؟ قال: لا. قال: فإن الاحتساب لهم سائغ. دعهم (1).
وحكى القاضي حسين عن القفّال أستاذه، أنه كان في كثير من الأوقات في الدرس يقع عليه البكاء. ثم يرفع رأسه ويقول: ما أغفلنا عمّا يراد بنا. تخرّج القفّال على أبي زيد الفاشانيّ. وسمع الحديث بمرو، وبخارى، وهراة، وحدّث، وأملى وقبره يزار (2).
344 - عبد الرحمن بن أحمد بن محمد (3) بن إبراهيم. أبو القاسم النيسابوريّ الجوريّ، المقرىء الجريريّ، الشافعي. مستور ثقة. سمع مع أخيه القاضي أبي جعفر من: أحمد بن محمد بن عبدوس الطّرائفيّ، وأبي الحسن الكارزيّ، وأبي علي الرّفّاء، وتوفي في جمادى الآخرة سمع عبد الغافر وأصحابه.
345 - عمر (4) بن أحمد بن إبراهيم بن عبدويه بن سدوس بن علي بن عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. أبو حازم الهذلي العبدوبيّ النيسابوري الحافظ الأعرج. سمع: إسماعيل بن نجيد، ومحمد بن عبد لله بن عبدة السّليطي (5)، وأبا عمرو بن مطر، وأبا الفضل بن خميرويه الهروي، وأبا الحسن السراج، وأبا أحمد الغطريفيّ، وأبا بكر الإسماعيليّ، وبشر بن أحمد الإسفراييني، وطبقتهم. وحدّث ببغداد في سنة تسع وثمانين وثلاثمئة، فسمع منه: أبو الفتح بن أبي لفوارس، وأحمد بن الأبنوسيّ، كلاما ببغداد، في سنة تسع وثلاثين، وحدث عنه: أبو القاسم التنوخي، وأحمد بن عبد الواحد الوكيل، وأبو بكر الخطيب وقال (6): كان ثقة، صادقا، حافظا
__________
(1) انظر: البداية والنهاية لابن كثير 12/ 220.
(2) الذهبي: تاريخ الإسلام، (ترجمة رقم 291) ص 422، وفيات سنة 417هـ، الصفدي:
الوافي 7/ 46.
(3) عد الغافر الفارسي: المنتخب من السياق 304رقم 1005.
(4) ترجمته في: ابن عساكر: تبيين كذب المفتري 243241، المنتخب من السياق 366، 367 رقم 1216/ السبكي: طبقات الشافعية 5/ 300، 301، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 11/ 271272، اللباب 2/ 314، وابن الأثير: الكامل 7/ 237، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 21، العبر: الذهبي 3/ 125، الأنساب 8/ 354، الإسنوي: طبقات 1/ 85، الصفدي:
الوافي 22/ 421، ابن العماد: شذرات 4/ 208، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 4/ 265، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 650، سير أعلام النبلاء 17/ 337333.
(5) السليطيّ: نسبة إلى سليط اسم أحد أجداده / الأنساب 7/ 119.
(6) تاريخ بغداد 11/ 275، المنتظم 17915.(1/356)
عارفا. كتب إليّ أبو علي الوحشي (1)، يذكر أن أبا حازم، مات يوم الفطر. قلت:
وروى عنه: أبو عبد الله الثقفي، وخلق من أهل نيسابور. وكان من جلّة الحفّاظ. وكان أبوه قد سمّعه من أبي العباس الصبغيّ، وأبي علي الرّفّاء، وغيرهما. فلم يحدّث عنهما تورّعا. وقال: لست أذكرهم. قال أبو صالح المؤذن: سمعت أبا حازم يقول: كتبت بخطّي عن عشرة من شيوخي، عشرة آلاف جزء، وعن كل شيخ ألف جزء. رواها عبد الغافر في «السياق» عن أبي صالح الحافظ. وقال أبو محمد بن السّمرقندي:
سمعت أبا بكر الخطيب يقول: لم أر أحدا أطلق عليه اسم الحافظ غير رجلين، أبو نعيم، وأبو حازم العبدويّ.
سنة ثمان عشرة وأربعمائة
346 - أحمد بن (2) محمد بن أحمد (أبو سعيد) القهندّزيّ، النيسابوريّ الشافعيّ، المقرىء. روى عن: أبي بكر محمد بن المؤمل، وغيره، روى عنه: أبو صالح المؤذن، ومحمد بن يحيى، وعبيد الله بن عبد الله، توفي ربيع الأول.
347 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران. الأستاذ (أبو إسحاق) الإسفراييني (3)، الأصوليّ، المتكلّم، الفقيه الشافعيّ، إمام أهل خراسان، ركن الدين، أحد من بلغ رتبة الاجتهاد. له التصانيف المفيدة. روى عن: دعلج بن أحمد السّجزيّ، وأبي بكر الشافعي، وعبد الخالق بن أبي روبا، ومحمد بن بزداد بن مسعود، وأبي بكر الإسماعيليّ، وجماعة. وأملى مجالس. روى عنه: أبو بكر
__________
(1) الوحشيّ: نسبة إلى بلدة وحش بنواحي بلخ من بلاد ختلان وهي كورة واسعة بها منازل الملوك / الأنساب 12/ 228.
(2) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 317) ص 435، المنتخب من السياق ص 9190 (رقم الترجمة 196).
(3) ترجمته في: طبقات الفقهاء للشيرازي 106، ابن عساكر: تبيين كذب المفتري 423، معجم البلدان 1/ 178، الأنساب 1/ 225، اللباب 1/ 55، تهذيب الأسماء واللغات للنواوي 2/ 169، 170، المنتخب من السياق 121120، سير أعلام النبلاء 17/ 353، ابن خلكان:
وفيات الأعيان 1/ 28، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 111، وابن كثير، البداية والنهاية 12/ 24، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 209، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 268، حاجي خليفة: كشف الظنون 539، 1157، وابن الصلاح: طبقات الفقهاء الشافعية 2/ 701.(1/357)
البيهقي، وأبو القاسم القشيريّ، وأبو السّنابل هبة الله بن أبي الصّهباء، وجماعة.
وصنّف كتاب (جامع الحلي في أصول الدين)، و (الردّ على الملحدين)، في خمس مجلّدات. وتصانيف كثيرة مفيدة. أخذ عنه القاضي أبو الطيّب الطبريّ، أصول الفقه وغيره، وبنيت له بنيسابور مدرسة مشهورة. وتوفي بنيسابور يوم عاشوراء من السنة.
قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي (1): درس عليه شيخنا أبو الطيب، وعنه أخذ علم الكلام والأصول، عامّة شيوخ نيسابور (2). وقال غيره: نقل إلى إسفرايين، ودفن بمشهده بها. وقال عبد الغافر: كان أبو إسحاق طراز ناحية المشرق، فضلا عن نيسابور وناحيته. ثم كان من المجتهدين في العبادة، المبالغين في الورع. انتخب عليه أبو عبد الله الحاكم عشرة أجزاء، وذكره في تاريخه (3) لجلالته. وخرّج له أحمد بن علي الحافظ الرازي ألف حديث. وعقد له مجلس الإملاء بعد ابن مخمش. وكان ثقة، ثبتا في الحديث. قال أبو القاسم بن عساكر: حكى لي من أثق به، أنّ الصاحب ابن عبّاد كان إذا انتهى إلى ذكر ابن الباقلّاني، وابن فورك، والإسفرايينيّ، وكانوا متعاصرين، من أصحاب أبي الحسن الأشعري. قال لأصحابه: ابن الباقلّاني بحر مغرق، وابن فورك صلّ (4) مطرق، والإسفراييني نار تحرق. وقال الحاكم في تاريخه: أبو إسحاق الإسفراييني، الفقيه الأصولي، المتكلّم، المتقدّم في هذه العلوم. انصرف من العراق وقد أقرّ له العلماء بالتقدّم إلى أن قال: وبني له بنيسابور، المدرسة التي لم يبن بنيسابور قبلها مثلها. فدرّس فيها. وقال غيره: كان أبو إسحاق يقول: إنّ كلّ مجتهد مصيب أوله سفسطة، وآخره زندقة. وقال أبو القاسم الفقيه: كان شيخنا الأستاذ إذا تكلّم في هذه المسألة، قيل: القلم عنه مرفوع حينئذ. لأنه كان يشتم ويصول، ويفعل أشياء.
وحكى عنه أبو القاسم القشيريّ: أنه كان لا يجوّز الكرامات. وهذه زلّة كبيرة.
348 - عبد الرحمن بن محمد (5) بن عبد لله بن محمد بن حمدان. أبو القاسم القرشيّ، النيسابوريّ، السراج. روى عن: أبي العباس الأصمّ، وأبي منصور
__________
(1) طبقات الفقهاء 106.
(2) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 4/ 257، تبيينن كذب المفتري 243، 244.
(3) هو: تاريخ نيسابور، ولم يصلنا.
(4) الصّل: السيف القاطع.
(5) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 774، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 116، الإسنوي: الطبقات 2/ 4140.(1/358)
محمد بن القاسم الصّبغي، ومحمد بن سلمان البزاريّ، وأحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفيّ، وجماعة. روى عنه: أبو بكر الخطيب، وعلي بن أحمد بن الأخرم المدينيّ، وأبو صالح المؤذن، وعثمان المحميّ (1) وفاطمة بنت الدّقاق، وجماعة.
مات في صفر. وكان إماما جليلا، ثقة، كبير القدر، فقيها، تفقّه على الأستاذ أبي الوليد.
349 - محمد بن زهير (2) بن أخطل، أبو بكر النّسائي، الفقيه الشافعي، رأس الشافعية بنسا وخطيبها. رحل الناس إليه للأخذ عنه. سمع من: الأصمّ، وأبي حامد بن حسنويه، وابن عبدوس الطرائفي، وأبي الوليد حسان بن محمد، وأبي سهل بن زياد القطان، وأبي بكر الشافعي، وعمّر دهرا. روى عنه: أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن. وتوفي ليلة الفطر.
350 - هبة الله بن الحسن (3) بن منصور. الحافظ أبو القاسم الرازي، الطبريّ الأصل، المعروف بالألكاني. الفقيه الشافعي. نزيل بغداد. تفقّه على الشيخ أبي حامد. وسمع بالري من: جعفر الفناكيّ، وعلي بن محمد القصّار، والعلاء بن محمد، وببغداد من: أبي القاسم الوزير، وأبي طاهر المخلّص فمن بعدهما. قال الخطيب: كان يحفظ ويفهم. وصنّف كتابا في السّنة، وكتاب «رجال الصحيحين»، وكتابا في السّنن. وعاجلته المنية. وخرج إلى الدّينور فمات بها في رمضان. حدّثني علي بن الحسين بن جدّاء العكبريّ، قال: رأيت هبة الله الطبريّ في المنام، فقلت:
ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قلت: بماذا؟ قال: كلمة خفيّة بالسّنة. قلت: روى
__________
(1) المحمي: هذه النسبة إلى محم، وهو بيت كبير بنيسابور يقال له المحمية. الإنساب 11/ 173.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 150149، الإسنوي: الطبقات 2/ 487، وابن الصلاح: طبقات الشافعية ت 2/ 851، العبر 3/ 129، سير أعلام النبلاء 17/ 392، رقم 254، الوافي بالوفيات 3/ 78، شذرات الذهب 3/ 210.
(3) ترجمته في: التقييد: لابن نقطة 473رقم 640، اللباب 3/ 401، سير أعلام النبلاء 17/ 419، العبر 3/ 130، تاريخ الخلفاء للسيوطي 416، الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 14/ 7170، المعاني: الأنساب 1/ 595، وابن الجوزي: المنتظم 15/ 188، الذهبي:
تذكرة الحفاظ 3/ 267، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 9/ 306، ابن كثير البداية 12/ 24، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 211، والبغدادي: هدية العارفين 2/ 504. وتاريخ الإسلام ترجمة رقم 348، وفيات سنة 418هـ.(1/359)
عنه كتاب (السنة) أبو بكر أحمد بن عليّ الطّريثيثي، شيخ السلفي. قال شجاع: لم يخرّج عنه شيء من الحديث، إلا كتاب السنة.
سنة تسع عشرة وأربعمئة
351 - أحمد بن محمد (1) بن منصور. أبو الحسين بن العالي، البوشنجي، خطيب بوشنج. سمع: أبا أحمد بن عديّ، وأبا بكر الإسماعيليّ، وأبا سعيد محمد بن أحمد بن كثير بن ديسم، ومحمد بن علي الغيسقانيّ، ومحمد بن الحسن النيسابوريّ السرّاج، ومحمد بن عبد الله بن إبراهيم السّليطيّ. روى عنه: شيخ الإسلام أبو إسماعيل. توفي في رمضان. تفرّد ابن روزبه (2) بجزء من حديثه. وروى عنه: أبو القاسم أحمد بن محمد العاصميّ البوشنجي.
سنة عشرين وأربعمئة
352 - سعيد بن (3) عبد العزيز بن عبد الله بن محمد. أبو سهل النّيليّ (4). أخو الأستاذ أبي عبد الرحمن. رجل، جليل، نحويّ، فقيه، شافعي، شاعر، إمام في الطب، متبحّر فيه. أمين، ثقة في الحديث. روى عن: أبي عمرو بن حمدان، وأبي أحمد لحافظ، ومات فجأة، عن سبع وستين سنة.
353 - عبد الرحمن بن زاهد بن محمد أبو أحمد المروزي (5)، الشيرتحشيريّ، الفقيه المحدث. سمع: عبيد الله بن الحسين النّضريّ ببغداد ومحمد بن المظفّر الحافظ.
وأملى بمرو وهراة. روى عنه: عبد الواحد المليحيّ، وابنه أبو عطاء، وعطاء القرّاب.
أخذ مذهب الشافعي عن أبي زيد الفاشانيّ، وصار من أئمة المذهب.
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 353) ص 458، ابن العماد: شذرات 3/ 211، السمعاني:
الأنساب 8/ 318، سير أعلام النبلاء 17/ 381رقم 241.
(2) هو: علي بن بكر، أبو الحسن بن روزبة / السبكي: طبقات الشافعية 8/ 7، 316، 375.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 387، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 755، المنتخب من السياق 233رقم 730.
(4) النيلي: نسبة إلى بلدة النيل بين بغداد والكوفة / الأنساب 12/ 186.
(5) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 105104، الإسنوي: الطبقات 2/ 9291، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 216، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 530.(1/360)
354 - محمد (1) بن بكر أبو بكر (2)، النّوقانيّ، الطّوسي، الفقيه شيخ الشافعية، ومدرّسهم بنيسابور. تفقّه عليه: أبو القاسم القشيريّ، وجماعة. وكان قد اشتغل عند الأستاذ أبي الحسن الماسرجسيّ، وببغداد على الياميّ (3). وكان مع فضائله ورعا، صالحا خاشعا. قال محمد بن مأمون: كنت مع الشيخ أبي عبد الرحيم السّلمي ببغداد، فقال: تعال حتى أريك شابّا ليس في جملة الصوفية ولا المتفقّهة أحسن طريقة، ولا أكمل أدبا منه، فأراني أبا بكر الطّوسي. مات بنوقان رحمه الله تعالى. وأكثر المتوفين تقريبا من رجال هذه الطبقة.
355 - عبد الرحمن بن علي بن محمد (4) بن إبراهيم بن حمدان. أبو القاسم النيسابوري الشافعي. ثقة، صائن. روى عن: أبي لوليد حسّان بن محمد الفقيه، وابن نجيد وجماعة. وعنه: محمد المزكي.
356 - عبد الرحمن بن محمد بن محمد (5) بن أحمد بن سورة. الفقيه أبو سعد بن أبي سورة النيسابوريّ الزّرّاد. الفقيه الشافعي، المتكلم الأشعري. ذكره عبد الغافر، وقال: كان اسمه في صباه أحمد. سمع الكثير بخراسان وما وراء لنهر. وحدّث عن:
أبي الحسن السرّاج، وأبي عمرو بن نجيد، وأبي حامد الصائغ وطبقتهم. وعنه:
محمد بن أبي سعد الصّوفيّ.
357 - علي بن محمد بن خلف (6) بن موسى. أبو إسحاق البغداديّ، ثم النيسابوري، الفقيه. روى عن: أبي بكر الشافعي، وأبي بكر بن خلّاد النّصيبيّ، وابن ماسيّ، وبكار بن أحمد، وأبي بكر أحمد بن السّنيّ، ويوسف الميانجيّ، وجعفر بن محمد بن عاصم الدمشقي، وخلق. روى عنه: الرئيس في «الثّقفيّات»، وكان فقيها مناظرا، من علماء الشافعية.
__________
(1) ترجمته في: الصفدي: الوافي 2/ 260، السبكي: طبقات 3/ 49، الإسنوي: طبقات 2/ 156.
(2) النّوقانيّ: نسبة إلى نوقان، وهي إحدى بلدتي طوس / الأنساب 12/ 161.
(3) الياميّ: نسبة إلى يام، بطن من همدان / الأنساب 2/ 385.
(4) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 771، وتاريخ الإسلام ترجمة 444.
(5) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 300، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 117، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 535، المنتخب من السياق 304، 305رقم 6007.
(6) ترجمته في: الإسنوي: الطبقات 2/ 268، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 815.(1/361)
358 - محمد بن عبد الواحد (1) بن عبيد الله بن أحمد بن الفضل شهريار. الحافظ الفقيه أبو الحسن الأردستانيّ، الإصبهاني. مصنّف كتاب «الدلائل السمعية على المسائل الشرعية»، في ثلاث مجلّدات. روى فيها عن: عبد الله بن يعقوب بن إسحاق بن جميل، من «مسند أحمد بن منيع»، وهو أكبر شيخ له. وعن الحسن بن عليّ بن أحمد البغدادي، وأحمد بن إبراهيم العبقسيّ (2) المكيّ، وأبي عبد الله بن مندة، والحسن بن عثمان بن بكران، وأبي عمر بن مهدي الفارسي، وأبي عبد الله بن خرشيد (3)
قوله، وأبي الطاهر إبراهيم بن محمد الذهبي، صاحب ابن الأعرابيّ، ومحمد بن أحمد، بن جشنس، وأحمد بن محمد بن الصّلت المجبّر، وأبي أحمد الفرضي، وإسماعيل بن الحسن الصّرصري (4)، وأبي بكر بن مردويه، وخلق. وتنزّل إلى أبي نعيم الحافظ، وأبي ذرّ محمد بن الطبراني. ومن شيوخه: محمد بن أحمد بن الفضل صاحب ابن أبي حاتم. وينصبّ الخلاف في هذا الكتاب مع أبي حنيفة ومع مالك، وينتصر لإمامه الشافعي، ولكنه لا يتكلّم على الإسناد. وفي كتابه غرائب وفوائد تنبىء ببراعة حفظه.
روى عنه: الحافظ أبو مسعود سليمان بن إبراهيم الإصبهاني سماعا. وقد قرىء على أبي بكر محمد بن أحمد بن ماشاذة بإجازته من سليمان، والنسخة في آخرها: فرغ الشيخ من تأليفه سنة إحدى عشرة وأربعمئة. ورأيت في «معجم الحداد»: أنا: أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن عبيد الله بن أحمد بن الفضل بن شهريار الإمام: أنا: ابن المقرىء في صفر سنة ثمانين وثلاثمئة (5). نا: عبدان، نا: داهر بن نوح، نا: أبو همّام عن هدبة عن عبد لملك بن عمير، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلّت المرأة خمسها، وحصّنت فرجها وأطاعت بعلها، دخلت من أيّ أبواب الجنّة شاءت» (6).
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 4/ 182180، حاجي خليفة: كشف الظنون 760، وابن الصلاح:
طبقات الفقهاء الشافعية 2/ 860.
(2) العبقسي: نسبة إلى عبق اسم لبعض أجداد المنتسب إليه / الأنساب 8/ 371.
(3) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 120، 311، 4/ 181.
(4) الصرصريّ: نسبة إلى قرية على بعد فرسخين من بغداد، وتعرف ب «صرصر الدّير» / الأنساب 8/ 56.
(5) الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 471) وفيات سنة 120هـ ص 509.
(6) الحديث في: السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 4/ 182، «أخرجه الإمام أحمد في مسنده(1/362)
سنة إحدى وعشرين وأربعمئة
359 - أحمد بن الحسن (1) بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص بن مسلم بن يزيد.
القاضي أبو بكر بن أبي علي ابن الشيخ المحدّث أبي عمرو الحيريّ. وهو عمرو، هو سبط أحمد بن عمرو الحرشي، شيخ نيسابور في العدالة والثروة. روى أبو عمرو عن:
محمد بن رافع، وإسحاق الكوسج، وهذه الطبقة، وروى ابنه الحسن عنه، وعن: أبي نعيم بن عديّ. وعاش إلى سنة ثمان وثمانين وثلاثمئة. وأما القاضي أبو بكر هذا، فكان شيخ خراسان علما ورياسة وعلوّ إسناد. سمع: أبا عليّ محمد بن أحمد الميداني، وحاجب بن أحمد، ومحمد بن يعقوب الأصمّ، وجماعة بنسابور، وبمكة: أبا بكر الفاكهيّ، وبكر بن أحمد الحداد. وببغداد: أبا سهل بن زياد. وبالكوفة: أبا بكر بن ابي دارم. وبجرجان: أبا أحمد بن عدي. وقرأ بالروايات على أحمد بن العباس الإمام صاحب الأشنانيّ. ودرس الفقه على أبي الوليد حسّان بن (2) محمد. ودرس الكلام والأصول على أصحاب أبي الحسن الأشعري، وانتقى له الحاكم أبو عبد الله فوائد (3).
وأملى من سنة اثنين وثمانين وثلاثمئة. وقلّد قضاء نيسابور (4). وكان إماما عارفا بمذهب الشافعي. وكان مولده في سنة خمس وعشرين وثلاثمئة، كذا ورّخه الحافظ أبو بكر محمد بن منصور السمعاني (5).
وقال: هو ثقة في الحديث. قلت: روى عنه: أبو عبد الله الحاكم، وهو أكبر
__________
1/ 191عن طريق: ابن لهيعة، عن عبد الله بن أبي جعفر ابن قارظ عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء: 17/ 356، وابن العماد: شذرات الذهب 3/ 237، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 329، ياقوت: معجم البلدان 2/ 331، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 76، السمعاني: الأنساب 4/ 110108، والإسنوي: طبقات 1/ 422، المنتخب من السياق 80، 81رقم 174، العبر 3/ 141.
(2) هو: حسان بن محمد بن أحمد القرشي لأموي النيسابوري (أبو الوليد)، / / السبكي: طبقات الشافعية 1/ 218، 2/ 37، 3/ 14، 3/ 226، 4/ 150، 10/ 255.
(3) وذلك سنة 372هـ وكانت وفاة الحاكم قبله بست عشرة سنة. / / الأنساب 4/ 109.
(4) المنتخب من السياق ص 81والأنساب 4/ 109.
(5) السّمعاني: الأنساب 4/ 110.(1/363)
منه، وأبو بكر البيهقي، والخطيب، وأبو صالح المؤذن، وأبو علي الحسن بن الصّفّار، ومحمد بن إسماعيل المقرىء، ومحمد بن مأمون المتوليّ، ومحمد بن عبد الملك المظفّري، وأحمد بن عبد الرحمن الكناني، وقاضي القضاة أبو بكر محمد بن عبد الله الناصحي، مفتي الحنفية، ومحمد بن إسماعيل بن حسنويه، ولعله المقرىء، ومحمد بن علي العمري الهروي، والقاسم بن الفضل الثقفي، ومكي بن منصور الكرجي، وأسعد بن مسعود العتبيّ ومحمد بن أحمد الكافحيّ، ونصر الله بن أحمد الخشناميّ، وخلق كثير، آخرهم موتا عبد الغفار بن محمد بن الشيرويّ (1). توفي في شهر رمضان من هذه السنة (2). قال عبد الغافر: أصابه وقر في أذنه في آخر عمره.
وكان يقرأ عليه مع ذلك إلى أن اشتدّ ذلك قريبا من سنتين أو ثلاث، فيما كان يحسن أن يسمع. وكان من أصح أقرانه سماعا، وأوفرهم إتقانا وأتمهم ديانة، واعتقادا، صنّف في الأصول والحديث (3).
360 - محمود بن (4) سبكتكين. السلطان الكبير، أبو القاسم يمين الدولة، ابن الأمير ناصر الدولة، أبي منصور. وقد كان قبل السلطنة يلقب بسيف الدولة. قدم سبكتكين بخارى في أيام الأمير نوح بن منصور السّامانيّ. فوردها في صحبة ابن السّكين، فعرفه أركان تلك الدولة، بالشهامة، والشجاعة، وتوسّموا فيه الرفعة. فلما خرج ابن السّكين إلى غزنه (5) أميرا عليها، خرج في خدمته سبكتكين، فلم يلبث ابن السكين (6) أن توفي، فاحتاج الناس إلى من يتولى أمرهم، فاتّفقوا على سبكتكين وأمّروه عليهم. فتمكن وأخذ في الإغارات على أطراف الهند. فافتتح قلاعا عديدة، وجرى بينه وبين الهند حروب،
__________
(1) انظر: السمعاني: الأنساب 4/ 289.
(2) قبره بالحيرة مشهور ويزار. الأنساب.
(3) عبد الغافر: المنتخب من السياق ص 81.
(4) ترجمته في: ابن الجوزي: المنتظم 15/ 213211، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 2927، والسبكي: طبقات الشافعية 5/ 327314، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 881، الذهبي: تاريخ الإسلام: (ترجمة رقم 49) ص 74، تاريخ الفارقي 137، المنتخب من السياق 207، وفيات الأعيان 5/ 182175، سير أعلام النبلاء.
(5) غزنة: مدينة كبيرة في إقليم زابلستان، بطرف خراسان وتقع بين خراسان والهند / / ياقوت: معجم البلدان 4/ 201.
(6) ابن السكين: هكذا في الأصل وسير أعلام النبلاء 17/ 484، أما في: تاريخ البيهقي 742، ووفيات الأعيان 5/ 175 «ابن البتكين».(1/364)
وعظمت سطوته، وفتح ناحية بست (1). واتصل به أبو الفتح، علي بن محمد البستي الكاتب، فاعتمد عليه، وأسرّ إليه أموره. وكان سبكتكين على رأي الكراميّة. قال جعفر المستغفري: كان أبو القاسم عبد الله بن عبد الله بن الحسين النّضريّ المروزيّ، قاضي نسف، صلب المذهب، فلما دخل سبكتكين صاحب غزنة. بلخ (2)، دعاهم إلى مناظرة الكرّامية (3) وكان النّضريّ يومئذ قاضيا ببلخ، فقال سبكتكين: ما تقولون في هؤلاء الزّهاد والأولياء؟ فقال النضري: هؤلاء عندنا كفرة. فقال: ما تقولون فيّ؟ قال: إن كنت تعتقد مذهبهم فقولنا فيك كقولنا فيهم. فوثب من مجلسه وجعل يضربهم بالطبرزين (4)، حتى أدماهم، وشجّ القاضي وأمر بهم فقيّدوا وحبسوا. ثم خاف الملامة فأطلقهم، ثم إنه مرض ببلخ، فاشتاق إلى غزنة، فسافر إليها ومات في الطريق، في سنة سبع وثمانين وثلاثمئة (5)، وجعل ولي عهده ولده إسماعيل. وكان محمود غائبا ببلخ، فلما بلغه نعي أبيه، كتب إلى أخيه ولاطفه على أن يكون بغزنة، وأن يكون محمود بخراسان. فلم يوافقه إسماعيل، فكان في إسماعيل رخاوة وعدم شهامة. فطمع فيه الجند وشغّبوا عليه، وطالبوه بالعطاء، فأنفق فيهم الخزائن. فدعا محمود عمّه إلى موافقته، فأجابه.
فقوي بعمّه وبأخيه، وقصد غزنة في جيش عظيم (6)، وحاصرها إلى أن افتتحها بعد أن عمل هو وأخوه مصافّا هائلا، وقتل خلق من الجيش، وانهزم أخوه إسماعيل وتحصّن.
فنازل جينئذ محمود البلد، وأنزل أخاه من قلعتها بالأمان. ثم رجع إلى بلخ، وحبس أخاه ببعض الحصون حبسا خفيفا، ووسّع عليه الدنيا والخدم (7). وكان في خراسان نواب لصاحب ما وراء النهر من الملوك السّامانية، فحاربهم محمود وانتصر عليهم،
__________
(1) بست: مدينة من أعمال كابل تقع بين سجستان وغزنين، إقليمها واسع، حارة صيفا كثيرة المياه والبساتين. خرج منها كثير من العلماء، في علوم الفقه والحديث. / / ياقوت: معجم البلدان 1/ 419414.
(2) بلخ: مدينة مشهورة بخراسان، كثيرة الخيرات والغلال، تبعد عن ترمذ 12فرسخا. / / ياقوت:
معجم البلدان 1/ 279.
(3) الكرامية: فئة من المرجئة تنسب إلى شيخها محمد بن كرّام السجستاني، كان يدعو إلى تجسيم معبوده. / / البغدادي: الفرق بين الفرق 215.
(4) الطبرزين: سلاح يشبه البلطة.
(5) ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 176، والذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة 49) ص 70.
(6) ابن الجوزي: المنتظم 15/ 211، سير أعلام النبلاء 17/ 485.
(7) ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 177.(1/365)
واستولى على ممالك خراسان، واتسعت الدولة السامانية في سنة تسع وثمانين. فسيّر إليه القادر بالله أمير المؤمنين خلعة السلطان (1). وعظم ملكه، وفرض على نفسه كلّ عام غزو الهند، فافتتح فيها بلادا واسعة، وكسر الصنم المعروف بسومنات، وكانوا يعتقدون أنه يحيي ويميت، ويقصدونه من البلاد، وافتتن به أمم لا يحصيهم إلا الله. ولم يبق ملك ولا محتشم إلا وقد قرّب له قربانا من نفيس ماله، حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية، وامتلآت خزائنه من أصناف الأموال والجواهر. وكان في خدمة هذا الصنم ألف رجل من البراهمة يخدمونه، وثلاثمئة رجل يحلقون رؤوس الحجّاج إليه ولحاهم عند القدوم، وثلاثمئة رجل وخمسمائة امرأة يغنّون ويرقصون عند بابه. وكان بين الإسلام وبين القلعة التي فيها هذا الوثن مسيرة شهر، في مفازة صعبة فسار إليها السلطان محمود في ثلاثين ألف فارس جريدة (2)، وأنفق عليهم أموالا لا تحصى، فأتوا القلعة فوجدوها منيعة، فسهّل الله تعالى بفتحها في ثلاثة أيام، ودخلوا هيكل الصنم، فإذا حوله من أصناف الأصنام الذهب والفضة المرصعة بالجواهر شيء كثير (3)، محيطون بعرشه، يزعمون أنها الملائكة. فأحرقوا الصنم الأعظم، ووجدوا في أذنيه، نيّفا وثلاثين حلقة.
فسألهم محمود عن معنى ذلك، فقالوا: في كل حلقة عبادة ألف سنة (4). ومن مناقب محمود بن سبكتكين ما رواه أبو النضر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفاميّ، قال: لما ورد التّاهرتيّ (5) من مصر، على السلطان محمود يدعوه سرا إلى مذهب الباطنية، وكان يركب البغل الذي أتى به معه. وذاك البغل يتلوّن كل ساعة من كل لون. ووقف السلطان محمود على شرّ ما كان يدعو إليه، وعلى بطلان ما حثّه عليه فأمر بقتله وأهدى بغله إلى القاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزدي الشافعي شيخ هراة. وقال السلطان:
كان هذا البغل يركبه رأس الملحدين فليركبه رأس الموحّدين (6)، ولولا ما في السلطان محمود من البدعة: لعدّ من ملوك العدل. وذكر إمام الحرمين الجوينيّ (7)، أن السلطان
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 15/ 211، وفيات الأعيان 5/ 177.
(2) جريدة: جماعة الفرسان تخرج للغزو لا رجّالة فيها.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 15/ 211.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 15/ 212، وابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 179.
(5) نسبة إلى تاهرت بالمغرب.
(6) انظر: السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 5/ 319، 320.
(7) هو: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف النيسابوري إمام الحرمين أبو المعالي الجويني، إمام وقته،(1/366)
كان حنفيّ المذهب مولعا بعلم الحديث، يسمع من الشيوخ، ويستفسر الأحاديث، فوجد أكثرها موافقا لمذهب الشافعي، فوقع في نفسه (1). فجمع الفقهاء في مرو (2)، وطلب منهم الكلام في ترجيح أحد المذهبين، فوقع الاتفاق، على أن يصلّوا بين يديه على مذهب الإمامين ليختار هو. فصلى أبو بكر القفّال المروزي بطهارة مسبغة، وشرائط معتبرة من السّترة والقبلة، والإتيان بالأركان والفرائض صلاة لا يجوّز الشافعي دونها. ثم صلّى صلاة على ما يجوّز أبو حنيفة. فلبس جلد كلب مدبوغا قد لطّخ ربعه بالنجاسة.
وتوضّأ بنبيذ التمر، وكان في الحرّ، فاجتمع عليه البعوض، والذباب، وتوضأ منكّسا، ثم أحرم، وكبّر بالفارسية: (دوبر كك سبر) (3)، ثم نقر نقرتين كنقرات الديك، عن غير فصل ولا ركوع ولا تشهد، ثم ضرط في آخره من نية السلام، وقال: هذه صلاة أبي حنيفة. فقال: إن لم تكن هذه الصلاة، صلاة أبي حنيفة لقتلتك. قال: فأنكرت الحنيفة أن تكون هذه صلاة أبي حنيفة، فأمر القفّال بإحضار كتب أبي حنيفة، وأمر السلطان بإحضار نصرانيّ كاتبا يقرأ المذهبين جميعا، فوجدت كذلك. فأعرض السلطان عن مذهب أبي حنيفة، وتمسك بمذهب الشافعي. هكذا ذكر إمام الحرمين بأطول من هذه العبارة (4). وقال عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي في ترجمة محمود السلطان (5):
كان صادق النية في إعلاء كلمة الله، مظفّرا في الغزوات، ما خلت سنة من سني ملكه عن غزوة أو سفرة. وكان ذكيا بعيد الغور، موفّق الرأي. وان مجلسه مورد العلماء، وقبره بغزنة يدعى عنده (6). وقال أبو علي بن البنّا: حكى عليّ بن الحسين العكبريّ أنه سمع أبا مسعود أحمد بن محمد البجليّ قال: دخل ابن فورك على السلطان محمود، فقال:
__________
وشيخ الإمام الغزالي، توفي سنة 478هـ / / السبكي: طبقات الشافعية 1/ 71، 2/ 13، 3/ 62، 3/ 476474، 4/ 254252، 5/ 222165، والجويني: نسبة إلى ناحية جوين أو (كوبان) المتصلة بحدود بيهق. / / السمعاني: الأنساب 3/ 385.
(1) انظر: ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 180.
(2) مرو: مدينة هامة في خراسان، تبعد عن سرخس 30فرسخا، وبها نهران كبيران، تشتهر ببساتينها ومياهها، ظهر منها عدد من العلماء، / / ياقوت: معجم البلدان 5/ 116112.
(3) دوبركك سبر: كلمة فارسية تعني: ورقتان خضراوان / / ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 182.
(4) ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 180، 181.
(5) عبد لغافر الفارسي: المنتخب من السياق 446.
(6) نفسه، وقال عنه: (رجل عليّ الجدّ، ميمون الاسم، مبارك الدولة والنوبة على الرعية)، (المنتخب 446).(1/367)
لا يجوز أن يوصف الله بالفوقيّة، لأنه يلزمك أن تصفه بالتحتية، لأن من جاز أن يكون له فوق، جاز أن يكون له تحت (1). فقال السلطان: ليس أنا وصفته حتى تلزمني. هو وصف نفسه. فبهت ابن فورك. فلما خرج من عنده مات، فقال: انشقّت مرارته. وقال عبد الغافر: قد صنّف في أيام محمود وغزواته تواريخ، وحفظت حركاته وسكناته، وأحواله لحظة، لحظة. وكانت مستغرقة في الخيرات ومصالح الرعية. وكان متيقظا، ذكي القلب، بعيد الغور، يسّر الله له من الأسباب والجنود والهيبة والحشمة في القلوب ما لم يره أحد. وكان مجلسه مورد العلماء. قلت: وقال أبو النضر: محمد بن عبد الجبار العتبيّ (2) الأديب في كتابه «اليميني» في سيرة هذا السلطان: رحم الله أبا الفضل الهمداني حيث يقول في يمين الدولة وأمين الله محمود (3): [من مجزوء الوافر]:
تعالى الله ما شاء ... وزاد الله إيماني
أأفريدون في التّاج ... أم الإسكندر الثّاني؟
أم الرّجفة قد عادت ... إلينا بسليمان؟ (4)
أظلّت شمس محمود ... على أنجم سامان
وأمسى آل بهرام ... عبيدا لابن خاقان
إذا ما ركب الفيل ... لحرب أو لميدان
رأت عيناك سلطانا ... على منكب شيطان
فمن واسطة الهند ... إلى ساحة جرجان
ومن قاصية السّند ... إلى أقصى خراسان
فيوما رسل الشّاه ... وبعده رسل الخان
فلك السّرج إذا شئت ... على كاهل كيوان
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 49) ص 73.
(2) صنف كتابا سمّاه: لطائف الكتاب، أو تاريخ العتبي، وتناول فيه سيرة السلطان محمود بن سبكتكين. انظر: البغدادي: هدية العارفين 2/ 68، الزركلي: الأعلام 7/ 56، حاجي خليفة: كشف الظنون 1553.
(3) الأبيات في: الذهبي: تاريخ الإسلام ترجمة رقم (49) ص 74 «محمود سبكتيكين».
(4) هذا البيت مكسور عروضيا في الأصل.(1/368)
قلت: ومناقب محمود كثيرة، وسيرته من أحسن السّير. وكان ولده في سنة إحدى وستين وثلاثمئة. ومات بغزنة في سنة إحدى، وقيل: سنة اثنتين وعشرين (1)، وقام بالسلطنة بعده ولده محمد، فأنفق الأموال، وكان منهمكا في اللهو واللّعب، فعمل عليه أخوه مسعود بإعانة الأمراء فقبض عليه، واستقرّ الملك لمسعود. ثم جرت خطوب وحروب لمسعود مع بني سلجوق، إلى أن قتل مسعود سنة ثلاث وثلاثين وأربعمئة، وتملّك آل سلجوق، وامتدت أيامهم، وبقي منهم بقيّة إلى أيام السلطان الملك الظاهر بيبرس، وهم ملوك بلد الروم. قال عبد الغافر (2): توفي في جمادى الأولى سنة إحدى [وعشرين (3)] بغزنة.
سنة اثنين وعشرين وأربعمئة
361 - أحمد بن إسحاق (4) بن جعفر بن أحمد بن أبي أحمد بن جعفر المتوكل على الله بن المعتصم بن الرشيد، أبو العباس، الخليفة القادر بالله أمير المؤمنين، ابن الأمير أبي أحمد بن المقتدر بالله الهاشمي، العباسي، البغدادي. بويع بالخلافة عند القبض على الطائع لله في حادي عشر رمضان، سنة إحدى وثمانين وثلاثمئة. ومولده في سنة ست وثلاثين وثلاثمئة. وأمّه (يمنى) مولاة عبد الواحد ابن المقتدر، كانت ديّنة خيّرة، معمّرة وتوفيت سنة تسع وتسعين وثلاثمئة. وكان أبيض، كثّ اللحية طويلها، يخضب شيبه. وكان من أهل السّتر والصيانة، وإدامة التّهجّد (5). تفقّه على العلامة،
__________
(1) تاريخ الفارقي 137.
(2) المنتخب من السياق 446.
(3) ساقطة.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 3837، ابن الجوزي: المنتظم 15/ 220، ابن الأثير: الكامل 9/ 80، الذهبي: العبر 3/ 148، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 65، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 4/ 160، السيوطي: تاريخ الخلفاء 417411، ابن العماد:
شذرات 3/ 223221، الإسنوي: طبقات 2/ 310، ابن الصلاح: طبقات 1/ 324، تاريخ الفارقي 132، وفيات الأعيان 2/ 175، 4/ 415، الوافي 6/ 239، سير أعلام النبلاء 15/ 137127، البداية والنهاية 42/ 31.
(5) ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 324، 325، والسيوطي تاريخ الخلفاء ص 412، وتاريخ بغداد 4/ 37.(1/369)
أبي بشر أحمد بن محمد الهروي الشافعي، وعدّه ابن الصلاح في الفقهاء الشافعية. قال الخطيب: كان من الديانة وإدامة التهجد، وكثرة الصدقات على صفة اشتهرت عنه.
وصنّف كتابا في الأصول ذكر فيه فضائل (1) الصحابة، وإكفار المعتزلة والقائلين بخلق القرآن. وكان ذلك الكتاب يقرأ كلّ جمعة في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي، ويحضره الناس مدّة خلافته، وهي إحدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر. وتوفي ليلة الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة. ودفن بدار الخلافة، فصلّى عليه ولده الخليفة بعده القائم (2) بأمر الله ظاهرا، والخلق وراءه، وكبّر عليه أربعا. فلم يزل مدفونا في الدار إلى أن نقل تابوته في المركب ليلا إلى الرصافة، ودفن بها بعد عشرة أشهر (3). وعاش سبعا وثمانين سنة إلا شهرا وثمانية أيام، رحمه الله.
سنة ثلاث وعشرين وأربعمئة
362 - روح (4) بن محمد بن الحافظ أبي بكر أحمد بن محمد بن السّنّيّ الدّينوريّ. أبو زرعة. سمع: إسحاق بن سعد النّسوي، وجعفر بن الفناكي، روى عنه: الخطيب، ووثّقه.
363 - علي بن أحمد (5) بن الحسن بن محمد بن نعيم. أبو الحسن البصري، الحافظ، المعروف بالنّعيمي. نزيل بغداد. حدّث عن: أحمد بن محمد بن العباس الأسفاطيّ، وأحمد بن عبيد الله النّهرديريّ (6)، ومحمد بن عدي بن زحر، وعلي بن
__________
(1) تاريخ بغداد 4/ 37، 38.
(2) عبد الله بن أحمد أبو جعفر (467391هـ) كان ورعا عادلا، كثير الرفق بالرعية، ذا عناية بالأدب والإنشاء.
(3) تاريخ بغداد 4/ 38/ / الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 9/ 399.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/ 410، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 379، البغدادي: هدية العارفين 1/ 371، البداية والنهاية 12/ 32، المعاني: الأنساب 7/ 176، ابن الجوزي: المنتظم 15/ 231، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 472.
(5) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 11/ 331، وابن الأثير: الكامل 8/ 205، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 597، وابن الجوزي: المنتظم 15/ 231، السبكي:
طبقات الشافعية 5/ 237، ابن العماد: شذرات 3/ 226.
(6) النهرديري: نسبة إلى نهر الدير قرية قرب البصرة / الأنساب 12/ 173.(1/370)
عمر الحربي. قال الخطيب: كتب عنه، وكان حافظا، عارفا، متكلما، شاعرا. وقد ثنا عنه أبو بكر البرقاني بحديث. وسمعت الزّهري يقول: وضع النّعيميّ على ابن المظفر حديثا، ثم تنبّه أصحاب الحديث له، فخرج عن بغداد لهذا السبب، فغاب حتى مات ابن المظفر. ومات من عرف قصته في الحديث ووضعه، ثم عاد إلى بغداد، سمعت أبا عبد الله الصّوري (1) يقول: لم أر ببغداد أكمل من النّعيمي. كان قد جمع معرفة الحديث والكلام والأدب. قال: وكان البرقاني يقول: هو كامل في كل شيء لولا بأو (2) فيه.
قلت: ومن شعره السّائر (3): [من المتقارب]:
إذا أظمأتك أكفّ اللئام ... كفتك القناعة شبعا وريّا
فكن رجلا رجله في الثّرى ... وهامة همّته في الثّريّا
أبيّا لنائل ذي ثروة ... تراه بما في يديه أبيّا
فإنّ إراقة ماء الحيا ... ة دون إراقة ماء المحيّا
مات النّعيمي في عشر الثمانين، وكان يحدّث من حفظه، وتلك الهفوة منه، التي حكاها الخطيب عن الزّهري، كانت في شبيبته، وتاب.
سنة أربع وعشرين وأربعمئة
364 - محمد بن عبد الله (4) بن أحمد البيضاوي (5) البغدادي. الفقيه المفتي أبو عبد الله. ولي قضاء ربع الكرخ. وحدّث عن: أبي بكر القطيعي، وروى عنه الخطيب، ووثقه، وقال أبو إسحاق الشيرازي: تفقّه على الداركيّ. وحضرت مجلسه وعلقت عنه. وكان حافظا للمذهب والخلاف، موفّقا في الفتاوى.
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 15/ 230.
(2) نفسه، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 597. البأو: هو العجب.
(3) الذهبي: سير أعلام النبلاء 17/ 447/ / 2/ 598.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5/ 47، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 6463، الإسنوي: الطبقات 1/ 229، السمعاني: الأنساب 2/ 368، ابن الأثير: اللباب 1/ 162، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 177، معجم البلدان 2/ 335، تاريخ الفارقي 145.
(5) البيضاوي: نسبة إلى مدينة البيضاء الكبيرة في كورة اصطخر وبها قلعة يرى بياضها من بعيد / معجم البلدان 1/ 529.(1/371)
سنة خمس وعشرين وأربعمئة
365 - أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب (1) أبو بكر الخوارزمي، البرقانيّ (2)، الحافظ، الفقيه الشافعي. سمع بخوارزم، من: أبي العباس محمد بن أحمد بن حمدان الحيريّ، نزيل خوارزم، ومن: محمد بن علي الحسّاني (3)، وأحمد بن إبراهيم بن جناب الخوارزميّين. وبهراة: محمد بن عبد الله بن خميرويه. وببغداد أبا علي بن الصّواف، وأبا بكر بن الهيثم الأنباري، وأحمد بن جعفر الختّلي، وأبا بحر البربهاريّ (4)
والقطيعيّ. وبجرجان: أبا بكر الإسماعيلي. وبنيسابور: أبا عمرو بن حمدان.
وبدمشق: أبا بكر بن أبي الحديد، وبمصر: عبد الغني الحافظ. وخلقا سواهم. حتى إنه روى عن: أبي بكر الخطيب تلميذه. وروى عنه: الصّوريّ، والخطيب، وأبو بكر البيهقيّ، وأبو إسحاق الشيرازي الفقيه، وأبو القاسم بن أبي العلاء المصّيصيّ، وسليمان بن إبراهيم الإصبهانيّ، العبدي المالكي شيخ البصرة، وأبو يحيى بن بندار، ومحمد بن عبد السلام الأنصاري، وأبو الفضل بن خيرون، وأبو طاهر أحمد بن الحسن الكرجي الباقلّاني، والمعتز أبو يعلى أحمد بن محمد. وآخرون. واستوطن بغداد. قال الخطيب (5): كان ثقة، ورعا ثبتا، لم نر في شيوخنا أثبت منه. عارفا بالفقه، له خطّ في علم العربية، كثير الحديث. صنّف مسندا ضمّنه ما اشتمل عليه (صحيح البخاري ومسلم) وجمع حديث الثوريّ، وشعبة، وعبيد الله بن عمر، وعبد الملك بن عمير، وبيان بن بشر، ومطر الورّاق، وغيرهم. ولم يقطع التصنيف حتى مات. وكان حريصا
__________
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 373والذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 259، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 19وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 36، وابن الأثير: اللباب 1/ 113، وابن العماد: شذرات الذهب 3/ 228، ابن الجوزي: المنتظم 15/ 242، بدران: تهذيب تاريخ دمشق 1/ 449447، سزكين: تاريخ التراث العربي 1/ 384، والبغدادي: هدية العارفين 1/ 74، الذهبي: العبر 3/ 156، والسمعاني: الأنساب 2/ 156، وابن الصلاح: طبقات 1/ 362، طبقات الفقهاء للشيرازي 127، وفيات الأعيان 1/ 29، سير أعلام النبلاء 17/ 268261.
(2) البرقاني: نسبة إلى برقان من نوحي خوارزم (النساب 2/ 156).
(3) الحساني: نسبة إلى أحد الأجداد / الأنساب 4/ 135.
(4) البربهاري: نسبة إلى بربهار وهي الأدوية والعقاقير الآتية من الهند (الأنساب 2/ 152.
(5) الخطيب: تاريخ بغداد 4/ 374.(1/372)
على العلم، منصرف الهمّة إليه. سمعته يقول لرجل من الفقهاء الصلحاء: ادع الله أن ينزع شهوة الحديث من قلبي، فإنّ حبّه قد غلب عليّ، فليس لي اهتمام في الليل والنهار إلّا به. أو نحو هذا. وكنت كثيرا أذاكره الأحاديث، فيكتبها عني، ويضمّنها جموعه.
وسمعت الأزهريّ يقول (1): البرقانيّ إمام، إذا مات ذهب هذا الشأن. وسمعت محمد بن يحيى الكرمانيّ الفقيه يقول: ما رأيت في أصحاب الحديث أكثر عبادة من البرقاني (2). وسألت الأزهري: هل رأيت شيخا أتقن من البرقاني؟ قال: لا (3).
وسمعت أبا محمد الخلّال ذكر البرقاني فقال: كان نسيج وحده (4). وقال الخطيب (5):
وأنا ما رأيت شيخا اثبت منه. وقال أبو الوليد الباجيّ: أبو بكر البرقاني ثقة، حافظ، قلت: وذكره الشيخ أبو إسحاق في (طبقات فقهاء الشافعية) (6) فقال: ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمئة، وسكن بغداد، ومات بها في أول يوم من رجب. تفقّه في حداثته، وصنّف في الفقه، ثم اشتغل بعلم الحديث، فصار فيه إماما. وقال الخطيب: حدثني أحمد بن غانم الحمامي، وكان صالحا، أنه نقل البرقاني من بيته، فكان معه ثلاثة وستون سفطا وصندوقا، كل ذلك مملوء كتبا. وقال البرقاني (7): دخلت أسفرائين، ومعي ثلاثة دانير ودرهم، فضاعت الدنانير وبقي الدرهم، فدفعته إلى خبّاز، وكنت آخذ منه في كل يوم رغيفين، وآخذ من بشر بن أحمد جزءا فأكتبه وأفرغ منه بالعشيّ، فكتبت ثلاثين جزءا، ثم نفد ما كان [لي] عند الخبّاز فسافرت، قلت: كتاب (المصافحة) له من عالي ما يسمع اليوم. تفرّد بها بيبرس القديميّ بحلب. وعند أبي بكر بن عبد الدائم قطعة من الكتاب، يرويها عن الناصح عن شهدة، عن ابن العرب، عنه. قال الخطيب في ترجمة البرقاني: حدّثني عيسى بن أحمد الهمدانيّ، أنا: البرقاني سنة عشرين، قال: حدّثني أحمد بن علي بن ثابت الخطيب. نا محمد بن موسى الصّيرفي، نا الأصمّ، نا الصّفاني نا: أبو زيد الهوريّ، نا: شعبة عن محمد بن أبي النّوّار: سمعت
__________
(1) الخطيب: تاريخ بغداد 4/ 375.
(2) تاريخ بغداد: 4/ 375.
(3) نفسه.
(4) نفسه.
(5) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 374، وابن الجوزي: المنتظم 15/ 243.
(6) طبقات الفقهاء 127.
(7) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 376375، وابن الجوزي: المنتظم 15/ 242.(1/373)
رجلا من بني سليم يقال له خفّاف. قال: سألت ابن عمر عن صوم ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعتم. قال: إذا رجعت إلى أهلك. تفرّد به أبو زيد (1).
366 - أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن (2) سعيد أبو العباس الأبيورديّ، القاضي الشافعي، صاحب الشيخ أبي حامد. سكن بغداد وبرع في الفقه. وولي القضاء ببغداد، على الجانب الشرقيّ ومدينة المنصور أيام ابن الأكفاني (3). ثم نزل، وردّ ابن الأكفاني إلى عمله. وكان له حلقة للتدريس والفتوى بجامع المنصور. وكان عنده شيء عن علي بن القاسم بن شاذان القاضي وغيره. كتب بالرّيّ وهمذان. وكان حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، فصيحا، له شعر. وقيل: إنه كان يصوم الدّهر. وكان فقيرا يتحمّل، ومكث شتوة لا يملك جبّة يلبسها. وكان يقول لأصحابه: بي علّة تمنعني من لبس المحشوّ. توفي في جمادى الآخرة، وله ثمانية وستّون سنة (4).
367 - الحسن بن عبيد الله (5) الفقيه أبو علي البندنبجيّ الشافعي، صاحب الشيخ أبن حامد. له عنه تعليقة مشهورة، وله مصنّفات كثيرة. درس الفقه ببغداد مدة وأفتى، وكان ديّنا صالحا ورعا. ثم رجع إلى البندنيجين رحمه الله.
سنة ست وعشرين وأربعمئة
368 - محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين، أبو عمرو الرّزجاهيّ البسطامي (6) الفقيه الشافعي الأديب المحدّث. تفقّه على الأستاذ أبي سهل
__________
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 371.
(2) ترجمته في: ابن الأثير: الكامل 8/ 214، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 37، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 5251رقم 2411، السمعاني: الأنساب 1/ 128، السبكي:
طبقات الشافعية 4/ 81، اللباب 1/ 27، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 4/ 279، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 387.
(3) هو: هبة الله بن أحمد بن (ابن الأكفاني) السبكي: طبقات الشافعية 1/ 12، 134، 6/ 102.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 15/ 243، وتاريخ بغداد: 5/ 51.
(5) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 7/ 343، ابن الأثير: الكامل 8/ 214، ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 37، الشيرازي: طبقات 129، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 305، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 738، الأنساب 2/ 338.
(6) ترجمته في: ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 230، اليافعي: مرآة الجنان 3/ 45والبغدادي:(1/374)
الصّعلوكي مدّة. وكتب الكثير عن: عبد الله بن عدي، وأي بكر الإسماعيلي، وأبي أحمد الغطريفيّ، وأبي علي بن المغيرة، وطبقتهم، وولد سنة إحدى وأربعين وثلاثمئة. وكان يجلس لاستماع الحديث والأدب. وله حلقة بنيسابور. روى عنه:
البيهقي، وأبو عبد الله الثقفي، وأبو سعد بن أبي صادق، وأبو الحسن علي بن محمد بن أحمد الفقاعي، وآخرون. وانتقل في آخر عمره إلى بسطام، ومات بها في هذه السنة في ربيع الأول. ورزجا (بفتح الراء وقيل: بضمّها) وهي قرية من قرى بسطام. وبسطام:
بلدة بقومس.
369 - أبو الحسن بن الحداد المصري (1). القاضي الشافعي المصاحفيّ. توفي في ربيع الأول، قاله: أبو إسحاق الحبّال.
سنة سبع وعشرين وأربعمئة
370 - أحمد بن محمد بن إبراهيم. أبو إسحاق النيسابوريّ (2)، الثعلبيّ، صاحب (التفسير)، كان أوحد زمانه في علم القرآن، وله كتاب «العرائس في قصص الأنبياء». قال السمعاني: يقال له: الثّعلبي، والثعالبي، وهو لقب لا نسب، روى عن: أبي طاهر محمد بن الفضل بن خزيمة، وأبي محمد المخلديّ، وأبي بكر بن هانىء، وأبي محمد بن الرومي، والخفّاف، وأبي بكر بن مهران المقرىء، وجماعة.
وكان واعظا، حافظا علما، بارعا في العربية، موثقا. أخذ عنه: أبو الحسن الواحديّ. وقد جاء عن أبي القاسم القشيري قال: رأيت رب العزة في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه، فكان في أثناء ذلك أن قال الربّ جلّ اسمه: أقبل الرجل الصالح.
__________
هدية العارفين 2/ 65والسبكي: طبقات الشافعية 4/ 151، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية ت 2/ 858، العبر: 3/ 160، تاريخ جرجان 462.
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 75 (6483) واسمه: علي بن محمد بن أحمد المصري (أبو الحسن).
(2) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات 1/ 79، الفقطي: إنباه الرواة 1/ 119، ابن كثير البداية 12/ 40، ياقوت: معجم الأدباء 5/ 36، ابن الأثير: اللباب 1/ 238، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 230، حاجي خليفة كشف الظنون 113، 496، والسبكي: طبقات الشافعية 4/ 85، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 714، سير أعلام النبلاء 17/ 437435رقم 291.(1/375)
فالتفتّ، فإذا أحمد الثّعلبي مقبل. قال عبد الغافر بن إسماعيل: توفي في المحرّم، ثم ذكر المنام.
371 - أحمد بن علي أبو جعفر (1) الأزديّ، القيرواني، الشافعي المقرىء، رحل، وقرأ القراءآت على أبي الطيّب بن غليون. وأقرأ الناس.
372 - علي بن الحسين بن أحمد بن الحسن (2) بن القاسم بن الحسن. الحافظ أبو الفضل الهمذاني المعروف بالفلكيّ (3). قال شيرويه: سمع عامة مشايخ همدان، ومشايخ العراق، وخراسان. روى عن: أبي الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه، وأبي الحسين بن بشران، وأبي بكر أحمد بن الحسن الحيريّ، وطبقتهم. ثنا عنه الحسنيّ والميداني. وكان حافظا متقنا، يحسن هذا الشأن جيدا. حيث جمع الكثير وصنّف الكتب. وصنّف كتاب الطبقات الموسوم «بالمنتهى في الكمال في معرفة الرجال» ألف جزء. ومات بنسابور. قديما. وما متّع بعلمه. قال شيرويه: سمعت حمزة بن أحمد يقول: سمعت شيخ الإسلام الأنصاري (4) يقول: ما رأت عيناي من البشر أحدا أحفظ من أبي الفضل الفلكي. وكان صوفيّا مشمّرا. قلت: توفي في نيسابور في شعبان، وقيل:
توفي سنة ثمان. وأما نسبته إلى الفلكيّ فكان جدّه بارعا في علم الحساب والفك، فقيل له الفلكي. وكان هيوبا محتشما، توفي سنة 384هـ.
373 - محمد بن إبراهيم بن. محمد بن يحيى (5) بن سختويه بن عبد الله. المحدّث أبو عبد الله ابن المحدّث المزكّي أبي إسحاق النيسابوري. أحد الإخوة الخمسة، وأصغرهم. حدّث عن: والده أبي إسحاق المزكي. وأبي علي الرّفّاء، ويحيى بن منصور القاضي، وأبي العباس محمد بن إسحاق الصبغي، وأبي عمرو بن مطر، وأبي
__________
(1) ترجمته في: ابن الجزري: طبقات القراء 1/ 9، غاية النهاية 1/ 91رقم 411.
(2) ترجمته في: ابن الأثير، اللباب 2/ 440، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 303، ابن العماد:
شذرات الذهب 3/ 185، حاجي خليفة: كشف الظنون 1397، الإسنوي: طبقات 2/ 268، السمعاني: الأنساب 9/ 330، الذهبي: العبر 3/ 162، ابن الصلاح: طبقات 2/ 611، المنتخب من السياق 373رقم 1263، سير أعلام النبلاء 17/ 504502.
(3) نفسه.
(4) هو: عبد الله بن محمد بن علي الهروي شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري / السبكي: طبقات الشافعية 1/ 206، 2/ 33.
(5) ترجمته في: الإسنوي: الطبقات 2/ 397، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 836.(1/376)
بكر بن الهيثم الأنباريّ، وأبي بحر البربهاريّ، وأبي بكر الطّلحيّ الكوفيّ، وطبقتهم.
خرّج له الحافظ أحمد بن علي بن منجويه، وأبو حازم العبدويّ. وكان صحيح السّماع.
قال عبد الغافر الفارسي: كان والدي يتأسّف على فوات السماع منه. وقد أنبأ عنه:
أخوالي، أبو سعد، وأبو سعيد، وأبو منصور، ونافع بن محمد الأبيورديّ، والشّقّاني (1)، وأبو بكر محمد بن أخي يحيى، وعلي بن عبد الرحمن العثماني. قلت:
وأبو سعد علي بن عبد الله بن أبي صادق، وعبد الغفار بن محمد الشّيروييّ، وآخرون.
سنة ثمان وعشرين وأربعمئة
374 - ميمون بن سهل (2). أبو نجيب الواسطي، ثم الهرويّ. الفقيه روى عن: أبي بكر محمد بن أحمد المفيد، وأبي القاسم بن أحمد، وجماعة. روى عنه: ابنه نجيب، وأبو علي جهاندار. توفي في رمضان.
سنة تسع وعشرين وأربعمئة
375 - أحمد بن عبد الله (3) بن الحسين بن إسماعيل. أبو عبيد المحامليّ (4). سمع أبا بكر النّجّاد، وأبا سهل بن زياد، ودعلج بن أحمد، والشافعي. وولد في سنة ثلاث وأربعين وثلاثمئة. روى عنه: أبو بكر الخطيب، وأبو الفضل بن خيرون، وأبو غالب الباقلّاني، وجماعة من مشيخة السّلفي الذين ببغداد. وقال الخطيب (5): كان سماعه صحيحا. وحدث له صمم في أول سنة ثمان وعشرين. وتوفي سنة تسع في ربيع الآخر.
قال: عاش ستّا وثمانين سنة رحمه الله.
__________
(1) الشقاني: نسبة إلى بلدة شقّان. / الأنساب 7/ 359.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 349، الإسنوي: الطبقات 2/ 542، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 675.
(3) ترجمته في: الأنساب لابن السمعاني 11/ 154، سير أعلام النبلاء 17/ 538رقم 357، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 238 (ترجمة رقم 1962)، وابن الصلاح: طبقات الشافعية 1/ 220.
(4) المحاملي: نسبة إلى المحامل التي يحمل بها الناس على ظهور الجمال إلى مكة (الأنساب 11/ 152).
(5) تاريخ بغداد 4/ 238.(1/377)
376 - أحمد بن محمد (1) بن عبيد الله بن محمد. أبو بكر البستي، الفقيه الشافعي.
كان من كبار الأئمة بنيسابور، ومن أولي الرياسة والحشمة. سمع الكثير، وأملى مدّة عن الدارقطني، وطبقته. روى عنه: مسعود السّجزيّ، وتوفي ثالث عشر رجب (2).
377 - إسحاق بن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد عبد الرحمن (3). الحافظ أبو يعقوب، السّرخسيّ، الهروي القرّاب (4). الإمام الجليل، محدّث هراة. له مصنّفات كثيرة. ولد سنة اثنين وخمسين وثلاثمئة. وطلب الحديث فأكثر. قال أبو النّضر الفاميّ: حتى أن عدد شيوخه زاد على ألف ومائتي نفس، وله (تاريخ السنين) الذي صنّفه في وفاة أهل العلم، من زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى سنة وفاته سنة تسع وعشرين.
ومنها كتاب (نسيم المهج)، وكتاب (الأنس والسّلوة)، وكتاب (شمائل العبّاد).
قال وكان زاهدا مقلّا من الدنيا. قلت: سمع العباس بن الفضل النّضروييّ، وجدّه محمد بن عمر بن حفصويه، وأبا الفضل محمد بن عبيد الله السياري، وعبد الله بن أحمد بن حمّويه السّرخسيّ، وزاهر بن أحمد الفقيه، وأحمد بن عبد الله النّعيمي، والخليل بن أحمد القاضي، وأبا الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن حمزة، والحسين بن أحمد الشماخي الصّفّار، وأبا منصور محمد بن عبد الله البزّار، وهذه الطبقة فمن بعدهم. حتى كتب عمّن هو أصغر منه. وحدّث عن: الحافظ أبي علي الحسن بن علي الوحشيّ، وهو من أصحابه. روى عنه: شيخ الإسلام، أبو إسماعيل الأنصاري،
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 80، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 719، وعبد الغافر الفارسي: المنتخب من السياق 93رقم 201.
(2) قال عبد الغافر الفارسي: «من كبار فقهاء أصحاب الشافعي والمدرسين المناظرين بنيسابور، وكانت له المروءة الظاهرة والثروة الوافرة، بنى لأهل العلم مدرسة على باب داره. سمع الكثير بنيسابور والعراق، وعقد له الإملاء، فأملى مدة في دار السّنّة مدرسة الصبغي بباب الجامع القديم». المنتخب من السياق 93رقم 201.
(3) ترجمته في: المنتخب من السياق 157، 158رقم 351، العبر 3/ 168، من أعلام النبلاء 17/ 572570، الوافي بالوفيات 8/ 294، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 264، الذهبي:
تذكرة الحفاظ 3/ 282، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 244، حاجي خليفة: كشف الظنون 1059، البغدادي: إيضاح المكنون 2/ 53، البغدادي: هدية العارفين 18/ 200، سزكين:
تاريخ التراث 2/ 298297، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 411.
(4) القراب: نسبة إلى من يصنع القرّابة وهي آنية زجاجية (الأنساب 10/ 8180).(1/378)
وأبو الفضل أحمد بن أبي عاصم الصيدلانيّ، والحسين بن محمد بن متّ، والهرويّون، وقد احتجّ به شيخ الإسلام في الجرح والتعديل.
378 - ظفر بن مظفّر (1) بن عبد الله بن كتنّة. الفقيه أبو الحسن، الحلبي الناصريّ الشافعي. سمع: عبد الرحمن بن عمر بن نصر، وعبيد الله بن الورّاق، روى عنه:
السمان، وعبد العزيز الكتاني، ومحمد بن أحمد بن أبي الصّقر الأنباري. مات في حدّ الكهولة رحمه الله.
379 - عبد القاهر بن طاهر. الأستاذ أبو منصور البغدادي (2)، مات بإسفرايين، وكان أحد الفقهاء. سمع: أبا عمرو بن نجيد، وأبا عمرو ومحمد بن جعفر بن مطر.
روى عنه: أبو بكر البيهقي، وعبد الغفار بن محمد بن شيرويه، وأبو القاسم القشيري.
وكان أبو منصور تلميذ الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني. وكان يدرّس في سبعة عشر فنّا.
وكان محتشما متموّلا. صنّف كتاب «التكملة» في الحساب. وقال أبو عثمان شيخ الإسلام الصبابوني: كان الأستاذ أبو منصور من أئمة الأصول، وصدر الإسلام، بإجماع أهل الفضل والتحصيل. بديع الترتيب، غريب التأليف والتهذيب. تراه الجلّة صدرا مقدّما، ويدعوه الأئمة، إماما مفخّما (3). ومن خراب نيسابور أن اضطرّ مثله إلى مفارقتها (4). وقيل: إنه لما حصل بإسفرايين ابتهجوا بمقدمه إلى الغاية. ودفن إلى جانب الأستاذ أبي إسحاق (5) وقد أفردت له ترجمة (6) قلت: وقد ترجم له في سنة سبع
__________
(1) ترجمته في الخطيب: تاريخ بغداد 3/ 265 (1356) ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 1/ 233، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 52، الإسنوي: طبقات الشافعية 1/ 833رقم 379، بدران: تهذيب تاريخ دمشق 7/ 121.
(2) ترجمته في: ابن خلكان، وفيات الأعيان 3/ 203، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 149136ت، السيوطي: بغية الوعاة 2/ 105، ابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات 2/ 372370، ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 44، البغدادي: هدية العارفين 1/ 606، حاجي خليفة: كشف الظنون 254، 335، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 553، سير أعلام النبلاء 17/ 572، 573، طبقات الشافعية للإسنوي 1/ 196194، المنتخب 360رقم 1190.
(3) ابن عساكر: تبيين كذب المفتري 253.
(4) ابن عساكر: تبيين كذب المفتري 253.
(5) نفسه.
(6) كتب أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل النيسابوري في ذيل تاريخ نيسابور: عبد القاهر بن(1/379)
وعشرين مختصرا. فقال: عبد القاهر بن طاهر أبو منصور البغدادي، أحد الأئمة.
سكن خراسان، وتفنّن في العلوم، حتى قيل: إنه كان يعرف تسعة عشر علما. مات رحمه الله بإسفرايين. ورّخه القفطيّ.
380 - محمد بن أحمد (1) بن محمد بن إسحاق. أبو الفضل الدّندانقانيّ (2)، الفقيه المعروف بالزاهريّ. وهي نسبة إلى زاهر بن أحمد السّرخسي، لكونه رحل إليه، وتفقّه عليه. روى عنه، وعن: أحمد بن سعيد الفدائيّ، وأبو القاسم بن حبيب المفسّر، وغيرهم، وروى عنه: ابنه إسماعيل، وأبو حامد أحمد بن محمد الشجاعيّ، ومحمد بن أحمد الطّبسيّ. وتوفي بقريته عن نيّف وتسعين تسنة.
