الجزء الثانى
النوع الثامن والأربعون في مشكله وموهم الاختلاف والتناقض
أفرده بالتّصنيف قطرب.
والمراد به: ما يوهم التعارض بين الآيات.
وكلامه تعالى منزّه عن ذلك، كما قال: {وَلَوْ كََانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللََّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلََافاً كَثِيراً} [النساء: 82]، ولكن قد يقع للمبتدئ ما يوهم اختلافا وليس به في الحقيقة فاحتيج لإزالته، كما صنّف في مختلف الحديث، وبيان الجمع بين الأحاديث المتعارضة.
وقد تكلّم في ذلك ابن عباس، وحكي عنه التوقّف في بعضها.
قال عبد الرزّاق في تفسيره (1): أنبأنا معمر، عن رجل، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير: قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: رأيت أشياء تختلف عليّ من القرآن. فقال ابن عباس: ما هو؟ أشكّ؟ قال: ليس بشكّ، ولكنه اختلاف، قال: هات ما اختلف عليك من ذلك. قال: أسمع الله يقول: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلََّا أَنْ قََالُوا وَاللََّهِ رَبِّنََا مََا كُنََّا مُشْرِكِينَ (23)} [الأنعام: 23]. وقال: {وَلََا يَكْتُمُونَ اللََّهَ حَدِيثاً} [النساء: 42]. فقد كتموا، وأسمعه يقول: {فَلََا أَنْسََابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلََا يَتَسََاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]. ثم قال: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى ََ بَعْضٍ يَتَسََاءَلُونَ} (25) [الطور: 25]. وقال: {أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 119]. حتى بلغ {طََائِعِينَ} [فصلت: 11]، ثم قال في الآية الأخرى:
__________
(1) رواه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 161160، وابن جرير في تفسيره 4/ 9796، وفي سنده رجل مبهم. قال الحافظ في الفتح 8/ 559: «فشيخ معمر المبهم يحتمل أن يكون مطرفا أو زيد بن أبي أنيسة، أو ثالثا». ورواه الحاكم في المستدرك 2/ 395394من طريق مطرف، عن المنهال، عن سعيد بن جبير مختصرا وصححه، ووافقه الذهبي وكذا رواه بطوله الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال. وأصل الحديث في صحيح البخاري: فقد رواه البخاري في صحيحه، في تفسير سورة حم السجدة (فصلت) فتح الباري 8/ 556555، والطبراني في المعجم الكبير حديث رقم (10594) 10/ 303300، وأبو الشيخ في العظمة (559) 3/ 10401039، والحافظ أبو بكر البرقاني في كتاب المصافحة، كما في تغليق التعليق 4/ 301، والفتح 8/ 559، وهدي الساري ص 55.(1/5)
{أَمِ السَّمََاءُ بَنََاهََا} [النازعات: 27]، ثم قال: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذََلِكَ دَحََاهََا (30)} [النازعات: 30]، وأسمعه يقول: {كََانَ اللََّهُ} ما شأنه يقول: {وَكََانَ اللََّهُ}؟.
فقال ابن عباس: أما قوله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلََّا أَنْ قََالُوا وَاللََّهِ رَبِّنََا مََا كُنََّا مُشْرِكِينَ}
[الأنعام: 23]. فإنهم لما رأوا يوم القيامة، وأن الله يغفر لأهل الإسلام، ويغفر الذنوب، ولا يغفر شركا، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره، جحده المشركون رجاء أن يغفر لهم، فقالوا:
والله ربّنا ما كنا مشركين، فختم الله على أفواههم فتكلّمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فعند ذلك يود الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا.
وأما قوله: {فَلََا أَنْسََابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلََا يَتَسََاءَلُونَ} [المؤمنون: 101] فإنه إذا نفخ في الصّور فصعق من في السّماوات ومن في الأرض إلّا من شاء الله فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون، ثمّ نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون.
وأما قوله: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] فإن الأرض خلقت قبل السماء، وكانت السماء دخانا، فسواهنّ سبع سماوات في يومين بعد خلق الأرض.
وأما قوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذََلِكَ دَحََاهََا (30)} [النازعات: 30]، يقول: جعل فيها جبلا، وجعل فيها نهرا، وجعل فيها شجرا، وجعل فيها بحورا (1).
وأما قوله: {وَكََانَ اللََّهُ} فإن الله كان ولم يزل كذلك، وهو كذلك عزيز حكيم عليم قدير، لم يزل كذلك.
فما اختلف عليك من القرآن فهو يشبه ما ذكرت لك، وإن الله لم ينزل شيئا إلّا وقد أصاب الذي أراد، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أخرجه بطوله الحاكم في المستدرك وصححه، وأصله في الصحيح.
قال ابن حجر في شرحه (2): «حاصل ما فيه السؤال عن أربعة مواضع»:
الأول: نفي المسألة يوم القيامة وإثباتها.
__________
(1) في تفسير عبد الرزاق 1/ 162: «وأما قوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذََلِكَ دَحََاهََا} فيقول: مع ذلك دحاها، و (مع)، و (بعد) سواء في كلام العرب» اهـ.
(2) فتح الباري 8/ 855.(1/6)
الثاني: كتمان المشركين حالهم وإفشاؤه.
الثالث: خلق الأرض أو السماء أيّهما تقدّم.
الرابع: الإتيان بحرف (كان) الدّالة على المضيّ، مع أنّ الصفة لازمة.
وحاصل جواب ابن عباس عن الأول: أن نفي المساءلة فيما قبل النفخة الثانية، وإثباتها فيما بعد ذلك.
وعن الثاني: أنهم يكتمون بألسنتهم، فتنطق أيديهم وجوارحهم.
وعن الثالث: أنه بدأ خلق الأرض في يومين غير مدحوّة، ثم خلق السموات فسوّاهنّ في يومين، ثم دحا الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرّواسي وغيرها في يومين فتلك أربعة أيام للأرض.
وعن الرابع: بأنّ (كان) وإن كانت للماضي، لكنها لا تستلزم الانقطاع، بل المراد أنه لم يزل كذلك.
فأما الأول: فقد جاء فيه تفسير آخر: أن نفي المساءلة عند تشاغلهم بالصّعق والمحاسبة والجواز على الصراط، وإثباتها فيما عدا ذلك. وهذا منقول عن السدّيّ أخرجه ابن جرير (1) من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أنّ نفي المساءلة عن النفخة الأولى، وإثباتها بعد النفخة الثانية.
وقد تأوّل ابن مسعود نفي المساءلة على معنى آخر: وهو طلب بعضهم من بعض العفو. فأخرج ابن جرير (2) من طريق زاذان قال: أتيت ابن مسعود فقال: يؤخذ بيد العبد يوم القيامة، فينادى: ألا إنّ هذا فلان بن فلان، فمن كان له حقّ قبله فليأت، قال: فتودّ المرأة يومئذ أن يثبت لها حقّ على أبيها أو ابنها أو أخيها أو زوجها {فَلََا أَنْسََابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلََا يَتَسََاءَلُونَ} [المؤمنون: 101].
ومن طريق أخرى (3) قال: لا يسأل أحد يومئذ بنسب شيئا، ولا يتساءلون به، ولا يمتّ برحم.
__________
(1) تفسير الطبري 9/ 244.
(2) رواه ابن جرير في تفسيره، حديث رقم (25668) 9/ 245244. وفيه هارون بن أبي عنترة كذّبه يحيى وابن عدي.
(3) تفسير الطبري، حديث رقم (25670) 9/ 245عن حجاج قوله.(1/7)
وأما الثاني: فقد ورد بأبسط منه فيما أخرجه ابن جرير (1)، عن الضحّاك بن مزاحم:
أنّ نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال: قول الله: {وَلََا يَكْتُمُونَ اللََّهَ حَدِيثاً} [النساء: 42] وقوله: {وَاللََّهِ رَبِّنََا مََا كُنََّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]. فقال: إني أحسبك قمت من عند أصحابك، فقلت لهم: آتي ابن عباس، ألقي عليه متشابه القرآن؟ فأخبرهم: أن الله إذا جمع الناس يوم القيامة قال المشركون: إنّ الله لا يقبل إلّا ممن وحّده، فيسألهم فيقولون:
{وَاللََّهِ رَبِّنََا مََا كُنََّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]. قال: فيختم على أفواههم، وتستنطق جوارحهم.
ويؤيّده ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة في أثناء حديث، وفيه: «ثم يلقى الثالث فيقول: يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك، ويثني ما استطاع، فيقول: الآن نبعث شاهدا عليك، فيفكر في نفسه: من الذي يشهد عليّ! فيختم على فيه، وتنطق جوارحه» (2).
أما الثالث: ففيه أجوبة أخرى، منها: أن (ثمّ) بمعنى الواو، فلا إيراد.
وقيل: المراد ترتيب الخبر لا المخبر به، كقوله: {ثُمَّ كََانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}
[البلد: 17].
وقيل: على بابها، وهي لتفاوت ما بين الخلقين، لا للتراخي في الزمان.
وقيل: (خلق) بمعنى (قدّر).
وأما الرابع: وجواب ابن عباس عنه، فيحتمل كلامه أنه أراد أنه سمى نفسه {غَفُوراً رَحِيماً} وهذه التسمية مضت لأن التعلق انقضى. وأما الصّفتان فلا تزالان كذلك لا ينقطعان لأنه تعالى إذا أراد المغفرة أو الرحمة في الحال أو الاستقبال وقع مراده. قاله الشمس الكرماني. قال (3): ويحتمل أن يكون ابن عباس أجاب بجوابين:
أحدهما: أن التّسمية هي التي كانت وانتهت، والصفة لا نهاية لها.
والآخر: أنّ معنى (كان) الدوام فإنه لا يزال كذلك.
ويحتمل أن يحمل السؤال على مسلكين، والجواب على دفعهما، كأن يقال: هذا
__________
(1) رواه ابن جرير في تفسيره 4/ 97برقم (9524).
(2) رواه مسلم (2968)، وأبو داود (4730)، وابن أبي عاصم (445)، وابن منده في الإيمان (809)، والآجري في التصديق بالنظر (27) ص 43.
(3) هو الكرماني.(1/8)
اللفظ مشعر بأنه في الزمان الماضي كان غفورا رحيما، مع أنه لم يكن هناك من يغفر له أو يرحم، وبأنه ليس في الحال كذلك لما يشعر به لفظ (كان).
والجواب عن الأول: بأن كان في الماضي تسمّى به. وعن الثاني: بأنّ (كان) تعطي معنى الدوام، وقد قال النحاة: كان لثبوت خبرها ماضيا، دائما أو منقطعا (1).
وقد أخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس: أن يهوديا قال له: إنكم تزعمون أنّ الله كان عزيزا حكيما، فكيف هو اليوم؟ فقال: إنه كان في نفسه عزيزا حكيما.
موضع آخر، توقّف فيه ابن عباس. قال أبو عبيدة: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة قال: سأل رجل ابن عباس عن: {فِي يَوْمٍ كََانَ مِقْدََارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة: 5]. وقوله {فِي يَوْمٍ كََانَ مِقْدََارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4]. فقال ابن عباس: هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه الله أعلم بهما (2).
وأخرجه ابن أبي حاتم من هذا الوجه، وزاد: ما أدري ما هما، وأكره أن أقول فيهما ما لا أعلم. قال ابن أبي مليكة: فضربت البعير حتى دخلت على سعيد بن المسيّب، فسئل عن ذلك فلم يدر ما يقول فقلت له: ألا أخبرك بما حضرت من ابن عباس؟ فأخبرته، فقال ابن المسيّب للسائل: هذا ابن عباس قد اتّقى أن يقول فيهما، وهو أعلم منّي.
وروي عن ابن عباس أيضا: أنّ يوم الألف هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه، ويوم الألف في سورة الحجّ: هو أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات، ويوم الخمسين ألفا هو يوم القيامة. فأخرج ابن أبي حاتم من طريق سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس:
أنّ رجلا قال له: حدّثني، ما هؤلاء الآيات: {فِي يَوْمٍ كََانَ مِقْدََارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}
[المعارج: 4]. و {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمََاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كََانَ مِقْدََارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة: 5]. {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} [الحج: 47]. فقال: يوم القيامة حساب خمسين ألف سنة، والسموات في ستة أيام كلّ يوم يكون ألف سنة، و {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمََاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كََانَ مِقْدََارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} قال: ذلك مقدار المسير.
__________
(1) انتهى كلام الحافظ في الفتح.
(2) عزاه في الدر المنثور 5/ 171لعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه، عن عبد الله بن أبي مليكة به. رواه عبد الرزاق في تفسيره، 2/ 108، وسنده صحيح، رجاله ثقات.(1/9)
وذهب بعضهم إلى أنّ المراد بهما يوم القيامة، وأنه باعتبار حال المؤمن والكافر، بدليل قوله: {يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكََافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} (1) [المدثر: 9، 10].
فصل [في أسباب الاختلاف]
قال الزركشيّ في «البرهان» (2): للاختلاف أسباب:
أحدها: وقوع المخبر به على أنواع مختلفة وتطويرات شتّى، كقوله في خلق آدم:
{مِنْ تُرََابٍ} [آل عمران: 59]. ومرة: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26و 28و 33]. ومرة:
{مِنْ طِينٍ لََازِبٍ} [الصافات: 11]. ومرّة: {مِنْ صَلْصََالٍ كَالْفَخََّارِ} [الرحمن: 14]: فهذه ألفاظ مختلفة، ومعانيها في أحوال مختلفة لأن الصلصال غير الحمأ، والحمأ غير التراب، إلّا أنّ مرجعها كلها إلى جوهر، وهو التراب، ومن التراب درجت هذه الأحوال.
وكقوله: {فَإِذََا هِيَ ثُعْبََانٌ} [الشعراء: 32]. وفي موضع: {تَهْتَزُّ كَأَنَّهََا جَانٌّ}
[القصص: 31]. والجانّ الصغير من الحيّات، والثعبان الكبير منها، وذلك لأنّ خلقها خلق الثعبان العظيم، واهتزازها وحركتها وخفّتها كاهتزاز الجانّ وخفّته.
الثاني: لاختلاف الموضوع، كقوله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (24)} [الصافات: 24].
وقوله: {فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)} [الأعراف: 6]. مع قوله:
{فَيَوْمَئِذٍ لََا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلََا جَانٌّ (39)} [الرحمن: 39]. قال الحليميّ (3):
فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرّسل، والثانية على ما يلتزمه الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه.
وحمله غيره على اختلاف الأماكن، لأنّ في القيامة مواقف كثيرة، ففي موضع يسألون، وفي آخر لا يسألون.
__________
(1) انظر في مسألة التوفيق بين هذه الآيات: الفوائد لابن عبد السلام ص 142، وملاك التأويل 2/ 862 864، وأنموذج جليل ص 406405، وفتح الرحمن ص 453451، وتأويل مشكل القرآن ص 353، والمنهاج في شعب الإيمان 1/ 340339.
(2) انظر البرهان 2/ 54.
(3) انظر المنهاج للحليمي 1/ 386.(1/10)
وقيل: إنّ السؤال المثبت سؤال تبكيت وتوبيخ، والمنفيّ سؤال المعذرة وبيان الحجة.
وكقوله: {اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} [آل عمران: 102]. مع قوله: {فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
[التغابن: 16]. حمل الشيخ أبو الحسن الشاذليّ (1) الآية الأولى على التوحيد، بدليل قوله بعدها: {وَلََا تَمُوتُنَّ إِلََّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. والثانية على الأعمال. وقيل: بل الثانية ناسخة للأولى.
وكقوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلََّا تَعْدِلُوا فَوََاحِدَةً} [النساء: 3]، مع قوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسََاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129]، فالأولى تفهم إمكان العدل، والثانية تنفيه.
والجواب: أنّ الأولى في توفية الحقوق، والثانية في الميل القلبيّ، وليس في قدرة الإنسان.
وكقوله: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَأْمُرُ بِالْفَحْشََاءِ} [الأعراف: 28]. مع قوله: {أَمَرْنََا مُتْرَفِيهََا فَفَسَقُوا فِيهََا} [الإسراء: 16]، فالأولى في الأمر الشرعيّ، والثانية في الأمر الكونيّ بمعنى القضاء والتقدير.
الثالث: لاختلافهما في جهتي الفعل، كقوله: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلََكِنَّ اللََّهَ قَتَلَهُمْ وَمََا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [الأنفال: 17]: أضيف القتل إليهم، والرمي إليه صلّى الله عليه وسلم على جهة الكسب والمباشرة، ونفاه عنهم وعنه باعتبار التأثير.
الرابع: لاختلافهما في الحقيقة والمجاز، كقوله: {وَتَرَى النََّاسَ سُكََارى ََ وَمََا هُمْ بِسُكََارى ََ} [الحج: 2]. أي: سكارى من الأهوال مجازا، لا من الشراب حقيقة.
الخامس: بوجهين واعتبارين، كقوله {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22]، مع قوله:
{خََاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى: 45]، قال قطرب: (فبصرك) أي:
علمك ومعرفتك بها قوية، من قولهم: بصر بكذا: أي: علم، وليس المراد رؤية العين.
قال الفارسيّ: ويدلّ على ذلك قوله: {فَكَشَفْنََا عَنْكَ غِطََاءَكَ} [ق: 22].
وكقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللََّهِ} [الرعد: 28]، مع قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذََا ذُكِرَ اللََّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2]، فقد يظنّ أنّ الوجل خلاف الطمأنينة.
__________
(1) نقله في البرهان 2/ 57.(1/11)
وجوابه: أنّ الطمأنينة تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد، والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى، فتوجل القلوب لذلك، وقد جمع بينهما في قوله:
{تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ََ ذِكْرِ اللََّهِ} [الزمر: 23].
ومما استشكلوه (1): قوله تعالى: {وَمََا مَنَعَ النََّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جََاءَهُمُ الْهُدى ََ وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلََّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذََابُ قُبُلًا (55)} [الكهف: 55]، فإنّه يدلّ على حصر المانع من الإيمان في أحد هذين الشيئين.
وقال في آية أخرى: {وَمََا مَنَعَ النََّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جََاءَهُمُ الْهُدى ََ إِلََّا أَنْ قََالُوا أَبَعَثَ اللََّهُ بَشَراً رَسُولًا (94)} [الإسراء: 94]، فهذا حصر آخر في غيرهما.
وأجاب ابن عبد السلام (2): بأن معنى الآية الأولى: وما منع الناس أن يؤمنوا إلّا إرادة أن تأتيهم سنّة الأوّلين من الخسف أو غيره، أو يأتيهم العذاب قبلا في الآخرة. فأخبر أنه أراد أن يصيبهم أحد الأمرين، ولا شكّ أنّ إرادة الله مانعة من وقوع ما ينافي المراد.
فهذا حصر في السبب الحقيقيّ، لأن الله هو المانع في الحقيقة.
ومعنى الآية الثانية: وما منع النّاس أن يؤمنوا إلّا استغراب بعثه بشرا رسولا، لأن قولهم ليس مانعا من الإيمان لأنه لا يصلح لذلك وهو يدلّ على الاستغراب بالالتزام وهو المناسب للمانعية، واستغرابهم ليس مانعا حقيقيّا بل عاديا لجواز وجود الإيمان معه، بخلاف إرادة الله تعالى. فهذا حصر في المانع العاديّ والأول حصر في المانع الحقيقيّ، فلا تنافي أيضا.
ومما استشكل أيضا: قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ََ عَلَى اللََّهِ كَذِباً} [الأنعام: 21]، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللََّهِ} [الزمر: 32]، مع قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيََاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهََا وَنَسِيَ مََا قَدَّمَتْ يَدََاهُ} [الكهف: 57]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسََاجِدَ اللََّهِ}
[البقرة: 114]، إلى غير ذلك من الآيات.
ووجهه: أن المراد بالاستفهام هنا النفي، والمعنى: لا أحد أظلم، فيكون خبرا، وإذا كان خبرا وأخذت الآيات على ظواهرها أدّى إلى التناقض. وأجيب بأوجه:
منها: تخصيص كلّ موضع بمعنى صلته: أي لا أحد من المعاندين أظلم ممّن منع
__________
(1) انظر البرهان 2/ 65.
(2) في كتابه الفوائد في مشكل القرآن ص 113112.(1/12)
مساجد الله، ولا أحد من المفترين أظلم ممّن افترى على الله كذبا، وإذا تخصّص بالصّلات زال التناقض.
ومنها: أن التخصيص بالنسبة إلى السّبق: لمّا لم يسبق أحد إلى مثله حكم عليهم بأنهم أظلم ممّن جاء بعدهم سالكا طريقهم وهذا يؤول معناه إلى ما قبله لأن المراد السبق إلى المانعيّة والافترائية.
ومنها وادّعى أبو حيان أنّه الصواب: أن نفي الأظلميّة لا يستدعي نفي الظالمية لأن نفي المقيّد لا يدلّ على نفي المطلق، وإذا لم يدلّ على نفي الظالمية لم يلزم التناقض لأن فيها إثبات التسوية في الأظلميّة، وإذا ثبتت التسوية فيها لم يكن أحد ممّن وصف بذلك يزيد على الآخر: لأنّهم يتساوون في الأظلميّة. وصار المعنى: لا أحد أظلم ممّن افترى وممّن منع ونحوها، ولا إشكال في تساوي هؤلاء في الأظلمية، ولا يدلّ على أنّ أحد هؤلاء أظلم من الآخر، كما إذا قلت: لا أحد أفقه منهم. انتهى.
وحاصل الجواب أنّ نفي التفضيل لا يلزم منه نفي المساواة.
وقال بعض المتأخّرين: هذا استفهام مقصود به التهويل والتفظيع، من غير قصد إثبات الأظلمية للمذكور حقيقة، ولا نفيها عن غيره.
وقال الخطّابي (1): سمعت ابن أبي هريرة يحكي عن أبي العباس بن سريج، قال:
سأل رجل بعض العلماء عن قوله: {لََا أُقْسِمُ بِهََذَا الْبَلَدِ (1)} [البلد: 1] فأخبر أنّه لا يقسم به. ثم أقسم به في قوله: {وَهََذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)} [التين: 3]؟ فقال: أيّما أحبّ إليك؟
أجيبك ثم أقطعك، أو أقطعك ثم أجيبك؟ فقال: اقطعني ثم أجبني. فقال له: اعلم أنّ هذا القرآن نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحضرة رجال، وبين ظهراني قوم كانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مغمزا وعليه مطعنا، لو كان هذا عندهم مناقضة لتعلّقوا به، وأسرعوا بالرّدّ عليه ولكنّ القوم علموا وجهلت، ولم ينكروا منه ما أنكرت، ثم قال له: إنّ العرب قد تدخل (لا) في أثناء كلامها وتلغي معناها، وأنشد فيه أبياتا.
تنبيه: قال الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني (2): إذا تعارضت الآي وتعذّر فيها الترتيب والجمع، طلب التاريخ وترك المتقدم بالمتأخّر، ويكون ذلك نسخا. وإن لم يعلم، وكان
__________
(1) انظر البرهان 2/ 46.
(2) نقله في البرهان 2/ 48.(1/13)
الإجماع على العمل بإحدى الآيتين، علم بإجماعهم أنّ الناسخ ما أجمعوا على العمل بها.
قال: ولا يوجد في القرآن آيتان متعارضتان تخلوان عن هذين الوصفين.
قال غيره (1): وتعارض القراءتين بمنزلة تعارض الآيتين، نحو: {وَأَرْجُلَكُمْ}
[المائدة: 6]. بالنصب والجرّ، ولهذا جمع بينهما: بحمل النّصب على الغسل، والجرّ على مسح الخفّ.
وقال الصيرفي (2): جماع الاختلاف والتناقض: أنّ كلّ كلام صحّ أن يضاف بعض ما وقع الاسم عليه إلى وجه من الوجوه فليس فيه تناقض، وإنما التناقض في اللفظ ما ضادّه في كلّ جهة، ولا يوجد في الكتاب والسنة شيء من ذلك أبدا وإنما يوجد فيه النسخ في وقتين.
وقال القاضي أبو بكر (3): لا يجوز تعارض آي القرآن والآثار وما يوجبه العقل، فلذلك لم يجعل قوله: {اللََّهُ خََالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62]. معارضا لقوله: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} [العنكبوت: 17]. {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ} [المائدة: 110]. لقيام الدليل العقلي أنّه لا خالق غير الله، فتعيّن تأويل ما عارضه، فيؤوّل (وتخلقون) على (تكذبون) و (تخلق) على (تصور).
فائدة: قال الكرمانيّ عند قوله تعالى: {وَلَوْ كََانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللََّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلََافاً كَثِيراً} [النساء: 82]: الاختلاف على وجهين: اختلاف تناقض: وهو ما يدعو فيه أحد الشيئين إلى خلاف الآخر، وهذا هو الممتنع على القرآن.
واختلاف تلازم: وهو ما يوافق الجانبين، كاختلاف مقادير السور والآيات، واختلاف الأحكام من الناسخ والمنسوخ، والأمر والنهي، والوعد والوعيد.
__________
(1) هو الزركشي في برهانه 2/ 52.
(2) نقله في البرهان 2/ 53.
(3) انظر البرهان 2/ 51.(1/14)
النوع التاسع والأربعون في مطلقه ومقيده (1)
المطلق: الدالّ على الماهية بلا قيد، وهو مع المقيد كالعامّ مع الخاص.
قال العلماء: متى وجد دليل على تقييد المطلق صير إليه، وإلّا فلا بل يبقى المطلق على إطلاقه، والمقيّد على تقييده لأنّ الله تعالى خاطبنا بلغة العرب.
والضابط: أنّ الله إذا حكم في شيء بصفة أو شرط، ثم ورد حكم آخر مطلقا، نظر:
فإن لم يكن له أصل يردّ إليه إلّا ذلك الحكم المقيّد وجب تقييده به.
وإن كان له أصل يرد إليه غيره لم يكن ردّه إلى أحدهما بأولى من الآخر.
فالأول: مثل اشتراط العدالة في الشهود على الرجعة والفراق والوصية في قوله:
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]. وقوله: {شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنََانِ ذَوََا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 106].
وقد أطلق الشهادة في البيوع وغيرها في قوله: {وَأَشْهِدُوا إِذََا تَبََايَعْتُمْ}
[البقرة: 282]. {فَإِذََا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوََالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6].
والعدالة شرط في الجميع.
ومثل تقييده ميراث الزوجين، بقوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهََا أَوْ دَيْنٍ}
[النساء: 11]. وإطلاقه الميراث فيما أطلق فيه.
وكذلك ما أطلق من المواريث كلّها بعد الوصية والدّين.
وكذلك ما اشترط في كفارة القتل من الرّقبة المؤمنة، وإطلاقها في كفّارة الظّهار واليمين، والمطلق كالمقيّد في وصف الرقبة.
وكذلك تقييد الأيدي بقوله: {إِلَى الْمَرََافِقِ} [المائدة: 6] في الوضوء، وإطلاقه في التيمم.
__________
(1) انظر البرهان 2/ 15.(1/15)
وتقييد إحباط العمل بالرّدة بالموت على الكفر في قوله: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كََافِرٌ} [البقرة: 217]. وأطلق في قوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمََانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5].
وتقييد تحريم الدم بالمسفوح في الأنعام، وأطلق فيما عداها.
فمذهب الشافعيّ حمل المطلق على المقيّد في الجميع.
ومن العلماء من لا يحمله، ويجوّز إعتاق الكافر في كفارة الظهار واليمين، ويكتفي في التيمم بالمسح إلى الكوعين، ويقول: إن الردّة تحبط العمل بمجرّدها.
والثاني: مثل تقييد الصوم بالتتابع في كفارة القتل والظهار، وتقييده بالتفريق في صوم التمتع. وأطلق كفارة اليمين وقضاء رمضان: فيبقى على إطلاقه من جوازه مفرّقا ومتتابعا.
لا يمكن حمله عليهما، لتنافي القيدين، وهما: التفريق والتتابع، ولا على أحدهما لعدم المرجّح.
تنبيهات:
الأول: إذا قلنا بحمل المطلق على المقيّد، فهل هو من وضع اللغة أو بالقياس؟
مذهبان:
وجه الأول: أنّ العرب من مذهبها استحباب الإطلاق اكتفاء بالمقيد، وطلبا للإيجاز والاختصار.
الثاني: ما تقدّم محلّه: إذا كان الحكمان بمعنى واحد، وإنما اختلفا في الإطلاق والتقييد.
فأما إذا حكم في شيء بأمور، ثم في آخر ببعضها، وسكت فيه عن بعضها، فلا يقتضي الإلحاق. كالأمر بغسل الأعضاء الأربعة في الوضوء، وذكر في التيمم عضوين. فلا يقال بالحمل ومسح الرأس والرجلين بالتراب فيه أيضا.
وكذلك ذكر العتق والصوم والإطعام في كفّارة الظهار، واقتصر في كفارة القتل على الأولين، ولم يذكر الإطعام. فلا يقال بالحمل وإبدال الصيام بالطعام.(1/16)
وكذلك ذكر العتق والصوم والإطعام في كفّارة الظهار، واقتصر في كفارة القتل على الأولين، ولم يذكر الإطعام. فلا يقال بالحمل وإبدال الصيام بالطعام.
النوع الخمسون في منطوقه ومفهومه
المنطوق: ما دلّ عليه اللفظ في محل النّطق.
فإن أفاد معنى لا يحتمل غيره: فالنّص، نحو: {فَصِيََامُ ثَلََاثَةِ أَيََّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذََا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كََامِلَةٌ} [البقرة: 196]. وقد نقل عن قوم من المتكلمين أنهم قالوا بندور النصّ جدا في الكتاب والسنة. وقد بالغ إمام الحرمين وغيره في الردّ عليهم، قال: لأن الغرض من النصّ الاستقلال بإفادة المعنى على قطع، مع انحسام جهات التأويل والاحتمال وهذا وإن عزّ حصوله بوضع الصيغ ردّا إلى اللغة، فما أكثره مع القرائن الحالية والمقالية. انتهى.
أو مع احتمال غيره احتمالا مرجوحا: فالظاهر: نحو: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بََاغٍ وَلََا عََادٍ} [البقرة: 173] فإنّ الباغي يطلق على الجاهل وعلى الظالم، وهو فيه أظهر وأغلب، ونحو: {وَلََا تَقْرَبُوهُنَّ حَتََّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]، فإنّه يقال للانقطاع طهر، وللوضوء والغسل، وهو في الثاني أظهر.
فإن حمل على المرجوح لدليل فهو: تأويل، ويسمّى المرجوح المحمول عليه مؤوّلا، كقوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مََا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] فإنّه يستحيل حمل المعيّة على القرب بالذّات، فتعيّن صرفه عن ذلك، وحمله على القدرة والعلم أو على الحفظ والرعاية.
وكقوله: {وَاخْفِضْ لَهُمََا جَنََاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24] فإنّه يستحيل حمله على الظاهر، لاستحالة أن يكون للإنسان أجنحة، فيحمل على الخضوع وحسن الخلق.
وقد يكون مشتركا بين حقيقتين، أو حقيقة ومجاز، ويصحّ حمله عليهما جميعا، سواء قلنا بجواز استعمال اللفظ في معنييه أولا. ووجهه على هذا: أن يكون اللفظ قد خوطب به مرتين مرّة أريد هذا، ومرة أريد هذا.
ومن أمثلته: {وَلََا يُضَارَّ كََاتِبٌ وَلََا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] فإنّه يحتمل: لا يضارر الكاتب والشهيد صاحب الحقّ بجور في الكتابة والشهادة، ولا يضارر بالفتح أي: لا
يضرهما صاحب الحق بإلزامهما ما لا يلزمهما، وإجبارهما على الكتابة والشهادة.(1/17)
ومن أمثلته: {وَلََا يُضَارَّ كََاتِبٌ وَلََا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] فإنّه يحتمل: لا يضارر الكاتب والشهيد صاحب الحقّ بجور في الكتابة والشهادة، ولا يضارر بالفتح أي: لا
يضرهما صاحب الحق بإلزامهما ما لا يلزمهما، وإجبارهما على الكتابة والشهادة.
ثم إن توقّفت صحة دلالة اللفظ على إضمار سمّيت: دلالة اقتضاء، نحو: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أي: أهلها.
وإن لم تتوقف، ودلّ اللفظ على ما لم يقصد به، سميت: دلالة إشارة، كدلالة قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيََامِ الرَّفَثُ إِلى ََ نِسََائِكُمْ} [البقرة: 187] على صحّة صوم من أصبح جنبا، إذ إباحة الجماع إلى طلوع الفجر تستلزم كونه جنبا في جزء من النهار. وقد حكي هذا الاستنباط عن محمد بن كعب القرظيّ (1).
فصل [المفهوم وأقسامه]
والمفهوم: ما دلّ عليه اللفظ لا في محل النطق. وهو قسمان: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة.
فالأول: ما يوافق حكمه المنطوق:
فإن كان أولى، سمّي: فحوى الخطاب، كدلالة: {فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ} [الإسراء: 23] على تحريم الضرب، لأنه أشدّ.
وإن كان مساويا، سمّي: لحن الخطاب، أي: معناه، كدلالة: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوََالَ الْيَتََامى ََ ظُلْماً} [النساء: 10] على تحريم الإحراق، لأنه مساو للأكل في الإتلاف.
واختلف: هل دلالة ذلك قياسية، أو لفظية مجازية أو حقيقية؟ على أقوال بيناها في كتبنا الأصولية.
والثاني: ما يخالف حكمه المنطوق. وهو أنواع:
مفهوم صفة، نعتا كان أو حالا أو ظرفا أو عددا، نحو: {إِنْ جََاءَكُمْ فََاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] مفهومه: أنّ غير الفاسق لا يجب التّبيّن في خبره، فيجب قبول خبر
__________
(1) هو محمد بن كعب بن سليم بن أسد، أبو حمزة القرظي، المدني، وكان قد نزل الكوفة مدة، ثقة، عالم، انظر التقريب 2/ 203.(1/18)
الواحد العدل.
{وَلََا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عََاكِفُونَ فِي الْمَسََاجِدِ} [البقرة: 187]. {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومََاتٌ}
[البقرة: 197] أي: فلا يصح الإحرام به في غيرها. {فَاذْكُرُوا اللََّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرََامِ} [البقرة: 198] أي: فالذّكر عند غيره ليس محصّلا للمطلوب. {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمََانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] أي: لا أقلّ ولا أكثر.
وشرط، نحو: {وَإِنْ كُنَّ أُولََاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] أي: فغير أولات الحمل لا يجب الإنفاق عليهنّ.
وغاية، نحو: {فَلََا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتََّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 230] أي: فإذا نكحته تحل للأول بشرطه.
وحصر، نحو: {لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ} [الصافات: 35] {إِنَّمََا إِلََهُكُمُ اللََّهُ} [طه: 98] أي: فغيره ليس بإله. {فَاللََّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} [الشورى: 9] أي: فغيره ليس بوليّ. {لَإِلَى اللََّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران: 158] أي: لا إلى غيره. {إِيََّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] أي: لا غيرك.
واختلف في الاحتجاج بهذه المفاهيم، على أقوال كثيرة، والأصحّ في الجملة أنها كلّها حجّة بشروط:
منها: ألّا يكون المذكور خرج للغالب: ومن ثم لم يعتبر الأكثرون مفهوم قوله:
{وَرَبََائِبُكُمُ اللََّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] فإن الغالب كون الربائب في حجور الأزواج، فلا مفهوم له لأنّه إنما خصّ بالذكر لغلبة حضوره في الذهن.
وألّا يكون موافقا للواقع: ومن ثمّ لا مفهوم لقوله: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللََّهِ إِلََهاً آخَرَ لََا بُرْهََانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117] وقوله: {لََا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكََافِرِينَ أَوْلِيََاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 28]. وقوله: {وَلََا تُكْرِهُوا فَتَيََاتِكُمْ عَلَى الْبِغََاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} [النور: 33].
والاطلاع على ذلك من فوائد معرفة أسباب النزول.
فائدة: قال بعضهم: الألفاظ إمّا أن تدلّ بمنطوقها أو بفحواها ومفهومها، أو باقتضائها وضرورتها، أو بمعقولها المستنبط منها. حكاه ابن الحصّار. وقال: هذا كلام حسن.
قلت: فالأوّل: دلالة المنطوق، والثاني: دلالة المفهوم، والثالث: دلالة الاقتضاء، والرابع: دلالة الإشارة.(1/19)
قلت: فالأوّل: دلالة المنطوق، والثاني: دلالة المفهوم، والثالث: دلالة الاقتضاء، والرابع: دلالة الإشارة.
النوع الحادي والخمسون في وجوه مخاطباته (1)
قال ابن الجوزي في كتابه النفيس: الخطاب في القرآن على خمسة عشر وجها.
وقال غيره: على أكثر من ثلاثين وجها:
أحدها: خطاب العام، والمراد به العموم: كقوله: {اللََّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [الروم: 54].
والثاني: خطاب الخاصّ والمراد به الخصوص: كقوله: {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمََانِكُمْ} [آل عمران: 106] {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} [المائدة: 67].
الثالث: خطاب العامّ والمراد به الخصوص: كقوله: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ}
[الحج: 1] لم يدخل فيه الأطفال والمجانين.
الرابع: خطاب الخاصّ، والمراد العموم: كقوله: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ}
[الطلاق: 1] افتتح الخطاب بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والمراد سائر من يملك الطلاق. وقوله: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنََّا أَحْلَلْنََا لَكَ أَزْوََاجَكَ} [الأحزاب: 50].
قال أبو بكر الصيرفي (2): كان ابتداء الخطاب له، فلما قال في الموهوبة: {خََالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50]، علم أن ما قبلها له ولغيره (3).
الخامس: خطاب الجنس: كقوله: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ}.
السادس: خطاب النوع: نحو: {يََا بَنِي إِسْرََائِيلَ}.
السابع: خطاب العين: نحو: {وَقُلْنََا يََا آدَمُ اسْكُنْ} [البقرة: 35] {يََا نُوحُ اهْبِطْ}
[هود: 48]. {يََا إِبْرََاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ} [الصافات: 104، 105] {يََا مُوسى ََ لََا تَخَفْ} [النمل: 10]
__________
(1) انظر البرهان في علوم القرآن 2/ 217.
(2) هو أبو بكر محمد بن عبد الله الفقيه الشافعي، المعروف بالصيرفي، فقيه، أصولي، توفي سنة 330هـ.
من تصانيفه: شرح رسالة الشافعي، ودلائل الاعلام على أصول الأحكام في أصول الفقه، كتاب في الإجماع. وكتاب في الشروط. انظر تاريخ بغداد 5/ 450449، واللباب لابن الأثير 2/ 66، وشذرات الذهب 2/ 325.
(3) نقله في البرهان 2/ 218.(1/20)
{يََا عِيسى ََ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} [آل عمران: 55] ولم يقع في القرآن الخطاب ب (يا محمد) بل {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ} {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ} تعظيما له، وتشريفا وتخصيصا بذلك عمّا سواه، وتعليما للمؤمنين ألّا ينادوه باسمه (1).
الثامن: خطاب المدح: نحو: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104] ولهذا وقع خطابا لأهل المدينة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهََاجَرُوا} [الأنفال: 74] أخرج ابن أبي حاتم (2) عن خيثمة (3): ما تقرءون في القرآن {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فإنه في التوراة (يأيّها المساكين).
وأخرج البيهقي وأبو عبيد وغيرهما عن ابن مسعود، قال: إذا سمعت الله يقول:
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأرعها سمعك، فإنّه خير يؤمر به أو شرّ ينهى عنه (4).
التاسع: خطاب الذّم: نحو: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لََا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} [التحريم: 7] {قُلْ يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ} [الكافرون: 1]. ولتضمّنه الإهانة لم يقع في القرآن في غير هذين الموضعين. وأكثر الخطاب ب: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} على المواجهة، وفي جانب الكفار جيء بلفظ الغيبة، إعراضا عنهم، كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 6]. {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: 38] (5).
العاشر: خطاب الكرامة: كقوله: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ} {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ}. قال بعضهم:
ونجد الخطاب بالنّبي في محل لا يليق به الرسول، وكذا عكسه، كقوله في الأمر بالتشريع العام: {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67]، وفي مقام الخاص: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مََا أَحَلَّ اللََّهُ لَكَ} [التحريم: 1] قال: وقد يعبّر بالنبيّ في مقام التشريع العامّ لكن مع قرين إرادة العموم، كقوله: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا طَلَّقْتُمُ} [الطلاق: 1] ولم يقل: (طلقت).
الحادي عشر: خطاب الإهانة: نحو: {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} [الحجر: 34]. {اخْسَؤُا فِيهََا وَلََا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108].
__________
(1) البرهان 2/ 228.
(2) في تفسيره، برقم (1043) 1/ 316، ورواه أبو نعيم في الحلية 4/ 116، ورجال إسناده ثقات. وانظر الدر المنثور 1/ 103، وابن كثير 1/ 213.
(3) هو خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة.
(4) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، حديث رقم (1044) 1/ 317، وأحمد في الزهد ص 158، وأبو نعيم في الحلية 1/ 130، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 3231. ورجاله ثقات. وانظر ابن كثير 1/ 213، والدر المنثور 1/ 103، وفتح القدير 1/ 125.
(5) انظر البرهان 2/ 230.(1/21)
الثاني عشر: خطاب التهكّم: نحو: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)}
[الدخان: 49].
الثالث عشر: خطاب الجمع بلفظ الواحد: نحو: {يََا أَيُّهَا الْإِنْسََانُ مََا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6].
الرابع عشر: خطاب الواحد بلفظ الجمع: نحو: {يََا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبََاتِ}
[المؤمنون: 51] إلى قوله: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ} [المؤمنون: 54] فهو خطاب له صلّى الله عليه وسلّم وحده، إذ لا نبيّ معه ولا بعده (1).
وكذا قوله: {وَإِنْ عََاقَبْتُمْ فَعََاقِبُوا} الآية [النحل: 126]. خطاب له صلّى الله عليه وسلّم وحده، بدليل قوله: {وَاصْبِرْ وَمََا صَبْرُكَ إِلََّا بِاللََّهِ} [النحل: 127] (2).
وكذا قوله: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا} [هود: 14]. بدليل قوله: {قُلْ فَأْتُوا}
[هود: 13].
وجعل منه بعضهم (3): {قََالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99]. أي: ارجعني. وقيل:
{رَبِّ} خطاب له تعالى. و {ارْجِعُونِ} للملائكة.
وقال السّهيليّ (4): هو قول من حضرته الشياطين وزبانية العذاب، فاختلط فلا يدري ما يقول من الشّطط. وقد اعتاد أمرا يقوله في الحياة من ردّ الأمر إلى المخلوقين.
الخامس عشر: خطاب الواحد بلفظ الاثنين: نحو: {أَلْقِيََا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24].
والخطاب لمالك خازن النار. وقيل (5): لخزنة النار والزبانية، فيكون من خطاب الجمع بلفظ الاثنين، وقيل: للملكين الموكّلين في قوله: {وَجََاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهََا سََائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)}
[ق: 21]. فيكون على الأصل.
وجعل المهدويّ من هذا النوع: {قََالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمََا} [يونس: 89]. قال:
الخطاب لموسى وحده لأنّه الدّاعي، وقيل: لهما لأنّ هارون أمّن على دعائه، والمؤمّن
__________
(1) البرهان 2/ 234.
(2) البرهان 2/ 235.
(3) البرهان 2/ 235.
(4) نقله في البرهان 2/ 235.
(5) هو قول الفراء، كما في البرهان 2/ 239، وانظر تفسير البغوي 4/ 224223، وزاد المسير 8/ 15 16.(1/22)
أحد الداعيين (1).
السادس عشر: خطاب الاثنين بلفظ الواحد: كقوله: {فَمَنْ رَبُّكُمََا يََا مُوسى ََ}
[طه: 49]. أي: ويا هارون، وفيها وجهان (2):
أحدهما: أنه أفرده بالنداء لإدلاله عليه بالتربية.
والآخر: لأنه صاحب الرسالة والآيات، وهارون تبع له ذكره ابن عطية.
وذكر في الكشاف (3) آخر، وهو: أنّ هارون لما كان أفصح من موسى، نكب فرعون عن خطابه، حذرا من لسانه.
ومثله: {فَلََا يُخْرِجَنَّكُمََا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى ََ} [طه: 117]. قال ابن عطية (4): أفرده بالشقاء لأنه المخاطب أولا، والمقصود في الكلام.
وقيل: لأنّ الله جعل الشقاء في معيشة الدنيا في جانب الرّجال.
وقيل: إغضاء عن ذكر المرأة، كما قيل: من الكرم ستر الحرم.
السابع عشر: خطاب الاثنين بلفظ الجمع: كقوله: {أَنْ تَبَوَّءََا لِقَوْمِكُمََا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87].
الثامن عشر: خطاب الجمع بلفظ الاثنين: كما تقدم في {أَلْقِيََا} [ق: 24].
التاسع عشر: خطاب الجمع بعد الواحد: كقوله: {وَمََا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمََا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلََا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ} [يونس: 61]. قال ابن الأنباري (5): جمع في الفعل الثالث ليدل على أنّ الأمّة داخلون مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومثله: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ} [الطلاق: 1].
العشرون: عكسه: نحو: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ} [البقرة: 43] {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}
[يونس: 87].
الحادي والعشرون: خطاب الاثنين بعد الواحد: نحو: {أَجِئْتَنََا لِتَلْفِتَنََا عَمََّا وَجَدْنََا عَلَيْهِ آبََاءَنََا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيََاءُ فِي الْأَرْضِ} [يونس: 78].
__________
(1) نقل كلام المهدوي الزركشي في برهانه 2/ 240.
(2) انظر البرهان 2/ 240.
(3) الكشاف 2/ 539.
(4) نقله في البرهان 2/ 241240.
(5) نقله في البرهان 2/ 241.(1/23)
الثاني والعشرون: عكسه: نحو: {فَمَنْ رَبُّكُمََا يََا مُوسى ََ} [طه: 49].
الثالث والعشرون: خطاب العين والمراد به الغير: نحو: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللََّهَ وَلََا تُطِعِ الْكََافِرِينَ} [او لأحزاب: 1]: الخطاب له، والمراد أمّته لأنّه صلّى الله عليه وسلّم كان تقيّا، وحاشاه من طاعة الكفّار. ومنه: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمََّا أَنْزَلْنََا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتََابَ} الآية [يونس: 94]. حاشاه صلّى الله عليه وسلّم من الشّك، وإنما المراد بالخطاب التعريض بالكفار.
أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في هذه الآية قال: لم يشكّ صلّى الله عليه وسلّم، ولم يسأل، ومثله: {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنََا} [الزخرف: 45] الآية. {فَلََا تَكُونَنَّ مِنَ الْجََاهِلِينَ} [الأنعام: 35]. وأنحاء ذلك.
الرابع والعشرون: خطاب الغير والمراد به العين: نحو: {لَقَدْ أَنْزَلْنََا إِلَيْكُمْ كِتََاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10].
الخامس والعشرون: الخطاب العامّ الذي لم يقصد به مخاطب معيّن: نحو: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللََّهَ يَسْجُدُ لَهُ} [الحج: 18]. {وَلَوْ تَرى ََ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النََّارِ} [الأنعام: 27]. {وَلَوْ تَرى ََ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نََاكِسُوا رُؤُسِهِمْ} [السجدة: 12]. لم يقصد بذلك خطاب معيّن، بل كل أحد، وأخرج في صورة الخطاب لقصد العموم، يريد أن حالهم تناهت في الظهور، بحيث لا يختصّ بها راء دون راء، بل كان من أمكن منه الرؤية داخل في ذلك الخطاب.
السادس والعشرون: خطاب الشخص ثم العدول إلى غيره: نحو {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} [هود: 14]. خوطب به النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم قال للكفار: {فَاعْلَمُوا أَنَّمََا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللََّهِ}
[هود: 14]. بدليل: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} * [هود: 14]. ومنه: {إِنََّا أَرْسَلْنََاكَ شََاهِداً وَمُبَشِّراً} [الفتح: 8]. إلى قوله: {لِتُؤْمِنُوا} [الفتح: 9]. فيمن قرأ بالفوقية (1).
السابع والعشرون: خطاب التلوين: وهو الالتفات.
الثامن والعشرون: خطاب الجمادات خطاب من يعقل: نحو: {فَقََالَ لَهََا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيََا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} [فصلت: 11] (2).
__________
(1) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالغيب، وقرأ الباقون بالخطاب، انظر النشر 2/ 375، والكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي 2/ 280.
(2) تقديره: طائعة.
وقيل: لما كانت ممن يقول، وهي حالة عقل، جرى الضمير في {طََائِعِينَ} عليه، كقولهم: {رَأَيْتُهُمْ لِي سََاجِدِينَ} [يوسف: 4](1/24)
التاسع والعشرون: خطاب التهييج: نحو: {وَعَلَى اللََّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
[المائدة: 23].
الثلاثون: خطاب التّحنّن والاستعطاف: نحو: {يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا}
[الزمر: 53].
الحادي والثلاثون: خطاب التحبّب: نحو: {يََا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ} [مريم: 42]. {يََا بُنَيَّ إِنَّهََا إِنْ تَكُ} [لقمان: 16]. {يَا بْنَ أُمَّ لََا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} [طه: 94].
الثاني والثلاثون: خطاب التعجيز: نحو: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} [البقرة: 23].
الثالث والثلاثون: خطاب التشريف: وهو كلّ ما في القرآن مخاطبة بقل فإنّه تشريف منه تعالى لهذه الأمة، بأن يخاطبها بغير واسطة لتفوز بشرف المخاطبة.
الرابع والثلاثون: خطاب المعدوم: ويصح ذلك تبعا لموجود، نحو: {يََا بَنِي آدَمَ}
فإنّه خطاب لأهل ذلك الزمان ولكلّ من بعدهم (1).
فائدة: قال بعضهم: خطاب القرآن ثلاثة أقسام:
قسم لا يصلح إلّا للنبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقسم لا يصلح إلّا لغيره.
وقسم لهما.
فائدة: قال ابن القيّم (2): «تأمّل خطاب القرآن تجد ملكا له الملك كلّه، وله الحمد كلّه، أزمّة الأمور كلّها بيده، ومصدرها منه، ومردّها إليه، مستويا على العرش، لا تخفى عليه خافية من أقطار مملكته، عالما بما في نفوس عبيده، مطّلعا على أسرارهم وعلانيتهم، منفردا بتدبير المملكة، يسمع ويرى، ويعطي، ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقدّر ويقضي ويدبر، الأمور نازلة من عنده، دقيقها
__________
وقد اختلف: أن هذه المقالة حقيقة: بأن جعل لها حياة وإدراكا يقتضي نطقها.
أو مجازا: بمعنى: ظهر فيها من اختيار الطاعة والخضوع بمنزلة هذا القول على قولين.
قال ابن عطية: والأول أحسن لأنه لا شيء يدفعه، والعبرة فيه أتم، والقدرة فيه أظهر.
(1) انظر البرهان 2/ 253217، فقد ذكر ثلاثة وثلاثين خطابا.
(2) في كتابه الرائع: «الفوائد» ص 4341.(1/25)
وجليلها، وصاعدة إليه لا تتحرك ذرّة إلّا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلّا بعلمه.
فتأمّل كيف تجده يثني على نفسه، ويمجّد نفسه، ويحمد نفسه، وينصح عباده، ويدلّهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم، ويرغّبهم فيه، ويحذّرهم مما فيه هلاكهم، ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته، ويتحبّب إليهم بنعمه وآلائه، يذكّرهم بنعمه عليهم، ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها، ويحذّرهم من نقمه، ويذكّرهم بما أعدّ لهم من الكرامة إن أطاعوه، وما أعدّ لهم من العقوبة إن عصوه، ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه، وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء، ويثني على أوليائه بصالح أعمالهم وأحسن أوصافهم، ويذمّ أعداءه بسيّئ أعمالهم، وقبيح صفاتهم، ويضرب الأمثال، وينوّع الأدلّة والبراهين، ويجيب عن شبه أعدائه أحسن الأجوبة، ويصدّق الصادق، ويكذّب الكاذب، ويقول الحق ويهدي السبيل ويدعو إلى دار السلام، ويذكر أوصافها وحسنها ونعيمها، ويحذر من دار البوار، ويذكر عذابها وقبحها وآلامها، ويذكّر عبّاده فقرهم إليه، وشدّة حاجتهم إليه من كلّ وجه، وأنّهم لا غنى لهم عنه طرفة عين، ويذكّرهم غناه عنهم وعن جميع الموجودات، وأنّه الغني نفسه عن كلّ ما سواه، وكلّ ما سواه فقير إليه، وأنه لن ينال أحد ذرّة من الخير فما فوقها إلّا بفضله ورحمته، ولا ذرّة من الشرّ فما فوقها إلّا بعدله وحكمته، وتشهد من خطابه عتابه لأحبابه ألطف عتاب، وأنّه مع ذلك مقيل عثراتهم، وغافر زلاتهم، ومقيم أعذارهم، ومصلح فسادهم، والدافع عنهم، والمحامي عنهم، والناصر لهم، والكفيل بمصالحهم، والمنجّي لهم من كل كرب، والموفي لهم بوعده، وأنّه وليّهم الذي لا وليّ لهم سواه، فهو مولاهم الحقّ، ونصيرهم على عدوّهم، فنعم المولى ونعم النصير!.
وإذا شهدت القلوب من القرآن ملكا عظيما، جوادا رحيما جميلا، هذا شأنه، فكيف لا تحبّه وتنافس في القرب منه، وتنفق أنفاسها في التودّد إليه، ويكون أحبّ إليها من كلّ ما سواه، ورضاه آثر عندها من رضا كلّ من سواه! وكيف لا تلهج بذكره وتصيّر حبّه والشوق إليه والأنس به هو غذاؤها، وقوتها ودواؤها، بحيث إن فقدت ذلك فسدت وهلكت ولم تنفع بحياتها» اهـ.
فائدة: قال بعض الأقدمين: أنزل القرآن على ثلاثين نحوا، كل نحو منه غير صاحبه فمن عرف وجوهها ثم تكلّم في الدين أصاب ووفّق، ومن لم يعرفها وتكلّم في الدين كان الخطأ إليه أقرب، وهي: المكيّ والمدنيّ، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والتقديم والتأخير، والمقطوع والموصول، والسّبب والإضمار، والخاصّ والعامّ، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، والحدود والأحكام، والخبر، والاستفهام
والأبّهة، والحروف المصرّفة، والإعذار والإنذار، والحجّة والاحتجاج، والمواعظ والأمثال، والقسم.(1/26)
فائدة: قال بعض الأقدمين: أنزل القرآن على ثلاثين نحوا، كل نحو منه غير صاحبه فمن عرف وجوهها ثم تكلّم في الدين أصاب ووفّق، ومن لم يعرفها وتكلّم في الدين كان الخطأ إليه أقرب، وهي: المكيّ والمدنيّ، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والتقديم والتأخير، والمقطوع والموصول، والسّبب والإضمار، والخاصّ والعامّ، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، والحدود والأحكام، والخبر، والاستفهام
والأبّهة، والحروف المصرّفة، والإعذار والإنذار، والحجّة والاحتجاج، والمواعظ والأمثال، والقسم.
قال فالمكّي: مثل: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا} [المزمل: 10].
والمدنيّ: مثل: {وَقََاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ} [البقرة: 190].
والناسخ والمنسوخ، واضح.
والمحكم: مثل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} الآية [النساء: 93]. {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوََالَ الْيَتََامى ََ ظُلْماً} [النساء: 10]. ونحوه مما أحكمه الله وبيّنه.
والمتشابه: مثل: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتََّى تَسْتَأْنِسُوا} الآية [النور: 27]. ولم يقل: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ عُدْوََاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نََاراً}
[النساء: 30]. كما قال في المحكم. وقد ناداهم في هذه الآية بالإيمان، ونهاهم عن المعصية، ولم يجعل فيها وعيدا، فاشتبه على أهلها ما يفعل الله بهم.
والتقديم والتأخير: مثل: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذََا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] التقدير: كتب عليكم الوصية إذا حضر أحدكم الموت.
والمقطوع والموصول: مثل: {لََا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيََامَةِ (1)} [القيامة: 1] ف (لا) مقطوع من أقسم، وإنّما هو في المعنى: أقسم بيوم القيامة. {وَلََا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوََّامَةِ (2)} ولم يقسم.
والسبب والإضمار: مثل: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أي: أهل القرية.
والخاصّ والعامّ: مثل: {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ} فهذا في المسموع خاص: {إِذََا طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ}
[الطلاق: 1]. فصار في المعنى عامّا.
والأمر: وما بعده إلى الاستفهام أمثلتها واضحة.
والأبّهة: مثل: {إِنََّا أَرْسَلْنََا} [نوح: 1]. {نَحْنُ قَسَمْنََا} [الزخرف: 32]. عبّر بالصيغة الموضوعة للجماعة للواحد تعالى، تفخيما وتعظيما وأبهة.
والحروف المصرفة: كالفتنة (1)، تطلق على الشرك، نحو: {حَتََّى لََا تَكُونَ فِتْنَةٌ}
__________
(1) انظر نزهة الأعين النواظر ص 480477، وتأويل مشكل القرآن ص 472، وبصائر ذوي التمييز 4/ 167. 168، وكشف السرائر ص 125122.(1/27)
[البقرة: 193]. وعلى المعذرة نحو: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} [الأنعام: 23]. أي: معذرتهم.
وعلى الاختبار، نحو: {قَدْ فَتَنََّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ} [طه: 85]. والاعتذار (1)، نحو: {فَبِمََا نَقْضِهِمْ مِيثََاقَهُمْ لَعَنََّاهُمْ} (2) [المائدة: 13]. اعتذر أنّه لم يفعل ذلك إلّا بمعصيتهم.
والبواقي أمثلتها واضحة.
__________
(1) في نسخة: الإعذار.
(2) وليس في الآية لفظة: الفتنة. فتنبه.(1/28)
النوع الثاني والخمسون في حقيقته ومجازه (1)
لا خلاف في وقوع الحقائق في القرآن وهي: كلّ لفظ بقي على موضوعه، ولا تقديم فيه ولا تأخير. وهذا أكثر الكلام.
وأما المجاز: فالجمهور أيضا على وقوعه فيه، وأنكره جماعة، منهم: الظاهريّة وابن القاصّ من الشافعية وابن خويز منداد من المالكية.
وشبهتهم: أنّ المجاز أخو الكذب، والقرآن منزّه عنه، وأن المتكلّم لا يعدل إليه إلا إذا ضاقت به الحقيقة، فيستعير وذلك محال على الله تعالى.
وهذا شبهة باطلة، ولو سقط المجاز من القرآن سقط منه شطر الحسن فقد اتفق البلغاء على أنّ المجاز أبلغ من الحقيقة، ولو وجب خلوّ القرآن من المجاز وجب خلوّه من الحذف والتوكيد وتثنية القصص وغيرها.
وقد أفرده بالتصنيف: الإمام عز الدين بن عبد السلام ولخصته مع زيادات كثيرة في كتاب سميته: «مجاز الفرسان إلى مجاز القرآن». وهو قسمان.
الأوّل: المجاز في التركيب، ويسمّى مجاز الإسناد، والمجاز العقلي. وعلاقته الملابسة، وذلك أن يسند الفعل أو شبهه إلى غير ما هو له أصالة لملابسته له، كقوله تعالى: {وَإِذََا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيََاتُهُ زََادَتْهُمْ إِيمََاناً} [الأنفال: 2]، نسبت الزيادة وهي فعل الله إلى الآيات، لكونها سببا لها. {يُذَبِّحُ أَبْنََاءَهُمْ} [القصص: 4]. {يََا هََامََانُ ابْنِ لِي}
[غافر: 36]. نسب الذبح وهو فعل الأعوان إلى فرعون، والبناء وهو فعل العملة إلى
__________
(1) انظر مختصر الصواعق 2/ 762، والإيمان لابن تيمية ص 6752، وللشنقيطي رسالة في رد ادعاء المجاز.
(2) انظر البرهان 2/ 255.
(3) وهو مختصر مجاز القرآن لابن عبد السلام، انظر هدية العارفين 1/ 542، وكشف الظنون 1/ 542، ودليل مخطوطات السيوطي ص 41.(1/29)
هامان لكونهما آمرين به.
وكذا قوله: {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دََارَ الْبَوََارِ} [إبراهيم: 28] نسب الإحلال إليهم لتسبّبهم في كفرهم بأمرهم إيّاهم به.
ومنه قوله تعالى: {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدََانَ شِيباً} [المزمل: 17]، نسب الفعل إلى الظّرف لوقوعه فيه.
{عِيشَةٍ رََاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] أي: مرضية.
{فَإِذََا عَزَمَ الْأَمْرُ} [محمد: 21] أي عزم عليه، بدليل: {فَإِذََا عَزَمْتَ} [آل عمران: 159].
وهذا القسم أربعة أنواع:
أحدها: ما طرفاه حقيقيّان كالآية المصدّر بها، وكقوله: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقََالَهََا (2)} [الزلزلة: 2].
ثانيها: مجازيّان، نحو: {فَمََا رَبِحَتْ تِجََارَتُهُمْ} [البقرة: 16] أي: ما ربحوا فيها، وإطلاق الربح والتجارة هنا مجاز.
ثالثها ورابعها: ما أحد طرفيه حقيقيّ دون الآخر.
أما الأوّل والثاني فكقوله: {أَمْ أَنْزَلْنََا عَلَيْهِمْ سُلْطََاناً} [الروم: 35] أي: برهانا. {كَلََّا إِنَّهََا لَظى ََ (15) نَزََّاعَةً لِلشَّوى ََ (16) تَدْعُوا} [المعارج: 15، 16، 17] فإنّ الدعاء من النّار مجاز.
وقوله: {حَتََّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزََارَهََا} [محمد: 4]. {تُؤْتِي أُكُلَهََا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25].
{فَأُمُّهُ هََاوِيَةٌ (9)} [القارعة: 9] واسم الأمّ الهاوية مجاز، أي: كما أنّ الأم كافلة لولدها وملجأ له، كذلك النّار للكافرين كافلة ومأوى ومرجع.
القسم الثاني: المجاز في المفرد، ويسمّى اللّغويّ، وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له أوّلا، وأنواعه كثيرة:
أحدها: الحذف، وسيأتي مبسوطا في نوع الإيجاز، فهو به أجدر، خصوصا إذا قلنا: إنه ليس من أنواع المجاز.
الثاني: الزّيادة، وسبق تحرير القول فيها في نوع الإعراب (1).
__________
(1) وهو النوع الواحد والأربعون.(1/30)
الثالث: إطلاق اسم الكل على الجزء، نحو: {يَجْعَلُونَ أَصََابِعَهُمْ فِي آذََانِهِمْ}
[البقرة: 19] أي: أناملهم. ونكتة التعبير عنها بالأصابع الإشارة إلى إدخالها على غير المعتاد مبالغة من الفرار، فكأنّهم جعلوا الأصابع. {وَإِذََا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسََامُهُمْ}
[المنافقون: 4] أي: وجوههم لأنّه لم ير جملتهم. {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
[البقرة: 185] أطلق الشهر وهو اسم لثلاثين ليلة، وأراد جزءا منه. كذا أجاب به الإمام فخر الدين (1) عن استشكال: أنّ الجزاء إنما يكون بعد تمام الشرط، والشّرط أن يشهد الشهر، وهو اسم لكلّه حقيقة فكأنّه أمر بالصوم بعد مضيّ الشهر وليس كذلك. وقد فسّره عليّ وابن عباس وابن عمر على أن المعنى: من شهد أول الشهر فليصم جميعه وإن سافر في أثنائه. أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم (2) وغيرهما، وهو أيضا من هذا النوع، ويصلح أن يكون من نوع الحذف.
الرابع: عكسه، نحو: {وَيَبْقى ََ وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] أي: ذاته. {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] أي ذواتكم، إذ الاستقبال يجب بالصدر. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاعِمَةٌ (8)}
[الغاشية: 8]. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خََاشِعَةٌ (2) عََامِلَةٌ نََاصِبَةٌ (3)} [الغاشية: 2، 3] عبّر بالوجه عن جميع الأجساد، لأنّ التنعّم والنّصب حاصل بكلها. {ذََلِكَ بِمََا قَدَّمَتْ يَدََاكَ} [الحج: 10].
{فَبِمََا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] أي: قدّمت وكسبتم، ونسب ذلك إلى الأيدي لأنّ أكثر الأعمال تزاول بها. {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2]. {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78].
{وَارْكَعُوا مَعَ الرََّاكِعِينَ} [البقرة: 43]. {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ} [الإنسان: 26] أطلق كلّا من القيام والقراءة والركوع والسجود على الصّلاة وهو بعضها. {هَدْياً بََالِغَ الْكَعْبَةِ}
[المائدة: 95] أي: الحرم كله، بدليل أنه لا يذبح فيها.
تنبيه: ألحق بهذين النوعين شيئان:
أحدهما: وصف البعض بصفة الكل، كقوله: {نََاصِيَةٍ كََاذِبَةٍ خََاطِئَةٍ (16)} [العلق: 16] فالخطأ صفة الكلّ، وصف به الناصية. وعكسه كقوله: {إِنََّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} [الحجر: 52] والوجل: صفة القلب. {وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} [الكهف: 18] والرّعب إنّما يكون في القلب.
__________
(1) انظر البرهان 2/ 263.
(2) انظر تفسير ابن كثير 1/ 216، وتفسير البغوي 1/ 154152.(1/31)
والثاني: إطلاق لفظ بعض مرادا به الكلّ، ذكره أبو عبيدة (1)، وخرّج عليه قوله:
{وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [الزخرف: 63] أي: كلّه. {وَإِنْ يَكُ صََادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غافر: 28]. وتعقّب بأنّه لا يجب على النبي بيان كلّ ما اختلف فيه، بدليل الساعة والرّوح ونحوهما وبأنّ موسى كان وعدهم بعذاب في الدنيا وفي الآخرة، فقال: يصبكم هذا العذاب في الدنيا، وهو بغض الوعيد، من غير نفي عذاب الآخرة. ذكره ثعلب.
قال الزركشي (2): ويحتمل أيضا أن يقال: إنّ الوعيد مما لا يستنكر ترك جميعه، فكيف بعضه؟ ويؤيد ما قاله ثعلب قوله: {وَإِمََّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنََا مَرْجِعُهُمْ} [يونس: 46].
الخامس: إطلاق اسم الخاص على العام، نحو: {إِنََّا رَسُولُ رَبِّ الْعََالَمِينَ}
[الشعراء: 16] أي: رسله.
السادس: عكسه، نحو: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 5] أي: المؤمنين، بدليل قوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 7].
السابع: إطلاق اسم الملزوم على اللازم (3).
الثامن: عكسه، نحو: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنََا مََائِدَةً مِنَ السَّمََاءِ}
[المائدة: 112] أي: هل يفعل؟ أطلق الاستطاعة على الفعل لأنها لازمة له.
التاسع: إطلاق المسبّب على السبب نحو: {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمََاءِ رِزْقاً}
[غافر: 13] {قَدْ أَنْزَلْنََا عَلَيْكُمْ لِبََاساً} [الأعراف: 26] أي: مطرا يتسبّب عنه الرزق واللباس.
{لََا يَجِدُونَ نِكََاحاً} [النور: 33] أي: مؤنة من مهر ونفقة، وما لا بد للمتزوج منه.
العاشر: عكسه، نحو: {مََا كََانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} [هود: 20] أي: القبول والعمل به لأنه مسبّب عن السمع.
تنبيه: من ذلك نسبة الفعل إلى سبب السبب، كقوله: {فَأَخْرَجَهُمََا مِمََّا كََانََا فِيهِ}
[البقرة: 36]. {كَمََا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27] فإنّ المخرج في الحقيقة هو الله
__________
(1) مجاز القرآن لأبي عبيدة 2/ 205، وانظر تفسير القرطبي 16/ 108، والبرهان 2/ 267.
(2) البرهان 2/ 269.
(3) انظر البرهان 2/ 269.(1/32)
تعالى، وسبب ذلك أكل الشجرة، وسبب الأكل وسوسة الشيطان.
الحادي عشر: تسمية الشيء باسم ما كان عليه، نحو {وَآتُوا الْيَتََامى ََ أَمْوََالَهُمْ} [النساء: 2] أي: الذين كانوا يتامى، إذ لا يتم بعد البلوغ.
{فَلََا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوََاجَهُنَّ} [البقرة: 232] أي: الذين كانوا أزواجهنّ، {مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} [طه: 74] سمّاه مجرما باعتبار ما كان في الدنيا من الإجرام.
الثاني عشر: تسميته باسم ما يؤول إليه، نحو: {إِنِّي أَرََانِي أَعْصِرُ خَمْراً}
[يوسف: 36] أي: عنبا يؤول إلى الخمرية. {وَلََا يَلِدُوا إِلََّا فََاجِراً كَفََّاراً رَبِّ} [نوح: 27] أي:
صائرا إلى الكفر والفجور. {حَتََّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 230] سمّاه زوجا لأنّ العقد يؤول إلى زوجيّة لأنها لا تنكح إلّا في حال كونه زوجا. {فَبَشَّرْنََاهُ بِغُلََامٍ حَلِيمٍ (101)}
[الصافات: 101]. {نُبَشِّرُكَ بِغُلََامٍ عَلِيمٍ} [الحجر: 53] وصفه في حال البشارة بما يؤول إليه من العلم والحلم.
الثالث عشر: إطلاق اسم الحالّ على المحلّ، نحو: {فَفِي رَحْمَتِ اللََّهِ هُمْ فِيهََا خََالِدُونَ} [آل عمران: 107] أي: في الجنة، لأنها محلّ الرحمة. {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ}
[سبأ: 33] أي: في الليل. {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللََّهُ فِي مَنََامِكَ} [الأنفال: 33] أي: في عينك، على قول الحسن.
الرابع عشر: عكسه، نحو: {فَلْيَدْعُ نََادِيَهُ (17)} [العلق: 17] أي: أهل ناديه، أي:
مجلسه.
ومنه التعبير باليد عن القدرة (1)، نحو: {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1].
وبالقلب عن العقل، نحو: {لَهُمْ قُلُوبٌ لََا يَفْقَهُونَ بِهََا} [الأعراف: 179] أي: عقول.
وبالأفواه عن الألسن، نحو: {يَقُولُونَ بِأَفْوََاهِهِمْ مََا} [آل عمران: 167].
وبالقرية عن ساكنيها، نحو: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82].
وقد اجتمع هذا النوع وما قبله في قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}
[الأعراف: 31] فإنّ أخذ الزينة غير ممكن لأنها مصدر، فالمراد محلها، فأطلق عليه اسم
__________
(1) الاسترسال في المجاز يؤدي إلى تعطيل صفات الله، وهذا مما دعا كثيرا من العلماء إلى رد المجاز.
فاليد صفة ثابتة لله بالكتاب والسنة، وكذلك الوجه، والسمع فلا يجوز تأويل اليد بالقدرة. انظر بيان ذلك في الصفات للحافظ عبد الغني ص 8584، بتحقيقي، ومختصر الصواعق المرسلة.(1/33)
الحالّ، وأخذها للمسجد نفسه لا يجب، فالمراد الصلاة، فأطلق اسم المحلّ على الحالّ.
الخامس عشر: تسمية الشيء باسم آلته، نحو: {وَاجْعَلْ لِي لِسََانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)} [الشعراء: 84] أي: ثناء حسنا، لأنّ اللسان آلته. {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ رَسُولٍ إِلََّا بِلِسََانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] أي: بلغة قومه.
السادس عشر: تسمية الشيء باسم ضدّه، نحو: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذََابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] والبشارة حقيقة في الخبر السارّ.
ومنه: تسمية الداعي إلى الشيء باسم الصارف عنه، ذكره السكاكيّ (1)، وخرّج عليه قوله تعالى: {مََا مَنَعَكَ أَلََّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12]. يعني ما دعاك إلى ألّا تسجد؟. وسلم بذلك من دعوى زيادة (لا) (2).
السابع عشر: إضافة الفعل إلى ما لا يصح منه تشبيها، نحو: {جِدََاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقََامَهُ} [الكهف: 77] وصفه بالإرادة وهي من صفات الحيّ، تشبيها لميله للوقوع بإرادته.
الثامن عشر: إطلاق الفعل والمراد مشارفته ومقاربته وإرادته، نحو: {فَإِذََا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق: 2] أي: قاربن بلوغ الأجل، أي: انقضاء العدّة لأنّ الإمساك لا يكون بعده. وهو في قوله: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلََا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232]. حقيقة.
{فَإِذََا جََاءَ أَجَلُهُمْ لََا يَسْتَأْخِرُونَ سََاعَةً وَلََا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] أي: فإذا قرب مجيئه. وبه يندفع السؤال المشهور فيها (3): أنّ عند مجيء الأجل لا يتصوّر تقديم ولا تأخير. {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ} الآية [النساء: 9] أي: لو قاربوا أن يتركوا خافوا، لأنّ الخطاب للأوصياء وإنّما يتوجه إليهم قبل الترك، لأنهم بعده أموات. {إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] أي: أردتم القيام. {فَإِذََا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ}
[النحل: 98] أي: أردت القراءة، لتكون الاستعاذة قبلها. {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنََاهََا فَجََاءَهََا بَأْسُنََا} [الأعراف: 4] أي: أردنا إهلاكها، وإلّا لم يصحّ العطف بالفاء.
__________
(1) مفتاح العلوم ص 196وعبارته هناك: «يحتمل عندي أن يكون: منعك في قوله علت كلمته: {مََا مَنَعَكَ أَلََّا تَسْجُدَ} مرادا به: ما دعاك إلى ألا تسجد، وأن (لا) غير صلة قرينة للمجاز. ونظيره: {مََا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلََّا تَتَّبِعَنِ}» اهـ.
(2) انظر البرهان 2/ 284.
(3) انظر البرهان 2/ 293.(1/34)
وجعل منه بعضهم قوله: {مَنْ يَهْدِ اللََّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} [الكهف: 17] أي: من يرد الله هدايته، وهو حسن جدا، لئلا يتّحد الشرط والجزاء.
التاسع عشر: القلب: إما قلب إسناد: نحو: {مََا إِنَّ مَفََاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ}
[القصص: 76] أي: لتنوأ العصبة بها. {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتََابٌ} [الرعد: 38] أي: لكلّ كتاب أجل. {وَحَرَّمْنََا عَلَيْهِ الْمَرََاضِعَ} [القصص: 12] أي: حرّمناه على المراضع. {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النََّارِ} [الأحقاف: 20] أي: تعرض النار عليهم لأنّ المعروض عليه هو الذي له الاختيار. {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)} [العاديات: 8]. أي: وإن حبّه للخير. {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} [يونس: 107] أي: يرد بك الخير. {فَتَلَقََّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمََاتٍ} [البقرة: 37] لأنّ المتلقّي حقيقة هو آدم، كما قرئ بذلك أيضا (1).
أو: قلب عطف: نحو: {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ} [النمل: 28] أي: فانظر ثم تولّ، {ثُمَّ دَنََا فَتَدَلََّى (8)} [النجم: 8] أي: تدلّى فدنا، لأنّه بالتدلّي مال إلى الدنو.
أو: قلب تشبيه: وسيأتي في نوعه.
العشرون: إقامة صيغة مقام أخرى، وتحته أنواع كثيرة:
منها: إطلاق المصدر على الفاعل، نحو: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} [الشعراء: 77] ولهذا أفرده. وعلى المفعول، نحو: {وَلََا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255] أي: من معلومه. {صُنْعَ اللََّهِ} [النمل: 88] أي: مصنوعه. {وَجََاؤُ عَلى ََ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}
[يوسف: 18] أي مكذوب فيه لأنّ الكذب من صفات الأقوال لا الأجسام.
ومنها: إطلاق البشرى على المبشّر به، والهوى على المهويّ، والقول على المقول.
ومنها: إطلاق الفاعل والمفعول على المصدر، نحو: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهََا كََاذِبَةٌ (2)}
[الواقعة: 2] أي: تكذيب، {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6)} [القلم: 6] أي: الفتنة، على أنّ الباء غير زائدة.
ومنها: إطلاق فاعل على مفعول، نحو: {مََاءٍ دََافِقٍ} [الطارق: 6] أي: مدفوق. {لََا عََاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللََّهِ إِلََّا مَنْ رَحِمَ} [هود: 43] أي: لا معصوم. {جَعَلْنََا حَرَماً آمِناً}
[العنكبوت: 67] أي: مأمونا فيه.
__________
(1) انظر الحجة للقراء السبعة 2/ 4223، والمجاز 1/ 38، والحجة لمكي 1/ 238236، وتفسير ابن كثير 1/ 81. وقد قرأ ابن كثير وحده: {فَتَلَقََّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمََاتٍ}: بنصب الاسم ورفع الكلمات.
وقرأ الباقون {فَتَلَقََّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمََاتٍ} برفع الاسم ونصب الكلمات.(1/35)
وعكسه، نحو: {إِنَّهُ كََانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} [مريم: 61] أي: آتيا. {حِجََاباً مَسْتُوراً}
[الإسراء: 45] أي: ساترا. وقيل: هو على بابه، أي: مستورا على العيون لا يحسّ به أحد.
ومنها: إطلاق (فعيل) بمعنى (مفعول)، نحو: {وَكََانَ الْكََافِرُ عَلى ََ رَبِّهِ ظَهِيراً}
[الفرقان: 55].
ومنها: إطلاق واحد من المفرد والمثنى والجمع على آخر منها:
مثال إطلاق المفرد على المثنى: {وَاللََّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] أي:
يرضوهما، فأفرد لتلازم الرضاءين.
وعلى الجمع، نحو: {إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ (2)} [العصر: 2] أي: الأناسي، بدليل الاستثناء منه. {إِنَّ الْإِنْسََانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)} [المعارج: 19] بدليل {إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)}
[المعارج: 22].
ومثال إطلاق المثنى على المفرد: {أَلْقِيََا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24] أي: ألق.
ومنه كلّ فعل نسب إلى شيئين وهو لأحدهما فقط، نحو: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجََانُ (22)} [الرحمن: 22] وإنّما يخرج من أحدهما، وهو الملح دون العذب، ونظيره:
{وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهََا} [فاطر: 12] وإنما تخرج الحلية من الملح. {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} [نوح: 16] أي: في إحداهنّ. {نَسِيََا حُوتَهُمََا}
[الكهف: 61] بدليل قوله لموسى: {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} [الكهف: 63] وإنما أضيف النسيان إليهما معا لسكوت موسى عنه. {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة: 203] والتعجيل في اليوم الثاني. {عَلى ََ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] قال الفارسي: أي: من إحدى القريتين (1).
وليس منه {وَلِمَنْ خََافَ مَقََامَ رَبِّهِ جَنَّتََانِ (46)} [الرحمن: 46] وأنّ المعنى جنة واحدة، خلافا للفراء. وفي كتاب «ذا القدّ» لابن جنّي: أنّ منه: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنََّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلََهَيْنِ} [المائدة: 116] وإنما المتّخذ إلها عيسى دون مريم.
ومثال إطلاقه على الجمع: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] أي: كرّات لأنّ البصر لا يحسر إلّا بها. وجعل منه بعضهم قوله: {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ} [البقرة: 229].
__________
(1) انظر زاد المسير 7/ 311.(1/36)
ومثال اطلاق الجمع على المفرد: {قََالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] أي: أرجعني.
وجعل منه ابن فارس: {فَنََاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35] والرسول واحد، بدليل {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} [النمل: 37] وفيه نظر لأنه يحتمل أنه خاطب رئيسهم، لا سيّما وعادة الملوك جارية ألّا يرسلوا واحدا. وجعل منه: {فَنََادَتْهُ الْمَلََائِكَةُ} [آل عمران: 39]. {يُنَزِّلُ الْمَلََائِكَةَ بِالرُّوحِ} [النحل: 2] أي: جبريل. {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادََّارَأْتُمْ فِيهََا} [البقرة: 72] والقاتل واحد.
ومثال إطلاقه على المثنى: {قََالَتََا أَتَيْنََا طََائِعِينَ} [فصلت: 11]. {قََالُوا لََا تَخَفْ خَصْمََانِ} [ص: 32]. {فَإِنْ كََانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] أي: أخوان، {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمََا} [التحريم: 4] أي: قلباكما. {وَدََاوُدَ وَسُلَيْمََانَ إِذْ يَحْكُمََانِ فِي الْحَرْثِ} إلى قوله: {وَكُنََّا لِحُكْمِهِمْ شََاهِدِينَ} [الأنبياء: 78].
ومنها: إطلاق الماضي على المستقبل لتحقّق وقوعه، نحو: {أَتى ََ أَمْرُ اللََّهِ}
[النحل: 1] أي: الساعة. بدليل: {فَلََا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1]. {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ} [الزمر: 68]. {وَإِذْ قََالَ اللََّهُ يََا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنََّاسِ}
الآية [المائدة: 116]. {وَبَرَزُوا لِلََّهِ جَمِيعاً} [إبراهيم: 21]. {وَنََادى ََ أَصْحََابُ الْأَعْرََافِ}
[الأعراف: 48].
وعكسه، لإفادة الدوام والاستمرار. فكأنه وقع واستمرّ، نحو: {أَتَأْمُرُونَ النََّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ} [البقرة: 44]. {وَاتَّبَعُوا مََا تَتْلُوا الشَّيََاطِينُ عَلى ََ مُلْكِ سُلَيْمََانَ} [البقرة: 102] أي:
تلت. {وَلَقَدْ نَعْلَمُ} [النحل: 103]. أي: علمنا {قَدْ يَعْلَمُ مََا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور: 64] أي: علم. {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيََاءَ اللََّهِ} [البقرة: 91] أي: قتلتم. {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87]. {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا} [الرعد: 43] أي: قالوا.
ومن لواحق ذلك: التعبير عن المستقبل باسم الفاعل أو المفعول لأنّه حقيقة في الحال لا في الاستقبال، نحو: {وَإِنَّ الدِّينَ لَوََاقِعٌ} [الذاريات: 6]. {ذََلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النََّاسُ} [هود: 103].
ومنها: إطلاق الخبر على الطّلب أمرا أو نهيا أو دعاء، مبالغة في الحثّ عليه حتّى كأنه وقع وأخبر عنه. قال الزمخشريّ: ورود الخبر، والمراد الأمر أو النهي، أبلغ من صريح الأمر أو النهي كأنه سورع فيه إلى الامتثال وأخبر عنه، نحو {وَالْوََالِدََاتُ يُرْضِعْنَ}
[البقرة: 233]. {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228]. {فَلََا رَفَثَ وَلََا فُسُوقَ وَلََا جِدََالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197].
على قراءة الرفع (1). {وَمََا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغََاءَ وَجْهِ اللََّهِ}
[البقرة: 272] أي: لا تنفقوا إلّا ابتغاء وجه الله. {لََا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)}
[الواقعة: 79] أي: لا يمسسه. {وَإِذْ أَخَذْنََا مِيثََاقَ بَنِي إِسْرََائِيلَ لََا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللََّهَ}
[البقرة: 83] أي: لا تعبدوا، بدليل: {وَقُولُوا لِلنََّاسِ حُسْناً} [البقرة: 83]. {لََا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللََّهُ لَكُمْ} [يوسف: 92] أي: اللهم اغفر لهم.(1/37)
ومنها: إطلاق الخبر على الطّلب أمرا أو نهيا أو دعاء، مبالغة في الحثّ عليه حتّى كأنه وقع وأخبر عنه. قال الزمخشريّ: ورود الخبر، والمراد الأمر أو النهي، أبلغ من صريح الأمر أو النهي كأنه سورع فيه إلى الامتثال وأخبر عنه، نحو {وَالْوََالِدََاتُ يُرْضِعْنَ}
[البقرة: 233]. {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228]. {فَلََا رَفَثَ وَلََا فُسُوقَ وَلََا جِدََالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197].
على قراءة الرفع (1). {وَمََا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغََاءَ وَجْهِ اللََّهِ}
[البقرة: 272] أي: لا تنفقوا إلّا ابتغاء وجه الله. {لََا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)}
[الواقعة: 79] أي: لا يمسسه. {وَإِذْ أَخَذْنََا مِيثََاقَ بَنِي إِسْرََائِيلَ لََا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللََّهَ}
[البقرة: 83] أي: لا تعبدوا، بدليل: {وَقُولُوا لِلنََّاسِ حُسْناً} [البقرة: 83]. {لََا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللََّهُ لَكُمْ} [يوسف: 92] أي: اللهم اغفر لهم.
وعكسه، نحو: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمََنُ مَدًّا} [مريم: 75] أي: يمدّ. {اتَّبِعُوا سَبِيلَنََا وَلْنَحْمِلْ خَطََايََاكُمْ} [العنكبوت: 12] أي: ونحن حاملون، بدليل {إِنَّهُمْ لَكََاذِبُونَ} [العنكبوت: 12] والكذب إنّما يرد على الخبر. {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً} [التوبة: 82].
قال الكواشيّ (2): في الآية الأولى الأمر بمعنى الخبر أبلغ من الخبر، لتضمنه اللزوم، نحو: (إن زرتنا فلنكرمك) يريدون تأكيد إيجاب الإكرام عليهم. وقال ابن عبد السلام (3):
لأنّ الأمر للإيجاب، فشبه الخبر به في إيجابه.
منها: وضع النداء موضع التعجّب، نحو: {يََا حَسْرَةً عَلَى الْعِبََادِ} [يس: 30] قال الفراء: معناه، فيا لها حسرة!. وقال ابن خالويه: هذه من أصعب مسألة في القرآن، لأنّ الحسرة لا تنادى، وإنّما ينادى الأشخاص لأنّ فائدته التنبيه، ولكن المعنى على التعجّب.
ومنها: وضع جمع القلّة موضع الكثرة، نحو: {وَهُمْ فِي الْغُرُفََاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37] وغرف الجنة لا تحصى. {لَهُمْ دَرَجََاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الأنفال: 4] ورتب الناس في علم الله أكثر من العشرة لا محالة. {اللََّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} [الزمر: 42]. {أَيََّاماً مَعْدُودََاتٍ}
[البقرة: 184] ونكتة التقليل في هذه الآية التّسهيل على المكلفين.
وعكسه، نحو: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228].
ومنها: تذكير المؤنّث على تأويله بمذكّر، نحو: {فَمَنْ جََاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ}
__________
(1) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (فلا رفث ولا فسوق) بالتنوين والرفع، وقرأ الباقون بالفتح من غير تنوين. انظر الحجة لمكي 1/ 286285.
(2) هو أحمد بن يوسف، أبو العباس، الشيباني، الموصلي، الكواشي، الشافعي، مفسر، مقرئ، ولد بكواشة، وتوفي بالموصل في 17جمادى الآخرة. من تصانيفه: تفسيران: كبير، وسماه: تبصرة المتذكر وتذكرة المتبصر. وصغير: وسماه بالتلخيص، وغيرهما.
انظر معجم المؤلفين 2/ 210209، وشذرات الذهب 5/ 366365.
(3) في كتابه «الإشارة إلى الإيجاز» ص 28وفيه: فيشبه الخبر به في إيجابه.(1/38)
[البقرة: 275] أي: وعظ. {وَأَحْيَيْنََا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً} [ق: 11] على تأويل البلدة بالمكان.
{فَلَمََّا رَأَى الشَّمْسَ بََازِغَةً قََالَ هََذََا رَبِّي} [الأنعام: 78] أي: الشمس، أو الطّالع. {إِنَّ رَحْمَتَ اللََّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]. قال الجوهريّ: ذكّرت على معنى الإحسان.
وقال الشريف المرتضى (1) في قوله: {وَلََا يَزََالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلََّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذََلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118، 119]: إنّ الإشارة للرحمة، وإنّما لم يقل: (ولتلك) لأن تأنيثها غير حقيقي ولأنه يجوز أن يكون في تأويل (أن يرحم) ومنها: تأنيث المذكّر، نحو: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهََا} [المؤمنون: 11] أنّث الفردوس وهو مذكّر، حملا على معنى الجنة. {مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا}
[الأنعام: 160] أنّث (عشرا) حيث حذف الهاء مع إضافتها إلى (الأمثال) وواحدها مذكر، فقيل: لإضافة الأمثال إلى مؤنّث، وهو ضمير الحسنات، فاكتسب منه التأنيث. وقيل: هو من باب مراعاة المعنى لأنّ (الأمثال) في المعنى مؤنّثة لأنّ مثل الحسنة حسنة، والتقدير: فله عشر حسنات أمثالها. وقد قدمنا في القواعد المهمّة قاعدة في التذكير والتأنيث.
ومنها: التّغليب، وهو إعطاء الشيء حكم غيره. وقيل: ترجيح أحد المغلوبين على الآخر، وإطلاق لفظه عليهما، إجراء للمختلفين مجرى المتفقين. نحو:
{وَكََانَتْ مِنَ الْقََانِتِينَ} [التحريم: 12]. {إِلَّا امْرَأَتَهُ كََانَتْ مِنَ الْغََابِرِينَ}
[الأعراف: 83] والأصل: (من القانتات) و (الغابرات). فعدّت الأنثى من المذكّر بحكم التغليب.
{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل: 55] أتى بتاء الخطاب تغليبا لجانب (أنتم) على جانب (قوم). والقياس أن يؤتى بياء الغيبة، لأنّه صفة ل (قوم)، وحسّن العدول عنه وقوع الموصوف خبرا عن ضمير المخاطبين.
{قََالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزََاؤُكُمْ} [الإسراء: 63] غلّب في الضمير المخاطب وإن كان {فَمَنْ تَبِعَكَ} يقتضي الغيبة، وحسّنه: أنه لمّا كان الغائب تبعا للمخاطب في المعصية والعقوبة، جعل تبعا له في اللفظ أيضا، وهو من محاسن ارتباط اللّفظ بالمعنى.
__________
(1) أمالي المرتضى 1/ 70.(1/39)
{وَلِلََّهِ يَسْجُدُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ وَمََا فِي الْأَرْضِ} [النحل: 49] غلّب غير العاقل، حيث أتى ب {مََا} لكثرته، وفي آية أخرى ب {مَنْ}، فغلّب العاقل لشرفه.
{لَنُخْرِجَنَّكَ يََا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنََا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنََا} [الأعراف: 88] أدخل شعيب في {لَتَعُودُنَّ} بحكم التغليب إذ لم يكن في ملّتهم أصلا حتى يعود فيها. وكذا قوله: {إِنْ عُدْنََا فِي مِلَّتِكُمْ} [الأعراف: 89].
{فَسَجَدَ الْمَلََائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلََّا إِبْلِيسَ} [الحجر: 30، 31] عدّ منهم بالاستثناء تغليبا لكونه كان بينهم.
{يََا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} [الزخرف: 38] أي: المشرق والمغرب. قال ابن الشجري (1): وغلب المشرق لأنه أشهر الجهتين (2).
{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [الرحمن: 19]. أي: الملح والعذب. والبحر خاصّ بالملح، فغلّب لكونه أعظم.
{وَلِكُلٍّ دَرَجََاتٌ} [الأنعام: 132] أي: من المؤمنين والكفار، والدّرجات للعلوّ، والدركات للسّفل، فاستعمل الدرجات في القسمين تغليبا للأشرف.
قال في البرهان (3): وإنّما كان التّغليب من باب المجاز لأنّ اللفظ لم يستعمل فيما وضع له، ألا ترى أنّ (القانتين) موضوع للذكور الموصوفين بهذا الوصف، فإطلاقه على الذكور والإناث إطلاق على غير ما وضع له، وكذا باقي الأمثلة.
ومنها: استعمال حروف الجرّ في غير معانيها الحقيقيّة، كما تقدّم في النوع الأربعين.
ومنها: استعمال صيغة (افعل) لغير الوجوب، وصيغة (لا تفعل) لغير التحريم، وأدوات الاستفهام لغير طلب التّصور والتصديق، وأداة التّمني والتّرجّي والنداء لغيرها كما سيأتي كلّ ذلك في الإنشاء.
__________
(1) هو هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة الحسني، البغدادي، المعروف بابن الشجري، أبو السعادات.
ولد ببغداد في رمضان سنة 450هـ وتوفي فيها في رمضان سنة 542هـ. من تصانيفه الأمالي، وشرح اللمع لابن جني وغيرها. انظر معجم المؤلفين 13/ 142141.
(2) وذهب إلى القول بالتغليب ابن جرير وغيره. كالفراء والزجاج وقال غيره: أي: مشرق الشتاء والصيف، أي بعد أحدهما عن الآخر. انظر روح المعاني 13/ 82، والسراج المنير 3/ 564، وزاد المسير 7/ 316.
(3) البرهان 3/ 312.(1/40)
ومنها: التّضمين، وهو إعطاء الشيء معنى الشيء، ويكون في الحروف والأفعال والأسماء.
أمّا الحروف: فتقدّم في حروف الجرّ وغيرها.
وأمّا الأفعال: فأن يضمّن فعل معنى فعل آخر، فيكون فيه معنى الفعلين معا وذلك بأن يأتي الفعل متعدّيا بحرف ليس من عادته التّعدّي به، فيحتاج إلى تأويله أو تأويل الحرف ليصح التعدّي به، والأوّل تضمين الفعل والثاني تضمين الحرف. واختلفوا: أيّهما أولى؟ فقال أهل اللغة وقوم من النحاة: التّوسّع في الحرف. وقال المحقّقون: التوسّع في الفعل لأنه في الأفعال أكثر.
مثاله {عَيْناً يَشْرَبُ بِهََا عِبََادُ اللََّهِ} [الإنسان: 6] ف (يشرب) إنما يتعدّى ب (من)، فتعديته بالباء إمّا على تضمينه معنى (يروى) و (يلتذ) أو تضمين الباء معنى (من) (1).
{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيََامِ الرَّفَثُ إِلى ََ نِسََائِكُمْ} [البقرة: 187]. فالرّفث لا يتعدّى بإلى إلّا على تضمّن معنى الإفضاء.
{هَلْ لَكَ إِلى ََ أَنْ تَزَكََّى} [النازعات: 18] والأصل: (في أن)، ضمّن معنى (أدعوك).
{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبََادِهِ} [الشورى: 25] عديت ب (عن) لتضمنها معنى العفو والصفح.
وأما في الأسماء فأن يضمّن اسم معنى اسم لإفادة معنى الاسمين معا، نحو:
{حَقِيقٌ عَلى ََ أَنْ لََا أَقُولَ عَلَى اللََّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [الأعراف: 105] ضمّن {حَقِيقٌ} معنى (حريص) ليفيد أنه محقوق بقول الحقّ وحريص عليه وإنما كان التضمين مجازا لأنّ اللفظ لم يوضع للحقيقة والمجاز معا، فالجمع بينهما مجاز.
فصل في أنواع مختلف في عدّها من المجاز، وهي ستة (2):
أحدها: الحذف، فالمشهور أنه من المجاز، وأنكره بعضهم، لأنّ المجاز استعمال
__________
(1) قال شيخ الإسلام في الفرقان ص 48: «قال تعالى: {يَشْرَبُ بِهََا} ولم يقل: يشرب منها، لأنه ضمّن قوله: يشرب، معنى: يروى، فإن الشارب قد يشرب ولا يروى، فإذا قيل: يشربون منها، لم يدل على الري، فإذا قيل: يشربون بها، كان المعنى: يروون بها» اهـ.
(2) انظر الإشارة إلى الإيجاز ص 182.(1/41)
اللفظ في غير موضوعه، والحذف ليس كذلك.
وقال ابن عطيّة: حذف المضاف هو عين المجاز ومعظمه، وليس كلّ حذف مجازا.
وقال القرافيّ: الحذف أربعة أقسام:
قسم يتوقف عليه صحة اللفظ ومعناه من حيث الإسناد، نحو: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}
[يوسف: 82] أي: أهلها إذ لا يصحّ إسناد السؤال إليها.
وقسم يصحّ بدونه، لكن يتوقّف عليه شرعا، كقوله: {فَمَنْ كََانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى ََ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] أي: فأفطر فعدّة.
وقسم يتوقّف عليه عادة لا شرعا، نحو: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصََاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ}
[الشعراء: 63] أي: فضربه.
وقسم يدلّ عليه دليل غير شرعيّ ولا هو عادة، نحو: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: 96] دلّ الدليل على أنّه إنّما قبض من أثر حافر فرس الرسول.
وليس في هذه الأقسام مجاز إلّا الأول.
وقال الزّنجانيّ في «المعيار»: إنّما يكون مجازا إذا تغيّر حكم فأما إذا لم يتغيّر كحذف خبر المبتدأ المعطوف على جملة فليس مجازا، إذ لم يتغيّر حكم ما بقي من الكلام.
وقال القزوينيّ في «الإيضاح»: متى تغيّر إعراب الكلمة بحذف أو زيادة فهي مجاز، نحو: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 110] فإن كان الحذف أو الزيادة لا يوجب تغيّر الإعراب، نحو: {أَوْ كَصَيِّبٍ} [البقرة: 19]. {فَبِمََا رَحْمَةٍ} [آل عمران: 159] فلا توصف الكلمة بالمجاز.
الثاني: التأكيد (1) زعم قوم أنه مجاز، لأنّه لا يفيد إلّا ما أفاده الأوّل، والصّحيح أنه حقيقة.
قال الطّرطوشيّ في «العمدة»: ومن سمّاه مجازا قلنا له: إذا كان التأكيد بلفظ الأول نحو: (عجّل عجّل) ونحوه، فإن جاز أن يكون الثاني مجازا جاز في الأوّل لأنّهما في لفظ واحد. وإذا بطل حمل الأول على المجاز بطل حمل الثاني عليه، لأنه مثل الأول.
__________
(1) انظر البرهان 2/ 384.(1/42)
الثالث: التشبيه، زعم قوم أنّه مجاز، والصحيح أنه حقيقة.
قال الزنجانيّ في «المعيار»: لأنه معنى من المعاني، وله ألفاظ تدلّ عليه وضعا، فليس فيه نقل اللفظ عن موضوعه.
وقال الشيخ عز الدين (1): إن كان بحرف فهو حقيقة أو بحذفه فمجاز بناء على أنّ الحذف من باب المجاز.
الرابع: الكناية (2)، وفيها أربعة مذاهب:
أحدها: أنها حقيقة، قال ابن عبد السلام (3): وهو الظّاهر، لأنّها استعملت فيما وضعت له، وأريد بها الدلالة على غيره.
الثاني: أنها مجاز.
الثالث: أنها لا حقيقة ولا مجاز، وإليه ذهب صاحب التلخيص (4)، لمنعه في المجاز أن يراد المعنى الحقيقي مع المجازي، وتجويزه ذلك فيها.
الرابع: وهو اختيار الشيخ تقي الدين السّبكي: أنّها تنقسم إلى حقيقة ومجاز، فإن استعملت اللفظ في معناه مرادا منه لازم المعنى أيضا فهو حقيقة، وإن لم يرد المعنى بل عبّر بالملزوم عن اللازم فهو مجاز، لاستعماله في غير ما وضع له. والحاصل: إنّ الحقيقة منها أن يستعمل اللفظ فيما وضع له، ليفيد غير ما وضع له، والمجاز منها: أن يريد به غير موضوعه استعمالا وإفادة.
الخامس: التقديم والتأخير (5): عدّه قوم من المجاز لأن تقديم ما رتبته التأخير كالمفعول وتأخير ما رتبته التقديم كالفاعل نقل لكل واحد منهما عن مرتبته وحقّه.
قال في البرهان (6): والصّحيح أنه ليس منه فإن المجاز نقل ما وضع إلى ما لم يوضع له.
__________
(1) انظر الإشارة ص 64.
(2) انظر البرهان 2/ 300.
(3) في كتابه الإشارة إلى الإيجاز ص 63حيث قال: «والظاهر أنّ الكناية ليست من المجاز لأنها استعملت اللفظ فيما وضع له وأرادت به الدلالة على غيره، ولم تخرجه عن أن يكون مستعملا فيما وضع له» اهـ. وانظر البرهان 3/ 301.
(4) انظر التلخيص في علوم البلاغة ص 337حيث قال: «فظهر أنها أي الكناية تخالف المجاز من جهة إرادة المعنى مع إرادة لازمه» اهـ.
(5) انظر البرهان 3/ 237233.
(6) البرهان 3/ 233.(1/43)
السادس: الالتفات، قال الشيخ بهاء الدين السّبكيّ: لم أر من ذكر: هل هو حقيقة أو مجاز؟ قال: وهو حقيقة حيث لم يكن معه تجريد.
فصل فيما يوصف بأنه حقيقة ومجاز باعتبارين
هو الموضوعات الشرعيّة، كالصلاة والزكاة والصوم والحج، فإنّها حقائق بالنظر إلى الشرع، مجازات بالنظر إلى اللغة.
فصل في الواسطة بين الحقيقة والمجاز
قيل بها في ثلاثة أشياء:
أحدها: اللّفظ قبل الاستعمال، وهذا القسم مفقود في القرآن، ويمكن أن يكون منه أوائل السّور على القول بأنّها للإشارة إلى الحروف التي يتركّب منها الكلام.
ثانيها: الإعلام.
ثالثها: اللفظ المستعمل في المشاكلة، نحو: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللََّهُ} [آل عمران: 54]. {وَجَزََاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهََا} [الشورى: 40]. ذكر بعضهم أنه واسطة بين الحقيقة والمجاز، قال: لأنّه لم يوضع لما استعمل فيه، فليس حقيقة، ولا علاقة معتبرة فليس مجازا، كذا في شرح بديعيّة ابن جابر لرفيقه.
قلت: والذي يظهر: أنها مجاز، والعلاقة المصاحبة.
خاتمة: لهم مجاز المجاز، وهو أن يجعل المجاز المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة إلى مجاز آخر، فيتجوّز بالمجاز الأول عن الثاني لعلاقة بينهما، كقوله تعالى:
{وَلََكِنْ لََا تُوََاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] فإنّه مجاز عن مجاز، فإن الوطء تجوّز عنه بالسرّ لكونه لا يقع غالبا إلّا في السّرّ، وتجوّز به عن العقد، لأنه مسبّب عنه، فالمصحّح للمجاز الأول الملازمة، والثاني السببيّة، والمعنى: لا تواعدوهنّ عقد نكاح.
وكذا قوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمََانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5] فإنّ قوله {لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ} [الصافات: 35]، مجاز عن تصديق القلب بمدلول هذا اللفظ، والعلاقة السببيّة لأنّ توحيد اللسان مسبّب عن توحيد الجنان، والتعبير ب (لا إله إلّا الله) عن الوحدانية من مجاز التعبير بالقول عن المقول فيه.
وجعل منه ابن السيد قوله: {أَنْزَلْنََا عَلَيْكُمْ لِبََاساً} [الأعراف: 26]. فإن المنزّل عليهم ليس هو نفس اللباس، بل الماء المنبت للزرع، المتّخذ منه الغزل المنسوج منه اللباس.(1/44)
وجعل منه ابن السيد قوله: {أَنْزَلْنََا عَلَيْكُمْ لِبََاساً} [الأعراف: 26]. فإن المنزّل عليهم ليس هو نفس اللباس، بل الماء المنبت للزرع، المتّخذ منه الغزل المنسوج منه اللباس.
النوع الثالث والخمسون في تشبيهه واستعاراته
(1)
التشبيه: نوع من أشرف أنواع البلاغة وأعلاها.
قال المبرّد في الكامل: لو قال قائل: هو أكثر كلام العرب لم يبعد.
وقد أفرد تشبيهات القرآن بالتصنيف أبو القاسم بن البندار البغداديّ، في كتاب سمّاه «الجمان» (2).
وعرّفه جماعة، منه السكاكيّ: بأنه الدّلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى (3).
وقال ابن أبي الإصبع: هو إخراج الأغمض إلى الأظهر.
وقال غيره: هو إلحاق شيء بذي وصف في وصفه.
وقال بعضهم: هو أن تثبت للمشبّه حكما من أحكام المشبّه به (4).
والغرض منه (5): تأنيس النفس بإخراجها من خفيّ إلى جليّ، وإدنائه البعيد من القريب ليفيد بيانا.
وقيل: الكشف عن المعنى المقصود مع الاختصار.
وأدواته (6): حروف وأسماء وأفعال:
فالحروف: الكاف، نحو: {كَرَمََادٍ} [إبراهيم: 18]، وكأنّ، نحو: {كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّيََاطِينِ} [الصافات: 65]
__________
(1) انظر الجمان في تشبيهات القرآن، والإكسير في علم التفسير ص 132، ونهاية الإيجاز ص 196، والبرهان 3/ 414، و «من بلاغة القرآن» ص 187، و «القرآن والصورة البيانية» ص 36، والتلخيص ص 238.
(2) وهو كتاب مطبوع باسم: «الجمان في تشبيهات القرآن» لابن ناقيا البغدادي، تحقيق الدكتور مصطفى الصاوي الجويني، نشر منشأة المعارف بالإسكندرية.
(3) انظر التلخيص في علوم البلاغة ص 238، والبرهان 3/ 415.
(4) هذه التعريفات كلها ذات مضمون واحد، إلا أن تعريف السكاكي هو التعريف المصطلح عليه في كتب البلاغة، انظر الإكسير ص 132، و «القرآن والصورة البيانية» ص 36.
(5) انظر الإكسير ص 133، والبرهان / 415.
(6) انظر الجمان ص 63، والبرهان 3/ 416.(1/45)
والأسماء: مثل وشبه ونحوهما، ممّا يشتقّ من المماثلة والمشابهة.
قال الطيبيّ: ولا تستعمل (مثل) إلّا في حال أو صفة لها شأن وفيها غرابة، نحو:
{مَثَلُ مََا يُنْفِقُونَ فِي هََذِهِ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهََا صِرٌّ} [آل عمران: 117].
والأفعال، نحو: {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مََاءً} [النور: 39]. {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهََا تَسْعى ََ}
[طه: 66].
قال في «التلخيص» اتّباعا للسكاكيّ: وربّما يذكر فعل ينبئ عن التشبيه، فيؤتى في التشبيه القريب بنحو: (علمت زيدا أسدا) الدالّ على التحقيق، وفي البعيد بنحو: (حسبت زيدا أسدا) الدّال على الظّن وعدم التحقيق.
وخالفه جماعة (1)، منهم الطيبيّ، فقالوا: في كون هذه الأفعال تنبئ عن التشبيه نوع خفاء، والأظهر: أنّ الفعل ينبئ عن حال التشبيه في القرب والبعد، وأنّ الأداة محذوفة مقدّرة، لعدم استقامة المعنى بدونه.
ذكر أقسامه:
ينقسم التشبيه باعتبارات:
الأول: باعتبار طرفيه (2)، إلى أربعة أقسام، لأنهما: إمّا حسّيّان أو عقليّان، أو المشبّه حسّيّ والمشبّه عقليّ، أو عكسه.
مثال الأول: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنََاهُ مَنََازِلَ حَتََّى عََادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)} [يس: 39]. {كَأَنَّهُمْ أَعْجََازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر: 20].
ومثال الثاني: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذََلِكَ فَهِيَ كَالْحِجََارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74].
__________
(1) انظر التلخيص ص 263.
(2) قال شارح التلخيص ص 263: «قال بعضهم: في كون هذا الفعل منبئا عن التشبيه نظر للقطع بأنه لا دلالة للعلم والحسبان على ذلك، وإنما يدل عليه علمنا بأن أسدا لا يمكن حمله على زيد تحقيقا، وإنما يكون على تقدير أداة التشبيه، سواء ذكر الفعل أو لم يذكر، ولو قيل: إنه ينبئ عن حال التشبيه من القرب والبعد لكان أصوب».
(3) انظر الإكسير في علم التفسير ص 136134، والبرهان 3/ 420، ونهاية الإيجاز للرازي ص 188، و «القرآن والصورة البيانية» ص 36.(1/46)
كذا مثّل به في البرهان (1)، وكأنه ظنّ أنّ التشبيه واقع في القسوة، وهو غير ظاهر، بل هو واقع بين القلوب والحجارة، فهو من الأوّل.
ومثال الثالث: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمََالُهُمْ كَرَمََادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ}
[إبراهيم: 18].
ومثال الرابع: لم يقع في القرآن، بل منعه الإمام (2) أصلا لأن العقل مستفاد من الحسّ، فالمحسوس أصل للمعقول، وتشبيهه به يستلزم جعل الأصل فرعا والفرع أصلا، وهو غير جائز. وقد اختلف في قوله تعالى: {هُنَّ لِبََاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبََاسٌ لَهُنَّ}
[البقرة: 187].
الثاني: ينقسم باعتبار وجهه (3) إلى: مفرد ومركّب.
والمركّب: أن ينتزع وجه الشبه من أمور مجموع بعضها إلى بعض، كقوله:
{كَمَثَلِ الْحِمََارِ يَحْمِلُ أَسْفََاراً} [الجمعة: 5]. فالتشبيه مركّب من أحوال الحمار، وهو:
حرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمّل التّعب في استصحابه.
وقوله: {إِنَّمََا مَثَلُ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا كَمََاءٍ أَنْزَلْنََاهُ مِنَ السَّمََاءِ} إلى قوله: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يونس: 24] فإنّ فيه عشر جمل، وقع التركيب من مجموعها، بحيث لو سقط منها شيء اختلّ التشبيه إذ المقصود تشبيه حال الدنيا في سرعة تقضّيها، وانقراض نعيمها، واغترار الناس بها بحال ماء نزل من السماء، وأنبت أنواع العشب، وزيّن بزخرفها وجه الأرض، كالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة، حتى إذا طمع أهلها فيها، وظنوا أنها مسلّمة من الجوائح، أتاها بأس الله فجأة، فكأنها لم تكن بالأمس.
وقال بعضهم (4): وجه تشبيه الدنيا بالماء أمران:
أحدهما: أنّ الماء إذا أخذت منه فوق حاجتك تضرّرت، وإن أخذت قدر الحاجة انتفعت به، فكذلك الدنيا.
__________
(1) البرهان 3/ 420.
(2) أي: الرازي، في كتابه نهاية الإيجاز ص 190، وانظر البرهان 3/ 420، ومعترك الأقران 1/ 271، و «القرآن والصورة البيانية» ص 4544.
(3) أي: وجه الشبه. وانظر نهاية الإيجاز ص 204202، والإكسير ص 138136، والبرهان 3/ 422، و «القرآن والصورة البيانية» ص 5247.
(4) انظر البرهان 3/ 422.(1/47)
والثاني: أنّ الماء إذا طبّقت عليه كفّك لتحفظه لم يحصل فيه شيء، فكذلك الدنيا.
وقوله: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكََاةٍ فِيهََا مِصْبََاحٌ} [النور: 35] الآية. فشبّه نوره الّذي يلقيه في قلب المؤمن بمصباح اجتمعت فيه أسباب الإضاءة، إمّا بوضعه في مشكاة وهي الطاقة التي لا تنفذ، وكونها لا تنفذ لتكون أجمع للبصر، وقد جعل فيها مصباح في داخل زجاجة تشبه الكوكب الدريّ في صفائها، ودهن المصباح من أصفى الأدهان وأقواها وقودا، لأنه من زيت شجر في أوسط الزجاج، لا شرقيّة ولا غربيّة، فلا تصيبها الشمس في أحد طرفي النهار، بل تصيبها الشمس أعدل إصابة.
وهذا مثل ضربه الله للمؤمن.
ثم ضرب للكافر مثلين: أحدهما: {كَسَرََابٍ بِقِيعَةٍ} والآخر: {كَظُلُمََاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} إلى آخره، وهو أيضا تشبيه تركيب (1).
الثالث: ينقسم باعتبار آخر إلى أقسام (2):
أحدها: تشبيه ما تقع عليه الحاسّة بما لا تقع، اعتمادا على معرفة النقيض والضدّ، فإنّ إدراكهما أبلغ من إدراك الحاسّة، كقوله: {طَلْعُهََا كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّيََاطِينِ}
[الصافات: 65]، شبّه بما لا يشكّ أنّه منكر قبيح، لما حصل في نفوس الناس من بشاعة صورة الشياطين، وإن لم ترها عيانا.
الثاني: عكسه، وهو تشبيه ما لا تقع عليه الحاسّة بما تقع عليه، كقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمََالُهُمْ كَسَرََابٍ بِقِيعَةٍ} [النور: 39] أخرج ما لا يحسّ وهو الإيمان إلى ما يحسّ وهو السراب، والمعنى الجامع: بطلان التوهّم، مع شدّة الحاجة وعظم الفاقة.
الثالث: إخراج ما لم تجر العادة به إلى ما جرت، كقوله تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} [الأعراف: 171]. والجامع بينهما الارتفاع في الصّورة.
الرابع: إخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بها، كقوله: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهََا كَعَرْضِ السَّمََاءِ وَالْأَرْضِ} [الحديد: 21]. والجامع العظم، وفائدته: التّشويق إلى الجنّة بحسن الصفة وإفراط السّعة.
الخامس: إخراج ما لا قوّة له في الصفة إلى ما له قوّة فيها، كقوله تعالى:
__________
(1) انظر البرهان 3/ 423422، والأمثال لابن القيم ص 198189.
(2) انظر البرهان 3/ 421.(1/48)
{وَلَهُ الْجَوََارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلََامِ} [الرحمن: 24] والجامع فيهما: العظم، والفائدة: إبانة القدرة على تسخير الأجسام العظام في ألطف ما يكون من الماء، وما في ذلك من انتفاع الخلق بحمل الأثقال، وقطعها الأقطار البعيدة في المسافة القريبة، وما يلازم ذلك من تسخير الرياح للإنسان. فتضمّن الكلام بناء عظيما من الفخر وتعداد النّعم. وعلى هذه الأوجه الخمسة تجري تشبيهات القرآن.
السادس: ينقسم باعتبار آخر إلى (1):
مؤكّد: وهو ما حذفت فيه الأداة، نحو: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحََابِ} [النمل: 88] أي:
مثل مرّ السّحاب. {وَأَزْوََاجُهُ أُمَّهََاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]. {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمََاوََاتُ وَالْأَرْضُ}
[آل عمران: 133].
ومرسل: وهو ما لم تحذف، كالآيات السابقة.
والمحذوف الأداة: أبلغ لأنه نزّل فيه الثاني منزلة الأوّل تجوّزا.
قاعدة: الأصل دخول أداة التشبيه على المشبّه به، وقد تدخل على المشبّه (2).
إمّا لقصد المبالغة، فيقلب التشبيه، ويجعل المشبّه هو الأصل، نحو: {قََالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبََا} [البقرة: 275] كان الأصل أن يقولوا: إنما الربا مثل البيع، لأنّ الكلام في الرّبا لا في البيع، فعدلوا عن ذلك، وجعلوا الرّبا أصلا ملحقا به البيع في الجواز لأنّه الخليق بالحلّ.
ومنه قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لََا يَخْلُقُ} [النحل: 17] فإنّ الظاهر العكس، لأنّ الخطاب لعبدة الأوثان الذين سمّوها آلهة، تشبيها بالله سبحانه وتعالى، فجعلوا غير الخالق مثل الخالق، فخولف في خطابهم لأنّهم بالغوا في عبادتهم، وغلوا حتى صارت عندهم أصلا في العبادة، فجاء الردّ على وفق ذلك.
وإما لوضوح الحال، نحو: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى ََ} [آل عمران: 36] فإنّ الأصل:
(وليس الأنثى كالذكر). وإنّما عدل عن الأصل لأنّ المعنى: (وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت). وقيل: لمراعاة الفواصل، لأنّ قبله: {إِنِّي وَضَعْتُهََا أُنْثى ََ} [آل عمران: 36].
__________
(1) انظر البرهان 3/ 429426.
(2) انظر البرهان 3/ 428426.(1/49)
وقد تدخل على غيرهما اعتمادا على فهم المخاطب، نحو: {كُونُوا أَنْصََارَ اللََّهِ كَمََا قََالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [الصف: 14] الآية المراد: (كونوا أنصار الله خالصين في الانقياد كشأن مخاطبي عيسى إذ قالوا).
قاعدة (1): القاعدة في المدح تشبيه الأدنى بالأعلى، وفي الذّم تشبيه الأعلى بالأدنى، لأن الذّم مقام الأدنى، والأعلى طارئ عليه، فيقال في المدح: حصى كالياقوت، وفي الذّم: ياقوت كالزّجاج.
وكذا في السّلب، ومنه: {يََا نِسََاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسََاءِ} [الأحزاب: 32] أي:
في النزول لا في العلوّ. {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجََّارِ} [ص: 28] أي: في سوء الحال، أي:
لا نجعلهم كذلك.
نعم أورد على ذلك: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكََاةٍ} [النور: 35] فإنّه شبّه فيه الأعلى بالأدنى، لا في مقام السلب. وأجيب: بأنّه للتقريب إلى أذهان المخاطبين إذ لا أعلى من نوره فيشبّه به.
فائدة: قال ابن أبي الإصبع: لم يقع في القرآن تشبيه شيئين بشيئين، ولا أكثر من ذلك، إنّما وقع فيه تشبيه واحد بواحد.
فصل
الاستعارة
زوّج المجاز بالتشبيه، فتولّد بينهما الاستعارة، فهي مجاز علاقته المشابهة. أو يقال في تعريفها: اللفظ المستعمل فيما شبّه بمعناه الأصليّ (2).
والأصح: أنّها مجاز لغوي، لأنّها موضوعة للمشبّه به لا للمشبّه، ولا لأعمّ منهما، فأسد في قولك: رأيت أسدا يرمي، موضوع للسّبع لا للشجاع، ولا لمعنى أعمّ منهما كالحيوان الجري مثلا، ليكون إطلاقه عليهما حقيقة كإطلاق الحيوان عليهما.
وقيل: مجاز عقليّ، بمعنى أنّ التصرّف فيها في أمر عقليّ لا لغويّ، لأنّها لا تطلق
__________
(1) انظر البرهان 3/ 429428.
(2) انظر الإكسير ص 109، والإيجاز للرازي ص 232، والبرهان 3/ 433432، و «القرآن والصورة البيانية» ص 131.(1/50)
على المشبّه إلّا بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبّه به. فكان استعمالها فيما وضعت له، فيكون حقيقة لغويّة، ليس فيها غير نقل الاسم وحده، وليس نقل الاسم المجرّد استعارة لأنّه لا بلاغة فيه، بدليل الأعلام المنقولة، فلم يبق إلّا أن يكون مجازا عقليا.
وقال بعضهم (1): حقيقة الاستعارة أن تستعار الكلمة من شيء معروف بها إلى شيء لم يعرف بها. وحكمة ذلك: إظهار الخفيّ، وإيضاح الظاهر الذي ليس بجليّ، أو حصول المبالغة، أو المجموع.
مثال إظهار الخفيّ: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتََابِ} [الزخرف: 4] فإنّ حقيقته: (وإنّه في أصل الكتاب) فاستعير لفظ الأمّ للأصل لأنّ الأولاد تنشأ من الأمّ كما تنشأ الفروع من الأصول. وحكمة ذلك: تمثيل ما ليس بمرئيّ حتى يصير مرئيّا، فينتقل السامع من حدّ السّماع إلى حدّ العيان، وذلك أبلغ في البيان.
ومثال إيضاح ما ليس بجليّ ليصير جليا: {وَاخْفِضْ لَهُمََا جَنََاحَ الذُّلِّ} [الإسراء: 24] فإنّ المراد أمر الولد بالذلّ لوالديه رحمة، فاستعير للذلّ أوّلا (جانب). ثم للجانب جناح، وتقدير الاستعارة القريبة: (واخفض لهما جانب الذل) أي: اخفض جانبك ذلا.
وحكمة الاستعارة في هذا: جعل ما ليس بمرئيّ مرئيا، لأجل حسن البيان. ولمّا كان المراد خفض جانب الولد للوالدين بحيث لا يبقي الولد من الذل لهما والاستكانة ممكنا (2) احتيج في الاستعارة إلى ما هو أبلغ من الأولى فاستعير لفظ الجناح لما فيه من المعاني التي لا تحصل من خفض الجانب لأنّ من يميل جانبه إلى جهة السّفل أدنى ميل، صدق عليه أنه خفض جانبه، والمراد خفض يلصق الجانب بالأرض، ولا يحصل ذلك إلّا بذكر الجناح كالطّائر.
ومثال المبالغة: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً} [القمر: 12] وحقيقته: (وفجّرنا عيون الأرض)، ولو عبّر بذلك لم يكن فيه من المبالغة ما في الأوّل، المشعر بأنّ الأرض كلّها صارت عيونا.
فرع: أركان الاستعارة ثلاثة (3):
__________
(1) البرهان 3/ 433.
(2) في البرهان 3/ 433: مركبا.
(3) انظر البرهان 3/ 435، والإكسير ص 110.(1/51)
مستعار، وهو لفظ المشبّه به.
ومستعار منه، وهو معنى اللفظ المشبّه.
ومستعار له، وهو المعنى الجامع (1).
وأقسامها كثيرة باعتبارات:
فتنقسم باعتبار الأركان الثلاثة إلى خمسة أقسام (2):
أحدها: استعارة محسوس لمحسوس بوجه محسوس، نحو: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} [مريم: 4] فالمستعار منه هو النار، والمستعار له الشّيب، والوجه: هو الانبساط ومشابهة ضوء النار لبياض الشيب (3)، وكلّ ذلك محسوس، وهو أبلغ مما لو قيل: (اشتعل شيب الرأس) لإفادة عموم الشيب لجميع الرأس.
ومثله: {وَتَرَكْنََا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: 99] أصل الموج حركة الماء فاستعمل في حركتهم على سبيل الاستعارة، والجامع: سرعة الاضطراب وتتابعه في الكثرة (4).
{وَالصُّبْحِ إِذََا تَنَفَّسَ} [التكوير: 18] استعير خروج النّفس شيئا فشيئا لخروج النّور من المشرق عند انشقاق الفجر قليلا قليلا، بجامع التتابع على طريق التّدريج، وكلّ ذلك محسوس (5).
الثاني: استعارة محسوس لمحسوس بوجه عقليّ: قال ابن أبي الإصبع: وهي ألطف من الأولى. نحو:
{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهََارَ} [يس: 37] فالمستعار منه السّلخ الذي هو كشط الجلد
__________
(1) قال في الإكسير ص 110: «في أركانها: وهي أربعة:
مستعير: وهو المتكلّم. ومستعار: وهو المعنى الشبهي المشترك، كاستعارة الشيب لابيضاض الرأس.
ومستعار منه: وهو ما المعنى المشترك حقيقة فيه كالنار. ومستعار له: وهو ما ينقل إليه المعنى بالاستعارة، كشعر الرأس، فالمستعار منه أصل، والمستعار له فرع» اهـ.
وبهذا تعرف خطأ ما ذكره السيوطي من تعريف أركان الاستعارة، فالمستعار منه: هو المشبه به، والمستعار له هو المشبه، والمستعار: هو اللفظ المنقول. انظر القرآن والصورة البيانية ص 131.
(2) انظر الإكسير ص 112110، والإيجاز ص 269263، والبرهان 3/ 444440.
(3) انظر الإيجاز ص 263، والإكسير ص 113، والبرهان 3/ 435و 441.
(4) الإيجاز ص 265، والبرهان 3/ 435.
(5) انظر الإيجاز ص 265، والبرهان 3/ 435.(1/52)
عن الشاة، والمستعار له كشف الضّوء عن مكان الليل وهما حسّيّان، والجامع: ما يعقل من ترتّب أمر على آخر وحصوله عقب حصوله، كترتّب ظهور اللحم على الكشط، وظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل، والترتّب أمر عقليّ (1).
ومثله: {فَجَعَلْنََاهََا حَصِيداً} [يونس: 24] أصل الحصيد النّبات، والجامع الهلاك، وهو أمر عقليّ (2).
الثالث: استعارة معقول لمعقول بوجه عقلي (3): قال ابن أبي الإصبع: وهي ألطف الاستعارات. نحو:
{مَنْ بَعَثَنََا مِنْ مَرْقَدِنََا} [يس: 52] المستعار منه الرّقاد، أي النوم، والمستعار له الموت، والجامع عدم ظهور الفعل، والكلّ عقليّ (4).
ومثله: {وَلَمََّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} [الأعراف: 154] المستعار السّكوت، والمستعار منه الساكت، والمستعار له الغضب (5).
الرابع: استعارة محسوس لمعقول، بوجه عقلي أيضا (6): نحو:
{مَسَّتْهُمُ الْبَأْسََاءُ وَالضَّرََّاءُ} [البقرة: 214] استعير المسّ وهو حقيقة في الأجسام وهو محسوس لمقاساة الشدّة، والجامع اللحوق، وهما عقليّان.
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبََاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} [الأنبياء: 18] فالقذف والدمغ مستعاران، وهما محسوسان، والحقّ والباطل مستعار لهما، وهما معقولان.
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مََا ثُقِفُوا إِلََّا بِحَبْلٍ مِنَ اللََّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النََّاسِ} [آل عمران: 112] استعير الحبل المحسوس للعهد، وهو معقول.
{فَاصْدَعْ بِمََا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94]. استعير الصّدع، وهو كسر الزجاجة وهو محسوس، للتبليغ وهو معقول، والجامع: التأثير، وهو أبلغ من (بلّغ)، وإن كان بمعناه لأن تأثير الصدع أبلغ من تأثير التبليغ، فقد لا يؤثر التبليغ، والصّدع يؤثّر جزما.
__________
(1) انظر البرهان 3/ 441.
(2) انظر البرهان 3/ 442.
(3) انظر البرهان 3/ 442.
(4) انظر الإيجاز ص 268.
(5) انظر البرهان 3/ 442، و «القرآن والصورة البيانية» ص 131، والإيجاز ص 268.
(6) انظر الإيجاز ص 266، والبرهان 3/ 442، و «القرآن والصورة البيانية» ص 132.(1/53)
{وَاخْفِضْ لَهُمََا جَنََاحَ الذُّلِّ} [الإسراء: 24] قال الراغب (1): لمّا كان الذّلّ على ضربين: ضرب يضع الإنسان وضرب يرفعه، وقصد في هذا المكان إلى ما يرفع، استعير لفظ الجناح، فكأنّه قيل: استعمل الذّل الذي يرفعك عند الله.
وكذا قوله: {يَخُوضُونَ فِي آيََاتِنََا} [الأنعام: 68]. {فَنَبَذُوهُ وَرََاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187]. {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيََانَهُ عَلى ََ تَقْوى ََ} [التوبة: 109]. {وَيَبْغُونَهََا عِوَجاً}
[الأعراف: 45]. {لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ مِنَ الظُّلُمََاتِ إِلَى النُّورِ} [الطلاق: 11].
{فَجَعَلْنََاهُ هَبََاءً مَنْثُوراً} [الفرقان: 23]. {فِي كُلِّ وََادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: 225]. {يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى ََ عُنُقِكَ} [الإسراء: 29]: كلها من استعارة المحسوس للمعقول، والجامع عقليّ.
الخامس: استعارة معقول لمحسوس، والجامع عقليّ أيضا (2): نحو: {إِنََّا لَمََّا طَغَى الْمََاءُ} [الحاقة: 11] المستعار (منه) التكبّر وهو عقليّ، والمستعار له كثرة الماء وهو حسّيّ، والجامع الاستعلاء وهو عقليّ أيضا.
ومثله: {تَكََادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك: 8]. {وَجَعَلْنََا آيَةَ النَّهََارِ مُبْصِرَةً}
[الإسراء: 12].
وتنقسم باعتبار اللفظ إلى (3):
أصليّة: وهي ما كان اللفظ المستعار فيها اسم جنس، كآية: {بِحَبْلِ اللََّهِ} [آل عمران: 103]. {مِنَ الظُّلُمََاتِ إِلَى النُّورِ} [الطلاق: 11]. {فِي كُلِّ وََادٍ} [الشعراء: 225].
وتبعيّة: وهي ما كان اللفظ فيها غير اسم جنس، كالفعل والمشتقّات، كسائر الآيات السابقة، وكالحروف، نحو: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} [القصص: 8].
شبّه ترتّب العداوة والحزن على الالتقاط بترتب غلبة الغائيّة عليه، ثم استعير في المشبّه اللّام الموضوعة للمشبّه به.
وتنقسم باعتبار آخر إلى: مرشحة، ومجرّدة، ومطلقة (4):
فالأولى: وهي أبلغها أن تقترن بما يلائم المستعار منه. نحو:
__________
(1) انظر المفردات ص 100.
(2) انظر البرهان 3/ 443، والإيجاز ص 269.
(3) انظر الإيجاز للرازي ص 245244.
(4) انظر البرهان 3/ 438، والإكسير ص 251249، و «القرآن والصورة البيانية» ص 164161.(1/54)
{أُولََئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلََالَةَ بِالْهُدى ََ فَمََا رَبِحَتْ تِجََارَتُهُمْ} [البقرة: 16] استعير الاشتراء للاستبدال والاختيار، ثم قرن بما يلائمه من الربح والتجارة.
والثانية: أن تقرن بما يلائم المستعار له، نحو: {فَأَذََاقَهَا اللََّهُ لِبََاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}
[النحل: 112] استعير اللباس للجوع، ثم قرن بما يلائم المستعار له من الإذاقة ولو أراد الترشيح لقال: (فكساها)، لكنّ التّجريد هنا أبلغ، لما في لفظ الإذاقة من المبالغة في الألم باطنا (1).
والثالثة: ألّا تقرن بواحد منهما.
وتنقسم باعتبار آخر إلى: تحقيقيّة، وتخييليّة، ومكنيّة، وتصريحيّة (2).
فالأولى: ما تحقّق معناها حسّا، نحو: {فَأَذََاقَهَا اللََّهُ} الآية، أو عقلا، نحو:
{وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} [النساء: 174] أي: بيانا واضحا وحجّة لامعة، {اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [فاتحة الكتاب: 6] أي: الدين الحق فإن كلّا منهما يتحقّق عقلا.
والثانية: أن يضمر التشبيه في النفس، فلا يصرّح بشيء من أركانه سوى المشبّه.
ويدلّ على ذلك التشبيه المضمر في النفس، بأن يثبت للمشبّه أمر مختصّ بالمشبّه به.
ويسمى ذلك التشبيه المضمر: استعارة بالكناية، ومكنيّا عنها لأنه لم يصرّح به، بل دلّ عليه بذكر خواصّه.
ويقابله التصريحيّة، ويسمّى إثبات ذلك الأمر المختصّ بالمشبّه به للمشبّه: استعارة تخييلية، لأنّه قد استعير للمشبّه ذلك الأمر المختصّ بالمشبّه به، وبه يكون كمال المشبّه به وقوامه في وجه الشبه لتخيّل أن المشبّه من جنس المشبّه به.
ومن أمثلة ذلك: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللََّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثََاقِهِ} [البقرة: 27] شبّه العهد بالحبل وأضمر في النفس، فلم يصرّح بشيء من أركان التشبيه سوى العهد المشبّه، ودلّ عليه بإثبات النقض الذي هو من خواص المشبه به وهو الحبل.
وكذا: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} [مريم: 4] طوى ذكر المشبّه به وهو النار، ودلّ عليه بلازمه وهو الاشتعال.
{فَأَذََاقَهَا اللََّهُ} [النحل: 112] الآية، شبّه ما يدرك من أثر الضّرر والألم بما يدرك من
__________
(1) انظر تفسير أبي السعود 5/ 145، والبرهان 3/ 438.
(2) انظر «القرآن والصورة البيانية» ص 155.(1/55)
طعم المرّ، فأوقع عليه الإذاقة.
{خَتَمَ اللََّهُ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ} [البقرة: 7] شبّهها في ألّا تقبل الحقّ بالشيء الموثوق المختوم، ثم أثبت لها الختم.
{جِدََاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77] شبّه ميلانه للسقوط بانحراف الحيّ، فأثبت له الإرادة التي هي من خواصّ العقلاء.
ومن التصريحية آية: {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسََاءُ} [البقرة: 214]. {مَنْ بَعَثَنََا مِنْ مَرْقَدِنََا}
[يس: 52].
وتنقسم باعتبار آخر إلى:
وفاقية، بأن يكون اجتماعهما في شيء ممكنا، نحو: {أَوَمَنْ كََانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنََاهُ}
[الأنعام: 122] أي: ضالا فهديناه، استعير الإحياء من جعل الشيء حيّا للهداية التي بمعنى الدلالة على ما يوصّل إلى المطلوب، والإحياء والهداية ممّا يمكن اجتماعهما في شيء.
وعناديّة: وهي: ما لا يمكن اجتماعهما في شيء، كاستعارة اسم المعدوم للموجود لعدم نفعه، واجتماع الوجود والعدم في شيء ممتنع.
ومن العنادية التهكميّة والتمليحيّة، وهما ما استعمل في ضدّ أو نقيض، نحو:
{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذََابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] أي: أنذرهم، استعيرت البشارة وهي الإخبار بما يسرّ، للإنذار الذي هو ضدّه، بإدخاله في جنسها على سبيل التهكّم والاستهزاء.
ونحو: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87] عنى الغويّ السفيه تهكّما، {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49].
وتنقسم باعتبار آخر إلى:
تمثيلية، وهي أن يكون وجه الشبه فيها منتزعا من متعدّد، نحو: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللََّهِ جَمِيعاً} [آل عمران: 103] شبّه استظهار العبد بالله ووثوقه بحمايته والنجاة من المكاره، باستمساك الواقع في مهواة بحبل وثيق، مدلّى من مكان مرتفع يأمن انقطاعه.
تنبيه: قد تكون الاستعارة بلفظين، نحو: {قَوََارِيرَا قَوََارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 15، 16] يعني تلك الأواني ليست من الزجاج ولا من الفضّة، بل في صفاء القارورة وبياض الفضة.
{فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذََابٍ} [الفجر: 13] فالصبّ كناية عن الدّوام، والسوط
عن الإيلام، فالمعنى: عذّبهم عذابا دائما مؤلما.(1/56)
{فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذََابٍ} [الفجر: 13] فالصبّ كناية عن الدّوام، والسوط
عن الإيلام، فالمعنى: عذّبهم عذابا دائما مؤلما.
فائدة (1): أنكر قوم الاستعارة بناء على إنكارهم المجاز. وقوم: إطلاقها في القرآن لأنّ فيها إيهاما للحاجة ولأنّه لم يرد في ذلك إذن من الشرع، وعليه القاضي عبد الوهاب المالكيّ.
وقال الطرطوشيّ (2): إن أطلق المسلمون الاستعارة فيه أطلقناها، وإن امتنعوا امتنعنا، ويكون هذا من قبيل: (إنّ الله عالم) والعلم هو العقل، لا نصفه به لعدم التوقيف. انتهى.
فائدة ثانية (3): تقدم أن التشبيه من أعلى أنواع البلاغة وأشرفها، واتفق البلغاء على أن الاستعارة أبلغ منه لأنّها مجاز وهو حقيقة، والمجاز أبلغ، فإذا الاستعارة أعلى مراتب الفصاحة. وكذا الكناية أبلغ من التصريح، والاستعارة أبلغ من الكناية، كما قال في «عروس الأفراح»: إنّه الظاهر لأنها كالجامعة بين كناية واستعارة، ولأنها مجاز قطعا.
وفي الكناية خلاف.
وأبلغ أنواع الاستعارة المثيلية، كما يؤخذ من الكشّاف، ويليها المكنية، صرّح به الطيبيّ لاشتمالها على المجاز العقليّ.
والترشيحية أبلغ من المجرّدة والمطلقة.
والتخييليّة أبلغ من التحقيقيّة.
والمراد بالأبلغيّة إفادة زيادة التأكيد والمبالغة في كمال التشبيه، لا زيادة في المعنى لا توجد في غير ذلك.
خاتمة: من المهمّ تحرير الفرق بين الاستعارة والتشبيه المحذوف الأداة، نحو: (زيد أسد) (4).
قال الزمخشري (5) في قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة: 18] فإن قلت: هل يسمّى ما في الآية استعارة؟ قلت: مختلف فيه، والمحققون على تسميته تشبيها بليغا لا
__________
(1) البرهان 3/ 432.
(2) في البرهان 3/ 432: الطرطوسي.
(3) انظر البرهان 3/ 432، و «القرآن والصورة البيانية» ص 139135.
(4) انظر الإيجاز للرازي ص 245، والبرهان 3/ 419418، و «القرآن والصورة البيانية» ص 133132.
(5) انظر الكشاف 1/ 39، والبرهان 3/ 419.(1/57)
استعارة لأن المستعار له مذكور، وهم المنافقون وإنّما تطلق الاستعارة حيث يطوى ذكر المستعار له، ويجعل الكلام خلوا عنه، صالحا لأن يراد المنقول عنه والمنقول له، لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام، ومن ثم ترى المفلقين السّحرة يتناسون التشبيه ويضربون عنه صفحا.
وعلّله السّكاكي (1): بأنّ من شرط الاستعارة إمكان حمل الكلام على الحقيقة في الظاهر وتناسي التشبيه، و (زيد أسد) لا يمكن كونه حقيقة، فلا يجوز أن يكون استعارة، وتابعه صاحب «الإيضاح» (2).
قال في «عروس الأفراح»: وما قالاه ممنوع، وليس من شرط الاستعارة صلاحية الكلام لصرفه إلى الحقيقة في الظاهر.
قال: بل لو عكس ذلك، وقيل: لا بدّ من عدم صلاحيته لكان أقرب، لأنّ الاستعارة مجاز لا بدّ له من قرينة فإن لم تكن قرينة امتنع صرفه إلى الاستعارة، وصرفناه إلى حقيقته. وإنّما نصرفه إلى الاستعارة بقرينة: إمّا لفظيّة أو معنوية، نحو: (زيد أسد)، فالإخبار به عن زيد قرينة صارفة عن إرادة حقيقته.
قال: والذي نختاره في نحو: (زيد أسد) أنه قسمان: تارة يقصد به التشبيه، فتكون أداة التشبيه مقدّرة. وتارة يقصد به الاستعارة فلا تكون مقدّرة، ويكون الأسد مستعملا في حقيقته، وذكر زيد والإخبار عنه بما لا يصلح له حقيقة قرينة صارفة إلى الاستعارة، دالة عليها.
فإن قامت قرينة على حذف الأداة صرنا إليه، وإن لم تقم فنحن بين إضمار واستعارة، والاستعارة أولى، فيصار إليها.
وممن صرّح بهذا الفرق عبد اللطيف البغدادي (3) في «قوانين البلاغة». وكذا قال حازم: الفرق بينهما أن الاستعارة وإن كان فيها معنى التشبيه، فتقدير حرف التشبيه لا يجوز فيها، والتشبيه بغير حرف على خلاف ذلك لأنّ تقدير حرف التشبيه واجب فيه.
__________
(1) انظر البرهان 3/ 419.
(2) الإيضاح ص 330329.
(3) لعله الشيخ الإمام الفقيه النحوي اللغوي الطبيب ذو الفنون، موفق الدين أبو محمد عبد اللطيف بن يوسف الموصلي البغدادي الشافعي، نزيل حلب. ولد ببغداد في أحد الربيعين، سنة سبع وخمسين وخمس مائة، من تصانيفه غريب الحديث، والواضحة في إعراب الفاتحة، وغيرها. انظر سير أعلام النبلاء 22/ 323320، وشذرات الذهب 5/ 132.(1/58)
النوع الرابع والخمسون في كناياته وتعريضه (1)
هما من أنواع البلاغة وأساليب الفصاحة، وقد تقدّم أنّ الكناية أبلغ من التصريح.
وعرّفها أهل البيان بأنّها: لفظ أريد به لازم معناه.
وقال الطيبي: ترك التصريح بالشيء إلى ما يساويه في اللزوم، فينتقل منه إلى الملزوم.
وأنكر وقوعها في القرآن من أنكر المجاز فيه بناء على أنها مجاز، وقد تقدّم الخلاف في ذلك.
وللكناية أسباب (2):
أحدها: التنبيه على عظم القدرة: نحو: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وََاحِدَةٍ}
[الأعراف: 189] كناية عن آدم.
ثانيها: ترك اللفظ إلى ما هو أجمل: نحو: {إِنَّ هََذََا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وََاحِدَةٌ} [ص: 23] فكنّى بالنعجة عن المرأة كعادة العرب في ذلك لأنّ ترك التصريح بذكر النساء أجمل منه لهذا لم تذكر في القرآن امرأة باسمها إلّا مريم.
قال السهيليّ: وإنما ذكرت مريم باسمها على خلاف عادة الفصحاء لنكتة، وهو: أنّ الملوك والأشراف لا يذكرون حرائرهم في ملأ، ولا يبتذلون أسماءهنّ، بل يكنّون عن الزوجة بالفرش والعيال ونحو ذلك فإذا ذكروا الإماء لم يكنوا عنهنّ، ولم يصونوا أسماءهنّ عن الذكر، فلمّا قالت النصارى في مريم ما قالوا، صرّح الله باسمها ولم يكن إلّا تأكيدا للعبوديّة التي هي صفة لها، وتأكيدا لأنّ عيسى لا أب له وإلّا لنسب إليه.
ثالثها: أن يكون التصريح مما يستقبح ذكره، ككناية الله عن الجماع بالملامسة والمباشرة والإفضاء والرّفث والدخول، والسّر في قوله: {وَلََكِنْ لََا تُوََاعِدُوهُنَّ سِرًّا}
__________
(1) انظر البرهان 2/ 300، والإكسير ص 118، والإيضاح ص 337، والإيجاز ص 270، و «القرآن والصورة البيانية» ص 165.
(2) انظر البرهان 2/ 309301.(1/59)
[البقرة: 235]. والغشيان في قوله: {فَلَمََّا تَغَشََّاهََا} [الأعراف: 189]. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: المباشرة الجماع، ولكنّ الله يكنى.
وأخرج عنه قال: إنّ الله كريم يكني ما شاء، وإنّ الرفث هو الجماع، وكنّى عن طلبه بالمراودة في قوله: {وَرََاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهََا عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف: 23]. وعنه أو عن المعانقة باللباس في قوله: {هُنَّ لِبََاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبََاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]. وبالحرث في قوله: {نِسََاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: 223].
وكنى عن البول ونحوه بالغائط في قوله: {أَوْ جََاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغََائِطِ} [المائدة: 6] وأصله المكان المطمئن من الأرض.
وكنى عن قضاء الحاجة بأكل الطعام في قوله في مريم وابنها: {كََانََا يَأْكُلََانِ الطَّعََامَ} [المائدة: 75].
وكنى عن الأستاه بالأدبار في قوله: {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبََارَهُمْ} [محمد: 27].
أخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد في هذه الآية قال: يعني أستاههم، ولكن الله يكني.
وأورد على ذلك التصريح بالفرج في قوله: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهََا}
[التحريم: 12]. وأجيب (1): بأن المراد به فرج القميص، والتعبير به من ألطف الكنايات وأحسنها، أي لم يعلق ثوبها بريبة فهي طاهرة الثوب، كما يقال: نقيّ الثوب وعفيف الذيل، كناية عن العفّة ومنه: {وَثِيََابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وكيف يظنّ أن نفخ جبريل وقع في فرجها، وإنّما نفخ في جيب درعها.
ونظيره أيضا: {وَلََا يَأْتِينَ بِبُهْتََانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة: 12].
قلت: وعلى هذا ففي الآية كناية عن كناية، ونظيره ما تقدّم من مجاز المجاز.
رابعها: قصد البلاغة والمبالغة، نحو: {أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصََامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18]. كنّى عن النساء بأنّهنّ ينشّأن في التّرفّه والتّزيّن الشاغل عن النظر في الأمور ودقيق المعاني، ولو أتى بلفظ (النساء) لم يشعر بذلك، والمراد نفي ذلك عن الملائكة.
وقوله: {بَلْ يَدََاهُ مَبْسُوطَتََانِ} [المائدة: 64]. كناية عن سعة جوده وكرمه جدا.
__________
(1) انظر البرهان 2/ 306305، وعزاه للسهيلي في «التعريف والإعلام» ص 84.(1/60)
خامسها: قصد الاختصار، كالكناية عن ألفاظ متعدّدة بلفظ (فعل). نحو: {لَبِئْسَ مََا كََانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79]. {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة: 24] أي: فإن لم تأتوا بسورة من مثله.
سادسها: التنبيه على مصيره، نحو: {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] أي: جهنّميّ مصيره إلى اللهب، {حَمََّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهََا حَبْلٌ} [المسد: 4، 5] أي: نمّامة، مصيرها إلى أن تكون حطبا لجهنم، في جيدها غلّ.
قال بدر الدين بن مالك في «المصباح»: إنّما يعدل عن التصريح إلى الكناية لنكتة، كالإيضاح، أو بيان حال الموصوف، أو مقدار حاله، أو القصد إلى المدح أو الذمّ أو الاختصار، أو السّتر، أو الصيانة، أو التعمية والإلغاز، أو التعبير عن الصعب بالسهل، أو عن المعنى القبيح باللفظ الحسن.
واستنبط الزمخشري (1) نوعا من الكناية غريبا، وهو: أن تعمد إلى جملة معناها على خلاف الظاهر، فتأخذ الخلاصة، من غير اعتبار مفرداتها بالحقيقة والمجاز، فتعبّر بها عن المقصود، كما تقول في نحو: {الرَّحْمََنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ََ} [طه: 5]: إنّه كناية عن الملك، فإنّ الاستواء على السرير لا يحصل إلّا مع الملك، فجعل كناية عنه. وكذا قوله:
{وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيََامَةِ وَالسَّمََاوََاتُ مَطْوِيََّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]. كناية عن عظمته وجلالته، من غير ذهاب بالقبض واليمين إلى جهتين: حقيقة ومجاز.
تذنيب: من أنواع البديع التي تشبه الكناية الإرداف وهو أن يريد المتكلم معنى، ولا يعبّر عنه بلفظه الموضوع له، ولا بدلالة الإشارة، بل بلفظ يرادفه، كقوله تعالى:
{وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [هود: 44]. والأصل: (وهلك من قضى الله هلاكه، ونجا من قضى الله نجاته). وعدل عن ذلك إلى لفظ الإرداف لما فيه من الإيجاز، والتنبيه على أن هلاك الهالك ونجاة الناجي كان بأمر آمر مطاع، وقضاء من لا يردّ قضاؤه، والأمر يستلزم آمرا، فقضاؤه يدلّ على قدرة الآمر به وقهره، وأن الخوف من عقابه ورجاء ثوابه يحضّان على طاعة الآمر ولا يحصل ذلك كله من اللفظ الخاصّ.
__________
(1) الكشاف 2/ 530. قال الزركشي في البرهان 2/ 309: «وقد اعترض الإمام فخر الدين على ذلك بأنها تفتح باب تأويلات الباطنية، فلهم أن يقولوا: المراد من قوله: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: 12]: الاستغراق في الخدمة من غير الذهاب إلى نعل وخلعه، وكذا نظائره. انتهى» اهـ.
قلت: وقد فتح أيضا باب التأويل على مصراعيه حيث أوّل هؤلاء أكثر صفات الله تعالى، ونفوا هذه الصفات وعطلوها. فخالفوا ما عليه أئمة السلف في الاعتقاد. انظر مجموعة: «اعتقاد أئمة السلف» بتحقيقنا لترى ما عليه هؤلاء الأئمة من الاعتقاد. والله الموفق.(1/61)
وكذا قوله: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: 44]. حقيقة ذلك: (جلست)، فعدل عن اللفظ الخاصّ بالمعنى إلى مرادفه، لما في الاستواء من الإشعار بجلوس متمكّن لا زيغ فيه ولا ميل، وهذا لا يحصل من لفظ (الجلوس).
وكذا: {فِيهِنَّ قََاصِرََاتُ الطَّرْفِ} [الرحمن: 56]. الأصل (عفيفات) وعدل عنه للدلالة على أنّهنّ مع العفة لا تطمح أعينهنّ إلى غير أزواجهنّ ولا يشتهين غيرهم. ولا يؤخذ ذلك من لفظ العفّة.
قال بعضهم: والفرق بين الكناية والإرداف، أنّ: الكناية انتقال من لازم إلى ملزوم، والإرداف من مذكور إلى متروك.
ومنه أمثلته أيضا: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسََاؤُا بِمََا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}
[النجم: 31]. عدل في الجملة الأولى عن قوله (بالسوأى) مع أن فيه مطابقة للجملة الثانية إلى: {بِمََا عَمِلُوا} تأدّبا أن يضاف السّوء إلى الله تعالى.
فصل [الفرق بين الكناية والتعريض]
للنّاس في الفرق بين الكناية والتعريض عبارات متقاربة:
فقال الزمخشريّ: الكناية ذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له، والتعريض: أن تذكر شيئا تدلّ به على شيء لم تذكره.
وقال ابن الأثير: الكناية: ما دلّ على معنى يجوز حمله على الحقيقة والمجاز، بوصف جامع بينهما. والتّعريض: اللفظ الدالّ على معنى لا من جهة الوضع الحقيقيّ أو المجازيّ، كقول من يتوقّع صلة: والله إنّي محتاج فإنّه تعريض بالطلب، مع أنه لم يوضع له حقيقة ولا مجازا، وإنما فهم من عرض اللفظ، أي: جانبه.
وقال السّبكيّ في كتاب «الإغريض في الفرق بين الكناية والتعريض»: الكناية لفظ استعمل في معناه مرادا منه لازم المعنى، فهي بحسب استعمال اللفظ في المعنى حقيقة، والتجوّز في إرادة إفادة ما لم يوضع له. وقد لا يراد منها المعنى، بل يعبّر بالملزوم عن اللازم، وهي حينئذ مجاز، ومن أمثلته: {قُلْ نََارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} [التوبة: 81] فإنه لم يقصد إفادة ذلك لأنه معلوم، بل إفادة لازمه، وهو: أنهم يردونها ويجدون حرّها إن لم يجاهدوا.
وأمّا التعريض: فهو لفظ استعمل في معناه للتلويح بغيره، نحو: {قََالَ بَلْ فَعَلَهُ
كَبِيرُهُمْ هََذََا} [النساء: 63] نسب الفعل إلى كبير الأصنام المتّخذة آلهة، كأنه غضب أن تعبد الصغار معه، تلويحا لعابدها بأنها لا تصلح أن تكون آلهة لما يعلمون إذا نظروا بعقولهم من عجز كبيرها عن ذلك الفعل، والإله لا يكون عاجزا، فهو حقيقة أبدا.(1/62)
وأمّا التعريض: فهو لفظ استعمل في معناه للتلويح بغيره، نحو: {قََالَ بَلْ فَعَلَهُ
كَبِيرُهُمْ هََذََا} [النساء: 63] نسب الفعل إلى كبير الأصنام المتّخذة آلهة، كأنه غضب أن تعبد الصغار معه، تلويحا لعابدها بأنها لا تصلح أن تكون آلهة لما يعلمون إذا نظروا بعقولهم من عجز كبيرها عن ذلك الفعل، والإله لا يكون عاجزا، فهو حقيقة أبدا.
وقال السكاكيّ: التعريض ما سيق لأجل موصوف غير مذكور، ومنه: أن يخاطب واحد ويراد غيره، وسمّي به لأنه أميل الكلام إلى جانب مشارا به إلى آخر، يقال: نظر إليه بعرض وجهه، أي جانبه.
قال الطّيبيّ: وذلك يفعل إمّا لتنويه جانب الموصوف، ومنه: {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجََاتٍ}
[البقرة: 253] أي: محمدا صلّى الله عليه وسلّم، إعلاء لقدره، أي أنه العلم الذي لا يشتبه.
وإمّا لتلطّف به واحتراز عن المخاشنة، نحو: {وَمََا لِيَ لََا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي}
[يس: 22] أي: وما لكم لا تعبدون؟ بدليل قوله: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 22]. وكذا قوله:
{أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} [يس: 23]. ووجه حسنه إسماع من يقصد خطابه الحقّ على وجه يمنع غضبه، إذ لم يصرح بنسبته للباطل، والإعانة على قبوله إذ لم يرد له إلّا ما أراده لنفسه.
وإمّا لاستدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم، ومنه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}
[الزمر: 65] خوطب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأريد غيره، لاستحالة الشرك عليه شرعا.
وإمّا للذم، نحو: {إِنَّمََا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبََابِ} [الرعد: 19] فإنّه تعريض بذمّ الكفار، وأنهم في حكم البهائم الذين لا يتذكّرون.
وإمّا للإهانة والتوبيخ، نحو: {وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9].
وقال السبكيّ: التعريض قسمان:
قسم يراد به معناه الحقيقي، ويشار به إلى المعنى الآخر المقصود، كما تقدّم.
وقسم لا يراد بل يضرب مثلا للمعنى الذي هو مقصود التعريض، كقول إبراهيم:
{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هََذََا} [الأنبياء: 63]. (1)
__________
(1) انظر البرهان 2/ 311.(1/63)
النوع الخامس والخمسون في الحضر والاختصاص
أمّا الحصر ويقال له: القصر فهو تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص.
ويقال أيضا: إثبات الحكم للمذكور ونفيه عمّا عداه.
وينقسم إلى: قصر الموصوف على الصفة، وقصر الصّفة على الموصوف. وكلّ منهما إمّا حقيقيّ وإمّا مجازيّ.
مثال قصر الموصوف على الصفة حقيقيا، نحو: (ما زيد إلّا كاتب) أي: لا صفة له غيرها وهو عزيز لا يكاد يوجد، لتعذّر الإحاطة بصفات الشيء حتى يمكّن إثبات شيء منها ونفي ما عداها بالكليّة، وعلى عدم تعذّرها يبعد أن تكون للذات صفة واحدة ليس لها غيرها، ولذا لم يقع في التنزيل.
ومثاله مجازيا: {وَمََا مُحَمَّدٌ إِلََّا رَسُولٌ} [آل عمران: 144]. أي أنه مقصور على الرّسالة، لا يتعداها إلى التبري من الموت الذي استعظموه، الذي هو من شأن الإله.
ومثال قصر الصفة على الموصوف حقيقيا: {لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ} [محمد: 19].
ومثاله مجازيا: {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ََ طََاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلََّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} الآية [الأنعام: 145]. كما قال الشافعي فيما تقدّم نقله عنه في أسباب النزول: إنّ الكفار لمّا كانوا يحلّون الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به، وكانوا يحرّمون كثيرا من المباحات، وكانت سجيّتهم تخالف وضع الشرع، ونزلت الآية مسبوقة بذكر شبههم في البحيرة والسّائبة والوصيلة والحامي، وكان الغرض إبانة كذبهم فكأنه قال: لا حرام إلّا ما أحللتموه. والغرض الردّ عليهم والمضادّة، لا الحصر الحقيقيّ. وقد تقدّم بأبسط من هذا.
وينقسم الحصر باعتبار آخر إلى ثلاثة أقسام: قصر إفراد، وقصر قلب، وقصر تعيين (1).(1/64)
ومثاله مجازيا: {قُلْ لََا أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ََ طََاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلََّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} الآية [الأنعام: 145]. كما قال الشافعي فيما تقدّم نقله عنه في أسباب النزول: إنّ الكفار لمّا كانوا يحلّون الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به، وكانوا يحرّمون كثيرا من المباحات، وكانت سجيّتهم تخالف وضع الشرع، ونزلت الآية مسبوقة بذكر شبههم في البحيرة والسّائبة والوصيلة والحامي، وكان الغرض إبانة كذبهم فكأنه قال: لا حرام إلّا ما أحللتموه. والغرض الردّ عليهم والمضادّة، لا الحصر الحقيقيّ. وقد تقدّم بأبسط من هذا.
وينقسم الحصر باعتبار آخر إلى ثلاثة أقسام: قصر إفراد، وقصر قلب، وقصر تعيين (1).
فالأول: يخاطب به من يعتقد الشّركة، نحو: {إِنَّمََا هُوَ إِلََهٌ وََاحِدٌ} [النحل: 51] خوطب به من يعتقد اشتراك الله والأصنام في الألوهية.
والثاني: يخاطب به من يعتقد إثبات الحكم لغير من أثبته المتكلم له، نحو: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258] خوطب به نمروذ، الذي اعتقد أنّه هو المحيي المميت دون الله. {أَلََا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهََاءُ} [البقرة: 13] خوطب به من اعتقد من المنافقين: أن المؤمنين سفهاء دونهم. {وَأَرْسَلْنََاكَ لِلنََّاسِ رَسُولًا} [النساء: 79] خوطب به من يعتقد من اليهود اختصاص بعثته بالعرب.
والثالث: يخاطب به من تساوى عنده الأمران، فلم يحكم بإثبات الصفة لواحد بعينه، ولا لواحد بإحدى الصفتين بعينها.
فصل [طرق الحصر]
طرق الحصر كثيرة:
أحدها: النفي والاستثناء سواء كان النفي بلا، أو ما، أو غيرهما. والاستثناء بإلّا، أو غير، نحو: {لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ} [الصافات: 35]. {وَمََا مِنْ إِلََهٍ إِلَّا اللََّهُ} [آل عمران: 62].
{مََا قُلْتُ لَهُمْ إِلََّا مََا أَمَرْتَنِي بِهِ} [المائدة: 117].
ووجه إفادته الحصر: أنّ الاستثناء المفرّغ لا بدّ أن يتوجّه النفي فيه إلى مقدّر وهو مستثنى منه لأنّ الاستثناء إخراج، فيحتاج إلى مخرج منه، والمراد التقدير المعنويّ لا الصناعي. ولا بدّ أن يكون عاما، لأنّ الإخراج لا يكون إلّا من عام. ولا بدّ أن يكون مناسبا للمستثنى في جنسه مثل: ما قام إلّا زيد، أي: أحد، وما أكلت إلّا تمرا أي:
مأكولا. ولا بدّ أن يوافقه في صفته أي إعرابه، وحينئذ يجب القصر إذا أوجب منه شيء بإلّا ضرورة، ببقاء ما عداه على صفة الانتفاء.
__________
(1) انظر منتهى الآمال في شرح حديث: «إنّما الأعمال» للسيوطي ص 65، وشرح حديث: «إنما الأعمال بالنيات» لابن تيمية ص 5049بتحقيقنا.(1/65)
وأصل استعمال هذا الطريق أن يكون المخاطب جاهلا بالحكم وقد يخرج عن ذلك فينزّل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب، نحو: {وَمََا مُحَمَّدٌ إِلََّا رَسُولٌ} [آل عمران: 144] فإنّه خطاب للصحابة، وهم لم يكونوا يجهلون رسالة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأنّه نزّل استعظامهم له عن الموت منزلة من يجهل رسالته، لأنّ كلّ رسول لا بدّ من موته فمن استبعد موته فكأنه استبعد رسالته.
الثاني: (إنّما) (1) الجمهور على أنّها للحصر، فقيل: بالمنطوق، وقيل: بالمفهوم.
وأنكر قوم إفادتها إيّاه، منهم أبو حيّان. واستدلّ مثبتوه بأمور:
منها: قوله تعالى: {إِنَّمََا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} [البقرة: 173] بالنّصب فإنّ معناه:
ما حرّم عليكم إلّا الميتة. لأنه المطابق في المعنى لقراءة الرّفع فإنّها للقصر، فكذا قراءة النصب، والأصل استواء معنى القراءتين.
ومنها: أنّ (أنّ) للإثبات و (ما) للنفي، فلا بدّ أن يحصل القصر، للجمع بين النّفي والإثبات. لكن تعقّب بأن (ما) زائدة كافّة، لا نافية.
ومنها: أنّ (إنّ) للتأكيد، و (ما) كذلك، فاجتمع تأكيدان، فأفادا الحصر. قاله السكّاكيّ وتعقب: بأنه لو كان اجتماع تأكيدين يفيد الحصر لأفاد نحو: (إنّ زيدا لقائم).
وأجيب: بأنّ مراده: لا يجتمع حرفا تأكيد متواليان إلّا للحصر.
ومنها: قوله تعالى: {قََالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللََّهِ} [الأحقاف: 23]. {قََالَ إِنَّمََا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللََّهُ} [هود: 33]. {قُلْ إِنَّمََا عِلْمُهََا عِنْدَ رَبِّي} [الأعراف: 187] فإنّه إنما تحصل مطابقة الجواب إذا كانت إنّما للحصر، ليكون معناها: (لا آتيكم به إنما يأتي به الله، ولا أعلمها إنّما يعلمها الله). وكذا قوله: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولََئِكَ مََا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النََّاسَ} [الشورى: 41، 42]. {مََا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} إلى قوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيََاءُ} [التوبة: 9391]. {وَإِذََا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قََالُوا لَوْلََا اجْتَبَيْتَهََا قُلْ إِنَّمََا أَتَّبِعُ مََا يُوحى ََ إِلَيَّ مِنْ رَبِّي} [الأعراف: 203]. {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمََا عَلَيْكَ الْبَلََاغُ} [آل عمران: 20] ولا يستقيم المعنى في هذه الآيات ونحوها إلّا بالحصر.
وأحسن ما تستعمل (إنما) في مواقع التعريض، نحو: {إِنَّمََا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبََابِ}
[الرعد: 19].
__________
(1) انظر البرهان 4/ 231.(1/66)
الثالث: (أنّما) بالفتح، عدّها من طرق الحصر الزمخشري (1) والبيضاويّ (2)، فقالا في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمََا يُوحى ََ إِلَيَّ أَنَّمََا إِلََهُكُمْ إِلََهٌ وََاحِدٌ} [الأنبياء: 108]: إنّما لقصر الحكم على شيء، أو لقصر الشيء على حكم، نحو: (إنّما زيد قائم) و (إنما يقوم زيد). وقد اجتمع الأمران في هذه الآية، لأنّ: {إِنَّمََا يُوحى ََ إِلَيَّ} مع فاعله بمنزلة: إنما يقوم زيد، و {أَنَّمََا إِلََهُكُمْ} بمنزلة: إنما زيد قائم. وفائدة اجتماعهما الدلالة على أنّ الوحي إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم مقصور على استئثار الله بالوحدانية.
وصرّح التّنوخيّ في «الأقصى القريب» بكونها للحصر، فقال: كلّما أوجب أنّ (إنّما) بالكسر للحصر أوجب أنّ (أنّما) بالفتح للحصر، لأنها فرع عنها، وما ثبت للأصل ثبت للفرع، ما لم يثبت مانع منه، والأصل عدمه.
وردّ أبو حيان (3) على الزمخشريّ ما زعمه بأنّه يلزمه انحصار الوحي في الوحدانيّة.
وأجيب: بأنه حصر مجازيّ باعتبار المقام.
الرابع: العطف ب (لا) أو (بل)، ذكره أهل البيان، ولم يحكوا فيه خلافا. ونازع فيه الشيخ بهاء الدين في «عروس الأفراح» فقال: أي قصر في العطف ب (لا) إنما فيه نفي وإثبات، فقولك: زيد شاعر لا كاتب، لا تعرّض فيه لنفي صفة ثالثة، والقصر إنّما يكون بنفي جميع الصفات غير المثبت حقيقة أو مجازا، وليس هو خاصا بنفي الصفة التي يعتقدها المخاطب. وأما العطف ب (بل)، فأبعد منه، لأنه لا يستمرّ فيها النفي والإثبات.
الخامس: تقديم المعمول، نحو: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5]. {لَإِلَى اللََّهِ تُحْشَرُونَ}
[آل عمران: 158]. وخالف فيه قوم، وسيأتي بسط الكلام فيه قريبا.
السادس: ضمير الفصل، نحو: {فَاللََّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} [الشورى: 9] أي: لا غيره.
{وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5]. {إِنَّ هََذََا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [آل عمران: 62].
{إِنَّ شََانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3].
وممن ذكر أنه للحصر البيانيون في بحث المسند إليه، واستدلّ له السهيليّ بأنّه: أتي به في كلّ موضع ادّعي فيه نسبة ذلك المعنى إلى غير الله، ولم يؤت به حيث لم يدّع،
__________
(1) الكشاف 2/ 586.
(2) تفسير البيضاوي 4/ 48.
(3) في تفسيره البحر المحيط 6/ 344.(1/67)
وذلك في قوله: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى ََ} [النجم: 43]. إلى آخر الآيات، فلم يؤت به في: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ} [النجم: 45]. {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ} [النجم: 47]. {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عََاداً الْأُولى ََ (50)} [النجم: 50]: لأنّ ذلك لم يدّع لغير الله، وأتي به في الباقي لادعائه لغيره.
قال في «عروس الأفراح»: وقد استنبطت دلالته على الحصر من قوله: {فَلَمََّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 117] لأنّه لو لم يكن للحصر لما حسن، لأنّ الله لم يزل رقيبا عليهم، وإنّما الذي حصل بتوفيته: أنه لم يبق لهم رقيب غير الله تعالى. ومن قوله:
{لََا يَسْتَوِي أَصْحََابُ النََّارِ وَأَصْحََابُ الْجَنَّةِ أَصْحََابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفََائِزُونَ (20)} [الحشر: 20].
فإنّه ذكر لتبيين عدم الاستواء وذلك لا يحسن إلّا بأن يكون الضمير للاختصاص.
السابع: تقدم المسند إليه، على ما قال الشيخ عبد القاهر: قد يقدّم المسند إليه ليفيد تخصيصه بالخبر الفعلي. والحاصل على رأيه أنّ له أحوالا:
أحدها: أن يكون المسند إليه معرفة والمسند مثبتا، فيأتي للتخصيص، نحو: أنا قمت، وأنا سعيت في حاجتك. فإن قصد به قصر الإفراد أكّد بنحو (وحدي). أو: قصر القلب أكّد بنحو (لا غيري). ومنه: {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النمل: 36] فإنّ ما قبله من قوله: {أَتُمِدُّونَنِ بِمََالٍ} [النمل: 36] ولفظ (بل) المشعر بالإضراب يقضي بأنّ المراد (بل أنتم لا غيركم)، فإنّ المقصود نفي فرحه هو بالهدية، لا إثبات الفرح لهم بهديتهم. قاله في «عروس الأفراح».
قال: وكذا قوله: {لََا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: 101]. أي لا نعلمهم إلّا نحن.
وقد يأتي للتقوية والتأكيد دون التخصيص، قال الشيخ بهاء الدين: ولا يتميّز ذلك إلّا بما يقتضيه الحال وسياق الكلام.
ثانيها: أن يكون المسند منفيّا، نحو: (أنت لا تكذب)، فإنّه أبلغ في نفي الكذب من (لا تكذب)، ومن (لا تكذب أنت). وقد يفيد التخصيص. ومنه: {فَهُمْ لََا يَتَسََاءَلُونَ}
[القصص: 66].
ثالثها: أن يكون المسند إليه نكرة مثبتا، نحو: (رجل جاءني)، فيفيد التخصيص إمّا بالجنس أي: لا امرأة، أو الوحدة، أي: لا رجلان.
رابعها: أن يلي المسند إليه حرف النفي، فيفيده، نحو: (ما أنا قلت هذا) أي: لم أقله، مع أنّ غيري قاله. ومنه: {وَمََا أَنْتَ عَلَيْنََا بِعَزِيزٍ} [هود: 91] أي: العزيز علينا رهطك لا أنت، ولذا قال: {أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللََّهِ} [هود: 92].
هذا حاصل رأي الشيخ عبد القاهر، ووافقه السكاكيّ، وزاد شروطا وتفاصيل بسطناها في شرح ألفية المعاني.(1/68)
رابعها: أن يلي المسند إليه حرف النفي، فيفيده، نحو: (ما أنا قلت هذا) أي: لم أقله، مع أنّ غيري قاله. ومنه: {وَمََا أَنْتَ عَلَيْنََا بِعَزِيزٍ} [هود: 91] أي: العزيز علينا رهطك لا أنت، ولذا قال: {أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللََّهِ} [هود: 92].
هذا حاصل رأي الشيخ عبد القاهر، ووافقه السكاكيّ، وزاد شروطا وتفاصيل بسطناها في شرح ألفية المعاني.
الثامن: تقديم المسند، ذكر ابن الأثير وابن النّفيس وغيرهما: أنّ تقديم الخبر على المبتدأ يفيد الاختصاص. وردّه صاحب الفلك الدائر: بأنه لم يقل به أحد، وهو ممنوع، فقد صرّح السكاكيّ وغيره بأنّ: تقديم ما رتبته التأخير يفيده، ومثّلوه بنحو: (تميمي أنا).
التاسع: ذكر المسند إليه، ذكر السكاكيّ أنه قد يذكر ليفيد التخصيص، وتعقّبه صاحب الإيضاح. وصرّح الزمخشري (1): بأنّه أفاد الاختصاص في قوله: {اللََّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} [الرعد: 26]. وفي قوله: {اللََّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [الزمر: 23]. وفي قوله:
{وَاللََّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4] ويحتمل أنه أراد أنّ تقديمه أفاده، فيكون من أمثلة الطريق السابع.
العاشر: تعريف الجزءين، ذكر الإمام فخر الدين في «نهاية الإيجاز» (2) أنّه يفيد الحصر حقيقة أو مبالغة، نحو: (المنطلق زيد)، ومنه في القرآن فيما ذكر الزّملكانيّ في أسرار التنزيل: {الْحَمْدُ لِلََّهِ} [الفاتحة: 2] قال: إنّه يفيد الحصر، كما في {إِيََّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] أي: الحمد لله، لا لغيره.
الحادي عشر: نحو: (جاء زيد نفسه)، نقل بعض شرّاح التلخيص عن بعضهم أنه يفيد الحصر.
الثاني عشر: نحو: (إنّ زيدا لقائم)، نقله المذكور أيضا.
الثالث عشر: نحو: (قائم) في جواب: (زيد إمّا قائم أو قاعد). ذكره الطيبيّ في شرح «التبيان».
الرابع عشر: قلب بعض حروف الكلمة فإنّه يفيد الحصر على ما نقله في الكشّاف (3) في قوله: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطََّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهََا} [الزمر: 17] قال: القلب للاختصاص بالنسبة إلى لفظ (الطاغوت)، لأن وزنه على قول (فعلوت) من الطغيان، كملكوت ورحموت، قلب بتقديم اللام على العين، فوزنه (فلعوت) ففيه مبالغات: التسمية
__________
(1) انظر الكشاف 1/ 358.
(2) نهاية الإيجاز ص 163162.
(3) الكشاف 3/ 393392.(1/69)
بالمصدر، والبناء بناء مبالغة، والقلب، وهو للاختصاص إذ لا يطلق على غير الشيطان.
تنبيه
تقديم المعمول يفيد الحصر
كاد أهل البيان يطبقون على أنّ تقديم المعمول يفيد الحصر، سواء كان مفعولا أو ظرفا أو مجرورا، ولهذا قيل في: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة: 5].
معناه: (نخصّك بالعبادة والاستعانة). وفي: {لَإِلَى اللََّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران: 158] معناه:
(إليه لا إلى غيره). وفي: {لِتَكُونُوا شُهَدََاءَ عَلَى النََّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}
[البقرة: 143] أخّرت الصلة في الشهادة الأولى، وقدّمت في الثانية، لأنّ الغرض في الأوّل إثبات شهادتهم، وفي الثاني إثبات اختصاصهم بشهادة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليهم.
وخالف في ذلك ابن الحاجب، فقال في شرح «المفصّل»: الاختصاص الذي يتوهّمه كثير من النّاس من تقديم المعمول وهم، واستدلّ على ذلك بقوله: {فَاعْبُدِ اللََّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 2]. ثم قال: {بَلِ اللََّهَ فَاعْبُدْ} [الزمر: 66]. وردّ هذا الاستدلال بأنّ {مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} أغنى عن إفادة الحصر في الآية الأولى، ولو لم يكن فما المانع من ذكر المحصور في محل بغير صيغة الحصر، كما قال تعالى: {وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ}
[الحج: 77]. وقال: {أَمَرَ أَلََّا تَعْبُدُوا إِلََّا إِيََّاهُ} [يوسف: 40]. بل قوله: {بَلِ اللََّهَ فَاعْبُدْ}
من أقوى أدلّة الاختصاص، فإنّ قبلها: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] فلو لم يكن للاختصاص، وكان معناها: (اعبد الله)، لما حصل الإضراب الذي هو معنى (بل).
واعترض أبو حيان (1) على مدّعي الاختصاص بنحو: {أَفَغَيْرَ اللََّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ}
[الزمر: 64]. وأجيب: بأنّه لمّا أشرك بالله غيره كأنه لم يعبد الله، وكان أمرهم بالشرك كأنه أمر بتخصيص غير الله بالعبادة.
وردّ صاحب «الفلك الدائر» الاختصاص بقوله: {كُلًّا هَدَيْنََا وَنُوحاً هَدَيْنََا مِنْ قَبْلُ} [الأنعام: 84] وهو من أقوى ما ردّ به. وأجيب: بأنه لا يدّعى فيه اللزوم، بل الغلبة، وقد يخرج الشيء عن الغالب.
قال الشيخ بهاء الدين: وقد اجتمع الاختصاص وعدمه في آية واحدة، وهي:
{أَغَيْرَ اللََّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ بَلْ إِيََّاهُ تَدْعُونَ} [الأنعام: 40، 41] فإنّ التقديم في الأوّل قطعا ليس للاختصاص، وفي: {إِيََّاهُ} قطعا للاختصاص.
__________
(1) انظر البحر المحيط 7/ 439438.(1/70)
وقال والده الشيخ تقي الدين في «كتاب الاقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص»: اشتهر كلام الناس في أنّ تقديم المعمول يفيد الاختصاص، ومن الناس من ينكر ذلك ويقول: إنّما يفيد الاهتمام. وقد قال سيبويه في كتابه: وهم يقدّمون ما هم به أعنى. والبيانيون على إفادة الاختصاص، ويفهم كثير من الناس من الاختصاص الحصر، وليس كذلك، وإنّما الاختصاص شيء والحصر شيء آخر، والفضلاء لم يذكروا في ذلك لفظة (الحصر). وإنّما عبّروا بالاختصاص والفرق بينهما: أن الحصر نفي غير المذكور وإثبات المذكور، والاختصاص قصد الخاص من جهة خصوصه. وبيان ذلك: أن الاختصاص افتعال من الخصوص، والخصوص مركّب من شيئين: أحدهما: عام مشترك بين شيئين أو أشياء، والثاني: معنى منضمّ إليه يفصله عن غيره، كضرب زيد، فإنّه أخصّ من مطلق الضرب، فإذا قلت: ضربت زيدا، أخبرت بضرب عامّ وقع منك على شخص خاصّ، فصار ذلك الضرب المخبر به خاصّا لما انضم إليك منك ومن زيد.
