ترجمة صاحب المقامات
بسم الله الرّحمن الرّحيم هو أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري البصري الحرامي. كان أحد أئمة عصره ورزق الحظوة التامة في عمله المقامات، وقد اشتملت على كثير من بلاغات العرب في لغاتها، وأمثالها، ورموز أسرار كلامها، ومن عرفها حق معرفتها استدل بها على فضل هذا الرجل، وكثرة اطلاعه، وغزارة مادته. وكان سبب وضعه لها، ما حكاه ولده أبو القاسم عبد الله، قال: كان أبي جالسا في مسجد بني حرام، فدخل شيخ ذو طمرين، عليه أهبة السفر، رث الحال، فصيح الكلام، حسن العبارة فسألته الجماعة: من أين الشيخ؟ فقال: من سروج. فاستخبروه عن كنيته فقال: أبو زيد. فعمل أبي المقامة الثامنة والأربعين المعروفة بالحرامية، وعزاها إلى أبي زيد المذكور. واشتهرت فبلغ خبرها الوزير شرف الدين أبا نصر أنو شروان بن خالد بن محمد القاشاني، وزير الإمام المسترشد بالله. فلما وقف عليها أعجبته، فأشار على والدي أن يضمّ إليها غيرها، فأتمها خمسين مقامة. وإلى الوزير المذكور، أشار الحريري في خطبة المقامات بقوله:
فأشار من إشارته حكم، وطاعته غنم إلى أن أنشىء مقامات أتلو فيها تلو البديع، وإن لم يدرك الظالع شأو الضليع، هكذا وجدته في عدة تواريخ. ثم رأيت في بعض شهور سنة ست وثمانين وستمائة بالقاهرة المحروسة، نسخة مقامات، وجميعها بخط مصنفها الحريري. وقد كتب أيضا بخطه على ظهرها، أنه صنفها للوزير جلال الدين، عميد الدولة أبي الحسن علي بن أبي العز بن صدقة، وزير
المسترشد أيضا، ولا شك أن هذا أصح من الرواية الأولى، لكونه بخط المصنف.(1/3)
فأشار من إشارته حكم، وطاعته غنم إلى أن أنشىء مقامات أتلو فيها تلو البديع، وإن لم يدرك الظالع شأو الضليع، هكذا وجدته في عدة تواريخ. ثم رأيت في بعض شهور سنة ست وثمانين وستمائة بالقاهرة المحروسة، نسخة مقامات، وجميعها بخط مصنفها الحريري. وقد كتب أيضا بخطه على ظهرها، أنه صنفها للوزير جلال الدين، عميد الدولة أبي الحسن علي بن أبي العز بن صدقة، وزير
المسترشد أيضا، ولا شك أن هذا أصح من الرواية الأولى، لكونه بخط المصنف.
والله أعلم.
وتوفي الوزير المذكور في رجب سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، فهذا كان مستنده في نسبته إلى أبي زيد السروجي. وذكر القاضي الأكرم كمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني القفطي، وزير حلب في كتابه الذي سماه:
أنباء الرواة على أنباه النحاة، أن أبا زيد المذكور اسمه المطهر بن سلار. وكان بصريا نحويا لغويا. وصحب الحريري واشتغل عليه بالبصرة، وتخرج به. وروى عنه القاضي أبو الفتح محمد بن أحمد بن منداري، ملحة الاعراب للحريري وذكر أنه سمعها منه عن الحريري. وقال: قدم علينا واسط في سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، فسمعتها منه، وتوجه منها مصعدا إلى بغداد، فوصلها وأقام بها مدة يسيرة، وتوفي بها، رحمه الله تعالى. كذا ذكره السمعاني في الذيل والعماد في الخريدة، وقال لقبه: فخر الدين، وتولى صدرية المشان، ومات بها بعد عام أربعين وخمسمائة. وأما تسمية الراوي لها بالحارث بن همام، فإنما عنى به نفسه. هكذا وقفت عليه في بعض شروح المقامات، وهو مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم حارث وكلكم همام، فالحارث الكاسب، والهمام الكثير الاهتمام:
وما من شخص إلّا وهو حارث وهمام، لأن كل واحد كاسب ومهتم بأموره. وقد اعتنى بشرحها خلق كثير، فمنهم من طوّل، ومنهم من اختصر. ورأيت في بعض المجاميع، أن الحريري لما عمل المقامات، كان قد عملها أربعين مقامة، وحملها من البصرة إلى بغداد وأبداها، فلم يصدقه في ذلك جماعة من أدباء بغداد، وقالوا:
إنها ليست من تصانيفه، بل هي لرجل مغربي من أهل البلاغة، مات بالبصرة، ووقعت أوراقه إليه، فادّعاها. فاستدعاه الوزير إلى الديوان، وسأله عن صناعته، فقال: أنا رجل منشىء، فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعة عينها، فأخذ الدواة والورقة وانفرد في ناحية من الديوان، ومكث زمانا كثيرا، فلم يفتح الله عليه بشيء من ذلك. فقام وهو خجلان، وكان في جملة من أنكر دعواه في عملها أبو القاسم علي بن أفلح الشاعر، فلما لم يعمل الحريري الرسالة التي اقترحها عليه الوزير، أنشد هذين البيتين، وقيل إنهما لأبي محمد بن أحمد، المعروف بابن جكيتا
الحريمي البغدادي الشاعر، وهما:(1/4)
إنها ليست من تصانيفه، بل هي لرجل مغربي من أهل البلاغة، مات بالبصرة، ووقعت أوراقه إليه، فادّعاها. فاستدعاه الوزير إلى الديوان، وسأله عن صناعته، فقال: أنا رجل منشىء، فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعة عينها، فأخذ الدواة والورقة وانفرد في ناحية من الديوان، ومكث زمانا كثيرا، فلم يفتح الله عليه بشيء من ذلك. فقام وهو خجلان، وكان في جملة من أنكر دعواه في عملها أبو القاسم علي بن أفلح الشاعر، فلما لم يعمل الحريري الرسالة التي اقترحها عليه الوزير، أنشد هذين البيتين، وقيل إنهما لأبي محمد بن أحمد، المعروف بابن جكيتا
الحريمي البغدادي الشاعر، وهما:
شيخ لنا من ربيعة الفرس ... ينتف عثنونه من الهوس
أنطقه الله بالمشان كما ... رماه وسط الديوان بالخرس
وكان الحريري يزعم أنه من ربيعة الفرس. وكان مولعا بنتف لحيته عند الفكرة. وكان يسكن في مشان البصرة. فلما رجع إلى بلده، عمل عشر مقامات أخر وسيرهنّ، واعتذر من عيّه وحصره في الديوان بما لحقه من المهابة.
وللحريري تآليف حسان، منها: درّة الغوّاص في أوهام الخواص، ومنها: ملحة الإعراب المنظومة في النحو، وله أيضا شرحها. وله ديوان رسائل وشعر كثير، غير شعره الذي في المقامات. فمن ذلك قوله، وهو معنى حسن:
قال العواذل ما هذا الغرام به ... أما ترى الشعر في خديه قد نبتا
فقلت والله لو أن المفند لي ... تأمل الرشد في عينيه ما ثبتا
ومن أقام بأرض وهي مجدبة ... فكيف يرحل عنها والربيع أتى
ومنه ما ذكره عماد الدين الأصبهاني في كتاب الخريدة:
كم ظباء بحاجر ... فتنت بالمحاجر
ونفوس نفائس ... حدرت بالمحادر
وتثنّ لخاطر ... هاج وجدا لخاطر
وعذار لأجله ... عاذلي عاد عاذري
وشجون تضافرت ... عند كشف الضفائر
وله قصائد استعمل فيها التجنيس كثيرا. ويحكى أنه كان دميما، قبيح المنظر. فجاءه شخص غريب يزوره ويأخذ عنه شيئا، فلما رآه استزرى شكله، ففهم الحريري ذلك منه. فلما التمس منه أن يملي عليه، قال له اكتب:
ما أنت أول سار غرّه قمر ... ورائد أعجبته خضرة الدمن
فاختر لنفسك غيري إنني رجل ... مثل المعيديّ فاسمع بي ولا ترني
فخجل الرجل منه، وانصرف. وكانت ولادة الحريري في سنة ست وأربعين
وأربعمائة. وتوفي سنة عشر. وقيل خمس أو ست عشرة وخمسمائة بالبصرة، في سكة بني حرام، وخلف ولدين. قال أبو منصور الجواليقي: أجازني المقامات نجم الدين عبد الله، وقاضي قضاة البصرة ضياء الدين عبيد الله عن أبيهما، منشئها ونسبته بالحرامي إلى هذه السكة. رحمه الله تعالى. وهي بفتح الحاء المهملة والراء، وبعد الألف ميم. وبنو حرام قبيلة من العرب، سكنوا في هذه السكة، فنسبت إليهم. والحريري نسبة إلى الحرير، وعمله أو بيعه. والمشان بفتح الميم والشين، وبعد الألف نون بليدة، بعد البصرة كثيرة النخل، موصوفة بشدة الوخم.(1/5)
ما أنت أول سار غرّه قمر ... ورائد أعجبته خضرة الدمن
فاختر لنفسك غيري إنني رجل ... مثل المعيديّ فاسمع بي ولا ترني
فخجل الرجل منه، وانصرف. وكانت ولادة الحريري في سنة ست وأربعين
وأربعمائة. وتوفي سنة عشر. وقيل خمس أو ست عشرة وخمسمائة بالبصرة، في سكة بني حرام، وخلف ولدين. قال أبو منصور الجواليقي: أجازني المقامات نجم الدين عبد الله، وقاضي قضاة البصرة ضياء الدين عبيد الله عن أبيهما، منشئها ونسبته بالحرامي إلى هذه السكة. رحمه الله تعالى. وهي بفتح الحاء المهملة والراء، وبعد الألف ميم. وبنو حرام قبيلة من العرب، سكنوا في هذه السكة، فنسبت إليهم. والحريري نسبة إلى الحرير، وعمله أو بيعه. والمشان بفتح الميم والشين، وبعد الألف نون بليدة، بعد البصرة كثيرة النخل، موصوفة بشدة الوخم.
وكان أهل الحريري منها. ويقال: إنه كان له بها ثمانية عشر ألف نخلة، وإنه كان من ذوي اليسار. والوزير أنوشروان المذكور كان فاضلا نبيلا، جليل القدر. وله تاريخ لطيف، سماه صدور الصدور، وفتور زمان الفتور. انتهى من كتاب وفيات الاعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان.(1/6)
المقامات الادبية تأليف الشّيخ الإمام العلّامة الحبر الفهّامة المستغني عن التّعريف والتّلقيب أبي محمّد القاسم بن عليّ بن عثمان الحريريّ البصريّ
تغمّده الله بالرّحمة والرّضوان(1/7)
خطبة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنّا نحمدك على ما علّمت من البيان (1)، وألهمت (2) من التّبيان (3).
كما نحمدك على ما أسبغت (4) من العطاء، وأسبلت (5) من الغطاء (6). ونعوذ بك من شرّة (7) اللّسن (8)، وفضول الهذر (9). كما نعوذ بك من معرّة اللّكن (10)، وفضوح الحصر (11). ونستكفي بك الافتتان بإطراء (12) المادح، وإغضاء (13)
المسامح. كما نستكفي بك الانتصاب (14) لإزراء القادح (15)، وهتك الفاضح (16). ونستغفرك من سوق الشّهوات (17)، إلى سوق الشّبهات (18). كما
__________
(1) الفصاحة والإيضاح وفي الحديث إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا وقيل البيان إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى التجلي بأي وجه كان وقيل هو اسم جامع لمعان مجتمعة الأصول متشعبة الفروع.
(2) أي ألقيت في قلوبنا.
(3) أي من تبيان المعاني وإظهارها بأوضح الأوضاع والمباني والتبيان مصدر كالتبيين تقول بينت الشيء تبيينا وتبيانا والفرق بين البيان والتبيان هو أن البيان عمل اللسان والتبيان عمل الجنان.
(4) أتممت وأكملت.
(5) أرخيت.
(6) من الغطو وهو الستر.
(7) الشرّة الحدة والنشاط والشرّة أيضا الفحش.
(8) الفصاحة ورجل لسن وقوم لسن.
(9) الفضل الزيادة وقد غلب جمعه على ما لا خير فيه والهذر الهذيان والكلام الكثير السقط.
(10) أي عيب العيّ.
(11) أي فضيحة العجز عن الكلام.
(12) الإطراء المبالغة في المدح.
(13) الإغضاء كف البصر عن الشيء.
(14) التصدّي للشيء.
(15) أي لاحتقار الطاعن.
(16) طالب الفضيحة.
(17) بالفتح أي بعثها.
(18) بضم السين والشبهات ما يشتبه ويلتبس.(1/9)
نستغفرك من نقل الخطوات (1)، إلى خطط (2) الخطيئات. ونستوهب منك توفيقا قائدا إلى الرّشد، وقلبا متقلّبا مع الحقّ، ولسانا متحلّيا بالصّدق. ونطقا مؤيّدا بالحجّة (3)، وإصابة ذائدة (4) عن الزّيغ (5). وعزيمة (6) قاهرة هوى النّفس، وبصيرة (7) ندرك بها عرفان القدر. وأن تسعدنا بالهداية، إلى الدّراية (8)
وتعضدنا (9) بالإعانة، على الإبانة. وتعصمنا من الغواية (10)، في الرّواية (11)، وتصرفنا عن السّفاهة (12)، في الفكاهة (13)، حتّى نأمن حصائد الألسنة، ونكفى غوائل الزّخرفة (14)، فلا نرد مورد مأثمة، ولا نقف موقف مندمة. ولا نرهق (15)
بتبعة (16)، ولا معتبة (17). ولا نلجأ (18) إلى معذرة (19) عن بادرة (20). اللهمّ فحقّق لنا هذه المنية، وأنلنا هذه البغية، ولا تضحنا عن ظلّك (21) السّابغ، ولا تجعلنا مضغة للماضغ (22). فقد مددنا إليك يد المسألة، وبخعنا (23) بالاستكانة (24) لك
__________
(1) جمع خطوة وهي ما بين القدمين.
(2) جمع خطة بالكسر وهي الأرض يخطها الرجل لنفسه وهو أن يعلم عليها علامة بالخط ليعلم أنه قد اختارها ليبني بها.
(3) الكلام المستقيم.
(4) من الذود وهو الطرد.
(5) الميل عن الحق إلى الباطل.
(6) العزيمة عقد القلب على الشيء يريد أن يفعله.
(7) يقينا والبصيرة للقلب كالبصر للعين.
(8) اكتساب المعرفة أو علم العلم مع تكلف.
(9) أي تقوينا وتكون لنا عضدا أي معينا.
(10) الضلالة.
(11) مصدر رويت الخبر إذا أسندته إلى غيرك.
(12) الجهل وقول الفحش.
(13) بالضم المزاح وحسن الخلق وانتقال الحديث من فن إلى فن.
(14) أي آفات التزيين.
(15) لا نغشى ولا نكلّف.
(16) أي بسبب تبعة وهي الظلامة وهي ما يؤخذ منك ظلما.
(17) المعتبة العتب وأصل العتاب مراجعة الكلام وعتب عليه إذا غضب.
(18) أي نضطر ونحتاج.
(19) المعذرة الاسم من عذرت فلانا إذا كففت عن لومه فيما صدر منه واعتذر فلان تكلم بحجته فيما يلام عليه.
(20) البادرة الكلمة والفعلة التي يبادر إليها الإنسان من غير روية فتقع خطأ.
(21) أي لا تزل عنا ظل رحمتك.
(22) معناه ولا تجعلنا أحدوثة في أفواه الناس يتكلمون فينا بالقبيح فنصير كأننا لحوم نؤكل بالغيبة.
(23) أي أذعنا وأقررنا واعترفنا يقال لسان باخع أي مقرّ.
(24) أي بالذل.(1/10)
والمسكنة (1). واستنزلنا كرمك الجمّ (2)، وفضلك الّذي عمّ، بضراعة الطّلب (3)، وبضاعة الأمل (4)، بالتّوسّل بمحمّد سيّد البشر، والشّفيع المشفّع في المحشر، الّذي ختمت به النّبيّين، وأعليت درجته في علّيّين (5)، ووصفته في كتابك المبين، فقلت وأنت أصدق القائلين، وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين. الّلهم فصلّ عليه وعلى آله (6) الهادين، وأصحابه الّذين شادوا الدّين (7)، واجعلنا لهديه وهديهم (8)
متّبعين، وآنفعنا بمحبّته ومحبّتهم أجمعين. إنّك على كلّ شيء قدير، وبالإجابة جدير (9). وبعد، فإنّه قد جرى ببعض أندية الأدب (10) الّذي ركدت (11) في هذا العصر ريحه (12)، وخبت (13) مصابيحه، ذكر المقامات الّتي ابتدعها (14) بديع الزّمان (15)، وعلّامة (16) همذان (17)، رحمه الله تعالى، وعزا إلى أبي الفتح الإسكندريّ (18) نشأتها، وإلى عيسى بن هشام روايتها، وكلاهما مجهول لا يعرف، ونكرة لا تتعرّف (19) فأشار من إشارته حكم (20)، وطاعته غنم. إلى أن
__________
(1) مفعلة من السكون والمسكين والساكن عن الحركة من الفقر والمسكنة إلى الله الخضوع.
(2) أي الكثير.
(3) الضراعة الضعف والذل وشدة الفقر.
(4) استعارة من بضاعة المال وهي الطائفة منه للتجارة والمعنى وسألناك بذلّ السؤال والأمل لا بالمال والخول.
(5) هو الموضع الذي يجمع فيه أعمال الصالحين.
(6) أهله وعياله.
(7) أي قوّوه ورفعوه من شاد البناء وأشاده وشيده إذا طوّله إلى جهة السماء وكل شيء رفعته فقد شدته.
(8) الهدي السيرة السوية ومنه الحديث اهدوا هدي عمار أي سيروا سيرته.
(9) الجدير بالشيء الحقيق به.
(10) الأندية جمع نديّ وهو مجلس القوم الذي يتحدثون فيه ويقال ناد أيضا.
(11) أي سكنت.
(12) أي دولته ومنه تذهب ريحكم أي دولتكم.
(13) أي خمدت يقال خبت النار خبوّا سكن لهيبها.
(14) أي اخترعها.
(15) أراد به أبا الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني وكان رجلا فريد عصره.
(16) أي كثير العلم والهاء زائدة لتأكيد المبالغة.
(17) بالذال المعجمة بلد في عراق العجم.
(18) بفتح الهمزة وكسرها نسبة إلى الإسكندرية وهي مدينة بمصر بناها الإسكندر وكانت منارتها إحدى العجائب.
(19) تعرّف إذا صار معروفا وتعرّف إذا طلب معرفة شيء.
(20) المراد به وزير السلطان المسعود واسمه أنو شروان بن خالد وقيل هو الخليفة وقال بعض غلام الخليفة.(1/11)
أنشىء مقامات أتلو (1) فيها تلو البديع، وإن لم يدرك الظّالع (2) شأو الضّليع، فذاكرته بما قيل فيمن ألّف بين كلمتين، ونظم بيتا أو بيتين (3). واستقلت (4) من هذا المقام الّذي فيه يحار (5) الفهم، ويفرط الوهم (6). ويسبر (7) غور العقل (8)، وتتبيّن قيمة المرء (9) في الفضل. ويضطرّ صاحبه إلى أن يكون كحاطب ليل (10)، أو جالب رجل (11) وخيل. وقلّما سلم مكثار (12)، أو أقيل له عثار (13). فلمّا لم يسعف بالإقالة، ولا أعفى (14) من المقالة، لبّيت دعوته (15) تلبية المطيع، وبذلت في مطاوعته جهد المستطيع، وأنشأت على ما أعانيه (16) من قريحة (17) جامدة، وفطنة (18) خامدة، ورويّة (19) ناضبة (20)، وهموم ناصبة (21)، خمسين مقامة (22) تحتوي على جدّ القول وهزله، ورقيق اللّفظ (23) وجزله،
__________
(1) أتبع ومصدره تلو بكسر التاء وتخفيف الواو.
(2) بالظاء المعجمة الذي يغمز في مشيته والظالع أيضا المائل عن الطريق القويم والضليع السمين القوي والضلاعة قوة الاضلاع.
(3) هذه إشارة إلى قولهم من ألف كتابا أو قال شعرا فإنما يعرض على الناس عقله فإن أصاب فقد استهدف وإن أخطأ فقد استقذف وقولهم لا يزال المرء في فسحة من أمره ما لم يقل شعرا أو يؤلف كتابا.
(4) طلبت الإقالة.
(5) أي يتحير ويتردد.
(6) أي يسبق القلب إلى الغلط.
(7) يجرّب ويختبر.
(8) الغور العمق أي يعلم نهاية عقله.
(9) إشارة إلى قوله: قيمة كل امرىء ما يحسن.
(10) أراد به من يخلط في كلامه بين الصحيح والفاسد مثل الحاطب بالليل يخلط بين جيد الحطب ورديئه وربما يلسع ولا يدري.
(11) جمع راجل وهو الماشي على رجليه ومراده من الخيل هنا الفوارس.
(12) كثير الكلام.
(13) أي صفح عن عيبه وزلته.
(14) أي تجاوز وترك.
(15) أي أجبته من قولك لبّيك.
(16) أي أحتمل مشقته وأقاسيه.
(17) القريحة الطبيعة وهي في الأصل ما يستنبط من البئر استعيرت للطبع.
(18) هي الفهم والذكاء.
(19) هي الفكرة من روّى في الأمر إذا فكر.
(20) أي غائرة بمعنى ناقصة.
(21) أي ذات نصب وهو التعب.
(22) المقامة المجلس والجمع مقامات ويقال مقام ومقامة.
(23) هو السهل العذب والجزل هو الفصيح.(1/12)
وغرر (1) البيان ودرره، وملح الأدب (2) ونوادره إلى ما وشّحتها (3) به من الآيات، ومحاسن الكنايات. ورصّعته (4) فيها من الأمثال العربيّة، واللّطائف الأدبيّة، والأحاجيّ (5) النّحويّة، والفتاوى اللّغويّة. والرّسائل المبتكرة (6)، والخطب المحبّرة (7)، والمواعظ المبكية، والأضاحيك (8) الملهية (9). ممّا أمليت (10) جميعه على لسان أبي زيد السّروجيّ، وأسندت روايته إلى الحارث (11) بن همّام البصريّ. وما قصدت بالإحماض (12) فيه، إلّا تنشيط قارئيه، وتكثير سواد (13) طالبيه. ولم أودعه من الأشعار الأجنبيّة إلّا بيتين فذّين (14)، أسّست (15) عليهما بنية المقامة الحلوانيّة. وآخرين توأمين (16)، ضمّنتهما خواتم المقامة الكرجيّة. وما عدا ذلك فخاطري (17) أبو عذره (18)، ومقتضب (19) حلوه
__________
(1) جمع غرّة وغرّة كل شيء خياره وأكرمه وفلان غرّة قومه أي سيدهم.
(2) جمع ملحة بالضم وهي ما يستحسن ويستظرف.
(3) الوشاح قلادة تؤخذ من الأديم عريضة.
(4) أي مكنته والضمير يعود إلى ما.
(5) جمع أحجية تخفف وتشدّد وهي الأغلوطة يختبر بها الحجى وهو العقل.
(6) المخترعة من قولهم هذه باكورة الثمرة أي أول ما جاء منها.
(7) المزينة.
(8) جمع أضحوكة وهي ما يضحك منه.
(9) أي الشاغلة.
(10) الإملاء الإلقاء على الكاتب.
(11) تسمية الراوي بالحارث بن همام عنى بها نفسه أخذا من قوله عليه الصلاة والسلام كلكم حارث وكلكم همام.
(12) الانتقال من أسلوب إلى آخر مأخوذ من إحماض الإبل وهو انتقالها من مرعى نبات حلو إلى مالح.
(13) السواد الجماعة قال عليه السلام من كثر سواد قوم فهو منهم.
(14) الفذّ الفرد واحد البيتين للوأواء الدمشقي والثاني للبحتري.
(15) أسس البناء إذا ابتدأ في أصل بنائه.
(16) التوأم المولود مع آخر في بطن واحد سمى البيتين بذلك لكونهما لقائل واحد وهو ابن سكرة.
(17) يريد به قلبه.
(18) يقال هو أبو عذرها إذا كان هو الذي افتضها والأصل فيه أبو عذرتها فحذفت التاء منه والمراد أنه أول قائل لهذا الكلام.
(19) المقتضب المرتجل خطبة أو شعرا من اقتضب الغصن إذا اقتطعه على البديهة.(1/13)
ومرّه (1). هذا مع اعترافي بأنّ البديع رحمه الله سبّاق غايات، وصاحب آيات.
وأنّ المتصدّي بعده لإنشاء مقامة، ولو أوتي بلاغة قدامة (2)، لا يغترف إلّا من فضالته، ولا يسري ذلك المسرى إلّا بدلالته. ولله درّ القائل (3):
فلو قبل مبكاها بكيت صبابة ... بسعدى شفيت النّفس قبل التّندّم
ولكن بكت قبلي، فهيّج لي البكا (4) ... بكاها، فقلت الفضل للمتقدّم
وأرجو أن لا أكون في هذا الهذر (5) الّذي أوردته، والمورد الّذي تورّدته (6)، كالباحث عن حتفه بظلفه (7)، والجادع (8) مارن (9) أنفه بكفّه. فالحق بالأخسرين أعمالا الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا، وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا.
على أنّي وإن أغمض (10) لي الفطن المتغابي (11)، ونضح عنّي (12) المحبّ المحابي (13)، لا أكاد أخلص من غمر (14) جاهل، أو ذي غمر (15) متجاهل، يضع منّي (16) لهذا الوضع (17)، ويندّد (18) بأنّه من مناهي الشّرع. ومن نقد
__________
(1) أي جيده ورديئه.
(2) هو أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي يضرب به المثل في الفصاحة.
(3) اختلف فيه فقيل هو عديّ بن الرقاع وقيل غيره وقيل هذين البيتين
ونبه شوقي بعد ما كان نائما ... هتوف الدجى مشغوفة بالترنم
بكت شجوها عند الضحى فتساجمت ... إليها دموع العين من كل مسجم
(4) بالقصر ما كان بغير صوت والممدود ما كان بصوت.
(5) بالتسكين والتحريك الهذيان.
(6) أي الأمر الذي أقدمت عليه ودخلت فيه.
(7) هذا مثل يضرب لمن يسعى في هلاك نفسه ولا يدري وأصله أن رجلا أراد أن يذبح شاة فتفقد المدية وكانت تحت رجل الشاة فبحثت بظلفها فظهرت المدية فذبحها بها.
(8) أي القاطع.
(9) هو ما لان من قصبة الأنف.
(10) تسامح وتساهل وتجاوز وأصله من إغماض الجفن يقال أغمض فلان عن بعض حقه إذا لم يستقص ومنه إلّا أن تغمضوا فيه وهذا التركيب يدل على التطامن والخفاء من الغمض وهو المكان المطمئن وغوامض المسائل ما خفي منها.
(11) مظهر الغباوة وهي الجهل من نفسه تكلفا.
(12) أي جادل عني وأصله من قولهم نضح عنه بالنبل أي دفع ونضحت الشيء بالماء أزلت عنه درنه.
(13) من الحباء وهو العطاء فكأنه الذي يعطيه مودته.
(14) الغمر بالضم الذي لم يجرّب الأمور وبالفتح الماء الكثير.
(15) بالكسر أي صاحب حقد.
(16) أي يحط من درجتي.
(17) أي وضع المقامات.
(18) أي يشهر ويكرّر بالقول.(1/14)
الأشياء بعين المعقول، وأنعم النّظر (1) في مباني الأصول (2) نظم هذه المقامات، في سلك (3) الإفادات. وسلكها مسلك الموضوعات، عن العجماوات (4) والجمادات (5). ولم يسمع بمن نبا سمعه (6) عن تلك الحكايات، أو أثّم رواتها (7) في وقت من الأوقات. ثمّ إذا كانت الأعمال بالنيّات، وبها انعقاد العقود الدّينيّات، فأيّ حرج على من أنشأ ملحا (8) للتّنبيه (9)، لا للتّمويه (10).
ونحا (11) بها منحى التّهذيب، لا الأكاذيب. وهل هو في ذلك إلّا بمنزلة من انتدب (12) لتعليم، أو هدى إلى صراط مستقيم.
على أنّني (13) راض بأن أحمل الهوى، وأخلص منه لا عليّ ولا ليا. وبالله أعتضد (14)، فيما أعتمد (15)، وأعتصم، ممّا يصم (16). وأسترشد، إلى ما يرشد.
فما المفزع (17) إلّا إليه، ولا الاستعانة إلّا به، ولا التّوفيق إلّا منه. ولا الموئل (18)، إلّا هو. عليه توكلت وإليه أنيب (19)، وبه نستعين، وهو نعم المعين.
__________
(1) وفي نسخة أمعن وهما بمعنى أجاد التأمل والتفكر.
(2) أي فيما بنيت عليه أصول الكلام.
(3) السلك الخيط الذي ينظم فيه الدر.
(4) جمع عجماء وهي البهيمة قال النبي عليه السلام جرح العجماء جبار.
(5) جمع جماد وهو كل جسم غير حي ولا منفصل عنه والمراد بالموضوعات عنهما الكتب المؤلفة فيما لا حقيقة له في الظاهر وقد ضمن الحكم الشافية ككتاب كليلة ودمنة وغيره مما ألف على ألسنة ما لا عقل له ولا روح.
(6) أي تباعد عنها ولم يقبلها.
(7) نسبهم إلى الإثم.
(8) جمع ملحة وهي ما يستملح من الحديث.
(9) أي تنبيه الغافل.
(10) هو الإتيان بقول ظاهره حسن وباطنه قبيح من موّه السرج إذا طلاه بالذهب.
(11) أي قصد.
(12) ندبه إلى الأمر فانتدب أي دعاه له فأجاب.
(13) أخذه من قول الأحنف بن العباس
فدعيني فلا عليّ ولا لي ... أنا راض من الهوى بالكفاف
(14) أتقوّى.
(15) أي فيما أقصده.
(16) أي مما يعيب وأصل الوصم شق في القناة.
(17) أي الملجأ والمقصد.
(18) المنجى والملجأ.
(19) أي أتوب وأرجع من أناب إلى الله أي أقبل وتاب.(1/15)
المقامة الأولى الصّنعانيّة (1)
حدّث الحارث بن همّام قال: لمّا اقتعدت غارب الاغتراب (2)، وأنأتني (3)
المتربة (4) عن الأتراب (5). طوّحت بي (6) طوائح (7) الزّمن، إلى صنعاء اليمن.
فدخلتها خاوي (8) الوفاض (9)، بادي الإنفاض (10). لا أملك بلغة، ولا أجد في جرابي مضغة (11). فطفقت أجوب طرقاتها مثل الهائم (12)، وأجول في حوماتها جولان الحائم (13). وأرود في مسارح لمحاتي، ومسايح غدواتي وروحاتي (14)، كريما أخلق له ديباجتي (15)، وأبوح إليه بحاجتي، أو أديبا تفرّج رؤيته غمّتي (16)،
__________
(1) ابتدأ بها لأنه يروى أن صنعاء أول بلدة صنعت بعد الطوفان.
(2) غارب كل شيء أعلاه واقتعده اتخذه قعدة والغارب الكاهل وهو مقدم ظهر الدابة فاستعاره للاغتراب وهو التغرب عن الوطن.
(3) أي أبعدتني.
(4) الفقر لأنها تلصق صاحبها بالتراب.
(5) جمع ترب بالكسر وترب الرجل لدته الذي نشأ معه.
(6) رمت.
(7) أي خطوبه وقواذفه.
(8) أي فارغ.
(9) جمع وفضة وهي خريطة من أدم يجعل فيها الراعي زاده.
(10) أنفض الرجل إذا فني زاده وماله.
(11) البلغة ما يتبلّغ به من العيش وهو اليسير من الزاد والمضغة هي ما يمضغ.
(12) أي جعلت أقطع طرقاتها بالطواف فيها مثل الحيران.
(13) طائر إذا اشتد به العطش ورد الماء فحام عليه حتى يغرق وهو يشربه فإن ناله الماء تساقط ريشه.
(14) مسارح اللمحات هي المواضع التي يجول فيها النظر والمسايح جمع مسيحة من ساح في الأرض يسيح إذا ذهب والغدوات والروحات بمعنى الذهاب والمجيء.
(15) أي أبذل له وجهي.
(16) الغمة ما على القلب من الغم.(1/17)
وتروي روايته (1) غلّتي، حتّى أدّتني (2) خاتمة المطاف، وهدتني فاتحة الألطاف (3)، إلى ناد رحيب، محتو على زحام ونحيب (4). فولجت غابة الجمع (5)، لأسبر مجلبة الدّمع (6)، فرأيت في بهرة الحلقة (7)، شخصا شخت الخلقة (8)، عليه أهبة السّياحة (9)، وله رنّة النّياحة (10)، وهو يطبع الأسجاع (11) بجواهر (12) لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه. وقد أحاطت به أخلاط (13) الزّمر، إحاطة الهالة (14)
بالقمر، والأكمام (15) بالثّمر. فدلفت (16) إليه لأقتبس من فوائده، وألتقط بعض فرائده (17)، فسمعته يقول حين خبّ في مجاله (18)، وهدرت (19) شقاشق (20)
ارتجاله. أيّها السّادر (21) في غلوائه (22)، السّادل (23) ثوب خيلائه (24)، الجامح (25) في
__________
(1) الغلة بالضم شدة العطش.
(2) أوصلتني.
(3) أي أول ألطاف الله بي.
(4) هو صوت البكاء والإعوال.
(5) الغابة في الأصل الشجر الملتفّ فاستعارها للازدحام.
(6) أي لأختبر سبب البكاء.
(7) بضم الموحدة أي وسطها.
(8) الشخت والشخيت الدقيق النحيف قال الأعشى:
عريضة بوص إذا أدربت ... هضيم الحشى شختة المختصر
أي عريضة الكفل ضامرة البطن دقيقة الخصر.
(9) يعني شعارها والأهبة في الأصل العدة والتأهب.
(10) هي أنين الباكي بحزن.
(11) أي يصوغها أو يرتبها وهي من الكلام ما كان له فواصل كقوافي الشعر.
(12) جمع جوهر وجوهر كل شيء خياره.
(13) أوباش مختلفون من الجماعات.
(14) الدائرة حول القمر.
(15) جمع كمّ بالكسر وهو وعاء الطلع.
(16) الدلف أن يمشي الشيخ مشيا رويدا ويقارب الخطو.
(17) أي نوادره وغرائبه جمع فريدة وهي في الأصل ما يجعل فاصلة بين الجواهر سميت بذلك لانفرادها تستعار للنادرة.
(18) أسرع في طريقته.
(19) ارتفعت وصوتت من هدر الحمام صوّت وصاح وهدر البعير أي ردد صوته في حنجرته.
(20) جمع شقشقة بكسر الشينين المعجمتين وهي في الأصل ما يخرجه البعير من فيه إذا هاج ويقال للخطيب إنه لذو شقشقة تشبيها بالفحل الكثير الهدير وفلان شقشقة قومه أي فصيحهم وشريفهم.
(21) الذي لا يبالي بما صنع.
(22) أي غلوّه ومجاوزته الحد.
(23) من السدل وهو إرخاء الثوب وإرساله من غير ضم جانبيه.
(24) كبره.
(25) مأخوذ من جمح الفرس إذا مرّ براكبه ولم يردّه اللجام.(1/18)
جهالاته، الجانح (1) إلى خزعبلاته (2) إلى م تستمرّ (3) على غيّك. وتستمرىء (4) مرعى بغيك. وحتّى م تتناهى في زهوك (5) ولا تنتهي عن لهوك. تبارز (6) بمعصيتك، مالك ناصيتك (7). وتجترىء (8) بقبح سيرتك، على عالم سريرتك وتتوارى (9) عن قريبك، وأنت بمرأى رقيبك (10) وتستخفي من مملوكك، وما تخفى خافية على مليكك. أتظنّ أن ستنفعك حالك، إذا آن ارتحالك؟ أو ينفذك مالك، حين توبقك (11) أعمالك؟
أو يغني عنك ندمك، إذا زلّت قدمك! أو يعطف عليك معشرك (12)، يوم يضمّك محشرك (13)؟ هلّا (14) انتهجت (15) محجّة اهتدائك، وعجّلت معالجة دائك، وفللت شباة اعتدائك (16)، وقدعت نفسك (17) فهي أكبر أعدائك (18). أما الحمام ميعادك، فما إعدادك. وبالمشيب إنذارك، فما أعذارك (19). وفي اللّحد مقيلك (20)، فما قيلك (21). وإلى الله مصيرك، فمن نصيرك؟ طالما أيقظك الدّهر فتناعست، وجذبك الوعظ فتقاعست (22)، وتجلّت لك العبر (23) فتعاميت،
__________
(1) المائل.
(2) جمع خزعبلة بضم الخاء وكسر الباء الحديث الباطل.
(3) أي إلى أي حين تستديم وتمضي.
(4) تعدّه مريئا أو تستطيبه.
(5) أي حتى متى تبلغ النهاية في الكبر.
(6) أي تحارب.
(7) هي مقدم الرأس.
(8) من الجراءة وهي الإقدام.
(9) أي تستتر.
(10) أي عالم أمرك وهو الله تعالى.
(11) تهلكك.
(12) عشيرتك وأقاربك.
(13) المحشر هو يوم الحشر.
(14) حرف تحضيض على الفعل وحثّ عليه كلولا ولوما.
(15) أي سلكت والمحجة بالفتح معظم الطريق.
(16) أي كسرت حدّة ظلمك.
(17) بالدال المهملة أي كففتها ومنعتها عن القبيح.
(18) إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك.
(19) بفتح الهمزة جمع نذر وعذر كذا ذكره المطرّزي فأما بالكسر فالأول الإعلام بتخويف والثاني صيرورة الرجل ذا عذر ومنه أعذر من أنذر.
(20) أي مصيرك وأصله النوم بالقائلة وهي الظهيرة.
(21) أي فما قولك.
(22) أي تأخرت والقعس محركة دخول الظهر وخروج الصدر ضدّ الحدب.
(23) ظهرت لك أسباب الاعتبار.(1/19)
وحصحص (1) لك الحقّ فتماريت، وأذكرك الموت فتناسيت (2) وأمكنك أن تؤاسي (3) فما آسيت (4). تؤثر فلسا (5) توعيه (6)، على ذكر (7) تعيه (8). وتختار قصرا (9) تعليه، على برّ توليه (10). وترغب (11) عن هاد تستهديه (12) إلى زاد تستهديه (13). وتغلّب حبّ ثوب تشتهيه، على ثواب تشتريه. يواقيت الصّلات (14)، أغلق بقلبك من مواقيت الصّلاة. ومغالاة الصّدقات (15)، آثر عندك من موالاة الصّدقات. وصحاف (16) الألوان، أشهى إليك من صحائف (17) الأديان (18).
ودعابة (19) الأقران (20)، آنس لك من تلاوة القرآن. تأمر بالعرف (21) وتنتهك (22)
حماه (23)، وتحمي (24) عن النكر ولا تتحاماه. وتزحزح (25) عن الظّلم ثم تغشاه (26) وتخشى النّاس (27)، والله أحقّ أن تخشاه، ثمّ أنشد:
__________
(1) أي ظهر من الحصّ بالتشديد وهو ذهاب الشعر فيتبين ما تحته.
(2) أظهرت أنك ناس ولست كذلك.
(3) تحسن إلى غيرك وتجعله أسوتك في شيء من مالك.
(4) بهمزة ممدودة في أوله وهو الأفصح أي فما احسنت.
(5) مما يتعامل به.
(6) تجعله في وعائك.
(7) أي علم من الدين.
(8) أي تحفظه والمعنى تقدم الدنيا على الآخرة.
(9) هو البناء الرفيع الذي يتعاناه الملوك.
(10) تعطيه.
(11) رغب عن الشيء إذا لم يرده ورغب في الشيء أراده وبابهما طرب.
(12) من الهداية أي تسترشده وتطلب منه الهداية.
(13) من الهدية أي تطلب أن يهدى إليك.
(14) أي نفائس العطايا.
(15) بضم الدال جمع صدقة بالضم وهو ما يعطى للنساء من المهر.
(16) بكسر الصاد جمع صحفة وهي إناء منبسط واسع.
(17) بالهمزة جمع صحيفة من الكتب.
(18) جمع دين وهي كلمة تجمع أنواع التعبد الاعتقادية والقولية والفعلية.
(19) بضم الدال المهملة أي مزاح.
(20) جمع قرن بالكسر وهو المماثل.
(21) هو بمعنى المعروف كما أن النكر بمعنى المنكر.
(22) أي تستأصل وتبالغ في تناوله بما لا يجوز.
(23) هو المكان الذي منع منه تعظيما له.
(24) تمنع وهو من حميت المريض الطعام.
(25) تبعد.
(26) تأتيه.
(27) يطلق على الإنس والجنّ بخلاف الإنس وأصله أناس فخفّف وهي لغة فيه أيضا.(1/20)
تبّا (1) لطالب دنيا ... ثنى (2) إليها انصبابه (3)
ما يستفيق (4) غراما (5) ... بها وفرط (6) صبابه (7)
ولو درى لكفاه ... ممّا يروم صبابه (8)
ثمّ إنّه لبّد عجاجته (9)، وغيّض مجاجته (10)، واعتضد شكوته (11)، وتأبّط هراوته (12). فلمّا رنت (13) الجماعة إلى تحفّزه (14)، ورأت تأهّبه لمزايلة مركزه (15)، أدخل كلّ منهم يده في جيبه، فأفعم (16) له سجلا (17) من سيبه (18).
وقال (19): اصرف هذا في نفقتك، أو فرّقه على رفقتك. فقبله منهم مغضيا (20)، وانثنى عنهم مثنيا. وجعل يودّع (21) من يشيّعه (22)، ليخفى عليه مهيعه (23).
ويسرّب (24) من يتبعه، لكي يجهل مربعه (25). قال الحارث بن همّام: فاتّبعته مواريا (26) عنه عياني (27)، وقفوت (28) أثره من حيث لا يراني، حتّى انتهى إلى مغارة (29)، فانساب (30) فيها على غرارة (31). فأمهلته ريثما (32) خلع نعليه، وغسل
__________
(1) أي خسرا وانتصابه على المصدر.
(2) عطف وصرف.
(3) أي ميله وأصل الانصباب سرعة المشي.
(4) استفاق من غشيته أي رجع إلى عقله.
(5) هو شدة الحب.
(6) بالتسكين مجاوزة الحد.
(7) هي بالفتح رقة الشوق وكذا الصبوة.
(8) بالضم البقية اليسيرة من الشرب في الإناء والحوض والمراد الاكتفاء بالشيء القليل بدل الكثير الجزيل.
(9) أي سكن غبرته والمراد قطع كلامه.
(10) أي ابتلع ريقه.
(11) هي قرية صغيرة واعتضدها أي جعلها في عضده.
(12) أي جعل عصاه تحت إبطه.
(13) أي نظرت طويلا.
(14) أي تهيؤه للقيام والذهاب.
(15) أي لمفارقة موضعه.
(16) أي ملأ وإناء مفعم أي مملوء.
(17) هو الدلو إذا كان فيها ماء.
(18) أي عطائه والمراد أجزل له العطاء.
(19) يعني كل واحد منهم.
(20) ضامّا جفنيه حياء.
(21) مشتقّ من التوديع.
(22) يقال شيعه إذا خرج عند رحيله مودعا.
(23) بفتح الميم وهو الطريق الواضح الواسع.
(24) يفرّق وسرّب الإبل أي أرسلها قطعة قطعة.
(25) أي منزله وأصله منزل القوم في الربيع.
(26) أي مخفيا.
(27) شخصي.
(28) اتّبعت.
(29) المغارة بيت تحت الأرض كالكهف في الجبل.
(30) جرى أو مرّ مسرعا وأصله من جري الحية.
(31) الغرة بالكسر والغرارة بالفتح سواء الغفلة.
(32) أي قدر ما وأصل الريث البطء يقال راث علينا أي أبطأ.(1/21)
رجليه، ثمّ هجمت عليه، فوجدته مثافنا (1) لتلميذ، على خبز سميذ (2)، وجدي حنيذ (3). وقبالتهما خابية نبيذ، فقلت له: يا هذا أيكون ذاك خبرك، وهذا مخبرك (4)؟ فزفر (5) زفرة القيظ (6)، وكاد يتميّز (7) من الغيظ. ولم يزل يحملق (8) إليّ، حتّى خفت أن يسطو عليّ. فلمّا أن خبت ناره (9)، وتوارى أواره (10)، أنشد:
لبست الخميصة (11)، أبغي الخبيصه (12) وأنشبت (13) شصّي (14)، في كلّ شيصه (15)
وصيّرت وعظي احبولة (16) ... أريغ (17) القنيص (18) بها والقنيصه (19)
وألجأني الدّهر حتّى ولجت ... بلطف احتيالي على اللّيث (20) عيصه (21)
على أنّني لم أهب صرفه (22) ... ولا نبضت (23) لي منه فريصه (24)
__________
(1) أي مجالسا وفي نسخة محاذيا وهو الذي يكون عن يمين الرجل أو يساره.
(2) أي حوّارى وهو الأبيض الخالص.
(3) المشوي على حجارة محماة وقيل هو السمين.
(4) المخبر يستعمل للباطن كما أن الخبر يستعمل للظاهر.
(5) أي ردد نفسه من شدة الغيظ والحدة.
(6) هو شدة الحر والصيف.
(7) أي يتقطع ويتمزق.
(8) يحد نظره من شدة الغيظ وهو الغضب الكامن في الباطن.
(9) أي خمدت يريد سكن غضبه.
(10) أي اختفى احتداده وأصل الأوار بضم الهمزة حر النار والشمس فاستعير للغيظ.
(11) هي كساء له علمان أسودان.
(12) أي اطلب الحلوى وأول من خبص الخبيصة عثمان رضي الله عنه خلط بين العسل ونقيّ الدقيق ثم بعث به إليه عليه السلام في منزل أم سلمة فوضع بين يديه فقال من بعث بهذا قالوا عثمان فرفع وجهه إلى السماء وقال اللهمّ إن عثمان يسترضيك فارض عنه.
(13) يقال نشب الصيد في الحبالة إذا وقع فيها وأنشبه غيره أوقعه.
(14) الشصّ بالكسر حديدة معوجة دقيقة تسمى بالصنار.
(15) فيما ذكر أهل العلم هي أخبث السمك أو هي رديء التمر فاستعير لكل شيء رديء.
(16) الأحبولة والحبالة شبكة الصيد.
(17) أراغ الشيء إذا طلبه على وجه المكر.
(18) هو الصيد الذكر.
(19) هي الصيد الأنثى.
(20) من أسماء الأسد.
(21) أي بيته ومأواه.
(22) بالفتح أي حوادثه.
(23) أي تحركت.
(24) الفريصة لحمة تكون تحت الكتف من شأنها أنها ترعد عند الفزع.(1/22)
ولا شرعت (1) بي على مورد ... يدنّس عرضي نفس حريصه
ولو أنصف الدّهر في حكمه ... لما ملّك الحكم أهل النّقيصه
ثمّ قال لي فكل. وإن شئت فقم وقل. فالتفتّ إلى تلميذه وقلت: عزمت عليك بمن تستدفع به الأذى، لتخبرنّي من ذا فقال: هذا أبو زيد السّروجيّ، سراج الغرباء (2)، وتاج الأدباء. فانصرفت من حيث أتيت، وقضيت العجب ممّا رأيت.
__________
(1) شرع في الأمر والماء أي دخل فيه وشرّع إبله إذا أوردها شريعة الماء وفي المثل: أهون السقي التشريع.
(2) جمع غريب وهو البعيد عن الأوطان.(1/23)
المقامة الثانية آلحلوانيّة
حكى الحارث بن همّام قال: كلفت (1) مذ ميطت (2) عنّي التّمائم (3)، ونيطت (4) بي العمائم (5)، بأن أغشى (6) معان الأدب (7)، وأنضي (8) إليه ركاب الطّلب (9)، لأعلق (10) منه بما يكون لي زينة بين الأنام، ومزنة (11) عند الأوام (12). وكنت لفرط اللهج (13) باقتباسه (14) والطّمع في تقمّص (15) لباسه (16)
أباحث كلّ من جلّ وقلّ، وأستسقي (17) الوبل (18) والطّلّ (19)، وأتعلّل (20) بعسى
__________
(1) الكلف شدة الحب.
(2) أزيلت ورفعت.
(3) جمع تميمة وهي العوذة تعلق على الصبي.
(4) أي علقت وألصقت.
(5) جمع عمامة وهو كناية عن الكبر وكانت عادة العرب إذا بلغ الصبي أزالوا التمائم عنه وألبسوه العمامة وقلدوه السيف.
(6) أي آتي وأقصد.
(7) أي موضعه والمعان بالفتح المنزل والأدب الشعر وطرف من الأخبار.
(8) أنضاه إذا جهده في السير فصار نضوا أي نحيفا.
(9) الركاب الإبل جعل للطلب ركابا مجازا والمعنى أني كنت أتعب نفسي وأجهدها في تعلم الأدب وأرتحل من بلد إلى بلد مسافرا في طلبه على الإبل.
(10) أي أحصل.
(11) هي السحابة البيضاء.
(12) بالضم شدة الحر والعطش.
(13) أي لغاية الولوع.
(14) أي بتعلمه واستفادته.
(15) لبس القميص واتخاذه.
(16) أي ثيابه والمعنى أطمع أن أتلبس بالأدب.
(17) أطلب السقي.
(18) المطر الشديد.
(19) المطر الخفيف.
(20) أشغل نفسي وأطمعها.(1/24)
ولعلّ. فلمّا حللت حلوان (1)، وقد بلوت الإخوان (2)، وسبرت الأوزان، وخبرت ما شان وزان (3)، ألفيت (4) بها أبا زيد السّروجيّ يتقلّب في قوالب (5)
الانتساب، ويخبط (6) في أساليب الاكتساب، فيدّعي تارة أنّه من آل ساسان (7)، ويعتزي (8) مرّة إلى أقيال غسّان (9). ويبرز طورا في شعار (10)
الشّعراء، ويلبس حينا كبر الكبراء (11). بيد أنّه (12) مع تلوّن حاله، وتبيّن محاله (13)، يتحلّى برواء (14) ورواية (15)، ومداراة (16) ودراية (17)، وبلاغة رائعة (18)
وبديهة (19) مطاوعة، وآداب بارعة (20) وقدم لأعلام (21) العلوم فارعة (22) فكان لمحاسن آلاته، يلبس (23) على علّاته (24) ولسعة روايته، يصبى (25) إلى رؤيته.
ولخلابة (26) عارضته (27)، يرغب عن معارضته. ولعذوبة إيراده (28)، يسعف بمراده.
__________
(1) هي بلدة بين بغداد وهمذان وسميت باسم بانيها وهو حلوان بن عمران بن الحاف من قضاعة.
(2) أي جربتهم.
(3) أي جرّبت مقادير الناس وجرّبت ما قبح وما حلي.
(4) أي وجدت.
(5) جمع قالب.
(6) أي يسير على غير هدى.
(7) هم الأكاسرة وساسان أبوهم.
(8) أي ينتسب.
(9) ملوك الشام أولهم جفنة بن عمرو بن ثعلبة وآخرهم جبلة بن الأيهم وغسان اسم ماء نزل به هؤلاء القوم بعد تفرقهم من اليمن بسيل العرم فنسبوا إليه.
(10) أصله الثوب يلي الجسد يريد به الزيّ والعلامة.
(11) أي تكبر العظماء.
(12) بيد تكون بمعنى غير وبمعنى ألا وتكون بمعنى من أجل.
(13) أي ظهور مكره وكذبه.
(14) بالضم حسن المنظر والهيئة.
(15) حكاية عن الغير والمراد إسناد مثائل العلم.
(16) مدافعة وحسن سياسة في صحبته.
(17) أي علم.
(18) أي فائقة زائدة في حسنها.
(19) البديهة ما يبده من المعنى أي يفاجىء بسرعة.
(20) فائقة تفضل غيرها.
(21) أي جبال واحدها علم.
(22) أي صاعدة.
(23) أي يلابس ويصاحب ويخالط.
(24) على ما فيه من العيوب.
(25) أي يمال ويشتاق.
(26) الخلابة الخديعة وهي فعالة من الخلب وهو الخدع بالملاطفة ولين القول.
(27) ما يعرض من قوله يقال فلان شديد العارضة إذا كان حاضر الجواب.
(28) ما يورده من الكلام.(1/25)
فتعلّقت بأهدابه (1)، لخصائص آدابه، ونافست (2) في مصافاته (3)، لنفائس (4)
صفاته.
فكنت به أجلو همومي، وأجتلي ... زماني. طلق الوجه (5)، ملتمع الضّيا (6)
أرى قربه قربى (7)، ومغناه (8) غنية (9) ... ورؤيته ريّا (10)، ومحياه (11) لي حيا (12)
ولبثنا على ذلك برهة (13)، ينشىء لي كلّ يوم نزهة (14)، ويدرأ (15) عن قلبي شبهة، إلى أن جدحت (16) له يد الإملاق (17)، كأس الفراق، وأغراه (18) عدم العراق (19) بتطليق العراق (20). ولفظته (21) معاوز (22) الإرفاق (23)، إلى مفاوز (24)
الآفاق. ونظمه في سلك الرّفاق، خفوق (25) راية الإخفاق (26) فشحذ (27) للرّحلة
__________
(1) بأطراف ثيابه.
(2) نازعت وغاليت.
(3) إخلاص وده في مصاحبتي له.
(4) جمع نفيسة وهي الرفيع من كل شيء.
(5) أي ضاحكا مشرقا.
(6) أي الضوء والنور.
(7) من قرب النسب لا المسافة أي نسبا ورحما.
(8) أي منزله من غني بالمكان إذا أقام به.
(9) هي الاكتفاء بالشيء.
(10) بكسر الراء وتشديد الياء أي ريّا من العطش.
(11) أي حياته.
(12) الحيا المطر.
(13) بضم الباء وفتحها المدة من الزمان.
(14) أصل النزهة التباعد عن المياه والأرياف ثم كثرت حتى استعملت في المعاني كما هنا فإنها كناية عما يستفيده من علمه.
(15) أي يدفع.
(16) أي خلطت ومزجت.
(17) الفقر.
(18) هيجه وأولعه.
(19) بالضم جمع عرق وهو العظم الذي يؤخذ عنه اللحم والمراد به هنا الشيء القليل.
(20) بالكسر شاطىء البحر وبه سمي العراق عراقا.
(21) رمته وألقته.
(22) جمع معوز بالكسر من أعوزه الدهر إذا أفقره.
(23) النفع والإعانة.
(24) جمع مفازة.
(25) أي تحرّك.
(26) يريد الخيبة وعدم النجح.
(27) أي حدد.(1/26)
غرار (1) عزمته، وظعن يقتاد (2) القلب (3) بأزمّته (4).
فما راقني (5) من لاقني (6) بعد بعده ... ولا شاقني (7) من ساقني (8) لوصاله
ولا لاح لي مذ ندّ (9) ندّ لفضله ... ولا ذو خلال (10) حاز مثل خلاله
وآستسرّ (11) عنّي حينا (12)، لا أعرف له عرينا (13)، ولا أجد عنه مبينا. فلمّا أبت (14) من غربتي، إلى منبت شعبتي (15)، حضرت دار كتبها (16) الّتي هي منتدى (17) المتأدّبين، وملتقى (18) القاطنين، منهم والمتغرّبين. فدخل ذو لحية كثّة (19)، وهيئة رثّة (20). فسلّم (21) على الجلّاس (22)، وجلس في أخريات (23)
النّاس. ثمّ أخذ يبدي ما في وطابه (24)، ويعجب الحاضرين بفصل خطابه (25).
فقال لمن يليه: ما الكتاب الّذي تنظر فيه؟ فقال: ديوان (26) أبي عبادة (27)،
__________
(1) الغرار هو حد السيف.
(2) أي يجذب ويجر.
(3) أي قلب الحارث بن همام.
(4) جمع زمام.
(5) أعجبني.
(6) علق بي ولزمني يقال لا يليقه بلد أي لا يمسكه إذا كان جوّالا ولا يليق هذا به.
(7) أي شوّقني.
(8) حثّني.
(9) أي نفر يقال ندّت الإبل إذا ذهبت في الأرض على وجهها.
(10) جمع خلة بضم الخاء المودة والخلة بفتح الخاء الخصلة قال الله تعالى {لََا بَيْعٌ فِيهِ وَلََا خِلََالٌ}
والخلال أيضا الصداقة يقال خاللته خلالا ومخالّة ويجوز أن يكون خلال الأول جمع خلة بالضم وخلال الثاني جمع خلة بالفتح.
(11) خفي من قولهم استسرّ الهلال إذا استتر بالشمس.
(12) زمانا طويلا.
(13) أي مسكنا مستعار من عرين الأسد وهو بيته.
(14) أي رجعت.
(15) موضع إقامتي ومسقط رأسي.
(16) الضمير في كتبها لمنبت الشعبة لأنه في معنى البلدة.
(17) محفل ومجتمع ومجلس.
(18) موضع الملاقاة.
(19) بالتشديد كثيرة الشعر.
(20) بالية.
(21) قال السلام عليكم.
(22) جمع جالس.
(23) جمع أخرى أي آخرهم.
(24) جمع وطب وهو سقاء اللبن وكنى بما في الوطاب عن أحسن محفوظاته.
(25) أي بإظهار فصاحته.
(26) سمي الديوان ديوانا لجمعه للاخبار.
(27) هو الوليد بن عبيد البحتري.(1/27)
المشهود له بالإجادة. فقال: هل عثرت (1) له فيما لمحته، على بديع استملحته (2)؟ قال: نعم. قوله:
كأنّما تبسم (3) عن لؤلؤ ... منضّد (4) أو برد أو أقاح (5)
فإنّه أبدع (6) في التّشبيه، المودع فيه. فقال له: يا للعجب (7)! ولضيعة الأدب! لقد استسمنت يا هذا ذا ورم (8)، ونفخت في غير ضرم (9)، أين أنت من البيت النّدر (10)؟ الجامع مشبّهات الثّغر (11). وأنشد:
نفسي الفداء لثغر راق مبسمه (12) ... وزانه شنب (13) ناهيك من شنب
يفترّ (14) عن لؤلؤ رطب وعن برد ... وعن أقاح وعن طلع (15) وعن حبب (16)
فاستجاده من حضر واستحلاه، واستعاده منه واستملاه. وسئل لمن هذا البيت؟
وهل حيّ قائله أو ميت؟ فقال: ايم الله (17). للحقّ أحقّ أن يتّبع، وللصّدق حقيق بأن يستمع. إنّه يا قوم لنجيّكم (18) مذ اليوم. قال: فكأنّ الجماعة ارتابت بعزوته (19)،
__________
(1) أي أطلعت.
(2) أي عددته مليحا.
(3) بكسر السين أي تضحك.
(4) منظوم بعضه على بعض من تنضد الأسنان يعني اجتماعها في الاستواء وشدة بريقها.
(5) جمع أقحوان يشبه به الثغر وهو نبت طيب الريح حواليه ورق أبيض وأصفر.
(6) أي جاء بالبديع وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له: قد أبدعت ويقال إن أول من أبدع في الشعر أبو تمام وصريع الغواني مسلم بن الوليد.
(7) بفتح اللام وكسرها فعلى الفتح هي لام المدعوّ كأنه ينادي العجب وبالكسر على حذف المدعوّ كأنه يقول يا قوم تعالوا للعجب.
(8) أي رأيت صاحب الورم سمينأ وهو مثل ومعناه لقد استعظمت ما ليس بعظيم.
(9) هذا مثل يضرب لمن يضع الشيء في غير موضعه والضرم النار أو الحطب السريع الالتهاب.
(10) بالسكون أي النادر الغريب.
(11) ما تقدم من الفم وقيل الثغر الفم وقيل هو اسم للاسنان كلها.
(12) المبسم بكسر السين موضع التبسم.
(13) هو رقة الأسنان أو برد ريقها وقوله ناهيك الخ أي حسبك بمعنى أنه بحسنه ينهاك عن طلب غيره.
(14) أي يبتسم عن مثل هذه الشبهات في بياضها وهو الأسنان المتناسقة الشديدة البياض.
(15) أي طلع النخل وهو أبيض.
(16) هو ما يظهر كالحب فوق الكاس عند امتلائها.
(17) من أدوات القسم وهي بفتح الهمزة وكسرها.
(18) أي لمن يناجيكم.
(19) بنسبته البيت إليه يقال عزوت الرجل إذا نسبته إلى أبيه.(1/28)
وأبت تصديق دعوته، فتوجّس (1) ما هجس (2) في أفكارهم، وفطن (3) لما بطن (4)
من استنكارهم. وحاذر (5) أن يفرط (6) إليه ذمّ، أو يلحقه وصم. فقرأ إنّ بعض الظّنّ (7) إثم، ثمّ قال: يا رواة القريض (8)، وأساة (9) القول المريض، إنّ خلاصة الجوهر (10) تظهر بالسّبك، ويد الحقّ تصدع رداء الشّكّ (11). وقد قيل فيما غبر (12) من الزّمان، عند الامتحان (13)، يكرم الرّجل أو يهان. وها أنا قد عرّضت خبيئتي (14) للاختبار، وعرضت حقيبتي (15) على الاعتبار. فابتدر أحد من حضر، وقال: أعرف بيتا لم ينسج (16) على منواله (17) ولا سمحت قريحة بمثاله.
فإن آثرت اختلاب (18) القلوب، فانظم على هذا الأسلوب. وأنشد (19).
فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت ... وردا وعضّت على العنّاب بالبرد (20)
__________
(1) أي علم بالدليل والتفرس.
(2) خطر.
(3) أي تنبّه وعلم.
(4) خفي.
(5) أي خاف.
(6) يسبق.
(7) بعض قد تستعمل بمعنى كل في مثل قوله تعالى {لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي}.
(8) هو الشعر والمدح.
(9) جمع آس وهو الطبيب وأراد بالقول المريض مقابل الصحيح كأنه يقول يا أصحاب العلم بصحيح الكلام وفاسده.
(10) هو هنا ما كان من معدن مثل الذهب وخلاصته خالصه والسبك الإذابة ومعناه أن حقيقة الأمر تظهر بالاختبار.
(11) جعل للحق يدا وللشك رداء على طريق المثل وتصدع أي تشق ومعناه أن الحق يكشف عن الشك ويزيل لبسه.
(12) يقال غبر لما مضى من الزمان وما بقي وههنا لما مضى خاصة.
(13) الاختبار.
(14) أي مستوري.
(15) الحقيبة وعاء من أدم يجعله الراكب خلفه ومعناه عرضت ما عندي على اعتباركم فاعتبروا.
(16) النسج ضم الشيء إلى الشيء وتلفيقه ونسج الشعر أنشأه يعني لم ينشأ بيت مثله.
(17) المنوال بالكسر العود الذي يلف عليه الحائك النسيج.
(18) بالخاء المعجمة أي إمالتها ومنه مخلب الطائر وهو كالظفر للإنسان لأنه يخلب الشيء أي ينزعه ويميله والخلابة من هذا الباب.
(19) أي أحد من حضر والبيت لأبي الفرج الوأواء الدمشقي وقبله هذا البيت:
قلنا وقد فتكت فينا لواحظها ... كم ذا أما لقتل الحب من قود
(20) شبه الدمع باللؤلوء والعين بالنرجس والوجنات بالورد والأنامل المخضوبة بالعناب والثنايا بالبرد.(1/29)
فلم يكن إلّا كلمح البصر، أو هو أقرب، حتّى أنشد فأغرب (1):
سألتها حين زارت نضو برقعها (2) ال ... قاني (3) وإيداع سمعي أطيب الخبر
فزحزحت شفقا (4) غشّى (5) سنا قمر ... وساقطت لؤلؤا من خاتم عطر (6)
فحار الحاضرون لبداهته (7)، واعترفوا بنزاهته (8) فلمّا آنس (9)
استئناسهم بكلامه، وانصبابهم (10) إلى شعب إكرامه. أطرق (11) كطرفة العين، ثمّ قال: ودونكم بيتين آخرين. وأنشد:
وأقبلت يوم جدّ البين (12) في حلل ... سود تعضّ بنان النّادم الحصر (13)
فلاح ليل على صبح أقلّهما ... غصن وضرّست البلّور بالدّرر (14)
فحينئذ استسنى (15) القوم قيمته، واستغزروا ديمته (16) وأجملوا عشرته (17)
__________
(1) أي أتى بالغريب.
(2) أي كشفه وإزالته وهو ما ترسله المرأة على وجهها ويجوز فيه ضم القاف وفتحها.
(3) أي الشديد الحمرة.
(4) أي برقعا شبيها بالشفق وهو الحمرة بعد الغروب إلى أول وقت العشاء.
(5) أي غطى.
(6) السنا بالقصر النور وهو المراد وبالمد الرفعة وكنى بالقمر عن وجهها وباللؤلؤ المتساقط عن كلامها وبالخاتم العطر عن فمها.
(7) البداهة بالضم والفتح كالبديهة أول كل شيء وما يفجأ منه.
(8) ببراءته من الريبة.
(9) أي علم والأصل فيه أبصر ومنه أخذ إنسان العين أي حدقتها التي ينظر بها والاستئناس من الأنس بضم الهمزة ضد الوحشة.
(10) أي ميلهم وإسراعهم والشعب بالكسر الطريق في الجبل ومسيل الماء في بطن الأرض.
(11) الإطراق أن يرمي ببصره إلى الأرض وأصله أن ينظر في الطريق الذي يطأه.
(12) البين الفراق وجدّ أي حقّ وصار جدّا.
(13) بكسر الصاد الذي لا يمكنه التكلم من البكاء والغيظ.
(14) أراد بالليل الشعر وبالصبح الوجه وأقلّهما أي رفعهما وحملهما وأراد بالغصن القد وبالبلور البنان أو ظهر الكف وبالدرر الثنايا.
(15) استفعل من السناء وهو العلوّ والرفعة.
(16) أي استكثروا فضله وأصل الديمة السحابة تدوم أياما ممطرة.
(17) أي أحسنوا معاشرته وصحبته.(1/30)
وجمّلوا قشرته (1). قال المخبر بهذه الحكاية: فلمّا رأيت تلهّب جذوته (2)، وتألّق جلوته (3)، أمعنت النّظر في توسّمه (4)، وسرّحت الطّرف (5) في ميسمه (6). فإذا هو شيخنا السّروجيّ، وقد أقمر ليله الدّجوجيّ (7)، فهنّأت نفسي بمورده (8)، وابتدرت استلام يده (9). وقلت له: ما الّذي أحال صفتك (10) حتّى جهلت معرفتك؟ وأيّ شيء شيّب لحيتك، حتّى أنكرت حليتك (11)؟ فأنشأ يقول:
وقع الشّوائب (12) شيّب ... والدّهر بالنّاس قلّب (13)
إن دان (14) يوما لشخص ... ففي غد يتغلّب (15)
فلا تثق بوميض ... من برقه فهو خلّب (16)
واصبر إذا هو أضرى (17) ... بك الخطوب (18) وألّب (19)
فما على التّبر (20) عار ... في النّار حين يقلّب
ثم نهض مفارقا موضعه، ومستصحبا القلوب معه.
__________
(1) أي زينوا لباسه والقشر الجلد ويكنى به عن الثوب.
(2) الجذوة جمرة نار غير ملتهبة.
(3) التألق الإضاءة واللمعان والجلوة اسم من جلوت العروس إذا زينتها يريد لمعان وجهه.
(4) توسم الشيء تخليه وتفرسه.
(5) أي أرسلت النظر.
(6) الميسم بالكسر أثر الحسن من الوسامة وهي الجمال وميسمه وسيماه علامته والميسم أيضا الذي يوسم به الدواب.
(7) عبارة عن الشيب وهو من باب الاستعارة.
(8) أي بوروده.
(9) أي أسرعت إلى مصافحته وتقبيل يده.
(10) أي غيرها من الشباب إلى الشيب.
(11) أي صفتك.
(12) هي الأهوال والحوادث المختلطة من الشوب وهو الخلط.
(13) أي كثير التقلب لا يبقى على حالة واحدة.
(14) أي خضع ومنه الحديث الكيّس من دان نفسه.
(15) أي يقهر.
(16) وميض البرق لمعانه والبرق الخلّب الذي لا غيث فيه.
(17) أي أغرى.
(18) الأمور العظام.
(19) أي جمع الجموع يقال تألّبوا عليه إذا اجتمعوا عليه بالعداوة.
(20) الذهب قبل تصفيته.(1/31)
المقامة الثالثة الدّيناريّة
روى الحارث بن همّام، قال: نظمني (1) وأخدانا (2) لي ناد (3)، لم يخب فيه مناد (4). ولا كبا قدح زناد (5)، ولا ذكت (6) نار عناد. فبينما نحن نتجاذب أطراف الأناشيد (7)، ونتوارد طرف (8) الأسانيد. إذ وقف بنا شخص عليه سمل (9)، وفي مشيته قزل (10). فقال: يا أخاير (11) الذّخائر، وبشائر (12) العشائر، عموا صباحا (13) وأنعموا اصطباحا (14) وانظروا إلى من كان ذا نديّ (15) وندى (16)،
__________
(1) أي جمعني وضمني.
(2) جمع خدن بالكسر وهو الحبيب يقال هو خدنه وخدينه.
(3) النادي المجلس للقوم بالنهار والجمع أندية والسامر مجلسهم بالليل خاصة.
(4) أي لم يرجع من ناداهم بغير فائدة.
(5) في معنى ما قبله لأن معنى كبا الزند لم يور نارا إذا قدح به فضربه مثلا أي لا يرجع قاصدهم إلا بحاجته.
(6) أي ولا اشتعلت.
(7) جمع أنشودة وهي الشعر.
(8) جمع طرفة بالضم وهي حديث مستملح.
(9) بالتحريك ثوب خلق والجمع أسمال.
(10) نوع من العرج.
(11) بمعنى أخيار جمع خير مخفف خيّر بالتشديد وهو كثير الخير أو جمع أخير الذي هو أصل خير بالتخفيف المستعمل للتفضيل إذ جمع أفعل أفاعل.
(12) جمع بشارة اسم من التبشير.
(13) بمعنى أنعموا أمر من وعم الدار كوعد وورث قال لها أنعمي.
(14) الاصطباح الشرب وقت الصباح.
(15) مجلس.
(16) جود.(1/32)
وجدة (1) وجدا (2)، وعقار (3) وقرى، ومقار (4) وقرى (5). فما زال به قطوب (6) الخطوب (7)، وحروب الكروب، وشرر (8) شرّ الحسود، وانتياب النّوب (9) السّود، حتّى صفرت الرّاحة (10)، وقرعت السّاحة (11)، وغار المنبع (12)، ونبا المربع (13)، وأقوى المجمع (14)، وأقضّ المضجع (15)، واستحالت الحال، وأعول العيال (16)، وخلت المرابط، ورحم الغابط (17)، وأودى (18) النّاطق (19) والصّامت (20)، ورثى (21) لنا الحاسد والشّامت، وآل بنا الدّهر الموقع (22)، والفقر المدقع (23)، إلى أن احتذينا (24) الوجى (25)، واغتذينا الشّجا (26)، واستبطنّا الجوى (27)، وطوينا الأحشاء على الطّوى (28)، واكتحلنا السّهاد (29)،
__________
(1) بالتخفيف أي غنى.
(2) بالفتح عطية.
(3) هو بالفتح الأرض ذات النخل ثم صار يقال لكل أرض ذات نخل أو غيره عقار ما لم يكن فيها بنيان.
(4) بالفتح جمع مقراة بالكسر وهي الجفنة العظيمة.
(5) بالكسر ضيافة.
(6) عبوس الوجه.
(7) جمع خطب وهو الأمر العظيم.
(8) جمع شررة.
(9) بفتح الواو جمع نوبة بمعنى نائبة وانتيابها أي تناوبها نوبة بعد نوبة وجعلها سوداء لأن البصر يظلم من شدتها.
(10) أي خلت اليد.
(11) أي تجرّدت من الخير أي ذهب ما كان فيها.
(12) الذي ينبع منه الماء وهو كناية عن الرزق.
(13) أي بعد المنزل ولم يمكن المقام به ولم يوافق.
(14) أي خلا من القوم.
(15) أي خشن وهو كناية عن عدم القرار.
(16) أي صاحوا بالبكاء.
(17) الذي يتمنى أن يكون له ما لمغبوطه وفي الحديث المؤمن يغبط ولا يحسد.
(18) هلك.
(19) الماشية.
(20) الذهب والفضة.
(21) أي رقّ.
(22) أي المهلك.
(23) أي المذل كأنه رمى صاحبه بالدقعاء وهي الأرض.
(24) أي انتعلنا.
(25) رقة القدم من كثرة المشي.
(26) هو عظم يعترض في الحلق يمنع الإساغة.
(27) أي جعلنا شدّة الوجد في بطننا.
(28) أي الجوع.
(29) السهر.(1/33)
واستوطنّا الوهاد (1)، واستوطأنا القتاد (2)، وتناسينا الأقتاد (3). واستطبنا الحين (4) المجتاح (5)، واستبطأنا اليوم المتاح (6). فهل من حرّ آس، أو سمح مؤاس؟ فوالّذي استخرجني من قيله (7)، لقد أمسيت أخا عيله (8)، لا أملك بيت ليله (9). قال الحارث بن همّام: فأويت لمفاقره (10)، ولويت (11) إلى استنباط فقره، فأبرزت دينارا، وقلت له اختبارا، إن مدحته نظما، فهو لك حتما. فانبرى (12)
ينشد في الحال، من غير انتحال (13):
أكرم (14) به أصفر راقت صفرته (15) ... جوّاب آفاق (16) ترامت سفرته (17)
مأثورة (18) سمعته (19) وشهرته ... قد أودعت سرّ الغنى أسرّته (20)
وقارنت نجح المساعي خطرته (21) ... وحبّبت إلى الأنام غرّته (22)
__________
(1) جمع وهدة وهي ما انخفض من الأرض معناه أنهم جعلوها وطنا من فقرهم حتى لا ترى نارهم الضيوف.
(2) أي وطئناه والقتاد شجر له شوك.
(3) جمع قتدة كفرحة وهي في الأصل الإبل تشتكي من أكل القتاد.
(4) أي رأينا الهلاك طيبا.
(5) معناه المستأصل.
(6) هو اليوم المقدر بالموت أي رأيناه بطيئا.
(7) هي بنت الأرقم الغسانية وهي أم الأوس والخزرج جميعا.
(8) أي صاحب فقر.
(9) أي قوت ليلة.
(10) أي رققت لها والمفاقر جمع مفقرة بمعنى الفقر.
(11) أي ملت وفقره بكسر الفاء وفتح القاف جمع فقرة بكسر الفاء وهي الحكم والكلمات المستحسنة والفقرة أجود بيت في القصيدة.
(12) أي فاعترض سريعا.
(13) هو نسبة شعر الغير إلى نفسه.
(14) كلمة تعجب أي ما أكرمه كقوله تعالى {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} أي ما أسمعهم وأبصرهم.
(15) أي أعجبت.
(16) أي كثير السفر في النواحي.
(17) أي بعدت سفرته.
(18) أي مروية من أثر الحديث إذا رواه.
(19) المراد بها ما يسمع به من ذكر أوصيت أو غيره.
(20) الأسرّة هي خطوط الجبهة وعنى بها النقوش التي في الدينار وهي جمع سرار وجمع الأسرة أسارير.
(21) أراد بنجح المساعي قضاء الحوائج وأنها مقارنة لخطرته وحركته.
(22) وجهه.(1/34)
كأنّما من القلوب نقرته (1) ... به يصول (2) من حوته صرّته (3)
وإن تفانت (4) أو توانت (5) عترته (6) ... يا حبّذا نضاره (7) ونضرته (8)
وحبّذا مغناته (9) ونصرته ... كم آمر (10) به استتبّت (11) إمرته (12)
ومترف (13) لولاه دامت حسرته ... وجيش همّ هزمته كرّته (14)
وبدر تمّ أنزلته بدرته (15) ... ومستشيط (16) تتلظّى (17) جمرته
أسرّ نجواه (18) فلانت شرّته (19) ... وكم أسير أسلمته (20) أسرته (21)
أنقذه (22) حتّى صفت مسرّته ... وحقّ مولى أبدعته (23) فطرته (24)
لولا التّقى لقلت جلّت قدرته
__________
(1) النقرة ما سبك من الذهب أو الفضة أراد أن الدينار لفرط محبة الناس إياه كأنه مسبوك من قلوبهم.
(2) أي يحمل ويقهر.
(3) كناية عن تملكه.
(4) هلكت.
(5) قصرت وتأخرت.
(6) أقاربه وعشيرته والضمير يعود على من.
(7) النضار بالضم الذهب والخالص من كل شيء.
(8) بالفتح بهجته وحسنه.
(9) أي غناه وكفايته يقال غنيت عن الشيء بكذا غنى ومغناة وغنية.
(10) الأمر خلاف الناهي.
(11) أي تمت واستقامت.
(12) بالكسر أي إمارته.
(13) أي منعم من الترف وهو النعمة والرفاهية.
(14) الكرّة والكرّ الحملة على الفارس في الحرب والمعنى أن الهم إذا عظم حتى صار كالجيش يهزمه الدينار ببذله فيما يدفع به الهم.
(15) البدرة عشرة الآف دينار ومعنى الكلام أن الكثير من الدنانير ينال به كل مستصعب.
(16) أي محترق من كثرة الغضب.
(17) أي تتوقد وتتلهب.
(18) أي أخفى مناجاته.
(19) أي نشاطه وحدته.
(20) أي خلّت بينه وبين عدوه وخذلته.
(21) بضم الهمزة رهطه الأدنون وقرابته.
(22) خلصه ونجاه.
(23) أي اخترعته.
(24) من فطرت الشيء إذا ابتدعته من غير أن يسبق له نظير.(1/35)
ثم بسط يده، بعد ما أنشده. وقال: أنجز حرّ ما وعد (1)، وسحّ خال (2) إذ رعد. فنبذت (3) الدّينار إليه، وقلت: خذه غير مأسوف (4) عليه. فوضعه في فيه، وقال: بارك اللهمّ فيه. ثمّ شمّر (5) للانثناء (6)، بعد توفية الثّناء (7). فنشأت (8)
لي من فكاهته (9) نشوة غرام (10)، سهّلت عليّ ائتناف (11) اغترام (12).
فجرّدت (13) دينارا آخر وقلت له: هل لك في أن تذمّه، ثمّ تضمّه؟ فأنشد مرتجلا (14) وشدا (15) عجلا (16):
تبّا (17) له من خادع (18) مماذق (19) ... أصفر ذي وجهين (20) كالمنافق
يبدو (21) بوصفين لعين الرّامق (22) ... زينة معشوق (23) ولون عاشق (24)
وحبّه عند ذوي الحقائق (25) ... يدعو إلى ارتكاب (26) سخط الخالق (27)
لولاه لم تقطع يمين سارق ... ولا بدت مظلمة من فاسق (28)
__________
(1) هذا مثل يضرب في الوفاء بالوعد وقد يضرب في الاستنجاز أيضا أي طلب الإنجاز.
(2) أي قطر سحاب والخال يطلق على معان عديدة منها الموضع الذي لا أنيس به وأخو الأم واللواء والخيلاء والشامة والظن والجبان وضرب من الثياب والسحاب الذي تخال أن فيه مطرا وهذا هو المراد هنا.
(3) أي طرحت.
(4) محزون.
(5) جمع ذيله وشمر عن ساقه وشمر في أمره أي تهيأ.
(6) أي للانعطاف والانصراف.
(7) أي تكميل المدح والشكر.
(8) بدت وظهرت.
(9) هي المزاح وطيب الكلام.
(10) أي سكرة عشق دائم.
(11) أي استئناف واستقبال.
(12) غرم الرجل واغترم إذا لزمه المغرم والغرامة.
(13) أي أخرجت.
(14) أي من غير تفكر.
(15) أي ترنم وغنى بما أنشد.
(16) مسرعا.
(17) خسرا وهلاكا.
(18) أي يخدع صاحبه.
(19) هو من لا يصافي الودّ من المذق وهو الخلط.
(20) كناية عن نقشه من الجانبين.
(21) أي يظهر.
(22) هو الناظر إلى الشيء.
(23) أي ملاحته وهو نقشه.
(24) أي صفرته.
(25) هم أهل العرفان.
(26) ركوب.
(27) أي غضبه.
(28) المظلمة الظلم واسم للحق الذي يثبت للمظلوم على الظالم كالظلامة يقال عند فلان مظلمتي وظلامتي.(1/36)
ولا اشمأزّ (1) باخل (2) من طارق (3) ... ولا شكا الممطول (4) مطل العائق (5)
ولا استعيذ من حسود راشق (6) ... وشرّ ما فيه من الخلائق (7)
أن ليس يغني عنك في المضايق ... إلّا إذا فرّ فرار الآبق
واها (8) لمن يقذفه (9) من حالق (10) ... ومن إذا ناجاه نجوى الوامق (11)
قال له قول المحقّ الصّادق ... لا رأي في وصلك لي ففارق
فقلت له ما أغزر وبلك (12). فقال والشّرط أملك (13). فنفحته (14) بالدّينار الثّاني، وقلت له: عوّذهما بالمثاني (15) فألقاه في فمه، وقرنه بتوأمه (16). وانكفأ (17)
يحمد مغداه (18) ويمدح النّادي ونداه. قال الحارث بن همّام: فناجاني (19) قلبي بأنّه أبو زيد، وأنّ تعارجه لكيد. فاستعدته (20) وقلت له: قد عرفت بوشيك (21)، فاستقم في مشيك. فقال: إن كنت ابن همّام، فحيّيت (22)، بإكرام، وحييت (23)
__________
(1) انقبض ونفر.
(2) أي بخيل.
(3) هو الذي يأتي ليلا ضيفا كان أو غيره.
(4) هو صاحب الدين.
(5) المطل تأخير الدين والعائق مانع أداء الدّين.
(6) أي رام بعينيه وأصل الراشق الرامي بالنبل.
(7) جمع خليقة وهي العادة والطبيعة.
(8) كلمة إعجاب ومعناها ما أطيبه.
(9) أي يطرحه.
(10) أي من جبل مرتفع.
(11) من ناجاه معطوف على من يقذفه والمناجاة المسارّة والوامق المحب من ومقه يمقه مقة والمعنى عجبا لمن يلقيه ويخرجه من يده بحيث لا يرجع إليه فإنه يقضي حاجته وينال مراده والأول يحب فراقه والثاني يحب إشراقه.
(12) الوبل في الأصل المطر الكبير وغزارته كثرته فاستعاره لزيادة معرفته وبلاغته.
(13) هذا مثل يضرب في حفظ الشرط.
(14) أي رميته به.
(15) المثاني فاتحة الكتاب لأنها تثنى في الصلوات.
(16) أي قرنه بالدينار الأول.
(17) أي انقلب وانعطف.
(18) غدوّه.
(19) أي حدثني.
(20) أي طلبت عودته ورجوعه.
(21) أي بما أبديت من مستحسن كلامك الشبيه بالوشي وهو النقش.
(22) قيل لك حيّاك الله.
(23) أي دامت حياتك.(1/37)
بين كرام. فقلت أنا الحارث. فكيف حالك والحوادث (1)؟ فقال: أتقلّب في الحالين بؤس (2) ورخاء (3)، وأنقلب مع الرّيحين زعزع ورخاء (4). فقلت: كيف ادّعيت القزل (5)، وما مثلك من هزل (6)؟ فاستسرّ (7) بشره (8) الّذي كان تجلّى (9)، ثمّ أنشد حين ولّى (10):
تعارجت لا رغبة في العرج ... ولكن لأقرع باب الفرج (11)
وألقي حبلي على غاربي (12) ... وأسلك مسلك من قد مرج (13)
فإن لامني القوم قلت اعذروا ... فليس على أعرج من حرج (14)
__________
(1) أي مع الحوادث وهي ما يحدث من الأمور.
(2) أي شدة وفقر.
(3) بالفتح سعة العيش وسهولته.
(4) هذا مثل ومعناه أداري أمري مع الصعوبة والسهولة والريح الزعزع هي التي تزعزع الأشجار أي تحركها والرّخاء بالضمّ اللينة.
(5) سوء العرج.
(6) جاء بالهزل وهو ضد الجد.
(7) اختفى.
(8) أي طلاقة وجهه.
(9) أي ظهر منه.
(10) أي حين رجع.
(11) هذا مثل ومعناه لكن تعارجت طلبا للفرج لأن من قرع بابا فهو يطلب الدخول فيه.
(12) ألقى حبله على غاربه مثل يضرب في تخلية الشيء يذهب في هواه كيف شاء وأصله في البعير إذا أرادوا إرساله للرعي.
(13) أي خلط ولم يستقم على حالة واحدة.
(14) أي ليس عليه ضيق.(1/38)
المقامة الرابعة الدّمياطيّة
أخبر الحارث بن همّام، قال: ظعنت (1) إلى دمياط (2)، عام هياط ومياط (3). وأنا يومئذ مرموق الرّخاء (4)، موموق الإخاء (5). أسحب مطارف (6)
الثّراء (7)، وأجتلي (8) معارف (9) السّرّاء (10). فرافقت صحبا (11) قد شقّوا عصا الشّقاق (12)، وارتضعوا أفاويق (13) الوفاق، حتّى لاحوا (14) كأسنان المشط (15) في
__________
(1) أي رحلت.
(2) من كور مصر على ساحل البحر.
(3) أي إقبال وإدبار وقيل الهياط اجتماع الناس والمياط التفرق وقيل غير ذلك والمعاني متقاربة.
(4) أي منظور النعمة ولين العيش.
(5) أي محبوب الصداقة فإن موموق من المقة وهي المحبة يقال ومقته أي أحببته والإخاء بالكسر والمد المؤاخاة والصداقة.
(6) جمع مطرف بضم الميم وفتح الراء ثوب من خزّ مربع له أعلام.
(7) بالفتح كثرة المال يريد أنه متزايد في الغنى.
(8) أي أنظر من الجلوة.
(9) جمع معرف كمقعد وهو الوجه أي أنظر وجوه.
(10) هي النعمة والرخاء.
(11) جمع صاحب.
(12) أي جانبوا الخلاف من قولهم شقّ فلان عصا المسلمين إذا فرّق جمعهم والعصا الجماعة والشقاق الخلاف.
(13) جمع أفواق جمع فيق جمع فيقة وهي اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين كنى بذلك عن الوفاق الذي بمعنى الموافقة.
(14) أي ظهروا.
(15) هذا كناية عن التساوي والالتئام وكذا ما بعده.(1/39)
الاستواء، وكالنّفس الواحدة في التئام الأهواء، وكنّا مع ذلك نسير النّجاء (1)، ولا نرحل (2) إلّا كلّ هوجاء (3). وإذا نزلنا منزلا (4)، أو وردنا منهلا (5)، اختلسنا (6)
اللّبث (7)، ولم نطل المكث (8). فعنّ (9) لنا إعمال الرّكاب (10)، في ليلة فتيّة الشّباب (11)، غدافيّة الإهاب (12). فأسرينا (13) إلى أن نضا (14) اللّيل شبابه (15)، وسلت (16) الصّبح خضابه (17)، فحين مللنا (18) السّرى (19)، وملنا إلى الكرى (20)، صادفنا أرضا مخضلّة (21) الرّبا (22)، معتلّة الصّبا (23). فتخيّرناها مناخا (24)
للعيس (25)، ومحطّا للتّعريس (26). فلمّا حلّها الخليط (27)، وهدا (28) بها الأطيط (29) والغطيط (30)، سمعت صيّتا (31) من الرّجال، يقول لسميره (32) في الرّحال (33): كيف حكم سيرتك، مع جيلك (34) وجيرتك (35)؟ فقال: أرعى
__________
(1) السرعة.
(2) أي نشدّ من رحل ناقته إذا شدّ عليها الرحل.
(3) ناقة مسرعة.
(4) محل النزول.
(5) موضع شرب الماء.
(6) أي استلبنا واختطفنا.
(7) بالضم أي المقام.
(8) أي الإقامة.
(9) عرض.
(10) أي حمل الإبل على الإسراع.
(11) أراد بها طويلة سوداء لا قمر فيها.
(12) أي مظلمة نسبة إلى الغداف وهو غراب القيظ وأصل الإهاب الجلد ما لم يدبغ.
(13) أي سرنا ليلا.
(14) أي كشف.
(15) أي سواده.
(16) أي أزال.
(17) أي سواده كنى به عن الليل يريد انكشف ظلام الليل وانبلج ضياء النهار.
(18) أي سئمنا.
(19) سير الليل.
(20) النوم.
(21) أي مبتلة.
(22) بالضم جمع الربوة وهي ما ارتفع من الأرض.
(23) الصبا هي الريح الشرقية ومعتلة أي لينة متمايلة كأنها تمشي مثل العليل من لطافتها.
(24) بالضم أي مبركا.
(25) أي الإبل البيض.
(26) هو النزول في آخر الليل للنوم.
(27) المجاور والشريك ويقع على الواحد والجمع كالصديق والجماعة يتعاشرون.
(28) سكن.
(29) صوت الإبل من ثقلها.
(30) نخير النائم.
(31) هو من له صوت قوي.
(32) هو من يحادثك ليلا.
(33) جمع الرحل وهو محط رحل المسافر.
(34) الجيل أمة من الناس وصنف منهم.
(35) أي جيرانك وإخوانك.(1/40)
الجار (1)، ولو جار (2). وأبذل الوصال، لمن صال (3). وأحتمل الخليط، ولو أبدى التّخليط (4). وأودّ الحميم، ولو جرّعني الحميم (5). وأفضّل الشّفيق (6)، على الشّقيق. وأفي للعشير (7)، وإن لم يكافىء بالعشير (8). وأستقلّ الجزيل (9)، للنّزيل (10). وأغمر الزّميل، بالجميل (11). وأنزّل سميري (12)، منزلة أميري.
وأحلّ أنيسي، محلّ رئيسي. وأودع معارفي (13)، عوارفي (14). وأولي مرافقي (15)، مرافقي (16). وألين مقالي، للقالي (17). وأديم تسآلي (18)، عن السّالي (19).
وأرضى من الوفاء، باللّفاء (20). وأقنع من الجزاء، بأقلّ الأجزاء. ولا أتظلّم (21)، حين أظلم. ولا أنقم (22)، ولو لدغني الأرقم (23). فقال له صاحبه: ويك (24) يا بنيّ إنّما يضنّ بالضّنين (25)، وينافس في الثّمين (26). لكن أنا لا آتي، غير المؤاتي (27).
__________
(1) أي احفظه.
(2) أي ظلم ومال.
(3) أي أظهر صولته وشرّته.
(4) التلبيس والإفساد.
(5) أودّ الحميم أي أحسن إليه والحميم الأول هو القريب الذي تهتم لأمره والحميم الثاني الماء الحارّ وجرّعني أي سقاني بعنف.
(6) أي الصديق المشفق.
(7) أي المعاشر.
(8) أي بالعشر كالثمين بمعنى الثمن.
(9) أي الكثير من العطاء.
(10) أي الضيف.
(11) أي أكثر إحساني إليه والزميل هو الرديف وهو المزامل والمرافق في الرحل على الجمل.
(12) مسامري أي محادثي.
(13) أي أصحابي ومن يعرفني.
(14) جمع عارفة وهي العطية.
(15) بضم الميم أي أعطي رفقائي.
(16) بالفتح أي منافعي.
(17) أي للمبغض.
(18) أي سؤالي.
(19) أي التارك من سلا يسلو أي هجر يهجر.
(20) أي بالشيء القليل عن الكثير.
(21) أشكو الظلم.
(22) أي أكره يقال نقمته أي كرهته ونقمت عليه عبت ونقمت منه انتقمت.
(23) اللدغ بالدال المهملة والغين المعجمة يكون بالفم واللذع بالذال المعجمة والعين المهملة واللسع يكونان بالحمة والأرقم الثعبان المنقط.
(24) كلمة تعجب مثل ويحك.
(25) ضنّ به بخل فهو ضنين وهو مثل قديم معناه إنما يجب أن تتمسك بإخاء من يتمسك بإخائك.
(26) أي ينازع في الكثير الثمن.
(27) الموافق والمساعد.(1/41)
ولا أسم (1) العاتي (2)، بمراعاتي. ولا أصافي، من يأبى إنصافي. ولا أواخي (3)، من يلغي الأواخي (4). ولا أمالي (5)، من يخيّب آمالي. ولا أبالي بمن صرم حبالي (6). ولا أداري، من جهل مقداري. ولا أعطي زمامي (7)، من يخفر ذمامي (8). ولا أبذل ودادي، لأضدادي. ولا أدع إيعادي (9)، للمعادي. ولا أغرس الأيادي، في أرض الأعادي (10). ولا أسمح بمواساتي، لمن يفرح بمساءاتي. ولا أرى التفاتي (11)، إلى من يشمت (12) بوفاتي. ولا أخصّ بحبائي (13)، إلّا أحبّائي. ولا أستطبّ (14) لدائي، غير أودّائي (15). ولا أملّك خلّتي، من لا يسدّ خلّتي (16). ولا أصفّي نيّتي (17)، لمن يتمنّى منيّتي. ولا أخلص دعائي، لمن لا يفعم وعائي (18). ولا أفرغ ثنائي (19) على من يفرّغ إنائي (20).
ومن حكم (21) بأن أبذل وتخزن، وألين وتخشن، وأذوب وتجمد، وأذكو وتخمد، لا والله بل نتوازن (22) في المقال، وزن المثقال. ونتحاذى في الفعال، حذو
__________
(1) أي لا أعلم.
(2) أي العاصي المستكبر.
(3) أي أتخذ أخا.
(4) أي يهمل العهود والأواخي جمع أخيّة وهي الذمة والحرمة تقول لفلان أواخيّ وأسباب ترعى.
(5) مخفف من أمالىء من الممالاة وهي المعونة والمساعدة.
(6) أي نقض عهودي.
(7) الزمام الرسن وهو ما تجرّ به الدابة يريد لا أسلم نفسي.
(8) من ينقض عهدي من الإخفار.
(9) من الوعيد والتهديد.
(10) الأيادي جمع أيد جمع يد بمعنى العطية وغرسها كناية عن بذلها وهو مثل ومعناه لا أصنع الجميل عند أعدائي فيضيع.
(11) أي إقبالي.
(12) أي يفرح والمصدر الشماتة.
(13) أي بعطائي.
(14) يقال فلان يستطب لوجعه أي يستوصف الأدوية.
(15) جمع الوديد وهو الخليل.
(16) الأولى بالضم أي صداقتي والثانية بالفتح أي حاجتي وفاقتي والمعنى لا أصادق من لا يصلح حالتي وقت حاجتي.
(17) أي لا أخلصها.
(18) إفعام الوعاء كناية عن موالاة البر والمعروف.
(19) أي لا أصبه يريد لا أتلفظ بالثناء وهو بالمدح.
(20) المراد به من يكون سببا في الخسارة والمعنى لا أمدح ولا أشكر من يخسرني ولا ينفعني.
(21) أي قضى وهو استفهام إنكاري أي لا يكون هذا ولا يسوغ لي.
(22) أي نتماثل بغير زيادة ولا نقصان أو هو مثل وكذلك نتحاذى أي نتساوى.(1/42)
النّعال (1)، حتّى نأمن التّغابن (2)، ونكفى التّضاغن (3). وإلّا فلم أعلّك (4) وتعلّني (5)، وأقلّك (6) وتستقلّني، وأجترح لك (7) وتجرحني (8)، وأسرح (9) إليك وتسرّحني (10). وكيف يجتلب (11) إنصاف بضيم (12)، وأنّى تشرق شمس مع غيم (13). ومتى أصحب (14) ودّ بعسف (15)، وأيّ حرّ رضي بخطّة خسف (16).
ولله أبوك (17) حيث يقول:
جزيت من أعلق بي ودّه (18) ... جزاء من يبني على أسّه (19)
وكلت (20) للخلّ كما كال لي ... على وفاء الكيل أو بخسه (21)
ولم أخسّره (22) وشرّ الورى ... من يومه أخسر من أمسه
وكلّ من يطلب عندي جنى (23) ... فما له إلّا جنى غرسه (24)
لا أبتغي الغبن (25) ولا أنثني (26) ... بصفقة المغبون (27) في حسّه (28)
ولست بالموجب حقّا لمن ... لا يوجب الحقّ على نفسه
__________
(1) لأن النعل تقد على مقدار صاحبتها.
(2) هو أن يغبن بعضنا بعضا وأصل الغبن النقص.
(3) من الضغن وهو الحقد.
(4) بضم العين واللام المشددة من علّه إذا سقاه السقية الثانية.
(5) من أعلّه إذا أمرضه وصيره ذا علة.
(6) من أقلّه إذا رفعه وأعلاه.
(7) أكتسب وأصيد لك.
(8) أي تظلمني.
(9) أي أقترب.
(10) أي تطلقني وتصرفني.
(11) يطلب ويتحصل.
(12) الضيم الظلم ولا يجتمع معه الإنصاف والعدل.
(13) أي مع الغيم لا يتأتى رؤية نور الشمس يقال أشرقت الشمس إذا أضاءت وشرقت أي طلعت.
(14) انقاد.
(15) أي بعنف وجور.
(16) الخطة بالضم ما يخطه المرء لنفسه والخسف الذل والنقص.
(17) أي لله دره وهو دعاء يستعمل للتعجب أي ما أحسنه.
(18) أي ألصقه بي.
(19) أي أساسه وأصله.
(20) أي للصاحب.
(21) أي نقصه.
(22) أي لم أنقصه.
(23) أي ثمرا.
(24) يريد أنه يكافئه على فعله من جنسه.
(25) النقص.
(26) أي لا أنصرف.
(27) أصل الصفقة وضع اليد على اليد في البيع والمغبون البائع بدون القيمة.
(28) أي في علمه وحركته.(1/43)
وربّ مذّاق (1) الهوى خالني (2) ... أصدقه الودّ على لبسه (3)
وما درى من جهله أنّني ... أقضي غريمي الدّين من جنسه
فاهجر (4) من استغباك (5) هجر القلى ... وهبه (6) كالملحود (7) في رمسه (8)
والبس لمن في وصله لبسة (9) ... لباس من يرغب عن أنسه
ولا ترجّ الودّ ممّن يرى ... أنّك محتاج إلى فلسه
قال الحارث بن همّام: فلمّا (10) وعيت ما دار بينهما، تقت (11) إلى أن أعرف عينهما (12). فلمّا لاح ابن ذكاء (13)، وألحف الجوّ الضّياء (14)، غدوت قبل استقلال الرّكاب (15)، ولا اغتداء الغراب (16)، وجعلت أستقري (17) صوب (18)
الصّوت اللّيلي (19) وأتوسّم (20) الوجوه بالنّظر الجليّ (21). إلى أن لمحت (22) أبا زيد وابنه يتحادثان، وعليهما بردان (23) رثّان (24). فعلمت أنّهما نجيّا ليلتي (25)، ومعتزى
__________
(1) بتشديد الذال المعجمة وهو الخلّاط غير المخلص في المودة.
(2) أي ظنني وحسبني.
(3) أي خلطه في أمره وستره.
(4) أي هجر البغض الشديد.
(5) أي من استجهلك وعدّك غبيا.
(6) أي عدّه واحسبه.
(7) أي المقبور المدفون.
(8) الرمس تراب القبر ثم كثر حتى سمي القبر رمسا.
(9) بالضم الشبهة وعدم الوضوح.
(10) عرفت وحفظت.
(11) أي اشتقت واشتهيت.
(12) أي شخصهما.
(13) هو الصبح يقال للشمس ذكاء بضم الذال المعجمة والمد والصبح من ضوئها.
(14) أي ألبسه وغطاه الضياء والجو هو ما بين السماء والأرض.
(15) أي قبل ارتحالها والركاب الإبل الخفاف واستقلّ القوم ارتحلوا.
(16) نصب على المصدر وهو معطوف على المحذوف وتقديره غدوت اغتداء لا اغتداء كذا وكذا ولا اغتداء الغراب وهو قد ضرب المثل باغتدائه بل أسرع منه.
(17) أي أتتبع.
(18) أي جهة.
(19) أي الذي أسمعه ليلا.
(20) أي أتأمل وأتعرّف.
(21) أي الواضح.
(22) أي أبصرت.
(23) تثنية برد بالضم وهو الثوب.
(24) أي خلقان.
(25) النجيّ الذي يسارّ يريد أنهما المتحادثان.(1/44)
روايتي (1). فقصدتهما قصد كلف (2) بدماثتهما (3)، راث لرثاثتهما (4)، وأبحتهما التّحوّل إلى رحلي، والتّحكّم في كثري وقلّي (5). وطفقت (6) أسيّر (7)
بين السّيّارة (8) فضلهما، وأهزّ (9) الأعواد (10) المثمرة لهما. إلى أن غمرا (11)
بالنّحلان (12)، واتّخذا من الخلّان. وكنّا بمعرّس (13) نتبيّن منه (14) بنيان القرى، ونتنوّر نيران القرى (15). فلمّا رأى أبو زيد امتلاء كيسه، وانجلاء بوسه (16)، قال لي: إنّ بدني قد اتّسخ، ودرني (17) قد رسخ (18)، أفتأذن لي في قصد قرية لأستحمّ (19)، وأقضي هذا المهمّ؟ فقلت: إذا شئت فالسّرعة السّرعة، والرّجعة الرّجعة (20).
فقال: ستجد مطلعي (21) عليك، أسرع من ارتداد طرفك إليك. ثمّ استنّ (22) استنان الجواد (23) في المضمار (24)، وقال لابنه بدار بدار (25). ولم نخل (26) أنّه غرّ (27)
وطلب المفرّ (28). فلبثنا نرقبه (29)، رقبة الأعياد (30)، ونستطلعه (31) بالطّلائع (32)
__________
(1) أي منتسب روايتي وصاحباها وفي بعض النسخ وصاحبا.
(2) أي مولع.
(3) بسهولة أخلاقهما يقال رجل دمث الأخلاق ودميثها وفي خلقه دمث ودماثة أي سهولة ودمثه لينه ومنه المثل دمّث لجنبك قبل النوم مضطجعا أي استعد للنوائب قبل حلولها.
(4) أي راحم لسوء حالهما.
(5) بالضم فيهما الكثر كثرة المال والقل قلته.
(6) أي أخذت وشرعت.
(7) بتشديد الياء أي أنشر.
(8) القافلة.
(9) أي أحرّك.
(10) جمع عود وهو الغصن يريد أنه يحث أهل الثروة على أن يعطوهما.
(11) أي سترا.
(12) أي العطايا.
(13) أي بموضع نزول.
(14) أي نستبين منه.
(15) نتنوّر أي نبصر من بعيد والقرى الأول بالضم جمع قرية والثاني بالكسر الضيافة.
(16) فقره.
(17) هو الوسخ أيضا.
(18) ثبت.
(19) بكسر الحاء أي اغتسل بالماء الحميم أي الحار.
(20) يريد حثه على سرعة الذهاب وتأكيد الإياب.
(21) أي طلوعي وقدومي.
(22) أي جرى.
(23) أي كجري الفرس.
(24) موضع السباق.
(25) أي أسرع أسرع وهو بفتح الباء وكسر الراء معدول عن بادر بادر.
(26) أي لم نظن.
(27) أي خدع.
(28) أي الهرب.
(29) أي ننتظره.
(30) أي كما ترقب أهلة الأعياد.
(31) أي نطلب مطلعه ومجيئه.
(32) جمع طليعة وهي العين من عيون القوم.(1/45)
والرّوّاد (1)، إلى أن هرم النّهار (2)، وكاد جرف اليوم (3) ينهار (4). فلمّا طال أمد الانتظار، ولاحت الشّمس في الأطمار (5)، قلت لأصحابي قد تناهينا (6)
في المهلة، وتمادينا (7) في الرّحلة، إلى أن أضعنا (8) الزّمان، وبان (9) أنّ الرّجل قد مان (10). فتأهّبوا (11) للظّعن (12)، ولا تلووا (13) على خضراء الدّمن (14). ونهضت لأحدج (15) راحلتي (16)، وأتحمّل لرحلتي، فوجدت أبا زيد قد كتب، على القتب (17):
يا من غدا لي ساعدا (18) ... ومساعدا دون البشر
لا تحسبن أنّي نأي ... تك (19) عن ملال أو أشر (20)
لكنّني مذ لم أزل ... ممّن إذا طعم انتشر (21)
قال: فأقرأت الجماعة القتب، ليعذره من كان عتب (22). فأعجبوا بخرافته (23)، وتعوّذوا من آفته. ثمّ إنّا ظعنّا (24)، ولم ندر من اعتاض (25) عنّا.
__________
(1) جمع رائد وهو الذي يطلب الكلأ.
(2) أي شاخ وقرب العشيّ.
(3) أصل الجرف الوادي المشرف الذي تجرفه السيول.
(4) أي يسقط يريد أن النهار قارب أن يفرغ.
(5) المراد بها هنا الأماكن المرتفعة وتطلق على الأثواب الخلقة.
(6) أي انتهينا.
(7) أي تأخرنا.
(8) أي ضيعنا.
(9) أي ظهر.
(10) أي كذب.
(11) أي فاستعدوا.
(12) أي للرحيل.
(13) أي تعطفوا من الليّ وهو الفتل.
(14) مأخوذ من قول النبي عليه الصلاة والسلام إياكم وخضراء الدمن وهي المرأة الحسناء في المنبت السوء.
(15) أي لأشدّ.
(16) أي بعيري.
(17) بالتحريك رحل صغير على قدر السنام.
(18) أي عضدا.
(19) أي بعدت عنك.
(20) بالتحريك المرح والبطر.
(21) أي خرج وذهب وهو مأخوذ من قوله تعالى فإذا طعمتم فانتشروا.
(22) أي لام وغضب.
(23) أي حديثه ومنه قوله عليه السلام خرافة حق وهو اسم رجل من عذرة اختطفه الجن وكانوا يحدثونه فخرج يخبر الناس بما يقولونه.
(24) أي ارتحلنا وسرنا.
(25) أي تعوّض.(1/46)
المقامة الخامسة الكوفيّة
حكى الحارث بن همّام، قال: سمرت (1) بالكوفة (2) في ليلة أديمها (3) ذو لونين (4)، وقمرها كتعويذ (5) من لجين (6)، مع رفقة غذوا (7) بلبان البيان (8)، وسحبوا (9) على سحبان (10) ذيل النّسيان. ما فيهم إلّا من يحفظ (11) عنه ولا يتحفّظ (12) منه. ويميل الرّفيق إليه (13) ولا يميل عنه (14). فاستهوانا (15) السّمر (16)، إلى أن غرب القمر، وغلب السّهر. فلمّا روّق اللّيل (17) البهيم (18)، ولم يبق إلّا
__________
(1) أي سهرت.
(2) بلد معروف ويسمى كوفان.
(3) أي جلدها.
(4) أي نصفه مظلم ونصفه مستنير.
(5) أي طوق.
(6) اللجين الفضة.
(7) أي تغذوا.
(8) اللّبان بالكسر لبن المرأة خاصة يقال هو أخوه بلبان أمه ولا يقال بلبن أمه والبيان الفصاحة يريد أن كلهم ذو فصاحة حتى كأن الفصاحة أمهم.
(9) أي جروا.
(10) هو رجل من وائل يضرب به المثل في الفصاحة أي إنهم لكثرة فصاحتهم لا يكاد يذكر لديهم سحبان وائل الذي هو أخطب الخطباء وهو الذي يقول:
لقد علم الحي اليمانون أنني ... إذا قلت أما بعد أني خطيبها.
(11) من الحفظ.
(12) أي يحترس.
(13) أي يرغب فيه.
(14) أي لا يعرض عنه.
(15) أي استمالنا واستولى علينا.
(16) أي السهر.
(17) أي مد رواق ظلمته.
(18) هو الذي لا ضوء فيه إلى الصباح.(1/47)
التّهويم (1)، سمعنا من الباب نبأة مستنبح (2)، ثمّ تلتها (3) صكّة (4) مستفتح فقلنا: من الملمّ، في اللّيل المدلهمّ (5)؟ فقال:
يا أهل ذا المغنى (6) وقيتم شرّا (7) ... ولا لقيتم ما بقيتم (8) ضرّا (9)
قد دفع اللّيل الّذي اكفهرّا (10) ... إلى ذراكم (11) شعثا (12) مغبرّا (13)
أخا سفار طال (14) واسبطرّا (15) ... حتّى انثنى (16) محقوقفا (17) مصفرّا (18)
مثل هلال الأفق حين افترّا (19) ... وقد عرا (20) فناءكم (21) معترّا (22)
وأمّكم (23) دون الأنام طرّا (24) ... يبغي قرى (25) منكم ومستقرّا
فدونكم (26) ضيفا قنوعا (27) حرّا ... يرضى بما احلولى (28) وما أمرّا (29)
وينثني عنكم ينثّ البرّا (30)
__________
(1) هو النوم الخفيف.
(2) النبأة الصوت الخفي وأراد بالمستنبح الضيف الطارق المتكلف نباح الكلاب من عدم اهتدائه.
(3) أي تبعتها.
(4) أي ضربة.
(5) الشديد الظلمة.
(6) المنزل قال تعالى كأن لم يغنوا فيها أي لم يقيموا.
(7) أي وقاكم الله شرّا.
(8) أي دواما.
(9) بالضم هو الهزال وسوء الحال.
(10) أي تراكم ظلامه وأوحش.
(11) بفتح الذال المعجمة أي منزلكم وكنفكم.
(12) بكسر العين هو الثائر الرأس.
(13) أي علاه غبار السفر.
(14) أي صاحب سفر طويل.
(15) أي امتد وانبسط.
(16) أي عاد.
(17) أي منحنيا ومعوجا من الهزال وتجشم الأهوال.
(18) أي متغير اللون.
(19) أي طلع وظهر.
(20) أي أتى وقصد.
(21) أي منزلكم.
(22) أي طالبا معروفكم والمعترّ الذي يتعرّض للسؤال ولا يسأل.
(23) أي قصدكم.
(24) أي جميعا.
(25) أي يطلب الضيافة منكم.
(26) أي خذوا.
(27) أي مكتفيا باليسير.
(28) بما كان حلوا.
(29) ما كان مرّا.
(30) أي ينشر الإحسان ويشيعه.(1/48)
قال الحارث بن همّام: فلمّا خلبنا (1) بعذوبة نطقه (2)، وعلمنا ما وراء برقه (3)، ابتدرنا (4) فتح الباب، وتلقّيناه بالتّرحاب (5). وقلنا للغلام هيّا هيّا (6)، وهلمّ (7) ما تهيّا (8). فقال الضّيف: والّذي أحلّني (9) ذراكم، لا تلمّظت (10)
بقراكم (11). أو تضمنوا (12) لي أن لا تتّخذوني كلّا (13)؟ ولا تجشّموا (14) لأجلي أكلا. فربّ أكلة هاضت الآكل (15)، وحرمته مآكل (16). وشرّ الأضياف من سام التّكلبف (17)، وآذى المضيف. خصوصا أذى يعتلق بالأجسام، ويفضي (18) إلى الأسقام. وما قيل في المثل الّذي سار سائره (19)، خير العشاء سوافره، إلّا ليعجّل التّعشّي، ويجتنب أكل اللّيل الّذي يعشي (20). اللهمّ إلّا أن تقد نار الجوع (21)، وتحول (22) دون الهجوع (23). قال: فكأنّه اطّلع على إرادتنا، فرمى عن قوس عقيدتنا (24). لا جرم (25) أنّا آنسناه (26) بالتزام الشّرط، وأثنينا على خلقه السّبط (27).
ولمّا أحضر الغلام ما راج (28)، وأذكى (29) بيننا السّراج، تأمّلته فإذا هو أبو زيد. فقلت
__________
(1) أي خدعنا.
(2) أي بحلاوته.
(3) أي علمنا من مجاوبته أنه صاحب براعة وعبارة تشبيها بالبرق الذي يعقبه السيل.
(4) أي أسرعنا.
(5) وهو قول مرحبا بك.
(6) اسم فعل معناه عجل عجل ويستعمل للحث على السرعة في الأمر.
(7) أي هات واحضر.
(8) أي ما حصل وحضر.
(9) أي أنزلني داركم.
(10) أي لا تناولت وأكلت.
(11) أي بضيافتكم.
(12) أي حتى تضمنوا لي.
(13) أي ثقيلا.
(14) أي ولا تتكلفوا لأجلي.
(15) أي أفسدت معدته من الهيضة وهي التخمة.
(16) جمع مأكل بمعنى مأكول.
(17) أي طلبه وألزمه أن يأكل معه.
(18) أي يوصل.
(19) أي انتشر خبره.
(20) يعني خير طعام العشاء ما يؤكل في بقية ضوء النهار وقبل هجوم الظلام مستعار من سوافر النساء جمع سافرة وهي التي كشفت عن وجهها والعشاء بالمد طعام العشيّ ومنه التعشي وبالقصر ضعف البصر ومنه قوله يعشي.
(21) كلمة اللهمّ يؤتى بها قبل إلا إذا كان المستثنى عزيزا نادرا يعني إلا أن يغلب عليه الجوع.
(22) أي تمنع.
(23) أي عن النوم.
(24) يريد أن كلامه وافق ما في نيتهم.
(25) أي لا بد ولا محالة.
(26) نقيض أوحشناه.
(27) بالفتح أي السهل الحسن.
(28) أي ما تيسر وحصل بسرعة.
(29) أي أوقد.(1/49)
لصحبي ليهنئكم الضّيف (1) الوارد، بل المغنم البارد (2). فإن يكن أفل (3) قمر الشّعرى (4)، فقد طلع قمر الشّعر (5). أو استسرّ (6) بدر النّثرة (7)، فقد تبلّج (8)
بدر النّثر (9). فسرت حميّا المسرّة (10) فيهم، وطارت السّنة (11) عن مآقيهم (12)، ورفضوا (13) الدّعة (14) الّتي كانوا نووها (15)، وثابوا (16) إلى نشر (17) الفكاهة (18)
بعد ما طووها (19). وأبو زيد مكبّ (20) على إعمال يديه (21)، حتّى إذا استرفع (22)
ما لديه. قلت له: أطرفنا (23) بغريبة (24) من غرائب أسمارك (25)، أو عجيبة من عجائب أسفارك؟ فقال: لقد بلوت (26) من العجائب ما لم يره الرّاؤون (27)، ولا رواه الرّاوون:
وإنّ من أعجبها ما عاينته اللّيلة قبيل انتيابكم (28)، ومصيري (29) إلى بابكم.
فاستخبرناه عن طرفة مرآه (30)، في مسرح مسراه (31). فقال: إنّ مرامي
__________
(1) أي ليكن هنيئا لكم هذا الضيف.
(2) أي بل هو الغنيمة الهنيئة.
(3) أي غرب وغاب.
(4) بكسر الشين وسكون العين كوكب معروف.
(5) يريد به أبا زيد.
(6) أي اختفى.
(7) هي إحدى منازل القمر.
(8) أي أضاء.
(9) يعني أبا زيد أيضا والنثر من الكلام ما لم يكن شعرا.
(10) أي قوّة الفرح.
(11) بكسر السين النوم الخفيف.
(12) جمع مؤقى على وزن معطى لغة في المأق وهو زاوية العين مما يلي الأنف ويقال مؤق أيضا والمعنى زال النوم عن عيونهم.
(13) تركوا.
(14) بالفتح الراحة.
(15) أي قصدوها.
(16) أي رجعوا.
(17) هو ضد الطي.
(18) بالضم طيب الحديث والمزاح.
(19) من الطيّ وهو اللف أي بعد ما كتموها وتركوها.
(20) أي مقبل من أكب على كذا إذا لزمه وحرص عليه.
(21) يعني أنه ملازم للأكل.
(22) أي طلب أن يرفع حين فني الطعام.
(23) أي أتحفنا.
(24) أي بنادرة لم تطرق السمع.
(25) جمع السمر وهو حديث الليل ومنه السمير.
(26) أي اختبرت.
(27) أي المبصرون.
(28) أي قبل قصدي إياكم وأصل الانتياب تكرر النوبة يقال نابه ينوبه إذا نزل به نوبة بعد نوبة ومن ذلك غلط الحريري لأنه لم يكن منه طروق لهؤلاء إلا هذه المرة.
(29) أي مجيئي.
(30) أي عما رآه مما يستطرف.
(31) أي موضع سيره ليلا.(1/50)
الغربة (1)، لفظتني (2) إلى هذه التّربة (3). وأنا ذو مجاعة (4) وبوسى (5)، وجراب كفؤاد أمّ موسى (6). فنهضت حين سجا الدّجى (7)، على ما بي من الوجى (8)، لأرتاد مضيفا (9)، أو أقتاد (10) رغيفا. فساقني حادي السّغب (11)، والقضاء المكنّى أبا العجب (12)، إلى أن وقفت على باب دار، فقلت على بدار، حيّيتم (13) يا أهل هذا المنزل ... وعشتم في خفض عيش (14) خضل (15)
ما عندكم لابن سبيل (16) مرمل (17) ... نضو سرى (18) خابط ليل (19) أليل (20)
جوي الحشى (21) على الطّوى مشتمل ... ما ذاق مذ يومان طعم مأكل
ولا له في أرضكم من موئل (22) ... وقد دجا (23) جنح (24) الظّلام المسبل (25)
وهو من الحيرة (26) في تململ (27) ... فهل بهذا الرّبع (28) عذب المنهل (29)
__________
(1) المرامي جمع مرماة وهي السهم كأنّ المرامي ترمي به ويحتمل أن يكون جمع مرمى كأن للغربة آلات ترمي بها الناس أو جمع مرمى وهو القصد.
(2) أي رمت بي وطرحتني.
(3) أي الأرض.
(4) أي صاحب جوع.
(5) أي شدّة وفقر.
(6) أي إن جرابي فارغ من الزاد يشير إلى قوله تعالى {وَأَصْبَحَ فُؤََادُ أُمِّ مُوسى ََ فََارِغاً}.
(7) أي سكن ظلام الليل.
(8) وجع الرجل من التعب.
(9) أي لأطلب أحدا يجعلني ضيفا.
(10) بالقاف بمعنى أقود وأجذب أو بالفاء بمعنى استفيد وأحصل.
(11) أي حادي الجوع.
(12) القضاء يكنى بأبي العجب لأنه يأتي بما ليس على المراد ومن ذلك ما قاله الشاعر:
تباركت أمواه البلاد كثيرة ... عذاب وخصت بالملاحة زمزم.
(13) أي أسلم عليكم أو حياكم الله.
(14) أي سعة وسهولة.
(15) بكسر الضاد أي طري طيب.
(16) أي مسافر.
(17) هو الذي نفد زاده.
(18) أي مهزول من سير الليل.
(19) هو الذي يمشي على غير هدى.
(20) كثير الظلمة يقال يوم أيوم وعام أعوم وليل أليل.
(21) أي وجع الجوف من الجوع.
(22) ملجأ.
(23) أظلم.
(24) الجنح بضم الجيم وكسرها الطائفة من الليل.
(25) أي مرخي الستر.
(26) بالفتح هي ما لا يجد الإنسان مخرجا من أمره.
(27) أي في اضطراب من أمر الحيرة.
(28) المنزل.
(29) أي حلو المورد.(1/51)
يقول لي ألق عصاك (1) وادخل ... وابشر (2) ببشر وقرى معجّل (3)
قال: فبرز (4) إليّ جوذر (5)، عليه شوذر (6) وقال:
وحرمة الشّيخ الّذي سنّ القرى (7) ... وأسّس المحجوج (8) في أمّ القرى (9)
ما عندنا لطارق (10) إذا عرا (11) ... سوى الحديث والمناخ (12) في الذّرى (13)
وكيف يقري (14) من نفى عنه الكرى (15) ... طوّى (16) برى أعظمه (17) لمّا انبرى (18)
فما ترى فيما ذكرت ما ترى
فقلت ما أصنع بمنزل (19) قفر (20)، ومنزل (21) حلف فقر (22) ولكن يا فتى ما اسمك؟ فقد فتنني فهمك! فقال: اسمي زيد، ومنشئي فيد (23)، ووردت هذه المدرة (24) أمس، مع أخوالي من بني عبس (25). فقلت له: زدني إيضاحا عشت، ونعشت (26). فقال: أخبرتني أمّي برّة، وهي كاسمها برّة (27) أنّها نكحت (28) عام
__________
(1) كناية عن حط رحله للإقامة.
(2) بفتح الشين المعجمة.
(3) أي ضيافة سريعة.
(4) أي خرج.
(5) بفتح الذال المعجمة وهو ولد بقر الوحش والجمع جآذر يشبه به الغلام الحسن.
(6) على وزن جوهر وهو قميص لا كمّ له كالصدار تلبسه حديثة السن من النساء قال الشاعر.
عجيزة لطعاء دردبيس ... أحسن منها منظرا إبليس
أتتك في شوذرها تميس.
(7) هو إبراهيم الخليل عليه السلام.
(8) هو الكعبة.
(9) هي مكة.
(10) هو من يأتي ليلا.
(11) عرض.
(12) بالضم الاقامة.
(13) بالفتح الدار وقيل فناء الدار ونواحيها.
(14) أي يضيف.
(15) أي طرد عنه النوم.
(16) أي جوع.
(17) أي هزلها.
(18) أي اعترض.
(19) بفتح الميم أي مكان.
(20) أي خال لا نبات به.
(21) بضم الميم أي مضيف.
(22) أي ملازم له.
(23) موضع بالبادية في نصف المسافة بين مكة وبغداد.
(24) بالتحريك أي القرية أو البلدة.
(25) قبيلة مشهورة.
(26) أي رفعت وأنهضت.
(27) بالفتح من اسماء النساء وبرّة الثاني من البر أي بارّة.
(28) تزوّجت.(1/52)
الغارة (1) بماوان (2)، رجلا من سراة (3) سروج (4) وغسّان (5). فلمّا آنس (6)
منها الإثقال (7)، وكان باقعة (8) على ما يقال، ظعن (9) عنها سرّا، وهلمّ جرّا (10). فما يعرف أحيّ هو فيتوقّع (11)، أم أودع اللّحد البلقع (12)؟ قال أبو زيد:
فعلمت بصحّة العلامات أنّه ولدي، وصدفني (13) عن التّعرّف إليه (14) صفر يدي (15).
ففصلت عنه (16) بكبد مرضوضة (17)، ودموع مفضوضة (18). فهل سمعتم يا أولي الألباب (19)، بأعجب من هذا العجاب (20)!؟ فقلنا: لا ومن عنده علم الكتاب.
فقال: أثبتوها (21) في عجائب الاتّفاق، وخلّدوها (22) بطون الأوراق، فما سيّر (23)
مثلها في الآفاق. فأحضرنا الدّواة وأساودها (24)، ورقشنا (25) الحكاية على ما سردها (26). ثمّ استبطنّاه (27) عن مرتآه (28)، في استضمام فتاه (29)، فقال: إذا ثقل ردني (30)، خفّ عليّ أن أكفل ابني. فقلنا: إن كان يكفيك نصاب (31) من المال، ألّفناه (32) لك في الحال. فقال: وكيف لا يقنعني نصاب، وهل يحتقر
__________
(1) وقعة قديمة للعرب.
(2) بلد في طريق مكة بأعلى نجد.
(3) بفتح السين المهملة أي خيارهم والواحد سري.
(4) قبيلة في اليمن.
(5) بفتح السين اسم مدينة.
(6) علم وأبصر قال تعالى آنست نارا.
(7) بكسر الهمزة قرب الولادة أثقلت المرأة ثقل حملها في بطنها ودنا وضعه.
(8) أي داهية والباقعة من لا يثبت في بقعة لدهائه.
(9) رحل وسار.
(10) من أمثال العرب أي على هينتكم.
(11) أي ينتظر.
(12) أي القبر الخالي.
(13) أي منعني وصرفني.
(14) أي عن أن أعرّفه أني أنا أبوه.
(15) أي خلوّها من المال.
(16) أي فارقته.
(17) أي مدقوقة ومنه الرضراض لصغار الحصى.
(18) أي مصبوبة متفرقة وأصل الفض كسر الخاتم.
(19) أي يا ذوي العقول.
(20) أبلغ من العجب.
(21) اكتبوها.
(22) كناية عن الحفظ والكتابة في الأوراق.
(23) أي فما كتب سيرة مثلها.
(24) أي آلاتها من أقلام وسكين ونحوهما.
(25) أي نقشنا وكتبنا.
(26) أي تابع ذكرها.
(27) أي طلبنا ما في باطنه واستخبرناه.
(28) من الرأي.
(29) أي في طلب ضم ولده إليه.
(30) الردن بالضم أصل الكم وثقله كناية عن كثرة المال.
(31) هو القدر الذي تجب فيه الزكاة وهو عشرون مثقالا من الذهب.
(32) أي جمعناه.(1/53)
قدره إلّا مصاب؟ (1) قال الرّاوي: فالتزم منه كلّ منّا قسطا (2)، وكتب له به قطّا (3). فشكر عند ذلك الصّنع (4)، واستنفد (5) في الثّناء الوسع. حتّى إنّنا استطلنا القول، واستقللنا الطّول (6). ثمّ إنه نشر (7) من وشي السّمر (8)، ما أزرى (9) بالحبر (10)، إلى أن أظلّ (11) التّنوير (12)، وجشر الصّبح (13) المنير.
فقضيناها (14) ليلة غابت شوائبها (15)، إلى أن شابت (16) ذوائبها (17)، وكمل سعودها، إلى أن انفطر عودها (18). ولمّا ذرّ (19) قرن الغزالة (20)، طمر (21) طمور الغزالة (22)، وقال: انهض (23) بنا لنقبض الصّلات (24)، ونستنضّ (25) الإحالات، فقد استطارت (26) صدوع كبدي (27)، من الحنين (28) إلى ولدي. فوصلت جناحه (29)، حتّى سنّيت (30) نجاحه (31). فحين أحرز العين (32) في صرّته، برقت
__________
(1) هو من في عقله إصابة أي طرف من الجنون.
(2) جزاء ونصيبا.
(3) بالكسر وهو صحيفة الجائزة.
(4) أي أثنى على من صنع معه ذلك المعروف.
(5) أي واستفرغ وسعه وهو الطاقة.
(6) المراد بالقول شكره الذي هو الثناء واستطلناه أي عددناه طويلا أي كثيرا والطول بالفتح العطاء والفضل واستقللناه أي عددناه قليلا.
(7) أي بسط.
(8) الوشي خلط لون بلون والسمر حديث الليل.
(9) أي ما احتقر وتهاون.
(10) جمع حبرة بالكسر وفتح الباء وهو برد يماني.
(11) دنا وقرب.
(12) أي الإسفار وهو نور الصباح.
(13) أي انفلق وطلع.
(14) أي أتممناها وأفنيناها وقوله ليلة بيان للضمير.
(15) أي حوادثها وأكدارها.
(16) أي ابيضت.
(17) أي أطرافها وهذا كناية عن وضوح الصبح وظهور تباشيره.
(18) أي انشق عمود الصبح.
(19) أي طلع.
(20) أي الشمس وهو حاجبها وأول ما يبدو منها قال الغوري الغزالة الشمس عند طلوعها يقال طلعت الغزالة ولا يقال غابت.
(21) أي وثب ومنه يقال للبرغوث طامر.
(22) الأنثى من ولد الظباء.
(23) أي قم.
(24) بالكسر جمع صلة وهي العطية والهبة.
(25) أي نستخرج ونستنجز.
(26) انتشرت وامتدت.
(27) أي شقوقها.
(28) الأنين من الشوق.
(29) أي ساعدته وعاونته.
(30) أي سهلت.
(31) أي حاجته.
(32) أي قبض الذهب.(1/54)
أسارير (1) مسرّته (2)، وقال لي: جزيت خيرا عن خطى (3) قدميك، والله خليفتي عليك. فقلت: أريد أن أتّبعك لا شاهد ولدك النّجيب (4)، وأنافثه لكي يجيب (5).
فنظر إليّ نظرة الخادع إلى المخدوع، وضحك حتّى تغرغرت مقلتاه (6) بالدّموع، وأنشد:
يا من تظنّى (7) السّراب (8) ماء ... لمّا رويت الذي رويت
ما خلت (9) أن يستسرّ (10) مكري ... وأن يخيل (11) الذي عنيت (12)
والله ما برّة بعرسي (13) ... ولا لي ابن به اكتنيت
وإنّما لي فنون (14) سحر ... أبدعت فيها (15) وما اقتديت (16)
لم يحكها الأصمعيّ (17) فيما ... حكى ولا حاكها (18) الكميت (19)
تخذتها وصلة (20) إلى ما ... تجنيه كفّي متى اشتهيت
ولو تعافيتها لحالت ... حالي ولم أحو ما حويت (21)
__________
(1) جمع أسرار جمع سرر كعنب وأعناب وهو خط الجبهة أي أضاءت خطوط جبهته.
(2) أي فرحته.
(3) بالضم والقصر جمع خطوة.
(4) أي الكريم.
(5) أي أحادثه وأكالمه وأصل النفث إلقاء الريق وغيره من الفم.
(6) الغرغرة تردّد النفس في الحلق واستعاره لتردد الدمع في عينه والمقلة شحمة العين التي تجمع السواد والبياض.
(7) بمعنى ظن وحسب.
(8) هو ما يظهر للرائي في الأرض المنبسطة وسط النهار من الصيف كأنه ماء وليس بشيء.
(9) أي ما ظننت وما حسبت.
(10) أي يخفى.
(11) من أخال الأمر إذا اشتبه وأشكل.
(12) أي قصدت وأردت.
(13) أي بزوجتي.
(14) أي أنواع.
(15) أي قلتها من عندي.
(16) أي لم أتبع فيها أحدا.
(17) هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب.
(18) أي نسجها.
(19) هو ابن زيد بن خنيس كان شاعرا مجيدا وكان شيعيا والطرماح خارجيا وكان بينهما مصافاة فقيل لهما في ذلك فقالا اتفقنا على بغض أهل الزمن.
(20) أي أخذتها وسيلة.
(21) يعني لو تركت احتيالي لتغيرت حالي ولقلّ مالي.(1/55)
فمهّد العذر (1) أو فسامح ... إن كنت أجرمت (2) أو جنيت (3)
ثمّ إنّه ودّعني ومضى، وأودع قلبي جمر الغضا (4).
__________
(1) تمهيد العذر بسطه وقبوله.
(2) أي أذنبت لنفسي.
(3) أو أذنبت لغيري.
(4) جمع غضاة شجرة في عودها صلابة تبقى فيه النار طويلا.(1/56)
المقامة السادسة المراغيّة
روى الحارث بن همّام، قال: حضرت ديوان النّظر (1) بالمراغة (2)، وقد جرى به ذكر البلاغة، فأجمع من حضر من فرسان اليراعة (3)، وأرباب البراعة (4)، على أنّه لم يبق من ينقّح (5) الإنشاء، ويتصرّف فيه كيف شاء. ولا خلف، بعد السّلف (6)، من يبتدع طريقة غرّاء (7)، أو يفترع (8) رسالة عذراء (9). وأنّ المفلق (10) من كتّاب هذا الأوان، المتمكّن من أزمة (11) البيان، كالعيال (12) على الأوائل، ولو ملك فصاحة سحبان وائل (13). وكان بالمجلس كهل جالس في الحاشية، عند مواقف الحاشية (14)، فكان كلّما شطّ القوم (15) في شوطهم (16)،
__________
(1) أي ديوان المكاتبات والمراجعات.
(2) على وزن سحابة موضع بأذربيجان من بلاد العجم.
(3) اليراعة في الأصل القصبة ويراد بها ههنا القلم وفرسانها مهرة الكتاب.
(4) أي أصحاب الكمال في الفضل والحذق مصدر برع إذا فاق أقرانه في العلم.
(5) أي يحرّر ويهذب.
(6) جمع وواحد لأنه مصدر سلف يسلف إذا مضى والخلف من جاء من بعد.
(7) أي حسناء واضحة.
(8) أي يفتض.
(9) أي بكرا والمعنى أو ينشىء رسالة لم يسبق إليها.
(10) البليغ الذي يأتي بالفلق وهو العجب.
(11) جمع زمام.
(12) جمع عيل مخفف عيّل.
(13) شاعر مشهور بالفصاحة والخطابة.
(14) أي طرف المجلس والحاشية الثانية الخدم والغلمان.
(15) بعدوا.
(16) أي غاية جريهم وجمع الشوط أشواط.(1/57)
ونثروا العجوة والنّجوة من نوطهم (1)، ينبىء تخازر طرفه (2) وتشامخ أنفه (3)، أنّه مخرنبق (4) لينباع (5)، ومجرمّز (6) سيمدّ الباع (7). ونابض (8) يبري النّبال (9)، ورابض (10) يبغي النّضال (11). فلما نثلت الكنائن (12)، وفاءت (13) السّكائن (14)، وركدت (15) الزّعازع (16)، وكفّ (17) المنازع، وسكنت الزّماجر (18)، وسكت المزجور والزّاجر، أقبل على الجماعة، وقال: لقد جئتم شيئا إدّا (19) وجرتم (20) عن القصد جدّا، وعظّمتم العظام الرّفات (21)، وافتتّم (22) في الميل إلى من فات، وغمصتم (23) جيلكم الّذين فيهم لكم اللّدات (24)، ومعهم انعقدت المودّات، أنسيتم يا جهابذة النّقد (25)، وموابذة (26) الحلّ والعقد، ما أبرزته طوارف (27)
__________
(1) العجوة أجود التمر والنجوة أردأه والنوط جلد يجمع فيه التمر والنثر أصله طرح ما في الأنف والمعنى أنهم كانوا إذا تحدّثوا بكلام جيد ورديء.
(2) أي يفهم تحديد نظره من الخزر وهو ضيق العين.
(3) أي تعاظمه وتكبره.
(4) أي مرخي عينيه ينظر ساكتا.
(5) أي ليثب وهو مثل يضرب في طلب الفرصة.
(6) منقبض ومجتمع إلى ناحية لداهية يريدها.
(7) كناية عن الوثبة.
(8) من نبض القوم كأنبض إذا جذب وترها ثم أرسله لترنّ.
(9) أي ينحت السهام.
(10) جالس على ركبه.
(11) مراماة النبال.
(12) نثلت أي استخرج ما فيها والكنائن جمع كناية بالكسر وهي جعاب السهام أي فرغ كلامهم وجدالهم.
(13) رجعت.
(14) جمع سكينة مصدر كالسكون.
(15) أي سكنت.
(16) جمع زعزع وهي الريح الشديدة الهبوب كناية عن علو أصواتهم.
(17) أي امتنع.
(18) جمع زمجرة وهو صوت المغتاظ.
(19) أي أمرا عظيما عجيبا وداهية.
(20) أي ملتم وعدلتم.
(21) كناية عن الموتى البالية.
(22) الافتيات افتعال من الفوت وهو السبق أي فتم وتجاوزتم.
(23) أي عبتم وحقرتم.
(24) بالكسر جمع لدة وهو القريب في السن.
(25) جمع جهبذ وهو ناقد الدراهم والصرّاف.
(26) جمع موبذ وموبذان وهو حاكم المجوس فاستعير هنا والتاء فيهما للدلالة على التعريف.
(27) جمع طارفة وهي ما استحدثته من المال خلاف التالدة.(1/58)
القرائح (1)، وبرّز (2) فيه الجذع (3) على القارح (4)، من العبارات المهذّبة (5)، والاستعارات المستعذبة، والرّسائل الموشّحة (6)، والأساجيع (7) المستملحة!؟
وهل للقدماء إذا أنعم (8) النّظر، من حضر، غير المعاني المطروقة (9) الموارد، المعقولة (10) الشّوارد (11)، المأثورة (12) عنهم لتقادم الموالد، لا لتقدّم الصّادر (13)
على الوارد (14). وإنّي لأعرف الآن من إذا أنشا (15) وشّى (16)، وإذا عبّر، حبّر (17). وإن أسهب (18)، أذهب (19). وإذا أوجز (20)، أعجز. وإن بده (21)، شده (22). ومتى اخترع (23)، خرع (24). فقال له ناظورة الدّيوان (25)، وعين أولئك الأعيان (26)، من قارع (27) هذه الصّفاة (28)؟ وقريع هذه الصّفات (29)؟. فقال: إنّه قرن مجالك، وقرين جدالك (30). وإذا شئت ذاك فرض (31) نجيبا (32)، وادع مجيبا،
__________
(1) جمع قريحة وهي الفطنة.
(2) أي فاق وسبق.
(3) وهو الذي دخل في سن ثلاث سنين من الخيل.
(4) وهو الذي انتهى إلى خمس سنين.
(5) أي الخالصة من المعايب.
(6) أي المزينة.
(7) جمع أسجوعة من السجع وهو المزدوج من الكلام المقفى.
(8) أي أمعن.
(9) أي المكدرة يقال ماء مطروق وطرق إذا خاضت فيه الإبل وضربته بأرجلها وبالت فيه.
(10) أي المربوطة.
(11) أي الثوافر.
(12) أي المروية.
(13) أي الراجع.
(14) الذي يأتي المورد.
(15) أي ابتدأ وابتدع.
(16) أي زين وخلط لونا بلون.
(17) أي أحسن.
(18) أي أطال الكلام وأبعد فيه.
(19) أي أتى بمعنى مثل الذهب أو أذهب العقول.
(20) أي اختصر.
(21) أي إن أجاب على البديهة.
(22) حير العقول.
(23) أي ابتدأ.
(24) أي أفزع.
(25) أي عظيمهم والمنظور إليه فيهم. كذلك النظيرة والنظورة والناظر.
(26) أي أمجدهم.
(27) أي ضارب.
(28) بالفتح الصخرة الملساء يقال قرع صفاته إذا تنقصه وعابه.
(29) القريع السيد والمعنى ومن هو المنفرد بهذه الصفات.
(30) القرن بالكسر من يقاومك في علم أو قتال والمجال موضع المقاتلة والقرين المماثل والجدال المجادلة.
(31) أمر من راض الفرس إذا ذلله.
(32) أي كريما.(1/59)
لترى عجيبا. فقال له: يا هذا إنّ البغاث (1) بأرضنا لا يستنسر (2)، والتّمييز عندنا بين الفضّة والقضّة (3) متيسّر، وقلّ من استهدف (4) للنّضال (5)، فخلص من الدّاء العضال (6)، أو استسار (7) نقع الامتحان (8)، فلم يقذ بالامتهان (9)، فلا تعرّض عرضك للمفاضح، ولا تعرض عن نصاحة النّاصح (10). فقال: كلّ امرىء أعرف بوسم قدحه (11)، وسيتفرّى (12) اللّيل عن صبحه. فتناجت (13) الجماعة فيما يسبر (14)
به قليبه (15)، ويعمد (16) فيه تقليبه. فقال أحدهم ذروه (17) في حصّتي (18)، لأرميه بحجر قصّتي (19)؟ فإنّها عضلة (20) العقد، ومحكّ المنتقد (21). فقلّدوه في هذا الأمر الزّعامة (22)، تقليد الخوارج أبا نعامة (23). فأقبل على الكهل وقال: اعلم أنّي أوالي (24)، هذا الوالي (25). وأرقّح حالي (26)، بالبيان الحالي (27). وكنت أستعين على
__________
(1) مثلث الباء ضعاف الطير واحدة بغاثة.
(2) أي لا يتشبه بالنسر أو لا يعود نسرا.
(3) بفتح القاف صغار الحصى.
(4) أي صار هدفا.
(5) أي لرمي السهام.
(6) وهو عسر الإزالة.
(7) أي استخرج.
(8) النقع الغبار.
(9) قذيت عينه وقع فيها القذى أي لم تصب عينه بقذى الامتهان وهو الاحتقار.
(10) بكسر العين هو محل المدح والذم من الشخص والنصاحة والنصيحة بمعنى.
(11) هو مثل يضرب للعارف بقدر نفسه الواثق بما عنده والقدح بالكسر السهم والوسم العلامة.
(12) أي وسينكشف ويشق عن الصبح.
(13) أي تشاورت.
(14) أي يختبر به.
(15) القليب في الأصل البئر قبل أن تطوى.
(16) أي يقصد.
(17) أي اتركوه.
(18) أي نصيبي.
(19) أراد ما يختبره ويمتحنه به من الاقتراح الذي اقترحه عليه.
(20) أي عسيرة الانحلال.
(21) المحكّ بكسر الميم حجر النقاد والمنتقد والانتقاد بمعنى.
(22) أي السيادة أو الكفالة.
(23) كنية لقطري بن الفجاءة الخارجي وكان فقيها شاعرا ذا فطنة وذكاء خرج في أيام مصعب بن الزبير.
(24) أي أصادق.
(25) الأمير.
(26) أصل الترقيح إصلاح المال.
(27) أي بالفصاحة.(1/60)
تقويم أودي (1)، في بلدي، بسعة ذات يدي (2)، مع قلّة عددي (3)، فلمّا ثقل حاذي (4)، ونفد رذاذي (5)، أمّمته (6) من أرجائي (7) برجائي، ودعوته لإعادة روائي (8) وإروائي (9). فهشّ (10) للوفادة (11) وراح، وغدا بالإفادة وراح (12). فلمّا استأذنته في المراح، إلى المراح، على كاهل المراح (13)، قال: قد أزمعت (14)
أن لا أزوّدك بتاتا (15)، ولا أجمع لك شتاتا (16)، أو تنشىء لي (17) أمام ارتحالك، رسالة تودعها شرح حالك، حروف إحدى كلمتيها يعمّها النّقط (18)، وحروف الأخرى لم يعجمن (19) قطّ. وقد استأنيت (20) بياني حولا، فما أحار (21)
قولا. ونبّهت فكري سنة، فما ازداد إلّا سنة (22). واستعنت بقاطبة (23) الكتّاب (24)، فكلّ منهم قطّب وتاب (25). فإن كنت صدعت (26) عن وصفك باليقين، فأت بآية (27)
__________
(1) أي تعديل عوجي.
(2) أي بكثرة مالي.
(3) أهلي وذوي قرابتي.
(4) أي ظهري وكنى بثقله عن كثرة عياله.
(5) أي فني زادي وأصل الرذاذ المطر الضعيف.
(6) أي قصدته.
(7) أي من نواحيّ جمع رجا بالقصر.
(8) أي حسن منظري.
(9) من الريّ.
(10) أي اهتز وفرح.
(11) أي للورود على الأمير.
(12) الأولى بمعنى ارتاح كما يوجد في بعض النسخ والثانية مقابل الغدو.
(13) الأول بالفتح مفعل بمعنى الرواح نقيض الغدوّ والثاني بالضم وهو المأوى والثالث بالكسر وهو شدّة الفرح والنشاط والكاهل الظهر.
(14) أي عزمت.
(15) أي أعطيك زادا وكما يطلق البتات على الزاد يطلق على الجهاز ومتاع البيت أيضا.
(16) مصدر شت إذا تفرّق.
(17) أو بمعنى إلى أن.
(18) أي حروفها معجمة.
(19) بمعنى مهملة لا نقطبها.
(20) أي انتظرت واستمهلت من الأناة بالفتح وهي الرفق والتؤدة يقال استأنيت فلانا أي لم أعجله.
(21) أي فما أعاد ومنه المحاورة وهي مراجعة الكلام.
(22) بالفتح الحول وبالكسر أول النوم.
(23) أي بجميع.
(24) جمع كاتب.
(25) أي عبس وجهه ورجع.
(26) أي كشفت عما أنت عليه.
(27) بعلامة تدل على وصفك.(1/61)
إن كنت من الصّادقين. فقال له: لقد استسعيت يعبوبا (1)، واستسقيت أسكوبا (2)، وأعطيت القوس باريها (3)، وأسكنت الدّار بانيها. ثمّ فكّر ريثما (4) استجمّ قريحته (5)، واستدرّ لقحته (6)، وقال: ألق دواتك (7) واقرب، وخذ أداتك (8)
واكتب:
ألكرم، ثبّت الله جيش سعودك يزين. واللّؤم غضّ الدّهر، جفن حسودك يشين (9). والأروع (10) يثيب (11). والمعور (12) يخيب (13). والحلاحل (14)
يضيف، والماحل (15) يخيف (16). والسّمح (17) يغذي، والمحك (18) يقذي (19)، والعطاء ينجي، والمطال (20) يشجي (21). والدّعاء يقي (22)، والمدح ينقي (23). والحرّ يجزي، والإلطاط (24) يخزي (25). واطّراح ذي الحرمة غيّ (26)، ومحرمة بني الآمال بغي (27). وما ضنّ إلّا غبين (28)، ولا غبن إلّا ضنين. ولا خزن (29) إلّا شقيّ، ولا قبض
__________
(1) أي طلبت السعي من فرس كثير الجري مستعار من اليعبوب وهو النهر الشديد الجري.
(2) أي طلبت السقي من اسكوب وهو الماء الجاري أو السحاب الممطر.
(3) ناحتها وصانعها أي فوّضت الأمر إلى من يحسنه.
(4) أي قدر ما.
(5) أي جمعها أو طلب استراحتها.
(6) اللقحة الناقة ذات الدّر وهو اللبن واستدرها طلب لبنها وهو كناية عن استحضار تنظيم الرسالة.
(7) أي أصلح الدواة ومدادها.
(8) أي قلمك.
(9) الكرم مبتدأ خبره قوله يزين وقوله ثبت الله إلخ جملة دعائية بين المبتدأ والخبر وكذا ما بعده يعني أن الكرم يزين صاحبه ويحسنه واللؤم وهو ضد الكرم يشين صاحبه ويقبحه.
(10) الماجد الجميل الذي يروعك جماله.
(11) أي يجازي.
(12) هو قبيح الفعل من العوار وهو العيب.
(13) من الخيبة مقابل الفلاح.
(14) بالضم السيد الركين الرزين.
(15) الواشي المكار من محل به إذا وشى به ومكر.
(16) أي يفزع.
(17) الجواد.
(18) البخيل اللجوج.
(19) أي يكدر ويحزن.
(20) بالكسر والمطل عدم وفاء الدين ومدافعة الدائن.
(21) أي يحزن ويغص.
(22) يكف.
(23) أي يطهر.
(24) ستر الحق وكتمانه من ألط الشيء إذا ستره.
(25) أي يفضح.
(26) أي ترك وإبعاد المحترم ضلال.
(27) أي حرمان طلب الآمال بغي وظلم.
(28) أي بخل والضنة بالكسر البخل والغبن محرّكة ضعف الرأي ورجل غبين ضعيفه والغبن بالسكون الخسران في البيع فهو مغبون.
(29) أي جمع المال وخزنه.(1/62)
راحه (1) تقيّ. وما فتىء (2) وعدك يفي (3)، وآراؤك (4) تشفي، وهلالك يضي (5)، وحلمك يغضي (6)، وآلاؤك (7) تغني، وأعداؤك تثني (8)، وحسامك (9) يفني، وسؤددك (10) يقني، ومواصلك يجتني (11)، ومادحك يقتني (12). وسماحك يغيث (13)، وسماؤك تغيث (14)، ودرّك (15) يفيض (16)، وردّك يغيض (17). ومؤمّلك (18) شيخ حكاه فيء (19)، ولم يبق له شيء. أمّك (20) بظنّ حرصه يثب (21)، ومدحك بنخب (22)، مهورها تجب. ومرامه يخفّ، وأواصره (23)
تشفّ (24). وإطراؤه (25) يجتذب (26)، وملامه (27) يجتنب. ووراءه ضفف (28)، مسّهم شظف (29)، وحصّهم جنف، وعمّهم قشف (30) وهو في دمع يجيب (31)، ووله (32)
يذيب. وهمّ تضيّف (33)، وكمد (34) نيّف (35)، لمأمول خيّب (36)، وإهمال
__________
(1) الراح جمع راحة وهي بطن الكف وقبضها كناية عن البخل وهو لا يجتمع مع التقوى.
(2) أي ما زال.
(3) من الوفاء.
(4) جمع رأي.
(5) من أضاء بمعنى استنار.
(6) أي يتغافل وأصله من إغضاء الجفن.
(7) أي نعمك.
(8) من الثناء وهو الشكر.
(9) سيفك.
(10) شرفك وسيادتك.
(11) أي يجني ثمار أياديك.
(12) من القنية وهي الاكتساب.
(13) بالضم يزيل الكرب.
(14) بالفتح أي تأتي بغيث وهو المطر.
(15) أي خيرك.
(16) أي يسيل.
(17) أي ينقص.
(18) راجيك.
(19) أي أشبهه ظل بعد الزوال.
(20) قصدك.
(21) أي يقفز من النشاط.
(22) أي بتحف من القصائد المختارة.
(23) أي وسائله.
(24) أي تفضل من الشف وهو الزيادة.
(25) الإطراء المبالغة في المدح.
(26) يجره الإنسان لنفسه.
(27) لومه.
(28) بالتحريك كثرة العيال وسوء الحال.
(29) سوء العيش وغلظه من شظفت يده إذا خشنت.
(30) حصهم من حصت البيضة رأسه إذا أذهبت شعره والجنف الجور والقشف الخشونة واليبس من شدة العيش.
(31) أي يسيل.
(32) ذهاب العقل.
(33) أي نزل ومال.
(34) حزن مكتوم.
(35) بتشديد الياء بمعنى زاد.
(36) بمعنى لم يصادف.(1/63)
شيّب (1)، وعدوّ نيّب (2)، وهدوّ (3) تغيّب (4) ولم يزغ ودّه (5) فيغضب، ولا خبث عوده (6) فيقضب (7). ولا نفث صدره (8) فينفض (9)، ولا نشز (10) وصله فيبغض. وما يقتضي (11) كرمك نبذ (12) حرمه (13)، فبيّض أمله (14) بتخفيف ألمه، ينثّ حمدك (15) بين عالمه (16). بقيت لإماطة شجب، وإعطاء نشب، ومداواة شجن، ومراعاة يفن (17). موصولا بخفض (18)، وسرور غضّ (19). ما غشي معهد غنيّ، أو خشي وهم غبيّ (20). والسّلام. فلمّا فرغ من إملاء رسالته، وجلّى في هيجاء البلاغة عن بسالته (21)، أرضته الجماعة فعلا وقولا (22)، وأوسعته (23) حفاوة وطولا (24). ثمّ سئل من أيّ الشّعوب (25) نجاره، وفي أيّ الشّعاب وجاره (26)، فقال:
__________
(1) من الشيب.
(2) أي حدّد أنيابه وعض بها.
(3) سكون.
(4) بمعنى غاب.
(5) أي لم تمل مودته.
(6) أي أصله.
(7)
(8) أي صدر عنه نفثة وهي في الأصل البصقة من الدم وأراد بها الكلام السيىء وفي المثل لا بد للمصدور من أن ينفث.
(9) أي فيبعد.
(10) من نشزت المرأة نشوزا إذا استعصت.
(11) أي يوجب.
(12) أي طرح.
(13) من الاحترام.
(14) أي فحسن رجاءه.
(15) أي ينشر مدحك.
(16) أي أهله ورهطه.
(17) أي لإزالة هلاك وحزن. والنشب المال. والشجن الحزن والحاجة. واليفن الشيخ الفاني.
(18) راحة وسعة ولين عيش.
(19) أي طري.
(20) أي ما أتي منزل والوهم الغلط والسهو.
(21) أي كشف وبيّن والهيجاء الحرب والبسالة الشجاعة.
(22) أي عطاء وثناء.
(23) أكثرته.
(24) إكراما وعطفا والطول الفضل وتطوّل عليه تفضل وأنعم.
(25) جمع شعب بالفتح وهوو الطبقة الأولى من الطبقات الست وهي الشعب ثم القبيلة ثم المعمارة ثم البطن ثم الفخذ ثم الفصيلة. والنجار الأصل والحسب.
(26) الشعاب جمع شعب بالكسر وهو ما انفرج بين الجبلين والوجار سرب الضبع ومأواه كأنه يسأله عن أصله وعن مقامه.(1/64)
غسّان (1) أسرتي (2) الصّميمه (3) ... وسروج (4) تربتي (5) القديمه
فالبيت (6) مثل الشّمس إش ... راقا ومنزلة جسيمه (7)
والرّبع (8) كالفردوس (9) مط ... يبة (10) ومنزهة (11) وقيمه (12)
واها (13) لعيش كان لي ... فيها ولذّات عميمه (14)
أيّام أسحب مطرفي (15) ... في روضها (16) ماضي العزيمه (17)
أختال (18) في برد الشّبا ... ب (19) وأجتلي (20) النّعم الوسيمه (21)
لا أتّقي نوب الزّما ... ن (22) ولا حوادثه المليمه (23)
فلو انّ كربا متلف ... لتلفت من كربي المقيمه
أو يفتدى عيش مضى ... لفدته مهجتي الكريمه
فالموت خير للفتى ... من عيشه، عيش البهيمه
تقتاده (24) برة الصّغا ... ر (25) إلى العظيمة (26) والهضيمه (27)
__________
(1) اسم قبيلة معروفة.
(2) أي قومي ورهطي.
(3) أي الخالصة الأصيلة.
(4) اسم بلده.
(5) أي منشئي.
(6) أي بيت الشرف.
(7) أي عظيمة.
(8) المنزل.
(9) الجنان والبستان.
(10) أي تطيب به النفس.
(11) أي ظهارة.
(12) علوّ قدر.
(13) كلمة بمعنى ما أحسنه.
(14) أي عامة كثيرة.
(15) أي أجرّ ردائي.
(16) الروض بقاع فيها نباتات من رياحين وأزهار وغيرها.
(17) العزيمة الماضية التي ليس فيها تردّد.
(18) أي أتبختر في مشيتي.
(19) أي في أيام شبيبتي.
(20) أي أنظر.
(21) أي الجميلة.
(22) حوادثه ومصائبه.
(23) أي التي تأتي بما يلام عليه.
(24) أي تجرّه.
(25) البرة بضم الباء حلقة من صفر تجعل في أنف البعير يجرّ بها فإذا كانت من شعر فهي خزام وإن كانت من خشب فهي حشاش والصغار بالفتح الذل أي يجره الذل.
(26) الخطب الشديد.
(27) الظلم مصدر كالشتيمة.(1/65)
ويرى السّباع تنوشها (1) ... أيدي الضّاع المستضيمه (2)
والذّنب للأيّام لو ... لا شؤمها لم تنب (3) شيمه (4)
ولو استقامت كانت الأ ... حوال فيها مستقيمه
ثمّ إنّ خبره نما (5) إلى الوالي، فملأ فاه (6) باللآلي (7)، وسامه (8) أن ينضوي (9) إلى أحشائه (10)، ويلي ديوان إنشائه (11). فأحسبه الحباء (12)، وظلفه (13) عن الولاية الإباء (14). قال الرّاوي: وكنت عرفت عود شجرته، قبل إيناع ثمرته (15). وكدت أنبّه على علوّ قدره، قبل استنارة بدره (16).
فأوحى (17) إليّ بإيماض جفنه (18)، أن لا أجرّد عضبه من جفنه (19). فلمّا خرج بطين الخرج (20)، وفصل (21) فائزا بالفلج (22)، شيّعته (23) قاضيا (24) حقّ الرّعاية (25)، ولاحيا (26) له على رفض الولاية (27). فأعرض متبسّما، وأنشد مترنّما (28):
__________
(1) أي تتناولها وترفعها.
(2) الجائرة والمضامة وأراد بالسباع الكرام وبالضباع اللئام.
(3) أي لم ترفع.
(4) هي الخصلة الحميدة والخلق.
(5) أي وصل وارتفع.
(6) أي فمه.
(7) جمع لؤلؤة والمعنى أجزل عطاءه.
(8) أي ساله وكلفه.
(9) أي ينضم.
(10) أراد بالأحشاء العيال والخدم.
(11) أي كتابة الإنشاء.
(12) أي كفاه العطاء حتى قال حسبي حسبي.
(13) أي صرفه ومنعه.
(14) الامتناع والأنفة.
(15) أينعت الثمرة إذا أدركت ونضجت.
(16) أي قاربت أخبر عن مقداره وأعرّف عنه قبل وضوح وجهه وظهور أمره.
(17) أي فأومأ.
(18) أي بإشارة خفيفة من جفنه.
(19) أي بأن لا أبوح بسرّه ولا أفوه بذكره والعضب السيف والجفن الثاني هو غمد السيف فاستعارها لما ذكر.
(20) أي ممتلىء بطن خرجه يقال رجل مبطن إذا كان خميص البطن وبطين إذا كان عظيمه.
والمبطون عليل البطن والبطن بكسر الطاء المنهوم والمبطان عظيم البطن من كثرة الأكل.
(21) أي خرج ورجع.
(22) الظفر.
(23) أي خرجت معه لأودعه.
(24) أي مؤديا.
(25) الصحبة.
(26) أي لائما.
(27) أي ترك الانضمام إليها.
(28) أي مرجعا صوته.(1/66)
لجوب البلاد مع المتربه ... أحبّ إليّ من المرتبه (1)
لأنّ الولاة لهم نبوة (2) ... ومعتبة (3) يا لها (4) معتبه
وما فيهم من يربّ الصّنيع (5) ... ولا من يشيّد (6) ما رتّبه
فلا يخدعنك (7) لموع (8) السّراب (9) ... ولا تأت أمرا إذا ما اشتبه (10)
فكم حالم (11) سرّه حلمه ... وأدركه الرّوع (12) لمّا انتبه (13)
__________
(1) أي لقطع فيافي البلاد مع الفقر أحسن لي من المنزلة في الولاية.
(2) أي رفعة وسطوة.
(3) أي موجدة وهي الغضب.
(4) أي ما أعظمها.
(5) أي يحفظ المعروف والإحسان.
(6) أي يرفع.
(7) أي يغرّك.
(8) لمعان.
(9) هو ما يظهر للرائي في الأرض المتسعة أيام الصيف كالماء من بعيد وليس بشيء.
(10) أي إذا أشكل وما زائدة.
(11) هو من يرى الحلم في النوم.
(12) الفزع.
(13) استيقظ من نومه.(1/67)
المقامة السابعة البرقعيديّة
حكى الحارث بن همّام، قال: أزمعت (1) الشّخوص (2) من برقعيد (3)، وقد شمت (4) برق عيد (5)، فكرهت الرّحلة (6) عن تلك المدينة، أو أشهد (7) بها يوم الزّينة (8). فلمّا أظلّ (9) بفرضه ونفله (10)، وأجلب (11) بخيله ورجله (12)، اتّبعت السّنّة في لبس الجديد، وبرزت (13) مع من برز للتّعييد (14). وحين التأم (15) جمع المصلّى وانتظم، وأخذ الزّحام بالكظم (16)، طلع شيخ في شملتين (17)، محجوب المقلتين (18)، وقد اعتضد (19) شبه المخلاة (20)، واستقاد (21) لعجوز
__________
(1) أي عزمت.
(2) الرحلة والذهاب.
(3) قصبة في ديار ربيعة فوق الموصل ودون نصيبين.
(4) أي نظرت.
(5) أي هلال عيد.
(6) الارتحال.
(7) أي إلى أن أحضر.
(8) أي يوم العيد.
(9) أقبل ودنا وحقيقته ألقى ظله.
(10) الفرض صدقة الفطر والنفل صلاة العيد.
(11) أي جمع.
(12) بفتح فسكون جمع راجل وهو الماشي على رجليه.
(13) خرجت.
(14) أي لصلاة العيد.
(15) أي اتصل.
(16) أي بضيق النفس وأصله من كظم الغيظ حبسه.
(17) تثنية شملة وهي كساء من صوف أسود يشتمل به.
(18) أي مغطى العينين.
(19) أي جعل تحت عضده.
(20) أي شيئا يشبه المخلاة.
(21) أي وانقاد.(1/68)
كالسّعلاة (1). فوقف وقفة متهافت (2)، وحيّا (3) تحيّة خافت (4). ولمّا فرغ من دعائه، أجال (5) خمسه (6) في وعائه (7)، فأبرز منه رقاعا قد كتبن بألوان الأصباغ (8)، في أوان الفراغ (9). فناولهنّ عجوزه الحيزبون (10)، وأمرها بأن تتوسّم (11) الزّبون (12). فمن آنست ندى (13) يديه، ألقت (14) ورقة منهنّ لديه. فأتاح لي القدر (15) المعتوب (16)، رقعة فيها مكتوب:
لقد أصبحت موقوذا (17) ... بأوجاع وأوجال (18)
وممنوّا (19) بمختال (20) ... ومحتال (21) ومغتال (22)
وخوّان (23) من الإخوا ... ن قال (24) لي لإقلالي (25)
وإعمال (26) من العمّا ... ل (27) في تضليع (28) أعمالي (29)
__________
(1) السعلاة أخبث الغيلان وهي كثيرة التلوّن.
(2) أي متساقط من تهافت البعوض سقط في النار.
(3) أي وسلم تسليم.
(4) ضعيف الصوت يقال خفت الرجل إذا انقطع كلامه وسقط.
(5) أي أدار.
(6) أي أصابعه الخمس.
(7) وهو الشيبه بالمخلاة.
(8) جمع صبغ وصبغة ما يصبغ به.
(9) أي وقت الفراغ.
(10) أي المسنة المكارة.
(11) أي تتفرّس.
(12) بالفتح أي الكريم الغني.
(13) آنست أحسنت وعلمت والندى بمعنى العطاء.
(14) أي طرحت.
(15) أي فقدر لي القدر.
(16) المسخوط عليه المشكو منه.
(17) أي مضرورا ووقذه ضربه حتى أشفى على الهلاك والموقوذ المرمي بالحجر ونحوه مما لا حد له.
(18) جمع وجل بالتحريك وهو الخوف.
(19) مبتلى.
(20) بمتكبر.
(21) ذي حيل من الحيلة.
(22) المغتال القاتل غيلة وهي أن يخدعه فيذهب به إلى موضع خال فيقتله.
(23) كثير الخيانة.
(24) مبغض.
(25) أي لفقري.
(26) من أعملت الرمح إذا طعنت به.
(27) أي الولاة.
(28) أي اعوجاج من الضلع بفتح اللام وهو الميل.
(29) أي أفعالي.(1/69)
فكم أصلي بأذحال (1) ... وإمحال (2) وترحال (3)
وكم أخطر في بال ... ولا أخطر في بال (4)
فليت الدّهر لمّا جا ... ر أطفا لي أطفالي (5)
فلولا أنّ أشبا ... لي (6) أغلالي (7) وأعلالي (8)
لما جهّزت (9) آمالي (10) ... إلى آل (11) ولا والي (12)
ولا جرّرت (13) أذيالي (14) ... على مسحب إذلالي (15)
فمحرابي (16) أحرى بي (17) ... واسمالي (18) أسمى لي (19)
فهل حرّ يرى تخ ... فيف أثقالي (20) بمثقال (21)
ويطفي حرّ بلبالي (22) ... بسربال (23) وسروال (24)
__________
(1) جمع ذحل وهو الحقد.
(2) بالكسر كناية عن الفقر وبالفتح جمع محل وهو القحط.
(3) أي سفر.
(4) الأول بكسر الطاء أي أمشي في ثوب بال أي خلق والثاني بضم الطاء أي أجول وأتحرّك في بال أي فكر.
(5) الأول من أطفأ النار إذا أخمدها وقلب الهمزة للازدواج والثاني جمع طفل أي أمات لأجلي أولادي.
(6) أي أولادي جمع شبل بالكسر في الأصل ولد الأسد.
(7) بالمعجمة جمع الغل بالضم وهو ما يوضع في العنق.
(8) جمع علل بالكسر جمع علة.
(9) هيأت.
(10) جمع أمل.
(11) أي إلى أهل وذي قرابة.
(12) أي ولا صاحب ولاية من الولاة.
(13) أي سحبت.
(14) جمع ذيل وهو ما وصل إلى الأرض من الثوب.
(15) أي محل ذلي.
(16) المحراب أشرف مكان في المسجد يريد به مقامه.
(17) أي أليق وأولى بي.
(18) جمع سمل بالتحريك وهو الثوب الخلق.
(19) أي أعلى وأرفع من السمو وهو العلو.
(20) أي همومي وكروبي.
(21) ما يوزن به من الذهب.
(22) أي هم قلبي أو حزني.
(23) هو القميص.
(24) واحد السراويل ويؤنث قال عليه من اللؤم سروالة.(1/70)
قال الحارث بن همّام، فلمّا استعرضت (1) حلّة الأبيات (2)، تقت (3) إلى معرفة ملحمها (4)، وراقم علمها (5). فناجاني الفكر بأنّ الوصلة إليه العجوز، وأفتاني (6) بأنّ حلوان المعرّف يجوز (7). فرصدتها (8) وهي تستقري (9)
الصّفوف صفّا صفّا (10)، وتستوكف (11) الأكفّ كفّا كفّا. وما إن ينجح (12) لها عناء (13)، ولا يرشح على يدها إناء. فلمّا أكدى (14) استعطافها (15)، وكدّها (16) مطافها (17)، عاذت (18) بالاسترجاع (19)، ومالت إلى إرجاع الرّقاع (20). وأنساها الشّيطان ذكر رقعتي، فلم تعج (21) إلى بقعتي (22): وآبت (23) إلى الشّيخ باكية للحرمان، شاكية تحامل الزّمان (24). فقال: إنّا لله، وأفوّض أمري إلى الله. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. ثمّ أنشد:
__________
(1) أي عرضتها عليّ وقرأتها.
(2) الحلة واحدة الحلل وهي برود اليمن فاستعارها للأبيات.
(3) أي اشتقت.
(4) أي ناظمها والملحم في الأصل الناسج.
(5) أي ناقش خطها.
(6) أي أجابني وأعلمني.
(7) الحلوان في الأصل ما يعطى للكاهن وقد نهى عنه النبي عليه السلام وأما حلوان المعرف فجائز.
(8) أي رقبتها وانتظرتها.
(9) أي تتبع.
(10) أي صفا بعد صف.
(11) أي تطلب الوكف وهو ما يسيل سيلا خفيفا وهو كناية عن قليل العطاء.
(12) أي ينقضي يقال نجحت الحاجة إذا انقضت.
(13) بالفتح أي تعب وكد.
(14) أي خاب وانقطع.
(15) أي طلبها العاطفة وهي الرحمة.
(16) أي أتعبها.
(17) أي طوافها.
(18) أي تعوّذت ولجأت.
(19) وهو قول إنا لله وإنا إليه راجعون.
(20) أي إعادتها وردها إلى الشيخ.
(21) أي فلم تمل ولم ترجع.
(22) أي مكاني.
(23) رجعت.
(24) أي جوره يقال تحامل علي فلان أي جار ولم يعدل.(1/71)
لم يبق صاف (1) ولا مصاف (2) ... ولا معين ولا معين (3)
وفي المساوي (4) بدا التّساوي (5) ... فلا أمين (6) ولا ثمين (7)
ثمّ قال لها منّي النّفس (8) وعديها (9)، واجمعي الرّقاع وعدّيها. فقالت:
لقد عددتها، لمّا استعدتها (10)، فوجدت يد الضّياع (11)، قد غالت (12) إحدى الرّقاع. فقال تعسا (13) لك يالكاع (14)، أنحرم ويحك القنص (15) والحبالة (16)، والقبس (17) والذّبالة (18). إنّها لضغث على إبّالة (19). فانصاعت (20) تقتصّ (21)
مدرجها (22)، وتنشد (23) مدرجها (24). فلمّا دانتني (25) قرنت بالرّقعة، درهما وقطعة (26). وقلت لها: إن رغبت في المشوف (27) المعلم (28)، وأشرت إلى
__________
(1) خالص الود.
(2) أي مخلص صادق في وده.
(3) بالفتح هو في الأصل الماء الجاري على وجه الأرض يريد به القرين الكريم والمعين بالضم الذي يعينه من الإعانة.
(4) المعايب والقبائح ضد المحاسن.
(5) أي ظهر التماثل.
(6) من الأمانة أي ثقة.
(7) أي غالي الثمن أراد به رفيع القدر.
(8) بفتح الميم أمر من التمنية.
(9) أمر من الوعد.
(10) استرجعتها.
(11) الذهاب.
(12) أهلكت والمعنى أنها أخذت من حيث لا أدري.
(13) أي هلاكا يقال تعس تعسا إذا عثر وسقط.
(14) يا لئيمة.
(15) الصيد.
(16) الشرك.
(17) شعلة النار.
(18) الفتيلة.
(19) الحزمة الصغيرة من الحشيش والإبالة الحزمة الكبيرة من الحطب.
(20) رجعت بسرعة.
(21) تتبع.
(22) طريقها.
(23) تطلب.
(24) كتابها المطوي وهو الرقعة.
(25) قربت مني.
(26) أصل القطعة القبضة من الحشيش يابسه بأخضره ولعله أراد قراضة من ذهب أو فضة.
(27) المجلو المصقول.
(28) المكتوب عليه وهو اسم للدينار والدرهم قال عنترة العبسي:
ولقد شربت من المدامة بعد ما ... ركد الهواجر بالمشوف المعلم.(1/72)
الدّرهم، فبوحي (1) بالسّرّ المبهم (2)؟ وإن أبيت أن تشرحي (3)، فخذي القطعة واسرحي (4). فمالت إلى استخلاص البدر التّمّ، والأبلج (5) الهمّ (6)، وقالت دع جدالك (7)، وسل عمّا بدا لك (8). فاستطلعتها (9) طلع الشّيخ (10)
وبلدته، والشّعر وناسج (11) بردته (12). فقالت: إنّ الشّيخ من أهل سروج (13)، وهو الّذي وشّى (14) الشّعر المنسوج (15). ثمّ خطفت (16)
الدّرهم خطفة الباشق (17)، ومرقت (18) مروق السّهم الرّاشق (19). فخالج قلبي (20)
أنّ أبا زيد هو المشار إليه، وتأجّج (21) كربي (22) لمصابه بناظريه (23) وآثرت (24) أن أفاجيه (25) وأناجيه (26)، لأعجم (27) عود فراستي فيه (28). وما كنت لأصل إليه إلّا بتخطّي رقاب الجمع، المنهيّ عنه في الشّرع. وعفت (29) أن يتأذّى (30) بي قوم، أو يسري إليّ لوم (31). فسدكت (32) بمكاني، وجعلت شخصه قيد عياني (33). إلى أن انقضت
__________
(1) أعلني وأظهري.
(2) المغلق.
(3) تبيني.
(4) اذهبي.
(5) قال الخليل التم التامّ والأبلج خلاف الأقرن والمراد الدرهم.
(6) أصله الشيخ الفاني ووصف به الدرهم لقدمه.
(7) اترك المماراة.
(8) أي ظهر لك.
(9) استخبرتها.
(10) خبره.
(11) حائك.
(12) البردة كساء أسود مربع والمراد الشعر وشاعره.
(13) اسم بلد قرب حرّان.
(14) زين.
(15) المنظوم.
(16) استلبت.
(17) طير من الجوارح يسكن العراق.
(18) نفذت.
(19) المصيب.
(20) أي وقع في نفسي.
(21) تلهب.
(22) حزني.
(23) الناظر هو السواد الأصغر الذي فيه إنسان العين.
(24) اخترت.
(25) آتيه فجاءة.
(26) أكلمه وهو بسكون الياء فيهما بخط الحريري.
(27) اختبر.
(28) فطنتي ومنه عجمت العود عضضته لأعرف رخاوته من صلابته فاستعير للتجربة.
(29) كرهت.
(30) يتضرّر.
(31) عتاب.
(32) أي لزمت وتمكنت وأقمت.
(33) أي صرت ألاحظه ولم يفارقه نظري.(1/73)
الخطبة، وحقّت (1) الوثبة (2)، فخففت إليه (3)، وتوسّمته (4) على التحام (5)
جفنيه. فإذا ألمعيّتي ألمعيّة ابن عبّاس (6)، وفراستي فراسة إياس (7). فعرّفته حينئذ شخصي، وآثرته (8) بأحد قمصي (9). وأهبت (10) به إلى قرصي (11)، فهشّ (12)
لعارفتي (13) وعرفاني (14) ولبّى دعوة رغفاني (15). وانطلق ويدي زمامه (16)، وظلّي إمامه (17) والعجوز ثالثة الأثافي (18)، والرّقيب الّذي لا يخفى عليه خافي (19). فلمّا استحلس وكنتي (20)، وأحضرته عجالة (21) مكنتي (22)، قال لي: يا حارث، أمعنا ثالث فقلت: ليس إلّا العجوز. قال: ما دونها سرّ محجوز (23) ثمّ فتح كريمتيه (24)، ورأرأ
__________
(1) أي وجبت.
(2) القيام.
(3) بتخفيف الفاء أي أسرعت الخفوف إليه وفي نسخة فحققت النظر إليه.
(4) تعرّفته.
(5) أي التقاء جفنيه والتصاقهما.
(6) أي فطنتي وذكائي والألمعي الذكي الصادق الحدس وابن عباس رضي الله عنه كان معروفا بالفطنة والإصابة في الحدس وكان يقال له حبر الأمة.
(7) هو ابن معاوية بن قرّة المزني المضروب به المثل في الذكاء ولي قضاء البصرة لعمر بن عبد العزيز وقيل لعبد الملك بن مروان.
(8) أي خصصته وفضلته.
(9) أي أعطيته إياه.
(10) دعوته.
(11) أي رغيفي.
(12) سرّ وفرح.
(13) عطيتي.
(14) معرفتي إياه.
(15) أجاب من غير تلبث وتوقف.
(16) أي قياده أي لا تفارقه.
(17) متقدم عليه.
(18) يحتمل أن يراد به مجرّد العدد ويحتمل أنه أراد أنها داهية كما هو المثل المضروب لأنه يقال رماه الله بثالثة الأثافي أي بداهية عظيمة. وأصله أن الواقد يأتي لحف الجبل فينصب لقدره اثنتين ويجعل الجبل الثالثة وحينئذ فمعنى رماه الله بثالثة الأثافي أي الجبل.
(19) عطف على ثالثة وأراد به أنه لا ثلث لهما إلا العجوز المطلعة على حقيقة الأمر وباطنه بدليل قوله بعدما دونها سر محجوز.
(20) أي جلس في بيتي وأصل الاستحلاس اللزوم ومنه الحديث كن حلس بيتك أي الزمه والوكنة البيت وتطلق على الوكر كما في قوله وقد أغتدي والطير في وكناتها.
(21) هي ما يعجل قبل الطعام للضيف.
(22) قدرتي.
(23) أي ممنوع ومحجوب.
(24) عينيه.(1/74)
بتوأمتيه (1)، فإذا سراجا وجهه (2) يقدان (3)، كأنّهما الفرقدان (4). فابتهجت (5)
بسلامة بصره، وعجبت من غرائب سيره. ولم يلقني (6) قرار (7)، ولا طاوعني (8)
اصطبار (9)، حتّى سألته ما دعاك (10) إلى التّعامي (11)، مع سيرك في المعامي (12). وجوبك الموامي (13)، وإيغالك في المرامي (14). فتظاهر باللّكنة (15)، وتشاغل باللهنة (16)، حتّى إذا قضى وطره (17)، أتأر (18) إليّ نظره، وأنشد:
ولمّا تعامى الدّهر (19) وهو أبو الورى (20) عن الرّشد في أنحائه (21) ومقاصده تعاميت حتّى قيل إنّي أخو عمى (22) ولا غرو (23) أن يحذو (24) الفتى حذو والده (25)
ثمّ قال لي: انهض إلى المخدع (26) فأتني بغسول (27) يروق (28)،
__________
(1) حدّد النظر وحرّك عينيه وأدارهما.
(2) أي عيناه.
(3) أي يضيئان.
(4) كوكبان عند القطب.
(5) فرحت.
(6) لاقه وألاقه لصق به.
(7) أي سكون.
(8) وافقني.
(9) صبر.
(10) ألجأك.
(11) التشبه بالأعمى.
(12) الأراضي التي لا عمارة فيها أو المناهل التي لا علم بها.
(13) أي وقطعك القفار الواسعة.
(14) جولك وسيرك السريع في المذاهب البعيدة.
(15) أظهر أن به عقدة في لسانه يعني أنه انقطع عن الكلام كان به ذلك.
(16) ما يتعجله الرجل قبل الطعام.
(17) حاجته.
(18) أحدّ نظره.
(19) أي تظاهر بالعمى وتنحى عن طريق الرشاد.
(20) أبو الخلق قيل للدهر أبو الورى لأن الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم.
(21) أغراضه وطرقه.
(22) أي أعمى.
(23) أي لا عجب.
(24) يقصد ويقتدي به ويفعل مثل فعله.
(25) قصد والده.
(26) بضم الميم بيت صغير يحرز فيه الشيء وقد تثلث ميمه.
(27) أي أشنان.