سنة ثلاثين وأربعمئة
381 - أحمد (3) بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران. الحافظ أبو نعيم الإصبهاني الصوفي الأحول، سبط الزاهد محمد بن يوسف البنّا. كان أحد الأعلام، ومن جمع الله له بين العلّو في الرواية والمعرفة التامة والدّراية. رحل الحفّاظ إليه من الأقطار وألحق الصغار بالكبار. ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمئة بإصبهان واستجاز له أبوه طائفة من شيوخ العصر تفرّد في الدنيا عنهم. أجاز له خيثمة بن سليمان وجماعة من الشام، وجعفر الخلديّ وجماعة من بغداد، وعبد الله بن عمر بن شوذب من واسط،
__________
طاهر بن محمد البغدادي أبو منصور الأستاذ الإمام الكامل ذو الفنون، الفقيه الأصولي الأديب الشاعر النحوي، الماهر في علم الحساب، العارف بالعروض، ورد نيسابور مع أبيه أبي عبد الله طاهر، وكان ذا مال وثروة ومروءة، وتفقّه على أهل العلم والحديث وابنه أنفق ماله على أهل العلم حتى افتقر، صنّف في العلوم وأربى على أقرانه في الفنون ودرس في سبعة عشر نوعا من العلوم / / تبيين كذب المفتري 253، 254.
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 115، 116.
(2) الدندانفاني: نسبة إلى بلدة الدندانقان، تبعد عن مرو عشرة فراسخ / الأنساب 7/ 69.
(3) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 6/ 9291، الذهبي: سير أعلام النبلاء 17/ 464153، ابن كثير: البداية 12/ 45، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 275، السبكي:
طبقات الشافعية 4/ 2518، اليافعي: مرآة الجنان 3/ 52، العاملي: أعيان الشيعة 9/ 135، وابن العماد: شذرات الذهب 3/ 245، الإسنوي: طبقات 2/ 474، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 708، ابن قاضي شهبة 1/ 211، وابن الجزري: طبقات القراء 1/ 71.(1/380)
والأصمّ من نيسابور، وأحمد بن عبد الرحيم القيسرانيّ. وسمع سنة أربع وأربعين وثلاثمئة من: عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، والقاضي أبي أحمد محمد بن أحمد العسّال، وأحمد بن معبد السمسار، وأحمد بن محمد القصّار، وأحمد بن بندار الشعار، وعبد الله بن الحسين بن بندار، والطبرانيّ، وأبي الشيخ، والجعابي. ورحل سنة ست وخمسين وثلاثمئة، سمع ببغداد: أبا علي بن الصّواف، وأبا بكر بن الهيثم الأنباري، وأبا بحر البربهاريّ، وعيسى بن محمد الطّوماري، وعبد الرحمن والد المخلّص، وابن خلّاد النّصيبي، وحبيبا القزّاز، وطائفة كبيرة. وسمع بمكة: أبا بكر الآجرّي، وأحمد بن إبراهيم الكندي، وبالبصرة: فاروق بن عبد الكبير الخطّابي، ومحمد بن علي بن مسلم العامريّ، وأحمد بن جعفر السّقطي، وأحمد بن الحسن المالكي، وعبد الله بن جعفر الجابري، وشيبان بن محمد الصّبغي. وجماعة وبالكوفة:
إبراهيم بن عبد الله بن أبي العزائم، وأبا بكر عبد الله بن يحيى الطّلحي، وجماعة.
وبنيسابور: أبا أحمد الحاكم، وحسينك التميمي، وأصحاب السراج فمن بعدهم.
وصنّف (1) (معجما لشيوخه)، وصنّف كتاب «حلية الأولياء»، وكتاب «معرفة الصحابة»، وكتاب «دلائل النبوة»، وكتاب «المستخرج على البخاري»، و «المستخرج على مسلم»، وكتاب «تاريخ إصبهان»، وكتاب «صفة الجنّة»، وكتاب «فضائل الصحابة». وصنّف شيئا كثيرا من المصنفات الصغار. وحدّث بجميع ذلك.
روى عنه (2): «كوشيار بن ليا» ليزور الجيلي، وأبو سعد الماليني، وتوفي قبله بثماني عشرة سنة، وأبو بكر الخطيب، وقد رحل إليه، وأكثر عنه ومع ذلك لم يذكره في تاريخ بغداد. وتوفي كوشيار قبله ببضع وثلاثين سنة، وأبو بكر بن أبي علي الذّكواني، وتوفي قبله بإحدى عشرة سنة والحافظ أبو بكر الخطيب، والحافظ أبو صالح المؤذن، والقاضي أبو علي الوحشي، ومستمليه أبو بكر محمد بن إبراهيم العطار، وسلمان بن إبراهيم الحافظ، وهبة الله بن محمد الشيرازي، ويوسف بن الحسن التفكّري، وعبد السلام بن أحمد القاضي، ومحمد بن عبد الجبار بن ميّا، وأبو الفضل (3) حمد، وأبو علي الحسن ابنا أحمد الحداد، وأبو سعد محمد بن محمد المطرّز، وأبو منصور
__________
(1) انظر: تذكرة الحفاظ 2792753، السبكي: الطبقات 117، شذرات الذهب 2453.
(2) انظر: ابن الجوزي: المنتظم 15/ 268، البداية والنهاية 4512، الكامل 2328.
(3) حمد بن أحمد الحداد أبو الفضل / السبكي: طبقات الشافعية 4/ 20.(1/381)
محمد بن عبد الله الشروطي، وغانم البرجي، وخلق كثير، آخرهم وفاة أبو طاهر عبد الواحد بن محمد الدّشتي (1) الذهبي. وقال السّلمي (2) في الطبقات، ولا يخفى عليه أنه دخلها، ولكن اللسان وظيفة الإنسان، ولذلك أغفله الحافظ أبو سعد ابن السمعاني فلم يذكره في الذيل. وقال أبو محمد بن السمرقندي: سمعت أبا بكر الخطيب يقول:
لم أر أحدا أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين: أبو نعيم الإصبهاني، وأبو حازم العبدويّ (3). وقال ابن المفضّل الحافظ: قد جمع شيخنا السلفي، أخبار أبي نعيم الإصفهاني، وذكر من حدّث عنه وهم نحو ثمانين رجلا. وقال: لم يصنّف مثل كتابه «حلية الأولياء»، سمعناه على ابن المظفر الفاشاني، عنه سوى فوت يسير. وقال أحمد بن محمد بن مردويه: كان أبو نعيم في وقته مرحولا إليه، ولم يكن في أفق من الآفاق أسند ولا أحفظ منه. كان حفّاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده، فكان كلّ يوم نوبة واحد منهم، يقرأ ما يريده إلى قريب الظهر، فإذا قام إلى داره ربما كان يقرأ عليه في الطريق جزءا. وكان لا يضجر لم يكن له غذاء سوى التصنيف أو التسميع. وقال حمزة بن العباس العلوي: كان أصحاب الحديث يقولون: بقي أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير.
لا يوجد شرقا ولا غربا أعلى إسنادا منه. ولا أحفظ منه. وكانوا يقولون: لمّا صنّف كتاب «الحلية»: حمل إلى نيسابور في حياته، فاشتروه بأربعمئة دينار. وقد روى أبو عبد الرحمن السّلمي مع تقدمه عن رجل عن أبي نعيم، فقال: في كتاب «طبقات الصوفية» (4): ثنا عبد الواحد بن أحمد الهاشمي، حدّثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله، أنا محمد بن علي بن حبيش المقرىء ببغداد، أنا أحمد بن محمد بن سهل الأدميّ، فذكر حديثا (5). وقال السّلمي: سمعت أبا العلاء محمد بن عبد الجبار الفرساني (6) يقول:
صرت إلى مجلس أبي بكر بن أبي علي المعدّل في سفري مع أبي، فلما فرغ من إملائه، قال إنسان: من أراد أن يحضر مجلس أبي نعيم فليقم وكان أبو نعيم في ذلك الوقت
__________
(1) نسبة إلى قرية دشتي بإصبهان، الأنساب 5/ 364.
(2) بقصد الخطيب البغدادي حيث لم يذكر أبا نعيم رغم دخوله بغداد وشهرته.
(3) السبكي: طبقات الشافعية 4/ 20.
(4) انظر: السلمي: طبقات الصوفية ص 266.
(5) الحديث: عن أبي واقد الليثي قال: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يحبّون أسنّة الإبل ويقطعون إليات الغنم، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما قطع من البهيمة وهي حيّة فهو ميتة».
(6) الفرساني: نسبة إلى قرية فرسان من عمل إصبهان / الأنساب 9/ 270.(1/382)
مهجورا بسبب المذهب، وكان بين الحنابلة، والأشعرية تعصّب زائد يؤدي إلى فتنة وقال وقيل وصراع طويل (1) وقام إليه أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام، وكاد يقتل (2). وقال أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ: ذكر الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد الإصبهاني عمّن أدرك من شيوخ إصبهان، أن السلطان محمود بن سبكتكين لما استولى على إصبهان أمّر عليها واليا من قبله ورحل عنها، فوثب أهلها بالوالي فقتلوه. فردّ السلطان محمود إليها، وأمّنهم حتى اطمأنّوا ثم قصدهم يوم جمعة وهم في الجامع فقتل منهم مقتلة عظيمة. وكانوا قبل ذلك قد منعوا أبا نعيم الحافظ من الجلوس في الجامع، فسلم مما جرى عليهم. وكان ذلك من كرامته (3). وقال أبو الفضل بن طاهر المقدسي: سمعت عبد الوهاب الأنماطيّ يقول: رأيت بخط أبي بكر الخطيب: سألت محمد بن إبراهيم العطار مستملي أبي نعيم، عن «جزء محمد بن عاصم» كيف قرأته على أبي نعيم؟
وكيف رأيت سماعه؟ فقال: فأخرج إليّ كتابا وقال: هو سماعي. فقرأت عليه. قال السّلمي في الطبقات الكبرى: ليس في هذه الحكاية طعن على أبي نعيم، بل حاصلها أن الخطيب لم يجد سماعه بهذا الجزء، فأراد إسناد ذلك من مستمليه فأخبر إنه اعتمد في القراءة على إجازة الشيخ وذلك كاف، وفنّد مع الحافظ أبو عبد الله ابن النجار، قصة «جزء محمد بن عاصم». كان [من] الحفّاظ الأثبات، روى عن أبي نعيم. قال السلمي في الطبقات الكبرى، إن كان شيخنا الذهبي يقول ذلك في مكان عمل على طيّه، أن أبا نعيم لم يسمعه بخصوصه من عبد الله بن جعفر، فالأمر مسلّم إليه. فإنه أعني شيخنا الحي، الذي لا يلحق شأوه في الحفظ. وإلا فأبو نعيم قد سمع من عبد الله بن جعفر، فمن أين يطلق هذه العبارة؟ حيث لا يكون سماع، ثم وإن أطلق إذ ذاك معاينة فإنه ليس جائز قلت: أعتقد [أنه لم يكن] أسند ولا أعظم من أبي نعيم.
قال الخطيب: وقد رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها منها أنه يقول في الإجازة:
«أخبرنا»، من غير أن (4) يبيّن. وهذا ما يفعله نادرا، فإنه كثيرا ما يقول: كتب إليّ جعفر الخلديّ، كتب إليّ أبو العباس الأصم، ثنا أبو الميمون بن راشد في كتابه، ولكن
__________
(1) انظر: تذكرة الحفاظ 3/ 1095، سير أعلام النبلاء 17/ 459.
(2) الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 1095، وسير أعلام النبلاء 17/ 460459.
(3) السبكي: طبقات الشافعية 4/ 21، 22، تبيين كذب المفتري 247.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 15/ 268، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 23، الوافي بالوفيات 7/ 83.(1/383)
رأيته يقول: ثنا عبد الله بن جعفر فيما قرىء عليه، والظاهر أن هذا إجازة. وقد حدثني الحافظ أبو الحجّاج القضاعي. قال: رأيت بخطّ ضياء الدين المقدسي الحافظ أنه وجد بخط أبي الحجاج يوسف بن خليل، أنه قال: رأيت أصل سماع الحافظ أبي نعيم لجزء محمد بن عاصم فبطل ما تخيّله الخطيب (1). وقال الخطيب: ما قلت حدّثنا فهو سماع وما قلت: أخبرنا، فهو إجازة ولا مساومة في الإصطلاح. وقال السّلمي في الطبقات الكبرى: وهو يعدّد كلام الخطيب، هذا لم يثبت عن الخطيب، وسعد بن سويد، ثم إطلاق أخبرنا في الإجازة مختلف فيه، وإذا رآه هذا الحبر الجليل، أعني أبا نعيم، فقدّمه تساهلا ولو عدّد، فليس من التساهل الصفح. ولو حجرنا على العلماء أن لا يرووا عنه إلا نصفه، لجمع علما ولصفا كثيرا من السّنّة.
قال: ونحن لا نحفظ أحدا تكلم في أبي نعيم بقادح. ولم يذكر تعبير هذه اللفظة التي عزيت إلى الخطيب. وقلنا: إنها لو ثبتت عنه والنقد على: إمامته وجلالته، فإنه لا غيره، نقد الكاذبين وأحاديث المفترين، على أنّا لا نحفظ عن أحد منه كلاما صريحا فيه جرح، ولو حفظ لكان سبّة على رواياته. وقد برّأ الله أبا نعيم مما عزي له، وقال الحافظ ابن أحمد النجار: في إسناد ما حكي عن الخطيب، غير واحد ممّن يتحامل على أبي نعيم، لمخالفته لمذهبه وعقيدته فلا يقبل.
وقال يحيى بن مندة الحافظ (2): سمعت أبا الحسين القاضي يقول: سمعت عبد العزيز النّخشبي، يقول لم يسمع أبو نعيم «مسند الحارث بن أبي أسامة» بتمامه من أبي بكر بن خلّاد، فحدث به كله. وقال الحافظ ابن النجار: وهم في هذا، فأنا رأيت نسخة الكتاب عتيقة، وعليها خطّ أبي نعيم يقول: سمع مني فلان إلى آخر سماعي من هذا المسند من ابن خلّاد، فلعلّه روى الباقي بالإجازة. والله أعلم. [من السريع]:
لو رجم النّجم جميع الورى ... لم يصل الرّجم إلى النّجم (3)
__________
(1) وفي سير أعلام النبلاء 17/ 461زيادة للذهبي هي: «وما أبو نعيم بمتّهم بل هو صدوق عالم بهذا الفن، ما أعلم له ذنبا».
(2) ابن الجوزي: المنتظم 15/ 268.
(3) البيت في: الذهبي: سر النبلاء 17/ 462، تذكرة الحفاظ 3/ 1096، الوافي بالوفيات 7/ 8483.(1/384)
توفي (1) أبو نعيم رحمه الله، في العشرين من المحرم سنة ثلاثين، وله أربع وتسعون سنة.
382 - إسماعيل بن أحمد بن عبد الله، أبو عبد الرحمن الحيريّ (2)، النيسابوري الضرير، المفسّر. حدّث عن: أبي الفضل محمد بن الفضل بن خريمة، وأبي محمد الحسن بن أحمد المخلدي، وزاهر بن أحمد السرخسي، وأبي الحسين الخفّاف، ومحمد بن مكي الكشميهنيّ (3). قال الخطيب: قدم علينا حاجّا سنة ثلاث وعشرين، ونعم الشيخ [كان] علما، وأمانة، وصدقا، وخلقا. ولد سنة إحدى وستين وثلاثمئة.
ولما حج كان معه حمل كتب ليجاور، فرجع مع الناس لفساد الطريق، فعاد إلى نيسابور، وكان في جملة كتبه (البخاري) قد سمعه من الكشميهنيّ فقرأت عليه جميعه في ثلاثة مجالس، اثنان فيها في ليلتين، وكنت ابتدىء بالقراءة وقت الغروب، وأقطعها عند صلاة الفجر. وقبل أن أقرأ الثالث، عبر الشيخ إلى الجانب الشرقي مع القافلة، فمضيت إليه مع طائفة كانوا حضروا الليلتين الماضيتين، فقرأت عليه من ضحوة النهار إلى الغروب، ثم من الغروب إلى طلوع الفجر، ففرغ [من] الكتاب. ورحل الشيخ صبيحة يومئذ. قال عبد الغافر: أبو عبد الرحمن الحيري، المفسر المقرىء الزاهد، أحد أئمة المسلمين كان من العلماء العاملين. له التصانيف المشهورة في [علوم] القرآن، والقراءات، والحديث، والوعظ. رحل في طلب الحديث كثيرا. وكان نفّاعا للخلق، مفيدا مباركا في علمه وسماعه. ثنا عنه مسعود بن ناصر. قلت: ذكر ابن خيرون (4)
وفاته في سنة ثلاثين. وله تفسير مشهور.
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 328) ص 280، وابن الجوزي: المنتظم 15/ 268، البداية والنهاية 12/ 45.
(2) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 6/ 314313، السمعاني: الأنساب 4/ 289، الذهبي: العبر 3/ 171، الإسنوي: طبقات 2/ 150وابن الجوزي: المنتظم 15/ 274، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 47، والسبكي: طبقات الشافعية 4/ 265، السيوطي: طبقات المفسرين 7، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 245، حاجي خليفة: كشف الظنون 442، 1498، ياقوت:
معجم الأدباء: 6/ 129128، وابن الصلاح: طبقات 1/ 422، الوافي بالوفيات 9/ 82، المنتخب من السياق 129، 130، المنتظم لابن الجوزي 15/ 274.
(3) انظر ترجمته في: السمعاني، الأنساب 10/ 438437.
(4) هو: أحمد بن الحسين بن أحمد أبو الفضل / السبكي: طبقات 5/ 268.(1/385)
383 - الحسين بن شعيب. أبو علي المروزيّ، السّنجيّ (1)، الفقيه الشافعي. عالم أهل مرو في وقته. تفقّه بأبي بكر القفّال المروزي، وصحبه حتى برع. ورحل وسمع منهما السيد أبي الحسن العلويّ، وأصحاب المحاملي. وهو أول من جمع في المذهب، بين طريقتي الخراسانيين والعراقيين (2). وله وجه في المذهب. وتفقّه ببغداد على الشيخ أبي حامد، رحمه الله.
384 - السّريّ (3) بن إسماعيل بن الإمام أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، أبو العلاء الجرجاني. عالم عصره في الفقه والأدب. كان متواضعا، محبّا للعلماء والفقراء، رحل، وسمع بالرّيّ، وهمذان، والكوفة وبغداد. وروى عن: جدّه أبي بكر، وأبي أحمد الغطريفيّ، وأبي الحسن الدارقطني، وأبي حفص بن شاهين، وكان مفتي جرجان بعد والده العلامة أبي سعد. تفقّه به جماعة، وتفرّد عن جدّه ببعض الكتب، توفي في ذي الحجة، واستكمل سبعين سنة. وممّن كان في هذا الوقت:
385 - أحمد بن إبراهيم (4) بن أحمد. أبو الحسن الإصبهاني الشافعي النجار. شيخ نبيل، ثقة، عالي الإسناد. عنده عن الطبراني، سكن بنيسابور، وسمع من بشر بن أحمد أيضا. روى عنه: مسعود بن ناصر، وأحمد بن عبد الملك الإسكاف.
386 - إسماعيل بن أبي (5) أحمد الحسين بن علي بن محمد. أبو المظفّر بن حسينك، التميمي النيسابوري، ولد سنة سبع وخمسين وثلاثمئة. وسمع: من أبيه،
__________
(1) ابن خلكان: وفيات الأعيان 2/ 135، ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 57، النووي: تهذيب الأسماء 2/ 261، حاجي خليفة: كشف الظنون 419، 1606، 1257، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 348344، معجم البلدان 3/ 264، الإسنوي: الطبقات 2/ 2928، وابن الصلاح: طبقات 2/ 743، الأنساب 7/ 165، سير أعلام النبلاء 17/ 526.
(2) انظر: السمعاني: الأنساب 7/ 165.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 381، الإسنوي: الطبقات 1/ 53، وابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 754.
(4) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 703، والذهبي: تاريخ الإسلام، (رقم 372) وفيات سنة 430هـ ص 304.
(5) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 275274، الذهبي: تاريخ الإسلام، (رقم 375)، وفيات سنة 43هـ ص 305.(1/386)
وبشر بن أحمد، وأبي الحسن محمد بن إسماعيل السراج، وأبي عمرو بن نجيد. روى عنه: أولاد القشيريّ.
387 - محمد بن عبد الملك بن (1) مسعود بن أحمد. الإمام أبو عبد الله المسعوديّ المروزيّ الشافعي. صاحب أبي بكر القفّال المروزيّ. إمام مبرّز زاهد، ورع. صنّف (شرح مختصر المزني) فأحسن فيه. له ذكر في (الوسيط)، وفي (الروضة النواوية)، توفي سنة نيف وعشرين.
سنة إحدى وثلاثين وأربعمئة
388 - محمد بن عبد الملك (2) بن أحمد بن نعيم بن عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني. أبو الحسن النعيمي، والإسترآباديّ، الفقيه. روى عن: أبي بكر الإسماعيلي، والغطريفيّ، وجماعة. وله رحلة لقي فيها ابن المظفّر. توفي في صفر، وقيل: في ذي الحجة.
389 - محمد بن الفضل (3) بن نظيف. أبو عبد الله المصري، الفرّاء، مسند ديار مصر في زمانه. سمع: أبا الفوارس، أحمد بن محمد بن السّندي، والعباس بن محمد بن نصر الرافعي (4)، وأحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة الرازي، وأحمد بن محمد بن أبي الموت المكي، وأبا بكر أحمد بن إبراهيم بن عطيّة بن الحداد، وأحمد بن محمود الشّمعي، وعبد الله بن جعفر بن الورد البغدادي، ومحمد بن عمر بن مسرور الحطاب، وجماعة. وتفرّد بالرواية عن أكثر هؤلاء في الدنيا. روى عنه: أبو جعفر أحمد بن محمد بن متّيوه كاكوا شيخ وجيه الشحاميّ، وأبو الحسن الخلعي، وأبو عبد الله
__________
(1) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 214211، السمعاني: الأنساب 10/ 208، الصفدي: الوافي 3/ 321، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 174171، وابن الصلاح، طبقات فقهاء الشافعية 1/ 207، الإسنوي: طبقات 2/ 414، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 289.
(2) ترجمته في: السهمي: تاريخ جرجان (ت 912) ص 461.
(3) ترجمته في العبر 3/ 176175، سير اعلام النبلاء 17/ 476رقم 314الوافي بالوفيات 4/ 323، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 8، 176، حسن المحاضرة 6/ 373، النجوم الزاهرة 5/ 3231، شذرات الذهب 3/ 249.
(4) الرافعي: نسبة إلى الرافعة: بلدة على الفرات بالجزيرة سمّيت فيما بعد (الرقة). (الأنساب 1/ 49).(1/387)
الثقفي، وأبو القاسم بن أبي العلاء المصّيصي، وأبو القاسم سعد بن علي الزّنجاني، وأبو بكر البيهقي محتجا به، وطائفة. قال الحبّال: توفي في ربيع الأخر، وولد في صفر سنة أحدى واربعين وثلاثمئة، وقد وقع لي جزءان من حديثه، وحديثه في (الثقفيّات).
قال محمد بن طاهر: سمعت أبا إسحاق الحبّال يقول: كان أبو عبد الله بن نظيف يصلّي بالناس في مسجد عبد الله سبعين سنة، وكان شافعيّا يقنت، فقدم بعده رجل مالكيّ، وجاء الناس على عادتهم لصلاة الصبح، فلم يقنت، فتركوه وانصرفوا وقالوا: لا يحسن [أن] يصلّي (1).
390 - المفضّل بن (2) إسماعيل بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، الإمام أبو معمر الإسماعيلي الجرجاني، مفتي جرجان، ورئيسها، وفاضلها، ومسندها وعالمها وابن عالمها. روى الكثير عن: جده. ورحل به والده (3) فأكثر عن: الدارقطني، وأبي حفص بن شاهين ببغداد. وعن: يوسف بن الدّخيل، وأبي زرعة محمد بن يوسف بمكة. وكان أحد أذكياء زمانه، فإنه حفظ القرآن وقطعة من الفقه، وهو ابن سبع سنين في حياة جدّه. توفي في ذي الحجة. وقد حدّث بالكثير وأملى من بعد موت عمّه أبي نصر (4)، وبقي أخوه مسعدة إلى سنة ثلاث وأربعين وأربعمئة.
سنة اثنين وثلاثين وأربعمئة
391 - جعفر بن محمد (5) بن المعتزّ بن محمد بن المستغفر بن الفتح بن إدريس.
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام (رقم 27) وفيات سنة 431هـ ص 356.
(2) ترجمته في: السهمي: تاريخ جرجان 464، 465، سير أعلام النبلاء 17/ 518، والسبكي:
طبقات الشافعية 4/ 20، السمعاني: أنساب 1/ 252، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 249، الذهبي: العبر 3/ 176.
(3) انظر: تاريخ جرجان، ص 464، 465.
(4) نفسه.
(5) ترجمته في: دمية القصر (ط بغداد) 2/ 69رقم 278، اللباب 3/ 208، العبر 3/ 177، سير أعلام النبلاء 17/ 564، الوافي بالوفيات 11/ 149، مرآة الجنان 3/ 54، النجوم الزاهرة 5/ 33، طبقات المفسرين للداودي 1/ 125، هدية العارفين 1/ 253، لسان الميزان 6/ 100، ديوان الإسلام 4/ 181، رقم 1910، سزكين: تاريخ التراث العربي 2/ 228رقم 511، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 283، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 249، السمعاني: الأنساب(1/388)
الحافظ أبو العباس المستغفري النّسفي. مؤلف (تاريخ نسف وكش)، وكتاب (معرفة الصحابة)، وكتاب (الدعوات)، وكتاب (المنامات)، وكتاب (خطب النبي صلى الله عليه وسلم)، وكتاب (دلائل النبوة)، وكتاب (فضائل القرآن)، وكتاب (الشمائل) وغير نذلك من الكتب. وحدّث عن: زاهر بن أحمد السّرخسيّ، وإبراهيم بن لقمان، وأبي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، وعلي بن محمد بن سعيد السرخسيّ، وجعفر بن محمد البخاريّ، وجماعة كثيرة. روى عنه: الحسن بن عبد الملك النّسفيّ، وأبو نصر أحمد بن جعفر الكاسنيّ، والحسن بن أحمد بن أحمد السمرقندي الحافظ، وإسماعيل بن محمد النّوحيّ الخطيب، وآخرون. وكان محدّث ما وراء النّهر في عصره. ولد بعد الخمسين بيسير، وتوفي بنسف سنة اثنين وثلاثين وأربعمئة. وهو صدوق لكنه يروي الموضوعات ولا يكتبها.
392 - الحسن (1) بن محمد بن شعيب. أبو علي السّنجي (2) الإمام الفقيه، توفي بمرو في ربيع الأول. كذا سمّاه وورّخه أبو علي محمد بن الفضل بن جهاندار. وسمّاه ابن خلكان (3): الحسين بن شعيب بن محمد، وقال: أخذ الفقه بخراسان عن أبي بكر القفّال المروزيّ، هو والقاضي حسين، والإمام أبو محمد الجوينيّ. وصنّف (شرح الفروع). لأبي بكر بن الحداد المصري، فجاء نهاية في الحسن وصنّف كتاب (المجموع) وهو أول من جمع بين طريقتي خراسان والعراق.
سنة ثلاث وثلاثين وأربعمئة
393 - أحمد (4) بن الحسين بن أحمد بن إسحاق بن حمك. أبو حامد النيسابوري،
__________
2/ 528، العاملي: أعيان الشيعة 16/ 246، حاجي خليفة: كشف الظنون 296، 760، 1059، الإسنوي 2/ 403، ابن الصلاح: طبقات 2/ 733.
(1) وفيات الأعيان: لابن خلكان 1/ 182، ابن كثير: البداية 12/ 57، النووي: تهذيب الأسماء 2/ 261، الأنساب 7/ 165، معجم البلدان 3/ 264، حاجي خليفة: كشف الظنون 479، 1257، اللباب 2/ 147، سير أعلام النبلاء 17/ 265رقم 351، الوافي بالوفيات 12/ 378، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 348344، الإسنوي: طبقات 2/ 2928، هدية العارفين 1/ 309.
(2) السنجي: نسبة إلى سنج، وهي قرية من قرى مرو (الأنساب 7/ 165).
(3) وفيات الأعيان: 2/ 135.
(4) ترجمته في: الإسنوي: طبقات الشافعية 2/ 489، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية(1/389)
الفقيه الشافعي الواعظ. ثقة إمام. حدّث عن: أبي عمرو بن حمدان، وطبقته. وعنه:
أحمد بن عبد الملك المقري، توفي في صفر.
394 - سالم (1) بن عبد الله. أبو معمر الهرويّ المعروف ب: غولجة (2). إمام متفنن، قال فيه بعض العلماء: ما عبر جسر بغداد مثله. روى عنه: اللنيّ، وله تصانيف في الأصول، والفروع على مذهب الشافعي.
395 - عبد الله (3) بن عبدان بن محمد بن عبدان أبو الفضل. شيخ همذان، وعالمها ومفتيها. قال شيرويه: روى عن: صالح بن أحمد، وجبريل، وعلي بن الحسن بن الربيع، وجماعة، وسمع ببغداد: من أبي الحسين بن أخي معمر، وابن حبابة، وعثمان بن المنتاب، وأبي حفص الكناني، والمخلّص. ثنا عنه: محمد بن عثمان، وأحمد بن عمر، والحسين بن عبدوس، وأبوه، وعلي الحسنيّ. وكان ثقة فقيها ورعا. جليل القدر، ممّن يشار إليه. سمعت ابن عثمان يقول: لما أغار الترك على همذان أسروا ابن عبدان، ثم إنهم عرفوه، فقال بعضهم: لا تعذبوه، ولكن حلّفوه بالله ليجزنا بماله، فإنه لا يكذب فاستحلفوه فأخبرهم بمتاعه حتى قال لهم: خرقة فيها خمسة وعشرون دينارا رميناها في هذه البئر. فما قدروا على إخراجها، قال: فما سلم له غيرها. وقال شيرويه: رأيت بخطّ ابن عبدان: رأيت رب العزة في المنام، فقلت له: أنت خلقت الأرض، وخلقت الخلق، ثم أهلكتهم. ثم خلقت خلقا بعدهم. وكأني أرى أنه يرتضي كلامي ومدحي له، فقال لي كلاما يدل على أنه يخاف علي الافتخار، بما أولانيه، فقلت له: أنا في نفسي أخسّ، ووقع في ضميري: أخسّ من الرّوث. ثم قال لي: أفضل ما يدعى به: {أَلََا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (4)، وتوفي رحمه الله في صفر سنة ثلاث وثلاثين، وقبره يزار ويتبرّك به.
__________
2/ 705، عبد الغافر: المنتخب من السياق 94رقم 204.
(1) ترجمته في: شذرات الذهب 3/ 251، حاجي خليفة: كشف الظنون 1565، هدية العارفين 1/ 381، معجم المؤلفين 4/ 203، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 380، الإسنوي: الطبقات 2/ 528، ابن الصلاح: طبقات الشافعية 1/ 474.
(2) غولجة: لغة هرويّة، وهي تصغير غول، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 165.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 6865، الإسنوي: طبقات 2/ 188، ابن العماد:
شذرات الذهب 3/ 251، حاجي خليفة: كشف الظنون 1030، البغدادي: هدية العارفين 1/ 250، ابن الصلاح: طبقات 2/ 516.
(4) سورة الأعراف (7): الآية (54).(1/390)
سنة أربع وثلاثين وأربعمئة
396 - أحمد بن محمد (1) بن أحمد بن دلّويه. أبو حامد الأستوائي (2). سمع بنيسابور: أبا أحمد الحاكم، وأبا سعيد بن عبد الوهاب الرازي. وكان أحد الفقهاء الشافعية. ولي قضاء عكبرا، وكان صدوقا. سمع منه: الدارقطني مع تقدمه، وأبو بكر الخطيب، وكان في الأصول على مذهب الأشعري. وفي الفقه شافعيا.
397 - عمر بن إبراهيم (3) بن سعيد. أبو طالب الزهري، البغدادي الفقيه الشافعي، المعروف بابن حمامة. سمع: أبا بكر القطيعي، وابن ماسي، وعيسى بن محمد الرّخّجي، وجماعة. قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان ثقة. ولد سنة سبع وأربعين وثلاثمئة، وكان من كبار أئمة المذهب ببغداد، ومن ذريّة سعد بن أبي وقاص.
سنة خمس وثلاثين وأربعمئة
398 - عبيد الله بن أحمد (4) بن عثمان بن الفرج بن الأزهر. أبو القاسم الأزهري، الصيرفي، البغدادي. المعروف أيضا بابن السّوادي. وكنية أبيه «أبو الفتح» وله أخ اسمه محمد تأخر بعده. ولد أبو القاسم سنة خمس وخمسين وثلاثمئة. وحدّث عن:
أبي بكر القطيعي، وابن ماسي، وأبي سعيد الحرفيّ، والعسكري، وعلي بن
__________
(1) ترجمته في: الخطيب: تاريخ بغداد 4/ 377، 378، الأنساب 5/ 334333، معجم الأدباء 5/ 3938، اللباب 1/ 517، سير أعلام النبلاء 17/ 582، الوافي بالوفيات 7/ 354، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 6160، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 714.
(2) الاستوائي: نسبة إلى قرية أستوا: من قرى نيسابور.
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 11/ 274، السمعاني: الأنساب 2/ 8079، ابن الأثير: اللباب 1/ 120، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 299، البغدادي: هدية العارفين 1/ 781، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 649.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 385، السمعاني: الأنساب 1/ 206، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 532، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 255، ابن تفري بردي:
النجوم الزاهرة 5/ 37، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 583، البداية والنهاية 12/ 51، والمنتظم 15/ 290.(1/391)
عبد الرحمن البكّائي، وابن المظفر، وخلق كثير. قال الخطيب: وكان أحد المعنيين بالحديث والجامعين له، مع صدق واستقامة ودوام درس للقرآن. سمعنا منه المصنّفات الكبار. وتوفي في صفر، وقد كمّل ثمانين سنة، بل جاوزها بعشرة أيام.
سنة ست وثلاثين وأربعمئة
399 - عبد الغفار بن عبيد الله بن محمد بن زيرك. أبو سعد التميمي (1) الهمداني الشافعي، شيخ همذان. قال شيرويه: روى عن: أبيه، وأبي سهل، وابن لال، وجماعة. ورحل فأخذ عن: أبي أحمد الفرضي، والحفّار، وأبي عمر بن مهدي، وخلق، ثنا عنه ابن أخيه محمد بن عثمان، والحسين بن عبد الوهاب الصوفي، وأحمد بن عمر المؤذن، وأحمد بن إبراهيم بن معروف. وكان فقيها، إماما، ثقة، نحويا، يعظ الناس، ويتكلم عليهم في علوم القوم. وله مصنّفات في أنواع من العلم.
ذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فألبسه قميصا، فقال له المعبّر: إن الله يرزقك علما واسعا.
400 - محمد بن (2) أحمد بن أبي شعيب. الفقيه أبو منصور الرّويانيّ. نزيل بغداد.
سمع: ابن كيسان النحوي، وسهل بن أحمد الدّيباجي، وعنه: الخطيب.
401 - محمد بن (3) عبد العزيز بن عبد الله بن محمد. أبو عبد الرحمن النيليّ، الفقيه الشافعي، من كبار أئمة خراسان. كان إماما فقيها زاهدا، صالحا، كبير القدر، له شعر جيد. عمّر ثمانين سنة. وحدّث عن: أبي عمرو بن حمدان، وأبي أحمد الحاكم، وغيرهما. وأملى مدّة، وكان له ديوان شعر. روى عنه: إسماعيل بن عبد الغافر، وأحمد بن عبد الملك المؤذن.
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 135134، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 551.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 96، تاريخ بغداد 1/ 307رقم 307، والمنتظم لابن الجوزي 15/ 300.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 178، والإسنوي: الطبقات 2/ 290، يتيمة الدهر 4/ 428، المنتخب من السياق 31رقم 33.(1/392)
سنة ثمان وثلاثين وأربعمئة
402 - عبد الله بن يوسف (1) بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيّويه. الشيخ أبو محمد الجوينيّ. كان إماما فقيها، بارعا في مذهب الشافعي، مفسّرا نحويا أديبا. تفقّه بنيسابور على: أبي الطيّب الصّعلوكي.
وتفقّه على أبي بكر القفّال، وتخرّج به فقها وخلافا (2). وعاد إلى نيسابور سنة سبع وأربعمائة، وقعد للتدريس والفتوى. وكان مجتهدا في العبادة، مهيبا بين التلامذة، صاحب جدّ ووقار. صنّف (3): (التبصرة) في الفقه، وصنّف (التذكرة)، و (التفسير الكبير). وسمع من (4): القفّال، وعدنان بن محمد الضّبي، وأبي نعيم عبد الملك بن الحسن، وابن محمش. وببغداد من: أبي الحسين بن بشران وجماعة. روى عنه (5): ابنه إمام الحرمين أبو المعالي، وسهل بن إبراهيم المسجدي وعلي بن أحمد المديني. قال أبو عثمان الصابوني: لو كان الشيخ أبو محمد في بني إسرائيل لنقلت إلينا شمائله، وافتخروا به. وقال علي بن أحمد المديني: سمعته يقول: إنه من سنبس (6)، قبيلة من العرب، وقال الحافظ أبو صالح المؤذن: غسّلته، فلما لففته في الأكفان، رأيت يده اليمنى إلى إلإبط منيرة كلون القمر. فتحيّرت وقلت: هذه بركة فتاويه.
__________
(1) ترجمته في: السمعاني: الأنساب 3/ 385، ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 43، الذهبي:
العبر 3/ 188، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 9373، الإسنوي: الطبقات 1/ 338، البغدادي: هدية العارفين 1/ 451، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 520، تاريخ بغداد 10/ 198، ابن عساكر: تبيين كذب المفتري 257.
(2) انظر: ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 55، والمنتظم 15/ 307، وانتقى طريقة، وهذبها في الفقه (المنتخب من السياق) 276.
(3) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 198، الذهبي: العبر 3/ 188.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 15/ 307، الإسنوي: الطبقات 1/ 338.
(5) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10/ 198، البغدادي: هدية العارفين 1/ 451.
(6) سنبس: بطن من قبيلة طيء المشهورة، وجوين ناحية بنيسابور. المنتظم 15/ 306، السمعاني:
الأنساب 3/ 385.(1/393)
سنة تسع وثلاثين وأربعمائة
403 - أحمد بن (1) أحمد بن محمد بن علي. أبو عبد الله القصري (2)، السّيبيّ (3)
الفقيه الشافعي. حدّث عن: أبي محمد بن ماسي، وعبيد الله بن إبراهيم الزّينيّ، وعلي بن أبي السّريّ البكّائي. قال الخطيب: كان فاضلا من أهل العلم والقرآن، كثير التلاوة. قيل: كان يقرأ في كل يوم ختمة. سمعته يقول: قدمت أنا وأخي من القصر، والقطيعي حيّ، ومقصودنا الفقه والفرائض. فأردنا السماع منه. فلم نذهب إليه، لكنّا سمعنا من ابن ماسي نسخة الأنصاري. وكان ابن اللبان الفرضي قال لنا: لا تذهبوا إلى القطيعي، فإنه قد ضعف واختلّ، وقد منعت ابنيّ من السماع منه، توفي ابن السيبيّ في رجب عن ثلاث وتسعين سنة.
404 - أحمد بن محمد بن الحسين (4). أبو نصر البخاري، حمو القاضي الصّيمريّ.
تفقّه على أبي حامد الإسفرائينيّ. وسمع من نصر بن أحمد البرجيّ. وعنه: الخطيب، ووثقه. نزيل الكوفة وبها مات في ذي الحجة.
405 - عبد الوهاب بن علي بن داوريد (5). أبو حنيفة الفارسي الملحميّ، الفقيه الفرضي. قال الخطيب: ثنا عن المعافى الجريريّ، وكان عارفا بالقراءات والفرائض، حافظا لظاهر فقه الشافعي. مات في ذي الحجة
سنة أربعين وأربعمئة
406 - الفضل (6) بن أبي الخير محمد بن أحمد. أبو سعيد الميهنيّ العارف. صاحب
__________
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 4 (ت 1583)، السمعاني: الأنساب 7/ 216، والذهبي: تاريخ الإسلام، (ت 26) ص 469.
(2) القصري: نسبة القصر / الأنساب 5/ 171.
(3) السيبي: نسبة إلى سيب: قرية قرب قصر ابن هبيرة. الأنساب 7/ 215.
(4) الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 249) ص 470، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 435 (ت 233) والسبكي: طبقات 3/ 35، 33.
(5) نفسه (ت 261) ص 474، السبكي: طبقات 3/ 285، الخطيب: تاريخ بغداد 11/ 33، ابن الجوزي: المنتظم 15/ 310.
(6) نفسه (ت 296) ص 487، السبكي: طبقات 4/ 10، والنجوم 5/ 46، المنتخب من السياق(1/394)
الأحوال والمناقب. توفي بقريته ميهنة بخراسان. ومنهم من يسميه: فضل الله. مات في رمضان وله تسع وسبعون سنة. وحدّث عن: زاهر بن أحمد السّرخسيّ. ولكن في اعتقاده شيء. تكلم فيه أبو محمد بن حزم. روى عنه: الحسن بن أبي طاهر الختليّ، وعبد الغفّار الشيروييّ (1).
407 - محمود بن الحسن (2) بن محمد بن يوسف أبو حاتم القزويني. الفقيه المناظر، من ساكني آمل وطبرستان. قدم جرجان، وسمع من: أبي نصر بن الإسماعيلي. وتفقّه ببغداد عند الشيخ أبي حامد. وسمع بالرّيّ من: حمد بن عبد الله، وأحمد بن محمد البصير. وسمع ببغداد. وذهب إلى وطنه، وصار شيخ آمل في العلم والفقه. وبها توفي سنة أربعين. وهو والد شيخ السّلفي.
408 - منصور (3) بن القاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزدي الهرويّ. قاضي هراة، أبو أحمد الفقيه الشاعر. قدم بغداد، وتفقّه على أبي حامد الإسفرائينيّ، ومدح أمير المؤمنين القادر بالله. وكان عجيبا في الشعر. وسمع: العباس بن الفضل النّضرويّ، وأبا الفضل بن خميرويه. وناهز الثمانين. وكان يختم القرآن في كل يوم وليلة، حتى مات رحمه الله.
409 - هبة الله (4) بن أبي عمر محمد بن الحسين. أبو الشيخ أبو محمد الجرجاني، الملقب بالموفق. سمع: جدّه لأمه أبي الطيّب سهل بن محمد الصّعلوكي، ووالده أبي عمر محمد بن الحسين البسطاميّ، وأبا الحسين أحمد بن محمد الخفّاف. وكان فقيها، مناظرا مفتيا، رئيس الشافعية بنيسابور. رحمه الله.
__________
409، اللباب 3/ 485.
(1) ولد سنة 357هـ. عبد الغافر الفارسي. المنتخب من السياق 409رقم 1394.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 322، الإسنوي: الطبقات 2/ 300، البغدادي:
هدية العارفين 2/ 402، طبقات الشيرازي 109، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 671، تبيين كذب المفتري لابن عساكر 260، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 207، والتدوين في أخبار قزوين 4/ 70.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 348346، الإسنوي: الطبقات 1/ 89، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 888، يتيمة الدهر 4/ 350348، معجم الأدباء 19/ 194191، سير أعلام النبلاء 17/ 275رقم 167، دمية القصر 2/ 9989.
(4) عبد الغافر الفارسي: المنتخب من السياق 474، 475رقم 1612.(1/395)
410 - إسماعيل (1) بن علي بن المثنّى. أبو سعد الأستراباذيّ، الواعظ الصوفي، العنبريّ. قدم نيسابور قديما. وبنى بها مدرسة لأصحاب الشافعي، تنسب إليه. وكان له سوق ونفاق عند العامة. وكان صاحب غرائب وعجائب. روى عن: أبيه، وعلي بن الحسن بن حيّويه. روى عنه: محمد بن أحمد بن أبي جعفر القاضي، وأبو بكر الخطيب البغدادي، وأحمد الموسياباذيّ.
سنة إحدى وأربعين وأربعمئة
411 - محمد بن (2) أحمد بن عيسى بن عبد لله. القاضي أبو عبد الله، أبو الفضل السعدي، البغدادي، الفقيه الشافعي. [راوي «معجم الصحابة» للبغويّ، عن ابن بطة العكبريّ]، (3) سمع: موسى بن محمد بن جعفر السمسار، وأبا الفضل عبيد الله الزهري، وأبا بكر بن شاذان، وأبا طاهر المخلّص، وابن بطّة، ومحمد بن عمر بن زنبور، وأبا الحسن بن الجنديّ ببغداد، وأبا عبد الله الجعفيّ بالكوفة، وابن جميع بصيداء، وحامد بن إدريس بالموصل، وأبا مسلم الكاتب بمصر. وسكن مصرا وأملى وأفاد. وكان من تلامذة ابي حامد الإسفرايينيّ. روى عنه: سهل بن بشر الإسفرايينيّ.
وعلي بن مكّي الأزدي، وأبو نصر الطّريثيثيّ، ومحمد بن أحمد الرازي، وآخرون. وقد كتب عنه شيخه الحافظ عبد الغني، ومات قبله بنيّف وثلاثين سنة. توفي أبو الفضل السّعديّ في شعبان. وقيل: في شوّال، فيحرّر.
سنة اثنين وأربعين وأربعمئة
412 - أحمد بن محمد (4) بن عبد الواحد بن الحافظ أبي بكر أحمد بن محمد بن عمر
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية (4/ 294293) وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 727، تاريخ بغداد 6/ 315رقم 3362.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 103، الإسنوي: الطبقات 1/ 233ت، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 840.
(3) ما بين الحاصرتين من تاريخ الإسلام للذهبي: الكنى رقم 26لسنة 441هـ ص 51.
(4) ترجمته في الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5/ 59، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 82، الإسنوي: الطبقات 2/ 405، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 389، عبد الغافر:(1/396)
المنكدريّ، التّيمي الإمام أبو بكر المروروذيّ، الفقيه الشافعي. قدم بغداد. وتفقّه على أبي حامد الإسفرايينيّ. وسمع من: أبي أحمد الفرضيّ، وابن مهديّ. وبنيسابور:
الحاكم، وطائفة. وله شعر وفضائل (1). حدّث عنه: أبو بكر الخطيب. ومات رحمه الله بمرو الرّوذ، وقد قارب السبعين.
413 - علي بن (2) بن عمر بن محمد. أبو الحسن بن القزويني الحربيّ الزاهد.
سمع: أبا حفص بن الزيات، والقاضي أبا الحسن الجرّاحي، وأبا عمر بن حيّويه، وأبا بكر بن شاذان وطبقتهم. قال الخطيب (3): كتبنا عنه، وكان أحد الزهّاد المذكورين، ومن عباد الله الصالحين، يقرىء القرآن، ويروي الحديث، ولا يخرج من بيته إلا للصلاة رحمة الله عليه. قال: ولدت سنة ستين وثلاثمئة. وتوفي في شعبان، وأغلقت جميع بغداد يوم دفنه. ولم أر جمعا على جنازة أعظم منه. قلت: وله مجالس مشهورة يرويها النّجيب الحرّاني (4). روى عنه: أبو علي أحمد بن محمد البرداني، وأبو سعد أحمد بن محمد بن شاكر الطّرسوسي، شيخ ذاكر بن كامل، وجعفر بن أحمد السراج، والحسن بن محمد بن إسحاق الباقرحيّ (5). وأبو العز محمد بن المختار، وهبة الله بن أحمد الرّحبيّ وأبو منصور أحمد بن محمد الصيرفي، وعلي بن عبد الواحد الدّينوريّ، وآخرون. قال أبو نصر هبة الله بن علي بن المجلي: حدّثني أبو بكر محمد بن أحمد بن طلحة بن المنقّي الحربيّ، قال: حضرت والدي الوفاة، فأوصى إليّ بما أفعله، وقال:
تمضي إلى القزوينيّ وتقول له: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقا لي: اقرأ على القزوينيّ مني السلام، وقل له: العلامة أنك كنت بالموقف في هذه السنة. فلما مات أبي، جئت
__________
المنتخب من السياق 95، 96.
(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5/ 59.
(2) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 43، السمعاني: الأنساب 10/ 138، الذهبي: العبر 3/ 200199، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 266260، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 268، البغدادي: هدية العارفين 1/ 689، سزكين: تاريخ التراث 1/ 84483، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 620، ابن الجوزي: المنتظم 15/ 326، 327، الإسنوي: طبقات 2/ 312311، ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 62، التدوين في أخبار قزوين 3/ 387.
(3) تاريخ بغداد 12/ 43.
(4) ابن الأثير: الكامل في التاريخ 9/ 570.
(5) الباقرحي: نسبة إلى قرية بنواحي بغداد اسمها باقرح، السمعاني: الأنساب 2/ 48.(1/397)
إلى القزوينيّ، فقال لي ابتداء: مات أبوك؟ قلت: نعم. فقال: رحمه الله وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق أبوك. وأقسم عليّ أن لا أحدّث به في حياته، ففعلت (1). أنا:
ابن الخلّال، أنا: جعفر، أنا: السلفيّ سألته، يعني شجاعا الذّهليّ، عن أبي الحسن القزوينيّ، فقال: كان علم الزّهاد والصالحين وإمام الأتقياء الورعين. له كرامات ظاهرة ومعروفة يتداولها الناس عنه. لم يزل يقرىء ويحدّث إلى أن مات (2). وقال أبو صالح المؤذن في (معجمه): أبو الحسن ابن القزوينيّ الفقيه الشافعي المشار إليه في زمانه ببغداد في الزهد والورع، وكثرة القراءة ومعرفة الفقه والحديث. قرأ القرآن على أبي حفص الكنانيّ، وقرأ القراءات. ولم يكن يعطي من يقرأ عليه إسنادا بها. وقال هبة الله بن المحلّي (3) في كتاب (مناقب ابن القزويني) ما معناه: إنّ ابن القزويني، كان كلمة إجماع في الخير وكان ممّن جمعت له القلوب فحدثني، أحمد بن محمد الأمين، قال: كتبت عنه مجالس أملاها في مسجده، وكان أي جزء وقع بيده، خرّج به وأملى منه، عن شيخ واحد جميع المجلس، ويقول: حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ينتقى (4).
قال: وكان أكثر أصوله بخطّه. قال: وسمعت عبد الله بن سبعون، القيروانيّ يقول:
أبو الحسن القزوينيّ ثقة ثبت، وما رأيت أعقل منه (5)، وحدّث أبو الحسن البيضاويّ، عن أبيه أبي عبد الله. قال: كان أبو الحسن يتفقّه معنا على الدّاركي وهو شابّ، وكان ملازما للصمت، وقلّ أن يتكلم. وقال: قال لنا أبو محمد المالكي: خرّج في كتب القزويني، تعليق بخطه على أبي القاسم (6) الدّاركي، وتعليق في النحو عن ابن جنّي، سمعت ابا العباس المؤدب وغيره، يقولان: إن أبا الحسن سمع الشاة تذكر الله تعالى.
حدثني هبة الله بن أحمد الكاتب، أنه زار قبر الشيخ ابن القزويني، ففتح ختمة هناك، وتفاءل للشيخ، فطلع أول ذلك {وَجِيهاً فِي الدُّنْيََا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} (7). وعن أبي الحسن
__________
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء 17/ 610.
(2) نفسه.
(3) وهو: هبة الله بن علي بن محمد بن أحمد المحليّ (ابو نصر) مات سنة 480هـ.
(4) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 300، سير أعلام النبلاء 17/ 611.
(5) سير أعلام النبلاء 17/ 611.
(6) هو: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد الدّاركي أبو القاسم / السبكي: طبقات الشافعية 1/ 218، 330، 333.
(7) سورة آل عمران (3)، الآية (45).(1/398)
الماوردي القاضي قال: صلّيت خلف أبي الحسن القزويني، فرأيت عليه قميصا نقيّا مطرّزا، فقلت في نفسي: أين المطّرز من الزهد؟ فلما سلّم قال: سبحان الله المطّرز لا ينتقض أحكام الزهد (1). حدثني محمد بن الحسين القزّاز قال: كان ببغداد زاهد خشن العيش، وكان يبلغه أن ابن القزويني يأكل الطيّب، ويلبس الرقيق، فقال: سبحان الله رجل مجمع على زهده وهذا حاله أشتهي أن أراه. فجاء إلى الحربيّة، قال: فرآه، فقال الشيخ، سبحان الله رجل يومأ إليه بالزهد، يعارض الله في أفعاله، وما هنا محرّم ولا منكر. فطفق ذلك الرجل يشهق ويبكي. وذكر الحكاية (2). سمعت أبا نصر عبد السيد بن الصباغ يقول: حضرت عند القزويني، فدخل عليه أبو بكر الرّحبيّ فقال:
أيها الشيخ: أيّ شيء أمرتني نفسي أخالفها؟ فقال: إن كنت مريدا فنعم، وإن كنت عارفا، فلا. فانصرفت وأنا مفكّر وكأنني لم أصوّبه. فرأيت في النوم ليلتي شيئا أزعجني، وكأن من يقول لي: هذا بسبب ابن القزويني، يعني لما أخذت عليه (3).
وحدّثني أبو القاسم عبد السميع الهاشمي، عن الزاهد عبد الصمد الصّحراويّ، قال:
كنت أقرأ على القزوينيّ، فجاء رجل مغطّى الوجه، فوثب الشيخ إليه وصافحه وجلس معه بين يديه ساعة، ثم قام وشيّعه. فاشتد عجبي وسألت صاحبي: من هذا؟ فقال:
أوما تعرفه؟ هذا أمير المؤمنين القادر بالله (4). وحدّثنا أحمد بن محمد الأمين قال:
رأيت الملك أبا كالنجار (5) قائما، يشير إليه أبو الحسن بالجلوس فلا يفعل. وحدّثني علي بن محمد الطّراح الوكيل قال (6): رأيت الملك أبا طاهر بن بويه، قائما بين يدي أبي الحسن يومىء إليه ليجلس فلا يفعل ثم حكى ابن المحلّي له عدة كرامات، منها شهود عرفة وهو ببغداد، ومنها ذهب إلى مكة، فطاف ورجع من ليلته. وقد: أنا ابن الخلّال، أنا جعفر أنا السّلفيّ: سمعت جعفر بن أحمد السّراج يقول: رأيت على أبي الحسن القزوينيّ الزاهد ثوبا رقيقا ليّنا، فخطر ببالي كيف مثله في زهدة يلبس مثل هذا؟
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 302.
(2) نفسه.
(3) الذهبي: سير أعلام النبلاء 17/ 612.
(4) هو: أحمد بن إسحاق بن جعفر، أمير المؤمنين أبو العاس (القادر بالله)، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 65، 5/ 317، 9/ 172.
(5) ابن الجوزي: المنتظم 15/ 279.
(6) الذهبي: سير أعلام النبلاء 17/ 612.(1/399)
فقال لي في الحال بعد أن نظر إلي: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللََّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبََادِهِ وَالطَّيِّبََاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (1). وحضرنا عنده يوما في السماع ألى أن وصلت الشمس إلينا وتأذّينا بحرّها.
فقلت في نفسي: لو تحوّل الشيخ إلى الظلّ. فقال لي في الحال: {قُلْ نََارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} (2).
سنة ثلاث وأربعين وأربعمئة
414 - عبد الرحمن (3) بن عبد الله بن حسن. أبو القاسم، الدمشقي المقرىء الشافعي. حدّث بمصر عن: عبد الوهاب الكلابيّ. روى عنه: عبد المحسن البغدادي. وأثنى عليه أبو إسحاق الحبال.
415 - عبيد الله (4) بن أحمد بن عبد الأعلى. أبو القاسم الرّقّي المعروف بابن الحرّاني. حدّث عن: نصر بن أحمد بن المرجّى، وابن نصر الملاحمي. روى عنه:
أبو بكر الخطيب، وعبد العزيز الكتّاني. ووثقه الخطيب، وقال: مات بالرّحبة، وكان قد سكنها. وقد تفقّه على أبي حامد الإسفرائيني.
416 - مسعدة (5) بن إسماعيل بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي. أبو الفضل الجرجاني. سمع: أباه، وعمّه أبا نصر، وأحمد بن موسى الباغشي، ويوسف بن إبراهيم السهمي، وأبا بكر الأبندونيّ. وأملى الكثير. توفي في شوّال. وهو والد الشيخ أبي القاسم إسماعيل بن مسعدة.
__________
(1) سورة الأعراف (7) الآية (32).
(2) سورة التوبة (9) الآية (81).
(3) ترجمته في: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 14/ 276رقم 195، وفيات الحبال رقم 344.
(4) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 79) ص 09، 08، الخطيب البغدادي:
تاريخ بغداد 10/ 383 (ترجمة رقم 5564) وابن منظور المختصر 15/ 300 (ترجمة رقم 300)، وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 286.
(5) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 93) ص 85، والسهمي: تاريخ جرجان (ت 928) ص 465، وينسب الأبندوني إلى قرية أبندون من قرى جرجان / الأنساب 1/ 91.(1/400)
سنة أربع وأربعين وأربعمئة
417 - ناصر (1) بن الحسين بن محمد بن علي القرشي العمري. أبو الفتح المروزيّ، الفقيه الشافعي. سمع: أبا العباس السّرخسي بمرو، وأبا محمد المخلدي، وأبا سعيد بن عبد الوهّاب الرازي بنيسابور، وأبا محمد عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاريّ بهراة، وتفقه بمرو على: القفّال، وبنيسابور على: أبي طاهر محمش، وأبي الطيّب الصّعلوكي، ودرّس في حياتهما. وتفقّه به خلق مثل: أبي بكر البيهقي، وأبي إسحاق الجيلي. وتوفي بنيسابور في ذي القعدة. وكان عليه مدار الفتوى والمناظرة. وكان فقيرا قانعا باليسير متواضعا خيرا. وقد تفقّه بمرو على القفّال وغيره. وكان من أفراد الأئمة.
وقد أملى مدة سنين.
وروى عنه: مسعود بن ناصر السّجزيّ، وأبو صالح المؤذن، وإسماعيل بن عبد الغافر الفارسي، وطائفة.
سنة ست وأربعين وأربعمئة
418 - عبد الله بن محمد (2) بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن النعمان، بن عبد السلام الإصبهاني (أبو محمد) ابن اللّبّان.
قال الخطيب: كان أحد أوعية العلم. سمع: أبا بكر بن المقرىء، وإبراهيم بن خرّشيد قوله، وأبا طاهر المخلّص، وأحمد بن فراس العبقسيّ. وكان ثقة، صحب القاضي أبا بكر بن الباقلّاني، ودرس عليه الأصول. ودرس الفقه على أبي حامد الإسفرائينيّ. وقرأ بالروايات، وولي قضاء إيذج (3)، وله مصنّفات كثيرة. وكان من
__________
(1) ترجمته في: تاريخ الإسلام للذهبي (ت 130) ص 106، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 350، وابن العماد: شذرات 3/ 272، الأعلام 8/ 310، والبغدادي: هدية العارفين 2/ 487، العبر 3/ 208، المنتخب من السياق 461رقم 1570، الإسنوي: الطبقات 2/ 188.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 209207، الإسنوي: الطبقات 1/ 90، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 764، تاريخ بغداد 10/ 144، المنتظم 15/ 346، البداية والنهاية 12/ 66، النجوم الزاهرة 5/ 38، شذرات الذهب 3/ 274، اللباب 3/ 927، البغدادي: هدية العارفين 1/ 451، 452، وابن عساكر: تبيين كذب المفتري 261، 262.
(3) إيذج: كورة وبلد من خوزستان وإصبهان، وهي أجلّ مدن هذه الكورة (معجم البلدان 1/ 288).(1/401)
أحسن الناس تلاوة. كتبنا عنه، وكان وجيز العبارة في المناظرة، مع تديّن وعبادة، وورع بيّن وحسن خلق، وتقشّف ظاهر. أدرك رمضان سنة سبع وعشرين وأربعمائة ببغداد، فصلى بالناس التراويح في جميع الشهر، فكان إذا فرغ منها لا يزال يصلي في المسجد إلى الفجر، فإذا صلّى درّس أصحابه. وسمعته يقول: لم أضع جنبي للنوم في هذا الشهر ليلا ولا نهارا. وكان ورده لنفسه سبعا مرتّلا. قال (1) ابن عساكر: سمعت ببغداد من يحكي: أن أبا يعلى بن الفرّاء، وأبا محمد التميميّ، شيخي الحنابلة كانا يقرأآن على أبي محمد في الأصول سرّا فاجتمعا يوما في دهليزه، فقال أحدهما لصاحبه، ما جاء بك؟ قال الذي جاء بك. وقال: اكتم عليّ، وأكتم عليك. ثم اتفقا على أن لا يعودا إليه، خوفا أن يطّلع عوامّهم عليهما. وقال الخطيب (2): سمعته يقول: حفظت القرآن ولي خمس سنين، وأحضرت مجلس أبي بكر بن المقرىء ولي أربع سنين، فتحدّثوا في سماعي، فقال ابن المقرىء: اقرأ. و {وَالْمُرْسَلََاتِ.} فقرأتها ولم أغلط فيها. فقال: سمّعوا له والعهدة عليّ. قال الخطيب (3): ولم أر أجود ولا أحن قراءة منه. قلت: روى عنه: أبو علي الحداد. وقرأ عليه بالروايات غير واحد. ومات بإصبهان في جمادى الآخرة.
سنة سبع وأربعين وأربعمئة
419 - أحمد بن (4) عبد الله بن أحمد بن ثابت. الإمام أبو نصر الثابتيّ البخاري، الفقيه الشافعي. روى عن: أبي القاسم بن جبارة، وأبي طاهر المخلّص، وتفقّه على أبي حامد الإسفرائينيّ. ودرّس وأفتى. قال الخطيب (5): كتبت عنه، كان ليّنا في
__________
(1) ابن عساكر: تبيين كذب المفتري 261.
(2) تاريخ بغداد 10/ 144.
(3) نفسه.
(4) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 239، ابن ماكولا: الإكمال 1/ 414، السمعاني: الأنساب 3/ 123122، ابن الأثير: اللباب 1/ 235، الصفدي: الوافي 7/ 121، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 2625، الإسنوي: الطبقات 1/ 230، 231، حاجي خليفة: كشف الظنون 1912، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 344.
(5) تاريخ بغداد 4/ 240239.(1/402)
الرّواية. قال الذّهلي: كان يدرّس ويفتي، وله حلقة في جامع المدينة. وقال النّرسيّ:
نا عن زاهر السّرخسيّ وغيره. وتوفي في رجب.
420 - أحمد بن (1) علي بن عبد الله. أبو بكر البغدادي، الزّجّاجي، المؤدّب.
سمع: أبا القاسم بن حبابة، وأبا حفص الكنانيّ. قال الخطيب: كان ديّنا فقيها شافعيّا كتبت عنه، وذكر لي أنه سمع من: زاهر بن أحمد السّرخسيّ، إلّا أن كتّابه ببلده بطبرستان. وأرّخ ابن خيرون وفاته في ذي الحجة، وأنه كان صالحا.
421 - جعفر بن محمد بن عفّان، الفقيه أبو الخير المروزيّ (2) الشافعي. قدم معرّة النعمان وأقرأ بها الفقه، وصنّف في المذهب كتاب (الذخيرة) وكان قدومه المعرّة في سنة 418هـ، ودرّس بها، وأخذ عنه أهلها.
422 - الحسين (3) بن علي بن جعفر بن علكان بن محمد بن دلف ابن الأمير ابي دلف العجليّ الفقيه. قاضي القضاة (أبو عبد الله) الجرباذقانيّ (4)، المعروف بابن ماكولا.
ولي قضاء القضاة ببغداد في سنة عشرين وأربعمئة. قال الخطيب: ولم نر قاضيا أعظم نزاهة منه. سمعته يقول: سمعت من أبي عبد الله بن مندة بإصبهان. وتوفي في شوّال وهو حينئذ قاضي القضاة، وكان عارفا بمذهب الشافعي. وقيل: إنه ولد سنة 368هـ، وهو عمّ الحافظ أبي نصر الأمير.
423 - رافع بن نصر (5). أبو الحسن البغدادي، الشافعي، الزاهد، الفقيه، المفتي. المعروف بالحمّال. روى عن: أبي عمر بن مهديّ الفارسيّ، وحكى عن:
__________
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 325، السمعاني: الأنساب 6/ 275، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 41، الإسنوي: الطبقات 1/ 608، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 354.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 131، حاجي خليفة: كشف الظنون 825.
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 808، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 97، والإسنوي طبقات 2/ 406، المنتظم 15/ 351، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 152، ابن الصلاح: طبقات 2/ 744، العبر 3/ 212.
(4) الجرباذقاني: نسبة إلى بلدة جرباذقان بإصبهان / معجم البلدان /.
(5) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 377، الإسنوي: الطبقات 1/ 426، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 750، والذهبي: تاريخ الإسلام ترجمة رقم 204.(1/403)
أبي بكر الباقلّاني، وعن: أبي حامد الإسفرائينيّ. وكان يعرف الأصول. أخذ عنه عبد العزيز الكتانيّ. وله شعر حسن. وتوفي بمكة. وقال محمد بن طاهر: سمعت هيّاج بن عبيد يقول: كان لرافع الحمّال في الزهد قدم. وإنما تفقّه أبو إسحاق الشيرازي والقاضي أبو يعلى الفرّاء بمعاونة رافع لهما. وكان يحمل وينفق عليهما. ومن شعر رافع الحمّال (1):
كرّ كرّ العبد إن أحبب ... ت أن تحسب حرّا
واقطع الآمال عن فض ... ل بني آدم طرّا
أنت ما استغنيت عن مث ... لك أعلى الناس قدرا
وكان عارفا بمذهب الشافعي. كان يفتي بمكة. قال ابن النجار: قرأ شيئا من الأصول على ابن الباقلّاني، وتفقّه على أبي حامد الإسفرايينيّ. وحدّث عنه: سهل بن بشر الإسفراييني، وجعفر السّرّاج. وكان موصوفا بالزهد والعبادة والمعرفة، رحمه الله.
424 - سليم بن أيّوب بن سليم. أبو الفتح الرازي (2)، الفقيه الشافعي، المفسّر الأديب، سكن الشام مرابطا، محتسبا لنشر العلم، والسّنة، والتصانيف، حدّث عن:
محمد بن عبد الله الجعفيّ، ومحمد بن جعفر التميمي الكوفيين، وأحمد بن محمد البصير، وحمد بن عبد الله الرازيين، وأبي حامد الإسفرايينيّ، وأحمد بن محمد المجبر، وأحمد بن فارس اللغوي، وجماعة. روى عنه الكنانيّ، وأبو بكر الخطيب، والفقيه نصر لمقدسي، وأبو نصر الطّريثيثي، وعلي بن طاهر الأديب، وعبد الرحمن بن
__________
(1) الأبيات في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 164، 165، والذهبي: تاريخ الإسلام ترجمة رقم 204 (رافع بن نصر).