وهذه المعاني الثلاثة أعني مطلق الضرب، وكونه واقعا منك، وكونه واقعا على زيد قد يكون قصد المتكلم لها ثلاثتها على السّواء. وقد يترجّح قصده لبعضها على بعض، ويعرف ذلك بما ابتدأ به كلامه، فإنّ الابتداء بالشيء يدلّ على الاهتمام به، وأنه هو الأرجح في غرض المتكلّم.
فإذا قلت: زيدا ضربت، علم أنّ خصوص الضرب على زيد هو المقصود. ولا شك أنّ كلّ مركب من خاص وعام له جهتان، فقد يقصد من جهة عمومه، وقد يقصد من جهة خصوصه، والثاني هو الاختصاص، وأنه هو الأهمّ عند المتكلم، وهو الذي قصد إفادته السامع من غير تعرّض ولا قصد لغيره بإثبات ولا نفي، ففي الحصر معنى زائد عليه، وهو نفي ما عدا المذكور. وإنّما جاء هذا في {إِيََّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] للعلم بأنّ قائليه لا يعبدون غير الله ولذا لم يطّرد في بقية الآيات، فإنّ قوله: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللََّهِ يَبْغُونَ} [آل عمران: 83] لو جعل في معنى: (ما يبغون إلّا غير دين الله) وهمزة الإنكار داخلة عليه، لزم أن يكون المنكر الحصر لا مجرّد بغيهم غير دين الله، وليس المراد. وكذلك: {آلِهَةً دُونَ اللََّهِ تُرِيدُونَ} [الصافات: 86]. المنكر إرادتهم آلهة دون الله من غير حصر. وقد قال الزمخشري (1) في: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4]: في تقديم (الآخرة) وبناء (يوقنون) على (هم) تعريض بأهل الكتاب وما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة، على خلاف حقيقته،
__________
(1) الكشاف 1/ 137.(1/71)
وأنّ قولهم ليس بصادر عن إيقان، وأنّ اليقين ما عليه من آمن بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك.
وهذا الذي قاله الزمخشريّ في غاية الحسن، وقد اعترض عليه بعضهم فقال: تقديم (الآخرة) أفاد أنّ إيقانهم مقصور على أنه إيقان بالآخرة لا بغيرها. وهذا الاعتراض من قائله مبنيّ على ما فهمه من أنّ تقديم المعمول يفيد الحصر، وليس كذلك، ثم قال المعترض:
وتقديم (هم) أفاد أنّ هذا القصر مختصّ بهم، فيكون إيقان غيرهم بالآخرة إيمانا بغيرها حيث قالوا: {لَنْ تَمَسَّنَا النََّارُ} [البقرة: 80] وهذا منه أيضا استمرار على ما في ذهنه من الحصر، أي: أنّ المسلمين لا يوقنون إلّا بالآخرة، وأهل الكتاب يوقنون بها وبغيرها.
وهذا فهم عجيب ألجأه إليه فهمه الحصر، وهو ممنوع. وعلى تقدير تسليمه فالحصر على ثلاثة أقسام.
أحدها: ب (ما) و (إلّا): كقولك: (ما قام إلّا زيد) صريح في نفي القيام عن غير زيد، ويقتضي إثبات القيام لزيد، قيل: بالمنطوق، وقيل بالمفهوم، وهو الصحيح. لكنّه أقوى المفاهيم لأنّ (إلّا) موضوعة للاستثناء، وهو الإخراج، فدلالتها على الإخراج بالمنطوق لا بالمفهوم، ولكنّ الإخراج من عدم القيام ليس هو عين القيام، بل قد يستلزمه، فلذلك رجّحنا أنه بالمفهوم والتبس على بعض الناس لذلك فقال: إنّه بالمنطوق.
والثاني: الحصر ب (إنّما). وهو قريب من الأوّل فيما نحن فيه، وإن كان جانب الإثبات فيه أظهر، فكأنه يفيد إثبات قيام زيد، إذا قلت: إنّما قام زيد، بالمنطوق، ونفيه عن غيره بالمفهوم.
الثالث: الحصر الذي قد يفيده التقديم وليس هو على تقدير تسليمه مثل الحصرين الأوّلين، بل هو في قوّة جملتين: إحداهما ما صدّر به الحكم نفيا كان أو إثباتا وهو المنطوق، والأخرى ما فهم من التقديم، والحصر يقتضي نفي المنطوق فقط، دون ما دلّ عليه من المفهوم، لأنّ المفهوم لا مفهوم له. فإذا قلت: أنا لا أكرم إلّا إيّاك، أفاد التّعريض بأن غيرك يكرم غيره، ولا يلزم أنك لا تكرمه. وقد قال تعالى: {الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3] أفاد أنّ العفيف قد ينكح غير الزانية، وهو ساكت عن نكاحه الزانية، فقال سبحانه وتعالى بعده: {وَالزََّانِيَةُ لََا يَنْكِحُهََا إِلََّا زََانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] بيانا لما سكت عنه في الأولى. فلو قال: (بالآخرة يوقنون) أفاد بمنطوقه إيقانهم بها، ومفهومه عند من يزعم أنهم لا يوقنون بغيرها. وليس ذلك مقصودا بالذّات، والمقصود بالذات قوة
إيقانهم بالآخرة حتى صار غيرها عندهم كالمدحوض، فهو حصر مجازيّ، وهو دون قولنا: (يوقنون بالآخرة لا بغيرها). فاضبط هذا، وإيّاك أن تجعل تقديره: (لا يوقنون إلّا بالآخرة).(1/72)
الثالث: الحصر الذي قد يفيده التقديم وليس هو على تقدير تسليمه مثل الحصرين الأوّلين، بل هو في قوّة جملتين: إحداهما ما صدّر به الحكم نفيا كان أو إثباتا وهو المنطوق، والأخرى ما فهم من التقديم، والحصر يقتضي نفي المنطوق فقط، دون ما دلّ عليه من المفهوم، لأنّ المفهوم لا مفهوم له. فإذا قلت: أنا لا أكرم إلّا إيّاك، أفاد التّعريض بأن غيرك يكرم غيره، ولا يلزم أنك لا تكرمه. وقد قال تعالى: {الزََّانِي لََا يَنْكِحُ إِلََّا زََانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3] أفاد أنّ العفيف قد ينكح غير الزانية، وهو ساكت عن نكاحه الزانية، فقال سبحانه وتعالى بعده: {وَالزََّانِيَةُ لََا يَنْكِحُهََا إِلََّا زََانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] بيانا لما سكت عنه في الأولى. فلو قال: (بالآخرة يوقنون) أفاد بمنطوقه إيقانهم بها، ومفهومه عند من يزعم أنهم لا يوقنون بغيرها. وليس ذلك مقصودا بالذّات، والمقصود بالذات قوة
إيقانهم بالآخرة حتى صار غيرها عندهم كالمدحوض، فهو حصر مجازيّ، وهو دون قولنا: (يوقنون بالآخرة لا بغيرها). فاضبط هذا، وإيّاك أن تجعل تقديره: (لا يوقنون إلّا بالآخرة).
إذا عرفت هذا: فتقديم (هم) أفاد أنّ غيرهم ليس كذلك فلو جعلنا التقدير: (لا يوقنون إلّا بالآخرة) كان المقصود المهمّ: النفي، فيتسلّط المفهوم عليه، فيكون المعنى إفادة: أنّ غيرهم يوقن بغيرها، كما زعم المعترض، ويطرح إفهام أنه لا يوقن بالآخرة، ولا شكّ أنّ هذا ليس بمراد، بل المراد إفهام أنّ غيرهم لا يوقن بالآخرة فلذلك حافظنا على أنّ الغرض الأعظم إثبات الإيقان بالآخرة، ليتسلّط المفهوم عليه، وأنّ المفهوم لا يتسلّط على الحصر لأنّ الحصر لم يدلّ عليه بجملة واحدة مثل (ما) و (إلّا) ومثل (إنما) وإنما دلّ عليه بمفهوم مستفاد من منطوق، وليس أحدهما متقيّدا بالآخر حتى نقول: إنّ المفهوم أفاد نفي الإيقان المحصور، بل أفاد نفي الإيقان مطلقا عن غيرهم. وهذا كلّه على تقدير تسليم الحصر، ونحن نمنع ذلك، ونقول: إنّه اختصاص، وإنّ بينهما فرقا.
انتهى كلام السبكي.(1/73)
انتهى كلام السبكي.
النوع السادس والخمسون في الايجاز والاطناب (1)
اعلم أنهما من أعظم أنواع البلاغة، حتى نقل صاحب «سرّ الفصاحة» عن بعضهم أنه قال: البلاغة: هي الإيجاز والإطناب.
قال صاحب الكشّاف: كما أنّه يجب على البليغ في مظانّ الإجمال أن يجمل ويوجز، فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصّل ويشبع، أنشد الجاحظ:
يرمون بالخطب الطّوال وتارة ... وحي الملاحظ خيفة الرّقباء
واختلف: هل بين الإيجاز والإطناب واسطة، وهي المساواة، أو لا، وهي داخلة في قسم الإيجاز؟
فالسكّاكي وجماعة على الأوّل، لكنهم جعلوا المساواة غير محمودة ولا مذمومة، لأنّهم فسّروها بالمتعارف من كلام أوساط الناس الذين ليسوا في رتبة البلاغة، وفسّروا الإيجاز بأداء المقصود بأقلّ من عبارة المتعارف، والإطناب أداؤه بأكثر منها لكون المقام خليقا بالبسط.
وابن الأثير وجماعة على الثاني، فقالوا: الإيجاز: التعبير عن المراد بلفظ غير زائد، والإطناب بلفظ أزيد.
وقال القزويني (2): الأقرب أن يقال: إنّ المقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله: إمّا بلفظ مساو للأصل المراد، أو ناقص عنه واف، أو زائد عليه لفائدة. والأوّل المساواة، والثاني الإيجاز، والثالث الإطناب.
واحترز ب (واف) عن الإخلال، وبقولنا: (لفائدة) عن الحشو والتطويل، فعنده ثبوت المساواة واسطة، وأنّها من قسم المقبول.
__________
(1) انظر التلخيص في علوم البلاغة ص 218209.
(2) التلخيص ص 210.(1/74)
فإن قلت: عدم ذكرك المساواة في الترجمة لماذا؟ هل هو لرجحان نفيها أو عدم قبولها، أو لأمر غير ذلك؟
قلت: لهما، ولأمر ثالث، وهو: أنّ المساواة لا تكاد توجد، خصوصا في القرآن، وقد مثّل لها في «التلخيص» (1) بقوله تعالى: {وَلََا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلََّا بِأَهْلِهِ}
[فاطر: 43]. وفي «الإيضاح» بقوله: {وَإِذََا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيََاتِنََا} [الأنعام: 68].
وتعقّب: بأنّ في الآية الثانية حذف موصوف {الَّذِينَ}، وفي الأولى إطناب بلفظ {السَّيِّئِ} لأنّ المكر لا يكون إلّا سيئا، وإيجاز بالحذف إن كان الاستثناء غير مفرّغ، أي:
بأحد، وبالقصر في الاستثناء، وبكونها حاثّة على كفّ الأذى عن جميع الناس، محذّرة عن جميع ما يؤدّي إليه، وبأنّ تقديرها يضرّ بصاحبه مضرّة بليغة، فأخرج الكلام مخرج الاستعارة التبعيّة الواقعة على سبيل التمثيليّة، لأن (يحيق) بمعنى (يحيط)، فلا يستعمل إلّا في الأجسام.
تنبيه الإيجاز والاختصار بمعنى واحد،
كما يؤخذ من «المفتاح»، وصرّح به الطيبيّ.
وقال بعضهم: الاختصار خاص بحذف الجمل فقط، بخلاف الإيجاز قال الشيخ بهاء الدين: وليس بشيء.
والإطناب: قيل: بمعنى الإسهاب، والحقّ أنه أخصّ منه، فإنّ الإسهاب: التطويل لفائدة أو لا لفائدة، كما ذكره التنوخيّ وغيره.
فصل الإيجاز قسمان: إيجاز قصر، وإيجاز حذف.
فالأوّل: هو الوجيز بلفظه،
قال الشيخ بهاء الدين: الكلام القليل إن كان بعضا من كلام أطول منه فهو إيجاز حذف، وإن كان كلاما يعطي معنى أطول منه فهو إيجاز قصر.
وقال بعضهم: إيجاز القصر هو تكثير المعنى بتقليل اللفظ.
وقال آخر: هو أن يكون اللفظ بالنسبة إلى المعنى أقلّ من القدر المعهود عادة.
وسبب حسنه: أنّه يدلّ على التمكّن في الفصاحة، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلّم: «أوتيت جوامع
__________
(1) التلخيص ص 213.(1/75)
الكلم» (1).
وقال الطيبيّ في «التبيان»: الإيجاز الخالي من الحذف ثلاثة أقسام:
أحدها: إيجاز القصر: وهو أن يقصر اللفظ على معناه، كقوله: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمََانَ}
إلى قوله: {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 30، 31]. جمع في أحرف العنوان والكتاب والحاجة.
وقيل في وصف بليغ: كانت ألفاظه قوالب معناه.
قلت: وهذا رأي من يدخل المساواة في الإيجاز.
الثاني: إيجاز التقدير: وهو أن يقدّر معنى زائدا على المنطوق، ويسمّى بالتضييق أيضا، وبه سمّاه بدر الدّين بن مالك في «المصباح»، لأنّه نقص من الكلام ما صار لفظه أضيق من قدر معناه، نحو: {فَمَنْ جََاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى ََ فَلَهُ مََا سَلَفَ} [البقرة: 275] أي: خطاياه غفرت، فهي له لا عليه. {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] أي: للضّالين الصائرين بعد الضلال إلى التقوى.
الثالث: الإيجاز الجامع: وهو أن يحتوي اللفظ على معان متعدّدة، نحو: {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسََانِ} [النحل: 90] الآية فإنّ العدل: هو الصراط المستقيم، المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، المومى به إلى جميع الواجبات في الاعتقاد والأخلاق والعبودية. والإحسان: هو الإخلاص في واجبات العبودية، لتفسيره في الحديث بقوله:
«أن تعبد الله كأنّك تراه» (2) أي: تعبده مخلصا في نيّتك، وواقفا في الخضوع، آخذا أهبة الحذر إلى ما لا يحصى. {وَإِيتََاءِ ذِي الْقُرْبى ََ} هو الزّيادة على الواجب من النوافل. هذا في الأوامر. وأمّا النواهي: فبالفحشاء: الإشارة إلى القوة الشهوانية، وبالمنكر: إلى الإفراط الحاصل من آثار الغضبية أو كل محرّم شرعا، وبالبغي: إلى الاستعلاء الفائض عن الوهمية.
قلت: ولهذا قال ابن مسعود: ما في القرآن آية أجمع للخير والشرّ من هذه الآية
__________
(1) رواه البخاري (7273701369982977)، ومسلم (523)، والنسائي 6/ 43، وأحمد 2/ 502501455314268264، وابن حبان (6363)، والبيهقي في الدلائل 5/ 470145 471، وفي السنن 7/ 48، وفي شعب الإيمان 1/ 161، والبغوي (3618).
(2) رواه مسلم (8)، وأبو داود (469746964695)، والترمذي (2610)، والنسائي 8/ 10197، وابن ماجة (63)، والبخاري في خلق أفعال العباد ص 3837، والدارقطني 2/ 283282، وابن حبان (16) موارد. وانظر تفصيل طرقه وتخريجه في تخريجنا لسنن ابن ماجة.(1/76)
أخرجه في المستدرك (1).
وروى البيهقيّ في «شعب الإيمان» عن الحسن: أنه قرأها يوما ثم وقف فقال: إنّ الله جمع لكم الخير كلّه والشرّ كلّه في آية واحدة، فو الله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلّا جمعه، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلّا جمعه (2).
وروى أيضا عن أبي شهاب في معنى حديث الشيخين: «بعثت بجوامع الكلم» (3)
قال: بلغني أن جوامع الكلم أنّ الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين، ونحو ذلك (4).
ومن ذلك قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] الآية، فإنّها جامعة لمكارم الأخلاق، لأنّ في أخذ العفو: التساهل والتسامح في الحقوق، واللين والرّفق في الدّعاء إلى الدّين. وفي الأمر بالمعروف: كفّ الأذى وغضّ البصر، وما شاكلهما من المحرّمات.
وفي الإعراض: الصّبر والحلم والتؤدة.
ومن بديع الإيجاز قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]. إلى آخرها، فإنّه نهاية التنزيه، وقد تضمّنت الردّ على نحو أربعين فرقة، كما أفرد ذلك بالتصنيف بهاء الدين بن شداد (5).
وقوله: {أَخْرَجَ مِنْهََا مََاءَهََا وَمَرْعََاهََا (31)} [النازعات: 31] دلّ بهاتين الكلمتين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للأنام من العشب والشجر والحبّ والثمر والعصف والحطب واللباس والنار والملح لأنّ النّار من العيدان والملح من الماء.
وقوله: {لََا يُصَدَّعُونَ عَنْهََا وَلََا يُنْزِفُونَ (19)} [الواقعة: 19] جمع فيه جميع عيوب الخمر من: الصّداع، وعدم العقل، وذهاب المال، ونفاد الشراب.
وقوله: {وَقِيلَ يََا أَرْضُ ابْلَعِي مََاءَكِ} [هود: 44] الآية، أمر فيها ونهى، وأخبر ونادى،
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 356، وسنده صحيح.
(2) رواه البيهقي في شعب الإيمان، حديث رقم (140) 1/ 162161، وسنده صحيح. انظر الدر المنثور 4/ 128.
(3) قد سبق تخريجه قريبا.
(4) سبق تخريج هذا الأثر، فهو مذكور عقيب الحديث السابق.
(5) ولشيخ الإسلام رسالة في تفسيرها، وفي معنى الحديث: «إنها تعدل ثلث القرآن» صدرت بتحقيقي، بعنوان: «جواب أهل العلم والإيمان» عن دار الكتاب العربي.(1/77)
ونعت وسمّى، وأهلك وأبقى، وأسعد وأشقى، وقصّ من الأنباء ما لو شرح ما اندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ والبلاغة والإيجاز والبيان لجفّت الأقلام. وقد أفردت بلاغة هذه الآية بالتأليف، وفي «العجائب» للكرماني: أجمع المعاندون على أن طوق البشر قاصر عن الإتيان بمثل هذه الآية، بعد أن فتشوا جميع كلام العرب والعجم، فلم يجدوا مثلها في فخامة ألفاظها، وحسن نظمها، وجودة معانيها في تصوير الحال مع الإيجاز من غير إخلال.
وقوله تعالى: {يََا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسََاكِنَكُمْ} [النمل: 18] الآية، جمع في هذه اللفظة أحد عشر جنسا من الكلام: نادت، وكنّت، ونبّهت، وسمّت، وأمرت، وقصّت، وحذّرت، وخصّت، وعمّت، وأشارت، وعذرت. فالنداء: (يا)، والكناية: (أيّ)، والتنبيه: (ها)، والتسمية: {النَّمْلِ}، والأمر: {ادْخُلُوا}، والقصص: {مَسََاكِنَكُمْ}، والتحذير: {لََا يَحْطِمَنَّكُمْ}، والتخصيص:، والتعميم: {جُنُودُهُ}، والإشارة:
{وَهُمْ}، والعذر: {لََا يَشْعُرُونَ}. فأدّت خمسة حقوق: حقّ الله، وحقّ رسوله، وحقّها، وحقّ رعيّتها وحقّ جنود سليمان.
وقوله: {يََا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] الآية، جمع فيها أصول الكلام: النداء، والعموم، والخصوص، والأمر، والإباحة، والنهي، والخبر.
وقال بعضهم: جمع الله الحكمة في شطر آية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلََا تُسْرِفُوا}
[الأعراف: 31].
وقوله تعالى: {وَأَوْحَيْنََا إِلى ََ أُمِّ مُوسى ََ أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7] الآية، قال ابن العربيّ (1): هي من أعظم آي في القرآن فصاحة، إذ فيها أمران ونهيان وخبران وبشارتان.
وقوله: {فَاصْدَعْ بِمََا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94] قال ابن أبي الإصبع: المعنى: صرّح بجميع ما أوحي إليك، وبلغ كلّ ما أمرت ببيانه، وإن شقّ بعض ذلك على بعض القلوب فانصدعت. والمشابهة بينهما فيما يؤثره التصريح في القلوب، فيظهر أثر ذلك على ظاهر الوجوه من التقبّض والانبساط، ويلوح عليها من علامات الإنكار والاستبشار، كما يظهر على ظاهر الزجاجة المصدوعة، فانظر إلى جليل هذه الاستعارة، وعظم إيجازها، وما انطوت عليه من المعاني الكثيرة. وقد حكي أنّ بعض الأعراب لمّا سمع هذه الآية سجد
__________
(1) انظر أحكام القرآن، وتفسير القرطبي 13/ 225ونقله عن جارية تكلمت مع الأصمعي.(1/78)
وقال: سجدت لفصاحة هذا الكلام.
وقوله تعالى: {وَفِيهََا مََا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} [الزخرف: 71] قال بعضهم: جمع بهاتين اللفظتين ما لو اجتمع الخلق كلهم على وصف ما فيها على التفصيل لم يخرجوا عنه.
وقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصََاصِ حَيََاةٌ} [البقرة: 179] فإنّ معناه كثير ولفظه قليل، لأنّ معناه: أنّ الإنسان إذا علم أنه متى قتل قتل كان ذلك داعيا إلى ألّا يقدم على القتل، فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض، وكان ارتفاع القتل حياة لهم. وقد فضّلت هذه الجملة على أوجز ما كان عند العرب في هذا المعنى، وهو قولهم: (القتل أنفى للقتل) بعشرين وجها أو أكثر، وقد أشار ابن الأثير إلى إنكار هذا التفضيل وقال: لا تشبيه بين كلام الخالق وكلام المخلوق، وإنما العلماء يقدحون أذهانهم فيما يظهر لهم من ذلك.
الأول: أنّ ما يناظره من كلامهم، وهو قوله: (القصاص حياة)، أقلّ حروفا، فإنّ حروفه عشرة، وحروف: (القتل أنفى للقتل) أربعة عشر.
الثاني: أنّ نفي القتل لا يستلزم الحياة، والآية ناصّة على ثبوتها التي هي الغرض المطلوب منه.
الثالث: أنّ تنكير (حياة) يفيد تعظيما، فيدلّ على أنّ في القصاص حياة متطاولة، كقوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النََّاسِ عَلى ََ حَيََاةٍ} [البقرة: 96] ولا كذلك المثل، فإنّ اللام فيه للجنس ولذا فسّروا الحياة فيها بالبقاء.
الرابع: أن الآية فيه مطّردة، بخلاف المثل فإنه ليس كلّ قتل أنفى للقتل، بل قد يكون أدعى له، وهو القتل ظلما، وإنما ينفيه قتل خاصّ وهو القصاص، ففيه حياة أبدا.
الخامس: أنّ الآية خالية من تكرار لفظ: (القتل) الواقع في المثل، والخالي من التكرار أفضل من المشتمل عليه، وإن لم يكن مخلا بالفصاحة.
السادس: أنّ الآية مستغنية عن تقدير محذوف، بخلاف قولهم فإنّ فيه حذف (من) التي بعد أفعل التفضيل وما بعدها. وحذف (قصاصا) مع القتل الأوّل، (وظلما) مع القتل الثاني، والتقدير: القتل قصاصا أنفى للقتل ظلما من تركه.
السابع: أنّ في الآية طباقا، لأنّ القصاص مشعر بضد الحياة، بخلاف المثل.
الثامن: أنّ الآية اشتملت على فنّ بديع، وهو جعل أحد الضّدّين الذي هو الفناء والموت محلا ومكانا لضدّه، الذي هو الحياة، واستقرار الحياة في الموت مبالغة عظيمة، ذكره في الكشّاف (1)، وعبر عنه صاحب الإيضاح: بأنّه جعل القصاص كالمنبع للحياة والمعدن لها بإدخال (في) عليه.(1/79)
السابع: أنّ في الآية طباقا، لأنّ القصاص مشعر بضد الحياة، بخلاف المثل.
الثامن: أنّ الآية اشتملت على فنّ بديع، وهو جعل أحد الضّدّين الذي هو الفناء والموت محلا ومكانا لضدّه، الذي هو الحياة، واستقرار الحياة في الموت مبالغة عظيمة، ذكره في الكشّاف (1)، وعبر عنه صاحب الإيضاح: بأنّه جعل القصاص كالمنبع للحياة والمعدن لها بإدخال (في) عليه.
التاسع: أنّ في المثل توالي أسباب كثيرة خفيفة، وهو السكون بعد الحركة، وذلك مستكره، فإنّ اللفظ المنطوق به إذا توالت حركاته تمكّن اللسان من النطق به، وظهرت فصاحته. بخلاف ما إذا تعقب كلّ حركة سكون، فالحركات تنقطع بالسكنات. نظيره: إذا تحرّكت الدابة أدنى حركة فحبست، ثم تحركت فحبست لا تطيق إطلاقها، ولا تتمكّن من حركتها على ما تختاره، فهي كالمقيّدة.
العاشر: أنّ المثل كالمتناقض من حيث الظاهر لأنّ الشيء لا ينفي نفسه.
الحادي عشر: سلامة الآية من تكرير قلقلة القاف، الموجب للضغط والشدة، وبعدها عن غنة النون.
الثاني عشر: اشتمالها على حروف متلائمة، لما فيها من الخروج من القاف إلى الصّاد إذ القاف من حروف الاستعلاء، والصاد من حروف الاستعلاء والإطباق، بخلاف الخروج من القاف إلى التاء هي حرف منخفض فهو غير ملائم للقاف، وكذا الخروج من الصّاد إلى الحاء، أحسن من الخروج من اللام إلى الهمزة، لبعد ما دون طرف اللسان وأقصى الحلق.
الثالث عشر: في النطق بالصّاد والحاء والتاء حسن الصّوت، ولا كذلك تكرير القاف والتاء.
الرابع عشر: سلامتها من لفظ القتل المشعر بالوحشة، بخلاف لفظ (الحياة) فإنّ الطباع أقبل له من لفظ القتل.
الخامس عشر: أنّ لفظ القصاص مشعر بالمساواة، فهو منبئ عن العدل، بخلاف مطلق القتل.
السادس عشر: الآية مبنية على الإثبات، والمثل على النفي، والإثبات أشرف لأنّه أوّل، والنفي ثان عنه.
__________
(1) الكشاف 1/ 333.(1/80)
السابع عشر: أنّ المثل لا يكاد يفهم إلّا بعد فهم أنّ القصاص هو الحياة، وقوله:
{فِي الْقِصََاصِ حَيََاةٌ} مفهوم من أوّل وهلة.
الثامن عشر: أنّ في المثل بناء (أفعل) التفضيل من فعل متعدّ، والآية سالمة منه.
التاسع عشر: أنّ (أفعل) في الغالب يقتضي الاشتراك، فيكون ترك القصاص نافيا للقتل، ولكن القصاص أكثر نفيا، وليس الأمر كذلك. والآية سالمة من ذلك.
العشرون: أنّ الآية رادعة عن القتل والجرح معا لشمول القصاص لهما، والحياة أيضا في قصاص الأعضاء لأنّ قطع العضو ينقص مصلحة الحياة، وقد يسري إلى النفس فيزيلها، ولا كذلك المثل.
في أوّل الآية {وَلَكُمْ} وفيها لطيفة، وهي بيان العناية بالمؤمنين على الخصوص، وأنهم المراد حياتهم لا غيرهم، لتخصيصهم بالمعنى مع وجوده فيمن سواهم (1).
تنبيهات
الأول: ذكر قدامة من أنواع البديع الإشارة، وفسّرها: بالإتيان بكلام قليل ذي معان جمّة، وهذا هو إيجاز القصر بعينه لكن فرّق بينهما ابن أبي الإصبع: بأنّ الإيجاز دلالته مطابقة، ودلالة الإشارة إما تضمّن أو التزام، فعلم منه أنّ المراد بها ما تقدّم في مبحث المنطوق.
الثاني: ذكر القاضي أبو بكر في «إعجاز القرآن»: أنّ من الإيجاز نوعا يسمى:
التضمين وهو حصول معنى في لفظ من غير ذكر له باسم هي عبارة عنه. قال: وهو نوعان:
أحدهما: ما يفهم من البنية، كقوله: معلوم، فإنّه يوجب أنه لا بدّ من عالم.
والثاني: من معنى العبارة كبسم الله الرحمن الرحيم، فإنّه تضمّن تعليم الاستفتاح في الأمور باسمه، على جهة التعظيم لله تعالى والتبرّك باسمه.
الثالث: ذكر ابن الأثير وصاحب عروس الأفراح وغيرهما: أنّ من أنواع إيجاز القصر:
باب الحصر، سواء كان بإلّا أو بإنما أو غيرهما من أدواته، لأنّ الجملة فيها نابت مناب جملتين.
__________
(1) انظر الكشاف 1/ 333، وتفسير البغوي 1/ 146، وتفسير أبي السعود 1/ 196.(1/81)
وباب العطف، لأنّ حرفه وضع للإغناء عن إعادة العامل.
وباب النائب عن الفاعل، لأنه دل على الفاعل بإعطائه حكمه، وعلى المفعول بوضعه.
وباب الضمير، لأنه وضع للاستغناء به عن الظاهر اختصارا، وكذا لا يعدل إلى المنفصل مع إمكان المتصل.
وباب: علمت أنك قائم، لأنه متحمل لاسم واحد سدّ مسدّ المفعولين من غير حذف.
ومنها: باب التنازع إذا لم نقدّر على رأي الفراء.
ومنها: جمع أدوات الاستفهام والشرط فإنّ (كم مالك) يغني عن قولك: (أهو عشرون أم ثلاثون؟) وهكذا إلى ما لا يتناهى.
ومنها: الألفاظ اللازمة للعموم كأحد.
ومنها: لفظ التثنية والجمع، فإنّه يغني عن تكرير المفرد، وأقيم الحرف فيهما مقامه اختصارا.
وممّا يصلح أن يعدّ من أنواعه: المسمّى بالاتساع من أنواع البديع وهو: أن يؤتى بكلام يتسع فيه التأويل بحسب ما تحتمله ألفاظه من المعاني، كفواتح السّور، ذكره ابن أبي الإصبع.
القسم الثاني من قسمي الإيجاز: إيجاز الحذف،
وفيه فوائد.
ذكر أسبابه:
منها: مجرّد الاختصار والاحتراز عن العبث لظهوره.
ومنها: التنبيه على أنّ الزمان يتقاصر عن الإتيان بالمحذوف، وأنّ الاشتغال بذكره يفضي إلى تفويت المهمّ: وهذه هي فائدة باب التحذير والإغراء، وقد اجتمعا في قوله تعالى: {نََاقَةَ اللََّهِ وَسُقْيََاهََا} [الشمس: 13] ف {نََاقَةَ اللََّهِ} تحذير بتقدير: (ذروا) و {وَسُقْيََاهََا} إغراء بتقدير: (الزموا).
ومنها: التفخيم والإعظام لما فيه من الإبهام: قال حازم في «منهاج البلغاء»: إنما يحسن الحذف لقوّة الدلالة عليه، أو يقصد به تعديد أشياء، فيكون في تعدادها طول وسآمة، فيحذف ويكتفى بدلالة الحال، وتترك النفس تجول في الأشياء المكتفى بالحال عن
ذكرها. قال: ولهذا القصد يؤثر في المواضع التي يراد بها التعجّب والتهويل على النفوس، ومنه قوله في وصف أهل الجنة: {حَتََّى إِذََا جََاؤُهََا وَفُتِحَتْ أَبْوََابُهََا} [الزمر: 73]. فحذف الجواب، إذ كان وصف ما يجدونه ويلقونه عند ذلك لا يتناهى، فجعل الحذف دليلا على ضيق الكلام عن وصف ما يشاهدونه، وتركت النفوس تقدر ما شاءته، ولا تبلغ مع ذلك كنه ما هنالك.(1/82)
ومنها: التفخيم والإعظام لما فيه من الإبهام: قال حازم في «منهاج البلغاء»: إنما يحسن الحذف لقوّة الدلالة عليه، أو يقصد به تعديد أشياء، فيكون في تعدادها طول وسآمة، فيحذف ويكتفى بدلالة الحال، وتترك النفس تجول في الأشياء المكتفى بالحال عن
ذكرها. قال: ولهذا القصد يؤثر في المواضع التي يراد بها التعجّب والتهويل على النفوس، ومنه قوله في وصف أهل الجنة: {حَتََّى إِذََا جََاؤُهََا وَفُتِحَتْ أَبْوََابُهََا} [الزمر: 73]. فحذف الجواب، إذ كان وصف ما يجدونه ويلقونه عند ذلك لا يتناهى، فجعل الحذف دليلا على ضيق الكلام عن وصف ما يشاهدونه، وتركت النفوس تقدر ما شاءته، ولا تبلغ مع ذلك كنه ما هنالك.
وكذا قوله: {وَلَوْ تَرى ََ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النََّارِ} [الأنعام: 27] أي: لرأيت أمرا فظيعا، لا تكاد تحيط به العبارة (1).
ومنها: التخفيف لكثرة دورانه في الكلام: كما في حذف حرف النداء، نحو:
{يُوسُفُ أَعْرِضْ} [يوسف: 39]، ونون {لَمْ يَكُ} [الأنفال: 53]، والجمع السالم، ومنه قراءة {وَالْمُقِيمِي الصَّلََاةِ} [الحج: 35]، وياء {وَاللَّيْلِ إِذََا يَسْرِ (4)} [الفجر: 4]، وسأل المؤرّج السدوسيّ الأخفش عن هذه الآية، فقال: عادة العرب أنها إذا عدلت بالشيء عن معناه، نقصت حروفه، والليل لما كان لا يسري، وإنما يسرى فيه نقص منه حرف، كما قال تعالى: {وَمََا كََانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28]: الأصل (بغية) فلما حوّل عن فاعل نقص منه حرف.
ومنها: كونه لا يصلح إلّا له: نحو: {عََالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهََادَةِ} [الأنعام: 73]، {فَعََّالٌ لِمََا يُرِيدُ} [هود: 107].
ومنها: شهرته: حتى يكون ذكره وعدمه سواء، قال الزّمخشريّ: وهو نوع من دلالة الحال، التي لسانها أنطق من لسان المقال، وحمل عليه قراءة حمزة: {تَسََائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحََامَ} [النساء: 1] لأنّ هذا مكان شهر بتكرر الجارّ فقامت الشهرة مقام الذكر.
ومنها: صيانته عن ذكره تشريفا: كقوله تعالى: {قََالَ فِرْعَوْنُ وَمََا رَبُّ الْعََالَمِينَ (23) قََالَ رَبُّ السَّمََاوََاتِ}. الآيات، حذف فيها المبتدأ في ثلاثة مواضع: قبل ذكر الرّب أي: (هو ربّ)، (الله ربّكم)، (الله ربّ المشرق)، لأنّ موسى استعظم حال فرعون وإقدامه على السؤال، فأضمر اسم الله تعظيما وتفخيما. ومثّله في عروس الأفراح بقوله تعالى:
__________
(1) قال الحافظ ابن قيم الجوزية في «التبيان في أقسام القرآن» ص 24، بتحقيقنا: «ومثل هذا أي حذف جواب (لو) حذفه من أحسن الكلام، لأن المراد أنك لو رأيت ذلك لرأيت هولا عظيما، فليس في ذكر الجواب زيادة على ما دلّ عليه الشرط، وهذه عادة الناس في كلامهم إذا رأوا أمورا عجيبة وأرادوا أن يخبروا بها الغائب عنها يقول أحدهم: لو رأيت ما جرى يوم كذا بموضع كذا» اهـ.(1/83)
{رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] أي: ذاتك.
ومنها: صيانة اللسان عنه تحقيرا له: {صُمٌّ بُكْمٌ} [البقرة: 18] أي: هم أو المنافقون.
ومنها: قصد العموم: نحو: {وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] أي: على العبادة وعلى أمورنا كلها. {وَاللََّهُ يَدْعُوا إِلى ََ دََارِ السَّلََامِ} [يونس: 25] أي: كلّ واحد.
ومنها: رعاية الفاصلة: نحو: {مََا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمََا قَلى ََ (3)} [الضحى: 3] أي: وما قلاك.
ومنها: قصد البيان بعد الإبهام: كما في فعل المشيئة، نحو: {وَلَوْ شََاءَ لَهَدََاكُمْ}
[النحل: 9] أي: ولو شاء هدايتكم فإنّه إذا سمع السّامع {وَلَوْ شََاءَ} تعلّقت نفسه بمشاء انبهم عليه، لا يدري ما هو، فلمّا ذكر الجواب استبان بعد ذلك. وأكثر ما يقع ذلك بعد أداة شرط لأن مفعول المشيئة مذكور في جوابها.
وقد يكون مع غيرها استدلالا بغير الجواب، نحو: {وَلََا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلََّا بِمََا شََاءَ} [البقرة: 255].
وقد ذكر أهل البيان: أنّ مفعول المشيئة والإرادة لا يذكر إلّا إذا كان غريبا أو عظيما، نحو: {لِمَنْ شََاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28)} [التكوير: 28]، {لَوْ أَرَدْنََا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً}
[الأنبياء: 17] وإنّما اطرد أو كثر حذف مفعول المشيئة دون سائر الأفعال لأنه يلزم من وجود المشيئة وجود المشاء، فالمشيئة المستلزمة لمضمون الجواب لا يمكن أن تكون إلّا مشيئة الجواب، ولذلك كانت الإرادة مثلها في اطّراد مفعولها، ذكره الزّملكاني والتنوخي في «الأقصى القريب» قالوا: وإذا حذف بعد (لو) فهو المذكور في جوابها أبدا، وأورد في «عروس الأفراح»: {قََالُوا لَوْ شََاءَ رَبُّنََا لَأَنْزَلَ مَلََائِكَةً} [فصلت: 14] فإنّ المعنى: لو شاء ربّنا إرسال الرسل لأنزل ملائكة لأنّ المعنى معين على ذلك.
فائدة: قال الشيخ عبد القاهر: ما من اسم حذف في الحالة التي ينبغي أن يحذف فيها إلّا وحذفه أحسن من ذكره، وسمّى ابن جنّي الحذف شجاعة العربية لأنّه يشجع على الكلام.
قاعدة في حذف المفعول اختصارا واقتصارا:
قال ابن هشام: جرت عادة النحويين أن يقولوا بحذف المفعول اختصارا واقتصارا، ويريدون بالاختصار الحذف لدليل، ويريدون بالاقتصار الحذف لغير دليل، ويمثّلونه بنحو:
{كُلُوا وَاشْرَبُوا} [الطور: 19] أي: أوقعوا هذين الفعلين، والتحقيق أن يقال يعني كما قال أهل البيان:(1/84)
قال ابن هشام: جرت عادة النحويين أن يقولوا بحذف المفعول اختصارا واقتصارا، ويريدون بالاختصار الحذف لدليل، ويريدون بالاقتصار الحذف لغير دليل، ويمثّلونه بنحو:
{كُلُوا وَاشْرَبُوا} [الطور: 19] أي: أوقعوا هذين الفعلين، والتحقيق أن يقال يعني كما قال أهل البيان:
تارة يتعلق الغرض بالإعلام بمجرّد وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه، ومن أوقع عليه، فيجاء بمصدره مسندا إلى فعل كون عام، فيقال: حصل حريق أو نهب.
وتارة يتعلق بالإعلام بمجرّد إيقاع الفعل للفاعل، فيقتصر عليهما، ولا يذكر المفعول ولا ينوى، إذ المنويّ كالثابت، ولا يسمّى محذوفا لأنّ الفعل ينزّل لهذا القصد منزلة ما لا مفعول له.
ومنه: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258]، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلََا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31]، {وَإِذََا رَأَيْتَ ثَمَّ}
[الإنسان: 20] إذ المعنى: ربّي الذي يفعل الإحياء والإماتة. وهل يستوي من يتّصف بالعلم ومن ينتفي عنه العلم؟ وأوقعوا الأكل والشرب، وذروا الإسراف، وإذا حصلت منك رؤية.
ومنه: {وَلَمََّا وَرَدَ مََاءَ مَدْيَنَ} [القصص: 23] الآية، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام رحمهما إذ كانتا على صفة الذّياد وقومهما على السقي، لا لكون مذودهما غنما وسقيهم إبلا، وكذلك المقصود من: {لََا نَسْقِي} السقي لا المسقيّ. ومن لم يتأمّل قدّر (يسقون إبلهم) و (تذودان غنمهما)، و (لا نسقي غنما).
وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله، وتعليقه بمفعوله فيذكران، نحو: {لََا تَأْكُلُوا الرِّبَوا} [آل عمران: 130]، {وَلََا تَقْرَبُوا الزِّنى ََ} [الإسراء: 32] وهذا النّوع الذي إذا لم يذكر محذوفه قيل: محذوف.
وقد يكون في اللّفظ ما يستدعيه، فيحصل الجزم بوجوب تقديره، نحو: {أَهََذَا الَّذِي بَعَثَ اللََّهُ رَسُولًا} [الفرقان: 41]، {وَكُلًّا وَعَدَ اللََّهُ الْحُسْنى ََ} [النساء: 95].
وقد يشتبه الحال في الحذف وعدمه، نحو: {قُلِ ادْعُوا اللََّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمََنَ}
[الإسراء: 110]. قد يتوهّم أنّ معناه (نادوا) فلا حذف، أو (سموا) فالحذف واقع.
ذكر شروطه، هي ثمانية:
أحدها: وجود دليل: إما حالي، نحو: {قََالُوا سَلََاماً} [هود: 69] أي: سلّمنا سلاما.
أو مقاليّ، نحو: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مََا ذََا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قََالُوا خَيْراً} [النحل: 30] أي: أنزل خيرا.
{قََالَ سَلََامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الذاريات: 25] أي: سلام عليكم، أنتم قوم منكرون.(1/85)
أو مقاليّ، نحو: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مََا ذََا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قََالُوا خَيْراً} [النحل: 30] أي: أنزل خيرا.
{قََالَ سَلََامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الذاريات: 25] أي: سلام عليكم، أنتم قوم منكرون.
ومن الأدلّة: العقل: حيث يستحيل صحة الكلام عقلا إلّا بتقدير محذوف.
ثم تارة يدلّ على أصل الحذف من غير دلالة على تعيينه، بل يستفاد التعيين من دليل آخر، نحو: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] فإنّ العقل يدلّ على أنها ليست المحرّمة، لأنّ التحريم لا يضاف إلى الأجرام، وإنما هو والحلّ يضافان إلى الأفعال، فعلم بالعقل حذف شيء. وأما تعينه وهو التناول فمستفاد من الشرع، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما حرم أكلها» (1) لأنّ العقل لا يدرك محل الحلّ، ولا الحرمة. وأما قول صاحب التلخيص (2). إنّه من باب دلالة العقل أيضا، فتابع فيه السكاكيّ، من غير تأمل أنّه مبني على أصول المعتزلة.
وتارة يدل العقل أيضا على التعيين، نحو: {وَجََاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22] أي: أمره، بمعنى عذابه لأنّ العقل دلّ على استحالة مجيء البارئ، لأنه من سمات الحادث، وعلى أن الجائي أمره (3).
{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللََّهِ} [النحل: 91] أي: بمقتضى العقود وبمقتضى عهد الله لأنّ العقد والعهد قولان قد دخلا في الوجود، وانقضيا فلا يتصور فيهما وفاء ولا نقض، وإنما الوفاء والنقض بمقتضاهما وما ترتب عليهما من أحكامهما.
وتارة يدلّ على التعيين العادة، نحو: {فَذََلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32] دلّ العقل على الحذف، لأنّ يوسف لا يصح ظرفا للوم. ثم يحتمل أن يقدّر: (لمتنّني في حبّه) لقوله: {قَدْ شَغَفَهََا حُبًّا} [يوسف: 30]، وفي مراودتها لقوله: {تُرََاوِدُ فَتََاهََا}
[يوسف: 30]، والعادة دلّت على الثاني، لأنّ الحبّ المفرط لا يلام صاحبه عليه عادة،
__________
(1) رواه البخاري (66865532553122211292)، ومسلم (364)، والنسائي 7/ 173172، وأبو داود (41214120)، ومالك 2/ 498، وأحمد 6/ 429365328327، وعبد الرزاق (184)، والطحاوي 1/ 470، وابن حبان (12851284128312811280)، والطبراني (11765)، والدارقطني 1/ 4241، والبيهقي في سننه 1/ 201715، من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
(2) انظر التلخيص في علوم البلاغة ص 53.
(3) إن في قوله تعالى: {وَجََاءَ رَبُّكَ} إثبات لصفة المجيء، لله تعالى، فلا يجوز تأويل ذلك بأن المجيء لأمر الله، أو عذابه انظر الرد على هذه التأويلات الضالة في مختصر الصواعق المرسلة، والصفات للحافظ عبد الغني ص 8380، بتحقيقي.(1/86)
لأنه ليس اختياريا، بخلاف المراودة، للقدرة على دفعها.
وتارة يدلّ عليه التصريح به في موضع آخر، وهو أقواها، نحو: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلََّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللََّهُ} [البقرة: 210]. أي: أمره، بدليل: {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} [النحل: 33] {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمََاوََاتُ} [آل عمران: 133] أي: كعرض، بدليل التصريح به في آية الحديد.
{رَسُولٌ مِنَ اللََّهِ} [البينة: 2] أي: من عند الله، بدليل: {وَلَمََّا جََاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللََّهِ}
[البقرة: 101] (1).
ومن الأدلّة على أصل الحذف العادة، بأن يكون العقل غير مانع من إجراء اللفظ على ظاهره من غير حذف، نحو: {لَوْ نَعْلَمُ قِتََالًا لَاتَّبَعْنََاكُمْ} [آل عمران: 167] أي: مكان قتال، والمراد مكانا صالحا للقتال، وإنّما كان كذلك لأنّهم كانوا أخبر الناس بالقتال، ويتعيّرون بأن يتفوّهوا بأنهم لا يعرفونه، فالعادة تمنع أن يريدوا: (لو نعلم حقيقة القتال) فلذلك قدّره مجاهد (مكان قتال) (2). ويدل عليه: أنّهم أشاروا على النّبي صلّى الله عليه وسلّم ألّا يخرج من المدينة (3).
ومنها الشروع في الفعل، نحو: (بسم الله) فيقدر ما جعلت التسمية مبدأ له فإن كانت عند الشروع في القراءة قدّرت (أقرأ)، أو الأكل قدّرت (آكل). وعلى هذا أهل البيان قاطبة، خلافا لقول النّحاة أنه يقدّر (ابتدأت) أو (ابتدائي) كائن (بسم الله). ويدل على صحّة الأوّل: التصريح به في قوله: {وَقََالَ ارْكَبُوا فِيهََا بِسْمِ اللََّهِ مَجْرََاهََا وَمُرْسََاهََا}
[هود: 41] وفي حديث: «باسمك ربّي وضعت جنبي» (4).
ومنها: الصناعة النحويّة، كقولهم في: {لََا أُقْسِمُ} [القيامة: 1] التقدير (لأنا أقسم) لأنّ فعل الحال لا يقسم عليه. وفي: {تَاللََّهِ تَفْتَؤُا} [يوسف: 85] التقدير: (لا تفتأ) لأنه لو كان الجواب مثبتا دخلت اللّام والنّون، كقوله: {وَتَاللََّهِ لَأَكِيدَنَّ} [الأنبياء: 57].
وقد توجب الصناعة التقدير، وإن كان المعنى غير متوقّف عليه، كقولهم في:
__________
(1) انظر التعليق السابق للأهمية.
(2) انظر تفسير الطبري 3/ 511، روي عن مجاهد قوله: لو نعلم أنا وجدنا معكم قتالا، لو نعلم مكان قتال لاتبعناكم.
(3) انظر تفسير الطبري 3/ 511510.
(4) رواه البخاري (73936320)، ومسلم (2714)، وأبو داود (5050)، والترمذي (3401)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (794791)، والبخاري في الأدب المفرد (1217)، وأحمد 2/ 295283 432422، وعبد الرزاق (19830)، وابن حبان في صحيحه (55355534).(1/87)
{لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ} [محمد: 19]: إنّ الخبر محذوف، أي: موجود.
وقد أنكره الإمام فخر الدين وقال: هذا الكلام لا يحتاج إلى تقدير، وتقدير النحاة فاسد لأنّ نفي الحقيقة مطلقة أعمّ من نفيها مقيّدة، فإنّها إذا انتفت مطلقة كان ذلك دليلا على سلب الماهية مع القيد، وإذا انتفت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر.
وردّ: بأن تقديرهم: (موجود) يستلزم نفي كل إله غير الله قطعا، فإن العدم لا كلام فيه فهو في الحقيقة نفي للحقيقة مطلقة لا مقيّدة. ثم لا بد من تقدير خبر، لاستحالة مبتدأ بلا خبر ظاهر أو مقدّر، وإنّما يقدّر النحويّ ليعطي القواعد حقّها، وإن كان المعنى مفهوما.
تنبيه
قال ابن هشام: إنّما يشترط الدليل فيما إذا كان المحذوف الجملة بأسرها أو أحد ركنيها، أو يفيد معنى فيها هي مبنيّة عليه، نحو: {تَاللََّهِ تَفْتَؤُا} [يوسف: 85] أمّا الفضلة فلا يشترط لحذفها وجدان دليل، بل يشترط ألّا يكون في حذفها ضرر معنويّ أو صناعيّ.
قال: ويشترط في الدليل اللفظيّ أن يكون طبق المحذوف، وردّ قول الفراء في:
{أَيَحْسَبُ الْإِنْسََانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظََامَهُ بَلى ََ قََادِرِينَ} [القيامة: 3، 4]: إنّ التقدير: (بل ليحسبنا قادرين) لأنّ الحسبان المذكور بمعنى الظن والمقدّر بمعنى العلم، لأن التردّد في الإعادة كفر، فلا يكون مأمورا به.
قال والصّواب فيها قول سيبويه: إنّ {قََادِرِينَ} حال، أي: بل نجمعها قادرين، لأنّ فعل الجمع أقرب من فعل الحسبان، ولأنّ (بلى) لإيجاب المنفيّ، وهو فيها فعل الجمع.
الشرط الثاني: ألّا يكون المحذوف كالجزء: ومن ثمّ لم يحذف الفاعل ولا نائبه ولا اسم كان وأخواتها. قال ابن هشام (1). وأما قول ابن عطية (2) في: {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ}
[الجمعة: 5] إنّ التقدير: (بئس المثل مثل القوم) فإن أراد تفسير الإعراب، وأن الفاعل لفظ (المثل) محذوفا فمردود، وإن أراد تفسير المعنى، وأنّ في {بِئْسَ} ضمير المثل مستترا فسهل.
الشرط الثالث: ألّا يكون مؤكّدا: لأنّ الحذف مناف للتأكيد، إذ الحذف مبنيّ على
__________
(1) انظر مغني اللبيب 1/ 609.
(2) انظر تفسيره المحرر الوجيز 5/ 308307.(1/88)
الاختصار، والتأكيد مبني على الطّول. ومن ثمّ ردّ الفارسيّ على الزّجّاج في قوله في:
{إِنْ هََذََانِ لَسََاحِرََانِ} [طه: 63] إنّ التقدير: إن هذان لهما ساحران فقال: الحذف والتوكيد باللّام متنافيان، وأمّا حذف الشيء لدليل وتوكيده فلا تنافي بينهما، لأنّ المحذوف لدليل كالثابت.
الرابع: ألّا يؤدّي حذفه إلى اختصار المختصر، ومن ثمّ لم يحذف اسم الفعل لأنه اختصار للفعل.
الخامس: ألّا يكون عاملا ضعيفا، فلا يحذف الجار، والناصب للفعل، والجازم إلّا في مواضع قويت فيها الدلالة، وكثر فيها استعمال تلك العوامل.
السادس: ألّا يكون المحذوف عوضا عن شيء، ومن ثمّ قال ابن مالك: إنّ حرف النداء ليس عوضا من (أدعو) لإجازة العرب حذفه. ولذا أيضا لم تحذف التاء من إقامة واستقامة. وأمّا: {وَإِقََامَ الصَّلََاةِ} [الأنبياء: 73] فلا يقاس عليه، ولا خبر كان: لأنه عوض أو كالعوض من مصدرها.
السابع: ألّا يؤدّي حذفه إلى تهيئة العامل القويّ، ومن ثمّ لم يقس على قراءة:
{وَكُلًّا وَعَدَ اللََّهُ الْحُسْنى ََ} (1) [الحديد: 10].
فائدة: اعتبر الأخفش في الحذف التدريج حيث أمكن، ولهذا قال في قوله تعالى:
{وَاتَّقُوا يَوْماً لََا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} [البقرة: 48]: إنّ الأصل (لا تجزي فيه)، فحذف حرف الجرّ، فصار (تجزيه) ثم حذف الضمير، فصار {تَجْزِي}. وهذه ملاطفة في الصناعة. ومذهب سيبويه أنهما حذفا معا، قال ابن جني: وقول الأخفش أوفق في النّفس، وآنس من أن يحذف الحرفان معا في وقت واحد.
قاعدة الأصل أن يقدّر الشيء في مكانه الأصليّ:
لئلّا يخالف الأصل من وجهين: الحذف، ووضع الشيء في غير محله. فيقدّر المفسّر في نحو (زيدا رأيته) مقدّما عليه. وجوّز البيانيون تقديره مؤخرا عنه لإفادة الاختصاص، كما قاله النحاة، وإذا منع منه مانع، نحو:
{وَأَمََّا ثَمُودُ فَهَدَيْنََاهُمْ} [فصلت: 17]. إذ لا يلي (أمّا) فعل.
__________
(1) قرأ ابن عامر: «وكل» بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب، انظر حجّة كلّ قراءة في الكشف لمكي 2/ 307 308، وانظر النشر 2/ 384.(1/89)
قاعدة ينبغي تقليل المقدّر مهما أمكن،
لتقلّ مخالفة الأصل، ومن ثمّ ضعّف قول الفارسيّ في: {وَاللََّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]: إنّ التقدير: (فعدّتهنّ ثلاثة أشهر). والأولى أن يقدّر (كذلك).
قال الشيخ عز الدّين: ولا يقدر من المحذوفات إلّا أشدّها موافقة للغرض وأفصحها لأنّ العرب لا يقدّرون إلّا ما لو لفظوا به لكان أحسن وأنسب لذلك الكلام، كما يفعلون ذلك في الملفوظ به، نحو: {جَعَلَ اللََّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ قِيََاماً لِلنََّاسِ} [المائدة: 97] قدّر أبو عليّ: (جعل الله نصب الكعبة). وقدّر غيره: (حرمة الكعبة) وهو أولى، لأنّ تقدير الحرمة في الهدي والقلائد والشهر الحرام لا شكّ في فصاحته، وتقدير النّصب فيها بعيد من الفصاحة.
قال: ومهما تردّد المحذوف بين الحسن والأحسن، وجب تقدير الأحسن، لأنّ الله وصف كتابه بأنه أحسن الحديث فليكن محذوفه أحسن المحذوفات، كما أنّ ملفوظه أحسن الملفوظات.
ومتى تردّد بين أن يكون مجملا أو مبيّنا فتقدير المبيّن أحسن، نحو: {وَدََاوُدَ وَسُلَيْمََانَ إِذْ يَحْكُمََانِ فِي الْحَرْثِ} [الأنبياء: 78] لك أن تقدّر: (في أمر الحرث). و: (في تضمين الحرث) وهو أولى لتعيّنه، والأمر مجمل لتردّده بين أنواع.
قاعدة: إذا دار الأمر بين كون المحذوف فعلا والباقي فاعلا، وكونه مبتدأ والباقي خبرا، فالثاني أولى لأنّ المبتدأ عين الخبر، وحينئذ فالمحذوف عين الثابت، فيكون حذفا كلا حذف. فأمّا الفعل فإنّه غير الفاعل اللهم إلّا أن يعتضد الأول برواية أخرى في ذلك الموضع، أو بموضع آخر يشبهه.
فالأول: كقراءة: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهََا} [النور: 36] بفتح الباء (1). {كَذََلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللََّهُ} [الشورى: 3] بفتح الحاء (2)، فإنّ التقدير: (يسبّحه رجال) و (يوحيه الله)، ولا يقدّران مبتدأين حذف خبرهما، لثبوت فاعلية الاسمين في رواية من بنى الفعل للفاعل.
والثاني: نحو: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللََّهُ} [الزخرف: 87] فتقدير: (خلقهم
__________
(1) قرأ أبو بكر وابن عامر بفتح الباء، على ما لم يسمّ فاعله، وقرأ الباقون بكسر الباء. انظر الكشف لمكي 2/ 139.
(2) قرأ ابن كثير بفتح الحاء، وقرأ الباقون بكسر الحاء. انظر الكشف 2/ 250.(1/90)
الله) أولى من: (الله خلقهم) لمجيء: {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9].
قاعدة إذا دار الأمر بين كون المحذوف أولا أو ثانيا، فكونه ثانيا أولى،
ومن ثمّ رجح أنّ المحذوف في نحو: {أَتُحََاجُّونِّي} [الأنعام: 80]. نون الوقاية لا نون الرفع. وفي: {نََاراً تَلَظََّى} [الليل: 14] التّاء الثانية لا تاء المضارعة. وفي: {وَاللََّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}
[التوبة: 62]: أنّ المحذوف خير الثاني لا الأوّل. وفي نحو: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ} [البقرة: 197] أنّ المحذوف مضاف للثاني: أيّ: حجّ أشهر، لا الأوّل: أي: أشهر الحج.
وقد يجب كونه من الأول، نحو: {إِنَّ اللََّهَ وَمَلََائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}
[الأحزاب: 56] في قراءة من رفع {وَمَلََائِكَتَهُ} (1) لاختصاص الخبر بالثاني، لوروده بصيغة الجمع.
وقد يجب كونه من الثاني، نحو: {أَنَّ اللََّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] أي: بريء أيضا، لتقدّم الخبر على الثاني.
فصل [في أنواع الحذف]
الحذف على أنواع:
أحدها: ما يسمّى بالاقتطاع، وهو حذف بعض حروف الكلمة. وأنكر ابن الأثير ورود هذا النوع في القرآن، وردّ: بأنّ بعضهم جعل منه فواتح السّور، على القول بأنّ كلّ حرف منها من اسم من أسمائه كما تقدّم.
وادعى بعضهم أنّ الباء في: {وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ} [المائدة: 6] أوّل كلمة بعض، ثم حذف الباقي.
ومنه قراءة بعضهم: ونادوا يا مال [الزخرف: 77] بالتّرخيم، ولمّا سمعها بعض
__________
(1) قرأ الجمهور: وملائكته: نصبا. وقرأ ابن عباس وعبد الوارث، عن أبي عمرو، رفعا. انظر البحر المحيط 7/ 248.(1/91)
السلف قال: ما أغنى أهل النار عن الترخيم!. وأجاب بعضهم: بأنّهم لشدّة ما هم فيه عجزوا عن إتمام الكلمة.
ويدخل في هذا النوع حذف همزة (أنا) في قوله: {لََكِنَّا هُوَ اللََّهُ رَبِّي} [الكهف: 38] إذ الأصل (لكن أنا) حذفت همزة (أنا) تخفيفا، وأدغمت النون في النون.
ومثله ما قرئ: ويمسك السّماء أن تقع علّرض [الحج: 65] بما أنزلّيك [البقرة: 4]، فمن تعجّل في يومين فلثم عليه [البقرة: 203]، إنها لحدى الكبر [المدثر: 35].
النوع الثاني: ما يسمّى بالاكتفاء: وهو أن يقتضي المقام شيئين بينهما تلازم وارتباط، فيكتفى بأحدهما عن الآخر لنكتة.
ويختصّ غالبا بالارتباط العطفي، كقوله: {سَرََابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أي: والبرد، وخصّص الحرّ بالذكر لأنّ الخطاب للعرب، وبلادهم حارة والوقاية عندهم من الحر أهم لأنه أشد عندهم من البرد. وقيل: لأن البرد تقدّم ذكر الامتنان بوقايته صريحا في قوله: {وَمِنْ أَصْوََافِهََا وَأَوْبََارِهََا وَأَشْعََارِهََا} [النحل: 80]، وفي قوله: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبََالِ أَكْنََاناً} [النحل: 81] وفي قوله تعالى: {وَالْأَنْعََامَ خَلَقَهََا لَكُمْ فِيهََا دِفْءٌ} [النحل: 5].
ومن أمثلة هذا النوع: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران: 26] أي: والشرّ، وإنّما خصّ الخير بالذكر لأنه مطلوب العباد ومرغوبهم، أو لأنه أكثر وجودا في العالم، أو لأنّ إضافة الشّرّ إلى الله ليس من باب الآداب، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «والشرّ ليس إليك» (1).
ومنها: {وَلَهُ مََا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهََارِ} [الأنعام: 13] أي: وما تحرّك، وخصّ السكون بالذكر لأنّه أغلب الحالين على المخلوق من الحيوان والجماد، ولأنّ كل متحرّك يصير إلى السكون.
ومنها: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] أي: والشهادة، لأنّ الإيمان بكلّ منهما واجب، وآثر الغيب لأنّه أمدح، ولأنه يستلزم الإيمان بالشهادة، من غير عكس.
__________
(1) رواه مسلم (771)، وأبو داود (761760)، والترمذي (34233422)، والنسائي 2/ 130129، وابن الجارود (179)، والدارقطني 1/ 296، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 239199، وفي مشكل الآثار 1/ 488، وابن خزيمة (743463462)، وابن حبان (1774177317721771 1775)، والبيهقي في السنن 2/ 7432.(1/92)
ومنها: {وَرَبُّ الْمَشََارِقِ} [الصافات: 5] أي: والمغارب.
ومنها: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] أي: وللكافرين. قاله ابن الأنباريّ، ويؤيده قوله: {هُدىً لِلنََّاسِ} [البقرة: 185].
ومنها: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] أي: ولا والد، بدليل أنّه أوجب للأخت النّصف، وإنما يكون ذلك مع فقد الأب، لأنه يسقطها.
النوع الثالث: ما يسمى بالاحتباك: وهو من ألطف الأنواع وأبدعها، وقلّ من تنبه له أو نبّه عليه من أهل فنّ البلاغة، ولم أره في شرح بديعية الأعمى لرفيقه الأندلسيّ. وذكره الزركشي في «البرهان» (1) ولم يسمّه هذا الاسم، بل سمّاه الحذف المقابليّ.
وأفرده بالتصنيف من أهل العصر العلامة برهان الدين البقاعيّ، قال الأندلسيّ في «شرح البديعيّة»: من أنواع البديع: الاحتباك، وهو نوع عزيز، وهو أن يحذف من الأوّل ما أثبت نظيره في الثاني، ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأوّل، كقوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} [البقرة: 171] الآية، التقدير: ومثل الأنبياء والكفار كمثل الذي ينعق والذي ينعق به، فحذف من الأول الأنبياء لدلالة {الَّذِي يَنْعِقُ} عليه، ومن الثاني الذي ينعق به لدلالة {الَّذِينَ كَفَرُوا} عليه.
وقوله: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضََاءَ} [النمل: 12] التقدير: تدخل غير بيضاء، وأخرجها تخرج بيضاء، فحذف من الأول (غير بيضاء) ومن الثاني (وأخرجها).
وقال الزركشيّ (2): هو أن يجتمع في الكلام متقابلان، فيحذف من كلّ واحد منهما مقابله لدلالة الآخر عليه، كقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرََاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرََامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمََّا تُجْرِمُونَ (35)} [هود: 35] التقدير: إن افتريته فعليّ إجرامي وأنتم برآء منه، وعليكم إجرامكم وأنا بريء ممّا تجرمون.
وقوله: {وَيُعَذِّبَ الْمُنََافِقِينَ إِنْ شََاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 24] التقدير: ويعذّب المنافقين إن شاء فلا يتوب عليهم، أو يتوب عليهم فلا يعذبهم.
وقوله: {وَلََا تَقْرَبُوهُنَّ حَتََّى يَطْهُرْنَ فَإِذََا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] أي: حتى يطهرن
__________
(1) إنما خصص الهداية بالمتقين، لأنهم هم المنتفعون بالقرآن دون غيرهم.
(2) البرهان 3/ 129.
(3) في البرهان 3/ 129.(1/93)
من الدم ويتطهّرن بالماء، فإذا طهرن وتطهرن فأتوهنّ.
وقوله: {خَلَطُوا عَمَلًا صََالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} [التوبة: 102] أي: عملا صالحا بسيئ، وآخر سيئا بصالح.
قلت: ومن لطيفه قوله: {فِئَةٌ تُقََاتِلُ فِي سَبِيلِ اللََّهِ وَأُخْرى ََ كََافِرَةٌ} [آل عمران: 13] أي: فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت.
وفي «الغرائب» للكرمانيّ: في الآية الأولى التقدير: مثل الذين كفروا يا محمد كمثل الناعق مع الغنم: فحذف من كلّ طرف ما يدلّ عليه الطرف الآخر، وله في القرآن نظائر، وهو أبلغ ما يكون من الكلام. انتهى.
ومأخذ هذه التسمية من الحبك، الذي معناه: الشدّ والإحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب، فحبك الثوب سدّ ما بين خيوطه من الفرج وشدّه وإحكامه بحيث يمنع عنه الخلل مع الحسن والرّونق.
وبيان أخذه منه: من أنّ مواضع الحذف من الكلام شبّهت بالفرج بين الخيوط، فلمّا أدركها الناقد البصير بصوغه الماهر في نظمه وحوكه، فوضع المحذوف مواضعه. كان حابكا له مانعا من خلل يطرقه، فسدّ بتقديره ما يحصل به الخلل، مع ما أكسبه من الحسن والرونق.
النوع الرابع: ما يسمّى بالاختزال: هو ما ليس واحدا مما سبق، وهو أقسام، لأنّ المحذوف إما كلمة اسم، أو فعل، أو حرف أو أكثر.
أمثلة حذف الاسم:
حذف المضاف: هو كثير في القرآن جدّا، حتى قال ابن جني: في القرآن منه زهاء ألف موضع. وقد سردها الشيخ عز الدين في كتابه المجاز (1) على ترتيب السور والآيات.
ومنه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ} [البقرة: 197] أي: حجّ أشهر، أو: أشهر الحجّ. {وَلََكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} [البقرة: 177] أي: ذا البرّ، أو: برّ من. {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ}
[النساء: 23] أي: نكاح أمّهاتكم. {لَأَذَقْنََاكَ ضِعْفَ الْحَيََاةِ وَضِعْفَ الْمَمََاتِ} [الإسراء: 75] أي: ضعف عذاب. {وَفِي الرِّقََابِ} [البقرة: 177] أي: وفي تحرير الرقاب.
__________
(1) انظر «الإشارة إلى الإيجاز» ص 204115.(1/94)
حذف المضاف إليه: يكثر في ياء المتكلم، نحو: {رَبِّ اغْفِرْ لِي} [الأعراف: 151] وفي الغايات، نحو: {لِلََّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} أي: من قبل الغلب ومن بعده.
وفي كلّ، وأيّ، وبعض. وجاء في غيرهنّ، كقراءة: {فَلََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ}
[البقرة: 38]. بضم بلا تنوين (1) أي: فلا خوف شيء عليهم.
حذف المبتدأ: يكثر في جواب الاستفهام، نحو: {وَمََا أَدْرََاكَ مََا هِيَهْ (10) نََارٌ}
[القارعة: 10، 11] أي: هي نار. وبعد فاء الجواب: {مَنْ عَمِلَ صََالِحاً فَلِنَفْسِهِ} أي: فعمله لنفسه {وَمَنْ أَسََاءَ فَعَلَيْهََا} [الجاثية: 15] أي: فإساءته عليها. وبعد القول، نحو: {وَقََالُوا أَسََاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الفرقان: 5] {أَحْلََامٍ} [يوسف: 44]، وبعد ما الخبر صفة له في المعنى، نحو: {التََّائِبُونَ الْعََابِدُونَ} [التوبة: 112] ونحو: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة: 18].
ووقع في غير ذلك، نحو: {لََا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلََادِ (196) مَتََاعٌ قَلِيلٌ}
[آل عمران: 196، 197] {لَمْ يَلْبَثُوا إِلََّا سََاعَةً مِنْ نَهََارٍ بَلََاغٌ} [الأحقاف 35] أي: هذا. {سُورَةٌ أَنْزَلْنََاهََا} [النور: 1] أي: هذه.
ووجب في النعت المقطوع إلى الرفع حذف الخبر، نحو: {أُكُلُهََا دََائِمٌ وَظِلُّهََا}
[الرعد: 35] أي: دائم.
ويحتمل الأمرين: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 18] أي: أجمل، أو: فأمري صبر.
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] أي: عليه، أو: فالواجب
حذف الموصوف: {وَعِنْدَهُمْ قََاصِرََاتُ الطَّرْفِ} [الصافات: 48] أي: حور قاصرات.
{أَنِ اعْمَلْ سََابِغََاتٍ} [سبأ: 11] أي: دروعا سابغات. {أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [النور: 31] أي:
القوم المؤمنون.
حذف الصفة: نحو: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ} [الكهف: 79] أي: صالحة، بدليل أنه قرئ كذلك (2)، وأن تعييبها لا يخرجها عن كونها سفينة. {الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البقرة: 71] أي:
الواضح، وإلّا لكفروا بمفهوم ذلك. {فَلََا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيََامَةِ وَزْناً} [الكهف: 105] أي:
نافعا.
__________
(1) قرأ يعقوب: فلا خوف بفتح الفاء من غير تنوين، وقرأ ابن محيصن بضم الفاء: خوف، من غير تنوين. انظر زاد المسير 1/ 71.
(2) وهي قراءة أبي بن كعب قرأها: كل سفينة صحيحة. انظر زاد المسير 5/ 179.(1/95)
حذف المعطوف عليه: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصََاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} [الشعراء: 63] أي: فضرب فانفلق.
وحيث دخلت واو العطف على لام التعليل ففي تخريجه وجهان.
أحدهما: أن يكون تعليلا معلّله محذوف، كقوله: {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلََاءً حَسَناً} [الأنفال: 17] فالمعنى: وللإحسان إلى المؤمنين فعل ذلك.
والثاني: أنّه معطوف على علّة أخرى مضمرة، لتظهر صحة العطف، أي: فعل ذلك ليذيق الكافرين بأسه وليبلي.
حذف المعطوف مع العاطف: {لََا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقََاتَلَ}
[الحديد: 10] أي: ومن أنفق بعده. {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران: 26] أي: والشرّ.
حذف المبدل منه: خرج عليه: {وَلََا تَقُولُوا لِمََا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ} [النحل: 116] أي: لما تصفه، والكذب بدل من الهاء.
حذف الفاعل: لا يجوز إلّا في فاعل المصدر، نحو: {لََا يَسْأَمُ الْإِنْسََانُ مِنْ دُعََاءِ الْخَيْرِ} [فصلت: 49] أي: دعائه الخير. وجوّزه الكسائيّ مطلقا لدليل، وخرّج عليه: {إِذََا بَلَغَتِ التَّرََاقِيَ} [القيامة: 26] أي: الرّوح. {حَتََّى تَوََارَتْ بِالْحِجََابِ} [ص: 32] أي: الشمس.
حذف المفعول: تقدم أنه كثير في مفعول المشيئة والإرادة، ويرد في غيرهما، نحو:
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ} [الأعراف: 152] أي: إلها {كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)}
[التكاثر: 3] أي: عاقبة أمركم.
حذف الحال: يكثر إذا كان قولا، نحو: {وَالْمَلََائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بََابٍ سَلََامٌ}
[الرعد: 23، 24] أي: قائلين.
حذف المنادى: {أَلََّا يَسْجُدُوا} [النمل: 25] أي: يا هؤلاء. {يََا لَيْتَ} [القصص: 79] أي: يا قوم.
حذف العائد: يقع في أربعة أبواب:
الصلة: نحو: {أَهََذَا الَّذِي بَعَثَ اللََّهُ رَسُولًا} [الفرقان: 41] أي: بعثه.
والصفة: نحو: {وَاتَّقُوا يَوْماً لََا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ} [البقرة: 48] أي: فيه.
والخبر: نحو: {وَكُلًّا وَعَدَ اللََّهُ الْحُسْنى ََ} [النساء: 95] أي: وعده.
والحال:(1/96)
والخبر: نحو: {وَكُلًّا وَعَدَ اللََّهُ الْحُسْنى ََ} [النساء: 95] أي: وعده.
والحال:
حذف مخصوص نعم: {إِنََّا وَجَدْنََاهُ صََابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ} [ص: 44] أي: أيوب. {فَقَدَرْنََا فَنِعْمَ الْقََادِرُونَ} [المرسلات: 33] أي: نحن. {وَلَنِعْمَ دََارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل: 30] أي: الجنة.
حذف الموصول، نحو: {آمَنََّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنََا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} [العنكبوت: 46] أي: والذي أنزل إليكم، لأنّ الذي أنزل إلينا ليس هو الذي أنزل إلى من قبلنا، ولهذا أعيدت (ما) في قوله: {آمَنََّا بِاللََّهِ وَمََا أُنْزِلَ إِلَيْنََا وَمََا أُنْزِلَ إِلى ََ إِبْرََاهِيمَ} [البقرة: 136].
أمثلة حذف الفعل:
يطّرد إذا كان مفسّرا، نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجََارَكَ} [التوبة: 6] {إِذَا السَّمََاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1]، {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} [الإسراء: 100].
ويكثر في جواب الاستفهام، نحو: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مََا ذََا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قََالُوا خَيْراً}
[النحل: 30] أي: أنزل.
وأكثر منه حذف القول، نحو: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرََاهِيمُ الْقَوََاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمََاعِيلُ رَبَّنََا}
[البقرة: 127] أي: يقولان: ربنا.
قال أبو علي: حذف القول من حديث البشر قل ولا حرج.
ويأتي في غير ذلك، نحو: {انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ} [النساء: 171] أي: وأتوا.
{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدََّارَ وَالْإِيمََانَ} [الحشر: 9] أي: وألفوا الإيمان أو اعتقدوا. {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] أي: وليسكن زوجك. {وَامْرَأَتُهُ حَمََّالَةَ الْحَطَبِ (4)}
[المسد: 4] أي: أذمّ. {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلََاةَ} [النساء: 162] أي: أمدح. {وَلََكِنْ رَسُولَ اللََّهِ}
[الأحزاب: 40] أي: كان. {وَإِنَّ كُلًّا لَمََّا} [هود: 111] أي: يوفوا أعمالهم.
أمثلة حذف الحرف:
قال ابن جني في «المحتسب»: أخبرنا أبو علي قال: قال أبو بكر: حذف الحرف ليس بقياس لأنّ الحروف إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار، فلو ذهبت تحذفها لكنت مختصرا لها هي أيضا، واختصار المختصر إجحاف به.
حذف همزة الاستفهام: قرأ ابن محيصن: سواء عليهم أنذرتهم (1) [البقرة: 6].
__________
(1) انظر البحر المحيط 1/ 4544، والقراءات الشاذة للشيخ عبد الفتاح القاضي ص 27.(1/97)
وخرّج عليه {هََذََا رَبِّي} [الأنعام: 7876] في المواضع الثلاثة. {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهََا}
[الشعراء: 22] أي: أو تلك؟
حذف الموصول الحرفي: قال ابن مالك: لا يجوز إلّا في (أن) نحو: {وَمِنْ آيََاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} [الروم: 24].
وحذف الجار: يطّرد مع أن، وأنّ. نحو: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لََا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلََامَكُمْ بَلِ اللََّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدََاكُمْ} [الحجرات: 17]، {أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي} [الشعراء: 82]، {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ} [المؤمنون: 35] أي: بأنّكم. وجاء مع غيرهما، نحو: {قَدَّرْنََاهُ مَنََازِلَ}
[يس: 39] أي: قدرنا له، {وَيَبْغُونَهََا عِوَجاً} [الأعراف: 45] أي: لها، {يُخَوِّفُ أَوْلِيََاءَهُ} [آل عمران: 175] أي: يخوفكم بأوليائه. {وَاخْتََارَ مُوسى ََ قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] أي: من قومه.
{وَلََا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكََاحِ} [البقرة: 235] أي: على عقدة النكاح.
حذف العاطف: خرج عليه الفارسي: {وَلََا عَلَى الَّذِينَ إِذََا مََا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لََا أَجِدُ مََا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا} [التوبة: 92] أي: وقلت، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاعِمَةٌ}
[الغاشية: 8] أي: ووجوه، عطفا على: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خََاشِعَةٌ} [الغاشية: 2].
حذف فاء الجواب: وخرّج عليه الأخفش: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوََالِدَيْنِ}
[البقرة: 180].
حذف حرف النداء، كثير: {هََا أَنْتُمْ أُولََاءِ} [آل عمران: 119]، {يُوسُفُ أَعْرِضْ}
[يوسف: 29]، {قََالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم: 4]، {فََاطِرِ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ}
[الأنعام: 14]، وفي العجائب للكرمانيّ: كثر حذف (يا) في القرآن من الرّبّ تنزيها وتعظيما لأنّ في النداء طرفا من الأمر.
حذف (قد) في الماضي إذا وقع حالا: نحو: {أَوْ جََاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ}
[النساء: 90]، {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111].
حذف (لا) النافية: يطّرد في جواب القسم، إذا كان المنفيّ مضارعا، نحو: {تَاللََّهِ تَفْتَؤُا} [يوسف: 85] وورد في غيره، نحو: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] أي: لا يطيقونه. {وَأَلْقى ََ فِي الْأَرْضِ رَوََاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15] أي: لئلا تميد.
حذف لام التوطئة: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمََّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ} [المائدة: 73]، {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121].
حذف لام الأمر: خرّج عليه {قُلْ لِعِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا} [إبراهيم: 31]، أي:(1/98)
حذف لام التوطئة: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمََّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ} [المائدة: 73]، {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121].
حذف لام الأمر: خرّج عليه {قُلْ لِعِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا} [إبراهيم: 31]، أي:
ليقيموا.
حذف لام (لقد): يحسن مع طول الكلام، نحو: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكََّاهََا}
[الشمس: 9].
حذف نون التوكيد: خرّج عليه قراءة: (ألم نشرح) بالنصب (1).
حذف التنوين: خرّج عليه قراءة: (قل هو الله أحد الله الصّمد) [الإخلاص: 1]، (ولا اللّيل سابق النّهار) [يس: 40] بالنصب.
حذف نون الجمع: خرّج عليه قراءة: (وما هم بضارّي به من أحد).
حذف حركة الإعراب والبناء: خرّج عليه قراءة: (فتوبوا إلى بارئكم) [البقرة: 54]، و (يأمركم) [البقرة: 67]، (وبعولتهنّ أحقّ) [البقرة: 228] بسكون الثلاثة، وكذا: (أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح) [البقرة: 237]، (فأواري سوأة أخي) [المائدة: 31]، (ما بقي من الرّبا) [البقرة: 278].
أمثلة حذف أكثر من كلمة:
حذف مضافين: {فَإِنَّهََا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] أي: فإنّ تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب. {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: 96]. أي من أثر حافر فرس الرسول. {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى ََ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [الأحزاب: 19] أي: كدوران عين الذي. {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} [الواقعة: 82] أي: بدل شكر رزقكم.
حذف ثلاث متضايفات:
{فَكََانَ قََابَ قَوْسَيْنِ} [النجم: 9] أي: فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين، فحذف ثلاثة من اسم (كان) وواحد من خبرها.
حذف مفعولي باب ظن: {أَيْنَ شُرَكََائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 62] أي:
تزعمونهم شركائي.
حذف الجار مع المجرور: {خَلَطُوا عَمَلًا صََالِحاً} أي: بسيئ. {وَآخَرَ سَيِّئاً}
__________
(1) قرأ الجمهور {نَشْرَحْ} بجزم الحاء لدخول الجازم، وقرأ أبو جعفر بفتحها. وخرجه ابن عطية في كتابه على أنه: ألم نشرحن، فأبدل من النون الفاء، ثم حذفها تخفيفا. وقال: قراءة مرذولة. وانظر البحر المحيط 8/ 488487، والمحرر الوجيز 5/ 496.(1/99)
[التوبة: 102] أي: بصالح.
حذف العاطف مع المعطوف: تقدم.
حذف حرف الشرط وفعله: يطّرد بعد الطلب، نحو: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللََّهُ} [آل عمران: 31] أي: إن اتبعتموني. {قُلْ لِعِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلََاةَ} [إبراهيم: 31] أي:
إن قلت لهم: يقيموا.
وجعل منه الزمخشريّ (1): {فَلَنْ يُخْلِفَ اللََّهُ عَهْدَهُ} [البقرة: 80] أي: إن اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله.
وجعل منه أبو حيان (2): {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيََاءَ اللََّهِ مِنْ قَبْلُ} [البقرة: 91] أي: إن كنتم آمنتم بما أنزل إليك فلم تقتلون.
حذف جواب الشرط: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمََاءِ}
[الأنعام: 35] أي: فافعل. {وَإِذََا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مََا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمََا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)}
[يس: 45] أي: أعرضوا، بدليل ما بعده. {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ} [يس: 19] أي: لتطيّرتم. {وَلَوْ جِئْنََا بِمِثْلِهِ مَدَداً} [الكهف: 109] أي: لنفد،، {وَلَوْ تَرى ََ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نََاكِسُوا رُؤُسِهِمْ}
[السجدة: 12] أي: لرأيت أمرا فظيعا. {وَلَوْلََا فَضْلُ اللََّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللََّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (20)} [النور: 20] أي: لعذّبكم. {لَوْلََا أَنْ رَبَطْنََا عَلى ََ قَلْبِهََا} [القصص: 10] أي:
لأبدت به. {وَلَوْلََا رِجََالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسََاءٌ مُؤْمِنََاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ} [الفتح: 25] أي:
لسلّطكم على أهل مكة.
حذف جملة القسم: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذََاباً شَدِيداً} [النمل: 21] أي: والله.
حذف جوابه: {وَالنََّازِعََاتِ غَرْقاً (1)} [النازعات: 1] الآيات أي: لتبعثنّ. {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)} [ص: 1]. أي: إنه لمعجز. {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)} [ق: 1]. أي: ما الأمر كما زعموا (3).
حذف جملة مسبّبة عن المذكور، نحو: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبََاطِلَ} [الأنفال: 8] أي:
فعل ما فعل.
__________
(1) الكشاف 1/ 292.
(2) البحر المحيط 1/ 307.
(3) انظر في أجوبة هذه الاقسام بما يمتع كتاب «التبيان في أقسام القرآن» للحافظ ابن قيم الجوزية، صدر بتحقيقنا عن دار الكتاب العربي.(1/100)
حذف جمل كثيرة، نحو: {فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} [يوسف: 45، 46]. أي:
فأرسلوني إلى يوسف لأستعبره الرؤيا، ففعلوا، فأتاه فقال له: يا يوسف.
خاتمة
تارة لا يقام شيء مقام المحذوف كما تقدّم، وتارة يقام ما يدلّ عليه، نحو: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مََا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} [هود: 57] فليس الإبلاغ هو الجواب لتقدمه على تولّيهم، وإنما التقدير: فإن تولّوا فلا لوم عليّ، أو: فلا عذر لكم، لأني أبلغتكم.
{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [فاطر: 4] أي: فلا تحزن واصبر.
{وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 38] أي: يصيبهم مثل ما أصابهم.
فصل
انقسام الإطناب إلى بسط وزيادة
كما انقسم الإيجاز إلى: إيجاز قصر وإيجاز حذف، كذلك انقسم الإطناب إلى:
بسط وزيادة.
فالأوّل: الإطناب بتكثير الجمل:
كقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} الآية [164] في سورة البقرة، أطنب فيها أبلغ الإطناب لكون الخطاب مع الثقلين، وفي كلّ عصر وحين، للعالم منهم والجاهل، والموافق منهم والمنافق.
وقوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} [غافر: 7].
فقوله: {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} إطناب لأنّ إيمان حملة العرش معلوم، وحسّنه إظهار شرف الإيمان ترغيبا فيه (1).
{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لََا يُؤْتُونَ الزَّكََاةَ} [فصلت: 6، 7] وليس من المشركين مزكّ، والنكتة: الحثّ للمؤمنين على أدائها، والتحذير من المنع، حيث جعل من أوصاف المشركين (2).
__________
(1) التصريح بقوله: {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} مع الغنى عن ذكره رأسا:
1 - لإظهار فضيلة الإيمان، وإبراز شرف أهله.
2 - والإشعار بعلة دعائهم للمؤمنين حسبما ينطق به قوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} فإنّ المشاركة في الإيمان أقوى المناسبات وأتمها وأدعى الدعاوي إلى النصح والشفقة. انظر البحر المحيط 7/ 451، وتفسير أبي السعود 7/ 267.
(2) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره 4/ 92: «والمراد بالزكاة هاهنا طهارة النفس من الأخلاق الرذيلة ومن(1/101)
والثاني: يكون بأنواع:
أحدها: دخول حرف فأكثر من حروف التأكيد السابقة في نوع الأدوات.
وهي: إنّ، وأنّ، ولام الابتداء، والقسم، وألا الاستفتاحيّة، وأما، وها التنبيه، وكأنّ في تأكيد التشبيه، ولكنّ في تأكيد الاستدراك، وليت في تأكيد التمني، ولعلّ في تأكيد الترجّي، وضمير الشأن، وضمير الفصل، وأمّا في تأكيد الشرط، وقد والسّين وسوف، والنونان في تأكيد الفعليّة، ولا التبرئة، ولن، ولمّا في تأكيد النفي.
وإنّما يحسن تأكيد الكلام بها إذا كان المخاطب به منكرا أو متردّدا.
ويتفاوت التأكيد بحسب قوة الإنكار وضعفه، كقوله تعالى حكاية عن رسل عيسى إذ كذّبوا في المرّة الأولى: {إِنََّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} [يس: 14] فأكّد ب (أنّ) واسميّة الجملة.
وفي المرّة الثانية: {قََالُوا رَبُّنََا يَعْلَمُ إِنََّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)} [يس: 16]، فأكّد بالقسم و (إنّ) واللّام واسميّة الجملة، لمبالغة المخاطبين في الإنكار حيث قالوا: {مََا أَنْتُمْ إِلََّا بَشَرٌ مِثْلُنََا وَمََا أَنْزَلَ الرَّحْمََنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلََّا تَكْذِبُونَ} [يس: 15].
وقد يؤكّد بها، والمخاطب به غير منكر، لعدم جريه على مقتضى إقراره، فينزّل منزلة المنكر. وقد يترك التأكيد وهو معه منكر لأنّ معه أدلّة ظاهرة لو تأمّلها لرجع عن إنكاره. وعلى ذلك يخرج قوله: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذََلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيََامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 15، 16] أكّد الموت تأكيدين وإن لم ينكر، لتنزيل المخاطبين لتماديهم في الغفلة تنزيل من ينكر الموت. وأكّد إثبات البعث تأكيدا واحدا وإن كان أشدّ نكيرا لأنّه لمّا كانت أدلّته ظاهرة كان جديرا بأن لا ينكر، فنزل المخاطبون منزلة غير المنكر، حثا لهم على النظر في أدلّته الواضحة.
ونظيره قوله تعالى: {لََا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] نفى عنه الرّيبة ب (لا)، على سبيل
__________
أهم ذلك طهارة النفس من الشرك، وزكاة المال إنما سميت زكاة لأنها تطهره من الحرام وتكون سببا لزيادته وبركته وكثرة نفعه وتوفيقا إلى استعماله في الطاعات
إلى أن قال: «وقال قتادة: يمنعون زكاة أموالهم، وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين، واختاره ابن جرير، وفيه نظر لأن إيجاب الزكاة إنما كان في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة على ما ذكره غير واحد، وهذه الآية مكية اللهم إلا أن يقال: لا يبعد أن يكون أهل الصدقة والزكاة كان مأمورا به في ابتداء البعثة، فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بين أمرها بالمدينة، ويكون هذا جمعا بين القولين» اهـ.(1/102)
الاستغراق مع أنه ارتاب فيه المرتابون، لكن نزّل منزلة العدم، تعويلا على ما يزيله من الأدلة الباهرة، كما نزّل الإنكار منزلة عدمه لذلك.
وقال الزمخشري (1): بولغ في تأكيد الموت تنبيها للإنسان على أن يكون الموت نصب عينيه، ولا يغفل عن ترقبه، فإنّ مآله إليه، فكأنه أكّدت جملته ثلاث مرات لهذا المعنى، لأنّ الإنسان في الدنيا يسعى فيها غاية السعي، حتى كأنّه يخلد. ولم يؤكد جملة البعث إلّا بإنّ لأنه أبرز في صورة المقطوع به الذي لا يمكن فيه نزاع، ولا يقبل إنكارا.
وقال التاج بن الفركاح: أكّد الموت ردّا على الدهريّة القائلين ببقاء النوع الإنسانيّ خلفا عن سلف، واستغنى عن تأكيد البعث هنا، لتأكيده والردّ على منكره في مواضع، كقوله: {قُلْ بَلى ََ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7].
وقال غيره: لمّا كان العطف يقتضي الاشتراك، استغنى عن إعادة اللّام، لذكرها في الأول.
وقد يؤكّد بها أي: باللام للمستشرف الطالب الذي قدّم له ما يلوح بالخبر، فاستشرفت نفسه إليه، نحو: {وَلََا تُخََاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا} [هود: 37] أي: لا تدعني يا نوح في شأن قومك. فهذا الكلام يلوّح بالخبر تلويحا، ويشعر بأنه قد حقّ عليهم العذاب، فصار المقام مقام أن يتردد المخاطب في أنهم: هل صاروا محكوما عليهم بذلك أو لا؟
فقيل: إنهم مغرقون بالتأكيد.
وكذا قوله: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [الحج: 1] لمّا أمرهم بالتقوى وظهور ثمرتها، والعقاب على تركها محلّه الآخرة، تشوّفت نفوسهم إلى وصف حال الساعة، فقال: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السََّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1]. بالتأكيد، ليقرّر عليه الوجوب.
وكذا قوله: {وَمََا أُبَرِّئُ نَفْسِي} [يوسف: 35] فيه تحيير للمخاطب، وتردّد في أنه كيف لا يبرّئ نفسه وهي بريئة زكية، ثبتت عصمتها وعدم مواقعتها السوء، فأكّده بقوله: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمََّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف 53].
وقد يؤكّد لقصد الترغيب، نحو: {فَتََابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوََّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37] أكّد بأربع تأكيدات ترغيبا للعباد في التوبة.
وقد سبق الكلام على أدوات التأكيد المذكورة ومعانيها ومواقعها في النوع الأربعين.
__________
(1) انظر البرهان 3/ 381.(1/103)
فائدة: إذا اجتمعت إنّ واللّام كان بمنزلة تكرير الجملة ثلاث مرات لأنّ (إنّ) أفادت التكرير مرتين، فإذا دخلت اللّام صارت ثلاثا.
وعن الكسائي: أنّ اللام لتوكيد الخبر، وإنّ لتوكيد الاسم. وفيه تجوّز لأنّ التوكيد للنسبة لا للاسم ولا للخبر. وكذلك نون التوكيد الشديدة بمنزلة تكرير الفعل ثلاثا، والخفيفة بمنزلة تكريره مرّتين. فقال سيبويه في نحو (يأيّها): الألف والهاء لحقتا أيّا توكيدا، فكأنّك كرّرت (يا) مرتين، وصار الاسم تنبيها. هذا كلامه، وتابعه الزمخشريّ.
فائدة: قوله تعالى: {وَيَقُولُ الْإِنْسََانُ أَإِذََا مََا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} [مريم: 66] قال الجرجانيّ في «نظم القرآن»: ليست اللّام فيه للتأكيد فإنّه منكر فكيف يحقّق ما ينكر، وإنّما قاله حكاية لكلام النبي صلّى الله عليه وسلّم الصادر منه بأداة التأكيد، فحكاه، فنزلت الآية على ذلك.
النوع الثاني: دخول الأحرف الزائدة:
قال ابن جنّي: كلّ حرف زيد في كلام العرب فهو قائم مقام إعادة الجملة مرة أخرى.
وقال الزمخشري في كشافه القديم: الباء في خبر ما وليس لتأكيد النفي، كما أنّ اللام لتأكيد الإيجاب.
وسئل بعضهم عن التأكيد بالحرف وما معناه، إذ إسقاطه لا يخلّ بالمعنى؟.
فقال: هذا يعرفه أهل الطباع، يجدون من زيادة الحرف معنى لا يجدونه بإسقاطه.
قال: ونظيره العارف بوزن الشعر طبعا، إذا تغيّر عليه البيت بنقص أنكره وقال: أجد نفسي على خلاف ما أجدها بإقامة الوزن، فكذلك هذه الحروف تتغيّر نفس المطبوع بنقصانها، ويجد نفسه بزيادتها على معنى بخلاف ما يجدها بنقصانه.
ثم باب الزيادة في الحروف، وزيادة الأفعال قليل، والأسماء أقلّ.
أما الحروف فيزاد منها: إن، وأن، وإذ، وإذا، وإلى، وأم، والباء، والفاء، وفي، والكاف، واللام، ولا، وما، ومن، والواو وتقدّمت في نوع الأدوات مشروحة.
وأما الأفعال: فزيد منها (كان)، وخرج عليه: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كََانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}
[مريم: 29]، وأصبح، وخرّج عليه {فَأَصْبَحُوا خََاسِرِينَ} [المائدة: 53].
وقال الرّمانيّ: العادة أن من به علّة تزداد بالليل أن يرجوا الفرج عند الصباح، فاستعمل (أصبح) لأنّ الخسران حصل لهم في الوقت الذي يرجون فيه الفرج، فليست زائدة.
وأمّا الأسماء: فنصّ أكثر النحويين على أنها لا تزال، ووقع في كلام المفسّرين الحكم عليها بالزيادة في مواضع، كلفظ (مثل) في قوله: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مََا آمَنْتُمْ بِهِ}
[البقرة: 137] أي: بما.(1/104)
وقال الرّمانيّ: العادة أن من به علّة تزداد بالليل أن يرجوا الفرج عند الصباح، فاستعمل (أصبح) لأنّ الخسران حصل لهم في الوقت الذي يرجون فيه الفرج، فليست زائدة.
وأمّا الأسماء: فنصّ أكثر النحويين على أنها لا تزال، ووقع في كلام المفسّرين الحكم عليها بالزيادة في مواضع، كلفظ (مثل) في قوله: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مََا آمَنْتُمْ بِهِ}
[البقرة: 137] أي: بما.
النوع الثالث: التأكيد الصناعي (1):
وهو أربعة أقسام:
أحدها: التوكيد المعنوي بكلّ، وأجمع، وكلا، وكلتا. نحو: {فَسَجَدَ الْمَلََائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30)} [الحجر: 30].
وفائدته: رفع توهّم المجاز وعدم الشمول.
وادّعى الفرّاء: أنّ {كُلُّهُمْ} أفادت ذلك، و {أَجْمَعُونَ} أفادت اجتماعهم على السجود، وأنهم لم يسجدوا متفرّقين.
ثانيها: التأكيد اللفظي: وهو تكرار اللفظ الأول:
إمّا بمرادفه، نحو: {ضَيِّقاً حَرَجاً} [الأنعام: 125] بكسر الراء، و: {وَغَرََابِيبُ سُودٌ}
[فاطر: 27]، وجعل منه الصفّار {فِيمََا إِنْ مَكَّنََّاكُمْ فِيهِ} [الأحقاف: 26] على القول بأن كليهما للنفي. وجعل منه غيره: {قِيلَ ارْجِعُوا وَرََاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} [الحديد: 13] فوراء هنا ليس ظرفا لأنّ لفظ {ارْجِعُوا} ينبئ عنه، بل هو اسم فعل بمعنى ارجعوا، فكأنّه قال:
ارجعوا ارجعوا.
وإمّا بلفظه: ويكون في الاسم والفعل والحرف والجملة:
فالاسم، نحو: {قَوََارِيرَا قَوََارِيرَا} [الإنسان: 15، 16]، {دَكًّا دَكًّا} [الفجر: 21].
والفعل: {فَمَهِّلِ الْكََافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ} [الطارق: 17].
واسم الفعل، نحو: {هَيْهََاتَ هَيْهََاتَ لِمََا تُوعَدُونَ (36)} [المؤمنون: 36].
والحرف، نحو: {فَفِي الْجَنَّةِ خََالِدِينَ فِيهََا} [هود: 108]، {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذََا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرََاباً وَعِظََاماً أَنَّكُمْ} [المؤمنون: 36].
والجملة، نحو: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح: 5، 6]. والأحسن اقتران الثانية ب (ثمّ)، نحو: {وَمََا أَدْرََاكَ مََا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مََا أَدْرََاكَ مََا يَوْمُ الدِّينِ}
[الانفطار: 17، 18]، {كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 3، 4].
__________
(1) البرهان 2/ 385.(1/105)
ومن هذا النوع تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل، نحو: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}
[البقرة: 35]، {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ} [المائدة: 24]، {وَإِمََّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ}
[الأعراف: 115].
ومن تأكيد المنفصل بمثله: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كََافِرُونَ} [يوسف: 37].
ثالثها: تأكيد الفعل بمصدره، وهو عوض من تكرار الفعل مرتين (1).
وفائدته: رفع توهّم المجاز في الفعل، بخلاف التوكيد السابق فإنّه لرفع توهّم المجاز في المسند إليه. كذا فرّق به ابن عصفور وغيره. ومن ثمّ ردّ بعض أهل السّنّة على بعض المعتزلة في دعواه نفي التكليم حقيقة بقوله: {وَكَلَّمَ اللََّهُ مُوسى ََ تَكْلِيماً} [النساء: 164] لأنّ التوكيد رفع المجاز في الفعل.
ومن أمثلته {وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56]، {يَوْمَ تَمُورُ السَّمََاءُ مَوْراً (9) وَتَسِيرُ الْجِبََالُ سَيْراً} [الطور: 9، 10]، {جَزََاؤُكُمْ جَزََاءً مَوْفُوراً (63)} [الإسراء: 63].
وليس منه: {وَتَظُنُّونَ بِاللََّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] بل هو جمع (ظنّ) لاختلاف أنواعه. وأما {إِلََّا أَنْ يَشََاءَ رَبِّي شَيْئاً} [الأنعام: 80] فتحتمل أن يكون منه، وأن يكون الشيء بمعنى الأمر والشأن.
والأصل في هذا النوع أن ينعت بالوصف المراد، نحو: {اذْكُرُوا اللََّهَ ذِكْراً كَثِيراً}
[الأحزاب: 41] {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرََاحاً جَمِيلًا} [الأحزاب: 49] وقد يضاف وصفه إليه، نحو:
{اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} [آل عمران: 102] وقد يؤكّد بمصدر فعل آخر أو اسم عين نيابة عن المصدر، نحو: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] والمصدر تبتلا، والتبتيل مصدر بتّل.
{وَاللََّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبََاتاً (17)} [نوح: 17] أي: إنباتا، إذ النبات اسم عين.
رابعها: الحال المؤكّدة (2)، نحو: {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 33]، {وَلََا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60]، {وَأَرْسَلْنََاكَ لِلنََّاسِ رَسُولًا} [النساء: 79]، {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلََّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} [البقرة: 83]، {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31)}
[ق: 31].
وليس منه: {وَلََّى مُدْبِراً} [النمل: 10] لأنّ التولية قد لا تكون إدبارا، بدليل قوله:
__________
(1) انظر البرهان 2/ 391.
(2) انظر البرهان 2/ 402.(1/106)
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ} [البقرة: 144] ولا: {فَتَبَسَّمَ ضََاحِكاً} [النمل: 19] لأنّ التبسّم قد لا يكون ضحكا، ولا {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً} [البقرة: 91] لاختلاف المعنيين، إذ كونه حقا في نفسه غير كونه مصدّقا لما قبله.
النوع الرابع: التكرير (1)،
وهو أبلغ من التأكيد، وهو من محاسن الفصاحة، خلافا لبعض من غلط، وله فوائد (2).
منها: التقرير: وقد قيل: الكلام إذا تكرّر تقرّر، وقد نبّه تعالى على السبب الذي لأجله كرّر الأقاصيص والإنذار في القرآن بقوله: {وَصَرَّفْنََا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} [طه: 113].
ومنها: التأكيد:
ومنها: زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة (3)، ليكمل تلقّي الكلام بالقبول: ومنه:
{وَقََالَ الَّذِي آمَنَ يََا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشََادِ (38) يََا قَوْمِ إِنَّمََا هََذِهِ الْحَيََاةُ الدُّنْيََا مَتََاعٌ} [غافر: 38، 39] فإنّه كرّر فيه النداء لذلك.
ومنها: إذا طال الكلام (4)، وخشي تناسي الأول، أعيد ثانيا تطرية له وتجديدا لعهده: ومنه: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهََالَةٍ ثُمَّ تََابُوا مِنْ بَعْدِ ذََلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهََا} [النحل: 119]، {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هََاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مََا فُتِنُوا ثُمَّ جََاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهََا} [النحل: 110]، {وَلَمََّا جََاءَهُمْ كِتََابٌ مِنْ عِنْدِ اللََّهِ}
إلى قوله: {فَلَمََّا جََاءَهُمْ مََا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89]، {لََا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمََا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمََا لَمْ يَفْعَلُوا فَلََا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفََازَةٍ مِنَ الْعَذََابِ} [آل عمران: 188]، {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ} [يوسف: 4].
ومنها: التعظيم والتهويل (5): نحو: {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة: 1، 2]، {الْقََارِعَةُ (1) مَا الْقََارِعَةُ} [القارعة: 1، 2]، {وَأَصْحََابُ الْيَمِينِ مََا أَصْحََابُ الْيَمِينِ}
[الواقعة: 28].
__________
(1) انظر البرهان 3/ 98.
(2) انظر هذه الفوائد في البرهان 3/ 11.
(3) انظر البرهان 3/ 1413.
(4) انظر البرهان 3/ 14.
(5) انظر البرهان 3/ 17.(1/107)
فإن قلت: هذا النوع أحد أقسام النوع الذي قبله، فإنّ منها التأكيد بتكرار اللفظ، فلا يحسن عدّه نوعا مستقلا.
قلت: هو يجامعه ويفارقه، ويزيد عليه وينقص عنه، فصار أصلا برأسه. فإنه يكون التأكيد تكرارا كما تقدّم في أمثلته، وقد لا يكون تكرارا كما تقدم أيضا، وقد يكون التكرير غير تأكيد صناعة، وإن كان مفيدا للتأكيد معنى.
ومنه: ما وقع فيه الفصل بين المكرّرين فإنّ التأكيد لا يفصل بينه وبين مؤكّده، نحو: {اتَّقُوا اللََّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مََا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللََّهَ} [الحشر: 18]. {إِنَّ اللََّهَ اصْطَفََاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفََاكِ عَلى ََ نِسََاءِ الْعََالَمِينَ} [آل عمران: 42] فالآيتان من باب التكرير لا التأكيد اللفظي الصناعي.
ومنه: الآيات المتقدمة في التكرير للطول.
ومنه: ما كان لتعدّد المتعلّق (1)، بأن يكون المكرّر ثانيا متعلّقا بغير ما تعلّق به الأول، وهذا القسم يسمّى بالترديد، كقوله: {اللََّهُ نُورُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكََاةٍ فِيهََا مِصْبََاحٌ الْمِصْبََاحُ فِي زُجََاجَةٍ الزُّجََاجَةُ كَأَنَّهََا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور: 35] وقع فيها الترديد أربع مرات.
وجعل منه قوله: {فَبِأَيِّ آلََاءِ رَبِّكُمََا تُكَذِّبََانِ} [الرحمن: 13، 16] فإنّها وإن تكرّرت نيّفا وثلاثين مرة، فكلّ واحدة تتعلّق بما قبلها، ولذلك زادت على ثلاثة، ولو كان الجميع عائدا إلى شيء واحد لما زاد على ثلاثة لأنّ التأكيد لا يزيد عليها. قال ابن عبد السلام وغيره. وإن كان بعضها ليس بنعمة، فذكر النقمة للتحذير نعمة. وقد سئل: أيّ نعمة في قوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهََا فََانٍ (26)} [الرحمن: 26]؟ فأجيب بأجوبة. أحسنها: النقل من دار الهموم إلى دار السرور، وإراحة المؤمن والبارّ من الفاجر (2).
وكذا قوله: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)} في سورة المرسلات لأنه تعالى ذكر قصصا مختلفة، وأتبع كل قصّة بهذا القول فكأنه قال عقب كل قصّة: ويل يومئذ للمكذّب بهذه القصة (3).
وكذا قوله في سورة الشعراء [الآية: 8]: {إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيَةً وَمََا كََانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}
__________
(1) انظر البرهان 3/ 18.
(2) انظر البرهان 3/ 18.
(3) انظر البرهان 3/ 19.(1/108)
كرّرت ثماني مرّات، كلّ مرة عقب كلّ قصة، فالإشارة في كلّ واحدة بذلك إلى قصة النبيّ المذكور قبلها وما اشتملت عليه من الآيات والعبر. وبقوله:
{وَمََا كََانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} وإنّ إلى قومه خاصة. ولمّا كان مفهومه أنّ الأقل من قومه آمنوا، أتى بوصفي العزيز الرحيم، للإشارة إلى أنّ العزة على من لم يؤمن منهم، والرحمة لمن آمن.
وكذا قوله في سورة القمر [الآية: 17]: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)}
قال الزّمخشري (1): كرّر ليجدّدوا عند سماع كلّ نبأ منها اتعاظا، وتنبيها أنّ كلا من تلك الأنباء مستحقّ لاعتبار يختص به، وأن يتنبهوا كيلا يغلبهم السهو (2) والغفلة.
قال في «عروس الأفراح»: فإن قلت: إذا كان المراد بكلّ ما قبله، فليس ذلك بإطناب بل هي ألفاظ كلّ أريد به غير ما أريد بالآخر.
قلت: إذا قلنا: العبرة بعموم اللفظ، فكلّ واحد أريد به ما أريد بالآخر، ولكن كرّر ليكون نصّا فيما يليه وظاهرا في غيره.
فإن قلت: يلزم التأكيد.
قلت: والأمر كذلك، ولا يريد عليه أنّ التأكيد لا يزاد به عن ثلاثة لأنّ ذاك في التأكيد الذي هو تابع، وأما ذكر الشيء في مقامات متعدّدة أكثر من ثلاثة فلا يمتنع. انتهى.
ويقرب من ذلك ما ذكره ابن جرير في قوله تعالى: {وَلِلََّهِ مََا فِي السَّمََاوََاتِ وَمََا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا} إلى قوله: {وَكََانَ اللََّهُ غَنِيًّا حَمِيداً وَلِلََّهِ مََا فِي السَّمََاوََاتِ وَمََا فِي الْأَرْضِ وَكَفى ََ بِاللََّهِ وَكِيلًا} [النساء: 131، 132]. قال: فإن قيل: ما وجه تكرار قوله: {وَلِلََّهِ مََا فِي السَّمََاوََاتِ وَمََا فِي الْأَرْضِ} في آيتين إحداهما في أثر الأخرى؟ قلنا: لاختلاف معنى الخبرين عمّا في السّماوات والأرض، وذلك أنّ الخبر عنه في إحدى الآيتين: ذكر حاجته إلى بارئه، وغنى بارئه عنه. وفي الأخرى: حفظ بارئه إياه، وعلمه به وبتدبيره.
قال: فإن قيل: أفلا قيل: (وكان الله غنيّا حميدا وكفى بالله وكيلا). قيل: ليس في الآية الأولى ما يصلح أن تختتم بوصفه معه بالحفظ والتدبير. انتهى.
وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتََابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتََابِ وَمََا هُوَ مِنَ الْكِتََابِ} [آل عمران: 78].
__________
(1) انظر الكشاف 4/ 40.
(2) في المطبوعة: السرور، وهو خطأ، والمثبت من الكشاف 4/ 40.(1/109)
قال الراغب (1): الكتاب الأوّل ما كتبوه بأيديهم المذكورة في قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتََابَ بِأَيْدِيهِمْ} [البقرة: 79]. والكتاب الثاني التوراة، والثالث لجنس كتب الله كلها، أي: ما هو من شيء من كتب الله وكلامه.
ومن أمثلة ما يظنّ تكرارا وليس منه (2): {قُلْ يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ (1) لََا أَعْبُدُ مََا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 1، 2]. إلى آخرها، فإن {لََا أَعْبُدُ مََا تَعْبُدُونَ (2)} أي: في المستقبل {وَلََا أَنْتُمْ عََابِدُونَ} أي: في الحال {مََا أَعْبُدُ} في المستقبل {وَلََا أَنََا عََابِدٌ}
أي: في الحال، ما عبدتم في الماضي. {وَلََا أَنْتُمْ عََابِدُونَ} أي: في المستقبل {مََا أَعْبُدُ} أي: في الحال. فالحاصل: أنّ القصد نفي عبادته لآلهتهم في الأزمنة الثلاثة.
وكذا {فَاذْكُرُوا اللََّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرََامِ وَاذْكُرُوهُ كَمََا هَدََاكُمْ} [البقرة: 198]، ثم قال: {فَإِذََا قَضَيْتُمْ مَنََاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللََّهَ كَذِكْرِكُمْ آبََاءَكُمْ} [البقرة: 200]، ثم قال:
{وَاذْكُرُوا اللََّهَ فِي أَيََّامٍ مَعْدُودََاتٍ} [البقرة: 203] فإنّ المراد بكلّ واحد من هذه الأذكار غير المراد بالآخر، فالأول: الذكر في مزدلفة عند الوقوف بقزح، وقوله: {وَاذْكُرُوهُ كَمََا هَدََاكُمْ} إشارة إلى تكرّره ثانيا وثالثا، ويحتمل أن يراد به طواف الإفاضة، بدليل تعقيبه بقوله: {فَإِذََا قَضَيْتُمْ}، والذكر الثالث: إشارة إلى رمي جمرة العقبة، والذكر الأخير:
لرمي أيام التشريق.
ومنه تكرير حرف الإضراب (3) في قوله: {بَلْ قََالُوا أَضْغََاثُ أَحْلََامٍ بَلِ افْتَرََاهُ بَلْ هُوَ شََاعِرٌ} [الأنبياء: 5]، وقوله: {بَلِ ادََّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهََا بَلْ هُمْ مِنْهََا عَمُونَ} [النمل: 66].
ومنه قوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتََاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236]، ثم قال {وَلِلْمُطَلَّقََاتِ مَتََاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241}
[البقرة: 241]: فكرّر الثاني ليعمّ كلّ مطلقة، فإنّ الآية الأولى في المطلّقة قبل الفرض والمسيس خاصّة وقيل: لأنّ الأولى لا تشعر بالوجوب، ولهذا لما نزلت قال بعض الصحابة: إن شئت أحسنت، وإن شئت فلا. فنزلت الثانية، أخرجه ابن جرير (4).
__________
(1) في المفردات ص 425.
(2) انظر البرهان 3/ 2120.
(3) البرهان 3/ 24.
(4) تفسير الطبري 2/ 599.(1/110)
ومن ذلك تكرير الأمثال (1): كقوله: {وَمََا يَسْتَوِي الْأَعْمى ََ وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمََاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمََا يَسْتَوِي الْأَحْيََاءُ وَلَا الْأَمْوََاتُ} [فاطر: 2319].
وكذلك ضرب مثل المنافقين أوّل البقرة بالمستوقد نارا، ثم ضربه بأصحاب الصّيّب.
قال الزمخشري (2): والثاني أبلغ من الأوّل لأنه أدلّ على فرط الحيرة وشدّة الأمر وفظاعته. قال: ولذلك أخّر، وهم يتدرّجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ.
ومن ذلك تكرير القصص (3)، كقصّة آدم وموسى ونوح وغيرهم من الأنبياء، قال بعضهم: ذكر الله موسى في مائة وعشرين موضعا من كتابه. وقال ابن العربيّ في القواصم:
ذكر الله قصّة نوح في خمس وعشرين آية، وقصّة موسى في تسعين آية (4).
وقد ألّف البدر بن جماعة كتابا سمّاه «المقتنص في فوائد تكرار القصص» وذكر في تكرير القصص فوائد (5):
منها: أنّ في كلّ موضع زيادة شيء لم يذكر في الذي قبله، أو إبدال كلمة بأخرى لنكتة، وهذه عادة البلغاء.
ومنها: أنّ الرجل كان يسمع القصّة من القرآن، ثم يعود إلى أهله، ثم يهاجر بعده آخرون يحكون ما نزل بعد صدور من تقدمهم فلولا تكرار القصص لوقعت قصة موسى إلى قوم وقصّة عيسى إلى قوم آخرين وكذا سائر القصص فأراد الله اشتراك الجميع فيها، فيكون فيه إفادة لقوم وزيادة تأكيد لآخرين.
ومنها: أنّ في إبراز الكلام الواحد في فنون كثيرة وأساليب مختلفة ما لا يخفى من الفصاحة.
ومنها: أنّ الدواعي لا تتوفّر على نقلها كتوفّرها على نقل الأحكام فلهذا كرّرت القصص دون الأحكام.
ومنها: أنّه تعالى أنزل هذا القرآن، وعجز القوم عن الإتيان بمثله، بأيّ نظم جاءوا،
__________
(1) انظر البرهان 3/ 25.
(2) الكشاف 1/ 213.
(3) انظر البرهان 3/ 25، والإعجاز اللغوي في القصة القرآنية لمحمود مصطفى ص 113.
(4) البرهان 3/ 25.
(5) انظر هذه الفوائد في البرهان 3/ 2826.(1/111)
ثمّ أوضح الأمر في عجزهم بأن كرّر ذكر القصة في مواضع، إعلاما بأنهم عاجزون عن الإتيان بمثله، أي: بأيّ نظم جاءوا، وبأيّ عبارة عبّروا.
ومنها: أنّه لما تحدّاهم قال: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23] فلو ذكرت القصة في موضع واحد واكتفي بها، لقال العربيّ: ائتونا أنتم بسورة من مثله، فأنزلها الله سبحانه وتعالى في تعداد السّور، دفعا لحجّتهم من كلّ وجه.
ومنها: أنّ القصّة لما كرّرت كان في ألفاظها في كلّ موضع زيادة ونقصان وتقديم وتأخير، وأتت على أسلوب غير أسلوب الأخرى، فأفاد ذلك ظهور الأمر العجيب في إخراج المعنى الواحد في صور متباينة في النّظم، وجذب النفوس إلى سماعها، لما جبلت عليه من حب التنقّل في الأشياء المتجدّدة واستلذاذها بها، وإظهار خاصة القرآن، حيث لم يحصل مع تكرير ذلك فيه هجنة في اللّفظ، ولا ملل عند سماعه فباين ذلك كلام المخلوقين.
وقد سئل: ما الحكمة في عدم تكرير قصة يوسف وسوقها مساقا واحدا في موضع واحد، دون غيرها من القصص؟ وأجيب بوجوه (1):
أحدها: أنّ فيها تشبيب النسوة به، وحال امرأة ونسوة افتتنوا بأبدع الناس جمالا، فناسب عدم تكرارها لما فيه من الإغضاء والسّتر، وقد صحّح الحاكم في مستدركه حديث النهي عن تعليم النساء سورة يوسف (2).
ثانيا: أنها اختصّت بحصول الفرج بعد الشدّة، بخلاف غيرها من القصص، فإنّ مآلها إلى الوبال كقصة إبليس، وقوم نوح وهود وصالح وغيرهم، فلما اختصّت بذلك اتفقت الدواعي على نقلها، لخروجها عن سمت القصص.
ثالثها: قال الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني (3): إنّما كرّر الله قصص الأنبياء، وساق قصة يوسف مساقا واحدا، إشارة إلى عجز العرب كأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لهم: إن كان من تلقاء نفسي، فافعلوا في قصة يوسف ما فعلت في سائر القصص.
قلت: وظهر لي جواب رابع، وهو أنّ سورة يوسف نزلت بسبب طلب الصحابة أن
__________
(1) انظر البرهان 3/ 29.
(2) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 345، والواحدي في أسباب النزول ص 269، وأبو يعلى في مسنده (740) 2/ 8887، والطبري 12/ 90ورجاله ثقات.
(3) انظر البرهان 3/ 3029.(1/112)
يقصّ عليهم، كما رواه الحاكم في مستدركه (1)، فنزلت مبسوطة تامّة، ليحصل لهم مقصود القصص: من استيعاب القصّة، وترويح النفس بها، والإحاطة بطرفيها.
وجواب خامس: وهو أقوى ما يجاب به، أنّ قصص الأنبياء إنما كرّرت لأنّ المقصود بها إفادة إهلاك من كذبوا رسلهم، والحاجة داعية إلى ذلك لتكرير تكذيب الكفار لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكلما كذبوا أنزلت قصّة منذرة بحلول العذاب، كما حلّ على المكذبين، ولهذا قال تعالى في آيات: {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 38]، {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنََا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} [الأنعام: 6]، وقصّة يوسف لم يقصد منها ذلك.
وبهذا أيضا يحصل الجواب عن حكمة عدم تكرير قصة أصحاب الكهف، وقصة ذي القرنين، وقصّة موسى مع الخضر، وقصّة الذّبيح.
فإن قلت: قد تكررت قصة ولادة يحيى وولادة عيسى مرتين، وليست من قبيل ما ذكرت.
قلت: الأولى: في سورة {كهيعص (1)}، وهي مكية، أنزلت خطابا لأهل مكة.
والثانية: في سورة آل عمران، وهي مدنية، أنزلت خطابا لليهود ولنصارى نجران حين قدموا، ولهذا اتصل بها ذكر المحاجّة والمباهلة.
النوع الخامس: الصفة،
وترد لأسباب (2):
أحدها: التخصيص في النكرة: نحو {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92].
الثاني: التوضيح في المعرفة: أي: زيادة البيان، نحو: {وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ}
[الأعراف: 158] (3).
الثالث: المدح والثناء: ومنه صفات الله تعالى، نحو: {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ (2) الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ (3) مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
[الفاتحة: 41]، {هُوَ اللََّهُ الْخََالِقُ الْبََارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24].
ومنه: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: 44]، فهذا الوصف للمدح، وإظهار شرف الإسلام، والتعريض باليهود وأنهم بعداء عن ملة الإسلام الذي هو دين
__________
(1) المستدرك 2/ 345وصححه، ووافقه الذهبي وسنده صحيح، وقد سبق قريبا
(2) انظر البرهان 2/ 429422.
(3) انظر البرهان 2/ 424.(1/113)
الأنبياء كلهم، وأنهم بمعزل عنها. قاله الزمخشري (1).
الرابع: الذم: نحو: {فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ مِنَ الشَّيْطََانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98].
الخامس: التأكيد لرفع الإيهام: نحو: {لََا تَتَّخِذُوا إِلََهَيْنِ اثْنَيْنِ} [النحل: 51] فإن:
{إِلََهَيْنِ} للتثنية، فاثنين بعده صفة مؤكدة للنّهي عن الإشراك، ولإفادة أنّ النهي عن إلهين إنما هو لمحض كونهما اثنين فقط، لا لمعنى آخر من كونهما عاجزين أو غير ذلك، ولأنّ الوحدة، تطلق ويراد بها النوعية، كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما نحن وبنو المطلب شيء واحد» (2).
وتطلق ويراد بها نفي العدّة، فالتثنية باعتبارها، فلو قيل: {لََا تَتَّخِذُوا إِلََهَيْنِ} فقط لتوهّم أنه نهي عن اتخاذ جنسين آلهة وإن جاز أن يتّخذ من نوع واحد عدد آلهة، ولهذا أكد بالوحدة قوله: {إِنَّمََا هُوَ إِلََهٌ وََاحِدٌ} [الأنعام: 19].
ومثله: {فَاسْلُكْ فِيهََا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [المؤمنون: 27]، على قراءة تنوين {كُلٍّ} (3). وقوله: {فَإِذََا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وََاحِدَةٌ (13)} [الحاقة: 13]، فهو تأكيد لرفع توهم تعدّد النفخة لأنّ هذه الصيغة قد تدلّ على الكثرة، بدليل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللََّهِ لََا تُحْصُوهََا} [إبراهيم: 34].
ومن ذلك قوله: {فَإِنْ كََانَتَا اثْنَتَيْنِ} [النساء: 176]، فإن لفظ {كََانَتَا} تفيد التثنية، فتفسيره باثنتين لم يفد زيادة عليه.
وقد أجاب عن ذلك الأخفش والفارسيّ (4): بأنه أفاد العدد المحض مجرّدا عن الصفة، لأنه قد كان يجوز أن يقال: فإن كانتا صغيرتين أو كبيرتين، أو صالحتين، أو غير ذلك من الصفات، فلما قال: {اثْنَتَيْنِ} أفهم أنّ فرض الثنتين تعلّق بمجرد كونهما ثنتين فقط، وهي فائدة لا تحصل من ضمير المثنى. وقيل أراد: (فإن كانتا اثنتين فصاعدا) فعبّر
__________
(1) انظر الكشاف 1/ 615.
(2) رواه البخاري (350232293140)، وأبو داود (29802978)، والنسائي 6/ 131130، وابن ماجة (2881)، وابن حبان (3297)، والطبراني (1594159315921591)، والبيهقي 2/ 149، و 6/ 342340.
(3) انظر النشر 2/ 288، والكشف لمكي 1/ 528.
(4) انظر البرهان 2/ 434، و 2/ 473436حيث قال: «ولقد نقل ابن الحاجب في أماليه هذا الجواب عن أبي علي الفارسي، وقد بينا أنه من كلام الأخفش، ثم اعترض عليه بأنّ اللفظ وإن كان صالحا لإطلاقه على المثنى مجردا عن الصفات لا يصح إطلاقه خبرا دالا على التجريد من الصفات، وإنما يعنى باللفظ ذاته الموضوعة له» اهـ.(1/114)
بالأدنى عنه وعمّا فوقه اكتفاء.
ونظيره: {فَإِنْ لَمْ يَكُونََا رَجُلَيْنِ} [البقرة: 282]. والأحسن أنّ الضمير عائد على الشهيدين المطلقين.
ومن الصفات المؤكدة قوله: {وَلََا طََائِرٍ يَطِيرُ بِجَنََاحَيْهِ} [الأنعام: 38]، فقوله:
{يَطِيرُ} لتأكيد أنّ المراد بالطائر حقيقته، فقد يطلق مجازا على غيره، وقوله: {بِجَنََاحَيْهِ}
لتأكيد حقيقة الطيران، لأنه يطلق مجازا على شدّة العدو والإسراع في المشي (1).
ونظيره: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ} [الفتح: 11] لأنّ القول يطلق مجازا على غير اللسان، بدليل: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} [المجادلة: 8] (2).
وكذا: {وَلََكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] لأنّ القلب قد يطلق مجازا على العين، كما أطلقت العين مجازا على القلب في قوله: {الَّذِينَ كََانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطََاءٍ عَنْ ذِكْرِي} [الكهف: 101] (3).
قاعدة: الصفة العامة لا تأتي بعد الخاصة (4): لا يقال: رجل فصيح متكلّم، بل متكلّم فصيح. وأشكل على هذه قوله تعالى في إسماعيل: {وَكََانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم: 51]:
وأجيب أنه حال لا صفة، أي: مرسلا في حال نبوّته، وقد تقدّم في نوع التقديم والتأخير أمثلة من هذه.
قاعدة: إذا وقعت الصّفة بعد متضايفين أوّلهما عدد: جاز إجراؤها على المضاف، وعلى المضاف إليه: فمن الأول {سَبْعَ سَمََاوََاتٍ طِبََاقاً} [الملك: 3]، ومن الثاني: {سَبْعَ بَقَرََاتٍ سِمََانٍ} [يوسف: 43].
فائدة: إذا تكررت النعوت لواحد (5): فالأحسن إن تباعد معنى الصفات العطف، نحو: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظََّاهِرُ وَالْبََاطِنُ} [الحديد: 3]. وإلّا تركه، نحو: {وَلََا تُطِعْ كُلَّ حَلََّافٍ مَهِينٍ (10) هَمََّازٍ مَشََّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنََّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذََلِكَ زَنِيمٍ}
[القلم: 1310].
__________
(1) انظر البرهان 2/ 425.
(2) البرهان 2/ 428427.
(3) انظر البرهان 2/ 429428.
(4) انظر البرهان 2/ 429.
(5) انظر البرهان 1/ 446.(1/115)
فائدة: قطع النعوت في مقام المدح والذّم أبلغ من إجرائها (1). قال الفارسيّ: إذا ذكرت صفات في معرض المدح أو الذم، فالأحسن أن يخالف في إعرابها، لأنّ المقام يقتضي الإطناب، فإذا خولف في الإعراب كان المقصود أكمل لأنّ المعاني عند الاختلاف تتنوّع وتتفنّن، وعند الاتحاد تكون نوعا واحدا.
مثاله في المدح: {وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمََا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلََاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكََاةَ} [النساء: 162]، {وَلََكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللََّهِ} إلى قوله: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذََا عََاهَدُوا وَالصََّابِرِينَ} [البقرة: 177].
وقرئ شاذّا: {وَالْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} برفع {رَبِّ} ونصبه.
ومثاله في الذّمّ: {وَامْرَأَتُهُ حَمََّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 40].
النوع السادس: البدل (2):
والقصد به الإيضاح بعد الإبهام. وفائدته البيان والتأكيد.
أمّا الأوّل (3): فواضح أنك إذا قلت: (رأيت زيدا أخاك) بيّنت أنك تريد بزيد الأخ لا غير.
أمّا التأكيد: فلأنّه على نيّة تكرار العامل، فكأنه من جملتين، ولأنه دلّ على ما دلّ عليه الأول: إمّا بالمطابقة في بدل الكلّ، أو بالتضمّن في بدل البعض، أو بالالتزام في بدل الاشتمال.
مثال الأول: {اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرََاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}
[الفاتحة: 6، 7]. {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرََاطِ اللََّهِ} [الشورى: 52، 53]. {لَنَسْفَعاً بِالنََّاصِيَةِ نََاصِيَةٍ كََاذِبَةٍ خََاطِئَةٍ} [العلق: 15، 16].
ومثال الثاني: {وَلِلََّهِ عَلَى النََّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطََاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97].
{وَلَوْلََا دَفْعُ اللََّهِ النََّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [البقرة: 251].
ومثال الثالث: {وَمََا أَنْسََانِيهُ إِلَّا الشَّيْطََانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف: 63].
__________
(1) انظر البرهان 1/ 246.
(2) انظر البرهان 2/ 453.
(3) أي: البيان.(1/116)
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرََامِ قِتََالٍ فِيهِ قُلْ قِتََالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217]. {قُتِلَ أَصْحََابُ الْأُخْدُودِ (4) النََّارِ}
[البروج: 4، 5]. {لَجَعَلْنََا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمََنِ لِبُيُوتِهِمْ} [الزخرف: 33].
وزاد بعضهم بدل الكلّ من البعض، وقد وجدت له مثالا في القرآن، وهو قوله:
{يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلََا يُظْلَمُونَ شَيْئاً جَنََّاتِ عَدْنٍ} [مريم: 60، 61] فجنات عدن بدل من الجنّة التي هي بعض. وفائدته: تقرير أنها جنات كثيرة لا جنّة واحدة.
وقال ابن السيّد (1): وليس كلّ بدل يقصد به رفع الإشكال الذي يعرض في المبدل منه، بل من البدل ما يراد به التأكيد، وإن كان ما قبله غنيّا عنه، كقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرََاطِ اللََّهِ} [الشورى: 52، 53] ألا ترى أنّه لو لم يذكر الصراط الثاني لم يشكّ أحد في أنّ الصراط المستقيم هو صراط الله؟ وقد نصّ سيبويه على: أنّ من البدل ما الغرض منه التأكيد. انتهى.
وجعل منه ابن عبد السلام: {وَإِذْ قََالَ إِبْرََاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} [الأنعام: 74] قال: ولا بيان فيه لأنّ الأب لا يلتبس بغيره، وردّ: بأنّه يطلق على الجدّ، فأبدل لبيان إرادة الأب حقيقة.
النوع السابع: عطف البيان (2):
وهو كالصّفة في الإيضاح، لكن يفارقها في أنه وضع ليدلّ على الإيضاح باسم مختصّ به، بخلافها فإنّها وضعت لتدلّ على معنى حاصل في متبوعها (3).
وفرّق ابن كيسان بينه وبين البدل (4): بأنّ البدل هو المقصود، وكأنك قرّرته في موضع المبدل منه، وعطف البيان وما عطف عليه كلّ منهما مقصود.
وقال ابن مالك في شرح الكافية: عطف البيان يجري مجرى النّعت في تكميل متبوعه، ويفارقه في أنّ تكميله متبوعه بشرح وتبيين، لا بدلالة على معنى في المتبوع، أو
__________
(1) نقله في البرهان 2/ 454.
(2) انظر البرهان 2/ 462.
(3) عطف البيان وضع ليدل على الإيضاح باسم يختص به، وإن استعمل في غير الإيضاح، كالمدح في قوله تعالى: {جَعَلَ اللََّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} [المائدة: 97]، فإنّ {الْبَيْتَ الْحَرََامَ} عطف بيان جيء به للمدح لا للإيضاح، وأما الصفة فوضعت لتدل على معنى حاصل في متبوعه، وإن كانت في بعض الصور مفيدة للإيضاح للعلم بمتبوعها من غيرها. انظر البرهان 2/ 463.
(4) انظر البرهان 2/ 464.(1/117)
سببيّة. ومجرى التأكيد في تقوية دلالته، ويفارقه في أنه لا يرفع توهّم مجاز، ومجرى البدل في صلاحيته للاستقلال، ويفارقه في أنه غير منويّ الاطراح. ومن أمثلته: {فِيهِ آيََاتٌ بَيِّنََاتٌ مَقََامُ إِبْرََاهِيمَ} [آل عمران: 97]، {مِنْ شَجَرَةٍ مُبََارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} [النور: 35].
وقد يأتي لمجرّد المدح بلا إيضاح، ومنه: {جَعَلَ اللََّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ}
[المائدة: 97]. فالبيت الحرام عطف بيان للمدح لا للإيضاح.
النوع الثامن: عطف أحد المترادفين على الآخر:
والقصد منه التأكيد أيضا. وجعل منه: {إِنَّمََا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي} [يوسف: 86]، {فَمََا وَهَنُوا لِمََا أَصََابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللََّهِ وَمََا ضَعُفُوا} [آل عمران: 146]، {فَلََا يَخََافُ ظُلْماً وَلََا هَضْماً} [طه: 112]، {لََا تَخََافُ دَرَكاً وَلََا تَخْشى ََ} [طه: 77]، {لََا تَرى ََ فِيهََا عِوَجاً وَلََا أَمْتاً (107)} [طه: 107]: قال الخليل: العوج والأمت بمعنى واحد. {سِرَّهُمْ وَنَجْوََاهُمْ}
[التوبة: 78، والزخرف: 80]. {شِرْعَةً وَمِنْهََاجاً} [المائدة: 48]. {لََا تُبْقِي وَلََا تَذَرُ}
[المدثر: 28]، {إِلََّا دُعََاءً وَنِدََاءً} (1) [البقرة: 171]، {أَطَعْنََا سََادَتَنََا وَكُبَرََاءَنََا} [الأحزاب: 67]، {لََا يَمَسُّنََا فِيهََا نَصَبٌ وَلََا يَمَسُّنََا فِيهََا لُغُوبٌ} [فاطر: 35]، فإنّ نصب كلغب وزنا ومعنى.
{صَلَوََاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157]. {عُذْراً أَوْ نُذْراً (6)} [المرسلات: 6]. قال ثعلب:
هما بمعنى.
وأنكر المبرّد (2) وجود هذا النوع في القرآن، وأوّل ما سبق على اختلاف المعنيين.
وقال بعضهم (3): المخلص في هذا: أن تعتقد أن مجموع المترادفين يحصّل معنى لا يوجد عند انفرادهما، فإنّ التركيب يحدث معنى زائدا، وإذا كانت كثرة الحروف تفيد زيادة المعنى فكذلك كثرة الألفاظ.
النوع التاسع: عطف الخاص على العام (4):
وفائدته التنبيه على فضله، حتى كأنه ليس من جنس العام، تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات.
__________
(1) فرّق الراغب بين النداء والدعاء بأن النداء قد يقال إذا قيل: «يا» أو «أيا» ونحوه من غير أن يضم إليه الاسم، والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم، نحو: يا فلان. انظر البرهان 2/ 473.
(2) نقله في البرهان 2/ 476.
(3) نقله في البرهان 2/ 476.
(4) انظر البرهان 2/ 462.(1/118)
وحكى أبو حيان (1) عن شيخه أبي جعفر بن الزبير أنه كان يقول: هذا العطف يسمى بالتجريد، كأنه جرّد من الجملة وأفرد بالذكر تفضيلا.
ومن أمثلته: {حََافِظُوا عَلَى الصَّلَوََاتِ وَالصَّلََاةِ الْوُسْطى ََ} [البقرة: 238]، {مَنْ كََانَ عَدُوًّا لِلََّهِ وَمَلََائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكََالَ} [البقرة: 98]، {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104]، {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتََابِ وَأَقََامُوا الصَّلََاةَ} [الأعراف: 170] فإنّ إقامتها من جملة التمسّك بالكتاب، وخصّت بالذكر إظهارا لمرتبتها، لكونها عماد الدين.
وخصّ جبريل وميكائيل بالذكر ردّا على اليهود في دعوى عداوته، وضمّ إليه ميكائيل لأنه ملك الرزق الذي هو حياة الأجساد، كما أنّ جبريل ملك الوحي الذي هو حياة القلوب والأرواح (2).
وقيل: إنّ جبريل وميكائيل لمّا كانا أميري الملائكة لم يدخلا في لفظ الملائكة أولا، كما أنّ الأمير لا يدخل في مسمّى الجند. حكاه الكرمانيّ في العجائب.
ومن ذلك: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} [النساء: 110]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ََ عَلَى اللََّهِ كَذِباً أَوْ قََالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الأنعام: 93]: بناء على أنّه لا يختصّ بالواو، كما هو رأي ابن مالك فيه وفيما قبله. وخصّ المعطوف في الثانية بالذكر تنبيها على زيادة قبحه.
تنبيه: المراد بالخاصّ والعام هنا ما كان فيه الأول شاملا للثاني، لا المصطلح عليه في الأصول.
النوع العاشر: عطف العام على الخاص (3):
وأنكر بعضهم وجوده، فأخطأ. والفائدة فيه واضحة، وهو التعميم، وأفرد الأول بالذكر اهتماما بشأنه.
ومن أمثلته: {إِنَّ صَلََاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام: 162]. والنّسك العبادة، فهو أعمّ.
{آتَيْنََاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثََانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87]. {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوََالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنََاتِ} [نوح: 28]
__________
(1) نقله في البرهان 2/ 465.
(2) انظر البرهان 2/ 466.
(3) انظر البرهان 2/ 472471.(1/119)
، {فَإِنَّ اللََّهَ هُوَ مَوْلََاهُ وَجِبْرِيلُ وَصََالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلََائِكَةُ بَعْدَ ذََلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4].
وجعل منه الزمخشري (1): {وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} [يونس: 31]، بعد قوله: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ} [يونس: 31].
النوع الحادي عشر: الإيضاح بعد الإبهام (2):
قال أهل البيان: إذا أردت أن تبهم ثم توضح فإنّك تطنب.
وفائدته: إما رؤية المعنى في صورتين مختلفتين: الإبهام والإيضاح، أو لتمكّن المعنى في النفس تمكّنا زائدا لوقوعه بعد الطلب فإنّه أعزّ من المنساق بلا تعب، أو لتكمل لذّة العلم به فإنّ الشيء إذا علم من وجه ما، تشوّقت النفس للعلم به من باقي وجوهه وتألمت، فإذا حصل العلم من بقية الوجوه كانت لذّته أشدّ من علمه من جميع وجوهه دفعة واحدة.
ومن أمثلته: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: 25]، فإنّ {اشْرَحْ} يفيد طلب شرح شيء ما، و {صَدْرِي} يفيد تفسيره وبيانه. وكذلك: {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)} [طه: 26]، والمقام يقتضي التأكيد للإرسال المؤذن بتلقي الشدائد. وكذلك {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)}
[الشرح: 1]، فإنّ المقام يقتضي التأكيد، لأنه مقام امتنان وتفخيم. وكذا {وَقَضَيْنََا إِلَيْهِ ذََلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دََابِرَ هََؤُلََاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)} [الحجر: 66].
ومنه التفصيل بعد الإجمال (3): نحو: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللََّهِ اثْنََا عَشَرَ شَهْراً}
إلى قوله: {مِنْهََا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36]، وعكسه، كقوله: {ثَلََاثَةِ أَيََّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذََا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كََامِلَةٌ} [البقرة: 196]، أعيد ذكر (العشرة) لرفع توهّم أنّ الواو في {وَسَبْعَةٍ}
بمعنى (أو) فتكون الثلاثة داخلة فيها، كما في قوله: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} ثم قال:
{وَجَعَلَ فِيهََا رَوََاسِيَ مِنْ فَوْقِهََا وَبََارَكَ فِيهََا وَقَدَّرَ فِيهََا أَقْوََاتَهََا فِي أَرْبَعَةِ أَيََّامٍ} [فصلت: 9، 10]، فإنّ من جملتها اليومين المذكورين أولا، وليست أربعة غيرهما. وهذا أحسن الأجوبة في
__________
(1) انظر الكشاف 2/ 736، والبرهان 2/ 472.
(2) انظر البرهان 2/ 477.
(3) انظر البرهان 2/ 478.(1/120)
الآية، وهو الذي أشار إليه الزمخشري (1)، ورجّحه ابن عبد السلام (2)، وجزم به الزملكانيّ في «أسرار التنزيل». قال: ونظيره: {وَوََاعَدْنََا مُوسى ََ ثَلََاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنََاهََا بِعَشْرٍ}
[الأعراف: 142]، فإنّه رافع لاحتمال أن تكون تلك العشرة من غير مواعدة. قال ابن عسكر (3): وفائدة الوعد بثلاثين أوّلا، ثم بعشر، ليتجدّد له قرب انقضاء المواعدة، ويكون فيه متأهّبا مجتمع الرأي، حاضر الذهن لأنه لو وعد بالأربعين أولا كانت متساوية، فلمّا فصلت استشعرت النفس قرب التمام، وتجدّد بذلك عزم لم يتقدم.
وقال الكرمانيّ في «العجائب» (4): في قوله: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كََامِلَةٌ} ثمانية أجوبة:
جوابان من التفسير، وجواب من الفقه، وجواب من النحو، وجواب من اللغة، وجواب من المعنى، وجوابان من الحساب، وقد سقتها في «أسرار التنزيل».
النوع الثاني عشر: التفسير:
قال أهل البيان: وهو أن يكون في الكلام لبس وخفاء، فيؤتى بما يزيله ويفسّره.
ومن أمثلته: {إِنَّ الْإِنْسََانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذََا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذََا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} [المعارج: 2119]. فقوله: {إِذََا مَسَّهُمْ} إلخ تفسير للهلوع، كما قال أبو العالية وغيره.
{الْقَيُّومُ لََا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلََا نَوْمٌ} [البقرة: 255] قال البيهقي في «شرح الأسماء الحسنى»: قوله: {لََا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ}: تفسير للقيّوم (5).
{يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذََابِ يُذَبِّحُونَ} الآية [البقرة: 49] فيذبحون وما بعده تفسير للسّوم.
{إِنَّ مَثَلَ عِيسى ََ عِنْدَ اللََّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرََابٍ} [آل عمران: 59] الآية.
ف (خلقه) وما بعده تفسير للمثل.
{لََا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيََاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1] ف {تُلْقُونَ}
تفسير لاتخاذهم أولياء.
{الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} الآية [الإخلاص: 2، 3] قال محمد بن كعب
__________
(1) الكشاف 3/ 445444.
(2) انظر الفوائد في مشكل القرآن ص 156155.
(3) نقله في البرهان 2/ 479.
(4) انظر الدر المصون 2/ 321320، والبرهان 2/ 482480.
(5) الأسماء والصفات 1/ 93.(1/121)
القرظيّ: لم يلد إلى آخره تفسير للصّمد، وهو في القرآن كثير. قال ابن جنّي: ومتى كانت الجملة تفسيرا لم يحسن الوقف على ما قبلها دونها لأنّ تفسير الشيء لاحق به ومتمّم له وجار مجرى بعض أجزائه.
النوع الثالث عشر: وضع الظاهر موضع المضمر (1):
ورأيت فيه تأليفا مفردا لابن الصائغ. وله فوائد:
منها: زيادة التقرير والتمكين: نحو: {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1) اللََّهُ الصَّمَدُ}
[الإخلاص: 1، 2]، والأصل: هو الصمد. {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنََاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} [الإسراء: 105]، {إِنَّ اللََّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النََّاسِ وَلََكِنَّ أَكْثَرَ النََّاسِ لََا يَشْكُرُونَ} [غافر: 61]، {لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتََابِ وَمََا هُوَ مِنَ الْكِتََابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللََّهِ وَمََا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللََّهِ} [آل عمران: 78].
ومنها: قصد التعظيم: نحو: {وَاتَّقُوا اللََّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللََّهُ وَاللََّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
[البقرة: 282]، {أُولََئِكَ حِزْبُ اللََّهِ أَلََا إِنَّ حِزْبَ اللََّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22]، {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كََانَ مَشْهُوداً} [الإسراء: 78]، {وَلِبََاسُ التَّقْوى ََ ذََلِكَ خَيْرٌ}
[الأعراف: 26].
ومنها: قصد الإهانة والتحقير: نحو: {أُولََئِكَ حِزْبُ الشَّيْطََانِ أَلََا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطََانِ هُمُ الْخََاسِرُونَ} [المجادلة: 19]. {إِنَّ الشَّيْطََانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطََانَ} [الإسراء: 53].
ومنها: إزالة اللّبس حيث يوهم الضمير أنه غير الأوّل: {قُلِ اللََّهُمَّ مََالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ} [آل عمران: 26]. لو قال: (تؤتيه) لأوهم أنه الأول، قال ابن الخشّاب (2).
{الظََّانِّينَ بِاللََّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دََائِرَةُ السَّوْءِ} [الفتح: 6] لأنّه لو قال: (عليهم دائرته) لأوهم أنّ الضمير عائد إلى الله تعالى (3). {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعََاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهََا مِنْ وِعََاءِ أَخِيهِ} [يوسف: 76] لم يقل: (منه) لئلا يتوهّم عود الضمير إلى الأخ، فيصير كأنه مباشر بطلب خروجها، وليس كذلك لما في المباشرة من الأذى الذي تأباه النفوس
__________
(1) انظر تأويل مشكل القرآن ص 275، والبرهان 2/ 482.
(2) نقله في البرهان 2/ 488.
(3) كرر السوء لأنه لو قال: (عليهم دائرته) لالتبس بأن يكون الضمير عائدا إلى الله، قاله الوزير المغربي في تفسيره. انظر البرهان 2/ 489488.(1/122)
الأبيّة، فأعيد لفظ الظاهر لنفي هذا، ولم يقل: (من وعائه) لئلا يتوهم عود الضمير إلى يوسف لأنّ العائد عليه ضمير {اسْتَخْرَجَهََا}.
ومنها: قصد تربية المهابة: وإدخال الرّوع على ضمير السامع، بذكر الاسم المقتضي لذلك، كما تقول: الخليفة أمير المؤمنين يأمرك بكذا. ومنه: {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمََانََاتِ إِلى ََ أَهْلِهََا} [النساء: 58]، {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90].
ومنها: قصد تقوية داعية المأمور: ومنه: {فَإِذََا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللََّهِ إِنَّ اللََّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159] (1).
ومنها: تعظيم الأمر: نحو: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللََّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذََلِكَ عَلَى اللََّهِ يَسِيرٌ} [العنكبوت: 19]، {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}
[العنكبوت: 20]، {هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنََّا خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ}
[الإنسان: 1، 2].
ومنها: الاستلذاذ بذكره: ومنه: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ} [الزمر: 74] لم يقل: (منها)، ولهذا عدل عن ذكر الأرض إلى الجنة.
ومنها: قصد التوصّل من الظاهر إلى الوصف: ومنه: {فَآمِنُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللََّهِ} بعد قوله {إِنِّي رَسُولُ اللََّهِ} [الأعراف: 158]. لم يقل: (فأمنوا بالله وبي) ليتمكّن من إجراء الصفات التي ذكرها، وليعلم أنّ الذي وجب الإيمان به والاتباع له هو من وصف بهذه الصفات، ولو أتى بالضمير لم يمكن ذلك، لأنه لا يوصف.
ومنها: التنبيه على علّية الحكم: نحو: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنََا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً} [البقرة: 59]، {فَإِنَّ اللََّهَ عَدُوٌّ لِلْكََافِرِينَ} [البقرة: 98] لم يقل: (لهم) إعلاما بأن من عادى هؤلاء فهو كافر، وإنّ الله إنّما عاداه لكفره. {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ََ عَلَى اللََّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيََاتِهِ إِنَّهُ لََا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ}
[يونس: 17]، {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتََابِ وَأَقََامُوا الصَّلََاةَ إِنََّا لََا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)}
[الأعراف: 170]، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ إِنََّا لََا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)}
[الكهف: 30].
__________
(1) لم يقل (عليّ)، وحين قال: {عَلَى اللََّهِ} لم يقل: (إنه يحب)، أو: (إني أحب) تقوية لداعية المأمور بالتوكل بالتصريح باسم المتوكل. انظر البرهان 2/ 491.(1/123)
ومنها: قصد العموم: نحو: {وَمََا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمََّارَةٌ} [يوسف: 53]، لم يقل: (إنّها) لئلّا يفهم تخصيص ذلك بنفسه. {أُولََئِكَ هُمُ الْكََافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنََا لِلْكََافِرِينَ عَذََاباً} [النساء: 151].
ومنها: قصد الخصوص: نحو: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهََا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] لم يقل: (لك) تصريحا بأنه خاصّ به.
ومنها: الإشارة إلى عدم دخول الجملة في حكم الأولى: نحو: {فَإِنْ يَشَإِ اللََّهُ يَخْتِمْ عَلى ََ قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ} [الشورى: 24] فإن {وَيَمْحُ اللََّهُ} استئناف لا داخل في حكم الشرط.
ومنها: مراعاة الجناس: ومنه: {أَعُوذُ بِرَبِّ النََّاسِ} السورة، ذكره الشيخ عز الدين، ومثله ابن الصائغ بقوله: {خَلَقَ الْإِنْسََانَ مِنْ عَلَقٍ (2)} [العلق: 2]، ثم قال: {عَلَّمَ الْإِنْسََانَ مََا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلََّا إِنَّ الْإِنْسََانَ لَيَطْغى ََ}، فإنّ المراد بالإنسان الأول الجنس. وبالثاني: آدم، أو من يعلم الكتابة، أو إدريس. وبالثالث أبو جهل.
ومنها: مراعاة الترصيع وتوازن الألفاظ في التركيب: ذكره بعضهم في قوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدََاهُمََا فَتُذَكِّرَ إِحْدََاهُمَا الْأُخْرى ََ} [البقرة: 282].
ومنها: أن يتحمّل ضميرا لا بدّ منه: ومنه: {حَتََّى إِذََا أَتَيََا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمََا أَهْلَهََا}
[الكهف: 77] لو قال: (استطعماها) لم يصحّ، لأنهما لم يستطعما القرية، أو:
(استطعماهم) فكذلك لأنّ جملة (استطعما) صفة لقرية نكرة، لا ل (أهل)، فلا بدّ أن يكون فيها ضمير يعود عليها، ولا يمكن إلّا مع التصريح بالظاهر. كذا حرّره السبكيّ في جواب سؤال سأله الصلاح الصفدي في ذلك حيث قال:
أسيّدنا قاضي القضاة ومن إذا ... بدا وجهه استحيا له القمران
ومن كفّه يوم الندى ويراعه ... على طرسه بحران يلتقيان
ومن إن دجت في المشكلات مسائل ... جلاها بفكر دائم اللّمعان
رأيت كتاب الله أكبر معجز ... لأفضل من يهدى به الثقلان
ومن جملة الإعجاز كون اختصاره ... بإيجاز ألفاظ وبسط معان
ولكنّني في الكهف أبصرت آية ... بها الفكر في طول الزّمان عناني
وما هي إلّا {اسْتَطْعَمََا أَهْلَهََا} فقد ... نرى استطعماهم مثله ببيان
فما الحكمة الغرّاء في وضع ظاهر ... مكان ضمير إن ذاك لشان
فأرشد على عادات فضلك حيرتي ... فما لي بها عند البيان يدان(1/124)
أسيّدنا قاضي القضاة ومن إذا ... بدا وجهه استحيا له القمران
ومن كفّه يوم الندى ويراعه ... على طرسه بحران يلتقيان
ومن إن دجت في المشكلات مسائل ... جلاها بفكر دائم اللّمعان
رأيت كتاب الله أكبر معجز ... لأفضل من يهدى به الثقلان
ومن جملة الإعجاز كون اختصاره ... بإيجاز ألفاظ وبسط معان
ولكنّني في الكهف أبصرت آية ... بها الفكر في طول الزّمان عناني
وما هي إلّا {اسْتَطْعَمََا أَهْلَهََا} فقد ... نرى استطعماهم مثله ببيان
فما الحكمة الغرّاء في وضع ظاهر ... مكان ضمير إن ذاك لشان
فأرشد على عادات فضلك حيرتي ... فما لي بها عند البيان يدان
تنبيه إعادة الظاهر بمعناه أحسن من إعادته بلفظه،
كما مرّ في آيات: {إِنََّا لََا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170]، {إِنََّا لََا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30] ونحوها.
ومنه: {مََا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللََّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشََاءُ} [البقرة: 105]، فإنّ إنزال الخير مناسب للربوبية، وأعاده بلفظ (الله) لأنّ تخصيص الناس بالخير دون غيرهم مناسب للإلهية، لأنّ دائرة الربوبية أوسع.
ومنه: {الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ} إلى قوله: {بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}
[الأنعام: 1].
وإعادته في جملة أخرى أحسن منه في الجملة الواحدة لانفصالها. وبعد الطول أحسن من الإضمار، لئلا يبقى الذهن متشاغلا بسبب ما يعود عليه، فيفوته ما شرع فيه، كقوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنََا آتَيْنََاهََا إِبْرََاهِيمَ عَلى ََ قَوْمِهِ} [الأنعام: 83] بعد قوله: {وَإِذْ قََالَ إِبْرََاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} [الأنعام: 74].
النوع الرابع عشر: الإيغال، وهو الإمعان:
وهو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتمّ المعنى بدونها. وزعم بعضهم أنه خاصّ بالشعر.
وردّ: بأنّه وقع في القرآن من ذلك: {يََا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لََا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس: 20، 21]، فقوله: {وَهُمْ مُهْتَدُونَ} إيغال، لأنّه يتمّ المعنى بدونه، إذ الرسول مهتد لا محالة، لكن فيه زيادة مبالغة في الحث على اتباع الرسل والترغيب فيه.
وجعل ابن أبي الإصبع منه: {وَلََا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعََاءَ إِذََا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل: 80] فإنّ قوله: {إِذََا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} زائد على المعنى، مبالغة في عدم انتفاعهم. {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللََّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50] زائدا على المعنى، لمدح المؤمنين والتعريض بالذم لليهود، وأنهم بعيدون عن الإيقان. {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مََا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 23]، فقوله:
{مِثْلَ مََا} إلى آخره إيغال زائد على المعنى، لتحقيق هذا الوعد، وأنه واقع معلوم ضرورة، لا يرتاب فيه أحد.(1/125)
{مِثْلَ مََا} إلى آخره إيغال زائد على المعنى، لتحقيق هذا الوعد، وأنه واقع معلوم ضرورة، لا يرتاب فيه أحد.
النوع الخامس: التّذييل (1):
وهو أن يؤتى بجملة عقب جملة، والثانية تشتمل على المعنى الأول، لتأكيد منطوقه أو مفهومه، ليظهر المعنى لمن لم يفهمه، ويتقرّر عند من فهمه. نحو: {ذََلِكَ جَزَيْنََاهُمْ بِمََا كَفَرُوا وَهَلْ نُجََازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)} [سبأ: 17]، {وَقُلْ جََاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبََاطِلُ إِنَّ الْبََاطِلَ كََانَ زَهُوقاً (81)} [الإسراء: 81] {وَمََا جَعَلْنََا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخََالِدُونَ}
[الأنبياء: 34]، {كُلُّ نَفْسٍ ذََائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185]. {وَيَوْمَ الْقِيََامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلََا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14].
النوع السادس عشر: الطّرد والعكس:
قال الطّيبيّ: وهو أن يؤتى بكلامين، يقرّر الأوّل بمنطوقه مفهوم الثاني وبالعكس، كقوله: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلََاثَ مَرََّاتٍ} إلى قوله:
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلََا عَلَيْهِمْ جُنََاحٌ بَعْدَهُنَّ} [النور: 58]، فمنطوق الأمر بالاستئذان في تلك الأوقات خاصّة مقرّر لمفهوم رفع الجناح فيما عداها، وبالعكس. وكذا قوله: {لََا يَعْصُونَ اللََّهَ مََا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مََا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
قلت: وهذا النوع يقابله في الإيجاز نوع الاحتباك.
النوع السابع عشر: التكميل (2):
ويسمّى بالاحتراس، وهو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفع ذلك الوهم، نحو: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكََافِرِينَ} [المائدة: 54]، فإنّه لو اقتصر على {أَذِلَّةٍ} لتوهّم أنه لضعفهم، فدفعه بقوله: {أَعِزَّةٍ}. ومثله: {أَشِدََّاءُ عَلَى الْكُفََّارِ رُحَمََاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]. لو اقتصر على (أشدّاء) لتوهّم أنه لغلظهم. {تَخْرُجْ بَيْضََاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}
[طه: 22] {لََا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمََانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لََا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18]. احتراس، لئلا يتوهّم نسبة الظلم إلى سليمان. ومثله: {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الفتح: 25]. وكذا:
{قََالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللََّهِ وَاللََّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللََّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنََافِقِينَ لَكََاذِبُونَ}
[المنافقون: 1] فالجملة الوسطى احتراس، لئلّا يتوهم أنّ التكذيب مما في نفس الأمر.
قال في «عروس الأفراح»: فإن قيل: كلّ من ذلك أفاد معنى جديدا، فلا يكون
__________
(1) انظر البرهان 3/ 68.
(2) انظر البرهان 3/ 64.(1/126)
إطنابا. قلنا: هو إطناب لما قبله من حيث رفع توهّم غيره، وإن كان له معنى في نفسه.
النوع الثامن عشر: التتميم (1):
وهو أن يؤتى في كلام لا يوهم غير المراد بفضلة تفيد نكتة، كالمبالغة في قوله:
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعََامَ عَلى ََ حُبِّهِ} [الإنسان: 8] أي: مع حب الطعام، أي: اشتهائه، فإنّ الإطعام حينئذ أبلغ وأكثر أجرا. ومثله: {وَآتَى الْمََالَ عَلى ََ حُبِّهِ} [البقرة: 177]، {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصََّالِحََاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلََا يَخََافُ} [طه: 112]، فقوله: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} تتميم في غاية الحسن.
النوع التاسع عشر: الاستقصاء:
وهو أن يتناول المتكلم معنى فيستقصيه، فيأتي بجميع عوارضه ولوازمه بعد أن يستقصي جميع أوصافه الذاتية، بحيث لا يترك لمن يتناوله بعده فيه مقالا، كقوله تعالى:
{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} [البقرة: 266] الآية، فإنّه تعالى لو اقتصر على قوله:
ال {جَنَّةٌ} لكان كافيا، فلم يقف عند ذلك حتى قال في تفسيرها: {مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنََابٍ}
فإنّ مصاب صاحبها بها أعظم، ثم زاد: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهََارُ} متمّما لوصفها بذلك، ثم كمل وصفها بعد التتميمين فقال: {لَهُ فِيهََا مِنْ كُلِّ الثَّمَرََاتِ} فأتى بكل ما يكون في الجنان ليشتدّ الأسف على إفسادها، ثم قال في وصف صاحبها: {وَأَصََابَهُ الْكِبَرُ} ثم استقصى المعنى في ذلك بما يوجب تعظيم المصاب، بقوله بعد وصفه بالكبر: {وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ} ولم يقف عند ذلك حتى وصف الذرية ب {ضُعَفََاءُ} ثم ذكر استئصال الجنة التي ليس لهذا المصاب غيرها بالهلاك في أسرع وقت حيث قال: {فَأَصََابَهََا إِعْصََارٌ} ولم يقتصر على ذكره، للعلم بأنه لا يحصل به سرعة الهلاك، فقال: {فِيهِ نََارٌ} ثم لم يقف عند ذلك حتى أخبر باحتراقها، لاحتمال أن تكون النار ضعيفة لا تفي باحتراقها، لما فيها من الأنهار ورطوبة الأشجار، فاحترس عن هذا الاحتمال بقوله: {فَاحْتَرَقَتْ} فهذا أحسن استقصاء وقع في كلام وأتمّه وأكمله!.
قال ابن أبي الإصبع: والفرق بين الاستقصاء والتتميم والتكميل: أنّ التتميم يرد على المعنى الناقص ليتمّم، والتكميل يرد على المعنى التام فيكمّل أوصافه، والاستقصاء يرد على المعنى التام الكامل فيستقصي لوازمه وعوارضه وأوصافه وأسبابه، حتى يستوعب
__________
(1) انظر البرهان 3/ 70.(1/127)
جميع ما تقع الخواطر عليه، فلا يبقى لأحد فيه مساغ.
النوع العشرون: الاعتراض (1):
وسمّاه قدامة (2): التفاتا، وهو: الإتيان بجملة أو أكثر لا محلّ لها من الإعراب، في أثناء كلام أو كلامين اتصلا معنى، لنكتة غير دفع الإيهام. كقوله: {وَيَجْعَلُونَ لِلََّهِ الْبَنََاتِ سُبْحََانَهُ وَلَهُمْ مََا يَشْتَهُونَ (57)} [النحل: 57] فقوله: {سُبْحََانَهُ} اعتراض لتنزيه الله سبحانه وتعالى عن البنات، والشناعة على جاعليها. وقوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرََامَ إِنْ شََاءَ اللََّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] فجملة الاستثناء اعتراض للتبرّك.
ومن وقوعه بأكثر من جملة: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللََّهُ إِنَّ اللََّهَ يُحِبُّ التَّوََّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِسََاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: 223222] فقوله: {نِسََاؤُكُمْ} متصل بقوله:
{فَأْتُوهُنَّ} لأنه بيان له، وما بينهما اعتراض للحثّ على الطهارة وتجنّب الأدبار.
وقوله: {يََا أَرْضُ ابْلَعِي مََاءَكِ} إلى قوله: {وَقِيلَ بُعْداً} [هود: 44] فيه اعتراض بثلاث جمل، وهي: {وَغِيضَ الْمََاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} قال في «الأقصى القريب»:
ونكتته إفادة أن هذا الأمر واقع بين القولين لا محالة، ولو أتى به آخرا لكان الظاهر تأخّره، فبتوسّطه ظهر كونه غير متأخّر. ثم فيه اعتراض، فإنّ {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} معترض بين {وَغِيضَ} و {وَاسْتَوَتْ} لأنّ الاستواء يحصل عقب الغيض (3).
وقوله: {وَلِمَنْ خََافَ مَقََامَ رَبِّهِ جَنَّتََانِ (46)} إلى قوله: {مُتَّكِئِينَ عَلى ََ فُرُشٍ} [الرحمن: 46 54]. فيه اعتراض بسبع جمل إذا أعرب حالا منه.
ومن وقوع اعتراض في اعتراض: {فَلََا أُقْسِمُ بِمَوََاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: 7775]. اعتراض بين القسم وجوابه بقوله:
{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ} الآية. وبين القسم وصفته بقوله: {لَوْ تَعْلَمُونَ} تعظيما للمقسم به وتحقيقا
__________
(1) البرهان 3/ 56.
(2) هو قدامة بن جعفر، أبو الفرج، صاحب كتاب نقد الشعر. انظر نقد الشعر ص 87.
(3) انظر البرهان 3/ 62.
(4) المقسم عليه هاهنا قوله {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} ووقع الاعتراض بين القسم وجوابه بقوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}. ووقع الاعتراض بين الصفة والموصوف في جملة هذا الاعتراض بقوله تعالى: {لَوْ تَعْلَمُونَ} فجاء هذا الاعتراض في ضمن هذا الاعتراض ألطف شيء وأحسنه موقعا، وأحسن ما يقع هذا الاعتراض إذا تضمن تأكيدا أو تنبيها أو احترازا. انظر التبيان في أقسام القرآن ص 200بتحقيقنا.(1/128)
لإجلاله، وإعلاما لهم بأن له عظمة لا يعلمونها (1).
قال الطيبيّ في «التبيان»: ووجه حسن الاعتراض حسن الإفادة، مع أنّ مجيئه مجيء ما لا يترقّب، فيكون كالحسنة تأتيك من حيث لا تحتسب.
النوع الحادي والعشرون: التعليل:
وفائدته: التقرير والأبلغية، فإنّ النفوس أبعث على قبول الأحكام المعلّلة من غيرها، وغالب التعليل في القرآن على تقدير جواب سؤال اقتضته الجملة الأولى.
وحروفه: اللّام، وإن، وأن، وإذ، والباء، وكي، ومن، ولعلّ، وقد مضت أمثلتها في نوع الأدوات.
وممّا يقتضي التعليل لفظ (الحكمة) كقوله: {حِكْمَةٌ بََالِغَةٌ} [القمر: 5] وذكر الغاية من الخلق، نحو قوله: {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرََاشاً وَالسَّمََاءَ بِنََاءً} [البقرة: 22]، {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهََاداً (6) وَالْجِبََالَ أَوْتََاداً} [النبأ: 6، 7].
__________
(1) انظر البرهان 2/ 91.(1/129)
النوع السابع والخمسون في الخبر والانشاء (1)
اعلم أنّ الحذّاق من النحاة وغيرهم، وأهل البيان قاطبة: على انحصار الكلام فيهما، وأنه ليس له قسم ثالث.
وادّعى قوم: أن أقسام الكلام عشرة: نداء، ومسألة، وأمر، وتشفّع، وتعجّب، وقسم، وشرط، ووضع، وشك، واستفهام.
وقيل: تسعة، بإسقاط الاستفهام لدخوله في المسألة.
وقيل: ثمانية بإسقاط التشفع لدخوله فيها.
وقيل: سبعة بإسقاط الشكّ لأنّه من قسم الخبر.
وقال الأخفش: هي ستة: خبر، واستخبار، وأمر، ونهي، ونداء، وتمنّ.
وقال بعضهم: خمسة: خبر، وأمر، وتصريح، وطلب، ونداء.
وقال قوم: أربعة: خبر، واستخبار، وطلب، ونداء.
وقال كثيرون: ثلاثة: خبر، وطلب، وإنشاء، قالوا: لأنّ الكلام إمّا أن يحتمل التصديق والتكذيب أو لا: الأول الخبر، والثاني: إن اقترن معناه بلفظه فهو الإنشاء، وإن لم يقترن بل تأخّر عنه فهو الطلب. والمحققون على دخول الطلب في الإنشاء، وأنّ معنى (اضرب) مثلا وهو طلب الضرب مقترن بلفظه، وأمّا الضرب الذي يوجد بعد ذلك فهو متعلّق الطلب لا نفسه.
أما الخبر
وقد اختلف الناس في حدّ الخبر: فقيل: لا يحدّ لعسره، وقيل: لأنه ضروريّ لأنّ الإنسان يفرّق بين الإنشاء والخبر ضرورة. ورجّحه الإمام في المحصول (2).
والأكثر على حدّه، قال القاضي أبو بكر والمعتزلة: الخبر: الكلام الذي يدخله
__________
(1) انظر هذا المبحث في البرهان 2/ 381316.
(2) انظر المحصول للرازي 4/ 226215.(1/130)
الصدق والكذب. فأورد عليه: خبر الله تعالى، فإنه لا يكون إلّا صادقا؟ فأجاب القاضي بأنّه يصحّ دخوله لغة.
وقيل: الذي يدخله التصديق والتكذيب، هو سالم من الإيراد المذكور.
وقال أبو الحسن البصريّ: كلام يفيد بنفسه. فأورد عليه، نحو: (قم)، فإنّه يدخل في الحدّ لأنّ القيام منسوب والطلب منسوب.
وقيل: الكلام المفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور: نفيا أو إثباتا.
وقيل: القول المقتضي بصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفي أو الإثبات.
وقال بعض المتأخرين: الإنشاء ما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام، والخبر خلافه.
وقال بعض من جعل الأقسام ثلاثة:
الكلام إن أفاد بالوضع طلبا، فلا يخلو: إمّا أن يكون بطلب ذكر الماهيّة، أو تحصيلها، أو الكف عنها. والأول الاستفهام، والثاني الأمر، والثالث النهي.
وإن لم يفد طلبا بالوضع: فإن لم يحتمل الصدق والكذب سمّي تنبيها وإنشاء، لأنك نبّهت به على مقصودك وأنشأته: أي: ابتكرته، من غير أن يكون موجودا في الخارج، سواء أفاد طلبا باللازم كالتمنّي والترجّي والنداء والقسم، أم لا: كأنت طالق.
وإن احتملهما من حيث هو فهو الخبر.
فصل القصد بالخبر إفادة المخاطب،
وقد يرد بمعنى الأمر: نحو: {وَالْوََالِدََاتُ يُرْضِعْنَ}
[البقرة: 233]، {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228].
وبمعنى النهي: نحو: {لََا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة: 79].
وبمعنى الدعاء: نحو: {وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]. أي: أعنّا. ومنه: {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} [المسد: 1] فإنه دعاء عليه. وكذا: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمََا قََالُوا}
[المائدة: 64].
وجعل منه قوم: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] قالوا: هو دعاء عليهم بضيق صدورهم عن قتال أحد (1).
__________
(1) انظر تفسير البغوي 1/ 461، والدر المصون 4/ 68، والتسهيل 1/ 151. قال الحدادي في وضح البرهان 1/ 291: «ويجوز على معنى الدعاء، فيكون اعتراضا» اهـ.(1/131)
ونازع ابن العربيّ في قولهم: إنّ الخبر يرد بمعنى الأمر أو النهي، قال في قوله تعالى: {فَلََا رَفَثَ} [البقرة: 197]: ليس نفيا لوجود الرّفث، بل نفي لمشروعيّته (1)، فإنّ الرفث يوجد من بعض الناس، وأخبار الله تعالى لا يجوز أن تقع بخلاف مخبره وإنما يرجع النفي إلى وجوده مشروعا لا إلى وجوده محسوسا، كقوله: {وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ}
[البقرة: 228] ومعناه: مشروعا لا محسوسا، فإنا نجد مطلقات لا يتربّصن، فعاد النفيّ إلى الحكم الشرعيّ لا إلى الوجود الحسّي. وكذا: {لََا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة: 79] أي: لا يمسّه أحد منهم شرعا، فإن وجد المسّ فعلى خلاف حكم الشرع.
قال: وهذه الدّفينة التي فاتت العلماء، فقالوا: إنّ الخبر يكون بمعنى النهي، وما وجد ذلك قط، ولا يصحّ أن يوجد فإنهما مختلفان حقيقة ويتباينان وضعا. انتهى.
فرع (2)
من أقسامه على الأصحّ التعجب،
قال ابن فارس: وهو تفضيل شيء على أضرابه.
وقال ابن الصائغ: استعظام صفة، خرج بها المتعجّب منه عن نظائره.
وقال الزمخشريّ (3): معنى التّعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين لأنّ التعجّب لا يكون إلّا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله.
وقال الرّمانيّ: المطلوب في التعجّب الإبهام لأنّ من شأن الناس أن يتعجّبوا ممّا لا يعرف سببه، فكلما استبهم السبب كان التعجّب أحسن.
قال: وأصل التعجّب إنّما هو للمعنى الخفي سببه، والصيغة الدّالّة عليه تسمّى تعجّبا مجازا.
قال: ومن أجل الإبهام لم تعمل (نعم) إلّا في الجنس من أجل التفخيم ليقع التفسير على نحو التفخيم بالإضمار قبل الذكر.
ثم قد وضعوا للتعجّب صيغا من لفظه، وهي: (ما أفعل) و: (أفعل به) وصيغا من غير لفظه، نحو (كبر) كقوله: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوََاهِهِمْ} [الكهف: 5]،
__________
(1) انظر الدر المصون 2/ 327323.
(2) انظر البرهان 2/ 317.
(3) انظر أساس البلاغة ص 293، والكشاف 4/ 418في تفسير سورة الصف، كما ذكره في البرهان 2/ 317.(1/132)
{كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللََّهِ} [الصف: 3]، {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللََّهِ} [البقرة: 28].
قاعدة قال المحقّقون: إذا ورد التعجّب من الله صرف إلى المخاطب،
كقوله: {فَمََا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النََّارِ} [البقرة: 175] أي: هؤلاء يجب أن يتعجّب منهم. وإنما لا يوصف تعالى بالتعجّب لأنه استعظام يصحبه الجهل، وهو تعالى منزّه عن ذلك، ولهذا تعبّر جماعة بالتعجيب بدله: أي: أنه تعجيب من الله للمخاطبين.
ونظير هذا مجيء الدعاء والترجّي منه تعالى، إنّما هو بالنظر إلى ما تفهمه العرب، أي: هؤلاء ممّا يجب أن يقال لهم: عندكم هذا، ولذلك قال سيبويه في قوله: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ََ} [طه: 44] المعنى: اذهبا على رجائكما وطمعكما. وفي قوله: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)} [المطففين: 1]، {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10)} [المطففين: 10]: لا نقول هذا دعاء، لأنّ الكلام بذلك قبيح، ولكن العرب إنّما تكلّموا بكلامهم وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنون، فكأنه قيل لهم: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)} أي: هؤلاء ممّا وجب هذا القول لهم لأنّ هذا الكلام إنما يقال لصاحب الشرور والهلكة، فقيل: هؤلاء ممّن دخل في الهلكة.
فرع من أقسام الخبر: الوعد والوعيد،
نحو: {سَنُرِيهِمْ آيََاتِنََا فِي الْآفََاقِ} [فصلت: 53] {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ} [الشعراء: 227] وفي كلام ابن قتيبة ما يوهم أنه إنشاء.
فرع من أقسام الخبر: النفي،
بل هو شطر الكلام كلّه. والفرق بينه وبين الجحد: أنّ النافي إن كان صادقا سمّي كلامه نفيا ولا يسمّى جحدا، وإن كان كاذبا سمّي جحدا ونفيا أيضا، فكلّ جحد نفي، وليس كلّ نفي جحدا. ذكره أبو جعفر النحاس وابن الشجريّ وغيرهما.
مثال النفي: {مََا كََانَ مُحَمَّدٌ أَبََا أَحَدٍ مِنْ رِجََالِكُمْ} [الأحزاب: 40].
ومثال الجحد: نفي فرعون وقومه آيات موسى، قال تعالى: {فَلَمََّا جََاءَتْهُمْ آيََاتُنََا مُبْصِرَةً قََالُوا هََذََا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهََا وَاسْتَيْقَنَتْهََا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: 13، 14].
وأدوات النفي: لا، ولات، وليس، وما، وإن، ولم، ولمّا. وقد تقدّمت معانيها وما
افترقت فيه في نوع الأدوات (1).(1/133)
وأدوات النفي: لا، ولات، وليس، وما، وإن، ولم، ولمّا. وقد تقدّمت معانيها وما
افترقت فيه في نوع الأدوات (1).
ونورد هنا فائدة زائدة، قال الخويّي: أصل أدوات النفي (لا) و (ما) لأنّ النفي إمّا في الماضي وإمّا في المستقبل، والاستقبال أكثر من الماضي أبدا، و (لا) أخفّ من (ما) فوضعوا الأخفّ للأكثر.
ثم إنّ النفي في الماضي: إمّا أن يكون نفيا واحدا مستمرّا، أو نفيا فيه أحكام متعدّدة، وكذلك النّفي في المستقبل فصار النفي على أربعة أقسام، واختاروا له أربع كلمات: ما، ولم، ولن، ولا. وأما إن ولمّا فليسا بأصلين. فما ولا في الماضي والمستقبل متقابلان، ولم كأنه مأخوذ من (لا) و (ما)، لأنّ (لم) نفي للاستقبال لفظا والمضيّ معنى، فأخذ اللّام من (لا) التي هي لنفي المستقبل، والميم من (ما) التي هي لنفي الماضي، وجمع بينهما إشارة إلى أنّ في (لم) إشارة إلى المستقبل والماضي، وقدّم اللّام على الميم إشارة إلى أنّ (لا) هي أصل النفي ولهذا ينفى بها في أثناء الكلام، فيقال: لم يفعل زيد ولا عمرو. وأمّا (لمّا) فتركيب بعد تركيب، كأنه قال: (لم) و (ما) لتوكيد معنى النفي في الماضي، وتفيد الاستقبال أيضا، ولهذا تفيد (لمّا) الاستمرار.
تنبيهات (2)
الأول: زعم بعضهم أنّ شرط صحة النفي عن الشيء صحّة اتصاف المنفيّ عنه بذلك الشيء، وهو مردود بقوله تعالى: {وَمََا رَبُّكَ بِغََافِلٍ عَمََّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 132]، {وَمََا كََانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]، {لََا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلََا نَوْمٌ} [البقرة: 255]، ونظائره.