(28) يعجب.(1/75)
الطّرف (1)، وينقي (2) الكفّ، وينعّم البشرة (3)، ويعطّر النّكهة (4). ويشدّ اللّثة (5)، ويقوّي المعدة. وليكن نظيف الظّرف (6)، أريج العرف (7). فتيّ الدّقّ (8)، ناعم السّحق (9). يحسبه اللّامس ذرورا (10)، ويخاله (11) النّاشق (12)
كافورا. واقرن به (13) خلالة (14) نقيّة الأصل (15)، محبوبة الوصل، أنيقة (16)
الشّكل (17)، مدعاة (18) إلى الأكل. لها نحافة (19) الصّبّ (20)، وصقالة (21)
العضب (22)، وآلة الحرب (23)، ولدونة (24) الغصن الرّطب. قال: فنهضت (25) فيما أمر (26)، لأدرأ (27) عنه الغمر (28). ولم أهم (29) إلى أنّه قصد (30) أن يخدع (31)، بإدخالي المخدع، ولا تظنّيت (32) أنّه سخر (33) من الرّسول، في استدعاء الخلالة والغسول.
فلمّا عدت بالملتمس (34)، في أقرب من رجع النّفس، وجدت الجوّ (35) قد
__________
(1) العين.
(2) ينظف.
(3) أي يصيرها ناعمة والبشرة ظاهر الجلد أي يلين ويطرّي ظاهر الجلد.
(4) رائحة الفم.
(5) اللحم السائل بين الأسنان.
(6) الوعاء.
(7) عطر الرائحة.
(8) قريب العهد به من الفتاء وهو أول الشباب.
(9) لين.
(10) لنعومته.
(11) يظنه.
(12) الشامّ.
(13) اجمع معه.
(14) ما يتخلل به.
(15) أي من شجرة طيبة.
(16) حسنة معجبة.
(17) الصورة.
(18) أي كأنها تدعو إلى الأكل.
(19) رقة.
(20) العاشق.
(21) أي بريق ولمعان.
(22) السيف.
(23) حربة في نصلها عرض.
(24) أي لين وتثني الغصن الرطب.
(25) قمت.
(26) وفي نسخة كما أمر.
(27) أدفع.
(28) ريح اللحم وكذا السهك ويقال للمنديل مشوش الغمر كما إن الوضر ريح الزبد وما يشابهه.
(29) ولم أظن.
(30) أراد.
(31) يوهم.
(32) التظني إعمال الظن.
(33) هزأ.
(34) أي المطلوب.
(35) المكان.(1/76)
خلا، والشّيخ والشّيخة قد أجفلا (1)، فاستشطت (2) من مكره غضبا، وأوغلت (3) في إثره (4) طلبا، فكان كمن قمس (5) في الماء، أو عرج (6) به إلى عنان (7) السّماء.
__________
(1) ذهبا.
(2) أي التهبت واحترقت.
(3) أي أمعنت وأسرعت.
(4) بكسر فسكون وبفتحتين أي خلفه.
(5) وفي نسخة غمس وعلى كلّ منهما فهو الغوص في الماء والغيبوبة فيه.
(6) أي رقي به.
(7) بالفتح قطع السحاب واحدتها عنانة وقيل ما يعنّ لك منها إذا نظرت إليها.(1/77)
المقامة الثامنة المعرّيّة
أخبر الحارث بن همّام، قال: رأيت من أعاجيب (1) الزّمان، أن تقدّم خصمان، إلى قاضي معرّة النّعمان (2). أحدهما قد ذهب منه الأطيبان (3)، والآخر كأنّه قضيب (4) البان، فقال الشّيخ: أيّد (5) الله القاضي، كما أيّد به المتقاضي (6).
إنّه كانت لي مملوكة رشيقة (7) القدّ، أسيلة (8) الخدّ، صبور على الكدّ (9)، تخبّ (10) أحيانا (11) كالنّهد (12)، وترقد (13) أطوارا (14) في المهد (15). وتجد (16) في
__________
(1) جمع أعجوبة وهي ما يتعجب منه ويستعظم.
(2) بلد قريب من بغداد تنسب إلى النعمان بن المنذر الغساني وفي القاموس معرة النعمان بلدة بين حماة وحلب نسبت للنعمان بن بشير لأنه اجتاز بها ومات له ولد فدفنه فيها فنسبت إليه لذلك وإذا كان كذلك فهي من قرى الشام واليها ينسب أبو العلاء المعري.
(3) الأكل والجماع قال الشاعر:
إذا فات منك الأطيبان فلا تبل ... متى جاءك اليوم الذي كنت تحذر
وقيل النوم والجماع وقيل الشحم والشباب.
(4) القضيب الغصن والبان شجر معروف.
(5) قوّى.
(6) طالب الحق.
(7) أي خفيفة معتدلة القامة.
(8) سهلته طويلته.
(9) الشدّة في العمل وطلب المكسب.
(10) تسرع.
(11) أوقاتا.
(12) الفرس الناهض الكريم الطويل القامة.
(13) تنام وتبيت.
(14) أوقاتا.
(15) الفراش والمراد به المئبر.
(16) تحس.(1/78)
تمّوز (1) مسّ البرد (2)، ذات عقل (3) وعنان (4)، وحدّ (5) وسنان (6)، وكفّ (7) ببنان (8)، وفم (9) بلا أسنان. تلدغ (10) بلسان (11) نضناض (12)، وترفل في ذيل فضفاض (13)، وتجلى في سواد وبياض (14)، وتسقى (15) ولكن من غير حياض (16). ناصحة (17) خدعة (18)، خبأة (19) طلعة (20). مطبوعة على المنفعة، ومطواعة في الضّيق والسّعة (21). إذا قطعت (22) وصلت (23) ومتى فصلتها (24)
عنك انفصلت. وطالما خدمتك فجمّلت، وربّما جنت (25) عليك فآلمت (26)
وململت (27) وإنّ هذا الفتى استخدمنيها لغرض (28)، فأخدمته (29) إيّاها بلا
__________
(1) هو أحد الشهور الرومية وهو شهر شدة الحرّ.
(2) سحق المبرد.
(3) أي ربط.
(4) خيط.
(5) أي منتهى وطرف.
(6) ذبابة.
(7) هو كف الثوب وهو الخياطة الثانية بعد الشلل الذي هو الخياطة الخفيفة.
(8) أصابع وعنى بها بنان الخياط.
(9) ثقب.
(10) تؤلم.
(11) لسانها رأسها.
(12) كثير الحركة.
(13) أي تجرد ذيلا سابغا يريد به الخيط.
(14) أي تخيط مرة ثوبا أسود ومرة ثوبا أبيض.
(15) أي يسقيها الصانع بعد أن يحميها بالنار ليزيد قوّة حدتها.
(16) جمع حوض وقيل سقيها مسح الخياط إياها بعرق جبينه.
(17) خائطة والنصاحة الخياطة.
(18) هو من خدع الضب في حجره دخل.
(19) كثيرة الاختباء وأصله اسم للمرأة التي تلازم بيتها.
(20) كثيرة التطلع وقيل الخبأة الطلعة المرأة التي تختبىء مرة وتطلع أخرى.
(21) أي مطاوعة.
(22) أي فصلت الثوب.
(23) أي خاطت.
(24) أي عزلتها وتجنبتها.
(25) ضربتك برأسها.
(26) أي أوجعت.
(27) أحرقت يقال هو يتململ على فراشه إذا لم يسترح من الوجع كأنه على ملة وهو الرماد الحارّ.
(28) أي مقصد.
(29) أعرته.(1/79)
عوض (1)، على أن يجتني (2) نفعها، ولا يكلّفها إلّا وسعها (3) فأولج (4) فيها متاعه (5)، وأطال بها استمتاعه (6)، ثمّ أعادها إليّ وقد أفضاها (7)، وبذل عنها قيمة لا أرضاها. فقال الحدث (8): أمّا الشّيخ فأصدق من القطا (9)، وأمّا الإفضاء ففرط عن خطإ (10). وقد رهنته، عن أرش (11) ما أوهنته (12)، مملوكا (13) لي متناسب (14) الطّرفين، منتسبا إلى القين (15). نقيّا من الدّرن (16) والشّين (17)، يقارن محلّه سواد العين (18) يفشي (19) الإحسان، وينشي (20) الاستحسان.
ويغذي الإنسان (21)، ويتحامى (22) اللّسان. إن سوّد (23) جاد (24)، أو وسم (25)
أجاد (26). وإذا زوّد (27) وهب (28) الزّاد، ومتى استزيد زاد. لا يستقرّ (29) بمغنى (30)، وقلّما
__________
(1) أي أجرة.
(2) يأخذ منفعتها.
(3) طاقتها.
(4) أدخل.
(5) أراد به الخيط.
(6) استعماله.
(7) خرقها وأريد به هنا أنه خرم خرمتها أي سمها.
(8) الشاب.
(9) هو طائر إذا طار يصيح قطا قطا فيصدق في صياحه بإخباره عن نفسه فضرب به المثل في الصدق.
(10) أي عن غير عمد.
(11) الأرش دية الجراحات.
(12) أفسدته.
(13) يعني ميلا.
(14) أي متساوي.
(15) الحدّاد ولما قال مملوكا أوهم بالطرفين جانبي الأم والأب كما أوهم بالقين الحيّ المشهور من بني أسد.
(16) مراده به وسخ الحديد.
(17) العيب.
(18) عند التكحل به.
(19) يظهره ويعلن به.
(20) يبتدىء الاستحسان.
(21) يعني إنسان العين.
(22) أي يتجانب اللسان إذ لا عمل له به.
(23) من السواد.
(24) سمح مأخوذ من الجواد وهو المطر.
(25) علم.
(26) من أجاده إذا أتقنه.
(27) أعطي.
(28) كناية عن الكحل.
(29) لا يقيم.
(30) بمنزل.(1/80)
ينكح إلّا مثنى (1). يسخو (2) بموجوده (3)، ويسمو (4) عند جوده (5). وينقاد (6)
مع قرينته (7)، وإن لم تكن من طينته. ويستمتع (8) بزينته (9)، وإن لم يطمع في لينته (10). فقال لهما القاضي: إمّا أن تبينا (11)، وإلّا فبينا (12). فابتدر (13) الغلام وقال:
أعارني إبرة لأرفو (14) أط ... مارا (15) عفاها (16) البلا (17) وسوّدها
فانخرمت (18) في يدي على خطإ ... منّي لمّا جذبت مقودها (19)
فلم ير الشّيخ أن يسامحني ... بأرشها (20) إذ رأى تأوّدها (21)
بل قال هات ابرة تماثلها ... أو قيمة بعد أن تجوّدها (22)
واعتاق (23) ميلي رهنا لديه (24) ونا ... هيك (25) بها سبّة (26) تزوّدها (27)
فالعين مرهى (28) لرهنه ويدي ... تقصر عن أن تفكّ (29) مرودها
فاسبر (30) بذا الشّرح غور (31) مسكنتي (32) ... وارث (33) لمن لم يكن تعوّدها
__________
(1) أي اثنتين اثنتين لأنه يكتحل به العينان معا.
(2) يسمح.
(3) ما أعطي.
(4) يرتفع.
(5) إعطاء ما معه من الكحل.
(6) ينصرف.
(7) المكحلة وهي في الأصل امرأة الرجل.
(8) ينتفع.
(9) أي كحله.
(10) أي لينه من لان إذا خضع.
(11) أي توضحا.
(12) أبعدا.
(13) تقدم.
(14) الرفو إصلاح الخرق بنساجه.
(15) أخلاقا.
(16) أخلقها.
(17) القدم.
(18) انكسرت.
(19) الخيط الذي فيها.
(20) قيمة ما نقص منها وهو ديتها.
(21) اعوجاجها وأراد الخرم.
(22) أي تعيدها إلى حالها الأول في الجودة أو تدفع إليّ قيمتها.
(23) عاق.
(24) عنده.
(25) أي حسبك وغايتك.
(26) عارا.
(27) أرادها واختارها أي اتخذها زادا.
(28) غير مكحولة بيضاء الأشفار وقصره للضرورة.
(29) تخلص.
(30) أي انظر وقدر وفتش.
(31) الغور القعر.
(32) ذلي.
(33) ارحم.(1/81)
فأقبل القاضي على الشّيخ، وقال: إيه (1)، بغير تمويه (2). فقال:
أقسمت بالمشعر الحرام ومن ... ضمّ من النّاسكين (3) خيف (4) منى
لو ساعفتني (5) الأيّام لم يرني ... مرتهنا ميله الّذي رهنا
ولا تصدّيت (6) أبتغي بدلا ... من إبرة غالها (7) ولا ثمنا
لكنّ قوس الخطوب (8) ترشقني (9) ... بمصميات (10) من ها هنا وهنا
وخبر حالي كخبر حالته (11) ... ضرّا (12) وبؤسا (13) وغربة وضنى (14)
قد عدل (15) الدّهر بيننا فأنا ... نظيره في الشّقاء وهو أنا (16)
لا هو يسطيع (17) فكّ مروده ... لمّا غدا في يديّ مرتهنا
ولا مجالي (18) لضيق ذات يدي ... فيه اتّساع للعفو حين جنى (19)
فهذه قصّتي وقصّته ... فانظر إلينا (20) وبيننا (21) ولنا (22)
__________
(1) قال الجوهري إيه اسم فعل سمي به الفعل لأن معناه الأمر تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل إيه بكسر الهاء فإن وصلت نوّنت فقلت إيه حدثنا. وقال ذي الرمة:
وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم ... وما بال تكليم الديار البلاقع
فلم ينون وقد وصل لأنه قد نوى الوقف قال ابن السري إذا قلت إيه يا رجل فإنما تأمره أن يزيدك من الحديث المعهود بينكما كأنك قلت هات الحديث فإن قلت إيه بالتنوين فكأنك قلت هات حديثا ما لأن التنوين تنكير وذو الرمة أراد التنوين فتركه للضرورة.
(2) تلبيس.
(3) جمع ناسك وهو المتقرب بنسيكة أي ذبيحة.
(4) الخيف ما انحدر عن غليظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء ومنه مسجد الخيف بمنى وهو المراد هنا.
(5) ساعدتني.
(6) تعرّضت.
(7) أهلكها.
(8) الدواهي.
(9) ترميني.
(10) أصلها السهام التي تقتل الصيد سريعا وأراد بها الحوادث المهلكات من أصماه إذا قتله مكانه.
(11) أي باطن أمري إذا اختبرته تراه كباطن أمره.
(12) أي مرضا.
(13) فقرا.
(14) هزالا.
(15) أنصف.
(16) أي هو نظيري في ضيق الحال.
(17) أي يستطيع.
(18) مداري.
(19) من الجناية أي جنى الذنب عليّ.
(20) بالعين.
(21) بالحكم.
(22) بالعطية جمع فيه أحوال النظر كلها كأنه طلب أن ينظر ألى أحوالهما مشاهدة وعيانا وبينهما حكما وقضاء ولهما إغاثة ورحمة.(1/82)
فلمّا وعى (1) القاضي قصصهما (2)، وتبيّن خصاصتهما (3) وتخصّصهما (4)، أبرز (5) لهما دينارا من تحت مصلّاه، وقال لهما: اقطعا به الخصام وافصلاه.
فتلقّفه (6) الشّيخ دون الحدث (7)، واستخلصه على وجه الجدّ لا العبث. وقال للحدث نصفه لي بسهم مبرّتي (8)، وسهمك لي عن أرش (9) إبرتي. ولست عن الحقّ أميل، فقم وخذ الميل. فعرا الحدث (10) لما حدث (11) اكتئاب (12)، واكفهرّ (13) على سمائه سحاب، وجم (14) له القاضي، وهيّج (15) أسفه (16) على الدّينار الماضي. إلّا أنّه جبر بال (17) الفتى وبلباله (18)، بدريهمات رضخ (19) بها له. وقال لهما: اجتنبا المعاملات، وادرآ (20) المخاصمات، ولا تحضراني في المحاكمات، فما عندي كيس الغرامات. فنهضا من عنده، فرحين برفده (21)، مفصحين (22) بحمده، والقاضي ما يخبو (23) ضجره، مذ بضّ (24) حجره. ولا ينصل (25)
كمده (26)، مذ رشح (27) جلمده (28). حتّى إذا أفاق من غشيته (29)، أقبل على
__________
(1) حفظ.
(2) خبرهما.
(3) فقرهما.
(4) تفضلهما وانفرادهما.
(5) أخرج.
(6) تناوله بسرعة.
(7) الغلام.
(8) نصيب صلتي.
(9) دية.
(10) عرض له.
(11) وقع.
(12) حزن.
(13) أي اسودّ وغلظ وركب بعضه بعضا.
(14) سكت حزينا من وجم من الأمر اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام.
(15) أثار وحرّك.
(16) حزنه.
(17) داوى قلب.
(18) وسواس صدره.
(19) الرضخ العطاء اليسير.
(20) ادفعا.
(21) أي عطائه.
(22) معلنين.
(23) يخمد.
(24) ندي ورشح وأصل البضض رشح الحجر لقليل ماء يقال ما يبض حجره ولا تندى صفاته.
(25) يزول.
(26) حزنه المكتوم.
(27) أصله تندّى من العرق.
(28) حجره.
(29) زوال عقله.(1/83)
غاشيته (1)، وقال: قد أشرب (2) حسّي (3)، ونبّأني (4) حدسي (5)، أنّهما صاحبا دهاء (6)، لا خصما ادّعاء. فكيف السّبيل (7) إلى سبرهما (8)، واستنباط (9)
سرّهما؟ (10). فقال له نحرير (11) زمرته (12)، وشرارة (13) جمرته، إنّه لن يتمّ استخراج خبئهما (14)، إلّا بهما! فقفّاهما (15) عونا (16) يرجعهما إليه. فلمّا مثلا (17)
بين يديه، قال لهما: اصدقاني سنّ بكركما (18)، ولكما الأمان من تبعة (19)
مكركما. فأحجم (20) الحدث واستقال (21)، وأقدم (22) الشّيخ، وقال:
أنا السّروجيّ وهذا ولدي ... والشّبل (23) في المخبر (24) مثل الأسد
وما تعدّت (25) يده ولا يدي ... في إبرة يوما ولا في مرود
وإنّما الدّهر المسيء المعتدي (26) ... مال (27) بنا حتّى غدونا (28) نجتدي (29)
__________
(1) الحاضرين عنده أصله يتردد عليه ويغشاه في منزله.
(2) أي داخل.
(3) قلبي وإدراكي وفهمي.
(4) أعلمني.
(5) ظني.
(6) أي مكر.
(7) الطريق.
(8) اختبارهما.
(9) استخراج.
(10) ما أسرّاه وأخفياه عني.
(11) النحرير العالم الفطن المتقن.
(12) جماعته.
(13) أصل الشرارة ما تطاير من النار والمراد به سلط جماعته.
(14) مكرهما.
(15) اتبعهما.
(16) خادما.
(17) انتصبا قائمين.
(18) هذا مثل يضرب معناه أخبراني الحق وأصله أن رجلا ساوم رجلا ببكره وأراد شراءه ليلا فقال للبائع أخبرني عن سنه فأخبره بالحق فلما رآه المشتري نهارا قال: صدقني سن بكره فصار مثلا.
(19) جناية.
(20) تأخر وتقهقر.
(21) أي طلب الإقالة.
(22) أي تقدم.
(23) ولد الأسد.
(24) أي في التجربة.
(25) أي تجاوزت وظلمت.
(26) الظالم.
(27) أراد أجحف بنا.
(28) صرنا وعدنا.
(29) نطلب الجدوى أي العطاء من الناس.(1/84)
كلّ ندي الرّاحة (1) عذب المورد (2) ... وكلّ جعد الكفّ (3) مغلول اليد (4)
بكلّ فنّ (5) وبكلّ مقصد ... بالجدّ (6) إن أجدى (7) وإلّا بالدّد (8)
لنجلب الرّشح (9) إلى الحظّ (10) الصّدي (11) ... وننفد (12) العمر بعيش (13) أنكد (14)
والموت من بعد لنا بالمرصد (15) ... إن لم يفاج (16) اليوم فاجى (17) في غد
فقال له القاضي: لله درّك (18)، فما أعذب (19) نفثات فيك! (20) وواها لك (21) لولا خداع (22) فيك. وإنّي لك لمن المنذرين (23)، وعليك من الحذرين (24)، فلا تماكر (25) بعدها الحاكمين، واتّق سطوة (26) المتحكّمين. فما
__________
(1) يعني السخي الكريم.
(2) يعني سهل العطاء.
(3) أي بخيل يقال للبخيل جعد اليدين وجعد الأنامل.
(4) هو البخيل أيضا شبه لعدم بسط يده بالعطاء بمن غلت يده إلى عنقه بحيث لا يمكنه العمل بها في شيء.
(5) أي ضرب من الكلام وطريق من الخيلة.
(6) أي بالحق والصدق.
(7) أي أفاد ونفع.
(8) أي بالهزل واللعب.
(9) أصله الماء القليل الذي يرشح من الثمد أو ما يرشح من العرق فاستعير هنا لقليل العطاء.
(10) البخت.
(11) العطشان من الصدى وهو العطش.
(12) نفني.
(13) أي معيشة.
(14) مشوم شديد العسر والضيق والنكد الشؤم وقلة الخير.
(15) أي مترقب لنا.
(16) يباغت.
(17) باغت من فاجأه الشيء جاءه بغتة.
(18) أصل الدرّ بالفتح اللبن ثم استعير هذا التركيب في التعجب.
(19) أحلى.
(20) أي كلماتك.
(21) أي ما أطيبك وما أحسنك.
(22) مكر.
(23) الناصحين والإنذار الإعلام بما يخيف.
(24) المشفقين.
(25) أي تخادع والمماكرة الاحتيال في خفية.
(26) قهر وبطش.(1/85)
كلّ مسيطر (1) يقيل (2)، ولا كلّ أوان (3) يسمع القيل (4). فعاهده الشّيخ على اتّباع مشورته، والارتداع (5) عن تلبيس (6) صورته، وفصل عن جهته، والختر (7) يلمع من جبهته. قال الحارث بن همّام: فلم أر أعجب منها في تصاريف (8) الأسفار (9)، ولا قرأت مثلها في تصانيف (10) الأسفار (11)!
__________
(1) مسلط قاهر ويطلق على الرقيب والكاتب والكتاب والدين.
(2) يعفو عن الزلة.
(3) وقت.
(4) القول والكلام.
(5) الرجوع والكف.
(6) تغيير.
(7) الغدر والخديعة أو أقبح الغدر.
(8) تقلبات.
(9) جمع سفر بفتحتين.
(10) مؤلفات.
(11) جمع سفر بالكسر وهو الكتاب الكبير.(1/86)
المقامة التاسعة الإسكندريّة
قال الحارث بن همّام: طحا بي (1) مرح (2) الشّباب، وهوى الاكتساب (3) إلى أن جبت (4) ما بين فرغانة (5)، وغانة (6). أخوض الغمار (7)، لأجني الثّمار. وأقتحم (8) الأخطار، لكي أدرك الأوطار (9). وكنت لقفت (10) من أفواه العلماء، وثقفت (11) من وصايا الحكماء، أنّه يلزم الأديب الأريب (12)، إذا دخل البلد الغريب، أن يستميل قاضيه (13)، ويستخلص (14) مراضيه (15)، ليشتدّ ظهره عند الخصام، ويأمن في الغربة جور الحكّام. فاتّخذت هذا الأدب (16) إماما (17)، وجعلته لمصالحي زماما. فما دخلت مدينة، ولا ولجت (18) عرينة (19)، إلّا وامتزجت (20)
__________
(1) ذهب بي.
(2) هو النشاط وشدة الفرح.
(3) أي محبة اكتساب المال.
(4) قطعت.
(5) بلد بأقصى بلاد المشرق.
(6) بلد بأقصى المغرب.
(7) بالكسر جمع غمرة وهي الكثير من الماء والمراد هنا الأمور الصعبة.
(8) أي أدخل في القحمة بالضم وهي الشدة والأخطار الأمور العظيمة.
(9) الحاجات.
(10) بالكسر أخذت بسرعة وحفظت.
(11) أدركت.
(12) العاقل.
(13) يرغبه ويترضاه ويطلب ميله إليه.
(14) يطلب.
(15) أي رضاه.
(16) أي الأمر الظريف المستحسن.
(17) قدوة يعني أعمل بمقتضاه.
(18) دخلت.
(19) مأوى الأسد.
(20) أي اختلطت.(1/87)
بحاكمها امتزاج (1) الماء بالرّاح (2). وتقوّيت بعنايته (3)، تقوّي الأجساد بالأرواح. فبينما أنا عند حاكم الإسكندريّة (4)، في عشيّة عريّة (5)، وقد أحضر مال الصّدقات، ليفضّه (6) على ذوي الفاقات (7)، إذ دخل شيخ عفريّة (8)، تعتله (9)
امرأة مصبيّة (10)، فقالت أيّد (11) الله القاضي، وأدام به التّراضي (12). إنّي امرأة من أكرم جرثومة (13)، وأطهر أرومة (14)، وأشرف خؤولة (15)، وعمومة (16).
ميسمي (17) الصّون (18)، وشيمتي (19) الهون (20)، وخلقي نعم العون (21). وبيني وبين جاراتي بون (22)، وكان أبي إذا خطبني بناة (23) المجد (24)، وأرباب الجدّ (25)، سكّتهم (26) وبكّتهم (27)، وعاف وصلتهم (28) وصلتهم (29). واحتجّ بأنّه عاهد الله تعالى بحلفة (30)، أن لا يصاهر (31) غير ذي حرفة (32). فقيّض (33) القدر لنصبي (34)،
__________
(1) اختلاط.
(2) الخمر.
(3) اهتمامه.
(4) مدينة معروفة وهي أشهر ثغور مصر بناها الإسكندر.
(5) أي شديدة البرد أو ذات ريح باردة.
(6) يفرقه.
(7) أي الفقراء المحتاجين.
(8) أي خبيث شديد الدهاء.
(9) تجره بعنف وجفاء.
(10) أي ذات صبيان.
(11) قوّى ونصر.
(12) أراد التراضي بين الخصوم بحيث يرضى بحكمه الغالب والمغلوب.
(13) أي أصل.
(14) الأرومة بالفتح أصل الشجرة ثم استعير لأصل الحسب.
(15) جمع خال.
(16) جمع عم.
(17) علاقتي وأصل الميسم الآلة التي يكوى بها ويعلم.
(18) الحفظ والعفاف.
(19) خلقي وعادتي.
(20) الرفق.
(21) أي الرفيق الظهير.
(22) أي فرق وتفاوت في الفضل.
(23) بالضم جمع بان.
(24) الشرف والمراد أصحاب الشرف والرفعة.
(25) أصحاب الغنى.
(26) أي قال لهم كلاما لا يجدون له جوابا.
(27) ألزمهم الحجة.
(28) أي كره قربهم.
(29) أي عطاءهم.
(30) أي يمين.
(31) أي لا يزوج ابنته.
(32) صناعة.
(33) يعني قدر الله تعالى.
(34) تعبي.(1/88)
ووصبي (1)، أن حضر هذا الخدعة (2) نادي أبي (3)، فأقسم بين رهطه (4)، إنّه وفق شرطه. وادّعى أنّه طالما نظم درّة إلى درّة (5)، فباعهما ببدرة (6). فاغترّ أبي بزخرفة محاله (7)، وزوّجنيه قبل اختبار حاله. فلمّا استخرجني من كناسي (8)، ورحّلني (9) عن أناسي (10)، ونقلني إلى كسره (11)، وحصّلني تحت أسره (12)، وجدته قعدة (13) جثمة (14)، وألفيته ضجعة (15) نومة (16). وكنت صحبته برياش (17)
وزيّ (18)، وأثاث (19) وريّ (20)، فما برح يبيعه في سوق الهضم (21)، ويتلف ثمنه في الخضم (22)، والقضم (23). إلى أن مزّق مالي (24) بأسره (25)، وأنفق مالي (26) في عسره (27). فلمّا أنساني طعم الرّاحة (28)، وغادر (29) بيتي أنقى من الرّاحة (30)، قلت
__________
(1) مرضي.
(2) أي الكثير الخداع.
(3) مجلس أبي.
(4) قومه وعشيرته.
(5) أي جوهرة إلى جوهرة.
(6) البدرة عشرة الآف درهم.
(7) يقال زخرف الباطل حسنه وزينه وأصل الزخرف الذهب ثم أطلقوا على كل مزين مزخرفا.
(8) أي منزلي وأصله بيت الظبي أو بقر الوحش.
(9) نقلني.
(10) أهلي.
(11) بفتح الكاف وكسرها أي جانب بيته.
(12) قيده وحبسه.
(13) كثير العقود.
(14) كثير الجثوم أي يلازم الموضع الذي يقعد فيه.
(15) أصله العاجز الذي لا يتصرّف.
(16) كثير النوم.
(17) مال ولباس فاخر.
(18) يعني هيئة حسنة.
(19) هو متاع البيت.
(20) حسن حال وكثير نعمة وهو بكسر الراء في الأصل اسم من روي من الماء يروى ريّا بالفتح.
(21) الكسر والمراد يبيعه بأقل من القيمة.
(22) الأكل بجميع الفم.
(23) الأكل بأطراف الأسنان وقيل الخضم الأكل بأطراف الأسنان والقضم بمقدمها وقيل الخضم أكل الرطب والقضم أكل اليابس يريد أنه يصرف ثمنه في أنواع الأكل واللذات.
(24) أي فرق الذي لي.
(25) جميعه.
(26) أي ما أملكه من المال وفي نسخة وأنفقه.
(27) في قلة ذات يده.
(28) حلاوة الاستراحة.
(29) ترك.
(30) بطن الكف لنقائه من الشعر.(1/89)
له: يا هذا! إنّه لا مخبأ بعد بوس (1)، ولا عطر بعد عروس (2). فانهض (3)
للاكتساب بصناعتك، واجنني (4) ثمرة براعتك (5). فزعم (6) أنّ صناعته قد رميت بالكساد (7)، لما ظهر في الأرض من الفساد. ولي منه سلالة (8)، كأنّه خلالة (9). وكلانا ما ينال (10) معه شبعة (11)، ولا ترقا (12) له من الطّوى (13) دمعة.
وقد قدته (14) إليك، وأحضرته لديك، لتعجم (15) عود دعواه، وتحكم بيننا بما أراك (16) الله. فأقبل القاضي عليه وقال له: قد وعيت (17) قصص عرسك (18)، فبرهن (19) الآن عن نفسك؟، وإلّا كشفت (20) عن لبسك (21)، وأمرت بحبسك.
فأطرق (22) إطراق الأفعوان (23)، ثمّ شمّر للحرب العوان (24)، وقال:
إسمع حديثي فإنّه عجب ... يضحك من شرحه وينتحب (25)
أنا امرؤ ليس في خصائصه (26) ... عيب ولا في فخاره (27) ريب (28)
__________
(1) أي فقر.
(2) هذا مثل قالته امرأة من عذرة مات عنها زوجها واسمه عروس فتزوجها رجل أبخر وأمرها أن تتعطر فقالته.
(3) قم.
(4) مكني من الجنى وهو جمع الثمر.
(5) أي فضلك وفوقانك على أقرانك.
(6) تستعمل زعم بمعنى ظن وهنا بمعنى ادعى.
(7) هو خمود السوق وقلة البيع ضد النفاق بالفتح.
(8) يعني ولدا.
(9) ما يتخلل به.
(10) وفي نسخة لا ينال أي لا يحصل.
(11) بالضم قدر ما يشبع به مرة.
(12) أي تسكن.
(13) الجوع.
(14) أي جذبته وأتيت به.
(15) لتقص وتختبر.
(16) علمك.
(17) يضم تاء الفاعل ويصح فتحها أي فهمت وحفظت.
(18) ما قصته زوجك.
(19) أي ائت بالبرهان وأقم الحجة.
(20) بينت وأظهرت.
(21) إشكالك وتعمية أمرك.
(22) سكت ولم يتكلم مع النظر إلى الأرض.
(23) ذكر الأفاعي أو العظيم منها.
(24) الحرب التي قبلها حرب وهي تكون أشد من الأولى.
(25) أي يبكي ويشهق من سماعه لأن الانتخاب بكاء مع شهيق ويطلق على رفع الصوت بالبكاء.
(26) خصاله وطباعه.
(27) مباهاته بالمكارم والمناقب.
(28) جمع ريبة وهي الشك.(1/90)
سروج داري الّتي ولدت بها ... والأصل غسّان (1) حين أنتسب
وشغلي الدّرس (2) والتّبحّر (3) في ال ... علم طلابي (4) وحبّذا الطّلب (5)
ورأس مالي سحر الكلام (6) الّذي ... منه يصاغ القريض (7) والخطب
أغوص في لجّة البيان (8) فأخ ... تار اللّآلي (9) منها وأنتخب (10)
وأجتني (11) اليانع (12) الجنيّ (13) من ال ... قول وغيري للعود يحتطب (14)
وآخذ اللّفظ فضّة فإذا ... ما صغته (15) قيل إنه ذهب
وكنت من قبل أمتري (16) نشبا (17) ... بالأدب المقتنى وأحتلب (18)
ويمتطي (19) أخمصي (20) لحرمته (21) ... مراتبا (22) ليس فوقها رتب (23)
وطالما زفّت الصّلات (24) إلى ... ربعي (25) فلم أرض كلّ من يهب (26)
__________
(1) اسم ماء نزل عليه قوم من الأزد فنسبوا إليه منهم بنو جفنة ورهط الملوك وقيل غسان قبيلة.
(2) أي وعملي الذي اشتغل به تدريس العلم.
(3) أي الاتساع.
(4) بالكسر أي مطلوبي.
(5) أي ما أحبه.
(6) هو ما لطف مأخذه ورق.
(7) الشعر.
(8) أي أتعمق في بليغ العلوم وأصل اللجة معظم البحر.
(9) جمع لؤلؤة والمراد بها ملح المعاني.
(10) أي أختار وأصل النخب النزع.
(11) أي أقتطف.
(12) الزاهي.
(13) الطري من الثمر الذي جني آنفا.
(14) أي يجمع حطب ما يجتني وفي نسخة محتطب والمراد أنه يكتسب من الآداب أحسن مما يكتسبه غيره.
(15) سبكته.
(16) أي أكتسب.
(17) النشب المال.
(18) بالحاء المهملة معطوف على أمتري وهما بمعنى الحلب مستعاران للاكتساب.
(19) أي يركب من امتطى الدابة إذا ركبها.
(20) الأخمص ما ارتفع من باطن التدم عن الأرض.
(21) أي لشرفه ورفعته.
(22) جمع مرتبة.
(23) جمع رتبة وهي المنزلة الرفيعة.
(24) أي حملت إليّ الجوائز والهدايا يقال زفت العروس إذا حملت إلى بعلها ومنه المزفة وهي المحفة.
(25) منزلي.
(26) أي لا أرضى أن أكون تحت منة كل أحد بل لا أقبل إلا من العظماء.(1/91)
فاليوم من يعلق الرّجاء به ... أكسد شيء في سوقه الأدب (1)
لا عرض أبنائه يصان (2) ولا ... يرقب (3) فيهم إلّ (4) ولا نسب (5)
كأنّهم في عراصهم (6) جيف (7) ... يبعد (8) من نتنها ويجتنب
فحار لبّي (9) لما منيت به (10) ... من اللّيالي وصرفها (11) عجب
وضاق ذرعي (12) لضيق ذات يدي (13) ... وساورتني (14) الهموم والكرب
وقادني دهري المليم (15) إلى ... سلوك (16) ما يستشينه (17) الحسب (18)
فبعت حتّى لم يبق لي سبد (19) ... ولا بتات (20) إليه أنقلب
__________
(1) أي إن من يتعلق به الأمل ويرجى منه النوال لا يستعمل الآداب والمعارف حتى صار ذلك كالسلعة الكاسدة عنده.
(2) أي أبناء هذا اليوم والعرض موضع المدح والذم من الإنسان.
(3) يحفظ.
(4) بكسر الهمزة وتشديد اللام العهد والقرابة والجوار قال الشاعر:
لعمرك إن إلك من قريش ... كإلّ السقب من رأل النعام
والسقب ولد النافة والرأل فرخ النعام.
(5) المراد بالنسب هنا الوصلة يقال بيني وبين فلان نسب أي وصلة وفي نسخة ولا سبب أي وصلة.
(6) جمع عرصة وهي فناء الدار أي كأنهم في مواضعهم.
(7) جمع جيفة وهي الميتة المنتنة.
(8) بالتحتية والفوقية كما وجد بخط الحريري.
(9) تحير عقلي.
(10) بليت به.
(11) تقلبها.
(12) انقبض قلبي.
(13) ذات اليد السعة والمال.
(14) واثبتني وغلبتني.
(15) أي الذي يأتي بما يلام عليه.
(16) دخول.
(17) يستبشعه.
(18) ما يعدّ من مفاخر الآباء أو الدين وقيل الكرم.
(19) وفي نسخة لبد مأخوذ من قولهم ما له سبد ولا لبد أي شعر ولا صوف والمراد ذوات الشعر والصوف من المواشي وأراد به هنا أنه لم يبق له كثير ولا قليل كناية عن شدة الفقر والحاجة قال الشاعر:
أفنى الزمان حلوباتي وما جمعت ... كفّاي من سبد الأيام واللبد
(20) البتات الزاد ومتاع البيت.(1/92)
وادّنت (1) حتّى أثقلت سالفتي (2) ... بحمل دين من دونه العطب (3)
ثمّ طويت الحشا على سغب (4) ... خمسا (5) فلمّا أمضّني (6) السّغب
لم أر إلّا جهازها (7) عرضا (8) ... أجول (9) في بيعه وأضطرب (10)
فجلت (11) فيه والنّفس كارهة ... والعين عبرى (12) والقلب مكتئب (13)
وما تجاوزت (14) إذ عبثت به (15) ... حدّ التّراضي (16) فيحدث الغضب
فإن يكن غاظها (17) توهّمها (18) ... أنّ بناني (19) بالنّظم تكتسب
أو أنّني إذ عزمت خطبتها (20) ... زخرفت (21) قولي لينجح (22) الأرب (23)
فو الّذي سارت الرّفاق (24) إلى ... كعبته تستحثّها (25) النّجبب (26)
ما المكر (27) بالمحصنات (28) من خلقي (29) ... ولا شعاري (30) التّمويه (31) والكذب
__________
(1) افتعال من الدّين بالفتح أي تداينت.
(2) السالفة صفحة العنق وقيل مقدمه.
(3) أي الهلاك.
(4) جوع.
(5) أي خمس ليال.
(6) أحرقني.
(7) الجهاز بفتح الجيم وكسرها فاخر متاع البيت وأهبة السفر.
(8) حطام الدنيا وهو المال قل أو أكثر.
(9) من الجولان وأصله الذهاب والمجيء والركض في ميدان الحرب والمعنى اختلف في بيعه وفي نسخة أركض.
(10) أتردّد.
(11) ذهبت وجئت ودرت.
(12) دامعة باكية.
(13) حزين.
(14) تعدّيت.
(15) أي فعلت به ما لا يليق فعله.
(16) أي شرط الرضى.
(17) أغضبها.
(18) ظنها.
(19) البنان طرف الأصبع.
(20) نكاحها.
(21) زينت وحسنت.
(22) بضم المثناة التحتية وفتحها أي ليسهل.
(23) الحاجة.
(24) جمع رفقة وهي جمع رفيق.
(25) تستعجلها.
(26) جمع نجيبة وهي الكريمة من الإبل.
(27) الخدع.
(28) أي العفائف جمع محصنة.
(29) أي طبعي وسجيتي.
(30) تخلقي.
(31) تزيين الكلام وأصله أن يطلى المعدن غير الذهب والفضة بأحدهما أو الفضة بالذهب.(1/93)
ولا يدي مذ نشأت (1) نيط بها (2) ... إلّا مواضي اليراع (3) والكتب
بل فكرتي تنظم القلائد (4) لا ... كفّي وشعري المنظوم لا السّخب (5)
فهذه الحرفة (6) المشار إلى ... ما كنت أحوي (7) بها وأجتلب (8)
فأذن لشرحي (9) كما أذنت لها (10) ... ولا تراقب (11) واحكم بما يجب
قال فلمّا أحكم ما شاده (12)، وأكمل إنشاده (13)، عطف القاضي إلى الفتاة، بعد أن شغف (14) بالأبيات. وقال: أما إنّه (15) قد ثبت عند جميع الحكّام، وولاة الأحكام (16)، انقراض (17) جيل الكرام (18)، وميل الأيّام إلى اللّئام (19). وإنّي لإخال (20) بعلك صدوقا (21) في الكلام (22)، بريّا من الملام. وها هو قد اعترف لك بالقرض (23)، وصرّح (24) عن المحض (25)، وبيّن (26) مصداق النّظم (27)، وتبيّن أنّه
__________
(1) وجدت وولدت.
(2) علق بها.
(3) جمع يراعة وهي القصبة الجوفاء والمراد الأقلام.
(4) جمع قلادة أصله ما تقلد به المرأة من الذهب والمراد ما ينظم من القصائد والأشعار.
(5) جمع سخاب وهو القلادة من القرنفل والسك ليس فيها من الجواهر شيء تجعل في أعناق الأطفال.
(6) الصناعة.
(7) أي أحوز.
(8) أجمع وأكتسب.
(9) أي فاستمع لقولي.
(10) كما استمعت لها.
(11) أي لا تنظر إلى واحد منا والمراد لا تعدل عن الحق.
(12) أي أتقن ما قاله وأنشأه من شاد البناء إذا طلاه بالشيد وهو الجص.
(13) إلقاء الأبيات الشعرية.
(14) بالعين المهملة من شعف الحب فؤاده أي علاه وشمله ويروى بالغين المعجمة أي فتن وبلغ حبها شغافه وهو غلاف القلب.
(15) أما كلمة تنبيه معناها اعلم.
(16) أمراء الشرائع.
(17) انقطاع وفناء.
(18) أي جماعة الكرم والجيل أهل زمان واحد.
(19) أهل البخل.
(20) بكسر الهمزة أي لأظن.
(21) زوجك.
(22) متحريا للصدق ما أمكن.
(23) السلف.
(24) بيّن وأظهر.
(25) الخالص.
(26) أظهر وأوضح.
(27) أي صدقه.(1/94)
معروق العظم (1). وإعنات المعذر (2) ملأمة (3)، وحبس المعسر (4)
مألمة (5). وكتمان الفقر زهادة (6)، وانتظار الفرج بالصّبر عبادة. فارجعي إلى خدرك (7)، واعذري أبا عذرك (8)، ونهنهي عن غربك (9)، وسلّمي لقضاء ربّك. ثمّ إنّه فرض (10) لهما في الصّدقات حصّة (11)، وناولهما من دراهمها قبصة (12)، وقال لهما: تعلّلا (13) بهذه العلالة (14)، وتندّيا بهذه البلالة (15)، واصبرا على كيد الزّمان (16) وكدّه (17)، فعسى الله أن يأتي بالفتح، أو أمر من عنده.
فنهضا وللشّيخ فرحة المطلق من الإسار (18) وهزّة الموسر (19) بعد الإعسار (20) قال الرّاوي: وكنت عرفت أنّه أبو زيد ساعة بزغت شمسه (21) ونزغت عرسه (22)، وكدت
__________
(1) كناية عن الهزال يقال عظم معروق إذا أخذ ما عليه من اللحم.
(2) الإعنات الحمل على المشقة الشديدة والمعذر البالغ في العذر أو هو الذي يأتي بما يعذر به ويطلق المعذر على المحقق العذر وعلى الذي بان عذره.
(3) لؤم.
(4) هو من عجز عن قضاء الدين.
(5) من الألم وفي نسخة مأثمة من الإثم.
(6) من الزهد وهو خلاف الرغبة يقال زهد في الشيء زهادة وزهدا إذا تركه.
(7) بيتك وسترك ومنه جارية مخدّرة إذا لزمت الخدر.
(8) أبو عذرة المرأة زوجها الأول الذي افتض بكارتها وأزال عذرتها.
(9) أي كفي وازجري نفسك عن الحدة قال الشاعر:
وثبنا أسودا ما ينهنهنا اللقا ... ورحنا ملوكا ما ينعنعنا السكر
(10) عيّن وقدّر.
(11) نصيبا.
(12) هي ما يتناوله الإنسان بأطراف أصابعه.
(13) تشاغلا وتلاهيا.
(14) ما يتعلل به وأصلها بقية اللبن.
(15) قدر ما يبل به الشيء واسم للبقية أيضا.
(16) حيله ومكره.
(17) الكد والتعب في العمل.
(18) القيد الذي يشد به الأسير.
(19) أي اهتزازه ونشاطه وخفته من الفرح والموسر ضد المعسر.
(20) الفقر.
(21) أي طلعت وظهرت مأخوذ من البزغ وهو الشق كأنها تشق بنورها الظلمة.
(22) خبثت والنزغ الذكر بالقبيح والإفساد بين الناس ومعناه خاصمته عرسه.(1/95)
چاپ محتويات کتاب var _gaq = _gaq || []; _gaq.push(['_setAccount', 'UA-22777804-1']); _gaq.push(['_trackPageview']); (function () { var ga = document.createElement('script'); ga.type = 'text/javascript'; ga.async = true; ga.src = ('https:' == document.location.protocol ? 'https://ssl' : 'http://www') + '.google-analytics.com/ga.js'; var s = document.getElementsByTagName('script')[0]; s.parentNode.insertBefore(ga, s); })(); var HttpPath='/DLView/HttpHandler/';var FilesURL='/File/FA/Default/';LanguageID = 1;var BookVol=1; document.getElementById("form1").action="/DLView/FA/PrintBook.rem?BookID=1011674&BookPageNum=96&BookViewKind=1&VolumeNum=1&ProjectID=16980&VisitorID=212921&ModePrint=1"; [Content](1/96)
لقد عاينت (1) عجبا (2)، وسمعت ما أنشأ لي طربا (3)! فقال له: ماذا رأيت؟ وما الّذي وعيت (4)؟ قال لم يزل الشّيخ مذ خرج يصفّق بيديه (5)، ويخالف بين رجليه (6)، ويغرّد (7) بملء شدقيه (8)، ويقول:
كدت أصلى (9) ببليّه ... من وقاح (10) شمّريّه (11)
وأزور السّجن (12) لولا ... حاكم الإسكندريّه
فضحك القاضي حتّى هوت (13) دنّيته (14)، وذوت (15) سكينته (16). فلمّا فاء (17) إلى الوقار (18)، وعقّب الاستغراب (19) بالاستغفار، قال: اللهمّ بحرمة عبادك المقرّبين، حرّم حبسي على المتأدّبين. ثمّ قال لذلك الأمين: عليّ به (20)
فانطلق مجدّا بطلبه، ثمّ عاد بعد لأيه (21)، مخبرا بنأيه (22). فقال له القاضي: أما إنّه لو حضر، لكفي الحذر (23)، ثمّ لأوليته (24) ما هو به أولى، ولأريته (25) أنّ الآخرة خير له من الأولى. قال الحارث بن همّام: فلمّا رأيت صغو القاضي (26) إليه، وفوت ثمرة
__________
(1) أبصرت.
(2) أمرا يتعجب منه.
(3) خفة.
(4) أي حفظت.
(5) يضرب يدا على أخرى.
(6) أي يرقص.
(7) التغريد تطريب الصوت.
(8) هما جانبا فمه.
(9) أي أحترق.
(10) الوقاح قليلة الحياء بينة القحة والوقاحة وحافر وقاح صلب.
(11) الشمري الماضي في الأمور الحادّ فيما يحاول.
(12) الحبس.
(13) وقعت.
(14) بتشديد النون والياء جميعا قلنسوة طويلة يلبسها القضاة كأنها منسوبة إلى الدنّ.
(15) ذبلت وفترت.
(16) وقاره.
(17) رجع.
(18) السكينة.
(19) شدة الضحك والمبالغة فيه.
(20) أي ائت به وأحضره.
(21) أي بطئه قال في القاموس اللأي كالسعي الإبطاء والاحتباس.
(22) أي ببعده.
(23) أي ما يحذر.
(24) أي لأعطيته.
(25) لأفهمته وأعلمته أن العطية الآخرة خير من العطية الأولى.
(26) بفتح الصاد أي ميله.(1/97)
التّنبيه عليه، غشيتني (1) ندامة الفرزدق حين أبان النّوار (2)، والكسعيّ لمّا استبان النّهار (3).
__________
(1) أي أتتني وحضرتني.
(2) هو همام بن غالب التميمي الشاعر والنوار على وزن سحاب اسم زوجته وكان قد طلقها ثم ندم على ذلك ومن شعره في المعنى قوله:
ندمت ندامة الكسعيّ لما ... غدت مني مطلقة نوار
وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضرار
ولو أني ملكت يدي وأمري ... لكان عليّ للقدر الخيار
(3) هو عامر بن الحارث نسبة إلى كسع بضم الكاف وفتح السين حي من بني ثعلبة كان راعيا وعمل قوسا بعد طول تعب ثم رمى عنها ليلا فنفذت في الرمية ووقع السهم في حجر فقدح منه الشرار فظن أن السهم أخطأ الرمية فرمى ثانيا وثالثا إلى آخر الأسهم وكانت خمسا وهو يظن خطأها فعمد إلى قوسه فكسرها ثم بات فلما أصبح تبين أن أسهمه كلها أصابت فندم ندما شديدا وله في ذلك أشعار يضيق الموضع بذكرها فضربت العرب المثل به في الندامة.(1/98)
المقامة العاشرة الرّحبيّة
حكى الحارث بن همّام، قال: هتف (1) بي داعي الشّوق، إلى رحبة مالك بن طوق (2)، فلبّيته (3) ممتطيا (4) شملّة (5)، ومنتضيا (6) عزمة (7) مشمعلّة (8).
فلمّا ألقيت بها المراسي (9)، وشددت أمراسي (10)، وبرزت (11) من الحمام بعد سبت رأسي (12)، رأيت غلاما أفرغ في قالب الجمال (13)، وألبس من الحسن حلّة الكمال، وقد اعتلق شيخ بردنه (14)، يدّعي أنّه فتك (15) بابنه. والغلام ينكر عرفته (16)، ويكبر (17) قرفته (18)، والخصام بينهما متطاير (19) الشّرار (20)، والزّحام
__________
(1) أي خطر على قلبي أو صاح بي.
(2) بلد على الفرات بينه وبين حلب خمسة أيام وبين دمشق ثمانية أيام.
(3) أي أجبته.
(4) أي راكبا.
(5) بكسر الشين والميم وتشديد اللام ناقة مسرعة.
(6) أي مجردا من قولك انتضيت السيف إذا سللته وجردته.
(7) هي أن تقصد بقلبك إتيان أمر من الأمور.
(8) أي حادة سريعة من اشمعلّ القوم إذا هرعوا في خوف وحدة.
(9) جمع المرساة كناية عن الإقامة.
(10) جمع مرس بالتحريك وهو الحبل عنى بها الأطناب.
(11) أي خرجت وظهرت.
(12) السبت حلق الرأس.
(13) صبّ في قالب الجمال كناية عن أنه خلق من الحسن.
(14) الردن بالضم أصل الكم.
(15) يقال فتك فلان بفلان إذا قتله فجأة.
(16) أي معرفته.
(17) أي يستعظم.
(18) أي تهمته وأصل القرفة الكسب.
(19) أي متناثر.
(20) جمع شرارة النار.(1/99)
عليهما يجمع بين الأخيار والأشرار إلى أن تراضيا بعد اشتطاط اللّدد (1)، بالتّنافر (2) إلى والي البلد. وكان ممّن يزنّ (3) بالهنات (4)، ويغلّب حبّ البنين على البنات. فأسرعا إلى ندوته (5)، كالسّليك في عدوته (6). فلمّا حضراه، جدّد الشّيخ دعواه، واستدعى (7) عدواه (8). فاستنطق الغلام وقد فتنه بمحاسن غرّته (9)، وطرّ عقله (10) بتصفيف طرّته (11). فقال إنّها أفيكة أفّاك (12)، على غير سفّاك (13)، وعضيهة (14) محتال (15)، على من ليس بمغتال (16). فقال الوالي للشّيخ: إن شهد لك عدلان من المسلمين، وإلّا فاستوف منه اليمين. فقال الشّيخ: إنّه جدّله (17)
خاسيا (18)، وأفاح (19) دمه خاليا، فأنّى لي (20) شاهد، ولم يكن ثمّ مشاهد (21)؟
ولكن ولّني تلقينه اليمين (22)، ليبين (23) لك أيصدق أم يمين (24)؟ فقال له: أنت المالك لذلك، مع وجدك المتهالك (25)، على ابنك الهالك. فقال الشّيخ
__________
(1) الاشتطاط تجاوز الحد في كل شيء واللدد شدة الخصومة.
(2) أي طلب التحاكم.
(3) يتهم ويعاب من زننته بكذا أي اتهمته به.
(4) أي بالقاذورات كناية عن الغلمان.
(5) أي مجلسه.
(6) السليك بن السلكة بضم السين وفتح اللام فيهما أحد السعاة الأربعة المضروب بهم المثل في العدو والثلاثة تأبط شرّا والشنفرى وعمرو بن أمية الضمري.
(7) أي طلب.
(8) إعانته يقال استعديت الأمير على فلان فأعداني أي استعنته فأعانني والاسم العدوى.
(9) أي وجهه.
(10) أي شقه.
(11) بتسوية شعر ناصيته.
(12) أي كذبة كذاب والإفك أسوأ الكذب.
(13) هو الفاتك والقاتل.
(14) بهتان.
(15) من الحيلة.
(16) المغتال هو القاتل على غرّة وهي الغفلة.
(17) صرعه على الجدالة وهي الأرض.
(18) بعيدا فقلب الهمزة للازدواج.
(19) أي أراق وأسال.
(20) أي فمن أين لي.
(21) أي هناك راء ومعاين.
(22) أي الحلف وسمي يمينا لأن الرجل كان لا يحلف لآخر حتى يبسط إليه يمنى يديه فيصافحه ثم كثر ذلك.
(23) أي ليتضح.
(24) أي أم يكذب من المين وهو الكذب ومنه قول بعضهم إنّا إنّا وربنا ما منا أي إنا أعيينا من الأين وهو الإعياء وما منا أي ما كذبنا.
(25) الشديد البالغ.(1/100)
للغلام: قل والّذي زيّن الجباه بالطّرر (1)، والعيون بالحور (2)، والحواجب بالبلج (3)، والمباسم (4) بالفلج (5)، والجفون بالسّقم (6)، والأنوف بالشّمم (7)، والخدود باللهب (8)، والثّغور (9) بالشّنب (10)، والبنان (11) بالتّرف (12)، والخصور (13) بالهيف (14)، إنّني ما قتلت ابنك سهوا ولا عمدا، ولا جعلت هامته (15)
لسيفي غمدا (16) وإلّا (17) فرمى الله جفني بالعمش (18)، وخدّي بالنّمش (19)، وطرّتي بالجلح (20)، وطلعي بالبلح (21)، ووردتي (22) بالبهار (23)، ومسكتي (24)
بالبخار (25)، وبدري (26) بالمحاق (27)، وفضّتي (28) بالاحتراق (29)، وشعاعي (30)
بالإظلام، ودواتي (31) بالأقلام. فقال الغلام: الاصطلاء (32) بالبليّة (33)، ولا
__________
(1) الجباه جمع جبهة والطرر جمع طرة وهي القصة.
(2) هو خلوص بياض العين مع شدة سوادها.
(3) هو انقطاع الحاجبين ضد القرن وهو اتصالهما.
(4) جمع مبسم وهو محل الضحك.
(5) هو تباعد ما بين الثنايا والرباعيات من الأسنان.
(6) هو الفتور.
(7) هو الارتفاع مع الاستواء.
(8) هو كناية عن الحمرة.
(9) أي الأسنان.
(10) هو دقة الأسنان وبريقها أو عذوبة مائها وبرودته.
(11) الأصابع.
(12) النعومة واللين.
(13) جمع الخصر وهو وسط الإنسان.
(14) هو الدقة والضمور.
(15) أي رأسه.
(16) بالكسر هو قراب السيف يريد أنه لم يدخل السيف في عنقه.
(17) أي بان قتله.
(18) هو ضعف في البصر.
(19) هي نقط بيض وسود.
(20) هو انحسار شعر مقدم الرأس.
(21) كناية عن اخضرار الأسنان.
(22) أي خدي.
(23) ورد أصفر.
(24) أراد بها رائحة الفم العطرة.
(25) هو نتن الفم.
(26) أي وجهي.
(27) مثلث الميم وهو زوال النور ثلاث ليال من آخر الشهر يمحق فيها القمر.
(28) أراد بها بياض بشرته.
(29) أي بالسواد كناية عن الالتحاء.
(30) أراد به صباحة الوجه.
(31) هي المحبرة وكنى بها عن الاست.
(32) أي الاحتراق وهو منصوب على المصدر أو بإضمار أختار.
(33) أي المصيبة وهي في الأصل الناقة التي كانت تعقل عند قبر صاحبها حتى تموت.(1/101)
الإيلاء (1) بهذه الأليّة (2)، والانقياد للقود (3)، ولا الحلف بما لم يحلف به أحد.
وأبى الشّيخ إلّا تجريعه (4) اليمين الّتي اخترعها (5)، وأمقر (6) له جرعها (7).
ولم يزل التّلاحي (8) بينهما يستعر (9)، ومحجّة التّراضي (10) تعر (11). والغلام في ضمن تأبّيه (12)، يخلب (13) قلب الوالي بتلوّيه (14)، ويطمعه في أن يلبّيه (15). إلى أن ران (16) هواه على قلبه، وألبّ (17) بلبّه (18). فسوّل (19) له الوجد (20) الّذي تيّمه (21)، والطّمع الّذي توهّمه، أن يخلّص الغلام ويستخلصه (22)، وأن ينقذه (23)
من حبالة (24) الشّيخ ثمّ يقتنصه (25). فقال للشّيخ: هل لك فيما هو أليق (26)
بالأقوى (27)، وأقرب للتّقوى؟ فقال: إلى م تشير لأقتفيه (28)؟ ولا أقف لك فيه؟
فقال: أرى أن تقصر (29) عن القيل والقال، وتقتصر منه على مائة مثقال، لأتحمّل منها بعضا، وأجتبي الباقي لك عرضا (30). فقال الشّيخ: ما منّي خلاف، فلا يكن
__________
(1) أي الحلف.
(2) أي اليمين.
(3) أي القتل في القصاص.
(4) أي إلزامه وتكليفه.
(5) أي ابتدعها.
(6) أمقر الشيء صار مرّا قال لبيد:
ممقر مرّ على أعدائه ... وعلى الادنين حلو كالعسل
فهو لازم وقد جاء متعديا كما هنا.
(7) جمع جرعة.
(8) التنازع والتشاتم.
(9) أي يلتهب ويتقد.
(10) أي طريق التراضي.
(11) من الوعورة وهي الخشونة والشدة أي تصير وعرة.
(12) أي تمنعه وعدم الانقياد للرضى.
(13) أي يأخذ ويخدع.
(14) أي بتثنيه وانعطافه.
(15) أي يجيبه.
(16) أي غلب وغطى.
(17) أي أقام.
(18) أي بعقله.
(19) أي فزين وسهل.
(20) أي العشق.
(21) أي عبّده وذلله.
(22) أي يختصه لنفسه.
(23) يخلصه وينجيه.
(24) شبكة الصيد.
(25) أي يصطاده.
(26) أولى وأقرب.
(27) أي بالأصلح.
(28) أي لأتبعه.
(29) أقصر عن الأمر كف عنه مع القدرة عليه وقصر عنه عجز.
(30) أي من أي وجه كان.(1/102)
لوعدك إخلاف. فنقده الوالي عشرين، ووزّع (1) على وزعته (2) تكملة خمسين.
ورقّ ثوب الأصيل (3)، وانقطع لأجله صوب التّحصيل (4)، فقال: خذ ما راج (5)، ودع عنك اللّجاج. وعليّ في غد أن أتوصّل (6)، إلى أن ينضّ (7) لك الباقي ويتحصّل. فقال الشّيخ: أقبل منك على أن ألازمه ليلتي، ويرعاه إنسان مقلتي (8)، حتّى إذّا أعفى (9) بعد إسفار الصّبح، بما بقي من مال الصّلح، تخلّصت قائبة من قوب (10) وبرىء براءة الذّئب من دم ابن يعقوب (11) فقال له الوالي: ما أراك (12) سمت (13) شططا (14)، ولا رمت فرطا (15). قال الحارث بن همّام: فلمّا رأيت حجج الشّيخ كالحجج السّريجيّة (16)، علمت أنّه علم السّروجيّة (17). فلبثت (18) إلى أن زهرت (19) نجوم الظّلام، وانتثرت عقود الزّحام (20). ثمّ قصدت فناء الوالي (21)، فإذا الشّيخ للفتى كالي (22)، فنشدته الله (23)، أهو أبو زيد؟ فقال: إي ومحلّ الصّيد (24) فقلت: من هذا الغلام، الّذي
__________
(1) أي فرّق.
(2) أي أعوانه وخدمه.
(3) الأصيل آخر النهار من العصر إلى الليل ورق ثوبه بمعنى ظهر لونه.
(4) أي طريق العطاء.
(5) أي تهيأ.
(6) أي أجتهد.
(7) يصير نقدا ومنه الناضّ أي النقد.
(8) أي سواد عيني.
(9) أي أدّى المال بتمامه.
(10) هو مثل يضرب لمن تخلص من الشدة والقائبة البيضة والقوب الفرخ وأصل المثل أن أعرابيا من بني أسد قال لتاجر استخفره إذا بلغت بك مكان كذا برئت قائبة من قوب يريد أنا بريء من خفارتك.
(11) هو يوسف عليه السلام.
(12) أي ما أظنك.
(13) أي كلفت.
(14) أي جورا وأمرا بعيدا.
(15) أي طلبت مجاوزة الحد.
(16) منسوبة إلى ابن سريج وهو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج القاضي إمام أصحاب الشافعي وهو صاحب المسألة المشهورة في الطلاق توفي سنة ست وثلاثمائة وهو ابن سبع وخمسين سنة وستة أشهر.
(17) عظيم أهل سروج يريد أبا زيد.
(18) أي أقمت.
(19) أي طلعت وأضاءت.
(20) أي تفرّقت الجماعات المزدحمة.
(21) أي ساحة داره.
(22) أي حارس وحافظ.
(23) أي أقسمت عليه بالله.
(24) هذا قسم على كونه أبا زيد.(1/103)
هفت (1) له الأحلام (2)؟ قال: هو في النّسب فرخي (3)، وفي المكتسب فخّي (4). قلت: فهلّا اكتفيت بمحاسن فطرته (5)، وكفيت الوالي الافتتان بطرّته (6).
فقال: لو لم تبرز جبهته السّين (7)، لما قنفشت (8) الخمسين. ثمّ قال: بت اللّيلة عندي لنطفىء نار الجوى (9)، ونديل الهوى (10)، من النّوى. فقد أجمعت (11) على أن أنسلّ (12) بسحرة (13)، وأصلي قلب الوالي (14) نار حسرة. قال: فقضيت اللّيلة معه في سمر (15)، آنق من حديقة زهر، وخميلة شجر (16)، حتّى إذا لألأ (17)
الأفق (18) ذنب السّرحان (19)، وآن انبلاج الفجر وحان، ركب متن الطّريق، وأذاق الوالي عذاب الحريق (20). وسلّم إليّ ساعة الفراق، رقعة محكمة الإلصاق. وقال:
ادفعها إلى الوالي إذا سلب القرار، وتحقّق منّا الفرار. ففضضتها (21) فعل المتملّس (22)، من مثل صحيفة المتلمّس (23). فإذا فيها مكتوب:
__________
(1) أي طاشت وذهبت.
(2) أي العقول.
(3) أي ولدي.
(4) أي شركي.
(5) أي خلقته.
(6) الطرّة بالضم ما يسوّى من الشعر على الجبهة.
(7) شبه شعر الطرة بحرف السين لأنه يسوى على شكلها ومنه قول التهامي:
وفي كتابك فاعذر من يهيم به ... من المحاسن ما في أحسن الصور
الطرس كالوجه والنونات دائرة ... مثل الحواجب والسينات كالطرر
(8) أي جمعت وقبضت.
(9) الحرقة وشدة الوجد.
(10) أي نجعل الدولة له أي للعشق يقال أدال الله زيدا من عمرو أي نزع الدولة منع وأعطاها زيدا.
(11) أي عزمت.
(12) أي أذهب.
(13) بالضم أي وقت السحر.
(14) أي أذيقه.
(15) هو حديث الليل.
(16) آنق أحسم وأبهج. والحديقة البستان حوله حائط وأصل الحديقة للنخل. والخميلة الشجر الملتف.
(17) أي نوّر.
(18) أقطار السماء.
(19) هو الفجر الكاذب.
(20) كناية عن كونه ارتحل قبيل الفجر الصادق وترك الوالي محترقا على الغلام ومتحسرا على الاغترام.
(21) أي فككتها وفتحتها.
(22) التملس التخلص وحقيقته خروج الشيء الأملس بسرعة كالزئبق.
(23) المتلمس اسمه جرير شاعر معروف وله مع طرفة بن العبد قضية عجيبة وصحيفته مثل في الشؤم.(1/104)
قل لوال غادرته (1) بعد بيني (2) ... سادما (3) نادما يعضّ اليدين (4)
سلب الشّيخ ماله وفتاه ... لبّه فاصطلى لظى (5) حسرتين
جاد بالعين (6) حين أعمى هواه (7) ... عينه فانثنى بلا عينين (8)
خفّض (9) الحزن يا معنّى (10) فما يج ... دي (11) طلاب الآثار من بعد عين (12)
ولئن جلّ ما عراك (13) كما ج ... لّ لدى المسلمين رزء الحسين (14)
فقد اعتضت (15) منه فهما وحزما (16) ... واللّبيب الأريب يبغي (17) ذين (18)
فاعص من بعدها المطامع (19) واعلم ... أنّ صيد الظّباء ليس بهين
لا ولا كلّ طائر يلج الفخ ... خ (20) ولو كان محدقا (21) باللّجين (22)
ولكم من سعى ليصطاد فاصط ... يد ولم يلق غير خفّي حنين (23)
__________
(1) أي تركته.
(2) فراقي.
(3) السدم هو الندم وقيل السادم الحزين المتحير الذي لا يطيق ذهابا ولا إيابا كأنه ممنوع من قولهم بعير مسدّم إذا منع من الضراب.
(4) من شدة الندم.
(5) نار.
(6) أي بالذهب والفضة.
(7) أي حبه للغلام.
(8) أي عاد ورجع لا يبصر بعينه ولا مال لديه.
(9) أي هوّن.
(10) يا مولع.
(11) أي فما يغني ولا ينفع.
(12) في المثل لا أطلب أثرا بعد عين يضرب لمن ترك شيئا رآه ثم تبع أثره بعد فوت عينه.
(13) أي عظم ما أصابك وعرض لك.
(14) أي مصيبته وقصتها مشهورة.
(15) أي تعوّضت.
(16) جودة الرأي.
(17) أي الحاذق العاقل يطلب.
(18) تثنية ذا أي الفهم والحزم.
(19) الاطماع الذميمة.
(20) أي يدخل الشرك.
(21) أي محاطا.
(22) أي بالفضة.
(23) هذا مثل يضرب في الخيبة بعد طول الغيبة وأصله أن حنينا كان اسكافا من أهل الحيرة فساومه أعرابي خفّين فاشتطّ عليه في الثمن فتركه الأعرابي وسار فأخذ حنين الخفين فألقاهما متفرقين في طريق الأعرابي فلما مر الأعرابي بأحدهما قال ما أشبه هذا بخف حنين فلو كان معه الآخر لأخذته فلما انتهى إلى الآخر ندم على تركه الأول فأناخ راحلته ورجع في حافرته فأخذ الأول وقد كان حنين كامنا له فأخذ الناقة بما عليها ومضى فلما عاد الأعرابي ولم يجد شيئا ذهب إلى أهله وليس معه سوى الخفين فقال له قومه ماذا جئت به من سفرك قال جئتكم بخفي حنين فصارت مثلا.(1/105)
فتبصّر ولا تشم (1) كلّ برق ... ربّ برق فيه صواعق (2) حين (3)
واغضض (4) الطّرف تسترح من غرام ... تكتسي فيه ثوب ذلّ وشين (5)
فبلاء الفتى اتّباع هوى النّف ... س (6) وبذر الهوى (7) طموح العين (8)
قال الرّاوي: فمزّقت رقعته شذر مذر (9)، ولم أبل أعذل أم عذر.
__________
(1) تنظر.
(2) جمع صاعقة وهي من العذاب.
(3) بالفتح الهلاك.
(4) أمر من الغض وهو كف البصر.
(5) أي عيب.
(6) السين من هذه الكلمة أول المصراع الثاني من البيت ولم تفصل حتى لا يقع تشويه في الكلمة بتقطيع حروفها عند من لم يعرف الوزن وقد سبق نظائر لذلك في الأبيات المدورة من هذه القصيدة فتأمل.
(7) أي زرعه.
(8) أي تسريح نظرها.
(9) بالتحريك والبناء على الفتح فيهما يعني متفرّقة لا يمكن اجتماعها يقال صار القوم شذر مذر إذا تفرقوا في كل وجه.(1/106)
المقامة الحادية عشرة السّاويّة
حدّث الحارث بن همّام، قال: آنست (1) من قلبي القساوة (2)، حين حللت ساوة (3)، فأخذت بالخبر المأثور (4)، في مداواتها بزيارة القبور. فلمّا صرت إلى محلّة (5) الأموات، وكفات الرّفات (6)، رأيت جمعا على قبر يحفر، ومجنوز (7) يقبر. فانحزت (8) إليهم متفكّرا في المآل (9)، متذكّرا من درج (10) من الآل (11). فلمّا ألحدوا الميت، وفات قول ليت (12)، أشرف (13) شيخ من رباوة (14)، متخصّرا بهراوة (15)، وقد لفّع (16) وجهه بردائه، ونكّر (17) شخصه لدهائه (18)، فقال لمثل هذا: فليعمل العاملون، فادّكروا (19) أيّها الغافلون، وشمّروا (20) أيّها
__________
(1) أي أدركت وأحسست.
(2) غلظ القلب وشدته.
(3) بلدة بين الري وهمذان.
(4) هو قوله عليه السلام إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد قيل وما جلاؤها قال تلاوة القرآن وزيارة القبور.
(5) أي موضع.
(6) الأصل في الكفات الأوعية التي تضمّ الشيء يريد بها الأرض والرفات هي العظام البالية من الرفت وهو الكسر والأرض تضمها.
(7) محمول على الجنازة بالكسر وهي النعش.
(8) أي فملت وانضممت.
(9) المرجع.
(10) مات ومضى.
(11) الأقارب بمعنى الأهل.
(12) كلمة التمني.
(13) طلع.
(14) هي الربوة والرابية ما ارتفع من الأرض.
(15) أي آخذا إياها في خصره والهراوة العصا الضخمة.
(16) غطى وستر.
(17) أي غير.
(18) أي لمكره.
(19) أي اذكروا واتعظوا.
(20) أي اجتهدوا وتهيؤوا.(1/107)
المقصّرون (1)، وأحسنوا النّظر (2) أيّها المتبصّرون (3). ما لكم لا يحزنكم دفن الأتراب (4)، ولا يهولكم (5) هيل (6) التّراب. ولا تعبؤون (7) بنوازل الأحداث (8)، ولا تستعدّون (9) لنزول الأجداث (10). ولا تستعبرون (11) بعين تدمع، ولا تعتبرون (12) بنعي يسمع (13). ولا ترتاعون (14) لإلف (15) يفقد، ولا تلتاعون (16) لمناحة تعقد (17). يشيّع أحدكم نعش الميت (18)، وقلبه تلقاء البيت.
ويشهد (19) مواراة نسيبه (20)، وفكره في استخلاص نصيبه، ويخلّي بين ودوده ودوده (21)، ثمّ يخلو بمزماره وعوده. طالما أسيتم (22) على انثلام الحبّة (23)، وتناسيتم اخترام (24) الأحبّة، واستكنتم (25) لاعتراض العسرة (26)، واستهنتم (27) بانقراض (28)
__________
(1) جمع مقصر وهو الذي يترك العمل مع القدرة عليه.
(2) التفكر لاستنتاج الرأي.
(3) جمع المتبصر وهو المستبصر المتأمل.
(4) القرناء في السن وهو اللدات.
(5) أي لا يفزعكم.
(6) أصل الهيل الصب الكثير استعمل في ردم القبر بالتراب عند مواراة الميت ودفنه.
(7) أي لا تبالون ولا تهتمون.
(8) حوادث الدهر ومصائبه.
(9) أي لا تتأهبون.
(10) جمع جدث وهو القبر والمعنى كأنكم غير مكترثين بالموت.
(11) أي لا تبكون ومنه استعبر فلان إذا دمعت عيناه.
(12) أي لا تتّعظون وفي الحديث العاقل من وعظ بغيره.
(13) أي بسماع نعي وهو الإخبار بمن يموت.
(14) أي لا تخافون ولا تفزعون.
(15) هو الصاحب الموافق.
(16) أي تحترقون من الالتياع وهو حرقة القلب من الحزن.
(17) المناحة المأتم وهو موضع النوح وانعقادها اجتماع الناس فيها لذلك.
(18) شيع الميت مشى في جنازته.
(19) أي يحضر ومنه فليبلغ الشاهد الغائب.
(20) أي قريبه.
(21) الأول بمعنى المحب والثاني جمع دودة.
(22) حزنتم ومنه {لِكَيْلََا تَأْسَوْا عَلى ََ مََا فََاتَكُمْ}.
(23) انكسارها والمعنى طالما حزنتم على انكسار حبوب المأكولات.
(24) هو الانقطاع والاستئصال والمراد به هنا الموت.
(25) أي خضعتم وتذللتم.
(26) الفقر والفاقة والاعتراض الوقوع.
(27) الاستهانة والاستخفاف.
(28) أي فناء.(1/108)
الأسرة (1)، وضحكتم عند الدّفن، ولا ضحككم ساعة الزّفن (2). وتبخترتم (3)
خلف الجنائز، ولا تبختركم يوم قبض الجوائز (4). وأعرضتم عن تعديد (5)
النّوادب (6)، إلى إعداد المآدب (7). وعن تحرّق الثّواكل (8)، إلى التّانّق (9)
في المآكل. لا تبالون بمن هو بال (10)، ولا تخطرون (11) ذكر الموت ببال (12).
حتّى كأنّكم قد علقتم (13) من الحمام (14) بذمام (15)، أو حصلتم من الزّمان، على أمان. أو وثقتم بسلامة الذّات (16)، أو تحقّقتم مسالمة (17) هاذم اللّذّات (18).
كلّا (19) ساء ما تتوهّمون، ثمّ كلّا سوف تعلمون. ثمّ أنشد:
أيا من يدّعي الفهم إلى كم يا أخا الوهم (20) تعبّي (21) الذّنب والذّم وتخطي الخطأ الجم (22)
أما بان لك العيب أما أنذرك (23) الشّيب وما في نصحه ريب ولا سمعك قد صمّ أما نادى بك الموت أما أسمعك الصّوت أما تخشى من الفوت (24)
فتحتاط (25) وتهتمّ (26)
__________
(1) العشيرة وهم الأقارب.
(2) نوع من الرقص.
(3) أي مشيتم بعجب.
(4) هي العطايا والصلاة واحدتها جائزة.
(5) ذكر أوصاف الميت وتعدادها.
(6) البواكي اللاتي يندبن الميت.
(7) تهيئتها والمآدب جمع مأدبة وهي طعام الوليمة.
(8) التحرّق التوجع والثواكل جمع ثاكل ويقال ثكلى وهي فاقدة الولد.
(9) تتبع الشيء الأنيق وهو البالغ في الحسن.
(10) أي فان.
(11) أي توردون.
(12) أي بقلب.
(13) أي تمسكتم.
(14) هو الموت.
(15) الذمام العهد والحركة لأنه يذمّ مضيعه.
(16) أي النفس.
(17) مصالحة.
(18) هو الموت.
(19) ليس الأمر كما تزعمون وقيل كلّا بمعنى حقا.
(20) أي يا ذا الغلط والسهو.
(21) أي تهيىء.
(22) الكثير.
(23) أي أعلمك بتهدّد.
(24) ضمّن نادى معنى دعا وهتف فعدّاه تعديته والموت فاعل نادى والصوت مفعول أسمعك والفوت الهلاك.
(25) احتاط لنفسه أخذ بالثقة.
(26) من الهمّ.(1/109)
فكم تسدر (1) في السّهو وتختال (2) من الزّهو (3) وتنصبّ (4) إلى اللهو كأنّ الموت ما عمّ
وحتّى م (5) تجافيك (6) وإبطاء تلافيك (7) طباعا (8) جمّعت فيك عيوبا شملها انضمّ
إذا أسخطت مولاك (9) فما تقلق (10) من ذاك وإن أخفق (11) مسعاك (12)
تلظّيت (13) من الهمّ
وإن لاح (14) النّقش من الأصفر (15) تهتشّ (16) وإن مرّ بك النّعش تغاممت (17) ولا غمّ
تعاصي (18) النّاصح البرّ (19) وتعتاص (20) وتزور (21) وتنقاد (22) لمن غرّ (23)
ومن مان (24) ومن نمّ (25)
وتسعى في هوى النّفس وتحتال على الفلس وتنسى ظلمة الرّمس (26)
ولا تذكر ما ثمّ
__________
(1) تتحير والسادر الماشي متحيرا لا يدري أين يذهب.
(2) تتبختر.
(3) العجب والكبر.
(4) تنحدر وتميل.
(5) بمعنى حتى متى.
(6) تباعدك ونبوّك.
(7) تداركك.
(8) مفعول تلافيك.
(9) أي خالفته وعصيته.
(10) أي لا يعتريك خوف.
(11) أي خاب ولم ينجح.
(12) المسعى الطلب.
(13) أي احترقت وتلهبت.
(14) ظهر.
(15) الدينار.
(16) الاهتشاش الطرب والفرح.
(17) أظهرت الغمّ من الحزن تكلفا مع أنك لست كذلك.
(18) تخالف.
(19) بفتح الباء من البرّ ضد العقوق.
(20) تصعب يقال اعتاص عليه الأمر إذا أشكل فلم يهتد إلى جهة الصواب فيه.
(21) تميل وتعدل وتنثني عن قبول ما يقال لك من الحق.
(22) أي تطيع وتمتثل.
(23) أي خدع.
(24) كذب.
(25) سعى بالنميمة.
(26) القبر.(1/110)
ولو لاحظك (1) الحظّ (2) لما طاح بك (3) اللّحظ (4) ولا كنت إذا الوعظ (5)
جلا (6) الأحزان تغتمّ
ستذري (7) الدّم لا الدّمع إذا عاينت لا جمع يقي في عرصة الجمع (8)
ولا خال ولا عمّ
كأنّي بك تنحطّ (9) إلى اللّحد (10) وتنغطّ وقد أسلمك (11) الرّهط (12)
إلى أضيق من سمّ (13)
هناك الجسم ممدود ليستأكله الدّود إلى أن ينخر العود (14)
ويمسي العظم قد رمّ (15)
ومن بعد فلا بدّ من العرض إذا اعتدّ صراط جسره مدّ (16)
على النّار لمن أمّ (17)
فكم من مرشد (18) ضلّ ومن ذي عزّة ذلّ وكم من عالم زلّ (19)
وقال الخطب قد طمّ (20)
__________
(1) أبصرك ونظرك ورعاك.
(2) الجدّ والبخت والنصيب.
(3) أي أهلكك يقال طاح به إذا أهلكه.
(4) النظر بمؤخر العين تيها وأصله النظر من البعد.
(5) النصح.
(6) أي كشف.
(7) تصب الدمع أو تنحيه بأصبعك لأنه يقال أذرى الدمع إذا نحاه عن عينه بإصبعه.
(8) أي لا عشيرة تقيك يوم الحشر.
(9) تسرع في الهبوط أي كأني أراك وأبصر بك تسرع في النزول إلى القبر ومعناه أني أعرف لما أشاهده من حالك اليوم كيف يكون حالك غدا.
(10) القبر.
(11) تركك.
(12) الأهل والقوم.
(13) هو ثقب الإبرة يريد ضيق القبر على من كان مخالفا الله ورسوله.
(14) هو هنا عبارة عن الجسم الناعم مثل القضيب.
(15) أي بلي ومنه {مَنْ يُحْيِ الْعِظََامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} أي بالية.
(16) لعرض الوقوف للحساب والصراط الجسر الذي يعبر عليه والطريق والمراد هنا الموعود به في القرآن وهو الجسر الذي يمتدّ على شفير النار ومن سلكه نجا.
(17) قصد.
(18) هاد.
(19) زحلقت قدمه.
(20) طمّ علا وعظم والخطب الأمر العظيم.(1/111)
فبادر (1) أيّها الغمر (2) لما يحلو به المرّ (3) فقد كاد يهي (4) العمر وما أقلعت (5) عن ذمّ
ولا تركن (6) إلى الدّهر وإن لان وإن سرّ فتلفى كمن اغترّ بأفعى (7) تنفث السّمّ (8)
وخفّض (9) من تراقيك (10) فإنّ الموت لاقيك وسار (11) في تراقيك (12)
وما ينكل إن هم (13)
وجانب صعر الخدّ (14) إذا ساعدك الجدّ (15) وزمّ (16) اللّفظ إن ندّ (17)
فما أسعد من زمّ (18)
ونفّس (19) عن أخي البثّ (20) وصدّقه إذا نثّ (21) ورمّ العمل الرّثّ (22)
فقد أفلح من رمّ (23)
__________
(1) المبادرة المسارعة.
(2) الجاهل الذي لم يجرب الأمور.
(3) أي بالعمل الصالح الذي تنجو به من مرارة الآخرة.
(4) يضعف ويذهب من وهى السقاء يهي إذا انخرق وانشقّ أو من وهى الحائط إذا ضعف وقرب سقوطه.
(5) أي كففت ورجعت.
(6) الركون الميل والسكون ومنه قوله تعالى {وَلََا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} الآية.
(7) الأفعى الأنثى من الأفاعي.
(8) أي تمجه والنفث شبيه بالنفخ وهو أقل من التفل.
(9) نقّص وهوّن.
(10) أي ترفّعك على أقاصيك وأدانيك.
(11) من السريان.
(12) جمع ترقوة وهو العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق.
(13) أي لا يرجع إن عزم.
(14) أي ميل خدك كبرا يقال صعر الرجل خدّه إذا مال بوجهه تكبرا.
(15) أي وافاك البخت والحظ.
(16) أي قيّد.
(17) أي نفر وذهب شاردا.
(18) أي قيّد لفظه.
(19) يقال نفس عنه إذا فرّج عنه.
(20) الحزن.
(21) أي نشر الكلام.
(22) أي أصلح العمل الشبيه بالثوب الخلق البالي.
(23) أصلح العمل.(1/112)
ورش (1) من ريشه انحصّ (2) بما عمّ وما خصّ (3) ولا تأس (4) على النّقص ولا تحرص على اللّم (5)
وعاد الخلق الرّذل (6) وعوّد كفّك البذل (7) ولا تستمع العذل (8)
ونزّهها (9) عن الضّم (10)
وزوّد نفسك الخير ودع ما يعقب الضّير (11) وهيّىء مركب السّير (12)
وخف من لجّة اليمّ (13)
بذا أوصيت يا صاح (14) وقد بحت (15) كمن باح فطوبى (16) لفتى راح بآدابي يأتمّ (17)
ثمّ حسر (18) ردنه (19) عن ساعد (20) شديد الأسر (21)، قد شدّ عليه (22)
جبائر (23) المكر لا الكسر، متعرّضا للاستماحة (24)، في معرض الوقاحة (25).
__________
(1) أي وأصلح يقال رشت الرجل إذا أصلحت حاله من كسوة وغيرها وأصله من يريش السهم فرشني بخير طالما قد بريتني ... وخير الموالي من ريش ولا يبري.
(2) أي تناثر وتساقط.
(3) أي بما كثر وما قلّ من العطية.
(4) أي لا تأسف ولا تحزن.
(5) الجمع.
(6) الرديء الدنيء.
(7) العطاء.
(8) اللوم الذي يصدّك عن البذل.
(9) أي أبعدها.
(10) كناية عن البخل وجمع المال.
(11) الضر يقال ضاره يضيره ضيرا إذا ضرّه.
(12) عبارة عن طريق الآخرة.
(13) معظم ماء البحر عبارة عن مناقشة الحساب.
(14) أي عوهدت يا صاحبي ورخمه ترخيما شاذا لأن من شرط التزخيم العلمية.
(15) نطقت وكشفت.
(16) معناها طيّب العيش وقيل الخير وأقصى الأمنية وقيل اسم للجنة بالهندية وقيل هي فعلى من الطيب تأنيث الأطيب وقيل شجرة تظل الجنان كلها.
(17) يقتدي.
(18) كشف.
(19) أي كمه.
(20) هو ملتقى اليدين من لدن الرسغ إلى المرفق.
(21) أي عصب وربط.
(22) أي قوي متين.
(23) جمع جبيرة وهي الخرقة توضع على الجرح فاستعارها للمكر.
(24) هي الاستعطاء.
(25) المعرض كمنبر ثوب تعرض فيه الجارية والوقاحة صلابة الوجه.(1/113)
فاختلب (1) به أولئك الملا (2)، حتّى أترع (3) كمّه وملا. ثمّ انحدر من الرّبوة (4)، جذلا (5) بالحبوة (6). قال الرّاوي: فجاذبته (7) من ورائه، حاشية ردائه (8)، فالتفت إليّ مستسلما (9)، وواجهني مسلّما. فإذا هو شيخنا أبو زيد بعينه، ومينه (10). فقلت له:
إلى كم يا أبا زيد أفانينك (11) في الكيد لينحاش (12) لك الصّيد ولا تعبا (13) بمن ذمّ (14)
فأجاب من غير استحياء (15)، ولا ارتياء (16) وقال:
تبصّر (17) ودع اللّوم وقل لي هل ترى اليوم فتى لا يقمر (18) القوم متى ما دسته (19) تمّ
فقلت له بعدا (20) لك يا شيخ النّار (21)، وزاملة العار (22): فما مثلك في
__________
(1) بالخاء المعجمة أي خدع وبالحاء المهملة اجتذب.
(2) الأشراف وقيل الجماعة.
(3) يقال ترع الإناء امتلأ وكوز ترع محركة أي ممتلىء وأترعته أنا ملأته.
(4) المكان المرتفع.
(5) فرحا.
(6) أي بالعطية.
(7) أي نازعته.
(8) الحاشية أحد طرفي الثوب.
(9) منقادا.
(10) أي بنفسه وكذبه.
(11) جمع أفنون لغة في الفنّ وعن الجوهري الأفانين الأساليب وهي أجناس الكلام وطرفه وافتنّ بالكلام جاء بالأفانين.
(12) ليجتمع وينحاز.
(13) تهتمّ وتبالي.
(14) أي بمن نقص.
(15) من الحياء.
(16) تفكر وتأمل من الرأي.
(17) أي تأمل وتعرّف.
(18) أي يغلب بالقمار قامره فقمره أي غلبه.
(19) أي حيلته وخداعه.
(20) أي هلاكا.
(21) كناية عن إبليس سمي بذلك لأنه خلق من النار أو مرجعه إليها.
(22) الزاملة بعير يحمل عليه المسافر زاده ومتاعه يريد يا حامل العار والنقيصة.(1/114)
طلاوة (1) علانيتك (2)، وخبث نيّتك، إلّا مثل روث مفضّض (3)، أو كنيف مبيّض. ثمّ تفرّقنا فانطلقت ذات اليمين (4)، وانطلق ذات الشّمال. وناوحت (5)
مهبّ الجنوب، وناوح مهبّ الشّمال (6).
__________
(1) هي حسن الشيء ونضارته يقال هذه تلاوة ما عليها طلاوة أي لا حلاوة لها.
(2) ظاهر أمرك.
(3) الروث خثي البهيمة ومفضّض أي مغشّى بالفضة.
(4) أي جهتها.
(5) أي قابلت.
(6) مهب الريح مخرجها.(1/115)
المقامة الثانية عشرة الدّمشقيّة
حكى الحارث بن همّام، قال: شخصت (1) من العراق إلى الغوطة (2)، وأنا ذو جرد (3) مربوطة (4)، وجدة (5) مغبوطة (6). يلهيني (7) خلوّ الذّرع (8)، ويزدهيني (9)
حفول الضّرع (10). فلمّا بلغتها بعد شقّ النّفس (11)، وإنضاء العنس (12)، ألفيتها (13) كما تصفها الألسن، وفيها ما تشتهي الأنفس، وتلذّ الأعين. فشكرت يد النّوى (14)، وجريت طلقا (15) مع الهوى. وطفقت (16) أفضّ (17) ختوم (18)
الشّهوات، وأجتني قطوف (19) اللّذّات. إلى أن شرع سفر (20) في الإعراق (21)،
__________
(1) أي ذهبت وسرت.
(2) موضع بساتين دمشق الشام وهي من جنات الدنيا قال الواحدي جنان الأرض أربع غوطة دمشق وشعب بوّان وأبلّة البصرة وسغد سمرقند وكان أبو بكر الخوارزمي يقول قد رأيتها كلها فوجدت الغوطة أخصبها وأمرعها وأحسنها.
(3) أي صاحب خيل قصيرة الشعر من التنعم.
(4) أي مشدودة.
(5) أي غنى.
(6) متمنى مثلها.
(7) يدعوني إلى اللهو.
(8) أي فراغ القلب من الهمّ.
(9) أي يستخفني ويطربني من الزهو وهو خفة المتكبر.
(10) أي امتلاؤه وهو كناية عن كثرة المال.
(11) أي بعد المشقة.
(12) أي وإهزال الناقة الصلبة.
(13) أي وجدتها.
(14) أي نعمة الفراق.
(15) أي شوطا وشأوا.
(16) أخذت وشرعت.
(17) أي أكسر.
(18) جمع ختم وهو ما يسدّ به على الشيء.
(19) جمع قطف بالكسر وهو العنقود يريد أنه أخذ في تتبع الشهوات وتدارك اللذات.
(20) أي مسافرون.
(21) أي في الذهاب إلى العراق.(1/116)
وقد استفقت (1) من الإغراق (2). فعادني (3) عيد من تذكار الوطن، والحنين (4)
إلى العطن (5). فقوّضت (6) خيام الغيبة، وأسرجت جواد الأوبة (7). ولمّا تأهّبت (8) الرّفاق، واستتبّ (9) الاتّفاق، ألحنا (10) من المسير، دون استصحاب الخفير (11) فردناه (12) من كلّ قبيلة، وأعملنا (13) في تحصيله ألف حيلة. فأعوز وجدانه (14) في الأحياء (15)، حتّى خلنا (16) أنّه ليس من الأحياء. فحارت لعوزه عزوم (17) السّيارة (18)، وانتدوا (19) بباب جيرون (20) للاستشارة. فما زالوا بين عقد وحلّ، وشزر وسحل (21)، إلى أن نفد (22) التّناجي، وقنط الرّاجي (23). وكان حذتهم (24) شخص ميسمه (25) ميسم الشّبّان (26)، ولبوسه (27) لبوس الرّهبان (28)،
__________
(1) أي أفقت.
(2) الإطناب والمبالغة.
(3) أي فعاودني شوق والعيد ما اعتادك من همّ أو خيال.
(4) كثرة الشوق.
(5) هو في الأصل مناخ الإبل بقرب الماء يريد به الدار والمنزل.
(6) أي نقضت وهدمت.
(7) أي وضعت السرج على فرس الرجعة يريد أنه ترك إقامة السفر وعزم على الرجوع إلى الوطن.
(8) أي تهيأت.
(9) أي استقام.
(10) أي خفنا وحذرنا.
(11) الذي يصحبهم في المخاوف ليجيرهم منها.
(12) أي فطلبناه.
(13) أي واستعملنا.
(14) أي تعذر وجوده.
(15) أي في القبائل جمع حيّ وهو ما فوق الخمسين بيتا إلى التسعين فإن تعدّاه فهو حلّة.
(16) أي حسبنا.
(17) جمع عزم وهو عقد القلب.
(18) أي القافلة.
(19) أي اجتمعوا.
(20) أي بباب دمشق واتخذوه ناديا أي مجلسا.
(21) الشزر فتل الحبل على طاقين والسحل فتله على طاق واحد وقد جعله مثلا في إحكام الرأي مرة وتوهينه أخرى.
(22) أي فني وانقطع.
(23) أي يئس الآمل.
(24) أي حذاءهم.
(25) أي علامته.
(26) جمع شاب.
(27) بالفتح أي وثيابه.
(28) جمع راهب وهو الزاهد.(1/117)
وبيده سبحة النّسوان (1)، وفي عينه ترجمة النّشوان (2). وقد قيّد لحظه بالجمع (3). وأرهف أذنه لاستراق السّمع (4). فلمّا أنى انكفاؤهم (5)، وقد برح له خفاؤهم (6)، قال لهم: يا قوم، ليفرخ كربكم (7)، وليأمن سربكم (8)، فسأخفركم (9) بما يسرو (10) روعكم (11)، ويبدو (12) طوعكم (13). قال الرّاوي:
فاستطلعنا (14) منه طلع (15) الخفارة، وأسنينا (16) له الجعالة (17) عن السّفارة (18). فزعم أنّها كلمات لقّنها في المنام، ليحترس بها من كيد الأنام. فجعل بعضنا يومض (19) إلى بعض، ويقلّب طرفيه بين لحظ وغضّ (20). وتبيّن له أنّا استضعفنا الخبر (21)، واستشعرنا الخور (22). فقال: ما بالكم اتّخذتم جدّي عبثا، وجعلتم تبري خبثا (23). ولطالما والله جبت (24) مخاوف (25) الأقطار، وولجت (26)
مقاحم (27) الأخطار، فغنيت (28) بها عن مصاحبة خفير (29)، واستصحاب جفير (30). ثمّ
__________
(1) هي خرزات يسبحن بعددها.
(2) أي أمارة السكران.
(3) أي حدّد نظره إلى الجماعة.
(4) أي أصغى سمعه لما يقولونه.
(5) أنى وآن وحان بمعنى والانكفاء الانقلاب والرجوع.
(6) أي ظهر لهم باطن أمرهم.
(7) أي ليزل حزنكم والإفراخ بالخاء المعجمة ذهاب الحزن.
(8) يقال فلان آمن في سربه أي في نفسه وأهله.
(9) أي أجيركم وأحميكم والاسم الخفارة.
(10) أي يكشف ويذهب.
(11) أي فزعكم.
(12) يظهر.
(13) أي طائعا لكم وانتصابه على الحال.
(14) أي طلبنا الاطلاع.
(15) أي حقيقتها.
(16) أي أعلينا.
(17) هي أجرة الأجير.
(18) مصدر ومنه السفير وهو المصلح بين القوم.
(19) أي يشير ويومىء.
(20) أي نظر وكف بصر.
(21) أي عددناه ضعيفا.
(22) بالتحريك الضعف وعود خوّار أي سهل المكسر.
(23) التبر الذهب غير المضروب والخبث ما ينفيه الكير عن الحديد.
(24) أي قطعت.
(25) جمع مخافة.
(26) أي دخلت.
(27) جمع مقحمة بالفتح وهي الأمور العظام.
(28) أي استغنيت.
(29) أي مجير وحام.
(30) جعبة السهام.(1/118)
إنّي سأنفي ما رابكم (1)، وأستسلّ الحذر الّذي نابكم (2)، بأن أوافقكم في البداوة (3)، وأرافقكم في السّماوة (4). فإن صدقكم وعدي، فأجدّوا سعدي (5)، وأسعدوا جدّي. وإن كذبكم فمي، فمزّقوا أدمي (6)، وأريقوا دمي. قال الحارث بن همّام:
فألهمنا (7) تصديق رؤياه (8)، وتحقيق ما رواه، فنزعنا (9) عن مجادلته، واستهمنا (10)
على معادلته (11)، وفصمنا (12) بقوله عرى الرّبائث (13)، وألغينا (14) اتّقاء العابث والعائث (15). ولمّا عكمت (16) الرّحال، وأزف (17) التّرحال، استنزلنا (18) كلماته الرّاقية (19)، لنجعلها الواقية (20) الباقية. فقال: ليقرأ كلّ منكم أمّ القرآن (21)، كلّما أظلّ الملوان (22). ثمّ ليقل بلسان خاضع، وصوت خاشع (23): اللهمّ يا محيي الرّفات (24)، ويا دافع الآفات (25)، ويا واقي (26) المخافات، ويا كريم المكافاة (27)، ويا موئل (28) العفاة (29)، ويا وليّ العفو والمعافاة (30)، صلّ على
__________
(1) أي سأزيل ما أوقعكم في الريبة.
(2) أي وأسلّ الحذر والخوف الذي أصابكم ونزل بكم.
(3) أي السير في البادية.
(4) ماء بالبادية أو مفازة بين الشام والعراق.
(5) أي أكثروا حظي.
(6) أي فقطعوا جلدي وهو كناية عن هتك العرض.
(7) أي ألقي في قلوبنا.
(8) أي ما رآه في المنام.
(9) أي كففنا.
(10) بمعنى تساهمنا أي اقترعنا.
(11) أي مزاملته.
(12) قطعنا.
(13) العرى بالضم جمع العروة وهي العلاقة والربائث جمع ربيثة من الربث وهو الحبس والعوق.
(14) أي تركنا.
(15) بالموحدة اللاعب المولع بالشيء الذي لا فائدة فيه وبالمثناة تحت المفسد.
(16) أي شدّت.
(17) أي قرب ومنه {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} أي قربت القيامة.
(18) أي طلبنا منه.
(19) من الرقية.
(20) أي الحافظة.
(21) هي فاتحة الكتاب.
(22) أي دنا الليل والنهار.
(23) الخضوع للبدن والخشوع للصوت وهما بمعنى الذل والتواضع.
(24) العظام البالية.
(25) أي المضرّات.
(26) من الوقاية وهي الحفظ.
(27) أي المجازاة.
(28) مرجع وملجأ.
(29) جمع العافي وهو طالب العفو وهو الفضل.
(30) مصدر عافاه الله.(1/119)
محمّد خاتم أنبيائك، ومبلّغ أنبائك (1)، وعلى مصابيح أسرته (2)، ومفاتيح نصرته (3). وأعذني (4) من نزغات الشّياطين (5)، ونزوات (6) السّلاطين، وإعنات الباغين، ومعاناة الطّاغين، ومعاداة العادين، وعدوان المعادين (7)، وغلب الغالبين، وسلب السّالبين، وحيل المحتالين (8)، وغيل المغتالين (9). وأجرني اللهمّ من جور المجاورين، ومجاورة الجائرين (10). وكفّ عنّي أكفّ الضّائمين (11)، وأخرجني من ظلمات الظّالمين (12)، وأدخلني برحمتك في عبادك الصّالحين. اللهمّ حطني (13) في تربتي (14)، وغربتي، وغيبتي، وأوبتي (15)، ونجعتي (16)، ورجعتي وتصرّفي (17)، ومنصرفي (18)، وتقلّبي ومنقلبي (19)، واحفظني في نفسي، ونفائسي (20)، وعرضي وعرضي (21)، وعددي وعددي (22)، وسكني
__________
(1) جمع نبأ وهو الخبر.
(2) أي عترته وعشيرته.
(3) هم الأنصار.
(4) أي أجرني.
(5) نزغ الشيطان أفسد وأغوى.
(6) جمع نزوة من نزا ينزو إذا وثب.
(7) الإعنات الإيقاع في العنت وهو الشدة والباغي الظالم المعتدي والمعاناة المقاساة والطاغين المتجاوزين الحد في الظلم والعاذين المتعدين والعدوان الظلم.
(8) الغلب بفتح اللام بمعنى الغلبة ويجوز السكون والسلب بفتحها أيضا والسكون أجود إذ المراد المصدر بمعنى اختلاس المختلسين.
(9) الغيل جمع غيلة اسم من الاغتيال وهو الاهلاك والمغتالين المهلكين.
(10) كأنه يريد المجاورين من الجنّ والجائرين الظالمين.
(11) أي أيدي الظالمين المذلين.
(12) إشارة إلى قوله عليه السلام الظلم ظلمات يوم القيامة.
(13) أي احفظني.
(14) بلدتي ووطني.
(15) أي رجعتي.
(16) النجعة اسم من الانتجاع وهو طلب الماء والكلأ وانتجعت فلانا أتيته طالبا معروفه.
(17) أي في مشاغلي.
(18) أي انصرافي.
(19) أي انقلابي ورجوعي.
(20) جمع نفيسة وهي ما له خطر نفيس.
(21) عرضي بكسر العين المهملة وسكون الراء محل المدح والذم وبفتحهما يريد به المال.
(22) عددي بالفتح يريد الأهل والأولاد وبالضم جمع عدة وهي الأهبة والذخيرة.(1/120)
ومسكني (1)، وحولي (2) وحالي، ومالي ومآلي (3) ولا تلحق بي تغييرا (4)، ولا تسلّط عليّ مغيرا (5)، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا. اللهمّ احرسني بعينك (6)، وعونك (7)، واخصصني بأمنك (8) ومنّك (9)، وتولّني (10) باختيارك (11)
وخيرك، ولا تكلني إلى كلاة غيرك (12)، وهب لي عافية غير عافية (13)، وارزقني رفاهية (14) غير واهية (15)، واكفني مخاشي (16) اللّأواء (17)، واكنفني (18) بغواشي الآلاء (19)، ولا تظفر بي (20) أظفار الأعداء (21)، إنّك سميع الدّعاء. ثمّ أطرق لا يدير لحظا، ولا يحير لفظا (22)، حتّى قلنا قد أبلسته خشية (23)، أو أخرسته غشية (24). ثمّ أقنع رأسه (25)، وصعّد (26) أنفاسه (27)، وقال: أقسم بالسّماء ذات الأبراج (28)، والأرض ذات الفجاج (29)، والماء الثّجّاج (30)، والسّراج
__________
(1) السكن محرّكة الأهل ومن يسكن إليه وبالسكون أهل الدار والمسكن بفتح الكاف وقد تكسر موضع السكنى وهو البيت.
(2) قوّتي.
(3) مصيري.
(4) سلبا بعد العطاء.
(5) من الإغارة.
(6) أي بحفظك.
(7) أي إعانتك.
(8) بأمانك.
(9) أي فضلك وعطائك.
(10) كن لي وليا.
(11) أي اصطفائك.
(12) أي لا تدعني إلى حفظ غيرك.
(13) سلامة غير دارسة فالأولى ضد المرض والثانية من عفا المنزل إذا درس وبلي.
(14) هي سعة العيش.
(15) ضعيفة.
(16) أي مخاوف.
(17) الشدّة والضيق.
(18) احفظني في كنفك.
(19) الغواشي جمع غاشية وهو ما يغطى به الشيء مثل غاشية السرج والآلاء النعم مفردها إلى.
(20) بسكون الظاء من الظفر بالفتح وهو الفوز.
(21) جمع ظفر بالضم أي لا تجعل أسلحة الأعداء تظفر بي وتملكني.
(22) نظر إلى الأرض ساكتا لا يجيب بكلام.
(23) الإبلاس السكوت والخشية الخوف.
(24) غمرة الإغماء.
(25) مدّ عنقه ورفع رأسه.
(26) أي رفع مرة بعد مرة.
(27) جمع نفس بالتحريك.
(28) هي بروج الشمس.
(29) الطرق الواسعة.
(30) المتدفق ثج السحاب الماء ثجّا إذا صبه وثجّ هو بنفسه يثجّ ثجيجا إذا سال.(1/121)
الوهّاج (1)، والبحر العجّاج، والهواء والعجاج (2). إنّها لمن أيمن العوذ (3)، وأغنى عنكم من لابسي الخوذ (4). من درسها (5) عند ابتسام الفلق (6)، لم يشفق من خطب إلى الشّفق (7). ومن ناجى بها (8) طليعة الغسق (9)، أمن ليلته من السّرق.
قال: فتلقّنّاها حتّى أتقنّاها (10)، وتدارسناها (11) لكي لا ننساها. ثمّ سرنا نزجي (12)
الحمولات، بالدّعوات لا بالحداة، ونحمي الحمولات، بالكلمات لا بالكماة (13).
وصاحبنا يتعهّدنا بالعشيّ والغداة، ولا يستنجز (14) منّا العدات (15). حتّى إذا عاينّا (16) أطلال (17) عانة (18)، قال لنا: الإعانة الإعانة (19). فأحضرناه المعلوم والمكتوم، وأريناه المعكوم (20) والمختوم (21). وقلنا له: اقض ما أنت قاض، فما تجد فينا غير راض. فما استخفّه (22) سوى الخفّ (23)، والزّين (24)، ولا حلي
__________
(1) أي المضيء المتلالي والمراد بالسراج الشمس.
(2) العجّاج بالتشديد أي الذي له عجيج أي صوت مرتفع والعجاج بالتخفيف الغبار الثائر من الهواء.
(3) أي أكثر العوذ بركة والعوذ جمع عوذة بالضم بمعنى المعاذة وهي ما يتحصن به.
(4) الخوذ بفتح الواو جمع خوذة وهي البيضة من الحديد يلبسها الفارس في رأسه عند الحرب يعني أن قراءة هذه العوذة تكفي في دفع المضرة.
(5) أي قرأها.
(6) أي انبلاج الصبح.
(7) أي لم يخف من أمر عظيم إلى دخول الظلام.
(8) أي تكلم بها سرّا.
(9) أي أول دخول ظلمة الليل.
(10) أي تلقيناها وأخذناها حتى أحكمناها.
(11) أي تداولنا قراءتها.
(12) أي نسوق.
(13) الحمولات الأولى جمع حمولة بالفتح وهي الابل التي يحمل عليها وبالضم الأحمال.
والحداة جمع حاد والكماة جمع كميّ وهو الشجاع التام السلاح.
(14) أي لا يطلب منا إنجازا.
(15) جمع عدة من الوعد.
(16) أي أبصرنا.
(17) جمع طلل بالتحريك وهو ما أشرف من رسم الدار كالشجر.
(18) موضع بقرب الفرات ينسب إليه الخمر.
(19) أي أعينوني أعينوني.
(20) أي المتاع المشدود.
(21) أي العين الذهب والفضة.
(22) أي أطربه وحمله على الخفة والطيش.
(23) بالكسر الشيء الخفيف من الحلي وشبهه.
(24) الحسن المستملح.(1/122)
بعينه غير الحلي والعين (1). فاحتمل منهما وقره (2)، وناء (3) بما يسدّ فقره. ثمّ خالسنا (4) مخالسة الطّرّار (5)، وانصلت (6) منّا انصلات الفرّار (7) فأوحشنا فراقه، وأدهشنا (8) امتراقه (9). ولم نزل ننشده (10) بكلّ ناد (11)، ونستخبر عنه كلّ مغو (12)
وهاد، إلى أن قيل إنّه مذ دخل عانة (13)، ما زايل (14) الحانة (15). فأغراني (16) خبث هذا القول بسبكه (17)، والانسلاك (18) فيما لست من سلكه (19). فادّلجت (20) إلى الدّسكرة (21)، في هيئة منكّرة (22)، فإذا الشّيخ في حلّة ممصّرة (23)، بين دنان (24)
ومعصرة (25). وحوله سقاة (26) تبهر (27)، وشموع تزهر، وآس (28) وعبهر (29)، ومزمار ومزهر (30). وهو تارة يستبزل (31) الدّنان، وطورا يستنطق العيدان (32)، ودفعة يستنشق (33) الرّيحان، وأخرى يغازل (34) الغزلان (35). فلمّا عثرت (36) على
__________
(1) المسكوك من الذهب والفضة.
(2) أي حمله.
(3) أي نهض متثاقلا.
(4) أي خادعنا وهرب.
(5) الذي يطرّ جيوب الناس أي يقطعها ويشقها.
(6) أي مضى وسبق.
(7) كثير الفرار أي الهرب وقيل اسم شاعر كان انصلت من الحرب وفرّ من الزحف فضرب به المثل.
(8) أي أذهب عقولنا.
(9) خروجه بسرعة.
(10) أي نطلبه.
(11) أي مجلس.
(12) أي مضلّ ضدّ الهادي.
(13) هي الموضع السابق ذكره.
(14) فارق.
(15) هي حانوت الخمّار وبيته.
(16) أي أوقعني.
(17) أي بتجربته.
(18) الدخول.
(19) أي من جنسه.
(20) الإدلاج السير في آخر الليل.
(21) قصر حواليه بيوت الشطّار وفي هذا الموضع علم على البلد.
(22) أي مغيرة.
(23) أي ملوّنة بالحمرة والورس.
(24) جمع دنّ وهو وعاء الخمر.
(25) بالكسر آلة عصر الخمر.
(26) جمع ساق.
(27) تغلب في الحسن وتضيء.
(28) نبت عطر معروف.
(29) نرجس أو ياسمين.
(30) عود الغناء.
(31) من بزل الطين عن رأس الدن إذا رفعه عنه.
(32) أي يطلب نطق العيدان أي سماع صوتها.
(33) أي يشمّ.
(34) أي يلاعب.
(35) جمع غزال كناية عن الغلمان والنساء الحسان.
(36) أي اطلعت.(1/123)
لبسه (1)، وتفاوت يومه من أمسه، قلت: أولى لك (2) يا ملعون! أأنسيت يوم جيرون (3)؟ فضحك مستغربا (4)، ثمّ أنشد مطرّبا (5):
لزمت السّفار (6) وجبت القفار (7) ... وعفت النّفار (8) لأجني الفرح (9)
وخضت (10) السّيول ورضت الخيول (11) ... لجرّ ذيول (12) الصّبا والمرح
ومطت الوقار (13) وبعت العقار ... لحسو العقار (14) ورشف القدح (15)
ولولا الطّماح (16) إلى شرب راح (17) ... لما كان باح (18) فمي بالملح (19)
ولا كان ساق (20) دهائي (21) الرّفاق (22) ... لأرض العراق بحمل السّبح (23)
فلا تغضبنّ ولا تصخبنّ (24) ... ولا تعتبنّ فعذري وضح
ولا تعجبنّ لشيخ أبنّ (25) ... بمغنى (26) أغنّ (27) ودنّ طفح (28)
فإنّ المدام (29) تقوّي العظام ... وتشفي السّقام وتنفي التّرح (30)
__________
(1) تخليطه وتعمية أمره.
(2) كلمة تهديد أي ويل لك وهو دعاء عليه.
(3) هي الشام.
(4) أي مبالغا.
(5) أي مغنيا.
(6) أي السفر.
(7) أي قطعت الأماكن الخالية.
(8) أي كرهت البعد والفرار عنكم.
(9) أي لأجل أن أحوز الفرح والسرور.
(10) من خاض الماء إذا مشى فيه.
(11) أي ركبتها وذللتها.
(12) أي لأجل الانتعاش بالصبوة والنشاط والطرب.
(13) ماط الشيء عنه لغة في أماطه عنه أي أزلت ونزعت السكينة.
(14) العقار بالفتح الأرض والضياع وبالضم الخمر سميت بها لأنها تعاقر العقل أو الدنّ أي تلازمه والحسو الشرب.
(15) أي مصّ الكاس.
(16) هو والطموح شدة النظر وشخوصه.
(17) من أسماء الخمر لأن شاربها يرتاح إليها.
(18) أي أظهر والمراد هنا تكلم.
(19) جمع ملحة وهو ما يستملح من الكلام.
(20) من السوق.
(21) مكري.
(22) جمع رفقة.
(23) جمع سبحة وهي خرزات منظومة يسبح بها.
(24) الصخب الصياح وهو قبيح خصوصا من الرجال وفي الحديث ولا صخّابا في الأسواق.
(25) أقام.
(26) أي بمنزل.
(27) مخصب وروضة غناء كثيرة العشب.
(28) امتلأ وفاض.
(29) من أسماء الخمر سمّيت بذلك لطول مدة مكثها.
(30) الحزن.(1/124)
وأصفى السّرور إذا ما الوقور (1) ... أماط (2) ستور الحيا واطّرح (3)
وأحلى الغرام (4) إذا المستهام (5) ... أزال اكتتام الهوى (6) وافتضح
فبح بهواك (7) وبرّد حشاك (8) ... فزند أساك (9) به قد قدح (10)
وداو الكلوم (11) وسلّ (12) الهموم ... ببنت الكروم (13) الّتي تقترح (14)
وخصّ الغبوق (15) بساق يسوق (16) ... بلاء المشوق (17) إذا ما طمح (18)
وشاد (19) يشيد (20) بصوت تميد (21) ... جبال الحديد له إن صدح (22)
وعاص النّصيح (23) الّذي لا يبيح ... وصال المليح إذا ما سمح
وجل (24) في المحال (25) ولو بالمحال (26) ... ودع ما يقال (27) وخذ ما صلح
__________
(1) كثير الوقار.
(2) أزال وأبعد.
(3) بمعنى الطرح والترك.
(4) العشق.
(5) العاشق الهائم ذاهب القلب.
(6) أي باح باسم من يهواه على حد قول من قال:
فصرّح بمن تهوى ودعني من الكنى ... فلا خير في اللذات من دونها ستر
ويؤيد ذلك قوله فبح بهواك الخ.
(7) أي فأظهر وحدّث.
(8) أي قلبك.
(9) الزند هو الذي يقتدح به النار وأساك حزنك وملالتك.
(10) أي أورى بمعنى ظهر.
(11) هي الجراح.
(12) أمر من التسلية وهي إزالة الهم.
(13) من أسماء الخمر والكروم جمع كرم بالسكون وهو العنب.
(14) أي تسأل وتشتهى.
(15) هو شراب أول الليل كما أن الصبوح شراب أول النهار.
(16) أي يطرد.
(17) هو العاشق الكثير الشوق.
(18) أي أبعد نظره وأشخصه.
(19) الشادي هو المغني.
(20) بضم الياء والماضي أشاد إذا رفع صوته بالغناء وفتح الياء هنا خطأ.
(21) أي تميل وتتحرك.
(22) أي صاح بصوته بالغناء من صدح الديك إذا صاح بصوت مطرب.
(23) أي خالف الناصح.
(24) أمر من الجولان.
(25) بالكسر المكر والخديعة.
(26) بالضم الباطل الذي لا يتصوّر في العقل وجوده.
(27) أي اترك ما يقوله الجهال.(1/125)
وفارق أباك إذا ما أباك (1) ... ومدّ الشّباك (2) وصد من سنح (3)
وصاف (4) الخليل وناف (5) البخيل ... وأول الجميل (6) ووال (7) المنح (8)
ولذ بالمتاب (9) أمام الذّهاب (10) ... فمن دقّ (11) باب كريم فتح
فقلت له بخ بخ (12) لروايتك، وأفّ وتفّ (13) لغوايتك (14). فبالله من أيّ الأعياص (15) يميصك، فقد أعضلني (16) عويصك (17). فقال: ما أحبّ أن أفصح (18) عنّي، ولكن سأكنّي (19):
أنا أطروفة (20) الزّما ... ن وأعجوبة (21) الأمم
وأنا الحوّل (22) الّذي اح ... تال في العرب والعجم
غير أنّي ابن حاجة (23) ... هاضه (24) الدّهر فاهتضم (25)
وأبو صبية (26) بدوا (27) ... مثل لحم على وضم (28)
وأخو العيلة (29) المعي ... ل (30) إذا احتال لم يلم
__________
(1) أباك الأول والدك والثاني بمعنى كرهك ولم يردك.
(2) جمع شبكة وهي ما يصاد بها.
(3) عرض وأقبل.
(4) أمر من المصافاة.
(5) أبعد.
(6) أي أعط العطاء الجميل.
(7) أي وتابع.
(8) جمع المنحة وهي العطية.
(9) أي التجىء إلى التوبة.
(10) أي قبل الموت.
(11) أي طرق وقرع.
(12) كلمة تقال عند استحسان الشيء مكرّرة يجوز فيها تسكين الخاء وكسرها منونة.
(13) كلمتان يقولهما المتكره من الشيء المستقذر له.
(14) أي لضلالتك.
(15) جمع العيص بالكسر وهو الأصل في النسب يقال هو من عيص هاشم.
(16) أعياني.
(17) أي صعب أمرك وغامضه.
(18) أي أبين.
(19) أي أخبر بالكناية عني.
(20) هي ما يستحسن ويستغرب.
(21) هي ما يتعجب منه.
(22) الكثير الحيلة.
(23) أي طالب حاجة.
(24) أي ظلمه وكسره.
(25) أي ذل ونقص.
(26) أي صبيان وأطفال.
(27) أي لاحوا وظهروا.
(28) بالتحريك هو كل شيء وضع عليه اللحم وقاية من الأرض كالخشب وغيره.
(29) أي صاحب الفقر يقال عال الرجل يعيل إذا افتقر.
(30) ذو العيال أعال الرجل إذا كثر عياله.(1/126)
قال الرّاوي: فعرفت حينئذ أنّه أبو زيد، ذو الرّيب (1) والعيب، ومسوّد وجه الشّيب (2). وساءني (3) عظم تمرّده (4)، وقبح تورّده (5)، فقلت له بلسان الأنفة (6)، وإدلال (7) المعرفة: ألم يأن (8) لك يا شيخنا، أن تقلع (9) عن الخنا (10). فتضجّر (11) وزمجر (12)، وتنكّر (13) وفكّر، ثمّ قال: إنّها ليلة مراح (14)
لا تلاح (15)، ونهزة (16) شرب راح لا كفاح (17). فعدّ (18) عمّا بدا، إلى أن نتلاقى غدا. ففارقته فرقا (19) من عربدته (20)، لا تعلّقا بعدته (21)، وبتّ ليلتي لابسا حداد النّدم (22)، على نقلي خطى (23) القدم. إلى ابنة الكرم لا الكرم (24). وعاهدت الله سبحانه وتعالى، أن لا أحضر بعدها حانة نبّاذ (25)، ولو أعطيت ملك بغداذ (26). وأن لا أشهد معصرة الشّراب، ولو ردّ عليّ عصر الشّباب. ثمّ إنّنا رحّلنا (27) العيس (28)، وقت التّغليس (29)، وخلّينا بين الشّيخين أبي زيد وإبليس.
__________
(1) الشك.
(2) يعني أنه خضب لحيته بالسواد لأجل التدليس.
(3) أحزنني.
(4) أي عتوّه وخبث سيرته.
(5) أي وروده في مناهل المخازي.
(6) أي الحميّة.
(7) الادلال والدلال والدالة الجرأة مع الغنج وامرأة حسنة الدل والدلال.
(8) أي ألم يقرب.
(9) تمتنع.
(10) الفحش.
(11) أي قلق من الضجر وهو ضيق الصدر.
(12) صاح والزمجرة صوت الأسد.
(13) غيّر حالته.
(14) طرب.
(15) أي تنازع وتشاتم.
(16) أي فرصة.
(17) مقاتلة.
(18) أي عدّ نفسك واصرف بصرك.
(19) بالتحريك أي خوفا.
(20) العربدة سوء خلق السكران.
(21) أي بوعده.
(22) الحداد ثياب سود تلبس في المآتم استعارها للندم.
(23) بالضم جمع خطوة.
(24) ابنة الكرم الخمرة والكرم بالسكون العنب والثاني بالتحريك ضد البخل.
(25) أي بيت خمار.
(26) بالذال المعجمة لغة في بغداد.
(27) بتشديد الحاء كذا بخط الحريري.
(28) الإبل البيض.
(29) السير وقت الغلس وهو ظلمة آخر الليل.(1/127)
المقامة الثالثة عشرة البغداديّة
روى الحارث بن همّام، قال: ندوت (1) بضواحي (2) الزّوراء (3)، مع مشيخة (4) من الشّعراء، لا يعلق (5) لهم مبار (6) بغبار، ولا يجري معهم ممار (7)
في مضمار (8). فأفضنا (9) في حديث، يفضح الأزهار (10) إلى أن نصفنا النّهار (11). فلمّا غاض (12) درّ الأفكار (13)، وصبت (14) النّفوس إلى الأوكار (15)، لمحنا عجوزا تقبل من البعد، وتحضر إحضار الجرد (16). وقد استتلت (17) صبية (18)
أنحف من المغازل (19)، وأضعف من الجوازل (20)، فما كذّبت إذ رأتنا، أن عرتنا (21)، حتّى إذا ما حضرتنا، قالت: حيّى الله المعارف (22)، وإن لم يكنّ (23)
__________
(1) أقمت بالنادي وهو المجلس.
(2) براري ونواحي.
(3) اسم دجلة بغداد.
(4) جماعة من الشيوخ.
(5) يلصق.
(6) معارض.
(7) من المماراة وهي المجادلة.
(8) ميدان السباق.
(9) فشرعنا.
(10) بمعنى أنه يفوق الأزهار في الارتياح إليه.
(11) أي بلغنا نصفه.
(12) أي غار ونقص.
(13) أي ما تنتجه القرائح من حلو الحديث.
(14) أي مالت.
(15) جمع وكر وهو بيت الطائر.
(16) أي تعدو عدو الجرد وهي الخيل القصار الشعور.
(17) أي استتبعت.
(18) جمع صبيّ.
(19) جمع مغزل.
(20) جمع جوزل وهو فرخ الحمامة.
(21) أي قصدتنا.
(22) جمع معروف وهو الوجه أي حيى الله الوجوه والسادة.
(23) وفي نسخة لم يكونوا.(1/128)
معارف. اعلموا يا مآل الآمل (1)، وثمال الأرامل (2)، أنّي من سروات (3)
القبائل، وسريّات (4) العقائل (5) لم يزل أهلي وبعلي يحلّون الصّدر (6)، ويسيرون القلب (7)، ويمطون الظّهر (8)، ويولون اليد (9). فلمّا أردى (10) الدّهر الأعضاد (11)، وفجع بالجوارح (12) الأكباد، وانقلب (13) ظهرا لبطن (14)، نبا النّاظر (15)، وجفا الحاجب (16)، وذهبت العين (17)، وفقدت الرّاحة (18)، وصلد الزّند (19)، ووهنت اليمين (20)، وضاع اليسار، وبانت (21)، المرافق (22)، ولم يبق لنا ثنيّة ولا ناب (23). فمذ اغبرّ العيش الأخضر (24)، وازورّ (25) المحبوب الأصفر (26)، اسودّ يومي الأبيض، وابيضّ (27) فودي (28) الأسود، حتّى رثى لي (29)
العدوّ الأزرق (30) فحبّذا الموت الأحمر (31)، وتلوي (32) من ترون عينه فراره (33)،
__________
(1) أي ملجأ الراجي.
(2) الثمال بالكسر من يعوّل عليه والأرامل المساكين من رجال ونساء قال العباس يمدحه عليه الصلاة والسلام:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
(3) جمع سراة جمع سري وهو السخي ذو المروءة.
(4) جمع سريّة وهي الرفيعة القدر.
(5) جمع عقيلة وهي الكريمة الجيدة.
(6) أشرف المجلس.
(7) المراد قلب العسكر أي وسط الموكب.
(8) أي يركبون الناس الإبل التي تحمل القوم.
(9) أي يعطون النعمة.
(10) أي أهلك.
(11) أي الأعوان.
(12) جوارح الإنسان أعضاؤه التي يكتسب بها يريد الأولاد والخدم.
(13) أي الدهر.
(14) كناية عن تحوّل الأمر.
(15) أي تجافى وتباعد والناظر المراد به من كان ينظر إليهم نظر إجلال وإعظام.
(16) أي الخادم.
(17) الذهب.
(18) ضد التعب.
(19) كناية عن الخيبة.
(20) أي ضعفت القوّة.
(21) فارقت.
(22) أي ما يرتفق به.
(23) الثنيّة الفتية من النوق والناب المسنة.
(24) كناية عن المعيشة الطيبة.
(25) أي مال وانقبض.
(26) أي الذهب.
(27) أي شاب.
(28) هو جانب الرأس.
(29) أي رحمني.
(30) أي شديد العداوة.
(31) أي الشديد وهو أن يقتل بالسيف وقيل هو الموت فجأة.
(32) أي وتابعي.
(33) مثل يضرب لمن يدل ظاهره على باطنه فيغني عن الاختبار.(1/129)
وترجمانه (1) اصفراره، قصوى بغية أحدهم ثردة (2)، وقصارى أمنيّته بردة (3). وكنت آليت (4) أن لا أبذل الحرّ (5)، إلّا للحرّ (6)، ولو أنّي متّ من الضّرّ، وقد ناجتني (7) القرونة (8)، بأن توجد عندكم المعونة (9). وآذنتني (10) فراسة الحوباء (11)، بأنّكم ينابيع (12) الحباء (13). فنضّر (14) الله امرأ أبرّ قسمي (15)، وصدّق توسّمي (16)، ونظر إليّ بعين يقذيها (17) الجمود (18)، ويقذّيها (19)
الجود (20). قال الحارث بن همّام: فهمنا لبراعة عبارتها (21)، وملح استعارتها.
وقلنا لها: قد فتن (22) كلامك، فكيف إلحامك (23). فقالت: أفجّر الصّخر (24)، ولا فخر. فقلنا: إنّ جعلتنا من رواتك (25)، لم نبخل بمؤاساتك. فقالت لأرينّكم (26)
أوّلا شعاري (27)، ثمّ لأروّينّكم (28) أشعاري. فأبرزت ردن درع دريس (29)، وبرزت (30) برزة عجوز دردبيس (31)، وأنشأت تقول:
__________
(1) أي تبيانه أي مبينه.
(2) أي نهاية ما يبتغيه أحدهم ثريد.
(3) أي منتهى ما يتمناه كساء يلبسه.
(4) أي حلفت.
(5) ماء الوجه.
(6) أي للكريم.
(7) أي حدثتني.
(8) هي النفس.
(9) أي الإعانة.
(10) أعلمتني.
(11) أي حدس النفس.
(12) جمع ينبوع وهي العين الجارية.
(13) العطاء.
(14) أي جعله نضرا أي حسنا بهجا.
(15) أي حفظ حلفي من الحنث.
(16) أي ما توسمته فيكم وظننته.
(17) أي يلقي فيها القذى وهو ما يسقط في العين.
(18) يريد به البخل.
(19) بتشديد الذال أي يزيل قذاها.
(20) أي الكرم.
(21) أي هامت قلوبنا وتحيرت لفصاحة كلامها ومحاسن نظامها.
(22) من الفتنة أي فتننا.
(23) أي نظمك للشعر يقال ألحم الشعر أي نظمه مثل حاكه.
(24) كناية عن الإتيان بالبديع البليغ العذب من الشعر.
(25) أي الراوين لشعرك.
(26) من الرؤية.
(27) أي ثوبي الذي يلي جسدي.
(28) من الرواية يقال روّاه إذا جعله راويا عنه.
(29) أي فأظهرت كمّ قميص بال.
(30) ظهرت.
(31) أي مسنة ذات مكر ودهاء.(1/130)
أشكو إلى الله اشتكاء المريض ... ريب الزّمان (1) المتعدّي (2) البغيض (3)
يا قوم إنّي من أناس غنوا (4) ... دهرا وجفن الدّهر عنهم غضيض (5)
فخارهم ليس له دافع ... وصيتهم (6) بين الورى مستفيض (7)
كانوا إذا ما نجعة (8) أعوزت (9) ... في السّنة الشّهباء (10) روضا (11) أريض (12)
تشبّ (13) للسّارين (14) نيرانهم ... ويطعمون الضّيف لحما غريض (15)
ما بات جار لهم ساغبا (16) ... ولا لروع (17) قال حال الجريض (18)
فغيّضت (19) منهم صروف الرّدى (20) ... بحار جود لم نخلها (21) تغيض (22)
وأودعت منهم بطون الثّرى (23) ... أسد التّحامي (24) وأساة (25) المريض
__________
(1) أي جوره كما في بعض النسخ.
(2) متجاوز الحدّ.
(3) ضد الحبيب.
(4) أي أقاموا وعاشوا.
(5) أي مغضوض بمعنى مكفوف كناية عن كون الدهر لم يصبهم بمصائبه.
(6) ما يذكر وينشر من ذكرهم الحميد.
(7) أي شائع ذائع.
(8) أي مرعى خصب.
(9) أحوجت والإعواز الفقر.
(10) هي التي لا خضرة فيها أو لا مطر.
(11) جمع روضة وهي البقاع التي يكون فيها أنواع الزهر والنّور.
(12) حسن النبات من قولهم أرض أريضة إذا كانت طيبة.
(13) توقد.
(14) جمع سار وهو من يسري ليلا.
(15) أي طري.
(16) أي جائعا.
(17) أي لفزع وخوف.
(18) الجريض الغصة يقال في المثل حال الجريض دون القريض وأصله أن النعمان كان له يومان يوم بؤس ويوم نعمة فمن لقيه في يوم بؤسه قتله ومن لقيه في يوم نعماه أغناه فلقيه في يوم بؤسه عبيد بن الأبرص الشاعر وكان من خاصته فقال له النعمان وددت لو لقيتنا غير اليوم فتمنّ ما شئت غير نفسك فقال لا أعزّ عليّ من نفسي فقال لا سبيل إلى ذلك فأنشدني من شعرك فقال عبيد حال الجريض دون القريض فذهب مثلا.
(19) أي فنقصت وأفنت.
(20) الهلاك.
(21) أي نظنها.
(22) أي تنقص.
(23) كناية عن القبور.
(24) أي الذي يتحامى فيهم.
(25) جمع آس وهو الطبيب.(1/131)
فمحملي (1) بعد المطايا (2) المطا (3) ... وموطني بعد اليفاع (4) الحضيض (5)
وأفرخي (6) ما تأتلي تشتكي (7) ... بؤسا (8) له في كلّ يوم وميض (9)
إذا دعا القانت (10) في ليله ... مولاه نادوه بدمع يفيض (11)
يا رازق النّعّاب (12) في عشّه ... وجابر العظم الكسير (13) المهيض (14)
أتح (15) لنا اللهم من عرضه ... من دنس الذّمّ نقيّ رحيض (16)
يطفىء نار الجوع عنّا ولو ... بمذقة (17) من حازر (18) أو مخيض (19)
فهل فتى يكشف ما نابهم (20) ... ويغنم الشّكر الطّويل العريض
فو الّذي تعنو (21) النّواصي (22) له ... يوم وجوه الجمع سود وبيض (23)
لولاهم لم تبد لي صفحة (24) ... ولا تصدّيت (25) لنظم القريض (26)
__________
(1) أي موضع حملي.
(2) جمع مطية وهي الناقة التي تركب.
(3) هو الظهر تعني أن أمتعتها بعد أن كانت تحمل على الإبل. صارت تحمل على ظهرها.
(4) العالي من الأرض.
(5) ما انخفض من الأرض عند منقطع الجبل.
(6) أي أولادي.
(7) أي لا تقصر في الشكوى.
(8) أي ضرّا وشدة.
(9) من أومض البرق إذا لمع والمراد هنا الظهور.
(10) أي العابد.
(11) أي يسيل.
(12) فرخ الغراب يقال إنه إذا خرج فرخ الغراب من البيضة يخرج أبيض فينكره أبواه فيتركانه فيفتح فاه فيرسل الله ذبابا يدخل في فيه ثم بعد سبعة أيام يسوّد فيراجعه أبواه.
(13) أي المكسور.
(14) أي الذي ينكسر بعد جبره.
(15) أي قدّر لنا ووفق من يكون نقيّ العرض من الملامة والمذمة.
(16) أي مغسول طاهر.
(17) هي اللبن فيه ماء.
(18) لبن حامض.
(19) لبن منزوع الزبد.
(20) أي أصابهم.
(21) أي تخضع وتذل.
(22) جمع ناصية وهي مقدم الرأس والمراد أهلها والنواصي أيضا الأشراف.
(23) يعني يوم القيامة.
(24) أي لولا هؤلاء الصبية الجياع لم تظهر لي صفحة وجه وهي جانبه.
(25) أي تعرّضت.
(26) هو الشعر.(1/132)
قال الرّاوي: فو الله! لقد صدّعت (1) بأبياتها أعشار القلوب (2)، وأستخرجت خبايا الجيوب (3)، حتّى ماحها من دينه الامتناح (4)، وارتاح (5) لرفدها (6) من لم نخله (7) يرتاح. فلمّا افعوعم (8) جيبها تبرا (9)، وأولاها (10) كلّ منّا برّا (11)، تولّت (12) يتلوها الأصاغر (13)، وفوها (14) بالشّكر فاغر (15). فاشرأبّت (16) الجماعة بعد ممرّها، إلى سبرها (17)، لتبلو (18) مواقع برّها (19). فكفلت لهم باستنباط السّرّ المرموز (20)، ونهضت أقفو أثر العجوز (21)، حتّى انتهت إلى سوق مغتصّة (22)
بالأنام، مختصّة بالزّحام (23). فانغمست (24) في الغمار (25)، وامّلست (26) من الصّبية الأغمار (27). ثمّ عاجت (28) بخلوّ بال (29)، إلى مسجد خال، فأماطت (30)
الجلباب (31)، ونضت النّقاب (32)، وأنا ألمحها (33) من خصاص الباب (34)، وأرقب (35)
__________
(1) أي شققت وفرقت.
(2) أي أجزاءها جمع عشر وهو القطعة تنكسر من القدح أو البرمة وقلب أعشار إذا كان قطعا.
(3) كناية عما يعطى من الدراهم.
(4) أي أعطاها من عادته طلب العطاء.
(5) أي نشط.
(6) أي لعطائها.
(7) نظنه.
(8) أي امتلأ جدّا.
(9) أي ذهبا.
(10) أي أعطاها.
(11) إحسانا.
(12) أي أدبرت.
(13) أي يتبعها الأولاد.
(14) أي فمها.
(15) أي فاتح بمعنى مفتوح بالشكر.
(16) مدّت عنقها ورفعت رأسها لتنظر يقال اشرأبّ البازي إذا مدّ عنقه للصيد.
(17) أي اختبارها.
(18) أي لتختبر.
(19) أي مواضع صلتها.
(20) أي ضمنت لهم استخراج سرها الخفي.
(21) أي وقمت أذهب متبعا أثرها.
(22) أي ممتلئة.
(23) أي مخصوصة بالزحام.
(24) أي فدخلت من انغمس في الماء إذا دخل فيه.
(25) بالضم والفتح جماعات الناس.
(26) أي تخلصت وانفلتت.
(27) أي الجهال جمع الغمر بالضم وهو الذي لم يجرب الأمور.
(28) مالت ورجعت.
(29) أي بقلب خال.
(30) أي فأزالت.
(31) هو الملحفة أو الملاءة أو الرداء.
(32) أي كشفت البرقع.
(33) أنظرها.
(34) أي شقوقه.
(35) انتظر.(1/133)
ما ستبدي (1) من العجاب (2). فلمّا انسرت (3) أهبة الخفر (4)، رأيت محيّا (5)
أبي زيد قد سفر (6)، فهممت أن أهجم (7) عليه، لأعنّفه (8) على ما أجرى (9)
إليه. فاسلنقى (10) اسلنقاء المتمرّدين، ثمّ رفع عقيرة المغرّدين (11)، واندفع ينشد:
يا ليت شعري أدهري ... أحاط علما بقدري
وهل درى كنه غوري (12) ... في الخدع أم ليس يدري
كم قد قمرت بنيه (13) ... بحيلتي وبمكري
وكم برزت (14) بعرف (15) ... عليهم وبنكر
أصطاد قوما بوعظ ... وآخرين بشعر
وأستفزّ بخلّ ... عقلا (16) وعقلا بخمر (17)
وتارة أنا صخر ... وتارة أخت صخر (18)
__________
(1) أي ستظهر.
(2) ما جاوز حد العجب.
(3) أي انكشفت.
(4) أي هيئة الحياء والمراد بها النقاب.
(5) هو الوجه.
(6) أي طهر وانكشف.
(7) أي أدخل في غفلة فجأة.
(8) أي لأعيّره وألومه.
(9) جرى إليه وأجرى إليه قصده وفي نسخة ما اجترأ عليه.
(10) أي فاستلقى كما في بعض النسخ بأن نام على ظهره منبسطا.
(11) العقيرة الصوت وأصله الرجل المعقورة أي المجروحة ثم استعمل في الصوت وذلك أن رجلا عقرت رجله فرفعها وصرخ من شدة الألم فقيل لكل من رفع صوته رفع عقيرته.
(12) أي غاية عمق عقلي.
(13) أي غلبت بالقمار أهله.
(14) أي ظهرت.
(15) من المعروف ضدّ النكر بمعنى المنكر.
(16) أي استخف عقلا بخل وهو كناية عن الخير والحق.
(17) أي استفز عقلا بخمر وهو كناية عن الشر والباطل يقال لست من هذا الأمر في خل ولا في خمر أي لا في خير ولا في شر.
(18) صخر هو ابن عمرو بن الشريد السلمي وأخته الخنساء الشاعرة المشهورة ومن قولها فيه:
وإن صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
وقال الشاعر:
أبيت على الصخر المبارك باكيا ... كما كانت الخنساء تبكي على صخر
يريد أنه يظهر مرة بزي الرجال ومرة بزي النساء.(1/134)
ولو سلكت سبيلا ... مألوفة (1) طول عمري
لخاب قدحي وقدحي ... ودام عسري وخسري (2)
فقل لمن لام هذا ... عذري فدونك (3) عذري
قال الحارث بن همّام: فلمّا ظهرت (4) على جليّة أمره (5)، وبديعة إمره (6)، وما زخرف (7) في شعره من عذره، علمت أنّ شيطانه المريد (8)، لا يسمع التّفنيد (9)، ولا يفعل إلّا ما يريد. فثنيت (10) إلى أصحابي عناني (11)، وأبثثتهم (12)
ما أثبته عياني (13). فوجموا (14) لضيعة الجوائز (15)، وتعاهدوا على محرمة (16) العجائز.
__________
(1) أي مسلوكة معروفة.
(2) أي لخسر سهمي والقدح بالكسر أحد سهام الميسر التي كانوا يتساهمون بها على الجزور وبالفتح مصدر قدح الزند إذا ضربه على الزندة ليخرج النار. والعسر الضيق ضد اليسر والخسر النقصان.
(3) أي خذ.
(4) أي اطلعت.
(5) أي حقيقة حاله.
(6) الإمر بالكسر الشيء العجيب.
(7) أي حسّن وزيّن.
(8) العاتي الخبيث.
(9) أي اللوم والتوبيخ من الفند بالتحريك وهو ضعف الرأي من الهرم.
(10) أي عطفت.
(11) العنان بالكسر مقود الدابة.
(12) أي أخبرتهم وشرحت لهم.
(13) أي معاينتي ونظري.
(14) أي سكتوا حزنا من وجم إذا اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام.
(15) أي لضياع وذهاب العطايا.
(16) أي حرمان.(1/135)
المقامة الرابعة عشرة المكّيّة
حكى الحارث بن همّام، قال: نهضت من مدينة السّلام (1)، لحجّة الإسلام. فلمّا قضيت بعون الله التّفث (2)، واستبحت (3) الطّيب والرّفث (4)، صادف موسم الخيف (5)، معمعان الصّيف (6). فاستظهرت (7) للضّرورة، بما يقي (8) حرّ الظّهيرة (9). فبينما أنا تحت طراف (10)، مع رفقة ظراف (11)، وقد حمي وطيس الحصباء (12)، وأعشى (13) الهجير عين الحرباء (14)، إذ هجم علينا شيخ متسعسع (15)، يتلوه (16) فتى مترعرع (17)، فسلّمّ الشّيخ تسليم أديب
__________
(1) هي بغداد والسلام اسم دجلة فأضيفت المدينة إليه.
(2) مناسك الحج وهي قلم الأظفار والحلق والهدي وأشباه ذلك.
(3) أي استحللت.
(4) الجماع.
(5) الموسم المجمع والخيف خيف منى والمراد مجمع الحاج هناك.
(6) شدّة الحر وتوقده.
(7) أي فاستظللت.
(8) أي يمنع ويحجز.
(9) أي الهاجرة وهي اشتداد الحر منتصف النهار.
(10) خيمة من أدم.
(11) الظّرف والظرافة الكيس والذكاء وقد ظرف فهو ظريف وهو ظراف وقيل الظريف الخفيف في ذاته وأخلاقه وأفعاله.
(12) الوطيس التنور والحصباء الحصى الصغار شبّه حرارة الحصباء بالتنور.
(13) أي أعمى وعشّى.
(14) هي دويبة أكبر من العظاية تستقبل الشمس وتدور معها كلما دارت.
(15) أي هرم.
(16) أي يتبعه.
(17) حدث سريع الحركة ترعرع الصبي شب ومنه قول بعضهم إذا ترعرع الولد ترعرع الوالد.(1/136)
أريب (1)، وحاور محاورة قريب (2) لا غريب. فأعجبنا (3) بما نثر من سمطه (4)، وعجبنا من انبساطه (5) قبل بسطه (6). وقلنا له: ما أنت (7) وكيف ولجت (8)، وما استأذنت؟ فقال: أمّا أنا فعاف (9)، وطالب إسعاف (10). وسرّ ضرّي (11)، غير خاف (12). والنّظر إليّ شفيع لي كاف. وأمّا الانسياب (13)، الّذي علق به الارتياب (14)، فما هو بعجاب (15)! إذ ما على الكرماء من حجاب (16). فسألناه:
أنّى اهتدى (17) إلينا، وبم (18) استدلّ علينا؟ فقال: إنّ للكرم نشرا (19) تنمّ به (20)
نفحاته (21)، وترشد إلى روضه فوحاته (22). فاستدللت بتأرّج عرفكم (23)، على تبلّج عرفكم (24). وبشّرني تضوّع رندكم (25)، بحسن المنقلب من عندكم.
__________
(1) عاقل فطن.
(2) أي تكلم وراجع مراجعة ذي قرابة.
(3) أي سررنا.
(4) السمط بالكسر والسماط النظام يجمع اللؤلؤ والخرز والودع في عقد والنثر ما لم يكن منظوما وهو كناية عن الكلام البليغ.
(5) هو ترك الاحتشام.
(6) أي قبل أن نجعل له سبيلا إلى ذلك.
(7) سؤال عن الصفة.
(8) أي دخلت.
(9) العافي السائل طالب المعروف والجمع العفاة بالضم.
(10) هو المعاونة وقضاء الحاجة.
(11) ضرري.
(12) أي ظاهر غير مستتر.
(13) الدخول بسرعة وأصله من انسياب الحية وهو جريها.
(14) القلق والاضطراب.
(15) يبالغ في العجب.
(16) أي ستر مانع.
(17) أي كيف استرشد واستدل.
(18) أي وبأي شيء.
(19) هو الرائحة الطيبة.
(20) أي تفوح وتخبر به من النميمة وهي الإخبار بما كتم عنك مما تكرهه فاستعير لمطلق الإخبار.
(21) نفح الطيب فاح وله نفحة طيبة.
(22) فوحة الطيب تضوّع ريّاه.
(23) العرف بالفتح الرائحة طيبة أو منتنة وأكثر استعماله في الطيبة كما هنا والأريج والتأرّج توهم ريح الطيب.
(24) من البلج وهو وضوح النور والعرف بالضم المعروف.
(25) الرّند بالفتح نبت طيب الرائحة وتضوعه فوح رائحته وهذا كله كناية عن جميل شيمهم وجليل هممهم ونضارة وجوههم.(1/137)
فاستخبرناه حينئذ عن لبانته (1)، لنتكفّل بإعانته. فقال: إنّ لي مأربا (2)، ولفتاي مطلبا، فقلنا له: كلا المرامين (3) سيقضى، وكلاكما سوف يرضى. ولكن الكبر الكبر (4). فقال: أجل (5) ومن دحا السّبع الغبر (6)! ثمّ وثب للمقال، كالمنشط من العقال (7)، وأنشد:
إنّي امرؤ أبدع بي (8) ... بعد الوجى (9) والتّعب
وشقّتي (10) شاسعة (11) ... يقصر (12) عنها خببي (13)
وما معي خردلة (14) ... مطبوعة (15) من ذهب
فحيلتي منسدّة ... وحيرتي (16) تلعب بي (17)
إن ارتحلت راجلا (18) ... خفت دواعي العطب (19)
وإن تخلّفت (20) عن الرّ ... فقة (21) ضاق مذهبي (22)
__________
(1) اللّبانة بالضّم الحاجة من تلبن بالمكان إذا أقام به ولزمه.
(2) أي حاجة وكذا المطلب.
(3) الحاجتين.
(4) بضم الكاف وسكون الباء منصوب على الإغراء أي قدّم الأكبر فنابت إحدى الكلمتين مناب الفعل هنا.
(5) بمعنى نعم.
(6) أي ومن بسط الأرضين والغبر جمع الغبراء وهو مما توصف به الأرض وهذا قسم.
(7) نشط الحبل عقده أنشوطة وأنشطه حله فالهمزة للسلب كما يقال شكاه وأشكاه والعقال حبل يعقل به البعير.
(8) أي عطبت راحلتي يقال أبدع بالرجل إذا هلكت راحلته.
(9) وجع الرجلين من الحفاء.
(10) أي مسافة مقصدي.
(11) أي بعيدة.
(12) من القصور وهو العجز.
(13) الخبب ضرب من العدو دون الجري خب الفرس راوح بين يديه.
(14) يريد مقدار خردلة.
(15) أي مصنوعة.
(16) أي لم أدر ماذا أصنع في تيسير أمري والحيرة أن لا يجد الإنسان مخرجا من أمره ثم يمضي ويعود على حاله.
(17) أي لا تنفك عني.
(18) أي ماشيا على رجليه.
(19) أي أسباب الهلاك.
(20) أي تأخرت.
(21) بمعنى الرفاق جمع الرفيق.
(22) أي طريقي.(1/138)
فزفرتي (1) في صعد ... وعبرتي في صبب (2)
وأنتم منتجع الر ... راجي (3) ومرمى الطّلب (4)
لهاكم (5) منهلّة (6) ... ولا انهلال السّحب
وجاركم (7) في حرم (8) ... ووفركم (9) في حرب (10)
ما لاذ مرتاع (11) بكم ... فخاف ناب النّوب (12)
ولا استدرّ (13) آمل (14) ... حباءكم (15) فما حبي (16)
فانعطفوا في قصّتي ... وأحسنوا منقلبي (17)
فلو بلوتم (18) عيشتي ... في مطعمي ومشربي
لساءكم (19) ضرّي الّذي ... أسلمني (20) للكرب (21)
ولو خبرتم حسبي ... ونسبي ومذهبي (22)
__________
(1) يقال زفر يزفر زفرا وزفيرا أخرج نفسه بعد مدّه إياه والزفرة بفتح الزاي وتضم التنفس كذلك.
(2) في صعد بضم الصاد والعين وفتحهما أي ارتفاع ومنه تنفس الصعداء إذا علا نفسه من الوجد.
والعبرة بفتح العين الدمعة والصبب الانحدار والهبوط يعني أن دموعه منصبة ومنحدرة من عينيه.
(3) أي محل انتجاع الآمل أي مقصده من النجعة وهي طلب القوت.
(4) أي موضع المطلوب.
(5) بالضم جمع لهوة بالفتح وهي العطية ومنه قولهم اللهى تفتح اللهى الثانية جمع لهاة وهي الحلق والمعنى أن العطايا تفتح الفم بالثناء والدعاء.
(6) أي منسكبة متتابعة.
(7) أي من يجاوركم ويلوذ بكم.
(8) أي في منعة واحترام.
(9) أي ومالكم.
(10) أي في انتهاب بمعنى أنه مبذول لسائله بكثرة كالمنتهب.
(11) أي ما لجأ خائف فزع.
(12) أي حدة حوادث الدهر.
(13) أي استحلب.
(14) أي راج.
(15) بالقصر للضرورة أي عطاءكم (كذا في الأصل).
(16) أي فما أعطي.
(17) أي فميلوا وانظروا في أمري وأحسنوا انقلابي ورجوعي.
(18) اختبرتم.
(19) أي لأحزنكم.
(20) تركني.
(21) جمع كربة بمعنى المحنة.
(22) الحسب ما يعدّه الرجل من مفاخر نسبه وآبائه والنسب الأصل الذي ينتسب إليه من أبيه وأجداده والمذهب الديانة.(1/139)
وما حوت معرفتي (1) ... من العلوم النّخب (2)
لما اعترتكم شبهة (3) ... في أنّ دائي أدبي
فليت أنّي لم أكن ... أرضعت ثدي الأدب
فقد دهاني (4) شؤمه (5) ... وعقّني (6) فيه أبي
فقلنا له: أمّا أنت، فقد صرّحت (7) أبياتك بفاقتك، وعطب ناقتك (8)، وسنمطيك ما يوصّلك إلى بلدك (9). فما مأربة ولدك؟ (10) فقال له: قم يا بنيّ كما قام أبوك، وفه (11) بما في نفسك لا فضّ فوك (12). فنهض نهوض البطل للبراز (13)، وأصلت (14) لسانا كالعضب الجراز (15)، وانشأ يقول:
يا سادة في المعالي ... لهم مبان مشيده (16)
ومن إذا ناب خطب ... قاموا بدفع المكيده (17)
ومن يهون عليهم ... بذل الكنوز (18) العتيده (19)
أريد منكم شواء (20) ... وجردقا (21) وعصيده
__________
(1) جمعت.
(2) جمع نخبة وهي خيار كل شيء وإجراؤها على العلوم صفة لما فيها من معنى الفضل.
(3) أي لما علق بكم شكّ.
(4) أي أصابني.
(5) الشؤم نقيض اليمن.
(6) أي قطع رحمي.
(7) أي نطقت وحدّثت صريحا.
(8) أي بفقرك وهلاك ركوبتك.
(9) أي سنعطيك مطية تركبها.
(10) بفتح الراء وضمها الحاجة وفي المثل مأربة لا حفاوة.
(11) أي قل وتكلم.
(12) أي لا كسرت أسنانك ولا فرّقت من فضضت الخاتم إذا كسرته.
(13) أي قام قيام الفارس الشجاع للحرب.
(14) أي جرّد وأخرج بسرعة.
(15) أي كالسيف الماضي القاطع لكل شيء ومنه أرض مجروزة وهي التي قطع نباتها.
(16) المباني جمع مبنى بمعنى البناء والمشيدة المرتفعة العالية من شاده إذا رفعه.
(17) أي إذا حصل أمر عظيم دفعوا مكيدته.
(18) جمع كنز.
(19) الحاضرة المستعدّة أو الجسيمة يعني أنه يهون عليهم بذل الأموال ولو كثرت.
(20) أي لحما مشويا.
(21) رغيفا معرب كرده.(1/140)
فإن غلا فرقاق ... به توارى الشّهيده (1)
أو لم يكن ذا ولا ذا ... فشبعة من ثريده (2)
فإن تعذّرن طرّا (3) ... فعجوة (4) ونهيده (5)
فأحضروا ما تسنّى (6) ... ولو شظى (7) من قديده
وروّجوه (8) فنفسي ... لما يروج مريده
والزّاد لا بدّ منه ... لرحلة لي بعيده
وأنتم خير رهط (9) ... تدعون عند الشّديده (10)
أيديكم (11) كلّ يوم ... لها أياد (12) جديده
وراحكم (13) واصلات (14) ... شمل الصّلات (15) المفيده
وبغيتي (16) في مطاوي ... ما ترفدون (17) زهيده (18)
وفيّ أجر وعقبى ... تنفيس كربي حميده (19)
ولي نتائج فكر (20) ... يفضحن كلّ قصيده
__________
(1) أي تلف وتؤكل به الشهيدة أي الهريسة وهي المرادة بقول القائل:
هلموا إلى ما عذّبت طول ليلها ... بأضيق سجن في جحيم تسعّر
وقد جلدت حدّين وهي شهيدة ... هلموا إلى دفن الشهيدة تؤجروا
(2) من ثردت الخبز ثردا من باب قتل وهو أن تفته ثم تبله بمرق.
(3) أي لم يتيسر شيء من جميع ما ذكر.
(4) هي أجود التمر.
(5) هي صنف من طبيخ العرب بأن يغلى حب الحنظل فإذا بلغ إناءه من النضج والكثافة ذرّ عليه شيء من دقيق ثم أكل وقيل الزبدة التي لم يتم روب لبنها وهو أقرب لمراد الشاعر.
(6) أي تسهل وتيسر.
(7) جمع شظية وهي القشرة الصغيرة من خشب ونحوه.
(8) أي عجّلوه وهيؤوه.
(9) أي قوم.
(10) معناه تدعون لدفع النوائب.
(11) جمع يد بمعنى العضو المعروف.
(12) جمع أيد جمع يد بمعنى النعمة والعطية.
(13) جمع راحة وهي باطن الكف.
(14) من الوصل ضد القطع.
(15) بكسر الصاد أي جمع العطايا.
(16) أي مطلبي وما أتمناه.
(17) يعني في ضمن وجملة ما تعطون.
(18) أي قليلة.
(19) أي وعاقبة تفريج كربي محمودة.
(20) هي ما يتولد من فكره من بديع الكلام.(1/141)
قال الحارث بن همّام: فلمّا رأينا الشّبل يشبه الأسد (1)، أرحلنا الوالد (2)
وزوّدنا الولد (3). فقابلا الصّنع (4) بشكر نشر أرديته (5)، وأدّيا به ديته (6). ولمّا عزما على الانطلاق (7)، وعقدا للرّحلة حبك النّطاق (8)، قلت للشّيخ: هل ضاهت (9) عدتنا (10) عدة عرقوب (11)، أو هل بقيت حاجة في نفس يعقوب.
فقال: حاش (12) لله وكلا (13)، بل جلّ معروفكم (14) وجلّى (15). فقلت له: فدنّا (16) كما دنّاك (17)، وأفدنا كما أفدناك. أين الدّويرة (18)، فقد ملكتنا (19) فيك الحيرة؟ فتنفّس تنفّس من ادّكر (20) أوطانه، وأنشد والشّهيق (21) يلعثم (22) لسانه:
__________
(1) الشبل ولد الأسد يريد به الفتى وأراد بالأسد الشيخ.
(2) أي أعطيناه راحلة.
(3) أي أعطيناه زادا مما طلب.
(4) أي المعروف.
(5) يعني أكثر من الشكر حتى اشتهر صيته.
(6) أي دية ذلك الصنع وأراد بالدية ما يفي بمقابلته من كثرة الشكر.
(7) الذهاب والانصراف.
(8) الحبك جمع حباك وهو ما تشد به المرأة وسطها كالمنطقة والنطاق شقة تلبسها المرأة ثم تشد على وسطها خيطا ثم ترسل الأعلى على الأسفل إلى الأرض والجمع نطق ومنه قيل لأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ذات النطاقين لأنها شقت نطاقها ليلة خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار فجعلت واحدة لسفرته والأخرى عصاما لقربته.
(9) أي ماثلت وشابهت.
(10) أي ما وعدنا به في قضاء المرامين.
(11) هو يهودي من خيبر كذوب يضرب به المثل في خلف الوعد وإياه أراد كعب بن زهير في قوله:
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلّا الأباطيل
(12) من حروف الجر عند سيبويه ويوضع موضع التنزيه يقال حاش لله أي تنزيها له كأنه يتبرأ من هذا الشيء.
(13) كلمة زجر وردع.
(14) أي عظم عطاؤكم.
(15) أي كشف الهم وأذهبه.
(16) أي فجازنا بحديثك.
(17) أي كما صنعنا معك من معروفنا مأخوذ من الدين وهو الجزاء وأصله قولهم كما تدين تدان.
(18) أي البلدة.
(19) أي تمكنت منا.
(20) أي تذكّر أصله اذدكر فأدغم.
(21) هو تردّد النفس مع سماع الصوت من الحلق.
(22) أي يحبس ويوقف من اللعثمة وهي التوقف والتمكث.(1/142)
سروج (1) داري ولكن ... كيف السّبيل إليها
وقد أناخ (2) الأعادي ... بها وأخنوا عليها (3)
فوالّتي سرت أبغي ... حطّ الذّنوب لديها (4)
ما راق طرفي شيء ... مذ غبت عن طرفيها (5)
ثمّ اغرورقت عيناه (6) بالدّموع، وآذنت (7) مدامعه بالهموع (8)، فكره أن يستوكفها (9)، ولم يملك أن يكفكفها (10). فقطع إنشاده المستحلى، وأوجز (11) في الوداع وولّى (12).
__________
(1) بلد بين العراق والشام.
(2) أي نزل.
(3) أخنى عليه الدهر أهلكه وأفسده أي أهلكوها وأفسدوها.
(4) هذا قسم والمقسم به الكعبة فإن الذنب يحط عندها ويرجى بطوافها المغفرة منه فإن الكبائر تكفّر بالحج المبرور.
(5) أي ما أعجب عيني شيء من حين مفارقتها.
(6) أي سالت عيناه حتى غرقتا.
(7) أي أعلمت.
(8) من همع أي سال وانسكب.
(9) أي يستقطرها ويجريها من وكف الماء وكيفا إذا سال قليلا قليلا.
(10) أي يمنعها ويردها.
(11) أي اقتصر وأسرع.
(12) أي ذهب ومضى.(1/143)
المقامة الخامسة عشرة الفرضيّة
أخبر الحارث بن همّام، قال: أرقت (1) ذات ليلة حالكة (2) الجلباب (3)، هامية الرّباب (4)، ولا أرق صبّ (5)، طرد عن الباب، ومني (6) بصدّ الأحباب. فلم تزل الأفكار يهجن (7) همّي، ويجلن (8) في الوساوس (9) وهمي (10)، حتّى تمنّيت، لمضض ما عانيت (11)، أن أرزق سميرا (12) من الفضلاء، ليقصّر طول ليلتي اللّيلاء (13). فما انقضت منيتي (14)، ولا أغمضت مقلتي (15)، حتّى قرع (16)
الباب قارع، له صوت خاشع. فقلت في نفسي: لعلّ غرس التّمنّي قد أثمر، وليل
__________
(1) أي سهرت.
(2) أي سوداء.
(3) هو ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء والمعنى أنها شديدة الظلام.
(4) أي سائلة السحاب واحده ربابة بالفتح وهي سحابة بيضاء رقيقة وقد تكون سوداء.
(5) أي عاشق.
(6) أي وابتلي.
(7) من هاج إذا ثار وهجته أنا أثرته هيجا.
(8) من أجاله إذا أداره وحركه هكذا أو هكذا.
(9) جمع الوسوسة وهي حديث النفس أو الكلام الخفي.
(10) أي بالي وفكري.
(11) لحرقة ووجع ما قاسيت.
(12) أي محادثا بالليل.
(13) أي شديدة الظلمة كقولك شعر شاعر في التأكيد.
(14) أي ما تمنيته وطلبته.
(15) أي أطبقت أجفانها.
(16) أي طرق وضرب.(1/144)
الحظّ قد أقمر (1)! فنهضت إليه عجلان (2)، وقلت: من الطّارق (3) الآن؟ فقال:
غريب أجنّه (4) اللّيل، وغشيه (5) السّيل، ويبتعي الإيواء (6) لا غير، وإذا أسحر (7)
قدّم السّير (8). قال: فلمّا دلّ شعاعه على شمسه (9)، ونمّ عنوانه بسرّ طرسه (10)، علمت أنّ مسامرته غنم، ومساهرته نعم (11). ففتحت الباب بابتسام، وقلت:
ادخلوها بسلام. فدخل شخص قد حنى الدّهر صعدته (12)، وبلّل القطر بردته (13)، فحيّى (14) بلسان عضب (15)، وبيان (16) عذب (17). ثمّ شكر على تلبية صوته (18)، واعتذر من الطّروق (19) في غير وقته. فدانيته (20) بالمصباح المتّقد (21)، وتأمّلته تأمّل المنتقد (22). فألفيته (23) شيخنا أبا زيد بلا ريب، ولا رجم غيب (24)، فأحللته (25) محلّ من أظفرني (26) بقصوى الطّلب (27)، ونقلني من وقذ
__________
(1) كناية عن كونه ترجى حصول مطلوبه وسؤله بهذا الطارق فيثمر ما غرسه من التمني ويضوء ما أظلم ليلته من عدم التهني.
(2) أي فقمت إليه مسرعا.
(3) هو الذي يأتي ليلا.
(4) أي ستره.
(5) أي أتاه وأدركه.
(6) أي إدخاله المنزل لأنه مصدر آوى المتعدّي.
(7) أي دخل في وقت السحر.
(8) أي لم يطلب غير المبيت إلى السحر ثم ينصرف.
(9) يريد أن ما بدا من حسن المخاطبة يدلّ على علو شأنه وبديع بيانه.
(10) العنوان ما يكتب على ظهر الكتاب ونمّ بمعنى أخبر وهو في معنى ما قبله.
(11) أي محادثته غنيمة والسهر معه نعيم.
(12) أي أمال اعتداله وقوّسه وأصل الصعدة القناة تنبت مستوية لا تحتاج إلى التثقيف والتعديل كنى بها عن قامته.
(13) أي أصابه المطر حتى ابتلّ ثوبه.
(14) أي سلم.
(15) أي ماضي البلاغة.
(16) فصاحة.
(17) حلو.
(18) أي إجابته بقول لبّيك.
(19) الإتيان.
(20) أي قاربته.
(21) أي الموقد.
(22) هو من يميز بين الزيف والجيد من الدراهم وفي نسخة المفتقد من تفقده تطلبه.
(23) أي فوجدته.
(24) هو التكلم بالظن.
(25) أي فأنزلته.
(26) أي ملكني من الظفر وهو الفوز بالشيء.
(27) أي بغاية المطلوب والقصوى تأنيث الأقصى وجاء على الأصل والقياس القصيا كالدنيا.(1/145)
الكرب (1)، إلى روح الطّرب (2). ثمّ أخذ يشكو الأين (3)، وأخذت في كيف وأين (4). فقال: أبلعني ريقي (5)، فقد أتعبني طريقي. فظننته مستبطنا للسّغب (6)، متكاسلا لهذا السّبب. فأحضرته ما يحضر للضّيف المفاجي (7)، في اللّيل الدّاجي (8). فانقبض انقباض المحتشم (9)، وأعرض (10) إعراض البشم (11).
فسؤت ظنّا (12) بامتناعه، وأحفظني (13) حؤول طباعه (14)، حتّى كدت أغلظ له في الكلام (15)، وألسعه بحمة الملام (16). فتبيّن من لمحات ناظري (17)، ما خامر خاطري (18)، فقال: يا ضعيف الثّقة (19)، بأهل المقة (20)، عدّ (21) عمّا أخطرته بالك (22)، واستمع إليّ لا أبا لك (23) فقلت: هات، يا أخا التّرّهات (24). فقال:
اعلم أنّي بتّ البارحة حليف إفلاس (25)، ونجيّ وسواس (26)، فلمّا قضى اللّيل
__________
(1) الوقذ شدة الضرب والكرب جمع كربة وهي حرقة الهموم.
(2) أي راحة السرور.
(3) أي الإعياء والتعب.
(4) سؤالان عن الحال والمكان.
(5) أي أمهلني حتى أبلع ريقي قال جاد الله قلت لبعض شيوخي أبلعني ريقي فقال أبلعتك الرافدين وهما دجلة والفرات.
(6) أي جائع البطن والسغب الجوع وفي نسخة مستبطنا حميّا السغب.
(7) الآتي بغتة.
(8) الساتر بظلامه ومنه قوله دجا الإسلام أي عمّ وكثر أهله.
(9) المستحيي المنقبض.
(10) أي نحّى وجهه لجهة أخرى.
(11) الممتلىء بالطعام.
(12) أي ساء ظني.
(13) أي غاظني وأغضبني.
(14) أي تغير خلائقه.
(15) أي قاربت أن أعنفه بالكلام.
(16) أي وأوجعه باللوم الشبيه بسم العقرب عند لسعها.
(17) أي علم وفهم من نظرات عيني.
(18) أي ما خالط ذهني وفكري.
(19) الاعتماد.
(20) المحبة.
(21) أي تجاوز وأعرض عنه.
(22) أي أمررته وأدخلته في قلبك.
(23) كلمة دعاء عليه أي لا أب حرّا لك.
(24) الأباطيل وأصلها الطرق الصغار تتشعب من الجادّة واحدتها ترّهة.
(25) أي قرين فقر ومصاحب عدم.
(26) أي مناجي وسوسة وهي الحركة في القلب للتردّد في أمر.(1/146)
نحبه (1)، وغوّر (2) الصّبح شهبه (3)، غدوت (4) وقت الإشراق (5)، إلى بعض الأسواق، متصدّيا (6) لصيد يسنح (7)، أو حرّ يسمح. فلحظت (8) بها تمرا قد حسن تصفيفه (9)، وأحسن إليه مصيفه (10)، فجمع على التّحقيق، صفاء الرّحيق (11)، وقنوء (12) العقيق. وقبالته لبأ (13) قد برز كالإبريز (14) الأصفر، وانجلى في اللّون المزعفر. فهو يثني (15) على طاهيه (16)، بلسان تناهيه (17)، ويصوّب رأي مشتريه (18)، ولو نقد (19) حبّة القلب فيه، فأسرتني (20) الشّهوة بأشطانها (21)، وأسلمتني العيمة (22) إلى سلطانها (23). فبقيت أحير من ضبّ (24)، وأذهل من صبّ (25). لا وجد (26) يوصلني إلى نيل المراد، ولذّة الازدراد (27). ولا قدم
__________
(1) أي مضى وانقضى يقال قضى نحبه إذا انقضى أجله.
(2) أي غيّب وأخفى.
(3) نجومه.
(4) أي ذهبت في الغدوة.
(5) أي شروق الشمس.
(6) أي قاصدا ومتعرضا.
(7) أي يعرض والسانح الصيد الذي يأتي من جانب اليسار والبارح الذي يأتي من جانب اليمين والعرب تستحسن السانح دون البارح عند التفاؤل.
(8) أي فنظرت.
(9) أي كونه صفوفا.
(10) أي زمن الصيف.
(11) هو الشراب الصافي.
(12) أي شدة حمرة.
(13) هو أول اللبن في النتاج.
(14) أي كالذهب الخالص.
(15) أي يمدح ويشكر.
(16) أي طابخه ومصلحه.
(17) أي انتهائه في حسنه.
(18) أي يقول لمشتريه أصبت في رأيك في شرائي.
(19) أي دفع.
(20) أي ربطتني وقادتني.
(21) بحبالها جمع شطن وهو الحبل.
(22) هي في الأصل شهوة اللبن.
(23) أي تسلطها.
(24) الضب دويّبة تشبه الورل إذا خرج من حجره لا يكاد يهتدي إليه ولذلك يضرب به المثل في من لا يهتدي إلى مقصده.
(25) أي أشغل من عاشق يقال أذهلني شغلني وذهلت عنه غفلت ونسيت.
(26) أي لا مال ولا غنى.
(27) الابتلاع.(1/147)
يطاوعني على الذّهاب، مع حرقة الالتهاب. لكن حداني (1) القرم (2) وسورته (3)، والسّغب (4) وفورته (5)، على أن أنتجع (6) كلّ أرض، وأقتنع (7) من الورد (8)
ببرض (9). فلم أزل سحابة ذلك النّهار (10) أدلي (11) دلوي إلى الأنهار، وهي لا ترجع ببلّة (12)، ولا تجلب نقع غلّة (13). إلى أن صغت (14) الشّمس للغروب، وضعفت النّفس من اللّغوب (15)، فرحت (16) بكبد حرّى (17)، وانثنيت (18) أقدّم رجلا وأؤخّر أخرى (19). وبينما أنا أسعى وأقعد، وأهبّ (20) وأركد (21)، إذ قابلني شيخ يتأوّه (22) أهّة الثّكلان (23)، وعيناه تهملان (24). فما شغلني ما أنا فيه من داء الذّيب (25)، والخوى (26) المذيب، عن تعاطي (27) مداخلته (28)، والطّمع في مخاتلته (29). فقلت له: يا هذا إنّ لبكائك سرّا، ووراء تحرّقك لشرّا! فأطلعني على
__________
(1) أي ساقني.
(2) أصله شهوة اللحم فاستعير لشهوة اللبن.
(3) أي حدّته.
(4) الجوع.
(5) حرقته.
(6) أي أقصد.
(7) وفي نسخة أقنع.
(8) المورد.
(9) البرض الماء القليل.
(10) يريد جميعه كقولهم بياض النهار وسواد الليل.
(11) أي أرسل وأنزل.
(12) وفي نسخة وهو لا يرجع ببلة وهو كناية عن الخيبة وعدم الظفر بشيء أصلا.
(13) أي لا تأتي بما يروي العطش يقال نقع غلّته أي سكّن حرارة عطشه.
(14) أي مالت ومنه {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمََا}
(15) الإعياء.
(16) أي فرجعت.
(17) أي عطشى.
(18) أي رجعت.
(19) مثل يضرب في التردّد في الإقدام على الشيء والإحجام عنه.
(20) أصله استيقظ.
(21) أي أسكن.
(22) أي يتوجع.
(23) الأهة بتشديد الهاء وبتخفيفها مع المد أي كتوجع الثاكل وهو فاقد الولد قال العبدي:
إذا ما قمت أرحلها بليل ... تأوّه آهة الرجل الحزين.
(24) أي تسيلان بالدمع.
(25) كناية عن الجوع.
(26) خلو الجوف من الطعام.
(27) أي تناول.
(28) أي مداناته.
(29) أي مخادعته.(1/148)
برحائك (1)، واتّخذني من نصحائك، فإنّك ستجد منّي طبّا آسيا (2)، أو عونا (3)
مؤاسيا (4). فقال: والله! ما تأوّهي (5) من عيش فات (6)، ولا من دهر افتات (7)، بل لانقراض (8) العلم ودروسه (9)، وأفول (10) أقماره وشموسه (11). فقلت: وأيّ حادثة نجمت (12)، وقضيّة استعجمت (13)، حتّى هاجت (14) لك الأسف (15)، على فقد من سلف (16)؟! فأبرز (17) رقعة (18) من كمّه، وأقسم بأبيه وأمّه، لقد أنزلها بأعلام (19) المدارس (20)، فما امتازوا (21) عن الأعلام (22) الدّوارس (23).
واستنطق لها أحبار (24) المحابر (25)، فخرسوا ولا خرس سكّان المقابر (26)! فقلت:
أرنيها (27)، فلعلّي أغني (28) فيها؟! فقال: ما أبعدت في المرام، فربّ رمية من غير رام (29)، ثمّ ناولنيها. فإذا المكتوب فيها:
__________
(1) البرح والبرحاء شدة الأذى.
(2) أي طبيبا مداويا.
(3) ظهيرا.
(4) أي مطيعا موافيا.
(5) توجعي.
(6) انقضى.
(7) أي تعدى.
(8) أي لانعدام.
(9) أي فنائه وذهابه أو جمع درس ففيه تورية.
(10) أي غروب.
(11) المراد بها العلماء والفقهاء وأفولهم موتهم.
(12) أي ظهرت.
(13) أي استبهمت وأشكلت قال:
صمّ صدادها وعفا رسمها ... واستعجمت عن منطق السائل.
(14) أي هيجت وأثارت.
(15) أي الحزن.
(16) أي مضى وسبق.
(17) فأخرج.
(18) أي قطعة من ورق.
(19) جمع علم بمعنى السيد العظيم وهو العلماء المدرسون.
(20) جمع مدرسة وهي محل تدريس العلوم.
(21) أي تميزوا.
(22) جمع علم بالتحريك وهو العلامة توضع في الطريق للسابلة أي أبناء السبيل.
(23) جمع دارسة بمعنى فانية.
(24) جمع حبر بالفتح والكسر والكسر أفصح وهو العالم.
(25) جمع محبرة بالفتح موضع الحبر ووعاؤه.
(26) أي سكتوا ولا سكوت الأموات.
(27) أي أطلعني عليها.
(28) أي أنفع.
(29) هذا مثل قاله الحكيم بن عبد يغوث وكان من أرمى أهل زمانه عندما أخذ ولده القوس ورمى فأصاب فقال الحكيم رب رمية من غير رام أي من غير حاذق بالرمي فذهبت مثلا.(1/149)
أيّها العالم الفقيه الّذي فا ... ق ذكاء (1) فما له من شبيه
أفتنا في قضيّة حاد عنها (2) ... كلّ قاض وحار (3) كلّ فقيه
رجل مات عن أخ مسلم ح ... رّ تقيّ من أمّه وأبيه
وله زوجة لها أيّها الحب ... ر (4) أخ خالص بلا تمويه (5)
فحوت فرضها وحاز أخوها ... ما تبقّى بالإرث دون أخيه
فاشفنا بالجواب (6) عمّا سألنا ... فهو نصّ لا خلف يوجد فيه
فلمّا قرأت شعرها، ولمحت سرّها (7)، قلت له: على الخبير بها سقطت، وعند ابن بجدتها (8) حططت. إلّا أنّي مضطرم الأحشاء (9)، مضطرّ إلى العشاء (10)، فأكرم مثواي (11)، ثمّ استمع فتواي (12). فقال: لقد أنصفت (13) في الاشتراط، وتجافيت (14) عن الاشتطاط (15). فصر (16) معي، إلى مربعي (17)، لتظفر (18) بما تبتغي (19)، وتنقلب (20) كما ينبغي. قال: فصاحبته (21) إلى ذراه (22)،
__________
(1) هو حدة القلب.
(2) أي مال عنها وجانبها.
(3) تحير.
(4) العالم.
(5) أي بلا شك ولا ريب.
(6) وفي نسخة في الجواب.
(7) نظرته واطلعت عليه.
(8) أي العارف بها يقال بجد بالمكان إذا أقام فيه ومن ذلك قيل للخبير بالأرض هو ابن بجدتها ثم كثر حتى قيل لكل خبير بشيء ويقال للعالم بالشيء المتقن له هو ابن بجدتها وذكر صاحب شمس العلوم أنه يقال للدليل الحاذق أيضا والبجدة العلم.
(9) ملتهبها ومتقدها والأحشاء ما انحنت عليه الضلوع.
(10) أي محتاج إليه.
(11) أمر من الإكرام أي أحسن مقامي ونزلي.
(12) أي جوابي.
(13) عدلت.
(14) تباعدت.
(15) أي الجور ومجاوزة الحد.
(16) أي كن وتحوّل.
(17) محل إقامتي.
(18) لتفوز وتنال.
(19) تطلب.
(20) ترجع.
(21) سعيت ومشيت معه.
(22) بيته.(1/150)
كما حكم الله (1)، فأدخلني بيتا أحرج (2) من التّابوت، وأوهن من بيت العنكبوت (3). إلّا أنّه جبر (4) ضيق ربعه (5)، بتوسعة ذرعه (6)، فحكّمني في القرى (7)، ومطايب (8) ما يشترى. فقلت: أريد أزهى (9) راكب (10)، على أشهى مركوب (11). وأنفع صاحب (12)، مع أضرّ مصحوب (13). فأفكر ساعة طويلة، ثمّ قال: لعلّك تعني بنت نخيلة (14)، مع لبإ سخيلة (15)؟. فقلت: إيّاهما عنيت (16)، ولأجلهما تعنّيت (17). فنهض نشيطا (18)، ثمّ ربض (19) مستشيطا (20)، وقال:
اعلم، أصلحك الله أنّ الصّدق نباهة (21)، والكذب عاهة (22). فلا يحملنّك (23)
الجوع الّذي هو شعار (24) الأنبياء، وحلية الأولياء (25)، على أن تلحق بمن مان (26)، وتتخلّق بالخلق الذي يجانب الإيمان (27). فقد تجوع الحرّة ولا تأكل
__________
(1) أي كما قال تعالى {وَلََكِنْ إِذََا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا}.
(2) أضيق.
(3) أوهن أضعف والعنكبوت حشرة معروفة تنسج بيتها بالخرابات.
(4) أصلح.
(5) منزله.
(6) صدره وخلقه.
(7) الضيافة.
(8) هكذا وجد بخط الحريري وروي عنه. والصواب أطايب جمع أطيب فعن ابن السكيت أطعمنا فلان من أطايب الجزور ولا تقل من مطايب الجزور لكن قال ثعلب يقال أطعمنا من مطايب التمر وأطايب الجزور.
(9) أحسن منظرا وأكثر حمرة ومنه زها البسر إذا احمرّ.
(10) يريد اللبأ.
(11) يريد التمر.
(12) هو التمر لأنه عظيم المنفعة في السفر والحضر.
(13) هو اللبأ لأنه رديء العاقبة وهذا باعتبار انفرادهما فإذا اجتمعا في المعدة أصلح التمر بحلاوته اللبأ فيصير أسرع هضما وانحدارا.
(14) يعني التمر ونخيلة تصغير نخلة.
(15) تصغير السخلة من أولاد الغنم.
(16) قصدت.
(17) تعبت.
(18) أي قام مسرعا مجدّا.
(19) قعد يقال ربض الأسد إذا قعد على جاعرتيه أي أليتيه.
(20) محترقا من الغيظ.
(21) شرف ورفعة.
(22) مرض مشوّه.
(23) يلجئك ويدعوك.
(24) أصله الثوب الذي يلي الجسد والمراد العلامة.
(25) أي زينة ولباس الأولياء.
(26) كذب.