(2) ترجمته في: طبقات الفقهاء للشيرازي 132، تبيين كذب المفتري لابن عساكر 262، 263، اللباب 1/ 206، تهذيب تاريخ دمشق لبدران 2/ 284، العبر 3/ 213، الوافي بالوفيات 15/ 334، تاريخ الخلفاء 423، ابن خلكان: وفيات الأعيان 2/ 133، القفطي: إنباه الرواة 2/ 69، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 276275، حاجي خليفة: كشف الظنون 98، 1091، 1378، النووي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 1/ 231، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 358، الإسنوي 1/ 562، البغدادي: هدية العارفين 1/ 48، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 479، الخطيب: تاريخ بغداد 2/ 159، معجم البلدان 5/ 171، ابن منظور:
مختصر تاريخ دمشق 10/ 199197، سير أعلام النبلاء 17/ 545.(1/404)
علي الكامليّ، وسهل بن بشر الإسفرايينيّ، وأبو القاسم علي بن إبراهيم النّسيب، وقال: هو ثقة فقيه، مقرىء محدّث. وقال سهل الإسفرايينيّ: حدثني سليم أنّه كان في صغره بالريّ وله نحو عشر سنين. فحضر بعض الشّيوخ وهو يلقّن، فقال لي! تقدم فاقرأ. فجهد أن أقرأ الفاتحة، فلم أقدر على ذلك، لانغلاق لساني. فقال: لك والدة؟ فقلت: نعم قال: قل لها: تدعو لك أن يرزقك الله قراءة القرآن والعلم قلت:
نعم، فرجعت فسألتها الدعاء، فدعت لي. ثم إنيّ كبرت، ودخلت بغداد، وقرأت بها العربية، والفقه، ثم عدت إلى الرّيّ، فبينا أنا في الجامع أقرأ ب «مختصر المزنيّ» وإذا الشّيخ قد حضر وسلّم علينا، وهو لا يعرفني، فسمع مقابلتنا وهو لا يعلم ما نقول، ثم قال: متى يتكلّم مثل هذا؟ فأردت أن أقول له: إن كانت لك والدة قل لها: تدعو لك، فاستحييت منه، أو كما قال (1)، وقال أبو نصر الطّريشثيّ: سمعت سليما يقول: علّقت عن شيخنا أبي حامد جميع التّعليق، وسمعته يقول: وضعت منيّ (صور) ورفعت بغداد من أبي الحسن ابن المحامليّ (2). قال ابن عساكر (3): بلغني أن سليما تفقه بعد أن جاز الأربعين، وقرأت بخط غيث الأرمنازيّ: غرق سليم الفقيه في بحر القلزم، عند ساحل جدّة بعد الحج، في صفر سنة سبع وأربعين، وقد نيّف على الثمانين، وكان رحمه الله فقيها مشارا إليه، صنّف الكثير في الفقه وغيره، ودرّس وهو أول من نشر هذا العلم بصور (4) وانتفع به جماعة، منهم الفقيه نصر، وحدّث عنه، أنه كان يحاسب نفسه على الأنفاس، لا يدع وقتا مضى بغير فائدة، إما أن ينسخ أو يقرأ أو يدرّس، وحدّث عنه أنه كان يحرك شفتيه إلى أن يغطّ القلم رضي الله عنه.
425 - عبد الملك (5) بن محمود بن صهيب بن مسكين. أبو الحسن البصري، الفقيه الشّافعيّ، روى عن أبيض بن محمد الفهريّ، صاحب النّسائي، وعبيد الله بن محمد بن أبي غالب البزّار، وأبي بكر بن المهندس، وأبي بكر بن محمد بن القاسم بن أبي هريرة،
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 4/ 390، 391، سير أعلام النبلاء 17/ 645.
(2) الإسنوي: طبقات 1/ 563.
(3) تبيين كذب المفتري 262.
(4) كان يدرس في بغداد مكان شيخه أبي حامد الإسفرائيني، ومنها سافر إلى الشام ونزل ثغر صور مرابطا ينشر العلم، فتخرج عليه عدد من الفقهاء «موسوعة علماء المسلمين 2/ 327324».
(5) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 164، الإسنوي: الطبقات 1/ 616، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 1/ 799 «سير أعلام النبلاء 17/ 661، حسن المحاضرة 1/ 403».(1/405)
وعليّ بن الحسين الأنطاكيّ، قاضي أذنة، وغيرهم، ويعرف أيضا بالزجاج، وروى عنه: الرّازيّ في مشيخته.
426 - منصور بن عمر بن عليّ. الإمام أبو القاسم البغداديّ الكرخيّ (1) الفقيه الشّافعيّ. ذكره أبو اسحاق في (الطبقات)، فقال: ومنهم شيخنا أبو القاسم البغداديّ الكرخيّ. تفقّه على: أبي حامد الإسفرايينيّ. وله عنه تعليقة. وصنّف في المذهب كتاب «الغنية». ودرّس ببغداد. قلت: توفيّ في جمادى الآخرة وسمع: أبا طاهر المخلّص، وأبا القاسم الصّيدلانيّ. وحدّث، وروى عنه: الخطيب، وقال: هو من أهل كرخ جدّان.
سنة ثمان وأربعين وأربعمئة
427 - أحمد بن الحسين (2). أبو الحسين، الفنّاكيّ الرّازيّ، الفقيه الشّافعيّ، تفقّه على: أبي حامد الإسفرائينيّ. ورحل إلى الإمام، أبي عبد الله الحليميّ، إلى بخارى، فدرس عليه، وتصّدر ببروذجرد، يفيد ويعلّم. وعمّر دهرا.
428 - أحمد بن محمد (3) بن عليّ بن نمير. أبو سعيد الخوارزميّ الضّرير، الفقيه العلّامة الشّافعيّ. تلميذ الشيخ أبي حامد قال الخطيب: درّس وأفتى، ولم يكن بعد أبي الطّيب الطّبريّ، أحد أفقه منه كتبت عنه، عن، عبد الله بن أحمد الصّيدلانيّ. توفيّ في صفر. وكان يقدّم على أبي القاسم الكرخيّ، وعلى أبي نصر الثابتيّ.
__________
(1) الشيرازي: طبقات الفقهاء 108، الخطيب: تاريخ بغداد 13/ 87 (رقم 7071)، السمعاني:
الأنساب 479السبكي: طبقات الشافعية 5/ 334، الإسنوي: الطبقات 2/ 341، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 887والكرخ أحد أحياء بغداد.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعي 4/ 16، الإسنوي: الطبقات 2/ 369، ماجي خليفة:
كشف الظنون 1845، البغدادي: هدية العارفين 1/ 77، ابن الصلاح: طبقات الشافعية 1/ 339معجم المؤلفين 1/ 207، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 227رقم 183.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 33، 34، الإسنوي: الطبقات 1/ 150، الصفدي: الوافي بالوفيات 8/ 63، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5/ 71وابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 1/ 391.(1/406)
429 - إسماعيل بن عليّ (1) بن الحسن بن بندار بن المثنّى. أبو سعد الإستراباذيّ الواعظ. حدّث عنه: الحاكم، وشافع بن محمد بن أبي عوانة، روى عنه: أبو بكر الخطيب، ومكّي الرّميليّ، وشيخ الإسلام الهكاريّ، وآخرون. قال الخطيب: ليس بثقة. وقال ابن طاهر: بان كذبه، ومزّقوا حديثه. مات بالقدس.
430 - الحسن بن الحسين (2). أبو عليّ الخلعيّ الشافعيّ. توفيّ بمصر في شوال.
وبإفادته سمع ابنه القاضي أبو الحسن.
231 - عبد الغافر بن (3) محمد بن عبد الغافر بن أحمد بن محمد بن سعيد. أبو الحسين الفارسيّ، ثم النيّسابوريّ. قال حفيده عبد الغافر بن اسماعيل في ترجمته:
الشيخ الجدّ الثّقة الأمين، الصّالح الصّيّن، الدّيّن المحظوظ من الدّنيا والديّن، الملحوظ من الله بكل نعمى. كان يذكر أيّام أبي سهل الصّعلوكيّ، ويذكره وما سمع منه شيئا، وكذلك لم يسمع من أبي عمرو بن مطر (4). وابن نجيد (5)، مع إمكان السّماع منهم.
وسمع (صحيح مسلم) من ابن عمرويه وسمع (غريب الحديث) للخطابيّ (6)، بسبب نزول الخطابيّ عندهم حين حضر إلى نيسابور. ولم تكن مسموعاته، إلّا ملء كمّين من الصحيح والغرائب، وأعداد قليلة من المتفرّقات من الأجزاء. ولكن كان محظوظا
__________
(1) ترجمة في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة 249) ص 172، الخطيب البغدادي 6/ 315، 316، ابن العماد: شذرات 3/ 273 «مختصر تاريخ دمشق 4/ 367، المنتخب من السباق 130، طبقات الشافعية للسبكي 4/ 293، لسان الميزان 1/ 422».
(2) ترجمته في: الاسنوي: طبقات 1/ 479، وابن الصلاح: طبقات 2/ 736، وفيات الحبال رقم 386.
(3) حاجي خليفة: كشف الظنون 308، 1011، البغدادي: هدية العارفين 1/ 587، ابن العماد:
شذرات الذهب 3/ 277الذهبي: تذكرة الحفاظ 4/ 68، ابن كثير: البداية والنهاية 2/ 235، ابن الصلاح: طبقات 2/ 585المنتخب من السياق 361رقم 1192، سير أعلام النبلاء 88/ 19 رقم 13، العبر 3/ 216.
(4) هو: محمد بن جعفر بن مطر، أبو عمرو / السبكي: طبقات الشافعية 5/ 137، 141، 222/.
(5) هو: اسماعيل بن نجيد بن أحمد السلمي النيسابوري، أبو عمرو / السبكي: طبقات الشافعية 2/ 190، 3/ 109، 224222، 4/ 59.
(6) هو: حمد بن محمد بن إبراهيم، البستي، أبو سليمان الخطابي / نفسه 1/ 221، 3/ 282 290).(1/407)
مجدودا في الرّواية. روى قريبا من خمسين سنة منفردا عن أقرانه، مذكورا مشهورا في الدنيا، مقصودا من الآفاق. سمع من الأئمّة والصّدور. وقد قرأ عليه الحسن السّمرقندي الحافظ، (صحيح مسلم)، نيفا وثلاثين مرّة. وقرأه عليه: أبو سعيد البحيريّ نيّفا وعشرين مرّة. هذا سوى ما قرأه عليه المشاهير من الأئمّة.
استكمل رحمه الله خمسا وتسعين سنة، وطعن في السادسة والتسعين، وألحق الأحفاد بالأجداد، وعاش في النّعمة عزيزا مكرما، في مروءة وحشمة إلى أن توفيّ.
قلت: توفيّ في خامس شوّال، وحدّث عن: ابن عمرويه الجلوديّ، واسماعيل بن عبد الله بن ميكال، وبشر بن أحمد الإسفرايبنيّ، وأبي سليمان الخطابيّ. روى عنه:
نصر بن الحسن التّنكتي (1)، والحسين بن عليّ الطّبريّ المجاور، وعبيد الله بن أبي القاسم القشيريّ، وعبد الرحمن بن أبي عثمان الصّابونيّ.
واسماعيل بن أبي بكر القاري، ومحمد بن الفضل الغراويّ، وفاطمة بنت زعبل العالمة، وآخرون. وسماعه صحيح من الجلوديّ في سنة خمس وستين وثلاثمئة.
432 - عبد الكريم (2) بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل المحامليّ. أبو الفتح، أخو الفقيه أبي الحسن، سمع: أبا بكر بن شاذان، والدّارقطنيّ، وابن شاهين، وعليّ بن عمر السكريّ، قال الخطيب: كتبت عنه وكان ثقة. مات في المحرّم.
433 - محمد بن عبد (3) الملك. أبو الحسين الفارسيّ، ثم النّيسابوريّ التّاجر، أكثر عن أبي أحمد الحاكم (4).
__________
(1) التّنكتي: عند ابن السمعاني وابن الأثير بفتح الكاف، وعند ابن حجر وياقوت بضمّ الكاف، وهي نسبة إلى تنكت: مدينة بإقليم الشاش من وراء نهر جيحون وسيحون.
(2) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 272) ص 182، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد (ترجمة رقم 5760).
(3) ترجمته في الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 293) ص 192، المنتخب من السياق (ت 56) ص 39، 40.
(4) قال عبد الغافر الفارسي: سمع الكثير عن الحاكم أبي أحمد وطبقته وببغداد عن ابن الصلت وغيرهم، وحدّث. (المنتخب من السياق ص 49).(1/408)
434 - محمد بن عبد الواحد (1) بن محمد. أبو طاهر البيّع البغداديّ، المعروف بابن الصّباغ، الفقيه الشّافعيّ. سمع ابن شاهين، وعليّ بن عبد العزيز بن مروان، وأبا القاسم بن حبابة. قال الخطيب: كتبنا عنه وكان ثقة. درس الفقه على أبي حامد الإسفرائيبنيّ، وكانت له حلقة للفتوى. ومات في ذي القعدة ببغداد. وقال أبيّ النّوسيّ: ثنا عن ابن طرارة، وهو والد أبي نصر صاحب (الشمائل).
435 - محمد بن عبد الواحد بن محمد بن عمر بن ميمون (2).
أبو الفرج الدّارميّ (3). البغداديّ، الفقيه الشّافعيّ، نزيل دمشق، سمع: أبا عمر بن حبّويه، وأبا الحسن بن المظفّر، وأبا بكر ابن شاذان، والدّارقطني، وجماعة قد حدّث عنهم. وسمع من أبي محمد بن ماسي، ولم يظفر بسماعه منه، روى عنه الخطيب، وقال: هو أحد الفقهاء، موصوف بالذّكاء وحسن الفقه، والحساب والكلام في دقائق المسائل. وله شعر حسن، كتبت عنه بدمشق، وقال لي: كتبت عن ابن ماسيّ، وأبي بكر الورّاق، وجماعة. وولدت في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. سكن الرّحبة مدة، ثمّ دمشق. قال الخطيب (4): حدثني أبو الفرج الدّارميّ: سمعت أبا عمر بن حيّويه:
سمعت أبا العبّاس بن سريج، وقد سئل عن القرد فقال: هو طاهر، هو طاهر. قلت:
وروى عنه أيضا: أبو عليّ الأهوازيّ وهو من أقرانه، وعبد العزيز الكتانيّ، وأبو طاهر محمد بن الحسين الحنّائيّ.
وقال أبو اسحاق في (الطبقات): كان فقيها حاسبا، شاعرا، متصرّفا، ما رأيت
__________
(1) ترجمته في السبكي: طبقات الشافعية 4/ 188، 189، الإسنوي 2/ 131، 132، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 860والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 2/ 262، 263رقم 872.
(2) ترجمته في: تاريخ بغداد 2/ 261، 362، طبقات الفقهاء للشيرازي 107، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 77، 78، الأنساب 5/ 278، وابن الأثير: الكامل 9/ 632، مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 23/ 23رقم 50، سير أعلام النبلاء 18/ 52رقم 24، الاسنوي: طبقات الشافعية 1/ 510رقم 446، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 240رقم 196الصفدي: الوافي 4/ 63، حاجي خلفة: كشف الظنون 1/ 78، البغدادي: هدية العارفين 2/ 70، 71، نفح الطيب 3/ 111.
(3) الدّارميّ: نسبة إلى بني دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم (الأنساب 5/ 279).
(4) تاريخ بغداد 2/ 362.(1/409)
أفصح منه لهجة. قال لي: مرضت فعاودني الشّيخ أبو حامد الإسفراييبنيّ فقلت (1): [من السريع]:
مرضت فارتحت إلى عائد ... فعادني العالم في واحد
ذاك الإمام ابن أبي طاهر ... أحمد ذو الفضل أبو حامد
وروى عنه من شعره، أبو عليّ بن البنّا، وأبو الحسين بن النّقور، وأبو عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد. توفيّ ليلة الجمعة مستهلّ ذي القعدة. وشهده خلق عظيم. ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وتفقه أيضا على أبي الحسين الأردبيليّ وله كتاب الإستذكار في المذهب كبير.
سنة تسع وأربعين وأربعمئة
436 - اسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن اسماعيل بن إبراهيم بن عابد بن عامر.
أبو عثمان الصّابونيّ، النيّسابوريّ، الواعظ المفسّر، شيخ الإسلام. حدّث عن:
زاهر بن أحمد السّرخسيّ، وأبي سعيد عبد الله بن محمد الرازيّ، والحسن بن أحمد المخلديّ، وأبي بكر ابن مهران المقرىء، وأبي طاهر بن خزيمة، وأبي الحسين الخفّاف، وعبد الرحمن بن أبي شريح، وطبقتهم. روى عنه: عبد العزيز الكتانيّ، وعليّ بن الحسين بن صصرى، ونجا بن أحمد، وأبو القاسم المصّصّى، ونصر الله الخشناميّ، وأبو بكر البيهقيّ، وخلق كثير آخرهم أبو عبد الله الفراوي قال البيهقيّ:
أنبا: إمام المسلمين حقا، وشيخ الإسلام صدقا، أبو عثمان الصّابونيّ، ثم ذكر (2)
حكاية. وقال أبو عبد الله المالكي: أبو عثمان الصّابوني ممّن شهدت له أعيان الرّجال، بالكمال في الحفظ، والتّفسير، وغيرهما (3). وقال عبد الغافر في «سياق تاريخ نيسابور»: إسماعيل الصّابونيّ الأستاذ، شيخ الإسلام، أبو عثمان الخطيب المفسّر الواعظ، المحدّث، أوحد وقته في طريقه (4)، وعظ المسلمين سبعين سنة، وخطب
__________
(1) البيتان في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 218، والذهبي: سير النبلاء 18/ 53، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 77.
(2) انظر: بدران: تهذيب تاريخ دمشق 3/ 31، 32.
(3) نفسه 3/ 33.
(4) المنتخب من السياق 131، وسير أعلام النبلاء 18/ 41.(1/410)
وصلّى في الجامع نحوا من عشرين سنة، وكان حافظا كثير السمّاع والتّصنيف، حريصا على العلم (1). سمع بنيسابور، وهراة، وسرخس (2)، والشّام، والحجاز والجبال، وحدّث بخراسان والهند، وجرجان، والشّام، والثّغور، والقدس، والحجاز، ورزق العزّ والجاه في الدّين والدّنيا. وكان جمالا للبلد، مقبولا عند الموافق والمخالف، مجمع على أنّه عديم النّظير، وسيف السّنّة، وقامع أهل البدعة، كان أبوه أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور، ففتك به لأجل الذهب، وقتل وهذا الإمام صبيّ ابن تسع سنين (3). فأقعد في مجلس الوعظ مقام أبيه «وحضر أئمّة الوقت مجالسه» وأخذ الإمام أبو الطّيب الصّعلوكيّ، في تربيته وتهيئة شأنه. وكان يحضر مجالسه، الأستاذ أبو اسحاق الإسفراينيّ، والأستاذ أبو بكر بن فورك، ويتعجبون من كمال ذكائه، وحسن إيراده، حتى صار إلى ما صار إليه، وكان مشتغلا بكثرة العبادات والطّاعات. حتى كان يضرب به المثل، وقال الحسين بن محمد الكتبي في تاريخه: توفي أبو عثمان في المحرّم، وكان مولده سنة ثلاث وسبعين وثلاثمئة، وأوّل مجلس عقده للوعظ بعد قتل والده في سنة اثنين وثمانين، وفي «معجم السّفر» (4) للسّلفي: سمعت الحسن بن أبي الحرّ بن مصادة بثغر سلماس (5) يقول: قدم أبو عثمان الصّابوني بعد حجّة، ومعه أخوه أبو يعلى، في أتباع ودوابّ، فنزل على جدّي أحمد بن يوسف بن عمر الهلاليّ، فقام بجميع مؤنه. وكان يعقد المجلس كلّ يوم. وافتتن النّاس به، وكان أخوه فيه دعابة.
وسمعت أبا عثمان وقت أن ودّع النّاس يقول: يا أهل سلماس لي عندكم شهر أعظ، وأنا في تفسير آية وما يتعلق بها، ولو بقيت عندكم تمام سنة، لما تعرّضت لغيرها، والحمد لله. وقال عبد الغافر (6): حكى الثّقات أنّ أبا عثمان كان يعظ، فدفع إليه كتاب
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 313) ص 225.
(2) سرخس: مدينة كبيرة في خراسان تقع بين نيسابور ومرو في وسط الطريق بينهما «ياقوت: معجم البلدان 3/ 208».
(3) ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 4/ 363، بدران: تهذيب تاريخ دمشق 3/ 34.
(4) هو: أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سلفة السّلفي، الأصبهاني (أبو طاهر) محدث، أديب، فقيه له مصنفات منها (معجم السفر). ابن العماد: شذرات الذهب 4/ 255، الذهبي: تذكرة الحفاظ 4/ 9590))
(5) ثغر سلماس: مدينة مشهورة بأذربيجان، تبعد عن تبريز ثلاثة أيام وكانت من ثغور المسلمين الهامة انظر: ياقوت معجم البلدان 3/ 23.
(6) المنتخب من السياق ص 135.(1/411)
ورد من بخارى مشتمل على ذكر وباء عظيم وقع بها، ليدعى على رؤوس الملأ في كشف البلاء عنهم، ووصف في الكتاب أنّ رجلا أعطى دراهم لخبّاز يشتري خبزا، فكان يزينها والصانع يخبز، والمشتري واقف فمات الثلاثة في ساعة. فلّما قرأ الكتاب هاله ذلك، فاستقرأ من القارىء: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئََاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللََّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ} (1). الآيات ونظائرها، وبالغ في التّخويف والتّحذير، وأثرّ ذلك فيه وتغيّر في الحال وغلبه وجع البطن من ساعته، وأنزل عن المنبر، فكان يصيح من الوجع. وحمل إلى الحمّام، فبقي إلى قريب المغرب، فكان يتقلّب ظهرا لبطن، وبقي سبعة أيّام لم ينفعه علاج، فأوصى وودّع أولاده وتوفيّ، وصلّي عليه عصر يوم الجمعة رابع المحرّم. وصلّى عليه ابنه أبو بكر، ثم أخوه أبو يعلى (2) اسحاق. وقد طوّل عبد الغافر ترجمة شيخ الإسلام وأطنب في وصفه: وقال: قال فيه البارع الزّوزنيّ (3):
لماذا اختلاف النّاس في متفنّن ... لم يبصروا للقدح فيه سبيلا
والله ما رقي المنابر خاطب ... أو واعظ كالحبر اسماعيلا
وقال: قرأت (4) في كتاب الإمام زين الإسلام من طوس في تعزية شيخ الإسلام يقول فيه:
أليس لم يجسر مفتر أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقته؟ أليست السّنّة كانت بمكانة منصورة؟ والبدعة لفرط حشمته مقهورة؟ أليس كان داعيا إلى الله هاديا عباد الله؟ شائبا لا صبوة له، ثم كهلا لا كبوة له، ثم شيخا لا هفوة له؟ يا أصحاب المحابر حطّوا رحالكم، فقد استتر بحلال التراب، من كان عليه إلمامكم. ويا أرباب المنابر أعظم الله أجوركم، فقد مضى سيّدكم وإمامكم. وقال الكتّانيّ: ما رأيت شيخا في معنى أبي عثمان الصّابوني زهدا وعلما. كان يحفظ من كلّ فنّ لا يقعد به شيء (5). وكان يحفظ التفسير من كتب كثيرة، وكان من حفاظ الحديث. قلت: ولأبي عثمان مصنّف في
__________
(1) سورة النحل (16) الآية (45).
(2) الذهبي: تاريخ الإسلام الترجمة رقم 313ص 227.
(3) البيتان في السبكي: طبقات الشافعية 4/ 277، المنتخب من السياق، لعبد الغافر ص 135وفي تاريخ الإسلام للذهبي ص 227 (رقم 313).
(4) انظر: عبد الغافر الفارسي: المنتخب من السياق 135.
(5) بدران: تهذيب تاريخ دمشق 3/ 35.(1/412)
السّنّة، واعتقاد السّلف، أفصح فيه بالحقّ، فرحمه الله ورضي عنه. وقال الحافظ ابن عساكر: سمعت معمر بن الغافر: سمعت عبد الرشيد بن ناصر الواعظ بمكّة: سمعت اسماعيل بن عبد الغافر الفارسيّ يقول (1): سمعت أبا المعالي الجوينيّ قال: كنت بمكّة أتردد في المذاهب، فرأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم (في النوم) فقال: عليك باعتقاد ابن الصّابونيّ.
وقال عبد الغافر بن اسماعيل الفارسي: حكى المقرىء الصّالح محمد بن عبد الحميد الأبيورديّ، عن الإمام أبي المعالي الجوينيّ، أنه رأى في المنام كأنه قيل له: عدّ عقائد أهل الحقّ. قال: فكنت أذكرها إذ سمعت نداء، كان مفهومي منه أني أسمعه من الحقّ تبارك وتعالى، يقول: ألم تقل إنّ الصّابونيّ رجل مسلم؟ قال عبد الغافر: ومن أحسن ما قيل فيه: أبيات الإمام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الدّاووديّ (2):
أودى الإمام الحبر اسماعيل ... لهفي عليه ليس منه بديل
بكت السّماء والأرض يوم وفاته ... وبكى عليه الوحي والتّنزيل
والشّمس والقمر المنير تناوحا ... حزنا عليه وللنّجوم عويل
والأرض خاشعة يبكّي شجوها ... ويلي تولول: أين اسماعيل؟
أين الإمام الفرد في آدابه ... ما إن له في العالمين عديل
لا تخدعنك منى الحياة فإنّها ... تلهي وتنسي والمنى تضلل
وتأهّبن للموت قبل نزوله ... فالموت حتم والبقاء قليل
سنة خمسين وأربعمئة
437 - الحسين بن محمد (3) بن عبد الواحد. أبو عبد الله البغداديّ، الفقيه الفرضيّ، المعروف بالونّي. انتهت إليه معرفة الفرائض. قتل ببغداد شهيدا في فتنة البساسيريّ (4).
__________
(1) انظر: عبد الغافر الفارسي: المنتخب من السياق 135.
(2) الأبيات في: السبكي: طبقات الشافعية (ت 313) ص 228.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 374، الإسنوي: الطبقات 2/ 543، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 746طبقات ابن قاضي شهبة 1/ 232، زابن كثير: البداية والنهاية 12/ 79، وابن الأثير: الكامل 8/ 348، الأعلام 2/ 278، المنتظم 16/ 38رقم 3350، معجم البلدان 5/ 385.
(4) هو: أرسلان أبو الحارث، لقب بالمظفر البساسيري التركي وينسب إلى بلدة بسا ببلاد فارس،(1/413)
ووثوبه على بغداد، ضرب بدبّوس فمات. وكان أحد الأذكياء المذكورين، وله يد في علوم متعدّدة. قال ابن ماكولا: سمعت الخطيب يقول: حضرنا مجلس شيخ ومعنا أبو عبد الله الونّي فأملى الشيخ: فلمّا قمنا إذا الونّي قد حفظ من الإملاء بضعة عشر حديثا.
وقد سمع عن أصحاب الصّفّار، وابن البختريّ. سمع منه: أبو حكيم الخبريّ.
438 - طاهر بن (1) عبد الله بن طاهر بن عمر. القاضي أبو الطيب الطبّريّ، الفقيه الشّافعيّ أحد الأعلام. سمع بجرجان من أبي أحمد الغطريفي. ونسابور من: الفقيه أبي الحسن الماسرجيّ. وبه تفقّه. وسمع ببغداد من أبي الحسن الدارقطني.
وموسى بن عرفة، والمعافى بن زكريّا، وعليّ بن عمر الحزميّ، واستوطن بغداد.
ودرّس وأفتى، وولي قضاء ربع الكرخ بعد موت القاضي الصّيمريّ. وكان مولده بآمل طبرستان سنة ثمان وأربعين وثلاثمئة (2).
قال: وخرجت إلى جرجان للقاء أبي بكر الإسماعيليّ فقدمتها يوم الخميس، فدخلت الحمّام. فلمّا كان من الغد لقيت أبا سعد بن الشّيخ أبي بكر، فأخبرني أنّ والده قد شرب دواء لمرض كان به، وقال لي: تجيء في صيحة غد لتسمع منه. فلمّا كان في بكرة السّبت غدوت للموعد فإذا الناس يقولون: مات أبو بكر الاسماعيليّ (3). قال الخطيب:
وكان أبو الطّيب ورعا عارفا بالأصول والفروع. محقّقا حسن الخلق، صحيح المذهب، اختلفت إليه وعلّقت عنه الفقه سنتين. من «المرآة» (4):
__________
كان مقدما على الأتراك في بغداد، فانقلب على الخليفة القائم بأمر الله واستولى على الحكم ببغداد وخطب للخليفة الفاطمي بمصر سنة 450. هـ «ابن كثير البداية 12/ 84، شذرات الذهب 3/ 287، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 56، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 192».
(1) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 176، حاجي خليفة: كشف الظنون 424، ابن كثير: البداية 12/ 79، النووي: تهذيب الأسماء 2/ 247الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 9/ 355، 360، ابن الأثير الكامل 8/ 348، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 284سير أعلام النبلاء 17/ 671668رقم 459، الزركلي: الأعلام 3/ 222، الأنساب 9/ 42، عبد الغافر:
المنتخب من السباق 264، بغدادي: هدية العارفين 429، وابن خلكان: وفيات الأعيان 2/ 515512، النتظر 16/ 49اللباب، 2/ 274، تاريخ ابن الوردي 1/ 365، الذهبي، العبر 3/ 222، الوافي بالوفيات 16/ 406، مرآة الخبان 3/ 70.
(2) ابن الجوزي المنتظم 39116.
(3) الخطيب: تاريخ بغداد 9/ 359.
(4) (مرآة الزمان).(1/414)
قيل: إنّ أبا الطبّ دفع خفّه إلى من يصلحه، فكان يأتي يتقاضاه، فإذا رآه غمس الخفّ في الماء. وقال: السّاعة أصلحه. فلمّا طال على أبي الطيّب ذلك. قال: أنا دفعته إليك لتصلحه، لم أدفعه لتعلّمه السّباحة (1). قال الخطيب (2): سمعت أبا بكر محمد بن أحمد المؤدّب: سمعت أبا محمد الباقي يقول: أبو الطّيب الطبّري أفقه من أبي حامد الإسفرايئينيّ. وسمعت أبا حامد يقول: أبو الطيّب أفقه من أبي محمد البافي.
وقال القاضي أبو بكر بن بكر: ابن البافيّ (3): قلت للقاضي أبي الطّيب شيخنا، وقد عمّر:
لقد متّعت بجوارحك أيّها الشيخ، فقال: ولم لا، وما عصيت الله بواحدة منها قطّ؟ أو كما قال. وقال غير واحد: سمعنا أبا الطّيب الطّبري يقول: رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم في النّوم، فقلت: يا رسول الله أرأيت من روى عنك أنّك قلت: «نصر (4) الله امرأ سمع مقالتي فوعاها» (الحديث) أحقّ هو؟ قال: نعم. وقال أبو اسحاق في (الطبقات) (5):
ومنهم شيخنا، وأستاذنا أبو الطّيب، توفي عن مائة وسنتين، لم يختلّ عقله، ولا تغيّر فهمه، يفتي مع الفقهاء، ويستدرك عليهم الخطأ، ويقضي، ويشهد، ويحضر المواكب إلى أن مات، تفقّه بآمل على أبي عليّ الزّجاجيّ صاحب ابن القاضيّ، وقرأ على أبي سعد الإسماعيلي، وعلى القاضي أبي القاسم بن كجّ بجرجان. ثم ارتحل إلى نيسابور وأدرك أبا الحسن الماسرجسيّ وصحبه أربع سنين، ثم ارتحل إلى بغداد، وعلّق عن أبي محمد البافي الخوارزميّ، صاحب الدّاركيّ، وحضر مجلس الشّيخ أبي حامد، ولم أر فيمن رأيت أكمل اجتهادا، وأشدّ تحقيقا، وأجود نظرا منه. شرح (المزنيّ) (6) وصنّف في الخلاف، والمذهب، والأصول، والجدل كتبا كثيرة، ليس لأحد مثلها. ولازمت
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظمة 8/ 198، وتاريخ الإسلام للذهبي (ترجمة رقم 339) ص 243.
(2) تاريخ بغداد، 9/ 359.
(3) تاريخ بغداد، 9/ 359.
(4) أخرجه ابن ماجة في السنن برقم 232، وفي مسند أحمد 1/ 437، 5/ 183» والترمذي (2659) والسبكي: طبقات الشافعية 1/ 319، 320، 5/ 15، ابن الأثير: جامع الأصول 8/ 17 (رقم 5848).
(5) ابن الجوزي المنتظم 16/ 39، 40، طبقات الفقهاء، 106، 107.
(6) حاجي خليفة: كشف الظنون 424، الذهبي: سير أعلام النبلاء 17/ 670، الزركلي: العلام 3/ 222.(1/415)
مجلسه بضع عشرة سنة، ودرّست أصحابه في مسجده سنين بإذنه (1)، ورتّبني في حلقته، وسألني أن أجلس في مسجد للتدريس، ففعلت في سنة ثلاثين. أحسن الله تعالى عنّي جزاءه ورضي عنه. قلت: وأبو الطيب صاحب وجه في المذهب، فمن غرائبه أنّ خروج المنّي ينقض الوضوء (2). ومنها أنه قال: الكافر إذا صلّى في دار الحرب، كانت صلاته إسلاما (3). وقد روى عنه الخطيب، وأبو اسحاق الشّيرازيّ، وأبو محمد بن الأبنوسيّ، وأبو نصر أحمد بن الحسن الشّيرازي، وأبو سعد أحمد بن عبد الجبّار، ابن الطّيوريّ، وأبو عليّ محمد بن محمد بن المهديّ، وأبو المواهب أحمد بن محمد بن ملوك، وأبو نصر محمد بن محمد ابن محمد العكبريّ، وأبو العزّ أحمد بن عبيد الله بن كادش، وأبو القاسم بن الحصين، وخلق، آخرهم مونا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاريّ. قال الخطيب (4): مات أبو الطّيّب في ربيع الأوّل، صحيح العقل، ثابت الفهم، وله ماية سنة وستين سنة (5).
439 - عليّ بن الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر بن الرفيل. المعروف بابن المسلمة (6). الوزير رئيس الرؤساء أبو القاسم البغداديّ. استكتبه الخليفة القائم بأمر الله، ثم استوزره، وكان عزيزا عليه إلى الغاية، وهو لقّبه رئيس الرؤساء ورفع من قدره. وكان من خيار الوزراء. ولد سنة سبع وتسعين وثلاثمئة. وسمع من جدّه أبي الفرج المعدّل، ومن أبي مسلم الفرضيّ، وإسماعيل الصّرصّري. وحدّث. روى عنه:
أبو بكر الخطيب، وكان خصّيصا به. قال: كتبت عنه، وكان ثقة، قد اجتمع فيه من الآلات، ما لم يجتمع في أحد قبله، مع سداد مذهب، ووفور عقل، وأصالة رأي وقال
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 340) ص 244.
(2) قال الإمام النووي: والصحيح الذي قاله جمهور أصحابنا: لا ينقضه. بل يوجب الغسل فقط.
(3) قال الإمام النووي: والصحيح المنصوص للشافعي، وجمهور الأصحاب، أنها ليست بإسلام إلّا أن تسمع منه الشهادتان. تهذيب الأسماء واللغات 2/ 248.
(4) تاريخ بغداد 9/ 360.
(5) تاريخ دولة آل سلجوق ص 25ابن الجوزي: المنتظم 4016.
(6) ترجمته في: البغدادي: تاريخ بغداد 11/ 391، والبداية والنهاية 12/ 8078لابن كثير، وابن خلدون تاريخ 3/ 457، 458الإسنوي 2/ 407، دائرة المعارف الإسلامية 1/ 278وابن الجوزي: المنتظم 16/ 41. وابن ثغري بردي: النجوم الزاهرة 5/ 6، 64، الزركلي: الأعلام 4/ 372، السبكي: طبقات 3/ 393، ابن الصلاح: طبقات 2/ 608.(1/416)
أبو الفرج بن الجوزي (1): وفي سنة سبع وثلاثين وأربعمئة، في ربيع الآخر رسم لأبي القاسم عليّ بن المسلمة، النّظر في أمور الخليفة، وتقدّم إلى الحواشي بتوفية حقوقه فيما جعل إليه، فجلس لذلك على دهليز الفردوس، وعليه الطّيلسان، وبين يديه الدّواة، وهنّأه الأعيان، واستدعي إلى حضرة أمير المؤمنين، ثم خرج فجلس في الدّيوان في مجلس عميد الرؤساء ودسته. وحمل على بغلة بمركب، ومضى إلى داره ومعه القضاة والأشراف والحجّاب وقال في سنة ثلاث وأربعين: وفي عيد الضحى حضر الناس في بيت النّوبة، واستدعى رئيس الرؤساء، فخلع عليه، ولقّب جمال الورى شرف الوزراء.
قلت (2): ولم يبق له ضد إلّا البساسيري، وهو الأمير المظفّر أبو الحارث أرسلان التركيّ، فإنه عظم قدره ببغداد، وبعد صيته، ولم يبق للملك الرحيم ابن بويه معه إلا مجرّد الإسم، ثم إنّ المذكور خلع الخليفة، وتملّك بغداد، وخطب منها للمستنصر العبيديّ، وقتل رئيس الرؤساء (3).
وقال أبو الفضل محمد بن عبد الملك الهمدانّي في «تاريخه» (4): إنّ البساسيري حبس رئيس الرؤساء، ثم أخرجه وعليه جبّة صوف وطرطور أحمر، وفي رقبته مخنقة جلود، وهو يقرأ: {قُلِ اللََّهُمَّ مََالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشََاءُ} (5) وهو يرددها. وطيف به على جمل، ثم نصبت له خشبة بباب خراسان وخيط عليه جلد ثور سلخ في الحال، وعلّق في فكّيه كلّابان من حديد، وغلّق على الخشبة حيّا، ولبث إلى آخر النهار يضطرب، ثم مات (6) رحمه الله. قلت: ما أتت على البساسيريّ سنة حتى قتل وطيف برأسه وكان صلبه في ذي الحجّة ببغداد (7).
440 - عليّ بن (8) عمر بن أحمد بن إبراهيم. أبو الحسن البرمكيّ، أخو إبراهيم
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 42.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 24.
(3) نفسه 16/ 42، البداية والنهاية 12/ 80.
(4) ابن الجوزي 16/ 42، ابن خلدون: تاريخ 3/ 458.
(5) سورة آل عمران (3): الآية 26].
(6) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 42.
(7) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 42، 43.
(8) ترجمته في: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 12/ 43، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 14، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 229.(1/417)
وأحمد. وكان عليّ أصغرهم. سمع: أبا الفتح القوّاس، وأبا الحسين بن شمعون، وابن حبابة. قال الخطيب: كتبت عنه، وكان ثقة. ودرس على أبي حامد الإسفراينيّ مذهب الشّافعيّ. وتوفيّ في ذي الحجة.
441 - عليّ بن محمد بن حبيب. القاضي أبو الحسن البصري، الماورديّ (1). الفقيه الشافعيّ. صاحب التصّانيف. روى عن: الحسن بن عليّ الجيليّ، صاحب أبي خليفة الجمحيّ، وعن ابن عمر بن عديّ المنقريّ، ومحمد بن المعلّى، وجعفر بن محمد بن الفضل، روى عنه: أبو بكر الخطيب ووثّقه (2)، وقال: مات في ربيع الأوّل وقد بلغ ستا وثمانين سنة وولي القضاء ببلدان كثيرة. ثم سكن بغداد. وقال أبو اسحاق في (الطبقات) (3). ومنهم أقضى القضاة أبو الحسن الماورديّ البصريّ. تفقّه على أبي القاسم الصّيمريّ بالبصرة. وارتحل إلى الشيخ أبي حامد الإسفرائينيّ ودرس بالبصرة وبغداد سنين كثيرة. وله مصنّفات كثيرة في الفقه والتّفسير، وأصول الفقه، والأدب، وكان حافظا للمذهب. قال: وتوفيّ ببغداد. وقال القاضي شمس الدين في (وفيات الأعيان): من طالع كتاب (الحاوي)؟ شهد له بالتّبحّر ومعرفة المذهب. ولي قضاء بلاد كثيرة. وله تفسير القرآن سمّاه (النّكت) (4)، وله (أدب الدّنيا والدّين)، و (الأحكام السلطانية) (5)، و (قوانين الوزارة وسياسة الملك)، و «الإقناع في المذهب». وهو مختصر. وقيل: إنّه لم يظهر شيئا من تصانيفه في حياته جمعها في موضع، فلما دنت وفاته قال لمن يثق به: الكتب التي في المكان الفلانيّ كلّها [من] تصنيفي، وإنّما لم أظهرها لأنيّ لم أجد نيّة خالصة، فإذا عانيت الموت، ووقعت في النّزع، فاجعل يدك في يدي، فإن قبضت عليها. وعصرتها، فاعلم أنه لم يقبل منّي شيء منها، فاعمد إلى الكتب وألقها في دجلة. وإن بسطت يدي ولم أقبض على يدك،
__________
(1) ترجمته في: البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 102، ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 282، ياقوت معجم الأدباء 15/ 25النجوم الزاهرة 5/ 64، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 267، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 14، وابن العماد: شذرات الذهب 3/ 285، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 636، 637، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 210، 284.
(2) تاريخ بغداد 21/ 102.
(3) طبقات الفقهاء للشيرازي ص 110.
(4) وهو كتاب النكت والعيون.
(5) وهو كتاب، (الأحكام السلطانية في السياسة المدنية الشرعية) طبع عدة طبعات.(1/418)
فاعلم أنها قد قبلت، وأنيّ قد ظفرت بما كنت أرجو من الله. قال ذلك الشّخص: فلما كان في الموت وضعت في يده يدي، فبسطها ولم يقبض على يدي، فعلمت أنّها علامة القبول، فأظهرت كتبه بعده.
قلت: آخر من روى عنه: أبو العزّ بن كادش، وقال ابن خيرون (1): كان رجلا عظيم القدر، متقدما عند السّلطان، أحد الأئمة. له التصّانيف الحسان في كل فن من العلم. وبينه وبين القاضي أبي الطيبّ في الوفاة أحد عشر يوما. قال أبو عمرو (2) بن الصّلاح رحمه الله، هو متّهم بالاعتزال وكنت أتأوّل له، وأعتذر عنه، حتى وجدته يختار في بعض الأوقات أقوالهم. قال في تفسيره في [سورة] الأعراف (3): (لا يساء عبادة الأوثان) وقال في قوله: {جَعَلْنََا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا} (4) على وجهين معناه: حكمنا بأنّهم أعداء، والثاني: تركناهم على العداوة، فلم نمنعهم منعا. قال ابن الصّلاح: فتفسيره عظيم الضّرر، لكونه مشحونا بتأويلات أهل الباطل، تدسيسا وتلبيسا. وكان لا يتظاهر بالانتساب إلى المعتزلة حتى يحذر، بل يجتهد في كتمان موافقته لهم، ولكن لا يوافقهم في خلق القرآن، ويوافقهم في القدر. قال في قوله: {إِنََّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنََاهُ بِقَدَرٍ} (5) يعني يحكم سابق. وكان لا يرى صحّة الرّاوية بالإجازة. وذكر أنّه على مذهب الشافعيّ.
وكذا قال في المكاتبة (6). إنّها لا تصحّ. ثم قال ابن الصّلاح: أنا: عز الدين عليّ بن الأثير، أنا: خطيب الموصل، أنا: ابن بدران الحلوانيّ، أنا الماورديّ، فذكر حديث: «هل أنت إلّا أصبع دميت» (7)؟ قلت: وبكل حال هو مع بدعة فيه من كبار العلماء. فلو أنّنا أهدرنا كلّ عالم زلّ، لما سلم معنا إلّا القليل، فلا تحطّ يا أخي على العلماء مطلقا، ولا تبالغ في تقريظهم مطلقا، وأسأل الله أن يتوفّاك على التوحيد.
__________
(1) ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 637والسبكي: طبقات الشافعية 2/ 268 (وابن خيرون هو: محمد بن عبد الملك بن الحسن بن إبراهيم البغدادي).
(2) نفسه، والخطب البغدادي: تاريخ بغداد 12/ 102.
(3) سورة الأعراف (7) الآية (128).
(4) سورة الأنعام (6): الآية (112).
(5) سورة القمر (54): الآية (49).
(6) في زواج النساء لغير الأكفاء بإذنهن ورضا أهلهن (ابن الصلاح: طبقات 2/ 639).
(7) حديث صحيح أخرجه البخاري (1340)، ومسلم (1796) وقال جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي: «هل أنت إلّا إصبع دميتي وفي سبيل الله ما لقيتي».(1/419)
سنة إحدى وخمسين وأربعمئة
442 - إبراهيم بن العباس (1)، الجبليّ الفقيه. أحد علماء جرجان. كان لا نظير له في المناظرة، سمع: أبا طاهر بن محمش، وأبا عبد الرحمن السّلّمي، وجماعة. ذكره عليّ بن محمد الجرجانيّ في (تاريخه)، وقال: لم يبق بنيسابور من يقارنه. صار إليه التّدريس والفتوى. وتوفيّ في رجب.
443 - عبد العزيز (2) بن عبد الرحمن بن أحمد القزويني أبو الحسن الشّافعيّ. سمع:
أحمد بن محمد البصير الرّازيّ، وأبا عمر بن مهديّ. روى عنه: أبو القاسم النّسيب، وغيره. وتوفيّ بصور في جمادى الأولى.
سنة اثنين وخمسين وأربعمئة
444 - باي ابن أبي مسلم (3) بن بابيّ. أو يأتي بمثناه كذا وجدته بمثنّاه وليس بشيء، وصوابه بابيّ بلا همز وبالتّثقيل. (أبو منصور، الجيلي، باي بن جعفر) (4).
أبو منصور الجيلي الفقيه. قال أبيّ: كان من أصحاب الشيخ أبي حامد، سمعنا منه ببغداد. وقال غيره ولي قضاء ربع الكرخ، وكان من أئمّة الشّافعيّة. وروى الحديث عن ابن الجنديّ.
445 - عبد الجبّار (5) بن عليّ بن محمد بن خشكان. الأستاذ أبو القاسم الإسفرايينيّ،
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة 8) ص 301، المنتخب من السياق ص 123 (ت 175)، وسير انبلاء 18/ 27 (ت 232).
(2) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة 21) ص 309، التدوين في أخبار قزوين 3/ 91، ابن منظور: المختصر 15/ 143 (ترجمة رقم 127).
(3) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 7/ 136، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 296، الإسنوي: طبقات 1/ 357، ابن الأثير اللباب 1/ 324، ياقوت: معجم البلدان 2/ 201، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 432، البداية والنهاية 12/ 85.
(4) تاريخ بغداد 7/ 136.
(5) ترجمته في السبكي: طبقات الشافعية 5/ 99، 100، إلاسنوي: طبقات 1/ 99، البغدادي:
هدية العارفين 1/ 499، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 525 «تبين كذب المفتري 265» المنتخب من السياق 342رقم 1126.(1/420)
المتكلّم الأصمّ المعروف، بالأسكاف فقيه إمام، أشعريّ، من تلامذة أبي إسحاق الإسفرايينيّ، ومن المبرّزين في الفتوى. زاهد عابد قانت كبير الشأن، عديم النّظير. قرأ عليه إمام الحرمين أبو المعالي الأصول. وقد سمع من: عبد الله بن يوسف الإصبهاني، وجماعة. توفيّ في ثامن وعشرين من صفر. روى عنه: أبو سعيد بن أبي ناصر وغيره.
ويعرف بأبي القاسم الإسكاف.
سنة أربع وخمسين وأربعمئة
446 - زهير بن الحسن (1) بن عليّ. أبو نصر السّرخسيّ الفقيه. قرأ الفقه ببغداد على أبي حامد الإسفراييني. وبرع في الفقه، وكان إليه الرجوع في المذهب. وقد روى الكثير. سمع من: زاهر بن أحمد السّرخسيّ، وأبي طاهر المخلّص، وغيرهما، وسمع «سنن أبي داود» من أبي بكر عمر الهاشمي. وطال عمره، وصار مقدّم أصحاب الحديث بسرخس. قال أبو سعد ابن السّمعانيّ (2): لقيت من أصحابه أبا نصر محمد بن أبي عبد الله بسرخس. وقد قال بعض الفقهاء: ما رأينا أحسن من تعليقة أبي نصر عن أبي حامد، لازمته ست سنين. وقيل: إنّه توفيّ سنة خمس وخمسين في شوّال، أو سنة أربع وخمسين وعاش بضعا وثمانين سنة.
447 - سعد بن أبي (3) سعد محمد بن منصور. أبو المحاسن الجولكيّ (4). وهو ابن بنت الإمام أبي سعد الإسماعيليّ. ولد سنة ثمان وثمانين وثلاثمئة. وتفقّه، ورأس في أيام والده. بعد الأربعمئة وهو أمرد. ودرس الفقه. وكان رئيسا محتشما، عالما محقّقا، تخرّج به جماعة. وقد روى عن: جدّه أبي نصر، وأخي جدّه أبي نصر،
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 380379، الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة 106) ص 358الأنساب 5/ 56، ابن الأثير: الكامل 10: 30، العبر: 3/ 232، المنتظم 16/ 83، والبداية والنهاية 12/ 90، اللباب 1/ 425، سير أعلام النبلاء 18/ 134، طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 42، شذرات الذهب 3/ 292.
(2) الأنساب 5/ 56.
(3) ترجمته في: ابن الجوزي: المنتظم 16/ 78، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 88، السبكي:
طبقات الشافعية 4/ 387386وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 755، تاريخ جرجان للسهمي 226، 227، الأنسلب 3/ 377.
(4) الجولكي: نسبة إلى جولك الفازي البكرابادي «ابن السمعاني: الأنساب 3/ 375».(1/421)
ووالده، وأبي بكر العدسيّ، وأبي محمد الكارزيّ. قتل مظلوما شهيدا بأستراباذ في رجب. رحمه الله تعالى.
448 - محمد بن سلامة بن جعفر بن عليّ. القاضي أبو عبد الله القضاعيّ (1). الفقيه الشّافعيّ، قاضي مصر، ومصّنف كتاب (الشهاب) (2) سمع: أبا مسلم الكاتب، وأحمد بن ثرثال، وأبا الحسن بن جهضم، وأبا محمد بن النّحاس، وخلقا بعدهم.
وروى عنه: الحميديّ، وأبو سعد عبد الجليل السّاويّ، ومحمد بن بركات السّعيديّ، وسهل بن بشر بن الإسفرائيني، وأبو عبد الله الرّازيّ في مشيخته.
وأبو القاسم النّسيب، وجماعة كثيرة من المغاربة. قال الأمير ابن ماكولا: كان متفنّنا في عدّة علوم، ولم أر بمصر من يجري مجراه. وقال غيث الأرمنازيّ: كان ينوب في الحكم بمصر، وله تصانيف، منها: (تاريخ مختصر) (3) في خمسة كراريس، من مبتدأ الخلق إلى زمانه، وله كتاب «أخبار الشّافعيّ». وقال غيره: له (معجم شيوخه)، وكتاب (دستور الحكم) كتب عنه الحفّاظ، كأبي بكر الخطيب، وأبي نصر بن ماكولا.
وقال الفقيه نصر المقدسيّ: قدم علينا أبو عبد الله القضاعيّ، رسولا مرسلا من المصريّين، إلى بلد الرّوم، فذهب ولم أسمع منه. ثم إنيّ رويت عنه بالإجازة.
وقال الحبّال: توفيّ في ذي الحجّة بمصر. وقال السّلفيّ (4): كان من الثّقات الأثبات، شافعيّ المذهب والإعتقاد، مرضيّ الجملة. قلت: قد روى عن شيخ لقيه بالقسطنطينيّة لمّا ذهب إليها رسولا (5).
__________
(1) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 212، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 151150، وابن الأثير اللباب 3/ 43، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 293، حاجي خليفة: كشف الظنون 165، 172أبو الفداء: المختصر في أخبار البشر 2/ 190، سير أعلام النبلاء 18/ 92رقم 41، الأنساب 10/ 180، العبر 3/ 233الإسنوي: طبقات 2/ 313312، الوافي بالوفيات 3/ 106، حسن المحاضرة 1/ 76، هدية العارفين 2/ 71.
(2) هو كتاب: شهاب الأخبار في الحكم والأمثال والآداب الشعرية. للقضاعي طبع في مجلدين سنة 1985ببيروت وصدر عن دار الرسالة.
(3) هو «الإنباء على الأنبياء وتواريخ الخلفاء» كما سماه (غيث الأرمنازي) مرتبا على السنن وصل فيه إلى سنة 427هـ، منه نسخة مخطوط بالمكتبة السليمانية باسطنبول.
(4) في معجم السفر 2/ 376.
(5) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 3/ 62.(1/422)
سنة خمس وخمسين وأربعمئة
449 - محمد بن (1) بيان بن محمد الفقيه الكازرونيّ الشّافعيّ. سكن آمد، وتفقّه به جماعة. ورحل إليه الفقيه نصر المقدسيّ، وتفقّه عليه. ثم قدم دمشق حاجّا، فحدّث بها، وحدّث عن: أحمد بن الحسين بن سهل بن خليفة البلديّ، والقاضي أبي عمر الهاشميّ، وأبي الفتح بن أبي الفوارس، وابن زرقويه وغيرهم، روى عنه: الفقيه نصر، وابراهيم بن فارس الأزديّ، وأبو غانم عبد الرزاق المعرّيّ، وعبد الله بن الحسن بن النّحاس. وقال ابن عساكر: حدثني ضبّة بن أحمد، أنّه لقيه وسمع منه.
قلت: وذكر ابن النجار أن أبا عليّ الفارقي قرأ عليه القرآن، وأنّه توفيّ سنة خمس وخمسين وأربعمئة.
450 - محمد بن محمد (2) بن جعفر. العلّامة، أبو سعيد النّاصحيّ النّسابوريّ. أحد الأئمة الأعلام، ومن كبار الشّافعيّة. تفقّه على أبي محمد الجوينيّ، وسمع من ابن محمش، وعبد الله بن يوسف بن مامويه. ومات كهلا. وكان عديم النّظير علما وصلاحا وورعا.
سنة ست وخمسين وأربعمئة
451 - الحسين (3) بن أحمد بن عليّ. أبو عبد الله الأبهريّ الشّافعيّ. حدّث في هذا العام بهمذان. عن: حمد بن عبد الله، وأحمد بن محمد البصير، والحسين بن الحسن النّعمانيّ، وأبي الحسن السّامّريّ، وأبي أحمد الفرضيّ، وأبي بكر من لال، وجماعة، قال شيرويه: كان فقيها فاضلا صدوقا. روى عنه: أحمد بن عمر البيّع وكهولنا.
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 122، 123، الإسنوي: طبقات 2/ 347، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 846، وابن قاضي شهبة 1/ 245244، ابن منظور:
مختصر تاريخ دمشق 22/ 53وهدية العارفين 2/ 71، سير أعلام النبلاء 18/ 171رقم 88.
(2) ترجمته في السبكي: طبقات الشافعية 4/ 195، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 871 وعبد الغافر الفارسي: المنتخب من السياق 63رقم 122.
(3) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 156) ص 395ولم أعثر على ترجمته في مصادر أخرى.(1/423)
452 - عبد الكريم بن محمد (1) بن إسماعيل بن عمر بن سبنك. وأبو الفضل البجليّ، سمع: جده، وابن الصّلت، وعنه ابن بدران الحلواني.
وابن كادش. وكان من علماء الشّافعيّة، توفيّ في ربيع الأوّل.
453 - محمد (2) بن هبة الله بن محمد بن الحسين. الإمام، أبو سهل بن جمال الإسلام أبي محمد الموفّق بن القاضي العلّامة أبي عمر البسطاميّ، ثم النّيسابوريّ. ذكره عبد الغافر فقال: سلالة الإمامة، وقرّة عين أصحاب الحديث، انتهت إليه زعامة الشّافعيّة بعد أبيه، فأجراها أحسن مجرى. ووقعت في أيّامه وقائع ومحن للأصحاب.
وكان يقيم برسم التدريس. لكنّه كان رئيسا دّينا، ذكيا صيّنا، قليل الكلام. ولد سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة. وسمع من مشايخ وقته، بخراسان، والعراق، مثل النّصروييّ، وأبي حسّان المزكيّ، وأبي حفص بن سرور. وكان بيتهم مجمع العلماء وملتقى الأئمّة (3)، فتوفي أبوه سنة أربعين، فاحتفّ به الأصحاب، وراعوا فيه حقّ والده، وقدّموه للرئاسة. وقام أبو القاسم القشيريّ في تهيئة أسبابه، واستدعي الكلّ إلى متابعته، وطلب من السّلطان ذلك فأجيب. وأرسل إليه الخلع، ولقّب بلقب أبيه:
جمال الإسلام، وصار ذا رأي وشجاعة ودهاء، وظهر له القبول عند الخاص والعام، حتى حسده الأكابر وخاصموه، فكان يخصمهم، ويتسلّط عليهم، فبدا له خصوم استظهروا بالسّلطان عليه، وعلى أصحابه. وصارت الأشعريّة مقصودين بالإهانة.
والطّرد والنّفي، والمنع عن الوعظ والتدريس، وعزلوا عن خطابة الجامع (4). ونبغ من الحنفية، طائفة أشربوا في قلوبهم الإعتزال، والتشّيّع، فخيّلوا إلى وليّ الأمر الإزراء بمذهب الشّافعيّ عموما، وتخصيص الأشعريّة حتى أدّى الأمر إلى توظيف اللّعنة عليهم في الجمع. وامتدّ الأمر، إلى تعميم الطّوائف، باللعن في الخطب. واستعلى أولئك في المجامع، فقام أبو سهل أبلغ قيام، وتردد إلى العسكر في دفع ذلك، إلى أن ورد الأمر
__________
(1) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 165) ص 400ولم أعثر على ترجمته في مصادر أخرى.
(2) ترجمته في: سير أعلام النبلاء للذهبي 18/ 142، عبد الغافر: المنتخب من السياق 71، 72 (154)، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 390والإسنوي: طبقات 1/ 226.
(3) سير أعلام النبلاء 18/ 143.
(4) سير أعلام النبلاء 18/ 143.(1/424)
بالقبض على الرئيس الفراتيّ، والقشيريّ، وأبي المعالي بن الجويني (1)، وأبي سهل بن الموفّق، ونفيهم، ومنعهم عن المحافل. وكان أبو سهل غائبا إلى بعض النواحي، ولما قرىء الكتاب بنفيهم أغري بهم الغاغة (2). والأوباش، فأخذوا بأبي القاسم القشيريّ، والفراتي، يجرّونهما ويستخفّون بهما، وحبسا بالقهندز (3). وكان ابن الجوينيّ أحسّ بالأمر فاختفى وخرج على طريق كرمان إلى الحجاز. وبقيا في السّجن مفترقين أكثر من شهر، فتهيأ أبو سهل من ناحية باخرز (4)، وجمع من شاكريته وأعوانه رجالا عارفين بالحرب، وأتى باب البلد، وطلب تسريح الفراتيّ والقشيريّ، فما أجيب، بل هدّد بالقبض عليه، فما التفت وعزم على دخول البلد ليلا، والاشتغال بإخراجهما مجاهرة ومحاربة. وكان متولي البلد، قد تهيّأ للحرب، فزحف أبو سهل ليلا إلى قرية له على باب البلد، وهيّأ الأبطال ودخل مغافصة (5). إلى داره، وصاح من معه بالنعرات العالية، ورفعوا عقائرهم. فلما أصبحوا ترددت الرّسل والنّصحاء في الصلح، وأشاروا على الأمير بإطلاق الرئيس والقشيريّ، فأبى وبرز برجاله، وقصد محلّة أبي سهل، فقام واحد من أعوان أبي سهل، واستدعى إليه كفاية من تلك الثائرة أباه وأصحابه، فأذن لهم، فالتقوا في السّوق / وثبت هؤلاء حتى فرغ نشّاب أولئك، ثم حمل هؤلاء عليهم، فهزموهم إلى رأس المربّعة، وهمّوا بأسر الأمير، وسبّوه وردّوه مجروحا أكثر رجاله، مقتولا منهم طائفة، مسلوبا سلاح أكثرهم. ثم توسّط السّادة العلوّية، ودخلوا على أبي سهل في تسكين الفتنة، وأخرجوا الإثنين من السجن إلى داره، وباتوا على ظفر (6).
وأحبّ الشافعية أبا سهل. ثم تشاور الأصحاب فيما بينهم، وعلموا أنّ مخالفة السلطان قد يكون لها تبعة، وأن الخصوم لا ينامون، فاتفقوا على مهاجمة البلد إلى ناحية (7).
أستوا، ثم يذهبون إلى الملك، وبقي بعض الأصحاب بالنّواحي متفرقين. وذهب
__________
(1) سير أعلام النبلاء 18/ 143.
(2) الغاغة: الغوغاء من العامة.
(3) القهندز: كلمة لأهل خراسان، تعني القلعة العتيقة في وسط المدينة، وكان في كل مدينة شرقي النهر قهندز «ياقوت: معجم البلدان 4/ 419».
(4) باخرز: كورة ذات قرى كثيرة، وقصبتها مالين، وهي بين نيسابور وهراة. «ياقوت: معجم البلدان 1/ 316».
(5) غفص: غافص: أخذ على حين غرة.
(6) الذهبي: سير النبلاء 18/ 143.
(7) الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 180) ص 428.(1/425)
أبو سهل إلى المعسكر بالري، وخرج خصمه من الجانب الآخر، وتوافيا بالري، وأنهي إلى السلطان ما جرى (1).
وسعي بأصحاب الشافعي، ولإيلام أبي سهل، وجرت مناظرات، وحبس أبو سهل في قلعة طورك (2) أشهرا، ثم صودر، وأبيعت ضياعه، ثم عفي عنه، وأحيل ببعض ما أخذ منه، ووجّه إليه، فخرج إلى فارس، وحصّل شيئا من ذلك وقصد بيت الله فحج ورجع، وحسن حاله عند السلطان، وأذن له في الرجوع إلى خراسان، وأتى على ذلك سنون إلى أن تبدل الأمر، ومات السّلطان طغرلبك.
وتسلطن أبو شجاع ألب أرسلان، فحظي عنده، ووقع منه موقعا أرفع مّما وقع له عند أبيه طغرلبك. ولاح عليه أنّه يستوزره. فقصد سرا، واحتيل في إهلاكه، ومضى إلى رحمة الله في هذا العام، وحمل إلى نيسابور (3) فأظهر أهلها عليه من الجزع ما لم يعهد مثله، وبقيت النوائح عليه مدّة بعده. وكانت مراثيه تنشد في الأسواق والأزقّه، وبقيت مصيبته جرحا لا يندمل، وأفضت نوبة القبول بين العوام إلى نجله ولم يبق سواه أحد من نسله. وكان إذا حضر السلطان البلد يقدّم له أبو سهل وللأمراء من الحلواء والأطعمة المفتخرة أشياء كثيرة، بحيث يتعجّب السّلطان والأعوان. ولقد دخل إليه يوم تلك الفتنة، زوج أخته الشّريف أبو محمد الحسن بن زيد شفيعا في تسكين الثائرة، فنشر على أقدامه ألف دينار، واعتذر بأنّه فاجأه بالدّخول. اختصرت هذا من كتاب (4) لعبد الغافر.
وذكر غيره أنّ ألب أرسلان، بعثه رسولا إلى بغداد، فمات في الطريق (5).
454 - المحسّن (6) بن عيسى بن شهفيروز، أبو طالب البغداديّ الفقيه الشّافعيّ.
حدّث عن المعافى بن زكريا الجريريّ، وأبي طاهر المخلّص، توفي ببغداد في رمضان.
__________
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 143.
(2) قلعة طورك: تقع في إقليم بلخ «ياقوت معجم البلدان 4/ 48».
(3) نيسابور: مدينة هامة في إقليم خراسان، فتحها المسلمون في خلافة عمر بن الخطاب «ياقوت:
معجم البلدان 5/ 333331».
(4) كتاب السباق لعبد الغافر الفارسي، وهذه الأخبار في طبقات الشافعية للسبكي. 3/ 393389و 4/ 210209.
(5) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 143.
(6) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 33/ 157رقم 7138والذهبي: تاريخ الإسلام (ت رقم 181) ص 429وفيات سنة 456هـ.(1/426)
سنة ثمان وخمسين وأربعمئة
455 - أحمد بن الحسين (1) بن عليّ عبد الله بن موسى. الإمام أبو بكر البيهقيّ الخسروجرديّ، مصنّف (السّنن الكبير) (2) و (السّنن الصّغير) و (السّنن والآثار) و (دلائل النبوّة) و (شعب الإيمان) و (الأسماء والصّفات) وغير ذلك. كان واحد زمانه، وفرد أقرانه، وحافظ أوانه، ومن كبار أصحاب أبي عبد الله الحاكم. أخذ مذهب الشافعيّ، عن أبي الفتح ناصر بن محمد العمريّ، وغيره. وبرع في المذهب. وكان مولده في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمئة. وسمع الكثير من: أبي الحسن محمد بن الحسين العلويّ، وهو أكبر شيخ له. ومن: أبي طاهر محمد بن محمد بن محمش الزّياديّ، وأبي عبد الله الحافظ الحاكم، وأبي عبد الرحمن السّلّميّ، وأبي بكر بن فورك، وأبي عليّ الرّوذباريّ، وأبي بكر الحيريّ، واسحاق بن محمد بن يوسف السّوسيّ، وعليّ بن محمد بن عليّ السّقّاء، وأبي زكريّا المزكيّ، وخلق من أصحاب الأصمّ. وحجّ فسمع ببغداد من: هلال الحفّار، وأبي الحسين بن بسران، وعبد الله بن يحيى السّكّريّ، وأبي الحسين القطّان، وجماعة. وبمكة من: أبي عبد الله بن نظيف، والحسين بن أحمد بن فراس. وبالكوفة من جناح بن نذير المحاربي وغيره. وشيوخه أكثر من مائة شيخ. لم يقع له (جامع التّرمذيّ) ولا (سنن النّسائيّ) ولا (سنن ابن ماجة).
__________
(1) ترجمته في: ابن عساكر: تبين كذب المفتري 267265، اللباب 1/ 165، المنتخب من السياق 103، 104رقم 231، سير أعلام النبلاء 18/ 170163رقم 86، تذكرة الحفاظ 3/ 11351132، تاريخ الخلفاء 423، تاريخ الخميس للديار بكرلي 2/ 400، تاريخ ابن الوردي 1/ 371، الصفدي: الوافي 6/ 354، ابن قاضي شهبة: طبقات 1/ 225، البغدادي:
هدية العارفين 1/ 78الإسنوي: طبقات 1/ 198، الذهبي: العبر 3/ 242، ابن كثير: البداية 12/ 94، وابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 75، وابن الجوزي المنتظم 16/ 97، وابن كثير البداية 12/ 94، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 168، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 304ابن الأثير: الكامل 10/ 52، حاجي خليفة: كشف الظنون 1/ 175، 53، 261، ابن تغري بردي: انجوم 5/ 7877ياقوت: معجم البلدان 1/ 538، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 332، السمعاني: الأنساب 12/ 381.
(2) طبع في الهند. حيدرآباد 13551344هـ في 10مجلدات.(1/427)
ودائرته في الحديث ليست كبيرة. بل بورك له في مرويّاته وحسن تصرّفه فيها، لحذقه وخبرته بالأبواب والرجال. روى عنه جماعة كبيرة، منهم: حفيده أبو الحسن.
وعبيد الله بن محمد بن أبي بكر، وابنه إسماعيل بن أبي بكر، وأبو عبد الله الفرّاويّ، وزاهر بن طاهر الشّحاميّ، وعبد الجبّار بن محمد الحواري، وأخوه عبد الحميد بن محمد، وأبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسيّ، وعبد الجبّار بن عبد الوهّاب الدّهآن، وآخرين. وبعد صيته.
وقيل (1): إنّ تصانيفه، ألف جزء، سمعها الحافظان ابن عساكر، وابن السّمعانيّ من أصحابه. وأقام مدّة ببيهق يصنّف كتبه، ثمّ إنّه طلب إلى نيسابور، لنشر العلم بها فأجاب، وذلك في سنة إحدى وأربعين وأربعمئة، فاجتمع الأئمة وحضروا مجلسه لقراءة تصانيفه (2). وهو أوّل من جمع نصوص الشّافعيّ، واحتجّ لها بالكتب والسّنة. وقد صنّف (مناقب الشّافعيّ) في مجلّد، (ومناقب أحمد) في مجلّد، وكتاب (المدخل إلى السّنن الكبير) (3)، وكتاب (البعث والنّشور) (4) في مجلّد، وكتاب (الزّهد الكبير) (5) في مجلّد وسط. وكتاب (الإعتقاد) (6) في مجلّد، وكتاب (الدّعوات الكبير)، وكتاب (الدّعوات الصّغير) وكتاب (التّرغيب والتّرهيب)، وكتاب (الآداب)، وكتاب (الإسراء) (7)، وله (خلافيّات) (8) لم يصنّف مثلها، وهي مجلّدان، وكتاب (الأربعين) سمعته بعلّو. قال عبد الغافر (9): كان على سيرة العلماء قانعا من الدّنيا باليسير، متجمّلا في زهده وورعه، عاد إلى النّاحية في آخر عمره،
__________
(1) ابن الصلاح: طبقات 1/ 333.
(2) نفسه 1/ 333، وعبد الغافر: المنتخب من السياق 104.
(3) طبع في حيدرآباد سنة 13551344هـ مع الجوهر النقي لابن التركماني، وانظر: كشف الظنون 1007.
(4) طبع في بيروت 1406هـ / 1986م بتحقيق الشيخ عامر أحمد حيدر، عن مركز الخدمات والأبحاث الثقافية.
(5) صدر عن دار الجنان في بيروت بتحقيق الشيخ عامر أحمد حيدر سنة 1408هـ / 1987م.
(6) في سير أعلام النبلاء 18/ 166المعتقد.