والصّواب: أنّ انتفاء الشيء عن الشيء قد يكون لكونه لا يمكن منه عقلا، وقد يكون لكونه لا يقع منه مع إمكانه.
الثاني: نفي الذات الموصوفة: قد يكون نفيا للصفة دون الذات، وقد يكون نفيا للذّات أيضا.
من الأول: {وَمََا جَعَلْنََاهُمْ جَسَداً لََا يَأْكُلُونَ الطَّعََامَ} [الأنبياء: 8] أي: بل هم جسد يأكلونه.
ومن الثاني: {لََا يَسْئَلُونَ النََّاسَ إِلْحََافاً} [البقرة: 273] أي: لا سؤال لهم
__________
(1) وهو النوع الأربعون فيما سبق.
(2) انظر البرهان 2/ 388376.(1/134)
أصلا، فلا يحصل منهم إلحاف. {مََا لِلظََّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلََا شَفِيعٍ يُطََاعُ} [غافر: 18] أي:
لا شفيع لهم أصلا. {فَمََا تَنْفَعُهُمْ شَفََاعَةُ الشََّافِعِينَ (48)} [المدثر: 48] أي: لا شافعين لهم فتنفعهم شفاعتهم. بدليل: {فَمََا لَنََا مِنْ شََافِعِينَ (100)} [الشعراء: 100].
ويسمّى هذا النوع عند أهل البديع: نفي الشيء بإيجابه.
وعبارة ابن رشيق في تفسيره: أن يكون الكلام ظاهره إيجاب الشيء وباطنه نفيه، بأن ينفي ما هو من سببه كوصفه، وهو المنفيّ في الباطن.
وعبارة غيره: أن ينفى الشيء مقيّدا، والمراد نفيه مطلقا، مبالغة في النفي وتأكيدا له.
ومنه: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللََّهِ إِلََهاً آخَرَ لََا بُرْهََانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117]، فإنّ (الإله مع الله) لا يكون إلّا عن غير برهان. {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة: 61]، فإنّ قتلهم لا يكون إلّا بغير حقّ. {رَفَعَ السَّمََاوََاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهََا} [الرعد: 2]، فإنها لا عمد لها أصلا.
الثالث: قد ينفى الشيء رأسا، لعدم كمال وصفه أو انتفاء ثمرته. كقوله في صفة أهل النار: {ثُمَّ لََا يَمُوتُ فِيهََا وَلََا يَحْيى ََ (13)} [الأعلى: 13] فنفى عنه الموت، لأنه ليس بموت صريح، ونفى عنه الحياة لأنها ليست بحياة طيبة ولا نافعة.
{وَتَرََاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لََا يُبْصِرُونَ} [الأعراف: 198]، فإنّ المعتزلة احتجّوا بها على نفي الرؤية فإنّ النظر في قوله تعالى: {إِلى ََ رَبِّهََا نََاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 23] لا يستلزم الإبصار. وردّ: بأن المعنى أنها تنظر إليه بإقبالها عليه، وليست تبصر شيئا (1).
{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرََاهُ مََا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلََاقٍ وَلَبِئْسَ مََا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كََانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102] فإنّه وصفهم أولا بالعلم على سبيل التوكيد القسميّ، ثم نفاه آخرا عنهم لعدم جريهم على موجب العلم. قاله السكاكيّ.
الرابع: قالوا: المجاز يصحّ نفيه، بخلاف الحقيقة. وأشكل على ذلك: {وَمََا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلََكِنَّ اللََّهَ رَمى ََ} [الأنفال: 17] فإنّ المنفيّ فيه هو الحقيقة.
وأجيب: بأنّ المراد بالرّمي هنا المترتّب عليه وهو وصوله إلى الكفار، فالوارد عليه النفي هنا مجاز لا حقيقة، والتقدير: وما رميت خلقا إذ رميت كسبا، أو ما رميت انتهاء إذ رميت ابتداء.
__________
(1) لقد تواترت الأحاديث، وأجمع العلماء على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة عيانا. وينبغي إثبات ذلك. والابتعاد عن التأويل والتحكمات التي لا أصل لها في كتاب ولا سنة. انظر كتابنا «رؤية الله في الآخرة» وهو ضمن مجموعة «عقائد أئمة السلف».(1/135)
الخامس: نفي الاستطاعة: قد يراد به نفي القدرة والإمكان، وقد يراد به نفي الامتناع، وقد يراد به الوقوع بمشقّة وكلفة.
من الأول: {فَلََا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} [يس: 50] {فَلََا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهََا} [الأنبياء: 40] {فَمَا اسْطََاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطََاعُوا لَهُ نَقْباً (97)} [الكهف: 97].
ومن الثاني: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} [المائدة: 112] على القراءتين (1)، أي: هل يفعل، أو: هل تجيبنا إلى أن تسأل؟ فقد علموا أنه قادر على الإنزال، وأنّ عيسى قادر على السؤال.
ومن الثالث: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف: 67].
قاعدة: نفي العامّ يدل على نفي الخاص، وثبوته لا يدلّ على ثبوته. وثبوت الخاصّ يدل على ثبوت العام، ونفيه لا يدلّ على نفيه، وشكّ أنّ زيادة المفهوم من اللفظ توجب الالتذاذ به، فلذلك كان نفي العام أحسن من نفي الخاص، وإثبات الخاصّ أحسن من إثبات العام.
فالأول: كقوله: {فَلَمََّا أَضََاءَتْ مََا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللََّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] لم يقل:
(بضوئهم) بعد قوله: {أَضََاءَتْ} لأنّ النور أعم من الضّوء، إذ يقال على القليل والكثير، وإنّما يقال الضوء على النور الكثير، ولذلك قال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيََاءً وَالْقَمَرَ نُوراً} [يونس: 5] ففي الضوء دلالة على النور، فهو أخصّ منه، فعدمه يوجب عدم الضوء، بخلاف العكس، والقصد إزالة النور عنهم أصلا، ولذا قال عقبه: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمََاتٍ}.
ومنه: {لَيْسَ بِي ضَلََالَةٌ} [الأعراف: 61] ولم يقل: (ضلال) كما قالوا: {إِنََّا لَنَرََاكَ فِي ضَلََالٍ} [الأعراف: 60] لأنها أعمّ منه فكان أبلغ في نفي الضلال. وعبّر عن هذا: بأنّ نفي الواحد يلزم منه نفي الجنس البتّة، وبأنّ نفي الأدنى يلزم منه نفي الأعلى.
والثاني: كقوله: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمََاوََاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران: 133] ولم يقل:
(طولها) لأنّ العرض أخصّ إذ كلّ ما له عرض فله طول، ولا ينعكس.
ونظير هذه القاعدة: أنّ نفي المبالغة في الفعل لا يستلزم نفي أصل الفعل. وقد
__________
(1) قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} قرأه الكسائي بالتاء ونصب (ربّك) وقرأ الباقون: بالياء، ورفع (ربك)، وأدغم الكسائي اللام من (هل) و (بل) في التاء على أصله. انظر الكشف عن وجوه القراءات 1/ 422 423.(1/136)
أشكل على هذا آيتان: قوله تعالى: {وَمََا رَبُّكَ بِظَلََّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]. قوله: {وَمََا كََانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 46].
وأجيب عن الآية الأولى بأجوبة:
أحدها: أنّ ظلّاما وإن كان للكثرة لكنه جيء به في مقابلة: (العبيد) الذي هو جمع كثرة، ويرشحه أنه تعالى قال: {عَلََّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 109] فقابل صيغة (فعّال) بالجمع. وقال في آية أخرى: {عََالِمَ الْغَيْبِ} [الزمر: 46] فقابل صيغة (فاعل) الدالة على أصل الفعل بالواحد.
الثاني: أنّه نفى الظلم الكثير لينتفي القليل ضرورة لأنّ الذي يظلم إنما لانتفاعه بالظلم، فإذا ترك الكثير مع زيادة نفعه فلأن يترك القليل أولى.
الثالث: أنّه على النسبة، أي: بذي ظلم، حكاه ابن مالك عن المحققين.
الرابع: أنه أتى بمعنى (فاعل) لا كثرة فيه.
الخامس: أنّ أقل القليل لو ورد منه تعالى لكان كثيرا، كما يقال: زلّة العالم كبيرة.
السادس: أنّه أراد: ليس بظالم، ليس بظالم، ليس بظالم تأكيدا للنفي فعبّر عن ذلك ب {لَيْسَ بِظَلََّامٍ}.
السابع: أنّه ورد جوابا لمن قال: (ظلّام). والتكرار إذا ورد جوابا لكلام خاص لم يكن له مفهوم.
الثامن: أنّ صيغة المبالغة وغيرها في صفات الله سواء في الإثبات، فجرى النفي على ذلك.
التاسع: أنه قصد التعريض بأنّ ثم ظلّاما للعبيد من ولاة الجور.
ويجاب عن الثانية بهذه الأجوبة. وبعاشر: وهو مناسبة رءوس الآي.
فائدة
قال صاحب الياقوتة: قال ثعلب والمبرّد: العرب إذا جاءت بين الكلامين بجحدين كان الكلام إخبارا، نحو: {وَمََا جَعَلْنََاهُمْ جَسَداً لََا يَأْكُلُونَ الطَّعََامَ} [الأنبياء: 8] والمعنى:
إنّما جعلناهم جسدا يأكلون الطعام، وإذا كان الجحد في أول الكلام كان جحدا حقيقيّا، نحو: (ما زيد بخارج) وإذا كان في أوّل الكلام جحدان كان أحدهما زائدا، وعليه: {فِيمََا
إِنْ مَكَّنََّاكُمْ فِيهِ} [الأحقاف: 26] في أحد الأقوال.(1/137)
إنّما جعلناهم جسدا يأكلون الطعام، وإذا كان الجحد في أول الكلام كان جحدا حقيقيّا، نحو: (ما زيد بخارج) وإذا كان في أوّل الكلام جحدان كان أحدهما زائدا، وعليه: {فِيمََا
إِنْ مَكَّنََّاكُمْ فِيهِ} [الأحقاف: 26] في أحد الأقوال.
أما الإنشاء
فصل من أقسام الإنشاء الاستفهام
وهو طلب الفهم، وهو بمعنى الاستخبار.
وقيل: الاستخبار ما سبق أولا ولم يفهم حقّ الفهم فإذا سألت عنه ثانيا كان استفهاما. حكاه ابن فارس في فقه اللغة (1).
وأدواته: الهمزة، وهل، وما، ومن، وأيّ، وكم، وكيف، وأين، وأنّى، ومتى، وأيّان ومرّت في الأدوات.
وقال ابن مالك في المصباح: وما عدا الهمزة نائب عنها ولكونه طلب ارتسام صورة ما في الخارج في الذهن، لزم ألّا يكون حقيقة إلّا إذا صدر من شاكّ مصدّق بإمكان الإعلام فإنّ غير الشاكّ إذا استفهم يلزم منه تحصيل الحاصل، وإذا لم يصدّق بإمكان الإعلام انتفت عنه فائدة الاستفهام.
وقال بعض الأئمّة: وما جاء في القرآن على لفظ الاستفهام فإنّما يقع في خطاب الله، على معنى أنّ المخاطب عنده علم ذلك الإثبات أو النفي حاصل.
وقد تستعمل صيغة الاستفهام في غيره مجازا، وألّف في ذلك العلّامة شمس الدين بن الصائغ كتابا سمّاه «روض الأفهام في أقسام الاستفهام». قال فيه: قد توسّعت العرب فأخرجت الاستفهام عن حقيقته لمعان، أو أشربته تلك المعاني، ولا يختص التجوّز في ذلك بالهمزة، خلافا للصفّار:
الأول: الإنكار: والمعنى فيه على النفي وما بعده منفي، ولذلك تصحبه (إلا) كقوله: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفََاسِقُونَ} [الأحقاف: 35]، {وَهَلْ نُجََازِي إِلَّا الْكَفُورَ}
[سبأ: 17]، وعطف على المنفيّ في قوله: {فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللََّهُ وَمََا لَهُمْ مِنْ نََاصِرِينَ}
[الروم: 29] أي: لا يهدي. ومنه: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111]، {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنََا} [المؤمنون: 47] أ: لا نؤمن. {أَمْ لَهُ الْبَنََاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39)} [الطور: 39]، {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى ََ (21)} [النجم: 21] أي: لا يكون هذا. {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ}
[الزخرف: 19] أي: ما شهدوا ذلك.
__________
(1) معجم مقاييس اللغة 2/ 239.(1/138)
وكثيرا ما يصحبه التكذيب، وهو في الماضي بمعنى (لم يكن)، وفي المستقبل بمعنى (لا يكون)، نحو: {أَفَأَصْفََاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ} [الإسراء: 40] أي: لم يفعل ذلك.
{أَنُلْزِمُكُمُوهََا وَأَنْتُمْ لَهََا كََارِهُونَ} [هود: 28]. أي: لا يكون هذا الإلزام.
الثاني: التوبيخ: وجعله بعضهم من قبيل الإنكار، إلّا أنّ الأول إنكار إبطال، وهذا إنكار توبيخ، والمعنى على أنّ ما بعده واقع جدير بأن ينفى، فالنفي هنا غير قصديّ والإثبات قصديّ، عكس ما تقدم، ويعبّر عن ذلك بالتقريع أيضا، نحو: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}
[طه: 93]، {أَتَعْبُدُونَ مََا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95]، {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخََالِقِينَ (125)}
[الصافات: 125].
وأكثر ما يقع التوبيخ في أمر ثابت ووبّخ على فعله كما ذكر، ويقع على ترك فعل كان ينبغي أن يقع، كقوله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مََا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فاطر: 37]، {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللََّهِ وََاسِعَةً فَتُهََاجِرُوا فِيهََا} [النساء: 97].
الثالث: التقرير: وهو حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقرّ عنده.
قال ابن جنّي: ولا يستعمل ذلك بهل، كما يستعمل بغيرها من أدوات الاستفهام. وقال الكنديّ: ذهب كثير من العلماء في قوله: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ}
[الشعراء: 72، 73] إلى أنّ (هل) تشارك الهمزة في معنى التقرير والتوبيخ إلّا أني رأيت أبا عليّ (1) أبى ذلك وهو معذور، لأن ذلك من قبيل الإنكار.
ونقل أبو حيان (2) عن سيبويه: أنّ استفهام التقرير لا يكون بهل، إنما يستعمل فيه الهمزة، ثم نقل عن بعضهم أنّ (هل) تأتي تقريرا، كما في قوله تعالى: {هَلْ فِي ذََلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)} [الفجر: 5].
والكلام مع التقرير موجب، ولذلك يعطف عليه صريح الموجب، ويعطف على صريح الموجب.
فالأول: كقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنََا عَنْكَ وِزْرَكَ (2)}
[الشرح: 1، 2]، {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ََ (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ََ (7)} [الضحى: 6، 7]، {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ} [الفيل: 2، 3].
__________
(1) انظر البرهان 2/ 332.
(2) انظر البحر المحيط 7/ 23.(1/139)
والثاني: نحو {أَكَذَّبْتُمْ بِآيََاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهََا عِلْماً} [النمل: 84] على ما قرّره الجرجانيّ من جعلها مثل: {وَجَحَدُوا بِهََا وَاسْتَيْقَنَتْهََا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا} [النمل: 14].
وحقيقة استفهام التقرير: أنه استفهام إنكار، والإنكار نفي، وقد دخل على النفي، ونفي النفي إثبات. ومن أمثلته: {أَلَيْسَ اللََّهُ بِكََافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36]، {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}
[الأعراف: 172] وجعل منه الزمخشريّ: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106].
الرابع: التعجّب أو التعجيب: نحو: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللََّهِ} [البقرة: 28]، {مََا لِيَ لََا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل: 20].
وقد اجتمع هذا القسم وسابقاه في قوله: {أَتَأْمُرُونَ النََّاسَ بِالْبِرِّ} [البقرة: 44] قال الزمخشريّ (1): الهمزة للتقرير مع التوبيخ والتّعجّب من حالهم.
ويحتمل التعجّب والاستفهام الحقيقي: {مََا وَلََّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ} [البقرة: 142].
الخامس: العتاب: كقوله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللََّهِ}
[الحديد: 16] قال ابن مسعود: ما كان بين إسلامهم وبين أن عوتبوا بهذه الآية إلّا أربع سنين. أخرجه الحاكم (2).
ومن ألطفه ما عاتب الله به خير خلقه بقوله: {عَفَا اللََّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}
[التوبة: 43] ولم يتأدّب الزمخشريّ بأدب الله في هذه الآية على عادته في سوء الأدب (3).
__________
(1) الكشاف 1/ 277.
(2) رواه مسلم (3027)، والنسائي في كتاب التفسير، من سننه الكبرى (588) 2/ 388، وانظر تفسير البغوي 4/ 297.
(3) قال الزمخشري في تفسيره 2/ 192: {عَفَا اللََّهُ عَنْكَ} كناية عن الجناية، لأنّ العفو رادف لها، ومعناه:
أخطأت، وبئس ما فعلت» اهـ.
قال في الإنصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال 2/ 192: «ليس له أي للزمخشري أن يفسّر هذه الآية بهذا التفسير، وهو بين أحد أمرين:
إما أن لا يكون هو المراد.
وإما أن يكون هو المراد.
وقد أجلّ الله نبيّه الكريم عن مخاطبته بصريح العتب، وخصوصا في حق المصطفى عليه الصلاة والسلام، فالزمخشري على كلا التقديرين ذاهل عما يجب من حقه عليه الصلاة والسلام، ولقد أحسن من قال في هذه الآية: إنّ من لطف الله تعالى بنبيه أن بدأه بالعفو قبل العتب، ولو قال له ابتداء: لم أذنت لهم، لتفطّر قلبه عليه الصلاة والسلام، فمثل هذا الأدب يجب احتذاؤه في حق سيد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام» اهـ.(1/140)
السادس: التذكير: وفيه نوع اختصار، كقوله: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يََا بَنِي آدَمَ أَنْ لََا تَعْبُدُوا} [يس: 60]. {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 33]، {هَلْ عَلِمْتُمْ مََا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} [يوسف: 89].
السابع: الافتخار: نحو: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف: 51].
الثامن: التفخيم: نحو: {مََا لِهََذَا الْكِتََابِ لََا يُغََادِرُ صَغِيرَةً وَلََا كَبِيرَةً}
[الكهف: 49].
التاسع: التهويل والتخويف: نحو: {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2)}، {الْقََارِعَةُ (1) مَا الْقََارِعَةُ (2).}
العاشر: عكسه، وهو التسهيل والتخفيف: نحو: {وَمََا ذََا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا}
[النساء: 39].
الحادي عشر: التهديد والوعيد: نحو: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16)} [المرسلات: 16].
الثاني عشر: التكثير: نحو: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنََاهََا} [الأعراف: 4].
الثالث عشر: التسوية: وهو الاستفهام الداخل على جملة يصحّ حلول المصدر محلّها، نحو: {سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة: 6].
الرابع عشر: الأمر: نحو: {أَأَسْلَمْتُمْ} [آل عمران: 20] أي: أسلموا. {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] أي: انتهوا. {أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان: 20] أي: اصبروا.
الخامس عشر: التنبيه: وهو من أقسام الأمر، نحو: {أَلَمْ تَرَ إِلى ََ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} [الفرقان: 45] أي: انظر. {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللََّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج: 63] ذكره صاحب الكشاف (1) عن سيبويه، ولذلك رفع الفعل في جوابه، وجعل منه قوله: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)} [التكوير: 26] للتنبيه على الضلال، وكذا: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرََاهِيمَ إِلََّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130].
السادس عشر: الترغيب: نحو: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللََّهَ قَرْضاً حَسَناً} [البقرة: 245]، {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى ََ تِجََارَةٍ تُنْجِيكُمْ} [الصف: 10].
__________
(1) انظر الكشاف 3/ 21.(1/141)
السابع عشر: النهي: نحو: {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللََّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ} [التوبة: 13] بدليل {فَلََا تَخْشَوُا النََّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44]. {مََا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6] أي: لا تغترّ.
الثامن عشر: الدعاء: وهو كالنهي، إلّا أنّه من الأدنى إلى الأعلى، نحو: {أَتُهْلِكُنََا بِمََا فَعَلَ السُّفَهََاءُ} [الأعراف: 155] أي: لا تهلكنا.
التاسع عشر: الاسترشاد: نحو: {أَتَجْعَلُ فِيهََا مَنْ يُفْسِدُ فِيهََا} [البقرة: 30].
العشرون: التّمنّي: نحو: {فَهَلْ لَنََا مِنْ شُفَعََاءَ} [الأعراف: 53].
الحادي والعشرون: الاستبطاء: نحو: {مَتى ََ نَصْرُ اللََّهِ} [البقرة: 214].
الثاني والعشرون: العرض: نحو: {أَلََا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَكُمْ} [النور: 22].
الثالث والعشرون: التخصيص: نحو: {أَلََا تُقََاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمََانَهُمْ}
[التوبة: 13].
الرابع والعشرون: التجاهل: نحو: {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنََا} [ص: 8].
الخامس والعشرون: التعظيم: نحو: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلََّا بِإِذْنِهِ}
[البقرة: 255].
السادس والعشرون: التحقير: نحو: {أَهََذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ}
[الأنبياء: 36]، {أَهََذَا الَّذِي بَعَثَ اللََّهُ رَسُولًا} [الفرقان: 41] ويحتمله وما قبله قراءة: {مِنْ فِرْعَوْنَ} (1) [الدخان: 31].
السابع والعشرون: الاكتفاء: نحو: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 60].
الثامن والعشرون: الاستبعاد: نحو: {وَأَنََّى لَهُ الذِّكْرى ََ} [الفجر: 23].
التاسع والعشرون: الإيناس: نحو: {وَمََا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يََا مُوسى ََ (17)} [طه: 17].
الثلاثون: التهكّم والاستهزاء: نحو: {أَصَلََاتُكَ تَأْمُرُكَ} [هود: 87]، {أَلََا تَأْكُلُونَ مََا لَكُمْ لََا تَنْطِقُونَ (92)} [الصافات: 91، 92].
__________
(1) قال في البحر المحيط 8/ 37: «وقرأ ابن عباس: «من فرعون» (من) استفهام مبتدأ، و (فرعون) خبره.
لما وصف فرعون بالشدة والفظاعة، قال: من فرعون: على معنى: هل تعرفونه من هو في عتوه وشيطنته» اهـ.(1/142)
الحادي والثلاثون: التأكيد لما سبق من معنى أداة الاستفهام قبله: كقوله: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذََابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النََّارِ (19)} [الزمر: 19] قال الموفّق عبد اللطيف البغداديّ (1): أي: من حق عليه كلمة العذاب فإنك لا تنقذه. فمن للشرط والفاء جواب الشرط، والهمزة في {أَفَأَنْتَ} دخلت معادة مؤكدة لطول الكلام، وهذا نوع من أنواعها.
وقال الزمخشريّ (2): الهمزة الثانية هي الأولى، كرّرت لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد.
الثاني والثلاثون: الإخبار، نحو: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتََابُوا} [النور: 50]، {هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ} [الإنسان: 1].
__________
(1) هو موفق الدين، أبو محمد، عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي الموصلي، ثم البغدادي، الشافعي، ويعرف بابن اللباد. من تصانيفه الكثيرة: المجرد في غريب الحديث، والمقالة في الدواء والغذاء. انظر شذرات الذهب 5/ 132، ومعجم المؤلفين 6/ 15.
(2) الكشاف 3/ 393.(1/143)
تنبيهات
الأول: هل يقال: إن معنى الاستفهام في هذه الأشياء موجود وانضمّ إليه معنى آخر، أو تجرّد عن الاستفهام بالكلّية؟
قال في «عروس الأفراح»: محلّ نظر، قال: والّذي يظهر الأوّل.
قال: ويساعده قول التّنوخيّ في «الأقصى القريب»: إنّ (لعلّ) تكون للاستفهام مع بقاء الترجّي.
قال: وممّا يرجّحه أنّ الاستبطاء في قولك: كم أدعوك؟ معناه: أنّ الدعاء وصل إلى حدّ لا أعلم عدده، فأنا أطلب أن أعلم عدده. والعادة تقتضي بأنّ الشخص إنّما يستفهم عن عدد ما صدر منه إذا كثر فلم يعلمه، وفي طلب فهم عدده ما يشعر بالاستبطاء.
وأمّا التّعجّب: فالاستفهام معه مستمر، فمن تعجّب من شيء فهو بلسان الحال سائل عن سببه، فكأنه يقول: أيّ شيء عرض لي في حال عدم رؤية الهدهد! وقد صرّح في الكشاف ببقاء الاستفهام في هذه الآية (1).
وأمّا التنبيه على الضلال: فالاستفهام فيه حقيقيّ، لأنّ معنى (أين تذهب)؟ أخبرني إلى أيّ مكان تذهب، فإني لا أعرف ذلك؟ وغاية الضلال لا يشعر بها إلى أين تنتهي.
وأمّا التقرير: فإن قلنا: المراد به الحكم بثبوته فو خبر بأنّ المذكور عقيب الأداة واقع، أو طلب إقرار المخاطب به من كون السائل يعلم، فهو استفهام يقرّر المخاطب، أي: يطلب منه أن يكون مقرّا به. وفي كلام الفنّ ما يقتضي الاحتمالين، والثاني أظهر.
وفي «الإيضاح» تصريح به، ولا بدع في صدور الاستفهام ممّن يعلم المستفهم عنه لأنه طلب الفهم: إما طلب فهم المستفهم، أو وقوع فهم لمن لم يفهم كائنا من كان.
وبهذا تنحلّ إشكالات كثيرة في مواضع الاستفهام، ويظهر بالتأمّل بقاء معنى الاستفهام مع كل أمر من الأمور المذكورة. انتهى ملخصا.
__________
(1) الكشاف 3/ 142. تفسير سورة النمل، آية رقم / 20.(1/144)
الثاني: القاعدة أن المنكر يجب أن يلي الهمزة، وأشكل عليها قوله تعالى:
{أَفَأَصْفََاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ} [الإسراء: 40] فإنّ الذي يليها هنا الإصفاء بالبنين وليس هو المنكر، إنما المنكر قولهم: إنّه اتّخذ من الملائكة إناثا.
وأجيب: بأنّ لفظ الإصفاء مشعر بزعم أنّ البنات لغيرهم، أو بأنّ المراد مجموع الجملتين. وينحلّ منهما كلام واحد، والتقدير: أجمع بين الإصفاء بالبنين واتخاذ البنات؟.
وأشكل منه قوله: {أَتَأْمُرُونَ النََّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] ووجه الإشكال:
أنّه لا جائز أن يكون المنكر أمر الناس بالبرّ فقط، كما تقتضيه القاعدة المذكورة، لأن أمر البرّ ليس ممّا ينكر. ولا نسيان النفس فقط لأنه يصير ذكر أمر لناس بالبرّ لا مدخل له.
ولا مجموع الأمرين لأنه يلزم أن تكون العبادة جزء المنكر. ولا نسيان النفس بشرط الأمر لأنّ النسيان منكر مطلقا، ولا يكون نسيان النفس حال الأمر أشد منه حال عدم الأمر لأنّ المعصية لا تزداد بشاعتها بانضمامها إلى الطاعة لأنّ جمهور العلماء على أنّ الأمر بالبرّ واجب، وإن كان الإنسان ناسيا لنفسه. وأمره لغيره بالبر كيف يضاعف بمعصية نسيان ولا يأتي الخير بالشر؟.
قال في «عروس الأفراح»: ويجاب بأنّ فعل المعصية مع النّهي عنها أفحش لأنها تجعل حال الإنسان كالمتناقض، وتجعل القول كالمخالف للفعل، ولذلك كانت المعصية مع العلم أفحش منها مع الجهل. قال: ولكنّ الجواب على أنّ الطاعة الصرفة: كيف تضاعف المعصية المقارنة لها من جنسها؟ فيه دقّة.
فصل [الأمر]
من أقسام الإنشاء الأمر:
وهو: طلب فعل غير كفّ. وصيغته: (افعل) و (ليفعل).
وهي حقيقة في الإيجاب، نحو: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ} [البقرة: 43]، {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}
[النساء: 102].
وترد مجازا لمعان أخر، منها:
الندب: نحو: {وَإِذََا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204].
والإباحة: نحو: {فَكََاتِبُوهُمْ} [النور: 33] نصّ الشافعي على أنّ الأمر فيه
للإباحة (1). ومنه: {وَإِذََا حَلَلْتُمْ فَاصْطََادُوا} [المائدة: 2].(1/145)
والإباحة: نحو: {فَكََاتِبُوهُمْ} [النور: 33] نصّ الشافعي على أنّ الأمر فيه
للإباحة (1). ومنه: {وَإِذََا حَلَلْتُمْ فَاصْطََادُوا} [المائدة: 2].
والدّعاء: من السافل للعالي، نحو: {رَبِّ اغْفِرْ لِي} [الأعراف: 151].
والتهديد: نحو: {اعْمَلُوا مََا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] إذ ليس المراد الأمر بكلّ عمل شاءوا.
والإهانة: نحو: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)} [الدخان: 49].
والتسخير: أي: التذليل، نحو: {كُونُوا قِرَدَةً} [البقرة: 65] عبّر به عن نقلهم من حالة إل حالة إذلالا لهم، فهو أخصّ من الإهانة.
والتعجيز: نحو: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23] إذ ليس المراد طلب ذلك منهم، بل إظهار عجزهم.
والامتنان: نحو: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذََا أَثْمَرَ} [الأنعام: 141].
والعجب: نحو: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثََالَ} [الإسراء: 48].
والتسوية: نحو: {فَاصْبِرُوا أَوْ لََا تَصْبِرُوا} [الطور: 16] والإرشاد: نحو: {وَأَشْهِدُوا إِذََا تَبََايَعْتُمْ} [البقرة: 282].
والاحتقار: نحو: {أَلْقُوا مََا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [يونس: 80].
والإنذار: نحو: {قُلْ تَمَتَّعُوا} [إبراهيم: 30].
والإكرام: نحو: {ادْخُلُوهََا بِسَلََامٍ} [الحجر: 46].
والتكوين: وهو أعمّ من التسخير، نحو: {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117].
والإنعام: أي: تذكير النعمة، نحو: {كُلُوا مِمََّا رَزَقَكُمُ اللََّهُ} [الأنعام: 142].
والتكذيب: نحو: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرََاةِ فَاتْلُوهََا} [آل عمران: 93]، {قُلْ هَلُمَّ شُهَدََاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللََّهَ حَرَّمَ هََذََا} [الأنعام: 150].
والمشورة: نحو: {فَانْظُرْ مََا ذََا تَرى ََ} [الصافات: 102].
__________
(1) قال الإمام الشافعي كما في أحكام القرآن للبيهقي 2/ 170: «وإذا جمع أي: العبد القوة على الاكتساب، والأمانة، فأحب إليّ لسيده أن يكاتبه، ولا تبين لي أن يجبر عليه، لأن الآية محتملة: أن يكون إرشادا، أو إباحة لا حتما، وقد ذهب هذا المذهب عدد ممن لقيت من أهل العلم اهـ. وانظر الأم 7/ 364، وسنن البيهقي 10/ 330319، وشرح الموطأ 4/ 103102.(1/146)
والاعتبار: نحو: {انْظُرُوا إِلى ََ ثَمَرِهِ إِذََا أَثْمَرَ} [الأنعام: 99].
والتعجّب: نحو: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38] ذكره السكاكيّ في استعمال الإنشاء بمعنى الخبر.
فصل [النهي]
ومن أقسامه النهي:
وهو: طلب الكفّ عن فعل. وصيغته: (لا تفعل).
وهي حقيقة في التحريم.
وترد مجازا لمعان، منها:
الكراهة: نحو: {وَلََا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} [الإسراء: 37].
والدعاء: نحو: {رَبَّنََا لََا تُزِغْ قُلُوبَنََا} [آل عمران: 8].
والإرشاد: نحو: {لََا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيََاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].
والتسوية: نحو: {أَوْ لََا تَصْبِرُوا} [الطور: 16].
والاحتقار والتقليل: نحو: {لََا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} الآية [الحجر: 88] أي: فهو قليل حقير.
وبيان العاقبة: نحو: {وَلََا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللََّهِ أَمْوََاتاً بَلْ أَحْيََاءٌ} [آل عمران: 169] أي: عاقبة الجهاد الحياة لا الموت.
واليأس: نحو: {لََا تَعْتَذِرُوا} [التوبة: 66].
والإهانة: نحو: {اخْسَؤُا فِيهََا وَلََا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108].
فصل [التمني]
ومن أقسامه التمني:
وهو: طلب حصول شيء على سبيل المحبة. ولا يشترط إمكان المتمنّى، بخلاف المترجّى، لكن نوزع في تسمية تمنّي المحال طلبا بأنّ: ما لا يتوقّع كيف يطلب؟
قال في «عروس الأفراح»: فالأحسن ما ذكره الإمام وأتباعه من أنّ التمنّي والترجّي والنداء والقسم ليس فيها طلب، بل هو تنبيه، ولا بدع في تسميته إنشاء. انتهى.(1/147)
وهو: طلب حصول شيء على سبيل المحبة. ولا يشترط إمكان المتمنّى، بخلاف المترجّى، لكن نوزع في تسمية تمنّي المحال طلبا بأنّ: ما لا يتوقّع كيف يطلب؟
قال في «عروس الأفراح»: فالأحسن ما ذكره الإمام وأتباعه من أنّ التمنّي والترجّي والنداء والقسم ليس فيها طلب، بل هو تنبيه، ولا بدع في تسميته إنشاء. انتهى.
وقد بالغ قوم فجعلوا التّمنّي من قسم الخبر، وأنّ معناه النّفي، والزمخشري ممن جزم بخلافه. ثم استشكل دخول التكذيب في جوابه في قوله: {يََا لَيْتَنََا نُرَدُّ وَلََا نُكَذِّبَ} إلى قوله:
{وَإِنَّهُمْ لَكََاذِبُونَ} [الأنعام: 27، 28] وأجاب: بتضمنه معنى العدة (1)، فتعلّق به التكذيب (2).
وقال غيره: التّمني لا يصحّ فيه الكذب، وإنما الكذب في المتمنّى الذي يترجّح عند صاحبه وقوعه، فهو إذا على ذلك الاعتقاد الذي هو ظنّ، وهو خبر صحيح.
قال: وليس المعنى في قوله: {وَإِنَّهُمْ لَكََاذِبُونَ} أنّ ما تمنّوا ليس بواقع، لأنّه ورد في معرض الذّمّ لهم، وليس في ذلك المتمنّى ذمّ، بل التكذيب ورد على إخبارهم عن أنفسهم أنّهم لا يكذبون، وأنهم يؤمنون.
وحرف التّمني الموضوع له (ليت)، نحو: {يََا لَيْتَنََا نُرَدُّ} [الأنعام: 27]، {يََا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [يس: 26]، {يََا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} [النساء: 73].
وقد يتمنّى ب (هل) حيث يعلم فقده، نحو: {فَهَلْ لَنََا مِنْ شُفَعََاءَ فَيَشْفَعُوا لَنََا}
[الأعراف: 53]، وب (لو)، نحو: {فَلَوْ أَنَّ لَنََا كَرَّةً فَنَكُونَ} [الشعراء: 102]. ولذا نصب الفعل في جوابها.
وقد يتمنّى ب (لعلّ) في البعيد فتعطى حكم (ليت) في نصب الجواب، نحو: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبََابَ أَسْبََابَ السَّمََاوََاتِ فَأَطَّلِعَ} [غافر: 36، 37].
فصل [الترجي]
ومن أقسامه الترجّي:
نقل القرافي في «الفروق»: الإجماع على أنه إنشاء، وفرّق بينه وبين التمني بأنّه في الممكن، والتمنّي فيه وفي المستحيل، وبأنّ الترجّي في القريب والتمنّي في البعيد. وبأن الترجّي في المتوقّع والتّمنّي في غيره. وبأن التمنّي في المشقوق للنفس والترجّي في غيره.
__________
(1) من الوعد.
(2) انظر الكشاف 2/ 1312.(1/148)
وسمعت شيخنا العلامة الكافيجي (1) يقول: الفرق بين التمنّي وبين العرض هو الفرق بينه وبين الترجّي.
وحرف الترجّي لعلّ وعسى. وقد ترد مجازا لتوقّع محذور، ويسمّى الإشفاق، نحو:
{لَعَلَّ السََّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى: 17].
فصل [النداء]
ومن أقسامه النداء:
وهو: طلب إقبال المدعوّ على الداعي بحرف نائب مناب (أدعو).
ويصحب في الأكثر الأمر والنهي، والغالب تقدّمه، نحو: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21]، {يََا عِبََادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: 16]، {يََا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 1، 2]، {وَيََا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} [هود: 52]، {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تُقَدِّمُوا} [الحجرات: 1]، وقد يتأخّر، نحو: {وَتُوبُوا إِلَى اللََّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [النور: 31].
وقد يصحب الجملة الخبرية: فتعقبها جملة الأمر، نحو: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الحج: 73]، {وَيََا قَوْمِ هََذِهِ نََاقَةُ اللََّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهََا} [هود: 64]، وقد لا تعقبها، نحو: {يََا عِبََادِ لََا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [الزخرف: 68]، {يََا أَيُّهَا النََّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرََاءُ إِلَى اللََّهِ} [فاطر: 15]، {يََا أَبَتِ هََذََا تَأْوِيلُ رُءْيََايَ} [يوسف: 100].
وقد تصحبه الاستفهامية، نحو: {يََا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مََا لََا يَسْمَعُ وَلََا يُبْصِرُ} [مريم: 42]، {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} [التحريم: 1]، {وَيََا قَوْمِ مََا لِي أَدْعُوكُمْ} [غافر: 41].
وقد ترد صورة النداء لغيره مجازا:
كالإغراء والتحذير: وقد اجتمعا في قوله تعالى: {نََاقَةَ اللََّهِ وَسُقْيََاهََا} [الشمس: 13].
والاختصاص: كقوله: {رَحْمَتُ اللََّهِ وَبَرَكََاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73].
والتنبيه: كقوله: ألا يا اسجدوا (2) [النمل: 25].
والتعجّب: كقوله: {يََا حَسْرَةً عَلَى الْعِبََادِ} [يس: 30].
والتحسّر: كقوله: {يََا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرََاباً} [النبأ: 40].
__________
(1) صاحب كتاب «التيسير في قواعد علم التفسير». وانظر الفرق بينهما في البرهان 2/ 323.
(2) قرأ الكسائي بتخفيف (ألا) في قوله: {أَلََّا يَسْجُدُوا}. وحجته أنه جعل (ألا) استفتاحا للكلام، فالوقف على ما قبل (ألا) في هذه القراءة حسن، وجعل ما بعد (ألا) منادى قد حذف، وبقيت (يا) تدل عليه، وذلك جائز في لغة العرب. انظر الكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي 2/ 158156.(1/149)
قاعدة أصل النداء ب (يا) أن تكون للبعيد، حقيقة أو حكما،
وقد ينادى بها القريب لنكت:
منها: إظهار الحرص في وقوعه على إقبال المدعوّ، نحو: {يََا مُوسى ََ أَقْبِلْ}
[القصص: 41].
ومنها: كون الخطاب المتلوّ معتنى به، نحو: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}
[البقرة: 21].
ومنها: قصد تعظيم شأن المدعوّ، نحو: {يََا رَبِّ}، وقد قال تعالى: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186].
ومنها: قصد انحطاطه، كقول فرعون: {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يََا مُوسى ََ مَسْحُوراً}
[الإسراء: 101].
فائدة
قال الزمخشريّ وغيره: كثر في القرآن النداء ب (يا أيها) دون غيره لأن فيه أوجها من التأكيد، وأسبابا من المبالغة:
منها: ما في (يا) من التأكيد والتنبيه، وما في (ها) من التنبيه، وما في التدرّج من الإبهام في (أيّ) إلى التوضيح، والمقام يناسب المبالغة والتأكيد، لأن كلّ ما نادى له عباده من أوامره ونواهيه، وعظاته وزواجره، ووعده ووعيده، ومن اقتصاص أخبار الأمم الماضية وغير ذلك، وممّا أنطق الله به كتابه أمور عظام، وخطوب جسام، ومعان واجب عليهم أن يتيقظوا لها، ويميلوا بقلوبهم وبصائرهم إليها وهم غافلون، فاقتضى الحال أن ينادوا بالآكد الأبلغ.
فصل [القسم]
ومن أقسامه القسم:
نقل القرافي الإجماع على أنه إنشاء. وفائدته: تأكيد الجملة الخبرية وتحقيقها عند السامع. وسيأتي بسط الكلام فيه في النوع السابع والستين.
فصل [الشرط]
من أقسامه: الشرط (1).
__________
(1) انظر البرهان 2/ 349.(1/150)
النوع الثامن والخمسون في بدائع القرآن (1)
أفرده بالتصنيف ابن أبي الإصبع، فأورد فيه نحو مائة نوع، وهي: المجاز، والاستعارة، والتشبيه، والكناية، والإرداف، والتمثيل، والإيجاز والاتساع، والإشارة، والمساواة، والبسط، والإيغال، والتتميم، والتّكميل والاحتراس، والاستقصاء، والتذييل، والزيادة، والترديد، والتكرار، والتفسير، والإيضاح، ونفي الشيء بإيجابه، والمذهب الكلامي، والقول بالموجب، والمناقضة، والانتقال، والإسجال، والتسليم، والتمكين، والتوشيح، والتّسهيم، وردّ العجز على الصدر، وتشابه الأطراف، ولزوم ما لا يلزم، والتخيير، والتسجيع، والتسريع، والإيهام: وهو التورية، والاستخدام، والالتفات، والاطراد، والانسجام، والإدماج، والافتنان، والاقتدار، وائتلاف اللفظ مع اللفظ، وائتلاف اللفظ مع المعنى، والاستدراك، والاستثناء، وتأكيد المدح بما يشبه الذم، والتخويف والتغاير، والتقسيم، والتدبيج، والتنكيت، والتضمين، والجناس، وجمع المؤتلف والمختلف، وحسن النّسق، وعتاب المرء نفسه، والعكس، والعنوان، والفرائد، والقسم، والمبالغة، والمطابقة، والمقابلة، والمواربة، والمراجعة، والنّزاهة، والإبداع، والمقارنة، وحسن الابتداء، وحسن الختام، وحسن التّخلّص، والاستطراد.
فأمّا المجاز وما بعده إلى الإيضاح: فقد تقدّم بعضها في أنواع مفردة، وبعضها في نوع الإيجاز والإطناب مع أنواع أخر، كالتعريض والاحتباك، والاكتفاء، والطّرد، والعكس.
وأما نفي الشيء بإيجابه: فقد تقدّم في النوع الذي قبل هذا.
وأما المذهب الكلاميّ والخمسة بعده، فستأتي في نوع الجدل مع أنواع أخر مزيدة.
وأما التّمكين والثمانية بعده: فستأتي في أنواع الفواصل.
وأمّا حسن التخلص والاستطراد: فسيأتيان في نوع المناسبات.
__________
(1) انظر نهاية الإيجاز ص 297277.(1/151)
وأما حسن الابتداء وبراعة الختام: فسيأتيان في نوعي الفواتح والخواتم.
وها أنا أورد الباقي مع زوائد ونفائس لا توجد مجموعة في غير هذا الكتاب.
الإيهام
(1)
الإيهام: ويدعى التورية: أن يذكر لفظ له معنيان إمّا بالاشتراك، أو التواطؤ، أو الحقيقة والمجاز أحدهما قريب والآخر بعيد، ويقصد البعيد، ويورى عنه بالقريب، فيتوهّمه السامع من أول وهلة.
قال الزمخشري: لا ترى بابا في البيان أدقّ ولا ألطف من التورية، ولا أنفع ولا أعون على تعاطي تأويل المتشابهات في كلام الله ورسوله. قال: ومن أمثلتها: {الرَّحْمََنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ََ (5)} [طه: 5] فإنّ الاستواء على معنيين: الاستقرار في المكان، وهو المعنى القريب المورّى به، الذي هو غير مقصود، لتنزيهه تعالى عنه. والثّاني: الاستيلاء والملك، وهو المعنى البعيد المقصود، الذي ورّى عنه بالقريب المذكور (2) انتهى.
وهذه التورية تسمى مجرّدة لأنها لم يذكر فيها شيء من لوازم المورّى به ولا المورّى عنه.
ومنها: ما تسمّى مرشّحة، وهي التي ذكر فيها شيء من لوازم هذا أو هذا. كقوله تعالى: {وَالسَّمََاءَ بَنَيْنََاهََا بِأَيْدٍ} [الذاريات: 47] فإنّه يحتمل الجارحة وهو المورّى به، وقد ذكر من لوازمه على جهة الترشيح البنيان، ويحتمل القوّة والقدرة، وهو البعيد المقصود.
قال ابن أبي الإصبع في كتابه «الإعجاز» ومنها: {قََالُوا تَاللََّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلََالِكَ الْقَدِيمِ (95)} [يوسف: 95] فالضّلال يحتمل: الحبّ، وضدّ الهدى. فاستعمل أولاد يعقوب ضدّ الهدى تورية عن الحبّ.
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} [يونس: 92] على تفسيره بالدّرع فإنّ البدن يطلق عليه وعلى الجسد، والمراد البعيد وهو الجسد.
قال: ومن ذلك قوله بعد ذكر أهل الكتاب من اليهود والنصارى حيث قال:
__________
(1) انظر نهاية الإيجاز للرازي ص 291.
(2) استواء الرب على عرشه عقيدة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين وأئمة السلف. ولا يجوز تأويل ذلك بالاستيلاء والقهر والملك، وقد ردّ الحافظ ابن قيم الجوزية ذلك من وجوه عديدة. انظرها في مختصر الصواعق. وقد ألف العلماء في إثبات هذه الصفة المؤلفات. منها «العلو» للإمام الذهبي، و «إثبات صفة العلو» لابن قدامة المقدسي، واجتماع الجيوش الإسلامية لابن قيم الجوزية.(1/152)
{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ بِكُلِّ آيَةٍ مََا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمََا أَنْتَ بِتََابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} [البقرة: 145] ولما كان الخطاب لموسى من الجانب الغربيّ وتوجّهت إليه اليهود، وتوجهت النصارى إلى المشرق، كانت قبلة الإسلام وسطا بين القبلتين، قال تعالى: {وَكَذََلِكَ جَعَلْنََاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}
[البقرة: 143] أي: خيارا، وظاهر اللفظ يوهم التوسّط، مع ما يعضده من توسّط قبلة المسلمين، صدق على لفظة (وسط) هاهنا أن يسمّي تعالى به لاحتمالها المعنيين. ولمّا كان المراد أبعدها وهو الخيار، صلحت أن تكون من أمثلة التورية.
قلت: وهي مرشحة بلازم المورّى عنه، وهو قوله: {لِتَكُونُوا شُهَدََاءَ عَلَى النََّاسِ}
[البقرة: 143] فإنّه من لوازم كونهم خيارا، أي: عدولا، و (الإتيان) قبلها من قسم المجرّدة.
ومن ذلك قوله: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدََانِ (6)} [الرحمن: 6] فإنّ النّجم يطلق على الكوكب، ويرشّحه له ذكر الشمس والقمر. وعلى ما لا ساق له من النبات، وهو المعنى البعيد له، وهو المقصود في الآية.
ونقلت من خط شيخ الإسلام ابن حجر: أنّ من التورية في القرآن قوله تعالى: {وَمََا أَرْسَلْنََاكَ إِلََّا كَافَّةً لِلنََّاسِ} [سبأ: 28] فإنّ {كَافَّةً} بمعنى (مانع) أي: تكفّهم عن الكفر والمعصية، والهاء للمبالغة، وهذا معنى بعيد. والمعنى القريب المتبادر أنّ المراد جامعة بمعنى (جميعا)، لكن منع من حمله على ذلك أنّ التأكيد يتراخى عن المؤكّد، فكما لا تقول: رأيت جميعا الناس، لا تقول رأيت كافة الناس.
الاستخدام: هو والتورية أشرف أنواع البديع، وهما سيّان، بل فضّله بعضهم عليها.
ولهم فيه عبارتان:
إحداهما: أن يؤتى بلفظ له معنيان فأكثر مرادا أحد معانيه، ثم يؤتى بضميره مرادا به المعنى الآخر. وهذه طريق السكاكيّ وأتباعه.
والأخرى: أن يؤتى بلفظ مشترك، ثم بلفظين، يفهم من أحدهما أحد المعنيين ومن الآخر الآخر. وهذه طريقة بدر الدين بن مالك في المصباح. ومشى عليها ابن أبي الإصبع، ومثل له بقوله تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتََابٌ} [الرعد: 38] الآية، فلفظ {كِتََابٌ}
يحتمل الأمد المحتوم، والكتاب المكتوب، فلفظ {أَجَلٍ} يخدم المعنى الأول، و {يَمْحُوا} يخدم الثاني.
ومثّل غيره بقوله تعالى: {لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} [النساء: 43] فالصلاة
تحتمل أن يراد بها فعلها وموضعها، وقوله: {حَتََّى تَعْلَمُوا مََا تَقُولُونَ} [النساء: 43] يخدم الأول {إِلََّا عََابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] يخدم الثاني.(1/153)
ومثّل غيره بقوله تعالى: {لََا تَقْرَبُوا الصَّلََاةَ وَأَنْتُمْ سُكََارى ََ} [النساء: 43] فالصلاة
تحتمل أن يراد بها فعلها وموضعها، وقوله: {حَتََّى تَعْلَمُوا مََا تَقُولُونَ} [النساء: 43] يخدم الأول {إِلََّا عََابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] يخدم الثاني.
قيل: ولم يقع في القرآن على طريقة السكاكي.
قلت: وقد استخرجت بفكري آيات على طريقته، منها قوله تعالى: {أَتى ََ أَمْرُ اللََّهِ}
[النحل: 1] فأمر الله يراد به: قيام الساعة، والعذاب، بعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم. وقد أريد بلفظه الأخير، كما أخرج ابن مردويه من طريق الضحّاك، عن ابن عباس، في قوله تعالى: {أَتى ََ أَمْرُ اللََّهِ}. قال: محمد، وأعيد الضمير عليه في {تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1] مرادا به قيام الساعة والعذاب.
ومنها وهي أظهرها قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ مِنْ سُلََالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)}
[المؤمنون: 12] فإنّ المراد به آدم، ثم أعاد عليه الضمير مرادا به ولده فقال: {ثُمَّ جَعَلْنََاهُ نُطْفَةً فِي قَرََارٍ مَكِينٍ (13)} [المؤمنون: 13].
ومنها: قوله تعالى: {لََا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيََاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]، ثم قال: {قَدْ سَأَلَهََا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 102]. أي: أشياء أخر لأنّ الأولين لم يسألوا عن الأشياء التي سأل عنها الصحابة فنهوا عن سؤالها.(1/154)
ومنها: قوله تعالى: {لََا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيََاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]، ثم قال: {قَدْ سَأَلَهََا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 102]. أي: أشياء أخر لأنّ الأولين لم يسألوا عن الأشياء التي سأل عنها الصحابة فنهوا عن سؤالها.
[الالتفات (1)]
الالتفات: نقل الكلام من أسلوب إلى آخر، أعني: من التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى آخر منها، بعد التعبير بالأول. وهذا هو المشهور. وقال السكاكيّ: إمّا ذلك، أو التعبير بأحدهما فيما حقه التعبير بغيره.
وله فوائد:
منها: تطرية الكلام، وصيانة السمع عن الضّجر والملال، لما جبلت عليه النفوس من حبّ التنقلات، والسآمة من الاستمرار على منوال واحد، وهذه فائدته العامة.
ويختص كلّ موضع بنكت ولطائف باختلاف محلّه، كما سنبينه.
مثاله: من التكلم إلى الخطاب: ووجهه حثّ السامع وبعثه على الاستماع حيث أقبل المتكلم عليه، وأعطاه فضل عناية تخصيص بالمواجهة قوله تعالى: {وَمََا لِيَ لََا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)} [يس: 22]. والأصل: (وإليه أرجع) فالتفت من التكلم إلى الخطاب. ونكتته: أنه أخرج الكلام في معرض مناصحته لنفسه وهو يريد نصح قومه، تلطفا وإعلاما أنه يريد لهم ما يريد لنفسه، ثم التفت إليهم لكونه في مقام تخويفهم ودعوتهم إلى الله تعالى.
كذا جعلوا هذه الآية من الالتفات، وفيه نظر لأنه إنما يكون منه إذا قصد الإخبار عن نفسه في كلتا الجملتين، وهنا ليس كذلك، لجواز أن يريد بقوله: {تُرْجَعُونَ}
المخاطبين لا نفسه.
وأجيب: بأنّه لو كان المراد ذلك لما صحّ الاستفهام الإنكاري، لأنّ رجوع العبد إلى
__________
(1) إثبات صفة اليد لله تعالى صفة ثابتة بالكتاب والسنة، ولا يقال: إن أثبتنا اليد لله فهي جارحة، والجارحة منزه عنها الله. لأنا نقول: يد الله ليست جارحة، وليست كيدنا بل يده وحياته وعلمه كل صفاته هي صفات كمال وجلال تليق بكماله وجلاله، وصفاتنا صفات نقص وعجز تليق بنقصنا وعجزنا. انظر الصفات لعبد الغني المقدسي ص 8584. بتحقيقي.
(2) انظر البرهان 3/ 314، والإكسير ص 153140.(1/155)
مولاه ليس بمستلزم أن يعيده غير ذلك الراجع. فالمعنى: كيف لا أعبد من إليه رجوعي، وإنّما عدل عن (وإليه أرجع) إلى {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} لأنه داخل فيهم، ومع ذلك أفاد فائدة حسنة، وهي: تنبيههم على أنه مثلهم في وجوب عبادة من إليه الرجوع (1).
ومن أمثلته أيضا قوله تعالى: {وَأُمِرْنََا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعََالَمِينَ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلََاةَ}
[الأنعام: 71، 72].
ومثاله: من التكلم إلى الغيبة: ووجهه أن يفهم السامع أنّ هذا نمط المتكلم وقصده من السامع حضر أو غاب، وأنه ليس في كلامه ممن يتلوّن ويتوجّه، ويبدي في الغيبة خلاف ما يبديه في الحضور قوله تعالى: {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ}
[الفتح: 1، 2] والأصل (لنغفر لك). {إِنََّا أَعْطَيْنََاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ} [الكوثر: 1، 2] والأصل: (لنا). {أَمْراً مِنْ عِنْدِنََا إِنََّا كُنََّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الدخان: 158] والأصل: (منّا). {إِنِّي رَسُولُ اللََّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} [الأعراف: 158] إلى قوله: {فَآمِنُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ} [الأعراف: 158] والأصل: (وبي)، وعدل عنه لنكتتين (2): إحداهما: دفع التهمة عن نفسه بالعصبيّة لها، والأخرى: تنبيههم على استحقاقه الاتّباع بما اتصف به من الصفات المذكورة والخصائص المتلوّة.
ومثاله: من الخطاب إلى التكلّم: لم يقع في القرآن، ومثّل له بعضهم بقوله: {فَاقْضِ مََا أَنْتَ قََاضٍ} [طه: 72]، ثم قال: {إِنََّا آمَنََّا بِرَبِّنََا} [طه: 73] وهذا المثال لا يصحّ، لأنّ شرط الالتفات أن يكون المراد به واحدا (3).
ومثاله من الخطاب إلى الغيبة: {حَتََّى إِذََا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] والأصل: (بكم). ونكتة العدول عن خطابهم إلى حكاية حالهم لغيرهم: التعجّب من كفرهم وفعلهم، إذ لو استمرّ على خطابهم لفاتت تلك الفائدة (4).
وقيل: لأنّ الخطاب أوّلا كان مع الناس مؤمنهم وكافرهم، بدليل: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22]. فلو كان (وجرين بكم) للزم الذمّ للجميع، فالتفت عن الأول
__________
(1) انظر البرهان 3/ 316315، والإكسير ص 144.
(2) انظر الإكسير في علم التفسير ص 142.
(3) انظر البرهان 3/ 317.
(4) قال في الإكسير ص 142: «وفائدة ذلك العدول عن خطابهم إلى حكاية حالهم لغيرهم، لتعجبهم من فعلهم وكفرهم، إذ لو استمر على خطابهم لفاتت تلك الفائدة، إذ الإنسان يحب نفسه، لا ينكر عليها ولا يستعظم منها العظائم، بل من غيره» اهـ.(1/156)
للإشارة إلى اختصاصه بهؤلاء الذين شأنهم ما ذكره عنهم في آخر الآية، عدولا من الخطاب العام إلى الخاص.
قلت: ورأيت عن بعض السلف في توجيهه عكس ذلك وهو: أنّ الخطاب أوّله خاصّ وآخره عام. فأخرج ابن أبي حاتم، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، أنه قال في قوله: {حَتََّى إِذََا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] قال: ذكر الحديث عنهم، ثم حدّث عن غيرهم، ولم يقل: (وجرين بكم) لأنه قصد أن يجمعهم وغيرهم، وجرين بهؤلاء وغيرهم من الخلق. هذه عبارته فلله درّ السلف ما كان أوقفهم على المعاني اللطيفة التي يدأب المتأخّرون فيها زمانا طويلا، ويفنون فيها أعمارهم، ثم غايتهم أن يحوموا حول الحمى.
وممّا ذكر في توجيهه أيضا: أنهم وقت الركوب حضروا، لأنهم خافوا الهلاك وغلبة الرياح، فخاطبهم خطاب الحاضرين. ثم لما جرت الرياح بما تشتهي السّفن، وأمنوا الهلاك، لم يبق حضورهم كما كان، على عادة الإنسان أنّه إذا أمن غاب قلبه عن ربه، فلما غابوا ذكّرهم الله بصيغة الغيبة. وهذه إشارة صوفية (1).
ومن أمثلته أيضا: {وَمََا آتَيْتُمْ مِنْ زَكََاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللََّهِ فَأُولََئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}
[الروم: 39]، {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيََانَ أُولََئِكَ هُمُ الرََّاشِدُونَ} [الحجرات: 7]، {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوََاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطََافُ عَلَيْهِمْ}، والأصل: (عليكم). ثم قال:
{وَأَنْتُمْ فِيهََا خََالِدُونَ} [الزخرف: 70، 71] فكرّر الالتفات (2).
ومثاله من الغيبة إلى التكلم: {وَاللََّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيََاحَ فَتُثِيرُ سَحََاباً فَسُقْنََاهُ} [فاطر: 9]، {وَأَوْحى ََ فِي كُلِّ سَمََاءٍ أَمْرَهََا وَزَيَّنَّا} [فصلت: 12]، {سُبْحََانَ الَّذِي أَسْرى ََ بِعَبْدِهِ} إلى قوله:
{بََارَكْنََا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيََاتِنََا}. ثم التفت ثانيا إلى الغيبة، فقال: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
[الإسراء: 1].
وعلى قراءة الحسن (ليريه) (3) بالغيبة يكون التفاتا ثانيا من {بََارَكْنََا} وفي {آيََاتِنََا}
التفات ثالث، وفي {إِنَّهُ} التفات رابع.
__________
(1) انظر البرهان 2/ 318.
(2) انظر البرهان 3/ 319318.
(3) انظر الرياحين العطرة شرح الفوائد المعتبرة في القراءات الشاذة ص 98، والبحر المحيط 6/ 76.(1/157)
قال الزمخشريّ (1): وفائدته في هذه الآيات وأمثالها التنبيه على التخصيص بالقدرة، وأنه لا يدخل تحت قدرة أحد.
ومثاله من الغيبة إلى الخطاب: {وَقََالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمََنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (89)}
[مريم: 88، 89]. {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنََا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنََّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مََا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ}
[الأنعام: 6]. {وَسَقََاهُمْ رَبُّهُمْ شَرََاباً طَهُوراً إِنَّ هََذََا كََانَ لَكُمْ جَزََاءً} [الإنسان: 21، 22]، {إِنْ أَرََادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهََا خََالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50].
ومن محاسنه ما وقع في سورة الفاتحة: فإنّ العبد إذا ذكر الله تعالى وحده، ثم ذكر صفاته التي كل صفة منها تبعث على شدة الإقبال، وآخرها: {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}
المفيد أنه مالك الأمر كله في يوم الجزاء، يجد من نفسه حاملا لا يقدر على دفعه على خطاب من هذا صفاته: بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات.
وقيل: إنما اختير لفظ الغيبة للحمد، وللعبادة الخطاب، للإشارة إلى أنّ الحمد دون العبادة في الرتبة لأنك تحمد نظيرك ولا تعبده، فاستعمل لفظ (الحمد) مع الغيبة، ولفظ (العبادة) مع الخطاب، لينسب إلى العظيم حال المخاطبة والمواجهة ما هو أعلى رتبة، وذلك على طريقة التأدّب.
وعلى نحو من ذلك جاء آخر السورة فقال: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} مصرّحا بذكر المنعم وإسناد الإنعام إليه لفظا، ولم يقل: (صراط المنعم عليهم) فلمّا صار إلى ذكر الغضب زوى عنه لفظه، فلم ينسبه إليه لفظا، وجاء باللفظ منحرفا عن ذكر الغاضب، فلم يقل: (غير الذين غضبت عليهم) تفاديا عن نسبة الغضب إليه في اللّفظ حال المواجهة.
وقيل: لأنه لمّا ذكر الحقيق بالحمد، وأجرى عليه الصفات العظيمة من كونه ربا للعالمين ورحمانا ورحيما ومالكا ليوم الدين تعلّق العلم بمعلوم عظيم الشأن، حقيق بأن يكون معبودا دون غيره، مستعانا به، فخوطب بذلك لتميّزه بالصفات المذكورة تعظيما لشأنه حتى كأنه قيل: إيّاك يا من هذه صفاته نخصّ بالعبادة والاستعانة، لا غيرك.
قيل: ومن لطائفه التنبيه على أنّ مبتدأ الخلق الغيبة منهم عنه سبحانه وتعالى، وقصورهم عن محاضرته ومخاطبته، وقيام حجاب العظمة عليهم فإذا عرفوه بما هو له، وتوسّلوا للقرب بالثناء عليه، وأقرّوا بالمحامد له وتعبّدوا له بما يليق بهم، تأهّلوا لمخاطباته
__________
(1) الكشاف 2/ 437و 3/ 53.(1/158)
ومناجاته فقالوا: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} (1).
تنبيهات
الأول: شرط الالتفات أن يكون الضمير في المنتقل إليه عائدا في نفس الأمر إلى المنتقل عنه، وإلّا يلزم عليه أن يكون في: (أنت صديقي) التفات.
الثاني: شرطه أيضا أن يكون في جملتين صرّح به صاحب الكشاف وغيره، وإلّا يلزم عليه أن يكون نوعا غريبا (2).
الثالث: ذكر التّنوخيّ في «الأقصى القريب» وابن الأثير وغيرهما: نوعا غريبا من الالتفات، وهو بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله أو تكلمه، كقوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} بعد {أَنْعَمْتَ}. فإنّ المعنى: (غير الذين غضبت عليهم) وتوقّف فيه صاحب «عروس الأفراح» (3).
الرابع: قال ابن أبي الإصبع: جاء في القرآن من الالتفات قسم غريب جدا، لم أظفر في الشعر بمثاله، وهو: أن يقدّم المتكلم في كلامه مذكورين مرتبين، ثم يخبر عن الأول منهما، وينصرف عن الإخبار عنه إلى الإخبار عن الثاني، ثم يعود إلى الإخبار عن الأول، كقوله: {إِنَّ الْإِنْسََانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلى ََ ذََلِكَ لَشَهِيدٌ (7)} [العاديات: 6، 7] انصرف عن الإخبار عن الإنسان إلى الإخبار عن ربه تعالى، ثم قال منصرفا عن الإخبار عن ربه تعالى إلى الإخبار عن الإنسان: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)} [العاديات: 8] قال: وهذا يحسن أن يسمّى التفات الضمائر.
الخامس: يقرب من الالتفات نقل الكلام من خطاب الواحد أو الاثنين أو الجمع لخطاب الآخر، ذكره التنوخيّ وابن الأثير. وهو ستّة أقسام أيضا (4):
مثاله من الواحد إلى الاثنين: {قََالُوا أَجِئْتَنََا لِتَلْفِتَنََا عَمََّا وَجَدْنََا عَلَيْهِ آبََاءَنََا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيََاءُ فِي الْأَرْضِ} [يونس: 78].
وإلى الجمع {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذََا طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ} [الطلاق: 1].
__________
(1) انظر تفصيل أقوال العلماء في هذا الالتفات في «تفسير سورة الفاتحة» بقلم العبد الفقير إلى مولاه، كاتب هذه التعليقات، والبرهان 3/ 328326.
(2) انظر البرهان 3/ 331.
(3) انظر البرهان 3/ 325.
(4) انظر البرهان 3/ 337334.(1/159)
ومن الاثنين إلى الواحد: {فَمَنْ رَبُّكُمََا يََا مُوسى ََ} [طه: 49]. {فَلََا يُخْرِجَنَّكُمََا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى ََ} [طه: 117].
وإلى الجمع: {وَأَوْحَيْنََا إِلى ََ مُوسى ََ وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءََا لِقَوْمِكُمََا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87].
ومن الجمع إلى الواحد: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 87].
وإلى الاثنين: {يََا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ} إلى قوله {فَبِأَيِّ آلََاءِ رَبِّكُمََا تُكَذِّبََانِ (13)} [الرحمن: 33، 34].
السادس: ويقرب منه أيضا الانتقال من الماضي أو المضارع أو الأمر إلى آخر (1).
مثاله من الماضي إلى المضارع: {أَرْسَلَ الرِّيََاحَ فَتُثِيرُ} [فاطر: 9]، {خَرَّ مِنَ السَّمََاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} [الحج: 31]، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ} [الحج: 25].
وإلى الأمر: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ} [الأعراف: 2]. {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعََامُ إِلََّا مََا يُتْلى ََ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا} [الحج: 30].
ومن المضارع إلى الماضي: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ} [النمل: 87]. {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبََالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بََارِزَةً وَحَشَرْنََاهُمْ} [الكهف: 47].
وإلى الأمر: {قََالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللََّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ} [هود: 54].
ومن الأمر إلى الماضي {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقََامِ إِبْرََاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنََا} [البقرة: 125].
وإلى المضارع: {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72)}
[الأنعام: 72].
[الإطراد]
الإطراد: هو أن يذكر المتكلّم أسماء آباء الممدوح مرتّبة على حكم ترتيبها في الولادة.
قال ابن أبي الإصبع: ومنه في القرآن قوله تعالى حكاية عن يوسف: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبََائِي إِبْرََاهِيمَ وَإِسْحََاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38] قال: وإنّما لم يأت به على الترتيب
__________
(1) انظر الإكسير ص 148145.(1/160)
المألوف فإنّ العادة الابتداء بالأب ثم الجد ثم الجدّ الأعلى، لأنه لم يرد هنا مجرّد ذكر الآباء، وإنّما ذكرهم ليذكر ملّتهم الّتي اتّبعها، فبدأ بصاحب الملّة، ثم بمن أخذها عنه، أولا فأولا على الترتيب.
ومثله قول أولاد يعقوب: {نَعْبُدُ إِلََهَكَ وَإِلََهَ آبََائِكَ إِبْرََاهِيمَ وَإِسْمََاعِيلَ وَإِسْحََاقَ}
[البقرة: 133].
[الانسجام]
الانسجام: هو أن يكون الكلام لخلوّه من العقادة منحدرا كتحدّر الماء المنسجم.
ويكاد لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه أن يسيل رقّة. والقرآن كلّه كذلك.
قال أهل البديع: وإذا قوي الانسجام في النثر جاءت قراءته موزونة بلا قصد، لقوّة انسجامه. ومن ذلك ما وقع في القرآن موزونا:
فمنه من بحر الطويل: {فَمَنْ شََاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شََاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29].
ومن المديد: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنََا} [هود: 37].
ومن البسيط: {فَأَصْبَحُوا لََا يُرى ََ إِلََّا مَسََاكِنُهُمْ} [الأحقاف: 25].
ومن الوافر: {وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14].
ومن الكامل: {وَاللََّهُ يَهْدِي مَنْ يَشََاءُ إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213].
ومن الهزج: {فَأَلْقُوهُ عَلى ََ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً} [يوسف: 93].
ومن الرجز: {وَدََانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلََالُهََا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهََا تَذْلِيلًا (14)} [الإنسان: 14].
ومن الرمل: {وَجِفََانٍ كَالْجَوََابِ وَقُدُورٍ رََاسِيََاتٍ} [سبأ: 13].
ومن السريع: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى ََ قَرْيَةٍ} [البقرة: 259].
ومن المنسرح: {إِنََّا خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ مِنْ نُطْفَةٍ} [الإنسان: 2].
ومن الخفيف: {لََا يَكََادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} [النساء: 78].
ومن المضارع: {يَوْمَ التَّنََادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} [غافر: 32، 33].
ومن المقتضب: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: 10].
ومن المجتث: {نَبِّئْ عِبََادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)} [الحجر: 49].
ومن المتقارب: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)} [الأعراف: 183].(1/161)
ومن المجتث: {نَبِّئْ عِبََادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)} [الحجر: 49].
ومن المتقارب: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)} [الأعراف: 183].
[الإدماج]
الإدماج: قال ابن أبي الإصبع: هو أن يدمج المتكلم غرضا في غرض، أو بديعا في بديع، بحيث لا يظهر في الكلام إلّا أحد الغرضين أو أحد البديعين. كقوله تعالى: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى ََ وَالْآخِرَةِ} [القصص: 70] أدمجت المبالغة في المطابقة، لأنّ انفراده تعالى بالحمد في الآخرة وهي الوقت الذي لا يحمد فيه سواه مبالغة في الوصف بالانفراد بالحمد، وهو وإن خرج مخرج المبالغة في الظاهر فالأمر فيه حقيقة في الباطن، فإنه رب الحمد، والمنفرد به في الدارين. انتهى.
قلت: والأولى أن يقال في هذه الآية: إنّها من إدماج غرض في غرض، فإنّ الغرض منها تفرّده تعالى بوصف الحمد، وأدمج فيه الإشارة إلى البعث والجزاء.
[الافتنان]
الافتنان: هو الإتيان في كلام بفنّين مختلفين، كالجمع بين الفخر والتّعزية، في قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهََا فََانٍ (26) وَيَبْقى ََ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلََالِ وَالْإِكْرََامِ (27)} [الرحمن: 27] فإنّه تعالى عزّى جميع المخلوقات من الإنس والجن والملائكة وسائر أصناف ما هو قابل للحياة، وتمدّح بالبقاء بعد فناء الموجودات في عشر لفظات، مع وصفه ذاته بعد انفراده بالبقاء بالجلال والإكرام سبحانه وتعالى!.
ومنه: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: 72] الآية، جمع فيها بين هناء وعزاء.
[الاقتدار]
الاقتدار: هو أن يبرز المتكلم المعنى الواحد في عدّة صور، اقتدارا منه على نظم الكلام وتركيبه، وعلى صياغة قوالب المعاني والأغراض. فتارة يأتي به في لفظ الاستعارة، وتارة في صورة الإرداف، وحينا في مخرج الإيجاز، ومرّة في قالب الحقيقة.
قال ابن أبي الإصبع: وعلى هذا أتت جميع قصص القرآن، فإنك ترى القصة الواحدة التي لا تختلف معانيها تأتي في صور مختلفة، وقوالب من الألفاظ متعدّدة، حتى لا تكاد تشتبه في موضعين منه، ولا بدّ أن تجد الفرق بين صورها ظاهرا.
ائتلاف اللفظ مع اللفظ وائتلافه مع المعنى:
الأول: أن تكون الألفاظ يلائم بعضها بعضا، بأن يقرب الغريب بمثله والمتداول
بمثله، رعاية لحسن الجوار والمناسبة.(1/162)
الأول: أن تكون الألفاظ يلائم بعضها بعضا، بأن يقرب الغريب بمثله والمتداول
بمثله، رعاية لحسن الجوار والمناسبة.
والثاني: أن تكون ألفاظ الكلام ملائمة للمعنى المراد فإن كان فخما كانت ألفاظه فخمة، أو جزلا فجزلة، أو غريبا فغريبة، أو متداولا فمتداولة، أو متوسطا بين الغرابة والاستعمال فكذلك.
فالأول: كقوله تعالى: {تَاللََّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتََّى تَكُونَ حَرَضاً}
[يوسف: 85] أتى بأغرب ألفاظ القسم وهي (التاء) فإنّها أقلّ استعمالا، وأبعد من أفهام العامة بالنسبة إلى الباء والواو. وبأغرب صيغ الأفعال التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار فإنّ (تزال) أقرب إلى الأفهام وأكثر استعمالا منها، وبأغرب ألفاظ الهلاك وهو (الحرض) فاقتضى حسن الوضع في النظم أن تجاوز كل لفظة بلفظة من جنسها في الغرابة، توخّيا لحسن الجوار، ورعاية في ائتلاف المعاني بالألفاظ. ولتتعادل الألفاظ في الوضع وتتناسب في النظم، ولمّا أراد غير ذلك قال: {وَأَقْسَمُوا بِاللََّهِ جَهْدَ أَيْمََانِهِمْ} [الأنعام: 109] فأتى بجميع الألفاظ متداولة لا غرابة فيها.
ومن الثاني قوله تعالى: {وَلََا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النََّارُ} [هود: 113] لمّا كان الركون إلى الظالم وهو الميل إليه والاعتماد عليه دون مشاركته في الظلم، وجب أن يكون العقاب عليه دون العقاب على الظلم، فأتى بلفظ (المسّ) الذي هو دون الإحراق والاصطلاء.
وقوله: {لَهََا مََا كَسَبَتْ وَعَلَيْهََا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنََا} [البقرة: 286] أتى بلفظ (الاكتساب) المشعر بالكلفة والمبالغة في جانب السّيئة لثقلها.
وكذا قوله: {فَكُبْكِبُوا فِيهََا} [الشعراء: 94] فهو أبلغ من (كبّوا) للإشارة إلى أنّهم يكبّون كبّا عنيفا فظيعا.
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ} [فاطر: 37] فإنّه أبلغ من (يصرخون) للإشارة إلى أنهم يصرخون صراخا منكرا خارجا عن الحدّ المعتاد.
{أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 42] فإنّه أبلغ من (قادر) للإشارة إلى زيادة التمكّن في القدرة، وأنه لا رادّ له ولا معقّب.
ومثل ذلك {وَاصْطَبِرْ} [مريم: 65] فإنّه أبلغ من (اصبر).
و {الرَّحْمََنِ} فإنّه أبلغ من {الرَّحِيمِ} فإنّه يشعر باللطف والرفق، كما أنّ (الرحمن) مشعر بالفخامة والعظمة.
ومنه الفرق بين سقى وأسقى، فإنّ (سقى) لما لا كلفة معه في السقيا، ولهذا أورده تعالى في شراب الجنة فقال: {وَسَقََاهُمْ رَبُّهُمْ شَرََاباً طَهُوراً} [الإنسان: 21] و (أسقى) لما فيه كلفة، ولهذا أورده في شراب الدنيا، فقال: {وَأَسْقَيْنََاكُمْ مََاءً فُرََاتاً} [المرسلات: 27]، {لَأَسْقَيْنََاهُمْ مََاءً غَدَقاً} [الجن: 16]، لأنّ السقيا في الدنيا لا تخلوا من الكلفة أبدا.(1/163)
و {الرَّحْمََنِ} فإنّه أبلغ من {الرَّحِيمِ} فإنّه يشعر باللطف والرفق، كما أنّ (الرحمن) مشعر بالفخامة والعظمة.
ومنه الفرق بين سقى وأسقى، فإنّ (سقى) لما لا كلفة معه في السقيا، ولهذا أورده تعالى في شراب الجنة فقال: {وَسَقََاهُمْ رَبُّهُمْ شَرََاباً طَهُوراً} [الإنسان: 21] و (أسقى) لما فيه كلفة، ولهذا أورده في شراب الدنيا، فقال: {وَأَسْقَيْنََاكُمْ مََاءً فُرََاتاً} [المرسلات: 27]، {لَأَسْقَيْنََاهُمْ مََاءً غَدَقاً} [الجن: 16]، لأنّ السقيا في الدنيا لا تخلوا من الكلفة أبدا.
[الاستدراك والاستثناء]
الاستدراك والاستثناء: شرط كونهما من البديع أن يتضمّنا ضربا من المحاسن زائدا على ما يدلّ عليه المعنى اللغوي.
مثال الاستدراك: {قََالَتِ الْأَعْرََابُ آمَنََّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلََكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنََا} [الحجرات: 14] فإنّه لو اقتصر على قوله: {لَمْ تُؤْمِنُوا} لكان منفّرا لهم لأنهم ظنوا الإقرار بالشهادتين من غير اعتقاد إيمانا، فأوجبت البلاغة ذكر الاستدراك، ليعلم أنّ الإيمان موافقة القلب واللسان، وإن انفرد اللسان بذلك يسمّى إسلاما، لا يسمّى إيمانا. وزاد ذلك إيضاحا بقوله: {وَلَمََّا يَدْخُلِ الْإِيمََانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] فلمّا تضمّن الاستدراك إيضاح ما عليه ظاهر الكلام من الإشكال عدّ من المحاسن.
ومثال الاستثناء: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلََّا خَمْسِينَ عََاماً} [العنكبوت: 14] فإنّ الإخبار عن هذه المدة بهذه الصيغة يمهّد عذر نوح في دعائه على قومه بدعوة أهلكتهم عن آخرهم إذ لو قيل: (فلبث فيهم تسعمائة وخمسين عاما) لم يكن فيه من التهويل ما في الأوّل لأنّ لفظ (الألف) في الأول أول ما يطرق السمع، فيتشغل بها عن سماع بقيّة الكلام، وإذا جاء الاستثناء لم يبق له بعد ما تقدّمه وقع يزيل ما حصل عنده من ذكر الألف.
[الاقتصاص]
الاقتصاص: ذكره ابن فارس، وهو: أن يكون كلام في سورة مقتصا من كلام في سورة أخرى أو في تلك السورة. كقوله تعالى: {وَآتَيْنََاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيََا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصََّالِحِينَ} [العنكبوت: 27] والآخرة دار ثواب لا عمل فيها. فهذا مقتصّ من قوله:
{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصََّالِحََاتِ فَأُولََئِكَ لَهُمُ الدَّرَجََاتُ الْعُلى ََ (75)} [طه: 75].
ومنه: {وَلَوْلََا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)} [الصافات: 57]، مأخوذ من قوله:
{أُولََئِكَ فِي الْعَذََابِ مُحْضَرُونَ} [سبأ: 38].
وقوله: {وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهََادُ} [غافر: 51] مقتصّ من أربع آيات: لأنّ الأشهاد أربعة:
الملائكة في قوله: {وَجََاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهََا سََائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)} [ق: 21]، والأنبياء في قوله:(1/164)
وقوله: {وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهََادُ} [غافر: 51] مقتصّ من أربع آيات: لأنّ الأشهاد أربعة:
الملائكة في قوله: {وَجََاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهََا سََائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)} [ق: 21]، والأنبياء في قوله:
{فَكَيْفَ إِذََا جِئْنََا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنََا بِكَ عَلى ََ هََؤُلََاءِ شَهِيداً (41)} [النساء: 41]، وأمة محمد في قوله: {لِتَكُونُوا شُهَدََاءَ عَلَى النََّاسِ} [البقرة: 143]، والأعضاء في قوله:
{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} [النور: 24].
وقوله: {يَوْمَ التَّنََادِ} [غافر: 32] قرئ مخفّفا ومشدّدا، فالأوّل مأخوذ من قوله:
{وَنََادى ََ أَصْحََابُ الْجَنَّةِ أَصْحََابَ النََّارِ} [الأعراف: 44]، والثاني من قوله: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)} [عبس: 34].
[الإبدال (1)]
الإبدال: هو إقامة بعض الحروف مقام بعض. وجعل منه ابن فارس {فَانْفَلَقَ} أي انفرق، ولهذا قال: {فَكََانَ كُلُّ فِرْقٍ} [الشعراء: 63] فالرّاء واللّام متعاقبتان.
وعن الخليل في قوله تعالى: {فَجََاسُوا خِلََالَ الدِّيََارِ} [الإسراء: 5] إنّه أريد (فحاسوا) فجاءت الجيم مقام الحاء. وقد قرئ بالحاء أيضا.
وجعل منه الفارسيّ: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} [ص: 32] أي: الخيل.
وجعل منه أبو عبيدة (2): {إِلََّا مُكََاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35] أي: تصددة.
[تأكيد المدح بما يشبه الذم]
تأكيد المدح بما يشبه الذّم: قال ابن أبي الإصبع: هو في غاية العزة في القرآن.
قال: ولم أجد منه إلّا آية واحدة، وهي قوله: {قُلْ يََا أَهْلَ الْكِتََابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنََّا إِلََّا أَنْ آمَنََّا بِاللََّهِ} [المائدة: 59] فإنّ الاستثناء بعد الاستفهام الخارج مخرج التوبيخ على ما عابوا به المؤمنين من الإيمان يوهم أنّ ما يأتي بعده ممّا يوجب أن ينقم على فاعله ممّا يذمّ به، فلمّا أتى بعد الاستثناء ما يوجب مدح فاعله كان الكلام متضمّنا تأكيد المدح بما يشبه الذّم.
قلت: ونظيرها قوله: {وَمََا نَقَمُوا إِلََّا أَنْ أَغْنََاهُمُ اللََّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 74]، وقوله: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيََارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلََّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللََّهُ} [الحج: 40]، فإنّ ظاهر الاستثناء أنّ ما بعده حق يقتضي الإخراج، فلمّا كان صفة مدح يقتضي الإكرام لا الإخراج كان تأكيدا للمدح بما يشبه الذم.
__________
(1) انظر البرهان 3/ 388.
(2) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1/ 246.(1/165)
وجعل منه التنوخيّ في «الأقصى القريب»: {لََا يَسْمَعُونَ فِيهََا لَغْواً وَلََا تَأْثِيماً (25) إِلََّا قِيلًا سَلََاماً سَلََاماً (26)} [الواقعة: 25، 26] استثنى {سَلََاماً سَلََاماً} الذي هو ضدّ اللغو والتأثيم، فكان ذلك مؤكدا لانتفاء اللغو والتّأثيم. انتهى.
[التفويت]
التفويت: هو إتيان المتكلم بمعان شتّى من المدح والوصف، وغير ذلك من الفنون، كلّ فنّ في جملة منفصلة عن أختها، مع تساوي الجمل في الزّنة، وتكون في الجمل الطويلة والمتوسطة والقصيرة.
فمن الطويلة: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذََا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)} [الشعراء: 8178].
ومن المتوسطة: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهََارِ وَتُولِجُ النَّهََارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [آل عمران: 27].
قال ابن أبي الإصبع: ولم يأت المركب من القصيرة في القرآن.
[التقسيم (1)]
التقسيم: هو استيفاء أقسام الشيء الموجودة، لا الممكنة عقلا، نحو: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً} [الرعد: 12] إذ ليس في رؤية البرق إلّا الخوف من الصواعق والطمع في الأمطار ولا ثالث لهذين القسمين.
وقوله: {فَمِنْهُمْ ظََالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سََابِقٌ} [فاطر: 32] فإنّ العالم لا يخلو من هذه الأقسام الثلاثة: إمّا عاص ظالم لنفسه، وإمّا سابق مبادر للخيرات، وإمّا متوسّط بينهما مقتصد فيها.
ونظيرها: {وَكُنْتُمْ أَزْوََاجاً ثَلََاثَةً (7) فَأَصْحََابُ الْمَيْمَنَةِ مََا أَصْحََابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحََابُ الْمَشْئَمَةِ مََا أَصْحََابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسََّابِقُونَ السََّابِقُونَ (10)} [الواقعة: 107].
وكذا قوله تعالى: {لَهُ مََا بَيْنَ أَيْدِينََا وَمََا خَلْفَنََا وَمََا بَيْنَ ذََلِكَ} [مريم: 64] استوفى أقسام الزمان، ولا رابع لها.
وقوله: {وَاللََّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مََاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى ََ بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى ََ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى ََ أَرْبَعٍ} [النور: 45]
__________
(1) انظر البرهان 3/ 471.(1/166)
استوفى أقسام الخلق في المشي.
وقوله: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللََّهَ قِيََاماً وَقُعُوداً وَعَلى ََ جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] استوفى جميع هيئات الذاكر.
وقوله: {يَهَبُ لِمَنْ يَشََاءُ إِنََاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشََاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرََاناً وَإِنََاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشََاءُ عَقِيماً} [الشورى: 49، 50] استوفى جميع أحوال المتزوّجين، ولا خامس لها.
[التدبيج]
التدبيج: هو أن يذكر المتكلّم ألوانا يقصد التورية بها والكناية.
قال ابن أبي الإصبع: كقوله تعالى: {وَمِنَ الْجِبََالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوََانُهََا وَغَرََابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27].
قال: المراد بذلك والله أعلم الكناية عن المشتبه والواضح من الطرق لأنّ الجادّة البيضاء هي الطريق التي كثر السلوك عليها جدّا، وهي أوضح الطرق وأبينها. ودونها الحمراء، ودون الحمراء السوداء كأنها في الخفاء والالتباس ضدّ البيضاء في الظهور والوضوح. ولمّا كانت هذه الألوان الثلاثة في الظهور للعين طرفين وواسطة، فالطرف الأعلى في الظهور البياض، والطرف الأدنى في الخفاء السواد، والأحمر بينهما، على وضع الألوان في التركيب، وكانت ألوان الجبال لا تخرج عن هذه الألوان الثلاثة، والهداية بكلّ علم نصب للهداية منقسمة هذه القسمة، أتت الآية الكريمة منقسمة كذلك، فحصل فيها التدبيج وصحة التقسيم.
[التنكيت]
التنكيت: هو أن يقصد المتكلّم إلى شيء بالذكر دون غيره، ممّا يسدّ مسدّه، لأجل نكتة في المذكور ترجّح مجيئه على سواه. كقوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى ََ (49)} خصّ الشّعرى بالذّكر دون غيرها من النجوم، وهو تعالى ربّ كلّ شيء لأنّ العرب كان ظهر فيهم رجل يعرف بابن أبي كبشة، عبد الشّعرى، ودعا خلقا إلى عبادتها، فأنزل الله تعالى:
{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى ََ (49)} [النجم: 49] التي ادّعيت فيها الربوبية.(1/167)
{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى ََ (49)} [النجم: 49] التي ادّعيت فيها الربوبية.
[التجريد (1)]
التجريد: هو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله، مبالغة في كمالها فيه.
نحو: (لي من فلان صديق حميم) جرّد من الرجل الصديق آخر مثله متّصف بصفة الصّداقة.
ونحو: (مررت بالرجل الكريم والنّسمة المباركة) جرّدوا من الرّجل الكريم آخر مثله متصفا بصفة البركة، وعطفوه عليه، كأنه غيره، وهو هو.
ومن أمثلته في القرآن: {لَهُمْ فِيهََا دََارُ الْخُلْدِ} [فصلت: 28] ليس المعنى أنّ الجنة فيها دار خلد وغير دار خلد، بل هي نفسها دار الخلد فكأنه جرّد من الدار دارا. ذكره في «المحتسب»، وجعل منه: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [الأنعام: 95] على أنّ المراد بالميّت النطفة.
قال الزمخشري (2): وقرأ عبيد بن عمير: {فَكََانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهََانِ} [الرحمن:
37] بالرّفع، بمعنى حصلت منها وردة، قال: وهو من التجريد. وقرئ أيضا: (يرثني وارث من آل يعقوب) (3) قال ابن جني: هذا هو التجريد، وذلك أنه يريد: (وهب لي من لدنك وليا يرثني منه وارث من آل يعقوب) وهو الوارث نفسه، فكأنه جرّد منه وارثا.
[التعديد (4)]
التعديد: هو إيقاع الألفاظ المفردة على سياق واحد. وأكثر ما يوجد في الصفات، كقوله: {هُوَ اللََّهُ الَّذِي لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلََامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبََّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23].
وقوله: {التََّائِبُونَ الْعََابِدُونَ الْحََامِدُونَ} [التوبة: 112] الآية.
وقوله: {مُسْلِمََاتٍ مُؤْمِنََاتٍ} [التحريم: 5] الآية.
__________
(1) انظر البرهان 3/ 448.
(2) الكشاف 4/ 48.
(3) قال في البحر المحيط 6/ 174: «وقرأ علي وابن عباس والجحدري: يرثني وارث من آل يعقوب. قال أبو الفتح: هذا هو التجريد: التقدير: يرثني منه وارث» اهـ وانظر الكشاف 2/ 503502.
(4) انظر نهاية الإيجاز للرازي ص 290، وانظر الكشاف 2/ 503502، والبرهان 3/ 475.(1/168)
الترتيب
الترتيب: هو أن يورد أوصاف الموصوف على ترتيبها في الخلقة الطبيعية، ولا يدخل فيها وصفا زائدا. ومثّله عبد الباقي اليمني بقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرََابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً} [غافر: 67] وبقوله: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهََا} [الشمس: 14] الآية.
الترقّي والتدلّي: تقدّما في نوع التقديم والتأخير.
التضمين (1)
التضمين: يطلق على أشياء:
أحدها: إيقاع لفظ موقع غيره لتضمّنه معناه. وهو نوع من المجاز تقدّم فيه.
الثاني: حصول معنى فيه من غير ذكر له باسم هو عبارة عنه. وهذا نوع من الإيجاز تقدّم أيضا.
الثالث: تعلّق ما بعد الفاصلة بها. وهذا مذكور في نوع الفواصل.
الرابع: إدراج كلام الغير في أثناء الكلام، لقصد تأكيد المعنى، أو ترتيب النظم.
وهذا هو النوع البديعيّ.
قال ابن أبي الإصبع: ولم أظفر في القرآن بشيء منه إلّا في موضعين تضمّنا فصلين من التوراة والإنجيل: قوله: {وَكَتَبْنََا عَلَيْهِمْ فِيهََا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] الآية.
وقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللََّهِ} [الفتح: 29] الآية.
ومثله ابن النقيب وغيره: بإيداع حكايات المخلوقين في القرآن، كقوله تعالى حكاية عن الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهََا مَنْ يُفْسِدُ فِيهََا} [البقرة: 30]، وعن المنافقين: {أَنُؤْمِنُ كَمََا آمَنَ السُّفَهََاءُ} [2: 31]. {وَقََالَتِ الْيَهُودُ} [البقرة: 113]، {وَقََالَتِ النَّصََارى ََ} [البقرة: 113].
قال: وكذلك ما أودع فيه من اللغات الأعجمية.
__________
(1) انظر البرهان 3/ 338.(1/169)
الجناس
الجناس: هو تشابه اللفظين في اللفظ (1).
قال في «كنز البراعة»: وفائدته الميل إلى الإصغاء إليه، فإنّ مناسبة الألفاظ تحدث ميلا وإصغاء إليها، ولأنّ اللّفظ المشترك إذا حمل على معنى، ثم جاء والمراد به آخر، كان للنفس تشوّق إليه.
وأنواع الجناس كثيرة:
منها: التامّ: بأن يتّفقا في أنواع الحروف وأعدادها وهيآتها، كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السََّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مََا لَبِثُوا غَيْرَ سََاعَةٍ} [الروم: 55] وقيل: ولم يقع منه في القرآن سواه. واستنبط شيخ الإسلام ابن حجر موضعا آخر، وهو: {يَكََادُ سَنََا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصََارِ يُقَلِّبُ اللََّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهََارَ إِنَّ فِي ذََلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصََارِ (44)} [النور: 43، 44].
وأنكر بعضهم كون الآية الأولى من الجناس، وقال: الساعة في الموضعين بمعنى واحد، والتجنيس أن يتفق اللفظ ويختلف المعنى، ولا يكون أحدهما حقيقة، والآخر مجازا، بل يكونان حقيقتين، وزمان القيامة وإن طال لكنه عند الله في حكم الساعة الواحدة، فإطلاق الساعة على القيامة مجاز، وعلى الآخرة حقيقة، وبذلك يخرج الكلام عن التجنيس، كما لو قلت: ركبت حمارا ولقيت حمارا، تعني بليدا.
ومنها: المصحّف: ويسمّى جناس الخط. بأن تختلف الحروف في النقط، كقوله:
{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذََا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)} [الشعراء: 79، 80].
ومنها: المحرّف: بأن يقع الاختلاف في الحركات، كقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنََا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كََانَ عََاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)} [الصافات: 72، 73].
وقد اجتمع التصحيف والتحريف في قوله: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:
104].
ومنها: الناقص: بأن يختلف في عدد الحروف، سواء كان الحرف المزيد أوّلا أو وسطا أو آخرا، كقوله: {وَالْتَفَّتِ السََّاقُ بِالسََّاقِ (29) إِلى ََ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسََاقُ (30)} [القيامة: 29، 30]، {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرََاتِ} [النحل: 69].
__________
(1) انظر البرهان 3/ 450.(1/170)
ومنها: المذيّل: بأن يزيد أحدهما أكثر من حرف في الآخر أو الأوّل وسمّى بعضهم الثاني بالمتوّج، كقوله: {وَانْظُرْ إِلى ََ إِلََهِكَ} [طه: 97]، {وَلََكِنََّا كُنََّا مُرْسِلِينَ}
[القصص: 45]، {مَنْ آمَنَ بِهِ} [الأعراف: 86]، {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ} [العاديات: 11]، {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذََلِكَ} [النساء: 143].
ومنها: المضارع: وهو أن يختلفا بحرف مقارب في المخرج، سواء كان في الأول أو الوسط أو الآخر، كقوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام: 26].
ومنها: اللّاحق: بأن يختلفا بحرف غير مقارب فيه كذلك، كقوله: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)} [الهمزة: 1]، {وَإِنَّهُ عَلى ََ ذََلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)}
[العاديات: 7، 8]، {ذََلِكُمْ بِمََا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمََا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75)}
[غافر: 75]، {وَإِذََا جََاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ} [النساء: 83].
ومنها: المرفق: وهو ما تركّب من كلمة وبعض أخرى، كقوله: {جُرُفٍ هََارٍ فَانْهََارَ} [التوبة: 105].
ومنها: اللّفظي: بأن يختلفا بحرف مناسب للآخر مناسبة لفظية كالضاد والظاء، كقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاضِرَةٌ (22) إِلى ََ رَبِّهََا نََاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22، 23].
ومنها: تجنيس القلب: بأن يختلفا في ترتيب الحروف، نحو: {فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرََائِيلَ} [20: 94].
ومنها: تجنيس الاشتقاق: بأن يجتمعا في أصل الاشتقاق، ويسمّى: المقتضب: نحو {فَرَوْحٌ وَرَيْحََانٌ} [الواقعة: 89]، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} [الروم: 43]، {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} [الأنعام: 79].
ومنها: تجنيس الإطلاق: بأن يجتمعا في المشابهة فقط، كقوله: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ}
[الرحمن: 54]، {قََالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقََالِينَ (168)} [الشعراء: 168]، {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوََارِي}
[المائدة: 31]. {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلََا رَادَّ} [يونس: 107]، {اثََّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ} [التوبة: 38]، {وَإِذََا أَنْعَمْنََا عَلَى الْإِنْسََانِ أَعْرَضَ} إلى قوله: {فَذُو دُعََاءٍ عَرِيضٍ}
[فصلت: 51].
تنبيه
لكون الجناس من المحاسن اللفظية لا المعنوية ترك عند قوّة المعنى، كقوله تعالى:
{وَمََا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنََا وَلَوْ كُنََّا صََادِقِينَ} [يوسف: 17] قيل: ما الحكمة في كونه لم يقل:(1/171)
لكون الجناس من المحاسن اللفظية لا المعنوية ترك عند قوّة المعنى، كقوله تعالى:
{وَمََا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنََا وَلَوْ كُنََّا صََادِقِينَ} [يوسف: 17] قيل: ما الحكمة في كونه لم يقل:
(وما أنت بمصدّق)، فإنه يؤدي معناه مع رعاية التجنيس.
وأجيب: بأنّ في {بِمُؤْمِنٍ لَنََا} من المعنى ما ليس في (مصدّق) لأنّ معنى قولك:
(فلان مصدّق لي) قال لي: صدقت، وأمّا (مؤمن) فمعناه مع التصديق إعطاء الأمن، ومقصودهم التصديق وزيادة، وهو طلب الأمن، فلذلك عبّر به.
وقد زلّ بعض الأدباء، فقال في قوله: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخََالِقِينَ (125)}
[الصافات: 125]: لو قال: (وتدعون) لكان فيه مراعاة للتجنيس.
وأجاب الإمام فخر الدين: بأن فصاحة القرآن ليست لرعاية هذه التكليفات، بل لأجل قوّة المعاني وجزالة الألفاظ.
وأجاب غيره: بأن مراعاة المعاني أولى من مراعاة الألفاظ، ولو قال: {أَتَدْعُونَ}
و (تدععون) لوقع الالتباس على القارئ فيجعلهما بمعنى واحد تصحيفا. وهذا الجواب غير ناضج.
وأجاب ابن الزملكانيّ: بأنّ التجنيس تحسين، وإنما يستعمل في مقام الوعد والإحسان، لا في مقام التهويل.
وأجاب الخويّي: بأنّ (تدع) أخصّ من (تذر) لأنه بمعنى ترك الشيء مع اعتنائه، بشهادة الاشتقاق، نحو الإيداع، فإنّه عبارة عن ترك الوديعة مع الاعتناء بحالها ولهذا يختار لها من هو مؤتمن عليها. ومن ذلك الدعة بمعنى الراحة. وأما (تذر) فمعناه الترك مطلقا، أو الترك مع الإعراض والرفض الكليّ.
قال الراغب: يقال: فلان يذر الشيء، أي: يقذفه لقلة الاعتداد به، ومنه الوذرة قطعة من اللحم لقلة الاعتداد به، ولا شكّ أنّ السّياق إنّما يناسب هذا دون الأول فأريد هنا تبشيع حالهم في الإعراض عن ربّهم، وأنهم بلغوا الغاية في الإعراض.
انتهى (1).
الجمع
الجمع: هو أن يجمع بين شيئين أو أشياء متعددة في حكم، كقوله تعالى:
__________
(1) انظر البرهان 3/ 453، والمفردات ص 539.(1/172)
{الْمََالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} [الكهف: 46] جمع المال والبنون في الزينة.
وكذلك قوله: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبََانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدََانِ (6)} [الرحمن:
5، 6].
[الجمع والتفريق (1)]
الجمع والتفريق: هو أن تدخل شيئين في معنى، وتفرّق بين جهتي الإدخال. وجعل منه الطيبيّ قوله: {اللََّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهََا} [الزمر: 42] الآية جمع النفسين في حكم التوفّي، ثم فرّق بين جهتي التوفي بالحكم بالإمساك والإرسال، أي: الله يتوفّى بالإمساك والإرسال أي: الله يتوفّى الأنفس التي تقبض والتي لم تقبض، فيمسك الأولى ويرسل الأخرى.
[الجمع والتقسيم (2)]
الجمع والتقسيم: وهو جمع متعدّد تحت حكم، ثم تقسيمه. كقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتََابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنََا مِنْ عِبََادِنََا فَمِنْهُمْ ظََالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سََابِقٌ بِالْخَيْرََاتِ} [فاطر: 32].
[الجمع مع التفريق والتقسيم (3)]
الجمع مع التفريق والتقسيم: كقوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ لََا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلََّا بِإِذْنِهِ}
الآيات.
فالجمع: في قوله: {لََا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلََّا بِإِذْنِهِ} لأنها متعدّدة معنى، إذ النكرة في سياق النفي تعمّ، والتفريق في قوله: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}، والتقسيم في قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا}. {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا}.
[جمع المؤتلف والمختلف]
جمع المؤتلف والمختلف: هو أن يريد التّسوية بين ممدوحين، فيأتي بمعان مؤتلفة في مدحهما، ويروم بعد ذلك ترجيح أحدهما على الآخر، بزيادة فضل لا ينقص الآخر،
__________
(1) انظر نهاية الإيجاز للرازي ص 294.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق ص 296.(1/173)
فيأتي لأجل ذلك بمعان تخالف معنى التسوية، كقوله تعالى: {وَدََاوُدَ وَسُلَيْمََانَ إِذْ يَحْكُمََانِ} [الأنبياء: 78] الآية. سوّى في الحكم والعلم، وزاد فضل سليمان بالفهم.
[حسن النسق]
حسن النسق: هو أن يأتي المتكلّم بكلمات متتاليات معطوفات، متلاحمات تلاحما سليما مستحسنا، بحيث إذا أفردت كلّ جملة منه قامت بنفسها، واستقلّ معناها بلفظها، ومنه قوله تعالى: {وَقِيلَ يََا أَرْضُ ابْلَعِي مََاءَكِ} [هود: 44] الآية فإنّ جمله معطوف بعضها على بعض بواو النّسق على الترتيب الذي تقتضيه البلاغة: من الابتداء بالأهم الذي هو انحسار الماء عن الأرض، المتوقف عليه غاية مطلوب أهل السفينة من الإطلاق من سجنها، ثم انقطاع مادّة السماء المتوقّف عليه تمام ذلك من دفع أذاه بعد الخروج، ومنه اختلاف ما كان بالأرض، ثم الإخبار بذهاب الماء بعد انقطاع المادّتين الذي هو متأخر عنه قطعا، ثم بقضاء الأمرح الذي هو هلاك من قدّر هلاكه، ونجاة من سبق نجاته، وأخّر عمّا قبله لأنّ علم ذلك لأهل السفينة بعد خروجهم منها، وخروجهم موقوف على ما تقدّم، ثم أخبر باستواء السفينة واستقرارها المفيد ذهاب الخوف وحصول الأمن من الاضطراب، ثم ختم بالدعاء على الظالمين، لإفادة أنّ الغرق وإن عمّ الأرض فلم يشمل إلّا من استحقّ العذاب لظلمه.
[عتاب المرء نفسه]
عتاب المرء نفسه: منه: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظََّالِمُ عَلى ََ يَدَيْهِ يَقُولُ يََا لَيْتَنِي} الآيات.
وقوله: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يََا حَسْرَتى ََ عَلى ََ مََا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللََّهِ} الآيات.
[العكس (1)]
العكس: هو أن يؤتى بكلام يقدّم فيه جزء ويؤخّر آخر، ثم يقدّم المؤخر، ويؤخّر المقدم، كقوله تعالى: {مََا عَلَيْكَ مِنْ حِسََابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمََا مِنْ حِسََابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ}
[الأنعام: 52]، {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهََارِ وَيُولِجُ النَّهََارَ فِي اللَّيْلِ} [الحج: 61]، {وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [يونس: 31]، {هُنَّ لِبََاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبََاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]، {لََا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلََا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10].
__________
(1) انظر البرهان 3/ 467.(1/174)
وقد سئل عن الحكمة في عكس هذا اللفظ، فأجاب ابن المنير: بأنّ فائدته الإشارة إلى أنّ الكفار مخاطبون بفروع الشريعة.
وقال الشيخ بدر الدين بن الصاحب: الحقّ أنّ كلّ واحد من فعل المؤمنة والكافر منفيّ عنه الحلّ، أما فعل المؤمنة فيحرم لأنّها مخاطبة، وأمّا فعل الكافر فنفي عنه الحلّ باعتبار أنّ هذا الوطء مشتمل على المفسدة، فليس الكفار مورد الخطاب، بل الأئمة ومن قام مقامهم مخاطبون بمنع ذلك لأنّ الشرع أمر بإخلاء الوجود من المفاسد، فاتّضح أنّ المؤمنة نفي عنها الحلّ باعتبار، والكافر نفي عنه الحلّ باعتبار.
قال ابن أبي الإصبع: ومن غريب أسلوب هذا النوع قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصََّالِحََاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ََ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولََئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلََا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلََّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء: 124، 125] فإنّ نظم الآية الثانية عكس نظم الأولى، لتقديم العمل في الأولى على الإيمان، وتأخيره في الثانية عن الإسلام.
ومنه نوع يسمى القلب والمقلوب المستوي، وما لا يستحيل بالانعكاس، وهو أن تقرأ الكلمة من آخرها إلى أولها، كما تقرأ من أولها إلى آخرها. كقوله تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ} [الأنبياء: 33]، {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)} [المدثر: 3]، ولا ثالث لهما في القرآن.
[العنوان]
العنوان: قال ابن أبي الإصبع: هو أن يأخذ المتكلم في غرض، فيأتي لقصد تكميله وتأكيده بأمثلة في ألفاظ تكون عنوانا لأخبار متقدّمة، وقصص سالفة.
ومنه نوع عظيم جدا، وهو: عنوان العلوم، بأن يذكر في الكلام ألفاظا تكون مفاتيح لعلوم ومداخل لها.
فمن الأول قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنََاهُ آيََاتِنََا فَانْسَلَخَ مِنْهََا}
[الأعراف: 175]، فإنّه عنوان قصة بلعام.
ومن الثاني قوله تعالى: {انْطَلِقُوا إِلى ََ ظِلٍّ ذِي ثَلََاثِ شُعَبٍ (30)} [المرسلات: 30] الآية فيها عنوان علم الهندسة، فإنّ الشكل المثلّث أول الأشكال، وإذا نصب في الشمس على أيّ ضلع من أضلاعه لا يكون له ظلّ، لتحديد رءوس زواياه فأمر الله تعالى أهل جهنّم بالانطلاق إلى ظلّ هذا الشكل تهكّما بهم.
وقوله: {وَكَذََلِكَ نُرِي إِبْرََاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 75] الآيات(1/175)
ومن الثاني قوله تعالى: {انْطَلِقُوا إِلى ََ ظِلٍّ ذِي ثَلََاثِ شُعَبٍ (30)} [المرسلات: 30] الآية فيها عنوان علم الهندسة، فإنّ الشكل المثلّث أول الأشكال، وإذا نصب في الشمس على أيّ ضلع من أضلاعه لا يكون له ظلّ، لتحديد رءوس زواياه فأمر الله تعالى أهل جهنّم بالانطلاق إلى ظلّ هذا الشكل تهكّما بهم.
وقوله: {وَكَذََلِكَ نُرِي إِبْرََاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 75] الآيات
فيها عنوان علم الكلام، وعلم الجدل، وعلم الهيئة.
[الفرائد]
الفرائد: هو مختصّ بالفصاحة دون البلاغة لأنه الإتيان بلفظة منزلة الفريدة من العقد وهي الجوهرة التي لا نظير لها تدلّ على عظم فصاحة هذا الكلام، وقوة عارضته، وجزالة منطقه، وأصالة عربيّته، بحيث لو أسقطت من الكلام عزّت على الفصحاء.
ومنه لفظ: {حَصْحَصَ} في قوله: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} [يوسف: 51] و {الرَّفَثُ}
في قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيََامِ الرَّفَثُ إِلى ََ نِسََائِكُمْ} [البقرة: 187].
ولفظة {فُزِّعَ} في قوله: {حَتََّى إِذََا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ: 23].
و {خََائِنَةَ الْأَعْيُنِ} في قوله: {يَعْلَمُ خََائِنَةَ الْأَعْيُنِ} [غافر: 19].
وألفاظ قوله: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} [يوسف: 80]، وقوله: {فَإِذََا نَزَلَ بِسََاحَتِهِمْ فَسََاءَ صَبََاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)} [الصافات: 177].
[القسم]
القسم: هو أن يريد المتكلّم الحلف على شيء، فيحلف بما يكون فيه فخر له، أو تعظيم لشأنه، أو تنويه لقدره، أو ذم لغيره، أو جاريا مجرى الغزل والترقق، أو خارجا مخرج الموعظة والزهد، كقوله: {فَوَ رَبِّ السَّمََاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مََا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)}
[الذاريات: 23] أقسم سبحانه وتعالى بقسم يوجب الفخر لتضمّنه التمدّح بأعظم قدرة، وأجل عظمة.
{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)} [الحجر: 72] أقسم سبحانه وتعالى بحياة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم تعظيما لشأنه، وتنويها بقدره. وسيأتي في نوع الأقسام أشياء تتعلق بذلك.
[اللف والنشر (1)]
اللف والنشر (2): هو أن يذكر شيئان أو أشياء، إمّا تفصيلا بالنصّ على كلّ واحد، أو
__________
(1) انظر نهاية الإيجاز ص 289.
(2) قال الرازي في نهاية الإيجاز ص 289: «هو أن تلفّ شيئين، ثم ترمي بتفسيرهما جملة، ثقة بأنّ السامع يرد إلى كلّ واحد منهما ما له» اهـ.(1/176)
إجمالا بأن يؤتى بلفظ يشتمل على متعدّد، ثم يذكر أشياء على عدد ذلك، كلّ واحد يرجع إلى واحد من المتقدم، ويفوّض إلى عقل السامع ردّ كلّ واحد إلى ما يليق به.
فالإجماليّ: كقوله تعالى: {وَقََالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلََّا مَنْ كََانَ هُوداً أَوْ نَصََارى ََ}
[البقرة: 111] أي: وقالت اليهود: لن يدخل الجنة إلّا اليهود، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلّا النصارى وإنما سوّغ الإجمال في اللفّ ثبوت العناد بين اليهود والنصارى، فلا يمكن أن يقول أحد الفريقين بدخول الفريق الآخر الجنة، فوثق بالعقل في أنه يردّ كلّ قول إلى فريقه لأمن اللّبس، وقائل ذلك يهود المدينة ونصارى نجران.
قلت: وقد يكون الإجمال في النّشر لا في اللّف، بأن يؤتي بمتعدّد، ثم بلفظ يشتمل على متعدّد يصلح لهما، كقوله تعالى: {حَتََّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] على قول أبي عبيدة (1): إنّ الخيط الأسود أريد به الفجر الكاذب لا الليل، وقد بينته في أسرار التنزيل (2).
والتفصيلي قسمان: أحدهما: أن يكون على ترتيب اللفّ، كقوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهََارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: 73] فالسّكون راجع إلى اللّيل، والابتغاء راجع إلى النهار.
وقوله تعالى: {وَلََا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى ََ عُنُقِكَ وَلََا تَبْسُطْهََا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29)} [الإسراء: 29] فاللوم راجع إلى البخل، و {مَحْسُوراً} راجع إلى الإسراف، لأنّ معناه:
منقطعا لا شيء عندك.
وقوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً} الآيات، فإنّ قوله: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلََا تَقْهَرْ (9)}
راجع إلى قوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ََ (6)} و {وَأَمَّا السََّائِلَ فَلََا تَنْهَرْ (10)} راجع إلى قوله: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا} فإنّ المراد السائل عن العلم، كما فسّره مجاهد وغيرهم. و {وَأَمََّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} راجع إلى قوله: {وَوَجَدَكَ عََائِلًا فَأَغْنى ََ (8)} [الضحى: 116] رأيت هذا المثال في شرح «الوسيط» للنوويّ، المسمّى «بالتنقيح».
__________
(1) قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن 1/ 68: «الخيط الأبيض: هو الصبح المصدّق، والخيط الأسود هو الليل. والخيط: هو اللون» اهـ.
(2) الإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي ص 27.(1/177)
والثاني: أن يكون على عكس ترتيبه، كقوله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: 106].
وجعل منه جماعة قوله تعالى: {حَتََّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى ََ نَصْرُ اللََّهِ أَلََا إِنَّ نَصْرَ اللََّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] قالوا: {مَتى ََ نَصْرُ اللََّهِ}: قول الذين آمنوا. {أَلََا إِنَّ نَصْرَ اللََّهِ قَرِيبٌ}: قول الرسول.
وذكر الزمخشريّ (1) قسما آخر كقوله تعالى: {وَمِنْ آيََاتِهِ مَنََامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهََارِ وَابْتِغََاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 23]. قال: هذا من باب اللفّ، وتقديره: {وَمِنْ آيََاتِهِ مَنََامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهََارِ وَابْتِغََاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ} إلا أنه فصل بين {مَنََامُكُمْ} و {وَابْتِغََاؤُكُمْ} بالليل والنهار لأنهما زمانان، والزمان الواقع فيه كشيء واحد، مع إقامة (2) اللفّ على الاتحاد.
[المشاكلة]
المشاكلة: ذكر الشيء بلفظ غيره، لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديرا.
فالأول: كقوله تعالى: {تَعْلَمُ مََا فِي نَفْسِي وَلََا أَعْلَمُ مََا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]، {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللََّهُ} [آل عمران: 54]. فإنّ إطلاق النفس والمكر في جانب البارئ تعالى إنما هو لمشاكلة ما معه (3).
وكذا قوله: {وَجَزََاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهََا} [الشورى: 40] لأنّ الجزاء حقّ لا يوصف بأنه سيّئة. {فَمَنِ اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: 194] {الْيَوْمَ نَنْسََاكُمْ كَمََا نَسِيتُمْ} [الجاثية:
34]، {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللََّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: 79]، {إِنَّمََا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14) اللََّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}
[البقرة: 14، 15].
ومثال التقديريّ: قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللََّهِ} [البقرة: 138] أي: تطهير الله لأنّ الإيمان يطهّر النفوس، والأصل فيه: أنّ النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمّونه المعموديّة، ويقولون: إنّه تطهير لهم، فعبّر عن الإيمان (بصبغة الله) للمشاكلة بهذه القرينة.
__________
(1) الكشاف 3/ 218.
(2) في الكشاف 3/ 218إعانة.
(3) انظر «الصفات» للحافظ عبد الغني ص 8786بتحقيقنا، ومختصر الصواعق المرسلة.(1/178)
[المزاوجة]
المزاوجة: أن يزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء، أو ما جرى مجراهما. كقوله:
إذا ما نهى النّاهي فلجّ بي الهوى ... أصاخت إلى الواشي فلجّ بها الهجر
ومنه في القرآن: {آتَيْنََاهُ آيََاتِنََا فَانْسَلَخَ مِنْهََا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطََانُ فَكََانَ مِنَ الْغََاوِينَ}
[الأعراف: 175].
[المبالغة (1)]
المبالغة: أن يذكر المتكلّم وصفا، فيزيد فيه حتى يكون أبلغ في المعنى الذي قصده.
وهي ضربان:
مبالغة بالوصف: بأن يخرج إلى حدّ الاستحالة، ومنه: {يَكََادُ زَيْتُهََا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نََارٌ} [النور: 35]، {وَلََا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتََّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيََاطِ} [الأعراف:
40].
ومبالغة بالصيغة: وصيغ المبالغة: (فعلان) كالرحمن، و (فعيل) كالرحيم، و (فعّال) كالتّواب والغفار والقهّار، و (فعول) كغفور وشكور وودود، و (فعل) كحذر وأشر وفرح.
و (فعال) بالتخفيف كعجاب، وبالتشديد ككبّار، و (فعل) كلبد وكبر، و (فعلى) كالعليا والحسنى وشورى والسوأى.
فائدة الأكثر على أنّ (فعلان) أبلغ من (فعيل).
ومن ثمّ قيل: الرحمن أبلغ من الرحيم، ونصره السهيليّ بأنه ورد على صيغة التثنية، والتثنية تضعيف، فكأنّ البناء تضاعفت فيه الصّفة.
وذهب ابن الأنباريّ إلى أنّ الرحيم أبلغ من الرحمن، ورجّحه ابن عساكر بتقديم ب {الرَّحْمََنِ} عليه، وبأنه جاء على صيغة الجمع كعبيد، وهو أبلغ من صيغة التثنية.
وذهب قطرب إلى أنّهما سواء.
فائدة: ذكر البرهان الرشيديّ: أنّ صفات الله التي على صيغة المبالغة كلّها مجاز،
__________
(1) انظر البرهان 2/ 502، و 3/ 51.(1/179)
لأنها موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها لأنّ المبالغة أن تثبت أكثر ممّا له، وصفاته تعالى متناهية في الكمال لا يمكن المبالغة فيها. وأيضا: فالمبالغة تكون في صفات تقبل الزيادة والنقصان، وصفات الله منزّهة عن ذلك. واستحسنه الشيخ تقيّ الدين السّبكيّ (1).
وقال الزّركشي في «البرهان» (2): التحقيق أن صيغ المبالغة قسمان:
أحدهما: ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل.
والثاني: بحسب تعدّد المفعولات، ولا شك أن تعدّدها لا يوجب للفعل زيادة، إذ الفعل الواحد قد يقع على جماعة متعدّدين، وعلى هذا القسم تنزّل صفاته تعالى ويرتفع الإشكال ولهذا قال بعضهم في (حكيم): معنى المبالغة فيه تكرار حكمه بالنسبة إلى الشرائع.
وقال في «الكشاف» (3): المبالغة في (التّوّاب) للدلالة على كثرة من يتوب عليه من عباده، أو لأنه بليغ في قبول التوبة: نزّل صاحبها منزلة من لم يذنب قطّ، لسعة كرمه.
وقد أورد بعض الفضلاء (4) سؤالا على قوله: {وَاللََّهُ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:
284]. وهو أن (قديرا) من صيغ المبالغة، فيستلزم الزيادة على معنى (قادر) والزيادة على معنى (قادر) محال، إذ الإيجاد من واحد لا يمكن فيه التفاضل باعتبار كلّ فرد فرد.
وأجيب: بأنّ المبالغة لمّا تعذّر حملها على كلّ فرد وجب صرفها إلى مجموع الأفراد الّتي دلّ السّياق عليها، فهي بالنسبة إلى كثرة المتعلّق لا الوصف.
[المطابقة (5)]
المطابقة: وتسمّى الطباق: الجمع بين متضادّين في الجملة.
وهو قسمان: حقيقيّ ومجازيّ، والثاني يسمّى التكافؤ، وكلّ منهما إما لفظيّ أو معنويّ، وإمّا طباق إيجاب أو سلب.
ومن أمثلة ذلك: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً} [التوبة: 82]، {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى ََ وَأَنَّهُ هُوَ أَمََاتَ وَأَحْيََا (44)} [النجم: 43، 44]
__________
(1) البرهان 2/ 506504.
(2) البرهان 2/ 507.
(3) الكشاف 3/ 569.
(4) نقله في البرهان 2/ 508.
(5) انظر البرهان 3/ 455.(1/180)
(43)، {لِكَيْلََا تَأْسَوْا عَلى ََ مََا فََاتَكُمْ وَلََا تَفْرَحُوا بِمََا آتََاكُمْ} [الحديد: 23]، {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقََاظاً وَهُمْ رُقُودٌ} [الكهف: 18].
ومن أمثلة المجازيّ: {أَوَمَنْ كََانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنََاهُ} [الأنعام: 122]. أي ضالا فهديناه.
ومن أمثلة طباق السلب: {تَعْلَمُ مََا فِي نَفْسِي وَلََا أَعْلَمُ مََا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]، {فَلََا تَخْشَوُا النََّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44].
ومن أمثلة المعنويّ: {إِنْ أَنْتُمْ إِلََّا تَكْذِبُونَ قََالُوا رَبُّنََا يَعْلَمُ إِنََّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)} [يس:
15، 16] معناه: (ربنا يعلم إنا لصادقون).
{جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرََاشاً وَالسَّمََاءَ بِنََاءً} [البقرة: 22]. قال أبو عليّ الفارسيّ (1): لمّا كان البناء رفعا للمبنيّ قوبل بالفراش الذي هو على خلاف البناء.
ومنه نوع يسمّى: الطباق الخفيّ، كقوله: {مِمََّا خَطِيئََاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نََاراً} [نوح:
25]. لأن الغرق من صفات الماء، فكأنه جمع بين الماء والنار، قال ابن منقذ: وهي أخفى مطابقة في القرآن (2).
وقال ابن المعتز (3): من أملح الطباق وأخفاه قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصََاصِ حَيََاةٌ}
[البقرة: 179] لأن معنى القصاص القتل، فصار القتل سبب الحياة.
[ترصيع الكلام (4)]
ومنه نوع يسمّى: ترصيع الكلام، وهو اقتران الشيء بما يجتمع معه في قدر مشترك، كقوله: {إِنَّ لَكَ أَلََّا تَجُوعَ فِيهََا وَلََا تَعْرى ََ (118) وَأَنَّكَ لََا تَظْمَؤُا فِيهََا وَلََا تَضْحى ََ (119)} [طه: 118، 119] أتى بالجوع مع العري، وبابه أن يكون مع الظمأ. وبالضحى مع الظمأ، وبابه أن يكون مع العري، لكنّ الجوع والعري اشتركا في الخلوّ، فالجوع خلوّ الباطن من الطعام، والعري خلوّ الظاهر من اللباس. والظمأ والضحى اشتركا في الاحتراق، فالظمأ: احتراق
__________
(1) في كتابه العظيم الحجة للقراء السبعة. انظر البرهان 3/ 456.
(2) انظر البرهان 3/ 457.
(3) نقله في البرهان 3/ 457. وهو عبد الله بن المعتز الخليفة العباسي، وصاحب كتاب «البديع»، توفي سنة 296هـ.
(4) انظر البرهان 3/ 465.(1/181)
الباطن من العطش، والضّحى: احتراق الظاهر من حر الشّمس.
[المقابلة (1)]
ومنه نوع يسمّى: المقابلة، وهي: أن يذكر لفظان فأكثر، ثم أضدادهما على الترتيب. قال ابن أبي الإصبع: والفرق بين الطباق والمقابلة من وجهين:
أحدهما: أنّ الطّباق لا يكون إلّا من ضدّين فقط، والمقابلة لا تكون إلّا بما زاد من الأربعة إلى العشرة.
والثاني: أنّ الطّباق لا يكون إلّا بالأضداد، والمقابلة بالأضداد وبغيرها.
قال السكاكيّ: ومن خواصّ المقابلة أنّه إذا شرط في الأول أمر شرط في الثاني ضدّه، كقوله تعالى: {فَأَمََّا مَنْ أَعْطى ََ وَاتَّقى ََ (5)} [الليل: 5]، قابل بين الإعطاء والبخل، والاتقاء والاستغناء، والتصديق والتكذيب، واليسرى والعسرى. ولمّا جعل التيسير في الأول مشتركا بين الإعطاء والاتقاء والتصديق، جعل ضدّه وهو التعسير مشتركا بين أضدادها.
وقال بعضهم (2): المقابلة إمّا لواحد بواحد: وذلك قليل جدا، كقوله: {لََا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلََا نَوْمٌ} [البقرة: 255].
أو اثنين باثنين: كقوله: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً} [التوبة: 82].
أو ثلاثة بثلاثة: كقوله: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهََاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبََاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبََائِثَ} [الأعراف: 157]، {وَاشْكُرُوا لِي وَلََا تَكْفُرُونِ} [البقرة:
152].
وأربعة بأربعة: كقوله تعالى: {فَأَمََّا مَنْ أَعْطى ََ} الآيتين [الليل: 5].
وخمسة بخمسة: كقوله: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مََا} [البقرة: 26] الآيات، قابل بين: {بَعُوضَةً فَمََا فَوْقَهََا}، وبين {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} و {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}. وبين: {يُضِلُّ} و {وَيَهْدِي}. وبين: {يَنْقُضُونَ} و {مِيثََاقِهِ}، وبين: {وَيَقْطَعُونَ} و {أَنْ يُوصَلَ}.
__________
(1) انظر البرهان 3/ 463458.
(2) انظر البرهان 3/ 465464.(1/182)
أو ستة بستة: كقوله: {زُيِّنَ لِلنََّاسِ حُبُّ الشَّهَوََاتِ} الآية، ثم قال: {قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ}
الآية [آل عمران: 14، 15] قابل: الجنات، والأنهار، والخلد، والأزواج، والتطهير، والرضوان، بإزاء: النساء، والبنين، والذهب، والفضة، والخيل المسوّمة والأنعام، والحرث.
وقسّم آخر المقابلة إلى ثلاثة أنواع (1): نظيريّ، ونقيضيّ، وخلافيّ.
مثال الأول: مقابلة السّنة بالنوم في الآية الأولى، فإنّهما جميعا من باب الرّقاد المقابل باليقظة في آية: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقََاظاً وَهُمْ رُقُودٌ} [الكهف: 18]، وهذا مثال الثاني فإنّهما نقيضان.
ومثال الثالث: مقابلة الشرّ بالرشد في قوله: {وَأَنََّا لََا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرََادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (10)} [الجن: 10]، فإنّهما خلافان لا نقيضان، فإن نقيض الشرّ الخير، والرشد الغيّ.
[المواربة]
المواربة براء مهملة وباء موحّدة: أن يقول المتكلّم قولا يتضمّن ما ينكر عليه، فإذا حصل الإنكار استحضر بحذقه وجها من الوجوه يتخلّ به، إمّا بتحريف كلمة أو تصحيفها أو زيادة أو نقص.
قال ابن أبي الإصبع: ومنه قوله تعالى حكاية عن أكبر أولاد يعقوب: {ارْجِعُوا إِلى ََ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يََا أَبََانََا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} [يوسف: 81]، فإنّه قرئ: (إن ابنك سرّق ولم يسرق)، فأتى بالكلام على الصحة: بإبدال ضمّة من فتحة، وتشديد الراء وكسرتها (2).
[المراجعة]
المراجعة: قال ابن أبي الإصبع: هي أن يحكي المتكلّم مراجعة في القول جرت بينه وبين مجاور له، بأوجز عبارة وأعدل سبك، وأعذب ألفاظ. ومنه قوله تعالى: {قََالَ إِنِّي جََاعِلُكَ لِلنََّاسِ إِمََاماً قََالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قََالَ لََا يَنََالُ عَهْدِي الظََّالِمِينَ} [البقرة: 124] جمعت هذه
__________
(1) انظر البرهان 3/ 458.
(2) قال في البحر المحيط 5/ 333: «وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي، وابن أبي شريح، عن الكسائي والوليد بن حسان، عن يعقوب وغيرهم: (فقد سرّق) بالتشديد مبنيا للمفعول، بمعنى: نسب إلى السرقة، بمعنى: جعل سارقا، ولم يكن كذلك حقيقة» اهـ.(1/183)
القطعة وهي بعض آية ثلاث مراجعات فيها معاني الكلام: من الخبر والاستخبار، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، بالمنطوق والمفهوم.
قلت: أحسن من هذا أن يقال: جمعت الخبر والطلب، والإثبات والنفي، والتأكيد والحذف، والبشارة والنذارة، والوعد والوعيد.
[النزاهة]
النزاهة: هي خلوص ألفاظ الهجاء من الفحش، حتى يكون كما قال أبو عمرو بن العلاء، وقد سئل عن أحسن الهجاء: هو الذي إذا أنشدته العذراء في خدرها لا يقبح عليها.
ومنه قوله تعالى: {وَإِذََا دُعُوا إِلَى اللََّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذََا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)}، ثم قال: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتََابُوا أَمْ يَخََافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللََّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولََئِكَ هُمُ الظََّالِمُونَ (50)} [النور: 48، 50]، فإنّ ألفاظ ذمّ هؤلاء المخبر عنهم بهذا الخبر أتت منزّهة عمّا يقبح في الهجاء من الفحش، وسائر هجاء القرآن كذلك.
[الإبداع]
الإبداع: بالباء الموحدة: أن يشتمل الكلام على عدّة ضروب من البديع.
قال ابن أبي الإصبع: ولم أر في الكلام مثل قوله تعالى: {يََا أَرْضُ ابْلَعِي مََاءَكِ وَيََا سَمََاءُ أَقْلِعِي}
[هود: 44] فإنّ فيها عشرين ضربا من البديع، وهي سبع عشرة لفظة وذلك:
المناسبة التامة في: {ابْلَعِي} و {أَقْلِعِي}.
والاستعارة فيهما.
والطباق بين الأرض والسماء.
والمجاز في قوله تعالى: {وَيََا سَمََاءُ} فإنّ الحقيقة: يا مطر السماء.
والإشارة في: {وَغِيضَ الْمََاءُ}، فإنّه عبّر به عن معان كثيرة لأنّ الماء لا يغيض حتى يقلع مطر السماء وتبلع الأرض ما يخرج منهما من عيون الماء، فينقص الحاصل على وجه الأرض من الماء.
والإرداف في {وَاسْتَوَتْ}.
والتمثيل في: {وَقُضِيَ الْأَمْرُ}.
والتعليل، فإنّ (غيض الماء) علّة الاستواء.(1/184)
والتمثيل في: {وَقُضِيَ الْأَمْرُ}.
والتعليل، فإنّ (غيض الماء) علّة الاستواء.
وصحة التقسيم، فإنّه استوعب فيه أقسام الماء حالة نقصه، إذ ليس إلّا احتباس ماء السماء، والماء النابع من الأرض، وغيض الماء الذي على ظهرها.
والاحتراس في الدعاء، لئلا يتوهّم أنّ الغرق لعمومه شمل من لا يستحق الهلاك، فإنّ عدله تعالى يمنع أن يدعو على غير مستحقّ.
وحسن النسق وائتلاف اللفظ مع المعنى.
والإيجاز فإنه تعالى قصّ القصة مستوعبة بأخصر عبارة.
والتسهيم لأنّ أول الآية يدل على آخرها.
والتهذيب لأنّ مفرداتها موصوفة بصفات الحسن، كلّ لفظة سهلة مخارج الحروف، عليها رونق الفصاحة مع الخلوّ من البشاعة وعقادة التركيب.
وحسن البيان من جهة أنّ السامع لا يتوقف في فهم معنى الكلام، ولا يشكل عليه شيء منه.
والتمكين لأنّ الفاصلة مستقرصة في محلّها، مطمئنة في مكانها، غير قلقة ولا مستدعاة.
والانسجام.
هذا ما ذكره ابن أبي الإصبع.
قلت: فيها أيضا الاعتراض.(1/185)
قلت: فيها أيضا الاعتراض.
النوع التاسع والخمسون في فواصل الآي (1)
الفاصلة: كلمة آخر الآية، كقافية الشّعر وقرينة السجع.
وقال الدّاني: كلمة آخر الجملة.
قال الجعبري: وهو خلاف المطلح، ولا دليل له في تمثيل سيبويه ب {يَوْمَ يَأْتِ}
[هود: 105]، و {مََا كُنََّا نَبْغِ} [الكهف: 64]، وليسا رأس آي لأنّ مراده الفواصل اللغوية لا الصناعية.
وقال القاضي أبو بكر (2): الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع يقع بها إفهام المعاني.
وفرّق الدّاني بين الفواصل ورءوس الآي، فقال: الفاصلة هي الكلام المنفصل عمّا بعده، والكلام المنفصل قد يكون رأس آية، وغير رأس، وكذلك الفواصل يكنّ رءوس آي وغيرها وكلّ رأس آية فاصلة، وليس كل فاصلة رأس آية.
قال: ولأجل كون معنى الفاصلة هذا ذكر سيبويه في تمثيل القوافي {يَوْمَ يَأْتِ}
و {مََا كُنََّا نَبْغِ} وليسا رأس آيتين بإجماع، مع {إِذََا يَسْرِ} [الفجر: 4]، وهو رأس آية باتفاق.
وقال الجعبريّ: لمعرفة الفواصل طريقان: توقيفيّ، وقياسي:
أما التوقيفيّ: فما ثبت أنّه صلّى الله عليه وسلّم وقف عليه دائما تحقّقنا أنه فاصلة، وما وصله دائما تحقّقنا أنه ليس بفاصلة، وما وقف عليه مرّة ووصله أخرى: احتمل الوقف أن يكون لتعريف الفاصلة، أو لتعريف الوقف التام، أو للاستراحة. والوصل أن يكون غير فاصلة، أو فاصلة وصلها لتقدّم تعريفها.
وأما القياسيّ: فهو ما ألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص لمناسب، ولا محذور في ذلك، لأنه لا زيادة فيه ولا نقصان، وإنما غايته أنه محلّ فصل أو وصل،
__________
(1) انظر البرهان 1/ 53، والفاصلة في القرآن لمحمد الحسناوي، طبع المكتب الإسلامي بيروت، و «من بلاغة القرآن» ص 75لأحمد بدوي، طبع دار نهضة مصر.
(2) إعجاز القرآن للباقلاني ص 270.(1/186)
والوقف على كلّ كلمة جائز، ووصل القرآن كلّه جائز، فاحتاج القياس إلى طريق تعرّفه، فنقول: فاصلة الآية كقرينة السجعة في النثر وقافية البيت في الشعر، وما يذكر من عيوب القافية من اختلاف الحركة والإشباع والتوجيه فليس بعيب في الفاصلة، وجاز الانتقال في الفاصلة والقرينة وقافية الأرجوزة من نوع إلى آخر، بخلاف قافية القصيدة، ومن ثمّ ترى: {يَرْجِعُونَ} مع {عَلِيمٌ} [آل عمران: 72، 73]، و {الْمِيعََادَ} مع {الثَّوََابِ} [آل عمران: 194، 195]، {وَالطََّارِقِ} مع {الثََّاقِبُ} [الطارق: 1، 3].
والأصل في الفاصلة والقرينة المتجرّدة في الآية والسجعة المساواة، ومن ثمّ أجمع العادّون على ترك عدّ: {وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} [النساء: 133]، {وَلَا الْمَلََائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} في النساء: [172]، {كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} بسبحان [الإسراء: 59]، و {لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} بمريم [97]، و {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} بطه [113]. و {مِنَ الظُّلُمََاتِ إِلَى النُّورِ} [الطلاق:
11]، {أَنَّ اللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} بالطلاق [12]. حث لم يشاكل طرفيه.
وعلى ترك عدّ: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللََّهِ يَبْغُونَ} بآل عمران [83]. و {أَفَحُكْمَ الْجََاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} بالمائدة [50]. وعدّوا نظائرها للمناسبة، نحو: {لِأُولِي الْأَلْبََابِ} بآل عمران [190]، و {عَلَى اللََّهِ كَذِباً} بالكهف [15]. {وَالسَّلْوى ََ} بطه [80] (1).
وقال غيره: تقع الفاصلة عند الاستراحة بالخطاب لتحسين الكلام بها، وهي الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام، وتسمى فواصل لأنه ينفصل عنده الكلامان، وذلك أنّ آخر الآية فصل بينها وبين ما بعدها، وأخذا من قوله تعالى: {كِتََابٌ فُصِّلَتْ آيََاتُهُ} [فصلت: 3].
ولا يجوز تسميتها قوافي إجماعا لأنّ الله تعالى لمّا سلب عنه اسم الشعر وجب سلب القافية عنه أيضا لأنها منه، وخاصة في الاصطلاح، وكما يمتنع استعمال القافية فيه يمتنع استعمال الفاصلة في الشعر لأنها صفة لكتاب الله تعالى فلا تتعدّاه.
وهل يجوز استعمال السجع في القرآن؟ (2) خرف، الجمهور على المنع لأنّ أصله من سجمع الطير فشرف القرآن أن يستعار لشيء منه لفظ أصله مهمل ولأجل تشريفه عن مشاركة غيره من الكلام الحادث في وصفه بذلك، ولأنّ القرآن من صفاته تعالى، فلا يجوز
__________
(1) البرهان 1/ 10099.
(2) انظر الفاصلة ص 91، وأسس النقد عند العرب لأحمد بدوي ص 601و 909، والإيجاز للرازي ص 143142.(1/187)
وصفه بصفة لم يرد الإذن بها.
قال الرمانيّ في إعجاز القرآن: ذهب الأشعرية إلى امتناع أن يقال: في القرآن سجمع، وفرّقوا بأنّ السجع هو الذي يقصد فيه نفسه ثم يحال المعنى عليه، والفواصل التي تتبع المعاني، ولا تكون مقصودة في نفسها.
قال: ولذلك كانت الفواصل بلاغة، والسجع عيبا.
وتبعه على ذلك القاضي أبو بكر الباقلانيّ، ونقله عن نصّ أبي الحسن الأشعريّ وأصحابنا كلهم.
قال: وذهب كثير من غير الأشاعرة إلى إثبات السجع في القرآن، وزعموا أنّ ذلك ممّا يبين به فضل الكلام، وأنّه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة، كالجناس والالتفات ونحوهما.
قال: وأقوى ما استدلّوا به الاتفاق على أنّ موسى أفضل من هارون، ولمكان السجع قيل في موضع: {هََارُونَ وَمُوسى ََ} [طه: 70]، ولما كانت الفواصل في موضع آخر بالواو والنون قيل: {مُوسى ََ وَهََارُونَ} [الشعراء: 48].
قالوا: وهذا يفارق أمر الشعر، لأنه لا يجوز أن يقع في الخطاب إلّا مقصودا إليه، وإذا وقع غير مقصود إليه كان دون القدر الذي تسميه شعرا وذلك القدر مما يتّفق وجوده من المفحم، كما يتفق وجوده من الشاعر. وأما ما جاء في القرآن من السجع فهو كثير لا يصحّ أن يتفق غير مقصود إليه.
وبنوا الأمر في ذلك على تحديد معنى السجع.
فقال أهل اللغة: هو موالاة الكلام على حدّ واحد.
وقال ابن دريد: سجعت الحمامة معناه ردّدت صوتها، قال القاضي: وهذا غير صحيح، ولو كان القرآن سجعا لكان غير خارج عن أساليب كلامهم، ولو كان داخلا فيها لم يقع بذلك إعجاز، ولو جاز أن يقال: هو سجع معجز، لجاز أن يقولوا: شعر معجز، وكيف والسجع ممّا كان تألفه الكهّان من العرب، ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر لأن الكهانة تنافي النبوّات بخلاف الشعر، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «أسجع كسجع الكهان!» (1) فجعله مذموما.
__________
(1) رواه مسلم (1682)، وأبو داود (4568)، والترمذي (1411)، والنسائي 8/ 51، والدارمي (2382)،(1/188)
قال: وما توهّموا أنّه سجع باطل لأنّ مجيئه على صورته لا يقتضي كونه هو لأنّ السجع يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدّي السجع، وليس كذلك ما اتفق ممّا هو في معنى السجع من القرآن لأنّ اللفظ وقع فيه تابعا للمعنى وفرق بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدّي المعنى المقصود منه، وبين أن يكون المعنى منتظما دون اللفظ. ومتى ارتبط المعنى بالسجع كان إفادة السجع كإفادة غيره، ومتى انتظم المعنى بنفسه دون السجع، كان مستجلبا لتحسين الكلام دون تصحيح المعنى.
قال: وللسّجع منهج محفوظ وطريق مضبوط، من أخلّ به وقع الخلل في كلامه ونسب إلى الخروج عن الفصاحة، كما أنّ الشاعر إذا خرج عن الوزن المعهود كان مخطئا، وأنت ترى فواصل القرآن متفاوتة، بعضها متداني المقاطع، وبعضها يمتدّ حتى يتضاعف طوله عليه، وترد الفاصلة في ذلك الوزن الأول بعد كلام كثير وهذا في السجع غير مرضيّ ولا محمود.
قال: وأمّا ما ذكروه من تقديم موسى على هارون في موضع، وتأخيره عنه في موضع لمكان السجع وتساوى مقاطع الكلام، فليس بصحيح بل الفائدة فيه إعادة القصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدّي معنى واحدا، وذلك من الأمر الصعب الذي تظهر فيه الفصاحة وتتبيّن فيه البلاغة، ولهذا أعيدت كثير من القصص على ترتيبات متفاوتة، تنبيها بذلك على عجزهم عن الإتيان بمثله مبتدأ به ومتكررا ولو أمكنهم المعارضة لقصدوا تلك القصّة، وعبّروا عنها بألفاظ لهم تؤدّي إلى تلك المعاني ونحوها، فعلى هذا القصد بتقديم بعض الكلمات على بعض وتأخيرها إظهار الإعجاز دون السجع إلى أن قال:
فبان بذلك أنّ الحروف الواقعة في الفواصل متناسبة موقع النظائر التي تقع في الأسجاع لا تخرجها عن حدّها، ولا تدخلها في باب السجع. وقد بيّنا أنهم يذمّون كلّ سجع خرج عن اعتدال الأجزاء فكان بعض مصاريعه كلمتين، وبعضها أربع كلمات، ولا يرون ذلك فصاحة، بل يرونه عجزا، فلو فهموا اشتمال القرآن على السجع، لقالوا: نحن نعارضه بسجع معتدل يزيد في الفصاحة على طريقة القرآن. انتهى كلام القاضي في كتاب الإعجاز (1).
__________
والدارقطني 3/ 189، وابن حبان (6016)، وابن الجارود (778)، والطحاوي 3/ 206205. من طرق عن المغيرة. وله طرق أخرى انظر تفصيلها في تخريجنا لسنن ابن ماجة.
(1) إعجاز القرآن ص 57.(1/189)
ونقل صاحب «عروس الأفراح» عنه: أنه ذهب في «الانتظار» إلى جواز تسمية الفواصل سجعا.
وقال الخفاجيّ في «سر الفصاحة»: قول الرّمانيّ إنّ السجع عيب والفواصل بلاغة غلط فإنّه إن أراد بالسجع ما يتبع المعنى وهو غير مقصود متكلّف فذلك بلاغة والفواصل مثله، وإن أراد به ما تقع المعاني تابعة له وهو مقصود متكلّف فذلك عيب، والفواصل مثله. قال: وأظنّ الذي دعاهم إلى تسمية كلّ ما في القرآن فواصل، ولم يسمّوا ما تماثلت حروفه سجعا، رغبتهم في تنزيه القرآن عن الوصف اللّاحق بغيره من الكلام المرويّ عن الكهنة وغيرهم. وهذا غرض في التسمية قريب، والحقيقة ما قلناه.
قال: والتحرير أنّ الأسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفواصل.
قال: فإن قيل: إذا كان عندكم أنّ السجع محمود، فهلا ورد القرآن كلّه مسجوعا، وما الوجه في ورود بعضه مسجوعا وبعضه غير مسجوع؟
قلنا: إنّ القرآن نزل بلغة العرب وعلى عرفهم وعادتهم وكان الفصيح منهم لا يكون كلامه كله مسجوعا، لما فيه من أمارات التكلّف والاستكراه، لا سيما مع طول الكلام، فلم يرده كلّه مسجوعا جريا منهم على عرفهم في اللطافة الغالبة أو الطبقة العالية من كلامهم، ولم يخل من السجع لأنه يحسن في بعض الكلام على الصفة السابقة.
وقال ابن النفيس: يكفي في حسن السجع ورود القرآن به، قال: ولا يقدح في ذلك خلوّه في بعض الآيات لأنّ الحسن قد يقتضي المقام الانتقال إلى أحسن منه.
قال حازم: من الناس من يكره تقطيع الكلام إلى مقادير متناسبة الأطراف، غير متقاربة في الطول والقصر، لما فيه من التكلّف، إلّا ما يقع الإلمام به في النادر من الكلام.
ومنهم من يرى: أنّ التناسب الواقع بإفراغ الكلام في قالب التقفية وتحليتها بمناسبات المقاطع أكيد جدّا.
ومنهم وهو الوسط من يرى أن السجع وإن كان زينة للكلام، فقد يدعو إلى التكلّف، فرأى ألّا يستعمل في جملة الكلام، وألّا يخلى الكلام منه جملة، وأنه يقبل منه ما اجتلبه الخاطر عفوا بلا تكلّف.
قال: وكيف يعاب السجع على الإطلاق، وإنّما نزل القرآن على أساليب الفصيح من كلام العرب، فوردت الفواصل فيه بإزاء ورود الأسجاع في كلامهم، وإنّما لم يجيء على
أسلوب واحد لأنه لا يحسن في الكلام جميعا أن يكون مستمرّا على نمط واحد، لما فيه من التكلّف، ولما في الطبع من الملل، ولأنّ الافتنان في ضروب الفصاحة أعلى من الاستمرار على ضرب واحد، فلهذا وردت بعض آي القرآن متماثلة المقاطع، وبعضها غير متماثل.(1/190)
قال: وكيف يعاب السجع على الإطلاق، وإنّما نزل القرآن على أساليب الفصيح من كلام العرب، فوردت الفواصل فيه بإزاء ورود الأسجاع في كلامهم، وإنّما لم يجيء على
أسلوب واحد لأنه لا يحسن في الكلام جميعا أن يكون مستمرّا على نمط واحد، لما فيه من التكلّف، ولما في الطبع من الملل، ولأنّ الافتنان في ضروب الفصاحة أعلى من الاستمرار على ضرب واحد، فلهذا وردت بعض آي القرآن متماثلة المقاطع، وبعضها غير متماثل.
فصل (1)
الأحكام التي وقعت في آخر الآي مراعاة للمناسبة
ألّف الشيخ شمس الدين بن الصائغ كتابا سمّاه «إحكام الرأي في أحكام الآي» قال فيه:
اعلم أنّ المناسبة أمر مطلوب في اللغة العربية، يرتكب لها أمور من مخالفة الأصول. قال: وقد تتبّعت الأحكام التي وقعت في آخر الآي مراعاة للمناسبة فعثرت منها على نيّف عن الأربعين حكما.
أحدها: تقديم المعمول: إمّا على العامل: نحو: {أَهََؤُلََاءِ إِيََّاكُمْ كََانُوا يَعْبُدُونَ}
[سبأ: 40]، قيل: ومنه: {وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، أو على معمول آخر أصله التقديم، نحو: {لِنُرِيَكَ مِنْ آيََاتِنَا الْكُبْرى ََ (23)} [طه: 23] إذا أعربنا {الْكُبْرى ََ} مفعول (نري). أو على الفاعل، نحو: {وَلَقَدْ جََاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41)} [القمر: 41]، ومنه تقديم خبر كان على اسمها، نحو: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)} [الإخلاص: 4].
الثاني: تقديم ما هو متأخر في الزمان: نحو: {فَلِلََّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى ََ (25)} [النجم: 25]، ولولا مراعاة الفواصل لقدّمت {وَالْأُولى ََ} كقوله: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى ََ وَالْآخِرَةِ} [القصص:
70].
الثالث: تقديم الفاضل على الأفضل: نحو: {بِرَبِّ هََارُونَ وَمُوسى ََ} [طه: 7] وتقدّم ما فيه.
الرابع: تقديم الضمير على ما يفسّره: نحو: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى ََ (67)} [طه:
67].
الخامس: تقديم الصفة المجملة على الصفة المفردة: نحو: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيََامَةِ كِتََاباً يَلْقََاهُ مَنْشُوراً} [الإسراء: 13].
__________
(1) انظر مفتاح السعادة، 2/ 349346فقد نقلها ملخصة، والفاصلة للحسناوي ص 53.(1/191)
السادس: حذف ياء المنقوص المعرّف: نحو: {الْكَبِيرُ الْمُتَعََالِ} [الرعد: 9]، {يَوْمَ التَّنََادِ} [غافر: 32].
السابع: حذف ياء الفعل غير المجزوم: نحو: {وَاللَّيْلِ إِذََا يَسْرِ (4)} [الفجر: 4].
الثامن: حذف ياء الإضافة: نحو: {فَكَيْفَ كََانَ عَذََابِي وَنُذُرِ (16)} [القمر: 16]، {فَكَيْفَ كََانَ عِقََابِ} [الرعد: 32].
التاسع: زيادة حرف المدّ: نحو: {الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10]، و {الرَّسُولَا}
[الأحزاب: 66]، و {السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67]، ومنه إبقاؤه مع الجازم، نحو: {لََا تَخََافُ دَرَكاً وَلََا تَخْشى ََ} [طه: 77]، {سَنُقْرِئُكَ فَلََا تَنْسى ََ (6)} [الأعلى: 6]، على القول بأنه نهي.
العاشر: صرف ما لا ينصرف: نحو: {قَوََارِيرَا (15) قَوََارِيرَا} (1) [الإنسان: 15، 16].
الحادي عشر: إيثار تذكير اسم الجنس: كقوله: {أَعْجََازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر: 20].
الثاني عشر: إيثار تأنيثه: نحو: {أَعْجََازُ نَخْلٍ خََاوِيَةٍ} [الحاقة: 7] ونظير هين قوله في القمر [5]: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)} وفي الكهف [49] {لََا يُغََادِرُ صَغِيرَةً وَلََا كَبِيرَةً إِلََّا أَحْصََاهََا}.
الثالث عشر: الاقتصار على أحد الوجهين الجائزين اللذين قرئ بهما في السبع غير ذلك: كقوله تعالى: {فَأُولََئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً} [الجن: 14]، ولم يجيء: (رشدا) في السبع.
وكذا: {وَهَيِّئْ لَنََا مِنْ أَمْرِنََا رَشَداً} [الكهف: 10] لأنّ الفواصل في السّورتين محرّكة الوسط. وقد جاء في: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ} [الأعراف: 146] وبهذا يبطل ترجيح الفارسيّ قراءة التحريك بالإجماع عليه فيما تقدم (2). ونظير ذلك قراءة:
__________
(1) قرأ نافع وأبو بكر والكسائي بالتنوين فيهما (قواريرا، قواريرا). وقرأ ابن كثير بالتنوين في الأول، وبغير تنوين في الثاني. وقرأ الباقون بغير تنوين فيهما. انظر الكشف عن وجوه القراءات السبع 2/ 354.
(2) قال مكي في الكشف 1/ 477476: «قوله: {الرُّشْدِ} [الأعراف: 146]: قرأ حمزة والكسائي: بفتح الراء والشين. وقرأ الباقون: بضم الراء وإسكان الشين.
وقرأ أبو عمرو في الكهف: {رَشَداً} [الكهف: 10] بفتح الراء والشين. وقرأ الباقون بضم الراء وإسكان الشين. وهما لغتان في الصلاح والدين. وقد قيل: إنّ من فتح الراء والشين أراد به الدين لأنّ قبله ذكر الغي، والدين ضد الغي.
وقد أجمعوا على الفتح في قوله: {تَحَرَّوْا رَشَداً} [الجن: 14] أي: دينا، ومثله: {وَهَيِّئْ لَنََا مِنْ أَمْرِنََا رَشَداً} [الكهف: 0] أي: دينا. ومن ضم الراء أراد الصلاح، كذا حكى أبو عمرو في الفتح والضم، والمعنيان متقاربان، لأنّ الدين الصلاح، والصلاح هو الدين» اهـ. وانظر النشر 2/ 262، وزاد المسير 3/ 261.(1/192)
{تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} [المسد: 1] بفتح الهاء وسكونها (1)، ولم يقرأ {سَيَصْلى ََ نََاراً ذََاتَ لَهَبٍ (3)} [المسد: 3] إلّا بالفتح، لمراعاة الفاصلة (2).
الرابع عشر: إيراد الجملة التي ردّ بها ما قبلها على غير وجه المطابقة في الاسمية والفعلية: كقوله تعالى: {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنََّا بِاللََّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمََا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)}
[البقرة: 8] لم يطابق بين قولهم: {آمَنََّا} وبين ما ردّ به فيقول و (لم يؤمنوا)، أو: (ما آمنوا) لذلك.
الخامس عشر: إيراد أحد القسمين غير مطابق للآخر كذلك: نحو: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللََّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكََاذِبِينَ} [العنكبوت: 3] ولم يقل: (الذين كذبوا).
السادس عشر: إيراد أحد جزأي الجملتين على غير الوجه الذي أورد نظيرها من الجملة الأخرى: نحو: {أُولََئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].
السابع عشر: إيثار أغرب اللفظتين: نحو: {قِسْمَةٌ ضِيزى ََ} [النجم: 22] ولم يقل:
(جائرة). {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} ولم يقل: جهنم أو النار. وقال في المدثر [26] {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)}، وفي سأل [15] {إِنَّهََا لَظى ََ}، وفي القارعة [9]: {فَأُمُّهُ هََاوِيَةٌ (9)}
لمراعاة فواصل كلّ سورة.
الثامن عشر: اختصاص كلّ من المشتركين بموضع: نحو: {وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبََابِ}
[إبراهيم: 52]. وفي سورة طه [128]. {إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيََاتٍ لِأُولِي النُّهى ََ}.
التاسع عشر: حذف المفعول: نحو: {فَأَمََّا مَنْ أَعْطى ََ وَاتَّقى ََ (5)} [الليل: 5]. {مََا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمََا قَلى ََ (3)} [الضحى: 3] ومنه حذف متعلق أفعل التفضيل، نحو: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى ََ}
[طه: 7]. {خَيْرٌ وَأَبْقى ََ} [الأعلى: 17].
العشرون: الاستغناء بالإفراد عن التثنية: نحو: {فَلََا يُخْرِجَنَّكُمََا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى ََ} [طه:
117].
الحادي والعشرون: الاستغناء به عن الجمع: نحو: {وَاجْعَلْنََا لِلْمُتَّقِينَ إِمََاماً}
[الفرقان: 74] ولم يقل: (أئمة)، كما قال: {وَجَعَلْنََاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ} [الأنبياء: 73].
__________
(1) قرأ ابن كثير بإسكان الهاء، وقرأ الباقون بالفتح، وهما لغتان. انظر الكشف 2/ 390، والتبصرة ص 734733، والبدور الزاهرة ص 348.
(2) كلهم فتحوا الهاء من ذات لهب، انظر التبصرة ص 734، والبدور ص 348.(1/193)
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنََّاتٍ وَنَهَرٍ (54)} [القمر: 54] أي: أنهار.
الثاني والعشرون: الاستغناء بالتثنية عن الإفراد: نحو: {وَلِمَنْ خََافَ مَقََامَ رَبِّهِ جَنَّتََانِ (46)} [الرحمن: 46] قال الفرّاء: أراد: جنة، كقوله: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ََ (41)} [النازعات:
41] فثنّى لأجل الفاصلة. قال: والقوافي تحتمل من الزيادة والنقصان ما لا يحتمله سائر الكلام.
ونظير ذلك قول الفرّاء أيضا في قوله تعالى: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقََاهََا (12)} [الشمس:
12]، فإنهما رجلان: قدار وآخر معه، ولم يقل: (أشقياها) للفاصلة. وقد أنكر ذلك ابن قتيبة وأغلظ فيه، وقال: إنما يجوز في رءوس الآي زيادة هاء السكت أو الألف أو حذف همز، أو حرف، فأما أن يكون الله وعد بجنتين فيجعلهما جنة واحدة لأجل رءوس الآي، معاذ الله! وكيف هذا وهو يصفها بصفات الاثنين، قال: {ذَوََاتََا أَفْنََانٍ (48)} ثم قال: {فِيهِمََا}
[الرحمن: 48، 50].
وأما ابن الصائغ: فإنه نقل عن الفرّاء أنه أراد (جنّات) فأطلق الاثنين على الجمع لأجل الفاصلة. ثم قال: وهذا غير بعيد. قال: وإنما عاد الضمير بعد ذلك بصيغة التثنية مراعاة للفظ.
وهذا هو الثالث والعشرون.
الرابع والعشرون: الاستغناء بالجمع عن الإفراد: نحو: {لََا بَيْعٌ فِيهِ وَلََا خِلََالٌ}
[يوسف: 4] {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33].
السادس والعشرون: إمالة ما لا يمال: كآي طه والنّجم.
السابع والعشرون: الإتيان بصيغة المبالغة: كقدير وعليم، مع ترك ذلك في نحو {هُوَ الْقََادِرُ} [الأنعام: 65]، و {عََالِمُ الْغَيْبِ} [الأنعام: 73]، ومنه {وَمََا كََانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}
[مريم: 64].
الثامن والعشرون: إيثار بعض أوصاف المبالغة على بعض: نحو: {إِنَّ هََذََا لَشَيْءٌ عُجََابٌ} [ص: 5] أوثر على (عجيب) لذلك.
التاسع والعشرون: الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه: نحو: {وَلَوْلََا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكََانَ لِزََاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)} [طه: 129].
الثلاثون: إيقاع الظاهر موضع المضمر: نحو: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتََابِ وَأَقََامُوا
الصَّلََاةَ إِنََّا لََا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)} [الأعراف: 170]. وكذا آية الكهف.(1/194)
الثلاثون: إيقاع الظاهر موضع المضمر: نحو: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتََابِ وَأَقََامُوا
الصَّلََاةَ إِنََّا لََا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)} [الأعراف: 170]. وكذا آية الكهف.
الحادي والثلاثون: وقوع (مفعول) موقع (فاعل): كقوله: {حِجََاباً مَسْتُوراً} [الإسراء:
45]، {كََانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} [مريم: 61] أي: ساترا وآتيا.
الثاني والثلاثون: وقوع (فاعل) موقع (مفعول): نحو: {فِي عِيشَةٍ رََاضِيَةٍ} [الحاقة:
21]، {مِنْ مََاءٍ دََافِقٍ} [الطارق: 6].
الثالث والثلاثون: الفصل بين الموصوف والصفة: نحو: {أَخْرَجَ الْمَرْعى ََ (4) فَجَعَلَهُ غُثََاءً أَحْوى ََ (5)} [الأعلى: 4، 5] إن أعرب {أَحْوى ََ} صفة {الْمَرْعى ََ} أي: حالا.
الرابع والثلاثون: إيقاع حرف مكان غيره: نحو: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى ََ لَهََا (5)} [الزلزلة:
5] والأصل (إليها).
الخامس والثلاثون: تأخير الوصف غير الأبلغ عن الأبلغ: ومنه: {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}. {رَؤُفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] لأنّ الرأفة أبلغ من الرحمة.
السادس والثلاثون: حذف الفاعل ونيابة المفعول: نحو: {وَمََا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ََ (19)} [الليل: 19].
السابع والثلاثون: إثبات هاء السكت: نحو: {مََالِيَهْ} [الحاقة: 28]. {سُلْطََانِيَهْ}
[الحاقة: 29]، {مََا هِيَهْ} [القارعة: 101].
الثامن والثلاثون: الجمع بين المجرورات: نحو: {ثُمَّ لََا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنََا بِهِ تَبِيعاً}
[الإسراء: 69] فإنّ الأحسن الفصل بينها، إلّا أنّ مراعاة الفاصلة اقتضت عدمه وتأخير {تَبِيعاً}.
التاسع والثلاثون: العدول عن صيغة المضيّ إلى صيغة الاستقبال: نحو: {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87]. والأصل (قتلتم).
الأربعون: تغيير بنية الكلمة، نحو: {وَطُورِ سِينِينَ (2)} [التين: 2]. والأصل (سينا).
تنبيه: قال ابن الصائغ: لا يمتنع في توجيه الخروج عن الأصل في الآيات المذكورة أمور أخرى مع وجه المناسبة، فإنّ القرآن العظيم كما جاء في الأثر: «لا تنقضي عجائبه» (1).
__________
(1) جزء من حديث طويل رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (8646) 9/ 139، وأبو عبيد في(1/195)
فصل
أقسام الفواصل أربعة
قال ابن أبي الإصبع: لا تخرج فواصل القرآن عن أحد أربعة أشياء: التمكين، والتصدير، والتوشيح، والإيغال (1).
التمكين
فالتّمكين ويسمّى ائتلاف القافية: أن يمهّد الناثر للقرينة، أو الشاعر للقافية تمهيدا تأتي به القافية أو القرينة متمكّنة في مكانها، مستقرّة في قرارها، مطمئنّة في موضعها، غير نافرة ولا قلقة، متعلّقا معناها بمعنى الكلام كله تعلقا تامّا، بحث لو طرحت لاختلّ المعنى واضطرب الفهم، وبحيث لو سكت عنها كمله السامع بطبعه.
ومن أمثلة ذلك: {يََا شُعَيْبُ أَصَلََاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ} [هود: 87] الآية. فإنّه لمّا تقدّم في الآية ذكر العبادة، وتلاه ذكر التصرّف في الأموال، اقتضى ذلك ذكر الحلم والرّشد على الترتيب، لأنّ الحلم يناسب العبادات، والرّشد يناسب الأموال.
وقوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنََا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسََاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيََاتٍ أَفَلََا يَسْمَعُونَ (26)} [السجدة: 26]. {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنََّا نَسُوقُ الْمََاءَ} إلى قوله: {أَفَلََا يُبْصِرُونَ} [السجدة: 27] فأتى في الآية الأولى ب {يَهْدِ لَهُمْ} وختمها ب {يَسْمَعُونَ} لأنّ الموعظة فيها مسموعة، وهي أخبار القرون. وفي الثانية ب {يَرَوْا} وختمها ب {يُبْصِرُونَ}
لأنها مرئية.
وقوله: {لََا تُدْرِكُهُ الْأَبْصََارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصََارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} [الأنعام:
103] فإنّ اللطيف بناسب ما لا يدرك بالبصر، والخبير بناسب ما يدركه.
وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ مِنْ سُلََالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)} إلى قوله: {فَتَبََارَكَ اللََّهُ أَحْسَنُ الْخََالِقِينَ} [المؤمنون: 1412] فإنّ في هذه الفاصلة التمكين التام المناسب لما قبلها. وقد
__________
فضائل القرآن ص 21، وابن نصر في قيام الليل ص 155 (المختصر)، والآجري في أخلاق حملة القرآن ص 2524، وابن حبان في المجروحين 1/ 100، والحاكم في المستدرك 1/ 555، والبيهقي في الشعب 24/ 325324، وابن الجوزي في العلل 1/ 109. قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - إبراهيم بن مسلم الهجري: ضعيف.
2 - الصحيح أنه موقوف على ابن مسعود. فقد رواه جماعة من الثقات كابن عيينة وابن طهمان، وزائدة عن الهجري، عن ابن مسعود موقوفا. انظر تفصيل هذا في الذيل على كتاب «الرد على من يقول: {الم} حرف». ص 9289.
(1) انظر البرهان 1/ 7978، والفاصلة ص 286285.(1/196)
بادر بعض الصحابة حين نزل أول الآية إلى ختمها بها، قبل أن يسمع آخرها فأخرج ابن أبي حاتم من طريق الشعبيّ، عن زيد بن ثابت، قال: أملى عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ مِنْ سُلََالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)} إلى قوله: {خَلْقاً آخَرَ}. قال معاذ بن جبل: {فَتَبََارَكَ اللََّهُ أَحْسَنُ الْخََالِقِينَ}. فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له معاذ: ممّ ضحكت يا رسول الله؟ قال: «بها ختمت» (1).
وحكي أنّ أعرابىّ سمع قارئا يقرأ: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مََا جََاءَتْكُمُ الْبَيِّنََاتُ}
[البقرة: 209] (فاعلموا أنّ الله غفور رحيم). ولم يكن يقرأ القرآن. فقال: إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا، الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل لأنه إغراء عليه.
__________
(1) سبق في النوع العاشر: فيما أنزل من القرآن على لسان بعض الصحابة.(1/197)
تنبيهات
الأول: قد تجتمع فواصل في موضع واحد ويخالف بينها: كأوائل النحل، فإنه بدأ بذكر الأفلاك، فقال: {خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} [النحل: 3] ثم ذكر خلق الإنسان من نطفة، ثم خلق الأنعام، ثم عجائب النبات، فقال: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرََابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنََابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرََاتِ إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)} [النحل: 10، 11] فجعل مقطع هذه الآية التفكّر لأنّه استدلال بحدوث الأنواع المختلفة من النبات على وجود الإله القادر المختار، ولمّا كان هنا مظنّة سؤال، وهو أنه: لم لا يجوز أن يكون المؤثر فيه طبائع الفصول وحركات الشمس والقمر؟ وكان الدليل لا يتمّ إلّا بالجواب عن هذا السؤال، كان مجال التفكر والنظر والتأمّل باقيا، فأجاب تعالى عنه من وجهين:
أحدهما: أنّ تغيّرات العالم السفلي مربوطة بأحوال حركات الأفلاك، فتلك الحركات كيف حصلت؟ فإن كان حصولها بسبب أفلاك أخرى لزم التسلسل، وإن كان من الخالق الحكيم: فذاك إقرار بوجود الإله تعالى. وهذا هو المراد بقوله: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهََارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرََاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيََاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)}
[النحل: 12] فجعل مقطع هذه الآية العقل، وكأنه قيل: إن كنت عاقلا فاعلم أنّ التسلسل باطل فوجب انتهاء الحركات إلى حركة يكون موجدها غير متحرّك، وهو الإله القادر المختار.
والثاني: أنّ نسبة الكواكب والطبائع إلى جميع أجزاء الورقة الواحدة والحبّة الواحدة واحدة. ثم إنّا نرى الورقة الواحدة من الورد أحد وجهيها في غاية الحمرة، والآخر في غاية السواد فلو كان المؤثّر موجبا بالذات لامتنع حصول هذا التفاوت في الآثار فعلمنا أنّ المؤثّر قادر مختار. وهذا هو المراد من قوله: {وَمََا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوََانُهُ إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)} [النحل: 13] كأنه قيل: اذكر ما ترسّخ في عقلك: أنّ الواجب بالذات وبالطبع لا يختلف تأثيره، فإذا نظرت حصول هذا الاختلاف علمت أنّ المؤثر ليس هو الطبائع، بل الفاعل المختار، فلهذا جعل مقطع الآية التذكّر.
ومن ذلك قوله تعالى: {قُلْ تَعََالَوْا أَتْلُ مََا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الآيات، فإنّ الأولى ختمت بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}. والثانية بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. والثالثة بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.(1/198)
والثاني: أنّ نسبة الكواكب والطبائع إلى جميع أجزاء الورقة الواحدة والحبّة الواحدة واحدة. ثم إنّا نرى الورقة الواحدة من الورد أحد وجهيها في غاية الحمرة، والآخر في غاية السواد فلو كان المؤثّر موجبا بالذات لامتنع حصول هذا التفاوت في الآثار فعلمنا أنّ المؤثّر قادر مختار. وهذا هو المراد من قوله: {وَمََا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوََانُهُ إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)} [النحل: 13] كأنه قيل: اذكر ما ترسّخ في عقلك: أنّ الواجب بالذات وبالطبع لا يختلف تأثيره، فإذا نظرت حصول هذا الاختلاف علمت أنّ المؤثر ليس هو الطبائع، بل الفاعل المختار، فلهذا جعل مقطع الآية التذكّر.
ومن ذلك قوله تعالى: {قُلْ تَعََالَوْا أَتْلُ مََا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الآيات، فإنّ الأولى ختمت بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}. والثانية بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. والثالثة بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
لأنّ الوصايا التي في الآية الأولى إنما يحمل على تركها عدم العقل الغالب على الهوى: لأنّ الإشراك بالله، لعدم استكمال العقل الدالّ على توحيده وعظمته. وكذلك عقوق الوالدين: لا يقتضيه العقل، لسبق إحسانهما إلى الولد بكلّ طريق، وكذلك قتل الأولاد بالوأد من الإملاق، مع وجود الرازق الحيّ الكريم، وكذلك إتيان الفواحش لا يقتضيه عقل، وكذا قتل النفس لغيظ أو غضب في القاتل، فحسن بعد ذلك {يَعْقِلُونَ}.
وأما الثانية: فلتعلّقها بالحقوق المالية والقولية، فإنّ من علم أنّ له أيتاما يخلّفهم من بعده: لا يليق به أن يعامل أيتام غيره إلا بما يحبّ أن يعامل به أيتامه. ومن يكيل أو يزن أو يشهد لغيره: لو كان ذلك الأمر له لم يحبّ أن يكون فيه خيانة ولا بخس. وكذا من وعد: لو وعد، لم يحب أن يخلف. ومن أحب ذلك عامل الناس به ليعاملوه بمثله، فترك ذلك إنما يكون لغفلة عن تدبّر ذلك وتأمّله، فلذلك ناسب الختم بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
وأما الثالثة: فلأنّ ترك اتباع شرائع الله الدينية مؤدّ إلى غضبه وإلى عقابه، فحسن:
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي: عقاب الله بسببه.
ومن ذلك قوله في الأنعام أيضا: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ} الآيات، فإنه ختم الأولى بقوله: {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، والثانية بقوله: {لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ}، والثالث بقوله: {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. وذلك لأنّ.
حساب النجوم والاهتداء بها يختصّ بالعلماء بذلك، فناسب ختمه ب {يَعْلَمُونَ}.
وإنشاء الخلائق من نفس واحدة، ونقلهم من صلب إلى رحم، ثم إلى الدنيا، ثم إلى حياة وموت، والنظر في ذلك والفكر فيه أدقّ، فناسب ختمه ب {يَفْقَهُونَ} لأنّ الفقه فهم الأشياء الدقيقة.
ولمّا ذكر ما أنعم به على عباده من سعة الأرزاق والأقوات والثمار وأنواع ذلك، ناسب ختمه بالإيمان الداعي إلى شكره تعالى على نعمه.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَمََا هُوَ بِقَوْلِ شََاعِرٍ قَلِيلًا مََا تُؤْمِنُونَ (41) وَلََا بِقَوْلِ كََاهِنٍ قَلِيلًا مََا تَذَكَّرُونَ (42)} [الحاقة: 41، 42]
حيث ختم الأولى ب {تُؤْمِنُونَ}، والثانية ب {تَذَكَّرُونَ} ووجهه:(1/199)
ومن ذلك قوله تعالى: {وَمََا هُوَ بِقَوْلِ شََاعِرٍ قَلِيلًا مََا تُؤْمِنُونَ (41) وَلََا بِقَوْلِ كََاهِنٍ قَلِيلًا مََا تَذَكَّرُونَ (42)} [الحاقة: 41، 42]
حيث ختم الأولى ب {تُؤْمِنُونَ}، والثانية ب {تَذَكَّرُونَ} ووجهه:
أنّ مخالفة القرآن لنظم الشعر ظاهرة واضحة لا تخفى على أحد، فقول من قال:
شعر، كفر وعناد محض، فناسب ختمه بقوله: {قَلِيلًا مََا تُؤْمِنُونَ}.
وأما مخالفته لنظم الكهّان وألفاظ السجع فتحتاج إلى تذكّر وتدبّر لأنّ كلّا منهما نثر، فليست مخالفته له في وضوحها لكلّ أحد كمخالفته الشعر وإنما تظهر بتدبّر ما في القرآن من الفصاحة والبلاغة والبدائع والمعاني الأنيقة، فحسن ختمه بقوله: {قَلِيلًا مََا تَذَكَّرُونَ}.
ومن بديع هذا النوع: اختلاف الفاصلتين في موضعين، والمحدّث عنه واحد، لنكتة لطيفة. كقوله تعالى في سورة إبراهيم [34]: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللََّهِ لََا تُحْصُوهََا إِنَّ الْإِنْسََانَ لَظَلُومٌ كَفََّارٌ}. ثم قال في سورة النحل [18]: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللََّهِ لََا تُحْصُوهََا إِنَّ اللََّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)}.
قال ابن المنيّر: كأنه يقول: إذا حصلت النعم الكثيرة، فأنت آخذها وأنا معطيها، فحصل لك عند أخذها وصفان: كونك ظلوما وكونك كفّارا يعني لعدم وفائك بشكرها.
ولي عند إعطائها وصفان، وهما: أني غفور رحيم، أقابل ظلمك بغفراني، وكفرك برحمتي، فلا أقابل تقصيرك إلّا بالتوقير، ولا أجازي جفاك إلّا بالوفاء.
وقال غيره: إنما خصّ سورة إبراهيم بوصف المنعم عليه، وسورة النحل بوصف المنعم لأنه في سورة إبراهيم في مساق وصف الإنسان، وفي سورة النحل في مساق صفات الله وإثبات ألوهيته (1).
ونظيره: قوله تعالى في سورة الجاثية، [15]: {مَنْ عَمِلَ صََالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسََاءَ فَعَلَيْهََا ثُمَّ إِلى ََ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)}. وفي فصلت [46] ختم بقوله: {وَمََا رَبُّكَ بِظَلََّامٍ لِلْعَبِيدِ}.
ونكتة ذلك: أنّ قبل الآية الأولى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لََا يَرْجُونَ أَيََّامَ اللََّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمََا كََانُوا يَكْسِبُونَ (14)} [الجاثية: 14] فناسب الختام بفاصلة البعث، لأنّ قبله وصفهم بإنكاره. وأما الثانية: فالختام فيها مناسب لأنه لا يضيع عملا صالحا، ولا يزيد على من عمل سيّئا.
__________
(1) انظر البرهان 1/ 86.(1/200)
وقال في سورة النساء [48]: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مََا دُونَ ذََلِكَ لِمَنْ يَشََاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللََّهِ فَقَدِ افْتَرى ََ إِثْماً عَظِيماً (48)}. ثم أعادها، وختم بقوله: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللََّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلََالًا بَعِيداً} [النساء: 116] ونكتة ذلك: أنّ الأولى نزلت في اليهود، وهم الذين افتروا على الله ما ليس في كتابه. والثانية نزلت في المشركين، ولا كتاب لهم وضلالهم أشدّ.
ونظيره: قوله في المائدة [44]: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمََا أَنْزَلَ اللََّهُ فَأُولََئِكَ هُمُ الْكََافِرُونَ}، ثم أعادها فقال: {فَأُولََئِكَ هُمُ الظََّالِمُونَ} [المائدة: 45]، ثم قال في الثالثة:
{فَأُولََئِكَ هُمُ الْفََاسِقُونَ} [المائدة: 47].
ونكتته: أنّ الأولى نزلت في أحكام المسلمين، والثانية في اليهود، والثالثة في النصارى (1).
وقيل: الأولى فيمن جحد ما أنزل الله، والثانية فيمن خالفه مع علمه ولم ينكره، والثالثة فيمن خالفه جاهلا.
وقيل: الكافر والظالم والفاسق كلها بمعنى واحد، وهو الكفر، عبّر عنه بألفاظ مختلفة لزيادة الفائدة، واجتناب صورة التكرار.
وعكس هذا: اتفاق الفاصلتين والمحدّث عنه مختلف، كقوله في سورة النور [58].
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ}، إلى قوله: {كَذََلِكَ يُبَيِّنُ اللََّهُ لَكُمُ الْآيََاتِ وَاللََّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ثم قال: {وَإِذََا بَلَغَ الْأَطْفََالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذََلِكَ يُبَيِّنُ اللََّهُ لَكُمْ آيََاتِهِ وَاللََّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)} [النور: 59].
التنبيه الثاني: من مشكلات الفواصل قوله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبََادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} [المائدة: 118] فإن قوله: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} يقتضي أن تكون الفاصلة (الغفور الرحيم) وكذا نقلت عن مصحف أبيّ، وبها قرأ ابن شنبوذ (2).