(27) أي ينافيه وهو الكذب لقوله عليه الصلاة والسلام الكذب يجانب الإيمان.(1/151)
بثدييها (1)، وتأبى الدّنيّة (2) ولو اضطرّت إليها. ثمّ إنّي لست لك بزبون (3)، ولا أغضي (4) على صفقة (5) مغبون (6). وها أنا قد أنذرتك (7) قبل أن ينهتك السّتر (8)، وينعقد فيما بيننا الوتر (9). فلا تلغ تدبّر الإنذار (10)، وحذار من المكاذبة حذار (11)!. فقلت له: والّذي حرّم أكل الرّبا، وأحلّ أكل اللّبا، ما فهت (12)
بزور (13) ولا دلّيتك (14) بغرور (15). وستخبر حقيقة الأمر (16)، وتحمد بذل اللبإ والتّمر (17). فهشّ (18) هشاشة المصدوق (19)، وانطلق مغذّا (20) إلى السّوق. فما كان بأسرع من أن أقبل بهما يدلح (21)، ووجهه من التّعب يكلح (22). فوضعهما لديّ (23)، وضع الممتنّ عليّ. وقال: اضرب الجيش بالجيش (24) تحظ (25) بلذّة العيش. فحسرت (26) عن ساعد النّهم (27)، وحملت حملة الفيل الملتهم (28)، وهو
__________
(1) أي لا ترضع بأجرة وهو مثل يضرب للمروءة مع الحاجة.
(2) أي تمتنع من الخصلة القبيحة كالزنى.
(3) الزبون كلمة مولدة معناها الغبي والحريف والمراد لست من ذوي معاملتك.
(4) لا أتغافل.
(5) بيعة.
(6) هو من باع بدون القيمة.
(7) أعلمتك.
(8) أي قبل الفضيحة.
(9) بفتح الواو وكسرها الحقد والبغضاء.
(10) أي فلا تترك النظر والتأمل بالفكر في عاقبة الأمور.
(11) اسم فعل مبني على الكسر بمعنى احذر والمكاذبة بمعنى الكذب.
(12) نطقت.
(13) كذب.
(14) إما من الدلالة والأصل دلّلتك بتشديد اللام فقلبت اللام الثانية ياء فرارا من كثرة الأمثال كما في تظنيت أصله تظننت أو من قولك دلّى الشيء إذا قرّبه من غيره.
(15) أي بغير حق.
(16) أي ستعلم كنه هذه الحال.
(17) أي تجد عاقبتهما حميدة تتمدّح بها.
(18) أي فرح.
(19) من صدقه الحديث وعرف الصدق.
(20) مسرعا.
(21) أي يمشي متثاقلا يقال دلح البعير بحمله دلوحا مشى به متثاقلا وسحابة دلوح والسحب الدوالح التي تسير سيرا ثقيلا من كثرة مائها.
(22) يعبس.
(23) أي عندي.
(24) أي اخلط أحدهما بالآخر يعني كلهما معا أو المراد الأسنان العليا بالأسنان السفلى.
(25) تفز وتغنم.
(26) كشفت.
(27) المفرط في شهوة الطعام.
(28) الذي لا يبقي ولا يذر والالتهام الابتلاع الشديد.(1/152)
يلحظني (1) كما يلحظ الحنق (2)، ويودّ (3) من الغيظ لو أختنق (4). حتّى إذا هلقمت (5) النّوعين (6)، وغادرتهما (7) أثرا (8) بعد عين (9)، أقردت حيرة (10)
في إظلال (11) البيات (12)، وفكرة في جواب الأبيات. فما لبث أن قام، وأحضر الدّواة والأقلام، وقال: قد ملأت الجراب (13)، فأمل (14) الجواب، وإلّا فتهيّأ (15)
إن نكلت (16)، لاغترام (17) ما أكلت. فقلت له: ما عندي إلّا التّحقيق، فاكتب الجواب وبالله التّوفيق:
قل لمن يلغز (18) المسائل إنّي ... كاشف سرّها الّذي تخفيه (19)
إن ذا الميّت الّذي قدّم الشّر ... ع أخا عرسه (20) على ابن أبيه
رجل زوّج ابنه عن رضاه ... بحماة (21) له ولا غرو (22) فيه
ثمّ مات ابنه وقد علقت (23) من ... هـ فجاءت بابن يسرّ ذويه (24)
فهو ابن ابنه بغير مراء (25) ... وأخو عرسه بلا تمويه (26)
وابن الابن الصّريح (27) أدنى (28) إلى الج ... دّ وأولى بإرثه من أخيه
__________
(1) أي ينظر إليّ.
(2) الغضبان.
(3) يتمنى.
(4) ولم ير ذلك الأكل مني.
(5) التقمت من اللقم والهاء زائدة.
(6) هما التمر واللبأ.
(7) تركتهما.
(8) خبرا.
(9) بعد ما كانا يعاينان بالبصر.
(10) سكت متحيرا.
(11) حضور وإشراف.
(12) المبيت.
(13) أي البطن وهو كناية عن الشبع.
(14) أي لقن أمر من الاملاء.
(15) فتأهب.
(16) جبنت وعجزت.
(17) غرامة.
(18) يستر ويعمي ويظهر خلاف ما يضمر.
(19) وفي نسخة يخفيه.
(20) زوجته.
(21) هي أم زوجته.
(22) ولا عجب.
(23) حملت.
(24) أي يفرح أهله وفي نسخة له يحكيه.
(25) مماراة وجدل.
(26) تزيين.
(27) بالرفع صفة لابن أي الخالص.
(28) أقرب.(1/153)
فلذا حين مات أوجب للزّو ... جة ثمن التّراث (1) تستوفيه
وحوى (2) ابن ابنه الّذي هو في الأص ... ل أخوها من أمّها باقيه
وتخلّى الأخ الشّقيق من الإر ... ث (3) وقلنا يكفيك أن تبكيه
هاك (4) منّي الفتيا الّتي يحتذيها (5) ... كلّ قاض يقضي وكلّ فقيه (6)
قال: فلمّا أثبت الجواب (7)، واستثبتّ منه الصواب (8)، قال لي: أهلك واللّيل (9)، فشمّر الذّيل (10)، وبادر السّيل. فقلت: إنّي بدار غربة (11)، وفي إيوائي (12) أفضل قربة (13). لا سيّما وقد أغدف جنح الظّلام (14)، وسبّح (15) الرّعد في الغمام. فقال: اغرب (16) عافاك الله إلى حيث شيت، ولا تطمع في أن تبيت.
فقلت: ولم ذاك، مع خلوّ ذراك (17)؟ قال: لأني أنعمت النّظر (18)، وفي التقامك (19) ما حضر، حتّى لم تبق ولم تذر (20). فرأيتك لا تنظر في مصلحتك، ولا تراعي حفظ صحّتك (21). ومن أمعن (22) فيما أمعنت (23) وتبطّن (24) ما تبطّنت (25)،
__________
(1) هو الميراث.
(2) جمع.
(3) أي لم يدخل فيه.
(4) أي خذ.
(5) يتبعها ويقتدي بها.
(6) عالم بالفقه.
(7) حققت.
(8) أي طلبت منه ثبوت الصواب.
(9) أي بادر أهلك واحذر ظلمة الليل.
(10) يريد أمره بالجد في السعي ولا يكون إلا برفع الثوب إلى الساقين.
(11) أي أنا غريب فيها.
(12) تبييتي.
(13) هي ما يتقرب به إلى الله.
(14) اسودّ وأرخى سدول ظلمته.
(15) أي صوّت.
(16) ابعد واذهب.
(17) بالفتح أي محلك.
(18) أي تأملت جيدا وفي نسخة أمعنت من الإمعان وأصله أن يتباعد الفرس في عدوه ومراده بالغت في النظر.
(19) أكلك.
(20) تترك وأراد أنه بالغ في الأكل.
(21) أراد أنك لا تنظر في عاقبة أمر صحتك.
(22) أكثر.
(23) أكثرت.
(24) ملأ بطنه.
(25) وفي نسخة كما تبطنت أي كما ملأت بطنك.(1/154)
لم يكد يخلص من كظّة (1) مدنفة (2)، أو هيضة (3) متلفة (4). فدعني بالله كفافا (5)، واخرج عنّي ما دمت معافى (6). فو الّذي يحيي ويميت، ما لك عندي مبيت. فلمّا سمعت أليّته (7)، وبلوت (8) بليّته (9)، خرجت من بيته بالرّغم (10)، وتزوّد الغمّ (11)، تجودني السّماء (12)، وتخبط بي الظّلماء (13)، وتنبحني الكلاب، وتتقاذف بي الأبواب (14)، حتّى ساقني إليك لطف القضاء، فشكرا (15)
ليده البيضاء (16). فقلت له أحبب (17) بلقائك المتاح (18)، إلى قلبي المرتاح. ثمّ أخذ يفتنّ بحكاياته (19)، ويشمط (20) مضحكاته بمبكياته. إلى أن عطس أنف الصّباح (21)، وهتف (22) داعي الفلاح (23) فتأهّب (24) لإجابة الدّاعي (25)، ثمّ عطف (26)
__________
(1) كالبشمة تعتري الإنسان من الامتلاء وقيل الكظة الامتلاء من الطعام.
(2) ممرضة من دنف دنفا ثقل من المرض ودنا من الموت.
(3) المراد بها هنا انطلاق البطن عن سوء الهضم.
(4) مهلكة.
(5) مسالمة أي تكف عني وأكف عنك وانتصابه على الحال.
(6) سالما أي قبل أن يصيبك شيء مما ذكرته.
(7) يمينه وقسمه.
(8) اختبرت.
(9) كناية عن أمره وحاله وأصل البلية الناقة تعقل عند قبر صاحبها لا تطعم ولا تسقى حتى تموت.
(10) أي بالكره والهوان والذل.
(11) أي جعله الغم زادا.
(12) أي تمطرني بالجود بالفتح أي المطر.
(13) الباء فيه للتعدية يعني تحملني الظلماء على الخبط أي المشي بدون توقي شيء.
(14) أي تترامى يعني إذا أردت دخول باب يقذف صاحب البيت بابه إليّ ويغلقه.
(15) منصوب على المصدرية.
(16) يعني لما صنع بي من الجميل.
(17) كلمة تعجب معناها ما أحب.
(18) المسهّل الميسّر.
(19) أي شرع يذكرها فنّا بعد فن.
(20) أي يخلط.
(21) يعني بدا أول الصبح.
(22) نادى.
(23) منادي الفوز والمراد المؤذن.
(24) أي استعدّ.
(25) أي المنادي وهو المؤذن.
(26) مال.(1/155)
إلى وداعي (1)، فعقته (2) عن الانبعاث (3)، وقلت الضّيافة ثلاث (4)، فناشد (5)
وحرّج (6)، ثمّ أمّ المخرج (7)، وأنشد إذ عرّج (8):
لا تزر من تحبّ في كلّ شهر ... غير يوم ولا تزده عليه
فاجتلاء الهلال (9) في الشّهر يوم ... ثمّ لا تنظر العيون إليه
قال الحارث بن همّام: فودّعته بقلب دامي القرح (10)، ووددت (11) لو أنّ ليلتي بطيئة الصّبح (12).
__________
(1) توديعي.
(2) عطلته ومنعته.
(3) التوجه والسير.
(4) هو لفظ حديث ورد عنه صلى الله عليه وسلم وفي نسخة بعد ثلاث ويوجد في بعض النسخ بعد قوله الضيافة ثلاث (وما حفزك احتثاث، وإن ترحلت رحلة خرقاء، نغصت اللقاء، وسؤت الأصدقاء) والحفز الدفع والاحتثاث مصدر احتثّ مطاوع حثه على الشيء إذا حضه عليه والخرقاء الشديدة التي لا رفق فيها والتنغيص التكدير وقوله وسؤت الخ هو من السوء بالفتح وهو خلاف المسرّة.
(5) أي حلف ويروى فحلف.
(6) أي ضيق.
(7) أي قصد الباب.
(8) يعني عطف ومال عن الباب منصرفا.
(9) مشاهدته.
(10) أي مجروح من فراقه يسيل من جرحه الدم والقرح بالفتح والضم الجراحة وقيل بالضم الجراحة وبالفتح وجعها وحرقتها.
(11) تمنيت وأحببت.
(12) أي صبحها بطيء يعني طويلة.(1/156)
المقامة السادسة عشرة المغربيّة
حكى الحارث بن همّام، قال: شهدت صلاة (1) المغرب، في بعض مساجد المغرب (2). فلمّا أدّيتها بفضلها (3)، وشفعتها (4) بنفلها، أخذ طرفي (5) رفقة قد انتبذوا (6) ناحية (7)، وامتازوا (8) صفوة (9) صافية (10). وهم يتعاطون كأس المنافثة (11)، ويقتدحون زناد المباحثة (12). فرغبت في محادثتهم (13) لكلمة تستفاد، أو أدب يستزاد. فسعيت إليهم، سعي المتطفّل (14) عليهم. وقلت لهم:
أتقبلون نزيلا (15) يطلب جنى الأسمار (16)، لا جنّة الثّمار (17)؟ ويبغي ملح
__________
(1) أي حضرت.
(2) أي مساجد بلاد الغرب.
(3) بكمالها.
(4) اتبعتها.
(5) أي لمح بصري.
(6) ابتعدوا وفي نسخة انتدوا أي اجتمعوا.
(7) جانبا.
(8) اعتزلوا.
(9) الصفو بفتح الصاد والصفوة مثلثة خيار الشيء وخالصه.
(10) أي صافين.
(11) أي يتناولون ما حسن من الحديث كما يتناول المتنادمون كأس الشراب.
(12) يستخرجون للباحث ما كان معتمدا من الحديث.
(13) مباحثتهم.
(14) الذي يأتي على الطعام من غير أن يدعى وهو المعروف بالطفيليّ.
(15) ضيفا نازلا.
(16) جمع سمر وهو حديث الليل.
(17) جمع ثمرة.(1/157)
الحوار (1)، لا ملحاء (2) الحوار (3)؟ فحلّوا (4) لي الحبى (5)، وقالوا: مرحبا مرحبا. فلم أجلس إلّا لمحة بارق خاطف (6)، أو نغبة طائر خائف (7)، حتّى غشينا (8) جوّاب (9)، على عاتقه (10) جراب. فحيّانا (11) بالكلمتين (12)، وحيّى المسجد بالتّسليمتين (13). ثمّ قال: يا أولي الألباب (14)، والفضل اللّباب (15)، أما تعلمون أنّ أنفس القربات (16)، تنفيس (17) الكربات (18)! وأمتن (19) أسباب النّجاة (20)، مؤاساة ذوي الحاجات (21)! وإنّي ومن أحلّني (22) ساحتكم، وأتاح (23) لي استماحتكم (24) لشريد محلّ قاص (25)، وبريد (26) صبية (27) خماص (28)، فهل في الجماعة، من يفثأ (29) حميّا المجاعة (30)؟ فقالوا له: يا هذا، إنّك حضرت بعد
__________
(1) ما حسن من الكلام وقيل المخاطبة بين اثنين ومراجعة القول.
(2) الملحاء لحمة وسط الظهر بين الكاهل والعجز وهي أطيب اللحم وقيل لحمة مستطيلة في أصول الأضلاع.
(3) ولد الناقة ما لم يستكمل عاما.
(4) من حل العقدة.
(5) جمع حبوة بالكسر والضم وهي أن يجمع الرجل بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها.
(6) كنى به عن السرعة لأن سرعة البرق عجيبة.
(7) النغب أن يدخل الطائر منقاره في الماء ويخرجه بسرعة.
(8) أي أتانا.
(9) قطاع للأرض.
(10) أي منكبه.
(11) سلم علينا.
(12) أي قال السلام عليكم.
(13) أي صلى ركعتين تحية المسجد.
(14) يا أهل العقول.
(15) الخالص.
(16) أي أفضل الأعمال التي يتقرّب بها إلى الله.
(17) تفريج.
(18) جمع كربة.
(19) أي أقوى.
(20) الخلاص من العذاب.
(21) أي إعطاء الفقراء المحتاجين.
(22) أنزلني.
(23) قدّر.
(24) سؤالكم من استماحه إذا استعطاه.
(25) أي طريد منزل بعيد.
(26) رسول.
(27) جمع صبي.
(28) ضامري البطون من الجوع لأن الخمص قد يكون خلقة أيضا.
(29) الفثء تسكين الغضب وغيره وفثأ القدر سكّن غليانها.
(30) أي سورة الجوع التي تفعل بالأحشاء فعل الحميا بالعقل.(1/158)
العشاء، ولم يبق إلّا فضلات العشاء (1)، فإن كنت بها قنوعا (2)، فما تجد فينا منوعا (3). فقال: إنّ أخا الشّدائد (4)، ليقنع بلفظات الموائد (5)، ونفاضات المزاود (6). فأمر كلّ منهم عبده، أن يزوّده ما عنده. فأعجبه الصّنع (7) وشكر عليه، وجلس يرقب (8) ما يحمل إليه. وثبنا (9) نحن إلى استثارة ملح الأدب (10)
وعيونه (11)، واستنباط معينه (12) من عيونه (13). إلى أن جلنا (14) فيما لا يستحيل (15)
بالانعكاس (16)، كقولك ساكب كأس (17)، فتداعينا (18) إلى أن نستنتج (19) له الأفكار، ونفترع (20) منه الأبكار (21)، على أن ينظم البادىء (22) ثلاث جمانات (23) في عقده (24)، ثمّ تتدرّج (25) الزّيادات من بعده. فيربّع (26) ذو ميمنته في نظمه، ويسبّع
__________
(1) العشاء بكسر العين أول شدّة الظلمة لغيبوبة الشفق وبالفتح ما يؤكل بالعشي والفضلات ما يبقى من الطعام.
(2) راضيا.
(3) مانعا.
(4) صاحب الاحتياج الشديد.
(5) أي ما يطرح ويرمى من الموائد جمع مائدة وهي ما يوضع عليه الطعام.
(6) ما ينزل منها إذا نفضت والمزاود أوعية الزاد.
(7) أي الصنيع.
(8) ينتظر.
(9) أي ورجعنا.
(10) أي إظهار ما حسن منه.
(11) ما اختير منه.
(12) المعين الماء الكثير الجاري على وجه الأرض وأريد به مسائل الأدب واستنباطه واستخراجه.
(13) من أهله.
(14) تفاوضنا ودرنا.
(15) لا يتحوّل ولا يتغير.
(16) بالقلب وهو ردّ الأول آخرا.
(17) السكب هو الصب والكأس القدح المملوء خمرا.
(18) من الدعوة.
(19) نستولد ونستخرج.
(20) نفتض.
(21) من الكلام ما كان بليغا من الكلمات الأدبية التي لم يقلها أحد كالأبكار التي لم يمسهنّ أحد.
(22) المبتدىء.
(23) كلمات نفيسة كالجمانات جمع جمانة وهي حبة من الفضة تصنع كالدرّة.
(24) شبّه نظم الكلمات بما يلبسه النساء في العنق.
(25) تتابع شيئا فشيئا.
(26) يصح بالرفع والنصب وكذا يسبع وبالنصب وجد بخط الحريري نفسه.(1/159)
صاحب ميسرته على رغمه (1). قال الرّاوي: وكنّا قد انتظمنا عدّة أصابع الكفّ (2)، وتألّفنا (3) ألفة أصحاب الكهف، فابتدر لعظم محنتي، صاحب ميمنتي (4)، وقال (لم أخا ملّ)، وقال ميامنه (5): (كبّر رجاء أجر ربّك). وقال الّذي يليه: (من يربّ (6) إذا برّ ينم) (7) وقال الآخر: (سكّت كلّ من نمّ (8) لك تكس) (9). وأفضت (10) النّوبة إليّ، وقد تعيّن نظم السّمط السّباعي (11) عليّ، فلم يزل فكري يصوغ (12) ويكسر (13)، ويثري (14) ويعسر (15). وفي ضمن ذلك أستطعم (16) فلا أجد من يطعم (17). إلى أن ركد (18) النّسيم (19)، وحصحص (20)
التّسليم (21). فقلت لأصحابي: لو حضر السّروجيّ هذا المقام، لشفى الدّاء العقام (22). فقالوا: لو نزلت هذه بإياس (23)، لأمسك على ياس. وجعلنا نفيض (24)
في استصعابها، واستغلاق بابها (25). وذلك الزّور (26) المعتري (27)، يلحظنا (28)
لحظ المزدري (29)، ويؤلّف (30) الدّرر (31) ونحن لا ندري. فلمّا عثر على
__________
(1) أي قهرا عنه.
(2) أي اجتمعنا خمسة.
(3) تجمعنا.
(4) أي فاندفع مسابقا لكبر بليتي من كان على يميني فيلزمني الاتيان بالتسبيع.
(5) الذي على يمينه.
(6) أي يربّي الصنيعة ويصونها.
(7) من النماء وهو الزيادة.
(8) من النميمة.
(9) أي تكن كيسا.
(10) وصلت وانتهت.
(11) السمط الخيط الذي فيه الخزف وأراد به القول المؤلف من سبع كلمات.
(12) يبني.
(13) يهدم.
(14) يستغني.
(15) يفتقر.
(16) الاستطعام هنا مستعمل في استدعاء القول أي أسترشد وأستعين.
(17) يرشد ويعين.
(18) سكن.
(19) أراد به كلام القوم أي سكتوا.
(20) ثبت واستقر.
(21) الإقرار بالعجز.
(22) هو الذي لا دواء له.
(23) هو ابن معاوية بن مرّة بن إياس قاضي البصرة.
(24) نخوض.
(25) كناية عن استبعادها.
(26) الزائر يقال للمفرد والمثنى والجمع.
(27) القاصد.
(28) يبصرنا بمؤخر عينه.
(29) المحتقر.
(30) يجمع.
(31) الكلام الذي هو كالدرر في الجودة.(1/160)
افتضاحنا (1)، ونضوب ضحضاحنا (2)، قال: يا قوم إنّ من العناء (3) العظيم، استيلاد العقيم (4)، والاستشفاء (5) بالسّقيم (6)، وفوق كلّ ذي علم عليم. ثمّ أقبل عليّ، وقال: سأنوب (7) منابك، وأكفيك ما نابك (8). فإن شئت أن تنثر (9)، ولا تعثر (10). فقل مخاطبا لمن ذمّ البخل، وأكثر العذل (11): (لذ (12) بكلّ مؤمّل (13)، إذا لمّ (14)، وملك بذل). وإن أحببت أن تنظم، فقل للّذي تعظم (15):
أس (16) أرملا (17) إذا عرا (18) ... وارع (19) إذا المرء أسا (20)
أسند (21) أخا نباهة (22) ... أبن (23) إخاء (24) دنسا (25)
أسل (26) جناب (27) غاشم (28) ... مشاغب (29) إن جلسا
__________
(1) أي اطّلع على عجزنا.
(2) الضحضاح الماء الذي لا عمق له ونضوبه غورانه في الأرض يريد عدم القدرة على هذه العبارة.
(3) التعب.
(4) طلب الولد ممن لا تلد.
(5) طلب الشفاء.
(6) المريض.
(7) أكون نائبا.
(8) أصابك.
(9) تقول كلاما غير منظوم.
(10) أي لا تغلط.
(11) اللوم.
(12) الجأ.
(13) مرجى.
(14) جمع.
(15) بفتح الأول وسكون الثاني وكسر الثالث في الأول وبضم الأول وسكون الثاني وكسر الثالث في الثاني ويقرأ كل منهما أيضا بضم الأول وفتح الثاني وكسر الثالث مشددا.
(16) بضم الهمزة من الأوس وهو الإعطاء أي اعط.
(17) هو الذي نفد زاده وافتقر.
(18) أتى طالبا للرفد.
(19) أمر من الرعاية وهو الحفظ.
(20) من الإساءة.
(21) أي أعن وارفع.
(22) أي صاحب فطنة وشرف وعلو قدر.
(23) أبعد واقطع.
(24) مصدر كالمؤاخاة.
(25) يروى بكسر النون وبفتحها مشدّدة من التدنيس وهو تلويث العرض.
(26) من السلوّ وهو الزهادة والترك.
(27) أي فناء بكسر الفاء.
(28) ظالم.
(29) مهيج للشر.(1/161)
أسر (1) إذا هبّ (2) مرا (3) ... وارم به (4) إذا رسا (5)
أسكن (6) تقوّ (7) فعسى ... يسعف (8) وقت نكسا (9)
قال: فلمّا سحرنا (10) بآياته (11)، وحسرنا (12) ببعد غاياته (13)، مدحناه (14)
حتّى استعفى (15)، ومنحناه (16) إلى أن استكفى (17). ثمّ شمّر (18) ثيابه، وازدفر جرابه (19)، ونهض ينشد:
لله درّ عصابة (20) ... صدق (21) المقال مقاولا (22)
فاقوا الأنام فضائلا (23) ... مأثورة (24) وفواضلا (25)
حاورتهم (26) فوجدت سح ... بانا (27) لديهم باقلا (28)
__________
(1) بفتح الهمزة وكسرها مع كسر الراء أو بضمها فبضمهما معناه كن سريّا أي سيدا رئيسا واجهد في قطع المراء إذا ثار وبفتح الهمزة أو كسرها مع كسر الراء أمر من الإسراء والسّرى أي اذهب عن محل المماراة.
(2) هاج.
(3) جدال وقصره للضرورة.
(4) اي انبذه واطرحه.
(5) ثبت.
(6) أمر من السكون.
(7) أصله تتقوّ حذفت إحدى التاءين تخفيفا وحذف حرف العلة للجازم لأنه واقع في جواب الأمر.
(8) يساعد.
(9) قلب.
(10) صرف قلوبنا واستمالها.
(11) أي بلطفها ودقة مأخذها.
(12) أعيانا.
(13) أي منتهى أمره.
(14) أثنينا عليه.
(15) سألنا أن نكف.
(16) أعطيناه.
(17) قال كفاني.
(18) رفع.
(19) أي حمله على ظهره.
(20) جماعة.
(21) بضم الصاد وبضم الدال وإسكانها جمع صادق.
(22) جمع مقول يطلق على اللسان والرجل الشريف المطاع الأمر.
(23) جمع فضيلة.
(24) منقولة مشهورة.
(25) عطايا.
(26) راجعتهم في الحديث والكلام.
(27) هو رجل فصيح بليغ من بني وائل ضرب المثل بفصاحته.
(28) هو رجل من العرب كان به فهاهة وعيّ يقال إنه اشترى ظبيا بأحد عشر درهما فقيل له بكم اشتريت ظبيك ففتح كفّيه وفرّق أصابعه وأخرج لسانه يشير بذلك إلى أنه بأحد عشر درهما فانفلت الظبي فضربوا به المثل في العيّ والفهاهة.(1/162)
وحللت فيهم (1) سائلا (2) ... فلقيت (3) جودا (4) سائلا (5)
أقسمت لو كان الكرا ... م حيا (6) لكانوا وابلا (7)
ثمّ خطا (8) قيد (9) رمحين، وعاد (10) مستعيذا (11) من الحين (12). وقال:
يا عزّ من عدم الآل (13)، وكنز من سلب المال (14). إنّ الغاسق (15) قد وقب (16)، ووجه المحجّة (17) قد انتقب (18). وبيني وبين كنّي (19) ليل دامس (20)، وطريق طامس (21)، فهل من مصباح يؤمنني العثار (22)، ويبيّن لي الآثار (23)؟ قال: فلمّا جيء بالملتمس (24) وجلّى (25) الوجوه ضوء القبس (26) رأيت صاحب صيدنا (27)
هو أبو زيدنا. فقلت لأصحابي: هذا الّذي أشرت (28) إلى أنّه إذا نطق أصاب (29)
وإن استمطر (30) صاب (31). فأتلعوا (32) نحوه الأعناق، وأحدقوا (33) به الأحداق (34)،
__________
(1) جئت محلهم.
(2) طالبا لنوالهم.
(3) أي فوجدت كما هو في بعض النسخ.
(4) بضم الجيم كرما كثيرا وبفتحها مطرا أي جودا كثيرا كالمطر.
(5) من السيلان.
(6) غيثا ومطرا.
(7) أي مطرا شديدا ضخم القطر.
(8) مشى.
(9) بكسر القاف أي قدر.
(10) رجع.
(11) ملتجئا.
(12) الهلاك.
(13) فقد الأهل.
(14) غصب المال.
(15) الليل.
(16) دخل وأظلم.
(17) الطريق.
(18) تغطى واستتر وهو كناية عن ظلمة الطريق.
(19) بكسر الكاف بيتي الذي أكتن فيه.
(20) شديد الظلمة.
(21) ممحوّة الأثر معفوّة.
(22) العثرة.
(23) هي مواطىء أقدام المارين لأن الآثار في الطريق ما تؤثره الأرجل فيها.
(24) هو المصباح الذي التمسه.
(25) أبان.
(26) لهب النار.
(27) فائدتنا.
(28) الإشارة هنا ليست على معناها بل المراد كنت أخبرتكم به بقولي لو حضر السروجي الخ.
(29) أي إذا تكلم كان كلامه صوابا.
(30) سئل.
(31) انهلّ كالغيث لأنه يقال صاب المطر إذا نزل وانصب.
(32) مدّوا.
(33) أحاطوا.
(34) العيون.(1/163)
وسألوه أن يسامرهم (1) ليلته، على أن يجبروا (2) عيلته (3). فقال: حبّا لما أحببتم (4)، ورحبا (5) بكم إذ رحّبتم (6). غير أني قصدتكم (7) وأطفالي (8)
يتضوّرون (9) من الجوع، ويدعون لي بوشك (10) الرّجوع. وإن استراثوني (11)
خامرهم (12) الطّيش (13)، ولم يصف لهم (14) العيش (15). فدعوني (16) لأذهب فأسدّ مخمصتهم (17)، وأسيغ غصّتهم (18)، ثمّ أنقلب (19) إليكم على الأثر، متأهّبا (20) للسّمر، إلى السّحر (21). فقلنا لأحد الغلمة: اتّبعه إلى فئته (22)، ليكون أسرع لفيئته (23). فانطلق معه مضطبنا جرابه (24)، ومحثحثا (25) إيابه (26). فأبطأ بطأ جاوز حدّه، ثمّ عاد الغلام وحده. فقلنا له: ما عندك من الحديث، عن الخبيث (27). فقال (28): أخذ بي في طرق متعبة، وسبل متشعّية (29)، حتّى أفضينا (30)
إلى دويرة خربة. فقال: ها هنا مناخي (31)، ووكر (32) أفراخي (33) ثمّ استفتح بابه،
__________
(1) المسامرة المحادثة بالليل.
(2) من الجبر ضد الكسر أي يعطوا ويغنوا.
(3) فقره.
(4) أردتم.
(5) سعة.
(6) من الترحيب أي قلتم مرحبا.
(7) أتيتكم.
(8) أولادي.
(9) يصيحون.
(10) بقرب.
(11) استبطؤوني.
(12) خالطهم.
(13) أي خفة العقل.
(14) وفي نسخة لي.
(15) أي المعيشة.
(16) اتركوني.
(17) جوعهم.
(18) أي أزيل ما بهم من الغصص وأصلها وقوف اللقمة في الحلق.
(19) أرجع.
(20) متهيئا.
(21) آخر الليل.
(22) جماعته وفي نسخة إلى فتيته أي أطفاله.
(23) لرجعته.
(24) حاملا جرابه تحت إبطه.
(25) معجلا.
(26) رجوعه.
(27) أصله الذكر من الشياطين وأريد هنا الخبيث الأفعال.
(28) وفي نسخة قال.
(29) وفي نسخة منشعبة أي متفرّقة وتشعب الطريق خرجت منه شعب إلى كل جهة أي طرق أخر.
(30) وصلنا.
(31) بضم الميم محل إقامتي.
(32) بيت.
(33) أولادي.(1/164)
واختلج (1) منّي جرابه، وقال: لعمري لقد خفّفت عنّي، واستوجبت الحسنى (2)
منّي. فهاك (3) نصيحة (4) هي من نفائس (5) النّصائح، ومغارس (6)
المصالح. وأنشد:
إذا ما حويت (7) جنى نخلة (8) ... فلا تقربنها إلى قابل (9)
وإمّا سقطت على بيدر (10) ... فحوصل (11) من السّنبل الحاصل
ولا تلبثنّ (12) إذا ما لقطت ... فتنشب (13) في كفّة (14) الحابل (15)
ولا توغلنّ (16) إذا ما سبحت (17) ... فإنّ السّلامة في السّاحل (18)
وخاطب (19) بهات (20) وجاوب (21) بسوف (22) وبع (23) آجلا (24) منك بالعاجل (25)
ولا تكثرنّ (26) على صاحب (27) فما ملّ (28) قطّ سوى الواصل (29)
__________
(1) جذب ونزع.
(2) أي الفعل الحسن.
(3) خذ.
(4) قولا خليّا عن شائبة الغش والفساد.
(5) خيار.
(6) منابت.
(7) حزت.
(8) ثمر نخلة.
(9) السنة المقبلة.
(10) بوزن خيبر الموضع الذي تداس فيه الحبوب وهو المعروف بالجرن.
(11) املأ حوصلتك أي بطنك.
(12) أي لا تقم ولا تبطىء.
(13) بضم الباء على أنه مضارع مرفوع وبفتحها على أنه منصوب بعد فاء السببية الواقعة في جواب النهي والمعنى تعلق.
(14) بكسر الكاف شبكة.
(15) الصائد.
(16) تتعمّقنّ وتمعننّ في الدخول.
(17) أي متى عمت.
(18) ما ولي الماء من الأرض.
(19) أي إذا طلبت.
(20) يعني أعطني.
(21) أجب.
(22) أي بوعد ومعنى ذلك خذ ولا تعط.
(23) معناه هنا أبدل.
(24) أي البعيد المؤجّل.
(25) القريب.
(26) روي بضم المثناة الفوقية وكسر المثلثة وبفتح المثناة وضم المثلثة.
(27) من الصحبة.
(28) فما جاء الملل والسآمة من أحد.
(29) أي كثير المواصلة الذي يصل الحاجة بحاجة أخرى على حد قوله:
إذا شئت أن تقلى فزر متواترا ... وإن شئت أن تزداد حبّا فزر غبّا
وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم زر غبّا تزدد حبّا وفي المعنى قول الشاعر:
لا تزر من تحبّ في كل شهر ... غير يوم ولا تزده عليه
فاجتلاء الهلال في الشهر يوما ... ثم لا تنظر العيون إليه.(1/165)
ثمّ قال: اخزنها (1) في تأمورك (2)، واقتد بها في أمورك (3). وبادر (4) إلى صحبك، في كلاءة (5) ربّك. فإذا بلغتهم فأبلغهم (6) تحيّتي (7)، واتل (8) عليهم وصيّتي، وقل لهم عنّي: إنّ السّهر في الخرافات (9) لمن أعظم الآفات (10).
ولست ألغي (11) احتراسي (12)، ولا أجلب الهوس (13) إلى رأسي. قال الرّاوي:
فلمّا وقفنا على فحوى (14) شعره، واطّلعنا (15) على نكره (16) ومكره (17) تلاومنا (18)
على تركه (19)، والاغترار بإفكه (20). ثمّ تفرّقنا بوجوه باسرة (21)، وصفقة (22)
خاسرة (23).
__________
(1) احفظها.
(2) أي قلبك.
(3) اجعلها إماما لك في أعمالك.
(4) أسرع.
(5) بالكسر والمد أي حراسة وحفظ.
(6) أوصل إليهم.
(7) سلامي.
(8) اقرأ.
(9) جمع خرافة وهي أحاديث اللهو والأباطيل قال الخليل الخرافة الحديث المستملح في الكذب وأصل ذلك أن رجلا من عذرة اسمه خرافة استهوته الجن فكان يحدّث بما رأى فكذبوه وقالوا حديث خرافة.
(10) جمع آفة وهي عرض يفسد ما يصيبه وهي العاهة.
(11) أترك.
(12) حرصي.
(13) بفتحتين خفة العقل.
(14) أي حقيقة ومعنى.
(15) علمنا.
(16) يروى بضم النون وفتحها أي منكره ودهائه.
(17) حيلته.
(18) لام كلّ منا الآخر.
(19) تخليته.
(20) كذبه.
(21) متكرّهة عابسة.
(22) بيعة.
(23) مغبونة.(1/166)
المقامة السابعة عشرة القهقريّة (1)
حدّث الحارث بن همّام، قال: لحظت (2) في بعض مطارح البين (3)، ومطامح العين (4)، فتية (5) عليهم سيما الحجى (6)، وطلاوة (7) نجوم الدّجى (8).
وهم في مماراة (9) مشتدّة الهبوب (10)، ومباراة (11) مشتطّة (12) الألهوب (13)، فهزّني (14) لقصدهم (15) هوى المحاضرة (16)، واستحلاء (17) جنى المناظرة (18).
فلمّا التحقت (19) برهطهم (20)، وانتظمت في سمطهم (21)، قالوا: أأنت ممّن يبلى
__________
(1) إنما سميت بذلك لأنها تتضمن الرسالة التي تقرأ من آخرها إلى أولها كما تقرأ من أولها إلى آخرها.
(2) أبصرت بمؤخر عيني.
(3) أي مرامي البعد والفراق وهي المواضع البعيدة التي ترمي الغربة إليها من المنازل وغيرها.
(4) هي المواضع الحسان التي تطمح فيها العين بالنظر أي ترتفع إليها.
(5) جمع فتى.
(6) علامة العقل.
(7) حسن.
(8) الظلام.
(9) مجادلة وخصام.
(10) يعني شديدة كبيرة الحركة.
(11) معارضة.
(12) بعيدة.
(13) شدة الجري مأخوذ من إلهاب الفرس.
(14) حرّكني.
(15) إتيانهم.
(16) شوق مجالسة العلماء.
(17) طلب حلاوة.
(18) ثمرة المجادلة.
(19) اجتمعت وفي نسخة التحفت بالفاء.
(20) بجماعتهم.
(21) عقدهم وأصله الخيط المنظوم فيه اللؤلؤ والمراد جلست بينهم.(1/167)
في الهيجاء (1)، ويلقي دلوه في الدّلاء (2)؟ فقلت: بل أنا من نظّارة الحرب (3)، لا من أبناء (4) الطّعن والضّرب، فأضربوا (5) عن حجاجي (6)، وأفاضوا (7) في التّحاجي (8). وكان في بحبوحة (9) حلقتهم (10)، وإكليل (11) رفقتهم، شيخ قد برته (12) الهموم، ولوّحته (13) السّموم (14)، حتّى عاد أنحل (15) من قلم، وأقحل (16) من جلم (17). إلّا أنّه كان يبدي (18) العجاب (19)، إذا أجاب. وينسي سحبان (20)، كلّما أبان (21). فأعجبت بما أوتي من الإصابة، والتّبريز (22) على تلك العصابة (23). وما زال يفضح (24) كلّ معمّى (25)، ويصمي (26) في كلّ مرمى، إلى أن خلت الجعاب (27)، ونفد (28) السّؤال والجواب، فلمّا رأى إنفاض القوم (29)،
__________
(1) بفتح اللام وبكسرها أي يقاتل في الحروب ومراده أأنت ممن يأخذ ويعطي في الكلام العلمي.
(2) أي ويأخذ مع الناس بنصيب وهذا مثل مأخوذ من قول الشاعر:
وليس الرزق عن طلب حثيث ... ولكن ألق دلوك في الدلاء
(3) من ينظر الحرب ولا يحارب.
(4) أصحاب.
(5) أعرضوا.
(6) جدالي.
(7) اندفعوا.
(8) الألغاز ومطارحة المسائل.
(9) أي وسط.
(10) أي جماعتهم.
(11) أي دائرة وأصلها عصابة مزينة بالجوهر.
(12) أنحلته وأنحفته.
(13) غيرته.
(14) الريح الحارّة.
(15) أرق وأهزل.
(16) أيبس.
(17) بالجيم المقص الذي يجزّ به الصوف وفي نسخة حلم بالحاء وهو القراد.
(18) يظهر.
(19) العجب.
(20) الرجل البليغ ويعرف بسحبان وائل.
(21) أفصح وأظهر.
(22) التقدّم والسبق يقال برز عليه إذا سبقه.
(23) الجماعة.
(24) يكشف.
(25) ملتبس مغطى وفي نسخة يفصح عن كل معمى ومعناه يظهر ويبين.
(26) يصيب المقاتل من أصمى الصيد إذا قتله.
(27) بكسر الجيم جمع جعبة بفتحها وهي وعاء السهام وكنى بذلك عن فراغ الكلام.
(28) فني.
(29) أي نفاد ما عندهم من العلم وأصله فناء الزاد.(1/168)
واضطرارهم إلى الصّوم (1)، عرّض (2) بالمطارحة (3)، واستأذن في المفاتحة (4). فقالوا له: حبّذا (5)، ومن لنا بذا (6)؟ فقال: أتعرفون رسالة أرضها (7)
سماؤها (8)، وصبحها مساؤها؟ نسجت (9) على منوالين (10)، وتجلّت (11) في لونين (12)، وصلّت إلى جهتين، وبدت ذات وجهين. إن بزغت (13) من مشرقها (14)، فناهيك برونقها (15). وإن طلعت من مغربها، فيا لعجبها! قال: فكأنّ القوم رموا بالصّمات (16)، أو حقّت عليهم كلمة الإنصات (17). فما نبس (18) منهم إنسان، ولا فاه (19) لأحدهم (20) لسان. فحين رآهم بكما كالأنعام (21)، وصموتا كالأصنام، قال لهم: قد أجّلتكم (22) أجل العدّة (23)، وأرخيت (24) لكم طول (25)
المدّة (26). ثمّ هاهنا مجمع الشّمل (27)، وموقف الفصل (28). فإن سمحت
__________
(1) الإمساك عن الكلام ومنه {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمََنِ صَوْماً} أي سكوتا.
(2) كنى ولم يصرّح.
(3) المناظرة.
(4) في أن يفتتح ويبتدىء.
(5) كلمة مدح أي ما أحب هذا إلينا.
(6) أي من يتكفل ويقوم لنا بذا.
(7) آخرها.
(8) أولها شبّه أولها بالسماء وآخرها بالأرض يعني أنها تقرأ مقلوبة من آخرها كما تقرأ معتدلة من أولها.
(9) يعني نظمت وألفت فقراتها.
(10) المنوال خشبة الحائك والمراد أنها نسجت من الطرفين لأنك تبتدئها بالقراءة إن شئت من أولها وإن شئت من آخرها.
(11) ظهرت.
(12) أراد أنها إذا قرئت مطّردة كان لها معنى وإذا قرئت منعكسة كان لها معنى آخر.
(13) طلعت.
(14) من أولها.
(15) فكافيك حسنها أي إنها غاية تنهاك عن طلب غيرها.
(16) الصمت والسكوت.
(17) الاستماع مع السكوت.
(18) نطق وتكلم.
(19) تفوّه أي تكلم.
(20) وفي نسخة لهم.
(21) البقر والغنم والإبل.
(22) أخرتكم.
(23) أي عدّة المرأة إذا طلقها زوجها أو مات عنها.
(24) مددت.
(25) بكسر الطاء وفتح الواو أي حبل.
(26) المهلة يقال أرخى له الحبل أي وسع عليه الأمر.
(27) أي وفي هذا المحل يكون اجتماعنا.
(28) القضاء والحكم أو الجدّ الذي لا هزل معه.(1/169)
خواطركم مدحنا، وإن صلدت زنادكم (1) قدحنا (2). فقالوا له: والله! ما لنا في لجّة (3) هذا البحر مسبح (4)، ولا في ساحله مسرح (5)، فأرح (6) أفكارنا (7) من الكدّ (8)، وهنّىء العطيّة (9) بالنّقد (10). واتّخذنا (11) إخوانا يثبون (12) إذا وثبت (13)، ويثيبون (14) متى استثبت (15). فأطرق ساعة، ثمّ قال: سمعا لكم وطاعة. فاستملوا منّي (16)، وانقلوا عنّي: الإنسان صنيعة الإحسان (17). وربّ الجميل (18) فعل النّدب (19)
وشيمة الحرّ (20) ذخيرة الحمد (21). وكسب الشّكر، استثمار السّعادة (22). وعنوان الكرم (23)، تباشير البشر (24). واستعمال المداراة (25)، يوجب المصافاة (26).
وعقد المحبّة (27)، يقتضي النّصح (28). وصدق الحديث، حلية اللّسان (29).
__________
(1) لم تخرج نارا وعنى بذلك إن جمدت قريحتكم ولم يمكنكم أن تأتوا بالرسالة.
(2) أورينا أي قلنا.
(3)
(4) سبح وعوم.
(5) مذهب.
(6) أمر من الراحة.
(7) خواطرنا.
(8) الجهد والتعب.
(9) أي طيبها.
(10) أي يبذلها حالا بدون تأجيل والمراد عجل لنا بالرسالة.
(11) اجعلنا.
(12) ينهضون.
(13) نهضت.
(14) يعطون.
(15) طلبت الثواب.
(16) أي اكتبوا من إملائي.
(17) هذا مثل يضرب لكل من انقاد إلى غيره لمعروفه قال أبو الطيب:
وكل امرىء يولي الجميل محبّب ... وكل مكان ينبت العز طيّب.
(18) الرب مصدر معناه التربية.
(19) الرجل الخفيف في الحاجة.
(20) خلقه وطبيعته.
(21) يعني أن طبيعة الحر وشيمته أنه لا ينسى المعروف بل يحمد صاحبه دائما.
(22) يعني من فعل ما يشكر عليه جنى ثمر السعادة.
(23) علامته.
(24) أوّله كما أن تباشير الفاكهة أولها وتباشير الصبح أوله والبشر طلاقة الوجه وبشاشته.
(25) هي خداع القلوب بلطف الكلام ومداراة الناس معاملتهم بما يحبون.
(26) إخلاص الصحبة.
(27) أي انعقادها بين شخصين.
(28) يعني أن كلّا من المتحابّين ينصح الآخر إن رآه على غير ما يكسبه الذكر الجميل.
(29) أي زينته.(1/170)
وفصاحة المنطق، سحر الألباب (1). وشرك الهوى (2)، آفة النّفوس (3). وملل الخلائق (4) شين (5) الخلائق (6). وسوء الطّمع، يباين (7) الورع (8). والتزام الحزامة (9)، زمام (10) السّلامة. وتطلّب المثالب (11)، شرّ المعايب. وتتبّع العثرات (12)، يدحض (13) المودّات. وخلوص النّيّة (14)، خلاصة (15) العطيّة.
وتهنئة النّوال (16)، ثمن السّؤال. وتكلّف (17) الكلف (18)، يسهّل الخلف (19).
وتيقّن المعونة، يسنّي (20) المؤونة. وفضل الصّدر (21)، سعة الصّدر (22). وزينة الرّعاة (23)، مقت السّعاة (24). وجزاء (25) المدائح (26)، بثّ (27) المنائح (28).
ومهر الوسائل (29)، تشفيع (30) المسائل (31). ومجلبة (32) الغواية (33)، استغراق (34) الغاية (35). وتجاوز (36) الحدّ (37)، يكلّ (38) الحدّ (39). وتعدّي
__________
(1) العقول.
(2) أصل الشرك حبالة الصائد والمراد هنا اتباع الهوى لأنه كما أن الصيد إذا وقع في الحبالة قلّ أن ينجو فكذا من اتبع الهوى قلّ أن يفلح.
(3) أي داؤها ومرضها المؤدي إلى هلاكها.
(4) أي الناس.
(5) عيب.
(6) الخصال والطبائع.
(7) ينافي.
(8) الكف عن الشبهات فضلا عما لا يحل.
(9) الحزم وجودة الرأي.
(10) مقود.
(11) محاولة معرفة العيوب والنقائص.
(12) المراد منه عدم التغافل عن الزلات والسقطات.
(13) يبطل.
(14) القصد.
(15) صفوة.
(16) العطية.
(17) تجشم.
(18) المشاق.
(19) الجزاء.
(20) يسهل يقال سنى الله لك كذا أي سهله.
(21) الرئيس المقدّم.
(22) كناية عن الحلم والتحمل والسخاء.
(23) الولاة.
(24) أي بغض الساعين في الناس بالنميمة.
(25) ثواب.
(26) جمع مدحة (كذا في نسختنا).
(27) نشر وإشاعة.
(28) جمع منحة وهي العطية.
(29) أي حق الشفاعات.
(30) قبول شفاعة.
(31) جمع مسألة وهي سؤال المحتاج والمعنى حق الوسيلة قضاء الحاجة.
(32) مجلبة الشيء الذي يجلبه.
(33) الجهالة والضلالة.
(34) استيعاب واستئصال.
(35) آخر الأمر.
(36) تعدّي.
(37) حد كل شيء آخره فالمتجاوز لحدّ منته منه لآخر.
(38) يضعف.
(39) الذباب وهو طرف السيف الذي يضرب به.(1/171)
الأدب، يحبط (1) القرب (2). وتناسي (3) الحقوق، ينشىء (4) العقوق (5). وتحاشي الرّيب (6)، يرفع الرّتب (7). وارتفاع الأخطار (8)، باقتحام (9) الأخطار (10). وتنوّه الأقدار (11)، بمؤاتاة (12) الأقدار (13). وشرف الأعمال (14)، في تقصير الآمال (15).
وإطالة الفكرة (16)، تنقيح الحكمة (17). ورأس الرّئاسة (18)، تهذّب السّياسة (19).
ومع اللّجاجة (20)، تلغى الحاجة (21). وعند الأوجال (22)، تتفاضل الرّجال (23).
وبتفاضل الهمم (24)، تتفاوت القيم. وبتزيّد السّفير (25)، يهن التّدبير (26).
وبخلل الأحوال (27)، تتبيّن الّاهوال (28). وبموجب الصّبر (29)، ثمرة النّصر (30).
__________
(1) يبطل.
(2) ما يتقرّب به من الأعمال الصالحة.
(3) نسيان.
(4) يحدث.
(5) المقاطعة والجفاء.
(6) أي التباعد عن التهم.
(7) المنازل.
(8) أي شرف الأقدار.
(9) معناه إلقاء النفس.
(10) المهالك.
(11) يقال نوّه باسمه إذا ذكره بالخصال الحميدة ورفع منزلته.
(12) بمساعدة.
(13) مقادير الله تعالى.
(14) رفعتها وعلوّها.
(15) جمع أمل وهو ما يؤمل من كسب مال وولد يريد بذلك الزهد في الدنيا.
(16) أي الاستغراق في جولان النفس في المبدعات وصانعها.
(17) تنقيتها وتهذيبها.
(18) أي خير الرفعة.
(19) أي خلوص التدبير والقيام بالأمر.
(20) التمادي والمواظبة.
(21) أي تلقى وتطرح وذلك كناية عن عدم قضائها وفي نسخة تلفى أي توجد وتصاب والحاجة ما يحتاج إليه الإنسان من أمور مصلحته يريد أنه إذا ألح الإنسان في شيء أدرك حاجته على حد قولهم من جدّ وجد.
(22) جمع وجل وهو الخوف والفزع.
(23) أي تتفاوت فيظهر الجبان من الشجاع والصابر من الجازع.
(24) جمع همة وهي لطيفة تبعث ربانية صاحبها على الفعل فإن تعلقت بمعالي الأمور فعلية وإلا فدنية.
(25) أي بزيادة الرسول على ما يؤمر به.
(26) أي يضعف وفي نسخة يهي من وهى إذا سقط أي يسقط.
(27) عدم استوائها وجريها على سنن واحد.
(28) أي تظهر الشدائد.
(29) أي بحسبه.
(30) أي إن عاقبة الصبر النصر ويتفاوت بتفاوت الصبر.(1/172)
واستحقاق الإحماد (1)، بحسب الاجتهاد (2) ووجوب (3) الملاحظة (4)، كفاء المحافظة (5). وصفاء الموالي (6)، بتعهّد الموالي (7). وتحلّي المروءات (8)، بحفظ الأمانات. واختبار الإخوان (9)، بتخفيف الأحزان (10). ودفع الأعداء (11)، بكفّ الأودّاء (12). وامتحان العقلاء (13)، بمقارنة الجهلاء (14) وتبصّر العواقب (15)، يؤمن المعاطب (16). واتقاء الشّنعة (17)، ينشر السّمعة (18). وقبح الجفاء (19)، ينافي الوفاء. وجوهر الأحرار (20)، عند الأسرار (21). ثمّ قال: هذه مئتا لفظة، تحتوي (22) على أدب وعظة (23)، فمن ساقها (24) هذا المساق (25)، فلا مراء (26)
ولا شقاق (27). ومن رام عكس قالبها (28)، وأن يردّها على عقبها (29)، فليقل الأسرار، عند الأحرار. وجوهر الوفاء، ينافي الجفاء. وقبح السّمعة، ينشر الشّنعة.
__________
(1) يعني أن الرجل يستحق أن يكون محمودا.
(2) أي على قدر اجتهاده وبذل وسعه في فعل الخير.
(3) لزوم.
(4) المراقبة.
(5) أي مكافىء للتحرّز.
(6) إخلاص محبة المحب.
(7) أي بتفقد مواليه فالأول من الموالاة والثاني جمع مولى أي إذا تفقدت عبيد من والاك وأتباعه صفت مودته لك.
(8) أي تزينها.
(9) تجربتهم.
(10) أي بتهوين الطوارىء والنوازل.
(11) أي كفهم ومنعهم.
(12) أي بردع الأوداء جمع وديد وهم الأحباب يريد أنهم يكفون الأعداء.
(13) اختيارهم.
(14) أي بمخالطة السفهاء أي إنما يتبين لك العاقل بمصاحبة الجاهل فإنه لا يوافقه.
(15) النظر بالفكر فيها.
(16) المهالك يريد من نظر في عاقبة أمره أمن مما يحذر.
(17) يعني أن التباعد عما يقبح فعله.
(18) حسن الذكر.
(19) أي سوء الأدب وثقل الكلام.
(20) أي حسن سجيتهم.
(21) أي إنما يظهر عند حفظها.
(22) تشتمل.
(23) أي موعظة.
(24) تلاها.
(25) أي هذا النمط والأسلوب.
(26) جدال.
(27) خلاف.
(28) القالب هو الذي يعمل عليه الشيء مثل قالب الطوب والطربوش والنعال وفي القاموس القالب شيء كالمثال تفرغ فيه الجواهر وفتح لامه أكثر.
(29) آخرها.(1/173)
ثمّ على هذا المسحب (1) فليسحبها (2)، ولا يرهبها (3). حتّى تكون خاتمة (4)
فقرها (5)، وآخرة دررها. وربّ الإحسان، صنيعة الإنسان. قال الرّاوي: فلمّا صدع (6) برسالته الفريدة، وأملوحته (7) المفيدة، علمنا كيف يتفاضل الإنشاء (8)، وأنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. ثمّ اعتلق (9) كلّ منّا بذيله (10)، وفلذ (11) له فلذة (12) من نيله (13) فأبي قبول فلذتي (14)، وقال: لست أرزأ (15) تلامذتي. فقلت له: كن أبا زيد (16)، على شحوب سحنتك (17)، ونضوب (18) ماء وجنتك (19).
فقال: أنا هو على نحولي (20) وقحولي (21)، وقشف محولي (22). فأخذت في تثريبه (23)، على تشريقه (24)، وتغريبه (25). فحولق (26) واسترجع (27)، ثمّ أنشد من قلب موجع:
__________
(1) أي الطريق الذي يجرّ فيه الشيء.
(2) أي يجرها ويمشيها.
(3) يخفها.
(4) آخر.
(5) سجعاتها.
(6) كشف وشق ومنه {فَاصْدَعْ بِمََا تُؤْمَرُ}.
(7) أفعولة من الملاحة وهي هنا عبارة عن الكلام المليح الذي يعجب.
(8) أصله الابتداء وهنا يراد منه الكلام المقفى المسجع.
(9) تعلق.
(10) الذيل ما تدلّى من ثيابه.
(11) قطع.
(12) قطعة.
(13) عطائه.
(14) قطعتي.
(15) أنقض.
(16) هذه كلمة تطلقها العرب ويريدون منها أأنت فلان أتكون فلانا.
(17) نقص لحمك وتغير لونك وهيئتك.
(18) غؤور ونقص.
(19) الوجنة العظم الشاخص في أعلى الخد.
(20) ذهاب لحمي.
(21) يبسي.
(22) القشف التغير من الشمس والمحول يبس الأرض من انقطاع المطر يعني يبوستي وتغير جسدي.
(23) لومه وتوبيخه وعتابه.
(24) ذهابه جهة المشرق.
(25) ذهابه جهة المغرب.
(26) أي قال لا حول ولا قوة الخ.
(27) قال إنا لله وإنّا إليه راجعون.(1/174)
سلّ (1) الزّمان عليّ عضبه (2) ... ليروعني (3) وأحدّ (4) غربه (5)
واستلّ (6) من جفني كرا ... هـ (7) مراغما (8) وأسال غربه (9)
وأجالني (10) في الأفق (11) أط ... وي (12) شرقه (13) وأجوب غربه (14)
فبكلّ جوّ (15) طلعة ... في كلّ يوم لي وغربه (16)
وكذا المغرّب (17) شخصه ... متغرّب (18) ونواه (19) غربه (20)
ثمّ ولّى يجرّ (21) عطفيه (22)، ويخطر بيديه (23)، ونحن بين متلفّت (24) إليه، ومتهافت (25) عليه. ثمّ لم نلبث أن حللنا (26) الحبى (27)، وتفرّقنا أيادي سبا (28).
__________
(1) جرّد.
(2) سيفه الماضي القاطع.
(3) ليفزعني.
(4) شحذ وأرهف.
(5) المراد منه هنا حد السيف.
(6) انتزع.
(7) نومه.
(8) مغاضبا.
(9) الغرب مجرى الدمع ومسيله وإسالته انهلال الدمع من العين (كذا في الأصل) والغرب الدمع وكل فيضة من الدمع غرب.
(10) أطافني.
(11) ناحية الأرض.
(12) أقطع.
(13) المشرق.
(14) وأقطع مغربه.
(15) أفق.
(16) المرة من الغروب كما أن الطلعة المرة من الطلوع.
(17) الذي أتى المغرب وبفتح الراء المبعد عن وطنه.
(18) متغير أو صائر غريبا.
(19) أي جهته المنوية.
(20) بعيدة.
(21) يسحب.
(22) جانبي ثوبه إعراضا وكبرا.
(23) بكسر الطاء يحركهما عند المشي وهو مشي المعجب بنفسه.
(24) ناظر.
(25) من تهافت الفراش على النار إذا سقط فيها والمراد متساقط من الندم على فراقه.
(26) أي ما أقمنا كثيرا إلا أن حللنا.
(27) بكسر الحاء وضمها جمع حبوة يقال احتبى الرجل إذا جلس محتبيا وكان الاحتباء جلوس سادات العرب وهو أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بيديه واحتبى بثوبه فعل ذلك به.
(28) هذا مثل يضرب لكل قوم تفرقوا في كل ناحية وسبا هم الذين قال الله تعالى فيهم {وَمَزَّقْنََاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} هي قبيلة تفرقت عشر قبائل ستا باليمن وأربعا بالشام وسبب ذلك أن ملكهم أنذرته كاهنته بالهلاك بسيل العرم فصدّقها وجمع أهله ورعيته وعرفهم بذلك وعزم على الانتقال فوافقوه وذهب كل منهم إلى موضع.(1/175)
المقامة الثامنة عشرة السّنجاريّة
حكى الحارث بن همّام، قال: قفلت (1) ذات مرّة من الشّام، أنحو (2) مدينة السّلام (3)، في ركب (4) من بني نمير (5)، ورفقة أولي خير (6) ومير (7). ومعنا أبو زيد السّروجيّ عقلة العجلان (8)، وسلوة الثّكلان (9)، وأعجوبة الزّمان. والمشار إليه بالبنان (10)، في البيان (11). فصادف نزولنا سنجار (12)، أن أولم (13) بها أحد التّجّار. فدعا إلى مأدبته (14) الجفلى (15)، من أهل الحضارة (16) والفلا (17). حتّى سرت دعوته إلى القافلة (18)، وجمع فيها بين الفريضة والنّافلة (19). فلمّا أجبنا
__________
(1) رجعت من السفر.
(2) أقصد.
(3) بغداد.
(4) جمع راكب أي في أصحاب إبل وهم عشرة فما فوق.
(5) قبيلة من العرب.
(6) أهل غنى وثروة.
(7) نفقة وصدقة.
(8) حابس المتعجل.
(9) أي ومذهب حزن الحزين الفاقد لولده أو حبيبه.
(10) بأطراف الأصابع.
(11) في الفصاحة.
(12) مدينة في عراق العجم.
(13) أي صنع طعام العرس.
(14) طعامه والمأدبة بضم الدال وفتحها والضم أفصح طعام يدعى إليه الناس والأدب المطعم.
(15) بفتحها أي الدعوة العامة وعدم التخصيص وضدّه النقرى قال الشاعر:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... لا ترى الأدب فينا ينتقر.
(16) بفتح الحاء وكسرها الحضر.
(17) القفر والبادية.
(18) أي المسافرين الراجعين إلى أوطانهم.
(19) أي كبار الناس وصغارهم وغير ذلك.(1/176)
مناديه، وحللنا (1) ناديه (2)، أحضر من أطعمة اليد (3)، واليدين (4)، ما حلا (5) في الفم وحلي بالعين (6). ثمّ قدّم جاما (7) كأنّما جمّد من الهواء، أو جمع من الهباء (8) أو صيغ من نور الفضاء (9)، أو قشر (10) من الدّرّة البيضاء. وقد أودع لفائف النّعيم (11) وضمّخ (12) بالطّيب العميم (13)، وسيق إليه شرب (14) من تسنيم (15)، وسفر (16) عن مرأى (17) وسيم (18)، وأرج نسيم (19). فلمّا اضطرمت (20) بمحضره الشّهوات، وقرمت (21) إلى مخبره (22) اللهوات (23)، وشارف (24) أن تشنّ (25) على سربه (26) الغارات (27)، وينادى عند نهيه يا للثّارات،
__________
(1) دخلنا.
(2) مجلسه.
(3) ما طبخ وقيل الثريد لأنه يؤكل بيد واحدة.
(4) أطعمة اليدين الشواء والدجاج لأنه يقطع باليدين.
(5) من الحلاوة.
(6) حسن.
(7) ظرفا من زجاج.
(8) هو أدق الغبار الذي يظهر من ضوء الشمس الداخل من الكوى.
(9) الخلاء.
(10) بكسر الشين المعجمة مشدّدة أو مخففة نزع أي كأنه قشرة قشرت من الدرّة الخ.
(11) أي ما لفّ من الحلوى فطوي بعضه على بعض.
(12) لطخ.
(13) أي التام.
(14) قسم وحظ ونصيب.
(15) اسم عين في الجنة.
(16) كشف.
(17) منظر.
(18) حسن.
(19) ريح طيبة.
(20) اتقدت والتهبت.
(21) القرم أصله شدة شهوة اللحم ثم استعمل في مطلق الاشتهاء.
(22) أي ما فيه.
(23) جمع لهاة وهي لغاديد الحلق وقيل هي اللحمة المشرفة على الحلق وقيل هي أقصى الحلق.
(24) قارب.
(25) وفي رواية بالنون بدل التاء أي تفرّق أو نفرّق.
(26) أصل السرب القطيع من النساء أو الوحش والظباء وأراد به هنا صنوف ما في الجام.
(27) أصلها الخيل المغيرة وأراد بها هنا تناول الأيدي لما فيه.(1/177)
نشز (1) أبو زيد كالمجنون، وتباعد عنه تباعد الضّبّ (2) من النّون (3).
فراودناه (4) على أن يعود، وأن لا يكون كقدار (5) في ثمود. فقال: والّذي ينشر (6)
الأموات من الرّجام (7)، لا عدت دون رفع الجام (8). فلم نجد بدّا من تألّفه (9)، وإبرار حلفه (10). فأشلناه (11) والعقول معه شائلة (12) والدّموع عليه سائلة. فلمّا فاء (13)
إلى مجثمه (14)، وخلص من مأثمه (15)، سألناه لم قام، ولأيّ معنى استرفع الجام؟
فقال: إنّ الزّجاج نمّام، وإنّي آليت (16) مذ أعوام، أن لا يضمّني (17) ونموما مقام. فقلنا له: وما سبب يمينك الصّرّى (18)، وأليّتك الحرّى (19)؟ فقال: إنّه كان لي جار لسانه يتقرّب (20)، وقلبه عقرب، ولفظه شهد ينقع (21)، وخبؤه سمّ منقع (22)، فملت لمجاورته، إلى محاورته (23)، واغتررت بمكاشرته (24)، في
__________
(1) ارتفع عن مكانه أو تباعد.
(2) حيوان بري معروف يسكن الأرض التي لا مياه بها وهو أشبه شيء بالتمساح وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم استشهده فشهد له بالرسالة وأكل على مائدته ولم يأكله ولم يحرّمه.
(3) الحوت ومنه قوله تعالى {وَذَا النُّونِ} أي صاحب الحوت.
(4) أي سألناه وطالبناه.
(5) هو عاقر ناقة صالح عليه السلام وهذا مثل يضرب في الشؤم فيقال أشأم من قدار وهو أشقاها الذي ذكره الله في القرآن بقوله تعالى: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقََاهََا}.
(6) يبعث.
(7) الرجام أصلها الحجارة واحدها رجم وهي ها هنا القبور.
(8) الظرف من الزجاج.
(9) إرضائه.
(10) يمينه وقسمه يقال أبرّ يمينه أي أمضاها على الصدق.
(11) رفعناه.
(12) مرتفعة.
(13) رجع.
(14) مبركه.
(15) ذنب حنثه.
(16) حلفت.
(17) أي لا يجمعني.
(18) بكسر الصاد المهملة المشدّدة وفتحها ذات العزيمة أي التي صحبت الاصر من صررت الشيء عقدت عليه.
(19) أي حلفتك العطشى يريد الشديدة الأكيدة.
(20) يتودّد.
(21) يروي ويطفىء العطش.
(22) أي وباطنه وخفيّ أمره سم ثابت دائم.
(23) محادثته ومراجعة القول معه.
(24) المكاشرة أن يفترّ الإنسان أو غيره حتى تبدو ثناياه وما يليهنّ لضحك أو غضب والمراد هنا تبسمه.(1/178)
معاشرته. واستهوتني (1) خضرة (2) دمنته (3)، لمنادمته (4)، وأغرتني (5)
خدعة (6) سمته (7)، بمناسمته (8)، فمازجته وعندي أنّه جار مكاسر (9)، فبان أنّه عقاب (10) كاسر (11) وآنسته (12) على أنّه حبّ (13) مؤانس (14)، فظهر أنّه حباب (15)
مؤالس (16). ومالحته (17) ولا أعلم أنّه عند نقده (18)، ممّن يفرح بفقده (19).
وعاقرته (20) ولم أدر أنّه بعد فرّه (21)، ممّن يطرب (22) لمفرّه (23). وكانت عندي جارية، لا يوجد لها في الجمال (24) مجارية (25). إن سفرت (26) خجل (27)
النّيّران (28)، وصليت (29) القلوب بالنّيران. وإن بسمت أزرت (30) بالجمان (31)،
__________
(1) استمالتني وغلبت عليّ وقيل ذهبت بهواي وعقلي.
(2) حسن وطراوة.
(3) الدمنة الموضع القريب من الدار وقيل الموضع الذي تجتمع فيه الغنم فتتلبد أبوالها وأبعارها فيه والجمع: الدّمن والمراد حسن ظاهره.
(4) لمصاحبته.
(5) حرّضتني.
(6) من الخديعة.
(7) علامته.
(8) بمحادثته.
(9) ملاصق لكسر بيته أي جانب بيته.
(10) العقاب أحد الطيور الجوارح.
(11) هو الذي يكسر جناحيه أي يضمهما لينحط على الصيد.
(12) أبصرته.
(13) حبيب.
(14) مؤنس.
(15) حية.
(16) غادر خوان مخادع.
(17) آكلته.
(18) اختباره.
(19) بموته.
(20) نادمته على العقار وهي الخمر.
(21) أصل الفرّ البحث عن الشيء لتعلم حقيقته من فرّ الحيوان إذا فتح فمه ليعلم كم سنه.
(22) يفرح.
(23) لهربه.
(24) وفي نسخة في الكمال.
(25) مماثلة.
(26) أي كشف وجهها.
(27) استحيى.
(28) الشمس والقمر.
(29) التهبت.
(30) هزأت.
(31) جمع جمانة وهي اللؤلؤة وقيل حبة تعمل من فضة كاللؤلؤة.(1/179)
وبيع المرجان (1) بالمجّان (2) وإن رنت (3) هيّجت (4) البلابل (5)، وحقّقت سحر بابل (6). وإن نطقت عقلت (7) لبّ (8) العاقل، واستنزلت العصم من المعاقل (9). وإن قرأت شفت المفؤود (10)، وأحيت الموءود (11)، وخلتها (12)
أوتيت (13) من مزامير آل داود (14). وإنّ غنّت ظلّ معبد (15) لها عبدا، وقيل سحقا (16)
لإسحق (17) وبعدا. وإن زمرت أضحى زنام (18) عندها زنيما (19)، بعد أن كان لجيله (20) زعيما (21)، وبالإطراب زعيما (22). وإن رقصت أمالت العمائم عن الرّؤوس، وأنستك رقص الحبب (23) في الكؤوس. فكنت أزدري (24) معها حمر
__________
(1) خرز أحمر يعمل من نبات يوجد في البحر الروميّ وقول بعضهم هو صغار اللؤلؤ فيه نظر.
(2) المجان أخذ الشيء بلا عوض.
(3) نظرت.
(4) أثارت.
(5) جمع بلبال وهو حرارة في القلب لعدم نيل مقصود وفسره بعضهم بالفكر والحزن.
(6) مدينة ببلاد العجم كانت دار نمرود وإليها ينسب السحر وبها هاروت وماروت.
(7) حبست وأمسكت.
(8) عقل.
(9) الوعول من الجبال المرتفعة كذا قيل والأحسن أن العصم الذين اعتصموا في المعاقل وهي الحصون وأما استنزال الوعول من الجبال فلا معنى له.
(10) الذي به وجع الفؤاد.
(11) الذي دفن حيّا.
(12) حسبتها وظننتها.
(13) أعطيت.
(14) كناية عن حسن الصوت ولفظ آل مقحم لأن داود عليه السلام كان أحسن خلق الله صوتا حتى قيل إنه كان إذا قرأ الزبور رفع من بين يديه مائة جنازة موتى.
(15) كان أحد المجيدين للغناء وهو أول من ضرب الأصوات بالعود وكان في آخر زمن معاوية وأدرك زمن الوليد.
(16) بعدا.
(17) هو ابن إبراهيم الموصليّ وكان مغنيا للرشيد العباسيّ خامس بني العباس.
(18) زامر المتوكل.
(19) الزنيم الدعيّ المستلحق في قوم ليس منهم والذي يدّعي صناعة لا يعرفها.
(20) أهل زمانه.
(21) رئيسا.
(22) كافلا.
(23) الزبد الذي يعلو على الخمر.
(24) أحتقر.(1/180)
النّعم (1)، وأحلّي (2) بتملّيها (3) جيد (4) النّعم (5)، وأحجب (6) مرآها (7)
عن الشّمس والقمر، وأذود (8) ذكراها عن شرائع (9) السّمر (10). وأنا مع ذلك أليح (11)، من أن تسري بريّاها (12) ريح، أو يكهن (13) بها سطيح (14) أو ينمّ (15) عليها برق مليح (16). فاتّفق لوشك (17) الحظّ (18) المبخوس (19)، ونكد (20) الطّالع المنحوس (21)، أن أنطقتني (22) بوصفها حميّا المدام (23)، عند الجار النّمّام (24).
ثمّ ثاب (25) الفهم (26)، بعد أن صرد السّهم (27)، فأحسست (28) الخبال (29)
والوبال (30)، وضيعة ما أودع (31) ذلك الغربال (32). بيد أنّي (33) عاهدته (34) على
__________
(1) كرائمها.
(2) أزين.
(3) تمتعي بها.
(4) عنق.
(5) جمع نعمة يعني كنت أحليّ وأزين نعم الحياة بالتمتع بها كما يحلى عنق المرأة بالعقد النفيس.
(6) أستر.
(7) رؤيتها.
(8) أمنع وأدفع.
(9) طرقات وموارد.
(10) هو المحادثة بالليل وأكثر ما يكون في نور القمر (كذا في الأصل وفيه نظر).
(11) بالضم أشفق وأحاذر.
(12) رائحتها الطيبة.
(13) يخبر.
(14) كاهن مشهور كان يخبر بالمغيبات وإنما سمي بذلك لأنه كان دائما مستلقيا لا يقدر على العقود والقيام وأخباره مشهورة. منها أنه أخبر بظهوره صلى الله عليه وسلم لما جاء إليه ابن أخته عبد المسيح وقد حضرته الوفاة. وكان قد أرسله إليه كسرى حين انشق إيوانه ليلة ولادته عليه السلام.
(15) يظهر ويخبر.
(16) بالضم متلألىء.
(17) لسرعة زوال وفي نسخة وهي الأصوب لوشل وأصله الماء القليل والمراد به هنا القلة والنقصان.
(18) البخت والنصيب.
(19) المنقوص.
(20) أي تعسر ومشقة البخت وفي نسخة وكدّ الطالع.
(21) ضدّ المسعود.
(22) وفي نسخة أنطقني.
(23) أي حدّة الخمر وسطوتها.
(24) الذي ينقل الكلام على وجه الإفساد.
(25) رجع وفي نسخة ثاب إليّ.
(26) العقل.
(27) أي بعد أن خرج من قوسه يعني بعد أن أصاب سهم الكلام هدف أذن النمام.
(28) استشعرت وعلمت.
(29) أراد به الفساد والنقصان.
(30) سوء العاقبة.
(31) اؤتمن عليه.
(32) شبه به النمام لأنه لا يمسك ما جعل فيه.
(33) غير أني.
(34) حالفته.(1/181)
عكم (1) ما لفظته (2)، وأن يحفظ السّرّ ولو أحفظته (3). فزعم أنّه يخزن (4)
الأسرار، كما يخزن اللّئيم الدّينار. وأنّه لا يهتك (5) الأستار (6)، ولو عرّض لأن يلج (7) النّار. فما إن غبر (8) على ذلك الزّمان، إلّا يوم أو يومان، حتّى بدا (9) إلى أمير تلك المدرة (10)، وواليها ذي المقدرة، أن يقصد باب قيله (11)، مجدّدا عرض خيله (12)، ومستمطرا عارض نيله (13). وارتاد (14) أن تصحبه تحفة (15) تلائم (16) هواه (17)
ليقدّمها بين يدي نجواه (18): وجعل يبذل (19) الجعائل (20) لروّاده (21)، ويسنّي (22)
المراغب (23) لمن يظفره بمراده. فأسفّ (24) ذلك الجار الختّار (25) إلى بذوله (26)، وعصى في ادّراع (27) العار عذل عذوله (28). فأتى الوالي ناشرا أذنيه (29)،
__________
(1) يعني حفظ وصيانة وأصله الشد والربط.
(2) تكلمت به.
(3) أغضبته.
(4) بضم الزاي من باب قتل.
(5) لا يخرق.
(6) وفي نسخة الأسرار.
(7) يدخل.
(8) إن زائدة وفي نسخة فما غبر بحذفها وغبر بالغين المعجمة يستعمل في الماضي والمستقبل ومعناه هنا مضى وفي لغة عبر بالمهملة للماضي وبالمعجمة للباقي وعليها فيصح قراءته هنا بالمهملة.
(9) ظهر.
(10) القرية والبلد والأرض.
(11) بالفتح ملكه الأعظم لكن المعروف أن القيل من ملوك حمير دون الملك الأعظم.
(12) أي ليعرض عليه ما عنده من الأجناد.
(13) أي سحاب عطائه.
(14) طلب.
(15) هدية.
(16) توافق.
(17) إرادته والضمير راجع إلى القيل.
(18) كلامه مع الملك.
(19) يعطي.
(20) جمع جعالة وهي أجرة العامل.
(21) طلّابه.
(22) يعظم العطاء.
(23) الأموال الكثيرة وفي نسخة الرغائب وهي ما يرغب فيه من المال. وفي نسخة الوسائل وهي ما يتوسل للمقصود بإعطائه.
(24) أصل الإسفاف انخفاض المرتفع واستعمل هنا في الانحطاط إلى دنيء المطامع.
(25) الخدّاع الغدّار.
(26) عطائه.
(27) أصله لبس الدرع واستعمل هنا للبس العار على الاستعارة.
(28) لوم لائمه.
(29) أي طامعا يقال لمن طمع في شيء جاء ناشرا أذنيه.(1/182)
وأبثّه (1) ما كنت أسررته إليه. فما راعني (2) إلّا انسياب (3) صاغيته إليّ (4)، وانثيال (5) حفدته عليّ (6)، يسومني (7) إيثاره (8) بالدّرّة اليتيمة (9)، على أن أتحكّم عليه في القيمة. فغشيني من الهمّ (10)، ما غشي فرعون وجنوده من اليمّ (11). ولم أزل أدافع عنها ولا يغني الدّفاع. وأستشفع إليه ولا يجدي (12) الاستشفاع. وكلّما رأى منّي ازدياد الاعتياص (13)، وارتياد (14)
المناص (15)، تجرّم (16) وتضرّم (17)، وحرّق (18) عليّ الأرّم (19). ونفسي مع ذلك لا تسمح بمفارقة بدري، ولا بأن أنزع قلبي من صدري. حتّى آل (20) الوعيد (21)
إيقاعا (22)، والتّقريع (23) قراعا (24)، فقادني (25) الإشفاق (26) من الحين (27)، إلى أن قضته (28) سواد العين (29)، بصفرة العين (30). ولم يحظ (31) الواشي (32) بغير
__________
(1) أخبره وقال له.
(2) فما أخافني وأفزعني أو ما شعرت إلا بانسياب إلخ، كأنه قال ما أصاب روعي إلّا ذلك فهو مما يستعمل في مفاجأة الأمر.
(3) انبعاث ودخول.
(4) أي حاشيته ومن يميل إليه.
(5) انصباب واجتماع.
(6) خدمه وأتباعه.
(7) يطلب مني.
(8) أي تفضيله على نفسي.
(9) أي الجوهرة النفيسة التي لا أخت لها.
(10) وفي نسخة الغم.
(11) البحر.
(12) ينفع.
(13) الامتناع.
(14) أي طلب.
(15) المفرّ والملجأ.
(16) ادّعى ذنبا لم أفعله.
(17) التهب غيظا.
(18) حكّ.
(19) الأضراس وقيل الأسنان. تقول العرب حرّق عليّ الأرم إذا حك بعض أسنانه ببعض وجعل إصبعه بينهما إظهارا للغيظ.
(20) صار ورجع.
(21) التهديد.
(22) هو مصدر من أوقع به إذا أوصل إليه المكروه.
(23) التوبيخ والتعنيف.
(24) قتالا وضرابا وليس المراد صدور الفعل من الجانبين بل من جانب الأمير فقط.
(25) جرّني.
(26) الخوف.
(27) بالفتح الهلاك.
(28) بادلته.
(29) أي الحدقة يريد بذلك الجارية.
(30) الذهب.
(31) من الحظوة.
(32) النمام الذي يسعى بالناس إلى الوالي وغيره.(1/183)
الإثم (1) والشّين (2). فعاهدت الله تعالى مذ ذلك العهد (3)، أن لا أحاضر نمّاما (4) من بعد. والزّجاج مخصوص بهذه الطّباع الذّميمة (5)، وبه يضرب المثل في النّميمة (6)، فقد جرى عليه سيل يميني (7)، ولذلكم السّبب لم تمتدّ إليه يميي (8)، فلا تعذلوني (9) بعدما قد شرحته (10) على أن حرمتم بي اقتطاف (11) القطائف (12)
فقد بان (13) عذري (14) في صنيعي وإنّني سأرتق (15) فتقي (16) من تليدي وطارفي (17)
على أنّ ما زوّدتكم من فكاهة (18) ألذّ من الحلوى لدى كلّ عارف
قال الحارث بن همّام: فقبلنا اعتذاره، وقبّلنا عذاره (19)، وقلنا له: قدما (20)
وقذت (21) النّميمة خير البشر، حتّى انتشر عن حمّالة الحطب (22)، ما انتشر. ثمّ سألناه عمّا أحدث جاره القتّات (23)، ودخلله (24) المفتات (25)، بعد أن راش (26) له
__________
(1) الذنب.
(2) العيب.
(3) وفي نسخة من ذلك.
(4) أي لا أجالس ولا أحضر معه في مجلس.
(5) التي يذمها كل من سمع بها.
(6) أشار إلى قول من قال:
لحا الله امرأ أعطاك سرا ... فبحت به وفض الله فاه
فإنك بالذي استودعت منه ... أنمّ من الزجاج بما حواه.
(7) أي حلفي.
(8) يدي اليمنى.
(9) تلوموني.
(10) بينته وأوضحته.
(11) اجتناء ومراده به الأكل.
(12) طعام معروف.
(13) ظهر.
(14) ما ألجأني إلى ما فعلته.
(15) أي سأصلح وأسدّ.
(16) خرقي وخللي.
(17) التليد المال الموروث والطارف المال المكتسب وذلك كناية عن القديم والجديد.
(18) مزاح وطيب كلام.
(19) لثمنا شعر خدّه.
(20) بالكسر قديما.
(21) آلمت وأصل الوقذ، ضرب الحيوان حتى يسترخي ويشرف على الهلاك وأراد هنا ما ألحق بالنبي صلى الله عليه وسلم من الأذى وتهيج الشر عليه من المشركين بالنميمة.
(22) هي أم جميل بنت حرب عمة معاوية بن أبي سفيان امرأة أبي لهب وكانت تطرح الشوك في طريق النبيّ وأصحابه لتؤذيهم وكانت تمشي بالنمائم إلى قريش فتحرضهم عليه صلى الله عليه وسلم.
(23) النمام.
(24) مخالطه ومداخله في أموره.
(25) المتعدي الذي يعمل برأي نفسه.
(26) يقال راش السهم إذا كساه ريشا أو أصلح ريشه.(1/184)
نبل السّعاية (1)، وجدم (2) حبل الرّعاية (3). فقال: أخذ في الاستخذاء (4)
والاستكانة (5)، والاستشفاع (6) إليّ بذوي المكانة (7). وكنت حرّجت على نفسي (8)، أن لا يسترجعه (9) أنسي (10)، أو يرجع إليّ أمسي (11). فلم يكن له منّي سوى الرّدّ، والإصرار (12) على الصّدّ (13). وهو لا يكتئب (14) من النّجه (15)، ولا يتّئب (16) من وقاحة (17) الوجه، بل يلطّ (18) بالوسائل، ويلحّ (19) في المسائل.
فما أنقذني (20) من إبرامه (21)، ولا أبعد عليه نيل مرامه (22)، إلّا أبيات نفث بها الصّدر (23) الموتور (24)، والخاطر المبتور (25). فإنّها كانت مدحرة (26) لشيطانه، ومسجنة (27) له في أوطانه. وعند انتشارها بتّ (28) طلاق الحبور (29)، ودعا بالويل والثّبور (30). ويئس من نشر وصلي (31) المقبور (32)، كما يئس الكفّار من أصحاب القبور. فناشدناه (33) أن ينشدنا إيّاها، وينشقنا (34) ريّاها (35)، فقال: أجل (36)،
__________
(1) المشي بالنميمة.
(2) قطع.
(3) حفظ الصداقة.
(4) الخضوع.
(5) أي التذلل.
(6) طلب الشفاعة.
(7) الجاه والمنزلة.
(8) ضيقت عليها بيمين أكيدة.
(9) يرجع إليه.
(10) الأنس ضد الوحشة.
(11) أي حتى يعود إليّ ما مضى من الزمان.
(12) اللزوم والعزيمة.
(13) الإعراض عنه.
(14) لا يحزن.
(15) الرد والردع.
(16) لا يستحي.
(17) قلة الحياء والصلابة.
(18) يلزم.
(19) يكثر.
(20) خلصني.
(21) إضجاره وإملاله.
(22) بلوغ مقصوده.
(23) النفث النفخ وهو أقل من التفل والمراد هنا أخرجها الصدر وألقاها.
(24) أصله الذي قتل له قتيل فلم يدرك ثأره والمراد هنا المتألم الحاقد.
(25) أي المقطوع بالهمّ.
(26) مبعدة.
(27) حبسا.
(28) قطع قطعا مستأصلا.
(29) السرور أي جعل طلاق السرور طلاقا بتاتا لا رجعة له فيه.
(30) الهلاك.
(31) أي إحياء محبتي.
(32) المدفون يعني الذي دفن وانقضى.
(33) سألناه.
(34) يشممنا.
(35) ريحها الطيب.
(36) حرف جواب بمعنى نعم.(1/185)
خلق الإنسان من عجل (1). ثمّ أنشد لا يزويه (2) خجل (3)، ولا يثنيه وجل (4):
ونديم (5) محضته (6) صدق ودّي ... إذ توهّمته (7) صديقا حميما (8)
ثمّ أوليته قطيعة قال (9) ... حين ألفيته (10) صديدا (11) حميما (12)
خلته (13) قبل أن يجرّب إلفا (14) ... ذا ذمام (15) فبان (16) جلفا (17) ذميما (18)
وتخيّرته (19) كليما (20) فأمسى ... منه قلبي بما جناه (21) كليما
وتظنّيته (22) معينا (23) رحيما (24) ... فتبيّنته (25) لعينا (26) رجيما (27)
وتراءيته (28) مريدا (29) فجلّى (30) ... عنه سبكي (31) له مريدا (32) لئيما (33)
وتوسّمت (34) أن يهبّ نسيما (35) ... فأبى أن يهبّ إلّا سموما (36)
بتّ من لسعه الّذي أعجز الر ... راقي (37) سليما (38) وبات منّي سليما (39)
__________
(1) أراد بذلك أنهم لم يصبروا عن الأبيات بل استعجلوا بطلبها.
(2) لا يصرفه ولا يمنعه.
(3) أي استحياء.
(4) أي خوف.
(5) نديم الرجل من يجالسه على الشراب.
(6) أخلصته.
(7) ظننته.
(8) قريبا شفوقا يهتم بأمري.
(9) هجر مبغض.
(10) وجدته.
(11) الصديد ماء رقيق يسيل من الجرح فإن مكث صار قيحا.
(12) حارّا.
(13) أي حسبته.
(14) محبا يألفني ويبغي رضاي.
(15) صاحب عهد.
(16) ظهر.
(17) جافيا.
(18) مذموما.
(19) اصطفيته.
(20) أي مكالما ومحادثا وكليما الثاني أي جريحا.
(21) من الجناية.
(22) أصله تظننته أبدلت إحدى النونات ياء والتظني إعمال الظن.
(23) مساعدا.
(24) شفوقا.
(25) علمته.
(26) أي طريدا.
(27) مرجوما.
(28) ظننته.
(29) بالضم أي محبا.
(30) كشف.
(31) اختباري.
(32) بالفتح كثير الشر خبيثا.
(33) خسيس القدر وضيع الهمة.
(34) تخيلت وظننت.
(35) ريحا لينة باردة.
(36) ريحا حارّة.
(37) الطبيب.
(38) لديغا ملسوعا.
(39) سالما.(1/186)
وبدا نهجه (1) غداة افترقنا ... مستقيما والجسم منّي سقيما
لم يكن رائعا (2) خصيبا (3) ولكن ... كان بالشّرّ رائعا (4) لي خصيما (5)
قلت لمّا بلوته (6) ليته كا ... ن عديما (7) ولم يكن لي نديما (8)
بغّض الصّبح (9) حين نمّ (10) إلى قل ... بي لأنّ الصّباح يلفى (11) نموما
ودعاني إلى هوى اللّيل (12) إذ كا ... ن سواد الدّجى رقيبا (13) كتوما
وكفى من يشي (14) ولو فاه (15) بالصّد ... ق أثاما (16) فيما أتاه ولوما (17)
قال: فلمّا سمع ربّ البيت (18) قريضة (19) وسجعه (20)، واستملح (21)
تقريظه (22) وسبعه (23)، بوّأه (24) مهاد (25) كرامته، وصدّره (26) على تكرمته (27). ثمّ استحضر عشر صحاف من الغرب (28)، فيها حلواء القند (29) والضّرب (30). وقال
__________
(1) أي ظهر طريقه وفي نسخة وغدا أمره أي صار شأنه.
(2) أصل راع أفزع وأرعب. ثم قيل للحسن الفائق رائع لصولته على القلوب والمراد هنا لم يكن حسن المنظر.
(3) أي ذا خصب وسعة نعمة.
(4) مفزعا مأخوذ من الروع.
(5) مخاصما.
(6) جرّبته.
(7) معدوما.
(8) مجالسا.
(9) يعني أن الصباح بضوئه يظهر ما يستره الليل بظلامه وفي المثل فلان أنمّ من الصبح إذا كان لا يكتم شيئا.
(10) وشى.
(11) يوجد.
(12) محبة الليل.
(13) حافظا.
(14) أصل الوشي تلوين رقم الثوب بالألوان المختلفة فكأن الساعي يلون كلامه ويزينه عند من يشي له.
(15) نطق.
(16) المراد به هنا الإثم.
(17) بالضم دناءة وضعة.
(18) وفي نسخة رب المنزل.
(19) شعره.
(20) كلامه المقفى.
(21) استحسن.
(22) مدحه وأصله مدح الإنسان حيا كما أن التأبين مدحه ميتا.
(23) ذمه وهجاءه وأصله الوقوع في الناس.
(24) أنزله.
(25) فرش.
(26) أجلسه فى الصدر.
(27) تطلق على الوسادة التي يجلس عليها الإنسان تكرمة وتعظيما.
(28) الغرب بالتحريك الفضة وضرب من الشجر تعمل منه الأقداح.
(29) ما يعمل منه السكر فالسكر من القند كالسمن من الزبد ويقال هو معرب.
(30) العسل الأبيض.(1/187)
له: لا يستوي أصحاب النّار وأصحاب الجنّة، ولا يسع (1) أن يجعل البريء كذي الظّنّة (2). وهذه الآنية (3) تتنزّل منزلة الأبرار، في صون (4) الأسرار. فلا تولها الإبعاد، ولا تلحق هودا بعاد (5). ثمّ أمر خادمه بنقلها إلى مثواه (6)، ليحكم فيها بما يهواه (7). فأقبل علينا أبو زيد، وقال: اقرؤوا سورة الفتح، وأبشروا باندمال القرح (8)، فقد جبر الله ثكلكم (9)، وسنّى (10) أكلكم (11)، وجمع في ظلّ الحلواء شملكم (12). وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. ولمّا همّ بالانصراف، مال إلى استهداء الصّحاف (13)، فقال للآدب: (14) إنّ من دلائل الظّرف (15)، سماحة المهدي بالظّرف (16). فقال: كلاهما لك والغلام (17)، فاحذف (18) الكلام، وانهض (19) بسلام. فوثب (20) في الجواب (21)، وشكره شكر الرّوض للسّحاب (22). ثمّ اقتادنا (23) أبو زيد إلى حوائه (24)، وحكّمنا في حلوائه. وجعل يقلّب الأواني بيده، ويفضّ عددها على عدده (25)، ثمّ قال: لست أدري أأشكو ذلك النّمّام أم أشكر (26)، وأتناسى فعلته الّتي فعلها أم أذكره، فإنّه وإن كان
__________
(1) يعني لا يجوز.
(2) التهمة.
(3) أي الأوعية.
(4) حفظ.
(5) أي لا تلحق هودا بقومه يريد بذلك تفضيل هذه الآنية على الجام السابق.
(6) منزله ومستقره.
(7) يحبه.
(8) يريد بالقرح هنا الحزن وباندماله ذهابه وحصول عوض ما فاتهم من أطعمة الجام.
(9) أي فقدكم وحزنكم.
(10) سهل.
(11) ما يؤكل.
(12) ما تفرق من أمركم.
(13) أي طلب أن تهدى إليه.
(14) الداعي إلى الطعام.
(15) بالفتح البراعة وذكاء القلب.
(16) الوعاء.
(17) وفي نسخة بحذف لك ويروى كليهما على أن المعنى أعطيك كليهما.
(18) فاقطع.
(19) أي قم.
(20) قام.
(21) أي في حال سماع الجواب.
(22) حيث أنزل عليه ماءه وأعاد بعد الذبول رواءه.
(23) قادنا.
(24) بالكسر بيته الذي يحويه.
(25) أي يفرّق عدد الآنية على عدد أصحابه.
(26) وفي نسخة أأشكر ذلك النمام أم أكفر.(1/188)
أسلف (1) الجريمة (2)، ونمنم النّميمة (3)، فمن غيمه (4) انهلّت (5) هذه الدّيمة (6)، وبسيفه انحازت (7) هذه الغنيمة. وقد خطر ببالي (8) أن أرجع إلى أشبالي (9)، وأقنع بما تسنّى (10) لي، وأن لا أتعب نفسي ولا أجمالي. وأنا أودّعكم وداع محافظ (11)، وأستودعكم خير حافظ (12). ثمّ استوى (13) على راحلته (14)، راجعا في حافرته (15)، ولاويا إلى زافرته (16). فغادرنا (17) بعد أن وخدت (18) عنسه (19)، وزايلنا (20) أنسه، كدست (21) غاب صدره (22)، أو ليل أفل بدره (23).
__________
(1) قدّم.
(2) هي كالجرم بالضم بمعنى الذنب.
(3) نقش وحسّن.
(4) سحابه.
(5) انصبت.
(6) المطر يدوم أياما.
(7) اجتمعت.
(8) أي حدثتني نفسي.
(9) أولادي.
(10) تسهل وراج.
(11) راع للمودة.
(12) هو الله سبحانه وتعالى.
(13) ركب وتمكن.
(14) ناقته.
(15) أي الطريق التي جاء منها.
(16) جماعته وعشيرته.
(17) تركنا.
(18) أسرعت.
(19) ناقته الصلبة.
(20) فارقنا.
(21) الدست، كلمة فارسية والمراد هنا المجلس.
(22) رئيسه.
(23) غاب قمره.(1/189)
المقامة التاسعة عشرة النّصيبيّة
روى الحارث بن همّام، قال: أمحل (1) العراق ذات العويم (2)، لإخلاف أنواء الغيم (3) وتحدّث الرّكبان بريف (4) نصيبين (5)، وبلهنية (6) أهلها المخصبين. فاقتعدت مهريّا (7)، واعتقلت سمهريّا (8)، وسرت تلفظني (9) أرض إلى أرض، ويجذيني رفع من خفض، حتّى بلغتها نقضا على نقض (10). فلمّا أنخت بمغناها (11) الخصيب (12)، وضربت في مرعاها بنصيب (13)، نويت أن ألقي بها جراني (14)، وأتّخذ أهلها جيراني، إلى أن تحيى السّنة الجماد (15)، وتتعهّد أرض
__________
(1) أجدب.
(2) تصغير عام.
(3) أي لتخلف وأنواء جمع نوء يطلق على المطر وهو المراد هنا.
(4) يطلق الريف على الخصب والسعة وعلى الأرض فيها زرع وخصب.
(5) مدينة عظيمة كثيرة الأنهار والبساتين، مطلة على الجوديّ الذي استوت عليه سفينة نوح عليه السلام. افتتحها غانم بن عياض في خلافة عمر رضي الله عنه.
(6) رغد العيش والرخاء والسعة.
(7) ركبت جملا مهريا نسبة إلى مهرة قبيلة ببلاد حضرموت كانت تتخذ نجائب الإبل.
(8) وضعته بين ساقي وركابي والسمهريّ الرمح الصلب أو هو نسبة إلى سمهر زوج ردينة وكانا مثقفّين للرماح.
(9) تطرحني.
(10) النقض بالكسر المهزول من السير أي أنا مهزول وجملي كذلك.
(11) منزلها.
(12) الكثير المرعى.
(13) يعني فزت بنصيب من مرعاها.
(14) ما يصيب الأرض من عنق البعير البارك إذا مدّه كنى به عن إقامته كما يقال للآتي من السفر ألقى عصاه.
(15) التي لا مطر فيها وكنى بإحيائها عن زوال القحط والجدب.(1/190)
قومي العهاد (1). فوالله ما تمضمضت مقلتي بنومها (2)، ولا تمخضت (3) ليلتي عن يومها، دون أن ألفيت (4) أبا زيد السّروجيّ يجول (5) في أرجاء نصيبين (6)، ويخبط (7) بها خبط المصابين (8)، والمصيبين (9). وهو ينثر (10) من فيه الدّرر (11)، ويحتلب بكفّيه الدّرر (12). فوجدت بها جهادي (13)، قد حاز مغنما (14)
وقدحي الفذّ قد صار توأما (15). ولم أزل أتبع ظلّه (16)، أينما انبعث (17) وألتقط لفظه كلّما نفث (18). إلى أن عراه مرض (19) امتدّ مداه (20)، وعرقته مداه (21). حتّى كاد يسلبه ثوب المحيّا (22)، ويسلّمه إلى أبي يحيى (23). فوجدت (24) لفوت لقياه (25)، وانقطاع سقياه (26)، ما يجده المبعد عن مرامه (27)، والمرضع (28) عند
__________
(1) المطر المتكرر الذي يتعهد الأرض المرّة بعد المرّة.
(2) كنى بالمضمضة التي هي إدخال الماء في الفم وتحريكه عند دخول النوم في العين وقصد بذلك سرعة وجدانه لأبي زيد.
(3) من المخاض الذي يعتري الحامل في حال الولادة أي ولا انحلت وتخلصت ليلتي.
(4) أي وجدت ويروى أو ألفيت.
(5) يتردّد.
(6) أي نواحيها.
(7) أي ويمشي على غير هداية.
(8) المجانين.
(9) الواجدين لما يطلبون.
(10) أي يلقي.
(11) بضم الدال اللآلي.
(12) بكسر الدال جمع درة وهي اللبن يريد أنه يتكلم بكلام حسن ويأخذ العطايا.
(13) مشقتي وتعبي.
(14) أي غنيمة.
(15) القدح سهم من سهام الميسر والفذ أولها والتوأم ثانيها أراد أنه كان مفردا فصار بأبي زيد زوجا.
(16) كناية عن عدم مفارقته.
(17) أي أينما سار.
(18) أي تكلم.
(19) أي اعتراه مرض.
(20) أي طال زمنه ولم يشف.
(21) أي أخذت وكشطت ما على عظمه من اللحم والمدى جمع مدية وهي السكين وهو كناية عن كون المرض هزله.
(22) الحياة.
(23) كنية الموت أو ملك الموت.
(24) أي أحسست.
(25) وفي نسخة ملقاه أي لعدم لقائه.
(26) أي شربه وحظه من الماء.
(27) ما مفعول وجدت أي الذي يجده المبعد وهو المطرود أو الممنوع عن مقصده.
(28) الرضيع.(1/191)
فطامه (1). ثمّ أرجف (2) بأنّ رهنه قد غلق (3)، ومخلب (4) الحمام به قد علق (5). فقلق (6) صحبه لإرجاف المرجفين (7)، وانثالوا (8) إلى عقوته (9)
موجفين (10).
حيارى (11) يميد (12) بهم شجوهم (13) كأنّهم ارتضعوا الخندريسا (14)
أسالوا الغروب (15) وعطّوا الجيوب (16) وصكّوا الخدود (17) وشجّوا آلرؤّوسا (18)
يودّون (19) لو سالمته (20) المنون (21) وغالت (22) نفائسهم (23) والنّفوسا
قال الرّاوي: وكنت في من التفّ (24) بأصحابه، وأغذّ (25) إلى بابه. فلمّا انتهينا إلى فنائه (26)، وتصدّينا (27) لاستنشاء أنبائه (28)، برز (29) إلينا فتاه (30)، مفترّة (31) شفتاه، فاستطلعناه (32) طلع الشّيخ (33) في شكاته (34)، وكنه (35) قوى
__________
(1) أي فصله عن الرضاع.
(2) أي أشيع وأذيع وأصل الإرجاف الإخبار بالشيء على وجه إيقاع الاضطراب في الناس.
(3) هذا مثل يضرب لمن يقع في أمر لا يرجو منه خلاصا وكأنه جعل كناية عن الموت.
(4) واحد المخاطب وأصلها للسباع استعيرت للحمام.
(5) نشب به وتعلق وهو كناية عن موته.
(6) انزعج واضطرب.
(7) لخوض الخائضين وإذاعتهم الأخبار الكاذبة.
(8) انصبوا.
(9) أي ساحته وموضعه وقيل ما حول الدار.
(10) مسرعين.
(11) من الحيرة أي متحيرين.
(12) يميل.
(13) حزنهم.
(14) من أسماء الخمر، كالراح والسلاف والقرقف والسلسل لكن الخندريس الخمر العتيقة.
(15) جمع غرب وهو الدلو الكبير والمراد هنا مجاري الدموع.
(16) أي شقوها طولا.
(17) أي لطموها ومنه قوله تعالى حكاية عن امرأة الخليل عليه السلام {فَصَكَّتْ وَجْهَهََا}.
(18) أي جرحوها.
(19) أي يحبون.
(20) صالحته.
(21) المنية وهي الموت.
(22) أهلكت.
(23) النفائس خيار المال.
(24) اجتمع وانضم.
(25) أسرع.
(26) منزله.
(27) تعرضنا.
(28) أي لاستعلام أخباره.
(29) خرج.
(30) ولده.
(31) أي مبتسمة.
(32) استعلمناه واستخبرناه.
(33) حقيقة أمره وحاله.
(34) في مرضته.
(35) كنه الشيء حقيقته وغاية منتهاه.(1/192)
حركاته. فقال: قد كان في قبضة المرضة، وعركة الوعكة (1)، إلى أن شفّه (2) الدّنف (3)، واستشفّه (4) التّلف. ثمّ منّ الله تعالى بتقوية ذمائه (5)، فأفاق من إغمائه (6)، فارجعوا أدراجكم (7)، وانضوا (8) انزعاجكم (9). فكأن قد غدا وراح (10)، وساقاكم الرّاح (11)، فأعظمنا بشراه (12)، واقترحنا (13) أن نراه. فدخل مؤذنا (14) بنا، ثمّ خرج آذنا لنا. فلقينا منه لقى (15)، ولساتا طلقا (16). وجلسنا محدقين (17) بسريره، محدّقين (18) إلى أساريره (19). فقلّب طرفه في الجماعة، ثمّ قال: اجتلوها (20) بنت السّاعة، وأنشد:
عافاني الله وشكرا له ... من علّة كادت تعفّيني (21)
ومنّ بالبرء (22) على أنّه ... لا بدّ من حتف (23) سيبريني (24)
ما يتناساني ولكنّه ... إلى تقضّي الأكل (25) ينسيني (26)
إن حمّ (27) لم يغن (28) حميم (29) ولا ... حمى كليب (30) منه يحميني
__________
(1) مس الحمى ولا يقال لمن لم يحمّ وعك.
(2) أضناه وأوجعه وأضمره.
(3) المرض.
(4) استوعبه.
(5) الذماء بالفتح بقية النفس.
(6) أي من غشية مرضه.
(7) أي في أدراجكم والدرج الطريق أي ارجعوا من حيث أتيتم.
(8) أزيلوا واكشفوا.
(9) شدة خوفكم.
(10) أي فكأنكم به قد شفي وخرج وأتى وذهب.
(11) الخمر.
(12) أي استعظمناها.
(13) الاقتراح السؤال على وجه التحكم.
(14) معلما.
(15) أي وجدناه ضعيفا ملقى لأن اللقى بالقصر معناه الشيء الضعيف الملقى.
(16) فصيحا.
(17) محيطين.
(18) أي ناظرين بحدّة.
(19) إلى غضون جبهته أي خطوطها.
(20) أي انظروا فيها من جليت البكر إذا جلست على المنصة وأظهرت زينتها والضمير راجع للأبيات الاتية.
(21) تدرسني وتمحو أثري.
(22) أي بالشفاء.
(23) الحتف الموت والهلاك.
(24) يهلكني ويذهب لحمي.
(25) بالضم الرزق الذي آكله.
(26) يؤخرني من نسأه الله وأنسأه.
(27) أي قضي.
(28) لم ينفع.
(29) صديق.
(30) هو كليب بن ربيعة من بني تغلب بن وائل وكان قد أجار قنبرة في حماه فمرّت به شراك ناقة البسوس خالة جساس بن مرّة الشيباني فكسرت بيض القنبرة التي أجارها فرماها بسهم فوثب جساس على كليب فقتله فهاجت الحرب بين بكر وتغلب بن وائل بسببها أربعين سنة حتى ضربت العرب به المثل.(1/193)
وما أبالي أدنا (1) يومه ... أم أخّر الحين (2) إلى حين (3)
فأيّ فخر (4) في حياة أرى ... فيها البلايا ثمّ تبليني (5)
قال: فدعونا له بامتداد الأجل (6)، وارتداد الوجل (7). ثمّ تداعينا إلى القيام (8)، لاتّقاء الإبرام (9). فقال: كلّا (10) بل البثوا (11) بياض يومكم (12) عندي، لتشفوا بالمفاكهة (13) وجدي، فإنّ مناجاتكم (14) قوت (15) نفسي، ومغناطيس أنسي (16).
فتحرّينا (17) مرضاته، وتحامينا (18) معاصاته (19)، وأقبلنا على الحديث نمخض زبده (20)، ونلغي زبده (21). إلى أن حان (22) وقت المقيل (23) وكلّت الألسن من القال والقيل.
وكان يوما حامي الوديقة (24)، يانع (25) الحديقة (26)، فقال: إنّ النّعاس قد أمال الأعناق، وراود الآماق (27)، وهو خصم ألدّ (28) وخطب (29) لا يردّ، فصلوا حبله بالقيلولة (30)، واقتدوا فيه بالآثار (31) المنقولة. قال الرّاوي: فاتّبعنا ما قال،
__________
(1) أقرب.
(2) بفتح الحاء الهلاك.
(3) إلى وقت.
(4) وفي نسخة فأي خير.
(5) أي تخلقني.
(6) بطول العمر.
(7) وزوال الخوف والفزع.
(8) أي أخذنا وأسرعنا في القيام.
(9) الاضجار.
(10) كلمة زجر.
(11) أقيموا وامكثوا.
(12) أراد طول نهاركم.
(13) طيب المحادثة.
(14) محادثتكم.
(15) أي حياة.
(16) أصله حجر يجذب الحديد والمراد به جالب الأنس.
(17) قصدنا.
(18) جانبنا.
(19) أي عصيانه.
(20) نستخرج خياره.
(21) نترك رديئه.
(22) جاء.
(23) القيلولة وهي النوم وقت الظهر.
(24) الوديقة شدّة حرّ الهاجرة.
(25) أي زاهي وزاهر.
(26) هي في الأصل البستان المحاط ويراد به هنا ما قيل فيه من الكلام الذي يشبه الحديقة في الحسن.
(27) جمع مأق وهو جانب العين.
(28) أي شديد الخصومة.
(29) بكسر الخاء الذي يخطب المرأة.
(30) هي وقت النوم عند الزوال.
(31) يريد قوله عليه الصلاة والسلام قيلوا فإن الشياطين لا تقيل.(1/194)
وقلنا (1) وقال (2)، فضرب الله على الآذان (3)، وأفرغ (4) السّنة (5) في الأجفان، حتّى خرجنا من حكم الوجود (6)، وصرفنا بالهجود (7)، عن السّجود (8). فما استيقظنا (9) إلّا والحرّ قد باخ (10)، واليوم قد شاخ (11)، فتكرّعنا (12)
لصلاة العجماوين (13)، وأدّينا ما حلّ من الدّين. ثمّ تحثحثنا (14) للارتحال، إلى ملقى الرّحال (15)، فالتفت أبو زيد إلى شبله (16)، وكان على شاكلته (17)، وشكله، وقال: إنّي لإخال (18) أبا عمرة (19)، قد أضرم (20) في أحشائهم (21) الجمرة (22)، فاستدع أبا جامع (23)، فإنّه بشرى كلّ جائع. وأردفه (24) بأبي نعيم (25)، الصّابر على كلّ ضيم. ثمّ عزّر (26) بأبي حبيب (27)، المحبّب إلى كل لبيب، المقلّب بين إحراق وتعذيب (28). وأهّب (29) بأبي ثقيف (30)، فحبّذا هو من أليف (31).
وهلمم (32) بأبي عون (33)، فما مثله من عون (34). ولو استحضرت أبا
__________
(1) بكسر القاف نمنا.
(2) نام.
(3) أي أنامنا.
(4) صبّ.
(5) هي أول النوم.
(6) الحياة.
(7) أي بالنوم.
(8) الصلاة.
(9) انتبهنا.
(10) فتر وسكن.
(11) أي قارب الانتهاء.
(12) أي غسلنا أكارعنا وهو كناية عن الوضوء.
(13) هما الظهر والعصر سميا بذلك لإسرار القراءة فيهما.
(14) تهيأنا.
(15) موضعها.
(16) أي ولده.
(17) طبيعته وطريقته.
(18) بكسر الهمزة وفتحها أي أظن.
(19) كنية الجوع.
(20) أشعل.
(21) بطونهم.
(22) كناية عن شدة الجوع.
(23) الخوان.
(24) اتبعه.
(25) هو الخبز الحوّارى وهو المصنوع من خالص الدقيق.
(26) أي قوّ.
(27) الجدي من المعز.
(28) أراد أنه مشوي وأنه حال شوائه يقلب على الجمر.
(29) استحضر.
(30) الخل.
(31) أي ما أحسنه من مألوف.
(32) أي أقبل.
(33) هو الملح.
(34) من معين.(1/195)
جميل، (1) لجمّل أيّ تجميل. وحيّ هل (2) بأم القرى (3)، المذكّرة بكسرى (4). ولا تتناس أمّ جابر (5)، فكم لها من ذاكر. وناد أمّ الفرج (6)، ثمّ افتك (7) بها ولا حرج. واختم بأبي رزين (8)، فهو مسلاة (9) كلّ حزين. وإن تقرن (10) به أبا العلاء (11) تمح اسمك من البخلاء. وإيّاك (12) واستدناء (13)
المرجفين (14)، قبل استقلال حمول البين (15). وإذا نزع القوم (16) عن المراس (17)، وصافحوا (18) أبا إياس (19)، فأطف عليهم أبا السّرو (20)، فإنّه عنوان السّرو (21). قال: ففقه (22) ابنه لطائف رموزه (23)، بلطافة تمييزه، فطاف علينا بالطّيّبات والطّيب، إلى أن آذنت (24) الشّمس بالمغيب. فلمّا أجمعنا (25) على التّوديع، قلنا له ألم تر إلى هذا اليوم البديع، كيف بدا صبحه (26)
قمطريرا (27)، ومسيه (28) مستنيرا (29). فسجد حتّى أطال، ثمّ رفع رأسه، وقال:
__________
(1) البقل.
(2) وفي نسخة حي هلا.
(3) السكباج وهو طعام فيه خل.
(4) ملك فارس ولعله هو الذي اخترعها.
(5) الهريسة.
(6) الجؤاذب بالضم وهو طعام يتخذ من سكر ورز ولحم.
(7) اصل الفتك القتل على غرة أي غفلة والمراد كلها.
(8) هو الخبيص.
(9) سبب السلوّ وهو زوال الغم.
(10) بضم الراء وكسرها تصاحب.
(11) الفالوذج.
(12) احذر.
(13) وفي نسخة واستدعاء.
(14) هما الطست والإبريق.
(15) كناية عن فراغ الأكل. والبين الفراق واستقلال الحمول وهي الهوادج كان فيها شيء أو لم يكن رفعها وقيامها.
(16) أي كفوا.
(17) شدّة المعالجة يريد إذا كفوا عن تناول الطعام.
(18) المصافحة أخذ الكف بالكف.
(19) هو الغسول.
(20) البخور.
(21) أي علامة السخاء والكرم.
(22) فهم.
(23) أي إشاراته.
(24) أصله أعلمت والمراد هنا قاربت ودنت.
(25) عزمنا.
(26) وقت انجلاء الظلمة.
(27) شديد البلاء.
(28) وقت المساء.
(29) مضيئأ.(1/196)
لا تيأسن (1) عند النّوب (2) ... من فرجة (3) تجلو الكرب (4)
فلكم سموم (5) هبّ ... ثمّ جرى نسيما (6) وانقلب
وسحاب مكروه تنش ... شا (7) فاضمحلّ (8) وما سكب (9)
ودخان خطب (10) خيف من ... هـ فما استبان (11) له لهب
ولطالما طلع الأسى (12) ... وعلى تفيئته (13) غرب (14)
فاصبر إذا ما ناب (15) رو ... ع (16) فالزّمان أبو العجب (17)
وترجّ (18) من روح (19) الإل ... هـ لطائفا (20) لا تحتسب (21)
قال فاستملينا (22) منه أبياته الغرّ (23)، ووالينا (24) لله تعالى الشّكر، وودّعناه مسرورين ببرئه (25)، مغمورين ببرّه (26).
__________
(1) تقنطن.
(2) جمع نوبة بمعنى النائبة.
(3) بفتح الفاء زوال الهم عن القلب.
(4) أي تكشف الغموم الشديدة.
(5) ريح حارة.
(6) ريحا باردة طيبة.
(7) ارتفع.
(8) أي تلاشى وتفرّق.
(9) أي لم يمطر.
(10) أمر عظيم.
(11) ظهر.
(12) الحزن.
(13) يقال جاء على تفيئة ذاك أي على أثره.
(14) أي غاب.
(15) أي أصاب.
(16) أي خوف وفزع.
(17) تتولد فيه العجائب.
(18) أي انتظر.
(19) رحمة.
(20) عطايا.
(21) أي لم تكن في حسابك.
(22) كتبنا.
(23) البيض.
(24) تابعنا.
(25) صحته.
(26) إحسانه.(1/197)
تفسير ألفاظ ما تضمنته هذه المقامة من كلمات لغوية وكنى طفيليّة وكنايات صوفية
قوله (ذات العويم) يعني به الزمان المتقادم. ومثله ذات الزمين و (السمهرية) الرماح. وفي تسميتها بذلك قولان: أحدهما أنها سميت به لصلابتها من قولهم اسمهرّ الشيء، إذا اشتدّ، وقيل إنها منسوبة إلى سمهر زوج ردينة وكانا جميعا يقوّمان الرماح، بسوق هجر، فنسبت إليهما. وقوله (نقضا على نقض) أي مهزولا على مهزول. (والجران): باطن العنق. وقيل منه تعمل السياط وقوله: (فضرب الله على الآذان): أي أنامنا. ومنه قوله عز وجل: فضربنا على آذانهم في الكهف، أي نيّمناهم. وقيل في تفسيره منعناهم السمع. وقوله (تكرعنا لصلاة العجماوين) أي غسلنا أكارعنا، وهو كناية عن الوضوء. والعجماوان صلاتا الظهر والعصر، سميتا بذلك لإسرار القراءة فيهما. وقوله (هلمم) أي قل هلمّ، وهي تأتي بمعنى هات وبمعنى أقبل والأفصح أن يوحد لفظها مع المذكر والمؤنث والاثنين والجمع وبه نطق القرآن، في قوله تعالى: والقائلين لإخوانهم هلم إلينا. ومن العرب من يقول للمذكر الواحد هلمّ، وللاثنين هلما، وللجمع هلموا. وللمؤنث الواحدة هلمي، وللاثنتين هلما، وللجميع هلممن. وقوله (حي هل) أي عجل وأسرع يقال حيّ هل بفلان بتسكين اللام وفتحها وتنوينها، وبإثبات النون معها. ومنه قول ابن مسعود في عمر رضي الله عنه: إذا ذكر الصالحون فحيّ هلا بعمر. وفي حيّ هلا لغات أخر ضربنا عن ذكرها إذ ليس هذا موضع استيفاء شرحها. فهذا تفسير الألفاظ اللغوية.
وأما تفسير الكنى الطفيلية والكنايات الصوفية (فأبو يحيى) كنية الموت، و (أبو عمرة) كنية الجوع، ويكنى أيضا أبا مالك و (أبو جامع) الخوان، و (أبو نعيم) الخبز الحوّارى و (أبو حبيب) الجدي، و (أبو ثقيف) الخل، و (أبو عون) الملح، و (أبو جميل) البقل، و (أم القرى) السكباج، و (أم جابر) الهريسة، و (أم الفرج) الجواذب، و (أبو رزين) الخبيص، و (أبو العلاء) الفالوذق، (كذا في الأصل) و (أبو إياس) الغسول، و (المرجفان) الطست والإبريق، و (أبو السرو) البخور.(1/198)
المقامة العشرون الفارقيّة
حكى الحارث بن همّام، قال: يمّمت (1) ميّا فارقين (2)، مع رفقة موافقين، لا يمارون (3) في المناجاة (4)، ولا يدرون ما طعم المداجاة (5). فكنت بهم كمن لم يرم (6) عن وجاره (7)، ولا ظعن (8) عن أليفه (9) وجاره. فلمّا أنخنا بها مطايا التّسيار (10)، وانتقلنا عن الأكوار (11)، إلى الأوكار (12)، تواصينا (13) بتذكار الصّحبة (14) وتناهينا (15) عن التّقاطع (16) في الغربة، واتّخذنا ناديا (17) نعتمره (18)
__________
(1) قصدت.
(2) بلد في الشام أو من ديار ربيعة.
(3) أي لا يجادلون.
(4) في المحادثة.
(5) المداراة ومساترة العداوة أي لا يستر بعضهم عن بعض ما في نفسه.
(6) أي لم يبرح من رام مكانه يريمه ريما إذا برح وزال وانما عدّي هنا بالحرف على تضمين معنى زال وقد يتعدى بمن قال الأعشى:
أبانا فلا رمت من عندنا ... فإنّا نمير إذا لم ترم
فقوله فلا رمت أي لا برحت، وقوله إذا لم ترم أي لم تبرح.
(7) بفتح الواو وكسرها بيته وأصله بيت الضبع أو الذئب.
(8) رحل.
(9) صاحبه.
(10) إبل السير جمع مطية وهي الناقة التي يركب مطاها أي ظهرها.
(11) جمع الكور بالفتح وهي الرحل.
(12) البيوت.
(13) أي وصّى بعضنا بعضا.
(14) أي بتذكرها وعدم نسيانها.
(15) نهى بعضنا بعضا.
(16) أي عن التصارم.
(17) مجلسا.
(18) نقصده ونعمره ومنه عمرة الحج.(1/199)
طرفي النّهار، ونتهادى (1) فيه طرف الأخبار (2). فبينما نحن به في بعض الأيّام، وقد انتظمنا (3) في سلك الالتئام (4)، وقف علينا ذو مقول (5) جريّ (6)، وجرس (7) جهوريّ (8)، فحيّى تحيّة نفّاث في العقد (9)، قنّاص (10) للأسد والنّقد (11)، ثمّ قال:
عندي يا قوم حديث عجيب ... فيه اعتبار للّبيب (12) الأريب (13)
رأيت في ريعان عمري (14) أخا ... بأس (15) له حدّ الحسام (16) القضيب (17)
يقدم في المعرك (18) إقدام من ... يوقن بالفتك (19) ولا يستريب (20)
فيفرج (21) الضّيق (22) بكرّاته (23) ... حتّى يرى ما كان ضنكا (24) رحيب (25)
ما بارز الأقران (26) إلّا انثنى (27) ... عن موقف الطّعن برمح خضيب (28)
__________
(1) نتحادث.
(2) محاسنها.
(3) اجتمعنا.
(4) أي توافقنا متألفين.
(5) صاحب لسان.
(6) مقدام.
(7) بفتح الجيم وكسرها مع سكون الراء صوت.
(8) شديد.
(9) هو صاحب السحر.
(10) صياد.
(11) محركا صغار الغنم وقيل جنس من الغنم قصار الأرجل صباح الوجوه يكون بالبحرين وأجود الأصواف صوفها.
(12) العاقل.
(13) العالم.
(14) أوله.
(15) صاحب حرب شجاعا.
(16) السيف الرقيق.
(17) الذي يقضب الأشياء أي يقطعها.
(18) موضع الحرب.
(19) القتل على غفلة.
(20) يشك.
(21) يوسع.
(22) قال الفراء الضيق بالفتح ما ضاق عنه صدرك وبالكسر ما يكون في الذي يتسع وأراد به هنا الثاني.
(23) رجعاته.
(24) ضيقا.
(25) أي واسعا.
(26) جمع قرن بالكسر.
(27) رجع.
(28) مخضب بالدم.(1/200)
ولا سما (1) يفتح مستصعبا (2) ... مستغلق (3) الباب منيعا (4) مهيب (5)
إلّا ونودي حين يسمو (6) له ... نصر من الله وفتح قريب
هذا وكم من ليلة باتها ... يميس (7) في برد الشّباب القشيب (8)
يرتشف (9) الغيد (10) ويرشفنه (11) ... وهو لدى الكلّ المفدّى (12) الحبيب
فلم يزل يبتزّه (13) دهره ... ما فيه من بطش وعود صليب
حتّى أصارته (14) اللّيالي لقى (15) ... يعافه (16) من كان منه قريب
قد أعجز الرّاقي (17) تحليل ما ... به (18) من الدّاء وأعيى الطّبيب
وصارم البيض (19) وصارمنه (20) ... من بعد ما كان المجاب المجيب
وآض (21) كالمنكوس (22) في خلقه ... ومن يعش يلق دواهي المشيب (23)
وها هو اليوم مسجّى (24) فمن ... يرغب في تكفين ميت غريب
ثمّ إنّه أعلن بالنّحيب (25) وبكى بكاء المحبّ على الحبيب. ولمّا رقأت (26)
دمعته، وانفثأت لوعته (27)، قال: يا نجعة الرّوّاد (28)، وقدوة الأجواد، والله ما
__________
(1) ارتفع.
(2) حصنا.
(3) بفتح اللام وكسرها.
(4) مكان منيع أي حصين من منع مناعة إذا لم يرم والاسم المنعة.
(5) مخوف.
(6) يصعد ويرتفع.
(7) يتبختر.
(8) الجديد.
(9) يقبّل.
(10) جمع الغادة وهي المرأة الناعمة.
(11) بضم الشين وكسرها يقبلنه.
(12) الذي يفدى بالنفوس والأموال.
(13) يسلبه.
(14) صيرته.
(15) مطروحا مريضا.
(16) يكرهه.
(17) من الرقية.
(18) أي ما حل به.
(19) أي قاطع وهجر النساء البيض.
(20) أي هجرنه.
(21) عاد وصار.
(22) المردود من القوّة إلى الضعف.
(23) أي مصائب الهرم.
(24) أي مغطى بثوب ومنه سجا الليل أي ستر بظلمته.
(25) أي أظهره والنحيب هو رفع الصوت بالبكاء.
(26) ارتفعت وانقطعت.
(27) أي سكنت حرقته وأصل الفثء في القدر أن يسكّن غليانها فاستعير لها.
(28) يا مقصد الطلّاب والقصاد.(1/201)
نطقت ببهتان (1)، ولا أخبرتكم إلّا عن عيان. ولو كان في عصاي سير (2)، ولغيمي مطير (3)، لاستأثرت (4) بما دعوتكم إليه، ولما وقفت موقف الدّالّ عليه. ولكن كيف الطّيران بلا جناح؟ وهل على من لا يجد من جناح؟ (5) قال الرّاوي:
فطفق (6) القوم يأتمرون (7)، في ما يأمرون، ويتخافتون (8) في ما يأتون. فتوهّم أنّهم يتمالؤون على صرفه بحرمان، (9) أو مطالبته ببرهان. ففرط (10) منه أن قال: يا يلامع القاع (11)، ويرامع (12) البقاع، ما هذا الارتياء (13)، الّذي يأباه (14)
الحياء؟! حتّى كأنّكم كلّفتم مشقّة، لا شقّة (15). أو استوهبتم بلدة، لا بردة (16).
أو هززتم (17) لكسوة البيت (18)، لا لتكفين الميت. أفّ (19) لمن لا تندى صفاته (20)، ولا ترشح حصاته. فلمّا بصرت (21) الجماعة بذلاقته (22)، ومرارة
__________
(1) كذب.
(2) هو مثل يضرب لمن يريد صنع المعروف ويضيق وجده عن التوصل إليه والمراد لو كان فيّ قدرة.
(3) وفي نسخة وفي عيمي وهو أيضا كناية عن الفقر أي لو كان عندي ما انفق منه.
(4) لاختصصت وانفردت.
(5) الجناح بالفتح ما تطير به الطير وبالضم الإثم.
(6) أخذ وجعل.
(7) يتشاورون.
(8) يسرّون الكلام.
(9) أي يردّونه محروما.
(10) سبق.
(11) اليلمع السراب وهو ما يتوهمه الرائي ماء وليس بشيء ويكون في القاع وهو الخلاء يشبّه به الرجل الكذاب.
(12) اليرامع حجارة بيض لها بريق وهذان مثلان يضربان لمن يطمع منظره ويخلف مخبره.
(13) المشاورة افتعال من الرأي.
(14) أي يكرهه ويأنفه.
(15) الشقة ثوب غير مخيط.
(16) هي كساء يرتدى به.
(17) حركتم.
(18) الكعبة.
(19) كلمة تقال لاستقذار الشيء والتضجر منه.
(20) لا ترشح صخرته وهو مثل يضرب للبخيل وكذا ما بعده وكنى بذلك عن عدم الكرم.
(21) علمت.
(22) فصاحة لسانه.(1/202)
مذاقته (1)، رفأه (2) كلّ منهم بنيله (3)، واحتمل (4) طلّه (5) خوف سيله (6). قال الحارث بن همّام: وكان هذا السّائل واقفا خلفي، ومحتجبا (7) بظهري عن طرفي (8)، فلما أرضاه القوم بسيبهم (9)، وحقّ (10) عليّ التّأسّي (11) بهم، خلجت (12) خاتمي من خنصري (13)، ولفتّ (14) إليه بصري (15)، فإذا هو شيخنا السّروجيّ بلا فرية (16)، ولا مرية (17)، فأيقنت أنّها أكذوبة (18) تكذّبها، وأحبولة (19)
نصبها. إلّا أنّني طويته على غرّه (20)، وصنت شغاه (21) عن فرّه (22). فحصبته (23)
بالخاتم، وقلت: أرصده (24) لنفقة الماتم. فقال: واها لك! (25) فما أضرم شعلتك (26)، وأكرم فعلتك. ثمّ انطلق (27) يسعى (28) قدما (29)، ويهرول (30)
__________
(1) كناية عن غلظته في الكلام.
(2) أصلحه ووصله مأخوذ من رفأت الثوب ورفوته إذا خطته وأصلحته.
(3) بعطائه.
(4) تحمل.
(5) أصل الطل المطر الدقيق ويراد به هنا كلامه الذي فيه إيلام قليل.
(6) مخافة كلامه المؤلم جدّا.
(7) مستترا.
(8) عن بصري.
(9) بعطائهم.
(10) وجب.
(11) الاقتداء.
(12) جذبت ونزعت.
(13) وفي نسخة عن خنصري وهي الإصبع الصغيرة.
(14) أي رددت.
(15) وفي نسخة نظري.
(16) اسم من الافتراء وهو اختلاق الكذب.
(17) شك.
(18) كذبة.
(19) هي والحبالة الفخ والشرك.
(20) أي تركته كما كان يقال طوى الثوب على غره أي على طيه الأول وكسراته الأولى التي كان مطويا عليها.
(21) الشغا اختلاف الأسنان وهو عيب.
(22) أي عن فتح فيه لأعلم سنه ويراد به هنا أنه لم يعرّف عنه.
(23) أي فرميته وأصل الحصب الرمي بالحصباء.
(24) أعدده.
(25) عجبا لك.
(26) أي ما أشدّ التهاب نارك وهو كناية عن التعجب من ذكائه.
(27) ذهب.
(28) يمشي.
(29) يقال مضى قدما بالتحريك وبضم فسكون أي لم يثن ولم يعرّج.
(30) يسرع.(1/203)
هرولته قدما (1). فنزعت (2) إلى عرفان (3) ميّته، وامتحان (4) دعوى حميّته (5)، فقرعت ظنبوبي (6)، وألهبت ألهوبي (7)، حتّى أدركته على غلوة (8)، واجتليته (9)
في خلوة (10). فأخذت بجمع أردانه (11) وعقته (12) عن سنن ميدانه (13). وقلت له:
والله ما لك منّي ملجأ (14) ولا منجّى (15)! أو تريني ميّتك المسجّى (16). فكشف عن سراويله، وأشار إلى غرموله (17). فقلت له: قاتلك الله! فما ألعبك بالنّهى (18)، وأحيلك على اللهى (19). ثمّ عدت إلى أصحابي عود الرّائد الّذي لا يكذب أهله (20)، ولا يبرقش قوله (21)، فأخبرتهم بالّذي رأيت، وما ورّيت (22)
ولا رأيت (23) فقهقهوا (24) من كيت وكيت (25)، ولعنوا ذلك الميت.
__________
(1) أي قديما.
(2) اشتقت.
(3) إلى معرفة.
(4) اختبار.
(5) أنفته.
(6) الظنبوب العظم اليابس في مقدم الساق إلى أسفله وهو مثل يضرب لمن جدّ فيما هو بصدده يقال قرع له ظنبوبه قال:
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع ... كان الصراخ له قرع الظنابيب
والمراد به هنا سرعة السير.
(7) كناية عن شدة الجري من ألهب الفرس فهو ملهب إذا اضطرم في جريه والألهوب اسم منه وأقيم مقام المصدر.
(8) أي على قدر رمية السهم.
(9) تعرّفته.
(10) أي في خلاء.
(11) ثيابه.
(12) وقفته وعطلته.
(13) أي ذهابه في مذهبه والسنن بالفتح الطريقة.
(14) مفرّ.
(15) نجاة.
(16) المغطى.
(17) اذكره.
(18) العقول.
(19) جمع لهوة وهي ملء الحفنة والمراد هنا العطايا.
(20) أي عود صادق والرائد في الأصل طالب الكلأ أو الماء أو المنزل.
(21) يزينه.
(22) التورية أن يعرّض بالشيء ولا يصرح به.
(23) من الرياء.
(24) ضحكوا بصوت مرتفع.
(25) حكاية ما مضى من الحديث.(1/204)
المقامة الحادية والعشرون الرّازيّة
حكى الحارث بن همّام، قال: عنيت (1) مذ أحكمت تدبيري (2)، وعرفت قبيلي من دبيري (3)، بأن أصغي (4) إلى العظات (5)، وألغي (6) الكلم المحفظات (7)، لأتحلّى (8) بمحاسن الأخلاق (9)، وأتخلّى (10) ممّا يسم (11)
بالإخلاق (12). وما زلت آخذ (13) نفسي بهذا الأدب، وأخمد (14) به جمرة الغضب، حتّى صار التّطبّع (15) فيه طباعا (16)، والتّكلّف (17) له هوى مطاعا.
فلمّا حللت بالرّي (18)، وقد حللت حبى الغيّ (19)، وعرفت الحيّ (20) من اللّي (21)، رأيت بها ذات بكرة (22)، زمرة (23) في إثر زمرة، وهم منتشرون (24)
__________
(1) اهتممت.
(2) هو النظر في العواقب.
(3) كناية عن معرفة ما يضرّ وما ينفع.
(4) أميل سمعي.
(5) المواعظ.
(6) أترك.
(7) المغضبات.
(8) أتزين.
(9) بالفتح الطبائع.
(10) أترك وأتجنب.
(11) أي مما يؤثر.
(12) بكسر الهمزة العيب من أخلق الثوب إذا بلي وابتذل وامتهن.
(13) أؤدب.
(14) أطفىء.
(15) التكلف.
(16) سجايا.
(17) فعل الشيء بمشقة.
(18) بلد في عراق العجم.
(19) كناية عن ترك ما كان عليه من الضلال.
(20) الحق.
(21) من الباطل وقيل الحيّ الكلام الظاهر والليّ الكلام الخفي. وقيل عرفت الحية من الحبل والمراد به أنه عرف حقائق الأمور.
(22) أي بكرة يوم.
(23) جماعة.
(24) منبثون.(1/205)
انتشار الجراد (1)، ومستنّون (2) استنان الجياد (3)، ومتواصفون (4) واعظا (5)
يقصدونه، ويحلّون (6) ابن سمعون (7) دونه. فلم يتكاءدني (8) لاستماع المواعظ، واختبار الواعظ، أن أقاسي اللّاغط (9)، وأحتمل الضّاغط (10)، فأصحبت (11) إصحاب (12) المطواعة (13)، وانخرطت (14) في سلك الجماعة (15) حتّى أفضينا (16) إلى ناد (17) حشد (18) النّبيه (19) والمغمور (20). وفي وسط (21) هالته (22)، ووسط (23) أهلّته (24)، شيخ قد تقوّس (25) واقعنسس (26)، وتقلنس (27)
وتطلّس (28)، وهو يصدع (29) بوعظ يشفي الصّدور، ويلين الصّخور (30). فسمعته يقول، وقد افتتنت به العقول: ابن آدم ما أغراك (31) بما يغرّك (32)، وأضراك (33)
__________
(1) سمي بذلك لأنه يجرد الأرض من النبات.
(2) الاستنان العدو إقبالا وإدبارا من نشاط وزعل. وقيل القماص وهو أن يرفع الفرس يديه ويطرحهما معا من النشاط والمراد يجرون.
(3) جري الجياد وهي الخيل.
(4) وصف كل منهم للآخر.
(5) هو من يعظ الناس ويحذرهم عقاب الله تعالى.
(6) ينزلون.
(7) هو أبو الحسين محمد بن محمد بن إسماعيل الواعظ كان رجلا بليغا في حسن إلقاء المواعظ.
(8) يشق ويصعب علي.
(9) الكثير الصياح والكلام. واللغط أصوات مبهمة لا تفهم.
(10) المزاحم.
(11) انقدت.
(12) انقياد.
(13) الناقة الذلول.
(14) دخلت وانتظمت.
(15) اصل السلك الخيط لكن المراد أني توجهت معهم وانتظمت معهم كما ينتظم اللؤلؤ وغيره في السلك.
(16) أي وصلنا.
(17) مجلس.
(18) جمع.
(19) المشهور بفضله وقدره.
(20) المجهول الخامل الذكر.
(21) بفتح السين.
(22) أصل الهالة الدائرة حول القمر فاستعير لحلقة القوم.
(23) بسكون السين بمعنى بين.
(24) جمع هلال والمراد الناس المضيئة وجوههم كالأهلة.
(25) احدودب وانحنى من الكبر.
(26) أفرط قعسه وهو خروج صدره ودخول ظهره.
(27) لبس القلنسوة.
(28) لبس الطيلسان وهو لباس النساك وفي نسخة تقديم تقلنس على تطلس (كذا في الأصل).
(29) يتكلم جهارا.
(30) الحجارة.
(31) أولعك.
(32) يخدعك.
(33) أجراك.(1/206)
بما يضرّك، وألهجك (1) بما يطغيك (2)، وأبهجك (3) بمن يطريك (4)! تعنى (5)
بما يعنّيك (6)، وتهمل (7) ما يعنيك (8). وتنزع (9) في قوس تعدّيك (10)، وترتدي (11) الحرص الّذي يرديك (12). لا بالكفاف (13) تقتنع (14) ولا من الحرام (15) تمتنع (16). ولا للعظات تستمع (17)، ولا بالوعيد (18) ترتدع (19) دأبك (20)
أن تتقلّب مع الأهواء (21) وتخبط خبط العشواء (22) وهمّك (23) أن تدأب (24) في الاحتراث (25)، وتجمع التّراث (26) للورّاث. يعجبك التّكاثر بما لديك (27)، ولا تذكر ما بين يديك (28). وتسعى أبدا لغاريك (29)، ولا تبالي ألك أم عليك! أتظنّ أن ستترك سدى (30)، وأن لا تحاسب غدا؟ أم تحسب أنّ الموت يقبل الرّشى، أو يميّز بين الأسد والرّشا (31). كلّا (32)! والله لن يدفع المنون (33)، مال ولا بنون! ولا
__________
(1) اللهج الولوع وشدّة الحرص.
(2) يدخلك في الطغيان.
(3) من بهج به إذا سرّ به.
(4) يبالغ في مدحك.
(5) تهتم.
(6) بتشديد النون يتعبك ويشق عليك.
(7) تترك.
(8) يهمك ويلزمك.
(9) أي تجذب.
(10) ظلمك.
(11) أصل الارتداء لبس الرداء والمراد به التلبس بالحرص وهو الاجتهاد في جمع المال وعدم البذل.
(12) يهلكك.
(13) مقدار الكفاية من القوت.
(14) تقنع.
(15) هو ما حرّمه الله.
(16) أي تمنع نفسك.
(17) تقبل.
(18) التهديد.
(19) تنزجر وتكف.
(20) عادتك.
(21) جمع هوى.
(22) الناقة التي لا تبصر ليلا لأنها تسير على غير استقامة واهتداء وهو مثل يضرب لمن يدخل في الأمر على غير بصيرة.
(23) أي وجلّ عزمك.
(24) أي تتعب.
(25) الاكتساب.
(26) هو ما يورث عن الميت.
(27) أي الافتخار بما عندك.
(28) أي لا تذكر الموت المشاهد لك.
(29) الغاران هما البطن والفرج قال الشاعر:
ألم تر أن الدهر يوم وليلة ... وأن الفتى يسعى لغاريه دائبا
(30) أي هملا.
(31) الرّشى بالضم جمع رشوة وهي ما يؤخذ برطيلا وبالفتح هو ولد الظبي إذا تحرك ومشى.
(32) كلمة ردع وزجر.
(33) الموت يريد أن الموت لا يرد بمال ولا أولاد.(1/207)
ينفع أهل القبور (1)، سوى العمل المبرور (2). فطوبى (3) لمن سمع ووعى، وحقّق ما ادّعى، ونهى النّفس عن الهوى، وعلم أنّ الفائز من ارعوى (4)، وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى، وأنّ سعيه سوف يرى. ثمّ أنشد إنشاد وجل (5)، بصوت زجل (6):
لعمرك (7) ما تغني (8) المغاني (9) ولا الغنى
إذا سكن المثري (10) الثّرى (11) وثوى به (12)
فجد (13) في مراضي الله بالمال راضيا
بما تقتني (14) من أجره وثوابه
وبادر به صرف الزّمان (15) فإنّه
بمخلبه (16) الأشغى (17) يغول (18) ونابه (19)
ولا تأمن الدّهر الخؤون (20) ومكره
فكم خامل (21) أخنى عليه (22) ونابه (23)
__________
(1) هم الموتى.
(2) أي المقبول لأن المولى إذا قبله فكأنّه برّه.
(3) طوبى شجرة في الجنة يدعو بها لمن حفظ ما سمع من المواعظ وتيقن ما ادّعاه من الإيمان.
(4) كف ورجع عن جهالته.
(5) بكسر الجيم أي خائف.
(6) أي ذي زجل وهو المرتفع المطرب.
(7) بمعنى أقسم بحياتك.
(8) أي ما تنفع.
(9) جمع المغنى وهو المنزل.
(10) هو كثير المال.
(11) هو التراب وسكناه كناية عن الدفن بعد الموت.
(12) ثوى بمعنى أقام وكتب بالألف دون الياء في البيت ليشاكل قافية البيت الثاني التي هي مقابل العقاب.
(13) أمر من الجود.
(14) تدّخر.
(15) بفتح الصاد تقلباته ونوائبه.
(16) المخلب للطائر والسبع بمنزلة الظفر للإنسان.
(17) بالغين المعجمة أي الزائدة الشاغية وهي الزائدة على الأسنان وقيل المعوج.
(18) أي يهلك.
(19) معطوف على مخلبه والناب للسبع يقال خلبه بنابه ومخلبه مزقه وهذا من باب الاستعارة.
(20) كثير الخيانة.
(21) الخامل هو الذي لا شهره ولا ظهور له.
(22) أي أهلكه وأفسده.
(23) النابه صد الخامل وهو الشهير بعلو القدر.(1/208)
وعاص (1) هوى النّفس (2) الّذي ما أطاعه
أخو ضلّة (3) إلّا هوى (4) من عقابه (5)
وحافظ على تقوى الإله وخوفه
لتنجو ممّا يتّقى من عقابه
ولا تله (6) عن تذكار ذنبك وابكه (7)
بدمع يضاهي المزن (8) حال مصابه (9)
ومثل (10) لعينيك الحمام (11) ووقعه (12)
وروعة ملقاه (13) ومطعم صابه (14)
وإنّ قصارى (15) منزل الحيّ حفرة
سينزلها مستنزلا (16) عن قبابه (17)
فواها (18) لعبد ساءه سوء فعله (19)
وأبدى التّلافي قبل إغلاق بابه (20)
قال: فظلّ (21) القوم بين عبرة (22) يذرونها (23)، وتوبة يظهرونها (24)، حتّى
__________
(1) أمر من المعاصاة بمعنى العصيان أي اعص وخالف.
(2) أي ما تأمرك به وهي لا تأمر إلا بالسوء.
(3) أي صاحب ضلال.
(4) أي إلّا سقط.
(5) العقاب هنا جمع العقبة وهي الموضع المرتفع وفي البيت الثاني ضد الثواب.
(6) أي لا تغفل وتعرض.
(7) أي ابك على نفسك باقترافك الذنوب.
(8) هو السحاب الممطر وفي نسخة بدل المزن الوبل وهو المطر الغزير.
(9) المصاب بالفتح مصدر كالصوب وهو نزول المطر.
(10) أي صوّر وشخص.
(11) بالكسر هو الموت.
(12) أي هجومه.
(13) أي فزع لقائه.
(14) الصاب شجر مرّ أو هو الحنظل أي مرارة طعم الموت.
(15) قصارى الأمر غايته أي غاية سكنى المرء أي مآله إلى حفرة وهي القبر.
(16) بفتح الزاي حال من فاعل سينزلها أي منحطا.
(17) القباب جمع قبة بناء معلوم والمراد ما يشيده من البناء.
(18) واها كلمة تقال للتعجب بمعنى ما أحسن فعله.
(19) أي أحزنه قبح ما صنع.
(20) أي أظهر تدارك ما فاته من حسن الصنيع قبل انقضاء أجله.
(21) أي صاروا.
(22) دمعة.
(23) أي يسكبونها ويفرقونها.
(24) وفي نسخة يطرونها.(1/209)
كادت (1) الشّمس تزول (2)، والفريضة تعول (3). فلمّا خشعت (4) الأصوات، والتأم الإنصات (5)، واستكنّت (6) العبرات (7)، والعبارات (8)، وبرز الواعظ يتهادى (9) بين رفقته، ويتباهى بفوز صفقته (10). واعتقبته (11) أخطو متقاصرا (12)، وأريه لمحا باصرا (13)، فلمّا استشفّ (14) ما أخفيه، وفطن (15) لتقلّب طرفي (16) فيه، قال: خير دليليك من أرشد (17). ثمّ اقترب منّي، وأنشد:
أنا الّذي تعرفه يا حارث
حدث ملوك (18) فكه (19) منافث (20)
أطرب (21) ما لا تطرب المثالث (22)
طورا أخو جدّ (23) وطورا عابث (24)
ما غيّرتني بعدك الحوادث (25)
ولا التحى (26) عودي خطب كارث (27)
__________
(1) أي قربت.
(2) أي تميل عن وسط السماء.
(3) أي تزيد أجزاؤها على جملتها.
(4) أي هدأت وسكنت.
(5) أي اتفق الاستماع.
(6) أي خفيت.
(7) الدموع.
(8) الكلام.
(9) يتمايل في مشيته.
(10) أي يفتخر بظفره ببيعته.
(11) أي مشيت خلفه واتبعته.
(12) أي أمشي خطوا بطيئا.
(13) أي ذا بصر ونظيره لابن وتامر والمعنى أنظر إليه نظر تحديق فعل المجدّ.
(14) أبصر واستقصى.
(15) أي فهم.
(16) أي لتردد بصري ونظري إليه وفي نسخة لتقلب وجهي.
(17) أي إذا كان لك دليلان ودلك أحدهما على الطريق فهو خيرهما.
(18) أي صاحب حديثهم وسميرهم.
(19) طيب الحديث.
(20) أي صاحب كلام راثق وشعر فائق.
(21) أي أبسط النفوس.
(22) من أوتار آلات المغاني جمع المثلث وهو ما كان على ثلاثة.
(23) أي صاحب جد وهو ضد الهزل.
(24) أي لاعب وهازل.
(25) أي حوادث الدهر.
(26) الالتحاء أخذ اللحاء وهو القشر.
(27) الخطب الأمر العظيم والكارث الثقيل الشاق المحزن.(1/210)
ولا فرى (1) حدّي ناب فارث (2)
بل مخلبي (3) بكلّ صيد ضابث (4)
وكلّ سرح (5) فيه ذئبي عائث (6)
حتّى كأنّي للأنام (7) وارث
سامهم وحامهم ويافث (8)
قال الحارث بن همّام: فقلت له: تالله إنّك لأبو زيد، ولقد قمت لله ولا عمرو بن عبيد (9)! فهشّ (10) هشاشة الكريم إذا أمّ (11)، وقال: اسمع يا ابن أمّ (12). ثمّ أنشأ يقول:
عليك بالصّدق ولو أنّه
أحرقك الصّدق بنار الوعيد (13)
وابغ (14) رضى الله فأغبى الورى (15)
من أسخط (16) المولى وأرضى العبيد
__________
(1) أي قطع وشق.
(2) من فرث الكرش فانفرث أي انتثر.
(3) يعني به الظفر.
(4) أي ناشب قابض بشدة.
(5) السرح المال السارح من الحيوان جميعه.
(6) أي مفسد.
(7) أي الخلق.
(8) سام أبو العرب وحام أبو السودان ويافث أبو الترك. والثلاثة أولاد نوح عليه السلام. ذكر في كتاب الكوكب الدري أن مما روي عنه عليه السلام أنه قال ولد لسام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد ليافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة، ولا خير فيهم وولد لحام القبط والبربر والسودان.
(9) أي ولا مثل قيامه بل فوق ذلك وهو من رؤوس المعتزلة كان زاهدا ورعا دخل يوما على المنصور فقال له: عظني. فوعظه وعظا بليغا، فبكى بكاء خيف عليه منه. ثمّ همّ عمرو بالقيام فقال له المنصور: متى تأتينا؟ فقال: لا يجمعني وإياك بلد. فقال: إذا لا نلتقي أبدا. فقال عمرو:
وذلك الذي أريد. توفي سنة 244ولما بلغ المنصور خبر موته قال: لم يبق أحد على وجه الأرض يستفتى منه.
(10) أي فرح واستبشر.
(11) أي إذا قصد.
(12) أي يا أخي.
(13) التهديد بما يخوّف.
(14) أي اطلب.
(15) أي فأشدهم بلادة وحمقا.
(16) أي أغضب.(1/211)
ثمّ إنّه ودّع أخدانه (1)، وانطلق يسحب أردانه (2). فطلبناه من بعد بالرّيّ، واستنشرنا خبره (3) من مدارج الطّيّ (4)، فما فينا من عرف قراره (5)، ولا درى (6)
أيّ الجراد عاره (7).
__________
(1) أي أصدقاءه.
(2) أي يجر أطراف ثيابه.
(3) أي طلبنا نشر خبره.
(4) المدرجة الورقة تكتب فيها الرسالة ويدرج فيها الكتاب وأضافها إلى الطي لأنها تطوى على ما فيها وأراد أنه أرسل الرسائل في جميع البلاد فلم يعرف له موضع.
(5) أي مكانه.
(6) ولا علم.
(7) أي أيّ الناس أهلكه وذهب به وهو مثل يضرب لمن يجهل مقرّه.(1/212)
المقامة الثانية والعشرون الفراتيّة
حكى الحارث بن همّام قال: أويت (1) في بعض الفترات (2)، إلى سقي (3) الفرات (4)، فلقيت بها كتّابا (5) أبرع (6) من بني الفرات (7)، وأعذب أخلاقا من الماء الفرات (8). فأطفت بهم (9) لتهذّبهم (10)، لا لذهبهم.
وكاثرتهم (11) لأدبهم، لا لمآدبهم (12). فجالست منهم أضراب قعقاع بن شور (13)، ووصلت بهم إلى الكور (14)، بعد الحور (15)، حتّى إنّهم أشركوني في المرتع (16)
__________
(1) انضويت وانضممت.
(2) أوقات الفراغ والخلوّ عن الأشغال.
(3) بالكسر أرض تسقى بالدلاء.
(4) نهر الكوفة.
(5) جمع كاتب.
(6) أي أفصح.
(7) كانوا أصحاب فضل وكرم وهم أربعة إخوة أكبرهم أحمد أبو العباس وأبو الحسن علي وأبو عبد الله جعفر وأبو عيسى إبراهيم وأبوهم محمد بن موسى بن الحسين بن الفرات.
(8) أي العذب.
(9) أي لازمتهم.
(10) أي لحسن أخلاقهم.
(11) أي دخلت في عددهم.
(12) المآدب جمع مأدبة وهي الطعام يدعى إليه الإخوان.
(13) أي أمثاله وهو القعقاع بن شور أحد بني عمرو بن شيبان وكان ممن جرى مجرى كعب بن مامة في حسن الجوار يضرب به المثل حتى قيل فيه:
وكنت جليس قعقاع بن شور ... ولا يشقى بقعقاع جليس
ضحوك السن إن نطقوا بخير ... وعند الشّرّ مطراق عبوس
(14) الزيادة.
(15) النقصان.
(16) المرعى.(1/213)
والمربع (1)، وأحلّوني (2) محلّ الأنملة (3) من الإصبع، واتّخذوني ابن أنسهم عند الولاية والعزل (4)، وخازن سرّهم (5) في الجدّ والهزل. فاتّفق أن ندبوا (6) في بعض الأوقات، لاستقراء (7) مزارع الرّزداقات (8)، فاختاروا من الجواري (9)
المنشآت (10)، جارية حالكة الشّيات (11)، تحسبها جامدة (12)، وهي تمرّ مرّ السّحاب، وتنساب (13) في الحباب كالحباب (14). ثمّ دعوني إلى المرافقة، فلبّيت بلسان الموافقة (15). فلمّا تورّكنا (16) على المطيّة (17) الدّهماء (18)، وتبطّنّا الوليّة (19) الماشية على الماء، ألفينا (20) بها شيخا عليه سحق سربال (21)، وسبّ بال (22). فعافت (23) الجماعة محضره (24) وعنّفت (25) من أحضره، وهمّت بإبرازه (26)
من السّفينة، لولا ما ثاب إليها من السّكينة (27). فلمّا لمح (28) منّا استثقال ظلّه (29)،
__________
(1) المنزل.
(2) أي أنزلوني.
(3) هي طرف الإصبع من أعلاه.
(4) أي أنيسهم في الحالتين.
(5) أي إنهم يأتمنونه على أسرارهم.
(6) أي دعوا وطلبوا.
(7) أي لتتبع.
(8) الرزداق والرستاق بخراسان كالمخلاف باليمن والسّواد بالعراق وهو قرى الزراعة.
(9) المراد بها السفن لجريها مع الريح.
(10) أي الرافعات الشرع وتقلب الهمزة ياء لتزاوج ما بعدها.
(11) الحلوكة شدة السواد والشيات جمع شية بالكسر وهي اللون والعلامة.
(12) أي واقفة.
(13) تجري.
(14) بالفتح معظم الماء والموج وبالضم الحية.
(15) أي أجبت دعوتهم موافقا لهم.
(16) أي ركبنا وأصل التورك على الدابة أن تثني رجلك وتضع أليتك على السرج.
(17) المراد بها السفينة.
(18) أي السوداء لأنها مقيّرة.
(19) أي دخلنا بطنها من تبطن الوادي إذا دخل في بطنه والولية اسم البرذعة لما جعل السفينة كالمطية مجازا أردفها بذكر الولية إلغازا ويجوز أن يكون تأنيث الولي فيدخل حينئذ في باب الإيهام وحدّه أن يكون للفظ معنيان أحدهما قريب والآخر غريب.
(20) وجدنا.
(21) السربال الثوب والسحق الخلق.
(22) أي عمامة بالية.
(23) أي كرهت.
(24) أي مجلسه الذي حضر فيه.
(25) أي لامت ووبخت.
(26) بإخراجه.
(27) ثاب ورجع والضمير في إليها راجع إلى الجماعة والسكينة بمعنى السكون والوقار.
(28) أي رأى.
(29) أي شخصه.(1/214)
واستبراد طلّه (1)، تعرّض للمنافثة (2) فصمّت (3). وحمدل (4) بعد أن عطس فما شمّت (5). فأخرد (6) ينظر فيما آلت حاله إليه، وينتظر (7) نصرة المبغيّ عليه (8). وجلنا (9) نحن في شجون (10)، من جدّ ومجون (11)، إلى أن اعترض (12) ذكر الكتابتين (13) وفضلهما، وتبيان أفضلهما، فقال قائل: إنّ كتبة الإنشاء أنبل (14) الكتّاب، ومال مائل إلى تفضيل الحسّاب، واحتدّ الحجاج (15)، وامتدّ اللّجاج (16)، حتّى إذا لم يبق للجدال مطرح (17) ولا للمراء (18) مسرح (19)، قال الشّيخ: لقد أكثرتم يا قوم اللّغط (20) وأثرتم الصّواب والغلط (21) وإنّ جليّة الحكم (22) عندي، فارتضوا بنقدي (23) ولا تستفتوا أحدا بعدي. اعلموا أنّ صناعة الإنشاء أرفع (24) وصناعة الحساب أنفع. وقلم المكاتبة خاطب (25) وقلم المحاسبة حاطب (26). وأساطير البلاغة (27) تنسخ (28) لتدرس (29)، ودساتير (30)
__________
(1) الطل أضعف المطر والمراد به ما يصدر عنه.
(2) أي للتحدث.
(3) أي أسكت.
(4) أي قال الحمد لله.
(5) أي لم يقل له يرحمك الله.
(6) أي فسكت من ذل لا حياء ويروى فأقرد أي سكت عيّا لكن الأنسب الأوّل.
(7) يشير بذلك إلى قوله تعالى {ذََلِكَ وَمَنْ عََاقَبَ} الآية وإلى ما جاء في الحديث يقول الله تعالى للمظلوم لأنصرنك ولو بعد حين.
(8) هو المظلوم.
(9) أي أخذنا نتفاوض.
(10) أي في حديث ذي شجون أي شعب كشجون الأودية وهي طرقها واحدها شجن.
(11) أي خلاعة ورجل ماجن أي لا يبالي بما صنع.
(12) أي عرض.
(13) يعني كتابة الإنشاء وكتابة الحساب.
(14) أي أحذق وأشرف.
(15) أي اشتدت المحاجة.
(16) أي طال التردد والخصام.
(17) أي موضع.
(18) هو بمعنى الجدال.
(19) أي محل سروح ومخرج.
(20) كثرة الكلام.
(21) أي هيجتموهما حتى اختلطا، من أثارت الريح التراب إذا هيجته.
(22) أي بيانه.
(23) النقد تمييز الجيد من المغشوش.
(24) أي أعلى رتبة.
(25) من الخطبة بالكسر أي خاطب للمودة.
(26) من حطب إذا جمع الحطب كأنه يجمع بين الجيد والرديء.
(27) الأساطير جمع أسطار جمع سطر وهو الخط والكتابة أي كتب الفصاحة.
(28) أي تكتب.
(29) أي لتقرأ في الدرس.
(30) جمع دستور بالضم وهو النسخة التي يقع منها التحرير.(1/215)
الحسبانات تنسخ (1) وتدرس (2). والمنشىء (3) جهينة الأخبار (4)، وحقيبة (5)
الأسرار، ونجيّ العظماء (6)، وكبير النّدماء (7)، وقلمه لسان الدّولة (8)، وفارس الجولة (9)، ولقمان (10) الحكمة، وترجمان (11) الهمّة. وهو البشير والنّذير، والشّفيع والسّفير (12)، به تستخلص الصّياصي (13)، وتملك النّواصي (14)، ويقتاد (15)
العاصي، ويستدنى (16) القاصي (17). وصاحبه بريء من التّبعات (18)، آمن كيد السّعاة (19)، مقرّظ (20) بين الجماعات، غير معرّض لنظم الجماعات (21). فلمّا
__________
(1) أي تمحى وتترك.
(2) أي تنعدم وتمحى من درست الريح رسم الدار إذا عفته وأزالته.
(3) هو في ديوان الرسائل الذي ينشىء الكتب.
(4) وفي نسخة جفينة وهو المشار إليه في قولهم وعند جفينة الخبر اليقين. قال السيرافي هو اسم خمار اجتمع عنده رجلان فشربا وسكرا ثم تواثبا فقام آخر يصلح بينهما فقتله أحدهما فأخذ أهله الرجلين فقال الحاكم عليكم بجفينة فإن عنده الخبر اليقين فلا يقال جهينة.
هذا قول الأصمعي وقال هشام بن الكلبي هو جهينة. قال أبو عبيدة وكان ابن الكلبي في هذا النوع أكثر من الأصمعي.
(5) الحقيبة وعاء يحفظ فيه الزاد.
(6) أي محادثتهم.
(7) جمع نديم وهو المجالس على الشراب.
(8) أي لكونه يكتب عن لسانهم.
(9) شبه به قلم المنشىء لأن كلّا منهما يكون سببا في الهزيمة.
(10) قيل هو عبد صالح أوتي الحكمة وقيل نبي.
(11) هو كزعفران الذي يعبر عن كلام غيره بلغة غير لغة الكلام وهذه إحدى ثلاث لغات فيه والثانية وهي أجودها فتح التاء وضم الجيم والثالثة ضمهما معا والجمع تراجم كما في المصباح.
(12) هو المتوسط في الصلح بين القوم.
(13) جمع صيصية وهي الحصن والقلعة وصياصي البقر قرونها.
(14) جمع ناصية وهي مقدم الرأس.
(15) أي يقاد ويساق.
(16) أي يقرّب.
(17) البعيد.
(18) جمع تبعة بالكسر وهي ما يتبع الشخص من الحقوق.
(19) أصحاب النميمة.
(20) أي ممدوح.
(21) الجماعات بالفتح الناس المجتمعة وبالكسر دفاتر الرسوم والمعاملات.(1/216)
انتهى في الفصل (1)، إلى هذا الفصل (2)، لحظ (3) من لمحات (4) القوم أنّه ازدرع (5) حبّا وبغضا، وأرضى بعضا وأحفظ (6) بعضا. فعقّب (7) كلامه بأن قال:
إلّا أنّ صناعة الحساب موضوعة على التّحقيق، وصناعة الإنشاء مبنيّة على التّلفيق (8)، وقلم الحاسب ضابط (9)، وقلم المنشىء خابط (10)، وبين إتاوة توظيف المعاملات (11)، وتلاوة (12) طوامير السّجلّات (13)، بون (14) لا يدركه قياس، ولا يعتوره (15) التباس (16). إذ الإتاوة تملأ الأكياس، والتّلاوة تفرّغ الرّاس.
وخراج الأوارج (17) يغني النّاظر (18) واستخراج المدارج (19) يعنّي النّاظر (20). ثمّ إنّ الحسبة (21) حفظة الأموال، وحملة الأثقال. والنّقلة (22) الأثبات (23)، والسّفرة (24)
الثّقات (25)، وأعلام (26) الإنصاف (27) والانتصاف (28)، والشّهود المقانع (29) في الاختلاف (30). ومنهم المستوفي الّذي هو يد السّلطان، وقطب الدّيوان (31)،
__________
(1) أي فصل الحكم بين الحق والباطل ويروى في الفضل بالمعجمة.
(2) أي هذا الحد.
(3) أي فهم.
(4) جمع لمحة بمعنى نظرة.
(5) بمعنى زرع.
(6) أي أغضب.
(7) أي فأتبع.
(8) هو في الأصل الملاءمة بين الشيئين ويراد به هنا الزخرفة والتمويه.
(9) أي حافظ.
(10) أي يخطىء ويصيب.
(11) الإتاوة بالكسر الخراج والتوظيف وما يقدّر كل يوم من طعام أو رزق.
(12) قراءة.
(13) أي كتب السجلات.
(14) أي فرق بعيد.
(15) الاعتوار التداول.
(16) أي اختلاط واشتباه.
(17) قيل هي القرى والمزارع وقيل دفاتر الحسابات القديمة.
(18) أي يصير الناظر عليها غنيا.
(19) أي الكتب.
(20) أي يتعب من ينظر فيها أو سواد العين.
(21) بالتحريك جمع حاسب.
(22) جمع ناقل.
(23) جمع ثبت والثبت في الأصل الحجة أي الثقاة العدول.
(24) أي الكتية جمع سافر.
(25) جمع ثقة وهو العدل.
(26) جمع علم بالتحريك وهو في الأصل الجبل والمراد الرجل المشهور.
(27) من النصف وهو العدل بأن يؤدي الحق من نفسه.
(28) هو أن ينتصف لغيره وينتصر له.
(29) أي المرضيون الذين يقنع بشهادتهم.
(30) أي فيما يختلف فيه وفي نسخة في الأخلاف وفي بعض النسخ هنا زيادة وهي عند اشتجار الرجال واشتغار الجدال أي في وقت المشاجرة والإبعاد والتعمق في المجادلة.
(31) هو الذي عليه مدار الديوان.(1/217)
وقسطاس (1) الأعمال، والمهيمن (2) على العمّال (3). وإليه المآب (4) في السّلم (5) والهرج (6)، وعليه المدار (7) في الدّخل والخرج. وبه مناط (8)
الضّرّ والنّفع، وفي يده رباط (9) الإعطاء والمنع. ولولا قلم الحسّاب، لأودت (10)
ثمرة الاكتساب (11)، ولاتّصل التّغابن (12) إلى يوم الحساب. ولكان نظام (13)
المعاملات محلولا، وجرح الظّلامات (14) مطلولا (15)، وجيد التّناصف (16) مغلولا (17)، وسيف التّظالم مسلولا. على أنّ يراع (18) الإنشاء متقوّل (19)، ويراع الحساب متأوّل (20)، والمحاسب مناقش (21)، والمنشىء أبو براقش (22). ولكليهما حمة (23)
حين يرقى (24)، إلى أن يلقى (25) ويرقى (26)، وإعنات (27) فيما ينشا (28) حتّى
__________
(1) أي ميزان.
(2) الأمين والشاهد والرقيب.
(3) هم الولاة.
(4) أي المرجع وفي نسخة المآل.
(5) بكسر السين وفتحها وسكون اللام الصلح.
(6) بفتح الهاء وسكون الراء الفتنة وكثرة القتل والاختلاط.
(7) أي الاعتماد وأصل المدار القطب الحديد الذي تدور عليه الرحى وفلان قطب قومه أي سيدهم. والقطب أيضا كوكب بين الجدي والفرقدين.
(8) أي مربط ومتعلق.
(9) هو ما يربط به الشيء.
(10) أي لاضمحلت وضاعت.
(11) هي عبارة عن حصر المال.
(12) الغبن.
(13) أصله السلك الذي ينظم فيه اللؤلؤ.
(14) جمع ظلامة بالضم وهي المظلمة المطلوبة عند الظالم أخذ حق الغير قهرا عنه.
(15) أي لا يؤخذ له ثأر يقال طلّ دمه أهدره فهو مطلول وأطلّ مثله.
(16) أي عنقه والتناصف بمعنى الإنصاف وتقدم معناه.
(17) أي مربوطا في الغل وهو طوق من حديد أو قدّ يجعل في العنق.
(18) أي قلم.
(19) أي مفتر كاذب.
(20) أي مفسر لما يؤول إليه الشيء.
(21) أي مستقص في الحساب.
(22) هو طائر يتلون ألوانا فشبّه به كل متلون ومزخرف.
(23) أصل الحمة سم العقرب فاستعير لما ينشأ عن القلمين من الأذى.
(24) أي حين يعلو في الدرجة من رقي إذا صعد.
(25) أي إلى أن يرمى ويطرح من درجته.
(26) من الرقية.
(27) أي تعب ومشقة وتكلف.
(28) أي يكتب.(1/218)
يغشى (1) ويرشى (2)، إلّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وقليل ما هم. قال الحارث بن همّام: فلمّا أمتع (3) الأسماع، بما راق وراع (4)، استنسبناه (5)
فاستراب (6)، وأبى (7) الانتساب. ولو وجد منسابا (8) لانساب (9). فحصلت (10) من لبسه (11) على غمّة (12)، حتّى ادّكرت (13) بعد أمّة (14). فقلت: والّذي سخّر (15)
الفلك (16) الدّوّار، والفلك (17) السّيّار، إنّي لأجد ريح أبي زيد، وإن كنت أعهده ذا رواء وأيد (18)! فتبسّم ضاحكا من قولي، وقال: أنا هو على استحالة حالي وحولي (19). فقلت لأصحابي: هذا الّذي لا يفرى فريّه (20)، ولا يبارى (21)
عبقريّه (22). فخطبوا (23) منه الودّ، وبذلوا (24) له الوجد (25)، فرغب عن الألفة،
__________
(1) أي يقصد.
(2) أي يعطى رشوة.
(3) من المتاع وهو النفع ومتع النهار ارتفع والماتع الطويل.
(4) كلاهما بمعنى الإعجاب.
(5) أي سألناه عن نسبه.
(6) أي وقع في الريبة يعني خاف حتى شك في الأمن أو في السلامة.
(7) أي امتنع وكره.
(8) مذهبا ومدخلا.
(9) أي لذهب إليه ودخل فيه.
(10) أي بقيت.
(11) اللبس بالفتح الخلط والتبست عليه الأمور وفي أمره لبس ولبسة بالضم إذا لم يكن واضحا.
(12) أي هم وضيق صدر.
(13) أي تذكرت.
(14) أي بعد حين من الزمان.
(15) أي ذلل.
(16) بالتحريك مجرى الكواكب.
(17) بضم فسكون السفينة والواحد والجمع سواء والضمة في الجمع غير الضمة في الواحد.
(18) أي صاحب منظر حسن وقوّة.
(19) الحول والحيل القوة.
(20) أي لا يعمل مثل عمله وحقيقته لا يقطع ما اقتطعه والفريّ العجيب البديع.
(21) أي لا يعارض ولا يجارى.
(22) عبقر موضع بالبادية تسكنه الجن فنسب إليه كل ما يستحسن ويستغرب كأن الجن صنعته لغرابته وعبقري القوم سيدهم وهو مبني على قوله عليه الصلاة والسلام في عمر رضي الله عنه: فلم أر عبقريا يفري فريه.
(23) أي فطلبوا.
(24) أي صرفوا.
(25) بالضم المال الموجود.(1/219)
ولم يرغب في التّحفة (1). وقال: أمّا بعد أن سحقتم حقّي، لأجل سحقي (2)، وكسفتم بالي (3) لإخلاق سربالي (4)، فما أراكم إلّا بالعين السّخينة (5)، ولا لكم منّي إلّا صحبة السّفينة (6). ثمّ أنشد:
اسمع أخيّ وصيّة من ناصح ... ما شاب محض النّصح منه بغشّه (7)
لا تعجلن بقضيّة مبتوتة (8) ... في مدح من لم تبله (9) أو خدشه (10)
وقف القضيّة فيه حتّى تجتلي (11) ... وصفيه في حالي رضاه وبطشه (12)
ويبين خلّب برقه من صدقه (13) ... للشّائمين (14) ووبله (15) من طشّه (16)
فهناك إن تر ما يشين (17) فواره ... كرما (18) وإن تر ما يزين (19) فأفشه (20)
ومن استحقّ الارتقاء (21) فرقّه (22) ... ومن استحطّ (23) فحطّه في حشّه (24)
__________
(1) رغب عنه أعرض ورغب فيه مال إليه أي أعرض عما طلبوه منه وهو الود المعبر عنه بالألفة ولم يمل إلى ما بذلوه من الوجد المعبر عنه بالتحفة.
(2) أي بعد أن هتكتم عرضي لأجل خلق ثوبي.
(3) أي جعلتم بالي كاسفا مستعار من كسفت الشمس كسوفا وكسفها الله كسفا.
(4) أي ثوبي.
(5) أي الحزينة الباكية قالت امرأة من العرب ترثي زوجها:
فآليت لا تنفك عيني سخينة ... عليك ولا ينفكّ جلدي أغبرا
وعن الفارابي سخنة العين خلاف قرّتها.
(6) يريد مدة لا بقاء لها وصحبة السفينة مثل فيما لا بقاء له ولا دوام وهو مولد.
(7) أي ما خلط خالص النصح بغشه.
(8) أي بحكم مقطوع به.
(9) أي لم تخبره.
(10) أي ذمه.
(11) أي تكشف وتختبر.
(12) أي غضبه.
(13) أي يظهر لك برقه الذي لا غيث فيه مما فيه غيث أي تعلم حقيقته، هل يمدح أو يذمّ.
(14) أي الناظرين الراقبين.
(15) أي مطره الغزير.
(16) أي من مطره الخفيف وهو في معنى ما قبله.
(17) أي ما يعيب.
(18) أي فاستره وداره بكرمك وفضلك.
(19) أي ما يحسن.
(20) أي فأظهره.
(21) أي الارتفاع.
(22) أي فارفعه وأعل قدره.
(23) أي ومن تلبس بما يوجب الانحطاط من النقائص.
(24) الحش الكثيف لأنهم كانوا يقضون حاجتهم في الحشوش وهي البساتين وأصله النخل المجتمع.(1/220)
واعلم بأنّ التّبر (1) في عرق الثّرى (2) ... خاف (3) إلى أن يستثار (4) بنبشه (5)
وفضيلة الدّينار يظهر سرّها ... من حكّه لا من ملاحة نقشه
ومن الغباوة (6) أن تعظّم جاهلا ... لصقال ملبسه ورونق رقشه (7)
أو أن تهين مهذّبا (8) في نفسه ... لدروس بزّته (9) ورثّة فرشه (10)
ولكم أخي طمرين (11) هيب (12) لفضله ... ومفوّف البردين (13) عيب لفحشه (14)
وإذا الفتى لم يغش عارا (15) لم تكن ... أسماله (16) إلّا مراقي عرشه (17)
ما إن يضرّ العضب (18) كون قرابه ... خلقا (19) ولا البازي (20) حقارة عشّه (21)
ثمّ ما عتّم (22) أن استوقف الملّاح (23)، وصعد (24) من السّفينة وساح (25)، فندم كلّ منّا على ما فرّط في ذاته (26)، وأغضى (27) جفنه على قذاته (28)، وتعاهدنا على أن لا نحتقر شخصا لرثاثة برده، وأن لا نزدري (29) سيفا مخبوءا (30) في غمده (31).
__________
(1) هو الذهب قبل أن يسبك.
(2) أي في أصل التراب.
(3) أي مخفي.
(4) أي يستخرج.
(5) أي بإظهاره.
(6) هي الجهل وعدم الفطنة.
(7) أي حسن زينته.
(8) أي نقيا مما يشينه.
(9) البزّة الثياب والهيئة ودروسها مهنتها.
(10) الفرش بضم الفاء جمع فراش.
(11) أي صاحب ثوبين باليين.
(12) أي خيف وعظم.
(13) البردين تثنية البرد وهو الثوب والمفوّف الذي فيه خطوط بيض.
(14) أي لنقصه وقبح كلامه.
(15) أي لم يأت عيبا.
(16) أي ثيابه البالية.
(17) أي سلالم منزلته يعني أن المرء إذا كان كاملا فاضلا لا تنقصه رثاثة ثيابه بل تكون رافعة له.
(18) السيف.
(19) أي باليا.
(20) الصقر.
(21) أي خسته.
(22) أي ما لبث وما تأخر.
(23) أي طلب وقوف رب المركب.
(24) أي طلع.
(25) أي ذهب في الأرض.
(26) أي في نفسه.
(27) أي أغمض.
(28) أي ما في جفنه من وسخ الغبار.
(29) أي نحتقر.
(30) أي مستورا.
(31) أي في قرابه.(1/221)
المقامة الثالثة والعشرون الشّعريّة
حكى الحارث بن همّام، قال: نبا (1) بي مألف الوطن (2)، في شرخ الزّمن (3)، لخطب (4) خشي (5)، وخوف غشي (6). فأرقت كأس الكرى (7)
ونصصت ركاب السّرى (8). وجبت (9) في سيري وعورا (10) لم تدمّثها (11) الخطى (12)، ولا اهتدت (13) إليها القطا (14). حتّى وردت حمى الخلافة (15)، والحرم (16)
__________
(1) بعد وارتفع يقال نبا به المنزل لم يوافقه.
(2) حب المنزل.
(3) أوّله.
(4) لأمر عظيم.
(5) خيف منه.
(6) حدث ونزل.
(7) الكرى النوم فجعل للكرى كأسا مجازا وأراد بإراقتها إزالة النوم عن عينيه.
(8) أي حملتها على النص وهو أرفع السير وأقصاه ونص كل شيء منتهاه والركاب الإبل والسرى السير ليلا.
(9) قطعت.
(10) طرقا صعبة خشنة.
(11) لم تسهلها وتلينها.
(12) بالضم جمع خطوة.
(13) وصلت.
(14) طائر يقول في تصويته قطا قطا وبه يضرب المثل في الاهتداء فيقال أهدى من القطا قال:
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ... وإن سلكت سبل المكارم ضلّت
وهدايتها أنها تترك أفراخها بالصحراء وتذهب لطلب الماء مسيرة عشرين ليلة ثم تعود حاملة الماء لفراخها فلا تخطىء موضعها.
(15) بغداد.
(16) موضع الأمن.(1/222)
العاصم (1) من المخافة (2)، فسروت (3) إيجاس (4) الرّوع (5) واستشعاره، وتسربلت (6) لباس الأمن وشعاره (7). وقصرت همّي (8) على لذّة أجتنيها (9)، وملحة (10) أجتليها (11). فبرزت يوما إلى الحريم (12) لأروض طرفي (13)، وأجيل (14) فى طرقه (15) طرفي، فإذا فرسان متتالون (16)، ورجال منثالون (17)، وشيخ طويل اللّسان (18)، قصير الطّيلسان (19)، قد لبّب (20) فتى جديد الشّباب (21)، خلق الجلباب (22). فركضت (23) في إثر النّظّارة (24)، حتّى وافينا باب الإمارة، وهناك صاحب المعونة (25) متربّعا في دسته (26)، ومروّعا (27) بسمته (28) فقال له الشّيخ: أعزّ الله الوالي، وجعل كعبه (29) العالي، إنّي كفلت هذا الغلام
__________
(1) الحافظ المانع.
(2) الخوف.
(3) أي كشفت وأزلت.
(4) توهم وإحساس.
(5) الخوف.
(6) لبست.
(7) أصله ثوب يلي الجسد والمراد به علامته.
(8) أي اهتمامي. وفي نسخة وقصرت نفسي.
(9) أتناولها.
(10) أي كلمة حسنة.
(11) أتأملها بفراستي.
(12) هو موضع متسع حول قصر الملك وحريم كل شيء ما حوله.
(13) الطرف بكسر الطاء الفرس يقال رضت المهر أروضه رياضة ذللته بالركوب والمروض المذلل والريض الصعب الذي لم يذلل بعد وبفتح الطاء العين الباصرة والمعنى وأعلم وأدرب فرسي الكريم.
(14) أردّد.
(15) جمع طريق وفي نسخة طرفه بالفاء جمع طرفة وهي ما يستحسن من أماكنه.
(16) أي متتابعون.
(17) منصبّون لكثرة جريهم.
(18) أراد به كثير الكلام.
(19) الطيلسان ثوب يجعل على العمامة ويلف على العنق.
(20) أخذ بتلابيبه وهو أن يجذ به بثوبه مما يحاذي لبته واللبة أعلى الصدر.
(21) حديث السن.
(22) الرداء وهو ثوب يرتدى به قال:
لا ينفع الجارية الخضاب ... ولا الوشاحان ولا الجلباب
من غير أن يلتقي الأركاب
جمع الركب وهو العانة.
(23) جريت وأسرعت.
(24) عقب الناظرين لما يفعل به.
(25) هو الذي يوليه السلطان لحفظ المدينة.
(26) مرتبته.
(27) مخوفا.
(28) هيئته ووقاره.
(29) الكعب الشرف يقال أعلى الله كعبه أي رفع قدره وأصله من كعب الساق وكعب الرمح ويطلق الكعب على أسفل الشيء.(1/223)
فطيما (1)، وربّيته يتيما، ثمّ لم آله تعليما (2)، فلمّا مهر (3) وبهر (4)، جرّد سيف العدوان وشهر (5)، ولم إخله (6) يلتوي (7) عليّ ويتّقح (8)، حين يرتوي (9) منّي ويلتقح (10). فقال له الفتى: علام عثرت منّي (11)، حتّى تنشر (12) هذا الخزي (13) عنّي؟ فو الله ما سترت وجه برّك (14)، ولا هتكت حجاب سترك (15)، ولا شققت عصا أمرك (16)، ولا ألغيت (17) تلاوة شكرك (18)!. فقال له الشّيخ: ويلك (19)
وأيّ ريب (20) أخزى (21) من ريبك؟ وهل عيب أفحش من عيبك، وقد ادّعيت سحري (22) واستلحقته (23)، وانتحلت شعري (24) واسترقته (25). واستراق الشّعر عند الشّعراء أفظع (26) من سرقة البيضاء والصّفراء (27)، وغيرتهم على بنات
__________
(1) ضممته وقمت بمصالحه من حين فصاله عن الرضاع.
(2) أي لم أقصر في تعليمه وإنّما عدّاه إلى مفعولين لأنه ضمنه معنى لا أمنع تعليمه.
(3) صار ماهرا حاذقا.
(4) أي فاق أمثاله وغلب أقرانه ومنه قمر باهر أي مضيء ظاهر.
(5) أي سل سيف الظلم وهو كناية عن أنه ظلمه ظلما بينا.
(6) أي لم أحسبه.
(7) أي يستعصي.
(8) أي يفعل الوقاحة وهي عدم الحياء وصفاقة الوجه.
(9) أي يشرب يريد يتعلم.
(10) أي يشرب لبن لقحته واللقحة في الأصل الناقة الحلوب استعارها هنا لتلقي العلم منه.