(7) ورد اسم الكتاب عند السبكي في طبقات الشافعية «الأسرى».
(8) ذكر المؤلف فيه: أوجه الإختلاف في الأحكام بين الإمامين أبي حنيفة والشافعي، وهو مرتب على أبواب الفقه.
(9) المنتخب من السياق ص 104.(1/428)
وكانت وفاته بها. وقد فاتني السّماع منه لغيبة الوالد، ولانتقال الشيخ آخر عمره إلى النّاحية. وقد أجاز لي. وقال: غير عبد الغافر: قال إمام الحرمين: ما من شافعيّ، إلا للشافعيّ عليه منّة إلّا البيهقيّ، فإنّ له على الشافعيّ منّة، لتصانيفه في نصرة مذهبه (1).
قلت: كانت وفاته رحمه الله في عاشر جمادى الأولى بنيسابور. ونقل فدفن ببيهق، وهي ناحية كجوران على يومين من نيسابور، وخسروجرد أمّ تلك النّاحية (2).
456 - إبراهيم بن محمد (3) بن موسى. الإمام أبو اسحاق السّرويّ، الفقيه الشّافعيّ، من أهل سارية.
قدم بغداد في صباه، سمع بها من: أبي حفص الكتّانيّ، وأبي طاهر المخلّص.
وتفقّه على الشيخ أبي حامد. وأخذ الفرائض عن: ابن اللّبان. وصنّف في المذهب وأصوله، وصار شيخ تلك الناحية. وولي قضاء سارية مدّة. ويقال له: المطهّريّ (4)، نسبة إلى قرية مطهّر، (بفتح الهاء وطاء مهملة) روى عنه: مالك بن سنان، وغيره.
توفّي في صفر عن مائة سنة. من «الأنساب» للسّمعانيّ ومن «الذّيل» له.
457 - محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبّاد. بن عبد الله القاضي أبو عاصم العبّاديّ (5) الهرويّ. الفقيه الشّافعي. تفقّه على القاضي أبي منصور محمد بن الأزديّ بهراة، وعلى القاضي أبي عمر البسطاميّ بنيسابور. وكان إماما دقيق النّظر، تنقّل في النوّاحي، وصنّف كتاب (المبسوط)، وكتاب (الهاديّ)، وكتاب (أدب القاضي).
__________
(1) انظر: تبيين كذب المفتري 266، المختصر في أخبار البشر 2/ 186.
(2) السمعاني: الأسباب 2/ 381، وعبد الغافر: المنتخب 103، 104.
(3) ترجمته في: السّمعاني: الأنساب 11/ 372، ياقوت: معجم البلدان 5/ 151، ابن الأثير:
اللباب 3/ 226السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 4/ 263، الإسنوي: طبقات 2/ 43، الصفدي: الوافي 6/ 122ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 315.
(4) أبو اسحاق المطهّريّ، نسبة إلى كورة سارية من بلاد مازندان، والمطهري نسبة إلى قرية مطهّر من أعمال سارية. ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 315الأنساب 7/ 75و 11/ 372.
(5) ترجمته في: الأنساب لابن السمعاني: 8/ 336، 337، تهذيب الأسماء واللفات 2/ 249، العبر 3/ 243، سير أعلام النبلاء 18/ 180، 181، رقم 97، مرآة الجنان 3/ 82، 83، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 237، 238، رقم 191/ 4104/ 112هدية العارفين 2/ 71، 72، الإسنوي: الطبقات 2/ 190، ابن خلكان: وفيات الأعيان 4/ 214، السبكي:
طبقات الشافعية وابن الأثير: اللباب 2/ 309، الصفدي: الوافي 2/ 82، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 306، حاجي خليفى كشف الظنون 964.(1/429)
وله مصنّف في «طبقات الفقهاء». أخذ عنه: أبو سعد الهرويّ وغيره، قال القاضي أبو سعد الهرويّ: لقد كان أبو عاصم أرفع أبناء عصره في عبادته قلت: أمّا في الفقه، فرأيته عابدا، وأعلاهم فيه إسنادا. قال: وتغليق اللّفظ، وتعويض الكلام، كان من عادته التي لم يصادف على غيرها في مدة عمره قال: والمحصّلون إذا رووا عليّ بعض الكلام، يجروه مجرى الإيضاح. لكن جملة من العلماء الأوّلين عمدوا إلى تغميض العبّاديّ وفضلوه على الإيضاح. وكأنّهم ضمنوا بالمعاني التي هي الأعلام النّفيسة على غير أهلها. ثم قال: مع أنّ الذي دعاه إلى الغلق، وحمله على الغمض، أنّه كان من المتلقيّن، عن الإمام أبي إسحاق الإسفرايينيّ. ومن مصنّفات أبي إسحاق ما يخرق الأفهام في الفقه، ألقاها في سدّة الغموض والانغلاق، وعلم أن الأستاذ أبا إسحاق، أهدى الشيخ أبا عاصم بداية، وذهب به في مذهب الإيضاح عن تشويه أيّ كلام. ومات في شوّال عن ثلاث وثمانين سنة. وكان من أعيان الشافعيّة. روى الحديث عن:
أحمد بن محمد بن سهل القرّاب، وغيره. روى عنه: إسماعيل بن أبي صالح المؤذّن.
سنة تسع وخمسين وأربعمئة
458 - الفضيل بن (1) محمد بن الفضيل. أبو عاصم الفضيليّ الهرويّ. سمع: أبا منصور محمد بن محمد الأزديّ، وأبا طاهر محمد بن محمد بن محمش. روى عنه:
ابنه إسماعيل.
459 - محمد بن إسماعيل (2) بن أحمد بن عمرو، القاضي أبو عليّ الطّوسيّ، المعروف بالعراقي، لطول إقامته بالعراق. ولظرفه. ولي قضاء طوس مدّة. وكان من كبار الشافعيّة وأئمتهم. له شهرة بخراسان. سمع من: أبي طاهر المخلّص، وتفقّه على: أبي حامد الإسفرائينيّ، وأبي محمد البافي، وناظر بجرجان في مجلس أبي سعد الإسماعيليّ، أخذ عنه جماعة.
__________
(1) ترجمته في السبكي: طبقات الشافعية 5/ 310309، وابن الصلاح: طبقات 2/ 829.
(2) ترجمته في: عبد الغافر الفارسي: المنتخب من السياق 51رقم 89. وابن الجوزي: المنتظم:
16/ 104رقم 3392ابن الأثير: الكامل 10/ 56، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 119، الإسنوي: طبقات 2/ 209ابن كثير: البداية 12/ 96، وابن الصلاح: طبقات فقهاء والشافعية 1/ 101.(1/430)
سنة ستين وأربعمئة
460 - الحسن بن (1) أبي طاهر بن الحسن. الإمام أبو عليّ الختّليّ، الفقيه الشافعيّ القاضي. روى عن العارف أبي سعيد فضل الله الميهنيّ شيئا يسيرا. روى عنه:
عبد العزيز الكتّاني، وقال: توفيّ أبو عليّ الختّليّ إمام جامع دمشق في شعبان سنة ستّين وأربعمئة.
461 - الحسن (2) بن عليّ بن مكّي بن إسرافيل بن حمّاد. الإمام أبو عليّ الحمّاديّ النّسفيّ الفضيه الحنفيّ، أحد الأعلام كان حنيفيا فانتقل إلى مذهب الشافعيّ. رحل وسمع بنيسابور، أبا نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفرائينيّ، وإسماعيل بن محمد حاجب الكشّانيّ. وعمّر دهرا. قال ابن السّمعانيّ: ثنا عنه الحسين بن الخليل.
462 - محمد بن الحسن بن عليّ. أبو جعفر الطّوسيّ (3)، شيخ الشّيعة وعالمهم.
توفيّ في المشهد المبارك، مشهد أمير المؤمنين رضي الله عنه، في المحرّم. ولأبي جعفر تفسير كبير (عشرون مجلّدة)، وعدّة تصانيف مشهورة، قدم بغداد وتعيّن، وتفقّه للشافعيّ، ولزم الشّيخ المعند مدّة، فتحول شيعّيا. وحدّث عن هلال الحفّار روى عن أبيه أبو عليّ الحسين، وقد احترقت كتبه غير مرّة واختفي لكونه تنقّص السّلف، وكان ينزل بالكرخ ثم انتقل إلى مشهد الكوفة.
463 - أحمد بن منصور (4) بن أبي الفضل. الفقيه أبو الفضل الضّبعيّ السّرخيّ الهوذيّ
__________
(1) ترجمته في السبكي: طبقات الشافعية 5/ 306، ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 6/ 343، النجوم الزاهرة 5/ 81، 82وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 189.
(2) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 2/ 491، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 739.
(3) ترجمته في: ابن الجوزي: المنتظم (16/ 110رقم 3395)، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 127126، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 97الصفدي: الوافي 2/ 349، السيوطي:
طبقات المفسرين 29، البغدادي: هدية العارفين 2/ 72وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 847.
(4) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 91، الإسنوي: طبقات 2/ 37، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 1/ 407والهوذي: نسبة إلى بطن هوذ من قبيلة عذره / الأنساب 12/ 354.(1/431)
الشافعيّ. من أقارب خارجة بن مصعب الضّبعيّ، (بضاد معجمة) بعدها باء موحدة.
قدم بغداد شابا فتفقّه على: أبي حامد الإسفرائيني. وسمع بها وبخراسان من طائفة.
وكان بارعا مناظرا، واعظا كبير القدر، قال أبو الفتح العيّاضي في (رسالته) (1): وأبو الفضل الهوذيّ في الفقه ما أثبته! وفي مجلس النظر ما أنظره! وعلى المنبر ما أفصحه! وقال ابن السمّعانيّ: حدّث بسرخس (بسنن أبي داوود) عن القاضي أبي عمر الهاشمي.
وكانت ولادته تقريبا في سنة سبعين وثلاثمئة. قلت: أتوهمّه بقي إلى حدود الخمسين وأربعمائة.
464 - محمد بن أحمد (2) أبو عبد الله المروزيّ الفقيه الشّافعيّ، المعروف بالخضريّ. وكان يضرب به المثل في قوّة الحفظ وقلّة النسيان. وكان من كبار أصحاب القفال وله في المذهب وجوه غريبة نقلها الخراسانيون وقد روي أنّ الشافعيّ صحّح دلالة الصّبيّ على القبلة. وكان ثقة في نقله، وله معرفة بالحديث. ونسبته إلى الخضر بعض أجداده. والحكاية في نظر جماعة الفقهاء في الكلام على أصحاب المسائل، أنّ الشيخ الخضريّ، كان مرجئا فقال: وقد شهد عند قاضي مرو رجل ويسمى باسم عدل. فسأل القاضي الشيخ الخضريّ عنه، لأنّه كان تركيّا. فقال: هو عدل. وكان الشاهد قد أورد اسمه. حكاه القفال. توفي في عشر الثمانين.
465 - محمود بن عبد الله (3) بن عليّ بن ماشاذة. أبو منصور الأصبهانيّ المؤدب. له ذرية محدثون. جمع وسمع علي بن جعفر السّيرواني شيخ الحرم بمكة وأبا القاسم بن حبابة ببغداد. روى عنه: سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي. ثم وجدت وفاة هذا ورّخها يحيى بن مندة في صفر سنة اثنتين وخمسين. قلت: وهذا وهم فاحش، إنما توفي في عشر الثمانين وثلاثمئة.
__________
(1) هو ناصر بن محمد بن أبي عياض (أبو الفتح) (الإعلام 3128) الإكمال لابن ماكولا 3/ 252، الأنساب 5/ 141، اللباب 1/ 451.
(2) ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 98الإكمال لابن ماكولا 3/ 252، الأنساب 5/ 141، اللباب 1/ 45.
(3) ترجمته في: تاريخ الإسلام، للذهبي (ت 317) ص 512، ورّح يحيى بن منده وفاته في صفر سنة 452هـ كما نقل الذهبي، وذكره في هذه السنة 460هـ، واعتبر ابن قاضي سنة وفاته في عشر الثمانين وثلاثمئة، وما عدا ذلك وهم فاحش.(1/432)
466 - محمود بن الحسن (1) العلّامة، أبو حاتم القزوينيّ، الطبّري، الفقيه الشّافعيّ المتكلّم. ذكره الشّيخ أبو اسحاق فقال: ومنهم شيخنا أبو حاتم المعروف بالقزوينيّ، تفقّه بآمل على شيوخ البلد، ثم قدم بغداد، وحضر مجلس الشيخ أبي حامد، ودرس الفرائض على ابن اللّبان، وأصول الفقه على القاضي أبي بكر الأشعري. وكان حافظا للمذهب، والخلاف. صنّف كتبا كثيرة في الخلاف والأصول، والمذهب.
ودرس ببغداد وآمل. ولم أنتفع بأحد في الرحلة، كما انتفعت به، وبأبي الطيّب الطّبري. توفي بآمل.
سنة إحدى وستين وأربعمئة
467 - عبد الله بن محمد (2) بن سعيد. أبو محمد الأندلسيّ البشّكلّاري: قرية من قرى جيّان. روى عن أبي محمد الأصيليّ، وأبي حفص بن نابل، وأحمد بن رمح الرّسّان، ومحمد بن أحمد بن حيوة، وخلف بن يحي الطّليطلي. وكان ثقة فيما رواه، شافعيّ المذهب. روى عنه: أبو عليّ الغسّاني، وأبو القاسم ابن صواب وأجاز له بخطّه. توفيّ في رمضان. وولد سنة سبع وسبعين وثلاثمئة.
468 - عبد الرحمن بن محمد بن فوران. أبو القاسم المروزيّ (3) الفقيه، صاحب أبي بكر القفّال. له المصنّفات الكثيرة في المذهب والأصول والجدل، والملل والنّحل.
وطبّق الأرض بالتلّامذة. وله وجوه جيدّة في المذهب، عاش ثلاثا وسبعين سنة، وتوفيّ
__________
(1) ترجمته في: طبقات الشافعية 5/ 312، الإسنوي: الطبقات 2/ 300، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 671، طبقات الفقهاء للشيرازي 109، تبين كذب المفتري لابن عساكر 260، التدوين في أخبار قزوين للرافعي 4/ 70، سير أعلام النبلاء 18/ 128، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 207.
(2) ترجمته في: ابن بشكوال: الصلة 1/ 280رقم 615.
(3) ترجمته في: ابن السّمعاني: الأنساب 9/ 341، المنتخب من السياق 311رقم 1023، تهذيب الأسماء واللفات للنووي 2/ 280، 281رقم 482اللباب 2/ 444الذهبي: سير النبلاء 18/ 264، ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 132، وابن الأثير: الكامل 10/ 68، السبكي طبقات الشافعية 5/ 11518، ابن العماد: شذرات الذهب 30/ 309، ابن كثير: البداية 12/ 98، حاجي خليفة: كشف الظنون 84، 1441، 1257، البغدادي: هدية العارفين 1/ 517، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 541.(1/433)
في رمضان. وكان مقدّم أصحاب الحديث الشافعيّة بمرو. وسمع: عليّ بن عبد الله الطّيفونيّ، وأبا بكر القفّال. روى عنه: عبد المنعم بن أبي القاسم القشيريّ، وزاهر، وعبد الرحمن بن عمر المروزيّ. وصنّف كتاب «الأبانة» وغيرها. وهو شيخ أبي سعد المتوليّ، صاحب «التّتمّة» (والتّتمّة) هي تتمّة لكتاب «الإبانة». المذكور وشرح لها. وقد أثنى أبو سعد على الغورانيّ هذا في خطبة التّتمّة. وقد سمع منه أيضا: محي السّنّة البغويّ. وكان أبو المعالي إمام الحرمين يحظّ على الغورانيّ، حتى قال في باب الأذان: والرّجل غير موثوق بنقله. ونقم العلماء ذلك على أبي المعالي ولم يصوّبوا كلامه فيه.
سنة اثنتين وستين وأربمئة
469 - الحسين بن محمد بن أحمد القاضي. أبو عليّ المروزيّ (1)، ويقال له أيضا:
المرورزيّ الشّافعيّ. فقيه خراسان في عصره. روى عن: أبي نعيم عبد الملك الإسفرايينيّ وغيره، وكان أحد أصحاب الوجوه، تفقّه على أبي بكر القفّال. وله «التّعليق الكبير» (والفتاوى). وعليه تفقّه صاحب (التّتمّة) وصاحب (التّهذيب) محي السّنة، وكان يقال له حبر الأمّة. ومّما نقل في تعليقه: أنّ البيهقيّ نقل قولا للشّافعيّ في أنّ المؤذّن، إذا ترك التّرجيع في الأذان لا يصحّ أذانه. وروى عنه: عبد الرّزاق المنيعيّ ومحي السّنّة البغويّ في تصانيفه. قلت توفي القاضي حسين بمرو الرّوذ في المحرم من السّنة. ويقال: أنّ أبا المعالي تفقّه عليه أيضا.
سنة ثلاث وستين وأربعمئة
470 - أحمد بن عليّ بن ثابت بن أحمد بن مهديّ. الحافظ، أبو بكر الخطيب، البغداديّ (2). أحد الحفّاظ الأعلام، ومن ختم به إتقان هذا الشأن. وصاحب التّصانيف
__________
(1) ترجمته في: الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 262260، والسبكي: طبقات الشافعية 4/ 365356، الإسنوي: الطبقات 1/ 408407ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 745، وابن قاضي شهبة 1/ 251250، المنتخب من السياق 201تهذيب التهذيب 2/ 366.
(2) ترجمته في: الذهبي: سير النبلاء 18/ 296270، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 9392،(1/434)
المنتشرة في البلدان. ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمئة، وكان أبوه أبو الحسن الخطيب قد قرأ على حفص الكتّانيّ، وصار خطيب قرية درزيجان (1)، إحدى قرى العراق، فحضّ ولده أبا بكر على السّماع في صغره، فسمع وله إحدى عشرة سنة، ورحل إلى البصرة وهو ابن عشرين سنة ورحل إلى نيسابور، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، ثم رحل إلى إصبهان. ثم رحل في الكهولة إلى الشّام، فسمع: أبا عمر بن مهديّ الفارسيّ، وابن الصّلت الأهوازيّ، وأبا الحسين بن المتيّم، وأبا الحسن بن زرقويه، وأبا سعد المالينّي، وأبا الفتح بن أبي الفوارس، وهلال بن محمد الحفّار، وأبا الحسين بن بشران، وأبا طالب محمد بن الحسين بن بكر، والحسين بن الحسن الجواليقيّ الرّاوي، عن مخلد العطّار، وأبا اسحاق إبراهيم بن مخلد الباقرحيّ (2)، وأبا الحسن محمد بن عمر البلديّ، المعروف بابن الحطرانيّ (3)، والحسين بن محمد (4) العكري والحسين بن الصّايغ، وأبا العلاء محمد بن الحسن الورّاق، وأمما سواهم ببغداد.
وأبا عمر القاسمي بن جعفر الهاشمي راوي (السّنن)، وعلي بن القاسم الشّاهد، والحسين بن عليّ السّابوريّ، وجماعة بالبصرة. وأبا بكر أحمد بن الحسن الحيريّ، وأبا حازم عمر بن أحمد العبدويّ، وأبا سعيد محمد بن موسى الصّيرفيّ، وعلي بن محمد الطّرازيّ (5)، وأبا القاسم عبد الرحمن السّرّاج، وجماعة من أصحاب الأصّم، فمن بعده بنيسابور. وأبا الحسن عليّ بن يحي بن عبدويه، ومحمد بن عبد الله بن شهريار، وأبا نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ، وأبا عبد الله الحمّال، وطائفة بإصبهان.
وأبا نصر أحمد بن الحسين الكسّار وجماعة بالدّينور. ومحمد بن عيسى، وجماعة
__________
ياقوت: معجم الأدباء 4/ 4513، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 12، الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 91135ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 311، ابن الأثير: الكامل 8/ 390حاجي خليفة:
كشف الظنون 209، 473، 1044، 1486، 1583، ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 103101، ابن الجوزي: المنتظم: 16/ 129.
(1) درزيجان: قرية كبيرة تحت بغداد على دجلة بالجانب الغربي / معجم البلدان 2/ 450.
(2) الباقرحيّ: نسبة إلى قرية باقرح من نواحي بغداد. (الأنساب للسمعاني 2/ 48).
(3) الحطرانيّ: انظر: ابن السمعاني: الأنساب 4/ 169.
(4) العكبريّ: نسبة إلى بلدة على نهر دجلة، فوق بغداد بعشرة فراسخ من الجانب الشرفي.
«الأنساب 9/ 28527».
(5) الطرّازيّ: نسبة إلى من يعمل الثياب المطرزة أو يستعملها. «الأنساب 8/ 224».(1/435)
بهمذان. وسمع بالكوفة، والرّيّ، والحجاز، وغير ذلك (1). وقدم دمشق في سنة خمس وأربعين، ليحجّ منها، فسمع بها: أبا الحسين محمد بن عبد الرحمن بن أبي نصّر، وأبا عليّ الأهوازيّ، وخلقا كثيرا، حتى سمع بها عامّة (2) رواة عبد الرحمن أبي نصر التّميمي، لأنه سكنها مدّة. وتوجّه إلى الحجّ من دمشق (3) فحجّ، ثم قدمها سنة إحدى وخمسين فسكنها، وأخذ يصنّف في كتبه، وحدّث بها بعامّة تواليفه.
روى عنه من شيوخه: أبو بكر البرقانيّ، وأبو القاسم الأزهريّ، وغيرهما. ومن أقرانه خلق منهم: عبد العزيز بن أحمد الكتّانيّ، وأبو القاسم بن أبي العلاء.
وممّن روى هو عنه في تصانيفه فرووا عنه: نصر المقدّسي الفقيه، وأبو الفضل أحمد بن خيرون، وأبو عبد الله الحميديّ وغيرهم.
وروى عنه: الأمير أبو نصر بن ماكولا، وعبد الله بن أحمد السّمرقندي، وأبو الحسين بن الطيوريّ، ومحمد بن مرزوق الزّعفرانيّ، وأبو بكر (4) بن الخاضبة، وأبو الغنايم أبيّ النّرسيّ.
وفي أصحابه الحفاظ كثرة، فضلا عن الرواة.
وقال الحافظ ابن (5) عساكر: ثنا عنه أبو القاسم النّسيب، أبو محمد بن الأكفانيّ، وأبو الحسن بن قبيس، ومحمد بن عليّ بن أبي العلاء، والفقيه نصر الله بن محمد اللّاذقّي، وأبو تراب حيدرة، وغيث الأرمنازيّ، وأبو طاهر بن الجرجرائيّ، وعبد الكريم بن حمزة، وطاهر بن سهل، وبركات النّجّاد، وأبو الحسين بن سعيد، وأبو المعالي بن الشّعيريّ، بدمشق.
والقاضي أبو بكر الأنصاريّ، وأبو القاسم بن السّمرقنديّ، وأبو السّعادات أحمد
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 129.
(2) نفسه 16/ 130.
(3) كان حجّ الخطيب سنة 446هـ ورافقه أبو أيوب الرازي نزيل صور الذي مات في بحر القلزم الأول سنة 447هـ وغيث الأرمنازي المؤرخ الصوري المتوفي سنة 509هـ. وقال غيث: كان الخطيب معنا في طريق الحج، وكان يختم كل يوم ختمة إلى قرب الغياب قراءة ترتيل. «ابن كثير: البداية والنهاية 10/ 144».
(4) هو: محمد بن أحمد بن عبد الباقي البغدادي الدقاق أبو بكر، ويعرف بابن الخاضبة «السبكي:
طبقات الشافعية 4/ 30، 136، 6/ 82، 7/ 171».
(5) انظر: ابن عساكر: تاريخ دمشق (أحمد بن محمد بن المؤمل) 7/ 22، 23.(1/436)
المتوكّليّ، وأبو القاسم هبة الله الشّروطيّ، وأبو بكر المزرفيّ (1). وأحمد بن عبد الواحد بن زريق، وأبو السّعود بن المجلي، وأبو منصور بن زريق الشيّبانيّ، وأبو منصور بن خيرون، وبدر بن عبد الله الشّيخيّ ببغداد، ويوسف بن أيّوب الهمذانيّ بمرو.
قلت: وكان من كبار فقهاء الشّافعيّة. تفقّه على أبي الحسن بن المحامليّ، وعلى القاضي أبي الطّيب.
وقال ابن عساكر (2): أنا أبو منصور بن خيرون، ثنا الخطيب قال: ولدت في جمادى الآخرة، سنة اثنتين وسبعين وثلاثمئة، وأوّل ما سمعت في المحرّم سنة ثلاث وأربعمئة.
وقال: استشرت البرمانيّ في الرّحلة إلى ابن النّحاس بمصر، أو أخرج إلى نيسابور، إلى أصحاب الأصمّ، فقال: إنّك إن خرجت إلى مصر، إنّما تخرج إلى رجل واحد، إن فاتك ضاعت رحلتك، وإن خرجت إلى نيسابور، ففيها جماعة إن فاتك واحد، أدركت من بقي. فخرجت إلى نيسابور.
وقال الخطيب في تاريخه (3): كنت كثيرا أذاكر البرقانيّ بالأحاديث، فيكتبها عني ويضمّنها في جموعه. وحدّث عنّي وأنا أسمع، وفي غيبتي.
ولقد حدّثني عيسى بن أحمد الهمذانيّ: أنا أبو بكر الخوارزميّ، في سنة عشرين وأربعمئة ثنا أحمد بن عليّ بن ثابت الخطيب، ثنا محمد بن موسى الصيّرفيّ، ثنا الأصمّ، فذكر حديثا (4).
وقال ابن ماكولا: كان أبو بكر أحد الأعيان ممّن شاهدناه معرفة وحفظا وإتقانا وضبطا
__________
(1) المزرفيّ: نسبة إلى المزرفة قرية غربي بغداد على خمسة فراسخ منها. (الأنساب 11/ 275).
(2) تاريخ بغداد 7/ 24.
(3) تاريخ بغداد 4/ 374.
(4) وتتمة رجال السند: حدثنا محمد بن اسحاق الصاغاني، حدثنا أبو يزيد الهروي، حدثنا شعبة عن محمد بن أبي النوادر قال: سمعت رجلا من بني سليم يقال له خفّاف قال: سألت ابن عمر عن صوم ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعتم. قال: إذا رجعت إلى أهلك. قال أبو بكر يعني الصاغاني لم يرو هذا الحديث إلا أبو زيد الهروي. ثم سمعت أنا أبا بكر البرقاني يرويه عني بعد أن حدثنيه عنه. وكان أبو بكر قد كتبه عني في سنة تسع عشرة وأربعمائة. وقال لي: لم أكتب هذا الحديث إلا عنك، وكتب عني بعد ذلك شيئا كثيرا من حديث التّوزي، ومسعر وغيرهما مما كنت أذاكره به. (تاريخ بغداد 4/ 374).(1/437)
لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفنّنا في علله وأسانيده، وعلما بصحيحه، وغريبه وفرده، ومنكره، ومطروحه.
قال: ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن الدّارقطنيّ مثله (1).
وسألت أبا عبد الله الصّوري عن الخطيب وعن أبي نصر السّجريّ أيّهما أحفظ؟ ففضّل الخطيب تفضيلا (2) بيّنا. وقال المؤتمن السّاجيّ: ما أخرجت بغداد بعد الدّارقطنيّ أحفظ من أبي بكر الخطيب (3).
وقال أبو عليّ البردانيّ: لعلّ الخطيب لم ير مثل نفسه (4).
روى القولين الحافظ ابن عساكر، في ترجمته، عن أخيه أبي الحسن هبة الله، عن أبي طاهر السّلفيّ، عنهما (5).
وقال في ترجمته: سمعت محمد يوسف القاضي بتفليس (6).
يقول: سمعت أبا اسحاق إبراهيم بن عليّ الفيروزآباديّ يقول: أبو بكر الخطيب يشبّه بالدّارقطنيّ، ونظراته في معرفة الحديث وحفظه (7).
وقال أبو الفتيان [عمر] الرّؤآسّي: كان الخطيب إمام هذه الصّنعة، ما رأيت مثله (8).
وقال أبو القاسم النّسيب سمعت الخطيب يقول: كتب معي أبو بكر الرقانيّ كتابا إلى أبي نعيم يقول فيه: وقد رحل إلى ما عندكم أخونا أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت أيّده الله وسلّمه. ليقتبس من علومك، وهو بحمد الله ممّن له سابقة في هذا الشأن حسنة. وقدم ثابتة (9). وقد رحل فيه وفي طلبه.
__________
(1) ابم منظور: مختصر تاريخ دمشق 3/ 174.
(2) تبيين كذب المفتري 268.
(3) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 4/ 31، سير أعلام النبلاء 18/ 276.
(4) ياقوت: معجم الأدباء 4/ 18، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 31، تذكرة الحفظ 3/ 137.
(5) تاريخ دمشق 7/ 26.
(6) تفليس: مدينة أرمينية الأولى، وهي قصبة ناحية جرزان، مدينة قديمة، يمرّ في وسطها نهر الكّرّ، فتحها المسلمون في خلافة عثمان بن عفان. ياقوت: معجم البلدان 2/ 35، 36.
(7) بدران: تهذيب تاريخ دمشق 1/ 400، 401، تذكرة الحفاظ 3/ 1138، سير أعلام النبلاء 18/ 276.
(8) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 4/ 32، سير أعلام النبلاء 18/ 276.
(9) ابن عساكر: تاريخ دمشق 7/ 26.(1/438)
وحصل له منه ما لم يحصل لكثير من أمثاله، وسيظهر لك منه عند الإجتماع من ذلك، مع التّورّع والتّحفظ، ما يحسن لديك موقعه.
وقال عبد العزيز بن الكتّانيّ: إنّه، يعني الخطيب، أسمع الحديث وهو ابن عشرين (1) سنة. وكتب عنه شيخه أبو القاسم الأزهري في سنة اثني عشرة وأربعمئة، وكتب عن شيخه البرقانيّ سنة تسع عشرة، وروى عنه، وكان قد علّق الفقه عن أبي الطّيب الطّبريّ، وأبي نصر بن الصّبّاغ. وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعريّ رحمه الله (2).
قلت: وهذا مذهب الخطيب في الصّفات إنها عنده كما جاءت، صرّح بذلك في تصانيفه.
قال السّلميّ في الطّبقات الكبرى: قلت وهذا مذهب الأشعريّ. فقد أبى الذهبيّ من عدم معرفته بمذهب الشّيخ أبي الحسن، وللأشعري قول آخر بالتأويل.
وقال أبو سعد بن السّمعانيّ في (الذّيل) في ترجمته: كان مهيبا، وقورا، ثقة، متحريا، حجة، حسن الخطّ، كثير الضّبط، فصيحا، ختم به الحفّاظ.
وقال (3): رحل إلى الشّام حاجّا فسمع بدمشق، وصور، ومكّة، ولقي بها أبا عبد الله القضاعيّ، وقرأ (صحيح البخاريّ) في خمسة أيّام على كريمة المروزيّة (4)، ورجع إلى بغداد، ثم خرج منها بعد فتنة البساسيري، لتشوّش الحال، إلى الشّام سنة إحدى وخمسين، فأقام بها إلى صفر سنة سبع وخمسين.
وخرج من دمشق إلى صور، فأقام بصور (5)، وكان يزور البيت المقدس ويعود إلى صور، إلى سنة اثنين وستين وأربعمئة، فتوجّه إلى طرابلس، ثم إلى حلب، ثم إلى بغداد على الرّحبة (6)، ودخل بغداد في ذي الحجّة (7).
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 129.
(2) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 277، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 32.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 129.
(4) انظر ترجمتها في: الذهبي: تاريخ الإسلام (رقم 84) في وفيات سنة 463هـ.
(5) الخطيب: تاريخ بغداد 11/ 34.
(6) الرحبة: رحبة مالك بن طوق بالجزيرة.
(7) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 129، معجم الأدباء 4/ 18، الوافي بالوفيات 7/ 194.(1/439)
وحدّث في طريقه بحلب وغيرها.
سمعت الخطيب مسعود بن محمد بمرو: سمعت الفضل بن عمر النّسويّ يقول:
كتبت بجامع صور عند أبي بكر الخطيب، فدخل عليه علويّ وفي كمّه دنانير.
فقال: هذا الذّهب تصرفه في مهمّاتك. فقطّب وجهه وقال: لا حاجة لي فيه.
فقال: كأنّك تستقلّه؟ ونفض كمّه على سجّادة الخطيب، فنزلت الدنانير فقال: هذه ثلاثمئة دينار. فقام الخطيب خجلا محمرّا وجهه، وأخذ سجّادته ورمى الدنانير وراح، فما أنس عزّ خروجه، وذلّ ذلك الرّجل، وهو يلتقط الدّنانير من شقوق الحصير (1).
وقال الحافظ ابن ناصر: حدّثني أبو زكريّا التّبريزيّ اللّغويّ.
قال: دخلت دمشق. فكنت أقرأ على الخطيب بحلقته بالجامع كتب الأدب المسموعة له، وكنت أسكن منارة الجامع، فصعد إليّ وقال: أحببت أن أزورك في بيتك. فتحدّثنا ساعة، ثم أخرج ورقة وقال: الهدّية مستحبة، اشتر بهذا أقلاما، ونهض.
قال: فإذا هي خمسة دنانير مصرية. ثم إنّه صعد مرة أخرى، ووضع نحوا من ذلك.
وكان إذا قرأ الحديث في جامع دمشق يسمع صوته في آخر الجامع. وكان يقرأ معربا صحيحا (2).
وقال أبو سعد: سمعت على ستة عشر نفسا من أصحابه، سمعوا منه، سوى نصر الله المصّيصيّ، فإنّه سمع منه بصور، وسوى يحيى بن عليّ الخطيب، سمع منه بالأنبار.
وقرأت بخط والدي: سمعت أبا محمد بن الأبنوسيّ يقول: سمعت الخطيب يقول:
كلّما ذكرت في التّاريخ عن رجل اختلفت فيه أقاويل الناس. في الجرح والتعديل، فالتّعويل على ما أخّرت ذكره من ذلك، وختمت به (3) الترجمة.
وقال ابن شافع في (تاريخه): خرج الخطيب إلى الشّام في صفر سنة إحدى وخمسين، وقصد صور وبها (عز الدولة) الموصوف بالكرم، وتقرّب منه، فانتفع به وأعطاه مالا كثيرا. انتهى إليه الحفظ والإتقان والقيام بعلوم الحديث.
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 4/ 34، 35، تذكرة الحفاظ 3/ 1138، سير أعلام النبلاء 18/ 277.
(2) ياقوت، معجم الأدباء 4/ 32، سير أعلام النبلاء 18/ 278.
(3) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 278، تذكرة الحفاظ 3/ 1138.(1/440)
وقال ابن عساكر: سمعت الحسين بن محمد يحكي عن أبي الفضل بن خيرون أو غيره، أنّ أبا بكر الخطيب ذكر أنّه لّما حجّ شرب من ماء زمزم ثلاث شربات، وسأل الله تعالى ثلاث حاجات، آخذا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ماء زمزم لما شرب له) (1) فالحاجة الأولى: أن يحدّث (بتاريخ بغداد) ببغداد، والثانية أن يملي الحديث بجامع المنصور، والثالثة أن يدفن عند بشر الحافي، فقضى الله الحاجات الثلاث له (2).
وقال غيث الأرمنازيّ: ثنا أبو الفرج الإسفرايينيّ. قال: كان الخطيب معنا في الحجّ، فكان يختم كل يوم ختمة إلى قرب الغياب، قراءة ترتيل. ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب، يقولون: حدّثنا فيحدّثهم. أو كما قال (3).
وقال المؤتمن السّاجيّ: سمعت عبد المحسن الشّيحيّ يقول: كنت عديل أبي بكر الخطيب من دمشق إلى بغداد، فكان له في كل يوم وليلة ختمة.
وقال الحافظ أبو سعد السّمعانيّ: وله (4) ستة وخمسون مصنّفا، منها: (التّاريخ لمدينة السّلام)، في ماية وستة أجزاء، و (شرف أصحاب الحديث) ثلاثة أجزاء و (الجامع) (5) خمسة أجزاء، و (الكفاية في معرفة الرواية) (6) ثلاثة عشر جزءا. كتاب (السّابق واللّاحق) (7) عشرة أجزاء، كتاب (المتفّق والمفترق) (8) ثمانية عشر جزءا، كتاب (تلخيص المتشابه) (9) ستة عشر جزءا، كتاب (باقي التلخيص) (10) كذا أجزاء.
كتاب (الفصل والوصل، والمدرج في النّقل) (11) تسعة أجزاء، كتاب (المكمل في
__________
(1) أخرجه ابن ماجة في السنن برقم (3062) ع جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه الحاكم في المستدرك عن طريق ابن عباس وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.
(2) الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 64) ص 95.
(3) تذكرة الحفاظ 3/ 1139، ابن عساكر: تاريخ دمشق 7/ 26.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 1300.
(5) كتاب (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 130.
(6) كتاب (الكفاية في معرفة أصول علم الرواية)، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 130.
(7) كتاب (السابق واللاحق)، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 130.
(8) كتاب (المتفق والمفترق)، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 130.
(9) كتاب (تلخيص المتشابه في الرسم)، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 130.
(10) كتاب (باقي التلخيص)، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 130.
(11) لم أقف عليه، وسماه ابن الجوزي (الفصل والوصل). المنتظم 16/ 130.(1/441)
المهمل) (1) ثمانية أجزاء، كتاب (غنية المقتبس في تمييز الملتبس) (2)، كتاب (من وافقت كنيته اسم أبيه) (3)، كتاب (الأسماء المبهمة) (4) مجلّد، كتاب (الموضّح) (5) أربعة عشر جزءا، كتاب (من حدّث ونسي)، كتاب (التّطفيل) (6)
ثلاثة أجزاء، كتاب (القنوت) (7) ثلاثة أجزاء، كتاب (الرّواة عن مالك) ستة أجزاء، كتاب (الفقيه والمتفقه) (8) اثنا عشر جزءا، كتاب (تمييز المزيد في متصل الأسانيد) (9) ثمانية أجزاء، كتاب (الخيل) ثلاثة أجزاء، كتاب (رواية الآباء عن الأبناء) (10) جزء، (الرحلة) (11) جزء. (مسألة الاحتجاج بالشّافعي) (12) جزء، كتاب (البخلاء) (13) أربعة أجزاء، كتاب (المؤتنف لتكملة المؤتلف والمختلف) (14)، كتاب (مبهم المراسيل) (15)، كتاب (البسملة في الفاتحة)، كتاب (الجهر بالبسملة) جزءآن. كتاب (مقلوب الأسماء والأنساب) (16)، كتاب
__________
(1) لم أقف عليه وسماه ابن الجوزي في المنتظم 16/ 130 (المكمل في بيان المهمل).
(2) في المنتظم، ومعجم الأدباء، وسير أعلام النبلاء «غنية المقتبس في تمييز الملتبس».
(3) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 130، معجم الأدباء 4/ 20.
(4) في المنتظم: (الأسماء المبهمة والأنباء المحكمة).
(5) طبع في حيدرأباد الدكن بالهند سنتي 19601959في جزءين.
(6) نشره حسام الدين القدسي بدمشق سنة 1346هـ. باسم (التطفيل وحكايات الطفيلين ونوادر كلامهم وأشعارهم).
(7) في تذكرة الحفاظ 3/ 1140تحرّف اسمه إلى (الفنون).
(8) نشره الشيخ إسماعيل الأنصاري، وصدر عن مطابع القصيم بالرياض سنة 1389هـ في جزءيّن، وحدث الخطيب به في جامع صور سنة 459هـ.
(9) في معجم الدباء، المنتظم: «تميز المزيد في متصل الأسانيد».
(10) سير أعلام النبلاء 18/ 291اسم الكتاب (الإنباء عن الأبناء).
(11) طبع بعناية صبحي البدري السامرائي، ونشرته المكتبة السلفية بالمدينة 1969بعنوان: الرحلة في طلب الحديث.
(12) في المنتظم: «الاحتجاج عن الشافعي» وفي معجم الأدباء: «الاحتجاج للشافعي فيما أسند إليه والرد على الجاهلين بطعنهم عليه».
(13) صدر عن مطبعة العاني ببغداد 1384هـ / 1964بتحقيق الدكتور أحمد مطلوب، و. د. خديجة الحديثي.
(14) في معجم الأدباء 4/ 20، اسم الكتاب: المؤتنف في تكملة المختلف والمؤتلف.
(15) في المنتظم عنوان الكتاب: «التفصيل المبهم المراسيل».
(16) في المنتظم، ومعجم الأدباء، اسم الكتاب: «كتاب رافع الإرتياب في المقلوب من الأسماء والألقاب».(1/442)
(صحّة العمل باليمين مع الشاهد) (1)، كتاب (أسماء المدلّسين). كتاب اقتضاء العلم العمل) (2) جزء، كتاب (تقييد العلم) (3) ثلاثة أجزاء، كتاب (القول في علم النجّوم) جزء.
كتاب (روايات الصّحابة من التّابعين) جزء، (صلاة التّسبيح) جزء، (مسند نعيم بن همار) (4) جزء (النهي عن صوم يوم النّسك) جزء، (الإجازة للمعدوم والمجهول) جزء «روايات السّتّة من التابعين بعضهم عن بعض» جزء.
وذكر تصانيف أخر، قال: فهذا ما انتهى إلينا من تصانيفه.
وقد قال الخطيب في تاريخه في ترجمة الحيريّ إسماعيل بن أحمد النّيسابوريّ، الضّرير: حجّ وحدّث، ونعم الشّيخ كان.
ولمّا حجّ كان معه حمل كتب ليحاور، وكان في جملة كتبه (صحيح البخاريّ)، سمعه من الكشميهنيّ، فقرأت عليه جميعه في ثلاثة مجالس.
وقد سقنا هذا في سنة ثلاثين في ترجمة الحيريّ، وهذا شيء لا أعلم أحدا في زماننا يستطيعه.
وقد قال ابن النّجار في تاريخه (5): وجدت فهرست مصنّفات الخطيب، وهي نيّف وستون مصنّفا، فنقلت أسماء الكتب التي ظهرت منها، وأسقطت ما لم يوجد، فإنّ كتبه احترقت بعد موته، وسلم أكثرها.
ثم سرد ابن النّجار أسماءها، وقد ذكرنا أكثرها آنفا، ومما لم يذكره: كتاب (معجم الرّواة عن شعبة) ثمانية أجزاء، كتاب (المؤتلف والمختلف) أربعة وعشرون جزءا، حديث محمد بن سوقة) أربعة أجزاء، (المسلسلات) ثلاثة أجزاء. (الرّباعيات) ثلاثة أجزاء، (طرق قبض العلم) (6) ثلاثة أجزاء. (غسل الجمعة) ثلاثة أجزاء. وفيها يقول الحافظ السّلفيّ: [من الوافر]:
__________
(1) انظر: معجم الأدباء 4/ 19.
(2) طبع في بيروت، المكتب الإسلامي سنة 1386هـ بتحقيق ناصر الدين الألباني.
(3) طبع بدمشق سنة 1949المعهد الفرنسي بتحقيق يوسف العش.
(4) في التنظيم، وسير أعلام النبلاء دمشق نعيم بن حماد.
(5) الجزء الثاني من تاريخ ابن النجار لم يصل إلينا.
(6) في المستفاد من ذيل تاريخ بغداد 9: «قبض العلم» ولم ترد كلمة طرق.(1/443)
تصانيف ابن ثابت الخطيب ... ألذّ من الصّبا الغضّ الرّطيب (1)
تراها إذ رواها من حواها ... رياضا للفتى اليقظ اللّبيب
ويأخذ حسن ما قد صاغ منها ... بقلب الحافظ الفطن الأريب
فأيّه راحة ونعيم عيش ... يوازي كتبها بل أيّ طيب؟
أنشدناها أبو الحسين اليونينيّ (2)، عن أبي الفضل الهمذانيّ، عن السّلفيّ.
وقد رواها أبو سعد ابن السّمعانيّ في الهمذانيّ في (تاريخه): وفيها توفيّ أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت المحدّث. ومات هذا العلم بوفاته. وقد كان رئيس الرؤساء، تقدّم إلى الخطباء والوعّاظ، أن لا يرووا حديثا حتى يعرض عليه، فما صححّه أورده، وما ردّه لم يذكروه (3).
وأظهر بعض اليهود كتابا ادّعى أنّه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادة الصّحابة (4). وذكروا أنّه خطّ عليّ رضي الله عنه فيه، وحمل الكتاب إلى رئيس الرؤساء، فعرضه على الخطيب فتأمّله ثم قال: هذا مزوّر.
قيل له: ومن أين قلت ذلك؟
قال: فيه شهادة معاوية، وأسلم عام الفتح، وفتحت خيبر سنة سبع، وفيه شهادة سعد بن معاذ، ومات يوم بني قريظة، قبل فتح خيبر بسنتين.
فاستحسن ذلك منه، ولم يجبرهم على ما في الكتاب (5).
وقال أبو سعد السّمعانيّ: سمعت يوسف بن أيوّب الهمذانيّ يقول: حضر الخطيب
__________
(1) الأبيات في: الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 293، الوافي بالوفيات 7/ 191، وتذكرة الحفاظ 3/ 1140والسبكي: الطبقات 3/ 12، ومعجم الأدباء 4/ 33، 34.
(2) هو علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن عيسى اليونيني البعلي، ينسب إلى يونين، بلدة بالقرب من بعلبك ولذا يقال: البعلي اختصارا ل (البعبكي) ولد ببعلبك سنة 621هـ وتوفي بها سنة 701 هـ أنظر: موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان قسم 2، ح 3/ 6663 (رقم 761).
(3) معجم الأدباء 4/ 19.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 129.
(5) معجم الأدباء 4/ 18، المنتظم 16/ 129، البداية والنهاية 12/ 101، 102، سير أعلام النبلاء 18/ 280.(1/444)
درس شيخنا أبي اسحاق، فروى الشّيخ حديثا من رواية بحر بن كنيز السّقاء، ثم قال للخطيب: ما تقول فيه؟
فقال الخطيب: إن أذنت لي ذكرت حاله.
فأسند الشّيخ: ظهره إلى الحائط، وقعد كالتلميذ، وشرع الخطيب يقول: قال فيه فلان كذا، وقال فيه فلان كذا، وشرح أحواله شرحا حسنا. فأثنى عليه الشّيخ، وقال:
هو ذا دارقطنيّ عصرنا (1). وقال أبو عليّ البردانيّ: أنا: حافظ وقته أبو بكر الخطيب، وما رأيت مثله، ولا أظنه رأى مثل نفسه. وقال السّلفيّ: سألت أبا غالب شجاعا الذّهليّ، عن الخطيب فقال: إمام مصنّف حافظ، لم ندرك مثله (2).
وقال أبو نصر: محمد بن سعيد المؤدب: سمعت أبي يقول: قلت لأبي بكر الخطيب عند لقائي إياه: أنت الحافظ أبو بكر؟
فقال: انتهى الحفظ إلى الدّارقطنيّ (3)، أنا أحمد بن عليّ الخطيب.
وقال ابن الأبنوسيّ: كان الحافظ الخطيب يمشي وفي يده جزء يطالعه (4).
وقال المؤتمن السّاجيّ: كان الخطيب يقول: من صنّف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس (5).
وقال (ابن طاهر في المنثور): ثنا مكّيّ بن عبد السّلام الرّميليّ، قال: كان سبب خروج أبي بكر الخطيب من دمشق إلى صور، أنّه كان يختلف إليه صبيّ مليح، سمّاه مكّيّ، فتكلّم الناس في ذلك.
وكان أمير البلد فاطميا متعصّبا، فبلغته القصّة، فجعل ذلك سببا للفتك به، فأمر صاحب شرطته أن يأخذ الخطيب بالّليل ويقتله. وكان صاحب الشّرطة سنّيا، فقصده تلك اللّيلة مع جماعة، ولم يمكنه أن يخالف الأمر فأخذه، وقال: قد أمرت فيك بكذا وكذا، ولا أجد لك حيلة إلّا أنّي أعبر لك دار الشّريف ابن أبي الجنّ العلويّ (6)، فإذا
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 4/ 35، 36، الوافي بالوفيات 7/ 196.
(2) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 281، تذكرة الحفاظ 3/ 1141.
(3) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 281، تذكرة الحفاظ 3/ 1141.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 131.
(5) سير أعلام النبلاء 18/ 281وتذكرة الحفاظ 3/ 1141.
(6) هو الشريف حيدرة بن إبراهيم بن العباس، نقيب العلويين بدمشق الذي قتله أمير الجيوش بعكا سنة(1/445)
حاذيت الباب، اقفز وأدخل الدّار، فإنّي لا أطلبك، وأرجع إلى الأمير، فأخبره بالقصة، ففعل ذلك.
ودخل دار الشّريف، فأرسل الأمير إلى الشّريف أن يبعث به، فقال: أيّها الأمير أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله، وليس في قتله مصلحة.
هذا مشهور بالعراق، إن قتلته، قتل به جماعة من الشّيعة، وخربت المشاهد.
قال: فما ترى؟.
قال: أرى أن يخرج إلى صور من بلدك.
فأمر بإخراجه، فراح إلى صور، وبقي بها (1) مدّة.
قال ابن السّمعانيّ: خرج من دمشق في صفر سنة سبع وخمسين، فقصد صور، وكان يزور منها القدس، ويعود، إلى أن سافر سنة اثنتين وستين إلى طرابلس، ومنها إلى حلب (2). فبقي بها أياما، ثم ورد بغداد في أعقاب السّنة (3).
وقال ابن عساكر: سعي بالخطيب إلى أمير الجيوش وقال: هو ناصبيّ، يروي فضائل الصّحابة، وفضائل العبّاس في الجامع (4).
وقال المؤتمن السّاجيّ: تحاملت الحنابلة على الخطيب حتى مال إلى ما مال إليه.
فلما عاد إلى بغداد، وقع إليه جزء، فيه سماع القائم بأمر الله، فأخذ الجزء وحضر إلى دار الخلافة، وطلب الإذن في قراءة الجزء.
فقال الخليفة: هذا رجل كبير في الحديث، وليس له في السّماع من حاجة، ولعلّ له حاجة، أراد أن يتوصّل إليها بذلك، فسلوه، ما حاجته؟ فسئل.
__________
461 - هـ. وتحّرف ابن أبي الجن إلى ابن أبي الحسن) في: معجم الأدباء 4/ 35وتذكرة الحفاظ 3/ 1142، والوافي بالوفيات 7/ 195.
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 281، معجم أدباء 4/ 34، ذيل تاريخ دمشق لابن القلاني 105، 106.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 134.
(3) ابن عساكر: تاريخ دمشق 7/ 30.
(4) سير أعلام النبلاء 18/ 282، وتذكرة الحفاظ 3/ 1142 (وكان الذي سعى بالخطيب يسمى:
حسن بن عليّ الدّمنشيّ) «معجم البلدان 2/ 71».(1/446)
فقال: حاجتي أن يؤذن لي أن أملي بجامع المنصور.
فتقدم الخليفة إلى نقيب النّقباء بالإذن له في ذلك، فأملى بجامع المنصور.
وقد دفن إلى جانب بشر (1).
وقال ابن طاهر: سألت أبا القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيّرازيّ: هل كان الخطيب كتصانيفه في الحفظ؟ قال: لا. كنّا إذا سألناه عن شيء أجابنا بعد أيّام. فإن ألححنا عليه غضب. وكانت له بادرة وحشة، ولم يكن حفظه على قدر تصانيفه (2).
وقال: أبو الحسين بن الطّيوريّ: أكثر كتب الخطيب سوى (تاريخ بغداد) مستقاه من كتب الصّوري (3). كان الصّوريّ ابتدأ بها، وكانت له أخت بصور، خلّف أخوها عندها أثني عشر عدلا من الكتب، فحصّل الخطيب من كتبه أشياء.
وكان الصّوريّ قد قسم أوقاته، ثلث في أموره، وثلثين لعلمه وكتبه (4).
أخبرنا أبو علي بن الخلّال، جعفر، أنا السّلفيّ، أنا محمد بن مرزوق الزّعفرانيّ:
ثنا الحافظ أبو بكر الخطيب قال: أمّا الكلام في الصّفات فإنّ ما روي منها في السّنن الصّحاح فمذهب السّلف إثباتها، وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفيّة والتّشبيه عنها.
وقد نفاها قوم، فأبطلوا ما أثبته الله تعالى، وحقّقها قوم من المثبتين، فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التّشبيه والتّكييف. تعالى الله عن ذلك، والقصد إنّما هو سلوك الطّريقة المتوسّطة بين الأمرين، ودين الله تعالى بين المغالي فيه والمقصرّ عنه. والأصل في هذا أنّ الكلام في الصّفات من فرع الكلام في الذّات، ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله. فإذا كان معلوم، أنّ إثبات رب العالمين إنّما هو إثبات وجوه، لا إثبات كيفيّة، فكذلك إثبات صفاته، إنّما هو إثبات وجود، لا إثبات تحديد وتكييف.
__________
(1) ابن عساكر: تاريخ دمشق 7/ 25 (هو: بشر بن الحارث) ابن الجوزي المنتظم 16/ 134.
(2) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 283، تذكرة الحفاظ 3/ 1142، معجم الأدباء 4/ 27، 28.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 131. والصوري هو: الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي الصّوري المتوفي سنة 44هـ / النجوم 5/ 63.
(4) معجم الأدباء 4/ 21، وسير أعلام النبلاء 18/ 283.(1/447)
فإذا قلنا: لله يد، وسمع، وبصر، فإنّما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه.
ولا نقول أنّ معنى اليد القدرة، ولا أنّ معنى السّمع والبصر، العلم، ولا نقول: إنّها جوارح، ولا نشبهّها بالأيدي والأسماع والأبصار، التي هي جوارح وأدوات للفعل.
ونقول: إنّما وجب إثباتها لأنّ التّوقيف ورد بها، ووجب نفي التّشبيه عنّا لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (1) {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} (2).
وقال الحافظ ابن النّجار في ترجمة الخطيب: ولد بقرية من أعمال نهر الملك، وكان أبوه يخطب (3) بدرزيجان. ونشأ هو ببغداد، وقرأ القرآن بالرّوايات، وتفقّه على الطبّريّ، وعلّق عنه أشياء من الخلاف.
إلى أن قال: وروى عنه: أبو منصور بن خيرون، وأبو سعد أحمد بن محمد الزّوزنيّ، ومفلح بن أحمد الدّومسّي، والقاضي محمد بن عمر الأرمويّ، وهو آخر من حدّث عنه. قلت: يعني بالسّماع. وآخر من حدّث عنه بالإجازة: مسعود الثّقفيّ (4).
وخطّ الخطيب خط مليح كبير الشّكل والضّبط. وقد قرأت بخطّه: أنا عليّ بن محمد السّمار، أنا محمد بن المظفّر، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحجّاج، ثنا جعفر بن نوح، ثنا محمد بن عيسى: سمعت يزيد بن هارون يقول:
ما عزّت النّيّة في الحديث إلّا لشرفه (5).
وقال أبو منصور عليّ بن عليّ الأمين: لمّا رجع الخطيب من الشّام (6): كانت له ثروة من الثّياب والذهب وما كان له عقب، فكتب إلى القائم بالله: إنيّ إذا متّ يكون مالي لبيت المال، فأذن لي حتى أفرّق مالي على من شئت. فأذن له ففرّقّها على المحدّثين (7).
__________
(1) سورة الشورى (42): الآية (11).
(2) سورة الإخلاص (112): الآية (4).
(3) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 129.
(4) تذكرة الحفاظ 3/ 1143، سير أعلام النبلاء 18/ 284، 285.
(5) سير أعلام النبلاء 18/ 285.
(6) نفسه 16: 134طبقات الشافعية الكبري للسبكي 4/ 35.
(7) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 134، معجم الأدباء 4/ 27، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 35.(1/448)
وقال الحافظ ابن ناصر: أخبرتني أميّ أنّ أبي حدّثها قال: كنت أدخل على الخطيب، وأمّرضه، فقلت له يوما: يا سيدّي إنّ أبا الفضل بن خيرون لم يعطني شيئا من الذّهب الذي أمرته أن يفّرقه على أصحاب الحديث. فرفع الخطيب رأسه عن المخدّة وقال: خذ هذه الخرقة، بارك الله لك فيها. فكان فيها أربعون دينارا. فأنفقتها مدّة في طلب العلم.
وقال مكّيّ الرّميليّ: مرض الخطيب ببغداد في رمضان في نصفه، إلى أن اشتدّ به الحال في غرّة ذي الحجّة، وأوصى إلى أبي الفضل بن خيرون، ووقف كتبه على يده، وفرقّ جميع ماله في وجود البّر وعلى المحدثين، وتوفيّ (1) رابع ساعة من يوم الإثنين سابع ذي الحجّة، ثم أخرج بكرة الثلاثاء وعبروا به إلى الجانب الغربيّ، وحضره القضاة، والأشراف والخلق، وتقدّمهم القاضي أبو الحسن بن المهدي بالله، فكبّر عليه أربعا، ودفن بجنب بشر الحافي.
وقال ابن خيرون: مات ضحوة الإثنين ودفن بباب (2) حرب. وتصدّق بماله، وهو مائتا دينار، وأوصى بأن يتصدّق بجميع ثيابه، ووقف جميع كتبه، وأخرجت جنازته من حجرة تلي النّظامية (3) في نهر معلّى، وتبعه الفقهاء والخلق، وحملت جنازته إلى جامع المنصور، وكان بين يدي الجنازة جماعة ينادون: هذا الذي كان يذبّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الذي كان ينفي الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختم على قبره عدة ختمات (4).
وقال الكتّانيّ: ورد كتاب من جماعة أنّ أبا بكر الحافظ توفي في سابع ذي الحجة، وكان أحد من حمل جنازته الإمام أبو إسحاق الشّيرازيّ، وكان ثقة حافظا، متقنا متحرّيا مصنّفا (5).
__________
(1) ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 3/ 175.
(2) باب حرب: أحد أبواب بغداد، سميت باسم حرب بن عبد الله البلخي من قواد شرطة أبي جعفر المنصور. ويقرب الباب مقبرة باب حرب، ومحلة كبيرة مشهورة تسمى الحربية «ياقوت: معجم البلدان 2/ 237وابن الجوزي: المنتظم 13416».
(3) النظامية: هي المدرسة النظامية في بغداد وكان نظام الملك قد أمر ببنائها. المنتظم 16/ 134.
(4) ياقوت: معجم الأدباء 4/ 44، مختصر تاريخ دمشق 3/ 175.
(5) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 287.(1/449)
وقال أبو البركات اسماعيل بن أبي سعد الصّوفي: كان الشيخ أبو بكر بن زهراء الصّوفيّ، وهو وأبو بكر أحمد بن عليّ الطّريشيشيّ الصّوفيّ، برباطنا قد أعدّ لنفسه قبرا إلى جانب قبر بشر الحافي، وكان يمضي إليه في كلّ أسبوع مرّة، وينام فيه، ويقرأ فيه القرآن كلّه. فلّما مات أبو بكر الخطيب، وكان قد أوصى أن يدفن إلى جانب قبر بشر، فجاء أصحاب الحديث إلى أبي بكر بن زهراء، وسألوه أن يدفنوا الخطيب في قبره وأن يؤثروه به، فامتنع وقال: موضع قد أعددته لنفسي، يؤخذ منّي؟! فلمّا رأوا ذلك جاؤوا إلى والد أبي سعد، وذكروا له ذلك، فأحضر أبا بكر، فقال: أنا لا أقول لك: أعطهم القبر، ولكن أقول لك: لو أنّ بشرا الحافي في الأحياء، وأنت إلى جانبه، فجاء أبو بكر الخطيب ليقعد دونك، أكان يحسن بك أن تقعد أعلى منه (1)؟
قال: لا بل كنت أقوم وأجلسه مكاني.
قال: فهكذا ينبغي أن تكون السّاعة.
قال: فطاب قلبه، وأذن لهم، فدفنوه في ذلك القبر (2).
وقال أبو الفضل ابن خيرون: جاءني بعض الصّالحين.
وأخبرني أنه لمّا مات الخطيب، أنّه رآه في المنام، فقال له: كيف حالك؟ قال: أنا في روح وريحان وجنّة نعيم.
وقال أبو الحسن عليّ بن الحسين بن جدّاء: رأيت بعد موت الخطيب، كأنّ شخصا قائما بحذائي، فأردت أن أسأله عن الخطيب، فقال لي: ابتداء أنزل وسط الجنّة حيث يتعارف الأبرار. رواها أبو عليّ البردانيّ في (المنامات)، له، عن ابن جدّاء.
وقال غيث الأرمنازي: قال مكّيّ ابن عبد السلام: كنت نائما ببغداد في ليلة ثاني عشر ربيع الأول، سنة ثلاث وستين وأربعمئة، فرأيت عند السّحر، كأنّا اجتمعنا عند أبي بكر الخطيب في منزله، لقراءة (التاريخ) على العادة، فكأنّ الخطيب جالس، والشيخ أبو الفضل نصر بن إبراهيم الفقيه عن يمينه، وعن يمين الفقيه نصر، رجل لم أعرفه، فسألت عنه فقيل: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء ليسمع (التّاريخ). فقلت في نفسي: هذه جلالة لأبي بكر، إذ يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه.
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 64) ص 108وابن الجوزي: المنتظم 13416.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 135ومعجم الأدباء 4/ 16، الوافي بالوفيات 7/ 192.(1/450)
وقلت: وهذا رد لقول من يعيب التّاريخ، ويذكر أنّه فيه تحامل على أقوام (1).
وقال أبو الحسن محمد بن مرزوق الزّعفرانيّ: حدثني الفقيه الصالح أبو عليّ الحسن بن أحمد البصريّ قال: رأيت الخطيب في المنام، وعليه ثياب بيض حسان، وعمامة بيضاء وهو فرحان يبتسم. فلا أدري، قلت: ما فعل الله بك؟ أو هو بدأني فقال: غفر الله لي، أو رحمني وكلّ من نجا، فوقع لي أنّه يعني بالتّوحيد إليه، يرحمه الله أو يغفر له، فأبشروا. وذلك بعد وفاته بأيام (2).
وقال أبو الخطّاب بن الجرّاح يرثيه (3):
فاق الخطيب الورى صدقا ومعرفة ... وأعجز النّاس في تصنيفه الكتبا
حمى الشّريعة من غاو يدنّسها ... بوصفه ونفى التّدليس والكذبا
جلا محاسن بغداد فأودعها ... تاريخه مخلصا لله محتسبا
وقال في النّاس بالقسطاس منحرفا ... عن الهوى، وأزال الشّك والرّيبا
سقى ثراك أبا بكر على ظمأ ... جون (4) ركام تسحّ الواكف (5) السّربا
ونلت فوزا ورضوانا ومغفرة ... إذا تحقّق وعد الله واقتربا
يا أحمد بن عليّ طبت مضطجعا ... وباء شانيك (6) بالأوزار محتقبا
وقال أبو الحسين ابن الطّيوريّ: أنشدنا أبو بكر الخطيب لنفسه (7): [من البسيط]:
تغيّب الخلق عن عيني سوى قمر ... حسبي من الخلق طرّا ذلك القمر
محلّه في فؤادي قد تّملكه ... وحاز روحي فما لي عنه مصطبر
والشّمس أقرب منه في تناولها ... وغاية الحظّ منه للورى النّظر
__________
(1) المستفاد من ذيل تاريخ بغداد 61.
(2) ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 3/ 176، سير أعلام النبلاء 18/ 288.
(3) الأبيات في: الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 294، وتهذيب ابن عساكر 1/ 401، وياقوت معجم الأدباء 4/ 4443.
(4) الجون: الغيوم السوداء المحملة بالمطر / مختار الصحاح /.
(5) وكف البيت: قطر منه الماء.
(6) شانيك: مبغضك.
(7) هذه الأبيات في: الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 295، ياقوت معجم الأدباء 4/ 3837الوافي بالوفيات 7/ 199، والبيت الأول في النجوم الزاهرة 5/ 88.(1/451)
وددت تقبيله يوما مخالسة ... فصار من خاطري في خدّه أثر
وكم حلم رآه ظنّه ملكا ... وردّد الفكر فيه أنّه بشر
وقال غيث الأرمنازي: أنشدنا أبو بكر الخطيب لنفسه (1): [من مخلع البسيط]:
إن كنت تبغي الرشّاد محضا ... لأمر دنياك والمعاد
فخالف النّفس في هواها ... إنّ الهوى جامع الفساد
وقال أبو القاسم النّسيب أنشدنا الخطيب لنفسه (2):
لا تغبطنّ أخا الدّنيا لزخرفها ... ولا للذّة وقت عجّلت فرحا
فالدّهر أسرع شيء في تقلّبه ... وفعله بيّن للخلق قد وضحا
كم شارب عسلا فيه منيّته ... وكم تقلّد سيفا من به ذبحا
471 - حسّان (3) بن سعيد بن حسان بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي (أبو عليّ) المنيعيّ المروروذي (4). بلغنا أنّه من ذرّية خالد بن الوليد رضي الله عنه.
سمع من: أبي طاهر بن محمش الزّياديّ، وأبي القاسم بن حبيب، وأبي الحسن السّقّاء وجماعة.
روى عنه: محي السّنة البغويّ، وأبو المظفّر عبد المنعم القشيريّ، ووجيه الشّحاميّ، وعبد الوهّاب بن شاه.
__________
(1) البيتان في: الذهبي: سير النبلاء 18/ 296، وتذكرة الحفاظ 3/ 1145والوافي بالوفيات 7/ 199، البداية والنهاية 10/ 144.
(2) الأبيات ف: الذهبي: سير النبلاء 18/ 296، الوافي بالوفيات 7/ 199، ياقوت: معجم الأدباء 4/ 25، وابن كثير: البداية 12/ 103وتهذيب ابن عساكر 1/ 401ومختصر تاريخ دمشق 3/ 175.
(3) ترجمته في: ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 103، وابن العماد: شذرات الذهب 3/ 313، ابن الأثير: الكامل 8/ 390، وابن الجوزي: المنتظم 16/ 135، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 302299ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 734.
(4) نسبة إلى مرو الروذ ببلاد خراسان، وكان حسان من أعيانها وبنى فيها الجامع المنيعي، وأورد ابن الصلاح اسمه الكامل: «حسان بن سعيد بن محمد بن أحمد، الرئيس أبو علي المنيعي الحاجّي المخزومي» طبقات فقهاء الشافعية 2/ 234.(1/452)
وذكره عبد الغافر الفارسي (1). فقال: هو الرئيس أبو عليّ الحاجيّ شيخ الإسلام المحمود الخصال السّنيّة (2)، عمّ الآفاق بخيره وبرّه. وكان في شبابه تاجرا، ثم عظم حتى صار من المخاطبين في مجالس السّلاطين، لم يستغنوا عن الإعتضاد به وبرأيه، فرغب إلى الخيرات، وأناب إلى التّقوى، والورع وبنى المساجد، والرّباطات، وبنى جامع مدينة مرو الروّذ.
وكان كثير البرّ والإيثار، يكسو في الشتاء نحوا من ألف نفس، وسعى في إبطال الأعشار عن البلاد ورفع الوظائف عن النّفوس، ومن ذلك أنه استدعى. صدقة عامة على أهل البلد، غنّيهم وفقيرهم، فكان يطوف العاملون على الدّور والأبواب، ويعدّون سكانها، فيدفع إلى كل واحد خمسة دراهم، وتمّت هذه السّنة بعد موته (3).
وكان يحي اللّيالي بالصّلاة، ويصوم الأيام، ويجتهد في العبادة اجتهادا لا يطيقه أحد.
قال: ولو تتبّعنا ما ظهر من آثاره وحسناته لعجّزنا (4).
وقال أبو سعد السّمعاني (5): حسّان بن سعيد بن حسّان بن محمد بن أحمد عبد الله ابن محمد بن منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزوميّ المنيعيّ، كان في شبابه
يجمع بين الدّهقنة والتجّارة، وسلك طريق (6) الفتيان، حتى ساد أهل ناحيته بالفتّوة، والمروءة والثّروة الواسعة. إلى أن قال: ولمّا تسلّطن سلجوق ظهر أمره، وبنى الجامع بمرو الرّوذ، ثم بنى الجامع الجديد بنيسابور. وبلغني أنّ عجوزا جاءته وهو يبنيه، ومعها ثوب يساوي نصف دينار، وقالت: سمعت أنّك تبني الجامع، فأردت أن يكون لي في اليقعة المباركة أثر. فدعا خازنه واستحضر ألف دينار، واشترى بها منها
__________
(1) المنتخب من السياق 214.
(2) نفسه.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 135، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 301، سير أعلام النبلاء 18/ 266.
(4) عبد الغافر: المنتخب من السياق 214، 215.