وذكر في حكمته: أنه لا يغفر لمن استحق العذاب إلّا من ليس فوقه أحد يردّ عليه حكمه، فهو العزيز أي: الغالب، والحكيم هو الذي يضع الشيء في محله. وقد يخفى وجه الحكمة على بعض الضعفاء في بعض الأفعال، فيتوهمّهم أنه خارج عنها، وليس
__________
(1) انظر البرهان 1/ 87.
(2) هو محمد بن أحمد بن أيوب بن شنبوذ، ويكنى: أبا الحسن. وهو من القرّاء، لكن قراءته شاذة.(1/201)
كذلك، فكان في الوصف بالحكيم احتراس حسن، أي: وإن تغفر لهم مع استحقاقهم العذاب فلا معترض عليك لأحد في ذلك، والحكمة فيما فعلته.
ونظير ذلك: قوله في سورة التوبة [71]: {أُولََئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللََّهُ إِنَّ اللََّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. وفي سورة الممتحنة [5]: {وَاغْفِرْ لَنََا رَبَّنََا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. وفي غافر [8]: {رَبَّنََا وَأَدْخِلْهُمْ جَنََّاتِ عَدْنٍ}. إلى قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. وفي النور [10]: {وَلَوْلََا فَضْلُ اللََّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللََّهَ تَوََّابٌ حَكِيمٌ (10)}. فإنّ بادئ الرأي يقتضي {تَوََّابٌ رَحِيمٌ} لأنّ الرحمة مناسبة للتوبة، لكن عبّر به إشارة إلى فائدة مشروعية اللّعان وحكمته، وهي السّتر عن هذه الفاحشة العظيمة.
ومن خفيّ ذلك أيضا: قوله في سورة البقرة [29]: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مََا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى ََ إِلَى السَّمََاءِ فَسَوََّاهُنَّ سَبْعَ سَمََاوََاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}. وفي آل عمران [29]: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مََا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللََّهُ وَيَعْلَمُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ وَمََا فِي الْأَرْضِ وَاللََّهُ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)}.
فإنّ المتبادر إلى الذهن في آية البقرة الختم بالقدرة، وفي آية آل عمران الختم بالعلم. والجواب:
أنّ آية البقرة: لما تضمّنت الإخبار عن خلق الأرض، وما فيها على حسب حاجات أهلها ومنافعهم ومصالحهم، وخلق السموات خلقا مستويا محكما من غير تفاوت، والخالق على الوصف المذكور يجب أن يكون عالما بما فعله كليّا وجزئيا، مجملا ومفصلا، ناسب ختمها بصفة العلم.
وآية آل عمران: لما كانت في سياق الوعيد على موالاة الكفار، وكان التعبير بالعلم فيها كناية عن المجازاة بالعقاب والثواب، ناسب ختمها بصفة القدرة.
ومن ذلك قوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلََّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلََكِنْ لََا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كََانَ حَلِيماً غَفُوراً} [الإسراء: 44] فالختم بالحلم والمغفرة عقب تسابيح الأشياء غير ظاهر في بادئ الرأي، وذكر في حكمته: أنه لما كانت الأشياء كلّها تسبّح، ولا عصيان في حقّها وأنتم تعصون: ختم به مراعاة للمقدّر في الآية وهو العصيان. كما جاء في الحديث: «لولا بهائم رتّع، وشيوخ ركّع، وأطفال رضّع، لصبّ عليكم العذاب صبّا، ولرصّ رصّا» (1).
__________
(1) رواه ابن عدي في الكامل 6/ 380، والبيهقي في سننه 3/ 345، وفي شعب الإيمان 7/ 155، وابن أبي(1/202)
وقيل: التقدير: حليما عن تفريط المسبّحين، غفورا لذنوبهم.
وقيل: حليما عن المخاطبين الذين لا يفقهون التسبيح، بإهمالهم النظر في الآيات والعبر، ليعرفوا حقه بالتأمل فيما أودع في مخلوقاته، ممّا يوجب تنزيهه.
التنبيه الثالث: في الفواصل ما لا نظير له في القرآن، كقوله عقب الأمر بالغضّ في سورة النور [30]: {إِنَّ اللََّهَ خَبِيرٌ بِمََا يَصْنَعُونَ}. وقوله عقب الأمر بالدّعاء والاستجابة:
{لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
وقيل: فيه تعريض بليلة القدر، حيث ذكر ذلك عقب ذكر رمضان، أي: لعلّهم يرشدون إلى معرفتها.
[التصدير (1)]
وأما التّصدير: فهو أن تكون تلك اللفظة بعينها تقدّمت في أول الآية، وتسمّى أيضا:
ردّ العجز على الصدر.
وقال ابن المعتز (2): هو ثلاثة أقسام:
الأول: أن يوافق آخر الفاصلة آخر كلمة في الصدر، نحو: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلََائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى ََ بِاللََّهِ شَهِيداً} [النساء: 166].
والثاني: أن يوافق أول كلمة منه، نحو: {وَهَبْ لَنََا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهََّابُ} [آل عمران: 8]. {قََالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقََالِينَ (168)} [الشعراء: 168].
__________
عاصم في الآحاد والمثاني 2/ 210، والطبراني في الكبير (785) 22/ 309، عن مسافع الدئلي، وذكره في الميزان 3/ 428427، واللسان 5/ 5.
قلت: سنده ضعيف. فيه:
1 - مالك بن عبيدة: مجهول. قال ابن معين: لا أعرفه. انظر الميزان 3/ 427.
2 - عبيدة: قال ابن المديني: مجهول. انظر التهذيب 7/ 85، والتقريب 1/ 547.
3 - عبد الرحمن بن سعد: ضعيف. انظر التهذيب 6/ 183، والكاشف 2/ 147، والتقريب 1/ 481.
وفي الباب عن أبي هريرة: رواه أبو يعلى، حديث رقم (6402) 11/ 287، وحديث رقم (6633) 11/ 511. والبزار في مسنده، حديث رقم (3212) 4/ 66.
قلت: في سنده: إبراهيم بن خثيم: قال النسائي: متروك. وقال أبو زرعة: منكر الحديث. انظر اللسان 1/ 53، ومجمع الزوائد 10/ 227.
(1) انظر الفاصلة ص 289.
(2) في كتابه البديع ص 9493.(1/203)
الثالث: أن يوافق بعض كلماته، نحو: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحََاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مََا كََانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (10)} [الأنعام: 10]. {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنََا بَعْضَهُمْ عَلى ََ بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجََاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)} [الإسراء: 21]. {قََالَ لَهُمْ مُوسى ََ وَيْلَكُمْ لََا تَفْتَرُوا عَلَى اللََّهِ كَذِباً} [طه: 61]. إلى قوله: {وَقَدْ خََابَ مَنِ افْتَرى ََ} [طه: 61]. {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كََانَ غَفََّاراً (10)} [نوح: 15].
[التوشيح]
وأمّا التوشيح: فهو أن يكون في أوّل الكلام ما يستلزم القافية.
والفرق بينه وبين التصدير: أنّ هذا دلالته معنوية، وذاك لفظية. كقوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ اصْطَفى ََ آدَمَ} [آل عمران: 33] الآية، فإنّ {اصْطَفى ََ} لا يدلّ على أنّ الفاصلة {الْعََالَمِينَ} باللفظ لأنّ لفظ {الْعََالَمِينَ} غير لفظ {اصْطَفى ََ}. ولكن بالمعنى لأنه يعلم أنّ من لوازم اصطفاء شيء أن يكون مختارا على جنسه، وجنس هؤلاء المصطفين العالمون.
وكقوله: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ} [يس: 37] الآية. قال ابن أبي الإصبع: فإنّ من كان حافظا لهذه السورة، متفطّنا إلى أن مقاطع آيها النون المردفة، وسمع في صدر الآية انسلاخ النهار من الليل، علم أنّ الفاصلة {مُظْلِمُونَ} لأنّ من انسلخ النهار عن ليله أظلم. أي:
دخل في الظلمة، ولذلك سمّي: توشيحا، لأنّ الكلام لما دلّ أوله على آخره نزّل المعنى منزلة الوشاح، ونزّل أول الكلام وآخره منزلة العاتق والكشح اللذين يحوّل عليها الوشاح.
وأما
الإيغال:
فتقدم في نوع الإطناب.
فصل (1)
أقسام السجع
قسّم البديعيون السجع ومثله الفواصل إلى أقسام: مطرّف، ومتواز، ومرصّع، ومتوازن، ومتماثل.
فالمطرّف: أن تختلف الفاصلتان في الوزن وتتفقا في حروف السجع، نحو: {مََا لَكُمْ لََا تَرْجُونَ لِلََّهِ وَقََاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوََاراً (14)} [نوح: 13، 14].
والمتوازي: أن يتفقا وزنا وتقفية، ولم يكن ما في الأولى مقابلا لما في الثانية في
__________
(1) انظر الإيجاز للرازي ص 142.(1/204)
الوزن والتقفية. نحو: {فِيهََا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوََابٌ مَوْضُوعَةٌ (14)} [الغاشية: 13، 14].
والمتوازن: أن يتفقا في الوزن دون التقفية. نحو: {وَنَمََارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرََابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)} [الغاشية: 15، 16].
والمرصّع: أن يتفقا وزنا وتقفية، ويكون ما في الأولى مقابلا لما في الثانية كذلك.
نحو: {إِنَّ إِلَيْنََا إِيََابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنََا حِسََابَهُمْ (26)} [الغاشية: 25، 26]. {إِنَّ الْأَبْرََارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجََّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} [الانفطار: 13، 14].
والمتماثل: أن يتساويا في الوزن دون التقفية، وتكون أفراد الأولى مقابلة لما في الثانية، فهو بالنسبة إلى المرصّع كالمتوازن بالنسبة إلى المتوازي. نحو: {وَآتَيْنََاهُمَا الْكِتََابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنََاهُمَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)} [الصافات: 117، 118] فالكتاب والصراط يتوازنان، وكذا المستبين والمستقيم، واختلفا في الحرف الأخير.
فصل
التشريع والالتزام
بقي نوعان بديعيّان متعلقان بالفواصل:
أحدهما: التشريع: وسمّاه ابن أبي الإصبع: التوأم، وأصله: أن يبني الشاعر بيته على وزنين من أوزان العروض، فإذا أسقط منها جزءا أو جزءين صار الباقي بيتا من وزن آخر، ثم زعم قوم اختصاصه به.
وقال آخرون: بل يكون في النثر، بأن يكون مبنيا على سجعتين لو اقتصر على الأولى منهما كان الكلام تامّا مفيدا، وإن ألحقت به السجعة الثانية كان في التّمام، والإفادة على حاله مع زيادة معنى ما زاد من اللفظ.
قال ابن أبي الإصبع: وقد جاء من هذا الباب معظم سورة الرحمن فإن آياتها لو اقتصر فيها على أولى الفاصلتين دون: {فَبِأَيِّ آلََاءِ رَبِّكُمََا تُكَذِّبََانِ (18)} [الرحمن: 18] لكان تامّا مفيدا، وقد كمل بالثانية، فأفاد معنى زائدا من التقرير والتوبيخ.
قلت: التمثيل غير مطابق، والأولى أن يمثّل بالآيات التي في إثباتها ما يصلح أن تكون فاصلة، كقوله: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللََّهَ قَدْ أَحََاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً}
[الطلاق: 12] وأشباه ذلك.
الثاني: الالتزام، ويسمى لزوم ما لا يلزم، وهو: أن يلتزم في الشعر أو النثر حرف أو حرفان فصاعدا قبل الرويّ بشرط عدم الكلفة.
مثال التزام حرف: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلََا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السََّائِلَ فَلََا تَنْهَرْ (10)} [الضحى: 9، 10] التزم الهاء قبل الراء. ومثله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)} [الشرح: 1] الآيات، التزم فيها الراء قبل الكاف. {فَلََا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوََارِ الْكُنَّسِ (16)} [التكوير: 15، 16] التزم فيها النون المشددة قبل السين. {وَاللَّيْلِ وَمََا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)} [الانشقاق:(1/205)
الثاني: الالتزام، ويسمى لزوم ما لا يلزم، وهو: أن يلتزم في الشعر أو النثر حرف أو حرفان فصاعدا قبل الرويّ بشرط عدم الكلفة.
مثال التزام حرف: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلََا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السََّائِلَ فَلََا تَنْهَرْ (10)} [الضحى: 9، 10] التزم الهاء قبل الراء. ومثله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)} [الشرح: 1] الآيات، التزم فيها الراء قبل الكاف. {فَلََا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوََارِ الْكُنَّسِ (16)} [التكوير: 15، 16] التزم فيها النون المشددة قبل السين. {وَاللَّيْلِ وَمََا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)} [الانشقاق:
17، 18].
ومثال التزام حرفين: {وَالطُّورِ (1) وَكِتََابٍ مَسْطُورٍ (2)} [الطور: 1، 2]. {مََا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)} [القلم: 2، 3]. {كَلََّا إِذََا بَلَغَتِ التَّرََاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رََاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرََاقُ (28)} [القيامة: 2826].
ومثال التزام ثلاثة أحرف: {تَذَكَّرُوا فَإِذََا هُمْ مُبْصِرُونَ وَإِخْوََانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لََا يُقْصِرُونَ (202)} [الأعراف: 201، 202].(1/206)
ومثال التزام ثلاثة أحرف: {تَذَكَّرُوا فَإِذََا هُمْ مُبْصِرُونَ وَإِخْوََانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لََا يُقْصِرُونَ (202)} [الأعراف: 201، 202].
تنبيهات
الأول: قال أهل البديع: أحسن السجع ونحوه ما تساوت قرائنه، نحو: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} [الواقعة: 3028]، ويليه ما طالت قرينته الثانية، نحو: {وَالنَّجْمِ إِذََا هَوى ََ (1) مََا ضَلَّ صََاحِبُكُمْ وَمََا غَوى ََ (2)} [النجم: 1، 2]، أو الثالثة، نحو: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ} [الحاقة: 3230] الآية.
وقال ابن الأثير: الأحسن في الثانية المساواة، وإلّا فأطول قليلا، وفي الثالثة أن تكون أطول.
وقال الخفاجيّ: لا يجوز أن تكون الثانية أقصر من الأولى.
الثاني: قالوا: أحسن السجع ما كان قصيرا، لدلالته على قوة المنشئ.
وأقله: كلمتان، نحو: {يََا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)} [المدثر: 1، 2] الآيات.
{وَالْمُرْسَلََاتِ عُرْفاً (1)} [المرسلات: 1] الآيات. {وَالذََّارِيََاتِ ذَرْواً (1)} [الذاريات:
1] الآيات. {وَالْعََادِيََاتِ ضَبْحاً (1)} [العاديات: 1] الآيات.
والطويل: ما زاد عن العشر، كغالب الآيات. وما بينهما متوسط كآيات سورة القمر.
الثالث: قال الزمخشري في كشافه القديم (1): لا تحسن المحافظة على الفواصل لمجرّدها إلّا مع بقاء المعاني على سردها، على المنهج الذي يقتضيه حسن النظم والتئامه، فأمّا أن تهمل المعاني ويهتمّ بتحسين اللفظ وحده، غير منظور فيه إلى مؤدّاه، فليس من قبيل البلاغة. وبنى على ذلك: أن التقديم في {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4] ليس لمجرّد الفاصلة، بل لرعاية الاختصاص.
الرابع: مبنى الفواصل على الوقف، ولهذا ساغ مقابلة المرفوع بالمجرور وبالعكس، كقوله: {إِنََّا خَلَقْنََاهُمْ مِنْ طِينٍ لََازِبٍ} مع قوله: {عَذََابٌ وََاصِبٌ} و {شِهََابٌ ثََاقِبٌ}
[الصافات: 119].
__________
(1) الكشاف 1/ 140.(1/207)
وقوله: {بِمََاءٍ مُنْهَمِرٍ} مع قوله: {قَدْ قُدِرَ} {وَدُسُرٍ} {مُسْتَمِرٍّ} [القمر: 11، 12، 13، 19].
وقوله: {وَمََا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وََالٍ} مع قوله: {وَيُنْشِئُ السَّحََابَ الثِّقََالَ} [الرعد:
11، 12].
الخامس: كثر في القرآن ختم الفواصل بحروف المدّ واللين وإلحاق النون، وحكمته: وجود التمكّن من التطريب بذلك. كما قال سيبويه: إنهم إذا ترنّموا يلحقون الألف والياء والنون لأنهم أرادوا مدّ الصوت، ويتركون ذلك إذا لم يترنّموا، وجاء في القرآن على أسهل موقف وأعذب مقطع.
السادس: حروف الفواصل إمّا متماثلة وإمّا متقاربة:
فالأولى: مثل: {وَالطُّورِ (1) وَكِتََابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)}
[الصور: 41].
والثاني مثل: {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ (3) مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [الفاتحة: 3، 4].
{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جََاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقََالَ الْكََافِرُونَ هََذََا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)} [ق:
1، 2].
قال الإمام فخر الدين وغيره (1): وفواصل القرآن لا تخرج عن هذين القسمين، بل تنحصر في المتماثلة والمتقاربة. قال: وبهذا يترجّح مذهب الشافعيّ على مذهب أبي حنيفة في عدّ الفاتحة سبع آيات مع البسملة. وجعل {صِرََاطَ الَّذِينَ} إلى آخرها آية فإنّ من جعل آخر الآية السادسة {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} مردود بأنه لا يشابه فواصل سائر آيات السورة: لا بالمماثلة ولا بالمقاربة، ورعاية التشابه في الفواصل لازمة.
السابع: كثر في الفواصل التضمين والإيطاء، لأنهما ليسا بعيبين في النثر، وإن كانا عيبين في النظم.
فالتضمين: أن يكون ما بعد الفاصلة متعلّقا بها، كقوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: 137، 138].
والإيطاء: تكرّر الفاصلة بلفظها، كقوله تعالى في الإسراء [الآية: 93]: {هَلْ كُنْتُ إِلََّا بَشَراً رَسُولًا}. وختم بذلك الآيتين بعدها.
__________
(1) انظر البرهان 1/ 75.(1/208)
النوع الستون في فواتح السور (1)
أفردها بالتأليف ابن أبي الإصبع في كتاب سمّاه «الخواطر السوانح في أسرار الفواتح». وأنا ألخّص هنا ما ذكره مع زوائد من غيره.
اعلم أنّ الله افتتح سور القرآن بعشرة أنواع من الكلام، لا يخرج شيء من السور عنها:
الأول: الثّناء عليه تعالى، والثناء قسمان: إثبات لصفات المدح، ونفي وتنزيه من صفات النقص، فالأوّل التحميد في خمس سور، وتبارك في سورتين، والثاني التسبيح في سبع سور.
قال الكرماني في متشابه القرآن (2): التسبيح كلمة استأثر الله بها، فبدأ بالمصدر في بني إسرائيل لأنه الأصل، ثم بالماضي في الحديد والحشر لأنه أسبق الزمانين، ثم بالمضارع في الجمعة والتغابن، ثم بالأمر في الأعلى استيعابا لهذه الكلمة من جميع جهاتها.
الثاني: حروف التهجّي في تسع وعشرين سورة، وقد مضى الكلام عليها مستوعبا في نوع المتشابه، ويأتي الإلمام بمناسباتها في نوع المناسبات.
الثالث: النّداء في عشر سور: خمس بنداء الرسول صلّى الله عليه وسلّم: الأحزاب، والطلاق، والتحريم، والمزّمّل، والمدّثر. وخمس بنداء الأمّة: النساء، والمائدة، والحج، والحجرات، والممتحنة.
الرابع: الجمل الخبرية، نحو: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفََالِ} [الأنفال] {بَرََاءَةٌ مِنَ اللََّهِ}
[التوبة]. {أَتى ََ أَمْرُ اللََّهِ} [النحل]. {اقْتَرَبَ لِلنََّاسِ حِسََابُهُمْ} [الأنبياء]. {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} [المؤمنون].
__________
(1) انظر البرهان 1/ 164.
(2) البرهان في توجيه متشابه القرآن ص 200، وانظر درة التنزيل ص 470469، وملاك التأويل 2/ 10701069، والبرهان 1/ 165.(1/209)
{سُورَةٌ أَنْزَلْنََاهََا} [النور]. {تَنْزِيلُ الْكِتََابِ}. {الَّذِينَ كَفَرُوا} [محمد].
{إِنََّا فَتَحْنََا} [الفتح]. {اقْتَرَبَتِ السََّاعَةُ} [القمر]. {الرَّحْمََنُ (1) عَلَّمَ} [الرحمن]. {قَدْ سَمِعَ اللََّهُ} [المجادلة]. {الْحَاقَّةُ (1)}. {سَأَلَ سََائِلٌ} [المعارج]. {إِنََّا أَرْسَلْنََا نُوحاً} [نوح]. {لََا أُقْسِمُ} في موضعين [القيامة، البلد]. {عَبَسَ}. {إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ} [القدر]. {لَمْ يَكُنِ} [البنية].
{الْقََارِعَةُ (1)}. {أَلْهََاكُمُ} [التكاثر]. {إِنََّا أَعْطَيْنََاكَ} [الكوثر]. فتلك ثلاث وعشرون سورة.
الخامس: القسم في خمس عشرة سورة:
سورة أقسم فيها بالملائكة، وهي {وَالصَّافََّاتِ}.
وسورتان بالأفلاك: البروج والطارق.
وستّ سور بلوازمها: فالنجم قسم بالثريّا، والفجر بمبدإ النهار، والشمس بآية النهار، واللّيل بشطر الزمان، والضحى بشطر النهار، والعصر بالشّطر الآخر أو بجملة الزمان.
وسورتان بالهواء الذي هو أحد العناصر: والذّاريات، والمرسلات.
وسورة بالتربة التي هي منها أيضا، وهي: الطور.
وسورة بالبنات وهي: {وَالتِّينِ}.
وسورة بالحيوان الناطق وهي: {وَالنََّازِعََاتِ}.
وسورة بالبهيم وهي: {وَالْعََادِيََاتِ}.
السادس: الشّرط في سبع سور: الواقعة، والمنافقون، والتكوير، والانفطار، والانشقاق، والزلزلة، والنّصر.
السابع: الأمر في ست سور: {قُلْ أُوحِيَ}. {فَإِذََا قَرَأْنََاهُ}. {قُلْ يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ (1)}. {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)}. {قُلْ أَعُوذُ} المعوذتين.
الثامن: الاستفهام في ستّ سور: {عَمَّ يَتَسََاءَلُونَ (1)}. {هَلْ أَتى ََ}. {هَلْ أَتََاكَ}.
{أَلَمْ نَشْرَحْ}. {أَلَمْ تَرَ}. {أَرَأَيْتَ}.
التاسع: الدّعاء في ثلاث: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)}. {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ}.
{تَبَّتْ}.
العاشر: التعليل في {لِإِيلََافِ قُرَيْشٍ (1)}.(1/210)
{تَبَّتْ}.
العاشر: التعليل في {لِإِيلََافِ قُرَيْشٍ (1)}.
هكذا جمع أبو شامة، قال: وما ذكرناه في الدعاء يجوز أن يذكر مع الخبر، وكذا الثناء كلّه خبر إلّا {فَسَبِّحْ} فإنّه يدخل في قسم الأمر، و (سبحان) يحتمل الأمر والخبر.
ثم نظم ذلك في بيتين فقال:
أثنى على نفسه سبحانه بثبو ... ت الحمد والسلب لما استفتح السّورا
والأمر شرط الندا والتعليل والقسم الدّ ... عا حروف التّهجّي استفهم الخبرا
وقال أهل البيان: من البلاغة حسن الابتداء وهو أن يتأنّق في أوّل الكلام، لأنه أول ما يقرع السمع، فإن كان محررا أقبل السامع على الكلام ووعاه، وإلّا أعرض عنه ولو كان الباقي في النهاية الحسن، فينبغي أن يؤتى فيه بأعذب اللفظ وأجزله وأرقه وأسلسه وأحسنه نظما وسبكا، وأصحّحه معنى، وأوضحه وأخلاه من التعقيد، والتقديم والتأخير الملبس، أو الذي لا يناسب.
قالوا: وقد أتت جميع فواتح السور على أحسن الوجوه وأبلغها وأكملها، كالتحميدات وحروف الهجاء والنداء، وغير ذلك.
ومن الابتداء الحسن نوع أخصّ منه يسمّى: براعة الاستهلال، وهو: أن يشتمل أول الكلام على ما يناسب الحال المتكلّم فيه، ويشير إلى ما سيق الكلام لأجله والعلم الأسنى في ذلك سورة الفاتحة، التي هي مطلع القرآن، فإنّها مشتملة على جميع مقاصده، كما قال البيهقيّ في «شعب الإيمان» (1). أخبرنا أبو القاسم بن حبيب، أنبأنا محمد بن صالح بن هانئ، أنبأنا الحسين بن الفضل: حدّثنا عفّان بن مسلم، عن الربيع بن صبيح، عن الحسن قال: أنزل الله مائة وأربعة كتب، أودع علومها أربعة منها: التوراة، والإنجيل، والزّبور، والفرقان. ثم أودع علوم التّوراة والإنجيل والزبور والفرقان والقرآن، ثم أودع علوم القرآن المفصّل، ثم أودع علوم المفصّل فاتحة الكتاب، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة.
وقد وجّه ذلك: بأن العلوم التي احتوى عليها القرآن وقامت بها الأديان أربعة:
علم الأصول: ومداره على معرفة الله وصفاته، وإليه الإشارة ب {رَبِّ الْعََالَمِينَ (2) الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ (3)}،
__________
(1) رواه البيهقي في شعب الإيمان حديث رقم (2371)، 2/ 97.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - الربيع بن صبيح: صدوق، سيّئ الحفظ، انظر التقريب 1/ 245، والكاشف 1/ 236.(1/211)
ومعرفة النبوّات، وإليه الإشارة ب {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، ومعرفة المعاد، وإليه الإشارة ب {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}.
وعلم العبادات: وإليه الإشارة ب {إِيََّاكَ نَعْبُدُ}.
وعلم السلوك: وهو حمل النفس على الآداب الشرعية والانقياد لرب البريّة، وإليه الإشارة ب {وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)}.
وعلم القصص: وهو الاطلاع على أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية ليعلم المطّلع على ذلك سعادة من أطاع الله وشقاوة من عصاه، وإليه الإشارة بقوله: {صِرََاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضََّالِّينَ (7)}.
فنبّه في الفاتحة على جميع مقاصد القرآن وهذا هو الغاية في براعة الاستهلال، مع اشتملت عليه من الألفاظ الحسنة، والمقاطع المستحسنة وأنواع البلاغة (1).
وكذلك أوّل سورة {فَإِذََا قَرَأْتَ}: فإنّها مشتملة على نظير ما اشتملت عليه الفاتحة من براعة الاستهلال، لكونها أوّل ما أنزل من القرآن: فإنّ فيها الأمر بالقراءة والبداءة فيها باسم الله، وفيه الإشارة إلى علم الأحكام. وفيها ما يتعلق بتوحيد الربّ وإثبات ذاته وصفاته من صفة ذات وصفة فعل، وفي هذه الإشارة إلى أصول الدين. وفيها ما يتعلق بالإخبار من قوله: {عَلَّمَ الْإِنْسََانَ مََا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق: 5] ولهذا قيل: إنها جديرة أن تسمّى:
عنوان القرآن، لأنّ عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله.(1/212)
عنوان القرآن، لأنّ عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله.
النوع الحادي والستون في خواتم السور (1)
هي أيضا مثل الفواتح في الحسن لأنها آخر ما يقرع الأسماع، فلهذا جاءت متضمّنة للمعاني البديعة، مع إيذان السامع بانتهاء الكلام، حتى لا يبقى معه للنفوس تشوّف إلى ما يذكر بعد، لأنها بين أدعية ووصايا وفرائض، وتحميد وتهليل، ومواعظ، ووعد ووعيد، إلى غير ذلك.
كتفصيل جملة المطلوب في خاتمة الفاتحة، إذ المطلوب الأعلى: الإيمان المحفوظ من المعاصي المسبّبة لغضب الله والضلال، ففصّل جملة ذلك بقوله: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. والمراد المؤمنون، ولذلك أطلق الإنعام ولم يقيّده ليتناول كلّ إنعام، لأنّ من أنعم الله عليه بنعمة الإيمان فقد أنعم عليه بكلّ نعمة، لأنها مستتبعة لجميع النّعم، ثم وصفهم بقوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضََّالِّينَ} يعني: أنهم جمعوا بين النعم المطلقة وهي نعمة الإيمان، وبين السلامة من غضب الله تعالى والضّلال المسبّبين عن معاصيه وتعدّي حدوده.
__________
(1) الفاتحة تشتمل محتوياتها على أنواع مقاصد القرآن، وهي ثلاثة أنواع:
1 - الثناء على الله، ثناء جامعا لوصفه بجميع المحامد، وتنزيهه عن جميع النقائص.
2 - وإثبات تفرده بالإلهية.
3 - وإثبات البعث والجزاء.
وذلك من قوله: {الْحَمْدُ لِلََّهِ} إلى قوله: {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}. والأوامر والنواهي من قوله: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ}، والوعد والوعيد من قوله: {صِرََاطَ الَّذِينَ} إلى آخر السورة. فهذه هي أنواع مقاصد القرآن كلّه، وغيرها تكملات لها. وهي أيضا تشتمل معانيها على جملة معاني القرآن من الحكم النظرية والأحكام العملية، فإنّ معاني القرآن: إما علوم تقصد معرفتها، وإما أحكام يقصد منها العمل بها.
فالعلوم كالتوحيد والصفات والنبوات والمواعظ والأمثال والحكم والقصص، والإحكام إما عمل الجوارح، وهو العبادات والمعاملات، وإما عمل القلوب، أي العقول، وهو تهذيب الأخلاق وآداب الشريعة. وكلّها تشتمل عليها معاني الفاتحة بدلالة المطابقة، أو التضمن، أو الالتزام، انظر التحرير والتنوير 1/ 134133.(1/213)
وكالدّعاء الذي اشتملت عليه الآيتان من آخر سورة البقرة.
وكالوصايا التي ختمت بها سورة آل عمران: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصََابِرُوا}.
والفرائض التي ختمت بها سورة النساء، وحسن الختم بها لما فيها من أحكام الموت الذي هو آخر أمر كلّ حيّ، ولأنّها آخر ما أنزل من الأحكام.
وكالتجبيل والتعظيم الذي ختمت به المائدة.
وكالوعد والوعيد الّذي ختمت به الأنعام.
وكالتحريض على العبادة بوصف حال الملائكة الذي ختمت به الأعراف.
وكالحضّ على الجهاد وصلة الأرحام الذي ختم به الأنفال.
وكوصف الرسول ومدحه، والتهليل الذي ختمت به براءة.
وتسليته عليه الصلاة والسلام الذي ختمت به يونس، ومثلها خاتمة هود.
ووصف القرآن ومدحه الذي ختم به يوسف.
والوعيد والردّ على من كذّب الرسول الذي ختم به الرعد (1).
ومن أوضح ما آذن بالختام خاتمة إبراهيم: {هََذََا بَلََاغٌ لِلنََّاسِ} الآية، ومثلها خاتمة الأحقاف، وكذا خاتمة الحجر بقوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتََّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} وهو مفسّر بالموت، فإنها في غاية البراعة.
وانظر إلى سورة الزلزلة كيف: بدئت بأهوال القيامة وختمت بقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}.
وانظر إلى براعة آخر آية نزلت، وهي قوله: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللََّهِ}
[البقرة: 281] وما فيها من الإشعار بالآخريّة المستلزمة للوفاة.
وكذلك آخر سورة نزلت وهي سورة النصر، فيها الإشعار بالوفاة، كما أخرج البخاريّ من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أنّ عمر سألهم عن قوله: {إِذََا جََاءَ نَصْرُ اللََّهِ وَالْفَتْحُ (1)} فقالوا: فتح المدائن والقصور، قال: ما تقول يا ابن عباس؟ قال أجل
__________
(1) انظر البرهان 1/ 182.(1/214)
ضرب لمحمد، نعيت له نفسه (1).
وأخرج أيضا عنه قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأنّ بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم تدخل هذا معنا، ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنّه من قد علمتم. ثم دعاهم ذات يوم فقال: ما تقولون في قول الله: {إِذََا جََاءَ نَصْرُ اللََّهِ وَالْفَتْحُ (1)}؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا. وسكت بعضهم فلم يقل شيئا. فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلمه به، قال: {إِذََا جََاءَ نَصْرُ اللََّهِ وَالْفَتْحُ (1)} وذلك علامة أجلك.
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كََانَ تَوََّاباً (3)}. فقال عمر: إني لا أعلم منها إلّا ما تقول (2).
__________
(1) رواه البخاري (4969). والنسائي في الكبرى في التفسير (731) 2/ 566565، وفي كتاب الوفاة (7077) 4/ 251، والطبري 12/ 730.
(2) رواه البخاري (4970)، والنسائي في الكبرى (732) في التفسير 2/ 567566، والطبراني في الكبير (11903) 11/ 329328، والبيهقي في الدلائل 5/ 447446.(1/215)
النوع الثاني والستون في مناسبة الآيات والسور (1)
أفرده بالتأليف العلامة أبو جعفر بن الزبير شيخ أبي حيان في كتاب سمّاه «البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن». ومن أهل العصر الشيخ برهان الدين البقاعيّ في كتاب سمّاه «نظم الدّرر في تناسب الآية والسور» (2) وكتابي الّذي صنعته في أسرار التنزيل كافل بذلك، جامع لمناسبات السور والآيات مع ما تضمّنه من بيان وجوه الإعجاز وأساليب البلاغة. وقد لخّصت منه مناسبات السور خاصّة في جزء لطيف، سمّيته «تناسق الدّرر في تناسب السور» (3).
وعلم المناسبة علم شريف، قلّ اعتناء المفسرين به لدقّته، وممن أكثر فيه الإمام فخر الدين، وقال في تفسيره: أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط.
وقال ابن العربيّ في «سراج المريدين» (4): ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متّسقة المعاني منتظمة المباني علم عظيم، لم يتعرّض له إلّا عالم واحد عمل فيه سورة البقرة، ثم فتح الله لنا فيه، فلمّا لم نجد له حملة، ورأينا الخلق بأوصاف البطلة، ختمنا عليه، وجعلناه بيننا وبين الله ورددناه إليه.
وقال غيره (5): أول من أظهر علم المناسبة الشيخ أبو بكر النيسابوري، وكان غزير العلم في الشريعة والأدب وكان يقول على الكرسيّ إذا قرئ عليه: لم جعلت هذه الآية إلى جنب هذه؟ وما الحكم في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة؟. وكان يزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة.
__________
(1) انظر البرهان 1/ 35.
(2) وهو مطبوع في مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، وهو تفسير جامع للمناسبات بين الآية وأختها، وبين السورة والتي قبلها بما يمتع.
(3) وقد طبع في مصر قديما. وأنا بصدد تحقيقه على نسخ خطية يسّر الله إتمامه.
(4) نقله في البرهان 1/ 36.
(5) القائل هو الشيخ أبو الحسن الشهراباني كما ذكر الزركشي في البرهان 1/ 36.(1/216)
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام (1): المناسبة علم حسن، لكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متّحد مرتبط أوله بآخره فإن وقع على أسباب مختلفة لم يقع فيه ارتباط، ومن ربط ذلك فهو متكلّف بما لا يقدر عليه إلّا بربط ركيك، يصان عن مثله حسن الحديث فضلا عن أحسنه فإن القرآن نزل في نيّف وعشرين سنة، في أحكام مختلفة، شرعت لأسباب مختلفة، وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض.
وقال الشيخ وليّ الدين الملويّ: قد وهم من قال: لا يطلب للآي الكريمة مناسبة، لأنها على حسب الوقائع المفرّقة. وفصل الخطاب: أنها على حسب الوقائع تنزيلا، وعلى حسب الحكمة ترتيبا وتأصيلا، فالمصحف على وفق ما في اللوح المحفوظ، مرتّبة سوره كلّها وآياتها بالتوقيف، كما أنزل جملة إلى بيت العزّة ومن المعجز البيّن أسلوبه ونظمه الباهر، والّذي ينبغي في كلّ آية: أن يبحث أوّل كلّ شيء عن كونها مكمّلة لما قبلها أو مستقلة ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها؟ ففي ذلك علم جمّ، وهكذا في السّور، يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له. انتهى.
وقال الإمام الرازيّ في سورة البقرة: ومن تأمّل في لطائف نظم هذه السورة، وفي بدائع ترتيبها، علم أنّ القرآن كما أنّه معجز بحسب فصاحة ألفاظه، وشرف معانيه، فهو أيضا بسبب ترتيبه ونظم آياته، ولعلّ الذين قالوا: إنه معجز بسبب أسلوبه أرادوا ذلك، إلّا أن رأيت جمهور المفسّرين معرضين عن هذه اللطائف، غير منتبهين لهذه الأسرار، وليس الأمر في هذا الباب كما قيل:
والنّجم تستصغر الأبصار صورته ... والذّنب للطّرف لا للنّجم في الصغر
__________
(1) نقله في البرهان 1/ 37.(1/217)
فصل [تعريف المناسبة] (1):
المناسبة في اللغة: المشاكلة والمقاربة، ومرجعها في الآيات ونحوها إلى معنى رابط بينها، عامّ أو خاصّ، عقليّ أو حسيّ أو خياليّ أو غير ذلك من أنواع العلاقات أو التلازم الذهنيّ، كالسّبب والمسبب، والعلّة والمعلول، والنظيرين والضّدّين، ونحوه.
وفائدته: جعل أجزاء الكلام بعضها آخذا بأعناق بعض، فيقوى بذلك الارتباط، ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء، فنقول: ذكر الآية بعد الأخرى:
إمّا أن يكون ظاهر الارتباط، لتعلّق الكلم بعضه ببعض وعدم تمامه بالأولى، فواضح. وكذلك إذا كانت الثانية للأولى على وجه التأكيد أو التفسير أو الاعتراض أو البدل وهذا القسم لا كلام فيه.
وإما ألا يظهر الارتباط، بل يظهر أنّ كلّ جملة مستقلة عن الأخرى، وأنها خلاف النوع المبدوء به.
فإما أن تكون معطوفة على الأولى بحرف من حروف العطف المشتركة في الحكم أو لا.
فإن كانت معطوفة: فلا بد أن يكون بينهما جهة جامعة، على ما سبق تقسيمه، كقوله تعالى: {يَعْلَمُ مََا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمََا يَخْرُجُ مِنْهََا وَمََا يَنْزِلُ مِنَ السَّمََاءِ وَمََا يَعْرُجُ فِيهََا} [الحديد: 4].
وقوله: {وَاللََّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245] للتضادّ بين القبض والبسط، والولوج والخروج، والنزول والعروج، وشبه التضادّ بين السماء والأرض.
وممّا الكلام فيه التضادّ: ذكر الرحمة بعد ذكر العذاب، والرغبة بعد الرهبة وقد جرت عادة القرآن إذا ذكر أحكاما ذكر بعدها وعدا ووعيدا، ليكون باعثا على العمل بما سبق، ثم يذكر آيات توحيد وتنزيه ليعلم عظم الآمر والناهي، وتأمل سورة البقرة والنساء والمائدة تجده كذلك.
وإن لم تكن معطوفة: فلا بدّ من دعامة تؤذن باتصال الكلام وهي قرائن معنوية تؤذن بالربط.
__________
(1) انظر البرهان 1/ 35.(1/218)
وله أسباب (1):
أحدها: التنظير: فإنّ إلحاق النظير بالنظير من شأن العقلاء، كقوله: {كَمََا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} عقب قوله: {أُولََئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 4، 5] فإنّه تعالى أمر رسوله أن يمضي لأمره في الغنائم على كره من أصحابه، كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العير أو للقتال وهم له كارهون. والقصد: أنّ كراهتهم لما فعله من قسمة الغنائم ككراهتهم للخروج، وقد تبيّن في الخروج الخير من الظفر والنصر والغنيمة وعزّ الإسلام، فكذا يكون فيما فعله في القسمة، فليطيعوا ما أمروا به ويتركوا هوى أنفسهم.
الثاني: المضادّة: كقوله في سورة البقرة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ} [البقرة:
6] الآية، فإنّ أوّل السورة كان حديثا عن القرآن، وأنّ من شأنه الهداية للقوم الموصوفين بالإيمان، فلمّا أكمل وصف المؤمنين عقّب بحديث الكافرين فبينهما جامع وهمي بالتضادّ من هذا الوجه، وحكمته التشويق والثبوت على الأول، كما قيل: وبضدّها تتبيّن الأشياء.
فإن قيل: هذا جامع بعيد، لأنّ كونه حديثا عن المؤمنين بالعرض لا بالذات، والمقصود بالذات الذي هو مساق الكلام إنما هو الحديث عن القرآن، لأنه مفتتح القول.
قيل: لا يشترط في الجامع ذلك، بل يكفي التعلّق على أيّ وجه كان، ويكفي في وجه الربط ما ذكرنا لأنّ القصد تأكيد أمر القرآن والعمل به، والحث على الإيمان. ولهذا لمّا فرغ من ذلك قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمََّا نَزَّلْنََا عَلى ََ عَبْدِنََا} [البقرة: 23] فرجع إلى الأوّل.
الثالث: الاستطراد: كقوله تعالى: {يََا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنََا عَلَيْكُمْ لِبََاساً يُوََارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبََاسُ التَّقْوى ََ ذََلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26].
قال الزمخشري (2): هذه الآية واردة على سبيل الاستطراد، عقب ذكر بدوّ السوءات وخصف الورق عليهما، إظهارا للمنّة فيما خلق من اللباس، ولما في العري وكشف العورة من المهانة والفضيحة، وإشعارا بأنّ السّتر باب عظيم من أبواب التقوى.
وقد خرّجت على الاستطراد قوله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلََّهِ وَلَا الْمَلََائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 172] فإنّ أول الكلام ذكر للردّ على النصارى الزاعمين
__________
(1) انظر البرهان 1/ 40.
(2) الكشاف 2/ 74، وانظر البرهان 1/ 49.(1/219)
بنوّة المسيح، ثم استطرد للرّد على العرب الزاعمين بنوّة الملائكة.
ويقرب من الاستطراد حتى لا يكادان يفترقان حسن التخلّص، وهو: أن ينتقل ممّا ابتدئ به الكلام إلى المقصود على وجه سهل يختلسه اختلاسا، دقيق المعنى بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول إلّا وقد وقع عليه الثاني، لشدّة الالتئام بينهما.
وقد غلط أبو العلاء محمد بن غانم (1) في قوله: لم يقع منه في القرآن شيء لما فيه من التكلّف. وقال: إنّ القرآن إنما ورد على الاقتضاب الذي هو طريقة العرب من الانتقال إلى غير ملائم: ولي كما قال، ففيه من التخلّصات العجيبة ما يحيّر العقول (2).
وانظر إلى سورة الأعراف: كيف ذكر فيها الأنبياء والقرون الماضية والأمم السالفة، ثم ذكر موسى، إلى أن قصّ حكاية السبعين رجلا ودعائه لهم، ولسائر أمته بقوله:
{وَاكْتُبْ لَنََا فِي هََذِهِ الدُّنْيََا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ} وجوابه تعالى عنه، ثم تخلّص بمناقب سيّد المرسلين بعد تخلّصه لأمته بقوله: {قََالَ عَذََابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشََاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهََا لِلَّذِينَ} [الأعراف: 156] من صفاتهم كيت وكيت، وهم الذين يتّبعون الرسول النبيّ الأميّ. وأخذ في صفاته الكريمة وفضائله.
وفي سورة الشعراء: حكى قول إبراهيم: {وَلََا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)}، فتخلّص منه إلى وصف المعاد بقوله: {يَوْمَ لََا يَنْفَعُ مََالٌ وَلََا بَنُونَ (88)} [الشعراء: 87، 88].
وفي سورة الكهف: حكى قول ذي القرنين في السدّ بعد دكّه الذي هو من أشراط الساعة، ثم النفخ في الصور وذكر الحشر، ووصف مآل الكفار والمؤمنين.
وقال بعضهم: الفرق بين التخلّص والاستطراد: أنك في التخلّص تركت ما كنت فيه بالكلّية، وأقبلت على ما تخلصت إليه. وفي الاستطراد: تمرّ بذكر الأمر الذي استطردت إليه مرورا كالبرق الخاطف، ثم تتركه وتعود إلى ما كنت فيه، كأنك لم تقصده وإنما عرض عروضا.
قيل: وبهذا يظهر أنّ ما في سورتي الأعراف والشعراء من باب الاستطراد لا التخلّص، لعودة في الأعراف إلى قصّة موسى بقوله: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسى ََ أُمَّةٌ} [الأعراف:
159] إلى آخره، وفي الشعراء إلى ذكر الأنبياء والأمم.
__________
(1) هو محمد بن غانم المعروف بالغانمي، كان من فضلاء عصره، وشعره مشهور، وهو من شعراء نظام الملك، انظر اللباب 3/ 166.
(2) انظر البرهان 1/ 43.(1/220)
ويقرب من حسن التخلص: الانتقال من حديث إلى آخر تنشيطا للسامع، مفصولا بهذا، كقوله في سورة (ص) بعد ذكر الأنبياء: {هََذََا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)}
[ص: 49] فإنّ هذا القرآن نوع من الذّكر، لمّا انتهى ذكر الأنبياء، وهو نوع من التنزيل، أراد أن يذكر نوعا آخر وهو ذكر الجنة وأهلها، ثم لما فرغ قال: {هََذََا وَإِنَّ لِلطََّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)} [ص: 55] فذكر النار وأهلها.
قال ابن الأثير: هذا في هذا المقام من الفصل الذي هو أحسن من الوصل، وهي علاقة أكيدة بين الخروج من كلام إلى آخر.
ويقرب منه أيضا: حسن المطلب، قال الزّنجانيّ والطّيبيّ: وهو أن يخرج إلى الغرض بعد تقدم الوسيلة، كقوله: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة: 5].
قال الطّيبيّ: وممّا اجتمع فيه حسن التخلّص والمطلب معا قوله تعالى حكاية عن إبراهيم: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلََّا رَبَّ الْعََالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)} [الشعراء: 77، 78] إلى قوله: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصََّالِحِينَ (83)}.
قاعدة
الأمر الكلي المفيد لعرفان مناسبات الآيات
قال بعض المتأخّرين: الأمر الكلي المفيد لعرفان مناسبات الآيات في جميع القرآن هو: أنك تنظر إلى الغرض الذي سيقت له السورة، وتنظر ما يحتاج إليه ذكر الغرض من المقدّمات، وتنظر إلى مراتب تلك المقدّمات في القرب والبعد من المطلوب، وتنظر عند انجرار الكلام في المقدّمات إلى ما يستتبعه من استشراف نفس السامع إلى الأحكام أو اللوازم التابعة له، التي تقتضي البلاغة شفاء الغليل بدفع عناء الاستشراف إلى الوقوف عليها. فهذا هو الأمر الكلي المهيمن على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن، فإذا عقلته تبيّن لك وجه النظم مفصلا بين كلّ آية وآية وفي كلّ سورة سورة. انتهى.
تنبيه من الآيات ما أشكلت مناسبتها لما قبلها:
من ذكر قوله تعالى في سورة القيامة: {لََا تُحَرِّكْ بِهِ لِسََانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)}
[القيامة: 17] الآيات، فإنّ وجه مناسبتها لأوّل السورة وآخرها عسر جدّا، فإنّ السورة كلها في أحوال القيامة، حتى زعم بعض الرافضة: أنه سقط من السورة شيء. وحتى ذهب القفّال فيما حكاه الفخر الرازيّ أنها نزلت في الإنسان المذكور قبل في قوله:
{الْإِنْسََانُ يَوْمَئِذٍ بِمََا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)} [القيامة: 13] قال: يعرض عليه كتابه، فإذا أخذ في القراءة تلجلج خوفا، فأسرع في القراءة، فيقال له: {لََا تُحَرِّكْ بِهِ لِسََانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} إنّ علينا أن نجمع عملك وأن نقرأ عليك: {فَإِذََا قَرَأْنََاهُ} عليك {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} بالإقرار بأنك فعلت، ثم إنّ علينا بيان أمر الإنسان وما يتعلّق بعقوبته. انتهى.(1/221)
[القيامة: 17] الآيات، فإنّ وجه مناسبتها لأوّل السورة وآخرها عسر جدّا، فإنّ السورة كلها في أحوال القيامة، حتى زعم بعض الرافضة: أنه سقط من السورة شيء. وحتى ذهب القفّال فيما حكاه الفخر الرازيّ أنها نزلت في الإنسان المذكور قبل في قوله:
{الْإِنْسََانُ يَوْمَئِذٍ بِمََا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)} [القيامة: 13] قال: يعرض عليه كتابه، فإذا أخذ في القراءة تلجلج خوفا، فأسرع في القراءة، فيقال له: {لََا تُحَرِّكْ بِهِ لِسََانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} إنّ علينا أن نجمع عملك وأن نقرأ عليك: {فَإِذََا قَرَأْنََاهُ} عليك {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} بالإقرار بأنك فعلت، ثم إنّ علينا بيان أمر الإنسان وما يتعلّق بعقوبته. انتهى.
وهذا يخالف ما ثبت في الصحيح أنها نزلت في تحريك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لسانه حالة نزول الوحي عليه (1).
منها: أنه تعالى لمّا ذكر القيامة، وكان من شأن من يقصّر عن العمل لها حبّ العاجلة، وكان من أصل الدين أنّ المبادرة إلى أفعال الخير مطلوبة، فنبّه على أنه قد يعترض على هذا المطلوب ما هو أجلّ منه وهو الإصغاء إلى الوحي، وتفهّم ما يرد منه، والتشاغل بالحفظ قد يصدّ عن ذلك، فأمر بألا يبادر إلى التحفّظ لأنّ تحفيظه مضمون على ربّه، وليصغ إلى ما يرد عليه إلى أن ينقضي، فيتبع ما اشتمل عليه. ثم لما انقضت الجملة المعترضة رجع الكلام إلى ما يتعلّق بالإنسان المبتدأ بذكره ومن هو من جنسه، فقال: {كَلََّا} وهي كلمة ردع، كأنه قال: بل أنتم يا بني آدم، لكونكم خلقتم من عجل، تعجلون في كلّ شيء، ومن ثمّ تحبّون العاجلة.
ومنها: أنّ عادة القرآن إذا ذكر الكتاب المشتمل على عمل العبد حيث يعرض يوم القيامة أردفه بذكر الكتاب المشتمل على الأحكام الدينيّة في الدنيا التي تنشأ عنها المحاسبة عملا وتركا.
كما قال في الكهف: {وَوُضِعَ الْكِتََابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمََّا فِيهِ} إلى أن قال:
{وَلَقَدْ صَرَّفْنََا فِي هََذَا الْقُرْآنِ لِلنََّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الكهف: 5449] الآية. وقال في سبحان: {فَمَنْ أُوتِيَ كِتََابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولََئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتََابَهُمْ}. إلى أن قال: {وَلَقَدْ صَرَّفْنََا لِلنََّاسِ فِي هََذَا الْقُرْآنِ} [الإسراء: 8971] الآية.
وقال في طه: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102)} إلى أن قال:
{فَتَعََالَى اللََّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلََا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى ََ إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 102 114].
__________
(1) رواه البخاري (752450444929492849275)، ومسلم (448)، والنسائي 2/ 149، والترمذي (3329)، وأحمد 1/ 343، والحميدي (527)، وابن حبان (39)، والطيالسي (2628)، والطبراني (12297)، وابن سعد 1/ 198، والبيهقي في الأسماء ص 198.(1/222)
ومنها: أن أول السورة لما نزل إلى: {وَلَوْ أَلْقى ََ مَعََاذِيرَهُ (15)} صادف أنه صلّى الله عليه وسلّم في تلك الحالة بادر إلى تحفظ الذي نزل، وحرّك به لسانه من عجلته خشية من تفلته، فنزل {لََا تُحَرِّكْ بِهِ لِسََانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} إلى قوله: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنََا بَيََانَهُ (19)} [القيامة: 1915] ثم عاد إلى الكلام إلى تكلمة ما ابتدئ به.
قال الفخر الرازي: ونحوه ما لو ألقى المدرّس على الطالب مثلا مسألة، فتشاغل الطالب بشيء عرض له، فقال له: ألق إليّ بالك وتفهّم ما أقول، ثم كمّل المسألة. فمن لا يعرف السبب يقول: ليس هذا الكلام مناسبا للمسألة، بخلاف من عرف ذلك.
ومنها: أن (النفس) لمّا تقدّم ذكرها في أول السورة، عدل إلى ذكر (نفس المصطفى) كأنه قيل: هذا شأن النفوس، وأنت يا محمد نفسك أشرف النفوس، فلتأخذ بأكمل الأحوال.
ومن ذلك: قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: 189] الآية. فقد يقال: أيّ رابط بين أحكام الأهلّة وبين حكم إتيان البيوت؟ (1).
وأجيب: بأنه من باب الاستطراد، لما ذكر أنها مواقيت للحجّ، وكان هذا من أفعالهم في الحج كما ثبت في سبب نزولها (2) ذكر معه من باب الزيادة في الجواب على ما في السؤال، كما سئل عن ماء البحر فقال: «هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته» (3).
ومن ذلك: قوله تعالى: {وَلِلََّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة: 114] الآية. فقد يقال: ما وجه اتصاله بما قبله، وهو قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسََاجِدَ اللََّهِ} [البقرة: 114] الآية (4).
وقال الشيخ أبو محمد الجوينيّ في تفسيره (5): سمعت أبا الحسن الدهّان يقول: وجه اتصاله هو أنّ ذكر تخريب بيت المقدس قد سبق، أي: فلا يجرمنّكم ذلك، واستقبلوه، فإنّ لله المشرق والمغرب.
__________
(1) انظر البرهان 1/ 4140.
(2) رواه البخاري (1803)، ومسلم (3026)، والواحدي في أسباب النزول ص 54، والطيالسي في مسنده (717)، وابن جرير في تفسيره 2/ 193192.
(3) رواه أبو داود (83)، وأحمد 2/ 361237، والترمذي (69)، والنسائي 1/ 17650، وابن ماجة (386). وابن حبان (1243). والبيهقي في السنن 1/ 3وغيرهم من طرق عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. وسنده صحيح. انظر تفصيل تلك الطرق، والحكم عليه في تخريجنا لسنن ابن ماجة.
(4) انظر البرهان 1/ 45.
(5) نقله في البرهان 1/ 45وعنده: أبو الحسين الدهان.(1/223)
فصل (1)
من هذا النوع مناسبة فواتح السور وخواتمها،
وقد أفردت فيه جزءا لطيفا سميته:
«مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع» (2).
وانظر إلى سورة القصص: كيف بدئت بأمر موسى ونصرته، وقوله: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17] وخروجه من وطنه، وختمت بأمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بألّا يكون ظهيرا للكافرين، وتسليته عن إخراجه من مكة ووعده بالعود إليها، لقوله في أول السورة:
{إِنََّا رَادُّوهُ} [القصص: 7].
قال الزمخشريّ (3): وقد جعل الله فاتحة سورة: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} وأورد في خاتمتها {إِنَّهُ لََا يُفْلِحُ الْكََافِرُونَ} [المؤمنون: 117] فشتّان ما بين الفاتحة والخاتمة!.
وذكر الكرمانيّ في العجائب مثله.
وقال: في سورة (ص) بدأها بالذكر، وختمها به في قوله: {إِنْ هُوَ إِلََّا ذِكْرٌ لِلْعََالَمِينَ (87)} [ص: 78].
وفي سورة (ن) بدأها بقوله: {مََا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)}، وختمها بقوله: {إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم: 2، 51].
ومنه: مناسبة فاتحة السور لخاتمة ما قبلها (4). حتى إنّ منها ما يظهر تعلّقها به لفظا، كما في: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)} [الفيل: 5] {لِإِيلََافِ قُرَيْشٍ (1)} [قريش: 1].
فقد قال الأخفش: اتصالها بها من باب: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} [القصص: 8].
وقال الكواشيّ في تفسير المائدة (5): لما ختم سورة النساء أمرا بالتوحيد والعدل بين العباد أكّد ذلك بقوله: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
__________
(1) انظر البرهان 1/ 185.
(2) وهو موجود في شستربيتي (5112)، وليدن (474/ 24)، ومخطوطات جامعة الكويت (3609). وانظر دليل مخطوطات السيوطي ص 42. وقد اعتنى الغماري بهذا النوع من المناسبات في كتابه: «جواهر البيان في تناسب سور القرآن» اهـ.
(3) الكشاف 3/ 45، وانظر البرهان 1/ 186.
(4) انظر البرهان 1/ 186.
(5) نقله في البرهان 1/ 186.(1/224)
وقال غيره (1): إذا اعتبرت افتتاح كلّ سورة وجدته في غاية المناسبة لما ختم به السورة قبلها، ثم هو يخفى تارة ويظهر أخرى:
كافتتاح سورة الأنعام بالحمد، فإنّه مناسب لختام المائدة من فصل القضاء، كما قال تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} [الزمر: 75].
وكافتتاح سورة فاطر بالحمد لله، فإنه مناسب لختام ما قبلها من قوله: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مََا يَشْتَهُونَ كَمََا فُعِلَ بِأَشْيََاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سبأ: 54]، كما قال تعالى: {فَقُطِعَ دََابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ (45)} [الأنعام: 45].
وكافتتاح سورة الحديد بالتسبيح، فإنه مناسب لختام سورة الواقعة بالأمر به.
وكافتتاح سورة البقرة بقوله: {الم (1) ذََلِكَ الْكِتََابُ}، فإنّه إشارة إلى الصراط في قوله: {اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} كأنهم لمّا سألوا الهداية إلى الصراط، قيل لهم:
ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو الكتاب، وهذا معنى حسن يظهر فيه ارتباط سورة البقرة بالفاتحة (2).
ومن لطائف سورة الكوثر (3): أنها كالمقابلة للّتي قبلها لأنّ السابقة وصف الله فيها المنافق بأربعة أمور: البخل، وترك الصلاة، والرياء فيها، ومنع الزكاة، فذكر فيها في مقابلة البخل: {إِنََّا أَعْطَيْنََاكَ الْكَوْثَرَ (1)} أي: الخير الكثير، وفي مقابلة ترك الصلاة:
{فَصَلِّ} أي: دم عليها، وفي مقابلة الرّياء: {لِرَبِّكَ} أي: لرضاه لا للناس، وفي مقابلة منع الماعون: {وَانْحَرْ} وأراد به التصدّق بلحم الأضاحي.
وقال بعضهم: لترتيب وضع السّور في المصحف أسباب تطلع على أنه توقيفيّ صادر عن حكيم:
أحدها: بحسب الحروف، كما في الحواميم.
الثاني: لموافقة أول السورة لآخر ما قبلها، كآخر الحمد في المعنى وأول البقرة.
الثالث: للتوازن في اللفظ، كآخر {تَبَّتْ} وأول (الإخلاص).
الرابع: لمشابهة جملة السورة لجملة الأخرى كالضحى و {أَلَمْ نَشْرَحْ}.
__________
(1) هو الزركشي انظر البرهان 1/ 38.
(2) انظر البرهان 1/ 38.
(3) انظر البرهان 1/ 39.(1/225)
قال بعض الأئمة: وسورة الفاتحة: تضمّنت الإقرار بالربوبية والالتجاء إليه في دين الإسلام، والصّيانة عن دين اليهوديّة والنصرانية.
وسورة البقرة: تضمّنت قواعد الدين.
وآل عمران: مكمّلة لمقصودها، فالبقرة بمنزلة إقامة الدليل على الحكم، وآل عمران بمنزلة الجواب عن شبهات الخصوم، ولهذا ورد فيها ذكر المتشابه لما تمسّك به النصارى.
وأوجب الحجّ في آل عمران، وأمّا في البقرة فذكر أنه مشروع، وأمر بإتمامه بعد الشروع فيه. وكان خطاب النصارى في آل عمران أكثر، كما أن خطاب اليهود في البقرة أكثر، لأن التوراة أصل، والإنجيل فرع لها، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا هاجر إلى المدينة دعا اليهود وجاهدهم، وكان جهاده للنصارى في آخر الأمر. كما كان دعاؤه لأهل الشرك قبل أهل الكتاب، ولهذا كانت السّور المكيّة فيها الدين الذي اتفق عليه الأنبياء، فخوطب به جميع الناس، والسّور المدنيّة فيها خطاب من أقرّ بالأنبياء من أهل الكتاب والمؤمنين، فخوطبوا بيا أهل الكتاب، يا بني إسرائيل، يا أيها الذين آمنوا.
وأما سورة النساء: فتضمّنت أحكام الأسباب التي بين الناس، وهي نوعان:
مخلوقة لله، ومقدورة لهم كالنسب والصهر، ولهذا افتتحت بقوله: {اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وََاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهََا زَوْجَهََا} ثم قال: {وَاتَّقُوا اللََّهَ الَّذِي تَسََائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحََامَ}. فانظر هذه المناسبة العجيبة في الافتتاح، وبراعة الاستهلال، حيث تضمّنت الآية المفتتح بها ما أكثر السّور في أحكامه: من نكاح النساء ومحرّماته، والمواريث المتعلقة بالأرحام، وأنّ ابتداء هذا الأمر كان بخلق آدم، ثم خلق زوجته منه، ثم بثّ منهما رجالا ونساء في غاية الكثرة.
وأما المائدة: فسورة العقود تضمّنت بيان تمام الشرائع، ومكملات الدين، والوفاء بعهود الرسل، وما أخذ على الأمة، وبها تمّ الدين، فهي سورة التكميل لأنّ فيها تحريم الصيد على المحرم الذي هو من تمام الإحرام، وتحريم الخمر الذي هو من تمام حفظ العقل والدين، وعقوبة المعتدين من السّرّاق والمحاربين الذي هو من تمام حفظ الدماء والأموال، وإحلال الطّيبات الذي هو من تمام عبادة الله تعالى، ولهذا ذكر فيها ما يختص بشريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم. كالوضوء والتيمّم، والحكم بالقرآن على كلّ دين، ولهذا كثر فيها من لفظ الإكمال والإتمام، وذكر فيها أنّ من ارتدّ عوّض الله بخير منه، ولا يزال هذا الدّين كاملا. ولهذا ورد أنها آخر ما نزل، لما فيها من إشارات الختم والتمام.
وهذا الترتيب بين هذه السور الأربع المدنيّات من أحسن الترتيب.
وقال أبو جعفر بن الزبير: حكى الخطّابي: أنّ الصحابة لما اجتمعوا على القرآن، وضعوا سورة القدر عقب العلق، استدلوا بذلك على أنّ المراد بهاء الكناية في قوله: {إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} الإشارة إلى قول: {فَإِذََا قَرَأْتَ}. قال القاضي أبو بكر بن العربي:(1/226)
وهذا الترتيب بين هذه السور الأربع المدنيّات من أحسن الترتيب.
وقال أبو جعفر بن الزبير: حكى الخطّابي: أنّ الصحابة لما اجتمعوا على القرآن، وضعوا سورة القدر عقب العلق، استدلوا بذلك على أنّ المراد بهاء الكناية في قوله: {إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} الإشارة إلى قول: {فَإِذََا قَرَأْتَ}. قال القاضي أبو بكر بن العربي:
وهذا بديع جدّا.
فصل قال في البرهان: ومن ذلك افتتاح السّور بالحروف المقطّعة واختصاص كلّ واحدة بما بدئت به
حتى لم يكن لترد {الم} * في موضع {الر} * ولا {حم} * في موضع {طس}.
قال: وذلك أنّ كلّ سورة بدئت بحرف منها، فإنّ أكثر كلماتها وحروفها مماثل له، فحقّ لكلّ سورة منها ألّا يناسبها غير الواردة فيها، فلو وضع {ق} موضع {ن} لعدم التناسب الواجب مراعاته في كلام الله، وسورة {ق} بدئت به لما تكرّر فيها من الكلمات بلفظ القاف، من ذكر القرآن والخلق وتكرير القول مراجعته مرارا، والقرب من ابن آدم وتلقّي الملكين، وقول العتيد، والرقيب، والسائق، والإلقاء في جهنم، والتقدّم بالوعد، وذكر المتقين، والقلب، والقرون، والتنقيب في البلاد، وتشقق الأرض، وحقوق الوعيد وغير ذلك.
وقد تكرّر في سورة يونس من الكلم الواقع فيها (الرّاء) مائتا كلة أو أكثر فلهذا افتتحت ب {الر}.
واشتملت سورة {ص} على خصومات متعدّدة، فأولها خصومة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع الكفّار، وقولهم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلََهاً وََاحِداً} [ص: 5]. ثم اختصام الخصمين عند داود، ثم تخاصم أهل النار، ثم اختصام الملأ الأعلى، ثمّ تخاصم إبليس في شأن آدم، ثم في شان بنيه وإغوائهم.
و {الْمَلَأُ} * جمعت المخارج الثلاثة: الحلق، واللسان، والشفتين على ترتيبها، وذلك إشارة إلى البداية التي هي بدء الخلق، والنهاية التي هي بدء الميعاد، والوسط الذي هو المعاش من التشريع بالأوامر والنواهي، وكلّ سورة افتتحت بها فهي مشتملة على الأمور الثلاثة.
وسورة الأعراف: زيد فيها الصاد على {الْمَلَأُ} * لما فيها من شرح القصص قصة آدم فمن بعده من الأنبياء ولما فيها من ذكر: {فَلََا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ}. ولهذا قال
بعضهم: معنى {المص (1)} {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)}.(1/227)
وسورة الأعراف: زيد فيها الصاد على {الْمَلَأُ} * لما فيها من شرح القصص قصة آدم فمن بعده من الأنبياء ولما فيها من ذكر: {فَلََا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ}. ولهذا قال
بعضهم: معنى {المص (1)} {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)}.
وزيد في الرعد راء لأجل قوله: {رَفَعَ السَّمََاوََاتِ} [2] ولأجل ذكر الرعد والبرق وغيرهما.
واعلم: أنّ عادة القرآن العظيم في ذكر هذه الحروف أن يذكر بعدها ما يتعلّق بالقرآن، كقوله: {الم (1) ذََلِكَ الْكِتََابُ} [البقرة] {الم (1) اللََّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتََابَ بِالْحَقِّ} [آل عمران]. {المص (1) كِتََابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [الأعراف]. {الر تِلْكَ آيََاتُ الْكِتََابِ} [الحجر]. {طه (1) مََا أَنْزَلْنََا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ََ (2)} [طه] {طسم (1) تِلْكَ آيََاتُ الْكِتََابِ} * [النمل]. {يس (1) وَالْقُرْآنِ}. {ص وَالْقُرْآنِ}. {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتََابِ} [الجاثية]. {ق وَالْقُرْآنِ} إلّا ثلاث سور: العنكبوت، والروم، ون، ليس فيها ما يتعلّق به، وقد ذكرت حكمة ذلك في «أسرار التنزيل».
وقال الحرالي (1) في معنى حديث: «أنزل القرآن على سبعة أحرف: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال» (2).
اعلم أنّ القرآن منزّل عند انتهاء الخلق، وكمال كلّ الأمر، بدأ: فكان المتحلي به جامعا لانتهاء كلّ خلق وكمال كلّ أمر، فلذلك هو صلّى الله عليه وسلّم قسيم الكون، وهو الجامع الكامل، ولذلك كان خاتما، وكتابه كذلك، وبدأ المعاد من حين ظهوره، فاستوفى صلاح هذه الجوامع الثلاث التي قد خلت في الأولين بداياتها، وتمت عنده غاياتها: «بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق» (3).
وهي صلاح الدّنيا والدين والمعاد التي جمعها قوله عليه الصلاة والسلام: «اللهمّ أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتين التي إليها معادي» (4).
__________
(1) انظر البرهان 1/ 170168.
(2) سبق تخريجه في بحث الأحرف السبعة.
(3) رواه أحمد في المسند 2/ 381، والبخاري في الأدب المفرد (273)، وابن سعد في الطبقات 1/ 192، والحاكم 2/ 613.
قلت: سنده صحيح لغيره إن شاء الله وانظر الصحيحة 1/ 75، ورواه مالك بلاغا، حديث رقم (904) 2/ 904.
(4) رواه مسلم (2720)، والبخاري في الأدب (668)، والطبراني في الدعاء (1455)، والبغوي في الشمائل (1178).(1/228)
وفي كلّ صلاح إقدام وإحجام، فتصير الثلاثة الجوامع ستّة، هي حروف القرآن الستّة، ثم وهب حرفا جامعا سابعا فردا، لا زوج له، فتمّت سبعة.
فأدنى تلك الحروف هو حرفا صلاح الدنيا، فلها حرفان: حرف الحرام الذي لا تصلح النفس والبدن إلّا بالتطهّر منه لبعده عن تقويمها، والثاني: حرف الحلال الذي تصلح النفس والبدن عليه لموافقته تقويمها، وأصل هذين الحرفين في التوراة، وتمامهما في القرآن.
ويلي ذلك حرفا صلاح المعاد، أحدهما: حرف الزجر والنهي، الذي لا تصلح الآخرة إلا بالتطهر منه لبعده عن حسناتها. والثاني: حرف الأمر الذي تصلح الآخرة عليه لتقاضيه لحسناتها. وأصل هذين الحرفين في الإنجيل، وتمامهما في القرآن.
ويلي ذلك حرفا صلاح الدين: أحدها حرف المحكم الذي بان للعبد فيه خطاب ربّه.
والثاني: حرف المتشابه الذي لا يتبيّن للعبد فيه خطاب ربّه من جهة قصور عقله عن إدراكه.
فالحروف الخمسة للاستعمال، وهذا الحرف السادس للوقوف والاعتراف بالعجز.
وأصل هذين الحرفين في الكتب المتقدّمة كلها، وتمامها في القرآن.
ويختصّ القرآن بالحرف السابع الجامع، وهو حرف المثل المبين للمثل الأعلى، ولمّا كان هذا الحرف هو الحمد افتتح الله به أمّ القرآن، وجمع فيها جوامع الحروف السبعة التي بثّها في القرآن: فالأولى: تشتمل على حرف الحد السابع.
والثانية: تشتمل على حرفي الحلال والحرام اللّذين أقامت الرحمانية بهما الدنيا، والرحيميّة الآخرة.
والثالثة: تشتمل على أمر الملك القيّم على حرفي النهي اللذين يبدأ أمرهما في الدين.
والرّابعة: تشتمل على حرفيّ المحكم في قوله: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ}. والمتشابه في قوله: {وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ}. ولما افتتح أمّ القرآن بالسابع الجامع الموهوب ابتدئت البقرة بالسادس المعجوز عنه، وهو المتشابه.
انتهى كلام الحرالي والمقصود منه هو الأخير، وبقيته ينبو عنه السمع، وينفر منه
القلب، ولا تميل إليه النفس، وأنا أستغفر الله من حكايته على أني أقول في مناسبة ابتداء البقرة ب {الْعََالَمِينَ} * أحسن ممّا قال، وهو أنه: لمّا ابتدئت الفاتحة بالحرف المحكم الظّاهر لكلّ أحد، بحيث لا يعذر أحد في فهمه، ابتدئت البقرة بمقابله، وهو الحرف المتشابه البعيد التأويل، أو المستحيلة.(1/229)
انتهى كلام الحرالي والمقصود منه هو الأخير، وبقيته ينبو عنه السمع، وينفر منه
القلب، ولا تميل إليه النفس، وأنا أستغفر الله من حكايته على أني أقول في مناسبة ابتداء البقرة ب {الْعََالَمِينَ} * أحسن ممّا قال، وهو أنه: لمّا ابتدئت الفاتحة بالحرف المحكم الظّاهر لكلّ أحد، بحيث لا يعذر أحد في فهمه، ابتدئت البقرة بمقابله، وهو الحرف المتشابه البعيد التأويل، أو المستحيلة.
فصل ومن هذا النوع مناسبة أسماء السور لمقاصدها،
وقد تقدّم في النوع السابع عشر الإشارة إلى ذلك.
وفي عجائب الكرمانيّ: إنّا سميت السور السبع {حم (1)} * على الاشتراك في الاسم، لما بينهنّ من التشاكل الذي اختصّت به، وهو أنّ كلّ واحدة منها استفتحت بالكتاب أو صفة الكتاب مع تقارب المقادير في الطول والقصر، وتشاكل الكلام في النظام.
فوائد منثورة في المناسبات:
في تذكرة الشيخ تاج الدين السبكيّ ومن خطه نقلت سأل الإمام: ما الحكمة في افتتاح سورة الإسراء بالتسبيح، والكهف بالتحميد؟ وأجاب: بأن التسبيح حيث جاء مقدّم على التحميد، نحو: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الحجر: 98] «سبحان الله والحمد لله».
وأجاب ابن الزّملكانيّ: بأنّ سورة {سُبْحََانَ} لما اشتملت على الإسراء الذين كذّب المشركون به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتكذيبه تكذيب لله سبحانه وتعالى، أتى بسبحان لتنزيه الله تعالى عما نسب إلى نبيه من الكذب. وسورة الكهف: لمّا أنزلت بعد سؤال المشركين عن قصّة أصحاب الكهف وتأخر الوحي، نزلت مبيّنة أنّ الله لم يقطع نعمته عن نبيّه ولا عن المؤمنين، بل أتمّ عليهم النعمة بإنزال الكتاب، فناسب افتتاحها بالحمد على هذه النعمة.
في تفسير الخويّي: ابتدئت الفاتحة بقوله: و {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ (182)} فوصف بأنه مالك جميع المخلوقين، وفي الأنعام والكهف وسبأ وفاطر لم يوصف بذلك، بل بفرد من أفراد صفاته وهو: خلق السّماوات والأرض والظّلمات والنور في الأنعام، وإنزال الكتاب في الكهف، وملك ما في السموات وما في الأرض في سبأ، وخلقهما في فاطر لأنّ الفاتحة أم القرآن ومطلعه، فناسب الإتيان فيها بأبلغ الصفات وأعمّها وأشملها.
في العجائب للكرمانيّ: إن قيل: كيف جاء {يَسْئَلُونَكَ} * أربع مرات بغير واو:
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: 189]. {يَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ} [البقرة: 215]. {يَسْئَلُونَكَ}
{عَنِ الشَّهْرِ الْحَرََامِ} [البقرة: 217]. {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ} [البقرة: 219]. ثم جاء ثلاث مرات بالواو: {وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ} [البقرة: 219]. {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتََامى ََ} [البقرة:(1/230)
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: 189]. {يَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ} [البقرة: 215]. {يَسْئَلُونَكَ}
{عَنِ الشَّهْرِ الْحَرََامِ} [البقرة: 217]. {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ} [البقرة: 219]. ثم جاء ثلاث مرات بالواو: {وَيَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ} [البقرة: 219]. {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتََامى ََ} [البقرة:
220]. {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]؟.
قلنا: لأنّ سؤالهم عن الحوادث الأول وقع متفرّقا، وعن الحوادث الأخر وقع في وقت واحد، فجيء بحرف الجمع دلالة على ذلك.
فإن قيل: كيف جاء {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبََالِ فَقُلْ} [طه: 105] وعادة القرآن مجيء (قل) في الجواب بلا فاء؟
أجاب الكرمانيّ: بأنّ التقدير: لو سئلت عنها فقل.
فإن قيل: كيف جاء {وَإِذََا سَأَلَكَ عِبََادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186] وعادة السؤال يجيء جوابه في القرآن (بقل)؟ قلنا: حذفت للإشارة إلى أنّ العبد في حالة الدعاء في أشرف المقامات، لا واسطة بينه وبين مولاه.
ورد في القرآن سورتان: أولهما {يََا أَيُّهَا النََّاسُ} في كلّ نصف سورة، فالتي هي النصف الأول تشتمل على شرح المبدأ، والتي في الثاني على شرح المعاد(1/231)
ورد في القرآن سورتان: أولهما {يََا أَيُّهَا النََّاسُ} في كلّ نصف سورة، فالتي هي النصف الأول تشتمل على شرح المبدأ، والتي في الثاني على شرح المعاد
النوع الثالث والستون في الآيات المشتبهات (1)
أفرده بالتصنيف خلق، أولهم فيما أحسب الكسائيّ، ونظمه السخاويّ، وألّف في توجيهه الكرمانيّ كتابه: «البرهان في متشابه القرآن» (2) وأحسن منه «درّة التنزيل وغرّة التأويل» (3) لأبي عبد الله الرّازيّ، وأحسن من هذا «ملاك التأويل» (4) لأبي جعفر بن الزبير، ولم أقف عليه، وللقاضي بدر الدين بن جماعة في ذلك كتاب لطيف سمّاه «كشف المعاني عن متشابه المثاني». وفي كتابي «أسرار التنزيل» المسمى «قطف الأزهار في كشف الأسرار» (5) من ذلك الجمّ الغفير (6).
والقصد به: إيراد القصّة الواحدة في صور شتّى، وفواصل مختلفة، بل تأتي في موضع واحد مقدّما، وفي آخر مؤخّرا، كقوله في البقرة: {وَادْخُلُوا الْبََابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58]، وفي الأعراف {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبََابَ سُجَّداً} [الأعراف:
161]. وفي البقرة: {وَمََا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللََّهِ} [البقرة: 173]، وسائر القرآن: {وَمََا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللََّهِ بِهِ} [المائدة: 3].
أو في موضع بزيادة وفي آخر بدونها، نحو: {سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} في البقرة [الآية: 6]، وفي يس: {سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} [الآية: 10]. وفي البقرة {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلََّهِ} [الآية: 193]. وفي الأنفال {كُلُّهُ لِلََّهِ} [الأنفال: 39].
أو في موضع معرّفا وفي آخر منكّرا، أو مفردا وفي آخر جمعا، أو بحرف وفي آخر بحرف آخر، أو مدغما وفي آخر مفكوكا. وهذا النوع يتداخل مع نوع المناسبات.
__________
(1) انظر البرهان 1/ 112، وفنون الأفنان ص 376.
(2) وهو مطبوع.
(3) وهو مطبوع وهو للخطيب الاسكافي، وكتاب الرازي: «أنموذج جليل».
(4) وهو مطبوع.
(5) وهو موجود في مكتبة برلين (723/ 6).
(6) وقد ضمن الفيروزآبادي كتابه بصائر ذوي التمييز، ملخصا لأقوال العلماء في الآيات المشتبهات.(1/232)
وهذه أمثلة منه بتوجيهها:
قوله تعالى في البقرة: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [الآية: 2]. وفي لقمان: {هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)} [الآية: 3] لأنه لمّا ذكر هنا مجموع الإيمان ناسب (المتقين). ولمّا ذكر ثمّ الرحمة ناسب (المحسنين) (1).
قوله تعالى: {وَقُلْنََا يََا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلََا} [البقرة: 35]، وفي الأعراف:
{فَكُلََا} [الآية: 19] بالفاء، قيل: لأنّ السكنى في البقرة الإقامة، وفي الأعراف اتخاذ المسكن، فلمّا نسب القول إليه تعالى: {وَقُلْنََا يََا آدَمُ} ناسب زيادة الإكرام بالواو الدالة على الجمع بين السكنى والأكل، ولذا قال فيه: {رَغَداً} وقال: {حَيْثُ شِئْتُمََا} لأنّه أعمّ.
وفي الأعراف: {وَيََا آدَمُ} فأتى بالفاء الدالّة على ترتيب الأكل على السّكنى المأمور باتخاذها لأنّ الأكل بعد الاتخاذ، و {مِنْ حَيْثُ} لا تعطي عموم معنى: {حَيْثُ شِئْتُمََا} (2).
قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لََا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلََا يُقْبَلُ مِنْهََا شَفََاعَةٌ وَلََا يُؤْخَذُ مِنْهََا عَدْلٌ} [البقرة: 48]، وقال بعد ذلك: {وَلََا يُقْبَلُ مِنْهََا عَدْلٌ وَلََا تَنْفَعُهََا شَفََاعَةٌ} [البقرة: 123] ففيه تقديم العدل وتأخيره، والتعبير بقبول الشفاعة تارة وبالنفع أخرى (3).
وذكر في حكمته: أنّ الضمير في {مِنْهََا} راجع في الأولى إلى النفس الأولى، وفي الثانية إلى النفس الثانية، فبيّن في الأولى أنّ النفس الشافعة الجازية عن غيرها لا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل، وقدّمت الشفاعة لأنّ الشافع يقدّم الشفاعة على العدل. وبيّن في الثانية أنّ النفس المطلوبة بجرمها لا يقبل منها عدل عن نفسها، ولا تنفعها شفاعة شافع منها، وقدّم العدل لأنّ الحاجة إلى الشفاعة إنّما تكون عند رده، ولذلك قال في الأولى:
{وَلََا يُقْبَلُ مِنْهََا شَفََاعَةٌ} وفي الثانية: {وَلََا تَنْفَعُهََا شَفََاعَةٌ} لأنّ الشفاعة إنما تقبل من الشافع، وإنما تنفع المشفوع له.
قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنََاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذََابِ يُذَبِّحُونَ} [البقرة:
49]، وفي إبراهيم {وَيُذَبِّحُونَ} [إبراهيم: 6] بالواو لأنّ الأولى من كلامه تعالى لهم،
__________
(1) انظر ملاك التأويل 1/ 178177.
(2) انظر ملاك التأويل 1/ 188186، وبصائر ذوي التمييز 1/ 141140، وفتح الرحمن ص 2221، والبرهان 1/ 128، والدرة ص 1110.
(3) انظر ملاك التأويل 1/ 197196، وبصائر ذوي التمييز 1/ 141، ودرة التنزيل ص 1311، والبرهان 1/ 127124، وفتح الرحمن ص 2524.(1/233)
فلم يعدّد عليهم المجن تكرّما في الخطاب والثانية من كلام موسى فعدّدها. وفي الأعراف: {يُقَتِّلُونَ} [الأعراف: 141]. وهو من تنويع الألفاظ المسمّى بالتفنّن (1).
قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هََذِهِ الْقَرْيَةَ} [البقرة: 58] الآية (2). وفي آية الأعراف اختلاف ألفاظ، ونكتته أن آية البقرة في معرض ذكر النعم عليهم حيث قال: {يََا بَنِي إِسْرََائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ} [البقرة: 47]. إلى آخره، فناسب نسبة القول إليه تعالى، وناسب قوله:
{رَغَداً} لأنّ المنعم به أتمّ، وناسب تقديم {وَادْخُلُوا الْبََابَ سُجَّداً} [البقرة: 58].
وناسب {خَطََايََاكُمْ} لأنه جمع كثرة، وناسب الواو في {وَسَنَزِيدُ} لدلالتها على الجمع بينهما، وناسب الفاء في {فَكُلُوا} لأنّ الأكل مترتّب على الدخول، وآية الأعراف افتتحت بما فيه توبيخهم، وهو قولهم: {اجْعَلْ لَنََا إِلََهاً كَمََا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138]، ثم اتخاذهم العجل، فناسب ذلك {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ} [الأعراف: 161]. وناسب ترك {رَغَداً}. والسكنى تجامع الأكل فقال: {وَكُلُوا} وناسب تقديم ذكر مغفرة الخطايا.
وترك الواو في {وَسَنَزِيدُ}.
ولمّا كان في الأعراف تبعيض الهادين بقوله: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسى ََ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ}
[الأعراف: 159] ناسب تبعيض الظالمين بقوله: {الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [الأعراف: 162].
ولم يتقدّم في البقرة مثله فترك. وفي البقرة إشارة إلى سلامة غير الذين ظلموا لتصريحه بالإنزال على المتصفين بالظلم، والإرسال أشد وقعا من الإنزال، فناسب سياق ذكر النعمة في البقرة ذلك، وختم آية البقرة ب {يَفْسُقُونَ} [البقرة: 59] ولا يلزم منه الظلم، والظلم يلزم منه الفسق، فناسب كل لفظة منها سياقه.
وكذا في البقرة: {فَانْفَجَرَتْ} [البقرة: 60]. وفي الأعراف {فَانْبَجَسَتْ} [الأعراف:
160]، لأنّ الانفجار أبلغ في كثرة الماء، فناسب سياق ذكر النعم التعبير (3).
قوله تعالى: {وَقََالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النََّارُ إِلََّا أَيََّاماً مَعْدُودَةً} [البقرة: 80]، وفي آل
__________
(1) انظر درة التنزيل ص 1413، وبصائر ذوي التمييز 1/ 142.
(2) انظر درة التنزيل ص 2014، وفتح الرحمن ص 25، وملاك التأويل 1/ 211202، وبصائر ذوي التمييز 1/ 143142.
(3) انظر فتح الرحمن ص 28، وملاك التأويل 1/ 213211، وبصائر ذوي التمييز 1/ 144. قال في فتح الرحمن: «والأول أي فانفجرت أبلغ، لأنه انصباب الماء بكثرة، والانبجاس: ظهور الماء، فناسب ذكر الانفجار هنا الجمع قبله بين الأكل والشرب، الذي هو أبلغ من الاقتصار على الأكل» اهـ.(1/234)
عمران {مَعْدُودََاتٍ} [آل عمران: 24] قال: ابن جماعة: لأنّ قائل ذلك فرقتان من اليهود إحداهما قالت: إنّما نعذّب بالنار سبعة أيام عدد أيام الدنيا، والأخرى قالت: إنما نعذب أربعين، عدة أيام عبادة آبائهم العجل. فآية البقرة تحتمل قصد الفرقة الثانية حيث عبّر بجمع الكثرة، وآل عمران بالفرقة الأولى حيث أتى بجمع القلة (1).
وقال أبو عبد الله الرازيّ: إنّه من باب التفنّن قوله تعالى: {إِنَّ هُدَى اللََّهِ هُوَ الْهُدى ََ} [البقرة: 120]، وفي آل عمران، {إِنَّ الْهُدى ََ هُدَى اللََّهِ} [آل عمران: 73]، لأنّ الهدى في البقرة المراد به تحويل القبلة، وفي آل عمران المراد به الدّين، لتقدّم قوله:
{لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران: 73] ومعناه: إنّ دين الله الإسلام (2).
قوله تعالى: {رَبِّ اجْعَلْ هََذََا بَلَداً آمِناً} [البقرة: 126]، وفي إبراهيم: {هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} [إبراهيم: 35]، لأنّ الأول: دعا به قبل مصيره بلدا عند ترك هاجر وإسماعيل به، وهو واد، فدعا بأن يصير بلدا. والثاني: دعا به بعد عوده وسكنى جرهم به، ومصيره بلدا، فدعا بأمنه (3).
قوله تعالى: {قُولُوا آمَنََّا بِاللََّهِ وَمََا أُنْزِلَ إِلَيْنََا} [البقرة: 137]، وفي آل عمران {قُلْ آمَنََّا بِاللََّهِ وَمََا أُنْزِلَ عَلَيْنََا} [آل عمران: 84]. لأنّ الأولى خطاب للمسلمين، والثانية خطاب للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، و (إلى) ينتهى بها من كلّ جهة، و (على) لا ينتهى بها إلّا من جهة واحدة وهي العلوّ، والقرآن يأتي المسلمين من كلّ جهة يأتي مبلّغه إياهم منها، وإنما أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من جهة العلوّ خاصة، فناسب قوله: {عَلَيْنََا}، ولهذا أكثر ما جاء في جهة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعلى، وأكثر ما جاء في جهة الأمة بإلى (4).
قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللََّهِ فَلََا تَقْرَبُوهََا} [البقرة: 187]، وقال بعد ذلك: {فَلََا تَعْتَدُوهََا} [البقرة: 229] لأنّ الأولى وردت بعد نواه، فناسب النّهي عن قربانها. والثانية
__________
(1) انظر ملاك التأويل 1/ 227224، ودرة التنزيل ص 2422، وفتح الرحمن ص 3332، وبصائر ذوي التمييز 1/ 145.
(2) انظر درة التنزيل ص 2925، وفتح الرحمن ص 37.
(3) انظر ملاك التأويل 1/ 235234، ودرة التنزيل ص 3029، وفتح الرحمن ص 39، وبصائر ذوي التمييز 1/ 148147.
(4) انظر درة التنزيل ص 3634، وفتح الرحمن ص 4140، وملاك التأويل 1/ 240238، وبصائر ذوي التمييز 1/ 148.(1/235)
بعد أوامر، فناسب النهي عن تعدّيها وتجاوزها بأن يوقف عندها (1).
قوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتََابَ} [آل عمران: 3]، وقال: {وَأَنْزَلَ التَّوْرََاةَ وَالْإِنْجِيلَ}
[آل عمران: 3] لأنّ الكتاب أنزل منجّما، فناسب الإتيان ب {نَزَّلَ} الدالّ على التكرير، بخلافهما فإنّهما أنزلا دفعة (2).
قوله تعالى: {وَلََا تَقْتُلُوا أَوْلََادَكُمْ مِنْ إِمْلََاقٍ} [الأنعام: 151]، وفي الإسراء:
{خَشْيَةَ إِمْلََاقٍ} [الإسراء: 31] لأنّ الأولى خطاب للفقراء المقلّين، أي: لا تقتلوهم من فقر بكم، فحسن: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ} ما يزول به إملاقكم. ثم قال: {وَإِيََّاهُمْ} أي:
نرزقكم جميعا. والثانية خطاب للأغنياء أي: خشية فقر يحصل لكم بسببهم، ولذا حسن: {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيََّاكُمْ} [الإسراء: 31] (3).
قوله تعالى: {فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200]، وفي فصلت:
{فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36] قال ابن جماعة: لأنّ آية الأعراف أوّلا، وآية فصّلت نزلت ثانيا، فحسن التعريف، أي: هو السّميع العليم الّذي تقدّم ذكره أوّلا عند نزوغ الشيطان (4).
قوله تعالى: {الْمُنََافِقُونَ وَالْمُنََافِقََاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [9: 67]، وقال في المؤمنين:
__________
(1) انظر ملاك التأويل 1/ 260258، وبصائر ذوي التمييز 1/ 153152، ودرة التنزيل ص 4645، وفتح الرحمن ص 54.
(2) انظر أنموذج جليل للرازي ص 54، وفتح الرحمن ص 77، وملاك التأويل 1/ 290286.
(3) انظر بصائر ذوي التمييز 1/ 199، وملاك التأويل 1/ 480478، ودرة التنزيل ص 136135، وفتح الرحمن ص 181180.
(4) انظر ملاك التأويل 1/ 580578، ودرة التنزيل ص 183182، وفتح الرحمن ص 506، وتفسير سورة الكافرون ص 101100لابن القيم رحمه الله.
قال العلامة ابن قيم الجوزية في تفسيره لسورة «الكافرون» ص 101100: «وتأمل سرّ القرآن كيف أكّد الوصف بالسميع العليم بذكر صيغة (هو) الدال على تأكيد النسبة واختصاصها، وعرّف الوصف بالألف واللام في سورة {حم} لاقتضاء المقام لهذا التأكيد، وتركه في سورة الأعراف، لاستغناء المقام عنه:
فإنّ الأمر بالاستعاذة في سورة حم وقع بعد الأمر بأشق الأشياء على النفس، وهو مقابلة إساءة المسيء بالإحسان إليه، وهذا أمر لا يقدر عليه إلا الصابرون، ولا يلقاه إلا ذو حظ عظيم، كما قال الله تعالى.
والشيطان لا يدع العبد يفعل هذا، بل يريه أنّ هذا ذلّ وعجز، ويسلّط عليه عدوّه، فيدعوه إلى الانتقام، ويزينه له، فإن عجز عنه دعاه إلى الإعراض عنه، وأن لا يسيء إليه ولا يحسن، فلا يؤثر الإحسان إلى المسيء إلا من خالفه وآثر الله وما عنده على حظه العاجل، فكان المقام مقام تأكيد وتحريض، فقال(1/236)
{بَعْضُهُمْ أَوْلِيََاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]. وفي الكفار: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيََاءُ بَعْضٍ}
[الأنفال: 73] لأنّ المنافقين ليسوا متناصرين على دين معيّن وشريعة ظاهرة فكان بعضهم يهودا، وبعضهم مشركين، فقال: {مِنْ بَعْضٍ} أي: في الشك والنفاق. والمؤمنون متناصرون على دين الإسلام، وكذلك الكفار المعلنون بالكفر كلهم أعوان بعضهم ومجتمعون على التناصر، بخلاف المنافقين، كما قال تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتََّى} [الحشر: 14] (1).
فهذه أمثلة يستضاء بها، وقد تقدم منها كثير في نوع التقديم والتأخير، وفي نوع الفواصل، وفي أنواع أخر.
__________
فيه: {وَإِمََّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطََانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
وأما في سورة الأعراف: فإنه أمره أن يعرض عن الجاهلين، وليس فيها بمقابلة إساءتهم بالإحسان، بل بالإعراض، وهذا سهل على النفوس غير مستعصي عليها، فليس حرص الشيطان وسعيه في دفع هذا كحرصه على دفع المقابلة بالإحسان. فقال: {وَإِمََّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطََانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}» اهـ. فانظر أخي المسلم إلى هذا الكلام الدقيق حول تفسير الآيتين، وبه تدرك قيمة ما كتبه ابن القيم، ومن قبله شيخ الإسلام، شيخ ابن القيم، في تفسير كتاب الله تعالى، وإن ما كتباه يجب أن يتمسك به ويعضى عليه بالنواجذ.
(1) انظر فتح الرحمن ص 236235، وأنموذج جليل ص 185184.(1/237)
النوع الرابع والستون في إعجاز القرآن (1)
أفرده بالتصنيف خلائق منهم الخطابيّ، والرمانيّ، والزّملكانيّ، والإمام الرازيّ، وابن سراقة، والقاضي أبو بكر الباقلانيّ. قال ابن العربيّ: ولم يصنّف مثل كتابه.
اعلم أنّ المعجزة: أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدّي، سالم من المعارضة.
وهي إما حسّيّة وإمّا عقلية:
وأكثر معجزات بني إسرائيل كانت حسّيّة، لبلادتهم وقلّة بصيرتهم.
وأكثر معجزات هذه الأمة عقلية لفرط ذكائهم، وكمال أفهامهم، ولأنّ هذه الشريعة لمّا كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة خصّت بالمعجزة العقلية الباقية ليراها ذوو البصائر، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «ما من الأنبياء نبيّ إلّا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا». أخرجه البخاريّ (2).
قيل: إنّ معناه أنّ معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم، فلم يشاهدها إلّا من حضرها. ومعجزة القرآن مستمرّة إلى يوم القيامة، وخرقه العادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيّبات، فلا يمرّ عصر من الأعصار إلّا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنّه سيكون يدلّ على صحة دعواه.
وقيل: المعنى أنّ المعجزات الواضحة الماضية كانت حسّيّة تشاهد بالأبصار كناقة صالح وعصا موسى، ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة، فيكون من يتبعه لأجلها أكثر لأنّ الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده، والذي يشاهد بعين العقل باق، يشاهده
__________
(1) انظر البرهان 2/ 12490، وبصائر ذوي التمييز 1/ 7765، وتفسير القرطبي 1/ 113105، وتفسير الماوردي 1/ 3330، والشفا 1/ 280258.
(2) رواه البخاري (72744981)، ومسلم (239)، والنسائي في الكبرى (7977م 11129)، والبيهقي في الدلائل 7/ 129.(1/238)
كلّ من جاء بعد الأول مستمرّا.
قال في فتح الباري (1): ويمكن نظم القولين في كلام واحد فإنّ محصلهما لا ينافي بعضه بعضا.
ولا خلاف بين العقلاء: أنّ كتاب الله تعالى معجز، لم يقدر واحد على معارضته بعد تحدّيهم بذلك، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجََارَكَ فَأَجِرْهُ حَتََّى يَسْمَعَ كَلََامَ اللََّهِ}
[التوبة: 6] فلولا أنّ سماعه حجّة عليه لم يقف أمره على سماعه، ولا يكون حجة إلّا وهو معجزة.
وقال تعالى: {وَقََالُوا لَوْلََا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيََاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيََاتُ عِنْدَ اللََّهِ وَإِنَّمََا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنََّا أَنْزَلْنََا عَلَيْكَ الْكِتََابَ يُتْلى ََ عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 50، 51] فأخبر أنّ الكتاب آية من آياته، كاف في الدلالة، قائم مقام معجزات غيره وآيات من سواه من الأنبياء، ولمّا جاء به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليهم، وكانوا أفصح الفصحاء، ومصاقع الخطباء، وتحدّاهم على أن يأتوا بمثله، وأمهلهم طول السنين فلم يقدروا، كما قال تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كََانُوا صََادِقِينَ (34)} [يونس: 38]، ثم تحدّاهم بعشر سور منه في قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرََاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيََاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللََّهِ إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمََا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللََّهِ} [هود: 13، 14]، ثم تحدّاهم بسورة في قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرََاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس: 38] الآية.
ثم كرّر في قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمََّا نَزَّلْنََا عَلى ََ عَبْدِنََا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:
23] الآية، فلمّا عجزوا عن معارضته والإتيان بسورة تشبهه على كثرة الخطباء والبلغاء، نادى عليهم بإظهار العجز وإعجاز القرآن فقال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى ََ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هََذَا الْقُرْآنِ لََا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كََانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88)} [الإسراء: 88]. هذا وهم الفصحاء اللّدّ، وقد كانوا أحرص شيء على إطفاء نوره وإخفاء أمره، فلو كان في مقدرتهم معارضته لعدلوا إليها قطعا للحجّة. ولم ينقل عن أحد منهم أنه حدّث نفسه بشيء من ذلك ولا رامه، بل عدلوا إلى العناد تارة، وإلى الاستهزاء أخرى، فتارة قالوا: (سحر) وتارة قالوا: (شعر) وتارة قالوا: (أساطير الأولين). كلّ ذلك من التحيّر والانقطاع، ثم رضوا بتحكيم السيف في أعناقهم، وسبي ذراريهم وحرمهم واستباحة أموالهم، وقد كانوا آنف شيء وأشدّه حميّة، فلو علموا أنّ الإتيان بمثله في قدرتهم لبادروا إليه لأنه كان أهون
__________
(1) فتح الباري 9/ 7.(1/239)
عليهم كيف وقد أخرج الحاكم، عن ابن عباس، قال: جاء الوليد بن المغيرة إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقرأ عليه القرآن، فكأنّه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عمّ، إنّ قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه فإنّك أتيت محمدا لتعرض لما قبله. قال: قد علمت قريش أنّي من أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك كاره له. قال: وماذا أقول! فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر منّي، ولا برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، وو الله إنّ لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطّم ما تحته.
قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال: دعني حتى أفكّر، فلما فكّر قال: هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره (1).
قال الجاحظ: بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم أكثر ما كانت العرب شاعرا وخطيبا وأحكم ما كانت لغة، وأشدّ ما كانت عدّة، فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته، فدعاهم بالحجّة، فلما قطع العذر، وأزال الشبهة، وصار الذي يمنعهم من الإقرار الهووى والحمية، دون الجهل والحيرة، حملهم على حظهم بالسيف، فنصب لهم الحرب، ونصبوا له، وقتل من عليتهم وأعلامهم وأعمامهم وبني أعمامهم، وهو في ذلك يحتجّ عليهم بالقرآن، ويدعوهم صباحا ومساء إلى أن يعارضوه إن كان كاذبا بسورة واحدة، أو بآيات يسيرة.
فكلّما ازداد تحدّيا لهم بها، وتقريعا لعجزهم عنها تكشّف من نقصهم ما كان مستورا، وظهر منه ما كان خفيّا، فحين لم يجدوا حيلة ولا حجّة قالوا له: أنت تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف فلذلك يمكنك ما لا يمكننا. قال: فهاتوها مفتريات، فلم يرم ذلك خطيب، ولا طمع فيه شاعر، ولو طمع فيه لتكلّفه، ولو تكلّفه لظهر ذلك، ولو ظهر لوجد من يستجيده ويحامي عليه ويكايد فيه، ويزعم أنه قد عارض وقابل وناقض.
فدلّ ذلك العاقل على عجز القوم مع كثرة كلامهم، واستحالة لغتهم، وسهولة ذلك عليهم، وكثرة شعرائهم وكثرة من هجاه منهم، وعارض شعراء أصحابه، وخطباء أمّته، لأنّ سورة واحدة وآيات يسير كانت أنقض لقوله، وأفسد لأمره، وأبلغ في تكذيبه وأسرع في تفريق أتباعه من بذل النفوس، والخروج من الأوطان، وإنفاق الأموال.
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 2506، والواحدي في أسباب النزول ص 447446، والبيهقي في الدلائل 2/ 199198. وسنده صحيح.(1/240)
وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفى على من هو دون قريش والعرب في الرأي والعقل بطبقات، ولهم القصيد العجيب، والرجز الفاخر، والخطب الطوال البليغة، والقصار الموجزة، ولهم الأسجاع والمزدوج، واللفظ المنثور.
ثمّ يتحدّى به أقصاهم بعد أن أظهر عجز أدناهم، فمحال أكرمك الله أن يجتمع هؤلاء كلّهم على الغلط في الأمر الظاهر، والخطأ المكشوف البين، مع التقريع بالنقص، والتوقيف على العجز، وهم أشدّ الخلق أنفة، وأكثرهم مفاخرة، والكلام سيّد عملهم، وقد احتاجوا إليه، والحاجة تبعث على الحيلة في الأمر الغامض، فكيف بالظاهر! وكما أنه محال أن يطبقوا ثلاثا وعشرين سنة على الغلط في الأمر الجليل المنفعة، فكذلك محال أن يتركوه، وهم يعرفونه، ويجدون السبيل إليه وهم يبذلون أكثر منه! انتهى.
فصل (1)
وجوه إعجاز القرآن
لمّا ثبت كون القرآن معجزة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وجب الاهتمام بمعرفة وجه الإعجاز، وقد خاض الناس في ذلك كثيرا، فبين محسن ومسيء.
فزعم قوم: أنّ التّحدّي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات، وأنّ العرب كلّفت في ذلك ما لا يطاق، وبه وقع عجزها. وهو مردود، لأن ما لا يمكن الوقوف عليه لا يتصوّر التحدي به.
والصواب ما قاله الجمهور: أنّه وقع بالدّالّ على القديم وهو الألفاظ (2).
ثم زعم النظّام أنّ إعجازه بالصّرفة (3)، أي: أنّ الله صرف العرب عن معارضته وسلب عقولهم، وكان مقدورا لهم، لكن عاقهم أمر خارجيّ، فصار كسائر المعجزات.
وهذا قول فاسد، بدليل: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ} [الإسراء: 88] الآية، فإنه يدلّ على عجزهم مع بقاء قدرتهم، ولو سلبوا القدرة لم يبق لهم فائدة لاجتماعهم، لمنزلته منزلة اجتماع الموتى، وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره، هذا مع أنّ الإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن، فكيف يكون معجزا وليس فيه صفة إعجاز! بل
__________
(1) انظر البرهان 2/ 93.
(2) القرآن الكريم هو كلام الله تعالى. لا حكاية ولا دلالة ولا غير ذلك من الأقوال. وقد سبق نقل كلام الإمام الطبري في هذا.
(3) انظر إثبات نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم ص 5750، والجواب الصحيح 4/ 7775، والبرهان 1/ 9493، والمناهل 2/ 316310، وتفسير الماوردي 1/ 33.(1/241)
المعجز هو الله تعالى، حيث سبلهم القدرة على الإتيان بمثله.
وأيضا: فيلزم من القول بالصّرفة زوال الإعجاز بزوال زمان التحدّي، وخلوّ القرآن من الإعجاز، وفي ذلك خرق لإجماع الأمة: أنّ معجزة الرسول العظمى باقية، ولا معجزة باقية سوى القرآن.
قال القاضي أبو بكر (1): وممّا يبطل القول بالصّرفة أنه لو كانت المعارضة ممكنة وإنما منع منها الصّرفة لم يكن الكلام معجزا، وإنّما يكون بالمنع معجزا، فلا يتضمّن الكلام فضيلة على غيره في نفسه. قال: وليس هذا بأعجب من قول فريق منهم: إنّ الكل قادرون على الإتيان بمثله وإنما تأخّروا عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلّموه لوصلوا إليه به، ولا بأعجب من قول آخرين: إنّ العجز وقع منهم وايما من بعدهم ففي قدرته الإتيان بمثله وكل هذا لا يعتدّ به.
وقال قوم: وجه إعجازه ما فيه من الإخبار عن الغيوب المستقبلة، ولم يكن ذلك من شأن العرب.
وقال آخرون: ما تضمّنه من الإخبار عن قصص الأولين وسائر المتقدمين، حكاية من شاهدها وحضرها.
وقال آخرون: ما تضمّنه من الإخبار عن الضمائر، من غير أن يظهر ذلك منهم بقول أو فعل، كقوله: {إِذْ هَمَّتْ طََائِفَتََانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلََا} [آل عمران: 122]. {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلََا يُعَذِّبُنَا اللََّهُ} [المجادلة: 8].
وقال القاضي أبو بكر: وجه إعجازه ما فيه من النّظم والتأليف والترصيف، وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب، ومباين لأساليب خطاباتهم. قال:
ولهذا لم يمكنهم معارضته.
قال: ولا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من أصناف البديع التي أودعوها في الشعر، لأنه ليس ممّا يخرق العادة، بل يمكن استدراكه بالعلم والتدريب والتصنع به، كقول الشعر ورصف الخطب وصناعة الرسالة، والحذق في البلاغة، وله طريق تسلك، فأما شأو نظم القرآن فليس له مثال يحتذى، ولا إمام يقتدى به، ولا يصحّ وقوع مثله اتفاقا. قال: ونحن نعتقد أنّ الإعجاز في بعض القرآن أظهر، وفي بعضه أدقّ وأغمض.
__________
(1) نقله في البرهان 2/ 94.(1/242)
وقال الإمام فخر الدين: وجه الإعجاز الفصاحة، وغرابة الأسلوب، والسّلامة من جميع العيوب.
وقال الزّملكانيّ: وجه الإعجاز راجع إلى التأليف الخاصّ به، لا مطلق التأليف، بأن اعتدلت مفرداته تركيبا وزنه، وعلت مركّباته معنى، بأن يوقع كل فنّ في مرتبته العليا في اللفظ والمعنى.
وقال ابن عطية (1): الصحيح والذي عليه الجمهور والحذّاق في وجه إعجازه: أنه بنظمه وصحّة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه وذلك أنّ الله أحاط بكل شيء علما، وأحاط بالكلام كله علما، فإذا ترتبت اللفظة من القرآن، علم بإحاطته أيّ لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبيّن المعنى بعد المعنى، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره. والبشر يعمّهم الجهل والنسيان والذهول، ومعلوم ضرورة أن أحدا من البشر لا يحيط بذلك، فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصورة من الفصاحة.
وبهذا يبطل قول من قال: إنّ العرب كان في قدرتها الإتيان بمثله، فصرفوا عن ذلك، والصحيح أنه لم يكن في قدرة أحد قط.
ولهذا ترى البليغ ينقّح القصيدة أو الخطبة حولا، ثم ينظر فيها فيغير فيها وهلمّ جرّا، وكتاب الله تعالى لو نزعت منه لفظة، ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد.
ونحن تتبيّن لنا البراعة في أكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع، لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذّوق، وجودة القريحة.
وقامت الحجّة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة، ومظنّة المعارضة، كما قامت الحجة في معجزة موسى بالسّحرة، وفي معجزة عيسى بالأطبّاء، فإن الله إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبرع ما تكون في زمن النبيّ الذي أراد إظهاره، فكان السحر قد انتهى في مدّة موسى إلى غايته، وكذلك الطبّ في زمن عيسى، والفصاحة في زمن محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وقال حازم في «منهاج البلغاء» (2): وجه الإعجاز في القرآن من حيث استمرّت
__________
(1) تفسير ابن عطية: المحرر الوجيز 1/ 5352، وانظر البرهان 2/ 97.
(2) نقله في البرهان 2/ 101.(1/243)
الفصاحة والبلاغة فيه من جميع أنحائها في جميعه استمرار لا يوجد له فترة، ولا يقدر عليه أحد من البشر. وكلام العرب ومن تكلّم بلغتهم لا تستمرّ الفصاحة والبلاغة في جميع أنحائها في العالي منه إلّا في الشيء اليسير المعدود، ثم تعرض الفترات الإنسانية، فينقطع طيب الكلام ورونقه، فلا تستمرّ لذلك الفصاحة في جميعه، بل توجد في تفاريق وأجزاء منه.
وقال المراكشيّ في «شرح المصباح»: الجهة المعجزة في القرآن تعرف بالتفكّر في علم البيان، وهو كما اختاره جماعة في تعريفه ما يحترز به عن الخطأ في تأدية المعنى، وعن تعقيده، وتعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه لمقتضى الحال.
لأنّ جهة إعجازه ليست مفردات ألفاظه، وإلّا لكانت قبل نزوله معجزة، ولا مجرّد تأليفها وإلّا لكان كلّ تأليف معجزا، ولا إعرابها وإلّا لكان كل كلام معرب معجزا، ولا مجرد أسلوبه وإلّا لكان الابتداء بأسلوب الشعر معجزا، والأسلوب الطريق، ولكان هذيان مسيلمة معجزا. ولأنّ الإعجاز يوجد دونه أيّ الأسلوب في نحو: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} [يوسف: 80]. {فَاصْدَعْ بِمََا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94].
ولا بالصّرف عن معارضتهم لأن تعجّبهم كان من فصاحته، ولأنّ مسيلمة وابن المقفّع والمعرّي وغيرهم، قد تعاطوها، فلم يأتوا إلّا بما تمجّه الأسماع، وتنفر منه الطباع، ويضحك منه في أحوال تركيبه، وبها أي بتلك الأحوال أعجز البلغاء وأخرس الفصحاء.
فعلى إعجازه دليل إجماليّ، وهو: أنّ العرب عجزت عنه وهو بلسانها، فغيرها أحرى. ودليل تفصيليّ، مقدّمته التفكّر في خواص تركيبه، ونتيجته العلم بأنه تنزيل من المحيط بكل شيء علما.
وقال الأصبهانيّ في تفسيره: اعلم أنّ إعجاز القرآن ذكر من وجهين (1): أحدهما إعجاز يتعلّق بنفسه، والثاني بصرف الناس عن معارضته. فالأوّل: إمّا أن يتعلّق بفصاحته وبلاغته أو بمعناه، أما الإعجاز المتعلّق بفصاحته وبلاغته فلا يتعلّق بعنصره الذي هو اللفظ والمعنى فإنّ ألفاظه ألفاظهم، قال تعالى: {قُرْآناً عَرَبِيًّا} [يوسف: 2]، {بِلِسََانٍ عَرَبِيٍّ} [الشعراء: 195]، ولا بمعانيه فإنّ كثيرا منها موجود في الكتب المتقدّمة، قال تعالى:
__________
(1) انظر البرهان 2/ 92.(1/244)
{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)} [الشعراء: 196]، وما هو في القرآن من المعارف الإلهية، وبيان المبدإ والمعاد والإخبار بالغيب فإعجاز ليس براجع إلى القرآن من حيث هو قرآن، بل لكونها حاصلة من غير سبق تعليم وتعلّم، ويكون الإخبار بالغيب إخبارا بالغيب سواء كان بهذا النظم، أو بغيره، موردا بالعربية أو بلغة أخرى، بعبارة أو بإشارة فإذن النظم المخصوص صورة القرآن واللفظ والمعنى عنصره، وباختلاف الصّور يختلف حكم الشيء واسمه لا بعنصره كالخاتم والقرط والسّوار، فإنّه باختلاف صورها اختلفت أسماؤها، لا بعنصرها الذي هو الذّهب والفضة والحديد، فإنّ الخاتم المتخذ من الذهب ومن الفضة ومن الحديد يسمّى خاتما، وإن كان العنصر مختلفا، وإن اتخذ خاتم وقرب وسوار من ذهب اختلفت أسماؤها باختلاف صورها، وإن كان العنصر واحدا.
قال: فظهر من هذا: أنّ الإعجاز المختصّ بالقرآن يتعلّق بالنظم المخصوص.
وبيان كون النظم معجزا يتوقّف على بيان نظم الكلام، ثم بيان أنّ هذا النظم مخالف لنظم ما عداه، فنقول: مراتب تأليف الكلام خمس:
الأولى: ضمّ الحروف المبسوطة بعضها إلى بعض، لتحصل الكلمات الثلاث:
الاسم والفعل والحروف.
والثانية: تأليف هذه الكلمات بعضها إلى بعض، لتحصل الجمل المفيدة، وهو النوع الذي يتداوله الناس جميعا في مخاطباتهم، وقضاء حوائجهم، ويقال له: المنثور من الكلام.
والثالثة: ضمّ بعض ذلك إلى بعض ضمّا له مباد ومقاطع، ومداخل ومخارج، ويقال له: المنظوم.
والرابعة: أن يعتبر في أواخر الكلام مع ذلك تسجيع، ويقال له: المسجّع.
والخامسة: أن يجعل له مع ذلك وزن، ويقال له: الشعر.
والمنظوم: إمّا محاورة ويقال له الخطابة، وإمّا مكاتبة ويقال له الرسالة.
فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام، ولكلّ من ذلك نظم مخصوص، والقرآن جامع لمحاسن الجميع على نظم غير نظم شيء منها، يدلّ على ذلك أنّه لا يصحّ أن يقال له: رسالة، أو خطابة، أو شعر، أو سجع، كما يصحّ أن يقال: هو كلام. والبليغ إذا قرع سمعه فصل بينه وبين ما عداه من النظم، ولهذا قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتََابٌ عَزِيزٌ (41) لََا يَأْتِيهِ
الْبََاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلََا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 41، 42] تنبيها على أنّ تأليفه ليس على هيئة نظم يتعاطاه البشر، فيمكن أن يغيّر بالزيادة والنقصان كحالة الكتب الأخرى.(1/245)
فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام، ولكلّ من ذلك نظم مخصوص، والقرآن جامع لمحاسن الجميع على نظم غير نظم شيء منها، يدلّ على ذلك أنّه لا يصحّ أن يقال له: رسالة، أو خطابة، أو شعر، أو سجع، كما يصحّ أن يقال: هو كلام. والبليغ إذا قرع سمعه فصل بينه وبين ما عداه من النظم، ولهذا قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتََابٌ عَزِيزٌ (41) لََا يَأْتِيهِ
الْبََاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلََا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 41، 42] تنبيها على أنّ تأليفه ليس على هيئة نظم يتعاطاه البشر، فيمكن أن يغيّر بالزيادة والنقصان كحالة الكتب الأخرى.
قال: وأمّا الإعجاز المتعلّق بصرف النّاس عن معارضته، فظاهر أيضا إذا اعتبر وذلك أنّه ما من صناعة محمودة كانت أو مذمومة إلّا وبينها وبين قوم مناسبات خفيّة، واتفاقات حمليّة بدليل أنّ الواحد يؤثر حرفة من الحرف، فينشرح صدره بملابستها، وتطيعه قواه في مباشرتها، فيقبلها بانشراح صدر، ويزاولها باتّساع قلب، فلمّا دعا الله أهل البلاغة والخطابة الذين يهيمون في كل واد من المعاني بسلاطة لسانهم إلى معارضة القرآن، وعجزهم عن الإتيان بمثله، ولم يتصدّوا لمعارضته لم يخف على أولي الألباب أنّ صارفا إلهيّا صرفهم عن ذلك، وأيّ إعجاز أعظم من أن يكون كافة البلغاء عجزة في الظاهر عن معارضته، مصروفة في الباطن عنها. انتهى.
وقال السّكاكيّ في «المفتاح» (1): اعلم أنّ إعجاز القرآن يدرك ولا يمكن وصفه، كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها، وكالملاحة، وكما يدرك طيب النّغم العارض لهذا الصوت، ولا يدرك تحصيله لغير ذوي الفطرة السليمة إلّا باتقان علمي المعاني والبيان والتمرين فيهما.
وقال أبو حيان التوحيديّ (2): سئل بندار الفارسيّ عن موضع الإعجاز من القرآن؟
فقال: هذه مسألة فيها حيف على المعنى، وذلك أنه شبيه بقولك: ما موضع الإنسان من الإنسان؟ فليس للإنسان موضع من الإنسان بل متى أشرت إلى جملته فقد حقّقته ودللت على ذاته، كذلك القرآن، لشرفه لا يشار إلى شيء فيه إلا وكان ذلك المعنى آية في نفسه، ومعجزة لمحاوله، وهدى لقائله، وليس في طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله في كلامه وأسراره في كتابه فلذلك حارت العقول، وتاهت البصائر عنده.
وقال الخطابي (3): ذهب الأكثرون من علماء النظر، إلى أنّ وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة، لكن صعب عليهم تفصيلها، وصغوا فيه إلى حكم الذوق.
قال: والتحقيق أنّ أجناس الكلام مختلفة، ومراتبها في درجات البيان متفاوتة فمنها البليغ الرّصين الجزل، ومنها الفصيح الغريب السهل، ومنها الجائز الطّلق الرّسل، وهذه
__________
(1) مفتاح العلوم ص 221، وانظر البرهان 2/ 100.
(2) في كتاب «البصائر»، كما في البرهان 2/ 100.
(3) في كتابه «بيان إعجاز القرآن» ص 2221.(1/246)
أقسام الكلام الفاضل المحمود فالأول أعلاها، والثاني أوسطها، والثالث أدناها وأقربها، فحازت بلاغات القرآن من كلّ قسم من هذه الأقسام حصّة، وأخذت من كل نوع شعبة، فانتظم لها بانتظام هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة، وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادّين لأنّ العذوبة نتاج السهولة والجزالة والمتانة يعالجان نوعا من الزّعورة فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبوّ كلّ واحد منهما عن الآخر فضيلة خصّ بها القرآن ليكون آية بيّنة لنبيه صلّى الله عليه وسلّم.
وإنما تعذّر على البشر الإتيان بمثله لأمور (1).
منها: أنّ علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها التي ظروف المعاني ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ، ولا تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها، وارتباط بعضها ببعض، فيتوصلوا باختيار الأفضل من الأحسن من وجوهها إلى أن يأتوا بكلام مثله، وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة:
لفظ حاصل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم. وإذا تأمّلت القرآن وجدت هذه منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه. ولا ترى نظما أحسن تأليفا، وأشدّ تلاؤما وتشاكلا من نظمه. وأما معانيه: فكلّ ذي لبّ يشهد له بالتقدّم في أبوابه، والترقّي إلى أعلى درجاته.
وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرّق في أنواع الكلام فأمّا أن توجد مجموعة في نوع واحد منه: فلم توجد إلّا في كلام العليم القدير، فخرج من هذا أنّ القرآن إنما صار معجزا: لأنه جاء بأفصح الألفاظ، في أحسن نظوم التأليف، مضمّنا أصحّ المعاني، من توحيد لله تعالى وتنزيهه له في صفاته، ودعائه إلى طاعته، وبيان لطريق عبادته، من تحليل وتحريم وحظر وإباحة، ومن وعظ وتقويم، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وإرشاد إلى محاسن الأخلاق، وزجر عن مساويها، واضعا كلّ شيء منها موضعه الذي لا يرى شيء أولى منه، ولا يتوهّم في صورة العقل أمر أليق به منه، مودعا أخبار القرون الماضية، وما نزل من مثلات الله بمن مضى وعاند منهم، منبئا عن الكوائن المستقبلة في الأعصار الآتية من الزمان، جامعا في ذلك بين الحجة والمحتجّ له، والدليل والمدلول عليه ليكون ذلك آكد للزوم ما دعا عليه، وإنباء عن وجوب ما أمر به ونهى عنه.
__________
(1) انظر البرهان 2/ 106102.(1/247)
ومعلوم أنّ الإتيان بمثل هذه الأمور، والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتتّسق أمر تعجز عنه قوى البشر، ولا تبلغه قدرتهم، فانقطع الخلق دونه، وعجزوا عن معارضته بمثله، أو مناقضته في شكله. ثم صار المعاندون له يقولون مرة: إنه شعر لمّا رأوه منظوما، ومرة: إنه سحر لمّا رأوه معجوزا عنه، غير مقدور عليه. وقد كانوا يجدون له وقعا في القلوب، وقرعا في النفوس، يرهبهم ويحيّرهم، فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعا من الاعتراف، ولذلك قالوا: إنّ له لحلاوة وإن عليه لطلاوة. وكانوا مرة بجهلهم يقولون:
{أَسََاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهََا فَهِيَ تُمْلى ََ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: 5]، مع علمهم أنّ صاحبهم أمّيّ، وليس بحضرته من يملي أو يكتب في نحو ذلك من الأمور التي أوجبها العناد والجهل، والعجز.
ثم قال: وقد قلت في إعجاز القرآن وجها ذهب عنه الناس، وهو: صنيعه في القلوب وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا، إذا قرع السمع خلص له إلى القلب، من اللذة والحلاوة في حال، ومن الرّوعة والمهابة في حال آخر، ما يخلص منه إليه، قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنََا هََذَا الْقُرْآنَ عَلى ََ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خََاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللََّهِ} [الحشر: 21]، وقال: {اللََّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتََاباً مُتَشََابِهاً مَثََانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر: 23]. انتهى.
وقال ابن سراقة: اختلف أهل العلم في وجه إعجاز القرآن، فذكروا في ذلك وجوها كثيرة كلّها حكمة وصواب، وما بلغوا في وجوه إعجازه جزءا واحدا من عشر معشاره:
فقال قوم: هو الإيجاز مع البلاغة.
وقال آخرون: هو البيان والفصاحة.
وقال آخرون: هو الرّصف والنظم.
وقال آخرون: هو كونه خارجا عن جنس كلام العرب من النظم، والنثر، والخطب والشعر، مع كون حروفه في كلامهم ومعانيه في خطابهم وألفاظه من جنس كلماتهم، وهو بذاته قبيل غير قبيل كلامهم، وجنس آخر متميّز عن أجناس خطابهم حتى إنّ من اقتصر على معانيه وغير حروفه أذهب رونقه، ومن اقتصر على حروفه وغيّر معانيه أبطل فائدته فكان في ذلك أبلغ دلالة على إعجازه.
وقال آخرون: هو كون قارئه لا يكلّ، وسامعه لا يملّ، وإن تكرّرت عليه تلاوته.
وقال آخرون: هو ما فيه من الإخبار عن الأمور الماضية.
وقال آخرون: هو ما فيه من علم الغيب والحكم على الأمور بالقطع.(1/248)
وقال آخرون: هو ما فيه من الإخبار عن الأمور الماضية.
وقال آخرون: هو ما فيه من علم الغيب والحكم على الأمور بالقطع.
وقال آخرون: هو كونه جامعا لعلوم يطول شرحها، ويشقّ حصرها. انتهى.
وقال الزركشيّ في «البرهان» (1): أهل التحقيق على أنّ الإعجاز وقع بجميع ما سبق من الأقوال لا بكلّ واحد على انفراده فإنه جمع ذلك كلّه، فلا معنى لنسبته إلى واحد منها بمفرده، مع اشتماله على الجميع، بل وغير ذلك ممّا لم يسبق:
فمنها: الرّوعة التي له في قلوب السامعين وأسماعهم، سواء المقرّ والجاحد.
ومنها: أنه لم يزل ولا يزال غضّا طريّا في أسماع السامعين، وعلى ألسنة القارئين.
ومنها: جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادّين لا يجتمعان غالبا في كلام البشر.
ومنها: جعله آخر الكتب غنيّا عن غيره، وجعل غيره من الكتب المتقدمة قد يحتاج إلى بيان يرجع فيه إليه، كما قال تعالى: {إِنَّ هََذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى ََ بَنِي إِسْرََائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)} [النمل: 76].
وقال الرّمانيّ: وجوه إعجاز القرآن تظهر من جهات ترك المعارضة، مع توفّر الدواعي وشدّة الحاجة، والتحدّث للكافة، والصرفة، والبلاغة، والإخبار عن الأمور المستقبلة، ونقض العادة، وقياسه بكل معجزة.
قال: ونقض العادة هو: أنّ العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة، منها الشعر، ومنها السجع، ومنها الخطب، ومنها الرسائل، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة، لها منزلة في الحسن تفوق به كلّ طريقة، وتفوق الموزون الذي هو أحسن الكلام.
قال: وأمّا قياسه بكلّ معجزة: فإنه يظهر إعجازه من هذه الجهة إذ كان سبيل فلق البحر وقلب العطا حيّة، وما جرى هذا المجرى في ذلك سبيلا واحدا في الإعجاز، إذ خرج عن العادة، وصد الخلق فيه عن المعارضة.
وقال القاضي عياض في «الشّفا» (2): اعلم أنّ القرآن منطو على وجوه من الإعجاز كثيرة، وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه:
__________
(1) البرهان 2/ 107106.
(2) الشفا للقاضي عياض 1/ 280258.(1/249)
أولها: حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته، ووجوه إيجازه، وبلاغته الخارقة عادة العرب الذين هم فرسان الكلام، وأرباب هذا الشأن.
الثاني: صورة نظمه العجيب، والأسلوب الغريب، المخالف لأساليب كلام العرب، ومنهاج نظمها ونثرها الذي جاء عليه، ووقفت عليه مقاطع آياته، وانتهت إليه فواصل كلماته، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له.
قال: وكلّ واحد من هذين النوعين الإيجاز والبلاغة بذاتها، والأسلوب الغريب بذاته نوع إعجاز على التحقيق، لم تقدر العرب على الإتيان بواحد منهما، إذ كلّ واحد خارج عن قدرتها، مباين لفصاحتها وكلامها، خلافا لمن زعم أنّ الإعجاز في مجموع البلاغة والأسلوب.
الثالث: ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيّبات وما لم يكن، فوجد كما ورد.
الرابع: ما أنبأ من أخبار القرون السالفة، والأمم البائدة، والشرائع الداثرة ممّا كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلّا الفذّ من أخبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلّم ذلك، فيورده صلّى الله عليه وسلّم على وجهه ويأتي به على نصّه وهو أمّيّ لا يقرأ ولا يكتب.
قال: فهذه الوجوه الأربعة من إعجازه بيّنة لا نزاع فيها. ومن الوجوه في إعجازه غير ذلك:
آي وردت بتعجيز قوم في قضايا وإعلامهم أنهم لا يفعلونها، فما فعلوا ولا قدروا على ذلك، كقوله لليهود: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} [البقرة:
94، 95]. فما تمنّاه أحد منهم، وهذا الوجه داخل في الوجه الثالث.
ومنها: الروعة التي تلحق قلوب سامعيه عند سماعهم، والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته، وقد أسلم جماعة عند سماع آيات منه، كما وقع لجبير بن مطعم: أنه سمع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في المغرب بالطور، قال: فلمّا بلغ هذه الآية {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخََالِقُونَ (35)} إلى قوله: {الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور: 3735]، كاد قلبي أن يطير. قال: وذلك أوّل ما وقر الإسلام في قلبي (1).
__________
(1) رواه البخاري (485440233050765)، ومسلم (463)، وابن ماجة (832)، والنسائي 2/ 169، وفي الكبرى (11528)، وأبو داود (811)، وأحمد 4/ 80، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 211، وابن خزيمة (514)، وابن حبان (18341833)، والحميدي (556) وغيرهم.(1/250)
وقد مات جماعة عند سماع آيات منه أفردوا بالتصنيف.
ثم قال: ومن وجوه إعجازه كونه آية باقية، لا يعدم ما بقيت الدنيا مع تكفّل الله بحفظه.
ومنها: أنّ قارئه لا يملّه، وسامعه لا يمجّه، بل الإكباب على تلاوته يزيده حلاوة، وتريديه يوجب له محبّة، وغيره من الكلام يعادى إذا أعيد، ويملّ مع الترديد، ولهذا وصف صلّى الله عليه وسلّم القرآن بأنه: «لا يخلق على كثرة الرد» (1).
ومنها: جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب، ولا أحاط بعلمها أحد، في كلمات قليلة، وأحرف معدودة.
قال: وهذا الوجه داخل في بلاغته فلا يجب أن يعدّ فنّا مفردا في إعجازه.
قال: والأوجه التي قبلها تعدّ في خواصّه وفضائله، لا إعجازه. وحقيقة الإعجاز الوجوه الأربعة الأول فليعتمد عليها. انتهى.
__________
(1) رواه الترمذي (2906)، والدارمي (33323331)، وأحمد 1/ 91، والبيهقي في الشعب 2/ 325 326، والبغوي في شرح السنة (1181).
قلت: سنده ضعيف، فيه الحارث الأعور: ضعيف. انظر التقريب 1/ 141، والتهذيب 2/ 147145، والمغني 1/ 141، والكاشف 1/ 138.(1/251)
تنبيهات (1)
الأول: اختلف في قدر المعجز من القرآن،
فذهب بعض المعتزلة إلى أنه متعلّق بجميع القرآن، والآيتان السابقتان تردّه.
وقال القاضي (2): يتعلق الإعجاز بسورة طويلة كانت أو قصيرة، تشبّثا بظاهر قوله:
{بِسُورَةٍ} (3).
وقال في موضع آخر: يتعلّق بسورة أو قدرها من الكلام، بحيث يتبين فيه تفاضل قوى البلاغة قال: فإذا كانت آية بقدر حروف سورة، وإن كانت كسورة الكوثر، فذلك معجز.
قال: ولم يقم دليل على عجزهم عن المعارضة في أقلّ من هذا القدر.
وقال قوم: لا يحصل الإعجاز بآية، بل يشترط الآيات الكثيرة.
وقال آخرون: يتعلق بقليل القرآن وكثيره، لقوله: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كََانُوا صََادِقِينَ (34)} [الطور: 34]. قال القاضي: ولا دلالة في الآية، لأنّ الحديث التامّ لا تتحصل حكايته في أقل من كلمات سورة قصيرة.
الثاني: اختلف في أنه هل يعلم إعجاز القرآن ضرورة؟ (4)
قال القاضي (5): فذهب أبو الحسن الأشعريّ إلى أنّ ظهور ذلك على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعلم ضرورة، وكونه معجزا يعلم بالاستدلال.
قال: والذي نقوله: إنّ الأعجميّ لا يمكنه أن يعلم إعجازه إلّا استدلالا، وكذلك من ليس ببليغ، فأما البليغ الذي قد أحاط بمذاهب العرب وغرائب الصنعة فإنّه يعلم من نفسه ضرورة عجزه وعجز غيره عن الإتيان بمثله.
__________
(1) انظر البرهان 1/ 109108.
(2) إعجاز القرآن ص 387386.
(3) انظر البرهان 2/ 112111.
(4) إعجاز القرآن ص 393.(1/252)
الثالث: اختلف في تفاوت القرآن في مراتب الفصاحة (1)
بعد اتفاقهم على أنه في أعلى مراتب البلاغة، بحيث لا يوجد في التراكيب ما هو أشدّ تناسبا ولا اعتدالا في إفادة ذلك المعنى منه.
فاختار القاضي (2) المنع، وأن كلّ كلمة فيه موصوفة بالذّروة العليا وإن كان بعض الناس أحسن إحساسا له من بعض.
واختار أبو نصر القشيريّ (3) وغيره التفاوت، فقال: لا ندّعي أنّ كل ما في القرآن أرفع الدرجات في الفصاحة، وكذا قال غيره: في القرآن الأفصح والفصيح.
وإلى هذا نحا الشيخ عز الدين بن عبد السلام، ثم أورد سؤالا، وهو أنه: لم لم يأت القرآن جميعه بالأفصح؟ وأجاب عنه الصّدر موهوب الجزريّ بما حاصله: أنه لو جاء القرآن على ذلك لكان على غير النمط المعتاد في كلام العرب من الجمع بين الأفصح والفصيح، فلا تتمّ الحجة في الإعجاز، فجاء على نمط كلامهم المعتاد، ليتمّ ظهور العجز عن معارضته، ولا يقولوا مثلا: أتيت بما لا قدرة لنا على جنسه كما لا يصحّ من البصير أن يقول للأعمى: قد غلبتك بنظري لأنه يقول له: إنما تتمّ لك الغلبة لو كنت قادرا على النظر، وكان نظرك أقوى من نظري، فأمّا إذ فقد أصل النظر، فكيف يصح مني المعارضة؟
الرابع:
الحكمة في تنزيه القرآن عن الشعر الموزون
قيل: الحكمة في تنزيه القرآن عن الشعر الموزون (4) مع أنّ الموزون من الكلام رتبته فوق رتبة غيره أنّ القرآن منبع الحق، ومجمع الصدق، وقصارى أمر الشاعر التخيل بتصوّر الباطل في صورة الحق، والإفراط في الإطراء، والمبالغة في الذمّ والإيذاء، دون إظهار الحقّ وإثبات الصدق، ولهذا نزّه الله نبيّه عنه، ولأجل شهرة الشعر بالكذب، سمى أصحاب البرهان القياسات المؤدية في أكثر الأمر إلى البطلان والكذب شعريّة. وقال بعض الحكماء: لم ير متديّن صادق اللهجة، مفلقا في شعره.
وأما ما وجد في القرآن ممّا صورته الموزون، فالجواب عنه:
أنّ ذلك لا يسمّى شعرا لأن شرط الشعر القصد ولو كان شعرا لكان كلّ م اتّفق له
__________
(1) انظر البرهان 2/ 121.
(2) في كتاب الإعجاز ص 6554، وانظر البرهان 2/ 121.
(3) نقله في البرهان 2/ 121، والقرطبي في تفسيره 5/ 4.
(4) انظر البرهان 2/ 113.(1/253)
في كلامه شيء موزون شاعرا، فكان الناس كلهم شعراء لأنه قلّ أن يخلو كلام أحد عن ذلك، وقد ورد ذلك على ألسنة الفصحاء، فلو اعتقدوه شعرا لبادروا إلى معارضته والطعن عليه لأنهم كانوا أحرص شيء على ذلك، وإنما يقع ذلك لبلوغ الكلام الغاية القصوى في الانسجام.
وقيل: البيت الواحد وما كان على وزنه لا يسمّى شعرا، وأقلّ الشعر بيتان فصاعدا.
وقيل: الرّجز لا يسمّى شعرا أصلا.
وقيل: أقلّ ما يكون من الرجز شعرا أربعة أبيات، وليس ذلك في القرآن بحال.
الخامس: قال بعضهم: التحدّي إنّما وقع للإنس دون الجن (1)
لأنّهم ليسوا من أهل اللسان العربيّ الذي جاء القرآن على أساليبه، وإنما ذكروا في قوله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ} [الإسراء: 88] تعظيما لإعجازه لأنّ للهيئة الاجتماعية من القوّة ما ليس للأفراد، فإذا فرض اجتماع الثّقلين فيه، وظاهر بعضهم بعضا، وعجزوا عن المعارضة، كان الفريق الواحد أعجز.
وقال غيره: بل وقع للجنّ أيضا، والملائكة منويّون في الآية لأنهم لا يقدرون أيضا على الإتيان بمثل القرآن.
قال الكرمانيّ في غرائب التفسير: إنما اقتصر في الآية على ذكر الإنس والجنّ لأنه صلّى الله عليه وسلّم كان مبعوثا إلى الثّقلين دون الملائكة.
السادس:
معنى قوله تعالى وَلَوْ كََانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللََّهِ
سئل الغزاليّ عن معنى قوله تعالى: {وَلَوْ كََانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللََّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلََافاً كَثِيراً} [النساء: 82].
فأجاب: الاختلاف لفظ مشترك بين معان، وليس المراد نفي اختلاف الناس فيه بل نفي الاختلاف عن ذات القرآن، يقال: هذا كلام مختلف، أي: لا يشبه أوله آخره في الفصاحة، أو هو مختلف الدعوى: أي بعضه يدعو إلى الدين، وبعضه يدعو إلى الدنيا.
وهو مختلف النظم، فبعضه على وزن الشعر، وبعضه منزحف، وبعضه على أسلوب مخصوص في الجزالة، وبعضه على أسلوب يخالفه.
وكلام الله منزّه عن هذه الاختلافات، فإنه على منهاج واحد في النظم مناسب أوّله
__________
(1) انظر البرهان 2/ 111.(1/254)
آخره، وعلى درجة واحدة في غاية الفصاحة، فليس يشتمل على الغث والسمين، ومسوق لمعنى واحد، وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى وصرفهم عن الدّنيا إلى الدين.
وكلام الآدميين تتطرّق إليه هذه الاختلافات، إذ كلام الشعراء والمترسّلين إذا قيس عليه وجد فيه اختلاف في منهاج النظم، ثم اختلاف في درجات الفصاحة، بل في أصل الفصاحة حتى يشتمل على الغثّ والسّمين، فلا تتساوى رسالتان ولا قصيدتان، بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة وأبيات سخيفة، وكذلك تشتمل القصائد والأشعار على أغراض مختلفة لأن الشعراء والفصحاء في كلّ واد يهيمون، فتارة يمدحون الدنيا، وتارة يذمونها، وتارة يمدحون الجبن ويسمونه حزما، وتارة يذمونه ويسمّونه ضعفا، وتارة يمدحون الشجاعة ويسمّونها صرامة، وتارة يذمّونها ويسمّونها تهوّرا، ولا ينفك كلام آدميّ عن هذه الاختلافات لأنّ منشأها اختلاف الأغراض والأحوال، والإنسان تختلف أحواله: فتساعده الفصاحة عند انبساط الطبع وفرحه، وتتعذّر عليه عند الانقباض، وكذلك تختلف أغراضه، فيميل إلى الشيء مرّة، ويميل عنه أخرى، فيوجب ذلك اختلافا في كلامه بالضرورة، فلا يصادف إنسان يتكلم في ثلاث وعشرين سنة وهي مدّة نزول القرآن فيتكلّم على غرض واحد ومنهاج واحد، ولقد كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بشرا تختلف أحواله، فلو كان هذا كلامه أو كلام غيره من البشر لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
السابع:
هل كان غير القرآن من كلام الله معجزا، كالتوراة والإنجيل؟
قال القاضي: فإن قيل: هل تقولون إنّ غير القرآن من كلام الله معجز، كالتوراة والإنجيل؟ قلنا: ليس شيء من ذلك بمعجز في النظم والتأليف وإن كان معجزا كالقرآن فيما يتضمّن من الإخبار بالغيوب وإنما لم يكن معجزا لأنّ الله تعالى لم يصفه بما وصف به القرآن: ولأنّا قد علمنا أنه لم يقع التحدّي إليه، كما وقع في القرآن، ولأنّ ذلك اللسان لا يتأتّى فيه من وجوه الفصاحة ما يقع فيه التفاضل الذي ينتهي إلى حدّ الإعجاز، قد ذكر ابن جنّي في الخاطريات في قوله: {قََالُوا يََا مُوسى ََ إِمََّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمََّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى ََ (65)} [طه: 65] إنّ العدول عن قوله: (وإما أن نلقي) لغرضين: أحدهما لفظيّ، وهو المزاوجة لرءوس الآي، والآخر معنويّ، وهو أنه تعالى أراد أن يخبر عن قوة أنفس السّحرة واستطالتهم على موسى، فجاء عنهم باللفظ أتمّ وأوفى منه في إسنادهم الفعل إليه.
ثم أورد سؤالا، وهو: أنّا نعلم أنّ السحرة لم يكونوا أهل لسان، فنذهب بهم هذا المذهب من صنعة الكلام؟
وأجاب: بأنّ جميع ما ورد في القرآن حكاية عن غير أهل اللسان من القرون
الخالية، إنما هو معرب عن معانيهم، وليس بحقيقة ألفاظهم، وهذا لا يشك في أن قوله تعالى: {قََالُوا إِنْ هََذََانِ لَسََاحِرََانِ يُرِيدََانِ أَنْ يُخْرِجََاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمََا وَيَذْهَبََا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى ََ (63)} [طه: 63] أنّ هذه الفصاحة لم تجر على لغة العجم.(1/255)
وأجاب: بأنّ جميع ما ورد في القرآن حكاية عن غير أهل اللسان من القرون
الخالية، إنما هو معرب عن معانيهم، وليس بحقيقة ألفاظهم، وهذا لا يشك في أن قوله تعالى: {قََالُوا إِنْ هََذََانِ لَسََاحِرََانِ يُرِيدََانِ أَنْ يُخْرِجََاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمََا وَيَذْهَبََا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى ََ (63)} [طه: 63] أنّ هذه الفصاحة لم تجر على لغة العجم.
الثامن:
استعمال أنسب معاني الألفاظ وأفصحها
قال البارزيّ في أول كتابه «أنوار التحصيل في أسرار التنزيل»: اعلم أنّ المعنى الواحد قد يخبر عنه بألفاظ بعضها أحسن من بعض وكذلك كلّ واحد من جزأي الجملة قد يعبّر عنه بأفصح ما يلائم الجزء الآخر، ولا بدّ من استحضار معاني الجمل، أو استحضار جميع ما يلائمها من الألفاظ، ثم استعمال أنسبها وأفصحها، واستحضار هذا متعذّر على البشر في أكثر الأحوال وذلك عتيد حاصل في علم الله تعالى، فلذلك كان القرآن أحسن الحديث وأفصحه، وإن كان مشتملا على الفصيح والأفصح، والمليح والأملح، ولذلك أمثلة:
منها: قوله تعالى: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دََانٍ} [الرحمن: 54]، لو قال مكانه: (وثمر الجنتين قريب) لم يقم مقامه من جهة الجناس بين الجنى والجنتين، ومن جهة أنّ الثمر لا يشعر بمصيره إلى حال يجنى فيها، ومن جهة مؤاخاة الفواصل.
ومنها: قوله تعالى: {وَمََا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتََابٍ} [العنكبوت: 48]. أحسن من التعبير ب (تقرأ) لثقله بالهمزة.
ومنها: {لََا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] أحسن من (لا شك فيه). لثقل الإدغام، ولهذا كثر ذكر الريب.
ومنها: {وَلََا تَهِنُوا} [آل عمران: 139] أحسن من (ولا تضعفوا) لخفته. و {وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم: 4] أحسن من (ضعف) لأنّ الفتحة أخف من الضمّة.
ومنها: {آمَنَ} [البقرة: 62] أخفّ من (صدّق)، ولذا كان ذكره أكثر من ذكر التصديق. و {آثَرَكَ اللََّهُ} [يوسف: 91] أخفّ من (فضّلك)، و {وَآتَى} [البقرة: 177] أخف من (أعطى). و {أَنْذَرَ} [الأحقاف: 21] أخفّ من (خوّف). و {خَيْرٌ لَكُمْ}
[البقرة: 184] أخفّ من (أفضل لكم)، والمصدر في نحو: {هََذََا خَلْقُ اللََّهِ} [لقمان: 11].
{يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] أخف من (مخلوق) و (الغائب). و {تَنْكِحَ} [البقرة: 230] أخف من (تتزوج) لأنّ (تفعل) أخفّ من (تفعّل) ولهذا كان ذكر النكاح فيه أكثر.
ولأجل التخفيف والاختصار استعمل لفظ: الرحمة والغضب والرضا والحبّ والمقت في أوصاف الله تعالى، مع أنه لا يوصف بها حقيقة لأنّه لو عبّر عن ذلك بألفاظ الحقيقة
لطال الكلام، كأن يقال: يعامله معاملة المحبّ والماقت. فالمجاز في مثل هذا أفضل من الحقيقة لخفته واختصاره، وابتنائه على التشبيه البليغ، فإن قوله: {فَلَمََّا آسَفُونََا انْتَقَمْنََا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] أحسن من: (فلما عاملونا معاملة المغضب) أو: (فلما أتوا إلينا بما يأتيه المغضب) (1). انتهى.(1/256)
ولأجل التخفيف والاختصار استعمل لفظ: الرحمة والغضب والرضا والحبّ والمقت في أوصاف الله تعالى، مع أنه لا يوصف بها حقيقة لأنّه لو عبّر عن ذلك بألفاظ الحقيقة
لطال الكلام، كأن يقال: يعامله معاملة المحبّ والماقت. فالمجاز في مثل هذا أفضل من الحقيقة لخفته واختصاره، وابتنائه على التشبيه البليغ، فإن قوله: {فَلَمََّا آسَفُونََا انْتَقَمْنََا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] أحسن من: (فلما عاملونا معاملة المغضب) أو: (فلما أتوا إلينا بما يأتيه المغضب) (1). انتهى.
التاسع:
هل يمكن المعارضة في السور القصار
قال الرّمانيّ: فإن قال قائل: فلعلّ السور القصار يمكن فيها المعارضة؟
قيل: لا يجوز فيها ذلك من قبل أنّ التحدّي قد وقع بها، فظهر العجز عنها في قوله: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} [يونس: 38] فلم يخصّ بذلك الطوال دون القصار.
فإن قال: فإنه يمكن في القصار أن تغيّر الفواصل، فيجعل بدل كلّ كلمة ما يقوم مقامها، فهل يكون ذلك معارضة؟
قيل له: لا، من قبل أن المفحم يمكنه أن ينشئ بيتا واحدا، ولا يفصل بطبعه بين مكسور وموزون، فلو أنّ مفحما رام أن يجعل بدل قوافي قصيدة رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق ... مشتبه الأعلام لمّا الخفق
بكلّ وفد الريح من حيث انخرق فجعل بدل المخترق (الممزّق)، وبدل الخفق (الشفق)، وبدل انخرق (انطلق) لأمكنه ذلك، ولم يثبت له به قول الشعر، ولا معارضة رؤبة في هذه القصيدة عند أحد له أدنى معرفة، فكذلك سبيل من غيّر الفواصل.
__________
(1) الرحمة والغضب والرضا والحب والمقت صفات ثابتة لله تعالى بالكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح.(1/257)
النوع الخامس والستون في العلوم المستنبطة من القرآن
قال تعالى: {مََا فَرَّطْنََا فِي الْكِتََابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وقال: {وَنَزَّلْنََا عَلَيْكَ الْكِتََابَ تِبْيََاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89].
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «ستكون فتن»، قيل: وما المخرج منها؟ قال: «كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم» أخرجه الترمذيّ وغيره (1).
وأخرج سعيد بن منصور، عن ابن مسعود، قال: من أراد العلم فعليه بالقرآن، فإنّ فيه خبر الأولين والآخرين. قال البيهقيّ: يعني أصول العلم.
وأخرج البيهقيّ، عن الحسن، قال: أنزل الله مائة وأربعة كتب، أودع علومها أربعة منها: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ثم أودع علوم الثلاثة الفرقان.
وقال الإمام الشافعيّ رضي الله عنه: جميع ما تقوله الأمة شرح للسنّة وجميع السنّة شرح للقرآن (2).
وقال أيضا: جميع ما حكم به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فهو مما فهمه من القرآن.
قلت: ويؤيد هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم «إنّي لا أحلّ إلّا ما أحلّ الله، ولا أحرّم إلّا ما حرّم الله في كتابه» (3) أخرجه بهذا اللفظ الشافعيّ في الأمّ.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) انظر البرهان 1/ 6.
(3) رواه الترمذي (1726)، وابن ماجة (3556)، وابن أبي حاتم في العلل 2/ 10، وابن عدي في الكامل 3/ 430، والحاكم في المستدرك 4/ 115، والطبراني في المعجم الكبير (6124)، والعقيلي في الضعفاء 2/ 174، وابن حبان في المجروحين 1/ 346، والمزي في تهذيب الكمال 2/ 569، والديلمي في الفردوس (2623)، والبيهقي في سننه 9/ 320و 10/ 12عن سلمان، قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن السمن والجبن والفراء؟ قال: «الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرّم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه».
قلت: سنده ضعيف، فيه:(1/258)
وقال سعيد بن جبير: ما بلغني حديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على وجهه إلّا وجدت مصداقه في كتاب الله.
وقال ابن مسعود: إذا حدّثتكم بحديث أنبأتكم بتصديقه من كتاب الله تعالى.
أخرجهما ابن أبي حاتم.
وقال الشافعيّ أيضا: ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلّا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها. فإن قيل: من الأحكام ما ثبت ابتداء بالسنّة؟ قلنا: ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة لأنّ كتاب الله أوجب علينا اتّباع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وفرض علينا الأخذ بقوله.
وقال الشافعيّ مرة بمكة: سلوني عمّا شئتم أخبركم عنه في كتاب الله. فقيل له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم: {وَمََا آتََاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمََا نَهََاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
وحدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعيّ بن حراش، عن حذيفة بن اليمان، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «اقتدوا باللّذين من بعدي: أبي بكر وعمر» (1).
وحدثنا سفيان، عن مسعر بن كدام، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب: أنه أمر بقتل المحرم الزنبور.
وأخرج البخاريّ، عن ابن مسعود أنه قال: لعن الله الواشمات والمتوشّمات
__________
1 - سيف بن هارون، ضعيف، كما في التقريب 1/ 344، وانظر التهذيب 4/ 398397، والكامل 3/ 431429، والمجروحين 1/ 346، والميزان 2/ 259. وقد خولف كما سيأتي.
2 - أعلّ بالوقف. فقد رواه سفيان وغيره وخالفوا سيفا فرووه عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان قوله. وانظر تحفة الأشراف 4/ 30.
3 - أعلّ بالإرسال: قال أبو حاتم كما في العلل لابنه 2/ 10: «هذا خطأ: رواه الثقات، عن التيمي، عن أبي عثمان، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم مرسل، ليس فيه سلمان، وهو الصحيح» اهـ، وهكذا رجّح العقيلي 2/ 174. وللحديث شواهد كثيرة يرتقي بها لدرجة الحسن لغيره. انظرها في تخريجنا لسنن ابن ماجة برقم (3367).
(1) رواه الترمذي (3663)، وأحمد في المسند 5/ 402399385382، وفي الفضائل (478 479)، وابن ماجة (97)، والطحاوي في شرح المشكل 2/ 8583، وابن حبان (6902)، وابن سعد 2/ 334، وابن أبي عاصم في السنة (11491148)، والحاكم 3/ 75، والخطيب في تاريخه 12/ 20، وأبو نعيم في الحلية 9/ 109، وسنده حسن لشواهده. انظر تخريجها في تخريجنا لسنن ابن ماجة.(1/259)
والمتنمّصات والمتفلّجات للحسن، المغيّرات خلّق الله تعالى. فبلغ ذلك امرأة من بني أسد، فقالت له: إنّه بلغني أنّك لعنت كيت وكيت! فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو في كتاب الله تعالى! فقالت: لقد قرأت ما بين اللّوحين فما وجدت فيه كما تقول؟ قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأت: {وَمََا آتََاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمََا نَهََاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. قالت: بلى، قال: فإنّه قد نهى عنه (1).
وحكى ابن سراقة في كتاب «الإعجاز»، عن أبي بكر بن مجاهد، أنه قال يوما: ما من شيء في العالم إلّا وهو في كتاب الله، فقيل له: فأين ذكر الخانات فيه؟ فقال: في قوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهََا مَتََاعٌ لَكُمْ} [النور: 29] فهي الخانات.
وقال ابن برّجان: ما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم من شيء فهو في القرآن به أو فيه أصله، قرب أو بعد، فهمه من فهمه، وعمه عنه من عمه، وكذا كلّ ما حكم أو قضى، وإنما يدرك الطالب من ذلك بقدر اجتهاده وبذل وسعه ومقدار فهمه.
وقال غيره: ما من شيء إلّا يمكن استخراجه من القرآن لمن فهّمه الله، حتى إنّ بعضهم استنبط عمر النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثا وستين سنة من قوله في سورة المنافقين: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللََّهُ نَفْساً إِذََا جََاءَ أَجَلُهََا} [المنافقون: 11] فإنها رأس ثلاث وستين سورة، وعقّبها بالتغابن ليظهر التغابن في فقده.
وقال ابن أبي الفضل المرسيّ في تفسيره: جمع القرآن علوم الأوّلين والآخرين بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلّا المتكلّم بها، ثم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلا ما استأثر به سبحانه وتعالى ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم، مثل الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس، حتى قال: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى. ثم ورث عنهم التابعون بإحسان، ثم تقاصرت الهمم، وفترت العزائم، وتضاءل أهل العلم، وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه، فنوّعوا علومه، وقامت كلّ طائفة بفنّ من فنونه، فاعتنى قوم بضبط لغاته وتحرير كلماته، ومعرفة مخارج
__________
(1) رواه البخاري (594859435939593148874886)، ومسلم (2125)، وأبو داود (4169)، والترمذي (2782)، والنسائي 8/ 188146، وابن ماجة (1989)، وأحمد 1/ 433 462454448443434، وابن حبان (55055504)، والبيهقي 7/ 312208، والبغوي في شرح السنة (3191)، وفي تفسيره 4/ 318.(1/260)
حروفه وعددها، وعدد كلماته وآياته وسوره وأحزابه وأنصافه وأرباعه وعدد سجداته، والتعليم عند كلّ عشر آيات، إلى غير ذلك من حصر الكلمات المتشابهة، والآيات المتماثلة من غير تعرّض لمعانيه، ولا تدبر لما أودع فيه، فسمّوا القراء.
واعتنى النحاة بالمعرب منه والمبنيّ من الأسماء والأفعال والحروف العاملة وغيرها، وأوسعوا الكلام في الأسماء وتوابعها وضروب الأفعال، واللازم والمتعدّي ورسوم خط الكلمات، وجميع ما يتعلّق به، حتى إنّ بعضهم أعرب مشكله، وبعضهم أعربه كلمة كلمة.
واعتنى المفسّرون بألفاظه، فوجدوا منه لفظا يدلّ على معنى واحد ولفظا يدلّ على معنيين، ولفظا يدلّ على أكثر، فأجروا الأول على حكمه، وأوضحوا معنى الخفيّ منه، وخاضوا في ترجيح أحد محتملات ذي المعنيين والمعاني، وأعمل كلّ منهم فكره، وقال بما اقتضاه نظره.
واعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة العقلية والشواهد الأصلية والنظرية، مثل قوله تعالى: {لَوْ كََانَ فِيهِمََا آلِهَةٌ إِلَّا اللََّهُ لَفَسَدَتََا} [الأنبياء: 22] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، فاستنبطوا منه أدلّة على وحدانية الله ووجوده وبقائه وقدمه وقدرته وعلمه وتنزيهه عمّا لا يليق به، وسمّوا هذا العلم: بأصول الدين.
وتأمّلت طائفة منهم معاني خطابه، فرأت منها ما يقتضي العموم، ومنها ما يقتضي الخصوص، إلى غير ذلك، فاستنبطوا منه أحكام اللغة من الحقيقة والمجاز، وتكلّموا في التّخصيص والإخبار، والنصّ، والظاهر، والمجمل، والمحكم والمتشابه، والأمر والنهي، والنسخ، إلى غير ذلك من أنواع الأقيسة واستصحاب الحال والاستقراء، وسمّوا هذا الفنّ:
أصول الفقه.
وأحكمت طائفة صحيح النظر وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام وسائر الأحكام، فأسّسوا أصوله، وفرّعوا فروعه، وبسطوا القول في ذلك بسطا حسنا، وسمّوه بعلم الفروع، وبالفقه أيضا.
وتلمّحت طائفة ما فيه من قصص القرآن السالفة والأمم الخالية، ونقلوا أخبارهم ودوّنوا آثارهم ووقائعهم، حتى ذكروا بدء الدنيا وأوّل الأشياء وسمّوا ذلك: بالتّاريخ والقصص.
وتنبّه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال والمواعظ التي تقلقل قلوب الرجال، وتكاد
تدكدك الجبال، فاستنبطوا ممّا فيه من الوعد والوعيد، والتحذير، والتبشير وذكر الموت والمعاد، والنشر والحشر، والحساب والعقاب، والجنّة والنار فصولا من المواعظ، وأصولا من الزواجر، فسمّوا: بذلك الخطباء والوعّاظ.(1/261)
وتنبّه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال والمواعظ التي تقلقل قلوب الرجال، وتكاد
تدكدك الجبال، فاستنبطوا ممّا فيه من الوعد والوعيد، والتحذير، والتبشير وذكر الموت والمعاد، والنشر والحشر، والحساب والعقاب، والجنّة والنار فصولا من المواعظ، وأصولا من الزواجر، فسمّوا: بذلك الخطباء والوعّاظ.
واستنبط قوم ممّا فيه من أصول التعبير مثل ما ورد في قصة يوسف في البقرات السمان، وفي منامي صاحبي السجن، وفي رؤياه الشمس والقمر والنجوم ساجدة، وسمّوه: تعبير الرؤيا. واستنبطوا تفسير كلّ رؤيا من الكتاب، فإن عزّ عليهم إخراجها منه فمن السنّة التي هي شارحة للكتاب فإن عسر فمن الحكم والأمثال.
ثم نظروا إلى اصطلاح العوام في مخاطباتهم، وعرف عاداتهم الذي أشار إليه القرآن بقوله: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199].
وأخذ قوم ممّا في آية المواريث من ذكر السّهام وأربابها وغير ذلك علم الفرائض، واستنبطوا منها من ذكر النّصف والثلث والربع والسّدس والثّمن حساب الفرائض، ومسائل العول، واستخرجوا منه أحكام الوصايا.
ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدّالّات على الحكم الباهرة في الليل والنهار، والشمس والقمر ومنازله، والنجوم والبروج وغير ذلك فاستخرجوا منه: علم المواقيت.
ونظر الكتّاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ وبديع النظم وحسن السّياق، والمبادئ والمقاطع والمخالص، والتلوين في الخطاب، والإطناب والإيجاز وغير ذلك، فاستنبطوا منه: المعاني والبيان والبديع.
ونظر فيه أرباب الإشارات وأصحاب الحقيقة، فلاح لهم من ألفاظه معان ودقائق جعلوا لها أعلاما اصطلحوا عليها، مثل الفناء، والبقاء، والحضور، والخوف، والهيبة، والأنس، والوحشة، والقبض، والبسط، وما أشبه ذلك، هذه الفنون التي أخذتها الملّة الإسلامية منه.
وقد احتوى على علوم أخرى من علوم الأوائل، مثل الطبّ، والجدل، والهيئة، والهندسة، والجبر، والمقابلة، والنّجامة وغير ذلك.
أمّا الطبّ: فمداره على حفظ نظام الصحّة واستحكام القوة وذلك إنما يكون باعتدال المزاج بتفاعل الكيفيّات المتضادة، وقد جمع ذلك في آية واحدة وهي قوله تعالى:
{وَكََانَ بَيْنَ ذََلِكَ قَوََاماً} [الفرقان: 67]. وعرّفنا فيه بما يعيد نظام الصحة بعد اختلاله، وحدوث الشفاء للبدن بعد اعتلاله في قوله تعالى: {شَرََابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوََانُهُ فِيهِ شِفََاءٌ
لِلنََّاسِ إِنَّ} [النحل: 69] ثم زاد على طبّ الأجسام بطبّ القلوب وشفاء الصدور.(1/262)
{وَكََانَ بَيْنَ ذََلِكَ قَوََاماً} [الفرقان: 67]. وعرّفنا فيه بما يعيد نظام الصحة بعد اختلاله، وحدوث الشفاء للبدن بعد اعتلاله في قوله تعالى: {شَرََابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوََانُهُ فِيهِ شِفََاءٌ
لِلنََّاسِ إِنَّ} [النحل: 69] ثم زاد على طبّ الأجسام بطبّ القلوب وشفاء الصدور.
وأما الهيئة: ففي تضاعيف سوره، من الآيات التي ذكر فيها ملكوت السموات والأرض، وما بثّ في العالم العلويّ والسفلي من المخلوقات.
وأما الهندسة: ففي قوله: {انْطَلِقُوا إِلى ََ ظِلٍّ ذِي ثَلََاثِ شُعَبٍ (30)} [المرسلات: 30] الآية.
وأما الجدل: فقد حوت آياته من البراهين، والمقدّمات، والنتائج، والقول بالموجب والمعارضة، وغير ذلك شيئا كثيرا، ومناظرة إبراهيم نمروذ ومحاجّته قومه أصل في ذلك عظيم.
وأمّا الجبر والمقابلة: فقد قيل: إنّ أوائل السور فيها ذكر مدد وأعوام وأيام لتواريخ أمم سالفة، وإنّ فيها تاريخ بقاء هذه الأمة، وتاريخ مدة أيام الدنيا، وما مضى وما بقي، مضروب بعضها في بعض.
وأما النّجامة: ففي قوله: {أَوْ أَثََارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف: 4] فقد فسّره بذلك ابن عباس.
وفيه أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها كالخياطة في قوله: {وَطَفِقََا يَخْصِفََانِ} [الأعراف: 22].
والحدادة: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 96]، {وَأَلَنََّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: 10] الآية.
والبناء في آيات.
والنجارة: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنََا} [هود: 37].
والغزل: {نَقَضَتْ غَزْلَهََا} [النحل: 92].
والنسج: {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً} [العنكبوت: 41].
والفلاحة: {أَفَرَأَيْتُمْ مََا تَحْرُثُونَ (63)} [الواقعة: 63] الآيات.
والصيد في آيات.
والغوص: {كُلَّ بَنََّاءٍ وَغَوََّاصٍ} [ص: 37]، {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً} [النحل: 14].
والصياغة: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى ََ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً} [الأعراف: 148].
والزّجاجة: {صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوََارِيرَ} [النمل: 44]. {الْمِصْبََاحُ فِي زُجََاجَةٍ} [النور: 35].
والفخارة: {فَأَوْقِدْ لِي يََا هََامََانُ عَلَى الطِّينِ} [القصص: 38].(1/263)
والزّجاجة: {صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوََارِيرَ} [النمل: 44]. {الْمِصْبََاحُ فِي زُجََاجَةٍ} [النور: 35].
والفخارة: {فَأَوْقِدْ لِي يََا هََامََانُ عَلَى الطِّينِ} [القصص: 38].
والملاحة: {أَمَّا السَّفِينَةُ} [الكهف: 79] الآية.
والكتابة: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق: 4].
والخبز: {أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً} [يوسف: 36].
والطبخ: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: 69].
والغسل والقصارة: {وَثِيََابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدثر: 4]، {قََالَ الْحَوََارِيُّونَ} [آل عمران: 52] وهم القصارون.
والجزارة: {إِلََّا مََا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3].
والبيع والشراء في آيات.
والصّبغ: {صِبْغَةَ اللََّهِ} [البقرة: 138]، {جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ} [فاطر: 27].
والحجارة: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبََالِ بُيُوتاً} [الشعراء: 149].
والكيالة والوزن في آيات.
والرمي: {وَمََا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [الأنفال: 17]، {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}
[الأنفال: 60].
وفيه من أسماء الآلات، وضروب المأكولات والمشروبات والمنكوحات، وجميع ما وقع ويقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله: {مََا فَرَّطْنََا فِي الْكِتََابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، انتهى كلام المرسي ملخّصا (1).
وقال ابن سراقة: من بعض وجوه إعجاز القرآن ما ذكر الله فيه من أعداد الحساب والجمع والقسمة والضرب، والموافقة، والتأليف، والمناسبة، والتنصيف والمضاعفة ليعلم بذلك أهل العلم بالحساب أنه صلّى الله عليه وسلّم صادق في قوله، وأنّ القرآن ليس من عنده إذ لم يكن ممن خالط الفلاسفة، ولا تلقّى الحسّاب وأهل الهندسة.
__________
(1) إنّ هذا القرآن كتابه تعالى، وهو كتاب هداية وإرشاد ونور للعالمين، وليس هو كتاب علم من العلوم الطبيعية، وليست هذه العلوم مقصودة لذاتها بل هي لما تحمله من عبرة. فالخطر كلّ الخطر أن يتحوّل الناس عن هداية القرآن، إلى بحث علوم الإنسان في القرآن فنرى: الجغرافيا وعلم الحيوان، وعلم الألوان، في القرآن.(1/264)
وقال الراغب: إنّ الله تعالى كما جعل نبوّة النبيين بنبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم مختتمة، وشرائعهم بشريعته من وجه منتسخة، ومن وجه مكمّلة متممة، جعل كتابه المنزّل عليه متضمّنا لثمرة كتبه التي أولاها أولئك، كما نبه عليه بقوله: {يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) فِيهََا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)} [البينة: 2، 3]. وجعل من معجزة هذا الكتاب: أنه مع قلة الحجم متضمن للمعنى الجمّ، بحيث تقصر الألباب البشرية عن إحصائه، والآلات الدنيوية عن استيفائه، كما نبّه عليه بقوله: {وَلَوْ أَنَّ مََا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلََامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مََا نَفِدَتْ كَلِمََاتُ اللََّهِ} [لقمان: 27] فهو وإن كان لا يخلو للناظر فيه من نور ما يريه ونفع ما يوليه:
كالبدر من حيث التفتّ رأيته ... يهدي إلى عينيك نورا ثاقبا
كالشّمس في كبد السماء وضوءها ... يغشى البلاد مشارقا ومغاربا
وأخرج أبو نعيم وغيره، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، قال: قيل لموسى عليه السلام: يا موسى إنما مثل كتاب أحمد في الكتب بمنزلة وعاء فيه لبن كلما مخضته أخرجت زبدته.
وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ في «قانون التأويل» (1): علوم القرآن خمسون علما، وأربعمائة علم، وسبعة آلاف علم، وسبعون ألف علم على عدد كلم القرآن، مضروبة في أربعة، إذ لكلّ كلمة ظهر وبطن، وحدّ ومطلع، وهذا مطلق دون اعتبار تركيب وما بينها من روابط، وهذا ما لا يحصى، ولا يعلمه إلّا الله.
قال: وأمّا علوم القرآن فثلاثة: توحيد، وتذكير، وأحكام: فالتوحيد يدخل فيه معرفة المخلوقات، ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله. والتذكير منه الوعد والوعيد، والجنّة والنار، وتصفية الظاهر والباطن. والأحكام، منها التكاليف كلها، وتبيين المنافع والمضارّ، والأمر والنهي والنّدب. ولذلك كانت الفاتحة أمّ القرآن لأن فيها الأقسام الثلاثة، وسورة الإخلاص لاشتمالها على أحد الأقسام الثلاثة، وهو التوحيد.
وقال ابن جرير (2): القرآن يشتمل على ثلاثة أشياء: التوحيد، والإخبار، والدّيانات، ولهذا كانت سورة الإخلاص ثلثه لأنها تشمل التوحيد كلّه.
__________
(1) نقله في البرهان 1/ 1716.
(2) انظر البرهان 1/ 18.(1/265)
وقال عليّ بن عيسى (1): القرآن يشتمل على ثلاثين شيئا: الإعلام، والتشبيه، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، ووصف الجنة والنار، وتعليم الإقراء بسم الله، وبصفاته وأفعاله، وتعليم الاعتراف بإنعامه، والاحتجاج على المخالفين، والردّ على الملحدين، والبيان عن الرغبة والرهبة، والخير والشرّ، والحسن والقبيح، ونعت الحكمة، وفصل المعرفة، ومدح الأبرار، وذم الفجّار، والتسليم، والتحسين، والتوكيد، والتقريع، والبيان عن ذم الأخلاق، وشرف الآداب.
وقال شيذلة: وعلى التحقيق إنّ تلك الثلاث التي قالها ابن جرير تشمل هذه كلها بل أضعافها، فإن القرآن لا يستدرك، ولا تحصى عجائبه.
وأنا أقول: قد اشتمل كتاب الله العزيز على كلّ شيء أما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل إلّا وفي القرآن ما يدل عليها، وفيه عجائب المخلوقات، وملكوت السموات والأرض، وما في الأفق الأعلى وتحت الثرى، وبدء الخلق. وأسماء مشاهير الرّسل والملائكة، وعيون أخبار الأمم السالفة، كقصة آدم مع إبليس في إخراجه من الجنة، وفي الولد الذي سمّاه عبد الحارث (2)، ورفع إدريس، وغرق قوم نوح، وقصة عاد الأولى والثانية، وثمود والناقة، وقوم يونس، وقوم شعيب، والأولين والآخرين، وقوم لوط، وقوم تبّع، وأصحاب الرّسّ، وقصة إبراهيم في مجادلة قومه ومناظرته نمروذ، ووضعه إسماعيل مع أمه بمكة، وبنائه البيت، وقصة الذبيح، وقصة يوسف وما أبسطها، وقصة موسى في ولادته وإلقائه في اليمّ، وقتل القبطي، ومسيره إلى مدين وتزوّجه بنت شعيب (3)، وكلامه تعالى بجانب الطور، ومجيئه إلى فرعون وخروجه وإغراق عدوّه، وقصة العجل والقوم الذين خرج بهم وأخذتهم الصعقة، وقصة القتيل، وذبح البقرة، وقصته مع الخضر، وقصته في قتال الجبّارين، وقصة القوم الذين ساروا في سرب في
__________
(1) انظر البرهان 1/ 18.
(2) يريد السيوطي أن المقصود بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وََاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهََا زَوْجَهََا لِيَسْكُنَ إِلَيْهََا فَلَمََّا تَغَشََّاهََا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمََّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللََّهَ رَبَّهُمََا لَئِنْ آتَيْتَنََا صََالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشََّاكِرِينَ.} {فَلَمََّا آتََاهُمََا صََالِحاً جَعَلََا لَهُ شُرَكََاءَ فِيمََا آتََاهُمََا فَتَعََالَى اللََّهُ عَمََّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 189] يقصد به آدم وحواء. ولكن هذا التفسير يظهر عليه أنه من آثار أهل الكتاب، وهذه الآثار هي من التي يجب ردّها.
قال ابن كثير في تفسيره 2/ 275: «وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء، وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته» اهـ.
(3) الصواب أنه ليس بشعيب النبي صلّى الله عليه وسلّم، بل غيره. انظر تفصيل ذلك في مفحمات الأقران ص 159158.(1/266)
الأرض إلى الصين، وقصة طالوت وداود مع جالوت وفتنته، وقصة سليمان وخبره مع ملكة سبأ وفتنته، وقصة القوم الذين خرجوا فرارا من الطاعون فأماتهم الله ثم أحياهم، وقصة ذي القرنين ومسيره إلى مغرب الشمس ومطلعها وبنائه السدّ، وقصة أيوب، وذي الكفل، وإلياس، وقصة مريم وولادتها، وعيسى وإرساله ورفعه، وقصة زكريّا وابنه يحيى، وقصة أصحاب الكهف، وقصة أصحاب الرقيم، وقصة بخت نصّر، وقصة الرجلين اللذين لأحدهما الجنة، وقصة أصحاب الجنة، وقصة مؤمن آل يس، وقصة أصحاب الفيل.
وفيه من شأن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعوة إبراهيم به، وبشارة عيسى، وبعثه وهجرته، ومن غزواته: سريّة ابن الحضرميّ في البقرة، وغزوة بدر في سورة الأنفال، وأحد في آل عمران، وبدر الصغرى فيها، والخندق في الأحزاب، والحديبية في الفتح. والنّضير في الحشر، وحنين وتبوك في براءة، وحجّة الوداع في المائدة. ونكاحه زينب بنت جحش، وتحريم سريته، وتظاهر أزواجه عليه، وقصة الإفك، وقصة الإسراء، وانشقاق القمر، وسحر اليهود إياه.
وفيه بدء خلق الإنسان إلى موته وكيفية الموت، وقبض الروح وما يفعل بها بعد، وصعودها إلى السماء، وفتح الباب للمؤمنة وإلقاء الكافرة، وعذاب القبر والسؤال فيه، ومقرّ الأرواح، وأشراط الساعة الكبرى، وهي: نزول عيسى، وخروج الدّجال، ويأجوج ومأجوج، والدابّة، والدّخان، ورفع القرآن، والخسف، وطلوع الشمس من مغربها، وغلق باب التوبة. وأحوال البعث من النفخات الثلاث: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة القيام. والحشر والنشر، وأهوال الموقف، وشدة حر الشمس، وظل العرش، والميزان والحوض، والصراط، والحساب لقوم ونجاة آخرين منه، وشهادة الأعضاء، وإتيان الكتب بالأيمان والشمائل وخلف الظهر، والشفاعة، والمقام المحمود، والجنّة وأبوابها وما فيها من الأنهار، والأشجار والثمار والحليّ والأواني والدّرجات ورؤيته تعالى. والنّار وأبوابها وما فيها من الأودية، وأنواع العقاب وألوان العذاب، والزقّوم، والحميم.
وفيه جميع أسمائه تعالى الحسنى، كما ورد في حديث، ومن أسمائه مطلقا ألف اسم، ومن أسماء النبي صلّى الله عليه وسلّم جملة.
وفيه شعب الإيمان البضع والسبعون، وشرائع الإسلام الثلاثمائة وخمس عشرة.
وفيه أنواع الكبائر، وكثير من الصغائر. وفيه تصديق كلّ حديث ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى غير ذلك ممّا يحتاج شرحه إلى مجلّدات.
وقد أفرد الناس كتبا فيما تضمّنه القرآن من الأحكام كالقاضي إسماعيل وأبي بكر بن العلاء، وأبي بكر الرازيّ، والكيا الهرّاسيّ، وأبي بكر بن العربيّ، وعبد المنعم بن الفرس، وابن خويز منداد.(1/267)
وفيه أنواع الكبائر، وكثير من الصغائر. وفيه تصديق كلّ حديث ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى غير ذلك ممّا يحتاج شرحه إلى مجلّدات.
وقد أفرد الناس كتبا فيما تضمّنه القرآن من الأحكام كالقاضي إسماعيل وأبي بكر بن العلاء، وأبي بكر الرازيّ، والكيا الهرّاسيّ، وأبي بكر بن العربيّ، وعبد المنعم بن الفرس، وابن خويز منداد.
وأفرد آخرون كتبا فيما تضمنه من علم الباطن.
وأفرد ابن برّجان كتابا فيما تضمنه من معاضدة الأحاديث.
وقد ألّفت كتابا سميته «الإكليل في استنباط التنزيل» ذكرت فيه كلّ ما استنبط منه من مسألة فقهية أو أصلية، أو اعتقادية، وبعضا مما سوى ذلك، كثير الفائدة جمّ العائدة، يجري مجرى الشرح لما أجملته في هذا النوع فليراجعه من أراد الوقوف عليه.