(11) أي على أي شيء وقع مني اطلعت عليه.
(12) أي تذيع وتبث وفي نسخة نشرت أي أظهرت.
(13) الهوان والفضيحة.
(14) البر الإحسان والفضل وستر وجهه كناية عن إنكاره وجحده.
(15) أي ما أذعت عنك مكروها تنتهك به حرمتك وفي نسخة حجاب سرك.
(16) شق العصا كناية عن الشقاق والمخالفة.
(17) تركت.
(18) ذكر الثناء عليك.
(19) كلمة ذم وهي دعاء عليه بالويل وفي نسخة ويحك وهي كلمة ترحم لمن وقع في ورطة.
(20) تهمة.
(21) أكثر خزيا وأشدّ فضيحة.
(22) أراد به كلامه البليغ الشبيه بالسحر.
(23) أي ادعيته لنفسك.
(24) انتحل شعر غيره ونحله نسبه إلى نفسه وادّعاه والنحلة الدعوى.
(25) أي سرقته.
(26) أي أقبح وأشنع.
(27) الفضة والذهب.(1/224)
الأفكار (1)، كغيرتهم على البنات الأبكار. فقال الوالي للشّيخ: وهل حين سرق سلخ أم مسخ، أم نسخ (2)؟ فقال: والّذي جعل الشّعر ديوان العرب (3)، وترجمان الأدب، ما أحدث (4) سوى أن بتر (5) شمل شرحه (6)، وأغار (7) على ثلثي سرحه (8)! فقال له: أنشد أبياتك برمّتها (9)، ليتّضح ما احتازه (10) من جملتها. فأنشد:
يا خاطب (11) الدّنيا الدّنيّة إنّها ... شرك الرّدى (12) وقرارة الأكدار (13)
دار متى ما أضحكت في يومها ... أبكت غدا بعدا لها من دار
وإذا أظلّ سحابها لم ينتقع (14) ... منه صدى (15) لجهامه (16) الغرّار (17)
غاراتها (18) ما تنقضي وأسيرها (19) ... لا يفتدى (20) بجلائل الأخطار (21)
كم مزدهى (22) بغرورها حتّى بدا ... متمرّدا (23) متجاوز المقدار
__________
(1) هي القصائد والأشعار والأفكار هي العقول.
(2) السلخ تغيير اللفظ دون المعنى والمسخ تغييرهما معا والنسخ نقله بعينه من غير تغيير كما يفعله النساخ.
(3) لأنه مستودع علومهم وآدابهم وعن ابن عباس إذا سألتموني عن شيء من غريب القرآن فاطلبوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب.
(4) أي ما زاد.
(5) أي غير كونه قطع.
(6) أي اجتماع فرائده.
(7) انتهب.
(8) السرح المال السائم يريد به أجزاءه.
(9) أي بجملتها.
(10) بمعنى حازه أي ضمه إلى نفسه.
(11) أي يا طالب.
(12) أي الموقعة في الهلاك.
(13) القرارة الغدير أو النقرة يجتمع فيها الماء والأكدار جمع كدر وهو ما يغير الماء الصافي وأراد بها الهموم.
(14) أي لم يرتو نقع غلته سكنها فانتقعت.
(15) عطش.
(16) الجهام السحاب الذي هراق ماءه.
(17) الذي يغر من يراه بما ليس فيه.
(18) مصائبها.
(19) أي مملوكها وهو المتشبث بها الطامع فيها.
(20) أي لا ينفك من حبالها.
(21) بعظائمها والأخطار جمع خطر وهو ما له قدر وشرف والخطر أيضا الإشراف على الهلاك.
(22) معجب. زهاه وازدهاه استفزّه ورفعه وزهت الريح النبات هزّته.
(23) متجاوز الحد في الفساد.(1/225)
قلبت له ظهر المجنّ (1) وأولغت ... فيه المدى (2) ونزت (3) لأخذ الثّار
فاربأ بعمرك أن يمرّ مضيّعا (4) ... فيها سدى (5) من غير ما استظهار (6)
واقطع علائق (7) حبّها وطلابها (8) ... تلق الهدى ورفاهة (9) الأسرار (10)
وارقب (11) إذا ما سالمت (12) من كيدها (13) ... حرب العدى وتوثّب الغدّار (14)
واعلم بأنّ خطوبها تفجا (15) ولو ... طال المدى (16) وونت (17) سرى الأقدار
فقال له الوالي: ثمّ ماذا صنع هذا؟ فقال: أقدم (18) للؤمه في الجزاء (19)، على أبياتي السّداسيّة الأجزاء (20)، فحذف منها جزأين، ونقص من أوزانها وزنين، حتّى صار الرّزء (21) فيها رزأين. فقال له: بيّن ما أخذ، ومن أين فلذ (22)؟ فقال: أرعني سمعك (23)، وأخل (24) للتّفهّم عنّي ذرعك (25)، حتّى تتبيّن كيف أصلت (26)
عليّ، وتقدر قدر (27) اجترامه (28) إليّ. ثمّ أنشد، وأنفاسه تتصعّد (29):
__________
(1) تغيرت عليه وساءته وهو مثل يضرب لمن كان لصاحبه على مودة ورعاية ثم حال عن العهد ويضرب للمحاربة بعد المسألة أيضا.
(2) أي سقت فيه السكاكين أي إن حال الدنيا بعد مسالمتها للمغتر بها تنقلب عليه فيهلك.
(3) أي وثبت عليه كالمطالب بالدم.
(4) أني لأربأ بك عن هذا الأمر أي أرفعك عنه ولا أرضاه لك وتقدير البيت فاربأ بعمرك عن أن يمرّ مضيعا فحذف الجار أي احفظ عمرك من ضياعه.
(5) مهملا.
(6) ما زائدة والاستظهار الاستعداد وقد استظهرت بالشيء وظهرت به وأظهرته إذا جعلته خلف ظهرك حماية ووقاية والظهر المعاون.
(7) أي أسباب.
(8) بمعنى طلبها.
(9) هي هنا السعة والكثرة.
(10) أي البواطن والقلوب.
(11) انتظر.
(12) أي صالحت.
(13) أي من مكرها.
(14) أي تهيؤه للوثوب والغدّار الخؤون الكثير الغدر والخيانة.
(15) أي تأتي بغتة.
(16) بالفتح الزمان.
(17) أي ضعفت وفترت وإنما أنث الضمير لأن السّرى مؤنث سماعا.
(18) أي تقدم وتجارى.
(19) أي لخسته في المكافأة.
(20) أي لأنه من بحر الكامل وأجزاؤه متفاعلن ست مرّات.
(21) بالضم المصيبة.
(22) أي قطع.
(23) أي انصت لي واصغ إليّ.
(24) أي فرّغ.
(25) صدرك وقلبك.
(26) أصلت سيفه جرّده وسله كناية عن تعديه عليه.
(27) أي تنظر قدره.
(28) الجرم الذنب جرم وأجرم واجترم أذنب، وإنما عداه بإلى لأنه ضمنه معنى قصد منهض.
(29) تعلو إلى فوق من الغيظ.(1/226)
يا خاطب الدّنيا الدّني ... ية إنّها شرك الرّدى
دار متى ما أضحكت ... في يومها أبكت غدا
وإذا أظلّ سحابها ... لم ينتقع منه صدى
غاراتها ما تنقضي ... وأسيرها لا يفتدى
كم مزدهى بغرورها ... حتّى بدا متمرّدا
قلبت له ظهر المجن ... ن وأولغت فيه المدى
فاربأ بعمرك أن يمرّ ... مضيّعا فيها سدى
واقطع علائق حبّها ... وطلابها تلق الهدى
وارقب إذا ما سالمت ... من كيدها حرب العدى
واعلم بأنّ خطوبها ... تفجا ولو طال المدى
فالتفت الوالي إلى الغلام، وقال: تبّا (1) لك من خرّيج (2) مارق (3)، وتلميذ (4) سارق. فقال الفتى: برئت (5) من الأدب (6) وبنيه (7)، ولحقت بمن يناويه (8)، ويقوّض (9) مبانيه. إن كانت أبياته نمت (10) إلى علمي، قبل أن ألّفت نظمي، وإنّما اتّفق توارد الخواطر (11)، كما قد يقع الحافر على الحافر (12). قال:
فكأنّ الوالي جوّز صدق زعمه (13)، فندم على بادرة (14) ذمّه، فظلّ (15) يفكّر في ما يكشف له عن الحقائق، ويميّز به الفائق (16)، من المائق (17). فلم ير إلّا
__________
(1) أي خسرا وهلاكا.
(2) الخرّيج الذي خرّجته في صناعتك يقال خرج فلان في العلم والصناعة خروجا إذا نبغ فهو خرّيج وخرّجه غيره فتخرّج فهو خرّيج.
(3) أي خارج عن الطاعة.
(4) متعلم.
(5) أي تنحيت وانفصلت.
(6) الشعر.
(7) أهله.
(8) المناواة والنواء المعاداة وأصله الهمز لأنه من ناء ينوء إذا نهض تقول نؤت إليه إذا نهضت إليه بالعداوة.
(9) أي يهدم.
(10) أي ارتفعت وبلغت.
(11) التوارد بين الشاعرين أن يقول كل واحد منهما ما قال صاحبه من غير أن يكون اطلع عليه مأخوذ من ورود الحيين الماء من غير مواعدة.
(12) مثل يضرب لتوافق الأشياء.
(13) أي قوله.
(14) أي سابقة.
(15) أي فمكث.
(16) هو الفاضل.
(17) الأحمق الضعيف التدبير.(1/227)
أخذهما (1) بالمناضلة (2)، ولزّهما (3) في قرن المساجلة (4). فقال لهما: إن أردتما افتضاح العاطل (5) واتّضاح الحقّ من الباطل، فتراسلا (6) في النّظم وتباريا (7)، وتجاولا (8)
في حلبة الإجازة (9) وتجاريا (10)، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى من حيّ عن بيّنة (11)
فقالا بلسان واحد، وجواب متوارد (12): قد رضينا بسبرك (13)، فمرنا بأمرك؟ فقال: إنّي مولع من أنواع البلاغة بالتّجنيس (14)، وأراه لها كالرّئيس (15)، فانظما الآن عشرة أبيات تلحمانها (16) بوشيه (17)، وترصّعانها بحليه (18)، وضمّناها شرح حالي (19)، مع إلف (20) لي بديع الصّفة (21)، ألمى الشّفة (22)، مليح التّثنّي (23)، كثير التّيه (24) والتّجنّي (25)، مغرى بتناسي العهد (26)، وإطالة الصّدّ (27)، وإخلاف
__________
(1) أي امتحانهما.
(2) هي في الأصل كالنضال المراماة بالسهام والمراد ههنا المباراة والمعارضة.
(3) أي ضمهما.
(4) أصله حبل يقرن به بعيران في نزع السجل وهو الدلو والمراد هنا المفاخرة.
(5) أي شهرة الخلي عن الحلي والمراد به الجاهل.
(6) أي تجاريا.
(7) أي تعارضا بأن يفعل كل واحد مثل فعل صاحبه.
(8) أي ترددا.
(9) أصل الحلبة الأفراس المجتمعة للسباق والإجازة هي أن يقول هذا مصراعا وذا مصراعا.
(10) تسابقا.
(11) مراده ليتضح المحق من المبطل.
(12) أي متتابع.
(13) أي باختبارك.
(14) هو تناسب اللفظ واختلاف المعنى.
(15) المقدم على غيره.
(16) أي تنسجانها.
(17) بوشي التجنيس أي بنفشه وهو كناية عن حسنه ورقته.
(18) أي تركبانها بزينته.
(19) أي اجعلاها محتوية على إظهار ما في نفسي.
(20) أي مع مألوف معشوق.
(21) أي غريب الوصف.
(22) أي أسمرها من اللمى بالقصر وهو سمرة في الشفة هي تستحسن ورجل ألمى وامرأة لمياء.
(23) أي الانعطاف.
(24) الإعجاب والكبر.
(25) الجناية على عاشقه.
(26) أي مولع بنسيان الصحبة.
(27) الإعراض عني.(1/228)
الوعد، وأنا له كالعبد. قال: فبرز (1) الشّيخ مجلّيا (2)، وتلاه الفتى (3) مصلّبا (4)، وتجاريا (5) بيتا فبيتا (6) على هذا النّسق (7)، إلى أن كمل نظم الأبيات واتّسق (8).
وهي:
وأحوى (9) حوى رقّي (10) برقّة ثغره (11) ... وغادرني (12) إلف السّهاد (13) بغدره (14)
تصدّى (15) لقتلي بالصّدود (16) وإنّني ... لفي أسره (17) مذ حاز قلبي بأسره (18)
أصدّق منه الزّور (19) خوف ازوراره (20) ... وأرضى استماع الهجر خشية هجره (21)
وأستعذب التّعذيب منه (22) وكلّما ... أجدّ (23) عذابي جدّ (24) بي حبّ برّه (25)
تناسى ذمامي (26) والتّناسي مذمّة ... وأحفظ (27) قلبي وهو حافظ سرّه (28)
وأعجب ما فيه التّباهي (29) بعجبه (30) ... وأكبره (31) عن أن أفوه (32) بكبره
__________
(1) أي ظهر.
(2) أي سابقا والمجلي في الأصل السابق من خيل الحلبة.
(3) أي تبعه الغلام.
(4) أي تاليا والمصلي في الأصل ثاني السوابق.
(5) أي تسابقا.
(6) منصوبان على المصدر كأنه قال تجارى بيت فبيت.
(7) هو من الكلام ما جاء على نظام واحد.
(8) أي اجتمع من وسق الراعي الإبل فاتسقت أي اجتمعت.
(9) من الحوّة وهي حمرة تضرب إلى السواد وقيل سمرة الشفة ورجل أحوى وامرأة حوّاء.
(10) أي حاز ملكي واسترقني.
(11) أي بلطافة مبسمه وفي نسخة خصره وفي أخرى لفظه.
(12) أي تركني.
(13) أي مصاحب السهر.
(14) أي بعدم وفائه.
(15) تعرّض.
(16) أي بالإعراض عني.
(17) مصدر أسر العدو إذا شده بالإسار أي لفي قيده وحبسه.
(18) أي جميعه.
(19) أي الكذب والباطل.
(20) أي انحرافه وميله عني.
(21) الهجر بالضم الفحش من الكلام وبالفتح بمعنى الصد والقطع.
(22) أي أستطيب العذاب فيه.
(23) أي جدد.
(24) أي زاد.
(25) أي إحسانه كأنه يقول متى زادني عذابا وهجرا زدته حبا وبرّا.
(26) أي ترك عهدي وصار كالناس له.
(27) أي أغضب.
(28) أي كاتمه.
(29) أي التفاخر.
(30) أي بزهوه.
(31) أي أعظمه.
(32) أنطق.(1/229)
له منّي المدح الّذي طاب نشره (1) ... ولي منه طيّ الودّ (2) من بعد نشره (3)
ولو كان عدلا ما تجنّى (4) وقد جنى (5) ... عليّ وغيري يجتني (6) رشف ثغره (7)
ولولا تثنّيه (8) ثنيت أعنّتي (9) ... بدارا (10) إلى من أجتلي نور بدره (11)
وإنّي على تصريف (12) أمري وأمره ... أرى المرّ حلوا في انقيادي لأمره
فلمّا أنشداها الوالي متراسلين (13)، بهت (14) لذكاءيهما (15) المتعادلين (16)، وقال: أشهد بالله أنّكما فرقدا سماء، وكزندين في وعاء (17). وأنّ هذا الحدث (18)
لينفق ممّا آتاه الله (19)، ويستغني بوجده (20) عمّن سواه، فتب أيّها الشّيخ من اتّهامه، وثب (21) إلى إكرامه. فقال الشّيخ: هيهات (22) أن تراجعه مقتي (23)، أو تعلق (24) به ثقتي (25)، وقد بلوت كفرانه للصّنيع (26) ومنيت (27) منه بالعقوق (28) الشّنيع.
فاعترضه (29) الفتى وقال: يا هذا إنّ اللّجاج (30) شؤم، والحنق (31) لؤم، وتحقيق
__________
(1) أي ذكا ريحه.
(2) أي قبض المحبة.
(3) أي بسطه.
(4) أي أظهر الجناية.
(5) أي مال.
(6) أي يقتطف.
(7) أي مص مبسمه.
(8) انعطافه.
(9) الأعنة جمع عنان بالكسر وهو في الأصل ما تقاد به الدابة.
(10) أي سريعا ومبادرة.
(11) أي أنظر حسن وجهه الشبيه بنور البدر.
(12) أي اختلاف.
(13) أي متتابعين.
(14) أي تحير.
(15) أي لقوة فطنتيهما وفهميهما.
(16) أي المتساويين.
(17) الفرقدان نجمان متقارنان شبههما بهما لرفعتهما وتعادلهما وبالزندين في وعاء لتكافئهما ووجود الحاجة فيهما معا.
(18) أي الشاب.
(19) أي ليقول من عنده لا من كلام غيره.
(20) أي بموجوده وماله.
(21) أي ارجع.
(22) بعد جدّا.
(23) أي محبتي.
(24) أي تتعلق.
(25) أي يقيني.
(26) أي جربت جحده للمعروف.
(27) أي بليت.
(28) أي بالقطيعة.
(29) أي قابله مواجها.
(30) الخصام.
(31) شدة الغيظ وقد حنق عليه وأحنق غيره. قال الحماسي:
ما كان ضرك لو مننّت وربما ... منّ الفتى وهو المغيظ المحنق.(1/230)
الظّنّة (1) إثم (2)، وإعنات (3) البريء ظلم. وهبني (4) اقترفت جريرة (5)، أو اجترحت كبيرة (6)، أما تذكر ما أنشدتني لنفسك، في إبّان أنسك (7):
سامح أخاك إذا خلط ... منه الإصابة بالغلط
وتجاف (8) عن تعنيفه (9) ... إن زاغ (10) يوما أو قسط (11)
واحفظ صنيعك (12) عنده ... شكر الصّنيعة أم غمط (13)
وأطعه إن عاصى (14) وهن (15) ... إن عزّ وادن (16) إذا شحط (17)
واقن الوفاء (18) ولو أخل ... ل (19) بما اشترطت وما شرط
واعلم بأنّك إن طلب ... ت مهذّبا (20) رمت الشّطط (21)
من ذا الّذي ما ساء قط ... ط ومن له الحسنى فقط
أو ما ترى المحبوب وال ... مكروه لزّا (22) في نمط (23)
كالشّوك يبدو (24) في الغصو ... ن مع الجنيّ (25) الملتقط (26)
__________
(1) بالكسر التهمة.
(2) أي ذنب وحرام.
(3) أي إتعاب.
(4) أي احسبني.
(5) اكتسبت ذنبا.
(6) أي اكتسبت خطيئة عظيمة.
(7) أي وقت فرحك يقال كل الثمر في أبّانه ووزنه فعلان بالكسر قال الشاعر:
قد هرّمتني قبل أبان الهرم ... صحيحة المعدة من غير سقم.
(8) أي تباعد.
(9) لومه وذمه.
(10) أي مال عنك.
(11) جار وأقسط عدل.
(12) أي معروفك.
(13) كفر يقال غمط النعمة كفرها. واستحقرها وجحدها وغطاها.
(14) أي إن عاصاك.
(15) اي اخضع.
(16) اقرب.
(17) بعد. وفي المثل إذا عزّ أخوك فهن أي إذا تعزز وتعظم فتذلل وتواضع.
(18) أي الزمه من قولهم قنيت الحياء أي لزمته.
(19) أخل به أفسده وأجحف به.
(20) مخلصا من النقص.
(21) أي طلبت ما لا ينال.
(22) أي قرنا وربطا.
(23) أي في طريق واحدة ويطلق النمط على النوع وعلى القرن الذي أنت فيه.
(24) يظهر.
(25) الطري من الثمار.
(26) أي المأخوذ من الأغصان.(1/231)
ولذاذة العمر (1) الطّوي ... ل يشوبها (2) نغص الشّمط (3)
ولو انتقدت (4) بني الزّما ... ن (5) وجدت أكثرهم سقط (6)
رضت البلاغة (7) والبرا ... عة (8) والشّجاعة والخطط (9)
فوجدت أحسن ما يرى ... سبر العلوم (10) معا فقط
قال: فجعل الشّيخ ينضنض (11) نضنضة الصّلّ (12)، ويحملق (13) حملقة البازي (14) المطلّ (15)، ثمّ قال: والّذي زيّن السّماء بالشّهب (16)، وأنزل الماء من السّحب (17)، ما روغي (18) عن الاصطلاح (19)، إلّا لتوقّي الافتضاح (20). فإنّ هذا الفتى اعتاد أن أمونه (21)، وأراعي شؤونه (22)، وقد كان الدّهر يسحّ (23)، فلم أكن أشحّ (24). فأمّا الآن فالوقت عبوس (25)، وحشو العيش (26) بوس (27)، حتّى إنّ
__________
(1) أي لذته.
(2) أي يخالطها.
(3) النغص تكدر العيش كالتنغص والشمط هو اختلاط بياض الشيب بالسواد.
(4) بمعنى فتشت واختبرت.
(5) هم أهله وناسه.
(6) السقط الرديء ورجل ساقط لئيم في نفسه وحسبه.
(7) أي مارست الفصاحة وهذان البيتان لا يوجدان في بعض النسخ.
(8) المراد منها هنا الكتابة.
(9) جمع خطة بالكسر الطريق.
(10) أي اختبارها وتجربتها.
(11) أي يحرك لسانه.
(12) الحية التي لا تقبل الرقية.
(13) الحملقة إدارة الحماليق في النظر جمع الحملاق وهو باطن الجفن.
(14) الصقر.
(15) أي المشرف على فريسته.
(16) أي بالنجوم.
(17) جمع سحاب جمع سحابة وهي الغيم.
(18) أي ما ميلي من راغ عنه إذا مال.
(19) بمعنى الصلح.
(20) أي التحفظ من الفضيحة.
(21) أي أتحمل مونته وكفايته.
(22) أي أحفظ أحواله.
(23) أي يساعد على الرزق من سح السحاب إذا أمطر.
(24) أي أبخل عليه.
(25) أي شديد.
(26) أي باطنه.
(27) أي ضر وشدة.(1/232)
بزّتي (1) هذه عارة (2)، وبيتي لا تطور به فارة (3). قال: فرقّ لمقالهما قلب الوالي (4)، وأوى (5) لهما من غير اللّيالي (6)، وصبا إلى اختصاصهما بالإسعاف (7)، وأمر النّظّارة (8) بالانصراف. قال الرّاوي: وكنت متشوّفا (9) إلى مرأى الشّيخ لعلّي أعلم علمه، إذا عاينت وسمه (10)، ولم يكن الزّحام يسفر عنه (11)، ولا يفرج (12) لي فأدنو (13) منه. فلمّا تقوّضت (14) الصّفوف، وأجفل (15)
الوقوف (16)، توسّمته (17)، فإذا هو أبو زيد والفتى فتاه. فعرفت حينئذ مغزاه (18)، في ما أتاه. وكدت أنقضّ (19) عليه، لأستعرف إليه (20)، فزجرني بإيماض (21) طرفه، واستوقفني (22) بإيماء كفّه (23). فلزمت موقفي، وأخّرت منصرفي (24). فقال الوالي: ما مرامك (25)، ولأيّ سبب (26) مقامك؟ فابتدره (27) الشّيخ وقال: إنّه أنيسي، وصاحب ملبوسي، فتسمّح (28) عند هذا القول بتأنيسي (29)، ورخّص (30) في
__________
(1) ثوبي.
(2) أي عارية.
(3) أي لا تقربه ولا تدور فيه وهو كناية عن عدم القوت.
(4) أي ترحم لهما.
(5) أي مال.
(6) غير بكسر الغين وفتح الياء أي حوادثها وتغيرها.
(7) أي مال إلى أن يخصهما بالإسعاف وهو المعونة.
(8) الجماعة الناظرين.
(9) أي متطلعا.
(10) أي علامته.
(11) أي يكشفه.
(12) أفرج عنه انكشف عنه.
(13) أي فأقرب.
(14) أي تفرقت.
(15) أي أسرع الذهاب.
(16) جمع واقف.
(17) تأملته وتعرفته.
(18) مطلبه ومقصده.
(19) أي أنزل وأسقط.
(20) أي لأعرفه نفسي.
(21) الإيماض مسارقة النظر.
(22) أي طلب وقوفي.
(23) أي بإشارته.
(24) مرجعي.
(25) أي ما مطلبك.
(26) وفي نسخة ولأيما سبب بزيادة ما.
(27) أي فسبقه.
(28) أي فسمح.
(29) أي بمؤانستي وهي ضد الوحشة.
(30) أي وسّع.(1/233)
جلوسي. ثمّ أفاض عليهما (1) خلعتين (2)، ووصلهما (3) بنصاب من العين (4)، واستعهدهما (5) أن يتعاشرا بالمعروف، إلى إظلال اليوم المخوف (6).
فنهضا (7) من ناديه (8)، منشدين (9) بشكر أياديه (10)، وتبعتهما لأعرف مثواهما (11)، وأتزوّد (12) من نجواهما (13). فلمّا أجزنا (14) حمى الوالي (15)، وأفضينا (16) إلى الفضاء (17) الخالي، أدركني أحد جلاوزته (18)، مهيبا (19) بي إلى حوزته (20)، فقلت لأبي زيد: ما أظنّه استحضرني، إلّا ليستخبرني. فماذا أقول، وفي أيّ واد معه أجول؟ فقال: بيّن له غباوة قلبه (21)، وتلعابي بلبّه (22)، ليعلم أنّ ريحه لاقت إعصارا (23)، وجدوله صادف تيّارا (24). فقلت: أخاف أن يتّقد غضبه (25)، فيلفحك لهبه (26). أو يستشري (27) طيشه (28)، فيسري إليك بطشه (29). فقال: إنّي
__________
(1) أي أعطاهما.
(2) أي ثوبين.
(3) أي أعطاهما.
(4) العين الذهب والفضة النصاب من الذهب عشرون دينارا ومن الفضة مائتا درهم.
(5) أي عاهدهما.
(6) أي إلى حلول يوم الموت.
(7) أي فقاما للخروج.
(8) أي من مجلسه.
(9) أي رافعين صوتهما.
(10) نعمه وعطاياه.
(11) أي محلهما ومسكنهما.
(12) أي آخذ.
(13) حديثهما سرّا.
(14) أي خلفنا وقطعنا.
(15) أي مكانه وأصله ما يحمى من شيء.
(16) وصلنا.
(17) الخلاء.
(18) أعوانه واحدهم جلواز وهو الشّرطي وسمي بذلك لجلوزته بين يدي أميره أي خفته في الذهاب والمجيء.
(19) داعيا.
(20) ناحيته.
(21) عدم فطنته وجهله.
(22) أي لعبي بعقله.
(23) الإعصار ريح شديدة تثير الغبار الذي يستدير كالعمود وأصله من المثل السائر إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا يضرب لمن لقي أشد منه دهاء.
(24) في معنى ما سبق والجدول نهر صغير والتيار موج البحر.
(25) أي يشتعل ويشتد غيظه.
(26) لفحت النار أحرقت ولفحت الريح إذا كانت حارّة ونفحت إذا كانت باردة.
(27) يقوى ويشتد.
(28) خفته.
(29) أي سطوته.(1/234)
أرحل الآن إلى الرّهى (1)، وأنّى يلتقي سهيل والسّهى (2)! فلمّا حضرت الوالي وقد خلا مجلسه، وانجلى تعبّسه (3)، أخذ يصف أبا زيد وفضله، ويذمّ الدّهر له، ثمّ قال: نشدتك الله (4) ألست الّذي أعاره الدّست؟ فقلت: لا، والّذي أحلّك في هذا الدّست، ما أنا بصاحب ذلك الدّست! بل أنت الّذي تمّ عليه الدّست (5)!! فازورّت مقلتاه (6)، واحمرّت وجنتاه، وقال: والله ما أعجزني (7) قطّ فضح مريب (8)
ولا تكشيف معيب (9)، ولكن ما سمعت بأنّ شيخا دلّس (10)، بعد ما تطلّس (11)
وتقلّس (12)، فبهذا تمّ له أن لبّس (13). أفتدري أين سكع (14) ذلك اللّكع (15)؟ قلت:
أشفق (16) منك لتعدّي طوره (17)، فظعن (18) عن بغداد من فوره (19). فقال: لا
__________
(1) بالضم والكسر بلدة بالجزيرة بينها وبين حرّان ستة فراسخ وكنيسة الرهى إحدى عجائب الدنيا.
(2) أي من أين يلتقيان وهو استبعاد لتلاقيهما لأن سهيلا نجم يمان عند القطب الجنوبي والسهى نجم صغير خفي في بنات نعش وهو شامي كالثريا ألا ترى كيف قال معن بن أبي ربيعة في سهيل بن عبد الرحمن بن عوف وقد تزوج الثريا من بني أمية مستبعدا لاجتماعهما:
أيها المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلّت ... وسهيل إذا استقلّ يمان.
(3) أي زال تقطب وجهه.
(4) أي سألتك بالله.
(5) معرب الأول بمعنى اللباس والثاني صدر المجلس أو الوسادة والأخير بمعنى دست القمار في اصطلاحهم إذا خاب قدح أحدهم ولم يفز قيل تم عليه الدست.
(6) أي انقلبت ومالت عيناه.
(7) غلبني.
(8) أي فضيحة من يجيء بالريبة والعيب.
(9) أي إزالة عيب.
(10) التدليس كتمان عيب السلعة عن المشتري والمراد هنا المخادعة.
(11) لبس الطيلسان وهو لباس الخواص.
(12) لبس القلنسوة.
(13) أي خلط ويوجد في بعض النسخ بعد قوله لبس ما نصه فما كنية ذلك القريد فقلت أبو زيد فقال: إنه بأبي كيد أليق منه بأبي زيد أفتدري. إلخ.
(14) ذهب وتوجه وسار.
(15) اللئيم الدنيء القدر.
(16) أي خاف.
(17) أي لتجاوز حده.
(18) رحل.
(19) أي في الحال من غير تريّث وهو في الأصل مصدر فارت القدر إذا علت فاستعير للسرعة.(1/235)
قرّب الله له نوى (1) ولا كلأه (2) أين ثوى (3). فما زاولت (4) أشدّ من نكره (5)، ولا ذقت أمرّ من مكره، ولولا حرمة أدبه، لأوغلت في طلبه (6)، إلى أن يقع في يدي فأوقع به (7). وإنّي لأكره أن تشيع فعلته بمدينة السّلام (8)، فأفتضح بين الأنام، وتحبط (9) مكانتي (10) عند الإمام (11)، وأصير ضحكة (12) بين الخاصّ والعام. فعاهدني على أن لا أفوه (13) بما اعتمد (14)، ما دمت حلّا بهذا البلد (15). قال الحارث بن همّام: فعاهدته معاهدة من لا يتأوّل (16)، ووفيت له كما وفى السّموأل (17).
__________
(1) هو البعد.
(2) حفظه.
(3) أقام وقصد.
(4) ما عالجت وقاسيت.
(5) بالضم دهائه وفطنته.
(6) أي لبالغت في طلبه.
(7) من الوقيعة وهي العقوبة.
(8) هي بغداد.
(9) أي تبطل وتفسد.
(10) منزلتي.
(11) الوالي.
(12) يضحك عليّ.
(13) أتفوه وأتكلم.
(14) بما قصد.
(15) أي ساكنا فيه من حلّ المكان يحل حلّا، وحلولا والحل الحلال والحل ما جاوز وتحلل الرجل في يمينه تحللا استثنى كأن يقول والله لأفعلن ذلك إن شاء الله وحلّا أبا فلان أي تحلل في يمينك.
(16) يطلب التأويل في نقض العهد.
(17) هو ابن عادياء اليهودي يضرب به المثل في الوفاء وذلك أن امرأ القيس بن حجر مرّ به في حركته إلى قيصر ملك الروم فأودعه مائة درع وسلاحا كثيرا فبلغ ذلك الحارث بن أبي شمر الغساني فبعث الحارث بن مالك وأمره أن يأخذ وديعة امرىء القيس من السموأل فلما انتهى إليه أغلق دونه باب حصنه الأبلق الفرد وهو بأرض تيماء. وكان للسموأل ابن خارج الحصن يتصيد فأخذه الحارث، وقال للسموأل: إن أنت دفعت إليّ الوديعة وإلا قتلته فأبى أن يدفع إليه الوديعة فقتله.
فضربت العرب المثل بالسموأل في الوفاء. فلما بلغ السموأل مجيء امرىء القيس دفع إليه الوديعة.(1/236)
المقامة الرابعة والعشرون القطيعيّة
حكى الحارث بن همّام، قال: عاشرت بقطيعة الرّبيع (1)، في إبّان الرّبيع (2)، فتية وجوههم أبلج من أنواره (3)، وأخلاقهم أبهج (4) من أزهاره، وألفاظهم أرقّ من نسيم أسحاره (5). فاجتليت (6) منهم ما يزري (7) على الرّبيع الزّاهر (8)، ويغني عن رنّات المزاهر (9). وكنّا تقاسمنا (10) على حفظ الوداد، وحظر الاستبداد (11)، وأن لا يتفرّد أحدنا بالتذاذ (12) ولا يستأثر (13) ولو برذاذ (14)
فأجمعنا (15) في يوم سما دجنه (16)، ونما (17) حسنه، وحكم بالاصطباح (18)
__________
(1) محلة معروفة ببغداد.
(2) أي وقته وهو أحد فصول السنة.
(3) أي أضوأ من أزهار الربيع فإن الأنوار جمع نور بالفتح وهو الزهر.
(4) أي أحسن.
(5) جمع سحر بالتحريك وهو آخر الليل.
(6) فنظرت.
(7) أزرى عليه عابه.
(8) كثير الزهر.
(9) أي أصواتها والمزاهر جمع المزهر وهو العود الذي يضرب للطرب.
(10) أي تحالفنا.
(11) استبد بالشيء اختص به وحظره منعه. والمراد أننا منعنا أن يستقلّ أحد منا برأيه.
(12) أي بلذة.
(13) أي لا يفضل نفسه على أصحابه باختصاصه بشيء.
(14) أي بشيء قليل تافه والرذاذ في الأصل المطر الضعيف.
(15) أي عزمنا.
(16) أي ارتفع غيمه.
(17) أي زاد.
(18) هو الشرب في وقت الصباح.(1/237)
مزنه (1)، على أن نلتهي بالخروج، إلى بعض المروج (2)، لنسرّح النّواظر (3)، في الرّياض النّواضر (4)، ونصقل (5) الخواطر (6) بشيم المواطر (7). فبرزنا ونحن كالشّهور عدّة (8)، وكندماني جذيمة (9) مودّة، إلى حديقة (10) أخذت زخرفها (11) وازّيّنت (12)، وتنوّعت أزاهيرها وتلوّنت، ومعنا الكميت الشّموس (13)، والسّقاة الشّموس، والشّادي (14) الّذي يطرب السّامع ويلهيه، ويقري (15) كلّ سمع ما يشتهيه. فلمّا اطمأنّ (16) بنا الجلوس، ودارت علينا الكؤوس، وغل (17) علينا ذمر (18)، عليه طمر (19)، فتجهّمناه (20) تجهّم الغيد
__________
(1) أي سحابه.
(2) جمع مرج وهو محل مرعى الدواب ومرج الدابة أرسلها ترعى.
(3) أي لننزه العيون.
(4) جمع الناضرة والنضرة بالضم (كذا في الأصل) الحسن والرونق.
(5) أي نجلو.
(6) أي القلوب.
(7) أي برؤية السحب الممطرة.
(8) أي خرجنا ونحن اثنا عشر شخصا.
(9) جذيمة الأبرش ملك الحيرة وندماناه أي نديماه وهما مالك وعقيل ابنا فالج وفيهما يقول أبو فراس:
ألم تعلمي أن قد تفرق قبلنا ... نديما صفاء مالك وعقيل
وقصتهما أن جذيمة التزم عمرو بن عديّ ابن أخته وأحله محل ولده فاستهوته الجن أي ذهبت به فطلبه في الآفاق فلم يجده ولا وقع له على خبر ثم إن مالكا وعقيلا نزلا منزلا وهما متوجهان إلى جذيمة فوجدا عمرا فضماه إليهما وأكرماه وقدما به على خاله جذيمة فسر به سرورا عظيما وقال لهما تمنيا، فسألاه أن يكونا نديميه ما عاش وعاشا فنادماه أربعين سنة ما عادا عليه حديثا. ضرب بهما المثل في الوفاق.
(10) أي بستان.
(11) أي تكاملت في حسنها.
(12) أي وتزينت.
(13) الكميت من أسماء الخمر وهو من الخيل ما في لونه كمتة وهي حمرة يعلوها قنوء والشموس من الخيل الذي يمنع ظهره من الركوب وهو ترشيح للاستعارة عند علماء البيان ويحكى أن أحد الظرفاء رئي في وجهه أثر جراحة فقيل له في ذلك فقال جمح بي الكميت فقال سائله: لو قرنت به الأشهب لما جمح بك يعني الماء.
(14) المغني.
(15) أي يضيف وهو يتعدى إلى مفعولين.
(16) أي سكن وقر.
(17) أي دخل والواغل في الشراب كالوارش في الطعام وهو الذي يدخل على القوم من غير أن يدعى.
(18) بكسر الذال أي شجاع.
(19) ثوب خلق.
(20) استقبلناه بوجه كريه لأنه يقال تجهمه كلح في وجهه وقيل أغلظ له في القول.(1/238)
الشّيب (1)، ووجدنا صفو يومنا (2) قد شيب (3). إلّا أنّه سلّم تسليم أولي الفهم، وجلس يفضّ لطائم النّثر والنّظم (4)، ونحن ننزوي (5) من انبساطه، وننبري (6)
لطيّ بساطه (7)، إلى أن غنّى شادينا (8) المغرب (9) ومغرّدنا (10) المطرب:
إلام (11) سعاد (12) لا تصلين حبلي ... ولا تأوين لي (13) ممّا ألاقي
صبرت عليك حتّى عيل (14) صبري ... وكادت تبلغ الرّوح التّراقي (15)
وها أنا قد عزمت على انتصاف (16) ... أساقي (17) فيه خلّي (18) ما يساقي
فإن وصلا ألذّ به (19) فوصل ... وإن صرما (20) فصرم كالطّلاق
قال: فاستفهمنا العابث بالمثاني (21)، لم نصب الوصل الأوّل ورفع الثّاني. فأقسم بتربة أبويه، لقد نطق بما اختاره سيبويه. فتشعّبت (22) حينئذ آراء الجمع، في تجويز النّصب والرّفع. فقالت فرقة: رفعهما هو الصّواب، وقالت
__________
(1) أي كتجهم الغيد للشيب والغيد جمع الغادة (كذا في الأصل) وهي الفتاة الناعمة والشيب بالكسر الشيوخ جمع الأشيب أي ذي الشّيب.
(2) صفاء يومنا وأنسه.
(3) أي قد خلط بالكدر.
(4) الفض الكسر والتفريق يقال فضضته فانفض فرقته فتفرق وفضضت الكتاب أزلت ختمه وفض البكر أزال بكارتها واللطائم جمع اللطيمة وهي المسك بالكسر وقيل وعاء العطر والمراد أنه أخذ يتحدث في نفسه بما يشابه اللطائم من الكلام المنثور والمنظوم.
(5) أي ننقبض.
(6) أي نعترض.
(7) كناية عن إزعاجه وإخراجه.
(8) أي مغنينا.
(9) أي الذي يأتي بالغريب من الإنشاد، وفي نسخة المعرب بالعين المهملة وهو الذي يأتي بالكلام الذي لا لحن فيه.
(10) أي مطربنا بصوته الحسن الرفيع.
(11) أي إلى متى وأصله: إلى ما، حذفت ألفها في الاستفهام (كذا في الأصل) وفي التنزيل {عَمَّ يَتَسََاءَلُونَ}.
(12) أي يا سعاد على حذف يا النداء.
(13) أي ترأفين بي وترحميني.
(14) أي غلب وقلّ.
(15) جمع ترقوة وهي أعلى عظام الصدر قرب العنق.
(16) أي انتصار للحق.
(17) أي أجازي.
(18) أي صديقي.
(19) أي أتلذذ به.
(20) أي قطعا وهجرا.
(21) أي اللاعب بها والمحرك لها وهي أوتار العود لكونها مننى.
(22) أي تفرقت واختلفت.(1/239)
طائفة: لا يجوز فيهما إلّا الانتصاب، واستبهم (1) على آخرين الجواب، واستعر (2) بينهم الاصطخاب (3). وذلك الواغل (4) يبدي ابتسام ذي معرفة، وإن لم يفه (5) ببنت شفة (6)، حتّى إذا سكنت الزّماجر (7)، وصمت (8) المزجور والزّاجر، قال: يا قوم أنا أنبّئكم (9) بتأويله، وأميّز صحيح القول من عليله (10). إنّه ليجوز رفع الوصلين ونصبهما، والمغايرة في الإعراب بينهما، وذلك بحسب اختلاف الإضمار، وتقدير المحذوف في هذا المضمار (11). قال: ففرط (12) من الجماعة إفراط (13) في مماراته (14)، وانخراط (15) إلى مباراته (16). فقال: أمّا إذا دعوتم نزال (17)، وتلبّبتم (18) للنّضال (19)، فما كلمة هي إن شئتم حرف محبوب، أو اسم لما فيه حرف حلوب. وأيّ اسم يتردّد بين فرد حازم (20)، وجمع ملازم. وأيّة هاء إذا التحقت أماطت (21) الثّقل، وأطلقت المعتقل؟ وأين تدخل السّين فتعزل العامل، من غير أن تجامل؟ وما منصوب أبدا على الظّرف، لا يخفضه سوى
__________
(1) أي واستغلق وباب مبهم مغلق.
(2) أي التهب واشتد.
(3) الصياح واختلاط الأصوات.
(4) الداخل بلا دعوة.
(5) أي لم ينطق.
(6) يقال للكلمة بنت الشفة.
(7) الأصوات جمع زمجرة وهي في الأصل صوت الأسد.
(8) سكت.
(9) أي أخبركم وأعلمكم.
(10) أي فاسده.
(11) أي الميدان، وهو في الأصل محل الحرب والمراد هنا الاختلاف الحاصل.
(12) أي فسبق.
(13) تجاوز عن الحد.
(14) أي مجادلته.
(15) أي سرعة واندفاع. يقال: انخرط الفرس في سيره إذا لج وفرس خروط أي حرون جموح.
(16) أي إلى معارضته ومحاذاته في الجري. وفي نسخة في سلك مباراته.
(17) مبني على الكسر بمعنى أنزل يقال في الحرب نزال نزال أي لينزل كل قرن إلى قرنه.
(18) أي تحزمتم وتشمرتم والتلبب جمع الثوب على اللبة.
(19) هو الترامي بالسهام كأنه يقول إذا أردتم المجادلة والمقاومة وتصديق خبري فما كلمة إلخ وسيأتي تفسير هذه المسائل في آخر هذه المقامة.
(20) أي ضابط.
(21) أي أزالت.(1/240)
حرف؟ وأيّ مضاف أخلّ من عرى الإضافة بعروة، واختلف حكمه بين مساء وغدوة (1)؟ وما العامل الّذي يتّصل آخره بأوّله، ويعمل معكوسه (2) مثل عمله؟
وأيّ عمل نائبه أرحب (3) منه وكرا (4)، وأعظم مكرا، وأكثر لله تعالى ذكرا؟ وفي أيّ موطن تلبس الذّكران، براقع النّسوان، وتبرز ربّات الحجال (5)، بعمائم الرّجال؟ وأين يجب حفظ المراتب، على المضروب والضّارب؟ وما اسم لا يعرف إلّا باستضافة كلمتين، أو الاقتصار منه على حرفين؟ وفي وضعه الأوّل التزام، وفي الثّاني إلزام. وما وصف إذا أردف بالنّون، نقص صاحبه في العيون، وقوّم بالدّون، وخرج من الزّبون (6)، وتعرّض للهون؟ فهذه ثنتا عشرة مسألة وفق عددكم، وزنة لددكم (7)، ولو زدتم زدنا، وإن عدتم عدنا. قال المخبر بهذه الحكاية: فورد علينا من أحاجيه الّلاتي هالت (8)، لمّا انهالت، (9) ما حارت (10) له الأفكار (11) وحالت (12). فلمّا أعجزنا العوم في بحره، واستسلمت (13) تمائمنا (14)
لسحره (15)، عدلنا (16) من استثقال الرّؤية له، إلى استنزال الرّواية (17) عنه، ومن بغي التّبرّم به (18)، إلى ابتغاء (19) التّعلّم منه. فقال: والّذي نزّل النّحو في
__________
(1) بكرة النهار.
(2) أي مقلوبه.
(3) أي أوسع.
(4) أي بيتا والوكر في الأصل بيت الطائر.
(5) أي صاحبات الحجال وهن النساء والحجال بالكسر جمع الحجل (كذا في الأصل) وهو الخلخال.
(6) أي من جملة الأغبياء واللام فيه للجنس ولهذا أدخل من التبعيضية عليه كما في قوله كان سرداحا من السرداح فكأن قائلا قال إذا أردف الضيف بالنون فمن أي جنس يكون ومن أي جملة يخرج فقيل من جملة الحمقى والأغبياء.
(7) أي وزن خصومتكم الشديدة.
(8) من الهول وهو ما يروع.
(9) انصبت وانسكبت.
(10) أي تحيرت.
(11) العقول.
(12) من الحيال مصدر الحائل ضد الحامل وحالت الناقة حيالا ضربها الفحل فلم تحمل.
(13) أي انقادت.
(14) جمع تميمة وهي العوذة.
(15) المراد ما لطف وعذب من كلامه البليغ.
(16) أي انقلبنا ورجعنا.
(17) أي طلب نزول الرواية.
(18) الضجر منه.
(19) طلب.(1/241)
الكلام، منزلة الملح في الطّعام، وحجبه (1) عن بصائر الطّغام (2)، لا أنلتكم (3) مراما (4)، ولا شفيت لكم غراما! أو تخوّلني (5) كلّ يد، ويختصّني كلّ منكم بيد (6). فلم يبق في الجماعة إلّا من أذعن (7) لحكمه، ونبذ (8) إليه خبأة كمّه (9). فلمّا حصلت تحت وكائه (10)، أضرم (11) شعلة ذكائه (12)، فكشف حينئذ عن أسرار الغازه (13)، وبدائع إعجازه (14)، ما جلا (15) به صدأ الأذهان (16)، وجلّى (17) مطلعه بنور البرهان (18). قال الرّاوي: فهمنا (19) حين فهمنا (20)، وعجبنا إذ أجبنا، وندمنا (21) على ما ندّ منّا (22). وأخذنا نعتذر إليه اعتذار الأكياس (23)، ونعرض عليه ارتضاع الكاس (24). فقال: مأرب لا حفاوة (25)، ومشرب لم يبق له
__________
(1) منعه وستره.
(2) السفلة الأرذال من الناس.
(3) أعطيتكم وبلغتكم.
(4) أي مطلبا.
(5) خوّله أعطاه بلا منّة.
(6) اليد النعمة والعطاء لأنه يعطي باليد.
(7) انقاد.
(8) طرح ورمى.
(9) أي مخفي كمه وهو كناية عما يعطيه المعطي من العطايا.
(10) الوكاء خيط يربط به.
(11) أي أوقد.
(12) أي دقة فطنته.
(13) أي أحاجيه واللغوز في الأصل حجر اليربوع بين القاصعاء والنافقاء يحفره مستقيما إلى أسفل ثم يعدل به عن يمينه وشماله ليخفي مكانه.
(14) أي تعجيزه البديع وهو الكلام الذي لم يسبق إليه.
(15) صقل.
(16) أي دنس العقول والصدأ في الأصل ما يركب الحديد.
(17) أي كشف.
(18) الحجة.
(19) أي فتحيرنا من هام يهيم.
(20) من الفهم وهذا من باب التجنيس المركب الذي يسمى المرفوء.
(21) من الندم.
(22) أي ما فرط وانفلت منا من غير تأمل.
(23) أهل الفطنة والعقول جمع كيّس بتشديد الياء.
(24) أي شرب الخمر.
(25) المأرب والمأربة بمعنى الإربة وهي الحاجة وهذا مثل من أمثال العرب والمعنى إنما حملك على ذلك حاجة إليّ لا حفاوة بي أي تلطف وتكرّم.(1/242)
عندي حلاوة (1). فأطلنا مراودته (2)، ووالينا معاودته، فشمخ بأنفه (3) صلفا (4)، ونأى بجانبه (5) أنفا (6). وأنشد:
نهاني الشّيب عمّا فيه أفراحي
فكيف أجمع بين الرّاح والرّاح (7)
وهل يجوز اصطباحي (8) من معتقّة (9)
وقد أنار مشيب الرّأس إصباحي (10)
آليت (11) لا خامرتني (12) الخمر ما علقت
روحي بجسمي وألفاظي بإفصاحي (13)
ولا اكتست (14) لي بكاسات السّلاف (15) يد
ولا أجلت قداحي (16) بين أقداح (17)
ولا صرفت إلى صرف (18) مشعشعة (19)
همّي (20) ولا رحت مرتاحا إلى راح (21)
__________
(1) أي لذة.
(2) أي كرّرنا عليه عرض الشرب وتابعنا معاودتنا له في ذلك.
(3) أي رفع أنفه تكبرا.
(4) الصلف مجاوزة القدر والادعاء فوق ذلك وصلفت المرأة لم تحظ عند زوجها.
(5) أي بعّد جانبه.
(6) استنكافا وحمية.
(7) الأول الخمر والثاني جمع الراحة وهي الكف.
(8) أي شربي أول النهار.
(9) من خمر قديمة.
(10) يعني أن بياض المشيب الذي هو وصف الشيوخ قد أنار أصباحي أي قد وضح في رأسي وغير لون شعري من السواد إلى البياض فكيف مع ذلك يليق أن أشرب الخمر.
(11) أي حلفت.
(12) أي لا خالطتني وسترت عقلي.
(13) أي مدة تعلق روحي بجسمي ومدّة تعلق كلامي بالفصاحة.
(14) أي لبست والمعنى لامست.
(15) ما سال من العنب قبل أن يعصر يقال سلاف وسلافة.
(16) أي أدرت سهام قماري.
(17) أي بين أقداح الشراب.
(18) هي الخالصة غير المشوبة.
(19) بدل من صرف وكلاهما من أسماء الخمر. يقال شعشعت الشراب مزجته ولم يرد أنها تكون صرفا مشعشعة في آن واحد بل تكون صرفا ثم تشعشع.
(20) أي اهتمامي وهو مفعول صرفت.
(21) أي ولا ذهبت بالعشيّ فرحا طربا إلى شرب الراح وهي الخمر.(1/243)
ولا نظمت على مشمولة أبدا
شملي (1) ولا اخترت ندمانا سوى الصّاحي (2)
محا المشيب مراحي (3) حين خطّ (4) على
رأسي فأبغض به (5) من كاتب ماح
ولاح (6) يلحى (7) على جرّي العنان إلى
ملهى (8) فسحقا (9) له من لائح لاح (10)
ولو لهوت وفودي (11) شائب لخبا (12)
بين المصابيح (13) من غسّان (14) مصباحي
قوم سجاياهم (15) توقير (16) ضيفهم
والشّيب ضيف له التّوقير يا صاح (17)
ثمّ إنّه انساب (18) انسياب الأيم (19)، وأجفل (20) إجفال الغيم (21)، فعلمت أنّه سراج سروج، وبدر الأدب الّذي يجتاب البروج (22). وكان قصارانا (23)
التّحرّق (24)، لبعده، والتّفرّق من بعده.
__________
(1) المشمولة من أسماء الخمر يعني ولا جمعت شملي في شرب الخمر.
(2) الندمان بالفتح بمعنى النديم أي لم اختر نديما غير الصاحي أي الذي ليس بسكران.
(3) المراح بالكسر الطرب واللهو.
(4) أي كتب.
(5) أي ما أبغضه.
(6) أي ظهر.
(7) أي يلوم.
(8) أي سعيي وتعمقي في الملاهي.
(9) أي بعدا.
(10) أي ظاهر لائم.
(11) جانب رأسي.
(12) أي لخمد وطفىء.
(13) جمع المصباح وهو الكوكب.
(14) قبيلته.
(15) وفي نسخة سجياتهم أي عاداتهم وأخلاقهم.
(16) تعظيم.
(17) أي يا صاحبي.
(18) أي جرى.
(19) الحية.
(20) جرى وأسرع.
(21) السحاب الخالي من المطر.
(22) يقطع المنازل قال:
الشمس تجتاب السماء فريدة ... وأبو بنات النعش فيها راكد
وفي الصحاح جبت البلاد أجوبها واجتبتها قطعتها واجتبت القميص لبسته وبروج السماء اثنا عشر برجا وهي منازل الشمس والقمر والكواكب.
(23) أي آخر أمرنا وغايتنا.
(24) أي التوجع.(1/244)
تفسير ما أودع هذه المقامة من النكت العربية والأحاجي النحوية
أما صدر البيت الأخير من الأغنية الذي هو: (فإن وصلا ألذّ به فوصل) فإنه نظير قولهم المرء مجزيّ بعمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشرّ. وهذه المسألة أودعها سيبويه كتابه وجوّز في إعرابها أربعة أوجه أحدها: وهو أجودها، أن تنصب خيرا الأول وترفع الثاني وتنصب شرا الأول وترفع الثاني. ويكون تقديره إن كان عمله خيرا فجزاؤه خير وإن كان عمله شرا فجزاؤه شرّ. فتنصب الأول على أنه خبر كان وترفع الثاني على أنه خبر مبتدأ محذوف. وقد حذفت في هذا الوجه كان واسمها لدلالة حرف الشرط الذي هو إن على تقديرهما وحذفت أيضا المبتدأ لدلالة الفاء التي هي جواب الشرط عليه لأنه كثيرا ما يقع بعدها. والوجه الثاني أن تنصبهما جميعا ويكون تقدير الكلام إن كان عمله خيرا فهو يجزى خيرا وإن كان عمله شرا فهو يجزى شرا فينتصب الأول على أنه خبر كان وينتصب الثاني انتصاب المفعول به. والوجه الثالث أن ترفعهما جميعا ويكون تقدير الكلام إن كان في عمله خير فجزاؤه خير فيرتفع خير الأول على أنه اسم كان ويرتفع خير الثاني على ما بيّن في شرح الوجه الأول. وقد يجوز أن يرتفع خير الأول على أنه فاعل كان وتجعل كان المقدّرة ههنا هي التامة التي تأتي بمعنى حدث ووقع فلا تحتاج إلى خبر كقوله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، ويكون التقدير في المسألة إن كان خير فجزاؤه خير أي إن حدث خير فجزاؤه خير. والوجه الرابع وهو أضعفها أن ترفع الأول على ما تقدم شرحه في الوجه الثالث وتنصب الثاني على ما بيّن ذكره في الوجه الثاني. ويكون التقدير إن كان في عمله خير فهو يجزي خيرا وعلى حسب
هذا التقدير والمقدّرات المحذوفات فيه يجري إعراب البيت الذي غنى به. ومما ينتظم في هذا السلك قولهم المرء مقتول بما قتل به، إن سيفا فسيف وإن خنجرا فخنجر. (وأما الكلمة التي هي حرف محبوب أو اسم لما فيه حرف حلوب) فهي نعم، إن أردت بها تصديق الأخبار أو العدة عند السؤال فهي حرف. وإن عنيت بها الإبل فهي اسم. والنعم تذكّر وتؤنث وتطلق على الإبل وعلى كل ماشية فيها إبل وفي الإبل الحرف وهي الناقة الضامرة سميت حرفا تشبيها بها بحرف السيف وقيل إنها الضخمة تشبيها بحرف الجبل. (وأما الاسم المتردد بين فرد حازم وجمع ملازم)، فهو سراويل. قال بعضهم: هو واحد وجمعه سراويلات فعلى هذا القول هو فرد. وكنى عن ضمه الخصر بأنه حازم. وقال آخرون بل هو جمع، واحده سروال مثل شملال وشماليل وسربال وسرابيل فهو على هذا القول جمع. ومعنى قوله ملازم أي لا ينصرف وإنما لم ينصرف هذا النوع من الجمع وهو كل جمع ثالثه ألف وبعدها حرف مشدّد أو حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن لثقله وتفرده دون غيره من الجموع بأن لا نظير له في الأسماء الآحاد. وقد كنى في هذه الأحجية عما لا ينصرف بالملازم كما كنى في التي قبلها عما ينصرف باللازم. (وأما الهاء التي إذا التحقت أماطت الثقل وأطلقت المعتقل) فهي الهاء اللاحقة بالجمع المقدّم ذكره، كقولك صيارفة وصياقلة، فينصرف هذا الجمع عند التحاق الهاء لأنها قد أصارته إلى أمثال الآحاد نحو رفاهية وكراهية. فخف بهذا السبب وصرف لهذه العلة. وقد كنى في هذه الأحجية عما لا ينصرف بالمعتقل كما كنى في التي قبلها عما لا ينصرف بالملازم. (وأما السين التي تعزل العامل من غير أن تجامل) فهي التي تدخل على الفعل المستقبل وتفصل بينه وبين أن التي كانت قبل دخولها من أدوات النصب فيرتفع حينئذ الفعل وتنتقل أن عن كونها الناصبة للفعل إلى أن تصير المخففة من الثقيلة وذلك كقوله تعالى: علم أن سيكون منكم مرضى وتقديره علم أنه سيكون. (وأما المنصوب على الظرف الذي لا يخفضه سوى حرف) فهو عند إذ لا يجره غير من خاصة وقول العامة ذهبت إلى عنده لحن. (وأما المضاف الذي أخل من عرى الإضافة بعروة واختلف حكمه بين مساء وغدوة) فهو لدن ولدن من الأسماء الملازمة للإضافة وكل ما يأتي بعدها مجرور بها إلا غدوة فإن العرب
نصبتها بلدن لكثرة استعمالهم إياها في الكلام ثم نونتها أيضا ليتبين بذلك أنها منصوبة لا أنها من نوع المجرورات(1/245)
أما صدر البيت الأخير من الأغنية الذي هو: (فإن وصلا ألذّ به فوصل) فإنه نظير قولهم المرء مجزيّ بعمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشرّ. وهذه المسألة أودعها سيبويه كتابه وجوّز في إعرابها أربعة أوجه أحدها: وهو أجودها، أن تنصب خيرا الأول وترفع الثاني وتنصب شرا الأول وترفع الثاني. ويكون تقديره إن كان عمله خيرا فجزاؤه خير وإن كان عمله شرا فجزاؤه شرّ. فتنصب الأول على أنه خبر كان وترفع الثاني على أنه خبر مبتدأ محذوف. وقد حذفت في هذا الوجه كان واسمها لدلالة حرف الشرط الذي هو إن على تقديرهما وحذفت أيضا المبتدأ لدلالة الفاء التي هي جواب الشرط عليه لأنه كثيرا ما يقع بعدها. والوجه الثاني أن تنصبهما جميعا ويكون تقدير الكلام إن كان عمله خيرا فهو يجزى خيرا وإن كان عمله شرا فهو يجزى شرا فينتصب الأول على أنه خبر كان وينتصب الثاني انتصاب المفعول به. والوجه الثالث أن ترفعهما جميعا ويكون تقدير الكلام إن كان في عمله خير فجزاؤه خير فيرتفع خير الأول على أنه اسم كان ويرتفع خير الثاني على ما بيّن في شرح الوجه الأول. وقد يجوز أن يرتفع خير الأول على أنه فاعل كان وتجعل كان المقدّرة ههنا هي التامة التي تأتي بمعنى حدث ووقع فلا تحتاج إلى خبر كقوله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، ويكون التقدير في المسألة إن كان خير فجزاؤه خير أي إن حدث خير فجزاؤه خير. والوجه الرابع وهو أضعفها أن ترفع الأول على ما تقدم شرحه في الوجه الثالث وتنصب الثاني على ما بيّن ذكره في الوجه الثاني. ويكون التقدير إن كان في عمله خير فهو يجزي خيرا وعلى حسب
هذا التقدير والمقدّرات المحذوفات فيه يجري إعراب البيت الذي غنى به. ومما ينتظم في هذا السلك قولهم المرء مقتول بما قتل به، إن سيفا فسيف وإن خنجرا فخنجر. (وأما الكلمة التي هي حرف محبوب أو اسم لما فيه حرف حلوب) فهي نعم، إن أردت بها تصديق الأخبار أو العدة عند السؤال فهي حرف. وإن عنيت بها الإبل فهي اسم. والنعم تذكّر وتؤنث وتطلق على الإبل وعلى كل ماشية فيها إبل وفي الإبل الحرف وهي الناقة الضامرة سميت حرفا تشبيها بها بحرف السيف وقيل إنها الضخمة تشبيها بحرف الجبل. (وأما الاسم المتردد بين فرد حازم وجمع ملازم)، فهو سراويل. قال بعضهم: هو واحد وجمعه سراويلات فعلى هذا القول هو فرد. وكنى عن ضمه الخصر بأنه حازم. وقال آخرون بل هو جمع، واحده سروال مثل شملال وشماليل وسربال وسرابيل فهو على هذا القول جمع. ومعنى قوله ملازم أي لا ينصرف وإنما لم ينصرف هذا النوع من الجمع وهو كل جمع ثالثه ألف وبعدها حرف مشدّد أو حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن لثقله وتفرده دون غيره من الجموع بأن لا نظير له في الأسماء الآحاد. وقد كنى في هذه الأحجية عما لا ينصرف بالملازم كما كنى في التي قبلها عما ينصرف باللازم. (وأما الهاء التي إذا التحقت أماطت الثقل وأطلقت المعتقل) فهي الهاء اللاحقة بالجمع المقدّم ذكره، كقولك صيارفة وصياقلة، فينصرف هذا الجمع عند التحاق الهاء لأنها قد أصارته إلى أمثال الآحاد نحو رفاهية وكراهية. فخف بهذا السبب وصرف لهذه العلة. وقد كنى في هذه الأحجية عما لا ينصرف بالمعتقل كما كنى في التي قبلها عما لا ينصرف بالملازم. (وأما السين التي تعزل العامل من غير أن تجامل) فهي التي تدخل على الفعل المستقبل وتفصل بينه وبين أن التي كانت قبل دخولها من أدوات النصب فيرتفع حينئذ الفعل وتنتقل أن عن كونها الناصبة للفعل إلى أن تصير المخففة من الثقيلة وذلك كقوله تعالى: علم أن سيكون منكم مرضى وتقديره علم أنه سيكون. (وأما المنصوب على الظرف الذي لا يخفضه سوى حرف) فهو عند إذ لا يجره غير من خاصة وقول العامة ذهبت إلى عنده لحن. (وأما المضاف الذي أخل من عرى الإضافة بعروة واختلف حكمه بين مساء وغدوة) فهو لدن ولدن من الأسماء الملازمة للإضافة وكل ما يأتي بعدها مجرور بها إلا غدوة فإن العرب
نصبتها بلدن لكثرة استعمالهم إياها في الكلام ثم نونتها أيضا ليتبين بذلك أنها منصوبة لا أنها من نوع المجرورات(1/246)
أما صدر البيت الأخير من الأغنية الذي هو: (فإن وصلا ألذّ به فوصل) فإنه نظير قولهم المرء مجزيّ بعمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشرّ. وهذه المسألة أودعها سيبويه كتابه وجوّز في إعرابها أربعة أوجه أحدها: وهو أجودها، أن تنصب خيرا الأول وترفع الثاني وتنصب شرا الأول وترفع الثاني. ويكون تقديره إن كان عمله خيرا فجزاؤه خير وإن كان عمله شرا فجزاؤه شرّ. فتنصب الأول على أنه خبر كان وترفع الثاني على أنه خبر مبتدأ محذوف. وقد حذفت في هذا الوجه كان واسمها لدلالة حرف الشرط الذي هو إن على تقديرهما وحذفت أيضا المبتدأ لدلالة الفاء التي هي جواب الشرط عليه لأنه كثيرا ما يقع بعدها. والوجه الثاني أن تنصبهما جميعا ويكون تقدير الكلام إن كان عمله خيرا فهو يجزى خيرا وإن كان عمله شرا فهو يجزى شرا فينتصب الأول على أنه خبر كان وينتصب الثاني انتصاب المفعول به. والوجه الثالث أن ترفعهما جميعا ويكون تقدير الكلام إن كان في عمله خير فجزاؤه خير فيرتفع خير الأول على أنه اسم كان ويرتفع خير الثاني على ما بيّن في شرح الوجه الأول. وقد يجوز أن يرتفع خير الأول على أنه فاعل كان وتجعل كان المقدّرة ههنا هي التامة التي تأتي بمعنى حدث ووقع فلا تحتاج إلى خبر كقوله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، ويكون التقدير في المسألة إن كان خير فجزاؤه خير أي إن حدث خير فجزاؤه خير. والوجه الرابع وهو أضعفها أن ترفع الأول على ما تقدم شرحه في الوجه الثالث وتنصب الثاني على ما بيّن ذكره في الوجه الثاني. ويكون التقدير إن كان في عمله خير فهو يجزي خيرا وعلى حسب
هذا التقدير والمقدّرات المحذوفات فيه يجري إعراب البيت الذي غنى به. ومما ينتظم في هذا السلك قولهم المرء مقتول بما قتل به، إن سيفا فسيف وإن خنجرا فخنجر. (وأما الكلمة التي هي حرف محبوب أو اسم لما فيه حرف حلوب) فهي نعم، إن أردت بها تصديق الأخبار أو العدة عند السؤال فهي حرف. وإن عنيت بها الإبل فهي اسم. والنعم تذكّر وتؤنث وتطلق على الإبل وعلى كل ماشية فيها إبل وفي الإبل الحرف وهي الناقة الضامرة سميت حرفا تشبيها بها بحرف السيف وقيل إنها الضخمة تشبيها بحرف الجبل. (وأما الاسم المتردد بين فرد حازم وجمع ملازم)، فهو سراويل. قال بعضهم: هو واحد وجمعه سراويلات فعلى هذا القول هو فرد. وكنى عن ضمه الخصر بأنه حازم. وقال آخرون بل هو جمع، واحده سروال مثل شملال وشماليل وسربال وسرابيل فهو على هذا القول جمع. ومعنى قوله ملازم أي لا ينصرف وإنما لم ينصرف هذا النوع من الجمع وهو كل جمع ثالثه ألف وبعدها حرف مشدّد أو حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن لثقله وتفرده دون غيره من الجموع بأن لا نظير له في الأسماء الآحاد. وقد كنى في هذه الأحجية عما لا ينصرف بالملازم كما كنى في التي قبلها عما ينصرف باللازم. (وأما الهاء التي إذا التحقت أماطت الثقل وأطلقت المعتقل) فهي الهاء اللاحقة بالجمع المقدّم ذكره، كقولك صيارفة وصياقلة، فينصرف هذا الجمع عند التحاق الهاء لأنها قد أصارته إلى أمثال الآحاد نحو رفاهية وكراهية. فخف بهذا السبب وصرف لهذه العلة. وقد كنى في هذه الأحجية عما لا ينصرف بالمعتقل كما كنى في التي قبلها عما لا ينصرف بالملازم. (وأما السين التي تعزل العامل من غير أن تجامل) فهي التي تدخل على الفعل المستقبل وتفصل بينه وبين أن التي كانت قبل دخولها من أدوات النصب فيرتفع حينئذ الفعل وتنتقل أن عن كونها الناصبة للفعل إلى أن تصير المخففة من الثقيلة وذلك كقوله تعالى: علم أن سيكون منكم مرضى وتقديره علم أنه سيكون. (وأما المنصوب على الظرف الذي لا يخفضه سوى حرف) فهو عند إذ لا يجره غير من خاصة وقول العامة ذهبت إلى عنده لحن. (وأما المضاف الذي أخل من عرى الإضافة بعروة واختلف حكمه بين مساء وغدوة) فهو لدن ولدن من الأسماء الملازمة للإضافة وكل ما يأتي بعدها مجرور بها إلا غدوة فإن العرب
نصبتها بلدن لكثرة استعمالهم إياها في الكلام ثم نونتها أيضا ليتبين بذلك أنها منصوبة لا أنها من نوع المجرورات
التي لا تنصرف. وعند بعض النحويين أن لدن بمعنى عند والصحيح أن بينهما فرقا لطيفا وهو أن عند يشتمل معناها على ما هو في ملكك ومكنتك مما دنا منك وبعد عنك. ولدن يختص معناها بما حضرك وقرب منك. (وأما العامل الذي يتصل آخره بأوله ويعمل معكوسه مثل عمله) فهو يا ومعكوسها أي وكلتاهما من حروف النداء، وعملهما في الاسم المنادى سيان وإن كانت يا أجول في الكلام وأكثر في الاستعمال. وقد اختار بعضهم أن ينادى بأي القريب فقط كالهمزة. (وأما العامل الذي نائبه أرحب منه وكرا وأعظم منه مكرا وأكثر لله تعالى ذكرا) فهو باء القسم. وهذه الباء هي أصل حروف القسم بدلالة استعمالها مع ظهور فعل القسم في قولك: أقسم بالله ولدخولها أيضا على المضمر كقولك: بك لأفعلنّ. وإنما أبدلت الواو منها في القسم لأنهما جميعا من حروف الشفة ثم لتقارب معنييهما لأن الواو تفيد الجمع والباء تفيد الإلصاق وكلاهما متفق والمعنيان متقاربان. ثم صارت الواو المبدلة من الباء أدور في الكلام وأعلق بالأقسام، ولهذا ألغز بها بأنها أكثر لله تعالى ذكرا. ثم أن الواو أكثر موطنا من الباء لأن الباء لا تدخل إلا على الاسم ولا تعمل غير الجر والواو تدخل على الاسم والفعل والحرف وتجرّ تارة بالقسم وتارة بإضمار ربّ. وتنتظم أيضا مع نواصب الفعل وأدوات العطف فلهذا وصفها برحب الوكر وعظم المكر. (وأما الموطن الذي يلبس فيه الذكران براقع النسوان وتبرز فيه ربات الحجال بعمائم الرجال) فهو أول مراتب العدد المضاف وذلك ما بين الثلاثة إلى العشرة فإنه يكون مع المذكر بالهاء ومع المؤنث بحذفها كقوله تعالى: سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام. والهاء في غير هذا الموطن من خصائص المؤنث كقولك: قائم وقائمة وعالم وعالمة. فقد رأيت كيف انعكس في هذا الموطن حكم المذكر والمؤنث حتى انقلب كل منهما في ضد قالبه وبرز في بزة صاحبه. (وأما الموضع الذي يجب فيه حفظ المراتب على المضروب والضارب) فهو حيث يشتبه الفاعل بالمفعول لتعذر ظهور علامة الإعراب فيهما أو في أحدهما وذلك إذا كانا مقصورين مثل موسى وعيسى أو من أسماء الإشارة نحو ذاك وهذا فيجب حينئذ لإزالة اللبس إقرار كل منهما في رتبته
ليعرف الفاعل منهما بتقدمه والمفعول بتأخره. (وأما الاسم الذي لا يفهم إلا باستضافة كلمتين أو الاقتصار منه على حرفين) فهو مهما. وفيها قولان أحدهما أنها مركبة من مه التي هي بمعنى اكفف. ومن ما والقول الثاني هو الصحيح أن الأصل فيها ما فزيدت عليها ما أخرى كما تزاد على أن فصار لفظها ما ما فثقل عليهم توالي كلمتين بلفظ واحد فأبدلوا من ألف ما الأولى هاء، فصارتا مهما. ومهما من أدوات الشرط والجزاء ومتى لفظت بها لم يتم الكلام ولا عقل المعنى إلا بإيراد كلمتين بعدها كقولك: مهما تفعل أفعل. وتكون حينئذ ملتزما للفعل. وإن اقتصرت منها على حرفين وهما مه التي بمعنى اكفف، فهم المعنى وكنت ملزما من خاطبته أن يكف. (وأما الوصف الذي إذا أردف بالنون نقص صاحبه في العيون وقوّم بالدون وخرج من الزبون وتعرض للهون) فهو ضيف إذا لحقته النون استحال إلى ضيفن وهو الذي يتبع الضيف ويتنزل في النقد منزلة الزيف.(1/247)
التي لا تنصرف. وعند بعض النحويين أن لدن بمعنى عند والصحيح أن بينهما فرقا لطيفا وهو أن عند يشتمل معناها على ما هو في ملكك ومكنتك مما دنا منك وبعد عنك. ولدن يختص معناها بما حضرك وقرب منك. (وأما العامل الذي يتصل آخره بأوله ويعمل معكوسه مثل عمله) فهو يا ومعكوسها أي وكلتاهما من حروف النداء، وعملهما في الاسم المنادى سيان وإن كانت يا أجول في الكلام وأكثر في الاستعمال. وقد اختار بعضهم أن ينادى بأي القريب فقط كالهمزة. (وأما العامل الذي نائبه أرحب منه وكرا وأعظم منه مكرا وأكثر لله تعالى ذكرا) فهو باء القسم. وهذه الباء هي أصل حروف القسم بدلالة استعمالها مع ظهور فعل القسم في قولك: أقسم بالله ولدخولها أيضا على المضمر كقولك: بك لأفعلنّ. وإنما أبدلت الواو منها في القسم لأنهما جميعا من حروف الشفة ثم لتقارب معنييهما لأن الواو تفيد الجمع والباء تفيد الإلصاق وكلاهما متفق والمعنيان متقاربان. ثم صارت الواو المبدلة من الباء أدور في الكلام وأعلق بالأقسام، ولهذا ألغز بها بأنها أكثر لله تعالى ذكرا. ثم أن الواو أكثر موطنا من الباء لأن الباء لا تدخل إلا على الاسم ولا تعمل غير الجر والواو تدخل على الاسم والفعل والحرف وتجرّ تارة بالقسم وتارة بإضمار ربّ. وتنتظم أيضا مع نواصب الفعل وأدوات العطف فلهذا وصفها برحب الوكر وعظم المكر. (وأما الموطن الذي يلبس فيه الذكران براقع النسوان وتبرز فيه ربات الحجال بعمائم الرجال) فهو أول مراتب العدد المضاف وذلك ما بين الثلاثة إلى العشرة فإنه يكون مع المذكر بالهاء ومع المؤنث بحذفها كقوله تعالى: سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام. والهاء في غير هذا الموطن من خصائص المؤنث كقولك: قائم وقائمة وعالم وعالمة. فقد رأيت كيف انعكس في هذا الموطن حكم المذكر والمؤنث حتى انقلب كل منهما في ضد قالبه وبرز في بزة صاحبه. (وأما الموضع الذي يجب فيه حفظ المراتب على المضروب والضارب) فهو حيث يشتبه الفاعل بالمفعول لتعذر ظهور علامة الإعراب فيهما أو في أحدهما وذلك إذا كانا مقصورين مثل موسى وعيسى أو من أسماء الإشارة نحو ذاك وهذا فيجب حينئذ لإزالة اللبس إقرار كل منهما في رتبته
ليعرف الفاعل منهما بتقدمه والمفعول بتأخره. (وأما الاسم الذي لا يفهم إلا باستضافة كلمتين أو الاقتصار منه على حرفين) فهو مهما. وفيها قولان أحدهما أنها مركبة من مه التي هي بمعنى اكفف. ومن ما والقول الثاني هو الصحيح أن الأصل فيها ما فزيدت عليها ما أخرى كما تزاد على أن فصار لفظها ما ما فثقل عليهم توالي كلمتين بلفظ واحد فأبدلوا من ألف ما الأولى هاء، فصارتا مهما. ومهما من أدوات الشرط والجزاء ومتى لفظت بها لم يتم الكلام ولا عقل المعنى إلا بإيراد كلمتين بعدها كقولك: مهما تفعل أفعل. وتكون حينئذ ملتزما للفعل. وإن اقتصرت منها على حرفين وهما مه التي بمعنى اكفف، فهم المعنى وكنت ملزما من خاطبته أن يكف. (وأما الوصف الذي إذا أردف بالنون نقص صاحبه في العيون وقوّم بالدون وخرج من الزبون وتعرض للهون) فهو ضيف إذا لحقته النون استحال إلى ضيفن وهو الذي يتبع الضيف ويتنزل في النقد منزلة الزيف.(1/248)
المقامة الخامسة والعشرون الكرجيّة
حكى الحارث بن همّام، قال: شتوت بالكرج (1) لدين أقتضيه (2)، وأرب أقضيه، فبلوت (3)، من شتائها الكالح (4)، وصرّها (5) النّافح (6)، ما عرّفني جهد البلاء (7)، وعكف بي (8) على الاصطلاء (9). فلم أكن أزايل (10) وجاري (11)، ولا مستوقد ناري (12)، إلّا لضرورة أدفع إليها، أو إقامة جماعة (13) أحافظ عليها.
فاضطررت في يوم جوّه مزمهرّ (14) ودجنه (15) مكفهرّ (16)، إلى أن برزت (17) من كناني (18)، لمهمّ (19) عناني (20)، فإذا شيخ عاري الجلدة، بادي الجردة (21)، وقد
__________
(1) أي أقمت مدة الشتاء بها وهي بلدة بين أذربيجان وهمذان.
(2) أي أتقاضاه وأسترده.
(3) أي جربت.
(4) الشديد.
(5) بكسر الصاد البرد الشديد.
(6) النفح للبرد كاللفح للشمس والنار.
(7) غاية شدته.
(8) عكفه عكفا حبسه ووقفه وعكف عليه عكوفا أقبل عليه مواظبا وعكفه عن حاجته صرفه.
(9) دنوّ المقرور من النار وفلان لا يصطلى بناره إذا كان شجاعا لا يطاق قال:
أنا الذي لا يصطلى بناره ... ولا ينام الناس من سعاره.
(10) أفارق.
(11) بكسر أوله بيتي وأصله للثعلب.
(12) موضع إيقادها.
(13) جماعة الصلاة.
(14) أي الشديد ومنه الزمهرير.
(15) أي غيمه وسحابه.
(16) أي متراكم.
(17) أي خرجت.
(18) الكن والكنان البيت الداخل كالمخدع.
(19) أي غرض اهتم به.
(20) أهمني.
(21) أي ظاهر البشرة يقال هو حسن الجردة والمجرّد والمتجرّد.(1/249)
اعتمّ (1) بريطة (2)، واستثفر بفويطة (3)، وحواليه جمع كثيف الحواشي (4)، وهو ينشد ولا يحاشي (5):
يا قوم لا ينبئكم (6) عن فقري ... أصدق من عريي أوان القرّ (7)
فاعتبروا بما بدا من ضرّي (8) ... باطن حالي وخفيّ أمري
وحاذروا انقلاب سلم الدّهر (9) ... فإنّني كنت نبيه القدر (10)
آوي (11) إلى وفر (12) وحدّ يفري (13) ... تفيد صفري وتبيد سمري (14)
وتشتكي كومي (15) غداة أقري ... فجرّد الدّهر سيوف الغدر
وشنّ غارات (16) الرّزايا الغبر (17) ... ولم يزل يسحتني (18) ويبري
حتّى عفت (19) داري وغاض (20) درّي (21) ... وبار (22) سعري في الورى وشعري
__________
(1) أي لبس العمامة.
(2) الريطة الملاءة إذا كانت قطعة واحدة لم تكن لفقين أو هي ثوب أبيض غير ملون.
(3) أي اتزر بها وثتى طرفها فأخرجه من بين فخذيه وغرزه في حجرته والثفر بالتحريك سير يجعل في مؤخر سرج الدابة واستثفر الكلب جعل ذنبه بين فخذيه. والفويطة تصغير الفوطة واحدة الفوط وهي ثياب تجلب من السند غلاظ قصار تتخذ مآزر وكتبوا على باب خانقاه الشيخ الإمام منهاج الدين الطرازي:
ليس التصوّف بالفوط ... من قال ذاك فذا غلط
إن التصوّف يا فتى ... صفو الفؤاد عن الشطط.
(4) أي جماعة ملتئمون من كثرتهم منضم بعضهم إلى بعض.
(5) أي لا يبالي.
(6) يخبركم.
(7) بالضم البرد.
(8) أي ظهر من هزالي وسوء حالي.
(9) أي احذروا تغير الدهر من الخير إلى الشر.
(10) أي رفيع القدر.
(11) أي أميل.
(12) هو المال الكثير.
(13) أي سلاح يقطع.
(14) الصفر الدنانير والسمر الرماح أي إنه يفيد الفقراء بعطاياه ويهلك الأعداء بشجاعته.
(15) الكوم جمع كوماء وهي الناقة العظيمة السنام.
(16) شن الغارة فرقها وهي الخيل المغيرة والغارة أيضا اسم من الإغارة.
(17) المصائب الشداد.
(18) سحته وأسحته بلغ مجهوده وقيل استأصله ومنه {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذََابٍ} أي يستأصلكم وسحت وجه الأرض قشره ومنه المسحاة (كذا في الأصل).
(19) خلت أو درست.
(20) نقص.
(21) الدّرّ بالفتح اللبن.
(22) كسد.(1/250)
وصرت نضو فاقة وعسر (1) ... عاري المطا (2) مجرّدا من قشري (3)
كأنّني المغزل في التّعرّي (4) ... لا دفء لي (5) في الصّنّ والصّنّبر (6)
غير التّضحّي (7) واصطلاء الجمر ... فهل خضمّ (8) ذو رداء غمر (9)
يسترني بمطرف (10) أو طمر (11) ... طلاب وجه الله لا لشكري
ثمّ قال يا أرباب الثّراء (12)، الرّافلين (13) في الفراء (14)، من أوتي خيرا فلينفق، ومن استطاع أن يرفق (15) فليرفق. فإنّ الدّنيا غدور، والدّهر عثور، والمكنة (16) زورة طيف (17)، والفرصة (18) مزنة صيف (19). وإنّي والله لطالما تلقّين (20)
__________
(1) أي مهزولا من الفقر والضيق.
(2) الظهر.
(3) أي ثيابي.
(4) هو مثل يضرب لمن كان في شدة الفقر والتعري يقال فلان أعرى من المغزل وإنما ضرب به المثل لأن الغازلة تنزع منه ما تلبسه من الغزل ومنه قول النابغة:
وعرّيت من مال وخير جمعته ... كما عريت مما تمرّ المغازل.
(5) أي ليس لي ما يدفئني.
(6) هما من أيام العجوز تأتي في عجز الشتاء أولها الصن ثم الصنبر ثم الوبر ثم الآمر ثم المؤتمر ثم المعلل ثم مطفىء الجمر ويروى مكفىء الظعن وإنما سميت أيام العجوز لأن عجوزا من العرب كانت تؤخر جزّ غنمها إلى مضيّ هذه الأيام من نوء الصرفة وكان قومها يخالفونها فيجزّون غنمهم قبلها وكانت تنهاهم عن ذلك وتقول إني جربت هذه الأيام فرأيتها قتلت أغنام قومي مرة بعد مرة فلا يطيعونها فجاء في بعض الأعوام برد شديد في هذه الأيام فهلكت أغنامهم وكانت مجزوزة فنسبت الأيام إليها.
(7) البروز للشمس.
(8) أصله البحر الكثير الماء ثم استعير للجواد.
(9) يقال فلان غمر الرداء أي كثير العطاء قال:
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا ... غلقت لضحكته رقاب المال.
(10) رداء من خز.
(11) ثوب خلق.
(12) أي أصحاب الأموال الكثيرة.
(13) أي المتبخترين.
(14) جمع الفروة.
(15) الإرفاق النفع.
(16) أي القدرة.
(17) أي كزيارة خيال في المنام.
(18) الإمكان.
(19) مثل في انقضاء الشيء ومنه سحابة صيف عن قليل تقشّع.
(20) أي استقبلت.(1/251)
الشّتاء بكافاته (1)، وأعددت الأهب (2) له قبل موافاته (3). وها أنا اليوم يا سادتي، ساعدي وسادتي (4)، وجلدتي، بردتي (5). وحفنتي، جفنتي (6). فليعتبر العاقل بحالي، وليبادر صرف اللّيالي (7). فإنّ السعيد من اتّعظ بسواه، واستعدّ لمسراه (8)، فقيل له قد جلوت (9) علينا أدبك، فاجلّ لنا نسبك. فقال: تبّا لمفتخر، بعظم نخر (10). إنّما الفخر بالتّقى (11)، والأدب المنتقى (12). ثمّ أنشد:
لعمرك (13) ما الإنسان إلّا ابن يومه
على ما تجلّى (14) يومه لا ابن أمسه
وما الفخر بالعظم الرّميم وإنّما
فخار الّذي يبغي الفخار بنفسه
ثمّ إنّه جلس محقوقفا (15)، واجرنثم (16) مقفقفا (17). وقال: اللهمّ يا من غمر بنواله (18)، وأمر بسؤاله (19)، صلّ على محمّد وآله، وأعنّي على البرد وأهواله. وأتح لي (20) حرّا يؤثر من خصاصة (21)، ويؤاسي ولو بقصاصة (22). قال الرّاوي: فلمّا
__________
(1) الكافات جمع الكاف حرف من حروف المعجم وأراد بها الأسماء التي أوّل حروفها كاف في ثاني بيتي ابن سكّرة.
(2) جمع الأهبة كالعدة.
(3) قدومه وإتيانه.
(4) مخدتي.
(5) البردة كساء أسود مربع فيه خطوط صفر تلبسه الأعراب.
(6) الحفنة بالحاء المهملة ملء الكف فاستعير للكف وبالجيم القصعة.
(7) أي حوادثها وتغيراتها.
(8) أي لمثواه.
(9) أي كشفت من جلوت العروس أظهرت زينتها.
(10) أي بال.
(11) أي بالتقوى.
(12) المختار.
(13) أي اقسم بحياتك.
(14) ظهر.
(15) أي منحنيا معوجا.
(16) انقبض بعضه إلى بعض.
(17) مرتعدا من البرد.
(18) أي غطى بعطائه.
(19) إشارة إلى قوله تعالى ادعوني استجب لكم.
(20) أي قدّر لي.
(21) أي كريما يختار غيره بطعامه ويفضله على نفسه مع حاجته إليه.
(22) القصاصة ما أخذه المقص من الشعر والمراد القليل من العطاء.(1/252)
جلّى (1) عن النّفس العصاميّة (2)، والملح الأصمعيّة (3)، جعلت ملامح عيني تعجمه (4)، ومرامي (5) لحظي ترجمه (6)، حتّى استبنت (7) أنّه أبو زيد، وأنّ تعرّيه أحبولة صيد. ولمح (8) هو أنّ عرفاني قد أدركه (9)، ولم يأمن أن يهتكه (10). فقال: أقسم بالسّمر والقمر (11)، والزّهر (12) والزّهر (13)، إنّه لن يسترني (14) إلّا من طاب (15) خيمه (16) وأشرب (17) ماء المروءة (18) أديمه (19). فعقلت (20)
ما عناه (21)، وإن لم يدر القوم معناه، وساءني (22) ما يعانيه (23) من الرّعدة (24)
__________
(1) أي كشف.
(2) أي الكريمة وهو مثل فيمن شرف بنفسه لا بآبائه قال النابغة:
نفس عصام سوّدت عصاما ... وعلمته الكر والإقداما
وصيرته ملكا هماما ... حتى علا وجاوز الأقواما
وعصام هذا هو ابن شهبر الخارجي حاجب النعمان بن المنذر كان خادما ونفسه شريفة دخل رجل على عبد الملك بن مروان فازدراه لقبحه فلما استنطقه أعجب به لفصاحته فتمثل عبد الملك يقول النابغة المذكور.
(3) نسبة إلى الأصمعي المشهور بالنوادر الغريبة وهو أبو سعيد عبد الملك بن قريب الباهلي كان رحمه الله طيب الحديث حلو المسامرة من ندماء الرشيد خامس الخلفاء العباسية وأخباره معه مشهورة.
(4) أي تتفرسه وتتأمله.
(5) المرامي جمع المرماة وهي السهم استعارها لتحديد النظر.
(6) أي ترميه بمعنى تمعن فيه التأمل.
(7) أي علمت وتحققت.
(8) فهم.
(9) أي معرفتي له قد بلغت كنهه وحقيقته.
(10) أي يكشف أمر تحيله وخدعه.
(11) في المثل لا آتيك السمر والقمر أي سواد الليل وبياضه بطلوع القمر ويجوز أن يراد بالسمر الليل لسواده وبالقمر النهار لبياضه وفي بعض النسخ بالشمس والقمر.
(12) النجوم.
(13) الأزهار.
(14) يغطيني.
(15) زكا.
(16) الخيم بالكسر الطبيعة والكرم.
(17) سقي.
(18) الفعل الجميل.
(19) وجهه.
(20) افهمت.
(21) الذي قصده وأراده وهو تعريضه بالستر وترك الكشف والفضح عن مكره.
(22) أحزنني وشق عليّ.
(23) يقاسيه.
(24) اضطراب الأعضاء من البرد.(1/253)
واقشعرار الجلدة (1). فعمدت (2) لفروة (3) هي بالنّهار رياشي (4)، وفي اللّيل فراشي، فنضوتها (5) عنّي، وقلت له: اقبلها منّي. فما كذّب أن افتراها (6)، وعيني تراها. ثمّ أنشد:
لله من ألبسني فروة ... أضحت من الرّعدة لي جنّه (7)
ألبسنيها واقيا مهجتي (8) ... وقّي (9) شرّ الإنس والجنّه (10)
سيكتسي (11) اليوم ثنائي (12) وفي ... غد سيكسى سندس (13) الجنّه
قال فلمّا فتن (14) قلوب الجماعة، بافتنانه (15) في البراعة (16)، ألقوا (17) عليه من الفراء المغشّاة (18)، والجباب (19) الموشّاة (20)، ما آده (21) ثقله، ولم يكد يقلّه (22). فانطلق (23) مستبشرا (24) بالفرج (25)، مستسقيا (26) للكرج (27). وتبعته إلى حيث ارتفعت التّقيّة (28)، وبدت (29) السّماء نقيّة (30). فقلت له: لشدّ (31)
__________
(1) أي تقبض جلده.
(2) قصدت.
(3) هي واحدة الفراء وفي نسخة فروة.
(4) لباسي الحسن.
(5) نزعتها.
(6) افترى لبس الفروة مثل اعتمّ لبس العمامة.
(7) بالضم وقاية وسترا.
(8) صائنا وحافظا نفسي.
(9) بتشديد القاف أي كفي.
(10) بالكسر الجن ومنه قوله تعالى {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنََّاسِ}.
(11) وفي نسخة سيلبس وهي بمعناها.
(12) مدحي.
(13) السندس الديباج الرقيق والإستبرق الغليظ.
(14) سلب.
(15) بتنوعه وخروجه من فن إلى فن.
(16) الفصاحة.
(17) أي طرحوا.
(18) التي عليها أغشية وظهائر من الثياب المبطنة.
(19) جمع جبة.
(20) أي المنقوشة المزينة.
(21) أي ما أثقله وغلبه حمله.
(22) يرفعه ويحمله.
(23) ذهب.
(24) فرحا مسرورا.
(25) زوال الكرب عنه.
(26) طالبا من الله السقيا.
(27) بلد مشهور بقرب بغداد.
(28) أي حيث زال الاتقاء والاحتراز.
(29) ظهرت.
(30) لا غيم عليها وهو مثل يضرب لخلو الموضع من الناس وكونه فيه وحده.
(31) أي لعظم وما في لشدّ ما نكرة منصوبة واللام للقسم.(1/254)
ما قرّسك (1) البرد، فلا تتعرّ من بعد. فقال: ويك (2) ليس من العدل (3)، سرعة العذل (4)، فلا تعجل بلوم هو ظلم، ولا تقف (5) ما ليس لك به علم. فو الّذي نوّر الشّيبة (6)، وطيّب (7) تربة طيبة (8)، لو لم أتعرّ لرحت (9) بالخيبة (10)، وصفر العيبة (11). ثمّ نزع (12) إلى الفرار (13)، وتبرقع (14) بالاكفهرار (15). وقال: أما تعلم أنّ شنشنتي (16)، الانتقال من صيد إلى صيد، والانعطاف (17) من عمرو إلى زيد! وأراك قد عقتني (18) وعققتني (19)، وأفتّني (20) أضعاف (21) ما أفدتني (22)، فأعفني (23) عافاك (24) الله من لغوك (25)، واسدد دوني باب جدّك ولهوك (26).
فجبذته (27) جبذ التّلعابة (28)، وجعجعت به (29) للدّعابة (30)، وقلت له: والله لو لم أوارك (31)، وأغطّ على عوارك (32)، لما وصلت إلى صلة (33)، ولا انقلبت (34) أكسى من
__________
(1) آذاك.
(2) عجبا لك.
(3) هو مثل يضرب.
(4) المبادرة باللوم.
(5) أي لا تتبع.
(6) أي جعل الشيب نورا.
(7) أي أزكى.
(8) أي تراب المدينة المنورة.
(9) لرجعت.
(10) بالحرمان.
(11) أي خلو الوعاء وأصل العيبة وعاء الثياب.
(12) رغب ومال.
(13) الهرب.
(14) ستر وجهه.
(15) العبوس.
(16) طبيعتي وخلقي وعادتي.
(17) الميل.
(18) منعتني.
(19) عصيتني.
(20) من الفوت أي حرمتني.
(21) ضعف الشيء مثله مرتين.
(22) من الفائدة أي أكسبتني.
(23) أرحني.
(24) أراحك.
(25) أي من كلامك الذي لا طائل تحته.
(26) هزلك ولعبك.
(27) جذبته.
(28) هو الماجن اللاعب أي الكثير اللعب والهاء للمبالغة.
(29) صحت عليه وناديته وأصلها صوت الإبل والرحى ومنه قولهم أسمع جعجعة ولا أرى طحنا أي جلبة من غير فائدة.
(30) أي للمزاح والمجون.
(31) أسترك.
(32) عيبك.
(33) أي عطية.
(34) رجعت.(1/255)
بصلة (1)، فجازني (2) عن إحساني إليك (3)، وستري لك (4) وعليك (5)، بأن تسمح لي بردّ الفروة، أو تعرّفني كافات الشّتوة (6). فنظر إليّ نظر المتعجّب، وازمهرّ (7)
ازمهرار المتغضّب (8)، ثمّ قال: أمّا ردّ الفروة فأبعد من ردّ أمس الدّابر (9)، والميت الغابر (10). وأمّا كافات الشّتوة فسبحان من طبع على ذهنك (11) (12)، وأوهى (13) وعاء خزنك (14)، حتّى أنسيت ما أنشدتك بالدّسكرة (15)، لابن سكّرة (16):
جاء الشّتاء وعندي من حوائجه (17)
سبع إذا القطر (18) عن حاجاتنا حبسا (19)
__________
(1) أي أكثر كسوة منها وضرب المثل بالبصلة لكثرة قشورها وأن بعضها فوق بعض.
(2) قابلني.
(3) بكتمان خبرك.
(4) أي بإعطائي الفروة.
(5) بأخذك الثياب التي ملأت بها العيبة ومراده أنه لولاه لما نال من الناس تلك الثياب (كذا فسّره وهو ظاهر).
(6) أي الشتاء.
(7) توقدت عيناه غضبا.
(8) المستعمل الغضب.
(9) الماضي.
(10) مثل الدابر إلا أنه من الأضداد.
(11) غشى بالدنس.
(12) عقلك.
(13) أضعف.
(14) حفظك.
(15) بيت الخمّار.
(16) صاحب البيتين التوأمين وهو أبو الحسن محمود بن عبد الله بن محمد الهاشمي أحد الظرفاء من شعراء الدولة العباسية كان طويل الباع في الشعر وديوان شعره يربي على خمسين ألف بيت وكان يقال ببغداد إن زمانا جاد بمثل ابن سكرة وابن الحجاج لسخيّ جدا.
(17) مصالحه ومرافقه المحتاج إليها فيه.
(18) المطر.
(19) منع الناس عن الخروج إلى حاجاتهم ووجد بعد هذا البيت وقبل الثاني بيتان وهما:
كافاتها مثبتات في أوائلها ... إذا تلاها لبيب القوم أو درسا
فلو مطرن البحار الدهر لم يرني ... أقول أحسن هذا اليوم بي واسا.(1/256)
كنّ (1) وكيس (2) وكانون (3) وكاس طلا (4)
بعد الكباب (5) وكفّ ناعم وكسا (6)
ثمّ قال: لجواب يشفي (7)، خير من جلباب (8) يدفي (9)، فاكتف (10) بهما وعيت (11)، وانكفي (12). ففارقته (13) وقد ذهبت فروتي لشقوتي (14)، وحصلت (15)
على الرّعدة (16) طول شتوتي.
__________
(1) بيت.
(2) ما يوضع فيه الدراهم والمراد ما يوضع فيه.
(3) مستوقد صغير وهو ما يعده الناس للطبخ.
(4) إناء تسقى به الخمر والمراد أن عنده الخمر وكأسها.
(5) اللحم المشوي على الجمر وقيل هو اللحم يقطع أعراضا ويلقى على النار.
(6) هو الثوب الذي يشتمل به وقد يكون مخططا.
(7) تطيب النفس به من حسنه.
(8) ثوب كالملحفة.
(9) يسخن.
(10) اقنع.
(11) حفظت.
(12) ارجع من حيث أتيت.
(13) وفي نسخة فودعته.
(14) لشقائي وسوء حظي.
(15) أقمت.
(16) ارتعاش الجسم وانتفاضه.(1/257)
المقامة السادسة والعشرون وتعرف بالرّقطاء
حدّث الحارث بن همّام، قال: حللت (1) سوقي الأهواز (2)، لابسا حلّة الإعواز (3)، فلبثت (4) فيها مدّة، أكابد (5) شدّة (6)، وأزجّي (7) أيّاما مسودّة (8)، إلى أن رأيت تمادي المقام (9)، من عوادي (10) الانتقام (11)، فرمقتها (12) بعين القالي (13)، وفارقتها مفارقة الطّلل البالي (14)، فظعنت (15) عن وشلها (16)، كميش الإزار (17)، راكضا (18) إلى المياه الغزار (19)، حتّى إذا سرت منها
__________
(1) نزلت.
(2) مدينة معروفة بفارس ينسب إليها السكر وقصبه مخصوصة بالحمى حتى قالوا حمى الأهواز وإنما قال سوقي الأهواز لأن في خلالها نهرا على شطيه السوقان.
(3) أي لباس العدم والفقر والحاجة والمراد أنه فقير لا شيء له.
(4) أي أقمت.
(5) أقاسي.
(6) واحدة الشدائد والكروب.
(7) أدفع وأسوق قال الأعشى:
أزجيه وهو لنا كاره ... كتزجية الطالع الأنكب.
(8) مشؤومة.
(9) أي إدامة الإقامة.
(10) جمع عادية وهي الظلم والاعتداء.
(11) العذاب والعقوبة.
(12) نظرتها.
(13) المبغض.
(14) الطلل ما شخص من آثار الديار والبالي الفاني.
(15) رحلت.
(16) الوشل الماء القليل كناية عن قلة الخير فيها.
(17) مشمرة يقال كمش ثوبه إذا جمعه ليكون أعون على سرعة ذهابه ويقال كمش الإزار إذا قلصه ورفعه.
(18) مسرعا.
(19) الكثيرة كناية عن كثرة الخير.(1/258)
مرحلتين (1)، وبعدت سرى (2) ليلتين (3)، تراءت لي (4) خيمة مضروبة (5)، ونار مشبوبة (6). فقلت: آتيهما (7) لعلّي أنقع (8) صدى (9)، أو أجد على النّار هدى (10). فلمّا انتهيت (11) إلى ظلّ الخيمة رأيت غلمة (12) روقة (13)، وشارة (14)
مرموقة (15)، وشيخا عليه بزّة (16) سنيّة (17)، ولديه (18) فاكهة جنيّة (19). فحيّيته (20)، ثمّ تحاميته (21)، فضحك إليّ، وأحسن الرّدّ عليّ (22). وقال: ألا تجلس (23) إلى من تروق (24) فاكهته، وتشوق (25) مفاكهته؟ (26) فجلست لاغتنام محاضرته (27)، لا لالتهام ما بحضرته (28)! فحين سفر (29) عن آدابه (30)، وكشر (31) عن أنيابه (32)، عرفت أنّه أبو زيد بحسن ملحه (33)، وقبح قلحه (34). فتعارفنا حينئذ، وحفّت بي (35)
__________
(1) أي مسافة مرحلتين.
(2) هو المشي بالليل.
(3) أي قدر ما يسري المسافر بالليل ليلتين.
(4) ظهرت لي.
(5) منصوبة.
(6) موقدة.
(7) أي الخيمة والنار.
(8) أروي.
(9) عطشا.
(10) أي هاديا يرشدني.
(11) وصلت.
(12) جمع غلام.
(13) أي حسان جمع رائق وهو الذي يروق ويعجب من رآه لحسن هيئته.
(14) هيئة حسنة.
(15) منظورة.
(16) خلعة.
(17) حسنة رفيعة.
(18) عنده.
(19) زاهية.
(20) سلمت عليه.
(21) تباعدت عنه.
(22) جواب السلام.
(23) بيد أنه عرض عليه أن يجلس عنده.
(24) تعجب.
(25) شاقه وشوّقه والشوق نزاع القلب إلى الشيء.
(26) ممازحته.
(27) أي مجالسته.
(28) لا لابتلاع والتقام ما حضر لديه من الفاكهة وغيرها.
(29) كشف.
(30) جمع أدب.
(31) تبسم.
(32) جمع ناب.
(33) طرفه وألفاظه الحسان.
(34) صفرة أسنانه.
(35) أحاطت بي.(1/259)
فرحتان ساعتئذ. ولم أدر بأيّهما أنا أضفى (1) فرحا (2)، وأوفى مرحا (3)، أبإسفاره (4)، من دجنّة (5) أسفاره (6)، أم بخصب رحاله (7)، بعد إمحاله (8)، وتاقت (9) نفسي إلى أن أفضّ (10)، ختم سرّه (11)، وأبطن (12) داعية يسره (13).
فقلت له: من أين إيابك (14)، وإلى أين انسيابك (15)؟ وبم امتلأت عيابك (16)؟ فقال:
أمّا المقدم (17) فمن طوس (18). وأمّا المقصد (19) فإلى السّوس (20). وأمّا الجدة (21)
التي أصبتها (22) فمن رسالة اقتضبتها (23). فسألته أن يفرشني (24) دخلته (25)، ويسرد (26)
عليّ رسالته. فقال: دون مرامك حرب البسوس (27)، أو تصحبني إلى
__________
(1) أكثر وأسبغ قال:
فليت حظي من نداك الضافي ... والبر أن تتركني كفافي
وفي نسخة أصفى بالصاد المهملة أي أكثر صفاء.
(2) سرورا.
(3) طربا ونشاطا.
(4) ظهوره أسفر الصبح أضاء والرجل أصبح.
(5) ظلمة وسواد.
(6) غيبته. جمع سفر.
(7) سعة حاله.
(8) جدبه.
(9) اشتاقت.
(10) أفك.
(11) ما في نفسه.
(12) أعرف باطن.
(13) سبب غناه فكأنه أراد أن يعرف ما سبب يسره وما أصله وما الذي ساقه إليه.
(14) عودك ورجوعك.
(15) ذهابك.
(16) أوعية متاعك.
(17) القدوم.
(18) مدينة مشهورة.
(19) المتوجه إليه.
(20) مدينة بأرض فارس بناها السوس بن سام بن نوح عليه السلام.
(21) السعة والغنى.
(22) وجدتها.
(23) أنشأتها وارتجلتها.
(24) يبسط لي.
(25) أي باطن أمره وحقيقته.
(26) سرد الحديث ساقه أحسن المساق وأتى به على الولاء.
(27) جعل ذلك مثلا في صعوبة نيله كما قالوا دونه خرط القتاد أي دون ما رمت مثل شدائد هذه الحرب وهي التي وقعت بين بكر وتغلب بسبب امرأة اسمها بسوس وهي التي قيل فيها أشأم من البسوس.(1/260)
السّوس (1). فصاحبته إليها قهرا، وعكفت عليه (2) بها شهرا. وهو يعلّني (3) كاسات التّعليل (4)، ويجرّني (5) أعنّة التّأميل (6)، حتّى إذا حرج صدري (7)، وعيل (8)
صبري قلت له: إنّه لم يبق لك علّة، ولا لي في المقام تعلّة (9). وفي غد أزجر غراب البين (10)، وأرحل عنك بخفّي حنين (11). فقال: حاشا لله أن أخلفك (12)، أو أخالفك. وما أرجأت أن أحدّثك (13)، إلّا لألبّثك (14). وإذا كنت قد استربت بعدتي (15)، وأغراك ظنّ السّوء بمباعدتي (16)، فأصخ (17) لقصص (18) سيرتي الممتدّة، وأضفها إلى أخبار الفرج بعد الشّدّة (19). فقلت له: هات فما أطول طيلك (20)، وأهول (21) حيلك (22). فقال: اعلم أنّ الدّهر العبوس (23)، ألقاني (24) إلى
__________
(1) بلدة من كور الأهواز ينسب إليها نفائس الثياب قال:
في حلة من طراز السوس معلمة ... تمحو بأذيالها ما أثّر القدم.
(2) أي انضممت معه وأقمت.
(3) أي يسقيني مرّة بعد أخرى.
(4) من علله بالشيء إذا ألهاه به كما يعلل الصبي بشيء من الطعام.
(5) أي يحملني على أن أجرّ.
(6) الأعنة جمع عنان وهو ما تقاد به الدابة استعارها للتأميل وهو الوعد بما فيه المرام.
(7) أي ضاق.
(8) أي غلب.
(9) هي في الأصل ما يعلل به الصبي وقت الفطام وتعللت بالمرأة لهوت بها والعلة المرض وحدث يشغل صاحبه عن وجهه والمراد لم يبق لي صبر على التعليل.
(10) أي أرتحل والزجر إثارة الطير الواقع وإنما خص الغراب لأنه يقع في الدار التي رحل أهلها عنها يتلمس ويتقمم والبين هو الفراق.
(11) مثل يضرب لمن يرجع بغير فائدة وله حكاية مشهورة.
(12) أخلف موعده إذا لم يف به.
(13) أي وما أخرت حديثي عنك بذكر الرسالة.
(14) أي لأجل أن تلبث عندي وتمكث.
(15) أي شككت في وعدي.
(16) أي رغبك ظنك السيىء في البعد عني.
(17) أي اسمع.
(18) أي الحديث.
(19) اسم كتاب معروف يحتوي على لطائف لابن الجوزي. وفي بعض العبارات للقاضي أبي علي المحسن بن علي التنوخي وللمدائني أيضا كتاب مترجم بهذا الاسم احتذى على مثاله التنوخي.
(20) الطول محركة والطيل بكسر الطاء الحبل الذي يطوّل للدابة ترعى فيه.
(21) من الهول.
(22) مكرك وخداعك.
(23) المقطب وجهه كناية عن شدّته.
(24) أي طرحني ورمى بي.(1/261)
طوس، وأنا يومئذ فقير وقير (1)، لا فتيل لي ولا نقير (2)، فألجأني (3) صفر اليدين (4)، إلى التّطوّق (5) بالدّين، فادّنت (6) لسوء الاتّفاق (7)، ممّن هو عسر الأخلاق (8)، وتوهّمت تسنّي النّفاق (9)، فتوسّعت في الإنفاق (10). فما أفقت حتّى بهظني (11) دين لزمني حقّه (12)، ولازمني (13) مستحقّه. فحرت (14) في أمري، وأطلعت غريمي (15) على عسري (16)، فلم يصدّق إملاقي (17)، ولا نزع (18)
عن إرهاقي (19)، بل جدّ في التّقاضي (20)، ولجّ في اقتيادي (21)، إلى القاضي.
وكلّما خضعت له في الكلام، واستنزلت منه رفق الكرام (22)، ورغّبته في أن ينظر لي بمياسرة (23)، أو ينظرني (24) إلى ميسرة (25)، قال: لا تطمع في الإنظار (26)،
__________
(1) الوقير الذي أوقره الدين أي أثقله وقيل الذليل من الوقير وهي صغار الشاء ويجوز أن يكون إتباعا للفقير.
(2) أي لا أملك شيئا وأصل الفتيل ما في شق النواة أو ما يفتل بين الأصبعين من الوسخ والنقير النقرة في ظهر النواة.
(3) أي أحوجني.
(4) أي خلوهما وهو كناية عن الفقر وعدم اليسار.
(5) أي التلبس وأصله لبس الطوق في العنق.
(6) أي تدينت وهو افتعال من الدّين.
(7) أي لسوء حظي.
(8) أي سيء الخلق.
(9) أي تسهل الرواج.
(10) اخراج ما في اليد وانفاذه.
(11) أي أثقلني.
(12) أي اداؤه.
(13) أي لم يفارقني.
(14) أي فتحيرت.
(15) الغريم رب الدين ويقال أيضا للمطلوب غريم ومنه قول كنيّر:
قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه ... وعزّة ممطول معنىّ غريمها.
(16) أي عدم اقتداري.
(17) فقري.
(18) كف.
(19) تضييقي والجائي ومنه نهي عن إرهاق الصلاة أي عن الالجاء إلى آخر وقتها.
(20) التحاكم.
(21) قاده واقتاده سحبه وجرّه.
(22) أي طلبت منه أن يرفق بي رفق الكرام.
(23) بمساهلة.
(24) أو يؤخرني.
(25) سعة لقوله تعالى وإن كان ذو عسرة الآية.
(26) بالكسر التأخير.(1/262)
واحتجان (1) النّضار (2)، فوحقّك! ما ترى مسالك (3) الخلاص، أو تريني (4) سبائك الخلاص (5). فلمّا رأيت احتداد لدده (6)، وأن لا مناص (7) لي من يده، شاغبته (8)، ثمّ واثبته (9)، ليرافعني (10) إلى والي الجرائم (11)، لا إلى الحاكم في المظالم (12)، لما كان بلغني من إفضال (13) الوالي وفضله، وتشدّد (14)
القاضي وبخله. فلمّا حضرنا باب أمير طوس، آنست (15) أن لا بأس ولا بوس (16)، فاستدعيت (17) دواة (18) وبيضاء (19)، وأنشأت رسالة رقطاء (20)، وهي:
أخلاق سيّدنا تحبّ، وبعقوته (21) يلبّ (22). وقربه تحف (23)، ونأيه (24) تلف.
وخلّته (25) نسب (26)، وقطيعته نصب (27). وغربه (28) ذلق (29)، وشهبه (30) تأتلق (31).
__________
(1) الاحتجان جذب الشيء بالمحجن وهو عصا في رأسها عقافة ثم قيل احتجن فلان مالي إذا أخذه واختصه لنفسه.
(2) الذهب.
(3) جمع مسلك بمعنى الطريق.
(4) أي حتى تريني.
(5) السبائك جمع سبيكة وهي الخالص من الغش من ذهب أو فضة والخلاص بالفتح والكسر وهو اختيار الحريري ما تخلص من السبك.
(6) أي شدة خصومته.
(7) أي لا مفرّ ولا منجى من ناص إذا أفلت.
(8) المشاغبة المخاصمة من الشغب وهو الالتواء والاستعصاء.
(9) أي نازعته وغالبته.
(10) يقال ترافعا إلى الحاكم إذا تحاكما إليه.
(11) الحاكم فيها وهي جمع جريمة بمعنى الجرم بالضم وهو الذنب.
(12) أراد به القاضي.
(13) إكرام.
(14) التشدد الغلظة واللؤم قال:
أرى الموت يقتام الخيار ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش المتشدّد.
(15) أي علمت ومنه قوله تعالى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً}.
(16) أي لا ضرر ولا داهية.
(17) أي طلبت.
(18) محبرة.
(19) أي ورقة وفي نسخة وقطا.
(20) من الرقطة وهي السواد يشوبه نقط بياض لأن أحد حروفها منقوط والآخر غير منقوط.
(21) أي بفنائه.
(22) ألبّ بالمكان أقام به.
(23) جمع تحفة وهي ما يستملح ويعجب.
(24) أي بعده من نأى عنه إذا بعد.
(25) الخلة مصدر المحبة ويقال للخليل خلة أيضا.
(26) أي شرف.
(27) أي تعب.
(28) أي حد سيفه.
(29) أي حادّ.
(30) يعني بها مناقبه المشهورة.
(31) أي تلمع من تألق البرق لمع أي تتضح.(1/263)
وظلفه (1) زان (2)، وقويم نهجه (3) بان (4). وذهنه (5) قلّب وجرّب (6)، ونعته (7) شرّق وغرّب (8).
سيّد قلّب (9) سبوق (10) مبرّ (11) ... فطن (12) مغرب (13) عزوف (14) عيوف (15)
مخلف متلف (16) أغرّ (17) فريد ... نابه (18) فاضل ذكيّ أنوف (19)
مفلق (20) إن أبان (21) طبّ (22) إذا نا ... ب (23) هياج (24) وجلّ (25) خطب مخوف
مناظم شرفه (26) تأتلف (27)، وشؤبوب حبائه (28) يكف (29). ونائل يديه فاض (30)،
__________
(1) أي عفافه وكفّ نفسه عن الهوى.
(2) أي زانه بمعنى زينه.
(3) النهج الطريق أي طريقه القويم أي المستقيم.
(4) أي ظهر ووضح.
(5) أي عقله وذكاؤه.
(6) أي اختبر الأمور وعرفها.
(7) أي وصفه.
(8) بمعنى ذاع وشاع حتى وصل إلى الشرق والغرب.
(9) أي مقلّب للأمور ومنه قول معاوية حين احتضر أنكم لتحوّلون خوّلا قلّبا ولو وقي كبّة النار.
(10) أي كثير السبق في المعالي.
(11) غالب في البر.
(12) ذو فطنة وذكاء.
(13) يأتي بالغريب العجيب.
(14) أي راغب عن الدنيا من عزفت نفسه عن الشيء إذا انصرفت عنه وزهدت فيه.
(15) أي مبغض للرذائل من عاف الطعام إذا كرهه قال:
وإني لشرّاب المياه إذا صفت ... وإني إذا كدرتها لعيوف.
(16) ومخلاف متلاف يعنون بذلك أنه ذو حماسة وسماحة وذلك أنه يجعل ما استباح من أموال أعدائه خلفا مما أتلف بالإنفاق في حقوق أوليائه.
(17) أصله الفرس الأبيض الوجه فاستعاره لحسن صفاته وكرمه.
(18) أي رفيع القدر.
(19) ذو أنفة.
(20) هو من يأتي بالفلق وهو الداهية والأمر العجيب كالفليقة.
(21) أي أتى بالبيان وهو الفصاحة.
(22) عالم بالأمور.
(23) أي حدث.
(24) قتال.
(25) عظم.
(26) أي صفاته الشريفة.
(27) أي تتناسق.
(28) الشؤبوب قطعة من المطر والحبا العطاء أي عطاؤه الكثير.
(29) يقطر ويسيل.
(30) في معنى ما قبله.(1/264)
وشحّ قلبه غاض (1). وخلف سخائه يحتلب (2)، وذهب عيابه (3) يحترب (4). من لفّ لفّه فلج وغلب (5)، وتاجر بابه جلب وخلب (6). كفّ عن هضم بزيّ (7)، وبرىء من دنس غويّ (8). وقرن ليانه (9) بعزّ، ونكّب عن مذهب كزّ (10). ليس بوثّاب عند نهزة شرّ، بل يعفّ (11) عفّة برّ.
فلذا يحبّ ويستحقّ عفافه
شغفا به (12) فلبابه (13) خلّاب (14)
أخلاقه غرّ ترفّ (15) وفوقه (16)
فوق إذا ناضلته غلّاب
سجح (17) يهشّ (18) وذو تلاف (19) إن هفا
خلّ (20) فليس بحقّه يرتاب
لا باخل بل باذل خرق (21) إذا
يعترّ (22) برز (23) لا يليه باب
__________
(1) أي امتنع.
(2) الخلف بالكسر الثدي والضرع والسخاء الجود شبهه في الفيض بالثدي في الاحتلاب.
(3) جمع عيبة وهي وعاء الثياب وقد يوضع فيها المال.
(4) أي يستلب.
(5) أي من عدّ في حفله وانضوى إلى شمله فاز بنيله واللف بالكسر الجماعة وبالفتح الضم والجمع.
(6) جلب الشيء جذبه وخلب الشيء قطفه وأماله لنفسه.
(7) أي امتنع عن ظلم من ليس بظالم.
(8) أي ضال.
(9) بالفتح أي لينه وبالكسر أي ملاينته.
(10) مال عن طريق البخل والكز والكزازة الانقباض واليبس.
(11) أي يكف نفسه عما لا يحل له.
(12) أي حبا فيه.
(13) أي خالص عفافه.
(14) خدّاع من قولهم إذا لم تغلب فاخلب.
(15) أي تبرق وتلمع.
(16) فوق السهم بالضم فرجة رأسه وهي موضع الوتر.
(17) بضمتين سهل الخلق.
(18) أي يتبسم.
(19) أي إنه يتلافى ويتدارك ما يحصل.
(20) أي إن حصلت هفوة من خليله تداركها.
(21) بالكسر سخي.
(22) يؤتى.
(23) ظاهر غير محجوب.(1/265)
إن عضّ (1) أزل (2) فلّ (3) غرب عضاضه (4)
بمنابه (5) فانحتّ منه ناب (6)
وجدير بمن لبّ (7) وفطن (8)، وقرب وشطن (9)، أن أذعن لقريع زمن (10)، وجابر زمن (11) مذ رضع ثدي لبانه (12)، خصّ بإفاضة تهتانه (13). نعش وفرّج، وضافر (14) فأبهج. ونافر (15) فأزعج، وفاء (16) بحقّ أبلج (17)، أتعب من سيلي (18)، وقرّظ (19) إذ هزّ وبلي (20). وتوّج صفاته (21)، بحبّ عفاته (22).
فلا خلا (23) ذا بهجة ... يمتدّ ظلّ خصبه
فإنّه برّ بمن ... آنس ضوء شهبه (24)
زان (25) مزايا (26) ظرفه (27) ... بلبس خوف ربّه
فليهن سيّدنا فوزه بمفاخر تأثّلت (28) وجلّت (29)، وفوته (30) بصنائع (31) تمّت (32)
__________
(1) ضيّق وشد.
(2) أي جدب وضيق عيش.
(3) أي كسر.
(4) أي حده.
(5) أي بقيامته مقامه ونيابته عنه.
(6) فانقشر وانتثر نابه يريد أن الجدب إذا حصل يطرده ويرده بكرمه.
(7) عقل.
(8) تفطن.
(9) بعد.
(10) بفتح الميم أي لسيد مختار في زمنه.
(11) بفتح الميم أيضا ومعناه حال الزّمن بكسرها فهو مرادف للزمانة التي هي تعطل القوى.
(12) اللبان لبن المرأة خاصة وقيل اللبان كالرضاع.
(13) مصدر هتنت السماء إذا هطلت.
(14) أي عاون.
(15) فاخر وخاصم.
(16) أي رجع.
(17) أي ظاهر.
(18) كناية عن حسن سيرته بالرعية وقصور من يلي بعده من كنهه.
(19) أي مدح.
(20) أي إذ حرّك للجود واختبر.
(21) أي زادها حسنا.
(22) أي بحبه سائليه.
(23) أي فلا زال وهو دعاء له.
(24) أي رأى نور صفاته.
(25) زين.
(26) جمع مزية وهي الفضيلة.
(27) كياسنه وعقله.
(28) أي تأصلت من الأثلة وهي الأصل.
(29) أي عظمت.
(30) أي سبقه على أقرانه.
(31) جمع صنيعة وهي المعروف.
(32) من التمام لا نمت من النموّ كما في بعض النسخ فإنه يكون مكرّرا مع ما يأتي بعد أسطر.(1/266)
ونمّت (1). ويلائم (2) قرب حضرته، غوث رقّه (3) بحظّ (4) من حظوته (5). فإنّه تليد ندب (6)، وشريد جدب (7)، وجريح نوب (8) أثّرت، وناظم قلائد (9) تسيّرت.
إذا جاش (10) لخطبة فلا يوجد قائل، ثمّ قسّ (11) ثمّ (12) باقل (13). فإن حبّر (14)
قلت حبر (15)، نمنمت (16). وخلت رياضا قد نمت. هذا ثمّ شربه (17) برض (18)، وقوته (19) قرض (20)، وفلقه غسق (21)، وجلبابه خلق (22). وقد قلق (23) لتوغّر غريم (24) غاشم (25)، يستحثّه (26) بحقّ لازم. فإن منّ سيّدنا بكفّه (27)، بهبات كفّه (28)، توشّح (29) بمجد فاق (30)، وباء بأجر فكّي من وثاق (31). لا خلت (32) سجايا (33)
خلقه، ترفد (34) شائم برقه (35)، بمنّ ربّ أزليّ (36)، حيّ أبديّ (37). قال: فلمّا
__________
(1) بالتشديد من النميمة أي دلت على الكرم.
(2) يوافق.
(3) أي إغاثة رقيقه وعبده يعني نفسه.
(4) أي بنصيب.
(5) بالضم والكسر أي من قربه منه.
(6) أي ولد كريم بإبدال التاء من الواو.
(7) أي طريد قحط.
(8) جمع نوبة بمعنى النائبة.
(9) جمع قلادة المراد بها ملح الكلام المنظور والمنثور.
(10) أي تهيأ من جاش الوادي إذا زخر.
(11) هو قس بن ساعدة الإيادي أسقف نجران كان من الخطباء وهو أوّل من قال أما بعد وخطبته بسوق عكاظ معروفة.
(12) أي هناك.
(13) هو الذي يضرب به المثل في اللكنة والعيّ في الكلام يعني أن قسا عنده يصير باقلا.
(14) أي إن كتب وأنشأ.
(15) جمع حبرة وهي ثياب نفيسة.
(16) أي نقشت.
(17) أي مشروبه وحظه من الماء.
(18) أي قليل.
(19) أي مؤونته.
(20) أي يقترض ما يتقوت به لعدم اقتداره.
(21) أي صبحه ليل.
(22) أي لباسه بال.
(23) اضطرب قلبه.
(24) التوغر الاغتياظ من الوغرة وهي شدة الحرّ والغريم هو رب الدين.
(25) أي ظالم.
(26) أي يطلبه طلبا حثيثا أكيدا.
(27) أي بمنعه.
(28) الهبات جمع الهبة وهي العطية أي بعطايا يده.
(29) أي تقلد وتزين.
(30) أي برفعة قدر زائدة.
(31) رجع فائزا بتخليصي من يده.
(32) بمعنى لا برحت.
(33) جمع سجية بمعنى الطبيعة.
(34) تعطي وتعين.
(35) شام البرق رآه ونظره والمراد راجي كرمه.
(36) قديم بلا ابتداء.
(37) باق بلا انتهاء.(1/267)
استشفّ (1) الأمير لآليها (2)، ولمح (3) السّرّ المودع فيها، أوعز (4) في الحال بقضاء ديني، وفصل بين خصمي وبيني. ثمّ استخلصني (5) لمكاثرته (6)، واختصّني بأثرته (7). فلبثت (8) بضع سنين (9)، أنعم (10) في ضيافته، وأرتع (11)
في ريف رافته (12). حتّى إذا غمرتني (13) مواهبه (14)، وأطال ذيلي (15) ذهبه، تلطّفت في الارتحال (16)، على ما ترى من حسن الحال. قال: فقلت له: شكرا لمن أتاح (17) لك لقيان (18) السّمح (19)، الكريم، وأنقذك به من ضغطة (20)
الغريم. فقال: الحمد لله على سعادة الجدّ، والخلوص من الخصم الألدّ (21).
ثمّ قال: أيّما أحبّ إليك أن أحذيك (22) من العطاء، أم أتحفك (23) بالرّسالة الرّقطاء.
فقلت: إملاء الرّسالة أحبّ إليّ. فقال: وهو وحقّك! أخفّ عليّ، فإنّ نحلة (24)
ما يلج (25) في الآذان، أهون من نحلة ما يخرج من الأردان (26). ثمّ كأنّه أنف (27)
__________
(1) أبصر وفهم.
(2) أراد باللآلي ألفاظها الفصيحة وعباراتها المليحة.
(3) نظر.
(4) يقال أوعز إليه بكذا ووعز تقدّم. وأمر له به.
(5) أي جعلني خالصا.
(6) أي لمفاخرته بكثرة العدد.
(7) أي بفضيلته وتقدمه قال فلان ذو أثرة عند الأمير أي صاحب فضيلة وتقدم.
(8) فمكثت وأقمت.
(9) البضع ما بين الثلاث إلى التسع.
(10) أي أتنعم وأتمتع بالنعم.
(11) أي أرعى.
(12) أي في خصب رأفته.
(13) عمتني وغطتني بكثرتها.
(14) جمع موهبة بمعنى الهبة والعطية.
(15) عبارة عن سعة الحال والغنى.
(16) أي انسللت بلطف.
(17) أي قدّر ووفق.
(18) بالكسر والضم مصدر لقيته أي صادفته.
(19) ذي السماحة.
(20) بالضم الشدة وأما بالفتح فمعناه العصرة ومنه ضغطة القبر قال أبو العتاهية وضغطة القبر تنسي ليلة العرس.
(21) الشديد الخصومة.
(22) أعطيك.
(23) أتحفه أعطاه التحفة وهي ما لطف واستحسن في النظر.
(24) هي الإعطاء ومنها نحلت المرأة أعطيتها مهرها نحلة.
(25) يدخل.
(26) جمع ردن بالضم أصل الكم.
(27) استنكف.(1/268)
واستحيا، فجمع لي بين الرّسالة والحذيا (1). ففزت منه بسهمين (2)، وفصلت (3)
عنه بغنمين (4)، وأبت (5) إلى وطني قرير العين (6)، بما حزت من الرّسالة والعين (7).
__________
(1) العطية.
(2) أي بنصيبين.
(3) أي انفصلت.
(4) الغنم بالضم بمعنى الغنيمة.
(5) رجعت.
(6) أي مسرورا.
(7) الذهب والفضة.(1/269)
المقامة السابعة والعشرون الوبريّة
حكى الحارث بن همّام، قال: ملت في ريّق (1) زماني الذي غبر (2)، إلى مجاورة أهل الوبر (3)، لآخذ إخذ نفوسهم (4) الأبيّة (5)، وألسنتهم العربيّة.
فشمّرت (6) تشمير من لا يألو (7) جهدا (8)، وجعلت أضرب في الأرض (9) غورا (10)
ونجدا (11)، إلى أن اقتنيت (12) هجمة (13) من الرّاغية (14)، وثلّة (15) من الثّاغية (16).
ثمّ أويت (17) إلى عرب أرداف أقيال (18)، وأبناء أقوال (19)، فأوطنوني (20) أمنع
__________
(1) بالتشديد وقد يخفف أي أوّله.
(2) أي مضى وتقدّم.
(3) هم أهل البدو ويقال ما رأيت في الوبر والمدر مثله أي في البدو والحضر ومنه قول عامر بن الطفيل على أن لي الوبر ولك المدر وهذا مجاز.
(4) أي لأقتدي بهم ومنه قولهم لو كنت منا لأخذت بإخذنا أي بخلائقنا والإخذ بكسر الهمزة المذهب والطريقة وبفتحها مصدر سمي به.
(5) التي تأبى الرذائل.
(6) أي شرعت أجد وأجتهد.
(7) يقصر.
(8) الجهد بالضم الطاقة وبالفتح من قولك اجهد جهدك في كذا أي ابلغ غايتك فيه.
(9) أي أسير فيها.
(10) ما انخفض من الأرض.
(11) ما ارتفع منها.
(12) اتخذت وقنيت.
(13) هي من الإبل أولها الأربعون إلى ما زاد.
(14) الإبل.
(15) أي قطيعا.
(16) الغنم.
(17) ملت وانضممت.
(18) أي وزراء ملوك.
(19) أي فصحاء.
(20) أي أحلوني وأنزلوني.(1/270)
جناب (1)، وفلّوا (2) عنّي حدّ كلّ ناب، فما تأوّبني (3) عندهم همّ، ولا قرع صفاتي سهم (4). إلى أن أضللت (5) في ليلة منيرة البدر، لقحة (6) غزيرة الدّرّ (7)، فلم أطب نفسا (8) بإلغاء طلبها (9)، وإلقاء حبلها على غاربها (10). فتدثّرت (11) فرسا محضارا (12)، واعتقلت لدنا (13) خطّارا (14)، وسريت ليلتي جمعاء (15)، أجوب البيداء (16)، وأقتري (17) كلّ شجراء (18) ومرداء (19). إلى أن نشر الصّبح راياته (20)، وحيعل الدّاعي (21) إلى صلاته. فنزلت عن متن الرّكوبة (22)، لأداء المكتوبة (23). ثمّ حلت (24) في صهوتها (25)، وفررت (26) عن شحوتها (27)، وسرت لا أرى أثرا إلّا قفوته (28)، ولا نشزا (29) إلّا علوته، ولا واديا (30) إلّا جزعته (31)، ولا راكبا إلّا استطلعته (32). وجدّي مع ذلك يذهب هدرا (33) ولا يجد ورده صدرا (34)، إلى أن
__________
(1) أي أحصن ناحية.
(2) أي كسروا.
(3) أي فما أصابني والتأويب في الأصل السير أوّل الليل.
(4) قرع الصفاة كناية عن التنقص والعيب والسهم واحد السهام.
(5) أي ذهبت لي ضالة.
(6) أي ناقة حلوبا.
(7) أي كثيرة اللبن.
(8) فما طابت نفسي ولا سمحت.
(9) أي بترك البحث عنها.
(10) إلقاء الحبل على الغارب مثل في الإهمال وتخلية السبيل.
(11) تدثر الرجل فرسه إذا وثب عليه فركبه.
(12) كثير الحضر وهو العدو والسرعة.
(13) اعتقل الرمح إذا وضعه بين ساقه وركابه واللدن الرمح.
(14) كثير الاهتزاز لطوله ولدونته كما قيل:
لدن بهز الكف يغسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب.
(15) أي جميعها.
(16) أي أقطع الصحراء والمفازة.
(17) أتتبع.
(18) أرض شجراء ذات شجر كثير.
(19) هي التي لا نبات بها.
(20) أي انتشر نور الصبح.
(21) أي أذّن المؤذن للصلاة.
(22) أي أظهر الدابة المركوبة.
(23) أي لصلاة الصبح.
(24) أي وثبت وركبت.
(25) الصهوة مقعد الفارس من الفرس.
(26) أي بحثت.
(27) خطوها.
(28) تبعته.
(29) هو المكان المرتفع.
(30) هو ما انخفض من الأرض.
(31) قطعته عرضا.
(32) سألته واستخبرته عن القحة.
(33) بغير طائل.
(34) الورد أصله من ورود الماء والصدر الرجوع عنه يريد أنه لم يستفد فائدة عن ضالته.(1/271)
حانت (1) صكّة عميّ (2)، ولفح (3) هجير (4) يذهل (5) غيلان (6) عن ميّ (7).
وكان يوما أطول من ظلّ القناة (8)، وأحرّ من دمع المقلات (9). فأيقنت أنّي إن لم أستكنّ (10) من الوقدة (11)، وأستجمّ (12) بالرّقدة (13)، أدنفني (14) اللّغوب (15)، وعلقت بي (16) شعوب (17). فعجت (18) إلى سرحة (19) كثيفة (20) الأغصان، وريقة (21)
الأفنان (22)، لأغوّر (23) تحتها إلى المغيربان (24)، فو الله ما استروح (25) نفسي (26)، ولا استراح فرسي، حتّى نظرت إلى سانح (27)، في هيئة سائح (28)، وهو ينتجع نجعتي (29)، ويشتدّ (30) إلى بقعتي (31). فكرهت انعياجه (32) إلى معاجي (33)،
__________
(1) أي آنت.
(2) هي أشد ما يكون من الحرّ حين كاد الحرّ يعمي البصر وعن الفراء حين يقوم قائم الظهيرة وقال بعضهم إن عميا هو الحرّ بعينه وأنشد: وردت عميا والغزالة برنس. وعمي تصغير أعمى مرخما.
(3) اللفح إصابة حر الشمس والنار.
(4) الهجير والهاجرة وسط النهار.
(5) يشغل وينسي.
(6) اسم ذي الرمة الشاعر.
(7) هي بنت قيس عشيقته ويقال مية أيضا كما في قوله ديار مية إذ ميّ تساعفنا.
(8) هي الرمح وفي فقه اللغة إذا اجتمع في العصا الطول والسنان فهي القناة.
(9) المقلات هي المرأة التي لا يعيش لها ولد فدمعها يكون حارّا فضرب به المثل في الحرارة.
(10) أي أطلب كنا أتقي به.
(11) شدّة الحر.
(12) أي أسترح والجم والجمام ذهاب الإعياء.
(13) أي بالرقاد وهو النوم.
(14) أي أمرضني.
(15) الإعياء والتعب.
(16) أي لحقتني وتعلقت بي.
(17) بالفتح علم على المنيّة.
(18) أي ملت وعطفت.
(19) شجرة لها عنب يسمى ألاء.
(20) أي متراكمة.
(21) كثيرة الأوراق.
(22) جمع فنن بالتحريك أطراف الأغصان.
(23) أي لأقيل.
(24) تصغير المغرب على غير القياس.
(25) مثل استراح أي وجد الريح أو الراحة وأراحه فاستراح من الراحة لا غير.
(26) بالتحريك أي ما تنفست بعد الوقوف.
(27) من سنح إذا عرض.
(28) ذاهب في الأرض.
(29) أي يقصد جهتي.
(30) وفي نسخة يستنّ وهما بمعنى يعدو ويجري.
(31) أي مكاني والبقعة من الأرض ما يخالف لونها لون ما يليها.
(32) انعطافه.
(33) محلى الذي عجت إليه.(1/272)
فاستعذت بالله من شرّ كلّ مفاجي (1). ثمّ ترجّيت أن يتصدّى (2) منشدا (3)، أو يتبدّى (4) مرشدا (5). فلمّا اقترب من سرحتي (6)، وكاد يحلّ بساحتي، ألفيته (7) شيخنا السّروجيّ متّشحا (8) بجرابه، ومضطغنا (9) أهبة تجوابه (10).
فانسني (11) إذ ورد، وأنساني ما شرد (12) ثمّ استوضحته من أين أثره (13)، وكيف عجره وبجره (14)، فأنشد بديها (15)، ولم يقل إيها (16):
قل لمستطلع دخيلة أمري (17) ... لك عندي كرامة (18) وعزازه
أنا ما بين جوب (19) أرض فأرض ... وسرى (20) في مفازة (21) فمفازه
زادي الصّيد والمطيّة نعلي ... وجهازي الجراب والعكّازه (22)
فإذا ما هبطت (23) مصرا (24) فبيتي ... غرفة الخان (25) والنّديم جزازه (26)
ليس لي ما أساء (27) إن فات أو أحزن ... إن حاول (28) الزّمان ابتزازه (29)
__________
(1) مباغت وهو من يأتي بغتة.
(2) يتعرض.
(3) معرفا للضالة.
(4) يظهر.
(5) أي دالّا.
(6) شجرتي.
(7) وجدته.
(8) أي مشتملا اتشح به أي احتمله وجعله كالوشاح.
(9) اضطغن الشيء إذا أخذه تحت حضنه.
(10) أي سيره في الأرض وقطعه لها.
(11) من الأنس.
(12) هو الناقة الضالة.
(13) أي طلبت منه إيضاح أمر سفره وطريقه.
(14) حاله باطنا وظاهرا.
(15) أي من غير تروّ.
(16) أي لم يأمرني بالكف.
(17) أي باطنه.
(18) بالنصب مرويا عن المصنف وانتصابه على الحكاية لأنهم يقولون نعم وكرامة أي وإكرامك كرامة.
(19) أي قطع.
(20) هو السير في الليل.
(21) هي أرض لا يهتدى فيها فتكون مهلكة وسموها مفازة تفاؤلا إذ المفازة من الفوز وهو الظفر.
(22) هي عصا في أسفلها زجّ ويقال لها أيضا العنزة محركة.
(23) أي نزلت ودخلت.
(24) أي مدينة.
(25) الخان بناء يسكنه شذاذ الناس وكأنه معرّب وغرفته العلية تكون فيه.
(26) أي ونديمي الذي أتسلى معه جزازة واحدة الجزازات وهي وريقات يعلق فيها الفوائد وبها يستأنس الفضلاء ولله أبو الطيب حيث يقول:
أعز مكان في الدنى سرج سابح ... وخير جليس في الزمان كتاب.
(27) بضم الهمزة أي أحزن عليه.
(28) أي طلب بالحيلة.
(29) استلابه.(1/273)
غير أنّي أبيت خلوا (1) من الهمّ ... ونفسي عن الأسى (2) منحازه (3)
أرقد اللّيل ملء جفني وقلبي ... بارد من حرارة وحزازه (4)
لا أبالي من أيّ كأس تفوّقت (5) ... ولا ما حلاوة من مزازه (6)
لا ولا أستجيز أن أجعل الذّلّ ... مجازا إلى تسنّي (7) إجازه (8)
وإذا مطلب كسا حلّة العا ... ر فبعدا لمن يروم نجازه (9)
ومتى اهتزّ (10) للدّناءة (11) نكس (12) ... عاف (13) طبعي طباعه واهتزازه (14)
فالمنايا ولا الدّنايا (15) وخير ... من ركوب الخنا (16) ركوب الجنازه (17)
ثمّ رفع إليّ طرفه، وقال: لأمر ما جدع قصير أنفه (18). فأخبرته خبر ناقتي السّارحة (19)، وما عانيته (20) في يومي والبارحة (21). فقال: دع الالتفات، إلى
__________
(1) أي خليا.
(2) الحزن.
(3) أي بعيدة منعزلة.
(4) هي وجع يعتري القلب من الحزن والهم.
(5) أي شربت شيئا بعد شيء يقال تفوق الفصيل اللبن إذا شربه كذلك والفواق ما بين الحلبتين من الوقت قال الشاعر:
تخوّف ما لي من طريف وتالد ... تفوّقي الصهباء من حلب الكرم.
(6) هي طعم بين الحلاوة والحموضة.
(7) تسهل.
(8) هي هنا إعطاء الجائزة أي لا أرتضي أن أجعل الذل طريقا وممرّا إلى تسهيل وصول الجائزة لي.
(9) أي إنجازه ومعنى البيت أن من رغب في شيء يؤدي إلى ارتكاب العار والنقيصة وأراد إنجازه يستحق أن يقال له بعدا لك أي أبعده الله عن الخير.
(10) أي فرح واشتاق.
(11) أي الخساسة.
(12) لئيم ذيل أو ضعيف والنكس من الخيل المتأخر في الحلبة الذي لا يلحق من سبقه وأصل النكس السهم ينكسر فوقه بالضم فيجعل أعلاه أسفله فلا يعود كما كان.
(13) أي كره.
(14) أي فرحه واشتياقه.
(15) المنايا جمع المنية وهي الموت والدنايا جمع الدنية بمعنى النقيصة والعار كأنه يقول اختار الموت والمصائب على ارتكاب المعائب كما يقال النار لا العار.
(16) الفحش.
(17) بالكسر النعش يحمل عليه الميت وبالفتح الميت نفسه.
(18) هو مثل يضرب لما يستعظم حصوله وقصير رجل معروف وهو صاحب جذيمة الأبرش وقصته في جدع أنفه ستأتي في تفسير هذه المقامة.
(19) الذاهبة في بكور النهار.
(20) قاسيته وفي بعض النسخ عاينته وهو تصحيف.
(21) الليلة الماضية.(1/274)
ما فات. والطّماح (1)، إلى ما طاح (2). ولا تأس (3) على ما ذهب (4)، ولو أنّه واد من ذهب. ولا تستمل من مال (5) عن ريحك (6)، وأضرم (7) نار تباريحك (8)، ولو كان ابن بوحك (9)، أو شقيق روحك (10)! ثمّ: قال: هل لك في أن تقيل (11)، وتتحامى القال والقيل (12)، فإنّ الأبدان أنضاء (13) تعب، والهاجرة (14) ذات لهب (15). ولن يصقل الخاطر (16)، وينشّط الفاتر (17)، كقائلة الهواجر، وخصوصا في شهري ناجر (18). فقلت ذاك إليك (19)، وما أريد أن أشقّ عليك. فافترش التّرب (20)
واضطجع (21)، وأظهر أن قد هجع (22). وارتفقت (23) على أن أحرس، ولا أنعس.
فأخذتني السّنة (24)، إذ زمّت الألسنة (25). فلم أفق (26) إلّا واللّيل قد تولّج (27)،
__________
(1) رفع البصر إلى الشيء.
(2) أي ذهب وهلك.
(3) أي لا تأسف وتحزن.
(4) أي ما مرّ ومضى.
(5) تطلب ميله وانعطافه إليك.
(6) أي جهتك وجانبك.
(7) أشعل وأوقد.
(8) أي غمومك جمع تبريح وهو الشدة يقال برّح به الشوق أي كشف ما عنده من شدّته.
(9) أي ابن نفسك وفي المثل ابنك ابن بوحك شارب صبوحك معناه إن ابنك من ولدته لا من تبنيته وقيل البوح الأصل.
(10) الشقيق الأخ من الأبوين معا.
(11) أي أن ترقد وسط النهار ويروي نقيل بالنون وكذا نتحامى أي نتجنب.
(12) اسمان من القول وهو الكلام.
(13) مهازيل جمع نضو بكسر النون وهو البعير المهزول من السفر والمراد أن السفر أتعبنا.
(14) شدّة الحر.
(15) كناية عن شدّة الحر.
(16) أي يجلوهم القلب ويزيل ما به.
(17) أي يقوي الضعيف.
(18) هما أحر أشهر السنة وإنما قيل شهرا ناجر لأن الإبل تنحر فيهما أي تمرض وذلك إذا اشتدّ عطشها حتى يبست جلودها.
(19) أي أمره بيدك.
(20) أي جعل التراب فرشه.
(21) أي نام.
(22) أنه قد نعس.
(23) اتكأت على مرفقي.
(24) بالكسر أوّل النوم.
(25) أي كفّت عن الكلام وفي نسخة لما زمت.
(26) أي لم أنتبه.
(27) دخل.(1/275)
والنّجم قد تبلّج (1) ولا السّروجيّ ولا المسرج (2)، فبتّ بليلة نابغيّة (3)، وأحزان يعقوبيّة (4)، أساور الوجوم (5)، وأساهر النّجوم. أفكّر تارة في رجلتي (6)، وأخرى في رجعتي، إلى أن وضح لي عند افترار ثغر الضّوّ (7)، في وجه الجوّ، راكب يخد في الدّوّ (8)، فألمعت إليه بثوبي (9)، ورجوت أن يعرّج إلى صوبي (10). فلم يعبأ (11) بإلماعي، ولا أوى (12) لالتياعي (13)، بل سار على هينته، وأصماني (14)، بسهم إهانته. فأوفضت (15) إليه لأستردفه (16)، وأحتمل (17) تغطرفه (18)، فلمّا أدركته بعد الأين (19)، وأجلت (20) فيه مسرح العين (21)، وجدت ناقتي مطيّته، وضالّتي (22) لقطته (23). فما كذّبت (24) أن أذريته (25) عن سنامها، وجاذبته طرف
__________
(1) ظهر وأضاء.
(2) أي لم يجد أبا زيد ولا فرسه.
(3) منسوبة إلى النابغة الذبياني شاعر مشهور. روي عن الأصمعي أنه قال انصرفت ذات ليلة من دار الرشيد وأنا أشكو علة ثم غدوت إليه فقال كيف بت قلت بت بليلة النابغة فقال إنا لله هو والله قوله:
فبتّ كأني ساورتني ضئيلة ... من الرّقش في أنيابها السم ناقع
فقلت إنما أردت قوله:
كليني لهمّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب.
(4) نسبة إلى يعقوب أبي يوسف عليهما السلام.
(5) أي أواثب وأدافع عني الحزن.
(6) أي كوني راجلا حيث لم أجد فرسي.
(7) ابتسام فم النور كناية عن طلوع الفجر.
(8) أي يسرع في الفلاة والوخد نوع من السير وهو أن يرمي البعير بقوائمه كمشي النعام والدو والدويّة المفازة.
(9) ألمع بثوبه وأشار به وهو أن يرفعه حتى يبدو للمشار إليه لمعانه.
(10) أي يميل إلى جهتي.
(11) أي فلم يهتم.
(12) أي ولم يرحم ويشفق.
(13) حرقة قلبي لأن الالتياع حرقة القلب.
(14) يقال أصماه إذا أصاب صميمه فقتله والمراد أنه غاظه غيظا كاد يقتله.
(15) أي أسرعت ومنه الحديث استوفضوه عاما أي غربوه.
(16) أي ليحملني خلفه.
(17) أي أحمل كما في بعض النسخ.
(18) أي تكبره وتيهه والغطريف السيد.
(19) التعب والإعياء.
(20) أي أدرت وردّدت.
(21) منظرها.
(22) أي ضائعي.
(23) اللقطة ما يلتقطه الشخص من الأشياء الضائعة.
(24) أي فلم أتأخر.
(25) ألقيته.(1/276)
زمامها (1). وقلت له: أنا صاحبها ومضلّها (2)، ولي رسلها (3) ونسلها (4). فلا تكن كأشعب (5)، فتتعب وتتعب. فأخذ يلدغ (6) ويصئي (7)، ويتّقح (8) ولا يستحيي. وبينا هو ينزو (9) ويلين، ويستأسد (10) ويستكين (11)، إذ غشينا (12) أبو زيد لابسا جلد النّمر (13)، وهاجما هجوم السّيل المنهمر (14). فخفت والله أن يكون يومه كأمسه (15)، وبدره مثل شمسه، فألحق بالقارظين (16)، وأصير خبرا بعد عين.
فلم أر إلّا أن أذكرته العهود المنسيّة (17)، والفعلة الإمسيّة (18)، وناشدته الله (19)، أوافى (20) للتّلافي (21)، أم لما فيه إتلافي!؟ فقال: معاذ الله أن أجهز على مكلومي (22)، أو أصل حروري بسمومي (23). بل وافيتك لأخبر كنه حالك (24)،
__________
(1) نازعته في زمامها وهو ما تجرّ به الدابة.
(2) الذي أضاعها وصاحب الضالة.
(3) لبنها.
(4) ولدها.
(5) اسم رجل طماع يضرب به المثل وكان مزّاحا ظريفا وكان في عهد ابن عمرو إياه أراد من قال:
فإذا اجتمعت أنا وأنت بمجلس ... قالوا مسيلمة وهذا أشعب
ونوادره جمة منها أنه مر برجل يصنع زنبيلا فقال وسعه قال ولم فقال لعل الذي يشتريه يهدي إليّ فيه شيئا ومر برجل يمضغ علكا فتبعه أكثر من ميل حتى علم أنه علك.
(6) أي يؤذي بلسانه.
(7) يصيح.
(8) أي يفعل الوقاحة وعدم الحياء.
(9) أي يشتد ويثب.
(10) أي يقوى كالأسد.
(11) أي يخضع ويذل.
(12) أتانا وهجم علينا.
(13) هذا مثل يضرب لمن غضب بعد الرضى.
(14) الشديد السكب.
(15) أي أن يكون صنعه معي في هذه المرّة مثل صنعه فيما سبق من كونه يتركني ويذهب.
(16) هما رجلان يضرب بهما المثل فيمن لم يرجع من ذهابه.
(17) أي المتروكة السابقة.
(18) بكسر الهمزة نسبة للأمس وهو من تغيرات النسب.
(19) أقسمت عليه بالله.
(20) أي هل أتى.
(21) أي لتدارك ما حصل منه.
(22) المكلوم الجريح وأجهز عليه أتم قتله أي لا يفعل معه في هذا اليوم كما فعل بالأمس.
(23) الحرور ريح حارة ليلا والسموم ريح حارة نهارا.
(24) أي حقيقته.(1/277)
وأكون يمينا لشمالك (1). فسكن عند ذلك جاشي (2)، وانجاب (3) استيحاشي (4)، وأطلعته طلع اللّقحة (5)، وتبرقع صاحبي بالقحة (6). فنظر إليه نظر ليث العرّيسة (7)، إلى الفريسة (8)، ثمّ أشرع قبله الرّمح (9)، وأقسم له بمن أنار الصّبح، لئن لم ينج منجى الذّباب (10)، ويرض من الغنيمة بالإياب (11)، ليوردنّ سنانه وريده (12)، وليفجعنّ به وليده (13) ووديده (14). فنبذ (15) زمام النّاقة وحاص (16)، وأفلت وله حصاص (17). فقال لي أبو زيد: تسلّمها وتسنّمها (18)، فإنّها إحدى الحسنيين (19)، وويل أهون من ويلين. قال الحارث بن همّام:
فحرت (20) بين لوم أبي زيد وشكره، وزنة نفعه بضرّه. فكأنّه نوجي بذات
__________
(1) أي معين لك كإعانة اليمين للشمال.
(2) الجأش روع القلب واضطرابه عند الفزع وفي المجموع جشأت النفس وجاشت همت بالضرار ومنه قول عمرو بن الإطنابة:
وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي.
(3) ارتفع وانكشف.
(4) توحشي وهو ضد الأنس.
(5) أي خبر الناقة الحلوب الضالة.
(6) أي تلبسه بالوقاحة وصلابة الوجه.
(7) أي كنظر الأسد والعرّيس والعرّيسة بكسر العين وتشديد الراء مع كسرها أيضا موضع الأسد ومأواه.
(8) ما يفترسه السبع ويأكله من الصيد.
(9) أي سدده نحو الخصم.
(10) مثل للذليل يكون عليه واقية من لؤمه وخسته كما قال الصولي:
نجا بك لؤمك منجى الذباب ... حمته مقاذيره إن ينالا
وفي نسخة عرضك.
(11) أي إنه يغتنم العود والرجوع إلى وطنه مأخوذ من قول امرىء القيس:
لقد طوفت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب.
(12) أي ليولجنّ كأنه يقول إن لم تذهب بنفسك ذليلا راضيا لأطعنّنك بسنان هذا الرمح في وريدك والوريد عرق بجانب الحلقوم.
(13) أي ولده.
(14) محبه وصديقه.
(15) أي ألقى وطرح.
(16) أفلت وفرّ.
(17) هو العدو والضراط.
(18) أي اركب سنامها.
(19) الغنيمة والشهادة.
(20) أي فتحيرت.(1/278)
صدري (1)، أو تكهّن (2) ما خامر سرّي (3)، فقابلني بوجه طليق (4)، وأنشد بلسان ذليق (5):
يا أخي الحامل ضيمي ... دون إخواني وقومي
إن يكن ساءك أمسي ... فلقد سرّك يومي
فاغتفر ذاك لهذا ... واطّرح شكري ولومي
ثمّ قال أنا تئق (6)، وأنت مئق (7)، فكيف نتّفق؟ وولّى يفري أديم الأرض (8)، ويركض طرفه (9)، أيّما ركض (10)! فما عدوت (11) أن اقتعدت مطيّتي (12)، وعدت لطيّتي (13)، حتّى وصلت إلى حلّتي (14)، بعد اللّتيّا والّتي (15).
تفسير ما أودع هذه المقامة من الألفاظ اللغوية والأمثال العربية
قوله (ريّق زماني) ورائقه، يعني أوله. وقد يخفف، فيقال ريق. وقوله (آخذ أخذ نفوسهم الأبيّة)، يعني أقتدي بهم. يقال: منه أخذ إخذه، وأخذه بكسر الهمزة وفتحها. (والهجمة) نحو المائة من الابل، (والثلة) القطيع من الغنم، (والراغية) الابل، (والثاغية) الشاء. ومنه قولهم: ما له راغية ولا ثاغية، أي لا ناقة له ولا شاة.
وقوله (أرداف اقيال)، أي يخلفون الملوك إذا غابوا. وقوله (أبناء أقوال)، أي
__________
(1) أي بما في قلبي.
(2) أي تفرّس وفهم بالظن.
(3) أي ما خالط قلبي.
(4) أي سمح.
(5) الذليق والذّلق الحاد.
(6) أي مغتاظ.
(7) محزون فكان التئق ينزع إلى الشر لغيظه والمئق يضيق ذرعا لاحتماله.
(8) أي يقطع وجهها وهو كناية عن كونه ذهب فيها.
(9) أي يحث فرسه في السير ويسرع.
(10) أي ركضا جيدا.
(11) انصرفت.
(12) ركبت راحلتي.
(13) لقصدي ووجهتي.
(14) الحلة بالكسر والمحلة مجتمع البيوت.
(15) أي بعد مقاساة الدواهي الصغيرة والعظيمة.(1/279)
فصحاء. يقال للمنطيق إنه ابن أقوال. وقوله: (فتدثرت فرسا محضارا) التدثر:
الوثوب على ظهر الفرس. والمحضار والمحضير: الشديد العدو، مأخوذ من الحضر وهو العدو. وقوله (اقتري كل شجراء ومرداء)، الاقتراء تتبع الأرض، والشجراء ذات الشجر. والمرداء: الخالية من النبات. ومنه اشتقاق الأمرد لخلو وجهه من الشعر. وقوله (حيعل الداعي إلى صلاته)، يعني به قول المؤذن: «حيّ على الصلاة حي على الفلاح». والمصدر منه: الحيعلة. ومثله من المصادر الهيللة، والحمدلة، والحولقة، والبسملة، والحسبلة، والسبحلة، والجعلفة. فالهيللة: حكاية: «لا إله إلا الله»، والحمدلة: حكاية قول: «الحمد لله». والحولقة: حكاية قول: «لا حول ولا قوة إلا بالله». والبسملة: حكاية قول «بسم الله». والحسبلة: حكاية قول:
«حسبنا الله». والسبحلة: حكاية قول: «سبحان الله». والجعلفة: حكاية قول «جعلت فداك». قوله (فنزلت عن متن الركوبة)، يعني المركوبة. يقال: ناقة ركوب وركوبة، وحلوب وحلوبة. وقد قرىء. فمنها ركوبتهم، (والصهوة) مقعد الفارس.
(والشحوة) الخطوة، (والجزع) قطع الوادي عرضا. وقوله (صكة عميّ)، يعني به قائم الظهيرة. وقد اختلف في أصله فقيل: كان عميّ رجلا مغوارا، فغزا أقواما عند قائم الظهيرة، وصكهم صكة شديدة فصار مثلا لكل من جاء ذلك الوقت. وقيل:
المراد به الظبي، لأنه يسدر في الهواجر، ويذهب بصره فيصطك، وكذلك الحية.
واصطكاك الظبي بما يستقبله كاصطكاك الأعمى، ثم صغر الأعمى تصغير الترخيم فقيل عميّ، كما صغروا أسود وأزهر، فقالوا: سويد وزهير. وقوله (وكان يوم أطول من ظل القناة)، يوصف اليوم الطويل بظل القناة، كما يوصف اليوم القصير بإبهام القطاة. والعرب تزعم أن ظل الرمح أطول ظل. ومنه قول شبرمة بن الطفيل:
ويوم كظل الرمح قصر طوله ... دم الزق عنا واصطفاف المزاهر
وقوله (أحرّ من دمع المقلات). المقلات، هي المرأة التي لا يعيش لها ولد، فدمعها أبدا حارّ لحزنها. لأنه يقال: إن دمعة الحزن حارّة، وذمعة السرور باردة.
ولهذا قيل للمدعو له: أقرّ الله عينه»، مأخوذ من القرّ وهو البرد. وقيل للمدعو عليه:
«أسخن الله عينه»، مأخوذ من السخنة، وهي الحرارة. وقيل: إن إقرار العين مأخوذ من القرار. فكأنه دعا له أن يرزق ما يقر عينه حتى لا تطمح إلى ما لغيره. وكانت
الجاهلية تزعم أن المقلات إذا وطئت على قتيل شريف عاش ولدها. وإلى هذا أشار بشر بن أبي حازم، في قوله:(1/280)
«أسخن الله عينه»، مأخوذ من السخنة، وهي الحرارة. وقيل: إن إقرار العين مأخوذ من القرار. فكأنه دعا له أن يرزق ما يقر عينه حتى لا تطمح إلى ما لغيره. وكانت
الجاهلية تزعم أن المقلات إذا وطئت على قتيل شريف عاش ولدها. وإلى هذا أشار بشر بن أبي حازم، في قوله:
تظل مقاليت النساء يطأنه ... يقلن ألا يلقى على المرء مئزر
وقوله (علقت بي شعوب)، يعني المنية. ولا يدخل هذا الاسم أداة التعريف مثل دجلة وعرفة. وقوله (لا غوّر تحتها إلى المغيربان). التغوير: النزول للقائلة، كما أن التعريس النزول آخر الليل للتهويم أو الاستراحة. والمغيربان تصغير المغرب، وكان قياس تصغيره المغيرب، إلا أن العرب ألحقت آخره ألفا ونونا على طريق الشذوذ، وقوله (مضطغنا اهبة تجوابه)، الاضطغان أن يحمل الشيء تحت حضنه، والاضطبان أن يحمله تحت ضبنه. والضبن: ما بين الإبط والكشح، وكلاهما متقارب. ويقال: أول مراتب الحمل الابط ثم الضبن، وهو أسفل الإبط، ثم الحضن وهو عند الجنب. والتجواب مصدر جاب. وجميع المصادر التي جاءت على تفعال هي بفتح التاء، إلا قولهم تبيان وتلقاء لا غير. وزاد بعضهم تيصال.
وقوله (عجري وبجري)، يريد به جميع أمري الظاهر والباطن. وأصل العجر العقد الناتئة في العصب، والبجر العقد الناتئة في البطن. وقوله (ولم يقل إيها)، أي لم يأمرني بالكف. يقال للمستزاد إيه وللمستكفّ إيها. وقوله (لأمر ما جدع قصير أنفه)، قصير هذا هو مولى جذيمة الأبرش، وكان جدع أنفه بيده حين قتلت الزباء مولاه، ثم أتاها وأوهمها أن عمرو بن عدي ابن أخت جذيمة هو الذي جدع أنفه، اتهاما له بأنه غش خاله جذيمة إذ أشار عليه بقصدها، فحظي بهذا القول عندها حتى جهزته مرارا إلى العراق، فكان يأتيها بالطّرف منه، إلى أن استصحب في آخر نوبة الرجال في الصناديق، وتوصل إلى قتلها، والأخذ بثأر مولاه منها. وقصته مشهورة.
وقوله (ولو كان ابن بوحك)، يعني ولد الصلب إشارة إلى أنه ولد في باحة الدار، وهي عرصتها وجمعها، بوح. وقيل إن البوح من أسماء الذكر. وقوله (في شهري ناجر)، هما شهرا الحر. وقيل إنهما حزيران وتموز. وأنكر أبو بكر بن دريد هذا القول. وقال: هما طلوع نجمين. وقوله (بت بليلة نابغية)، أومأ به إلى قول النابغة:
فبت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرّقش في أنيابها السم ناقع
وقوله (فألمعت إليه بثوبي)، يعني أشرت إليه. يقال منه ألمع ولمع بمعنى.(1/281)
فبت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرّقش في أنيابها السم ناقع
وقوله (فألمعت إليه بثوبي)، يعني أشرت إليه. يقال منه ألمع ولمع بمعنى.
وقوله (يلدغ ويصئي). هذا مثل يضرب لمن يظلم ويشكو. يقال صأت العقرب، تصئي صئيا وصئيا بفتح الصاد وكسرها إذا صوتت. وكذلك الفرخ. وما أحسن قول ابن الرومي في هذا المعنى:
تشكي المحب وتشكو وهي ظالمة ... كالقوس تصمي الرمايا وهي مرنان
وقوله: (ينزو ويلين). هذا المثل يضرب لمن يتعزز ثم يذل. ويقال: إن أصله الجدي ينزو وهو صغير فإذا كبر لان. وقوله (لابسا جلد النمر)، هذا مثل يضرب للمتقح الجريء لأن النمر أجرأ سبع، وأقله احتمالا للضيم، ومن هذا اشتقاق قولهم تنمر أي صار مثل النمر. وقوله (فالحق بالقارظين)، الأصل في القارظ إنه الذي يجني القرظ، وهو النبات المدبوغ به. والقارظان المشار إليهما أحدهما من عنزة والآخر من النمر بن قاسط. وكانا خرجا يجنيان القرظ فلم يرجعا ولا عرف لهما خبر، فضرب بهما المثل لكل غائب لا يرجى إيابه، وإليهما أشار أبو ذؤيب في قوله:
وحتى يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في القتلى كليب لوائل
وقوله (حروري بسمومي). الحرور: الريح الحارة ليلا، والسموم الريح الحارة نهارا. وقد يقام إحداهما مقام الأخرى مجازا. وقال بعضهم: الحرور يكون ليلا ونهارا، والسموم يختص بالنهار. وقوله (ليث العرّيسة)، يعني مأوى السبع.
ويقال فيه: عرّيس وعرّيسة بإثبات الهاء وحذفها. كما يقال: غاب وغابة وعرين وعرينة. فأما الغيل والخيس فلم يلحقوا بهما الهاء. وقوله (أفلت وله حصاص).
هذا المثل يضرب لمن نجا من هلكة أشفى عليها بعد ما كاد يهوي فيها، والحصاص العدو. وقيل إنه الضراط. وقوله (ويل أهون من ويلين). هذا مثل يضرب تسلية لمن نابه بعض المكروه ومثله قول الراجز:
أبا المنذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض
وقوله (أنا تئق وأنت مئق فكيف نتفق). هذا المثل يضرب للمتنافيين في الخلق. فإن التئق هو الممتلىء غيظا، مأخوذ من قولهم أتأقت الاناء إذا ملأته.
والمئق هو الباكي. فكأن التئق ينزع إلى الشر لغيظه والمئق يضيق ذرعا باحتماله.(1/282)
ومثله قول بعضهم أنا كلف وأنت صلف فكيف نأتلف. وقوله (لطيتي)، يعني لقصدي ووجهتي. وقد يقال فيها طية بالتخفيف. وقوله (بعد اللتيا والتي). اللتيا تصغير التي وهو على غير قياس التصغير المطرد لأن القياس أن يضم أول الاسم إذا صغر. وقد أقرّ هذا الاسم على الفتحة الأصلية عند تصغيره إلا أن العرب عوّضته عن ضم أوله بأن زادت ألفا في آخر، وأجرت أسماء الإشارة عند تصغيرها على حكمه. فقالت في تصغير الذي والتي اللذيّا واللتيّا. وفي تصغير ذا وذاك ذيّا وذيّاك. وقد اختلف في معنى قولهم بعد اللتيا والتي فقيل هما من أسماء الداهية.
وقيل المراد بهما بعد صغير المكروه وكبيره.
* * * *
المقامة الثامنة والعشرون السّمر قنديّة(1/283)
* * * *
المقامة الثامنة والعشرون السّمر قنديّة
أخبر الحارث بن همّام، قال: استبضعت (1) في بعض أسفاري القند (2)، وقصدت سمرقند (3). وكنت يومئذ قويم الشّطاط (4)، جموم النّشاط (5). أرمي عن قوس المراح (6)، إلى غرض الأفراح. وأستعين بماء الشّباب، على ملامح السّراب (7). فوافيتها بكرة عروبة (8)، بعد أن كابدت الصّعوبة، فسعيت وما ونيت (9)، إلى أن حصل البيت. فلمّا نقلت إليه قندي، وملكت قول عندي (10)، عجت (11) إلى الحمّام على الأثر (12)، فأمطت (13) عنّي وعثاء
__________
(1) استبضعت الشيء جعلته بضاعة والبضاعة قطعة من المال تبعث للتجارة.
(2) عقيد ماء قصب السكر.
(3) بلد في عراق العجم.
(4) أي معتدل القامة.
(5) أي كثير الحركة غير ضعيف من الهرم من قولهم بئر جموم كثيرة الماء.
(6) الطرب والنشاط.
(7) السراب مثل في الكاذب الخادع وملامحه لوامعه جمع لمحة من لمح إذا لمع أي استعين بقوة الشباب وإنعاشه على تحصيل المطامع الكاذبة وإنما استعار الماء للشباب وهو رونقه ونضارته طلبا للمناسبة بين المتسعان به والمستعان عليه لأن السراب في رأي العين شبه الماء ولهذا قال تعالى {كَسَرََابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مََاءً}.
(8) هو يوم الجمعة.
(9) الونى التعب والفتور أي وما تراخيت.
(10) أي بلغ أن يقول عندي كذا أي معي أو في بيتي لأنك تقول عندي كذا لما كان في ملكك حضرك أو غاب عنك وتقول لديّ كذا إذا كان بحضرتك.
(11) أي انعطفت.
(12) أي فورا في الحال.
(13) أي أزلت.(1/284)
السّفر (1)، وأخذت في غسل الجمعة بالأثر (2). ثمّ بادرت في هيئة الخاشع، إلى مسجدها الجامع، لألحق بمن يقرب من الإمام، ويقرّب أفضل الأنعام (3).
فحظيت بأن جلّيت (4) في الحلبة، وتخيّرت المركز (5) لاستماع الخطبة. ولم يزل النّاس يدخلون في دين الله أفواجا (6)، ويردون فرادى وأزواجا، حتّى إذا اكتظّ (7)
الجامع بحفله (8)، وأظلّ (9) تساوي الشّخص وظلّه (10)، برز الخطيب في أهبته، متهاديا (11) خلف عصبته (12). فارتقى في منبر الدّعوة (13)، إلى أن مثل (14)
بالذّروة (15)، فسلّم مشيرا باليمين، ثمّ جلس حتّى ختم نظم التّأذين. ثمّ قام وقال:
الحمد لله الممدوح الأسماء، المحمود الآلاء (16)، الواسع العطاء، المدعوّ لحسم اللّأواء (17). مالك الأمم ومصوّر الرّمم (18)، وأهل السّماح والكرم، ومهلك عاد (19) وإرم (20). أدرك كلّ سرّ علمه، ووسع كلّ مصرّ (21) حلمه. وعمّ
__________
(1) شدته ومشقته والأصل فيه الأرض الوعثاء وهي ذات الرمل الرخو الذي يشق المشي فيه.
(2) بالخبر المأثور في غسل الجمعة وهو ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي عليه السلام أنه قال من اغتسل يوم الجمعة أخرجه الله من ذنوبه ثم قيل له استأنف العمل.
(3) هي البدنة من الإبل وفيه إشارة إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام قال من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة الحديث.
(4) أي سبقت في الجماعة وأصل الحلبة خيل تخرج للسباق ويقال للسباق منها المجلي.
(5) أراد موضع الجلوس وأصله وسط الدائرة.
(6) أي زمرا وجماعات.
(7) امتلأ وضاق.
(8) أي بجمعه.
(9) أي حضر.
(10) يكون ذلك وسط النهار وهو وقت الظهر.
(11) أي متبخترا متمايلا.
(12) جماعته.
(13) أي الخطبة.
(14) أي انتصب قائما.
(15) هي أعلى المنبر وذروة كل شيء أعلاه.
(16) النعم.
(17) أي لقطع الشدّة.
(18) أي معيد العظام البالية.
(19) قوم هود.
(20) هو أبو عاد وقيل اسم بلدهم أو قبيلة منهم.
(21) هو من يدوم على المعصية مع العزم على فعلها.(1/285)
كلّ عالم (1) طوله (2)، وهدّ (3) كلّ مارد (4) حوله (5). أحمده حمد موحّد مسلم (6)، وأدعوه دعاء مؤمّل مسلّم (7). وهو الله لا إله إلّا هو الواحد الأحد، العادل الصّمد (8) لا ولد له ولا والد، ولا ردء معه (9) ولا مساعد. أرسل محمّدا للاسلام ممهّدا (10)، وللملّة موطّدا (11) ولأدلّة الرّسل مؤكّدا. وللأسود والأحمر (12)
مسدّدا (13) وصل الأرحام، وعلّم الأحكام، ووسم (14)، الحلال والحرام، ورسم الإحلال والإحرام (15). كرّم الله محلّه، وكمّل الصّلاة والسّلام له، ورحم آله الكرماء، وأهله الرّحماء، ما همر (16) ركام (17)، وهدر (18) حمام، وسرح سوام (19)، وسطا حسام (20). اعملوا رحمكم الله عمل الصّلحاء، واكدحوا (21) لمعادكم (22)
كدح الأصحّاء، واردعوا أهواءكم ردع الأعداء، وأعدّوا (23) للرّحلة (24) إعداد السّعداء. وادّرعوا حلل الورع (25)، وداووا علل الطّمع، وسوّوا (26) أود
__________
(1) بفتح اللام الجيل من المخلوقات.
(2) بفتح الطاء فضله.
(3) كسر وهدم.
(4) هو العاتي الباغي.
(5) أي قوّته.
(6) أي مقر بوحدانية الله بقلبه وقالبه.
(7) أي راجي فضل مولاه ومنقاد لما به ابتلاه.
(8) الذي يصمد إليه أي يقصد في قضاء الحوائج.
(9) أي ليس معه معين.
(10) أي موطئا ومنه سمي المهد.
(11) أي مثبتا.
(12) أي العرب والعجم وقيل الإنس والجن.
(13) مصلحا ومرشدا.
(14) من الوسم وهو العلامة أي علم وبيّن.
(15) الرسم الأثر ورسمت له أن يفعل كذا فاتسم أي أمرته فامتثل والإحلال هو الخروج والفراغ من أفعال الحج والإحرام الدخول فيه والتلبس به.
(16) صب وسكب.
(17) سحاب متراكم متكاثف.
(18) صوّت وصاح.
(19) سرحت الماشية سروحا ذهبت إلى المرعى وسرّحتها أرسلتها سرحا والسوام بالفتح المال الراعي.
(20) أي صال سيف قاطع.
(21) الكدح السعي والجهد والكد في العمل.
(22) أي لمرجعكم وهو يوم القيامة.
(23) أي هيؤوا وأهبوا.
(24) المراد بها الانتقال من الدنيا بالموت.
(25) الأدراع والتدرع لبس الدرع والحلل جمع حلة بالضم وهي ما يلبس من الثياب الجميلة أي البسوا لبوس الورع وهو الكف والبعد عن المحارم.
(26) أي قوموا وعدلوا.(1/286)
العمل (1)، وعاصوا وساوس الأمل (2)، وصوّروا لأوهامكم حؤول الأحوال (3)، وحلول الأهوال، ومساورة الأعلال (4)، ومصارمة المال (5) والآل (6). وادّكروا الحمام (7) وسكرة مصرعه (8)، والرّمس (9) وهول مطّلعه (10)، واللّحد ووحدة مودعه (11)، والملك (12) وروعة سؤاله ومطلعه (13). والمحوا الدّهر (14) ولؤم كرّه (15)، وسوء محاله (16) ومكره، كم طمس (17) معلما (18)، وأمرّ (19) مطعما، وطحطح (20) عرمرما (21)، ودمّر (22) ملكا مكرّما. همّه سكّ المسامع (23)، وسحّ المدامع (24)، وإكداء المطامع (25)، وإرداء المسمع والسّامع (26). عمّ حكمه الملوك والرّعاع (27)، والمسود (28) والمطاع (29)، والمحسود والحسّاد،
__________
(1) أي اعوجاجه.
(2) أي ما يوسوس لكم به الأمل مما يوجب الكسل والتراخي عن العمل.
(3) أي تغير الحالات.
(4) أي مواثبة العلل.
(5) مقاطعته والمال بمعنى الغنى أي زواله.
(6) الأهل.
(7) أي اذكروا الموت.
(8) السكرات خمس سكرة الشراب وسكرة الشباب وسكرة المال وسكرة العزة وسكرة الموت.
(9) القبر.
(10) بتشديد الطاء يعني هول ما يأتي صاحبه وهو ما يطلع عليه من الشدائد كسؤال الملكين.
(11) هو الميت.
(12) المراد منكر ونكير.
(13) أي فزع سؤال الملكين ومطلعهما على القبور.
(14) أي انظروا إلى ما يحصل في الزمان.
(15) أي انظروا لؤم الدهر في كره ورجوعه وقلب موضوعه.
(16) بالكسر أي خداعه وكيده.
(17) محا.
(18) بالفتح أثرا يستدلّ به على الطريق.
(19) من المرارة التي هي ضد الحلاوة.
(20) الطحطحة المحق وتفريق الشيء إهلاكا.
(21) العرمرم الجيش الكثير لا يقاومه شيء.
(22) أهلك.
(23) سكه يسكه إذا اصطلم أذنيه واستكّت مسامعه صمّت وأسكّ الله سمعه أصمّه.
(24) سيلها وصبها.
(25) أي قطع الأطماع أكدى الحافر إذا بلغ الكدية وهي الصلابة وأكدى البرد الزرع حشه وأكدى الرجل قل خيره.
(26) إهلاك المطرب والطرب.
(27) الأرذال.
(28) الرعية من ساد قومه سيادة وسؤددا.
(29) هو الذي ساد قومه فأطاعوه وهو الملك.(1/287)
والأساود (1) والآساد (2)، ما موّل إلّا مال (3)، وعكس الآمال (4). وما وصل (5) إلّا وصال (6)، وكلم الأوصال (7). ولا سرّ (8) إلّا وساء (9)، ولؤم (10) وأساء (11) ولا أصحّ (12) إلّا ولد الدّاء (13)، وروّع الأودّاء (14). الله الله (15) رعاكم (16) الله، إلام (17)
مداومة اللهو، ومواصلة السّهو؟ وطول الإصرار (18)، وحمل الآصار (19)؟ واطّراح كلام الحكماء، ومعاصاة إله السّماء؟ أما الهرم (20) حصادكم (21)، والمدر (22)
مهادكم (23)!؟ أما الحمام (24) مدرككم، والصّراط مسلككم! أما السّاعة موعدكم، والسّاهرة (25) موردكم! أما أهوال الطّامّة (26) لكم مرصدة (27)؟ أما دار العصاة الحطمة (28) المؤصدة (29)، حارسهم مالك (30)، ورواؤهم (31) حالك (32)،
__________
(1) جمع الأسود وهو الحية اسم وليس بصفة ولو كان صفة لقيل في جمعه سود.
(2) جمع الأسد.
(3) موّله جعله ذا مال أي ما أعطى الدهر أحدا مالا إلا مال عليه فاستأصله.
(4) أي قلبها بأضدادها.
(5) من الصلة.
(6) من الصولة.
(7) أي جرح وقطع الأوصال جمع الوصل وهو المفصل.
(8) من السرور بمعنى الفرح.
(9) أحزن.
(10) أي قبح.
(11) أي أتى بما يسيء.
(12) من الصحة.
(13) أي أوجده.
(14) الأحباب.
(15) أي اتقوا الله.
(16) حفظكم.
(17) إلى متى.
(18) البقاء على الذنب.
(19) جمع الإصر بالكسر وهو الذنب العظيم وأصله الحمل الثقيل قال النابغة:
يا مانع الضيم أن يغشى سراتهم ... وحامل الإصر عنهم بعد ما غرقوا.
(20) محركا الكبر.
(21) أي فناؤكم أي لا يليه إلا الموت.
(22) هو الطين والمراد به الأرض مطلقا.
(23) أي فراشكم والمراد أنها المهد بعد الموت.
(24) الموت.
(25) عرصة القيامة وأصلها الأرض أو وجهها.
(26) من أسماء القيامة.
(27) أي معدة منتظرة.
(28) من أسماء جهنم من الحطم لأنها تحطم من دخلها أي تكسره.
(29) أي المغلقة المطبقة.
(30) هو خازن النار.
(31) منظرهم الحسن.
(32) أي أسود كلون الغراب.(1/288)
وطعامهم السّموم، وهواؤهم السّموم (1)!؟ لا مال أسعدهم ولا ولد، ولا عدد جماهم ولا عدد (2). ألا رحم الله امرأ ملك هواه (3)، وأمّ مسالك هداه (4)، وأحكم طاعة مولاه، وكدح (5) لروح مأواه (6)، وعمل ما دام العمر مطاوعا، والدّهر موادعا (7)، والصّحّة كاملة، والسّلامة حاصلة، وإلّا دهمه (8) عدم المرام، وحصر الكلام (9)
وإلمام الآلام (10)، وحموم (11) الحمام، وهدوّ الحواسّ (12)، ومراس (13)
الأرماس (14). آها (15) لها حسرة ألمها مؤكّد، وأمدها سرمد (16)، وممارسها (17)
مكمد (18)، ما لولهه حاسم (19)، ولا لسدمه (20) راحم، ولا له ممّا عراه (21)
عاصم (22). ألهمكم الله أحمد الإلهام (23)، وردّاكم (24) رداء الإكرام، وأحلّكم (25) دار السّلام (26). وأسأله الرّحمة لكم ولأهل ملّة الإسلام، وهو
__________
(1) السموم بالضم جمع السم وبالفتح الريح الحارة.
(2) العدد بالفتح كثرة الأهل والأعوان وبالضم جمع عدّة.
(3) أي خالف نفسه الأمارة.
(4) أي قصد واقتفى طرق رشده.
(5) أي اجتهد في الطاعة.
(6) أي لأجل نسيم منزله ومقره.
(7) أي مسالما ومصالحا.
(8) غشيه وأدركه بغتة وأصابه.
(9) محركة العي وعدم القدرة على النطق ومراده عند الموت.
(10) أي نزول الآلام والمراد بها أمراض الكبر والهرم والموت.
(11) مصدر حمّ الأمر إذا قضي ومنه الحمام بالكسر.