(5) ابن العماد: شذرات الذهبي 3133، ابن الجوزي: المنتظم 13516.
(6) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 135، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 179، 302299.(1/453)
الثوّب، وسلّم المبلغ إليها، ثمّ قبضه منها الخازن، وقال له: أنفق هذه الألف منها في عمارة المسجد.
وقال: احفظ هذا الثّوب لكفني لألقى الله فيه (1).
وكان لا يبالي بأبناء الدّنيا ولا يتضعضع لهم.
وحكي أن السّلطان اجتاز بباب مسجده، فدخل مراعاة له، وكان يصلّي، فما قطع صلاته ولا تكلّف حتى انتهى. فقال السّلطان: في دولتي من لا يخافني ولا يخاف إلّا الله (2).
وحيث وقع القحط سنة إحدى وستين كان ينصب القدور ويطبخ، ويحضر كلّ يوم ألف منّا من الخبز، ويطعم الفقراء.
وكان في الخريف يتخذ الجباب، والقمص والسّراويلات للفقراء، ويجهز بنات الفقراء، ورفع الأعشار من أبواب نيسابور. من بلده، وأمر بفتح الباب وإعطاء المياه من يحب، وتقدّر نحو الألف [قرية] وفي آخرها النون وهي قرية، من قرى طبسين بين نيسابور وأصبهان. وكان متهجدا يقوم الليل ويصوم النهار، ويلبس الخشن من اللباس.
توفي رحمه الله يوم الجمعة، السابع والعشرين من ذي القعدة، رضي الله عنه.
472 - طاهر (3) بن أحمد بن عليّ بن محمود.
أبو الحسين، القاينيّ الفقيه الشّافعيّ.
نزيل دمشق.
حدّث عن أبي الحسن بن رزقويه، وأبي الحسن الحمّاميّ المقرىء، وأبي طالب يحي الدّسكريّ، ومنصور بن نصر السّمرقنديّ الكاغديّ.
روى عنه نصر المقدسيّ، وأبو طاهر الحنّائيّ، وأبو الحسن بن الموازينيّ، وهبة الله بن الأكفانيّ، ووثّقه وآخرون.
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 4/ 300، سير أعلام النبلاء 18/ 266.
(2) المنتظم: 16/ 135.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 1211، الإسنوي: الطبقات 2/ 408، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 761.(1/454)
سنة أربع وستين وأربعمئة
473 - محمد بن أحمد (1) بن شاذة بين جعفر. أبو عبد الله الأصبهانيّ القاضي بدجيل.
تفقّه على مذهب الشافعيّ. وسمع: أبا سعد المالينيّ، وحدّث، وكان ثقة صالحا.
وسمع أيضا أبا عمر بن مهديّ.
روى عنه: أبو بكر الأنصاريّ، ومفلح الدّوميّ (2)، ويحيى بن الطّرّاح.
سنة خمس وستين وأربعمئة
474 - طاهر بن (3) عبد الله. أبو الرّبيع الإيلاقيّ، التركيّ. وإيلاق هي قصبة الشّاش. كان من كبار الشّافعيّة، له وجه.
رحل وتفقه بمرو، على أبي بكر القفّال، وببخارى على الشيخ أبي عبد الله الحليميّ وحدّث عنهما، وعن أبي نعيم الأزهريّ.
وكان إمام بلاد التّرك. عاش ستّا وتسعين سنة.
475 - عبد الكريم (4) بن أحمد بن الحسين. أبو عبد الله الشّالوسيّ الفقيه.
وشالوس: من نواحي طبرستان. كان فقيه عصره بآمل (5)، وكان عالما واعظا زاهدا.
__________
(1) ترجمته في: ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 105، والسبكي: طبقات الشافعية 4/ 9695، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 838.
(2) الدّوميّ: نسبة إلى دومة الجندل موضع بين الشام والعراق «الأنساب 4/ 367».
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 50، الإسنوي: الطبقات 1/ 62، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 762.
(4) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 151150، الإسنوي: الطبقات 2/ 82، ابن الصلاح: طبقات الشافعية 2/ 783الأنساب 3/ 290.
(5) آمل: مدينة اقليم طبرستان تقع جنوب بحر قزوين 12ميلا إلى الشمال من دنباوند، وهي وسط سهل زراعي وتشتهر بزراعة الأرز والبساتين، وكانت في العهد الإسلامي تتبع لخراسان دائرة المعارف الإسلامية 2/ 628626.(1/455)
سمع بمصر من أبي عبد الله بن نظيف، وأثنى عليه عبد الله بن يوسف الجرجانيّ، وسمع منه وقال: مات سنة خمس وستّين (1).
476 - عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد.
الإمام أبو القاسم القشيريّ (2) النّيسابوريّ الزّاهد الصّوفي، شيخ خراسان وأستاذ الجماعة، ومقدّم الطّائفة.
توفيّ أبوه وهو طفل، فوقع إلى أبي القاسم اليمانيّ الأديب، فقرأ الأدب والعربية عليه. وكانت له ضيعة مثقلة الخراج بناحية (3) أستوا، فرأوا من الرأي أن يتعلّم طرفا من (الإستيفاء)، ويشرع في بعض الأعمال بعد ما أونس رشده في العربية، لعلّه يصون قريته، ويدفع عنها ما يتوجب عليها من مطالبات الدّولة.
فدخل نيسابور من قريته على هذه العزيمة، فاتّفق حضوره مجلس الأستاذ أبي عليّ الدّقّاق، وكان واعظ وقته، فاستحلى كلامه، فوقع في شبكة الدّقّاق، ونسخ ما عزم عليه. وطلب الفقهاء، فوجد العياء وسلك طريق الإرادة، فقبله الدّقاق وأقبل عليه، وأشار إليه بتعلّم العلم، فمضى إلى درس الفقيه أبي بكر الطّوسيّ، فلازمه حىّ فرغ من التّعليق، ثم اختلف إلى الأستاذ أبي بكر بن فورك الأصوليّ، فأخذ عنه الكلام، والنّظر حتى بلغ فيه الغاية. ثم اختلف إلى أبي اسحاق الاسفرايينيّ (4)، ونظر في تواليف ابن الباقلّانيّ.
ثم زوّجه أبو عليّ الدّقاق بابنته فاطمة. فلمّا توفيّ أبو عليّ، عاشر أبا عبد الرحمن السّلمي وصحبه.
__________
(1) ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 783.
(2) الذهبي: العبر 3/ 259، ابن هلكان: وفيات الأعيان 3/ 205، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 162153، وابن كثير البداية والنهاية 12/ 107، وابن الجوزي: المنتظم 16/ 148، وابن الأثير: الكامل 8/ 402، حاجي خليفة: كشف الظنون 58، 354، 457الخطيب البغدادي:
تاريخ بغداد 11/ 83، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 322319وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 562، 569، السّمعاني: الأنساب 10/ 156، الإسنوي: طبقات 2/ 313، البغدادي: هدية العارفين 1/ 607.
(3) أستوا: ناحية كثيرة القرى من نيسابور / تاريخ نيسابور (ت 1104).
(4) ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 206، تبيين كذب المفتري 273.(1/456)
وكتب الخطّ المنسوب الفائق.
وبرع في علم الفروسيّة، واستعمال السّلاح، ودقّق في ذلك وبالغ. وانتهت إليه رئاسة التّصرف في زمانه لمّا أتاه الله من الأهوال والمجاهدات، وتربية المريدين وتذكيرهم، وعبارتهم العذبة. فكان عديم النّظير في ذلك، طيّب النّفس، لطيف الإشارة، غواصا على المعاني.
صنّف كتاب (نحر القلوب) وكتاب (لطائف الإشارات) وكتاب (الجواهر) وكتاب (أحكام السّماع)، وكتاب (آداب الصّوفية)، وكتاب (عيون الأجوبة في فنون الأسئلة) وكتاب (المناجاة)، وكتاب (المنتهى في نكت أولي النّهى)، وغر ذلك.
أنشدنا أبو الحسين عليّ بن محمد، أنا جعفر بن محمد، انا السّلفيّ، أنا القاضي حسن بن نصر بن مرهف بنهاوند (1): أنشدنا أبو القاسم القشريّ لنفسه: [من السريع]:
البدر (2) من وجهك مخلوق ... والسّحر من طرفك مسروق
يا سيدا يتمنّى حبّه ... عبدك من صدّك مرزوق
وسمع (3) من: أبي الحسين الخفّاف، وأبي نعيم الإسفرايينيّ، وأبي بكر عبدوس الحبريّ، وعبد الله بن يوسف الإصبهاني، وأبي نعيم أحمد بن محمد المهرجانيّ، وعليّ بن أحمد الأهوازيّ، وأبي عبد الرحمن السّلمي، وأبي سعيد محمد بن إسماعيل الإسماعيليّ، وابن باكويه الشّيرازيّ بنيسابور.
ومن: أبي الحسين بن بشران، وغيره ببغداد.
وكان إماما قدوة، مفسرا محدّثا، فقيها متكلّما، نحويّا كتابيا شاعرا.
قال أبو سعد بن السّمعاني: لم ير أبو القاسم مثل نفسه في كماله وبراعته. جمع بين الشّريعة والحقيقة.
__________
(1) نهاوند: مدينة عظيمة وقديمة ببلاد فارس، فتحها المسلمون سنة 21هـ، يمر بها نهر كبير وتبعد عن همذان 14فرسخا. «ياقوت: معجم البلدان 5/ 313».
(2) البيتان في: الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 232، وابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 207وله نظم في: السبكي: الطبقات 5/ 162160، ودمية القصر 2/ 996994.
(3) ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 562.(1/457)
أصله من ناحية أستوا، وهو قشيريّ الأب، سلّميّ الأم (1).
روى عنه: ابنه عبد المنعم، وابن ابنه أبو الأسعد هبة الرحمن، وأبو عبد الله الفراويّ، وزاهر الشّحاميّ، ووجيه الشّحاميّ، وعبد الوهاب ابن شاه الشّاذياخيّ، وعبد الجبار الخواريّ، وعبد الرحمن بن عبد الله البحيريّ، وخلق سواهم. ومن القدماء: أبو بكر الخطيب وغيره.
وقال الخطيب (2): كتبنا عنه وكان ثقة، وكان يقصّ وكان حسن الموعظة، مليح الإشارة وكان يعرف الأصول على مذهب الأشعريّ، والفروع على مذهب الشّافعيّ.
قال لي: ولدت في ربيع الأول سنة ستّ وسبعين وثلاثمئة.
قال القاضي شمس الدين بن خلكان (3): صنّف أبو القاسم (التفسير الكبير)، وهو من أكبر التّفاسير، وصنّف (الرّسالة في رجال الطّريقة).
وحجّ مع البيهقيّ، وأبي محمد الجوينيّ (4).
وكان له في الفروسية، واستعمال السّلاح يد بيضاء (5).
وقال فيه أبو الحسن الباخرزيّ في (دمية القصر) (6): لو قرع الصّخر بسوط تحذيره لذاب، ولو ربط إبليس في مجلسه لتاب، وله: (فصل الخطاب في فضل النّطق المستطاب) (7). كما هو في التّكلم على مذهب الأشعري، خارج في إحاطته بالعلوم عن الحدّ البشريّ، كلماته للمستفيد فرائد، وفوائد، وعتبات منبره للعارفين وسائد. وله شعر يتوّج به دروس مماليه، إذ ختمت به أذناب أماليه.
__________
(1) ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 5/ 563، والسبكي: طبقات الشافعية 5/ 162153، المنتظم 16/ 148، المنتخب من السياق 334.
(2) تاريخ بغداد 11/ 83.
(3) في وفيات الأعيان 3/ 206، والرسالة القشيرية وهي في التصوف، وانظر طبقات المفسرين للسيوطي 2221والبغدادي: هدية العارفين 1/ 608607.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 148.
(5) ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 206.
(6) دمية القصر: طبعة بغداد 2/ 245243.
(7) حاجي خليفة: كشف الظنون 2/ 1260.(1/458)
قال عبد الغافر في تاريخه (1): ومن جملة أحواله ما خصّ به من المحنة في الدين، وظهور التعصّب بين الفريقين، في عشر سنة أربعين، إلى خمس وخمسين وأربعمئة، وميل بعض الولاة إلى الأهواء، وسعي بعض الرؤساء إليه بالتخليط، حتى أدّى ذلك إلى رفع المجالس، وتفرّق شمل الأصحاب، وكان هو المقصود من بينهم حسدا، حتى اضطرّ إلى مفارقة الوطن، وامتدّ في أثناء ذلك إلى بغداد فورد على القائم بأمر الله. ولقى منها قبولا، وعقد له مجلس في منازله المختصّة به. وكان ذلك بمحضر ومرأى منه، وخرج الأمر بإعزازه، وإكرامه، فعاد إلى نيسابور: وكان يختلف بها إلى طوس بأهله.
وبعض أولاده، حتى طلع صبح النّوبة الألب أرسلانيّه (2)، سنة خمس وخمسين، فبقي عشر سنين، مرفّها محترما مطاعا معظما. ولأبي القاسم (3): [من الطويل]:
سقى الله وقتا كنت أخلو بوجههم ... وثغر الهوى في روضة الأنس ضاحك
أقمنا زمانا والعيون قريرة ... وأصبحت يوما والجفون سوافك
قال عبد الغافر الفارسي: توفيّ الأستاذ عبد الكريم، صبيحة يوم الحد السادس عشر من ربيع الآخر.
قلت: وله عدة أولاد أئمة: عبد الله، وعبد الواحد، وعبد الرحيم، وعبد المنعم وغيرهم. ولمّا مرض لم تفته ولا ركعة قائما حتى توفيّ.
ورآه في النوم أبو تراب المراغيّ يقول: أنا في أطيب عيش وأكمل راحة.
477 - عمر بن القاضي (4) أبي عمر محمد بن الحسين. المؤيّد أبو المعالي البسطاميّ، سبط أبي الطّيّب الصّعلوكيّ. سمع: أبا الحسين الخفّاف، وأبا الحسن العلويّ. وأملى مجالس.
__________
(1) العبارة التي وردت في المنتخب من السياق 334هي: «أبو القاسم الإمام مطلقا، الفقيه، المتكلّم لأصولي المفسّر الأصوليّ، المفسّر، الأديب، النحوي، الكاتب الشاعر، لسان عصره، وسيد وقته، وسرّ الله بين خلقه، شيخ المشايخ وأستاذ الجماعة ومقدم الطائفة».
(2) أي: دولة ألب أرسلان السلطان السلجوقي.
(3) البيتان في: الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 232.
(4) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 7/ 248، الإسنوي: الطبقات 2/ 87وابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 823.(1/459)
روى عنه: سبطه هبة الله سهل السّيّديّ، وزاهر ووجيه أبناء طاهر الشّحّاميّ وغيرهم.
سنة ست وستين وأربعمئة
478 - عبد الله (1) بن محمود. أبو عليّ البرزيّ، الفقيه الشافعيّ.
من علماء دمشق، كان يحفظ (المزنيّ).
سمع: عبد الرحمن بن أبي نصر.
روى عنه: ابن الأكفانيّ.
سن سبع وستين وأربعمئة
479 - عبد الرحمن (2) بن محمد المظفّر بن محمد داود بن أحمد بن معاذ بن سهل بن الحكم بن شيرزاد.
أبو الحسن بن أبي طلحة الدّاووديّ، البوشنجيّ، شيخ خراسان جمال الإسلام رضي الله عنه.
ذكره أبو سعد (3) السّمعانيّ فقال: وجه مشايخ خراسان فضلا عن ناحيته، المعروف في أصله وفضله وسيرته وطريقته. له قدم في التّقوى راسخ، يستحق أن يطوى للتبرّك بلقائه فراسخ. وفضله في الفنون مشهور، وذكره في الكتب مسطور. وأيامه غرر، وكلماته درر.
قرأ الأدب على أبي عليّ الفنجكردي (4)، والفقيه على: أبي بكر القفّال المروزيّ،
__________
(1) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 1/ 234، وابن الصلاح طبقات فقهاء الشافعية 2/ 796، تاريخ دمشق 38/ 292والبرزي: نسبة إلى بلدة برزة شمالي دمشق.
(2) ترجمته في: ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 112، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 327، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 536، السمعاني: الأنساب 5/ 263، الذهبي: العبر 3:
264، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 117ابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات 2/ 295، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 168.
(3) ابن السمعاني: الأنساب 5/ 263.
(4) نسبة إلى فنجكرد من قرى نيسابور الأنساب 9/ 334.(1/460)
وأبي الطّيب الصّعلوكيّ، وأبي طاهر الزّيادي، والأستاذ أبي حامد الإسفرائينيّ، وأبي الحسن الطّبسيّ، وأبي سعيد يحيى بن منصور الفقيه البوشنجيّ (1).
وسمعت أنّ ما كان يأكله في حالة التّفقّه والمقام ببغداد وغيرها يحمل إليه من فوشنج (2) احتياطا في المأكول.
وصحب أبا عليّ الدّقّاق، وأبا عبد الرحمن السّلمي بنيسابور، والإمام فاخر السّجزيّ ببست. في رحلته إلى غزنه، ولقي يحي بن عمّار (3). ودخل بغداد سنة تسع وتسعين وثلاثمئة، ورجع إلى وطنه سنة خمس وأربعمئة، وأخذ في مجلس التّذكر، والتّدريس والفتوى، والتّصنيف، وكان له حظ وافر من النّظم والنّثر (4).
سمع ببوشنج عبد الله بن أحمد حمّويه السّرخسي، وهو آخر من حدّث عنه.
وبهراة أبا محمد بن أبي سريج.
وبنيسابور: أبا عبد الله الحاكم، وعبد الله بن باكويه، وابن محمش.
وببغداد أبا الحسن بن الصّلت وأبا عمر بن مهديّ، وعليّ بن عمر التّمار. حدّثنا عنه: مسافر بن محمد، وأخوه أحمد، وأبو المحاسن أسعد بن زياد المالينيّ (5). وأبو الوقت عبد الأوّل. وعائشة بنت عبد الله البوشنجيّة.
قال أبو سعد السّمعانيّ: سمعت يوسف بن محمد بن فاروق الأندلسيّ: سمعت عليّ بن سليمان المراديّ يقول: كان أبو الحسن عبد الغافر بن اسماعيل يقول: سمعت (الصّحيح) من أبي سهل الحفصيّ، وأجازه لي أبو الحسن الدّاووديّ، وإجازة الدّاووديّ، أحبّ إليّ من السّماع من الحفصيّ (6). وسمعت سعد يقول (7): كان شيخنا الدّاووديّ بقي أربعين سنة لا يأكل اللّحم وقت تشوّش التركمان واختلاط النّهب، فأضرّ
__________
(1) ابن الجوزي: التنظيم 16/ 169.
(2) ابن السمعاني: الأنساب 5/ 263، وفوشنج هي بلدة بوشنك القديمة على سبعة فراسخ من هراة بخراسان والنسبة إليها فوشنجي (الأنساب 9/ 346).
(3) عبد الغافر: المنتخب من السياق 312.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 168، 169.
(5) سير أعلام النبلاء 18/ 224، الأنساب 5/ 264.
(6) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 228، سير أعلام النبلاء 18/ 224.
(7) الإسنوي: طبقات 1/ 525، وسير أعلام النبلاء 18/ 224، السمعاني: الأنساب 5/ 263.(1/461)
به، فكان يأكل السّمك ويصطاد له من نهر كبير، فحكي له أنّ بعض الأمراء أكل على حافة ذلك النّهر، ونفضت سفرته، وما فضل منه شيء في النهر، فما أكلّ السّمك بعد ذلك (1).
قال أبو سعد: وسمعت محمود بن زياد الحنفيّ يقول: سمعت المختار بن عبد الحميد البوشنجيّ يقول: صلّى الإمام أبو الحسن الدّاوديّ أربعين سنة، وكانت يده خارجة من كمّه استعمالا للسّنة، واحتياطا لأحد القولين في وضع اليدين وهما مكشوفتان في حالة السجود (2).
قال أبو القاسم عبد الله بن عليّ أخو نظام الملك: كان أبو الحسن الداووديّ لا تسكن شفتيه من ذكر الله، فحكي أنّ مزيّنا أراد أن يقصّ شاربه، فقال: سكّن شفتك. فقال:
قل: للزّمان حتى يسكن.
ودخل أخي نظام الملك عليه (3). فقعد بين يديه، وتواضع له فقال له: أيّها الرجل، إنّك سلطان الله على عباده، فانظر كيف تجيبه إذا سألك عنهم (4)؟ ومن شعر الدّاووديّ (5): [من السريع]:
ربّ تقبّل علمي ... ولا تخيّب أملي
أصلح أموري كلّها ... قبل حلول الأجل
يا شارب الخمر اغتنم توبة ... قبل التفاف السّاق بالسّاق (6)
الموت سلطان له سطوة ... يأتي على المسقيّ والسّاقيّ
قال عبد الغافر الفارسي (7): ولد الدّاووديّ في ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وثلاثمئة.
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 169.
(2) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 225.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 169وسير أعلام النبلاء 18/ 215.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 169وسير أعلام النبلاء 18/ 215.
(5) البيتان في طبقات الاسنوي 1/ 525، وسير أعلام النبلاء 18/ 225.
(6) البيتان في: الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 225، 226.
(7) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 169والمنتخب من السياق 312.(1/462)
وقال الحسين بن محمد الكتبي: توفيّ بفوشنج في شوّال (1). وفوشنج، ويقال بالباء، مدنية صغيرة (بشين معجمة) على سبعة فراسخ من هراة رحمه الله تعالى.
480 - عليّ بن الحسن بن عليّ بن أبي الطّيب. الرئيس الأديب، أبو الحسن، الباخرزيّ (2) الشاعر مصنّف «دمية القصر». كان واحدا في فنّه.
تفقّه في مذهب الشّافعيّ، ولازم أبا محمد الجوينيّ، ثم شرع في الأدب، وأقبل على الكتابة والإنشاء، واختلف إلى ديوان الرسائل، وتنقّلت به الأحوال، وعجائب في أسفاره، وسمع الحديث وألّف كتاب (دمية القصر)، وهو ذيل (ليتيمة الدهر) للثعالبي في الشّعراء، ذكر فيه خلقا كثيرا، وقد وضع على كتابه: أبو الحسن عليّ بن زيد البيهقيّ كتابا سمّاه (وشاح الدّمية)، كذا سمّاه أبو سعد السمّعانيّ في (الذّيل). وسمّاه العماد في كتاب (الخريدة)، شرف الّدين عليّ بن عليّ بن الحسين البيهقيّ.
وللباخرزيّ ديوان شعر كبير منه (3):
يا فالق الصّبح من لألاء غرّته (4) ... وجاعل اللّيل من أصداغه سكنا
بصورة الوثن استعبدتني وبها ... فتنتني وقديما هجت لي شجنا
لا عزو أن أحرقت نار الهوى كبدي ... فالنّار حقّ على من يعبد الوثنا
قتل بباخرز، وهي ناحية من نواحي نيسابور، وذهب دمه هدرا في شهر ذي القعدة.
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 169، والأنساب 5/ 264 «وعند ابن الجوزي فوشيخ» وبوشنج، أنه توفي في سنة 467هـ بشهر شوال، وولادته في سنة 374هـ «المنتظم 16916».
(2) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 809، الذهبي: سير النبلاء 18/ 63، 364، ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 387العبر 3/ 265، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 257256، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 327، ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 112 حاجي خليفة: كشف الظنون 761، 1103، ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة 5/ 99، الإسنوي: الطبقات 1/ 236234ياقوت: معجم البلدان 1/ 316، هدية العارفين للبغدادي 1/ 692، معجم الأدباء 13/ 4833: ياقوت.
(3) الأبيات في: ياقوت: معجم الأدباء 13/ 48، وابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 388.
(4) غرّته: بياض في جبين الفرس، والمراد وجهه.(1/463)
سنة ثمان وستين وأربعمئة
481 - عبد الكريم (1) بن أحمد بن طاهر. أبو سعد، التّميمي الطّبري، المعروف بالوزّان.
روى بهمذان، وولي قضاءها في هذه السّنة. ولا أعرف كم عاش بعدها.
روى عن منصور السّمرقنديّ الكاغديّ، وأبي بكر القفّال المروزيّ، وأبي بكر الحيريّ، وعليّ بن محمد الطرّازيّ، وعبد الرحمن السّرّاج.
قال شيرويه: كان صدوقا. سمعت منه. وكان واسع العلم قد استمليت عليه.
قلت: توفيّ سنة ثمان أو تسع وستين.
روى عنه: زاهر الشّحاميّ، وأبو عليّ أحمد بن سعد العجليّ (2).
وقال ابن السّمعانيّ: نزل الرّيّ وسكنها. وكان من كبار عصره فضلا وحشمة وجاها.
له القدم الرّاسخ في المناظرة، وإفحام الخصوم. تفقّه على القفّال، وبرع في الفقه. وقلد سنة إحدى وتسعين وثلاثمئة. ومات سنة ثمان وستين، وقيل: سنة تسع وستين (3).
482 - عليّ بن أحمد بن محمد بن عليّ أبو الحسن الواحديّ (4).
__________
(1) ترجمته في: ابن الأثير: اللباب 3/ 363، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 151، الاسنوي:
الطبقات 2/ 545وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 558، والمنتخب من السياق 335، 336 (رقم 1105).
(2) أحمد بن سعد بن علي العجلي الهمذاني البديع، أبو علي (السبكي طبقات الشافعية 6/ 17، 18).
(3) عبد الغافر: المنتخب من السياق 336، والسبكي: طبقات الشافعية 5/ 151.
(4) ترجمته في: الذهبي: سير النبلاء 18/ 339، وابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 304303، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 219ياقوت: معجم الأدباء 12/ 257، ابن الأثير: الكامل 10/ 101، إنباه الرواة 2/ 223، 225وابن كثير: البداية 12/ 114وابن العماد: شذرات الذهب 3/ 330، السيوطي: بغية الوعاة 2/ 125، ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة 5/ 104، حاجي خليفة كشف الظنون 1/ 76، 809، 1277، البغدادي: هدية العارفين 1/ 692.
الإسنوي: الطبقات 2/ 538ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 808، المنتخب من السياق 387، الأعلام 4/ 255الواحديّ: نسبة إلى الواحد بن مهرة (ذكرّه أبو أحمد العسكري).
وفيات الأعيان 3/ 304.(1/464)
أصله من ساوة (1)، وله أخ اسمه عبد الرحمن، قد تفقّه وحدّث أيضا.
كان الأستاذ أبو الحسن واحد عصره في التّفسير. لازم أبا إسحاق الثّعلبيّ المفسّر، وأخذ عنه.
وأخذ العربيّة عن: أبي الحسن القهندزيّ (2). الضرّير. ودأب في العلوم.
وسمع: أبا طاهر الزيادي، وأبا بكر الحيريّ، وأبا إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، ومحمد بن المزكيّ وإبراهيم بن محمد بن يحيى، وعبد الرحمن بن حمدان النّصرويّ، وأحمد بن إبراهيم النّجار، وجماعة.
روى عنه: أحمد بن عمر الأرغيانيّ (3)، وعبد الجبار بن محمد الخواريّ (4).
وطائفة من العلماء.
صنّف التّفاسير الثلاثة، (البسيط)، و (الوسيط)، و (الوجيز) (5).
وبهذه الأسماء سمّى الغزالي كتبه الثلاثة في الفقه، وصنّف (أسباب النزّول) (6) في مجلد، (والتّحبير في شرح الأسماء الحسنى) (7). (وشرح ديوان المتنبي) (8).
وكان من أئمّة العربيّة واللغة. وله أيضا، كتاب (الدّعوات)، وكتاب (المغازي)، وكتاب (الإغراب في الإعراب)، وكتاب (تفسير النبيّ صلى الله عليه وسلم) (9).
وكتاب (نفي التحرّيف عن القرآن الشريف). وتصدّر للإفادة، والتدّريس مدّة. وكان معظما محترما، لكنه كان يزري على العلماء، فيما قيل: ويبسط لسانه فيهم بما لا يليق.
__________
(1) ساوة: مدينة بإقليم فارس، تقع بين الريّ، وهمذان بمنتصف الطريق بينهما «ياقوت: معجم البلدان 3/ 179».
(2) قهندز: هي قهندز نيسابور المسوّرة / الأنساب 10/ 274، 277.
(3) الأرغياني: نسبة إلى أرغيان: إحدى نواحي نيسابور وبها عدة قرى / الأنساب 1/ 185، 186.
(4) الخواري: نسبة إلى خوار الري وهي مدينة على 18فرسخا من الري / الأنساب 5/ 195.
(5) طبع الوجيز بهامش كتاب: التفسير المنير لمعالم التنزيل / للشيخ محمد نوري الجاوي سنة.
(6) طبع بمصر سنة 1315هـ دققه أحمد صقر.
(7) طبع عدة طبعات الأولى سنة 1271هـ بومباي، والثانية في برلين بين سنتي 18611858.
(8) ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية 1/ 464.
(9) ابن القاضي شهبة: طبقات الشافعية 1/ 464.(1/465)
وله شعر مليح.
توفي بنيسابور (1)، في جمادى الآخرة، وعاش بعده أخوه تسع عشر سنة.
وقد قال الواحديّ في مقدمّة (البسيط) (2): وأظنني لم آل جهدا في إحكام أصول هذا العلم على حسب ما يليق بزماننا. إلى أن قال: فأمّا اللّغة فقد درستها على أبي الفضل أحمد بن محمد بن يوسف القروضّي، وكان قد خنق التّسعين في خدمة الأدب، وروى عن: أبي منصور الأزهري كتاب (التّهذيب). وأدرك العامريّ، وجماعة.
وسمع أبا العبّاس الأصّم، وله مصنّفات كبار. وقد لازمته سنين. وأخذت التّفسير عن الثعلبي والنّحو عن أبي الحسن عليّ بن محمد بن إبراهيم الضّرير، وكان من أبرع أهل زمانه في لطائف النحو وغوامضه، علّقت عنه قريبا من مائة جزء في المسائل المشكلة.
وسمعت منه أكثر مصّنفاته. وقرأت القراءآت على جماعة، سمّاهم وأثنى عليهم.
وقد قال الواحديّ كلمة تدلّ على حسن نقيبته فيما نقله أبو سعد السّمعاني، في كتاب (التذكرة) له في ذكر الواحديّ.
قال: وكان حقيقا بكل احترام وإعظام، ولكن كان فيه بسط اللّسان في الأئمة المتقدّمين (3)، حتى سمعت أبا بكر أحمد بن محمد بن بشار بنيسابور مذاكرة يقول: كان عليّ ابن أحمد الواحديّ يقول: صنّف أبو عبد الرحمن السّلّمي كتاب (حقائق التفسير)، ولو قال: إنّ ذاك تفسير للقرآن لكفر به.
قلت: صدق والله.
483 - محمد بن أحمد (4) الشيخ أبو الفضل التمّيميّ المروزيّ.
أحد أئمّة مرو ورؤسائها.
سمع: الحسين بن عليّ المنصوريّ.
روى عنه: زاهر ووجيه ابنا الشّحّاميّ.
__________
(1) معجم الأدباء 12/ 258، البداية والنهاية 11412.
(2) كتاب البسيط 16مجلدا في التفسير معجم الأدباء: ياقوت 5712.
(3) ابن العماد: شذرات 2303، ابناه الرواة: القفسطي «2232».
(4) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 13، الإسنوي الطبقات 1/ 312، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 836.(1/466)
484 - محمد بن القاسم (1) بن حبيب بن عبدوس.
أبو بكر النّيسابوريّ، الصّفّار، الفقيه المفتيّ. سمع: أبا نعيم عبد الملك الإسفرايينيّ، وأبا الحسن العلويّ، وأبا عبد الله الحاكم، وعبد الله بن يوسف.
روى عنه: زاهر ووجيه الشّحّاميّان.
توفيّ في ربيع الأول.
ذكره ابن السّمعانيّ فقال: تفقّه على أبي محمد الجوينيّ وخلفه في حلقته لما حجّ.
وسمعت أبا عاصم العبّاديّ بقول: ما رأيت أحسن فتيا منه وأصوب.
قال: وتوفيّ رحمه الله في ربيع الآخر.
485 - محمد بن محمد بن (2) عبد الله بن أحمد.
القاضي أبو الحسن البيضاويّ البغداديّ الفقيه، قاضي الكرخ، ختن القاضي أبي الطيّب الطّبريّ. وعليه تفقّه حتى صار من كبار الأئمّة، وكان خيّرا صالحا، سليم المعتقد.
سمع من: أبي الحسن بن الجنديّ، وإسماعيل بن الحسن الصّرصريّ.
روى عنه: أبو محمد بن الطّراح، وأبو عبد الله السّلّال، وقاضي المرستان.
وقال الخطيب: كتبت عنه وكان صدوقا.
ولد أبو الحسن سنة اثنتين وتسعين وثلاثمئة.
وتوفيّ رحمه الله في شعبان.
486 - ناصر بن أحمد (3) بن أحمد بن العبّاس. أبو نصر الطّوسيّ الفقيه الشّافعيّ.
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 195194، الإسنوي الطبقات 2/ 139، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 240وابن العماد: شذرات الذهب 3/ 331، ابن الأثير:
الكامل 10/ 101، ابن الجوزي: المنتظم: 16/ 174.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 186، الإسنوي 1/ 236، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 872 «تاريخ بغداد 3/ 239، الأنساب 2/ 361، المنتظم 8/ 300، معجم البلدان 1/ 529، البداية والنهاية 12/ 113».
(3) تاريخ بغداد: 3/ 239، الأنساب 2/ 398، 3/ 350349، / 165164، 1/ 529، البداية والنهاية 2/ 892.(1/467)
من كبار الأئمة.
تفقّه على أبي محمد الجويني. وكانت له كتب كثيرة مفتخرة.
روى عن ابن محمش الزّياديّ، وأبي بكر الحيريّ.
وأكثر عن المتأخرين.
487 - يعلى بن هبة الله بن الفضيل.
أبو صاعد الفضيليّ، الهرويّ القاضي.
من بقايا الشيّوخ بهراة.
روى عن عبد الرحمن بن أبي سريج، وغيره.
وعنه: أبو الوقت، وهو آخر من حدّث عنه.
عاش أربعا وثمانين سنة.
ومن الرّواة عنه: أبو الفخر جعفر بن أبي طالب الهرويّ.
سنة تسع وستين وأربعمئة
488 - عبد الله (1) بن محمد بن إبراهيم.
العلّامة أبو محمد الإصبهانيّ، الشافعيّ الكرونيّ، مفتي البلد وإمام الجامع العتيق.
سمع: ببغداد من الحماميّ، وابن بشران.
أرّخه يحي بن منده.
489 - يحي (2) بن علي بن محمد.
أبو القاسم، الحمدويي (3) الكشميهنيّ، المروزيّ الفقيه الشّافعيّ.
قال السّمعانيّ: كان فقيها مدّرسا، ورعا متقنا.
__________
(1) والمنتخب في: الإسنوي: الطبقات 2/ 348347، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 793.
(2) ترجمته في الإسنوي: الطبقات 2/ 348، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 357، وابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 900 «والأنساب 4/ 211، واللباب 1/ 387».
(3) الحمدوييّ: نسبة إلى حمدويه أحد أجداده، «ابن الأثير: اللباب 1/ 387».(1/468)
قيل: إنّه تفقّه على أبي محمد الجوينيّ (1).
وسمع الحديث وأملي عدّة مجالس.
وحجّ سنة ثلاث وعشرين وأربعمئة، وسمع (2): أباه، وأبا الهيثم محمد بن مكيّ الكشميهينيّ، كذا قال ابن السّمعاني / وأبا سعد المالينيّ، وأبا بكر البرقانيّ، وأبا عليّ بن شاذان.
سنة سبعين وأربعمئة
490 - أحمد بن عبد الملك (3) بن علي بن أحمد بن عبد الصّمد بن بكر.
أبو صالح، النّيسابوريّ، المؤذّن الحافظ الصّوفيّ.
محدّث نيسابور.
سمع: أبا نعيم عبد الملك الإسفراينيّ، وأبا الحسن العلويّ، وأبا طاهر الزّياديّ، وأبا يعلى المهلّبيّ، وعبد الله بن يوسف بن مامويه، وأبا عبد الله الحاكم، وأبا عبد الرحمن السّلّمي، وخلقا من أصحاب الأصمّ.
ورحل فسمع بجرجان من حمزة بن يوسف الحافظ، وبإصبهان من أبي نعيم، وببغداد من أبي القاسم بن بشران، وبدمشق من: المسدّد الأملوكيّ (4)، وعبد الرحمن بن الطّبيّز (5). وأمثالهم.
وبمكة من أبي ذر الهرويّ، وبمنبح (6). من الحسن بن الأشعث المنبجيّ.
__________
(1) ابن الأثير: اللباب 3871.
(2) ابن الأثير: اللباب 3871.
(3) ترجمته في: ابن الجوزي: المنتظم 16/ 193، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/ 267، معجم الأدباء 3/ 224ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 3/ 159158، وسير أعلام النبلاء 18/ 442419، ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 118. وابن العماد: شذرات الذهب 3/ 335، النجوم الزاهرة 5/ 106وهدية العارفين 1/ 79، الإسنوي: طبقات الشافعية 2/ 408، 409، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 710.
(4) الأملوكيّ: نسبة إلى أملوك وهو بطن من ردمان، وردمان بطن من رعين «الأنساب 1/ 349».
(5) الطّبيز: انظر: المشتبه 2/ 418.
(6) منبج: مدينة هامة في سورية، تتبع إلى حلب وتبعد عنها عشرة فراسخ، وعن الفرات ثلاثة فراسخ(1/469)
وصحب في الطّريق أبا عليّ الدّقّاق، وأحمد بن نصر الطّالقانيّ.
وعمل مسوّدة (تاريخ مرو).
قال زاهر الشّحاميّ: خرّج أبو صالح ألف حديث، عن ألف شيخ له (1). وقال الخطيب (2): قدم أبو صالح علينا في حياة ابن بشران، وكتب عنّي وكتبت عنه، وقال لي: أول سماعيّ سنة تسع وتسعين وثلاثمئة. وكنت إذ ذاك قد حفظت القرآن، وكان ثقة.
قلت: ولد سنة ثمان وثمانين. وأوّل سماعه كان من أبي نعيم الإسفرايينيّ لمّا قدم نيسابور، وحدّث بمسند الحافظ أبي عوانة (3).
وذكره أبو سعد السّمعانيّ فقال (4): صوفيّ حافظ متقن، نسيج وحده في الجمع والإفادة. وكان الاعتماد عليه في الودائع من كتب الحديث، التي في الخزائن، المرويّة عن المشايخ، والموقوفة على أصحاب الحديث، فيتعهّد حفظها. ويتولّى أوقاف المحدّثين في الخبز والكاغد، وغير ذلك. ويؤذّن في المدرسة البيهقيّة مدّة سنين احتسابا.
ووعظ المسلمين وذكّرهم الأذكار في اللّيالي في المئذنة. وكان يأخذ صدقات الرؤساء والتّجار ويوصلها إلى المستحقّين والمستورين (5).
قلت: روى عنه (6): ابنه اسماعيل، وزاهر ووجيه ابنا الشّحاميّ، وعبد الكريم بن الحسين البسطاميّ، ومحمد بن الفضل الفراويّ، وعنه: عبد المنعم ابن القشيريّ، وأبو الأسعد القشيريّ وآخرون.
وقال الحافظ عبد الغافر (7) بن إسماعيل أبو صالح، المؤذن، الأمين المتقن المحدّث
__________
ياقوت: معجم البلدان 5/ 207205.
(1) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 193وسير أعلام النبلاء 18/ 420.
(2) تاريخ بغداد 4/ 267.
(3) ياقوت: معجم الأدباء 3/ 224، 225.
(4) إرشاد الأريب 1/ 219، البداية والنهاية 12/ 118.
(5) شذرات الذهب 3/ 335، الأعلام 1/ 163، ياقوت: معجم الأدباء 3/ 226224.
(6) الإسنوي: طبقات الشافعية 2/ 408، 409.
(7) المنتخب من السياق 107.(1/470)
الصّوفيّ، نسيج وحده في طريقته، وجمعه وإفادته. ما رأينا مثله قطّ، وحفظ القرآن، وجمع الأحاديث، وسمع الكثير وجمع الأبواب، والشّيوخ، وأذّن سنين حسبة. وتوفيّ في سابع رمضان (1). وكان يحثّنيّ على معرفة الحديث. ولم أتمكن من جمع هذا الكتاب، إلّا من مسوّداته، ومجموعاته، فهي المرجوع إليها فيما أحتاج إلى معرفته وتخريجه (2).
إلى أن قال: ولو ذهبت أشرح ما رأيت منه، لسوّدت أوراقا جمّة، وما انتهيت إلى استيفاء ذلك. سمعت منه كتاب (الحلية) لأبي نعيم بتمامه، و (معجم) الطّبرانيّ، ومسند (الطيّالسيّ) (والأحاديث الألف). ما تفرّغ لعقد الإملاء من كثرة ما هو بصدده من الإشتغال والقراءة عليه (3).
وقال أبو جعفر محمد بن أبي عليّ الهمذانيّ: سمعت أبا بكر محمد بن أبي زكريّا المزكيّ يقول: ما يقدر احد أن يكذب في الحديث في هذه البلدة، وأبو صالح حي.
وسمعت أبا المظفر منصور بن السّمعانيّ يقول: إذا دخلتم على أبي صالح، فادخلوا بالحرمة، فإنّه نجم الزّمان، وشيخ وقته في هذا الأوان.
قال أبو سعد السّمعانيّ رآه بعض الصالحين في النوم ليلة وفاته، وكأن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قد أخذ بيده، وقال له: جزاك الله عنيّ خيرا، فنعم ما أقمت بحقيّ، ونعم ما أدّيت من قولي، ونشرت من سنّتيّ.
وممن توفيّ في هذا الوقت تقريبا 491الحسين بن عبد الله بن الحسين (4) بن الشّويخ. الفقيه أبو عبد الله الأرمويّ الشّافعيّ.
سمع أبا محمد عبد الله بن عبيد الله بن البيّع، وعبد الواحد بن سبنك ببغداد، ومحمد بن محمد بن محمد بن بكر الهزّانيّ بالبصرة.
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 193، المنتخب من السياق 108.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 193، المنتخب من السياق 108.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 193، المنتخب من السياق 108.
(4) ترجمته في الإسنوي: الطبقات 2/ 92، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 743، الأنساب 1/ 190.(1/471)
روى عنه: عمر الرّواسيّ. وتوفيّ بمصر بعد السّتيّن وأربعمائة.
قاله السّمعانيّ.
وروى عنه الرّازيّ في مشيخته.
492 - عبد الله بن (1) محمد بن إبراهيم. أبو محمد الكرونيّ الإصبهانيّ. أحد أئمّة الشّافعيّة.
تفقّه على أبي الطيّب الطّبريّ ببغداد.
وسمع من: أبي الحسين بن بشران، وهبة الله اللّالكائيّ، وجماعة كثيرة.
روى عنه: محمد بن عبد الواحد الدّقّاق، وغانم بن خالد، ومحمود بن أحمد الخانيّ.
قال السّمعانيّ: توفيّ سنة نيّف وستين.
493 - عبد الرحمن (2) بن الحسين بن أحمد. أبو حنيفة، الزّوزنيّ الفقيه الشّافعيّ، نزيل نيسابور. شيخ بهيّ رئيس، كثير التلاوة، بارع الخطّ.
كان يداوم على كتابة المصاحف ويتأنّق فيها. ونفق سوقه، وازدحموا على مصاحفه.
سمع أبا بكر الحيريّ، ومنصور بن رامش. توفي سنة نيف وستّين.
494 - عبد الكريم (3) بن أحمد بن طاهر بن أحمد. أبو سعد التّميميّ الوزّان.
من أهل طبرستان.
سكن الرّي، وكان من كبار عصره، فضلا وحشمة، وجاها. له قدم في المناظرة، وإفحام الخصوم.
__________
(1) ترجمته في: الإسنوي: الطبقات 2/ 347، 348، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 793.
(2) ترجمته في: الإسنوي: الطبقات 1/ 617، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 768.
(3) ترجمته في: ابن الأثير: اللباب 3/ 363، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 151، الإسنوي:
الطبقات 2/ 545. وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 558، 559، المنتخب من السياق 335، 336وتاريخ نيسابور (ت 1105).(1/472)
تفقّه بمرو على الإمام أبي بكر القفّال (1).
495 - عقيل بن محمد (2) بن عليّ أبو الفضل الفارسيّ، ثم البعلبكّيّ الفقيه الشّافعيّ.
روى عن: أبي بكر محمد بن عبد الرحمن القطّان، وعبد الرحمن بن أبي نصر.
روى عنه: الرّواسيّ، وهبة الله بن الأكفانيّ، وابنه أحمد بن عقيل. وكان يحفظ «مختصر المزنيّ».
496 - محمد بن أحمد الفقيه (3). أبو المّظفّر التّميميّ المروروذيّ (4)، الشّافعيّ الواعظ.
روى عن عبد الرحمن بن أبي نصر التّميميّ الدّمشقيّ وجماعة.
روى عنه عبد العزيز بن الكتّانيّ وعليّ بن الخضر، ومحي السّنة أبو محمد البغويّ.
قلت: هذا قد مرّ في سنة ثمان وستين.
497 - محمد بن عبد الرحمن بن أحمد. القاضي أبو عمرو النّسويّ، الملقّب بأقضى القضاة. من أكابر أهل خراسان فضلا وحشمة، وإفضالا وجاها.
وكان رسول الملوك إلى الخلافة المشرّفة.
فسمع: أبا بكر الحيريّ، وأبا اسحاق الإسفرائينيّ، ومحمد بن زهير النّسائيّ.
وبمكّة: أبا ذر الهرويّ، وابن نظيف.
وبدمشق: أبا الحسن ابن السّمسار.
أملى سنين، ونكلّم على الأحاديث.
روى عنه: أبو عبد الله الفراويّ، وأبو المظفّر القشيريّ، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذّن، وعبد الغافر الفارسيّ في تاريخه، وأطنب في وصفه.
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 188، تاريخ نيسابور (ت 1105).
(2) ترجمته في: الإسنوي: الطبقات 2/ 270، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 806وابن منظور: مختصر دمشق 17/ 128.
(3) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 841، وابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 21/ 325 (رقم 274).
(4) المرورّوذيّ: نسبة إلى مرو الرّوذ، بلدة مبنية على وادي مرو، وقد يخفف في النسبة إليها فيقال:
المروذي: أيضا. الأنساب 11/ 253.(1/473)
وقال: وقف بعض بساتينه بنسا (1)، على مدرسة الصّوفيّة المنسوبة إلى أبي عليّ الدّقّاق بنسا. وله بخوارزم مدرسة اتّخذها لمّا ولي قضاءها. وعاش ثمانين سنة.
وولي قضاء خوارزم وأعمالها، وصنّف كتبا في التّفسير والفقه.
سنة إحدى وسبعون وأربعمئة
498 - سعد بن (2) عليّ بن محمد بن عليّ بن حسين أبو القاسم الزّنجانيّ، الحافظ الزاهد.
سمع: أبا عبد الله بن نظيف، وأبا عليّ الحسين بن ميمون الصّدفيّ بمصر، وبغزّة عليّ بن سلامة، وبزنجان محمد بن أبي عبيد، وبدمشق عبد الرحمن بن ياسر، وأبا الحسن الحبّال وجماعة.
وروى عنه: أبو بكر الخطيب، وهو أكبر منه، وأبو المظفر السّمعاني الفقيه، ومكّيّ الرّميليّ، وهبة الله بن فاخر، ومحمد بن طاهر المقدسيّ، وعبد المنعم بن القشيريّ، وآخرين.
وجاور بمكّة زمانا، وصار شيخ الحرم.
قال أبو الحسن محمد بن أبي طالب الفقيه الكرخيّ: سألت محمد بن طاهر عن أفضل من رأى، فقال: سعد الزّنجانيّ، وعبد الله بن محمد الأنصاريّ، فسألته أيّهما أفضل؟
فقال: عبد الله كان متفنّنا، وأمّا الزّنجانيّ فكان أعرف بالحديث منه (3).
وذلك أنيّ كنت أقرأ على عبد الله فأترك شيئا لأجرّ به، ففي بعض يردّ، وفي بعض
__________
(1) نسا: مدينة في اقليم خراسان، تبعد عن سرخس مسيرة يومين، وعن مرو خمسة أيام ياقوت:
معجم البلدان 5/ 281، 282.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 383، 386، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 754وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 120وابن العماد: شذرات الذهب 3/ 339وابن الجوزي: المنتظم 16/ 201، الإكمال لابن ماكولا 4/ 229، والسمعاني: الأنساب 6/ 307، والذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 389385، والوافي بالوفيات 15/ 180، النجوم الزاهرة 5/ 108.
(3) السبكي: طبقات الشافعية: 3854، البداية والنهاية 12012.(1/474)
يسكت، والزّنجانيّ، كنت إذا تركت اسم رجل يقول (1): تركت بين فلان، وفلان اسم فلان.
قال ابن السمّعانيّ: صدق. كان سعد أعرف بحديثه لقلّته، وعبد الله كان مكثرا (2).
قال أبو سعد (3) السّمعانيّ: سمعت بعض مشايخي يقول: كان قد [عزم] جدك أبو المظفر، على أن يقيم بمكّة ويجاور بها، صحبة الإمام سعد بن عليّ.
فرأى ليلة من الليالي والدته، كأنها قد كشفت رأسها، وقالت له: بحقيّ عليك يا بني إلا ما رجعت إلى مرو، فإنيّ لا أطيق فراقك.
قال: فانتبهت مغموما، وقلت أشاور الشيخ سعد. فمضيت إليه وهو قاعد في الحرم، ولم أقدر من الزّحام أن أكلّمه، فلمّا تفرّق النّاس وقام تبعته إلى داره، فالتفت إليّ وقال: يا أبا المظفرّ العجوز تنتظرك. ودخل البيت.
فعرفت أنّه تكلّم على ضميري، فرجعت مع الحاجّ تلك السنة (4).
قال أبو سعد: كان أبو القاسم حافظا، متيقنا، ثقة، ورعا، كثير العبادة، صاحب كرامات وآيات. وإذا خرج إلى الحرم، يخلوا المطاف ويقبّلون يده أكثر ممّا يقبّلون الحجر الأسود (5).
وقال محمد بن طاهر: ما رأيت مثله سمعت أبا اسحاق الحبّال يقول: لم يكن في الدنيا مثل أبي القاسم سعد بن علي الزّنجاني في الفضل. وكان يحضر معنا المجالس، ويقرأ الخطأ بين يديه، فلا يردّ على أحد شيئا، إلا أن يسأل فيجيب (6).
قال ابن طاهر: وسمعت الفقيه هيّاج بن عبيد يعمر ثلاث عمر، وسيأتي ذكره (7).
قال ابن طاهر: كان الشّيخ سعد لمّا عزم على المجاورة، عزم على نيف وعشرين
__________
(1) انظر: الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/ 1175، وسير أعلام النبلاء 18/ 388.
(2) انظر: الذهبي سير أعلام النبلاء، 18/ 388السمعاني: النساب 6/ 307.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 201، السمعاني: الأنساب 3076.
(4) ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 9/ 248وتذكرة الحفاظ 3/ 1174وسير أعلام النبلاء 18/ 385.
(5) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 201، السمعاني: الأنساب 6/ 307، تذكرة الحفاظ 3/ 1175.
(6) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 386.
(7) في وفيات الأعيان سنة 472هـ (ترجمة رقم 61).(1/475)
عزيمة أنه يلزمها نفسه من المجاهدات والعبادات. ومات بعد ذلك بأربعين سنة، ولم يخلّ منها بعزيمة واحدة (1).
وكان يملي بمكة، ولم يكن غيره يملي بها حين تولّى مكّة المصريّون، وإنّما كان يملي سرّا في بيته (2).
وقال ابن طاهر: دخلت على الشّيخ أبي القاسم سعد وأنا ضيّق الصّدر من رجل من أهل شيراز لا أذكره، فأخذت يده فقبّلتها، فقال لي: ابتداء من غير أن أعلمه بما أنا فيه: يا أبا الفضل، لا تضيّق صدرك، عندنا في بلاد العجم، مثل يضرب. يقال: بخل أهوازيّ، وحمامة شيرازيّ، وكثرة كلام رازيّ (3).
ودخلت عليه في أوّل سنة سبعين.
لمّا عزمت على الخروج إلى العراق حتّى أودّعه، ولم يكن عنده خير من خروجي.
فلمّا دخلت عليه قال: أراحلون فنبكي، أم مقيمون؟
فقلت: ما أمر الشّيخ لا نتعدّاه.
فقال: على أيّ شيء عزمت؟ قلت: على الخروج إلى العراق، لألحق مشايخ خراسان.
فقال: تدخل خراسان وتبقى بها، وتفوتك مصر، وتبقى في قلبك. فاخرج إلى مصر، ثم منها إلى العراق، وخراسان، فإنّه لا يفوتك شيء. ففعلت (4)، وكان في ذلك البركة.
سمعت سعد بن عليّ، وجرى بين يديه ذكر الصّحيح الذي خرّجه أبو ذرّ الهرويّ فقال: فيه عن أبي مسلم الكاتب، وليس من شرط الصّحيح (5)، قال أبو القاسم ثابت بن أحمد البغداديّ: رأيت أبا القاسم الزّنجانيّ. في المنام يقول لي مرة بعد أخرى: إنّ الله بنى لأهل الحديث بكلّ مجلس يجلسونه بيتا في الجنّة (6). ولد سعد في حدود سنة ثمانين وثلاثمئة، أو قبلها.
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 201.
(2) تذكرة الحفاظ 3/ 1175، وسير أعلام النبلاء 18/ 387.
(3) ياقوت: معجم البلدان 3/ 153.
(4) ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 120، وابن العماد: شذرات الذهب 3393.
(5) ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 339، تذكرة الحفاظ 3/ 1176وسير أعلام النبلاء 18/ 387.
(6) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 9/ 248، وتهذيب تاريخ دمشق 6/ 94.(1/476)
وتوفي في سنة إحدى وسبعين، أو في آواخر سنة سبعين بمكة (1).
عارف بالسنة وله قصيدة مشهورة في السّنة (2).
499 - سهل بن عمر بن محمد (3) بن الحسين. أبو عمر بن المؤيّد أبي المعالي البسطامي ثم النّيسابوريّ.
من بيت الإمامة والحشمة، وهو ختن عمّه الموفّق بابنته.
روى عنه: أبي الفضل عمر بن إبراهيم الهرويّ، وأصحاب الأصمّ. توفيّ في شوّال.
500 - طاهر بن محمد (4) بن شاه فور. أبو المظفر الطّوسي.
يروى عن أبي طاهر الزّياديّ وغيره. وعنه: زاهر الشّحاميّ. وكان إماما، مفسرّا أصوليا. مات بطوس في شوّال. وسمّاه عبد الغافر، شاهفور.
501 - عبد القاهر (5) بن عبد الرحمن. أبو بكر الجرجانيّ النّحويّ المشهور.
أخذ النّحو بجرجان عن أبي الحسين محمد بن الحسن الفارسيّ ابن أخت الشّيخ أبي عليّ الفارسيّ.
__________
(1) توفي سنة 471هـ له وتسعون عاما وهو الأشهر، تذكرة الحفاظ 3/ 1176.
(2) متن القصيدة:
تدبّر كلام الله واعتمد الخبر ... ودع عنك رأيا لا يلائمه أثر
ونهج الهدى فالزمه واقتد بالألى ... هم شهدوا التنزيل علّك تنجبر
(3) ترجمته في: المنتخب من السياق ص 246، (ترجمته رقم 782) والذهبي: تاريخ الإسلام (ت 12) ص 50.
(4) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 13) ص 50، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 175، وهدية العارفين 1/ 430، تبيين كذب المفتري 276، والمنتخب من السياق 253 (ت 814).
(5) ترجمته في: الذهبي سير أعلام النبلاء 18/ 433، ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية 1/ 260، وفيات الأعيان 2/ 93، 3/ 337، الذهبي: العبر في خبر من غبر 2/ 330، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 150149، وابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات 1/ 297، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 340، البغدادي: هدية العارفين 1/ 606، حاجي خليفة: كشف الظنون 83، 120، 602، 1179، السيوطي: بغية الوعاة 310الإسنوي: الطبقات 2/ 491، 492، ابن قاضي شهبة 1/ 271، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 782.(1/477)
وعنه أخذ عليّ بن أبي زيد الفصيحيّ.
وكان من كبار أئمّة العربيّة. صنّف كتاب (المغني في شرح الإيضاح) (1) في نحو من ثلاثين مجلدا، وكتاب (المقتصد في شرح الإيضاح) (2) أيضا من ثلاث مجلدات، وكتاب (إعجاز القرآن الكبير) (3)، وكتاب «إعجاز القرآن الصّغير»، وكتاب (العوامل المائة) (4)، وكتاب (المفتاح)، وكتاب (شرح الفاتحة) في مجلد، وكتاب (العمد في التّصريف)، وكتاب (الجمل)، وهو مشهور. وله كتاب (التّلخيص في شرح الجمل).
وكان شافعيّ المذهب، متكلّما على طريقة الأشعريّ، مع دين وسكون.
وقد ذكره السّلفيّ في معجمه فقال: كان ورعا قانعا، دخل عليه لص وهو في الصّلاة فأخذ ما وجد، وعبد القاهر ينظر، فلم يقطع صلاته.
سمعت أبا محمد الأبيورديّ يقول: ما مقلت عينيّ لغوّبا مثله (5).
وأمّا في النّحو، فعبد القاهر وله نظم فمنه (6):
كبّر على العقل لا ترمه ... ومل إلى الجهل ميل هائم
وعش حمارا تعش سعيدا ... فالسّعد في طالع البهائم
توفي عبد القاهر رحمه الله سنة إحدى وسبعين، وقيل: سنة أربع وسبعين فالله أعلم.
502 - الفضيل (7) بن يحي بن الفضيل. أبو عاصم الفضيليّ الهرويّ الفقيه.
راوي المائة وغيرها. عن: عبد الرحمن بن أبي سريج، وأقرانه.
__________
(1) كتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي المتوفي سنة 377هـ.
(2) هو مختصر لكتاب المغني.
(3) طبع في مصر.
(4) كتاب في النحو طبع في مصر 1247هـ، وفي ليدن 1617م.
(5) السبكي: طبقات الشافعية 5/ 150، البغدادي: هدية العارفين 1/ 606.
(6) البيتان في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 150، والذهبي: تاريخ الإسلام (ت 20) ص 56، وفوات الوفيات 2/ 370.
(7) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 1/ 309، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 829، سير أعلام النبلاء 18/ 397.(1/478)
ذكره أبو سعد السّمعانيّ، فقال: كان فقيها، مزكّيا، صدوقا، ثقة. عمّر حتى حمل عنه الكثير.
وروى عنه أبو الوقت. وكان مولده في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمئة، وتوفي في جمادى الأولى.
روى عن: أبي عليّ منصور بن عبد الله الخالديّ، وأبي الحسن بن بشران. وقدم بغداد.
وروى عنه عبد السلام ومحمد بن الحسين العلويّ.
503 - محمد (1) بن عبد الله بن أبي توبة. أبو بكر الكشميهينيّ.
كان واعظا فقيها. تفقّه على أبي بكر القفّال، وسمع من جماعة. توفي بمرو.
سنة اثنين وسبعين وأربعمئة
504 - الحسن (2) بن عبد الرحمن بن الحسن بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن العبّاس بن جعفر بن أبي جعفر المنصور العبّاسي. أبو علي الملكّي، الشافعيّ، الحنّاط.
شيخ ثقة، كان يبيع الحنظة.
روى عن أحمد بن إبراهيم بن فراس، وعبيد الله بن أحمد السّقطيّ وغيرهما.
روى عنه أبو المظفّر السّمعاني، وعبد المنعم القشيريّ، ومحمد بن طاهر، وأحمد بن محمد العباسيّ المكّيّ، وطائفة من حجّاج المغاربة، وغيرهم.
قيل إنه توفيّ في شهر ذي القعدة، وكان أسند من بقي بالحجاز.
وثّقه ابن السّمعانيّ في الأنساب.
وقال محمد بن محمد بن يوسف الفاشانيّ: كنت أقرأ على هبة الله بن عبد الوارث
__________
(1) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 7489/ 256النجوم الزاهرة 5/ 110، وشذرات الذهب 3/ 342.
(2) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 40) ص 68، السمعاني: الأنساب 7/ 256 النجوم الزاهرة 5/ 110، وشذرات الذهب 3/ 342.(1/479)
الشّيرازيّ. فقال: قرأت على أبي عليّ الشافعيّ بمكّة:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بفخّ (1)
قال هبة الله: فقرأته بالتّحصحيف (بفيّح).
فقال أبو عليّ: أخرجني إلى ظاهر مكّة، وأتى بي إلى موضع فقال: يا بني هذا هو الفخّ (بالخاء المعجمة)، وهو الموضع الذي تمنّى بلال أن يكون به.
وقد سأل ابن السّمعانيّ إسماعيل بن محمد الحافظ، عن أبي عليّ المذكور فقال:
عدل ثقة، كثير السّماع.
505 - محمد بن (2) هبة الله بن الحسن بن منصور. أبو بكر ابن الحافظ أبي القاسم الطّبريّ، اللّالكاني، ثم البغدادي.
ثقة، مكثر. سمّعه أبوه من هلال الحفّار، وأبي الحسين بن بشران، وأبي الحسين ابن الفضل القطّان.
روى عنه إسماعيل بن السّمرقندي، وأبو محمد سبط الخيّاط، وعبد الوهّاب الأنماطيّ. ومولده في ذي الحجة سنة تسع وأربعمئة.
قال الذهبي: فيكون سماعه من الحفّار حضورا.
توفيّ في جمادى الأولى.
قال: أغنى الدّهر. وكان شافعيّ المذهب، تبّا لمن أورده في علماء الشافعيّة، [فإنه ليس هناك].
506 - هيّاج (3) بن عبيد بن حسين. الفقيه الزّاهد، أبو محمد الحطّينيّ.
__________
(1) هذا البيت من أبيات قالها بلال الحبشي لما مرض بعد هجرته إلى المدينة المنورة وتتمته:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بفخّ وحولي إذخر وجليل
ابن هشام: السيرة 2/ 589.
(2) ترجمته في: ابت الأثير: الكامل 8/ 422، السبكي: طبقات 4/ 208207، الاسنوي:
طبقات 2/ 366، الصفدي: الوافي 5/ 151السمعاني: الأنساب 12/ 372، ابن الأثير:
اللباب 3/ 401، ابن الجوزي المنتظم 16/ 207.
(3) ترجمته في: ابن الأثير: البداية والنهاية 12/ 120، وابن العماد: شذرات الذهب 3/ 342 والسبكي: طبقات الشافعية 5/ 352، الإسنوي: الطبقات 1/ 427، ابن الصلاح: طبقات(1/480)
وحطّين قرية بين عكا وطبريّة، بها قبر شعيب عليه السلام فيما قيل.
سمع أبا الحسن على بن موسى السّمسار، وعبد الرحمن بن عبد العزيز بن الطّبيز، ومحمد بن عوف المزنيّ، وجماعة بدمشق، وأبا ذرّ الهرويّ بمكة وعبد العزيز الأزجيّ (1) وغيره ببغداد.
ومحمد بن الحسين القفّال، وعليّ بن حمّصة بمصر.
والسّكن بن جميع بصيداء.
ومحمد بن أحمد بن سهل بقيسارية.
روى عنه: هبة الله الشّيرازيّ في (معجمه) فقال: أنا هيّاج الزّاهد الفقيه، وما رأت عيناي مثله، في الزّهد والورع (2).
وروى عنه: محمد بن طاهر، وعمر الرّواسيّ، ومحمد بن أبي عليّ الهمذانيّ وثابت بن منصور القيسرانيّ، وإبراهيم بن عثمان الرّازقيّ، وأبو نصر هبة الله السّجزيّ، وغيرهم.
قال ابن طاهر المقدسيّ: كنّا جلوسا بالحرم، فتبارى اثنان أيّهما أحسن؟ مصر، أو بغداد؟ فقلت: هذا يطول ولا يفصل بينكما إلّا من دخل البلدين.
فقالوا: من هو؟ قلت الفقيه هيّاج.
فقمنا بأجمعنا إليه، قال: فيم جئتم؟ فقصصت عليه، وقلت: قد احتكما إليك.
فأطرق ساعة، ثم قال: أقول لكما أيّهما أطيب؟ قلنا: نعم.
فقال: البصرة.
قلت: إنّ ما سألاه عن مصر وبغداد، فقال: البصرة أطيب ذاك الخراب، وقلّة النّاس، ويطيب القلب بتلك المقابر والزّيارات. وأمّا بغداد ومصر، فليس منهما خير من الزّحمة والأكاسرة.
وكان هيّاج فقيه الحرم بعد رافع الحّمال.
__________
فقهاء الشافعية 2/ 897، وابن الجوزي المنتظم 16/ 209.
(1) عبد العزيز بن علي بن أحمد الأزجي السبكي: طبقات الشافعية 3/ 329، 4/ 194، 5/ 222.
(2) الإسنوي: طبقات الشافعية 1/ 482، وسير أعلام النبلاء 18/ 394.(1/481)
وسمعته يقول: كان لرافع الحّمال في الزّهد قدم. وإنّما تفقّه أبو اسحاق الشيرازيّ، وأبو يعلى بن الفرّاء بمراعاة رافع. وكانوا يتفقّهون، وكان أو يكون معهما، ثم يروح يحمل على رأسه، ويعطيهما ما يتقوّتان به.
قال ابن طاهر (1): وكان هيّاج قد بلغ من زهده أنّه يصوم ثلاثة أيام، ويواصل، ولا يفطر إلّا على ماء زمزم. فإذا كان آخر اليوم الثالث، من أتاه بشيء أكله، ولا يسأل عنه.
وكان قد نيّف على الثمانين، وكان يعتمر كل يوم ثلاث عمر على رجليه، ويدّرس عدّة دروس لأصحابه. وكان يزور قبر عبد الله بن عباس بالطائف، كل سنة مرّة. ويأكل بمكة أكلة، وبالطائف أخرى.
وكان يزور النبيّ صلى الله عليه وسلم كل سنة مع أهل مكّة. كان يتوقف إلى يوم الرّحيل، ثم يخرج، فأول من أخذ بيده، كان في مؤنته إلى أن يرجع، وكان يمشي حافيا من مكة إلى المدينة، ذاهبا وراجعا (2).
وسمعته يقول وقد شكى إليه بعض أصحابه أنّ نعله سرقت في الطّواف، فقال: اتّخذ نعلين لا يسرقهما أحد (3).
ورزق الشهّادة في وقعة لأهل السّنّة بمكّة، وذلك أن بعض الرّوافض شكى إلى أمير مكّة: أن أهل السّنّة ينالون منّا، ويبغضوننا. فأنفذ وأخذ الشيخ هيّاجا، وجماعة من أصحابه، مثل أبي محمد بن الأنماطيّ، وأبي الفضل بن قوّام، وغيرهما. وضربهم، فمات الإثنان في الحال (4).
وحمل هيّاج إلى زاويته، وبقي أياما، ومات من ذلك رضي الله عنه (5).
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 21029.
(2) نفسه 16/ 209، الأنساب 4/ 170، سير أعلام النبلاء 18/ 394.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 210209.
(4) المنتظم 16/ 209، 210، الأنساب 4/ 170، 171، مختصر تاريخ دمشق 27/ 165، النجوم الزاهرة 5/ 109وفيه أنه لما مات قال بعض العلماء: لو ظفرت النصارى بهيّاج لما فعلوا به ما فعله به صاحب مكة.
(5) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 210وتوفي هياج سنة 47هـ.(1/482)
سنة ثلاث وسبعين وأربعمئة
506 - عليّ (1) بن محمد بن عبيد الله بن حمزة. القاضي أبو الحسن الهاشميّ، العباسيّ، الفقيه الشّافعيّ.
سمع: عبد الرحمن بن أبي نصر. وعنه: جمال الإسلام.
507 - محمد بن الحسن بن الحسين (2). أبو عبد الله المروزيّ، الفقيه الشّافعيّ.
تفقّه بمرو على أبي بكر القفّال.
وسمع بهراة من: عمر بن أبي سعد، وجماعة.
وكان إماما متقنا، ورعا عابدا. وقيل: توفيّ سنة أربع وسبعين والله أعلام.
سنة أربع وسبعين وأربعمئة
508 - محمد بن الحسن (3) بن الحسين الفقيه. أبو عبد الله المروزيّ، المهربندقشائي (4).
نسبة إلى قرية على بريد من مرو.
كان إماما ورعا، عابدا فقيها مفتيا.