فصل
في آيات الأحكام
قال الغزالي وغيره: آيات الأحكام خمسمائة آية. وقال بعضهم: مائة وخمسون.
قيل: ولعلّ مرادهم المصرّح به فإن آيات القصص والأمثال وغيرها يستنبط منها كثير من الأحكام.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في كتاب «الإمام في أدلة الأحكام»: معظم آي القرآن لا يخلو عن أحكام مشتملة على آداب حسنة، وأخلاق جميلة، ثم من الآيات ما صرّح فيه بالأحكام، ومنها ما يؤخذ بطريق الاستنباط:
إما بلا ضمّ إلى آية أخرى كاستنباط صحة أنكحة الكفار من قوله: {وَامْرَأَتُهُ حَمََّالَةَ الْحَطَبِ (4)} [المسد: 4]. وصحة صوم الجنب، من قوله: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} إلى قوله:
{حَتََّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ} الآية [البقرة: 187].
وإما به، كاستنباط أن أقل الحمل ستة أشهر من قوله: {وَفِصََالُهُ فِي عََامَيْنِ}
[لقمان: 14].
قال: ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة، وهو ظاهر، وتارة بالإخبار مثل: {أُحِلَّ لَكُمْ} [البقرة: 187]. {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3]. {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيََامُ}
[البقرة: 183]. وتارة بما رتّب عليها في العاجل أو الآجل من خير أو شر، أو نفع أو ضرّ، وقد نوّع الشارع ذلك أنواعا كثيرة، ترغيبا لعباده، وترهيبا وتقريبا إلى أفهامهم.
فكلّ فعل عظّمه الشرع أو مدحه أو مدح فاعله لأجله أو أحبّه أو أحبّ فاعله، أو رضي به أو رضي عن فاعله، أو وصفه بالاستقامة أو البركة أو الطيب، أو أقسم به أو
بفاعله كالإقسام بالشفع والوتر، وبخيل المجاهدين، وبالنفس اللوّامة، أو نصبه سببا لذكره لعبده أو لمحبته أو لثواب عاجل أو آجل، أو لشكره له، أو لهدايته إياه، أو لإرضاء فاعله، أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيّئاته أو لقبوله أو لنصرة فاعله، أو بشارته، أو وصف فاعله بالطّيب، أو وصف الفعل بكونه معروفا، أو نفي الحزن والخوف عن فاعله، أو وعده بالأمن، أو نصب سببا لولايته، أو أخبر عن دعاء الرسول بحصوله، أو وصفه بكونه قربة، أو بصفة مدح، كالحياة والنور والشفاء فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب.(1/268)
فكلّ فعل عظّمه الشرع أو مدحه أو مدح فاعله لأجله أو أحبّه أو أحبّ فاعله، أو رضي به أو رضي عن فاعله، أو وصفه بالاستقامة أو البركة أو الطيب، أو أقسم به أو
بفاعله كالإقسام بالشفع والوتر، وبخيل المجاهدين، وبالنفس اللوّامة، أو نصبه سببا لذكره لعبده أو لمحبته أو لثواب عاجل أو آجل، أو لشكره له، أو لهدايته إياه، أو لإرضاء فاعله، أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيّئاته أو لقبوله أو لنصرة فاعله، أو بشارته، أو وصف فاعله بالطّيب، أو وصف الفعل بكونه معروفا، أو نفي الحزن والخوف عن فاعله، أو وعده بالأمن، أو نصب سببا لولايته، أو أخبر عن دعاء الرسول بحصوله، أو وصفه بكونه قربة، أو بصفة مدح، كالحياة والنور والشفاء فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب.
وكلّ فعل طلب الشارع تركه، أو ذمّه أو ذمّ فاعله، أو عتب عليه، أو مقت فاعله أو لعنه، أو نفى محبّته أو محبّة فاعله، أو الرّضا به أو عن فاعله، أو شبّه فاعله بالبهائم أو بالشياطين، أو جعله مانعا من الهدى أو من القبول، أو وصفه بسوء أو كراهة، أو استعاذ الأنبياء منه أو أبغضوه، أو جعل سببا لنفي الفلاح أو لعذاب عاجل أو آجل، أو لذمّ أو لوم أو ضلالة أو معصية، أو وصف بخبث أو رجس أو نجس، أو بكونه فسقا أو إثما، أو سببا لإثم أو رجس، أو لعن أو غضب، أو زوال نعمة، أو حلول نقمة، أو حدّ من الحدود، أو قسوة أو خزي، أو ارتهان نفس، أو لعداوة الله ومحاربته، أو لاستهزائه أو سخريته، أو جعله الله سببا لنسيانه فاعله، أو وصفه نفسه بالصبر عليه أو بالحلم، أو بالصفح عنه، أو دعا إلى التوبة منه، أو وصف فاعله بخبث أو احتقار، أو نسبه إلى عمل الشيطان، أو تزيينه، أو تولّي الشيطان لفاعله، أو وصفه بصفة ذمّ ككونه ظلما أو بغيا، أو عدوانا أو إثما أو مرضا، أو تبرّأ الأنبياء منه أو من فاعله، أو شكوا إلى الله من فاعله، أو جاهروا فاعله بالعداوة، أو نهوا عن الأسى والحزن عليه، أو نصب سببا لخيبة فاعله عاجلا أو آجلا، أو رتّب عليه حرمان الجنة وما فيها، أو وصف فاعله بأنه عدوّ لله، أو بأن الله عدوه، أو أعلم فاعله بحرب من الله ورسوله، أو حمّل فاعله إثم غيره، أو قيل فيه: لا ينبغي هذا أو لا يكون، أو أمر بالتقوى عند السؤال عنه، أو أمر بفعل مضادّه، أو بهجر فاعله، أو تلاعن فاعلوه في الآخرة، أو تبرّأ بعضهم من بعض، أو دعا بعضهم على بعض، أو وصف فاعله بالضلالة وأنه ليس من الله في شيء، أو ليس من الرسول وأصحابه، أو جعل اجتنابه سببا للفلاح، أو جعله سببا لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، أو قيل: هل أنت منته، أو نهى الأنبياء عن الدعاء لفاعله، أو رتب عليه إبعادا أو طردا، أو لفظة (قتل من فعله) أو (قاتله الله)، أو أخبر أنّ فاعله لا يكلّمه الله يوم القيامة، ولا ينظر إليه ولا يزكّيه، ولا يصلح عمله، ولا يهدي كيده أو لا يفلح، أو قيّض له الشيطان، أو جعل سببا لإزاغة قلب
فاعله، أو صرفه عن آيات الله وسؤاله عن علة الفعل فهو دليل على المنع من الفعل، ودلالته على التحريم أظهر من دلالته على مجرد الكراهة. وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال، ونفي الجناح والحرج والإثم والمؤاخذة، ومن الإذن فيه والعفو عنه، ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع، ومن السكوت عن التحريم، ومن الإنكار على من حرّم الشيء من الإخبار بأنه خلق أو جعل لنا، والإخبار عن فعل من قبلنا من غير ذمّ لهم عليه.(1/269)
وكلّ فعل طلب الشارع تركه، أو ذمّه أو ذمّ فاعله، أو عتب عليه، أو مقت فاعله أو لعنه، أو نفى محبّته أو محبّة فاعله، أو الرّضا به أو عن فاعله، أو شبّه فاعله بالبهائم أو بالشياطين، أو جعله مانعا من الهدى أو من القبول، أو وصفه بسوء أو كراهة، أو استعاذ الأنبياء منه أو أبغضوه، أو جعل سببا لنفي الفلاح أو لعذاب عاجل أو آجل، أو لذمّ أو لوم أو ضلالة أو معصية، أو وصف بخبث أو رجس أو نجس، أو بكونه فسقا أو إثما، أو سببا لإثم أو رجس، أو لعن أو غضب، أو زوال نعمة، أو حلول نقمة، أو حدّ من الحدود، أو قسوة أو خزي، أو ارتهان نفس، أو لعداوة الله ومحاربته، أو لاستهزائه أو سخريته، أو جعله الله سببا لنسيانه فاعله، أو وصفه نفسه بالصبر عليه أو بالحلم، أو بالصفح عنه، أو دعا إلى التوبة منه، أو وصف فاعله بخبث أو احتقار، أو نسبه إلى عمل الشيطان، أو تزيينه، أو تولّي الشيطان لفاعله، أو وصفه بصفة ذمّ ككونه ظلما أو بغيا، أو عدوانا أو إثما أو مرضا، أو تبرّأ الأنبياء منه أو من فاعله، أو شكوا إلى الله من فاعله، أو جاهروا فاعله بالعداوة، أو نهوا عن الأسى والحزن عليه، أو نصب سببا لخيبة فاعله عاجلا أو آجلا، أو رتّب عليه حرمان الجنة وما فيها، أو وصف فاعله بأنه عدوّ لله، أو بأن الله عدوه، أو أعلم فاعله بحرب من الله ورسوله، أو حمّل فاعله إثم غيره، أو قيل فيه: لا ينبغي هذا أو لا يكون، أو أمر بالتقوى عند السؤال عنه، أو أمر بفعل مضادّه، أو بهجر فاعله، أو تلاعن فاعلوه في الآخرة، أو تبرّأ بعضهم من بعض، أو دعا بعضهم على بعض، أو وصف فاعله بالضلالة وأنه ليس من الله في شيء، أو ليس من الرسول وأصحابه، أو جعل اجتنابه سببا للفلاح، أو جعله سببا لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، أو قيل: هل أنت منته، أو نهى الأنبياء عن الدعاء لفاعله، أو رتب عليه إبعادا أو طردا، أو لفظة (قتل من فعله) أو (قاتله الله)، أو أخبر أنّ فاعله لا يكلّمه الله يوم القيامة، ولا ينظر إليه ولا يزكّيه، ولا يصلح عمله، ولا يهدي كيده أو لا يفلح، أو قيّض له الشيطان، أو جعل سببا لإزاغة قلب
فاعله، أو صرفه عن آيات الله وسؤاله عن علة الفعل فهو دليل على المنع من الفعل، ودلالته على التحريم أظهر من دلالته على مجرد الكراهة. وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال، ونفي الجناح والحرج والإثم والمؤاخذة، ومن الإذن فيه والعفو عنه، ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع، ومن السكوت عن التحريم، ومن الإنكار على من حرّم الشيء من الإخبار بأنه خلق أو جعل لنا، والإخبار عن فعل من قبلنا من غير ذمّ لهم عليه.
فإن اقترن بإخباره مدح، دلّ على مشروعيته وجوبا أو استحبابا. انتهى كلام الشيخ عز الدين.
وقال غيره: قد يستنبط من السكوت، وقد استدلّ جماعة على أنّ القرآن غير مخلوق بأنّ الله ذكر الإنسان في ثمانية عشر موضعا، وقال: إنه مخلوق وذكر القرآن في أربعة وخمسين موضعا ولم يقل: إنه مخلوق، ولمّا جمع بينهما غاير، فقال: {الرَّحْمََنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسََانَ (3)} [الرحمن: 31].
411(1/270)
وقال غيره: قد يستنبط من السكوت، وقد استدلّ جماعة على أنّ القرآن غير مخلوق بأنّ الله ذكر الإنسان في ثمانية عشر موضعا، وقال: إنه مخلوق وذكر القرآن في أربعة وخمسين موضعا ولم يقل: إنه مخلوق، ولمّا جمع بينهما غاير، فقال: {الرَّحْمََنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسََانَ (3)} [الرحمن: 31].
411
النوع السادس والستون في أمثال القرآن (1)
أفرده بالتصنيف الإمام أبو الحسن الماورديّ من كبار أصحابنا (2).
قال تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنََا لِلنََّاسِ فِي هََذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الروم: 58]. وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثََالُ نَضْرِبُهََا لِلنََّاسِ وَمََا يَعْقِلُهََا إِلَّا الْعََالِمُونَ (43)} [العنكبوت: 43].
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ القرآن نزل على خمسة أوجه: حلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتّبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال» (3).
قال الماورديّ: من أعظم علم القرآن علم أمثاله، والنّاس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال، وإغفالهم الممثّلات، والمثل بلا ممثّل كالفرس بلا لجام والناقة بلا زمام.
وقال غيره (4): قد عدّه الشافعي ممّا يجب على المجتهد معرفته من علوم القرآن، فقال: ثم معرفة ما ضرب فيه من الأمثال الدّوالّ على طاعته، المبيّنة لاجتناب معصيته.
وقال الشيخ عز الدين: إنما ضرب الله الأمثال في القرآن تذكيرا ووعظا، فما اشتمل
__________
(1) انظر البرهان 1/ 486.
(2) ولابن قيم الجوزية بحث طويل في أمثال القرآن، وهو موجود في أعلام الموقعين. وقد طبع مفردا، وإني أقوم بتحقيقه. يسّر الله لي ذلك.
(3) انظر فضائل القرآن للقاسم بن سلام (28) ص 207، وقد روى الطبري في تفسيره 1/ 53، وابن حبان (745)، والحاكم 1/ 553، عن ابن مسعود مرفوعا نحوه. وفي سنده سلمة بن أبي سلمة: قال ابن عبد البر: لا يحتج به. وصحيح حديث ابن حبان والحاكم. انظر اللسان 3/ 68. وأبو سلمة لم يدرك ابن مسعود.
وقد وقع في سنده اختلاف، فقد روي موقوفا على ابن مسعود: عند الطبري في تفسيره 1/ 53. لكن في سنده:
1 - القاسم بن عبد الرحمن: ولم يسمع من ابن مسعود. انظر التهذيب 8/ 322، والمراسيل ص 175.
2 - الأحوص بن حكيم: ضعيف الحفظ، انظر التهذيب 1/ 193192، والتقريب 1/ 49.
(4) هو الزركشي، انظر البرهان 1/ 486.(1/271)
منها على تفاوت في ثواب، أو على إحباط عمل، أو على مدح أو ذمّ أو نحوه، فإنّه يدلّ على الأحكام.
وقال غيره (1): ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور كثيرة: التذكير، والوعظ، والحثّ، والزجر، والاعتبار، والتقرير، وتقريب المراد للعقل، وتصويره بصورة المحسوس، فإنّ الأمثال تصوّر المعاني بصورة الأشخاص، لأنها أثبت في الأذهان لاستعانة الذهن فيها بالحواسّ، ومن ثمّ كان الغرض من المثل تشبيه الخفيّ بالجليّ، والغائب بالشاهد.
وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر، وعلى المدح والذمّ، وعلى الثواب والعقاب، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره، وعلى تحقيق أمر أو إبطاله، قال تعالى:
{وَضَرَبْنََا لَكُمُ الْأَمْثََالَ} [إبراهيم: 45] فامتنّ علينا بذلك لما تضمنته من الفوائد.
وقال الزركشيّ في «البرهان» (2): ومن حكمته تعليم البيان وهو من خصائص هذه الشريعة.
وقال الزمخشريّ (3): التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعاني، وإدناء المتوهّم من الشاهد، فإن كان المتمثّل له عظيما كان المتمثّل به مثله، وإن كان حقيرا كان المتمثّل به كذلك.
وقال الأصبهانيّ: لضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء النظائر شأن ليس بالخفيّ في إبراز خفيّات الدقائق، ورفع الأستار عن الحقائق، تريك المتخيّل في صورة المتحقّق، والمتوهّم في معرض المتيقّن، والغائب كأنه مشاهد. وفي ضرب الأمثال تبكيت للخصم الشديد الخصومة، وقمع لسورة الجامع الأبيّ فإنه يؤثّر في القلوب ما لا يؤثّر وصف الشيء في نفسه ولذلك أكثر الله تعالى في كتابه وفي سائر كتبه الأمثال، ومن سور الإنجيل سورة تسمّى سورة الأمثال، وفشت في كلام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكلام الأنبياء والحكماء.
فصل (4)
أمثال القرآن قسمان:
ظاهر مصرّح به، وكامن لا ذكر للمثل فيه.
__________
(1) هو الزركشي، انظر البرهان 1/ 487486.
(2) البرهان 1/ 487.
(3) نقله في البرهان 1/ 488.
(4) البرهان 1/ 486.(1/272)
فمن أمثلة الأوّل: قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نََاراً} الآيات [البقرة: 2017]. ضرب فيها للمنافقين مثلين: مثلا بالنار، ومثلا بالمطر.
أخرج ابن أبي حاتم وغيره، من طريق عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال:
هذا مثل ضربه الله للمنافقين، كانوا يعتزّون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء، فلمّا ماتوا سلبهم الله العزّ كما سلب صاحب النار ضوؤه {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمََاتٍ} يقول في عذاب: {أَوْ كَصَيِّبٍ} هو المطر، ضرب مثله في القرآن {فِيهِ ظُلُمََاتٌ}
يقول: ابتلاء {وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} تخويف {يَكََادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصََارَهُمْ} يقول: يكاد محكم القرآن يدلّ على عورات المنافقين {كُلَّمََا أَضََاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} [البقرة: 19، 20] يقول: كلما أصاب المنافقون في الإسلام عزّا اطمأنّوا، فإن أصاب الإسلام نكبة قاموا، ليرجعوا إلى الكفر، كقوله: {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللََّهَ عَلى ََ حَرْفٍ} [الحج: 11] الآية (1).
ومنها: قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمََاءِ مََاءً فَسََالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهََا} [الحج: 11] الآية. أخرج ابن أبي حاتم من طريق عليّ، عن ابن عباس قال: هذا مثل ضربه الله، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفََاءً} وهو الشك {وَأَمََّا مََا يَنْفَعُ النََّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17] وهو اليقين، كما يجعل الحلي في النار، فيؤخذ خالصه، ويترك خبثه في النار، كذلك يقبل الله اليقين ويترك الشكّ.
وأخرج عن عطاء قال: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر.
وأخرج عن قتادة قال: هذه ثلاثة أمثال ضربها الله في مثل واحد، يقول: كما اضمحلّ هذا الزّبد فصار جفاء لا ينتفع به، ولا ترجى بركته، كذلك يضمحلّ الباطل عن أهله. وكما مكث هذا الماء في الأرض، فأمرعت، وربت بركته، وأخرجت نباتها، وكذلك الذهب والفضة حين أدخل النار، فأذهب خبثه، كذلك يبقى الحقّ لأهله. وكما اضمحلّ خبث هذا الذهب حين أدخل في النار، كذلك يضمحلّ الباطل عن أهله.
ومنها: قوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ} [الأعراف: 85] الآية. أخرج ابن أبي حاتم، من طريق عليّ، عن ابن عباس، قال: هذا مثل ضربه الله للمؤمن، يقول: هو طيب وعمله طيب كما أنّ البلد الطيّب ثمرها طيّب. والذي خبث ضرب مثلا للكافر، كالبلد السبخة المالحة، والكافر هو الخبيث وعمله خبيث.
__________
(1) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، حديث رقم (167158) 1/ 6360، وابن جرير في تفسيره 1/ 142، وانظر تفسير ابن كثير 1/ 81.(1/273)
ومنها: قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} الآية [البقرة: 226].
أخرج البخاريّ، عن ابن عباس، قال: قال عمر بن الخطاب يوما لأصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
فيمن ترون هذه الآية نزلت: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنََابٍ}؟
قالوا: الله أعلم. فغضب عمر وقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء، فقال: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك، قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل، قال عمر: أيّ عمل؟ قال ابن عباس: لرجل غنيّ عمل بطاعة الله، ثمّ بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله (1).
وأما الكامنة: فقال الماورديّ: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم يقول: سمعت أبي يقول: سألت الحسين بن الفضل فقلت: إنك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن فهل تجد في كتاب الله: (خير الأمور أوساطها)؟ قال: نعم، في أربعة مواضع: قوله تعالى: {لََا فََارِضٌ وَلََا بِكْرٌ عَوََانٌ بَيْنَ ذََلِكَ} [البقرة: 68]، وقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ إِذََا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكََانَ بَيْنَ ذََلِكَ قَوََاماً (67)} [الفرقان: 67]، وقوله تعالى: {وَلََا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى ََ عُنُقِكَ وَلََا تَبْسُطْهََا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29]، وقوله تعالى: {وَلََا تَجْهَرْ بِصَلََاتِكَ وَلََا تُخََافِتْ بِهََا وَابْتَغِ بَيْنَ ذََلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110].
قلت: فهل تجد في كتاب الله: (من جهل شيئا عاداه)؟ قال: نعم، في موضعين:
{بَلْ كَذَّبُوا بِمََا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس: 39]، {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هََذََا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف: 11].
قلت: فهل تجد في كتاب الله: (احذر شرّ من أحسنت إليه)؟ قال: نعم: {وَمََا نَقَمُوا إِلََّا أَنْ أَغْنََاهُمُ اللََّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 74].
قلت: فهل تجد في كتاب الله: (ليس الخبر كالعيان)؟ قال: في قوله تعالى: {قََالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قََالَ بَلى ََ وَلََكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260].
قلت: فهل تجد: (في الحركات البركات)؟ قال: في قوله تعالى: {وَمَنْ يُهََاجِرْ فِي سَبِيلِ اللََّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرََاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً} [النساء: 100].
قلت: فهل تجد: (كما تدين تدان)؟ قال: في قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123].
__________
(1) رواه البخاري (4538)، والطبري في تفسيره 3/ 7675.(1/274)
قلت: فهل تجد فيه قولهم: (حين تقلي تدري)؟ قال: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذََابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 42].
قلت: فهل تجد فيه: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»؟ قال: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلََّا كَمََا أَمِنْتُكُمْ عَلى ََ أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 64].
قلت: فهل تجد فيه: (من أعان ظالما سلّط عليه)؟ قال: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلََّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى ََ عَذََابِ السَّعِيرِ (4)} [الحج: 4].
قلت: فهل تجد فيه قولهم: (لا تلد الحيّة إلّا حيّة)؟ قال: قوله تعالى: {وَلََا يَلِدُوا إِلََّا فََاجِراً كَفََّاراً} [نوح: 27].
قلت: فهل تجد فيه: (للحيطان آذان)؟ قال: {وَفِيكُمْ سَمََّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: 47].
قلت: فهل تجد فيه: (الجاهل مرزوق والعالم محروم)؟ قال: {مَنْ كََانَ فِي الضَّلََالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمََنُ مَدًّا} [مريم: 75].
قلت: فهل تجد فيه: (الحلال لا يأتيك إلا قوتا. والحرام لا يأتيك إلا جزافا)؟ قال: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتََانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لََا يَسْبِتُونَ لََا تَأْتِيهِمْ} [الأعراف: 163].
فائدة (1)
في إرسال المثل
عقد جعفر بن شمس الخلافة في كتاب الآداب بابا في ألفاظ من القرآن، جارية مجرى المثل، وهذا هو النوع البديعي المسمّى بإرسال المثل، وأورد من ذلك قوله تعالى:
{لَيْسَ لَهََا مِنْ دُونِ اللََّهِ كََاشِفَةٌ (58)} [النجم: 58]. {لَنْ تَنََالُوا الْبِرَّ حَتََّى تُنْفِقُوا مِمََّا تُحِبُّونَ}
[آل عمران: 92]. {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} [يوسف: 51]. {وَضَرَبَ لَنََا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ}
[يس: 78]. {ذََلِكَ بِمََا قَدَّمَتْ يَدََاكَ} [الحج: 10]. {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيََانِ}
[يوسف: 41]. {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81]. {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مََا يَشْتَهُونَ} [سبأ: 54].
{لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ} [الأنعام: 67]. {وَلََا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلََّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43]. {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى ََ شََاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84]. {وَعَسى ََ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}
[البقرة: 216]. {كُلُّ نَفْسٍ بِمََا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)} [المدثر: 38]. {مََا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلََاغُ}
__________
(1) بوّب الزركشي في البرهان 1/ 483: يكره ضرب الأمثال بالقرآن، و 1/ 484: باب (لا يجوز تعدي أمثلة القرآن). فانظره غير مأمور.(1/275)
[المائدة: 99]. {مََا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]. {هَلْ جَزََاءُ الْإِحْسََانِ إِلَّا الْإِحْسََانُ (60)} [الرحمن: 60]. {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً}
[البقرة: 249]. {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [يونس: 91]. {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتََّى}
[الحشر: 14]. {وَلََا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14]. {كُلُّ حِزْبٍ بِمََا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}
[الروم: 32]. {وَلَوْ عَلِمَ اللََّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: 23]. {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبََادِيَ الشَّكُورُ}
[سبأ: 13]. {لََا يُكَلِّفُ اللََّهُ نَفْساً إِلََّا وُسْعَهََا} [البقرة: 286]. {قُلْ لََا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} [المائدة: 100]. {ظَهَرَ الْفَسََادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: 41]. {ضَعُفَ الطََّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73]. {لِمِثْلِ هََذََا فَلْيَعْمَلِ الْعََامِلُونَ (61)} [الصافات: 61]. {وَقَلِيلٌ مََا هُمْ}
[ص: 24]. {فَاعْتَبِرُوا يََا أُولِي الْأَبْصََارِ} [الحشر: 2] في ألفاظ أخر.(1/276)
[المائدة: 99]. {مََا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]. {هَلْ جَزََاءُ الْإِحْسََانِ إِلَّا الْإِحْسََانُ (60)} [الرحمن: 60]. {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً}
[البقرة: 249]. {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [يونس: 91]. {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتََّى}
[الحشر: 14]. {وَلََا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14]. {كُلُّ حِزْبٍ بِمََا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}
[الروم: 32]. {وَلَوْ عَلِمَ اللََّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: 23]. {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبََادِيَ الشَّكُورُ}
[سبأ: 13]. {لََا يُكَلِّفُ اللََّهُ نَفْساً إِلََّا وُسْعَهََا} [البقرة: 286]. {قُلْ لََا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} [المائدة: 100]. {ظَهَرَ الْفَسََادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: 41]. {ضَعُفَ الطََّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73]. {لِمِثْلِ هََذََا فَلْيَعْمَلِ الْعََامِلُونَ (61)} [الصافات: 61]. {وَقَلِيلٌ مََا هُمْ}
[ص: 24]. {فَاعْتَبِرُوا يََا أُولِي الْأَبْصََارِ} [الحشر: 2] في ألفاظ أخر.
النوع السابع والستون في أقسام القرآن
أفرده ابن القيّم، بالتصنيف في مجلد سمّاه «التبيان» (1).
والقصد بالقسم تحقيق الخبر وتوكيده، حتى جعلوا مثل: {وَاللََّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنََافِقِينَ لَكََاذِبُونَ} [المنافقون: 1]. قسما وإن كان فيه إخبار بشهادة لأنّه لما جاء توكيدا للخبر سمّي قسما.
وقد قيل: ما معنى القسم منه تعالى فإنّه إن كان لأجل المؤمن فالمؤمن مصدّق بمجرد الإخبار من غير قسم، وإن كان لأجل الكافر فلا يفيده!.
وأجيب: بأن القرآن نزل بلغة العرب، ومن عادتها القسم إذا أرادت أن تؤكّد أمرا.
وأجاب أبو القاسم القشيريّ: بأن الله ذكر القسم لكمال الحجة وتأكيدها وذلك أنّ الحكم يفصل باثنين: إما بالشهادة وإمّا بالقسم، فذكر تعالى في كتابه النوعين حتى لا يبقى لهم حجة، فقال: {شَهِدَ اللََّهُ أَنَّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ وَالْمَلََائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ} [آل عمران: 18].
وقال: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53].
وعن بعض الأعراب أنه لمّا سمع قوله تعالى: {وَفِي السَّمََاءِ رِزْقُكُمْ وَمََا تُوعَدُونَ (22) فَوَ رَبِّ السَّمََاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: 22، 23]. صرخ وقال: من ذا الذي أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين؟.
ولا يكون القسم إلّا باسم معظّم، وقد أقسم الله تعالى بنفسه في القرآن في سبعة مواضع:
الآية المذكورة بقوله: {قُلْ إِي وَرَبِّي} [يونس: 53]. {قُلْ بَلى ََ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}
[التغابن: 7]. {فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيََاطِينَ} [مريم: 68]. {فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)}
[الحجر: 92]. {فَلََا وَرَبِّكَ لََا يُؤْمِنُونَ} [النساء: 65]. {فَلََا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشََارِقِ وَالْمَغََارِبِ}
[المعارج: 40].
__________
(1) وقد طبع بتحقيقنا بحمد الله تعالى عن دار الكتاب العربي.(1/277)
والباقي كله قسم بمخلوقاته، كقوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)}. {وَالصَّافََّاتِ}.
{وَالشَّمْسِ}. {وَاللَّيْلِ}. {وَالضُّحى ََ (1)}. {فَلََا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)} [التكوير: 15].
فإن قيل: كيف أقسم بالخلق وقد ورد النهي عن القسم بغير الله؟
قلنا: أجيب عنه بأوجه:
أحدها: أنه على حذف مضاف، أي: وربّ التين وربّ الشمس وكذا الباقي.
الثاني: أنّ العرب كانت تعظّم هذه الأشياء، وتقسم بها، فنزل القرآن على ما يعرفون.
الثالث: أنّ الأقسام إنما تكون بما يعظمه المقسم أو يجلّه وهو فوقه، والله تعالى ليس شيء فوقه، فأقسم تارة بنفسه وتارة بمصنوعاته لأنها تدلّ على بارئ وصانع.
وقال ابن أبي الإصبع في «أسرار الفواتح»: القسم بالمصنوعات يستلزم القسم بالصانع لأن ذكر المفعول يستلزم ذكر الفاعل إذ يستحيل وجود مفعول بغير فاعل.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن، قال: إنّ الله يقسم بما شاء من خلقه، وليس لأحد أن يقسم إلّا بالله.
وقال العلماء: أقسم الله تعالى بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {لَعَمْرُكَ} لتعرف الناس عظمته عند الله ومكانته لديه، أخرج ابن مردويه عن ابن عباس، قال: ما خلق الله ولا ذرأ ولا برأ نفسا أكرم عليه من محمد صلّى الله عليه وسلّم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره، قال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)} [الحجر: 72].
وقال أبو القاسم القشيري: القسم بالشيء لا يخرج عن وجهين: إما لفضيلة أو لمنفعة. فالفضيلة، كقوله: {وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهََذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)}. والمنفعة، نحو:
{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)} [التين: 31].
وقال غيره: أقسم الله تعالى بثلاثة أشياء بذاته كالآيات السابقة. وبفعله، نحو:
{وَالسَّمََاءِ وَمََا بَنََاهََا (5) وَالْأَرْضِ وَمََا طَحََاهََا (6) وَنَفْسٍ وَمََا سَوََّاهََا (7)} [الشمس: 75]، وبمفعوله، نحو: {وَالنَّجْمِ إِذََا هَوى ََ (1)} [النجم: 1]. {وَالطُّورِ (1) وَكِتََابٍ مَسْطُورٍ (2)} [الطور: 1، 2].
والقسم: إمّا ظاهر كالآيات السابقة، وإمّا مضمر، وهو قسمان: قسم دلّت عليه اللام، نحو: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوََالِكُمْ} [آل عمران: 186]. وقسم دلّ عليه المعنى، نحو:
{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلََّا وََارِدُهََا} [مريم: 71]. تقديره: (والله).
وقال أبو عليّ الفارسيّ: الألفاظ الجارية مجرى القسم ضربان:(1/278)
{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلََّا وََارِدُهََا} [مريم: 71]. تقديره: (والله).
وقال أبو عليّ الفارسيّ: الألفاظ الجارية مجرى القسم ضربان:
أحدهما: ما تكون كغيرها من الأخبار التي ليست بقسم، فلا تجاب بجوابه كقوله:
{وَقَدْ أَخَذَ مِيثََاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الحديد: 8]. {وَرَفَعْنََا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا} [البقرة: 63].
{يَحْلِفُونَ لَكُمْ} [التوبة: 96]. وهذا ونحوه يجوز أن يكون قسما، وأن يكون حالا، لخلوّه من الجواب.
والثاني: ما يتلقى بجواب القسم، كقوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللََّهُ مِيثََاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنََّاسِ} [آل عمران: 187]. {وَأَقْسَمُوا بِاللََّهِ جَهْدَ أَيْمََانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ} [النور: 53].
وقال غيره: أكثر الأقسام في القرآن المحذوفة الفعل لا تكون إلّا بالواو، فإذا ذكرت الباء أتي بالفعل، كقوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللََّهِ} [النور: 53]. {يَحْلِفُونَ بِاللََّهِ} [التوبة: 62]. ولا تجد الباء مع حذف الفعل. ومن ثمّ كان خطأ من جعل قسما {بِاللََّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ}
[لقمان: 13]. {بِمََا عَهِدَ عِنْدَكَ} [الزخرف: 49]. {بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ}
[المائدة: 116].
وقال ابن القيّم (1): اعلم أنّه سبحانه وتعالى يقسم بأمور على أمور، وإنما يقسم بنفسه المقدّسة الموصوفة بصفاته، أو بآياته المستلزمة لذاته وصفاته. وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنّها من عظيم آياته، فالقسم إما على جملة خبرية وهو الغالب، كقوله: {فَوَ رَبِّ السَّمََاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: 23]، وإما على جملة طلبيّة كقوله:
{فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمََّا كََانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر: 92، 93]، مع أنّ هذا القسم قد يراد به تحقيق المقسم عليه، فيكون من باب الخبر، وقد يراد به تحقيق القسم فالمقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه، فلا بدّ أن يكون ممّا يحسن فيه، وذلك كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها فأما الأمور المشهودة الظاهرة كالشمس والقمر، والليل والنهار، والسماء والأرض، فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها، وما أقسم عليه الربّ فهو من آياته، فيجوز أن يكون مقسما به ولا ينعكس، وهو سبحانه وتعالى يذكر جواب القسم تارة وهو الغالب، ويحذفه أخرى كما يحذف جواب لو كثيرا للعلم به.
والقسم: لما كان يكثر في الكلام اختصر فصار فعل القسم يحذف، ويكتفى بالباء، ثم عوّض من الباء الواو في الأسماء الظاهرة، والتاء في اسم الله تعالى، كقوله: {وَتَاللََّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنََامَكُمْ} [الأنبياء: 57].
__________
(1) التبيان ص 23بتحقيقنا.(1/279)
قال: ثم هو سبحانه وتعالى يقسم على أصول الإيمان التي تجب على الخلق معرفتها، تارة يقسم على التوحيد، وتارة يقسم على أنّ القرآن حقّ، وتارة على أنّ الرسول حقّ، وتارة على الجزاء والوعد والوعيد، وتارة يقسم على حال الإنسان.
فالأول: كقوله: {وَالصَّافََّاتِ صَفًّا (1)} إلى قوله: {إِنَّ إِلََهَكُمْ لَوََاحِدٌ (4)}
[الصافات: 41].
والثاني: كقوله: {فَلََا أُقْسِمُ بِمَوََاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)} [الواقعة: 7775].
والثالث: كقوله: {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)} [يس: 31].
{وَالنَّجْمِ إِذََا هَوى ََ (1) مََا ضَلَّ صََاحِبُكُمْ وَمََا غَوى ََ (2)} [النجم: 21].
والرابع: كقوله: {وَالذََّارِيََاتِ} إلى قوله: {إِنَّمََا تُوعَدُونَ لَصََادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوََاقِعٌ (6)}
[الذاريات: 61]. {وَالْمُرْسَلََاتِ} إلى قوله: {إِنَّمََا تُوعَدُونَ لَوََاقِعٌ (7)} [المرسلات: 71].
والخامس: كقوله: {وَاللَّيْلِ إِذََا يَغْشى ََ (1)} إلى قوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتََّى (4)}
[الليل: 41]. {وَالْعََادِيََاتِ} إلى قوله: {إِنَّ الْإِنْسََانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)}
[العاديات: 61]. {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ (2)} [العصر: 1، 2]. {وَالتِّينِ} إلى قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)} [التين: 41]. {لََا أُقْسِمُ بِهََذَا الْبَلَدِ (1)} إلى قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ فِي كَبَدٍ (4)} [البلد: 41].
قال: وأكثر ما يحذف الجواب إذا كان في نفس المقسم به دلالة على المقسم عليه فإنّ المقصود يحصل بذكره، فيكون حذف المقسم عليه أبلغ وأوجز، كقوله: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)} [ص: 1]، فإنّ في المقسم به من تعظيم القرآن، ووصفه بأنه (ذو الذكر) المتضمن لتذكير العباد ما يحتاجون إليه والشرف والقدر، ما يدلّ على المقسم عليه، وهو:
كونه حقّا من عند الله غير مفترى كما يقول الكافرون، ولهذا قال كثيرون: إنّ تقدير الجواب: (إنّ القرآن لحق). وهذا مطّرد في كلّ ما شابه ذلك، كقوله: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)} [ق: 1]، وقوله: {لََا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيََامَةِ (1)} [القيامة: 1] فإنه يتضمّن إثبات المعاد، وقوله: {وَالْفَجْرِ (1)} [الفجر: 1] فإنها أزمان تتضمّن أفعالا معظمة من المناسك وشعائر الحج، التي هي عبودية محضة لله تعالى وذلّ وخضوع لعظمته، وفي ذلك تعظيم ما جاء به محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام.
قال: ومن لطائف القسم قوله: {وَالضُّحى ََ (1) وَاللَّيْلِ إِذََا سَجى ََ (2)} [الضحى: 1، 2] الآيات، أقسم تعالى على إنعامه على رسوله وإكرامه له وذلك متضمّن لتصديقه له فهو قسم على صحة نبوته وعلى جزائه في الآخرة، فهو قسم على النبوّة والمعاد، وأقسم بآيتين عظيمتين من آياته. وتأمل مطابقة هذا القسم وهو نور الضحى الذي يوافي بعد ظلام الليل المقسم عليه، وهو نور الوحي الذي وافاه بعد احتباسه عنه، حتى قال أعداؤه: ودّع محمدا ربّه، فأقسم بضوء النهار بعد ظلمة الليل على ضوء الوحي ونوره بعد ظلمة احتباسه واحتجابه (1).(1/280)
كونه حقّا من عند الله غير مفترى كما يقول الكافرون، ولهذا قال كثيرون: إنّ تقدير الجواب: (إنّ القرآن لحق). وهذا مطّرد في كلّ ما شابه ذلك، كقوله: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)} [ق: 1]، وقوله: {لََا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيََامَةِ (1)} [القيامة: 1] فإنه يتضمّن إثبات المعاد، وقوله: {وَالْفَجْرِ (1)} [الفجر: 1] فإنها أزمان تتضمّن أفعالا معظمة من المناسك وشعائر الحج، التي هي عبودية محضة لله تعالى وذلّ وخضوع لعظمته، وفي ذلك تعظيم ما جاء به محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام.
قال: ومن لطائف القسم قوله: {وَالضُّحى ََ (1) وَاللَّيْلِ إِذََا سَجى ََ (2)} [الضحى: 1، 2] الآيات، أقسم تعالى على إنعامه على رسوله وإكرامه له وذلك متضمّن لتصديقه له فهو قسم على صحة نبوته وعلى جزائه في الآخرة، فهو قسم على النبوّة والمعاد، وأقسم بآيتين عظيمتين من آياته. وتأمل مطابقة هذا القسم وهو نور الضحى الذي يوافي بعد ظلام الليل المقسم عليه، وهو نور الوحي الذي وافاه بعد احتباسه عنه، حتى قال أعداؤه: ودّع محمدا ربّه، فأقسم بضوء النهار بعد ظلمة الليل على ضوء الوحي ونوره بعد ظلمة احتباسه واحتجابه (1).
__________
(1) انظر التبيان ص 84بتحقيقنا.(1/281)
النوع الثامن والستون في جدل القرآن (1)
أفرده بالتصنيف نجم الدين الطوفيّ (2).
قال العلماء: قد اشتمل القرآن العظيم على جميع أنواع البراهين والأدلّة، وما من برهان ودلالة وتقسيم وتحذير يبنى من كلّيات المعلومات العقلية والسمعية إلّا وكتاب الله قد نطق به، لكن أورده على عادة العرب، دون دقائق طرق المتكلمين، لأمرين:
أحدهما: بسبب ما قاله: {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ رَسُولٍ إِلََّا بِلِسََانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}
[إبراهيم: 4].
والثاني: أنّ المائل إلى طريق المحاجّة هو العاجز عن إقامة الحجّة بالجليل من الكلام فإنّ من استطاع أن يفهم بالأوضح الذي يفهمه الأكثرون لم ينحطّ إلى الأغمض الذي لا يعرفه إلّا الأقلّون ولم يكن ملغزا. فأخرج تعالى مخاطباته في محاجّة خلقه في أجلى صورة ليفهم العامة من جليّها ما يقنعهم، وتلزمهم الحجة، وتفهم الخواصّ من أثنائها ما يربى على ما أدركه فهم الخطباء.
وقال ابن أبي الإصبع: زعم الجاحظ أنّ المذهب الكلاميّ لا يوجد منه شيء في القرآن، وهو مشحون به. وتعريفه: أنه احتجاج المتكلّم على ما يريد إثباته بحجة تقطع المعاند له فيه على طريقة أرباب الكلام. ومنه نوع منطقي تستنتج منه النتائج الصحيحة من المقدّمات الصادقة، فإنّ الإسلاميين من أهل هذا العلم ذكروا أنّ من أوّل سورة الحج إلى قوله: {وَأَنَّ اللََّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7]. خمس نتائج تستنتج من عشر مقدمات:
قوله {ذََلِكَ بِأَنَّ اللََّهَ هُوَ الْحَقُّ} [الحج: 6] لأنه قد ثبت عندنا بالخبر المتواتر أنّه تعالى أخبر بزلزلة الساعة معظما لها، وذلك مقطوع بصحّته، لأنه خبر أخبر به من ثبت صدقه
__________
(1) انظر البرهان 2/ 24.
(2) وهو مطبوع بتحقيق الدكتور زاهر الألمعي، مؤسسة الرسالة بيروت.(1/282)
عمّن ثبتت قدرته، منقول إلينا بالتواتر، فهو حقّ، ولا يخبر بالحقّ عمّا سيكون إلّا الحقّ، فالله هو الحق.
وأخبر تعالى {وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ََ} [الحج: 6] لأنه أخبر عن أهوال الساعة بما أخبر، وحصول فائدة هذا الخبر موقوفة على إحياء الموتى، ليشاهدوا تلك الأهوال التي يعملها الله من أجلهم وقد ثبت أنه قادر على كلّ شيء، ومن الأشياء إحياء الموتى، فهو يحيي الموتى.
وأخبر {وَأَنَّهُ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج: 6] لأنّه أخبر أنه من يتّبع الشياطين ومن يجادل فيه بغير علم يذقه عذاب السعير، ولا يقدر على ذلك إلّا من هو على كلّ شيء قدير، فهو على كلّ شيء قدير.
وأخبر {وَأَنَّ السََّاعَةَ آتِيَةٌ لََا رَيْبَ فِيهََا} [الآية: 7] لأنه أخبر بالخبر الصادق أنه خلق الإنسان من تراب، إلى قوله: {لِكَيْلََا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} [الحج: 5]، وضرب لذلك مثلا بالأرض الهامدة التي ينزل عليها الماء، فتهتز وتربو، وتنبت من كلّ زوج بهيج، ومن خلق الإنسان على ما أخبر به فأوجده بالخلق ثم أعدمه بالموت، ثم يعيده بالبعث، وأوجد الأرض بعد العدم فأحياها بالخلق، ثم أماتها بالمحل، ثم أحياها بالخصب وصدق خبره في ذلك كلّه بدلالة الواقع المشاهد على المتوقّع الغائب حتى انقلب الخبر عيانا صدق خبره في الإتيان بالساعة.
ولا يأتي بالساعة إلّا من يبعث من في القبور، لأنها عبارة عن مدة تقوم فيها الأموات للمجازاة، فهي آتية لا ريب فيها، وهو سبحانه وتعالى يبعث من في القبور.
وقال غيره (1): استدلّ سبحانه وتعالى على المعاد الجسمانيّ بضروب:
أحدها: قياس الإعادة على الابتداء، كما قال تعالى: {كَمََا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}
[الأعراف: 29]، {كَمََا بَدَأْنََا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104]. {أَفَعَيِينََا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ}
[ق: 15].
ثانيها: قياس الإعادة على خلق السموات والأرض بطريق الأولى، قال تعالى:
{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ بِقََادِرٍ} [يس: 81] الآية.
ثالثها: قياس الإعادة على إحياء الأرض بعد موتها بالمطر والنبات.
__________
(1) في البرهان 2/ 26، وانظر استخراج الجدل ص 73.(1/283)
رابعها: قياس الإعادة على إخراج النار من الشّجر الأخضر. وقد روى الحاكم وغيره: أنّ أبيّ بن خلف جاء بعظم ففتّه، فقال: أيحيي الله هذا بعد ما بلي ورمّ (1)؟ فأنزل الله: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهََا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79]. فاستدل سبحانه وتعالى بردّ النشأة الأخرى إلى الأولى، والجمع بينهما بعلّة الحدوث. ثم زاد في الحجاج بقوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نََاراً} [يس: 80] وهذه في غاية البيان في ردّ الشيء إلى نظيره، والجمع بينهما من حيث تبديل الأعراض عليهما.
خامسها: في قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللََّهِ جَهْدَ أَيْمََانِهِمْ لََا يَبْعَثُ اللََّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى ََ}
[النحل: 38، 39] الآيتين. وتقريرهما: أنّ اختلاف المختلفين في الحقّ لا يوجب انقلاب الحقّ في نفسه، وإنما تختلف الطرق الموصلة إليه، والحقّ في نفسه واحد، فلمّا ثبت أنّ هاهنا حقيقة موجودة لا محالة، وكان لا سبيل لنا في حياتنا إلى الوقوف عليها وقوفا يوجب الائتلاف ويرفع عنا الاختلاف إذ كان الاختلاف مركوزا في فطرنا، وكان لا يمكن ارتفاعه وزواله إلّا بارتفاع هذه الجبلّة، ونقلها إلى صورة غيرها صحّ ضرورة أنّ لنا حياة أخرى غير هذه الحياة، فيها يرتفع الخلاف والعناد، وهذه هي الحالة التي وعد الله بالمصير إليها فقال: {وَنَزَعْنََا مََا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الأعراف: 43] حقد، فقد صار الخلاف الموجود كما ترى أوضح دليل على كون البعث الذي ينكره المنكرون. كذا قرّره ابن السيّد.
ومن ذلك الاستدلال على أنّ صانع العالم واحد، بدلالة التمانع المشار إليها في قوله: {لَوْ كََانَ فِيهِمََا آلِهَةٌ إِلَّا اللََّهُ لَفَسَدَتََا} [الأنبياء: 22] لأنه لو كان للعالم صانعان لكان لا يجري تدبيرهما على نظام، ولا يتّسق على أحكام، ولكان العجز يلحقهما أو أحدهما وذلك لأنه لو أراد أحدهما إحياء جسم وأراد الآخر إماتته: فإما أن تنفذ إرادتهما فيتناقض لاستحالة تجزي الفعل إن فرض الاتفاق، أو لامتناع اجتماع الضدّين إن فرض الاختلاف.
وإمّا ألّا تنفذ إرادتهما فيؤدّي إلى عجزهما، أو لا تنفذ إرادة أحدهما فيؤدّي إلى عجزه، والإله لا يكون عاجزا.
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 429ولكن عنده جاء العاص بن وائل بل أبي بن خلف عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به وصححه على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
ورواه الطبري في تفسيره (29243) 10/ 464عن سعيد بن جبير به مرسلا لم يذكر ابن عباس.
وقد رواه الطبري 10/ 464عن مجاهد، وقتادة مرسلا. والواحدي في أسباب النزول ص 365، وقد رواه ابن جرير (29244) 10/ 464عن ابن عباس قال: جاء عبد الله بن أبي وأشار ابن جرير رحمه الله إلى هذا الاختلاف. ويتأيد الحديث بالمراسيل السابقة الذكر والله أعلم.(1/284)
فصل من الأنواع المصطلح عليها في علم الجدل: السّبر والتقسيم.
ومن أمثلته في القرآن قوله تعالى: {ثَمََانِيَةَ أَزْوََاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ} [الأنعام: 143، 144] الآيتين، فإنّ الكفار لمّا حرموا ذكور الأنعام تارة وإناثها أخرى ردّ تعالى ذلك عليهم بطريق السبر والتقسيم، فقال: إنّ الخلق لله، خلق من كلّ زوج مما ذكر ذكرا وأنثى، فممّ جاء تحريم ما ذكرتم؟ أي: ما علّته؟.
لا يخلو: إما أن يكون من جهة الذّكور أو الأنوثة، أو اشتمال الرّحم الشامل لهما، أو لا يدرى له علّة، وهو التعبّديّ، بأن أخذ ذلك عن الله تعالى، والأخذ عن الله تعالى:
إمّا بوحي وإرسال رسول، أو سماع كلامه ومشاهدة تلقّي ذلك عنه، وهو معنى قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدََاءَ إِذْ وَصََّاكُمُ اللََّهُ بِهََذََا} [الأنعام: 144] فهذه وجوه التحريم، لا تخرج عن واحد منها.
والأوّل: يلزم عليه أن يكون جميع الذكور حراما.
والثاني: يلزم عليه أن يكون جميع الإناث حراما.
والثالث: يلزم عليه تحريم الصّنفين معا. فبطل ما فعلوه من تحريم بعض في حالة وبعض في حالة، لأنّ العلّة على ما ذكر تقتضي إطلاق التحريم. والأخذ عن الله بلا واسطة باطل ولم يدّعوه، وبواسطة رسول كذلك، لأنه لم يأت إليهم رسول قبل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
وإذا بطل جميع ذلك ثبت المدّعى، وهو: أنّ ما قالوا افتراء على الله وضلال.
ومنها: القول بالموجب، قال ابن أبي الإصبع: وحقيقته ردّ كلام الخصم من فحوى كلامه.
وقال غيره: هو قسمان:
أحدهما: أن تقع صفة في كلام الغير كناية عن شيء أثبت له حكم فيثبتها لغير ذلك الشيء، كقوله تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنََا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلََّهِ الْعِزَّةُ} [المنافقون: 8] الآية. ف {الْأَعَزُّ} وقعت في كلام المنافقين كناية عن فريقهم، و {الْأَذَلَّ} عن فريق المؤمنين، وأثبت المنافقون لفريقهم إخراج المؤمنين من المدينة، فأثبت الله في الردّ عليهم صفة العزّة لغير فريقهم، وهو الله ورسوله والمؤمنون، وكأنه قيل:
صحيح ذلك، ليخرجنّ الأعزّ منها الأذل، لكن هم الأذل المخرج، والله ورسوله الأعزّ المخرج.
والثاني: حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده ممّا يحتمله بذكر متعلّقه.(1/285)
صحيح ذلك، ليخرجنّ الأعزّ منها الأذل، لكن هم الأذل المخرج، والله ورسوله الأعزّ المخرج.
والثاني: حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده ممّا يحتمله بذكر متعلّقه.
ولم أر من أورد له مثالا من القرآن، وقد ظفرت بآية منه، وهي قوله تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} [التوبة: 61].
ومنها: التسليم، وهو أن يفرض المحال: إمّا منفيّا أو مشروطا بحرف الامتناع، لكون المذكور ممتنع الوقوع لامتناع وقوع شرطه، ثم يسلّم وقوع ذلك تسليما جدليّا، ويدلّ على عدم فائدة ذلك على تقدير وقوعه، كقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللََّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمََا كََانَ مَعَهُ مِنْ إِلََهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلََهٍ بِمََا خَلَقَ وَلَعَلََا بَعْضُهُمْ عَلى ََ بَعْضٍ} [المؤمنون: 91] المعنى: ليس مع الله من إله، ولو سلم أنّ معه سبحانه وتعالى إلها لزم من ذلك التسليم ذهاب كلّ إله من الاثنين بما خلق، وعلوّ بعضهم على بعض، فلا يتمّ في العالم أمر، ولا ينفذ حكم ولا تنتظم أحواله والواقع خلاف ذلك، ففرض إلهين فصاعدا محال لما يلزم منه المحال.
ومنها: الإسجال، وهو الإتيان بألفاظ تسجّل على المخاطب وقوع ما خوطب به، نحو {رَبَّنََا وَآتِنََا مََا وَعَدْتَنََا عَلى ََ رُسُلِكَ} [آل عمران: 194]. {رَبَّنََا وَأَدْخِلْهُمْ جَنََّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} [غافر: 8] فإنّ في ذلك إسجالا بالإيتاء والإدخال، حيث وصفا بالوعد من الله الذي لا يخلف وعده.
ومنها: الانتقال، وهو أن ينتقل المستدلّ إلى استدلال غير الذي كان آخذا فيه، لكون الخصم لم يفهم وجه الدلالة من الأوّل، كما جاء في مناظرة الخليل الجبار لمّا قال له:
{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258]. فقال الجبّار: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}. ثم دعا بمن وجب عليه القتل فأعتقه، ومن لا يجب عليه فقتله، فعلم الخليل أنه لم يفهم معنى الإحياء والإماتة، أو علم ذلك وغالط بهذا الفعل، فانتقل عليه السلام إلى استدلال لا يجد الجبّار له وجها يتخلّص به منه، فقال: {فَإِنَّ اللََّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهََا مِنَ الْمَغْرِبِ}
[البقرة: 258] فانقطع الجبّار وبهت، ولم يمكنه أن يقول: أنا الآتي بها من المشرق لأنّ من هو أسن منه يكذبه.
ومنها: المناقضة، وهي تعليق أمر على مستحيل، إشارة إلى استحالة وقوعه، كقوله تعالى: {وَلََا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتََّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيََاطِ} [الأعراف: 40].
ومنها: مجاراة الخصم ليعثر: بأن يسلّم بعض مقدماته، حيث يراد تبكيته وإلزامه، كقوله تعالى: {قََالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلََّا بَشَرٌ مِثْلُنََا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونََا عَمََّا كََانَ يَعْبُدُ آبََاؤُنََا فَأْتُونََا
بِسُلْطََانٍ مُبِينٍ قََالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلََّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [إبراهيم: 10، 11] الآية.(1/286)
ومنها: مجاراة الخصم ليعثر: بأن يسلّم بعض مقدماته، حيث يراد تبكيته وإلزامه، كقوله تعالى: {قََالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلََّا بَشَرٌ مِثْلُنََا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونََا عَمََّا كََانَ يَعْبُدُ آبََاؤُنََا فَأْتُونََا
بِسُلْطََانٍ مُبِينٍ قََالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلََّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [إبراهيم: 10، 11] الآية.
فقولهم: {إِنْ نَحْنُ إِلََّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} الآية فيه اعتراف الرسل بكونهم مقصورين على البشرية، فكأنّهم سلّموا انتفاء الرسالة عنهم، وليس مرادا، بل هو من مجاراة الخصم ليعثر فكأنّهم قالوا: ما ادّعيتم من كوننا بشرا حقّ لا ننكره، ولكن هذا لا ينافي أن يمنّ الله تعالى علينا بالرسالة.(1/287)
فقولهم: {إِنْ نَحْنُ إِلََّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} الآية فيه اعتراف الرسل بكونهم مقصورين على البشرية، فكأنّهم سلّموا انتفاء الرسالة عنهم، وليس مرادا، بل هو من مجاراة الخصم ليعثر فكأنّهم قالوا: ما ادّعيتم من كوننا بشرا حقّ لا ننكره، ولكن هذا لا ينافي أن يمنّ الله تعالى علينا بالرسالة.
النوع التاسع والستون فيما وقع في القرآن من الأسماء والكنى والألقاب
في القرآن من أسماء الأنبياء والمرسلين خمس وعشرون، هم مشاهيرهم:
1 - آدم أبو البشر (1): ذكر قوم أنه (أفعل) وصف مشتقّ من الأدمة، ولذا منع الصرف.
قال الجواليقيّ: أسماء الأنبياء كلّها أعجميّة إلّا أربعة: آدم، وصالح، وشعيب، ومحمد.
وأخرج ابن أبي حاتم، من طريق أبي الضّحى، عن ابن عباس قال: إنما سمّي آدم لأنه خلق من أديم الأرض.
وقال قوم: هو اسم سريانيّ أصله (آدام) بوزن (خاتام). عرب بحذف الألف الثانية.
وقال الثعلبيّ: التراب بالعبرانيّة آدام، فسمّي آدم به.
قال ابن أبي خيثمة: عاش تسعمائة سنة وستين سنة.
وقال النّووي في تهذيبه (2): اشتهر في كتب التواريخ أنه عاش ألف سنة.
2 - نوح (3): قال الجواليقيّ: أعجميّ معرّب. زاد الكرمانيّ: ومعناه بالسريانية (الشاكر).
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 6/ 364: «وآدم: اسم سرياني، وهو عند أهل الكتاب: آدام، فسمي آدم به، وحذفت الألف الثانية، وقيل: هو عربي جزم به الجوهري والجواليقي.
وقيل: هو بوزن أفعل من الأدمة. وقيل: من الأديم لأنه خلق من أديم الأرض. وهذا عن ابن عباس.
ووجّهوه بأنه يكون كاعين، ومنع الصرف للوزن والعلمية.
وقيل: هو من أدمت بين الشيئين إذا خلطت بينهما، لأنه كان ماء وطينا فخلطا جميعا» اهـ. وانظر بصائر ذوي التمييز 6/ 2522.
(2) تهذيب الأسماء واللغات 1/ 95.
(3) انظر الفتح 6/ 372، وبصائر ذوي التمييز 6/ 2926، وروح المعاني 4/ 211.(1/288)
وقال الحاكم في المستدرك (1): إنما سمّي نوحا لكثرة بكائه على نفسه، واسمه عبد الغفار. قال: وأكثر الصحابة على أنه قبل إدريس.
وقال غيره (2): هو نوح بن لمك بفتح اللام وسكون الميم بعدها كاف ابن متّوشلخ بفتح الميم وتشديد المثناة المضمومة بعدها [واو ساكنة] (3)، وفتح الشين المعجمة واللام، بعدها معجمة ابن أخنوخ بفتح المعجمة وضم النون الخفيفة بعدها واو ساكنة ثم معجمة وهو إدريس فيما يقال.
وروى الطّبرانيّ، عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، من أوّل الأنبياء؟ قال:
«آدم» قلت: ثمّ من؟ قال: «نوح، وبينهما عشرون قرنا» (4).
وفي المستدرك، عن ابن عباس، قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون (5). وفيه عنه مرفوعا: «بعث الله نوحا لأربعين سنة، فلبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم، وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا» (6).
وذكر ابن جرير: أنّ مولد نوح كان بعد وفاة آدم بمائة وستة وعشرين عاما. وفي التهذيب للنوويّ: أنه أطول الأنبياء عمرا (7).
3 - إدريس (8): قيل: إنّه قبل نوح. قال ابن إسحاق: كان إدريس أوّل بني آدم أعطي النبوّة، وهو أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم.
__________
(1) في المستدرك 2/ 545.
(2) هو الثعلبي في قصص الأنبياء ص 51.
(3) زيادة من الفتح 6/ 372.
(4) عزاه الهيثمي في المجمع 1/ 197196للطبراني في الأوسط وضعّفه بابن لهيعة.
ورواه ابن حبان (6190)، والطبراني في الكبير (7545) من حديث أبي أمامة بلفظ: «عشرة قرون» وعزاه في المجمع 1/ 196للطبراني في الأوسط. وسنده صحيح إن شاء الله.
(5) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 547546وصححه على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.
(6) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 546545.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - يوسف بن مهران: لين الحديث. انظر التقريب 2/ 383382، والتهذيب 11/ 425424.
2 - علي بن زيد: ضعيف. انظر التقريب 2/ 37، والمغني 2/ 447، والكاشف 2/ 248، والتهذيب 7/ 324322.
(7) تهذيب الأسماء 1/ 134.
(8) انظر فتح الباري 6/ 375، وبصائر ذوي التمييز 6/ 5251.(1/289)
وقال وهب بن منبه: إدريس جدّ نوح (1)، الذي يقال له: خنوخ، وهو اسم سريانيّ، وقيل: عربيّ مشتقّ من الدراسة، لكثرة درسه الصحف.
وفي المستدرك بسنده واه عن الحسن، عن سمرة، قال: كان نبيّ الله إدريس أبيض طويلا، ضخم البطن، عريض الصدر، قليل شعر الجسد، كثير شعر الرأس. وكانت إحدى عينيه أعظم من الأخرى، وفي صدره نكتة بياض من غير برص، فلما رأى الله من أهل الأرض ما رأى من جورهم واعتدائهم في أمر الله، رفعه إلى السماء السادسة، فهو حيث يقول: {وَرَفَعْنََاهُ مَكََاناً عَلِيًّا (57)} [مريم: 57] (2).
وذكر ابن قتيبة: أنه رفع وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة.
وفي صحيح ابن حبّان: أنه كان نبيا رسولا، وأنه أوّل من خطّ بالقلم (3).
وفي المستدرك، عن ابن عباس قال: كان فيما بين نوح وإدريس ألف سنة (4).
4 - إبراهيم (5): قال الجواليقيّ: هو اسم قديم ليس بعربيّ، وقد تكلّمت به العرب على وجوه أشهرها إبراهيم، وقالوا: إبراهام، وقرئ به في السبع، وإبراهم بحذف الياء، وإبرهم، وهو اسم سريانيّ معناه: أب رحيم، وقيل: مشتقّ من البرهمة، وهي شدّة النظر، حكاه الكرمانيّ في عجائبه.
وهو ابن آزر، واسمه تارح بمثناة وراء مفتوحة وآخره حاء مهملة ابن ناحور بنون ومهملة مضمومة ابن شاروخ بمعجمة وراء مضمومة وآخره خاء معجمة ابن راغوا بغين معجمة ابن فالخ بفاء ولام مفتوحة ومعجمة ابن عابر بمهملة وموحدة ابن شالخ بمعجمتين ابن أرفخشد بن سام بن نوح.
__________
(1) قال الحافظ في الفتح 6/ 375: «وهو جد أبي نوح، وقيل: جد نوح. قلت: الأول أولى» اهـ وانظر تفصيل القول في هذا فيه أي الفتح 6/ 375.
(2) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 540. قال الذهبي في التلخيص 2/ 549: «إسناده مظلم، لا تقوم به حجة» اهـ.
(3) جزء من حديث طويل رواه ابن حبان (361)، وأبو نعيم في الحلية 1/ 168166، والبيهقي في السنن 9/ 4. وسنده ضعيف جدا. فيه إبراهيم بن هشام: قال أبو حاتم: كذاب. وكذّبه أيضا أبو زرعة. انظر الميزان 1/ 73، والجرح 2/ 143142، والإحسان 2/ 8079.
(4) انظر المستدرك 2/ 549546. وقد سبق تخريجه قريبا.
(5) انظر الفتح 6/ 389، وبصائر ذوي التمييز 6/ 3832.(1/290)
قال الواقدي: ولد إبراهيم على رأس ألفي سنة من خلق آدم (1).
وفي المستدرك من طريق ابن المسيب، عن أبي هريرة، قال: اختتن إبراهيم بعد عشرين ومائة سنة [بالقدوم]، ومات ابن مائتي سنة (2).
وحكى النّوويّ وغيره قولا: أنّه عاش مائة وخمسة وسبعين (3).
5 - إسماعيل (4): قال الجواليقيّ: ويقال بالنون آخره.
قال النووي وغيره (5): هو أكبر ولد إبراهيم.
6 - إسحاق (6): ولد بعد إسماعيل بأربع عشرة سنة، وعاش مائة وثمانين سنة. وذكر أبو عليّ بن مسكويه في كتاب «نديم الفريد» أنّ معنى إسحاق بالعبرانية: الضحّاك.
7 - يعقوب (7): عاش مائة وسبعا وأربعين سنة.
8 - يوسف (8): في صحيح ابن حبّان من حديث أبي هريرة مرفوعا: «إنّ الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» (9).
وفي المستدرك، عن الحسن: أنّ يوسف ألقي في الجبّ وهو ابن اثنتي عشرة سنة، ولقي أباه بعد الثمانين، وتوفّي وله مائة وعشرون (10).
__________
(1) رواه الحاكم 2/ 549.
(2) رواه الحاكم 2/ 551وابن حبان في صحيحه (6204) وسنده صحيح. وأعله الحافظ ابن حجر بأن أكثر الروايات اتفقت على أنه كان ابن ثمانين سنة عند اختتانه قال: «والظاهر أنه سقط من المتن شيء، فإن هذا القدر هو مقدار عمره» اهـ. ورواه البخاري (62983356)، ومسلم (2370)، وأحمد 2/ 435418322، والبخاري في الأدب المفرد (1244)، وأبو يعلى (5981)، وابن أبي عاصم في الأوائل (20)، والطبراني في الأوائل (11)، والبيهقي في سننه 8/ 325من طرق عن أبي هريرة ولفظ البخاري: «اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم».
(3) تهذيب الأسماء واللغات 1/ 98.
(4) انظر فتح الباري 6/ 413، وبصائر ذوي التمييز 6/ 4139، وروح المعاني 4/ 211.
(5) انظر تهذيب الأسماء واللغات 1/ 98.
(6) انظر فتح الباري 6/ 414، وبصائر ذوي التمييز 6/ 42، وروح المعاني 4/ 211.
(7) انظر فتح الباري 6/ 415414، وبصائر ذوي التمييز 6/ 4543، وروح المعاني 4/ 211.
(8) انظر فتح الباري 6/ 419، وبصائر ذوي التمييز 6/ 5046.
(9) رواه ابن حبان (5776)، والترمذي (3116)، وأحمد 2/ 416322، والحاكم 2/ 571570، وسنده حسن. ورواه البخاري (46893490338333743353)، ومسلم (2378) بنحوه، وفي الباب عن ابن عمر بلفظ حديث الباب: رواه البخاري (46883390)، وأحمد 2/ 96، والخطيب في تاريخه 3/ 426، والبغوي (3547).
(10) رواه الحاكم 2/ 571وهو مرسل.(1/291)
وفي الصحيح: أنه أعطي شطر الحسن (1).
قال بعضهم: وهو مرسل، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ جََاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنََاتِ}
[غافر: 34] وقيل: ليس هو يوسف بن يعقوب، بل يوسف بن إفرائيم بن يوسف بن يعقوب. ويشبه هذا ما في العجائب للكرمانيّ في قوله: {وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6] أنّ الجمهور على أنه يعقوب بن ماثان، وأنّ امرأة زكريا كانت أخت مريم بنت عمران بن ماثان، قال: والقول بأنه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم غريب. انتهى.
وما ذكر أنّه غريب هو المشهور، والغريب الأوّل، ونظيره في الغرابة قول نوف البكاليّ: إنّ موسى المذكور في سورة الكهف في قصة الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل، بل موسى بن منشى بن يوسف، وقيل: ابن إفرائيم بن يوسف، وقد كذّبه ابن عباس في ذلك.
وأشدّ من ذلك غرابة، ما حكاه النقاش والماورديّ: أنّ يوسف المذكور في سورة غافر من الجنّ، بعثه الله رسولا إليهم. وما حكاه ابن عسكر: أنّ عمران المذكور في آل عمران هو والد موسى، لا والد مريم.
وفي يوسف ست لغات: بتثليث السين مع الواو والهمزة. والصواب أنه أعجمي لا اشتقاق له.
9 - لوط (2): قال ابن إسحاق: هو لوط بن هارون بن آزر. وفي المستدرك عن ابن عباس قال: لوط، ابن أخي إبراهيم (3).
10 - هود (4): قال كعب: كان أشبه النّاس بآدم (5)، وقال ابن مسعود: كان رجلا جلدا. أخرجهما في المستدرك (6).
__________
(1) رواه البخاري ضمن حديث طويل (3387343033933207)، ومسلم (162)، والترمذي (33433156)، والنسائي 1/ 217، وأبو يعلى (33732914)، وابن حبان (50494846) وأحمد 3/ 286260148، وأبو عوانة 1/ 126، وأبو نعيم في الحلية 6/ 253.
(2) انظر الفتح 6/ 415، وبصائر ذوي التمييز 6/ 5655، وروح المعاني 4/ 214.
(3) المستدرك 2/ 561، وذكره الحافظ ابن حجر في الفتح 6/ 415قائلا: يقال: إنه لوط بن هاران بن تارح، وهو ابن أخي إبراهيم عليه السلام.
(4) انظر فتح الباري 6/ 377376، وبصائر ذوي التمييز 6/ 9796.
(5) رواه في المستدرك 2/ 564وتعقبه الذهبي بقوله: «إسناده واه» اهـ.
(6) رواه في المستدرك 2/ 563وسنده صحيح.(1/292)
وقال ابن هشام (1): اسمه عابر بن أرفخشذ بن سام بن نوح.
وقال غيره (2): الراجح في نسبه أنه هود بن عبد الله بن رباح بن حاوذ بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح.
11 - صالح (3): قال وهب: هو ابن عبيد بن ثمود بن حائر بن سام بن نوح، بعث إلى قومه حين راهق الحلم، وكان رجلا أحمر إلى البياض، سبط الشعر، فلبث فيهم أربعين عاما (4).
وقال نوف الشاميّ: صالح من العرب، لمّا أهلك الله عادا عمرت ثمود بعدها، فبعث الله إليهم صالحا غلاما شابا، فدعاهم إلى الله حتّى شمط وكبر، ولم يكن بين نوح وإبراهيم نبيّ إلّا هود وصالح. أخرجهما في المستدرك (5).
وقال ابن حجر وغيره (6): القرآن يدلّ على أنّ ثمودا كان بعد عاد، كما كان عاد بعد قوم نوح.
وقال الثعلبيّ، ونقله عن النّووي في تهذيبه، من خطه نقلت: هو صالح بن عبيد بن أسيف بن ماشج بن عبيد بن حاذر بن ثمود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح بعثه الله إلى قومه وهو شابّ، وكانوا عربا، منازلهم بين الحجاز والشام، فأقام فيهم عشرين سنة، ومات بمكة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة (7).
12 - شعيب (8): قال ابن إسحاق: هو ابن ميكاييل، كذا بخط الذهبيّ في اختصار المستدرك (9). وقال غيره: ابن ملكاين، وقيل: ابن ميكيل بن يشجن بن لاوى بن يعقوب.
__________
(1) نقله في فتح الباري 6/ 376.
(2) كما رجّحه الحافظ ابن حجر في الفتح 6/ 376وعنده: ابن جاور بدل: ابن حاوذ.
(3) انظر الفتح 6/ 379، وبصائر ذوي التمييز 6/ 99. وفي نسبه عندهما خلاف ما في الاتقان. وهو النسب المذكور فيما بعد عن الثعلبي.
(4) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 565وتعقبه الذهبي بأن إسناده واه فيه عبد المنعم بن إدريس: قال أحمد:
يكذب على وهب بن منبه. انظر اللسان 4/ 7473.
(5) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 565وهو معضل.
(6) في الفتح 6/ 381.
(7) انظر الفتح 6/ 379، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 248.
(8) انظر الفتح 6/ 449، وبصائر ذوي التمييز 6/ 5857، وتفسير ابن كثير 2/ 331و 3/ 345، وتفسير البغوي 2/ 180.
(9) تلخيص المستدرك 2/ 568.(1/293)
ورأيت بخط النوويّ في تهذيبه: ابن ميكاييل بن يشجن بن مدين بن إبراهيم الخليل، كان يقال له: خطيب الأنبياء، وبعث رسولا إلى أمّتين: مدين وأصحاب الأيكة، وكان كثير الصلاة، وعمي في آخر عمره.
واختار جماعة: أنّ مدين وأصحاب الأيكة أمة واحدة (1).
قال ابن كثير (2): ويدلّ لذلك أنّ كلا منهما وعظ بوفاء المكيال والميزان، فدلّ على أنهما واحد.
واحتجّ للأول بما أخرجه عن السدّيّ وعكرمة، قالا: ما بعث الله نبيّا مرّتين إلّا شعيبا، مرّة إلى مدين فأخذهم الله بالصيحة، ومرّة إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله بعذاب يوم الظّلّة (3).
وأخرج ابن عساكر في تاريخه (4)، من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: «أنّ قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان، بعث الله إليهما شعيبا».
قال ابن كثير (5): وهو غريب، وفي رفعه نظر، قال: ومنهم من زعم أنه بعث إلى ثلاث أمم، والثالثة أصحاب الرّس.
13 - موسى (6): هو ابن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب عليه السلام لا خلاف في نسبه، وهو اسم سريانيّ.
وأخرج أبو الشيخ من طريق عكرمة، عن ابن عباس قال: إنّما سمي موسى، لأنه ألقي بين شجر وماء، فالماء بالقبطية (مو) والشجر (سا).
وفي الصحيح: وصفه بأنه: «آدم طوال جعد، كأنه من رجال شنوءة» (7).
__________
(1) انظر الفتح 6/ 450وعزاه للجمهور.
(2) انظر تفسير ابن كثير 3/ 345.
(3) انظر تفسير ابن كثير 3/ 345.
(4) ذكره ابن كثير في تفسيره 3/ 345بسند ابن عساكر إلى ابن عمرو. ثم قال: «وهذا غريب، وفي رفعه نظر، والأشبه أن يكون موقوفا» اهـ.
(5) تفسير ابن كثير 3/ 345.
(6) انظر الفتح 6/ 422، وبصائر ذوي التمييز 6/ 6261، وروح المعاني 4/ 213.
(7) رواه البخاري (5603470933943437)، ومسلم (168)، والترمذي (3130)، وأحمد 2/ 282، والنسائي 8/ 312، وأبو عوانة 1/ 129، وعبد الرزاق (9719)، والبيهقي في دلائل النبوة 2/ 387، وابن حبان (51)، والطبري 15/ 12.(1/294)
قال الثعلبيّ (1): عاش مائة وعشرين سنة.
14 - هارون (2): أخوه شقيقه وقيل: لأمّه فقط، وقيل: لأبيه فقط، حكاهما الكرمانيّ في عجائبه. كان أطول منه، فصيحا جدا، مات قبل موسى، وكان ولد قبله بسنة.
وفي بعض أحاديث الإسراء: «صعدت إلى السماء الخامسة، فإذا أنا بهارون ونصف لحيته بيضاء ونصفها أسود، تكاد لحيته تضرب سرته من طولها، فقلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: المحبّب في قومه هارون بن عمران» (3).
وذكر ابن مسكويه: أنّ معنى هارون بالعبرانية: (المحبّب).
15 - داود (4): هو ابن إيشى بكسر الهمزة وسكون التحتية وبالشين المعجمة ابن عوبد بوزن جعفر، بمهملة وموحدة ابن باعر بموحّدة ومهمة مفتوحة ابن سلمون بن يخشون بن عمى بن يا رب بتحتية وآخره موحّدة ابن رام بن حضرون بمهملة ثم معجمة ابن فارص بفاء وآخره مهملة ابن يهوذا بن يعقوب.
في الترمذيّ: أنه كان أعبد البشر (5) قال كعب (6): كان أحمر الوجه، سبط الرأس، أبيض الجسم، طويل اللحية، فيها جعودة، حسن الصوت والخلق، وجمع له النبوّة والملك.
قال النّوويّ: قال أهل التاريخ: عاش مائة سنة، مدة ملكه منها أربعون سنة، وكان له اثنا عشر ابنا (7).
16 - سليمان ولده (8): قال كعب: كان أبيض جسيما وسيما وضيئا، جميلا خاشعا
__________
(1) انظر بصائر ذوي التمييز 6/ 68.
(2) انظر بصائر ذوي التمييز 6/ 6968، وروح المعاني 4/ 213.
(3) سبق تخريجه قريبا، وانظر بصائر ذوي التمييز 6/ 68.
(4) انظر الفتح 6/ 454، وبصائر ذوي التمييز 6/ 83، وروح المعاني 4/ 212.
(5) رواه الترمذي في كتاب الدعوات، باب (73)، حديث رقم (3490) 5/ 523522. وفي سنده عبد الله بن ربيعة: مجهول. انظر التقريب 1/ 414، والتهذيب 5/ 207206، وقد روى هذا الجزء مسلم في صحيحه (1159) وفيه: «فصم صوم داود نبي الله صلّى الله عليه وسلّم فإنه كان أعبد الناس».
(6) انظر بصائر ذوي التمييز 6/ 87.
(7) انظر تهذيب الأسماء واللغات 1/ 180.
(8) انظر الفتح 6/ 457، وبصائر ذوي التمييز 6/ 8886، وروح المعاني 4/ 212.(1/295)
متواضعا، وكان أبوه يشاوره في كثير من أموره، مع صغر سنّه، لوفور عقله وعلمه.
وأخرج ابن جبير، عن ابن عباس، قال: ملك الأرض مؤمنان: سليمان وذو القرنين، وكافران: نمروذ وبخت نصر (1).
قال أهل التاريخ: ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وابتدأ بناء بيت المقدس بعد ملكه بأربع سنين، ومات وله ثلاث وخمسون سنة.
17 - أيوب (2): قال ابن إسحاق (3): الصحيح أنه كان من بني إسرائيل، ولم يصحّ في نسبه شيء إلّا أنّ اسم أبيه أبيض.
وقال ابن جرير: هو أيوب بن موص بن روح بن عيص بن إسحاق.
وحكى ابن عساكر: أنّ أمّه بنت لوط، وأن أباه ممّن آمن بإبراهيم، وعلى هذا فكان قبل موسى.
وقال ابن جرير (4): كان بعد شعيب.
وقال ابن أبي خيثمة: كان بعد سليمان، ابتلي وهو ابن سبعين، وكانت مدة بلائه سبع سنين، وقيل: ثلاث عشرة، وقيل: ثلاث سنين (5).
وروى الطبرانيّ: أنّ مدة عمره كانت ثلاثا وتسعين سنة.
18 - ذو الكفل (6): قيل: هو ابن أيّوب. في المستدرك عن وهب: أنّ الله بعث بعد أيوب ابنه بشر بن أيوب نبيّا، وسمّاه ذا الكفل، وأمره بالدّعاء إلى توحيده، وكان مقيما بالشام عمره حتى مات، وعمره خمس وسبعون سنة.
وفي العجائب للكرمانيّ: قيل: هو إلياس، وقيل: هو يوشع بن نون، وقيل: هو نبيّ اسمه ذو الكفل. وقيل: كان رجلا صالحا تكفّل بأمور فوفّى بها، وقيل: هو زكريا من قوله: {وَكَفَّلَهََا زَكَرِيََّا} [آل عمران: 37]. انتهى.
__________
(1) رواه ابن جرير 2/ 27، عن مجاهد قوله.
(2) انظر الفتح 6/ 420، وروح المعاني 4/ 212.
(3) ذكره في الفتح 6/ 420.
(4) تفسير الطبري 5/ 256وعنده: ابن رازح بدل: روح، وفي الفتح 6/ 420: رزاح.
(5) انظر الطبري 5/ 256، وفتح الباري 6/ 420، والمستدرك 2/ 581.
(6) انظر بصائر ذوي التمييز 6/ 80، والمستدرك 2/ 582.(1/296)
وقال ابن عسكر: قيل: هو نبيّ تكفّل الله له في عمله بضعف عمل غيره من الأنبياء.
وقيل: لم يكن نبيّا، وإن اليسع استخلفه فتكفّل له أن يصوم النهار ويقوم الليل. وقيل: أن يصلّي كلّ يوم مائة ركعة، وقيل: اليسع، وإنّ له اسمين.
19 - يونس (1): هو ابن متّى، بفتح الميم وتشديد التاء الفوقيّة، مقصور. ووقع في تفسير عبد الرزاق (2): أنّه اسم أمه.
وقال ابن حجر (3): وهو مردود بما في حديث ابن عباس في الصحيح: «ونسبه إلى أبيه» (4) قال: فهذا أصحّ. قال: ولم أقف في شيء من الأخبار على اتصال نسبه، وقد قيل: إنه كان في زمن ملوك الطوائف من الفرس.
روى ابن أبي حاتم، عن أبي مالك: أنه لبث في بطن الحوت أربعين يوما. وعن جعفر الصادق: سبعة أيام. وعن قتادة: ثلاثة، وعن الشعبيّ قال: التقمه ضحى، ولفظه عشيّة (5).
وفي يونس ست لغات: تثليث النون مع الواو والهمزة، والقراءة المشهورة بضم النون مع الواو، قال أبو حيان (6): وقرأ طلحة بن مصرّف بكسر يونس ويوسف، أراد أن يجعلهما عربيّين مشتقين من (أنس) و (أسف) وهو شاذ.
20 - إلياس (7): قال ابن إسحاق في «المبتدأ»: هو ابن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون أخي موسى بن عمران.
وقال ابن عسكر: حكى القتبيّ أنه من سبط يوشع.
وقال وهب: إنّه عمّر كما عمّر الخضر، وإنه يبقى إلى آخر الزمان (8).
__________
(1) انظر فتح الباري 6/ 451، وبصائر ذوي التمييز 6/ 5453، وروح المعاني 4/ 214.
(2) تفسير عبد الرزاق 3/ 156.
(3) في فتح الباري 6/ 451.
(4) رواه البخاري (3413)، ومسلم (2377)، وأحمد 1/ 342242، والطبراني في المعجم الكبير (12753)، وابن حبان (6241)، والطحاوي في المشكل 1/ 446.
(5) انظر فتح الباري 6/ 452، فالسيوطي نقل ما رواه ابن ابن حاتم من الفتح. وانظر تفسير عبد الرزاق 3/ 156.
(6) انظر البحر المحيط 5/ 279وقال: «وقرأ طلحة بن مصرف بالهمز وفتح السين» اهـ، وانظر زاد المسير 3/ 79.
(7) انظر فتح الباري 6/ 374373، وبصائر ذوي التمييز 6/ 78، وروح المعاني 4/ 214.
(8) الصواب وفاة الخضر، لأدلة كثيرة انظر ترجمته في الإصابة للحافظ ابن حجر.(1/297)
وعن ابن مسعود (1): أنّ إلياس هو إدريس، وسيأتي قريبا وإلياس بهمزة قطع، اسم عبرانيّ، وقد زيد في آخره ياء ونون، في قوله تعالى: {سَلََامٌ عَلى ََ إِلْ يََاسِينَ (130)}
[الصافات: 130] كما قالوا في إدريس: (إدراسين)، ومن قرأ (2): آل يس فقيل: المراد آل محمّد (3).
21 - اليسع (4): قال ابن جبير: هو ابن أخطوب بن العجوز. قال: والعامة تقرؤه بلام واحدة مخففة، وقرأ بعضهم (5): (واللّيسع)، بلامين وبالتشديد، فعلى هذا هو عجمي، وكذا على الأولى، وقيل: عربيّ منقول من الفعل، من وسع يسع.
22 - زكريا (6): كان من ذريّة سليمان بن داود، وقتل بعد مقتل والده، وكان له يوم بشّر بولده اثنتان وتسعون سنة. وقيل: تسع وتسعون، وقيل: مائة وعشرون. وزكريا اسم أعجميّ وفيه خمس لغات، أشهرها المدّ، والثانية القصر وقرئ بهما في السبع (7).
وزكريّا بتشديد الياء وتخفيفها، وزكر كقلم.
23 - يحيى ولده (8): أوّل من سمّي يحيى، بنصّ القرآن، ولد قبل عيسى بستة أشهر، ونبىء صغيرا، وقتل ظلما، وسلّط الله على قاتليه بخت نصّر وجيوشه. ويحيى اسم أعجمي، وقيل: عربي. قال الواحدي: وعلى القولين لا ينصرف.
قال الكرماني: وعلى الثاني إنما سمي به لأنه أحياه الله بالإيمان، وقيل: لأنه حيي به رحم أمّه، وقيل: لأنه استشهد، والشهداء أحياء، وقيل: معناه (يموت) كالمفازة للمهلكة، والسليم للّديغ.
__________
(1) رواه البخاري معلقا 6/ 373 (فتح الباري) وقد وصله عبد بن حميد وابن أبي حاتم بإسناد حسن، كما في الفتح 6/ 372، وانظر البحر المحيط 4/ 173.
(2) انظر النشر 2/ 360359، والحجة لمكي 2/ 228، وزاد المسير 7/ 8482.
(3) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح 6/ 373متعقبا هذا القول: «وهو بعيد» اهـ. وانظر زاد المسير 7/ 84.
(4) انظر بصائر ذوي التمييز 6/ 79، وروح المعاني 4/ 214.
(5) وهي قراءة حمزة والكسائي، كما في زاد المسير 3/ 8079، والحجة لمكي 1/ 438وهي من القراءات المتواترة، وانظر روح المعاني 4/ 214.
(6) انظر الفتح 6/ 468، وبصائر ذوي التمييز 6/ 9392، وروح المعاني 4/ 213.
(7) قرأ الكوفيون (زكريا) بالتشديد، وخفّف الباقون، وقرأ حفص وحمزة والكسائي (زكريا) بغير مد، ولا همز، ومدّه الباقون وهمزوه. انظر الكشف لمكي 1/ 341، وزاد المسير 1/ 377.
(8) انظر بصائر ذوي التمييز 6/ 9594، وروح المعاني 4/ 213.(1/298)
24 - عيسى ابن مريم بنت عمران (1): خلقه الله بلا أب، وكانت مدة حمله ساعة، وقيل: ثلاث ساعات، وقيل: ستة أشهر، وقيل: ثمانية أشهر، وقيل: تسعة، ولها عشر سنين، وقيل: خمس عشر، ورفع وله ثلاث وثلاثون سنة، وفي أحاديث: أنه ينزل ويقتل الدجال (2) ويتزوج (3)، ويولد له، ويحج (4) ويمكث في الأرض سبع سنين، ويدفن عند النبي صلّى الله عليه وسلّم (5). وفي الصحيح: «أنه ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس» يعني حماما (6).
وعيسى اسم عبراني أو سرياني.
فائدة: أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال: لم يكن من الأنبياء من له اسمان إلا عيسى ومحمد صلّى الله عليه وسلّم.
25 - محمد صلّى الله عليه وسلّم: سمّي في القرآن بأسماء كثيرة، منها محمد وأحمد.
فائدة: أخرج ابن أبي حاتم، عن عمرو بن مرّة، قال: خمسة سمّوا قبل أن يكونوا:
محمد: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]، ويحيى: {إِنََّا نُبَشِّرُكَ بِغُلََامٍ اسْمُهُ يَحْيى ََ} [مريم: 7]، وعيسى: {إِنَّ اللََّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى} [آل عمران: 45]، وإسحاق ويعقوب: {فَبَشَّرْنََاهََا بِإِسْحََاقَ وَمِنْ وَرََاءِ إِسْحََاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71]. قال الراغب (7):
وخصّ لفظ (أحمد) فيما بشر به عيسى، تنبيها على أنه أحمد منه ومن الذين قبله.
__________
(1) انظر الفتح 6/ 493490، وبصائر ذوي التمييز 6/ 115111، وروح المعاني 4/ 213.
(2) نزول عيسى وقتله الدجال من الأحاديث المتواترة. انظر «التصريح بما تواتر عن نزول المسيح»، والفتن لنعيم بن حماد 2/ 566.
(3) روى أحمد 2/ 437406، وأبو داود (4324)، والآجري في الشريعة ص 380، ونعيم بن حماد في الفتن (1623) 2/ 580، عن عبد الرحمن بن آدم، عن أبيّ ضمن حديث طويل أنه يقيم في الأرض ويتزوج وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح 6/ 493.
وروى نعيم بن حماد في الفتن، حديث رقم (1616) 2/ 578عن سليمان بن عيسى بلاغا. إن عيسى ابن مريم إذا قتل الدجال، رجع إلى بيت المقدس، فيتزوج إلى قوم شعيب ختن موسى، وهم جذام، فيولد له فيهم، ويقيم تسعة عشر سنة، لا يكون أمير، ولا شرطي ولا ملك.
(4) روى مسلم (1252)، وأحمد 2/ 540272240، ونعيم بن حماد في الفتن (1606) 2/ 575من حديث أبي هريرة مرفوعا «والذي نفسي بيده، ليهلن ابن مريم بفج الروحاء، حاجا أو معتمرا، أو ليثنينهما».
(5) روى نعيم بن حماد عن عبد الله بن سلام، عن أبيه، قال: نجد في التوراة: أن عيسى ابن مريم يدفن مع محمد صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو مودود: وقد بقي في البيت موضع قبر عيسى ابن مريم.
(6) سبق تخريجه في باب (موسى عليه السلام).
(7) في مفرداته ص 131.(1/299)
وفيه من أسماء الملائكة:
1، 2جبريل وميكائيل (1): وفيهما لغات: جبريل بكسر الجيم والراء بلا همز، وجبريل بفتح الجيم وكسر الراء بلا همز، وجبراييل بهمزة بعد الألف، وجبرائيل بياءين بلا همز، وجبرئيل بهمزة وياء بلا ألف، وجبرئلّ مشدّدة اللام، وقرئ بها.
قال ابن جني: وأصله (كوريال) فغيّر بالتعريب وطول الاستعمال إلى ما ترى.
وقرئ ميكاييل بلا همز، وميكائيل و {مِيكََالَ}.
أخرج ابن جرير (2) من طريق عكرمة، عن ابن عباس، قال: جبريل عبد الله، وميكاييل عبيد الله، وكلّ اسم فيه (إيل) فهو معبّد لله.
وأخرج عن عبد الله بن الحارث، قال: (إيل) الله بالعبرانية (3).
وأخرج ابن أبي حاتم، عند عبد العزيز بن عمير، قال: اسم جبريل في الملائكة خادم الله.
فائدة: قرأ أبو حيوة (4): {فَأَرْسَلْنََا إِلَيْهََا رُوحَنََا} [مريم: 17] بالتشديد، وفسّره ابن مهران بأنه اسم لجبريل، حكاه الكرمانيّ في عجائبه.
3، 4وهاروت وماروت: أخرج ابن أبي حاتم، عن عليّ، قال: هاروت وماروت ملكان من ملائكة السماء. وقد أفردت في قصتهما جزءا (5).
5 - والرعد: ففي الترمذي، من حديث ابن عباس: أنّ اليهود قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم:
أخبرنا عن الرعد، فقال: «ملك من الملائكة، موكّل بالسحاب» (6).
__________
(1) انظر تفسير الطبري 1/ 482481.
(2) رواه ابن جرير في تفسيره، حديث رقم (1624) 1/ 482. وسنده صحيح. وانظر تفسير ابن أبي حاتم 1/ 292.
(3) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (973) 1/ 293، وابن جرير في تفسيره، حديث رقم (1626) 1/ 482). وسنده حسن، فيه: المنهال بن عمرو: صدوق، ربما وهم. انظر الكاشف 3/ 157، والتقريب 2/ 278.
(4) قال في روح المعاني 8/ 75: «وذكر النقاش أنه قرئ: (روحنا) بتشديد النون. اسم ملك من الملائكة.
(5) انظر قصة هاروت وماروت في تفسير ابن أبي حاتم 1/ 309305، وتفسير ابن كثير 1/ 138، وتفسير ابن جرير 1/ 457456. وبيّن الحافظ ابن حجر أن للقصة أصلا في كتابه «العجاب». انظره بتحقيقنا.
(6) رواه الترمذي (3117)، وأحمد 1/ 274، والنسائي في عشرة النساء (187) ص 165163، وابن منده في التوحيد (48) 1/ 168، والطبراني في الكبير (12429). وحسّنه شيخنا في صحيحته 4/ 491 493.(1/300)
وأخرج ابن أبي حاتم، عن عكرمة، قال: الرعد ملك يسبّح.
وأخرج مجاهد: أنه سئل عن الرعد، فقال: هو ملك يسمى الرعد، ألم تر أنّ الله يقول: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} [الرعد: 13].
6 - والبرق: فقد أخرج ابن أبي حاتم، عن محمد بن مسلم، قال: بلغنا أنّ البرق ملك له أربعة وجوه: وجه إنسان، ووجه ثور، ووجه نسر، ووجه أسد، فإذا مصع بذنبه فذلك البرق.
7 - ومالك: خازن النار.
8 - والسجلّ: أخرج ابن أبي حاتم، عن أبي جعفر الباقر، قال: السجلّ ملك، وكان هاروت وماروت من أعوانه (1).
وأخرج عن ابن عمر، قال: السجلّ ملك.
وأخرج عن السدّي، قال: ملك موكّل بالصحف.
9 - وقعيد (2): فقد ذكر مجاهد، أنّه اسم كاتب السيئات، وأخرجه أبو نعيم في الحلية.
فهؤلاء تسعة.
10 - وأخرج ابن أبي حاتم من طرق مرفوعة وموقوفة ومقطوعة: أنّ ذا القرنين ملك من الملائكة فإن صح أكمل العشرة.
11 - وأخرج ابن أبي حاتم، من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} [النبأ: 38]. قال: ملك من أعظم الملائكة خلقا. فصاروا أحد عشر.
12 - ثم رأيت الراغب في مفرداته (3) في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 4].
__________
(1) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 304112.
قلت: سنده ضعيف، فيه رجل مبهم. قال ابن كثير 1/ 102: «وهذا أثر غريب، وبتقدير صحته إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر فهو نقله عن أهل الكتاب، وفيه نكارة توجب ردّه. والله أعلم» اهـ. وانظر الدر المنثور 4/ 340.
(2) لم أجد هذا القول في تفسير مجاهد، والذي نقله الطبري في تفسيره 11/ 415، عنه أنه قال: {قَعِيدٌ}:
رصد. وانظر 11/ 417.
(3) المفردات ص 237.(1/301)
قيل: إنه ملك يسكن قلب المؤمن ويؤمنه، كما روي أنّ السكينة تنطق على لسان عمر (1).
وفيه من أسماء الصحابة: زيد بن حارثة.
والسجلّ في قول من قال: إنه كاتب النبي صلّى الله عليه وسلّم، أخرجه أبو داود والنّسائيّ من طريق أبي الجوزاء، عن ابن عباس (2).
وفيه من أسماء المتقدمين غير الأنبياء والرسل:
عمران: أبو مريم، وقيل: أبو موسى أيضا، وأخوها هارون، وليس بأخي موسى، كما في حديث أخرجه مسلم (3)، وسيأتي آخر الكتاب.
وعزير، وتبّع وكان رجلا صالحا كما أخرج الحاكم. وقيل: نبي، حكاه الكرمانيّ في عجائبه.
ولقمان وقد قيل: إنه كان نبيّا، والأكثر على خلافه أخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: كان لقمان عبدا حبشيّا نجّارا.
ويوسف، الذي في سورة غافر.
ويعقوب في أول سورة مريم على ما تقدّم.
وتقيّ، في قوله فيها: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمََنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [مريم: 18] قيل: إنه اسم رجل كان من أمثل الناس، أي إن كنت في الصلاح مثل تقيّ، حكاه الثعلبي.
وقيل: اسم رجل كان يتعرّض للنساء. وقيل: إنه ابن عمّها، أتاها جبريل في صورته. حكاهما الكرماني في عجائبه (4).
وفيه من أسماء النساء:
مريم لا غير، لنكتة تقدّمت في نوع الكناية. ومعنى مريم بالعبريّة الخادم.
وقيل: المرأة التي تغازل الفتيان، حكاهما الكرمانيّ.
__________
(1) سبق تخريج هذا الأثر.
(2) رواه أبو داود (2935)، والنسائي (356355) 2/ 7774 (تفسيره)، والطبراني (12790)، والبيهقي 1/ 126. وسنده ضعيف.
(3) سيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.
(4) هذه الأقوال ضعيفة مردودة.(1/302)
وقيل: إنّ بعلا في قوله: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} [الصافات: 125] اسم امرأة كانوا يعبدونها، حكاه ابن عسكر.
وفيه من أسماء الكفار:
قارون، وهو ابن يصهر ابن عمّ موسى، كما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
وجالوت، وهامان، وبشرى الذي ناداه الوارد المذكور في سورة يوسف بقوله:
{يََا بُشْرى ََ} [يوسف: 19]. في قول السّدّيّ، أخرجه ابن أبي حاتم.
وآزر أبو إبراهيم، وقيل: اسمه تارح وآزر لقب أخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحّاك عن ابن عباس، قال: إنّ أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر إنما كان اسمه تارح.
وأخرج من طريق عكرمة، عن ابن عباس، قال: معنى آزر: الصنم.
وأخرج عن السدّيّ، قال: اسم أبيه تارح، واسم الصنم آزر.
وأخرج عن مجاهد، ليس آزر أبا إبراهيم.
ومنها: النسيء، أخرج ابن أبي حاتم عن أبي وائل قال: كان رجل يسمى النسيء من بني كنانة، كان يجعل المحرّم صفرا يستحلّ به الغنائم.
وفيه من أسماء الجن:
أبو هم إبليس، وكان اسمه أولا عزازيل، أخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان إبليس اسمه عزازيل.
وأخرج ابن جرير، عن السّدّيّ، قال: كان اسم إبليس الحارث، قال بعضهم: هو معنى عزازيل.
وأخرج ابن جرير وغيره من طريق الضحّاك، عن ابن عباس قال: إنما سمّي إبليس لأنّ الله أبلسه من الخير كلّه، آيسه منه.
وقال ابن عسكر: قيل في اسمه: قترة، حكاه الخطابيّ. وكنيته أبو كردوس، وقيل:
أبو قترة، وقيل: أبو مرة، وقيل: أبو لبينى، حكاه السهيليّ في الروض الأنف.
فيه من أسماء القبائل:
يأجوج، ومأجوج، وعاد، وثمود، ومدين، وقريش، والروم.
وفيه من الأقوام بالإضافة:
قوم نوح، وقوم لوط، وقوم تبّع، وقوم إبراهيم، وأصحاب الأيكة قيل: هم
مدين وأصحاب الرسّ، وهم بقيّة من ثمود، قاله ابن عباس. وقال عكرمة: هم أصحاب ياسين. وقال قتادة: هم قوم شعيب، وقيل: هم أصحاب الأخدود، واختاره ابن جرير.(1/303)
قوم نوح، وقوم لوط، وقوم تبّع، وقوم إبراهيم، وأصحاب الأيكة قيل: هم
مدين وأصحاب الرسّ، وهم بقيّة من ثمود، قاله ابن عباس. وقال عكرمة: هم أصحاب ياسين. وقال قتادة: هم قوم شعيب، وقيل: هم أصحاب الأخدود، واختاره ابن جرير.
وفيه من أسماء الأصنام التي كانت أسماء لأناس:
ودّ، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، وهي أصنام قوم نوح. واللّات، والعزّى، ومناة، وهي أصنام قريش، وكذا الرّجز فيمن قرأه بضم الراء ذكر الأخفش في كتاب «الواحد والجمع» أنه اسم صنم.
والجبت والطاغوت: قال ابن جرير (1): ذهب بعضهم إلى أنهما صنمان كان المشركون يعبدونهما، ثم أخرج (2) عن عكرمة، قال: الجبت والطاغوت صنمان.
والرشاد: في قوله في سورة غافر: {وَمََا أَهْدِيكُمْ إِلََّا سَبِيلَ الرَّشََادِ} [غافر: 29] قيل:
هو اسم صنم من أصنام فرعون، حكاه الكرمانيّ في عجائبه (3).
وبعل: وهو صنم قوم إلياس.
وآزر، على أنه اسم صنم.
روى البخاريّ، عن ابن عباس: ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلمّا هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عبدت (4).
وأخرج ابن أبي حاتم، عن عروة: أنهم أولاد آدم لصلبه.
وأخرج البخاريّ، عن ابن عباس، قال: كان اللاتّ رجلا يلتّ سويق الحاجّ (5).
وحكاه ابن جني عنه أنه قرأ: {اللََّاتَ} [النجم: 19] بتشديد التاء، وفسّره بذلك، وكذا
__________
(1) في تفسيره 4/ 134133.
(2) رواه ابن جرير في تفسيره، حديث رقم (9769) 4/ 134133. وسنده صحيح.
(3) وهو من الأقوال العجيبة. انظر زاد المسير 7/ 219.
(4) رواه البخاري (4920) 8/ 667.
(5) رواه البخاري (4859) 8/ 611. قال الإسماعيلي: هذا التفسير على قراءة من قرأ {اللََّاتَ} بتشديد التاء. قال الحافظ ابن حجر: «قلت: وليس ذلك بلازم، بل يحتمل أن يكون هذا أصله، وخفّف لكثرة الاستعمال. والجمهور على القراءة بالتخفيف. وقد روي التشديد عن قراءة ابن عباس وجماعة من أتباعه. ورويت عن ابن كثير أيضا، والمشهور عنه التخفيف كالجمهور» اهـ.(1/304)
أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد.
وفيه من أسماء البلاد والبقاع والأمكنة والجبال:
بكّة: اسم لمكة فقيل الباء بدل من الميم، ومأخذه من تمكّكت العظم، أي:
اجتذبت ما فيه من المخّ، وتمكّك الفصيل ما في ضرع الناقة فكأنّها تجتذب إلى نفسها ما في البلاد من الأقوات.
وقيل: لأنها تمكّ الذنوب، أي: تذهبها، وقيل: لقلة مائها. وقيل: لأنّها في بطن واد تمكّك الماء من جبالها عند نزول المطر، وتنجذب إليها السيول. وقيل: الباء أصل، ومأخذه من البكّ، لأنها تبكّ أعناق الجبابرة، أي: تكسرهم، فيذلّون لها ويخضعون، وقيل: من التباكّ وهو الازدحام لازدحام الناس فيها في الطّواف.
وقيل: مكّة الحرم، وبكّة المسجد خاصة، وقيل: مكّة البلد، وبكّة البيت وموضع الطواف. وقيل: البيت خاصة.
والمدينة: سمّيت في الأحزاب بيثرب، حكاية عن المنافقين، وكان اسمها في الجاهلية، فقيل: لأنه اسم أرض في ناحيتها، وقيل: سمّيت بيثرب بن وائل من بني إرم بن سام بن نوح لأنه أوّل من نزلها، وقد صحّ النهي عن تسميتها به (1) لأنه صلّى الله عليه وسلّم كان يكره الاسم الخبيث، وهو يشعر بالثّرب وهو الفساد، أو التثريب وهو التوبيخ.
وبدر: وهي قرية قرب المدينة، أخرج ابن جرير (2)، عن الشعبيّ، قال: كانت بدر لرجل من جهينة يسمّى بدرا، فسمّيت به. قال الواقديّ (3): فذكرت ذلك لعبد الله بن جعفر ومحمد بن صالح فأنكراه، وقالا: لأيّ شيء سمّيت الصفراء ورابغ؟ هذا ليس بشيء، إنّما هو اسم الموضع.
وأخرج (4) عن الضحّاك، قال: بدر ما بين مكة والمدينة.
__________
(1) رواه أحمد في المسند 4/ 285، وأبو يعلى في مسنده (1688) 3/ 248247، والجندي في فضائل المدينة (2120) ص 2625.
قلت: سنده ضعيف. يزيد بن أبي زياد: ضعيف، كبر فتغير، صار يتلقن، وكان شيعيا. انظر طبقات المدلسين ص 116، والمغني 2/ 749، والتهذيب 11/ 330329، والتقريب 2/ 365.
(2) تفسير الطبري 3/ 420وفي سند هذه الرواية الواقدي: متهم بالكذب، ولكن صح عنه ذلك من غير طريقه عند الطبري 3/ 420.
(3) ذكره ابن جرير عقيب رواية الشعبي السابقة. وفيه الواقدي: متهم بالكذب، مع سعة علمه.
(4) تفسير الطبري 3/ 420.(1/305)
وأحد: قرئ شاذّا (1): {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلََا تَلْوُونَ عَلى ََ أَحَدٍ} [آل عمران: 153].
وحنين: وهي قرية قرب الطائف.
وجمع: وهي مزدلفة.
والمشعر الحرام: وهو جبل بها.
ونقع: قيل هو اسم لما بين عرفات إلى مزدلفة، حكاه الكرمانيّ.
ومصر، وبابل: وهي بلد بسواد العراق.
والأيكة، وليكة، بفتح اللام: بلد قوم شعيب، والثاني: اسم البلدة والأول اسم الكورة.
والحجر: منازل ثمود ناحية الشام عند وادي القرى.
والأحقاف: وهي جبال الرمل بين عمان وحضرموت، وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس: أنها جبل بالشام.
وطور سيناء: وهو الجبل الذي نودي منه موسى.
والجوديّ: وهو جبل بالجزيرة.
وطوى: اسم الوادي، كما أخرجه ابن أبي حاتم، عن ابن عباس. وأخرج من وجه آخر عنه: أن سمّي طوى لأنّ موسى طواه ليلا. وأخرج عن الحسن، قال: هو واد بفلسطين، قيل له: طوى لأنه قدّس مرتين، وأخرج عن مبشّر بن عبيد، قال: هو واد بأيلة، طوي بالبركة مرّتين.
والكهف: وهو البيت المنقور في الجبل.
والرقيم: أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال: زعم كعب أنّ الرقيم القرية التي خرجوا منها، وعن عطيّة قال: الرقيم واد. وعن سعيد بن جبير مثله.
وأخرج من طريق العوفيّ، عن ابن عباس، قال: الرقيم واد بين عقبان وأيلة دون فلسطين.
__________
(1) قال في روح المعاني 4/ 90: «قال أبو البقاء: ويقرأ: على أحد: بضمتين، وهو الجبل» اهـ وانظر إملاء ما منّ به الرحمن 1/ 154.(1/306)
وعن قتادة قال: الرّقيم اسم الوادي الذي فيه الكهف. وعن أنس بن مالك، قال:
الرقيم الكلب.
والعرم: أخرج ابن أبي حاتم، عن عطاء، قال: العرم اسم الوادي.
وحرد: قال السّدّيّ: بلغنا أنّ اسم القرية حرد، أخرجه ابن أبي حاتم.
والصريم: أخرج ابن جرير (1)، عن سعيد بن جبير: أنها أرض باليمن تسمّى بذلك.
و {ق}: وهو جبل محيط، بالأرض.
والجرز: هو اسم أرض.
والطاغية: قيل: اسم البقعة التي أهلكت بها ثمود، حكاهما الكرمانيّ.
وفيه من أسماء الأماكن الأخروية:
الفردوس: وهو أعلى مكان في الجنة.
وعلّيّون: قيل: أعلى مكان في الجنة، وقيل: اسم لما دوّن فيه أعمال صلحاء الثقلين.
والكوثر: نهر في الجنة، كما في الأحاديث المتواترة (2).
وسلسبيل وتسنيم: عينان في الجنة.
وسجّين: اسم لمكان أرواح الكفار.
وصعود: جبل في جهنم، كما أخرجه الترمذي، من حديث أبي سعيد مرفوعا (3).
وغيّ وأثام وموبق والسعير وسائل وسحق: أودية في جهنّم.
__________
(1) تفسير الطبري 12/ 191، وعبد الرزاق في تفسيره 3/ 309.
(2) رواه البخاري (65814964)، والترمذي (33603359)، وأبو داود (4748)، وأحمد 3/ 164 289232231207191، وابن حبان (6474647364726471)، والبغوي في شرح السنة (4343)، وفي تفسيره 5/ 335، والآجري في الشريعة ص 396395من طرق عن أنس رضي الله عنه.
(3) رواه الترمذي (33262576)، وأحمد 3/ 75، وأبو يعلى (1383)، والطبري في تفسيره 12/ 308، والحاكم 4/ 596.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - ابن لهيعة: ضعيف، وقد اختلط، وتابعه عمرو بن الحارث عند الطبري.(1/307)
أخرج ابن أبي حاتم، عن أنس بن مالك في قوله: {وَجَعَلْنََا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً}
[الكهف: 52] قال: واد في جهنم من قيح. وأخرج عن عكرمة في قوله: {مَوْبِقاً} قال:
هو نهر في النار.
وأخرج الحاكم في مستدركه: عن ابن مسعود في قوله: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}
[مريم: 59]. قال: واد في جهنم (1).
وأخرج الترمذيّ وغيره، من حديث أبي سعيد الخدريّ، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«ويل: واد في جهنم، يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره» (2).
وأخرج ابن المنذر، عن ابن مسعود، قال: «ويل واد في جهنم من قيح».
وأخرج ابن أبي حاتم، عن كعب، قال: في النار أربعة أودية يعذّب الله بها أهلها:
غليظ وموبق وأثام وغيّ.
وأخرج عن سعيد بن جبير، قال: السعير واد من قيح في جهنم، وسحق واد في جهنم.
وأخرج عن أبي زيد، في قوله: {سَأَلَ سََائِلٌ} [المعارج: 1]. هو واد من أودية جهنم يقال له: سائل.
والفلق: جبّ في جهنم، في حديث مرفوع أخرجه ابن جرير (3).
__________
2 - دراج: ضعيف في روايته عن أبي الهيثم، وهنا يروي عنه، انظر التقريب 1/ 235، والتهذيب 3/ 209208.
وله طريق أخرى: فقد رواه الطبري 12/ 308، والبغوي في تفسيره 4/ 415، من طريق شريك، عن عمار، عن عطية، عن أبي سعيد مرفوعا: «هو جبل في النار من نار، يكلفون أن يصعدوه الحديث».
وشريك ضعيف. وعطية العوفي: صدوق يخطئ كثيرا. وهو مشهور بالتدليس القبيح. انظر التقريب 2/ 24، وطبقات المدلسين ص 130، والكاشف 2/ 235.
(1) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 372. وفي سنده انقطاع: أبو عبيدة: الراجح أنه لم يسمع من أبيه. انظر التقريب 2/ 448، وطبقات المدلسين ص 119.
(2) رواه الترمذي (3164)، وأحمد 3/ 75، والحاكم 4/ 596، ونعيم بن حماد في زيادات الزهد (334)، وأبو يعلى (1383)، وابن حبان (7467)، والبيهقي في البعث (487466)، والبغوي (4409).
قلت: سنده ضعيف، وهو جزء من حديث الصعود. وقد سبق الحكم عليه قريبا.
(3) رواه ابن جرير في تفسيره 12/ 747746.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - شعيب بن صفوان: مقبول، انظر التقريب 1/ 352، والكاشف 2/ 12.
2 - نصر بن خزيمة: ذكره في الجرح 4/ 1/ 473ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.(1/308)
ويحموم: دخان أسود، أخرجه الحاكم، عن ابن عباس (1).
وفيه من المنسوب إلى الأماكن:
الأمّيّ، قيل: نسبة إلى أم القرى مكة.
وعبقريّ، قيل: إنه منسوب إلى عبقر، موضع للجن ينسب إليه كلّ نادر.
والسامريّ، قيل: منسوب إلى أرض يقال لها سامرون، وقيل: سامرة.
والعربيّ، قيل منسوب إلى عربة، وهي باحة دار إسماعيل عليه السلام، أنشد فيها:
وعربة أرض ما يحلّ حرامها ... من الناس إلّا اللوذعيّ الحلاحل
يعني النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
وفيه من أسماء الكواكب: الشمس والقمر، والطارق، والشّعري.
فائدة قال بعضهم: سمى الله في القرآن عشرة أجناس من الطير:
السلوى، والبعوض، والذباب، والنحل، والعنكبوت، والجراد، والهدهد، والغراب، وأبابيل، والنمل، فإنّه من الطير لقوله في سليمان: {عُلِّمْنََا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} [النمل: 16] وقد فهم كلامها.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الشعبي، قال: النملة التي فقه سليمان كلامها كانت ذات جناحين.
فصل
في الكنى
أمّا الكنى، فليس في القرآن منها غير أبي لهب، واسمه عبد العزّى، ولذلك لم يذكر باسمه لأنه حرام شرعا وقيل: للإشارة إلى أنه جهنّميّ.
وأما الألقاب: فمنها إسرائيل: لقب يعقوب، ومعناه عبد الله، وقيل: صفوة الله، وقيل: سريّ الله لأنه أسرى لمّا هاجر.
أخرج ابن جرير (2)، من طريق عمير، عن ابن عباس: أنّ إسرائيل كقولك عبد الله.
وأخرج عبد الرحمن بن حميد في تفسيره، عن أبي مجلز، قال: كان يعقوب رجلا
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 476وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
(2) سبق تخريجه.(1/309)
بطيشا، فلقي ملكا فعالجه فصرعه الملك، فضرب على فخذيه، فلما رأى يعقوب ما صنع به بطش به، فقال: ما أنا بتاركك حتى تسمّيني اسما، فسمّاه إسرائيل. قال أبو مجلز: ألا ترى أنه من أسماء الملائكة؟
وفيه لغات، أشهرها بياء بعد الهمزة ولام، وقرئ بلا همز (1).
قال بعضهم: ولم يخاطب اليهود في القرآن إلّا ب {يََا بَنِي إِسْرََائِيلَ} دون (يا بني يعقوب) لنكتة، وهو: أنهم خوطبوا بعبادة الله، وذكّروا بدين أسلافهم موعظة لهم، وتنبيها من غفلتهم. فسمّوا بالاسم الذي فيه تذكرة بالله تعالى، فإنّ إسرائيل اسم مضاف إلى الله في التأويل، ولمّا ذكر موهبته لإبراهيم وتبشيره به قال يعقوب، وكان أولى من إسرائيل، لأنها موهبة بمعقّب آخر، فناسب ذكر اسم يشعر بالتعقيب.
ومنها: المسيح، لقب لعيسى، ومعناه قيل: الصديق، وقيل: الذي ليس لرجله أخمص، وقيل: الذي لا يمسح ذا عاهة إلّا برأ، وقيل: الجميل، وقيل: الذي يمسح الأرض، أي: يقطعها، وقيل: غير ذلك.
ومنها: إلياس قيل إنه لقب إدريس. أخرج ابن أبي حاتم بسند حسن، عن ابن مسعود، قال: إلياس هو إدريس (2)، وإسرائيل هو يعقوب، وفي قراءته: (وإن إدراس لمن المرسلين) (سلام على إدراسين)، وفي قراءة أبي (وأن إيليسين) (سلام على إيليسين) (3).
ومنها: ذو الكفل قيل: إنه لقب إلياس، وقيل: لقب إليسع، وقيل: لقب يوشع، وقيل: لقب زكريا.
ومنها: نوح، اسمه عبد الغفار، ولقبه نوح، لكثرة نوحه على نفسه في طاعة ربّه، كما أخرجه ابن أبي حاتم، عن يزيد الرّقاشيّ.
ومنها: ذو القرنين، واسمه إسكندر (4)، وقيل: عبد الله بن الضّحاك بن سعد،
__________
(1) سبق تخريج هذه القراءة.
(2) سبق تخريجه.
(3) سبق تخريج هذه القراءات.
(4) ليس هو الإسكندر الثاني، وهو إسكندر بن فيلبس المقدوني اليوناني، وكان وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف المشهور، وهو الذي تؤرخ من مملكته الروم. وقد كان قبل المسيح عليه السلام بنحو من ثلاثمائة. قال ابن كثير في تفسيره 3/ 100: «فأما المذكور في القرآن فكان في زمن الخليل كما ذكره الأزرقي وغيره أنه طاف مع الخليل عليه السلام بالبيت العتيق لما بناه إبراهيم عليه السلام، وقرب إلى الله قربانا» اهـ. وانظر الفرقان لشيخ الإسلام ص 42بتحقيقي، والبداية والنهاية 2/ 106103، وتفسير البغوي 3/ 178، وزاد المسير 5/ 185183، والبحر المحيط 6/ 159158.(1/310)
وقيل: المنذر بن ماء السماء. وقيل: الصعب بن قرين بن الهمّال. حكاهما ابن عسكر.
ولقّب ذا القرنين لأنه بلغ قرني الأرض المشرق والمغرب، وقيل: لأنه ملك فارس والروم، وقيل: كان على رأسه قرنان، أي ذؤابتان، وقيل: كان له قرنان من ذهب، وقيل: كانت صفحتا رأسه من نحاس، وقيل: كان على رأسه قرنان صغيران تواريهما العمامة، وقيل:
إنّه ضرب على قرنه فمات ثم بعثه الله، فضربوه على قرنه الآخر، وقيل: لأنه كان كريم الطّرفين. وقيل: إنه انقرض في وقته قرنان من الناس وهو حيّ، وقيل: لأنه أعطي علم الظاهر وعلم الباطن، وقيل: لأنه دخل النور والظلمة.
ومنها: فرعون، واسمه الوليد بن مصعب، وكنيته أبو العباس، وقيل: أبو الوليد، وقيل: أبو مرة. وقيل: إنّ فرعون لقب لكلّ من ملك مصر. أخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد، قال: كان فرعون فارسيّا من أهل إصطخر.
ومنها: تبّع، قيل: كان اسمه أسعد بن ملكي كرب، وسمّي تبّعا لكثرة من تبعه.
وقيل: إنّه لقب ملوك اليمن، سمّي كلّ واحد منهم تبّعا، أي يتبع صاحبه، كالخليفة يخلف غيره.(1/311)
وقيل: إنّه لقب ملوك اليمن، سمّي كلّ واحد منهم تبّعا، أي يتبع صاحبه، كالخليفة يخلف غيره.
النوع السبعون في المبهمات
أفرده بالتأليف السهيلي (1)، ثم ابن عسكر (2)، ثم القاضي بدر الدين بن جماعة (3).
ولي فيه تأليف لطيف، جمع فوائد الكتب المذكورة مع زوائد أخرى، على صغر حجمه جدّا (4). وكان من السلف من يعتني به كثيرا. قال عكرمة: طلبت الذي خرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم أدركه الموت أربع عشرة سنة (5).
وللإبهام في القرآن أسباب (6):
أحدها: الاستغناء ببيانه في موضع آخر، كقوله: {صِرََاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}
[الفاتحة: 7]، فإنّه مبيّن في قوله: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللََّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدََاءِ وَالصََّالِحِينَ} [النساء: 69].
الثاني: أن يتعيّن لاشتهاره، كقوله: {وَقُلْنََا يََا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}
[البقرة: 35]، ولم يقل: (حوّاء) لأنه ليس له غيرها. {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرََاهِيمَ فِي رَبِّهِ}
[البقرة: 258] والمراد نمروذ، لشهرة ذلك، لأنه المرسل إليه. قيل: وقد ذكر الله فرعون في القرآن باسمه ولم يسمّ نمروذ لأنّ فرعون كان أذكى منه، كما يؤخذ من أجوبته
__________
(1) وكتابه «التعريف والإعلام» وهو مطبوع.
(2) في المطبوعة: ابن عساكر، وهو خطأ، وابن عسكر هو محمد بن علي بن الخضر بن هارون الغساني، أبو عبد الله. من كتبه: «الإكمال والإعلام». وذيل ابن عسكر على كتاب السهيلي بكتاب: «التكميل والإتمام» انظر مفحمات الأقران ص 33.
(3) وكتابه اسمه: «التبيان في مبهمات القرآن».
(4) واسم كتاب السيوطي: «مفحمات الأقران في مبهمات القرآن» وهو مطبوع بمؤسسة الرسالة بيروت.
(5) ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة 2/ 204وعزاه لابن منده من طريق يزيد بن أبي حكيم، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، سمعت ابن عباس فذكره. ورواه أبو أحمد الزبيري، وابن منده في معرفة الصحابة. وانظر تفسير الطبري 4/ 241240، ومفحمات الأقران ص 3534، والبرهان 1/ 155.
(6) انظر مفحمات الأقران ص 36، والبرهان 1/ 160155.(1/312)
لموسى، ونمروذ كان بليدا ولهذا قال: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} وفعل ما فعل من قتل شخص والعفو عن آخر، وذلك غاية البلادة (1).
الثالث: قصد السّتر عليه، ليكون أبلغ في استعطافه، نحو: {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} [البقرة: 204] الآية. هو الأخنس بن شريق وقد أسلم بعد وحسن إسلامه.
الرابع: ألّا يكون في تعيينه كبير فائدة، نحو: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى ََ قَرْيَةٍ}
[البقرة: 259]. {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} [الأعراف: 163].
الخامس: التنبيه على العموم، وأنه غير خاص، بخلاف ما لو عيّن، نحو: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهََاجِراً} [النساء: 100].
السادس: تعظيمه بالوصف الكامل دون الاسم، نحو: {وَلََا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ}
[النور: 22]. {وَالَّذِي جََاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33]. {إِذْ يَقُولُ لِصََاحِبِهِ}
[التوبة: 40] والمراد الصدّيق في الكلّ.
السابع: تحقيره بالوصف الناقص، نحو: {إِنَّ شََانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}
[الكوثر: 3].
تنبيه
لا يبحث عن مبهم أخبر الله باستئثاره بعلمه
تنبيه: قال الزركشيّ في البرهان (2): لا يبحث عن مبهم أخبر الله باستئثاره بعلمه، كقوله: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لََا تَعْلَمُونَهُمُ اللََّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60]. قال: والعجب ممن تجرأ وقال: إنّهم قريظة، أو من الجنّ.
قلت (3): ليس في الآية ما يدلّ على أنّ جنسهم لا يعلم، إنما المنفيّ علم أعيانهم، ولا ينافيه العلم بكونهم من قريظة، أو من الجن، وهو نظير قوله في المنافقين: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرََابِ مُنََافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفََاقِ لََا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ}
[التوبة: 101]، فإنّ المنفيّ علم أعيانهم. ثم القول في أولئك بأنهم بنو قريظة، أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد. والقول بأنهم من الجن، أخرجه ابن أبي حاتم من حديث
__________
(1) انظر مفحمات الأقران ص 36.
(2) البرهان 1/ 155.
(3) وانظر مفحمات الأقران ص 35.(1/313)
عبد الله بن غريب، عن أبيه مرفوعا، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلا جرأة.
فصل اعلم أنّ علم المبهمات مرجعه النقل المحض
لا مجال للرأي فيه، ولما كانت الكتب المؤلفة فيه وسائر التفاسير يذكر فيها أسماء المبهمات والخلاف فيها، دون بيان مستند يرجع إليه، أو عرف يعتمد عليه، ألّفت الكتاب الذي ألّفته، مذكورا فيه عز وكلّ قول إلى قائله من الصحابة والتابعين وغيرهم، معزوّا إلى أصحاب الكتب الذين خرّجوا ذلك بأسانيدهم، مبيّنا فيه ما صحّ سنده وما ضعف، فجاء لذلك كتابا حافلا لا نظير له في نوعه، وقد رتّبته على ترتيب القرآن، وأنا ألخّص هنا مبهماته بأوجز عبارة، تاركا العزو والتخريج غالبا، اختصارا وإحالة على الكتاب المذكور، وأرتبه على قسمين (1):
__________
(1) أغلب هذا الفصل مأخوذ من الإسرائيليات، ينبغي التنبه لهذا.(1/314)
القسم الأول فيما أبهم من رجل أو امرأة أو ملك أو جني،
أو مثنى أو مجموع عرف أسماء كلهم، أو من، أو الذي، إذا لم يرد به العموم قوله تعالى: {إِنِّي جََاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] هو آدم وزوجته حواء بالمدّ لأنها خلقت من حيّ (1).
{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً} [البقرة: 72] اسمه عاميل.
{وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} [البقرة: 129] هو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
{وَوَصََّى بِهََا إِبْرََاهِيمُ بَنِيهِ} [البقرة: 132] هم: إسماعيل وإسحاق ومدين وزمران وسرح ونفش ونفشان وأميم وكيسان وسورح ولوطان ونافش (2).
{وَالْأَسْبََاطِ}: أولاد يعقوب اثنا عشر رجلا: يوسف، وروبيل، وشمعون، ولاوى، ويهوذا، ودان، ونفتالى بفاء ومثناة وكاد وياشير، وإيشاجر، وريالون، وبنيامين.
{وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} [البقرة: 204] هو الأخنس بن شريق (3).
{وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ} [البقرة: 207] هو صهيب (4).
{إِذْ قََالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ} [البقرة: 246] هو شمويل، وقيل: شمعون، وقيل: يوشع (5).
{مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللََّهُ} [البقرة: 253]. قال مجاهد: موسى. {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجََاتٍ}
__________
(1) انظر مفحمات الأقران ص 39.
(2) انظر مفحمات الأقران ص 4947، وفيه اختلاف في بعض الأسماء، وانظر تاريخ الطبري 1/ 309 و 2/ 270، والكامل لابن الأثير 1/ 123، والدر المنثور 1/ 139.
(3) انظر مفحمات الأقران ص 52، والدر المنثور 1/ 238وعزاه لابن جرير 2/ 324، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن السدي.
(4) انظر مفحمات الأقران ص 5352وعزاه للحارث بن أبي أسامة في مسنده، وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب.
(5) انظر مفحمات الأقران ص 56، وتفسير الطبري 2/ 613610.(1/315)
[البقرة: 253]. قال: محمد (1).
{الَّذِي حَاجَّ إِبْرََاهِيمَ فِي رَبِّهِ} [البقرة: 258]. نمروذ بن كنعان (2).
{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى ََ قَرْيَةٍ} [البقرة: 259]. عزير، وقيل: أرمياء، وقيل: حزقيل (3).
{امْرَأَتُ عِمْرََانَ} [آل عمران: 35]. حنّة بنت فاقوذ (4).
{وَامْرَأَتِي عََاقِرٌ} [آل عمران: 40]. هي أشياع، أو أشيع بنت فاقود (5).
{مُنََادِياً يُنََادِي لِلْإِيمََانِ} [آل عمران: 193]. هو محمد صلّى الله عليه وسلّم (6).
{إِلَى الطََّاغُوتِ} [النساء: 60]. قال ابن عباس: هو كعب بن الأشرف، أخرجه أحمد (7).
{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} [النساء: 72]. هو عبد الله بن أبيّ (8).
{وَلََا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى ََ إِلَيْكُمُ السَّلََامَ لَسْتَ مُؤْمِناً} [النساء: 94] هو عامر بن الأضبط الأشجعيّ، وقيل: مرداس، والقائل ذلك نفر من المسلمين، منهم أبو قتادة ومحلّم بن جثّامة. وقيل: إنّ الذي باشر القول محلّم، وقيل: إنه الذي باشر قتله أيضا، وقيل: قتله المقداد بن الأسود، وقيل: أسامة بن زيد (9).
{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهََاجِراً إِلَى اللََّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} [النساء: 100]. هو
__________
(1) انظر تفسير مجاهد 1/ 114، وانظر مفحمات الأقران ص 57.
(2) انظر مفحمات الأقران ص 57، والدر المنثور 1/ 331.
(3) رواه الحاكم 2/ 282، وانظر مفحمات الأقران ص 58.
(4) انظر الدر المنثور 2/ 198، ومفحمات الأقران ص 61.
(5) انظر مفحمات الأقران ص 61.
(6) انظر تفسير الطبري 3/ 553، ومفحمات الأقران ص 68.
(7) رواه البيهقي في الدلائل 3/ 194193، والطبري في تفسيره 4/ 157، عن ابن عباس به. ورواه الواحدي في أسباب النزول ص 156155عن عكرمة مرسلا بسند صحيح. وانظر مجمع الزوائد 7/ 65.
(8) وهو قول مقاتل، كما أخرجه ابن أبي حاتم وغيره. انظر مفحمات الأقران ص 73.
(9) روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده 6/ 11، والبيهقي في الدلائل 4/ 306، والواحدي في أسباب النزول ص 174173، والطبري في تفسيره 4/ 224، والبخاري في التاريخ الكبير 3/ 1/ 75، وسنده حسن، محمد بن إسحاق، صدوق، يدلس، لكنه صرح بالتحديث عند الإمام أحمد. انظر طبقات المدلسين ص 132، والمغني 2/ 553552، والكاشف 3/ 18، التقريب 2/ 144.(1/316)
ضمرة بن جندب (1)، وقيل: ابن العيص رجل من خزاعة. وقيل: أبو ضمرة بن العيص، وقيل: اسمه سبرة، وقيل: هو خالد بن حزام، وهو غريب جدّا (2).
{وَبَعَثْنََا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} [المائدة: 12]. هم: شموع بن زكور من سبط روبيل، وشوقط بن حورى من سبط شمعون، وكالب بن يوفنّا من سبط يهوذا، وبعورك بن يوسف من سبط إشاجر، ويوشع بن نون من سبط إفراثيم بن يوسف، وبلطى بن روفوا من سبط بنيامين، وكرابيل بن سودي من سبط زبالون، وكدّي بن شاس من سبط منشا بن يوسف، وعمائيل بن كسل من سبط دان، وستور بن ميخائيل من سبط أشير، ويوحنّا بن وقوسى من سبط نفتالى، وإلّ بن موخا من سبط كاذلوا (3).
{قََالَ رَجُلََانِ} [المائدة: 23]. هما يوشع وكالب (4).
{نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ} [المائدة: 27]. هما قابيل وهابيل، وهو المقتول (5).
{الَّذِي آتَيْنََاهُ آيََاتِنََا فَانْسَلَخَ مِنْهََا} [الأعراف: 175]. بلعم، ويقال: بلعام بن آير، ويقال: باعر، ويقال: باعور. وقيل: هو أميّة بن أبي الصلت، وقيل: صيفي بن راهب، وقيل: فرعون، وهو أغربها (6).
__________
(1) رواه أبو يعلى في مسنده، حديث رقم (2679) 5/ 81، والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (11709) 11/ 273272. وسنده ضعيف، فيه:
1 - أشعث بن سوار: ضعيف، انظر التقريب 1/ 79، والتهذيب 1/ 354.
2 - عبد الرحمن بن محمد: لا بأس به، وكان يدلّس، انظر طبقات المدلسين ص 93، والتقريب 1/ 497. وله متابع عند الطبراني.
وله طريق أخرى:
فقد رواه الطبري في تفسيره 4/ 241من طريق شريك، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس. وشريك ضعيف.
وفي الباب:
1 - عن عكرمة مرسلا: رواه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 171، والطبري في تفسيره 4/ 240، والواحدي في أسباب النزول ص 179178.
2 - عن قتادة مرسلا: عند الطبري في تفسيره 4/ 240.
(2) انظر مفحمات الأقران ص 76، والإصابة 1/ 251.
(3) انظر مفحمات الأقران ص 8281.
(4) وهو قول مجاهد. انظر مفحمات الأقران ص 83.
(5) انظر تفسير الطبري 4/ 528، ومفحمات الأقران ص 8483.
(6) انظر مفحمات الأقران ص 9796.(1/317)
{وَإِنِّي جََارٌ لَكُمْ} [الأنفال: 48] عنى سراقة بن جعشم (1).
{فَقََاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12] قال قتادة: هم أبو سفيان وأبو جهل وأميّة بن خلف وسهيل بن عمرو وعتبة بن ربيعة (2).
{إِذْ يَقُولُ لِصََاحِبِهِ} [التوبة: 40]. هو أبو بكر الصديق (3).
{وَفِيكُمْ سَمََّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: 47]. قال مجاهد: هم عبد الله بن أبيّ بن سلول، ورفاعة بن التابوت، وأوس بن قيظيّ (4).
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} [التوبة: 49]. هو الجدّ بن قيس (5).
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقََاتِ} [التوبة: 58]. هو ذو الخويصرة (6).
{إِنْ نَعْفُ عَنْ طََائِفَةٍ مِنْكُمْ} [التوبة: 66] هو مخشيّ بن حميّر (7).
{وَمِنْهُمْ مَنْ عََاهَدَ اللََّهَ} [التوبة: 75]. هو ثعلبة بن حاطب (8).
__________
(1) انظر مفحمات الأقران ص 100.
(2) أخرجه ابن أبي حاتم، والحاكم 2/ 332عن ابن عمر. قال الحافظ في الفتح 8/ 323: «وتعقّب بأن أبا جهل وعتبة قتلا ببدر، وإنما ينطبق التفسير على من نزلت الآية المذكورة وهو حي، فيصح في أبي سفيان وسهيل بن عمرو، وقد أسلما جميعا» اهـ.
(3) رواه البخاري (46633653)، ومسلم شرح النووي 5/ 242، والترمذي (3095)، وأحمد 1/ 4، والمروزي في مسند أبي بكر، حديث رقم (7271) من حديث أنس، عن أبي بكر به.
(4) انظر تفسير مجاهد 1/ 280وزاد: عبد الله بن بنتل. ومفحمات الأقران ص 105.
(5) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (12654) عن ابن عباس. ورواه الطبري في تفسيره 6/ 387مرسلا.
قلت: سنده ضعيف، فيه 1بشر بن عمارة: ضعيف، انظر التقريب 1/ 100، والتهذيب 1/ 455.
2 - يحيى الحماني: ضعيف، انظر التقريب 2/ 352.
3 - الضحاك لم يسمع من ابن عباس. انظر المراسيل ص 9694، والتقريب 1/ 373، وانظر تفسير ابن كثير 2/ 362361.
(6) كما رواه البخاري (6933) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه. وانظر مفحمات الأقران ص 106.
(7) انظر مفحمات الأقران ص 107.
(8) وهذا خطأ، وقد ضعّف ذلك في لباب النقول. والقصة رواها الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (7873) 8/ 261260، وفي الطوال، حديث رقم (20) 25/ 227225، والطبري في تفسيره 6/ 426425، وابن حزم في المحلى 11/ 208، وأبو نعيم في معرفة الصحابة 3/ 273271.(1/318)
{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102]. قال ابن عباس: هم سبعة: أبو لبابة وأصحابه وقال قتادة: سبعة من الأنصار: أبو لبابة، وجدّ بن قيس، وخذام وأوس، وكردم، ومرداس (1).
{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ} [التوبة: 106]. هم هلال بن أميّة، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهم الثلاثة الذين خلّفوا (2).
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرََاراً} [التوبة: 107]. قال ابن إسحاق: اثنا عشر من الأنصار: خذام بن خالد، وثعلبة بن حاطب، وهو من بني أمية بن زيد، ومعتّب بن قشير، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعبّاد بن حنيف، وجارية بن عامر وابناه مجمّع وزيد، ونبتل بن الحارث وبحزج، وبجاد بن عثمان، ووديعة بن ثابت (3).
{لِمَنْ حََارَبَ اللََّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة: 107] هو أبو عامر الراهب (4).
{أَفَمَنْ كََانَ عَلى ََ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} [هود: 17]. وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم. {وَيَتْلُوهُ شََاهِدٌ مِنْهُ}
[هود: 17] هو جبريل، وقيل: هو القرآن، وقيل: أبو بكر، وقيل: عليّ (5).
__________
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - معان بن رفاعة: لين الحديث، كثير الإرسال. انظر الكاشف 3/ 138137، والتقريب 2/ 258.
2 - علي بن يزيد الألهاني: قال الدارقطني والبرقي والأزدي: متروك. وقال البخاري: منكر الحديث.
انظر التهذيب 7/ 397396، والكاشف 2/ 259، والمغني 2/ 457، والتقريب 2/ 46. وانظر رسالة أخينا سليم الهلالي: «الشهاب الثاقب في الذب عن الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب»، وتفسير ابن كثير 2/ 374373.
(1) انظر تفسير الطبري 6/ 460، ومفحمات الأقران ص 111، وتفسير مجاهد 1/ 286.
(2) انظر تفسير ابن كثير 2/ 387، ومفحمات الأقران ص 111. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: «هم الثلاثة الذين خلّفوا: أي: عن التوبة» اهـ.
(3) انظر تفسير الطبري 6/ 471، وابن كثير 2/ 389388، ومفحمات الأقران ص 113111.
(4) قاله مجاهد وغيره. انظر تفسير مجاهد 1/ 286، وتفسير الطبري 6/ 471، وتفسير ابن كثير 2/ 387، ومفحمات الأقران ص 112.
(5) انظر هذه الأقوال في تفسير الطبري 7/ 1916ثم قال: «وأولى هذه الأقوال التي ذكرناها بالصواب في تأويله قوله: {وَيَتْلُوهُ شََاهِدٌ مِنْهُ} قول من قال: هو جبريل، لدلالة قوله: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتََابُ مُوسى ََ إِمََاماً وَرَحْمَةً} على صحة ذلك، وذلك أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم لم يتل قبل القرآن كتاب موسى، فيكون ذلك دليلا على صحة قول من قال: عنى به لسان محمد صلّى الله عليه وسلّم، أو محمد نفسه، أو علي على من قال: عنى به علي» اهـ. وانظر تفسير ابن كثير 2/ 440، ومفحمات الأقران ص 116.(1/319)
{وَنََادى ََ نُوحٌ ابْنَهُ} [هود: 42]. اسمه كنعان، وقيل: يام (1).
{وَامْرَأَتُهُ قََائِمَةٌ} [هود: 71]. اسمها سارة (2).
(بنات لوط): ريتا ورغوثا (3).
{لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ} [يوسف: 8]. بنيامين شقيقه (4).
{قََالَ قََائِلٌ مِنْهُمْ} [يوسف: 10] هو: روبيل، وقيل: يهوذا، وقيل: شمعون (5).
{فَأَرْسَلُوا وََارِدَهُمْ} [يوسف: 19]. هو: مالك بن دعر (6).
{وَقََالَ الَّذِي اشْتَرََاهُ} [يوسف: 21] هو: قطيفير، أو أطيفير (7). {لِامْرَأَتِهِ}
[يوسف: 21] هي: راعيل، وقيل: زليخا (8).
{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيََانِ} [يوسف: 36]. هو: مجلث وبنوه، وهو الساقي، وقيل:
راشان ومرطش، وقيل: شرهم وسرهم (9).
{لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نََاجٍ} [يوسف: 42] هو: الساقي (10).
{عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42]. هو: الملك ريّان بن الوليد (11).
{بِأَخٍ لَكُمْ} [يوسف: 59]. هو: بنيامين، وهو المتكرّر في السورة (12).
{فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ} [يوسف: 77]. عنوا يوسف (13).
__________
(1) انظر تفسير الطبري 7/ 45، ومفحمات الأقران ص 118.
(2) انظر مفحمات الأقران ص 119.
(3) انظر مفحمات الأقران ص 119.
(4) انظر مفحمات الأقران ص 120، وتفسير الطبري 7/ 152.
(5) انظر تفسير الطبري 7/ 153، ومفحمات الأقران ص 121120.
(6) انظر مفحمات الأقران ص 121، وتفسير الطبري 7/ 165162، وفي المفحمات: ذكر بالذال المعجمة.
(7) انظر مفحمات الأقران ص 122.
(8) انظر المفحمات ص 122.
(9) انظر مفحمات الأقران ص 123، وتفسير ابن كثير 2/ 477.
(10) انظر تفسير ابن كثير 2/ 479، وتفسير الطبري 7/ 219، ومفحمات الأقران ص 124.
(11) انظر تفسير ابن كثير 2/ 479، وتفسير الطبري 7/ 220219، ومفحمات الأقران ص 124.
(12) انظر مفحمات الأقران ص 124.
(13) اتهم يوسف بالسرقة، كذبا وزورا. انظر ذلك في تفسير ابن كثير 2/ 486، وتفسير الطبري 7/ 264 266، ومفحمات الأقران ص 125.(1/320)
{قََالَ كَبِيرُهُمْ} [يوسف: 80]. هو: شمعون، وقيل: روبيل (1).
{آوى ََ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} [يوسف: 99]. هما أبوه وخالته ليّا، وقيل: أمه، واسمها راحيل (2).
{وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتََابِ} [الرعد: 43] هو: عبد الله بن سلام. وقيل: جبريل (3).
{أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: 37] هو: إسماعيل (4).
{وَلِوََالِدَيَّ} [إبراهيم: 41] اسم أبيه تارح، وقيل: آزر، وقيل: يا زر، واسم أمه:
مثاني، وقيل: نوفا، وقيل: ليوثا (5).
{إِنََّا كَفَيْنََاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)} [الحجر: 95] قال سعيد بن جبير: هم خمسة الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، وأبو زمعة، والحارث بن قيس، والأسود بن عبد يغوث (6).
{رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمََا أَبْكَمُ} [النحل: 76] هو: أسيد بن أبي العيص (7).
{وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 76] عثمان بن عفّان (8).
{كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهََا} [النحل: 92] هي: ريطة بنت سعيد بن زيد مناة بن تميم (9).
__________
(1) انظر مفحمات الأقران ص 125.
(2) انظر مفحمات الأقران ص 126.
(3) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره 2/ 521: «قيل: نزلت في عبد الله بن سلام، قاله مجاهد. وهذا القول غريب، لأنّ هذه الآية مكية، وعبد الله بن سلام إنما أسلم في أول مقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة، والأظهر في هذا ما قاله العوفي، عن ابن عباس، قال: هم من اليهود والنصارى.
وقال قتادة: منهم ابن سلام وتميم الداري. وقال مجاهد في رواية عنه: هو الله تعالى. وكان سعيد بن جبير ينكر أن يكون المراد بها عبد الله بن سلام، ويقول: هي مكية إلى أن قال: والصحيح في هذا أن {مَنْ عِنْدَهُ} اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب الذين يجدون صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم ونعته في كتبهم المتقدمة من بشارات الأنبياء به» اهـ انظر كلامه بتوسع. وانظر تفسير الطبري 7/ 412409، ومفحمات الأقران ص 127.
(4) انظر مفحمات الأقران ص 128.
(5) انظر مفحمات الأقران ص 128.
(6) انظر مفحمات الأقران ص 130، وفيه: الحارث بن الطلاطلة.
(7) انظر تفسير الطبري 7/ 624، والواحدي في أسباب النزول ص 280279، وسنده حسن، عبد الله بن عثمان بن خيثم: صدوق. انظر تهذيب الكمال 15/ 282271، والتقريب 1/ 432، والكاشف 2/ 9796، وتهذيب التهذيب 5/ 315314.
(8) انظر مفحمات الأقران ص 131.
(9) انظر مفحمات الأقران ص 132131.(1/321)
{إِنَّمََا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: 103] عنوا عبد ابن الحضرميّ، واسمه مقيس (1).
وقيل: عبدين له: يسار وجبر. وقيل: عنوا قينا بمكة اسمه بلعام (2). وقيل: سلمان الفارسيّ (3).
{أَصْحََابَ الْكَهْفِ} [الكهف: 9] تمليخا، وهو رئيسهم، والقائل: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: 16] والقائل: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمََا لَبِثْتُمْ} [الكهف: 19]. وتكسلمينا، وهو القائل: {كَمْ لَبِثْتُمْ} [الكهف: 19] ومرطوش وبراشق وأيونس وأريسطانس وشلططيوس (4).
{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ} [الكهف: 19] هو: تمليخا (5).
{مَنْ أَغْفَلْنََا قَلْبَهُ} [الكهف: 28] هو عيينة بن حصن (6).
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ} [الكهف: 32] هما تمليخا وهو الخيّر وفطروس، وهما المذكوران في سورة الصافّات (7).
{قََالَ مُوسى ََ لِفَتََاهُ} [الكهف: 60] هو: يوشع بن نون، وقيل: أخوه يثربي (8).
{فَوَجَدََا عَبْداً} [الكهف: 65] هو: الخضر، واسمه بليا (9).
{لَقِيََا غُلََاماً} [الكهف: 74] اسمه جيسور، بالجيم، وقيل بالحاء (10).
__________
(1) في مفحمات الأقران ص 132: يحنّس.
(2) إسناده ضعيف، كما في الدر المنثور 4/ 131.
(3) انظر مفحمات الأقران ص 132.
(4) انظر مفحمات الأقران ص 136.
(5) انظر مفحمات الأقران ص 137.
(6) انظر تفسير ابن كثير 3/ 8180، ومفحمات الأقران ص 139138.
(7) انظر مفحمات الأقران ص 139.
(8) انظر مفحمات الأقران ص 140. وفتح الباري 8/ 415414.
وحديث موسى مع الخضر في الصحيحين وغيرهما.
(9) انظر البخاري (47264725)، ومسلم (162)، والترمذي (3148)، والحميدي (371)، والرحلة في طلب الحديث (29)، وانظر باقي تخريجه في تخريجنا لسنن ابن ماجة.
(10) انظر تفسير ابن كثير 3/ 98وعنده: حيثور، ومفحمات الأقران ص 141، وعنده: جيسورا، وهو في البخاري (4726) وعنده: حيسور.(1/322)
{وَرََاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف: 79] هو: هدد بن بدد (1).
{وَأَمَّا الْغُلََامُ فَكََانَ أَبَوََاهُ} [الكهف: 80] اسم الأب كازيرا والأمّ سهوى (2).
{لِغُلََامَيْنِ يَتِيمَيْنِ} [الكهف: 82] هما: أصرم وصريم (3).
{فَنََادََاهََا مِنْ تَحْتِهََا} [مريم: 24] قيل: عيسى، وقيل: جبريل (4).
{وَيَقُولُ الْإِنْسََانُ} [مريم: 66] هو: أبيّ بن خلف، وقيل: أميّة بن خلف. وقيل:
الوليد بن المغيرة (5).
{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ} [مريم: 77] هو: العاصي بن وائل (6).
{وَقَتَلْتَ نَفْساً} [طه: 40] هو: القبطيّ، واسمه فاقون (7).
{السََّامِرِيُّ} [طه: 96] اسمه: موسى بن ظفر (8).
{مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: 96] هو: جبريل (9).
__________
(1) كما في صحيح البخاري برقم (4726). قال الحافظ ابن حجر في الفتح 8/ 420: «القائل ذلك هو ابن جريج، ومراده أن تسمية الملك الذي كان يأخذ السفن لم تقع في رواية سعيد.
قلت: وقد عزاه ابن خالويه في «كتاب ليس» لمجاهد، وقال: وزعم ابن دريد أنّ هدد اسم ملك من ملوك حمير زوجه سليمان بن داود بلقيس.
قلت: إن ثبت هذا حمل على التعدد والاشتراك في الاسم لبعد ما بين مدة موسى وسليمان. وهدد في الروايات بضم الهاء، وحكى ابن الأثير فتحها والدال مفتوحة اتفاقا. ووقع عند ابن مردويه بالميم بدل الهاء، وأبوه بدد بفتح الموحدة، وجاء في تفسير مقاتل أن اسمه: منولة بن الجلندي بن سعيد الأزدي.
وقيل: هو الجلندي، وكان بجزيرة الأندلس» اهـ وانظر مفحمات الأقران ص 142.
(2) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 8/ 421: «وفي المبتدأ لوهب بن منبه كان اسم أبيه ملاس، واسم أمه رحما، وقيل: اسم أبيه كاردي، واسم أمه: سهوى» اهـ.
(3) انظر مفحمات الأقران ص 142.
(4) انظر مفحمات الأقران ص 143.
(5) انظر مفحمات الأقران ص 144.
(6) كما أخرجه البخاري (4735473447334732242522752091)، ومسلم (2795)، والترمذي (3162)، والنسائي في سننه الكبرى (342) 2/ 3837، وأحمد 5/ 111110، والطبري في تفسيره 8/ 375، والواحدي في أسباب النزول ص 302301، والطبراني (36513650 365436533652)، وابن حبان (50104885).
(7) انظر تفسير الطبري 8/ 414.
(8) انظر مفحمات الأقران ص 144.
(9) كما أخرجه ابن أبي حاتم عن علي وابن عباس وغيرهما. انظر مفحمات الأقران ص 145.(1/323)
{وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يُجََادِلُ} [الحج: 3] وهو: النضر بن الحارث (1).
{هََذََانِ خَصْمََانِ} [الحج: 19] أخرج الشيخان، عن أبي ذرّ، قال: نزلت هذه الآية في حمزة وعبيدة بن الحارث وعليّ بن أبي طالب، وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة (2).
{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحََادٍ} [الحج: 25] قال ابن عباس: نزلت في عبد الله بن أنيس (3).
{الَّذِينَ جََاؤُ بِالْإِفْكِ} [النور: 11] وهم: حسّان بن ثابت (4)، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، وعبد الله بن أبيّ. وهو الذي تولّى كبره (5).
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظََّالِمُ} [الفرقان: 27] هو عقبة: ابن أبي معيط (6).
{لَمْ أَتَّخِذْ فُلََاناً} [الفرقان: 28] هو أميّة بن خلف، وقيل أبيّ بن خلف (7).
{وَكََانَ الْكََافِرُ} [الفرقان: 55] قال الشعبيّ: هو أبو جهل (8).
{امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} [النمل: 23] هي بلقيس بنت شراحيل (9).
{فَلَمََّا جََاءَ سُلَيْمََانَ} [النمل: 36] اسم الجائي منذر (10).
{قََالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} [النمل: 39] اسمه كوزن (11).
__________
(1) انظر مفحمات الأقران ص 146.
(2) رواه البخاري (474339693968)، ومسلم (3033)، وابن ماجة (2835)، والنسائي في الكبرى، في كتاب التفسير (361) 2/ 8584وانظر تفصيل تخريجه في تخريجنا لسنن ابن ماجة.
(3) انظر مفحمات الأقران ص 147.
(4) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره 3/ 273272: «وقيل المراد به: حسان بن ثابت، وهو قول غريب، ولولا أنه وقع في صحيح البخاري ما قد يدل على إيراد ذلك لما كان لإيراده كبير فائدة، فإنه من الصحابة الذين لهم فضائل ومناقب ومآثر، وأحسن مآثره أنه كان يذبّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشعره» اهـ انظر تتمة كلامه رحمه الله تعالى.
(5) انظر مفحمات الأقران ص 149.
(6) كما أخرجه ابن أبي حاتم عنه. انظر مفحمات الأقران ص 150.
(7) انظر مفحمات الأقران ص 153152.
(8) ذكره الكرماني في عجائبه، كما في مفحمات الأقران ص 154.
(9) كما أخرجه الشيخان وغيرهما، وقد سبق تخريجه، وانظر مفحمات الأقران ص 148، وفتح الباري 8/ 464.
(10) انظر مفحمات الأقران ص 149.
(11) انظر الدر المنثور 5/ 108ومفحمات الأقران ص 154.(1/324)
{الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ} [النمل: 40] هو: آصف بن برخيا كاتبه، وقيل: رجل يقال له: ذو النور، وقيل: أسطوم، وقيل: مليخا، وقيل: بلخ، وقيل: هو ضبّة أبو القبيلة، وقيل:
جبريل، وقيل: ملك آخر، وقيل: الخضر (1).
{تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48] هم: رعمى، ورعيم، وهرمى، وهريم، ودأب، وصواب، ورآب، ومسطع، وقدار بن سالف عاقر الناقة (2).
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 8] اسم الملتقط طابوث (3).
{امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 9] آسية بنت مزاحم (4).
{أُمِّ مُوسى ََ} [القصص: 10] يحانذ بنت يصهر بن لاوي، وقيل: يا ؤوخا، وقيل: أبا ذخت (5).
{وَقََالَتْ لِأُخْتِهِ} [القصص: 11] اسمها مريم، وقيل: كلثوم (6).
{هََذََا مِنْ شِيعَتِهِ} [القصص: 15] هو السّامريّ {وَهََذََا مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15].
اسمه فاتون (7).
{وَجََاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى ََ} [القصص: 20] هو: مؤمن آل فرعون، واسمه شمعان، وقيل: شمعون، وقيل: جبر، وقيل: حبيب، وقيل: حزقيل (8).
{امْرَأَتَيْنِ تَذُودََانِ} [القصص: 23] هما: ليّا وصفوريا، وهي التي نكحها (9). وأبوهما شعيب (10)، وقيل: يثرون، ابن أخي شعيب.
{وَإِذْ قََالَ لُقْمََانُ لِابْنِهِ} [لقمان: 13] اسمه باران، بالموحّدة، وقيل: داران، وقيل:
__________
(1) انظر مفحمات الأقران ص 155154.
(2) انظر الدر المنثور 5/ 112، ومفحمات الأقران ص 155.
(3) وقيل غير ذلك. انظر زاد المسير 6/ 203، ومفحمات الأقران ص 156.
(4) انظر زاد المسير 6/ 203، ومفحمات الأقران ص 156.
(5) انظر مفحمات الأقران ص 157وفيه: يوخابذ بنت لاوي بن يعقوب. وقيل: ياوخا، وقيل: يارخت.
(6) قال ابن عسكر: اسمها مريم. وقيل: كلثوم. انظر مفحمات الأقران ص 157.
(7) حكاه الزمخشري في كشافه 3/ 160، وانظر مفحمات الأقران ص 158.
(8) انظر مفحمات الأقران ص 158.
(9) انظر مفحمات الأقران ص 159158.
(10) وقد مر معنا فيما سبق أنه ليس بشعيب.(1/325)
أنعم، وقيل: مشكم (1).
{مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة: 11] اشتهر على الألسنة أنّ اسمه عزرائيل، ورواه أبو الشيخ بن حيان عن وهب (2).
{أَفَمَنْ كََانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كََانَ فََاسِقاً} [السجدة: 18] نزلت في عليّ بن أبي طالب والوليد بن عقبة (3).
{وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ} [الأحزاب: 13] قال السّدّيّ: هما رجلان من بني حارثة: أبو عرابة بن أوس وأوس بن قيظيّ (4).
{قُلْ لِأَزْوََاجِكَ وَبَنََاتِكَ} [الأحزاب: 59] قال عكرمة: كانت تحته يومئذ تسع نسوة:
عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وسودة، وأم سلمة، وصفية، وميمونة، وزينب بنت جحش، وجويرية. وبناته: فاطمة، وزينب، ورقية، وأم كلثوم (5).
{أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33]. قال صلّى الله عليه وسلّم: «هم: عليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين» (6).
__________
(1) انظر مفحمات الأقران ص 162، وزاد المسير 6/ 318317.
(2) رواه أبو الشيخ في العظمة، حديث رقم (439) 3/ 900899. وفي سنده محمد بن إبراهيم بن العلاء: منكر الحديث. وهو من أخبار وهب التي رواها عن أهل الكتاب. وانظر مفحمات الأقران ص 162، وتفسير ابن كثير 3/ 458، وتفسير البغوي 3/ 499.
(3) أخرجه الواحدي في أسباب النزول ص 350349، وسنده ضعيف. فيه ابن أبي ليلى: صدوق، سيّئ الحفظ جدا. انظر الكاشف 3/ 61، والتقريب 2/ 184، والمغني 2/ 603، وزاد المسير 6/ 340 341، ومفحمات الأقران ص 163.
(4) انظر مفحمات الأقران ص 165164.
(5) انظر مفحمات الأقران ص 166165.
(6) رواه الترمذي في سننه، حديث رقم (3871)، وأحمد في المسند 6/ 323304298292، وفي الفضائل (1029) 2/ 602، وعبد الله في زوائد الفضائل، حديث رقم (1392) 2/ 783782، وابن عساكر في تاريخه (تهذيبه لابن منظور 6/ 119)، والدولابي في الذرية الطاهرة، حديث رقم (201 202) ص 108107، والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (2665266426632662 26682666) 3/ 4946. والحاكم في المستدرك 3/ 146، والطبري في تفسيره 22/ 86، والبغوي في تفسيره 3/ 529.
قلت: سنده صحيح لغيره. وفي الباب عن واثلة، وسعد بن أبي وقاص، وأنس، وعمر بن أبي سلمة، وأبي سعيد الخدري، وأبي الحمراء، وعائشة، وابن عباس. انظر تخريجها في كتاب «مسند فاطمة» بتحقيقنا برقم (85) صدر عن دار ابن حزم بيروت.(1/326)
{لِلَّذِي أَنْعَمَ اللََّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} وهو: زيد بن حارثة {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ}
[الأحزاب: 37] هي: زينب بنت جحش (1).
{وَحَمَلَهَا الْإِنْسََانُ} [الأحزاب: 72] قال ابن عباس: هو آدم (2).
{إِذْ أَرْسَلْنََا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ} [يس: 14] هما: شمعون ويوحنا، والثالث بولس، وقيل: هم صادق وصدوق وشلوم (3).
{وَجََاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ} [يس: 20] هو حبيب النجّار (4).
{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسََانُ} [يس: 77] هو: العاص بن وائل، وقيل: أبيّ بن خلف، وقيل:
أميّة بن خلف (5).
{فَبَشَّرْنََاهُ بِغُلََامٍ} [الصافات: 101] هو: إسماعيل، أو إسحاق قولان شهيران (6).
{نَبَأُ الْخَصْمِ} [ص: 21] هما ملكان، قيل: إنهما جبريل وميكائيل (7).
{جَسَداً} [ص: 34] هو: شيطان يقال له: أسيد، وقيل: صخر، وقيل: حبقيق (8).
{مَسَّنِيَ الشَّيْطََانُ} [ص: 41]. قال نوف: الشيطان الذي مسّه يقال له: مسعط (9).
{وَالَّذِي جََاءَ بِالصِّدْقِ} محمد، وقيل: جبريل {وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33].
محمد صلّى الله عليه وسلّم وقيل: أبو بكر (10).
{الَّذَيْنِ أَضَلََّانََا} [فصلت: 29] إبليس وقابيل (11).
__________
(1) انظر مفحمات الأقران ص 167، وتفسير البغوي 3/ 531.
(2) انظر مفحمات الأقران ص 168.
(3) انظر مفحمات الأقران ص 169.
(4) انظر مفحمات الأقران ص 172171.
(5) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 429، وانظر الدر المنثور 5/ 269، ومفحمات الأقران ص 172.
(6) انظر مفحمات الأقران ص 173، وزاد المعاد 1/ 71.
(7) أخرجه ابن أبي حاتم من حديث أنس بن مالك مرفوعا بسند ضعيف، كما في مفحمات الأقران ص 176.
(8) انظر مفحمات الأقران ص 177176.
(9) أخرجه ابن أبي حاتم، كما في مفحمات الأقران ص 177.
(10) انظر مفحمات الأقران ص 177.
(11) هو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما أخرجه عنه ابن أبي حاتم. انظر مفحمات الأقران ص 179.(1/327)
{رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ} [الزخرف: 31] عنوا الوليد بن المغيرة من مكة، ومسعود بن عمرو الثقفيّ وقيل: عروة بن مسعود من الطائف (1).
{وَلَمََّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا} [الزخرف: 57] الضارب له عبد الله بن الزّبعري (2).
{طَعََامُ الْأَثِيمِ (44)} [الدخان: 44] قال ابن جبير: هو أبو جهل (3).
{وَشَهِدَ شََاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرََائِيلَ} [الأحقاف: 10]، هو: عبد الله بن سلام (4).
{أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35]. أصحّ الأقوال أنهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم (5).
{يُنََادِ الْمُنََادِ} [ق: 41]. هو إسرافيل (6).
{ضَيْفِ إِبْرََاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات: 24] قال عثمان بن محصن: كانوا أربعة من الملائكة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ورفائيل (7).
{وَبَشَّرُوهُ بِغُلََامٍ} [الذاريات: 28] قال الكرمانيّ: أجمع المفسرون على أنه إسحاق، إلّا مجاهدا فإنه قال: هو إسماعيل (8).
{شَدِيدُ الْقُوى ََ} [النجم: 5] جبريل.
{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلََّى (33)} [النجم: 33] هو: العاصي بن وائل، وقيل: الوليد بن المغيرة (9).
__________
(1) انظر مفحمات الأقران ص 180.
(2) انظر مفحمات الأقران ص 180.
(3) انظر زاد المسير 7/ 349وعزاه لمقاتل، وتفسير البغوي 4/ 154، ومفحمات الأقران ص 181.
(4) رواه أحمد في المسند 6/ 25، وابن حبان حديث رقم (7162) 16/ 120118، والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (83) 18/ 4746، وفي مسند الشاميين، حديث رقم (1049)، والطبري في تفسيره 11/ 280، والحاكم في مستدركه 3/ 416415.
قلت: سنده صحيح، رجاله ثقات.
(5) انظر الخلاف في المراد ب {أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} في زاد المسير 7/ 393392، وتفسير البغوي 4/ 176، ومفحمات الأقران ص 185184.
(6) أخرجه ابن عساكر عن يزيد بن جابر. انظر مفحمات الأقران ص 189.
(7) انظر مفحمات الأقران ص 189.
(8) انظر تفسير مجاهد 2/ 619، وتفسير البغوي 4/ 232، ومفحمات الأقران ص 189.
(9) انظر مفحمات الأقران ص 191.(1/328)
{يَدْعُ الدََّاعِ} [القمر: 6] هو: إسرافيل.
{قَوْلَ الَّتِي تُجََادِلُكَ} هي خولة بنت ثعلبة {زَوْجِهََا} [المجادلة: 1] أوس بن الصامت (1).
{لِمَ تُحَرِّمُ مََا أَحَلَّ اللََّهُ لَكَ} [التحريم: 1] هي سريّته مارية (2).
{أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى ََ بَعْضِ أَزْوََاجِهِ} [التحريم: 3] هي: حفصة {نَبَّأَتْ بِهِ} [التحريم: 3] أخبرت عائشة.
{إِنْ تَتُوبََا} [التحريم: 4]. {وَإِنْ تَظََاهَرََا} [التحريم: 4] هما: عائشة وحفصة.
{وَصََالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم: 4] هما: أبو بكر، وعمر، أخرجه الطبرانيّ في الأوسط (3).
{امْرَأَتَ نُوحٍ} والعة {وَامْرَأَتَ لُوطٍ} [التحريم: 10] والهة، وقيل: واعلة (4).
{وَلََا تُطِعْ كُلَّ حَلََّافٍ} [القلم: 10] نزلت في الأسود بن عبد يغوث، وقيل:
الأخنس بن شريق، وقيل: الوليد بن المغيرة (5).
{سَأَلَ سََائِلٌ} [المعارج: 1] وهو النّضر بن الحارث (6).
{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوََالِدَيَّ} [نوح: 28] اسم أبيه: لمك بن متّوشلخ، واسم أمه: شمخا بنت أنوش (7).
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 13/ 374: «قد تظاهرت الروايات بالأول» اهـ أي: إنها خولة بنت ثعلبة. انظره بتوسع، ومفحمات الأقران ص 193.
(2) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 8/ 657: «واختلف في المراد بتحريمه: ففي حديث عائشة أن ذلك بسبب شربه صلّى الله عليه وسلّم العسل عند زينب بنت جحش، فإن في آخره: «ولن أعود له وقد حلفت».
ووقع عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى مسروق، قال: حلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحفصة لا يقرب أمته، وقال: هي عليّ حرام. فنزلت الكفارة ليمينه، وأمر أن لا يحرم ما أحلّ الله. إلى أن قال رحمه الله: «فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معا» اهـ.
(3) رواه الطبراني، وفيه عبد الرحيم بن زيد العمي، وهو متروك، كما في التقريب 1/ 504، وانظر مفحمات الأقران ص 199.
(4) انظر مفحمات الأقران ص 199.
(5) انظر مفحمات الأقران ص 200199، وتفسير الطبري 12/ 183.
(6) انظر تفسير الطبري 12/ 226225.
(7) انظر مفحمات الأقران ص 201.(1/329)
{سَفِيهُنََا} [الجن: 4] هو إبليس (1).
{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11)} [المدثر: 11] هو الوليد بن المغيرة (2).
{فَلََا صَدَّقَ وَلََا صَلََّى (31)} [القيامة: 31] الآيات. نزلت في أبي جهل.
{هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ} [الإنسان: 1] هو آدم.
{وَيَقُولُ الْكََافِرُ يََا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرََاباً} [النبأ: 40] قيل: هو إبليس (3).
{أَنْ جََاءَهُ الْأَعْمى ََ (2)} [عبس: 2] هو عبد الله بن أم مكتوم {أَمََّا مَنِ اسْتَغْنى ََ (5)}
[عبس: 5] هو أميّة بن خلف، وقيل: هو عتبة بن ربيعة (4).
{لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير: 19] قيل: جبريل، وقيل: محمد صلّى الله عليه وسلّم.
{فَأَمَّا الْإِنْسََانُ إِذََا مَا ابْتَلََاهُ} [الفجر: 15] الآيات. نزلت في أميّة بن خلف.
{وَوََالِدٍ} [البلد: 3] هو آدم.
{فَقََالَ لَهُمْ رَسُولُ اللََّهِ} [الشمس: 13] هو صالح.
{الْأَشْقَى} [الليل: 15] هو أميّة بن خلف. {الْأَتْقَى} [الليل: 17] هو أبو بكر الصدّيق (5).
{الَّذِي يَنْهى ََ (9) عَبْداً} [العلق: 109] هو أبو جهل، والعبد هو النبي صلّى الله عليه وسلّم.
{إِنَّ شََانِئَكَ} [الكوثر: 3] هو العاصي بن وائل، وقيل: أبو جهل، وقيل:
عقبة بن أبي معيط، وقيل: أبو لهب، وقيل: كعب بن الأشرف (6).
{وَامْرَأَتُهُ} [المسد: 4] امرأة أبي لهب أمّ جميل العوراء بنت حرب بن أميّة (7).
__________
(1) انظر تفسير الطبري 12/ 262، ومفحمات الأقران ص 201.
(2) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 506، والبيهقي في الدلائل 3/ 96، والواحدي في أسباب النزول ص 447446، والطبري في تفسيره 12/ 305، وسنده صحيح.
(3) انظر مفحمات الأقران ص 202.
(4) انظر مفحمات الأقران ص 205.
(5) انظر المستدرك الحاكم 2/ 525، ومفحمات الأقران ص 210.
(6) انظر مفحمات الأقران ص 215214.
(7) انظر مفحمات الأقران ص 215.(1/330)
القسم الثاني في مبهمات الجموع الذين عرفت أسماء بعضهم
{وَقََالَ الَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ لَوْلََا يُكَلِّمُنَا اللََّهُ} [البقرة: 118] سمّي منهم رافع بن حرملة.
{سَيَقُولُ السُّفَهََاءُ} [البقرة: 142] سمي منهم: رفاعة بن قيس، وقردم بن عمر، وكعب بن الأشرف، ورافع بن حرملة، والحجاج بن عمرو، والربيع بن أبي الحقيق.
{وَإِذََا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا} [البقرة: 170] الآية، سمّي منهم: رافع، ومالك بن عوف.
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: 189] سمّي منهم: معاذ بن جبل، وثعلبة بن غنم.
{يَسْئَلُونَكَ مََا ذََا يُنْفِقُونَ} [البقرة: 215] سمّي منهم عمرو بن الجموح.
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ} [البقرة: 219] سمّي منهم عمر، ومعاذ، وحمزة.
{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتََامى ََ} [البقرة: 220] سمّي منهم عبد الله بن رواحة.
{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] سمّي منهم: ثابت بن الدحداح، وعبّاد بن بشر، وأسيد بن الحضير، مصغّر.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتََابِ} [آل عمران: 23] سمّي منهم: النّعمان بن عمرو، والحارث بن زيد.
{الْحَوََارِيُّونَ} [آل عمران: 52] سمّي منهم: فطرس، ويعقوبس، ويحنّس، وأندرايس، وفيلس، ودرنايوطا، وسرجس، وهو الذي ألقي عليه شبهه.
{وَقََالَتْ طََائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ آمِنُوا} [آل عمران: 72] هم اثنا عشر من اليهود، سمّي منهم: عبد الله بن الضّيف، وعديّ بن زيد، والحارث بن عمرو.
{كَيْفَ يَهْدِي اللََّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمََانِهِمْ} [آل عمران: 86] قال عكرمة: نزلت في اثني عشر رجلا، منهم: أبو عامر الرّاهب، والحارث بن سويد بن الصّامت، ووحوح بن الأسلت، وزاد ابن عسكر: وطعيمة بن أبيرق.
{يَقُولُونَ هَلْ لَنََا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} [آل عمران: 154] سمّي من القائلين عبد الله بن أبيّ.
{يَقُولُونَ لَوْ كََانَ لَنََا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مََا قُتِلْنََا هََاهُنََا} [آل عمران: 154] سمّي من القائلين: عبد الله بن أبيّ، ومعتّب بن قشير.(1/331)
{يَقُولُونَ هَلْ لَنََا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} [آل عمران: 154] سمّي من القائلين عبد الله بن أبيّ.
{يَقُولُونَ لَوْ كََانَ لَنََا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مََا قُتِلْنََا هََاهُنََا} [آل عمران: 154] سمّي من القائلين: عبد الله بن أبيّ، ومعتّب بن قشير.
{وَقِيلَ لَهُمْ تَعََالَوْا قََاتِلُوا} [آل عمران: 167] القائل ذلك: عبد الله، والد جابر بن عبد الله الأنصاري، والمقول لهم: عبد الله بن أبيّ وأصحابه.
{الَّذِينَ اسْتَجََابُوا لِلََّهِ} [آل عمران: 172] هم: سبعون منهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، والزّبير، وسعد، وطلحة، وابن عوف، وابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبو عبيدة بن الجراح.
{الَّذِينَ قََالَ لَهُمُ النََّاسُ} [آل عمران: 173] سمّي من القائلين: نعيم بن مسعود الأشجعيّ.
{الَّذِينَ قََالُوا إِنَّ اللََّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيََاءُ} [آل عمران: 181] قال ذلك فنحاص، وقيل:
حيّي بن أخطب، وقيل: كعب بن الأشرف.
{وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللََّهِ} [آل عمران: 199] نزلت في النجاشيّ، وقيل: في عبد الله بن سلام وأصحابه.
{وَبَثَّ مِنْهُمََا رِجََالًا كَثِيراً وَنِسََاءً} [النساء: 1] قال ابن إسحاق: أولاد آدم لصلبه أربعون في عشرين بطنا، كلّ بطن ذكر وأنثى، وسمّي من بنيه: قابيل، وهابيل، وإياد، وشبونة، وهند، وصرابيس، ومخور، وسند، وبارق، وشيث، وعبد المغيث، وعبد الحارث، وودّ، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر. ومن بناته: أقليمة، وأشوف، وجزوزة، وعزورا، وأمة المغيث.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتََابِ يَشْتَرُونَ الضَّلََالَةَ} [النساء: 44] قال عكرمة:
نزلت في رفاعة بن زيد بن التابوت، وكردم بن زين، وأسامة بن حبيب، ورافع بن أبي رافع، وبحري بن عمرو، وحييّ بن أخطب.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا} [النساء: 60] نزلت في الجلاس بن الصّامت، ومعتّب بن قشير، ورافع بن زيد، وبشر.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} [النساء: 77] سمّي منهم عبد الرحمن بن عوف (1).
__________
(1) رواه النسائي 6/ 3، والحاكم في المستدرك 2/ 307، والطبري في تفسيره 4/ 173، والواحدي في أسباب النزول ص 167166، وسنده صحيح.(1/332)
{إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى ََ قَوْمٍ} [النساء: 77] قال ابن عباس: نزلت في هلال بن عويمر الأسلميّ وسراقة بن مالك المدلجيّ، وفي بني جزيمة بن عامر بن عبد مناف.
{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ} [النساء: 91] قال السّدّيّ: نزلت في جماعة، منهم نعيم بن مسعود الأشجعيّ.
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفََّاهُمُ الْمَلََائِكَةُ ظََالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] سمى عكرمة منهم: عليّ بن أميّة بن خلف، والحارث بن زمعة، وأبا قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبا العاصي بن منبه بن الحجاج، وأبا قيس بن الفاكه.
{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ} [النساء: 98] سمّي منهم: ابن عباس، وأمّه أم الفضل لبانة بنت الحارث، وعياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام.
{الَّذِينَ يَخْتََانُونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 107] بنو أبيرق: بشر وبشير ومبشّر.
{لَهَمَّتْ طََائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ} [النساء: 113] هم أسيد بن عروة وأصحابه.
{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسََاءِ} [النساء: 127] سمّي من المستفتين خولة بنت حكيم.
{يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتََابِ} [النساء: 153] سمّى منهم ابن عسكر: كعب بن الأشرف وفنحاصا.
{لََكِنِ الرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [النساء: 162] قال ابن عباس: هم عبد الله بن سلام وأصحابه.
{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللََّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلََالَةِ} [النساء: 176] سمّي منهم جابر بن عبد الله.
{وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرََامَ} [المائدة: 2] سمّي منهم الحطم بن هند البكريّ.
{يَسْئَلُونَكَ مََا ذََا أُحِلَّ لَهُمْ} [المائدة: 4] سمّي منهم عديّ بن حاتم، وزيد بن المهلهل الطائيان، وعاصم بن عديّ، وسعد بن خيثمة، وعويمر بن ساعدة.
{إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا} [المائدة: 11] سمّي منهم: كعب بن الأشرف، وحييّ بن أخطب.
{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً} الآيات. نزلت في الوفد الذين جاءوا من عند النّجاشي وهم اثنا عشر، وقيل: ثلاثون، وقيل: سبعون، وسمّي منهم: إدريس، وإبراهيم، والأشرف، وتميم، وتمام، ودريد.
{وَقََالُوا لَوْلََا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} [الأنعام: 8] سمّي منهم: زمعة بن الأسود، والنّضر بن الحارث بن كلدة، وأبيّ بن خلف، والعاصي بن وائل.(1/333)
{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً} الآيات. نزلت في الوفد الذين جاءوا من عند النّجاشي وهم اثنا عشر، وقيل: ثلاثون، وقيل: سبعون، وسمّي منهم: إدريس، وإبراهيم، والأشرف، وتميم، وتمام، ودريد.
{وَقََالُوا لَوْلََا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} [الأنعام: 8] سمّي منهم: زمعة بن الأسود، والنّضر بن الحارث بن كلدة، وأبيّ بن خلف، والعاصي بن وائل.
{وَلََا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} [الأنعام: 52] سمّي منهم: صهيب، وبلال، وعمّار، وخبّاب، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وسلمان الفارسيّ.
{إِذْ قََالُوا مََا أَنْزَلَ اللََّهُ عَلى ََ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 91] سمّي منهم: فنحاص، ومالك بن الصّيف.
{قََالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتََّى نُؤْتى ََ مِثْلَ مََا أُوتِيَ رُسُلُ اللََّهِ} [الأنعام: 124] سمّي منهم: أبو جهل، والوليد بن المغيرة.
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ السََّاعَةِ} [الأعراف: 187] سمّي منهم حسل بن قشير، وشمويل بن زيد.
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفََالِ} [الأنفال: 1] سمّي منهم سعد بن أبي وقّاص.
{وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكََارِهُونَ} [الأنفال: 5] سمّي منهم أبو أيوب الأنصاريّ، ومن الذين لم يكرهوا المقداد.
{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا} [الأنفال: 19] سمّي منهم أبو جهل.
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: 30] هم أهل دار النّدوة، سمّي منهم: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو سفيان، وأبو جهل، وجبير بن مطعم، وطعيمة بن عدي، والحارث بن عامر، والنّضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وحكيم بن حزام، وأمية بن خلف.