(12) أي سكونها وعدم قدرتها وذلك عند الموت والحواسّ الظاهرة خمس وهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس.
(13) أي علاج.
(14) جمع الرمس وهو القبر.
(15) كلمة تحسر وتوجع.
(16) أي مدتها دائمة لا تنتهي.
(17) أي مكابدها ومعالجها.
(18) أى حزين.
(19) الوله محركة دهاب العقل من شدة الحزن والحسم القطع أي ليس لذهاب عقله قاطع وجابر.
(20) السدم كالندم وهو الحزن والغم على ما فات.
(21) اعتراه وحل به.
(22) أي مانع ودافع.
(23) هو ما يرد على القلب ويخطر به.
(24) أي ألبسكم.
(25) أنزلكم.
(26) أي إحدى الجنات الثماني.(1/289)
أسمح الكرام، والمسلّم (1) والسّلام. قال الحارث بن همّام: فلمّا رأيت الخطبة نخبة (2) بلا سقط (3)، وعروسا بغير نقط (4)، دعاني الإعجاب بنمطها (5) العجيب، إلى استجلاء وجه الخطيب (6). فأخذت أتوسّمه (7) جدّا، وأقلّب الطّرف فيه مجدّا (8)، إلى أن وضح لي بصدق العلامات، أنّه شيخنا صاحب المقامات (9).
ولم يكن بدّ (10) من الصّمت (11)، في ذلك الوقت (12)، فأمسكت (13) حتّى تحلّل (14) من الفرض، وحلّ الانتشار (15) في الأرض. ثمّ واجهت تلقاءه (16)، وابتدرت (17) لقاءه. فلمّا لحظني (18) خفّ (19) في القيام، وأحفى (20) في الإكرام. ثمّ استصحبني (21) إلى داره، وأودعني خصائص أسراره (22). وحين انتشر جناح الظّلام (23)، وحان ميقات المنام (24)، أحضر أباريق المدام (25)، معكومة (26) بالفدام (27). فقلت: أتحسوها (28) أمام النّوم، وأنت إمام القوم!؟
__________
(1) المنجي.
(2) أي مختارة.
(3) أي لا عيب فيها.
(4) أي ليست منقشة.
(5) وفي نسخة بنظمها.
(6) أي معرفة وجهه.
(7) أي أنظر في سمته وعلامته وفي بعض النسخ أتأمله.
(8) مجتهدا.
(9) أبو زيد وفي بعض النسخ أبو زيد ذو المقامات.
(10) قولهم لا بد من كذا أي لا فرار ولا محالة.
(11) السكوت.
(12) وهو وقت الخطبة الواجب فيه الإنصات لإسماعها.
(13) أي سكت عن الكلام.
(14) صار حلالا بالتسليم من الصلاة.
(15) يشير إلى قوله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض.
(16) أي قبالته وأمامه.
(17) أي أسرعت.
(18) أي نظرني.
(19) أي أسرع.
(20) أي بالغ وأصله من الحفاوة وهي المبالغة في السؤال عن الرجل والعناية بأمره.
(21) أي أصحبني معه.
(22) أي ما خفي من ضمائره.
(23) كناية عن دخول الليل.
(24) أي آن وقت النوم.
(25) الخمر.
(26) أي مشدودة.
(27) الفدام ما يوضع في فم الإبريق ليصفّى ما فيه من الفدم وهو السد كالسداد من السد وابريق مفدوم ومفدّم.
(28) أي أتشربها والضمير للمدام.(1/290)
فقال: مه (1) أنا بالنّهار خطيب، وباللّيل أطيب (2). فقلت: والله! ما أدري أأعجب من تسلّيك (3) عن أناسك (4)، ومسقط راسك (5)، أم من خطابتك مع أدناسك (6)، ومدار كاسك (7). فأشاح (8) بوجهه عنّي، ثمّ قال اسمع منّي:
لا تبك إلفا (9) نأى (10) ولا دارا (11) ... ودر مع الدّهر كيفما دارا (12)
واتّخذ النّاس كلّهم سكنا (13) ... ومثّل الأرض كلّها دارا (14)
واصبر على خلق من تعاشره ... وداره (15) فاللّبيب (16) من دارى (17)
ولا تضع فرصة السّرور (18) فما ... تدري أيوما تعيش أم دارا (19)
واعلم بأنّ المنون (20) جائلة (21) ... وقد أدارت (22) على الورى (23) دارا (24)
__________
(1) أي اكفف عن هذا وهو اسم فعل.
(2) أي أطرب.
(3) تسلى عنه بكذا أي تلهى واشتغل به.
(4) قومك وعشيرتك.
(5) أي بلدك التي ولدت بها.
(6) مع خصالك الدنسة الرديئة.
(7) أي إدارة خمرك.
(8) أي أعرض متكرها.
(9) الإلف والأليف الصاحب الموافق.
(10) النأي البعد.
(11) معطوف على الفا أي ولا تبك دارا بعدت عنها.
(12) أي كن معه في تقلبه بك لا تعارضه بل تخلق بما يناسب حالتك التي أنت بها فهو من الدوران.
(13) أي موطنا تسكن إليه.
(14) أي منزلا واحدا.
(15) من المداراة وهي الملاطفة.
(16) العاقل.
(17) أي من فعل المداراة.
(18) أي لا تترك نهزة السرور.
(19) الدار هنا من أسماء الدهر أو الحول وأنشد:
فمت هما أو اشرخ غير شكّ ... ولو قد عشت ألف دار.
(20) هي المنية والموت.
(21) أي دائرة ومترددة.
(22) أي أحاطت.
(23) أي المخلوقات.
(24) جمع دارة القمر وهي الهالة المحيطة به وقيل إن الدارة الداهية.(1/291)
وأقسمت لا تزال قانصة (1) ... ما كرّ (2) عصرا المحيا (3) وما دارا (4)
فكيف ترجى النّجاة من شرك (5) ... لم ينج منه كسرى (6) ولا دارا (7)
قال فلمّا اعتورتنا (8) الكؤوس، وطربت النّفوس (9)، جرّعني اليمين (10)
الغموس (11)، على أن أحفظ عليه النّاموس (12). فاتّبعت مرامه، ورعيت (13)
ذمامه (14)، ونزّلته (15) بين الملإ (16) منزلة الفضيل (17)، وسدلت (18) الذّيل (19)، على مخازي اللّيل (20). ولم يزل ذلك دأبه (21) ودابي، إلى أن تهيّأ إيابي (22)، فودّعته وهو مصرّ على التّدليس (23)، ومسرّ (24) حسو الخندريس (25).
__________
(1) أي صائدة وفي نسخة قابضة.
(2) أي ما رجع.
(3) هما الغداة والعشي وقيل الليل والنهار.
(4) مأخوذ من قولهم دار الدور إذا تكرر والضمير راجع للعصرين.
(5) أصله حبالة الصائد والمراد به الموت الذي لم ينج منه أحد.
(6) بفتح الكاف وكسرها ملك من ملوك الفرس كان ذا شهرة في ملكه حتى تسمى باسمه كل من ملك الفرس.
(7) قيل هو أب لكسرى الأول لأنهم قالوا كسرى بن دارا بن بهمن بن اسفندباد.
(8) أي تداولت علينا.
(9) الطرب خفة تلحق الإنسان عند الفرح.
(10) التجريع السقي بكلفة وأراد به أنه حلفه.
(11) التي لا استثناء فيها سميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم وقيل لأنها تغمس صاحبها في النار.
(12) أي أداري على ما يخلّ بتعظيمه ولا أهتك حرمته ولا أشيع عنه تعاطيه الخمر والناموس السر.
(13) حفظت.
(14) عهده.
(15) جعلته.
(16) أشراف الناس.
(17) هو ابن عياض الورع الشهير في الزهد والعبادة كان في أيام الرشيد واجتمع عليه فوعظه حتى أبكاه فقال بعض وزرائه بسك يا فضيل فقد أبكيت أمير المؤمنين فقال له الفضيل إنما يدخله النار أمثالك تزينون له القبيح وتحسنون له الأمر الفظيع.
(18) أي أرخيت.
(19) أصله أسفل الثوب والمراد سترت بسكوتي.
(20) فضائحه.
(21) عادته.
(22) أي آن وأمكن رجوعي وعودي.
(23) كتمان ما لا ينبغي كتمانه من العيب.
(24) مبطن.
(25) شرب الخمر العتيقة.(1/292)
المقامة التاسعة والعشرون الواسطيّة
حكى الحارث بن همّام، قال: ألجأني (1) حكم دهر قاسط (2)، إلى أن أنتجع (3) أرض واسط (4)، فقصدتها وأنا لا أعرف بها سكنا (5)، ولا أملك فيها (6)
مسكنا (7). ولمّا حللتها (8) حلول الحوت (9) بالبيداء (10)، والشّعرة البيضاء في اللّمّة السّوداء (11)، قادني (12) الحظّ (13) النّاقص، والجدّ النّاكص (14)، إلى خان (15)
ينزله شذّاذ الآفاق (16)، وأخلاط (17) الرّفاق. وهو لنظافة مكانه، وظرافة سكّانه،
__________
(1) اضطرني وأحوجني.
(2) جائر ومائل.
(3) أطلب النجعة.
(4) مدينة بالعراق سميت باسم قصر بناه الحجاج بين الكوفة والبصرة.
(5) أي أحدا أسكن إليه.
(6) وفي نسخة بها.
(7) منزلا.
(8) نزلتها وفي نسخة حللت بها.
(9) السمك.
(10) الفلاة التي يبيد من سلكها ضربه مثلا لتغربه عن وطنه وعدم من يأنس به من جنسه.
(11) وفي نسخة في الفروة السوداء وعلى كل فإنه أراد أنه غريب في أهل واسط كالشعرة الخ واللمة ما ألمّ بالمنكب من شعر الرأس والوفرة أقل منها والجمة أقل من ذلك.
(12) جرّني.
(13) البخت.
(14) أي السعد الراجع إلى خلف.
(15) هو الفندق.
(16) شذاذ القوم من ليسوا من قبائلهم ولا منازلهم والآفاق جمع الأفق بضمتين وهو ما بعد من الأرض.
(17) جمع خليط وهم المجتمعون من نواح شتى.(1/293)
يرغّب الغريب في إيطانه (1)، وينسيه هوى أوطانه. فاستفردت (2) منه بحجرة (3)
ولم أنافس (4) في أجرة، فما كان إلّا كلمح طرف، أو خطّ حرف، حتّى سمعت جاري بيت بيت (5)، يقول لنزيله (6) في البيت: قم يا بنيّ لا قعد جدّك (7)، ولا قام ضدّك (8)، واستصحب (9) ذا الوجه البدريّ (10)، واللّون الدّرّيّ (11)، والأصل النّقيّ (12)، والجسم الشّقيّ (13)، الّذي قبض (14) ونشر، وسجن (15) وشهر (16)، وسقي (17) وفطم (18)، وأدخل النّار (19) بعد ما لطم (20). ثمّ اركض (21) به إلى السّوق، ركض المشوق (22)، فقايض (23) به اللّاقح الملقح (24)، المفسد (25) المصلح (26)، المكمد (27) المفرّح، المعنّي (28)
__________
(1) أوطنت الأرض واستوطنتها اتخذتها وطنا.
(2) انفردت.
(3) بيت صغير.
(4) أي لم أغال ولم أبالغ وفي نسخة ولم أناقش أي لم أعارض ولم أتوقف.
(5) هو من باب المركبات وأصله هو جاري بيتا إلى بيت أي الذي منزله ملاصق لمنزلي.
(6) النازل معه.
(7) أي لا انحط وانخفض سعدك وحظك.
(8) عدوك ومبغضك.
(9) أي خذ معك وفي نسخة فاستصحب.
(10) أي الأبيض المستدير والمراد به الرغيف.
(11) المنسوب إلى الدر في البياض.
(12) أراد به الحنطة الجيدة.
(13) أي الذي كتب عليه الشقاء من الطحن والعجن والخبز في النار وغير ذلك.
(14) أي اخذ من الأنبار أي المخزن ونشر في الشمس.
(15) أدخل في الرحى.
(16) أخرج منها.
(17) أي بالماء حال العجن.
(18) منع عنه الماء عند اتمامه.
(19) عند خبزه في التنور.
(20) أي ضرب باليد وقت خبزه.
(21) سر سريعا.
(22) المشتاق.
(23) بادل وعاوض.
(24) يعني حجر الزناد وإنما جعل الحجر لاقحا ملقحا لأن النار المقتبسة بالقدح لا تكون منه وحده ولا من الحديدة وحدها ولذلك صلح الوصفان لكل منهما.
(25) لإحراقه.
(26) للانتفاع به.
(27) المحزن.
(28) المتعب.(1/294)
المروّح (1)، ذا الزّفير (2) المحرق، والجنين (3) المشرق (4)، واللّفظ (5)
المقنع (6)، والنّيل (7) الممتع (8). الّذي إذا طرق، رعد وبرق (9). وباح بالحرق (10)، ونفث في الخرق (11). قال: فلمّا قرّت (12) شقشقة الهادر (13)، ولم يبق إلّا صدر الصّادر (14)، برز (15) فتى يميس (16)، وما معه أنيس، فرأيتها عضلة (17) تلعب بالعقول (18)، وتغري (19) بالدّخول، في الفضول (20). فانطلقت في أثر الغلام، لأخبر فحوى الكلام (21). فلم يزل يسعى سعي العفاريت، ويتفقّد نضائد الحوانيت (22)، حتّى انتهى عند الرّواح، إلى حجارة القدّاح، فناول بائعها رغيفا، وتناول منه حجرا لطيفا. فعجبت من فطانة المرسل والمرسل، وعلمت أنّها سروجيّة (23) وإن لم أسأل. وما كذّبت (24) أن بادرت إلى الخان، منطلق العنان (25)، لأنظر كنه فهمي (26)، وهل قرطس (27) في التّكهّن (28)، سهمي؟ فإذا
__________
(1) المبلغ الراحة.
(2) يعني ما يخرج من النار عند قدحه.
(3) كناية عما يتولد منه وهو الشرر.
(4) المضيء.
(5) هو كناية عما يلفظه الزند ويطرحه من الشرر.
(6) يعني أن صاحبه يقنع بما يلقيه من النار.
(7) العطاء.
(8) المريح.
(9) من رعدت السماء وبرقت ورعد فلان وبرق إذا أوعد والمراد هنا صوت طرق الزند ولمعان شرره.
(10) أي أظهر ناره.
(11) وفي نسخة ونفخ في الخرق أي ألقى فيها النار.
(12) أي سكنت.
(13) أي صوت المتكلم وأصل الشقشقة ما يخرج من فم البعير والمراد لما سكت المتكلم.
(14) أي خروج الخارج من البيت.
(15) ظهر وخرج.
(16) يتمايل ويتبختر.
(17) أي داهية.
(18) أي تحيرها.
(19) ترغب وتوجب.
(20) أي في فعل ما لا يعني.
(21) معناه.
(22) أي المنضدة أي المصفوفة والحوانيت جمع حانوت وهي مقاعد البيع والشراء.
(23) أي إن هذه القضية من جملة صنع أبي زيد السروجي.
(24) أي ما تأخرت في الحال.
(25) يعني مسرعا من غير توان.
(26) كنه الشيء حقيقته.
(27) أي أصاب القرطاس وهو الهدف والمراد هل وافق فهمي أن المرسل هو أبو زيد.
(28) هو الحكم على الغيب بالتخمين.(1/295)
أنا في الفراسة فارس، وأبو زيد بوصيد الخان (1) جالس. فتهادينا بشرى الالتقاء (2)، وتقارضنا (3) تحيّة الأصدقاء. ثمّ قال: ما الّذي نابك (4)، حتّى زايلت جنابك (5)؟ فقلت: دهر هاض (6)، وجور فاض (7). فقال: والّذي أنزل المطر من الغمام، وأخرج الثّمر من الأكمام (8)، لقد فسد الزّمان، وعمّ العدوان (9)، وعدم المعوان (10)، والله المستعان. فكيف أفلتّ (11)، وعلى أيّ وصفيك أجفلت (12)! فقلت: اتّخذت اللّيل قميصا (13)، وأدلجت (14) فيه خميصا (15). فأطرق ينكت في الأرض (16)، ويفكّر في ارتياد (17) القرض والفرض (18). ثمّ اهتزّ (19)
هزّة من أكثبه قنص (20)، أو بدت له فرص (21). وقال: قد علق بقلبي أن تصاهر من يأسو جراحك (22)، ويريش جناحك (23)، فقلت: وكيف أجمع بين غلّ وقلّ (24)، ومن الّذي يرغب في ضلّ ابن ضلّ (25). فقال: أنا المشير بك
__________
(1) أي بفناء الفندق ورحبته.
(2) أي كل منا أهدى إلى صاحبه مسرة الالتقاء وفي نسخة اللقاء.
(3) أي كل منا حيّا صاحبه بمثل ما حيّاه من القرض وهو المجازاة يقال هما متقارضان في الثناء إذا مدح كل منهما صاحبه.
(4) أي أصابك.
(5) أي فارقت ناحيتك.
(6) أي كسر بعد ما جبر.
(7) أي ظلم كثر.
(8) أوعية الثمر.
(9) أي كثر التعدي.
(10) المعين.
(11) أي انطلقت عن مكانك وخرجت منه.
(12) سرت بسرعة.
(13) يعني أنه عاري الجسد.
(14) أي سرت من أول الليل.
(15) ضامر البطن جائعا.
(16) أي يضرب الأرض بقضيب أو غيره بلطف وهذه عادة العرب إذا اهتم أحدهم بأمر نكت في الأرض وتفكر فيما يصنع في ذلك المهم.
(17) في طلب.
(18) القرض ما يستعاد عوضه والفرض ما لا عوض له وقيل الفرض ههنا تقرير المهر وتقديره.
(19) أي تحرك.
(20) حركة من قرب منه صيد.
(21) أي ظهرت له أغراض.
(22) أي يداويها ويطبها.
(23) أي يكسو جناحك ريشا كناية عن اغتنائه.
(24) الغل واحد الأغلال وهو الحديد الذي يجعل في العنق وكنى به عن المرأة السوء والقل قلة المال.
(25) مثل يضرب لمن لا يعرف هو ولا أبوه وكذا طامر وهيّ بن بيّ قال الشاعر:
لقد قدّموا هيّ بن بيّ وأخروا ... ذوي المجد من أيام عاد وعاديا.(1/296)
وإليك (1)، والوكيل لك وعليك، مع أنّ دين القوم (2)، جبر الكسير (3)، وفكّ الأسير، واحترام العشير (4)، واستنصاح المشير (5). إلّا أنّهم لو خطب إليهم إبراهيم بن أدهم (6)، أو جبلة بن الأيهم (7)، لمّا زوّجوه إلّا على خمسمائة درهم، اقتداء بما مهر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم زوجاته (8)، وعقد به أنكحة بناته، على أنّك لن تطالب بصداق، ولا تلجأ إلى طلاق. ثمّ إنّي سأخطب في موقف عقدك، ومجمع حشدك (9)، خطبة لم تفتق رتق سمع (10)، ولا خطب بمثلها في جمع. قال الحارث بن همّام: فازدهاني (11) بوصف الخطبة المتلوّة (12)، دون الخطبة المجلوّة (13)، حتّى قلت له: قد وكلت إليك هذا الخطب (14)، فدبّره تدبير من طبّ
__________
(1) أي أنا الذي أشير بك أي أذكرك وأعرّفهم بما يرغّبهم فيك يقال أشار به عرّفه وأشار إليه باليد أومأ عليه بالرأي.
(2) عادتهم.
(3) مداواة المكسور يريد التلطف بحال الضعيف.
(4) المعاشر والزوج وفي الحديث لأنهنّ يكفرن العشير.
(5) أي عدّة نصوحا.
(6) يضرب به المثل في الزهد كان رحمه الله ملكا ببلخ فترك الملك وتزهد وساح في الأرض ودخل بغداد وحج ماشيا مرارا واجتمع بأكابر الصوفية وأخذ عنهم وأخذوا عنه ومن كرامته على الله أنه لما دخل بغداد كان في أطمار وشعر رأسه نازل على جبهته وكان دائم النظر إلى الأرض حياء من الله تعالى فتبعه بعض الجند وصفعه على قفاه ففرّ رضي الله عنه وهو يقول اللهمّ اغفر له وارحمه فصفعه ثانيا ففرّ ودعا له فصفعه ثالثا وإذا بيد الجندي طارت مع ذراعه فسقط الجندي وخر ابن أدهم على وجهه فاجتمع إليه السادة الصوفية وقالوا له أهكذا فضحت الخرقة ودعوت على الرجل فقال والله ما دعوت عليه ولكن صاحب العنق غار على عنقه.
(7) هو آخر ملوك غسان بالشام.
(8) إشارة إلى ما روي أن النبي عليه السلام لم يصدق امرأة من نسائه أكثر من ثنتي عشرة أوقية ونش وهذه خمسمائة لأن الأوقية أربعون درهما والنش عشرون.
(9) أي من اجتمع من الناس لحضور العقد.
(10) أي لم تفتح سدّ سمع أي لم تسمع.
(11) أي استخفني واستفزني.
(12) التي ستتلى وتقرأ.
(13) المرأة التي ستجلى من جلت الماشطة العروس إذا أظهرت زينتها.
(14) أي ألقيت إليك أمر هذا المهم.(1/297)
لمن حبّ (1). فنهض (2) مهرولا (3)، ثمّ عاد متهلّلا (4)، وقال: أبشر بإعتاب الدّهر (5)، واحتلاب الدّرّ (6). فقد ولّيت العقد (7)، وأكفلت النّقد (8). وكأن قد (9)، ثمّ أخذ في مواعدة أهل الخان، وإعداد حلواء الخوان (10). فلمّا مدّ اللّيل أطنابه (11)، وأغلق كلّ ذي باب بابه، أذّن (12) في الجماعة، ألا احضروا في هذه السّاعة فلم يبق فيهم إلّا من لبّى صوته (13)، وحضر بيته. فلمّا اصطفّوا لديه (14)، واجتمع الشّاهد والمشهود عليه، جعل يرفع الأصطرلاب (15) ويضعه، ويلحظ التّقويم (16)
ويدعه (17)، إلى أن نعس القوم، وغشي النّوم (18). فقلت له: يا هذا ضع الفاس في الرّاس (19)، وخلّص النّاس من النّعاس. فنظر نظرة في النّجوم، ثمّ انتشط (20)
من عقلة الوجوم (21)، وأقسم بالطّور (22)، والكتاب المسطور، لينكشفنّ سرّ هذا
__________
(1) في المثل أصنعه صنعة من طب لمن حب أي صنعة حاذق لمن يحبه يضرب في التأنق في الحاجة واحتمال التعب فيها وحب لغة في أحب.
(2) أي قام.
(3) ماشيا بسرعة دون العدو.
(4) من قولهم تهلل وجهه إذا تلألأ من الفرح.
(5) أعتبه أرضاه وحقيقته أزال عتبه.
(6) أي وحلب اللبن والمراد قضاء الحاجة على أحسن حال.
(7) أي توليته بأن صرت وكيلا.
(8) أي تكفلت بالمهر الحاضر.
(9) أي كأن قد كان فحذف الفعل كقول النابغة:
أزف التّرحّل غير أنّ ركابنا ... لمّا تزل برحالنا وكأن قد
أي وكأن قد زالت.
(10) هو ما يوضع عليه الطعام وبعد وضع الطعام يسمى مائدة.
(11) جمع طنب بالتحريك وهو حبل الخيمة استعاره لدخول الليل وإرخاء ظلامه.
(12) أي نادى.
(13) أي أجاب نداءه.
(14) أي ترصصوا مجتمعين عنده.
(15) هو ميزان الشمس وهي كلمة يونانية.
(16) وفي نسخة التقوام وهو كتاب في حساب الفلك.
(17) أي يتركه والمراد أنه أخذ يتفكر في نفسه ماذا يصنع فيما هو بصدده.
(18) أي هجم عليهم وفي بعض النسخ بعد هذه فلما رأيت كلال الألسنة واكتحال الجفون بألسنة. قلت الخ.
(19) مثل من أمثال العامة ومعناه أقبل على أمرك وأمضه.
(20) انحلّ وأطلق.
(21) أي داء السكوت والعقلة في الأصل داء يلحق اللئام فيمنعهم الكلام والوجوم الحزن المكظوم.
(22) هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام.(1/298)
الأمر المستور، ولينتشرنّ ذكره (1) إلى يوم النّشور (2). ثمّ إنّه جثا (3) على ركبته، واسترعى الأسماع (4) لخطبته، وقال: الحمد لله الملك المحمود، المالك الودود، مصوّر كلّ مولود، ومآل (5) كلّ مطرود (6)، ساطح المهاد (7)، وموطّد (8)
الأطواد (9)، ومرسل الأمطار، ومسهّل الأوطار (10)، وعالم الأسرار ومدركها، ومدمّر (11) الأملاك (12) ومهلكها، ومكوّر الدّهور (13) ومكرّرها (14)، ومورد الأمور ومصدرها (15). عمّ (16) سماحه (17) وكمل، وهطل (18) ركامه وهمل (19)، وطاوع (20) السّؤل والأمل، وأوسع المرمل والأرمل (21). أحمده حمدا ممدودا مداه (22)، وأوحّده كما وحّده الأوّاه (23)، وهو الله لا إله للأمم سواه، ولا صادع (24) لما
__________
(1) أي يشيع ذكره.
(2) هو يوم القيامة والبعث.
(3) أي برك كالبعير.
(4) أي طلب الاستماع.
(5) ملجأ ومرجع.
(6) هو من طرده أمر مهم.
(7) أي باسط الفراش والمراد به الأرض.
(8) أي مثبت وممكن وفي نسخة مطوّد.
(9) جمع الطود وهو الجبل.
(10) جمع الوطر وهو الحاجة.
(11) مهلك.
(12) جمع الملك بكسر اللام ههنا كالملوك.
(13) يكور الليل على النهار يغشيه إياه وقيل يزيد في هذا من ذاك ورماه فكوره إذا صرعه وقوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}. أي جمعت ولفّت كما تلف العمامة وقيل ذهب ضوءها.
(14) أي مرددها.
(15) الورود الإتيان والصدر الرجوع وإيراد الأمور وإصدارها كناية عن إتمامها وإحكامها وإتقانها.
(16) شمل.
(17) أي كرمه وفضله.
(18) هطل المطر هطلا وهطلانا تابع سيلانه.
(19) مثله.
(20) أجاب.
(21) يقال أرمل الرجل نفد زاده وفني فهو مرمل والأرمل الذي لا زوج له والمرأة أرملة والأرمل من رقت حاله والأرامل المساكين من رجال ونساء قال جرير:
هذه الأرامل قد قضّيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر.
(22) أي غايته.
(23) كثير التأوه والتوجع أو هو إبراهيم الخليل عليه السلام لقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرََاهِيمَ لَأَوََّاهٌ حَلِيمٌ}.
(24) صدع الشيء صدوعا مال إليه وما صدعك عن هذا الأمر أي ما صرفك وصدعه فرقه والرجل يصدع بالحق يتكلم به جهارا وأصل الصدع الشق.(1/299)
عدّله وسوّاه. أرسل محمّدا علما (1) للإسلام، وإماما للحكّام، ومسدّدا (2)
للرّعاع (3)، ومعطّلا (4) أحكام ودّ وسواع (5). أعلم وعلّم (6)، وحكم (7)
وأحكم (8)، وأصّل الأصول ومهّد (9)، وأكّد الوعود (10) وأوعد (11). واصل (12)
الله له الإكرام، وأودع روحه دار السلام، ورحم آله وأهله الكرام، ما لمع آل (13)، وملع (14) رال (15)، وطلع هلال، وسمع إهلال (16). اعلموا رعاكم (17) الله أصلح الأعمال، واسلكوا مسالك الحلال، واطّرحوا (18) الحرام ودعوه، واسمعوا أمر الله وعوه (19). وصلوا الأرحام وراعوها، وعاصوا (20) الأهواء (21) واردعوها (22)، وصاهروا (23) لحم الصّلاح (24) والورع (25)، وصارموا (26) رهط اللهو (27) والطّمع.
__________
(1) أي علامة.
(2) أي مرشدا.
(3) هم سفلة الناس وجهالهم.
(4) أي مبطلا ومدمرا.
(5) هما صنمان كانا لقوم نوح عليه السلام وكانا يعبدان في الجاهلية فكان ود لكلب وسواع لهذيل.
(6) أي أخبر وعرّف.
(7) قضى وفي نسخة حكّم بتشديد الكاف من التحكيم وهو المنع يقال حكمت الدابة تحكيما إذا منعتها مما أرادت.
(8) أتقن ما قضاه.
(9) هياها وسوّاها.
(10) جمع الوعد وهو الضمان بالخير.
(11) من الإيعاد والوعيد وهو الضمان بالشر والإخلاف في الوعد لؤم وفي الوعيد كرم قال:
وإني إذا أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي.
(12) أي تابع ووالى.
(13) أي أضاء وظهر والآل هو ما يرى أول النهار وآخره.
(14) أسرع وعدا.
(15) هو فرخ النعام وسهّلت همزته لمزاوجة آل.
(16) هو رفع الصوت عند رؤية الهلال أو هو التلبية.
(17) أي حفظكم وفي نسخة رحمكم.
(18) افتعال من الطرح بمعنى الترك.
(19) أمر من الوعي بمعنى الحفظ.
(20) أي اعصوا.
(21) جمع الهوى بمعنى الشهوة.
(22) أي كفوها وازجروها.
(23) صاهر القوم تزوج منهم.
(24) أي أهل الصلاح والدين جمع لحمة بالضم وهي القرابة.
(25) التقى وقد ورع يرع رعة بكسر الراء وورعا بفتحها.
(26) الصرم القطع أي قاطعوا.
(27) أي أهله وأصل الرهط الجماعة من الواحد إلى التسعة.(1/300)
ومصاهركم (1) أطهر الأحرار مولدا، وأسراهم (2) سؤددا (3)، وأحلاهم موردا (4)، وأصحّهم موعدا (5) وها هو أمّكم (6) وحلّ حرمكم (7)، مملكا (8)
عروسكم المكرّمة، وماهرا (9) لها كما مهر الرّسول أمّ سلمة (10). وهو أكرم صهر أودع الأولاد، وملّك من أراد، وما سها (11) مملكه (12) ولا وهم (13)، ولا وكس (14)
ملاحمه (15) ولا وصم (16). أسأل الله لكم إحماد وصاله (17) ودوام إسعاده. وألهم كلّا إصلاح حاله والإعداد (18) لمعاده (19)، وله الحمد السّرمد (20)، والمدح لرسوله محمّد. فلمّا فرغ من خطبته البديعة النّظام، العريّة من الإعجام (21)، عقد العقد على الخمس المئين، وقال لي: بالرّفاء والبنين (22) ثمّ أحضر الحلواء الّتي كان
__________
(1) الذي سيتزوج منكم وهو الحارث بن همام.
(2) أشرفهم.
(3) شرفا وسيادة.
(4) هو محل الورود من الماء وغيره.
(5) أصدقهم في الوفاء بالوعد.
(6) قصدكم.
(7) أي نزل ساحتكم وبلدكم.
(8) الإملاك بالكسر التزويج.
(9) مهر المرأة أعطاها المهر وأمهرها سمى لها المهر وعن أبي زيد مهر المرأة وأمهرها بمعنى والقياس على الأول أن يقال هنا ممهرا لها لأن المراد هنا تسمية المهر لا إعطاؤه وامرأة مهيرة غالية المهر وعنده مهيرة أي سرية.
(10) زوج النبي عليه الصلاة والسلام اسمها هند بنت أبي أمية حذيفة بن المغيرة من بني مخزوم وهي آخر نسائه موتا وقيل صفية.
(11) أي ما غفل.
(12) مزوجه يقال ملك المرأة تزوجها وأملكها أبوها زوجها.
(13) أي ما غلط.
(14) نقص.
(15) مصاهره.
(16) عيب وأصل الوصم شق في القناة.
(17) أحمده وجده محمودا.
(18) الاستعداد.
(19) أي ليوم إعادته وهو يوم القيامة.
(20) الدائم.
(21) أي الخالية من النقط وقد يطلق الإعجام على إزالة العجمة فتكون همزته للسلب.
(22) دعاء يقال للمعرس أي بالموافقة والاجتماع من رفات الثوب صممت بعضه إلى بعض ولأمت بينهما بنساجة وقيل رافيته ورافأته رفاء وافقته ورفيّته إذا قلت له بالرفاء والبنين والبناء بفعل مضمر تقديره لتكن الوصلة بالرفاء والبنين.(1/301)
أعدّها، وأبدى (1) الابدة (2) عندها. فأقبلت إقبال الجماعة عليها، وكدت أهوي بيدي (3) إليها، فزجرني عن المؤاكلة، وأنهضني (4) للمناولة (5). فو الله ما كان بأسرع من تصافح الأجفان (6)، حتّى خرّ القوم (7) للأذقان (8)، فلمّا رأيتهم كأعجاز نخل خاوية (9)، أو كصرعى (10) بنت خابية (11)، علمت إنّها لإحدى الكبر (12)، وأمّ العبر (13). فقلت له: يا عديّ (14) نفسه وعبيد (15) فلسه (16)، أعددت للقوم حلوى (17)، أم بلوى (18)؟ فقال: لم أعد (19) خبيص البنج (20)، في صحاف (21) الخلنج (22)؟ فقلت: أقسم بمن أطلعها زهرا (23) وهدى بها السّارين طرّا (24)، لقد جئت شيئا نكرا (25)، وأبقيت لك في المخزيات (26) ذكرا، ثمّ حرت
__________
(1) أظهر.
(2) الفعلة التي يبقى ذكرها أبدا لغرابتها.
(3) أي أمد يدي بسرعة للتناول.
(4) أي أخذ بيدي وأقامني.
(5) أي لمناولة أواني الطعام.
(6) تلاقيها.
(7) أي سقطوا ووقعوا.
(8) الأذقان جمع الذقن وهو مجتمع اللحيين واللام بمعنى على متعلقة بخرّ. قال: فخرّ صريعا لليدين وللفم.
(9) أي كأصول نخل ساقطة من مغارسها يقال خوت الدار تخوي أي خلت وخوي الرجل يخوى إذا خلا جوفه.
(10) أي مثل صرعى جمع صريع.
(11) هي الخمر والخابية أصلها الهمزة وهي وعاء الخمر.
(12) أي إحدى الدواهي جمع الكبرى تأنيث الأكبر ومعنى إحداهنّ أنها من بينهنّ واحدة في العظم لا نظير لها ولهذا قيل للداهية العظمى إحدى الأحد قال:
إنكم لم تنتهوا عن الحسد ... حتى يدليكم إلى إحدى الأحد.
(13) العبر الأمور الكبار التي يعتبر بها وأمّها أكبرها.
(14) تصغير عدو.
(15) تصغير عبد.
(16) الفلس واحد الفلوس وهي ما يتعامل به من النحاس.
(17) تمد وتقصر وهنا مقصورة للازدواج.
(18) بلية.
(19) أي لم أجاوز.
(20) الخبيص نوع من الحلواء والبنج من الأدوية المخدرة المرقدة.
(21) جمع صحفة وهي إناء الطعام.
(22) فارسي معرّب وهو شجر تعمل منه القصاع ومنه قولهم لبن البخت في قصاع الخلنج.
(23) الضمير للنجوم.
(24) جميعا.
(25) أي منكرا.
(26) النقائص المخزية.(1/302)
فكرة (1) في صيّور أمره (2)، وخيفة (3) من عدوى عرّه (4)، حتّى طارت نفسي شعاعا (5)، وأرعدت (6) فرائصي (7) ارتياعا (8). فلمّا رأى استطارة فرقي (9)، واستشاطة قلقي (10)، قال: ما هذا الفكر المرمض (11)، والرّوع المومض (12). فإن يكن فكرك في أجلي (13)، من أجلي (14)، فأنا الآن أرتع (15) وأطفر (16)، وأقوي (17)
هذه البقعة منّي وأقفر (18) وكم مثلها فارقتها وهي تصفر (19)، وإن يكن نظرا لنفسك، وحذرا من حبسك، فتناول فضالة الخبيص (20)، وطب نفسا عن القميص، حتّى تأمن المستعدي (21) والمعدي (22)، ويتمهّد (23) لك المقام (24) بعدي، وإلّا (25) فالمفرّ
__________
(1) أي تحيرت في فكري فهو منصوب على التمييز.
(2) أي عاقبته ومآله.
(3) أي خوفا.
(4) العدوى اسم من الإعداء وهو انتقال الداء إلى مجاور صاحبه والعر الجرب.
(5) أي تفرقت همّا وغمّا فلا تتجه لأمر جزم قال:
فلا تتركي نفسي شعاعا فإنها ... من الوجد قد كادت عليك تذوب.
(6) أي ارتعدت واهتزت.
(7) جمع فريصة وهي لحمة عند نغص الكتف ترعد عند الفزع أي تتحرك يقال للخائف أرعدت فرائصه.
(8) أي فزعا وخوفا.
(9) أي انتشار خوفي وشموله.
(10) احتداد انزعاجي.
(11) أي المحرق.
(12) اللامع الظاهر.
(13) أي في جنايتي يقال أجل عليه بالتحريك أجلا بالسكون إذا جر عليه جريرة.
(14) أي لأجلي.
(15) أي أنعم من رتعت الماشية إذا أكلت ما شاءت.
(16) أي أثب وأفرّ.
(17) أي أخلي.
(18) أي أتركها قفرا مني وخالية عني.
(19) أي وكم فعلت مثل هذه الفعلة في بقاع وتخلصت منها وهي تصفر يعني تخلو منه قال:
فأبت إلى فهم وما كدت آثبا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
وهذا البيت لثابت بن جابر بن سفيان جاهلي ويقال له تأبط شرا.
(20) أي ما فضل وبقي من الحلواء.
(21) المستعين استعدى بالأمير على من ظلمه فأعداه أي استعان به فأعانه.
(22) صاحب العدو وهو المستعان به.
(23) أي يتوطأ.
(24) الإقامة.
(25) أي إن لم تفعل كما قلت لك.(1/303)
المفرّ (1)، قبل أن تسحب وتجرّ. ثمّ عمد لاستخراج ما في البيوت، من الأكياس (2) والتّخوت (3)، وجعل يستخلص خالصة (4) كلّ مخزون، ونخبة كلّ مذروع (5) وموزون. حتّى غادر (6) ما ألغاه (7) فخّه (8)، كعظم استخرج مخّه.
فلمّا همّن (9) ما اصطفاه (10) ورزّم (11)، وشمّر عن ذراعيه وتحزّم، أقبل عليّ إقبال من لبس الصّفاقة (12)، وخلع الصّداقة، وقال: هل لك في المصاحبة إلى البطيحة (13)، لأزوّجك (14) بأخرى مليحة. فأقسمت له بالّذي جعله مباركا أينما كان، ولم يجعله ممّن خان في خان (15)، إنّه لا قبل لي (16) بنكاح حرّتين، ومعاشرة ضرّتين (17). ثمّ قلت له قول المتطبّع بطباعه (18)، الكائل له بصاعه: قد كفتني الأولى فخرا، فاطلب آخر للأخرى. فتبسّم من كلامي، ودلف (19) لالتزامي (20).
فلويت عنه عذاري (21)، وأبديت له ازوراري (22). فلمّا بصر بانقباضي (23)، وتجلّى (24) له إعراضي، أنشد:
__________
(1) أي فرّ بنفسك ولا تمكث.
(2) هي الصناديق.
(3) أوعية الدراهم.
(4) أي خيار.
(5) أي أجود كل ما يقاس بالذراع من الثياب.
(6) ترك.
(7) تركه وفاته.
(8) الفخ ما يصطاد به الصيد.
(9) يقال همن الشيء جعله في الهميان.
(10) أي الذي ختاره.
(11) أي شدّه وجعله رزمة وهي الكارة.
(12) الوقاحة ورجل صفيق الوجه عديم الحياء.
(13) هي ماء مستنقع بين واسط والبصرة لا يرى طرفاه من سعته وهو مفيض دجلة والفرات.
(14) وفي نسخة لأصلك.
(15) الأول من الخيانة والثاني اسم للمكان الذي نزله الأغراب ويسمى فندقا أيضا.
(16) أي لا طاقة لي ولا قدرة.
(17) أي زوجتين مجتمعتين في عصمة.
(18) أي المتخلق بأخلاقه.
(19) مشى مسرعا وتقدم.
(20) أي لمعانقتي وملازمتي.
(21) أراد بالعذار جانب الوجه ويقال للشعر النابت فيه أيضا عذار أي صرفت عنه وجهي.
(22) أي إعراضي عنه.
(23) أي رأى تحوّل حالي وتغيري منه.
(24) انكشف ووضح.(1/304)
يا صارفا عنّي المود ... دة والزّمان له صروف (1)
ومعنّفي (2) في فضح من ... جاورت (3) تعنيف العسوف (4)
لا تلحني فيما أتي ... ت فإنّني بهم عروف (5)
ولقد نزلت بهم فلم ... أرهم يراعون الضّيوف
وبلوتهم (6) فوجدتهم ... لمّا سبكتهم (7) زيوف (8)
ما فيهم إلّا مخي ... ف (9) إن تمكّن أو مخوف (10)
لا بالصّفيّ (11) ولا الوفيّ (12) ... ولا الحفيّ (13) ولا العطوف (14)
فوثبت فيهم (15) وثبة ال ... ذئب الضّريّ (16) على الخروف (17)
وتركتهم صرعى (18) كأن ... نهم سقوا كأس الحتوف (19)
وتحكّمت في ما اقتنوه (20) ... يدي وهم رغم الأنوف (21)
ثمّ انثنيت (22) بمغنم (23) ... حلو المجاني (24) والقطوف (25)
__________
(1) تقلبات.
(2) موبخي ولائمي.
(3) أي فيما صنعته من فضيحة جيراني.
(4) كثير العسف والظلم.
(5) أي لا تلمني في الذي فعلته بهم فأنا أعرف بهم منك.
(6) أي اختبرتهم وجربتهم.
(7) أي ميزتهم ونقدتهم.
(8) جمع زيف وهو المغشوش من الدراهم وأراد أنه وجدهم من اللئام وليسوا من الكرام.
(9) يخيف غيره.
(10) يخاف من غيره (كذا في الأصل).
(11) المختار.
(12) الذي لا يخلف الوعد.
(13) البار الوصول اللطيف أو العالم وحفا به حفاوة وأحفى وتحفى واحتفى أي لطف وبالغ في بره وأظهر السرور والفرح به.
(14) كثير العطف وهو الرأفة والرحمة.
(15) أي حملت عليهم وفتكت.
(16) كالجري وزنا ومعنى أي المعتاد على الصيد.
(17) الحمل وهو ولد الشاة من الغنم وفي لغة هذيل المهر.
(18) جمع صريع بمعنى مصروع أي مطروح لا يعي.
(19) جمع الحتف وهو الموت والمنية.
(20) أي حازوه وادّخروه.
(21) أي قهرا عنهم.
(22) أي عدت ورجعت.
(23) بغنيمة.
(24) الثمار المجنية.
(25) جمع القطف بالضم وهو ما يقتطف من الكرم.(1/305)
ولطالما خلّفت مكلوم ... الحشى (1) خلفي يطوف (2)
ووترت (3) أرباب الأرا ... ئك (4) والدّرانك (5) والسّجوف (6)
ولكم بلغت بحيلتي ... ما ليس يبلغ بالسّيوف
ووقفت في هول ترا ... ع الأسد فيه من الوقوف
ولكم سفكت (7) وكم فتكت (8) ... وكم هتكت حمى أنوف (9)
وكم ارتكاض (10) موبق (11) ... لي في الذّنوب وكم خفوف (12)
لكنّني أعددت حس ... ن الظّنّ بالمولى الرّؤوف (13)
قال: فلمّا انتهى إلى هذا البيت، لجّ في الاستعبار (14)، وألظّ (15) بالاستغفار، حتّى استمال (16) هوى قلبي المنحرف (17)، ورجوت له ما يرجى للمقترف المعترف (18). ثمّ إنّه غيّض (19) دمعه المنهلّ (20)، وتأبّط (21) جرابه وانسلّ (22)، وقال
__________
(1) أي مجروح الأمعاء.
(2) أي يدور متحيرا.
(3) الوتر الحقد والفرد يقال وترته إذا قتلت حميمه وأفردته عنه والوتر النقص ومنه قوله تعالى {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمََالَكُمْ} أي لن ينقصكم من جزائها وفي الحديث كإنما وتر أهله وماله أي أصيب فيهما فبقي فردا.
(4) جمع الأريكة وهي سرير مزيّن في الحجلة.
(5) جمع الدرنوك نوع من البسط له خمل وجمعه الدرانيك وإنما ترك الياء فيه ضرورة وعنى بأربابها الرجال والنساء.
(6) جمع السجف ستر الحجلة.
(7) السفك إراقة الدم.
(8) فتك به قتله على غرّة.
(9) ذي أنفة وهي الحميّة والجمع أنف بضمتين.
(10) من الركض وهو المشي دون الجري.
(11) مهلك.
(12) شدّة الإسراع.
(13) كثير الرأفة والرحمة.
(14) أي زاد في البكاء.
(15) داوم وتابع.
(16) أي أمال.
(17) أي المغتاظ منه.
(18) أي مكتسب الذنب المقرّ به.
(19) أي رفع ونقص.
(20) أي السائل المنسكب.
(21) جعله تحت إبطه.
(22) أي ذهب.(1/306)
لابنه: احتمل الباقي (1)، والله الواقي (2). قال المخبر بهذه الحكاية: فلمّا رأيت انسياب (3) الحيّة والحييّة (4)، وانتهاء الدّاء إلى الكيّة (5)، علمت أنّ تريّثي (6) بالخان، مجلبة للهوان (7). فضممت رحيلي (8)، وجمعت للرّحلة ذيلي (9)، وبتّ ليلتي أسري إلى الطّيب (10)، وأحتسب الله على الخطيب (11).
__________
(1) أي احمل ما بقي بعد الذي حمله في الجراب.
(2) أي الحافظ لنا من العثور علينا.
(3) أي جري.
(4) كناية عن أبي زيد وابنه.
(5) أي إلى آخره وأصله من قولهم آخر الطب الكي أي إذا لم ينجح الدواء في المرض حسم بالكي مستعار لعدم وجود طريق للإقامة بالخان.
(6) تمكثي وإقامتي.
(7) أي جالب لذلي وإهانتي.
(8) تصغير رحلي والرحل ما يرحل عليه.
(9) أطراف ثوبي.
(10) مدينة بخوزستان.
(11) أي أكتفي به مجازيا على سوء صنيع هذا الخطيب.(1/307)
المقامة الثلاثون الصّوريّة
حكى الحارث بن همّام، قال: ارتحلت من مدينة المنصور (1)، إلى بلدة صور (2). فلمّا حصّلت بها ذا رفعة وخفض (3)، ومالك رفع وخفض (4)، تقت (5)
إلى مصر، توقان (6) السّقيم إلى الأساة (7)، والكريم إلى المؤاساة (8). فرفضت (9)
علائق الاستقامة (10)، ونفضت عوائق الإقامة (11)، واعروريت ظهر ابن النّعامة (12)، وأجفلت نحوها إجفال النّعامة (13). فلمّا دخلتها بعد معاناة الأين (14)،
__________
(1) هي بغداد ونسبت إلى المنصور لأنه بانيها والمنصور هو أبو جعفر بن عبد الله السفاح الهاشمي العباسي ثاني خلفاء بني العباس وأمره في البخل مشهور لأنه كان يحاسب على الدانق فلذلك سمي بالدوانيقي.
(2) بلدة معروفة بالساحل.
(3) أي صاحب حشمة ونعمة أي منعّما معظّما.
(4) أي تمكنت من أن أعلي درجة من أواليه وأرفعها وأحط رتبة من أعاديه وأضعها.
(5) أي اشتقت.
(6) اشتياق.
(7) جمع الآسي وهو الطبيب.
(8) الإعطاء.
(9) أي تركت وطرحت.
(10) هي ما يتعلق بالإنسان من المال والزوجة والولد والصاحب والحبيب والخصومة والصناعة والمراد تركت أسباب السكون والقرار.
(11) تركت ما يعوقني عن السفر والخروج منها.
(12) اعروريت الدابة ركبتها عريا وابن النعامة فرس الحارث بن عبّاد والنعامة الطريق وما تحت القدم قال:
ويكون مركبك القعود ورحله ... وابن النعامة عند ذلك مركبي.
(13) أجفلت أسرعت والنعامة يضرب بها المثل في الشراد والعدو.
(14) أي مقاساة العناء والإعياء.(1/308)
ومداناة الحين (1)، كلفت (2) بها كلف النّشوان (3) بالاصطباح (4)، والحيران بتنفّس الصّباح (5). فبينما أنا يوما بها أطوف، وتحتي فرس قطوف (6)، إذ رأيت على جرد (7) من الخيل، عصبة (8) كمصابيح اللّيل، فسألت لانتجاع النّزهة (9)، عن العصبة والوجهة. فقيل: أمّا القوم فشهود، وأمّا المقصد (10) فإملاك (11) مشهود.
فحدتني (12) ميعة النّشاط (13)، على أن سرت مع الفرّاط (14)، لأفوز بحلاوة اللّقاط (15)، وأحوز حلواء السّماط (16). فأفضينا (17) بعد مكابدة العناء، إلى دار رفيعة البناء، وسيعة الفناء (18)، تشهد لبانيها بالثّراء (19) والسّناء (20). فلمّا نزلنا عن صهوات الخيول (21)، وقدّمنا الأقدام للدّخول، رأيت دهليزها مجلّلا (22)
بأطمار (23) مخرّقة، ومكلّلا (24) بمخارف (25) معلّقة. وهناك شخص على قطيفة (26)، فوق دكّة (27) لطيفة، فرابني (28) عنوان الصّحيفة (29)، ومرأى هذه
__________
(1) أي مقاربة الهلاك.
(2) أي رغبت وولعت.
(3) السكران.
(4) أي بالشرب وقت الصباح.
(5) تنفس الصباح كناية عن ابتداء ضوئه.
(6) القطوف من الدواب البطيء القصير الخطو.
(7) جمع أجرد وهو القصير الشعر.
(8) جماعة ما بين العشرة إلى الأربعين.
(9) أي لطلب التنزه في الخضرة سميت بذلك لحسنها أخذا من النزاهة وهي النظافة والجمال.
(10) الجهة التي يتوجه إليها.
(11) أي تزويج.
(12) أي ساقتني.
(13) الميعة أول الشباب وأول جري الفرس من ماع السمن إذا جرى وسال والنشاط القوة.
(14) الفارط الذي يسبق القوم إلى الماء والكلأ والجمع فرّاط وفرطت القوم أفرطهم إذا تقدمتهم قال:
فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا ... كما يعجّل فرّاط لورّاد.
(15) ما يلتقط من نثار العرس.
(16) بالكسر صف الأطعمة على الخوان.
(17) أي وصلنا.
(18) هو رحبة الدار.
(19) أي بالغنى وكثرة المال.
(20) العلو والرفعة.
(21) ظهورها جمع صهوة بالفتح.
(22) أي مستورا ومغطى.
(23) جمع طمر بالكسر وهو الثوب الخلق.
(24) التكليل في الأصل لبس الإكليل (كذا في الأصل) وهو التاج وأراد به تزيين أعاليها.
(25) المخرف الزنبيل الذي يجعل فيه المكدّي طعامه.
(26) كساء مخمل من صوف.
(27) هي الدكان.
(28) أي شككني.
(29) مطلعها ومبدؤها كناية عما رآه في مبدأ الأمر.(1/309)
الطّريفة (1). ودعاني التّطيّر (2) بتلك المناحس (3)، إلى أن عمدت لذلك الجالس، فعزمت عليه (4) بمصرّف الأقدار، ليعرّفني من ربّ هذه الدّار (5)؟
فقال: ليس لها مالك معيّن، ولا صاحب مبيّن. إنّما هي مصطبة المقيّفين (6)
والمدروزين (7)، ووليجة المشقشقين (8) والمجلوزين (9). فقلت في نفسي: إنّا لله على ضلّة المسعى (10)، وإمحال المرعى (11) وهممت في الحال بالرّجعى (12)، لكنّي استهجنت (13) العود من فوري (14)، والقهقرة (15) دون غيري. فولجت اندّار (16) متجرّعا الغصص (17)، كما يلج العصفور القفص. فإذا فيها أرائك (18)
منقوشة، وطنافس (19) مفروشة، ونمارق (20) مصفوفة، وسجوف (21) مرصوفة (22). وقد
__________
(1) أي الأعجوبة.
(2) النشاؤم.
(3) الصفات المنحوسة.
(4) أي أقسمت عليه وحلفته.
(5) رب الدار مالكها.
(6) المصاطب الدكاكين والمصطبة موضع يجتمع فيه الفقراء المكدّون والمقيّفون هم الشحاذون الذين يتبعون آثار الناس وينسبون أنفسهم ثم يكدّون عليهم.
(7) المدروز الذي يتعرض للصنائع الخسيسة مثل عمل المراوح والتعويذة وهو معرّب وعن ابن الأعرابي يقال للسفلة أولاد درزة وقيل هو الذي يجلس في الدروازة للتكدّي.
(8) أي مدخلهم الذي يدخلونه والمشقشق من يصعد في دكة ويصعد الآخر في دكة أخرى وينشد هذا بيتا وذا بيتا وهو الذي يقال له بالفارسية شور يده وشقشق الفحل هدر والعصفور صوّت.
(9) المجلوز في لسان المكدين هو الذي يقرأ فضائل الصحابة والجلواز الشرطي عند الأمير.
(10) لفظة على من صلة المعنى كأنه قيل لهفي على ذلك يعني يتحسر على سيره مع هؤلاء القوم.
(11) كناية عن عدم بلوع الغرض.
(12) أي بالرجوع.
(13) الهجنة العيب والعار أي استعبت العود واستقبحته.
(14) الفور السرعة.
(15) الرجوع إلى خلف.
(16) أي دخلتها.
(17) أي شاربا ما يغصّ به كناية عن التكرّه.
(18) جمع أريكة وهي السرير المزين فوقه قبة منه.
(19) جمع طنفسة وهي نوع من البسط.
(20) جمع نمرقة بضم الراء وسادة صغيرة وربما سموا الطنفسة التي فوق الرحل نمرقة.
(21) جمع سجف بالفتح وهو الستر.
(22) مرتبة مضمومة بعضها إلى بعضها.(1/310)
أقبل المملك (1) يميس في بردته (2)، ويتبهنس (3) بين حفدته (4). فحين جلس كأنّه ابن ماء السّماء (5)، نادى مناد من قبل الأحماء (6). وحرمة ساسان (7) أستاذ الأستاذين (8)، وقدوة الشّحّاذين (9)، لا عقد هذا العقد المبجّل (10)، في هذا اليوم الأغرّ (11) المحجّل (12)، إلّا الّذي جال وجاب (13)، وشبّ في الكدية (14)
وشاب. فأعجب رهط الصّهر ما أشاروا (15) إليه، وأذنوا في إحضار المنصوص عليه (16). فبرز حينئذ شيخ قد أمال الملوان قامته، ونوّر الفتيان (17) ثغامته (18)، فتباشرت الجماعة بإقباله، وتبادرت إلى استقباله. فلمّا جلس على زربيّته (19)،
__________
(1) هو العروس.
(2) أي يتمايل في ثوبه.
(3) يتبختر وفي نسخة يتبيهس أي يمشي مشية البيهس وهو الأسد.
(4) خدمه وأعوانه.
(5) هو المنذر بن امرىء القيس بن النعمان بن امرىء القيس ملك العرب وابن ملوكها وكانوا ينزلون الخورنق وأحيانا الحيرة قال العتبيّ ماء السماء أم المنذر الأكبر امرأة من النمر بن قاسط سميت بذلك لجمالها وأما ماء السماء الأزدي فهو عامر بن جابر بن حارثة وهو أبو عمرو الذي خرج من اليمن لما أحس بسيل العرم فسمي بذلك لأنه كان إذا أجدب قومه مانهم حتى يأتيهم الخصب فقالوا هو ماء السماء لأنه خلف منه وقيل لولده بنو ماء السماء وهو ملوك الشام.
(6) هم من قبل الزوج أبوه أو أخوه أو عمه والأصهار من قبل الزوجة كذلك.
(7) رئيس المكدين ومقدمهم وواضع طرائقهم ومعلمهم.
(8) الأستاذ ثلاثة أستاذ في الدين وهم العلماء وأستاذ في الدنيا وهم الولاة والعمال وأستاذ في الصناعة لا في الدين ولا الدنيا كالحجّام والبنّاء والملّاح.
(9) الملحين في الطلب من شحذت السكين إذا حددته.
(10) أي المعظم.
(11) الأبيض الوجه.
(12) أبيض الأطراف.
(13) أي تردد ذهابا وإيابا وقطع المسافات.
(14) أي نشأ في شدة الدهر وتكفف الناس.
(15) الضمير في أشاروا راجع إلى الإحماء وكذا أذنوا من الإذن.
(16) أي المحكوم عليه وهو الذي جال الخ.
(17) الليل والنهار وكذا الجديدان والعصران وقال الصيرافيّ الفتيان والعصران الغداة والعشي.
(18) أراد بها الشيب وهي في الأصل شجرة بيضاء الثمر والزهر يشبّه بها الشيب وفي الحديث وكان رأسه ثغامة.
(19) بكسر الزاي وضمها الطنفسة الحبرية وما كان على صنعتها.(1/311)
وسكنت الضّوضاء (1) لهيبته، ازدلف (2) إلى مسنده، ومسح سبلته (3) بيده، ثمّ قال:
الحمد لله المبتدىء بالإفضال، المبتدع (4) للنّوال (5)، المتقرّب إليه بالسّؤال، المؤمّل لتحقيق الآمال، الّذي شرع الزّكاة في الأموال، وزجر عن نهر السّؤال (6). وندب (7) إلى مؤاساة المضطرّ (8)، وأمر بإطعام القانع (9)
والمعترّ (10). ووصف عباده المقرّبين، في كتابه المبين. فقال: وهو أصدق القائلين: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوََالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسََّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (11)، أحمده على ما رزق من طعمة هنيّة، وأعوذ به من استماع دعوة بلا نيّة (12)، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده، لا شريك له إلها يجزي المتصدّقين والمتصدّقات، ويمحق الرّبا (13)
ويربي الصّدقات (14). وأشهد أنّ محمّدا عبده الرّحيم ورسوله الكريم ابتعثه (15) لينسخ
__________
(1) الجلبة والصياح والأصوات المختلطة قال الشاعر:
أجمعوا أمرهم عشاء فلما ... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
من مناد ومن مجيب ومن تص ... هال خيل خلال ذاك رغاء.
(2) اقترب.
(3) السبلة اللحية وفي المجموع سبلة اللحية مقدمها.
(4) كالمبتدىء وزنا ومعنى.
(5) أي العطاء.
(6) أي منع ونهى عن إزعاج السؤال بتشديد الهمزة جمع السائل يشير إلى قوله تعالى: {وَأَمَّا السََّائِلَ فَلََا تَنْهَرْ}.
(7) أي حبب وحرض.
(8) واساه بماله مواساة (كذا في الأصل) أناله منه وجعله أسوة ولا يكون ذلك إلا من كفاف فإن كان من فضلة فليس مواساة والمضطر المحتاج.
(9) من القنوع بالضم وهو السؤال قال الشماخ لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعفّ من القنوع.
(10) الذي يتعرض للسؤال ولا يسأل.
(11) الذي حرم الرزق فلا يتأتى له.
(12) هي قول العرب للسائل بورك فيك يقصدون بذلك ردّه لا الدعاء له وكثر هذا في كلامهم حتى جعلوه اسما للرد ألا ترى إلى قول من قال:
ربّ عجوز خبّة زبون ... سريعة الردّ على المسكين
تظنّ أن بوركا يكفيني ... إذا خرجت باسطا يميني
ويحكى أن أعرابيا سأل على باب دار فقال له صبيّ بورك فيك فقال قبح الله الفم لقد تعلم الشر صغيرا.
(13) أي يذهب بركته.
(14) أي يزيد في ثوابها وينميه.
(15) بعثه كمنعه أرسله كابتعثه فانبعث.(1/312)
الظّلمة بالضّياء (1)، وينتصف للفقراء من الأغنياء، فرفق (2) صلى الله عليه وسلّم بالمسكين (3)، وخفض جناحه (4) للمستكين (5)، وفرض الحقوق في أموال المثرين (6)، وبيّن ما يجب للمقلّين على المكثرين. صلّى الله عليه صلاة تحظيه بالزّلفة (7)، وعلى أصفيائه (8) أهل الصّفّة (9). أمّا بعد، فإنّ الله تعالى شرع النّكاح لتتعفّفوا، وسنّ التّناسل لكي تتضاعفوا، فقال سبحانه لتعرفوا: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ إِنََّا خَلَقْنََاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ََ، وَجَعَلْنََاكُمْ شُعُوباً وَقَبََائِلَ لِتَعََارَفُوا}. وهذا أبو الدّراج (10)، ولّاج ابن خرّاج (11)، ذو الوجه الوقاح (12)، والإفك الصّراح (13)، والهرير (14)
والصّياح، والإبرام (15) والإلحاح (16)، يخطب سليطة أهلها (17)، وشريطة بعلها (18)، قنبس (19)، بنت أبي العنبس (20)، لما بلغه من التحافها، بإلحافها (21)، وإسرافها
__________
(1) أي ليمحو الضلال بالهدى.
(2) رفق به رحمه وساعده.
(3) هو الذي لا شيء له بخلاف الفقير فله بعض ما يمونه وقيل بالعكس.
(4) أي تواضع.
(5) الخاضع.
(6) جمع المثري وهو الغني الكثير المال.
(7) هي قرب منزلته عند الله تعالى.
(8) جمع صفي وهو المختار.
(9) هم أضياف الإسلام لا يلوون على أهل ولا مال كانوا يبيتون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهم أبو ذرّ وعمار وسلمان وصهيب وبلال وأبو هريرة وخباب بن الأرت وحذيفة بن اليمان وأبو سعيد الخدريّ وبشير بن الخصاصية وأبو مويهبة مولاه عليه السلام وغيرهم رضي الله عنهم وفيهم نزل {وَلََا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}. الآية.
(10) كناية عن كثرة درجه وسعيه في الطلب.
(11) يعني كثرة الولوج والخروج في التكدّي.
(12) أي البارد الصلب الذي لا يستحي من الملام.
(13) أي الكذب الواضح.
(14) متابعة الصياح وهو في الأصل للكلب وهو دون النباح.
(15) الإضجار والإثقال.
(16) ملازمة السؤال وتكريره.
(17) السليطة الصخّابة الطويلة اللسان.
(18) أي الموافقة لزوجها.
(19) اسمها كأنه مأخوذ من القبس وهو الشعلة أراد أنه لحدتها تحرق من يلامسها.
(20) العنبس من أسماء الأسد.
(21) الالتحاف بالشيء التغطي به والإلحاف كالإلحاح وزنا ومعنى.(1/313)
في إسفافها (1)، وانكماشها (2) على معاشها، وانتعاشها (3) عند هراشها (4). وقد بذل لها من الصّداق شلّاقا (5)، وعكّازا (6)، وصقاعا (7) وكرّازا (8)، فأنكحوه إنكاح مثله، وصلوا حبلكم بحبله. وإن خفتم عيلة، فسوف يغنيكم الله من فضله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، لي ولكم، وأسأله أن يكثر في المصاطب نسلكم، ويحرس من المعاطب شملكم. فلمّا فرغ الشّيخ من خطبته، وأبرم (9)
للختن (10) عقد خطبته (11)، تساقط من النّثار (12)، ما استغرق (13) حدّ الاكثار، وأغرى الشّحيح (14) بالإيثار (15)، ثمّ نهض الشّيخ يسحب ذلاذله (16)، ويقدم أراذله (17). قال الحارث بن همّام: فتبعته لأنظر عرجة القوم (18)، وأكمل بهجة اليوم، فعاج (19)
__________
(1) كناية عن دنوها وتساقطها على ما يجمع من الناس مأخوذ من أسف الطائر إذا دنا من الأرض في طيرانه.
(2) أي إسراعها.
(3) أي تهيجها واضطرابها وفي بعض النسخ انتغاشها بالغين المعجمة ومعناه الارتفاع والنهوض.
(4) مخاصمتها.
(5) هو شبه المخلاة.
(6) أي عصا في أسفلها حديد.
(7) هو بالصاد والسين مخففا رداء المكدّي تجعله المرأة على رأسها وقاية من الدّهن.
(8) الكرّاز بالفتح والتشديد في كلام أهل العراق كوز ضيق العنق وعن ابن دريد هو القارورة وقيل غير ذلك.
(9) أي أحكم.
(10) بالتحريك يكنى به عمن كان من قبل المرأة كأبيها وأخيها وهم الأختان.
(11) بالكسر أي مخطوبته.
(12) الدراهم والفاكهة تنثر في الأعراس نثارا ونثرت الدمع نثرا أو نثرت الدابة نثيرا وهو شبه العطاس ونثرت المرأة نثورا كثر ولدها.
(13) وفي بعض النسخ جاوز أي استوعب وفات.
(14) أي رغّب البخيل.
(15) أي بالتفضل وذلك مما استحسنه من نثار الناس الورق وغيره حتى نثر هو أيضا.
(16) أي يجر أسافل ثيابه جمع ذلذل بضم الذالين.
(17) أي يتقدم على قومه الأراذل.
(18) العرجة بالضم الوقفة وعرّج فلان على المنزل حبس مطيته عليه وما لي عليه عرجة ولا تعريج.
(19) أي عطف ومال.(1/314)
بهم إلى سماط (1) زيّنته طهاته (2)، وتناصفت (3) في الحسن جهاته، فحين ربع (4) كلّ شخص في ربضته (5)، وطفق يرتع (6) في روضته (7)، انسللت (8)
من الصّفّ، وفررت من الزّحف (9)، فحانت (10) من الشّيخ لفتة (11) إليّ، ونظرة هجم (12) بها طرفه (13) عليّ. فقال: إلى أين يا برم (14)، هلّا عاشرت معاشرة من فيه كرم؟ فقلت: والّذي خلقها طباقا (15)، وطبّقها إشراقا (16)، لا ذقت لماقا (17)، ولا لست رقاقا (18)، أو تخبرني (19) أين مدبّ صباك (20)، ومن أين مهبّ صباك (21)؟
فتنفّس الصّعداء (22) مرارا، وأرسل البكاء مدرارا (23)، حتّى إذا استنزف الدّمع (24)، استنصت الجمع (25)، وقال لي: أرعني السّمع (26):
مسقط الرّأس سروج (27) ... وبها كنت أموج (28)
بلدة يوجد فيها ... كلّ شيء ويروج (29)
__________
(1) هو ما صفّ من الأطعمة.
(2) جمع طاه وهو الطباخ.
(3) أي تساوت تناصف القوم أي أنصف بعضهم بعضا من نفسه قال الشاعر:
إني غرضت إلى تناصف وجهها ... غرض المحب إلى الحبيب الغائب.
(4) أي جلس متمكنا.
(5) بكسر الراء موضع ربوضه وجلوسه.
(6) أي جعل يأكل.
(7) كناية عما لديه من الطعام.
(8) أي خرجت منسلّا برفق.
(9) زحف إليه زحفا مشى قدما.
(10) أي اتفقت.
(11) أي التفات.
(12) أي نظر.
(13) بصره.
(14) أي يا بخيل أو يا لئيم.
(15) يعني السماوات بعضها فوق بعض.
(16) أي جعلها مشرقة وعمها بالنور.
(17) أي قليلا من مأكول أو مشروب.
(18) أي ولا ذقت بلساني رقاقا أي خبزا.
(19) إلى أن تخبرني أو إلّا أن تخبرني.
(20) أي أين ولدت وربيت.
(21) يريد من أين مجيئك والصبا بالفتح ريح شرقية.
(22) أي تنفسا شديدا.
(23) أي دموعا دائمة الصب كالسحابة التي تدر بالمطر.
(24) استفرغ الدمع.
(25) أي طلب منهم أن ينصتوا.
(26) أي ألق سمعك إليّ وفي نسخة وقال لي اسمع.
(27) اسم بلدة.
(28) أتردّد.
(29) يتيسر ويتسهل.(1/315)
وردها من سلسبيل (1) ... وصحاريها (2) مروج (3)
وبنوها ومغاني ... هم نجوم وبروج (4)
حبّذا نفحة ريّا ... ها ومرآها البهيج (5)
وأزاهير (6) رباها (7) ... حين تنجاب الثّلوج (8)
من رآها قال مرسى (9) ... جنّة الدّنيا سروج
ولمن ينزاح عنها (10) ... زفرات (11) ونشيج (12)
مثل ما لاقيت مذ زح ... زحني (13) عنها العلوج (14)
عبرة (15) تهمي (16) وشجو (17) ... كلّما قرّ (18) يهيج (19)
وهموم (20) كلّ يوم ... خطبها (21) خطب (22) مريج (23)
__________
(1) ماؤها لين سائغ والسلسبيل أصله عين في الجنة شبه به كل ماء رائق عذب بارد.
(2) جمع صحراء أرض ليس فيها نبات.
(3) أي بساتين.
(4) بنوها من ولد فيها وهو مبتدأ ومغانيهم مبتدأ ثان ونجوم خبر الأول وبروج خبر الثاني ويصير معنى الكلام وبنوها نجوم ومغانيهم أي منازلهم بروج.
(5) أي ما أحسنهما والنفحة فوح الرائحة والريا الريح الطيبة ومرآها أي منظرها والبهيج نعته أي الحسن الذي يعجب من يراه ويسره.
(6) جمع أزهار جمع زهر.
(7) الربى ما ارتفع من الأرض.
(8) أي تنزاح وتتفرق والثلوج جمع ثلج.
(9) المرسى هو محل حلول السفن وكل مستثقل ومنه قوله تعالى: {وَالْجِبََالَ أَرْسََاهََا}. والمعنى أن من يراها يقول إن أحسن مكان في الدنيا وأنزهه سروج.
(10) يتزحزح ويزول عنها.
(11) جمع زفرة وهي إخراج النفس بشدّة.
(12) أي شهيق وبكاء من التأسف على بعده عنها.
(13) أزالني.
(14) جمع علج وأصله الصلب الشديد أو الرجل القوي الضخم والرجل من كفار العجم وهو المراد هنا.
(15) دمعة.
(16) تنسكب.
(17) حزن.
(18) سكن.
(19) ينبعث ويزداد.
(20) جمع هم وهو ما يهم الإنسان.
(21) أي أمرها العظيم.
(22) أمر.
(23) مختلط لا يعرف وجه التخلص منه.(1/316)
ومساع (1) في التّرجّي (2) ... قاصرات الخطو (3) عوج (4)
ليت يومي حمّ (5) لمّا ... حمّ لي منها الخروج (6)
قال: فلمّا بيّن بلده، ووعيت (7) ما أنشده، أيقنت أنّه علّامتنا أبو زيد، وإن كان الهرم قد أوثقه (8) بقيد. فبادرت إلى مصافحته (9)، واغتنمت مؤاكلته (10) من صحفته (11)، وظلت مدّة مقامي بمصر أعشو (12) إلى شواظه (13)، وأحشو صدفتيّ (14)
من درر ألفاظه، إلى أن نعب (15) بيننا غراب البين، ففارقته مفارقة الجفن للعين (16).
__________
(1) أي مطالب وأصلها المكارم وهي جمع مسعاة وهو السعي أي وسعيّ بعد سعي.
(2) أي التأميل.
(3) جمع خطوة أي خطاهنّ قصيرة.
(4) أي معوجّات أي غير مستقيمة وغير مبلغة للأرب.
(5) أي قضى وأراد نفسه لأنه إذا قضى يومه قضى هو.
(6) قدّر خروجي منها.
(7) عقلت وعرفت.
(8) شدّة.
(9) أي وضع يدي في يده للسلام.
(10) الأكل معه.
(11) أي الإناء الذي كان يأكل منه.
(12) أقصد.
(13) لهب ناره ويقال عشا الرجل إلى النار إذا قصدها ليلا من بعد والشواط نار لا دخان معها.
(14) يعني أذنيّ.
(15) صاح.
(16) لا يخفى أن في مصاحبة الجفن للعين عدة منافع منها أنه يمنع عنها الأذى ويصونها بانطباقه عن حر الشمس ولذلك شبه صحبته له بصحبة الجفن للعين وأنه لما عدمه وفارقه عدم ما كان يحصل له من المنافع كما أن العين إذا عدمت الجفن فارقتها المنافع المذكورة.(1/317)
المقامة الحادية والثلاثون الرّمليّة
حكى الحارث بن همّام، قال: كنت في عنفوان الشّباب (1)، وريعان العيش (2) اللّباب (3)، أقلي (4) الاكتنان (5) بالغاب (6)، وأهوى (7) الاندلاق (8)
من القراب (9). لعلمي أنّ السّفر ينفج السّفر (10)، وينتج الظّفر (11). ومعاقرة الوطن (12)، تعقر الفطن (13)، وتحقر (14) من قطن (15). فأجلت قداح
__________
(1) أوله.
(2) نضرته والعيش المعيشة.
(3) هو من كل شيء خالصه.
(4) أبغض.
(5) الإقامة في الكن وهو البيت.
(6) أراد به بلده جمع غابة وهي الأجمة وكل قصب مجتمع فهو غاب وأصل الغاب مأوى الأسد.
(7) أحب.
(8) سرعة الخروج.
(9) هو غمد السيف فشبه نفسه بالسيف والمنزل بالقراب يقال اندلق السيف إذا خرج وسقط من غمده من غير سل وكذلك يقال اندلق إذا سبق اصحابه ومضى.
(10) بعظمها ويملؤها والسّفر بالضم جمع سفرة وعاء الزاد للمسافر.
(11) أي يولد الفوز.
(12) ملازمته.
(13) أي تجرحها والفطن بكسر الفاء جمع فطنة أو بفتحها مع كسر الطاء ذو الفطنة وأما ما في بعض النسخ بالقاف محركة وهو أسفل الظهر فهو تصحيف.
(14) أي تصغر.
(15) أي أقام.(1/318)
الاستشارة (1)، واقتدحت (2) زناد (3) الاستخارة (4)، ثمّ استجشت جأشا (5)، أثبت (6)
من الحجارة، وأصعدت (7) إلى ساحل الشّام للتّجارة. فلمّا خيّمت (8) بالرّملة (9)، وألقيت بها عصا الرّحلة (10)، صادفت (11) بها ركابا (12) تعدّ للسّرى (13)، ورحالا تشدّ إلى أمّ القرى (14). فعصفت بي ريح الغرام (15)، واهتاج (16) لي شوق إلى البيت الحرام (17)، فزممت ناقتي (18)، ونبذت (19) علقي (20) وعلاقتي (21).
وقلت للائمي: أقصر فإنّي ... سأختار المقام (22) على المقام (23)
وأنفق ما جمعت بأرض جمع (24) ... وأسلو (25) بالحطيم (26) عن الحطام (27)
ثمّ انتظمت (28) مع رفقة كنجوم اللّيل، لهم في السّير جرية السّيل، وإلى
__________
(1) أي فحرّكت سهام المشورة لأن القدح بالكسر السهم قبل أن يراش ويركب نصله وجمعه قداح وأقداح ويطلق القدح أيضا على أول السهام التي يبرزها من يقامر وهي عشرة أسهم وهي قداح الميسر وهي أيضا الأزلام فشبه اختيار المشورة بها وأطلق عليها اسمها.
(2) أي قدحت.
(3) جمع زند.
(4) طلب الخيرة.
(5) أي جمعت قلبا وعزما.
(6) أصلب.
(7) سرت وتوجهت صاعدا في الأرض.
(8) أقمت.
(9) بلد بالشام قرب الساحل.
(10) هو كناية عن الإقامة وترك السفر.
(11) وجدت ولاقيت.
(12) إبلا.
(13) تهيأ لسير الليل.
(14) هي مكة شرّفها الله تعالى وسميت أم القرى لأنها أول بلد خلقها الله ولأن أهل القرى يؤمونها.
(15) عصوف الريح هبوبها بشدة والغرام الشوق وكنى بها عن هيجان شوقه.
(16) أي هاج.
(17) هو الكعبة وفي نسخة بيت الله الحرام.
(18) جعلت زمامها فيها.
(19) طرحت.
(20) أشغالي.
(21) أي ما يتعلق بي.
(22) بالفتح أي مقام إبراهيم عليه السلام.
(23) بالضم أي على الإقامة.
(24) متعلق بأنفق وهي المزدلفة.
(25) أتسلى وأنسى.
(26) الحجر الأسود أو جدار الكعبة أو ما بين الركن وزمزم.
(27) متاع الدنيا.
(28) اجتمعت.(1/319)
الخير جري الخيل. فلم نزل بين إدلاج (1) وتأويب (2)، وإيجاف (3) وتقريب (4)، إلى أن حبتنا (5) أيدي المطايا بالتّحفة، في إيصالنا إلى الجحفة (6). فحلّلناها متأهّبين (7) للإحرام، متباشرين بإدراك المرام (8). فلم يك إلّا أن أنخنا بها الرّكائب (9)، وحططنا الحقائب (10)، حتّى طلع علينا من بين الهضاب (11)، شخص ضاحي الإهاب (12)، وهو ينادي. يا أهل ذا النّادي (13)! هلمّ (14) إلى ما ينجي يوم التّنادي (15)! فانخرط إليه الحجيج (16) وانصلتوا (17)، واحتفّوا به (18) وأنصتوا (19).
فلمّا رأى تأثّفهم (20) حوله، واستعظامهم (21) قوله، تسنّم (22) إحدى الآكام (23)، ثمّ تنحنح مستفتحا للكلام. وقال: يا معشر الحجّاج، النّاسلين (24) من الفجاج (25)، أتعقلون ما تواجهون (26)، وإلى من تتوجّهون (27)؟. أم تدرون على من تقدمون (28)، وعلام (29) تقدمون (30)؟ أتخالون (31) أنّ الحجّ هو اختيار
__________
(1) هو السير في الليل.
(2) هو السير في النهار.
(3) ضرب من العدو فوق السير ودون الحضر.
(4) سرعة سير.
(5) أعطتنا.
(6) ميقات أهل الشام وهو موضع بين مكة والمدينة وكانت قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلا من مكة وكانت تسمى مهيعة فنزل بها بنو عبيد وهو إخوة عاد وكان أخرجهم العماليق من يثرب فجاءهم سيل الجحاف فاجتحفهم فسميت الجحفة لذلك.
(7) مستعدين.
(8) المطلب.
(9) الإبل.
(10) أوعية الزاد وأهب السفر.
(11) جمع هضبة وهي الجبل المنبسط.
(12) بارز الجلد من العري.
(13) المجلس.
(14) وفي نسخة هلموا أي أقبلوا.
(15) هو يوم القيامة.
(16) أقبلوا مسرعين والحجيج جمع الحاج كالغزيّ في جمع الغازي.
(17) مضوا وسبقوا.
(18) أحاطوا.
(19) سكتوا.
(20) تجمعهم كتجمع الأثافي.
(21) وفي نسخة واستطعامهم.
(22) علا.
(23) جمع أكمة وهي المحل المرتفع.
(24) المسرعين.
(25) جمع فج وهو الطريق في الجبل خاصة.
(26) أي ما تقابلون.
(27) أي تقصدون.
(28) يقال قدم على الأمر إذا أقدم عليه وقدم من سفره رجع.
(29) أي على أي شيء.
(30) من أقدم على الشيء تجاسر على فعله.
(31) أي أتحسبون.(1/320)
الرّواحل (1)، وقطع المراحل (2)، واتّخاذ المحامل (3)، وإيقار الزّوامل (4)! أم تظنّون أنّ النّسك (5) هو نضو الأردان (6)، وإنضاء الأبدان (7)، ومفارقة الولدان (8)، والتّنائي (9) عن البلدان! كلّا (10)! والله، بل هو اجتناب الخطيّة (11)، قبل اجتلاب (12) المطيّة (13). وإخلاص النّيّة، في قصد تلك البنيّة (14). وإمحاض (15) الطّاعة، عند وجدان الاستطاعة. وإصلاح المعاملات (16)، أمام (17) إعمال اليعملات (18). فو الّذي شرع المناسك (19)
للنّاسك (20)، وأرشد (21) السّالك في اللّيل الحالك (22)، ما ينقي الاغتسال بالذّنوب (23)، من الانغماس في الذّنوب! ولا تعدل تعرية الأجسام، بتعبية الأجرام (24). ولا تغني لبسة الإحرام (25)، عن المتلبّس بالحرام. ولا ينفع
__________
(1) هي الإبل الهجان.
(2) جمع مرحلة.
(3) هي كالهوادج.
(4) تثقيلها بالأحمال والزوامل الإبل التي يحمل عليها.
(5) هو التعبد.
(6) النضو النزع وأراد بنضو الأردان وهي الأكمام تشميرها كعادة الجادّ.
(7) إهزالها (كذا في الأصل) من الإتعاب.
(8) الأولاد.
(9) البعد.
(10) ردع وزجر.
(11) ترك الإثم.
(12) أخذ وإعداد.
(13) الناقة التي يركب مطاها أي ظهرها.
(14) الكعبة.
(15) إخلاص.
(16) التعامل بين الناس.
(17) أي قدّام.
(18) جمع اليعملة وهي الناقة النجيبة مشتقة من العمل فالياء فيها زائدة وإعمالها استعمالها والمراد أنه يصلح ما بينه وبين الناس قبل سفره.
(19) هي أفعال الحج.
(20) أي المتنسك المتعبد بأفعال الحج.
(21) أي بيّن الطرق وهدى إليها.
(22) الشديد السواد لظلمته.
(23) بفتح الذال وهو الدلو الممتلىء ماء وهو يذكر ويؤنث ولا يقال ذنوب إلا إذا كان ممتلئا وقيل إنه الدلو العظيمة والمقصود الماء مطلقا.
(24) أي بحمل الآثام.
(25) هو ما يستتر به الحاجّ بعد تجرده للإحرام.(1/321)
الاضطباع (1) بالإزار، مع الاضطلاع (2) بالأوزار (3). ولا يجدي (4) التّقرّب بالحلق (5)، مع التّقلّب في ظلم الخلق. ولا يرحض (6) التّنسّك في التّقصير (7)، درن التّمسّك بالتّقصير (8). ولا يسعد بعرفة (9)، غير أهل المعرفة. ولا يزكو بالخيف (10)، من يرغب في الحيف (11). ولا يشهد المقام (12)، إلّا من استقام.
ولا يحظي بقبول الحجّة، من زاغ (13) عن المحجّة (14). فرحم الله امرأ صفا (15)، قبل مسعاه إلى الصّفا. وورد شريعة الرّضى (16)، قبل شروعه على الأضا (17).
ونزع عن تلبيسه (18)، قبل نزع ملبوسه (19). وفاض بمعروفه (20)، قبل الإفاضة (21) من تعريفه (22). ثمّ رفع عقيرته (23) بصوت أسمع الصّمّ (24)، وكاد يزعزع الجبال الشّمّ، وأنشد:
__________
(1) هو أن تدخل الثوب الذي هو الإزار تحت يدك اليمنى فتلقيه على منكبك الأيسر وتبدي منكبك الأيمن وهو ما يفعله الطائف بالبيت.
(2) اضطلع بالشيء احتمله ونهض به من الضلاعة وهي القوّة.
(3) جمع الوزر بمعنى الذنب.
(4) أي لا ينفع ولا يفيد.
(5) أي التعبد بحلق الرؤوس للحاج.
(6) أي يغسل.
(7) أي التعبد بقص شعر الرأس عند التحلل من الإحرام.
(8) الدرن الوسخ والتقصير المراد به هنا التواني والتراخي عن أفعال البر والتمسك به التمادي عليه والرحض والدرن من المجاز.
(9) هو موقف الحاج المشهور بعرفات وهو لا ينوّن ولا يدخله الألف واللام يقال هذا يوم عرفة وعرفات اسم وليس بجمع.
(10) أي لا يتبرك به والخيف هو منى أو هو موضع بها.
(11) الجور والتعدي.
(12) أي لا ينظر ويشاهد مقام إبراهيم الخليل عليه السلام بعين الحقيقة إلا من كان مستقيم الأحوال والطريقة.
(13) أي من مال وحاد.
(14) أي عن طريق الحق.
(15) من الصفو ضد الكدر والمراد أخلص في أعماله وتخلص من قبح أفعاله.
(16) أي مورده ومشربه والمراد فعل ما يوجب له رضى مولاه قبل شروعه الخ.
(17) جمع أضاة وهي الغدير وأراد به زمزم.
(18) تخليطه وعدم تخليصه ونزع عنه كف وامتنع.
(19) أي خلع ثيابه وتجرده للإحرام.
(20) أي أحسن ببره وتفضل بخيره.
(21) أفاضوا من عرفات إذا دفع الوقوف بعرفة بكثرة مستعار من إفاضة الماء.
(22) التعريف الوقوف بعرفات.
(23) أي صاح وتقدم إيضاحه في المقامة الثالثة عشرة.
(24) جمع الأصم وهو الذي لا يسمع.(1/322)
ما الحجّ سيرك تأويبا وإدلاجا (1)
ولا اعتيامك (2) أجمالا (3) وأحداجا (4)
ألحجّ أن تقصد البيت الحرام على
تجر يدك الحجّ لا تقضي به حاجا (5)
وتمتطي كاهل الإنصاف متّخذا
ردع الهوى هاديا (6) والحقّ منهاجا (7)
وأن تؤاسي (8) ما أوتيت (9) مقدرة (10)
من مدّ كفّا إلى جدواك محتاجا (11) (12)
فهذه إن حوتها حجّة كملت
وإن خلا الحجّ منها كان إخداجا (13)
حسب المرائين (14) غبنا (15) أنّهم غرسوا
وما جنوا (16) ولقوا كدّا وإزعاجا (17)
__________
(1) سير النهار وسير الليل.
(2) أي اختيارك.
(3) بالجيم والحاء المهملة.
(4) جمع حدج بالكسر وهو مركب من مراكب النساء كالمحفة.
(5) جمع حاجة مثل راح وراحة.
(6) أراد من هذه الاستعارة أن يتبع الإنصاف والعدل ولا ينفك عنه أي يجعل هاديه في سفره ردع هواه ومخالفة نفسه وقمعها.
(7) المنهاج الطريق أي يجعل طريق سفره اتباع الحق.
(8) أي تتكرم.
(9) أي أعطيت.
(10) مثلث الدال بمعنى اليسار والغنى أي مدّة تيسرك وغناك.
(11) هو حال من الضمير في مد أي ما دمت متيسرا تكرّم.
(12) من يمدّ يده طالبا عطاءك حال احتياجه.
(13) أي نقصانا والمعنى كان الحج ناقصا من أخدجت الناقة إذا أتت بولدها ناقص الخلق ولو لتمام الوقت وخدجت خدجا ألقته قبل وقت النتاج ولو تامّ الخلق.
(14) أي يكفيهم وهم من يعملون العمل للرياء لا لله.
(15) الغبن الخديعة في البيع وانتصابه على الحال أو التمييز.
(16) أي زرعوا ولم يأخذوا ثمرا مما زرعوه وهذا من المجاز.
(17) الإزعاج مفارقة الوطن.(1/323)
وأنّهم حرسوا أجرا ومحمدة (1)
وألحموا عرضهم من عاب أو هاجى (2)
أخيّ فابغ بما تبديه من قرب
وجه المهيمن (3) ولّاجا وخرّاجا (4)
فليس تخفى على الرّحمن خافية
إن أخلص العبد في الطّاعات أو داجى (5)
وبادر الموت بالحسنى تقدّمها (6)
فما ينهنه (7) داعي الموت (8) إن فاجا (9)
واقن التّواضع (10) خلقا (11) لا تزايله (12)
عنك اللّيالي ولو ألبسنك التّاجا
ولا تشم كلّ خال لاح بارقه (13)
ولو تراءى (14) هتون السّكب (15) ثجّاجا (16)
__________
(1) بكسر الميم الثانية أي حمدا.
(2) أي جعلوا عرضهم للعائب لحمة وللهاجي طعمة من ألحمه إذا أطعمه اللحم.
(3) أي اطلب بما تظهره من فعل القرب وجه المهيمن وهو الله سبحانه وتعالى.
(4) أي داخلا وخارجا.
(5) من المداجاة وهي النفاق هنا.
(6) أي اجتهد قبل الموت في تقديم الفعلة الحسنى.
(7) أي فما يؤخر ولا يمنع من نهنهته عن كذا زحزحته ومنعته عنه.
(8) أي ما يدعوك إليه وهو انقضاء الأجل.
(9) أي إن أتى بغتة وترك الهمزة ضرورة.
(10) أي الزمه وأمسكه.
(11) منصوب على أنه مصدر مؤكد والعامل ما تقدمه.
(12) يقال زلته عن مكانه أزيله زيلا أي نحيته أي لا تتبع الليالي أي الزمان في تقديمه وتأخيره ولو بلغت إلى لبس التاج بأن صرت ملكا فلا تفارق التواضع.
(13) أي لا تنظر إلى كل غيم برق.
(14) أي ولو تخيل لك وظننته.
(15) أي متتابع القطر.
(16) أي صبابا كثير الصب فإنه قد يتخلف.(1/324)
ما كلّ داع (1) بأهل أن يصاخ له (2)
كم قد أصمّ بنعي بعض من ناجى (3)
وما اللّبيب سوى من بات مقتنعا
ببلغة (4) تدرج الأيّام (5) إدراجا
فكلّ كثر (6) إلى قلّ مغبّته (7)
وكلّ ناز إلى لين (8) وإن هاجا (9)
قال الرّاوي: فلمّا ألقح عقم الأفهام، بسحر الكلام (10)، استروحت (11)
ريح أبي زيد، وماد بي (12) الارتياح (13) إليه أيّ ميد. فمكثت حتّى استوعب (14) نثّ حكمته (15)، وانحدر من أكمته. ثمّ دلفت إليه (16) لأتصفحّ صفحات محيّاه (17)، وأستشفّ (18) جوهر حلاه (19)، فإذا هو الضّالّة الّتي أنشدها، وناظم القلائد اللّاتي
__________
(1) أي ليس كل مناد سمعته.
(2) أي يسمع له.
(3) النعي في الأصل خبر الموت والمراد هنا مطلق خبر مكروه يحزن سامعه ويسد سمعه.
(4) أي بيسير قوت كفاف.
(5) أي تسوقها وتمضيها من درج القوم إذا انقرضوا أو تطويها كطي الكتاب.
(6) أي كل كثير.
(7) مغبة كل شيء وغبه عاقبته يعني أن عاقبة الكثير ترجع إلى القليل.
(8) أي نهاية كل متشدد إلى الارتخاء مستفاد من قولهم تنزو وتلين.
(9) من الهيجان.
(10) أي أدخل في أفهامنا ما لم يدخل فيها من كلامه الشبيه في لطافته وملاحته بالسحر.
(11) استروح واستراح وأروح وأراح وجد الريح.
(12) ماد به أماله وماد مال أو تحرك.
(13) النشاط.
(14) أي استوفى.
(15) وفي نسخة بث حكمته يقال نث الحديث نثّا إذا أفشاه والمراد من الحكمة قصيدته الوعظية السابقة.
(16) الدلف المشي رويدا.
(17) أي لا نظر إلى صفحة وجهه وهي جانبه.
(18) أي أبصر وأتحقق.
(19) الحلى جمع حلية بمعنى صفة الرجل.(1/325)
أنشدها، فعانقته عناق اللّام للألف (1)، ونزّلته منزلة البرء (2) عند الدّنف (3).
وسألته أن يلازمني فأبى، أو يزاملني (4) فنبا (5). وقال: آليت (6) في حجّتي هذه أن لا أحتقب (7) ولا أعتقب (8)، ولا أكتسب ولا أنتسب (9)، ولا أرتفق (10) ولا أرافق، ولا أوافق من ينافق. ثمّ ذهب يهرول، وغادرني أولول (11). فلم أزل أقريه نظري (12)، وأودّ لو يمشي على ناظري (13)، حتّى توقّل (14) أحد الأطواد (15)، ووقف للحجيج بالمرصاد. فلمّا شاهد إيضاع الرّكبان (16)، في الكثبان، وقّع بالبنان على البنان (17)، واندفع ينشد:
ليس من زار راكبا ... مثل ساع على القدم
لا ولا خادم أطا ... ع كعاص من الخدم
كيف يا قوم يستوي ... سعي بان ومن هدم
سيقيم المفرّطو ... ن غدا مأتم النّدم (18)
__________
(1) أخذ ذلك من قول خالد بن بكر بن خارجة:
يا من إذا قرأ الإنجيل ظلّ به ... قلب الحنيف عن الإسلام منصرفا
رأيت شخصك في نومي يعانقني ... كما تعانق لام الكاتب الألفا.
(2) الخلاص من الداء والشفاء منه.
(3) المريض.
(4) المزاملة المعادلة على البعير والزميل الرديف.
(5) أي فامتنع وانفصل.
(6) أي حلفت يمينا.
(7) يقال احتقبت غلامي أردفته واحتملته.
(8) الاعتقاب المناوبة في السير والعقبة النوبة.
(9) أي ولا أظهر نسبي.
(10) أي أنتفع.
(11) ولولت المرأة رفعت صوتها بالبكاء والعويل.
(12) أي أتبعه نظري متأملا له وملاحظا.
(13) أي على إنسان عيني.
(14) أي صعد وعلا.
(15) جمع الطود وهو الجبل.
(16) الإيضاع الرفق في السير من أوضع البعير حمله على الوضع وهو سير سهل سريع.
(17) أي ضرب بعضه ببعض طربا ونشاطا والمراد أنه صفق بيديه وأراد بالبنان اليد ومنه قوله تعالى {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنََانٍ} أي الأيدي والأرجل.
(18) أصل المأتم اجتماع النساء في الحزن وقيل جماعة النساء مطلقا قال:
عشية قام النائحات وشققت ... جيوب بأيدي مأتم وخدود
أي بأيدي نساء.(1/326)
ويقول الّذي تقر ... رب طوبى لمن خدم (1)
ويك (2) يا نفس قدّمي ... صالحا عند ذي القدم
وازدري (3) زخرف الحيا ... ة (4) فوجدانه عدم
واذكري مصرع الحما ... م (5) إذا خطبه (6) صدم (7)
واندبي فعلك القبي ... ح (8) وسحّي (9) له بدم
وادبغيه بتوبة (10) ... قبل أن يحلم الأدم (11)
فعسى الله أن يقي ... ك السّعير (12) الّذي احتدم (13)
يوم لا عثرة تقا ... ل (14) ولا ينفع السّدم (15)
ثمّ إنّه أغمض عضب لسانه (16)، وانطلق لشانه (17). فما زلت في كلّ
__________
(1) أي إلى الله تعالى بالقربات وهي الطاعات.
(2) ويلك.
(3) ازدري أي احتقري والزخرف الزينة وأصله للذهب أو ماؤه.
(4) أي فوجوده في الحقيقة عدم لأنه فان لا محالة يشير إلى قول أبي الفتح.
وكل وجدان خط لا ثبات له ... فإن معناه في التحقيق فقدان.
(5) مطرحه ومرماه والحمام الموت.
(6) أي أمره العظيم الهائل.
(7) أتى بشدة وأصاب وأصل الصدم ضرب الشيء الصلب بمثله ومنه اصطدم الفارسان إذا تضاربا.
(8) أي ابكي عليه مع تندم وتأوّه.
(9) أي سيلي.
(10) أي أزيلي ما نشأ عن قباحة فعلك بالتوبة.
(11) يريد قبل الموت يقال حلم الأديم بالكسر فسد وروي أن الوليد بن عقبة كتب إلى معاوية رضي الله عنه فإنك والكتاب إلى عليّ كدابغة وقد حلم الأديم فكنى عن الموت بحلم الأدم لأنه إذا حلم لا ينفع فيه الدبغ كما أن التوبة لا تنفع عند الغرغرة.
(12) من أسماء النار.
(13) التهب واضطرم واشتدّ حرّه.
(14) أي لا زلة تغفر إلّا بعونه تعالى.
(15) الندم وقيل هو هم مع ندم وقيل غيظ مع حزن وقيل هو أشد الحزن.
(16) كنى به عن السكوت وأصل العضب السيف والإغماد إدخاله في الغمد وهو القراب فكأنه بسكوته أشبه سيفا أدخل في غمده.
(17) أي لحاله.(1/327)
مورد (1) نرده، ومعرّس (2) نتوسّده (3)، أتفقّده فأفقده (4)، وأستنجد (5) بمن ينشده فلا يجده، حتّى خلت (6) أنّ الجنّ اختطفته (7)، أو الأرض اختطفته (8)، فما كابدت (9) في الغربة (10)، كهذه الكربة (11)، ولا منيت (12) في سفرة، بمثلها من زفرة (13).
__________
(1) هو محل ورود الماء.
(2) أي موضع النزول آخر الليل.
(3) أي نأوي إليه وأصله وضع الرأس على الوسادة.
(4) وفي نسخة فأفتقده والمراد لم أجده.
(5) أي أطلب من ينجدني ويساعدني على طلبه.
(6) أي حسبت.
(7) أي أخذته بسرعة.
(8) أي أخذته وقطعته من قطف الفاكهة إذا قطعها.
(9) قاسيت.
(10) أي التغرب.
(11) أي الضيق.
(12) أي بليت.
(13) اسم من الزفير وهو استيعاب النفس من شدة الغم.(1/328)
المقامة الثانية والثلاثون الطّيّبيّة
حكى الحارث بن همّام، قال: أجمعت (1) حين قضيت مناسك الحجّ (2)، وأقمت وظائف العجّ (3) والثّجّ (4)، أن أقصد طيبة (5)، مع رفقة من بني شيبة (6)، لأزور قبر النّبيّ المصطفى، وأخرج من قبيل من حجّ وجفا (7). فأرجف (8) بأنّ المسالك (9) شاغرة (10)، وعرب الحرمين متشاجرة (11)، فحرت (12) بين إشفاق (13)
يثبّطني (14)، وأشواق تنشّطني (15)، إلى أن ألقي في روعي (16) الاستسلام (17)، وتغليب زيارة قبره عليه السلام. فاعتمت القعدة (18)، وأعددت العدّة، وسرت
__________
(1) أي عزمت.
(2) هي شعائره كالإحرام والطواف والسعي والوقوف بعرفة.
(3) رفع الصوت بالتلبية.
(4) هو نحر البدن وإراقة دم الهدي.
(5) هي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.
(6) هو رجل من قريش اسمه شيبة بن عثمان بن طلحة بن عبد الدار بن قصيّ ومفتاح الكعبة في يد ذريته إلى الآن وقيل هو عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سمي بعبد المطلب لأن أباه تركه في المدينة عند أخواله فلما مات أبوه توجه إليه المطلب أخوه فأتى به فلما رآه أهل مكة قالوا ما هو إلّا عبد للمطلب فشهر به.
(7) أي من زمرتهم وهو إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم من حج ولم يزرني فقد جفاني.
(8) أي أشيع وذكر وتحدّث.
(9) أي الطرق.
(10) أي مخوفة من شغر البلد خلا من الناس وبلدة شاغرة إذا كانت لا تمتنع من أحد يغير عليها.
(11) مختلفة بينها حرب.
(12) أي تحيرت.
(13) أي خوف.
(14) يقعدني ويعوقني ومنه قوله تعالى {وَلََكِنْ كَرِهَ اللََّهُ انْبِعََاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ}.
(15) تستوفزني وتذهب بي.
(16) الروع القلب وحقيقته مستقر الروع وهو الفزع وفي الحديث إن روح القدس نفث في روعي.
(17) الانقياد.
(18) أي اخترتها والقعدة بضم القاف الجمل حين يصلح للركوب.(1/329)
والرّفقة لا نلوي على عرجة (1)، ولا نني (2) في تأويب (3) ولا دلجة (4)، حتّى وافينا بني حرب (5)، وقد آبوا من حرب (6). فأزمعنا (7) أن نقضّى ظلّ اليوم (8)، في حلّة القوم (9). وبينما (10) نحن نتخيّر المناخ (11)، ونرود (12) الورد (13) النّقاخ (14)، إذ رأيناهم يركضون (15)، كأنّهم إلى نصب (16) يوفضون (17). فرابنا انثيالهم (18)، وسألنا ما بالهم (19). فقيل: قد حضر ناديهم (20) فقيه العرب (21)، فإهراعهم (22)
لهذا السّبب. فقلت لرفقتي: ألا نشهد (23) مجمع الحيّ (24)، لنتبيّن (25) الرّشد من الغيّ! (26) فقالوا: لقد أسمعت إذ دعوت (27)، ونصحت وما ألوت (28). ثمّ
__________
(1) أي لا نميل إلى تعريج أي إقامة.
(2) أي ولا نفتر من ونى ينى إذا فتر.
(3) هو سير النهار.
(4) بضم الدال وهو سير الليل كله وبفتحها سير آخر الليل.
(5) اسم قبيلة.
(6) أي رجعوا من قتال.
(7) أي عزمنا.
(8) أي طوله وهو مثل قولهم سحابة النهار ووجهه أن ظل الشيء يبقى ببقائه ويزول بزواله.
(9) أي في منزلهم والحلة البيوت المجتمعة وقيل مجلس القوم وقيل مجتمعهم.
(10) وفي نسخة فبينا.
(11) بضم الميم المحل الذي تناخ به الجمال.
(12) نطلب.
(13) الماء.
(14) العذب البارد الذي ينقخ العطش أي يكسره قال الشاعر:
وأحمق ممن يلعق الماء قال لي ... دع الخمر واشرب من نقاخ مبرّد.
(15) يسرعون.
(16) بضمتين كل ما ينصب ليعبد من دون الله وقيل حجر ينحرون عنده وبالفتح العلم المنصوب في الجادّة.
(17) يسرعون.
(18) دخل علينا الريب والشك من سرعتهم وتتابعهم.
(19) أي ما الذي أصابهم.
(20) مجلسهم.
(21) عالمهم المتفقه في الدين.
(22) أي سيرهم وشدة عدوهم والإهراع الإسراع في فزع ورعدة.
(23) أي نحضر.
(24) نادي القبيلة.
(25) لنعلم.
(26) الصواب من الخطأ.
(27) أي قلت قولا يجب استماعه واتباعه.
(28) أي ما أخرت عنا نصحا.(1/330)
نهضنا (1) نتّبع الهادي (2)، ونؤمّ النّادي (3)، حتّى إذا أظللنا عليه (4)، واستشرفنا (5) الفقيه المنهود إليه (6)، ألفيته (7) أبا زيد ذا الشّقر والبقر (8)، والفواقر (9)
والفقر (10). وقد اعتمّ القفداء (11)، واشتمل الصّمّاء (12)، وقعد القرفصاء (13) وأعيان الحيّ (14) به محتفّون (15)، وأخلاطهم (16) عليه ملتفّون (17)، وهو يقول سلوني عن المعضلات (18)، واستوضحوا (19) منّي المشكلات، فو الّذي فطر السّماء (20)، وعلّم آدم الأسماء، إنّي لفقيه العرب العرباء (21)، وأعلم من تحت الجرباء (22)! فصمد له (23) فتى فتيق اللّسان (24)، جريء الجنان (25)، وقال: إنّي حاضرت فقهاء الدّنيا (26)، حتّى انتخلت (27) منهم مئة فتيا (28)، فإن كنت ممّن يرغب عن بنات
__________
(1) قمنا.
(2) الدليل.
(3) نقصد المجلس.
(4) دنونا منه.
(5) أي أدرنا أبصارنا يقال استشرف الشيء إذا رفع بصره لينظر إليه وبسط كفه على حاجبه كالمستظل من الشمس.
(6) أي المنهوض إليه.
(7) وجدته.
(8) الشّقر كصرد الكذب البحت والبقر اتباع.
(9) جمع فاقرة وهي الداهية التي تكسر فقار الظهر.
(10) السجع والحكم والنكت وهي في الأصل الحلي.
(11) أي تعمم وأرسل قليلا من العمامة على أذنه اليسرى.
(12) قال الأصمعي اشتمال الصماء هو أن يشتمل الرجل بالثوب حتى يجلل به جسده ولا يرفع منه جانبا ويكون فيه فرجة يخرج منها يده وقال أبو عبيدة أما تفسير الفقهاء فهو أن يشتمل الرجل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه.
(13) جلسة المحتبي.
(14) أي كبارهم وأشرافهم.
(15) مستديرون حوله.
(16) أنواع جماعتهم وعامتهم.
(17) محيطون.
(18) أي المشكلات التي تعجز العلماء.
(19) أي اطلبوا التوضيح مني وأنا أبين وأوضح لكم.
(20) خلقها.
(21) أي الصريح الخالص من العرب والمتعربة والمستعربة الدخيل فيها (كذا في الأصل).
(22) السماء تشبيها للكواكب بالجرب.
(23) قصده وفي نسخة إليه.
(24) حديده فصيحه.
(25) مجترىء القلب ثابته.
(26) أي جالستهم وناظرتهم.
(27) اخترت ومثله ننخلت.
(28) يقال فتيا وفتوى وهي المسائل التي يفتى بها.(1/331)
غير (1)، ويرغب منّا في مير (2)، فاستمع (3) وأجب، لتقابل (4) بما يجب (5).
فقال: الله أكبر، سيبين (6) المخبر (7)، وينكشف (8) المضمر (9)، فاصدع (10) بما تؤمر. قال: ما تقول في من توضّأ ثمّ لمس ظهر نعله (11)؟ قال: انتقض وضوءه بفعله. * النعل: الزوجة *. قال: فإن توضّأ ثمّ أتكأه البرد (12)؟ قال: يجدّد الوضوء من بعد. * البرد: النوم * قال أيمسح المتوضىء أنثييه (13)؟ قال قد ندب إليه، ولم يوجب عليه (14). * الأنثيان: الاذنان * قال: أيجوز الوضوء ممّا يقذفه الثّعبان (15)؟
قال: وهل أنظف منه للعربان (16)! * الثعبان: جمع ثعب وهو مسيل الوادي * قال:
__________
(1) في المثل جاء ببنات غير أي بالباطل والكذب وحقيقته ما يغاير الحق والصدق قال:
إذا ما جئت جاء بنات غير ... وإن وليت أسرعن الذهابا.
(2) أي قوت من ماره يميره إذا أعطاه ما يتقوت به ومنه قوله تعالى حكاية عن الاسباط {وَنَمِيرُ أَهْلَنََا}.
(3) أي إلى المسائل.
(4) أي لتجازى.
(5) أي من الإكرام.
(6) سيظهر.
(7) باطن الأمر وحقيقته.
(8) يتضح.
(9) المستور.
(10) أي قل جهارا.
(11) المتبادر من النعل الحذاء المعروف بالمداس ولمسه لا ينقض الوضوء بخلاف المعنى المقصود. واعلم أن الحريريّ شافعيّ المذهب وما أورده هنا من المسائل جار فيها على مذهبه كما يدل عليه قوله فيما يأتي لمن نقلك عن مذهب إبليس إلى مذهب ابن إدريس.
(12) أي اضجعه على صورة المتكىء والبرد ضد الحر واتكاء البرد لا ينقض بخلاف المعنى المراد وهو النوم ومنه قوله تعالى {لََا يَذُوقُونَ فِيهََا بَرْداً وَلََا شَرََاباً}.
(13) المتبادر أنهما الخصيتان ومسحهما ينقض الوضوء بخلاف المعنى المقصود من أنهما الأذنان ومنه قول الفرزدق:
وكنا إذا الجبار صعّر خده ... ضربناه تحت الانثيين على الكرد
أي تحت أذنيه على العنق.
(14) في بعض النسخ يجب عليه.
(15) أي يلقيه ويطرحه من فمه وهو المعنى الظاهر ولا شك أنه لا يجوز منه الوضوء بخلاف المعنى المقصود له.
(16) العرب محرّكة والعرب بالضم واحد كالعجم ويجمع العرب على العربان كالسود والسودان.(1/332)
أيستباح ماء الضّرير (1)؟ قال: نعم ويجتنب ماء البصير. * الضرير: حرف الوادي، والبصير: الكلب * قال: أيحّلّ التّطوّف (2) في الرّبيع؟ قال: يكره ذاك للحدث الشّنيع (3). * التطوف: التغوط، والربيع: النهر الصغير * قال: أيجب الغسل على من أمنى (4)؟ قال: لا ولو ثنّى. * أمنى: نزل منى. ويقال منه: منى وأمنى وامتنى * قال: فهل يجب على الجنب غسل فروته؟ قال: أجل وغسل إبرته (5). * الفروة: جلدة الرأس، والإبرة: عظم المرفق * قال: أيجب عليه غسل صحيفته (6)؟ قال: نعم كغسل شفته.
* الصحيفة: أسرّة الوجه * قال: فإن أخلّ بغسل فأسه (7)؟ قال: هو كما لو ألغى غسل رأسه. * الفاس: العظم المشرف على نقرة القفا * قال: أيجوز الغسل في الجراب؟
قال: هو كالغسل في الجباب (8). * الجراب: جوف البئر * قال: فما تقول في من تيمّم ثمّ رأى روضا؟ (9) قال: بطل تيمّمه فليتوضّا * الروض ههنا، جمع روضة، وهي
__________
(1) المتبادر أنه الأعمى وهو لا يستباح ماؤه الذي يملكه بدون علمه والبصير ضد الأعمى وماؤه إذا أخذ للوضوء باطلاعه لا يجتنب وذلك بخلاف المعنى المقصود من الوصفين.
(2) المتبادر أن التطوف هو الطواف والدوران حول الشيء والربيع معناه الفصل المعلوم من السنة أو النبات الذي ينبت فيه ولا مانع من ذلك فيهما بخلاف ما ذكره فإنه منهيّ عنه نهي كراهة.
(3) لأن الغائط يعلو على وجه الماء فتعاف النفس استعماله لاستقذاره.
(4) أي خرج منه المنيّ وهو المورّى به بخلاف نزول منى وهو المعنى المقصود له.
(5) المتبادر أن الفروة واحدة الفراء وهي ما يستعمل من جلود الضأن وغيره في الفرش واللبس بخلاف جلدة الرأس وهو المعنى المقصود له وكذلك الإبرة فإن المتبادر منها أنها آلة الخياطة المعلومة ولا شك أن كلّا من الفروة والإبرة بهذا المعنى لا دخل له في الغسل بخلاف المعنى المراد له.
(6) الصحيفة الكتاب ولا دخل له في الغسل وهو المورّى به بخلاف ما أراده من معنى الصحيفة وهو كونها أسرّة الوجه أي تكاميشه.
(7) أي تركه والفأس معروفة وهي لا دخل لها في الغسل بخلاف المعنى المقصود.
(8) الجراب الوعاء من الجلد ولا معنى لجواز الغسل فيه بهذا المعنى بخلاف ما أراده من كونه جوف البئر والجباب جمع جب بضم الجيم ومنه وألقوه في غيابة الجب.
(9) المتبادر من الروض أنه البستان ورؤيته لا تبطل التيمم بخلاف المعنى الثاني وهو قليل الماء المعبر عنه بالصبابة فإنه معنى بعيد وهو المراد له.(1/333)
الصبابة تبقى في الحوض * قال: أيجوز أن يسجد الرّجل في العذرة (1)؟ قال: نعم وليجانب القذرة. * العذرة: فناء الدار * قال: فهل له السّجود على الخلاف؟ قال:
لا ولا على أحد الأطراف (2). * الخلاف: الكم * قال: فإن سجد على شماله!؟ (3)
قال: لا بأس بفعاله. * الشمال: جمع شملة * قال: فهل يجوز السّجود على الكراع؟ (4) قال: نعم دون الذّراع. * الكراع ما استطال من الحرّة، وهي أرض ذات حجارة سود * قال: أيصلّي على رأس الكلب (5)؟ قال: نعم كسائر الهضب (6).
* رأس الكلب، ثنية معروفة * قال: أيجوز للدّارس (7) حمل المصاحف؟ قال: لا ولا حملها في الملاحف (8). * الدارس: الحائض * قال: ما تقول في من صلّى وعانته بارزة (9)؟ قال: صلاته جائزة. * العانة: الجماعة من حمر الوحش * قال: فإن صلّى وعليه صوم؟ (10) قال: يعيد، ولو صلّى مائة يوم. * الصوم ذرق النعام * قال:
__________
(1) وفي نسخة على العذرة وهي الغائط على ما هو المتبادر والسجود فيها أو عليها مبطل للصلاة بخلافه على المعنى الثاني المراد وهو فناء الدار ومنه قوله عليه الصلاة والسلام اليهود أنتن الخلق عذرة أي أفنية وفي نسخة أتقام الصلاة في العذرات قال سيّان هي والحجرات أي البيوت.
(2) الخلاف شجر الصفصاف ولا محظور في السجود عليه بخلاف المعنى الثاني وهو الكم والمتبادر من الأطراف اليدان والرجلان والسجود عليها مطلوب لقوله عليه الصلاة والسلام أمرت أن أسجد على سبعة أعظم بخلاف المعنى المراد له وهي أطراف ثوبه المتصل به.
(3) المتبادر أنها جهة شماله وهي مخالفة للقبلة وذلك مبطل للصلاة بخلاف المعنى المراد.
(4) هو ما في البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير وهو مستدق الساق وهو المورى به ولا يجوز السجود عليه بخلافه على المعنى الثاني وهو المراد.
(5) المتبادر أنه الحيوان المعروف ولا تصح الصلاة على رأسه بخلافها على المعنى الثاني وهو المراد له.
(6) جمع هضبة وهي الصخرة العظيمة أو الكدية الصغيرة وقيل هي الجبل المنبسط على وجه الأرض وقيل الجبل الطويل المتسع والجمع هضاب.
(7) المتبادر منه أنه من يدرس العلوم وإذا كان هو كيف لا يجوز له حمل المصاحف بخلاف ما أراده من المعنى الثاني.
(8) هي الملاءات.
(9) العانة المورّى بها هي الشعر النابت حول الفرج أو منبته وعلى كلّ فبروزها وظهورها مبطل للصلاة لأنها بهذا المعنى من العورة بخلافها على المعنى الثاني وهو المراد له.
(10) المتبادر أن عليه قضاء صوم أيام وهو لا يضر بالصلاة بخلاف الصوم بالمعنى الثاني فإنه نجس.(1/334)
فإن حمل جروا (1) وصلّى؟ قال: هو كما لو حمل باقلّى * الجرو الصغار من القثاء والرمان * قال: أتصحّ صلاة حامل القروة (2)؟ قال: لا ولو صلّى فوق المروة (3).
* القروة: ميلغة الكلب * قال: فإن قطر على ثوب المصلّي نجو (4)؟ قال: يمضي في صلاته ولا غرو * النجو: السحاب الذي قد هراق ماءه * قال: أيجوز أن يؤمّ الرجال مقنّع (5)؟ قال: نعم ويؤمّهم مدرّع (6). * المقنّع: لابس المغفر، والمدرّع: لابس الدرع * قال: فإن أمّهم من في يده وقف (7)؟ قال: يعيدون ولو أنّهم ألف. * الوقف: السوار من العاج أو الذّبل (8) وأراد أنه لا يجوز للرجال الائتمام بالنساء * قال: فإن أمّهم من فخذه بادية (9)؟ قال: صلاته وصلاتهم ماضية. * الفخذ: العشيرة. وبادية أي يسكنون البدو.
واختار بعض أهل اللغة تسكين الخاء من هذا الفخذ ليحصل الفرق بينها وبين العضو * قال:
فإن أمّهم الثّور الأجمّ (10)؟ قال صلّ وخلاك ذمّ (11). * الثور: السيد والأجم: الذي
__________
(1) بفتح الجيم وكسرها وضمها المتبادر أنه ولد الكلب وهو نجس فحمله مبطل للصلاة بخلافه على المعنى الثاني وهو المراد.
(2) جلدة الخصيتين إذا عظمت وانتفخت وهي الأدرة وحملها لمن هي به لا يضر بالصلاة بخلافه على المعنى الثاني لأنها نجسة وهو المراد له.
(3) هي المقابلة للصفا المذكورة في قوله تعالى {إِنَّ الصَّفََا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعََائِرِ اللََّهِ}.
(4) يطلق على ما يخرج من البطن وهو المورى به وهو مبطل للصلاة لنجاسته بخلافه على الثاني وهو المراد له.
(5) المتبادر أنه من يلبس القناع ولبسه من شأن النساء ولا تصح إمامة المرأة بخلافه على المعنى الثاني.
(6) هو على المعنى المورى به قميص المرأة وعلى المعنى الثاني درع الحديد وهو من شأن الرجل وهو المراد.
(7) المتبادر أنه تشنج أوقف يده (كذا في الأصل) أو أنه واضع يده على وقف بمعنى الحبس بضمتين وكلاهما لا يخل بالإمامة بخلافه على المعنى الثاني.
(8) بفتح الذال المعجمة ظهر السلحفاة البحرية أو من عظام دابة بحرية.
(9) المتبادر منه أن الفخذ هي العضو المعروف وهو من العورة وبدوها كشفها وهو مبطل للصلاة بخلافه على المعنى الثاني وهو المراد له.
(10) المتبادر أن الثور ذكر البقر والأجم الذي لا قرن له وهو حيوان لا يعقل فضلا عن كونه يكون إماما في صلاة بخلاف المعنى الثاني وهو المراد له.
(11) أي تجاوزك الذم وتعداك.(1/335)
لا رمح معه * قال: أيدخل القصر (1) في صلاة الشّاهد (2)؟ قال: لا والغائب الشّاهد (3) * صلاة الشاهد: صلاة المغرب سميت بذلك لإقامتها عند طلوع النجم لأن النجم يسمى الشاهد * قال: أيجوز للمعذور (4) أن يفطر في شهر رمضان؟ قال: ما رخّص إلّا للصّبيان * المعذور المختون وهو أيضا المعذر * قال: فهل للمعرّس (5) أن يأكل فيه؟ قال: فإن أفطر فيه العراة (6)؟ قال: لا تنكر عليهم الولاة (7). * العراة: الذين تأخذهم العرواء وهي الحمى برعدة * قال: فإن أكل الصّائم بعد ما أصبح (8)؟ قال: هو أحوط (9) له وأصلح. * أصبح: أي استصبح بالمصباح * قال: فإن عمد (10) لأن أكل ليلا (11)؟ قال: ليشمّر للقضاء ذيلا. * ذكر ابن دريد أن الليل فرخ الحبارى وقال غيره هو
__________
(1) هو قصر الصلاة الرباعية.
(2) المتبادر أن الشاهد هو الذي يؤدي الشهادة ولا مانع له من قصر الصلاة إذا كان هناك موجب له بخلاف المعنى المراد.
(3) هو الله تعالى لأنه عزّ وجل غائب عن أبصارنا شاهد ومطلع علينا وعلى أفعالنا جلّت أو دقّت.
(4) المتبادر أن المعذور من أصابه عذر يوجب له الفطر وهو المعنى المورى به بخلاف معناه الثاني وهو المختون فهو لا يسوغ له الفطر كما قال يقال عذرت الغلام والجارية أي ختنتهما وكذلك أعذرتهما وفي الصحاح عذر الغلام ختنه قال الشاعر:
في فتية جعلوا الصليب إلههم ... حاشاي إني مسلم معذور
أي مختون.
(5) بالتشديد من عرّس بمعنى أعرس إذا دخل بالعروس وهو لا يجوز له أن يأكل في نهار رمضان بخلافه على المعنى الثاني وهو المعنى المراد له.
(6) جمع عار وهو ضد المكتسي ولا يسوغ للعراة بهذا المعنى أن يفطروا بخلافهم على المعنى الثاني الذي أراده أنه جمع معروّ وهو الذي اعترته العرواء أي الحمى برعدة لكن جمعه على عراة على غير قياس.
(7) جمع وال قاضيا كان أو غيره.
(8) المتبادر منه أنه دخل في الصباح وهو المعنى المورى به إذ لا يجوز له أن يأكل في هذا الوقت بخلافه على المعنى الذي أراده.
(9) الاحتياط هو الأخذ بالحزم في الأمور.
(10) أي قصد وتعمد.
(11) المتبادر منه أنه أكل في الليل وهو المعنى المورى به إذ لم يفعل ما يوجب القضاء بخلاف المعنى الذي أراده إذا حصل نهارا.(1/336)
ولد الكروان * (1) قال: فإن أكل قبل أن تتوارى البيضاء (2)؟ قال: يلزمه والله القضاء (3). * البيضاء: من أسماء الشمس * قال: فإن استثار (4) الصّائم الكيد (5)؟
قال: أفطر ومن أحلّ الصّيد. * الكيد: القيء، واستثاره أي استدعاه * قال: أله أن يفطر بإلحاح الطّابخ؟ (6) قال: نعم لا بطاهي المطابخ. * الطابخ الحمى: الصالب * قال: فإن ضحكت (7) المرأة في صومها؟ قال: بطل صوم يومها. * ضحكت ههنا، أي حاضت. ومنه قوله تعالى: {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنََاهََا بِإِسْحََاقَ} * قال: فإن ظهر الجدريّ على ضرّتها؟ (8) قال: تفطر إن آذن بمضرّتها * الضرة: أصل الابهام، وأصل الثدي أيضا *
__________
(1) وفي نسخة عن ابن دريد أن الليل الأنثى من فراخ الحبارى وقيل الليل ولد الكروان والنهار ولد الحبارى وهو المعنى المراد له والكروان بالتحريك طائر طويل العنق يصيده الصبيان والجمع كروان بكسر الكاف وسكون الراء.
(2) أي تغيب وتستتر والبيضاء المورى بها المرأة وأكله قبل تواريها لا يوجب قضاء بخلاف المعنى المراد له.
(3) وفي نسخة يلزمه وأبيك القضاء.
(4) أي استدعى.
(5) بالنصب مفعول لاستثار والكيد المورى به هو الغيظ واستثارته لا تفطر بخلاف المعنى الثاني وهو المراد له.
(6) الإلحاح الملازمة والطابخ الطاهي المعروف بالطباخ وهو المورى به فإن إلحاحه لا يفطر الصائم بخلاف المعنى المراد وهو إلحاح الحمّى أي إطباقها وملازمتها.
(7) الضحك معروف وهو المعنى المورى به وهو لا يبطل الصوم بخلاف المعنى المراد له وعليه قول الشاعر:
وعهدي بسلمى ضاحكا في لبانة ... ولم تعد حقا ثديها أن تحلما
لكن قال الفراء لم أسمع من ثقة أن معنى ضحكت حاضت وأكثر العلماء أن الضحك في الآية هو الضحك المعروف وعليه قال البيضاوي فضحكت سرورا بزوال الخيفة أو بهلاك أهل الفساد أو بإصابة رأيها فإنها كانت تقول لإبراهيم اضمم إليك لوطا فإني أعلم أن العذاب سينزل بهؤلاء القوم.
(8) المتبادر أن ضرّتها هي المرأة المجتمعة معها تحت عصمة زوجها وظهور الجدري على أحدهما لا يوجب فطر الأخرى ولو أضرّ بها بخلاف المعنى الثاني فإن الداء قائم بالصائمة ولها حينئذ أن تنظر إن أضرّ بها الصوم وهو المراد له.(1/337)
قال: ما يجب في مائة مصباح (1)؟ قال: حقّتان (2) يا صاح. * المصباح: الناقة التي تصبح في المبرك * قال: فإن ملك عشر خناجر (3)؟ قال: يخرج شاتين ولا يشاجر.
* الخناجر: النوق الغزار الدّرّ واحدتها خنجر وخنجور * قال: فإن سمح للسّاعي بحميمته (4)؟ قال: يا بشرى له يوم قيامته! * الساعي: جابي الصدقة، والحميمة: خيار المال * قال: أيستحقّ حملة الأوزار (5) من الذّكاة جزا؟ قال: نعم إذا كانوا غزّى.
* الأوزار: السلاح، وغزّى: جمع غاز * قال: أيجوز للحاجّ أن يعتمر؟ (6) قال: لا ولا أن يختمر. * الاعتمار: لبس العمارة، وهي العمامة. والاختمار: لبس الخمار * قال: فهل له أن يقتل الشّجاع (7)؟ قال: نعم كما يقتل السّباع. * الشجاع: الحية * قال: فإن قتل زمّارة في الحرم؟ (8) قال: عليه بدنة من النّعم. * الزمارة: النعامة. واسم صوتها:
الزمار * قال: فإن رمى ساق حرّ (9) فجدّله؟ قال: يخرج شاة بدله. * ساق حر: ذكر
__________
(1) المتبادر أن المصباح هو السراج ولا يجب في مائة منه شيء بهذا المعنى بخلاف المعنى الثاني فيجب فيها ما ذكر.
(2) نثنية حقة بكسر الحاء وهي التي مضت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة وسميت حقة لأنها استحقت طرق الفحل أو استحقت أن يحمل عليها.
(3) المتبادر أنه جمع خنجر وهو السكين المعروفة التي توضع في الحزام للزينة وليس في ملك العشر منها شيء بهذا المعنى على مالكها بخلاف المعنى الثاني.
(4) الحميمة هي أعز الأهل والأقارب ولا يستحسن من أحد أن يسمح بإحدى قرابته لأجنبي ولا سيما الساعي وهو على ما يتبادر من لفظه أنه من يسعى بالنميمة أو يسعى في الأرض بخلاف المعنى المراد من الحميمة والساعي.
(5) المتبادر أنهم المرتكبون للذنوب وهم بهذا المعنى لا يستحقون شيئا في الصدقات بخلافهم على المعنى الثاني فإنهم أحد الأصناف الثمانية.
(6) الاعتمار الإتيان بالعمرة وهي عبادة أركانها الإحرام والطواف والسعي وهي مما يندب فعله للحاج فضلا عن كونه يجوز وهذا هو المتبادر بخلاف المعنى الثاني وهو المراد له.
(7) المتبادر أنه الرجل ذو الشجاعة البطل المقدام وليس للحاج ولا لغيره أن يقتل أحدا مطلقا شجاعا كان أو غيره بخلاف المعنى الثاني وهو المراد له.
(8) المتبادر أنها المرأة النافخة في المزمار ولا شك أن من قتلها بهذا المعنى يلزمه القصاص لا مفهوم لزمارة ولا للحرم بخلافها على المعنى الثاني وهو المعنى المراد له.
(9) المتبادر منه أن الساق هو ما فوق القدم وأن الحر هو ما قابل الرقيق وقوله فجدّله أي قتله وهو لا شك أيضا يلزمه القصاص بخلاف المعنى الثاني وهو كونه ذكر القماري قال الشاعر:
وما هاج هذا الشوق إلّا حمامة ... دعت ساق حرّ برهة فترنما.(1/338)
القماري * قال: فإن قتل أمّ عوف (1) بعد الإحرام؟ قال: يتصدّق بقبضة من طعام.
* أم عوف الجرادة * قال: أيجب على الحاجّ استصحاب القارب (2)؟ قال: نعم ليسوقهم إلى المشارب * القارب: طالب الماء بالليل * قال: ما تقول في الحرام بعد السّبت (3)؟ قال: قد حلّ في ذلك الوقت * الحرام: المحرم. والسبت: حلق الرأس، وحل: من تحليل الحج * قال: ما تقول في بيع الكميت (4)؟ قال: حرام كبيع الميت. * الكميت: الخمر * قال: أيجوز بيع الخلّ بلحم الجمل (5)؟ * قال: ولا بلحم الحمل * الخل: ابن المخاض، ولا يحل بيع اللحم بالحيوان سواء كان من جنسه أو من غير جنسه * قال: أيحلّ بيع الهديّة (6)؟ قال: لا ولا بيع السّبيّة. * الهديّة: بالتشديد ما يهدى إلى الكعبة، ويقال فيها هدية بتسكين الدال وتخفيف الياء والسبية: الخمر * قال:
ما تقول في بيع العقيقة (7)؟ قال: محظور على الحقيقة * العقيقة: ما يذبح عن المولود في اليوم السابع من ولادته * قال: أيجوز بيع الدّاعي (8)، على الرّاعي؟ قال: لا
__________
(1) المتبادر أنها امرأة تكنى بهذه الكنية ولا شك أن في قتلها حينئذ القصاص بخلاف المعنى المراد له.
(2) هو ضرب من السفن صغير يستعمله أصحاب السفن في قضاء مصالحهم وجمعه قوارب وهو بهذا المعنى لا تعلق به للحاج لا وجوبا ولا غيره بخلاف المعنى المراد له.
(3) المتبادر منه أن الحرام ما قابل الحلال وأن السبت هو اليوم المعروف والحرام بهذا المعنى لا يحل مطلقا بخلاف المعنى الذي أراده.
(4) هو الفرس الذي اسودّ عرفه وذنبه من الكمتة وهي لون يضرب إلى السواد وهو بهذا المعنى لا يحرم بيعه بخلافه على المعنى الثاني.
(5) المتبادر أن الخل ما حمض من عصير العنب أو غيره وهو بهذا المعنى لا يمتنع بيعه باللحم بخلافه على المعنى الثاني المراد.
(6) المتبادر أنها المهداة من الأحباب وهي بهذا المعنى لا مانع من حل بيعها كما أن المتبادر من السبية أنها الأمة التي سبيت في حرب الكفار ولا مانع من حل بيعها أيضا بخلافهما على المعنى المراد له.
(7) المتبادر أن معناها صوف الجذع من الضأن وشعر كل مولود من الناس والبهائم الذي يكون عليه وقت ولادته وهي بهذا المعنى لا محظور في بيعها بخلاف المعنى الثاني.
(8) المتبادر أنه الذي يدعو الناس بصوته وهو بهذا المعنى يجوز له أن يبيع على الراعي وعلى غيره بخلافه على المعنى الثاني المراد له.(1/339)
ولا على السّاعي * الداعي: بقية اللبن في الضرع، والساعي: جابي الصدقة * قال: أيباع الصّقر (1) بالتّمر؟ قال: لا ومالك الخلق والأمر (2) * الصقر: الدبس * قال: أيشتري المسلم سلب المسلمات (3)؟ قال: نعم. ويورث عنه إذا مات * السلب: لحاء الشجر، وهو أيضا خوص التمام (4) * قال: فهل يجوز أن يبتاع الشّافع (5)؟ قال: ما لجوازه من دافع * الشافع: الشاة التي يتبعها سخلها * قال: أيباع الإبريق (6) على بني الأصفر؟ قال: يكره كبيع المغفر (7) * الابريق: السيف الصقيل، الكثير الماء، وبنو الأصفر: الروم (8) * قال: أيجوز أن يبيع الرّجل صيفيّه؟ قال: لا ولكن ليبع صفيّه (9)
* الصيفي: الولد على الكبر، والصفي: الناقة الغزيرة الدرّ * قال: فإن اشترى عبدا فبان بأمّه جراح (10)؟ قال: ما في ردّه من جناح * الأم: مجتمع الدماغ * قال: أتثبت الشّفعة للشّريك في الصّحراء؟ (11) قال: لا ولا للشريك في الصّفراء. * الصحراء: الأتان الذي يمازج بياضها غبرة، والصفراء: الناقة * قال: أيحلّ أن يحمى ماء البئر
__________
(1) المتبادر منه أنه الطائر المعروف من جوارح الطير وهو بهذا المعنى يباع بالتمر وغيره بخلافه على المعنى المراد له.
(2) وفي نسخة ولا العنب بالخمر.
(3) المتبادر أنه ما يؤخذ من النساء من السلب كالحلي والثياب وغيرها مما لا يحل أخذه منهنّ وهو بهذا المعنى لا يشترى ولا يباع بخلافه على المعنى الثاني وهو المراد له.
(4) هو شجر ضعيف وخوصه ورقه وهو كورق الدوم وثمره سهل التناول لعدم طول ساقه.
(5) المتبادر منه أنه الشفيع أي ذو الشفاعة وهو بهذا الوصف لا يجوز ذبحه (كذا في الأصل) بخلاف المعنى المراد.
(6) المتبادر من الإبريق أنه الإناء المعروف ولا مانع من بيعه مطلقا بخلافه على المعنى المراد له.
(7) هو قلنسوة من صفائح الحديد تلبس على الرأس للوقاية وتسمى البيضة والخوذة أيضا.
(8) جيل من الناس من ولد روم بن عيص بن إسحاق عليه السلام.
(9) الصيفيّ من أولاد الإبل ما ولد في الصيف وهو بهذا المعنى لا مانع في جواز بيعه والصفيّ هو المختار من الأصحاب والأحرار. وهو بهذا المعنى لا يباع بخلافهما بالمعنى الثاني الذي أراده.
(10) المتبادر أن أمه والدته ولا دخل لجرح أمه بهذا المعنى في رد بيعه بخلاف المعنى المراد له.
(11) المتبادر أنها الأرض التي لا نبات بها وهي تثبت الشفعة للشريك فيها بخلاف المعنى الثاني المراد.(1/340)
والخلا (1)؟ قال: إن كان في الفلا فلا * يحمي: يمنع، والخلا: الكلا * قال: ما تقول في ميتة الكافر (2)؟ قال: حلّ للمقيم والمسافر * الكافر: البحر، وميتته السمك الطافي فوق مائه * قال: أيجوز أن يضحّى بالحول (3)؟ قال: هو أجدر بالقبول * الحول:
جمع حائل * قال: فهل يضحّى بالطّالق (4)؟ قال: نعم، ويقرى (5) منها الطّارق (6)
* الطالق: الناقة ترسل ترعى حيث شاءت * قال: فإن ضحّى قبل ظهور الغزالة (7)؟ قال:
شاة لحم (8) بلا محالة * الغزالة: الشمس. قال بعضهم يقال طلعت الغزالة ولا يقال غربت.
وضدها الجونة، تسمى بها عند مغيبها لأنها تسود حين تغيب كما قال الشاعر: تبادر الجونة أن تغيبا * قال: أيحلّ التّكسّب بالطّرق (9)؟ قال: هو كالقمار بلا فرق * الطرق: الضرب بالحصى وهو من أفعال الكهنة * قال: أيسلّم القائم على القاعد (10)؟ قال: محظور فيما بين الأباعد * القاعد: التي قعدت عن الحيض أو عن الأزواج * قال: أينام العاقل تحت الرّقيع (11)؟ قال: أحبب به في البقيع (12) * الرقيع: السماء، وعنى بالبقيع بقيع المدينة * قال: أيمنع الذّمّيّ من قتل العجوز (13)؟ قال: معارضته في العجوز لا تجوز
__________
(1) المتبادر من هذه أن معنى يحمى يسخّن من الإحساء والخلا الذي هو المفازة وأصله بالمد ولا مانع من تسخين ماء البئر ولا ماء الخلاء على هذا المعنى بخلاف المعنى الثاني.
(2) المتبارد منه أنه الآدمي الكافر المقابل للمؤمن ولا تحل ميتته بوجه بخلاف المعنى المراد له.
(3) المتبارد منه أنه جمع الأحول وهو الذي يميل سواد عينه عن موضعه من الآدميين ولا يضحى بآدمي بخلاف المعنى المراد له وإنما كانت الحائل أجدر بالقبول لخلوها من الحمل.
(4) المتبارد منه أنها التي طلقها زوجها وهي أيضا لا يضحى بها بخلاف المعنى المراد.
(5) القرى ما يقدم للضيف من الطعام.
(6) الضيف الذي يطرق ليلا.
(7) المتبارد منه أنها الظبية ولا حاجة للمضحي بظهور الغزالة بهذا المعنى بخلاف المعنى المراد.
(8) أي لا تقع أضحية بل هي لحم يباع ويؤكل.
(9) المتبارد أنه طرق الصوف أي ضربه بنحو قضيب أو طرق أحد المعادن بمطرقة وهو بهذا المعنى يحل الكسب به بخلاف المعنى الثاني المراد.
(10) المتبارد منه أنه مقابل القائم وهو بهذا المعنى يسلم عليه القائم بخلاف المعنى الثاني المراد له فإن الرجل لا يسلم على المرأة.
(11) المتبادر منه أنه الأحمق الذي يتخرق عليه رأيه فيحتاج أن يرقعه ثم كثر حتى صار يطلق على الكثير المجون القليل الحياء ولا يصح للعاقل ولا لغيره أن ينام تحته بخلاف المعنى.
(12) أي ما أحبه والبقيع هو مقبرة أهل المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
(13) المتبادر منه أنها المرأة الطاعنة في السن وهي بهذا المعنى ممنوع من قتلها للمسلم فضلا عن(1/341)
* العجوز: الخمر، وقتلها: مزجها * قال: أيجوز أن ينتقل الرّجل عن عمارة أبيه (1)؟
قال: ما جوّز لخامل ولا نبيه (2) * العمارة: القبيلة * قال: ما تقول في التّهوّد (3)؟
قال: هو مفتاح التّزهّد * التهود: التوبة. ومنه قوله تعالى: {إِنََّا هُدْنََا إِلَيْكَ} * قال: ما تقول في صبر البليّة (4)؟ قال: أعظم به من خطيّة * الصبر: الحبس، والبلية: الناقة تحبس عند قبر صاحبها، فلا تسقى ولا تعلف إلى أن تموت. وكانت الجاهلية تزعم أن صاحبها يحشر عليها * قال: أيحلّ ضرب السّفير (5)؟ قال: نعم والحمل على المستشير (6). * السفير: ما تساقط من ورق الشجر، والمستشير: الجمل السمين وهو أيضا الجمل الذي يعرف اللاقح من الحائل * قال: أيعزّر الرّجل أباه؟ قال: يفعله البرّ ولا يأباه (7). * التعزير: التعظيم والنصرة والتوقير * قال: ما تقول في من أفقر أخاه (8)؟ قال: حبّذا ما توخّاه. * أفقره:
أعاره ناقة يركب فقارها * (9) قال: فإن أعرى ولده (10)؟ قال: يا حسن ما اعتمده.
__________
الذمي بخلاف قتل العجوز على المعنى الثاني فلا يجوز معارضة الذمي فيه ومنه قول الشاعر:
إن التي ناولتني فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل.
(1) أي ما كان يعمره أبوه من دار وغيرها وهي بهذا المعنى يجوز له الانتقال عنها بخلاف المعنى الذي أراده.
(2) الخامل وضيع القدر والنبيه رفيعه.
(3) المتبادر منه أنه الدخول في ملة اليهود وهو كفر بخلاف المعنى الثاني المراد.
(4) المتبادر منه أنه صبر الإنسان وعدم جزعه على ما يصيبه من البلاء وهو بهذا المعنى فيه أجر عظيم فضلا عن أن يكون خطيئة مطلقا بخلاف المعنى الذي أراده.
(5) هو الرسول المصلح بين القوم وهو بهذا المعنى لا يحل ضربه.
(6) الذي يطلب إرشاد المشير له إلى أحسن الأحوال وهو بهذا المعنى لا ينبغي الحمل عليه هذا هو المتبادر منهما وهو المعنى المورى به بخلاف ما ذكره من المعنى المراد له.
(7) الذي يفهم من التعزير أنه الضرب دون الحد وهو بهذا المعنى لا ينبغي فعله بالأب بل هو أشد العقوق فضلا عن كونه فعل البر بخلاف المعنى الذي أراده ومنه قوله تعالى {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}
الآية.
(8) المتبادر أنه فعل به ما صيره فقيرا بنهب أو باختلاس أو بإدلاء إلى الحكام أو بغير ذلك وهو المعنى المورى به وهو بهذا المعنى من أبغض الأفعال بخلاف المعنى الثاني المراد له.
(9) الفقار والفقرات محركة خرزات سلسلة الظهر.
(10) المتبادر منه أنه تركه عريانا أو نزع ما عليه من الثياب وهو بهذا المعنى من الفعل القبيح بخلاف المعنى المراد له.(1/342)
* أعراه: أعطاه ثمرة نخلة (1) عاما * قال: فإن أصلى مملوكه النّار (2)؟ قال: لا إثم عليه ولا عار. * المملوك: العجين الذي قد أجيد عجنه حتى قوي * قال: أيجوز للمرأة أن تصرم بعلها (3)؟ قال: ما حظر (4) أحد فعلها. * البعل: النخل الذي يشرب بعروقه من الأرض * قال: فهل تؤدّب المرأة على الخجل (5)؟ قال: أجل (6). * الخجل: سوء احتمال الغنى، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم للنساء: إنكنّ إذا جعتنّ دقعتنّ (7) وإذا شبعتنّ خجلتنّ (8) * قال: ما تقول في من نحت أثلة أخيه (9)؟ قال: أثم ولو أذن له فيه (10).
* نحت أثلته: إذا اغتابه وقدح في عرضه * قال: أيحجر الحاكم على صاحب الثّور (11)؟
__________
(1) وفي نسخة ثمر نخلة.
(2) أصلاه أدخله في الصلاء وهو النار وهو كثير في القرآن بهذا المعنى والمتبادر من المملوك أنه الغلام الرقيق ولا أكبر إثما ممن يفعل مثل هذا ولا أفظع عارا منه بخلاف المملوك بالمعنى الثاني إذ فعله من اللازم وكونه ما ذكر هو المراد له وملك العجين أمر محبوب ورد على لسان صاحب الشريعة املكوا العجين.
(3) المتبادر أن البعل هو الزوج وصرمها له كناية عن عدم موافاتها له بما يجب عليها وذلك لا يجوز لها بخلاف ما ذكره من المعنى الثاني ويكون الصرم حينئذ على أصله وهو القطع.
(4) أي ما منع لأن الحظر المنع.
(5) المتبادر منه أنه الاستحياء وهو المطلوب منها وتؤدب على تركه فضلا عن فعله وهو المعنى المورى به بخلاف الثاني.
(6) حرف جواب بمعنى نعم.
(7) أي خضعتنّ ولزقتنّ بالتراب ومنه فقر مدقع أي ملصق بالدقعاء وهي التراب وفعله من باب علم يقال دقع الرجل بالكسر أي لصق بالتراب ذلا والدقع محركا سوء احتمال الفقر.
(8) أي أخذكنّ التحير والدهش وأراد بسوء احتمال الغنى أن تكون المرأة مبدرة لمالها سفيهة كأنها لما استغنت لم تتحمل الغنى فأفسدت مالها.
(9) المتبادر أن الأثلة واحدة الأثل وهو الشجر المذكور في قوله تعالى {وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ}
وهو يشبه شجر الطرفاء والنحت الكشط وهو بهذا المعنى لا إثم فيه بخلاف المعنى المراد له وعليه قول الشاعر:
مهلا بني عمنا عن نحت أثلتنا ... لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا.
(10) إلّا لمصلحة كقول نعيم بن مسعود رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم إني أريد أن أحتال على أخذ مالي من مكة قبل أن يسمعوا بإسلامي ولا بدّ لي من أن أقول فيك فقال له عليه الصلاة والسلام قل ما شئت.
(11) المتبادر منه أنه ذكر البقر وهو المعنى المورّى به وصاحب الثور بهذا المعنى لا حجر عليه بخلاف المعنى المراد له.(1/343)
قال: نعم ليأمن غائلة الجور (1). * الثور: الجنون * قال: فهل له أن يضرب على يد اليتيم (2)؟ قال: نعم إلى أن يستقيم. * يقال ضرب على يده: إذا حجر عليه * قال:
فهل يجوز أن يتّخذ له ربضا (3). قال: لا ولو كان له رضى. * الربض: الزوجة * قال: فمتى يبيع بدن السّفيه (4)؟ قال: حين يرى له الحظّ فيه. * البدن: الدرع القصيرة * قال: فهل يجوز أن يبتاع له حشّا (5)؟ قال: نعم. إذا لم يكن مغشّى.
* الحش: النخل المجتمع * قال: أيجوز أن يكون الحاكم ظالما (6)؟ قال: نعم إذا كان عالما. * الظالم: الذي يشرب اللبن قبل أن يروب ويخرج زبده * قال: أيستقضى من ليست له بصيرة (7)؟ قال: نعم إذا حسنت منه السّيرة. * البصيرة: الترس * قال: فإن تعرّى من العقل (8)؟ قال: ذاك عنوان الفضل. * العقل: ضرب من الوشي * قال:
فإن كان له زهو جبّار؟ قال: لا إنكار عليه ولا إكبار (9). * الزهو: البسر المتلون،
__________
(1) غائلة الإنسان شره وانحرافه عن الحق.
(2) المتبادر أنه الضرب المعلوم الموجع وليس للحاكم أن يفعل ذلك باليتيم بخلاف المعنى الذي أراده إلى أن يستقيم.
(3) الربض ما كان خارجا عن سور المدينة من الأبنية وهو بهذا المعنى يجوز اتخاذه لليتيم بخلاف المعنى الذي أراده.
(4) المتبادر أنه جسد السفيه وهو لهذا المعنى ليس له زمن يباع فيه وليس فيه له حظ في أي حين كان بخلاف المعنى الذي أراده وله معان أخر خلاف ما ذكره.
(5) الظاهر أن الحش هو الكنيف وابتياعه بهذا المعنى للسفيه لا فائدة فيه بخلاف المعنى الذي أراده.
(6) المتبادر منه أن الظالم ضد العادل والحاكم لا يجوز له الظلم بخلاف المعنى الذي أراده.
(7) المتبادر أنه الذي لا يتبصر في أمور مصالح الأخصام وهو بهذا المعنى لا يستقصى أي لا يجعل قاضيا بخلافه على المعنى الثاني بقيد حسن سيرته وعليه قول الشاعر: راحوا بصائرهم على أكتافهم.
(8) المتبادر منه اللطيفة الربانية المودعة في القلب وأشعتها صاعدة إلى الرأس ورأي الحكماء أن مستقرها في المخ بها تدرك العلوم الضرورية والنظرية ويعرف الحسن من القبيح وإذا تعرى الشخص منها لا يصلح أن يكون قاضيا من باب أولى بخلاف تعريه منه بالمعنى الثاني المراد وهو كونه ضربا من الوشي.
(9) المتبادر منه أن الزهو الكبر ورفع النفس فوق القدر والجبار الفتاك الكثير الظلم وإذا كان بهذا الوصف كيف لا ينكر عليه فعله بخلاف ما إذا كان بالمعنى الثاني فلا إنكار ولا إكبار. وفي نسخة أيباع الجبار في زهوه قال نعم ويؤكل من معوه. والمعو هو الرطب.(1/344)
والجبّار النخل الذي فات اليد وضده القاعد * قال: أيجوز أن يكون الشّاهد مريبا (1)؟
قال: نعم إذا كان أريبا (2). * المريب: الذي يكثر عنده اللبن الرائب * قال: فإن بان أنّه لاط (3)؟ قال: هو كما لو خاط. * لاط الحوض: إذا طيّنه * قال: فإن عثر على أنّه غربل (4)؟ قال: تردّ شهادته ولا تقبل. * غربل: أي قتل. ومنه قول الراجز: ترى الملوك حوله مغربله * قال: فإن وضح (5) أنّه مائن؟ قال: هو له وصف زائن (6) * المائن: هاهنا الذي يعول، ويكفي المؤونة من مان يمون لا مان يمين * قال: ما يجب على عابد الحقّ (7)؟ قال: يحلّف بإله الخلق. * العابد: ههنا الجاحد، والحق: الدّين * قال ما تقول في من فقأ عين بلبل (8) عامدا؟ قال: تفقأ عينه قولا واحدا. * البلبل: الرجل الخفيف * قال: فإن جرح قطاة امرأة (9) فماتت؟! قال: النّفس بالنّفس إذا فاتت. * القطاة:
ما بين الوركين * قال فإن ألقت الحامل حشيشا (10) من ضربه؟ قال: ليكفّر بالإعتاق (11)
__________
(1) المريب على ما هو المتبادر ذو الريبة وهي العيب والشك أي متهم ومتى كان كذلك لا يجوز أن يكون شاهدا بخلافه بالمعنى المراد له.
(2) أي عاقلا.
(3) المتبادر منه أنه فعل فعل قوم لوط ومن كان كذلك كان فاسقا غير مقبول الشهادة بخلافه على المعنى المراد له.
(4) المتبادر منه أنه وضع القمح في الغربال وغربله لإخراج ما فيه من الطين وغيره ولا ترد شهادته بهذا الوصف بخلاف المعنى المراد له.
(5) تبين وظهر.
(6) المتبادر أن المائن هو الكاذب ومتى كان كذلك لا يزينه هذا الوصف بل لا تقبل شهادته لأنه فاسق بخلافه بالمعنى الثاني المراد فإنه وصف له زائن.
(7) المتبادر أنه المطيع وهو الذي يعبد الله ولا يشرك به شيئا لأن الحق اسم من أسمائه تعالى ومن كان هذا وصفه لا ينبغي تحليفه بخلاف معناه الثاني الذي هو الجحود وعليه فسر قوله تعالى {قُلْ إِنْ كََانَ لِلرَّحْمََنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعََابِدِينَ} أي الجاحدين.
(8) المتبادر من البلبل أنه النوع المعروف من العصافير ولا قصاص فيه بخلافه على المعنى المراد له.
(9) القطاة واحدة القطا وهي الطير المعروف وهي بهذا المعنى قصاص فيها بخلاف المعنى المراد له.
(10) المتبادر منه ما ينبت من الكلأ وهو بهذا المعنى لا يلزم فيه شيء بخلاف المعنى المراد له.
(11) أي بعتق رقبة مؤمنة.(1/345)
عن ذنبه (1). * الحشيش: الجنين ملقى ميتا * قال: ما يجب على المختفي (2) في الشّرع؟ قال: القطع لإقامة الرّدع (3). * المختفي: نباش القبور * قال: فما يصنع بمن سرق أساود الدّار (4)؟ قال: يقطع إن ساوين ربع دينار. * الأساود: الآلات المستعملة كالإجّانة والقدر والحفنة * قال: فإن سرق ثمينا من ذهب؟ قال: لا قطع كما لو غصب (5). * الثمين: الثّمن، كما يقال في النصف نصيف وفي السدس سديس * قال:
فإن بان على المرأة السّرق (6)؟ قال: لا حرج عليها ولا فرق. * السرق: الحرير الأبيض * قال: أينعقد نكاح لم يشهده القواري (7)؟ قال: لا والخالق الباري.
* القواري: الشهود: لأنهم يقرون الأشياء أي يتتبعونها * قال: ما تقول في عروس (8) باتت بليلة حرّة، ثمّ ردّت في حافرتها بسحرة (9)؟ قال: يجب لها نصف الصّداق، ولا تلزمها عدّة الطّلاق. * يقال: باتت العروس بليلة حرّة إذا امتنعت على زوجها (10). فإن
__________
(1) وفي نسخة من ذنبه.
(2) هو المستكنّ في محل لا يخرج منه وهو بهذا المعنى لا يجب عليه شيء شرعا بخلافه على المعنى المراد له.
(3) أي الكف والمنع.
(4) المتبادر منه أنه جمع أسود وهو الحية العظيمة ومن سرقها بهذا المعنى لا يقطع بخلافه المعنى المراد له.
(5) المتبادر منه أن الثمين ما له ثمن عظيم ومن سرقه يجب عليه القطع وهو المعنى المورّى به بخلاف معناه الثاني وهو المراد له.
(6) محركا مصدر سرق ويلزم فاعله الحد وهو القطع وهو المعنى المورّى به بخلاف على المعنى الثاني المراد له.
(7) جمع قارية وهو نوع من الطير يتيمن به الأعراب قال الشاعر:
أمن ترجيع قارية تركتم ... سباياكم وأبتم بالعتاق
أي بالخيبة وهذا الطير لا دخل له في شهود النكاح بخلاف المعنى الثاني المراد له ومنه قيل المسلمون قواري الله في أرضه أي شهوده قال جرير المسلمون قواري. لما أقول قواري.
(8) هو نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ما داما في إعراسهما.
(9) هي آخر الليل وعليه قال الشاعر:
وقهوة صهباء باكرتها ... بسحرة والديك لم ينعب.
(10) ومنه قول النابغة:
شمس موانع كل ليلة حرّة ... يحلفن ظنّ الفاحش المغيار.(1/346)
افتضها، قيل باتت بليلة شيباء (1) والرد في الحافرة بمعنى الرجوع في الطريق الأول، وكني به عن طلاقها وردها إلى أهلها * فقال له السّائل: لله درّك من بحر لا يغضغضه الماتح (2)، وحبر (3) لا يبلغ مدحه المادح! ثمّ أطرق (4) إطراق الحييّ (5)، وأرمّ (6) إرمام العييّ (7)، فقال له أبو زيد: إيه (8) يا فتى! فإلى متى وإلى متى (9)؟ فقال له: لم يبق في كنانتي (10) مرماة (11)، ولا بعد إشراق صبحك مماراة (12)، فبالله أيّ ابن أرض أنت (13)! فما أحسن ما أبنت (14)! فأنشد بلسان ذلق (15)، وصوت صهصلق (16):
أنا في العالم مثله (17) ... ولأهل العلم قبله (18)
غير أنّي كلّ يوم ... بين تعريس (19) ورحله (20)
والغريب الدّار لو ح ... ل (21) بطوبى (22) لم تطب له
__________
(1) ومنه قول الشاعر:
طيّبوها ولم أطيّب بطيب ... ربّ منع ألذّ من إعطاء
بت في درعها وباتت ضجيعي ... في بصير وليلة شيباء
والبصير في هذا البيت جمع بصيرة وهي القطعة من الدم وهذان البيتان وبيت النابغة الذي قبله مذكور في بعض النسخ.
(2) أي لا ينزحه ولا ينقصه المستقي منه وأصل الماتح الذي يسقي فوق البئر والمائح الذي يملأ من أسفلها.
(3) عالم.
(4) سكت.
(5) المستحي.
(6) صمت وسكت.
(7) أي كسكوت المتصف بعدم القدرة على التكلم وفي نسخة الغبي وهو الجاهل الأحمق.
(8) اسم فعل بمعنى حدث حديثا.
(9) أي ما نهاية صمتك وسكوتك.
(10) أصلها جعبة السهام.
(11) ما يرمى به الغرض والمراد لم يبق عندي سؤال ألقيه عليك.
(12) مجادلة.
(13) وفي نسخة ابن أي أرض أنت وفي أخرى من أي أرض أنت ومعنى الكل السؤال عن بلده.
(14) أي أظهرت وبينت.
(15) أي حاد فصيح.
(16) شديد.
(17) بضم الميم أي مشهور من مثل الشخص بمعنى ظهر أو هو الذي مثل به أي نكل وضربت به الأمثال وهو أمثل بني فلان أي أفضلهم وقد مثل بالضم مثالة وتماثل المريض من علته قارب البرء أو أقبل وهو يقول أنا اليوم أمثل.
(18) أي يتوجهون إليّ.
(19) هو النزول آخر الليل.
(20) ارتحال.
(21) نزل.
(22) قيل إنه من أسماء الجنة وقيل اسم شجرة تظل الجنان كلها.(1/347)
ثمّ قال: اللهمّ كما جعلتنا ممّن هدي ويهدي (1)، فاجعلهم ممّن يهتدي (2)
ويهدي (3). فساق إليه القوم ذودا (4) مع قينة (5)، وسألوه أن يزورهم الفينة بعد الفينة (6)، فنهض (7) يمنّيهم (8) العود (9)، ويزجّي (10) الأمة والذّود. قال الحارث بن همّام: فاعترضته (11) وقلت له: عهدي بك سفيها (12)، فمتى صرت فقيها (13)؟! فظلّ هنيهة (14) يجول (15)، ثمّ أنشد يقول:
لبست لكلّ زمان لبوسا (16) ... ولا بست (17) صرفيه (18) نعمى وبوسى (19)
وعاشرت (20) كلّ جليس بما ... يلائمه (21) لأروق (22) الجليسا (23)
فعند الرّواة (24) أدير الكلام ... وبين السّقاة أدير الكؤوسا
وطورا (25) بوعظي أسيل الدّموع ... وطورا بلهوي (26) أسرّ النّفوسا
__________
(1) هدي بالبناء لما لم يسمّ فاعله أي ممن هداه الله ويهدي هو غيره في المستقبل وفي نسخة يهتدي أي في نفسه ويهدي غيره.
(2) أي يستدل.
(3) أي يعطي الهدية.
(4) الذود من الإبل من الثلاثة إلى التسعة.
(5) جارية تعمل جيدا وقيل هي الجميلة المغنية.
(6) أي الحين بعد الحين.
(7) أي قام كما في نسخة.
(8) أي يطمعهم في نيل ما تمنوه ومنه قوله تعالى {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ}.
(9) أي الرجوع إليهم.
(10) يسوق.
(11) أي وقفت له في الطريق وحلت بينه وبين السير.
(12) من السفه وهو خفة العقل المؤدية إلى عدم الرشد في التصرف أو الشغل باللهو واللعب.
(13) الفقيه في العرف العالم بالحلال والحرام من الأحكام والمسائل الشرعية.
(14) أي برهة أو ساعة وقطعة من الزمان وفي نسخة هنيّة بتشديد الياء وهو بمعنى هنيهة.
(15) أي يتردد.
(16) هو ما يلبس من ثوب أو درع قال تعالى {وَعَلَّمْنََاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ}.
(17) أي خالطت ومارست.
(18) أي تصريفيه.
(19) تفسير لصرفيه.
(20) أي صاحبت.
(21) أي يوافقه.
(22) لأعجب.
(23) المجالس.
(24) جمع راو وهو الناقل للخبر عن غيره من الثقات وفي نسخة وعند السقاة بدل قوله وبين السقاة.
(25) وقتا ومرة.
(26) بملهياتي ومضحكاتي.(1/348)
وأقري (1) المسامع إمّا نطقت (2) ... بيانا (3) يقود الحرون الشّموسا (4)
وإن شئت أرعف (5) كفّي اليراع (6) ... فساقط درّا يحلّي الطّروسا (7)
وكم مشكلات حكين السّهى (8) ... خفاء فصرن بكشفي (9) شموسا (10)
وكم ملح (11) لي خلبن العقول (12) ... وأسأرن (13) في كلّ قلب رسيسا (14)
وعذراء (15) فهت بها فانثنى ... عليها الثّناء طليقا (16) حبيسا (17)
على أنّني من زمان خصصت ... بكيد ولا كيد فرعون موسى
يسعّر (18) لي كلّ يوم وغى (19) ... أطا من لظاها (20) وطيسا وطيسا (21)
ويطرقني (22) بالخطوب (23) الّتي ... يذبن القوى (24) ويشبن الرّؤوسا
ويدني إليّ البعيد البغيض ... ويبعد عنّي القريب الأنيسا
ولولا خساسة أخلاقه (25) ... لما كان حظّي منه خسيسا
__________
(1) وفي نسخة وأعطي.
(2) أي إن نطقت فما زائدة.
(3) فصاحة كالسحر.
(4) أي القوي المستعصي على من يقوده والشّموس بالفتح في معنى ما قبله وهو الذي لا يمكن الراكب من ظهره.
(5) أي أسال.
(6) القلم.
(7) أي يزين الكتب.
(8) أشبهنه في الخفاء لأنه كوكب خفي بجنب الثاني من بنات نعش.
(9) أي ببياني وإيضاحي.
(10) أي ظاهرات كظهور الشموس.
(11) أي كلمات مستحسنة.
(12) أي خدعنها.
(13) أي أبقين من السؤر وهو البقية.
(14) رسيس الحمّى أول مسها كأنه يريد شدّة الشوق.
(15) أراد بها القصيدة التي لم ينظم مثلها غيره.
(16) أي منشورا من المثنى.
(17) أي حبسا موقوفا عليها.
(18) أي يشعل ويلهب.
(19) هي الحرب.
(20) أي أدوس من نارها الشديدة وأصل أطا مهموز فليّنه المصنف.
(21) الوطيس التنور وقيل حجارة مدورة إذا حميت لم يمكن الوطء عليها.
(22) الطرق كالضرب وفاعله الزمان في قوله من زمان خصصت.
(23) أي المصائب.
(24) ذوب القوى كناية عن اضمحلالها.
(25) أي أخلاق الزمان.(1/349)
فقلت له: خفّض الأحزان (1)، ولا تلم الزّمان، واشكر لمن نقلك عن مذهب إبليس، إلى مذهب ابن إدريس (2). فقال: دع الهتار (3)، ولا تهتك الأستار، وانهض بنا لنضرب (4)، إلى مسجد يثرب (5)، فعسى أن نرحض (6)
بالمزار (7)، درن الأوزار (8). فقلت هيهات (9) أن أسير، أو أفقه (10) التّفسير. فقال:
تالله لقد أوجبت ذمما (11)، وطلبت إذ طلبت أمما (12)، فهاك ما يشفي النّفس، وينفي اللّبس (13). قال: فلمّا أوضح لي المعمّى (14)، وكشف عنّي الغمّى (15)، شددنا الأكوار (16)، وسرت وسار (17). ولم أزل من مسامرته (18)، مدّة مسايرته (19)،
__________
(1) أي سكنها وقللها.
(2) هو أبو عبد الله محمد الشافعي القرشي أحد الأئمة المجتهدين رضي الله عنه ولد في السنة التي مات فيها الإمام الأعظم والحبر المقدم أبو حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه وكان ولد في سنة ثمانين من الهجرة.
(3) الهتار والمهاترة من الهتر وهو السقط الباطل من الكلام أو هو الفحش أو الداهية ومنه قيل للرجل الداهي إنه لهتر أهتار.
(4) نسير في الأرض.
(5) هي المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وكانت تسمى يثرب فنهى صلى الله عليه وسلم عن تسميتها به.
(6) نغسل ونطهر.
(7) بالزيارة.
(8) أي وسخ الذنوب جمع الوزر بالكسر وسميت أوزارا لثقلها قال تعالى {وَوَضَعْنََا عَنْكَ وِزْرَكَ} وسمي الوزير وزيرا لتحمل أثقال الملك وتطلق الأوزار على السلاح ومنه قوله تعالى {حَتََّى تَضَعَ الْحَرْبُ}
وقال الشاعر:
وأعددت للحرب أوزارها ... رماحا طوالا وخيلا ذكورا.
(9) اسم فعل بمعنى بعد والمراد هنا تبعيد السير معه.
(10) أي حتى أعلم وأفهم.
(11) جمع ذمة وهي العهد.
(12) أي شيئا هينا قريبا.
(13) التخليط.
(14) هو الكلام الملغز به.
(15) الغم الشديد من غمه إذا أحزنه قال الشاعر: واكشف الغمى إذا الريف عصب أي يبس والأمر المتلبس من غمه إذا غطّاه.
(16) الرحال.
(17) وفي نسخة وسرنا وسار وكلاهما بمعنى أنهما رحلا معا.
(18) المسامرة المحادثة بالليل.
(19) أي مدة ما أنا سائر معه.(1/350)
في ما أنساني طعم المشقّة (1)، ووددت (2) معه بعد الشّقّة (3)، حتّى إذا دخلنا مدينة الرّسول، وفزنا من الزّيارة بالسّول (4)، أشأم (5) وأعرقت (6)، وغرّب (7)
وشرّقت (8).
__________
(1) معناه أنه متسل به حتى إنه لم يذق مشقة السفر.
(2) أحببت وتمنيت.
(3) أي طول مسافة السفر والشقة المسافة قال الله تعالى {وَلََكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ}.
(4) أي ببلوغ الأمل.
(5) أي قصد الشام.
(6) أي قصدت العراق قال الشاعر:
لولاه لم تكن النبوة ترتقي ... شرف الحجاز ولا الرسالة تتهم
ولذاك أعرقت الخلافة بعد ما ... عمرت زمانا وهي علق مشأم.
(7) أي توجه إلى المغرب.
(8) أي وسرت أنا إلى جهة المشرق.(1/351)
المقامة الثالثة والثلاثون التّفليسيّة
حكى الحارث بن همّام، قال: عاهدت الله تعالى مذ يفعت (1)، أن لا أؤخّر الصّلاة ما استطعت. فكنت مع جوب الفلوات (2)، ولهو الخلوات (3)، أراعي أوقات الصّلاة، وأحاذر (4) من مأثم الفوات (5). وإذا رافقت في رحلة، أو حللت بحلّة (6)، مرحبت (7) بصوت الدّاعي (8) إليها، واقتديت بمن يحافظ عليها، فاتّفق حين دخلت تفليس (9)، أن صلّيت مع زمرة (10) مفاليس (11)، فلمّا قضينا الصّلاة، وأزمعنا الانفلات (12)، برز شيخ بادي (13) اللّقوة (14)، بالي الكسوة (15)
والقوّة (16)، فقال: عزمت (17) على من خلق من طينة الحرّيّة (18)، وتفوّق (19) درّ
__________
(1) أي بلغ سني خمس عشرة سنة.
(2) قطع القفار.
(3) لعب أوقات الفراغ.
(4) أي أحذر وأخاف.
(5) أي إثم فوات وقت الصلاة.
(6) أي نزلت بقوم أو ببلدة.
(7) أي قلت مرحبا لقوله صلى الله عليه وسلم من قال حين يسمع المؤذن مرحبا بالقائلين عدلا مرحبا بالصلاة أهلا كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألفي ألف سيئة ورفع له ألفي ألف درجة.
(8) المؤذن.
(9) مدينة بالعراق وقيل بأذربيجان.
(10) وفي نسخة عصبة وكلاهما بمعنى جماعة.
(11) فقراء.
(12) أي قصدنا الانطلاق.
(13) ظاهر.
(14) ضرب من الفالج وهو داء يأخذ في الوجه فيعوجّ ويلتوي شدقه أي جانب فمه.
(15) أي خلق الثياب.
(16) أي ضعيف.
(17) أي أقسمت وحلفت.
(18) يريد بالطينة الأصل وبالحرية الكرم يشير إلى قول القائل:
خلق الورى من طينة ولأنت من ... طين المكارم والعلا مخلوق.
(19) أي وضع فواقا أي شيئا بعد شيء.(1/352)
العصبيّة (1)، إلّا ما تكلّف (2) لي لبثة (3)، واستمع منّي نفثة (4)، ثمّ له الخيار من بعد، وبيده البذل (5) والرّدّ (6). فعقد له القوم الحبى (7)، ورسوا (8) أمثال الرّبى (9)، فلمّا آنس (10) حسن إنصاتهم (11)، ورزانة حصاتهم (12)، قال: يا أولي الأبصار (13) الرّامقة (14)، والبصائر (15) الرّائقة (16)، أما يغني عن الخبر العيان (17)، وينبىء (18) عن النّار الدّخان، شيب لائح (19)، ووهن فادح (20)، وداء واضح، والباطن فاضح (21). ولقد كنت والله ممّن ملك (22) ومال (23)، وولي (24) وآل (25)، ورفد (26) وأنال (27)، ووصل (28) وصال (29)، فلم تزل الجوائح (30) تسحت (31)،
__________
(1) الدر اللبن والعصبية أن يدعو إلى نصرة عصبته.
(2) أي لا أطلب منه غير التكلف وهو فعل الشيء على مشقة ونحوه قول ابن عباس بالإيواء والنصر إلا ما جلستم يريد قوله تعالى {وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا}.
(3) أي وقفة.
(4) أصل النفث إخراج ما في الصدر من بلغم ونحوه والمراد هنا الكلام أي واستمع مني كلمة.
(5) الإعطاء.
(6) المنع والحرمان.
(7) عقد الحبى كناية عن الجلوس كما أن حلها كناية عن القيام والحبى جمع حبوة وهي جلسة رؤساء العرب.
(8) أي ثبتوا وسكنوا.
(9) جمع ربوة وهي الأرض المرتفعة والآكام.
(10) أحس وعلم ورأى.
(11) سكوتهم واستماعهم.
(12) أي رجاحة عقلهم وكثرة حلمهم وأصل الرزانة الثقل والأناة.
(13) العيون.
(14) الناظرة.
(15) العقول.
(16) الصافية المعجبة.
(17) أي المعاينة.
(18) يخبر.
(19) أي ظاهر.
(20) مثقل صعب واضح وفي بعض النسخ وضعف بائح ووهن قادح ومعنى بائح مظهر.
(21) عنى بالباطن الفقر والفاقة وفضوحه ظهوره ووضوحه.
(22) تملك الملك.
(23) تمول ورجل مال نال أى متمول معط.
(24) من الولاية ضد العزل.
(25) من الإيالة وهي السياسة أي ساس فأحسن السياسة.
(26) أعان.
(27) أعطى.
(28) من الصلة.
(29) من الصولة.
(30) جمع الجائحة وهي الآفة المستأصلة.
(31) السحت محق البركة وهو إما من سحت أو من أسحت قال بعضهم وبالثاني وجد مضبوطا بخط المؤلف.(1/353)
والنّوائب (1) تنحت (2)، حتّى الوكر (3) قفر (4)، والكفّ صفر (5)، والشّعار ضرّ (6)، والعيش مرّ (7)، والصّبية (8) يتضاغون (9) من الطّوى (10)، ويتمنّون مصاصة النّوى. ولم أقم هذا المقام الشّائن (11)، وأكشف لكم الدّفائن (12)، إلّا بعد ما شقيت (13) ولقيت (14)، وشبت ممّا لقيت (15)، فليتني لم أكن بقيت. ثمّ تأوّه (16) تأوّه الأسيف (17)، وأنشد بصوت ضعيف:
أشكو إلى الرّحمن سبحانه ... تقلّب الدّهر وعدوانه (18)
وحادثات (19) قرعت مروتي (20) ... وقوّضت (21) مجدي وبنيانه (22)
واهتصرت عودي (23) ويا ويل من (24) ... تهتصر الأحداث (25) أغصانه
وأمحلت (26) ربعي حتّى جلت (27) ... من ربعي الممحل جرذانه (28)
__________
(1) الدواهي.
(2) تأخذ شيئا فشيئا.
(3) البيت.
(4) خال لا شيء فيه.
(5) فارغ من الدراهم وغيرها.
(6) الشعار أصله ثوب يلي الجسد والمراد به هنا ملازمة الضر للجسد كملازمة الثوب له.
(7) أي والمعيشة ضيقة فكنى عن الضيق بالمر وهو ضد الحلو.
(8) جمع صبي.
(9) يبكون بصياح.
(10) أي الجوع.
(11) الذي يشين من قام به ولا يزينه.
(12) أي الأمور المستورة.
(13) تعبت.
(14) أي أصبت باللقوة.
(15) أي مما لقيته وكابدته.
(16) أي قال آه.
(17) الحزين السريع البكاء وفي الحديث أن أبا بكر رجل أسيف.
(18) ظلمه.
(19) جمع حادثة بمعنى النائبة.
(20) قرع المروة كناية عن الإصابة بالمصائب والمرو حجارة بيض برّاقة يقال قرعت مروة فلان إذا أصابته مصيبة تشق عليه ومنه قول أبي ذؤيب:
حتى كأني للحوادث مروة ... بعصا المشقة كل يوم تقرع.
(21) نقضت وهدمت.
(22) شرفي ومقامي.
(23) أي أمالت ظهري يقال هصرت العود واهتصرته كسرته من غير إبانة وكنى بذلك عن تقوس ظهره.
(24) وفي نسخة ويا ويح من.
(25) الخطوب والمصائب.
(26) أمحل المكان صار ذا محل وهو الجدب.
(27) بالجيم أي طردت من الجلاء عن الوطن وهو يتعدى ولا يتعدّى.
(28) جمع جرذ وهو الفأر ومن الدعاء أكثر الله جرذان بيتك أي أخصب منزلك.(1/354)
وغادرتني (1) حائرا (2) بائرا (3) ... أكابد الفقر وأشجانه
من بعد ما كنت أخا ثروة (4) ... يسحب في النّعمة أردانه (5)
يختبط العافون (6) أوراقه (7) ... ويحمد السّارون (8) نيرانه
فأصبح اليوم كأن لم يكن ... أعانه الدّهر الذي عانه (9)
وازورّ (10) من كان له زائرا ... وعاف (11) عافي العرف (12) عرفانه (13)
فهل فتى يحزنه ما يرى ... من ضرّ شيخ دهره خانه
فيفرج الهمّ الّذي همّه (14) ... ويصلح الشّان (15) الّذي شانه (16)
قال الرّاوي: فصبت الجماعة (17) إلى أن تستثبته (18)، لتستنجش خبأته (19)، وتستنفض حقيبته (20)، فقالت له: قد عرفنا قدر رتبتك (21)، ورأينا درّ مزنتك (22)،
__________
(1) تركتني.
(2) متحيرا.
(3) يقال هو حائر بائر إذا لم يتجه لشيء وهو إتباع لجائر والبائر أيضا الهالك من البوار وهو الهلاك.
(4) أي صاحب غنى.
(5) أي يجر في نعمته بمعنى رفاهيته من كثرة غناه أردانه أي أكمامه.
(6) العافي السائل وأصل الاختباط من الخبط وهو ضرب ورق الشجر فاستعير للطلب والسؤال من غير وسيلة.
(7) كناية عما يعطيهم إياه.
(8) هم المسافرون ليلا والمراد بحمدهم ثناؤهم عليه لكرمه وأقرأته للضيوف (كذا في الأصل).
(9) أي الذي أصابه بالعين يقال عنت الرجل أعينه عينا إذا أصبته بالعين.
(10) أي مال وأعرض وامتنع من مواجهته.
(11) أي استقذر.
(12) طالب العطاء.
(13) معرفته.
(14) همه المرض أذابه.
(15) الحال.
(16) عابه.
(17) أي مالت.
(18) تثبت الرجل في أمره واستثبته تعرّفه حتى وقف على حقيقته.
(19) النجش الإثارة والاستنجاش الاستثارة والخبأة من الخبء وهو الإخفاء أي ليعرفوا ما خفي من أمره.
(20) كناية عن استخراج ما في ضميره.
(21) وفي نسخة قدر زنتك.
(22) أي سيل سحابك كناية عن فضله وعرفانه.(1/355)
فعرّفنا دوحة شعبتك (1)، واحسر اللّثام (2) عن نسبتك (3)؟ فأعرض إعراض من مني (4) بالإعنات (5)، أو بشّر بالبنات (6)، وجعل يلعن الضّرورات، ويتأفّف (7) من تغيّض المروءات (8). ثمّ أنشد بلفظ صادع (9)، وجرس خادع (10):
لعمرك (11) ما كلّ فرع (12) يدلّ ... جناه (13) اللّذيذ على أصله
فكل ما حلا حين تؤتى به ... ولا تسأل الشّهد (14) عن نحله
وميّز إذا ما اعتصرت (15) الكروم (16) ... سلافة عصرك (17) من خلّه (18)
لتغلي (19) وترخص (20) عن خبرة (21) ... وتشري (22) كلّا شرى مثله
فعار على الفطن (23) اللّوذعيّ (24) ... دخول الغميزة (25) في عقله
قال: فازدهى القوم بذكائه ودهائه (26)، واختلبهم (27) بحسن أدائه (28) مع
__________
(1) أراد أصله ونسبه والدوحة في الأصل الشجرة العظيمة.
(2) أي اكشفه وأزله أي بين وأظهر لنا.
(3) نسبك وفي نسخة عن شيبتك.
(4) ابتلي.
(5) أي بتكلف المشقة.
(6) أي أخبر بولادتهنّ له يشير إلى قوله تعالى {وَإِذََا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ََ} الآية.
(7) أي يقول أف أف.
(8) أي تنقصها وفقدها.
(9) أي ظاهر مكشوف أو صادع لأكباد الحساد من قولهم انصدع الإناء إذا انشق وفي نسخة وفي نسخة بلسان صادع أي مبين.
(10) أي وصوت خفي.
(11) وحياتك.
(12) غصن.
(13) ثمره.
(14) العسل الخالص.
(15) أي عصرت كما في بعض النسخ.
(16) جمع الكرم وهو العنب.
(17) السلافة من الخمر أول ما يعصر وقيل هو ما سال من العنب قبل أن يعصر.
(18) أي من فاسده.
(19) تزيد في القيمة.
(20) تنقص منها.
(21) أي عن علم.
(22) الشراء من الأضداد يقال شرى إذا باع أو اشترى.
(23) أي الذكي الفهم.
(24) الشهم الحديد الفؤاد.
(25) النقيصة أو ضعف التدبير.
(26) أي حركهم واستفزهم بفطانته وشدة مكره.
(27) خدعهم.
(28) أي بحسن ما يؤديه من الألفاظ.(1/356)
دائه (1)، حتّى جمعوا له خبايا الخبن، وخفايا الثّبن (2). وقالوا له: يا هذا إنّك حمت (3)، على ركيّة (4) بكيّة (5)، وتعرّضت لخليّة (6) خليّة (7)، فخذ هذه الصّبابة (8)، وهبها لا خطأ ولا إصابة (9). فنزّل قلّهم (10) منزلة الكثر (11)، ووصل قبوله بالشّكر. ثمّ توّلى يجرّ شقّه (12)، وينهب بالخبط طرقه (13). قال المخبر بهذه الحكاية: فصوّر لي أنّه محيل (14) لحليته (15)، متصنّع (16) في مشيته (17)، فنهضت أنهج منهاجه (18)، وأقفو (19) أدراجه (20)، وهو يلحظني شزرا (21)، ويوسعني هجرا (22)، حتّى إذا خلا الطّريق، وأمكن التّحقيق، نظر إليّ نظر من هشّ وبشّ (23)، وماحض (24) بعد ما غشّ (25)، وقال: إنّي لإخالك (26) أخا غربة (27)، ورائد
__________
(1) أي مع ما هو مصاب به من الداء وهو اللقوة المذكورة.