سمع الكثير، وتفقّه على أبي بكر القفّال. وسمع منه ومن: مسلم بن الحسن الكاتب، ومحمد بن محمود السّاسجرديّ.
ورحل إلى هراة، فسمع: أبا الفضل عمر بن إبراهيم بن أبي سعد، وأبا أحمد محمد بن محمد المعلّم، وأحمد بن محمد بن الخليل.
__________
(1) ترجمته في الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 82) ص 90، مختصر تاريخ دمشق 18/ 161ت 82، لسان الميزان 5/ 207، كان أحد القضاة الأشراف من أهل صور.
(2) ترجمته في ابن الصلاح: طبقات 2/ 847، الإسنوي: طبقات 2/ 410، السبكي: طبقات 4/ 126، الأنساب 11/ 534.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 126، الإسنوي: الطبقات 2/ 410، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 847الأنساب 11/ 534، معجم البلدان 5/ 233اللباب 3/ 273.
(4) الأنساب 11/ 533 (وهي نسبة إلى قرية مهربندقشائي على ثلاثة فراسخ من مرو.(1/483)
روى عنه محمد بن أبي ناصر السعوديّ، ومحمد بن أبي النجم البزّاز، ومصعب بن عبد الرّزّاق، وعبد الواحد بن أبي عليّ الفارمذيّ، وآخرون.
توفيّ في سنة أربع. وقيل سنة ثلاث، وقد ذكرته فيها مختصرا.
509 - محمد بن يحي (1) بن إبراهيم بن محمد بن يحي بن سختويه.
أبو بكر المزكّي (2) النّيسابوريّ، المحدّث ابن المحدثّ، أبي زكريا بن المزكي أبي اسحاق.
قال عبد الغافر الحافظ: هو من أظرف المشايخ الذين لقيناهم، وأكثرهم سماعا وأصولا. جمع لنفسه فبلغ عدد شيوخه خمس ماية شيخ. وكان عن خمسين من أصحاب الأصمّ. وأكثر عن أبيه، وعن أبي عبد الرحمن السّلّمي.
وأملى ببغداد، فحضر مجلسه القاضي أبو الطّيب الطّبريّ، وحضره أكثر من خمسمائة محبرة.
وأوصى لي بعد وفاته بالكتب، والأجزاء (3).
وقال أبو سعد السّمعانيّ: كان من أظرف الشيوخ وأرغبهم في التّجمّل والنظافة، وأحفظهم لأيّام المشايخ.
خرج إلى الحج وبقي بالعراق، وغيرها، نحوا من عشرين سنة. ثم إلى نيسابور، وأملى ورزق الرّواية، ومتّع بما سمع.
سمع أبا عبد الله الحاكم، وعبد الله بن يوسف، ومحمد بن محمش، والسّلّميّ.
ثنا عنه وجيه الشحاميّ، وهبة الرحمن القشيريّ، وأبو نصر الغازي (4).
وقال الخطيب في ترجمته في تاريخه: أنا: محمد بن يحى، نا: عبد الرحمن ابن بالويه: نا: محمد بن الحسين القطّان، ثنا: قطن. فذكر حديثا (5).
__________
(1) ترجمته في: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 3/ 435 (1573) المنتخب من السياق 757 (رقم 109) وسير أعلام النبلاء 18/ 400398رقم 197والعبر 3/ 281، وشذرات الذهب 3/ 346.
(2) المزكيّ: نسبة لمن يزكي الشهود ويبحث عن حالهم ويبلغ القاضي حالهم الأنساب 11/ 287.
(3) المنتخب من السياق ص 57.
(4) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 400.
(5) تاريخ بغداد 3/ 435.(1/484)
وقع لنا عاليا في مجلس ابن بالويه هذا.
قال السّمعانيّ: كان الخطيب متوقفا فيه، فإنّه قال: كذبت عنه، ثم عاد إليّ بعد ستّ سنين.
فحدّث عن الحاكم، ولم يكن حدّث عنه فيما هدم. ولم نر له أصلا، وإنّما كان يروي من فروع.
وتوفي في رجب وله ثمانون سنة.
سنة خمس وسبعين وأربعمئة
510 - بديل (1) بن عليّ بن بديل. أبو محمد البرزنديّ (2) الشافعيّ.
سكن بغداد، وتفقّه وسمع من: أبي الطّيب الطّبريّ، والبرمكّي. وكتب الكثير.
روى عنه: إسماعيل بن السّمرقنديّ، وأبو العزّ بن كادش، وجماعته.
صالح، خير، من أهل السّنة.
قال ابن خيرون: مات في جمادى الآخرة.
سنة ست وسبعون وأربعمئة
511 - إبراهيم بن عليّ بن يوسف الشّيخ أبو اسحاق الشّيرازي (3) الفيروزآبادي.
شيخ الشافعيّة في زمانه لقبه: جمال الدّين. ولد سنة ثلاث وتسعين وثلاثمئة.
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 297، وفيات الأعيان خلكان 1/ 382، ابن الأثير:
اللباب 1/ 138.
(2) البرزندي: نسبة إلى بلدة برزند من ديار أذربيجان بنواحي تفليس. الأنساب 2/ 148، ابن الأثير: اللباب 1/ 138.
(3) ترجمته في: ابن الجوزي: صفة الصفوة: 4/ 6766، ابن الأثير: الكامل 8/ 432، الذهبي:
الصبر 3/ 283المنتخب من السياق 117رقم 256، النجوم الزاهرة 5/ 117، وسير أعلام النبلاء ص 148 (ت رقم 162) السمعاني: الأنساب 9/ 361، 362حاجي خليفة: كشف الظنون 1/ 391339، 2/ 1562، الإسنوي: طبقات 2/ 83، 85، تاريخ نيسابور (ت 277) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 21188ابن كثير: البداية 12/ 124، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 26، وابن الصلاح: طبقات 1/ 310302.(1/485)
تفقّه بشيراز على: أبي عبد الله (1) بن البيضاويّ، وعلى: أبي أحمد عبد الوهّاب بن رامين.
وقدم البصرة، فأخذ عن الجزري. ودخل بغداد في شوّال سنة خمس عشرة وأربعمئة، فلازم القاضي أبا الطّيّب وصحبه، وبرع في الفقه حتّى ناب عن أبي الطّيب، ورتّبه معيدا في حلقته. وصار أنظر أهل زمانه.
وكان يضرب به المثل في الفصاحة. وسمع من: أبي عليّ بن شادان، وأبي الفرج محمد بن عبد الله الخرجوشيّ.
وأبي بكر البرقانيّ، وغيرهم.
وحدّث ببغداد، وهمذان، ونيسابور.
روى عنه أبو بكر الخطيب، وأبو الوليد الباجيّ، وأبو عبد الله الحميديّ وأبو القاسم بن السّمرقنديّ، وأبو البدر إبراهيم بن محمد الكرخيّ، ويوسف بن أيّوب الهمذانيّ، وأبو نصر أحمد بن محمد الطّوسي، وأبو الحسن بن عبد السّلام، وطوائف سواهم.
وقرأت بخطّ ابن الأنماطيّ أنّه وجد بخطّه قال: أبو علي الحسن بن أحمد الكرمانيّ الصّوفي، يعني الذي غسّل الشّيخ أبا اسحاق، سمعته يقول: ولدت سنة ثلاث وتسعين وثلاثمئة، ودخلت بغداد سنة ثمان عشرة، وله ثمان وعشرون سنة. ومات ولم يخلّف درهما، ولا عليه درهم. وكذلك كان يقضي عمره.
قال أبو سعد السّمعاني (2): أبو اسحاق إمام الشّافعيّة والمدّرس بالنّظاميّة، وشيخ الدّهر وإمام العصر. رحل الناس إليه من البلاد، وقصده من كل الجوانب، وتفرّد بالعلم الوافر، مع السّيرة الجميلة، والطّريقة المرضيّة. جاءته الدّنيا صاغرة فأباها، واقتصر على خشونة العيش أيّام حياته (3).
__________
(1) في المنتظم لابن الجوزي: (على أبي الفرج ابن البيضاوي) 16/ 228وكذلك في الأنساب 9/ 361.
(2) السمعاني الأنساب 9/ 361، النووي: تهذيب الأسماء 2/ 173، ابن الصلاح: طبقات 1/ 303.
(3) تهذيب الأسماء واللغات 2/ 173.(1/486)
صنّف (1) في الأصول، والفروع، والخلاف والمذهب. وكان زاهدا (2) ورعا، متواضعا، كريما ظريفا، جوادا، طلق الوجه، دائم البشر، مليح المجاورة (3).
تفقّه بفارس على أبي الفرج البيضاويّ، وبالبصرة على الجزري. إلى أن قال: حدّثنا عنه جماعة كبيرة. وحكي عنه أنّه قال (4): كنت نائما ببغداد، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكر وعمر، فقلت: يا رسول الله بلغني عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار، فأريد أن أسمع منك خبرا أتشرّف به في الدّنيا، وأجعله ذخيرة للآخرة.
فقال لي: يا شيخ وسمّاني شيخا وخاطبني به، وكان يفرح بهذا ثم قال: قل عنيّ:
من أراد السّلامة فليطلبها في سلامة غيره (5).
رواها السّمعانيّ، عن أبي القاسم، حيدر بن محمود الشّيرازيّ بمرو، أنّه سمع ذلك من أبي اسحاق.
وورد أن أبا اسحاق كان يمشي، وإذا كلب، فقال فقيه معه: إخسأ فنهاه الشّيخ وقال: لم طردته عن الطريق؟ أما علمت أنّ الطّريق بيني وبينه مشترك (6).
وعنه قال: كنت أشتهي ثريدا بماء باقلاء أيام اشتغالي بالعلم، فما صحّ لي أكله لاشتغالي بالدّرس، وأخذي النّوبة.
قال السمعاني (7):
قال: أصحابنا ببغداد: كان الشّيخ أبو اسحاق إذا بقي مدّة لا يأكل شيئا، صعد إلى النّصريّة، فله فيها صديق، فكان يثرد له رغيفا، ويشربه بماء الباقلاء. فربّما صعد إليه، وقد فرغ، فيقول أبو اسحاق: {تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خََاسِرَةٌ} (8). ويرجع.
__________
(1) صنف أبو اسحاق من الكتب: المهذب، والتنبيه، والنكت، واللمع، والتبصرة، والمعونة، وطبقات الفقهاء. وله شعر كثير: / ابن الجوزي: المنتظم 16/ 229النووي: تهذيب 2/ 173.
(2) ابن الصلاح: طبقات 1/ 303.
(3) انظر النووي: المجموع 1/ 26وفي طبقات الشافعية للسبكي (ملح المجاورة) 3/ 92.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 230، والذهبي: سير أعلام النبلاء (ت 162) ص 151.
(5) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 230، وصفة الصفوة 4/ 66، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 94.
(6) تهذيب الأسماء واللغات 2/ 173، وسير أعلام النبلاء 18/ 454.
(7) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 229.
(8) سورة النازعات (79): الآية (12).(1/487)
قال أبو بكر الشّاشّي الشّيخ أبو اسحاق حجّة الله تعالى على أئمة العصر (1).
وقال الموفّق الحنفي: أبو اسحاق أمير المؤمنين فيما بين الفقهاء.
قال السّمعاني: سمعت محمد بن عليّ الخطيب: سمعت محمد بن محمد بن يوسف الفاشاني (2) بمرو، سمعت محمد بن محمد بن هانىء، القاضي يقول (3): إمامان ما اتّفق لهما الحّج: أبو اسحاق، والقاضي أبو عبد الله الدّامغانيّ. أمّا أبو اسحاق فكان فقيرا.
ولكن لو أيّدوه لحملوه على الأعناق، والدّامغانيّ لو أرد الحّج على السّندس، والإستبرق لأمكنه (4).
قال: وسمعت القاضي أبا بكر محمد بن القاسم الشّهرزوريّ، بالموصل يقول: كان شيخنا أبو اسحاق إذا أخطأ أحد بين يديه، قال: أيّ سكتة فاتتك. وكان يتوسوس (5).
سمعت عبد الوهّاب الأنماطي يقول: كان أبو اسحاق يتوضأ على الشّطّ، وكان يشكّ في غسل وجهه، حتى غسّله مرّات، فقال له رجل: يا شيخ أما تستحي تغسل وجهك كذا وكذا مرّة هي فقال: لو صحّ لي الثلاث ما زدت عليها (6).
قال السمعاني: دخل أبو اسحاق يوما مسجدا.
ليتغدّى على عادته، فنسي دينارا معه، وخرج ثم ذكره فرجع، فوجده ففكر في نفسه وقال: ربما وقع هذا الدينار من غيري، فلم يأخذه وذهب (7).
وبلغنا أن طاهرا النيسابوري، خرّج للشّيخ أبي اسحاق جزءا، فكان يذكر في أول الحديث: أنا: أبو عليّ بن شاذان، وفي آخر: أنا الحسن بن أحمد البزّاز وفي آخر: أنا
__________
(1) الذهبي سير أعلام النبلاء 18/ 455والسبكي: طبقات الشافعية 3/ 94.
(2) الفاشاني: شبه إلى قرية من قرى مرو اسمها فاشان «الأنساب 9/ 225، 226».
(3) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 232، وابن الصلاح: طبقات 1/ 306، وسير أعلام النبلاء 18/ 455.
(4) النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 174، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 231.
(5) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 95، سير أعلام النبلاء 18/ 455.
(6) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 95، سير أعلام النبلاء ومرآة الجنان 3/ 116.
(7) ابن الصلاح: طبقات 1/ 306، النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 173، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 89.(1/488)
الحسن بن أبي بكر الفارسيّ، فقال: من هذا؟ قال: هو ابن شاذان، فقال: ما أريد هذا الخبر هذا فيه تدليس، والتّدليس أخو الكذب (1).
وقال القاضي أبو بكر الأنصاري (2): أتيت الشّيخ أبا اسحاق مستفتيا في الطريق، فناولته الفتيا، فأخذ قلمه ودواته، وكتب لي في الطريق، ومسح القلم في ثوبه.
قال السّمعاني: سمعت جماعة يقولون: لمّا قدم أبو اسحاق رسولا إلى نيسابور، تلقاه النّاس لما قدم، وحمل الإمام أبو المعالي الجويني غاشية فرسه، ومشى بين يديه، وقال: أنا أفتخر بهذا (3).
وكان عامّة المدرسين بالعراق، والجبال تلامذته، وأشياعه وأتباعه، وكفاهم بذلك فخرا، وكان ينشد الأشعار المليحة، ويوردها، ويحفظ منها الكثير (4).
وصنّف (المهذب في المذهب) (5) (والتنبه) (6) (واللّمع) (7) في أصول الفقه، (وشرح اللّمع)، (والمعونة في الجدل)، (والملخص في أصول الفقه) وغير ذلك (8).
وعنه قال (9): العلم الذي لا ينتفع به صاحبه، أن يكون الرحل عالما، أو لا يكون عاملا.
ثم أنشد لنفسه (10):
علمت ما حلّل المولى وحرّمه ... فاعمل بعلمك إنّ العلم بالعمل
__________
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 456.
(2) ابن الصلاح: طبقات 1/ 307، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 90، الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 456.
(3) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 91، 92، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 230.
(4) ابن الصلاح: طبقات 1/ 304، الذهبي: سير أعلام النبلاء 8/ 456، 457.
(5) طبع الكتاب بمصر سنة 1323هـ، وله شروح كثيرة، أجلّها شرح الإمام النووي (المجموع) وكان بدأ به من سنة 455هـ وفرغ منه سنة 469هت.
(6) ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية 1/ 246.
(7) طبع في مطبعة السعادة بمصر سنة 1326.
(8) انظر ابن الجوزي: المنتظم 22916.
(9) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 94، الذهبي الصبر: 2/ 334، وسير أعلام النبلاء 18/ 457.
(10) هذا البيت في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 162) ص 154.(1/489)
وقال: الجاهل بالعالم يقتدى، فإذا كان العالم لا يعمل، فالجاهل ما يرجو من نفسه؟ فالله الله يا أولادي، نعوذ بالله من علم يصير حجّة (1) علينا.
إنّ أبا نصر عبد الرحيم ابن القشيري، جلس بجنب الشّيخ أبي اسحاق فأحسّ بثقل في كمّه. فقال: ما هذا يا سيدنا؟
فقال: قرصيّ الملاح، وكان يحملها في كمّه طرحا للتكلف (2).
قال السّمعانيّ (3): رأيت بخطّ أبي اسحاق رحمه الله، في رقعة: بسم لله الرحمن الرحيم، نسخة ما رآه الشّيخ السّيد أبو محمد عبد الله بن الحسن بن نصر المزيديّ، رحمة الله تعالى.
رأيت في سنة ثمان وستين وأربعمئة، ليلة جمعة، أبا اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزأبادي طوّل الله عمره في «منامي» وكان يطير مع أصحابه في السّماء الثالثة أو الرابعة، فتحيرت، وقلت في نفسي: هذا الشيخ الإمام مع أصحابه (4) وأنا معهم استعظاما لنلك الحال والرّؤية. فكنت في هذه الفكرة: إذ تلقّى الشّيخ ملك، وسلّم عليه عن الرّب تبارك وتعالى، وقال له: إنّ الله تعالى يقرأ عليك السلام، ويقول: ما الذي تدرّس لأصحابك.
فقال له الشيخ: أدّرس ما نقل عن صاحب الشّرع.
فقال له الملك: فاقرأ عليّ شيئا لأسمعه.
فقرأ عليه الشّيخ مسألة، لا أذكرها، فاستمع إليه الملك وانصرف، وأخذ الشّيخ يطير وأصحابه معه. فرجع ذلك الملك بعد ساعة. فقال للشّيخ: إنّ الله يقول: الحقّ ما أنت عليه وأصحابك، فادخل الجنة معهم (5).
وقال الشّيخ أبو اسحاق: كنت أعيد كلّ قياس ألف مرة، فإذا فرغت أخذت قياسا آخر
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 94، وسير أعلام النبلاء 18/ 457.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 230، الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 457، وابن الصلاح:
طبقات 1/ 306.
(3) انظر: السمعاني: الأنساب 9/ 362.
(4) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 458.
(5) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 94، والذهبي سير أعلام النبلاء 18/ 457.(1/490)
على هذا، وكنت أعيد كلّ درس مائة مرة، فإذا كان في المسألة بيت شعر يستشهد به، حفظت القصيدة التي فيها البيت (1).
كان الوزير عميد (2) الدولة ابن جهير كثيرا ما يقول: الإمام أبو اسحاق وحيد عصره، وفريد دهره، ومستجاب الدعوة (3).
وقال السّمعانيّ (4): لما خرج أبو اسحاق إلى نيسابور خرج في صحبته جماعة من تلامذته، كانوا أئمة الدنيا، كأبي بكر الشّاشي وأبي عبد الله الطّبري، وأبي معاذ الأندلسيّ، والقاضي عليّ الميانجيّ، وأبي الفضل بن فتيان قاضي البصرة، وأبي الحسن الآمدي، وأبي القاسم الزّنجانيّ، وأبي عليّ الفارقيّ، وأبي العباس ابن الرّطبيّ.
وقال أبو عبد الله بن النجار في تاريخه (5): ولد يعني أبا اسحاق بفيروزآباد، وهي بليدة بفارس، ونشأ بها. ودخل شيراز. وقرأ الفقه على أبي عبد الله البيضاويّ، وابن رامين. وقرأ على أبي القاسم الدّاركي (6)، وقرأ الداركي على المروزي، صاحب ابن سريج.
وقرأ أبو اسحاق أيضا على الطّبريّ، عن الماسرجسيّ (7) عن المروزيّ. وقرأ أبو اسحاق أيضا على الزّجّاجيّ، وقرأ الزّجّاجيّ على ابن القاصّ، صاحب ابن سريج.
وقرأ أصول الكلام على أبي حاتم القزوينيّ، صاحب أبي بكر بن الباقلّانيّ.
__________
(1) ابن الصلاح: طبقات 1/ 310، ابن الجوزي: صفة الصفوة 4/ 66، السبكي: طبقات 3/ 90.
(2) هو: محمد بن محمد بن جهير، أبو منصور (493434هـ) كان أديبا، فصيحا، بليغا، شجاعا ذاهية. ابن الصلاح: طبقات 1/ 305.
(3) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 95، الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 458.
(4) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 91، الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 458.
(5) ابن الصلاح: طبقات 1/ 305، ابن النجار: ذيل تاريخ بغداد 43وكان ولد سنة ثلاث وتسعين وثلاثمئة ابن الجوزي: المنتظم 16/ 228.
(6) الداركي: نسبة إلى دارك، قرية من قرى إصهان، السمعاني الأنساب 5/ 248.
(7) الماسرجسي: نسبة إلى ماسرجس، اسم الجد أبي علي الحسن بن عيسى بن ماسرجس النيسابوري الذي أسلم على يدي عبد الله بن المبارك السمعاني: الأنساب 11/ 78، والمذكور هنا هو: أبو الحسن محمد بن علي بن سهل بن مصلح الماسرجسي أحد الأئمة الشافعيين بخراسان، وكان توفي سنة 384هـ.(1/491)
وكان أبو اسحاق، خطّه في غاية الرّداءة (1).
أنبأني الخنشوعيّ عن أبي بكر الطّرطوشيّ قال: أخرجني أبو العباس الجرجاني القاضي بالبصرة.
قال: كان أبو اسحاق لا يملك شيئا من الدنيا، فبلغ به الفقر، حتى كان لا يجد قوتا، ولا ملبسا ولقد كنّا نأتيه، وهو ساكن في القطيغة، فيقوم لنا نصف قومة، كي لا يظهر منه شيء من العري (2).
وكنت أمشي معه، فتعلّق بنا باقلّانيّ (3)، وقال: يا شيخ أفقرتني، وكسرتني وأكلت، رأس مالي، ادفع إليّ مالي عندك.
فقلنا: وكم لك عنده؟
قال: أظنّه قال: حبّتان من ذهب، أو حبتان (4) ونصف.
وقال أبو بكر محمد بن أحمد بن الخاضية (5): سمعت بعض أصحاب الشيخ أبي إسحاق يقول: رأيت الشيخ كان يركع ركعتين، عند فراغ كل فصل من (المهذّب).
قال: قرأت بخطّ أبي الفتوح يوسف بن محمد بن مقلّد الدمشقي: سمعت الوزير ابن هبيرة: سمعت أبا الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى، يقول: جاء رجل من ميّافارقين (6)، إلى والدي ليتفقّه عليه فقال: هل أنت شافعي، وأهل بلدك شافعيّة؟
فكيف تشتغل بمذهب أحمد؟.
فقال: قد أجبته، لأجلك.
فقال: يا ولدي ما هو: بمصلحة أن تبقى وحدك في بلدك، ما لك من تذاكره، ولا تذكر له درسا، وتقع بينكم خصومات، وأنت وحيد فلا يطيب عيشك.
__________
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 458.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 231، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 90.
(3) بائع البقول.
(4) في الأصل حبتين ذهب، أو حبتين ونصف.
(5) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 459، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 89.
(6) ميافارقين: أشهر مدن ديار بكر بالجزيرة، وتقع حاليا في تركيا، ياقوت، معجم البلدان 5/ 238235.(1/492)
فقال: إنما أجبته، وطلبته لما ظهر من دينك وعلمك.
قال: أنا أدلّك على من هو خير مني. الشيخ أبو إسحاق.
فقال: يا سيدي إني لا أعرفه.
فقال: أنا أمضي معك إليه. فقام معه وحمله إليه، فخرج الشيخ أبو إسحاق إليه، واحترمه، وعظّمه، وبالغ.
وكان الوزير أبو علي نظام الملك، يثني على الشيخ أبي إسحاق ويقول: كيف لنا مع رجل لا يفرّق بيني، وبين بهروز الفرّاش في المخاطبة؟ لمّا التقيت به. قال: بارك الله فيك. وقال لبهروز لمّا صبّ عليه الماء: بارك الله فيك (1).
وقال الفقيه أبو الحسن محمد بن عبد لملك الهمذاني: حكى أبي قال: حضرت مع قاضي القضاة أبي الحسن الماورديّ، عزاء النّابتي (2) قبل سنة أربعين، فتكلّم الشيخ أبو إسحاق، فأجاد، فلما خرجنا قال الماورديّ: ما رأيت كأبي إسحاق، لو رآه الشافعي لتجمّل (3) به. انا، ابن الخلّال، انا، جعفر، انا، السّلفيّ قال: سألت شجاعا الذّهلي، عن أبي إسحاق. فقال: إمام الشافعية، والمقدم عليهم في وقته ببغداد.
وكان ثقة، ورعا، صالحا، عالما بمعرفة الخلاف، علما لا يشاركه فيه أحد (4).
أنبؤونا عن زين الأمناء: انا، الصاين هبة الله بن الحسن، انا، محمد بن مرزوق الزعفراني: أنشدنا أبو الحسن علي بن فضّال القيرواني (5) لنفسه، في (التنبيه) للإمام أبي إسحاق، وابن فضّال هذا، هو الإمام أبو الحسن علي بن فضّال، شيخ إمام الحرمين في النحو، وله مصنّفات (6) منها: (الإكسير في علم التفسير)، خمسة وثلاثون
__________
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 459.
(2) أحمد بن عبد الله بن أحمد البخاري النابتي، أبو نصر / السبكي: طبقات الشافعية 2/ 200، 4/ 2622.
(3) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 459، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 95.
(4) نفسه 18/ 460. أي: الذهبي: سير أعلام النبلاء.
(5) توفي سنة 479هـ وترجمته في تاريخ الإسلام للذهبي برقم (294) واسمه الكامل: علي بن فضال بن علي بن غالب بن جابر بن عبد الرحمن بن محمد بن عمرو بن عيسى بن زمعة المجاشعي القيرواني ويعرف بالفرزدقي أبو الحسن / معجم الأدباء 14/ 9809.
(6) صنف ابن فضال: البرهان العميري في التفسير في 20مجلدا، اكسير الذهب في صناعة الأدب والنحو في خمس مجلدات، شرح معاني الحروف للرماني، الدول في التاريخ، الفصول في(1/493)
مجلدا، وتوفي سنة 479هـ وممّا قال (1):
أكتاب (التّنبيه) ذا أم رياض ... أم لآلي فلونهنّ البياض
جمع الحسن والمسائل طرّا ... دخلت تحت كلّه الأبعاض
كلّ لفظ يروق من تحت معنى ... جرية الماء تحته الرّضراض (2)
قلّ طولا وضاق عرضا مداه ... وهو من بعد ذا الطّول العراض
يدع العالم المسمّى إماما ... كفتاة أتى عليها المخاض
أيّها المدّعون ما ليس فيهم ... ليس كالدّرّفي النقود الحضاض
كلّ نعمى عليّ يا ابن عليّ: ... أنا إلّا بشكرها نهّاض
ما تعدّاك من ثنائي محال ... ليس في غير جوهر أعراض
أنت طود لكنه لا يسامى ... أنت بحر لكنه لا يخاض
فابق في غبطة وأنت عزيز ... ما تعدّى عن المنال انخفاض
وقال أبو الحسن محمد بن عبد الملك الهمداني: ندب المقتدي (3) بالله، الشيخ أبا إسحاق الشيرازي، للخروج في رسالة إلى المعسكر، فتوجه في ذي الحجة سنة خمس وسبعين، وكان في صحبته جماعة من أصحابه، فيهم الشاشيّ، الطبريّ، وابن فتيان، وأنه عند وصوله إلى بلاد العجم، كان يخرج إليه أهلها بنسائهم وأولادهم، فيمسحون أردانه، ويأخذون تراب نعليه، يستشفون به (4).
وحدثني القائد كامل قال: كان في الصحبة، جمال (5) الدولة (عفيف)، ولما وصلنا إلى ساوة، خرج بياضها، وفقهاؤها، وشهودها، وكلّهم من أصحاب الشيخ، فخدموه، وكان كلّ واحد يسأله أن يحضر في بيته، ويتبرك بدخوله وأكله لما يحضره.
قال: وخرج جميع من كان في البلد، من أصحاب الصناعات، ومعهم من الذي يبيعونه
__________
معرفة الأصول، وله شعر، الذهبي: سير أعلام النبلاء (ت 16ص 148).
(1) الأبيات في: الذهبي: تاريخ الإسلام، ترجمة رقم 162ص 158.
(2) الرّضراض: هو ما دقّ من الحصى بمجرى الماء. / المعجم الوسيط /.
(3) هو الخليفة العباسي: عبد الله بن محمد بن القائم بأمر الله، أبو القاسم الملقب بالمقتدي بأمر الله. السيوطي: تاريخ الخلقاء ص 423، وابن الجوزي: المنتظم 23016.
(4) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 91، مرآة الجنان: المنتظم 3/ 113.
(5) هو عفيف خادم الخليفة / السبكي: طبقات الشافعية 1/ 219.(1/494)
طرفا ينثرونه على محفّته. وخرج الخبّازون، ونشروا الخبز، وهو ينهاهم، ويدفعهم من حواليه، وينتهون.
وخرج من بعدهم أصحاب الفاكهة، والحلوى وغيرهم، وفعلوا كفعلهم. ولمّا بلغت النّوبة إلى الأساكفة (1)، خرجوا وقد عملوا مداسات لطافا للصغار ونثروها، وجعلت تقع على رؤوس الناس، والشيخ أبو إسحاق يتعجّب. فلما انتهوا بدأ يداعبنا ويقول: رأيتم النّثار ما أحسنه. أي شيء وصل إليكم منه؟ فنقول لعلّ أن ذلك يعجبه:
يا سيدي؟ وأنت أي شيء كان حظك منه؟ فيقول: أنا غطّيت نفسي بالمحفّة (2). وخرج إليه من النسوة الصوفيات جماعة، وما منهن إلا من بيدها سبحة، وألقوا الجميع إلى المحفّة، وكان قصدهن أن يلمسها بيده، فتحصل لهنّ البركة (3)، فجعل يمرّها على بدنه وجسده، ويتبرّك بهنّ، ويقصد في حقهنّ، ما قصدن في حقّه.
وقال شيرويه الدّيلمي في (تاريخ همذان): أبو إسحاق الشيرازي، إمام عصره، قدم رسولا علينا من أمير المؤمنين إلى السلطان ملكشاه. سمعت منه ببغداد، وهمذان وكان ثقة فقيها، زاهدا في الدنيا عالي التحقيق، أوحد زمانه (4).
قال خطيب الموصل: حدّثني والدي قال: توجهت من الموصل سنة تسع وخمسين وأربعمئة إلى بغداد، قاصدا الشيخ أبا إسحاق، فلما حضرت عند باب المرائب بالمسجد الذي يدرّس فيه، رحّب بي وقال: من أين أنت؟ قلت من الموصل.
قال: مرحّبا أنت من بلدي.
فقلت: يا سيدنا: أنت من فيروزآباد وأنا من الموصل!
فقال: أما جمعتنا سفينة نوح عليه السلام؟.
وشاهدت من حسن أخلاقه ولطافته وزهده، ما حبّب إليّ لزومه، فصحبته إلى أن توفي (5).
__________
(1) الأساكفة: هم الذين يصنعون الأحذية، ومفردها الإسكاف / مختار الصحاح /.
(2) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 460، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 91.
(3) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 91، وفيات الأعيان 1/ 26.
(4) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 460.
(5) نفسه 18/ 460، والسبكي: طبقات 3/ 93.(1/495)
قلت: وقد ذكره ابن عساكر، في (طبقات الأشعرية). ثم أورد ما صورته قال:
وجدت بخطّ بعض الثقات: ما قول السادة الفقهاء في قوم اجتمعوا فيه على لعن الأشعرية وتكفيرهم؟ وما الذي يجب عليهم؟ أفتونا.
فأجاب جماعة، فمن ذلك: الأشعرية أعيان السّنة، انتصبوا للرّدّ على المبتدعة من القدريّة، والرّافضة وغيرهم. فمن طعن فيهم فقد طعن على أهل السّنّة، ويجب على النّاظر في أمر المسلمين تأديبه، بما يرتدع به كلّ أحد. وكتب إبراهيم بن عليّ الفيروزآبادي (1).
وقال: خرجت إلى خراسان، فما دخلت بلدة ولا قرية إلا كان قاضيها، أو خطيبها، أو مفتيها، تلميذي، أو من أصحابي، ومن شعره (2): [من الوافر]:
أحبّ الكأس من غير المدام ... وألهو بالحسان بلا حرام
وما حبّي لفاحشة ولكن ... رأيت الحبّ أخلاق الكرام
وله (3): [من الوافر]:
سألت الناس عن خلّ وفيّ ... فقالوا: ما إلى هذا سبيل
تمسّك إن ظفرت بودّ حرّ ... فإنّ الحرّ في الدنيا قليل
وله (4): [من الطويل]:
حكيم يرى أنّ النجوم حقيقة ... ويذهب في أحكامها كلّ مذهب
يخبّر عن أفلاكها وبروجها ... وما عنده علم بما في المغيّب
ولسلار العقيلي (5): [من الطويل]:
__________
(1) تبيين كذب المفتري ص 276، 278، 332.
(2) البيتان في الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 462، وابن الوردي: تاريخ 1/ 381، السبكي:
طبقات 3/ 89.
(3) البيتان في: ابن الجوزي: المنتظم 16/ 230، تبيين كذب المفتري 278، البداية والنهاية 12/ 125، وهما للشيرازي.
(4) البيتان في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 225.
(5) الشاعر هو: أبو زكريا بن علي السلار العقيلي. شافعي مدح أبا إسحاق الشيرازي ورثاه وله:
يقدّ ويفري في اللّقاء كأنّه ... لسان أبي إسحاق في مجلس النّظر(1/496)
كفاني إذا عزّ الحوادث صارم ... ينيّلني المأمول في الإثر والأثر
ولعاصم بن الحسن فيه (1): [من الوافر]:
تراه من الذّكاء نحيف جسم ... عليه من توقّده دليل
إذا كان الفتى ضخم المعالي ... فليس يضيره الجسم النّحيل
ولأبي القاسم عبد الله بن ناقيا يرثي أبا إسحاق رحمه الله (2): [من الكامل]:
أجرى المدامع بالدّم المهراق ... خطب أقام قيامة الآفاق
خطب شجى منّا القلوب بلوعة ... بين التّراقي ما لها من راق
ما للّيالي لا تألّف شملها ... بعد ابن بجدتها أبي إسحاق
إن قيل: مات، فلم يمت من ذكره ... حيّ على مرّ اللّيالي باقي
توفي ليلة الحادي والعشرين من جمادى الآخرة ببغداد، ودفن من الغد، وأحضر إلى دار المقتدي بالله أمير المؤمنين. فصلّي عليه، ودفن بباب أبرز (3)، وجلس أصحابه للعزاء بالمدرسة النّظّاميّة. وكان الذي صلى عليه، صاحبه أبو عبد الله الطبري.
ولما انقضى العزاء، رتّب مؤيّد الدولة ابن نظام الملك، أبا سعد (4) المتولّي مدرّسا.
فلمّا وصل الخبر إلى نظام الملك أنكر ذلك، وقال: كان من الواجب أن تغلق المدرسة سنة من أجل الشيخ، وعاب على من تولّى مكانه، وأمر أن يدرّس الشيخ أبو نصر (5) ابن الصبّاغ مكانه.
__________
ابن الجوزي: المنتظم 16/ 229.
والبت في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 89، ومرآة الجنة ن 3/ 117.
(1) البيتان في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 224، وابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 31، وسير أعلام النبلاء 18/ 462.
(2) الأبيات ما عدا الثاني منها في وفيات الأعيان 1/ 30عدا الأول والثالث منها في: الوافي 6/ 64.
وأوردها الذهبي في: سير النبلاء 18/ 463، والوافي بالوفيات 6/ 64.
(3) ابن الجوزي: المنتظم: 16/ 231230، (أحد أبواب بغداد).
(4) هو: عبد الرحمن بن مأمون بن علي أبو سعد المتولي / ابن العماد: شذرات 3/ 359، ابن كثير:
البداية والنهاية 12/ 128.
(5) هو: عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر أبو نصر الصباغ / ابن العماد: شذرات 3/ 355، ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 217.(1/497)
512 - عبد الله بن (1) إبراهيم بن عبد الله بن حكيم (أبو حكيم) الخبريّ (2)، الفقيه الفرضي.
تفقّه على: أبي إسحاق الشيرازي، وبرع في الفرائض، والحساب، والعربية، واللغة.
وسمع من: الحسن بن حبيب القادسيّ، والحسين بن علي الجوهري.
وصنّف (3) (الفرائض)، وشرح كتاب (الحماسة)، و (ديوان البحتري)، و (ديوان المتنبي) و (ديوان الشريف الرضي) وكان متدينا صدوقا.
روى عنه: ابن بنته، أبو الفضل محمد بن ناصر، وأبو العز بن كادش.
قال السّلفيّ: سألت الذّهلي عن أبي حكيم فقال: كان يسمع معنا من الجوهري ومن بعده. وكان قيّما بعلم الفرائض، وله فيها مصنّف، وله معرفة بالآداب صالحة.
قال ابن ناصر: كان جدّي أبو حكيم يكتب المصاحف، فبينا هو يوما قاعدا مستندا يكتب، وضع القلم واستند وقال: والله إن هذا موت مهنّأ، موت طيّب. ثم مات.
ورّخ أبو طاهر الكرجي موته في ذي الحجة.
513 - محمد بن علي بن أحمد (4) بن الحسين. أبو الفضل السّهلكيّ، البسطاميّ الفقيه. شيخ الصّوفيّة.
له الأصحاب، والتّصانيف في الطريق.
سمع أبا بكر الحيريّ وغيره.
وحدّث بنيسابور. وقيل: توفي سنة سبع وسبعين. فالله أعلم.
__________
(1) ترجمته في: الإسنوي: الطبقات 1/ 471، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 6362، ياقوت:
معجم البلدان 12/ 46، السيوطي: بغية الوعاة 27، ابن كثير: البداية 12/ 153، البغدادي:
هدية العارفين 1/ 452، حاجي خليفة كشف الظنون 692، 779، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 5/ 159/ ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 786.
(2) وينسب الخبري إلى بلدة الخبر من نواحي شيراز / معجم البلدان 12/ 46.
(3) صنّف الخبري: شرح الحماسة لأبي تمام، شرح ديوان البحتري، شرح ديوان المتنبي، شرح ديوان الشريف الرضي، التلخيص في علم الفرائض.
(4) ترجمته في: الصريفيني: منتخب السياق (ترجمة رقم 142) وابن الصلاح: طبقات 1/ 81ح، والذهبي: تاريخ الإسلام (ت رقم 187) ص 180، وبسطام: بلدة بقومس، السمعاني:
أنساب 2/ 213.(1/498)
سنة سبع وسبعين وأربعمئة
514 - إسماعيل بن مسعدة (1) بن إسماعيل، بن الإمام أبي بكر، أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل.
المفتي أبو القاسم الإسماعيلي، الجرجاني.
صدر محتشم نبيل القدر، تامّ المروءة، واسع العلم، صدوق.
كان يعظّ ويملي على فهم ودراية. وحدّث ببلاد كثيرة.
وكان عارفا بالفقه، مليح الوعظ، له يد في النظم والنثر والتّرسّل.
حدّث بكتاب (الكامل)، و (بالمعجم) لابن عديّ، و (بتاريخ جرجان).
سمع: أباه، وعمه المفضّل، وحمزة السّهمي، والقاضي أبا بكر محمد بن يوسف الشالنجي، وأحمد بن إسماعيل الربّاطي وجماعة.
روى عنه: زاهر ووجيه ابنا الشّحاميّ، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وأبو سعد أحمد بن محمد البغدادي، وإسماعيل بن السّمرقندي، وأبو منصور بن خيرون وأبو الكرم الشهرزوريّ، وأبو البدر الكرخي، وآخرون.
ولد في سنة سبع وأربعمئة.
قال إسماعيل السمرقندي: سمعت ابن مسعدة: سمعت حمزة بن يوسف: سمعت أبا بكر الإسماعيلي يقول: رتبة الحديث رقّ الأبد.
توفي ابن مسعدة بجرجان، في سنة ثلاث وأربعين كما تقدم. وعمّه توفي سنة ثلاثين، والآخر سنة إحدى وثلاثين.
515 - الحسين (2) بن أحمد بن علي بن البقّال.
__________
(1) ترجمته في: ابن الجوزي: المنتظم 16/ 235234، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 354، ابن الأثير: الكامل 8/ 438، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 294، الإسنوي: الطبقات 1/ 54، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 728.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 147، الإسنوي: الطبقات 1/ 239، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 742.(1/499)
أبو عبد الله، الأزجيّ الفقيه الشافعي تلميذ أبي الطيّب الطبري. علّامة، مدقّق، زاهد متعبّد. ولي قضاء الحريم مدة. ودرّس وأفتى، وحدّث عن عبد الملك بن بشران.
توفي في شعبان عن ستّ وسبعين سنة.
516 - عبد الله بن (1) عبد الكريم بن هوازن الإمام أبو سعد بن القشيري.
كان أكبر أولاد الشيخ، وكان كبير الشأن في السلوك والطريقة، ذكيّا أصوليا، غزير العربية.
سمع: أبا بكر الخبريّ، وأبا سعيد الصيرفي، وهذه الطبقة.
ومولده سنة أربع عشرة وأربعمئة، وقدم بغداد مع أبيه.
وسمع من: أبي الطيب الطبري، وأبي محمد الجوهري.
قال السمعاني: كان رضيع أبيه في الطريقة، وفخر ذويه، وأهله على الحقيقة. ثم بالغ في تعظيمه في التصوّف، والأصول، والمناظرة، والتفسير.
قال: وكان [كلّ] أوقاته ظاهرا مستغرقا في الطهارة، والاحتياط فيها، ثم في الصلوات، والمبالغة في وصل التكبير (2)، وباطنا في مراقبة الحق، ومشاهدة أحكام الغيب، لا يخلو وقته، من تنفّس الصّعداء، وتذكّر البرحاء، وترنّم بكلام منظوم، أو منثور، يشعر بتذكّر وقت مضى، وتأسّف على محبوب مرّ وانقضى.
وكان أبوه يعاشره معاشرة الإخوة، وينظر إلى أحواله بالحرمة.
روى عنه: ابن أخته عبد الغافر بن إسماعيل الفارسيّ، وابن أخيه هبة الرحمن، وعبد الله بن الفراوي، وعائشة بنت أحمد الصّفار، وجماعة.
وذكر عبد الغافر أن خاله أصابته علّة، احتاج في معالجتها إلى الأدوية الحارّة، فظهر به عدة من الأمراض الحادّة، وامتدّت مدة مرضه ستة أشهر، إلى أن ضعف ومات في
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 206، الإسنوي: الطبقات 2/ 316، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 790، وسير أعلام النبلاء 18/ 562، شذرات الذهب 3/ 354، المنتخب من السياق 283 (رقم 934).
(2) تواصل قوله: الله أكبر.(1/500)
سادس ذي القعدة، قبل أمّه بأربع سنين، وهي فاطمة بنت الدّقاق (1).
قال عبد الغافر: هو أكبر الأخوة، من لا ترى العيون مثله في الدّهور، ذو حظّ وافر من العربية، وحصّل الفقه وبرع في علم الأصول، بطبع سيّال، وخاطر إلى مواقع الإشكال، ميّال سبّاق إلى درك المعاني، وقّاف على المدارك والمباني (2).
وأمّا علوم الحقائق فهو فيها يشق الشعر (3) قلت: وطوّل ترجمته.
517 - عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر.
ابن الصّباغ (4) الفقيه (أبو نصر) البغداديّ، الشافعي. فقيه العراق، ومصنّف كتاب (الشامل)، كان يقدّم على الشيخ أبي إسحاق في معرفة المذهب.
ذكره السّمعاني فقال: ومن جملة التصانيف التي صنّفها: (الشامل) و (الكامل)، و (تذكرة العالم) و (الطريق السالم) (5).
قال: وكان يضاهي أبا إسحاق، وكانوا يقولون: هو أعرف بالمذهب من أبي إسحاق، وكانت الرحلة إليهما، في المختلف والمتفق.
قال: وكان أبو نصر، حجة ثبتا، ديّنا خيّرا، ولي النّظاميّة بعد أبي إسحاق، وكفّ بصره في آخر عمره (6).
وحدّث بجزء ابن عرفة، عن محمد بن الحسين القطان، وسمع أيضا أبا علي ابن شاذان.
__________
(1) ترجمتها في: المنتخب من السياق 419، 420 (رقم 1431).
(2) المنتخب من السياق 283.
(3) المنتخب من السياق 283.
(4) ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 217، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 122، 134، ابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 5/ 119، ابن كثير: البداية 12/ 126، ابن الأثير، الكامل 8/ 437، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 355، حاجي خليفة: كشف الظنون 104، 389، 1025، 1114، 1381، ونكث الهميان 193، والأعلام للزركلي 4/ 10، الإسنوي: الطبقات 2/ 237230، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 778، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 229.
(5) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 237.
(6) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 3/ 231.(1/501)
روى لنا عنه: ابنه أبو القاسم علي، وإسماعيل بن السمرقندي، وأبو نصر الغازيّ، وإسماعيل بن محمد بن الفضل وغيرهم. ومولده في سنة أربعمئة (1).
وقال الحاكم وابن خلكان: كان تقيا، صالحا. له كتاب (الشامل)، وهو من أصحّ كتب أصحابنا، وأثبتها أدلّة.
درّس بالنّظامية ببغداد أول ما فتحت، ثم عزل بأبي إسحاق بعد عشرين يوما، وذلك في سنة تسع وخمسين وأربعمئة (2).
وكان النّظام، أمر أن يكون المدّرس بها أبا إسحاق، وقرروا معه أن يحضر في هذا اليوم للتدريس، فاجتمع الناس ولم يحضر أبو إسحاق، فطلب فلم يوجد، فأرسل إلى أبي نصر، وأحضر ورتّب مدرّسها، وتألّم أصحاب أبي إسحاق. وفتروا عن حضور درسه، وراسلوه أنه إن لم يدرّس بها لزموا ابن الصّباغ وتركوه. فأجاب إلى ذلك، وصرف ابن الصّبّاغ.
قال شجاع الذّهلي: توفي أبو نصر بن الصّبّاغ، في يوم الثلاثاء، ثالث عشر جمادى الأولى، ودفن من الغد في داره بدرب السّلوليّ (3).
قال ابن السمعاني: ثم نقل إلى مقابر باب حرب، وقد درّس بعد أبي إسحاق سنة، ثم عزل أيضا وعمي.
518 - الفضل (4) بن محمد. أبو علي الفارمذيّ.
كان شيخ الصوفيّة في زمانه.
ذكره عبد الغافر فقال: هو شيخ الشيوخ في عصره، وزمانه، المنفرد بطريقته في التذكر، التي لم يسبق إليها، في عبارته وتهذيبه، وحسن آدابه، ومليح استعاراته، ودقيق إشاراته، ورقّة ألفاظه، ووقع كلامه في القلوب.
__________
(1) ابن الأثير: الكامل في التاريخ 10/ 141.
(2) وفيات الأعيان 3/ 213، 218، والمنتظم 16/ 237.
(3) درب السلولي: في حيّ الكرخ ببغداد / السبكي: طبقات الشافعية 3/ 237، والبداية والنهاية 12/ 126.
(4) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 309304، الإسنوي: الطبقات 2/ 271، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 828، شذرات الذهب 3/ 355، سير أعلام النبلاء 18/ 565، الأنساب 9/ 219، المنتخب من السياق 413.(1/502)
دخل نيسابور وصحب زين الإسلام القشيريّ، فأخذ في الاجتهاد البالغ، وكان ملحوظا من الإمام بعين العناية، موفّرا عليه منه طريقة الهداية.
وقد مارس في المدرسة أنواعا من الخدمة، وقعد سنين في التّفكر، وعبر قناطر المجاهدة، حتى فتح عليه لوامع من أنوار المشاهدة.
ثم عاد إلى طوس، واتصل بالشيخ أبي القاسم الكركاني، الزاهد، مصاهرة وصحبة، وجلس للتذكير، وعفّى على من كان قبله، بطريقته، بحيث لم يعهد قبله مثله في التذكير. وصار من مذكّري الزمان، ومشهوري المشايخ. ثم قدم نيسابور، وعقد المجلس، ووقع كلامه في القلوب، وحصل له قبول عند نظام الملك، خارج عن الحدّ، وكذلك عند الكبار،
وسمعت ممّن أثق به أن الصاحب خدمه بأنواع من الخدمة، حتى تعجب الحاضرون منه.
وكان ينفق على الصوفية، أكثر مما يفتح له به. وكان مقصدا من الأقطار للصوفية.
وكان مولده في سنة سبع وأربعمئة. وسمع من: أبي عبد الله بن باكويه، وأبي حسان المزكي، وأبي منصور البغدادي، وابن مسرور، وجماعة.
روى عنه: عبد الغافر، وعبد الله بن علي الحركوشيّ. وعبد الله بن محمد الكوفي العلوي، وأبو الخير صالح السّقّاء وآخرون. توفي رحمه الله في ربيع الآخر.
519 - محمد (1) بن أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم.
أبو الفضل، بن العلامة أبي الحسن المحاملي. الفقيه الشافعي.
سمع: أبا الحسين بن بشران، وأبا علي بن شاذان، وجماعة. أخذ عنه: مكيّ الرّمليّ وغيره. وكان من الأذكياء.
مات في رجب عن إحدى وسبعين سنة.
__________
(1) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 2/ 383382، ابن الجوزي، المنتظم 16/ 537، الصفدي:
الوافي بالوفيات 2/ 86، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 98. والمحاملي: نسبة إلى المحامل التي يحمل فيها الناس على الجمال / انظر: الأنساب 11/ 152.(1/503)
520 - محمد (1) بن محمود بن سورة. الفقيه، أبو بكر التميميّ النيسابوري، ختن أبي عثمان الصابونيّ، على ابنته.
سمع: ابن محمش الزياديّ، وأبا عبد الرحمن السّلّمي.
روى عنه: زاهر ووجيه ابنا الشّحّاميّ، وجماعة، توفي في ربيع الأول.
وروى عنه: سعيدة بنت زاهر، وعبد الله بن الفراويّ.
521 - محمد (2) بن محمد بن جعفر.
أبو الحسن الناصحيّ، النيسابوريّ، الفقيه.
كان ديّنا ورعا. فاضلا.
روى عن: أصحاب الأصمّ.
روى عنه: عبد الغافر بن إسماعيل.
روى عن: الخبريّ، والسلميّ.
وتفقّه على أبي محمد الجوينيّ.
سنة ثمان وسبعين وأربعمئة
522 - أحمد بن محمد (3) بن الحسن بن محمد بن أبي أيوب بن فورك أبو بكر الزّهري، النيسابوريّ، سبط الأستاذ أبي بكر بن فورك.
كان أحد الكتّاب والمرسّلين، ويلبس الحرير.
سمع (مسند الشافعي) من أبي بكر الحيريّ.
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 218) ص 211، وعبد الغافر الفارسي: المنتخب من السياق ص 62 (ت رقم 121).
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 195، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 871، عبد الغافر: المنتخب من السياق 63رقم 122، الأنساب 12/ 16، 17.
(3) ترجمته في: ابن كثير: البداية والنهاية 1/ 127، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 79، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 716، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 243، المنتخب من السياق 111، النجوم الزاهرة 5/ 121.(1/504)
وسمع من أبي حفص بن مسرور وجماعة.
وكان زوج بنت القشيريّ، ذكيّا، مناظرا، واعظا، شهما، مقبلا على طلب الجاه، والتقدّم، وبسببه وقعت فتنة ببغداد بين الحنابلة والأشاعرة.
وقد روى عنه: إسماعيل بن محمد التميمي الحافظ، وأبو القاسم إسماعيل بن السمرقنديّ، وغيرهما.
ووعظ ببغداد، ونفق سوقه وزادت حشمته، وأملاكه ببغداد، وتردد مرات إلى المعسكر، وكان نظام الملك يكرمه ويحترمه.
قال ابن ناصر: وكان داعية إلى البدعة، يأخذ كسر الفحم من الحدّادين [ويأكل منه] (1).
وقول ابن ناصر ذلك، لأنه من رؤوس الأشاعرة، وممن يكثر الحطّ على الحنابلة، فلذلك قال فيه ابن ناصر ما قال.
523 - إسماعيل (2) بن أحمد بن عبد العزيز، أبو القاسم السيّاريّ العطّار النيسابوريّ.
شيخ، معتمد، رئيس.
صحب أبا محمد الجوينيّ، وسمع ابن محمش الزيّادي.
وحدّث ببغداد بعد السبعين.
وتوفي سنة ثمان. ثم أحضر إليّ تاريخ عبد الغافر فإذا فيه:
524 - إسحاق بن أحمد بن عبد العزيز بن حامد. أبو يعقوب (3) المحمّدأباذيّ، الزاهد المعروف بإسحاقك. شيخ ثقة من العبّاد عديم النّظير، في زهده، وورعه. وكان من أصحاب أبي عبد الله. قليل الاختلاط بالناس، محتاط في الطهارة، والنظافة. ولد سنة أربعمئة. وسمع من أبي سعيد الصّيرفي. وتوفي في عاشر جمادى الأولى [سنة 478هـ].
__________
(1) انظر: ابن الجوزي: المنتظم 16/ 243.
(2) السبكي: طبقات الشافعية 7/ 101، الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 231) ص 220، عبد الغافر: المنتخب من السياق ص 150 (ت رقم 342).
(3) ترجمته في:.(1/505)
525 - إسماعيل (1) بن عمّار بن محمد بن أحمد بن جعفر. أبو سعيد البحيريّ، النيسابوري.
حدّث في هذا العام لمّا حجّ بهمذان، عن: أبيه أبي عثمان، وأبي حسّان محمد بن أحمد المزكّي، وأبي سعد النّصروبيّ، والحسين بن إبراهيم الكيسلي، ومحمد بن عبد العزيز النّيلي، وبشرويه بن محمد المعقليّ، وأبي إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم النّصرآباذي.
قال شيرويه: سمعت منه وكان صدوقا.
526 - عبد الرحمن (2) بن مأمون بن علي.
الإمام أبو سعد المتولي النيسابوريّ الفقيه الشافعي. أحد الكبّار.
قدم بغداد وكان فقيها محقّقا، وحبرا مدقّقا. ولي تدريس النظّاميّة، بعد الشيخ أبي إسحاق، ودرّس وروى شيئا يسيرا.
ثم عزل من المدرسة بابن الصباغ، في أواخر سنة ستّ وسبعين، ثم أعيد إليها سنة سبع وسبعين.
وقد تفقّه على القاضي حسين، بمرو الرّوذ، وعلى أبي سهل أحمد بن علي الأبيوزديّ ببخارى، وعلى أبي القاسم الغوراني بمرو، حيث برع وتميّز.
وكان مولده في سنة ستّ وعشرين وأربعمئة. وتوفي (3) ببغداد.
وله كتاب (التتمة)، تمّم به (الإبانة)، لشيخه الغورانيّ، لكنه لم يكمله، وعاجلته المنيّة، وانتهى فيه إلى الحدود. وله مختصر في الفرائض، ومصنّف في
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 7/ 52، الإسنوي: الطبقات 2/ 493، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 727.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 108106، الإسنوي: الطبقات 1/ 306305، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 772، ابن قاضي شهبة 1/ 264، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 128، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 358، وابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 133، والأعلام للزركلي 3/ 323، ابن الأثير: الكامل 8/ 442، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 244.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 244، مات ودفن بمقبرة باب أبرز.(1/506)
لأصول، وكتاب في الخلاف، جامع للمآخذ (1).
527 - عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد بن علي.
أبو معشر الطبريّ القطّان (2) المقرىء، مقرىء مكة.
كان إماما مجوّدا بارعا، مصنّفا، له كتب في القراءات.
قرأ بحرّان على أبي القاسم الزّيديّ، وبمصر على أصحاب الساريّ، وأبي عدي عبد العزيز. وقرأ بمكة على أبي عبد الله الكارزونيّ.
وسمع بمصر من: أبي عبد الله بن نظيف، وأبي النّعمان تراب بن عمر، وعبد الله بن يوسف بتينس، وأبي الطيّب الطبري ببغداد، وعبد الله بن عمر بن العباس بغزّة.
وسمع بمنبج وحرّان، وآمد، وحلب، وسلماس، والجزيرة.
روى عنه: أبو نصر أحمد بن عمر القاريّ، ومحمد بن عبد الباقي الأنصاريّ، وأبو تمّام إبراهيم بن أحمد الصّيمريّ.
قال ابن طاهر: سمعت أبا سعد الحرميّ (3)، بهراة يقول: لم يكن سماع أبي معشر الطبريّ في جزء ابن نظيف صحيحا، وإنّما أخذ نسخة فرواها.
قلت: قرأ عليه القراءات خلق، منهم: أبو علي بن العرجاء، وأبو القاسم خلف بن النحّاس، وأبو علي بن بلّيمة.
وله كتاب (4) (سوق العروس)، يقال: فيه ألف وخمسمائة طريق.
وله كتاب (الدّرر في التفسير)، وكتاب (الرشاد في شرح القراءات الشاذّة)،
__________
(1) ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 131، سير أعلام النبلاء 18/ 585، الإسنوي: طبقات الشافعية 1/ 306.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 242، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 358، البغدادي: هدية العارفين 1/ 608، وابن الجزري: طبقات القراء 1/ 401، حاجي خليفة:
كشف الظنون 418، 752، 1106، 1187، الإسنوي: طبقات 2/ 165، ابن حجر العسقلاني: لسان الميزان 4/ 5049، الذهبي: العبر 3/ 290، ابن الصلاح: طبقات 2/ 560.
(3) الحرميّ: نسبة إلى الحرم المكي / ابن السمعاني: الأنساب 4/ 116.
(4) كتاب: سوق العروس في القراءات وله كتب كثيرة / ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 358، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 242، 243.(1/507)
وكتاب (عيون المسائل)، وكتاب (طبقات القراء) وكتاب (مخارج الحروف)، وكتاب (الورد)، وكتاب (هجاء المصاحف)، وكتاب في اللغة.
وقد روى كتاب (شفاء الصدور)، للنّقّاش عن الزّيديّ، عنه (ومسند أحمد) عن الزيديّ، عن القطيعيّ، و (تفسير الثعلبي).
رواه عن مؤلّفه، وكان فقيها شافعيا، توفي بمكة، رحمه الله.
528 - عبد الملك (1) بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيّويه.
إمام الحرمين، أبو المعالي، ابن الإمام أبي محمد الجوينيّ، الفقيه الملقّب ضياء الدين. رئيس الشافعية بنيسابور.
قال أبو سعد السمعاني (2): كان إمام الأئمة على الأطلاق، المجمع على إمامته، شرقا وغربا، لم تر العيون مثله.
ولد سنة تسع عشرة وأربعمئة في المحرم، وتفقّه على والده، فأتى على جميع مصنّفاته، وتوفي أبوه وله عشرون سنة، فأقعد مكانه للتدريس، فكان يدرّس، ويخرج إلى مدرسة البيهقي.
وأحكم الأصول على أبي القاسم الإسفراييني الإسكاف. وكان ينفق من ميراثه، وممّا يدخله من معلومه، إلى أن ظهر التعصب بين الفريقين، واضطربت الأحوال، واضطرّ إلى السفر عن نيسابور، فذهب إلى المعسكر، ثم إلى بغداد. وصحب أبا نصر (3)
__________
(1) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 1/ 410409، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1701673، السبكي: الطبقات الكبرى (ت 477) 5/ 84174)، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 244، ابن الأثير: الكامل 10/ 145، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 358، ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 128، حاجي خليفة: كشف الظنون 68، 380، 896، 1641، 2005، العقد الثمين 5/ 507، النجوم الزاهرة 5/ 121، وابن الصلاح: طبقات 2/ 799، والجويني: نسبة لبلدة جوين من قرى نيسابور / الأنساب 3/ 386.
(2) قال في الأنساب: «إمام وقته ومن تغني شهرته عن ذكره، بارك الله تعالى في تلامذته، حتى صاروا أئمة الدنيا مثل: الخوافي والغزالي، والكيا هراسي، والحاكم عمر النوقاني رحمهم الله» الأنساب 3/ 386، المنتظم 16/ 245.
(3) هو: محمد بن طاهر بن محمد بن الحسن بن الوزير أبو نصر الوزيري الأديب، المذكّر المفسّر، السمعاني: الأنساب 12/ 266، السبكي: طبقات 3/ 175، ابن الصلاح: طبقات 1/ 168.(1/508)
الكندريّ الوزير مدّة يطوف معه، ويلتقي في حضرته بالأكابر من العلماء ويناظرهم، ويحتكّ بهم، حتى تهذّب في النظر وشاع ذكره. ثم خرج إلى الحجاز، وجاور بمكة أربع سنين يدرّس ويفتي، ويجمع طرق المذهب، إلى أن رجع إلى بلده بنيسابور، بعد مضيّ نوبة التعصب (1). فأقعد للتدريس بنظاميّة نيسابور، واستقامت أمور الطّلبة، وبقي على ذلك قريبا من ثلاثين سنة. غير مزاحم، ولا مدافع، فسلّم له المحراب والمنبر والخطابة والتدريس ومجلس الوعظ يوم الجمعة.
وظهرت تصانيفه (2)، وحضر درسه الأكابر، والجمع العظيم من الطلبة.
وكان يقعد بين يديه كل يوم نحو من ثلاثمئة رجل. وتفقّه به جماعة من الأئمة (3).
وسمع الحديث من أبيه، ومن: أبي حسان محمد بن أحمد المزكّي، وأبي سعد البصرويّ، ومنصور بن رامش وآخرين.
ثنا عنه: أبو عبد الله الفراويّ، وأبو القاسم الشّحاميّ وأحمد بن سهل المسجديّ وغيرهم.
أخبرنا أبو الحسين اليونينيّ، أنا، الحافظ زكيّ الدين المنذريّ، قال: توفي والد أبي المعالي فأقعد مكانه، ولم يكمّل عشرين سنة، فكان (4) يدرس، وأحكم الأصول، على أبي القاسم الإسكاف الإسفراييني.
وجاور (5) بمكة أربع سنين، ثم رجع (6) إلى نيسابور، وجلس للتدريس (7) بالنظّامية قريبا من ثلاثين سنة. فسلّم له المحراب والمنبر والخطابة والتدريس والتذكير (8).
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 389وما بعدها، وسير أعلام النبلاء 18/ 468، ابن الجوزي:
المنتظم 16/ 245.
(2) صنف أبو المعالي تصانيف كثيرة مفيدة، أهمها وأجلّها: (النهاية) و (الغياثي) / ابن الصلاح:
طبقات 2/ 799، وابن الجوزي: المنتظم: 16/ 245.
(3) انظر: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 255، ابن النجار، ذيل تاريخ بغداد 86، وسير أعلام النبلاء 18/ 169.
(4) الذهبي: سير أعلام النبلاء 16/ 468، والعبارة مكررة عن مثيلة لها في نفس الصفحة.
(5) نفسه 18/ 469، والعبارة مكررة عن مثيلة لها في نفس الصفحة.
(6) نفسه.
(7) نفسه، وتبيين كذب المفتري ص 279.
(8) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 245، وتبيين كب المفتري ص 280.(1/509)
سمع من أبيه، ومن: علي بن محمد الطّرازيّ، ومحمد بن أبي إسحاق المزكي، وأبي سعد بن علّيك (1)، وفضل الله بن أبي الخير الميمنيّ، والحسن بن علي الجوهري البغدادي.
وأجاز له أبو نعيم الحافظ.
قال المؤلّف: في سماعه من الطرازي له نظر، فإنه لم يلحق ذلك، فلعلّه أجاز له.
قال السمعاني (2): قرأت بخطّ أبي جعفر محمد بن أبي عليّ الهمذاني: سمعت أبا إسحاق الفيروزآبادي يقول: تمتّعوا بهذا الإمام، فإنه نزهة هذا الزمان، يعني أبا المعالي الجوينيّ.
قال: وقرأت بخطّ أبي جعفر أيضا: سمعت أبا المعالي يقول (3): قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا، ثم خلّيت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضمّ العظيم، وغصت في الذي نهي أهل الإسلام عنها، كلّ ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن رجعت من الكلّ إلى كلمة الحق عليكم بدين العجائز (4). فإن لم يدركني الحقّ بلطف برّه، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الترحيل، على برهة أهل الحق، وكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويل لابن الجويني يريد نفسه (5).
وكان أبو المعالي مع تبحّره في الفقه، وأصوله لا يدري الحديث.
ذكر في كتاب (البرهان)، حديث معاذ في القياس، فقال: هو مدوّن في الصحاح
__________
(1) عليّك: بفتح العين المهملة، وكسر اللام، وتشديد الباء المنقوطة من تحتها باثنتين وفتحها وآخرها كاف، وبعض الحفاظ قيده باختلاس كسرة اللام وفتح الياء وخفّف. قال ابن نقطة: وهذا عندي أصحّ. وليس في كتاب ابن ماكولا تشديد الياء، بل أهمل ذلك. وقد ضبطه المؤتمن الساجيّ بسكون اللام وفتح الياء. / المشتبه في الرجال 2/ 469، 470.
(2) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 470، ابن النجار: ذيل تاريخ بغداد ص 92.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 245، سير أعلام النبلاء 18/ 471، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 251.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 245، والذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 469/ دين العجائز: مذهب السلف.
(5) ابن الجوزي: المنتظم 19/ 19، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 585، سير أعلام النبلاء 18/ 470.(1/510)
متفق على صحته (1)، كذا قال: وأنّى له الصحة، ومداره على الحارث بن عمرو، مجهول (2)، عن رجال من أهل حمص، لا يدرى من هم عن معاذ.
وقال المازريّ رحمه الله في «شرح البرهان» في قوله: إن الله تعالى يعلم الكليّات لا الجزئيّات، وددت لو محوتها بدمي.
قلت: هذه لفظة ملعونة.
قال ابن دحية: هي كلمة مكذّبة للكتاب والسّنّة، مكفّر بها وهجره عليها جماعة، وحلف القشيريّ لا يكلّمه أبدا، ونفي بسببها مدة فجاور وتاب (3).
قال السمعاني: وسمعت أبا روح، الفرج بن أبي بكر الأرمويّ مذاكرة، يقول:
سمعت أستاذي غانم الموشيليّ (4)، سمعت الإمام أبا المعالي الجوينيّ، يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما اشتغلت بالكلام (5).
وقال أبو المعالي الجويني، في كتاب «الرسالة النظامية» (6): اختلفت مسالك العلماء في الظواهر، التي وردت في الكتاب والسّنّة، وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواها، فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في آي الكتاب، وما يصحّ من السّنن.
وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظاهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى.
__________
(1) السمعاني: الأنساب 3/ 386، ياقوت: معجم البلدان 2/ 193، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 187.
(2) ولكن إسناد حديث القياس عن (معاذ) صالح، وقال بصحته أبو بكر الرازي الجصاص، وأبو بكر بن العربي، والخطيب البغدادي، والبغدادي، وابن قيم الجوزية. وقالوا: إن الحارث بن عمرو ليس بمجهول العين، لأن شعبة بن الحجاج يقول عنه: إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة، وليس بمجهول الوصف، لأنه من كبار التابعين في طبقة شيوخ أبي عون الثقفي المتوفى سنة 116 هـ، ولم يثبت فيه جرح مفسّر في حكمه.
(3) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 472، والسبكي 5/ 588، وابن الجوزي 16/ 246.
(4) نسبة إلى بعض أجداد / اللباب 3/ 269/ أو إلى موشيلا وهو كتاب للنصارى وأحد أسماء الله بلسانهم / الأنساب 11/ 521.
(5) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 473، وابن الجوزي، المنتظم 17/ 246.
(6) وتسمى أيضا العقيدة النظامية / / طبعت بعناية الشيخ محمد زاهر الكوثري عام 1948وانظر ص 32 وما بعدها.(1/511)
والذي نرتضيه رأيا وندين لله به عقدا، اتّباع سلف الأمّة، فالأولى الاتّباع (1) وترك الابتداع. والدليل السمعي القاطع في ذلك أن إجماع الأمة حجّة متّبعة، وهو مستندّ معظم الشّريفة، وقد درج صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ترك التّعرّض لمعانيها، ودرك ما فيها، وهم صفوة الإسلام المستقلون بأعباء الشريعة (2).
وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملّة، والتّواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوّغا، أو محتوما، لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، فإذا تصرّم عصرهم، وعصر التابعين على الإضراب عن التأويل، كان ذلك قاطعا بأنه الوجه المتّبع، فحقّ على ذي الدين أن يعتقد تنزّه الباري تعالى عن صفات المحدثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويكل معناها إلى الرّبّ (3) فليجر آية الاستواء والمجيء (4)، وقوله {لِمََا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (5)، و {وَيَبْقى ََ وَجْهُ رَبِّكَ} (6)، و {تَجْرِي بِأَعْيُنِنََا} (7) وما صحّ من إخبار الرسول، كخبر النزول، وغيره على ما ذكرناه.