{وَإِذْ قََالُوا اللََّهُمَّ إِنْ كََانَ هََذََا هُوَ الْحَقَّ} [الأنفال: 32] الآية، سمّي منهم: أبو جهل، والنضر بن الحارث.
{إِذْ يَقُولُ الْمُنََافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هََؤُلََاءِ دِينُهُمْ} [الأنفال: 49] سمّي منهم: عتبة بن ربيعة، وقيس بن الوليد، وأبو قيس بن الفاكه، والحارث بن زمعة، والعاصي بن منبّه.
{قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى ََ} [الأنفال: 70] كانوا سبعين، منهم العباس، وعقيل، ونوفل بن الحارث، وسهيل بن بيضاء.
{وَقََالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللََّهِ} [التوبة: 30] سمّي منهم: سلّام بن مشكم، ونعمان بن أوفى، ومحمّد بن دحية، وشاس بن قيس، ومالك بن الصّيف.
{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} [التوبة: 79] سمّي من المطّوعين: عبد الرحمن بن عوف، وعاصم بن عديّ.(1/334)
{وَقََالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللََّهِ} [التوبة: 30] سمّي منهم: سلّام بن مشكم، ونعمان بن أوفى، ومحمّد بن دحية، وشاس بن قيس، ومالك بن الصّيف.
{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} [التوبة: 79] سمّي من المطّوعين: عبد الرحمن بن عوف، وعاصم بن عديّ.
{وَالَّذِينَ لََا يَجِدُونَ إِلََّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79] أبو عقيل، ورفاعة بن سعد.
{وَلََا عَلَى الَّذِينَ إِذََا مََا أَتَوْكَ} [التوبة: 92] سمّي منهم: العرباض بن سارية، وعبد الله بن مغفّل المزنيّ، وعمرو المزنيّ، وعبد الله بن الأزرق الأنصاريّ، وأبو ليلى الأنصاريّ.
{فِيهِ رِجََالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] سمّي منهم عويم بن ساعدة.
{إِلََّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمََانِ} [النحل: 106] نزلت في جماعة، منهم:
عمّار بن ياسر، وعياش بن أبي ربيعة.
{بَعَثْنََا عَلَيْكُمْ عِبََاداً لَنََا} [الإسراء: 5] هم طالوت وأصحابه.
{وَإِنْ كََادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء: 73] قال ابن عباس: نزلت في رجال من قريش، منهم: أبو جهل، وأميّة بن خلف.
{وَقََالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتََّى تَفْجُرَ لَنََا} [الإسراء: 90] سمّى ابن عباس من قائلي ذلك:
عبد الله بن أبي أميّة وذريته.
{وَقََالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى ََ مَعَكَ} [القصص: 57] سمّي منهم الحارث بن عامر بن نوفل.
{أَحَسِبَ النََّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} [العنكبوت: 2] هم المؤذون على الإسلام بمكة، منهم عمّار بن ياسر.
{وَقََالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنََا} [العنكبوت: 12] سمّي منهم الوليد بن المغيرة.
{وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] سمّي منهم النّضر بن الحارث.
{فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى ََ نَحْبَهُ} [الأحزاب: 23] سمي منهم أنس بن النضر.
{قََالُوا الْحَقَّ} [سبأ: 23] أوّل من يقول جبريل، فيتبعونه.
{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ} [ص: 6] سمّي منهم: عقبة بن أبي معيط، وأبو جهل، والعاصي بن وائل، والأسود بن المطلب، والأسود بن يغوث.
{وَقََالُوا مََا لَنََا لََا نَرى ََ رِجََالًا} [ص: 62] سمّي من القائلين: أبو جهل، ومن الرجال:
عمار، وبلال.
{نَفَراً مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف: 29] سمي منهم: زوبعة، وحسّى، ومسى، وشاصر، وماصر، والأرد، وإنّيان، والأحقم، وسرّق.(1/335)
عمار، وبلال.
{نَفَراً مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف: 29] سمي منهم: زوبعة، وحسّى، ومسى، وشاصر، وماصر، والأرد، وإنّيان، والأحقم، وسرّق.
{إِنَّ الَّذِينَ يُنََادُونَكَ مِنْ وَرََاءِ الْحُجُرََاتِ} [الحجرات: 4] سمّي منهم: الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وعيينة بن حصن، وعمرو بن الأهتم.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً} [المجادلة: 14] قال السّدّيّ: نزلت في عبد الله بن نفيل من المنافقين.
{لََا يَنْهََاكُمُ اللََّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقََاتِلُوكُمْ} [الممتحنة: 8] نزلت في قتيلة أم أسماء بنت أبي بكر.
{إِذََا جََاءَكُمُ الْمُؤْمِنََاتُ} [الممتحنة: 10] سمّي منهن: أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وأميمة بنت بشر.
{يَقُولُونَ لََا تُنْفِقُوا} [المنافقون: 7] {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنََا} [المنافقون: 8] سمّي منهم عبد الله بن أبيّ.
{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ} [الحاقة: 7] الآية، سمي من حملة العرش: إسرافيل، ولبنان، وروفيل.
{أَصْحََابُ الْأُخْدُودِ} [البروج: 4] ذو نواس، وزرعة بن أسد الحميريّ، وأصحابه.
{بِأَصْحََابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1] هم: الحبشة، قائدهم أبرهة الأشرم، ودليلهم أبو رغال.
{قُلْ يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] نزلت في الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، والأسود بن المطلب، وأميّة بن خلف.
{النَّفََّاثََاتِ} [الفلق: 4] بنات لبيد بن الأعصم.
وأما مبهمات الأقوام والحيوانات والأمكنة والأزمنة ونحو ذلك، فقد استوفيت الكلام عليها في تأليفنا المشار إليه.(1/336)
وأما مبهمات الأقوام والحيوانات والأمكنة والأزمنة ونحو ذلك، فقد استوفيت الكلام عليها في تأليفنا المشار إليه.
النوع الحادي والسبعون في أسماء من نزل فيهم القرآن
رأيت فيهم تأليفا مفردا لبعض القدماء لكنه غير محرّر، وكتاب أسباب النزول والمبهمات يغنيان عن ذلك، وقد قال ابن أبي حاتم: ذكر عن الحسين بن زيد الطحّان، أنبأنا إسحاق بن منصور، أنبأنا قيس، عن الأعمش، عن المنهال، عن عبّاد بن عبد الله، قال: قال عليّ: ما في قريش أحد إلّا ونزلت فيه آية وقيل له: ما نزل فيك؟ قال: {وَيَتْلُوهُ شََاهِدٌ مِنْهُ} [هود: 17].
ومن أمثلته: ما أخرجه أحمد والبخاري في الأدب، عن سعد بن أبي وقاص، قال:
نزلت فيّ أربع آيات: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفََالِ} [الأنفال: 1]، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسََانَ بِوََالِدَيْهِ حُسْناً}
[العنكبوت: 8]، وآية تحريم الخمر، وآية الميراث (1).
وأخرج ابن أبي حاتم، عن رفاعة القرظيّ، قال: نزلت: {وَلَقَدْ وَصَّلْنََا لَهُمُ الْقَوْلَ}
[القصص: 51] في عشرة، أنا أحدهم (2).
وأخرج الطبرانيّ عن أبي جمعة جنيد بن سبع وقيل: حبيب بن سباع قال: فينا نزلت: {وَلَوْلََا رِجََالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسََاءٌ مُؤْمِنََاتٌ} [الفتح: 25] وكنا تسعة نفر: سبعة رجال، وامرأتين.
__________
(1) رواه مسلم (1748)، وأبو داود (2740)، والترمذي (3080)، وأحمد 1/ 185181180178، والبخاري في الأدب (24)، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 297، وأبو يعلى (782696)، والواحدي في أسباب النزول ص 341431.
(2) رواه الطبري في تفسيره 10/ 84. ورواه 10/ 84عن عطية القرظي أيضا.(1/337)
النوع الثاني والسبعون في فضائل القرآن
أفرده بالتصنيف: أبو بكر بن أبي شيبة، والنّسائي، وأبو عبيد القاسم بن سلّام، وابن الضّريس، وآخرون (1).
وقد صحّ فيه أحاديث باعتبار الجملة، وفي بعض السور على التعيين. ووضع في فضائل القرآن أحاديث كثيرة، ولذلك صنفت كتابا سمّيته «خمائل الزهر في فضائل السور» حرّرت فيه ما ليس بموضوع.
وأنا أورد في هذا النوع فصلين:
الفصل الأول: فيما ورد في فضله على الجملة:
أخرج الترمذيّ والدّارميّ وغيرهما: من طريق الحارث الأعور، عن عليّ: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ستكون فتن». قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، هو الحبل المتين، وهو الذكر الحكيم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل، ليس بالهزل، من تركه من جبّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلبس به الألسنة، ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الردّ، ولا تنقضي عجائبه. من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم» (2).
وأخرج الدّارميّ، من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: «القرآن أحبّ إلى الله من السموات والأرض ومن فيهنّ» (3).
__________
(1) وهي مطبوعة بحمد الله تعالى.
(2) سبق تخريجه 2/ 258.
(3) رواه الدارمي في سننه، حديث رقم (3358) 2/ 534533بتحقيقنا.
قلت: سنده ضعيف، فيه:(1/338)
وأخرج أحمد والترمذيّ، من حديث شدّاد بن أوس: «ما من مسلم يأخذ مضجعه، فيقرأ سورة من كتاب الله تعالى إلّا وكلّ الله به ملكا يحفظه، فلا يقربه شيء يؤذيه حتى يهبّ متى يهبّ» (1).
وأخرج الحاكم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو: «من قرأ القرآن فقد استدرج النبوّة بين جنبيه، غير أنّه لا يوحى إليه، لا ينبغي لصاحب القرآن أن يحدّ مع من يحدّ، ولا يجهل مع من يجهل، وفي جوفه كلام الله» (2).
وأخرج البزّار، من حديث أنس: «إنّ البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقلّ خيره» (3).
وأخرج الطّبراني من حديث ابن عمر: «ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر، ولا ينالهم الحساب، هم على كثيب من مسك، حتى يفرغ من حساب الخلائق: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله، وأمّ به قوما وهم به راضون» الحديث (4).
وأخرج أبو يعلى والطّبرانيّ من حديث أبي هريرة: «القرآن غنى لا فقر بعده ولا غنى
__________
1 - عبد الله بن صالح: صدوق، كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة. انظر التقريب 1/ 423، وتهذيب الكمال 15/ 10998، وتهذيب التهذيب 5/ 261256.
2 - فيه رجل مبهم.
(1) رواه الترمذي (3407)، وأحمد 4/ 125123، والنسائي 3/ 54، وفي عمل اليوم والليلة (812)، والطبراني (718071797178717771767175)، وفي الدعاء (626إلى 633)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (746)، والحاكم 1/ 508، وابن حبان (1974935)، من طرق عن شدّاد به، وسنده حسن كما في نتائج الأفكار ص 197. وانظر هامش عمل اليوم والليلة للنسائي.
(2) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 53، والحاكم في المستدرك 1/ 552، والبيهقي في شعب الإيمان (25912590) 2/ 522.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - ثعلبة بن يزيد، أبو الكنود: مجهول. انظر الجرح والتعديل 1/ 1/ 463، والتاريخ الكبير 1/ 2/ 175 ولم يذكراه بجرح أو تعديل.
2 - فيه خلاف في وقفه أو رفعه.
فقد خالف إسماعيل بن عبد الله ثعلبة فرواه موقوفا على ابن عمرو عند البيهقي في الشعب 2/ 522.
(3) رواه البزار (2321) كشف الأستار 3/ 93.
قلت: سنده ضعيف، فيه: عمر بن نبهان: ضعيف، انظر التقريب 2/ 64، ومجمع الزوائد 7/ 131.
(4) رواه الطبراني في الكبير، حديث رقم (13584) 12/ 433. وفيه بحر بن كنيز: ضعيف، كما في المجمع 1/ 327. ورواه من طريق أخرى في الصغير 2/ 124، والأوسط. وفيه عبد الصمد بن عبد العزيز المقرئ، ذكره ابن حبان في الثقات، كما في مجمع الزوائد 1/ 328.(1/339)
دونه» (1).
وأخرج أحمد وغيره من حديث عقبة بن عامر: «لو كان القرآن في إهاب ما أكلته النار» (2).
قال أبو عبيد (3): أراد بالإهاب قلب المؤمن، وجوفه الذي قد وعى القرآن.
وقال غيره (4): معناه أن من جمع القرآن، ثم دخل النار فهو شرّ من الخنزير.
وقال ابن الأنباريّ: معناه أنّ النار لا تبطله، ولا تقلعه من الأسماع التي وعته،
__________
(1) رواه أبو يعلى في مسنده (2773) 1/ 160159، والطبراني في الكبير، حديث رقم (738) 1/ 255، والقضاعي في مسند الشهاب، حديث رقم (276) 1/ 187186.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - شريك بن عبد الله النخعي: صدوق، يخطئ كثيرا، تغيّر حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلا فاضلا عابدا، شديدا على أهل البدع. انظر التقريب 1/ 351.
2 - يزيد بن أبان: ضعيف، انظر التقريب 2/ 361، والتهذيب 11/ 311309، والكامل 7/ 257 258، والمغني 2/ 747، والكاشف 3/ 240.
(2) رواه أحمد في المسند 4/ 155154151، والدارمي (3310)، والطبراني في الكبير (850) 17/ 308، وأبو يعلى في مسنده (1745) 3/ 284، وأبو عبيد في الفضائل ص 2322، وابن عدي في الكامل 6/ 469، والبيهقي في الشعب 2/ 554، وفي الأسماء والصفات 1/ 404، والبغوي في شرح السنة (1180) 4/ 436، وفي تفسيره 1/ 32.
قلت: سنده حسن، ابن لهيعة: صدوق، خلط بعد احتراق كتبه. انظر الاغتباط ص 7372، ولكن الراوي عنه عبد الله بن يزيد، وقد روى عنه قبل اختلاطه. وقد صرّح بالتحديث عند أحمد.
وفي الباب عن:
1 - عصمة بن مالك: رواه الطبراني في الكبير، حديث رقم (498) 12/ 186، والبيهقي في الشعب 2/ 555.
قلت: فيه الفضل بن المختار: قال أبو حاتم: أحاديثه منكرة، يحدّث بالأباطيل. وقال الأزدي: منكر الحديث، انظر الكامل 6/ 1614، واللسان 4/ 449، وانظر مجمع الزوائد 7/ 158.
2 - سهل بن سعد: رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (5901) 6/ 172، وابن عدي في الكامل 1/ 32، و 5/ 295، وابن حبان في المجروحين 2/ 148، قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
الفضل بن المختار: متروك، كذّبه أبو حاتم. انظر الكامل 5/ 296295، والمغني 2/ 412، والكاشف 2/ 193، والتقريب 1/ 528527، والمجروحين 2/ 148147، ومجمع الزوائد 7/ 158، والضعفاء للعقيلي 3/ 78.
(3) في فضائل القرآن ص 23.
(4) قال البيهقي في شعب الإيمان، 2/ 555: «يعني: أنّ من حمل القرآن وقرأه لم تمسّه النار» اهـ، وانظر الأسماء والصفات 1/ 404، وكذا نقله الذهبي في السير 13/ 584عن الحاكم.(1/340)
والأفهام التي حصّلته، كقوله في الحديث الآخر «أنزت عليك كتابا لا يغسله الماء» (1) أي:
لا يبطله، ولا يقلعه من أوعيته الطيبة ومواضعه لأنه وإن غسله الماء في الظاهر لا يغسله بالقلع من القلوب.
وعند الطبراني من حديث عصمة بن ملك: «لو جمع القرآن في إهاب ما أحرقته النار» (2).
وعنده من حديث سهل بن سعد: «لو كان القرآن في إهاب ما مسّته النار» (3).
وأخرج الطّبراني في الصغير من حديث أنس: «من قرأ القرآن يقوم به آناء الليل والنهار يحلّ حلاله ويحرم حرامه حرّم الله لحمه ودمه على النار، وجعله مع السّفرة الكرام البررة حتى إذا كان يوم القيامة كان القرآن حجة له» (4).
وأخرج أبو عبيد، عن أنس مرفوعا: «القرآن شافع مشفّع، وما حل مصدّق، من جعله إمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار» (5).
__________
(1) رواه مسلم (2865)، وعبد الرزاق (20088)، والطيالسي (1079)، وأحمد 4/ 266162، والطبراني (987) 17/ 359358، وحديث رقم (992إلى 997) وابن حبان (654653)، والبيهقي في سننه 9/ 60.
(2) سبق تخريجه قريبا.
(3) سبق تخريجه قريبا.
(4) رواه الطبراني في المعجم الصغير 2/ 126125.
قلت: سنده ضعيف، فيه: خليد بن دعلج: ضعيف. انظر تهذيب الكمال 8/ 309307، والتقريب 1/ 227. قال أبو حاتم: صالح ليس بالمتين في الحديث، حدث عن قتادة أحاديث بعضها منكرة. انظر الجرح 2/ 1/ 384، والتاريخ الكبير 2/ 1/ 199، والمجروحين 2/ 286285، والضعفاء للعقيلي 2/ 19، ومجمع الزوائد 1/ 170.
(5) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، ص 35وسنده منقطع ففيه: عن ابن جريح قال: حدّثت عن أنس.
وفي الباب، عن:
1 - جابر بن عبد الله: رواه ابن حبان في صحيحه (124) 1/ 332331.
والبزار في مسنده، حديث رقم (122) 1/ 78.
قلت: رجال سنده ثقات. إلا أنه وقع فيه اختلاف: فقد رواه البزار (121)، عن أبي كريب، عن عبد الله بن الأجلح، عن الأعمش، عن المعلى الكندي، عن عبد الله بن مسعود. وخالفه الحسين بن محمد بن أبي معشر شيخ ابن حبان، فرواه عن أبي العلاء، عن عبد الله بن الأجلح، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر: والحسين بن محمد بن أبي معشر: فيه لين، كما في اللسان 2/ 312. وعلى كل حال فالبزار حافظ متقن لا يقف أمامه مثل الحسين. فرواية جابر معلولة. والصحيح الوقف على ابن مسعود.(1/341)
وأخرج الطبرانيّ من حديث أنس: «حملة القرآن عرفاء أهل الجنة» (1).
وأخرج النّسائي وابن ماجة والحاكم من حديث أنس قال: «أهل القرآن هم أهل الله وخاصته» (2).
وأخرج مسلم وغيره من حديث أبي هريرة، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أيحبّ أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد ثلاث خلفات عظام سمان»؟
قلنا: نعم.
__________
قال الدارقطني في العلل 5/ 102: «وقال ابن الأجلح: عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر مرفوعا. والصحيح عن ابن مسعود موقوف» اهـ وانظر الكامل 3/ 128.
2 - عن ابن مسعود: رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (10450) 10/ 244، وأبو نعيم في الحلية 4/ 108، وابن عدي في الكامل 3/ 127، والدارقطني في العلل 5/ 102.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - الربيع بن بدر: متروك، انظر الكامل 3/ 132127.
2 - وقد خولف، فرواه غيره موقوفا على ابن مسعود: رواه البزار، حديث رقم (121) 1/ 77، وأبو عبيد في فضائل القرآن، ص 35، وعبد الرزاق في المصنف، حديث رقم (6010) 3/ 373372، والدارقطني في العلل 5/ 102، وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (3005330052 30054) 6/ 131130من طرق عديدة صحيحة عن ابن مسعود قوله.
والصحيح الموقوف. انظر العلل للدار قطني 5/ 102.
3 - عن معقل بن يسار: رواه البيهقي في الشعب، حديث رقم (2486) 2/ 488487ولفظه: «إن القرآن شافع مشفّع، ما حل مصدق، وإن لكل آية منه نورا يوم القيامة ظهرا وبطنا» الحديث.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - الخليل بن موسى: لا يحتج به. انظر اللسان 2/ 10.
2 - عبيد الله بن أبي حميد: متروك، انظر التقريب 1/ 532، وتهذيب الكمال 2/ 876.
3 - فيه إعضال، فعبيد الله بن حميد لم يسمع من الصحابة، بل روى عن أبي المليح الهذلي.
وفي المطبوعة: ماجد. والمثبت من المصادر المخرجة للحديث، وماحل أي: مجادل ومخاصم.
(1) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (2899) 3/ 144143. عن الحسين بن علي لا عن أنس. قال في المجمع 7/ 161: «وفيه إسحاق بن إبراهيم بن سعيد المدني، وهو ضعيف» اهـ. انظر التقريب 1/ 54، والكاشف 1/ 58.
(2) رواه النسائي في فضائل القرآن، حديث رقم (56) ص 83. وابن ماجة، حديث رقم (215)، والدارمي في سننه، حديث رقم (3326) 2/ 525، وأحمد في المسند 3/ 242128127، والحاكم في المستدرك 1/ 556، وأبو داود الطيالسي في مسنده، حديث رقم (2124) ص 283، والبزار في مسنده، وأبو نعيم في الحلية 3/ 63و 9/ 40، والآجري في أخلاق حملة القرآن، حديث رقم (7) ص 3432، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 38، والبيهقي في الشعب 2/ 551.
قلت: سنده حسن، فيه عبد الرحمن بن بديل: لا بأس به. انظر التقريب 1/ 473، وتخريجنا لسنن ابن ماجة.(1/342)
قال: «ثلاث آيات يقرأ بهنّ أحدكم في صلاة خير له من ثلاث خلفات سمان» (1).
وأخرج مسلم من حديث جابر بن عبد الله: «خير الحديث كتاب الله» (2).
وأخرج أحمد من حديث معاذ بن أنس: «من قرأ القرآن في سبيل الله كتب مع الصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا» (3).
وأخرج الطبراني في الأوسط، من حديث أبي هريرة: «ما من رجل يعلّم ولده القرآن إلّا توّج يوم القيامة بتاج في الجنة» (4).
وأخرج أبو داود وأحمد والحاكم من حديث معاذ بن أنس: «من قرأ القرآن فأكمله، وعمل به، ألبس والده تاجا يوم القيامة، ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم، فما ظنكم بالذي عمل بهذا» (5).
وأخرج الترمذيّ وابن ماجة وأحمد من حديث عليّ: «من قرأ القرآن فاستظهره، فأحلّ حلاله وحرّم حرامه، أدخله الله الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته، كلّهم قد وجبت لهم النار» (6).
وأخرج الطّبرانيّ من حديث أبي أمامة: «من تعلّم آية من كتاب الله استقبلته يوم
__________
(1) رواه مسلم (802)، وابن ماجة (3782). وانظر تفصيل تخريجه في تخريجنا لسنن ابن ماجة.
(2) رواه مسلم (867)، والنسائي 3/ 188، وابن ماجة (45)، وأحمد 3/ 371338310، وابن حبان في صحيحه (10)، وابن خزيمة (1785)، والرامهرمزي في الأمثال ص 19، والبيهقي في سننه 3/ 206، والبغوي (4295).
(3) رواه أحمد في المسند 3/ 437، وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (1489) 3/ 63ولفظه: «من قرأ ألف آية الحديث».
قلت: سنده ضعيف، فيه: زبان بن فائد: ضعيف الحديث مع صلاحه وعبادته. انظر التقريب 1/ 257، والكاشف 1/ 147، وانظر مجمع الزوائد 7/ 162.
(4) رواه الطبراني في الأوسط، وفيه جابر بن سليم: ضعّفه الأزدي، كما في المجمع 7/ 166.
(5) رواه أبو داود (1453)، وأحمد 3/ 440، وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (1493)، 3/ 65، والحاكم في المستدرك 1/ 567.
قلت: في سنده: زيان بن فائد: ضعيف. وقد تقدم قريبا. وانظر المجمع 7/ 162161.
(6) رواه الترمذي (2905)، وابن ماجة (216)، وأحمد 1/ 148، والبيهقي في شعب الإيمان 2/ 552.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - حفص بن سليمان: متروك الحديث، مع إمامته في القراءة، انظر التقريب 1/ 186، والتهذيب 2/ 400.
2 - كثير بن زاذان: مجهول، كما في التقريب 2/ 131.(1/343)
القيامة تضحك في وجهه» (1).
وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث عائشة: «الماهر بالقرآن مع السّفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاقّ له أجران» (2).
وأخرج الطّبرانيّ في الأوسط من حديث جابر: «من جمع القرآن كانت له عند الله دعوة مستجابة، إن شاء عجّلها في الدنيا، وإن شاء ادّخرها في الآخرة» (3).
وأخرج الشيخان من حديث أبي موسى: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجّة، طعمها طيّب وريحها طيّب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التّمرة طعمها طيّب، ولا ريح لها. ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الرّيحانة، ريحها طيّب وطعمها مرّ، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمها مرّ ولا ريح لها» (4).
وأخرج الشيخان من حديث عثمان: «خيركم وفي لفظ: إن أفضلكم من تعلّم القرآن وعلّمه» (5).
__________
(1) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (7588) 8/ 152.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - موسى بن عمير: متروك، وقد كذّبه أبو حاتم. انظر التقريب 2/ 287، والتهذيب 10/ 365364.
2 - مكحول لم ير أبا أمامة. انظر جامع التحصيل ص 285.
(2) رواه البخاري (4937)، ومسلم (798)، وأبو داود (1454)، والترمذي (2904)، وابن ماجة (3779)، وأحمد 6/ 2661701109894، وابن حبان (767)، والبغوي (11741173)، والبيهقي في السنن 2/ 395.
(3) رواه الطبراني في الأوسط (6602) 7/ 316.
وسنده ضعيف، فيه:
1 - مقاتل بن دوال: هو في عداد من يجهل حاله، انظر اللسان 6/ 8382.
2 - عبد الرحمن المحاربي: صدوق، إلا أنه كان مدلس، وقد عنعنه، انظر التقريب 1/ 497، وطبقات المدلسين ص 93.
3 - شرحبيل بن سعد: ضعيف، انظر التهذيب 4/ 322320، والتقريب 1/ 348.
(4) رواه البخاري (7560542750595020)، ومسلم (797)، وأبو داود (4830)، والترمذي (2865)، والنسائي 8/ 125124، وفي فضائل القرآن (107106)، وابن ماجة (214)، وأحمد 4/ 408404403، وعبد الرزاق (20933)، وابن حبان (770)، والدارمي (3363)، والبغوي (1175).
(5) رواه البخاري (50285027)، وأبو داود (1452)، والترمذي (29082907)، وابن ماجة (212)، وأحمد 1/ 15857، والدارمي (3338)، والطيالسي (73)، وعبد الرزاق (5995)، وابن أبي شيبة (30071)، وابن حبان (118)، والبيهقي في الأسماء والصفات 1/ 371، والبغوي (1172).(1/344)
زاد البيهقي في الأسماء (1): «وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه».
وأخرج الترمذيّ والحاكم من حديث ابن عباس: «إنّ الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» (2).
وأخرج ابن ماجة من حديث أبي ذرّ: «لأن تغدو فتتعلّم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلّي مائة ركعة» (3).
وأخرج الطّبراني من حديث ابن عباس: «من تعلّم كتاب الله ثم اتّبع ما فيه: هداه الله به من الضلالة، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب».
وأخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي شريح الخزاعيّ: «إن هذا القرآن سبب، طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسّكوا به، فإنكم لن تضلّوا، ولن تهلكوا بعده أبدا» (4).
__________
وفي تفسيره 1/ 31، والخطيب في تاريخه 4/ 109و 5/ 129و 11/ 35، وأبو نعيم في الحلية 4/ 194193.
(1) الأسماء والصفات 1/ 371.
(2) رواه الترمذي (2913)، وأحمد 1/ 223، والدارمي (3306)، والحاكم 1/ 554، والبغوي في شرح السنة (1185)، وفي تفسيره 1/ 32.
قلت: سنده ضعيف، فيه: قابوس بن أبي ظبيان: فيه لين. انظر تهذيب الكمال 2/ 1107، والتقريب 2/ 115، وتهذيب التهذيب 7/ 306305.
(3) رواه ابن ماجة (219).
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - علي بن زيد: ضعيف، انظر التقريب 2/ 37، والتهذيب 7/ 324322، والمغني 2/ 447، والكاشف 2/ 248.
2 - عبد الله بن زياد: مستور، كما في التقريب 1/ 416.
3 - عبد الله بن غالب: مستور، كما في التقريب 1/ 440.
(4) رواه عبد بن حميد في المنتخب، حديث رقم (483) ص 175، وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (30006) 6/ 125، وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (122) 1/ 330329، والديلمي في الفردوس، حديث رقم (900) 1/ 286285بتحقيقنا.
قلت: سنده حسن، فيه:
عبد الحميد بن جعفر: صدوق، ربما وهم. انظر التقريب 1/ 467، والتهذيب 6/ 112111، ومجمع الزوائد 1/ 169.
وفي الباب عن:
1 - جبير بن مطعم: رواه البزار (120)، والطبراني في الكبير (1539)، وفي الصغير 2/ 98. قال في المجمع 1/ 169: «فيه أبو عبادة الزرقي، وهو متروك الحديث» اهـ.(1/345)
وأخرج الديلميّ من حديث عليّ: «حملة القرآن في ظلّ الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه (1)».
وأخرج الحاكم من حديث أبي هريرة: «يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول القرآن: يا ربّ حلّه، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، يا ربّ ارض عنه، فيرضى عنه، ويقال له: اقرأه وارقه، ويزاد له بكلّ آية حسنة» (2).
وأخرج من حديث عبد الله بن عمرو: «الصّيام والقرآن يشفعان للعبد» (3).
وأخرج من حديث أبي ذرّ: «إنكم لا ترجعون إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه» يعني: القرآن (4).
__________
2 - عن أبي هريرة: قال الحافظ ابن حجر في تسديد القوس (ق: 114): «رواه أحمد بن منيع والطبراني عن أبي هريرة» اهـ.
(1) رواه الديلمي في الفردوس، وابن النجار، والشيرازي في فوائده، بسند ضعيف جدا. انظر ضعيف الجامع (251).
(2) رواه الترمذي في سننه، في كتاب فضائل القرآن، باب (18)، حديث رقم (2915) 5/ 178. والحاكم في المستدرك 1/ 552، وقد أعلّ الحفاظ هذا الحديث بالوقف: فقد رواه عبد الصمد به مرفوعا.
وخالفه ابن بشار، عن غندر، وزيد بن أبي أنيسة عن تمام به موقوفا. وهو الصواب. ورواية زيد عند الدارمي (3311)، قال الترمذي في سننه: «حدثنا محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة نحوه ولم يرفعه وهذا أصح من حديث عبد الصمد عن شعبة» اهـ.
(3) رواه أحمد في المسند 2/ 174. والحاكم في المستدرك 1/ 554، وفي سنده عند أحمد: ابن لهيعة:
ضعيف، وتابعه عبد الله بن وهب عند الحاكم لكن في سنده: حيي بن عبد الله: قال أحمد: أحاديثه مناكير، وقال البخاري: فيه نظر، وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن معين: ليس به بأس. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به إذا روى عنه ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. انظر التهذيب 3/ 72، والتقريب 1/ 209، والكاشف 1/ 360، وانظر مجمع الزوائد 3/ 181و 10/ 381.
(4) رواه الترمذي (2912)، وأحمد في الزهد (189) ص 35، وفي السنة ص 1263. عن جبير بن نفير مرفوعا. وهو مرسل. ورواه الحاكم 1/ 555، والبيهقي في الأسماء والصفات ص 236عن أبي ذر مرفوعا.
وللحديث شاهد من حديث أبي أمامة: رواه الترمذي (2911)، وأحمد 5/ 268، وابن نصر في قيام الليل ص 1224241، والخطيب في تاريخه 7/ 88و 12/ 220، وابن النجار في ذيل التاريخ 1/ 372. وسنده ضعيف فيه: بكر بن خنيس، وليث بن أبي سليم ضعيفان.(1/346)
الفصل الثاني: فيما ورد في فضل سور بعينها:
ما ورد في الفاتحة:
أخرج الترمذي، والنسائيّ، والحاكم من حديث أبيّ بن كعب مرفوعا: «ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن، وهي السبع المثاني» (1).
وأخرج أحمد وغيره من حديث عبد الله بن جابر: «أخير سورة في القرآن {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ (2)}.
وللبيهقي في الشعب والحاكم من حديث أنس: «أفضل القرآن {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ (2)} *» (2).
__________
(1) رواه الترمذي (3125)، وعبد الله بن أحمد 5/ 114، والنسائي 2/ 139، وفي الكبرى (7499)، والحاكم 1/ 558557وابن حبان (775)، وابن خزيمة (501500)، والقاسم بن سلام في فضائل القرآن ص 117116، وعبد بن حميد في المنتخب (165)، وأبو يعلى ورجاله ثقات، إلا أن الحافظ الترمذي أعله بأنه من مسند أبي هريرة لا أنه من مسند أبي، وانظر فتح الباري 8/ 157، وتحفة الأشراف 1/ 4039، ورواية أبي هريرة عند النسائي في التفسير من سننه الكبرى (225) 1/ 523، وأبو يعلى (6482)، والدارمي (3373)، والقاسم بن سلام في فضائل القرآن ص 117116.
(2) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (723) ص 439.
وفي فضائل القرآن من سننه الكبرى، حديث رقم (8011) 5/ 11.
والحاكم في المستدرك 1/ 560.
وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (774) 3/ 51.
والبيهقي في الشعب 2/ 445444.
وسنده صحيح.(1/347)
وللبخاريّ من حديث أبي سعيد بن المعلّى: «أعظم سورة في القرآن {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ (2)} *» (1).
وأخرج عبد الله في مسنده من حديث ابن عباس: «فاتحة الكتاب تعدل ثلثي القرآن» (2).
ما ورد في البقرة وآل عمران:
أخرج أبو عبيد من حديث أنس: «أنّ الشيطان يخرج من البيت إذا سمع سورة البقرة تقرأ فيه» (3).
__________
(1) رواه البخاري (4474) 8/ 156، وحديث (4647) 8/ 308307، وحديث رقم (4703) 8/ 390، وحديث رقم (5006) 9/ 54.
وأبو داود في سننه، حديث رقم (1458) 2/ 7271. والنسائي 2/ 139.
وفي فضائل القرآن من سننه الكبرى، حديث رقم (8010) 5/ 11.
وابن ماجة، حديث رقم (3785).
والدارمي، حديث رقم (1492) 1/ 419417.
وأحمد في المسند 3/ 450و 4/ 211.
والطيالسي في مسنده، حديث رقم (1266) ص 178.
والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (769768) 22/ 303.
والدولابي في الكنى 1/ 34.
وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (777) 3/ 56.
والبيهقي في سننه 2/ 369368.
وفي الشعب 2/ 442441.
(2) عزاه في مجمع الزوائد بنحوه عن ابن عباس، ثم قال: (6/ 311): «رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سليمان بن أحمد الواسطي، وهو متروك» اهـ.
رواه الطبراني في الأوسط برقم (4591) 5/ 299بلفظ: «من قرأ أم القرآن وقل هو الله أحد، فكأنما قرأ ثلث القرآن».
وفي سنده: سليمان بن أحمد الواسطي: كذّبه يحيى، وضعّفه النسائي. انظر اللسان 3/ 72.
(3) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 228، والفريابي في فضائل القرآن، حديث رقم (38) ص 149 150. وانظر جمال القراء ص 55.
فيه: ابن لهيعة وقد تابعه عمرو بن الحارث وهو ثقة.
والراوي عنهما: ابن وهب:
وفيه، سعد بن سنان: مختلف في توثيقه، وفي بيان اسمه.
انظر التقريب 1/ 287وقال: صدوق، له أفراد» اهـ.
والكاشف 1/ 278، والتهذيب 3/ 472471.
ويرتقي بما في الباب من شواهد. انظرها فيما يأتي.(1/348)
وفي الباب عن ابن مسعود (1)، وأبي هريرة (2)، وعبد الله بن مغفل (3).
وأخرج مسلم، والترمذيّ، من حديث النواس بن سمعان: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمهم سورة البقرة وآل عمران». وضرب لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أمثال، ما نسيتهن بعد، قال: «كأنهما غمامتان أو غيابتان أو ظلّتان سوداوان بينهما شرف، أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجّان عن صاحبهما» (4).
وأخرج أحمد من حديث بريدة: «تعلّموا سورة البقرة، فإنّ أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة، تعلّموا سورة البقرة وآل عمران فإنّهما الزهراوان تظلّان صاحبهما يوم القيامة، كأنهما غمامتان، أو غيابتان، أو فرقان من طير صوّاف» (5).
__________
(1) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، وحديث رقم (963) ص 535.
والبيهقي في شعب الإيمان 2/ 453.
والبغوي في شرح السنة، حديث رقم (1194) 4/ 458. وقد روى موقوفا.
وقد سبق الحكم عليه بلفظ: «إن هذا القرآن مأدبة الله».
(2) رواه مسلم، حديث رقم (780) 1/ 539، والترمذي (2877) 5/ 157، والنسائي في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (965) ص 535.
وفي فضائل القرآن من سننه الكبرى، حديث رقم (8015) 5/ 13.
وأحمد في المسند 2/ 388378337284.
وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 228، والفريابي في فضائل القرآن، حديث رقم (37) ص 147 148. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (783) 3/ 62، وابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (183) ص 90، ومحمد بن نصر في قيام الليل، حديث رقم (188) ص 269 (مختصر)، والبغوي في شرح السنة، حديث رقم (1192) 4/ 456455.
(3) رواه الطبراني بسند ضعيف، كما في الدر المنثور 1/ 19.
(4) رواه مسلم (805) 1/ 554، والترمذي (2883) 5/ 160، وأحمد 4/ 181، وتمام في فوائده، حديث رقم (1326) 4/ 128127، والبخاري في التاريخ الكبير 4/ 2/ 148147، والبيهقي في الشعب 2/ 452451.
(5) رواه أحمد في المسند 5/ 361352348، والدارمي (3391) 2/ 543، وابن ماجة (3781) ببعضه، وابن أبي شيبة (30045) 6/ 129، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 8584، والحاكم في المستدرك 1/ 556، وابن عدي في الكامل 2/ 21، والعقيلي في الضعفاء 1/ 144، وابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (99) ص 60، وابن نصر في قيام الليل، حديث رقم (189) ص 270، وحديث رقم (202) ص 278277، والبزار في مسنده، (2302) 3/ 8786، والآجري في أخلاق حملة القرآن، حديث رقم (20) ص 4140.
والبيهقي في الشعب 2/ 345344، والبغوي في شرح السنة، حديث رقم (1190) 4/ 454453.
وفي التفسير 1/ 3433.
وفي سنده بشير بن مهاجر: قال أحمد: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.(1/349)
وأخرج ابن حبان وغيره من حديث سهل بن سعد: «إنّ لكلّ شيء سناما، وسنام القرآن سورة البقرة، من قرأها في بيته نهارا لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام، ومن قرأها في بيته ليلا لم يدخله الشيطان ثلاث ليال» (1).
وأخرج البيهقي في الشّعب، من طريق الصلصال: «من قرأ سورة البقرة توّج بتاج في الجنة» (2).
وأخرج أبو عبيد، عن عمر بن الخطاب، موقوفا: «من قرأ البقرة وآل عمران في ليلة
__________
ووثقه ابن معين. وقال النسائي: ليس به بأس. انظر التهذيب 1/ 469468، والتقريب 1/ 103، وقال: «صدوق، لين الحديث» اهـ.
وله شواهد منها ما سبق عن النواس.
وفي الباب عن أبي أمامة ببعضه:
رواه مسلم (804) 1/ 553، وأحمد في المسند 5/ 257255254251249.
وابن الضريس في فضائل القرآن، ص 595756، والفريابي في فضائل القرآن، حديث رقم (26) ص 134133، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 235229بجزء منه، وعبد الرزاق في المصنف (5991) 3/ 366365، والبيهقي في الشعب 2/ 451، والبغوي في شرح السنة (1193) 4/ 457.
(1) رواه ابن حبان (780) 3/ 59، وأبو يعلى (7554) 13/ 547، والعقيلي في الضعفاء 2/ 6، والطبراني في الكبير (5864) 6/ 163، والبيهقي في الشعب 2/ 453.
وفي سنده خالد بن سعيد المدني: قال العقيلي: لا يتابع على حديثه. انظر الضعفاء للعقيلي 2/ 6، ولسان الميزان 2/ 377376.
وقد روى شطره الأول، دون قراءتها بالليل أو النهار، وزاد: وفيها آية هي سيدة آي القرآن، هي آية الكرسي: الترمذي (2878) 5/ 157، وعبد الرزاق (6019) 3/ 377376، وابن عدي في الكامل 2/ 219، والحاكم في المستدرك 1/ 561560، و 2/ 260259، والبيهقي في الشعب 2/ 452 457. وابن نصر في قيام الليل (193) 273.
وفي سنده حكيم بن حبير: ضعيف الحديث، منكر الحديث، كما قال أبو حاتم. انظر التهذيب 2/ 446445، والتقريب 1/ 193، والكامل 2/ 219216.
وفي الباب عن معقل بن يسار: «البقرة سنام القرآن وذروته»:
رواه أحمد 5/ 26، والنسائي في عمل اليوم والليلة (1075) ص 582581بجزء من الحديث: وأبو الشيخ في الأمثال (274) ص 180وفيه رجل مبهم، وهو أبو عثمان وليس بالنهدي: مجهول. انظر تهذيب التهذيب 12/ 192.
وأبوه مجهول أيضا.
(2) رواه البيهقي في الشعب 2/ 455عن الصلصال.
وابن نصر في قيام الليل ص 272 (مختصر) عن عبد الرحمن بن الأسود موقوف، وسنده ضعيف جدا، واه فيه محمد بن الضوء: قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به.
وقال الجوزقاني في الموضوعات: محمد بن الضوء: كذاب، انظر اللسان 5/ 207206.
2 - الضوء بن الصلصال: قال ابن حبان: يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه. انظر الثقات 4/ 391.(1/350)
كتب من القانتين» (1).
وأخرج البيهقيّ من مرسل مكحول: «من قرأ سورة البقرة وآل عمران يوم الجمعة صلّت عليه الملائكة إلى الليل» (2).
فصل:
ما ورد في آية الكرسيّ:
أخرج مسلم من حديث أبيّ بن كعب: «أعظم آية في كتاب الله آية الكرسيّ» (3).
وأخرج الترمذيّ والحاكم، من حديث أبي هريرة: «إنّ لكلّ شيء سناما، وإنّ سنام القرآن البقرة، وفيها آية هي سيدة آي القرآن آية الكرسي» (4).
وأخرج الحارث بن أبي أسامة، عن الحسن مرسلا: «أفضل القرآن سورة البقرة، وأعظم آية فيها آية الكرسيّ» (5).
وأخرج ابن حبّان، والنّسائيّ، من حديث أبي أمامة: «من قرأ آية الكرسيّ دبر كلّ صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلّا أن يموت» (6).
__________
(1) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 237، والبيهقي في الشعب 2/ 468وعنده: كتب من الحكماء وسنده مرسل، ضعيف فيه:
1 - سعيد بن جبير: عن عمر: مرسل.
2 - ورقاء بن إياس: لين الحديث. انظر التهذيب 11/ 122، والتقريب 2/ 331.
(2) رواه الدارمي في كتاب فضائل القرآن من سننه، باب (16) في فضل آل عمران، حديث رقم (3397) 2/ 544عن مكحول قوله.
(3) رواه مسلم (810) 1/ 556، وأبو داود (1460) 2/ 72، وأحمد في المسند 5/ 142، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1847) 3/ 424، وابن الضريس في فضائل القرآن، وعبد الرزاق في المصنف (6001) 3/ 370، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 230229، والبيهقي في الشعب 2/ 456، والبغوي في شرح السنة (1195) 4/ 459.
(4) سبق تخريجه قريبا.
(5) رواه ابن نصر في قيام الليل ص 268 (مختصر) ومراسيل الحسن شبه الريح.
(6) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (100) ص 183182.
والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (7532) 8/ 134وزاد: و {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ}.
وفي مسند الشاميين، حديث رقم (824) 2/ 9.
وفي كتاب الدعاء، حديث رقم (675) 2/ 1104.
وابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (124) ص 48.
وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 244.
والمقدسي في الترغيب في الدعاء، حديث رقم (81) ص 135134بتحقيقي.
قلت: سنده حسن، فيه: محمد بن حمير الحمصي. يحسّن حديثه إن شاء الله تعالى. وله شواهد.(1/351)
وأخرج أحمد من حديث أنس: «آية الكرسيّ ربع القرآن» (1).
ما ورد في خواتيم البقرة:
أخرج الأئمّة الستة، من حديث أبي مسعود: «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» (2).
وأخرج الحاكم من حديث النعمان بن بشير: «إنّ الله كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يقرءان في دار فيقربها شيطان ثلاث ليال» (3).
__________
انظرها في تحقيقنا لكتاب الترغيب في الدعاء.
(1) لم أجده في المسند. والله أعلم.
(2) رواه البخاري (4008) 7/ 318317، و (50095008) 8/ 55، و (5040) 8/ 87، و (5051) 8/ 94، ومسلم (808807) 1/ 555554، وأبو داود (1397) 2/ 5756، والترمذي (2881) 5/ 159، والنسائي في عمل اليوم والليلة (721720719718) ص 438437، وفي فضائل القرآن من سننه الكبرى (802080198018) 5/ 14.
وابن ماجة (13691368)، وأحمد في المسند 4/ 122121118، والدارمي (1487) 1/ 415 416، و (3388) 2/ 542.
والطيالسي في مسنده (614) ص 86، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 234233232، وابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (163662161) ص 8483.
والحميدي في مسنده (452) 1/ 215.
وعبد الرزاق في المصنف (60216020) 3/ 377376.
وعبد بن حميد في المنتخب، برقم (233) ص 106105.
وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (781) 3/ 60.
وابن نصر في قيام الليل (172) ص 259.
والطبراني في المعجم الكبير (541إلى 551) 17/ 206202.
والبيهقي في الشعب 2/ 462461.
والبغوي في شرح السنة (1199) 4/ 464.
(3) رواه الترمذي (2882) 5/ 160159، والنسائي في عمل اليوم والليلة (967) ص 537536، والدارمي (3387) 2/ 542، وأحمد في المسند 4/ 274، والحاكم في المستدرك 1/ 562و 2/ 260، وابن حبان (782) 3/ 6261، وابن نصر في قيام الليل (173) ص 260259، وابن الضريس في فضائل القرآن (167) ص 85، وابن أبي حاتم في العلل 2/ 6463.
وأبو عبيد في الفضائل ص 232، والبيهقي في الشعب 2/ 460، والبغوي في شرح السنة (1201) 4/ 467466.
وفي سنده أشعث الجرمي: صدوق، كما في التقريب 1/ 80، والتهذيب 1/ 357356، والكاشف 1/ 253،(1/352)
ما ورد في آخر آل عمران:
أخرج البيهقيّ، من حديث عثمان بن عفان: «من قرأ آخر آل عمران في ليلة كتب له قيام ليلة» (1).
ما ورد في الأنعام:
أخرج الدارميّ وغيره، عن عمر بن الخطاب، موقوفا: «الأنعام من نواجب القرآن» (2).
__________
قلت: وقع في سنده اختلاف:
أفرواه أشعث بن عبد الرحمن، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصغاني، عن النعمان بن بشير، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما سبق تخريجه.
ب ورواه أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن أبي صالح الحارثي، عن النعمان بن بشير:
رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (966) ص 536.
وابن أبي حاتم في العلل 2/ 6463، والطبراني في الأوسط (1382) 2/ 213212، والمزي في تهذيب الكمال 3/ 1615.
ورواية أشعث أولى، «قال أبو زرعة: «الصحيح حديث حماد بن سلمة» انظر العلل 2/ 64.
لأنّ في الطريق إلى أيوب: ريحان بن سعيد: صدوق، يعتبر حديثه من غير روايته عن عباد، كما قال ابن حبان انظر التهذيب 3/ 301، والتقريب 1/ 255.
وفي سنده: أبو صالح الحارثي: مجهول الحال. انظر التهذيب 12/ 131، والثقات لابن حبان 5/ 589، وميزان الاعتدال 4/ 539، والتقريب 2/ 436.
ج وقال أبو أسامة، عن عباد بن منصور، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي صالح الحارثي ولم يذكر النعمان بن بشير:
ذكره في تهذيب الكمال 3/ 1615، وتهذيب التهذيب 12/ 131.
د رواه هدبة بن خالد، ثنا حماد بن سلمة، ثنا أشعث بن عبد الرحمن الجرمي، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن شداد بن أوس:
رواه الطبراني في المعجم الكبير (7146) 7/ 342. وانظر جمع الزوائد 6/ 312.
(1) رواه الدارمي (3396) 2/ 544وفي سنده ابن لهيعة.
(2) رواه الدارمي (3401) 2/ 545.
وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 240.
وفي سنده:
1 - عبد الله بن خليفة: لم يوثقه غير ابن حبان. انظر التهذيب 5/ 198، والتقريب 1/ 412وقال:
«مقبول» اهـ.
2 - أبو إسحاق، والراوي عنه زهير: روى عنه بعد الاختلاط. انظر الاغتباط ص 8887.(1/353)
ما ورد في السبع الطوال:
أخرج أحمد، والحاكم، من حديث عائشة: «من أخذ السبع الطوال فهو حبر» (1).
ما ورد في هود:
أخرج الطبرانيّ، في الأوسط بسند واه من حديث عليّ: «لا يحفظ منافق سورا:
براءة، وهود، ويس، والدّخان، وعمّ يتساءلون» (2).
ما ورد في آخر الإسراء:
أخرج أحمد، من حديث معاذ بن أنس: «آية العز: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء: 111] إلى آخر السورة» (3).
ما ورد في الكهف:
أخرج الحاكم، من حديث أبي سعيد: «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعتين» (4).
__________
(1) رواه أحمد 6/ 827372، وابن نصر في قيام الليل (198) ص 276 (مختصر)، وإسحاق في مسنده (261) 2/ 288، و (315314) 2/ 333، والبزار (2327) 3/ 95، والحاكم 1/ 564، والفريابي في فضائل القرآن (65) ص 172171، والبيهقي في الشعب 2/ 465، والبغوي (1203) 4/ 468. وسنده ضعيف، فيه:
حبيب بن هند: ذكره ابن حبان في الثقات. انظر تعجيل المنفعة ص 85، والجرح والتعديل 2/ 1/ 110
(2) رواه الطبراني في الأوسط، (7566) 8/ 281.
وسنده ضعيف جدا، فيه:
1 - نهشل بن سعيد: متروك، وكذّبه إسحاق. انظر التقريب 2/ 307، والمغني 2/ 702، والكاشف 3/ 185، والتهذيب 10/ 479.
2 - قنبر مولي علي: لم يثبت حديثه. انظر اللسان 4/ 475.
(3) رواه أحمد في المسند 3/ 440439.
والطبراني في الكبير (430429) 20/ 192.
وفي إسناد أحمد: رشدين بن سعد: ضعيف. انظر التقريب 1/ 251، والكاشف 1/ 241. وتابعه ابن لهيعة.
وسنده ضعيف، فيه: زبان بن فائد: ضعيف الحديث مع صلاحه وعبادته، انظر التقريب 1/ 257، والكاشف 1/ 247. وانظر مجمع الزوائد 7/ 52.
(4) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 368بلفظ المصنف.
واختلف في وقفه ورفعه، وفي لفظه.
ورواه الدارمي (3407) 2/ 546، وابن الضريس في فضائل القرآن (211) ص 99، وأبو عبيد في(1/354)
وأخرج مسلم، من حديث أبي الدرداء: «من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف عصم من فتنة الدجّال» (1).
وأخرج أحمد من حديث معاذ بن أنس: «من قرأ أول سورة الكهف وآخرها كانت له نورا من قدمه إلى رأسه، ومن قرأها كلّها كانت له نورا ما بين الأرض والسماء» (2).
وأخرج البزّار، من حديث عمر: «من قرأ في ليلة: {فَمَنْ كََانَ يَرْجُوا لِقََاءَ رَبِّهِ}
الآية، كان له نور من عدن إلى مكة، حشوه الملائكة» (3).
__________
2 - فضائل القرآن ص 244، والحاكم في المستدرك 1/ 565564، والبيهقي في الشعب 2/ 474 475.
ولفظه: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق». قال البيهقي:
«هذا هو المحفوظ موقوف، ورواه نعيم بن حماد، عن هشيم فرفعه» اهـ.
(1) رواه مسلم (809) 1/ 556555، وأبو داود (4323) 2/ 117، والترمذي (2886) 5/ 162، والنسائي في عمل اليوم والليلة (951950949) ص 528527.
وفي فضائل القرآن من سننه الكبرى (8025) 5/ 15.
وأحمد في المسند 5/ 196و 6/ 450449446.
والمحاملي في الأمالي (356) ص 331.
وابن حبان (786785) 3/ 6665.
والحاكم في المستدرك 2/ 368.
وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 245.
وابن الضريس في فضائل القرآن (209) ص 98، و (211) ص 99.
والبيهقي في الشعب 2/ 474.
والبغوي في شرح السنة (1204) 4/ 469.
(2) رواه أحمد في المسند 3/ 439، والطبراني في الكبير (443) 20/ 197.
والبغوي في شرح السنة (1205) 4/ 470469.
وفيه زبان بن فائد وابن لهيعة: ضعيفان. وتابع رشدين ابن لهيعة عند الطبراني، وانظر مجمع الزوائد 7/ 5352.
وفي الباب: عن أبي الدرداء موقوفا:
رواه ابن الضريس (206) ص 97، و (212) ص 99.
وقتادة قوله:
رواه عبد الرزاق في المصنف (6022) 3/ 377.
(3) رواه البزار في مسنده (297) 1/ 421.
وسنده ضعيف، فيه:
1 - سعيد بن المسيب، عن عمر: مرسل. انظر جامع التحصيل ص 184.
2 - أبو قرة: مجهول، انظر التقريب 2/ 464.(1/355)
ما ورد في الم السّجدة:
أخرج أبو عبيد، من مرسل المسيّب بن رافع: «تجيء الم السّجدة يوم القيامة لها جناحان تظلّ صاحبها، فتقول: لا سبيل عليك، لا سبيل عليك» (1).
وأخرج عن ابن عمر موقوفا قال: «في تنزيل السّجدة وتبارك الملك فضل ستين درجة على غيرهما من سور القرآن» (2).
ما ورد في يس:
أخرج أبو داود والنسائيّ وابن حبّان وغيرهم من حديث معقل بن يسار: «يس قلب القرآن، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلّا غفر له اقرءوها على موتاكم» (3).
وأخرج الترمذي، والدارميّ، من حديث أنس: «إنّ لكلّ شيء قلبا، وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات» (4).
__________
(1) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 251.
وابن الضريس في فضائل القرآن، حديث (215) ص 100.
وسنده حسن، إلّا أنه مرسل.
(2) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 251.
وفي سنده: ليث بن أبي سليم: ضعيف، ورجل مبهم.
(3) رواه أبو داود (3121) 3/ 191، والنسائي في عمل اليوم والليلة (10751074) ص 582581.
وابن ماجة (1448)، وأحمد 5/ 2726، وابن أبي شيبة (10853) 2/ 445، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 253252، وأبو الفضل الرازي في فضائل القرآن، (104) ص 135، والحاكم في المستدرك 1/ 565، والطيالسي (931) ص 126، وابن حبان في صحيحه (3002) 7/ 269، والطبراني في المعجم الكبير (511510) 20/ 220219، و (541) 20/ 231230، والبيهقي في سننه 3/ 383، وفي الشعب 2/ 479478، والبغوي في شرح السنة (1464) 5/ 295، والسخاوي في جمال القرآن 1/ 67.
قال الحافظ في التلخيص 2/ 213212: «أعلّه ابن القطان بالاضطراب، والوقف، وبجهالة حال أبي عثمان، وأبيه.
ونقل أبو بكر بن العربي، عن الدارقطني أنه قال: هذا حديث ضعيف الإسناد، مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث» اهـ.
(4) رواه الترمذي (2887) 5/ 163162، والدارمي (3416) 2/ 548، وابن أبي حاتم في العلل 2/ 55 56، والبيهقي في الشعب 2/ 480479، والمزي في تهذيب الكمال 3/ 1432.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - هارون أبو محمد: مجهول، انظر التهذيب 11/ 15، والتقريب 2/ 313، وسنن الترمذي 5/ 162.
2 - وأعلّه أبو حاتم بقوله: «مقاتل هذا، هو مقاتل بن سليمان، رأيت هذا الحديث في أول كتاب وضعه مقاتل بن سليمان.(1/356)
وأخرج الدارميّ، والطبرانيّ من حديث أبي هريرة: «من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له» (1).
__________
وهو حديث باطل لا أصل له» اهـ. انظر العلل 2/ 56. وانظر ما في الباب في التعليق الآتي.
(1) رواه الدارمي (3417) 2/ 547، وأبو يعلى (6224) 11/ 9493وزاد في آخره. والطيالسي (2467) ص 323، وابن السني في عمل اليوم والليلة (674) ص 238، وأبو نعيم في الحلية 2/ 159، وابن حبان (2574) 6/ 312وعنده: جندب: بدل أبي هريرة، والطبراني في الأوسط (3533) 4/ 304، وفي الصغير 1/ 149، والخطيب في التاريخ 3/ 253و 10/ 258257، وابن الضريس في فضائل القرآن (221) ص 101، والعقيلي في الضعفاء 1/ 203، وابن عدي في الكامل 1/ 416، و 2/ 299، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين 4/ 287286، والدارقطني في العلل 10/ 269267.
والبيهقي في الشعب 2/ 480.
وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 247.
قلت: هذا حديث ضعيف جدا. معلول:
1 - قال الدارقطني في العلل 10/ 269267: «اختلف فيه على الحسن:
أفرواه محمد بن جحادة، وهشام بن زياد أبو المقدام: عن الحسن، عن أبي هريرة مرفوعا.
ورواه أبان بن أبي عياش، عن الحسن، عن أبي هريرة مرفوعا. قال ذلك فضيل بن عياض عنه.
ب رواه فضل بن دلهم، عن الحسن قوله لم يتجاوز به.
ج ورواه هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: قاله محمد بن كثير، عن مخلد بن الحسين.
د ورواه علي بن عاصم، وبشر بن منصور، عن أبان، عن الحسن، عن أبي هريرة مرفوعا. وزاد بشر بن منصور، فيه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ومن تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، رب اغفر لي، غفر الله له».
وليس فيها شيء يثبت». اهـ وقال أبو حاتم عن طريق مخلد بن حسين، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«هذا حديث باطل، إنما رواه جسر، عن الحسن، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم مرسل.» اهـ. انظر العلل 2/ 6867.
وأبان، وهشام: متروكان. والحسن، عن أبي هريرة منقطع.
وفي الباب عن:
1 - أبي بن كعب: رواه القضاعي في مسند الشهاب، حديث رقم (1036) 2/ 131130ضمن حديث طويل. وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 247.
وفي سنده: مخلد بن عبد الواحد: قال ابن حبان: منكر الحديث جدا. ثم روى هذا الحديث، وقال ابن الجوزي: فما أدري من وضعه! إن لم يكن مخلد افتراه.
2 - أنس بن مالك: رواه ابن عدي في الكامل 5/ 193.
وفي سنده علي بن عاصم بن حبيب: أسقطه أحمد وابن معين وأبو خيثمة. انظر التهذيب 7/ 302، وميزان الاعتدال 3/ 135.
3 - ابن مسعود: رواه أبو نعيم في الحلية 4/ 130.
وفي سنده:
1 - عبد الغفار بن القاسم: في حديثه لين، كما قال أبو نعيم.(1/357)
وأخرج الطبرانيّ من حديث أنس: «من دام على قراءة يس كلّ ليلة ثم مات مات شهيدا» (1).
ما ورد في الحواميم:
أخرج أبو عبيد عن ابن عباس موقوفا: «إنّ لكلّ شيء لبابا، ولباب القرآن الحواميم» (2).
وأخرج الحاكم عن ابن مسعود موقوفا: «الحواميم ديباج القرآن» (3).
ما ورد في الدخان:
أخرج الترمذيّ وغيره من حديث أبي هريرة: «من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك» (4).
__________
4 - الحسن قوله: رواه الدارمي في سننه، حديث (3415) 2/ 548. وانظر قول الدارقطني السابق. وفيه انقطاع.
(1) رواه الطبراني في الأوسط، حديث رقم (7014) 8/ 12.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - محمد بن حفص الوصابي: قال ابن منده: ضعيف. وقال ابن أبي حاتم: أردت السماع منه، فقيل لي: ليس يصدق، فتركته. انظر اللسان 5/ 146.
2 - سعيد بن موسى الأزدي: اتهمه ابن حبان بالوضع. انظر اللسان 3/ 4544.
(2) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 254.
وفي سنده الجراح بن الجراح: لم يوثقه غير ابن حبان. انظر الثقات 4/ 112.
وابن لهيعة: ضعيف، مختلط. انظر الاغتباط ص 7372.
(3) رواه ابن أبي شيبة في المصنف، (30283) 6/ 153.
وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 255.
وابن الضريس في فضائل القرآن، (302) ص 127.
وعبد الرزاق في المصنف (6031) 3/ 381.
والمروزي في قيام الليل ص 290 (مختصر).
والحاكم في المستدرك 2/ 437.
والبيهقي في الشعب 2/ 483.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - مجاهد عن ابن مسعود مرسل، كما قال أبو زرعة. انظر جامع التحصيل ص 273.
2 - ابن أبي نجيح: أكثر عن مجاهد، وكان يدلس عنه. وصفه النسائي بذلك. انظر طبقات المدلسين ص 90.
(4) رواه الترمذي في سننه (2888) 5/ 163.
وابن عدي في الكامل 5/ 65.(1/358)
ما ورد في المفصّل:
أخرج الدارميّ، عن ابن مسعود، موقوفا: «إنّ لكلّ شيء لبابا، ولباب القرآن المفصّل» (1).
__________
والبيهقي في الشعب 2/ 484.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - عمر بن عبد الله بن أبي خثعم اليمامي: ضعّفه البخاري، وقال أبو زرعة: واه. وقال ابن عدي:
منكر الحديث. انظر التهذيب 7/ 411، والكامل 5/ 6564.
2 - يحيى بن أبي كثير: ثقة ثبت، لكنه يدلس ويرسل.
قال أبو حاتم: عن أبي سلمة كتاب. انظر التقريب 2/ 356، وطبقات المدلسين ص 76.
ورواه من طريق هشام أبي المقدام، عن الحسن، عن أبي هريرة: الترمذي (2889) 5/ 163. وابن السني في عمل اليوم والليلة (679) ص 240239. وأبو يعلى في مسنده، (6224) 11/ 9493 وفي أوله: «من قرأ (يس) في ليلة أصبح مغفورا له».
وحديث (6232) 11/ 105.
والبيهقي في الشعب 2/ 484. وهو جزء من حديث طويل فيه فضل (يس).
وهذه الطريق معلولة، وقد سبق الحكم عليه في فضيلة سورة (يس).
ورواه من طريق هشام، عن أبي هريرة: بدون ذكر الحسن: البيهقي في شعب الإيمان 2/ 485484 وهو معلول بالذي قبله.
ورواه من طريق أبي سفيان السعدي، عن الحسن مرسلا:
رواه ابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (222) ص 102. قلت: سنده مرسل ضعيف، فيه:
1 - أبو سفيان السعدي: ضعيف. انظر التقريب 1/ 377، والتهذيب 5/ 1211.
2 - إرسال الحسن.
وفي الباب عن:
1 - إسحاق بن أبي فروة بلاغا: رواه ابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (223) ص 102 ضمن حديث طويل، وسنده ضعيف جدا، واه، فيه:
1 - إسحاق ابن أبي فروة: متروك. انظر التقريب 1/ 59، والكاشف 1/ 63، والكامل 1/ 329326، والمغني 1/ 71.
2 - إسماعيل بن رافع: ضعيف الحديث. قال النسائي والدارقطني: متروك. انظر التهذيب 1/ 294 296، والكاشف 1/ 72، والمغني 1/ 80، والتقريب 1/ 69.
3 - إسماعيل بن عياش، روايته عن الحجازيين ضعيفة. وهذا منها.
4 - الإرسال أو الإعضال.
2 - أبو رافع قوله: رواه الدارمي، حديث رقم (3421) 2/ 550وسنده صحيح إلى أبي رافع.
3 - عبد الله بن عيسى أخبرت أنه من قرأ:
رواه الدارمي في سننه حديث رقم (3420) 2/ 549.
(1) رواه الدارمي، حديث رقم (3377) 2/ 539.
والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (8644) 9/ 138.(1/359)
الرحمن:
أخرج البيهقيّ، من حديث علي مرفوعا: «لكلّ شيء عروس، وعروس القرآن الرحمن» (1).
المسبّحات:
أخرج أحمد، وأبو داود، والترمذيّ، والنسائيّ، عن عرباض بن سارية: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ المسبّحات كلّ ليلة قبل أن يرقد، ويقول: «فيهن آية خير من ألف آية» (2).
__________
وابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (178) ص 88.
وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (30294) 6/ 154، والبيهقي في الشعب 2/ 488. وسنده حسن إلى ابن مسعود رضي الله عنه.
(1) رواه البيهقي في الشعب 2/ 490.
وفي سنده دبيس أحمد بن الحسن: قال الدارقطني: ليس بثقة. انظر فيض القدير 5/ 286.
(2) رواه أبو داود، حديث رقم (5057) 4/ 313.
والترمذي، حديث رقم (2921) 5/ 181.
والنسائي في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (714713) ص 435434.
وفي فضائل القرآن، من سننه الكبرى، حديث رقم (8026) 5/ 16. وأحمد في المسند 4/ 128.
والمروزي في قيام الليل، حديث رقم (200) ص 277276.
وابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (682) ص 240.
وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، حديث رقم (1335) 3/ 4443.
والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (625) 18/ 250249.
والبيهقي في الشعب 2/ 493. والسخاوي في جمال القراء 2/ 7069.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - بقية بن الوليد: صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء. انظر طبقات المدلسين ص 121، والتبيين لأسماء المدلسين (50)، والتقريب 1/ 105، وتهذيب الكمال 4/ 200192. وإن صرّح بالتحديث عن بحير، إلّا أنه لم يصرّح بالتحديث في سائر طبقات المسند.
2 - عبد الله بن أبي بلال: انفرد ابن حبان بتوثيقه. انظر التقريب 1/ 405، والتهذيب 5/ 165.
3 - اختلف في إسناده:
أرواه بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن ابن أبي بلال، عن العرباض، مرفوعا.
ب وخالفه معاوية بن صالح: فرواه عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان مرسلا:
رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (715) ص 435.
والدارمي في سننه حديث رقم (3424) 2/ 550.
وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 258.
ومعاوية بن صالح: صدوق، له أوهام: انظر التقريب 2/ 259والتهذيب 10/ 211209، والكامل 6/ 407404.(1/360)
قال ابن كثير (1) في تفسير الآية: المشار إليها قوله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظََّاهِرُ وَالْبََاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)} [الحديد: 3].
وقد أخرج ابن السّنّي، عن أنس: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أوصى رجلا إذا أتى مضجعه أن يقرأ سورة الحشر، وقال: «إن متّ مت شهيدا» (2).
وأخرج الترمذي، من حديث معقل بن يسار: «من قرأ حين يصبح ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكّل الله به سبعين ألف ملك، يصلّون عليه حتى يمسي، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدا، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة» (3).
__________
وفي الباب عن:
يحيى بن أبي كثير مرسلا: رواه ابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (229) ص 104وعنه عامر بن عبد الله بن يساف: قال ابن عدي: منكر الحديث عن الثقات. انظر اللسان 3/ 224، والتقريب 1/ 388.
(1) في تفسيره 4/ 302.
(2) رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (718) ص 251. وسنده ضعيف، فيه، يزيد بن أبان الرقاشي: ضعيف. انظر تهذيب التهذيب 11/ 311309، والكاشف 3/ 240، والكامل 7/ 257 258، والمغني 2/ 747.
قلت: وفي الباب عن:
1 - أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: رواه ابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (228) ص 104من طريق محمد بن زياد الالهاني، عن عتبة، عن أصحاب نبينا صلّى الله عليه وسلّم.
2 - أبي أمامة: رواه البيهقي في الشعب 2/ 492.
وابن عدي في الكامل 3/ 318317بلفظ: «من قرأ خواتيم الحشر في ليل أو نهار فمات من يومه أو ليلته فقد أوجب الجنة». من طريق محمد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة.
ثم قال: تفرد به سليم بن عثمان هذا عن محمد بن زياد. وسليم بن عثمان التوزي: ليس بثقة. انظر الميزان 2/ 230، والكامل 3/ 318317ثم قال: «روى عن محمد بن زياد الألهاني مناكير» اهـ.
3 - عن الحسن قوله: رواه الدارمي في سننه، حديث رقم (3423) 2/ 550.
وابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (227) ص 103من طريق هشام، عن الحسن.
وحديث هشام عن الحسن عامته يدور على حوشب. كما قال ابن المديني. انظر التهذيب 11/ 34 37.
(3) رواه الترمذي، حديث رقم (2922) 5/ 182. والدارمي في سننه، حديث رقم (3425) 2/ 550.
وأحمد في المسند 5/ 26. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (537) 20/ 229. وابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (230) ص 104. وابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (80) ص 33. وحديث رقم (681) ص 240. والبيهقي في الشعب 2/ 493492. والبغوي في تفسيره 4/ 327.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
خالد بن طهمان: ضعّفه ابن معين. وقال: خلط قبل موته بعشر سنين. وانظر التقريب 1/ 214،(1/361)
وأخرج البيهقيّ، من حديث أبي أمامة: «من قرأ خواتيم الحشر في ليل أو نهار، فمات في يومه أو ليلته، فقد أوجب الله له الجنة» (1).
تبارك:
أخرج الأربعة، وابن حبّان، والحاكم، من حديث أبي هريرة: «في القرآن سورة ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له: {تَبََارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} (2).
وأخرج الترمذيّ، من حديث ابن عباس: «هي المانعة، هي المنجية، تنجّي من عذاب القبر» (3).
__________
والكامل 3/ 2019، والتهذيب 3/ 9998، والجرح والتعديل 3/ 337، والاغتباط ص 54.
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه أبو داود في سننه، حديث رقم (1400) 2/ 57. والترمذي، حديث رقم (2891) 5/ 164.
والنسائي في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (710) ص 433. وابن ماجة، حديث (3786). وأحمد 2/ 321299. والحاكم في المستدرك 1/ 565و 2/ 498497. وابن نصر في قيام الليل، حديث رقم (182) ص 265. والفريابي في فضائل القرآن، حديث رقم (33) ص 143. وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 261260، وابن السني في عمل اليوم والليلة (683) ص 241240. وابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (236235) ص 107106.
وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (788787) 3/ 6967. والبيهقي في الشعب 2/ 494 495، وفي إثبات عذاب القبر (167166) ص 137.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
عباس الجشمي: لم يوثقه غير ابن حبان. انظر التهذيب 5/ 135، والتقريب 1/ 400.
وله شواهد، منها:
1 - عن أنس: رواه الطبراني في الصغير 1/ 179. وفي الأوسط، حديث رقم (3667) 4/ 391. وسنده حسن إن شاء الله فيه: شيبان بن فروج: صدوق، يهم، ورمي بالقدر. انظر التهذيب 4/ 374 375. والتقريب 1/ 356.
وانظر ما بعده.
(3) رواه الترمذي، حديث رقم (2890) 5/ 164. وابن نصر في قيام الليل، حديث رقم (183) ص 265.
وابن عدي في الكامل 7/ 205، وأبو نعيم في الحلية 3/ 81والبيهقي في الشعب 2/ 495، وفي إثبات عذاب القبر (165) ص 136.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - يحيى بن عمرو النكري: قال ابن معين وأبو زرعة وأبو داود والنسائي والدولابي: ضعيف.
وقال الدارقطني: صويلح يعتبر به. انظر التهذيب 11/ 260259، والتقريب 2/ 354، والكامل 7/ 206205.
2 - أبو الجوزاء: عن ابن عباس: مرسل، انظر الكامل 1/ 411، والتهذيب 1/ 384383.
3 - عمرو بن مالك النكري: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه، يخطئ ويغرب. انظر التقريب 2/ 77، والتهذيب 8/ 96.(1/362)
وأخرج الحاكم، من حديثه: «وددت أنها في قلب كلّ مؤمن: {تَبََارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} (1).
وأخرج النّسائيّ، من حديث ابن مسعود: «من قرأ {تَبََارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} كلّ ليلة منعه الله بها من عذاب القبر» (2).
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك 1/ 565. ثم قال: «هذا إسناد عند اليمانيين صحيح ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: حفص واه» اهـ.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
حفص بن عمر العدني: ضعيف. انظر التهذيب 2/ 411410، والتقريب 1/ 188، والكاشف 1/ 171، والمغني 1/ 180.
(2) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (711) ص 434433. والحاكم في المستدرك 2/ 497. وابن نصر في قيام الليل ص 266 (المختصر) وابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (232231) ص 105 (موقوف). والفريابي في فضائل القرآن، حديث رقم (3231) ص 141 143 (موقوف). وعبد الرزاق في المصنف، حديث رقم (6025) 3/ 380379 (موقوف). والبيهقي في الشعب 2/ 495494 (موقوف). وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 260 (موقوف). والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (865386528651) 9/ 141140. وحديث رقم (10254) 10/ 175من طرق، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود.
ورواه من طريق مرة الطيب، عن ابن مسعود موقوفا: أبو عبيد في فضائل القرآن ص 260.
ورواه من طريق أبي الأحوص، عن ابن مسعود موقوفا: عبد الرزاق في المصنف، حديث رقم (6024) 3/ 378. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (8650) 9/ 140.
ورواه من طريق مسروق، عن ابن مسعود موقوفا: البيهقي في الشعب 2/ 494.
قلت: اختلف في وقفه ورفعه والصواب وقفه: قال الدارقطني في العلل 5/ 5453: «يرويه عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن عبد الله، واختلف عنه:
1 - فرواه عرفجة بن عبد الواحد، من عاصم، عن زر، عن عبد الله، وقال: «كنا في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، نسميها المانعة».
حدث به سهيل بن أبي صالح واختلف عنه:
أفرواه عبد العزيز بن أبي حازم، وقاسم بن عبد الله العمري، عن سهيل بن أبي صالح، عن عرفجة بن عبد الواحد، عن عاصم.
ب وقال فيه محمد بن زنبور، عن ابن أبي حازم، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن عرفجة بن عبد الواحد.
والقول الأول أشبه بالصواب.
2 - ورواه شعبة، ومسعر، وأبو عوانة، وحماد بن سلمة، وزيد بن أبي أنيسة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله موقوفا.
وهو المحفوظ». اهـ.(1/363)
الأعلى:
أخرج أبو عبيد، عن أبي تميم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي نسيت أفضل المسبّحات».
فقال أبيّ بن كعب: لعلها: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}؟ قال: «نعم» (1).
القيّمة:
أخرج أبو نعيم في الصحابة، من حديث إسماعيل بن أبي حكيم المزنيّ الصحابيّ مرفوعا: «إن الله ليسمع قراءة {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا}. فيقول: أبشر عبدي، فو عزّتي لأمكننّ لك في الجنة حتى ترضى» (2).
الزلزلة:
أخرج الترمذيّ من حديث أنس: «من قرأ {إِذََا زُلْزِلَتِ} عدلت له بنصف القرآن» (3).
__________
(1) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 259. وفي سنده:
1 - ابن لهيعة: ضعيف مخلط.
2 - وهو مرسل.
(2) رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة، حديث رقم (1060) 2/ 497وقال: 2/ 436: «في إسناد مقال».
وقال عقبه: وهو عندي إسناد منقطع، لم يذكر أحد من الأئمة إسماعيل في الصحابة».
وذكره ابن الأثير في أسد الغابة 1/ 96ثم قال: «قال ابن منده: هذا حديث منكر.
وذكره في الإصابة 1/ 127ثم قال: وهو وهم، والصواب إسماعيل بن أبي حكيم المدني، عن أحد بني فضيل، فوقع فيه تصحيف.
(3) رواه الترمذي، حديث رقم (28952893) 5/ 166165، وأحمد 3/ 221147146 241، وابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (267) ص 126، ومن طريقه السلفي في المجالس الخمسة، حديث رقم (24) ص 7978، والبزار في مسنده، حديث رقم (2308) 3/ 88، والعقيلي في الضعفاء 1/ 243، وابن حبان في المجروحين 1/ 337336، والخطيب في تاريخه 11/ 380، وابن عدي في الكامل 9/ 334333، والبيهقي في شعب الإيمان 2/ 501497، والمزي في تهذيب الكمال، 1/ 263. من طرق عن أنس.
وسنده ضعيف. فيه الحسن بن سلم العجلي، مجهول. كما في التقريب 1/ 166، والمغني 1/ 160ثم قال: «هذا منكر» اهـ. وفي طريق أخرى سلمة بن وردان: منكر الحديث. انظر التهذيب 4/ 160 161، والتقريب 1/ 319.
وفيه مخالفة للأحاديث الصحيحة. انظر ما في الباب وتفصيل الحكم عليه في «الملتقى بتخريج أحاديث المنتقى» بتحقيقنا برقم (39).(1/364)
العاديات:
أخرج أبو عبيد، من مرسل الحسن: {إِذََا زُلْزِلَتِ} تعدل بنصف القرآن، والعاديات تعدل بنصف القرآن» (1).
ألهاكم:
أخرج الحاكم من حديث ابن عمر مرفوعا: «ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم؟» قالوا: ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية؟ قال: «أما يستطيع أحدكم أن يقرأ {أَلْهََاكُمُ التَّكََاثُرُ (1)}» (2).
الكافرون:
أخرج الترمذيّ، من حديث أنس: «قل يأيّها الكافرون ربع القرآن» (3).
وأخرج أبو عبيد، من حديث ابن عباس قال: {يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ}، تعدل بربع القرآن» (4).
وأخرج أحمد، والحاكم من حديث نوفل بن معاوية: «اقرأ {قُلْ يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ (1)} ثمّ نم على خاتمتها، فإنها براءة من الشرك» (5).
__________
(1) رواه أبو عبيد في فضائله ص 263وهو مرسل.
(2) رواه الحاكم في المستدرك 1/ 567566، والبيهقي في الشعب 2/ 498، والمنتقى للضياء (42) بتخريجنا.
قلت: وسنده ضعيف، فيه عقبة بن محمد بن عقبة: قال الحاكم والذهبي: غير مشهور. انظر اللسان 4/ 179.
(3) سبق تخريجه في سورة الزلزلة.
(4) رواه الترمذي (2894) 5/ 166، وابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (298) ص 126، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 263262، والبيهقي في شعب الإيمان 2/ 496، والبغوي في التفسير 4/ 516.
قلت: سنده ضعيف، فيه نكارة، فيه: يمان بن المغيرة: قال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث. وقال البخاري: منكر الحديث، يروي المناكير التي لا أصول لها فاستحق الترك. وقال ابن عدي: لا أرى به بأسا.
انظر الجرح والتعديل 4/ 2/ 311، والضعفاء لأبي زرعة 2/ 673، والتهذيب 1/ 407406.
(5) رواه أبو داود حديث رقم (5055) 4/ 313. والترمذي، حديث رقم (3403) 5/ 474، والنسائي في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (802801) ص 468. وفي كتاب التفسير من سننه الكبرى حديث رقم (11709) 6/ 524. والدارمي في سننه، حديث رقم (3427) 2/ 551، وأحمد في المسند 5/ 456وفيه قصة. والحاكم في المستدرك 1/ 565و 2/ 538، وابن أبي شيبة في المصنف، حديث(1/365)
__________
رقم (29304) 6/ 3938. وابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (689) ص 242. وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 264. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (790789) 3/ 7069.
والبيهقي في الشعب 2/ 499498، من طريق زهير وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن فروة، عن أبيه.
قلت: قد اختلف فيه على أبي إسحاق كثيرا.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: حديثه مضطرب.
وقال الحافظ في التهذيب 10/ 493: «وفي إسناده اضطراب» اهـ. وانظر التهذيب 8/ 266265.
إلا أن الحافظ في الفتح قال عن طريق زهير وإسرائيل: وهو الصواب. والله أعلم. وصحح إسناده في الإصابة 1/ 223. وانظر تحفة الأشراف 9/ 6463.
فقد رواه شعبة، عن أبي إسحاق، عن رجل، عن فروة مرسلا: الترمذي، حديث رقم (3403) 5/ 474.
ورواه عبد العزيز بن مسلم، عن أبي إسحاق، عن فروة مرسلا: رواه ابن حبان في الثقات 3/ 330 331. وانظر التحفة 9/ 6564فقد أشار إلى وهم عبد العزيز فيه.
ورواه سفيان، عن أبي إسحاق، عن فروة، مرسلا: النسائي في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (803 804) ص 469468. والبيهقي في الشعب 2/ 498.
ورواه شريك، عن أبي إسحاق، عن فروة، عن جبلة: النسائي في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (800) ص 467. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (2195) 2/ 287.
ورواه أبو مالك الأشجعي، عن عبد الرحمن بن نوفل، عن أبيه: رواه البخاري في التاريخ الكبير 3/ 1/ 357. وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (29306) 6/ 39. وسعيد بن منصور في سننه، حديث رقم (128) 2/ 394 (التكملة). وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، حديث رقم (1304) 3/ 15919.
وأشار إليه الترمذي 5/ 474. وانظر الفتح 9/ 159.
وقال الحافظ في التهذيب 6/ 482: «وزعم ابن عبد البر بأنه حديثه مضطرب، وليس كما قال، بل الرواية التي فيها عن أبيه أرجح، وهي موصولة، رواته ثقات، فلا يضره مخالفة من أرسله. وشرط الاضطراب أن تتساوى الوجوه في الاختلاف، وأما إذا تفاوتت فالحكم الراجح بلا خلاف» اهـ.
قلت: وفي الباب عن:
1 - عن رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (704) ص 431 ضمن قصة.
وفي فضائل القرآن من سننه الكبرى (8028) 5/ 16. وأحمد في المسند 4/ 65و 5/ 378376.
وسعيد بن منصور في سننه، حديث رقم (129) 2/ 404. والدارمي في سننه، حديث رقم (3434) 2/ 551. وابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (305) ص 129128.
وسنده صحيح.
2 - ابن مسعود: رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (705) ص 431. وفي سنده: أبو المصفى المدني. مجهول. انظر التهذيب 12/ 238237، والميزان 4/ 573.
3 - أنس بن مالك: رواه البيهقي في الشعب 2/ 499ثم قال: «هو بهذا الإسناد منكر، وإنما يعرف بالإسناد الأول» اهـ. أي: حديث فروة، عن أبيه.(1/366)
وأخرج أبو يعلى، من حديث ابن عباس: «ألا أدلّكم على كلمة تنجيكم من الإشراك بالله؟ تقرءون قل: {يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ} عن منامكم» (1).
النصر:
أخرج الترمذي من حديث أنس: {إِذََا جََاءَ نَصْرُ اللََّهِ وَالْفَتْحُ (1)} ربع القرآن» (2).
الإخلاص:
أخرج مسلم وغيره من حديث أبي هريرة: {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} تعدل ثلث القرآن» (3).
وفي الباب عن جماعة من الصحابة.
وأخرج الطبرانيّ في الأوسط، من حديث عبد الله بن الشّخّير: «ومن قرأ {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} في مرضه الذي يموت فيه لم يفتن في قبره، وأمن من ضغطة القبر، وحملته الملائكة يوم القيامة بأكفها حتى تجيزه الصراط إلى الجنة» (4).
وأخرج الترمذيّ من حديث أنس: «من قرأ {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} كلّ يوم مائتي مرة محي عنه ذنوب خمسين سنة، إلّا أن يكون عليه دين، ومن أراد أن ينام على فراشه فنام على يمينه، ثم قرأ {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)}، مائة مرة، فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب: يا عبدي، ادخل عن يمينك الجنة» (5).
__________
(1) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (12993) 12/ 241.
وسنده ضعيف، فيه:
1 - جبارة بن المغلس: ضعيف، انظر التقريب 1/ 124، والكاشف 1/ 123، والمغني 1/ 127، والتهذيب 2/ 5957.
2 - حجاج بن تميم: ضعيف.
انظر التقريب 1/ 152، والكاشف 1/ 148. وانظر مجمع الزوائد 10/ 121.
(2) سبق تخريجه في سورة الزلزلة.
(3) رواه مسلم (812)، والترمذي (29002889) 5/ 169168، وإسحاق بن راهويه في مسنده، حديث رقم (221) 1/ 255. وابن الضريس في فضائل القرآن، حديث رقم (250248) ص 110 111. وحديث رقم (265) ص 115. والبيهقي في الشعب 2/ 504.
(4) رواه الطبراني في المعجم الأوسط. حديث رقم (5781) 6/ 367.
وسنده ضعيف جدا، فيه: نصر بن حماد: ضعيف جدا. أفرط الأزدي فزعم أنه يضع. انظر التهذيب 10/ 426425، والتقريب 2/ 299.
(5) رواه الترمذي، حديث رقم (2898) 5/ 168. وابن عدي في الكامل 2/ 439. والبيهقي في الشعب 2/(1/367)
وأخرج الطبرانيّ من حديث ابن الديلميّ: «من قرأ {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} مائة مرة في الصّلاة أو غيرها كتب الله له براءة من النار» (1).
وأخرج في الأوسط من حديث أبي هريرة: «من قرأ {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} عشر مرات بني له قصر في الجنة، ومن قرأها عشرين مرة بني له قصران، ومن قرأها ثلاثين مرة بني له ثلاثة» (2).
وأخرج في الصغير من حديثه: «من قرأ {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} بعد صلاة الصبح اثنتي عشرة مرة، فكأنما قرأ القرآن أربع مرات، وكان أفضل أهل الأرض يومئذ إذا اتقى» (3).
المعوذتان:
أخرج أحمد من حديث عقبة: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: «ألا أعلمك سورا ما أنزل في التوراة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها؟».
قلت: بلى.
قال: «{قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النََّاسِ (1)}» (4).
__________
508507 - وسنده ضعيف. فيه: حاتم بن ميمون: ضعيف. انظر التقريب 1/ 137، والكامل 2/ 439.
(1) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (852) 18/ 331وفيه محمد بن قدامة الجوهري، وهو ضعيف، كما في المجمع 7/ 145، وانظر التقريب 2/ 201.
(2) رواه الطبراني في الأوسط، حديث رقم (283) 1/ 198وسنده ضعيف، فيه هانئ بن المتوكل: قال ابن حبان: كان تدخل عليه المناكير، وكثرت، فلا يجوز الاحتجاج به. انظر اللسان 6/ 187186.
وانظر مجمع الزوائد 7/ 145.
(3) رواه الطبراني في المعجم الصغير 1/ 6261. والبزار في مسنده، حديث رقم (2296) 3/ 84.
والعقيلي في الضعفاء 2/ 85. وابن أبي حاتم في العلل 2/ 90. والبيهقي في الشعب 2/ 501500 والضياء في المنتقى، حديث رقم (39) بتحقيقي.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - زكريا بن عطية: منكر الحديث.
قال أبو حاتم: حديث منكر، وزكريا بن عطية: منكر الحديث. انظر العلل 2/ 90، والضعفاء للعقيلي 2/ 85، والميزان 2/ 74، والمغني 1/ 239، ولسان الميزان 2/ 482.
2 - إسحاق بن سيار: قال أبو حاتم: لا أعرفه، مجهول، انظر لسان الميزان 1/ 364لكن تابعه الحلواني وغيره.
(4) رواه مسلم (814)، وأبو داود (1462)، والترمذي (2902)، والنسائي 2/ 158و 8/ 254وأحمد 4/ 159155153152151150149144، والدارمي (3439، 3440)، وأبو عبيد في(1/368)
وأخرج أيضا من حديث ابن عابس: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: «ألا أخبرك بأفضل ما تعوّذ به المتعوّذون؟».
قال: بلى.
قال: «{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النََّاسِ (1)}» (1).
وأخرج أبو داود، والترمذيّ، عن عبد الله بن خبيب، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«اقرأ {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح، ثلاث مرات، تكفيك من كلّ شيء» (2).
وأخرج ابن السنّيّ، من حديث عائشة: «من قرأ بعد صلاة الجمعة {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النََّاسِ (1)} سبع مرّات أعاذه الله من السوء إلى الجمعة الأخرى» (3).
وبقيت أحاديث من هذا الفصل أخّرتها إلى نوع الخواصّ.
الفصل الثالث الحديث الموضوع في فضائل القرآن الطويل
فصل أما الحديث الطويل في فضائل القرآن سورة سورة، فإنه موضوع، كما أخرج الحاكم في المدخل بسنده إلى أبي عمّار المروزيّ: أنه قيل لأبي عصمة الجامع: من أين لك عن عكرمة، عن ابن عباس، في فضائل القرآن سورة سورة، وليس أصحاب عكرمة هذا؟.
فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة (4).
__________
فضائل القرآن ص 271، والحاكم 2/ 540، وابن حبان (795) 3/ 7574، والطبراني 17/ 286، والبيهقي 2/ 394، من طرق عن عقبة.
(1) رواه النسائي في سننه 8/ 252251. وأحمد في المسند 3/ 417. وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، حديث رقم (2574) 5/ 35. وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 271270.
قلت: سنده ضعيف، فيه: أبو عبد الله: مجهول. انظر تهذيب التهذيب 12/ 152.
(2) رواه أبو داود، حديث رقم (5082) 4/ 322321. والترمذي، حديث رقم (3575) 5/ 568567.
والنسائي 8/ 251250. وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 270. وسنده حسن.
(3) رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (375) ص 134.
قلت: سنده ضعيف، فيه، الخليل بن مرة: قال البخاري: فيه نظر. وانظر الكامل 3/ 6058، والتقريب 1/ 228، وتهذيب التهذيب 4/ 147146.
(4) رواه الحاكم في المدخل ص 20.(1/369)
وروى ابن حبّان في مقدمة تاريخ الضعفاء، عن ابن مهديّ، قال: قلت لميسرة بن عبد ربه: من أين جئت بهذه الأحاديث: من قرأ كذا فله كذا؟ قال: وضعتها أرغب الناس فيها (1).
وروينا عن المؤمّل بن إسماعيل قال: حدّثني شيخ بحديث أبي بن كعب في فضائل سور القرآن سورة سورة، فقال: حدّثني رجل بالمدائن، وهو حيّ، فصرت إليه، فقلت له: من حدّثك؟ قال: حدّثني شيخ بواسط وهو حيّ، فصرت إليه، فقلت له: من حدّثك؟
قال: حدّثني شيخ بالبصرة، فصرت إليه، فقلت له: من حدثك؟ قال: حدّثني شيخ بعبادان، فصرت إليه، فأخذ بيدي فأدخلني بيتا، فإذا فيه قوم من المتصوفة، ومعهم شيخ، فقال: هذا الشيخ حدّثني، فقلت: يا شيخ من حدثك؟ فقال: لم يحدثني أحد، ولكننا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن، فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن (2).
قال ابن الصلاح: ولقد أخطأ الواحديّ المفسّر، ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم (3).
__________
(1) رواه ابن حبان في مقدمة المجروحين 1/ 64.
(2) وممن أودعه في كتابه: الزمخشري في الكشاف، وأبو السعود والثعلبي والنسفي والبيضاوي في تفاسيرهم.
وانظر المقاصد الحسنة ص 609608، والأسرار المرفوعة ص 453، ومقدمة في أصول التفسير ص 6968، والدر الملتقط ص 51، وتدريب الراوي 1/ 289288، والمصنوع ص 127، وكشف الخفاء 2/ 565564و 560559، والفوائد للشوكاني ص 316، واللؤلؤ المرصوع ص 195 196، وتحذير المسلمين ص 69، والبرهان 1/ 432.(1/370)
النوع الثالث والسبعون في أفضل القرآن وفاضله
اختلف الناس: هل في القرآن شيء أفضل من شيء (1)؟.
فذهب الإمام أبو الحسن الأشعريّ، والقاضي أبو بكر الباقلانيّ، وابن حبّان: إلى المنع لأنّ الجميع كلام الله ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضّل عليه. وروي هذا القول عن مالك. قال يحيى بن يحيى: تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ ولذلك كره مالك أن تعاد سورة أو تردّد دون غيرها.
وقال ابن حبّان (2) في حديث أبيّ بن كعب: «ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أمّ القرآن» (3): إنّ الله لا يعطي القارئ التوراة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي لقارئ أم القرآن، إذ الله سبحانه وتعالى بفضله فضّل هذه الأمة على غيرها من الأمم، وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه، قال: وقوله: «أعظم سورة» أراد به الأجر لا أنّ بعض القرآن أفضل من بعض.
وذهب آخرون إلى التفضيل لظواهر الأحاديث، منهم: إسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن العربيّ، والغزالي.
وقال القرطبيّ (4): إنّه الحقّ، ونقله عن جماعة من العلماء والمتكلمين.
وقال الغزالي في «جواهر القرآن» (5): لعلك أن تقول: قد أشرت إلى تفضيل بعض آيات القرآن على بعض، والكلام كلام الله، فكيف يفارق بعضها بعضا؟ وكيف يكون بعضها أشرف من بعض؟ فاعلم أنّ نور البصيرة إن كان لا يرشدك إلى الفرق بين آية
__________
(1) انظر في هذه المسألة التذكار للقرطبي ص 5551، وجواب أهل العلم والإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 1413وص 8746، والبرهان 1/ 442438، والمنهاج للحليمي 2/ 245244.
(2) الإحسان 3/ 52.
(3) سبق تخريجه 2/ 347.
(4) التذكار ص 52.
(5) جواهر القرآن ص 3837.(1/371)
الكرسي وآية المداينات، وبين سورة الإخلاص وسورة تبّت، وترتاع على اعتقاد الفرق نفسك الخوّارة المستغرقة بالتقليد، فقلّد صاحب الرسالة صلّى الله عليه وسلّم، فهو الذي أنزل عليه القرآن وقال: «يس قلب القرآن» (1) و «فاتحة الكتاب أفضل سور القرآن» (2) و «آية الكرسي سيدة آي القرآن» (3) و «قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن» (4) والأخبار الواردة في فضائل القرآن، وتخصيص بعض السور والآيات بالفضل، وكثرة الثواب في تلاوتها لا تحصى.
انتهى.
وقال ابن الحصّار: العجب ممن يذكر الاختلاف في ذلك، مع النصوص الواردة بالتفضيل!.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السّلام (5): كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره، ف {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} أفضل من {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ}.
وقال الخوييّ (6): كلام الله أبلغ من كلام المخلوقين. وهل يجوز أن يقال: بعض كلامه أبلغ من بعض الكلام؟ جوّزه قوم لقصور نظرهم. وينبغي أن تعلم أنّ معنى قول القائل: هذا الكلام أبلغ من هذا، أنّ هذا في موضعه له حسن ولطف، وذاك في موضعه له حسن ولطف، وهذا الحسن في موضعه أكمل من ذاك في موضعه.
قال: فإنّ من قال: إنّ {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} أبلغ من {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ}
جعل المقابلة بين ذكر الله وذكر أبي لهب، وبين التوحيد والدعاء على الكافر وذلك غير صحيح، بل ينبغي أن يقال: {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ} دعاء عليه بالخسران، فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه؟. وكذلك في {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} لا توجد عبارة تدل على الوحدانية أبلغ منها فالعالم إذا نظر إلى {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ} في باب الدعاء بالخسران، ونظر إلى {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} في باب التوحيد، لا يمكنه أن يقول:
أحدهما أبلغ من الآخر. انتهى.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) مر تخريجه.
(3) سبق تخريجه.
(4) مر تخريجه.
(5) انظر البرهان 1/ 439.
(6) نقله في البرهان 1/ 440439.(1/372)
وقال غيره (1): اختلف القائلون بالتفضل:
فقال بعضهم: الفضل راجع إلى عظم الأجر ومضاعفة الثواب بحسب انفعالات النفس وخشيتها وتدبّرها وتفكّرها عند ورود أوصاف العلا.
وقيل: بل يرجع لذات اللفظ، وأنّ ما تضمّنه قوله تعالى: {وَإِلََهُكُمْ إِلََهٌ وََاحِدٌ} الآية، وآية الكرسيّ، وآخر سورة الحشر، وسورة الإخلاص من الدّلالات على وحدانيته وصفاته ليس موجودا مثلا في {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ} وما كان مثلها، فالتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها.
وقال الحليميّ (2)، ونقله عنه البيهقيّ (3): معنى التفضيل يرجع إلى أشياء:
أحدها: أن يكون العمل بآية أولى من العمل بأخرى، وأعود على الناس، وعلى هذا يقال: آيات الأمر والنهي والوعد والوعيد خير من آيات القصص، لأنّها إنما أريد بها تأكيد الأمر والنهي والإنذار والتبشير، ولا غنى بالناس عن هذه الأمور، وقد يستغنون عن القصص، فكان ما هو أعود عليهم وأنفع لهم، ممّا يجري مجرى الأصول، خيرا لهم ممّا يجعل تبعا لما لا بد منه.
الثاني: أن يقال: الآيات التي تشتمل على تعديد أسماء الله تعالى وبيان صفاته والدلالة على عظمته أفضل، بمعنى أنّ مخبراتها أسنى وأجلّ قدرا.
الثالث: أن يقال: سورة خير من سورة، أو آية خير من آية، بمعنى أنّ القارئ يتعجّل له بقراءتها فائدة سوى الثواب الآجل، ويتأدّى منه بتلاوتها عبادة، كقراءة آية الكرسيّ، والإخلاص، والمعوذتين فإنّ قارئها يتعجّل بقراءتها الاحتراز مما يخشى، والاعتصام بالله، ويتأدّى بتلاوتها عبادة لله، لما فيها من ذكره سبحانه وتعالى بالصّفات العلا على سبيل الاعتقاد لها، وسكون النفس إلى فضل ذلك بالذكر وبركته فأما آيات الحكم:
فلا يقع بنفس تلاوتها إقامة حكم، وإنما يقع بها علم.
ثم لو قيل في الجملة: إنّ القرآن خير من التوراة والإنجيل والزّبور، بمعنى أنّ التعبّد بالتلاوة والعلم واقع به دونها، والثواب بحسب قراءته لا بقراءتها. أو أنه من حيث الإعجاز
__________
(1) انظر البرهان 1/ 438.
(2) في المنهاج 2/ 245244.
(3) شعب الإيمان 2/ 516515.(1/373)
حجة النبي المبعوث، وتلك الكتب لم تكن معجزة، ولا كانت حجج أولئك الأنبياء، بل كانت دعوتهم والحجج غيرها، لكان ذلك أيضا نظير ما مضى.
وقد يقال: إنّ سورة أفضل من سورة لأنّ الله جعل قراءتها كقراءة أضعافها مما سواها، وأوجب بها من الثواب ما لم يوجب بغيرها، وإن كان المعنى الذي لأجله بلغ بها هذا المقدار لا يظهر لنا، كما يقال: إنّ يوما أفضل من يوم، وشهرا أفضل من شهر.
بمعنى: العبادة فيه تفضل على العبادة في غيره، والذنب فيه أعظم منه في غيره، وكما يقال: إنّ الحرم أفضل من الحلّ لأنه يتأدّى فيه من المناسك ما لا يتأدّى في غيره.
والصّلاة فيه تكون كصلاة مضاعفة مما تقام في غيره. انتهى كلام الحليميّ.
وقال ابن التين في حديث البخاريّ: «لأعلّمنك سورة هي أعظم السور» (1) معناه: أنّ ثوابها أعظم من غيرها (2).
وقال غيره: إنما كانت أعظم السّور لأنها جمعت جميع مقاصد القرآن، ولذلك سمّيت: أم القرآن (3).
وقال الحسن البصريّ (4): إنّ الله أودع علوم الكتب السابقة في القرآن، ثم أودع علوم القرآن الفاتحة، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزّلة. أخرجه البيهقيّ.
وبيان اشتمالها على علوم القرآن قرره الزمخشري (5)، باشتمالها: على الثناء على الله تعالى بما هو أهله، وعلى التعبّد بالأمر والنهي، وعلى الوعد والوعيد وآيات القرآن لا تخلو عن أحد هذه الأمور.
وقال الإمام فخر الدين: المقصود من القرآن كلّه تقرير أمور أربعة: الإلهيات، والمعاد، والنبوّات، وإثبات القضاء والقدر لله تعالى. فقوله: {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ (2)} [الفاتحة: 2] يدلّ على الإلهيات، وقوله: {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}، يدلّ على
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) انظر فتح الباري 8/ 158.
(3) المصدر السابق.
(4) رواه البيهقي في الشعب 2/ 451450وفي سنده ضعف فيه: الربيع بن صبيح: ضعيف. انظر التقريب 1/ 245، والكاشف 1/ 236.
(5) في الكشاف 1/ 23، ولي رسالة لطيفة بشرح وتفسير سورة الفاتحة. فلتنظر.(1/374)
المعاد، وقوله: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} يدلّ على نفي الجبر، وعلى إثبات أنّ الكلّ بقضاء الله وقدره، وقوله: {اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} إلى آخر السورة يدل على إثبات قضاء الله، وعلى النبوّات. فلمّا كان المقصد الأعظم من القرآن هذه المطالب الأربعة، وهذه السورة مشتملة عليها، سمّيت: أم القرآن.
وقال البيضاوي (1): هي مشتملة على الحكم النظرية والأحكام العملية، التي هي سلوك الطريق المستقيم، والاطلاع على مراتب السعداء، ومنازل الأشقياء.
وقال الطّيبيّ: هي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين:
أحدها: علم الأصول، ومعاقدة معرفة الله تعالى وصفاته، وإليها الإشارة بقوله:
{الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ (2) الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ (3)}. ومعرفة النبوة، وهي المرادة بقوله:
{أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. ومعرفة المعاد، وهو المومى إليه بقوله: {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}.
وثانيها: علم الفروع، وأسّه العبادات، وهو المراد بقوله: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ}.
وثالثها: علم ما يحصل به الكمال وهو علم الأخلاق، وأجلّه الوصول إلى الحضرة الصمدانية، والالتجاء إلى جناب الفردانية والسلوك لطريقه، والاستقامة فيها. وإليه الإشارة بقوله: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)}.
ورابعها: علم القصص والأخبار عن الأمم السالفة، والقرون الخالية، السعداء منهم والأشقياء، وما يتّصل بها من وعد محسنهم ووعيد مسيئهم. وهو المراد بقوله: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضََّالِّينَ}.
وقال الغزاليّ: مقاصد القرآن ستة: ثلاثة مهمّة، وثلاثة متمّة:
الأولى: تعريف المدعو إليه: كما أشير إليه بصدرها، وتعريف الصراط المستقيم، وقد صرّح به فيها، وتعريف الحال عند الرّجوع إليه تعالى وهو الآخرة، كما أشير إليه ب {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}.
والأخرى: تعريف احوال المطيعين: كما أشير إليه بقوله {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}
وحكاية أقوال الجاحدين، وقد أشير إليها ب {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضََّالِّينَ}، وتعريف
__________
(1) في تفسيره 1/ 8.(1/375)
منازل الطريق، كما أشير إليه بقوله: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ (5)}. انتهى.
ولا ينافي هذا وصفها في الحديث الآخر بكونها: «ثلثي القرآن» (1) لأنّ بعضهم وجّهه بأنّ دلالات القرآن الكريم: إما أن تكون بالمطابقة أو بالتضمّن أو بالالتزام، وهذه السورة تدلّ على جميع مقاصد القرآن بالتضمّن والالتزام دون المطابقة، والاثنان من الثلاثة ثلثان، ذكره الزركشيّ في شرح «التنبيه» وناصر الدين بن الميلق.
قال: وأيضا الحقوق ثلاثة: حقّ الله على عباده، وحقّ العباد على الله، وحقّ بعض العباد على بعض. وقد اشتملت الفاتحة صريحا على الحقّين الأولين، فناسب كونها بصريحها ثلثين، وحديث: «قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين» (2) شاهد لذلك.
قلت: ولا تنافي أيضا بين كون الفاتحة أعظم السّور، وبين الحديث الآخر: «أنّ البقرة أعظم السور» لأنّ المراد به ما عدا الفاتحة من السّور التي فصّلت فيها الأحكام وضربت الأمثال، وأقيمت الحجج إذ لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه، ولذلك سمّيت «فسطاط القرآن» (3).
قال ابن العربيّ في أحكامه: سمعت بعض أشياخي يقول: فيها ألف أمر وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر ولعظيم فقهها أقام ابن عمر ثماني سنين على تعليمها. أخرجه مالك في الموطأ (4).
وقال ابن العربي (5) أيضا: إنما صارت آية الكرسيّ أعظم الآيات لعظم مقتضاها، فإنّ الشيء إنما يشرف بشرف ذاته ومقتضاه وتعلقاته، وهي في آي القرآن كسورة الإخلاص في سوره، إلّا أنّ سورة الإخلاص تفضلها بوجهين:
أحدهما: أنها سورة وهذه آية، والسورة أعظم لأنّه وقع التحدّي بها، فهي أفضل من الآية التي لم يتحدّ بها.
والثاني: أنّ سورة الإخلاص اقتضت التوحيد في خمسة عشر حرفا، وآية الكرسيّ اقتضت التوحيد في خمسين حرفا، فظهرت القدرة في الإعجاز بوضع معنى معبّر عنه
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) سبق تخريجه في فصل فضائل السور.
(4) رواه مالك (11) 1/ 205.
(5) انظر البرهان 1/ 442.(1/376)
بخمسين حرفا، ثم يعبّر عنه بخمسة عشر، وذلك بيان لعظيم القدرة والانفراد بالوحدانية.
وقال ابن المنيّر (1): اشتملت آية الكرسي على ما لم تشتمل عليه آية من أسماء الله تعالى وذلك أنها مشتملة على سبعة عشر موضعا، فيها اسم الله تعالى ظاهرا في بعضها ومستكنا في بعض، وهي: الله، هو، الحيّ، القيوم، ضمير: لا تأخذه، و: له، و:
عنده، و: بإذنه، و: يعلم، و: علمه، و: شاء، و: كرسيه، و: يئوده. ضمير:
حفظهما، المستتر الّذي هو فاعل المصدر، و: هو، العليّ، العظيم. وإن عدّدت الضمائر المتحمّلة في: الحيّ، القيّوم العليّ، العظيم، والضمير المقدّر قبل: والحيّ على أحد الأعاريب صارت اثنين وعشرين.
وقال الغزاليّ: إنّما كانت آية الكرسيّ سيّدة الآيات لأنها اشتملت على ذات الله وصفاته وأفعاله فقط ليس فيها غير ذلك، ومعرفة ذلك هي المقصد الأقصى في العلوم، وما عداه تابع له، والسيّد اسم للمتبوع المقدم، فقوله: {اللََّهُ} إشارة إلى الذات، {لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} إشارة إلى توحيد الذات. {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} إشارة إلى صفة الذات وجلاله، فإنّ معنى {الْقَيُّومُ} الذي يقوم بنفسه، ويقوم به غيره، وذلك غاية الجلال والعظمة. {لََا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلََا نَوْمٌ} تنزيه وتقديس له عمّا يستحيل عليه من أوصاف الحوادث، والتقديس عمّا يستحيل أحد أقسام المعرفة، {لَهُ مََا فِي السَّمََاوََاتِ وَمََا فِي الْأَرْضِ}: إشارة إلى الأفعال كلها، وأنّ جميعها منه وإليه. {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلََّا بِإِذْنِهِ} إشارة إلى انفراده بالملك والحكم والأمر، وأنّ من يملك الشفاعة إنما يملكها بتشريفه إيّاه والإذن فيها، وهذا نفي الشركة عنه في الحكم والأمر. {يَعْلَمُ مََا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} إلى قوله: {شََاءَ} إشارة إلى صفة العلم، وتفضيل بعض المعلومات، والانفراد بالعلم، حتى لا علم لغيره إلا ما أعطاه ووهبه، على قدر مشيئته وإرادته. {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ} إشارة إلى عظمة ملكه وكمال قدرته (2). {وَلََا يَؤُدُهُ حِفْظُهُمََا} إشارة إلى صفة القدرة وكمالها، وتنزيهها عن الضّعف والنقصان. {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} إشارة إلى أصلين عظيمين في الصفات.
فإذا تأمّلت هذه المعاني، ثم تلوت جميع آي القرآن، لم تجد جملتها مجموعة في آية واحدة، فإنّ {شَهِدَ اللََّهُ} [آل عمران: 18] ليس فيها إلّا التوحيد، وسورة الإخلاص ليس فيها إلّا التوحيد والتقديس، و: {قُلِ اللََّهُمَّ مََالِكَ الْمُلْكِ} ليس فيها إلّا الأفعال،
__________
(1) نقله في البرهان 1/ 443442.
(2) الإيمان بالكرسي من العقائد الثابتة في الكتاب والسنة.(1/377)
والفاتحة فيها الثلاثة لكن غير مشروحة بل مرموزة، والثلاثة مجموعة مشروحة في آية الكرسيّ.
والذي يقرب منها في جمعها آخر الحشر وأول الحديد ولكنها آيات لا آية واحدة، فإذا قابلت آية الكرسي بإحدى تلك الآيات وجدتها أجمع للمقاصد، فلذلك استحقّت السيادة على الآي كيف وفيها {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وهو الاسم الأعظم كما ورد به الخبر (1)! انتهى كلام الغزاليّ.
ثم قال: إنّما قال صلّى الله عليه وسلّم في الفاتحة: «أفضل» وفي آية الكرسي: «سيدة» لسرّ، وهو:
أنّ الجامع بين فنون الفضل وأنواعها الكثيرة يسمّى أفضل فإنّ الفضل هو الزيادة، والأفضل هو الأزيد، وأما السّؤدد فهو رسوخ معنى الشرف الذي يقتضي الاستتباع ويأبى التبعيّة، والفاتحة تتضمّن التنبيه على معان كثيرة ومعارف مختلفة فكانت أفضل، وآية الكرسي تشتمل على المعرفة العظمى التي هي المقصودة المتبوعة، التي يتبعها سائر المعارف، فكان اسم السيد بها أليق. انتهى.
ثم قال في حديث: «قلب القرآن يس» (2): إنّ ذلك لأنّ الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر والنّشر، وهو مقرّر في هذه السورة بأبلغ وجه، فجعلت قلب القرآن لذلك، واستحسنه الإمام فخر الدين.
وقال النسفيّ: يمكن أن يقال: إنّ هذه السورة ليس فيها إلّا تقرير الأصول الثلاثة:
الوحدانيّة، والرسالة، والحشر وهو القدر الذي يتعلق بالقلب والجنان. وأمّا الذي باللسان وبالأركان ففي غير هذه السورة فلمّا كان فيها أعمال القلب لا غير سمّاها قلبا، ولهذا أمر بقراءتها عند المحتضر (3) لأنّ في ذلك الوقت يكون اللسان ضعيف القوة والأعضاء
__________
(1) رواه أبو داود (1496) 2/ 80، والترمذي (3478) 5/ 517، وابن ماجة (3855)، والدارمي (3389) 2/ 542، وأحمد 6/ 461، وابن أبي شيبة في المصنف (29363) 6/ 47، وعبد بن حميد في المنتخب (1578) ص 456، والطبراني في الدعاء (113) 2/ 832831، وفي المعجم الكبير (441 442) 24/ 175174، وابن الضريس في فضائل القرآن (182) ص 89، والبيهقي في الأسماء والصفات 1/ 175، والبغوي في شرح السنة (1261) 5/ 3938، والمزي في تهذيب الكمال 2/ 877، والضياء في العدة للكرب والشدة (2726) ص 6160، وفي الترغيب في الدعاء (57) ص 9897من حديث أسماء بنت يزيد. وسنده ضعيف، إلا أن له شاهدا من حديث أبي أمامة. انظر توسيع الحكم عليه في تخريجنا لكتاب الترغيب في الدعاء ص 9897.
(2) سبق تخريجه.
(3) سبق تخريجه.(1/378)
ساقطة، لكن القلب قد أقبل على الله تعالى، ورجع عمّا سواه، فيقرأ عنده ما يزداد به قوة في قلبه، ويشتدّ تصديقه بالأصول الثلاثة. انتهى.
اختلف النّاس في معنى كون سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن (1):
فقيل: كأنّه صلّى الله عليه وسلّم سمع شخصا يكرّرها تكرار من يقرأ ثلث القرآن، فخرج الجواب على هذا. وفيه بعد عن ظاهر الحديث، وسائر طرق الحديث تردّه.
وقيل: لأنّ القرآن يشتمل على قصص وشرائع وصفات، وسورة الإخلاص كلّها صفات، فكانت ثلثا بهذا الاعتبار.
وقال الغزاليّ في «الجواهر»: معارف القرآن المهمّة ثلاثة: معرفة التوحيد، والصّراط المستقيم، والآخرة. وهي مشتملة على الأوّل فكانت ثلثا.
وقال أيضا فيما نقله عنه الرازيّ: القرآن مشتمل على البراهين القاطعة على وجود الله تعالى ووحدانيته وصفاته: إمّا صفات الحقيقة، وإما صفات الفعل، وإما صفات الحكم، فهذه ثلاثة أمور، وهذه السّورة تشتمل على صفات الحقيقة، فهي ثلث.
وقال الخوييّ: المطالب التي في القرآن معظمها الأصول الثلاثة، التي بها يصحّ الإسلام، ويحصل الإيمان، وهي: معرفة الله، والاعتراف بصدق رسوله، واعتقاد القيام بين يدي الله تعالى. فإنّ من عرف أنّ الله واحد، وأنّ النبيّ صادق، وأنّ الدين واقع، صار مؤمنا حقا، ومن أنكر شيئا منها كفر قطعا. وهذه السورة تفيد الأصل الأوّل، فهي ثلث القرآن من هذا الوجه.
وقال غيره: القرآن قسمان: خبر وإنشاء، والخبر قسمان: خبر عن الخالق وخبر عن المخلوق فهذه ثلاثة أثلاث، وسورة الإخلاص أخلصت الخبر عن الخالق، فهي بهذا الاعتبار ثلث.
وقيل: تعدل في الثواب، وهو الذي يشهد له ظاهر الحديث، والأحاديث الواردة في سورة الزلزلة والنّصر والكافرين (2)، لكن ضعّف ابن عقيل ذلك، وقال: لا يجوز أن يكون
__________
(1) انظر للأهمية ما سطره شيخ الإسلام في كتابه الماتع: «جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسول الرحمن، من أنّ {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن» بتحقيقنا. صدر عن دار الكتاب العربي، والتمهيد لابن عبد البر 19/ 233227.
(2) سبق تخريج هذه الأحاديث.(1/379)
المعنى: فله أجر ثلث القرآن، لقوله: «من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات» (1).
قال ابن عبد البرّ (2): السّكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام فيها وأسلم. ثم أسند إلى إسحاق بن منصور (3): قلت لأحمد بن حنبل: قوله صلّى الله عليه وسلّم: {«قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} تعدل ثلث القرآن» ما وجهه؟ فلم يقل لي فيها على أمر. وقال لي إسحاق بن راهويه (4): معناه أنّ الله لمّا فضّل كلامه على سائر الكلام، جعل لبعضه أيضا فضلا في الثواب لمن قرأه، تحريضا على تعليمه، لا أن من قرأ {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} ثلاث مرّات كان كمن قرأ القرآن جميعه هذا لا يستقيم، ولو قرأها مائتي مرة.
قال ابن عبد البرّ: فهذان إمامان بالسنة ما قاما ولا قعدا في هذه المسألة.
وقال ابن الميلق في حديث: «إن الزلزلة نصف القرآن» (5) لأنّ أحكام القرآن تنقسم إلى أحكام الدنيا وأحكام الآخرة، وهذه السورة تشتمل على أحكام الآخرة كلّها إجمالا، وزادت على القارعة بإخراج الأثقال وتحديث الأخبار. وأما تسميتها في الحديث الآخر ربعا (6)، فلأنّ الإيمان بالبعث ربع الإيمان، في الحديث الذي رواه الترمذي: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله بعثني بالحقّ، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر» (7) فاقتضى هذا الحديث أنّ الإيمان بالبعث الذي قرّرته هذه السورة ربع الإيمان الكامل الذي دعا إليه القرآن.
وقال أيضا في سرّ كون {أَلْهََاكُمُ} تعدل ألف آية (8): إنّ القرآن ستة آلاف آية،
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) في التمهيد 19/ 232.
(3) التمهيد 19/ 232وفيه: فلم يقم لي على أمر بيّن.
(4) التمهيد 19/ 232.
(5) سبق تخريجه.
(6) سبق تخريجه.
(7) رواه الترمذي (2145) 4/ 452، وابن ماجة (81)، وأحمد في المسند 1/ 123، وعبد بن حميد في المنتخب (75) ص 54. والطيالسي ص 17. وابن أبي عاصم في السنة (130) 1/ 59. وابن حبان (23) ص 37 (موارد)، و (178) 1/ 405404 (الاحسان)، والحاكم في المستدرك 1/ 3332.
قال الدارقطني في العلل 3/ 197196: «حدّث به شريك، وورقاء، وجرير، وعمرو بن أبي قيس، عن منصور، عن ربعي، عن علي.
وخالفهم سفيان، وزائدة، وأبو الأحوص، وسليمان التيمي، فرووه عن منصور، عن ربعي، عن رجل من بني راشد، عن علي. وهو الصواب» اهـ. وانظر النكت الظراف 7/ 371.
(8) سبق تخريجه.(1/380)
ومائتا آية وكسر، فإذا تركنا الكسر كان الألف سدس القرآن، وهذه السورة تشتمل على سدس مقاصد القرآن، فإنها فيما ذكره الغزاليّ ستة: ثلاث مهمّة وثلاث متمّة وتقدمت وأحدها معرفة الآخرة المشتمل عليه السورة، والتعبير عن هذا المعنى بألف آية أفخم وأجلّ وأضخم من التعبير بالسدس.
وقال أيضا في سرّ كون سورة الكافرين ربعا وصورة الإخلاص ثلثا، مع أنّ كلا منهما يسمّى الإخلاص: أنّ سورة الإخلاص اشتملت من صفات الله على ما لم تشتمل عليه (الكافرون).
وأيضا: فالتوحيد إثبات إلهية المعبود وتقديسه ونفي إلهية ما سواه، وقد صرّحت الإخلاص بالإثبات والتقديس، ولوحت إلى نفي عبادة غيره. والكافرون صرحت بالنفي ولوحت بالإثبات والتقديس فكان بين الرتبتين من التصريحين والتلويحين ما بين الثلث والربع. انتهى.
تذنيب: ذكر كثيرون في أثر: «أنّ الله جمع علوم الأوّلين والآخرين في الكتب الأربعة، وعلومها في القرآن، وعلومه في الفاتحة» فزادوا: وعلوم الفاتحة في البسملة، وعلوم البسملة في بائها.
ووجّه: بأن المقصود من كلّ العلوم وصول العبد إلى الربّ، وهذه الباء باء الإلصاق فهي تلصق العبد بجناب الربّ، وذلك كمال المقصود. ذكره الإمام الرازيّ وابن النّقيب في تفسيرهما.(1/381)
ووجّه: بأن المقصود من كلّ العلوم وصول العبد إلى الربّ، وهذه الباء باء الإلصاق فهي تلصق العبد بجناب الربّ، وذلك كمال المقصود. ذكره الإمام الرازيّ وابن النّقيب في تفسيرهما.
النوع الرابع والسبعون في مفردات القرآن
أخرج السّلفي في المختار من «الطيوريات»، عن الشعبيّ، قال: لقي عمر بن الخطاب ركبا في سفر، فيهم ابن مسعود، فأمر رجلا يناديهم: من أين القوم؟ قالوا: أقبلنا من الفجّ العميق، نريد البيت العتيق. فقال عمر: إنّ فيهم لعالما. وأمر رجلا أن يناديهم:
أيّ القرآن أعظم؟ فأجابه عبد الله: {اللََّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255].
قال: نادهم: أيّ القرآن أحكم؟ فقال ابن مسعود: {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسََانِ وَإِيتََاءِ ذِي الْقُرْبى ََ} [النحل: 90].
قال: نادهم: أيّ القرآن أجمع؟ فقال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7، 8].
فقال: نادهم: أيّ القرآن أحزن؟ فقال: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123].
فقال: نادهم: أي القرآن أرجى؟ فقال: {قُلْ يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ}
[الزمر: 53] الآية.
فقال: أفيكم ابن مسعود؟ قالوا: نعم. أخرجه عبد الرزاق في تفسيره بنحوه (1).
وأخرج عبد الرزّاق أيضا، عن ابن مسعود، قال: أعدل آية في القرآن: {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسََانِ} [النحل: 90]، وأحكم آية: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7)} إلى آخرها.
وأخرج الحاكم عنه، قال: إنّ أجمع آية في القرآن للخير والشر: {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسََانِ} [النحل: 90] (2).
__________
(1) رواه عبد الرزاق في تفسيره 2/ 389388. وفيه انقطاع. وانظر فضائل القرآن لأبي عبيد ص 275 276، ومجمع الزوائد 6/ 323، وابن الضريس في فضائله ص 91.
(2) رواه الحاكم 2/ 356، وابن الضريس في فضائل القرآن (187) ص 91، والطبراني في المعجم الكبير (8658) 9/ 144142، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 276275بأتم منه. وسنده حسن.(1/382)
وأخرج الطبراني عنه، قال: ما في القرآن آية أعظم فرجا من آية في سورة الغرف {قُلْ يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ} [الزمر: 53] الآية. وما في القرآن آية أكثر تفويضا من آية في سورة النساء القصرى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللََّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] الآية (1).
وأخرج أبو ذرّ الهرويّ في «فضائل القرآن» من طريق يحيى بن يعمر، عن ابن عمر، عن ابن مسعود، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ أعظم آية في القرآن: {اللََّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، وأعدل آية في القرآن: {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسََانِ} [النحل: 90]. إلى آخرها، وأخوف آية في القرآن: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7، 8]، وأرجى آية في القرآن: {قُلْ يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ لََا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللََّهِ}
[الزمر: 53]، إلى آخرها».
وقد اختلف في أرجى آية في القرآن على بضعة عشر قولا:
أحدها: آية الزمر.
والثاني: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قََالَ بَلى ََ} [البقرة: 260] أخرجه الحاكم في المستدرك، وأبو عبيد، عن صفوان بن سليم، قالا: التقى ابن عباس وابن عمرو، فقال ابن عباس: أي آية في كتاب الله أرجى؟ فقال عبد الله بن عمرو: {قُلْ يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ}
الآية [الزمر: 53].
فقال ابن عباس: لكن قول الله: {وَإِذْ قََالَ إِبْرََاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ََ قََالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قََالَ بَلى ََ وَلََكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}، قال: فرضي منه بقوله: {بَلى ََ}. قال: فهذا لما يعترض في الصّدر مما يوسوس به الشيطان (2).
الثالث: ما أخرجه أبو نعيم في «الحلية» عن عليّ بن أبي طالب أنه قال: إنّكم يا معشر أهل العراق تقولون: أرجى آية في القرآن: {قُلْ يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} الآية [الزمر:
53]. لكنّا أهل البيت نقول: إنّ أرجى آية في كتاب الله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ََ (5)} [الضحى: 5] وهي الشفاعة.
__________
(1) انظر ما قبله.
(2) رواه الحاكم في المستدرك 4/ 261260، وأبو عبيد في الفضائل ص 277276. وفي سنده عبد الله بن صالح: ثبت في كتابه، صدوق، كثير الغلط. انظر التقريب 1/ 423، والتهذيب 5/ 256 261.(1/383)
الرابع: ما أخرجه الواحديّ، عن عليّ بن الحسين، قال: أشدّ آية على أهل النار:
{فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلََّا عَذََاباً (30)} [النبأ: 50]، وأرجى آية في القرآن لأهل التوحيد: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية [النساء: 48] (1).
وأخرج الترمذيّ وحسّنه عن عليّ، قال: أحبّ آية إليّ في القرآن: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية (2).
الخامس: ما أخرجه مسلم في صحيحه، عن ابن المبارك: أنّ أرجى آية في القرآن قوله تعالى: {وَلََا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إلى قوله: {أَلََا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَكُمْ}
[النور: 22] (3).
السادس: ما أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب «التوبة»، عن أبي عثمان النّهديّ قال:
ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صََالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} [التوبة: 102].
السابع والثامن: قال أبو جعفر النحّاس في قوله: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفََاسِقُونَ}
[الأحقاف: 35]: إنّ هذه الآية عندي أرجى آية في القرآن إلّا أنّ ابن عباس قال: أرجى آية في القرآن: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنََّاسِ عَلى ََ ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6] وكذا حكاه عنه مكّي، ولم يقل: (على إحسانهم).
التاسع: روى الهرويّ في مناقب الشافعي، عن ابن عبد الحكم، قال: سألت الشافعيّ: أيّ آية أرجى؟ قال: قوله: {يَتِيماً ذََا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذََا مَتْرَبَةٍ (16)} [البلد:
15، 16].
قال: وسألته عن أرجى حديث للمؤمن، قال: «إذا كان يوم القيامة يدفع إلى كلّ مسلم رجل من الكفار فداؤه» (4).
العاشر: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى ََ شََاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84].
__________
(1) رواه الطبري في تفسيره 12/ 410بنحوه عن عبد الله بن عمر.
(2) رواه الترمذي في سننه، برقم (3037) 5/ 247. وفي سنده: ثوير بن أبي فاختة: ضعيف، رمي بالرفض. انظر تهذيب التهذيب 2/ 3736، والتقريب 1/ 121.
(3) رواه مسلم ضمن حديث حادثة الإفك الطويل برقم (2770) 4/ 21372129.
(4) رواه مسلم (2767) 4/ 21202119، وابن ماجة (4291)، وأحمد 4/ 391، والطيالسي (499) ص 68، وأبو يعلى في مسنده (7267) 13/ 251250. وابن حبان (630) 2/ 397. وانظر باقي تخريجه وطرقه في تخريجنا لسنن ابن ماجة.(1/384)
الحادي عشر: {وَهَلْ نُجََازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: 17].
الثاني عشر: {إِنََّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنََا أَنَّ الْعَذََابَ عَلى ََ مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلََّى (48)} [طه: 48] حكاه الكرماني في العجائب.
الثالث عشر: {وَمََا أَصََابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمََا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30)}
[الشورى: 30].
حكى هذه الأقوال الأربعة النووي في «رءوس المسائل» والأخير ثابت عن علي، ففي مسند أحمد عنه قال: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله تعالى، حدّثنا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟: {«وَمََا أَصََابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمََا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30)} [الشورى:
30] وسأفسرها لك يا عليّ: «ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فيما كسبت أيديكم، والله أكرم من أن يثني العقوبة، وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعود بعد عفوه» (1).
الرابع عشر: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] قال الشبلي: إذا كان الله أذن للكافر بدخول الباب إذا أتى بالتوحيد والشهادة، أفتراه يخرج الداخل فيها والمقيم عليها؟!.
الخامس عشر: آية الدّين، ووجهه: إنّ الله أرشد عباده إلى مصالحهم الدنيوية، حتى انتهت العناية بمصالحهم إلى أمرهم بكتابة الدّين الكثير والحقير، فمقتضى ذلك ترجي عفوه عنهم، لظهور العناية العظيمة بهم.
قلت: ويلحق بهذا ما أخرجه ابن المنذر، عن ابن مسعود: أنه ذكر عنده بنو إسرائيل، وما فضّلهم الله به، فقال: كان بنو إسرائيل إذا أذنب أحدهم ذنبا أصبح وقد كتبت كفارته على أسكفّة بابه، وجعلت كفارة ذنوبكم قولا تقولونه تستغفرون الله فيغفر لكم، والذي نفسي بيده لقد أعطانا الله آية لهي أحبّ إلي من الدنيا وما فيها: {وَالَّذِينَ إِذََا فَعَلُوا فََاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللََّهَ} [آل عمران: 135] الآية.
وما أخرجه ابن أبي الدنيا في «كتاب التوبة» عن ابن عباس، قال: ثماني آيات نزلت في سورة النساء، هنّ خير لهذه الأمة ممّا طلعت عليه الشمس وغربت: أولهنّ: {يُرِيدُ اللََّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 26]، والثانية:
__________
(1) رواه أحمد في المسند 1/ 85.(1/385)
{وَاللََّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوََاتِ} [النساء: 27]، والثالثة:
{يُرِيدُ اللََّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28] الآية. والرابعة: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبََائِرَ مََا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] الآية. والخامسة: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَظْلِمُ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] الآية. والسادسة: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللََّهَ} [النساء: 110] الآية. والسابعة: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] الآية. والثامنة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللََّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} [النساء: 152] الآية.
وما أخرجه ابن أبي حاتم، عن عكرمة، قال: سئل ابن عباس: أيّ آية أرجى في كتاب الله؟ قال: قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قََالُوا رَبُّنَا اللََّهُ ثُمَّ اسْتَقََامُوا} [فصلت: 30] (1).
وما أخرجه ابن راهويه في مسنده: أنبأنا أبو عمر العقديّ، أنبأنا عبد الجليل بن عطيّة، عن محمد بن المنتشر، قال: قال رجل لعمر بن الخطاب: إنّي لأعرف أشدّ آية في كتاب الله تعالى، فأهوى عمر فضربه بالدّرّة، وقال: مالك نقّبت عنها حتى علمتها! ما هي؟
قال: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] فما منّا أحد يعمل سوءا إلا جزي به، فقال عمر: لبثنا حين نزلت ما ينفعنا طعام ولا شراب حتى أنزل الله بعد ذلك ورخص:
{وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللََّهَ يَجِدِ اللََّهَ غَفُوراً رَحِيماً (110)} [النساء:
110] (2).
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن، قال: سألت أبا برزة الأسلميّ عن أشدّ آية في كتاب الله تعالى على أهل النار، فقال: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلََّا عَذََاباً (30)} [النبأ: 30].
وفي صحيح البخاري، عن سفيان، قال: ما في القرآن آية أشدّ عليّ من: {لَسْتُمْ عَلى ََ شَيْءٍ حَتََّى تُقِيمُوا التَّوْرََاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمََا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [المائدة: 68] (3).
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس، قال: ما في القرآن أشدّ توبيخا من هذه الآية:
{لَوْلََا يَنْهََاهُمُ الرَّبََّانِيُّونَ وَالْأَحْبََارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} [المائدة: 63] الآية (4).
وأخرج ابن المبارك في «كتاب الزهد»، عن الضّحاك بن مزاحم: قرا في قول الله:
__________
(1) انظر الدر المنثور 5/ 363.
(2) انظر الدر المنثور 2/ 227وعزاه لإسحاق في مسنده.
(3) رواه البخاري 8/ 268.
(4) رواه الطبري في تفسيره عن ابن عباس 4/ 638.(1/386)
{لَوْلََا يَنْهََاهُمُ الرَّبََّانِيُّونَ وَالْأَحْبََارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} [المائدة: 63]، قال: والله ما في القرآن آية أخوف عندي منها (1).
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن، قال: ما أنزلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم آية كانت أشدّ عليه من قوله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللََّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37] الآية.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن سيرين: لم يكن شيء عندهم أخوف من هذه الآية:
{وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنََّا بِاللََّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمََا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)} [البقرة: 8].
وعن أبي حنيفة: أخوف آية في القرآن: {وَاتَّقُوا النََّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكََافِرِينَ (131)} [آل عمران: 131].
وقال غيره: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلََانِ (31)} [الرحمن: 31]. ولهذا قال بعضهم: لو سمعت هذه الكلمة من خفير الحارة لم أنم.
وفي النوادر لأبي زيد: قال مالك: أشدّ آية على أهل الأهواء قوله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] الآية. فتأوّلها على أهل الأهواء. انتهى.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي العالية، قال: آيتان في كتاب الله، ما أشدهما على من يجادل فيه: {مََا يُجََادِلُ فِي آيََاتِ اللََّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر: 4]، {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتََابِ لَفِي شِقََاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة: 176].
وقال السعيديّ: سورة الحج من أعاجيب القرآن، فيها مكيّ ومدنيّ، وحضريّ وسفريّ، وليليّ ونهاريّ، وحربيّ وسلميّ، وناسخ ومنسوخ فالمكيّ من رأس الثلاثين إلى آخرها، والمدنيّ من رأس خمس عشرة إلى رأس الثلاثين، والليليّ خمس آيات من أولها.
والنهاريّ من رأس تسع آيات إلى رأس اثنتي عشرة، والحضريّ إلى رأس العشرين.
قلت: والسفريّ أولها، والناسخ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقََاتَلُونَ} الآية [الحج: 39]، والمنسوخ: {اللََّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} الآية [الحج: 69]. نسختها آية السيف، وقوله: {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ} الآية [الحج: 52]. نسختها: {سَنُقْرِئُكَ فَلََا تَنْسى ََ (6)} [الأعلى: 6].
وقال الكرمانيّ: ذكر المفسّرون أنّ قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهََادَةُ بَيْنِكُمْ} الآية [المائدة: 106] من أشكل آية في القرآن حكما ومعنى وإعرابا.
__________
(1) رواه ابن المبارك في الزهد، حديث رقم (57) ص 19. وسنده صحيح إليه.(1/387)
وقال غيره: قوله تعالى: {يََا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31] الآية. جمعت أصول أحكام الشريعة كلّها: الأمر، والنهي، والإباحة، والخبر.
وقال الكرماني في «العجائب» في قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}
[يوسف: 3]، قيل: هو قصة يوسف، وسمّاها {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} لاشتمالها على ذكر حاسد ومحسود، ومالك ومملوك، وشاهد ومشهود، وعاشق ومعشوق، وحبس وإطلاق، وسجن وخلاص، وخصب وجدب، وغيرها ممّا يعجز عن بيانها طوق الخلق.
وقال: ذكر أبو عبيدة، عن رؤبة: ما في القرآن أعرب من قوله {فَاصْدَعْ بِمََا تُؤْمَرُ}
[الحجر: 94] (1).
وقال ابن خالويه في كتاب «ليس»: ليس في كلام العرب لفظ جمع لغات (ما) النافية إلّا حرف واحد في القرآن، جمع اللغات الثلاثة، وهو قوله: {مََا هُنَّ أُمَّهََاتِهِمْ}
[المجادلة: 2]. قرأ الجمهور بالنصب، وقرأ بعضهم بالرفع، وقرأ ابن مسعود: (ما هنّ بأمّهاتهم) بالباء (2)، قال: وليس في القرآن لفظ على (افعوعل) إلّا في قراءة ابن عباس:
(ألا إنهم تثنونى صدورهم) [هود: 5] (3).
وقال بعضهم: أطول سورة في القرآن البقرة، وأقصرها الكوثر. وأطول آية فيه آية الدّين، وأقصر آية فيه {وَالضُّحى ََ (1)}، {وَالْفَجْرِ (1)}. وأطول كلمة فيه رسما {فَأَسْقَيْنََاكُمُوهُ} [الحجر: 22].
وفي القرآن آيتان جمعت كلّ منهما حروف المعجم: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً} الآية [آل عمران: 154]. {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللََّهِ} الآية [الفتح: 29].
وليس فيه جاء بعد حاء بلا حاجز إلّا في موضعين {عُقْدَةَ النِّكََاحِ حَتََّى} [البقرة:
235] {لََا أَبْرَحُ حَتََّى} [الكهف: 60].
ولا كافان كذلك إلّا: {مَنََاسِكَكُمْ} [البقرة: 200]. {مََا سَلَكَكُمْ} [المدثر: 42].
ولا غينان كذلك إلّا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلََامِ} [آل عمران: 85].
__________
(1) انظر مجاز القرآن 2/ 355، وعمدة الحفاظ 2/ 376375.
(2) انظر الموضح في وجوه القراءات وعللها 3/ 1254والسبعة ص 628، والقراءات الشاذة لابن خالويه ص 153.
(3) انظر الدر المصون 6/ 286285وهي قراءة ابن عباس وعلي بن الحسين وابناه زيد ومحمد، وابنه جعفر، ومجاهد، وابن يعمر وعبد الرحمن بن أبزى.(1/388)
ولا آية فيها ثلاثة وعشرون كافا إلّا آية الدّين.
ولا آيتان فيهما ثلاثة عشر وقفا إلّا آيتا المواريث.
ولا سورة ثلاث آيات فيها عشر واوات إلّا والعصر إلى آخرها.
ولا سورة إحدى وخمسون آية، فيها اثنان وخمسون وقفا إلّا سورة الرحمن. ذكر أكثر ذلك ابن خالويه.
وقال أبو عبد الله الخبازي المقرئ: أول ما وردت على السلطان محمود بن ملكشاه سألني عن آية أولها غين، فقلت: ثلاث: {غََافِرِ الذَّنْبِ} [غافر: 3]. وآيتان بخلف:
{غُلِبَتِ الرُّومُ (2)} [الروم: 2]. {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7].
ونقلت من خط شيخ الإسلام ابن حجر: في القرآن أربع شدّات متوالية: في قوله:
{نَسِيًّا رَبُّ السَّمََاوََاتِ} [مريم: 64، 65]. {فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشََاهُ مَوْجٌ} [النور: 40].
{قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58]. {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمََاءَ} [الملك: 5].(1/389)
{قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58]. {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمََاءَ} [الملك: 5].
النوع الخامس والسبعون في خواصّ القرآن
أفرده بالتصنيف جماعة، منهم: التّميميّ، وحجة الإسلام الغزاليّ. ومن المتأخّرين:
اليافعيّ. وغالب ما يذكر في ذلك كان مستنده تجارب الصالحين، وها أنا أبدأ بما ورد من ذلك في الحديث، ثم ألتقط عيونا ممّا ذكره السلف والصالحون:
أخرج ابن ماجة وغيره، من حديث ابن مسعود: «عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن» (1).
وأخرج أيضا من حديث عليّ: «خير الدواء القرآن» (2).
__________
(1) رواه ابن ماجة (3452)، والحاكم 4/ 403200، وابن عدي في الكامل 3/ 210209، وأبو نعيم في الحلية 7/ 133، والدارقطني في العلل 5/ 322، والخطيب في تاريخه 11/ 385، والبيهقي في سننه 9/ 344، وفي الشعب 5/ 519.
قلت: سنده ضعيف، شاذ، فيه:
1 - زيد بن الحباب: صدوق، يخطئ في حديث الثوري، كما في التقريب 1/ 273، والتهذيب 3/ 404403، والكامل 3/ 210209. وهو هنا يرويه عن الثوري، وقد خولف فيه كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
2 - أبو إسحاق: مكثر، ثقة، عابد، اختلط بأخرة، وهو مشهور بالتدليس. انظر التقريب 2/ 73، والاغتباط ص 8887، وطبقات المدلسين ص 101. ورواية الثوري وشعبة عنه في الصحيحين.
3 - اختلف في وقفه ورفعه:
أفرواه زيد، عن سفيان، عن أبي إسحاق به مرفوعا.
ب وخالفه:
1 - وكيع: عند الحاكم 4/ 200، وابن جرير 14/ 141، والبغوي في تفسيره 3/ 76، وفي شرح السنة 12/ 143.
2 - يحيى القطان: عند الدارقطني في العلل 5/ 323.
وللموقوف طرق أخرى انظرها في تخريجنا لسنن ابن ماجة. فوكيع ترجّح روايته على زيد، والطرق الأخرى تؤيد الوقف.
فرواية الرفع شاذة، والمحفوظ الوقف، وانظر العلل للدار قطني 5/ 323322، وفتح الباري 10/ 170، وفيض القدير 4/ 343. وانظر تفصيل تخريجه في تخريجنا لسنن ابن ماجة.
(2) رواه ابن ماجة (3501) و (3533)، والديلمي في الفردوس (3712) 2/ 285. وسنده ضعيف، فيه:(1/390)
وأخرج أبو عبيد، عن طلحة بن مطرّف، قال: كان يقال إذا قرئ القرآن عند المريض وجد لذلك خفّة (1).
وأخرج البيهقيّ في الشّعب، عن واثلة بن الأسقع: أنّ رجلا شكا إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وجع حلقه، قال: «عليك بقراءة القرآن» (2).
وأخرج ابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري، قال: جاء رجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
إنّي أشتكي صدري. قال: «اقرأ القرآن» لقول الله تعالى: {وَشِفََاءٌ لِمََا فِي الصُّدُورِ} (3).
وأخرج البيهقيّ وغيره، من حديث عبد الله بن جابر: «في فاتحة الكتاب شفاء من كلّ داء» (4).
وأخرج الخلعيّ في فوائده، من حديث جابر بن عبد الله: «فاتحة الكتاب شفاء من كلّ شيء إلّا السامّ» والسام: الموت.
وأخرج سعيد بن منصور، والبيهقي وغيرهما، من حديث أبي سعيد الخدريّ:
«فاتحة الكتاب شفاء من السمّ» (5).
__________
1 - علي بن ثابت: لم يوثقه غير ابن حبان. انظر التهذيب 7/ 289، والتقريب 2/ 33، والكاشف 2/ 36، وقال: «وثق» اهـ.
2 - سعاد بن سليمان: قال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث. انظر التهذيب 3/ 462، والتقريب 1/ 285.
3 - أبو إسحاق السبيعي: ثقة، عابد، اختلط بأخرة، وهو مشهور بالتدليس. انظر التقريب 2/ 73، والاغتباط ص 8887، وطبقات المدلسين ص 101.
4 - الحارث الأعور: في حديثه ضعف. انظر التهذيب 2/ 147145، والمغني 1/ 141، والكاشف 1/ 138، والتقريب 1/ 141.
(1) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 384. والبيهقي في الشعب 2/ 519518.
(2) رواه البيهقي في الشعب 2/ 519وفيه انقطاع: مكحول اختلف في سماعه من واثلة. انظر جامع التحصيل ص 286285، والتهذيب 10/ 293289.
(3) عزاه في الدر المنثور 3/ 308لابن المنذر وابن مردويه.
(4) رواه أحمد في المسند 4/ 77ضمن حديث طويل وليس فيه أنها شفاء. والبيهقي في الشعب 2/ 449 450. وفيه: وأحسبه قال: فيها شفاء من كلّ داء. وفي سنده عبد الله بن محمد بن عقيل: صدوق، في حديثه لين، ويقال: تغيّر بأخرة. انظر التقريب 1/ 448447، والمغني 1/ 354، والكاشف 2/ 113، والتهذيب 6/ 1513. ويشهد له الذي بعده.
(5) رواه سعيد بن منصور، حديث رقم (178) 2/ 535 (التكملة). والبيهقي في الشعب 2/ 450.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - سلام الطويل: متروك. انظر التهذيب 4/ 282281، والمغني 1/ 170، والكاشف 1/ 330،(1/391)
وأخرج البخاري من حديثه أيضا، قال: كنّا في مسير لنا فنزلنا، فجاءت جارية فقالت: إنّ سيّد الحيّ سليم، فهل معكم راق؟ فقام معها رجل، فرقاه بأمّ القرآن فبرأ فذكر للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «وما كان يدريه أنها رقية» (1).
وأخرج الطبرانيّ في الأوسط، عن السائب بن يزيد، قال: «عوّذني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بفاتحة الكتاب تفلا» (2).
وأخرج البزّار من حديث أنس: «إذا وضعت جنبك على الفراش، وقرأت فاتحة الكتاب، و {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} قد أمنت من كلّ شيء إلّا الموت» (3).
وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة: «إنّ البيت الذي تقرا فيه البقرة لا يدخله الشيطان» (4).
__________
والتقريب 1/ 342.
2 - زيد العمي: ضعيف. انظر الكاشف 1/ 265، والضعفاء للعقيلي 2/ 74، والتقريب 1/ 274.
3 - أعلّه البيهقي بقوله: وعندي أن هذا اختصار من الحديث الذي رواه محمد بن سيرين، عن أخيه معبد بن سيرين، عن أبي سعيد في رقية اللديغ بفاتحة الكتاب. وسيأتي تخريجه في التعليق الآتي.
وفي الباب عن:
1 - عبد الملك بن عمير مرسلا:
رواه الدارمي في سننه، حديث رقم (3370) 2/ 538. والبيهقي في الشعب 2/ 450. وسنده حسن، ولكنه مرسل.
2 - أبي هريرة: رواه أبو الشيخ في الثواب، كما في الدر المنثور 1/ 5.
(1) رواه البخاري (5007)، ومسلم (2201)، وأبو داود (3419)، وابن حبان (6113) من طريق محمد بن سيرين، عن معبد بن سيرين، عن أبي سعيد الخدري.
ورواه من طريق أبي نضرة، عن أبي سعيد:
رواه البخاري (573654792276) ومسلم (2201)، وأبو داود (39003418) والترمذي (2063)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (103010281027). وابن ماجة (2156)، وابن السني (641) وابن حبان (6112)، وأحمد 3/ 442، والبيهقي 6/ 124.
(2) رواه الطبراني في الأوسط، حديث رقم (6757) 7/ 390، والكبير، حديث رقم (6692) 7/ 189 190، والدارقطني في الإفراد، وابن عساكر بسند ضعيف كما في الدر المنثور 1/ 4.
وسنده ضعيف، فيه: عبد الله بن يزيد البكري: ضعّفه أبو حاتم، وقال: ذاهب الحديث. انظر لسان الميزان 3/ 379، ومجمع الزوائد 5/ 113.
(3) رواه البزار في مسنده، حديث رقم (3109) 4/ 26 (كشف الأستار).
وسنده ضعيف، فيه غسان بن عبيد: ضعيف. انظر لسان الميزان 4/ 419418، ومجمع الزوائد 10/ 121.
(4) رواه مسلم (780)، والترمذي (2877)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (965)، وأحمد 2/ 284 388378337، وابن حبان (783)، والبغوي (1192).(1/392)
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند بسند حسن، عن أبيّ بن كعب قال:
كنت عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، فجاء أعرابي فقال: يا نبي الله، إني لي أخا وبه وجع، قال: «وما وجعه» قال: به لمم، قال: «فأتني به». فوضعه بين يديه، فعوّذه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بفاتحة الكتاب، وأربع آيات من أول سورة البقرة، وهاتين الآيتين: {وَإِلََهُكُمْ إِلََهٌ وََاحِدٌ}
[البقرة: 163]، وآية الكرسيّ، وثلاث آيات من آخر سورة البقرة، وآية من آل عمران:
{شَهِدَ اللََّهُ أَنَّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ} [آل عمران: 18]، وآية من الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللََّهُ}
[الأعراف: 54]، وآخر سورة المؤمنون: {فَتَعََالَى اللََّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون: 116]، وآية من سورة الجنّ: {وَأَنَّهُ تَعََالى ََ جَدُّ رَبِّنََا} [الجن: 3]، وعشر آيات من أول الصافّات، وثلاث آيات من آخر سورة الحشر، و {قُلْ هُوَ اللََّهُ أَحَدٌ (1)} والمعوّذتين فقام الرّجل كأنه لم يشك قط (1).
وأخرج الدّارميّ عن ابن مسعود موقوفا: من قرأ أربع آيات من أوّل سورة البقرة، وآية الكرسيّ، وآيتين بعد آية الكرسي، وثلاثا من آخر سورة البقرة، لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شيء يكرهه، ولا يقرأن على مجنون إلّا أفاق (2).
وأخرج البخاريّ عن أبي هريرة في قصة الصدقة: أنّ الجنّي قال له: إذا أويت إلى
__________
(1) رواه عبد الله في زوائد المسند 5/ 128، والحاكم في المستدرك 4/ 413412.
وسنده ضعيف، فيه:
1 - أبو جناب الكلبي: يحيى بن أبي حية: ضعّفوه لكثرة تدليسه، انظر التقريب 2/ 346، والكاشف 3/ 223.
2 - وقع في سنده اختلاف، اختلف على يحيى فيه:
أورد من طريق يحيى بن أبي حية، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه: رواه ابن ماجة (3549)، والطبراني في الدعاء (1080) 2/ 13051304.
ب يحيى بن أبي حية، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل، عن أبيه: رواه أبو يعلى في مسنده، حديث رقم (1594) 3/ 168167. وابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (632) ص 223 224.
ج يحيى بن أبي حية، عن زبيد اليامي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به: رواه ابن الأعرابي من طريق أبي إسحاق الفزاري.
قال الحافظ في النكت الظراف 9/ 280: «وهو أشبه، نقلته من خط ابن عبد الهادي» اهـ.
د يحيى بن حية عن عبد الله بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب. وهو حديثنا: رواه عبد الله في زوائد المسند 5/ 128.
(2) رواه الدارمي في سننه، حديث رقم (3381) 2/ 541540. والبيهقي في الشعب 2/ 464.
وفي سنده انقطاع: الشعبي، عن ابن مسعود: مرسل. انظر جامع التحصيل ص 204.(1/393)
فراشك فاقرأ آية الكرسيّ، فإنّك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتّى تصبح، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أما إنّه صدقك، وهو كذوب» (1).
وأخرج المحامليّ في «فوائده»، عن ابن مسعود، قال: قال رجل: يا رسول الله، علّمني شيئا ينفعني الله به، قال: «اقرأ آية الكرسي، فإنّه يحفظك وذرّيتك، ويحفظ دارك، حتّى الدّويرات حول دارك» (2).
وأخرج الدّينوريّ في «المجالسة» عن الحسن: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ جبريل أتاني فقال: إنّ عفريتا من الجن يكيدك، فإذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسيّ».
وفي «الفردوس» من حديث أبي قتادة: «من قرأ آية الكرسيّ [وخواتيم سورة البقرة] عند الكرب أغاثه الله» (3).
وأخرج الدارميّ عن المغيرة بن سبيع وكان من أصحاب عبد الله قال: «من قرأ عشر آيات من البقرة عند منامه، لم ينس القرآن: أربع من أولها، وآية الكرسي وآيتان بعدها، وثلاث من آخرها» (4).
وأخرج الديلمي من حديث أبي هريرة مرفوعا: «آيتان هما قرآن، وهما يشفيان، وهما ممّا يحبّهما الله، الآيتان من آخر سورة البقرة».
وأخرج الطّبراني عن معاذ: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: «ألا أعلّمك دعاء تدعو به، لو كان عليك من الدّين مثل صبر أدّاه الله عنك: {قُلِ اللََّهُمَّ مََالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشََاءُ} إلى وله: {بِغَيْرِ حِسََابٍ} [آل عمران: 2726]، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطي من
__________
(1) رواه البخاري (501032752311)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (959958). والبيهقي في الدلائل 7/ 111107، وفي الشعب 2/ 457456.
(2) وفي الباب عن علي: رواه البيهقي في الشعب 2/ 458ثم قال: «إسناده ضعيف» اهـ.
قلت: وفيه نهشل بن سعيد: متروك. انظر التقريب 2/ 307، والتهذيب 10/ 479، والكاشف 3/ 185، والمغني 2/ 702.
(3) رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (344) ص 124والديلمي في الفردوس، حديث رقم (5513) 4/ 33. وسنده ضعيف، فيه: عامر بن مدرك: لين الحديث. كما في التقريب 1/ 389، والتهذيب 5/ 80وما بين القوسين من ابن السني والديلمي.
(4) رواه الدارمي في سننه، حديث رقم (3385) 2/ 541. والبيهقي في الشعب 2/ 464. والمغيرة: وثقه ابن حبان، والعجلي، ولا يعتمد توثيقهما، ولهذا قال في الكاشف 2/ 285: «وثق»، وانظر التقريب 2/ 269، والتهذيب 10/ 260.(1/394)
تشاء منهما وتمنع من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك» (1).
وأخرج البيهقيّ في الدّعوات عن ابن عباس: «إذا استصعبت دابّة أحدكم أو كانت شموسا، فليقرأ هذه الآية في أذنيها: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللََّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)} [آل عمران: 83] (2).
وأخرج البيهقي في الشعب بسند فيه من لا يعرف عن عليّ موقوفا: «سورة الأنعام ما قرئت على عليل إلّا شفاه الله» (3).
وأخرج ابن السنيّ عن فاطمة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا دنا ولادها أمر أمّ سلمة وزينب بنت جحش أن يأتيا فيقرأ عندها آية الكرسيّ، و {إِنَّ رَبَّكُمُ اللََّهُ}. [الأعراف:
5]، ويعوّذاها بالمعوّذتين (4).
وأخرج ابن السّنيّ أيضا من حديث الحسين بن عليّ: «أمان لأمّتي من الغرق، إذا ركبوا أن يقرءوا: {بِسْمِ اللََّهِ مَجْرََاهََا وَمُرْسََاهََا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود: 41]. {وَمََا قَدَرُوا اللََّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية» (5).
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ليث، قال: بلغني أنّ هؤلاء الآيات شفاء من السّحر، يقرأن على إناء فيه ماء، ثم يصبّ على رأس المسحور: الآية التي في سورة يونس:
{فَلَمََّا أَلْقَوْا قََالَ مُوسى ََ مََا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ} إلى قوله: {الْمُجْرِمُونَ} [يونس: 8281]، وقوله: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مََا كََانُوا يَعْمَلُونَ (118)} [الأعراف: 18] إلى آخر أربع آيات. وقوله:
{إِنَّمََا صَنَعُوا كَيْدُ سََاحِرٍ} [طه: 69] الآية.
__________
(1) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (323) 20/ 155154و (332) 20/ 160159.
وسعيد لم يسمع من معاذ، انظر مجمع الزوائد 10/ 186.
(2) وفي الباب عن يونس بن عبيد: رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (510) ص 179 180. وفي سنده انقطاع.
(3) رواه البيهقي في الشعب 2/ 471. وقال: في إسناده من لا يعرف.
(4) رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (620) ص 219. وفي سنده:
1 - موسى بن محمد بن عطاء: كذاب.
2 - بقية بن الوليد: مدلس.
3 - عيسى بن إبراهيم القرشي: متروك.
(5) رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (500) ص 176. وفي سنده:
1 - يحيى بن العلاء: متهم بالوضع.
2 - مروان بن سالم: متهم بالوضع.
3 - جبارة بن المغلس: ضعيف.(1/395)
وأخرج الحاكم وغيره من حديث أبي هريرة: «ما كربني أمر إلّا تمثّل لي جبريل، فقال: يا محمد، قل: توكّلت على الحيّ الذي لا يموت. {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111)} [الإسراء: 111]» (1).
وأخرج الصّابونيّ في «المائتين» من حديث ابن عباس مرفوعا: «هذه الآية أمان من السرق: {قُلِ ادْعُوا اللََّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمََنَ} [الإسراء: 110] إلى أخر السورة» (2).
وأخرج البيهقيّ في «الدّعوات» من حديث أنس: «ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل ولا مال ولا ولد، فيقول: ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله، فيرى فيه آفة دون الموت» (3).
وأخرج الدّارميّ وغيره، من طريق عبدة بن أبي لبابة، عن زرّ بن حبيش، قال: «من قرأ آخر سورة الكهف لساعة يريد أن يقومها من الليل قامها». قال عبدة: فجرّبناه فوجدناه كذلك (4).
وأخرج الترمذي والحاكم، من حديث سعد بن أبي وقاص: «دعوة ذي النّون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: {لََا إِلََهَ إِلََّا أَنْتَ سُبْحََانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظََّالِمِينَ} [الأنبياء:
87]، لم يدع بها رجل مسلم في شيء إلا استجاب الله له» (5).
__________
(1) رواه ابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة، حديث رقم (61) ص 6564. والبيهقي في الأسماء والصفات 1/ 193192. وابن بشكوال في المستغيثين بالله تعالى، حديث رقم (52) ص 5857.
عن إسماعيل بن أبي فديك مرسلا.
ووصله الحاكم في المستدرك 1/ 509. وانظر الدر المنثور 4/ 208. وسنده ضعيف. فيه سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري: لين الحديث. انظر الكاشف 1/ 277، والتقريب 1/ 287.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 7/ 121. وفي سنده: نهشل بن سعد: متروك، وكذّبه إسحاق بن راهويه، انظر التهذيب 10/ 479، والمغني 2/ 702، والكاشف 3/ 185، والتقريب / 307.
(3) رواه ابن أبي الدنيا في الشكر، حديث رقم (1) ص 64. وابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (357) ص 128. والأصبهاني في الترغيب (332). والبيهقي في الشعب 4/ 9089و 4/ 124، وفي الأسماء والصفات 1/ 267266. والطبراني في الصغير 1/ 212والمقدسي في العدة للكرب والشدة، حديث رقم (33) ص 74.
قلت: سنده ضعيف:
1 - عيسى بن عون: مجهول. انظر الجرح 6/ 283، وابن حبان في الثقات 7/ 235.
2 - عبد الملك بن زرارة، عن أنس: لا يصح حديثه، كما قال الأزدي. انظر اللسان 4/ 63. وانظر مجمع الزوائد 10/ 143.
(4) رواه الدارمي في سننه، حديث رقم (3406) 2/ 546. وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 246. وانظر جمال القراء 1/ 65.
(5) رواه الترمذي، حديث رقم (3505) 5/ 529. والنسائي في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (656) ص(1/396)
وعند ابن السّنيّ: «إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلّا فرّج عنه كلمة أخي يونس: {فَنََادى ََ فِي الظُّلُمََاتِ أَنْ لََا إِلََهَ إِلََّا أَنْتَ سُبْحََانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظََّالِمِينَ}
[الأنبياء: 7.]» (1).
وأخرج البيهقيّ وابن السنّي وأبو عبيد، عن ابن مسعود أنه قرأ في أذن مبتلى فأفاق، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما قرأت في أذنه؟» قال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمََا خَلَقْنََاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون: 115] إلى آخر السورة، فقال: «لو أنّ رجلا موقنا قرأ بها على جبل لزال» (2).
وأخرج الديلميّ وأبو الشيخ بن حبان في فضائله، من حديث أبي ذرّ: «ما من ميّت يموت فيقرأ عنده يس إلّا هوّن الله عليه» (3).
وأخرج المحامليّ في أماليه، من حديث عبد الله بن الزّبير: «من جعل يس أمام حاجة قضيت له». وله شاهد مرسل عند الدارمي (4).
__________
416 - وأحمد في المسند 1/ 170. وأبو يعلى في مسنده حديث رقم (772) 2/ 111110. والبزار في مسنده، حديث رقم (3150) 4/ 43 (كشف الأستار)، والطبراني في الدعاء، حديث رقم (124) 2/ 838. والحاكم في المستدرك 1/ 505و 2/ 583383382. والبيهقي في الشعب، حديث رقم (620) 1/ 432. والديلمي في الفردوس، حديث رقم (2865) 2/ 332، والمقدسي في العدة للكرب والشدة، حديث رقم (20) ص 51. وسنده صحيح لغيره. فله طرق كثيرة، انظر تحقيقنا لكتاب تفريج الكروب ص 1411. فلشيخ الإسلام رسالة في شرح هذا الحديث، مهمة في بابها، قمت بتحقيقها صدرت عن مؤسسة الريان بعنوان «تفريج الكروب، شرح حديث: دعوة أخي ذي النون». فانظرها غير مأمور.
(1) انظر الحديث السابق.
(2) رواه أبو يعلى في مسنده، حديث رقم (5045) 8/ 458. وابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (631) ص 223. وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 279278. وأبو نعيم في الحلية 1/ 7.
والطبراني في الدعاء، حديث رقم (1081) 2/ 13061305.
وسنده ضعيف، فيه:
1 - الوليد بن مسلم: مدلس تدليس التسوية.
2 - ابن لهيعة: ضعيف، مختلط.
ورواه العقيلي بسند آخر فيه مجهول. قال أحمد: موضوع. كما في الميزان 2/ 175. وانظر الدر المنثور 6/ 122، والمجمع 5/ 115.
(3) رواه الديلمي في الفردوس، حديث رقم (6493) 4/ 328. وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات، حديث رقم (663) ص 242241من حديث عبد الله بن سمجج، وفيه مجاهيل.
(4) رواه الدارمي في سننه، حديث رقم (3418) 2/ 542عن عطاء بن أبي رباح مرسلا وهو مرسل، حسن الإسناد.(1/397)
وفي المستدرك عن أبي جعفر محمد بن عليّ، قال: «من وجد في قلبه قسوة فليكتب يس في جامع بماء ورد وزعفران، ثم يشربه» (1).
وأخرج ابن الضّريس، عن سعيد بن جبير: أنه قرأ على رجل مجنون سورة يس فبرأ (2).
وأخرج أيضا عن يحيى بن أبي كثير، قال: «من قرأ يس إذا أصبح لم يزل في فرح حتى يمسي، ومن قرأها إذا أمسى لم يزل في فرح حتى يصبح» أخبرنا من جرّب ذلك (3).
وأخرج الترمذيّ، من حديث أبي هريرة: «من قرأ الدّخان كلّها، وأول غافر إلى {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر: 3]، وآية الكرسي حين يمسي، حفظ بها حتّى يصبح، ومن قرأها حين يصبح حفظ بها حتّى يمسي». رواه الدّارميّ بلفظ: «لم ير شيئا يكرهه» (4).
وأخرج البيهقيّ والحارث بن أبي أسامة وأبو عبيد، عن ابن مسعود مرفوعا: «من قرأ كلّ ليلة سورة الواقعة لم تصبه فاقة أبدا» (5).
وأخرج البيهقيّ في «الدعوات»، عن ابن عباس موقوفا في المرأة يعسر عليها ولادها قال: يكتب في قرطاس ثمّ تسقى: «بسم الله الذي لا إله إلّا هو الحليم الكريم، سبحان الله وتعالى ربّ العرش العظيم. الحمد لله ربّ العالمين. {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهََا لَمْ يَلْبَثُوا إِلََّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحََاهََا (46)} [النازعات: 46].
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 428.
وفي سنده: عمرو بن ثابت: ضعيف: انظر الكامل 5/ 122120، والميزان 3/ 249، والتقريب 2/ 66.
(2) رواه ابن الضريس في فضائل القرآن ص 101.
(3) رواه ابن الضريس في فضائل القرآن ص 101.
ورواه الدارمي بنحوه (3419) 2/ 549عن ابن عباس. وفي سنده شهر: ضعيف.
(4) رواه الترمذي، حديث رقم (2879) 5/ 158157. والدارمي (3386) 2/ 5542541.
وسنده ضعيف جدا، فيه: عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مليكة: ضعيف جدا. انظر الكاشف 1/ 622، والتقريب 1/ 474، والتهذيب 6/ 146.
(5) رواه ابن الضريس في فضائل القرآن ص 103. وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 257. وابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (680) ص 240. والبيهقي في شعب الإيمان 2/ 492491، وابن الجوزي في العلل المتناهية (151) 1/ 113112.
قلت: هو حديث ضعيف.
قال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر، وشجاع، والسري: لا أعرفهما. وانظر تنزيه الشريعة 1/ 301، ولسان الميزان 6/ 392.(1/398)
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مََا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلََّا سََاعَةً مِنْ نَهََارٍ بَلََاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفََاسِقُونَ} [الأحقاف: 35]».
وأخرج أبو داود، عن ابن عباس، قال: إذا وجدت في نفسك شيئا يعني الوسوسة فقل: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظََّاهِرُ وَالْبََاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)} [الحديد: 3] (1).
وأخرج الطبراني، عن عليّ، قال: لدغت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عقرب، فدعا بماء وملح، وجعل يمسح عليها. ويقرأ: {قُلْ يََا أَيُّهَا الْكََافِرُونَ (1)} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النََّاسِ (1)} (2).
وأخرج أبو داود والنّسائي وابن حبّان والحاكم، عن ابن مسعود: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يكره الرّقى إلّا بالمعوّذات (3).
وأخرج الترمذيّ والنّسائي، عن أبي سعيد: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتعوّذ من الجان وعين الإنسان، حتى نزلت المعوذات، فأخذها وترك ما سواها (4).
فهذا ما وقفت عليه في الخواصّ من الأحاديث التي لم تصل إلى حدّ الوضع، ومن الموقوفات عن الصحابة والتابعين.
وأمّا ما لم يرد به أثر: فقد ذكر الناس من ذلك كثيرا جدا، الله أعلم بصحته.
ومن لطيفه: ما حكاه ابن الجوزيّ، عن ابن ناصر، عن شيوخه، عن ميمونة بنت شاقول البغدادية، قالت: آذانا جار لنا، فصليت ركعتين، وقرأت من فاتحة كلّ سورة آية
__________
(1) رواه أبو داود، حديث رقم (5110) 4/ 329عن ابن عباس موقوفا.
وسنده حسن.
(2) رواه الطبراني في الصغير 2/ 23، والبيهقي في الشعب 2/ 518.
وسنده ضعيف، فيه: عباد بن يعقوب الأسدي: قال أبو حاتم: كوفي، شيخ. انظر الجرح 3/ 1/ 88.
(3) جزء من حديث طويل رواه أبو داود (4222)، والنسائي 8/ 140، وأحمد 1/ 439397380، وأبو يعلى (5074) 9/ 8، وابن حبان (56835682) 12/ 496495، والبيهقي 7/ 232و 9/ 350، وفي الشعب 2/ 517وفي سنده:
1 - عبد الرحمن بن حرملة: قال البخاري 5/ 270: لم يصح حديثه. وانظر التقريب 1/ 477، والتهذيب 6/ 162161، والكاشف 1/ 625.
2 - القاسم بن حسان: مقبول. انظر التقريب 2/ 116.
(4) رواه الترمذي (2058) 4/ 395، والنسائي 8/ 271، وفي الكبرى (7930) 4/ 458، وابن ماجة (3511).
وفي سنده: الجريري: ثقة، اختلط قبل موته بثلاث سنين. انظر الاغتباط ص 6159.(1/399)
حتى ختمت القرآن، وقلت: اللهم اكفنا أمره، ثم نمت وفتحت عيني، وإذا به قد نزل وقت السحر، فزلّت قدمه فسقط ومات.
تنبيه: قال ابن التّين: الرّقى بالمعوّذات وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطبّ الرّوحانيّ، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله، فلمّا عزّ هذا النوع فزع الناس إلى الطبّ الجثمانيّ.
قلت: ويشير إلى هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أنّ رجلا موقنا قرأ بها على جبل لزال» (1).
وقال القرطبيّ: تجوز الرّقية بكلام الله وأسمائه، فإن كان مأثورا استحبّ.
وقال الربيع: سألت الشافعي عن الرّقية؟ فقال: لا بأس أن يرقى بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله.
وقال ابن بطّال: في المعوّذات سرّ ليس في غيرها من القرآن، لما اشتملت عليه من جوامع الدّعاء التي تعمّ أكثر المكروهات من السّحر والحسد وشرّ الشيطان ووسوسته وغير ذلك فلهذا كان صلّى الله عليه وسلّم يكتفي بها.
وقال ابن القيّم في حديث الرّقية بالفاتحة: إذا ثبت أنّ لبعض الكلام خواصّ ومنافع، فما الظنّ بكلام ربّ العالمين، ثم بالفاتحة الّتي لم ينزل في القرآن ولا غيره من الكتب مثلها لتضمّنها جميع ما في الكتاب، فقد اشتملت على: ذكر أصول أسماء الله ومجامعها، وإثبات المعاد، وذكر التوحيد، والافتقار إلى الربّ في طلب الإعانة به والهداية منه، وذكر أفضل الدعاء، وهو طلب الهداية إلى الصّراط المستقيم، المتضمّن كمال معرفته وتوحيده وعبادته، بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه والاستقامة عليه. ولتضمّنها ذكر أصناف الخلائق، وقسمتهم إلى منعم عليه لمعرفته بالحق والعمل به، ومغضوب عليه لعدوله عن الحقّ بعد معرفته، وضال لعدم معرفته له. مع ما تضمنته من: إثبات القدر، والشّرع، والأسماء، والمعاد، والتوبة، وتزكية النفس، وإصلاح القلب، والرّد على جميع أهل البدع.
وحقيق بسورة هذا بعض شأنها أن يستشفى بها من كلّ داء. انتهى.
مسألة: قال النوويّ في شرح المهذب: لو كتب القرآن في إناء، ثم غسله وسقاه المريض، فقال الحسن البصريّ، ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعيّ: لا بأس به، وكرهه
__________
(1) سبق تخريجه 2/ 379.(1/400)
النّخعيّ، قال: ومقتضى مذهبنا أنه لا بأس به فقد قال القاضي حسين والبغويّ وغيرهما:
لو كتب قرآن على حلوى وطعام فلا بأس بأكله. انتهى.
قال الزّركشيّ (1): ممن صرّح بالجواز في مسألة الإناء العماد النّيهيّ، مع تصريحه بأنه لا يجوز ابتلاع ورقة فيها آية لكن أفتى ابن عبد السلام بالمنع من الشرب أيضا لأنه يلاقيه نجاسة الباطن. وفيه نظر.
__________
(1) البرهان 1/ 476475.(1/401)
النوع السادس والسبعون في مرسوم الخط وآداب كتابته (1)
أفرده بالتصنيف خلائق من المتقدمين والمتأخرين، منهم أبو عمرو الدّاني.
وألّف في توجيه ما خالف قواعد الخط منه أبو العباس المراكشي كتابا سمّاه «عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل» بيّن فيه أنّ هذه الأحرف إنّما اختلف حالها في الخط بحسب اختلاف أحوال معاني كلماتها. وسأشير هنا إلى مقاصد ذلك إن شاء الله تعالى:
أخرج ابن أشتة في كتاب «المصاحف» بسنده عن كعب الأحبار، قال: أوّل من وضع الكتاب العربيّ والسّريانيّ والكتب كلّها آدم صلّى الله عليه وسلّم قبل موته بثلاثمائة سنة، كتبها في الطين، ثم طبخه، فلمّا أصاب الأرض الغرق أصاب كلّ قوم كتابهم فكتبوه، فكان إسماعيل بن إبراهيم أصاب كتاب العرب (2).
ثم أخرج من طريق عكرمة، عن ابن عباس، قال: أول من وضع الكتاب العربي إسماعيل، وضع الكتاب كلّه على لفظه ومنطقه، ثم جعله كتابا واحدا مثل الموصول حتى فرّق بينه ولده. يعني أنه وصل فيه جميع الكلمات، ليس بين الحروف فرق هكذا:
(بسمللهرّ حمنرّ حيم)، ثمّ فرقه من بنيه همسع وقيذر (3).
ثم أخرج من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: أوّل كتاب أنزله الله من السماء أبو جاد (4).
__________
(1) انظر في هذا المبحث: البرهان 1/ 431376، ودليل الحيران على مورد الظمآن في فني الرسم والضبط، و «رسم المصحف»، ومناهل العرفان 1/ 306300.
(2) انظر محاضرة الأوائل ص 2622.
(3) ذكره السيوطي في المزهر، كما في محاضرة الأوائل ص 26، وانظر الصاحبي ص 38، والبرهان 1/ 377.
(4) انظر محاضرة الأوائل ص 26، وانظر الصاحبي ص 38، والبرهان 1/ 377.(1/402)
وقال ابن فارس (1): الذي نقوله: إنّ الخطّ توقيفيّ، لقوله تعالى: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسََانَ مََا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق: 4، 5]، {ن وَالْقَلَمِ وَمََا يَسْطُرُونَ (1)} [القلم: 1]، وإنّ هذه الحروف داخلة في الأسماء التي علّم الله آدم.
وقد ورد في أمر أبي جاد ومبتدأ الكتابة أخبار كثيرة، ليس هذا محلّها وقد بسطتها في تأليف مفرد.
فصل (2)
القاعدة العربية أنّ اللفظ يكتب بحروف هجائية مع مرعاة الابتداء به والوقف عليه،
وقد مهّد النحاة له أصولا وقواعد، وقد خالفها في بعض الحروف خطّ المصحف الإمام.
وقال أشهب: سئل مالك: هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟
فقال: لا، إلّا على الكتبة الأولى. رواه الداني في «المقنع» ثم قال: ولا مخالف له من علماء الأمة.
وقال في موضع آخر: سئل مالك عن الحروف في القرآن مثل الواو والألف أترى أن يغيّر من المصحف إذ وجد فيه كذلك؟ قال: لا (3).
قال أبو عمرو: يعني الواو والألف المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ نحو:
(أولوا).
وقال الإمام أحمد: يحرم مخالفة مصحف الإمام في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك (4).
وقال البيهقيّ في شعب الإيمان (5): من يكتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به هذه المصاحف، ولا يخالفهم فيه، ولا يغيّر مما كتبوه شيئا، فإنهم كانوا أكثر علما، وأدقّ قلبا ولسانا، وأعظم أمانة منّا، فلا ينبغي أن نظنّ بأنفسنا استدراكا عليهم.
قلت: وسنحصر أمر الرسم في: الحذف، والزيادة، والهمز، والبدل، والفصل، وما فيه قراءتان فكتب على إحداهما.
__________
(1) الصاحبي ص 36وانظر إلى ص 41، والبرهان 1/ 378377.
(2) انظر البرهان 1/ 380378، ودليل الحيران ص 1917.
(3) انظر البرهان 1/ 379.
(4) انظر البرهان 1/ 379.
(5) شعب الإيمان 2/ 548.(1/403)
القاعدة الأولى: في الحذف (1)
تحذف الألف من ياء النداء، نحو يأيّها النّاس، يادم، يربّ يعبادى، وهاء التنبيه، نحو: هؤلاء، هأنتم، ونا مع ضمير نحو أنجينكم، ءاتينه.
ومن {ذََلِكَ}، و {فَأُولََئِكَ}، وأهلكنها، و {تَبََارَكَ}، وفروع الأربعة.
و {اللََّهِ}، و {إِلََهَ} كيف وقع، و {بِالرَّحْمََنِ}، وسُبْحََنَ * كيف وقع، إلّا: {قُلْ سُبْحََانَ رَبِّي} [الإسراء: 93].
وبعد لام نحو: خلئف [الأنعام: 165]. خلف رسول الله [التوبة: 81].
سلم [الأنعام: 54]. غلم [آل عمران: 40]. لإيلاف [قريش: 1]. يلقوا [الزخرف: 83].