(2) الخبايا جمع خبيئة وهي ما يخبأ لنفاسته والخبن جمع خبنة وهي الحضن تحت الإبط وقيل عند السرة وقيل الخبن ما يلي البطن من حجزة السراويل والثبن ما يلي الظهر منها وقيل الخبن أطراف الثوب كالكم وغيره.
(3) طفت.
(4) هي البئر.
(5) قليلة الماء.
(6) هي معسل النحل الذي يعسل فيه والجمع خلايا.
(7) أي خالية فارغة.
(8) الشيء اليسير وأصلها بقية الماء في الإناء.
(9) أي افرض أنها كلا شيء أي لا تشكرها ولا تذمها.
(10) أي عطاءهم القليل.
(11) أي الكثير.
(12) بالكسر أي يرخي جانبه يوهم أنه مفلوج معلول يقال اخترت شق الشاة وشقتها أي نصفها والشق الناحية.
(13) أي يقطع الأرض ويطويها بالخبط وهو السير على غير معرفة.
(14) مغير.
(15) أي لصفته وفي نسخة لحيلته.
(16) مظهر غير ما هو عليه.
(17) هيئة مشيه.
(18) أي أسلك مسلكه وأذهب في طريقه.
(19) أتبع.
(20) آثاره.
(21) أي ينظر إليّ بمؤخر عينه وهو نظر المبغض أو نظر الغضبان.
(22) يكثر مباعدتي وتجنبي وبالضم يكثر لي من الكلام الفاحش القبيح.
(23) أي نظر إليّ بطلاقة وجه وبشر نظر من اهتز وفرح.
(24) أخلص وده.
(25) خلط.
(26) لأحسبك وأظنك.
(27) أي غريبا.(1/357)
صحبة (1)! فهل لك في رفيق يرفق بك (2) ويرفق (3)، وينفق عليك (4)
وينفق (5)؟ فقلت له: لو أتاني هذا الرّفيق، لواتاني التّوفيق (6). فقال لي: قد وجدت (7) فاغتبط (8)، واستكرمت (9) فارتبط (10). ثمّ ضحك مليّا (11)، وتمثّل (12) لي بشرا سويّا (13)، فإذا هو شيخنا السّروجيّ لا قلبة بجسمه (14)، ولا شبهة في وسمه (15). ففرحت بلقيته (16)، وكذب لقوته (17). وهممت بملامته، على سوء مقامته، فشحا فاه (18)، وأنشد قبل أن ألحاه (19):
ظهرت برثّ (20) لكيما يقال ... فقير يزجّي (21) الزّمان المزجّى (22)
وأظهرت للنّاس أن قد فلجت (23) ... فكم نال قلبي به ما ترجّى
ولولا الرّثاثة (24) لم يرث لي (25) ... ولولا التّفالج (26) لم ألق فلجا (27)
__________
(1) طالب مرافقة.
(2) يلاطفك ويعطف عليك.
(3) بضم أوله أي يعين.
(4) أي يتخذ لعيوبك نفقا في الأرض ويدخلها فيه أي يستر عليك عيوبك.
(5) أي يعطيك النفقة.
(6) أي وافقني وأصله الهمز قال الأزهري يقال آتيت فلانا على الأمر إذا وافقته عليه ولا تقل وأتيته إلّا في لغة أهل اليمن وفي نسخة لآتاني على الأصل.
(7) أي صادفت مطلوبك.
(8) فافرح بما وجدت.
(9) أي طلبت كريما ووجدته.
(10) فاحفظه والزمه.
(11) طويلا.
(12) ظهر وتصور.
(13) أي سالما.
(14) أي لا داء به ولا علة قال الكسائي جاء وبه قلبة أي شيء يقلقه فيتقلب من أجله على فراشه.
(15) علامته.
(16) مصدر من لقيته أي للقائه.
(17) أي فالجه.
(18) أي ففتح فمه.
(19) ألومه.
(20) ثوب خلق.
(21) يسوق.
(22) المدافع القليل الخير.
(23) أصابني الفالج.
(24) أي لبس الثياب البالية أو سوء الحال.
(25) أي لم يرحمني أحد.
(26) التظاهر بالفالج.
(27) فوزا ونجاحا.(1/358)
ثمّ قال: إنّه لم يبق لي بهذه الأرض مرتع (1)، ولا في أهلها مطمع. فإن كنت الرّفيق، فالطّريق الطّريق. فسرنا منها متجرّدين (2)، ورافقته عامين أجردين (3)، وكنت على أن أصحبه ما عشت (4)، فأبى الدّهر المشتّ (5).
__________
(1) مأكل وأصله محل رعي الدواب.
(2) أي منفردين عن الناس ويجوز أن يكون من قولهم تجرد للأمر إذا جدّ فيه ولم يتشاغل عنه بغيره.
(3) أي تامين.
(4) أي مدة حياتي.
(5) الزمان المفرق وفي نسخة فأبى البين المشت.(1/359)
المقامة الرابعة والثلاثون الزّبيديّة
أخبر الحارث بن همّام قال لمّا جبت (1) البيد (2)، إلى زبيد (3) صحبني غلام قد كنت ربّيته إلى أن بلغ أشدّه (4)، وثقّفته (5) حتّى أكمل رشده (6). وكان قد أنس بأخلاقي (7). وخبر (8) مجالب وفاقي، فلم يكن يتخطّى مرامي (9)، ولا يخطىء في المرامي (10). لا جرم (11): أنّ قربه (12) التاطت (13) بصفري (14)، وأخلصته (15) لحضري وسفري، فألوى به (16) الدّهر المبيد (17). حين ضمّتنا (18)
زبيد. فلمّا شالت نعامته (19)، وسكنت نامته (20)، بقيت عاما، لا أسيغ (21) طعاما.
__________
(1) قطعت.
(2) جمع البيداء وهي الفلاة من الأرض.
(3) بلدة باليمن بينها وبين صنعاء أربعون فرسخا وليس في اليمن بعد صنعاء أكبر منها ولا أغنى من أهلها ولا أكثر خيرا وهي بلد واسعة البساتين كثيرة المياه والفواكه من الموز وغيره.
(4) الأشدّ من خمس عشرة سنة إلى أربعين وهو منتهى الشباب ومبلغ الرجل الحنكة والتجربة وقيل هو القوة والعقل.
(5) قومته وأدبته من ثقفت الشيء أقمت أوده أي عوجه.
(6) أي تمّ صلاحه.
(7) أي تأنس بطباعي واعتاد عليها.
(8) جرب وعرف.
(9) أي مقاصدي.
(10) أي في الأغراض.
(11) أي حقا ولا محالة.
(12) أعماله الصالحة.
(13) التصقت.
(14) أي بقلبي.
(15) أفردته وجعلته خالصا.
(16) أهلكه.
(17) أي المهلك.
(18) جمعتنا.
(19) أي مات وهو في الكناية يقال شالت نعامة القوم إذا تفرقوا وارتحلوا أو ذهب عزهم أو ماتوا والنعامة باطن القدم وهي تنتصب عند الموت.
(20) حركته التي تنمو بحياته وأصلها صوت الأسد أو غيره.
(21) لا أبتلع.(1/360)
ولا أريغ (1) غلاما، حتّى ألجأتني شوائب الوحدة (2)، ومتاعب القومة والقعدة (3)، إلى أن أعتاض (4) عن الدرّ الخرز، وأرتاد (5) من هو سداد من عوز (6)، فقصدت من يبيع العبيد، بسوق زبيد. فقلت أريد غلاما يعجب إذا قلّب (7)، ويحمد إذا جرّب. وليكن ممّن خرّجه (8) الأكياس (9)، وأخرجه إلى السّوق الإفلاس، فاهتزّ (10) كلّ منهم لمطلبي ووثب (11)، وبذل تحصيله (12) عن كثب (13). ثمّ دارت الأهلّة دورها (14)، وتقلّبت كورها وحورها (15)، وما نجز (16) من وعودهم (17) وعد، ولا سحّ لها رعد (18). فلمّا رأيت النّخّاسين (19)، ناسين أو متناسين (20)، علمت أن ليس كلّ من حلق يفري (21)، وأن لن يحكّ جلدي مثل ظفري (22). فرفضت (23) مذهب التّفويض (24)، وبرزت (25) إلى السّوق بالصّفر
__________
(1) أطلب وأريد.
(2) أي أخلاطها وأكدارها.
(3) القيام والقعود.
(4) أستبدل.
(5) أطلب.
(6) أي ما يسد عند الاحتياج ويستغنى به عن غيره والسداد بالكسر ما يسد به القارورة والخلل.
(7) أي فتّش.
(8) أي ممن علّمه ودربه.
(9) العقلاء ذوو الكياسة وهي العقل.
(10) تحرك.
(11) فز وعجل.
(12) أنفق وجوده (كذا في الأصل).
(13) أي عن قرب.
(14) أي مرت شهور السنة إلى أن جاء الشهر الذي كنت سألتهم فيه ووعدوني بتحصيله.
(15) أي تمامها ونقصانها من قولهم نعوذ بالله من الحور بعد الكور.
(16) أي ما حصل وما انقضى.
(17) الوعود جمع الوعد أي ما وعدوني به.
(18) كناية عن عدم وفاء ما وعدوه به.
(19) الدلالين في الرقيق.
(20) مظهرين النسيان.
(21) خلق الشيء صنعه وقدره والفري القطع يريد أن ليس كل من وعد يفي أو ليس كل الناس يقضي الحوائج.
(22) هذا مثل يضرب في ترك الاتكال على الناس قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:
ما حكّ جلدك مثل ظفرك ... فتولّ أنت جميع أمرك
وإذا قصدت لحاجة ... فاقصد لمعترف بقدرك
وفي نسخة وإن ليس يحك الخ.
(23) تركت.
(24) التوكل والتسليم للغير.
(25) خرجت.(1/361)
والبيض (1)، فإنّي لأستعرض الغلمان (2)، وأستعرف الأثمان، إذ عارضني رجل قد اختطم بلثام (3)، وقبض على زند (4) غلام، وقال:
من يشتري منّي غلاما صنعا (5) ... في خلقه وخلقه قد برعا (6)
بكلّ ما نطت به (7) مضطلعا (8) ... يشفيك إن قال وإن قلت وعى (9)
وإن تصبك عثرة يقل لعا (10) ... وإن تسمه (11) السّعي في النّار سعى
وإن تصاحبه ولو يوما رعى (12) ... وإن تقنّعه بظلف قنعا (13)
وهو على الكيس (14) الّذي قد جمعا ... ما فاه (15) قطّ كاذبا ولا ادّعى (16)
ولا أجاب مطمعا حين دعا (17) ... ولا استجاز (18) نثّ (19) سرّ أودعا (20)
وطالما أبدع (21) في ما صنعا ... وفاق في النّثر وفي النّظم معا
والله لولا ضنك عيش (22) صدعا (23) ... وصبية (24) أضحوا عراة جوّعا (25)
ما بعته بملك كسرى أجمعا (26)
__________
(1) أي الدنانير والدراهم.
(2) أطلب عرضهم علي.
(3) أي جعله على خطمه وهو الأنف.
(4) هو الساعد من اليد.
(5) حاذقا بالصناعة.
(6) فاق غيره.
(7) أي علقته به.
(8) قويا بحمله.
(9) فهم وحفظ.
(10) أي سلمت ونجوت وهي كلمة تقال للعاثر معناها أقال الله تعالى عثرتك وسلمك ونجاك.
(11) تكلفه.
(12) رعى الصحبة حفظها.
(13) كناية عن قوله يرضى بالقليل.
(14) الحذق والعقل.
(15) ما نطق.
(16) نسب لنفسه شيئا ليس له ولا ادعى على غيره شيئا ليس عليه.
(17) نادى.
(18) استحل.
(19) نشر.
(20) اؤتمن عليه واستحفظه.
(21) اخترع فأغرب وأتى بما لم يسبق إليه وفاق.
(22) ضيق معيشة.
(23) شق القلب وكسره.
(24) وصبيان.
(25) أي عرايا جائعين.
(26) جميعه.(1/362)
قال: فلمّا تأمّلت خلقه القويم (1)، وحسنه الصّميم (2)، خلته (3) من ولدان جنّة النّعيم، وقلت: ما هذا بشرا! إن هّذا إلّا ملك كريم. ثمّ استنطقته عن اسمه (4)، لا لرغبة في علمه، بل لأنظر أين فصاحته من صباحته (5)، وكيف لهجته (6) من بهجته. فلم ينطق بحلوة ولا مرّة (7)، ولا فاه (8) فوهة ابن أمة ولا حرّة. فضربت عنه صفحا (9)، وقلت له: قبحا لعيّك (10) وشقحا (11) فغار في الضّحك وأنجد (12)، ثمّ أنغض رأسه (13) إليّ وأنشد:
يا من تلهّب غيظه إذ لم أبح ... باسمي (14) له ما هكذا من ينصف
إن كان لا يرضيك إلّا كشفه ... فأصخ (15) له أنا يوسف أنا يوسف (16)
ولقد كشفت لك الغطاء فإن تكن ... فطنا عرفت وما إخالك تعرف
قال فسرّى عتبي (17) بشعره، واستبى لبّي (18) بسحره (19)، حتّى شدهت (20)
عن التّحقيق، وأنسيت قصّة يوسف الصّدّيق. ولم يكن لي همّ إلّا مساومة مولاه فيه (21)، واستطلاع طلع الثّمن (22) لأوفيه. وكنت أحسب أنّه سينظر شزرا إليّ،
__________
(1) المستقيم الحسن.
(2) الخالص.
(3) حسبته.
(4) سألته أن ينطق باسمه.
(5) حسن وجهه.
(6) اللهجة طرف اللسان والمراد لفظه.
(7) أي بكلمة حسنة ولا قبيحة.
(8) تكلم.
(9) أعرضت وأملت عنه جانبا.
(10) العي هو العجز عن أداء الكلام بما في المرام.
(11) بعدا وقيل هو إتباع لقبحا أو هو من شقح البسر إذا تغيرت خضرته بحمرة أو صفرة وقيل من شقحت العود إذا كسرته وقبحا وشقحا بضم أولهما وفتحه.
(12) أي بالغ فيه وخفض رأسه مرة ورفعه أخرى وذلك من غلبة الضحك وأصل غار الرجل إذا أتى الغور وهو ما انخفض من الأرض وأنجد إذا أتى النجد وهو ما ارتفع منها.
(13) حركه متعجبا على سبيل الاستهزاء ومنه قوله تعالى {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ.}
(14) أظهر وأتكلم باسمي.
(15) أي استمع.
(16) يعني أنا حرّ لا يجوز بيعي يشير به إلى بيع يوسف الصديق عليه السلام.
(17) أي أذهب غيظي من سروت عنه الثوب إذا نزعته.
(18) أي ملك قلبي وأسره.
(19) ببيانه وحسن كلامه.
(20) تحيرت.
(21) مطالبته بالسوم وهو عرض القيمة على المشتري وذكر الثمن.
(22) أي قدره.(1/363)
ويغلي السّيمة (1) عليّ، فما حلّق (2) إلى حيث حلّقت، ولا اعتلق بما به اعتلقت، بل قال: إنّ الغلام (3) إذا نزر ثمنه (4)، وخفّت مؤنه (5)، تبرّك به (6)
مولاه، والتحف (7) عليه هواه (8). وإنّي لأوثر (9) تحبيب هذا الغلام إليك، بأن أخفّف ثمنه عليك. فزن مائتي درهم إن شيت (10)، واشكر لي ما حييت (11).
فنقدته (12) المبلغ في الحال، كما ينقد في الرّخيص الحلال، ولم يخطر لي ببال، أنّ كلّ مرخص (13) غال. فلمّا تحقّقت (14) الصّفقة (15)، وحقّت (16) الفرقة، هملت (17) عينا الغلام، ولا همول دمع الغمام (18)، ثمّ أقبل على صاحبه، وقال:
لحاك الله (19) هل مثلي يباع ... لكيما تشبع الكرش (20) الجياع (21)
وهل في شرعة (22) الإنصاف أنّي ... أكلّف خطّة (23) لا تستطاع
وأن أبلى (24) بروع بعد روع (25) ... ومثلي حين يبلى لا يراع
أما جرّبتني فخبرت منّي ... نصائح لم يمازجها (26) خداع (27)
__________
(1) أي القيمة كما في نسخة.
(2) دار ولا حام من قولهم حلق الطائر ارتفع في طيرانه أي لم يحم حول ما خطر بفكري.
(3) وفي نسخة إن العبد.
(4) أي قل.
(5) أي كلفه.
(6) أي يرى فيه البركة.
(7) اشتمل.
(8) حبه.
(9) أقدم.
(10) أي إن أردت وحذف الهمزة للازدواج.
(11) أي وأثن عليّ مدة حياتك.
(12) أي أعطيته الثمن نقدا.
(13) رخيص.
(14) تمت.
(15) البيعة.
(16) وجبت.
(17) سالت وسكبت.
(18) وفي نسخة دمع الغمام وهو المطر.
(19) أي قبحك.
(20) أراد به عيال الرجل من صغار ولده جاء يجر كرشه أي عياله.
(21) جمع جائع وأجرى الجمع مجرى المفرد إرادة للمبالغة في الوصف بالجوع.
(22) الشرعة الماء المورود والمراد به هنا الطريقة.
(23) مشقة.
(24) أي أختبر.
(25) بفزع بعد فزع.
(26) لم يخالطها.
(27) مكر وحيلة.(1/364)
وكم أرصدتني (1) شركا لصيد (2) ... فعدت (3) وفي حبائلي (4) السّباع
ونطت (5) بي المصاعب (6) فاستقادت (7) ... مطاوعة وكان بها امتناع
وأيّ كريهة (8) لم أبل فيها (9) ... وغنم (10) لم يكن لي فيه باع (11)
وما أبدت لي الأيّام جرما (12) ... فيكشف في مصارمتي (13) القناع
ولم تعثر (14) بحمد الله منّي ... على عيب يكتّم أو يذاع (15)
فأنّى (16) ساغ (17) عندك نبذ عهدي ... كما نبذت برايتها (18) الصّناع (19)
ولم سمحت قرونك (20) بامتهاني (21) ... وأن أشرى كما يشرى المتاع (22)
وهلّا صنت عرضي عنه صوني ... حديثك (23) يوم جدّ بنا الوداع
وقلت لمن يساوم فيّ هذا ... سكاب (24) فما يعار ولا يباع
فما أنا دون ذاك الطّرف لكن ... طباعك فوقها تلك الطّباع (25)
__________
(1) أعددتني ونصبتني.
(2) حبالة.
(3) وفي نسخة فرحت.
(4) أشراكي.
(5) وعلقت.
(6) جمع مصعب وهو الفحل والمراد الشدائد.
(7) انقادت.
(8) أي حرب.
(9) أبلى في الحرب أظهر فيها جلادته.
(10) أي غنيمة.
(11) بطش وحظ والباع قدر مد اليدين وربما عبر عن الباع بالكرم والشرف (كذا في الأصل).
(12) ذنبا.
(13) مقاطعتي.
(14) أي لم تطلع.
(15) ينشر.
(16) كيف.
(17) جاز وسهل ولذ.
(18) البراية ما يلقى من الشيء الذي يصنع وما ينحت من الأديم والقلم عند بريه.
(19) المرأة الحاذقة بالصنعة.
(20) أي ولأي شيء رضيت نفسك.
(21) أي بإذلالي وأصل المهنة الخدمة والماهن الخادم.
(22) أي أباع كما يباع المتاع.
(23) أي كصوني حديثك.
(24) اسم فرس لرجل من بني تميم طلبه منه بعض الملوك فمنعه إياه وأنشد:
أبيت اللعن إن سكاب علق ... نفيس لا يعار ولا يباع
وسمي سكاب لسرعته تشبيها له بالماء إذا انسكب فقوله وقلت لمن يساوم فيّ هذا إلخ إشارة إلى القصة المذكورة.
(25) الطرف الفرس الكريم أي لست أقل من ذلك الفرس الذي منعه صاحبه من طلب الملك لكن طباع فوق طباعك حيث كان يؤثره على جميع عياله.(1/365)
على أنّي سأنشد عند بيعي ... أضاعوني (1) وأيّ فتى أضاعوا (2)
قال: فلمّا وعى الشّيخ أبياته (3)، وعقل مناغاته (4)، تنفّس الصّعداء، وبكى حتّى أبكى البعداء، ثمّ قال لي: إنّي أحلّ هذا الغلام محلّ ولدي، ولا أميّزه عن أفلاذ كبدي (5)، ولولا خلوّ مراحي (6)، وخبوّ مصباحي (7)، لما درج عن عشّي (8)، إلى أن يشيّع نعشي (9). وقد رأيت ما نزل به من لوعة البين (10)، والمؤمن هين لين (11)، فهل لك في تسلية قلبه، وتسرية كربه (12)، بأن تعاهدني على الإقالة فيه متى استقلت (13)، وأن لا تستثقلني إذا ثقّلت (14). ففي الآثار (15) المنتقاة (16)، المرويّة عن الثّقات (17): من أقال نادما بيعته، أقاله الله عثرته. قال الحارث بن همّام: فوعدته وعدا أبرزه الحياء، وفي القلب أشياء، فاستدنى حينئذ الغلام إليه (18)، وقبّل ما بين عينيه، وأنشد والدّمع يرفضّ (19) من جفنيه:
خفّض (20) فدتك النّفس ما تلاقي ... من برحاء (21) الوجد والإشفاق (22)
__________
(1) أي لم يعرفوا قدري.
(2) مبالغة في عدم مراعاة حقه ومعرفة قدره.
(3) أي عرف وأدرك معناها.
(4) أي كلامه وأصل المناغاة تكليم الطفل الصغير بما يسره ويعجبه كما تفعل الأمهات بأولادها والنغية كالنغمة وفي كلام معاوية رضي الله عنه واها لها نغية ما أبردها على الكبد.
(5) الأفلاذ جمع فلذة بالكسر وهي القطعة وكنى بها عن الأولاد قال الشاعر:
وإنما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشي على الأرض.
(6) منزلي.
(7) أي خمود سراجي.
(8) يعني لما خرج من بيتي.
(9) إلى أن أموت ويشيع جنازتي.
(10) أي حرقة الفراق.
(11) أي سهل الأخلاق.
(12) أي إزالته.
(13) أي طلبت الإقالة.
(14) أي أكثرت الكرم عليك في ذلك.
(15) أي الأخبار.
(16) المختارة.
(17) الأمناء الذين يوثق بهم جمع ثقة.
(18) استدناه قرّبه منه.
(19) أي يترشش ويتفرق.
(20) هون عليك.
(21) شدة.
(22) لخوف.(1/366)
فما تطول (1) مدّة الفراق ... ولا تني (2) ركائب التّلاقي (3)
بحسن عون القادر الخلّاق
ثمّ قال له: أستودعك (4) من هو نعم المولى، وشمّر ذيله وولّى. فلبث الغلام في زفير (5) وعويل (6)، ريثما (7) يقطع مدى ميل (8). فلمّا استفاق، وكفكف دمعه (9) المهراق (10)، قال: أتدري لم أعولت (11)، وعلام عوّلت (12)؟ فقلت: أظنّ فراق مولاك، هو الّذي أبكاك! فقال: إنّك لفي واد وأنا في واد (13)، ولكم بين مريد ومراد. ثمّ أنشد:
لم أبك والله على إلف نزح (14) ... ولا على فوت نعيم وفرح
وإنّما مدمع أجفاني سفح ... على غبيّ (15) لحظه (16) حين طمح (17)
ورّطه (18) حتّى تعنّى (19) وافتضح ... وضيّع المنقوشة (20) البيض الوضح (21)
ويك أما ناجتك (22) هاتيك الملح (23) ... بأنّني حرّ وبيعي لم يبح (24)
إذ كان في يوسف معنى قد وضح (25)
__________
(1) وفي نسخة فما تدوم.
(2) أي تفتر وتضعف.
(3) كناية عن قرب ملاقاتهما.
(4) وفي نسخة استودعتك.
(5) هو إخراج النفس بشدة.
(6) أي بكاء بصياح.
(7) مقدار ما.
(8) هو مد البصر كما قاله ابن السكيت أو هو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع كما قاله غيره.
(9) منعه وغيضه وكفه.
(10) المنصب.
(11) صحت بالبكاء.
(12) أي عزمت واعتمدت.
(13) مثل يضرب في اختلاف المقاصد أي بيني وبينك بون بعيد.
(14) صاحب بعد.
(15) جاهل.
(16) نظره.
(17) ارتفع.
(18) أوقعه في ورطه.
(19) تعب.
(20) أي الدراهم.
(21) في الأصل حلي من فضة والجمع أوضاح وفي الصحاح الوضح الدرهم الصحيح والوضح البياض قال الفرزدق:
ولو لبس النهار بنو كليب ... لدنس لؤمهم وضح النهار.
(22) حدثتك وأفهمتك.
(23) الكلمات المستحسنة.
(24) أي لم يحلّ.
(25) أي ظهر واشتهر.(1/367)
قال: فتمثّلت (1) مقاله (2) في مرآة المداعب (3)، ومعرض الملاعب (4)، فتصلّب (5) تصلّب المحقّ (6)، وتبرّأ من طينة الرّقّ (7). فجلنا (8) في مخاصمة، اتّصلت بملاكمة (9)، وأفضت (10) إلى محاكمة (11). فلمّا أوضحنا للقاضي الصّورة (12)، وتلونا (13) عليه السّورة (14)، قال: ألا إنّ من أنذر فقد أعذر (15)، ومن حذّر، كمن بشّر. ومن بصّر (16)، فما قصّر. وإنّ فيما شرحتماه لدليلا على أنّ هذا الغلام قد نبّهك فما ارعويت (17)، ونصح لك فما وعيت (18)، فاستر داء بلهك (19) واكتمه، ولم نفسك ولا تلمه. وحذار (20) من اعتلاقه (21)، والطّمع في استرقاقه (22)، فإنّه حرّ الأديم (23)، غير معرّض للتّقويم (24). وقد كان أبوه أحضره أمس، قبيل أفول الشّمس (25)، واعترف بأنّه فرعه الّذي أنشاه (26)، وأن لا وارث له سواه. فقلت للقاضي: أو تعرف أباه، أخزاه الله! فقال: وهل يجهل أبو زيد الّذي جرحه جبار (27)، وعند كلّ قاض له أخبار وإخبار (28). فتحرّقت (29)
__________
(1) تصورت.
(2) أي ما قاله.
(3) الممازح.
(4) الممازح أيضا.
(5) توقف.
(6) الذي على الحق.
(7) أي تخلص وتنحى عن كونه رقّا.
(8) ترددنا.
(9) من اللكم وهو الضرب بجمع الكف.
(10) وصلت.
(11) هي الذهاب إلى الحاكم.
(12) الحقيقة.
(13) قرأنا.
(14) أراد بها القصة.
(15) أي من حذرك مما يحل بك فقد أعذر أي صار معذورا عندك.
(16) عرّف حقيقة الحال.
(17) أي فما انتبهت ولا انكففت.
(18) فما أدركت وما التفت لنصيحته.
(19) البله سلامة القلب وقلة الفطنة في أمور الدنيا ومنه الحديث أكثر أهل الجنة البله قال الشاعر:
ولقد لهوت بطفلة مياسة ... بلهاء تطلعني على أسرارها.
(20) اسم فعل بمعنى احذر.
(21) إمساكه.
(22) عبوديته.
(23) أي الجلد والمراد ليس به شائبة رق.
(24) أي لجعله ذا قيمة كالمبيعات.
(25) غروبها.
(26) يعني أنه ابنه الذي ولده.
(27) في الحديث جرح العجماء جبار أي هدر لا قصاص فيه.
(28) الأول بفتح الهمزة جمع خبر والثاني بكسرها بمعنى إعلام.
(29) أي عضضت على أسناني حتى صار لها صوت من شدة الغيظ أو عضضت على يدي.(1/368)
حينئذ وحولقت (1)، وأفقت ولكن حين فات الوقت، وأيقنت أنّ لثامه كان شرك مكيدته، وبيت قصيدته (2). فنكّس طرفي (3) ما لقيت (4)، وآليت (5) أن لا أعامل ملثّما ما بقيت (6). ولم أزل أتأوّه (7) لخسر صفقتي (8)، وافتضاحي بين رفقتي. فقال لي القاضي، حين رأى امتعاضي (9)، وتبيّن حرّ ارتماضي (10): يا هذا ما ذهب من مالك ما وعظك (11)، ولا أجرم (12) إليك من أيقظك (13). فاتّعظ (14) بما نابك (15)، وكاتم أصحابك (16) ما أصابك. وتذكّر أبدا ما دهمك (17)، لتقي (18) الذّكرى (19)
دراهمك. وتخلّق بخلق من ابتلي فصبر، وتجلّت (20) له العبر (21) فاعتبر. قال الحارث بن همّام: فودّعته لابسا ثوب الخجل والحزن، ساحبا ذيلي الغبن والغبن (22)، ونويت مكاشفة أبي زيد (23) بالهجر (24)، ومصارمته (25) يد الدّهر (26)
__________
(1) أي قلت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(2) بيت القصيدة مثل يضرب في النادر العزيز والمعنى أن تلثمه أغرب مكايده وأعجب مصايده.
(3) أي أمال عيني إلى أسفل.
(4) أي ما أصابني من الخجل.
(5) أي حلفت.
(6) أي مدة بقائي.
(7) أتوجع.
(8) أي لخسارة بيعتي حيث ضاعت عليّ بحرية الغلام.
(9) الامتعاض القلق والتوجع والتحرق وقيل الغضب.
(10) حرقة توجعي يقال رمضت قدمه احترقت من الرمضاء وهي الحجارة التي اشتد عليها وقع الشمس فحميت وارتمض فلان من كذا اشتد عليه الغضب.
(11) هذا مثل يضرب ومعناه الذي ذهب من مالك يحذرك من أن يذهب منك غيره فتوجعك وندامتك عليه تدعوك إلى الحرص عليه فيكون بقاؤه لك عوضا مما ذهب منك.
(12) أذنب.
(13) نبهك.
(14) اعتبر.
(15) أصابك.
(16) أي اكتم عن أصحابك.
(17) غشيك.
(18) أي لتحفظ.
(19) الموعظة.
(20) ظهرت.
(21) الأمور المخوفة.
(22) الأول بإسكان الموحدة وهو البيع بأزيد من القيمة والثاني بفتحها وهو ضعف العقل.
(23) إظهار عداوته.
(24) أي بعدم مواصلته.
(25) أي مقاطعته.
(26) أي مدة نعمة الدهر وهي الحياة إلى آخر عمري وفي نسخة مدى الدهر أي أبدا.(1/369)
فجعلت أتنكّب عن ذراه (1)، وأتجنّب أن أراه، إلى أن غشيني (2) في طريق ضيّق، فحيّاني تحيّة شيّق (3)، فما زدت على أن عبست، وما نبست (4). فقال: ما بالك شمخت بأنفك، على إلفك (5)؟ فقلت: أنسيت أنّك احتلت (6) وختلت (7)، وفعلت فعلتك الّتي فعلت! فأضرط بي (8) متهازيا، ثمّ أنشد متلافيا (9):
يا من بدا منه صدو ... د (10) موحش وتجهّم (11)
وغدا يريش (12) ملاوما (13) ... من دونهنّ الأسهم (14)
ويقول هل حرّ يبا ... ع كما يباع الأدهم (15)
أقصر (16) فما أنا فيه بد ... عا (17) مثلما تتوهّم (18)
قد باعت الأسباط (19) قب ... لي يوسفا وهم هم (20)
هذا وأقسم بالّتي ... يسري إليها المتهم (21)
__________
(1) أي أعدل وأتباعد عن بيته.
(2) لقيني وقابلني.
(3) أي سلام مشتاق شديد الحب.
(4) أي تكلمت.
(5) رفعت أنفك تكبرا على صاحبك.
(6) عملت الحيلة عليّ.
(7) أي خدعت.
(8) أي سخر مني وأصله أن يضع الشخص ظهر يده على فمه وينفخ فيخرج صوت كصوت الضرطة أو أنه يدخل إصبعه في شدقه فيصوت ومنه حديث علي رضي الله عنه أنه دخل بيت المال فلما رأى ما فيه من البيضاء والصفراء أضرط بها أي سخر بها.
(9) متداركا ما فات.
(10) إعراض.
(11) عبوس.
(12) أصله وضع الريش وهو الحديد على السهم وأراد أنه يهيىء له الكلام المؤلم.
(13) جمع ملامة بمعنى اللوم.
(14) أي إن ما يحل من الأسهم وهو الجراح المهلكة دون تلك الملاوم.
(15) العبد الأسود أو الفرس الأسود.
(16) أي كف عن اللوم.
(17) أي مبتدعا أي لست أول من فعل ذلك.
(18) يخطر ببالك.
(19) كالقبائل وهو أولاد يعقوب عليه السلام يوسف وإخوته.
(20) أي وهم أنبياء لم تنقص رتبتهم.
(21) أراد الكعبة شرفها الله والمتهم الذاهب إلى تهامة.(1/370)
والطّائفين بها وهم ... شعث النّواصي (1) سهّم (2)
ما قمت (3) ذاك الموقف (4) ال ... مخزي (5) وعندي درهم
فاعذر أخاك وكفّ عن ... هـ ملام من لا يفهم
ثمّ قال: أمّا معذرتي فقد لاحت (6)، وأمّا دراهمك فقد طاحت (7). فإن كان اقشعرارك (8) منّي، وازورارك (9) عنّي، لفرط شفقتك (10)، على غبّر نفقتك (11)، فلست ممّن يلسع مرّتين (12)، ويوطىء على جمرتين (13). وإن كنت طويت كشحك (14)، وأطعت شحّك (15)، لتستنقذ (16) ما علق (17) بأشراكي (18)، فلتبك على عقلك البواكي (19). قال الحارث بن همّام: فاضطرّني (20) بلفظه الخالب (21)
وسحره الغالب (22)، إلى أن عدت له صفيّا (23)، وبه حفيّا (24) ونبذت فعلته (25)
ظهريّا (26)، وإن كانت شيئا فريّا (27).
__________
(1) غبر الرؤوس.
(2) الساهم الذابل الشفتين هزالا وقيل الساهم المتغير الوجه من وهج الشمس.
(3) أي ما وقفت.
(4) المراد به ما فعله في بيعه ولده.
(5) أي الذي يورث الخزي وفي نسخة المزري.
(6) أي ظهرت.
(7) أي وقعت وفنيت.
(8) انقباضك.
(9) ميلك.
(10) لكثرة خوفك.
(11) بقية مالك الذي تنفق منه وأصل الغبر بقية اللبن وبقية الحيض وربما استعير لغير ذلك وهو أيضا جمع غابر وهو الباقي.
(12) ذكر مثل هذا أبو عبيدة في باب تحذير الإنسان من الشيء الذي ابتلي بمثله مرة قال روينا في حديث مرفوع لا يلسع المؤمن من جحر مرتين يعني أنه ينبغي إذا نكب من وجه يحذر منه فلا يعود إليه والجحر بيت الحنش والمراد لست ممن يؤذي مرتين.
(13) في معنى ما قبله.
(14) أي أعرضت.
(15) أي طاوعت بخلك.
(16) لتستخلص.
(17) أي تعلق.
(18) أي بحبائلي.
(19) كناية عن ذهاب عقله حتى صار عقله كميت يبكي عليه أهله.
(20) ألجأني.
(21) الخادع.
(22) أي القوي.
(23) صاحبا مخلصا.
(24) الحفي العطوف المبالغ في الإكرام.
(25) رميتها وطرحتها.
(26) أي خلف ظهري منسية وكسر الظاء من تغييرات النسب.
(27) أمرا عظيما.(1/371)
المقامة الخامسة والثلاثون الشّيرازيّة
حكى الحارث بن همّام، قال: مررت في تطوافي (1) بشيراز (2)، على ناد يستوقف المجتاز (3). ولو كان على أوفاز (4)، فلم أستطع تعدّيه (5)، ولا خطت (6) قدمي في تخطّيه (7). فعجت (8) إليه لأسبك (9) سرّ جوهره (10)، وأنظر كيف ثمره (11) من زهره (12)، فإذا أهله أفراد (13)، والعائج (14) إليهم مفاد (15).
وبينما نحن في فكاهة (16) أطرب من الأغاريد (17)، وأطيب من حلب العناقيد (18)،
__________
(1) دوراني.
(2) هي أعظم مدن فارس.
(3) يدعوه للوقوف والمجتاز المار.
(4) جمع وفز وهي العجلة يقال نحن على أوفاز أي على سفر وعجلة وعن الشيباني لم يقل منه واحد وأوفزته أعجلته واستوفز في قعدته قعد غير مطمئن.
(5) مجاوزته.
(6) أي تخطت.
(7) أي مفارقته.
(8) أي ملت.
(9) لأختبر.
(10) باطن أمره.
(11) ما فيه من الفوائد.
(12) من ظاهر حاله.
(13) أي لا مثيل لهم في صفاتهم ولا نظير.
(14) العاطف المائل وأصل العوج عطف رأس الناقة بالزمام لتقف والعائج الواقف قال:
عج تنم قربك دعد آمنا ... إنما دعد كبرق منتجع.
(15) مكتسب للفوائد.
(16) حديث حلو.
(17) جمع الأغرود وهو الغناء ومنه تغريد الحمام وهو تطريب الصوت.
(18) كناية عن الخمر.(1/372)
إذ احتفّ بنا (1)، ذو طمرين (2)، قد كاد يناهز العمرين (3)، فحيّى بلسان طليق (4)، وأبان إبانة منطيق (5)، ثمّ احتبى (6) حبوة المنتدين (7)، وقال: اللهم اجعلنا من المهتدين. فازدراه (8) القوم لطمريه، ونسوا أنّ المرء بأصغريه (9)، وأخذوا يتداعون (10) فصل الخطاب (11)، ويعتدّون عوده من الأحطاب (12). وهو لا يفيص (13) بكلمة، ولا يبين عن سمة (14)، إلى أن سبر قرائحهم (15)، وخبر شائلهم وراجحهم (16). فحين استخرج دفائنهم (17)، واستنثل (18) كنائنهم (19)، قال: يا قوم لو علمتم أن وراء الفدام (20)، صفو المدام (21)، لما احتقرتم ذا أخلاق (22)، وقلتم ما له من خلاق (23). ثمّ فجّر من ينابيع (24) الأدب والنّكت
__________
(1) أي توسطنا لأنه إذا صار في وسط القوم كانوا محيطين به.
(2) ثوبين باليين.
(3) أي قرب أن يبلغ عمره ثمانين سنة يقال نهز الصبي الحلم أي قاربه قيل العمر الأول ثلاثون سنة لأن الإنسان من الشبيبة إلى الأربعين في ازدياد ونماء وقوّة ثم من الأربعين إلى الثمانين في نقص فإذا بلغ الثمانين في نقص فإذا بلغ الثمانين فقد استوفى عمر الزيادة وعمر النقص وقيل العمر الغالب ستون والثاني مائة وعشرون.
(4) فصيح.
(5) أي ذي نطق فصيح.
(6) جلس على عجيزته ورفع ساقيه وشبك عليهما بيديه.
(7) الانتداء الاجتماع في النادي وهو المجلس وناداه جالسه وتنادوا تجالسوا.
(8) استحقره.
(9) قلبه ولسانه أي يقوم ويكمل بهما.
(10) أي يدعون بمعنى يتفاوضون.
(11) أي علم الفصاحة والبيان المشتمل على الأحاجي والألغاز.
(12) يريد أنهم يعدّون جيده رديئا لفرط فصاحتهم وبلاغتهم.
(13) بالصاد المهملة أي لا يبين وفي الحديث ما يفيص به لسانه والضاد المعجمة تصحيف.
(14) علامة.
(15) اختبر أفهامهم.
(16) أي عاطلهم وفاضلهم أو ناقصهم وكاملهم وأصله من كفتي الميزان إذا رجحت إحداهما عن الأخرى وهي الناقصة.
(17) ما خفي من أمرهم.
(18) استفرغ.
(19) جمع كنانة أصلها جعبة السهام كنى بها عن معرفتهم.
(20) هو ما يسد به فم القارورة.
(21) أي الخمر الصافية.
(22) أي صاحب ثياب بالية.
(23) أي نصيب من الخير ومنه قوله تعالى {وَمََا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلََاقٍ}.
(24) جمع ينبوع وهي العين الجارية.(1/373)
النّخب (1)، ما جلب به بدائع العجب، واستوجب أن يكتب بذوب الذّهب. فلمّا خلب (2) كلّ خلب (3)، وقلب إليه كلّ قلب، تحلحل، ليرحل (4)، وتأهّب ليذهب.
فعلقت (5) الجماعة بذيله (6)، وعاقت (7) مسرب سيله (8). وقالت له: قد أريتنا وسم قدحك (9)، فخبّرنا عن قيضك ومحّك (10)؟ فصمت صموت من أفحم (11)، ثمّ أعول (12) حتّى رحم. قال الرّاوي: فلمّا رأيت شوب أبي زيد وروبه (13)، وأسلوبه (14) المألوف وصوبه (15)، تأمّلت الشّيخ على سهومة محبّاه (16)، وسهوكة ريّاه (17)، فإذا هو إيّاه. فكتمت سرّه كما يكتم الدّاء الدّخيل (18)، وسترت مكره وإن لم يكن يخيل (19)، حتّى إذا نزع (20) عن إعواله، وقد عرف عثوري (21) على حاله، رمقني (22) بعين مضحاك (23)، ثمّ طفق ينشد بلسان متباك (24):
__________
(1) هي النوادر المختارة من الكلام.
(2) أي خدع.
(3) أي كل ذي خلب والخلب الحجاب الذي بين القلب وسواد البطن.
(4) أي تحرك ليزول عن مكانه.
(5) تعلقت.
(6) أطراف ثيابه.
(7) أي منعت.
(8) أي مجراه.
(9) أي علامة سهمك.
(10) القيض قشر البيضة اليابس والقيق قشرها اللين الذي تحت القيض والمح صفار البيضة (كذا في الأصل) الذي في داخلها يريد أخبرنا عن ظاهر أمرك وباطنه.
(11) أسكت لانقطاع حجته.
(12) بكى بصوت.
(13) أي تخليطه في القول والعمل والشوب العسل والروب اللبن الرائب والمراد صدقه وكذبه وفي الحديث لا شوب ولا روب في البيع والشراء أي لا غش ولا تخليط.
(14) فنه.
(15) أصله نزول الغيث والمراد كثرة معارفه.
(16) تغير وجهه من وعثاء السفر.
(17) السهوكة من السهك وهي رائحة كريهة تجدها في الإنسان إذا عرق وقيل السهك ريح السمك وصدأ الحديد ورياه رائحته.
(18) أي الباطن الذي لا يمكن المريض أن يتفوه به استقباحا له أو لمحله.
(19) أي يتلبس ويشتبه.
(20) كف.
(21) أي اطلاعي.
(22) نظرني.
(23) كثير الضحك.
(24) هو الذي يظهر أنه يبكي ولم يبك.(1/374)
أستغفر الله وأعنو له (1) ... من فرطات (2) أثقلت ظهريه
يا قوم كم من عاتق عانس (3) ... ممدوحة الأوصاف في الأنديه
قتلتها (4) لا أتّقي وارثا (5) ... يطلب منّي قودا أو ديه (6)
وكلّما استذنبت (7) في قتلها (8) ... أحلت بالذّنب على الأقضيه (9)
ولم تزل نفسي في غيّها (10) ... وقتلها الأبكار (11) مستشريه (12)
حتّى نهاني الشّيب لمّا بدا ... في مفرقي عن تلكم المعصيه
فلم أرق مذ شاب فودي (13) دما ... من عاتق (14) يوما ولا مصبيه (15)
وها أنا الآن على ما يرى ... منّي ومن حرفتي (16) المكديه (17)
أربّ بكرا (18) طال تعنيسها (19) ... وحجبها حتّى عن الأهويه (20)
__________
(1) أي أخضع له.
(2) سابقات الذنوب وقيل هي الزلات والسقطات.
(3) العاتق هي الشابة التي أدركت وهي بكر والعانس البكر التي كبرت في بيت أبيها لم تزوج والمراد هنا الخمر الصرف والعتيقة.
(4) أراد بالقتل هنا مزجها بالماء وعليه قول الشاعر:
إن التي ناولتني فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل
كلتاهما حلب العصير فعاطني ... بزجاجة أرخاهما للمفصل.
(5) أي لا أخاف من وارث إذ ليست المقتولة بآدمية تورث إنما هي الخمر.
(6) القود القصاص بقتل القاتل عمدا والدية ما يدفعه القاتل إلى أهل المقتول من المال.
(7) نسبت إلى الذنب.
(8) أي في مزجها.
(9) جمع القضاء أي أقول هذا بالقضاء والقدر.
(10) ضلالها.
(11) أي مزجها أنواع الخمر.
(12) أي متمادية من استشرى الفرس في عدوه إذا لجّ.
(13) جانب رأسي من أعلى الصدغ.
(14) هي البكر البالغة وسبق تفسيره.
(15) ذات صبية أي كبيرة والمراد بهما الخمر الحديثة والقديمة.
(16) شغلي الذي أكتسب منه.
(17) من أكدى الرجل إذا قل خيره.
(18) أي أربي خمرا.
(19) المراد مكث الخمر في الدن.
(20) جمع الهواء بالمد وهو ما بين السماء والأرض وأما الهوى بالقصر بمعنى ميل النفس إلى مرغوبها فجمعه الأهواء.(1/375)
وهي على التّعنيس مخطوبة ... كخطبة الغانية (1) المغنيه (2)
وليس يكفيني لتجهيزها ... على الرّضى بالدّون إلّا ميه (3)
واليد لا توكي (4) على درهم ... والأرض قفر والسّما مصحيه (5)
فهل معين لي على نقلها ... مصحوبة بالقينة (6) الملهيه (7)
فيغسل الهمّ بصابونه (8) ... والقلب من أفكاره المضنيه (9)
ويقتني (10) منّي الثّناء الّذي ... تضوع ريّاه (11) مع الأدعيه (12)
قال الرّاوي: فلم يبق في الجماعة إلّا من نديت له كفّه (13)، وانباع (14) إليه عرفه (15)، فلمّا نجحت (16) بغيته (17) وكملت مئته، أخذ يثني عليهم بصالح، ويشمّر عن ساق سارح (18)، فتبعته لأستعرف ربيبة خدره (19)، ومن قتل في حدثان
__________
(1) هي المرأة الجميلة التي غنيت عن التزين بجمالها.
(2) أي الكافية عن غيرها.
(3) أي مائة دينار أو درهم.
(4) أي لا تقبض والوكاء خيط يشد به فم السقاء وهو القربة يقال أوكى السقاء إذا شدّه بالوكاء وفي الحديث لا توك فيوكي الله عليك ومنه المثل يداك أوكتا وفوك نفخ.
(5) أصحت السماء فهي مصحية إذا انجلى غيمها.
(6) الجميلة المغنية.
(7) أي المطربة.
(8) صابون الهم الخمر وعن كسرى أنه قال النبيذ صابون الهم ومنه قوله:
وكنت إذا الحوادث دنستني ... فزعت إلى المدامة والنديم
لأنفي بالكؤوس الهم عني ... لأن الراح صابون الهموم
أو مراده الذهب فإنه يغسل هم الفقر.
(9) أي المتعبة المهزلة (كذا في الأصل).
(10) أي يدّخر.
(11) أي تفوح رائحته الذكية.
(12) جمع دعاء وفي بعض النسخ على الأدعية.
(13) أي رشحت بالعطاء يده.
(14) يريد وصل إليه من البوع وهو مد الباع والباع أيضا العطاء والكرم قال العجاج إذا الكرام ابتدروا الباع بدرهم أي إذا تسابقوا إلى الكرم سبقهم.
(15) العرف المعروف.
(16) تسهلت وحصلت.
(17) مطلوبه.
(18) أي ذاهب من سرحت الماشية سروحا إذا ذهبت إلى المرعى والسراح اسم من التسريح.
(19) الربيبة بنت الزوجة يربيها زوج أمها والخدر البيت وأصله الهودج.(1/376)
أمره (1). فكأنّ وشك قيامي (2)، مثّل له مرامي (3)، فازدلف منّي (4)، وقال افقه (5)
عنّي:
قتل مثلي يا صاح مزج المدام ... ليس قتلي بلهذم أو حسام (6)
والتي عنّست هي البكر بنت ال ... كرم لا البكر من ينات الكرام
ولتجهيزها إلى الكاس (7) والطّا ... س (8) قيامي الذي ترى ومقامي (9)
فتفهّم ما قلته وتحكّم ... في التّغاضي (10) إن شئت أو في الملام
ثمّ قال أنا عربيد (11)، وأنت رعديد (12)، وبيننا بون بعيد. ثمّ ودّعني وانطلق، وزوّدني نظرة من ذي علق (13).
__________
(1) أي في أول أمره وهي مدة الشبيبة.
(2) أي سرعة قيامي.
(3) أي صوّر له مطلوبي.
(4) أي قرب مني.
(5) أي افهم واحفظ.
(6) اللهذم سنان حاد والحسام القاطع.
(7) هو القدح من الزجاج ولا يسمى كأسا إلّا وفيه الشراب.
(8) هو إناء من ذهب أو صفر يشرب به.
(9) إقامتي ومكثي.
(10) الاحتمال.
(11) العربدة سوء الخلق في الشراب والعربيد الكثير العربدة.
(12) جبان.
(13) في أمثالهم نظرة من ذي علق أي ذي هوى قد علق قلبه بمن يهواه يضرب لمن ينظر بودّ وفي هذا المعنى قول أبي الطيب:
قفا قليلا بها عليّ فلا ... أقل من نظرة أزودها.(1/377)
المقامة السادسة والثلاثون الملطيّة
أخبر الحارث بن همّام، قال: أنخت بملطيّة (1) مطيّة البين (2)، وحقيبتي (3)
ملأى من العين (4)، فجعلت هجّيراي (5)، مذ ألقيت بها عصاي (6)، أن أتورّد (7)
موارد المرح (8)، وأتصيّد (9) شوارد الملح (10). فلم يفتني بها منظر ولا مسمع، ولا خلا منّي ملعب ولا مرتع، حتّى إذا لم يبق لي فيها مأرب (11) ولا في الثّواء بها (12) مرغب (13)، عمدت (14) لإنفاق الذّهب، في ابتياع الأهب (15). فلمّا أكملت الإعداد، وتهيّأ الظّعن (16) منها أو كاد (17)، رأيت تسعة رهط (18) قد سبؤوا
__________
(1) بلدة من بلاد الجزيرة.
(2) أي راحلة الفراق.
(3) هي كالخرج يحمل فيها المسافر متاعه.
(4) أي من الذهب والفضة.
(5) دأبي وعادتي.
(6) إلقاء العصا كناية عن الإقامة.
(7) أي أرد وأدخل.
(8) أي أمكنة النشاط.
(9) أي أقتبس وأستفيد.
(10) أي نوادر النكت اللطيفة.
(11) المأرب والأرب الحاجة.
(12) أي الإقامة بها.
(13) أي رغبة.
(14) أي قصدت وتعمدت.
(15) أي في اشتراء ما استعد للارتحال عنها.
(16) الارتحال.
(17) أي أو قرب.
(18) الرهط ما دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة.(1/378)
قهوة (1)، وارتبؤوا (2) ربوة (3)، ودماثتهم (4) قيد الألحاظ (5)، وفكاهتهم (6)
حلوة الألفاظ (7). فنحوتهم (8) طلبا لمنادمتهم (9) لا لمدامتهم (10)، وشغفا (11)
بممازجتهم (12) لا بزجاجتهم (13). فلمّا انتظمت عاشرهم، وأضحيت معاشرهم، ألفيتهم أبناء علّات (14)، وقذائف فلوات (15). إلّا أنّ لحمة الأدب (16)، قد ألّفت شملهم (17) ألفة النّسب (18)، وساوت بينهم في الرّتب، حتّى لاحوا (19) مثل كواكب الجوزاء (20)، وبدوا كالجملة المتناسبة الأجزاء. فأبهجني (21) الاهتداء إليهم، وأحمدت الطّالع (22) الّذي أطلعني عليهم، وطفقت (23) أفيض بقدحي (24) مع
__________
(1) القهوة من أسماء الخمر سميت بها لأنها تقهي شهوة الجماع أي تذهبها وقوله سبؤوا أي اشتروا وسبأ الخمر اشتراها ليشربها والسبيئة الخمر.
(2) ارتبأ اليفاع علاه وظهر فوقه.
(3) هي الكدية المرتفعة من الأرض.
(4) سهولة خلقهم ولينهم.
(5) أي تقيد أبصار الناس فلا ينظرون سواهم ومنه قول بعضهم:
منظره قيد عيون الورى ... فليس خلق يتعدّاه.
(6) أي فاكهتهم التي يتفكهون بها.
(7) أي الألفاظ الحلوة الرقيقة الشبيهة بالحلواء في التفكه.
(8) أي قصدتهم.
(9) أي لمحادثتهم.
(10) أي لا لخمرتهم.
(11) أي شوقا وحبا.
(12) أي بمخالطتهم ومصاحبتهم.
(13) أي لا شغفا بما في زجاجتهم من الخمر.
(14) أي وجدتهم مختلفين وأبناء العلات أبوهم واحد وأمهاتهم شتى وأبناء الأخياف بالعكس وأبناء الأعيان من أب وأم.
(15) يريد أنهم غرباء والقذائف جمع قذيفة وهي ما تقذفه وترميه والفلوات جمع الفلاة وهي القفر لا نبت فيه.
(16) اللحمة القرابة يعني أن ما اتصفوا به من العلوم الأدبية.
(17) أي جمعت ووفقت بينهم.
(18) أي كألفة القرابة.
(19) أي حتى صاروا.
(20) مثل يضرب في الانتظام والالتئام.
(21) أي سرني وأفرحني.
(22) هو الحظ والبخت أي وجدته محمودا.
(23) أي شرعت وفي نسخة كدت أي قربت.
(24) أي أجيله وأرمي به والقدح بالكسر واحد القداح وهي سهام الميسر استعاره لأنواع الأدب.(1/379)
قداحهم، وأستشفي (1) برياحهم (2) لا براحهم (3)، حتّى أدّتنا شجون المفاوضة (4)، إلى التّحاجي (5) بالمقايضة (6). كقولك إذا عنيت به الكرامات (7)، ما مثل النّوم فات. فأنشأنا (8) نجلو السّهى والقمر (9)، ونجني الشّوك والثّمر (10). وبينا نحن ننشر القشيب (11) والرّثّ (12)، وننشل السّمين والغثّ (13)، وغل (14) علينا شيخ قد ذهب حبره وسبره (15)، وبقي خبره وسبره (16). فمثل (17) مثول من يسمع وينظر، ويلتقط ما ننثر (18)، إلى أن نفضت الأكياس (19)، وحصحص
__________
(1) أي أشفي نفسي وأروحها.
(2) يريد بآدابهم.
(3) أي لا بخمرهم.
(4) يقال حديث ذو شجون أي ذو شعب أي فنون والمفاوضة من قولهم أفاض القوم في الحديث إذا اندفعوا فيه وخاضوا وبينهم مفاوضات أي مكاتبات ومراسلات.
(5) مطارحة المسائل العويصة.
(6) هي المعاوضة ومنه قيل لبيع السلع مقايضة وهما قيضان أي مثلان يصلح كل واحد منهما أن يكون عوضا عن الآخر.
(7) هو لفظ معناه الظاهر جمع كرامة ولك أن تجعل معناه الكرى بمعنى النوم مات بمعنى فات وقس على هذا ما سيأتي من الأحاجي.
(8) أي فشرعنا.
(9) أي نكشف الخفي والجلي ومنه قولهم أريها السهى وتريني القمر.
(10) يريد به غليظ الألفاظ ورقيقها.
(11) النشر ضد الطي والقشيب الجديد.
(12) القديم البالي.
(13) الغث المهزول ضد السمين وأصل النشل إخراج اللحم من القدر والمراد نستخرج الجيد والرديء من الأقوال.
(14) أي دخل وفي نسخة طلع.
(15) هيئته وحسنه وهما بكسر أولهما وسكون بائهما أو بتحريكهما يقال فلان حسن الحبر والسّبر أي الجمال والبهاء وأثر النعمة.
(16) أي علمه وتجربته.
(17) أي انتصب قائما.
(18) يعني يحفظ ويعي ما نتلفظ به من الأقوال.
(19) كناية عن فراغ القول.(1/380)
الياس (1). فلمّا رأى إجبال القرائح (2)، وإكداء الماتح والمائح (3)، جمع أذياله، وولّانا قذاله (4)، وقال: ما كلّ سوداء تمرة (5)، ولا كلّ صهباء (6) خمرة.
فاعتلقنا به (7) اعتلاق الحرباء (8) بالأعواد، وضربنا دون وجهته بالأسداد (9). وقلنا له: إنّ دواء الشّقّ أن يحاص (10)، وإلّا فالقصاص القصاص. فلا تطمع في أن تجرح وتطرح، وتنهر الفتق (11) وتسرح (12). فلوى عنانه راجعا (13)، ثمّ جثم (14)
بمكانه راصعا (15). وقال: أمّا إذا استثرتموني (16) بالبحث، فلأحكم حكم سليمان
__________
(1) تبيّن وتحقق عدم الرجاء في أن يأتوا بغير ما أتوا به من الحديث.
(2) أي عدم وجود شيء بها مما تفاوضوا فيه والإجبال من أجبل الحافر إذا وصل في حفره إلى الجبل.
(3) الماتح الذي يستقي على رأس البئر والمائح الذي يملأ الدلو في أسفلها ومنه المثل أعرف من المائح باست الماتح وإكداؤهما إذا بلغا الكدية لعدم وجود الماء والمراد أنه رآهم وقفوا عن تلك المفاوضة.
(4) القذال مجتمع مؤخر الرأس.
(5) مثل يضرب في خطأ الظن.
(6) هي حمرة (كذا في الأصل) تضرب إلى البياض وتطلق على الخمر.
(7) أي تعلقنا به ومنعناه عن الذهاب.
(8) دويّبة ذات قوائم أربع تستقبل الشمس دائما وتتلون ألوانا وتتشبث بالأشجار ولا ترسل غصنا حتى تمسك غيره يضرب بها المثل في الحزم والتمسك فيقال أحزم من الحرباء.
(9) من ضرب الخيمة إذا شد أطنابها بالأوتاد ورفع عمادها. والأسداد جمع سد وهو الحاجز بين الشيئين قال:
ومن الحوادث لا أبا لك أنني ... ضربت عليّ الأرض بالأسداد
والمراد حلنا بينه وبين طريقه المتوجه إليها.
(10) مثل في رتق الفتق وإصلاح ما فسد والحوص الخياطة.
(11) الفتق الجرح وأنهره أساله وأدماه.
(12) أي تذهب.
(13) العنان ما تقاد به الدابة يريد لفت جيده راجعا.
(14) أي جلس.
(15) الرصوع اللزوم واللصوق ومنه رصعت عيناه إذا التصقت أجفانهما.
(16) أي طلبتم إثارة كلامي واستنطقتموني(1/381)
في الحرث (1). اعلموا يا ذوي الشّمائل (2) الأدبيّة، والشّمول (3) الذّهبيّة (4)، أنّ وضع الأحجيّة (5)، لامتحان الألمعيّة (6)، واستخراج الخبيّة الخفيّة، وشرطها أن تكون ذات مماثلة حقيقيّة، وألفاظ معنويّة، ولطيفة أدبيّة. فمتى نافت هذا النّمط (7)، ضاهت السّقط (8)، ولم تدخل السّفط (9). ولم أركم حافظتم على هذه الحدود، ولا مزتم (10) بين المقبول والمردود. فقلنا له: صدقت، وبالحقّ نطقت.
فكل لنا (11) من لبابك (12)، وأفض علينا من عبابك (13). فقال: أفعل لئلّا يرتاب (14)
المبطلون (15)، ويظنّوا بي الظّنون. ثمّ قابل ناظورة القوم (16)، وقال:
يا من سما بذكاء (17) ... في الفضل واري الزّناد (18)
ماذا يماثل قولي ... جوع (19) أمدّ بزاد (20)
ثمّ ضحك إلى الثّاني وأنشد:
يا ذا الّذي فاق فضلا ... ولم يدنّسه شين
ما مثل قول المحاجي ... ظهر أصابته عين
__________
(1) زعموا أن الحرث كان زرعا لقوم رعته غنم آخرين ورفع الحكم فيه لداود وسليمان عليهما السلام فحكم داود لأهل الحرث برقاب الغنم وحكم سليمان بمنافعها إلى أن يعود الحرث كما كان.
(2) الأخلاق.
(3) من أسماء الخمر.
(4) الشبيهة في اللون بالذهب.
(5) المسألة العويصة.
(6) أي الذكاء والفطنة.
(7) أي خالفت والنمط النوع والطريقة.
(8) أي ماثلت الرديء.
(9) هو ما يخبأ فيه الطيب ونحوه والمراد هنا أنها لم تكتب في الكتب ولم تخزن فيها.
(10) أي ميزتم.
(11) يعني حدثنا وأسمعنا.
(12) اللباب الخالص من كل شيء.
(13) أي أكبر من بدائع معارفك حتى نستفيد منها والعباب معظم الماء.
(14) أي يشك.
(15) من ليسوا على الحق.
(16) كبيرهم الذي ينظرون إليه.
(17) أي ارتفع قدره بعقله وفطنته.
(18) كناية عن حدة الفهم.
(19) هو معلوم.
(20) أمده بكذا أعطاه وسيأتي ما يماثل هذه الأحاجي بعد تمام هذه المقامة.(1/382)
ثمّ لحظ (1) الثّالث، وأنشأ يقول:
يا من نتائج فكره (2) ... مثل النّقود الجائزه (3)
ما مثل قولك للّذي ... حاجيت صادف جائزه
ثمّ أتلع (4) إلى الرّابع، وقال:
أيا مستنبط (5) الغامض (6) ... من لغز (7) وإضمار (8)
ألا اكشف لي ما مثل ... تناول ألّف دينار
ثمّ رمى الخامس ببصره (9)، وقال:
يا أيّهذا الألمعي ... ي (10) أخو الذّكاء (11) المنجلي (12)
ما مثل أهمل حلية ... بيّن هديت وعجّل
ثمّ التفت لفت السّادس (13)، وقال:
يا من تقصّر عن مدا ... هـ (14) خطى مجاريه (15) وتضعف
ما مثل قولك للّذي ... أضحى يحاجيك اكفف اكفف
ثمّ خلج السّابع بحاجبه (16)، وقال:
يا من له فطنة تجلّت (17) ... ورتبة في الذّكاء جلّت (18)
__________
(1) أي نظر.
(2) هي ما يبتكره من اللطائف وبليغ المعاني.
(3) أي النافذة.
(4) أي مد عنقه.
(5) أي مستخرج.
(6) أي الخفي البعيد المعنى.
(7) اللغز بالضم وبضمتين وبالتحريك وكصرد المعمّى من الكلام وألغز في كلامه إذا عمّى مراده.
(8) أي إخفاء.
(9) أي نظر إليه بسرعة.
(10) الفطن الحاد الفهم.
(11) أي صاحب الفهم الحاد.
(12) أي المنكشف المرئي.
(13) أي إلى جهة جانبه.
(14) غايته.
(15) الخطى جمع خطوة والمجاري الذي يجري مع الآخر ليسبق كلّ صاحبه.
(16) أي غمزه بتحريك حاجبه نحوه.
(17) أي تكشفت ووضحت.
(18) أي سبقت.(1/383)
بيّن فما زلت ذا بيان ... ما مثل قولي الشّقيق أفلت
ثمّ استنصت الثّامن (1)، وأنشد:
يا من حدائق فضله (2) ... مطلولة الأزهار (3) غضّه (4)
ما مثل قولك للمحا ... جي ذي الحجى (5) ما اختار فضّه
ثمّ حدج التّاسع ببصره (6)، وقال:
يا من يشار إليه في ال ... قلب الذّكيّ (7) وفي البراعه (8)
أوضح لنا ما مثل قو ... لك للمحاجي دس جماعه
قال الرّاوي: فلمّا انتهى إليّ، هزّ منكبيّ (9)، وقال:
يا من له النّكت (10) الّتي ... يشجي الخصوم (11) بها وينكت (12)
أنت المبين (13) فقل لنا ... ما مثل قولي خالي اسكت
ثمّ قال: قد أنهلتكم (14) وأمهلتكم، وإن شئتم أن أعلّكم (15) علّلتكم (16).
قال: فألجأنا (17) لهب الغلل (18)، إلى استسقاء العلل (19). فقال: لست كمن
__________
(1) طلب إنصاته أي سكوته ليسمع.
(2) الحدائق جمع حديقة وهي البستان وأراد بها ما يستملح من أنواع فضله.
(3) أي وقع عليها الطل وهو المطر الخفيف.
(4) أي طريئة رطبة.
(5) أي صاحب العقل.
(6) حدجه ببصره رماه به وفي الحديث كلم الناس ما حدجوك بأبصارهم.
(7) أي ذي الذكاء وهو الفطنة.
(8) هي عند البلغاء الفصاحة.
(9) المنكب الكتف.
(10) جمع النكتة كالنقرة من الحلي وهي من الكلام ما تهذب منه.
(11) أي يغصهم.
(12) نكت الأرض بأصبعه أو بقضيبه ضربها به وطعنه فنكته ألقاه على رأسه مثل نكبه ومنه نكت كنانته إذا نكبها.
(13) أي المظهر.
(14) أي سقيتكم أولا.
(15) أي أسقيكم ثانيا.
(16) أي سقيتكم ثانيا.
(17) أي فاضطرنا.
(18) أي شدة حرارة العطش كناية عن الاشتياق.
(19) أي إلى طلب السقي ثانيا.(1/384)
يستأثر على نديمه (1)، ولا ممّن سمنه في أديمه (2). ثمّ كرّ (3) على الأوّل، وقال:
يا من إذا أشكل (4) المعمّى ... جلته (5) أفكاره الدّقيقه
إن قال يوما لك المحاجي ... خذ تلك ما مثله حقيقه
ثمّ ثنى جيده (6) إلى الثّاني، وقال:
يا من بدا بيانه (7) ... عن فضله مبيّنا (8)
ماذا مثال قولهم ... حمار وحش زيّنا
ثمّ أوحى (9) إلى الثّالث بلحظه (10) وقال:
يا من غدا في فضله ... وذكائه كالأصمعي (11)
ما مثل قولك للّذي ... حاجاك أنفق تقمع (12)
ثمّ حملق (13) إلى الرّابع، وأنشد:
يا من إذا ما عويص (14) ... دجا (15) أنار ظلامه (16)
__________
(1) أي لست مثل من يوثر نفسه ويفضلها على صاحبه.
(2) أصله من قولهم سمنكم هريق في أديمكم وهو مثل يضرب للبخيل ينفق على نفسه ويريد أن يمتن به على الناس والأديم ههنا الطعام المأدوم.
(3) أي رجع ثانيا.
(4) أي زاد في الصعوبة والخفاء.
(5) أي كشفته وأظهرته.
(6) أي أمال عنقه وعطفه.
(7) أي ظهر علمه بالبلاغة.
(8) مظهرا ومبرهنا.
(9) أي أومأ.
(10) أي بجانب عينه.
(11) هو عبد الملك بن قريب الأصمعي الإمام الثقة في العلوم العربية نديم الخليفة هارون الرشيد خامس الخلفاء العباسية وله معه قصص وأخبار كان الأصمعي حافظا عالما فطنا عارفا بأشعار العرب وأخبارها كثير التطوف لاقتباس علومها وتلقي أخبارها فهو صاحب غرائب الأشعار وعجائب الأسفار قبلة الفضلاء وقدوة الأدباء وأخباره أشهر من أن تذكر.
(12) القمع القهر والإذلال قمعه فانقمع أي قهره وكفه فانكف في مكانه.
(13) أي أحدّ النظر.
(14) أي صعب مشكل.
(15) أي اشتدت ظلمته بمعنى زادت صعوبته.
(16) أي أزال إشكاله. وكشف معناه.(1/385)
ماذا يماثل قولي ... إستنش (1) ريح مدامه (2)
ثمّ أومض (3) إلى الخامس، وقال:
يا من تنزّه (4) فهمه ... عن أن يروّي أو يشكّا (5)
ما مثل قولك للّذي ... أضحى يحاجي غطّ (6) هلكى (7)
ثمّ أقبل قبل السّادس (8)، وأنشد:
يا أخا الفطنة (9) الّتي ... بان فيها كماله
سار باللّيل مدة ... أيّ شيء مثاله
ثمّ نحا بصره إلى السّابع (10) وقال:
يا من تحلّى (11) بفهم ... أقام في النّاس سوقه (12)
لك البيان فبيّن ... ما مثل أحبب (13) فروقه (14)
ثمّ قصد قصد الثّامن (15)، وأنشد:
يا من تبوّأ (16) ذروة ... في المجد فاقت كلّ ذروه (17)
ما مثل قولك أعط إبّ ... ريقا يلوح بغير عروه
__________
(1) بمعنى استنشق وتشمم ومن أين نشيت هذا الخبر أي من أين علمته.
(2) أي رائحة خمر.
(3) أي تبسم من أومض البرق إذا لمع شبّه لمع ثناياه حين تبسم بلمعان البرق (كذا فسّره وهو ظاهر) وأومضت المرأة بعينها سارقت النظر.
(4) أي تباعد.
(5) أي عن كونه يفكر في الأمور أو يشك.
(6) أي استر وصن.
(7) جمع هالك بمعنى بائر وجمعه بور.
(8) أي تقدم إليه بوجهه.
(9) أي صاحب الذكاء.
(10) أي صرفه إليه وقصده.
(11) أي تزين.
(12) أقام الشيء أدامه من قوله تعالى {يُقِيمُونَ الصَّلََاةَ} وقامت السوق نفقت وأقامها الله قال الشاعر:
أقامت غزالة سوق الضراب ... لأهل العراقين حولا قميطا
أي تاما.
(13) أمر من المحبة وهي المقة والأمر منها مق.
(14) الفروقة الجبان ويقال له لاع.
(15) أي توجه جهته.
(16) أي حل وتمكن.
(17) الذروة أعلى الجبل يعني يا من تمكن من أعلى مكان في الفضل فاق كل مكان.(1/386)
ثمّ ابتسم إلى التّاسع، وقال:
يا من حوى حسن الدّرا ... ية (1) والبيان بغير شكّ
ما مثل قولك للمحا ... جي ذي الذّكاء (2) الثّور ملكي
ثمّ قبض بجمعه (3) على ردني (4)، وقال:
يا من سما بثقوب فطنته (5) ... في المشكلات ونور كوكبه
ماذا مثال صفير جحفلة (6) ... بيّنه تبيانا (7) ينمّ به (8)
قال الحارث بن همّام: فلمّا أطربنا (9) بما سمعناه، وطالبنا (10) مكاشفة معناه، قلنا له: لسنا من خيل هذا الميدان، ولا لنا بحلّ هذه العقد يدان (11). فإن أبنت (12) مننت (13)، وإن كتمت غممت. فظلّ يشاور نفسيه (14)، ويقلّب قدحيه (15)، حتّى هان بذل الماعون (16) عليه. فأقبل حينئذ على الجماعة، وقال:
__________
(1) أي العلم والمعرفة.
(2) أي صاحب الفطنة.
(3) الجمع بالضم والكسر أن يجعل إبهامه على طرف السبابة وأصابعه في كفه.
(4) الردن كم الثوب.
(5) الثقوب الإضاءة والنفوذ ثقبت النار ثقوبا إذا نفذت وأثقبتها أنا وشهاب ثاقب مضيء.
(6) هي لذي الحافر كالشفة للإنسان.
(7) مصدر تبينت الشيء إذا تفهمته (كذا في الأصل).
(8) أي يظهره ويذيعه.
(9) أي أفرحنا وسرّنا.
(10) أي طلب منا.
(11) يقال ما لي بهذا الأمر يدان أي لا طاقة لي به قال الشاعر:
أعمد لما تعلو فما لك بالذي ... لا تستطيع من الأمور يدان.
(12) أي أظهرتها وبينتها.
(13) أى صارت لك المنة علينا.
(14) أراد أنه يردد رأيه هل يفعل أو لا يقال فلان يؤامر نفسيه إذا تردد في الأمر واتجه له رأيان لا يدري على أيهما يعرج وعلى هذا قول حاتم:
أشاور نفس الجود حتى تطيعني ... وأترك نفس البخل لا أستشيرها.
(15) كناية أيضا عن تردده.
(16) الماعون كناية عن الشيء اليسير والمراد تفسير المعميات من الأحاجي المتقدمة لأنه حين أوردها عليهم لم يفصح عنها.(1/387)
يا أهل البلاغة والبراعة، سأعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون، ولا ظننتم أنّكم تعلّمون.
فأوكوا (1) عليه الأوعية (2)، وروّضوا به الأندية (3)، ثمّ أخذ في تفسير صقل (4) به الأذهان، واستفرغ (5) معه الأردان (6). حتّى آضت (7) الأفهام أنور من الشّمس، والأكمام كأن لم تغن بالأمس (8). ولمّا همّ بالمفرّ (9)، سئل عن المقرّ (10)، فتنفّس كما تتنفّس الثّكول (11)، وأنشأ يقول:
كلّ شعب لي شعب (12) ... وبه ربعي (13) رحب (14)
غير أنّي بسروج ... مستهام القلب (15) صبّ (16)
هي أرضي البكر (17) والجو ... والّذي فيه المهبّ (18)
وإلى روضتها الغن ... ناء (19) دون الرّوض أصبو (20)
ما حلا لي بعدها حل ... وو لا اعذوذب (21) عذب
قال الرّاوي: فقلت لأصحابي: هذا أبو زيد السّروجيّ، الّذي أدنى ملحه الأحاجيّ. وأخذت أصف لهم حسن توشيته (22)، وانقياد الكلام لمشيّته (23). ثمّ
__________
(1) أي فشدوا واربطوا.
(2) كناية عن الحفظ والوعي كأنه يأمرهم بعدم نسيان تفسيرها.
(3) روض المطر الأرض جعلها كالروض في الحسن والبهاء أي حسنّوا به المجالس.
(4) أي جلا ونظف.
(5) أي فرّغ وأخلى.
(6) جمع ردن بالضم وهو كم الثوب يريد أنهم صرفوا له ما في جيوبهم من الدراهم على ما استفادوه منه.
(7) أي صارت.
(8) أي كأن لم تكن فيها دراهم قبل ذلك.
(9) أي بالانصراف سرعة.
(10) أي عن محل قراره.
(11) الحزينة لفقد ولدها.
(12) أي كل طريق لي طريق يعني كل بلد أدخله فهو بلدي.
(13) أي منزلي.
(14) أي فسيح.
(15) أي هائم بها ذاهب العقل من هام يهيم لا يدري إلى أين يتوجه.
(16) أي عاشق.
(17) يعني التي ولدت بها.
(18) كناية عن أنها منشؤه ومحل خروجه.
(19) أي المخصبة الكثيرة العشب والأشجار.
(20) أي أميل.
(21) افعوعل من العذوبة وهي الحلاوة.
(22) أي تزيينه للكلام.
(23) أصله الهمزة أي لإرادته.(1/388)
التفتّ فإذا به قد طمر (1)، وناء (2) بما قمر (3). فعجبنا ممّا صنع إذ وقع، ولم ندر أين سكع (4) وصقع (5).
تفسير الأحاجي المودعة هذه المقامة
أما جوع أمدّ بزاد، فمثله طوامير (6). وأما ظهر أصابته عين فمثله مطاعين (7).
وأما صادف جائزة فمثله الفاصلة (8). وأما تناول ألف دينار فمثله هادية (9). وأما أهمل حلية فمثله الغاشية (10). وأما اكفف اكفف فمثله مهمه (11). وأما الشقيق أفلت فمثله أخطار (12). وأما ما اختار فضة فمثله أبارقة (13)، لأن الرقة من أسماء الفضة وقد نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: في الرقة ربع العشر. وأما دس جماعة فمثله طافية (14) وأما خالي اسكت فمثله خالصة، لأنك إذا ناديت
__________
(1) أي وثب.
(2) أي نهض وقام به بثقل.
(3) أي بما حازه من القمار.
(4) ذهب من غير هداية.
(5) أي أخذ صقعا من الأرض وهو الناحية.
(6) جمع طامور أو طومار وهي الصحيفة ومعنى طوى جوع ومير من ماره الطعام يميره مثل قوله أمد بزاد.
(7) جمع مطعون ومطا مثل ظهر وعين من عانه أصابه بالعين.
(8) الحائلة بين الشيئين ضد الواصلة وكلمة الفا مثل صادف وتكتب بالياء إذا انفردت وصلة بمعنى جائزة وهي العطية.
(9) تأنيث الهادي والعنق أيضا ومعنى ها خذ وتناول ودية هي ما يعطى لأهل القتيل وهي من الذهب ألف دينار.
(10) اسم لمن يغشى الرجل من الأضياف وغاشية السرج ما يغطى به ومعنى ألغى أبطل مثل أهمل ومعنى شية حلية.
(11) هو الصحراء ومعنى مه اكفف وتكرارها للتأكيد.
(12) جمع خطر بالتحريك وهو ما يؤدي إلى الهلاك وإذا فصلته كان أخ من معانيه الشقيق وطار مثل أفلت.
(13) جمع إبريق والأصل أباريق حذف الياء وعوض منها الهاء كما في زنادقة وفرازنة وإذا فصلت كان أبي يماثل ما اختار.
(14) تأنيث طاف وهو ما يطفو فوق الماء كالقذى والحشيش وطا أمر مخاطب من وطىء والفئة الجماعة ولا تصح هذه الأخجية إلا بإسقاط الهمزة من الكلمتين.(1/389)
مضافا إلى نفسك جاز لك حذف الياء وإثباتها ساكنة ومتحركة. وقد حذف ههنا حرف النداء كما حذفه في أصل الأحجية. وصه بمعنى اسكت. وأما خذ تلك فمثله هاتيك (1). وأما حمار وحش زين فمثله فرازين (2)، لأن الفرا حمار الوحش. ومنه الحديث: كل الصيد في جوف الفرا (3). وأما قوله أنفق تقمع فمثله منتقم، لأن الأمر من مان يمون من. ومضارع وقمت (4) تقم. وأما استنش ريح مدامة فمثله رحراح (5). لأن الأمر من استدعاء الرائحة رح. وأما غط هلكى فمثله صنبور (6)، لأن البور هم الهلكى. وفي القرآن: وكنتم قوما بورا. وأما سار بالليل مدة فمثله سراحين (7). وأما أحبب فروقة فمثله مقلاع (8). لأن الأمر من ومق يمق مق. واللاع الجبان (9). يقال فلان هاع لاع إذا كان جبانا جزوعا. وأما اعط إبريقا يلوح بغير عروة فمثله اسكوب (10)، لأن الأوس الإعطاء والأمر منه آس والكوب الإبريق بغير عروة. وأما الثور ملكي فمثله اللآلي. لأن اللأى على وزن القنا هو ثور الوحش. وأما صفير جحفلة فمثله مكاشفة، لأن المكاء الصفير. قال الله تعالى:
{وَمََا كََانَ صَلََاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلََّا مُكََاءً وَتَصْدِيَةً}، والأصل المد. ولكنه قصره في هذه الأحجية كما حذف همزة الفراء في أحجيته. وكلا الأمرين، من قصر الممدود وحذف همزة المهموز، جائز.
__________
(1) ها للتنبيه وبمعنى خذ وتيك مثل تلك.
(2) جمع فرزان الشطرنج وقد علمت المماثلة في تفسير المصنف وكذا منتقم.
(3) مذا مثل يضرب للرجل يكون له حاجات منها واحدة كبيرة فإذا قضيت تلك الكبيرة لم يبال أن لا يقضى باقي حاجاته.
(4) من الوقم وهو الإذلال مثل القمع.
(5) أي واسع ومعنى رح ذكره المصنف وهو أمر مثل استنش ريح وراح من أسماء الخمر مثل مدامة.
(6) هي كل نخلة يدق أصلها وتبقى منفردة ومنه إن فلانا لصنبور أي لا أخ له ولا ولد وصن أمر من الصون مثل غطّ ومعنى بور ذكره المصنف.
(7) جمع سرحان وهو الذئب ومعنى سرى سار بالليل وحين مثل مدة.
(8) هو قذافة تقذف بها القلاعة ويقال رماه بقلاعة وهي ما اقتلعه من الأرض.
(9) أي مثل الفروقة.
(10) أفعول من السكب بمعنى الصب.(1/390)
المقامة السابعة والثلاثون الصّعديّة
حكى الحارث بن همّام، قال: أصعدت (1) إلى صعدة (2)، وأنا ذو شطاط يحكي الصّعدة (3)، واشتداد (4) يبدر (5) بنات صعدة (6). فلمّا رأيت نضرتها (7)
ورعيت خضرتها، سألت نحارير (8) الرّواة (9)، عمّن تحويه من السّراة (10)، ومعادن الخيرات، لأتّخذه جذوة (11) في الظّلمات، ونجدة (12) في الظّلامات (13). فنعت لي قاض بها رحيب الباع (14)، خصيب الرّباع (15)، تميميّ النّسب (16) والطّباع.
__________
(1) أصعد في الأرض إذا ذهب فيها صاعدا إلى جهة أعلى من جهته.
(2) من بلاد اليمن بينها وبين صنعاء ستون فرسخا يضرب المثل بحسن نسائها.
(3) أي قوام معتدل قال:
وبدّلتني بالشطاط الحنا ... وكنت كالصعدة تحت السنان
والصعدة القناة الطويلة فشبّه بها لأنها تنبت مستوية فلا تحتاج إلى التثقيف.
(4) أي عدو.
(5) أي يسبق.
(6) حمر الوحش أو النعام.
(7) أي بهجتها وحسنها.
(8) جمع نحرير بالكسر وهو الحاذق المتمكن.
(9) جمع الراوي الذي يروي الأخبار وينقلها عن الثقات.
(10) بالفتح جمع سريّ وهو السيد الشريف وعن الجوهري جمعها سروات قال:
متى يسجر قوم يقل سرواتهم ... هم بيننا فهم رضى وهم عدل.
(11) مثلثة الجيم الجمرة العظيمة والمراد الاقتداء به.
(12) هي الشجاعة والقوة.
(13) جمع ظلامة وهي ما يشتكيه المظلوم.
(14) يريد واسع العطاء غنيّ وفي الأساس فلان رحب الباع والذراع ورحيبهما إذا كان سخيا.
(15) يعني أنه متيسر الحال.
(16) أي ينسب إلى تميم وهي قبيلة موصوفة بالمجد ومكارم الأخلاق.(1/391)
فلم أزل أتقرّب إليه بالإلمام (1) وأتنفّق عليه (2) بالإجمام (3)، حتّى صرت صدى صوته (4)، وسلمان بيته (5). وكنت مع اشتيار شهده (6)، وانتشاق رنده (7)، أشهد (8) مشاجر الخصوم (9)، وأسفر (10) بين المعصوم (11) منهم والموصوم (12).
فبينما القاضي جالس للإسجال (13)، في يوم المحفل والاحتفال (14)، إذ دخل شيخ بالي الرّياش (15)، بادي الارتعاش، فتبصّر الحفل (16) تبصّر نقّاد (17)، ثمّ زعم أنّ له خصما غير منقاد. فلم يكن إلّا كضوء شرارة (18)، أو وحي إشارة (19)، حتّى أحضر غلام، كأنّه ضرغام (20)، فقال الشّيخ: أيّد الله القاضي، وعصمه (21)
من التّغاضي (22). إنّ ابني هذا كالقلم الرّديّ (23)، والسّيف الصّديّ (24)، يجهل
__________
(1) أي بالاجتماع عليه وتردد الزيارة.
(2) أي اجعل نفسي كالسلعة النافقة.
(3) يعني بتقليل زيارته جريا على موجب قوله عليه السلام زر غبّا تزدد حبا وأصله من إجمام الفرس وهو تركه أن يركب.
(4) كناية عن شدة ملازمته له واتحاده معه.
(5) يشير إلى سلمان الفارسي مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حيث صار يعدّ من أهل البيت فكذلك هو صار يعدّ عند القاضي من أهل بيته.
(6) شار العسل واشتاره جناه وأخرجه من الخلية والشهد العسل الجيد استعاره لاستفادة منافعه.
(7) مستعار كالذي قبله والرند شجر طيب الرائحة كالعود.
(8) أي أحضر وأنظر.
(9) أي مواضع تشاجرهم وتخاصمهم.
(10) من السفير وهو الذي يمشي مع القوم للإصلاح.
(11) الذي لا عيب عنده.
(12) أي المعيب.
(13) أي لإطلاق الحكم أو من أسجل له العطاء إذا أكثره وأطلقه.
(14) حفل القوم واحتفلوا اجتمعوا وهذا محفل القوم ومحتفلهم.
(15) الثوب الفاخر.
(16) أي تأمل الجمع.
(17) هو من يميز بين الجيّد والزّيف.
(18) أي كأسرع مدة يسيرة.
(19) كالذي قبله من وحيت إليه وأوحيت إذا كلمته بما تخفيه عن غيره ووحيت وحيا كتبت وأوحيت إليه أومأت.
(20) أي كأنه أسد لعظم خلقته وشدته.
(21) أي حفظه.
(22) التغافل والسكوت على الظلم.
(23) أي لأنه إحدى غصص الكاتب ولهذا قيل القلم الرديء كالولد العاق والأخ المشاقّ.
(24) هو بالنسبة إلى المحارب كالقلم إلى الكاتب.(1/392)
أوصاف الإنصاف، ويرضع أخلاف (1) الخلاف (2). إن أقدمت أحجم (3)، وإذا أعربت (4) أعجم (5). وإن أذكيت (6) أخمد (7)، ومتى شويت رمّد (8). مع أنّي كفلته (9) مذ دبّ (10)، إلى أن شبّ (11)، وكنت له ألطف من ربّي وربّ (12). فأكبر القاضي (13) ما شكا إليه (14)، وأطرف به من حواليه (15)، ثمّ قال: أشهد أنّ العقوق (16)
أحد الثّكلين (17)، ولربّ عقم (18) أقرّ للعين (19). فقال الغلام، وقد أمعضه (20) هذا الكلام: والّذي نصب القضاة للعدل!، وملّكهم أعنّة الفضل والفصل! إنّه ما دعا قطّ إلّا أمّنت، ولا ادّعى (21) إلّا آمنت (22). ولا لبّى إلّا وأحرمت، ولا أورى (23) إلّا وأضرمت (24). بيد أنّه (25) كمن يبغي بيض الأنوق (26)، ويطلب الطّيران من النّوق (27)، فقال له القاضي: وبم أعنتك (28)، وامتحن طاعتك؟ قال: إنّه مذ صفر
__________
(1) جمع خلف بالكسر وهو ضرع الناقة.
(2) بمعنى المخالفة يعني أن ابنه دائما مخالف للمرغوب.
(3) أي تأخر.
(4) أي أظهرت وبينت.
(5) أي أبهم واستعجم استبهم.
(6) أي أشعلت.
(7) أي أطفأ.
(8) في المثل شوى أخوك حتى إذا أنضج رمّد يضرب لمن يفتتح بالإحسان ويختم بالإساءة.
(9) أي توليت أمره.
(10) أي من وقت أن مشى على يديه ورجليه.
(11) أي صار شابا.
(12) بمعنى ربّى من التربية.
(13) أي فاستعظمه ورآه كبيرا.
(14) أي الذي أبداه الشيخ من شكواه.
(15) أي جعلهم ذوي طرفة أو أتاهم بالأطروفة وهي ما يستغرب من الأخبار.
(16) هو مخالفة الولد أمر والده.
(17) الثكل بالضم فقد الولد وإذا عقّ الولد أباه ولم يبرّه فكأنه فقده.
(18) هو عدم الولد رأسا.
(19) أي أروح للإنسان من الولد العاق.
(20) أي شق عليه وأغضبه.
(21) نسب لنفسه شيئا.
(22) أي صدّقت عليه.
(23) أي أوقد نارا.
(24) أي أشعلت وقويت.
(25) أي غير أنه.
(26) أي كمن يطلب المحال لأن الأنوق ذكر الرخم من الطير وقيل إنها الرخمة الأنثى وهي لا يظفر ببيضها لأن أوكارها في رؤوس الجبال ومنه المثل أعزّ من بيض الأنوق.
(27) أي من النياق.
(28) أي أتعبك.(1/393)
من المال (1)، ومني بالإمحال (2)، يسومني (3) أن أتلمّظ (4) بالسّؤال، وأستمطر سحب النّوال (5)، ليفيض (6) شربه (7) الّذي غاض (8) وينجبر من حاله ما انهاض (9). وقد كان حين أخذني بالدّرس، وعلّمني أدب النّفس، أشرب قلبي (10)
أن الحرص متعبة، والطّمع معتبة (11)، والشّره (12) متخمة (13)، والمسألة (14)
ملأمة (15). ثمّ أنشدني من فلق فيه (16)، ونحت قوافيه (17):
إرض بأدنى العيش واشكر عليه ... شكر من القلّ كثير لديه
وجانب الحرص الّذي لم يزل ... يحطّ قدر المتراقي إليه
وحام عن عرضك واستبقه ... كما يحامي اللّيث عن لبدتيه (18)
واصبر على ما ناب من فاقة (19) ... صبر أولي العزم وأغمض عليه (20)
ولا ترق ماء المحيّا (21) ولو ... خوّلك (22) المسؤول ما في يديه
فالحرّ من إن قذيت عينه (23) ... أخفى قذى جفنيه عن ناظريه
ومن إذا أخلق ديباجه (24) ... لم ير أن يخلق ديباجتيه (25)
__________
(1) أي خلا منه وافتقر.
(2) أي ابتلي بالجدب والقحط.
(3) أي يكلفني.
(4) التلمظ أن يتتبع بلسانه بقية الطعام في فمه وأن يخرج لسانه فيمسح به شفتيه فاستعير هنا للتكلم بالسؤال.
(5) هو العطاء.
(6) أي ليكثر ويزداد.
(7) بالكسر أي نصيبه من المشروب.
(8) أي الذي نقص وجف.
(9) أي ما انكسر.
(10) أي سقاه وملأه.
(11) وفي نسخة معيبة.
(12) شدة الحرص وغلبته.
(13) مفسدة.
(14) أي سؤال ما في أيدي الناس.
(15) أي لؤم.
(16) أي من شق فمه ومن بين شفتيه.
(17) يعني من إنشائه.
(18) لبدة الأسد شعر متلبد على كتفيه وعلى كفله يضرب به المثل فيقال أمنع من لبدة الأسد لأن أحدا لا يقدر على أن يدنو منه فكيف من لبدته.
(19) أي أصاب من فقر.
(20) أي استره ولا تظهره.
(21) يعني لا تبذل وجهك بالسؤال.
(22) أي ملكك.
(23) القذى ما يحصل في العين من تبنة وغيرها.
(24) الديباج ما يلبس من رقيق الثياب والإخلاق الإبلاء وهو يتعدى ولا يتعدى وقد جمع بينهما في هذا البيت.
(25) يعني خديه والمراد أنه لا يبذل ماء وجهه بسؤاله الناس.(1/394)
قال: فعبس الشّيخ واكفهرّ (1)، واندرأ (2) على ابنه وهرّ (3)، وقال له: صه (4)
يا عقق (5)، يا من هو الشّجى (6) والشّرق (7)! ويك أتعلّم أمّك البضاع (8)، وظئرك (9) الإرضاع. لقد تحكّكت العقرب بالأفعى (10)، واستنّت الفصال حتّى القرعى (11). ثمّ كأنّه ندم على ما فرط من فيه (12) وحدته (13) المقة (14) على تلافيه (15)، فرنا إليه (16) بعين عاطف، وخفض له جناح ملاطف، وقال له:
ويك (17) يا بنيّ إنّ من أمر بالقناعة، وزجر عن الضّراعة (18)، هم أرباب البضاعة (19) وأولو المكسبة بالصّناعة. فأمّا ذوو الضّرورات، فقد استثني بهم في المحظورات (20). وهبك جهلت هذا التّأويل (21)، ولم يبلغك ما قيل! ألست الّذي عارض أباه، في ما قال وما حاباه:
__________
(1) اشتدّ عبوسه.
(2) درأ علينا فلان يدرأ دروءا واندرأ طلع مفاجأه ودرؤوا علينا هجموا.
(3) هرّ عليه آذاه وشقّ عليه وهرّ في وجه السائل إذا تجهمه وهو من هرير الكلب أي نباحه.
(4) أي اسكت.
(5) أي يا عاقّ وهو معدول مثل عامر وعمر.
(6) أصله ما ينشب في الحلق من شوك أو عظم أو غيره ثم استعير للهم والحزن لكونهما مورثين للغصة يقال شجاه أحزنه وأشجاه أغصه.
(7) هو أن يغص بالماء وشرق بريقه غص به.
(8) كالمباضعة الجماع.
(9) الظئر المرضعة.
(10) هو مثل يضرب لمن ينازع من هو أقوى منه وأقدر.
(11) هو مثل أيضا يضرب لمن يتكلم مع من لا ينبغي له أن يتكلم بين يديه والاستنان متابعة الجري في سنن واحد أي طريق ومذهب والفصال جمع فصيل وهو الصغير من الإبل والقرعى جمع قريع وهو الذي به قرع بالتحريك وهو بثر أبيض يخرج بالفصال ودواؤه الملح وجباب ألبان الإبل.
(12) أي سبق من فمه.
(13) أي ساقته وألجأته.
(14) المحبة.
(15) تداركه واستمالته.
(16) فنظر إليه.
(17) أي أعجب منك كأنه يقول ألم تر يا بنيّ.
(18) الخضوع والتذلل.
(19) هم التجار أصحاب الأموال.
(20) يشير به إلى قولهم الضرورات تبيح المحظورات أي المحرّمات وفي بعض النسخ فقد سوّغوا في المحظورات أي رخّص لهم فيها.
(21) أي افرض وقدر أن ليس لك ذنب بمعارضتك أباك إذا قال لك كلاما أجبته بغلظة مناقضا لكلامه.(1/395)
لا تقعدنّ على ضرّ ومسغبة (1) ... لكي يقال عزيز النّفس مصطبر
وانظر بعينك هل أرض معطّلة (2) ... من النّبات كأرض حفّها الشّجر
فعدّ عمّا (3) تشير الأغبياء (4) به ... فأيّ فضل لعود ما له ثمر
وارحل ركابك (5) عن ربع (6) ظمئت به (7)
إلى الجناب (8) الّذي يهمي به (9) المطر
واستنزل الرّيّ من درّ السّحاب (10) فإن
بلّت يداك به فليهنك الظّفر (11)
وإن رددت فما في الرّد منقصة ... عليك قد ردّ موسى قبل والخضر (12)
قال: فلمّا أن رأى القاضي، تنافي قول الفتى وفعله (13)، وتحلّيه (14) بما ليس من أهله، نظر إليه بعين غضبى، وقال: أتميميّا مرّة وقيسيّا أخرى (15)؟ أفّ لمن ينقض ما يقول، ويتلوّن كما تتلوّن الغول (16). فقال الغلام: والّذي جعلك مفتاحا
__________
(1) أي جوع.
(2) أي خالية.
(3) عدّ عن هذا أي خلّه وانصرف عنه.
(4) جمع الغبي وهو الأحمق الجاهل.
(5) أي رحّلها والركاب الإبل المركوبة.
(6) أي عن منزل.
(7) أي عطشت فيه.
(8) أي الجانب.
(9) أي يسيل به.
(10) هو المطر.
(11) أي هنيئا لك بما ظفرت وفزت به من قضاء حاجتك.
(12) تلميح إلى قوله تعالى {حَتََّى إِذََا أَتَيََا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمََا أَهْلَهََا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمََا}.
(13) أي مخالفتهما ما هو الأليق به (كذا فسره وهو ظاهر).
(14) أي تلبسه وتزينه.
(15) مثل يضرب للمتلون أي تشبه نفسك بتميم مرة في الاتصاف بالأخلاق الحميدة وبقيس مرة أخرى بالاتصاف بالأخلاق الذميمة وهما قبيلتان عظيمتان بينهما مكافحات.
(16) تغولت المرأة إذا تشبهت بالغول في تلونها ومنه قول كعب بن زهير
فما تدوم على حال تكون بها ... كما تلوّن في أثوابها الغول
وكانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات تتراءى للناس فتتغول أي تتلوّن فتضلهم عن الطريق فتهلكهم فأبطل النبي عليه السلام ذلك بقوله في حديث ولا غول، وقيل إنها من الجن.(1/396)
للحقّ (1)، وفتّاحا بين الخلق (2)، لقد أنسيت مذ أسيت (3)، وصدىء ذهني (4) مذ صديت (5). على أنّه أين الباب الفتح (6)، والعطاء السّرح (7)؟ وهل بقي من يتبرّع (8) باللهى (9)، وإذا استطعم (10) يقول ها (11)؟ فقال له القاضي: مه (12)! فمع الخواطىء سهم صائب (13)، وما كلّ برق خالب (14). فميّز البروق (15) إذا شمت (16)، ولا تشهد إلّا بما علمت.
فلمّا تبيّن للشّيخ أنّ القاضي قد غضب للكرام (17)، وأعظم (18) تبخيل (19)
جميع الأنام، علم أنّه سينصر كلمته، ويظهر أكرومته (20). فما كذّب (21) أن نصب شبكته، وشوى في الحريق سمكته (22)، وأنشأ يقول:
يا أيّها القاضي الّذي علمه ... وحلمه أرسخ من رضوى (23)
قد ادّعى هذا على جهله ... أن ليس في الدّنيا أخو جدوى (24)
__________
(1) أي لا تقول إلّا الحق.
(2) أي حاكما قال تعالى {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنََا} الآية أي احكم.
(3) أي مذ حزنت من الأسى وهو الحزن.
(4) أي تكثف من صدىء الشيء بالهمزة علاه الصدأ وهو وسخ الحديد والصّفر ونحوهما وبابه طرب.
(5) من الصدى بغير الهمز وهو العطش.
(6) بضمتين أي المفتوح.
(7) بضمتين أيضا أي السهل الكثير السريع.
(8) يتفضل ويبتدىء.
(9) بالضم جمع لهوة وهي الحفنة ملء الكف ثم استعيرت للعطية.
(10) أي سئل الطعام.
(11) أي يقول خذ.
(12) أي اكفف.
(13) من أمثال العرب في بخيل يعطي أحيانا مع بخله من خطىء وصاب بمعنى أخطأ وأصاب.
(14) أي لا غيث فيه.
(15) جمع البرق.
(16) أي إذا نظرت البروق ميز بين الخالب ومرجوّ المطر.
(17) يقال غضب له وعليه إذا كان حيا وغضب به إذا كان ميتا.
(18) أي استعظم.
(19) بخّله بالتشديد نسبه إلى البخل كما يقال جهّله وفسّقه.
(20) الأكرومة من الكرم كالأعجوبة من العجب والكريم هو المتفضل بما لا يجب عليه وأرض كريمة حرة طيبة التربة.
(21) أي فما لبث.
(22) الشبكة ما يصاد به وهو من أمثال المولدين الأول يضرب في المكيدة وإخفاء الحيلة والثاني في التدليس.
(23) أي أثبت منه ورضوى هذا بفتح الراء جبل بقرب المدينة سهل الصعود.
(24) أى صاحب جدوى وهي العطية والكرم.(1/397)
وما درى أنّك من معشر ... عطاؤهم كالمنّ (1) والسّلوى (2)
فجد بما يثنيه (3) مستخزيا (4) ... ممّا افترى (5) من كذب الدّعوى
وأنثني جذلان (6) أثني بما ... أوليت (7) من جدوى (8) ومن عدوى (9)
قال: فهشّ (10) القاضي لقوله، وأجزل (11) له من طوله (12)، ثمّ لفت وجهه (13) إلى الغلام، وقد نصل له أسهم الملام (14)، وقال له: أرأيت بطل زعمك (15)، وخطأ وهمك! فلا تعجل بعدها بذمّ، ولا تنحت عودا (16) قبل عجم (17).
وإيّاك وتأبّيك (18) عن مطاوعة أبيك، فإنّك إن عدت تعقّه (19)، حاق بك (20) منّي ما تستحقّه. فسقط الفتى في يده (21)، ولاذ بحقو والده (22)، ثمّ نهض يحفد (23)، وتبعه الشّيخ ينشد:
من ضامه (24) أو ضاره (25) دهره ... فليقصد القاضي في صعده
سماحه (26) أزرى بمن قبله (27) ... وعدله أتعب من بعده (28)
__________
(1) هو الترنجبين أو طل يسقط على الشجر كالعسل.
(2) طائر يشبه السماني.
(3) أي بما يرده.
(4) من الخزاية وهي الحياء.
(5) أي مما اختلقه كذبا.
(6) أي وأرجع فرحا مسرورا.
(7) أي أمدح بما أعطيت.
(8) هي العطية.
(9) هي هنا بمعنى الإعانة بإزالة إحدى المظالم.
(10) أي اهتز فرحا.
(11) أي أكثر.
(12) الطول بالفتح الفضل والهبات ومنه الطائل للمعروف وهذا غير طائل أي خسيس ودون.
(13) حوّله.
(14) نصل السهم ونصّله أي ركب نصله وأنصله نزع نصله.
(15) أي بطلان فهمك وظنك.
(16) أي لا تنجره.
(17) أي قبل اختبار وسبر تقول عجمت العود أعجمه بالضم إذا عضضته لتعلم صلابته من طراوته.
(18) أي احذر أن تتأخر.
(19) أي تعصيه وتغضبه.
(20) نزل وحل.
(21) يقال لكل من ندم على شيء وعجز عنه سقط في يده قال تعالى {وَلَمََّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}.
(22) أي فزع إليه ولجأ والحقو الخصر وبه سمي الإزار لاشتماله عليه.
(23) أي قام يسعى.
(24) من الضيم وهو الظلم.
(25) من الضير.
(26) أي جوده.
(27) أي عاب من قبله أي لكونه فاق عليه.
(28) أي إن من يأتي بعده يشق عليه أن يحذو حذوه في العدل.(1/398)
قال الرّاوي: فحرت (1) بين تعريف الشّيخ وتنكيره (2)، إلى أن احرورف (3) لمسيره، فناجيت النّفس (4) باتّباعه، ولو إلى رباعه (5)، لعلّي أظهر (6) على أسراره، وأعرف شجرة ناره (7). فنبذت العلق (8)، وانطلقت حيث انطلق. ولم يزل يخطو وأعتقب (9)، ويبعد وأقترب (10)، إلى أن تراءى الشّخصان (11)، وحقّ التّعارف على الخلصان. (12) فأبدى حينئذ الاهتشاش (13)، ورفع الارتعاش، وقال: من كاذب أخاه (14) فلا عاش. فعرفت عند ذلك أنّه السّروجيّ بلا محالة (15) ولا حؤول حالة (16) فأسرعت (17) إليه لأصافحه، وأستعرف سانحه وبارحه (18)، فقال: دونك (19) ابن أخيك البرّ (20)، وتركني ومرّ (21). فلم يعد الفتى (22) أن افترّ (23) ثمّ فرّ كما فرّ (24). فعدت وقد استبنت عينهما (25)، ولكن أين هما (26)؟
__________
(1) أي تحيرت.
(2) أي تارة أتعرفه وتارة أتنكر معرفته.
(3) مثل انحرف أي مال وعدل.
(4) أي حدثتها وأسررت لها.
(5) أي دياره ومنازله.
(6) أي اطّلع.
(7) يريد حقيقة حاله.
(8) أي فطرحت ما يتعلق بي من الحوائج وتركته.
(9) أي وأكون عقب خطوه.
(10) أي اقترب منه كلما بعد.
(11) أي وصل إلى حيث يرى الشخص شخص صاحبه من شدة قربه منه.
(12) الخلصان والخلص الخالص من الأخدان الواحد والجمع فيهما سواء ومتى رأى أحد الأخدان الخلص صاحبه لا يمكنه أن يتنكر منه بل يبادر بالتعرف إليه.
(13) الطرب والفرح.
(14) أي أخفى حليته على أخيه ولم يصدقه عن نفسه.
(15) أي من غير شك.
(16) أي وبلا تغير وانقلاب.
(17) وفي نسخة وبادرت أي سابقت.
(18) يريد خيره وشرّه والأصل أن السانح من الظباء ما أتاك عن يمينك والبارح ما ولّاك مياسره والبارح من الرياح ما أثار التراب مع شدة هبوبه.
(19) اسم فعل بمعنى خذ أو الزم أي سل عندك إلخ.
(20) أي البارّ بأبيه.
(21) أي ذهب لحاله.
(22) أي لم يزل عن مكانه.
(23) أي ضحك.
(24) أي ثم هرب الفتى كما هرب الشيخ.
(25) أي تبينت شخصهما وعرفتهما أنهما أبو زيد وابنه.
(26) يريد عدم معرفة مقرهما كما في نسخة لم أدر أين هما.(1/399)
المقامة الثامنة والثلاثون المرويّة
حكى الحارث بن همّام، قال: حبّب إليّ مذ سعت قدمي، ونفث قلمي (1)، أن أتّخذ الأدب شرعة (2)، والاقتباس (3) منه نجعة (4). فكنت أنقّب (5) عن أخباره، وخزنة أسراره (6). فإذا ألفيت منهم بغية الملتمس (7)، وجذوة المقتبس (8)، شددت يدي بغرزه (9)، واستنزلت منه زكاة كنزه (10). على أنّي لم ألق كالسّروجيّ في غزارة السّحب (11)، ووضع الهناء (12) مواضع النّقب (13)، إلّا أنّه كان أسير من
__________
(1) كناية عن تعلمه الكتابة والخط أو عن جري قلم التكليف وقيل أراد بذلك وقت البلوغ وهو الوقت الذي يقوى فيه على المشي في الأسفار وهذا المعنى يقرب من سابقه لأنه إذا بلغ جرى عليه قلم التكليف.
(2) أي طريقة وعادة وأصلها الطريقة إلى الماء.
(3) أي الاستفادة.
(4) أي منتجعا ومطلبا والأصل طلب الكلأ.
(5) أي أبحث وأتفحص.
(6) الخزنة بالتحريك جمع الخازن أي أهل المعرفة بنكاته ودقائقه.
(7) أي طلبة الطالب وحاجته.
(8) كناية عمن يؤخذ عنه الأدب والجذوة مثلثة الجيم شعلة من النار والمقتبس طالب القبس وهو النار.
(9) الغرز للبعير بمنزلة الركاب للفرس أي تمسكت بركابه وهو مثل يضرب في الحث على التمسك بالشيء ولزومه فيقال اشدد يدك بغرزه.
(10) أي تطلبت منه زكاة ماله والمراد الاستفادة منه.
(11) السحب جمع سحابة وكنى به عن كثرة العلم.
(12) بكسر الهاء القطران.
(13) النّقب جمع نقبة (كذا في الأصل) وهي أول ما يبدو من الجرب كناية عن كونه خبيرا بأوضاع الأدب وأصله نصف بيت وهو يضع الهناء مواضع النقب ثم ضرب به المثل وأطلق على من يحسن الصنعة ويضع الأشياء مواضعها.(1/400)
المثل (1)، وأسرع من القمر في النّقل (2). وكنت لهوى ملاقاته (3)، واستحسان مقاماته (4)، أرغب في الاغتراب (5)، وأستعذب السّفر الّذي هو قطعة من العذاب (6). فلمّا تطوّحت (7) إلى مرو (8)، ولا غرو (9)، بشّرني بملقاه زجر الطّير (10)، والفأل الّذي هو بريد الخير (11). فلم أزل أنشده (12) في المحافل (13)، وعند تلقّي القوافل (14)، فلا أجد عنه مخبرا، ولا أرى له أثرا ولا عثيرا (15)، حتّى غلب اليأس الطّمع، وانزوى (16) التّأميل وانقمع (17). فإنّي لذات يوم بحضرة والي مرو، وكان ممّن جمع الفضل والسّرو (18)، إذ طلع أبو زيد في خلق مملاق (19)، وخلق ملّاق (20)، فحيّا تحيّة المحتاج، إذا لقي ربّ التّاج (21)، ثمّ قال له: اعلم وقيت
__________
(1) مثل يضرب لكثير السير في البلاد.
(2) جمع نقلة اسم من الانتقال ويروى بالفاء وهي ثلاث ليال من الشهر الرابعة والخامسة والسادسة لأن القمر فيها سريع المغيب.
(3) أي لرغبتي في التلاقي معه.
(4) مجالسه أو جمع مقامة وهي كالخطبة سميت مقامة لكونها تقال من قيام.
(5) أي الغربة.
(6) هذا حديث رواه مالك في الموطأ السفر قطعة من العذاب.
(7) أي رميت بنفسي.
(8) بلدة بالعراق من بلاد خراسان.
(9) أي لا غرابة في ذلك.
(10) أي التفاؤل والأصل أن الرجل كان في الجاهلية إذا أراد حاجة أتى الطير في وكره فنفره فإن أخذ يمينا مضى لحاجته وإن أخذ شمالا رجع.
(11) البريد الرسول.
(12) أي اسأل عنه وابحث.
(13) جمع المحفل وهو مجتمع الناس.
(14) أي استقبال المسافرين.
(15) العثير كمنبر الغبار وفي بعض النسخ ولا عيثرا بتقديم الياء على المثلثة وهو بفتح العين الأثر الخفي.
(16) أي اختفى.
(17) أي انزوى يقال قمعه فانقمع إذا قهره وفي الأساس تقمع في بيته وانقمع إذا حبس وحده.
(18) السيادة.
(19) الخلق محركا الثوب البالي والمملاق الشديد الفقر.
(20) الخلق بضمتين الطبع والسجية والملاق كثير الملق وهو التملق يقال رجل ملق ومتملق وملّاق وفيه ملق شديد الذي يظهر الود واللطف.
(21) هو الملك فإن التاج من لباس الملوك وهو عصابة مزينة بالجواهر.(1/401)
الذّمّ، وكفيت الهمّ، أنّ من عذقت به الأعمال (1)، أعلقت به الآمال (2). ومن رفعت له الدّرجات، رفعت إليه الحاجات. وأنّ السّعيد من إذا قدر، وواتاه القدر (3)، أدّى زكاة النّعم، كما يؤدّي زكاة النّعم (4). والتزم لأهل الحرم (5)، ما يلتزم للأهل والحرم (6). وقد أصبحت بحمد الله عميد مصرك (7)، وعماد عصر (8)، تزجى (9) الرّكائب (10) إلى حرمك، وترجى (11) الرّغائب (12) من كرمك، وتنزل المطالب بساحتك (13)، وتستنزل الرّاحة من راحتك (14). وكان فضل الله عليك عظيما، وإحسانه لديك عميما، ثمّ إنّي شيخ ترب (15) بعد الإتراب (16)، وعدم الإعشاب (17) حين شاب، قصدتك من محلّة نازحة (18) وحالة رازحة (19)، آمل (20)
من بحرك دفعة (21)، ومن جاهك رفعة. والتّأميل أفضل وسائل (22) السّائل، ونائل
__________
(1) أي نيطت به وتعلقت به عذق شاته يعذقها إذا ربط في صوفها خرقة تخالف لونها.
(2) أي تعلقت كأنه مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم من اتصلت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه فمن لم يجتهد في تلك المؤن عرّض تلك النعمة للزوال.
(3) أي وساعده ما قدره الله.
(4) النعم بالكسر جمع نعمة وبالفتح واحدة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل.
(5) بضم الحاء جمع حرمة بمعنى الاحترام أي أصحاب الحقوق المحترمة كالعفاف والفضل.
(6) كالمحرم بالتخفيف واحد المحارم وهم من تحرم المناكحة بينهم بالنسب والرضاع أي يلزمه أن يراعي حقوق ذوي الاحترام كما يراعي حقوق أهله ومحارمه.
(7) العميد السيد الذي يعمد إليه في الحوائج أي يقصد والمصر المدينة مطلقا.
(8) أي من يستند إليه ويرتكن عليه.
(9) أي تساق.
(10) أي الإبل.
(11) تؤمل.
(12) جمع رغيبة وهي العطاء الكثير.
(13) أي بفناء دارك.
(14) أي من كفك.
(15) أي افتقر ولصقت يده بالتراب.
(16) أي بعد الاستغناء بكثرة المال.
(17) أعشب المكان صار ذا عشب وأعشب الرجل صادف العشب واعشوشبت الأرض كثر عشبها والمراد أنه عدم المال.
(18) أي منزل بعيد.
(19) يقال رزحت حال فلان إذا رقت من قولهم رزحت الناقة إذا ألقت نفسها من الإعياء وشدة الهزال فهي رازح.
(20) أي أرجو.
(21) أي قطعة عظيمة.
(22) جمع وسيلة وهي ما يتوصل به إلى قضاء المطلوب.(1/402)
النّائل (1)، فأوجب لي ما يجب عليك، وأحسن كما أحسن الله إليك. وإيّاك (2) أن تلوي عذارك (3)، عمّن ازدارك (4)، وأمّ دارك (5)، أو تقبض راحك (6)، عمّن امتاحك (7)، وامتار (8) سماحك (9). فو الله! ما مجد (10) من جمد (11)، ولا رشد (12) من حشد (13). بل اللّبيب من إذا وجد (14) جاد (15)، وإن بدأ (16) بعائدة (17) عاد (18).
والكريم من إذا استوهب الذّهب (19)، لم يهب (20) أن يهب (21). ثمّ أمسك يرقب (22) أكل غرسه (23)، ويرصد (24) مطيبة نفسه (25). وأحبّ الوالي أن يعلم هل نطفته ثمد (26)، أم لقريحته مدد (27)، فأطرق (28) يروّي (29) في استيراء زنده (30)،
__________
(1) أي عطاء المعطي فالنائل يطلق على العطاء وعلى المعطي وعلى مصيب العطاء والمراد أن التأميل كما هو أفضل وسيلة هو أيضا أفضل عطاء المعطي.
(2) أي احذر.
(3) يعني تصرف وجهك والعذار يطلق على الشعر النابت في موضع العذار.
(4) أي عمن زارك.
(5) أي قصدها.
(6) الراح جمع الراحة بمعنى الكف وقبضها كناية عن منع العطاء.
(7) أي طلب عطاءك.
(8) أي طلب أن تميره أي تتكرم عليه بالطعام قال تعالى: {وَنَمِيرُ أَهْلَنََا}.
(9) أي جودك وكرمك.
(10) أي ما شرف.
(11) أي من بخل كقوله:
سيّدنا من يسدّ خلتنا ... وكل من لم يسدّ لم يسد.
(12) أي لم يكمل ولم يبلغ الرشد.
(13) أي من جمع يعني من لم ينفق.
(14) أي إذا استغنى.
(15) أي أعطى.
(16) يعني ابتدأ.
(17) العائدة الفائدة وهذا أعود عليك من كذا أي أنفع لك.
(18) أي عاد لها وثنّاها.
(19) أي طلب منه هبة.
(20) أي لم يخف.
(21) أي أن يعطي الهبة.
(22) أي ينتظر.
(23) أي ثمر ما غرس يعني جزاء ما أورده على الوالي من هذا الكلام الموجب مزيد الإكرام.
(24) بمعنى يرقب.
(25) أي ما تطيب به نفسه.
(26) النطفة الماء الصافي قل أو كثر والثمد بالفتح وبالإسكان الماء القليل الذي لا مادة له والمراد هل لا قدرة له على أن يزيد على ما قاله من ظريف الكلام.
(27) أي أم لفطنته قدرة على الزيادة.
(28) أي أكب برأسه.
(29) أي يفكر برأيه.
(30) أي في طلب ما يظهر نار زنده يعني ما يوجب إتيانه بالزيادة على ما قاله.(1/403)
واستشفاف فرنده (1). والتبس على أبي زيد سرّ صمتته، وإرجاء صلته (2)، فتوغّر (3) غضبا، وأنشد مقتضبا (4):
لا تحقرنّ أبيت اللّعن (5) ذا أدب
لأن بدا خلق السّربال (6) سبروتا (7)
ولا تضع لأخي التّأميل (8) حرمته
أكان ذا لسن أم كان سكّيتا (9)
وانفح بعرفك (10) من وافاك (11) مختبطا (12)
وانعش (13) بغوثك (14) من ألفيت منكوتا (15)
فخير مال الفتى مال أشاد (16) له
ذكرا تناقله الرّكبان أو صيتا (17)
وما على المشتري حمدا بموهبة (18)
غبن (19) ولو كان ما أعطاه ياقوتا
__________
(1) استشفّه أبصره وقيل نظر إليه من وراء الشّفّ وهو الستر الرقيق والفرند جوهر السيف والمراد فيما يختبره به ويمتحنه.
(2) أي تأخير عطيته.
(3) أي تلهب من الوغرة وهي شدة توقد النار وأوغرت صدره أحميته من الغيظ.
(4) أي مرتجلا من غير تفكر.
(5) أي امتنعت من أن تأتي أمرا تلعن عليه وهي كلمة كانت تقال في تحية ملوك العرب.
(6) أي رث الثوب.
(7) أي فقيرا لا يملك شيئا والأصل الأرض القفر.
(8) أي لصاحب الأمل المترجي.
(9) أي سواء كان مكلاما فصيحا أم كان ساكتا من عدم فصاحته.
(10) نفحه بشيء ونفحه شيئا أعطاه والعرف المعروف.
(11) أي أتاك.
(12) أي سائلا يطلب معروفك.
(13) أي ارفع.
(14) أي بإغاثتك.
(15) أي منكبا من قولهم طعنه فنكته إذا ألقاه على رأسه.
(16) أي رفع.
(17) الصيت الذكر الحسن ينتشر في الناس.
(18) بكسر الهاء الهبة والعطية وبالفتح نقرة في الجبل يجتمع فيها الماء من المطر قال:
ولفوك أشهى لو يحلّ لنا ... من ماء موهبة على شهد
(19) هو تجاوز ثمن المبيع فوق قيمته.(1/404)
لولا المروءة ضاق العذر عن فطن (1)
إذا اشرأبّ (2) إلى ما جاوز القوتا (3)
لكنّه لابتناء المجد (4) جدّ (5) ومن
حبّ السّماح (6) ثنى نحو العلى (7) ليتا (8)
وما تنشّق (9) نشر الشّكر (10) ذو كرم
إلّا وأزرى بنشر المسك مفتوتا
والحمد والبخل لم يقض اجتماعهما (11)
حتّى لقد خيل (12) ذا ضبّا وذا حوتا (13)
والسّمح (14) في النّاس محبوب خلائقه (15)
__________
(1) هو مثل قول القائل:
لولا حقوق ذوي الحقوق لأصبحت ... في عيني الدنيا الدنية هينه
إن كنت أعمر ضيعة أو مسكنا ... فلأجل صاحب ضيعة أو مسكنه
والمروءة هي الأفعال الشريفة التي توجب أن يقال للشخص مرء.
(2) مد عنقه إلى شيء ينظر إليه فاستعير للطمع.
(3) أي إلى طلب الزيادة عن الكفاية يعني لولا ما جبل عليه من المروءة بالتكرم والتفضل لما كان يعذر في تطلبه لما فوق قوته.
(4) الابتناء بمعنى البناء متعد لا غير والمجد والشرف والرفعة.
(5) أي سعى واجتهد لرفع مرتبته.
(6) بالإضافة ومن حرف جر أو فعل ومفعول ومن اسم موصول عائده فاعل حب بمعنى أحب.
(7) أي لفت إلى جهة المعالي.
(8) هو صفحة العنق.
(9) هو واستنشق بمعنى شم.
(10) نشر الشكر أي رائحته الذكية يقول لشكر المعروف عند أهل الجود أعطر من ريح المسك إذا فتّ ودقّ فانتشرت رائحته.
(11) أي لا يجتمعان.
(12) ظنّ.
(13) الضب والحوت لا يجتمعان لأن الضب حيوان بري لا يرد الماء ولهذا قيل في التأييد لا أفعل ذلك حتى يرد الضب لأنه لا يشرب الماء أصلا والحوت حيوان بحريّ متى خرج إلى البر مات.
(14) أي الجواد.
(15) طباعه محبوبة.(1/405)
والجامد الكفّ (1) ما ينفكّ ممقوتا (2)
وللشّحيح (3) على أمواله علل (4)
يوسعنه أبدا ذمّا (5) وتبكيتا (6)
فجد بما جمعت كفّاك من نشب (7)
حتّى يرى مجتدي جدواك (8) مبهوتا (9)
وخذ نصيبك منه قبل رائعة (10)
من الزّمان تريك العود (11) منحوتا (12)
فالدّهر أنكد من أن تستمرّ به (13)
حال تكرّهت (14) تلك الحال أم شيتا (15)
فقال له الوالي: تالله لقد أحسنت، فأيّ ولد الرّجل أنت؟ فنظر إليه عن عرض (16) وأنشد وهو مغض (17):
__________
(1) كناية عن البخل.
(2) مبغضا أشد البغض.
(3) أي البخيل.
(4) أعذار.
(5) أي يكثرن ذمه دائما.
(6) تقريعا وتوبيخا والتبكيت استقبال المرء بما يكره.
(7) أي مال.
(8) أي طالب عطائك والجادي السائل الجدوى وهي العطية.
(9) متحيرا من كثرة العطاء لا يدري كيف يشكرك وبأي مدح يثني بجانب ما وصله عن عطائك فيتحير.
(10) حادثة هائلة من حوادث الدهر وقيل الرائعة الشيب لأن حلوله بالإنسان يروعه لإنذاره بالكبر والهرم ثم الموت ولذلك كثيرا ما ذمه الشعراء في كلامهم. قال أبو الطيب:
أبعد بعدت بياضا لا بياض له ... لأنت أسود في عيني من الظلم.
(11) أراد به الجسم.
(12) مقوسا.
(13) تدوم.
(14) أي كرهت.
(15) أي أم أردتها وأحببتها وحذف الهمزة من شئتا ضرورة وفي نسخة أو شيتا وكلاهما بمعنى واحد والمعنى أن الدهر لا يدوم على حال مكروهة ولا محبوبة.
(16) أي عن ناحية أي بمؤخر عينه.
(17) مقارب بين جفنيه يريد أنه لم يعجبه سؤاله فلم يقبل عليه بنظره ولا بإنشاده.(1/406)
لا تسأل المرء من أبوه ورز (1) ... خلاله (2) ثمّ صله (3) أو فاصرم (4)
فما يشين (5) السّلّاف (6) حين حلا ... مذاقها كونها ابنة الحصرم (7)
قال: فقرّبه الوالي لبيانه الفاتن (8)، حتّى أحلّه مقعد الخاتن (9). ثمّ فرض له (10) من سيوب نيله (11)، ما آذن (12) بطول ذيله (13)، وقصر ليله (14)، فنهض عنه بردن (15) ملآن، وقلب جذلان (16). وتبعته حاذيا (17) حذوه (18)، وقافيا (19) خطوه، حتّى إذا خرج من بابه، وفصل (20) عن غابه (21)، قلت له: هنّئت بما أوتيت، وملّيت (22) بما أوليت (23). فأسفر (24) وجهه وتلالا (25)، ووالى (26) شكرا لله تعالى، ثمّ خطر اختيالا (27) وأنشد ارتجالا (28):
من يكن نال بالحماقة (29) حظّا ... أو سما (30) قدره لطيب الأصول (31)
__________
(1) بالراء ثم الزاي أمر من راز الأمر يروزه روزا إذا جرّبه وقدره وفي الحديث كان رائز سفينة نوح عليه السلام جبريل وراز الرجل ضيعته أقام عليها وأصلحها.
(2) خصاله.
(3) صاحبه واتصل به.
(4) اقطع الصحبة لأن الصلاح هو القطع.
(5) يعيب.
(6) الخمر الخالصة أو أول ما يعصر من العنب.
(7) العنب الذي لم ينضج.
(8) السالب للعقل.
(9) الذي يختن الصبي وهو مثل يضرب في فرط القرب كما أن مزجر الكلب كناية عن البعد.
(10) أي قدّر له.
(11) أي عطاياه وأصل السيوب الكنوز والمعادن والنيل بالفتح العطاء.
(12) أي ما أعلم.
(13) طول الذيل كناية عن الغنى وكثرة المال.
(14) كناية عن قصر همه وكونه مسرورا كما أن طوله كناية عن كونه محزونا.
(15) بكم.
(16) فرح مسرور.
(17) قاصدا.
(18) قصده.
(19) تابعا.
(20) خرج.
(21) بيته وأصله مأوى الأسد.
(22) متعت.
(23) أي أعطيت.
(24) أضاء.
(25) لمع.
(26) تابع.
(27) أي مشى معجبا يتيه بنفسه ويتبختر كبرا.
(28) أي من غير فكرة.
(29) الجهل وجمود الذهن.
(30) علا وارتفع.
(31) لكلام الأجداد.(1/407)
فبفضلي انتفعت لا بفضولي (1) ... وبقولي ارتفعت لا بقيولي (2)
ثمّ قال: تعسا (3) لمن جدب (4) الأدب، وطوبى لمن جدّ فيه ودأب (5). ثمّ ودّعني وذهب، وأودعني اللهب.
__________
(1) أي لا بدخولي فيما لا يعنيني.
(2) لا بملوكي لأن القيل الملك بلغة حمير والجمع قيول.
(3) هلاكا وأصله الكب وفي الحديث تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس فلا انتعش وشيك فلا انتقش.
(4) عاب.
(5) دام عليه وتعب فيه.(1/408)
المقامة التاسعة والثلاثون العمانيّة
حدّث الحارث بن همّام، قال: لهجت (1) مذ اخضرّ (2) إزاري (3)، وبقل (4)
عذاري (5)، بأن أجوب (6) البراري (7)، على ظهور المهاري (8)، أنجد طورا (9)، وأسلك تارة غورا (10). حتّى فليت المعالم (11) والمجاهل (12)، وبلوت (13) المنازل (14) والمناهل (15)، وأدميت السّنابك (16) والمناسم (17)،
__________
(1) أي ولعت واشتد حبي ولزمت يقال لهج الفصيل بضرع أمه إذا لزمه ليرضعه.
(2) أي نبت.
(3) أي موضع إزاري كناية عن العانة وكانت العرب إذا بلغ الغلام الحلم وأشعر لبس الأزا ليستر عورته.
(4) نبت.
(5) شعر خدي يعني اخضرّ شاربي وبدا الشعر في وجهي.
(6) أقطع.
(7) الصحارى.
(8) أي النوق المهرية منسوبة إلى مهرة بن حيدان وهم كانوا يتخذون نجائب الإبل.
(9) أي أقصد نجدا وهو ما ارتفع من الأرض.
(10) ما انخفض منها قال الأعشى:
نبي يرى ما لا يرون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا
(11) أي قطعتها والمعالم جمع معلم وهي المفازة التي لها أعلام أو هي الأماكن المعلومة.
(12) التي لا علم بها أو هي الأماكن المجهولة.
(13) جربت وخبرت.
(14) محالّ النزول أو هي البيوت.
(15) مواضع الماء.
(16) هي حوافر الخيل جمع السنبك وهو طرف الحافر.
(17) أخفاف الإبل أو هي مقدّم أخفافها.(1/409)
وأنضيت (1) السّوابق (2) والرّواسم (3). فلمّا مللت (4) الإصحار (5)، وقد سنح (6) لي أرب (7) بصحار (8)، ملت إلى اجتياز التّيّار (9)، واختيار الفلك السّيّار (10). فنقلت إليه أساودي (11)، واستصحبت زادي ومزاودي (12)، ثمّ ركبت فيه ركوب حاذر (13)
ناذر (14)، عاذل (15) لنفسه عاذر (16). فلمّا شرعنا (17) في القلعة (18)، ورفعنا الشّرع (19) للسّرعة (20)، سمعنا من شاطىء (21) المرسى (22)، حين دجا (23) اللّيل وأغسى (24)، هاتفا (25) يقول: يا أهل ذا الفلك القويم (26)، المزجّى (27) في البحر العظيم، بتقدير العزيز العليم، هل أدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم؟
فقلنا له: أقبسنا نارك (28)، أيّها الدّليل، وأرشدنا كما يرشد الخليل الخليل. فقال:
__________
(1) أي أهزلت (كذا في الأصل).
(2) الخيل.
(3) الإبل السريعة السير من الرسيم وهو ضرب من سير الإبل فوق الذميل.
(4) سئمت.
(5) السير في الصحراء.
(6) عرض.
(7) حاجة.
(8) بضم الصاد اسم بلد كبيرة وهي قصبة اليمامة وتعرف بعمان وهي على ساحل مرساها فرسخ في فرسخ.
(9) هو موج البحر أو مده واجتيازه بمعنى جوازه.
(10) الكثير السير.
(11) أساود الدار أمتعتها وآلاتها جمع أسودة جمع سواد وفي حديث سلمان رضي الله عنه وهذه الأساود حولي وما كان عنده إلا مطهرة وإجّانة وجفنة.
(12) جمع المزود وهو وعاء الزاد والمزادة الرواية وجمعها مزاد ومزاود ومزايد والعرب تلقب العجم برقاب المزاود.
(13) خائف.
(14) جعل عليه نذرا إن سلمه الله من البحر وهوله.
(15) لائم.
(16) ملتمس لها عذرا.
(17) أخذنا.
(18) النهوض والرحلة ومنه هذا منزل قلعة إذا لم يكن وطنا.
(19) جمع شراع وهو قلع السفينة.
(20) أي في السير.
(21) ساحل أو جانب.
(22) المحل الذي ترسو وتقف فيه السفن وهي الفرضة وهي مرفأ السفينة.
(23) أظلم.
(24) اشتدت ظلمته.
(25) صائحا.
(26) أي المستقيم.
(27) المسوق.
(28) أعطنا قبسا من نارك والمراد اهدنا وأخبرنا بما عندك.(1/410)
أتستصحبون ابن سبيل (1)، زاده في زبيل (2)، وظلّه (3) غير ثقيل (4)، وما يبغي (5)
سوى مقيل (6). فأجمعنا (7) على الجنوح (8) إليه، وأن لا نبخل بالماعون (9) عليه.
فلمّا استوى على الفلك (10)، قال: أعوذ بمالك الملك، من مسالك الهلك (11).
ثمّ قال: إنّا روينا في الأخبار، المنقولة عن الأحبار (12)، أنّ الله تعالى ما أخذ على الجهّال أن يتعلّموا، حتّى أخذ على العلماء أن يعلّموا. وإنّ معي لعوذة (13)، عن الأنبياء مأخوذة، وعندي لكم نصيحة، براهينها (14) صحيحة. وما وسعني (15)
الكتمان، ولا من خيمي (16) الحرمان (17)، فتدبّروا (18) القول وتفهّموا، واعلموا بما تعلّمون وعلّموا. ثمّ صاح صيحة المباهي (19)، وقال: أتدرون ما هي!؟ هي والله حرز السّفر (20)، عند مسيرهم في البحر، والجنّة (21) من الغمّ، إذا جاش (22) موج اليمّ (23). وبها استعصم (24) نوح من الطّوفان (25)، ونجا ومن معه من الحيوان، على ما صدعت (26) به آي (27) القرآن. ثمّ قرأ بعض أساطير (28) تلاها، وزخارف (29)
__________
(1) هو المسافر الذي يريد الرجوع إلى بلده ولا يجد ما يتبلغ به.
(2) أو زنبيل كما في بعض النسخ قفة بعيدة القعر أو هو قفة من جلد.
(3) شخصه.
(4) أي خفيف الروح.
(5) يطلب.
(6) أي موضع جلوس وأصله موضع القيلولة.
(7) أي عزمنا.
(8) الميل.
(9) هو الشيء اليسير والزكاة والصدقة وكل معروف وأسقاط البيت كالقصعة ونحوها.
(10) السفينة.
(11) أي الهلاك.
(12) العلماء.
(13) هي ما يتعوذ به الإنسان كالحرز والتميمة والمراد بها هنا ما يقرأ ويستعاذ به.
(14) حججها.
(15) ما أمكنني.
(16) طبعي وعادتي ومنه قول بعضهم:
له وجه ذميم ... له خيم وخيم
(17) المنع.
(18) تفكروا وتأملوا.
(19) المفاخر.
(20) بسكون الفاء المسافرين.
(21) بضم الجيم الوقاية والستر.
(22) تحرك وهاج.
(23) البحر.
(24) واعتصم أي امتنع.
(25) الغرق العام.
(26) نطقت وصرّحت.
(27) جمع آية.
(28) أباطيل.
(29) أي تمويهات مزينة.(1/411)
جلاها (1)، وقال: اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها. ثمّ تنفّس تنفّس المغرمين (2)، أو عباد الله المكرمين، وقال: أمّا أنا فقد قمت فيكم مقام المبلّغين (3)، ونصحت لكم نصح المبالغين، وسلكت بكم محجّة الرّاشدين (4)، فاشهد اللهم وأنت خير الشّاهدين. قال الحارث بن همّام: فأعجبنا بيانه (5) البادي (6) الطّلاوة (7)، وعجّت (8) له أصواتنا بالتّلاوة، وآنس (9) قلبي من جرسه (10)، معرفة عين شمسه (11). فقلت له: بالّذي سخّر (12) البحر اللّجّيّ (13)، ألست السّروجيّ؟ فقال لي: بلى. وهل يخفى ابن جلا (14)! فأحمدت حينئذ السّفر (15)، وسفرت (16) عن نفسي إذ سفر. ولم نزل نسير والبحر رهو (17)، والجوّ صحو (18)، والعيش صفو (19)، والزّمان لهو (20). وأنا أجد للقيانه (21)، وجد المثري (22) بعقيانه (23)، وأفرح بمناجاته (24)، فرح الغريق بمنجاته (25). إلى أن عصفت (26) الجنوب (27)،
__________
(1) كشفها.
(2) المغرم المثقل بالدّين.
(3) أي المجتهدين.
(4) طريقة الهادين.
(5) بلاغته.
(6) الظاهر.
(7) بالضم والفتح الحسن والبهجة.
(8) ارتفعت.
(9) أبصر وأحسن وأدرك.
(10) صوته الخفي.
(11) كناية عن حقيقة شخصه.
(12) ذلل.
(13) الذي لا يدرك قراره منسوب إلى اللجة.
(14) يقال للرجل المشهور الواضح الأمر ومن يكون عالي الشرف لا يخفى مكانه هو ابن جلا قال سحيم:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني
(15) أي وجدته محمودا.
(16) كشفت وعرفت.
(17) ساكن لا تضطرب أمواجه.
(18) أي لا غيم به.
(19) أي صاف.
(20) أي تسلية ولعب.
(21) للقائه.
(22) الوجد المحبة والفرح والحزن أيضا يقال له بفلانة وجد وقد وجد بها وتوجد. والمثري هو الغني.
(23) أي بذهبه الخالص.
(24) بمحادثته.
(25) أي بنجاته وسلامته.
(26) هبّت بشدة.
(27) ريح قبلية تهب عن يمين الناظر إلى الشرق.(1/412)
وعسفت الجنوب (1)، ونسي السّفر ما كان، وجاءهم الموج من كلّ مكان، فملنا لهذا الحدث الثّائر (2)، إلى إحدى الجزائر، لنريح ونستريح (3)، ريثما (4)
تؤاتي (5) الرّيح، فتمادى (6) اعتياص المسير (7)، حتّى نفد (8) الزّاد غير اليسير، فقال لي أبو زيد: إنّه لن يحرز (9) جنى العود (10) بالقعود، فهل لك في استثارة (11)
السّعود بالصّعود (12)؟! فقلت له: إنّي لأتبع لك من ظلّك، وأطوع من نعلك.
فنهدنا (13) إلى الجزيرة، على ضعف من المريرة (14)، لنركض في امتراء الميرة (15)، وكلانا لا يملك فتيلا (16)، ولا يهتدي فيها سبيلا. فأقبلنا نجوس (17)
خلالها (18)، ونتفيّأ (19) ظلالها، حتّى أفضينا (20) إلى قصر مشيد (21)، له باب من حديد، ودونه زمرة من عبيد. فناسمناهم (22) لنتّخذهم سلّما إلى الارتقاء، وأرشية (23) للاستقاء (24). فألفينا (25) كلّا منهم كئيبا حسيرا (26)، حتّى خلناه كسيرا (27)
أو أسيرا. فقلنا: أيّتها الغلمة، ما هذي الغمّة (28)؟! فلم يجيبوا النّداء، ولا فاهوا (29)
__________
(1) أي مالت جنوب السفينة جمع جنب.
(2) أي الأمر الطارىء الهائج.
(3) أي لنريح أنفسنا من تعب الهواء.
(4) إلى أن.
(5) توافق.
(6) تأخر وامتد.
(7) اعتاص عليه الأمر التوى وتعسر.
(8) فني.
(9) يتحصل.
(10) ثمر الأمل.
(11) استخراج.
(12) بالطلوع من السفينة.
(13) فنهضنا وقمنا.
(14) القوة.
(15) أي لنجدّ في طلب العطاء.
(16) أصله الخيط في شق النواة عبر به عن عدم ملك شيء.
(17) نطوف وندور.
(18) طرقها أي نتخلل وسطها.
(19) نستظل.
(20) وصلنا.
(21) عال مرتفع البناء.
(22) كلمناهم وحادثناهم.
(23) حبالا.
(24) أي لإخراج الماء وكنى بذلك عن بلوغ مقصدهما في إنالة شيء من الزاد.
(25) وجدنا.
(26) أي حزينا متحسرا.
(27) مكسورا وفي بعض النسخ فألفينا كلّا منهم في مسك كسير وكرب أسير.
(28) الغم والحزن.
(29) نطقوا.(1/413)
ببيضاء (1) ولا سوداء (2). فلمّا رأينا نارهم نار الحباحب (3)، وخبرهم (4) كسراب السّباسب (5)، قلنا شاهت الوجوه (6)، وقبح اللّكع (7) ومن يرجوه. فابتدر (8)
خادم قد علته (9) كبرة (10)، وعرته (11) عبرة (12)، وقال: يا قوم لا توسعونا سباّ (13)، ولا توجعونا عتبا (14)، فإنّا لفي حزن شامل، وشغل عن الحديث شاغل. فقال له أبو زيد: نفّس خناق البثّ (15)، وانفث إن قدرت على النّفث (16)، فإنّك ستجد منّي عرّافا كافيا (17)، ووصّافا شافيا. فقال له: اعلم أنّ ربّ هذا القصر هو قطب هذه البقعة، وشاه (18) هذه الرّقعة. إلّا أنّه لم يخل من كمد (19)، لخلوّه من ولد. ولم يزل يستكرم (20) المغارس (21)، ويتخيّر من المفارش النّفائس، إلى أن بشّر
__________
(1) كلمة طيبة.
(2) كلمة رديئة.
(3) هو حيوان يرى بالليل كأنه نار وقيل هو ما يتطاير من الشرر في الهواء بتصادم حجرين أو هو رجل بخيل كان يوقد نارا ضعيفة مخافة أن يقصده الضيفان فإن أحس بإنسان أطفأها لئلا يأخذ أحد من ناره فضربوا بها المثل وقالوا أخلف من نار الحباحب.
(4) حقيقة أمرهم وباطنه.
(5) السراب ما يرى كأنه ماء وليس بشيء والسباسب جمع السبسب وهي الصحراء الواسعة المستوية.
(6) قبحت.
(7) اللئيم وقيل الأحمق وفي الحديث يأتي على الناس زمان يكون أسعد الناس فيه لكع بن لكع وهو معدول عن اللكع بالتحريك (كذا في الأصل).
(8) أسرع.
(9) غشيته.
(10) بالفتح والكسر أي كبر سن قليل.
(11) اعترته ومسته.
(12) بكاء.
(13) أي لا تكثروا سبنا.
(14) أي تؤلمونا بالملام.
(15) هوّن شدة الحزن.
(16) تكلم إن أمكنك الكلام.
(17) العرّاف الكاهن والطبيب ومنه قول القائل:
جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعرّاف نجد إن هما شفياني
وقيل هو دون الكاهن.
(18) هو بلغة العجم الملك والمراد أنه رئيس هذه الجزيرة وكبيرها.
(19) حزن.
(20) يختار الكرائم.
(21) محالّ الغرس من الأراضي فاستعير للمرأة كالمفارش.(1/414)
بحمل عقيلة (1)، وآذنت (2) رقلته (3) بفسيلة (4). فنذرت له النّذور، وأحصيت الأيّام والشّهور، ولمّا حان النّتاج (5)، وصيغ الطّوق والتّاج (6)، عسر مخاض الوضع (7)، حتّى خيف على الأصل (8) والفرع (9). فما فينا من يعرف قرارا (10)، ولا يطعم النّوم إلّا غرارا (11). ثمّ أجهش (12) بالبكاء وأعول (13)، وردّد الاسترجاع (14) وطوّل. فقال له أبو زيد: اسكن يا هذا واستبشر، وابشر بالفرج وبشّر (15)، فعندي عزيمة الطّلق (16)، الّتي انتشر سمعها في الخلق.
فتبادرت الغلمة إلى مولاهم، متباشرين بانكشاف بلواهم، فلم يكن إلّا كلا ولا (17)
حتّى برز (18) من هلمم بنا (19) إليه، فلمّا دخلنا عليه، ومثلنا (20) بين يديه، قال لأبي زيد: ليهنك منالك (21)، إن صدق مقالك، ولم يفل فالك (22). فاستحضر قلما مبريّا،
__________
(1) الكريمة المخدرة من النساء ويقال للدرة عقيلة البحر قال:
درة من عقائل البحر بكر ... لم تخنها مثاقب اللّال
(2) أعلمت.
(3) الرقلة نخلة طويلة والمراد زوجته.
(4) هي الفرخ الذي يخرج من أصل النخلة والمراد أنها تحقق حملها.
(5) وضع الجنين.
(6) الطوق يكون في أعناق الصبيان من فضة أو ذهب وسمي طوقا لاستدارته والتاج شبه عصابة مزين بالجوهر.
(7) أي وجع الولادة وهو المعروف بالطلق.
(8) الأم.
(9) الولد.
(10) مستقرّا.
(11) شيئا بعد شيء.
(12) الإجهاش نهوض النفس والهم والبكاء.
(13) صاح به.
(14) هو قوله إنّا لله وإنا إليه راجعون.
(15) أي بشر غيرك.
(16) أي قراءة أتلوها لتسهيل الولادة وذهاب عسرها وسمي الطلق طلقا تفاؤلا كما يقال للّديغ سليم.
(17) كلمة شبه بها قصر الزمان أي كالنطق بها كناية عن السرعة وفي المثل أقل من لفظ لا.
(18) أي برز سريعا كهذا اللفظ.
(19) أي قال لنا هلموا.
(20) أي حضرنا ووقفنا.
(21) أي ما تناله من العطاء.
(22) أي لم يخطىء ولم يكذب ما أشرت به ولم يضعف من قولهم رجال فال الرأي وفيل الرأي أي ضعيفه والفأل بالهمزة أن تسمع كلمة طيبة فتتيمن بها وهذا مما يشبه الاشتقاق وليس به ونظيره قوله تعالى {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دََانٍ}.(1/415)
وزبدا بحريّا (1)، وزعفرانا قد ديف (2)، في ماء ورد نظيف، فما إن رجع النّفس، حتّى أحضر ما التمس (3). فسجد أبو زيد وعفّر (4)، وسبّح واستغفر، وأبعد الحاضرين ونفّر، ثمّ أخذ القلم واسحنفر (5)، وكتب على الزّبد بالمزعفر:
أيّهذا الجنين (6) إنّي نصيح ... لك والنّصح من شروط الدّين (7)
أنت مستعصم (8) بكنّ (9) كنين (10) ... وقرار (11) من السّكون مكين (12)
ما ترى فيه ما يروعك من إل ... ف مداج (13) ولا عدوّ مبين
فمتى ما برزت (14) منه تحوّل ... ت (15) إلى منزل الأذى (16) والهون
وتراءى لك الشّقاء (17) الّذي تل ... قى فتبكي له بدمع هتون (18)
فاستدم عيشك (19) الرّغيد (20) وحاذر (21) ... أن تبيع المحقوق (22) بالمظنون (23)
واحترس من مخادع لك يرقي ... ك ليلقيك في العذاب المهين
__________
(1) هو حجر معروف شديد البياض رخو رقيق يوجد على وجه البحر يوضع في الأكحال ذكر الحكماء أن من خاصيته إذا علق على امرأة ماخض سهلت ولادتها.
(2) سحق.
(3) أي ما طلب.
(4) أي قلب خديه في التراب.
(5) يقال اسحنفر إذا مضى مسرعا أو اتسع في كلامه والمراد أنه اجتهد وشمر للكتابة.
(6) الولد ما دام في بطن أمه.
(7) يشير إلى قوله عليه الصلاة والسلام الدين النصيحة.
(8) مستمسك وممتنع.
(9) بيت.
(10) ساتر.
(11) أصله المكان المطمئن الذي يستقر فيه الماء وأراد به الرحم.
(12) أي حريز وفي التنزيل فجعلناه في قرار مكين أي في الرحم وهو مكين عند السلطان أي ذو منزلة وقد مكن مكانة.
(13) أي أليف منافق.
(14) أي خرجت.
(15) انتقلت.
(16) يريد به الدار الدنيا فإنها لا راحة فيها.
(17) المراد به الكد والتعب وتحمل مشاق الدنيا.
(18) كثير الهتن وهو الصب والسكب.
(19) أي فالزم معيشتك.
(20) أي الطيب الواسع.
(21) أي احذر.
(22) المشاهد لك المجرّب.
(23) الذي يحتمل وجدانه وعدمه.(1/416)
ولعمري لقد نصحت ولكن ... كم نصيح مشبّه بظنين (1)
ثمّ إنّه طمس المكتوب (2) على غفلة، وتفل عليه مائة تفلة، وشدّ الزّبد في خرقة حرير، بعد ما ضمّخها (3) بعبير (4)، وأمر بتعليقها على فخذ الماخض (5)، وأن لا تعلق بها (6) يد حائض. فلم يكن إلّا واق (7) شارب، أو فواق حالب (8)، حتّى اندلق (9) شخص الولد، لخصّيصى الزّبد (10)، بقدرة الواحد الصّمد. فامتلأ القصر حبورا (11)، واستطير عميده (12) وعبيده سرورا، وأحاطت الجماعة بأبي زيد تثني عليه، وتقبّل يديه، وتتبرّك بمساس طمريه (13)، حتّى خيّل إليّ أنّه القرنيّ أويس (14)، أو الأسديّ دبيس (15). ثمّ انثال (16) عليه من
__________
(1) بمتهم من الظنّة بكسر الظاء وهي التهمة.
(2) أي طواه وغطاه ويجوز أنه محاه.
(3) لطخها.
(4) أي بأخلاط من الطيب.
(5) التي أخذها المخاض وهو الطلق.
(6) تمسها.
(7) أي كذوق الشيء باللسان من قولهم ما ذقت اليوم ذواقا أي شيئا وكانوا لا يتفرقون إلّا عن ذواق.
(8) هو الزمن الذي بين الحلبتين أي زمنا يسيرا وفي نسخة ولم يكن إلا كنفثة راق أو مهلة فواق.
(9) خرج يقال اندلق السيف من غمده إذا خرج وسقط من غير أن يسلّ والدلق والاندلاق خروج الشيء من محله سريعا.
(10) لشدة اختصاصه بذلك.
(11) فرحا وسرورا.
(12) أي كاد يطير سيده وصاحبه يقال استطار إذا خف واستطار الفجر إذا انتشر واستطار البرق إذا انتشر.
(13) أي بمس ثوبيه الخلقين.
(14) هو أفضل زهاد الكوفة كان من كبار التابعين رضي الله عنه أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال إذا لقيتم أويس القرني فأقرئوه عني السلام فو الذي نفسي بيده لو يتشفع في ربيعة ومضر ليشفعه فيهم الله وقال أيضا إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن إشارة إليه نفعنا الله به كان رحمه الله زاهدا ورعا تقيا وكان طعامه من لقط النوى وإذا فضل منه شيء باعه وتصدق بثمنه وكان لباسه من قطع المزابل يخيطها في بعضها ويلبسها وإذا مرّ بالصبيان رجموه يظنونه مجنونا.
(15) هو الأمير سيف الدولة بن يزيد الأسدي كان أميرا في حلة العراق ببغداد وكان كريما جوادا قال الفنجديهي ويقال البندهي سمعت بعض الفضلاء ببغداد يقول لما سمع دبيس أن الحريري ذكره في مقاماته وأورد بعض صفاته فيها أنفذ إليه من الخلع السنية والجوائز الهنية ما عجز عنه الوصف وكل عن إدراكه الطرف.
(16) تتابع وانصب.(1/417)
جوائز المجازاة (1)، ووصائل الصّلات (2)، ما قيّض (3) له الغنى، وبيّض وجه المنى (4). ولم يزل ينتابه (5) الدّخل (6)، مذ نتج السّخل (7)، إلى أن أعطي البحر الأمان، وتسنّى (8) الإتمام (9) إلى عمان (10)، فاكتفى (11) أبو زيد بالنّحلة (12)، وتأهّب للرّحلة (13)، فلم يسمح الوالي بحركته (14)، بعد تجربة بركته، بل أوعز (15)
بضمّه إلى حزانته (16)، وأن تطلق يده في حزانته. قال الحارث بن همّام: فلمّا رأيته قد مال، إلى حيث يكتسب المال، أنحيت عليه (17) بالتّعنيف (18)، وهجّنت (19)
له مفارقة المألف (20) والأليف (21). فقال إليك عنّي (22)، واسمع منّي:
لا تصبونّ (23) إلى وطن ... فيه تضام (24) وتمتهن (25)
__________
(1) أي عطايا المقابلة.
(2) الوصائل جمع وصيلة وهي ما يوصل به الشيء كالمعونة وعلى هذا مراده صلات متتالية متتابعة كأنها موصولات وقال الجوهري الوصائل ثياب مخططة يمانية.
(3) ما سبب.
(4) المنى المطالب وتبييض وجهها كناية عن عظمها وحسنها.
(5) يأتيه نوبة بعد نوبة أي مرة بعد أخرى.
(6) الرزق الداخل.
(7) الولد وأصله ولد الشاة ساعة تضعه أمه.
(8) تمهل.
(9) أي المضي.
(10) بالضم من بلاد الجزيرة وبالفتح والتشديد موضع آخر بالشام.
(11) اقتنع.
(12) أي العطية.
(13) أي الرحيل والسفر.
(14) أي سفره.
(15) أي أشار وأمر.
(16) بضم الحاء المهملة جماعته وعياله الذين يحزنون لنكبته أو لفقده أو يحزن هو لضيعتهم.
(17) أقبلت عليه.
(18) اللوم والتوبيخ.
(19) قبحت من الهجنة وهي العار.
(20) البلد والموطن.
(21) الصاحب.
(22) أي تنحّ وتباعد قال الشاعر:
قال المنجم والطبيب كلاهما ... لا تحشر الأموات قلت إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر ... أو صح قولي فالخسار عليكما
(23) أي تميلنّ وتشتاقنّ.
(24) تظلم وتذلّ.
(25) تحتقر.(1/418)
وارحل عن الدّار الّتي ... تعلي الوهاد (1) على القنن (2)
واهرب إلى كنّ يقي (3) ... ولو أنّه حضنا حضن (4)
واربأ (5) بنفسك أن تقي ... م بحيث يغشاك الدّرن (6)
وجب البلاد (7) فأيّها ... أرضاك (8) فاختره وطن
ودع التّذكّر للمعا ... هد (9) والحنين (10) إلى السّكن (11)
واعلم بأنّ الحر في ... أوطانه يلقى الغبن (12)
كالدّرّ في الأصداف يستز ... رى (13) ويبخس (14) في الثّمن
ثمّ قال: حسبك (15) ما استمعت، وحبّذا (16) أنت لو اتّبعت (17)! فأوضحت له معاذيري (18)، وقلت له: كن عذيري (19). فعذر واعتذر، وزوّد (20) حتّى لم يذر (21).
ثمّ شيّعني (22) تشييع الأقارب، إلى أن ركبت في القارب (23)، فودّعته وأنا أشكو الفراق وأذمّه، وأودّ لو كان هلك الجنين وأمّه.
__________
(1) جمع وهدة وهي ما انخفض من الأرض.
(2) جمع قنة وهي أعلى الجبل وأراد بالوهاد أسافل الناس وبالقنن أشرافهم.
(3) موضع يمنع ويحمي.
(4) حضن جبل بأعلى نجد وحضناه جانباه.
(5) ارفع والمقصود انج بنفسك يقال إني لأربأ بك عن هذا أي أرفعك عنه وأجلك.
(6) الوسخ وأراد به الهوان والذل.
(7) أي اقطعها واختبرها.
(8) أعجبك ورضيت له.
(9) المنازل.
(10) أي الأنين من الشوق قال:
حنت قلوصي إلي بابوسها جزعا ... فما حنينك أم ما أنت والذكر
البابوس الولد.
(11) الأهل الذين يسكن إليهم ويأنس بهم.
(12) أي الضعف والنسيان أي يستضعف وينسى.
(13) يحتقر.
(14) ينقص.
(15) يكفيك.
(16) كلمة تعجب أصلها أحبب بذا (كذا في الأصل).
(17) أي طاوعت.
(18) أي أعذاري.
(19) عاذرا لي وهو في الأصل مصدر كالنكير.
(20) أي أعطاه الزاد.
(21) أي لم يترك مما احتاج إليه من الزاد شيئا.
(22) ودّعني.
(23) زورق صغير يكون مع أصحاب السفن الكبار يستعملونه بقضاء حوائجهم أو هو نوع من السفن.(1/419)
المقامة الأربعون التّبريزيّة
أخبر الحارث بن همّام، قال: أزمعت (1) التّبريز (2) من تبريز (3)، حين نبت بالذّليل والعزيز (4)، وخلت من المجير (5) والمجيز (6). فبينا أنا في إعداد الأهبة (7)، وارتياد الصّحبة (8)، ألفيت بها أبا زيد السّروجيّ ملتفّا بكساء، ومحتفّا (9) بنساء، فسألته عن خطبه (10)، وإلى أين يسرب (11) مع سربه (12)؟ فأومأ (13)
إلى امرأة منهنّ باهرة السّفور (14)، ظاهرة النّفور، وقال: تزوّجت هذه لتؤنسني في
__________
(1) عزمت يقال أزمع المسير وعلى المسير إذا عزم عليه مثل أجمعته وأجمعت عليه إذا عقد قلبه عليه وقصده.
(2) أصله الخروج إلى البراز وهو الأرض الواسعة التي لا شجر فيها والمراد هنا الخروج للسفر.
(3) قرية من بلاد العواصم من كور أذربيجان من عمل خراسان بينها وبين المراغة عشرون فرسخا.
(4) نبا به المكان نحاه عنه ورفعه والمراد إنها صارت لا تصلح للإقامة.
(5) من الجوار وهو الأمان.
(6) الذي يعطي الجائزة أو الذي يجيز القافلة من مواضع الخوف أو الولي والوصي.
(7) تهيئة حوائج السفر.
(8) أي طلب من يصاحبه في السفر.
(9) أي ومحاطا حوله.
(10) أمره وشأنه.
(11) يذهب ويسير.
(12) السرب بالكسر قطيع الظباء فاستعير للنساء.
(13) أشار.
(14) أي إنها جميلة تبهر وتدهش من يرى وجهها لحسنها مصدر سفرت المرأة فهي سافرة إذا رفعت النقاب عن وجهها.(1/420)
الغربة، وترحض (1) عنّي قشف العزبة (2)، فلقيت منها عرق القربة (3)، تمطلني بحقّي (4)، وتكلّفني فوق طوقي (5)، فأنا منها نضو وجى (6)، وحلف شجو (7)
وشجى (8). وها نحن قد تساعينا إلى الحاكم، ليضرب على يد الظّالم (9)، فإن انتظم بيننا الوفاق، وإلّا فالطّلاق والانطلاق (10). قال: فملت (11) إلى أن أخبر لمن الغلب (12)، وكيف يكون المنقلب (13)، فجعلت شغلي دبر أذني (14)، وصحبتهما وإن كنت لا أغني (15). فلمّا حضر القاضي وكان ممّن يرى فضل الإمساك (16)، ويضنّ (17) بنفاثة السّواك (18)، جثا (19) أبو زيد بين يديه، وقال: أيّد الله القاضي وأحسن إليه. إنّ مطيّتي (20) هذه أبيّة القياد (21)، كثيرة الشّراد (22)
__________
(1) تغسل وتزيل.
(2) القشف التغير وسوء العيش والمقشف من لا يتعهد نفسه وثيابه بالغسل والنظافة والعزبة عدم التزوج.
(3) قال الأصمعي معناه الشدة ولا أدري ما أصله وقيل إنه العرق الحاصل لحامل القربة وأصله أن القرب إنما تحملها الأماء الزوافر ومن لا ماهن له وربما افتقر الكريم فاحتاج إلى حملها بنفسه فيعرق لما يلحقه من المشقة والحياء أي وجدت منها عرق الحامل للقربة.
(4) كناية عن عدم رضاها وامتناعها عن مواصلته.
(5) أي طاقتي.
(6) النضو البعير المهزول والوجى كلال الرجل وكنى به عن شدة شرهها وما يلقاه من كيدها.
(7) أي ملازم للحزن من سوء عشرتها.
(8) أصله الشوكة تعترض في الحلق.
(9) أي ليمنع الظالم منا ويردعه من قولهم ضرب القاضي على يده إذا حجر عليه ومنعه من التصرف.
(10) أي الذهاب.
(11) اشتقت.
(12) بالتحريك أي من يكون غالبا منها.
(13) أي ما يؤول إليه الأمر بالرجوع.
(14) أي خلف أذني كما يقال جعلته وراء ظهري كناية عن تركه مصالح نفسه.
(15) لا أنفع.
(16) البخل والشح.
(17) يبخل.
(18) ما يطرح من الفم بعد الاستياك من السواك وهو مثل للشيء التافه يقال لو سألتني نفاثة سواك ما أعطيتك.
(19) أي برك.
(20) أصلها الراحلة وكنى بها عن الزوجة.
(21) القياد حبل تقاد به الدابة (كذا في الأصل) يريد أنها مستعصية عن الطاعة.
(22) الشراد والشرود كالنفار والنفور وزنا ومعنى.(1/421)
مع أنّي أطوع لها من بنانها (1)، وأحنى (2) عليها من جنانها (3). فقال لها القاضي: ويحك! أما علمت أنّ النّشوز (4) يغضب الرّبّ (5)، ويوجب الضّرب.
فقالت: إنّه ممّن يدور خلف الدّار، ويأخذ الجار بالجار. فقال له القاضي: تبّا لك (6)! أتبذر في السّباخ، وتستفرخ حيث لا إفراخ؟ اعزب (7) عنّي لا نعم عوفك، ولا أمن خوفك. فقال أبو زيد: إنّها ومرسل الرّياح، لأكذب من سجاح (8)! فقالت: بل هو ومن طوّق الحمامة (9)، وجنّح النّعامة (10)، لأكذب من أبي ثمامة (11)، حين مخرق باليمامة (12). فزفر (13) أبو زيد زفير الشّواظ (14)، واستشاط (15) استشاطة المغتاظ (16)، وقال لها: ويلك (17) يا دفار يا فجار (18)، يا غصّة البعل (19) والجار، أتعمدين (20) في الخلوة (21) لتعذيبي، وتبدين (22) في الحفلة (23) تكذيبي! وقد علمت أنّي حين بنيت عليك (24)، ورنوت إليك (25)، ألفيتك أقبح من قردة (26)، وأيبس من قدّة (27)، وأخشن من ليفة، وأنتن من جيفة،
__________
(1) أطراف أصابعها.
(2) أشفق وأرحم.
(3) قلبها.
(4) مخالفة الزوج.
(5) يعني به هنا الزوج فإن الرب السيد وهو يقال للزوج ومنه وألفينا سيدها لدى الباب.
(6) أي خسرا وهلاكا.
(7) ابعد.
(8) هي بنت المنذر ادعّت النبوة بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهد مسيلمة الكذاب ولما سمع بها خاف أن يتبعها الناس فتوجه إليها وخطبها لنفسه فوهبت نفسها له. قيل إنها أسلمت وحسن إسلامها.
(9) جعل لها طوقا.
(10) جعل لها جناحين.
(11) كنية مسيلمة الكذاب وأمره مشهور.
(12) المخرقة افتعال الكذب وهي كلمة مولدة.
(13) تنفس بغيظ وأصل الزفير توهج النار.
(14) أي النار بلا دخان.
(15) احترق قلبه من الغيظ.
(16) الغضبان.
(17) أي ويل لك وهي كلمة توبيخ.
(18) أي يا نتنة يا فاجرة.
(19) الزوج.
(20) أي أتقصدين.
(21) أي حين أخلو معك.
(22) تظهرين.
(23) في محفل الناس وحضورهم.
(24) أي ليلة دخولي بك.
(25) نظرتك.
(26) هو من أمثال المولدين.
(27) هي القطعة من الجلد غير المدبوغة.(1/422)
وأثقل من هيضة (1)، وأقذر من حيضة (2)، وأبرز من قشرة (3)، وأبرد من قرّة (4)، وأحمق من رجلة (5)، وأوسع من دجلة (6). فسترت عوارك (7)، ولم أبد عارك (8)، على أنّه لو حبتك شيرين (9) بجمالها، وزبيدة (10) بمالها، وبلقيس (11)
بعرشها (12)، وبوران (13) بفرشها، والزّبّاء (14) بملكها، ورابعة بنسكها (15)، وخندف بفخرها (16)، والخنساء بشعرها (17) في صخرها، لأنفت (18) أن تكوني قعيدة
__________
(1) تخمة ينشأ عنها القيء والإسهال.
(2) الحيضة بالكسر خرقة الحائض التي تحتشي بها ومنها قول عائشة رضي الله عنها ليتني كنت حيضة ملقاة.
(3) أراد أنها غير مخدرة.
(4) أي من ليلة باردة.
(5) هي البقلة الحمقاء وسيأتي في تفسير المقامة ما فيه.
(6) هو نهر بالعراق يريد أنه وجدها مفتضة.
(7) عيبك.
(8) أي لم أظهر فضيحتك.
(9) هي امرأة كسرى وكانت غاية في الجمال.
(10) هي زوج هارون الرشيد وجدها المنصور وعمها المهدي وابنها الأمين فأحاطت بها الخلافة من كل جانب وكانت ذات مال أنفقت في سبيل الله وفي الحج وفي بناء المساجد ألف ألف وسبعمائة ألف دينار ولها خيرات كثيرة.
(11) هي زوج نبي الله سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام وهي التي ذكرت قصتها في سورة النمل وكانت ملكة سبأ.
(12) أي بسريرها وكان صفائح ذهب قد رصعت بفصوص الياقوت واللؤلؤ وأنواع الجواهر.
(13) هي ابنة الحسن بن سهل وكانت من أجمل أهل عصرها تزوجها المأمون بن الرشيد في أيام خلافته ولما أملك عليها قيل إن أباها كتب أسماء ضياع وعقارات ونثرها في مجلس العقد على الحاضرين فكل من وقعت في يده رقعة تملك ما كتب فيها.
(14) هي ملكة اليمامة قبل الإسلام وكانت من بنات العمالقة واسمها ليلى تملكت الملك بعد أبيها لعدم الولد وأحسنت السياسة وخطبها جذيمة الأبرش وكانت تبغض الرجال فخدعته حتى أتاها فقتلته ثم تحيل قصير وعمرو حتى قتلاها وقصتها مشهورة.
(15) أي عبادتها وهي رابعة بنت إسماعيل العدوية الشهيرة بالنسك والفضل.
(16) هي ليلى بنت حلوان امرأة إلياس بن عمرو وهي أم العرب وجميع القبائل من ولدها فلها الفخر في الجاهلية والإسلام لأن نسب قريش ينتهي إليها.
(17) الخنساء بنت عمرو بن الشريد أجمع علماء البلاغة على أنه لم تكن قط امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها لا سيما ما رثت به صخرا أخاها.
(18) أي لكرهت.(1/423)
رحلي (1)، وطروقة فحلي (2). قال: فتذمّرت (3) المرأة وتنمّرت (4)، وحسرت عن ساعدها وشمّرت، وقالت له: يا ألأم من مادر (5)، وأشأم من قاشر، وأجبن من صافر، وأطيش من طامر، أترميني بشنارك (6)، وتفري (7) عرضي (8) بشفارك (9)، وأنت تعلم أنّك أحقر من قلامة (10) وأعيب من بغلة أبي دلامة (11) وأفضح من حبقة (12) في حلقة (13)، وأحير من بقّة (14)، في حقّة. وهبك الحسن (15) في وعظه ولفظه، والشّعبيّ (16) في علمه وحفظه، والخليل (17) في عروضه ونحوه،
__________
(1) القعيدة ما يركب عليه.
(2) هي الناقة التي بلغت أن يطرقها الفحل.
(3) غضبت.
(4) تشبهت بالنمر وتنكرت.
(5) رجل بخيل لئيم سيذكره المؤلف في تفسير هذه المقامة وكذا ما بعده.
(6) عارك وعيبك.
(7) تقطع.
(8) هو موضع المدح والذم من الإنسان.
(9) أي بسكاكينك يعني بكلامك المؤلم.
(10) هي ما يقصّ من الظفر ويرمى.
(11) كانت أقبح الدواب يضرب بها المثل في كثرة العيوب وله فيها قصيده منها قوله:
أرى الشهباء تعجن إذ غدونا ... برجليها وتخبز باليدين
وأبو دلامة اسمه زند بالنون ابن الجون وهو كوفي أسود مولى لبني أسد أدرك آخر أيام بني أمية ونبغ في أيام بني العباس ومدح عبد الله السفاح والمنصور ومن عيوب بغلته أنها كانت تحبس بولها فإذا ركبها ومرّ بها على جماعة وقفت ورفعت ذنبها وبالت ثم رشتهم ببولها.
(12) ضرطة.
(13) أي في جماعة.
(14) هي من كبار البعوض.
(15) أي البصري وهو العالم المشهور بالدين والصلاح من التابعين كان أحسن الناس لفظا وأبلغهم وعظا وكان مقدما في العلم والدين على أقرانه مات سنة مائة وعشر وله من العمر تسعون سنة رحمه الله.
(16) هو عامر بن عبد الله بن شراحيل منسوب إلى شعب قبيلة باليمن كان عالما حافظا أديبا وأخباره أشهر من أن تذكر.
(17) هو أبو عبد الرحمن بن أحمد البصري من أزهد الناس وأعلاهم نفسا وأشدهم تعففا هاداه الملوك فلم يقبل كان يغزو سنة ويحج سنة وكان غاية في النحو وهو واضع علم العروض ومقسم الشعر إلى البحور المستعملة الآن رحمة الله عليه.(1/424)
وجريرا (1) في غزله (2) وهجوه (3)، وقسّا (4) في فصاحته وخطابته، وعبد الحميد (5) في بلاغته وكتابته (6)، وأبا عمرو (7) في قراءته (8) وإعرابه (9)، وابن قريب (10) في روايته عن أعرابه (11). أتظنّني أرضاك إماما لمحرابي، وحساما لقرابي!؟ لا والله! ولا بوّابا لبابي، ولا عصا لجرابي. فقال لهما القاضي: أراكما شنّا وطبقة، وحدأة وبندقة (12). فاترك أيّها الرّجل اللّدد (13)، واسلك في سيرك الجدد (14)، وأمّا أنت فكفّي عن سبابه (15)، وقرّي (16) إذا أتى البيت من بابه، فقالت المرأة: والله ما أسجن (17) عنه لساني، إلّا إذا كساني. ولا أرفع له شراعي، دون إشباعي. فحلف أبو زيد بالمحرّجات الثّلاث (18)، أنّه لا يملك سوى
__________
(1) هو ابن عطية بن الخطفي كان شاعرا من فحول شعراء العرب اتفق العلماء على أن أشعر الإسلاميين الفرزدق والأخطل وجرير وهو أحسنهم.
(2) الغزل ذكر محاسن المحبوب ومدحه.
(3) هو ذكر قبائح المبغض وذمه.
(4) هو قس بن ساعدة الإيادي يضرب به المثل في الفصاحة والخطابة وهو من حكماء العرب كان مؤمنا بالله ومبشرا برسوله وهو أول من خطب متوكئا على عصا وكان سبطا من أسباط العرب صحيح النسب فصيحا ذا شيبة حسنة عمر سبعمائة سنة وخطبته بسوق عكاظ مشهورة.
(5) هو كاتب مروان بن محمد آخر ملوك بني أميّة كان إماما في الكتابة مقدما في الخطابة والفصاحة بليغا مراسلا قتله عبد الله بن السفاح بين يديه رحمة الله عليه.
(6) أي إنشائه.
(7) هو ربان بن العلاء كان مقدما في عصره عالما بالقراءة قدوة في العلم واللغة أماما في العربية أعرف أهل زمانه بأيام العرب وأنسابها وأشعارها ونذر على نفسه أن يختم القرآن في كل ثلاث ليال.
(8) السبعية.
(9) في النحو.
(10) هو عبد الملك بن قريب الأصمعي تقدم ذكر مناقبه فراجعها.
(11) هم أهل البادية.
(12) هذا مثل وسيأتي تفسيره وأراد أنكما متكافئان.
(13) الخصومة الشديدة.
(14) أصله الأرض الصلبة والمراد اتبع الحق واترك الباطل.
(15) سبه.
(16) اسكني.
(17) ما أكف.
(18) هي والله وبالله وتالله وقيل هي الطلاق بالثلاث وقيل هي الطلاق والعتق والمشي إلى مكة.(1/425)
أطماره (1) الرّثاث (2). فنظر القاضي في قصصهما (3) نظر الألمعيّ (4)، وأفكر فكرة اللّوذعيّ (5). ثمّ أقبل عليهما بوجه قد قطّبه (6)، ومجنّ قد قلبه (7)، وقال: ألم يكفكما التّسافه (8) في مجلس الحكم، والإقدام (9) على هذا الجرم (10)، حتّى تراقيتما (11) من فحش المقاذعة (12)، إلى خبث المخادعة. وايم الله! لقد أخطأت استكما الحفرة (13)، ولم يصب سهمكما الثّغرة (14)، فإنّ أمير المؤمنين، أعزّ الله ببقائه الدّين، نصبني لأقضي بين الخصماء، لا لأقضي دين الغرماء (15)! ووحقّ نعمته الّتي أحلّتني هذا المحلّ، وملّكتني العقد والحلّ (16)، لئن لم توضحا (17)
لي جليّة (18) خطبكما (19)، وخبيئة خبّكما (20)، لأندّدنّ (21) بكما في الأمصار (22)، ولأجعلنّكما عبرة لأولي الأبصار. فأطرق أبو زيد إطراق الشّجاع (23)، ثمّ قال له:
سماع سماع (24).
أنا السّروجيّ وهذي عرسي (25) ... وليس كفو البدر غير الشّمس
وما تنافى (26) أنسها وأنسي ... ولا تناءى (27) ديرها عن قسّي (28)
__________
(1) أثوابه الخلقة.
(2) البالية.
(3) خبرهما.
(4) هو الذي يكتفي بأول الكلام عن آخره.
(5) الفطن الذكي الظريف الحاد الذهن.
(6) عبسه.
(7) المجن الترس وهو كناية عن إظهار الشر.
(8) الإفحاش والتشاتم.
(9) التجري.
(10) الذنب.
(11) تعاليتما وتطاولتما.
(12) المشاتمة.
(13) هذا مثل يضرب لمن يخطىء في مقصده ويروى أن المختار بن أبي عبيد قال وهو بالكوفة لأدخلنّ البصرة ولأومئنّ دونها بنشاب ثم لأملكنّ السند والهند فلما بلغ هذا القول الحجاج قال أخطأت استه الحفرة إنا والله صاحب ذاك.
(14) هي النقرة التي في الرقبة وهي النحر.
(15) جمع غريم وهو من عليه الدين ومن له الدين معا.
(16) الأمر والنهي.
(17) تبينا.
(18) حقيقة.
(19) أمركما.
(20) أي ما أخفيتما من خداعكما.
(21) لأشهرنّ ذكركما بما فعلتماه من المكر والخبث.
(22) المدائن.
(23) الحية.
(24) اسم فعل بمعنى اسمع اسمع.
(25) زوجتي.
(26) تباعد واختلف.
(27) بعد.
(28) الدير موضع عباد النصارى والقس والقسيس رئيس الدين والعلم.(1/426)
ولا عدت (1) سقياي (2) أرض غرسي (3) ... لكنّنا منذ ليال خمس
نصبح في ثوب الطّوى (4) ونمسي ... لا نعرف المضغ ولا التّحسّي (5)
حتّى كأنّا لخفوت النّفس (6) ... أشباح (7) موتى نشروا من رمس (8)
فحين عزّ الصّبر (9) والتّأسّي (10) ... وشقّنا (11) الضّرّ الأليم المس
قمنا لسعد الجدّ (12) أو للنّحس (13) ... هذا المقام لاجتلاب (14) فلس (15)
والفقر يلجي الحرّ حين يرسي (16) ... إلى التّحلّي (17) في لباس اللّبس (18)
فهذه حالي وهذا درسي ... فانظر إلى يومي وسل عن أمسي
وأمر بجبري (19) إن تشا أو حبسي ... ففي يديك صحّتي (20) ونكسي (21)
فقال له القاضي: ليثب (22) أنسك (23)، ولتطب نفسك، فقد حقّ لك أن تغفر خطيّتك، وتوفّر عطيّتك (24). فثارت (25) الزّوجة عند ذلك واستطالت (26)، وأشارت إلى الحاضرين، وقالت:
__________
(1) تجاوزت.
(2) يقال أسقيته إذا جعلت له سقيا.
(3) يعني محل الولد.
(4) الجوع.
(5) الأكل والشرب وقيل أراد بالمضغ والتحسي أكل الخبز واللحم وحسو المرق وقيل المضغ في الرخاء والتحسي في الجدب كاستعمالهم السخينة وغيرها.
(6) ضعفها من شدة الجوع.
(7) أجساد.
(8) أي خرجوا من قبر.
(9) قل.
(10) الاقتداء بالغير في النصبر أو إن يرى ذا البلاء مثله فيكون قد ساواه فيه فيسكن ذلك من وجده ومنه قول الخنساء أعزي النفس عنه بالتأسي.
(11) أوجعنا.
(12) الحظ والبخت.
(13) أي للخيبة والحرمان.
(14) أي لجلب.
(15) واحد الفلوس.
(16) يثبت ويقيم.
(17) بالجيم التكشف والظهور وبالحاء الخاطر فهما نسختان.
(18) ثياب التخليط.
(19) بإصلاحي أو بالعطاء الذي أصير به مجبور الخاطر.
(20) شفائي من المرض.
(21) خيبتي والنكس معاودة المرض وأصله قلب الشيء على رأسه.
(22) أي ليعد ويرجع.
(23) أي ما تأنس به.
(24) أي تكون وافرة كثيرة.
(25) وثبت.
(26) تطاولت وانتصبت.(1/427)
يا أهل تبريز لكم حاكم ... أوفى على الحكّام (1) تبريزا (2)
ما فيه من عيب سوى أنّه ... يوم النّدى قسمته ضيزى (3)
قصدته والشّيخ نبغي جنى (4) ... عود له ما زال مهزوزا (5)
فسرّح الشّيخ (6) وقد نال من ... جدواه (7) تخصيصا وتمييزا (8)
وردّني أخيب من شائم (9) ... برقا خفا (10) في شهر تمّوزا (11)
كأنّه لم يدر أنّي الّتي ... لقّنت ذا الشّيخ الأراجيزا (12)
وأنّني إن شئت غادرته (13) ... أضحوكة (14) في أهل تبريزا
قال: فلمّا رأى القاضي اجتراء جنانهما (15)، وانصلات لسانهما (16)، علم أنّه قد مني (17) منهما بالدّاء العياء (18)، والدّاهية الدّهياء (19). وأنّه متى منح (20)
أحد الزّوجين، وصرف الآخر صفر اليدين (21)، وكان كمن قضى الدّين بالدّين،
__________
(1) أي أشرف عليهم.
(2) ظهورا وسبقا.
(3) أي جائزة وهي على فعلى من ضازه حقه يضيزه إذا بخسه ونقصه وإنما كسروا الفاء لتسلم الياء كما في بيض وغيره.
(4) أي نطلب ثمر شجر.
(5) مقصودا يقصده كل أحد ويهزه لينال من ثمره.
(6) أرضاه.
(7) عطيته.
(8) تشريفا.
(9) ناظر.
(10) لمع لمعانا خفيا.
(11) هو شهر أشد الشهور الرومية حرّا.
(12) جمع أرجوزة وهي أبيات القصيدة من بحر الرجز.
(13) تركته.
(14) يضحك عليه أو يضحك منه.
(15) قوة قلبهما.
(16) خروج لسانهما لأنه يقال انصلت السيف من غمده إذا انسل منه.
(17) ابتلي.
(18) الذي لا برء له أي الذي أعيا الأطباء كالعضال.
(19) أي المصيبة العظمى الشديدة الدهاء كما يقال ليلة ليلاء أي شديدة الظلمة.
(20) أعطى.