وقال محمد بن طاهر الحافظ: سمعت أبا الحسن القيرواني الأديب بنيسابور، وكان يسمع معنا الحديث وكان يختلف إلى درس الأستاذ أبي المعالي الجوينيّ، يقرأ عليه الكلام. يقول: سمعت الأستاذ أبا المعالي اليوم يقول (8): يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به.
وحكى أبو عبد الله الحسن بن العباس الرّستميّ، فقيه أصبهان، قال: حكى لنا أبو الفتح الطبريّ الفقيه قال: دخلت على أبي المعالي في مرضه فقال: اشهدوا عليّ أن قد
__________
(1) انظر: الكوثري ص 23، والذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 471.
(2) نفسه، والذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 247) ص 235.
(3) انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 472، والكوثري: العقيدة النظامية ص 24، وتاريخ الإسلام (ت 247).
(4) الآية: {وَجََاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} سورة الفجر: 22.
(5) سورة ص: 8، الآية 75.
(6) سورة الرحمن: الآية 27.
(7) سورة القمر، الآية 14.
(8) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 246والسبكي: طبقات 3/ 284249، 5/ 186.(1/512)
رجعت عن كلّ مقالة تخالف السّلف، وإني أموت على ما تموت عليه عجائز نيسابور (1).
ولأبي المعالي من التصانيف (2): كتاب «نهاية المطلب» وهو كتاب جليل في ثمانية مجلدات، وكتاب «الإرشاد في الأصول» (3) وكتاب «الرسالة النّظاميّة (4) في الأحكام الإسلامية»، وكتاب «الشامل في أصول الدين» (5) وكتاب «البرهان في أصول الفقه» و «مدارك العقول» لم يتمّه، وكتاب «غياث الأمم في الإمامة» (6) وكتاب «مغيث الخلق في اختبار الأحق» (7) و «غنية المسترشدين في الخلاف».
وكان إذا أخذ في علم الصوفية، وشرح الأحوال أبكى الحاضرين (8).
وقد ذكره عبد الغافر في (تاريخه)، فأسهب وأطنب، إلى أن قال (9): وكان يذكر في اليوم دروسا يقع كل واحد منها في عدة أوراق (10)، لا يتلعثم في كلمة منها، ولا يحتاج إلى استدراك عثرة، مارا فيها كالبرق بصوت كالرعد (11).
وما يوجد في كتبه من العبارات البالغة كنه الفصاحة، غيض من فيض ما كان على لسانه (12). وغرفة من أمواج، ما كان يعهد من بيانه. تفقّه في صباه على والده، وذكر الترجمة بطولها.
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 5/ 191، وسير أعلام النبلاء 18/ 474.
(2) كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب. / ابن الجوزي: المنتظم 16/ 245، وفي النجوم الزاهرة: «في رواية المذهب».
(3) طبع الكتاب في باريس، وبرلين، والقاهرة، وهو: «الإرشاد في أصول الدين».
(4) طبع بمصر باسم: العقيدة النظامية. بعناية الكوثري 1948، وترجمت الرسالة إلى الألمانية سنة 1958.
(5) طبع في مصر سنة 1961الجزء الأول منه.
(6) نشرته دار الدعوة بالاسكندرية، تحقيق: د. فؤاد عبد المنعم. و. د. مصطفى حلمي (ويسمى:
القباني) وغياث الأمم في الثبات الكلم. ويعدّ هذا الكتاب مثلا لأصالة الفقه السياسي الإسلامي.
(7) رسالة نشرها الكوثري بمصر سنة 1941، وله مؤلفات أخرى ذكرها: فؤاد عبد المنعم في مقدمة كتاب غياث الأحم.
(8) انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 169، تبيين كذب المفتري 284، سير أعلام النبلاء 18/ 476.
(9) السبكي: طبقات الشافعية 5/ 174.
(10) الموجود في «المنتخب»: «في أطباق وأوراق».
(11) في المنتخب، (مارا فيها كالبرق الخاطف بصوت مطابق كالرعد القاصف).
(12) حتى هنا ينتهي الموجود في (المنتخب) والذي بعده غير موجود في المطبوع.(1/513)
وقال: عليّ بن الحسن الباخرزيّ في (الدّمية). وذكر الإمام أبا المعالي فقال (1):
فالفقه فقه الشافعي والأدب أدب الأصمعي، وفي بصره بالوعظ الحسن البصريّ. وكيف ما هو؟ فهو إمام كلّ إمام، والمستملي بهمته على كلّ همام. والفائز بالظّفر على إرغام كلّ ضرغام، إذا تصدّر للفقه، فالمزني (2) من مزنته قطرة، وإذا تكلّم فالأشعري من وفرته شعرة، وإذا خطب الجم الفصحاء بالعيّ شقاشقه الهادرة، ولثم البلغاء بالصّمت حقائقه البادرة.
وقد توفي (3) أبو المعالي، في الخامس والعشرين من ربيع الآخر، ودفن في داره، ثم نقل بعد سنتين إلى مقبرة الحسين، فدفن إلى جانب والده، وكسر منبره في الجامع، وأغلقت الأسواق، ورثوه بقصائد. وكان له نحو من أربعمئة تلميذ، فكسروا محابرهم، وأقلامهم، وأقاموا على ذلك حولا (4). وهذا من فعل الجاهلية، والأعاجم، لا من فعل أهل السّنّة والاتّباع (5).
قلت: قد اختصر الحافظ الذهبي ترجمة الإمام بالنسبة إلى محله (6)، وتتبّع سقطاته التي صرّح هو برجوعه عنها، مع أنا لا نقطع بأنه كان يقول بذلك، بجواز أن يكون قد دسّ ذلك في تصنفيه، لكثرة أعدائه، والمختلفين عليه، من هو من العلماء؟ من لم يقع منه ما ينكر؟ وكلّ أحد يؤخذ من قوله، إلا السيد الكامل، كيف وقد بان له الحق ورجع إليه؟ ولو كان ممّن هو على رأي الذهبي، لأبدى الحسن، وستر القبح، وبالغ وأطنب، واعتذر. ولقد نقد عليه أن يحكي كلام عبد الغافر في ترجمة الإمام. قلت ذكره: «عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجوينيّ أبو المعالي، ابن ركن الإسلام، أبي محمد إمام الحرمين، فخر الإسلام، إمام الأئمة على الإطلاق، حبر الشريعة، المجتمع
__________
(1) الباخرزي: دمية القصر 2/ 10011000، والذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 477.
(2) المزني: صاحب الإمام الشافعي، من أهل مصر، كان إمام الشافعية بها، له مؤلفات عدة. / / الوفيات: 1/ 71.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 9/ 20، وابن النجار: ذيل تاريخ بغداد 9493، تبيين كذب المفتري ص 284.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 243، وابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 169، 170، وسير أعلام النبلاء 18/ 476.
(5) الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 247) ص 239.
(6) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 1/ 182 (ترجمة رقم 477).(1/514)
على إمامته، شرقا وغربا، المقر بفضله السّراة والحداة عجما وعربا. من لم تر العيون مثله، قبله ولا ترى بعده، ربّاه في حجر الإمامة، وحرّك ساعد السعادة مهده، وأرضعه ثدي العلم والورع، إلى أن ترعرع فيه ويفع. أخذ من العربية وما يتعلق بها، أوفر حظّ ونصيب، فزاد فيها على كلّ أديب، ورزق من التوسّع في العبارة وعلوّها، ما لم يعهد من غيره، حتى أنسى ذكر سحبان، وفاق فيها الأقران، وحمل القرآن، وأعجز الفصحاء اللّدّ وجاوز الوصف والحدّ. وكلّ من سمع خبره، أو رأى أثره، فإذا شاهده أقرّ بأنّ خبره يزيد كثيرا على الخبر (1).
ويبرّ على ما عهد من الأثر. وكان يذكر دروسا، يقع كل واحد منها في أطباق وأوراق، لا يتلعثم في كلمة منها ولا يحتاج إلى استدراك عثرة مارّا فيه كالبرق الخاطف، بصوت مطابق كالرعد القاصف، يعرف فيه المبرّزون، ولا يدرك شأوه المتشدقون المتعمقون. وما يوجد منه في كتبه من العبارات البالغة، كنه الفصاحة، غيض من فيض، ما كان على لسانه، وغرفة من أمواج ما كان يعهد من بيانه» (2).
تفقّه في صباه على والده ركن الإسلام، فكان يزهى بطبيعته وتحصيله، وجودة قريحته وكياسة غريزته. لما يرى فيه من المخايل مختلفة فيه، من بعد وفاته، وأتى على جميع مصنفاته، فقلبها ظهرا لبطن، وتصرّف، وخرّج المسائل بعضها على بعض، ودرّس سنين ولم يرض في شبابه بتقليد والده، وأصحابه. حتى أخذ في التحقيق، وجهد واجتهد في المذهب والخلاف، ومجلس النظر، حتى ظهرت كفايته ولاح على أيامه همة أبيه وفراسته، وسلك طريق المباحثة، وجمع الطرق بالمطالعة، والمناظرة، والمناقشة. حتى أربى على المتقدمين، وأنسى تصرفات الأولين وسعى في دين الله سعيا، يبقى أثره إلى يوم الدين.
ومن ابتداء أمره، أنه لما توفي أبوه كان سنّه دون العشرين أو قريبا منه، فأقعد مكانه للتدريس، فكان يقيم الرّسم في درسه، ويقوم منه ويخرج إلى مدرسة البيهقي، حتى حصّل الأصول، وأصول الفقه على الأستاذ الإمام أبي القاسم الإسكاف الإسفرائيني، وكان يواظب على مجلسه.
__________
(1) نفسه 1/ 480، 183، سبط ابن الجوزي: مرآة الجنان 3/ 124.
(2) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 1/ 174. وما بين القوسين ورد في الصفحة السابقة على أنه ملخص عما أورده عبد الغافر الفارسي في (تاريخه).(1/515)
وقد سمعته يقول في أثناء كلامه: كنت علقت عليه في الأصول أجزاء معدودة، وطالعت في نفسي مائة مجلّدة، وكان يصل الليل بالنهار في التحصيل حتى فرغ منه، ويبكّر كل يوم قبل الاشتغال يدرّس نفسه، إلى مجلس الأستاذ أبي عبد الله الخبازيّ يقرأ عليه القرآن، ويقتبس من كلّ نوع من العلوم، ما يكتبه مع مواظبته على التدريس.
وينفق ما ورثه وما كان له من الدخل على أحوال المتفقهة (1). ويجهد في ذلك، ويواظب على المناظرة، إلى أن ظهر التعصّب بين الفريقين، واضطربت الأحوال والأمور، فاضطرّ إلى السفر والخروج عن البلدة.
فخرج مع المشايخ إلى المعسكر، وخرج إلى بغداد، يطوف مع المعسكر، ويلتقي الأكابر من العلماء، ويدارسهم ويناظرهم حتى تهذب في النظر وشاع ذكره.
ثم خرج إلى الحجاز وجاور بمكة أربع سنين، يدرّس ويفتي (2) ويجمع طرق المذهب، ويقبل على التحصيل، إلى أن اتّفق رجوعه بعد مضي نوبة التّعصّب فعاد إلى نيسابور (3).
وقد ظهرت نوبة ولاية السلطان ألب أرسلان، وتزين وجه الملك إشارة نظام الملك، واستقرت أمور الفريقين، وانقطع التعصب، فعاد إلى التدريس، وكان بالغا في العلم نهايته، مستجمعا أسبابه، فبنيت المدرسة الميمونة النظامية، وأقعد للتدريس فيها، واستقامت أمور الطلبة، وبقي على ذلك قريبا من ثلاثين سنة، غير مزاحم ولا مدافع، فسلّم له المحراب، والمنبر والخطابة والتدريس، ومجلس التذكير يوم الجمعة، والمناظرة.
وهجرت له المجالس، وانغمر غيره من الفقهاء بعلمه وتسلّطه، وكسدت الأسواق في جنبه، ونفق سوق المحققين من خواصه وتلامذته (4). وظهرت تصانيفه، وحضر درسه الأكابر، والجمّ العظيم من الطلبة، وكان يقعد بين يديه كل يوم نحو من ثلاثمئة رجل، من الأئمة ومن الطلبة، وتخرج به جماعة من الأئمة والفحول. وأولاد الصّدور، حتى بلغوا محلّ التدريس في زمانه.
__________
(1) السبكي: طبقات 1/ 175، البداية والنهاية 12/ 128.
(2) نفسه 1/ 176، مفتاح السعادة 1/ 440و 2/ 188.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 245.
(4) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 1/ 176، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 245.(1/516)
وانتظم بإقباله على العلم، ومواظبته على التدريس، والمناظرة والمباحثة، أسباب ومحافل، ومجامع، وإمعان في طلب العلم، وسوق نافقة لأهله، لم تعهد قبله واتصل به ما يليق بمنصبه، من القبول عند السلطان والوزير، والأركان ووفور الحشمة عندهم.
بحيث لا يذكر غيره.
فكان المخاطب والمشار إليه، فالمقبول من قبله، والمهجور من هجره، والمصدّر في المجالس من ينتمي إلى خدمته، والمنظور إليه من يغترف في الأصول والفروع بطريقته، وأنفق من تصانيفه، برسم الحضرة النّظاميّة، مثل النظاميّ، والغياثيّ، وإنفاذها إلى الحضرة، ووقوعها موقع القبول (1).
ومقابلتها بما يليق بها من الشكر والرضا، والخلع الفائقة، والمواكب الثمينة، والهدايا والموسومات، إلى أن قلّد زعامة الأصحاب، ورئاسة الطائفة، وفوّض إليه أمور الأوقاف، وصارت حشمته وزر العلماء، والأئمة والقضاة، وقوله في الفتوى، مرجع العظماء، والأكابر والولاة (2).
واتّفقت له نهضة في أعلى ما كان من أيامه إلى أصبهان، بسبب مخالفة بعض من الأصحاب، فلقي بها من المجلس النّظاميّ، ما كان يليق بمنصبه، من الاستبشار والإعزاز، والإكرام، بأنواع المبارّ، وأجيب بما كان فوق مطلوبه، وعاد مكرّما إلى نيسابور، وصار أكثر عنايته مصروفا إلى تصنيف المذهب الكبير (3) المسمى ب: «نهاية المطلب في دراية المذهب» حتى حرّره وأملاه، وأتى فيه من البحث والتقرير، والسبك والتنقير، والتدقيق والتحقيق، بما شفى العليل، وأوضح السّبيل، ونبّه على قدره ومحلّه في علم الشريعة.
ودرّس ذلك للخواص من التلامذة وفرغ منه، ومن إتمامه، فعقد مجلسا لتتمة الكتاب (4). حضره الأئمة والكبار، وختم الكتاب على رسم الإملاء، والاستملاء،
__________
(1) ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 362358.
(2) السبكي: طبقات الشافعية 1/ 177.
(3) هو كتاب «نهاية المطلب في دراية المذهب». السبكي: طبقات الشافعية 1/ 177، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 245.
(4) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 1/ 177.(1/517)
وتبجح الجماعة بذلك. ودعوا له وأثنوا عليه، وكان من المعتدّين بإتمام ذلك الشاكرين لله عليه.
فما صنّف في الإسلام قبله مثله، ولا اتّفق لأحد ما اتفق له، من قياس طريقته بطريقة المتقدّمين في الأصول والفروع. وأنصف وأقرّ بعلوّ منصبه، ووفور تعبه، ونصبه في الدين، وكثرة سهره في استنباط الغوامض، وتحقيق المسائل، وترتيب الدلائل (1).
قال: يعني أبا الحسن عبد الغافر: ولقد قرأت فصلا، ذكره علي بن الحسن بن أبي الطيب الباخرزيّ، في كتاب «دمية القصر» مشتملا على حاله، وهو معتدّ كان في عصر الشباب، غير مستكمل ما عهدناه عليه، من اتّساق الأسباب.
وهو وإن قال (2): فتى الفتيان. ومن أنجب به الفتيان (3)، ولم يخرج مثله المفتيان (4). عنيت النّعمان ابن ثابت، ومحمد بن إدريس (فالفقه فقه الشافعي، والأدب أدب الأصمعي، وحسن بصره بالوعظ كالحسن البصريّ، وكيف ما هو؟ فهو إمام كلّ إمام، والمستعلي بهمته على كل همام، والفائز بالظفر على إرغام كلّ ضرغام.
إذا تصدر للفقه فالمزنيّ في مزنته قطرة، وإذا تكلّم فالأشعري من وفرته شعرة، وإذا خطب ألجم الفصحاء بألمعيّ شقاشقه الهادرة، ولثم البلغاء بالصمت حقائقه البادرة.
ولولا سدّه مكان أبيه بسدّه الذي أفرغ على قطره قطر بانيه، لأصبح مذهب الحديث حديثا، ولن يجد المستغيث منهم (5) مغيثا).
قال أبو الحسن: هذا هو وحقّ الحقّ، فوق ما ذكره وأعلى ممّا وصفه، فكم من فصل مشتمل على العبارات الفصيحة العالية، والنكت البديعة النادرة، في المحافل منه سمعناه.
وكم من مسائل في النظر شهدناه؟ ورأينا منه إفحام الخصوم وعهدناه؟ وكم من
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 1/ 178.
(2) انظر: الباخرزي: دمية القصر 2/ 1000، ترجمة رقم 73.
(3) الفتيان: الليل والنهار (التاج).
(4) هما صاحبا المذهبين، الشافعي والحنفي، والنعمان بن ثابت: هو إمام الحنفية، تيميّ بالولاء، حاول الخليفة العباسي المنصور تعيينه على القضاء في بغداد فلم يقبل فسجنه حتى مات. / الخطيب: تاريخ بغداد: 13/ 323، وابن تفري بردي: النجوم الزاهرة 2/ 13.
(5) هذا النص ما بين القوسين للباخرزيّ، مكرر عنا لورقة 158.(1/518)
مجلس في التذكير للعوامّ؟ مسلسل المسائل مشحون بالنكت المستنبطة، من مسائل الفقه مشتملة على حقائق الأصول (1) مبكّية في التحذير، مفرحة في التبشير، مختومة بالدعوات، وفنون المناجاة. حضرناه (2).
وكم من مجمع للتدريس حاو للكبار من الأئمة، وإلقاء المسائل عليهم، والمباحث في غورها رأيناه، وحصلنا بعض ما أمكننا منه وعلّقناه، لم نقدّر ما كنا فيه من نضرة أيامه، وزهرة شهوره وأعوامه، حق قدره، ولم نشكر الله تعالى عليه حق شكره، حتى فقدناه وسلبناه.
وسمعته في أثناء كلامه يقول: أنا لا أنام، ولا آكل عادة، وإنما أنام إذا غلبني النّوم ليلا كان أو نهارا، وآكل إذا اشتهيت الطعام، أي وقت كان، وكانت لذته، ولهوه ونزهته، في مذاكرة العلم، من أيّ نوع.
فلقد سمعت الشيخ أبا الحسن علي بن فضّال بن علي المجاشعي، النحويّ، القادم علينا، سنة تسع وتسعين وأربعمئة، يقول: وقد قبله الإمام فخر الإسلام، وقابله بالإكرام، وأخذ في قراءة النحو عليه، والتلمذة له، بعد أن كان إمام الأئمة في وقته، وكان يحمله كل يوم إلى داره، ويقرأ عليه كتاب «إكسير الذهب في صناعة الأدب» من تصنيفه (3). فكان يحكي يوما، ويقول: ما رأيت عاشقا للعلم من أيّ نوع كان، مثل هذا الإمام، فإنه يطلب العلم للعلم، وكان كذلك. ومن حميد سيرته، أنه ما كان يستصغر أحدا، حتى يسمع كلامه، بادئا كان أو متناهيا فإن أصاب كياسة في طبع، أو جريا على منهاج الحقيقة، استفاد منه صغيرا كان أو كبيرا.
ولا يستنكف عن أن يعزي الفائدة المستفادة إلى قائلها.
ويقول: هذه الفائدة مما استفدته من فلان، ولا يحابي أيضا في التزييف إذا لم يرض كلاما، ولو كان أباه أو أحدا من الأئمة المشهورين، وكان من التواضع لكلّ أحد بمحلّ يتخيّل منه الاستهزاء لمبالغته فيه. ومن رقة القلب بحيث يبكي إذا سمّعته بيتا، أو تفكّر في نفسه ساعة.
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 1/ 179
(2) السبكي: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 179.
(3) السبكي: طبقات الشافعية 1/ 179.(1/519)
وإذا شرع في حكاية الأحوال، وخاض في علوم الصوفية، في فصول مجالسيه بالغدوات، أبكى الحاضرين ببكائه، وقطّر الدماء من الجفون بزعقاته، ونقراته وإشاراته، لاحتراقة في نفسه. وتحقّقه بما يجري من دقائق الأسرار.
هذه الجملة نبذ مما عهدناه منه، إلى انتهاء أجله، فأدركه قضاء الله الذي لابد منه، بعد ما مرض قبل ذلك بمرض اليرقان، وبقي به أياما، ثم برأ منه، وعاد إلى الدرس والمجلس، وأظهر الناس من الخواص والعوام السرور بصحته، وإقباله من علّته (1).
فبعد ذلك بعهد قريب مرض المرضة التي توفي فيها، وبقي بها أياما وغلبت عليه الحرارة التي كانت تدور في طبيعته. إلى أن ضعف، وحمل إلى بشتنقان (2)، لاعتدال الهواء، وخفّة الماء، فزاد الضّعف، وبدت مخايل الموت.
وتوفي ليلة الأربعاء بعد صلاة العتمة، الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر، من سنة ثمان وسبعين وأربعمئة، ونقل في الليل إلى البلد، وقام الصياح في كلّ جانب.
وجزع الناس عليه جزعا لم يعهد مثله، وحمل بين الصلاتين من يوم الأربعاء، إلى ميدان الحسين، ولم تفتح الأبواب في البلد، ووضعت المناديل على الرّؤوس عاما، بحيث ما اجترأ أحد على ستر رأسه من الرؤوس الكبار.
وصلى عليه ابنه الإمام أبو القاسم، بعد جهد جهيد، حتى حمل إلى داره من شدة الزحمة، وقت التطفيل ودفن في داره.
وبعد سنين نقل إلى مقبرة الحسين، وكسر منبره في الجامع المنيعيّ. وقعد الناس للعزاء أياما عدا عاما، وأكثر الشعراء المراثي فيه، وكان الطلبة قريبا من أربعمئة نفر، يطوفون في البلد نائحين (3) عليه، مكسرين المحابر والأقلام، مبالغين في الصياح والجزع.
وكان مولده ثامن عشر المحرم سنة تسع عشرة وأربعمئة، وتوفي وهو ابن تسع وخمسين سنة رحمه الله (4).
__________
(1) السبكي طبقات الشافعية 1/ 179، 180.
(2) بشتنقان: من قرى نيسابور، وأحد متنزهاتها، وتبعد عن نيسابور مقدار فرسخ واحد وبها قتل يحيى بن زيد بن علي بن الحسين / ياقوت: معجم البلدان 1/ 125.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 247.
(4) السبكي: طبقات الشافعية 1/ 181وكانت وفاته في شهر ربيع الآخر سنة 478هـ / المنتظم 16/ 247.(1/520)
سمع الحديث الكثير في صباه، من مشايخ مثل الشيخ أبي حسان، وأبي سعيد بن علّيك وأبي سعد النّصروييّ. ومنصور بن رامش.
وجمع له كتاب (الأربعين) فسمعنا منه بقراءتي عليه، وقد سمع (سنن الدارقطني) من أبي سعد بن علّيك.
وكان يعتمد تلك الأحاديث في مسائل الخلاف، ويذكر الجرح والتعديل منها في الرواة.
وظنّي أن آثار جدّه واجتهاده في دين الله، تدوم إلى قيام الساعة. وإن انقطع نسله من جهة الذكور ظاهرا، فنشر علمه يقوم مقام كلّ نسب، ويغنيه عن كلّ نسب مكتسب.
والله تعالى يسقي في كل لحظة جدّ تلك الروضة الشريفة، عوالي رحمته، ويزيد في ألطافه، وكرامته، بفضله، ومنّته، إنه وليّ كلّ خير، ومما قيل عند وفاته (1): [من الوافر]:
قلوب العالمين على المعالي ... وأيام الورى شبه اللّيالي
أينمو غصن أهل الفضل يوما ... وقد مات الإمام أبو المعالي
هذا كلام عبد الغافر.
سنة تسع وسبعين وأربعمئة
529 - إسماعيل (2) بن زاهر بن محمد أبو القاسم النّوقاني، النيسابوريّ.
قال السمعانيّ: فقيه صالح صدوق، كثير السماع.
سمع: أبا الحسن العلوي، وأبا الطيب الصّعلوكيّ، وعبد الله بن يوسف بن مامويه، وابن محمش بنيسابور. وأبا الحسين بن بشران، ونحوه ببغداد. وجناح بن بدر بالكوفة، وابن نظيف، وأبا ذرّ بمكة.
__________
(1) البيتان في: السبكي: طبقات الشافعية 1/ 184.
(2) هو: إسماعيل بن زاهر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله (أبو القاسم النوقاني) / تاريخ نيسابور (ت 318).
انظر ترجمته في: ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 363، وابن الجوزي: المنتظم 16/ 261، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 270، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 726، المنتخب من السياق 139.(1/521)
روى عنه: زاهر الشّحّاميّ، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وإسماعيل بن عبد الرحمن القارىء.
وقد تفقّه على الطّوسيّ، وعقد مجلس الإملاء، وأفاد الكثير. وكان مولده سنة سبع وتسعين وثلاثمئة (1).
ومن آخر من روى عنه: عبد الكريم بن محمد الدّامغانيّ.
قال عبد الغافر: هو من أركان فقهاء الشافعية، سمعت منه بعض أماليه.
وروى عنه أيضا: سعيد بن علي الشّجاعيّ، وعائشة بنت أحمد الصّفار، وأبو الفتوح عبد الله بن علي الخركوشي، وعبد الكريم بن علي العلويّ وعبد الملك بن عبد الواحد بن القشيريّ، ومحمد بن جامع، خيّاط الصوف، وغيرهم.
ومن مسموعاته: كتاب (تاريخ النسويّ).
رواه عن ابن الفضل القطان، عن ابن درستويه، عن النسويّ.
530 - عبد الجليل (2) بن عبد الجبار بن عبد الله بن طلحة. أبو المظفّر المروزيّ، الفقيه الشافعي.
قدم دمشق، وتفقّه به جماعة منهم: أبو الفضل يحيى بن علي القرشي.
وكان قد تفقّه على الكازرونيّ، وولي القضاء حين دخل الترك إلى دمشق.
وكان فاضلا مهيبا عفيفا.
حدّث عن: عبد الوهاب بن برهان وغيره. وعنه: غيث الأرمنازيّ، وهبة الله بن طاوس.
531 - محمد بن أبي القاسم (3) عبد الجبار بن علي الإسفرائيني (4).
أبو بكر الإسكاف المتكلّم إمام الجامع المنيعيّ.
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 261.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 100، الإسنوي: الطبقات 2/ 411، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 765، ومختصر تاريخ دمشق 14/ 165.
(3) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 307) ص 282، السمعاني: الأنساب 1/ 235.
(4) الإسفرائيني: نسبة إلى إسفرائين بلدة بنواحي نيسابور على منتصف الطريق من جرجان / الأنساب 1/ 235.(1/522)
سمع: أبا عبد الرحمن السّلميّ، وأبا إسحاق الإسفرائيني المتكلم، وجماعة.
أخذ عنه: أبو المظفر السمعانيّ، والكبار.
قال عبد الرحيم ابن السمعاني: ثنا عنه إسماعيل العضائديّ، وأحمد بن العباس الشقّانيّ، وأبو القاسم محمد بن الحسين العلويّ.
ومات في جمادى الأولى سنة تسع بنيسابور.
سنة ثمانين وأربعمئة
532 - عبد الواحد (1) بن إسماعيل. الإمام أبو القاسم البوشنجي (2) الفقيه.
533 - محمد بن إبراهيم (3) بن علي.
العلامة أبو الخطاب الكعبي، الطبري، شيخ الشافعية، ببخارى.
تفقّه بأبي سهل، أحمد بن علي الأبيورديّ.
وكان من العلماء، الزّهاد، تخرج به الأصحاب. قال السمعاني: حتى كان يقعد بين يديه، أكثر من مائتي فقيه، على ما قيل.
سمع من شيخه أبي سهل، والحسن بن أبي المبارك الشيرازي، الحافظ، ومكّي بن عبد الرزاق الكشميهنيّ، ومحمد بن عبد العزيز القنطريّ، وعبد الكريم بن عبد الرحمن الكلاباذي، والمظفّر بن أحمد.
ثنا. عنه: عثمان بن علي البيكندي.
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 225، الإسنوي: الطبقات 1/ 210، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 801.
(2) أورده ابن الصلاح كما يلي: عبد الواحد بن إسماعيل بن محمد أبو القاسم البوشنجي (480000 هـ) وقال: كان فقيها، فاضلا، ورعا، من وجوه الفقهاء، والمدرسين، والمناظرين، العاملين بعلمهم. جاريا على منهاج السلف الصالح، في لزوم العلم، والقناعة مع الفقر. / / طبقات فقهاء الشافعية 2/ 801.
(3) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 835 (والبيكندي: انظر الأنساب 2/ 373).(1/523)
مات ببخارى في ربيع الأول. وممن توفي في هذا الوقت أيضا.
534 - إسماعيل بن أحمد (1) بن حسن.
الفقيه أبو سريج الشاشيّ الصوفي. شيخ جوّال، لقي المشايخ والصلحاء، وحدّث بنيسابور وغيرها.
سمع بهراة: أبا الحسن محمد بن عبد الرحمن الدّبّاس، وأبا عثمان، سعيد بن العباس القرشي. روى عنه: عبد الغفار الفارسي، ووثّقه، وأثنى عليه في سياقه، ولقيه سنة سبعين.
سنة إحدى وثمانين وأربعمئة
535 - إسماعيل (2) بن علي بن محمد بن عبد الله.
أبو الفضل الدّلشاذي الفقيه.
من تلامذة أبي محمد الجوينيّ. صالح مستور.
حدّث عن: أبي القاسم عبد الرحمن السرّاج، وأبي بكر الحيريّ، وأبي سعيد الصّيرفي.
روى عنه: عبد الغافر الفارسي، وقال: توفي في الحادي والعشرين من المحرّم.
536 - غانم (3) بن عبد الواحد بن عبد الرحيم أبو حكر الأصبهانيّ، الفقيه، الشافعي، إمام جامع إصبهان، وأحد العلماء، سمع محمد بن إبراهيم الجرجاني، روى عنه، مسعود الرّستميّ، وجماعة. توفي في ثالث رجب.
__________
(1) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 421، السمعاني: الأنساب 12/ 130، ابن الأثير: اللباب 3/ 328، والإسنوي: الطبقات 2/ 489، والمنتخب من السياق 141 (رقم 321).
(2) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 7) ص 51، المنتخب من السياق 143 (ت 328).
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 303، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 826.(1/524)
سنة اثنتين وثمانين وأربعمئة
537 - أحمد بن محمد (1) بن أحمد.
أبو العباس الجرجاني (2) الفقيه، قاضي البصرة، وشيخ الشاففعية بها.
وهو مذكور في أعيان الأدباء، له تصانيف (3).
وسمع من: أبي طالب ابن غيلان، وأبي الحسن القزويني، والصّوريّ.
روى عنه: الحسين بن عبد الملك الأديب، بإصبهان.
وله كتاب سماه: كتاب (الأدباء)، أورد فيه نفائس من النظم، والنثر. وكان من أجلّاء العالم.
تفقّه على الشيخ أبي إسحاق.
وقد روى عنه: أبو عليّ بن سكّرة الحافظ، وأثنى عليه.
وروى عنه: إسماعيل بن السمرقندي.
538 - أحمد بن محمد (4) بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن شجاع.
الأستاذ أبو حامد الشّجاعي، السّرخسيّ، ثم البلخيّ، الفقيه.
كان إماما مبرّزا كبير القدر.
تفقّه على أبي علي السّنجيّ. ودرّس مدة، وله أصحاب.
سمع الحديث من: الليث بن الحسن الليثي وغيره.
__________
(1) ترجمته في: ابن الجوزي: المنتظم 16/ 285، الإسنوي: الطبقات 1/ 340، وابن قاضي شهبة 1/ 282، والسبكي: طبقات الشافعية 4/ 64، حاجي خليفة: كشف الظنون 253، 1023، 1730، الصفدي: الوافي بالوفيات 7/ 331.
(2) نفسه.
(3) صنّف من الكتب: الشافي، التحرير، البلغة، كنايات الأدباء وإشارات البلغاء، والمعاياة.
(4) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 33، الإسنوي: الطبقات 2/ 93، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 720، الأنساب 2/ 291، النجوم الزاهرة 5/ 129، تذكرة الحفاظ 3/ 194.(1/525)
وروى عنه: ابن أخيه محمد بن محمود السّره مرد. بسرخس، وأبو حفص عمر بن محمد المروزيّ، ومحمد بن أبي الحسن القومسيّ البلخيّ، وعمر البسطاميّ الحافظ، وأبو حفص عمر بن محمد بن القاسم القاضي الشّهرزوريّ، وآخرون.
سمع منهم: أبو سعد السمعاني.
توفي رحمه الله ببلخ، وقع لنا مجلس من أماليه (1).
539 - عبد الرحمن بن (2) الأستاذ أبي القاسم، عبد الكريم بن هوازن.
أبو منصور القشيريّ، النيسابوريّ. كان صالحا عابدا.
سمع عنه: أبو الأسعد، هبة الرحمن، وأبو حفص عمر الفرغولي (3).
وتوفي بمكة هذه السّنة.
540 - علي (4) بن أبي يعلى بن زيد بن حمزة.
أبو القاسم، الحسيني الدّبوسي.
ودبوسيّة بلدة بقرب سمرقند. كان من كبار أئمة الشافعية، متوحدا، منفردا في الفقه، والأصول واللغة، والنحو، والنظر والجدل.
وكان حسن الخلق، والخلق سمحا، جوادا كثير المحاسن. قدم بغداد، وولي تدريس النظّامية. تفقّه عليه جماعة من البغداديين، ومن الغرباء.
وأملى ببغداد مجالس.
سمع: أبا عمرو بن عبد العزيز القنطريّ، وأبا سهل أحمد بن علي الأبيورديّ، وأبا مسعود أحمد بن محمد البجليّ.
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 6/ 395، تذكرة الحفاظ 3/ 194.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 223، الإسنوي: الطبقات 2/ 316، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 533، والعقد الثمين 5/ 379، المنتخب من السياق 316، 317 (رقم 1041).
(3) الفرغولي: نسبة إلى فرغول: قرية من قرى دهستان / الأنساب 9/ 278.
(4) ترجمته في: ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 135، وابن الأثير: الكمل 8/ 463، الأنساب 5/ 275، المنتظم 16/ 285.(1/526)
روى عنه: عبد الوهاب الأنماطيّ، وأبو غانم المظفّر البروجردي (1)، ومحمد بن أبي نصر المسعوديّ المروزيّ، وآخرون.
توفي ببغداد في شعبان، وهو من ذريّة الحسين الأصغر، ابن زين العابدين بن علي بن الحسين، رضي الله عنهم.
541 - محمد بن أحمد (2) بن علي بن شكرويه.
القاضي أبو منصور الإصبهاني.
توفي بإصبهان في شعبان.
قال يحيى بن مندة: هو آخر من روى عن أبي علي بن البغدادي، وأبي إسحاق بن خرّشيد قوله. وسافر إلى البصرة.
وسمع من: أبي عمر الهاشميّ (3)، وعلي بن القاسم النجّاد، وجماعة. إلا أنه خلط في كتاب (السنن) ما سمعه بما لم يسمعه. وأهمل بعض السماع. كذلك، قرأ على مؤتمن الشّامي، ثم ترك القراءة عليه، وخرج إلى البصرة، وسمع الكتاب من أبي علي التّستريّ (4).
وقال المؤتمن: ما كان عند ابن شكرويه، عن ابن خرّشيد قوله، والجرجانيّ، وهذه الطبقة، فصحّح. وأطلعني ابن شكرويه على كتابه (السنن لأبي داود)، فرأيت تخليطا ما استحللت معه سماعه.
وقال أبو طاهر: لمّا كنّا بإصبهان. كان يذكر أن السّنن عند ابن شكرويه، فنظرت فإذا هو مضطرب (5)، فسألت عن ذلك، فقيل: إنه كان له ابن عمّ، وكانا جميعا بالبصرة،
__________
(1) هو: المظفر بن الحسين بن المظفر المفضل البروجردي، أبو غانم. وينسب إلى بلدة بروجرد، من بلاد الجبل وقرب همذان / / ابن الأثير: اللباب 1441431، والأنساب 2975، 3007.
(2) ترجمته في: الإسنوي: الطبقات 1/ 93، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 839، معجم البلدان 3/ 301، العبر 3/ 300، سيرة أعلام النبلاء 18/ 493، شذرات الذهب 3/ 367.
(3) في العبر 3/ 300 (القاسمي) وهو غلط.
(4) التستري: نسبة إلى تستر، بلدة من كور الأهواز من بلاد خوزستان / / الأنساب 3/ 54.
(5) الذهبي: سير أعلام النبلاء 18/ 493، الإسنوي: الطبقات 1/ 93.(1/527)
وكان القاضي أبو منصور مشتغلا بالفقه، وإنّما سمع اليسير من القاضي أبي عمر الهاشمي، وكان ابن عمّه قد سمع الكتاب كلّه، وتوفي قديما. فكشط أبو منصور اسم ابن عمّه، وأثبت اسمه. فخرجت إلى البصرة، وقرأته على التّستري.
وقال السمعاني: سألت أبا سعد البغدادي، عن أبي منصور بن شكرويه، فقال:
كان أشعريا لا يسلّم علينا، ولا نسلّم عليه، ولكنه كان صحيح السماع.
وقال يحيى بن مندة: كان أبو منصور على قضاء قرية سين (1)، سافر إلى البصرة، فسمع من الهاشمي، وأبي الحسن النجّاد، وأبي طاهر بن أبي مسلم.
ولد ابن شكرويه سنة ثلاث وتسعين وثلاثمئة.
ومات في العشرين من شعبان.
وقد روى عن إسماعيل الحافظ، وابن طاهر المقدسيّ، ونصر الله بن محمد المصيصيّ، وهبة الله بن طاوس الدمشقيّان، وأبو عبد الله الرّستميّ، وطائفة كبيرة، منهم أبو سعد البغدادي، وعبد العزيز الأدميّ، والجنيد (2) العاينيّ.
542 - محمد (3) بن أحمد بن الحسين بن علي. أبو عبد الله بن الإمام الكبير أبي بكر البيهقي. مات في شعبان.
543 - محمد بن منصور (4) بن عمر بن علي.
أبو بكر بن الإمام الفقيه أبي القاسم الكرخيّ الفقيه الشافعي، والد الشيخ أبي البدر إبراهيم الكرخي.
صالح متديّن عالم.
سمع: أبا علي بن شاذان.
__________
(1) السين: قرية بينها وبين إصبهان أربعة فراسخ / / معجم البلدان.
(2) هو: الجنيد بن محمد بن علي العايني، الفقيه الصوفي، أبو القاسم / / السبكي: طبقات الشافعية 5/ 95، 7/ 5654.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 1/ 7970.
(4) ترجمته في: السمعاني: الأنساب 10/ 393، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 206، الإسنوي:
الطبقات 2/ 342، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 271.(1/528)
روى عنه: إسماعيل بن أحمد السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي. ومات في جمادى الأولى.
وأما أبوه فمن كبار أئمة الشافعية، سمع أبا طاهر المخلّص، ودرس على الأستاذ أبي حامد الإسفرائينيّ، وصنّف واشتغل.
سنة ثلاثة وثمانين وأربعمئة
544 - عبد الغني بن بازل (1). أبو محمد الألواحيّ المصريّ. من بليدة ألواح.
شيخ صالح، فقيه شافعيّ.
رحل، وسمع أبا إسحاق الرّمليّ، وأبا الحسن الماورديّ، وأبا بكر البيهقي، وأبا عثمان البحيريّ.
روى عنه: أبو سعد أحمد بن البغدادي، وإسماعيل بن علي الحمّامي.
قلت: في (تاريخ ابن النجار) عن بعضهم. أنه توفي في المحرم سنة ست وثمانين، وصلى عليه الإمام أبو بكر الشاشيّ (2).
545 - محمد بن ثابت (3) بن حسن. أبو بكر الخجندي، أحد فحول المتكلمين.
كان يعظ، ويتكلّم في كل فنّ، ويقع كلامه من القلوب الموقع العظيم. استوطن إصبهان ونفق على أهلها، وصار من رؤساء علمائها ومحتشميهم، وتفقه به جماعة في مذهب الشافعيّ، وانتشر ذكره، وولي تدريس نظاميّة إصبهان.
وتفقّه على أبي سهل الأبيورديّ (4)، وحدّث عن والده. وتوفي في ذي القعدة.
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 237، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 782، الأنساب: السمعاني 1/ 342.
(2) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 3/ 238237.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 50، الإسنوي: الطبقات 1/ 478، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 846، المنتخب من السياق 68 (رقم 144) والعبر 3/ 303، شذرات الذهب 3/ 368.
(4) الأبيورديّ: نسبة إلى أبيورد وهي بلدة في خراسان / / الأنساب 1/ 128.(1/529)
546 - الموفق (1) بن طاهر. أبو نصر الجوزقي (2) الإمام.
سمع بهراة: أبا الفضل عمر بن أبي سعد، وأبا يعقوب القرّاب.
سنة أربع وثمانين وأربعمئة
547 - الحسين (3) بن محمد أبو علي، الدّلفي (4)، المقدسيّ، ثم البغدادي، الزاهد.
قال أبو علي بن سكّرة: لم ألق ببغداد أزهد منه.
وقد سمع من: أبي بكر محمد بن جعفر الميماسيّ بعسقلان. وتفقّه على أبي نصر بن الصباغ ببغداد.
روى عنه: هبة الله بن علي بن مجليّ، وأبو سعد أحمد بن محمد البغدادي.
وسمع منه: أبو بكر بن الخاضبة، توفي في ذي الحجة.
548 - عبد الرحمن (5) بن أحمد بن علّك.
أبو طاهر السّاويّ (6)، أحد أئمة الشافعية.
ولد بإصبهان بعد الثلاثين وأربعمئة، وحمل إلى سمرقند، فتفقّه بها.
وصحب عبد العزيز النّخشبيّ، وأخذ منه علم الحديث.
__________
(1) ترجمته في: الإسنوي: طبقات 2/ 160، النووي: تهذيب الأسماء 2/ 120، وابن الصلاح:
طبقات 2/ 674.
(2) الجوزقيّ: نسبة إلى جوزقين، الأولى جوزق نيسابور، والثانية إلى جوزق هراة. / الذهبي:
تاريخ الإسلام (رقم 107).
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 367366، الإسنوي: طبقات 2/ 412، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 745، والأنساب 5/ 331، 532، ابن الأثير: اللباب 1/ 506.
(4) الدّلفي: نسبة إلى دلف وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه. / / ابن الأثير: اللباب 1/ 506.
(5) ترجمته في: ابن الجوزي 16/ 295، ابن كثير: البداية والنهاية 13812، وابن العماد:
شذرات الذهب 3/ 3702، والكامل لابن الأثير 8/ 476475، والسبكي: طبقات الشافعية 3/ 221، الإسنوي: طبقات 2/ 44، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 767.
(6) نسبة إلى بلدة ساوة بين الري وهمذان / / ابن الأثير: اللباب 2/ 91.(1/530)
سمع: أبا الربيع، طاهر بن عبد الله الإملاقيّ، وأحمد بن منصور المغربيّ، النيسابوري، وأبا الحسين بن النّقّور.
روى عنه إسماعيل السمرقندي، ومحمد بن علي الإسفرائينيّ، نزيل مرو، وتوفي ببغداد.
سنة خمس وثمانين وأربعمئة
549 - الحسن (1) بن علي بن إسحاق بن العباس.
الوزير أبو علي الطّوسيّ، الملقّب نظام الملك قوام الدين.
ذكره السمعانيّ فقال: كعبة المجد، ومنبع الجود. كان مجلسه عامرا بالقرّاء والفقهاء، أمر ببناء المدارس في الأمصار، ورغب في العلم كلّ أحد سمع الحديث، وأملى في البلاد، وحضر مجلسه الحفّاظ.
وابتداء حاله أنه كان من أولاد الدّهاقين، بناحية بيهق (2)، وأن أباه كان يطوف به على المرضعات، فيرضعنه حسبة. فنشأ، وساقه التقدير إلى أن علق بشيء من العربية، وقاده ذلك إلى الشروع في رسوم الاستيفاء. وكان يطوف في مدن خراسان، فوقع إلى غزنة، في صحبة بعض المتصوّفين، ووقع في شغل أبي علي بن شاذان، المعتمد عليه ببلخ من جهة الأمير جغري، حتى حسن حاله عند ابن شاذان إلى أن توفي.
وكان أوصى به إلى السلطان ألب أرسلان، ملك بلخ يومئذ، فنصّبه السلطان مكان ابن شاذان، وصار وزيرا له. فاتّفق وفاة السلطان طغرلبك، ولم يكن له من الأولاد من يقوم بالأمر، فتوجّه الأمر إلى ألب أرسلان، وتعيّن للملك.
__________
(1) ترجمته في: ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 140، وابن العماد: شذرات الذهب 3/ 373، وابن خلكان: وفيات الأعيان 2/ 128، ابن الأثير: الكامل 8/ 481478، الزركلي: الأعلام 2/ 202، ابن الجوزي: المنتظم 16/ 302، السمعاني: الأنساب 6/ 37، الصفدي: الوافي 12/ 123، الذهبي: العبر 3/ 307، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 329309، ابن خلدون:
التاريخ 5/ 1311، البغدادي: هدية العارفين 1/ 237، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 4504461.
(2) بيهق: ناحية كبيرة، وكورة واسعة، من أعمال نيسابور، ويتبع لها 321قرية، وتقع بين قومس ونيسابور وقصبتها مدينة سابروار. / / ياقوت: معجم البلدان 1/ 537.(1/531)
وخطب له على منابر خراسان، والعراق. وكان نظام الملك يدبّر أمره، فجرى على يده من الرسوم المستحسنة ونفي الظّلم وإسقاط المؤن، وحسن النّظر في أمور الرّعية، ورتّب أمور الدّواوين أحسن ترتيب، وأخذ في بذل الصّلات، وبناء المدارس، والرّباطات، إلى أن انقضت مدة السلطان ألب أرسلان في سنة خمس وستين.
وطلع نجم الدولة، الملكشاهيّة (1)، وظهرت كفاية نظام الملك في دفع الخصوم حتى توطّدت أسباب الدولة. فصار الملك حقيقة لنظامه، ورسما للسلطان ملكشاه بن ألب أرسلان. واستمر على ذلك عشرين سنة.
وكان صاحب أناة وحلم وصمت، ارتفع أمره، وصار سيد الوزراء سنة خمس وخمسين وإلى حين وفاته.
حكى القاضي (2) أبو العلاء الغزنويّ، في كتاب (سرّ السرور): أن نظام الملك، صادف في السفر رجلا في زيّ العلماء، قد مسّه الكلال. فقال له: أيها الشيخ أعييت أم عييت؟ فقال: أعييت يا مولانا. فتقدّم من حاجبه أن يركبه جنبيّا، وأن يصلح من شأنه، وأخذ في اصطناعه. وإنما أراد بسؤاله اختباره، فإن العيّ في اللسان (وأعيى: تعب) (3)
وروي عن عبد الله الساوجيّ، أن نظام الملك، استأذن ملكشاه في الحج، فأذن له، وهو إذ ذاك ببغداد. فعبر الجسر وهو بتلك الآلات والأقمشة، والخيام، فأردت الدخول عليه، فإذا فقير تلوح عليه سيماء القوم، فقال لي: يا شيخ أمانة ترفعها إلى الوزير.
قلت: نعم. فأعطاني ورقة، فدخلت بها ولم أفتحها، فوضعتها بين يدي الصاحب، فنظر فيها، وبكى بكاء كثيرا، حتى ندمت وقلت في نفسي: ليتني نظرت فيها.
فقال لي: أدخل علي صاحب هذه الرّقعة. فخرجت فلم أجده، وطلبته فلم أره، فأخبرت الوزير، فدفع إليّ الرقعة، فإذا فيها: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام. فقال لي:
اذهب إلى حسن وقل له: أين تذهب إلى مكة؟ حجّك هاهنا. أما قلت لك؟: أقم بين يدي هذا التركيّ، وأغث أصحاب الحوائج من أمتي.
فبطّل النظام الحج، وكان يودّ أن يرى ذلك الفقير.
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 303، نسبة إلى ملكشاه بن ألب أرسلان، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 319.
(2) السبكي: طبقات الشافعية 4/ 328، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 448.
(3) ابن الصلاح: طبقات 1/ 448.(1/532)
قال: فرأيته يتوضأ ويغسل خريقات. فقلت: إن الصاحب يطلبك.
فقال: ما لي وله إنما كان عندي أمانة أدّيتها.
قال ابن الصلاح: كان الساوجي (1) هذا، شيخ الشيوخ نفق علي النّظام. حتى أنفق عليه وعلى الفقراء، باقتراحه في مدّة يسيرة، قريبا من ثمانين ألف دينار. رجعنا إلى تمام الترجمة.
وكان ملكشاه (2) منهمكا في الصيد واللهو.
سمع النظام من: أبي مسلم محمد بن علي بن مهريزد (3) الأديب. بإصبهان، ومن:
أبي القاسم القشيريّ، وأبي حامد الأزهريّ، وهذه الطبقة.
روى لنا عنه: عمّي أبو محمد الحسن بن منصور السمعاني، ومصعب بن عبد الرزاق المصعبيّ، وعلي بن طراد الزينيّ.
قلت: ونصر بن نصر العكبريّ، وغيرهم.
قال: وكان أكثر ميله إلى الصوفية.
وحكي عن بعض المعتمدين قال: حاسبت نفسي، وطالعت الجرائد، فبلغ ما قضاه الصّدر من ديوان واحد، من المنتمين المقبولين عنده، في مدّة سنين يسيرة، ثمانين ألف دينار حمر (4).
وقيل: إنه كان يدخل عليه، أبو القاسم القشيريّ، وأبو المعالي الجوينيّ، فيقوم لهما، ويجلسهما في مسند. كما هو. وإذا دخل عليه الشيخ أبو علي الفارمذي، فيقوم ويجلس بين يديه، ويجلسه مكانه. فقيل له: في ذلك، فقال (5): أبو القاسم، وأبو المعالي، وغيرهما، إذا دخلوا عليّ يثنون عليّ، ويطروني بما ليس فيّ، فيزيد في كلامهم عجبا، وتيها، وهذا الشيخ يذكرني عيوب نفسي، وما أنا فيه من الظلم، فتنكسر نفسي، وأرجع عن كثير مما أنا فيه.
__________
(1) نفسه 1/ 449، وابن الجوزي: المنتظم 16/ 303.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 303.
(3) السبكي: طبقات الشافعية 4/ 318وهو العلامة النحوي المفسر المعتزلي محمد بن علي بن مهربزد / انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء (ت 79) ج 18.
(4) ابن اللاح: طبقات 1/ 449، والمنتظم 16/ 303.
(5) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 303، ووفيات الأعيان 2/ 129.(1/533)
مولده (1) في يوم الجمعة من ذي القعدة، سنة ثمان وأربعين، وأدركته الشهادة سامحه الله، ورحمه في شهر رمضان، فقتل غيلة، وهو صائم، وذلك بين إصبهان وهمذان. أتاه شابّ في زيّ صوفيّ، فناوله ورقة، فتناولها منه، فضربه بسكّين في فؤاده، وقتل قاتله.
وقيل: إن السلطان سئم منه، واستكثر ما بيده من الأموال، والأقطاع، فدسّ هذا عليه. ولم يبق بعده السلطان إلا مدة يسيرة.
وهو أول من بنى المدارس (2) في الإسلام، بنى نظاميّة بغداد، ونظاميّة نيسابور، ونظاميّة طوس، ونظاميّة إصبهان.
وقال القاضي ابن خلكان (3): إن نظام الملك دخل على الإمام المقتدي بالله، فأذن له في الجلوس. وقال له: يا حسن رضي الله عنك، كرضى أمير المؤمنين عنك.
وان النظام إذا سمع الأذان أمسك عما هو فيه حتى يفرغ المؤذن. ومن شعره (4):
بعد الثمانين ليس قوه ... قد ذهبت شدّة الصّبوه
كأنني والعصا بكفّي ... موسى ولكن بلا نبوّه
قال شيرويه في (تاريخ همذان): قدم نظام الملك علينا، في سنة سبع وسبعين إرغاما لأنوفنا، بما أصابنا من الجور والظلم.
روى عن: أبي مسلم الأديب صاحب ابن المقريء، وأبي سهل الحفصيّ، وإسماعيل بن حمدون، وبندار بن علي، وأحمد بن الحسن الأزهريّ، وأميرك القزوينيّ، ويوسف الخطيب، وقاضينا عبد الكريم بن أحمد الطبري.
وسمعت منه بقراءة أبي الفضل القومسانيّ.
وقتل بغندجان (5) ليلة الجمعة، حادي عشر رمضان.
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 305.
(2) ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 446، وذكر السبكي في طبقاته تسع مدارس أخرى غير نظامية وابن الجوزي: المنتظم 16/ 304، بغداد / / الذهبي: سير أعلام النبلاء 19/ 96.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 16/ 304، وفيات الأعيان 2/ 129.
(4) البيان في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 319318، وقيل: إن هذين البيتين لأبي الحسن محمد بن أبي الصقر الواسطي، وفيات الأعيان 2/ 129، مرآة الجنان 3/ 137.
(5) في الأصل «بغنديجان» والتصحيح عن معجم البلدان 4/ 216وهي بليدة فارس في مفازة قليلة(1/534)
وقال السلفيّ: سمعت صواب بن عبد الله الخصيّ، ببغداد، يقول (1): قتل مولاي نظام الملك شهيدا بقرب نهاوند في رمضان.
قال: وكان آخر كلامه أن قال: لا تقتلوا قاتلي، فقد عفوت عنه. وتشهّد ومات.
وقد طوّل ابن النجار، في سيرة نظام الملك.
550 - عبد الرحمن (2) بن أحمد بن شاه.
الفقيه أبو أحمد السّيقذنجيّ (3)، نسبة إلى قرية على ثلاثة فراسخ من مرو.
ذكره ابن السمعاني في (الأنساب) وقال: ثنا عنه محمد بن أبي بكر السّنجي، وأبو حنيفة محمد بن النعمان، ومحمد بن أبي سعيد، وغيرهم.
وقال: توفي بعد سنة خمس وثمانين وأربعمئة.
551 - محمد (4) بن علي بن حامد.
الإمام أبو بكر الشاشيّ، الفقيه، الشافعي، صاحب الطريقة المشهورة.
تفقّه ببلاده على الإمام أبي بكر السّنجيّ، وكان من أنظر أهل زمانه، ثم ارتحل إلى حضرة السلطان بغزنة. فأقبل الكلّ عليه وقيّدوه بالإحسان والتبجيل، واستفاد علماؤهم منه، وتأهل وولد له أولاد، ثم في آخر أمره بعد ما ظهرت له التصانيف، استدعاه نظام الملك إلى هراة، وأشار عليهم بتسريحه، وكان يشقّ عليهم مفارقة تلك الحضرة، فما وجدوا بدا من امتثال أمر الصاحب، فجهّزوه مكرّما بأولاده إلى هراة، فدرّس بها مدة بالمدرسة النظامية بهراة، ثم قصد نيسابور زائرا.
__________
الماء عطشة. ابن الجوزي: المنتظم 16/ 306.
(1) ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 447، والذهبي: سير أعلام النبلاء 19/ 95، قتل في ليلة السبت 10رمضان سنة 485هـ، على يدي شاب ديلمي على صفة الصوفية / / ابن الجوزي:
المنتظم 16/ 305.
(2) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 767، الإسنوي: الطبقات 2/ 95.
(3) نسبة إلى قرية سيقدنج من قرى مرو / / ابن الأثير: اللباب 2/ 167.
(4) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 79، الإسنوي: الطبقات 2/ 9594، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 862، وابن قاضي شهبة 1/ 296، وابن العماد: شذرات 3/ 375، البغدادي: هدية العارفين 2/ 76/ / العبر 3/ 308، المنتخب من السياق 66.(1/535)
قال عبد الغافر الفارسيّ (1): قدمها في رمضان سنة إحدى وتسعين. كذا قال: ولم يتّفق لي الالتقاء به، لغيبتي إلى غزنة. وأكرم أهل نيسابور مورده، فسمعت غير واحد من الفقهاء يقول: إنه لم يقع منهم الموقع الذي كانوا يعتقدونه فيه، فلقد كان بعيد الصّيت، عظيم الاسم بين الفقهاء، ولم تجر مناظرته، على الدّرجة المشهورة به، وعاد إلى هراة، وحدّث عن منصور الكاغديّ، عن الهيثم بن كلب، وأنبأ عنه والدي.
وكان مولده بالشاش، سنة سبع وتسعين وثلاثمئة (2).
وتوفي في شوّال سنة خمس وتسعين وأربعمئة بهراة. كذا قال عبد الغافر (3) في وفاته، كما قرأت بخطّ أبي علي البكريّ.
وقال غيره: فيما قرأت بخطّ الحافظ الضياء، في جزء (وفيات على السنين) سنة خمس وثمانين، فيها مات السلطان ملكشاه، والإمام أبو بكر محمد بن علي الشاشيّ بهراة، في سادس شوّال، وهو ابن أربع وتسعين سنة. وفيها قتل نظام الملك، ودفن بإصبهان. نقلت: ترجمته من (تاريخ عبد الغافر).
ثم نقلت من كلام أبي سعد السمعاني، أن ولادته، في سنة سبع وتسعين وثلاثمئة.
قال وتوفي في شوّال سنة خمس وثمانين، وزرت قبره بهراة (4).
روى لنا عنه، محمد بن محمد السّنجي الخطيب، وأبو بكر محمد بن سليمان المروزيّان (5).
سنة سبع وثمانين وأربعمئة
552 - عبد الرحمن (6) بن أحمد بن أحمد بن محمد.
أبو القاسم الواحدي.
__________
(1) عبد الغافر: المنتخب من السياق ص 66.
(2) المنتخب من السياق لعبد الغافر 66.
(3) عبد الغافر: المنتخب من السياق ص 66وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 862.
(4) ابن العماد: شذرات الذهب 3753.
(5) السبكي: طبقات الشافعية 3/ 76.
(6) انظر: ابن الصلاح: طبقات 1/ 453والمنتخب من السياق: عبد لغافر 314رقم 1030.(1/536)
سمع: ابن محمش، ويحيى بن إبراهيم المزكّي، وغيرهما.
وعنه: زاهر الشحّامي.
وهو أخو المفسّر أبي الحسن الواحدي.
وممن روى عنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وعبد الخالق، وعبد الله الفراويّ، وعدة.
وكان ثقة، أملى زمانا.
553 - علي بن محمد (1) بن علي بن أحمد بن أبي العلاء.
أبو القاسم المصّيصيّ (2) الأصل، الدمشقي، الفقيه، الشافعي، الفرضي.
ولد في رجب سنة أربعمئة.
وسمع: محمد بن عبد الرحمن القطّان، وأبا محمد بن أبي نصر، وعبد الوهاب بن جعفر الميدانيّ، وأبا نصر بن هارون، وعبد الوهاب المرّيّ، وطائفة بدمشق، وأبا الحسن بن الحمّامي، وأبا علي بن شاذان، وأحمد بن علي الباداء، وهبة الله اللالكاني، وطلحة الكتاني، وجماعة ببغداد وأبا نصر بن البقّال، بعكبرا، وأحمد، ومحمدا ابني الحسين بن سهل بن خليفة، ببلد وأبا عبد الله بن نظيف، وأبا النعمان تراب بن عمر، وجماعة بمصر.
روى عنه: أبو بكر الخطيب وهو أكبر منه، والفقيه نصر المقدسيّ، والخضر بن عبدان، وأبو الحسن جمال الإسلام، وهبة الله بن الأكفانيّ، وأبو القاسم بن مقاتل السّوسيّ، وأخوه عليّ، وأبو العشائر محمد بن خليل الكرديّ، وأبو يعلى حمزة بن الحبوبيّ (3)، وأبو القاسم الحسين بن البنّ الأسدي، وهبة الله بن طاوس، وأبو المعالي محمد بن يحيى قاضي دمشق، وآخرون.
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 291290، الإسنوي: الطبقات 2/ 412، 413، وابن سير أعلام النبلاء 19/ 12، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 816، الأنساب ن 11/ 351، معجم البلدان 5/ 145، شذرات الذهب 3/ 381.
(2) نسبة إلى المصيصة، مدينة على ساحل البحر / / ابن الأثير: اللباب 3/ 221.
(3) هو: حمز بن علي بن هبة الله الحبوبيّ أبو يعلى، السبكي: طبقات الشافعية 1/ 298، 5/ 352، 7/ 71، 8/ 106، 298.(1/537)
وذكر محمد بن علي بن قبيس أنه ولد بمصر.
وقال ابن (1) عساكر: كان فقيها فرضيّا، من أصحاب القاضي أبي الطيب.
وتوفي بدمشق في حادي عشر جمادى الآخرة، ودفن بمقبرة باب الفراديس. قلت:
كريمة آخر من روى حديثه بعلوّ.
554 - محمود بن القاسم (2) بن القاضي أبي منصور محمد بن محمد بن عبد الله بن حسين بن محمد بن مقاتل بن جيح بن ربع بن عبد الملك بن يزيد بن المهلّب.
القاضي أبو عامر الأزدي، المهلبي الهروي، من ولد المهلب بن أبي صفرة.
إمام فقيه علّامة شافعي، حدّث (بجامع الترمذي) عن: عبد الجبار الجرّاحيّ.
روى عنه: مؤتمن الساجي، ومحمد بن طاهر، وأبو نصر اليونارتي، وأبو العلاء صاعد بن سيّار، وزاهر الشحامي، وأبو عبد الله الفراويّ، وأبو جعفر محمد بن أبي علي الهمذاني، وطائفة. آخرهم موتا، أبو الفتح نصر بن سيّار.
قال السمعاني: هو جليل القدر، كبير المحلّ، عالم فاضل.
سمع: الجراحي، ومحمد بن محمد الأزدي جدّه، وأبا عمر محمد بن الحسين البسطامي، وأبا معاذ أحمد بن محمد الصّيرفي، وأحمد الجاروديّ، وأبا معاذ ابن عيسى الدّاغانيّ، وبكر بن محمد المرورّوذيّ، وجماعة.
قال أبو النّضر الغاميّ: عديم النّظير زهدا وصلاحا وعفّة. ولم يزل على ذلك من ابتداء عمره وإلى انتهائه. وكانت إليه الرحلة من الأقطار والقصد لأسانيده. ولد سنة أربعمئة، وتوفي في جمادى الآخرة.
وقال أبو جعفر بن أبي علي: كان شيخنا أبو عامر من أركان مذهب الشافعي. بهراة، وكان إمامنا شيخ الإسلام يزوره، ويعوده في مرضه ويتبرك بدعائه.
وكان نظام الملك يقول: لولا هذا الإمام في هذه البلدة، لكان لي ولهم شأن، يهدّدهم به.
__________
(1) مختصر تاريخ دمشق 18/ 165.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 328327، الإسنوي: الطبقات 1/ 9594، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 881، المنتخب من السياق 448، شذرات الذهب 3/ 382.(1/538)
وقال السّلميّ في الطبقات الكبرى: لأن كان غلب عليهم التجسيم، [الذي] نسب إلى إسماعيل الأنصاري.
نا: إسماعيل الأنصاريّ، قال السلمي في الطبقات الكبرى: إما اعتقادا فيه، وإما إظهارا. لمحبته، وأكثر الناس يعظّم هذا الرجل، وإنه كان معظّما عند الموافق والمخالف.
وكان النظام يعتقد فيه، اعتقادا عظيما، لكونه لم يقبل منه شيئا قط. ولمّا سمعت منه (مسند الترمذي) هنّأني شيخ الإسلام. وقال: لم تخسر في رحلتك إلى هراة.
وكان شيخ الإسلام، قد سمع الكتاب قديما، من محمد بن محمد بن محمود عن الحسين بن الشمّاخ. ومحمد بن إبراهيم. قالا: أنا. أبو علي التّرّاب، عن أبي عيسى، ثم سمعه من الجرّاحيّ.
سنة ثمان وثمانين وأربعمئة
555 - الحسن بن محمد (1) بن الحسن.
الفقيه أبو علي السّاوي (2) الشافعي، المتكلم الأشعري.
حدّث بدمشق عن: أبي طالب بن غيلان، وأبي ذرّ الهرويّ، وأبي الحسن صخر.
وغيرهم.
روى عنه: الفقيه نصر المقدسيّ. وهو من أقرانه. وهبة الله بن طاوس.
وتوفي في ذي القعدة، وله ست وسبعون سنة.
556 - عبد الله (3) بن طاهر بن محمد شهفور.
أبو القاسم التميمي الفقيه، نزيل بلخ. من أهل إسفرائين.
قال السمعاني: كان إماما، فاضلا، نبيلا، برع في الفقه والأصول، ودرّس
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 332، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 739، وابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 7/ 69.
(2) الساوي: نسبة إلى ساوة بلدة بين الري وهمذان / / الأنساب 7/ 19.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 6463، الإسنوي: الطبقات 1/ 196، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 789.(1/539)
بالمدرسة النّظامية ببلخ. حسن الأخلاق، ظهرت له الحشمة التامة، حتى صار من أهل الرّدة.
وكانت له مروءة وإحسان. وتفقّد للفقراء، وسعيّ جميل في الحقوق.
سمع بنيسابور: علي بن محمد الطرّازيّ، وعبد الرحمن النّصروييّ، وجدّه أبا منصور عبد القاهر البغدادي. روى لنا عنه: أبو القاسم بن السمرقندي. وعبد الوهاب الأنماطيّ، والمبارك بن خيرون الوزّان. سمعوا منه لما حجّ.
وثنا عنه بهراة: أبو شجاع البسطاميّ، وببلخ: أخوه أبو الفتح، محمد البسطامي (1).
557 - محمد بن الحسين (2) بن عبد الله بن إبراهيم. الوزير ظهير الدين أبو شجاع الرّوذراوري.
وزر للمقتدي بالله بعد عزل عميد الدولة، منصور ابن جهير سنة ست وسبعين وصرف سنة أربع وثمانين، وأعيد ابن جهير.
ولما عزل قال:
تولّاها وليس له عدوّ ... وفارقها وليس له صديق
ثم إنه حج وجاور بالمدينة إلى أن مات بها كهلا. وكان ديّنا عالما، من محاسن الوزراء.
قال العماد الكاتب: لم يكن في الوزراء من يحفظ أمر الدين، والشرع مثله، وكان عصره أحسن العصور، رحمه الله.
قال صاحب (المرآة): ولمّا ولي وزارة المقتدي، كان سليما من الطمع في المال، لأنه كان يملك ستمائة ألف دينار، فأنفقها في البرّ، والصدقات.
وقال أبو جعفر الخرقيّ: كنت أنا واحدا من عشرة نتولى إخراج صدقاته، فحسبت ما خرج على يديّ، فكان مائة ألف دينار.
__________
(1) ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 789.
(2) ترجمته في: ابن خلكان: وفيات الأعيان 5/ 134، الصفدي: الوافي 3/ 3، السبكي: طبقات الشافعية 4/ 140136، الزركلي: الأعلام 6/ 101ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 150، ابن الأثير: الكامل 8/ 505، وبيت الشعر في: خريدة القصر 1/ 77.(1/540)
وكان يبيع الخطوط الحسنة، ويتصدق بها، ويقول: إنّ أحبّ الأشياء إلي الدينار، والخطّ الحسن، فأنا أتصدق بمحبوبي لله.
وجاءته قصّة بأنّ امرأة وأربعة أبناء عرايا، فبعث من يكسوهم، وقال: والله لا ألبس ثيابي حتى يرجع. وتعرى، فعاد الغلام وهو يرتعد من البرد.