وبين لامين، نحو: الكللة [النساء: 176]. الضّللة [البقرة: 16].
وخلل الدّيار [الإسراء: 5] {لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [آل عمران: 96].
ومن كلّ علم زائد على ثلاثة: كإبراهيم وصالح، وميكائيل، إلّا جالوت وطالوت وهامان ويأجوج ومأجوج وداود، لحذف واوه. وإسرائيل، لحذف يائه.
واختلف في هاروت وماروت وقارون.
ومن كلّ مثنى، اسم أو فعل إن لم يتطرّف، نحو: {رَجُلََانِ} [المائدة: 23].
{يُعَلِّمََانِ} [البقرة: 102]. {أَضَلََّانََا} [فصلت: 29]. {إِنْ هََذََانِ} [طه: 63]. إلا {بِمََا قَدَّمَتْ يَدََاكَ} [الحج: 10].
ومن كلّ جمع تصحيح لمذكر أو مؤنث، نحو: اللّعنون [البقرة: 159].
ملقوا ربّهم [البقرة: 46]، إلا {طََاغُونَ} في الذاريات: [53] و [الطّور: 32]. وكراما كاتبين (11) [الانفطار: 11]. وإلّا {رَوْضََاتِ} في شورى: [22]. وءايت للسّائلين [يوسف: 7]. ومكر فى ءاياتنا، وءاياتنا بيّنت في يونس: [21،
__________
(1) انظر البرهان 1/ 381.(1/404)
15]. وإلّا إن تلاها همزة، نحو: والصّائمين والصّائمات [الأحزاب: 35]. أو تشديد، نحو: {الضََّالِّينَ} [الفاتحة: 7]. وو الصّافّات [الصافات: 1]، فإن كان في الكلمة ألف ثانية حذفت أيضا، إلّا سبع سموات في فصّلت: [12].
ومن كلّ جمع على (مفاعل) أو شبهه، نحو: المسجد [البقرة: 114].
وو مسكن [التوبة: 24]. وو اليتمى [البقرة: 83]. والنّصرى [البقرة: 62].
وو المسكين [البقرة: 83]. والْخَبََئِثَ [الأنبياء: 74]. والملائكة [البقرة:
31]. والثانية من خطينا [طه: 73]. كيف وقع.
ومن كلّ عدد كثلاث وثلاث، وسحر [الأعراف: 112]. كيف وقع إلّا في آخر الذاريات: [52]. فإن ثنّي فألفاه. والْقِيََمَة [النساء: 87]. والشّيطان [الأنعام:
68]. وسلطنا [سبأ: 21]. وفتعلى والتي والّئى وخلق وعلم وبقدر. والأصحاب والأنهار والكتاب ومنكّر الثلاثة، إلّا أربعة مواضع:
{لِكُلِّ أَجَلٍ كِتََابٌ} [الرعد: 38]. {كِتََابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4]. {كِتََابِ رَبِّكَ} في الكهف: [27]. و {وَكِتََابٍ مُبِينٍ} في النمل: [1، 75]. ومن البسملة وبسم الله مجريها [هود: 41]. ومن أول الأمر من (سأل).
ومن كلّ ما اجتمع فيه ألفان أو ثلاثة، نحو ءأدم، ءأخر، ء أشفقتم، ء أنذرتم.
ومن رأى كيف وقع، إلّا فلمّا رءآ، {لَقَدْ رَأى ََ} في النجم: [11، 18]. وإلا ونئا [الإسراء: 3، فصلت: 51]. وءآلئن [يونس: 51، 91]. إلا فمن يستمع الآن [الجن: 9].
والألفان من {الْأَيْكَةِ} إلّا في الحجر: [78]، وق: [14].
وتحذف الياء من كل منقوص منون، رفعا وجرّا، نحو: {بََاغٍ وَلََا عََادٍ} [البقرة:
173].
والمضاف لها إذا نودي، إلّا: {يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} [الزمر: 53]. {يََا عِبََادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} في العنكبوت: [56] أو لم يناد، إلّا: {وَقُلْ لِعِبََادِي} [الإسراء: 53]. {أَسْرِ بِعِبََادِي} في طه: [77] {وَحَمَلَهَا} [الدخان: 23]. {فَادْخُلِي فِي عِبََادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)}
[الفجر: 29، 30].
ومع مثلها، نحو {وَلِيٍّ} [البقرة: 107]. والحواريّن [المائدة: 111].
و {مُتَّكِئِينَ} [المطففين: 18]، إلّا {عِلِّيِّينَ} [فاطر: 43]. و {وَيُهَيِّئْ} [الكهف: 16].(1/405)
ومع مثلها، نحو {وَلِيٍّ} [البقرة: 107]. والحواريّن [المائدة: 111].
و {مُتَّكِئِينَ} [المطففين: 18]، إلّا {عِلِّيِّينَ} [فاطر: 43]. و {وَيُهَيِّئْ} [الكهف: 16].
و {هَيِّئْ} [الكهف: 10]. و {الْمَكْرُ السَّيِّئُ} [فاطر: 43]. و {سَيِّئَةٌ} [آل عمران:
120]. و {السَّيِّئَةِ} [الأعراف: 95]. و {أَفَعَيِينََا} [ق: 15]. و {يُحْيِ} [البقرة: 73] مع ضمير لا مفردا.
وحيث وقع: {وَأَطِيعُونِ}، {فَاتَّقُونِ}، {وَخََافُونِ}، {فَارْهَبُونِ}، {فَأَرْسِلُونِ}
و {فَاعْبُدُونِ}: إلّا في يس، و {وَاخْشَوْنِي} إلّا في البقرة، و {يَكِيدُونَ} إلّا {فَكِيدُونِي جَمِيعاً} [هود: 55]. {فَاتَّبِعُونِي} إلّا في آل عمران وطه، و {فَلََا تُنْظِرُونِ} [يونس: 71] و {فَلََا تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء: 37]. و {وَلََا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152]. و {وَلََا تَقْرَبُونِ}
[يوسف: 6]. و {وَلََا تُخْزُونِ} [الحجر: 69]. و {فَلََا تَفْضَحُونِ} [الحجر: 68].
و {يَهْدِيَنِ} [الكهف: 54]. و {سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99]. و {كَذَّبُونِ} [المؤمنون:
26]. {يَقْتُلُونَ} [البقرة: 61]. {أَنْ يُكَذِّبُونِ} [الشعراء: 12]. و {وَعِيدِ} و {الْجَوََارِ}
و {بِالْوََادِ} [النازعات: 16]. و {الْمُهْتَدُونَ} [الإسراء: 97] إلّا في الأعراف.
وتحذف الواو مع أخرى، نحو لا يستون [التوبة: 19]. {فََاؤُ} [البقرة: 226].
وإذا الموءودة [التكوير: 8]. {يَؤُساً} [الإسراء: 83].
وتحذف اللام مدغمة في مثلها، نحو الّيل، والذي. إلّا: الله، واللهم، واللعنة وفروعه، و: اللهو واللغو واللؤلؤ واللات واللمم واللهب واللطيف واللوامة.
فرع في الحذف الذي لم يدخل تحت القاعدة:
حذف الألف من ملك الملك [آل عمران: 26]. ذرّيّة ضعفا [النساء: 9].
مرغما، [النساء: 100]. خدعهم [النساء: 142]. أكّالون للسّحت [المائدة:
42]. بلغ [المائدة: 95]. ليجادلوكم [الأنعام: 121]. {وَبَطَلَ مََا كََانُوا يَعْمَلُونَ}
في الأعراف: [139]، وهود: [16] الميعد في الأنفال: [42]. تربا في الرعد [5]، والنمل: [67]، وعمّ: [40]. جذذا [الأنبياء: 58]. يسرعون [آل عمران:
114]. أيّه المؤمنون [النور: 31]. يا أيّه السّاحر [الزخرف: 49]. {أَيُّهَ الثَّقَلََانِ}
[الرحمن: 31]. أمّ موسى فرغا [الأنبياء: 58]. وهل نجزى [سبأ: 17] ومن هو كذب [هود: 93]. للقسية [الزمر: 22]. في الزمر، أثرة [الأحقاف: 4].
عهد عليه الله [الفتح: 10]. ولا كذّبا [النبأ: 35].
وحذفت الياء من {إِبْرََاهِيمَ} في البقرة، و {الدََّاعِ إِذََا دَعََانِ} [البقرة: 186].
و {وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [آل عمران: 20]. {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللََّهُ} [النساء: 146]. {وَقَدْ هَدََانِ}
[الأنعام: 80]. {نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 103]. {فَلََا تَسْئَلْنِ مََا} [هود: 6]. {يَوْمَ يَأْتِ لََا تَكَلَّمُ} [هود: 105]. {حَتََّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً} [يوسف: 66]. {تُفَنِّدُونِ} [يوسف: 94].(1/406)
وحذفت الياء من {إِبْرََاهِيمَ} في البقرة، و {الدََّاعِ إِذََا دَعََانِ} [البقرة: 186].
و {وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [آل عمران: 20]. {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللََّهُ} [النساء: 146]. {وَقَدْ هَدََانِ}
[الأنعام: 80]. {نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 103]. {فَلََا تَسْئَلْنِ مََا} [هود: 6]. {يَوْمَ يَأْتِ لََا تَكَلَّمُ} [هود: 105]. {حَتََّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً} [يوسف: 66]. {تُفَنِّدُونِ} [يوسف: 94].
{الْمُتَعََالِ} [الرعد: 9]. {مَتََابِ} [الرعد: 30]. {مَآبٍ} [الرعد: 29، ص: 25] {عِقََابِ} في الرّعد: [32]، وغافر: [5، وص: 4].
{فِيهََا عَذََابٌ} [الأحقاف: 24]. {أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: 22]. {وَتَقَبَّلْ دُعََاءِ} [إبراهيم: 40]. {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} [الإسراء: 62]. {أَنْ يَهْدِيَنِ}، {إِنْ تَرَنِ}، {أَنْ يُؤْتِيَنِ} {أَنْ تُعَلِّمَنِ} {نَبْغِ} الخمسة في الكهف: [24، 39، 40، 66، 64].
{أَلََّا تَتَّبِعَنِ} في طه: [93]. {وَالْبََادِ} [الحج: 25]. و {وَإِنَّ اللََّهَ لَهََادِ} [الحج:
25]. {أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 98]. {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99]. و {وَلََا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108]. {وَيَسْقِينِ} [الشعراء: 79]. {يَشْفِينِ} [الشعراء: 80]. {يُحْيِينِ}
[الشعراء: 81]. {وََادِ النَّمْلِ} [النمل: 18]. {أَتُمِدُّونَنِ} [النمل: 36]. فما آتان [النمل: 36]. {تَشْهَدُونِ} [النمل: 32]. {بِهََادِ الْعُمْيِ} [النمل: 81، الروم: 53].
{كَالْجَوََابِ} [سبأ: 13]. {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمََنُ} [يس: 23]. {وَلََا يُنْقِذُونِ} [يس: 23].
و {فَاسْمَعُونِ} [يس: 25]. {لَتُرْدِينِ} [الصافات: 56]. {صََالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 163].
{التَّلََاقِ} [غافر: 15]. {التَّنََادِ} [غافر: 32]. {تَرْجُمُونِ} [الدخان: 20]. {فَاعْتَزِلُونِ}
[الدخان: 21]. {يُنََادِ الْمُنََادِ} [ق: 41]. {لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. {يُطْعِمُونِ}
[الذاريات: 57]. {يَدْعُ الدََّاعِ} مرتين في القمر: [6، 7]. {يَسْرِ} [الفجر: 4].
{أَكْرَمَنِ} [الفجر: 15]. {أَهََانَنِ} [الفجر: 16]. {وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6].
وحذفت الواو من: {وَيَدْعُ الْإِنْسََانُ} [الإسراء: 11]. {وَيَمْحُ اللََّهُ} في شورى:
[24]. {يَوْمَ يَدْعُ الدََّاعِ} [القمر: 6]. {سَنَدْعُ الزَّبََانِيَةَ (18)} [العلق: 18].
قال المراكشيّ: والسرّ في حذفها من هذه الأربعة التنبيه على سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل، وشدّة وقوع المنفعل المتأثر به في الوجود، وأما {وَيَدْعُ الْإِنْسََانُ}
فيدلّ على أنه سهل عليه، ويسارع فيه كما يسارع في الخير، بل إثبات الشرّ إليه من جهة ذاته أقرب إليه من الخير. وأمّا {وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ} فللإشارة إلى سرعة ذهابه واضمحلاله. وأمّا {يَدْعُ الدََّاعِ} [القمر: 6] فللإشارة إلى سرعة الدّعاء، وسرعة إجابة المدعوّين. وأما الأخيرة: فللإشارة إلى سرعة الفعل، وإجابة الزّبانية، وشدة البطش.(1/407)
قال المراكشيّ: والسرّ في حذفها من هذه الأربعة التنبيه على سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل، وشدّة وقوع المنفعل المتأثر به في الوجود، وأما {وَيَدْعُ الْإِنْسََانُ}
فيدلّ على أنه سهل عليه، ويسارع فيه كما يسارع في الخير، بل إثبات الشرّ إليه من جهة ذاته أقرب إليه من الخير. وأمّا {وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ} فللإشارة إلى سرعة ذهابه واضمحلاله. وأمّا {يَدْعُ الدََّاعِ} [القمر: 6] فللإشارة إلى سرعة الدّعاء، وسرعة إجابة المدعوّين. وأما الأخيرة: فللإشارة إلى سرعة الفعل، وإجابة الزّبانية، وشدة البطش.
القاعدة الثانية: في الزيادة:
زيدت ألف بعد الواو آخر اسم مجموع: نحو: {بَنُوا إِسْرََائِيلَ}، {مُلََاقُوا رَبِّهِمْ}
[البقرة: 46]. {أُولُوا الْأَلْبََابِ} [آل عمران: 7]. بخلاف المفرد، نحو {لَذُو عِلْمٍ} [يوسف:
68]. إلّا الربوا [البقرة: 275]. وإن امرؤا هلك [النساء: 176].
وآخر فعل مفرد أو جمع، مرفوع أو منصوب، إلّا: جاءوك [آل عمران: 184].
و {وَبََاؤُ} [البقرة: 61]. حيث وقعا، وو عتو عتوّا [الفرقان: 21]. {فَإِنْ فََاؤُ}
[البقرة: 226]. والّذين تبوّءو الدّار [الحشر: 9]. {عَسَى اللََّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} في النساء:
[99]. سعو فى آياتنا في سبأ: [5].
وبعد الهمزة المرسومة واوا: نحو: {تَفْتَؤُا} [يوسف: 85]. وفي {مِائَةٌ}
و {مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66]. و {الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10]. و {الرَّسُولَا} [الأحزاب: 66].
و {السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67]. ولا تقولنّ لشاىء [الكهف: 23]. ولأاذبحنّه [النمل: 21]. {وَلَأَوْضَعُوا خِلََالَكُمْ} [التوبة: 47]. و {أَلََا إِلَى اللََّهِ} [آل عمران: 158].
و {لَإِلَى الْجَحِيمِ} [الصافات: 68]. ولا تيأسوا من روح الله إنّه لا ييائس [يوسف:
87]. أفلم يايئس [الرعد: 31].
وبين الياء والجيم: في وجايء في الزّمر: [69]، والفجر: [23]. وكتبت {ابْنَ} بالهمزة مطلقا وزيدت ياء: في: نبإى المرسلين [الأنعام: 34]. و {وَمَلَائِهِ} [الأعراف: 103].
و {وَمَلَائِهِمْ} [يونس: 83]. وو من ءانائ الّيل في طه: [130]. من تلقايء نفسى [يونس: 15]. من ورآى حجاب في شورى: [51]. وو إيتاي ذى القربى في النحل: [90]. و {وَعْدَهُ وَلََكِنَّ} في الروم: [16] بأيّيكم المفتون (6) [القلم: 6].
بنيناها بأييد [الذاريات: 47]. أفإين مات [آل عمران: 144]. أفإين مت [الأنبياء: 34].
وزيدت واو: في: {أُولُوا الْفَضْلِ} وفروعه، وسأوريكم [الأعراف: 145].
قال المراكشي: وإنّما زيدت هذه الأحرف في هذه الكلمات، نحو وجايء، ونبإى ونحوهما للتهويل والتفخيم والتهديد والوعيد، كما زيدت في بأييد تعظيما
لقوة الله تعالى التي بنى بها السّماء، التي لا تشابهها قوة.(1/408)
قال المراكشي: وإنّما زيدت هذه الأحرف في هذه الكلمات، نحو وجايء، ونبإى ونحوهما للتهويل والتفخيم والتهديد والوعيد، كما زيدت في بأييد تعظيما
لقوة الله تعالى التي بنى بها السّماء، التي لا تشابهها قوة.
وقال الكرمانيّ في العجائب: كانت صورة الفتحة في الخطوط قبل الخط العربي ألفا، وصورة الضمّة واوا، وصورة الكسرة ياء، فكتبت {وَلَأَوْضَعُوا خِلََالَكُمْ} ونحوه بالألف، مكان الفتحة، وو إيتاى ذى القربى بالياء مكان الكسرة و {وَأُولََئِكَ}
ونحوه بالواو مكان الضمة، لقرب عهدهم بالخطّ الأول.
القاعدة الثالثة: في الهمز:
يكتب الساكن بحرف حركة ما قبله، أولا أو وسطا أو وسطا أو آخرا، نحو: {ائْذَنْ} [التوبة: 49]. و {اؤْتُمِنَ} [البقرة: 283]. و {الْبَأْسََاءِ} [البقرة: 177]. و {اقْرَأْ}، و {جِئْنََاكَ} [الحجر: 63]. و {وَهَيِّئْ} [الكهف: 10]. و {وَالْمُؤْتُونَ} [النساء: 162].
و {تَسُؤْهُمْ} [آل عمران: 120]. إلّا فادّرأتم [البقرة: 72]. و {وَرِءْياً} [مريم:
74]. و {لِلرُّءْيََا} [يوسف: 43]. وشطه [الفتح: 29]. فحذف فيها. وكذا أوّل الأمر بعد فاء، نحو: {فَأْتُوا} [البقرة: 23]. أو واو، نحو: {وَأْتَمِرُوا} [الطلاق: 6].
والمتحرك إن كان أوّلا أو اتّصل به حرف زائد بالألف مطلقا أي: سواء كان فتحا أو ضما أو كسرا نحو: {وَأَيُّوبَ} {إِذََا} {أُولُوا الْقُرْبى ََ} {سَأَصْرِفُ}
[الأعراف: 146]. {فَبِأَيِّ}، {سَأُنْزِلُ} [الأنعام: 93]. إلا مواضع: {أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ}
[الأنعام: 19]. {أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ} {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ} في النمل: [55]، {أَإِنََّا لَمُخْرَجُونَ}
[النمل: 67]. {أَإِنََّا لَتََارِكُوا آلِهَتِنََا} [الصافات: 36]. و {أَإِنَّ لَنََا} في الشعراء: [41].
{أَإِذََا مِتْنََا} [المؤمنون: 82]. {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ} [يس: 19]. {أَإِفْكاً} [الصافات: 86].
{أَئِمَّةَ} [التوبة: 12]. {لِئَلََّا}، {لَئِنِ}، {يَوْمَئِذٍ}، {حِينَئِذٍ}. فتكتب فيها بالياء، إلا قل أؤنبئكم [آل عمران: 15]. و {هََؤُلََاءِ} فتكتب بالواو.
وإن كان وسطا، فبحرف حركته: نحو: {سَأَلَ} {سُئِلَ} {نَقْرَؤُهُ} إلا {جَزََاؤُهُ} الثلاثة في يوسف: [74، 75]. و {لَأَمْلَأَنَّ} [الأعراف: 18]. و {امْتَلَأْتِ}
[ق: 30]. و {اشْمَأَزَّتْ} [الزمر: 45]. و {وَاطْمَأَنُّوا} [يونس: 7]. فحذف فيها.
وإلّا إن فتح وكسر أو ضم ما قبله، أو ضم وكسر ما قبله، فبحرفه. نحو: {بِالْخََاطِئَةِ} [الحاقة: 9]. {فُؤََادَكَ} [هود: 120]. {سَنُقْرِئُكَ} [الأعلى: 6].
وإن ما قبله ساكنا حذف هو، نحو: {يُسْئَلُ} [الأنبياء: 23]. {لََا تَجْأَرُوا}
[المؤمنون: 65]. إلّا: {النَّشْأَةَ} [النجم: 53]. و {مَوْئِلًا} في الكهف: [58].(1/409)
وإلّا إن فتح وكسر أو ضم ما قبله، أو ضم وكسر ما قبله، فبحرفه. نحو: {بِالْخََاطِئَةِ} [الحاقة: 9]. {فُؤََادَكَ} [هود: 120]. {سَنُقْرِئُكَ} [الأعلى: 6].
وإن ما قبله ساكنا حذف هو، نحو: {يُسْئَلُ} [الأنبياء: 23]. {لََا تَجْأَرُوا}
[المؤمنون: 65]. إلّا: {النَّشْأَةَ} [النجم: 53]. و {مَوْئِلًا} في الكهف: [58].
فإن كان ألفا وهو مفتوح: فقد سبق أنّها تحذف لاجتماعها مع ألف مثلها إذ الهمزة حينئذ بصورتها، نحو: {أَبْنََاءَنََا} [آل عمران: 61]. وحذف منها أيضا في قرءنا في يوسف: [2]، والزخرف: [3].
فإنّ ضمّ أو كسر فلا، نحو: {وَآبََاؤُكُمْ} [النساء: 11]. {آبََائِهِمْ} [الأنعام:
87]. إلّا: {وَقََالَ أَوْلِيََاؤُهُمْ} [الأنعام: 128]. {إِلى ََ أَوْلِيََائِهِمْ} في الأنعام: [121].
{إِنْ أَوْلِيََاؤُهُ} في الأنفال: [34]. {نَحْنُ أَوْلِيََاؤُكُمْ} في فصلت: [31].
وإن كان بعده حرف يجانسه: فقد سبق أيضا أنه يحذف، نحو شنئان [المائدة: 8]. خسئين [الأعراف: 166]. {مُسْتَهْزِؤُنَ} [البقرة: 14].
وإن كان آخرا: فبحرف حركة ما قبله، نحو: {سَبَإٍ} [النمل: 22]. {شََاطِئِ}
[القصص: 30]. {وَلُؤْلُؤاً} [الطور: 24]. إلّا في مواضع: {تَفْتَؤُا} [يوسف: 85].
{يَتَفَيَّؤُا} [النحل: 48]. {أَتَوَكَّؤُا} [طه: 18]. {لََا تَظْمَؤُا} [طه: 119]. {مََا يَعْبَؤُا}
[الفرقان: 77]. {يَبْدَؤُا} [الروم: 11]. {يُنَشَّؤُا} [الزخرف: 18]. {يَدْرَؤُا} نبؤا [ص: 67]. قال الملأ الأوّل في {قَدْ أَفْلَحَ} والثلاثة في النمل. جزؤا في خمسة مواضع: اثنان في المائدة: [8533]. وفي الزمر: [34، والشورى: [40]، والحشر:
[17]. شركؤا في الأنعام: [94]، وشورى: [21]. يأتيهم أنبؤا في الأنعام:
[5]، والشعراء: [6]. علمؤا بنى [الشعراء: 197]. من عباده العلمؤا [فاطر: 28].
الضّعفؤا في إبراهيم: [21]، وغافر: [47]. {فِي أَمْوََالِنََا مََا نَشََؤُا} [هود: 87].
وو ما دعؤا في غافر: [50]. شفعؤا في الروم: [13]. إنّ هذا لهو البلؤا [الصافات: 106]. {بَلََؤُا مُبِينٌ} في الدخان: [33]. برءؤا منكم [الممتحنة: 4] فكتب في الكل بالواو.
فإن سكن ما قبله حذف هو، نحو: {مِلْءُ الْأَرْضِ} [آل عمران: 91]. {دِفْءٌ}
[النحل: 5]. {شَيْءٍ} {الْخَبْءَ} [النمل: 25]. {مََاءً} إلّا: {لَتَنُوأُ} [القصص: 76].
و {أَنْ تَبُوءَ} [المائدة: 29]. و {السُّواى ََ} [الروم: 10] كذا استثناه الفراء.
قلت: وعندي أنّ هذه الثلاثة لا تستثنى، لأنّ الألف التي بعد الواو ليست صورة الهمزة، بل هي المزيدة بعد واو الفعل.(1/410)
قلت: وعندي أنّ هذه الثلاثة لا تستثنى، لأنّ الألف التي بعد الواو ليست صورة الهمزة، بل هي المزيدة بعد واو الفعل.
القاعدة الرابعة: في البدل:
يكتب بالواو للتّفخيم: ألف الصّلوة والزّكوة والحيوة والرّبوا غير مضافات. والغداوة، ومشكاة، والنّجوة [غافر: 41]. وو منوة [النجم: 20].
وبالياء: كل ألف منقلبة عنها، نحو: يتوفّكم [يونس: 104]. في اسم أو فعل، اتّصل به ضمير أو لا، لقي ساكنا أم لا، ومنه: {يََا حَسْرَتى ََ} [الزمر: 56]. {يََا أَسَفى ََ} [يوسف: 84]. إلّا {تَتْرََا} [المؤمنون: 44]. و {كِلْتَا} [الكهف: 33]. وهداني [الأنعام: 161]. و {وَمَنْ عَصََانِي} [إبراهيم: 36]. و {الْأَقْصَى} [الإسراء: 1]. و {أَقْصَا الْمَدِينَةِ} [القصص: 20]. و {مَنْ تَوَلََّاهُ} [الحج: 4]. و {طَغَى الْمََاءُ} [الحاقة: 11].
و {سِيمََاهُمْ} [الفتح: 29]. وإلّا ما قبلها ياء، كالدنيا، و {الْحَوََايََا} [الأنعام: 146].
إلّا {وَيَحْيى ََ} اسما أو فعلا.
ويكتب بها إلى، وعلى، وأنّى بمعنى كيف، ومتى وبلى، وحتى إلّا لدا الباب [يوسف: 25].
ويكتب بالألف الثلاثيّ الواويّ، اسما أو فعلا، نحو: {الصَّفََا} [البقرة: 158].
و {شَفََا} [آل عمران: 103]. و {عَفَا} [المائدة: 95]. إلّا {ضُحًى} [الأعراف: 98].
كيف وقع، و {مََا زَكى ََ مِنْكُمْ} [النور: 21]. ودحها [النازعات: 30]. وتلها [الشمس: 2]. وطحها [الشمس: 6]. و {سَجى ََ} [الضحى: 2].
ويكتب بالألف نون التوكيد الخفيفة: {لَنَسْفَعاً} [العلق: 15]. و {وَلَيَكُوناً}
[يوسف: 32]. و {إِذََا}. وبالنون {وَكَأَيِّنْ}.
وبالهاء هاء التأنيث، إلّا: {رَحْمَتَ} في البقرة: [218]، والأعراف: [56]، وهود: [73]، ومريم: [2]، والروم: [50]، والزخرف: [32]، و {نِعْمَتَ} في البقرة:
[231]، وآل عمران: [103]، والمائدة: [11]، وإبراهيم: [28]، والنحل: [72]، ولقمان: [31]، وفاطر: [3]، والطّور: [29]. و {سُنَّتُ} في الأنفال: [38]، وفاطر:
[43]، وثاني غافر: [85]. و {امْرَأَتُ} مع زوجها، و {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى ََ}
[الأعراف: 137]. {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللََّهِ} [آل عمران: 61]. {وَالْخََامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللََّهِ}
[النور: 7]. وو معصيت في قد سمع [98]. إنّ شجرت الزّقّوم (43) [الدخان:
43]. {قُرَّتُ عَيْنٍ} [القصص: 9]. وو جنّت نعيم [الواقعة: 89]. {بَقِيَّتُ اللََّهِ} [هود:(1/411)
[43]، وثاني غافر: [85]. و {امْرَأَتُ} مع زوجها، و {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى ََ}
[الأعراف: 137]. {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللََّهِ} [آل عمران: 61]. {وَالْخََامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللََّهِ}
[النور: 7]. وو معصيت في قد سمع [98]. إنّ شجرت الزّقّوم (43) [الدخان:
43]. {قُرَّتُ عَيْنٍ} [القصص: 9]. وو جنّت نعيم [الواقعة: 89]. {بَقِيَّتُ اللََّهِ} [هود:
86]. ويأبت [يوسف: 4]. و {اللََّاتَ} [النجم: 19] و {مَرْضََاتِي} [البقرة: 207 265، والنساء: 114، والتحريم: 1]. و {هَيْهََاتَ} [المؤمنون: 36]. و {ذََاتَ} [الأنفال: 1] و {ابْنَتَ} [التحريم: 12] و {فِطْرَتَ} [الروم: 30].
القاعدة الخامسة: في الوصل والفصل:
توصل (ألّا) بالفتح إلّا عشرة: {أَنْ لََا أَقُولَ} أن لا تقولوا في الأعراف. {أَنْ لََا مَلْجَأَ} في هود. {وَأَنْ لََا إِلََهَ} [هود: 14]. {أَنْ لََا تَعْبُدُوا إِلَّا اللََّهَ إِنِّي أَخََافُ} في الأحقاف: [21]. {أَنْ تُشْرِكَ} في الحجّ: [26]. {أَنْ لََا تَعْبُدُوا} في يس: [60] {وَأَنْ لََا تَعْلُوا} في الدخان: [19]. {أَنْ لََا يُشْرِكْنَ} في الممتحنة: [12]. {أَنْ لََا يَدْخُلَنَّهَا} في ن: [24].
و (ممّا) إلّا: {فَمِنْ مََا مَلَكَتْ} في النساء: [25]، والروم: [28]. {مِنْ مََا رَزَقْنََاكُمْ} في المنافقين: [10].
و (ممن) مطلقا.
و (عمّا) إلّا: {عَنْ مََا نُهُوا} [الأعراف: 166].
و (إمّا) بالكسر، إلّا: {وَإِنْ مََا نُرِيَنَّكَ} في الرعد: [40].
و (أما) بالفتح، مطلقا.
و (عمّن) إلّا: {وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشََاءُ} في النور: [43]. {عَنْ مَنْ تَوَلََّى} في النجم:
[29].
و (أمّن) إلّا: {أَمْ مَنْ يَكُونُ} في النساء: [109]. {أَمْ مَنْ أَسَّسَ} [التوبة: 109].
{أَمْ مَنْ خَلَقْنََا} في الصافات: [11]. {أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً} [فصلت: 40].
و (إلّم) بالسكر إلّا: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا} في القصص: [50].
و (فيما) إلّا أحد عشر: {فِيمََا فَعَلْنَ} الثاني في البقرة: [240]. {لِيَبْلُوَكُمْ فِي مََا}
في المائدة: [48]، والأنعام: [165]. {قُلْ لََا أَجِدُ} [الأنعام: 145]. {فِي مَا اشْتَهَتْ}
في الأنبياء: [102]. فى ما أفضتم [النور: 14]. {فِي مََا هََاهُنََا} في الشعراء: [146].
{فِي مََا رَزَقْنََاكُمْ} في الروم: [28]. {فِي مََا هُمْ فِيهِ} {فِي مََا كََانُوا فِيهِ} كلاهما في الزمر: [463]. {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مََا لََا تَعْلَمُونَ} في الواقعة: [61].(1/412)
و (فيما) إلّا أحد عشر: {فِيمََا فَعَلْنَ} الثاني في البقرة: [240]. {لِيَبْلُوَكُمْ فِي مََا}
في المائدة: [48]، والأنعام: [165]. {قُلْ لََا أَجِدُ} [الأنعام: 145]. {فِي مَا اشْتَهَتْ}
في الأنبياء: [102]. فى ما أفضتم [النور: 14]. {فِي مََا هََاهُنََا} في الشعراء: [146].
{فِي مََا رَزَقْنََاكُمْ} في الروم: [28]. {فِي مََا هُمْ فِيهِ} {فِي مََا كََانُوا فِيهِ} كلاهما في الزمر: [463]. {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مََا لََا تَعْلَمُونَ} في الواقعة: [61].
و (إنما) إلّا: {إِنَّ مََا تُوعَدُونَ لَآتٍ} في الأنعام: [134].
و (أنما) بالفتح، إلّا: {وَأَنَّ مََا يَدْعُونَ} في الحج: [62]، ولقمان: [30].
و (كلّما) إلّا: كلّ ما ردّوا إلى الفتنة [النساء: 91]. {مِنْ كُلِّ مََا سَأَلْتُمُوهُ}
[إبراهيم: 34].
و (بئسما) إلّا مع اللام.
و (نعمّا) و (مهما) و (ربما) و (كأنما) و (ويكأنّ).
وتقطع (حيث ما) و (أن لم) بالفتح، و (أن لن) إلّا في الكهف والقيامة.
و (أين ما) إلّا: {فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا} [البقرة: 115]. {أَيْنَمََا يُوَجِّهْهُ} [النحل: 76].
واختلف في: {أَيْنَمََا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ} [النساء: 78]. {أَيْنَ مََا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} في الشعراء: [92]. {أَيْنَمََا ثُقِفُوا} في الأحزاب: [61].
و (لكي لا) إلّا في آل عمران والحج والحديد والثاني في الأحزاب.
و {يَوْمَ هُمْ} [الذاريات: 13]. و {وَلََاتَ حِينَ} [ص: 3]. و {ابْنَ أُمَّ} [الأعراف:
150]. إلّا في طه: [94] فكتبت الهمز حينئذ واوا. وحذفت همزة (ابن) فصارت هكذا:
يبنؤمّ.
القاعدة السادسة: فيما فيه قراءتان، فكتب على احداهما:
ومرادنا غير الشاذ.
ومن ذلك: ملك يوم الدّين (4)، يخدعون [البقرة: 9، والنساء: 142].
ووعدنا [البقرة: 51، والأعراف: 142]. والصّعقة [البقرة: 55]. والرّيح [البقرة: 164]. وتفدوهم [البقرة: 85]. وتظهرون [البقرة: 85، والأحزاب: 4].
وو لا تقتلوهم [البقرة: 191]. ونحوها.
و {وَلَوْلََا دَفْعُ}، فرهن [البقرة: 283]. {طَيْراً} في آل عمران: [49]،
والمائدة: [110]. مّضعفة [آل عمران: 130]. ونحوه.(1/413)
و {وَلَوْلََا دَفْعُ}، فرهن [البقرة: 283]. {طَيْراً} في آل عمران: [49]،
والمائدة: [110]. مّضعفة [آل عمران: 130]. ونحوه.
عقدت أيمنكم [النساء: 33]. الأولين [المائدة: 107]. لمستم [النساء: 243، والمائدة: 6]. قسية [المائدة: 213، والحج: 53، والزمر: 22] قيما، النساء: [5]. خطيئتكم في الأعراف [161].
طئف [الأعراف: 201، والقلم: 19]. حش لله [يوسف: 31]. وسيعلم الكفّر [الرعد: 42]. تّزور [الكهف: 17]. زكيّة [الكهف: 74]. فلا تصحبنى [الكهف: 76]. لتّخذت [الكهف: 77]. {مَهْداً} [طه: 53، والزخرف: 10].
وو حرم على قرية [الأنبياء: 95]. إنّ الله يدفع [الحج: 38]. سكرى وما هم بسكرى [الحج: 2]. المضغة عظما فكسونا العظم [المؤمنون: 14]. سرجا.
بل ادّرك [النمل: 66]. و {وَلََا تُصَعِّرْ} [لقمان: 18]. ربّنا بعد [سبأ: 19].
{أَسْوِرَةٌ} [الزخرف: 53].
بلا ألف في الكلّ، وقد قرئت بها وبحذفها.
غيبت الجب [يوسف: 1510]. وأنزل عليه ءايت في العنكبوت:
[50]. وثمرت من أكمامها في فصلت: [47]. وجملت [المرسلات: 33].
فهم على بيّنت [فاطر: 40]. وهم فى الغرفت ءامنون [سبأ: 37]. بالتاء، وقد قرئت بالجمع والإفراد.
وتقيه [آل عمران: 28] بالياء، و {لِأَهَبَ} [مريم: 19] بالألف، و (يقض الحق) بلا ياء.
و {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 96]. بألف فقط، نجى المؤمنين [الأنبياء:
88]. بنون واحدة.
والصّراط كيف وقع، و {بَصْطَةً} في [الأعراف: 69]. و {الْمُصَيْطِرُونَ}
[الطور: 37]. و {بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 22]. بالصاد لا غير.
وقد تكتب الكلمة صالحة للقراءتين نحو: فكهون [يس: 55]. وهي قراءة، وعلى قراءتها هي محذوفة رسما، لأنه جمع تصحيح.(1/414)
وقد تكتب الكلمة صالحة للقراءتين نحو: فكهون [يس: 55]. وهي قراءة، وعلى قراءتها هي محذوفة رسما، لأنه جمع تصحيح.
فرع فيما كتب موافقا لقراءة شاذة:
ومن ذلك: إنّ البقر تشبه علينا [البقرة: 70]، أوكلّما عهدوا [البقرة:
100].
وأما {مََا بَقِيَ مِنَ} [البقرة: 278] فقرئ بضم الباء وسكون الواو.
فلقتلوكم [النساء: 90]. {طََائِرُكُمْ}، طئره فى عنقه [الإسراء: 13].
تسقط [مريم: 5]. سمرا [المؤمنون: 67]. وفصله فى عامين [لقمان: 14].
عليهم ثياب سندس خضر [الإنسان: 21]. ختمه مسك [المطففين: 26]. فادخلى فى عبدى (29) [الفجر: 29].
فرع وأما القراءات المختلفة المشهورة بزيادة لا يحتملها الرسم ونحوها،
نحو:
أوصى و {وَوَصََّى} و {تَجْرِي تَحْتَهَا} و {مِنْ تَحْتِهَا}. و {فَسَيَقُولُونَ اللََّهُ}
ولله. وما عملت أيديهم {وَمََا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ}. فكتابته على نحو قراءته، وكل ذلك وجد في مصاحف الإمام.
فائدة (1): كتبت فواتح السور على صورة الحروف أنفسها لا على صورة النطق بها، اكتفاء بشهرتها، وقطعت {حم (1) عسق (2)} دون {المص (1)} و {كهيعص (1)} طردا للأولى بأخواتها الستة.
فصل [في آداب كتابته (2)]
يستحب كتابة المصحف، وتحسين كتابته وتبيينها وإيضاحها، وتحقيق الخطّ دون مشقّة وتعليقه فيكره، وكذا كتابته في الشيء الصّغير.
__________
(1) في المطبوعة المصرية: وكنبأ.
(2) انظر البرهان 1/ 431430.
(3) انظر فضائل القرآن للقاسم بن سلام ص 399398.(1/415)
أخرج أبو عبيد في فضائله، عن عمر: أنه وجد مع رجل مصحفا قد كتبه بقلم دقيق، فكره ذلك وضربه، وقال: عظّموا كتاب الله.
وكان عمر إذا رأى مصحفا عظيما سرّ به (1).
وأخرج عبد الرزّاق، عن علي: أنه كان يكره أن تتّخذ المصاحف صغارا (2).
وأخرج أبو عبيد عنه: أنه كره أن يكتب القرآن في الشيء الصغير (3).
وأخرج هو والبيهقيّ في الشّعب: عن أبي حكيمة العبديّ قال: مرّ بي عليّ وأنا أكتب مصحفا، فقال: أجل قلمك، فقضمت من قلمي قضمة، ثم جعلت أكتب، فقال:
نعم، هكذا نوّره كما نوره الله (4).
وأخرج البيهقيّ، عن علي موقوفا قال: تنوق رجل في {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}
فغفر له (5).
وأخرج أبو نعيم في «تاريخ أصبهان»، وابن أشتة في «المصاحف»، من طريق أبان، عن أنس مرفوعا: «من: كتب بسم الله الرّحمن الرحيم مجوّدة غفر الله له» (6).
__________
(1) رواه في فضائل القرآن ص 398وفي سنده ابن لهيعة: ضعيف. مختلط.
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف، حديث رقم (7945) 4/ 323. وابن أبي داود في المصاحف ص 151 152. عن إبراهيم، عن علي. وإبراهيم عن علي مرسل.
(3) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 398، والبيهقي في الشعب 2/ 545، عن إبراهيم، عن علي.
وسعيد بن منصور في سننه (81) 1/ 297 (التكملة)، وابن أبي شيبة (224، 3، 30225) 6/ 148.
وهو كالذي قبله.
(4) رواه أبو عبيد ص 398، وابن أبي شيبة، برقم (3022730226) 6/ 148، والبيهقي في الشعب 2/ 545، وابن أبي داود في المصاحف ص 146145، وسعيد بن منصور في سننه (80) 1/ 294 (التكملة).
وأبو حكيمة: مجهول. انظر الدولابي 1/ 156155، والدارقطني في المؤتلف 2/ 566.
(5) رواه البيهقي في الشعب 2/ 546.
وسنده ضعيف، موقوف. حفص بن عمر العدني: ضعيف. انظر التهذيب 2/ 411410، والتقريب 1/ 188، والكاشف 1/ 179، والمغني 1/ 180.
(6) رواه ابن عدي في الكامل 5/ 50.
وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 227. وفيه:
1 - أبو حفص العبدي: متروك، كما في الميزان 3/ 189.
2 - أبان: متروك.
3 - أبو سالم، العلاء بن مسلمة: كذبه محمد بن طاهر الأزدي. وانظر اللئالئ المصنوعة 1/ 202، وتنزيه الشريعة 1/ 260، والدر المنثور 1/ 10.(1/416)
وأخرج ابن أشتة، عن عمر بن عبد العزيز: أنه كتب إلى عمّاله: إذا كتب أحدكم:
(بسم الله الرحمن الرحيم) فليمدّ: (الرحمن) (1).
وأخرج عن زيد بن ثابت: أنّه كان كره أن تكتب: (بسم الله الرحمن الرحيم) ليس لها سين.
وأخرج عن يزيد بن أبي حبيب: أنّ كاتب عمرو بن العاص كتب إلى عمر، فكتب (بسم الله) ولم يكتب لها سينا، فضربه عمر، فقيل له: فيم ضربك أمير المؤمنين؟.
قال: ضربني في سين.
وأخرج عن ابن سيرين: أنّه كان يكره أن تمدّ الباء إلى الميم حتى تكتب السّين (2).
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف، عن ابن سيرين: أنّه كره أن يكتب المصحف مشقا. قيل: لم؟ قال: لأنّ فيه نقصا (3).
وتحرم كتابته بشيء نجس (4): وأمّا بالذهب (5) فهو حسن، كما قاله الغزالي.
وأخرج أبو عبيد، عن ابن عباس، وأبي ذر، وأبي الدرداء: أنهم كرهوا ذلك (6).
وأخرج عن ابن مسعود: أنه مرّ عليه مصحف زيّن بالذهب، قال: إنّ أحسن ما زيّن به المصحف تلاوته بالحقّ (7).
قال أصحابنا: وتكره كتابته على الحيطان والجدران، وعلى السّقوف أشدّ كراهة لأنه يوطأ (8).
وأخرج أبو عبيد، عن عمر بن عبد العزيز، قال: لا تكتبوا القرآن حيث يوطأ (9).
__________
(1) رواه البيهقي في الشعب 2/ 546. وفيه إسماعيل بن عياش، روايته عن المدنيين ضعيفة.
(2) رواه البيهقي في الشعب 2/ 546.
(3) رواه ابن أبي داود في المصاحف ص 150149.
(4) انظر البرهان للزركشي 1/ 479، والتبيان ص 112.
(5) انظر المصاحف ص 161و 169167، والبرهان 1/ 478.
(6) انظر فضائل القرآن ص 397396، والمصاحف ص 169167.
(7) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 396، وعبد الرزاق في المصنف (7947) 4/ 323، وابن أبي داود في المصاحف ص 169168وسنده صحيح.
(8) انظر المصاحف ص 204، والتبيان ص 112.
(9) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 399398. وانظر المصاحف ص 217.
وفي سنده: محمد بن الزبير: متروك.(1/417)
وهل تجوز كتابته بقلم غير العربي (1)؟
. قال الزّركشي (2): لم أر فيه كلاما لأحد من العلماء.
قال: ويحتمل الجواز لأنه قد يحسنه من يقرأه بالعربية، والأقرب المنع كما تحرم قراءته بغير لسان العرب، ولقولهم: القلم أحد اللسانين، والعرب لا تعرف قلما غير العربيّ، وقد قال تعالى: {بِلِسََانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} [الشعراء: 195] انتهى.
فائدة: أخرج ابن أبي داود، عن إبراهيم التيميّ، قال: قال عبد الله: لا يكتب المصاحف إلّا مضريّ.
قال ابن أبي داود (3): هذا من أجلّ اللغات.
مسألة (4): اختلف في نقط المصحف وشكله:
ويقال: أوّل من فعل ذلك أبو الأسود الدؤليّ بأمر عبد الملك بن مروان، وقيل: الحسن البصري، ويحيى بن يعمر، وقيل:
نصر بن عاصم الليثي.
وأوّل من وضع الهمز والتشديد والرّوم والإشمام الخليل.
وقال قتادة: بدءوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا.
وقال غيره: أول ما أحدثوا النّقط عند آخر الآي، ثم الفواتح والخواتم.
وقال يحيى بن أبي كثير: ما كانوا يعرفون شيئا مما أحدث في المصاحف إلّا النقط الثلاث على رءوس الآي. أخرجه ابن أبي داود (5).
وقد أخرج أبو عبيد وغيره، عن ابن مسعود، قال: جرّدوا القرآن ولا تخلطوه بشيء (6).
وأخرج عن النّخعيّ: أنه كره نقط المصاحف (7).
__________
(1) انظر البرهان للزركشي 1/ 380.
(2) في البرهان 1/ 380.
(3) في المصاحف ص 151.
(4) انظر الصاحبي ص 3938، والمصاحف لابن أبي داود ص 161158، وفضائل القرآن لأبي عبيد ص 392.
(5) رواه ابن أبي داود في المصاحف ص 161.
(6) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 392، وابن أبي داود في المصاحف ص 157155154.
(7) رواه أبو عبيد ص 392، وابن أبي داود في المصاحف ص 156153.(1/418)
وعن ابن سيرين: أنه كره النّقط والفواتح والخواتم (1).
وعن ابن مسعود، ومجاهد: أنهما كرها التّعشير (2).
وأخرج ابن أبي داود، عن النّخعي: أنه كان يكره العواشر والفواتح وتصغير المصحف، وأن يكتب فيه سورة كذا وكذا (3).
وأخرج عنه: أنه أتي بمصحف مكتوب فيه سورة كذا وكذا آية، فقال: امح هذا، فإن ابن مسعود كان يكرهه (4).
وأخرج عن أبي العالية: أنه كان يكره الجمل في المصحف، وفاتحة سورة كذا وخاتمة سورة كذا (5).
وقال مالك: لا بأس بالنقط في المصاحف التي يتعلّم فيها الغلمان، أمّا الأمهات فلا (6).
وقال الحليميّ (7): تكره كتابة الأعشار والأخماس، وأسماء السّور، وعدد الآيات فيه، لقوله: (جرّدوا القرآن). وأمّا النقط فيجوز لأنه ليس له صورة فيتوهّم لأجلها ما ليس بقرآن قرآنا، وإنما هي دلالات على هيئة المقروء، فلا يضرّ إثباتها لمن يحتاج إليها.
وقال البيهقيّ (8): من آداب القرآن أن يفخّم، فيكتب مفرجا بأحسن خطّ، فلا يصغّر ولا تقرمط حروفه، ولا يخلط به ما ليس منه، كعدد الآيات والسّجدات والعشرات والوقوف واختلاف القراءات ومعاني الآيات.
وقد أخرج ابن أبي داود، عن الحسن، وابن سيرين، أنّهما قالا: لا بأس بنقط المصاحف (9).
__________
(1) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 392، وابن أبي داود ص 159158.
(2) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 394، وابن أبي داود في «المصاحف» ص 155. وانظر في مسألة التعشير، والتسديس، وغير ذلك في «الحوادث والبدع» للطرطوشي ص 103102، ومجموع الفتاوى 15/ 410409.
(3) رواه في المصاحف ص 156، وانظر الشعب 2/ 547546.
(4) رواه ابن أبي داود في المصاحف ص 153، وانظر فضائل القرآن لأبي عبيد ص 394.
(5) رواه في المصاحف ص 157154.
(6) انظر الحوادث والبدع ص 102، ودليل الحيران ص 19.
(7) المنهاج في شعب الإيمان 2/ 212و 2/ 262، وانظر الشعب 2/ 548.
(8) في الشعب 2/ 323، وانظر المنهاج 2/ 262.
(9) رواه ابن أبي داود في المصاحف ص 160، وسعيد بن منصور (86إلى 90) / 316310، وأبو(1/419)
وأخرج عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أنه قال: لا بأس بشكله.
وقال النوويّ (1): نقط المصحف وشكله مستحبّ لأنه صيانة له من اللحن والتحريف.
وقال ابن مجاهد: ينبغي ألا يشكل إلا ما يشكل.
وقال الدّاني: لا أستجيز النّقط بالسّواد، لما فيه من التغيير لصورة الرّسم، ولا أستجيز جمع قراءات شتّى في مصحف واحد بألوان مختلفة، لأنه من أعظم التخليط والتغيير للمرسوم، وأرى أن تكون الحركات والتنوين والتشديد والسكون والمدّ بالحمرة، والهمزات بالصّفرة.
وقال الجرجانيّ من أصحابنا في الشافي: من المذموم كتابة تفسير كلمات القرآن بين أسطره.
فائدة: كان الشكل في الصّدر الأول نقطا: فالفتحة نقطة على أوّل الحرف، والضمة على آخره، والكسرة تحت أوله، وعليه مشي الدّاني.
والذي اشتهر الآن الضّبط بالحركات المأخوذة من الحروف، وهو الذي أخرجه الخليل، وهو أكثر وأوضح، وعليه العمل: فالفتح شكله مستطيلة فوق الحرف، والكسر كذلك تحته، والضمّ واو صغرى فوقه، والتنوين زيادة مثلها فإن كان مظهرا وذلك قبل حرف حلق ركبت فوقها، وإلّا جعلت بينهما.
وتكتب الألف المحذوفة والمبدل منها في محلّها حمراء، والهمزة المحذوفة تكتب همزة بلا حرّف حمراء أيضا، وعلى النون والتنوين قبل الباء علامة الإقلاب (م) حمراء، وقبل الحلق سكون، وتعرى عند الإدغام والإخفاء، ويسكّن كلّ مسكّن ويعرّى المدغم، ويشدّد ما بعده إلا الطاء قبل التاء، فيكتب عليها السكون، نحو: {فَرَّطْتُ} [الزمر: 56].
ومطّة الممدود لا تجاوزه.
فائدة: قال الحربيّ في غريب الحديث: قول ابن مسعود: جرّدوا القرآن، يحتمل وجهين (2):
__________
عبيد في الفضائل ص 392. وفيه خلاف عليه. وعبد الرزاق برقم (7948) 4/ 324323. والبيهقي في الشعب 2/ 547.
(1) رواه في المصاحف ص 161.
(2) في التبيان ص 112.
(3) انظر غريب الحديث لأبي عبيد 4/ 4947.(1/420)
أحدهما: جرّدوه في التلاوة، ولا تخلطوا به غيره.
والثاني: جردوه في الخطّ من النقط والتعشير.
وقال البيهقيّ (1): الأبين أنه أراد: لا تخلطوا به غيره من الكتب لأنّ ما خلا القرآن من كتب الله إنّما يؤخذ عن اليهود والنّصارى، وليسوا بمأمونين عليها.
فرع
حكم أخذ الأجرة على كتابة المصحف
أخرج ابن أبي داود في كتاب «المصاحف»، عن ابن عباس: أنه كره أخذ الأجرة على كتابة المصحف.
وأخرج مثله عن أيوب السّختيانيّ.
وأخرج عن ابن عمر، وابن مسعود: أنّهما كرها بيع المصاحف وشراءها، وأن يستأجر على كتابتها (2).
وأخرج عن مجاهد، وابن المسيّب، والحسن، أنهم قالوا: لا بأس بالثلاثة (3).
وأخرجه عن سعيد بن جبير: أنه سئل عن بيع المصاحف؟.
فقال: لا بأس، إنما يأخذون أجور أيديهم (4).
وأخرج عن ابن الحنفيّة: أنه سئل عن بيع المصحف؟.
قال: لا بأس: إنما تبيع الورق.
وأخرج عن عبد الله بن شقيق، قال: كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يشدّدون في بيع المصاحف (5).
وأخرج عن النّخعي، قال: المصحف لا يباع ولا يورّث (6).
وأخرج عن ابن المسيب أنه كره بيع المصاحف، وقال: أعن أخاك بالكتاب أو: هب له (7).
__________
(1) انظر شعب الإيمان 2/ 547546.
(2) رواه البيهقي في سننه 6/ 16، وابن أبي داود ص 181180179.
(3) رواه البيهقي في سننه 6/ 16، وابن أبي داود في المصاحف ص 178.
(4) رواه في المصاحف ص 199.
(5) رواه في المصاحف ص 186185، والبيهقي في سننه 6/ 16.
(6) رواه في المصاحف ص 196195190186.
(7) رواه في المصاحف ص 186.(1/421)
وأخرج عن عطاء، عن ابن عباس، قال: اشتر المصاحف ولا تبعها (1).
وأخرج عن مجاهد: أنه نهى عن بيع المصاحف، ورخّص في شرائها (2).
وقد حصل من ذلك ثلاثة أقوال للسلف (3):
ثالثها: كراهة البيع دون الشراء، وهو أصحّ الأوجه عندنا، كما صحّحه في شرح المهذب (4)، ونقله في زوائد الروضة عن نصّ الشافعي.
قال الرافعيّ: وقد قيل: إنّ الثمن متوجّه إلى الدفّتين لأنّ كلام الله لا يباع.
وقيل: إنه بدل من أجرة النسخ. انتهى.
وقد تقدم إسناد القولين إلى ابن الحنفيّة، وابن جبير.
وفيه قول ثالث: أنّه بدل منهما معا.
أخرج ابن أبي داود، عن الشعبيّ، قال: لا بأس ببيع المصاحف، إنما يبيع الورق وعمل يديه (5).
فرع (6)
حكم القيام للمصحف
قال الشيخ عز الدين بن عبد السّلام في القواعد: القيام للمصحف بدعة لم تعهد في الصدر الأوّل، والصواب ما قاله النوويّ في التّبيان من استحباب ذلك، لما فيه من التّعظيم وعدم التهاون به.
فرع (7)
يستحب تقبيل المصحف،
لأن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه كان يفعله، وبالقياس على تقبيل الحجر الأسود، ذكره بعضهم، ولأنه هدية من الله تعالى، فشرع تقبيله
__________
(1) رواه البيهقي في سننه 6/ 16وسنده ضعيف. فيه هشيم: مدلس. وليث: ضعيف.
قال البيهقي في سننه 6/ 17: «ويقول ابن عباس: اشتر المصحف ولا تبعه: إن صح ذلك عنه يدل على جواز بيعه مع الكراهية. والله أعلم» اهـ.
(2) رواه البيهقي في سننه 6/ 16.
(3) انظر في هذه المسألة سنن البيهقي 6/ 1716، والشعب 2/ 535، ومشكل الآثار للطحاوي، والمصاحف ص 176إلى 203.
(4) المجموع للنووي 9/ 273.
(5) رواه في المصاحف ص 202.
(6) انظر البرهان 1/ 476، والتبيان ص 113.
(7) انظر لطائف الإشارات 1/ 331، والبرهان 1/ 478، والشعب 2/ 410.(1/422)
كما يستحب تقبيل الولد الصغير.
وعن أحمد ثلاث روايات: الجواز.
والاستحباب.
والتوقّف، وإن كان فيه رفعة وإكرام لأنه لا يدخله قياس، ولهذا قال عمر في الحجر: لولا أنّي رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبلك ما قبلتك (1).
فرع (2)
يستحبّ تطييب المصحف،
وجعله على كرسيّ، ويحرم توسّده لأنّ فيه إذلالا وامتهانا.
قال الزركشيّ: وكذا مدّ الرّجلين إليه.
وأخرج ابن أبي داود في «المصاحف»، عن سفيان: أنه كره أن تعلّق المصاحف (3).
وأخرج عن الضحاك، قال: لا تتّخذوا للحديث كراسيّ ككراسيّ المصاحف (4).
فرع (5)
يجوز تحليته بالفضّة إكراما له على الصحيح،
أخرج البيهقيّ عن الوليد بن مسلم، قال: سألت مالكا عن تفضيض المصاحف، فأخرج إلينا مصحفا فقال: حدّثني أبي، عن جدّي: أنهم جمعوا القرآن في عهد عثمان، وأنّهم فضّضوا المصاحف على هذا أو نحوه.
وأما بالذّهب: فالأصح جوازه للمرأة دون الرجل، وخصّ بعضهم الجواز بنفس المصحف دون غلافه المنفصل عنه، والأظهر التسوية.
فرع (6)
حكم تعطيل بعض أوراق المصحف
إذا احتيج إلى تعطيل بعض أوراق المصحف لبلى ونحوه، فلا يجوز وضعها في شقّ
__________
(1) رواه البخاري (16051597)، ومسلم (1270)، وأبو داود (1873)، والترمذي (860)، وابن ماجة (2943)، والنسائي 5/ 227، وابن الجارود (452)، وأحمد 1/ 515039353421 5453، والحميدي (9)، ومالك 1/ 367، وابن خزيمة (2711)، وأبو يعلى (218189)، وابن حبان (38223821)، والبيهقي 5/ 74، والبغوي (1905).
(2) انظر البرهان 1/ 478، والمصاحف لابن أبي داود ص 170.
(3) رواه ابن أبي داود في المصاحف ص 204.
(4) رواه في المصاحف ص 150.
(5) انظر البرهان 1/ 478، والمصاحف ص 170167.
(6) انظر البرهان 1/ 477، ودليل الحيران ص 14.(1/423)
أو غيره لأنّه قد يسقط ويوطأ، ولا يجوز تمزيقها لما فيه من تقطيع الحروف وتفرقه الكلم، وفي ذلك إزراء بالمكتوب. كذا قال الحليمي (1).
قال: وله غسلها بالماء وإن أحرقها بالنار فلا بأس أحرق عثمان مصاحف كان فيها آيات وقراءات منسوخة، ولم ينكر عليه.
وذكر غيره: أنّ الإحراق أولى من الغسل لأنّ الغسالة قد تقع على الأرض.
وجزم القاضي حسين في تعليقه بامتناع الإحراق، لأنه خلاف الاحترام، والنووي بالكراهة.
وفي بعض كتب الحنفية: أنّ المصحف إذا بلي لا يحرق، بل يحفر له في الأرض ويدفن. وفيه وقفة، لتعرّضه للوطء بالأقدام.
فرع
حكم تصغير المصحف
روى ابن أبي داود، عن ابن المسيّب، قال: لا يقول أحدكم: مصيحف ولا مسيجد ما كان لله تعالى فهو عظيم (2).
فرع (3)
حكم مس المصحف للمحدث
مذهبنا ومذهب جمهور العلماء: تحريم مسّ المصحف للمحدث، سواء كان أصغر أم أكبر (4)، لقوله تعالى: {لََا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة: 79]. وحديث الترمذيّ وغيره: «لا يمس القرآن إلّا طاهر» (5).
__________
(1) انظر المنهاج 2/ 212.
(2) رواه ابن أبي داود في المصاحف ص 171.
(3) انظر التبيان ص 114113، والشعب 2/ 380، والمنهاج للحليمي 2/ 228227.
(4) انظر في هذه المسألة: التمهيد 17/ 400396، والأوسط 2/ 104101، والمجموع 2/ 172، والخلافيات 1/ 517497، وبداية المجتهد 1/ 8685، والانصاف 1/ 223222، وروضة الطالبين 1/ 8079، والكافي 1/ 4948، والشرح الكبير 1/ 9594، ومعرفة السنن والآثار 1/ 187185، وشرح العمدة 1/ 383380.
(5) رواه مالك في الموطأ (141) 1/ 199مرسلا. وأبو داود في المراسيل حديث رقم (93)، وحديث رقم (260259258257) ص 214211. وابن أبي داود في المصاحف (212). والبيهقي في المعرفة 1/ 186مرسلا. ووصله النسائي 8/ 5857. وابن حبان (6559) 14/ 510501. وعبد الرزاق في المصنف (1328) 1/ 342341، وحديث رقم (176791761917408). وفي(1/424)
خاتمة
روى ابن ماجة وغيره، عن أنس مرفوعا: «سبع يجري للعبد أجرهنّ بعد موته وهو في قبره: من علّم علما، أو أجرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ترك ولدا يستغفر له من بعد موته، أو ورث مصحفا» (1).
__________
تفسيره (273). وابن خزيمة في صحيحه (2269) 4/ 19. والدارقطني في سننه 1/ 121، و 2/ 285، و 3/ 310309، والحاكم في المستدرك 1/ 397395. وابن الجارود في المنتقى (786784).
وابن المنذر في الأوسط (630) 2/ 103. والبيهقي في سننه 1/ 3098887، و 4/ 89. وفي الخلافيات 297296295294وابن أبي عاصم في الديات (4842). وسنده ضعيف، وهو مرسل.
ولقد صحّحه العلماء من حيث الشهرة، وقبول الأمّة له. انظر التلخيص 1/ 228227، و 4/ 34 36، ونصب الراية 1/ 198197.
(1) رواه البزار في مسنده، حديث رقم (149) 1/ 89، وأبو نعيم في الحلية 2/ 344343، والبيهقي في الشعب، حديث رقم (3449) 3/ 248.
وفي سنده: محمد بن عبيد الله العرزمي: ضعيف. انظر الشعب 3/ 248، ومجمع الزوائد / 167.
وفي الباب عن أبي هريرة: رواه ابن ماجة (242)، وابن خزيمة، والبيهقي في الشعب، (3448) 3/ 248247وفي سنده: مرزوق بن أبي الهذيل: لين الحديث. كما في التقريب 2/ 237. وحسن إسناده المنذري كما في فيض القدير 2/ 541. ولبعضه شواهد في مسلم وغيره. رواه مسلم، حديث رقم (1631) 3/ 1255. والبخاري في الأدب المفرد ص 28. وأبو داود، حديث رقم (2880) 3/ 117.
والترمذي، حديث رقم (1376) 3/ 660، والنسائي 6/ 251. وأحمد في المسند 2/ 372. والطحاوي في المشكل 1/ 85. والبيهقي في سننه 6/ 278. وفي شعب الإيمان 2/ 247.(1/425)
النوع السابع والسبعون في معرفة تفسيره وتأويله وبيان شرفه والحاجة إليه (1)
التفسير (2): (تفعيل) من الفسر، وهو البيان والكشف، ويقال: هو مقلوب السّفر، تقول: أسفر الصبح إذا أضاء.
وقيل: مأخوذ من التّفسرة، وهي اسم لما يعرف به الطبيب المرض.
والتأويل: أصله من الأوّل وهو الرجوع، فكأنه صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني. وقيل من الإيالة وهي السياسة كأنّ المؤوّل للكلام ساس الكلام ووضع المعنى فيه موضعه.
واختلف في التفسير والتأويل (3):
فقال أبو عبيد وطائفة: هما بمعنى.
وقد أنكر ذلك قوم، حتى بالغ ابن حبيب النيسابوريّ (4)، فقال: قد نبغ في زماننا مفسّرون، لو سئلوا عن الفرق بين التفسير والتأويل ما اهتدوا إليه.
وقال الراغب (5): التفسير أعمّ من التأويل، وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها.
وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل، وأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية، والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها.
__________
(1) انظر البرهان 2/ 147146و 2/ 214، والتيسير في قواعد علم التفسير ص 124123، والاكليل في المتشابه والتأويل لشيخ الإسلام ابن تيمية، وبصائر ذوي التمييز 1/ 79، ومقدمتان في علوم القرآن ص 173، ومعجم مقاييس اللغة 3/ 8، والصاحبي ص 193. وهذا المبحث هو اختصار لما في التيسير للكافيجي.
(2) انظر المفردات ص 380، وعمدة الحفاظ 3/ 274273، والتيسير في قواعد علم التفسير ص 123 125.
(3) انظر فضائل القرآن لأبي عبيد 1/ 8786، والبحر المحيط 1/ 1413، والتيسير ص 132123.
(4) انظر البرهان 2/ 152.
(5) المفردات ص 380، وانظر المفردات 2/ 149.(1/426)
وقال غيره: التفسير بيان لفظ لا يحتمل إلّا وجها واحدا، والتأويل: توجيه لفظ متوجّه إلى معان مختلفة إلى واحد منها، بما ظهر من الأدلّة.
وقال الماتريديّ (1): التفسير: القطع على أنّ المراد من اللفظ هذا، والشهادة على الله أنه عنى باللفظ هذا، فإنّ قام دليل مقطوع به فصحيح، وإلّا فتفسير بالرأي، وهو المنهي عنه. والتأويل: ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على الله.
وقال أبو طالب التّغلبي: التفسير بيان وضع اللفظ، إما حقيقة أو مجازا، كتفسير الصراط: بالطريق، والصيّب: بالمطر. والتأويل: تفسير باطن اللفظ، مأخوذ من الأول وهو الرجوع لعاقبة الأمر. فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد، والتفسير إخبار عن دليل المراد لأنّ اللفظ يكشف عن المراد، والكاشف دليل، مثاله قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصََادِ (14)} [الفجر: 4]. تفسيره: أنه من الرصد، يقال: رصدته رقبته، والمرصاد (مفعال) منه. وتأويله: التحذير من التهاون بأمر الله، والغفلة عن الأهبة، والاستعداد للعرض عليه. وقواطع الأدلّة تقتضي بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ في اللغة.
وقال الأصبهاني في تفسيره: اعلم أنّ التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن وبيان المراد أعمّ من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره، وبحسب المعنى الظاهر وغيره. والتأويل: أكثره في الجمل.
والتفسير: إما ان يستعمل في غريب الألفاظ، نحو: البحيرة والسائبة والوصيلة. أو في وجيز يتبين بشرح، نحو: أقيموا الصّلاة، وآتوا الزكاة. وإما في كلام متضمّن لقصة لا يمكن تصويره إلّا بمعرفتها، كقوله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيََادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37].
وقوله: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهََا} [البقرة: 189].
وأما التأويل: فإنه يستعمل مرة عاما، ومرة خاصا، نحو: الكفر المستعمل تارة في الجحود المطلق، وتارة في جحود البارئ عزّ وجلّ خاصة. والإيمان المستعمل في التصديق المطلق تارة وفي تصديق الحقّ أخرى، وإما في لفظ مشترك بين معان مختلفة، نحو لفظ (وجد) المستعمل في الجدة والوجد والوجود.
وقال غيره: التفسير يتعلّق بالرواية، والتأويل يتعلق بالدّراية.
وقال أبو نصر القشيريّ: التفسير مقصور على الاتباع والسماع، والاستنباط مما يتعلق بالتأويل.
__________
(1) انظر التيسير ص 132، وتأويلات أهل السنة ص 25.(1/427)
وقال قوم: ما وقع مبيّنا في كتاب الله ومعيّنا في صحيح السنة سمّي تفسيرا لأنّ معناه قد ظهر ووضح، وليس لأحد أن يتعرّض إليه باجتهاد ولا غيره، بل يحمله على المعنى الّذي ورد، لا يتعدّاه.
والتأويل: ما استنبطه العلماء العالمون لمعاني الخطاب، الماهرون في آلات العلوم.
وقال قوم منهم البغويّ والكواشي (1): التأويل صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها، تحتمله الآية، غير مخالف للكتاب والسنّة من طريق الاستنباط.
وقال بعضهم: التفسير في الاصطلاح: علم نزول الآيات وشئونها وأقاصيصها، والأسباب النازلة فيها، ثم ترتيب مكّيّها ومدنيها، ومحكمها ومتشابهها، وناسخها ومنسوخها، وخاصّها وعامّها، ومطلقها ومقيّدها، ومجملها ومفسّرها، وحلالها وحرامها، ووعدها ووعيدها، وأمرها ونهيها، وعبرها وأمثالها.
وقال أبو حيان (2): التفسير علم يبحث فيه عن كيفية النّطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفراديّة والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك.
قال: فقولنا (علم): جنس.
وقولنا: (يبحث فيه عن كيفية النّطق بألفاظ القرآن) هو علم القراءة.
وقولنا: (ومدلولاتها) أي: مدلولات تلك الألفاظ، وهذا متن علم اللغة الذي يحتاج إليه في هذا العلم.
وقولنا: (وأحكامها الإفرادية والتركيبية) هذا يشمل علم التصريف والبيان والبديع.
وقولنا: (ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب): يشمل ما دلالته بالحقيقة وما دلالته بالمجاز، فإنّ التركيب قد يقتضي بظاهره شيئا ويصدّ عن الحمل عليه صادّ، فيحمل على غيره، وهو المجاز.
وقولنا: (وتتمّات لذلك): هو مثل معرفة النسخ، وسبب النزول، وقصة توضح بعض ما أبهم في القرآن، ونحو ذلك.
وقال الزركشي (3): التفسير علم يفهم به كتاب الله المنزّل على نبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم وبيان
__________
(1) انظر معالم التنزيل 1/ 35، والبرهان 2/ 150.
(2) البحر المحيط 1/ 1413.
(3) في البرهان 2/ 148.(1/428)
معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه، واستمداد ذلك من علم اللّغة والنحو والتصريف، وعلم البيان وأصول الفقه والقراءات، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ.
فصل [الحاجة إلى التفسير]
وأما وجه الحاجة إليه:
فقال بعضهم: اعلم أنّ من المعلوم أنّ الله إنما خاطب خلقه بما يفهمونه ولذلك أرسل كلّ رسول بلسان قومه، وأنزل كتابه على لغتهم، وإنما احتيج إلى التفسير لما سيذكر بعد تقرير قاعدة وهي: أنّ كلّ من وضع من البشر كتابا فإنما وضعه ليفهم بذاته من غير شرح، وإنما احتيج إلى الشروح لأمور ثلاثة:
أحدها: كمال فضيلة المصنّف، فإنه لقوته العلمية يجمع المعاني الدقيقة في اللفظ الوجيز، فربما عسر فهم مراده، فقصد بالشرح ظهور تلك المعاني الخفيّة، ومن هنا كان شرح بعض الأئمة تصنيفه أدلّ على المراد من شرح غيره له.
وثانيها: إغفاله بعض تتمات المسألة أو شروط لها، اعتمادا على وضوحها، أو لأنها من علم آخر، فيحتاج الشارح لبيان المحذوف ومراتبه.
وثالثها: احتمال اللفظ لمعان كما في المجاز والاشتراك، ودلالة الالتزام، فيحتاج الشارح إلى بيان غرض المصنف وترجيحه، وقد يقع في التّصانيف ما لا يخلو عنه بشر من السهو والغلط، أو تكرار الشيء، أو حذف المبهم، وغير ذلك فيحتاج الشارح للتنبيه على ذلك.
إذا تقرر هذا فنقول: إنّ القرآن إنما نزل بلسان عربيّ في زمن أفصح العرب، وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه. (1)
أمّا دقائق باطنه: فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر، مع سؤالهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الأكر، كسؤالهم لما نزل قوله: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمََانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 2.] فقالوا: وأيّنا لم يظلم نفسه! ففسّره النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، واستدلّ عليه بقوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:
__________
(1) انظر البرهان 2/ 153، والتيسير ص 157156.(1/429)
3] (1). وكسؤال عائشة عن الحساب اليسير، فقال: «ذلك العرض» (2). وكقصة عدي بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود (3)، وغير ذلك مما سألوا عن آحاد منه ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه، وزيادة على ذلك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلّم، فنحن أشدّ الناس احتياجا إلى التفسير، ومعلوم أنّ تفسير بعضه يكون من قبل بسط الألفاظ الوجيزة وكشف معانيها، وبعضه من قبل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض. انتهى.
وقال الخوييّ: علم التفسير عسير يسير، أمّا عسره: فظاهر من وجوه، أظهرها أنّه كلام متكلّم، لم يصل الناس إلى مراده بالسماع منه، ولا إمكان الوصول إليه، فخلاف الأمثال والأشعار، ونحوها، فإنّ الإنسان يمكن علمه منه إذا تكلم بأن يسمع منه أو ممن سمع منه، وأما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلّا بأن يسمع من الرسول صلّى الله عليه وسلّم وذلك متعذّر إلّا في آيات قلائل، فالعلم بالمراد يستنبط بأمارات ودلائل.
والحكمة فيه: أنّ الله تعالى أراد أن يتفكّر عباده في كتابه، فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد في جميع آياته.
فصل [شرف علم التفسير (4)]
وأما شرفه فلا يخفى، قال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشََاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة: 269].
__________
(1) رواه البخاري (691869174776462934293428336032)، ومسلم (124)، والترمذي (3067)، والنسائي في الكبرى، في التفسير (186) 1/ 474، و (410) 2/ 151، وأحمد 1/ 444424387، والطبري في تفسيره 5/ 252250، وابن حبان (253)، والطيالسي (270)، وابن منده (267266265)، وأبو يعلى (5159)، والبيهقي 10/ 185.
(2) رواه البخاري (653765364939103)، ومسلم (2876)، وأبو داود (3093)، والترمذي (33372426)، وأحمد 6/ 1271271064847، 206185، وابن حبان (73707369 73727371)، وابن أبي عاصم (885)، والطبري في تفسيره 12/ 507، والقضاعي في مسند الشهاب (338)، والبيهقي في الاعتقاد ص 210209، والحاكم 1/ 25557، و 4/ 579249، والبغوي في شرح السنة (4319)، وفي تفسيره 4/ 464.
(3) رواه البخاري (451045091916)، ومسلم (1090)، والترمذي (29712970)، وأحمد 4/ 377، والدارمي (1694) 2/ 10، والطحاوي 2/ 53، وابن حبان (3462) 8/ 242، وابن خزيمة (19261925)، والبيهقي 4/ 215، والطبراني (172إلى 179) 17/ 8078، والقاسم بن سلام في الناسخ والمنسوخ (5453).
(4) انظر التيسير للكافيجي ص 158.(1/430)
أخرج ابن أبي حاتم وغيره، من طريق ابن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله:
{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} قال: المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله (1).
وأخرج ابن مردويه، من طريق جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، مرفوعا:
{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} قال: القرآن.
قال ابن عباس: يعني: تفسيره، فإنه قد قرأه البرّ والفاجر (2).
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} قال: قراءة القرآن، والفكرة فيه.
وأخرج ابن جرير مثله، عن مجاهد (3)، وأبي العالية (4)، وقتادة (5).
وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثََالُ نَضْرِبُهََا لِلنََّاسِ وَمََا يَعْقِلُهََا إِلَّا الْعََالِمُونَ (43)}
[العنكبوت: 43] أخرج ابن أبي حاتم، عن عمرو بن مرة، قال: ما مررت بآية في كتاب الله لا أعرفها إلّا أحزنتني، لأني سمعت الله يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثََالُ نَضْرِبُهََا لِلنََّاسِ وَمََا يَعْقِلُهََا إِلَّا الْعََالِمُونَ (43)}.
وأخرج أبو عبيد، عن الحسن، قال: ما أنزل الله آية إلّا وهو يحبّ أن تعلم فيم أنزلت، وما أراد بها (6).
وأخرج أبو ذرّ الهرويّ في «فضائل القرآن» من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: الذي يقرأ القرآن ولا يحسن تفسيره، كالأعرابيّ يهذّ الشعر هذّا.
وأخرج البيهقيّ، وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعا: «أعربوا القرآن، والتمسوا غرائبه» (7).
__________
(1) رواه الطبري في تفسيره 3/ 89.
(2) جويبر ضعيف وسيأتي حكم هذه الطريق في: الطرق عن ابن عباس. في فصل طبقات المفسرين.
وسيأتي تخريج هذه الرواية إن شاء الله تعالى.
(3) رواه الطبري 3/ 89.
(4) رواه الطبري في تفسيره 3/ 89.
(5) رواه الطبري 3/ 88، وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 109.
(6) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 97.
(7) سبق تخريجه.(1/431)
وأخرج ابن الأنباريّ، عن أبي بكر الصدّيق، قال: لأنّ أعرب آية من القرآن أحبّ إليّ من أن أحفظ آية (1).
وأخرج أيضا عن عبد الله بن بريدة، عن رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: لو أني أعلم إذا سافرت أربعين ليلة أعربت آية من كتاب الله لفعلت (2).
وأخرج أيضا من طريق الشعبيّ، قال: قال عمر: من قرأ القرآن فأعربه، كان له عند الله أجر شهيد.
قلت: معنى هذه الآثار عندي إرادة البيان والتفسير لأنّ إطلاق الإعراب على الحكم النحويّ اصطلاح حادث، ولأنّه كان في سليقتهم لا يحتاجون إلى تعلّمه، ثم رأيت ابن النقيب جنح إلى ما ذكرته، وقال: ويجوز أن يكون المراد الإعراب الصناعيّ وفيه بعد (3).
وقد يستدلّ له بما أخرجه السّلفيّ في «الطيوريّات» من حديث ابن عمر، مرفوعا:
«أعربوا القرآن يدلّكم على تأويله» (4).
وقد أجمع العلماء: أنّ التفسير من فروض الكفايات، وأجلّ العلوم الثلاثة الشرعية.
قال الأصبهانيّ: أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن، بيان ذلك: أنّ شرف الصناعة إمّا بشرف موضوعها مثل الصياغة، فإنها أشرف من الدّباغة لأنّ موضوع الصياغة الذهب والفضة، وهما أشرف من موضوع الدّباغة الّذي هو جلد الميتة. وإما بشرف غرضها، مثل صناعة الطب، فإنّها أشرف من صناعة الكناسة لأنّ غرض الطب إفادة الصحّة، وغرض الكناسة تنظيف المستراح.
وإما لشدّة الحاجة إليها كالفقه فإنّ الحاجة إليه أشدّ من الحاجة إلى الطبّ، إذ ما من واقعة في الكون في أحد من الخلق إلّا وهي مفتقرة إلى الفقه لأنّ به انتظام صلاح أحوال الدنيا والدّين، بخلاف الطب، فإنّه يحتاج إليه بعض الناس في بعض الأوقات.
إذا عرف ذلك: فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثلاث:
أمّا من جهة الموضوع: فلأنّ موضوعه كلام الله تعالى الذي هو ينبوع كلّ حكمة،
__________
(1) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 348.
(2) رواه ابن أبي شيبة في المصنف 6/ 116.
(3) انظر شعب الإيمان 2/ 429، والتذكار ص 1391370، والمنهاج في شعب الإيمان 2/ 237.
(4) رواه ابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (29916) 6/ 116موقوفا على ابن عمر بأوله فقط.(1/432)
ومعدن كلّ فضيلة، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، لا يخلق على كثرة الردّ، ولا تنقضي عجائبه.
وأمّا من جهة الغرض: فلأنّ الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى، والوصول إلى السعادة الحقيقيّة التي لا تفنى.
وأما من جهة شدة الحاجة: فلأنّ كلّ كمال دينيّ أو دنيويّ، عاجليّ أو آجلي، مفتقر إلى العلوم الشرعيّة والمعارف الدينية وهي متوقّفة على العلم بكتاب الله تعالى.(1/433)
وأما من جهة شدة الحاجة: فلأنّ كلّ كمال دينيّ أو دنيويّ، عاجليّ أو آجلي، مفتقر إلى العلوم الشرعيّة والمعارف الدينية وهي متوقّفة على العلم بكتاب الله تعالى.
النوع الثامن والسبعون في معرفة شروط المفسّر وآدابه
أحسن طرق التفسير (1):
1 - قال العلماء: من أراد تفسير الكتاب العزيز طلبه أولا من القرآن، فما أجمل منه في مكان فقد فسّر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر منه.
وقد ألّف ابن الجوزيّ كتابا فيما أجمل في القرآن في موضع، وفسّر في موضع آخر منه، وأشرت إلى أمثلة منه في نوع المجمل.
2 - فإن أعياه ذلك طلبه من السنة: فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، وقد قال الشافعي (2) رضي الله عنه: كلّ ما حكم به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو ممّا فهمه من القرآن، قال تعالى: {إِنََّا أَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الْكِتََابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النََّاسِ بِمََا أَرََاكَ اللََّهُ} [النساء:
105] في آيات أخر.
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» (3) يعني: السنّة.
3 - فإن لم يجده في السّنّة رجع إلى أقوال الصحابة: فإنه أدرى بذلك، لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله، ولما اختصّوا به من الفهم التامّ والعلم الصحيح والعلم الصالح.
__________
(1) هذا الكلام ينقله السيوطي من مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية. انظر ص 84من هذه المقدمة بتحقيقنا، والبرهان 2/ 176175.
(2) انظر مقدمة التفسير ص 84، والبرهان للزركشي 1/ 6.
(3) رواه أبو داود (4604)، والترمذي (2664)، وابن ماجة (12)، والدارمي (586)، وأحمد في المسند 4/ 131، وابن حبان (12)، والطبراني في المعجم الكبير (670669) 20/ 284283. والحاكم في المستدرك 1/ 109، والبيهقي في سننه 7/ 76و 9/ 332331، وفي الدلائل 6/ 549عن المقدام بن معد يكرب، وسنده حسن.(1/434)
وقد قال الحاكم في المستدرك (1): إنّ تفسير الصحابيّ الذي شهد الوحي والتنزيل له حكم المرفوع.
وقال الإمام أبو طالب الطبريّ في أوائل تفسيره: القول في آداب المفسّر:
اعلم أنّ من شرطه صحة الاعتقاد أولا، ولزوم سنّة الدين، فإنّ من كان مغموصا عليه في دينه، لا يؤتمن على الدنيا، فكيف على الدين! ثم لا يؤتمن من الدين على الإخبار عن عالم، فكيف يؤتمن في الإخبار عن أسرار الله تعالى، ولأنه لا يؤمن إن كان متّهما بالإلحاد أن يبغي الفتنة ويغر الناس بليّه وخداعه، كدأب الباطنية وغلاة الرافضة. وإن كان متّهما بهوى لم يؤمن أن يحمله هواه على ما يوافق بدعته، كدأب القدريّة، فإنّ أحدهم يصنّف الكتاب في التفسير، ومقصوده منه الإيضاع خلال المساكين، ليصدهم عن اتباع السلف ولزوم طريق الهدى.
ويجب أن يكون اعتماده على النقل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعن أصحابه ومن عاصرهم، ويتجنّب المحدثات، وإذا تعارضت أقوالهم، وأمكن الجمع بينها فعل، نحو أن يتكلم على الصراط المستقيم وأقوالهم فيه ترجع إلى شيء واحد، فيأخذ منها ما يدخل فيه الجميع، فلا تنافي بين القرآن وطريق الأنبياء، فطريق السنّة وطريق النبي صلّى الله عليه وسلّم وطريق أبي بكر وعمر، فأيّ هذه الأقوال أفرده كان محسنا. وإن تعارضت ردّ الأمر إلى ما ثبت فيه السّمع، وإن لم يجد سمعا، وكان للاستدلال طريق إلى تقوية أحدها رجّح ما قوي الاستدلال فيه،
__________
(1) انظر معرفة علوم الحديث للحاكم ص 20والمستدرك 1/ 52212327، والتقييد والإيضاح ص 70، وفتح المغيث 1/ 144142، والجامع لأخلاق الراوي 2/ 294293، ونكت الحافظ ابن حجر 2/ 533530. وتعقّب الحافظ ابن حجر كلام الحاكم بقوله: «والحقّ أنّ ضابط ما يفسّره الصحابي رضي الله عنه إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا منقولا عن لسان العرب فحكمه الرفع، وإلّا فلا، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء، وعن الأمور الآتية:
كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنة والنار، والإخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، فهذه الأشياء لا مجال للاجتهاد فيها، فيحكم لها بالرفع
وأما إذا فسّر آية تتعلّق بحكم شرعي فيحتمل أن يكون ذلك مستفادا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعن القواعد، فلا يجزم برفعه.
وكذا إذا فسّر مفردا فهذا نقل عن اللسان خاصة، فلا يجزم برفعه، وهذا التحرير الذي حرّرناه هو معتمد كثير من كبار الأئمة كصاحبي الصحيح، والإمام الشافعي، وأبي جعفر الطبري، وأبي جعفر الطحاوي، وأبي بكر بن مردويه في تفسيره المسند، والبيهقي، وابن عبد البر في آخرين.
إلّا أنه يستثنى من ذلك ما كان المفسّر له من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من عرف بالنظر في الإسرائيليات كمسلمة أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وغيره، وكعبد الله بن عمرو بن العاص، فمثل هذا لا يكون حكم ما يخبر به من الأمور التي قدّمنا ذكرها الرفع لقوة الاحتمال. والله أعلم. اهـ.(1/435)
كاختلافهم في معنى حروف الهجاء، يرجّح قول من قال: إنها قسم (1). وإن تعارضت الأدلة في المراد علم أنه قد اشتبه عليه، فيؤمن بمراد الله منها، ولا يتهجّم على تعيينه، وينزله منزلة المجمل قبل تفصيله والمتشابه قبل تبيينه.
ومن شرطه: صحة المقصد فيما يقول ليلقى التّسديد، فقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ جََاهَدُوا فِينََا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنََا} [العنكبوت: 69]، وإنما يخلص له القصد إذا زهد في الدنيا، لأنه إذا رغب فيها لم يؤمن أن يتوسّل به إلى غرض يصدّه عن صواب قصده، ويفسد عليه صحة عمله.
وتمام هذه الشرائط: أن يكون ممتلئا من عدّة الإعراب، لا يلتبس عليه اختلاف وجوه الكلام، فإنّه إذا خرج بالبيان عن وضع اللسان، إما حقيقة أو مجازا، فتأويله تعطيله.
وقد رأيت بعضهم يفسّر قوله تعالى {قُلِ اللََّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ} [الأنعام: 91]: إنه ملازمة قول الله، ولم يدر الغبيّ أنّ هذه جملة حذف منها الخبر، والتقدير: الله أنزله. انتهى كلام أبي طالب.
وقال ابن تيمية في كتاب ألّفه في هذا النوع (2):
«يجب أن يعلم أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بيّن لأصحابه معاني القرآن، كما بيّن لهم ألفاظه، فقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] يتناول هذا وهذا (3).
وقد قال أبو عبد الرحمن السّلمي (4): حدّثنا الّذين كانوا يقرءون القرآن كعثمان بن
__________
(1) في حروف الهجاء أقوال كثيرة، والقول بأنها قسم ضعيف. وقد سبق تفصيل ذلك.
(2) هو مقدمة في أصول التفسير، انظرها ص 2318بتحقيقنا. وقد أفاد السيوطي من هذه الرسالة كثيرا في هذا المبحث، كما أشرت إلى هذا في المقدمة.
(3) قال البغوي في تفسيره 3/ 70: «أراد بالذكر: «الوحي، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم مبينا للوحي، وبيان الكتاب يطلب من السنة» اهـ.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز 3/ 395: «وقوله: {لِتُبَيِّنَ} يحتمل أن يريد: لتبيّن بسردك نص القرآن ما نزل.
ويحتمل أن يريد لتبيّن بتفسيرك المجمل، وشرحك ما أشكل مما نزل، فيدخل في هذا ما بيّنته السنّة من أمر الشريعة، وهذا قول مجاهد، اهـ. وانظر روح المعاني 7/ 105، وتفسير الطبري 7/ 589، وتفسير ابن كثير 2/ 571.
(4) هو الإمام العلم، مقرئ الكوفة، عبد الله بن حبيب بن ربيعة الكوفي، من أولاد الصحابة، مولده في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 4/ 271267، والحلية 4/ 195191، وتاريخ بغداد 9/ 430.(1/436)
عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما: أنهم كانوا إذا تعلّموا من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا (1).
ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة.
وقال أنس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ في أعيننا. رواه أحمد في مسنده (2).
وأقام ابن عمر على حفظ البقرة ثمان سنين، أخرجه في الموطأ (3).
وذلك أنّ الله قال: {كِتََابٌ أَنْزَلْنََاهُ إِلَيْكَ مُبََارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيََاتِهِ} [ص: 29]، وقال: {أَفَلََا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء: 82]، وتدبّر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن (4).
وأيضا: فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فنّ من العلم، كالطب والحساب، ولا يستشرحونه، فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم، وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم!؟.
ولهذا كان النّزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلا جدا، وهو وإن كان بين التابعين أكثر منه بين الصحابة فهو قليل بالنسبة إلى ما بعدهم.
[وكلما كان العصر أشرف، كان الاجتماع والائتلاف والعلم والبيان فيه أكثر] (5).
__________
(1) رواه الطبري في تفسيره 1/ 60، والسمرقندي في تفسيره 1/ 71، وابن سعد في الطبقات 6/ 172، وابن أبي شيبة في المصنف، حديث 6/ 117.
وفي سنده: عطاء بن السائب: صدوق، اختلط ولكن الراوي عنه: حماد بن زيد، كما ذكر في السير 4/ 269، وروايته عنه جيدة.
وتابعه أيضا محمد بن الفضيل الضبي عند السمرقندي وجرير عند الطبري ورواية جرير عنه بعد الاختلاط. انظر الاغتباط ص 8382بتحقيقنا.
وفي الباب عن ابن مسعود: قال: كان الرجل منّا إذا تعلّم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى ليعرف معانيهن والعمل بهن: رواه الطبري في تفسيره 1/ 60. وسنده حسن
(2) جزء من حديث رواه البخاري (3617)، ومسلم (2781)، وأحمد في المسند 3/ 222121120 245، وابن حبان (744)، والطحاوي في مشكل الآثار 4/ 240، والبيهقي في إثبات عذاب القبر، حديث رقم (6564) ص 6866.
(3) رواه مالك في الموطأ، حديث رقم (11) 1/ 205بلاغا.
(4) انظر رسالتي: «كيف نتدبّر القرآن»؟، فقد فصّلت القول فيها في معنى: التدبر لغة وشرعا، وبيّنت أهم الوسائل المساعدة على تدبر القرآن.
(5) ما بين القوسين من مقدمة في أصول التفسير ص 22.(1/437)
ومن التابعين من تلقّى جميع التفسير عن الصحابة، وربما تكلّموا في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال. والخلاف بين السلف في التفسير قليل، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد وذلك صنفان:
أحدهما: أن يعبّر [كلّ] (1) واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدلّ على معنى في المسمّى غير المعنى الآخر، مع اتحاد المسمّى، كتفسيرهم {الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ} بعض: بالقرآن أي: اتباعه، وبعض: بالإسلام، فالقولان متّفقان، لأنّ دين الإسلام هو اتباع القرآن ولكن كلّ منهما نبّه على وصف غير الوصف الآخر، كما أنّ لفظ:
{الصِّرََاطَ} يشعر بوصف ثالث.
وكذلك قول من قال: هو السنة والجماعة. وقول من قال: هو طريق العبوديّة، وقول من قال: هو طاعة الله ورسوله. وأمثال ذلك.
فهؤلاء كلّهم أشاروا إلى ذات واحدة، لكن وصفها كلّ منهم بصفة من صفاتها.
الثاني: أن يذكر كلّ منهم من الاسم العام بعض أنواعه، على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحدّ المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه مثاله ما نقل في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتََابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنََا} [فاطر: 32]، فمعلوم: أنّ الظالم لنفسه يتناول المضيّع للواجبات والمنتهك للحرمات، والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرّمات، والسابق يدخل فيه من سبق فتقرّب بالحسنات مع الواجبات فالمقتصدون أصحاب اليمين والسابقون السابقون أولئك المقربون.
ثمّ إنّ كلا منهم يذكر هذا في نوع من أنواع الطاعات، كقول القائل: السابق الذي يصلّي أوّل الوقت، والمقتصد الذي يصلّي في أثنائه، والظالم لنفسه الذي يؤخّر العصر إلى الاصفرار. أو يقول: السابق المحسن بالصّدقة مع الزكاة، والمقتصد الذي يؤدي الزكاة المفروضة فقط، والظالم مانع الزكاة (2).
قال: وهذان الصنفان اللّذان ذكرناهما في تنوّع التفسير تارة لتنوّع الأسماء والصفات، وتارة لذكر بعض أنواع المسمّى، هو الغالب في تفسير سلف الأمة الذي يظنّ أنه مختلف.
__________
(1) ما بين القوسين من مقدمة في أصول التفسير ص 22.
(2) انظر شرح هذه الآية، وتفصيل أقوال العلماء في التذكار في أفضل الأذكار للقرطبي ص 7271 بتحقيقي.(1/438)
ومن التنازع الموجود عنهم ما يكون اللّفظ فيه محتملا للأمرين:
إما لكونه مشتركا في اللغة، كلفظ: {قَسْوَرَةٍ} [المدثر: 51] الذي يراد به الرامي، ويراد به الأسد. ولفظ: {عَسْعَسَ} [التكوير: 17] الذي يراد به إقبال الليل وإدباره.
وإما لكونه متواطئا في الأصل لكن المراد به أحد النوعين أو أحد الشخصين، كالضمائر في قوله: {ثُمَّ دَنََا فَتَدَلََّى (8)} [النجم: 8] وكلفظ الفجر والشفع والوتر وليال عشر، وأشباه ذلك. فمثل هذا: يجوز أن يراد كلّ المعاني التي قالها السلف، وقد لا يجوز ذلك.
فالأول: إما لكون الآية نزلت مرتين: فأريد بها هذا تارة، وهذا تارة. وإما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معناه. وإما لكون اللفظ متواطئا، فيكون عامّا إذا لم يكن لمخصصه موجب. فهذا النوع إذ صحّ فيه القولان كان من الصّنف الثاني.
ومن الأقوال الموجودة عنهم ويجعلها بعض الناس اختلافا أن يعبّروا عن المعاني بألفاظ متقاربة، كما إذا فسر بعضهم: {تُبْسَلَ} [الأنعام: 70] ب (تحبس) وبعضهم ب (ترتهن) لأنّ كلا منهما قريب من الآخر (1).
ثم قال: فصل: والاختلاف في التفسير على نوعين: منه ما مستنده النقل فقط، ومنه ما يعلم بغير ذلك. والمنقول: إمّا عن المعصوم أو غيره، ومنه ما يمكن معرفة الصحيح منه من غيره، ومنه ما لا يمكن ذلك وهذا القسم الذي لا يمكن معرفة صحيحه من ضعيفه عامّته ممّا لا فائدة فيه ولا حاجة بنا إلى معرفته: وذلك: كاختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف واسمه، وفي البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، وفي قدر سفينة نوح وخشبها، وفي اسم الغلام الذي قتله الخضر، ونحو ذلك. فهذه الأمور طريق العلم بها النقل فما كان منه منقولا نقلا صحيحا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل، وما لا بأن نقل عن أهل الكتب ككعب (2) ووهب (3) وقف عن تصديقه وتكذيبه، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا حدّثكم أهل
__________
(1) قال في معجم مقاييس اللغة 1/ 248: «الباء والسين واللام أصل واحد تتقارب فروعه، وهو المنع والحبس» اهـ. وانظر المفردات للراغب ص 4746، وأساس البلاغة ص 22.
(2) هو كعب بن ماتع الحميري اليماني، العلامة الحبر، الذي كان يهوديا فأسلم بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر رضي الله تعالى عنه فجالس أصحاب النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، فكان يحدّثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويحفظ عجائب ويأخذ السنن. انظر سير أعلام النبلاء 3/ 494489، وتذكرة الحفاظ 1/ 49.
(3) هو وهب بن كامل بن سيج بن ذي كبار، وهو الأسوار الإمام، العلامة الأخباري القصصي، اليماني،(1/439)
الكتاب فلا تصدّقوهم، ولا تكذّبوهم» (1).
وكذا ما نقل عن بعض التابعين، وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب، فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجّة على بعض. وما نقل في ذلك عن الصحابة نقلا صحيحا فالنفس إليه أسكن مما ينقل عن التابعين لأنّ احتمال أن يكون سمعه من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو من بعض من سمعه منه أقوى، ولأنّ نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقلّ من نقل التابعين.
ومع جزم الصحابي بما يقوله، كيف يقال: إنه أخذه عن أهل الكتاب وقد نهوا عن تصديقهم؟!.
وأمّا القسم الذي يمكن معرفة الصحيح منه: فهذا موجود كثيرا ولله الحمد وإن قال الإمام أحمد: ثلاثة ليس لها أصل: التفسير، والملاحم، والمغازي (2)، وذلك لأنّ الغالب عليها المراسيل.
__________
أخو همام ومعقل بن منبه.
وروايته للمسند قليلة، وإنما غزارة علمه في الإسرائيليات، ومن صحائف أهل الكتاب. انظر السير 4/ 557544، وتذكرة الحفاظ 1/ 95.
(1) رواه أبو داود (3644)، وأحمد في المسند 4/ 136، وعبد الرزاق (20059)، والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (874إلى 879) 22/ 351349، وابن حبان (6257)، والبيهقي في سننه 2/ 10من حديث أبي نملة الأنصاري.
قلت: سنده ضعيف، فيه: نملة بن أبي نملة: لم يوثقه غير ابن حبان. ولهذا قال عنه الحافظ ابن حجر في تقريبه 2/ 307: «مقبول» اهـ. وسكت عنه الذهبي في الكاشف 2/ 326.
ويغني عنه ما رواه البخاري (754273634485) وغيره بلفظ: «لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم، وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم».
وقد قسم شيخ الإسلام هذه الأحاديث الإسرائيلية إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق. فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل، ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذّبه، وتجوز حكايته، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني.
انظر مقدمته في أصول التفسير ص 9190، وتفسيره الكبير 1/ 248231، وفتح الباري 6/ 498 499، وتفسير ابن كثير 1/ 4، و «الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير» ص 108106.
(2) رواه الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي»، رقم (1536) 2/ 231ثم قال 2/ 234231:
«وهذا الكلام محمول على وجه، وهو أنّ المراد به كتب مخصوصة في المعاني الثلاثة غير معتمد عليها ولا موثوق بصحتها، لسوء أحوال مصنفيها، وعدم عدالة ناقليها، وزيادات القصاص فيها.
فأما كتب الملاحم فجميعها بهذه الصفة، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة، والفتن المنتظرة غير(1/440)
وأما ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل: فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين حدثتا بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، فإنّ التفاسير التي يذكر فيها كلام هؤلاء صرفا لا يكاد يوجد فيها شيء من هاتين الجهتين مثل تفسير عبد الرزاق (1)، والفريابيّ، ووكيع وعبد بن حميد، وإسحاق وأمثالهم:
أحدهما: قوم اعتقدوا معاني، ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها.
والثاني: قوم فسّروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده من كان من الناطقين بلغة العرب، من غير نظر إلى المتكلّم بالقرآن والمنزّل عليه والمخاطب به.
فالأولون: راعوا المعنى الّذي رأوه، من غير نظر إلى ما تستحقّه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان.
والآخرون: راعوا مجرد اللفظ، وما يجوز أن يريد به العربيّ، من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلّم وسياق الكلام.
ثم هؤلاء كثيرا ما يغلطون في احتمال اللفظ لذلك المعنى في اللغة، كما يغلط في ذلك الذين قبلهم، كما أنّ الأولين كثيرا ما يغلطون في صحة المعنى الذي فسّروا به القرآن، كما يغلط في ذلك الآخرون وإن كان نظر الأولين إلى المعنى أسبق، ونظر الآخرين إلى اللفظ أسبق.
والأولون صنفان: تارة يسلبون لفظ القرآن ما دلّ عليه وأريد به، وتارة يحملونه على ما لم يدلّ عليه ولم يرد به. وفي كلا الأمرين قد يكون ما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى باطلا، فيكون خطؤهم في الدليل والمدلول، وقد يكون حقا فيكون خطؤهم في الدليل لا في المدلول.
__________
أحاديث يسيرة، اتصلت أسانيدها إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم من وجوه مرضيّة، وطرق واضحة جليّة.
وأما الكتب المصنّفة في تفسير القرآن، فمن أشهرها كتابا الكلبي ومقاتل بن سليمان
وأما المغازي فمن المشتهرين بتصنيفها وصرف العناية إليها محمد بن إسحاق المطلبي، ومحمد بن عمر الواقدي.
فأما ابن إسحاق فقد تقدّمت الحكاية عنه أنه كان يأخذ عن أهل الكتاب أخبارهم
وأما الواقدي فسوء ثناء المحدّثين عليه مستفيض، وكلام أئمتهم فيه طويل عريض
وليس في المغازي أصح من كتاب موسى بن عقبة مع صغره، وخلوّه من أكثر ما يذكر في كتب غيره اهـ. وانظر المقاصد الحسنة ص 481، ومختصر المقاصد ص 209، والبرهان للزركشي 2/ 156 157.
(1) وهو مطبوع متداول بحمد الله تعالى، صدر عن مكتبة الرشد الرياض، ودار المعرفة بيروت.(1/441)
فالذين أخطئوا فيهما: مثل طوائف من أهل البدع اعتقدوا مذاهب باطلة، وعمدوا إلى القرآن فتأوّلوه على رأيهم، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لا في رأيهم ولا في تفسيرهم وقد صنّفوا تفاسير على أصول مذهبهم، مثل تفسير عبد الرحمن بن كيسان الأصمّ، والجبائي، وعبد الجبار، والرمانيّ، والزمخشريّ، وأمثالهم.
ومن هؤلاء من يكون حسن العبارة، يدسّ البدع في كلامه، وأكثر الناس لا يعلمون، كصاحب الكشاف ونحوه، حتى إنه يروج على خلق كثير من أهل السنّة كثير من تفاسيرهم الباطلة.
وتفسير ابن عطية (1): وأمثاله أتبع للسنّة، وأسلم من البدعة، ولو ذكر كلام السلف المأثور عنهم على وجهه لكان أحسن، فإنّه كثيرا ما ينقل من تفسير ابن جرير الطبريّ وهو من أجلّ التفاسير وأعظمها قدرا، ثم أنّه يدع ما ينقله عن السلف، ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين، وإنما يعني بهم طائفة من أهل الكلام، الذين قرّروا أصولهم بطرق من جنس ما قرّرت به المعتزلة أصولهم، وإن كانوا أقرب إلى السنّة من المعتزلة لكن ينبغي أن يعطى كلّ ذي حقّ حقّه، فإنّ الصحابة والتابعين والأئمة إذا كان لهم في الآية تفسير، وجاء قوم فسّروا الآية بقول آخر لأجل مذهب اعتقدوه وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة والتابعين، صار مشاركا للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا.
وفي الجملة: من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك، بل مبتدعا لأنّهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنّهم أعلم بالحقّ الذي بعث الله به رسوله.
وأما الذين أخطئوا في الدليل لا المدلول: فمثل كثير من الصوفيّة والوعاظ والفقهاء، يفسّرون القرآن بمعان صحيحة في نفسها لكن القرآن لا يدل عليها مثل كثير مما ذكره السّلمي في الحقائق فإن كان فيما ذكروه معان باطلة دخل في القسم الأوّل. انتهى كلام ابن تيمية ملخصا، وهو نفيس جدا.
وقال الزركشيّ في البرهان (2):
__________
(1) هو أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي المغربي الغرناطي الحافظ القاضي. توفي بالرقة سنة ست وأربعين وخمسمائة من الهجرة. انظر منهجه في تفسيره وطريقته فيه: في التفسير والمفسرون 1/ 242239. وتفسيره مطبوع متداول، واسمه: «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز».
(2) البرهان للزركشي 2/ 164156.(1/442)
للنّاظر في القرآن لطلب التفسير مآخذ كثيرة، أمهاتها أربعة:
الأوّل: النقل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: وهذا هو الطّراز المعلم لكن يجب الحذر من الضعيف منه والموضوع، فإنّه كثير ولهذا قال أحمد: ثلاث كتب لا أصل لها: المغازي والملاحم والتفسير (1).
وقال المحقّقون من أصحابه: مراده أنّ الغالب أنه ليس لها أسانيد صحاح متّصلة، وإلّا فقد صحّ من ذلك كثير: كتفسير الظلم بالشرك في آية الأنعام (2)، والحساب اليسير بالعرض (3)، والقوّة بالرمي (4) في قوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60].
قلت: الذي صحّ من ذلك قليل جدا، بل أصل المرفوع منه في غاية القلة، وسأسردها كلها آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
الثاني: الأخذ بقول الصحابيّ: فإنّ تفسيره عندهم بمنزلة المرفوع إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما قاله الحاكم في مستدركه (5).
وقال أبو الخطاب من الحنابلة: يحتمل ألا يرجع إليه إذا قلنا: إن قوله ليس بحجة.
والصواب الأول، لأنه من باب الرواية لا الرأي.
__________
(1) سبق تخريج هذا الأثر وشرحه.
(2) في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمََانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82].
والحديث رواه البخاري (691869174776462934293428336032)، ومسلم (124)، والترمذي (3067) والنسائي في الكبرى، في التفسير (186) 1/ 474، و (410) 2/ 151، وأحمد 1/ 444424387، والطبري في تفسيره 5/ 252250، وابن حبان (253)، والطيالسي (270)، وابن منده (267266265)، وأبو يعلى (5159). والبيهقي في سننه 10/ 185. وقد سبق.
(3) في قوله تعالى: {فَسَوْفَ يُحََاسَبُ حِسََاباً يَسِيراً} [الانشقاق: 8].
والحديث رواه البخاري (653765364939103)، ومسلم (2876)، وأبو داود (3093)، والترمذي (33372426)، وأحمد في المسند 6/ 2061851271064847، وابن حبان (7372737173707369)، وابن أبي عاصم في السنة (885)، والطبري في تفسيره 12/ 507، والقضاعي في مسند الشهاب (338)، والبيهقي في الاعتقاد ص 210209، والحاكم 1/ 25557و 4/ 579249، والبغوي (4319)، وفي التفسير 4/ 464. وقد سبق.
(4) رواه مسلم (1917)، وأبو داود (2514)، والترمذي (3083)، وابن ماجة (2813)، والدارمي (2404)، وأحمد 4/ 157156، والطبراني في المعجم الكبير، (911) 17/ 330، والحاكم 2/ 328، وأبو يعلى (1743)، والطيالسي (1182)، وابن حبان (4709)، والطبري في تفسيره 6/ 274 275، والبيهقي 10/ 13، والبغوي في تفسيره 2/ 258.
(5) المستدرك 1/ 54212327، وقد سبق تخريج قوله، وذكر تعقيب الحافظ ابن حجر عليه.(1/443)
قلت: ما قاله الحاكم نازعه فيه ابن الصلاح (1) وغيره من المتأخّرين، بأن ذلك مخصوص بما فيه سبب النزول أو نحوه ممّا لا مدخل للرأي فيه. ثم رأيت الحاكم نفسه صرح به في «علوم الحديث» (2) فقال: ومن الموقوفات تفسير الصحابة، وأما من يقول: إن تفسير الصحابة مسند فإنما يقول فيما فيه سبب النزول.
فقد خصّص هنا وعمّم في المستدرك، فاعتمد الأول. والله أعلم (3).
ثم قال الزركشي (4): وفي الرجوع إلى قول التابعيّ روايتان عن أحمد، واختار ابن عقيل المنع، وحكوه عن شعبة لكن عمل المفسرين على خلافه، فقد حكوا في كتبهم أقوالهم لأنّ غالبها تلقوها من الصحابة، وربما يحكى عنهم عبارات مختلفة الألفاظ، فيظنّ من فهم عنده أنّ ذلك اختلاف محقّق، فيحكيه أقوالا، وليس كذلك، بل يكون كلّ واحد منهم ذكر معنى من الآية لكونه أظهر عنده، أو أليق بحال السائل. وقد يكون بعضهم يخبر عن الشيء بلازمه ونظيره، والآخر بمقصوده وثمرته، والكلّ يؤول إلى معنى واحد غالبا، فإن لم يمكن الجمع فالمتأخر من القولين عن الشخص الواحد مقدّم إن استويا في الصحّة عنه، وإلّا فالصحيح المقدّم.
الثالث: الأخذ بمطلق اللغة: فإنّ القرآن نزل بلسان عربيّ وهذا قد ذكره جماعة، ونصّ عليه أحمد في مواضع لكن نقل الفضل بن زياد عنه أنّه سئل عن القرآن يمثّل له الرجل ببيت من الشعر؟ فقال: ما يعجبني. فقيل: ظاهره المنع.
ولهذا قال بعضهم: في جواز تفسيره القرآن بمقتضى اللّغة روايتان عن أحمد. وقيل:
الكراهة تحمل على صرف الآية عن ظاهرها إلى معان خارجة محتملة، يدلّ عليها القليل من كلام العرب، ولا يوجد غالبا إلّا في الشعر ونحوه، ويكون المتبادر خلافها.
وروى البيهقيّ في «الشّعب» عن مالك، قال: لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسّر كتاب الله إلّا جعلته نكالا (5).
__________
(1) في مقدمته ص 70 (التقييد والايضاح).
(2) علوم الحديث ص 20.
(3) قد سبق نقل تحقيق نفيس في ذلك للحافظ ابن حجر رحمه الله فارجع إليه غير مأمور.
(4) البرهان 2/ 160158.
(5) رواه البيهقي في شعب الإيمان رقم (2287)، 2/ 426425.
وفي سنده: يحيى بن سليمان بن نضلة: قال أبو حاتم: شيخ، وقال ابن حبان بعد أن ذكره في الثقات:
يخطئ ويهم.
وقال ابن عدي: روى عن مالك وأهل المدينة أحاديث عامتها مستقيمة. انظر لسان الميزان 6/ 261.(1/444)
الرابع: التفسير بالمقتضى من معنى الكلام، والمقتضب من قوّة الشرع: وهذا هو الذي دعا به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لابن عباس، حيث قال: «اللهمّ فقّهه في الدين وعلّمه التأويل» (1).
والذي عناه عليّ بقوله: إلّا فهما يؤتاه الرجل في القرآن (2).
ومن هنا اختلف الصحابة في معنى الآية، فأخذ كلّ برأيه على منتهى نظره، ولا يجوز تفسير القرآن بمجرّد الرأي، والاجتهاد من غير أصل، قال تعالى: {وَلََا تَقْفُ مََا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، وقال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللََّهِ مََا لََا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169]، وقال: {لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]. فأضاف البيان إليه.
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «من تكلّم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» (3) أخرجه أبو داود
__________
(1) رواه البخاري (7270375614375)، ومسلم (2477)، والنسائي في فضائل الصحابة (74 7675)، والترمذي (38243823)، وابن ماجة (166)، وأحمد في المسند 1/ 327214 359، وفي الفضائل (19231883185918581857)، وابن حبان (70547053 7055)، والبغوي في تفسيره 1/ 28من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
(2) رواه البخاري (73006915690367553179317230471870111)، والترمذي (1412)، والنسائي 8/ 2423، وابن ماجة (2658) وانظر باقي تخريجه في تخريجنا لسنن ابن ماجة.
(3) رواه الترمذي (29512950)، والنسائي في الكبرى (80858084)، وأحمد 1/ 269233، والطبري في تفسيره 1/ 58، والخليلي في الإرشاد (95) 1/ 396، والطبراني في المعجم الكبير (12392)، والخطيب في أخلاق الراوي (1642) 2/ 284، والبيهقي في شعب الإيمان، حديث رقم 22762275) 2/ 423، والبغوي في شرح السنة (119118117)، وفي تفسيره 1/ 35، وأبو الليث السمرقندي في تفسيره 1/ 7372 قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - عبد الأعلى بن عامر الثعلبي: قال ابن معين: ليس بذاك القوي. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال العقيلي: تركه ابن مهدي والقطان. انظر تهذيب التهذيب 6/ 9594، والتقريب 1/ 464، والكاشف 2/ 130.
2 - وقع في سنده خلاف: فرواه سفيان وشريك، عن عبد الأعلى به مرفوعا.
وخالفهما: عمرو بن قيس ووكيع فروياه عن عبد الأعلى به موقوفا. فلعل الخلاف وقع من عبد الأعلى نفسه، فهو يرفع الموقوفات.
وله طرق أخرى:
فقد رواه من طريق أبي عاصم النبيل، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعا: «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار»: ابن حبان في الثقات 8/ 368.
وفي سنده: ابن جريج: ثقة، فقيه، فاضل، وكان يدلس ويرسل.
قال الدارقطني: شر التدليس تدليس ابن جريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلّس إلا فيما سمعه من مجروح. انظر طبقات المدلسين ص 95، والتقريب 1/ 520، والكاشف 2/ 185.(1/445)
والترمذي والنسائي، وقال: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار» أخرجه أبو داود (1).
قال البيهقيّ (2) في الحديث الأوّل: هذا إن صحّ فإنّما أراد والله أعلم الرأي الذي يغلب من غير دليل قام عليه، وأما الذي يسنده برهان فالقول به جائز.
وقال في المدخل (3): في هذا الحديث نظر، وإن صحّ فإنما أراد به والله أعلم فقد أخطأ الطريق، فسبيله أن يرجع في تفسير ألفاظه إلى أهل اللغة، وفي معرفة ناسخه ومنسوخه وسبب نزوله وما يحتاج فيه إلى بيانه إلى أخبار الصحابة الذين شاهدوا تنزيله، وأدّوا إلينا من السنن ما يكون بيانا لكتاب الله تعالى، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]. فما ورد بيانه عن صاحب الشرع ففيه كفاية عن فكرة من بعده، وما لم يرد عنه بيانه ففيه حينئذ فكرة أهل العلم بعده ليستدلّوا بما ورد بيانه على ما لم يرد.
قال: وقد يكون المراد به: من قال فيه برأيه من غير معرفة منه بأصول العلم وفروعه، فيكون موافقته للصواب إن وافقه من حيث لا يعرفه غير محمودة.
وقال الماورديّ (4): قد حمل بعد المتورّعة هذا الحديث على ظاهره، وامتنع من أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده، ولو صحبتها الشواهد ولم يعارض شواهدها نصّ صريح، وهذا عدول عمّا تعبّدنا بمعرفته من النظر في القرآن واستنباط الأحكام، كما قال تعالى:
{لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]. ولو صحّ ما ذهب إليه لم يعلم شيء بالاستنباط، ولما فهم الأكثرون من كتاب الله شيئا. وإن صحّ الحديث: فتأويله أنّ من تكلّم في القرآن بمجرّد رأيه، ولم يعرّج على سوى لفظه، وأصاب الحقّ، فقد أخطأ الطريق، وإصابته اتفاق إذ الغرض أنّه مجرّد رأي لا شاهد له وفي الحديث: «القرآن
__________
ورواه من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: ابن عدي في الكامل 6/ 118. والكلبي:
متهم بالكذب، انظر الكامل 6/ 115114.
(1) انظر الحديث السابق.
(2) في شعب الإيمان 2/ 423وقد وقع في مطبوعة زغلول أخطاء كثيرة وتحريفات في المتون، منها قوله:
وهذا أصح، والصواب: وهذا إن صح.
(3) نقله في البرهان 2/ 162.
(4) في تفسيره النكت والعيون 1/ 3634، ونقله في البرهان 2/ 163162.(1/446)
ذلول ذو وجوه، فاحملوه على أحسن وجوهه» (1) أخرجه أبو نعيم وغيره من حديث ابن عباس.
فقوله: «ذلول» يحتمل معنيين:
أحدهما: أنه مطيع لحامليه، تنطق به ألسنتهم.
والثاني: أنه موضّح لمعانيه، حتى لا تقصر عنه أفهام المجتهدين.
وقوله: «ذو وجوه» يحتمل معنيين:
أحدهما: أنّ من ألفاظه ما يحتمل وجوها من التأويل.
والثاني: أنّه قد جمع وجوها من الأوامر والنّواهي والترغيب والترهيب والتحليل والتحريم.
وقوله: «فاحملوه على أحسن وجوهه» يحتمل معنيين:
أحدهما: الحمل على أحسن معانيه.
والثاني: أحسن ما فيه من العزائم دون الرّخص، والعوف دون الانتقام، وفيه دلالة ظاهره على جواز الاستنباط والاجتهاد في كتاب الله تعالى.
وقال أبو الليث (2): النّهي إنما انصرف إلى المتشابه منه لا إلى جميعه، كما قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مََا تَشََابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: 7] لأن القرآن إنما نزل حجة على الخلق فلو لم يجز التفسير لم تكن الحجة بالغة. فإذا كان كذلك: جاز لمن عرف لغات العرب وأسباب النزول أن يفسّره، وأمّا من لم يعرف وجوه اللغة: فلا يجوز أن يفسّره إلّا بمقدار ما سمع فيكون ذلك على وجه الحكاية لا على وجه التفسير. ولو أنه يعلم التفسير، وأراد أن يستخرج من الآية حكما أو دليل الحكم، فلا بأس به. ولو قال: المراد من الآية كذا من غير أن يسمع فيه شيئا، فلا يحلّ، وهو الذي نهي عنه.
وقال ابن الأنباريّ في الحديث الأوّل: حمله بعض أهل العلم على أنّ الرأي معني به الهوى، فمن قال في القرآن قولا يوافق هواه فلم يأخذه عن أئمة السلف وأصاب فقد
__________
(1) رواه الدارقطني في سننه 4/ 145، والديلمي في الفردوس (4707) وفي سنده عند الدارقطني زكريا بن عطية: قال البخاري: منكر الحديث وقال العقيلي: مجهول النقل، ولا يتابع عليه. انظر الضعفاء الكبير للعقيلي 2/ 85، والميزان 2/ 74. وفي سنده الديلمي: جويبر: ضعيف جدا. انظر التقريب 1/ 136.
(2) انظر تفسيره بحر العلوم 1/ 72.(1/447)
أخطأ، لحكمه على القرآن بما لا يعرف أصله، ولا يقف على مذاهب أهل الأثر والنقل فيه.
وقال في الحديث الثاني: له معنيان:
أحدهما: من قال في مشكل القرآن بما لا يعرف من مذهب الأوائل من الصحابة والتابعين فهو متعرّض لسخط الله تعالى.
والآخر: وهو الأصح من قال في القرآن قولا يعلم أنّ الحق غيره فليتبوّأ مقعده من النار.
وقال البغوي (1) والكواشيّ وغيرهما:
التأويل صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وبعدها تحتمله الآية، غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط، غير محظور على العلماء بالتفسير، كقوله تعالى:
{انْفِرُوا خِفََافاً وَثِقََالًا} [التوبة: 41]. قيل: شبانا وشيوخا. وقيل: أغنياء وفقراء. وقيل:
عزّابا ومتأهلين. وقيل: نشاطا وغير نشاط. وقيل: أصحاء ومرضى وكلّ ذلك سائغ، والآية تحتمله (2).
وأما التأويل المخالف للآية والشرع فمحظور لأنه تأويل الجاهلين، مثل تأويل الروافض قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيََانِ (19)} [الرحمن: 19]. أنّهما عليّ وفاطمة. {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجََانُ (22)} [الرحمن: 22]. يعني: الحسن والحسين.
وقال بعضهم (3): اختلف الناس في تفسير القرآن: هل يجوز لكلّ أحد الخوض فيه؟.
فقال قوم: لا يجوز لأحد أن يتعاطى تفسير شيء من القرآن، وإن كان عالما أديبا متّسعا في معرفة الأدلة والفقه والنّحو والأخبار والآثار، وليس له إلّا أن ينتهي إلى ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ذلك.
ومنهم من قال (4): يجوز تفسيره لمن كان جامعا للعلوم التي يحتاج المفسر إليها،
__________
(1) في تفسيره 1/ 35.
(2) انظر في تفسير هذه الآية: معالم التنزيل للبغوي 2/ 296.
(3) هذا الكلام للكافيجي في التيسير في قواعد التفسير ص 148140. وعزاه الزركشي في البرهان 2/ 164للراغب الأصفهاني في مقدمة تفسيره.
(4) من هؤلاء الإمام النووي. قال ذلك في التبيان، وانظر التيسير للكافيجي ص 148144.(1/448)
وهي خمسة عشر علما:
أحدها: اللغة: لأنّ بها يعرف شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الوضع. قال مجاهد: لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب، وتقدم قول الإمام مالك في ذلك، ولا يكفي في حقّه معرفة اليسير منها، فقد يكون اللفظ مشتركا، وهو يعلم أحد المعنيين والمراد الآخر.
الثاني: النّحو: لأنّ المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإعراب، فلا بدّ من اعتباره.
أخرج أبو عبيد عن الحسن: أنه سئل عن الرّجل يتعلّم العربية يلتمس بها حسن المنطق، ويقيم بها قراءته، فقال: حسن، فتعلّمها، فإن الرجل يقرأ الآية فيعيا بوجهها، فيهلك فيها.
الثالث: التصريف: لأنّ به تعرف الأبنية والصيغ، قال ابن فارس: ومن فاته علمه فاته المعظم، لأنّ (وجد) مثلا كلمة مبهمة، فإذا صرّفناها اتّضحت بمصادرها.
وقال الزمخشريّ (1): من بدع التفاسير قول من قال: إنّ الإمام في قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنََاسٍ بِإِمََامِهِمْ} [الإسراء: 71]. جمع (أمّ) وأنّ الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم، قال: وهذا غلط أوجبه جهله بالتصريف فإن (أمّا) لا تجمع على (إمام).
الرابع: الاشتقاق: لأنّ الاسم إذا كان اشتقاقه من مادّتين مختلفتين اختلف المعنى باختلافهما، كالمسيح، هل هو من السياحة أو المسح؟.
الخامس والسادس والسابع: المعاني والبيان والبديع: لأنه يعرف بالأوّل خواصّ تراكيب الكلام من جهة إفادتها المعنى، وبالثاني خواصّها من حيث اختلافها بحسب وضوح الدّلالة وخفائها، وبالثالث وجوه تحسين الكلام. هذه العلوم الثلاثة هي علوم البلاغة وهي من أعظم أركان المفسّر لأنه لا بدّ له من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز، وإنما يدرك بهذه العلوم.
قال السكاكي: اعلم أنّ شأن الإعجاز عجيب يدرك ولا يمكن وصفه، كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها، وكالملاحة، ولا طريق إلى تحصيله لغير ذوي الفطر السليمة إلّا التمرّن على علمي المعاني والبيان.
__________
(1) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 210209. وسنده صحيح إلى الحسن.
(2) انظر الكشاف 2/ 459.(1/449)
قال ابن أبي الحديد: اعلم أنّ معرفة الفصيح والأفصح، والرشيق والأرشق من الكلام، أمر لا يدرك إلّا بالذوق، ولا يمكن إقامة الدلالة عليه، وهو بمنزلة جاريتين:
إحداهما: بيضاء مشربة بحمرة، دقيقة الشفتين، نقية الثّغر، كحلاء العينين، أسيلة الخدّ، دقيقة الأنف، معتدلة القامة، والأخرى: دونها في هذه الصفات والمحاسن، لكنّها أحلى في العيون والقلوب منها، ولا يدرى سبب ذلك ولكنّه يعرف بالذوق والمشاهدة ولا يمكن تعليله، وهكذا الكلام. نعم، يبقى الفرق بين الوصفين: أنّ حسن الوجوه وملاحتها، وتفضيل بعضها على بعض، يدركه كلّ من له عين صحيحة.
وأما الكلام: فلا يدرك إلّا بالذوق، وليس كلّ من اشتغل بالنحو واللغة والفقه يكون من أهل الذوق وممن يصلح لانتقاد الكلام، وإنما أهل الذوق هم الذين اشتغلوا بعلم البيان، وراضوا أنفسهم بالرّسائل والخطب والكتابة والشّعر، وصارت لهم بذلك دربة وملكة تامّة فإلى أولئك ينبغي أن يرجع في معرفة الكلام، وفضل بعضه على بعض.
وقال الزمخشريّ: من حق مفسر كتاب الله الباهر وكلامه المعجز أن يتعاهد بقاء النظم على حسنه، والبلاغة على كمالها، وما وقع به التحدي سليما من القادح.
وقال غيره: معرفة هذه الصناعة بأوضاعها هي عمدة التفسير المطلع على عجائب كلام الله تعالى، وهي قاعدة الفصاحة، وواسطة عقد البلاغة.
الثامن: علم القراءات: لأنّ به يعرف كيفية النطق بالقرآن، وبالقراءات يترجّح بعض الوجوه المحتملة على بعض.
التاسع: أصول الدين: بما في القرآن من الآيات الدالّة بظاهرها على ما لا يجوز على الله تعالى، فالأصوليّ يؤوّل ذلك، ويستدلّ على ما يستحيل وما يجب وما يجوز (1).
العاشر: أصول الفقه: إذ به يعرف وجه الاستدلال على الأحكام والاستنباط.
الحادي عشر: أسباب النزول والقصص: إذ بسبب النزول يعرف معنى الآية المنزلة فيه بحسب ما أنزلت فيه.
الثاني عشر: الناسخ والمنسوخ: ليعلم المحكم من غيره.
الثالث عشر: الفقه.
__________
(1) ينبغي على المتصدي لتفسير كلام الله أن يسلك مسلك سلفنا الصالح بتناول آيات الصفات، وهو أن يؤمن بظاهرها، ويعتقد معناها. دون تحريف أو تأويل أو تشبيه.(1/450)
الرابع عشر: الأحاديث المبيّنة لتفسير المجمل والمبهم.
الخامس عشر: علم الموهبة: وهو علم يورثه الله تعالى لمن عمل بها علم، وإليه الإشارة بحديث: «من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم» (1).
قال ابن أبي الدنيا: وعلوم القرآن وما يستنبط منه بحر لا ساحل له.
قال: فهذه العلوم التي هي كالآلة للمفسّر لا يكون مفسّرا إلّا بتحصيلها، فمن فسّر بدونها كان مفسّرا بالرأي المنهيّ عنه، وإذا فسّر مع حصولها لم يكن مفسّرا بالرأي المنهيّ عنه.
قال: والصحابة والتابعون كان عندهم علوم العربيّة بالطبع لا بالاكتساب، واستفادوا العلوم الأخرى من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
قلت: ولعلك تستشكل علم الموهبة، وتقول: هذا شيء ليس في قدرة الإنسان.
وليس كما ظننت من الإشكال، والطريق في تحصيله ارتكاب الأسباب الموجبة له من العمل والزهد.
قال في البرهان (2): اعلم أنه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي، ولا يظهر له أسراره، وفي قلبه بدعة أو كبر أو هوى أو حبّ الدنيا، أو وهو مصرّ على ذنب، أو غير متحقّق بالإيمان أو ضعيف التحقيق، أو يعتمد على قول مفسّر ليس عنده علم، أو راجع إلى معقوله: وهذه كلّها حجب وموانع بعضها آكد من بعض (3).
قلت: وفي هذا المعنى قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيََاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 14]. قال سفيان بن عيينة: يقول: أنزع عنهم فهم القرآن. أخرجه ابن أبي حاتم (4).
وقد أخرج ابن جرير وغيره، من طرق، عن ابن عباس، قال: التفسير: أربعة أوجه:
وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تعلمه العلماء،
__________
(1) رواه أبو نعيم 10/ 15ثم قال: «ذكر أحمد بن حنبل هذا الكلام عن بعض التابعين عن عيسى بن مريم عليه السلام فوهم بعض الرواة أنه ذكره عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فوضع هذا الإسناد عليه لسهولته وقربه، وهذا الحديث لا يحتمل بهذا الإسناد عن أحمد بن حنبل» اهـ. وانظر كشف الخفاء 2/ 347.
(2) البرهان 2/ 181180.
(3) انظر كتابنا: «كيف نتدبر القرآن؟».
(4) رواه الطبري في تفسيره، برقم (15132) 6/ 60وسنده حسن. وانظر تفسير البغوي 2/ 200.(1/451)
وتفسير لا يعلمه إلّا الله تعالى (1).
ثم رواه مرفوعا بسند ضعيف بلفظ: «أنزل القرآن على أربعة أحرف: حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تفسّره العرب، وتفسير تفسّره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلّا الله تعالى، ومن ادّعى علمه سوى الله تعالى فهو كاذب (2)».
قال الزّركشيّ في البرهان (3) في قول ابن عباس: هذا تقسيم صحيح:
فأمّا الذي تعرفه العرب: فهو الذي يرجع فيه إلى لسانهم وذلك اللغة والإعراب:
فأمّا اللغة فعلى المفسّر معرفة معانيها ومسمّيات أسمائها، ولا يلزم ذلك القارئ. ثم إن كان ما تتضمّنه ألفاظها يوجب العمل دون العلم: كفى فيه خبر الواحد والاثنين، والاستشهاد بالبيت والبيتين. وإن كان يوجب العلم: لم يكف ذلك، بل لا بدّ أن يستفيض ذلك اللفظ، وتكثر شواهده من الشعر.
وأما الإعراب: فما كان اختلافه محيلا للمعنى وجب على المفسّر والقارئ تعلّمه، ليتوصّل المفسر إلى معرفة الحكم، ويسلم القارئ من اللحن، وإن لم يكن محيلا للمعنى وجب تعلّمه على القارئ ليسلم من اللحن، ولا يجب على المفسّر لوصوله إلى المقصود بدونه.
وأما ما لا يعذر أحد بجهله: فهو ما تتبادر الأفهام إلى معرفة معناه من النصوص، المتضمّنة شرائع الأحكام ودلائل التوحيد وكلّ لفظ أفاد معنى واحدا جليا يعلم أنه مراد الله تعالى فهذا القسم لا يلتبس تأويله، إذ كلّ أحد يدرك معنى التوحيد، من قوله تعالى:
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لََا إِلََهَ إِلَّا اللََّهُ} [محمد: 19]. وأنّه لا شريك له في الإلهية، وإن لم يعلم أنّ (لا) موضوعة في اللغة للنفي، و (إلّا) للإثبات، وأنّ مقتضى هذه الكلمة الحصر. ويعلم كلّ أحد بالضرورة أنّ مقتضى قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَآتُوا الزَّكََاةَ} [البقرة: 43] ونحوه طلب إيجاب المأمور به، وإن لم يعلم أنّ صيغة (أفعل) للوجوب. فما كان من هذا القسم لا يعذر أحد يدّعي الجهل بمعاني ألفاظه لأنها معلومة لكلّ أحد بالضرورة.
وأمّا ما لا يعلمه إلّا الله تعالى: فهو ما يجري مجرى الغيوب نحو الآي المتضمنة
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه الطبري في تفسيره، برقم (72) 1/ 57وفي سنده الكلبي: متّهم بالكذب.
(3) انظر البرهان 2/ 168164.(1/452)
قيام الساعة، وتفسير الرّوح، والحروف المقطّعة، وكلّ متشابه في القرآن عند أهل الحقّ، فلا مساغ للاجتهاد في تفسيره، ولا طريق إلى ذلك إلّا بالتوقيف، بنص من القرآن أو الحديث أو إجماع الأمة على تأويله.
وأمّا ما يعلمه العلماء ويرجع إلى اجتهادهم: فهو الذي يغلب عليه إطلاق التأويل وذلك استنباط الأحكام، وبيان المجمل وتخصيص العموم، وكلّ لفظ احتمل معنيين فصاعدا: فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه، وعليهم اعتماد الشواهد والدلائل دون مجرد الرأي فإن كل أحد المعنيين أظهر وجب الحمل عليه، إلّا أن يقوم دليل على أنّ المراد هو الخفيّ. وإن استويا والاستعمال فيهما حقيقة لكن في أحدهما حقيقة لغوية أو عرفية، وفي الآخر شرعية فالحمل على الشرعية أولى، إلّا أن يدلّ دليل على إرادة اللغوية، كما في: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلََاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103].
ولو كان في أحدهما عرفية والأخر لغوية: فالحمل على العرفية أولى، لأنّ الشرع ألزم، فإن تنافى اجتماعهما، ولم يمكن إرادتهما باللفظ الواحد كالقرء للحيض والطهر، اجتهد في المراد منهما بالأمارات الدالة عليه، فما ظنّه فهو مراد الله تعالى في حقّه. وإن لم يظهر له شيء، فهل يتخيّر في الحمل على أيّهما شاء، أو يأخذ بالأغلظ حكما، أو بالأخفّ؟ أقوال. وإن لم يتنافيا وجب الحمل عليهما عند المحققين، ويكون ذلك أبلغ في الإعجاز والفصاحة، إلّا إن دل دليل على إرادة أحدهما.
إذا عرف ذلك: فينزّل حديث: «من تكلم في القرآن برأيه» (1) على قسمين من هذه الأربعة:
أحدها: تفسير اللفظ، لاحتياج المفسّر له إلى التبحّر في معرفة لسان العرب.
والثاني: حمل اللّفظ المحتمل على أحد معنييه، لاحتياج ذلك إلى معرفة أنواع من العلوم، والتبحّر في العربية واللغة، ومن الأصول ما يدرك به حدود الأشياء، وصيغ الأمر والنّهي والخبر، والمجمل والمبيّن، والعموم والخصوص، والمطلق والمقيّد، والمحكم والمتشابه، والظاهر والمؤوّل، والحقيقة والمجاز، والصريح والكناية، ومن [علوم] (2)
الفروع ما يدرك به الاستنباط.
__________
(1) سبق تخريجه 2/ 445.
(2) ما بين القوسين زيادة من البرهان 2/ 168.(1/453)
هذا أقل ما يحتاج إليه ومع ذلك فهو على خطر، فعليه أن يقول: يحتمل كذا، ولا يجزم إلّا في حكم اضطر إلى الفتوى به، فأدّى اجتهاده إليه فيجزم مع تجويز خلافه.
انتهى.
وقال ابن النّقيب: جملة ما تحصّل في معنى حديث التفسير بالرأي خمسة أقوال:
أحدها: التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير.
الثاني: تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلّا الله.
الثالث: التفسير المقرّر للمذهب الفاسد، بأن يجعل المذهب أصلا والتفسير تابعا، فيردّ إليه بأيّ طريق أمكن، وإن كان ضعيفا.
الرابع: التفسير بأنّ مراد الله كذا على القطع من غير دليل.
الخامس: التفسير بالاستحسان والهوى.
ثم قال: واعلم أن علوم القرآن ثلاثة أقسام:
الأوّل: علم لم يطلع الله عليه أحدا من خلقه، وهو ما استأثر به من علوم أسرار كتابه: من معرفة كنه ذاته وغيوبه التي لا يعلمها إلّا هو. وهذا لا يجوز لأحد الكلام فيه بوجه من الوجوه إجماعا.
الثاني: ما أطلع الله عليه نبيّه من أسرار الكتاب، واختصّه به. وهذا لا يجوز الكلام فيه إلّا له صلّى الله عليه وسلّم، أو لمن أذن له، قال: وأوائل السّور من هذا القسم، وقيل: من القسم الأول.
الثالث: علوم علّمها الله نبيّه مما أودع كتابه من المعاني الجليّة والخفيّة، وأمره بتعليمها. وهذا ينقسم إلى قسمين:
منه: ما لا يجوز الكلام فيه إلّا بطريق السمع: وهو: أسباب النزول، والنّاسخ والمنسوخ، والقراءات، واللغات، وقصص الأمم الماضية، وأخبار ما كائن من الحوادث، وأمور الحشر والمعاد.
ومنه: ما يؤخذ بطريق النّظر والاستدلال والاستنباط والاستخراج من الألفاظ: وهو قسمان:
قسم اختلفوا في جوازه: وهو تأويل الآيات المتشابهات في الصفات (1).
__________
(1) قول جميع السلف في ذلك: حرمة تأويل الآيات التي تتكلم عن الصفات وصرفها عن ظاهرها، وعلى(1/454)
وقسم اتّفقوا عليه: وهو استنباط الأحكام الأصليّة والفرعية والإعرابيّة لأنّ مبناها على الأقيسة وكذلك فنون البلاغة وضروب المواعظ والحكم والإرشادات، لا يمتنع استنباطها منه، واستخراجها لمن له أهلية. انتهى ملخصا.
وقال أبو حيّان (1): ذهب بعض من عاصرناه إلى أنّ علم التفسير مضطر إلى النقل في فهم معاني تركيبه بالإسناد إلى مجاهد وطاوس وعكرمة وأضرابهم، وأنّ فهم الآيات يتوقف على ذلك. قال: وليس كذلك.
وقال الزّركشي بعد حكاية ذلك (2): الحقّ أنّ علم التفسير: منه ما يتوقّف على النقل: كسبب النّزول، والنسخ، وتعيين المبهم، وتبيين المجمل. ومنه ما لا يتوقّف، ويكفي في تحصيله الثقة على الوجه المعتبر. قال: وكأنّ السّبب في اصطلاح كثير على التفرقة بين التفسير والتأويل، والتمييز بين المنقول والمستنبط ليحمل على الاعتماد في المنقول، وعلى النظر في المستنبط.
قال (3): واعلم أنّ القرآن قسمان: قسم ورد تفسيره بالنّقل، وقسم لم يرد.
والأول: إمّا أن يرد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أو الصحابة، أو رءوس التّابعين: فالأول يبحث فيه عن صحة السند، والثاني ينظر في تفسير الصحابي: فإن فسّره من حيث اللغة: فهم أهل اللسان فلا شك في اعتمادهم. أو بما شاهده من الأسباب والقرائن: فلا شك فيه.
وحينئذ إن تعارضت أقوال جماعة من الصحابة: فإن أمكن الجمع فذاك، وإن تعذّر قدّم ابن عباس لأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بشّره بذلك، حيث قال: «اللهمّ علّمه التأويل» (4).
وقد رجّح الشافعي قول زيد في الفرائض، لحديث «أفرضكم زيد» (5). وأما ما ورد عن التابعين: فحيث جاز الاعتماد فيما سبق فكذلك هنا، وإلّا وجب الاجتهاد.
__________
هذا مشى جميع سلفنا الصالح.
(1) في تفسيره 1/ 5، وانظر البرهان 2/ 171.
(2) في البرهان 2/ 172171.
(3) البرهان 2/ 172.
(4) سبق تخريجه.
(5) رواه الترمذي (3790)، والنسائي في فضائل الصحابة (182138)، وابن ماجة (155)، وأحمد 3/ 184و 3/ 281، والطيالسي (2096)، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 226، وأبو نعيم في الحلية 3/ 122، والحاكم 3/ 422، وابن حبان (725271377131)، والطحاوي في المشكل 1/ 350 351. والبيهقي 6/ 210. وسنده صحيح.(1/455)
وأمّا ما لم يرد فيه نقل: فهو قليل، وطريق التّوصل إلى فهمه النظر إلى مفردات الألفاظ من لغة العرب ومدلولاتها واستعمالها بحسب السّياق، وهذا يعتني به الراغب كثيرا في كتاب «المفردات» فيذكر قيدا زائدا على أهل اللغة في تفسير مدلول اللفظ، لأنه اقتضاه السياق. انتهى.
قتل: وقد جمعت كتابا مسندا فيه تفاسير النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والصحابة، فيه بضعة عشر ألف حديث ما بين مرفوع وموقوف وقد تمّ ولله الحمد في أربع مجلدات وسمّيته: «ترجمان القرآن» (1). ورأيت وأنا في أثناء تصنيفه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، في المنام، في قصّة طويلة تحتوي على بشارة حسنة.
تنبيه من المهمّ معرفة التفاسير الواردة عن الصّحابة بحسب قراءة مخصوصة
وذلك أنه قد يرد عنهم تفسيران في الآية الواحدة مختلفان، فيظنّ اختلافا وليس باختلاف وإنما كلّ تفسير على قراءة. وقد تعرّض السّلف لذلك.
فأخرج ابن جرير في قوله تعالى: {لَقََالُوا إِنَّمََا سُكِّرَتْ أَبْصََارُنََا} [الحجر: 15] من طرق عن ابن عباس وغيره: أنّ {سُكِّرَتْ} بمعنى (سدّت) ومن طرق أنها بمعنى (أخذت) (2).
ثم أخرج عن قتادة (3) قال: من قرأ {سُكِّرَتْ} مشدّدة، فإنّما يعني (سدّت). ومن قرأ {سُكِّرَتْ} مخففة، فإنه يعني (سحرت).
وهذا الجمع من قتادة نفيس بديع.
ومثله قوله تعالى: {سَرََابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرََانٍ} [إبراهيم: 50]: أخرج ابن جرير، عن الحسن: أنه الذي تهنأ به الإبل (4).
__________
(1) انظر دليل مخطوطات السيوطي ص 32.
(2) انظر تفسير الطبري 7/ 498497، وقال 7/ 497: «واختلف القرّاء في قراءة قوله: {سُكِّرَتْ}: فقرأ أهل المدينة والعراق: {سُكِّرَتْ} بتشديد الكاف، بمعنى: غشيت وغطيت، هكذا كان يقول أبو عمرو بن العلاء فيما ذكر لي عنه، وذكر عن مجاهد أنه كان يقرأ: لقالوا إنما سكرت.
(3) تفسير الطبري، رقم (21058) 7/ 498وسنده حسن. وانظر حجة القراءات لأبي زرعة ص 382، والكشف عن وجوه القراءات 2/ 30.
(4) رواه ابن جرير في تفسيره 7/ 485ولفظه: يعني الخضخاض هناء الإبل. وفي لفظ آخر: قطران الإبل.
وسنده حسن: واللفظ الآخر صحيح.(1/456)
وأخرج من طرق عنه وعن غيره (1): أنه النّحاس المذاب، وليسا بقولين وإنما الثاني تفسير لقراءة من قطرآن بتنوين قطر وهو النحاس، وآن شديد الحرّ، كما أخرجه ابن أبي حاتم هكذا عن سعيد بن جبير (2).
وأمثلة هذا النوع كثيرة، والكافل بيانها كتابنا «أسرار التنزيل» (3). وقد خرّجت على هذا قديما الاختلاف الوارد عن ابن عباس وغيره في تفسير آية {أَوْ لََامَسْتُمُ} [النساء:
43]. هل هو الجماع أو الجسّ باليد؟ فالأول تفسير لقراءة: لمستم والثاني لقراءة:
{لََامَسْتُمُ} ولا اختلاف.
فائدة: قال الشافعيّ رضي الله عنه في مختصر البويطيّ: لا يحلّ تفسير المتشابه إلّا بسنّة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو خبر عن أحد من أصحابه، أو إجماع العلماء، هذا نصّه.
فصل وأما كلام الصوفيّة في القرآن فليس بتفسير.
قال ابن الصلاح في فتاويه: وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحديّ المفسّر، أنّه قال: صنّف أبو عبد الرحمن السّلميّ (4) «حقائق التفسير» فإن كان قد اعتقد أنّ ذلك تفسير فقد كفر (5).
قال ابن الصلاح (6): وأنا أقول: الظنّ بمن يوثق به منهم إذا قال شيئا من ذلك أنّه
__________
(1) انظر تفسير الطبري 7/ 486485.
(2) قرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأبو مجلز، وعكرمة، وقتادة، وابن أبي عبلة، وأبو حاتم، عن يعقوب:
(من قطر) بكسر القاف وسكون الطاء والتنوين (آن) بقطع الهمزة وفتحها ومدّها. انظر زاد المسير 4/ 377.
(3) أسرار التنزيل، أو «قطف الأزهار في كشف الأسرار». مخطوط برلين 23/ 6. انظر دليل مخطوطات السيوطي ص 30.
(4) هو أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسى الأزدي السلمي. كان شيخ الصوفية وعالمهم بخراسان. انظر طبقات المفسرين للسيوطي ص 9897، وتاريخ بغداد 2/ 248. وانظر منهج السلمي في تفسيره: في التفسير والمفسرون 2/ 389385.
(5) قال شيخ الإسلام في مقدمة أصول التفسير ص 8382: «وأما الذين يخطئون في الدليل لا في المدلول، فمثل كثير من الصوفية والوعّاظ والفقهاء، وغيرهم، يفسّرون القرآن بمعاني صحيحة، لكن القرآن لا يدلّ عليها، مثل كثير مما ذكره أبو عبد الرحمن السلمي في «حقائق التفسير»، وإن كان فيما ذكروه ما هو معان باطلة، فإن ذلك يدخل في القسم الأول، وهو الخطأ في الدليل والمدلول جميعا، حيث يكون المعنى الذي قصدوه فاسدا. اهـ.
(6) نقله في البرهان 2/ 171170.(1/457)
لم يذكره تفسيرا، ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة، فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسلك الباطنيّة، وإنما ذلك منهم لنظير ما ورد به القرآن فإنّ النظير يذكر بالنظير ومع ذلك فيا ليتهم لم يتساهلوا بمثل ذلك، لما فيه من الإيهام والإلباس.
وقال النسفيّ في عقائده: النّصوص على ظاهرها، والعدول عنها إلى معان يدّعيها أهل الباطن إلحاد.
قال التفتازاني في شرحه: سمّيت الملاحدة باطنيّة لادّعائهم أنّ النصوص ليست على ظاهرها، بل لها معان باطنيّة لا يعرفها إلا المعلم، وقصدهم بذلك نفي الشريعة بالكليّة.
قال: وأمّا ما يذهب إليه بعض المحقّقين من أنّ النّصوص على ظواهرها، ومع ذلك فيها إشارات خفية إلى دقائق، تنكشف على أرباب السلوك، يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة، فهو من كمال الإيمان، ومحض العرفان (1).
وسئل شيخ الإسلام سراج الدين البلقينيّ عن رجل قال في قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلََّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]: إنّ معناه: من ذلّ: أي من الذلّ. ذي: إشارة إلى النفس، يشف: من الشفا جواب (من). ع: أمر من الوعي، فأفتى بأنه ملحد. وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيََاتِنََا لََا يَخْفَوْنَ عَلَيْنََا} [فصلت: 40]. قال ابن عباس: هو أن يوضع الكلام على غير موضعه، أخرجه ابن أبي حاتم (2).
فإن قلت: فقد قال الفريابيّ: حدّثنا سفيان، عن يونس بن عبيد، عن الحسن قال:
__________
(1) قال الحافظ ابن قيم الجوزية في التبيان في أقسام القرآن ص 90: «وتفسير الناس يدور على ثلاثة أصول:
1 - تفسير على اللفظ: وهو الذي ينحو إليه المتأخرون.
2 - وتفسير على المعنى: وهو الذي يذكره السلف.
3 - وتفسير على الإشارة والقياس: وهو الذي ينحو إليه كثير من الصوفية وغيرهم، وهذا لا بأس به بأربعة شرائط:
الأول: أن لا يناقض معنى الآية.
الثاني: وأن يكون معنى صحيحا في نفسه.
الثالث: وأن يكون في اللفظ إشعار به.
الرابع: وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم.
فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطا حسنا.» اهـ.
(2) رواه الطبري في تفسيره 11/ 115.(1/458)
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لكلّ آية ظهر وبطن، ولكلّ حرف حدّ، ولكل حدّ مطلع» (1).
وأخرج الدّيلميّ من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعا: «القرآن تحت العرش، له ظهر وبطن يحاجّ العباد» (2).
وأخرج الطبرانيّ وأبو يعلى والبزّار وغيرهم، عن ابن مسعود موقوفا: «إن هذا القرآن ليس منه حرف إلّا له حدّ، ولكل حدّ مطلع» (3).
قلت: أمّا الظهر والبطن في معناه أوجه (4):
أحدها: أنّك إذا بحثت عن باطنها وقسته على ظاهرها، وقفت على معناها.
والثاني: أنّ ما من آية إلّا عمل بها قوم ولها قوم سيعملون بها، كما قال ابن مسعود، فيما أخرجه ابن أبي حاتم.
الثالث: أن ظاهرها لفظها، وباطنها تأويلها.
الرابع: قال أبو عبيد (5): وهو أشبهها بالصواب إن القصص التي قصّها الله تعالى عن الأمم الماضية وما عاقبهم به: ظاهرها الإخبار بهلاك الأوّلين، إنما هو حديث حدّث به عن قوم، وباطنها وعظ الآخرين، وتحذيرهم أن يفعلوا كفعلهم، فيحلّ بهم مثل ما حل بهم.
وحكى ابن النقيب قولا خامسا: إنّ ظهرها ما ظهر من معانيها لأهل العلم بالظّاهر، وبطنها ما تضمنته من الأسرار التي أطلع الله عليها أرباب الحقائق.
ومعنى قوله: «ولكلّ حرف حدّ»: أي: منتهى، فيما أراد الله من معناه. وقيل: لكلّ حكم مقدار من الثواب والعقاب.
__________
(1) هو حديث مرسل صحيح الإسناد إلى الحسن. ورواه القاسم بن سلام في فضائل القرآن ص 4342، والطبراني، كما في مجمع الزوائد 7/ 152.
(2) رواه الديلمي في الفردوس، حديث رقم (4708) 3/ 280.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه: كثير بن عبد الله، ضعيف، ومنهم من نسبه إلى الكذب. قال أبو داود:
كذاب. انظر الكاشف 3/ 5، والتقريب 2/ 132.
(3) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (86688667) 9/ 146. وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 43. وسنده صحيح، وهو موقوف على ابن مسعود رضي الله تعالى عنه.
وانظر مجمع الزوائد 7/ 153. وروى عنه مرفوعا عند ابن حبان (75)، والطبري في تفسيره 1/ 35 36، والطبراني (10090)، والبزار (2312)، وأبو يعلى (54035149).
(4) انظر شرح السنة 1/ 263، وفضائل القرآن ص 4342، وتفسير الطبري 1/ 55، والبرهان 2/ 169.
(5) غريب الحديث 2/ 1312.(1/459)
ومعنى قوله: «ولكلّ حدّ مطلع»: لكل غامض من المعاني والأحكام مطلع يتوصّل به إلى معرفته، ويوقف على المراد به.
وقيل: كلّ ما يستحقّه من الثواب والعقاب يطلع عليه في الآخرة عند المجازاة (1).
وقال بعضهم: الظاهر: التّلاوة، والباطن: الفهم، والحد: أحكام الحلال الحرام، والمطلع: الإشراف على الوعد والوعيد.
قلت: يؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم، من طريق الضّحاك، عن ابن عباس قال:
إن القرآن ذو شجون وفنون، وظهور وبطون، لا تنقضي عجائبه، ولا تبلغ غايته، فمن أوغل فيه برفق نجا، ومن أوغل فيه بعنف هوى. أخبار وأمثال، وحلال وحرام، وناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، وظهر وبطن، فظهره التلاوة، وبطنه التأويل، فجالسوا به العلماء وجانبوا به السفهاء.
وقال ابن سبع في «شفاء الصدور» (2): ورد عن أبي الدرداء أنه قال: لا يفقه الرّجل كلّ الفقه حتى يجعل للقرآن وجوها (3).
وقال ابن مسعود: من أراد علم الأوّلين والآخرين فليثور القرآن (4).
قال: وهذا الذي قالاه لا يحصل بمجرّد تفسير الظاهر.
وقال بعض العلماء (5): لكل آية ستون ألف فهم فهذا يدلّ على أنّ في فهم معاني القرآن مجالا رحبا، ومتّسعا بالغا، وأنّ المنقول من ظاهر التفسير، وليس ينتهي الإدراك فيه بالنقل، والسّماع لا بدّ منه في ظاهر التفسير ليتّقي به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط، ولا يجوز التهاون في حفظ التفسير الظاهر بل لا بدّ منه أوّلا إذ لا يطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر، ومن ادّعى فهم أسرار القرآن، ولم يحكم التفسير الظاهر، فهو كمن ادّعى البلوغ إلى صدر البيت، قبل أن يجاوز الباب.
انتهى.
__________
(1) انظر تفسير الطبري 1/ 55، والبرهان 2/ 169.
(2) هو أبو الربيع سليمان بن سبع السبتي. انظر البرهان 2/ 154.
(3) رواه أحمد في الزهد، حديث رقم (712) ص 196. وسنده صحيح، إن كان أبو قلابة سمع من أبي الدرداء. وانظر البرهان 2/ 208.
(4) رواه أحمد في الزهد، حديث رقم (854) ص 229. والسمرقندي في تفسيره بحر العلوم 1/ 71.
والبيهقي في المدخل كما في البرهان 1/ 8. وسنده صحيح.
(5) نقله في البرهان 2/ 154.(1/460)
وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في كتابه «لطائف المنن»: اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله وكلام رسوله بالمعاني العربيّة ليس إحالة للظاهر عن ظاهره ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جلبت الآية له ودلّت عليه في عرف اللسان، وثمّ أفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث لمن فتح الله قلبه وقد جاء في الحديث: «لكل آية ظهر وبطن» (1). فلا يصدّنك عن تلقّي هذه المعاني منهم أن يقول لك ذو جدل ومعارضة: هذا إحالة لكلام الله وكلام رسوله، فليس ذلك بإحالة، وإنما يكون إحالة لو قالوا: لا معنى للآية إلّا هذا، وهم لم يقولوا ذلك، بل يقرءون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها، ويفهمون عن الله تعالى ما أفهمهم.
فصل (2)
قال العلماء: يجب على المفسّر أن يتحرّى في التفسير مطابقة المفسّر،
وأن يتحرّز في ذلك من نقص عمّا يحتاج إليه في إيضاح المعنى، أو زيادة لا تليق بالغرض، ومن كون المفسّر فيه زيغ عن المعنى، وعدول عن طريقه.
وعليه بمراعاة المعنى الحقيقيّ والمجازيّ ومراعاة التأليف، والغرض الذي سيق له الكلام، وأن يواخي بين المفردات.
ويجب عليه البداءة بالعلوم اللفظيّة (3)، وأوّل ما يجب البداءة به منها تحقيق الألفاظ المفردة، فيتكلّم عليها من جهة اللّغة، ثم التصريف، ثم الاشتقاق، ثم يتكلّم عليها بحسب التركيب: فيبدأ بالإعراب، ثم بما يتعلق بالمعاني، ثم البيان، ثم البديع، ثم يبيّن المعنى المراد، ثم الاستنباط، ثم الإشارات.
وقال الزركشيّ في أوائل البرهان (4): قد جرت عادة المفسرين أن يبدءوا بذكر سبب النزول، ووقع البحث في أنه: أيّما أولى البداءة به: بتقدّم السبب على المسبب، أو بالمناسبة لأنها المصحّحة لنظم الكلام، وهي سابقة على النزول.
قال: والتحقيق التّفصيل بين أن يكون وجه المناسبة متوقفا على سبب النزول، كآية:
{إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمََانََاتِ إِلى ََ أَهْلِهََا} [النساء: 58]. فهذا ينبغي فيه تقديم ذكر
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) انظر هذا الفصل في البرهان 2/ 177176.
(3) انظر البرهان 2/ 173.
(4) البرهان 1/ 34.(1/461)
السبب، لأنه حينئذ من باب تقديم الوسائل على المقاصد. وإن لم يتوقّف على ذلك فالأولى تقديم المناسبة.
وقال في موضع آخر (1): جرت عادة المفسرين، ممن ذكر فضائل القرآن، أن يذكرها في أوّل كلّ سورة، لما فيها من الترغيب والحثّ على حفظها، إلّا الزمخشريّ فإنه يذكرها في أواخرها.
قال مجد الأئمة عبد الرحيم بن عمر الكرمانيّ: سألت الزمخشري عن العلة في ذلك فقال: لأنّها صفات لها، والصفة تستدعي تقديم الموصوف.
وكثيرا ما يقع في كتب التفسير (حكى الله كذا). فينبغي تجنّبه (2).
قال الإمام أبو نصر القشيريّ في «المرشد» (3): قال معظم أئمتنا: لا يقال: (كلام الله يحكى) ولا يقال: (حكى الله) لأنّ الحكاية الإتيان بمثل الشيء، وليس لكلامه مثل.
وتساهل قوم فأطلقوا لفظ الحكاية بمعنى الإخبار، وكثيرا ما يقع في كلامهم إطلاق (الزائد) على بعض الحروف، وقد مرّ في نوع الإعراب.
وعلى المفسر أن يتجنّب إدّعاء التكرار ما أمكنه، قال بعضهم: ممّا يدفع توهم التكرار في عطف المترادفين نحو: {لََا تُبْقِي وَلََا تَذَرُ (28)} [المدثر: 28]. {صَلَوََاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157]. وأشباه ذلك: أن يعتقد أن مجموع المرادفين يحصل معنى لا يوجد عند انفراد أحدهما، فإنّ التركيب يحدث معنى زائدا، وإذا كانت كثرة الحروف تفيد زيادة المعنى، فكذلك كثرة الألفاظ. انتهى.
وقال الزركشي في البرهان (4): ليكن محطّ نظر المفسر مراعاة نظم الكلام الذي سيق له، وإن خالف أصل الوضع اللغويّ، لثبوت التجوّز.
وقال في موضع آخر: على المفسّر مراعاة مجازي الاستعمالات في الألفاظ التي يظن بها الترادف، والقطع بعدم الترادف ما أمكن، فإنّ للتركيب معنى غير معنى الإفراد ولهذا منع كثير من الأصوليّين وقوع أحد المترادفين موقع الآخر في التركيب، وإن اتفقوا على جوازه في الإفراد. انتهى.
__________
(1) البرهان 1/ 432.
(2) انظر البرهان 2/ 178177.
(3) نقله في البرهان 2/ 177.
(4) انظر البرهان 2/ 2.(1/462)
وقال أبو حيّان (1): كثيرا ما يشحن المفسرون تفاسيرهم عند ذكر الإعراب بعلل النحو، ودلائل مسائل أصول الفقه، ودلائل مسائل الفقه، ودلائل أصول الدين، وكلّ ذلك مقرّر في تآليف هذه العلوم، وإنما يؤخذ ذلك مسلّما في علم التفسير دون استدلال عليه.
وكذلك أيضا: ذكروا ما لا يصحّ من أسباب نزول، وأحاديث في الفضائل، وحكايات لا تناسب، وتواريخ إسرائيلية، ولا ينبغي ذكر هذا في علم التفسير.
فائدة: قول ابن أبي جمرة: عن عليّ رضي الله عنه، أنه قال: لو شئت أن أوقر (2) سبعين بعيرا من تفسير أمّ القرآن لفعلت. وبيان ذلك، أنه:
إذا قال: {وَالْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} يحتاج تبيين معنى الحمد، وما يتعلّق به الاسم الجليل الذي هو الله، وما يليق به من التنزيه، ثم يحتاج إلى بيان العالم وكيفيّته على جميع أنواعه وأعداده وهي ألف عالم، أربعمائة في البرّ وستمائة في البحر، فيحتاج إلى بيان ذلك كله.
فإذا قال: {الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} يحتاج إلى بيان الاسمين الجليلين وما يليق بهما من الجلال، وما معناهما، ثم يحتاج إلى بيان جميع الأسماء والصفات، ثم يحتاج إلى بيان الحكمة في اختصاص هذا الموضع بهذين الاسمين دون غيرهما.
فإذا قال: {مََالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} يحتاج إلى بيان ذلك اليوم وما فيه من المواطن والأهوال، وكيفية مستقرّه.
فإذا قال: {إِيََّاكَ نَعْبُدُ وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} يحتاج إلى بيان المعبود من جلالته، والعبادة وكيفيّتها وصفتها وأدائها على جميع أنواعها، والعابد في صفته، والاستعانة وأدائها وكيفيتها.
فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} إلى آخر السّورة، يحتاج إلى بيان الهداية ما هي، والصراط المستقيم وأضداده، وتبيين المغضوب عليهم والضّالين وصفاتهم، وما يتعلق بهذا النوع، وتبيين المرضيّ عنهم وصفاتهم وطريقتهم، فعلى هذه الوجوه يكون ما قاله عليّ من هذا القبيل (3).
__________
(1) البحر المحيط 1/ 5.
(2) أوقر: أي: أحمل.
(3) لي تفسير لطيف لسورة الفاتحة جمعته من بطون التفاسير، وكتب أهل العلم. يسر الله طبعه.(1/463)
النوع التاسع والسبعون في غرائب التفسير
ألف فيه محمود بن حمزة الكرمانيّ كتابا في مجلدين، سماه «العجائب والغرائب» ضمّنه أقوالا ذكرت في معاني الآيات منكرة، لا يحلّ الاعتماد عليها ولا ذكرها إلّا للتحذير منها.
من ذلك قول من قال في: {حم (1) عسق (2)}: إنّ الحاء حرّب عليّ ومعاوية، والميم ولاية المروانية، والعين ولاية العبّاسية، والسين ولاية السّفيانية، والقاف قدوة مهدي. حكاه أبو مسلم، ثم قال: أردت بذلك أن يعلم أنّ فيمن يدّعي العلم حمقى.
ومن ذلك قول من قال في: {وَالْمَلََائِكَةِ} معنى (ألف) ألف الله محمدا فبعثه نبيا، ومعنى (لام) لامه الجاحدون وأنكروه، ومعنى (ميم) ميم الجاحدون المنكرون، من الموم وهو البرسام.
ومن ذلك قول من قال في: {وَلَكُمْ فِي الْقِصََاصِ حَيََاةٌ يََا أُولِي الْأَلْبََابِ} [البقرة:
179]: إنّه قصص القرآن، واستدلّ بقراءة أبي الجوزاء: (ولكم في القصص) (1) وهو بعيد، بل هذه القراءة أفادت معنى غير معنى القراءة المشهورة، وذلك من وجوه إعجاز القرآن، كما بيّنته في «أسرار التنزيل».
ومن ذلك ما ذكره ابن فورك في تفسيره في قوله: {وَلََكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:
260]: إنّ إبراهيم كان له صديق، وصفه بأنه (قلبه)، أي: ليسكن هذا الصديق إلى هذه المشاهدة إذا رآها عيانا.
قال الكرمانيّ: وهذا بعيد جدا.
ومن ذلك قول من قال في: {رَبَّنََا وَلََا تُحَمِّلْنََا مََا لََا طََاقَةَ لَنََا بِهِ} [البقرة: 286]. إنه الحب والعشق، وقد حكاه الكواشيّ في تفسيره.
__________
(1) انظر المحرر الوجيز 1/ 247، والدر المصون 2/ 257. وهي قراءة شاذة.(1/464)
ومن ذلك قول من قال: {وَمِنْ شَرِّ غََاسِقٍ إِذََا وَقَبَ (3)} [العلق: 3]: إنه الذّكر إذا انتصب.
ومن ذلك قول أبي معاذ النحوي في قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ}: يعني إبراهيم {نََاراً} أي: نورا، وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم {فَإِذََا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ}
[يس: 80]: تقتبسون الدين.(1/465)
ومن ذلك قول أبي معاذ النحوي في قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ}: يعني إبراهيم {نََاراً} أي: نورا، وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم {فَإِذََا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ}
[يس: 80]: تقتبسون الدين.
النوع الثمانون في طبقات المفسّرين (1)
اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة:
الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير.
أما الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم عليّ بن أبي طالب. والرواية عن الثلاثة نزرة جدا، وكأنّ السبب في ذلك تقدّم وفاتهم، كما أنّ ذلك هو السبب في قلّة رواية أبي بكر رضي الله عنه للحديث، ولا أحفظ عن أبي بكر رضي الله عنه في التفسير إلّا آثارا قليلة جدا، لا تكاد تجاوز العشرة.
وأما عليّ: فروي عنه الكثير، وقد روى معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطّفيل، قال: شهدت عليا يخطب، وهو يقول: سلوني، فو الله لا تسألونني عن شيء إلّا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فو الله ما من آية إلّا وأنا أعلم: أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل.
وأخرج أبو نعيم في الحلية، عن ابن مسعود، قال: إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف، ما منها حرف إلّا وله ظهر وبطن، وإنّ علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن (2).
وأخرج أيضا من طريق أبي بكر بن عيّاش، عن نصير بن سليمان الأحمسيّ، عن أبيه، عن عليّ، قال: والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيم أنزلت، وأين أنزلت، إنّ ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا سئولا.
وأما ابن مسعود: فروي عنه أكثر مما روي عن عليّ، وقد أخرج ابن جرير، وغيره،
__________
(1) انظر هذا المبحث في «التفسير والمفسرون» للذهبي.
(2) رواه في الحلية 1/ 65.
(3) رواه أبو نعيم في الحلية 1/ 6867.(1/466)
عنه أنه قال: والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلّا وأنا أعلم فيمن نزلت، وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته (1).
وأخرج أبو نعيم، عن أبي البختري، قال: قالوا لعليّ: أخبرنا عن ابن مسعود، قال:
علم القرآن والسنة، ثم انتهى، وكفى بذلك علما.
وأما ابن عباس: فهو ترجمان القرآن الذي دعا له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ فقّهه في الدين وعلّمه التأويل» (2): وقال له أيضا: «اللهمّ آته الحكمة» وفي رواية: «اللهمّ علّمه الحكمة» (3).
وأخرج أبو نعيم في «الحلية» عن ابن عمر، قال: دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعبد الله بن عباس، فقال: «اللهمّ بارك فيه وانشر منه» (4).
وأخرج من طريق عبد المؤمن بن خالد، عن عبد الله بن بريدة، عن ابن عباس قال:
انتهيت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وعنده جبريل، فقال له جبريل: إنه كائن حبر هذه الأمة، فاستوص به خيرا (5).
وأخرج من طريق عبد الله بن خراش، عن العوّام بن حوشب عن مجاهد قال: قال ابن عباس: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم ترجمان القرآن أنت» (6).
وأخرج البيهقي في «الدلائل»، عن ابن مسعود، قال: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس (7).
وأخرج أبو نعيم، عن مجاهد، قال: كان ابن عباس يسمّى: البحر، لكثرة علمه (8).
وأخرج عن ابن الحنفيّة، قال: كان ابن عباس حبر هذه الأمة (9).
__________
(1) رواه البخاري (5002)، ومسلم (34633462)، والنسائي في الكبرى (7997)، وفي المجتبى 8/ 134، والطبراني (8427إلى 8432)، والطبري في تفسيره 1/ 60.
(2) سبق تخريجه.
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه في الحلية 1/ 315. وسنده ضعيف، فيه:
داود بن عطاء المدني: ضعيف. انظر التقريب 1/ 233، والتهذيب 3/ 194193.
(5) رواه في الحلية 1/ 316.
(6) رواه في الحلية 1/ 316. وقد سبق تخريجه.
(7) رواه البيهقي في الدلائل 6/ 193، والطبري 1/ 65، والحاكم في المستدرك 3/ 537.
(8) رواه في الحلية 1/ 316.
(9) رواه في الحلية 1/ 316.(1/467)
وأخرج عن الحسن، قال: إنّ ابن عباس كان من القرآن بمنزل، كان عمر يقول:
ذاكم فتى الكهول إنّ له لسانا سئولا، وقلبا عقولا (1).
وأخرج من طريق عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أنّ رجلا أتاه يسأله عن:
{السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ كََانَتََا رَتْقاً فَفَتَقْنََاهُمََا} [الأنبياء: 30] فقال: اذهب إلى ابن عباس، فسلّه ثم تعالى أخبرني، فذهب فسأله، فقال: كانت السموات رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، ففتق هذه بالمطر وهذه بالنبات. فرجع إلى ابن عمر فأخبره، فقال:
قد كنت أقول: ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن فالآن قد علمت أنه أوتي علما (2).
وأخرج البخاريّ، من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأنّ بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم يدخل هذا معنا، وإنّ لنا أبناء مثله؟.
فقال عمر: إنه ممن علمتم، ودعاهم ذات يوم، فأدخله معهم فما رئيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلّا ليريهم فقال: ما تقولون في قول الله تعالى: {إِذََا جََاءَ نَصْرُ اللََّهِ وَالْفَتْحُ (1)}؟.
فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟.
فقلت: لا.
فقال: ما تقول؟.
فقلت: هو أجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلمه به، قال: {إِذََا جََاءَ نَصْرُ اللََّهِ وَالْفَتْحُ (1)}
فذلك علامة أجلك {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كََانَ تَوََّاباً (3)}. فقال عمر: لا أعلم منها إلّا ما تقول (3).
وأخرج أيضا من طريق ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: قال عمر بن
__________
(1) رواه في الحلية 1/ 318.
(2) رواه في الحلية 1/ 320. وفي سنده: حمزة بن أبي محمد: ضعيف. انظر التقريب 1/ 200، والتهذيب 3/ 32.
(3) رواه البخاري (4969443042943627)، و (4970) 8/ 735734، والترمذي (3362) 5/ 450، وأبو نعيم في الحلية 1/ 317316. والبيهقي في الدلائل 5/ 446و 7/ 134مختصرا.(1/468)
الخطاب يوما لأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: فيمن ترون هذه الآية نزلت: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنََابٍ} [البقرة: 266]؟.
قالوا: الله أعلم، فغضب عمر، فقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس:
في نفسي منها شيء، فقال: يا ابن أخي، قل ولا تحقر نفسك.
قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل، فال عمر: أيّ عمل؟.
قال ابن عباس: لرجل يعمل بطاعة الله، ثم بعث له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله (1).
وأخرج أبو نعيم، عن محمد بن كعب القرظيّ، عن ابن عباس: أنّ عمر بن الخطاب جلس في رهط من المهاجرين من الصّحابة، فذكروا ليلة القدر، فتكلّم كلّ بما عنده، فقال عمر: ما لك يا ابن عباس صامت لا تتكلم؟ تكلّم ولا تمنعك الحداثة.
قال ابن عباس: فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ الله وتر يحبّ الوتر، فجعل أيام الدنيا تدور على سبع، وخلق أرزاقنا من سبع، وخلق الإنسان من سبع، وخلق فوقنا سماوات سبعا، وخلق تحتنا أرضين سبعا، وأعطى من المثاني سبعا، ونهى في كتابه عن نكاح الأقربين عن سبع، وقسم الميراث في كتابه على سبع، ونقع في السجود من أجسادنا على سبع، وطاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالكعبة سبعا، وبين الصفا والمروة سبعا، ورمى الجمار بسبع فأراها في السّبع الأواخر من شهر رمضان. فتعجّب عمر، وقال: ما وافقني فيها أحد إلّا هذا الغلام الذي لم تستو شئون رأسه. ثم قال: يا هؤلاء، من يؤدّيني في هذا كأداء ابن عباس (2)!.
وقد ورد عن ابن عباس في التفسير ما لا يحصى كثرة، وفيه روايات وطرق مختلفة (3):
فمن جيدها طريق عليّ بن أبي طلحة الهاشميّ عنه: قال أحمد بن حنبل: بمصر صحيفة في التفسير، رواها عليّ بن أبي طلحة، لو رحل
__________
(1) رواه البخاري حديث رقم (4538) 8/ 202201.
(2) رواه في الحلية 1/ 318317. وفي سنده: محمد بن يونس الكديمي: ضعيف، انظر التقريب 2/ 222.
(3) انظر العجاب لابن حجر (ق: 43)، والدر المنثور 8/ 702699، والإرشاد للخليلي 1/ 389 395، وتفسير ابن كثير 1/ 43.(1/469)
رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا. أسنده أبو جعفر النحاس في ناسخه.
قال ابن حجر (1): وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب اللّيث، رواها عن معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس. وهي عند البخاري، عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في صحيحه كثيرا فيما يعلّقه عن ابن عباس.
وأخرج منها ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، كثيرا بوسائط بينهم وبين أبي صالح.
وقال قوم: لم يسمع ابن أبي طلحة، من ابن عباس التفسير، وإنما أخذه عن مجاهد، أو سعيد بن جبير.
قال ابن حجر (2): بعد أن عرفت الواسطة، وهو ثقة، فلا ضير في ذلك.
وقال الخليليّ في «الإرشاد» (3): تفسير معاوية بن صالح قاضي الأندلس، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: رواه الكبار عن أبي صالح كاتب الليث، عن معاوية.
وأجمع الحفّاظ على أنّ ابن أبي طلحة لم يسمعه من ابن عباس.
قال: وهذا التّفاسير الطوال الّتي أسندوها إلى ابن عباس غير مرضية، ورواتها مجاهيل كتفسير جويبر، عن الضحّاك، عن ابن عباس.
وعن ابن جريج في التفسير جماعة رووا عنه، وأطولها ما يرويه بكر بن سهل الدمياطيّ، عن عبد الغني بن سعيد، عن موسى بن محمد، عن ابن جريج وفيه نظر.
وروى محمد بن ثور عن ابن جريج، نحو ثلاثة أجزاء كبار، وذلك صحّحوه.
وروى الحجاج بن محمد، عن ابن جريج، نحو جزء، وذلك صحيح، متّفق عليه.
وتفسير شبل بن عبّاد المكيّ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قريب إلى الصحّة.
وتفسير عطاء بن دينار، يكتب ويحتج به.
وتفسير أبي روق نحو جزء صحّحوه.
وتفسير إسماعيل السديّ: يورده بأسانيد إلى ابن مسعود، وابن عباس، وروى عن
__________
(1) العجاب (ق: 3)، وراجع تهذيب التهذيب 7/ 341339.
(2) انظر تهذيب التهذيب 7/ 341339.
(3) الإرشاد 1/ 394393.(1/470)
السّديّ الأئمة، مثل الثوريّ، وشعبة لكن التفسير الذي جمعه رواه أسباط بن نصر، وأسباط لم يتفقوا عليه غير أنّ أمثل التفاسير تفسير السّديّ.
فأما ابن جريج، فإنه لم يقصد الصحة، وإنما روى ما ذكر في كلّ آية من الصحيح والسقيم.
وتفسير مقاتل بن سليمان: فمقاتل في نفسه ضعّفوه، وقد أدرك الكبار من التابعين، والشّافعيّ أشار إلى أنّ تفسيره صالح. انتهى كلام الإرشاد.
وتفسير السّديّ الذي أشار إليه يورد منه ابن جرير كثيرا من طريق السّديّ، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرّة عن ابن مسعود، وناس من الصحابة هكذا، ولم يورد منه ابن أبي حاتم شيئا، لأنه التزم أن يخرّج أصحّ ما ورد. والحاكم يخرج منه في مستدركه أشياء، ويصحّحه، لكن من طريق مرّة، عن ابن مسعود، وناس فقط دون الطريق الأول. وقد قال ابن كثير (1): إنّ هذا الإسناد يروي به السّديّ أشياء فيها غرابة.