(21) أي من غير عطاء.(1/428)
أو صلّى المغرب ركعتين. فطلسم وطرسم، واخرنطم وبرطم، وهمهم وغمغم (1)، ثمّ التفت يمنة وشامة (2)، وتململ (3) كآبة (4) وندامة (5)، وأخذ يذمّ القضاء ومتاعبه، ويعدّ شوائبه (6) ونوائبه (7)، ويفنّد طالبه (8) وخاطبه (9). ثمّ تنفّس كما يتنفّس الحريب (10)، وانتحب (11) حتّى كاد يفضحه النّحيب، وقال: إنّ هذا لشيء عجيب (12)، أأرشق (13) في موقف بسهمين؟ أألزم في قضيّة بمغرمين (14)؟ أأطيق أن أرضي الخصمين، ومن أين ومن أين؟ ثمّ عطف (15) إلى حاجبه (16)، المنفذ لمآربه (17)، وقال: ما هذا يوم حكم وقضاء، وفصل وإمضاء (18)، هذا يوم الاعتمام، هذا يوم الاغترام (19)، هذا يوم البحران (20)، هذا يوم الخسران (21)، هذا يوم عصيب (22)، هذا يوم نصاب فيه (23) ولا نصيب (24)، فأرحني من هذين المهذارين (25)، واقطع لسانهما (26) بدينارين. ثمّ فرّق الأصحاب، وأغلق الباب، وأشع (27) أنّه يوم مذموم، وأنّ القاضي فيه مهموم، لئلّا يحضرني خصوم. قال:
__________
(1) هذه الكلمات الست سيأتي تفسيرها بعد تمام هذه المقامة.
(2) أي يمينا وشمالا أو جهة اليمن وجهة الشام.
(3) اضطرب.
(4) حزنا.
(5) حسرة.
(6) ما يخالطه من الأكدار والأقذار.
(7) مصائبه.
(8) يلومه أو ينسبه إلى الفند وهو ضعف الرأي.
(9) أي قاصده.
(10) المحروب الذي سلب ماله بالحرب.
(11) بكى بصوت.
(12) يتعجب منه.
(13) أأرمى.
(14) غرامتين.
(15) مال والتفت.
(16) أي الذي يمنع من يدخل عليه بغير إذن.
(17) أي حوائجه.
(18) تنفيذ حكم.
(19) دفع الغرامة.
(20) هو اليوم الذي يحدث فيه التغير للمريض دفعة في الأمراض الحادة يسمونه الأطباء (كذا في الأصل) يوم بحران بالإضافة وهو مولد.
(21) الخسارة.
(22) شديد.
(23) يؤخذ منا.
(24) أي ولا نأخذ شيئا.
(25) أي الكثيري الكلام بغير فائدة.
(26) أي أرضهما حتي يسكتا ويروى أنه عليه الصلاة والسلام لما سمع قول العباس بن مرداس أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع الأبيات قال اقطعوا عني لسانه فأعطوه مائة ناقة.
(27) أعلم وأظهر.(1/429)
فأمّن الحاجب على دعائه، وتباكى لبكائه، ثمّ نقد أبا زيد وعرسه المثقالين، وقال:
أشهد أنّكما لأحيل الثّقلين (1). لكن احترما مجالس الحكّام، واجتنبا فيها فحش الكلام، فما كلّ قاض قاضي تبريز، ولا كلّ وقت تسمع الأراجيز. فقالا له: مثلك من حجب (2)، وشكرك قد وجب (3)، ونهضا وقد حظيا بدينارين، وأصليا (4) قلب القاضي نارين (5).
تفسير ما أودع هذه المقامة من الألفاظ اللغوية والأمثال العربية
قوله (لقيت منها عرق القربة) هذا مثل يضرب لمن يلقى شدة من الأمر الذي يزاوله كما أن حامل القربة يلقى جهدا حتى يعرق. وقوله (جعلته دبر أذني) يعني طرحته، وهو كقوله تعالى: {فَنَبَذُوهُ وَرََاءَ ظُهُورِهِمْ}. وقوله (أكذب من سجاح) يعني التي تنبأت في عهد مسيلمة الكذاب وسارت إليه لتناظره وتختبره ثم آمنت به، ووهبت نفسها له. وهذا الاسم مبني على الكسر مثل حذام وقطام لكونه من الأسماء المعدولة واشتقاقه من السجاحة وهي السهولة ومنه قولهم ملكت فاسجح. وقولها (اكذب من أبي ثمامة) هذه كنية مسيلمة الكذاب، وكان تنبأ باليمامة ومخرق بها إلى أن سار إليه خالد بن الوليد رضي الله عنه فقتله. وقوله (لا نعم عوفك) العوف الحال. ويقال للباني على أهله نعم عوفك. وقوله (يا دفار يا فجار) هذان الاسمان معدولان عن دافرة وفاجرة. والدفر النتن، وبه سميت الدنيا أم دفر. وكل ما سمي بصفة غالبة ثم عدل بها إلى فعال، بني على الكسر عند النداء، كقولك: يا لكاع
__________
(1) الأحيل من الحيل بمعني الحول والحيلة والقوة وقال الفراء هو أحيل منك وأحول أي أكثر حيلة وما أحيله لغة في أحوله والثقلين الإنس والجن.
(2) أي من كان مثلك في الصفات هو الذي يستحق أن يكون حاجبا.
(3) لما فعلته معناه من المعروف.
(4) أحرقا.
(5) أي لكل دينار نار وفي نسخة بنارين بزيادة الباء.(1/430)
يا خباث يا دفار يا فجار. ولا يجوز استعمال ذلك في غير النداء إلّا في ضرورة الشعر كقول الحطيئة:
أطوّف ما أطوّف ثم آوي ... إلى بيت قعيدته لكاع
وأما قوله (أحمق من رجلة) فهي ضرب من الحمض تنبت في مجاري السيل فيجترفها. وأما قولها (الأم من مادر) فهو رجل من بني هلال بن عامر كان اتخذ حوضا لسقي إبله فلما رويت سلح فيه ومدره بسلحه لئلا ينتفع به من بعده. وأما قولها (أشام من قاشر) فإنه فحل كان في بعض قبائل سعد بن زيد مناة بن تميم
وقيل المراد به العام المجدب وسمي قاشرا لقشره ما على وجه الأرض من النبات.
وأما قولها (أجبن من صافر) فقد اختلف في تفسيره فقال بعضهم عني به كل ما يصفر من الطير وخصّ بالجبن لكثرة ما يتقيه من جوارح الجوّ ومصائد الأرض.
وقيل إنه طائر بعينه إذا أجنه الليل تعلق ببعض الأغصان ولم يزل يصفر طول ليلته خوفا على نفسه من أن ينام فيؤخذ. وقيل إنه الذي يصفر بالمرأة لريبة وهو يجبن وقت صفيره مخافة أن يظهر على أمره. وقيل المراد به المثل المصفور به وهو الذي ينذر بالصفير ليهرب فعلى هذا القول فاعل هنا بمعنى مفعول كقوله تعالى من ماء دافق أي مدفوق وكقولهم راحلة بمعنى مرحولة وهو كثير في كلامهم وقد جاء مفعول بمعنى فاعل كقوله تعالى: حجابا مستورا، أي ساترا، وكقوله تعالى: إنه كان وعده مأتيّا. وأما قولها (أطيش من طامر) فالمراد به البرغوث ويسمى طامر بن طامر لكثرة وثوبه. وأما قول القاضي (أراكما شنّا وطبقة وحدأة وبندقة) فإنه أراد به أن كلّا منكما كفء لصاحبه ومقاوم له ولكن من المثلين تفسير مختلف فيه. أما شن وطبقة فإن العلماء مختلفون في معنى قولهم وافق شن طبقة فقال الأكثرون أنهما قبيلتان فشن هو ابن افصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار وطبقة حيّ من إياد وكانت طبقة لا تطاق فأوقعت بها شن فانتصفت منها. وقال بعضهم كان شنّ رجلا من دهاة العرب وكان ألزم نفسه أن لا يتزوج إلّا بامرأة تلائمه فكان يجوب البلاد في ارتياد طلبته فصاحبه رجل في بعض أسفاره، فلما أخذ منهما السير قال له شن:
أتحملني أم أحملك؟ فقال له الرجل: يا جاهل وهل يحمل الراكب الراكب!
فأمسك وسارا حتى أتيا على زرع فقال له شن: أترى هذا الزرع أكل أم لا؟ فقال له: يا جاهل أما تراه في سنبله. فأمسك إلى أن استقبلتهما جنازة فقال له شن: أترى صاحبها حيّا أم لا؟ فقال له: ما رأيت أجهل منك. أتراهم حملوا إلى القبر حيا، ثم إنهما وصلا إلى قرية الرجل فصار به إلى منزله وكانت له بنت تسمى طبقة فأخذ يطرفها بحديث رفيقه فقالت له: ما نطق إلا بالصواب ولا استفهمك إلا عما يستفهم عن مثله ذوو الألباب. أما قوله أتحملني أم أحملك فإنه أراد أتحدثني أم أحدثك حتى نقطع الطريق بالحديث. أما قوله أترى هذا الزرع أكل أم لا فإنه أراد هل استسلف أربابه ثمنه أم لا. وأما استفهامه عن حياة صاحب الجنازة فإنه أراد به أخلف عقبا يحيى ذكره به أم لا؟ فلما خرج إلى الرجل حدثه بتأويل ابنته كلامه فخطبها إليه فزوجه إياها. فلما سار بها إلى قومه وخبروا ما فيها من الدهاء والفطنة قالوا وافق شن طبقة فسار مثلا. وحكي أن الأصمعي سئل عن تفسير هذا المثل فقال: أظن الشن وعاء من أدم كان قد استشن فلما اتخذ له غطاء وافقه ضرب فيه هذا المثل. وأما حدأة وبندقة فإنه يقال في المثل المضروب لمن يفزع بعدوّه أو يبلى بنظيره حدا حدا وراءك بندقة. وكان الأصل حدأة بإثبات الهاء فرخم في النداء. وقد اختلف في المراد بهما فقيل الحدأة هو الطائر المعروف وبندقة الرامي، وقيل إنهما قبيلتان من سعد العشيرة، فأغارت حدأة وكانت تنزل بالكوفة، على بندقة وكانت تنزل باليمن، فنالت منهم ثم كرّت بندقة على حدأة فأنحت عليهم. وروى بعضهم هذا المثل حدا حدا غير مهموز على مثال عصا وقفا. وزعم أنه اسم القبيلة. وأما قوله (أخطأت استكما الحفرة) فإنه يضرب لمن يخطىء في مقصده ويضع الشيء في غير موضعه. وأما قوله (طلسم وطرسم) فمعنى طلسم كرّه وجهه ومعنى طرسم أطرق. وقوله (اخرنطم وبرطم) أي غضب وقطب وجهه. وقيل معنى اخرنطم غضب مع تكبر، ومعنى برطم غضب مع تعبس. وأما قوله (همهم وغمغم)، أي لم يبين الكلام.(1/431)
أتحملني أم أحملك؟ فقال له الرجل: يا جاهل وهل يحمل الراكب الراكب!
فأمسك وسارا حتى أتيا على زرع فقال له شن: أترى هذا الزرع أكل أم لا؟ فقال له: يا جاهل أما تراه في سنبله. فأمسك إلى أن استقبلتهما جنازة فقال له شن: أترى صاحبها حيّا أم لا؟ فقال له: ما رأيت أجهل منك. أتراهم حملوا إلى القبر حيا، ثم إنهما وصلا إلى قرية الرجل فصار به إلى منزله وكانت له بنت تسمى طبقة فأخذ يطرفها بحديث رفيقه فقالت له: ما نطق إلا بالصواب ولا استفهمك إلا عما يستفهم عن مثله ذوو الألباب. أما قوله أتحملني أم أحملك فإنه أراد أتحدثني أم أحدثك حتى نقطع الطريق بالحديث. أما قوله أترى هذا الزرع أكل أم لا فإنه أراد هل استسلف أربابه ثمنه أم لا. وأما استفهامه عن حياة صاحب الجنازة فإنه أراد به أخلف عقبا يحيى ذكره به أم لا؟ فلما خرج إلى الرجل حدثه بتأويل ابنته كلامه فخطبها إليه فزوجه إياها. فلما سار بها إلى قومه وخبروا ما فيها من الدهاء والفطنة قالوا وافق شن طبقة فسار مثلا. وحكي أن الأصمعي سئل عن تفسير هذا المثل فقال: أظن الشن وعاء من أدم كان قد استشن فلما اتخذ له غطاء وافقه ضرب فيه هذا المثل. وأما حدأة وبندقة فإنه يقال في المثل المضروب لمن يفزع بعدوّه أو يبلى بنظيره حدا حدا وراءك بندقة. وكان الأصل حدأة بإثبات الهاء فرخم في النداء. وقد اختلف في المراد بهما فقيل الحدأة هو الطائر المعروف وبندقة الرامي، وقيل إنهما قبيلتان من سعد العشيرة، فأغارت حدأة وكانت تنزل بالكوفة، على بندقة وكانت تنزل باليمن، فنالت منهم ثم كرّت بندقة على حدأة فأنحت عليهم. وروى بعضهم هذا المثل حدا حدا غير مهموز على مثال عصا وقفا. وزعم أنه اسم القبيلة. وأما قوله (أخطأت استكما الحفرة) فإنه يضرب لمن يخطىء في مقصده ويضع الشيء في غير موضعه. وأما قوله (طلسم وطرسم) فمعنى طلسم كرّه وجهه ومعنى طرسم أطرق. وقوله (اخرنطم وبرطم) أي غضب وقطب وجهه. وقيل معنى اخرنطم غضب مع تكبر، ومعنى برطم غضب مع تعبس. وأما قوله (همهم وغمغم)، أي لم يبين الكلام.(1/432)
المقامة الحادية والاربعون التّنّيسيّة
حدّث الحارث بن همّام، قال: أطعت دواعي التّصابي (1)، في غلواء شبابي (2)، فلم أزل زيرا للغيد (3)، وأذنا للأغاريد (4)، إلى أن وافى النّذير (5)، وولّى (6) العيش النّضير (7). فقرمت (8) إلى رشد الانتباه، وندمت على ما فرّطت في جنب الله (9). ثمّ أخذت في كسع الهنات (10) بالحسنات (11) وتلافي الهفوات قبل
__________
(1) الدواعي جمع الداعية وهي ما يدعوك إلى أمر والتصابي العشق أو الميل إلى الصبا قال:
فكيف التصابي بعد ما كلأ العمر * ... أي بعد ما تأخر وتصابى الرجل تجاهل
(2) أي أوله.
(3) الزير من الرجال الذي يحب محادثة النساء ومجالستهنّ سمي بذلك لكثرة زيارته لهنّ والجمع الزيرة وأصله الواو والغيد جمع الغيداء وهي المرأة الناعمة.
(4) أي دائم السماع والاستماع سمى نفسه بالجارحة التي هي آلة السماع والاستماع لكثرة ذلك منه يقال هو إذن إذا كان يسمع، مقال كل أحد والأغاريد جمع الأغرود وهو نغمة الغناء.
(5) أي أتى المنذر والمراد به الشيب.
(6) أي مضى وذهب.
(7) أي المعيشة الناعمة وهي أيام الشبيبة.
(8) أي اشتهيت واشتقت.
(9) أي في جانبه وتعظيمه أو في قربه وطاعته أو في أمره ولأجله.
(10) أصل الكسع أن تضرب بيدك أو رجلك على مؤخر الدابة لتسرع وكسعهم بالسيف طردهم والهنات العيوب والسيئات.
(11) أراد اتبعت الحسنات خلف السيئات.(1/433)
الفوات (1)، فملت عن مغاداة (2) الغادات (3)، إلى ملاقاة التّقاة (4)، وعن مقاناة (5)
القينات (6) إلى مداناة (7) أهل الدّيانات (8). وآليت (9) أن لا أصحب إلّا من نزع عن الغيّ (10)، وفاء منشره إلى الطّيّ (11). وإن ألفيت من هو خليع الرّسن (12)، مديد الوسن (13)، أنأيت داري (14) عن داره، وفررت عن عرّه (15) وعاره. فلمّا ألقتني الغربة بتنّيس (16)، وأحلّتني مسجدها الأنيس، رأيت به ذا حلقة (17)
ملتحمة (18)، ونظّارة (19) مزدحمة، وهو يقول بجأش مكين (20)، ولسان مبين (21).
مسكين ابن آدم وأيّ مسكين! ركن من الدّنيا إلى غير ركين (22)، واستعصم (23) منها
__________
(1) أي تدارك الزلات قبل فواتها بالموت.
(2) مفاعلة من الغدو.
(3) جمع الغادة كالغيداء الناعمة من النساء.
(4) هم العلماء العاملون.
(5) هي المخالطة ومنه إقناء المال اتخاذه لما فيه من المخالطة والملازمة.
(6) جمع القينة وهي الأمة الحسناء المغنية.
(7) أي مقاربة.
(8) أي أهل العبادات.
(9) أي حلفت.
(10) أي كف عن الضلال.
(11) فاء أي رجع والمنشر مصدر كالنشر والمعنى أنه تاب وأناب فطوى منشوره الذي كتب فيه مفاضحه.
(12) منهمك في الضلالة متهتك في البطالة كالخليع العذار لا يبالي باللوم في دخوله في المعصية.
(13) أي طويل النوم كناية عن شدة الغفلة.
(14) أي أبعدتها.
(15) أي عن عيبه وأصل العر الجرب.
(16) بلدة من كور مصر بينها وبين دمياط اثنا عشر فرسخا وبين مصر وبينها مسيرة خمسة أيام وهي مدينة قديمة يحيط بها البحر الأعظم تعمل فيها الثياب الرقيقة والعصائب والبرود الموشاة وبها مرسى مراكب الشام والمغرب.
(17) أي صاحب جمع من الناس محتاطين به.
(18) أي ملتصقة.
(19) ناس ينظرون إليه.
(20) وفي نسخة متين أي ثابت.
(21) مفصح.
(22) استند إلى غير قوي والركون الميل والسكون والركن كل ناحية قوية من الجبل أو الدار أو القصر ورجل ركين رزين.
(23) طلب العصمة والوقاية.(1/434)
بغير مكين (1)، وذبح من حبّها بغير سكّين (2). يكلف بها (3) لغباوته (4)، ويكلب عليها (5) لشقاوته، ويعتدّ فيها (6) لمفاخرته، ولا يتزوّد منها لآخرته. أقسم بمن مرج البحرين (7) ونوّر القمرين (8)، ورفع قدر الحجرين (9)، لو عقل ابن آدم، لما نادم (10)! ولو فكّر في ما قدّم، لبكى الدّم! ولو ذكر المكافاة (11)، لاستدرك ما فات! ولو نظر في المآل (12)، لحسّن قبح الأعمال! يا عجبا كلّ العجب! لمن يقتحم (13) ذات اللهب (14)، في اكتناز (15) الذّهب، وخزن النّشب (16)، لذوي النّسب. ثمّ من البدع (17) العجيب، أن يعظك وخط المشيب (18)، وتؤذن (19) شمسك بالمغيب، ولست ترى أن تنيب (20)، وتهذّب المعيب (21). ثمّ اندفع ينشد، إنشاد من يرشد:
__________
(1) أي بغير ذي مكانة وهو ما لا دوام له.
(2) أي وقع في كد وتعب شديد لأن الذبح بالسكين أروح منه بغيرها وفي الحديث من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين.
(3) أي يتولع ويتشبث بها.
(4) أي لجهله وحمقه.
(5) الكلب محركة الإلحاح وشدة الحرص ومنه تكالب الناس على الدنيا اشتد حرصهم عليها وأصل الكلب جنون يأخذ الكلاب من أكل لحوم الناس ولا تعقر إنسانا في تلك الحالة إلا كلب المعقور.
(6) أي يجمع المال ويعده أو يصير نفسه معدودا فيها.
(7) أي خلاهما لا يلتبس أحدهما بالآخر أي لا يختلط العذب بالملح لأن بينهما حاجزا من قدرته.
(8) الشمس والقمر وغلبوا القمر كما قالوا العمرين لأبي بكر وعمر.
(9) الحجر الأسود والحجر الذي كان يصعد عليه إبراهيم الخليل عليه السلام في بنائه الكعبة أو الذي ببيت المقدس وقيل أراد بهما الفضة والذهب.
(10) من المنادمة وهي المحادثة على الشراب.
(11) أي المجازاة على الذنب يوم القيامة.
(12) ما يؤول إليه أمره.
(13) يدخل بشدة من القحمة وهي الشدة.
(14) هي جهنم فإن من يتجارى على السيئات كأنه داخل فيها بنفسه غير مكترث بها.
(15) كنز المال جمعه أو دفعه واكتنز الشيء اجتمع والكنيز تمر يكتنز للشتاء أي يجمع ويدّخر.
(16) أي ادّخار المال.
(17) الشيء المبتدع وكل شيء لم يسبق مثله.
(18) وخطه أي خالطه.
(19) أي تعلم، وكنى بمغيب شمسه عن موته.
(20) أي ترجع عما أنت فيه.
(21) أي تصلح ما عابك من الذنوب.(1/435)
يا ويح من أنذره شيبه (1) ... وهو على غيّ الصبا منكمش (2)
يعشو (3) إلى نار الهوى (4) بعدما ... أصبح من ضعف القوى يرتعش (5)
ويمتطي اللهو (6) ويعتدّه (7) ... أوطأ (8) ما يفترش المفترش
لم يهب (9) الشّيب الّذي ما رأى ... نجومه (10) ذو اللّبّ (11) إلّا دهش (12)
ولا انتهى (13) عمّا نهاه النّهى (14) ... عنه ولا بالى (15) بعرض خدش (16)
فذاك إن مات فسحقا له (17) ... وإن يعش عدّ كأن لم يعش
لا خير في محيا امرىء (18) نشره (19) ... كنشر ميت (20) بعد عشر نبش (21)
وحبّذا (22) من عرضه طيّب ... يروق (23) حسنا (24) مثل برد رقش (25)
فقل لمن قد شاكه ذنبه (26) ... هلكت يا مسكين أو تنتقش (27)
__________
(1) كلمة يترحم بها على من يتجارى على فعل ما لا يليق وإنذار الشيب كناية عن كونه ليس بعده شيء إلا الموت فينبغي لمن يدركه الشيب أن يرجع عن غي الصبا وهو سورة شهواته.
(2) أي مسرع ماض في أموره أو مصرّ على فعل ما لا ينبغي. منقبض عليه: من انكمش الجلد إذا تقبض.
(3) أي ينظر ويقصد.
(4) أي شهوات النفس.
(5) أي يضطرب.
(6) أي يتخذ اللهو مطية بمعنى أنه ملازم له.
(7) أي يعده.
(8) أي ألين يقال فراش وطيء أي ليّن.
(9) أي لم يخف.
(10) أي ظهوره وفي نسخة هجومه.
(11) أي صاحب العقل.
(12) أي تحير عقله.
(13) أي لم يمتنع ولم ينزجر.
(14) العقل.
(15) أي لم يبال ولم يكترث.
(16) العرض النفس وقلما يستعمل إلا في المدح والذم. وخدش قدح فيه وأصله من خدشت المرأة وجهها عند المصيبة أي ظفرته بأظافرها فأدمته.
(17) أي بعدا له من رحمة الله.
(18) أي حياة شخص.
(19) رائحته ويعني بها سيرته.
(20) أي كرائحة الميت بعد مضي عشرة أيام.
(21) أي أخرج من قبره فإنه يكون أنتن مما قبل ذلك وهذا من باب الكناية.
(22) أي ما أحبه.
(23) أي يعجب.
(24) منصوب على التمييز.
(25) زين ونقش.
(26) أي نخسه وآلمه يقال شاكته الشوكة دخلت في جسده.
(27) نقش الشوكة وانتقشها استخرجها بالمنقاش والمراد إلّا أن تتوب عن ذنبك فأو بمعنى إلّا على حد قولك لألزمنّك أو تقضيني حقي وإنما جعل الانتقاش عبارة عن نفي الذنب وإزالته لتبرز الاستعارة في معرض الترشيح وهو من أقسام البديع عند علماء البيان.(1/436)
فأخلص التّوبة تطمس بها (1) ... من الخطايا السّود (2) ما قد نقش (3)
وعاشر النّاس بخلق رضى (4) ... ودار من طاش ومن لم يطش (5)
ورش جناح الحرّ (6) إن حصّه (7) ... زمانه لا كان (8) من لم يرش
وأنجد الموتور (9) ظلما فإن ... عجزت عن إنجاده فاستجش (10)
وانعش (11) إذا ناداك ذو كبوة (12) ... عساك في الحشر به تنتعش (13)
وهاك (14) كأس النّصح فاشرب وجد ... بفضلة الكأس على من عطش (15)
قال: فلمّا فرغ من مبكياته (16)، وقضى إنشاد أبياته، نهض صبيّ قد شدن (17)، وأعرى البدن (18) وقال: يا ذوي الحصاة (19) والإنصات (20) إلى الوصاة (21)، قد وعيتم (22) الإنشاد، وفقهتم (23) الإرشاد. فمن نوى منكم أن يقبل (24)، ويصلح المستقبل (25)، فليبن (26) ببرّي (27) عن نيّته، ولا يعدل (28) عنّي بعطيّته. فو الّذي
__________
(1) أي تمح بها.
(2) أي الذنوب المظلمة القبيحة.
(3) أي كتب في صحيفتك.
(4) أي بطبع مرضيّ.
(5) أي ولاطف من خف عقله ومن لم يخف عقله.
(6) أي اكس جناحه بالريش.
(7) أي إن أذهب شعره الزمان. فإن الحص إذهاب الشعر والمراد بالحر العزيز أي إن وجدت عزيزا زال عنه عزه فاكرمه واغمره بالعطاء.
(8) أي لا عاش.
(9) أي أعن واسعف المظلوم الذي قتل له قتيل ولم يدرك ثأره.
(10) أي حرّض الناس على إنجاده وإعانته وأصل الاستجاشة طلب الجيش.
(11) أي وارفع.
(12) أي صاحب عثرة وسقطة.
(13) أي ترتفع من كبوتك في ذلك اليوم.
(14) أي فخذ وتناول.
(15) أي النصيحة فانتصح بها واتعظ ثم انصح غيرك بها وعظه ولا يخفى ما في هذه الأبيات من الاستعارات البديعة.
(16) أي مواعظه المبكية.
(17) شدن الغزال شدونا قوي وطلع قرناه والمستغني عن الأم وشدن ترعرع.
(18) أي خلع ثيابه.
(19) يا أهل العقول والرزانة والحكم ومنه قول طرفة:
وإن لسان المرء ما لم يكن له ... حصاة على عوراته لدليل
(20) السكوت والاستماع.
(21) الوصية.
(22) أي حفظتم.
(23) أي فهمتم.
(24) أي يقبل النصيحة.
(25) أي يصلح أعماله فيما يأتي.
(26) أي فليظهر.
(27) أي بإحسانه إليّ.
(28) أي لا يمل.(1/437)
يعلم الأسرار! ويغفر الإصرار (1)، إنّ سرّي لكما ترون (2)، وإنّ وجهي ليستوجب الصّون (3)، فأعينوني رزقتم العون. قال: فأخذ الشّيخ في ما يعطف عليه القلوب، ويسنّي (4) له المطلوب، حتّى أنبط حفره (5)، واعشوشب قفره (6).
فلمّا أن ترع الكيس (7)، انصلت (8) يميس (9)، ويحمد تنّيس. ولم يحل للشّيخ المقام، بعدما انصاع (10) الغلام، فاسترفع الأيدي بالدّعاء (11)، ثمّ نحا (12) نحو الانكفاء (13). قال الرّاوي: فارتحت (14) إلى أن أعجمه (15)، وأحلّ مترجمه (16)، فتبعته وهو يشتدّ (17) في سمته (18) ولا يفتق رتق صمته (19). فلمّا أمن المفاجي (20)، وأمكن التّناجي، لفت جيده (21) إليّ، وسلّم تسليم البشاشة عليّ، ثمّ قال: أراقك (22)
ذكاء ذاك الشّويدن (23)! فقلت: إي والمؤمن المهيمن. قال: إنّه فتى السّروجيّ (24)، ومخرج الدّرّ من اللّجّيّ (25). فقلت: أشهد إنّك لشجرة ثمرته (26)، وشواظ (27) شررته. فصدّق كهانتي (28)، واستحسن إبانتي (29)، ثمّ
__________
(1) التمادي على الذنب والمداومة عليه.
(2) أي باطن أمري مثل ما ترونه من ظاهري.
(3) الصيانة وعدم البذل.
(4) أي يسهل.
(5) أي صار ذا نبط وهو الماء المستخرج من البئر قبل أن تطوى وهو المسمى بالحفر والركية.
(6) أي نبت فيه العشب وأخصب والقفر المفازة التي لا نبات لها وكنى بذلك عن كونه صار ذا مال من العطايا التي أعطيها.
(7) امتلأ جدّا.
(8) مضى مسرعا.
(9) أي يتمايل من فرحه.
(10) أي انفلت راجعا.
(11) أي طلب من الحاضرين أن يرفعوا أيديهم ليؤمنوا على دعائه.
(12) قصد.
(13) أي إلى جهة الرجوع من حيث أتى.
(14) أي نشطت واشتقت.
(15) أي أختبره لأعرف من هو.
(16) أي أبين ما خفي من حقيقته.
(17) يعدو.
(18) أي في طريقه ومذهبه.
(19) كناية عن كونه ساكتا لم يتكلم.
(20) أي لم يخف من أحد يأتيه بغتة.
(21) الجيد العنق.
(22) استفهام أي: أأعجبك!
(23) أي فطنة الغلام وفصاحته والشويدن تصغير الشادن وهو في الأصل ولد الظبية.
(24) أي غلام أبي زيد.
(25) بالجر على أنه قسم ومن رواه بالرفع فله وجه إلّا أن الأول أحسن وقد أيده السماع وبحر لجّي بعيد القعر.
(26) أي أبوه لأن الثمر يخرج من الشجرة.
(27) هي نار محضة لا دخان بها.
(28) أي تقرسي ومعرفتي إياه.
(29) أي تبييني له وإظهاري.(1/438)
قال: هل لك في ابتدار البيت (1)، لنتنازع (2) كأس الكميت (3)؟ فقلت له:
ويحك (4)! أتأمرون النّاس بالبرّ، وتنسون أنفسكم؟ فافترّ (5) افترار متضاحك، ومرّ غير مماحك (6). ثمّ بدا له أن تراجع إليّ (7)، وقال: احفظها (8) عنّي وعليّ:
إصرف بصرف الرّاح (9) عنك الأسى (10) ... وروح القلب (11) ولا تكتئب (12)
وقل لمن لامك في ما به ... تدفع عنك الهمّ قدك (13) اتّئب (14)
ثمّ قال: أمّا أنا فسأنطلق، إلى حيث أصطبح (15) وأغتبق (16). وإذا كنت لا تصحب، ولا تلائم (17) من يطرب (18)، فلست لي برفيق، ولا طريقك لي بطريق، فخلّ سبيلي ونكّب (19)، ولا تنفّر عنّي ولا تنقّب (20). ثمّ ولّى مدبرا (21) ولم يعقّب (22). قال الحارث بن همّام: فالتهبت وجدا عند انطلاقه (23)، ووددت لو لم ألاقه (24).
__________
(1) أي تبادر بالذهاب إلى بيتي.
(2) أي لنتعاطى.
(3) من أسماء الخمر.
(4) كلمة ترحم.
(5) أي فتح شفتيه متبسما.
(6) المماحكة الملاحّة والتسلط أي غير متسلط ولا مخاصم.
(7) أي قرب مني.
(8) أي احفظ الوصية التي سأقولها لك.
(9) أي بالخمر الصرف التي لم تمزج بالماء.
(10) هو الحزن والهم.
(11) أي أرحه ونفّس عنه.
(12) أي لا تتلبس بالكآبة وهي الحزن.
(13) أي حسبك تقول قدي وقدني وقدك وقطك بمعناها.
(14) أي ارجع من آب كأناب إذا رجع.
(15) الاصطباح الشرب في وقت الصباح ويقال للشراب في هذا الوقت صبوح.
(16) الاغتباق الشرب في الغبوق بالضم وهو العشي (كذا في الأصل) ويقال للشراب حينئذ غبوق.
(17) أي لا توافق.
(18) أي من ينبسط.
(19) أي انحرف وتباعد.
(20) التنقير والتنقيب كلاهما بمعنى الفحص والبحث.
(21) أي ذهب وتركني خلفه.
(22) أي لم يعد راجعا.
(23) أي اشتد وجدي حين ذهب.
(24) أي تمنيت أني لم أكن ألقاه.(1/439)
المقامة الثانية والاربعون النّجرانيّة
حكى الحارث بن همّام، قال: ترامت بي مرامي النّوى (1)، ومساري (2)
الهوى، إلى أن صرت ابن كلّ تربة (3)، وأخا كلّ غربة (4). إلّا أنّي لم أكن أقطع واديا، ولا أشهد ناديا، إلّا لاقتباس الأدب (5) المسلي (6) عن الأشجان (7)، المغلي قيمة الإنسان، حتّى عرفت لي هذه الشنشنة (8)، وتناقلتها عنّي الألسنة، وصارت أعلق بي من الهوى ببني عذرة (9)، والشّجاعة بآل أبي صفرة (10). فلمّا ألقيت الجران (11) بنجران (12) واصطفيت بها الخلّان (13) والجيران، تخذت (14)
__________
(1) أي إن النوى وهي البعد والتشتت صارت تلقيني من أرض إلى أرض.
(2) جمع المسرى وهو المذهب.
(3) أي أنسب لكل بلدة.
(4) كناية عن كثرة تردده إلى البلاد بالأسفار والاغتراب عن الأوطان.
(5) أي لاستفادته.
(6) أي الملهي والمشغل.
(7) أي عن الأحزان.
(8) العادة والطبيعة.
(9) هم قبيلة من اليمن يشتد بهم الحب حتى يبلغ منهم ما لا يبلغ من سواهم.
(10) أبو صفرة من الأزد واسمه ظالم بن سرّاق بن صبح بن كندي بن عمرو بن عديّ وابنه المهلب أمير البصرة من شجاعته أنه غزا جرجان وطبرستان وله في حرب الأزارقة مشاهد ما شوهدت قط في جاهلية ولا إسلام.
(11) هو من قولهم ألقى البعير جرانه وهو مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره يقال ذلك إذا برك ومد عنقه على الأرض وهو هنا كناية عن الإقامة.
(12) هي من بلاد همدان من اليمن سميت باسم بانيها وهو نجران بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
(13) جمع الخل بالكسر وهو الصديق الموافق.
(14) أي اتخذت قال:
تخذتكم عونا وظهرا لتدفعوا ... نبال العدى عني فصرتم نصالها(1/440)
أنديتها (1) معتمري (2)، وموسم فكاهتي (3) وسمري (4). فكنت أتعهّدها (5)
صباح مساء (6)، وأظهر (7) فيها على ما سرّ وساء (8). فبينما أنا في ناد محشود (9)، ومحفل مشهود (10)، إذ جثم (11) لدينا همّ (12) عليه هدم (13)، فحيّا تحيّة ملق (14)، بلسان ذلق (15). ثمّ قال: يا بدور المحافل، وبحور النّوافل (16)، قد بيّن الصّبح لذي عينين (17)، وناب العيان مناب عدلين، فماذا ترون (18) في ما ترون (19) أتحسنون العون (20) أم تنأون (21)، إذ تدعون؟ فقالوا: تالله لقد غظت (22)
ورمت أن تنبط فغضت (23). فناشدهم الله (24) عمّاذا صدّهم (25)، حتّى استوجب ردّهم؟ فقالوا: كنّا نتناضل (26) بالألغاز (27)، كما يتناضل يوم البراز (28). فما
__________
(1) أي مجالسها.
(2) أي موضع زيارتي.
(3) أي مجتمع الحديث الذي تطيب به نفسي.
(4) السمر المحادثة ليلا.
(5) أي أقصدها مواظبا.
(6) أي كل صباح ومساء وهما مبنيان على الفتح كخمسة عشر.
(7) أي أطلع.
(8) أي ما أفرح وما أحزن.
(9) أي مزدحم.
(10) أي مجلس يجتمع فيه الناس ويحضرونه قال في محفل من نواصي الناس مشهود.
(11) أي جلس وبرك.
(12) بكسر الهاء شيخ فان.
(13) ثوب خلق.
(14) مخادع.
(15) حادّ فصيح.
(16) جمع النافلة بمعنى العطية.
(17) هو مثل يضرب للأمر يظهر كل الظهور.
(18) أي ما رأيكم.
(19) أي فيما رأيتموه وأبصرتموه مني.
(20) الإعانة.
(21) نبعدون وتتأخرون.
(22) أي أغضبت.
(23) أي إن تخرج الماء فنقصت والمعنى أردت أن تفيد فافت.
(24) أي سألهم بالله.
(25) عن أي شيء صرفهم.
(26) وفي نسخة نتناظر يعني نتذاكر ونتناوب.
(27) جمع اللغز وهو هنا المعمى من الكلام.
(28) أي يوم حرب.(1/441)
تمالك (1) أن شعّث من المنضول (2)، وألحق هذا الفضل (3) بنمط (4)
الفضول. فلسنته (5) لسن القوم (6)، ووخزوه (7) بأسنّة اللّوم (8). وأخذ هو يتنصّل (9) من هفوته (10)، ويتندّم على فوهته (11)، وهم مضبّون (12) على مؤاخذته، وملبّون (13) داعي منابذته (14)، إلى أن قال لهم: يا قوم إنّ الاحتمال (15)
من كرم الطّبع، فعدّوا عن اللّذع (16) والقذع (17)، ثمّ هلمّ إلى أن نلغز (18)
ونحكّم المبرّز (19). فسكن عند ذلك توقّدهم (20)، وانحلّت عقدهم (21)، ورضوا بما شرط عليهم ولهم، واقترحوا (22) أن يكون أوّلهم. فأمسك ريثما يعقد شسع (23) (24)، أو
__________
(1) أي لم يتماسك.
(2) التشعيث التفرقة والانتشار أو العيب والتنقيص والمنضول المرمي به والمراد ما هم فيه من الحديث أي لم يتمالك أن نقص وعاب مقولهم وألغازهم.
(3) الزيادة وجمعه يستعمل فيما لا يعني من قول أو فعل كما قيل:
فضول بلا فضل وسنّ بلا سنا ... وطول بلا طول وعرض بلا عرض
ومنه الفضولي وهو من يتولى الأمر من نفسه من غير أن يؤمر به.
(4) من كل شيء نوع منه.
(5) أي عابته.
(6) أي القوم اللسن جمع لسن بكسر السين وهو المكلام القادر من فصاحته على تصريف الكلام.
(7) أي طعنوه وشاكوه وآلموه.
(8) أي بالملام الشبيه بأسنة الرماح.
(9) أي يتخلص ويعتذر وفي الحديث من لم يقبل من متنصل صادقا أو كاذبا لم يرد عليّ الحوض.
(10) أي من زلته.
(11) أي كلمته التي تفوّه بها.
(12) أي مقيمون وملازمون من قولهم أضب على الشيء إذا لازمه.
(13) أي مجيبون من لبى إذا أجاب.
(14) من نبذه إذا طرحه وألقاه بمعنى تركه وناواه.
(15) أي التحمل والتغافل.
(16) أي تجافوا واتركوا الإحراق. ولذعه بلسانه: أوجعه بكلامه.
(17) القذع: الفحش.
(18) الفحش.
(19) أي نقول في الألغاز وهي تعمية الكلام كالأحاجي.
(20) أي السابق الفائق.
(21) أي حرارتهم.
(22) في المثل تحللت عقده يضرب للغضبان يسكن غضبه.
(23) أي سألوه وتحكموا عليه في السؤال حسب مرغوبهم.
(24) واحد الشسوع وهي شراك النعل (كذا في الأصل) التي تشد إلى زمامها.(1/442)
يشدّ نسع (1). ثمّ قال: اسمعوا وقيتم الطّيش (2)، وملّيتم العيش (3). وأنشد ملغزا في مروحة الخيش (4):
وجارية (5) في سيرها مشمعلّة (6) ... ولكن على إثر المسير قفولها (7)
لها سائق (8) من جنسها (9) يستحثّها (10) ... على أنّه في الاحتثاث رسيلها (11)
ترى في أوان القيظ (12) تنطف (13) بالنّدى ... ويبدو (14) إذا ولّى المصيف (15) قحولها (16)
ثمّ قال: وهاكم (17) يا أولي الفضل، ومراكز العقل. وأنشد ملغزا في حابول النّخل (18):
ومنتسب إلى أمّ ... تنشّا أصله منها
يعانقها وقد كانت ... نفته (19) برهة (20) عنها
به يتوصّل الجاني (21) ... ولا يلحى (22) ولا ينهى (23)
__________
(1) الحزام في وسط البعير من أدم مضفور.
(2) أي حفظتم منه وهو خفة العقل.
(3) أي متّعتم بالمعيشة.
(4) المروحة بكسر الميم ما يجتلب بها الريح ومروحة الخيش ثياب خشنة من الكتان تستعمل في العراق تكون شبه شراع السفينة تعلق في سقف البيت ويعمل لها حبل منها تجرّ به وتبل بالماء وترش بماء الورد فإذا أراد الرجل النوم جذب حبلها فيهب منها نسيم بارد طيب يذهب أذى الحر ويستطاب معه النوم.
(5) سماها جارية لجريها كلما ارسلت.
(6) أي مسرعة نشيطة.
(7) أي رجوعها.
(8) أراد به الحبل الذي تمد به.
(9) لكونه يتخذ من الكتان.
(10) أي يستعجلها.
(11) الرسيل القرين الذي يراسلك في النضال.
(12) زمن الحر الشديد.
(13) أي تقطر.
(14) أي ويظهر.
(15) أي إذا مضى زمن الصيف.
(16) أي يبسها.
(17) أي وخذوا مني.
(18) هو الحبل الذي يصعد به النخل ويتخذ من اللحاء وهو ليف النخل ولذلك جعله منتسبا إلى أمّ وهي النخلة.
(19) أي أبعدته.
(20) أي مدة.
(21) الذي يجني الثمر.
(22) أي ولا يعذل ويلام.
(23) أي لا يتوجه عليه نهي.(1/443)
ثمّ قال: ودونكم (1) الخفيّة العلم (2)، المعتكرة الظّلم (3). وأنشد ملغزا في القلم:
ومأموم (4) به عرف الإمام (5) ... كما باهت (6) بصحبته الكرام (7)
له إذ يرتوي طيشان صاد (8) ... ويسكن حين يعروه الأوام (9)
ويذري (10) حين يستسعى (11) دموعا ... يرقن (12) كما يروق الابتسام
ثمّ قال: وعليكم بالواضحة الدّليل (13)، الفاضحة ما قيل. وأنشد ملغزا في الميل (14):
وما ناكح أختين (15) جهرا وخفية ... وليس عليه في النّكاح سبيل (16)
متى يغش هذي يغش في الحال هذه (17) ... وإن مال بعل لم تجده يميل
يزيدهما عند المشيب تعهّدا ... وبرّا وهذا في البعول قليل (18)
__________
(1) أي وخذوا.
(2) أي خفية العلامة.
(3) اعتكر الظلام تراكم.
(4) أي مشجوج من الأمة وهي الشجة.
(5) أراد به الكتاب قال تعالى في إمام مبين.
(6) أي تباهت وتفاخرت.
(7) أي إن من يتصف بوصف الكتابة المستلزمة لاستصحاب القلم يفتخر ويتباهى على أقرانه.
(8) الصادي هو العطشان وهو يطيش بطلب الماء إذ يجول في طلبه بخلاف القلم فإنه يطيش حين يرتوي من المداد بجولانه في الكتابة بيد الكاتب.
(9) أي يعتريه ويصيبه العطش أي إنه حين يجف من المداد يترك الكتابة ويسكن.
(10) أي يرسل ويسكب.
(11) أي يطلب منه السعي وهو كناية عن إجراء القلم في حال الكتابة فإنه حينئذ يسيل منه المداد كدموع العين وفي نسخة يستسقى أي يطلب منه أن يسقي غيره وهو كناية عن طلب الكتابة منه.
(12) أي يعجبن أي إن دموعه ليست محزنة كما هو شأنها بل إنها تعجب لأنها تقضى بها الحاجة.
(13) يقال عليك به أي الزمه وامسكه.
(14) هو المرود الذي يكتحل به.
(15) أراد بالأختين العينين ونكاحهما كناية عن دخول المرود بالكحل فيهما.
(16) أي حرج أو طريق للعقاب.
(17) أي متى يلاق إحداهما يلق الأخرى فإن عادة المكتحل أن يتعهد مقلتيه معا.
(18) يريد أن الإنسان في حال هرمه يضعف بصره فيواظب الاكتحال والمراد بالبرّ الملاطفة بخلاف عادة الأزواج حين الهرم فإنهم لا يتعهدون النساء بالمبرّة كما كانوا في حال الشباب.(1/444)
ثمّ قال: وهذه يا أولي الألباب (1)، معيار (2) الآداب. وأنشد ملغزا في الدّولاب (3):
وجاف (4) وهو موصول (5) ... وصول (6) ليس بالجافي (7)
غريق بارز (8) فاعجب ... له من راسب (9) طاف (10)
يسحّ (11) دموع مهضوم (12) ... ويهضم هضم متلاف
وتخشى منه حدّته ... ولكن قلبه صاف [-12]
قال: فلمّا رشق (14)، بالخمس الّتي نسق (15)، قال: يا قوم تدبّروا (16) هذه الخمس (17)، واعقدوا عليها الخمس، ثمّ رأيكم وضمّ الذّيل، أو الازدياد من هذا الكيل (18). قال: فاستفزّت القوم (19) شهوة الزّيادة، على ما أشربوا (20) من
__________
(1) يا ذوي العقول.
(2) ميزان.
(3) بفتح الدال واحد الدواليب فارسيّ معرّب وذكر ابن نوح أنه دائرة عظيمة من خشب فيها بيوت تحبس الماء يحركها الماء على جانب النهر وهي تصعد بالماء وقيل الدولاب آنية تعمل من الخزف يخرج بها الماء من البئر في حبل بحركة مختلفة أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها.
(4) من الجفاء لا من الجفوة كما يتبادر لأن جانب الدولاب العلوي يتجافى عن السفلي.
(5) أي ملتصق ببعضه لا أنه من الوصال ضد الجفاء كما يتبادر.
(6) أي كثير الوصل باستدارته لا يفارق بعضه بعضا.
(7) لا يوصف بالجفاء.
(8) من برز إذا ظهر.
(9) من رسب إذا سفل.
(10) من طفا يطفو إذا علا فوق الماء.
(11) أي يصب.
(12) 12و 13كنى بالدموع عما يصبه من الماء كمظلوم يبكي.
الهضم الظلم والمتلاف كثير الإتلاف ونسب له ذلك لأنه ربما اشتدّ دورانه وانفك عما كان عليه فانكسرت كيزانه أو بيوت مائه وهذا معنى قوله وتخشى منه حدته وعنى بصفاء قلبه الماء تسمية بالمصدر (كذا في الأصل).
(14) أي رمى.
(15) أي التي قالها متتابعة.
(16) أي تفكروا.
(17) أي الأحاجي (كذا في الأصل) والخمس الثاني الأصابع وأراد بعقد الأصابع على الأحاجي الخمس أنهم يكتفون بها ولا يطلبون زيادة عليها.
(18) مثل هذه المصادر منصوبة بأفعالها والمعنى إن رأيتم أن تضموا ذيلكم وتذهبوا عني فافعلوا وإن شئتم أن أزيدكم فقولوا.
(19) أي فاستخفتهم.
(20) أي خولطوا.(1/445)
البلادة (1). فقالوا له: إنّ وقوفنا دون حدّك، ليفحمنا (2) عن استيراء (3) زندك، واستشفاف فرندك. فإن أتممت عشرا، فمن عندك، فاهتزّ اهتزاز من فلج سهمه (4)، وانخزل (5) خصمه، ثمّ افتتح النّطق بالبسملة، وأنشد ملغزا في المزمّلة (6):
ومسرورة (7) مغمومة (8) طول دهرها (9) ... وما هي تدري ما السّرور ولا الغمّ
تقرّب أحيانا (10) لأجل جنينها (11) ... وكم ولد لولاه طلّقت الأمّ
وتبعد أحيانا (12) وما حال عهدها (13) ... وإبعاد من لم يستحل عهده (14) ظلم
إذا قصر اللّيل (15) استلذّ وصالها ... وإن طال (16) فالإعراض عن وصلها غنم
لها ملبس باد (17) أنيق (18) مبطّن ... بما يزدرى (19) لكن لما يزدرى الحكم (20)
ثمّ كشّر عن أنيابه الصّفر، وأنشد ملغزا في الظّفر:
__________
(1) خلاف الجلادة وتبلد وبلّد بعد نشاطه فتر قال:
جرى طلقا حتى إذا قيل سابق ... تداركه أعراق سوء فبلّدا
وقد بلد بلادة فهو بليد إذا لم يكن ذكيا.
(2) أفحمه أسكته عن الكلام عجزا.
(3) أي إيقاد.
(4) أي من ظفر وغلب.
(5) أي انقطع.
(6) جرة أو خابية خضراء في وسطها ثقب مركب فيه قصبة من فضة أو رصاص ليشرب منها سميت بذلك لأنها تزمّل أي تلف بشيء من الخيش تكون في دورهم أيام الصيف يبرّد الماء ثم يصب فيها مصفى باردا.
(7) أي ذات سرة يعني بها الثقب الذي ذكرناه.
(8) أي مستورة بما لفّ عليها.
(9) طول عمرها.
(10) في زمن الصيف.
(11) أراد بجنينها الماء البارد الذي في باطنها.
(12) أي في زمن الشتاء.
(13) أي إنها هي بحالها لم تنتقل عنه.
(14) أي من لم يتغير عن حاله المعلومة.
(15) وهي أحيان الصيف التي تقرّب فيها.
(16) أي الليل وهي أيام الشتاء التي تبعد فيها.
(17) أي ظاهر وهو ما تكسى به فوق الخيش.
(18) أي مستحسن.
(19) هو الخيش.
(20) أي الحكمة ومنه قولهم الصبر حكم وقليل فاعله.(1/446)
ومرهوب (1) الشّبا (2) نام (3) ... وما يرعى ولا يشرب
يرى في العشر (4) دون النّح ... ر فاسمع وصفه واعجب
ثمّ تخازر (5) تخازر العفريت (6)، وأنشد ملغزا في طاقة الكبريت (7):
وما محقورة (8) تدنى وتقصى (9) ... وما منها إذا فكّرت بدّ (10)
لها رأسان مشتبهان (11) جدّا ... وكل منهما لأخيه ضدّ (12)
تعذّب (13) إن هما خضبا وتلغى (14) ... إذا عدما الخضاب (15) ولا تعدّ (16)
ثمّ تخمّط (17) تخمّط القرم (18)، وأنشد ملغزا في حلب الكرم (19):
وما شيء إذا فسدا ... تحوّل غيّه رشدا (20)
وإن هو راق أوصافا ... أثار الشّرّ حيث بدا (21)
زكيّ العرق والده (22) ... ولكن بئس ما ولدا (23)
ثمّ اعتضد عصا التّسيار (24)، وأنشد ملغزا في الطّيّار (25):
__________
(1) أي مخوف.
(2) هو الطرف والحد.
(3) أي إنه ينمو ويزداد.
(4) الظاهر أن المراد بالعشر هو عشر ذي الحجة والنحر هو يوم العيد لأن السنّة ترك تقليم الأظافر والحلق لمن أراد أن يضحي فتنمو فيه ثم بعد أن يضحي يقلّم أظفاره فلا ترى ويجوز أن يراد بالعشر الأصابع وبالنحر الصدر وليس فيه أظافر.
(5) تحرّك ونظر بجانب عينه.
(6) الداهي الخبيث القوي.
(7) حزمة منه.
(8) أي مزدراة.
(9) أي تقرّب وتبعد.
(10) أي فكاك وفراق.
(11) أي خضبا بالنفط فاشتبها.
(12) أي من الرأسين إذا توقد أحدهما أو أحرق صار ضد الآخر.
(13) أي تحرق.
(14) أي تطرح وتترك.
(15) يعني النفط.
(16) أي لا تحسب.
(17) تكبر وتهيأ للقول وقيل غضب.
(18) الفحل الهائج إذا هدر حرق أنيابه بعضها ببعض قال:
وإن مقرم منا ذرا حدّ نابه ... تخمط فينا ناب آخر مقرم.
(19) هو الخمر عصير العنب.
(20) يعني أن الخمر إذا فسدت وصارت خلّا يجوز تعاطيها بعد أن كان ممنوعا.
(21) يعني أن الخمر إذا صفت وكملت أوصافها كانت أشد تأثيرا وفعلا في شاربها فتوجب له العربدة وتثير شره.
(22) أي أصله زكيّ طيب وهو العنب ولا يخفى ما في العنب من الفضل.
(23) أي ما نتج منه وهو الخمر.
(24) أي جعلها تحت عضده والتسيار اسم من السير.
(25) معيار الذهب لأنه على شكل الطائر.(1/447)
وذي طيشة (1) شقّه مائل (2) ... وما عابه بهما عاقل (3)
يرى أبدا فوق علّيّة (4) ... كما يعتلي الملك العادل
تساوى لديه الحصا والنّضّار (5) ... وما يستوي الحقّ والباطل
وأعجب أوصافه إن نظرت ... كما ينظر الكيس (6) الفاضل
تراضي الخصوم به حاكما (7) ... وقد عرفوا أنّه مائل
قال: فظلّت الأفكار تهيم (8) في أودية الأوهام (9)، وتجول جولان المستهام (10)، إلى أن طال الأمد، وحصحص الكمد (11). فلمّا رآهم يزندون (12) ولا سنا (13)، ويقضون النّهار بالمنى (14)، قال: يا قوم إلام تنظرون (15)! وحتّام تنظرون (16)؟
ألم يأن (17) لكم استخراج الخبيّ (18)، أو استسلام (19) الغبيّ (20)؟ فقالوا: تالله لقد أعوصت (21)، ونصبت الشّرك فقنصت (22)، فتحكّم كيف شيت، وحز الغنم (23) والصّيت (24). ففرض عن كلّ معمّى فرضا (25)، واستخلصه منهم
__________
(1) أي خفة.
(2) أي جانبه راجح.
(3) أي لم يذمه أحد بالميل والطيشة.
(4) أي يرفع أبدا باليد فيكون عاليا ويجوز أن يريد بالعلية اللوح الذي يوضع عليه المعيار وأصل العلية الغرفة.
(5) الذهب الخالص.
(6) الفطن كثير العقل.
(7) أي إن الميزان يرضى به الخصمان.
(8) أي تذهب حائرة.
(9) أي في مجاري الفكرة.
(10) الهائم.
(11) ظهر الحزن والغم.
(12) من زند النار إذا قدحها قال:
إذا زندوا نارا ليوم كريهة ... سبقنا إلى إيقادها من تنوّرا
(13) أي لا وضوء والمعنى أنهم يقدحون زناد جهدهم بأيدي بصائرهم ولا يضيء لهم منها شرر.
(14) أي بالتمني.
(15) أي إلى متى تفكرون.
(16) أي حتى متى بمعنى إلى متى تمهلون.
(17) هو من أني يأنى مثل سوي يسوى (كذا في الأصل) وأصله مقلوب من آن يئين أينا مثل حان يحين حينا وزنا ومعنى.
(18) المستور.
(19) انقياد.
(20) الجاهل.
(21) أي أتيت بالعويص أي ما لا يفطن له من الكلام.
(22) أي فاصطدت.
(23) أي الغنيمة التي يطلب أخذها.
(24) أي إشاعة الذكر الحسن المنفرد به.
(25) أي أوجب وعين شيئا يؤدّى له عن كل لغز.(1/448)
نضّا (1) ثمّ فتح الأقفال (2)، ووسم الأغفال (3)، وحاول الإجفال (4)، فاعتلق به مدره القوم (5)، وقال له: لا لبسة (6) بعد اليوم (7). فاستنسب (8) قبل الانطلاق، وهبها متعة الطّلاق (9). فأطرق حتّى قلنا مريب (10)، ثمّ أنشد والدّمع مجيب (11).
سروج مطلع شمسي (12) ... وربع لهوي وأنسي
لكن حرمت نعيمي ... بها ولذّة نفسي
واعتضت عنها (13) اغترابا (14) ... أمرّ يومي وأمسي (15)
ما لي مقرّ بأرض ... ولا قرار لعنسي (16)
يوما بنجد ويوما ... بالشّأم أضحي وأمسي
أزجي الزّمان (17) بقوت ... منغّص (18) مستخسّ (19)
ولا أبيت وعندي ... فلس (20) ومن لي بفلس (21)
__________
(1) أي نقدا حالا.
(2) كناية عن كونه فسر لهم الألغاز.
(3) أي بيّن لهم ما خفي عليهم والإغفال جمع غفل وهو الدابة التي لا سمة بها والوسم والسمة العلامة.
(4) أي قصد الانطلاق والخروج.
(5) أي زعيمهم والمتكلم عنهم.
(6) أي لا تلبس علينا أمرك ولا تخفه عنا.
(7) أي بعد ما رأينا منك في هذا اليوم ما رأينا فلا يسوغ لنا أن نخليك من غير أن نعرفك.
(8) أي انسب نفسك حتى نعرفك.
(9) أي افرض أن استنسابك عند مفارقتك لنا بمنزلة متعة المطلّقة والمتعة هي ما يمتع الرجل به مطلقته من نحو القميص والإزار والملحفة. والضمير في هبها لما دل عليه قوله فاستنسب وهي النسبة.
(10) أي متشكك في نسبه.
(11) يعني منصب.
(12) يريد أنها بلده وبها مولده.
(13) أي تعوضت بدلها.
(14) أي غربة.
(15) أي صيّر عيشي مرّا نهارا وليلا.
(16) هي الناقة الصلبة القوية.
(17) أي أسوقه وأمضيه.
(18) أي مكدر.
(19) أي مسترذل حقير القيمة بسبب البعد عن الوطن وعدم اليسار.
(20) هو واحد الفلوس مما يتعامل به من النحاس.
(21) أي ومن أين لي يعني أنه لا يملك شيئا أبدا ولا أقل ما يتعامل به.(1/449)
ومن يعش مثل عيشي (1) ... باع الحياة ببخس (2)
ثمّ إنّه اختبن (3) خلاصة النّضّ (4) وندر (5) ضاربا في الأرض (6)، فناشدناه (7) أن يعود، وأسنينا له الوعود (8). فلا وأبيك (9) ما رجع، ولا التّرغيب له نجع (10)!.
__________
(1) أي مثل حياتي.
(2) أي بنقص.
(3) اختبن الشيء جمعه وشده في خبنه أي في حضنه مما يلي بطنه.
(4) أي الخالص من المتحصل الحاضر.
(5) ندر ندورا خرج وضرب رأسه فأندره أي أسقطه.
(6) أي ذاهبا فيها قال تعالى {وَإِذََا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ}.
(7) أي سألناه.
(8) أي عظمنا وكبرنا له الوعود جمع الوعد أي وعدناه بوعود عظيمة.
(9) أي اقسم بأبيك.
(10) أي نفع وأثّر.(1/450)
المقامة الثالثة والأربعون البكريّة
حكى الحارث بن همّام، قال: هفا بي البين (1) المطوّح (2)، والسّير المبرّح، إلى أرض يضلّ بها الخرّيت (3)، وتفرق (4) فيها المصاليت (5).
فوجدت ما يجد الحائر الوحيد (6)، ورأيت ما كنت منه أحيد (7). إلّا أنّي شجّعت قلبي المزؤود (8)، ونسأت (9) نضوي (10) المجهود (11)، وسرت سير الضّارب بقدحين (12)، المستسلم (13) للحين (14). ولم أزل بين وخد وذميل (15)، وإجازة (16)
__________
(1) هفا به ذهب به من هفت الريشة في الهواء إذا طارت وهفت الريح تحركت والبين الفراق.
(2) أي المبعد من طوّحه إذا رماه.
(3) هو الدليل الحاذق الذي يهتدي لآخرات المفاوز وهي مضائقها وطرقها الخفية.
(4) الفرق محركة الخوف.
(5) جمع مصلات ومصليت وهو الشجاع الماضي في أموره.
(6) أي المتحير المنفرد.
(7) أي أميل.
(8) أي الخائف المذعور.
(9) أي زجرت وسقت.
(10) أي جملي المهزول.
(11) جهده وأجهده إذا حثه على السير.
(12) يعني بين يأس وطمع كمن يضرب بقدحي فوز وخيبة أو خائفا حذرا.
(13) أي المسلّم المنقاد.
(14) أي للهلاك.
(15) الوخد سعة الخطو والذميل سير متوسط.
(16) أجزت المكان قطعته وخلفته خلفي والميل مسافة معلومة هي مد البصر أو ثلاثة آلاف ذراع.(1/451)
ميل بعد ميل، إلى أن كادت الشّمس تجب (1)، والضّياء يحتجب. فارتعت لإظلال (2) الظّلام (3)، واقتحام (4) جيش حام (5). ولم أدر أأكفت الذّيل (6)
وأرتبط (7)، أم أعتمد اللّيل (8) وأختبط (9)؟ وبينا أنا أقلّب العزم (10)، وأمتخض الحزم (11)، تراءى لي (12) شبح جمل (13)، مستذر بجبل (14)، فترجّيته (15) قعدة مريح (16)، وقصدته قصد مشيح (17)، فإذا الظّن كهانة (18)، والقعدة (19)
عيرانة (20)، والمريح قد ازدمل ببجاده (21)، واكتحل برقاده (22). فجلست عند راسه، حتّى هبّ من نعاسه. فلمّا ازدهر سراجاه (23)، وأحسّ بمن فاجاه، نفر (24)
كما ينفر المريب (25)، وقال: أخوك أم الذّيب (26)؟ فقلت: بل خابط ليل ضلّ (27)
__________
(1) أي تسقط ومنه فإذا وجبت جنوبها والمراد تغرب.
(2) أي فخفت.
(3) أي لحلوله وغشيانه.
(4) اقتحم الشيء إذا دخله بسرعة.
(5) كناية عن اشتداد الظلام لأن حاما أبو السودان وهو من أبناء نوح عليه السلام.
(6) أي أشمره وأضمه لإقامتي.
(7) أي أربط دابتي وأمنعها عن السير.
(8) أي أذهب فيه وأجعله لي كالغمد للسيف.
(9) يعني أسير على غير اهتداء في الظلام.
(10) أي أردد عزمي وإرادتي الفعل وتركه.
(11) مخض اللبن وامتخضه إذا أخرج زبده والمراد الاستحسان والحزم ضبط الأمر والأخذ بالثقة.
(12) أي ظهر لي.
(13) أي شخص بعير.
(14) أي مستتر به يقال استذريت بالشجرة استظللت بها واستذريت بفلان التجأت إليه.
(15) أي رجوت أن يكون.
(16) أي ناقة رجل مستريح.
(17) من أشاح إذا جدّ في الأمر وحذر.
(18) يعني صادف الواقع.
(19) وفي نسخة والركوبة وهي الناقة المركوبة.
(20) أي تشبه العير في شدة الخلقة والسرعة.
(21) أي التف بكسائه المخطط والبجاد من أكسية الأعراب ومنه ذو البجادين من الصحابة رضي الله عنهم اسمه عبد الله.
(22) يعني نام.
(23) أي فتح عينيه بعدما انتبه شبههما بالسراج لإضاءتهما وأزهر وازدهر إذا توقد وأضاء.
(24) أي تباعد فزعا.
(25) أي الخائف.
(26) مثل يضرب في الارتياب بالشيء يعني أنه قال في نفسه هذا الذي أراه وليّ أم عدوّ وأصله أن صديقا لراعي غنم هجم عليه في جوف الليل وقال له أخوك لا الذئب.
(27) هو من يسير ليلا لا يدري أين يتوجه.(1/452)
المسلك، فأضىء أقدح لك (1). فقال: ليسر عنك (2) همّك، فربّ أخ لك لم تلده أمّك (3). فانسرى (4) عند ذلك إشفاقي (5)، وسرى الوسن (6) إلى آماقي.
فقال: عند الصّباح يحمد القوم السّرى (7)، فهل ترى كما أرى؟ فقلت: إنّي لك لأطوع من حذائك (8)، وأوفق من غذائك، فصدع (9) بمحبّتي، وبخبخ (10)
بصحبتي. ثمّ احتملنا (11) مجدّين (12)، وارتحلنا مدلجين (13). ولم نزل نعاني السّرى (14)، ونعاصي الكرى (15)، إلى أن بلغ اللّيل غايته، ورفع الفجر رايته (16).
فلمّا أسفر الفاضح (17) ولم يبق إلّا واضح، توسّمت (18) رفيق رحلتي، وسمير ليلتي (19)، فإذا هو أبو زيد مطلب النّاشد (20)، ومعلم الرّاشد (21). فتهادينا تحيّة
__________
(1) مثل يضرب للمساواة في المكافأة بالأفعال معناه كن لي أكن لك أو كن أكثر مما أكون لك لأن الإضاءة فوق القدح يريد اسألني أخبرك.
(2) أي ليزل وينكشف من سرا يسرو.
(3) هو مثل أصله للقمان بن عاد وذلك أنه اضطرّه العطش إلى فناء بيت كانت فيه امرأة تداعب رجلا فقال لها من هذا الشاب إلى جنبك فقد علمته ليس ببعلك فقالت أخي فقال لقمان ربّ أخ لم تلده أمك فذهب مثلا في الاتهام إلا أنه يريد به هنا أنه ربما يؤاسيك ويؤاخيك من ليس بأخ حقيقة.
(4) أي فانكشف من سروت عنه الهم إذا كشفته فانسرى.
(5) أي خوفي.
(6) أي أتى النوم.
(7) مثل يضرب في احتمال المشقة رجاء الراحة وعن المفضّل أن أول من قاله خالد بن الوليد حين بعثه أبو بكر رضي الله عنهما إلى العراق من اليمامة ولقد أحسن من ضمّن هذا المثل في قوله:
يا نفس قومي بعد ما نام الورى ... أن تعملي خيرا فذو العرش يرى
ابكي أيا عين دعي عنك الكرى ... عند الصباح يحمد القوم السرى.
(8) أي نعلك.
(9) أي فكشف وباح.
(10) أي قال بخ بخ وهي كلمة مدح وإطراء تقال عند استحسان الشيء.
(11) أي رحلنا.
(12) أي مسرعين.
(13) المدلج الذي يسير من أول الليل.
(14) أي نكابد سير الليل.
(15) أي نمانع النوم.
(16) كناية عن الضوء.
(17) أي أضاء الصبح لأنه يفضح بضوئه كل شيء وعن الجوهري فضح الصبح وأفضح إذا بدا.
(18) أي تأملت وتعرفت.
(19) السمير المسامر الذي يحدث بالليل.
(20) أي طلبة الطالب.
(21) المعلم الأثر الذي يستدل به على الطريق والراشد المهتدي.(1/453)
المحبّين (1)، إذا التقيا بعد البين. ثمّ تباثثنا الأسرار، وتناثثنا الأخبار (2)، وبعيري ينحط (3) من الكلال (4)، وراحلته تزفّ زفيف الرّال (5). فأعجبني اشتداد أسرها (6)، وامتداد صبرها (7)، فأخذت أستشفّ جوهرها (8)، وأسأله من أين تخيّرها (9). فقال: إنّ لهذه النّاقة، خبرا حلو المذاقة (10)، مليح السّياقة، فإن أحببت استماعه فأنخ (11) وإن لم تشأ فلا تصخ (12). فأنخت لقوله نضوي (13)، وأهدفت السّمع (14) لما يروي. فقال: اعلم أنّي استعرضتها (15) بحضرموت (16)، وكابدت (17) في تحصيلها الموت. وما زلت أجوب (18) عليها البلدان، وأطس (19)
بأخفافها الظرّان (20)، إلى أن وجدتها عبر أسفار (21) وعدّة قرار (22)، لا يلحقها
__________
(1) أي تناوبنا في إهداء التحية وكررناها.
(2) التباثّ والتناثّ أخوان من البث والنث وهما الإفشاء والإظهار وأما التناثي فهو من نثوت الحديث إذا نشرته ومنه النثء وهو الذكر بشر.
(3) من النحيط وهو الزفير والصوت.
(4) أي من الإعياء.
(5) الزفيف الطيران وقيل مشي متقارب الخطو على عجلة ومنه قوله تعالى {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ}
والرال فرخ النعام والجمع رئال وهو مثل في السرعة ومنه قيل للطائش الحلم زف راله.
(6) أي خلقها وقوتها.
(7) أي طوله.
(8) أي أمعن النظر في خلقتها.
(9) أي اختارها.
(10) من الذوق وهو الطعم.
(11) أي انخ بعيرك وبّركه.
(12) أي فلا تسمع.
(13) أي بعيري المهزول.
(14) أي نصبته وجعلته للكلام بمنزلة الهدف للسهام ويروى أرهفت السمع أي حددته للسماع.
(15) أي طلبت عرضها عليّ للشراء والمراد اشتريتها.
(16) بلدة معروفة من بلاد اليمن سميت باسم ملك من ملوكهم.
(17) قاسيت.
(18) أي اقطع.
(19) الوطس هو الوطء الشديد من وطسه إذا دقه ومنه قول الشاعر نطس الإكام بذات خفّ ميثم والميثم شديد الوطء كأنه يثم الأرض أي يدقها.
(20) جمع ظرر مثل صرد وصردان وهو حجر له حدّ كحد السكين قال لبيد:
بجسرة تنحل الظرّان ناجية ... إذا توقد في الديمومة الظرر
(21) يعبر عليها في الأسفار أي تعبر المفاوز وهذا اللفظ يستوي فيه المذكر والمؤنث وفي نسخة غبر بالغين المعجمة ومعناه ثبتة معتادة على السفر.
(22) أي مكث ويروى بالفاء أي هرب.(1/454)
العناء (1)، ولا تواهقها (2) وجناء (3) ولا تدري ما الهناء (4). فأرصدتها (5) للخير والشّرّ، وأحللتها (6) محلّ البرّ السّرّ (7). فاتّفق أن ندّت (8) مذ مدّة، وما لي سواها قعدة (9)، فاستشعرت الأسف (10) واستشرفت التّلف (11)، ونسيت كلّ رزء (12) سلف. ومكثت ثلاثا، لا أستطيع انبعاثا (13) ولا أطعم (14) النّوم إلّا حثاثا (15). ثمّ أخذت في استقراء المسالك (16)، وتفقّد المسارح (17) والمبارك (18)، وأنا لا أستنشي منها ريحا (19)، ولا أستغشي يأسا مريحا (20). وكلّما ادّكرت مضاءها (21) في السّير، وانبراءها (22) لمباراة الطّير (23)، لاعني (24) الادّكار (25)، واستهوتني (26) الأفكار. فبينما أنا في حواء (27) بعض الأحياء (28)، إذ سمعت من
__________
(1) أي لا يعتريها التعب.
(2) أي لا توازيها في السير.
(3) أي ناقة صلبة أو هي الطويلة الوجنة.
(4) بكسر الهاء والمد القطران أي إنها لم تجرب قط حتى تحتاج إلى الطلاء بالقطران.
(5) أي أعددتها وجعلتها عدة.
(6) أي أنزلتها مني.
(7) أي البارّ السارّ الذي يبرّ ويسرّ.
(8) نفرت.
(9) أي ناقة تركب.
(10) أي لازمت الحزن كما يلازم لابس الشعار شعاره.
(11) الاستشراف إلى الشيء رفع البصر إليه مع بسط الكف فوق الحاجب كالذي يستظل به من الشمس والمراد أني صرت مترقب التلف وهو الهلاك ومنه أشرف المريض على الموت أي أشفى واستشرف الرجل رفع رأسه لينظر إلى الشيء واستشرف وتشرّف أي تصدى ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في صفة الفتنة من استشرف لها أهلكته.
(12) أي كل مصيبة.
(13) أي قياما وسيرا.
(14) أي لا أذوق.
(15) بفتح الحاء وكسرها أي قليلا.
(16) أي تتبع الطرق.
(17) أي تفتيش مواضع سروح الإبل.
(18) مواضع بروكها.
(19) أي لا أشم ولا أجد عنها خبرا ولا علما ومنه من أين نشيت هذا الخبر أي من أين علمته.
(20) أي لا أتلبس باليأس من البحث عنها يأسا يريحني.
(21) سرعتها.
(22) أي تعرضها.
(23) أي لمحاذاة الطير في الجري.
(24) أي أحرق قلبي.
(25) أي التذكر.
(26) أي ذهبت بي كل مذهب.
(27) هي بيوت مجتمعة وجمعه أحوية.
(28) القبائل.(1/455)
شخص متبعّد (1)، وصوت متجرّد (2): من ضلّت له مطيّة (3)، حضرميّة (4)
وطيّة (5)، جلدها قد وسم (6)، وعرّها (7) قد حسم (8)، وزمامها قد ضفر (9)، وظهرها كأن قد كسر ثمّ جبر (10). تزين الماشية (11)، وتعين النّاشية (12)، وتقطع المسافة النّائية (13)، وتظلّ أبدا لك مدانية (14). لا يعتورها الونى (15)، ولا يعترضها الوجى (16). ولا تحوج إلى العصا، ولا تعصي في من عصى. قال أبو زيد:
فجذبني الصّوت إلى الصّائت (17)، وبشّرني بدرك الفائت (18) فلمّا أفضيت إليه (19)
وسلّمت عليه، قلت له: سلّم المطيّة، وتسلّم العطيّة (20). فقال: وما مطيّتك، غفرت خطيّتك!؟ قلت له: ناقة جثّتها كالهضبة (21)، وذروتها كالقبّة (22)، وحلبها (23)
ملء العلبة (24). وكنت أعطيت بها عشرين، إذ حللت يبرين (25)، فاستزدت (26)
__________
(1) أي بعيد وفي نسخة مبتعد.
(2) أي مجد من تجرد للأمر إذا جدّ فيه وفي نسخة متجرد أي ممتد ورواه بعضهم متحرد بالحاء المهملة أي منعزل متنح.
(3) أي مركوبة.
(4) منسوبة إلى حضرموت البلدة المعروفة.
(5) أي ذلول سهلة لا تحرك راكبها.
(6) الوسم العلامة.
(7) بفتح العين وكسرها أي عيبها.
(8) قطع.
(9) أي خطامها قيل إن صانع النعل ينقشها وذلك وسمها ويكسر ما عليها وذلك حسم عرها ويضفر زمامها وهو السير الذي يقع على ظهر الرجل من مقدم الشراك ويطويها ويلمها وذلك كسر ظهرها.
(10) أي كأنه كسر ثم جبر لأنه للنعل نتوءا في موضع الأخمص.
(11) أي الرجل التي تمشي بها أو المرأة الماشية.
(12) الجارية الحديثة السن.
(13) أي البعيدة.
(14) مقاربة.
(15) لا يتداولها الفتور والضعف.
(16) وجع الرجل.
(17) الصائت من صات يصوت مثل صوّت.
(18) أي بلحاقه.
(19) وصلت إليه.
(20) أي اقبض الجعالة.
(21) أي الجبل الصغير.
(22) هي ما ارتفع من البناء واستدار.
(23) أي ما يحلب من لبنها.
(24) قدح يعمل من الجلد.
(25) هي من بلاد العواصم بين اليمامة والبحرين.
(26) أي طلبت الزيادة وفي نسخة فاستزريت أي استقللت.(1/456)
الّذي أعطى، ودريت (1) أنّه أخطا. قال: فأعرض عنّي حين سمع صفتي، وقال:
لست بصاحب لقطتي. فأخذت بتلابيبه (2)، وأصررت (3) على تكذيبه، وهممت بتمزيق جلابيبه (4)، وهو يقول: يا هذا ما مطيّتي بطلبك (5)، فاكفف عنّي من غربك (6)، وعدّ عن سبّك (7). وإلّا فقاضني (8) إلى حكم هذا الحيّ، البريء من الغيّ. فإن أوجبها لك (9) فتسلّم (10)، وإن زواها (11) عنك فلا تتكلّم. فلم أر دواء قصّتي، ولا مساغ غصّتي، إلّا أن آتي الحكم، ولو لكم (12). فانخرطنا (13) إلى شيخ ركين النّصبة (14)، أنيق العصبة (15)، يؤنس منه (16) سكون الطّائر (17)، وأن ليس بالجائر. فاندرأت (18) أتظلّم وأتألّم، وصاحبي مرمّ (19) لا يترمرم (20). حتّى إذا نثلت كنانتي (21)، وقضيت من القصص (22) لبانتي (23)، أبرز نعلا رزينة الوزن (24)
محذوّة (25) لمسلك الحزن (26)، وقال: هذه الّتي عرّفت (27) وإيّاها وصفت. فإن
__________
(1) أي علمت.
(2) أي بجمع ثيابه من عند لبته.
(3) أي صممت.
(4) جمع جلباب يعني ثيابه.
(5) أي مطلوبك.
(6) أي من حدّك.
(7) أي انصرف.
(8) أي فحاكمني.
(9) أي حقق أنها لك.
(10) أي تسلمها وخذها.
(11) أي منعها.
(12) اللكم الضرب بجمع اليد.
(13) أي مضينا مسرعين.
(14) أي وقور الانتصاب.
(15) العصبة كالعمّة وزنا ومعنى أي معجب هيئة العمامة التي على رأسه.
(16) أي يرى فيه.
(17) كناية عن التواضع والوقار لأن الطائر لا ينزل إلا على ساكن فإذا كان عند الرجل هرج قيل طارت عصافيره ولذا قيل في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأنّ الطير على رؤوسهم أي إنه رزين في جلوسه حسن العمامة والهيئة.
(18) أي فاندفعت.
(19) أي ساكت.
(20) أي لا يحرك فاه للكلام ولا يستعمل إلا في النفي وقد استعمله في الإثبات من قال: إذا ترمرم اغضى كل جبّار.
(21) كناية عن كونه فرغ من كلامه.
(22) من قص عليه الخبر قصصا والاسم القصص أيضا وضع موضع المصدر.
(23) أي حاجتي.
(24) أي ثقيلة.
(25) معدّة.
(26) أي لطريق الأرض الغليظة.
(27) أي التي عرّفتها حيث قلت من ضلّت له مطية إلخ.(1/457)
كانت هي الّتي أعطي بها عشرين، وها هو من المبصرين (1)، فقد كذب في دعواه، وكبر ما افتراه. اللهم إلّا أن يمدّ قذاله (2)، ويبيّن مصداق ما قاله. فقال الحكم: اللهمّ غفرا (3) وجعل يقلّب النّعل بطنا وظهرا، ثمّ قال: أمّا هذه النّعل فنعلي، وأمّا (4) مطيّتك ففي رحلي، فانهض لتسلّم ناقتك وافعل الخير بحسب طاقتك. فقمت وقلت:
أقسم بالبيت العتيق (5) ذي الحرم ... والطّائفين العاكفين في الحرم
إنّك نعم من إليه يحتكم ... وخير قاض في الأعاريب (6) حكم
فاسلم (7) ودم (8) دوم النّعام والنّعم (9)
فأجاب من غير رويّة (10) ولا عقد نيّة (11)، وقال:
جزيت عن شكرك خيرا يا ابن عم ... إذ لست أستوجب شكرا يلتزم
شرّ الأنام من إذا استقضي ظلم ... ثمّ من استرعي (12) فلم يرع الحرم (13)
فذان والكلب سواء في القيم
__________
(1) يعني أنه يبصر ويرى عيانا أن النعل ليست مما يعطى بها عشرون فإن كان يدّعي ذلك مع علمه أن مثلها لا يساوى بهذا القدر فهو كاذب أو المعنى أن هذه النعل الثقيلة لو صفع بها إنسان صفعة واحدة لعمي وهذا يقول إنه صفع بها عشرين وهو كما ترونه من المبصرين أي سالم البصر فهذا أدل دليل على كذبه في دعواه.
(2) القذال مؤخر الرأس وهو من الفرس معقد العذار خلف الناصية والمعنى أي إلا أن تكون العشرون عشرين ضربة بها على قفاه فإذا مده أي أبداه وشوهد أثر الصفع صح ما ادّعاه في دعواه وثبت عندنا.
(3) أي أسألك غفرا أي مغفرة.
(4) أي ناقتك الضالة.
(5) هو الكعبة سمي العتيق بمعنى القديم لأنه أول بيت وضع للناس كما دلت عليه الآية وقيل لأنه اعتق من الغرق في الطوفان وقيل لعتقه من الجبابرة.
(6) جمع الأعراب وهم سكان البادية.
(7) من السلامة.
(8) من الدوام وهو البقاء.
(9) النعام جمع نعامة وهو الطائر المعروف والنعم بالتحريك الإبل والغنم أي ما دام هذان الجنسان.
(10) أي فكرة.
(11) أي وبلا استحضار قلب.
(12) أي تعلقت به رعاية جماعة أو غيرها.
(13) جمع حرمة بمعنى الاحترام يعني لا يحترم من له حق تحت رعايته.(1/458)
ثمّ إنّه نفّذ بين يديّ، من سلّم النّاقة إليّ، ولم يمتنّ عليّ (1). فرحت نجيح الأرب (2) أجرّ ذيل الطّرب، وأقول: يا للعجب! قال الحارث بن همّام، فقلت له: تالله لقد أطرفت (3)، وهرفت (4) بما عرفت. فناشدتك الله هل ألفيت (5) أسحر منك بلاغة، وأحسن للّفظ صياغة؟ فقال: اللهمّ نعم، فاستمع وانعم (6). كنت عزمت حين أتهمت (7)، على أن أتّخذ ظعينة (8)، لتكون لي معينة. فحين تعيّن الخطب (9) الملبّ (10)، وكاد الأمر يستتبّ (11)، أفكرت فكر المتحرّز من الوهم (12)، المتأمّل كيف مسقط السّهم (13). وبتّ ليلتي أناجي القلب المعذّب، وأقلّب العزم المذبذب (14)، إلى أن أجمعت (15) على أن أسحر (16)، وأشاور أوّل من أبصر. فلمّا قوّضت الظّلمة أطنابها (17)، وولّت الشّهب (18) أذنابها (19)، غدوت (20)
غدوّ المتعرّف (21)، وابتكرت ابتكار المتعيّف (22). فانبرى (23) لي يافع (24)، في
__________
(1) الامتنان كون المحسن يذكر للمحسن إليه ما أحسن به ويعدده عليه فعلا كان أو قولا.
(2) أي فذهبت مقضيّ الحاجة.
(3) أي أتيت بالطرفة وهي ما يستغرب.
(4) أي أكثرت في المدح والثناء وأطنبت فيه.
(5) أي هل وجدت وفي نسخة هل لقيت.
(6) أي تنعم.
(7) أي قصدت تهامة.
(8) المرأة أو الزوجة.
(9) بالكسر المرأة المخطوبة والرجل الخاطب أيضا.
(10) المقيم من ألبّ بالمكان إذا أقام به.
(11) أي يتهيأ ويتم.
(12) أي الخائف من الغلط.
(13) كناية عن كونه يتردد في اختيار النساء.
(14) أي القصد المضطرب المتردد بين أمرين.
(15) أي عزمت وصممت.
(16) أي أخرج وقت السحر.
(17) كناية عن انتهاء الليل والإطناب حبال تشد بها الخيمة وتقويضها حلها ونقضها استعارها لانقضاء الظلمة.
(18) هي النجوم.
(19) أي أطرافها يعني غابت بظهور ضوء النهار.
(20) أي بادرت في الغدو وهو بعد الصبح.
(21) هو الذي يطلب الضالة.
(22) الذي يزجر الطير للفأل وسمي متعيفا لكونه يعاف ما يتطير منه أي يكرهه.
(23) أي اعترض.
(24) أي صبيّ في سن العشر سنين وما قاربها.(1/459)
وجهه شافع (1)، فتيمّنت (2) بمنظره البهيج، واستقدحت رأيه (3) في التّزويج.
فقال: أوتبغيها عوانا (4)، أم بكرا تعانى (5)؟ فقلت: اختر لي ما ترى، فقد ألقيت إليك العرى (6). فقال: إليّ التّبيين، وعليك التّعيين. فاسمع أنا أفديك، بعد دفن أعاديك. أمّا البكر فالدّرّة المخزونة (7)، والبيضة المكنونة (8)، والباكورة (9)
الجنيّة (10)، والسّلافة (11) الهنيّة، والرّوضة الأنف (12)، والطّوق (13) الّذي ثمن وشرف (14). لم يدنّسها (15) لامس (16)، ولا استغشاها (17) لابس (18)، ولا مارسها عابث (19)، ولا وكسها (20) طامث (21). ولها الوجه الحييّ، والطّرف الخفيّ (22)، واللّسان العييّ (23)، والقلب النّقيّ (24). ثمّ هي الدّمية الملاعبة (25)، واللّعبة (26)
__________
(1) يريد به الحسن والجمال وهذا الوصف يشفع لصاحبه إذا جنى جناية فيعفى عن ذنبه لحسن وجهه قال ابن قنبر المازنيّ:
في وجهه شافع يمحو إساءته ... من القلوب وجيه حيثما شفعا
وقال غيره:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع.
(2) أي تباشرت وتبركت.
(3) يعني استضأت برأيه.
(4) أي أو تحب أن تكون الزوجة عوانا أي متوسطة الحال ليست بكرا صغيرة ولا عجوزا كبيرة.
(5) المعاناة مقاساة العناء والمشقة.
(6) كناية عن تفويض الأمر إليه.
(7) أي اللؤلؤة التي جعلت في الخزانة لحسنها وشرفها.
(8) أي المخبأة المستورة.
(9) أول ثمرة الشجرة.
(10) أي التي لم تذبل.
(11) هي من الخمر ما سال من العنب من غير عصر كناية عن كونها لم تلمس.
(12) التي لم ترع بعد.
(13) ضرب من الحلي يوضع في العنق.
(14) أي غلا ثمنه وعظم قدره.
(15) أي لم يقذرها.
(16) أي زوج.
(17) يعني غشيها بياض.
(18) المراد به الزوج.
(19) أي ولا عالجها لاعب ومداعب.
(20) أي نقص قيمتها من الوكس وهو النقص يقال وكس فلان في تجارته وأوكس إذا خسر.
(21) الطمث الافتضاض قال تعالى {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلََا جَانٌّ} وقال الفرزدق:
دفعن إليّ لم يطمثن قبلي ... وهنّ أصح من بيض النعام
(22) هو تحريك الجفن للنظر مع الحياء والخفر.
(23) يعني الذي لا سلاطة فيه.
(24) أي الخالص الذي ليس فيه حيلة ولا مكر.
(25) أي اللعبة أصلها صورة تعمل من العاج أو غيره.
(26) بضم اللام ما يلعب به كالشطرنج وغيره استعارها للبكر لكونها يتلهى بها كاللعبة.(1/460)
المداعبة (1)، والغزالة (2) المغازلة (3)، والملحة الكاملة، والوشاح (4) الطّاهر القشيب (5)، والضّجيع الّذي يشبّ ولا يشيب (6). وأمّا الثّيّب فالمطيّة المذلّلة (7)، واللهنة (8) المعجّلة، والبغية المسهّلة، والطّبّة (9) المعلّلة (10)، والقرينة المتحبّبة (11)، والخليلة (12) المتقرّبة، والصّناع (13) المدبّرة، والفطنة المختبرة. ثمّ إنّها عجالة الرّاكب (14)، وأنشوطة الخاطب (15)، وقعدة العاجز (16)، ونهزة المبارز (17). عريكتها ليّنة (18)، وعقلتها (19) هيّنة، ودخلتها (20) متبيّنة (21)، وخدمتها مزيّنة. وأقسم لقد صدقت في النّعتين، وجلوت المهاتين (22)، فبأيّتهما هام قلبك؟
__________
(1) أي الممازحة.
(2) أي الظبية.
(3) أي المحادثة والمراودة.
(4) هو قلادة مصنوعة من أدم عريضة ترصع بالجوهر.
(5) أي الجديد.
(6) أي يجعلك شابّا ولا يشيّبك.
(7) أي المنقادة مأخوذ من قول امرأة:
إن المطية لا يلذّ ركوبها ... حتى تذلل بالزمام وتركبا
والدرّ ليس بنافع أربابه ... حتى يؤلف بالنظام ويثقبا
(8) هي ما يتقدم من الطعام قبل الغداء.
(9) أي الخبيرة العالمة.
(10) المؤنسة.
(11) أي المجالسة المصاحبة.
(12) بالخاء المعجمة المحبة الصديقة وبالمهملة الزوجة والحليل الزوج لأن كلّا منهما يحل لصاحبه.
(13) الماهرة الحاذقة.
(14) ما يعجّل له من الطعام مأخوذ من قول عمر رضي الله عنه البكر كالبرّ تطحنه وتعجنه وتخبزه والثيب عجالة الراكب تمرّ وأقط وسويق.
(15) الأنشوطة عقدة يسهل حلها كعقدة التكة ومنه ما عقالك بأنشوطة يعني ما مودتك بواهية.
(16) أي مطيته لأن العاجز لا يقدر على تزوج البكر.
(17) أي غنيمة المحارب.
(18) العريكة السنام أو بقيته وفلان لين العريكة إذا كان سلسا منقادا.
(19) هي ما يعتقل به الزوج من احتباسها عنه وتلويها عليه.
(20) أي باطن أمرها.
(21) ظاهرة.
(22) تثنية المهاة وهي البقرة الوحشية تشبه بها النساء من قولهم جليت فلانة على زوجها أحسن جلوة أي زينة ولم يوجد أجليت في هذا المعنى كما وجد في بعض النسخ.(1/461)
قال أبو زيد: فرأيته جندلة (1) يتّقيها المراجم (2)، وتدمى منها المحاجم. إلّا أنّي قلت له: كنت سمعت أنّ البكر أشدّ حبّا، وأقلّ خبّا (3). فقال: لعمري قد قيل هذا، ولكن كم قول آذى. ويحك أما هي المهرة الأبيّة العنان (4)، والمطيّة البطيّة الإذعان (5)، والزّندة المتعسّرة الاقتداح، والقلعة المستصعبة الافتتاح. ثمّ إنّ مؤونتها كثيرة، ومعونتها يسيرة، وعشرتها صلفة (6) ودالّتها (7) مكلّفة، ويدها خرقاء (8)، وفتنتها صمّاء (9)، وعريكتها خشناء (10) وليلتها ليلاء (11). وفي رياضتها (12) عناء (13)، وعلى خبرتها غشاء (14). وطالما أخزت (15) المنازل (16)
وفركت المغازل (17)، وأحنقت (18) الهازل (19)، وأضرعت (20) الفنيق البازل (21). ثمّ إنّها
__________
(1) أي حجرا والجمع جنادل.
(2) أي يحترس منها والمراجم من الرجم وهو رمي الحجارة أو هو تسنيم القبر بالحجارة وفي الحديث لا ترجموا قبري أي دعوه مستويا بدون تسنيم حجارة عليه.
(3) أي خداعا ومكرا.
(4) يعني المستصعبة الانقياد.
(5) أي الخضوع والذلة.
(6) أي قليلة الخير من الصلف وهو قلة المطر مع كثرة الرعد ومنه قولهم صلف تحت الراعدة وحوض صلف وأنا صلف قليل الأخذ والصلفة أيضا المجاوزة حد الظرف المدعية فوق الحد ويمكن أن يراد في عشرتها مشقة من قولهم أرض صلفة أي شديدة الصلابة.
(7) أي دلالها.
(8) أي لا تحسن التصرف في معيشتها مبذرة.
(9) أي شديدة شبهت بالحية الصماء وهي التي لا تقبل الرقى.
(10) العريكة في الأصل أصل السنام وفلان لين العريكة إذا كان سهل الممارسة، والخشونة ضد اللين.
(11) يقال ليلة ليلاء إذا كانت شديدة الظلام.
(12) أي ممارستها ومعاشرتها.
(13) أي تعب ومشقة.
(14) الخبرة العلم بحقيقة الحال والغشاء الغطاء أي إن البكر لا يعرف حالها كالشيء الذي يحول بينك وبين معرفته حاجز فلا يعرف إلّا بعد زواله وذلك بطول المعاشرة فكنى عن ذلك بالغشاء.
(15) من الخزي أو من الخزاية وهي الحياء.
(16) أي المحارب والمراد الزوج.
(17) الفرك البغض بين الزوجين والمغازل المحادث لهما الممازح.
(18) أي غاظت.
(19) المستعمل الهزل ضد الجد.
(20) أي أذلت.
(21) يريد الرجل المجرب وأصل الفنيق الفحل من الإبل والبازل الذي دخل في السنة التاسعة والذكر والأنثى فيه سواء وفلان ذو بزالة أي صاحب رأي.(1/462)
الّتي تقول: أنا ألبس وأجلس (1)، فأطلب من يطلق ويحبس (2). فقلت له: فما ترى في الثّيّب، يا أبا الطّيّب! فقال: ويحك! أترغب في فضالة المآكل، وثمالة المناهل (3)، واللّباس المستبذل (4)، والوعاء المستعمل (5)، والذّوّاقة (6)
المتطرّفة (7)، والخرّاجة (8) المتصرّفة، والوقاح (9) المتسلّطة (10)، والمحتكرة (11) المتسخّطة. ثمّ كلمتها كنت وصرت، وطالما بغي عليّ فنصرت.
وشتّان بين اليوم وأمس، وأين القمر من الشّمس؟ وإن كانت الحنّانة (12)
البروك (13)، والطمّاحة (14) الهلوك (15)، فهي الغلّ القمل (16)، والجرح الّذي لا يندمل. فقلت له: فهل ترى أن أترهّب، وأسلك هذا المذهب. فانتهرني (17) انتهار
__________
(1) يعني أنها تدعي العظمة في نفسها والأنفة.
(2) أي أطلب من له حبس وإطلاق ونفاذ وتصرف.
(3) أي بقية الماء والثمال والمثمل الملجأ ومنه قول أبي طالب يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
(4) أي الذي استعمل مدة في اللبس حتى امتهن وابتذل فمثله مثل الثيب التي عافها زوجها بعد طول المدة.
(5) يعني أن الثيب بتزوّجها غير مرة اشبهت الوعاء الذي استعمل وزالت بهجته ونضارته أو صارت تعافه النفوس.
(6) الذوق تعرّف الطعم ثم جعل عبارة عن التجربة يقال ذقت فلانا وذقت ما عنده ثم قالوا رجل ذوّاق للمزواج المطلاق وامرأة ذوّاقة أي ملول.
(7) مثل الطرفة وهي التي تستطعم الرجال فلا تثبت على زوج.
(8) هي كثيرة الخروج أو الإخراج.
(9) قليلة الحياء.
(10) من السلاطة وهي القهر وامرأة سليطة أي صخّابة.
(11) الجامعة المانعة.
(12) أي التي كان لها زوج قبلك فهي تذكره أبدا بالتحزن والحنين.
(13) هي التي تتزوج ولها ابن بالغ.
(14) الكثيرة الطموح إلى الرجال.
(15) أي الفاجرة التي تتساقط على الرجال من التهالك وهو شدّة الحرص.
(16) غل قمل يضرب مثلا لكل ما يلقى منه شدة وأصله أنهم كانوا يغلون الأسير بالقدّ وعليه الوبر فإذا طال عليه قمل أي وقع فيه القمل فيكون جهدا على جهد. قال الأصمعي ثم ضرب مثلا للسيئة الخلق ومنه حديث عمر رضي الله عنه: النساء ثلاث فهينة لينة عفيفة مسلمة تعين أهلها على العيش ولا تعين العيش على أهلها وأخرى وعاء للولد وأخرى غلّ قمل يضعه الله في عنق من يشاء ويفكه عمن يشاء.
(17) أي فزجرني.(1/463)
المؤدّب، عند زلّة المتأدّب، ثمّ قال: ويلك أتفتدي بالرّهبان (1)، والحقّ قد استبان. أفّ لك (2)! ولوهن رائك (3)، وتبّا لك ولأولئك. أتراك ما سمعت بأن لا رهبانيّة في الإسلام (4)! أو ما حدّثت بمناكح نبيّك عليه أزكى السّلام! ثمّ أما تعلم أنّ القرينة (5) الصّالحة تربّ بيتك (6)، وتلبّي صوتك (7)، وتغضّ طرفك (8)، وتطيّب عرفك (9). وبها ترى قرّة عينك (10)، وريحانة أنفك، وفرحة قلبك، وخلد ذكرك، وتعلّة يومك وغدك (11). فكيف رغبت عن سنّة المرسلين، ومتعة المتأهّلين (12)، وشرعة المحصنين (13)، ومجلبة المال (14) والبنين! والله لقد ساءني فيك، ما سمعت من فيك. ثمّ أعرض إعراض المغضب، ونزا (15) نزوان العنظب (16)، فقلت له: قاتلك الله أتنطلق متبخترا، وتدعني متحيّرا؟ فقال: أظنّك تدّعي الحيرة، لتستغني عن المهيرة (17) فقلت له: قبّح الله ظنّك، ولا أشبّ قرنك (18). ثمّ رحت عنه مراح الخزيان (19)، وتبت من مشاورة الصّبيان. قال الحارث بن همّام: فقلت له: أقسم بمن أنبت الأيك (20)، أنّ الجدل (21) منك
__________
(1) جمع راهب وهو الناسك في النصارى.
(2) كلمة تقال عند استكراه الشيء.
(3) أي لضعف رأيك.
(4) يشير إلى حديث ولا رهبانية ولا تبتل في الإسلام والمراد بالرهبانية هنا ما يفعله الرهبان من مواصلة الصوم ولبس المسوح وترك أكل اللحم. والتبتل ترك التزوج.
(5) وفي نسخة السكن وهو كل ما سكنت إليه والمراد المرأة.
(6) أي تصلحه.
(7) أي تجيبك إذا دعوتها لشيء ما.
(8) أي تمنع بصرك من التطلع للنساء.
(9) أي رائحتك وأريد به هنا طيب الذكر وحسن السيرة.
(10) المراد بذلك الولد.
(11) التعلة ما يتعلّل به ويتسلى به وليس أعظم تسلية وتعللا من الولد.
(12) أي ما يتمتع به المتزوجون.
(13) أي طريقة الأحرار المعتد بهم وهم المتزوجون.
(14) أي إن المرأة تحملك على جلب المال.
(15) أي وثب.
(16) ذكر الجراد يضرب به المثل في النزوان وهو الوثوب.
(17) تصغير المهيرة بفتح الميم وكسر الهاء وهي الحرة الغالية المهر.
(18) أي لا أطال عمرك وهو من باب الكناية لأنه إذا لم يشبّ قرنه وهو تربه لم يشبّ هو أيضا.
(19) أي المستحيي.
(20) هو الشجر الكثير الملتف.
(21) أي الخصومة.(1/464)
وإليك. فأغرب (1) في الضّحك، وطرب طربة المنهمك (2). ثمّ قال: العق العسل، ولا تسل (3). فأخذت أسهب (4) في مدح الأدب، وأفضّل ربّه على ذي النّشب (5). وهو ينظر إليّ نظر المستجهل، ويغضي عني (6) إغضاء المتمهّل.
فلمّا أفرطت في العصبيّة (7)، للعصبة (8) الأدبيّة (9) قال لي: صه (10)، واسمع منّي، وافقه (11):
يقولون إنّ جمال الفتى ... وزينته أدب راسخ (12)
وما إن يزين سوى المكثرين (13) ... ومن طود سودده شامخ (14)
فأمّا الفقير فخير له ... من الأدب القرص والكامخ (15)
وأيّ جمال له أن يقال ... أديب يعلّم أو ناسخ (16)
ثمّ قال: سيتّضح لك (17) صدق لهجتي (18)، واستنارة حجّتي (19). وسرنا لا
__________
(1) أي بالغ.
(2) الانهماك تناول ما لا يحل وانهمك في الأمر إذا لج فيه وتمادى وفي نسخة المنهتك.
(3) هذا مستفاد من قول المولدين كل البقل ولا تسل عن المبقلة.
(4) الإسهاب الإكثار في الكلام والإطالة فيه وأصله الإبعاد من السهب وهو الأرض المستوية البعيدة.
(5) أي صاحب المال.
(6) أي يحتمل ويتغافل.
(7) أي في التعصب وأصله أن تذب عن حريم صاحبك وحقيقتها الخصلة المنسوبة إلى العصبة وهي قرابة الرجل من أبيه جمع عاصب إما لأنهم يعصبونه تقوية أو لأنهم يحيطون به إحاطة العصابة بالرأس من عصب القوم بفلان إذا أحاطوا به.
(8) أي للجماعة.
(9) أي أرباب الأدب.
(10) بمعنى اسكت.
(11) أي وافهم ما أقول.
(12) أي ثابت متمكن.
(13) من لهم مال كثير.
(14) الطود الجبل استعاره للسؤدد وهو السيادة والشامخ المرتفع.
(15) القرص الرغيف والكامخ شيء يؤتدم به كالمرّيّ أو هو إدام يتخذ في العراق من السمك واللبن وحوائج مجموعة.
(16) أي كاتب.
(17) أي سيتضح ويتبين.
(18) أي باللهجة الكلام وأصلها طرف اللسان.
(19) أي ظهورها نيرة مضيئة وفي نسخة واستبانه حجتي.(1/465)
نألو جهدا (1)، ولا نستفيق جهدا (2)، حتّى أدّانا السّير، إلى قرية عزب عنها (3)
الخير. فدخلناها للارتياد (4)، وكلانا منفض (5) من الزّاد. فما إن بلغنا المحطّ (6)، والمناخ (7) المختطّ (8)، أو لقينا غلام لم يبلغ الحنث (9)، وعلى عاتقه (10) ضغث (11)، فحيّاه أبو زيد تحيّة المسلم، وسأله وقفة المفهم. فقال: وعمّ تسأل وفّقك الله!. قال: أيباع ها هنا الرّطب، بالخطب؟ قال: لا والله. قال: ولا البلح (12) بالملح (13)؟ قال: كلّا والله. قال: ولا الثّمر، بالسّمر؟ قال: هيهات (14)
والله. قال: ولا العصائد (15) بالقصائد؟ قال: اسكت عافاك الله. قال: ولا الثّرائد (16)، بالفرائد (17)؟ قال: أين يذهب بك (18) أرشدك الله. قال: ولا الدّقيق
__________
(1) أي لا نقصر الطاقة.
(2) يقال استفاق من مرضه وسكره إذا أفاق وفلان مدمن لا يستفيق من الشراب وقول الحريري مستعار منه وإنما نصب جهدا على حذف الجار أو على أنه مفعول له كأنه قيل لا نستفيق من التعب لجهدنا في السير.
(3) أي غاب عنها.
(4) أي للطلب.
(5) أي خال.
(6) المنزل تحطّ فيه الرحال.
(7) مبرك الإبل.
(8) أي المعدّ لبروكها والخطّة بالكسر الأرض يختطها الرجل لنفسه وهو أن يعلم عليها علامة بالخط ليعلم أنه اختارها ليبنيها دارا.
(9) الذنب أي لم يبلغ الحلم حتى يكتب عليه.
(10) أي كتفه.
(11) هي قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس.
(12) هو ثمر النخل قبل البسر وبعد الخلال.
(13) أي بالكلام المستملح المستحسن.
(14) أي بعد جدا.
(15) جمع العصيدة وهي دقيق يطبخ بالماء جيدا ثم يؤكل بالسمن والعسل.
(16) جمع الثريدة وهي الخبز المفتوت في مرق اللحم. قال الشاعر:
إذا ما الخبز نأدمه بلحم ... فذاك أمانة الله الثريد
(17) جمع فريدة وأراد بها أبيات القصائد والأصل فيها الدرة التي يفصل بها في القلادة بين حبات الذهب.
(18) كلمة تقال لمن لا يفهم ما يخاطب به وكان حقيقته أين يذهب بعقلك على طريقه التجهيل وعليه قول أبي فراس:
لمن أعاتب مالي أين يذهب بي ... قد صرّح الدهر لي بالمنع والياس
أبغي الوفاء بدهر لا وفاء له ... كأنني جاهل بالدهر والناس(1/466)
بالمعنى الدّقيق؟ قال: عدّ عن هذا أصلحك الله. واستحلي أبو زيد تراجع السّؤال والجواب، والتّكايل من هذا الجراب، ولمح الغلام أنّ الشّوط بطين (1)، والشّيخ شويطين (2). فقال له: حسبك (3) يا شيخ قد عرفت فنّك (4)، واستبنت أنّك (5)، فخذ الجواب صبرة (6)، واكتف به خبرة (7). أمّا بهذا المكان فلا يشترى الشّعر بشعيرة، ولا النّثر بنثارة (8)، ولا القصص بقصاصة (9)، ولا الرّسالة بغسالة، ولا حكم لقمان بلقمة، ولا أخبار الملاحم (10) بلحمة (11). وأمّا جيل هذا الزّمان فما منهم من يميح (12)، إذا صيغ له المديح. ولا من يجيز (13) إذا أنشد له الأراجيز (14). ولا من يغيث، إذا أطربه الحديث. ولا من يمير (15) ولو أنّه أمير.
وعندهم أن مثل الأديب، كالرّبع الجديب (16)، إن لم تجد (17) الرّبع ديمة (18)، لم تكن له قيمة، ولا دانته (19) بهيمة. وكذا الأدب، إن لم يعضده نشب (20)، فدرسه (21) نصب (22)، وخزنه (23) حصب (24). ثمّ انسدر (25) يعدو (26)، وولّى (27)
__________
(1) يعني غاية كلامه بعيدة والشوط في الأصل الطلق ثم سموا الغاية شوطا لأن بينهما ملابسة والبطين البعيد.
(2) وفي نسخة شييطين أي صاحب أدب ودهاء.
(3) أي يكفيك.
(4) أي مرامك.
(5) لما كانت أنّ من حروف التحقيق جعلها اسما لمؤداها كأنه قال عرفت حقيقتك بينا كقوله أنّ لوّا وإن ليتا عناء أو على حذف الخبر كأنه قال عرفت أنك لساحر.
(6) أي مجموعا وهي فعلة بمعنى مفعولة من الصبر بمعنى الحبس لأن الشيء إذا حبس فقد جمع.
(7) أي علما.
(8) هي ما يتناثر من تمر أو غيره.
(9) هي ما يقص من الشعر.
(10) هي الوقائع والحروب.
(11) أي بقطعة لحم.
(12) أي يعطي.
(13) أي يعطي الجائزة.
(14) من ضروب الشعر.
(15) أي يعطي الميرة وهي الطعام.
(16) أي كالمنزل القحط.
(17) من جاد الغيث الأرض إذا عمها المطر.
(18) هي المطر الدائم.
(19) أي ولا قربت منه.
(20) أي لم يقوّه ويشدّه مال.
(21) أي فقراءته وذكره.
(22) أي تعب.
(23) أي كسبه وفي نسخة حزبه أي أهله.
(24) هو ما يحصب به في النار أي يرمى به قال:
ويكاد موقدهم يجود بنفسه ... حب القرى حصبا على النيران
(25) أي أسرع بعض الإسراع.
(26) أي يجري.
(27) أي ومضى.(1/467)
يحدو (1). فقال لي أبو زيد: أعلمت أنّ الأدب قد بار (2)، وولّت (3) أنصاره (4)
الأدبار (5)! فبؤت له (6) بحسن البصيرة (7)، وسلّمت لحكم (8) الضّرورة (9). فقال:
دعنا الآن من المصاع (10)، وخض في حديث القصاع (11). واعلم أنّ الأسجاع (12)، لا تشبع من جاع. فما التّدبير في ما يمسك الرّمق (13)، ويطفىء الحرق. فقلت: الأمر إليك، والزّمام بيديك. فقال: أرى أن ترهن سيفك، لتشبع جوفك وضيفك، فناولنيه وأقم، لأنقلب إليك بما تلتقم. فأحسنت به الظّنّ، وقلّدته السّيف والرّهن (14). فما لبث أن ركب النّاقة، ورفض الصّدق والصّداقة، فمكثت مليّا (15) أترقّبه (16)، ثمّ نهضت (17) أتعقّبه (18)، فكنت كمن ضيّع اللّبن في الصّيف (19)، ولم ألقه ولا السّيف.
__________
(1) إما من السوق أو من الغناء.
(2) أي كسد.
(3) أي مضت وانقلبت (كذا في الأصل).
(4) أي أعوانه ومن ينصره.
(5) جمع الدبر بمعنى خلف الظهر.
(6) أي فاعترفت له وأقررت.
(7) أي بجودة العلم والمعرفة.
(8) أي خضعت وانقدت.
(9) أي الحاجة.
(10) المجادلة والمحاربة.
(11) كناية عما يؤكل في القصاع جمع قصعة إناء معروف.
(12) هي الكلام المقفى.
(13) بقية الحياة.
(14) هذا من باب قوله متقلدا سيفا ورمحا أي قلدته السيف وحملته الرهن أي كلفته أن يرهنه.
(15) أي زمانا طويلا.
(16) أي انتظره.
(17) أي قمت.
(18) أي أتبعه في عقبه.
(19) في المثل في الصيف ضيعت اللبن يضرب لمن فرّط في طلب الحاجة وقت إمكانها ثم طلبها بعد فواتها.(1/468)
المقامة الرابعة والاربعون الشّتويّة
حكى الحارث بن همّام، قال: عشوت (1) في ليلة داجية الظّلم (2)، فاحمة اللّمم (3)، إلى نار تضرم (4) على علم (5)، وتخبر عن كرم. وكانت ليلة جوّها مقرور (6)، وجيبها مزرور (7)، ونجمها مغموم (8)، وغيمها مركوم (9). وأنا فيها أصرد من عين الحرباء (10)، والعنز الجرباء، فلم أزل أنصّ عنسي (11)، وأقول طوبى لك ولنفسي، إلى أن تبصّر (12) الموقد (13) آلي (14)، وتبيّن (15) إرقالي (16)، فانحدر (17)
يعدو الجمزى (18)، وينشد مرتجزا (19).
__________
(1) أي قصدت.
(2) أي معتمة شديدة الظلام.
(3) شعر فاحم أي أسود وفحمة العشاء ظلمته واللمم جمع لمة بالكسر وهي الشعر كناية عن أطرافها.
(4) أي تشتعل.
(5) أي جبل.
(6) قر الرجل فهو مقرور أصابه القر وهو البرد وأما جوّ مقرور فكليلة مزؤودة مفعول بمعنى فاعل.
(7) كناية عن كونها متغيمة وهو من باب التخييل.
(8) أي مستور تحت الغيم.
(9) أي كثيف من ركم الشيء إذا جمعه بعضه فوق بعض.
(10) أي أبرد من عينها والحرباء دويبة سيأتي في تفسير المقامة ذكرها مع العنز الجرباء.
(11) أي أحث ناقتي الصلبة على السير.
(12) أي تأمل ببصره.
(13) أي موقد النار.
(14) أي شخصي.
(15) أي علم وتحقق.
(16) أي إسراعي فى السير.
(17) أي نزل من الجبل.
(18) نوع من العدو وهو أشد من العنق.
(19) أي من بحر الرجز في الشعر.(1/469)
حيّيت (1) من خابط ليل ساري (2) ... هداه (3) بل أهداه (4) ضوء النّار
إلى رحيب الباع (5) رحب الدّار (6) ... مرحّب (7) بالطّارق (8) الممتار (9)
ترحاب جعد الكفّ (10) بالدّينار ... ليس بمزورّ (11) عن الزّوّار (12)
ولا بمعتام القرى (13) مئخار (14) ... إذا اقشعرّت ترب الأقطار (15)
وضنّت الأنواء (16) بالأمطار ... فهو على بؤس الزّمان (17) الضّاري (18)
جمّ الرّماد (19) مرهف الشّفار (20) ... لم يخل في ليل ولا نهار
من نحر وار (21) واقتداح واري (22)
ثمّ تلقّاني (23) بمحيا حييّ (24)، وصافحني (25) براحة أريحيّ (26)،
__________
(1) يعني حياك الله.
(2) هو المسافر ليلا لا يدري أين الطريق.
(3) أي دله وأرشده.
(4) من الهدية.
(5) أي إلى واسع العطاء.
(6) واسعها.
(7) أي قائل مرحبا.
(8) أي بالآتي ليلا.
(9) طالب الميرة لنفسه وهي الطعام يقال مار لأهله وامتار لنفسه وأريد ههنا المقحط لأنهم إنما يمتارون إذا أسنتوا.
(10) كناية عن البخيل.
(11) أي بمائل.
(12) جمع زائر وهو الضيف.
(13) يقال قرى عاتم أي بطىء به إلى العتمة ورجل معتام القرى أي بطيئه.
(14) أي مؤخر له.
(15) أي إذا خشنت وغلظت أراضي جهات البلاد.
(16) أي بخلت نجوم المطر.
(17) شدته.
(18) يقال كلب ضار أي مشعوف بالصيد معتاده من الضراوة وهي العادة.
(19) كناية عن كونه مضيافا كأنه لكثرة نار ضيافاته صار جم الرماد أي كثيره.
(20) أي حاد السكاكين التي ينحر بها للضيفان.
(21) أي ناقة سمينة كما ذكره الحريري في تفسير هذه المقامة قال الأخطل:
المطعمين إذا هبت شآميّة ... تزجي الجهام سديف المربع الواري
المربع الناقة التي لقحت في أول الربيع وسديفها ولدها والواري وصف للسديف منصوب أو مجرور بالجوار أو وصف للمربع على معنى النسب.
(22) زند وار أي كثير النار واقتداحه إنما يكون لإيقاد النيران.
(23) أي استقبلني.
(24) أي بوجه كثير الحياء.
(25) المصافحة وضع الكف على الكف عند الملاقاة.
(26) الراحة الكف والأريحي الكريم الذي يرتاح للعطاء.(1/470)
واقتادني (1) إلى بيت عشاره تخور (2)، وأعشاره (3) تفور (4)، وولائده (5)
تمور (6)، وموائده تدور. وبأكساره (7) أضياف قد جلبهم جالبي، وقلّبوا في قالبي، وهم يجتنون فاكهة الشّتاء (8)، ويمرحون (9) مرح ذوي الفتاء (10). فأخذت مأخذهم (11) في الاصطلاء، ووجدت بهم (12) وجد الثّمل (13) بالطّلاء (14). ولمّا أن سرى الحصر (15)، وانسرى الخصر (16)، أتينا بموائد كالهالات (17) دورا، والرّوضات نورا (18)، وقد شحنّ (19) بأطعمة الولائم، وحمين (20) من العائب واللّائم، فرفضنا ما قيل في البطنة (21)، ورأينا الإمعان (22) فيها من الفطنة (23)، حتّى إذا اكتلنا بصاع الحطم (24)، وأشفينا (25) على خطر التّخم (26)، تعاورنا (27)
__________
(1) أي قادني وجرني.
(2) العشار النوق الحوامل كما ذكره المؤلف في تفسير هذه المقامة الآتي والخوار في الأصل للبقر خار الثور يخور خوارا إذا صوّت فاستعير للعشار.
(3) هي البرم كما سيذكره المصنف في التفسير الآتي.
(4) أي تغلي.
(5) جمع وليدة وهي الجارية.
(6) أي تجيء وتذهب لخدمة الأضياف.
(7) جمع الكسر وهو جانب البيت.
(8) كناية عن الاصطلاء وسيأتي في تفسيره ما قيل في فاكهة الشتاء.
(9) أي يطربون.
(10) يقال فتى بين الفتاء وهو حداثة السن في المروءة قال:
إذا عاش الفتى مائتين عاما ... فقد ذهب اللذاذة والفتاء.
(11) فسلكت طريقتهم.
(12) أي فرحت وتولعت بهم.
(13) النشوان وهو السكران.
(14) أي بالخمر.
(15) أي زال التضييق.
(16) أي انكشف البرد يقال خصر يومنا اشتد برده ويوم خصر وخصرت أنامله من البرد قال الفرزدق:
إذا استوضحوا نارا يقولون ليتها ... وقد خصرت أيديهم نار غالب.
(17) جمع الهالة وهي دارة القمر كما سيذكره في التفسير.
(18) أي زهرا.
(19) أي ملئن.
(20) منعن.
(21) هي الامتلاء من الطعام وفي أمثالهم البطنة تافن الفطنة أي تنقص الفهم.
(22) أي المبالغة والإكثار.
(23) أي من الحذق والحزم.
(24) أي الأكول.
(25) أي أشرفنا.
(26) جمع تخمة وهي امتلاء المعدة بالطعام وهي مؤدية للهلاك.
(27) أي تداولنا.(1/471)
مشوش الغمر (1)، ثمّ تبوّأنا (2) مقاعد السّمر (3). وأخذ كلّ واحد منّا يشول بلسانه (4)، وينشر (5) ما في صوانه (6)، ما عدا شيخا مشتهبا فوداه (7)، مخلولقا برداه (8)، فإنّه ربض حجرة (9) وأوسعنا هجرة (10). فغاظنا تجنّبه، الملتبس موجبه، المعذور فيه مؤنّبه (11). إلّا أنّا ألنّا (12) له القول، وخشينا في المسألة العول (13) وكلّما رمنا أن يفيض (14) كما فضنا، أو يفيض (15) في ما أفضنا، أعرض إعراض العلّيّة (16) عن الأرذلين، وتلا إن هذا إلّا أساطير الأوّلين. ثمّ كأنّ الحميّة (17)
هاجته (18)، والنّفس الأبيّة (19) ناجته (20)، فدلف (21) وازدلف (22)، وخلع الصّلف (23)، وبذل أن يتلافى (24) ما سلف. ثمّ استرعى سمع السّامر (25)، واندفع كالسّيل الهامر (26)، وقال: عندي أعاجيب (27) أرويها بلا كذب، عن العيان (28)
فكنّوني أبا العجب.
__________
(1) هو منديل تمسح فيه الأيدي من الغمر وهو ريح اللحم وسيأتي ذكره في التفسير.
(2) أي حللنا وتمكنا.
(3) حديث الليل.
(4) يكثر رفعه وتحريكه بالكلام.
(5) النشر ضد الطي.
(6) الصوان وعاء البزّاز يصون فيه الثياب يريد أن كل واحد منهم أخذ يبدي ما عنده من الكلام.
(7) اشتهب الرأس خالط سواده بياض والفودان جانبا الرأس من أعلى الصدغين وسيأتي ما قيل في ذلك.
(8) اخلولق الثوب صار خلقا باليا.
(9) أي جلس ناحية وسيأتي ما قيل في ذلك أيضا.
(10) أي تباعد عنا وتجنبنا.
(11) التأنيب التعيير والتعنيف قال الشاعر:
أتتني تؤنبني بالبكا ... فأهلا بها وبتأنيبها
(12) من اللين ضد الصلابة.
(13) أي خفنا أن نتكلم معه فيزيد وأصل العول زيادة السهام على جملة المال.
(14) من فاض النهر إذا زخر وسال من جوانبه.
(15) من أفاض بالحديث إذا خاض فيه.
(16) جمع علي بتشديد اللام المكسورة الكبير في الناس العظيم.
(17) أي الأنفة والعظمة.
(18) أي هيجته.
(19) أي الشريفة.
(20) أي حدّثته.
(21) أي دنا ومشى مشي المقيّد.
(22) أي اقترب.
(23) الكبر والحمق.
(24) أي يتدارك.
(25) الجماعة السمّار أي طلب استماعهم له.
(26) أي السائل الجاري.
(27) جمع أعجوبة وهي النادرة يتعجب منها.
(28) المشاهدة.(1/472)
رأيت يا قوم أقواما غذاؤهم ... بول العجوز وما أعني ابنة العنب (1)
(بول العجوز) لبن البقرة والعجوز أيضا من أسماء الخمر.
ومسنتين (2) من الأعراب قوتهم ... أن يشتووا خرقة (3) تغني من السّغب (4)
(الخرقة) القطعة من الجراد.
وقادرين (5) متى ما ساء صنعهم ... أو قصّروا فيه قالوا الذّنب للحطب
(القادر) الطابخ في القدر والقدير المطبوخ فيها.
وكاتبين وما خطّت أناملهم ... حرفا ولا قرؤوا ما خطّ في الكتب
(الكاتبون) الخرّازون يقال كتب السقاء والمزادة إذا خرزهما وكتب البغلة أو الناقة إذا جمع بين شفريها وخاطهما قال الشاعر:
لا تأمننّ فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار
وتابعين عقابا (6) في مسيرهم ... على تكمّيهم (7) في البيض (8) واليلب (9)
(العقاب) الراية وكانت راية النبي صلى الله عليه وسلم تسمى العقاب.
ومنتدين (10) ذوي نبل (11) بدت لهم ... نبيلة (12) فانثنوا منها إلى الهرب
(النبيلة) الجيفة ومنه تنبل البعير إذا مات وأروح يعني نتن.
وعصبة لم تر البيت العتيق وقد ... حجّت جثيّا بلا شكّ على الرّكب
معنى (حجت جثيّا) أي غلبت بالحجة مجادلين جاثين على الركب وجثي جمع جاث.
ونسوة بعد ما أدلجن (13) من حلب ... صبّحن كاظمة (14) من غير ما تعب
(كاظمة) في هذا الموضع من كظم الغيظ.
__________
(1) هي الخمر.
(2) أي مجدبين وهم من أصابتهم السنة وهي القحط.
(3) أي يتخذونها شواء.
(4) هو الجوع.
(5) المتبادر أن القادر ضد العاجز.
(6) بضم العين نوع من الطير.
(7) التكمي التغطي والكمي الشجاع التام السلاح.
(8) جمع البيضة وهي المغفر.
(9) دروع من الجلود ثم كثر حتى أطلق على الحديد.
(10) أي مجتمعين في ناد وهو المجلس.
(11) بالضم أي أصحاب فضل أو بالفتح بمعنى السهام.
(12) المتبادر أنها امرأة ذات فضيلة.
(13) أي سرين في جوف الليل.
(14) هي من بلاد البصرة على ما هو المتبادر.(1/473)
ومدلجين سروا من أرض كاظمة ... فأصبحوا حين لاح الصّبح في حلب (1)
(في حلب) أي أصبحوا يحلبون اللبن.
ويافعا (2) لم يلامس قطّ غانية (3) ... شاهدته وله نسل من العقب (4)
(النسل) ههنا العدو قال تعالى {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} و (العقب) مؤخر القدم.
وشائبا غير مخف للمشيب بدا ... في البدو وهو فتيّ السّنّ لم يشب
(الشائب) ههنا مازج اللبن و (المشيب) اللبن الممزوج ويقال مشيب ومشوب.
ومرضعا بلبان (5) لم يفه فمه (6) ... رأيته في شجار (7) بيّن السّبب
(الشجار) المحفّة ما لم تكن مظللة فإن ظللت فهو الهودج (والسبب) ههنا الحبل ومنه قوله تعالى {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمََاءِ}.
وزارعا ذرة حتّى إذا حصدت ... صارت غبيراء (8) يهواها أخو الطّرب
(الغبيراء) المسكر المتخذ من الذرة ويسمى أيضا السكركة وفي الحديث إياكم والغبيراء فإنها خمر العالم.
وراكبا (9) وهو مغلول (10) على فرس ... قد غلّ أيضا وما ينفكّ عن خبب
(المغلول) ههنا العطشان وغلّ أي عطش.
وذا يد طلق (11) يقتاد (12) راحلة ... مستعجلا وهو مأسور (13) أخو كرب
(المأسور) الذي يجد الأسر وهو احتباس البول.
__________
(1) المتبادر أنها المدينة المشهورة من بلاد الشام وبينهما منافات بعيدة.
(2) المتبادر (كذا في الأصل) أنه الصبي المترعرع إذا ناهز البلوغ.
(3) هي المرأة التي استغنت بجمالها عن التجمل والمراد الزوجة مطلقا.
(4) الذي يفهم منه أن النسل الذرية والعقب ما أعقبه من بعده من الأولاد.
(5) المرضع الطفل الرضيع واللبان لبن المرأة.
(6) أي لم ينطق بالكلام.
(7) الشجار والمشاجرة كالخصام والمخاصمة لفظا ومعنى.
(8) الظاهر أنها النبات المعروف وهو نوع من البنج وقيل هو السيكران.
(9) وفي نسخة وراكضا والركض نوع من المشي.
(10) أي مشدود في الغل والأسر.
(11) أي صاحب يد مطلوقة وهو ضد المشدود.
(12) أي يقود.
(13) أي مشدود في الأسر.(1/474)
وجالسا ماشيا تهوي مطيّته (1) ... به وما في الّذي أوردت من ريب
(الجالس) الآتي نجدا والماشي الذي كثرت ماشيته وعليه فسر بعضهم قوله تعالى {أَنِ امْشُوا}
كأنه دعاء لهم بكثرة الماشية والنماء والبركة.
وحائكا (2) أجذم الكفّين (3) ذا خرس ... فإن عجبتم فكم في الخلق من عجب
(الحائك) ههنا الذي إذا مشى حرك منكبيه وفجج بين ركبتيه.
وذا شطاط (4) كصدر الرّمح قامته ... صادفته بمنى يشكو من الحدب (5)
(الحدب) ما ارتفع من الأرض.
وساعيا في مسرّات الأنام يرى ... إفراحهم (6) مأثما كالظّلم والكذب
(إفراحهم) اثقالهم بالدين ومنه قوله عليه السلام لا يترك في الإسلام مفرح أي مثقل من الدين أو يقضى عنه دينه.
ومغرما (7) بمناجاة الرّجال (8) له ... وما له في حديث الخلق (9) من أرب
(الخلق) ههنا الكذب ومنه قوله تعالى {إِنْ هََذََا إِلََّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ}.
وذا ذمام (10) وفت بالعهد ذمّته ... ولا ذمام له (11) في مذهب العرب
(الذمام) الثاني جمع ذمة وهي البئر القليلة الماء وعنى بالمذهب المسلك أي ما له آبار قليلة الماء في البدو.
__________
(1) أي تذهب به يعني أنه راكب أيضا.
(2) هو الناسج من حاك الثوب نسجه.
(3) أي أقطع ويوجد هنا في بعض النسخ بعد هذا البيت:
وصادعا بالقنا من غير أن علقت ... كفاه يوما برمح لا ولم يثب
القنا ارتفاع الأنف وتحدب وسطه وصدع به أي كشفه.
(4) أي قامة معتدلة.
(5) تقوس الظهر وبروزه كالسنام.
(6) بكسر الهمزة من أفرحته إذا سررته وغممته فهو من الأضداد والمتبادر الأول.
(7) أي ولوعا.
(8) أي بمحادثتهم.
(9) أي المخلوقات مطلقا.
(10) أي صاحب عهد وذمة.
(11) المتبادر أنه بالمعنى الأول.(1/475)
وذا قوى (1) ما استبانت قطّ لينته (2) ... ولينه مستبين غير محتجب (3)
(اللين) نخيل الدقل ومنه قوله تعالى {مََا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ}.
وساجدا فوق فحل (4) غير مكترث (5) ... بما أتى بل يراه أفضل القرب (6)
(الفحل) الحصير المتخذ من فحّال النخل.
وعاذرا (7) مؤلما (8) من ظلّ يعذره (9) ... مع التّلطّف والمعذور في صخب (10)
(العاذر) الخاتن (والمعذور) المختون.
وبلدة ما بها ماء لمغترف ... والماء يجري عليها جري منسرب
(البلدة) الفرجة بين الحاجبين وتسمى أيضا البلجة.
وقرية دون أفحوص القطا (11) شحنت (12)
بديلم (13) عيشهم من خلسة (14) السّلب (15)
(القرية) بيت النمل (والديلم) النمل الكثير (وخلسة السلب) لحاء الشجر.
وكوكبا (16) يتوارى (17) عند رؤيته ال ... إنسان حتّى يرى في أمنع الحجب
(الكوكب) النكتة البيضاء التي تحدث في العين (والإنسان) ههنا إنسان العين.
وروثة (18) قوّمت مالا له خطر (19) ... ونفس صاحبها بالمال لم تطب (20)
(الروثة) مقدّم الأنف.
__________
(1) جمع قوّة.
(2) أي رخاوته يعني أنه ذو صلابة وشدة.
(3) أي والحال أنه غير صلب بل رخاوته ظاهرة.
(4) هو ذكر الإبل.
(5) أي غير مبال.
(6) جمع قربة بالضم وهي الطاعة.
(7) هو من يقبل العذر.
(8) أي مؤذيا.
(9) أي يؤذي من يقبل عذره.
(10) هو ارتفاع الصوت والصياح.
(11) أي أقل من عش القطا وهو طير معروف.
(12) أي ملئت.
(13) الديلم يطلق على جيل من العجم.
(14) هي ما يؤخذ كالسرقة.
(15) ما يسلب من القتلى.
(16) المتبادر منه واحد الكواكب وهي النجوم والشمس والقمر.
(17) أي يختفي.
(18) ما يخرج من بطون الماشية وهو لها كالعذرة للإنسان.
(19) أي له قدر وشرف.
(20) أي لم ترض نفسه بما قومت به من كثير المال.(1/476)
وصحفة (1) من نضار (2) خالص شريت (3) ... بعد المكاس (4) بقيراط من الذّهب
(النضار) ههنا شجر النبع ومنه قول بعض التابعين لا بأس أن يشرب في قدح النضار عنى به هذا.
ومستجيشا (5) بخشخاش (6) ليدفع ما ... أظلّه (7) من أعاديه فلم يخب (8)
(الخشخاش) الجماعة عليهم دروع وأسلحة.
وطالما مرّ بي كلب وفي فمه ... ثور (9) ولكنّه ثور بلا ذنب (10)
(الثور) القطعة من الأقط (وهو نوع من الجبن).
وكم رأى ناظري فيلا على جمل ... وقد تورّك فوق الرّحل والقتب
(الفيل) الرجل الفائل الرأي.
وكم لقيت بعرض البيد (11) مشتكيا (12) ... وما اشتكى قطّ في جدّ وفي لعب
(المشتكي) المتخذ شكوة وهي القربة الصغيرة.
وكنت أبصرت كرّازا (13) لراعية (14) ... بالدّوّ (15) ينظر من عينين كالشّهب
__________
(1) هي الوعاء للطعام كالقصعة مثلا.
(2) المتبادر منه أنه الذهب لأن النضار من أسمائه.
(3) أي بيعت.
(4) المكاس والمماكسة المشاحّة بين المتبايعين وهي أن يطلب بائع السلعة سوما فينقص المشتري مما طلب فإن أبى زاده ولا يزال يزيده شيئا فشيئا حتى يتراضيا.
(5) أي طالب جيش يستعين به.
(6) المتبادر أنه النبات المعروف بأبي النوم.
(7) أي ما غشيه وقرب منه.
(8) يعني أنه ظفر بمطلوبه من الاستجاشة مع أن الخشخاش بالمعنى المذكور آنفا لا ينفع للاستجاشة.
(9) المتبادر أنه ذكر البقر كما أن المتبادر من الفيل الحيوان المعروف وهو حيوان هائل الخلقة أكبر من الجمل مرارا.
(10) وفي بعض النسخ بلا غبب وهو كالغبغب اللحم المتدلي تحت الحنك يكون في البقر والديكة.
(11) أي بجانبها والبيد جمع البيداء وهي الصحراء القفر.
(12) أي ذا شكوى وبهذا المعنى يكون الكلام متناقضا لأنه قال مشتكيا وقال بعد ذلك وما اشتكى قط.
(13) هو بالضم كرمان وكغراب أيضا القارورة أو الكوز الضيق الرأس لكن الذي في البيت المفسر بالكبش الخ مضبوط بالفتح بوزن حماد كما في القاموس.
(14) مؤنث راع ويجوز أن تكون التاء للمبالغة.
(15) أي بالفلاة.(1/477)
(الكرّاز) كبش يحمل عليه الراعي أداته.
وكم رأت مقلتي عينين ماؤهما ... يجري من الغرب والعينان (1) في حلب (2)
(الغرب) مجرى الدمع (والعينان) المقلتان.
وصادعا بالقنا (3) من غير أن علقت ... كفّاه يوما برمح لا ولم يثب (4)
(القنا) ارتفاع الأنف وتحدب وسطه (وصدع به) أي كشفه.
وكم نزلت بأرض لا نخيل بها ... وبعد يوم رأيت البسر (5) في القلب
(البسر) جمع بسرة وهو الماء الحديث العهد بالمطر (والقلب) جمع قليب.
وكم رأيت بأقطار الفلا طبقا (6) ... يطير في الجوّ منصبّا (7) إلى صبب
(الطبق) القطعة من الجراد.
وكم مشايخ (8) في الدّنيا رأيتهم ... مخلّدين (9) ومن ينجو من العطب
(المخلد) الذي أبطأ شيبه.
وكم بدا لي وحش (10) يشتكي سغبا (11) ... بمنطق ذلق (12) أمضى من القضب (13)
(الوحش) الرجل الجائع.
وكم دعاني مستنج (14) فحادثني ... وما أخلّ ولا أخللت بالأدب
(المستنجي) الجالس على نجوة وهو المكان المرتفع.
__________
(1) المتبادر أنهما عينا ماء.
(2) هي بلدة معروفة بالشام وشتان بين الغرب والشام.
(3) صدعه فانصدع أي شقه فانشق فهو صادع والقنا جمع القناة وهي الرمح.
(4) أي لم يحمل على عدو ولم يظفر.
(5) هو البلح الذي لم ينضج ولم يقطف وكونه يرى اليسر مع عدم النخيل تناقض.
(6) هو إناء مفرطح.
(7) أي هاويا من أعلى إلى أسفل.
(8) جمع شيخ وهو بلغ سنه الثمانين فما فوقها.
(9) المخلد الذي لا يلحقه الفناء ولا خلود في الدنيا وقوله ومن ينجو الخ استفهام إنكاري والعطب الهلاك.
(10) هو الحيوان المتوحش في البادية.
(11) أي جوعا.
(12) أي فصيح.
(13) جمع قضيب.
(14) المستنجي هو من يأتي الخلاء لقضاء الحاجة ثم يزيل النجاسة بالغسل ومحادثته إذ ذاك مكروهة شرعا.(1/478)
وكم أنخت قلوصي (1) تحت جنبذة (2) ... تظلّ ما شئت من عجم (3) ومن عرب (4)
(الجنبذة) القبة (والعرب) جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها من قوله تعالى {عُرُباً أَتْرََاباً}.
وكم نظرت إلى من سرّ ساعته (5) ... ودمعه مستهلّ القطر كالسّحب
(سرّ) أي قطع سرره ويسمى ما يبقى بعد القطع السرة.
وكم رأيت قميصا (6) ضرّ صاحبه ... حتّى انثنى (7) واهي الأعضاء والعصب (8)
(القميص) الدابة الكثيرة القماص وهو الوثوب والقفز.
وكم إزار (9) لو أنّ الدّهر أتلفه ... لجفّ لبد حثيث السّير مضطرب (10)
(الازار) المرأة ومنه قول الشاعر فدى لك من أخي ثقة إزاري.
هذا وكم من أفانين (11) معجّبة (12) ... عندي ومن ملح (13) تلهي ومن نخب (14)
فإن فطنتم للحن القول (15) بان لكم ... صدقي ودّلّكم طلعي (16) على رطبي
__________
(1) أي ناقتي ويكنى بها أيضا عن المرأة قال:
قلائصنا هداك الله أنّا ... شغلنا عنكم زمن الحصاد
(2) هي عند أهل العراق ما استدار من زهر الرمان واحمرّ كالجلنار أول ما يبدو.
(3) بضم أوله ضد العرب.
(4) بضمتين جمع عروب.
(5) أي من دخل عليه سرور في ساعة.
(6) هو ما يلي الجسد من الثياب وهو ما لا يضر صاحبه.
(7) أي رجع.
(8) أي ضعيف الأعضاء مسترخي العصب.
(9) الإزار ما يكون على الظهر من الأعلى.
(10) جفاف اللبد كناية عن المقام وترك الارتحال ومنه قولهم فلان لا يجف لبده أي لا يزال يتردد والسير الحثيث المستعجل.
(11) جمع أفنان جمع فنن.
(12) أي يتعجب منها.
(13) جمع ملحة بالضم وهي ما يستحسن من الكلام.
(14) جمع نخبة وهي ما ينتخب ويختار من الكلام.
(15) أي لمعناه وقيل اللحن أن تلحن بكلامك أي تميله إلى نحو من الأنحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض قال:
ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا ... واللحن يعرفه ذوو الألباب.
(16) الطلع هو أول ما يبدو من التمر يعني أن ما سمعتم من قولي يدلكم على أني أقدر على أبلغ منه.(1/479)
وإن شدهتم (1) فإنّ العار فيه على ... من لا يميّز بين العود والخشب (2)
قال الحارث بن همّام: فطفقنا نخبط (3) في تقليب قريضه (4)، وتأويل معاريضه (5)، وهو يلهو بنا (6) لهو الخليّ بالشّجيّ (7)، ويقول ليس بعشّك فادرجي (8)، إلى أن تعسّر النّتاج (9)، واستحكم الارتجاج (10). فألقينا إليه المقادة، وخطبنا منه الإفادة (11)، فوقفنا بين المطمع والياس، وقال الإيناس قبل الإبساس (12). فعلمنا أنّه ممّن يرغب في الشّكم (13)، ويرتشي (14) في الحكم.
وساء أبا مثوانا (15) أن نعرّض للغرم، أو نخيّب بالرّغم (16)، فأحضر صاحب المنزل ناقة عيديّة، وحلّة سعيديّة، وقال له: خذهما حلالا ولا ترزأ أضيافي زبالا.
فقال: أشهد أنّها شنشنة أخزميّة، وأريحيّة (17) حاتميّة (18). ثمّ قابلنا بوجه بشره (19)
__________
(1) أي بهتّم وارتبتم فيما سمعتم.
(2) أراد بالعود ما يتطيب برائحته والخشب ما لا رائحة له.
(3) أي نفكر ونقول.
(4) أي الشعر الذي قاله.
(5) أي تفسير ما عرّض به من الكلام الخفي.
(6) أي يسخر منا.
(7) أي كسخرية فارغ البال من المهموم وهذا مستفاد من المثل السائر قال ويل الشجي من الخلي فإنه نصب الفؤاد بشجوه مغموم.
(8) أي إن هذا بعيد عن أمثالكم وسيأتي تفسير هذه الفقرة في تفسير ما بقي بهذه المقامة.
(9) أي تعسر استخراج ما خفي من الألغاز وأصل النتاج ولادة الإبل.
(10) الاستغلاق والانسداد.
(11) يعني سلمنا إليه أنفسنا طلبا للإفادة منه حيث وقفنا على إدراك المعنى.
(12) يريد أن تعطى له جائزة على أن يحل لنا ما أشكله علينا وأصل المثل سيأتي في التفسير.
(13) العطاء على سبيل المجازاة قال الشاعر:
وما خير معروف إذا كان للشكم
(14) أي يأخذ الرشوة وهي البرطيل على قضاء الوطر.
(15) أي مضيفنا وسيأتي إيضاح هذا اللفظ في التفسير.
(16) أي بالهوان والذل وسيأتي تفسير ما بعد هذا.
(17) أي كرم وجود.
(18) أي منسوبة إلى حاتم الطائي وهو رجل يضرب به المثل في الكرم.
(19) أي طلاقته وبشاشته ظاهرة.(1/480)
يشفّ، ونضرته (1) ترفّ (2)، وقال: يا قوم إنّ اللّيل قد اجلوّذ (3)، والنّعاس قد استحوذ (4)، فافزعوا (5) إلى المراقد (6)، واغتنموا راحة الرّاقد، لتشربوا نشاطا (7)، وتبعثوا (8) نشاطا (9)، فتعوا (10) ما أفسّر، ويتسهّل لكم المتعسّر. فاستصوب كلّ ما رآه، وتوسّد وسادة كراه (11). فلمّا وسنت الأجفان (12)، وأغفت (13) الضّيفان، وثب إلى النّاقة فرحلها، ثمّ ارتحلها ورحّلها، وقال مخاطبا لها:
سروج يا ناق (14) فسيري وخدي (15) ... وأدلجي وأوّبي وأسئدي (16)
حتّى تطا خفّاك مرعاها (17) النّدي (18) ... فتنعمي حينئذ وتسعدي
وتأمني أن تتهمي (19) وتنجدي (20) ... إيه (21) فدتك النّوق جدّي واجهدي
وافري (22) أديم فدفد (23) ففدفد ... واقتنعي بالنّشح (24) عند المورد
__________
(1) يعني نداوة وجهه وريّه.
(2) أي تبرق وتتلألأ.
(3) أي أسرع الذهاب.
(4) أي استولى وغلب.
(5) أي فانهضوا وقوموا.
(6) أي محلّات الرقاد.
(7) أي لتكتسبوا النشاط والقوّة بالنوم والراحة.
(8) أي تقوموا من نومكم.
(9) بالكسر جمع نشيط.
(10) أي فتحفظوا وتفهموا.
(11) أي نومه.
(12) أي أخذت في مبدأ النوم.
(13) نامت يقال أغفيت أي نمت قال ابن السكيت ولا تقل غفوت.
(14) يصح أن يكون بضم القاف على لغة من لا ينتظر وأن يكون بفتحها على لغة من ينتظر لأنه منادى مرخم.
(15) الوخد الإسراع في السير.
(16) سيأتي تفسيره والمراد جدي في السير.
(17) أي مرعى سروج وفي نسخة مرعاك والضمير للناقة.
(18) أي الذي سقط عليه الندى.
(19) أي يحصل لك الأمن فلا تخافي من السفر في تهامة وهي ما انخفض من الأرض.
(20) أي وتأمني أن تسافري في نجد وهو ما ارتفع من الأرض.
(21) كلمة معناها طلب الزيادة مما هي فيه وهو الجد في السير.
(22) أي اقطعي.
(23) الأديم في الأصل الجلد وكنى به عن ظاهر الأرض والفدفد الأرض المرتفعة ذات الحصى قال
قلائص إذا علون فدفدا ... أدنين بالطرف النجاد الأبعدا
النجاد: جمع نجد.
(24) هو الشرب.(1/481)
ولا تحطّي دون ذاك المقصد ... فقد حلفت حلفة المجتهد
بحرمة البيت الرّفيع العمد ... إنّك إن أحللتني في بلدي
حللت منّي بمحلّ الولد
قال: فعلمت أنّه السّروجيّ الّذي، إذا باع (1) انباع (2)، وإذا ملأ الصّاع (3)
انصاع (4). ولمّا انبلج صباح اليوم (5)، وهبّ النّوّام (6) من النّوم، أعلمتهم أنّ الشّيخ حين أغشاهم السّبات (7)، طلّقهم البتات (8)، وركب النّاقة وفات. فأخذهم ما قدم وما حدث (9)، ونسوا ما طاب منه بما خبث، ثمّ انشعبنا (10) في كلّ مشعب (11)، وذهبنا تحت كلّ كوكب (12).
قال الشيخ الرئيس أبو محمد القاسم بن علي رضي الله عنه: قد فسرت سرّ كل لغز تحته ولم أبعد على من يقراه كشفه. وقد بقيت أليفاظ اشتملت عليها هذه المقامة، ربما التبس تفسيرها على بعض من تقع إليه، فأحببت إيضاحها له ليكفى حيرة الشبهة، وكلفة الفكرة، ووصمة البحث والمسألة، وبالله تعالى الاستعانة والقوّة. قوله (عشوت إلى نار) يعني، تنورتها فقصدتها فإن لم تقصدها قلت عشوت عنها، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمََنِ} أي يعرض. وقوله (وأنا أصرد من عين الحرباء والعنز الجرباء) هذان مثلان يضربان لمن يبلغ منه البرد، وذلك لأن الحرباء تدور أبدا مع الشمس وتستقبلها بعينها، ولذلك شبه ابن الرومي الرقيب بالحرباء في قوله:
__________
(1) يعني إذا قضى حديثه ووطره.
(2) أي انبعث للذهاب.
(3) أي إذا ملأ كيسه بالدراهم أو بطنه بالطعام.
(4) أي مال وراح.
(5) أي أضاء ووضح نوره.
(6) أي استيقظ النائمون.
(7) أي غلب عليهم النوم والراحة.
(8) أي فارقهم مفارقة من لا يريد الرجوع إليهم.
(9) سيأتي تفسيره.
(10) أي تفرقنا.
(11) أي طريق قال الكميت:
وما لي إلّا آل أحمد شيعة ... وما لي إلّا مشعب الحق مشعب
(12) سيأتي تفسيره.(1/482)
ما بالها حسّنت ورقيبها ... أبدا قبيح قبّح الرقباء
ما ذاك إلّا أنها شمس الضحى ... أبدا يكون رقيبها الحرباء
والعنز الجرباء لا تدفأ في الشتاء لقلة شعرها، ذكر بعضهم أن العنز الجرباء تصحيف المثل الأول وقوله (من نحر وار) يعني الجمل المكتنز شحما الكثير مخّا.
وقوله (عشاره تخور وأعشاره تفور) العشار النوق الحوامل، والاعشار البرمة العظيمة، كأنها شعبت لعظمها. يقال: برمة أعشار وجفنة كسار وثوب أسمال وبرد أخلاق وحبل أرمام. ووصف الجماعة منها كوصف الواحد (1). وقوله (فاكهة الشتاء): كنى بها عن النار ومنه قول بعض المحدثين:
النار فاكهة الشتاء فمن يرد ... أكل الفواكه شاتيا فليصطل
إن الفواكه في الشتاء شهية ... والنار للمقرور أفضل مأكل
وقوله (موائد كالهالات)، يعني دارات القمر. ودارة الشمس تسمى الطفاوة.
وقوله (مشوش الغمر): يعني المنديل. يقال مش يده بالمنديل أي مسحها. ومنه قول امرىء القيس:
نمشّ بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهب
وقوله (مشتهبا فوداه): أي صار من الشيب في لون الأشهب. ومنه قول امرىء القيس أيضا:
قالت الخنساء لما جئتها ... شاب بعدي رأس هذا واشتهب
وقوله (ربض حجرة)، يعني ناحية. ويقال في المثل لمن يشارك في الرخاء، ويجانب عند البلاء يرتع وسطا ويربض حجرة. وقوله (فاسترعى سمع السامر) يعني السمّار لأن السامر اسم للجمع كالحاضر اسم للحي النازلين على الماء، وكالباقر اسم لجماعة البقر. وقال بعض أهل اللغة: هو اسم للبقر مع رعاتها. واشتقاق
__________
(1) يوجد هنا في بعض النسخ بعد قوله الحوامل ما نصه (واحدتها عشراء وهي التي أتى عليها في الحمل عشرة أشهر ثم لا يزال اسمها حتى تضع) انتهى.(1/483)
السامر من السمر، وهو ظل القمر مأخوذ من السمرة. فلما كان غالب أحوال السمار أنهم يتحدّثون في ظل القمر، اشتق لهم اسم منه، وإلى هذا يرجع قولهم لا أكلمه القمر والسمر. وقوله (ليس بعشك فادرجي) هذا مثل يضرب لمن تعاطى ما لا ينبغي له والعش ما يكون في شجرة، فإذا كان في حائط أو كهف جبل فهو وكر. وقوله (الإيناس قبل الإبساس) هذا مثل أيضا ومعناه أنه ينبغي أن يؤنس الإنسان ثم يكلف. وأصله أن حالب الناقة يؤنسها حين يروم حلبها ثم يبسّ بها للحلب. والابساس أن تقول لها بس بس لتسكن وتدر. وتسمى الناقة التي تدر على الابساس البسوس. وقوله (يرغب في الشكم) الشكم ما أعطيته على سبيل المجازاة فإن أعطيته مبتدئا فهو الشّكد. وقوله (ساء أبا مثوانا) يعني المضيف الذي أووا إليه وثووا عنده. وقوله (ناقة عيدية) قيل إنها منسوبة إلى فحل منجب اسمه عيد وقيل: هي منسوبة إلى فخذ من مهرة اسمه عيد بن مهرة. وكانت مهرة وعيد تتخذان نجائب الإبل فنسبت إليهما. وقوله (حلة سعيدية)، هي منسوبة إلى سعيد بن العاص. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كساه وهو غلام حلة فنسب جنسها إليه. وقوله (لا ترزأ أضيافي زبالا) أي لا ترزأهم شيئا وإن قل. والأصل في الزبال ما تحمله النملة بفيها. وقوله (شنشنة أخزمية) أشار به إلى المثل الذي ضربه جدّ حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن أخزم الطائي حين نشأ حاتم، وتقيل أخلاق جده أخزم في الجود، فقيل شنشنة أعرفها من أخزم وتمثل عقيل بن غلفة به حين قال:
إن بنيّ ضرّجوني بالدم ... من يلق آساد الرجال يكلم
شنشنة أعرفها من أخزم
ومن ادّعى أن المثل له فقد سها فيه. وقوله (اجلوّذ): أي أسرع في الذهاب.
ومثله اخروّط. وقوله (وثب إلى الناقة فرحلها): يعني شدّ عليها الرحل، وبه سميت الراحلة، لأنها فاعلة بمعنى مفعولة، كقوله تعالى {فِي عِيشَةٍ رََاضِيَةٍ} أي مرضية، وكقوله تعالى {مِنْ مََاءٍ دََافِقٍ} أي مدفوق. والراحلة تقع على الناقة والجمل، ودخول الهاء فيها للمبالغة مثل: داهية وراوية. وقوله (ارتحلها) أي ركبها. وفي الحديث أن
النبي صلى الله عليه وسلم سجد فركبه الحسن، فأبطا في سجوده، فلما قضى صلاته قال: إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله. وقوله (ورحّلها) أي أزعجها وأشخصها وأجدّ بها في الرحيل. ومنه الخبر تخرج عند اقتراب الساعة نار من قعر عدن ترحّل الناس. وقوله (فأدلجي وأوبي وأسئدي): الادلاج أن تسير الليل كله، والاسم منه الدّلجة بفتح الدال والادّلاج بالتشديد، أن تسير من آخرة والاسم منه الدّلجة بضم الدال، وقيل فتحها وضمها بمعنى واحد. والتأويب سير النهار وحده.(1/484)
ومثله اخروّط. وقوله (وثب إلى الناقة فرحلها): يعني شدّ عليها الرحل، وبه سميت الراحلة، لأنها فاعلة بمعنى مفعولة، كقوله تعالى {فِي عِيشَةٍ رََاضِيَةٍ} أي مرضية، وكقوله تعالى {مِنْ مََاءٍ دََافِقٍ} أي مدفوق. والراحلة تقع على الناقة والجمل، ودخول الهاء فيها للمبالغة مثل: داهية وراوية. وقوله (ارتحلها) أي ركبها. وفي الحديث أن
النبي صلى الله عليه وسلم سجد فركبه الحسن، فأبطا في سجوده، فلما قضى صلاته قال: إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله. وقوله (ورحّلها) أي أزعجها وأشخصها وأجدّ بها في الرحيل. ومنه الخبر تخرج عند اقتراب الساعة نار من قعر عدن ترحّل الناس. وقوله (فأدلجي وأوبي وأسئدي): الادلاج أن تسير الليل كله، والاسم منه الدّلجة بفتح الدال والادّلاج بالتشديد، أن تسير من آخرة والاسم منه الدّلجة بضم الدال، وقيل فتحها وضمها بمعنى واحد. والتأويب سير النهار وحده.
والإسآد أن تسير ليلا ونهارا والنشح أن تشرب دون الري. وقوله (فأخذهم ما قدم وما حدث): يقال ذلك لمن تستولي الهموم عليه وتتلاعب به. وتضم الدال من حدث في هذا الموضع وحده ليوافق لفظها لفظ قدم، فإن أفردت حدث عن قدم وجب فتح الدال من حدث. ومثله قولهم هنأني ومرأني بحذف الألف من أمرأني إذا ذكر مع هنأني فإن أفردته وجب أن تقول أمرأني الشيء (1). وقوله (ذهبنا تحت كل كوكب)، هذا المثل يضرب لمن تختلف في السفر طرقهم، وتتباين سبلهم.
__________
(1) قوله وجب أن تقول أمراني الشيء يوجد هنا في بعض النسخ ما نصه وكذلك يقولون رجس نجس فيكسرون النون من نجس ويسكنون الجيم ليزاوج لفظة رجس فإن أفرد قيل نجس بفتح النون والجيم كما قال الله تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}. انتهى.(1/485)
المقامة الخامسة والاربعون الرّمليّة
حكى الحارث بن همّام، قال: كنت أخذت عن أولي التّجاريب، أنّ السّفر مرآة الأعاجيب، فلم أزل أجوب كلّ تنوفة (1)، وأقتحم (2) كلّ مخوفة (3)، حتّى اجتلبت (4) كلّ أطروفة (5). فمن أحسن ما لمحته، وأغرب ما استملحته (6)، أن حضرت قاضي الرّملة (7)، وكان من أرباب الدّولة والصّولة، وقد ترافع إليه بال في بال (8)، وذات جمال في أسمال (9). فهمّ الشّيخ بالكلام، وتبيان المرام (10)، فمنعته الفتاة من الإفصاح، وخسأته (11) عن النّباح (12)، ثمّ نضت عنها فضلة الوشاح (13)، وأنشدت بلسان السّليطة (14) الوقاح (15):
__________
(1) أي أقطع كل مفازة قال الشاعر:
بظهر تنوفة للريح فيها ... نسيم لا يروع الترب واني
(2) أي أدخل من غير مبالاة.
(3) أي ما يخاف منها.
(4) أي نظرت وشاهدت.
(5) هي ما يطرف به مما يستحسن من الحديث اللطيف.
(6) أي عددته مليحا.
(7) بلد معروف بالشام وقسم الشام خمسة أقسام منها قسم فلسطين ومدينته العظمى الرملة ويتبعها أربعة الآف ضيعة ومن مدن فلسطين ايليا مدينة بيت المقدس بينها وبين الرملة ثمانية عشر ميلا وقال ابن ظفر عشرون فرسخا.
(8) أي شيخ فإن في ثوب خلق.
(9) جمع سمل وهو الثوب الخلق.
(10) أي إظهار المطلوب والإفصاح عنه.
(11) خسأ الكلب طرده فخسأ.
(12) هو للكلب والمراد الصياح.
(13) أي أزالت عن وجهها ما عليه من الغطاء.
(14) من السلاطة وهي عدم المبالاة في القول.
(15) من الوقاحة وهي عدم الحياء.(1/486)
يا قاضي الرّملة يا ذا الّذي ... في يده الثّمرة والجمره (1)
إليك أشكو جور بعلي الّذي ... لم يحجج البيت سوى مرّه
وليته لمّا قضى نسكه (2) ... وخفّ ظهرا إذ رمى الجمره
كان على رأي أبي يوسف (3) ... في صلة الحجّة بالعمره (4)
هذا على أنّي مذ ضمّني (5) ... إليه لم أعص له أمره (6)
فمره إمّا ألفة حلوة ... ترضي وإمّا فرقة مرّه
من قبل أن أخلع ثوب الحيا ... في طاعة الشّيخ أبي مرّه (7)
فقال له القاضي: قد سمعت بما عزتك (8) إليه، وتوعّدتك عليه، فجانب ما عرّك (9)، وحاذر أن تفرك (10) وتعرك (11). فجثا (12) الشّيخ على ثفناته (13)، وفجر ينبوع نفثاته (14)، وقال:
إسمع عداك الذّمّ (15) قول امرىء ... يوضح في ما رابها (16) عذره
__________
(1) أي بيده الخير والشر والنفع والضر.
(2) يريد أن الحاج عندما ينتهي إلى أيام الرمي يخف ظهره من أعمال الحج.
(3) هو أحد صاحبي الإمام الأعظم أبي حنيفة.
(4) هو المسمى بالقرآن وهو ليس مختصا برأي أبي يوسف بل متّفق عليه في المذهب وخصّ أبا يوسف بالذكر لإقامة الوزن أو لأن أبا يوسف أقام بالبصرة مدة حتى سمع وسمع منه فبقي قولا معمولا به بين أهلها والمراد أنها تتمنى أن لا يعزل عنها.
(5) أي من حين تزوجني.
(6) بالفتح أي مرّة واحدة من أمره يقال لك عليّ أمرة مطاعة.
كنية إبليس عليه اللعنة وإنما كني بهذه الكنية لأن الشيخ النجدي الذي ظهر إبليس في صورته.
(7) كان يكنى أبا مرّة.
(8) أي نسبتك.
(9) أي تبعد عما يعيبك.
(10) أي تبغض ومنه امرأة فارك أي مبغضة لبعلها.
(11) من العراك.
(12) أي جلس.
(13) أي على ركبه.
(14) أي كلماته.
(15) أي تعدّاك كأنه يدعو له بتباعد الذم عنه.
(16) أي شككها.(1/487)
والله ما أعرضت عنها قلى (1) ... ولا هوى (2) قلبي قضى نذره (3)
وإنّما الدّهر عدا صرفه (4) ... فابتزّنا الدّرّة والذّرّة (5)
فمنزلي قفر كما جيدها ... عطل (6) من الجزعة (7) والشّذره (8)
وكنت من قبل أرى في الهوى ... ودينه رأي بني عذره (9)
فمذ نبا الدّهر (10) هجرت الدّمى (11) ... هجران عفّ (12) آخذ حذره
وملت عن حرثي (13) لا رغبة ... عنه ولكن أتّقي بذره (14)
فلا تلم من هذه حاله ... واعطف عليه واحتمل هذره (15)
قال: فالتظت (16) المرأة من مقاله، وانتضت (17) الحجج لجداله، وقالت له: ويلك يا مرقعان (18)، يا من هو لا طعام ولا طعان! أتضيق بالولد ذرعا (19)، ولكلّ أكولة مرعى (20)؟ لقد ضلّ (21) فهمك، وأخطأ سهمك، وسفهت (22) نفسك
__________
(1) أي بغضا وعداوة.
(2) أي حب.
(3) يعني زال.
(4) أي تعدى وظلم تصرفه بالإنكاد.
(5) أي عنقها غير محلّى بالعقود.
(6) أي سلبنا الخطير والحقير.
(7) خرزة يمانية فيها سواد وبياض.
(8) قطعة من ذهب يفصل بها بين حبات الدر.
(9) قبيلة باليمن مشهورة بالهوى والعشق يعني أنه كان من أهل العشق.
(10) أي تباعد يعني لم يساعده باليسار والغنى.
(11) جمع دمية كنى بها عن النساء الحسان والدمية صورة تعمل من العاج وكان العاشق إذا غلب عليه عشقه ذهب إلى إحدى الأمصار فاشترى صورة تماثل محبوبته يتسلى بها على بعدها.
(12) أي عفيف.
(13) الحرث كناية عن المرأة قال تعالى {نِسََاؤُكُمْ حَرْثٌ} الآية وقال الشاعر:
إذا أكل الجراد حروث قوم ... فحرثي همه أكل الجراد
(14) كنى بالبذر عن النسل.
(15) أي كلامه الكثير السقط.
(16) أي فاحترقت.
(17) أي أخرجت وجردت.
(18) هو الأحمق كالرقيع.
(19) أي قلبا.
(20) أي لكل واحد رزق مفسوم ضربه مثلا للقناعة وليس من أمثال العرب.
(21) أي ضاع.
(22) أي ذهب رشدها.(1/488)
وشقيت بك عرسك (1). فقال لها القاضي: أمّا أنت فلو جادلت الخنساء (2)، لانثنت (3) عنك خرساء (4)، وأمّا هو فإن كان صدق في زعمه (5)، ودعوى عدمه (6)، فله في همّ قبقبه (7)، ما يشغله عن ذبذبه. فأطرقت (8) تنظر ازورارا (9)، ولا ترجع حوارا (10)، حتّى قلنا قد راجعها الخفر (11)، أو حاق بها (12) الظّفر (13). فقال لها الشّيخ: تعسا (14) لك إن زخرفت (15)، أو كتمت ما عرفت. فقالت: ويحك (16)! وهل بعد المنافرة (17) كتم، أو بقي لنا على سرّ ختم! وما فينا إلّا من صدق، وهتك صونه (18) إذ نطق. فليتنا لاقينا البكم (19)، ولم نلق الحكم (20). ثمّ التفعت بوشاحها (21)، وتباكت لافتضاحها، وجعل القاضي يعجب من خطبهما (22)
ويعجّب، ويلوم لهما الدّهر ويؤنّب (23). ثم أحضر من الورق (24) ألفين، وقال:
أرضيا بهما الأجوفين، وعاصيا النّازغ (25) بين الإلفين (26). فشكراه على حسن
__________
(1) أي زوجتك.
(2) هي أخت صخر المشهورة بالفصاحة والشعر.
(3) أي لرجعت.
(4) أي بكماء لا تعرف الكلام أمامها من إفحامها لها.
(5) أي ظنه.
(6) أي فقره.
(7) القبقب البطن وفي الحديث من وقي شرّ لقلقه وقبقبه وذبذبه فقد وقي الشر كله واللقلق اللسان.
(8) أي أكبت برأسها تنظر إلى الأرض.
(9) أي خفية بجانب عينها.
(10) أي لا تبدي جوابا.
(11) شدّة الحياء وامرأة خفرة بكسر الفاء قال المتنبي:
نسيت وما أنسى عتابا على الصد ... ولا خفرا زادت به حمرة الخد
(12) أي غشيها وحلّ بها.
(13) أي الفوز بالمقصود.
(14) أي هلاكا.
(15) أي زينت قولك.
(16) كلمة ترحّم.
(17) المرافعة إلى المحاكمة.
(18) أي فضح صيانته.
(19) هو الخرس من عي أو هو أن يولد الإنسان لا يسمع ولا ينطق وبكم بكامة وبكما.
(20) أي ولم نحضر القاضي.
(21) أي اشتملت به والوشاح من حلي النساء يقال له قلادة البطن وأراد به ثوبها الخلق المتمزق.
(22) يعني من شأنهما.
(23) أي يوبخ ويبالغ في ذم الدهر.
(24) الدراهم.
(25) الذي يوقع الشر والعداوة ويفسد بين الناس.
(26) المتحابين.(1/489)
السّراح (1)، وانطلقا وهما كالماء والرّاح (2). وطفق القاضي بعد مسرحهما (3)، وتتائي شبحهما (4)، يثني على أدبهما، ويقول: هل من عارف بهما؟ فقال له عين أعوانه (5)، وخالصة خلصانه (6): أمّا الشّيخ فالسّروجيّ المشهود بفضله، وأمّا المرأة فقعيدة رحله (7)، وأمّا تحاكمهما فمكيدة (8) من فعله، وأحبولة (9) من حبائل ختله (10). فأحفظ القاضي (11) ما سمع، وتلهّب (12) كيف خدع. ثمّ قال للواشي بهما (13)، قم فردهما، ثمّ اقصدهما وصدهما (14). فنهض ينفض مذرويه، ثمّ عاد يضرب أصدريه (15)، فقال له القاضي: أظهرنا (16) على ما نبثت (17)، ولا تخف عنّا ما استخبثت؟ فقال: ما زلت أستقري (18) الطّرق، وأستفتح الغلق (19)، إلى أن
__________
(1) اسم من التسريح وهو الإرسال والصرف.
(2) يعني ممتزجين مؤتلفين كامتزاج الماء بالخمر.
(3) أي بعد انصرافهما وذهابهما.
(4) أي تباعد جسمهما.
(5) أي سيدهم وعظيمهم.
(6) الخلصان جمع الخليص وهو من استخلصته من أحبابك وخالصتهم المختار منهم.
(7) بمعنى زوجته وأصل القعيدة الناقة.
(8) أي خديعة وحيلة.
(9) شبكة صيد.
(10) أي خدعه وغدره.
(11) أي فأغضبه.
(12) أي اغتاظ واشتدت حرارة غضبه ويروى تلهف أي صاح يا لهفي.
(13) هو من نبّه على تحيلهما وخدعهما.
(14) أي اتبعهما وأرجعهما إليّ.
(15) أي قام ومضى متهددا ثم رجع فارغا خائبا لم ينجح وهما من الأمثال السائرة والمذروان طرفا الأليتين ولا واحد لهما قال عنترة:
أحولي تنفض استك مذرويها ... لتقتلني فها أنا ذا عمارا
الأصدران المنكبان والانسان إذا جاء من جهة تعب فيها وعلاه التراب يضربهما بكمه ليزيل التراب عنهما كما أنه إذا قام من مكانه ليذهب ينفض التراب عن أليته.
(16) أي أطلعنا.
(17) أي على ما استخرجت من الأسرار.
(18) أي أتتبع.
(19) بضمتين جمع غلقة كالمغالق وهي ما يسد بها الطرق وغيرها وباب غلق مغلوق ضد فتح بضمتين مثله.(1/490)
أدركتهما مصحرين (1)، وقد زمّا مطيّ البين (2)، فرغّبتهما في العلل (3)، وكفلت (4)
لهما بنيل الأمل، فأشرب قلب الشّيخ (5) أن ييأس (6)، وقال الفرار بقراب أكيس (7). وقالت هي: بل العود أحمد (8)، والفروقة (9) يكمد (10). فلمّا تبيّن الشّيخ سفه رائها (11)، وغرر اجترائها (12)، أمسك ذلاذلها (13)، ثمّ أنشأ يقول لها:
دونك نصحي فاقتفي سبله (14) ... واغني عن التّفصيل بالجمله
طيري متى نقّرت (15) عن نخلة (16) ... وطلّقيها بتّة (17) بتله (18)
وحاذري العود إليها ولو ... سبّلها (19) ناطورها (20) الأبله (21)
فخير ما للّصّ (22) أن لا يرى ... ببقعة فيها له عمله (23)
__________
(1) أي خارجين إلى الصحراء.
(2) كناية عن كونهما شرعا في تباعدهما وفراقهما لهذه الديار.
(3) أراد به إعادة العطاء وأصله الشرب مرة بعد أخرى.
(4) أي ضمنت.
(5) يعني قام بخاطره.
(6) أي أن يقنط.
(7) مثل يضرب في تعجيل الفرار عمن لا يد لك به وقراب بالضم اسم فرس لعبد الله أخي دريد بن الصمة وكانا في حرب استضعف دريد فيها نفسه وقومه فقال لأخيه الفرار بقراب أكيس أي أحزم رأيا وأصوب من التمادي مع الضعف فلم يطعه أخوه فقاتل فقتل وأخذ الفرس وبالكسر غلاف السيف والسوط ويروى بالفتح وهو القريب.
(8) أفعل من الحمد لأن الابتداء إذا كان محمودا كان العود أحق أن يحمد منه وأول من قال هذا خداش بن حابس التميمي.
(9) الجبان الكثير الخوف.
(10) أي يحزن.
(11) أي خطاها في الرأي.
(12) أي خطر تجاربها وجراءتها.
(13) أذيال قميصها مما يلي الأرض.
(14) أي فاتبعي طرق نصحي.
(15) أي التقطت بمنقارك يعني متى ما أخذت كفايتك من مكان فلا تقيمي به بل انتقلي عنه إلى غيره.
(16) متعلق بطيري وفي نسخة من نخلة فيكون متعلقا بنقرت.
(17) أي طلقة بائنة مقطوعا بها.
(18) أي لا رجعة فيها.
(19) أي جعلها وقفا في سبيل الخير.
(20) الناطر والناطور حافظ الكرم وحارسه.
(21) أي الذي يعقل الأمور.
(22) هو السارق.
(23) يعنى أن أحب ما على السارق أن لا ينظره أحد ببقعة أي بأرض سبق له فيها عملة أي سرقة لأنه ربما عرف وقبضوا عليه.(1/491)
ثمّ قال لي لقد عنّيت (1)، في ما ولّيت (2)، فارجع من حيث جئت، وقل لمرسلك إن شئت:
رويدك (3) لا تعقب جميلك بالأذى (4) ... فتضحي وشمل المال والحمد (5) منصدع (6)
ولا تتغضّب من تزيّد سائل (7) ... فما هو في صوغ اللّسان (8) بمبتدع (9)
وإن تك قد ساءتك منّي خديعة (10) ... فقبلك شيخ الأشعرييّن قد خدع (11)
فقال له القاضي: قاتله الله! فما أحسن شجونه (12)، وأملح (13) فنونه. ثمّ إنه أصحب رائده (14) بردين، وصرّة من العين (15)، وقال له: سر سير من لا يرى الالتفات (16)، إلى أن ترى الشّيخ والفتاة، فبلّ (17) يديهما بهذا الحباء (18)، وبيّن لهما انخداعي (19) للأدباء. قال الرّاوي: فلم أر في الاغتراب (20)، كهذا العجاب (21)، ولا سمعت بمثله ممّن جال (22) وجاب (23).
__________
(1) أي أتعبت.
(2) أي فيما أمرت به.
(3) أي تمهل وكن ذا حلم وتؤدة ولا تعجل فتندم.
(4) يشير إلى قوله تعالى {ثُمَّ لََا يُتْبِعُونَ مََا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلََا أَذىً} الآية.
(5) أي اجتماع كل منهما.
(6) أي متمزق متفرق بسبب ما حصل من أذاك.
(7) أي من إلحاحه بكثرة السؤال والتزيد الافتراء.
(8) أي صياغته للكلام وتزيينه وفي الحديث هذه كذبة صاغها الصوّاغون أي اختلقها الكذابون.
(9) أي بأول من زين الكذب.
(10) وفي نسخة خليقة أي خصلة تسيء كالخديعة.
(11) أراد به أبا موسى الأشعري رضي الله عنه واسمه عبد الله بن قيس تولى هو وعمرو بن العاص الحكومة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما في حرب صفين وكان هو من قبل علي كرّم الله وجهه فخدعه عمرو وكان من قبل معاوية رضي الله عنه والقصة مشهورة.
(12) أي طرقه وفنونه.
(13) من الملاحة.
(14) أي جعل في صحبة طالبه.
(15) أي من الذهب أو الفضة.
(16) أي سيرا سريعا.
(17) من البلل كناية عن الصلة.
(18) هو العطاء من غير جزاء ولا منّ.
(19) الانخداع من كرم الطباع قال الشاعر:
واستمطروا من قريش كل منخدع
(20) أي الغربة.
(21) أبلغ من العجب.
(22) من الجولان وهو التردد في الأرض.
(23) من الجوب وهو قطع المسافات.(1/492)
المقامة السادسة والاربعون الحلبيّة
روى الحارث بن همّام، قال: نزع بي (1) إلى حلب (2)، شوق غلب، وطلب يا له من طلب (3). وكنت يومئذ خفيف الحاذ (4)، حثيث النّفاذ (5)، فأخذت أهبة السّير (6)، وخففت نحوها خفوف الطّير (7). ولم أزل مذ حللت ربوعها (8)، وارتبعت ربيعها (9)، أفاني الأيّام (10)، في ما يشفي الغرام (11)، ويروي الأوام (12)، إلى أن أقصر (13) القلب عن ولوعه (14)، واستطار غراب البين بعد
__________
(1) أي دعاني إلى التوجه.
(2) مدينة من مدن الشام وتسمى الشهباء لبياض أبنيتها وحسنها.
(3) بيات للضمير واللام في يا له للتعجب مثلها في قوله:
فيالك من خد أسيل ومنطق ... رخيم ومن وجه تعلل عاذبه
(4) في الحديث أغبط الناس المؤمن الخفيف الحاذ أي الذي لا مال له ولا ولد وأصل الحاذ الظهر ولحم الفخذين.
(5) أي سريع المضي في الأمور.
(6) أي عدة السفر.
(7) أراد أنه أسرع في التوجه إليها كإسراع الطير حال ذهابها إلى ما أرادت الذهاب إليه.
(8) أي منازلها.
(9) أي أكلت كلاها وارتبعنا بموضع كذا أقمنا مدة فصل الربيع.
(10) أي أفنيها وأقطعها.
(11) أي فيما يزيل الولوع وعذاب الفؤاد.
(12) شدة العطش.
(13) أي كف مع القدرة وقصر عنه عجز ولم ينله.
(14) الولوع بالفتح الولع وهو شدة الحب.(1/493)
وقوعه (1). فأغراني (2) البال الخلو (3)، والمرح (4) الحلو، بأن أقصد حمص (5)، لأصطاف (6) ببقعتها (7)، وأسبر (8) رقاعة أهل رقعتها (9). فأسرعت إليها إسراع النّجم، إذا انقضّ (10) للرّجم (11)، فحين خيّمت برسومها (12)، ووجدت روح نسيمها (13)، لمح طرفي (14) شيخا قد أقبل هريره، وأدبر غريره (15)، وعنده عشرة صبيان، صنوان وغير صنوان (16). فطاوعت في قصده الحرص، لأخبر به أدباء حمص، فبشّ بي (17) حين وافيته (18)، وحيّا بأحسن ممّا حيّيته. فجلست إليه لأبلو جنى نطقه (19)، وأكتنه (20) كنه حمقه. فما لبث أن أشار بعصيّته (21)، إلى كبر
__________
(1) طار واستطار بمعنى والبين الفراق وطيران غرابه كناية عن كونه صار من أهلها بعد أن كان غريبا فيها.
(2) أي فحثني وأمال خاطري.
(3) أي القلب الخالي من الهم.
(4) أي النشاط.
(5) مدينة من أجناد الشام.
(6) صاف بالمكان واصطاف أقام به فصل الصيف.
(7) أي بأرضها.
(8) أي واختبر.
(9) الرقاعة الحمق والرقعة هي البقعة فأهل حمص موصوفون بالرقاعة باتفاق الجماعة حتى إن أهل بغداد يقولون للأحمق حمصي ونوادرهم كثيرة.
(10) أي نزل بسرعة.
(11) أي الرمي والنجم المنقض هو المسمى بالشهاب.
(12) أي ضربت خيمتي بمنازلها والمراد الحلول بها مطلقا والرسوم جمع رسم وهو أثر الدار.
(13) أي طيب ريحها اللينة.
(14) أي أبصرت عيني.
(15) هذا مثل وأصله أدبر غريره وأقبل هريره الغرير الخلق الحسن والهرير الخلق السيىء يضرب للرجل إذا شاخ وساء خلقه أي ذهب صباه وأقبل هرمه.
(16) أصله إذا نبتت نخلتان أو ثلاث من أصل واحد فكل واحدة صنو والاثنتان صنوان والجمع صنوان كقنوان في جمع قنو ومنه قوله عليه السلام العباس صنو أبي أصله أصله والمراد أن هؤلاء الصبيان منهم أبناء أخياف ومنهم أولاد علات.
(17) أي ففرح بي وقابلني بوجه طلق.
(18) أي أتيته.
(19) أي لأختبر ثمر كلامه.
(20) اكتنه الأمر بلغ كنهه أي غايته وحقيقته وهو مولّد.
(21) تصغير عصا.(1/494)
أصيبيته (1)، وقال له: أنشد الأبيات العواطل (2)، واحذر أن تماطل (3). فجثا (4)
جثوة ليث (5)، وأنشد من غير ريث (6):
أعدد لحسّادك حدّ السّلاح ... وأورد الآمل (7) ورد السّماح (8)
وصارم اللهو (9). ووصل المها (10) ... وأعمل الكوم (11) وسمر الرّماح (12)
واسع لإدراك محلّ سما ... عماده (13) لا لادّراع المراح (14)
والله ما السّؤدد (15) حسو الطّلا (16) ... ولا مراد الحمد (17) رود رداح (18)
__________
(1) الكبر بالضم الكبير والأكبر أيضا ومنه الولاء للكبر أي لا كبر أولاد الرجل والأصيبية من جملة المصغرات التي جاءت على غير واحدها كأغيلمة وأنيسيان قال:
فارحم أصيبيتي الذين كأنهم ... حجلى تدرّج في الشربّة وقّع
الحجلى جمع حجل وهو القبج بالفتح فيهما تعريب كبك والشربة جانب الوادي.
(2) جمع عاطل وهي العرية عن النقط يقال جيد عاطل أي عنق خلي عن الحلي.
(3) أي تدافع وتؤخر.
(4) أي برك على ركبتيه.
(5) هو الأسد.
(6) أي من غير إبطاء.
(7) يعني أبلغ الآمل وهو الراجي.
(8) أي مورد الكرم والجود.
(9) من المصارمة وهي المقاطعة أي تباعد عن اللهو.
(10) جمع مهاة بالفتح وهي البقرة الوحشية والعرب تشبه النساء بها.
(11) جمع الكوماء وهي الناقة العظيمة السنام أي استعملها.
(12) لأن الرمح الأسمر أحسن من غيره.
(13) أي اجعل سعيك في طلب المنزلة المرتفعة العمد.
(14) يعني لا تجعل سعيك لأن تتلبس بالمراح وهو النشاط والطرب يقال شمّر ذيلا وادّرع ليلا وهو مثل يضرب في الحث على التصرف والاكتساب.
(15) السيادة.
(16) أي شرب الخمر.
(17) أي ليس محل طلبه وإرادته.
(18) الرود الشابة الناعمة مستعار من الرود وهو الغصن الناعم الرطب والرداح من النساء الثقيلة الأوراك وجفنة رداح عظيمة وجفان ردح قال أميّة:
إلى ردح من الشيزيّ ملأى ... لباب البر يلبك بالشهاد
والمعنى أن الميل إلى النساء الحسان ليس مما يطلب به المدح كما أن شرب الخمر ليس مما يستوجب به فاعله السيادة.(1/495)
واها (1) لحرّ واسع صدره ... وهمّه ما سرّ أهل الصّلاح (2)
مورده (3) حلو (4) لسؤّله (5) ... وماله ما سألوه مطاح (6)
ما أسمع الآمل ردّا (7) ولا ... ماطله (8) والمطل لؤم صراح (9)
ولا أطاع اللهو لمّا دعا (10) ... ولا كسا راحا له كأس راح (11)
سوّده (12) إصلاحه سرّه (13) ... وردعه أهواءه والطّماح (14)
وحصّل المدح له علمه ... ما مهر العور (15) مهور الصّحاح (16)
فقال له أحسنت يا بدير (17)، يا رأس الدّير. ثمّ قال لتلوه (18)، المشتبه بصنوه (19): ادن يا نويرة (20)، يا قمر الدّويرة (21). فدنا ولم يتباطا (22)، حتّى حلّ منه مقعد المعاطى (23). فقال له: اجل الأبيات (24) العرائس (25)، وإن لم يكنّ
__________
(1) كلمة تعجب تقال عند استحسان الشيء.