وكان قد ترك الاحتجاب ويكلّم المرأة والصّبيّ، ويحضر مجالس الفقهاء، والعوامّ، ولا يمنع أحدا. وأسقطت المكوس في أيامه، وألبس الذّمّة الغيار. ومحاسنه كثيرة، وصدقاته غزيرة، وتواضع، وتواضعه أمر عجيب، فرحمه الله تعالى (1).
558 - محمد (2) المظفّر بن بكران بن عبد الصمد.
العلّامة قاضي القضاة، أبو بكر الشامي، الحمويّ، الفقيه الشافعي، ولد بحماة سنة أربعمئة، ورحل إلى بغداد شابا، فسكنها وتفقّه بها.
وسمع الحديث من: عثمان بن دوست، وأبي القاسم بن بشران، وأبي طالب بن غيلان، وأبي محمد الخلّال، وأبي الحسن العتيقي، وجماعة.
روى عنه: أبو القاسم السمرقندي وإسماعيل بن محمد الحافظ، وهبة الله بن طاوس المقريء، فكان دخوله بغداد في سنة عشرين.
قال السمعاني: هو أحد المتقنين لمذهب الشافعي، وله اطّلاع على أسرار الفقه.
وكان ورعا، زاهدا متّقيا. وجرت أحكامه على السّداد. ولي قضاء القضاة ببغداد بعد موت أبي عبد الله الدامغاني، سنة ثمان وسبعين. إلى أن تغيّر عليه المقتدي بالله، لأمر فمنع الشّهود من حضور مجلسه مدة. فكان يقول: ما أنعزل ما لم يتحقّقوا عليّ الفسق.
ثم إن الخليفة خلع عليه، واستقام أمره.
__________
(1) مات أبو شجاع سنة 488هـ في منتصف جمادى الآخرة وكان عمره (51) سنة ودفن بمقبرة البقيع بالمدينة / ابن الجوزي: المنتظم 17/ 26.
(2) ترجمته في: البغدادي: هدية العارفين 2/ 76، حاجي خليفة: كشف الظنون 1/ 264، وابن قطلوبغا: تاج التراجم ص 50، والصفدي: الوافي بالوفيات 5/ 3534، الإسنوي: طبقات الشافعية 2/ 9695، السمعاني: الأنساب 4/ 229، ابن الأثير: الكامل 10/ 253، السبكي:
طبقات الشافعية: 4/ 205202، ابن العاد: شذرات الذهب: 3/ 391، المنتظم 17/ 27، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 268، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 159.(1/541)
وسمعت الفقيه أحمد بن عبد الله بن الأبنوسيّ، يقول: جاء أمير إلى قاضي القضاة الشّامي، فادعى شيئا. فقال: بيّتني فلان، والمشطّب الفرغانيّ الفقيه. فقال: لا أقبل شهادة المشطّب لأنه يلبس الحرير.
فقال: السلطان ملكشاه ووزيره نظام الملك يلبسانه.
فقال: ولو شهدا عندي ما قبلت شهادتهما أيضا (1).
وقال ابن النجّار: كان رحمه الله، قد تفقّه على أبي الطيّب (2) الطبري، وكان يحفظ تعليقته. وولي قضاء القضاة. وابى أن يأخذ على القضاء رزقا. ولم يغيّر مأكله ولا ملبسه، ولا استناب أحدا في القضاء. وكان يسوّي بين الشريف والوضيع في الحكم، ويقيم جاه الشرع. فكان هذا سبب انقلاب (3) الأكابر عليه، فألصقوا به ما كان منه بريئا من أحاديث ملفّقة، ومعايب مزوّرة.
وصنّف كتاب (البيان عن أصول الدين) وكان على طريقة السلف، ورعا، نزها.
وأنبأنا أبو اليمن الكنديّ: أن أحمد بن عبد الله بن الأبنوسيّ، أخبره قال: كان لقاضي القضاة الشّامي كيسان، أحدهما يجعل فيه عمامته، وهي من كتّان، وقميصا من القطن الحسن، فإذا خرج لبسهما. والكيس الآخر، فيه فتيت، فإذا اراد الأكل، جعل منه في قصعة، وجعل فيه قليلا من الماء، وأكل منه (4).
وكان له كادك في الشهر بدينار ونصف، وكان يقتات منه. فلمّا ولي القضاء، جاء إنسان فدفع فيه أربعة دنانير، فأبى. وقال: لا أغيّر ساكني، وقد ارتبت بك لم لا كانت هذه الزيادة من قبل القضاء؟ وكان يشدّ في وسطه مئزرا، ويخلع في بيته ثيابه ويجلس.
وكان يقول: ما دخلت في القضاء حتى وجب عليّ، وأعصي إن لم أقبله. وكان طلّاب المنصب قد كثروا، حتى إن أبا محمد التميميّ، بذل فيه ذهبا كثيرا فلم يجب.
وقال [ابن] (5) الجوزي: لما مات الدامغانيّ سنة ثمان وسبعين، أشار الوزير أبو
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 17/ 29، وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 83.
(2) ابن الجوزي: المنتظم 17/ 27.
(3) نفسه 17/ 28.
(4) الذهبي: سير أعلام النبلاء 19/ 87وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 83.
(5) في الأصل: «سبط بن الجوزي» والتصحيح من: المنتظم 13/ 27.(1/542)
شجاع، على الخليفة أن يولّيه القضاء، فامتنع، فما زالوا به حتى تقلّده، وشرط أن لا يأخذ رزقا، ولا يقبل شفاعة، ولا يغيّر ملبوسه، فأجيب إلى ذلك، فلم يتغيّر حاله، بل كان في القضاء كما كان قبله رحمه الله.
وقال ابن السمعاني: سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول (1): كان قاضي القضاة الشامي، حسن الطريقة ما كان يتبسم في مجلسه، ويقعد معبسا، فلمّا منعت الشّهود من حضور مجلسه، وقعد في بيته. نفذ إليه القاضي أبو يوسف القزوينيّ المعتزلي، وقال: ما عزلك الخليفة، إنّما عزلك النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: كيف ذلك؟ قال: لأنه قال: «ولا يقضي القاضي بين اثنين، وهو غضبان» (2). وأنت طول عمرك غضبان.
وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني: كان حافظا لتعليقة أبي الطيّب، كأنها بين عينيه، لم يقبل من سلطان عطيّة، ولا من صديق هدية. وكان يعاب عليه الحدّة وسوء الخلق.
وقال أبو علي بن سكّرة: ورع زاهد، وأما العلم، فكان يقال: لو رفع مذهب الشافعي، لأمكنه أن يمليه من صدره (3).
علّق عنه القاضي أبو الوليد الباجيّ. وقال عبد الوهاب الأنماطيّ: ان قاضي القضاة الشامي حسن الطريقة، ما كان يتبسم في مجلس قضائه (4).
قال السمعاني: توفي في عاشر شعبان، ودفن في تربة له عند أبي العباس بن سريج.
وله ثمانية وثمانون عاما (5).
__________
(1) ابن الجوزي: المنتظم 17/ 28، والسمعاني: الأنساب 4/ 229.
(2) أخرج الترمذي في الأحكام م (1349) باب ما جاء لا يقضي القاضي وهو غضبان، من طريق عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبي إلى عبيد الله بن أبي بكرة وهو قاض، أن لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان» هذا حديث حسن صحيح. وأبو بكرة اسمه نفيع.
(3) الذهبي: سير أعلام النبلاء 19/ 87، السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 3/ 83.
(4) نفسه.
(5) دفن بالكرخ من بغداد على باب قطيعة / / ابن الجوزي: المنتظم 17/ 29، والسمعاني الأنساب 4/ 229.(1/543)
559 - محمد بن منصور (1) بن عمر.
أبو بكر الكرخيّ، الفقيه الشافعي، والد أبي البدر إبراهيم الكرخي.
فقيه صالح، سمع: أبا الحسن بن مخلد، وأبا علي بن شاذان.
وعنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهّاب الأنماطيّ. توفي في جمادى الأولى.
560 - يعقوب (2) بن سليمان بن داود.
أبو يوسف الإسفرائينيّ. نزيل بغداد، وخازن كتب النّظاميّة. تفقّه على القاضي أبي الطيب الطبري، وقرأ النحو واللغة والأصول، وكان حسن الخطّ مليح الشّعر. حدّث (بسنن النسائي) عن أبي نصر الكسّار. وحدّث عن: عبد العزيز الأزجيّ، والطبري.
وتوفي في العشرين من ذي القعدة.
سنة تسع وثمانين وأربعمئة
561 - إسماعيل (3) بن عبد الملك.
الفقيه أبو القاسم الطّوسي، الفقيه المعروف بالحاكميّ.
قدم دمشق، عديل الإمام أبي حامد الغزاليّ.
وسمع من: نصر المقدسيّ، في سنة تسع وثمانين.
قال أبو المفضل: يحيى بن علي القرشيّ القاضي: كان أعلم بالأصول من الغزاليّ، وكان شافعيا.
__________
(1) ترجمته في: السمعاني: الأنساب 10/ 393، السبكي 4/ 206، الإسنوي 2/ 342، وابن الصلاح: طبقات 1/ 271، وكانت وفاته سنة 482هـ ودفن بمقبرة باب حرب.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 359، الإسنوي: الطبقات 1/ 96، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 902.
(3) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 7/ 4847، الإسنوي: الطبقات 1/ 434433، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 727، والمنتظم 17/ 302، والبداية والنهاية 12/ 206، وتهذيب تاريخ دمشق 3/ 33.(1/544)
قلت: لا أعلم وفاته متى هي (1)؟.
562 - عبد الله بن يوسف.
القاضي أبو محمد الجرجاني (2) المحدّث.
صنّف (فضائل الشافعي) و (فضائل أحمد بن حنبل) ودخل هراة، وتوفي في ذي القعدة.
وسماعاته في حدود الثلاثين وأربعمئة.
روى عنه: وجيه (3)، وغيره، وعبد الغافر الفارسي.
سمع من: عمر بن مسرور، وأبي الحسين الفارسيّ، وأبي سعد الكنجروذيّ، وأبي عثمان البحيريّ، وطبقتهم، ومن بعدهم فأكثر.
وهو ثقة صاحب حديث.
قال السمعاني: ولد بجرجان سنة تسع وأربعمئة، سمع من: حمزة السهميّ، وأحمد بن محمد الخندميّ، ومحمد بن علي بن محمد الطبري، وكريمة بنت محمد المغازليّ، والأربعة سمعوا من ابن عديّ.
وسمع من: أبي نعيم عبد الملك بن محمد الأستراباذيّ الصغير صاحب الإسماعيليّ. ومن عبد الملك بن محمد بن شاذان الجرجانيّ، وأبي معمّر الفضل بن إسماعيل الإسماعيلي.
روى لنا عنه: الجنيد بن محمد القاينيّ، وعبد الملك بن عبد الله العدويّ، وأخوه أبو الفتح سالم، وعلي بن حمزة الموسويّ، وهبة الرحمن القشيريّ، وآخرون. قال:
ومات في تاسع ذي القعدة.
563 - عبد الملك (4) بن إبراهيم بن أحمد.
__________
(1) كانت وفاته سنة 529هـ، كما هو في المنتظم، وطبقات الإسنوي، والبداية والنهاية.
(2) ترجمته في: ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 797، السبكي: طبقات الشافعية 2/ 9594، البغدادي: هدية لعارفين 1/ 453، حاجي خليفة: كشف الظنون 1100، 1839، 1840، الذهبي: تذكرة الحفاظ 4/ 25، والإسنوي: الطبقات 1/ 385.
(3) وجيه: وجيه الشحاميّ.
(4) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 164162، الإسنوي: الطبقات 2/ 529ابن(1/545)
أبو الفضل المقدسي الهمدانيّ، الفرضيّ. نزيل بغداد. كان واحد عصره في الفرائض.
سمع: الحسن بن محمد الشّاموخيّ بالبصرة، وعبد الواحد بن هبيرة العجليّ، وجماعة.
روى عنه: ابن السمرقندي، وعبد الوهّاب الأنماطيّ.
وقيل: كان معتزليّا، توفي في رمضان ببغداد. وهو والد [المؤرخ محمد بن عبد الملك].
564 - معمّر بن (1) أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبان.
أبو منصور العبديّ، اللّنبانيّ، الإصبهاني، شيخ الصّوفيّة.
قال السلفي: هو شيخ شيوخ إصبهان ولم يكن يدانيه في رتبته أحد.
روى لنا عن: أبي الحسين بن فاذشاه (2)، وأبي بكر بن رندة، وعلي بن أحمد بن مهران الصّحّاف.
وله إجازة من أبي علي بن شاذان.
وتفقّه على أبي محمد الكرونيّ الشافعي. ورزق جاها وهيبة عند السلاطين.
وتوفي في شهر رمضان سنة تسع وثمانين (3).
وجدهم أحمد يروي عن: ابن أبي الدنيا، والحارث بن أبي أسامة.
565 - منصور بن محمد (4) بن عبد الجبّار بن أحمد بن محمد بن جعفر بن أحمد بن عبد الجبار بن الفضل بن الربيع بن مسلم بن عبد الله.
__________
الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 798، والبداية 12/ 153.
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 331، ابن الصلاح: طبقات 2/ 885.
(2) فاذشاه: في الأنساب 11/ 33: (فاذمشاه).
(3) ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 885.
(4) ترجمته في: الذهبي: العبر 3/ 326، ابن الأثير: اللباب 1/ 563/ السبكي: طبقات الشافعية 5/ 347335، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة 5/ 160، ابن الجوزي: المنتظم 17/ 37، ابن كثير: البداية 12/ 153، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 393، حاجي خليفة: كشف الظنون 107، 173، 449، 187/ / الإسنوي: الطبقات 2/ 3029، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 888، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 153، السمعاني: الأنساب 7/ 139.(1/546)
الإمام (أبو المظفّر) السّمعاني المروزيّ، الفقيه الحنفي، ثم الشافعي.
تفقه على والده الإمام أبي منصور حتى برع في مذهب أبي حنيفة وبرز على أقرانه (1).
وسمع: أباه، وأبا غانم (2) بن علي الكراعيّ وهو أكبر شيوخه، وأبا بكر (3) الترابي.
وبنيسابور أبا صالح المؤذن، وجماعة. وبجرجان: أبا القاسم الخلّال.
وببغداد عبد الصمد بن المأمون، وأبا الحسين بن المهتدي بالله.
وبالحجاز أبا القاسم سعد بن عليّ، وأبا علي الشافعي، وطائفة سواهم.
قال حفيده الحافظ أبو سعد: نا عنه عمّي الأكبر، وعمر بن محمد السرخسيّ. وأبو نصر بن محمد بن محمد بن يوسف الفاشانيّ (4)، ومحمد بن أبي بكر السّنجيّ، وإسماعيل بن محمد التميمي الحافظ. أبو القاسم، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازيّ، وأبو سعد البغدادي، وجماعة كثيرة سواهم.
ودخل بغداد في سنة إحدى وستين وأربعمئة، وسمع الكثير بها، واجتمع بأبي إسحاق الشيرازي، وناظر أبا نصر بن الصباغ في مسألة.
وانتقل إلى مذهب الشافعي (5). وسار إلى الحجاز في البريّة. وكان الرّكب قد انقطع لاستيلاء العرب عليه، فقصد مكة في جماعة، فأخذوا، وأخذ جدّي معهم، ووقع إلى حلل العرب، وصبر إلى أن خلّصه الله، وحملوه إلى مكة، وبقي بها في صحبة الشيخ أبي القاسم الزنجاني (6).
وسمعت محمد بن أحمد المدينيّ، يحكي عن الحسين بن الحسن الصوفي، المروزيّ، عن أبي المظفّر السمعاني. قال: لما دخلت البادية انقطعت، وقطعت العرب علينا الطريق، وأسرنا، وكنت أخرج مع جمالهم أرعاها، وما قلت لهم: أني أعرف شيئا من العلم. فاتّفق أنّ مقدّم العرب أراد أن يزوّج ابنته من رجل. فقالوا:
__________
(1) انظر ابن الجوزي: المنتظم 17/ 37.
(2) هو: أحمد بن علي بن الحسين الكراعي، أبو غانم / الأنساب 10/ 374.
(3) هو: محمد بن عبد الصمد الترابي، أبو بكر / السبكي: طبقات الشافعية 5/ 335.
(4) الفاشاني: نسبة إلى قرية من ناحية مرو اسمها فاشان / الأنساب 9/ 225، 226.
(5) ابن الجوزي: المنتظم 17/ 37، التدوين في أخبار قزوين 4/ 118.
(6) التدوين في أخبار قزوين 4/ 118.(1/547)
نحتاج أن نخرج إلى بعض البلاد ليعقد هذا العقد بعض الفقهاء. فقال واحد من المأخوذين: هذا الرّجل الذي يخرج مع جمالكم إلى الصحراء، فقيه خراسان.
فاستدعوني وسألوني عن أشياء فاجبتهم وكلّمتهم بالعربية فخجلوا، واعتذروا، وعقدت لهم (1) العقد، وقرأت الخطبة، ففرحوا واعتذروا، وسألوني أن أقبل منهم شيئا، فامتنعت، فحملوني إلى مكة في وسط السّنة.
وذكره أبو الحسن عبد الغافر في (سياقه) (2) فقال: هو وحيد عصره في وقته فضلا، وطريقة، وزهدا، وورعا. من بيت العلم والزهد. تفقّه بأبيه، وصار من فحول أهل النظر، وأخذ يطالع كتب الحديث (3)، وحج، فلمّا رجع إلى وطنه، ترك طريقته التي ناظر عليها أكثر من ثلاثين سنة. وتحوّل شافعيا (4)، وأظهر ذلك في سنة ثمان وستين وأربعمئة. واضطرب أهل مرو لذلك، وتشوّش العوامّ، إلى أن وردت الكتب من جهة بلكابك من بلخ في شأنه والتشديد عليه، فخرج من مرو في أول رمضان، ورافقه ذو المجدين أبو القاسم الموسويّ، وطائفة من الأصحاب. وخرج في خدمته جماعة من الفقهاء وصار إلى طوس، وقصد نيسابور. فاستقبله الأصحاب استقبالا عظيما.
وكان في نوبة نظام الملك، وعميد الحضرة أبي سعد محمد بن منصور. فأكبروا مورده، وأنزلوه في عزّ وحشمة (5)، وعقد له مجلس التذكير في مدرسة الشافعية.
وكان بحرا في الوعظ، حافظا لكثير من الروايات، والحكايات، والنّكت، والأشعار، فظهر له القبول عند الخاص والعام. واستحكم أمره في مذهب الشافعي. ثم عاد إلى مرو ودرّس بها في مدرسة أصحاب الشافعي، وقدّمه نظام الملك على أقرانه، وعلا أمره وظهر له الأصحاب (6). وخرج إلى إصبهان، ورجع إلى مرو. وكان قبوله كلّ يوم في علوّ. واتّفقت له تصانيف في الخلاف مشهورة، مثل كتاب «الاصطلام» (7)
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 4/ 22.
(2) المنتخب من السياق 442، التدوين في أخبار قزوين 4/ 119.
(3) المنتخب من السياق 442، 443.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 17/ 37.
(5) المنتخب من السياق 443، والمنتظم 17/ 37.
(6) نفسه ص 444.
(7) وهو في الرد على أبي زيد الدبوسي. وهو مخطوط توجد منه نسخة في معهد المخطوطات / المنتظم 17/ 37.(1/548)
وكتاب «البرهان» و «الأمالي» في الحديث وتعصّب للسّنة والجماعة، وأهل الحديث.
وكان شوكا في أعين المخالفين، وحجّة لأهل السّنّة.
قال أبو سعد (1): صنّف في التفسير، والفقه، والأصول والحديث، ف (التفسير) في ثلاث مجلدات، وكتاب (البرهان) (2) الذي شاع في الأقطار، وكتاب (القواطع) في أصول الفقه.
وله في الآثار، كتاب (الانتصار) و (الرد على المخالفين) (3) وكتاب (المنهاج) لأهل السّنّة، وكتاب (القدر).
وأملى قريبا من تسعين (4) مجلسا. وسمعت بعض المشايخ يحدّث عن رفيق جدّي في الحج الحسين بن الحسن الصّوفي قال: اكترينا حمارا ركبه الإمام أبو المظفّر إلى خرق، وهي ثلاثة فراسخ من مرو، فنزلنا بها، فقلت: ما معنا إلا إبريق خزف فلو اشترينا آخر.
فأخرج من جيبه خمسة دراهم، فقال: يا حسين ليس معي إلا هذا، خذ واشتر ما شئت، ولا تطلب بعد هذا مني شيئا. فخرجنا على التجريد، وفتح الله لنا (5).
سمعت شهردار بن شيرويه (6) بهمذان، يقول: سمعت منصور بن أحمد الإسفزاريّ (7)، وسأله أبي فقال: سمعت أبا المظفر السمعاني يقول: كنت على مذهب أبي حنيفة، فبدا لي أن أرجع إلى مذهب الشافعي، وكنت مترددا في ذلك. فحججت فلمّا بلغت سميراء (8)، رأيت ربّ العزة في المنام، فقال لي: عد إلينا يا أبا المظفّر.
__________
(1) في الأنساب 7/ 139.
(2) انظر: وفيات الأعيان 4/ 211. وذكر ابن السمعاني: أن البرهان مشتمل على قريب من ألف مسألة خلافية.
(3) في الأنساب 7/ 139 (الرد على القدرية) وكذا في وفيات الأعيان 3/ 211.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 17/ 3837، وقال ابن السمعاني: وقد جمع الأحاديث الألف الحسان من مسموعاته عن مائة شيخ له، عن كل شيخ عشرة أحاديث / الأنساب 7/ 140.
(5) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 4/ 24.
(6) هو شهردار بن شيرويه، أبو منصور الديلمي الهمذاني، الفقيه المحدث الأديب. له مصنفات.
توفي سنة 558هـ / / ابن الصلاح: طبقات 1/ 484.
(7) منصور بن أحمد بن المفضل المنهاجي الإسفزاري، أبو القاسم / السبكي: طبقات الشافعية 7/ 304303.
(8) سميراء: أحد منازل الطريق إلى مكة بعد توز، وسميت بهذا الاسم لأن حولها جبال وآكام سود / ياقوت: معجم البلدان 3/ 255.(1/549)
فانتبهت، وعلمت أنه يريد مذهب الشافعي، فرجعت إلى مذهب الشافعي (1).
وقال الحسين (2) بن أحمد الحاجيّ: خرجت مع الإمام أبي المظفر إلى الحج، فكلما دخلنا بلدة نزل على الصوفية، وطلب الحديث من المشيخة. ولم يزل يقول في دعائه:
اللهم بيّن لي الحق من الباطل. فلما دخلنا مكة، نزل على أحمد بن علي بن أسد، ودخلت في صحبة سعد الزّنجانيّ، ولم يزل معه حتى صار ببركته من أصحاب الحديث.
فخرجنا من مكة، وتركنا الكلّ، واشتغل هو بالحديث (3).
فرأيت بخطّ أبي جعفر الهمذانيّ، الحافظ قال: سمعت أبا المظفر يقول: كنت في الطواف، فوصلت إلى الملتزم، وإذا برجل قد أخذ بطرف ردائي. فالتفتّ فإذا أنا بالإمام سعد الزّنجاني، فتبسمت إليه فقال: أما ترى أين أنت؟ هذا مقام الأنبياء والأولياء. ثم رفع طرفه إلى السماء فقال: اللهم كما أوصلته إلى أعزّ مكان، فأعطه أشرف عزّ في كلّ مكان وزمان. ثم ضحك إليّ فقال لي: لا تخالفني في سرّك، وارفع معي يدك إلى ربك، ولا تقولنّ البتّة شيئا، واجمع لي همّتك، حتى أدعو لك، وأمّن أنت وقال:
ولا تخالفني عهدك القديم.
فبكيت، ورفعت معه يدي، وحرّك شفتيه، وأمّنت. ثم قال: مرّ في حفظ الله، فقد أجيب فيك صالح دعاء الأمة. فمضيت من عنده، وما شيء في الدنيا أبغض إليّ من مذهب المخالفين (4). فرأيت بخطّ أبي جعفر أيضا: سمعت الإمام، أوحد عصره في علمه أبا المعالي الجوينيّ، يقول: لو كان من الفقه ثوبا طاويا لكان أبو المظفر السمعاني طرازه (5).
وقرأت بخطّه: سمعت الإمام أبا علي بن أبي القاسم الصّفار يقول: إذا ناظرت أبا المظفر السمعاني، فكأني أناظر رجلا من أئمة التابعين، ممّا ارى عليه من آثار الصالحين، سمتا، وحسنا، ودينا (6).
__________
(1) التدوين في أخبار قزوين 4/ 118.
(2) الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة البغدادي الحاجي النصالي أبو عبد الله.
(3) السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 4/ 23.
(4) السبكي: طبقات الشافعية 4/ 24.
(5) نفسه 4/ 25.
(6) نفسه.(1/550)
سمعت أبا الوفاء عبد الله بن محمد الدّشتيّ المقريء، يقول: سمعت والدك أبا بكر محمد بن منصور السمعاني يقول: سمعت أبي يقول: ما حفظت شيئا فنسيته.
سمعت أبا الأسعد هبة الرحمن القشيريّ، يقول: سئل جدّك أبو المظفر في مدرستنا هذه، بحور والدي عن أحاديث الصّفات، فقال: عليكم بدين العجائز.
ثم قال: غصت في كلّ بحر، وانطقعت في كل بادية، ووضعت رأسي على كلّ عتبة، ودخلت من كل باب. وقد قال: هذا السيد وأشار إلى أبي علي الدقاق، أو ألى أبي القاسم القشيريّ: لله وصف خاصّ لا يعرفه غيره.
ولد جدّي في ذي الحجة سنة ست وعشرين وأربعمئة.
وتوفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الأول (1).
سنة تسعين وأربعمئة
566 - أحمد بن (2) محمد بن إسماعيل بن علي.
أبو الحسن الشجاعي النيسابوريّ أمين مجلس القضاء، بنيسابور.
كان من ذوي الرأي الكامل. ومن الشافعية المتعصبين لمذهبه.
وكان له ثروة ودنيا ورئاسة. وولي أوقافا، وأنظارا، ولم يكن بالمتحرّي فيها، وقد أملى سنين.
وحدّث عن أصحاب الأصمّ، كأبي بكر الحيريّ وغيره.
وكان مولده في سنة عشر وأربعمئة.
وتوفي في ثامن عشر المحرم سنة تسعين.
روى عنه: عبد الغافر بن إسماعيل. ومن (تاريخه) اختصرته ومحمد بن جامع، خيّاط الصوف، وعمر بن أحمد الصّفار. ومحمد بن أحمد بن الجنيد الخطيب،
__________
(1) توفي ودفن في مقبرة مرو سنة 489هـ في شهر ربيع الأول، ابن الجوزي: المنتظم 17/ 38، والمنتخب من السياق 444.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 78، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 715.(1/551)
وعبد الخالق بن زاهر، وعبد الله بن الفراويّ، وهبة الرحمن القشيري.
روى عنه عبد الغافر بن إسماعيل.
567 - أبو حامد بن محمد الشّجاعي (1) الفقيه.
فقد ذكرنا وفاته ببلخ، وفي سنة اثنتين وثمانين وأربعمئة. وهو أشهر من ذاك.
568 - سعد بن عبد الرحمن (2).
الفقيه أبو محمد الأستراباذي.
سمع: أبا الحسين الفارسيّ، وأبا حفص بن مسرور الكنجروذيّ.
وكان فقيها بارعا إماما، مختصّا بإمام الحرمين.
وتفقّه أيضا على القاضي حسين المرورّوذيّ.
توفي في نصف شوّال.
569 - محمد بن أبي نعيم (3) بن علي النّسويّ. أبو عبد الله الشافعي المقريء.
ويعرف بالبويطيّ (4). سمع: أبا محمد عبد الرحمن بن أبي نصر وغيره.
روى عنه: غيث الأرمنازيّ، وجمال الإسلام أبو الحسن، وهبة الله بن طاوس.
توفي بدمشق في ثامن المحرّم. وكان مولده بنسا في سنة أربع توتسعين وثلاثمئة.
ورّخ موته ابن الأكفانيّ.
570 - نصر بن إبراهيم (5) بن نصر بن إبراهيم بن داود.
__________
(1) لم أعثر له على ترجمة.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 382، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 754، الإسنوي: الطبقات 1/ 63، وابن قاضي شهبة 1/ 287.
(3) ترجمته في: الشيرازي: طبقات الفقهاء 133، الإسنوي: الطبقات 1/ 241، وابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 835، ومختصر تاريخ دمشق 23/ 284.
(4) البويطي: نسبة إلى بويط وهي قرية من صعيد مصر الأدنى، وينسب إلى بويط أيضا: الإمام أبو يعقوب يوسف بن يحيى المصري البويطي صاحب الشافعي، وخليفته على أصحابه مات سنة 231 هـ / انظر: ابن الأثير: اللباب 1/ 189.
(5) ترجمته في: طبقات الشافعية 5/ 351، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 395، حاجي خليفة:
كشف الظنون 58، 1378، 1840، البغدادي: هدية العارفين 2/ 490، الحنبلي: الأنس(1/552)
الفقيه أبو الفتح المقدسي النابلسي، الشافعي. الزاهد.
شيخ الشافعية بالشام، وصاحب التصانيف.
سمع بدمشق من: عبد الرحمن بن الطبّيز وعلي بن السّمسار، ومحمد بن عوف المزنيّ (1)، وابن سلوان، وأبي علي الأهوازيّ.
وسمع أيضا من: محمد بن جعفر الميماسيّ بغزّة ومن هبة الله بن سليمان، بآمد ومن سليم بن أيوب، بصور، وعليه تفقّه.
وسمع من خلق كثير، حتى سمع ممّن هو أصغر منه. وأملى مجالس قد وقع لنا بعضها.
روى عنه من شيوخه: أبو بكر الخطيب، وأبو القاسم النسيب، وأبو الفضل يحيى بن علي، وجمال الإسلام أبو الحسن السّلمي، وأبو الفتح نصر الله المصّيصيّ، وعليّ بن أحمد بن مقاتل، وحسان بن تميم الزّيّات، وأبو يعلى حمزة بن الحبوبيّ، وخلق كثير.
وسكن القدس مدّة طويلة، ثم قدم دمشق سنة ثمانين وأربعمئة، فأقام بها يدرّس ويفتي إلى أن مات بها.
نقل صاحب (تاريخ دمشق) أن السّلطان تاج الدولة (2) تتش. زار الفقيه نصرا، فلم يقم له، ولا التفت إليه. وكذا ولده دقاق.
وسأله دقاق: أيّ الأموال أحلّ؟ فقال: مال الجواكي. فبعث إليه بمبلغ، فلم يقبله، وقال: لا حاجة بنا إليه.
فلما راح الرسول، لامه نصر الله المصّيصيّ، وقال: قد علمت حاجتنا إليه. فقال:
لا تجزع فسوف يأتيك من الدنيا ما يكفيك فيما بعد. فكان كما تفرّس فيه.
حكاها غيث الأرمنازيّ، وقال: سمعته يقول: درست على سليم أربع سنين.
__________
الجليل 264، الإسنوي: الطبقات 2/ 390389، وابن قاضي شهبة 1/ 303301، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 892.
(1) محمد بن عوف المزني: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 352.
(2) تتش بن ألب أرسلان، تاج الدولة / نفسه 5/ 352، 7/ 324.(1/553)
فسألته: في كم كتبت تعليقة سليم؟ فقال: في ثلاثمئة جزء، وما كتبت منها إلا على وضوء.
قلت: وكان إماما علّامة في المذهب، زاهدا، قانتا، ورعا، كبير الشأن.
قال الحافظ ابن عساكر: لم يقبل من أحد صلة بدمشق، بل كان يقتات من غلّة تحمل إليه من أرض بنابلس ملكه، فيخبز له كلّ ليلة قرصة في جانب الكانون.
حكى لي ناصر النجار، وكان يخدمه، أشياء عجيبة من زهده، وتقلّله، وتركه تناول الشهوات. وكان يرحمه الله على طريقة واحدة من الزهد، والتّنزّه عن الدّنايا، والتّقشّف.
وحكى لي بعض أهل العلم، قال: صحبت إمام الحرمين بخراسان، وأبا إسحاق الشيرازي ببغداد، فكانت طريقته (1) عندي أفضل من طريقة إمام الحرمين. ثم قدمت الشام، فرأيت الفقيه أبا الفتح، فكانت طريقته أحسن من طريقتيهما.
قال غيره: كان الفقيه نصرا، يعرف بابن أبي حافظ.
ومن تصانيفه (2): كتاب (الحجّة على تارك الصلاة) وهو مشهور مرويّ، وكتاب (الانتخاب الدمشقي) (3)، وهو كبير في بضعة عشر مجلدا، وكتاب (المهذب في المذهب) في عشر مجلدات، وكتاب (الكافي) مجلد، ليس فيه قولان ولا وجهان.
وعاش أكثر من ثمانين سنة.
ولما قدم الغزالي دمشق جالس الفقيه نصرا، وأخذ عنه.
وتفقّه به جماعة بدمشق.
توفي يوم عاشوراء، (4)، ودفن بمقبرة باب الصغير، وقبره ظاهر يزار رحمه الله.
__________
(1) كان يتبع طريقة العراقيين في الزهد والتصوف / / ابن اصلاح: طبقات 2/ 676.
(2) أهم كتبه: كتاب التهذيب في عشر مجلدات / ابن الصلاح: طبقات 2/ 676، وكتاب الحجّة على تارك المحجة، وكتاب الانتخاب الدمشقي، وكتاب الكافي، وكتاب تحريم نكاح المتعة، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 396395، حاجي خليفة: كشف الظنون 58، 518، 1378، النووي: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 125، 126.
(3) انظر: اليافعي: مرآة الجنان 3/ 153152.
(4) البغدادي: هدية العارفين 2/ 491490.(1/554)
وقال ابن عساكر: قال من حضر جنازة الفقيه نصر: خرجنا فيها، فلم يمكنّا دفنه إلى قريب المغرب، لأن الخلق حالوا بيننا وبينه، ولم نر جنازة مثلها.
أقمنا على قبره سبع ليال.
سنة إحدى وتسعين وأربعمئة
571 - أحمد بن إبراهيم (1) بن أحمد.
أبو العباس بن الخطاب الرازي، ثم المصري، الفقيه الشافعي.
سمع: أبا الحسن ابن السّمسار بدمشق، وشعيب بن المنهال، وإسماعيل بن عمرو الحداد، وعلي بن منير الخلّال بمصر، وجماعة كثيرة.
روى عنه: ابنه أبو عبد الله الرازي، صاحب (المشيخة)، و (السّداسيات) وغيث بن عليّ.
وكتب عنه من القدماء: أبو زكريا عبد الرحيم البخاري، ومكّي الرّميلي.
قال ابنه: كان أبي في سكرة الموت يقول: ما لي في الدنيا حسرة، إلا أني مشيت في ركاب الشيوخ، وسافرت إليهم، باليمن، والشّام، ومصر، وها أنا أموت، ولم يؤخذ عني ما سمعته، على الوجه الذي أردته.
قال أبي: وحججت سنة أربع عشرة وأربعمئة. وقرأت بمكة، بروايات على أبي عبد لله الكارزينيّ.
572 - أحمد (2) بن الحسين بن أحمد بن جعفر. أبو حامد الفقيه الهمذاني.
روى عن: أبيه، ومحمد بن عيسى، وأبي نصر أحمد بن الحسين الكسّار، وجعفر بن محمد الحسيني.
__________
(1) السبكي: طبقات الشافعية 1/ 224، 302، مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 3/ 98، الإكمال لابن ماكولا 3/ 165، سير أعلام النبلاء 19/ 190، 191، تذكرة الحفاظ 4/ 1228، تاج العروس مادة: خطب.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 7، الإسنوي: الطبقات 1/ 34309، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 1/ 331، وينسب أبو حامد أيضا إلى بلدته تويّ من عمل همذان.(1/555)
وقال شيرويه: سمعته كذا، وكان أحد مشايخ البلد ومفتيه.
ومات في صفر في سادس وعشرين. وكان من جلّة الشّافعية.
573 - الحسين (1) بن الحسن.
الفقيه أبو عبد الله، الشهرستانيّ الشافعي. قاضي دمشق.
سمع بنيسابور من: أبي القاسم القشيري وبجرجان من إسماعيل بن مسعدة (2)
وبالعراق من ابن هزارمرد الصّريفينيّ.
قال ابن عساكر: ثنا عنه هبة الله بن طاوس، وكان حسن السيرة في الأحكام.
ولي قضاء دمشق، سنة سبع وسبعين في أيام تتش، وكان شديدا على من خالف الحق.
استشهد بظاهر أنطاكيّة، بيد الإفرنج يوم المصافّ.
574 - عبد الرزاق (3) بن حسان بن سعد بن حسان بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن سيف الله بن الوليد المخزومي المنيعيّ.
أبو الفتح بن أبي علي المروزيّ. الخطيب، محتشم خراسان كوالده. وكان زاهدا، عابدا، عاملا، متبتّلا، ورعا، فقيها، قدوة.
تفقّه على القاضي حسن، وعلّق عنه المذهب.
وكان خطيب جامع والده.
وقد حجّ وسمع ببغداد، وصار رئيس نيسابور، وقعد للتدريس بالجامع، واجتمع عليه الفقهاء.
وعقد مجلس الإملاء. وحدّث عن: أبي الحسين بن النّقّور، وأبي بكر البيهقي،
__________
(1) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 7/ 7473، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 742.
(2) إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني، أبو القاسم / السبكي: طبقات الشافعية 4/ 94، 2942.
(3) ترجمته في: الإسنوي: الطبقات 2/ 414413، أبو القاسم / السبكي: طبقات الشافعية 4/ 357، 7/ 149، ابن السمعاني: الأنساب 11/ 510، المنتخب من السياق 357رقم 1183.(1/556)
وسعد الزّنجانيّ، وأبي مسعود أحمد محمد البجليّ (1).
روى عنه: أبو طاهر السّنجي، وأبو شحمة، محمد بن علي المعلّم المروزيّ، وإسماعيل بن عبد الرحمن العصائديّ، وآخرون.
توفي في ثامن عشر ذي القعدة وله ثمانون سنة (2).
سنة اثنتين وتسعين وأربعمئة
575 - عبد الباقي (3) بن يوسف بن عليّ بن صالح بن عبد الملك بن هارون.
أبو تراب المراغي التبريزيّ. نزيل نيسابور.
ذكره السمعاني فقال: الإمام عديم النظير في فنّه، بهيّ المنظر سليم النفس عامل بعلمه حسن الخلق نفّاع للخلق، فقيه النفس، قوي الحفظ. تفقّه ببغداد على القاضي أبي الطيب الطبري.
وسمع أبا القاسم بن بشران، وأبا علي بن شاذان وجماعة. وبإصبهان: أبا طاهر بن عبد الرحيم، وبالري ونيسابور.
روى عنه: عمر بن عليّ بن سهيل الدامغانيّ، وأبو عثمان العصائديّ، وزاهر الشّحامي، وابنه عبد الخالق بن زاهر، وآخرون.
وقرأت بخط أبي جعفر محمد بن أبي عليّ، بهمذان. قال: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد البسطاميّ، وغيره يقول (4): كنّا عند الإمام أبي تراب المراغي، حين دخل عليه عبد الصمد، ومعه المنشور بقضاء همذان، فقام أبو تراب، وصلّى ركعتين، ثم أقبل علينا وقال: أنا بانتظار المنشور من لله تعالى، على يد عبده ملك الموت، وقدومي على
__________
(1) انظر: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 357.
(2) انظر: الإسنوي: الطبقات 2/ 414، ابن السمعاني: الأنساب 11/ 7510.
(3) ترجمته في: ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 157، ابن الجوزي: المنتظم 17/ 5150، الذهبي: تذكرة الحفاظ 1230، اللباب 3/ 190، 306، وابن العماد: شذرات 3/ 398، السبكي: طبقات الشافعية 3/ 219، الإسنوي: الطبقات 2/ 415، المنتخب من السياق 363، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 764، النجوم الزاهرة 5/ 164، سير أعلام النبلاء 19/ 170رقم 93.
(4) ابن الجوزي: المنتظم 17/ 51.(1/557)
الآخرة، وأنا بهذا المنشور ألبق، من منشور القضاء.
ثم قال: قعودي في هذا المسجد ساعة على فراغ القلب، أحبّ إليّ من أن أكون ملك العراقين. ومسألة في الفقه يستفيدها مني طالب علم أحبّ إلي من عمل الثّقلين.
سألت إسماعيل الحافظ عن أبي تراب المراغي فقال: كان مفتي نيسابور، وأفتى سنين على مذهب الشافعي. وكان حسن الهيئة تقيّا عالما.
قيل: ولد سنة إحدى وأربعمئة، وتوفي في رابع عشر ذي القعدة. وقيل: إنه رحمه الله عاش ثلاثا وتسعين سنة (1).
576 - عليّ بن الحسن (2) بن الحسين بن محمد.
القاضي أبو الحسين الموصليّ الأصل، المصري، الفقيه الشّافعي، المعروف بالخلعيّ. ولد بمصر في أول سنة خمس وأربعمئة. وسمع: أبا محمد عبد الرحمن بن عمر النّحاس، وأبا الحسن أحمد بن محمد الحاج الإشبيلي، وأبا الحسن الخصيب بن عبد الله بن محمد القاضي، وأبا سعد أحمد بن محمد المالينيّ، وأبا العباس بن منير بن أحمد الخشّاب، وأبا محمد إسماعيل بن رجاء الأديب، والحسن بن جعفر الكلليّ (3)، وأبا عبد الله بن نظيف الفرّاء وجماعة.
وكان مسند ديار مصر (4) في وقته.
روى عنه الحميديّ (5). قال: ومات قبله بمدّة. وأبو علي بن سكّرة (6)، وأبو الفضل بن طاهر المقدسيّ، وأبو الفتح سلطان بن إبراهيم الفقيه، وسليمان بن محمد بن
__________
(1) نفسه 17/ 50.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 255253، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 809808، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1/ 425، السيوطي: حسن المحاضرة 1/ 228، ابن العماد، شذرات الذهب 2/ 205، البغدادي: هدية العارفين 1/ 694، حاجي خليفة:
كشف الظنون 725، 1297، ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 157، الذهبي: تذكرة الحفاظ 1230/ والإسنوي: الطبقات 1/ 479، ابن قاضي شهبة 1/ 294.
(3) الكللي: انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء 19/ 75.
(4) ابن الصلاح: طبقات 2/ 808.
(5) نفسه 2/ 809.
(6) الحسين بن محمد بن سكرة، الحافظ، أبو علي / / السبكي: طبقات الشافعية 1/ 317، 3/ 118، 4/ 75.(1/558)
أبي داود الفارسي، وعليّ بن محمد بن سلامة الرّوحانيّ (1)، وعبد الكريم بن سوار التككي، وعبد الحق بن أحمد البانياسيّ الكاتب، ومحمد بن حمزة العرقيّ اللغوي.
وبقي إلى سنة سبع وخمسين، وطائفة سواهم.
وآخر من حدّث عنه: عبد الله بن رفاعة السعدي خادمه.
وقال فيه ابن سكّرة: فقيه له تصانيف (2)، ولي القضاء، وحكم يوما واحدا واستعفي، وانزوى بالقرافة وكان مسند مصر بعد الحبّال.
وقال الفقيه أبو بكر بن العربي: شيخ معتزل في القرافة (3)، له علوّ في الرواية، وعنده فوائد، وقد حدّث عنه أبو عبد الله الحميدي، وكنّى عنه بالقرافي.
وقال غيره: كان يبيع الخلع لملوك مصر.
وقال ابن الأنماطيّ: سمعت أبا صادق عبد الحق بن هبة الله القضاعيّ، المحدّث بمصر: سمعت العالم الزاهد، أبا الحسن علي بن إبراهيم بن بنت أبي سعد، يقول:
كان القاضي أبو الحسن الخلعيّ، يحكم بين الجنّ، وأنّهم أبطأوا عليه قدر جمعة، ثم أتوه، وقالوا: كان في بيتك شيء من هذا الأترجّ (4)، ونحن لا ندخل مكانا يكون فيه (5).
قال المحدّث أبو الميمون عبد الوهّاب بن وردان: فيما حكى عن والده أبي الفضل، قال: حدّثني بعض المشايخ عن أبي الفضل الجوهريّ ابن الواعظ. قال: كنت أتردد إلى الخلعي، فقمت في ليلة مقمرة، ظننت أن الفجر قد طلع، فلما جئت باب مسجده وجدت فرسا حسنة على بابه، فصعدت فوجدت بين يديه شابا، لم أر أحسن منه، يقرأ القرآن، فجلست أسمع، إلى أن قرأ جزءا، ثم قال للشيخ: آجرك الله. فقال له:
نفعك الله.
ثم نزل، فنزلت خلفه من علو المسجد، فلما استوى على الفرس طارت به، فغشي
__________
(1) نسبة إلى روحا، قرية من قرى الرحبة.
(2) من تصانيفه: المغني في الفقه في أربعة أجزاء، وفوائد في الحديث، والخلعيات في الحديث في عشرين جزءا، ابن الصلاح: طبقات 2/ 610.
(3) ابن الصلاح: طبقات 2/ 610.
(4) الأترج: ثمر شجر من جنس الليمون / مختار الصحاح.
(5) سير أعلام النبلاء 19/ 76.(1/559)
عليّ من الرّعب، والقاضي يصيح بي: اصعد يا أبا الفضل، فصعدت. فقال: هذا من مؤمني الجنّ الذين آمنوا بنصيبين، فإنه يأتي في الأسبوع مرّة، يقرأ جزءا ويمضي (1).
قال ابن الأنماطيّ: قبر الخلعي بالقرافة، يعرف بقبر قاضي الجن والإنس، ويعرف بإجابة الدعاء عنده (2).
وسألت شجاعا المدلجي، وغيره من شيوخنا عن الخلعيّ، نسبة إلى أي شيء؟ فما أخبرني أحد بشيء. وسألت السّديد الرّبعيّ، وكان عارفا باخبار المصريين، وكان معدّلا فقال: كان أبو الحسن الخلعي يزار وكان أمراء المصريين وأهل القصر يشترون الخلع من عنده. وكان يتصدق بثلث مكسبه.
وذكر ابن رفاعة، أنه سمع من الحبّال، وأنه أتى إلى الخلعي فطرده مدّة، وكان بينهما شيء أظنه من جهة الاعتقاد.
وقال أبو الحسن علي بن أحمد العابد: سمعت الشيخ ابن بخيساه (3) قال: كنا ندخل على القاضي أبي الحسن الخلعي في مجلسه، فنجده في الشتاء والصيف، وعليه قميص واحد، ووجه في غاية من الحسن، لا يتغير من البرد ولا من الحر، فسألته عن ذلك، وقلت: يا سيدي إنا لنكثر من الثياب في هذه الأيام، وما يغني ذلك عنا من شدة البرد، ونراك على حالة واحدة في الشتاء والصيف لا يرتدي إلا قميصا واحدا. فبالله يا سيدي أخبرني.
فتغيّر وجهه، ودمعت عيناه، ثم قال: أتكتم عليّ ما أقول؟ قلت: نعم. فقال:
غشيتني حمّى يوما، فنمت في تلك الليلة، فهتف بي هاتف فناداني باسمي، فقلت:
لبّيك داعي الله. فقال: لا قل لبّيك ربّي الله. ما تجد من الألم؟ فقلت: إلهي وسيدي قد أخذت مني الحمّى ما قد علمت.
فقال: قد أمرتها أن تقلع عنك.
فقلت: إلهي والبرد أيضا.
فقال: قد أمرت البرد أيضا أن يقلع عنك، فلا تجد ألم البرد ولا الحر.
__________
(1) نفسه.
(2) ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 610.
(3) انظر: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 254.(1/560)
قال: فو الله ما أحسّ ما أنتم فيه من الحرّ ولا من البرد.
وقال ابن الأكفانيّ: توفي بمصر في السادس والعشرين من ذي الحجة (1).
577 - المبارك (2) بن محمد بن عبيد الله.
أبو الحسين بن السواديّ (3) الواسطي الفقيه. نزيل نيسابور.
قال السمعاني: شيخ كبير فاضل، من أركان الفقهاء المكثرين، الحافظين للمذهب والخلاف. تفقّه بواسط وقدم بغداد، فتفقّه على القاضي أبي الطيب.
وكان قويّ المناظرة ينقل بطريقة العراقيين.
درّس بالمدرسة الشطبيّة (4) بنيسابور، وكان متجملا قانعا.
وقد سمع الحديث بواسط، والبصرة، وبغداد، ومصر. وأضرّ في آخر عمره، وسرقت أصوله.
سمع: أبا علي بن شاذان، وأبا عبد الله بن نظيف.
روى عنه: طاهر بن مهدي الطبري بمرو، وإسماعيل الحافظ بإصبهان، وشافع بن علي بنيسابور.
وكان يلقي الدّرس، فتوفي فجأة في ربيع الآخر، وله سبع وثمانون سنة. وقال السمعاني (5): فيما انتخب لولده: هو إمام فاضل، ومفت صلب، عديم النظير، ورع، حسن السيرة، متجمّل، قانع بقليل من التجارة.
ثنا عنه: عبد الخالق بن زاهر، وعمر بن الصّفار. وجماعة.
578 - محمد بن علي (6) بن عبد الواحد بن جعفر أبو غالب بن الصباغ البغدادي.
__________
(1) كانت وفاته في شهر ذي الحجة من سنة اثنتين وتسعين وأربعمئة / / ابن الصلاح: طبقات 2/ 610، وورّخ المقريزي وفاته في 18ذي الحجة أيضا، / اتعاظ الحنفا 3/ 24.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 5/ 31231، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 833.
(3) السوادي: نسبة إلى السواد: أي سواد العراق / الأنساب لابن السمعاني 7/ 180.
(4) ابن الصلاح: طبقات 2/ 833.
(5) الذهبي: تاريخ الإسلام (ترجمة رقم 86) ص 132، والسمعاني: الأنساب 7/ 180.
(6) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 192، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية(1/561)
سمع من: أبي الحسن أحمد بن محمد الزعفرانيّ، وأحمد بن محمد بن قفرجل، وأبي إسحاق البرمكيّ.
وتفقّه على عمّه القاضي أبي نصر بن الصّباغ.
روى عنه: ابنه أبو المظفر عبد الواحد، وهزارست الهرويّ.
ومات في شعبان وقد شهد عنه قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني وقبله.
579 - محمد بن الفرج (1) بن منصور بن إبراهيم أبو الغنائم الفارقيّ، الفقيه.
قدم بغداد مع أبيه، سنة نيّف وأربعين، فسمع من: عبد العزيز الأزجيّ، وأبي إسحاق البرمكي.
وتفقّه على الشيخ أبي إسحاق، وبرع في المذهب، وعاد إلى دياربكر (2)، ثم قدم بعد حين.
وحدّث، ودرّس، ثم عاد فسكن جزيرة ابن عمر (3).
روى عنه أبو الفتح بن البطّيّ، وتوفي في مستهل شعبان، سنة اثنتين وتسعين، وكان موصوفا بالزهد والورع.
580 - مكي بن عبد السلام بن الحسين بن القاسم. أبو القاسم ابن الرّميليّ (4)، المقدسي الحافظ.
قال السمعاني: أحد الجوّالين في الآفاق، وكان كثير النّصب، والسّهر، والتّعب، وتغرّب، وطلب وجمع. وكان ثقة، متحرّيا، ورعا، ضابطا. شرع في (تاريخ بيت
__________
2/ 864.
(1) ترجمته في السبكي: طبقات الشافعية 4/ 194193، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 868، والإسنوي: الطبقات 2/ 273257.
(2) ديار بكر: بلاد واسعة تنسب إلى بكر بن وائل، وتمتد من غرب دجلة إلى جبال نصيبين ومن مدنها: ميافارفين، وآمد، وحصن كيفا. / / ياقوت: معجم البلدان 2/ 494.
(3) جزيرة ابن عمر: بلدة فوق الموصل، تبعد عنها مسيرة ثلاثة أيام، بناها الحسن بن عمر بن خطاب التغلبي وتحيط بها مياه دجلة من كل ناحية / / ياقوت: معجم البلدان 2/ 138.
(4) ترجمته في: البغدادي: هدية العارفين 2/ 471، الزركلي: الأعلام 8/ 215، وابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 2/ 886، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 333332، الإسنوي: الطبقات 1/ 583.(1/562)
المقدس وفضائله) وجمع فيه شيئا، وحدّث باليسير، لأنه قتل قبل الشيخوخة.
سمع بالقدس: محمد بن يحيى بن سلوان المازنيّ، وأبا عثمان بن ورقاء، وعبد العزيز بن أحمد النصيبيّ.
وبمصر: عبد الباقي بن فارس المقريء، وعبد العزيز بن الحسن الضّرّابّ.
وبدمشق: أبا القاسم إبراهيم بن محمد الحنّائي، وعليّ بن الخضر.
وبعسقلان: أحمد بن الحسين الشمّاع.
وبصور: أبا بكر الخطيب، وعبد الرحمن بن عليّ الكامليّ. وبأطرابلس:
الحسين بن أحمد.
وببغداد: أبا جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وطبقتهما. وسمع بالبصرة، والكوفة، وواسط، وتكريت (1)، والموصل، وآمد، وميافارقين.
سمع منه: هبة الله الشيرازي، وعمر الرّوآسي.
وروى عنه: محمد بن عليّ بن محمد المهرجاني، بمرو، وأبو سعد عمّار بن طاهر التاجر بهمذان، وإسماعيل بن السمرقندي، بمدينة السلام، وجمال الإسلام والسّلّمي.
وحمزة (2) بن كروّس، وغالب بن أحمد بدمشق.
ولد يوم عاشوراء، سنة اثنتين وثلاثين.
قال السّمعاني: أنا عمّار بهمذان: ثنا مكّي الرّميليّ ببيت المقدس، ثنا، موسى بن الحسين: حدّثني رجل كان يؤذّن في مسجد الخليل عليه السلام. قال: كنت أؤذّن الأذان الصحيح، حين جاء أمير من المصريين، فألزمني بأن أؤذّن الأذان الذي يريده.
فأذّنت كما أمرني، ونمت تلك الليلة، فرأيت كأني أذّنت كما أمرني الأمير، فرأيت على باب القبّة التي فيها قبر الخليل صلى الله عليه وسلم، رجلا شيخا قائما، وهو يستمع أذاني. فلما قلت: محمد وعليّ خير البشر قال لي: كذبت، لعنك الله. فجئت إلى رجل آخر غريب صالح، فقلت: ما تحتشم من الله تلعن رجلا مسلما. فقال لي: والله ما أنا لعنتك.
إبراهيم الخليل لعنك.
__________
(1) تكريت: مدينة بين بغداد والموصل تقع على شاطىء دجلة الغربي وبها قلعة حصينة. / ياقوت:
معجم البلدان 2/ 38فتحها المسلمون سنة 20هـ.
(2) حمزة بن أحمد بن فارس بن كروس / السبكي: طبقات الشافعية 4/ 27، 5/ 333.(1/563)
قال ابن النجار (1): مكيّ بن عبد السلام الأنصاري المقدسي من الحفاظ، رحل، وحصّل، وكان مفتيا، على مذهب الشّافعي. سمع: أبا عبد الله بن سلوان.
قال المؤتمن السّاجي: كانت الفتاوى تأتيه من مصر والساحل ودمشق.
وقال أبو البركات السّقطيّ، جمعت بيني وبينه رحلة البصرة، وواسط (2). وقد عرّض نفسه، ليخرج (تاريخ بيت المقدس)، ولما أخذ الفرنج بيت المقدس (3)، وقبض عليه أسيرا، نودي عليه في البلاد ليفتدى بألف مثقال. لمّا علموا أنه من علماء المسلمين فلم يفتده أحد. فقتل بظاهر باب إنطاكية رحمه الله.
وكان صدوقا متحرّيا عالما، ثبتا. كاد أن يكون حافظا.
وقال مكّي: ولدت يوم عاشوراء سنة اثنتين وثثين وأربعمئة.
وقال غيث الأرمنازيّ: حدّثني محمد بن خلف الرّملي، قال: قتل مكي بن عبد السلام، قتلته الفرنج بالحجارة، في ثاني عشر شوال، سنة اثنتين وتسعين عند النزول، وكنت معهم إذ ذاك مأسورا.
سنة ثلاث وتسعين وأربعمئة
581 - أحمد (4) بن عبد الوهاب.
أبو منصور الشّيرازي، الواعظ، الشّافعي، الفقيه المغسّل، نزيل بغداد.
تفقّه على: أبي إسحاق.
وسمع من: أحمد بن محمد الزعفراني، وأبي محمد الجوهري.
__________
(1) تاريخ الإسلام للذهبي (ت 96) ص 136.
(2) واسط: مدينة بين البصرة والكوفة، بناها الحجاج الثقفي سنة 83هـ وفرغ من بنائها سنة 68 هـ. / ياقوت: معجم البلدان 5/ 353347.
(3) استولى الفرنج على بيت المقدس سنة 492هـ، فوقع مكي الرّميلي أسيرا، فقتلوه رجما بالحجارة. / الزركلي: الأعلام 8/ 215، وابن الصلاح: طبقات 2/ 886قال: قتلته الفرنج ببيت المقدس.
(4) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 4/ 27، الإسنوي: الطبقات 2/ 102، ابن الصلاح:
طبقات فقهاء الشافعية 1/ 348، ابن الأثير: الكامل 10/ 301، السمعاني: الأنساب:
2/ 44، ابن الجوزي: المنتظم 17/ 55.(1/564)
وسمع منه: ابن طاهر، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي.
ذكره ابن الصلاح، في (طبقات فقهاء الشافعية).
582 - عليّ بن سعيد (1) بن محرز.
العلامة أبو الحسن العبدري، الميورقيّ، نزيل بغداد. من كبار الشافعية.
سمع من القاضي أبي الطيب، والماوردي، وأبي محمد الجوهري.
وتفقّه بالشيخ أبي إسحاق، وصنّف في المذهب والخلاف كتبا، وكان ديّنا حسن الطريقة.
روى عنه إسماعيل بن السمرقندي، وسعد الجبر، وعبد الخالق بن يوسف.
توفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث. ذكره ابن النجار.
583 - محمد بن الحسن (2) بن محمد بن بشر بن محمد، المعقلي المزني الهروي، روى عن الحافظ إسحاق الغراب وعنه أبو النصر الفامي.
584 - المظفّر (3) بن عبد الغفّار أبو الفتح البروجرديّ (4).
قرأ بالروايات على أبي بكر محمد بن عليّ الخياط، وأبي عليّ بن البنّا.
وتفقّه على الشيخ أبي إسحاق، وأبي يعلى بن الفرّاء، وأبي الحسن بن العود، وأبي القاسم بن السري وأبي الغنائم بن المأمون، وأبي عليّ الحسن بن أحمد الحداد.
وعنه: محمد بن طاهر، وأبو العز الأنصاري، قرأ عليه جماعة.
قال ابن ناصر: قرأت عليه القرآن. وأثنى عليه.
وسمع من الجوهريّ.
__________
(1) ترجمته في: الإسنوي: الطبقات 2/ 691، ابن الصلاح: طبقات 2/ 811، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 258257، وحاجي خليفة: كشف الظنون 1499، ومن تصانيفه: «الكفاية في مسائل الخلاف» وابن قاضي شهبة 1/ 295.
(2) ينسب إلى معقل جد المنتسب إليه. ابن الأثير: اللباب 3/ 235.
(3) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 152) ص 173.
(4) نسبة إلى بلدة بروجرد من بلاد الجبل على بعد 18فرسخا من همذان، الآنساب 2/ 171، وابن الأثير: اللباب 1/ 144.(1/565)
وسمع منه: الحسين بن خسرو البلخيّ. مات في ثامن ذي القعدة ببغداد (1).
سنة أربع وتسعين وأربعمئة
585 - أحمد بن محمد (2) بن محمد.
أبو منصور، ابن الصباغ.
تفقّه على عمّه أبي نصر، وأبي الطيب الطبري. واستمع منه ومن: الجوهري.
وقد ناب في القضاء، وولي الحسبة، وله مصنّفات.
روى عنه: أبو الحسن بن أنجل.
586 - إبراهيم (3) بن محمد بن عقيل بن زيد.
أبو إسحاق الشهرزوريّ الدمشقي، الفقيه الفرضي الواعظ، خال جمال الإسلام، أبي الحسن بن المسلم الفقيه.
سمع: أبا عبد الله بن سلوان، وعبد الوهاب بن برهان، وأبا القاسم الحنّائي، وجماعة.
روى عنه: عليّ بن نجا بن أسد، والخضر بن عبدان، ومات رحمه الله وقد قارب السبعين.
587 - سعد بن عليّ بن الحسن (4) أبو منصور العجلي الأسداباذي (5)، الفقيه، نزيل همذان.
قال السمعاني: كان ثقة، مفتيا، حسن المناظرة، كثير العلم، والعمل.
__________
(1) الذهبي: تاريخ الإسلام (ت 152)، السمعاني: الأنساب 2/ 174.
(2) ترجمته في: السبكي: طبقات الشافعية 3/ 34، حاجي خليفة: كشف الظنون 1811، وابن كثير: البداية والنهاية 12/ 160، وابن الأثير: الكامل 9/ 44.
(3) ترجمته في: الإسنوي: الطبقات 2/ 94، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 701.
(4) ترجمته في: الإسنوي: الطبقات 1/ 214213، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 754، والسبكي: طبقات الشافعية 4/ 383، وابن الجوزي: المنتظم 17/ 68.
(5) الأسدأباذي: نسبة إلى أسدأباد وهي بلدة على منزلة من همذان إذا خرجت إلى العراق / الأنساب 1/ 224.(1/566)
سمع: أبا الطيب الطبري، وأبا إسحاق البرمكي.
وبمكة: كريمة المروزيّة، وعبد العزيز بن بندار.
روى عنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، السّلفيّ إذنا.
وقال شيرويه: قرأت عليه شيئا من الفقه، وكان حسن المناظرة، كثير العبادة، هيوبا، مات في ذي القعدة.
588 - عبد الرحمن (1) بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن نزار بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن زاز بن حميد بن أبي عبد الله النّويريّ.
فقيه مرو، الأستاذ أبو الفرج السرخسي (2)، الفقيه الشافعي، المعروف بالزاز.
كان أحد من يضرب به المثل في حفظ المذهب. وكان رئيس الشافعية بمرو. ورحل إليه الأئمة، وسارت تصانيفه. وكان ورعا ديّنا. تفقّه على القاضي حسين.
وتوفي في ربيع الآخر، وله نيف وستون سنة، ومصنّفه الذي سمّاه (الإملاء) انتشر في الأقطار.
وكان عديم النظير في الفتوى، ورعا ديّنا، محتاطا في مأكله وملبسه إلى الغاية.
وكان لا يأكل الرّزّ، لكونه لا يزرعه إلا الجند وهم يأخذون مياه الناس غالبا ويسقونه.
سمع: الحسن بن عليّ المطوعيّ، وأبا المظفّر محمد بن أحمد التميميّ، وأبا القاسم القشيري، وخلقا (3).
روى عنه: أحمد بن محمد بن إسماعيل النيسابوريّ، وأبو طاهر السّنجي، وعمر بن أبي مطيع، وآخرون.
__________
(1) ترجمته في: ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 160، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 104101، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 400، حاجي خليفة: كشف الظنون 163، البغدادي: هدية العارفين 1/ 518، ابن الجوزي: المنتظم 17/ 69، الإسنوي: الطبقات 2/ 3130، ابن قاضي شهبة 1/ 290، ابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 767.
(2) السّرخسي: نسبة إلى بلدة قديمة من بلاد خراسان اسمها (سرخس). / / الأنساب 7/ 69.
(3) ابن الجوزي: المنتظم 17/ 69.(1/567)
589 - عبد الواحد (1) بن أحمد بن عبد الله بن بندار.
الإمام أبو منصور. خطيب همذان ومفتيها.
يروي عن: ابن عيسى، وابن مأمون، وابن مسعود البجليّ.
أجاز للسلفيّ. مات في ذي القعدة (2).
590 - عبد الواحد (3) بن عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة.
الإمام أبو سعيد بن الإمام أبي القاسم القشيريّ، النيسابوريّ، الخطيب.
قال السّمعاني فيه: أوحد عصره فضلا، ونفسا وحالا. الثاني من ذكور أولاد أبي القاسم.
نشأ في العلم والعبادة، وكان قويّ الحفظ، بالغا فيه. تخرّج في العربية، وضرب في الكتابة والشعر بسهم وافر. وأخذ في تحصيل الفوائد من أنفاس والده، وضبط حركاته، وسكناته، وما جرى له، وصار في آخر عمره سيّد عشيرته (4).
وحج ثانيا بعد الثمانين.
وحدّث ببغداد، والحجاز. ثم عاد إلى نيسابور مشتغلا بالعبادة، لا يفتر عنها ساعة.
سمع: علي بن محمد الطرازيّ، وأبا نصر منصورا المفسّر، وأبا سعد النّصرويّ (5)، سمع ببغداد: أبا الطيب الطبري، وأبا محمد الجوهري.
ثنا عنه: ابنه هبة الرحمن وأبو طاهر السنجي، وأبو صالح عبد الملك ابنه الآخر وغيرهم.
__________
(1) ترجمته في: الذهبي: تاريخ الإسلام، (ت 176) ص 188لسنة 494هـ.
(2) في تاريخ الإسلام: (مات في فرات). لم أقف على هذا الموضع وربما كان موضعا في همذان.
(3) ترجمته في: السمعاني: الأنساب 10/ 156، والذهبي: العبر 3/ 339، الإسنوي: الطبقات 2/ 317، السبكي: طبقات الشافعية 5/ 228225، وابن الصلاح: طبقات فقهاء الشافعية 2/ 576، ابن العماد: شذرات الذهب: 3/ 401، عبد الغافر: المنتخب من السياق 339 (رقم 1119).
(4) ذيل تاريخ بغداد 1/ 248، 249.
(5) نسبة إلى أحد أجداد المنتسب واسمه نصرويه، وأبو سعد، هو: عبد الرحمن بن حمدان النصرويي النسابوري. / / ابن الأثير: اللباب 3/ 311.(1/568)
ومولده في صفر سنة ثمان عشرة وأربعمئة. ومات في جمادى الآخرة.
وقال غيره: خطب نحو خمس عشرة سنة، فكان ينشىء الخطب، ولا يكرّرها.
روى عنه أيضا: عبد الله بن الفراويّ.
سماعه من الطرازي، والمفسّر، حضورا في الرابعة أو نحوها.
591 - عزيزيّ (1) بن عبد الملك بن منصور،
أبو المعالي الجيليّ القاضي، الملقّب شيذلة.
كان جيلانيا أشعريا، وهذا نادر.
ورد بغداد وسكنها، وولي قضاء باب الأزج مدة. وكان مطبوعا، فصيحا، كثير المحفوظ، حلو النادرة. جمع كتابا في (مصارع العشّاق ومصائبهم).
وسمع من: أبي عبد الله محمد بن عليّ الصّوريّ، والحسين بن محمد الوني، الفرضي، وجماعة.
وحدّث بيسير وكان شافعي المذهب، مات في سابع صفر.
روى عنه: فخر النساء (2) شهدة، وأبو عليّ بن سكّرة، وقال: كان زاهدا، متقلّلا من الدنيا، وكان شيخ الوعّاظ، ومعلّمهم الوعظ، بتصانيفه (3)، وتدريبه.
592 - عليّ بن أحمد (4) بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل بن أبي الطيب أخرم.
__________
(1) ترجمته في: ابن كثير: البداية والنهاية 12/ 160، ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/ 259، ابن العماد: شذرات الذهب 3/ 401، البغدادي: هدية العارفين 1/ 663، حاجي خليفة: كشف الظنون 241، 777، 1568، ابن الجوزي: المنتظم 17/ 69.
(2) هي: شهدة بنت أحمد بن الفرج بن عمر الأبري الدينورية. عالمة فاضلة / / أعلام النساء 2/ 309، ابن الجوزي: المنتظم 18/ 254، شذرات 4/ 248.
(3) من تصانيفه: ديوان الأنس وميدان الفرس في الموعظة، لوامع أنوار القلوب في جميع أسرار المحبوب، والبرهان في مشكلات القرآن، ومصارع العشاق في شارع الأشواق / / حاجي خليفة:
كشف الظنون 241، 777.
(4) ترجمته في: السمعاني: الأنساب 11/ 204، وابن الصلاح: طبقات 1/ 213، والسبكي:
طبقات الشافعية 4/ 144، 5/ 73، 6/ 95، 7/ 69، المنتخب من السياق 387 (رقم 1307)، سير أعلام النبلاء 19/ 157، والنجوم الزاهرة 5/ 168، العبر 3/ 339.(1/569)