(2) يعني يكون سعيه واهتمامه فيما يسرّ أهل الصلاح وهو فعل البر والطاعات.
(3) أي ماؤه والمراد عطاؤه.
(4) أي سهل.
(5) أي لسائليه.
(6) أي متلف للعفاة مدة سؤالهم إياه.
(7) أي قولا يفيد رده بغير عطاء.
(8) أي وما دافعه.
(9) أي صريح خالص.
(10) أي لما دعاه اللهو.
(11) الراح جمع راحة وهي الكف والراح الخمر.
(12) أي جعله سيدا وهو أسود من فلان أي أجل منه.
(13) أي قلبه واعتقاده.
(14) كالجماح وكل مرتفع طامح.
(15) جمع العوراء.
(16) جمع صحيحة.
(17) يقال للرجل إذا رأس أصحابه هو رأس الدير وأصله الراهب للنصارى والدير محل تعبده.
(18) أي لمن يليه.
(19) الذي كأنه أخوه.
(20) تصغير نار يريد بها إشراق وجهه.
(21) تصغير الدارة وهي هالة القمر يريد جماله.
(22) أي لم يلبث.
(23) المعاطاة المناولة وهو كناية عن شدة قربه منه.
(24) من جلوت العروس إذا زينتها لمن يجتليها أي ينتظرها.
(25) لما كانت حروف الأبيات منقوطة شبهها بالعرائس وقوله إن لم يكنّ الخ من باب التواضع.(1/496)
نفائس، فبرى القلم وقطّ، ثمّ احتجر اللّوح (1) وخطّ:
فتنتني فجنّنتني تجنّي (2) ... بتجنّ (3) يفتنّ (4) غبّ تجنّي (5)
شغفتني (6) بجفن ظبي غضيض (7) ... غنج (8) يقتضي تغيّض جفني (9)
غشيتني (10) بزينتين (11) فشفّت ... ني (12) بزيّ (13) يشفّ (14) بين تثنّي (15)
فتظنّيت (16) تجتبيني (17) فتجزي ... يني بنفث (18) يشفي فخيّب ظنّي
ثبّتت فيّ غشّ جيب (19) بتزي ... ين خبيث (20) يبغي تشفّي ضغن (21)
فنزت (22) في تجنّبي (23) فثنتني (24) ... بنشيج (25) يشجي بفنّ ففنّ (26)
فلمّا نظر الشّيخ إلى ما حبّره (27)، وتصفّح ما زبره (28)، قال له: بورك فيك
__________
(1) أي وضعه في حجره.
(2) اسم لامرأة.
(3) يعني بتيه ودلال.
(4) أي يتنوّع من قولهم افتنّ الرجل في حديثه وخطبته إذا جاء بالأفانين.
(5) أي أثر جناية.
(6) أي شغلت قلبي.
(7) أي فاتر منكسر.
(8) الغنج تكسر الكلام وتخنثه.
(9) أي تغيض مائه وهو نقصانه وفناؤه بكثرة البكاء ومنه وغيض الماء ويروى تفيض بالفاء من فاض الماء إذا سال.
(10) أي جاءتني.
(11) هما الثياب والحلي.
(12) أي فأنحلتني وأعلتني.
(13) هيئة.
(14) أي يظهر ويلوح.
(15) هو الميل والتبختر والانعطاف.
(16) أي تظننت.
(17) أي تختارني.
(18) النفث شبيه بالنفخ وهو أقل من التفل وأراد به هنا الكلام.
(19) أي غش باطن من قولهم فلان نقيّ الجيب إذا كان سليم القلب.
(20) أراد بالخبيث العاذل الواشي الذي يزين الكذب حتى يوقعه موقع الصدق.
(21) أي يجب أن يتشفى الضغن وهو الحقد والمراد صاحبه.
(22) أي فوثبت وشرعت.
(23) أي تباعدها عني.
(24) أي فصرفتني وردّتني.
(25) هو البكاء من غير انتحاب كالشهيق.
(26) أي يحزن ويغصّ بنوع بعد نوع.
(27) أي زينه وحسنه.
(28) ما كتبه والزبرة بالضم المصدر وتصفّحه أي نظر في صفحته.(1/497)
من طلا (1)، كما بورك في لا ولا (2). ثمّ هتف: اقرب، يا قطرب (3)! فاقترب منه فتى يحكي نجم دجية (4)، أو تمثال دمية (5)، فقال له: ارقم الأبيات الأخياف (6)، وتجنّب الخلاف. فأخذ القلم ورقم:
إسمح فبثّ السّماح (7) زين ... ولا تخب آملا (8) تضيّف (9)
ولا تجز ردّ ذي سؤال (10) ... فنّن (11) أم في السّؤال خفّف
ولا تظنّ الدّهور تبقي ... مال ضنين (12) ولو تقشّف (13)
واحلم فجفن الكرام يغضي (14) ... وصدرهم في العطاء نفنف (15)
ولا تخن عهد ذي وداد ... ثبت (16) ولا تبغ ما تزيّف (17)
فقال له: لا شلّت (18) يداك، ولا كلّت (19) مداك (20). ثمّ نادى:
__________
(1) الطلا هو ولد الظبية والبقرة الوحشية.
(2) يعنى شجرة الزيتون يشير إلى قوله تعالى {مِنْ شَجَرَةٍ مُبََارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لََا شَرْقِيَّةٍ وَلََا غَرْبِيَّةٍ}.
(3) القطرب دويبة يضرب بها المثل في كثرة السير استعاره للفتى ويحكى أن سيبويه كان يخرج بالأسحار فيرى على بابه محمد بن المستنير فيقول له إنما أنت قطرب ليل ثم غلب عليه هذا اللقب.
(4) أي نجم ليلة مظلمة وأحسن ما يكون النجم في الليلة المظلمة.
(5) هي صورة من العاج يضرب بها المثل في الحسن فيقال أحسن من الدمية ومن الزون قال المطرزي رأيت بخط الميداني أنهما صنمان.
(6) في الأصل الإخوة من أم وأباؤهم شتى والمراد هنا ذوات الكلمتين إحداهما منقوطة والأخرى بغير نقط.
(7) أي فنشر الجود.
(8) لا تخيب راجيا ولا تحرمه.
(9) أي نزل بك ضيفا.
(10) أي ولا تجوّز منع سائل يسألك.
(11) أي نوّع وخلط حتى ثقل.
(12) أي بخيل.
(13) أي تزهد فاكتفى بالقوت والمرقع.
(14) أي يتغافل ويحتمل الأذى.
(15) النفنف ما اتسع من الأرض والمهوى بين جبلين فاستعير للواسع العطاء.
(16) أي ثابت القلب.
(17) أي ما عيب من زافت عليه دراهمه وتزيفت كسدت وزيّفتها أنا.
(18) أي لا يبست.
(19) أي ولا تثلمت.
(20) جمع المدية وهي الشفرة والسكين وفي الأمثال الأظفار مدى الحبشة.(1/498)
يا عشمشم (1)! يا عطر منشم (2)! فلبّاه غلام كدرّة غوّاص (3)، أو جؤذر قنّاص (4)، فقال له: اكتب الأبيات المتائيم (5)، ولا تكن من المشائيم (6). فتناول القلم المثقّف (7)، وكتب ولم يتوقّف:
زيّنت زينب بقدّ (8) يقدّ (9)
وتلاه (10) ويلاه نهد (11) يهدّ (12)
جندها (13) جيدها (14) وظرف (15) وطرف (16)
ناعس (17) تاعس (18) بحدّ يحدّ (19)
__________
(1) كلمة تقال للرجل الذي لا يثني رأسه من شجاعته وأصله من العشم يتكرير العين واللام واستعمل فيمن لا يثنيه شيء عما يريده.
(2) بالفتح والكسر يقال هو أشأم من عطر منشم وهي امرأة عطّارة كانت تبيع الطيب فأغار عليها قوم فأخذوا بعطرها وتطيبوا به فاستغاثت بقومها فخرجوا بطلبهم فمن شموا منه رائحة الطيب قتلوه فضرب بعطرها المثل في الشؤم وقيل إنها امرأة عطرت رجالها حين خرجوا للقتال فقتلوهم عن آخرهم وقيل كانت تبيع الحنوط وسمي عطرا لأنه طيب الموتى وقيل غير ذلك.
(3) الغواص هو من يغوص البحر لاستخراج اللآلىء ودرته تكون أعظم الدرر.
(4) الجؤذر ولد البقرة الوحشية يشبه به الجميل والقناص هو من يصطاد ويقتنص.
(5) أي المتماثلة لأن كل لفظين منها مجنسان تجنيسا خطيا جمع متآم وهي المرأة التي تأتي في كل مرة إذا ولدت بتوأمين.
(6) جمع المشؤوم ضد الميمون.
(7) أي المقوّم المعتدل.
(8) أي بقامة.
(9) أي يقطع يعني أن قدها يشق القلوب من حسنه.
(10) أي وتبعه.
(11) أراد بالنهد الكفل المشرف قال أبو تمام:
ومن فاحم جعد ومن كفل نهد ... ومن قمر سعد ومن نائل ثمد
(12) الهد الكسر يعني أن ما أشرف من مؤزره يوهي قوى الألباب ويكسر أركان الأحباب.
(13) أي عسكرها وجيشها.
(14) أي عنقها.
(15) بالفتح مطلقا أو بالضم (كذا في الأصل) الكياسة وبالفتح الوعاء.
(16) هو العين.
(17) وصف بالنعاس لفتوره كما يوصف بالسكر والسقم.
(18) أي مهلك من تعسه بمعنى أتعسه ويجوز أن يكون من باب لابن وتامر كما قيل همّ ناصب ويروى ناعش من نعشه إذا حمله على النعش وعلى كل فهو قاتل.
(19) لما وصفه بالقتل جعله ذا حد يحدّ من قتله من العشاق.(1/499)
قدرها قد زها (1) وتاهت (2) وباهت (3)
واعتدت (4) واغتدت (5) بخدّ يخدّ (6)
فارقتني فأرّقتني (7) وشطّت (8)
وسطت (9) ثمّ نمّ وجد وجدّ (10)
فدنت (11) فدّيت (12) وحنّت (13) وحيّت (14)
مغضبا (15) مغضيا (16) يودّ يودّ (17)
فطفق الشّيخ يتأمل ما سطره (18)، ويقلّب فيه نظره. فلمّا استحسن خطّه (19)، واستصحّ ضبطه (20)، قال له: لا شلّ عشرك (21)، ولا استخبث نشرك (22). ثمّ
__________
(1) أي قد حسن من زها الزرع إذا كان يانعا غضا.
(2) أي تكبرت.
(3) أي افتخرت.
(4) من العدوان وهو الظلم.
(5) من الغدو.
(6) أي يشق القلوب.
(7) أي فأسهرتني.
(8) أي بعدت.
(9) بطشت بالقهر وصالت.
(10) أي ثم إن وجدي بنواها وكذا جدي في هواها أظهرا وأفشيا ما في ضميري.
(11) أي فقربت.
(12) دعاء لها بالفدية.
(13) من الحنين بمعنى الاشتياق.
(14) من التحية.
(15) من أغضبته إذا فعلت معه ما يوجب غضبه وإن لم يغضب.
(16) أي محتملا للأذى.
(17) أي يجب ويحبّ لأن المودة إذا حصلت من الجانبين كانت ألذ ألا ترى إلى قوله:
وأحبها وتحبني ... وتحب ناقتها بعيري
وإنما جاء بغير حرف نسق على طريقة التعديد كقول بيهس:
وقد ركبتم صماء معضلة ... تفري البراطيل تفلق الحجرا
أي وتفلق ويجوز أن يكون الثاني حالا من الضمير في الأول أو يكون على حذف أن يعني يودّ أن يود كقوله إلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى. وإن أشهد اللذات هل أنت مخلدي أي إن أحضر ويروى الأول بود بالباء الموحدة أي إن لها ودّا يحب لكل من رآه.
(18) أي ما كتبه.
(19) أي عدّه حسنا.
(20) أي وجده صحيحا.
(21) أي لا يبست أصابعك العشر كأنه يقول لا شلت يداك وهو دعاء لمن أجاد الرمي والطعن وقد جعل هنا دعاء للكاتب.
(22) ريحك العطر.(1/500)
أهاب (1) بفتى فتّان (2)، يسفر عن أزهار بستان (3)، فقال له: أنشد البيتين المطرفين (4)، المشتبهي الطّرفين، اللّذين أسكتا كلّ نافث (5)، وأمنا أن يعزّزا (6)
بثالث (7). فقال له: اسمع لا وقر (8) سمعك، ولا هزم جمعك، وأنشد من غير تلبّث (9)، ولا تريّث (10):
سم سمة (11) تحسن اثارها (12) ... واشكر لمن أعطى ولو سمسمه
والمكر مهما (13) اسطعت لا تأته ... لتقتني السّؤدد والمكرمه (14)
فقال له أجدت يا زغلول (15)، يا أبا الغلول (16). ثمّ نادى: أوضح يا ياسين، ما يشكل من ذوات السّين! فنهض ولم يتأنّ (17)، وأنشد بصوت أغنّ (18):
نقس الدّواة (19) ورسغ الكفّ (20) مثبتة ... سيناهما إن هما خطّا (21) وإن درسا (22)
__________
(1) أي دعا.
(2) أي يفتن العقول ويحيرها ويدهشها ويولها.
(3) أي إنه إذا كشف عن وجهه لثامه أظهر من محاسن وجهه مثل أزهار بستان.
(4) بفتح الراء مخففة أي المعلمين أي جعل في طرفيها علمان ويروى بالتشديد أي المشتبه صدرهما بعجزهما ومع كسر الراء أي المعجبين اللذين يعجب بهما سامعهما.
(5) أي متكلم.
(6) أي يعضدا ويقوّيا.
(7) أي ببيت ثالث.
(8) أي لا ثقل.
(9) أي بدون تأن.
(10) أي تأخر أو تريث بمعنى توقف من تريث في مسيره تلبث.
(11) أي علم علامة بمعنى افعل فعلة.
(12) أي عواقبها.
(13) اختلف فيها النحويون فقيل هي ما ضمت إليها مه وقيل هي ما وصلت بما كما وصلت أين ومتى بما ثم أبدلوا ألفها هاء كراهية اجتماع حرفين بلفظ واحد.
(14) الكرامة.
(15) هو الخفيف من الرجال من الزغللة بتكرير اللام وهي ما ترمي به الناقة بدفعة خفيفة من بولها.
(16) أصله الخيانة في المغنم خاصة لكن أراد به أنه يغل عقول ناظريه لحسنه وقيل الحقد.
(17) أي لم يتوقف ولم ينتظر.
(18) أي فيه غنة وترخيم والغنة التكلم من قبل الخياشيم.
(19) هو مدادها.
(20) هو الفصل بين الكف والساعد.
(21) بضم الخاء وتشديد الطاء أي كتبا.
(22) بضم الدال أي قرئا.(1/501)
وهكذا السّين (1) في قسب وباسقة (2)
والسّفح (3) والبخس (4) واقسر (5) واقتبس (6) قبسا
وفي تقسّست (7) باللّيل الكلام وفي
مسيطر (8) وشموس (9) واتّخذ جرسا (10)
وفي قريس وبرد قارس (11) فخذ ال
صّواب منّي وكن للعلم مقتبسا (12)
فقال له: أحسنت يا نغيش (13)، يا صنّاجة الجيش (14). ثمّ قال: ثب (15) يا
__________
(1) أي مثل السين السابق في الخط والدرس.
(2) القسب تمر يابس يتفتت بالفم صلب النواة قال:
وأسمر خطيا كأن كعوبه ... نوى القسي قد أدمى ذراعا على العشر
(3) أسفل الجبل.
(4) النقص.
(5) من القسر أي أقهر وأغلب.
(6) أمر من الاقتباس وهو أخذ القبس وهو شعلة النار أو أخذ النور ومنه نقتبس من نوركم.
(7) أي تسمعت.
(8) في الصحاح بالسين والصاد المسلط على الشيء ليشرف عليه ويتعهد أحواله ويكتب عمله وأصله من السطر ومنه قوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}.
(9) فرس يمنع ظهره أن يركب.
(10) الجرس الذي يعلق في عنق البعير والذي يضرب به أيضا وفي الحديث لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس.
(11) برد قارس أي شديد وقرس الماء جمد وأصبح الماء اليوم قارسا وقريسا جامدا ومنه سمك قريس وهو أن يطبخ ثم يتخذ له صباغ فيترك فيه حتى يجمد.
(12) آخذا ومستفيدا.
(13) أي من النغشان وهو تحرك الشيء في مكانه وكأنه سمى الصبيّ بالمصدر لكثرة حركاته وصغره.
(14) الصناجة صاحب الصنج والهاء للمبالغة والصنج بالفتح آلة من صفر مركبة من قطعتين تضرب إحداهما بالأخرى ومنه قيل للأعشى صناجة العرب لكثرة ما تغنت بشعره.
(15) أي قم.(1/502)
عنبسة (1)، وبيّن الصّادات الملتبسة (2). فوثب وثبة شبل (3) مثار (4)، ثمّ أنشد من غير عثار:
بالصّاد يكتب قد قبصت (5) دراهما ... بأناملي وأصخ (6) لتستمع الخبر
وبصقت ابصق والصّماخ (7) وصنجة (8) ... والقصّ (9) وهو الصّدر واقتصّ الأثر (10)
وبخصت مقلته (11) وهذي فرصة (12) ... قد أرعدت منه الفريصة (13) للخور (14)
وقصرت هندا (15) أي حبست وقد دنا ... فصح النّصارى وهو عيد منتظر
وقرصته (16) والخمر قارصة (17) إذا ... حذت اللّسان (18) وكلّ هذا مستطر (19)
فقال له: رعيا لك (20) يا بنيّ! فلقد أقررت عينيّ. ثمّ استنهض ذا جثّة كالبيذق (21)، ونعشة (22) كالسّوذق (23)، وأمره بأن يقف بالمرصاد (24)، ويسرد (25)
ما يجري على السّين والصّاد. فنهض يسحب برديه، ثمّ أنشد مشيرا بيديه:
إن شئت بالسّين فاكتب ما أبيّنه ... وإن تشأ فهو بالصّادات يكتتب
__________
(1) اسم من أسماء الأسد.
(2) المختلطة التي تلتبس بالسين.
(3) هو ولد الأسد.
(4) أي مزعج.
(5) القبض الأخذ بأطراف الأنامل والقبض الأخذ بالكف.
(6) استمع.
(7) هو ثقب الأذن.
(8) هي ما يوضع في الميزان ويوزن به قال ابن السكيت ولا تقل سنجة بالسين.
(9) رأس الصدر ومنه قولهم هو ألزم لك من شعيرات قصك.
(10) أي تتبعه.
(11) قلعت عينه وأخرجتها.
(12) أي نهزة.
(13) لحمة تحت الإبط.
(14) أي للضعف والفتور.
(15) أي صنتها قال الله تعالى {مَقْصُورََاتٌ فِي الْخِيََامِ}.
(16) أمسكت جلده بين أطراف أصبعيّ.
(17) حامضة.
(18) قرصته بحدتها.
(19) مكتوب.
(20) أي رعاك الله فأقيم المصدر مقام الفعل كبذلا زريق المال.
(21) البيذق الصقر الصغير أو من قطع الشطرنج.
(22) أي حركة ونهوض.
(23) هو الصقر وقيل الشاهين وكذا السوذنيق والسوذانق.
(24) بالقرب منه وأصله الوقوف بالطريق.
(25) أي يتابع.(1/503)
مغس (1) وفقس (2) ومسطار (3) وممّلس (4) ... وسالغ (5) وسراط الحقّ (6) والسّقب (7)
والسّامغان (8) وسقر (9) والسّويق (10) ومس ... لاق (11) وعن كلّ هذا تفصح الكتب
فقال له: أحسنت يا حبقّة (12)، يا عين بقّة (13). ثمّ نادى يا دغفل (14)! يا أبا زنفل (15)! فلبّاه فتى أحسن من بيضة (16)، في روضة. فقال له: ما عقد هجاء الأفعال، الّتي آخرها حرف اعتلال. فقال اسمع لا صمّ صداك (17)، ولا سمعت عداك (18). ثمّ أنشد، وما استرشد (19):
__________
(1) بسكون الغين الوجع المعترض في الجوف.
(2) هو خروج ما في البيضة وفقس البيضة فقسا كسرها.
(3) هو الخمر المزة ويقال لها المسطارة أيضا.
(4) هو الذي يسقط من يدك ولا تشعر به.
(5) آخر أسنان ذوات الظلف وهو السن الذي بعد السديس من البقر أو الشاء وذلك في السنة السادسة فولد البقرة أول سنة عجل ثم تبيع ثم ثنيّ ثم رباع ثم سديس ثم سالغ سنة ثم سالغ سنتين إلى ما زاد وولد الشاة أول سنة حمل أوجدي ثم جذع ثم ثنيّ ثم رباع ثم سديس ثم سالغ.
(6) أي طريقه.
(7) محركا القرب بسكون الراء.
(8) جانبا الفم لكن قيل إنه بالصاد أشهر.
(9) هو لغة في صقر بالصاد.
(10) هو دقيق الشعير المقلي وقد يعمل من البر مع الحمص.
(11) هو شديد الصوت ومنه قوله تعالى: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدََادٍ}.
(12) كلمة تقال للرجل إذا صغّروا إليه نفسه بالحاء والخاء جميعا عن ابن دريد.
(13) إشارة إلى صغر جسمه أو عينه أصله من قوله عليه السلام للحسن والحسين في الترقيص حزقّة حزقّه ترقّ عين بقّه.
(14) الدغفل ولد الفيل واسم رجل من شيبان كان نسّابة.
(15) لم يعلم من سمي بهذا إلا رجل كان يقال له زنفل العرفي أي ساكن عرفة من فقهاء مكة غير ثقة وأصله كنية الداهية يقال لها أم زنفل.
(16) أراد بها بيضة النعام ويريد بقوله في روضة أنها مصونة منعمة والبياض مع الخضرة أحسن ما يكون في المنظر.
(17) دعاء له بالبقاء لأن الصائت ما دام باقيا يسمع له صدى وهو صوت يجيبه مثل صوته فإذا مات صم صداه أي لم يسمع له صوت ومنه قوله:
صمّ صداها وعفا رسمها ... واستعجمت عن منطق السائل
(18) أي أصمّ الله أعداءك.
(19) أي ما طلب من يرشده.(1/504)
إذا الفعل يوما غمّ (1) عنك هجاؤه ... فألحق به تاء الخطاب (2) ولا تقف
فإن تر قبل التّاء ياء فكتبه ... بياء وإلّا فهو يكتب بالألف
ولا تحسب الفعل الثّلاثيّ (3) والّذي ... تعدّاه والمهموز (4) في ذاك يختلف (5)
فطرب الشّيخ لما أدّاه (6)، ثمّ عوّذه (7) وفدّاه (8) ثمّ قال هلمّ: يا قعقاع (9)! يا باقعة (10) البقاع (11)! فأقبل فتى أحسن من نار القرى (12)، في عين ابن السّرى (13)، فقال له: اصدع (14) بتمييز الظّاء من الصّاد، لتصدع (15) به أكباد الاضداد. فاهتزّ (16) لقوله واهتشّ (17)، ثمّ أنشد بصوت أجشّ (18):
أيّها السّائلي عن الضّاد والظّا ... ء لكيلا تضلّه الألفاظ (19)
إنّ حفظ الظّاءات يغنيك فاسمعها ... استماع امرىء له استيقاظ (20)
__________
(1) خفي وستر.
(2) مثل أن تقول في غزا غزوت وفي رمى رميت.
(3) أي الذي من ثلاثة أحرف.
(4) أي الذي تجاوز ثلاثة الأحرف والذي فيه همزة.
(5) بل كلها على نسق واحد.
(6) أي قاله وألقاه.
(7) قال له أعيذك بالله من أعين الحساد.
(8) أي قال له جعلت فداك.
(9) أصله الطريق لا تسلك إلا بمشقة ويطلق على صغير الرأس وهو المراد هنا والقعقاع شديد الصوت أيضا والقعقعة صوت السلاح وصوت الجلد اليابس إذا حرك والقعقاع بن شور رجل من الأجواد قد تقدم ذكره.
(10) الباقعة الرجل الداهية والذكيّ العارف لا يفوته شيء والطائر الحذر الذي لا يرد المشارب خوف أن يصاد وإنما يشرب من البقعة وهو المكان يستنقع فيه الماء.
(11) جمع بقعة وهي الموضع في الصحراء يقف فيه المطر.
(12) أي أضوأ من النار التي توقد للضيافة.
(13) الساري بالليل كابن السبيل للمسافر من قول أعرابية كنت في شبابي أحسن من الصلاء في الشتاء خصوصا في مرأى خابط الظلماء.
(14) بين وأظهر واكشف.
(15) أي لتشق.
(16) تحرك.
(17) فرح.
(18) أي جهير يقال فرس أجش الصوت وسحاب أجش الرعد وأصل التركيب دال على التكبير والخشونة.
(19) أي تغلطه.
(20) تيقظ وانتباه.(1/505)
هي ظمياء (1) والمظالم (2) والإظلام (3)
والظّلم (4) والظّبى (5) واللّحاظ (6)
والعظا (7) والظّليم (8) والظّبي (9) والشّيظم (10)
والظّلّ واللّظى (11) والشّواظ (12)
والتّظني (13) واللّفظ والنّظم والتّقريظ (14)
والقيظ (15) والظّما (16) واللّماظ (17)
والحظا (18) والنّظير والظئر (19) والجاحظ (20)
والنّاظرون والأيقاظ (21)
والتّشظّي (22) والظّلف (23) والعظم والظّنبوب (24)
والظّهر والشّظا (25) والشّظاظ (26)
والأظافير (27) والمظفّر (28) والمحظور (29)
والحافظون والإحفاظ (30)
__________
(1) الظمى السمرة والذبول يقال شفة ظمياء فيها سمرة وساق ظمياء قليلة اللحم.
(2) جمع مظلمة كالظلامة.
(3) ضد الإنارة.
(4) بالفتح ماء الأسنان وبريقها.
(5) بالضم جمع ظبة وهي حد السيف أو السنان.
(6) جانب العين مما يلي الصدغ.
(7) جمع العظاية ضرب من الوزغ.
(8) ذكر النعام وبمعنى المظلمة كالظلام بضم الظاء.
(9) الغزال.
(10) الشديد الطويل من كل شيء.
(11) النار.
(12) النار بلا دخان.
(13) إعمال الظن.
(14) المدح للحي.
(15) شدة الحر.
(16) العطش وأصله الهمز ويمد وأما الظمء بالكسر فهو ما بين الشربتين والوردين.
(17) بالفتح والكسر الذوق بطرف اللسان وبالضم ما يبقى في الفم من الطعام والفعل اللمظ والتلمظ.
(18) جمع حظوة.
(19) المرضعة.
(20) من جحظت عينه جحوظا عظمت مقلتها.
(21) بكسر الهمزة التنبيه وبفتحها المتنبهون.
(22) التشقق من شظية العود وهي فلقة منه.
(23) هو ظفر كل مجتر كالبقر والغنم وغيرها.
(24) عظم الساق.
(25) عظم لاصق بالذراع.
(26) هو عود يجعل في عروة الجوالق.
(27) جمع أظفور كالظفر.
(28) المنصور على غيره وبه تلقب الملوك.
(29) المحرّم وهو ما قابل المباح.
(30) الإغضاب.(1/506)
والحظيرات (1) والمظنّة (2) والظّنّة (3) ... والكاظمون (4) والمغتاظ (5)
والوظيفات (6) والمواظب (7) والكظّة (8) ... والانتظار والإلظاظ (9)
ووظيف (10) وظالع (11) وعظيم ... وظهير (12) والفظّ (13) والإغلاظ
ونظيف والظّرف (14) والظّلف (15) الظّا ... هر ثمّ الفظيع (16) والوعّاظ
وعكاظ (17) والظّعن (18) والمظّ (19) ... والحنظل والقارظان (20) والأوشاظ (21)
وظراب الظّرّان (22) والشّظف (23) البا ... هظ (24) والجعظريّ (25) والجوّاظ (26)
__________
(1) جمع حظيرة وهي جرين التمر وحظيرة القدس الجنة.
(2) مظنة الشيء موضعه الذي يظنّ وجوده فيه.
(3) بالكسر التهمة.
(4) أي الحابسون غيظهم.
(5) من قام به الغيظ.
(6) جمع الوظيفة وهي ما تقدّر كل يوم من طعام وغيره وكالمناصب.
(7) الملازم.
(8) الشبع المفرط.
(9) الإلحاح وفي الحديث ألظّوا بياذا الجلال.
(10) ما استدق من الذراع والساق من الإبل والخيل.
(11) أعرج وفي نسخة ظالف.
(12) معين.
(13) الجافي القاسي ويطلق على الماء الذي يعصر من الكرش ويشرب في المفاوز لعدم الماء.
(14) الوعاء.
(15) من ظلفت نفسه كفت عما لا يجمل ورجل ظلف عزيز النفس.
(16) الماء العذب أو الزلال والأمر الشديد الشناعة.
(17) موضع بين مكة والطائف كان سوقا تجتمع فيه العرب في السنة مرة للبيع والشراء يقيمون فيه شهرا واشتقاقه من عكظ إذا ازدحم.
(18) الرحيل وهو ضد الإقامة.
(19) الرمان البري.
(20) جالبا القرظ وجانياه وهو ثمر السنط تدبغ به الجلود.
(21) الأخلاط والجماعات.
(22) الظراب الربى الصغار أو جمع ظرب وهو الجبل المنبسط أو الصغير. والظرّان الحجارة المحددة واحدها ظرر وهو حجر له حد كحد السكين.
(23) البؤس وضيق المعيشة.
(24) الشاق أو الغالب.
(25) هو المتنفخ بما ليس عنده أو هو الفظ الغليظ القصير الرجلين العظيم الجسم مع قوّة وشدة أكل.
(26) الفاجر الضخم وقيل الأكول المختال في مشيته وفي الحديث أهل النار كل جعظري جوّاظ.(1/507)
والظّرابين (1) والحناظب (2) والعنظب (3) ... ثمّ الظّيّان (4) والأرعاظ (5)
والشّناظي (6) والدّلظ (7) والظّأب (8) ... والظّبظاب (9) والعنظوان (10) والجنعاظ (11)
والشناظير (12) والتّعاظل (13) والعظلم (14) ... والبظر (15) بعد والإنعاظ (16)
هي هذي سوى النّوادر فاحفظها ... لتقفو (17) آثارك الحفّاظ
واقض في ما صرّفت منها (18) كما تقضيه (19) ... في أصله كقيظ (20) وقاظوا (21)
فقال له الشّيخ: أحسنت لا فضّ فوك (22)، ولا برّ من يجفوك (23). فو الله إنّك مع الصبا الغضّ (24)، لأحفظ من الأرض (25)، وأجمع من يوم العرض! ولقد
__________
(1) جمع ظربان وهو دابة منتنة الريح لا يطاق فسوها ويجمع على ظرابي بحذف النون وعلى ظربى وهو شاذ ولم يجىء الجمع على فعلى إلا ظربى وحجلى جمع حجل.
(2) ذكور الخنافس.
(3) ذكر الجراد.
(4) الياسمين البري.
(5) جمع رعظ وهو مدخل النصل في السهم.
(6) نواحي الجبل.
(7) الدفع.
(8) الصخب بقال ظاب وظام وقيل أن الظأب والظأم اسمان لسلف الرجل.
(9) هو الداء يقال ما به ظبظاب أي ما به داء كما يقال ما به قلبة أي ليس به علة.
(10) نبت.
(11) الأحمق وقيل إنه المتسخط عند الطعام.
(12) جمع شنظير وهو الرجل السيىء الخلق.
(13) هو تلازم الجراد والكلاب عند السفاد.
(14) نبت يصبغ بعصارته الثوب فيصير أحمر أو أسود.
(15) زائدة بين شفري فرج الأنثى كعرف الديك تقطها الخافضة وهو ختانهنّ وفي شتائمهم يا ابن البظراء.
(16) مصدر أنعظ انتشر.
(17) أي لتتبع.
(18) أخذته من مادتها.
(19) تفعله وتحكم فيه.
(20) هو شدة الحر مصدر.
(21) دخلوا في القيظ فعل ماض.
(22) أي لا كسر فمك وأسنانك.
(23) أي لا أحسن إلى من يغلظ لك القول ويهجرك.
(24) االطري.
(25) هذا مثل في شدة الحفظ لأن الأرض تحفظ ما يدفن فيها وتؤدي ما تستودع كالأمين.(1/508)
أوردتك ورفقتك (1) زلالي (2)، وثقّفتكم (3) تثقيف العوالي (4). فاذكروني أذكركم، واشكروا لي ولا تكفرون. قال الحارث بن همّام: فعجبت لما أبدى من براعة، معجونة (5) برقاعة (6)، وأظهر من حذاقة (7)، ممزوجة بحماقة (8). ولم يزل بصري يصعّد فيه ويصوّب (9)، وينقّر (10) عنه وينقّب (11). وكنت كمن ينظر في ظلماء، أو يسري في بهماء (12) فلمّا استراث تنبّهي، واستبان تدلّهي (13)، حملق (14) إليّ وتبسّم، وقال: لم يبق من يتوسّم (15). فبهت لفحوى كلامه (16)، ووجدته أبا زيد عند ابتسامه، فأخذت ألومه على تديّر بقعة النّوكى، وتخيّر حرفة الحمقى. فكأنّ وجهه أسفّ رمادا (17)، أو أشرب (18) سوادا، إلّا أنّه أنشد وما تمادى (19):
تخيّرت حمص وهذي الصّناعه (20) ... لأرزق حظوة أهل الرّقاعه
فما يصطفي (21) الدّهر غير الرّقيع (22) ... ولا يوطن المال إلّا بقاعه (23)
__________
(1) أي سقيتك وإخوتك.
(2) أصله الماء العذب الصافي وأراد به العلوم.
(3) أي قومتكم.
(4) أي تقويم الرماح جمع عالية وهي القناة المستقيمة ويوجد هنا في بعض النسخ ما نصه وألحقتكم جناح تكرمتي وسقيتكم سلافة كرمتي حتى لحقتم بالعلية وتحليتم من الأدب بأحسن الحلية فاذكروني ألخ.
(5) مخلوطة.
(6) أي بحمق أو صلابة وجه وقلة حياء.
(7) فطنة وفهم.
(8) جهل وقلة رأي.
(9) أي يرتفع ويعتدل ويستقري.
(10) يبحث.
(11) يفتش.
(12) هي أرض لا يهتدى فيها إلى الطريق أو هي المفازة لا ماء فيها.
(13) تحيري.
(14) أي نظر بباطن جفنه.
(15) أي ينظر ويتأمل.
(16) أي ففطنت لمعناه.
(17) أي تغير كأنه ذرّ عليه الرماد.
(18) أي خولط.
(19) أي وما تباطأ.
(20) هي تعليم الأطفال.
(21) أي يختار.
(22) الأحمق.
(23) البقاع جمع بقعة وهي منتقع الماء أي إن الدهر لا يجعل موطن المال إلا ببقاع الأحمق.(1/509)
ولا لأخي اللّبّ (1) من دهره ... سوى ما لعير (2) ربيط (3) بقاعه (4)
ثمّ قال: أما إنّ التّعليم أشرف صناعة، وأربح بضاعة، وأنجح شفاعة، وأفضل براعة. وربّه (5) ذو إمرة (6) مطاعة، وهيبة مشاعة، ورعيّة مطواعة (7).
يتسيطر تسيطر أمير (8)، ويرتّب ترتيب وزير (9)، ويتحكّم تحكّم قدير (10)، ويتشبّه بذي ملك كبير. إلّا أنّه يخرف (11) في أمد يسير، ويتّسم بحمق شهير، ويتقلّب بعقل صغير (12)، ولا ينبئك مثل خبير (13). فقلت له: تالله إنّك لابن الأيّام (14)، وعلم الأعلام (15)، والسّاحر (16) اللّاعب بالأفهام (17)، المذلّل له سبل الكلام (18). ثمّ لم أزل معتكفا بناديه (19)، ومغترفا من سيل واديه (20)، إلى أن غابت (21) الأيّام الغرّ (22)، ونابت الأحداث (23) الغبر (24)، ففارقته ولعيني العبر (25).
__________
(1) أي صاحب العقل.
(2) أي ما لحمار.
(3) مربوط.
(4) الباء جارة وقاعة الدار ساحتها.
(5) أي صاحبه.
(6) أي صاحب إمارة.
(7) منقادة كثيرة الطاعة.
(8) أي يتسلط تسلط حاكم.
(9) أي يعطي الرتب والوظائف كالولايات.
(10) أي قادر.
(11) الخرف بالتحريك فساد العقل من الكبر.
(12) أي وتكون أفعاله كأفعال الأطفال.
(13) أي لا يخبرك عن العيوب مثل من يعلم حقيقتها من الناس أو هو الله تعالى.
(14) أي العارف بها المجرب لحوادثها.
(15) أي أوحد العلماء.
(16) أي المتكلم بما لطف مأخذه ودق.
(17) أي الخادع السالب للعقول.
(18) المسهل له طرقه.
(19) أي مقيما بمجلسه.
(20) كناية عن الاستفادة من معارفه وعلومه.
(21) أي ذهبت.
(22) البيض الحسان.
(23) أي حلت مكانها النوازل.
(24) المغبرّة الشديدة.
(25) أي البكاء وأراه الله عبر عينيه أي ما يكرهه ويبكي منه ولامه العبر والعبر بالفتح والضم الثكل وسخنة العين.(1/510)
المقامة السابعة والأربعون الحجريّة
حكى الحارث بن همّام، قال: احتجت إلى الحجامة، وأنا بحجر اليمامة (1)، فأرشدت إلى شيخ (2) يحجم بلطافة، ويسفر (3) عن نظافة. فبعثت غلامي لإحضاره، وأرصدت نفسي لانتظاره (4). فأبطأ بعد ما انطلق، حتّى خلته (5) قد أبق (6)، أو ركب طبقا عن طبق (7). ثمّ عاد عود المخفق مسعاه (8)، الكلّ على مولاه (9). فقلت له: ويلك أبطء فند (10)، وصلود زند (11)! فزعم أنّ الشّيخ أشغل من ذات النّحيين (12)، وفي حرب كحرب حنين (13) فعفت (14) الممشى حجّام، وحرت (15) بين إقدام وإحجام (16). ثمّ رأيت أن لا تعنيف (17) على من يأتي
__________
(1) أي قصبتها وهي بلاد الزباء والزرقاء ومنها ظهر مسيلمة وبها ادعى النبوة وهو من بني حنيفة وهم سكانها واليمامة بلدة كثيرة النخيل.
(2) يعني نعت ووصف لي.
(3) يكشف.
(4) أي عقتها وأقمت في انتظاره.
(5) أي ظننته.
(6) أي فرّ وشود وهرب.
(7) أي حالا بعد حال يعني خلته لطول مكثه أنه مات أو نقض العهد وفات.
(8) أي الذي خاب سعيه.
(9) الثقيل الروح على سيده.
(10) هو مولى عائشة بنت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وسيأتي ذكره في تفسير هذه المقامة.
(11) صلود الزند هو أن يقدح فلا يوري لعلة قامت به والمراد التعجب أي مع شدة إبطائك لم تقض حاجة ولم تأت بالرجل الحجام.
(12) مثل يضرب لكثير الاشتغال.
(13) غزوة مشهورة وهي التي قال الله فيها {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} الآية.
(14) كرهت.
(15) تحيرت.
(16) أي تقدم وتأخر.
(17) أي لا عتب ولا لوم.(1/511)
الكنيف (1). فلمّا شهدت موسمه (2) وشاهدت ميسمه (3)، رأيت شيخا هيئته نظيفة،
__________
(1) محل قضاء الحاجة وله عدة أسماء قد ذكر بعضها في حكاية لطيفة وهي: أن رجلا كوفيا وفد على ابن عم له بالمدينة، فأقام عنده عاما لا يدخل كنيفا. وكان لصاحب المنزل، جاريتان مغنيتان، فقال لهما سيدهما: أرأيتما ابن عمي ولطفه، أقام عندنا عاما ما رأيناه يدخل الخلاء.
فقالتا له: علينا أن نصنع له شيئا، لا يجد معه بدّا من دخوله إلى الخلاء. فقال: شأنكما وإياه.
فعمدتا إلى مسهل وطرحتاه في شرابه. فلما حضر وقت شرابهما قرّبتاه له، وسقتا مولاهما من غيره. فعمل المسهل عمله، وأحس الفتى. وكان قد أخذ منهما الشراب فتناوم مولاهما، فقال ابن عمه لإحدى الجاريتين: يا سيدتي أين الخلاء؟ فقالت لها صاحبتها: ما يقول لك؟ فقالت:
يسألك أن تغنيه:
خلا من آل فاطمة الجواء ... فمنزل أهلها منه خلاء
فغنته. فقال الفتى في نفسه: أظنهما كوفيتين فقال للأخرى: يا سيدتي أين الحش؟
فقالت لها صاحبتها: ما يقول فقالت: يسألك أن تغنيه «لقد أوحش الديار فالدير موحش» فغنته فقال: أظنهما عراقيتين وما فهمتا مني. فقال للأخرى: يا سيدتي أين المتوضأ؟ فقالت صاحبتها: ما يقول؟ قالت: يسألك أن تغنيه:
توضأ للصلاة وصل خمسا ... وآذن بالصلاة على النبي
فقال: أظنهما حجازيتين وما فهما. فقال للأخرى: أين الكنيف؟ فقالت لها صاحبتها:
ما يقول لك؟ قالت: يسألك أن تغنيه:
تكنفني الواشون من كل جانب ... ولو كان واش واحد لكفاني
فقال: أظنهما مكيتين، فقال: يا سيدتي أين المرحاض؟ فقالت لها صاحبتها: ما يقول لك؟ فقالت: يسألك أن تغنيه:
من مجيري من العيون المراض ... فهي أنكى للصب من مرحاض
فغنته. فقال: أظنهما تهاميتين، فقال: يا سيدتي أين المستراح؟ فقالت لها صاحبتها:
ما يقول لك؟ فقالت: يسألك أن تغنيه:
ترك الفكاهة والمزاحا ... وقلى الصبابة فاستراحا
فغنته ومولاهما يسمع ذلك كله. فلما حزبه الأمر أنشأ يقول:
تكنفني الملاح وأضجروني ... على ما بي بتكرير الأغاني
فلما ضاق عن أمري اصطباري ... ذرقت به على وجه الزواني
ثم حلّ سراويله وسلح عليهما فتركهما آية للناظرين فلما رأى مولاهما ذلك قال يا أخي ما حملك على هذا قال له يا ابن الفاعلة جواريك يرين المخرج مستقيما فلا يدللنني عليه فلم يكن لهنّ جزاء عندي غير هذا انتهى ومعنى ما قاله الحريري لا بأس بالإنسان أن يأتي المواضع الخسيسة عند الضرورة.
(2) مكانه ومجمعه.
(3) منظره.(1/512)
وحركته خفيفة، وعليه من النّظارة أطواق (1)، ومن الزّحام طباق (2)، وبين يديه فتى كالصّمصامة (3)، مستهدف (4) للحجامة. والشّيخ يقول له أراك قد أبرزت راسك، قبل أن تبرز قرطاسك (5)، وولّيتني قذالك (6)، ولم تقل لي ذالك (7)، ولست ممّن يبيع نقدا بدين، ولا يطلب أثرا (8)، بعد عين (9)، فإن أنت رضخت (10) بالعين (11) حجمت في الأخدعين (12)، وإن كنت ترى الشّحّ (13) أولى، وخزن الفلس (14) في النّفس أحلى، فاقرأ عبس وتولّى، واغرب عنّي (15) وإلّا (16)، فقال الفتى والّذي حرّم صوغ المين (17). كما حرّم صيد الحرمين، إنّي لأفلس من ابن يومين، فثق بسيل تلعتي (18)، وأنظرني (19) إلى سعتي (20)، فقال له الشّيخ ويحك إنّ مثل الوعود (21)
كغرس العود (22)، هو بين أن يدركه العطب (23)، أو يدرك منه الرّطب، فما يدريني أيحصل من عودك جنى (24)، أم أحصل منه على ضنى (25)، ثمّ ما الثّقة بأنّك حين
__________
(1) حلق حلقة بعد حلقة.
(2) طبقة بعد طبقة.
(3) أي كالسيف وكان اسم سيف عمر بن معد يكرب وكان يقطع الحديد.
(4) منتصب.
(5) عبارة عن الدراهم وأصله قطعة بياض فيها قراضة ذهب أو هي دراهم من النحاس مموهة بشيء من الفضة يتعامل بها في الشام.
(6) أي قفاك.
(7) أي هذا الدرهم أو الشيء لك.
(8) رسما.
(9) أي بعد مشاهدة الذات أو لا أبغي شكا بعد يقين.
(10) أعطيت قليلا.
(11) أي بالدراهم.
(12) هما عرقان في موضع الحجامة.
(13) البخل.
(14) أي وجمع الدراهم وحبسها.
(15) أي ذهب عني.
(16) فيه اكفاء أي وإلا أضربك.
(17) أي سبك الكذب.
(18) أي تيقن بعطيتي وأصل التلعة ما ارتفع من الأرض وما انهبط منها أيضا فهو من الأضداد وقال أبو عمرو التلاع مجاري الماء إلى بطون الأودية.
(19) أمهلني.
(20) أي ميسرتي.
(21) جمع وعد.
(22) أي كغرس الشجر.
(23) أي يلحقه الهلاك.
(24) أي ثمر.
(25) أي مرض وهزال.(1/513)
تبتعد (1)، ستفي بما تعد (2)، وقد صار الغدر (3) كالتّحجيل (4)، في حلية هذا الجيل (5)، فأرحني بالله من التّعذيب، وارحل إلى حيث يعوي الذّيب (6).
فاستوى الغلام إليه (7)، وقد استولى الخجل عليه، وقال والله ما يخيس بالعهد (8)، غير الخسيس الوغد (9)، ولا يرد غدير الغدر (10)، إلّا الوضيع (11)
القدر، ولو عرفت من أنا، لما أسمعتني الخنا (12). لكنّك جهلت (13) فقلت (14)، وحيث وجب أن تسجد بلت، وما أقبح الغربة والإقلال (15)، وأحسن قول من قال:
إنّ الغريب الطّويل الذّيل (16) ممتهن (17) ... فكيف حال غريب ما له قوت
لكنّه ما تشين الحرّ (18) موجعة (19) ... فالمسك يسحق والكافور مفتوت
وطالما أصلي الياقوت جمر غضى (20) ... ثمّ انطفى الجمر والياقوت ياقوت (21)
فقال له الشّيخ يا ويلة أبيك (22)، وعولة أهليك (23)! أأنت في موقف فخر يظهر، وحسب يشهر؟ أم موقف جلد يكشط (24)، وقفا يشرط (25)؟!
__________
(1) بمعنى تبعد.
(2) أي ستنجز ما وعدت وتفي به.
(3) أي المكر والخديعة واختلاف الوعد.
(4) أي يتمدّح به كما أن التحجيل مما تمدح به الخيل وهو بياض في قوائمها.
(5) أبناء الزمان.
(6) كناية عن المكان الخالي.
(7) أي أقبل معه وقصد.
(8) خاس بالعهد إذا غدر ونكث وخاس بالوعد أخلف.
(9) هو الذي لزيادة خسته يخدم بملء بطنه.
(10) الغدير أصله مستنقع الماء استعاره للغدر وهو كالخيانة.
(11) أي الدنيء.
(12) أي الكلام الفاحش.
(13) أي جهلت قدري.
(14) أي قلت ما قلت مما لا يليق بي.
(15) يضرب مثلا لمن يفعل بعكس ما ينبغي أن يفعل والإقلال أي القل بمعنى الفقر.
(16) كناية عن الغني ذي اليسار.
(17) أي محتقر بسبب اغترابه.
(18) أي الكريم.
(19) أي حالة مؤلمة.
(20) الغضى شجر يدوم جمره.
(21) يعني أن الياقوت شأنه أن يختبر بالنار فإن خرج باردا حكم بجودته وإلا فرديء فكأنه يسلي نفسه بذلك.
(22) أي يا عقوبته بفراقك.
(23) العولة من الإعوال وهو البكاء.
(24) أي يسلخ.
(25) يجرح بالموسى.(1/514)
وهب أنّ لك البيت (1)، كمّا ادّعيت، أيحصل بذلك، حجم قذالك (2)؟ لا ولله ولو أنّ أباك أناف (3)، على عبد مناف (4). أو لخالك دان (5)، عبد المدان (6)، فلا تضرب في حديد بارد (7)، ولا تطلب ما لست له بواجد. وباه (8) إذا باهيت بموجودك (9)، لا بحدودك، وبمحصولك، لا بأصولك، وبصفاتك لا برفاتك (10)، وبأعلاقك (11) لا بأعراقك (12). ولا تطع الطّمع فيذلّك، ولا تتّبع الهوى. فيضلّك. ولله القائل لابنه:
بنيّ استقم فالعود (13) تنمي عروقه (14)
قويما ويغشاه إذا ما التوى التّوى (15)
__________
(1) أي إنك من بيت رفيع القدر أو يراد بالبيت الكعبة شرّفها الله تعالى لأنه إذا أطلق البيت لا ينصرف إلا إليها فكأنه يقول وهب أنك من بني شيبة سدنة البيت الحرام الذين لهم الفخر على مدى الأيام.
(2) أي حجمك في مؤخّر رأسك.
(3) أي زاد.
(4) هو أول ولد قصي واسمه المغيرة وهو من أجداده صلى الله عليه وسلم.
(5) أي خضع وأطاع.
(6) هو ابن الريان بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن مالك بن كعب بن الحارث بن بجيلة بن خالد وبه يضرب المثل في الغزو والشرف وفيه يقول لقيط الشاعر:
شربت الخمر حتى قيل إني ... أبو قابوس أو عبد المدان
وقال حسان رضي الله عنه:
كأنك أيها المعطي بيانا ... وجسما من بني عبد المدان
وبنوه أشراف اليمن والمدان في الأصل صنم.
(7) مثل يضرب لمن يطمع في غير مطمع قال:
يا خادع البخلاء عن أموالهم ... هيهات تضرب في حديد بارد
وأنشد المبرّد:
هيهات تضرب في حديد بارد ... إن كنت تطمع في نوال سعيد.
(8) أي وفاخر.
(9) أي بمالك ومثله قوله بمحصولك.
(10) الرفاة العظام البالية كنى بها عن الموتى من أسلافه.
(11) جمع علق وهو الشيء النفيس أي بنفائسك.
(12) أي لا بأنسابك.
(13) أي فالغصن.
(14) أي تزيد وأراد بالعروق الأصول.
(15) يعني أن العود ما دام مستقيما يسمو فعروقه تنمو فإذا اعوج والتوى أصابه الهلاك والردى.(1/515)
ولا تطع الحرص المذلّ وكن فتى
إذا التهبت أحشاؤه بالطّوى (1) طوى (2)
وعاص الهوى (3) المردي (4) فكم من محلّق (5)
إلى النّجم لمّا أن أطاع الهوى هوى (6)
وأسعف (7) ذوي القربي (8) فيقبح أن يرى
على من إلى الحرّ اللّباب انضوى ضوى (9)
وحافظ على من لا يخون إذا نبا
زمان (10) ومن يرعى (11) إذا ما النّوى نوى (12)
وإن تقتدر فاصفح فلا خير في امرىء
إذا اعتلقت (13) أظفاره بالشّوى (14) شوى (15)
__________
(1) هو الجوع.
(2) أي واصل الجوع وصبر أو كتم من قولهم طوى عني الحديث إذا كتمه.
(3) أي واعص هوى النفس.
(4) أي المهلك.
(5) أي مرتفع.
(6) أي بالغ في الارتفاع إلى حد النجم وحين ما أطاع هواه هوى وسقط من العلو ويلزمه الهلاك.
(7) أي أعن وساعد.
(8) أي قرابتك.
(9) المعنى يقبح أن يرى ضوى وهو سوء الحال والهزال على من انضوى أي انضم ومال إلى الحر الكريم.
(10) أي إذا ارتفع وتباعد وهو كناية عن الفقر بعد الغنى ولهذا قيل خير الإخوان من يقبل عليك إذا أدبر الزمان.
(11) أي وحافظ على من يرعاك ويوافيك.
(12) أي إذا التباعد بت نيته كناية عن تهيؤ السفر والارتحال.
(13) أي نشبت.
(14) هو الأطراف وجلدة الرأس وهي المراد ههنا.
(15) أي أحرق والمعنى لا خير فيمن كان لئيم الظفر متى قدر غدر والعفو عند المقدرة من أخلاق الكرام ومنه قول القائل:
ملكنا فكان العفو منا سجيّة ... فلما ملكتم سال بالدم أبطح
وحلّلتم قتل الأسارى وطالما ... غدونا على الأسرى نمنّ ونصفح
وحسبكم هذا التفاوت بيننا ... وكل إناء بالذي فيه ينضح(1/516)
وإيّاك والشّكوى فلم تر ذا ننهى (1)
شكا بل أخو الجهل (2) الّذي ما ارعوى (3) عوى (4)
فقال الغلام للنّظّارة (5): يا للعجيبة، والطّرفة الغريبة! أنف في السّماء (6)، واست في الماء. ولفظ كالصّهباء (7)، وفعل كالحصباء (8). ثمّ أقبل على الشّيخ بلسان سليط (9)، وغيظ مستشيط (10)، وقال: أفّ لك من صوّاغ باللّسان (11)، روّاغ (12)
عن الإحسان، تأمر بالبرّ، وتعقّ عقوق الهرّ (13). فإن يكن سبب تعنّتك (14)، نفاق صنعتك (15)، فرماها الله بالكساد (16)، وإفساد الحسّاد (17)، حتّى ترى أفرغ من حجّام ساباط (18)، وأضيق رزقا من سمّ الخياط (19). فقال له الشّيخ: بل سلّط الله عليك بثر الفم (20)، وتبيّغ الدّم (21)، حتّى تلجأ إلى حجّام عظيم الاشتطاط (22)، ثقيل
__________
(1) أي صاحب عقل.
(2) أي الأحمق الذي لا يتعقل.
(3) كف ورجع.
(4) أي تضجر وشكا مستعار من عواء الكلب وما فيه شرطية كأنه قيل مهما ارعوى عوى أي متى كف ونزع عن الشكاية إلى الصبر شكا وبكى وقيل ما مصدرية أي وقت ارعوائه يقول إن العاقل يحمل ضر الزمان ولا يشتكي والجاهل متى رجع عن التشكي لم يرجع رجوعا حسنا بل يعوي بالشكاية كعواء الذئب.
(5) أي للجماعة الناظرين.
(6) سيأتي في تفسير هذه المقامة.
(7) أي لفظ لذيذ كالخمر المشوبة.
(8) أي فعل كرجم الحصى يعني مؤلما.
(9) أي فصيح حديد بين السلاطة.
(10) أي محترق.
(11) يعني يصوغ الكلام بلسانه أي يزينه ويحسنه.
(12) أي ختال ومائل.
(13) في المثل أعق من الهرة وذلك لأنها تأكل أولادها كالضبة قال الشاعر:
أما ترى الدهر وهدا الورى ... كهرة تأكل أولادها
(14) تشددك.
(15) أي رواجها.
(16) أي البوار فلا تجد من تحجمه.
(17) أي وسلط حسادك عليك يذمونك عند الناس ويقولون فيك ما تشمئز منه نفوسهم حتى لا يأتيك أحد وهذا كما ترى وإن كان في الظاهر دعاء عليه إلا أنه يشير إلى أنه جيد الصناعة حتى يحسد لأن المهين الرذل الثقيل الروح لا حاسد له ولله در القائل:
إن العرانين تلقاها محسّدة ... ولن ترى للئام الناس حسادا
العرانين الكرام.
(18) سيأتي في تفسير الأمثال ما فيه.
(19) أي ثقب الإبرة.
(20) البثر والبثور جمع بثرة وهي خراج أي دمل صغير يخرج في جانب الفم.
(21) هيجانه وفي الحديث لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله أي لا يتهيج.
(22) مجاوزة الحد في السوم.(1/517)
الاشتراط، كليل المشراط (1)، كثير المخاط والضّراط. قال: فلمّا تبيّن الفتى أنّه يشكو إلى غير مصمّت (2)، ويراود (3) استفتاح باب مصمت (4)، أضرب (5) عن رجع الكلام، واحتفز (6) للقيام. وعلم الشّيخ أنّه قد ألام (7)، بما أسمع الغلام، فجنح إلى سلمه (8)، وبذل أن يذعن لحكمه (9)، ولا يبغي أجرا (10) على حجمه.
وأبى الغلام إلّا المشي بدائه، والهرب من لقائه. وما زالا في حجاج (11)
وسباب (12)، ولزاز (13) وجذاب، إلى أن ضجّ (14) الفتى من الشّقاق (15)، وتلا ردنه سورة الانشقاق (16)، فأعولّ (17) حينئذ لوفارة خسره (18)، وانعطاط عرضه وطمره (19). وأخذ الشّيخ يعتذر من فرطاته (20)، ويغيّض من عبراته (21)، وهو لا يصغي (22) إلى اعتذاره، ولا يقصّر (23) عن استعباره (24)، إلى أن قال له: فداك عمّك وعداك (25) ما يغمّك! أما تسأم (26) الإعوال (27)! أما تعرف الاحتمال (28)! أما سمعت بمن أقال (29)! وأخذ بقول من قال:
__________
(1) أي كال حد الموسى.
(2) سيأتي تفسيره.
(3) أي يعاني ويعالج وفي نسخة يزاول.
(4) أي مغلق.
(5) يعني أعرض.
(6) أي تهيأ.
(7) أي أتى بما يستحق أن يلام عليه.
(8) أي مال إلى صلحه.
(9) أي صرف همته في أن ينقاد لحكمه.
(10) أي لا يطلب أجرة.
(11) أي محاجّة.
(12) أي مشاتمة.
(13) أي خصام ورجل ملزّ شديد الخصومة.
(14) أي إلى أن جزع وقلق.
(15) المخالفة.
(16) كناية عن كونه من كثرة الخصام تمزّق ثوبه من الأكمام فإن الردن أصل الكم.
(17) أي بكى بصوت.
(18) أي لزيادة خسارته.
(19) عط الثوب فانعط أي شقه طولا وانعطاط العرض كناية عن الافتضاح وسماع ما لا يليق في حقه والطمر ثوبه الخلق.
(20) أي ما فرط وسبق منه من الذنوب.
(21) أن ينقص من دموع بكائه ويكفكفها.
(22) أي لا يميل.
(23) أي لا يكف ويقتصر.
(24) أي عن بكائه.
(25) أي جاوزك.
(26) أي تمل.
(27) البكاء.
(28) هو التسامح والصبر على الأذى.
(29) أي عفا وسامح.(1/518)
أخمد (1) بحلمك ما يذكيه (2) ذو سفه (3)
من نار غيظك (4) واصفح (5) إن جنى (6) جان (7)
فالحلم أفضل ما ازدان اللّبيب به (8)
والأخذ بالعفو أحلى ما جنى جان (9)
فقال له الغلام: أما إنّك لو ظهرت على عيشي (10) المنكدر (11)، لعذرت في دمعي المنهمر (12)، ولكن هان على الأملس (13) ما لاقى الدّبر (14). ثمّ كأنّه نزع إلى الاستحياء (15)، فأقلع (16) عن البكاء، وفاء (17) إلى الارعواء (18)، وقال للشّيخ: قد صرت إلى ما اشتهيت، فارقع (19) ما أوهيت (20). فقال: هيهات (21) شغلت شعابي جدواي (22)، فشم بارق سواي (23). ثمّ إنّه نهض يستقري (24) الصّفوف، ويستجدي الوقوف (25)، وينشد في ضمن (26) ما هو يطوف:
أقسم بالبيت الحرام (27) الّذي ... تهوي (28) إليه الزّمر (29) المحرمه (30)
__________
(1) أطفىء وسكن.
(2) يوقده.
(3) هو في هذا المحل البذيء اللسان الأحمق وإن كان معناه من لا يحسن التصرف في أموره.
(4) غضبك.
(5) تجاوز.
(6) أي إن صال وتعدى.
(7) صائل متعد وهو من الجناية.
(8) افتعل من الزينة أي تزين به العاقل.
(9) يقال جنى الثمر قطفه والجاني القاطف.
(10) أي اطلعت على معيشتي.
(11) المتغير المنغص.
(12) المصبوب المنسكب.
(13) السالم من الدبر أو الجرب.
(14) الذي في جسمه دبر وهو كناية عن أن السليم لا يبالي بما يقع للمريض من المشقة على حد قوله ومصحح الأعضاء ليس كمبتلى.
(15) أي مال إليه.
(16) أي امتنع وترك.
(17) أي رجع.
(18) الانكفاف والامتناع.
(19) رقع الثوب إذا سد خرقه وأصلحه.
(20) أي أفسدت.
(21) بعد جدّا.
(22) مثل سيذكر في تفسير أمثال المقامة.
(23) أي انظر برق غيري واطلب خيره.
(24) يتتبع.
(25) أي يطلب العطاء من الواقفين.
(26) أي في خلال.
(27) هو الكعبة شرفها الله وسمي البيت حراما لأن الله حرّم على الآتي من الحل أن يدخله بغير إحرام أو لأن الله حرم صيده أو لاحترام من يدخله.
(28) تقصد وتسرع وتمشي.
(29) الجماعات جمع زمرة.
(30) الذين دخلوا في الإحرام.(1/519)
لو أنّ عندي قوت يوم لما ... مسّت (1) يدي المشراط (2) والمحجمه
ولا ارتضت نفسي الّتي لم تزل ... تسمو إلى المجد بهذي السّمه (3)
ولا اشتكى هذا الفتى غلظة (4) ... منّي ولا شاكته (5) منّي حمه (6)
لكن صروف الدّهر (7) غادرنني (8) ... كخابط (9) في اللّيلة المظلمه
واضطرّني (10) الفقر إلى موقف ... من دونه (11) خوض اللّظى المضرمه (12)
فهل فتى تدركه رقّة (13) ... عليّ أو تعطفه (14) مرحمه (15)
قال الحارث بن همّام: فكنت أوّل من أوى لبلواه (16)، ورقّ لشكواه، فنفحته (17) بدرهمين، وقلت لا كانا ولو كان ذا مين (18). فابتهج (19) بباكورة جناه (20)، وتفاءل (21) بهما لغناه، ولم تزل الدّراهم، تنهال (22) عليه، وتنثال (23)
لديه، حتّى آل (24) ذا عيشة خضراء (25)، وحقيبة (26) بجراء (27) فازدهاء (28) الفرح
__________
(1) لمست.
(2) الموسى.
(3) متعلق بقوله ولا ارتضت والسمة العلامة أي ولا رضيت نفسي أن تتّسم وتعرّف بأني حجام.
(4) جفاء في الكلام.
(5) أي لسعته.
(6) هي شوكة العقرب أو سمها.
(7) أي حوادثه.
(8) أي تركتني.
(9) أي كالماشي على جهالة كالساري على غير قصد.
(10) ألجأني وقهرني.
(11) أي أدنى وأسهل منه.
(12) أي دخول النار الموقدة المشعلة.
(13) أي شفقة.
(14) تميله.
(15) أي رحمة.
(16) أوى له رحمة والبلوى والبلية بمعنى المصيبة.
(17) أي أعطيته.
(18) أي صاحب كذب.
(19) فرح.
(20) أي بأول ثمرة جاءت إليه والباكورة أول ما يجنى من الثمار والمراد أول شيء أعطيه.
(21) نباشر.
(22) تنصب.
(23) أي تتابع.
(24) رجع وصار.
(25) أي معيشة ناعمة وفي الحديث من خضر له بشيء فليلزمه أي من بورك له في شيء من صناعة أو تجارة فليلزمه.
(26) هي وعاء يجعله الراكب خلف ظهره.
(27) أي ملأى يقال كيس أعجر وحقيبة بجراء أو هميان أعجر أي ممتلىء أنشد سيبويه:
يمرون بالدهنا خفافا عيابهم ... ويرجعن من دارين بجر الحقائب
والمراد أنه امتلأ كيسه دراهم.
(28) أعجبه واستخفه.(1/520)
عند ذلك، وهنّأ نفسه بما هنالك، وقال للغلام: هذا ريع (1) أنت بذره (2)، وحلب (3) لك شطره (4)، فهلمّ (5) لنقتسم، ولا نحتشم (6). فتقا سماه بينهما شقّ الأبلمة (7)، ونهضا متّفقي الكلمة. ولمّا انتظم بينهما عقد الاصطلاح (8)، وهمّ الشّيخ بالرّواح (9)، قلت له: قد تبوّغ دمي (10)، ونقلت إليك قدمي، فهل لك أن تحجمني، وتكفكف (11) ما دهمني (12). فصوّب (13) طرفه فيّ وصعّد (14)، ثمّ ازدلف إليّ (15) وأنشد:
كيف رأيت خدعتي (16) وختلي (17) ... وما جرى بيني وبين سخلي (18)
حتّى انثنيت (19) فائزا (20) بالخصل (21) ... أرعى رياض الخصب (22) بعد المحل (23)
بالله يا مهجة قلبي قل لي ... هل أبصرت عيناك قطّ مثلي
__________
(1) أي فضل وزيادة وريع الأرض غلتها.
(2) أي أنت سببه.
(3) لبن محلوب.
(4)
(5) تعال.
(6) أي لا نستحي.
(7) الأبلمة خوصة الدومة تشق طولا فتخرج سواء معتدلة قال الشاعر:
وجاؤوا ثائرين فلم يؤوبوا ... بأبلمة تشد على بزيم
والبزيم باقة بقل أو هو فضلة الزاد أو هو الطلع يشق ليلقح ثم يشد بخوصة وفي المثل المال بيني وبينك شق الأبلمة والدوم هو المقل وهو نحو من النخل وله ثمر كالأكر.
(8) أي الصلح والمعنى ولما اصطلحا.
(9) أي وعزم على الذهاب.
(10) أي هاج ولذلك يقال تبوغ الدم بصاحبه فغلبه أو قتله.
(11) تكف وترفع.
(12) غشيني وأصابني.
(13) أي لفت صوبي (كذا في الأصل).
(14) أي فحدّق بصره فيّ ورفعه.
(15) أي اقترب مني وتقدم.
(16) مكري.
(17) أي تحيلي.
(18) عنى به ولده.
(19) رجعت.
(20) ظافرا.
(21) أصله الغنيمة في القمار والإصابة في المرمى والخصل الخطر أيضا وتخاصلوا تراهنوا وأحرز فلان خصله إذا غلب وخصلتهم خصلا نضلتهم.
(22) أصله كثرة الكلأ والمراد به هنا تيسر حاله بحصوله على ما أخذ من الدراهم.
(23) أي بعد الجدب والقحط والمراد أنه استغنى بعد الفقر بحيلة.(1/521)
يفتح بالرّقية (1) كلّ قفل ... ويستبي (2) بالسّحر (3) كلّ عقل
ويعجن الجدّ بماء الهزل (4) ... إن يكن الإسكندريّ (5) قبلي
فالطّلّ قد يبدو أمام الوبل (6) ... والفضل للوابل لا للطّلّ
قال فنبهّتني أرجوزته (7) عليه، وأرتني أنّه شيخنا المشار إليه، فقرّعته (8) على الابتذال (9)، والالتحاق بالأرذال. فأعرض عمّا سمع، ولم يبل (10) بما قرّع، وقال: كلّ الحذاء يحتذي الحافي الوقع (11). ثمّ قاصاني (12) مقاصاة المهان (13)، وانطلق هو وابنه كفرسي رهان (14).
قال الشيخ الإمام الرئيس أبو محمد القاسم بن علي رضي الله عنه قد أودعت هذه المقامة بضعة عشر مثلا من أمثال العرب وها أنا أفسر ما إخاله يلتبس على من يقتبس. أما قوله (بطء فند) فهو مولى عائشة بنت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وكانت بعثته بالمدينة ليقتبس لها نارا فقصد من فوره مصر وأقام بها سنة ثم جاءها بعد السنة وهو يشتد ومعه جمر فتبدد منه فقال تعست العجلة، وأما قوله (أنف في
__________
(1) أي العزيمة.
(2) يسلب ويأخذ.
(3) المراد منه أحاسن الكلام من نثر ونظم ومنه أن من البيان لسحرا.
(4) أي يمزج الحق بالباطل.
(5) عنى به أبا الفتح الذي عزا البديع الهمذاني إليه رواية مقاماته.
(6) أي إن المطر الضعيف يسبق المطر الشديد على حد قولهم أول الغيث قطر ثم ينهمل يشير إلى أنه أعظم حيلة وأعذب كلاما من أبي الفتح المذكور.
(7) قصيدته التي من بحر الرجز.
(8) أي لمته وعنفته.
(9) أي الامتهان وترك الاحتشام.
(10) أي لم يبال.
(11) كأنه يقول الحافي الوقع يحتذي كل حذاء والحذاء النعل أي إن الحافي الوقع ينتعل بكل نعل وجدها والوقع بكسر القاف الماشي في الوقع بسكونها (كذا في الأصل) وهو الحجارة المحددة من وقع الفأس إذا حددها فتتألم رجله من المشي عليها قال الراجز:
يا ليت لي نعلين من جلد الضبع ... وشركا من استها لا ينقطع
كل الحذاء يحتذي الحافي الوقع
(12) أي باعدني وفارقني.
(13) أي مباعدة المستحقر للمستحقر به.
(14) هو مثل يضرب للمتسابقين.(1/522)
السماء واست في الماء) فيضرب هذا المثل لمن يكبر مقالا ويصغر فعالا. وأما قوله: (افرغ من حجام ساباط) فذكر أنه كان حجاما ملازما ساباط المدائن يحجم الجندي بدانق نسيئة وربما مرت عليه برهة لا يقربه فيها أحد فكان يبرز أمه عند تمادي عطلته فيحجمها لكيلا يقرّع بالبطالة فما زال يحجمها حتى نزف دمها وماتت. وأما قوله (يشكو إلى غير مصمّت) فهو مثل يضرب لمن لا يكترث لشأن صاحبه ولا يعبأ باستمرار شكايته لأنه لو أشكاه لصمت وأمسك عن الكلام ومنه قول الراجز يخاطب جملا له:
إنك لا تشكو إلى مصمّت ... فاصبر على الحمل الثقيل أو مت
ونحو هذا المثل (هان على الأملس ما لاقى الدّبر). وأما قوله (شغلت شعابي جدواي) فالمراد به أنه ليس يفضل عني ما أصرفه إلى غيري والشعاب هي النواحي واحدها شعب. وقوله (كل الحذاء يحتذي الحافي الوقع) معناه أن المجهود يقنع بما يجد والوقع أن تصيب الحجارة القدم فتوهنها فأما البعير الموقع فهو الذي يكثر آثار الدّبر بظهره.(1/523)
المقامة الثامنة والاربعون الحراميّة (1)
روى الحارث بن همّام، عن أبي زيد السّروجيّ، قال: ما زلت مذ رحلت عنسي (2)، وارتحلت (3) عن عرسي (4) وغرسي (5)، أحنّ (6) إلى عيان البصرة (7)، حنين المظلوم (8) إلى النّصرة، لما أجمع عليه أرباب الدّراية (9)، وأصحاب الرّواية (10)، من خصائص معالمها (11) وعلمائها، ومآثر (12) مشاهدها (13)
وشهدائها (14). وأسأل الله أن يوطئني ثراها (15)، لأفوز بمرآها (16)، وأن يمطيني
__________
(1) قال المصنف رحمه الله هذه أول مقامة أنشأتها وقال الشيخ زين الدين محمد بن أسعد العراقي هذه أول مقامة أنشأها الحريري رحمه الله تعالى.
(2) العنس الناقة القوية الصلبة.
(3) سرت وسافرت.
(4) زوجتي.
(5) الغرس بالفتح ما يغرس من الشجر وأراد به أولاده وبالكسر المغرس وما يخرج من الولد (كذا في الأصل) والمراد مغرس رأسي.
(6) أي أشتاق.
(7) معاينتها ومشاهدتها من عاينت الشيء عيانا إذا رأيته بعينك.
(8) هو مشبه به بحذف حرف التشبيه والتقدير حنينا كحنين إلخ والمراد شدة الاشتياق.
(9) أي اتفق عليه أصحاب العلوم والمعارف.
(10) أي رواة الأخبار.
(11) المعالم هي المواضع التي تعلم ويجتمع إليها وطريق معلم لا يحتاج في سلوكه إلى دليل أي فضائل منازلها المشهورة.
(12) أي مكارم ومحاسن.
(13) أي محاضرها.
(14) أي من دفن فيها من الشهداء.
(15) أي يجعلني أدوس ترأبها بأن أحل بها.
(16) أي منظرها.(1/524)
قراها (1)، لأقتري (2) قراها (3). فلمّا أحلّنيها الحظّا (4)، وسرح (5) لي فيها اللّحظ (6)، رأيت بها ما يملأ العين قرّة (7)، ويسلي عن الأوطان كلّ غريب.
فغلّست (8) في بعض الأيّام، حين نصل خضاب الظّلام (9)، وهتف (10)
أبو المنذر (11) بالنّوّام، لأخطو (12) في خططها (13)، وأقضي الوطر (14) من توسّطها (15). فأدّاني (16) الاختراق (17) في مسالكها (18)، والانصلات (19) في سككها (20)، إلى محلّة (21) موسومة (22) بالاحترام (23)، منسوبة إلى بني حرام (24)، ذات مساجد مشهودة، وحياض مورودة، ومبان (25) وثيقة، ومغان (26) أنيقة (27)، وخصائص (28) أثيرة (29)، ومزايا (30) كثيرة:
__________
(1) أي يجعلني أركب ظهرها كناية عن الحلول بها.
(2) أتتبع.
(3) جمع قرية على غير قياس أي لأجوب في بلادها واحدة بعد واحدة.
(4) أي أسكنني إياها البخت والسعد.
(5) بمعنى امتد.
(6) أي البصر.
(7) سرورا.
(8) أي خرجت في الغلس وهو ظلمة آخر الليل عند انصداع الفجر حينما تكون الظلمة غالبة على ضوء الفجر.
(9) أي زال وهو كناية عن طلوع الفجر.
(10) أي نادى.
(11) كنية الديك.
(12) أي لأمشي.
(13) أماكنها.
(14) الحاجة.
(15) أي دخولي في خلالها.
(16) أي فأوصلني.
(17) أي كثرة السلوك في شوارعها من اخترقت القوم مضيت وسطهم والمخترق الممرّ وانخرقت الريح اشتد هبوبها قال يكل وفد الريح من حيث انخرق.
(18) طرقها.
(19) الخروج بسرعة أو السير الشديد الماضي.
(20) شوارعها.
(21) أي منزلة.
(22) معروفة.
(23) أي بالتعظيم.
(24) قبيلة معروفة.
(25) جمع مبنى والمراد به البناء.
(26) جمع مغنى وهو المنزل.
(27) معجبة.
(28) أي فضائل.
(29) الأثير ذو الأثرة وهي الفضيلة والتقدم.
(30) جمع مزية وهي الأمر الحسن الذي يوجد في بعض الأفراد وإن كان مفضولا ولا يوجد في بعضهم وإن كان فاضلا.(1/525)
بها ما شئت من دين ودنيا ... وجيران تنافوا (1) في المعاني
فمشغوف (2) بآيات المثاني (3) ... ومفتون برنّات (4) المثاني
ومضطلع (5) بتلخيص (6) المعاني ... ومطّلع إلى تخليص عان (7)
وكم من قارىء فيها وقار (8) ... أضرّا بالجفون (9) وبالجفان (10)
وكم من معلم (11) للعلم فيها ... وناد (12) للنّدى (13) حلو المجاني (14)
ومغنى (15) لا تزال تغنّ فيه (16) ... أغاريد (17) الغواني (18) والأغاني (19)
فصل إن شئت فيها من يصلّي ... وإمّا شئت فادن من الدّنان
ودونك صحبة (20) الأكياس (21) فيها ... أو الكاسات (22) منطلق العنان (23)
__________
(1) أي اختلفوا.
(2) مفتون.
(3) سورة الفاتحة أو ما دون المائتي آية من السور أو غير ذلك جمع مثنى أو مثناة من التثنية وفي الحديث من شرائط الساعة أن تقرأ المثناة على رؤوس الناس لا تغير.
(4) جمع رنة وأصلها صوت الحلي أو غيره من المعادن توسّع فيها فأطلقت على أصوات أوتار العود المعبر عنها بالمثاني جمع المثنى وهو ما فتل من أوتاره على قوتين كالمثالث جمع المثلث وهو ما فتل على ثلاث قوى وفي القاموس الثاني من أوتار العود الذي بعد الأول.
(5) اضطلع به قوي على حمله.
(6) تلخيص الكلام والكتاب اختصاره.
(7) أي فك أسير.
(8) الأول من القراءة والثاني من القرى للضيف.
(9) أي من السهر في القراءة فهو راجع للأول.
(10) جمع جفنة وهي الصحفة التي يثرد فيها للضيف فهو راجع للثاني والضرر بها كثرة استعمالها والتناول منها.
(11) أي علامة.
(12) أي مجلس.
(13) هو الكرم والعطاء.
(14) أي الثمار التي تجتنى.
(15) منزل.
(16) أي تسمع من الغنة وهي صوت من الخيشوم وأغنّ العشب كثر والتف وروضة غنّاء مخصبة وقرية غناء كثيرة الأهل.
(17) جمع أغرود كناية عن صوت الغناء.
(18) جمع غانية وهي التي استغنت بجمالها عن الزينة.
(19) جمع أغنيّة من الغناء.
(20) أي وعليك بمصاحبة العقلاء.
(21) جمع كيس وهم ذوو الفطنة.
(22) يعني أو مصاحبة ذوي الكاسات وهو المنهمكون في الشرب واللهو.
(23) أي معطيا نفسك مناها.(1/526)
قال: فبينما أنا أنفض طرقها (1)، وأستشفّ (2) رونقها (3)، إذ لمحت (4)
عند دلوك براح (5)، وإظلال الرّواح (6)، مسجدا مشتهرا بطرائفه (7)، مزدهرا (8) بطوائفه (9)، وقد أجرى أهله ذكر حروف البدل، وجروا في حلبة الجدل (10). فعجت (11) نحوهم، لأستمطر نوّهم (12)، لا لأقتبس (13) نحوهم. فلم يك إلّا كقبسة العجلان (14)، حتّى ارتفعت الأصوات بالأذان، ثمّ ردف التّأذين (15)
بروز الإمام، فأغمدت ظبى الكلام (16)، وحلّت الحبى (17) للقيام، وشغلنا بالقنوت (18)، عن استمداد القوت (19)، وبالسّجود (20)، عن استنزال الجود (21). ولمّا
__________
(1) أتتبعها فعل النفيضة وهم الذين ينفضون الطرق أي يحفظونها من اللصوص.
(2) أي أستجلي.
(3) أي حسنها ووجد بخط الحريري في مسودته فبينما أنا مستنّ في طرقها، ومفتنّ برونقها، ومعجب بتقويم قبلها، ومتعجب لتكاثر مساجدها وتقابلها، فقوله مستن من الاستنان، وهو الجري وقوله مفتن برونقها أي مشغوف بحسنها وقوله معجب أي متعجب وتقويم الشيء اعتداله والقبل جمع قبلة وقوله متعجب هو من الإعجاب أيضا وتقابل المساجد هو أن كلّا منها يقابل الآخر.
(4) أي أبصرت.
(5) مصدر دلكت الشمس إذا دنت للغروب وبراح كحذام علم على الشمس قال:
هذا مقام قدمي رباح ... ذيب حتى دلكت براح
(6) أي ومجيء العشي.
(7) أي بمحاسنه وعجائبه.
(8) مضيئا.
(9) أي بجماعاته.
(10) أي تسابقوا في الجدال.
(11) عطفت.
(12) النوء النجم مال للغروب وقارنه وقوع المطر والمراد لأطلب عطاءهم بالمطر.
(13) أي لا لأستفيد.
(14) مثل في السرعة قال:
وزائر زار وما زارا ... كأنه مقتبس نارا
(15) أي تبع الأذان.
(16) كناية عن السكوت وانقطاع الكلام والظبي جمع الظبة وهي حد السيف.
(17) جمع الحبوة.
(18) أي بالطاعة.
(19) أي طلب القوت وهو ما يتقوّت به.
(20) يعني الصلاة.
(21) طلب العطاء.(1/527)
قضي الفرض، وكاد الجمع ينفضّ (1)، انبرى (2) من الجماعة، كهل حلو البراعة (3)، له من السّمت الحسن (4)، ذلاقة اللّسن (5)، وفصاحة الحسن (6)
وقال: يا جيرتي (7)، الّذين اصطفيتهم (8) على أغصان شجرتي (9)، وجعلت خطّتهم (10) دار هجرتي، واتّخذتهم كرشي وعيبتي (11)، وأعددتهم (12) لمحضري وغيبتي، أما تعلمون أنّ لبوس الصّدق أبهى الملابس الفاخرة (13)، وأنّ فضوح الدّنيا أهون من فضوح الآخرة! وأنّ الدّين إمحاض النّصيحة (14)، والارشاد (15)
عنوان العقيدة الصّحيحة! وأنّ المستشار مؤتمن، والمسترشد بالنّصح قمن (16) وأنّ أخاك هو الّذي عذلك (17)، لا الّذي عذرك (18). وصديقك من صدقك، لا من صدّقك.
فقال له الحاضرون: أيّها الخلّ الودود، والخدن (19) المودود (20)، ما سرّ كلامك الملغز (21)، وما شرح خطابك الموجز (22)؟ وما الّذي تبغيه (23) منّا لينجز (24)؟ فو الّذي
__________
(1) أي يتفرّق.
(2) أي اعترض.
(3) أي الفصاحة.
(4) أي الهيئة الحسناء.
(5) أي بلاغة المنطق مع حدة اللسان.
(6) يعني به الحسن البصري.
(7) أي يا جيراني.
(8) أي اخترتهم.
(9) يعني فروع نسبي وهم القرابة.
(10) أي منازلهم.
(11) أي أهلي ومحل سري ومنه قوله صلى الله عليه وسلم الأنصار كرشي وعيبتي.
(12) أي اتخذتهم عدة.
(13) أصل اللبوس ما يلبس في الحرب من الدروع قال تعالى {وَعَلَّمْنََاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} الآية.
استعاره للصدق لكون كل منهما يتقى به من المهالك.
(14) أي إخلاصها وأصل النصيحة الخلوص من قولهم عسل ناصح إذا خلص من الشمع ورجل ناصح الجيب أي نقي القلب وهي اسم بمعنى المصدر كالشتيمة والمراد هنا بإمحاض النصيحة إخلاص الصدق والمشورة والعمل.
(15) علامة.
(16) أي جدير وحقيق.
(17) لامك.
(18) أي قبل عذرك.
(19) بمعنى الخل.
(20) الذي ينبغي أن يودّ.
(21) أي المعمّى.
(22) أي المختصر.
(23) أي تطلبه.
(24) أنجز ما وعده به وفي بعض النسخ بعد قوله لينجز ولو أعجز أي ولو أعجزنا نجزه (كذا في الأصل).(1/528)
حبانا (1) بمحبّتك، وجعلنا من صفوة (2) أحبّتك، ما نألوك نصحا (3)، ولا ندّخر (4) عنك نضحا (5)! فقال: جزيتم خيرا، ووقيتم ضيرا (6). فإنّكم ممّن لا يشقى بهم جليس، ولا يصدر عنهم تلبيس (7)، ولا يخيّب فيهم مظنون، ولا يطوى دونهم (8) مكنون (9). وسأبثّكم (10) ما حاك (11) في صدري، وأستفتيكم (12) في ما عيل (13) فيه صبري. اعلموا أنّي كنت عند صلود الزّند (14)، وصدود الجدّ (15)، أخلصت مع الله نيّة العقد (16)، وأعطيته صفقة العهد (17)، على أن لا أسبأ مداما (18)، ولا أعاقر (19) ندامى (20)، ولا أحتسي قهوة (21)، ولا أكتسي نشوة (22).
فسوّلت (23) لي النّفس المضلّة (24)، والشّهوة المذلّة المزلّة (25)، أن نادمت الأبطال (26)، وعاطيت الأرطال (27)، وأضعت الوقار (28)، وارتضعت (29) العقار (30)، وامتطيت مطا الكميت (31)، وتناسيت التّوبة تناسي الميت. ثمّ لم أقنع بهاتيكم المرّة، في طاعة
__________
(1) أعطانا.
(2) خلاصة.
(3) أي ما نكتم أو ما نترك أو ما ندّخر عنك نصيحة.
(4) نخزن.
(5) بفتح أوله أي عطاء.
(6) أي ضررا.
(7) أي لا يبدو ولا يظهر منهم تخليط.
(8) أي لا يكتم عنهم.
(9) أي مستور.
(10) أي أخبركم والبث والنث والنثر أخوات.
(11) أي ما أثر وثبت.
(12) أي أطلب منكم الفتيا.
(13) أي تعب وكلّ وفي نسخة عيل له.
(14) عدم خروج النار منه مع القدح وهو كناية عن الفقر.
(15) أي هجر الحظ والبخت.
(16) أي العقيدة.
(17) أي عاهدته.
(18) أي اشترى خمرا ومنه سميت الخمر سبيئة.
(19) أي ألازم.
(20) جمع نديم.
(21) لا أشرب خمرا.
(22) أي لا أتلبس بسكر.
(23) أي زينت.
(24) التي تضل من اتبع رأيها.
(25) أي الموقعة في الزلل.
(26) أي عاشرتهم وهم الشجعان.
(27) أي ناولت الأقداح.
(28) تركت السكينة.
(29) أي رضعت.
(30) من أسماء الخمر.
(31) المراد لازمت تعاطي الخمر ولما كان لفظ الكميت مشتركا بين الخمر والفرس والمراد هنا الخمر استعار له لفظ المطا وهو الظهر والامتطاء وهو الركوب على سبيل التخييل.(1/529)
أبي مرّة (1)، حتّى عكفت (2) على الخندريس (3)، في يوم الخميس، وبتّ صريع الصّهباء، في اللّيلة الغرّاء (4). وها أنا بادي الكآبة (5)، لرفض الإنابة (6)، نامي النّدامة (7)، لوصل المدامة (8). شديد الإشفاق (9)، من نقض الميثاق (10)، معترف بالإسراف (11)، في عبّ السّلاف (12).
فيا قوم هل كفّارة تعرفونها ... تباعد من ذنبي وتدني إلى ربّي
قال أبو زيد: فلمّا حلّ أنشوطة نفثه (13)، وقضى الوطر (14) من اشتكاء بثّه (15)
ناجتني (16) نفسي: يا أبا زيد، هذه نهزة (17) صيد، فشمّر عن يد (18) وأيد (19).
فانتهضت (20) من مجثمي (21) انتهاض الشّهم (22)، وانخرطت (23) من الصّفّ انخراط السّهم، وقلت:
__________
(1) كنية إبليس.
(2) لزمت.
(3) من أسماء الخمر كالصهباء في قوله بت صريع الصهباء والصريع الملقى على الأرض إذ السكران كذلك.
(4) أي البيضاء وهي ليلة الجمعة وسميت غراء لما فيها من الفضل.
(5) أي ظاهر الحزن.
(6) أي لترك الرجوع.
(7) زائدها.
(8) هي الخمر.
(9) الخوف.
(10) العهد.
(11) أي الإكثار.
(12) العب أن تشرب مرة بلا تنفس وقيل إن تشرب بغير مص وفي الحديث مصوا الماء ولا تعبوه عبّا والسلاف هو الخمر.
(13) الأنشوطة هي العقدة الغير المحكمة العقد وأصل النفث البصاق بدون ريق وأراد به هنا الكلام والمعنى أنه لما حل عقدة كلامه.
(14) الغرض.
(15) البث أشد الحزن.
(16) حدثتني.
(17) فرصة.
(18) يقال شمر عن يده إذا جدّ في الأمر.
(19) أي قوّة ومنه {وَالسَّمََاءَ بَنَيْنََاهََا بِأَيْدٍ}.
(20) أي نهضت وقمت.
(21) أي محل جثومي أي قعودي.
(22) الذكي الحديد الفؤاد.
(23) خرجت مسرعا.(1/530)
أيّها الأروع (1) الّذي ... فاق مجدا وسؤددا
والّذي يبتغي الرّشا ... د (2) لينجو به غدا
إن عندي علاج (3) ما ... بتّ منه مسهّدا (4)
فاستمعها عجيبة ... غادرتني (5) ملدّدا (6)
أنا من ساكني سرو ... ج ذوي الدّين والهدى
كنت ذا ثروة (7) بها ... ومطاعا مسوّدا (8)
مربعي (9) مألف الضّيو ... ف (10) ومالي لهم سدى (11)
أشتري الحمد باللهى (12) ... وأقي (13) العرض (14) بالجدا (15)
لا أبالي بمنفس (16) ... طاح (17) في البذل والنّدى (18)
أوقد النّار باليفا ... ع (19) إذا النّكس (20) اخمدا (21)
وبراني المؤمّلو ... ن (22) ملاذا (23) ومقصدا
__________
(1) السيد الذي يروعك بجماله.
(2) هو الهداية.
(3) دواء.
(4) ساهرا.
(5) تركتني.
(6) أي مستعملا لديديّ واللديدان صفحتا العنق والمراد إني صرت متلفتا يمينا وشمالا من شدة الخوف.
(7) أي صاحب مال كثير.
(8) أي سيدا ومنه قولهم فلان سوّده قومه إذا جعلوه سيدا.
(9) أي منزلي.
(10) أي مجتمعهم.
(11) أي مهمل مبذول.
(12) جمع لهوة بمعنى العطية.
(13) أي أحفظ.
(14) موضع المدح والذم من الإنسان.
(15) أي بالعطاء.
(16) نفيس قال الشاعر:
لا تجزعي إن منفسا أهلكته ... فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
(17) ذهب وهلك.
(18) هو الجود.
(19) ما ارتفع من الأرض كالجبال والروابي.
(20) بالكسر الدنيء اللئيم.
(21) أي أطفأ.
(22) أهل الأمل والرجاء.
(23) ملجأ.(1/531)
لم يشم بارقي (1) صد (2) ... فانثنى (3) يشتكي الصّدى (4)
لا ولا رام قابس (5) ... قدح زندي فأصلدا (6)
طالما ساعد الزّما ... ن فأصبحت مسعدا (7)
فقضى الله أن يغي ... ير ما كان عوّدا (8)
بوّأ الرّوم أرضنا (9) ... بعد ضغن (10) تولّدا
فاستباحوا حريم من ... صادفوه موحّدا (11)
وحووا (12) كلّ ما استسر ... ر (13) بها لي وما بدا (14)
فتطوّحت في البلا ... د (15) طريدا مشرّدا (16)
أجتدي النّاس (17) بعد ما ... كنت من قبل مجتدى (18)
وترى بي خصاصة (19) ... أتمنّى لها الرّدى (20)
__________
(1) أي لم ينظر برقي يعني كرمي.
(2) أي عطشان.
(3) أي فرجع.
(4) العطش والمراد الاحتياج.
(5) طالب النار الذي يريد أن يقتبس منها أي ما طلب سائل مني شيئا.
(6) أي فلم يور أي لم يصب مأخوذ من صلد الزند إذا قدح به ولم يور.
(7) بالبناء للمفعول أي سعيدا وبالبناء للفاعل مساعدا لمن يروم مني شيئا.
(8) أي عودنيه.
(9) أي أحلهم الله فيها مباءة لهم والروم طائفة من النصارى وهم من ولد روم بن عيص بن إسحاق بن يعقوب عليهما السلام.
(10) حقد.
(11) أي تملكوا حريم من وجدوه موحدا واستأصلوه وفي المجموع الاستباحة كالنهي والحريم ما امتنع إباحته لغيرك مما هو في حوزتك من نساء وأموال وغيرهما والمراد بالموحد المسلم المعترف لله بالوحدانية.
(12) حازوا.
(13) أي خفي.
(14) أي ظهر.
(15) رميت بنفسي ها هنا وها هنا.
(16) أي مبعدا منفردا.
(17) أي اتكفف الناس وأسألهم الجدوى وهي العطية.
(18) مسؤولا منى الجدوى.
(19) فقر وحاجة.
(20) الموت والهلاك.(1/532)
والبلاء الّذي به ... شمل أنسي تبدّدا (1)
إستباء ابنتي (2) الّتي ... أسروها لتفتدى (3)
فاستبن (4) محنتي (5) ومدّ ... إلى نصرتي يدا (6)
وأجرني من الزّما ... ن فقد جار واعتدى
وأعنّي على فكا ... ك ابنتي من يد العدى
فبذا (7) تنمحي المآ ... ثم (8) عمّن تمرّدا (9)
وبه تقبل الإنا ... بة (10) ممّن تزهّدا (11)
وهو كفّارة لمن ... زاغ من بعد ما اهتدى (12)
ولئن قمت منشدا ... فلقد فهت (13) مرشدا (14)
فاقبل النّصح والهدا ... ية واشكر لمن هدى
واسمح الآن بالّذي ... يتسنّى (15) لتحمدا
__________
(1) تفرق.
(2) أي سبيها وأخذها أسيرة في أيديهم.
(3) أي لأجل أن تفدى.
(4) أي فاستكشف وتحقق.
(5) أي بليتي.
(6) أي مد يدك إلى نصرتي أي كن مساعدا لي فيما قصدتك به.
(7) فبنصر من تظلم وإجارة من جار عليه الزمان والإعانة على فك الأسير.
(8) جمع مأثم بمعنى الإثم.
(9) أي صار مريدا عاريا عن الخير.
(10) الرجوع.
(11) ترك زخارف الدنيا.
(12) ذكر الفنجديهي أن ابن قطري كان قاضيا بالمزار وهي بلدة بقرب البصرة وكان قد تاب من الشرب ثم نقض التوبة وعاد يشرب ثم بعد المعاودة حضر مسجد بني حرام بالبصرة وتاب ورجع إلى الله بصدق نية وسأل عن كفارة ذنبه وكان في المسجد رجل يزعم أنه من أهل سروج وله بنت مأسورة في أيدي الروم فقال لابن قطري كفارة ذنبك أن تتصدق عليّ بشيء أفكها به فأعطاه عشرة دنانير فلما أخذها منه دخل الحانة فلم يزل يشرب الخمر حتى فرغت فبلغ ذلك ابن قطري فندم على ما أعطاه وساءه وأحزنه فأنشأ الحريري هذه المقامة في ذلك فقيل له هي أحسن من مقامات البديع فأنشأ أربعين مقامة ثم استزادوه فكملها خمسين مقامة.
(13) نطقت.
(14) أي هاديا.
(15) يتسهل.(1/533)
قال أبو زيد: فلمّا أتممت هذرمتي (1)، وأوهم المسؤول (2) صدق كلمتي، أغراه (3) القرم (4) إلى الكرم بمؤاساتي، ورغّبه الكلف بحمل الكلف (5) في مقاساتي، فرضخ (6) لي على الحافرة (7)، ونضح (8) لي بالعدة الوافرة (9) فانقلبت (10) إلى وكري (11)، فرحا بنجح مكري (12)، وقد حصلت من صوغ المكيدة، على سوغ الثّريدة (13)، ووصلت من حوك القصيدة (14)، إلى لوك العصيدة (15). قال الحارث بن همّام: فقلت له سبحان من أبدعك، فما أعظم خدعك، وأخبث بدعك، فاستغرب في الضّحك (16)، ثمّ أنشد غير مرتبك (17):
عش بالخداع فأنت في ... دهر بنوه (18) كأسد بيشه (19)
وأدر قناة المكر حت ... تى تستدير رحى المعيشه (20)
وصد النّسور فإن تعذ ... ذر صيدها فاقنع بريشه (21)
__________
(1) أي كلامي الكثير.
(2) أي وقع في وهمه.
(3) حرّضه وأولعه.
(4) أصله شهوة اللحم والمراد هنا حب الجود.
(5) الكلف بالفتح الميل إلى الشيء وبالضم جمع كلفة ما تكلفه من حمل المشاق.
(6) أصل الرضخ العطاء القليل.
(7) أي على أول الأمر أي أعطاني في الحال عطاء قليلا.
(8) هو بمعنى ما قبله من نضخ الماء فاض من الينبوع.
(9) أي بالوعد بالعطية الوافرة.
(10) رجعت.
(11) أي بيتي وأصل الوكر عش الطائر في كهف جبل ونحوه.
(12) أي بإتمام حيلتي.
(13) أي ابتلاعها بسهولة من ساغ الشراب يسوغ سوغا سهل في الحلق وسغته أنا أسوغه يتعدّى ولا يتعدّى والثريدة هي الخبز المفتوت في مرق اللحم.
(14) أي نسجها والشاعر يحوك الشعر حوكا.
(15) يعني أكلها وهي طعام معروف.
(16) أي أفرط وتجاوز الحد فيه.
(17) أي غير متوقف يقال ارتبك في وحل إذا وقع فيه.
(18) أهله.
(19) علم لمأسدة وقيل هي موضع باليمن.
(20) تدور وتستقيم كناية عما يتوصل به إلى الشيء.
(21) يريد أنه ينبغي أن يقنع بالشيء التافه أن تعذر الجيد ومثله قوله واجن الثمار.(1/534)
واجن الثّمار فإن تفت ... ك فرضّ نفسك بالحشيشه (1)
وأرح فؤادك إن نبا (2) ... دهر من الفكر المطيشه (3)
فتغاير الأحداث (4) يؤ ... ذن (5) باستحالة كلّ عيشه
__________
(1) واحدة الحشائش.
(2) أي ارتفع.
(3) يعني الوساوس التي تحمل الإنسان على القلق والطيش.
(4) أي تبد لها وعدم دوام حادث منها.
(5) أي يشعر ويعلم.(1/535)
المقامة التاسعة والأربعون السّاسانيّة
حكى الحارث بن همّام، قال: بلغني أنّ أبا زيد حين ناهز القبضة (1)، وابتزّه (2) قيد الهرم النّهضة (3)، أحضر ابنه، بعد ما استجاش ذهنه (4)، وقال له: يا بنيّ إنّه قد دنا ارتحالي من الفناء، واكتحالي بمرود الفناء (5)، وأنت بحمد الله وليّ عهدي (6)، وكبش الكتيبة (7) السّاسانيّة (8) من بعدي. ومثلك لا تقرع له
__________
(1) أي داناها وقاربها والقبضة في الحساب أن تعقد الأصابع ثلاثة وتسعين يريد أنه دنا من هذا القدر في العمر ويحتمل أن يراد بها الموت فيكون المعنى قرب من أن يقبض روحه.
(2) أي سلبه.
(3) هي القيام يعني أن كبر سنه بلغ به أن منعه من النهوض.
(4) أي جمع عقله واستمده.
(5) الفناء بالكسر رحبة المنزل والمراد المنزل وبالفتح الموت.
(6) أي خليفتي بعدي.
(7) أي رئيسها وقائدها والكتيبة العسكر والجيش.
(8) المنسوبة إلى ساسان.(1/536)
العصا (1)، ولا ينبّه بطرق الحصى (2). ولكن قد ندب (3) إلى الإذكار (4)، وجعل صقيلا (5) للأفكار، وإنّي أوصيك بما لم يوص به شيث (6) الأنباط (7)، ولا يعقوب الأسباط (8)، فاحفظ وصيّتي، وجانب معصيتي، واحذ مثالي (9)، وافقه أمثالي.
فإنّك إن استرشدت (10) بنصحي، واستصبحت (11) بصبحي (12)، أمرع خانك (13)، وارتفع دخانك (14) وإن تناسيت سورتي (15)، ونبذت مشورتي، قلّ رماد أثافيك (16)،
__________
(1) في المثل لا يقرع له العصا ولا يقلقل له الحصى يضرب للمحنك المجرب وأول من قرعت له العصا عامر بن الظرب العدواني وكان من حكماء العرب يقال له ذو الأصبع وذلك أنه كان في حداثة سنه يحكم بالحق فلما أسن اختل أمره فربما زل فشكا الناس منه ذلك ولم يقدر أحد أن ينبهه وكانت له ابنة عاقلة فلما بلغها ذلك لامته فقال لها كوني قريبا مني فإذا أنكرت مني شيئا فاضربي لي بالعصا لأسمع فأرجع عن الخطأ وفيه يقول المتلمس:
لدى الحم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علم الإنسان إلّا ليعلما
(2) أي لا يحتاج في الأمور المهمة إلى تنبيه غيره له قيل كانت العرب إذا أرادوا اختبار الرجل هل يصلح للسفر والغارات تركوه حتى ينام ثم يأخذ رجل حصاة فيرمي بها إلى جانبه فإن انتبه وثقوا به وعلموا أنه أهل وإلا تركوه. وقيل إن طرق الحصا ضرب من التكهن بأن يأخذ الكاهن حصيّات فيضرب بها الأرض ثم ينظر فيخبر بالمغيّبات.
(3) يقال ندبه لأمر فانتدب له أي دعاه له فأجاب.
(4) أي التذكير.
(5) جلاء.
(6) هو أفضل ولد آدم عليهما الصلاة والسلام وكان أحب بنيه إليه وهو وصيه وولي عهده وهو الذي ولد البشر الموجودين من بعد الطوفان كلهم وبنى الكعبة بالطين.
(7) جمع نبط وهم قوم من العجم ينزلون البطائح بين العراقين. وإنما سمي أولاد شيث أنباطا لأنهم نزلوا هناك.
(8) هم أولاد يعقوب عليه السلام ووصية أبيهم لهم ما ذكره الله تعالى في قوله {وَوَصََّى بِهََا إِبْرََاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يََا بَنِيَّ إِنَّ اللََّهَ} الآية.
(9) أي اقتد بي وافعل مثلي واحتذيت مثاله اقتديت به من حذا النعل قطعها على مثال.
(10) أي اهتديت وفي نسخة استنصحت نصحي وفي أخرى بنصحي.
(11) استضأت.
(12) أي بنور رأيي.
(13) أي أخصب مكانك والخان الفندق ومنزل مربع أي خصيب قال:
لني ولية يمرع جناني فإنني ... لما نلت من وسمّي نعماك شاكر
(14) كناية عن كثرة الخير لأن ارتفاع الدخان يدل على دوام كثرة الطبخ وكثرة الطبخ تدل على كثرة الخير.
(15) أي وصيتي.
(16) الأثافي حجارة توضع عليها القدر.(1/537)
وزهد أهلك ورهطك فيك (1). يا بنيّ! إنّي جرّبت حقائق الأمور، وبلوت (2) تصاريف الدّهور (3)، فرأيت المرء بنشبه (4)، لا بنسبه. والفحص (5) عن مكسبه، لا عن حسبه، وكنت سمعت أنّ المعايش (6) إمارة وتجارة وزراعة وصناعة، فمارست هذه الأربع، لأنظر أيّها أوفق وأنفع، فما أحمدت منها معيشة، ولا استرغدت فيها عيشة (7). أمّا فرص الولايات، وخلس الإمارات (8)، فكأضغاث الأحلام (9)، والفيء (10) المنتسخ (11) بالظّلام، وناهيك (12) غصّة (13) بمرارة الفطام (14). وأمّا بضائع التّجارات، فعرضة (15) للمخاطرات، وطعمة (16) للغارات، وما أشبهها بالطّيور الطّيارات. وأمّا اتّخاذ الضّياع (17)، والتّصدّي (18) للازدراع (19)، فمنهكة
__________
(1) أي قلت رغبتهم فيك ورهط الرجل قومه وقبيلته.
(2) أي خبرت.
(3) أي تقلباتها.
(4) أي بماله.
(5) البحث الشديد.
(6) أي أسبابها ويحكى أن المأمون قال أمور الدنيا أربعة فعدّ هذه ثم قال فمن لم يكن أهلها كان كلّا على الناس.
(7) أي ولا وجدت فيها معيشة رغدا أي واسعة طيبة.
(8) أصل الفرص ما تدركه من المنافع بدون تعنّ والولايات جمع الولاية بالكسر الاسم وبالفتح المصدر وأما الخلس فالمراد بها ما تحصل عليه بسرعة قبل غيره.
(9) هي الرؤيا التي لا تفسير لها لاختلاطها.
(10) الظل.
(11) أي الزائل.
(12) أي ويكفيك.
(13) هي ما يغص به الآكل أو الشارب.
(14) الباء زائدة أي حسبك من الإمارة ما للعزل من المرارة وفي أمثال المولدين الإمارة حلوة الرضاع مرة الفطام وقد نظم هذا المعنى من قال:
سكر الولاية طيب ... وخمارها مرّ شديد
كم تائه بولاية ... وبعزله يسعى البريد
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال إنكم ستحرصون على الإمارة وستصير ندامة وحسرة يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة.
(15) أي معرّضة.
(16) أي طعام.
(17) جمع ضيعة.
(18) التعرض.
(19) أي للزرع.(1/538)
للأعراض (1)، وقيود عائقة عن الارتكاض (2). وقلّما خلا ربّها عن إذلال، أو رزق روح بال (3). وأمّا حرف أولي الصّناعات، فغير فاضلة عن الأقوات، ولا نافقة (4)
في جميع الأوقات. ومعظمها معصوب (5) بشبيبة الحياة، ولم أر ما هو بارد المغنم (6)، لذيذ المطعم، وافي المكسب، صافي المشرب، إلّا الحرفة الّتي وضع ساسان (7) إساسها (8)، ونوّع أجناسها، وأضرم (9) في الخافقين (10) نارها، وأوضح لبني غبراء (11) منارها (12). فشهدت وقائعها معلما (13)، واخترت سيماها (14) لي ميسما (15)، إذ كانت المتجر الّذي لا يبور، والمنهل الّذي لا يغور (16)، والمصباح الّذي يعشو (17) إليه الجمهور (18)، ويستصبح (19) به العمي (20)
__________
(1) أي مذلة ذكر الجاحظ أن العرب كانوا يأنفون من صغار الخراج والإقرار بالجزية ولذلك قيل:
الحمد لله على أنني ... لست بذي دماء ولا ضيعه
فالماء يفني ماء وجه الفتى ... وصاحب الضيعة في ضيعه
وأنشد:
هي المال إلا أن فيها مذلة ... فمن ذلّ قاساها ومن مل باعها
(2) أراد به السفر.
(3) أي راحة القلب.
(4) أي ولا رائجة.
(5) مشدود ومربوط.
(6) طيب ينال بغير مشقة.
(7) المراد به ساسان الأكبر وهو ابن بهمن وأما ساسان الأصغر فهو ابن بابك أبو الأكاسرة.
(8) جمع أس وهو ما يبنى عليه.
(9) أي أشعل.
(10) هما المشرق والمغرب.
(11) أي للفقراء المحتاجين سموا بذلك لاستفراشهم وجه الغبراء وهي الأرض من غير غطاء ولا وطاء.
(12) طريقها.
(13) أي جاعلا لنفسي علامة.
(14) أي علامتها.
(15) أي حسنا وجمالا أتسم به.
(16) أي لا ينضب ولا ينقص.
(17) عشوت إلى النار عشوا استدللت عليها ببصر ضعيف وعشوته قصدته ليلا هذا هو الأصل ثم صار كل قاصد عاشيا.
(18) جل الناس ومعظمهم.
(19) أي يستضيء.
(20) يعني الجهال.(1/539)
والعور (1). وكان أهلها أعزّ قبيل، وأسعد جيل، لا يرهقهم (2) مسّ حيف (3)، ولا يقلقهم سلّ سيف، ولا يخشون حمة لاسع (4)، ولا يدينون (5) لدان ولا شاسع (6). ولا يرهبون (7) ممّن برق ورعد (8)، ولا يحفلون (9) بمن قام وقعد. أنديتهم (10) منزّهة، وقلوبهم مرفّهة (11)، وطعمهم معجّلة (12)، وأوقاتهم محجّلة (13). أينما سقطوا (14) لقطوا (15)، وحيثما انخرطوا (16) خرطوا (17).
لا يتّخذون أوطانا، ولا يتّقون سلطانا، ولا يمتازون (18) عمّا تغدو خماصا (19)، وتروح بطانا (20). فقال له ابنه: يا أبت! لقد صدقت في ما نطقت، ولكنّك رتقت، وما فتقت (21). فبيّن لي كيف أقتطف (22)، ومن أين تؤكل الكتف (23)؟ فقال:
يا بنيّ! إنّ الارتكاض (24) بابها، والنّشاط جلبابها (25)، والفطنة (26) مصباحها (27)،
__________
(1) الذين لهم بعض إلمام بالعلم ولم يتفقهوا جيدا.
(2) أي لا يغشاهم.
(3) أي إصابة ظلم.
(4) أي أذية مؤذ وحمة العقرب إبرتها التي تلسع بها.
(5) أي لا يطيعون.
(6) أي لقريب ولا بعيد.
(7) أي لا يخافون.
(8) أي ممن توعد وهدد.
(9) يبالون.
(10) مجالسهم.
(11) مستريحة.
(12) سريعة.
(13) كناية عن صفائها وعدم مكدر لها.
(14) وقعوا ونزلوا.
(15) أي جمعوا الرزق في أمثال المولدين حيثما سقط لقط يضرب للمحتال.
(16) أي دخلوا.
(17) أي قشروا.
(18) أي لا يتميزون.
(19) أي جياعا.
(20) ممتلئة البطون وأصله للطير من قوله عليه الصلاة والسلام: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو» إلخ.
(21) يعني أجملت وما فصلت.
(22) أجتني.
(23) في المثل أنه ليعلم من أين تؤكل الكتف يضرب للداهي الذي يأتي الأمور مأتاها لأن أكل الكتف يعسر على من لا يعرف أكلها قال الشاعر:
إني على ما ترون من كبري ... أعلم من أين تؤكل الكتف
(24) أي الحركة.
(25) أي لباسها.
(26) سرعة الفهم والتفرس.
(27) الذي تستنير به.(1/540)
والقحة (1) سلاحها. فكن أجول من قطرب (2)، وأسرى (3) من جندب (4)، وأنشط من ظبي مقمر (5)، وأسلط من ذئب (6) متنمّر (7). واقدح زند جدّك (8)
بجدّك (9)، واقرع باب رعيك (10) بسعيك، وجب كلّ فجّ (11)، ولج (12) كلّ لجّ (13)، وانتجع (14) كلّ روض (15)، وألق دلوك إلى كلّ حوض (16). ولا تسأم الطّلب (17)، ولا تملّ الدّأب (18)، فقد كان مكتوبا على عصا شيخنا ساسان: من طلب جلب، ومن جال (19) نال (20). وإيّاك والكسل (21)، فإنّه عنوان النّحوس، ولبوس ذوي البوس (22)، ومفتاح المتربة (23)، ولقاح المتعبة (24)، وشيمة العجزة (25)
__________
(1) بكسر القاف صلابة الوجه من قوله:
وقاحة الوجه سلاح الفتى ... ورقة الوجه من الحرفة
(2) أي أكثر جولانا منه وهو دويبة تخرج من حجرها للرعي ليلا تجول الليل كله لا تنام قيل ولا تستريح النهار وقيل القطرب ما صغر من أولاد الكلاب.
(3) أي أكثر سرى.
(4) هو ضرب من الجراد.
(5) لأن الظباء يأخذها النشاط في الليلة المقمرة فتلعب.
(6) أصله فيما أورده حمزة أسلط من سلقة وهي الذئبة.
(7) أي غضوب كالنمر.
(8) بفتح الجيم حظك.
(9) بكسر الجيم اجتهادك.
(10) أي اطرق باب قوتك وعيشك.
(11) أي اقطع كل طريق.
(12) أمر من الولوج وهو الدخول وفي نسخة وخض.
(13) اللج معظم الماء.
(14) اقصد.
(15) أي كل مكان خصب.
(16) لفظ المثل ألق دلوك بين الدلاء يضرب في الحديث على الاكتساب مع الناس قال:
وليس الرزق من طلب حثيث ... ولكن ألق دلوك في الدلاء
تجيء بملئها طورا وطورا ... تجيء بحمأة وقليل ماء
(17) أي لا تملّ منه.
(18) الجد في الأمر والإقبال عليه مع المواظبة.
(19) تحرك وسعى.
(20) أصاب مطلوبه.
(21) الفتور والتواني.
(22) أي لباس أهل الشدة والعناء.
(23) شدة الفقر.
(24) أي نتيجتها مصدر لقحت الناقة إذا علقت بالكسر جمع لقحة وهي الحلوب.
(25) أي سجية الكسلة.(1/541)
الجهلة، وشنشنة (1) الوكلة التّكلة (2). وما اشتار العسل (3) من اختار الكسل.
ولا ملأ الرّاحة (4)، من استوطأ الرّاحة (5) وعليك بالإقدام (6)، ولو على الضّرغام (7). فإنّ جراءة الجنان (8)، تنطق اللّسان، وتطلق العنان (9). وبها تدرك الحظوة (10)، وتملك الثّروة (11). كما أنّ الخور (12) صنو الكسل (13)، وسبب الفشل (14)، ومبطأة للعمل (15)، ومخيبة للأمل. ولهذا قيل في المثل: من جسر (16) أيسر (17)، ومن هاب خاب (18). ثمّ ابرز يا بنيّ في بكور أبي زاجر (19)، وجراءة أبي الحارث (20)، وحزامة أبي قرّة (21)، وختل (22) أبي جعدة (23)، وحرص
__________
(1) عادة وطبيعة.
(2) رجل وكلة تكلة بمعنى عاجز يكل أمره إلى غيره.
(3) أي ما اقتطفه وجناه.
(4) أي الكف.
(5) أي عدها وطيئة لينة والراحة ضد التعب.
(6) بالكسر الجراءة والدخول في المخاوف.
(7) كجريال هو الأسد.
(8) شجاعة القلب.
(9) أي تجعل صاحبها مطلق العنان يفعل كيف شاء.
(10) بلوغ المنزلة الرفيعة.
(11) الغنى.
(12) الضعف والجبن.
(13) أي أخوه.
(14) هو الضعف والحيرة والذل.
(15) أي خصلة تؤخر المرء عن مرامه.
(16) أي قوّى قلبه.
(17) أي استغنى.
(18) أي لحقته الخيبة يريد أن ضعف النفس يخيب الأمل والرجاء فقد قال معاوية رضي الله عنه الهيبة مقرون بها الخيبة قال أهل النظر ينبغي للإنسان أن يكون فيه عشر خصال من أخلاق الطير والبهائم سخاوة الديك وأمانة الحمامة وصمت الباز وحذر الغراب وحزن الطاووس وبصيرة الهدهد وأنفة الفهد وصدق الفرس وصبر الجمل وود الكلب.
(19) كنية الغراب وبكوره مبادرته قبل غيره من الطيور.
(20) كنية الأسد لأنه أمير السباع وأقواها على الاحتراث.
(21) كنية الحرباء لأنه يكون أبدا قرير العين وحزامته أنه لا يترك غصن شجرة حتى يمسك آخر.
(22) مكر.
(23) كنية الذئب ولهذا قيل فيمن حسن اسما وقولا وقبح فعلا أبو جعدة.(1/542)
أبي عقبة (1)، ونشاط أبي وثّاب (2)، ومكر أبي الحصين (3)، وصبر أبي أيّوب (4)، وتلطّف أبي غزوان (5)، وتلوّن أبي براقش (6)، وحيلة قصير (7)، ودهاء عمرو، ولطف الشّعبيّ، واحتمال الأحنف، وفطنة إياس، ومجانة أبي نواس، وطمع أشعب، وعارضة أبي العيناء. واخلب (8) بصوغ اللّسان (9)، واخدع بسحر البيان (10)، وارتد السّوق قبل الجلب (11)، وامتر (12) الضّرع قبل الحلب. وسائل الرّكبان قبل المنتجع (13)، ودمّث لجنبك قبل المضطجع (14)، واشحذ بصيرتك (15)
للعيافة (16) وأنعم نظرك (17) للقيافة (18). فإنّ من صدق توسّمه، طال تبسّمه (19) ومن
__________
(1) كنية الخنزير وقيل لبزرجمهر بم بلغت ما بلغت قال ببكور كبكور الغراب وحرص كحرص الخنزير وصبر كصبر الحمار وقيل إن هذه الكنية لخنزير البحر وهو دابة أكبر من الكلب من دواب الماء يأكل الآدمي.
(2) كنية الظبي.
(3) كنية الثعلب وقد اشتهر بالمكر.
(4) كنية الجمل ويقال له ذو ضاغط أيضا قال:
أصبر من ذي ضاغط معرّك ... القى بواني زوره للمبرك
لأنه لا يوجد أصبر منه على مشاق الحمل والأسفار.
(5) كنية الهر ومن تلطفه أنه عاشر الناس وصار من جملتهم.
(6) كنية طائر يشبه القنقذ أعلى ريشه أغبر وأوسطه أحمر وأسفله أسود إذا نفش ريشه تلوّن.
(7) من هنا إلى قوله أبي العيناء لا يوجد في بعض النسخ وهي كنى رجال مشهورين بتلك الصفات المذكورة ولكل منهم أخبار مشهورة وتقدم ذكر أطراف منها في المقامة التبريزية وغيرها.
(8) أي اخدع.
(9) كناية عن تنميق الكلام وتحسينه.
(10) الفصاحة.
(11) الجلب ما يجلب للبيع في الأسواق وراد السوق وارتادها اختبرها كأنه يقول اختبر الأسعار قبل شراء البضاعة ومثله في المعنى قوله دمث لجنبك قبل النوم مضطجعا.
(12) أمر من الامتراء وهو كالمري مسح الحالب الضرع لتدر.
(13) يعني إذا أردت الا تحال إلى نجعة وهي محل الكلأ والمرعى فتساءل عنها مع الركبان الذين يسافرون إلى المنتجعات قبل أن تذهب إليها.
(14) أي مهد ووطىء لجنبك قبل أن ترقد.
(15) أي حدد عقلك وفهمك.
(16) هي زجر الطير للفأل.
(17) أي أمعنه وأحسن التأمل.
(18) مصدر قاف والقائف هو الذي يعرف الآثار ويلحق الأبناء بالآباء.
(19) يعني أن من كان كلما توسم أمرا وتفرس فيه جاء على وفق ما توسم لشدة فطنته كان دائم التبسم إذ هو يكون دائما على حذر مما يكره ظافرا بمقصوده.(1/543)
أخطأت فراسته، أبطأت فريسته (1). وكن يا بنيّ خفيف الكلّ (2)، قليل الدّلّ (3)، راغبا عن العلّ (4)، قانعا من الوبل (5) بالطّلّ (6). وعظّم وقع الحقير (7)، واشكر على النّقير (8). ولا تقنط (9) عند الرّدّ، ولا تستبعد رشح الصّلد (10).
ولا تيأس من روح الله (11)، إنّه لا ييأس من روح الله إلّا القوم الكافرون. وإذا خيّرت بين ذرّة (12) منقودة (13)، ودرّة موعودة، فمل إلى النّقد، وفضّل اليوم على الغد. فإنّ للتّأخير آفات، وللعزائم (14) بدوات (15)، وللعدات (16) معقّبات (17)، وبينها وبين النّجاز (18) عقبات وأيّ عقبات. وعليك بصبر أولي العزم (19)، ورفق ذوي الحزم (20)، وجانب خرق المشتطّ (21)، وتخلّق بالخلق السّبط (22)، وقيّد الدّرهم
__________
(1) أي تأخرت وفريسة الأسد صيده والمراد بها هنا مطلق الفائدة.
(2) أي لا تتثاقل.
(3) هو والدلال والدلالة الغنج.
(4) مصدر عله إذا سقاه ثانية.
(5) هو المطر الكثير.
(6) هو المطر الضعيف.
(7) وفي نسخة الخطير ولا معنى لها إذ الخطير هو العظيم ولا معنى لتعظيم العظيم.
(8) هو النقرة التي في ظهر النواة والمراد أشكر لمن أحسن إليك ولو بشيء قليل جدّا.
(9) بفتح النون وكسرها أي لا تيأس.
(10) أي لا تعده بعيدا وهو خروج الماء من الحجر الأصم الأملس الذي يصلد أي يبرق.
(11) أي من رحمته.
(12) يعني أقل شيء.
(13) أي حاضرة.
(14) جمع العزيمة وهي القصد إلى الشيء.
(15) بدا له هذا الأمر بداء أي ظهر له رأي آخر وهو ذو بدوات إذا كان لا يستقر على رأي.
(16) جمع العدة بمعنى الوعد.
(17) أي عاطفات وصارفات.
(18) وفي نسخة النجز وهو قضاء الحاجة والفراغ منها.
(19) هم من الرسل الذين عزموا على أمر الله فيما عهد إليهم أو هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام.
(20) أي الضابطين لأمورهم الآخذين فيها بالثقة.
(21) أي اترك غلظ المجاوز الحد أو غيظ اللجوج.
(22) السهل.(1/544)
بالرّبط، وشب (1) البذل (2) بالضّبط (3)، ولا تجعل يدك مغلولة (4) إلى عنقك، ولا تبسطها كلّ البسط (5). ومتى نبا (6) بك بلد، أو نابك فيه كمد (7)، فبتّ (8)
منه أملك، واسرح منه جملك، فخير البلاد ما جمّلك (9)، ولا تستثقلنّ الرّحلة (10)، ولا تكرهنّ النّقلة (11)، فإنّ أعلام شريعتنا (12)، وأشياخ عشيرتنا، أجمعوا على أنّ الحركة بركة (13)، والطّراوة (14) سفتجة (15). وزروا (16) على من زعم أنّ الغربة كربة، والنّقلة مثلة (17). وقالوا: هي تعلّة (18). من اقتنع بالرّذيلة (19)، ورضي بالحشف (20) وسوء الكيلة. وإذا أزمعت (21) على الاغتراب (22)، وأعددت له العصا والجراب، فتخيّر الرّفيق المسعد (23)، من قبل أن تصعد (24). فإنّ الجار،
__________
(1) أي اخلط.
(2) العطاء الذي تبذله أي تخرجه من حرزك.
(3) أي بالحبس قال أبو حاتم الداري دخلت مع أبي مدينة بالشام فرأيت في بعض طرقها رجلا يلعب بحية ويقول من يعطيني درهما وأنا أبتلع هذه الحية فقال لي والدي يا بنيّ اضبط دراهمك فمن أجلها تبتلع الحيات.
(4) مغلول اليد كناية عن البخيل.
(5) أي لا تكون مفرطا في الجود.
(6) أي جفا.
(7) حزن مكتوم.
(8) أي اقطع.
(9) وفي نسخة ما حملك أي وما وفى بمعاشك.
(10) أي الارتحال.
(11) أي الانتقال.
(12) أي مشايخها.
(13) يحكى أنه كان مكتوبا على عصا ساسان الحركة بركة والتواني هلكة والكسل شؤم والأمل زاد العجزة وكلب طائف خير من أسد رابض ومن لم يحترف لم يعتلف.
(14) هي الغضاضة والنشاط.
(15) هي كلمة معربة كثر استعمالها حتى قيل الوجه الطري سفتجة أي أمارة على قضاء الحاجة ومعنى السفتجة ما أتاك بغير تكلف ولا مشقة وعند أهل العراق السفتجة أن يعطي الرجل صاحبه دراهم ثم يأخذها منه في بلد أخرى فكانت كالسفتجة.
(16) أي عابوا.
(17) أي عقوبة.
(18) أي تعلل.
(19) هي الخصلة الدنيئة.
(20) هو أردأ التمر في المثل أحشفا وسوء كيلة يضرب لمن يجمع بين خصلتين قبيحتين.
(21) أي عرمت.
(22) أي الغربة كالتغرب.
(23) أي المساعد المعين.
(24) أي تذهب في الأرض مستقبلا أرضا مرتفعة.(1/545)
قبل الدّار. والرّفيق، قبل الطّريق.
خذها إليك وصيّة ... لم يوصها قبلي أحد
غرّاء (1) حاوية خلا ... صات (2) المعاني والزّبد (3)
نقّحتها (4) تنقيح من ... محض (5) النّصيحة واجتهد
فاعمل بما مثّلته ... عمل اللّبيب أخي الرّشد
حتّى يقول النّاس هـ ... ذا الشّبل (6) من ذاك الأسد
ثمّ قال: يا بنيّ! قد أوصيت، واستقصيت. فإن اقتديت فواها لك (7)، وإن اعتديت فآها منك (8). والله خليفتي عليك، وأرجو أن لا تخلف ظنّي فيك. فقال له ابنه: يا أبت! لا وضع عرشك (9)، ولا رفع نعشك (10)! فلقد قلت سددا (11)
وعلّمت رشدا (12)، ونحلت (13) ما لم ينحل والد ولدا. ولئن أمهلت (14) بعدك، لا ذقت فقدك، فلأتأدّبن بآدابك الصّالحة، ولأقتدينّ بآثارك الواضحة، حتّى يقال ما أشبه اللّيلة بالبارحة (15)، والغادية (16) بالرّائحة (17). فاهتزّ (18) أبو زيد لجوابه وابتسم، وقال:
__________
(1) أي بيضاء.
(2) خلاصة كل شيء أحسنه.
(3) كالذي قبله.
(4) أي نقيتها.
(5) أي أخلص.
(6) هو ولد الأسد.
(7) أي ما أحسن فعلك.
(8) أي ما أقبحه.
(9) وضع العرش وهو سرير الملك كناية عن ذهاب الدولة.
(10) أي ولا حملت جنازتك.
(11) أي صوابا مستقيما.
(12) أي هداية ويوجد في بعض النسخ هنا وبينت لي سؤددا.
(13) أي أعطيت.
(14) يعني عشت.
(15) هذا مثل يضرب للمتشابهين وأصله من قول طرفة:
كل خليل كنت خاللته ... لا ترك الله له واضحه
كلهم أروغ من ثعلب ... ما أشبه الليلة بالبارحه
والواضحة هي الأسنان التي تبدو عند الضحك.
(16) سحابة الغداة.
(17) هي سحابة المساء.
(18) أي سرّ وفرح.(1/546)
من أشبه أباه فما ظلم (1). قال الحارث بن همّام: فأخبرت أنّ بني ساسان، حين سمعوا هذي الوصايا الحسان، فضّلوها على وصايا لقمان، وحفظوها كما تحفظ أمّ القرآن (2). حتّى إنّهم ليرونها إلى الآن، أولى ما لقّنوه الصّبيان، وأنفع لهم من نحلة العقيان (3).
__________
(1) مثل يضرب للولد إذا كان على شاكلة أبيه خلقا وحلقا والمعنى أن من أشبه أباه فما ظلم أمه بتهمة ولا ريبة أو ما ظلم أباه حتى يظن بأمه السوء أو ما ظلم الناس حيث لم يشبه أحدا منهم فيتهم بأنه زنى بأم الولد المذكور أي ليس أحد أولى به منه بأن يشبهه.
(2) هي فاتحة الكتاب.
(3) أي عطية ذهب.(1/547)
المقامة الخمسون البصريّة
حكى الحارث بن همّام، قال: أشعرت في بعض الأيّام همّا (1)، برّح (2)
بي استعاره (3)، ولاح (4) عليّ شعاره (5). وكنت سمعت أنّ غشيان (6) مجالس الذّكر، يسرو (7) غواشي (8) الفكر. فلم أر لإطفاء ما بي من الجمرة، إلّا قصد الجامع (9) بالبصرة (10). وكان إذ ذاك (11)، مأهول المساند (12)، مشفوه الموارد (13)،
__________
(1) أي تغشّاني حتى جعل لي كالشعار.
(2) أي اشتد وشق.
(3) أي توقده والتهابه من سعرت النار ألهبتها فاستعرت.
(4) أي ظهر وبان.
(5) يعني أثره وعلامته والشعار ثوب يلي الجسد ملاصق لشعره.
(6) أي إتيان.
(7) أي يكشف.
(8) جمع غاشية وهي الغطاء.
(9) أي المسجد الجامع وجامع البصرة له فضل كبير وذكر شهير.
(10) ذكر صاحب عجائب البلدان أن البصرة منبت النخل والأعناب والتفاح وسائر الفواكه وبساتينها متصلة والرخص فيها دائم فقوصرّة التمر فيها مائة رطل من تمر برني أو معقلي بدرهم.
(11) إشارة إلى ما ذكر من القصد.
(12) أي معمورا بالعلماء والفضلاء.
(13) يقال ناء مشفوه إذا كثرت عليه شفاه الواردة وطعام مشفوه كثرت عليه الأيدي وأراد كثرة الطلبة الواردين من الآفاق لتلقي العلم من علمائه المتصدين للتعليم.(1/548)
يجتنى من رياضه أزاهير الكلام، ويسمع في أرجائه (1) صرير الأقلام (2).
فانطلقت إليه غير وان (3)، ولا لاو (4) على شان، فلمّا وطئت حصاه، واستشرقت أقصاه (5)، تراءى لي (6) ذو أطمار (7) بالية، فوق صخرة عالية، وقد عصبت به (8) عصب (9) لا يحصى عديدهم (10)، ولا ينادى وليدهم (11). فابتدرت قصده، وتورّدت (12) ورده (13)، ورجوت أن أجد شفائي عنده. ولم أزل أتنقّل في المراكز (14)، وأغضي (15) للّاكر والواكز (16)، إلى أن جلست تجاهه (17)، بحيث أمنت اشتباهه (18)، فإذا هو شيخنا السّروجيّ لا ريب فيه، ولا لبس يخفيه، فانسرى (19)
بمرآه (20) همّي، وارفضّت (21) كتيبة غمّي (22) وحين رآني، وبصر بمكاني، قال:
يا أهل البصرة! رعاكم الله ووقاكم، وقوّى تقاكم، فما أضوع ريّاكم (23)، وأفضل
__________
(1) أي نواحيه.
(2) أي صوت أقلام النساخ مأخوذ من صرير الباب وهو صوته.
(3) أي بلا تأن من ونى يني إذا تأخر وتأنى.
(4) أي عاطف من قولهم فلان لا يلوي على أحد أي لا ينعطف عليه ومنه {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلََا تَلْوُونَ عَلى ََ أَحَدٍ}.
(5) أي أبصرت منتهاه.
(6) أي ظهر لي من بعد.
(7) أي لابس أثواب خلقة.
(8) أحاطت وأحدقت به.
(9) جمع عصبة وهي الجماعه.
(10) أي عددهم.
(11) أي ولدهم يقال هم في أمر لا ينادى وليدهم أي في أمر عظيم لا ينادى فيه الصغار قال الكلبيّ يقال هذا في موضع الكثرة والسعة والمراد فيما نحن بصدده مجرد الكثرة.
(12) أي وردت.
(13) كناية عما يبديه من الكلام.
(14) جمع مركز وهو موضع الثبات والجلوس.
(15) أي أتحمل وأتغافل.
(16) اللكز كالوكز الضرب بالجمع على الصدر والطعن باليد في العنق وقيل اللكز الضرب بالجمع على الصدر والوكز الضرب بالجمع على الذقن وقيل هو الدفع.
(17) أي مقابله.
(18) أي تحققت من شخصه.
(19) وفي نسخة فتسرى أي فانكشف وزال.
(20) أي بمنظره.
(21) أي تفرقت.
(22) الكتيبة القطعة من الجيش والعسكر استعارها لأنواع الغم.
(23) ضاع الطيب يضيع ويضوع فاح والريا الرائحة الذكية والمراد هنا انتشار الذكر الجميل.(1/549)
مزاياكم (1). بلدكم أوفى البلاد طهرة (2)، وأزكاها فطرة (3)، وأفسحها رقعة (4)، وأمرعها (5) نجعة (6)، وأقومها قبلة (7)، وأوسعها دجلة (8)، وأكثرها نهرا ونخلة (9)، وأحسنها تفصيلا وجملة. دهليز البلد الحرام (10)، وقبالة الباب والمقام (11)، وأحد جناحي الدّنيا (12)، والمصر (13) المؤسّس على التّقوى (14).
لم يتدنّس ببيوت النّيران، ولا طيف فيه بالأوثان (15)، ولا سجد على أديمه (16) لغير الرّحمن، ذو المشاهد المشهودة، والمساجد (17) المقصودة، والمعالم (18)
المشهورة، والمقابر المزورة (19)، والآثار المحمودة (20)، والخطط المحدودة به
__________
(1) المزايا جمع مزية وهي منقبة يتميز بها صاحبها عن غيره.
(2) لأنها بنيت في الإسلام ولم تتنجس بعبادة الأصنام.
(3) أي أعظمها خلقة.
(4) ساحة وبقعة.
(5) أي أخصبها.
(6) هي ما ينتجع للكلأ وهي معروفة بالخصب كما تقدم.
(7) روى أبو ذر رضي الله عنه عن النبي عليه السلام. أنه قال سيكون قرية أو مصر أو كلام هذا معناه يقال لها البصرة أقوم الناس قبلة وأكثر مؤذنين يدفع الله عنهم ما يكرهون.
(8) إنما قال ذلك لأن بطيحتها مغيض دجلة والفرات قال الجيهاني مبدأ دجلة من أرمينية ثم يمر على آمد بجنبات القرى التي بناها نوح عليه السلام ثم على الموصل وتكريت حتى يصير إلى بغداد ثم على المدائن حتى ينصبّ إلى البطيحة حيث يغيض نهر الفرات فيجتمعان فيمران بالبصرة ثم بالأبلّة ثم يصيران إلى البحر.
(9) ذكر في الشواهد أن فيها مائة وأربعة وعشرين نهرا على كل نهر عشرون أو ثلاثون مدينة وقرية على حافتي الأنهار نخيل متصلة.
(10) لأن بينها وبين مكة خمسة عشر يوما وطريقها إلى مكة أخصر من طريق الكوفة وإن كانت لا تسلك اليوم وقيل لأنه ليس بينها وبين مكة بلد آخر.
(11) مقابلة لباب الكعبة ومقام الخليل إذ هو تجاه الباب.
(12) أي قيل الدنيا مثل الطائر وجناحاها البصرة والكوفة.
(13) لأنها مصرت أيام عمر رضي الله عنه بناها عتبة بن غزوان والمصر اسم جامع لكل بلد.
(14) أي الذي بني أساسه في الإسلام ولم تعبد فيه النار إذ لا مجوس فيها.
(15) كالأصنام ما يعبد من دون الله.
(16) المراد به ظاهر الأرض.
(17) مساجدها أكثر من أن تحصى عدّا.
(18) أي مواضع العلوم (كذا في الأصل).
(19) أي مقابر الصالحين ففيها قبور كثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.
(20) جمع الأثر وأراد بها الأمكنة التي يتبرّك بها ويلتمس فيها الخير.(1/550)
تلتقي الفلك والرّكاب (1)، والحيتان والضّباب، والحادي والملّاح، والقانص والفلّاح (2)، والناشب (3) والرّامح (4)، والسّارح (5) والسّابح (6)، وله آية المدّ الفائض، والجزر الغائض (7)، وأمّا أنتم فممّن لا يختلف في خصائصهم (8)
اثنان، ولا ينكرها ذو شنآن (9)، دهماؤكم (10) أطوع رعيّة لسلطان (11)، وأشكرهم لإحسان. وزاهدكم (12) أورع الخليقة، وأحسنهم طريقة على الحقيقة. وعالمكم (13)
علّامة كلّ زمان، والحجّة البالغة (14) في كلّ أوان. ومنكم من استنبط علم النّحو (15) ووضعه، والّذي ابتدع ميزان الشّعر واخترعه (16). وما من فخر إلّا ولكم فيه اليد الطّولى والقدح المعلّى (17)، ولا صيت إلّا وأنتم أحقّ به وأولى. ثم إنّكم أكثر أهل مصر مؤذّنين (18)، وأحسنهم في النّسك قوانين، وبكم اقتدي في
__________
(1) لأنها على شط دجلة جوانبها الثلاثة إلى البادية لها سور والرابع إلى دجلة ولا سور له ومصداق ذلك قول الخليل في وادي القصر وهو بظاهر البصرة:
يا وادي القصر نعم القصر والوادي ... في منزل حاضر إن شئت أو بادي
تلفي به السفن والظلمان حاضرة ... والضب والنون والملاح والحادي
(2) القانص الذي يصطاد في الفلاة والفلاح الذي يحرث الأرض ويزرعها.
(3) صاحب النشاب.
(4) صاحب الرمح.
(5) الذي يسرح إلى المرعى.
(6) الذي يسبح في النهر.
(7) هي إحدى عجائب البصرة وذلك أن الماء يجري إلى الظهر متصاعدا فإذا آن نصف النهار رجع إلى البحر منحدرا.
(8) أي فضائلهم.
(9) أي صاحب عداوة.
(10) أي جماعتكم.
(11) لأنهم أظهروا طاعتهم وأسرعوا إجابتهم يوم الجمل حتى قال على رضي الله عنه كنتم جند المرأة وأتباع البعير رغا فأجبتم وعقر فهربتم.
(12) عنى به الحسن البصري رضي الله عنه وتقدم ذكر مناقبه.
(13) هو أبو عبيدة معمر بن المثنى ولد سنة عشر ومائة في الليلة التي مات فيها الحسن البصري المذكور.
(14) وفي نسخة بغير البالغة.
(15) أي من استخرج علم النحو وهو أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو وكان شاعرا مجيدا شهد صفين مع علي رضي الله عنه.
(16) هو الخليل بن أحمد الفراهيدي.
(17) أعظم قداح الميسر وله سبعة أنصباء والمراد أن فخركم عظيم.
(18) حسبما دل عليه الحديث المار الذي رواه أبو ذر رضي الله تعالى عنه.(1/551)
التّعريف (1)، وعرف التّسحير في الشّهر الشّريف (2). ولكم إذا قرّت (3)
المضاجع (4)، وهجع الهاجع (5)، تذكار (6) يوقظ النّائم، ويؤنس القائم (7).
وما ابتسم ثغر فجر (8)، ولا بزغ (9) نوره في برد ولا حرّ، إلّا ولتأذينكم بالأسحار، دويّ كدويّ الرّيح في البحار. وبهذا صدع (10) عنكم النّقل (11)، وأخبر النّبيّ عليه السّلام من قبل، وبيّن أنّ دويّكم بالأسحار، كدويّ النّحل في القفار، فشرفا لكم ببشارة المصطفى، وواها (12) لمصركم (13) وإن كان قد عفا (14). ولم يبق منه إلّا شفا (15)، ثمّ إنّه خزن لسانه (16)، وخطم بيانه (17)، حتّى حدج بالأبصار (18)، وقرف (19) بالإقصار (20)، ووسم بالاستقصار. فتنفّس تنفّس من قيد لقود (21)، أو ضبثت به (22) براثن أسد (23)، ثمّ قال: أمّا أنتم يا أهل البصرة، فما منكم إلّا العلم (24) المعروف (25)، ومن له المعرفة والمعروف (26). وأمّا أنا، فمن عرفني فأنا
__________
(1) هو الوقوف بعرفة والمراد ما يصنعه بعض الناس الآن من تعظيم ذلك اليوم بغير عرفات تشبيها بأهله بأن يجتمعوا في مساجدهم للدعاء والاستغفار أو يخرجوا إلى الصحراء وأول من فعل ذلك ابن عباس رضي الله عنه بالبصرة مع أهلها ثم تابعهم الناس.
(2) أي الإيقاظ للسحور.
(3) أي سكنت.
(4) جمع مضجع والمراد المضطجع بمعنى النائم.
(5) أي النائم.
(6) أي ذكر الله سبحانه.
(7) المراد به المتهجد المتعبد ليلا.
(8) كناية عن ضوء الفجر.
(9) أي طلع وظهر.
(10) أي كشف وأوضح.
(11) أي الخبر المنقول.
(12) كلمة تمدّح واستحسان.
(13) أي لبلدكم.
(14) عفت الدار إذا درست.
(15) يعني إلّا القليل القليل وشفا الشيء حرفه وحده.
(16) أي حبسه وكفه ويروى خزم من الخزم وهي حلقة تجعل في أنف البعير من شعر تمنعه الهياج.
(17) أي أمسك كلامه البليغ.
(18) إذا رمي بالأبصار أي نظر إليه بحدة.
(19) أي عيب واتهم.
(20) أقصر عن الكلام إذا اقتصر وكف.
(21) أي من جرّ للقتل قصاصا.
(22) أي نشبت فيه وعلقت به.
(23) أي أظفاره ومخالبه.
(24) يعني العالم.
(25) أي الشهير بالفضائل.
(26) العطاء والإحسان.(1/552)
ذاك، وشرّ المعارف (1) من آذاك (2)، ومن لم يثبت عرفتي (3)، فسأصدقه صفتي.
أنا الّذي أنجد وأتهم (4)، وأيمن وأشأم (5)، وأصحر وأبحر (6)، وأدلج (7) وأسحر (8).
نشأت بسروج (9)، وربيت على السّروج (10). ثمّ ولجت المضايق (11)، وفتحت المغالق (12)، وشهدت المعارك (13)، وألنت العرائك (14). واقتدت (15)
الشّوامس (16)، وأرغمت المعاطس (17)، وأذبت الجوامد (18)، وأمعت الجلامد (19). سلوا عنّي المشارق والمغارب، والمناسم (20) والغوارب (21)،
__________
(1) أي الأصحاب والإخوان.
(2) أي من فعل معك ما يؤذيك.
(3) أن يحكم بمعرفتي ويتحققها.
(4) أي سار إلى نجد وإلى تهامة.
(5) أي ذهب إلى اليمن وإلى الشام.
(6) أي سافر في الصحارى والبحار.
(7) أي سار في جوف الليل.
(8) أي سار في وقت السحر.
(9) أي ولدت بها وهي بلدة تقدم ذكرها مرارا.
(10) أي على سروج الخيل كناية عن كونه تربى في عز وثروة وشأن من يركب الخيل أن يكون كذلك وأن يوصف أيضا بالشجاعة ربيت في بني فلان وربوت فيهم بفتح الراء والباء أي نشأت فيهم فمن الواوي قول من قال ثلاثة أملاك ربوا في حجورنا ومن اليائي قوله:
فمن يك سائلا عني فإني ... بمكة منزلي وبها ربيت
ويقال أين ربيت يا صبي.
(11) أي دخلت مضائق الحروب.
(12) أي البلدان المتعسرة الافتتاح.
(13) حضرت مواقف الحروب جمع معركة.
(14) أي سهلت الطبائع الصعبة أو كناية عن كثرة السفر إذ العرائك جمع عريكة وهي أصل سنام البعير والانها بكثرة الركوب.
(15) قاد الدابّة واقتادها فانقادت أي جرّها من مقودها فأطاعته ولم تستعص.
(16) جمع شامس بمعنى شموس وهو من الخيل الذي لا يمكنك من ظهره ومن الرجال الصعب الشرس.
(17) جمع معطس وهو الأنف أي ألصقت الأنوف بالرغام وهو التراب.
(18) كناية عن كونه يجعل البخيل يجود بسبب خدعه له.
(19) أي أذبتها والجلامد جمع الجلمود (كذا في الأصل) وهو الصلب من الحجارة وهذا في معنى ما قبله.
(20) جمع منسم وهو طرف الحافر (كذا في الأصل).
(21) جمع غارب وهو للبعير ما بين كتفيه إلى السنام.(1/553)
والمحافل (1) والجحافل (2)، والقبائل والقنابل (3). واستوضحوني من نقلة الأخبار (4)، ورواة الأسمار (5)، وحداة (6) الرّكبان، وحذّاق الكهّان (7)، لتعلموا كم فجّ سلكت (8)، وحجاب هتكت (9)، ومهلكة اقتحمت (10)، وملحمة (11) ألحمت (12)، وكم ألباب (13) خدعت، وبدع (14) ابتدعت (15)، وفرص اختلست (16)، وأسد افترست (17). وكم محلّق (18) غادرته لقى (19)، وكامن (20) استخرجته بالرّقى (21)، وحجر (22) شحذته (23) حتّى انصدع (24)، واستنبطت (25) زلاله (26) بالخدع (27).
ولكن فرط ما فرط (28)، والغصن رطيب (29)، والفود (30) غربيب (31)، وبرد الشّباب
__________
(1) جمع محفل وهو مجتمع الناس.
(2) الجيوش والسرايا.
(3) جمع القنبل وهو الطائفة من الخيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين.
(4) أي اطلبوا بيان أمري وحقيقتي من الرواة.
(5) جمع السمر وهو حديث الليل.
(6) الحداة جمع الحادي وهو سائق الإبل المحملة.
(7) جمع الكاهن وهو العالم بالكهانة.
(8) أي كم طريق دخلتها ومررت فيها والفج ما بين الجبلين.
(9) أي وكم ستر كشفت يعني كم أظهرت مضمرا من المعاني.
(10) أي دخلتها من غير رويّة.
(11) هي الحرب أو موضعها.
(12) أي وصلتها ببعضها.
(13) أي عقول.
(14) جمع بدعة وهي خلاف السنة.
(15) أي اخترعت وابتدأت.
(16) أي أخذت بسرعة كاختطفت.
(17) أي قتلت.
(18) أي مرتفع كالطائر في الهواء.
(19) أي تركته ملقى مطروحا على الأرض.
(20) أي مستخف ومستتر.
(21) جمع رقية وهي العزيمة.
(22) أي بخيل.
(23) صقلته ومسحته وفي نسخة سحرته.
(24) أي انشق والمراد أنه تكرم له.
(25) أي استخرجت.
(26) أي ماءه العذب والمراد خالص ماله.
(27) جمع خدعة وهي الحيلة.
(28) أي سبق ما سبق.
(29) كناية عن الشبيبة.
(30) شعر جانب الرأس.
(31) يعني أسود.(1/554)
قشيب (1). فأمّا الآن وقد استشنّ الأديم (2)، وتأوّد القويم (3)، واستنار اللّيل البهيم (4)، فليس إلا النّدم (5) إن نفع، وترقيع الخرق الّذي قد اتّسع (6). وكنت روّيت من الأخبار المسندة (7)، والآثار المعتمدة، أنّ لكم من الله تعالى في كلّ يوم نظرة، وأنّ سلاح النّاس كلّهم الحديد، وسلاحكم الأدعية والتّوحيد.
فقصدتكم أنضي الرّواحل (8)، وأطوي المراحل، حتّى قمت هذا المقام لديكم، ولا منّ لي (9) عليكم. إذ ما سعيت إلّا في حاجتي، ولا تعبت إلّا لراحتي، ولست أبغي أعطيتكم (10)، بل أستدعي (11) أدعيتكم (12). ولا أسألكم أموالكم، بل أستنزل (13) سؤالكم (14). فادعوا إلى الله بتوفيقي للمتاب (15)، والإعداد (16)
للمآب (17)، فإنّه رفيع الدّرجات، مجيب الدّعوات (18)، وهو الّذي يقبل التّوبة عن عباده، ويعفو عن السّيّئات، ثمّ أنشد:
أستغفر الله من ذنوب ... أفرطت فيهنّ (19) واعتديت (20)
__________
(1) أي جديد والمراد قوة الشبوبية.
(2) أي بلي الجلد وتخرّق وهو هنا كناية عن الهرم مأخوذ من قول القائل:
فقلت لها يا أم وعناء إنني ... هريق شبابي واستشنّ أديمي
والشن القربة البالية.
(3) أي اعوج المعتدل والمراد انحنى ظهره من الكبر.
(4) كناية عن شيب شعره الأسود جدّا.
(5) تلميح لقوله عليه السلام من أذنب ذنبا أو أخطأ خطيئة فندم كان كفارة لما صنع.
(6) يعني تدارك ما فاته بالتوبة.
(7) أي المنقولة.
(8) أي أهزل الإبل من سرعة السير.
(9) أي ولا فضل لي.
(10) أي أطلب عطياتكم.
(11) أي بل الذي أطلبه.
(12) بأن تدعوا لي بخير.
(13) أي أطلب إنزال.
(14) أي دعاءكم لي بالعفو.
(15) أي التوبة.
(16) هو كالاستعداد بمعنى التأهب.
(17) أي للرجوع.
(18) الإجابة من الله تعالى القبول.
(19) أفرط في الأمر تجاوز فيه الحد وأفرط القوم تقدمهم (كذا في الأصل).
(20) أي ظلمت نفسي.(1/555)
كم خضت بحر الضّلال جهلا ... ورحت في الغيّ (1) واغتديت (2)
وكم أطعت الهوى اغترارا (3) ... واختلت (4) واغتلت (5) وافتريت (6)
وكم خلعت العذار (7) ركضا (8) ... إلى المعاصي وما ونيت (9)
وكم تناهيت (10) في التّخطّي (11) ... إلى الخطايا وما انتهيت (12)
فليتني كنت قبل هذا ... نسيا (13) ولم أجن ما جنيت (14)
فالموت للمجرمين خير ... من المساعي (15) الّتي سعيت
با ربّ عفوا (16) فأنت أهل ... للعفو عنّي وإن عصيت (17)
قال الرّاوي: فطفقت (18) الجماعة تمدّه (19) بالدّعاء، وهو يقلّب وجهه في السّماء، إلى أن دمعت أجفانه (20)، وبدا رجفانه (21). فصاح: الله أكبر. بانت أمارة الاستجابة (22)، وانجابت (23) غشاوة الاسترابة (24)، فجزيتم يا أهل البصيرة (25)،
__________
(1) أي ذهبت في الضلال مساء.
(2) أي ذهبت فيه صباحا.
(3) أي غفلة عن الصواب.
(4) أي تكبرت وتبخترت تيها وكبرا.
(5) غال الشيء واغتاله أخذه بغير حق قهرا عن صاحبه وفي نسخة واحتلت من الحيلة أي تصنعت وخدعت بدل واغتلت مقدمة على قوله واختلت بالخاء المعجمة.
(6) تقولت كذبا محضا.
(7) يعني بخلع العذار اتباع هوى النفس في الغي واللهو.
(8) أي ساعيا مجدّا.
(9) أي وما تأخرت ولا تأنيت.
(10) أي بلغت النهاية.
(11) أي في المشي والذهاب إلى الذنوب.
(12) ما انزجرت ورجعت.
(13) أي شيئا منسيا كأنه لحقارته لا يخطر ببال.
(14) أي لم أفعل الذي فعلته.
(15) جمع مسعاة وهي السعي.
(16) أي اطلب أو اسأل عفوا عني.
(17) أي أتيت بالمعصية.
(18) أي شرعت.
(19) تساعده وتزيده.
(20) أي بكى.
(21) أي ظهر اضطرابه وارتعاده وخوفه.
(22) أي علامتها.
(23) زالت وانكشفت.
(24) أي غطاء الشك.
(25) تصغير البصرة.(1/556)
جزاء من هدى من الحيرة (1). فلم يبق من القوم إلّا من سرّ لسروره، ورضخ له (2) بميسوره (3)، فقبل عفو برّهم (4)، وأقبل (5) يغرق في (6) شكرهم. ثمّ انحدر (7) من الصّخرة، يؤمّ شاطىء البصرة (8)، واعتقبته (9) إلى حيث تخالينا (10)، وأمنّا التّجسّس والتّحسّس (11) علينا. فقلت له: لقد أغربت (12) في هذه النّوبة (13)، فما رأيك في التّوبة. فقال: أقسم بعلّام الخفيّات (14)، وغفّار الخطيّات (15)، إنّ شأني لعجاب (16)، وإنّ دعاء قومك (17) لمجاب (18). فقلت: زدني إفصاحا (19).
زادك الله صلاحا! فقال: وأبيك! لقد قمت فيهم مقام المريب (20) الخادع (21)، ثمّ انقلبت منهم بقلب المنيب الخاشع (22)، فطوبى (23) لمن صغت (24) قلوبهم إليه،
__________
(1) أي خلّص من التحير.
(2) أي أعطاه قليلا وفي نسخة وحباه أي أعطاه.
(3) أي بحسب ما تيسر له.
(4) عفو المال ما أتى من غير مسألة وقيل هو حلال المال وطيبه والمراد أنه قبل ما أتاه من إحسانهم وصلتهم.
(5) وفي نسخة وأطنب.
(6) وفي نسخة يهرف أي يكثر القول.
(7) نزل بسرعة إلى أسفل.
(8) أي يقصد ساحل نهرها وجانبه.
(9) أي تبعته ومشيت خلفه.
(10) أي خلونا من الناس أو خرجت معه في الخلاء.
(11) بالحاء المهملة طلب الشيء باليد وبالجيم طلبه بالكلام ويقع كل منهما موقع صاحبه قال ابن الأنباري تحسس وتجسس بمعنى واحد وفرق بعضهم فقال بالجيم البحث عن عورات الناس وهو المنهي عنه بقوله تعالى «ولا تحسسوا» وبالحاء الاستماع لحديث الناس ومنه {فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} وعلى كل فالمراد من كل منهما البحث عمالا يعرف ومعنى ما ذكره الحريري أمنا من أحد يبحث عنا ويسمع كلامنا.
(12) أي فعلت غريبا أو أتيت بأمر غريب.
(13) المرة.
(14) هو الله المطلع على الأسرار عز وجل.
(15) بغير همز للازدواج.
(16) أي لعجيب.
(17) عشيرتك.
(18) أي مستجاب.
(19) أي بيانا وإيضاحا.
(20) الشاك (كذا في الأصل).
(21) الماكر.
(22) التائب إلى الله الخاضع.
(23) أي فشيء طيب أو الجنة أو شجرة فيها.
(24) مالت.(1/557)
وويل (1) لمن باتوا يدعون عليه. ثمّ ودّعني وانطلق، وأودعني (2) القلق (3).
فلم أزل أعاني لأجله الفكر (4)، وأتشوّف (5) إلى خبرة ما ذكر (6). وكلّما استنشيت (7) خبره من الرّكبان (8)، وجوّابة البلدان (9)، كنت كمن حاور (10)
عجماء (11)، أو نادى صخرة صمّاء (12). إلى أن لقيت بعد تراخي الأمد (13)، وتراقي الكمد (14)، ركبا قافلين (15) من سفر، فقلت: هل من مغرّبة خبر (16)؟ فقالوا: إنّ عندنا لخبرا أغرب (17) من العنقاء (18)، وأعجب من نظر الزّرقاء (19)! فسألتهم إيضاح ما قالوا، وأن يكيلوا بما اكتالوا (20). فحكوا أنّهم ألمّوا (21) بسروج (22)، بعد أن فارقها العلوج (23)، فرأوا أبا زيدها المعروف، قد لبس الصّوف (24)، وأمّ الصّفوف، وصار بها الزّاهد (25) الموصوف، فقلت: أتعنون (26) ذا المقامات؟ (27)
__________
(1) هلاك.
(2) أي ترك عندي أو أورثني أو ضمنني.
(3) الانزعاج وعدم الصبر.
(4) أي أقاسي الهموم.
(5) أي اتطلع.
(6) أي معرفة خبره (كذا في الأصل).
(7) أي شممت بمعنى استخبرت.
(8) القوافل.
(9) قطاعة البلدان بالسير.
(10) خاطب وكلم.
(11) أي بهيمة.
(12) لا جوف لها فلا تسمع.
(13) طول المدة.
(14) ارتفاع الحزن.
(15) أي راجعين.
(16) هو مثل يعنون به الخبر الذي جاء من بعيد.
(17)
(18) هي طائر كبير له عنقان برأسين أو هو طير في السماء له وجه كوجه الآدمي وهو مما قيل لا وجود له أصلا.
(19) هي زرقاء اليمامة وكانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام.
(20) يعني يخبروا كما سمعوا ورأوا وفي نسخة كما اكتالوا.
(21) نزلوا.
(22) البلد المعروف.
(23) كبار الروم.
(24) أي صار زاهدا.
(25) العابد.
(26) أي أتقصدون.
(27) صاحب المجالس البديعة.(1/558)
فقالوا: إنّه الآن ذو الكرامات، فحفزني (1) إليه النّزاع (2)، ورأيتها فرصة (3)
لا تضاع (4). فارتحلت (5) رحلة المعدّ (6)، وسرت نحوه سير المجدّ (7)، حتّى حللت (8) بمسجده، وقرارة متعبّده (9)، فإذا هو قد نبذ (10) صحبة أصحابه، وانتصب (11) في محرابه (12). وهو ذو عباءة (13) مخلولة (14)، وشملة (15) موصولة (16)
فهبته (17) مهابة من ولج (18) على الأسود، وألفيته (19) ممّن سيماهم (20) في وجوههم، من أثر السّجود. ولمّا فرغ من سبحته (21)، حيّاني بمسبّحته (22)، من غير أن نغم (23) بحديث، ولا استخبر عن قديم ولا حديث. ثمّ أقبل على أوراده (24)، وتركني أعجب (25) من اجتهاده، وأغبط من يهدي الله (26) من عباده.
ولم يزل في قنوت (27) وخشوع، وسجود وركوع، وإخبات (28) وخضوع إلى أن
__________
(1) أي أقلقني أو دفعني وأعجلني وأزعجني.
(2) الشوق.
(3) أي غنيمة وفي نسخة عضلة.
(4) أي لا تترك.
(5) سافرت.
(6) أي المستعد الكامل العدة.
(7) المجتهد.
(8) نزلت.
(9) أي موضع عبادته.
(10) طرح وترك.
(11) أي قام.
(12) المحراب عند العرب سيد المجالس وأشرفها ومنه سمي القصر محرابا وكذا قيل للقبلة محراب لأنها أشرف مواضع المسجد وفيه محاربة الشيطان.
(13) كساء.
(14) مشكوكة بالخلال.
(15) كساء يشتمل به.
(16) مرقعة أو مربوطة لتقطعها.
(17) خفت منه.
(18) دخل.
(19) أي وجدته.
(20) علامتهم.
(21) أي ورده.
(22) هي السبابة.
(23) تكلم أو نطق.
(24) جمع ورد وهو النصيب من القرآن أو الذكر يواظب عليه الإنسان في وقته.
(25) أي أتعجب.
(26) أي أتمنى أن أكون مثله.
(27) أي دعاء وعبادة.
(28) أي تذلل.(1/559)
أكمل إقامة الخمس، وصار اليوم أمس (1)، فحينئذ انكفأ بي (2) إلى بيته، وأسهمني في قرصه وزيته (3). ثمّ نهض إلى مصلّاه، وتخلّى بمناجاة مولاه، حتّى إذا التمع الفجر (4)، وحقّ للمتهجّد (5) الأجر، عقّب تهجّده بالتّسبيح، ثمّ اضطجع ضجعة المستريح، وجعل يرجّع بصوت فصيح:
خلّ ادّكار الأربع (6) ... والمعهد المرتبع (7)
والظّاعن المودّع (8) ... وعدّ عنه ودع (9)
واندب (10) زمانا سلفا (11) ... سوّدت فيه الصّحفا (12)
ولم تزل معتكفا ... على القبيح الشّنع (13)
كم ليلة أودعتها ... مآثما (14) أبدعتها (15)
لشهوة أطعتها ... في مرقد ومضجع
وكم خطى (16) حثثتها (17) ... في خزية (18) أحدثتها
__________
(1) يوجد في بعض النسخ بدل هذه العبارة حتى صلى العشاء الأخير ووسنت عين الصغير والكبير.
(2) أي انقلب بي.
(3) أي قاسمني أي أعطاني سهما ونصيبا في طعامه وقوله في قرصه وزيته يشير إلى أنه صار من الزهاد المتقين الذين يرغبون عن الملاذ ويقتنعون بأقل شيء.
(4) بمعنى لمع أي أضاء وفي نسخة إلى أن صدع الفجر بمعنى كشف وبين.
(5) هو الساهر في العبادة والتهجد من الأضداد يكون بمعنى النوم وبمعنى القيام للعبادة قال تعالى {فَتَهَجَّدْ بِهِ نََافِلَةً لَكَ} يعني بالقرآن.
(6) أي اترك تذكر المنازل.
(7) المعهد الموضع الذي كنت تعهد به شيئا والمرتبع أي الذي تقيم فيه زمن الربيع.
(8) أي المسافر الذي يودعك من أحبابك كذلك خل ادكاره.
(9) أي تنحّ عن تذكار ذلك واتركه.
(10) أي وابك بكاء من يفقد عزيزا ويندبه.
(11) أي مضى وفات.
(12) يعني فعلت به من الخطايا والمآثم ما يسود صحيفتك.
(13) الزائد في القبح الذي يتحدّث بقبحه.
(14) أي ضمنتها ذنوبا.
(15) أي ما سبقك بها أحد.
(16) جمع خطوة بمعنى المشي.
(17) استعجلت بها وجهدت نفسك فيها.
(18) أي فيما يوجب الخزية وهي الذل والهوان ولا يوجبها إلا قبيح المعاصي.(1/560)
وتوبة نكثتها (1) ... لملعب ومرتع
وكم تجرّأت (2) على ... ربّ السّموات العلى
ولم تراقبه (3) ولا ... صدقت في ما تدّعي (4)
وكم غمصت برّه (5) ... وكم أمنت مكره
وكم نبذت أمره (6) ... نبذ الحذا المرقّع (7)
وكم ركضت (8) في اللّعب ... وفهت (9) عمدا بالكذب
ولم تراع ما يجب ... من عهده المتّبع (10)
فالبس شعار النّدم (11) ... واسكب شآبيب (12) الدّم
قبل زوال القدم ... وقبل سوء المصرع (13)
واخضع خضوع المعترف ... ولذ (14) ملاذ المقترف (15)
__________
(1) أي نقضتها.
(2) أي أقدمت وتجاسرت.
(3)
(4) أي خلف فعلك دعواك على حد قول القائل:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته ... إن المحبّ لمن يحب مطيع
(5) وفي نسخة غمطت بره أي حقرت وتنقصت إحسانه.
(6) أي طرحته وتركته.
(7) أي كنبذ النعال المرقعة.
(8) أي سعيت وجريت.
(9) أي تفوهت بمعنى نطقت وتلفظت.
(10) أي من ميثاق مولاك الذي يجب عليك اتباعه.
(11) الشعار في الأصل ما يلي شعر الجسد مما يلبس من الثياب فاستعاره للندم يعني لازم الندم ولاصقه كملاصقة الشعار.
(12) جمع شؤبوب الدفعة من المطر تأتي بقوة وشدة وشؤبوب كل شيء حده قال زهير:
فأتبع آثار الشياه وليدنا ... كشؤبوب غيث يخفش الأكم وابله
يخفش أي يسيل والأكم جمع أكمة بالتحريك وهو التل من حجارة أو غيرها وهي دون الجبال أو هو الموضع يكون أشد ارتفاعا مما لحوله وهو غليظ لا يبلغ أو يكون حجرا انتهى قاموس.
(13) محل الصرع والصرع الإلقاء على الأرض والمراد الموت.
(14) والجأ.
(15) أي كما يلوذ ويلجأ مقترف الذنوب المكتسب لها.(1/561)
واعص هواك وانحرف ... عنه (1) انحراف المقلع (2)
إلام تسهو (3) وتني (4) ... ومعظم العمر فني
في ما يضرّ المقتني (5) ... ولست بالمرتدع (6)
أما ترى الشّيب وخط (7) ... وخطّ (8) في الرّأس خطط (9)
ومن يلح (10) وخط الشّمط (11) ... بفوده (12) فقد نعي (13)
ويحك (14) يا نفس احرصي ... على ارتياد المخلص (15)
وطاوعي وأخلصي ... واستمعي النّصح وعي (16)
واعتبري بمن مضى ... من القرون (17) وانقضى
واخشي مفاجاة القضا (18) ... وحاذري أن تخدعي
وانتهجي سبل الهدى (19) ... وادّكري (20) وشك الرّدى (21)
__________
(1) أي تجنبه وتحول عنه.
(2) الذي يقلع عما هو متلبس به مما يستقبح.
(3) أي إلى متى تخطىء عن طريق الصواب.
(4) أي وتفتر وتتكاسل عن الجد فيما هو المطلوب من الونى كالفتى وهو الفترة.
(5) أي المكتسب.
(6) أي لست بالمنزجر الكاف شهوته يعني أنك أفنيت عمرك في التكاسل عن طاعة مولاك وفيما يضرك في أخراك ولم تردّ نفسك عن ذاك.
(7) أي خالط أو فشا.
(8) أي كتب وعلّم.
(9) جمع خطة بالكسر بمعنى الطريق.
(10) من لاح يلوح إذا ظهر ولمع.
(11) الوخط الاختلاط والشمط اختلاط بياض الشيب بسواد الشعر.
(12) متعلق بيلج أي ومن يظهر بفوده وهو معظم شعر الرأس مما يلى الأذن اختلاط الشيب بالسواد.
(13) أي فكأنه مات ونعي إذ ليس بعد ذلك إلا الموت.
(14) كلمة ترحم.
(15) أي طلب الخلاص والنجاة.
(16) أمر من الوعي بمعنى الحفظ.
(17) الأمم الماضية.
(18) أي هجوم الموت.
(19) أي اسلكي وسيري في طريق الهدى والرشاد.
(20) أي تذكري.
(21) أي سرعة الهلاك.(1/562)
وأنّ مثواك غدا (1) ... في قعر لحد (2) بلقع (3)
آها له بيت البلى ... والمنزل القفر الخلا
ومورد السّفر الألى (4) ... واللّاحق المتّبع
بيت يرى من أودعه (5) ... قد ضمّه واستودعه (6)
بعد الفضاء والسّعه ... قيد ثلاث أذرع (7)
لا فرق أن يحلّه ... داهية (8) أو أبله (9)
أو معسر أو من له ... ملك كملك تبّع
وبعده العرض (10) الّذي ... يحوي الحييّ (11) والبذي (12)
والمبتدي والمحتذي (13) ... ومن رعى ومن رعي (14)
فيا مفاز المتّقي ... وربح عبد قد وقي (15)
سوء الحساب الموبق (16) ... وهول يوم الفزع
ويا خسار من بغى (17) ... ومن تعدّى وطغى (18)
__________
(1) أي مقرّك بعد الموت.
(2) هو القبر وهو ما يحفر في جانب على قدر الملحود.
(3) أي خال.
(4) أي المسافرين المتقدمين يعني أن القبر منزل للمتقدمين والمتأخرين.
(5) أي من ترك فيه.
(6) أي قد حواه وصار مودعا فيه.
(7) أي مكان قدر ثلاث أذرع.
(8) أي بليغ في الدهاء مجرّب للأمور حاذق.
(9) مغفل زائد الغفلة.
(10) بالفتح وهو عرض الناس للحساب في الموقف.
(11) أي يجمع ويضم ذا الحياء.
(12) ذا الوقاحة المتكلم بفحش الكلام.
(13) المتبع للمبتدي الحاذي حذوه.
(14) بالبناء للفاعل الرئيس على جماعة وبالبناء للمفعول رعية الراعي.
(15) أي كفي.
(16) أي الموقع في الهلاك.
(17) أي ظلم.
(18) أي تجاوز الحد في بغيه.(1/563)
وشبّ (1) نيران الوغى (2) ... لمطعم أو (3) مطمع (4)
يا من عليه المتّكل ... قد زاد ما بي من وجل (5)
لما اجترحت (6) من زلل (7) ... في عمري المضيّع (8)
فاغفر لعبد مجترم (9) ... وارحم بكاه المنسجم (10)
فأنت أولى من رحم ... وخير مدعوّ دعي
قال الحارث بن همّام: فلم يزل يردّدها بصوت رقيق، ويصلها بزفير (11)
وشهيق، حتّى بكيت لبكاء عينيه، كما كنت من قبل أبكي عليه. ثمّ برز إلى مسجده، بوضوء تهجّده (12)، فانطلقت ردفه (13)، وصلّيت مع من صلّى خلفه. ولمّا انفضّ من حضر، وتفرّقوا شغر بغر (14)، أخذ يهينم بدرسه (15)، ويسبك يومه في قالب أمسه (16). وفي ضمن ذلك يرنّ (17) إرنان الرّقوب (18)، ويبكي ولا بكاء يعقوب، حتّى استبنت (19) أنّه التحق بالأفراد (20)، وأشرب (21) قلبه هوى
__________
(1) أي أوقد وألهب.
(2) هي الحرب.
(3) أي لمأكول.
(4) أي ما يطمع فيه مطلقا أعمّ من أن يكون مأكولا أو غيره.
(5) أي من خوف.
(6) أي اكتسبت.
(7) جمع زلة بفتح الزاي بمعنى الخطأ.
(8) الذي ضاع وانقضى بلا فائدة.
(9) أي حامل للجرم بالضم وهو الذنب.
(10) أي المنسكب.
(11) أي بتنفس محرور.
(12) أي بوضوئه الذي صلى به نافلة الليل.
(13) يعني في أثره.
(14) بتحريكهما أي تفرقوا في كل وجه ولم يبق منهم أحد.
(15) يعني جعل يقرأ أوراده بصوت منخفض.
(16) يعني يفعل في يومه هذا كما فعل بالأمس من مواصلة العبادة وملازمة المحراب.
(17) الإرنان كالرنين صوت فيه غنّة.
(18) هي المرأة التي يموت أولادها فلا يعيش منهم أحد.
(19) أي علمت وتحققت.
(20) هم السبعة من العباد الذين لا تخلو منهم الدنيا.
(21) أي خولط.(1/564)
الانفراد (1). فأخطرت (2) بقلبي عزمة الارتحال (3)، وتخليته (4) والتّخلّي بتلك الحال (5). فكأنّه تفرّس ما نويت (6)، أو كوشف (7) بما أخفيت، فزفر (8)
زفير الأوّاه (9)، ثمّ قرأ: فإذا عزمت فتوكّل على الله. فأسجلت (10) عند ذلك بصدق المحدّثين (11)، وأيقنت أنّ في الأمّة محدّثين (12). ثمّ دنوت إليه (13) كما يدنو المصافح (14)، وقلت: أوصني أيّها العبد الناصح (15). فقال: اجعل الموت نصب عينك (16)، وهذا فراق بيني وبينك. فودّعته وعبراتي (17) يتحدّرن من المآقي (18)، وزفراتي (19) يتصعّدن (20) من التّراقي (21)، وكانت هذه خاتمة التّلاقي (22).
قال الشّيخ الرّئيس أبو محمد القاسم بن عليّ برّد الله مضجعه:
__________
(1) هو حب الوحدة.
(2) أي أجريت في فكري وذهني.
(3) أي عزيمة النقلة من عنده.
(4) أي تركه.
(5) التي هو عليها من التعبد والتزهد.
(6) أي علم بالفراسة ما أضمرته في خاطري ونيتي.
(7) أي اطلع.
(8) أي تنفس بحرقة.
(9) أي الحزين الذي يصيح آه آه.
(10) أي أطلقت قولي وأرسلته في وصفي إياهم بالصدق من أسجل البهيمة أرسلها أو حكمت بصدقهم وأثبته لهم من أسجل بمعنى سجل.
(11) أي الذين حدثوا بتوبة السروجي وأنه أناب إلى مولاه.
(12) بمعنى مكاشفين بالمغيبات.
(13) أي قربت منه.
(14) هو الواضع كفه بكف الآخر يلتمس بركته أو موادعته.
(15) الذي ينصح لك ويرشدك ضد الغاش وفي نسخة الصالح.
(16) أي إنه مقابل لعينك حتى لا تغفل عنه أبدا ومتى كان الشخص كذلك مع تحققه بالعبودية لمولاه كان على أقوم طريق ولا يصدر عنه غير ما يليق.
(17) أي دموع عيني.
(18) أي ينزلن من أطراف أجفاني متراسلة.
(19) جمع زفرة وهي تنفس بحرقة.
(20) أي يرتفعن متتالية.
(21) يعني الترقوتين وهما العظمان المعوجان في أعلى الصدر.
(22) أي آخر ملاقاة الحارث بن همام بأبي زيد السروجي ولا يخفى ما في هذه العبارة من لطف براعة المقطع وحسن الختام فلله دره من إمام همام لم تسمح بمثله الأيام.(1/565)
هذا آخر المقامات الّتي أنشأتها بالاغترار (1)، وأمليتها (2) بلسان الاضطرار (3).
وقد ألجئت (4) إلى أن أرصدتها (5) للاستعراض (6)، وناديت عليها في سوق الاعتراض (7). هذا مع معرفتي بأنّها من سقط المتاع (8)، وممّا يستوجب أن يباع ولا يبتاع، ولو غشيني (9) نور التّوفيق، ونظرت لنفسي نظر الشّفيق، لسترت عواري الّذي لم يزل مستورا، ولكن كان ذلك في الكتاب مسطورا. وأنا أستغفر الله تعالى ممّا أودعتها من أباطيل اللّغو (10)، وأضاليل اللهو (11)، وأسترشده إلى ما يعصم من السّهو (12)، ويحظي بالعفو. إنّه هو أهل التّقوى (13) وأهل المغفرة، ووليّ الخيرات في الدّنيا والآخرة (14).
__________
(1) أي الجهل مع دعوى العلم وهذا غاية التواضع أو معناه حملت عليها بالمكر والحيلة والإلحاح على إنشائها بغير اختيار مني.
(2) أي ألقيتها لمن يكتبها أو من ينقلها.
(3) أي القهر مني بحيث لا أجد بدّا من إملائها.
(4) أي ألزمت.
(5) أي عرضتها وأعددتها.
(6) أي لعرضها على الناس لينظروها وفي نسخة للاستغراض بالغين المعجمة أي لجعلها غرضا وهدفا.
(7) أي جعلتها معرضة مهيّأة لأن يعترض عليها كل أحد أي لأن يشنع عليّ وينسبني إلى الخطأ.
(8) أي من أدنى الأمتعة كناية عن كونها من أخس المؤلفات في الفنون.
(9) أي أدركني وسترني.
(10) أي الكلام الساقط العديم الفائدة.
(11) جمع أضلولة وهو ما يضل به من ارتكبه.
(12) أي يمنع ويحفظ من الخطأ.
(13) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول ربكم جلّ وعزّ أنا أهل التقوى فلا يشرك بي غيري وأنا أهل لمن اتقى أن يشرك بي أن أغفر له.
(14) أي كفيل بالخير لمن يرضى عليه ويوفقه لحسن الختام والله أعلم.(1/566)
الفهرس
ترجمة صاحب المقامات 3
خطبة الكتاب 9
المقامة الأولى: الصنعانيّة 17
المقامة الثانية: الحلوانيّة 24
المقامة الثالثة: الديناريّة 32
المقامة الرابعة: الدمياطيّة 39
المقامة الخامسة: الكوفيّة 47
المقامة السادسة: المراغيّة 57
المقامة السابعة: البرقعيديّة 68
المقامة الثامنة: المعريّة 78
المقامة التاسعة: الإسكندريّة 87
المقامة العاشرة: الرحبيّة 99
المقامة الحادية عشرة: الساويّة 107
المقامة الثانية عشرة: الدمشقيّة 116
المقامة الثالثة عشرة: البغداديّة 128
المقامة الرابعة عشرة: المكيّة 136
المقامة الخامسة عشرة: الفرضيّة 144
المقامة السادسة عشرة: المغربيّة 157
المقامة السابعة عشرة: القهقريّة 167
المقامة الثامنة عشرة: السنجاريّة 176
المقامة التاسعة عشرة: النصيبيّة 190
المقامة العشرون: الفارقيّة 199
المقامة الحادية والعشرون: الرازيّة 205
المقامة الثانية والعشرون: الفراتيّة 213
المقامة الثالثة والعشرون: الشعريّة 222(1/567)
المقامة الرابعة والعشرون: القطيعيّة 237
المقامة الخامسة والعشرون: الكرجيّة 249
المقامة السادسة والعشرون: الرقطاء 258
المقامة السابعة والعشرون: الوبريّة 270
المقامة الثامنة والعشرون: السمرقنديّة 284
المقامة التاسعة والعشرون: الواسطيّة 293
المقامة الثلاثون: الصوريّة 308
المقامة الحادية والثلاثون: الرمليّة 318
المقامة الثانية والثلاثون: الطيبيّة 329
المقامة الثالثة والثلاثون: التفليسيّة 352
المقامة الرابعة والثلاثون: الزبيديّة 360
المقامة الخامسة والثلاثون: الشيرازيّة 372
المقامة السادسة والثلاثون: الملطيّة 378
المقامة السابعة والثلاثون: الصعديّة 391
المقامة الثامنة والثلاثون: المرويّة 400
المقامة التاسعة والثلاثون: العمانيّة 409
المقامة الأربعون: التبريزيّة 420
المقامة الحادية والأربعون: التنيسيّة 433
المقامة الثانية والأربعون: النجرانيّة 440
المقامة الثالثة والأربعون: البكريّة 451
المقامة الرابعة والأربعون: الشتويّة 469
المقامة الخامسة والأربعون: الرمليّة 486
المقامة السادسة والأربعون: الحلبيّة 493
المقامة السابعة والأربعون: الحجريّة 511
المقامة الثامنة والأربعون: الحراميّة 524
المقامة التاسعة والأربعون: الساسانيّة 536
المقامة الخمسون: البصريّة 548(1/568)