ومن جيّد الطرق عن ابن عباس: طريق قيس، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عنه.
وهذه الطريق صحيحة على شرط الشيخين، وكثيرا ما يخرّج منها الفريابيّ، والحاكم في مستدركه.
ومن ذلك طريق ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عنه، هكذا بالترديد. وهي طريق جيّدة، وإسنادها حسن، وقد أخرج منها ابن جرير، وابن أبي حاتم كثيرا. وفي معجم الطّبراني الكبير منها أشياء.
وأوهى طرقه: طريق الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عباس، فإن انضمّ إلى ذلك رواية محمد بن مروان السديّ الصغير فهي سلسلة الكذب. وكثيرا ما يخرج منها الثعلبيّ، والواحديّ.
لكن قال ابن عدي في الكامل (2): للكلبيّ أحاديث صالحة، وخاصة عن أبي صالح،
__________
(1) تفسير ابن كثير 1/ 4.
(2) الكامل 6/ 120.(1/471)
وهو معروف بالتفسير، وليس لأحد تفسير أطول منه ولا أشبع، وبعده مقاتل بن سليمان، إلّا أنّ الكلبيّ يفضل عليه، لما في مقاتل من المذاهب الرديئة.
وطريق الضحّاك بن مزاحم، عن ابن عباس منقطعة فإنّ الضحاك لم يلقه، فإن انضمّ إلى ذلك رواية بشّر بن عمارة، عن أبي روق عنه فضعيفة،. لضعف بشر.
وقد أخرج من هذه النسخة كثيرا ابن جرير وابن أبي حاتم.
وإن كان من رواية جويبر، عن الضحاك فأشدّ ضعفا لأنّ جويبرا شديد الضعف متروك. ولم يخرج ابن جرير ولا ابن أبي حاتم من هذا الطريق شيئا، إنما أخرجها ابن مردويه والشيخ بن حيّان.
وطريق العوفيّ، عن ابن عباس: أخرج منها ابن جرير، وابن أبي حاتم كثيرا، والعوفيّ: ضعيف ليس بواه، وربما حسّن له الترمذيّ.
ورأيت عن فضائل الإمام الشافعي لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن شاكر القطّان: أنه أخرج بسنده من طريق ابن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعيّ يقول: لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلّا شبيه بمائة حديث.
وأما أبيّ بن كعب: فعنه نسخة كبيرة يرويها أبو جعفر الرازيّ، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية عنه. وهذا إسناد صحيح. وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم منها كثيرا، وكذا الحاكم في مستدركه، وأحمد في مسنده.
وقد ورد عن جماعة من الصحابة غير هؤلاء اليسير من التّفسير، كأنس وأبي هريرة، وابن عمر، وجابر، وأبي موسى الأشعري. وورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أشياء تتعلّق بالقصص، وأخبار الفتن، والآخرة، وما أشبهها، بأن يكون مما تحمّله عن أهل الكتاب، كالذي ورد عنه في قوله تعالى: {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمََامِ} [البقرة: 210]. وكتابنا الذي أشرنا إليه جامع لجميع ما ورد عن الصحابة من ذلك.
طبقة التّابعين: قال ابن تيميّة (1): أعلم النّاس بالتفسير أهل مكّة لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، وسعيد بن جبير، وطاوس، وغيرهم.
وكذلك في الكوفة أصحاب ابن مسعود.
__________
(1) مقدمة في أصول التفسير ص 78.(1/472)
وعلماء أهل المدينة في التفسير مثل زيد بن أسلم، الذي أخذ عنه ابنه عبد الرحمن بن زيد ومالك بن أنس. انتهى.
فمن المبرّزين منهم مجاهد، قال الفضل بن ميمون: سمعت مجاهدا يقول: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة (1).
وعنه أيضا قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، أقف عند كلّ آية منه، وأسأله عنها: فيم نزلت؟ وكيف كانت (2)؟.
وقال خصيف: كان أعلمهم بالتفسير مجاهد (3).
وقال الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به (4).
قال ابن تيميّة (5): ولهذا يعتمد على تفسيره الشافعيّ، والبخاري، وغيرهما من أهل العلم.
قلت: وغالب ما أورده الفريابيّ في تفسيره عنه، وما أورده فيه عن ابن عباس أو غيره قليل جدا.
ومنهم سعيد بن جبير، قال سفيان الثوري: خذوا التفسير عن أربعة: عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك (6).
وقال قتادة: كان أعلم التابعين أربعة كان عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك، وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير، وكان عكرمة أعلمهم بالسّير، وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام (7).
__________
(1) رواه في الحلية 3/ 280بلفظ المصنف. ورواه الطبري في تفسيره 1/ 65، وأبو نعيم في الحلية 3/ 279 280. وفي سنده محمد بن إسحاق، وقد عنعنه عندهما. وله طريق أخرى يرتقي بها:
فقد رواه القاسم بن سلام في فضائل القرآن ص 216، وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (30287) 6/ 154. وأحمد في الفضائل (1866). وفي سنده ابن أبي نجيح، أكثر عن مجاهد، وكان يدلس عنه. انظر طبقات المدلسين ص 90.
(2) انظر التعليق السابق.
(3) انظر سير أعلام النبلاء 4/ 451.
(4) رواه الطبراني في تفسيره 1/ 65.
(5) مقدمة في أصول التفسير ص 23.
(6) رواه الطبري في تفسيره 1/ 65، وأبو نعيم في الحلية 3/ 329328.
(7) رواه في الحلية 3/ 326، وانظر سير اعلام النبلاء 5/ 13.(1/473)
ومنهم عكرمة مولى ابن عباس، قال الشعبيّ: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة (1).
وقال سماك بن حرب: سمعت عكرمة يقول: لقد فسّرت ما بين اللوحين (2).
وقال عكرمة: كان ابن عباس يجعل في رجلي الكبل، ويعلمني القرآن والسّنن (3).
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سماك، قال: قال عكرمة: كلّ شيء أحدثكم في القرآن، فهو عن ابن عباس (4).
ومنهم الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن أبي سلمة الخراساني، ومحمد بن كعب القرظيّ، وأبو العالية، والضحاك بن مزاحم، وعطية العوفيّ، وقتادة، وزيد بن أسلم، ومرّة الهمدانيّ، وأبو مالك.
ويليهم الرّبيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في آخرين.
فهؤلاء قدماء المفسّرين، وغالب أقوالهم تلقّوها عن الصحابة.
ثم بعد هذه الطبقة ألّفت تفاسير تجمع أقوال الصحابة والتابعين، كتفسير سفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وشعبة بن الحجاج، ويزيد بن هارون، وعبد الرزاق، وآدم بن أبي إياس، وإسحاق بن راهويه، وروح بن عبادة، وعبد بن حميد، وسنيد، وأبي بكر بن أبي شيبة، وآخرين.
وبعدهم ابن جرير الطبري، وكتابه أجلّ التفاسير وأعظمها.
ثم ابن أبي حاتم، وابن ماجة، والحاكم، وابن مردويه، وأبو الشيخ بن حيّان، وابن المنذر في آخرين، وكلها مسندة إلى الصحابة والتابعين وأتباعهم، وليس فيها غير ذلك إلّا ابن جرير، فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض، والإعراب والاستنباط، فهو يفوقها بذلك.
ثم ألّف في التفسير خلائق، فاختصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال بترا، فدخل من هنا الدخيل، والتبس الصحيح بالعليل. ثم صار كلّ من يسنح له قول يورده، ومن يخطر بباله
__________
(1) رواه في الحلية 3/ 326.
(2) رواه في الحلية 3/ 327.
(3) رواه في الحلية 3/ 326.
(4) رواه في الحلية 3/ 328.(1/474)
شيء يعتمده، ثم ينقل ذلك عنه من يجيء بعده، ظانّا أنّ له أصلا غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح، ومن يرجع إليهم في التفسير حتى رأيت من حكى في تفسير قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضََّالِّينَ} نحو عشرة أقوال. وتفسيرها باليهود والنصارى هو الوارد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وجميع الصحابة والتابعين، وأتباعهم حتى قال ابن أبي حاتم (1): لا أعلم في ذلك اختلافا بين المفسرين.
ثم صنّف بعد ذلك قوم برعوا في علوم، فكان كلّ منهم يقتصر في تفسيره على الفنّ الذي يغلب عليه:
فالنحويّ: تراه ليس له همّ إلّا الإعراب، وتكثير الأوجه المحتملة فيه، ونقل قواعد النحو ومسائله وفروعه وخلافيّاته، كالزّجّاج، والواحدي في «البسيط»، وأبي حيّان في «البحر»، و «النهر».
والأخباري: ليس له شغل إلّا القصص واستيفاؤها، والإخبار عمّن سلف، سواء كانت صحيحة أو باطلة، كالثعلبيّ.
والفقيه: يكاد يسرد فيه الفقه من باب الطهارة إلى أمّهات الأولاد وربما استطرد إلى إقامة أدلة الفروع الفقهية التي لا تعلق بها بالآية، والجواب عن أدلة المخالفين، كالقرطبي.
وصاحب العلوم العقلية خصوصا الإمام فخر الدين قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وشبهها، وخرج من شيء إلى شيء حتى يقضي الناظر العجب من عدم مطابقة المورد للآية.
قال أبو حيان في «البحر»: جمع الإمام الرازيّ في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير ولذلك قال بعض العلماء: فيه كلّ شيء إلّا التفسير.
والمبتدع: ليس له قصد إلّا تحريف الآيات وتسويتها على مذهبه الفاسد بحيث إنه متى لاح له شاردة من بعيد اقتنصها، أو وجد موضعا له فيه أدنى مجال سارع إليه. قال البلقينيّ: استخرجت من الكشاف اعتزالا بالمناقيش، من قوله تعالى في تفسير: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النََّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فََازَ} [آل عمران: 185]: وأيّ فوز أعظم من دخول الجنة! أشار به إلى عدم الرؤية (2).
__________
(1) في تفسيره 1/ 23.
(2) انظر رسالتي «رؤية الله في الآخرة» وهي موجودة ضمن سلسلة عقائد أئمة السلف صدر عن دار الكتاب العربي.(1/475)
والملحد: فلا تسأل عن كفره وإلحاده في آيات الله، وافترائه على الله ما لم يقله، كقوله بعضهم في: {إِنْ هِيَ إِلََّا فِتْنَتُكَ} [الأعراف: 155]: ما على العباد أضرّ من ربّهم.
وكقوله في سحرة موسى ما قال، وقول الرافضة في: {يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:
67]. ما قالوا. وعلى هذا وأمثاله يحمل ما أخرجه أبو يعلى وغيره عن حذيفة: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ في أمّتي قوما يقرءون القرآن وينثرونه نثر الدّقل، يتأوّلونه على غير تأويله» (1).
فإن قلت: فأيّ التفاسير ترشد إليه وتأمر الناظر أن يعول عليه؟.
قلت: تفسير الإمام أبي جعفر بن جرير الطبريّ، الذي أجمع العلماء المعتبرون على أنه لم يؤلّف في التفسير مثله.
قال النوويّ في تهذيبه: كتاب ابن جرير في التفسير لم يصنّف أحد مثله.
وقد شرعت في تفسير جامع لجميع ما يحتاج إليه: من التفاسير المنقولة، والأقوال المقولة، والاستنباطات والإشارات، والأعاريب واللغات، ونكت البلاغة ومحاسن البدائع، وغير ذلك، بحيث لا يحتاج معه إلى غيره أصلا، وسميته «بمجمع البحرين ومطلع البدرين»، وهو الذي جعلت هذا الكتاب مقدمة له، والله أسأل أن يعين على إكماله، بمحمد وآله.
وإذ قد انتهى بنا القول فيما أردناه من هذا الكتاب فلنختمه بما ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من التفاسير المصرّح برفعها إليه، غير ما ورد من أسباب النزول، لتستفاد فإنّها من المهمات.
__________
(1) عزاه في المطالب العالية 3/ 300لأبي يعلى، عن عائشة مرفوعا.
ورواه البغوي في تفسيره 4/ 407، والبيهقي في الشعب 2/ 344، والآجري في أخلاق حملة القرآن (1) ص 19.
وسنده ضعيف. وانظر تنزيه الشريعة 1/ 300، وتذكرة الموضوعات ص 78.(1/476)
التفاسير المصرح برفعها إلي النبي ص
الفاتحة
أخرج أحمد، والترمذيّ وحسّنه وابن حبّان في صحيحه، عن عديّ بن حاتم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المغضوب عليهم هم اليهود، وإنّ الضالين النصارى» (1).
وأخرج ابن مردويه، عن أبي ذرّ: سألت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن المغضوب عليهم، قال:
«اليهود».
قلت: الضالين؟
قال: «النصارى» (2).
البقرة
أخرج ابن مردويه، والحاكم في مستدركه وصحّحه، من طريق أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وَلَهُمْ فِيهََا أَزْوََاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25]:
قال: «من الحيض والغائط والنّخامة والبزاق» (3).
__________
(1) رواه الترمذي، حديث رقم (2954) 5/ 204202. مختصرا. وعقيب حديث (2953) 5/ 202 204مطولا وفيه قصة. وأحمد في المسند 4/ 379378. والطيالسي في مسنده، حديث رقم (1040) ص 140، وفيه: عن سماك، عمن سمع عدي. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (237236) 17/ 10098. وسعيد بن منصور في سننه، حديث رقم (179) 2/ 537 (التكملة) مرسلا. وابن جرير في تفسيره 1/ 114113110. وابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 2423. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (7206) 16/ 184183. والبيهقي في الدلائل 5/ 341339.
وفيه:
1 - سماك بن حرب: صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة. وهنا لم يرو عنه. انظر التقريب 1/ 332، والتهذيب 4/ 234232، والكاشف 1/ 322.
2 - عباد بن حبيش: جهله ابن القطان. انظر الجرح 6/ 78، والتاريخ الكبير 6/ 3، والتهذيب 5/ 91، والميزان 2/ 365.
وله شاهد من حديث أبي ذر، رواه ابن مردويه بإسناد حسن، كما في الفتح 8/ 159. وأخرجه أحد من طريق عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم، نحوه. وانظر تفسير ابن كثير 1/ 3029وأشار إلى اختلاف فيه على ابن شقيق. فالله أعلم.
(2) رواه ابن مردويه من حديث أبي ذر، بسند حسن، انظر الفتح 8/ 159، وتفسير ابن كثير 1/ 30. وانظر التعليق الآتي.
(3) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (266) 1/ 91والطبري تفسيره 1/ 212211. وعبد الرزاق في تفسيره(1/477)
قال ابن كثير في تفسيره (1): في إسناده البزيعيّ، قال فيه ابن حبّان (2): لا يجوز الاحتجاج به، قال: ففي تصحيح الحاكم له نظر، ثم رأيته في تاريخه قال: إنه حديث حسن.
وأخرج ابن جرير (3) بسند رجاله ثقات، عن عمرو بن قيس الملائيّ، عن رجل من بني أميّة من أهل الشام أحسن عليه الثناء، قال: قيل: يا رسول الله، ما العدل؟.
قال: «العدل الفدية». مرسل جيد، عضده إسناد متصل عن ابن عباس موقوفا (4).
وأخرج الشيخان، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «قيل لبني إسرائيل:
{وَادْخُلُوا الْبََابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58] فدخلوا يزحفون على أستاههم، وقالوا:
حبّة في شعره». فيه تفسير قوله: {قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: 59] (5).
وأخرج الترمذيّ وغيره بسند حسن، عن أبي سعيد الخدريّ، عن رسول الله
__________
1/ 41عن مجاهد قوله. وهو في تفسير مجاهد 1/ 7271.
(1) تفسير ابن كثير 1/ 63وقد عزاه لابن مردويه في تفسيره. ثم ذكر سنده، ثم قال: «هذا حديث غريب.
وقد رواه الحاكم في مستدركه، عن محمد بن يعقوب، عن الحسن بن علي بن عفان، عن محمد بن عبيد به. وقال: صحيح على شرط الشيخين.
وهذا الذي ادعاه فيه نظر، فإنّ عبد الرزاق بن عمر البزيعي هذا، قال فيه أبو حاتم ابن حبان السبتي: لا يجوز الاحتجاج به.
قلت: والأظهر أنّ هذا من كلام قتادة، كما تقدم. والله أعلم.».
ورواه ابن حبان في المجروحين 2/ 160ثم قال: «وهذا قول قتادة رفعه، لا أصل له من كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم» اهـ.
وعبد الرزاق بن عمر البزيعي: قال ابن حبان فيه: يقلب الأخبار، ويسند المراسيل، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. انظر المجروحين 2/ 160، وقد ذكره في الثقات أيضا 8/ 412. انظر التهذيب 6/ 310، والتقريب 1/ 505.
(2) المجروحين 2/ 160.
(3) رواه ابن جرير في تفسيره 1/ 307وفيه رجل مبهم، وإرسال.
(4) رواه الطبري في تفسيره 1/ 307وفيه ابن جريج مدلس، وقد عنعنه.
(5) رواه البخاري، حديث رقم (3403) 6/ 436. وحديث رقم (4479) 8/ 164. وحديث رقم (4641) 8/ 304. ومسلم في صحيحه، حديث رقم (3015) 4/ 2312. والترمذي في سننه، حديث رقم (2956) 5/ 205. والنسائي في التفسير من سننه الكبرى، حديث رقم (109) 1/ 171170.
وأحمد في المسند 2/ 318312. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (6251) 14/ 144. والطبري في تفسيره 1/ 343. وابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 185182. والخطيب في تاريخ بغداد 2/ 266.
والبغوي في التفسير 1/ 76.(1/478)
صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ويل واد في جهنم، يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره» (1).
وأخرج أحمد بهذا السّند، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «كلّ حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة» (2).
وأخرج الخطيب في الرواة بسند فيه مجاهيل عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلََاوَتِهِ} [البقرة: 121]. قال: «يتّبعونه حق اتّباعه» (3).
وأخرج ابن مردويه بسند ضعيف، عن عليّ بن أبي طالب، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {لََا يَنََالُ عَهْدِي الظََّالِمِينَ} [البقرة: 124]. قال: «لا طاعة إلّا في المعروف» (4).
له شاهد أخرجه ابن أبي حاتم، عن ابن عباس موقوفا بلفظ: «ليس لظالم عليك عهد أن تطيعه في معصية الله» (5).
وأخرج أحمد، والترمذيّ، والحاكم وصححاه، عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وَكَذََلِكَ جَعَلْنََاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143]: قال: «عدلا» (6).
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) رواه أحمد في المسند 3/ 75. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (1379) 2/ 522. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (309) 2/ 7. والطبراني في الأوسط، حديث رقم (5177) 6/ 85. وابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 348. وأبو نعيم في الحلية 8/ 325. وابن جرير في تفسيره 2/ 584.
قلت: سنده ضعيف، فيه: دراج أبو السمح: صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف. وهنا يروي عن أبي الهيثم. انظر التهذيب 3/ 209208، والتقريب 1/ 235.
(3) رواه الخطيب في الرواة عن مالك، كما في الدر المنثور 1/ 111، وفيه مجاهيل كما قال السيوطي.
ورواه الطبري في تفسيره 1/ 568، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 131، وتفسير مجاهد 1/ 87، والآجري في أخلاق حملة القرآن (5) ص 2120لمجاهد قوله. وهو مروي عن ابن عباس، وابن مسعود، وعكرمة وغيرهم.
(4) عزاه في الدر المنثور 1/ 118لوكيع وابن مردويه عن علي بن أبي طالب.
(5) رواه ابن أبي حاتم 1/ 367، والطبري 1/ 579. وسنده صحيح. وهو موقوف.
(6) رواه البخاري، حديث رقم (3339) 6/ 37، وحديث رقم (4487) 8/ 172171، وحديث رقم (7349) 13/ 316مختصرا، والترمذي (2961) 5/ 207، والنسائي في الكبرى (1100711006) 6/ 292، وابن ماجة (4284)، وأحمد في المسند 3/ 58329، وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (6477) 14/ 397، وحديث رقم (7216) 16/ 199مختصرا، وعبد بن حميد في المنتخب، حديث رقم (913) ص 286، وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (1173) 2/ 397، وحديث رقم (1207) 2/ 416مختصرا، والطبري في تفسيره 2/ 9مختصرا، وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (31684) 6/ 310، والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق 2/ 552551. والبيهقي في(1/479)
وأخرج الشّيخان وغيرهما، عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يدعى نوح يوم القيامة، فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلّغكم؟
فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، قال: فذلك قوله تعالى: {وَكَذََلِكَ جَعَلْنََاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}. قال: والوسط: العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ، وأشهد عليكم» (1).
قوله: «والوسط: العدل» مرفوع غير مدرج، نبه عليه ابن حجر في شرح البخاري (2).
وأخرج أبو الشيخ والديلمي في مسند الفردوس، من طريق جويبر، عن الضّحاك، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152].
«يقول: اذكروني با معشر العباد بطاعتي، أذكركم بمغفرتي» (3).
وأخرج الطّبرانيّ، عن أبي أمامة قال: انقطع قبال النبي صلّى الله عليه وسلّم، فاسترجع، فقالوا:
مصيبة يا رسول الله؟.
فقال: «ما أصاب المؤمن مما يكرهه فهو مصيبة» (4). له شواهد كثيرة.
وأخرج ابن ماجة، وابن أبي حاتم، عن البراء بن عازب، قال: كنّا في جنازة مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «إنّ الكافر يضرب ضربة بين عينيه، فيسمعها كلّ دابة غير الثّقلين، فتلعنه
__________
الأسماء والصفات 1/ 345. وابن بلبان في المقاصد السنية ص 380379، والبغوي في تفسيره 1/ 123، وفي شرح السنة، عقيب حديث رقم (4325) 15/ 141140.
(1) انظر الحديث السابق.
(2) في الفتح 8/ 172.
(3) في سنده: جويبر: ضعيف جدا. انظر التقريب 1/ 136. ورواه الديلمي في الفردوس، حديث رقم (4441) 3/ 205من حديث أبي هند الداري. وفيه ضعيفان. وانظر الإصابة 4/ 209، والاتحافات السنية ص 26.
(4) رواه الطبراني في المعجم الكير، حديث رقم (7824) 8/ 241240.
من طريق عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة. وسنده ضعيف، جدا:
1 - علي بن يزيد الألهاني: واهي الحديث، كثير المنكرات. انظر التهذيب 7/ 397396. وانظر مجمع الزوائد 2/ 331.
2 - عبيد الله بن زحر: ضعيف.
قال ابن حبان: إذا روى عن علي بن يزيد، أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبر: عبيد الله بن زحر، وعلي بن يزيد، والقاسم أبو عبد الرحمن، لم يكن متن ذلك الخبر إلّا مما عملته أيديهم. انظر التهذيب 7/ 1312.(1/480)
كلّ دابة سمعت صوته، فذلك قول الله: {وَيَلْعَنُهُمُ اللََّاعِنُونَ} [البقرة: 159]: يعني: دوابّ الأرض» (1).
وأخرج الطّبرانيّ، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومََاتٌ} [البقرة: 197]. «شوّال، وذو القعدة، وذو الحجة» (2).
وأخرج الطّبرانيّ بسند لا بأس به، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {فَلََا رَفَثَ وَلََا فُسُوقَ وَلََا جِدََالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]، قال: «الرّفث: التعرض للنساء بالجماع، والفسوق: المعاصي، والجدال: جدال الرّجل صاحبه» (3).
أخرج أبو داود، عن عطاء: أنه سئل عن اللّغو في اليمين؟.
فقال: قالت عائشة: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «هو كلام الرّجل في بيته: كلا والله، وبلى والله». أخرجه البخاري موقوفا عليها (4).
__________
(1) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، وابن ماجة (4021). وسنده ضعيف، فيه: ليث بن أبي سليم: صدوق، اختلط جدا. ولم يتميز حديثه فترك، انظر التقريب 2/ 138، والكاشف 3/ 13.
(2) رواه الطبراني في الأوسط، حديث رقم (1607) 2/ 351350. وفي الصغير 1/ 66. وسنده ضعيف، جدا، فيه:
1 - حصين بن مخارق: قال الدارقطني: يضع الحديث. انظر لسان الميزان 2/ 320319.
2 - شهر بن حوشب: صدوق، كثير الإرسال، والأوهام، انظر التقريب 2/ 1514، والتهذيب 4/ 372369، والمغني 1/ 301، والمراسيل ص 9089.
وانظر مجمع الزوائد 6/ 218.
(3) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (10914) 11/ 22. والعقيلي في الضعفاء، 2/ 169. قال في مجمع الزوائد 6/ 318: «رواه الطبراني عن شيخه يحيى بن عثمان بن صالح، عن سوار بن محمد بن قريش، وكلاهما فيه لين. وقد وثقا، ورجاله رجال الصحيح» اهـ.
قلت: سنده ضعيف، شاذ مرفوعا.
1 - يحيى بن عثمان: قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه، كتب عنه أبي، تكلموا فيه. انظر التهذيب 1/ 257.
2 - سوار بن محمد: لا يتابع على رفع حديثه. انظر اللسان 3/ 128، والضعفاء للعقيلي 2/ 169 170.
3 - الصواب أنه موقوف، وأخطأ سوار في رفعه، كما في اللسان 3/ 128. وانظر الضعفاء للعقيلي 2/ 170169.
(4) رواه أبو داود، حديث رقم (3254) 3/ 223. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (4333) 10/ 176.
والطبري في تفسيره 2/ 417. والبيهقي في سننه 10/ 49.
قال أبو داود عقبه 3/ 224223: «روى هذا الحديث داود بن أبي الفرات، عن إبراهيم بن الصائغ موقوفا على عائشة.(1/481)
وأخرج أحمد وغيره، عن أبي رزين الأسدي، قال: قال رجل: يا رسول الله، أرأيت قول الله: {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ} [البقرة: 229]، فأين الثالثة؟ قال: «التسريح بإحسان الثالثة» (1).
وأخرج ابن مردويه، عن أنس، قال: جاء رجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ذكر الله الطّلاق مرتين، فأين الثالثة؟ قال: «إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» (2).
__________
وكذلك رواه الزهري وعبد الملك بن سليمان، ومالك بن مغول، وكلهم عن عطاء، عن عائشة موقوفا» اهـ.
قال الحافظ في التلخيص 4/ 167: «وصحح الدارقطني الوقف».
قلت: رواية داود: أشار إليها أبو داود في سننه 3/ 224223. ورواية الزهري عند عبد الرزاق في تفسيره 1/ 90، والطبري 2/ 417.
ورواية الزهري، وعبد الملك، ومالك بن مغول: أشار إليها أبو داود وسننه 3/ 224.
ورواية الزهري: عند عبد الرزاق في المصنف (15952) 8/ 474.
ورواه هشام، عن أبيه، عن عائشة: رواه البخاري في صحيحه، حديث رقم (4613) 8/ 275.
وحديث (6663) 11/ 547. ومالك في الموطأ (9) 2/ 477. وابن الجارود في المنتقى (925) 3/ 199. والنسائي في الكبرى (11149) 6/ 336. والبيهقي 10/ 4948. والبغوي في تفسيره 1/ 201.
ورواه عطاء، عن عائشة مطولا: عند عبد الرزاق في المصنف، حديث رقم (15951) 8/ 473 474.
ورواه الأسود، عن عائشة: إسحاق في مسنده (1786) 3/ 1034.
(1) رواه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 93، وأبو داود في المراسيل، حديث رقم (220) ص 189وسعيد بن منصور، حديث رقم (1456) 1/ 341340. والطبري في تفسيره 2/ 472، والبيهقي في سننه 7/ 340. وسنده حسن، إلّا أنه مرسل، إسماعيل بن سميع: صدوق، انظر التهذيب 1/ 306305، والتقريب 1/ 70وأبو رزين: مسعود بن مالك: تابعي ثقة. انظر التهذيب 10/ 119118.
قال البيهقي: «والصواب عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم مرسلا: كذلك رواه جماعة من الثقات، عن إسماعيل» اهـ. وكذا قال الدارقطني 4/ 4. وعزاه في الدر المنثور 1/ 277 لوكيع، وعبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وأحمد، وعبد بن حميد. وأبو داود في ناسخه. وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس، وابن مردويه، والبيهقي.
(2) رواه الدارقطني 4/ 43.
والبيهقي في سننه 7/ 340. قال الدارقطني: «كذا قال: عن أنس، والصواب، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين مرسل، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم» اهـ.
وقال البيهقي: ليس بشيء.
وقال عبد الحق: المرسل أصح.
أما ابن القطان فقال: المسند أيضا صحيح ولا مانع أن يكون له في الحديث شيخان. انظر التلخيص الحبير 3/ 421420.
وعزاه في الدر المنثور 1/ 277لابن مردويه، والبيهقي عن أنس.(1/482)
وأخرج الطّبرانيّ بسند لا بأس به من طريق ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: {«الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكََاحِ} [البقرة: 237]:
الزواج» (1).
وأخرج الترمذي وابن حبّان في صحيحه، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«صلاة الوسطى صلاة العصر» (2).
وأخرج أحمد، والترمذيّ وصحّحه، عن سمرة، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «صلاة الوسطى صلاة العصر» (3).
وأخرج ابن جرير، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّلاة الوسطى صلاة العصر» (4).
__________
(1) رواه الطبراني في الأوسط، حديث رقم (6355) 1/ 188. وفي سنده ابن لهيعة: ضعيف، مختلط، مدلس. انظر الاغتباط ص 7372.
(2) رواه مسلم (628) 1/ 437. والترمذي، حديث رقم (181) 1/ 340339. وحديث رقم (2985) 5/ 218. وأحمد في المسند 1/ 456404403392. والطيالسي في المسند، حديث رقم (366) ص 48. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (1746) 5/ 41. والبيهقي في سننه 1/ 461. والطبري في تفسيره 2/ 574573.
(3) رواه الترمذي، حديث رقم (182) 1/ 341340. وحديث رقم (2983) 5/ 217. وأحمد في المسند 5/ 22131287. والطبري في تفسيره 2/ 575572، والبيهقي في سننه 1/ 460، والطبراني في الكبير (6823إلى 6826) 7/ 242241. وابن أبي شيبة، حديث رقم (8622) 2/ 245. وسنده منقطع، فإن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة. انظر التهذيب 2/ 263 271، وجامع التحصيل ص 166162. ولكنه يرتقي بما قبله لدرجة الحسن لغيره.
(4) رواه ابن جرير في تفسيره 2/ 574. وابن خزيمة في صحيحه (1338) 2/ 290. والبيهقي 1/ 460.
والصواب أنه موقوف على أبي هريرة:
رواه ابن علية، وبشر بن المفضل، وسهل بن يوسف، ومعتمر بن سليمان، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، ويحيى بن سعيد القطان: عن سليمان التيمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة موقوفا عليه.
وخالفهم عبد الوهاب بن عطاء: فرواه عن التيمي، عن أبي صالح. عن أبي هريرة مرفوعا. وانظر سنن البيهقي 1/ 461460.
وله طرق أخرى عن أبي هريرة:
أرواه من طريق كهيل بن حرملة، عن أبي هريرة، وفيه قصة:
رواه ابن جرير في تفسيره 2/ 570. والبزار في مسنده، حديث رقم (391) 1/ 198197 (كشف الأستار). والطحاوي في شرح المعاني 1/ 174. وابن حبان في الثقات 5/ 342341. والحاكم في المستدرك 3/ 638.
قال ابن كثير في تفسيره 1/ 292: «غريب من هذا الوجه جدا» اهـ. وانظر مجمع الزوائد 1/ 309.(1/483)
وأخرج أيضا عن أبي مالك الأشعريّ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّلاة الوسطى صلاة العصر» (1). وله طرق أخرى وشواهد.
وأخرج الطّبرانيّ، عن عليّ، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «السّكينة ريح خجوج» (2).
وأخرج ابن مردويه، من طريق جويبر، عن الضّحاك، عن ابن عباس مرفوعا في قوله: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشََاءُ} [البقرة: 269]. قال: «القرآن».
قال ابن عباس: يعني: تفسيره فإنه قد قرأه البرّ والفاجر (3).
آل عمران
أخرج أحمد وغيره عن أبي أمامة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مََا تَشََابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: 7] قال: «هم الخوارج» وفي قوله تعالى:
{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] قال: «هم الخوارج» (4).
__________
قلت: وسنده ضعيف، لجهالة: كهيل بن حرملة. انظر التاريخ الكبير 7/ 238، والجرح والتعديل 7/ 173.
ب رواه من طريق موسى بن وردان، عن أبي هريرة:
رواه الطحاوي 1/ 174وسنده ضعيف جدا، فيه:
1 - موسى بن وردان: ضعيف. انظر التهذيب 10/ 377376.
2 - محمد بن أبي حميد: منكر الحديث. انظر الجرح 7/ 234233، والتهذيب 9/ 134132.
وانظر حاشية سنن سعيد بن منصور للأهمية.
قال الدارقطني في علله 8/ 200: «يرويه سليمان التيمي، واختلف عنه:
أفرواه عبد الوهاب بن عطاء، عن سليمان التيمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ب ووقفه يحيى القطان، وبشر بن المفضل، والأنصاري، ومعتمر، عن التيمي. والموقوف هو المحفوظ» اهـ.
(1) رواه الطبري في تفسيره 2/ 576.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - محمد بن إسماعيل بن عياش: لم يسمع من أبيه شيئا.
2 - محمد بن إسماعيل: لم يكن بذاك. انظر التهذيب 9/ 6160، والتقريب 2/ 145.
(2) رواه الطبراني في الأوسط، حديث رقم (6937) 7/ 475.
1 - خالد بن عرعرة: مجهول، انظر الجرح والتعديل 2/ 1/ 343، والتاريخ الكبير 2/ 1/ 163162.
2 - عبد العزيز بن عثمان بن جبلة: مجهول. انظر التهذيب 6/ 349، والتقريب 1/ 511.
3 - واختلف فيه: فرواه العوام بن حوشب، عن سلمة بن كهيل، عن علي موقوفا. عند الطبري في تفسيره 2/ 625624.
(3) وفي سنده جويبر: متروك. ورواه الطبري في تفسيره 3/ 89موقوفا على ابن عباس.
(4) رواه أحمد في المسند 5/ 262. والطبراني من المعجم الكبير، حديث رقم (8046) 8/ 325.(1/484)
وأخرج الطبرانيّ وغيره عن أبي الدرداء: أنّ رسول الله سئل عن الرّاسخين في العلم؟.
فال: «من برّت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، وعفّ بطنه وفرجه، فذلك من الرّاسخين في العلم» (1).
وأخرج الحاكم وصحّحه، عن أنس، قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قول الله:
{وَالْقَنََاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ} [آل عمران: 14]. قال: «القنطار ألف أوقية» (2).
وأخرج أحمد، وابن ماجة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «القنطار اثنا عشر ألف أوقية» (3).
وأخرج الطبرانيّ بسند ضعيف، عن ابن عباس، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً} [آل عمران: 83]: قال: «أمّا من في السّماوات فالملائكة، وأما من في الأرض فمن ولد على الإسلام، وأما كرها فمن أتي به
__________
وفي سنده أبو غالب: ضعّفه النسائي، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. ووثقه الدارقطني، وقال ابن عدي:
أرجو أنه لا بأس به. انظر التهذيب 12/ 198197، والتقريب 2/ 460، والكاشف 2/ 449.
وعزاه في الدر المنثور 2/ 5لعبد الرزاق، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني وابن مردويه، والبيهقي في سننه. وانظر تفسير ابن كثير 1/ 346.
(1) رواه الطبري 3/ 185. وابن أبي حاتم. وانظر تفسير ابن كثير 1/ 347. وفي سنده نعيم بن حماد، ضعيف. وعبد الله بن يزيد الأودي، لم يذكراه بجرح أو تعديل في الجرح 2/ 2/ 200، والتاريخ الكبير 3/ 1/ 229، وذكره في الثقات 7/ 58.
(2) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 178. وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» اهـ.
ووافقه الذهبي.
لكن فيه زهير بن محمد التميمي: رواية أبي حفص التنيسي عنه بواطيل موضوعة، كما قال أحمد وغيره. وهنا يروي عنه عمرو بن أبي سلمة، أبو حفص التنيسي. انظر التقريب 2/ 71، و 1/ 264، وتهذيب التهذيب 3/ 350348، وتهذيب الكمال 9/ 418414، والكاشف 1/ 256.
(3) رواه ابن ماجة، حديث رقم (3660). والدارمي، حديث رقم (3464) 2/ 558. وأحمد في المسند 2/ 363. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (2573) 6/ 312311. والبيهقي في سننه 7/ 233.
والديلمي في الفردوس، حديث رقم (4733) 7/ 288.
قال الدارقطني في علله 8/ 169: «يرويه عاصم بن أبي النجود، واختلف عنه:
أفرواه عبد الصمد بن عبد الوارث، وأبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد، عن حماد بن سلمة، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ب وغيره يرويه عن حماد بن سلمة موقوفا. وكذلك قال حماد بن زيد، عن عاصم. والموقوف أشبه» اهـ.(1/485)
من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال، يقادون إلى الجنة وهم كارهون» (1).
وأخرج الحاكم وصحّحه عن أنس: أنّ رسول الله سئل عن قول الله تعالى: {مَنِ اسْتَطََاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]: ما السبيل؟.
قال: «الزاد والراحلة» (2).
__________
(1) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (11473) 11/ 195194وفيه محمد بن محصن العكاشي: متروك، كما في مجمع الزوائد 6/ 326.
(2) رواه الحاكم في المستدرك 1/ 442441. والدارقطني في سننه 2/ 218216. والبيهقي في سننه 4/ 330.
قال البيهقي في سننه 4/ 330: «وروي عن سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في الزاد والراحلة ولا أراه إلا وهما» اهـ.
ثم ذكر من طريق جعفر بن عون، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، مرسلا ثم قال:
هذا هو المحفوظ عن قتادة، عن الحسن، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، مرسلا.
وكذلك رواه يونس بن عبيد عن الحسن. ورواه الشافعي، عن عبد الوهاب، عن يونس. ورواه عتاب بن أعين، عن سفيان الثوري، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أمه، عن عائشة قالت:
سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما السبيل إلى الحج؟ قال: «الزاد والراحلة».
أخبرناه أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنبأنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال:
وجدت في كتاب عتاب بن أعين فذكره.
وروي من وجه آخر عن عتاب. وروي فيه أحاديث أخر، لا يصح شيء منها. وحديث إبراهيم بن يزيد أشهرها.
وقد أكدناه بالذي رواه الحسن البصري، وإن كان منقطعا» اهـ.
قلت: وفي الباب عن:
1 - عائشة: رواه العقيلي 3/ 332ثم قال في ترجمة عتاب بن أعين: «في حديثه وهم» اهـ. والبيهقي 4/ 330. وهو وهم، كما قال البيهقي فيما سبق.
2 - ابن عباس: رواه ابن ماجة (2897). والدارقطني 2/ 218.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - أعل بالوقف. فقد رواه ابن المنذر في الأوسط، والدارقطني 2/ 218. من قول ابن عباس.
2 - حصين بن مخارق: قال الدارقطني: يضع الحديث. انظر اللسان 2/ 220219.
3 - ابن مسعود: رواه الدارقطني 2/ 216. وسنده ضعيف جدا، فيه: بهلول بن عبيد: قال أبو حاتم:
ضعيف الحديث، ذاهب. وقال أبو زرعة: ليس بشيء. وقال ابن حبان: يسرق الحديث. انظر اللسان 2/ 67.
4 - علي: رواه الطبري 3/ 365364. والدارقطني في سننه 2/ 219218. وفي سند الأول: أبو إسحاق السبيعي: مخلط، ومدلس، والحارث الأعور: ضعيف، وهلال: منكر الحديث. انظر تفسير ابن كثير 1/ 368، وفي سند الثاني: الحسين بن عبد الله بن ضميرة: كذبه مالك. وقال أبو حاتم: متروك الحديث، كذاب. انظر اللسان 2/ 289.
5 - ابن عمرو: رواه الدارقطني 2/ 218. وفيه يزيد بن مروان الخلال: قال ابن معين: كذاب.(1/486)
وأخرج الترمذي مثله من حديث ابن عمر وحسّنه (1).
وأخرج عبد بن حميد في تفسيره، عن نفيع، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {وَلِلََّهِ عَلَى النََّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطََاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللََّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعََالَمِينَ} [آل عمران: 97].
فقام رجل من هذيل، فقال: يا رسول الله، من تركه فقد كفر؟.
قال: «من تركه لا يخاف عقوبته ولا يرجو ثوابه» (2).
نفيع تابعيّ، والإسناد مرسل، وله شاهد موقوف على ابن عباس (3).
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله:
{اتَّقُوا اللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ} [آل عمران: 102]: «أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى» (4).
__________
6 - ابن عمر: انظر الهامش الآتي.
(1) رواه الترمذي، حديث رقم (813) 3/ 177. وحديث رقم (2998) 5/ 225. وابن ماجة في سننه، حديث رقم (2896)، وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (15703) 3/ 432. وابن عدي في الكامل 1/ 227226. والدارقطني في سننه 2/ 218. والعقيلي في الضعفاء 3/ 332. والطبري في تفسيره 3/ 364. والبيهقي في سننه 4/ 327.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه: إبراهيم بن يزيد الخوزي: متروك الحديث، انظر التقريب 1/ 46، والمغني 1/ 30، والكاشف 1/ 51، والتهذيب 1/ 180179.
وله طريق أخرى: رواه ابن أبي حاتم 1/ 297في علله من حديث سعيد بن سلام العطار، عن عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر: ثم قال: «هذا حديث باطل» اهـ.
قلت: فيه، سعيد بن سلام العطار: كذّبه ابن نمير. وقال البخاري: يذكر بوضع الحديث. وقال أحمد:
كذاب. انظر اللسان 3/ 3231.
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 2/ 422: «وطرقها كلها ضعيفة، وقد قال عبد الحق: إنّ طرقه كلها ضعيفة، وقال أبو بكر بن المنذر: لا يثبت الحديث في ذلك مسندا، والصحيح من الروايات رواية الحسن المرسلة» اهـ. وانظر تفسير ابن كثير 1/ 386.
(2) رواه الطبري في تفسيره 3/ 368. وهو مرسل ضعيف الإسناد، نفيع بن الحارث، أبو داود الأعمى الهمداني. قال أبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث. انظر التهذيب 10/ 472470.
(3) رواه الطبري في تفسيره 3/ 368. والبيهقي في سننه 4/ 324. وعزاه في الدر المنثور 2/ 57لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي. وسنده حسن كما مر في الطرق عن ابن عباس.
(4) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 294موقوفا. وأبو داود في الزهد، حديث رقم (155) ص 162 موقوفا. وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 129موقوفا. والطبري في تفسيره 3/ 376375موقوفا. وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (34553) 7/ 107106. وابن المبارك في الزهد، حديث رقم (22) ص 8. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (85028501) 9/ 93موقوفا، والدارقطني في العلل 5/ 274.
قال الدارقطني: «يرويه زبيد، عن مرة، عن عبد الله. وخالفه عمرو بن مرة: فرواه عن مرة، عن الربيع بن خثيم قوله.(1/487)
وأخرج ابن مردويه، عن أبي جعر الباقر، قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: 104]. قال: «الخير اتّباع القرآن وسنّتي». معضل (1).
وأخرج الديلميّ في مسند الفردوس بسند ضعيف، عن ابن عمر، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106]: قال: «تبيض وجوه أهل السنّة، وتسودّ وجوه أهل البدع» (2).
وأخرج الطّبرانيّ وابن مردويه بسند ضعيف، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125]: قال: «معلّمين، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم سود، ويوم أحد عمائم حمر» (3).
أخرج البخاري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من آتاه الله مالا فلم يؤدّ زكاته مثّل له شجاع أقرع، له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، فيأخذ بلهزمتيه، فيقول: أنا مالك أنا كنزك»، ثم تلا هذه الآية: {وَلََا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمََا آتََاهُمُ اللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 180] الآية (4).
النساء
أخرج ابن أبي حاتم، وابن حبّان، في صحيحه، عن عائشة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {ذََلِكَ أَدْنى ََ أَلََّا تَعُولُوا} [النساء: 3]: قال: «ألّا تجوروا» (5).
__________
قيل للشيخ: مرة الهمداني؟ قال: نعم، هو مرة بن شرحبيل الطيب الهمداني، نبيل، جليل» اهـ.
(1) عزاه في الدر المنثور 2/ 62لابن مردويه. وهو معضل مرسل.
(2) رواه الديلمي في الفردوس، حديث رقم (8446) 5/ 449. وعزاه في تنزيه الشريعة 1/ 319للدار قطني وقال: «موضوع، والحمل فيه على أبي النضر أحمد بن عبد الله الأنصاري. والخطيب في الرواة عن مالك، من طريق أبي النضر، أحمد بن محمد بن عبيد الله القيسي. وقال الحافظ ابن حجر: فيحتمل أن يكون هو الأول نسب إلى جده. ويحتمل أن يكون آخر» اهـ. وانظر الدر المنثور 2/ 63.
(3) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (11469) 11/ 193. وفي سنده: عبد القدوس بن حبيب: قال ابن المبارك: كذاب. وقال البخاري: تركوه، منكر الحديث. انظر اللسان 4/ 4845، ومجمع الزوائد 6/ 327.
(4) رواه البخاري (1403) 3/ 268. وحديث رقم (4565) 8/ 230. وحديث رقم (4659) 8/ 322.
وحديث رقم (6957) 12/ 330. والنسائي في سننه المجتبى 5/ 39. وفي التفسير من سننه الكبرى، حديث رقم (1121711216) 6/ 354. وأحمد في المسند 2/ 355279. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (3258) 8/ 50. والبيهقي في سننه 4/ 81.
(5) رواه ابن حبان في صحيحه، حديث رقم (4029) 9/ 339338.(1/488)
وقال ابن أبي حاتم: قال أبي: هذا حديث خطأ، والصحيح عن عائشة موقوف.
وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عمر، قال: قرئ عند عمر: {كُلَّمََا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنََاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهََا} [النساء: 56]، فقال معاذ: عندي تفسيرها: تبدّل في ساعة مائة مرة، فال عمر: هكذا سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (1).
وأخرج الطبرانيّ بسند ضعيف، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزََاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93]: قال: «إن جازاه» (2).
وأخرج الطّبرانيّ وغيره بسند ضعيف، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 173]: «الشفاعة فيمن وجبت له النار، ممّن صنع إليهم المعروف في الدنيا» (3).
وأخرج أبو داود في المراسيل، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم يسأله، فسأله عن الكلالة، فقال: «أما سمعت الآية التي أنزلت في الصيف:
{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللََّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلََالَةِ} [النساء: 176] فمن لا يترك ولدا ولا فورثته كلالة». مرسل (4).
__________
قال ابن أبي حاتم: قال أبي: هذا حديث خطأ، والصحيح عن عائشة موقوف. كما قال السيوطي هنا في الاتقان، وفي الدر المنثور 2/ 119، وانظر تفسير ابن كثير 1/ 451.
(1) رواه الطبراني في الأوسط، حديث رقم (4514) 5/ 262وسنده واه، فيه: نافع مولى يوسف السلمي:
قال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال البخاري: منكر الحديث. انظر اللسان 6/ 147. وانظر مجمع الزوائد 7/ 6.
(2) رواه الطبراني في الأوسط، حديث رقم (8601) 9/ 276275. والعقيلي في الضعفاء 3/ 346.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - محمد بن جامع البصري العطاء: ضعيف. انظر اللسان 5/ 10099.
2 - العلاء بن ميمون: قال العقيلي: لا يتابع عليه، ولا يعرف إلّا به. انظر الضعفاء للعقيلي 3/ 346، واللسان 4/ 186. وانظر مجمع الزوائد 7/ 13.
(3) رواه الطبراني في الكبير، حديث رقم (10462) 10/ 248. وسنده ضعيف، فيه:
1 - بقية بن الوليد: مدلس تدليس التسوية، ولم يصرّح في سائر طبقات المسند، وهنا يروي عن الضعفاء. انظر التقريب 1/ 105، وطبقات المدلسين ص 121، وتهذيب الكمال 4/ 200192، والتبيين رقم (5).
2 - إسماعيل بن عبد الله الكندي: أتى بخبر عجيب منكر. كما في الميزان 1/ 235، وانظر اللسان 1/ 417، ومجمع الزوائد 7/ 13.
(4) رواه أبو داود في المراسيل، حديث رقم (371) ص 272271. والبيهقي في سننه 6/ 224.(1/489)
أخرج أبو الشّيخ في كتاب «الفرائض»، عن البراء: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الكلالة؟.
فقال: «ما عدا الولد والوالد» (1).
المائدة
أخرج ابن أبي حاتم، عن أبي سعيد الخدريّ، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كانت بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم ودابة وامرأة كتب ملكا» (2).
له شاهد من مرسل زيد بن أسلم عند ابن جرير (3).
وأخرج الحاكم وصحّحه عن عياض الأشعريّ، قال: لما نزلت {فَسَوْفَ يَأْتِي اللََّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي موسى: «هم قوم هذا» (4).
وأخرج الطبرانيّ، عن عائشة، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ}
[المائدة: 89]: قال: «عباءة لكلّ مسكين» (5).
وأخرج الترمذي وصحّحه عن أبي أمية السفياني، قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لََا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]. قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع العوامّ» (6).
__________
وهو مرسل، ضعيف.
أبو إسحاق السبيعي: مختلط، ومدلس، وقد عنعنه. وأشار أبو داود إلى خلاف في سنده. وكذا البيهقي ثم قال: «وحديث أبي إسحاق، عن أبي سلمة، منقطع، وليس بمعروف» اهـ. وانظر الدر المنثور 2/ 251.
(1) عزاه في الدر المنثور 2/ 250.
(2) لم أهتد لسنده. وانظر ما بعده.
(3) رواه الطبري في تفسيره 4/ 510، وهو مرسل.
(4) رواه الحاكم في المستدرك 2/ 313. وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، حديث رقم (2515) 4/ 460 461. والطبري في تفسيره 4/ 624. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (1016) 17/ 371.
والبيهقي في الدلائل 5/ 352351. وسنده حسن إن شاء الله تعالى.
(5) رواه الطبراني وابن مردويه، كما في الدر المنثور 2/ 313.
(6) رواه أبو داود، حديث رقم (4341) 4/ 123. والترمذي في سننه، حديث رقم (3058) 5/ 257(1/490)
وأخرجه أحمد، والطبرانيّ وغيرهما، عن أبي عامر الأشعري قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية، فقال: «لا يضرّكم من ضلّ من الكفار إذا اهتديتم» (1).
الأنعام
أخرج ابن مردويه وأبو الشيخ من طريق نهشل، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مع كلّ إنسان ملك إذا نام يأخذ نفسه، فإن أذن الله في قبض روحه قبضه وإلّا ردّه إليه. فذلك قوله: {يَتَوَفََّاكُمْ بِاللَّيْلِ} [الأنعام: 60]». نهشل: كذاب (2).
وأخرج أحمد، والشيخان، وغيرهم، عن ابن مسعود، قال: لما نزلت هذه الآية:
{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمََانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]. شقّ ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله، وأيّنا لا يظلم نفسه؟.
قال: «إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. إنما هو الشرك» (3).
__________
258. وابن ماجة في كتاب الفتن، حديث رقم (4014). وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (385).
وأبو نعيم في الحلية 2/ 30. والبيهقي في سننه 10/ 9291. والبغوي في شرح السنة (4156).
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - عتبة بن أبي حكيم: صدوق، يخطئ كثيرا، كما في التقريب 2/ 4، وانظر التهذيب 7/ 9594.
2 - عمرو بن جارية: مقبول، كما في التقريب 2/ 66.
3 - أبو أمية: مقبول، كما في التقريب. ولبعضه شواهد. انظر الصحيحة 1/ 813812.
(1) رواه أحمد في المسند 4/ 202201129. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (799) 22/ 317. ورجاله ثقات إلا أنه لا يعرف لعلي بن مدرك سماعا من أحد من الصحابة، كما في المجمع 7/ 19.
(2) وفي سنده نهشل بن سعيد: متروك، وكذّبه إسحاق بن راهويه. انظر التهذيب 10/ 479، والتقريب 2/ 307، والمغني 2/ 702، والكاشف 3/ 185.
وفي الباب عن عكرمة، رواه أبو الشيخ في العظمة، حديث رقم (430) 3/ 891.
وفي سنده حفص بن عمر العدني: ضعيف. وانظر الدر المنثور 3/ 15.
(3) رواه البخاري، حديث رقم (32) 1/ 87، وحديث رقم (3360) 6/ 389. وحديث رقم (3428 3429) 6/ 465. وحديث رقم (4629) 8/ 294. وحديث (4776) 8/ 513. وحديث رقم (6918) 12/ 264. وحديث رقم (6937) 12/ 303.
ومسلم في صحيحه، حديث رقم (124) 1/ 115114. والترمذي في سننه، حديث رقم (3067) 5/ 262. والنسائي في التفسير من سننه الكبرى، حديث رقم (11166) 6/ 341. وحديث رقم (11390) 6/ 427. وأحمد في المسند 1/ 444424387. والطيالسي، حديث رقم (270) ص 3635. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (5159) 9/ 92. وابن منده في الإيمان، حديث رقم(1/491)
وأخرج ابن أبي حاتم، وغيره بسند ضعيف، عن أبي سعيد الخدريّ، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: {لََا تُدْرِكُهُ الْأَبْصََارُ} [الأنعام: 103] قال: «لو أنّ الجنّ والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفا واحدا، ما أحاطوا بالله أبدا» (1).
وأخرج الفريابيّ، وغيره، من طريق عمرو بن مرّة، عن أبي جعفر، قال: سئل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية: {فَمَنْ يُرِدِ اللََّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلََامِ} [الأنعام: 125] قالوا:
كيف يشرح صدره؟.
قال: «نور يقذف به فينشرح له وينفسح».
قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟.
قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت» (2). مرسل له شواهد كثيرة متّصلة ومرسلة، يرتقي بها إلى درجة الصحة أو
__________
(268267266265) 1/ 419417. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (253) 1/ 487 488. وعبد الرزاق في تفسيره 2/ 213. والطبراني في تفسيره 5/ 254252251. والبزار في مسنده، حديث رقم (149514941493) 4/ 313312. والبيهقي في سننه 10/ 185.
(1) رواه أبو الشيخ في العظمة، حديث رقم (72) 1/ 339338. والعقيلي في الضعفاء 1/ 140. وابن عدي في الكامل 2/ 10. وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 114.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - بشر بن عمارة: ضعيف، انظر التهذيب 1/ 455، والضعفاء للعقيلي 1/ 140، والمجروحين 1/ 189188.
2 - عطية العوفي: يخطئ كثيرا. وهو صدوق. كان شيعيا مدلسا، وهو مشهور بالتدليس القبيح. انظر الكاشف 2/ 235، وطبقات المدلسين ص 130، والتقريب 2/ 24.
وانظر تفسير ابن كثير 2/ 162، واللآلئ المصنوعة 1/ 13، وتنزيه الشريعة 1/ 141، والفوائد المجموعة ص 315.
(2) رواه الطبري في تفسيره 5/ 336335. وعبد الرزاق في تفسيره 2/ 218217. وابن المبارك في الزهد، حديث رقم (315) ص 107106. والحاكم 4/ 311. والبيهقي في الأسماء والصفات 1/ 258ثم قال: «هذا منقطع» اهـ.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - أبو جعفر، عبد الله بن المسور: متروك. انظر الجرح 2/ 2/ 170169، والمجروحين 2/ 24، والميزان 2/ 505504، واللسان 3/ 361360.
وعزاه في الدر المنثور 3/ 44لابن المبارك في الزهد، والفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات.
2 - وهو مرسل.(1/492)
الحسن (1).
وأخرج ابن مردويه، والنحاس في ناسخه، عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} [الأنعام: 141]؟.
قال: «ما سقط من السنبل» (2).
وأخرج ابن مردويه بسند ضعيف من مرسل سعيد بن المسيّب، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {«وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزََانَ بِالْقِسْطِ لََا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلََّا وُسْعَهََا} [الأنعام: 152]:
فقال: «من أربى على يده في الكيل والميزان، والله يعلم صحّة نيّته بالوفاء فيهما، لم يؤاخذ، وذلك تأويل {وُسْعَهََا}» (3).
وأخرج أحمد، والترمذي، عن أبي سعيد، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: {«يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيََاتِ رَبِّكَ لََا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمََانُهََا} [الأنعام: 158]: قال: «يوم طلوع الشمس من مغربها» (4).
__________
3 - وقد وقع في سنده خلاف:
قال الدارقطني في العلل 5/ 190188: «يرويه عمرو بن مرة، واختلف عنه:
أفرواه مالك بن مغول، عن عمرو بن مرة، عن عبيدة، عن عبد الله [عند ابن الجوزي في العلل المتناهية 2/ 803 (1342)، والطبري في تفسيره 5/ 336].
قاله عبد الله بن محمد بن المغيرة عنه، وتفرّد بذلك.
ب ورواه زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله: قاله أبو عبد الرحيم، عن زيد. [عند الطبري في تفسيره 5/ 336].
ج وخالفه يزيد بن سنان: فرواه عن زيد، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن مسعود.
د وقال وكيع: عن المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله. وكلها وهم.
هـ والصواب: عن عمرو بن مرة، عن أبي جعفر عبد الله بن المسور مرسلا، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. كذلك قاله الثوري. وعبد الله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب هذا: متروك» اهـ.
(1) مرّ معنا أن من شواهده ما هو وهم. انظر التعليق السابق.
(2) رواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ ص 135. وسنده ضعيف، فيه:
1 - دراج، أبو السمح: صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف. وهنا يروي عن أبي الهيثم. انظر التهذيب 3/ 209208، والتقريب 1/ 235.
2 - ابن لهيعة: ضعيف، مختلط. انظر الاغتباط ص 7372، والتقريب 1/ 444.
(3) عزاه السيوطي في الدر المنثور 3/ 55لابن مردويه من حديث سعيد بن المسيب مرسلا. والمرسل: من أنواع الضعيف. وفيه: من أوفى الحديث.
(4) رواه الترمذي، حديث رقم (3071) 5/ 264، وأحمد 3/ 31، وعبد بن حميد، حديث رقم (902) ص 283. والطبري في تفسيره 5/ 406405، وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (1353) 2/ 505.
وعزاه في الدر المنثور 3/ 57لأحمد وعبد بن حميد في مسنده، والترمذي، وأبي يعلى، وابن أبي(1/493)
له طرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وغيره (1).
وأخرج الطّبرانيّ وغيره بسند جيّد عن عمر بن الخطاب، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعائشة: {«إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكََانُوا شِيَعاً} [الأنعام: 159]: «هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء» (2).
وأخرج الطّبرانيّ بسند صحيح، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: {«إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكََانُوا شِيَعاً}: «هم أهل البدع والأهواء في هذه الأمة» (3).
__________
حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه عن أبي سعيد. وسنده ضعيف، فيه:
1 - عطية العوفي: صدوق، يخطئ كثيرا، كان شيعيا، مدلسا التدليس القبيح. انظر التقريب 2/ 24.
2 - قال الترمذي: ورواه بعضهم، ولم يرفعه. فأعلّه الترمذي بالوقف.
3 - محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: صدوق، سيّئ الحفظ جدا، انظر التقريب 2/ 184، والكاشف 3/ 61، والمغني 2/ 603.
(1) رواه البخاري، حديث رقم (6506) 11/ 352. وحديث رقم (7121) 13/ 8281. ومسلم في صحيحه، حديث رقم (157) 1/ 137136. وأبو داود في سننه، حديث رقم (4312) 4/ 115.
والترمذي، حديث رقم (3072) 5/ 264. والنسائي في كتاب التفسير من سننه الكبرى، حديث رقم (11177) 6/ 344343. وابن ماجة، حديث رقم (4068). وأحمد في المسند 2/ 313231 398372350. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (6085) 10/ 473472. وحديث رقم (6170) 11/ 3231. وحديث رقم (6517) 11/ 398.
(2) رواه الطبراني في المعجم الصغير 1/ 203. وأبو نعيم في الحلية 4/ 138137مطولا. والبيهقي في الشعب 5/ 450449. وابن أبي عاصم في السنة، حديث، رقم (4) 1/ 8، وابن أبي حاتم في علل الحديث 2/ 77، والكامل لابن عدي 7/ 70، وابن الجوزي في العلل المتناهية 1/ 144، والدارقطني في العلل 2/ 164163.
قلت: سنده ضعيف، شاذ، فيه:
1 - بقية بن الوليد: مدلس تدليس التسوية. وقد عنعنه.
2 - مجالد بن سعيد: ليس بالقوي. انظر التقريب 2/ 229، والتهذيب 10/ 4039، والكاشف 3/ 106.
3 - أعلّه العلماء بالوقف.
قال ابن عدي في الكامل 7/ 70عن طريق الشعبي، عن مسروق، عن عمر، والشعبي، عن شريح، عن عمر: «وجميعا غير محفوظين» اهـ.
قال الدارقطني في علله 2/ 164163: «يرويه محمد بن مصفى، عن بقية، عن شعبة، عن مجالد، عن الشعبي، عن شريح، عن عمر.
وتابعه جحدر بن الحارث، عن بقية.
وخالفهما وهب بن حفص الحراني وكان ضعيفا فرواه عن الجدي عبد الملك، عن شعبة، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عمر. ولا يثبت عن شعبة ولا عن مجالد. والله أعلم» اهـ.
(3) رواه الطبراني في الأوسط، حديث رقم (668) 1/ 384. والدارقطني في العلل 8/ 322. والطبري 5/ 414.(1/494)
الأعراف
أخرج ابن مردويه وغيره بسند ضعيف، عن أنس، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله:
{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]: قال «صلّوا في نعالكم» (1).
له شاهد من حديث أبي هريرة عند أبي الشيخ (2).
__________
قال الطبراني عقيبه: «لم يرو هذا الحديث عن سفيان إلا موسى، تفرّد به معلّل» اهـ.
قلت: سنده ضعيف، شاذ مرفوعا، وفيه:
1 - ليث بن أبي سليم: صدوق، اختلط جدا، ولم يتميز حديثه فترك. انظر التقريب 2/ 138، والتهذيب 8/ 468465، والكاشف 3/ 13، والمغني 2/ 536.
2 - قال الدارقطني في علله 8/ 322321: «يرويه ليث بن أبي سليم، واختلف عنه:
أفرواه شيبان بن عبد الرحمن، والثوري، عن ليث، عن طاوس، عن أبي هريرة موقوفا [عند الطبري 5/ 414].
ب ورفعه عباد بن كثير، عن ليث.
ج ورواه موسى بن أعين، عن الثوري، فقال: عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ووهم في موضعين:
1 - في رفعه.
2 - وفي قوله: عن ابن طاوس لأنّ هذا من حديث ليث، ولا يصح عن ابن طاوس» اهـ.
(1) رواه العقيلي في الضعفاء 3/ 143142. وتمام في فوائده، حديث رقم (13401339) 4/ 142.
وابن حبان في المجروحين 2/ 172. وابن الجوزي في الموضوعات 2/ 95. والخطيب في تاريخ بغداد 14/ 287. وأبو الشيخ، وابن مردويه، وابن عساكر، كما في الدر المنثور 3/ 78.
وسنده واه فيه: عباد بن جويرية: قال أحمد: كذّاب أفّاك. وكذّبه البخاري. وقال النسائي وغيره:
متروك. انظر الميزان 2/ 365، والمجروحين 2/ 171. والضعفاء للعقيلي 3/ 142.
(2) رواه ابن عدي في الكامل 5/ 184. وأبو الشيخ، وابن مردويه، كما في الدر المنثور 3/ 78.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - بقية بن الوليد: مدلس تدليس تسوية، وهنا يروي عن المجهولين والضعفاء.
2 - علي بن أبي علي القرشي: مجهول، ومنكر الحديث، كما قال ابن عدي في الكامل 5/ 183، وانظر لسان الميزان 4/ 245، والميزان 3/ 147.
3 - صالح مولى التوأمة: ضعيف مختلط.
وله طريق أخرى أشد ضعفا من هذه: فقد رواه ابن عدي 6/ 162من طريق محمد بن الفضل، عن كرز بن وبرة الحارثي، عن عطاء، عن أبي هريرة: وفيه: محمد بن الفضل: متروك الحديث. انظر التهذيب 9/ 359، وميزان الاعتدال 4/ 6، والكامل 6/ 162161.
وفيه خلاف عليه قد ورد عن محمد بن الفضل، عن كرز، عن عطاء، عن جابر به: رواه ابن عدي في الكامل 6/ 162.(1/495)
وأخرج أحمد، وأبو داود، والحاكم، وغيرهم، عن البراء بن عازب: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر العبد الكافر إذا قبضت روحه، قال: «فيصعدون بها، فلا يمرّون على ملأ من الملائكة إلّا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح فلا يفتح له. ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {لََا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوََابُ السَّمََاءِ} [الأعراف: 40]. فيقول الله:
اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحا. ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللََّهِ فَكَأَنَّمََا خَرَّ مِنَ السَّمََاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكََانٍ سَحِيقٍ}
[الحج: 31]» (1).
وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد الله، قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمّن استوت حسناته وسيئاته؟.
فقال: «أولئك أصحاب الأعراف» (2).
له شواهد.
وأخرج الطبراني، والبيهقي، وسعيد بن منصور، وغيرهم، عن عبد الرحمن المزنيّ، قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أصحاب الأعراف، فقال: «هم أناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم، فمنعهم من دخول الجنة معصية آبائهم، ومنعهم من النار قتلهم في سبيل الله» (3).
__________
(1) رواه أبو داود، حديث رقم (3212) 3/ 213مختصرا، و (47544753) 4/ 240239بطوله، والنسائي 3/ 78مختصرا، وابن أبي شيبة (12559) 3/ 5654، وأحمد 4/ 288287. والبيهقي في إثبات عذاب القبر (27إلى 5535) بطوله. وسنده حسن.
(2) عزاه في الدر المنثور 3/ 87لأبي الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن جابر. وفي الباب عن ابن عباس، وابن مسعود، وحذيفة موقوفا.
(3) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، حديث رقم (1123) 2/ 352. والخرائطي في مساوئ الأخلاق (253) ص 126. وابن عبد البر في الاستيعاب 2/ 416.
قال الحافظ ابن حجر في الإصابة 2/ 419: «هكذا أخرجه ابن مردويه في التفسير. وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير كلاهما من وجه آخر، عن أبي معشر، فقالا: عن محمد بن عبد الرحمن. قال أبو عمر: هذا هو الصواب في تسمية ولده.
قلت: وأخرجه ابن شاهين وابن مردويه أيضا من وجه آخر عن أبي معشر، فقالا: يحيى بن عبد الرحمن. والاضطراب فيه عن أبي معشر، وهو نجيح بن عبد الرحمن، فإنه ضعيف. وقد رواه سعيد بن أبي هلال، عن يحيى بن شبل فخالف أبا معشر في سنده. وأخرجه ابن جرير، وابن شاهين، من طريق الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد، عن يحيى بن شبل أنّ رجلا من بني نصر أخبره، عن رجل من بني هلال، عن أبيه أنه أخبره أنه سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم فذكر نحوه.(1/496)
له شاهد من حديث أبي هريرة عند البيهقي (1)، ومن حديث أبي سعيد عند الطّبراني (2).
وأخرج البيهقي بسند ضعيف: عن أنس مرفوعا: «أنّهم مؤمنو الجن» (3).
وأخرج ابن جرير، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الطوفان: الموت» (4).
وأخرج أحمد، والترمذيّ، والحاكم وصححاه، عن أنس، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ:
{فَلَمََّا تَجَلََّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143]: قال: «هكذا وأشار بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمنى فساخ الجبل، وخرّ موسى صعقا» (5).
وأخرجه أبو الشيخ بلفظ: «وأشار بالخنصر، فمن نورها جعله دكا».
وأخرج أبو الشيخ من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: «الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة، كان طول اللوح اثني عشر
__________
وأخرجه ابن مردويه، من طريق ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، لكن لم يقل: عن أبيه. ورواية الليث أوصل» اهـ.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - أبو معشر: ضعيف.
2 - وقد اختلف على أبي معشر فيه، كما ذكر الحافظ فيما سبق نقله.
3 - يحيى بن شبل: مجهول. انظر الجرح 4/ 2/ 157، والتهذيب 1/ 229.
وذكره البيهقي في الشعب 1/ 345ثم قال: «مرسل ضعيف» اهـ.
(1) عزاه في الدر المنثور 3/ 88لابن مردويه والبيهقي في البعث.
(2) رواه الطبراني في المعجم الأوسط، حديث رقم (4641) 5/ 326325. وسنده ضعيف جدا، فيه:
1 - عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إذا روى عن أبيه، فهو متروك. انظر التهذيب 9/ 179177.
والكاشف 2/ 146. والمغني 2/ 380، والميزان 2/ 565.
2 - محمد بن مخلد الحمصي الرعيني: قال ابن عدي: حدّث الأباطيل. انظر اللسان 5/ 375.
(3) عزاه في الدر المنثور 3/ 88إلى البيهقي في البعث.
(4) رواه ابن جرير في التفسير 6/ 32. وعزاه في الدر المنثور 3/ 108لابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه. والمراد قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنََا عَلَيْهِمُ الطُّوفََانَ} [الأعراف: 133]. وسنده ضعيف، فيه:
1 - الحجاج بن أرطأة: صدوق، كثير الخطأ والتدليس. انظر التقريب 1/ 152، وطبقات المدلسين ص 125، والتبيين (12)، والكاشف 1/ 148.
2 - المنهال بن خليفة: ضعيف، انظر التقريب 2/ 277.
(5) رواه الترمذي، حديث رقم (3074) 5/ 266265. وأحمد في المسند 3/ 209125. والحاكم في المستدرك 2/ 320، وابن جرير في تفسيره 6/ 54. وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن عدي، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في كتاب الرؤية، كما في الدر المنثور 3/ 119ورجاله ثقات.(1/497)
ذراعا» (1).
وأخرج أحمد، والنسائيّ، والحاكم وصحّحه، عن ابن عباس، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كلّ ذريّة ذرأها فنشرها بين يديه، ثم كلّمهم، فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى (2).
وأخرج ابن جرير بسند ضعيف، عن ابن عمرو، قال: قال رسول الله في هذه الآية: «أخذ من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس، فقال لهم: ألست بربكم؟ قالوا:
بلى. قالت الملائكة: شهدنا» (3).
وأخرج أحمد، والتّرمذيّ وحسّنه، والحاكم وصحّحه، عن سمرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لما ولدت حوّاء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال: سميه عبد الحارث فإنّه يعيش، فسمّته عبد الحارث فعاش فكان ذلك وحي الشيطان وأمره» (4).
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن الشعبي، قال: لما أنزل الله: {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] الآية، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذا يا جبريل؟ قال: لا أدري حتى أسأل العالم، فذهب ثم رجع، فقال: إنّ الله يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك». مرسل (5).
__________
(1) عزاه في الدر المنثور 3/ 120لابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
(2) رواه النسائي في سننه الكبرى، حديث رقم (11191) 6/ 347. وأحمد في المسند 1/ 272. وابن أبي عاصم في السنة، حديث رقم (202) 1/ 89. والطبري في تفسيره 6/ 111110. والحاكم في المستدرك 1/ 2827، و 2/ 544. والبيهقي في الأسماء والصفات 2/ 5958، وفي سننه 6/ 348.
قال النسائي: «وكلثوم هذا ليس بالقوي. وحديثه ليس بالمحفوظ» اهـ. وانظر تفسير ابن كثير 2/ 262.
ورواه ابن علية، وربيعة بن كلثوم، وعبد الوارث، عن كلثوم، عن ابن جبير، عن ابن عباس موقوفا:
عند الطبري في التفسير 6/ 111110.
وكلثوم: قال أحمد وابن معين عنه: ثقة.
وقال النسائي: ليس بالقوي، وذكره ابن حبان في الثقات. انظر التهذيب 8/ 442فالصحيح الوقف. وقد ذكر ذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره أيضا. ولكن شيخنا حفظه الله تعالى صححه لشواهد عن جمع من الصحابة. انظر الصحيحة 4/ 159158.
(3) رواه الطبري 6/ 112. من حديث ابن عمرو مرفوعا. وفيه أحمد بن أبي ظبية: قال ابن عدي: حدّث بأحاديث أكثرها غرائب. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه: انظر التهذيب 1/ 45. وقد خالف فيه من هو أوثق منه فرواه موقوفا وقد رواه 6/ 112أيضا موقوفا.
ورواه اللالكائي في أصول الاعتقاد (993) 3/ 562.
(4) رواه الترمذي (3077) 5/ 267. وقد سبق تخريجه والحكم عليه.
(5) رواه ابن جرير 6/ 154، وعبد الرزاق في التفسير 2/ 246، عن سفيان، عن رجل قد سماه، ومرة عن(1/498)
الأنفال
أخرج أبو الشّيخ، عن ابن عباس، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في قوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخََافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النََّاسُ} [الأنفال: 26]: قيل: يا رسول الله، ومن الناس؟.
قال: «أهل فارس» (1).
وأخرج الترمذي وضعّفه، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنزل الله عليّ أمانين لأمتي: {وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمََا كََانَ اللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)} [الأنفال: 33]. فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة» (2).
وأخرج مسلم وغيره، عن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو على المنبر: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]: «ألا وإنّ القوّة الرمي» (3).
__________
أبي، ورواه ابن أبي حاتم عن أبي يزيد القراطيسي كتابة، عن أصبغ بن الفرج، عن سفيان، عن أبي، عن الشعبي نحوه. وهذا مرسل على كل حال كما قال ابن كثير 2/ 277ثم قال: «وقد روي له شواهد من وجوه أخر» اهـ.
(1) عزاه في الدر المنثور 3/ 177لأبي الشيخ، وأبي نعيم، والديلمي في مسند الفردوس.
(2) رواه الترمذي، حديث رقم (3082) 5/ 270. وتمام في فوائده، حديث رقم (1345) 4/ 145.
وسنده ضعيف، فيه:
1 - إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر: ضعيف. انظر التقريب 1/ 66.
2 - عباد بن يوسف: مجهول. انظر التقريب 1/ 395.
3 - اختلف في وقفه ورفعه: فقد رواه أحمد في المسند 4/ 403393. والبخاري في التاريخ 1/ 1/ 32. والحاكم في المستدرك 1/ 542.
من طريق محمد بن أبي أيوب، عن أبي موسى موقوفا. وفي سنده: محمد بن أيوب: مجهول. انظر تعجيل المنفعة ص 359.
ورواه من طريق سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده أبي موسى موقوفا: رواه الطبراني في الدعاء، حديث رقم (1792) 3/ 16061605.
قلت: وفي الباب عن:
1 - أبي هريرة موقوفا: رواه الحاكم في المستدرك 1/ 542. والبيهقي في الشعب 1/ 542. ورجاله ثقات.
2 - ابن عباس: رواه البيهقي في سننه 5/ 4645. والطبري في تفسيره 6/ 233. والبيهقي في الشعب 2/ 182موقوفا من طريقين يحسّن بهما.
وقد ورد عن أبي العلاء:
رواه الطبري في تفسيره 6/ 234.
(3) رواه مسلم في صحيحه، حديث رقم (1917) 3/ 1522. وأبو داود، حديث رقم (2514) 3/ 13.(1/499)
فمعناه والله أعلم: أنّ معظم القوّة وأنكاها للعدوّ الرمي.
وأخرج أبو الشيخ من طريق أبي المهديّ، عن أبيه، عمّن حدّثه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لََا تَعْلَمُونَهُمُ} [الأنفال: 60] قال: «هم الجنّ» (1).
وأخرج الطّبراني مثله من حديث يزيد بن عبد الله بن عريب، عن أبيه، عن جدّه مرفوعا (2).
براءة
أخرج الترمذيّ، عن عليّ، قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن يوم الحجّ الأكبر؟ فقال: «يوم النّحر» (3).
__________
والترمذي، حديث رقم (3083) 5/ 271270. وابن ماجة في سننه، حديث رقم (2813).
والدارمي، حديث رقم (24052404) 2/ 270269. وأحمد في المسند 4/ 157156. والحاكم في المستدرك 2/ 328. وأبو يعلي في مسنده، حديث رقم (1743) 3/ 283. والطيالسي في مسنده، حديث رقم (1006) ص 135، وحديث رقم (1010) ص 136. والطبري في تفسيره 6/ 275274.
والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (911) 17/ 330. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (4709) 11/ 7. والبغوي في تفسيره 2/ 258.
(1) عزاه في الدر المنثور 3/ 198لأبي الشيخ عن أبي الهدى، عن أبيه، عمن حدّثه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. وهو منقطع ومرسل.
(2) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (506) 17/ 889، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، حديث رقم (2696) 5/ 158. وأبو الشيخ في العظمة، حديث رقم (1089) 5/ 16461645.
والديلمي في الفردوس، حديث رقم (7388) 5/ 127.
قلت: واه، في سنده مجاهيل، وضعف، واختلاف:
1 - يزيد بن عبد الله بن عريب: مجهول. انظر اللسان 3/ 315.
2 - عبد الله بن عريب: مجهول. انظر اللسان 3/ 315.
3 - سعيد بن سنان: متروك، ورماه الدارقطني وغيره بالوضع. انظر الجرح 2/ 29281، والمغني 1/ 261، والكاشف 1/ 288، والكامل 3/ 362359، والتهذيب 4/ 4746. وانظر مجمع الزوائد 7/ 27، والاصابة 2/ 473، والدر المنثور 3/ 198.
4 - أشار الحافظ إلى خلاف في سنده في الإصابة 2/ 479، واللسان 3/ 315، ونقل عن العلائي أنه قال: «هذا اختلاف شديد مع ما في روايته من الجهالة يعني: عبد الله ويزيد وعمرا» اهـ. وانظر تفسير ابن كثير 2/ 322حيث قال: «وهذا الحديث منكر، لا يصح إسناده ولا متنه» اهـ.
(3) رواه الترمذي في سننه، حديث رقم (957) 3/ 291.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - محمد بن إسحاق: مدلس. وقد عنعنه.
2 - الحارث الأعور: في حديثه ضعف، ورمي بالرفض. انظر التقريب 1/ 141، والتهذيب 2/ 145 147، والمغني 1/ 141، والكاشف 1/ 138.(1/500)
وله شاهد عن ابن عمر، عند ابن جرير (1).
أخرج ابن أبي حاتم، عن المسور بن مخرمة، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «يوم عرفة هذا يوم الحجّ الأكبر» (2).
وأخرج أحمد، والترمذيّ، وابن حبّان، والحاكم، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله: {إِنَّمََا يَعْمُرُ مَسََاجِدَ اللََّهِ مَنْ آمَنَ بِاللََّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 18]» (3).
__________
3 - وقع في سنده اختلاف: فقد رواه أبو إسحاق واختلف عنه:
أرواه محمد بن إسحاق، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي مرفوعا.
ب ورواه غيره موقوفا:
رواه سفيان بن عيينة، ومالك بن مغول، وشتير، وأبو الأحوص، والأجلح، وعنبسة، ومعمر: عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي موقوفا: عند الترمذي، حديث رقم (958) 3/ 291. وحديث رقم (3089) 5/ 274. وعبد الرزاق في تفسيره 2/ 267266. والطبري في تفسيره 6/ 312311. وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (15109) 3/ 379. وروايتهم أولى.
قال الترمذي: «ولم يرفعه أي سفيان. وهذا أصح من الحديث الأول.
ورواية ابن عيينة موقوفا أصح من رواية محمد بن إسحاق مرفوعا. هكذا روى غير واحد من الحفاظ، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي موقوفا. وقد روى شعبة، عن أبي إسحاق، قال: عن عبد الله بن مرة، عن الحارث، عن علي موقوفا».
ج ورواه شعبة، فقال: عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن مرة، عن الحارث، عن علي موقوفا. ذكره الترمذي عقيب رقم (958) 3/ 291. وعقيب حديث رقم (3089) 5/ 275.
د ورواه الشعبي، عن علي موقوفا: الطبري في تفسيره 6/ 313.
هـ ورواه يحيى الجزار، عن علي موقوفا: ابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (15110) 3/ 379.
(1) رواه البخاري معلقا عقيب حديث رقم (1742) 3/ 574. بصيغة الجزم، ووصله ابن حجر في تغليق التعليق، 3/ 105104. وأبو داود، حديث رقم (1945) 2/ 195. وابن ماجة، حديث رقم (3058). والطبري في تفسيره 6/ 315. والبيهقي في سننه 5/ 139.
(2) رواه الطبري في تفسيره 6/ 311عن ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة. وهو مرسل. وابن جريج قد عنعنه.
وعزاه في الدر المنثور 3/ 212لابن أبي حاتم وابن مردويه عن المسور.
(3) رواه الترمذي (30932617)، وابن ماجة (802)، والدارمي (1223)، وأحمد 3/ 7668، وعبد بن حميد (923). وابن حبان (1721)، واللالكائي (1675)، وابن خزيمة (1502)، والحاكم في المستدرك 1/ 213212، و 2/ 332، وابن عدي في الكامل 3/ 154114، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (336)، وابن أبي عمر العدني في الإيمان (2)، وأبو نعيم في الحلية 8/ 327.
والبيهقي في سننه 3/ 66، والخطيب في تاريخه 5/ 459. والبغوي في تفسيره 2/ 274. وسنده ضعيف،(1/501)
وأخرج ابن المبارك في الزّهد، والطّبراني، والبيهقيّ في البعث، عن عمران بن الحصين وأبي هريرة، قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية: {وَمَسََاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنََّاتِ عَدْنٍ} [التوبة: 72]؟.
قال: «قصر من لؤلؤ، في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء، في كلّ دار سبعون بيتا من زمرّدة خضراء، في كلّ بيت سرير، على كلّ سرير سبعون فراشا من كلّ لون، على كلّ فراش زوجة من الحور العين، في كلّ بيت سبعون مائدة، على كلّ مائدة سبعون لونا من الطعام، في كلّ بيت سبعون وصيفا ووصيفة، ويعطى المؤمن في كلّ غداة من القوة ما يأتي على ذلك كلّه أجمع» (1).
وأخرج مسلم وغيره، عن أبي سعيد، قال: اختلف رجلان في المسجد الّذي أسّس على التقوى: فقال أحدهما: هو مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقال الآخر: هو مسجد قباء، فأتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسألاه عن ذلك، فقال: «هو مسجدي» (2).
__________
فيه: دراج، صدوق، وفي حديثه عن أبي الهيثم ضعف. انظر التهذيب 3/ 209208، والتقريب 1/ 235.
(1) رواه ابن المبارك في الزهد، حديث رقم (1577) ص 551550. وأبو الشيخ في العظمة، حديث رقم (609) 3/ 11181116. والطبراني في الأوسط، حديث رقم (4846) 5/ 431. وفي الكبير، حديث رقم (353) 18/ 161160. والطبري في تفسيره 6/ 416. وابن الجوزي في الموضوعات 3/ 252.
قلت: وسنده ضعيف، فيه:
1 - جسر بن فرقد: قال البخاري: ليس بذاك عندهم. وضعّفه النسائي. انظر اللسان 2/ 105104.
وفي سند العظمة: حسن بن خليفة: لا يعرف.
2 - الحسن البصري: لم يسمع من أبي هريرة. وانظر مجمع الزوائد 10/ 420، وتنزيه الشريعة 2/ 382، واللآلئ المصنوعة 2/ 452.
(2) رواه مسلم، حديث رقم (1398) 2/ 1015. والترمذي، حديث رقم (323) 2/ 145144. وحديث رقم (3099) 5/ 280. والنسائي 2/ 36.
وفي سننه الكبرى، حديث رقم (11228) 6/ 359. وأحمد في المسند 3/ 9124238. وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (66) 1/ 393. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (985) 2/ 273272.
والحاكم في المستدرك 2/ 334، وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (75267520) 2/ 148.
وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (1606) 4/ 483. وحديث رقم (1626) 4/ 506. والطبري في تفسيره 6/ 475474473. والبيهقي في الدلائل 2/ 545544و 264263. والبغوي في شرح السنة، حديث رقم (455) 2/ 341340. وفي تفسيره 2/ 327.(1/502)
وأخرج أحمد مثله، من حديث سهل بن سعد (1)، وأبيّ بن كعب (2).
وأخرج أحمد، وابن ماجة، وابن خزيمة، عن عويم بن ساعدة الأنصاريّ، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أتاهم في مسجد قباء، فقال: «إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطّهور في قصة مسجدكم، فما هذا الطّهور؟».
قالوا: ما نعلم شيئا إلّا أنا نستنجي بالماء، قال: «هو ذاك فعليكموه» (3).
وأخرج ابن جرير، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «السائحون: هم الصّائمون» (4).
__________
(1) رواه أحمد في المسند 5/ 335331. وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (7522) 2/ 148.
والطبراني في الكبير، حديث رقم (6025) 6/ 207. والطبراني في تفسيره 6/ 475. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (16051604) 4/ 483482. والحاكم في المستدرك 2/ 334.
قلت: في سنده ربيعة بن عثمان: صدوق، له أوهام. انظر التقريب 1/ 247. وقد وهم في سند هذا الحديث، كما سيأتي. انظر التعليق الآتي.
(2) رواه أحمد في المسند 5/ 116. والطبري في تفسيره 6/ 475. وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (7528) 2/ 149. وابن عدي في الكامل 4/ 155.
قلت: سنده ضعيف، شاذ، فيه:
1 - عبد الله بن عامر الأسلمي: ضعيف. انظر الكامل 4/ 155، والتهذيب 5/ 276275، والتقريب 1/ 425.
2 - وقد خالف عبد الله من هو أوثق منه. كما سيذكر الدارقطني. قال الدارقطني في علله 11/ 271 273: «يرويه عمران بن أبي أنس، واختلف عنه:
أفرواه الليث بن سعد، عن عمران بن أبي أنس، عن ابن أبي سعيد، عن أبيه. [وهو حديث مسلم].
ب ورواه أبو الوليد، عن الليث، فلم يقم إسناده.
ج ورواه عبد الله بن عامر الأسلمي، عن عمران بن أبي أنس، عن سهل بن سعد، عن أبي بن كعب.
د وخالفه ربيعة بن عثمان التيمي، وأسامة بن زيد: «فروياه عن عمران بن أبي أنس، عن سهل بن سعد، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يذكرا أبيا. ويشبه أن يكون القول قول الليث، عن عمران بن أبي أنس. والله أعلم» اهـ.
(3) رواه أحمد في المسند 3/ 421. وابن خزيمة في صحيحه، حديث رقم (83) 1/ 4645. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (348) 17/ 140. وفي المعجم الصغير 2/ 23. والحاكم 1/ 155.
والطبري في تفسيره 6/ 477476.
قلت: سنده ضعيف، فيه: شرحبيل بن سعد: ضعيف. انظر التهذيب 4/ 322320، والتقريب 1/ 348.
وله شواهد من حديث ابن عباس، وأبي هريرة، انظر تخريجها والحكم عليها في تخريجنا لسنن ابن ماجة برقم (357355)، والتلخيص الحبير 1/ 200198.
(4) رواه الطبري في تفسيره 6/ 484. والدارقطني في العلل 8/ 207206. والعقيلي في الضعفاء 1/ 317.
وابن عدي في الكامل 2/ 220.(1/503)
يونس
أخرج مسلم عن صهيب، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى ََ وَزِيََادَةٌ}
[يونس: 26]: «الحسنى: الجنّة، والزيادة: النّظر إلى ربهم» (1).
__________
قلت: سنده ضعيف جدا، وهو شاذ أيضا فيه:
1 - حكيم بن خذام: متروك الحديث. انظر الجرح والتعديل 1/ 2/ 203، والضعفاء للعقيلي 1/ 317، والكامل لابن عدي 2/ 220، واللسان 2/ 343342.
2 - اختلف في إسناده. فقد خالف حكيم إسرائيل فيه.
قال ابن عدي: ولا أعلم رفع هذا الحديث عن الأعمش غير حكيم بن خذام.
وقال الدارقطني في العلل 8/ 207206: «هو حديث يرويه الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، واختلف عنه:
أفقال أبو سمير حكيم بن خذام، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وتابعه أبو عوانة من رواية أبي ربيعة عنه: [وأبو ربيعة: منكر الحديث، انظر الجرح 1/ 2/ 571570، والمجروحين 1/ 311، واللسان 3/ 455].
حدثناه جعفر بن أحمد المؤذن الملقب بالبارد، ثنا عبد الله بن النعمان، ثنا أبو ربيعة مسندا.
والصحيح عن الأعمش موقوف، عن أبي هريرة».
ورواية إسرائيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة موقوفا: عند الطبري في تفسيره 6/ 484.
قلت: وفي الباب عن: عبيد بن عمير مرفوعا: رواه الطبري في تفسيره 6/ 484، وهو مرسل.
(1) رواه مسلم في صحيحه، حديث رقم (181) 1/ 163. والترمذي، حديث رقم (2552) 4/ 687.
وحديث رقم (3105) 5/ 286. والنسائي في سننه الكبرى، حديث رقم (11234) 6/ 362361.
وابن ماجة، حديث رقم (187). وأحمد في المسند 4/ 333332و 6/ 1615. والطيالسي في مسنده، حديث رقم (1315) ص 187186. وهناد في الزهد، حديث رقم (171) 1/ 132131.
وابن أبي عاصم في السنة، حديث رقم (472) 1/ 206205. وابن أبي زمنين في أصول السنة، حديث رقم (53) ص 122. وعبد الله في السنة، حديث رقم (449446445444443) 1/ 245143. وحديث رقم (459) 1/ 249. وحديث رقم (1144) 2/ 497.
وابن خزيمة في التوحيد، حديث رقم (259258) 2/ 446443. وابن جرير في تفسيره 6/ 551.
وأبو عوانة 1/ 156. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (7441) 16/ 472471. والدارمي في الرد على الجهمية، حديث رقم (175) ص 105104. والبزار في مسنده، حديث رقم (2087) 6/ 13 15. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (73157314) 8/ 47. وأبو نعيم في الحلية 1/ 155.
والخطيب في تاريخه 1/ 402. والآجري في الشريعة ص 262261.
وفي التصديق بالنظر، حديث رقم (363534) ص 5250. وابن منده في الإيمان، حديث رقم (786785784783782) 2/ 775772. واللالكائي في أصول الاعتقاد، حديث رقم (778) 3/ 455. والبيهقي في الاعتقاد ص 124123. وفي الأسماء والصفات 2/ 33. والبغوي في شرح السنة، حديث رقم (4393) 15/ 231230. وفي التفسير 2/ 351.(1/504)
وفي الباب عن أبيّ بن كعب (1)، وأبي موسى الأشعري (2)، وكعب بن عجرة (3)، وأنس (4)، وأبي هريرة (5).
وأخرج ابن مردويه، عن ابن عمر، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا}: قال:
«شهادة أن لا إله إلّا الله، الحسنى: الجنة، وزيادة: النظر إلى الله تعالى» (6).
وأخرج أبو الشيخ وغيره، عن أنس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {قُلْ بِفَضْلِ اللََّهِ} قال: «القرآن» {وَبِرَحْمَتِهِ} [يونس: 58]: أن جعلكم من أهله» (7).
__________
(1) رواه ابن جرير في تفسيره 6/ 552. واللالكائي في أصول الاعتقاد، حديث رقم (780) 3/ 456، وحديث رقم (849) 3/ 492من طريقين: وفي الأول مبهم، وفي الثاني مجاهيل. والله أعلم.
(2) رواه اللالكائي في أصول الاعتقاد، حديث رقم (782) 3/ 457مرفوعا. وحديث رقم (785مرفوع 786موقوف) 3/ 459458، والطبري في تفسيره 6/ 550. وابن خزيمة في التوحيد، حديث رقم (267) 2/ 456، والدارمي في الرد على الجهمية، حديث رقم (168) ص 119. وهناد في الزهد، حديث رقم (169) 1/ 131موقوف. ونعيم بن حماد في زوائد الزهد، حديث رقم (419) ص 127 موقوف. وسنده ضعيف جدا، فيه:
1 - أبو بكر الهذلي: متروك الحديث، كما في التقريب 2/ 401، وانظر المغني 2/ 773، والكامل 3/ 325321، والكاشف 3/ 279.
2 - وقد اختلف في رفعه ووقفه كما ذكر في التخريج.
(3) رواه اللالكائي في أصول الاعتقاد، حديث رقم (781) 3/ 457456. وعبد الله في السنة، حديث رقم (484) 1/ 262. والطبري في تفسيره 6/ 551. وسنده ضعيف، فيه:
1 - ابن جريج: ثقة، فقيه، فاضل، وكان يدلس ويرسل. قال الدارقطني: شر التدليس تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس، لا يدلّس إلّا فيما سمعه من مجروح. انظر طبقات المدلسين ص 95، والتقريب 1/ 520، والكاشف 2/ 185.
2 - عطاء بن أبي مسلم الخراساني: صدوق، يهم كثيرا، ويرسل، ويدلس. انظر التهذيب 7/ 212 215، والكاشف 2/ 233، والتقريب 2/ 23.
3 - عطاء، عن كعب: مرسل: قال ابن معين: لا أعلمه لقي أحدا من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم. انظر جامع التحصيل ص 238.
4 - إبراهيم بن المختار: ضعيف. انظر التقريب 1/ 43، والكاشف 1/ 47.
(4) رواه اللالكائي في أصول الاعتقاد، حديث رقم (779) 3/ 456.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - مسلم بن سالم البلخي: ضعّفه ابن معين والنسائي وأحمد وأبو زرعة. انظر الميزان 2/ 185.
2 - نوح بن أبي مريم: متروك الحديث. انظر التهذيب 10/ 486، والميزان 4/ 279.
(5) عزاه في الدر المنثور 3/ 306305لأبي الشيخ.
(6) عزاه في الدر المنثور 3/ 305لابن مردويه.
(7) عزاه في الدر المنثور 3/ 308لأبي الشيخ وابن مردويه.
وفي الباب عن أبي سعيد موقوفا:(1/505)
وأخرج ابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّي أشتكي صدري، قال: «اقرأ القرآن، يقول الله تعالى: {وَشِفََاءٌ لِمََا فِي الصُّدُورِ}» [يونس: 57] (1).
له شاهد من حديث واثلة بن الأسقع، أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (2).
وأخرج أبو داود وغيره، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من عباد الله ناسا يغبطهم الأنبياء والشهداء».
قيل: من هم يا رسول الله؟.
قال: «قوم تحابّوا في الله من غير أموال ولا أنساب، لا يفزعون إذا فزع الناس، ولا يحزنون إذا حزنوا» ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {«أَلََا إِنَّ أَوْلِيََاءَ اللََّهِ لََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)} [يونس: 62] (3).
وأخرج ابن مردويه، عن أبي هريرة، قال: سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قول الله: {أَلََا إِنَّ أَوْلِيََاءَ اللََّهِ لََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)}؟ قال: «الذين يتحابّون في الله تعالى» (4).
__________
رواه ابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (30066) 6/ 132. والطبري في تفسيره 6/ 568. والرازي في فضائل القرآن، حديث رقم (83) ص 118117. والطبراني في الأوسط، حديث رقم (5508) 6/ 240. وسنده ضعيف، فيه:
1 - عطية العوفي: صدوق، يخطئ كثيرا، كان شيعيا، مشهورا بالتدليس القبيح. انظر التقريب 2/ 24، وطبقات المدلسين ص 130، والكاشف 2/ 235.
2 - حجاج بن أرطأة: صدوق، كثير الخطأ والتدليس. انظر التقريب 1/ 152، وطبقات المدلسين ص 125، والتبيين لأسماء المدلسين (12)، والكاشف 1/ 147، والمغني 1/ 149.
(1) سبق تخريجه في باب خواص القرآن.
(2) سبق تخريجه في باب خواص القرآن.
(3) رواه أبو داود حديث رقم (3527) 3/ 288. وأبو نعيم في الحلية 1/ 5. والطبري في تفسيره 6/ 576.
والبيهقي في الشعب 6/ 486. والمقدسي في المتحابين (55).
قلت: سنده منقطع: فأبو زرعة حديثه عن عمر مرسل. انظر جامع التحصيل ص 225224.
وله طريق أخرى: فرواه من طريق طلق، عن عمر بن الخطاب: رواه هناد في الزهد، حديث رقم (475) ص 272.
وللحديث شواهد من حديث أبي هريرة، وأبي مالك الأشعري. انظر الحديث الآتي.
(4) رواه النسائي في كتاب التفسير من سننه الكبرى، حديث رقم (11236) 6/ 363. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (6110) 10/ 495. والطبري في تفسيره، 6/ 576575، وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (573) 2/ 333332. وابن أبي الدنيا في الأخوان، حديث رقم (5) ص 45. والبيهقي في شعب الإيمان 6/ 487. ثم قال: «والمحفوظ عن أبي زرعة، عن عمر مرسلا» فأعلّه الحافظ البيهقي(1/506)
وورد مثله من حديث جابر بن عبد الله، أخرجه ابن مردويه (1).
وأخرج أحمد، وسعيد بن منصور، والتّرمذي، وغيرهم، عن أبي الدرداء: أنه سئل عن هذه الآية: {لَهُمُ الْبُشْرى ََ فِي الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} [يونس: 64]؟.
قال: ما سألني عنها أحد منذ سألت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما سألني عنها أحد غيرك منذ أنزلت هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له، فهي بشراه في الحياة الدنيا، وبشراه في الآخرة الجنة» (2). له طرق كثيرة (3).
__________
بأن ذكر أبي هريرة خطأ والصواب: عن عمر. فقد اختلف على أبي زرعة فيه.
ورواه البزار في مسنده، حديث رقم (3593) 4/ 228 (كشف الأستار) من طريق بشير بن نهيك، عن أبي هريرة.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 277: «رواه البزار وفيه من لم أعرفهم» اهـ.
وفي الباب عن:
1 - أبي مالك الأشعري: رواه أحمد في المسند 5/ 343. والطبري في تفسيره 6/ 576. وابن المبارك في الزهد، حديث رقم (713) ص 249248ضمن حديث طويل. وابن أبي الدنيا في الإخوان، حديث رقم (6) ص 47. والبيهقي في الشعب 6 (487486). وابن قدامة في المتحابين (54).
قلت: في سنده: شهر بن حوشب: صدوق، كثير الإرسال والأوهام، انظر الكاشف 2/ 1514، وتهذيب التهذيب 4/ 372369، والمغني 1/ 301، والتقريب 1/ 355. وانظر مجمع الزوائد 10/ 277276.
2 - جابر بن عبد الله: عزاه في الدر المنثور 3/ 311لابن مردويه.
(1) انظر التعليق السابق.
(2) رواه الترمذي، حديث رقم (2273) 4/ 534. وحديث رقم (3106) 5/ 287286. والحميدي في مسنده، حديث رقم (392391) 1/ 193. وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (30452) 6/ 173. والحاكم في المستدرك 4/ 391. عن رجل من أهل مصر، عن أبي الدرداء.
قلت: في سنده الرجل المبهم، واختلاف علي أبي صالح في سنده:
أفقد رواه وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن عطاء، عن رجل كان يفتي بمصر، عن أبي الدرداء.
ب ورواه الأعمش وعاصم، عن أبي صالح، عن أبي الدرداء:
رواه الترمذي، حديث رقم (3106) 5/ 287. وأحمد في المسند 6/ 452445. وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (30454) 6/ 173. والطبري في تفسيره 11/ 95.
ج وفيه غير ذلك كما سيأتي:
قال الدارقطني في علله 6/ 213212: «يروى عن أبي صالح السمان، واختلف عنه:
أفرواه عاصم بن أبي النجود، عن أبي صالح، عن أبي الدرداء.
ب ورواه الأعمش، عن أبي صالح، واختلف عنه:
1 - فرواه سليمان التيمي، عن الأعمش وعاصم، عن أبي صالح، عن عطاء بن يسار، عن أبي الدرداء.
2 - وقال يحيى بن هاشم: عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي الدرداء.
3 - وقال الثوري ووكيع وأبو معاوية الضرير وشريك: عن الأعمش، عن أبي صالح، عن عطاء بن يسار، عن رجل من أهل مصر، عن أبي الدرداء.
4 - ورواه عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح كذلك، عن رجل من أهل مصر، عن أبي الدرداء.
5 - ورواه محمد بن المنكدر، عن عطاء بن يسار، عن رجل من أهل مصر، عن أبي الدرداء.
وهو الصواب» اهـ.
وانظر العلل 10/ 208207.
وفي الباب عن عبادة بن الصامت، وجابر بن عبد الله بن رئاب. انظر تخريجنا لسنن ابن ماجة (3898).
(3) انظر التعليق السابق.(1/507)
وأخرج ابن مردويه، عن عائشة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {إِلََّا قَوْمَ يُونُسَ لَمََّا آمَنُوا}
[يونس: 98]. قال: «دعوا» (1).
هود
أخرج ابن مردويه بسند ضعيف، عن ابن عمر، قال: تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7]. فقلت: ما معنى ذلك يا رسول الله؟
قال: «أيّكم أحسن عقلا، وأحسنكم عقلا أورعكم عن محارم الله تعالى، وأعملكم بطاعة الله تعالى» (2).
وأخرج الطبراني بسند ضعيف، عن ابن عباس، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لم أر شيئا أحسن طلبا، ولا أسرع إدراكا من حسنة حديثة لسيّئة قديمة: {إِنَّ الْحَسَنََاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئََاتِ} [هود: 114]» (3).
__________
(1) عزاه في الدر المنثور 3/ 317لابن مردويه.
(2) رواه الطبري في تفسيره 7/ 7.
وداود بن المحبر في كتاب العقل، وابن حاتم، والحاكم في التاريخ، وابن مردويه، وابن جرير، كما في الدر المنثور 3/ 322.
وداود بن المحبر: متروك. وأكثر كتاب العقل الذي صنّفه موضوعات. انظر المغني 1/ 220، والكاشف 1/ 224، والميزان 2/ 20، والتقريب 1/ 234.
(3) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (12798) 12/ 174173. والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص 239. والعقيلي في الضعفاء 4/ 174، وابن مردويه، كما في الدر المنثور 3/ 354353.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - مالك بن يحيى النكري: تكلّم فيه ابن حبان. وقال البخاري: في حديثه نظر. انظر الضعفاء للعقيلي 4/ 174، واللسان 5/ 76، والكامل 6/ 382، ومجمع الزوائد 7/ 39.
2 - يحيى بن عمرو النكري: ضعيف، ويقال: إنّ حماد بن زيد كذّبه. انظر التهذيب 11/ 260259، والتقريب 2/ 354.(1/508)
وأخرج أحمد، عن أبي ذرّ، قال: قلت: يا رسول الله، أوصني؟
قال: «إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها».
قلت: يا رسول الله، أمن الحسنات: لا إله إلّا الله؟.
قال: «هي أفضل الحسنات» (1).
وأخرج الطبرانيّ، وأبو الشيخ، عن جرير بن عبد الله، قال: لما نزلت: {وَمََا كََانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى ََ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهََا مُصْلِحُونَ (117)} [هود: 117].
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأهلها ينصف بعضهم بعضا» (2).
يوسف
أخرج سعيد بن منصور، وأبو يعلى، والحاكم وصححه، والبيهقيّ في الدلائل، عن جابر بن عبد الله، قال: جاء يهوديّ إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمد، أخبرني عن النجوم التي رآها يوسف ساجدة له، ما أسماؤها؟ فلم يجبه بشيء، حتى أتاه جبريل، فأخبره، فأرسل إلى اليهوديّ، فقال: «هل أنت مؤمن إن أخبرتك بها»؟ قال: نعم، فقال: «خرثان، وطارق، والذّيال، وذو الكيعان، وذو الفرع، ووثّاب، وعمودان، وقابس، والصّروح، والمصبّح، والفيلق، والضياء، والنور». قال اليهوديّ: أي والله إنها لأسماؤها
__________
(1) رواه أحمد في المسند 5/ 169. والبيهقي في الأسماء والصفات 1/ 182181. وابن مردويه، كما في الدر المنثور 3/ 354.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - رجال مبهمون: عن أشياخه.
2 - فيه خلاف على الأعمش:
أرواه أبو معاوية، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن أشياخه، عن أبي ذر به. وقد سبق تخريجه.
ب ورواه يونس بن بكير الشيباني، عن الأعمش، عن إبراهيم التميمي، عن أبيه، عن أبي ذر به. عند البيهقي 1/ 181ثم قال: «كذا وجدته بهذا الإسناد».
(2) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (2281) 2/ 308. وأبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي في الفردوس، كما في الدر المنثور 3/ 356مرفوعا.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه: عبيد بن القاسم: متروك، كذّبه ابن معين، واتهمه أبو داود بالوضع.
انظر التقريب 1/ 544، والتهذيب 7/ 7372.
وقد خالفه محمد بن القاسم الأسدي، حيث رواه عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير به موقوفا: عند الخرائطي في مساوئ الأخلاق (642) ص 256. وابن أبي حاتم، كما في الدر المنثور 3/ 356.
ومحمد بن القاسم: كذّبه أحمد، والدارقطني. انظر الميزان 4/ 11.(1/509)
«{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} يعني: أباه وأمّه رآها في أفق السماء ساجدة له. فلما قصّ رؤياه على أبيه، قال: أرى أمرا متشتّتا يجمعه الله» (1).
وأخرج ابن مردويه، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لما قال يوسف: {ذََلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52]. قال له جبريل: يا يوسف، اذكر همّك، قال: {وَمََا أُبَرِّئُ نَفْسِي}
[يوسف: 53]» (2).
الرعد
أخرج الترمذيّ وحسّنه، والحاكم وصحّحه، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهََا عَلى ََ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد: 4]. قال: «الدّقل والفارسيّ والحلو والحامض» (3).
وأخرج أحمد، والترمذيّ وصحّحه، والنسائيّ، عن ابن عباس، قال: أقبلت
__________
(1) رواه البزار في مسنده، حديث رقم (2220) 2/ 35 (كشف الأستار). والحاكم في المستدرك 4/ 396.
والعقيلي في الضعفاء 1/ 259. وابن حبان في المجروحين 1/ 251250. وابن جرير في تفسيره 7/ 148. وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وسعيد بن منصور، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل، والبيهقي في الدلائل، كما في الدر المنثور 4/ 4.
وقال في مختصر إتحاف المهرة 5/ 383382: «رواه أبو يعلى الموصلي بسند ضعيف ومنقطع.
ورواه البزار بتمامه إلّا أنه قال: النمردات: بدل: العمودان. والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وليس كما زعم» اهـ.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - الحكم بن ظهير: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث. انظر التاريخ الكبير 1/ 2/ 345، والمجروحين 1/ 250.
2 - عبد الرحمن بن سابط: قال ابن معين: لم يسمع من جابر، وأثبت له ابن أبي حاتم السماع من جابر. انظر جامع التحصيل ص 222، والجرح والتعديل 2/ 2/ 240.
(2) عزاه في الدر المنثور 4/ 23للحاكم في تاريخه، وابن مردويه، والديلمي.
ورواه الحارث بن أبي أسامة موقوفا بسند ضعيف، لضعف خصيف، ولا سيما فيما رواه في حق الأنبياء، وهم معصومون قبل البعثة وبعدها. هذا هو الحق» اهـ كما في مختصر إتحاف المهرة 5/ 383.
(3) رواه الترمذي، حديث رقم (3118) 5/ 294. وابن جرير في تفسيره 7/ 338. وأبو الشيخ، والبزار، وابن مردويه، كما في الدر المنثور 4/ 44.
وسنده ضعيف جدا، فيه: سيف بن محمد الكوفي: كذّبوه. انظر الكامل 3/ 435431، والتقريب 1/ 344.
ولكن رواه ابن جرير من طريق أخرى: فقد رواه من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به. وسنده حسن إن شاء الله تعالى.(1/510)
يهود إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: أخبرنا عن الرّعد ما هو؟.
قال: «ملك من ملائكة الله موكّل بالسحاب، بيده مخراق من نار يزجر به السحاب، يسوقه حيث أمره الله».
قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟.
قال: «صوته» (1).
وأخرج ابن مردويه، عن عمرو بن بجاد الأشعريّ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الرعد ملك يزجر السحاب، والبرق طرف ملك يقال له: روفيل» (2).
وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد الله، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ ملكا موكّل بالسحاب يلمّ القاصية، ويلحم الرابية، في يده مخراق، فإذا رفع برقت، وإذا زجر رعدت، وإذا ضرب صعقت» (3).
وأخرج أحمد، وابن حبّان، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«طوبى شجرة في الجنة، مسيرة مائة عام» (4).
وأخرج الطّبرانيّ بسند ضعيف، عن ابن عمر، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«{يَمْحُوا اللََّهُ مََا يَشََاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39]: إلّا الشقاوة والسعادة، والحياة والموت» (5).
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) عزاه في الدر المنثور 4/ 50لابن مردويه.
(3) عزاه في الدر المنثور 4/ 50لابن مردويه عن جابر رضي الله عنه أن خزيمة بن ثابت وليس بالأنصاري رضي الله عنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم به.
(4) جزء من حديث رواه أحمد في المسند 3/ 71بتمامه.
وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (7230) 16/ 213بدون لفظ المصنف، وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (1374) 2/ 520519بتمامه. وابن جرير 7/ 384. والآجري في الشريعة ص 271.
وفي التصديق بالنظر، حديث رقم (57) ص 7675. والسجستاني في البعث، حديث رقم (67) ص 122121. والخطيب في تاريخ بغداد 4/ 91. وسنده ضعيف، فيه:
دراج: في حديثه عن أبي الهيثم ضعف، وهنا يروي عنه. انظر التهذيب 3/ 209208، والتقريب 1/ 235.
وفي الباب عن ابن عمر:
رواه الآجري في التصديق بالنظر (58) ص 7877وفي سنده: عبد الله بن زياد الفلسطيني، عن زرعة بن إبراهيم قال الذهبي في الميزان 2/ 425: «بخبر منكر. تكلّم فيه ابن حبان» اهـ. وزرعة: ليس بالقوي، كما في الجرح والتعديل 1/ 2/ 607.
(5) رواه الطبراني في الأوسط، حديث رقم (9468) 10/ 214. وابن مردويه، كما في الدر المنثور 4/ 66.(1/511)
وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد الله بن رئاب، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله:
{يَمْحُوا اللََّهُ مََا يَشََاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39]. قال: «يمحو من الرزق ويزيد فيه، ويمحو من الأجل ويزيد فيه» (1).
وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم سئل عن قوله {يَمْحُوا اللََّهُ مََا يَشََاءُ وَيُثْبِتُ}؟.
قال: «ذلك كلّ ليلة القدر يرفع ويجبر ويرزق غير الحياة والموت والشقاء والسعادة، فإنّ ذلك لا يبدّل» (2).
وأخرج ابن مردويه، عن عليّ، أنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية فقال: «لأقرّنّ عينك بتفسيرها، ولأقرّنّ عين أمتي من بعدي بتفسيرها: الصدقة على وجهها، وبرّ الوالدين، واصطناع المعروف تحوّل الشقاء سعادة وتزيد في العمر» (3).
إبراهيم
أخرج ابن مردويه، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أعطى الشكر لم يحرم الزيادة لأنّ الله تعالى يقول: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]» (4).
__________
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - محمد بن جابر اليمامي: صدوق، ذهبت كتبه فساء حفظه وخلط كثيرا، وعمي فصار يلقن، ورجّحه أبو حاتم على ابن لهيعة. انظر التقريب 2/ 149.
2 - محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: صدوق، سيّئ الحفظ جدا، انظر المغني 2/ 603، والكاشف 3/ 61، والتقريب 2/ 184. وانظر مجمع الزوائد 7/ 43.
(1) رواه ابن جرير في تفسيره 7/ 402. وابن سعد، وابن مردويه، كما في الدر المنثور 4/ 66.
وفي سنده الكلبي متهم بالكذب.
وقد اختلف عنه، فرواه عبد الوهاب، عن الكلبي، عن أبي صالح نحوه، ولم يجاوز أبا صالح. عند الطبري في تفسيره 7/ 402.
(2) عزاه في الدر المنثور 4/ 66لابن مردويه.
(3) عزاه في الدر المنثور 4/ 66لابن مردويه وابن عساكر.
(4) عزاه في الدر المنثور 4/ 71لابن مردويه.
ورواه الطبراني في المعجم الصغير 2/ 92، والخطيب في تاريخ بغداد 1/ 248، وابن الجوزي في العلل المتناهية 2/ 839ثم قال: «هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تفرّد به محمود بن العباس، وهو مجهول» اهـ. وذكره في الميزان 4/ 7877. ثم قال: محمود بن العباس. عن هشيم: بخبر كذب، لعله واضعه، وله خبر آخر منكر. وانظر لسان الميزان 6/ 3.
وفي الباب عن أنس، وعطارد القرشي، وأبي هريرة. انظر تخريجنا لكتاب الترغيب في الدعاء ص 49.(1/512)
وأخرج أحمد، والترمذيّ، والنسائي، والحاكم وصحّحه وغيرهم، عن أبي أمامة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وَيُسْقى ََ مِنْ مََاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ} [التوبة: 1716]:
قال: «يقرب إليه فيتكرّهه، فإذا أدني منه شوى وجهه، ووقع فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره، يقول الله تعالى: {وَسُقُوا مََاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعََاءَهُمْ} [محمد:
15]. وقال تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغََاثُوا بِمََاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف: 29]» (1)
وأخرج ابن أبي حاتم، والطّبراني، وابن مردويه، عن كعب بن مالك رفعه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما أحسب في قوله تعالى: {سَوََاءٌ عَلَيْنََا أَجَزِعْنََا أَمْ صَبَرْنََا مََا لَنََا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم: 21]. قال: «يقول أهل النار: هلمّوا فلنصبر، فيصبرون خمسمائة عام، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم، قال: هلمّوا فلنجزع، فيكون خمسمائة عام، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: {سَوََاءٌ عَلَيْنََا أَجَزِعْنََا أَمْ صَبَرْنََا مََا لَنََا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم:
21]» (2).
وأخرج التّرمذيّ، والنّسائيّ، والحاكم، وابن حبّان، وغيرهم، عن أنس، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم: 24]. قال: «هي النخلة» {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ}. قال: «هي الحنظل» (3).
__________
(1) رواه الترمذي، حديث رقم (2583) 4/ 706705. والنسائي في كتاب التفسير من سننه الكبرى، حديث رقم (11263) 6/ 372371. وأحمد في المسند 5/ 265. والطبري في تفسيره 5/ 7/ 430.
ونعيم بن حماد في زوائد الزهد لابن المبارك، حديث رقم (314) ص 89. والحاكم في المستدرك 2/ 369368351. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (7460) 8/ 106. وأبو نعيم في الحلية 8/ 182. والبغوي في شرح السنة، حديث رقم (4405) 15/ 244243.
قلت: في سنده:
عبيد الله بن بسر: قال في التقريب 1/ 531عنه: «مجهول. قال الترمذي: لعله أخو عبد الله بن بسر المازني الصحابي» اهـ. وانظر التهذيب 7/ 54، وسنن الترمذي 4/ 706، وتحفة الأشراف 4/ 174.
(2) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (172) 19/ 8584. وابن أبي حاتم، وابن مردويه، كما في الدر المنثور 4/ 74.
وأسد بن موسى في الزهد، حديث رقم (2) ص 15.
قلت: سنده ضعيف، فيه: أنس بن أبي القاسم: مجهول، كما قال أبو حاتم والذهبي. انظر مجمع الزوائد 7/ 4443. وانظر لسان الميزان 1/ 470469.
(3) رواه الترمذي، حديث رقم (3119) 5/ 295. والنسائي في كتاب التفسير من سننه الكبرى، حديث رقم (11262) 6/ 371. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (4165) 7/ 183182. والحاكم في المستدرك 2/ 352. والطبري في تفسيره، 7/ 438. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (475) 2/ 223222. وأبو الشيخ في الأمثال، حديث رقم (357) ص 242241.(1/513)
وأخرج أحمد، وابن مردويه بسند جيد، عن ابن عمر، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله:
{كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}: قال: «هي التي لا ينقص ورقها، هي النخلة» (1).
وأخرج الأئمة السّتة، عن البراء بن عازب، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله فلذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللََّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثََّابِتِ فِي الْحَيََاةِ الدُّنْيََا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27]» (2).
__________
قلت: اختلف في رفعه ووقفه. والصواب الوقف: فقد رواه شعيب بن الحبحاب. واختلف عنه:
أفرواه حماد بن سلمة، عن شعيب، عن أنس مرفوعا. كما سبق تخريجه.
ب ورواه حماد بن زيد، وأبو بكر بن شعيب، ومعمر، وإسماعيل بن علية، وغيرهم: عن شعيب، عن أنس قوله. وروايتهم أولى.
ورواية حماد ومعمر: عند الترمذي، والأمثال للرامهرمزي ص 72.
ورواية أبي بكر بن شعيب: عند الترمذي.
ورواية ابن علية: عند الطبري في تفسيره 7/ 438. وللوقف طريق أخرى يتأيد بها:
فقد رواه شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أنس موقوفا: عند الطبري في تفسيره 7/ 438437.
قال الترمذي في سننه 5/ 295: «حدثنا قتيبة، حدثنا أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب، عن أبيه، عن أنس بن مالك نحوه بمعناه، ولم يرفعه، ولم يذكر قول أبي العالية. وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة.
وروى غير واحد مثل هذا موقوفا، ولا نعلم أحدا رفعه غير حماد بن سلمة. ورواه معمر، وحماد بن زيد وغير واحد ولم يرفعوه.
حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، حدثنا حماد بن زيد، عن شعيب بن الحبحاب، عن أنس نحو حديث قتيبة ولم يرفعه» اهـ.
(1) روى أصله البخاري، حديث رقم (61) 1/ 145. وحديث رقم (62) 1/ 147. وحديث رقم (72) 1/ 165. وحديث رقم (131) 1/ 229. وحديث رقم (2209) 4/ 405. وحديث رقم (4698) 8/ 377.
وحديث رقم (5444) 9/ 569. وحديث رقم (5448) 9/ 572. وحديث رقم (6122) 10/ 523 524. وحديث رقم (6144) 10/ 536. ومسلم، حديث رقم (2811) 4/ 21662164. والترمذي، حديث رقم (2867) 5/ 151. والدارمي في سننه، حديث رقم (282) 1/ 98. وأحمد في المسند 2/ 413112مختصرا 15712311561. والحميدي في مسنده، حديث رقم (676 677) 2/ 298. والبزار في مسنده، حديث رقم (43) 1/ 31 (كشف الأستار). وعبد بن حميد في المنتخب من المسند، حديث رقم (792) ص 253، والطبري تفسيره 7/ 440439. وابن منده في الإيمان، حديث رقم (190189188187) 1/ 353351. وأبو الشيخ في الأمثال، حديث رقم (356355) ص 241240. والرامهرمزي في الأمثال، حديث رقم (3332) ص 7069.
وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (246245244243) 1/ 481478. والطبراني في المعجم الكبير حديث رقم (13508) 12/ 409. وحديث رقم (13513) 12/ 411410. وحديث رقم (1352113520) 12/ 413412. والبغوي في شرح السنة، حديث رقم (143) 1/ 307.
(2) رواه البخاري في صحيحه، حديث رقم (1369) 3/ 232230. وحديث رقم (4699) 8/ 378.(1/514)
وأخرج مسلم، عن ثوبان، قال: جاء حبر من اليهود إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أين يكون الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض؟.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هم في الظلمة دون الجسر» (1).
وأخرج مسلم، والترمذيّ، وابن ماجة، وغيرهم، عن عائشة، قالت: أنا أوّل الناس سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} [إبراهيم: 48]؟ قلت:
أين الناس يومئذ؟.
قال: «على الصراط» (2).
وأخرج الطّبرانيّ في الأوسط، والبزّار، وابن مردويه، والبيهقيّ في البعث، عن ابن مسعود، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قول الله: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} قال: «أرض بيضاء كأنها فضّة، لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل فيها خطيئة» (3).
__________
ومسلم في صحيحه، حديث رقم (2871) 4/ 2201. وأبو داود في سننه، حديث رقم (4750) 4/ 238. والترمذي في سننه، حديث رقم (3120) 5/ 296295. والنسائي في سننه المجتبى، 4/ 101 102. وفي سننه الكبرى، حديث رقم (11246) 6/ 372. وابن ماجة في سننه، حديث رقم (4269). وأحمد في المسند 4/ 292291283. وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (12048) 3/ 53، والطيالسي في مسنده، حديث رقم (745)، والطبري في التفسير 7/ 449447.
والآجري في الشريعة ص 371. والبيهقي في عذاب القبر، حديث رقم (65432) ص 20 22. وحديث رقم (11) ص 25. والبغوي في شرح السنة، حديث رقم (1520) 5/ 412. وفي تفسيره 3/ 3433.
(1) رواه مسلم، حديث رقم (315) 1/ 253252. والنسائي في سننه الكبرى، حديث رقم (9073 9074) 5/ 339337. والحاكم في المستدرك 3/ 482481. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (1414) 2/ 93. وفي مسند الشاميين، حديث رقم (2668) 4/ 109. وفي المعجم الأوسط، حديث رقم (470) 1/ 291290. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (7422) 16/ 441440.
وابن منده في التوحيد حديث رقم (86) 1/ 228227. وأبو نعيم في صفة الجنة (337). والبيهقي في البعث (315).
(2) رواه مسلم، حديث رقم (2791) 4/ 2150. والترمذي في سننه، حديث رقم (3121) 5/ 296.
والدارمي في سننه، حديث رقم (2809) 2/ 424423. وأحمد في المسند 6/ 13435. وابن ماجة في سننه (4279). والحاكم في المستدرك 2/ 352. والطبري في التفسير 7/ 482. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (331) 2/ 4140. وحديث رقم (7380) 16/ 387. والبغوي في تفسيره 3/ 41.
(3) رواه البزار في مسنده، حديث رقم (1859) 5/ 247246. والهيثم بن كليب في مسنده، حديث رقم (669) 2/ 132131. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (10323) 10/ 199. وفي الأوسط، حديث رقم (7163) 8/ 82. وابن عدي في الكامل 2/ 123.(1/515)
الحجر
أخرج الطّبرانيّ، وابن مردويه، وابن حبّان، عن أبي سعيد الخدريّ، أنّه سئل: هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في هذه الآية: {رُبَمََا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كََانُوا مُسْلِمِينَ (2)} [الحجر: 2]؟.
قال: نعم، سمعته يقول: «يخرج الله ناسا من المؤمنين من النّار بعد ما يأخذ نقمته منهم، لما أدخلهم النار مع المشركين قال لهم المشركون: تدّعون بأنكم أولياء الله في الدنيا، فما بالكم معنا في النار؟!.
فإذا سمع الله ذلك منهم أذن في الشفاعة لهم، فتشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون حتى يخرجوا بإذن الله تعالى، فإذا رأى المشركون ذلك قالوا: يا ليتنا كنّا مثلهم، فتدركنا الشفاعة فنخرج معهم فذلك قول الله: {رُبَمََا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كََانُوا مُسْلِمِينَ (2)}» (1).
__________
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - جرير بن أيوب البجلي: قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال يحيى: ليس بشيء. وقال أبو نعيم: يضع الحديث. انظر لسان الميزان 2/ 102101.
2 - خالف جرير الثقات، فرووه موقوفا وهو الصحيح. فقد رواه أبو إسحاق واختلف عنه:
أفرواه جرير، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله مرفوعا. كما سبق تخريجه.
ب ورواه شعبة، وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود موقوفا:
عند أبي الشيخ في العظمة، حديث رقم (598) 3/ 11001099. والحاكم في المستدرك 4/ 570.
والطبري في تفسيره 7/ 479. فروايتهم هي الأولى. وللوقف طرق أخرى يتأيد بها:
فرواه زر، عن عبد الله موقوفا: الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (9001) 9/ 232.
والطبري في تفسيره 7/ 480.
ورواه شعبة، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن رويم، عن ابن مسعود موقوفا: عند الحاكم 4/ 570.
قال في الفتح 11/ 375: «ورجاله رجال الصحيح وهو موقوف. وأخرجه البيهقي من وجه آخر مرفوعا.
وقال: الموقوف أصح.
وأخرجه الطبري والحاكم من طريق، عاصم، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود، بلفظ: «أرض بيضاء، كأنها سبيكة فضة» ورجاله موثقون أيضا» اهـ.
(1) رواه ابن حبان في صحيحه، حديث رقم (7432) 16/ 458457. وأبو نعيم في الحلية 7/ 253 254بجزئه الأخير. والطبراني في الأوسط، حديث رقم (8106) 9/ 5150.
قلت: سنده ضعيف، فيه: صالح بن أبي طريف: مجهول. انظر الثقات 4/ 376.
ويرتقي بما في الباب:
عن أبي موسى: رواه ابن أبي عاصم في السنة، حديث رقم (843) ص 392391. والحاكم في(1/516)
وله شاهد من حديث أبي موسى الأشعري (1)، وجابر بن عبد الله (2)، وعليّ (3).
وأخرج ابن مردويه، عن أنس، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: {لِكُلِّ بََابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر: 44]: قال: «جزء أشركوا، وجزء شكّوا في الله تعالى، وجزء غفلوا عن الله تعالى» (4).
وأخرج البخاريّ، والترمذيّ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمّ القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم» (5).
وأخرج الطّبرانيّ في الأوسط، عن ابن عباس، قال: سأل رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أرأيت قول الله: {كَمََا أَنْزَلْنََا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90)} [الحجر: 90]؟.
قال: «اليهود والنصارى».
قال: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)} [الحجر: 91]: ما عضين؟.
قال: «آمنوا ببعض وكفروا ببعض» (6).
__________
المستدرك 2/ 242، وابن جرير في تفسيره 7/ 489.
ورواه الطبراني وفيه خالد بن نافع الأشعري. قال أبو داود: متروك. قال الذهبي: هذا تجاوز في الحد.
فلا يستحق الترك، فقد حدّث عنه أحمد بن حنبل وغيره، وبقية رجاله ثقات. كما في مجمع الزوائد 4/ 45.
2 - جابر بن عبد الله: رواه الطبراني في الأوسط، حديث رقم (5142) 6/ 68. وابن مردويه كما في الدر المنثور 4/ 92. ورجاله رجال الصحيح غير بسام الصيرفي وهو ثقة، كما في المجمع 10/ 379.
ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق مصعب بن خارجة، عن أبيه، عن مسعر، عن عطية، عن أبي سعيد بآخره.
قلت: وسنده ضعيف جدا، فيه:
1 - مصعب: مجهول. انظر اللسان 6/ 43.
2 - خارجة: متروك، وكان يدلس عن الكذابين، ويقال: إنّ ابن معين كذّبه. انظر الكاشف 1/ 201، والمغني 1/ 200، والتقريب 1/ 211210.
(1) سبق تخريجه. انظر التعليق السابق.
(2) سبق تخريجه.
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه الخطيب في تاريخه 9/ 29. وابن مردويه، كما في الدر المنثور 4/ 100، وانظر اللسان 3/ 107.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه: سليمان بن مهران المدائني: منكر جدا. انظر اللسان 3/ 107.
(5) سبق تخريجه.
(6) رواه الطبراني في المعجم الأوسط، حديث رقم (6200) 7/ 115من طريق حبيب بن حسان، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس مرفوعا.(1/517)
وأخرج الترمذيّ، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن أنس، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمََّا كََانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر: 9392]؟.
قال: «عن قول: لا إله إلّا الله» (1).
__________
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - حبيب بن حسان: قال أحمد والنسائي: متروك. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا. انظر لسان الميزان 2/ 168167.
2 - وقع خلاف في رفعه ووقفه: فقد رواه أبو ظبيان، واختلف عنه:
أفرواه حبيب بن حسان، عنه، عن ابن عباس مرفوعا. وقد سبق تخريجه.
ب ورواه الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس موقوفا: عند البخاري، حديث رقم (4706) 8/ 382. والطبري في تفسيره 7/ 546543. وأشار إليه الطبراني في الأوسط 7/ 115. والوقف أصح.
وانظر الأوسط 7/ 115.
وللموقوف طرق أخرى: رواه البخاري، حديث رقم (3945) 7/ 275. وحديث رقم (4705) 8/ 382.
والطبري في تفسيره 7/ 547544543.
(1) رواه الترمذي، حديث رقم (3126) 5/ 298. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (4058) 7/ 111 112، والبخاري في التاريخ الكبير 4/ 2/ 134133. وتمام في فوائده، حديث رقم (1348) 4/ 149 بزيادة في آخره. والطبري في تفسيره 7/ 548. والطبراني في الدعاء، حديث رقم (14921491 1493) 3/ 14941493. وأبو نعيم في الحلية 3/ 95.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - ليث بن أبي سليم: صدوق، اختلط جدا، فلم يتميّز حديثه، فترك. انظر التقريب 2/ 138، والمغني 2/ 536، والتهذيب 8/ 468465، والكاشف 3/ 13.
2 - اختلف في رفعه ووقفه. رواه ليث واختلف عنه:
أرواه معتمر بن سليمان، عن ليث، عن بشر، عن أنس مرفوعا، وسبق تخريجه.
وتابع معتمر: برد عند تمام، وشريك عن الطبراني في الدعاء والطبري، وجرير عند أبي يعلى، وإسماعيل بن زكريا عند الطبراني، وعمار بن محمد عند الطبراني وأبي نعيم ولكنه عن داود، عن أنس به.
ب ورواه عبد الله بن إدريس، فرواه عن ليث، عن بشر، عن أنس نحوه ولم يرفعه. كما قال الترمذي في سننه.
وتابعه: حفص بن غياث عند البخاري والطبراني، وابن حجر في التغليق 2/ 29وأغلب الظن أن هذا الاختلاف هو من ليث نفسه كما سيأتي.
ج ورواه الثوري، عن ليث، عن مجاهد قوله: عند عبد الرزاق في تفسيره 3/ 351، والطبري 7/ 548، والطبراني في الدعاء (1496) 3/ 1495، وابن حجر في التغليق 2/ 28.
وو رواه عمار بن محمد، عن ليث، عن داود، عن أنس: رواه وأبو نعيم في الحلية، وابن حجر في التغليق 2/ 29ثم قال 2/ 30: «داود هذا: قيل: إنه ابن أبي هند. فإن يكن هو فما أظنه سمع من أنس» اهـ.
هـ وفيه من الاضطراب غير ذلك. كما قال الحافظ في التغليق 2/ 30وقال: «والصواب فيه عن ليث،(1/518)
النحل
أخرج ابن مردويه، عن البراء، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سئل عن قول الله: {زِدْنََاهُمْ عَذََاباً فَوْقَ الْعَذََابِ} [النحل: 88]؟.
قال: «عقارب أمثال النخل الطوال، ينهشونهم في جهنم» (1).
الإسراء
أخرج البيهقيّ في «الدلائل» عن سعيد المقبريّ، أنّ عبد الله بن سلام سأل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن السّواد الذي في القمر، فقال: «كانا شمسين، فقال الله: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهََارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنََا آيَةَ اللَّيْلِ} [الإسراء: 12] فالسواد الذي رأيت هو المحو» (2).
وأخرج الحاكم في التاريخ، والديلميّ، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {«وَلَقَدْ كَرَّمْنََا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] قال: «الكرامة الأكل بالأصابع» (3).
وأخرج ابن مردويه، عن عليّ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قول الله: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنََاسٍ بِإِمََامِهِمْ} [الإسراء: 71].
__________
ما قاله الثوري، لأنّ ليثا وهو ابن أبي سليم اختلط في آخر عمره، ونسب إلى الضعف، فأما ما سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح» اهـ.
3 - بشر غير منسوب. فيل: هو ابن دينار: مجهول. انظر تهذيب الكمال 1/ 152، والتقريب 1/ 102، وقد اختلفوا في تسميته، ومنهم من قال: بشير.
قلت: فالحديث سنده ضعيف، لضعف ليث، ولاختلافه واضطرابه في هذا الحديث، والصواب فيه الوقف. والله تعالى أعلم بالصواب.
(1) رواه ابن مردويه، والخطيب، كما في الدر المنثور 4/ 127.
وفي الباب عن ابن مسعود موقوفا: رواه أسد بن موسى في الزهد (26) ص 28. وابن أبي شيبة، حديث رقم (34138) 7/ 51. وهناد في الزهد (260) 1/ 178. وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 2/ 362. وأبو يعلى في مسنده، (2659) 5/ 6665. والطبري في تفسيره 7/ 632. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (910591049103) 9/ 259258. والحاكم 2/ 356355و 4/ 594593.
والبيهقي في البعث (560) وسنده صحيح.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6/ 262260.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - أبو معشر المدني: ضعيف، أسنّ واختلط. انظر التقريب 2/ 298، والتهذيب 10/ 422419، والكاشف 2/ 175.
2 - وهو مرسل بل معضل، وأصل الحديث بدون هذه الزيادة عند البخاري وغيره.
(3) رواه الحاكم في التاريخ، والديلمي، كما في الدر المنثور 4/ 193.(1/519)
قال) «يدعى كلّ بإمام لهم وكتاب ربّهم» (1).
وأخرج ابن مردويه، عن عمر بن الخطاب، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: {«أَقِمِ الصَّلََاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإيراء: 78]. قال: «لزوال الشمس» (2).
وأخرج البزّار، وابن مردويه، بسند ضعيف، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دلوك الشمس: زوالها» (3).
وأخرج الترمذي وصحّحه، والنسائيّ، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله:
{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كََانَ مَشْهُوداً} [الإسراء: 78]. قال: «تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار» (4).
وأخرج أحمد، وغيره، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {عَسى ََ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقََاماً مَحْمُوداً} [الإسراء: 79]. قال: «هو المقام الذي أشفع فيه لأمّتي».
وفي لفظ: «هي الشفاعة» (5).
__________
(1) وانظر الدر المنثور 4/ 193وعزاه لابن مردويه.
وفي الباب عن أبي هريرة: رواه الترمذي (3136) 5/ 303302، وابن حبان (7349) 16/ 346، والحاكم 2/ 243242.
وسنده ضعيف. فيه عبد الرحمن بن أبي كريمة: مجهول. وانظر الدر المنثور 5/ 317.
(2) انظر الدر المنثور 4/ 195وعزاه لابن مردويه.
(3) رواه الديلمي في الفردوس، حديث رقم (2893) 2/ 341. والبزار في مسنده، حديث رقم (2227) 3/ 56. وأبو الشيخ، وابن مردويه، كما في الدر المنثور 4/ 195.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - عمر بن قيس: متروك، انظر الضعفاء للعقيلي 3/ 188186، والكاشف 2/ 277، والمغني 2/ 472، والتهذيب 7/ 493490، والتقريب 2/ 62.
2 - اختلف في وقعه ورفعه، والصواب وقفه.
قال البزار: «إنما يروى موقوفا على ابن عمر، ولم يرفعه إلّا عمر بن قيس. وهو: لين الحديث» اهـ.
(4) رواه الترمذي، حديث رقم (3135) 5/ 302. والنسائي في كتاب التفسير من سننه الكبرى، حديث رقم (11293) 6/ 381. وابن ماجة، حديث رقم (670). وأحمد في المسند 2/ 474. والحاكم 1/ 211. وابن جرير في تفسيره 8/ 128127. والديلمي في الفردوس، حديث رقم (7378) 5/ 123.
وسنده صحيح.
(5) رواه الترمذي في سننه، حديث رقم (3137) 5/ 303. وأحمد في المسند 2/ 528478444. وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (31745) 6/ 319. وابن أبي عاصم في السنة، حديث رقم (784) ص 350. والدولابي في الكنى 2/ 164. والسهمي في تاريخ جرجان ص 196195. وأبو نعيم في الحلية 8/ 372. وابن المبارك في الزهد، حديث رقم (1312) ص 463. والطحاوي في مشكل الآثار،(1/520)
وله طرق كثيرة مطوّلة ومختصرة في الصحاح وغيرها.
وأخرج الشيخان وغيرهما، عن أنس، قال: قيل: يا رسول الله، كيف يحشر الناس على وجوههم؟.
قال: «الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم» (1).
الكهف
أخرج أحمد، والترمذيّ، عن أبي سعيد الخدريّ، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لسرادق النار أربعة أجدر، كثافة كلّ جدار مثل مسافة أربعين سنة» (2).
وأخرجا عنه أيضا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {بِمََاءٍ كَالْمُهْلِ} [الكهف: 29]:
قال: «كعكر الزيت، فإذا قرّبه إليه سقطت فروة وجهه فيه» (3).
__________
حديث رقم (1020) 3/ 5150. وتمام في فوائده، حديث رقم (1350) 4/ 152. والخطيب في الموضح، 2/ 7877. والطبري في تفسيره 8/ 133. والبيهقي في الشعب 1/ 282281.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - داود بن يزيد الزعافري: ضعيف، انظر المغني 1/ 221، والكاشف 1/ 225، وتهذيب التهذيب 3/ 206205، والتقريب 1/ 235.
2 - يزيد بن عبد الرحمن الزعافري: مقبول. انظر التهذيب 11/ 345، والتقريب 2/ 368.
ورواه من طريق إدريس الأودي، عن أبيه، عن أبي هريرة: رواه الإسماعيلي في معجمه 2/ 664.
والبيهقي في الشعب 1/ 282. وفي الدلائل 5/ 484. وهو غلط. كما قال الدارقطني في علله 8/ 320 321، وانظر الشعب 1/ 282.
وفي الباب عن ابن عمر عند البخاري وغيره. وانظر الدر المنثور 4/ 197.
(1) رواه البخاري، حديث رقم (4760) 8/ 492. وحديث رقم (6523) 11/ 377. ومسلم في صحيحه، حديث رقم (2806) 4/ 2161. والنسائي في كتاب التفسير من سننه الكبرى، حديث رقم (11367) 6/ 420. وأحمد في المسند 3/ 229. وأبو نعيم في الحلية 2/ 343. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (3046) 5/ 386385. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (7323) 16/ 315. والحاكم 2/ 402.
(2) رواه الترمذي عقيب حديث رقم (2584) 4/ 706. وأحمد في المسند 3/ 29. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (1389) 2/ 526. والطبري في تفسيره 8/ 218. والحاكم في المستدرك 4/ 601600.
والمقدسي في ذكر النار، حديث رقم (68) ص 79، وحديث رقم (100) ص 103.
قلت: سنده ضعيف، فيه: دراج: في حديثه عن أبي الهيثم ضعف. وهنا يروي عنه. انظر التهذيب 3/ 209208، والتقريب 1/ 235.
(3) رواه الترمذي، حديث رقم (2581) 4/ 704. وحديث رقم (2584) 4/ 706. وحديث رقم (3322) 5/ 426. وأحمد في المسند 3/ 7170. وعبد بن حميد في المنتخب، حديث رقم (930) ص 290.
وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (1375) 2/ 520. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (7473) 16/ 514. والطبري في تفسيره 8/ 218. والحاكم في المستدرك 4/ 602. ونعيم بن حماد في الزهد(1/521)
وأخرج أحمد عنه أيضا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: {«وَالْبََاقِيََاتُ الصََّالِحََاتُ}
[الكهف: 46]: التكبير، والتّهليل، والتسبيح، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلّا بالله» (1).
وأخرج أحمد، من حديث النعمان بن بشير، مرفوعا: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر، هنّ الباقيات الصالحات» (2).
وأخرج الطبرانيّ مثله من حديث سعد بن جنادة (3).
وأخرج ابن جرير، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر، هن الباقيات الصالحات» (4).
__________
(316) ص 90، وأسد بن موسى في الزهد، حديث رقم (27) ص 29. والطبراني في الأوسط، حديث رقم (3161) 4/ 108107، والبيهقي في البعث (550). والمقدسي في ذكر النار، حديث رقم (100) ص 103102.
قلت: وسنده ضعيف، فيه: دراج عن أبي الهيثم: ضعيف. انظر التهذيب 3/ 209208، والتقريب 1/ 235.
(1) رواه أحمد في المسند 3/ 75. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (1384) 2/ 524. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (840) 1/ 121. والطبراني في الدعاء، حديث رقم (16971696) 3/ 1567 1568. والطبري في تفسيره 8/ 232231. والحاكم في المستدرك 1/ 512.
وسنده ضعيف كسابقيه، لأجل دراج في روايته عن أبي الهيثم. وله شواهد. انظرها في الدر المنثور 4/ 225224. وانظر ما سيأتي.
(2) رواه أحمد في المسند 4/ 268267. والطبراني في الدعاء، حديث رقم (1699) 3/ 1569.
وسعيد بن منصور، وابن مردويه، كما في الدر المنثور 4/ 225224. وفيه رجل مبهم.
(3) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (54835482) 6/ 5251.
وسنده ضعيف، فيه: الحسين بن الحسن بن عطية العوفي: ضعيف. انظر لسان الميزان 2/ 278، ومجمع الزوائد 7/ 166، وتاريخ بغداد 8/ 3229. ويونس بن نفيع: لم اهتد إليه.
(4) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (848) ص 488وفيه قصة. والحاكم في المستدرك 1/ 541. وابن جرير في تفسيره 8/ 231. والطبراني في المعجم الصغير 1/ 145. وفي الدعاء، حديث رقم (1682) 3/ 1561. والعلائي في جزء تفسير الباقيات الصالحات ص 3635. والبيهقي في الدعوات 8685 (111). وابن مردويه، كما في الدر المنثور 4/ 225. وابن أبي حاتم في العلل 2/ 100.
ورواه من طريق حكيم بن قيس، عن أبيه، عن أبي هريرة: الطبراني في الدعاء، حديث رقم (1684) 3/ 1562وفيه مجاهيل. وأعله البخاري والدارقطني وابن أبي حاتم بالإرسال.
قال البخاري في التاريخ الكبير 3/ 2/ 122: «رواه من طريق عبد الجليل بن حميد المصري، عن خالد بن أبي عمران، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فذكره وقال: قاله محمد بن أبي بكر، عن عمر بن علي، وعن ابن عجلان، عن عبد الجليل.
وقال عبد العزيز بن سلمة، عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن(1/522)
وأخرج أحمد، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ينصب الكافر مقدار خمسين ألف سنة، كما لم يعمل في الدنيا، وإنّ الكافر ليرى جهنم، ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة» (1).
وأخرج البزّار بسند ضعيف، عن أبي ذرّ رفعه قال: «إنّ الكنز الذي ذكر الله في كتابه لوح من ذهب مصمّت، عجبت لمن أيقن بالقدر لم نصب؟ وعجبت لمن ذكر النار كيف ضحك؟ وعجبت لمن ذكر الموت ثم غفل عن لا إله إلّا الله محمد رسول الله!» (2).
وأخرج الشيخان، عن أبي هريرة، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سألتم الله فاسألوه
__________
النبي صلّى الله عليه وسلّم. والأول أصح» اهـ.
وقال ابن أبي حاتم في العلل 1/ 100عن الحديث الموصول: «قال أبي: كنا نرى أنّ هذا غريب كان حدثنا به أبو عمر الحوضي حتى حدثنا أحمد بن يونس، عن فضيل يعني: ابن عياض، عن ابن عجلان، عن رجل من أهل الإسكندرية، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
فعلمت أنه قد أفسد على عبد العزيز بن مسلم، وبيّن عورته، وحديث فضيل أشبه» اهـ.
وقال الدارقطني في علله 8/ 156155: «يرويه محمد بن عجلان، واختلف عنه:
1 - فرواه عبد العزيز بن مسلم القسملي، عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة.
2 - وخالفه أبو خالد الأحمر، فرواه عن ابن عجلان، عن عبد الجليل بن حميد، عن خالد بن أبي عمران، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال مرسلا.
3 - ورواه ابن عيينة، عن ابن عجلان مرسلا لم يجاوز به ابن عجلان. وقول أبي خالد الأحمر أصحها» اهـ.
(1) رواه أحمد في المسند 3/ 75. والحاكم في المستدرك 4/ 597. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (1385) 2/ 524. وابن أبي الدنيا في الأهوال، حديث رقم (139) ص 170169. وابن جرير في تفسيره 8/ 241. والحافظ المقدسي في ذكر النار، حديث رقم (46) ص 6564.
قلت: سنده ضعيف، فيه: دراج، عن أبي الهيثم، وقد سبق أن روايته عنه ضعيفة. وفيه اختلاف في سنده. فقد رواه الطبري من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد به. وقد سبق تخريجه.
ورواه ابن حبان في صحيحه، حديث رقم (7352) 16/ 349من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث. أن أبا السمح حدّثه، عن ابن حجيرة، عن أبي هريرة به. ولعل هذا الاختلاف من دراج نفسه، فإن روايته عن أبي الهيثم فيها ضعف واضطراب. والله أعلم الصواب. وانظر مجمع الزوائد 10/ 336.
(2) رواه البزار في مسنده، حديث رقم (2229) 3/ 5756 (كشف الأستار).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 53: «رواه البزار من طريق بشر بن المنذر، عن الحارث بن عبد الله اليحصبي، ولم أعرفهما. وبقية رجاله ثقات» اهـ.(1/523)
الفردوس، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنّة، ومنه تفجّر أنهار الجنّة» (1).
مريم
أخرج الطبرانيّ بسند ضعيف، عن ابن عمر، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ السّريّ الذي قال الله لمريم: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم: 24]: نهر أخرجه الله لتشرب منه» (2).
وأخرج مسلم، وغيره، عن المغيرة بن شعبة، قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى نجران، فقالوا: أرأيت ما تقرءون: {يََا أُخْتَ هََارُونَ} [مريم: 28]: وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمّون بالأنبياء والصالحين قبلهم» (3).
وأخرج أحمد، والشيخان، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، يجاء بالموت كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا؟.
قال: فيشرفون فينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت، فيؤمر به فيذبح، ويقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت».
ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {«وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} [مريم: 39].
وأشار بيده، وقال: «أهل الدنيا في غفلة» (4).
__________
(1) رواه البخاري حديث رقم (2790) 6/ 11. وحديث رقم (7423) 13/ 404. والترمذي، حديث رقم (2529) 4/ 674. وأحمد في المسند 2/ 339335. والحاكم في المستدرك 1/ 80. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (4611) 10/ 472471. وحديث رقم (7390) 16/ 402. والبغوي في شرح السنة، حديث رقم (2610) 10/ 346.
(2) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (13303) 12/ 346. وابن مردويه، وابن النجار، كما في الدر المنثور 4/ 268.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - يحيى بن عبد الله البابلتي: ضعيف. انظر التقريب 2/ 351، ومجمع الزوائد 7/ 55.
2 - أيوب بن نهيك: ضعّفه أبو حاتم وغيره. انظر لسان الميزان 1/ 490.
(3) رواه مسلم في صحيحه، حديث رقم (2135) 3/ 1685. والترمذي، حديث رقم (3155) 5/ 315.
والنسائي في كتاب التفسير من سننه الكبرى، حديث رقم (11315) 6/ 393. وأحمد في المسند 4/ 252. وابن جرير في تفسيره 8/ 336.
(4) رواه البخاري، حديث رقم (4730) 8/ 428. ومسلم في صحيحه، حديث رقم (2849) 4/ 2188(1/524)
وأخرج ابن جرير، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «غيّ وأثام بئران في أسفل جهنم، يسيل فيهما صديد أهل النار» (1).
قال ابن كثير (2): حديث منكر.
وأخرج أحمد عن أبي سميّة، قال: اختلفنا في الورود، فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضهم: يدخلونها جميعا، ثم ينجّي الله الذي اتّقوا، فلقيت جابر بن عبد الله فسألته، فقال: سمعت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يبقى برّ ولا فاجر إلّا دخلها، فتكون على المؤمن بردا وسلاما، كما كانت على إبراهيم، حتى إنّ للنار ضجيجا من بردهم، ثم ينجّي الله الذي اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا» (3).
وأخرج مسلم، والترمذيّ، عن أبي هريرة، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أحبّ الله عبدا نادى جبريل: إني قد أحببت فلانا فأحبّه، فينادي في السماء، ثم تنزل له المحبّة في الأرض، فلذلك قوله: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمََنُ وُدًّا} [مريم: 96]» (4).
__________
2189. والترمذي، حديث رقم (3156) 5/ 316315. والنسائي في سننه الكبرى، حديث رقم (11316) 6/ 393. وأحمد في المسند 3/ 9. وهناد في الزهد، حديث رقم (213) 1/ 158. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (1175) 2/ 399398. والآجري في الشريعة ص 401. وابن جرير في تفسيره 8/ 345. ونعيم بن حماد في زوائد الزهد، حديث رقم (281) ص 79. وأبو نعيم في صفة الجنة (106). والبيهقي في البعث (584). والبغوي في شرح السنة (4366) 15/ 198.
(1) رواه ابن جرير في تفسيره 9/ 417. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (7731) 8/ 207206.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - لقمان بن عامر الوصابي: ضعيف. انظر التهذيب 8/ 456455. والتقريب 2/ 138، والكاشف 2/ 151.
2 - شرقي بن قطامي: قال أبو حاتم: ليس بالقوي. انظر اللسان 3/ 143142.
3 - محمد بن زياد بن زبار الكلبي: ضعيف. انظر الجرح 3/ 2/ 258.
4 - محمد بن زياد: لم يسمع من شرقي. قال: رأيت شرقي بن قطامي، ولم أسمع منه. كما في الجرح 3/ 2/ 258.
5 - قال الحافظ ابن كثير في تفسيره 35/ 128: «هذا حديث غريب، ورفعه منكر» اهـ.
(2) في تفسيره 3/ 128.
(3) رواه أحمد في المسند 3/ 329328. والحاكم في المستدرك 4/ 578. والمقدسي في ذكر النار، حديث رقم (99) ص 102.
قلت: سنده ضعيف، فيه: أبو سمية: مقبول. انظر التقريب 2/ 431، والتهذيب 12/ 120.
(4) رواه البخاري، حديث رقم (3209) 6/ 303. وحديث رقم (6040) 10/ 461. وحديث رقم (7485) 13/ 461. ومسلم في صحيحه، حديث رقم (2637) 4/ 20312030. والترمذي في سننه، حديث رقم (3161) 5/ 318317. وأحمد في المسند 2/ 514413341267. ومالك في الموطأ،(1/525)
طه
أخرج ابن أبي حاتم، والترمذي، عن جندب بن عبد الله البجليّ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا وجدتم الساحر فاقتلوه»، ثم قرأ: {وَلََا يُفْلِحُ السََّاحِرُ حَيْثُ أَتى ََ} [طه: 69].
قال: «لا يؤمّن حيث وجد» (1).
وأخرج البزار بسند جيّد، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً}
[طه: 124]: قال: «عذاب القبر» (2).
__________
حديث رقم (15) 2/ 953. والطيالسي في مسنده، حديث رقم (2436) ص 319. وعبد الرزاق في المصنف، حديث رقم (19673) 10/ 451450. وأبو عوانة في مسنده 2/ 509. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (6685) 12/ 4039. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (365364) 2/ 8785. وأبو نعيم في الحلية 3/ 258و 7/ 141و 10/ 306. والبغوي في شرح السنة، حديث رقم (3470) 13/ 55.
(1) رواه الترمذي، حديث رقم (1460) 4/ 60مختصرا.
وفي العلل الكبير، حديث رقم (430) ص 237. ثم قال: «سألت محمدا عن هذا الحديث؟ فقال: هذا لا شيء، وإنما رواه إسماعيل بن مسلم. وضعّف إسماعيل بن مسلم المكي جدا» اهـ. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (16661665) 2/ 161. والدارقطني في سننه 3/ 114. والحاكم 4/ 360. والبيهقي في سننه 8/ 136.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - إسماعيل بن مسلم المكي. ساقط الحديث، متروك، كما قال النسائي. انظر التقريب 1/ 74، والتهذيب 1/ 333331، والكامل 1/ 285282، والضعفاء للعقيلي 1/ 9391، والكاشف 1/ 78.
وتابعه: خالد العبد عند الطبراني (1666) 2/ 161: وخالد: متروك. انظر اللسان / 38379و 2/ 393.
2 - أعلّه الترمذي بالوقف، فقال: «والصحيح عن جندب موقوف». ورواية الوقف عند الدارقطني 3/ 114، والبيهقي 8/ 136.
(2) رواه البزار في مسنده، حديث رقم (2233) 3/ 5958بأتم فيه، والبيهقي في إثبات عذاب القبر، حديث رقم (80) ص 76بأتم منه.
والطبري في تفسيره 8/ 483472من طريقين عن أبي حجيرة، عن أبي هريرة مطولا.
الأولى: فيها هشام بن سعد: ضعيف. انظر الجرح والتعديل 4/ 2/ 6261.
والثانية: فيها دراج. وهنا لم يرو عن أبي الهيثم. لكن قال ابن كثير: رفعه منكر جدا.
ورواه ابن حبان في صحيحه، حديث رقم (3119) 7/ 389388. والطبري في تفسيره 8/ 472 (موقوفا). والحاكم في المستدرك 1/ 381380. والبيهقي في إثبات عذاب القبر، حديث رقم (69 70) ص 71.
وسنده حسن، محمد بن عمرو: صدوق، له أوهام، إلّا أنه اختلف في رفعه ووقفه: فرواه حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعا.(1/526)
الأنبياء
أخرج أحمد، عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله، أنبئني عن كلّ شيء.
قال: «كلّ شيء خلق من الماء» (1).
الحج
أخرج ابن أبي حاتم، عن يعلى بن أميّة، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «احتكار الطعام بمكة إلحاد» (2).
وأخرج الترمذيّ وحسّنه، عن ابن الزبير، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما سمي البيت العتيق لأنه لم يظهر عليه جبّار» (3).
__________
ورواه يزيد لعله ابن هارون عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، موقوفا. إلّا أن مثل هذا لا يقال بالرأي: فحكمه الرفع. وفي القلب من هذا الحديث شيء.
فقد ورد من حديث أبي سلمة، عن أبي سعيد مرفوعا وموقوفا والله تعالى أعلم.
(1) رواه أحمد في المسند 2/ 493324323295ضمن حديث طويل. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (508) 2/ 261بالجزء الثاني. وحديث رقم (2559) 6/ 299بطوله. والحاكم في المستدرك 4/ 160129ورجاله ثقات.
(2) رواه أبو داود، حديث رقم (2020) 2/ 213212. والبخاري في التاريخ الكبير 4/ 1/ 256255.
وأشار إلى اختلاف في سنده. وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، كما في الدر المنثور 4/ 351. وسنده ضعيف، فيه:
أجعفر بن يحيى بن ثوبان: قال ابن المديني: مجهول. انظر التهذيب 3/ 109، والتقريب 1/ 133.
2 - عمارة بن ثوبان: مستور. انظر التقريب 2/ 49.
3 - موسى بن باذان: مجهول. انظر التهذيب 10/ 328327، والتقريب 2/ 281، والتاريخ الكبير 4/ 1/ 256255.
وانظر فيض القدير 1/ 182ونقل عن الذهبي: هذا حديث واهي الإسناد.
4 - وأشار البخاري إلى خلاف فيه، فقال: قال لنا الحميدي: حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن عبيد الله بن عياض بن عمرو القارئ، عن يعلى بن منية، أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: احتكار الطعام بمكة إلحاد.
فعبيد الله خالف موسى بن باذان. وموسى: مجهول. وعبيد الله: ثقة، كما في التقريب 1/ 537فروايته أولى بالصواب. والله تعالى أعلم بالصواب.
(3) رواه الترمذي، حديث رقم (3170) 5/ 324. والبزار في مسنده، حديث رقم (2215) 6/ 173172.
وابن جرير في تفسيره، 9/ 142. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (262) 13/ 109108 (الجزء المطبوع حديثا). وابن أبي حاتم في العلل 1/ 275274. والبخاري في التاريخ الكبير 1/ 1/ 201. والحاكم في المستدرك 2/ 389. والبيهقي في الدلائل 1/ 125.
قلت: عبد الله بن صالح: صدوق، كثير الخطأ، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة. انظر تهذيب الكمال(1/527)
وأخرج أحمد، عن خريم بن فاتك الأسدي، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله، ثم تلا: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثََانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}
[الحج: 30]» (1).
المؤمنون
أخرج ابن أبي حاتم، عن مرّة البهزيّ، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لرجل:
«إنك تموت بالرّبوة» فمات بالرملة (2).
__________
15/ 10998، وتهذيب التهذيب 5/ 261256. والتقريب 1/ 423.
وقد تبيّن أنه أخطأ وخالف من هو أوثق منه:
2 - فقد رواه الزهري، واختلف عنه:
أفرواه عبد الرحمن بن خالد، عن الزهري، عن محمد بن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير مرفوعا. وقد سبق تخريجه.
ب ورواه صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعا: رواه ابن أبي حاتم في العلل 1/ 274ثم قال: «قال أبي: هذا خطأ» اهـ.
ج ورواه عقيل وابن جريج، عن الزهري، مرسلا: رواه الترمذي، عقيب حديث رقم (3170) 5/ 325. والطبري في تفسيره 9/ 142.
د ورواه معمر، عن الزهري، عن محمد بن عروة، عن عبد الله بن الزبير موقوفا. رواه عبد الرزاق في تفسيره 30/ 37. وابن أبي حاتم في العلل 1/ 274ثم قال 1/ 275: «قال أبي: حديث معمر عندي أشبه: لأنه لا يحتمل أن يكون عن النبي صلّى الله عليه وسلّم مرفوع» اهـ.
(1) رواه أحمد في المسند 4/ 322321. وأبو داود في سننه، حديث رقم (3599) 3/ 306305.
والترمذي، حديث رقم (2300) 4/ 547. وابن ماجة في سننه، حديث رقم (2372). والطبري في تفسيره 9/ 145144. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (4162) 4/ 209.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - حبيب بن النعمان الأسدي: مجهول، كما في التقريب 1/ 151، والكاشف 1/ 146، وتهذيب التهذيب 2/ 192.
2 - زياد العصفري، والد سفيان: مجهول. انظر التهذيب 3/ 390، والتقريب 1/ 271.
(2) رواه ابن جرير في تفسيره 9/ 218.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - أبو وعلة: مجهول. انظر الجرح والتعديل 4/ 2/ 452، والتاريخ الكبير ص 78 (الكنى).
2 - كريب بن أبرهة: ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والبخاري في التاريخ الكبير ولم يذكراه بجرح أو تعديل، ووثقه العجلي وابن حبان. انظر تعجيل المنفعة ص 353351، والجرح والتعديل 3/ 2/ 168، والتاريخ الكبير 4/ 1/ 231.
قال ابن كثير في تفسيره 3/ 246: «وهذا حديث غريب جدا» اهـ.(1/528)
قال ابن كثير (1): غريب جدّا.
وأخرج أحمد، عن عائشة، أنها قالت: يا رسول الله: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مََا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60]: هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله؟.
قال: «لا يا بنت الصدّيق، ولكنه الذي يصوم ويصلّي ويتصدّق ويخاف الله» (2).
وأخرج أحمد، والترمذيّ، عن أبي سعيد، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: {وَهُمْ فِيهََا كََالِحُونَ} [المؤمنون: 104]: قال: «تشويه النار، فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرّته» (3).
النور
أخرج ابن أبي حاتم، عن أبي سورة ابن أخي أبي أيوب، عن أبي أيوب، قال:
قلت: يا رسول الله، هذا السّلام، فما الاستئناس؟.
__________
(1) تفسير ابن كثير 3/ 246.
(2) رواه أحمد في المسند 6/ 205159.
والطبري في تفسيره 9/ 225. والترمذي حديث رقم (3175) 5/ 328327. وابن ماجة (4198)، والحميدي في مسنده، حديث رقم (275) 1/ 133132. والحاكم في المستدرك 2/ 394393.
والبغوي في تفسيره 3/ 312311.
قلت: سنده ضعيف، فيه: عبد الرحمن بن سعيد بن وهب: لم يدرك عائشة. انظر المراسيل ص 127.
وقد رواه عبد الرحمن بن سعيد بن وهب: واختلف عنه:
أفرواه مالك بن مغول، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب، عن عائشة. وقد سبق تخريجه.
ب ورواه عمر بن قيس، عن عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن عائشة.
قال الدارقطني في علله 11/ 193: «وغيره يرويه عن عبد الرحمن مرسلا عن عائشة، وهو المحفوظ» اهـ.
ورواه من طريق ليث، عن مغيث، عن رجل، عن عائشة: رواه الطبري في تفسيره 9/ 226225.
وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (4917) 315ولم يذكر فيه: مغيثا.
وسنده ضعيف، فيه ليث، والرجل المبهم.
ورواه ابن جرير من طريق ليث وهشيم، عن العوام، عن عائشة: انظر تفسير الطبري 9/ 226225.
والعوام لم يلق عائشة. انظر جامع التحصيل ص 249.
(3) رواه الترمذي في سننه، حديث رقم (2587) 4/ 708. وحديث رقم (3176) 5/ 328. وأحمد في المسند 3/ 88. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (1367) 2/ 516. والحاكم في المستدرك 2/ 395.
ونعيم بن حماد في زوائد الزهد، حديث رقم (292) ص 84.
وسنده ضعيف، فيه: دراج في روايته، عن أبي الهيثم: ضعف. وهنا يروي عنه. والله أعلم. انظر التقريب 1/ 235، والتهذيب 3/ 209208.(1/529)
قال: «يتكلّم الرجل بتسبيحة، وتكبيرة، وتحميدة، ويتنحنح، فيؤذن أهل البيت» (1).
الفرقان
أخرج ابن أبي حاتم، عن يحيى بن أبي أسيد يرفع الحديث إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سئل عن قوله تعالى: {وَإِذََا أُلْقُوا مِنْهََا مَكََاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ} [الفرقان: 13]؟.
قال: «والّذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار، كما يستكره الوتد في الحائط» (2).
القصص
أخرج البزّار، عن أبي ذرّ، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم سئل: أيّ الأجلين قضى موسى؟.
قال: «أوفاهما وأبرّهما».
قال: «وإن سئلت: أيّ المرأتين تزوّج؟ فقل: الصغرى منهما».
إسناده ضعيف ولكن له شواهد موصولة ومرسلة (3).
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (25674) 5/ 242. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (4065) 4/ 178. والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص 272. وابن أبي حاتم، وابن مردويه، كما في الدر المنثور 5/ 38.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - أبو سورة: قال البخاري: منكر الحديث يروي عن أبي أيوب مناكير، لا يتابع عليه.
وقال الترمذي: يضعّف في الحديث، ضعّفه يحيى بن معين جدا. انظر التهذيب 12/ 124، والتقريب 2/ 432.
2 - قال البخاري: لا يعرف لأبي سورة سماع من أبي أيوب. انظر التهذيب 12/ 124.
3 - واصل بن السائب: قال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. انظر التهذيب 11/ 104103، والكامل 7/ 8685، والتقريب 2/ 328.
(2) عزاه في الدر المنثور 5/ 64لابن أبي حاتم. وسنده ضعيف، فيه:
1 - يحيى بن أسيد: مجهول. انظر الجرح 4/ 2/ 129.
2 - وهو مرسل معضل. يحيى بينه وبين الرسول صلّى الله عليه وسلّم مفاوز والله أعلم، وانظر تفسير ابن كثير 3/ 311.
(3) رواه البزار في مسنده، حديث رقم (2244) 3/ 63 (كشف الأستار). والطبراني في الأوسط، والصغير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، كما في الدر المنثور 5/ 127.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1 - إسحاق بن إدريس: قال أبو زرعة: واه. وقال البخاري: تركه الناس. وقال الدارقطني: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. انظر اللسان 1/ 352.
2 - عوبد بن أبي عمران الجوني: قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال ابن(1/530)
العنكبوت
أخرج أحمد، والترمذي وحسّنه، وغيرهما، عن أم هانئ، قالت: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قوله: {وَتَأْتُونَ فِي نََادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29]؟.
قال: «كانوا يحذفون أهل الطريق ويسخرون منهم، فهو المنكر الذي كانوا يأتون» (1).
لقمان
أخرج الترمذيّ وغيره، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تبيعوا القينات ولا تشتروهنّ ولا تعلّموهنّ، ولا خير في تجارة فيهنّ، وثمنهنّ حرام. في مثل هذا أنزلت: {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ} [لقمان: 6].
الآية». إسناده ضعيف (2).
__________
معين: ليس بشيء. انظر لسان الميزان 4/ 386.
ولكن للحديث شواهد من حديث ابن عباس وعتبة بن النّدر مرفوعا، ومن حديث مجاهد ومحمد بن كعب القرظي، ويوسف بن تيرح مرسلا. يرتقي بها الحديث قال ابن كثير: «فهذه طرق متعاضدة» اهـ.
وانظر تفسير ابن كثير 3/ 387386، ومجمع الزوائد 7/ 88، والدر المنثور 5/ 127، والطبري 1/ 65.
(1) رواه الترمذي في سننه، حديث رقم (3190) 5/ 342. وأحمد في المسند 6/ 424341. والطبري في تفسيره 10/ 136. والطيالسي في مسنده، حديث رقم (1617) ص 225. والحاكم في المستدرك 2/ 409. وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت، حديث رقم (282) ص 168167. وفي كتاب الغيبة، حديث رقم (145) ص 109. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (100210011000) 24/ 412411.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
أبو صالح: مولى أم هانئ: ضعيف، ومدلس، انظر التقريب 1/ 93.
(2) رواه الترمذي، حديث رقم (1282) 3/ 579. وحديث رقم (3195) 5/ 346345. وابن ماجة، حديث رقم (2168). والحميدي في مسنده، حديث رقم (910) 2/ 405. والطبري في تفسيره 10/ 202. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (7749) 8/ 212. وحديث رقم (7805) 8/ 233.
وحديث رقم (7855) 252251. وحديث رقم (78627861) 8/ 254253. والبيهقي في سننه 6/ 1514. وسعيد بن منصور، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، وابن مردويه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، كما في الدر المنثور 5/ 159.
قلت: سنده ضعيف جدا، فإنه من رواية عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم.
1 - وعبيد الله بن زحر: ضعيف، فإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر، وعلي بن يزيد، والقاسم أبو عبد الرحمن لم يكن متن ذلك الخبر إلّا مما عملته(1/531)
السجدة
أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7]. قال: «أما إن است القردة ليست بحسنة، ولكنه أحكم خلقها» (1).
وأخرج ابن جرير، عن معاذ بن جبل، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى {تَتَجََافى ََ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضََاجِعِ} [السجدة: 16]: قال: «قيام العبد من الليل» (2).
__________
أيديهم، كما قال ابن حبان، انظر التهذيب 7/ 1312.
2 - علي بن يزيد الألهاني: ضعيف. انظر التقريب 2/ 46، والكاشف 2/ 259، والمغني 2/ 457، والتهذيب 7/ 397396. وانظر مجمع الزوائد 8/ 122.
(1) رواه ابن أبي حاتم، كما في الدر المنثور 5/ 172.
(2) رواه ابن جرير في تفسيره 10/ 241. وسنده ضعيف، فيه:
1 - شهر بن حوشب: صدوق، كثير الإرسال، والأوهام. انظر التقريب 1/ 355، والمغني 1/ 301، والكاشف 2/ 1514، والتهذيب 4/ 369.
2 - شهر، عن معاذ: مرسل. انظر جامع التحصيل ص 197.
3 - وقد ذكر الدارقطني الاختلاف في سنده على شهر فيه، وقال 6/ 79: «وقول حماد بن سلمة أشبه بالصواب [وهي طريقنا]، لأنّ الحديث معروف من رواية شهر، على اختلاف عنه فيه، وأحسنها إسنادا حديث عبد الحميد بن بهرام ومن تابعه عن شهر، عن ابن غنم، عن معاذ» اه.
وللحديث طرق أخرى عن معاذ: فقد رواه من طريق شقيق عن معاذ:
الترمذي، حديث رقم (2616) 5/ 1211. والنسائي في كتاب التفسير من سننه الكبرى، حديث رقم (11394) 6/ 428. وابن ماجة، حديث رقم (3973). وأحمد في المسند 5/ 231. وعبد بن حميد في المنتخب، حديث رقم (112) ص 6968. وعبد الرزاق في المصنف، حديث رقم (20303) 11/ 194. وفي تفسيره 2/ 2/ 109. والجصاص في أحكام القرآن 3/ 353. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (266) 20/ 131130. والبيهقي في الشعب 3/ 213. والبغوي في تفسيره 3/ 500 501.
ورواه من طرق عن عبد الرحمن بن غنم، وشهر بن حوشب، وأبي سلمة، وميمون بن أبي شبيب، وعروة النزال، ومكحول، عن معاذ به: النسائي في سننه 4/ 166. وأحمد في المسند 5/ 236233 245237. والطيالسي في مسنده، حديث رقم (561560) ص 7776.
وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (3031530314) 6/ 158.
وفي كتاب الإيمان، حديث رقم (1) ص 16. والمروزي في قيام الليل، حديث رقم (14) ص 47 48 (المختصر). وهناد في الزهد، حديث رقم (109210911090) 2/ 531529. وابن أبي عاصم في الزهد، حديث رقم (7) ص 1413. وابن أبي الدنيا في الصمت، حديث رقم (6) ص 4746. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (214) 1/ 447. والطبري في تفسيره، 10/ 240 241. والحاكم في المستدرك 2/ 41341276. والبيهقي في سننه 9/ 20. وفي الشعب 3/ 212 213. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (294293292291) 20/ 144142.
وحديث رقم (305304) 20/ 148147. وفي مسند الشاميين، حديث رقم (222) 1/ 139.(1/532)
وأخرج الطبرانيّ، عن ابن عباس، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: {وَجَعَلْنََاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرََائِيلَ} [السجدة: 23]: قال: «جعل موسى هدى لبني إسرائيل». وفي قوله: {فَلََا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقََائِهِ} [السجدة: 23] قال: «من لقاء موسى ربّه» (1).
الأحزاب
وأخرج الترمذيّ، عن معاوية، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «طلحة ممّن قضى نحبه» (2).
وأخرج الترمذيّ، وغيره، عن عمر بن أبي سلمة، وابن جرير وغيره، عن أم سلمة:
أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا فاطمة وعليّا وحسنا وحسينا لما نزلت: {إِنَّمََا يُرِيدُ اللََّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب: 33] (3).
__________
والبزار في مسنده، حديث رقم (27) 1/ 2423. والدارقطني في العلل 6/ 7776. والبغوي في شرح السنة، حديث رقم (11) 1/ 2624منهم من طوّله ومنهم من اختصره بألفاظ مختلفة. وانظر العلل للدارقطني 6/ 7973.
(1) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (12758) 12/ 160. وسنده حسن.
(2) رواه الترمذي. حديث رقم (3202) 5/ 350. وحديث رقم (3740) 5/ 644. وابن ماجة في سننه (134133). وابن سعد في الطبقات 3/ 1/ 156155. وابن أبي عاصم في السنة، حديث رقم (14021401) 2/ 599. والطبري في تفسيره 10/ 281. والديلمي في الفردوس، حديث رقم (3763) 3/ 26. وإسحاق ضعيف، كما في التقريب 1/ 62. وقد اضطرب فيه:
فقد رواه إسحاق مرة هكذا، ومرة قال: عن عمه موسى بن طلحة قال: بينما عائشة بنت طلحة تقول لأمها أم كلثوم بنت أبي بكر ودخل طلحة على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أنت يا طلحة ممن قضى نحبه»:
رواه الحاكم 2/ 15و 4/ 416.
ولكن في الباب عن طلحة، وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة مرسلا، وعن عيسى بن طلحة مرسلا.
وانظر تخريجنا لسنن ابن ماجة.
(3) رواه الترمذي، حديث رقم (3205) 5/ 351. وحديث رقم (3787) 5/ 663. والطبري في تفسيره 22/ 8من حديث عمر بن أبي سلمة. وفي سنده:
1 - يحيى بن عبيد: قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون الذي قبله المكي، وإلّا فمجهول» اهـ.
قلت: وقع عند الطبري إنه المكي، فهو ثقة. والله أعلم. انظر التقريب 2/ 353.
2 - محمد بن سليمان الأصبهاني: صدوق، يخطئ. انظر التقريب 2/ 116، والتهذيب 9/ 201.
ويرتقي بشواهده لدرجة الحسن لغيره.
ورواه الترمذي، حديث رقم (3871) 5/ 699. وأحمد في المسند 6/ 323304298292.
وفي الفضائل (1029) 2/ 602. وعبد الله في زوائد الفضائل، حديث رقم (1392) 2/ 783782.
وابن عساكر في تاريخه (تهذيبه لابن منظور 6/ 119). والدولابي في الذرية الطاهرة، حديث رقم (201(1/533)
سبأ
أخرج أحمد، وغيره، عن ابن عباس: أنّ رجلا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن سبأ، أرجل هو، أم امرأة، أم أرض؟ فقال: «بل هو رجل، ولد له عشرة، فسكن اليمن منهم ستة، وبالشام منهم أربعة» (1).
وأخرج البخاريّ، عن أبي هريرة مرفوعا، قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنها سلسلة عن صفوان فإذا فزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، وهو العليّ الكبير» (2).
فاطر
أخرج أحمد، والترمذيّ، عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال في هذه الآية:
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتََابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنََا مِنْ عِبََادِنََا فَمِنْهُمْ ظََالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سََابِقٌ بِالْخَيْرََاتِ} [فاطر: 32]. قال: «هؤلاء كلّهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة» (3).
__________
202) ص 108107. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (266426632662 266826662665) 3/ 4946. والحاكم 3/ 146. والطبري في تفسيره 22/ 86. والبغوي في تفسيره 3/ 529. وسنده صحيح لغيره. والله أعلم.
وفي الباب عن واثلة، وسعد، أنس، وأبي سعيد، وعائشة، وابن عباس، انظر تخريجها في تخريجنا لمسند السيدة فاطمة رضي الله عنها ص 127124.
(1) رواه أحمد 1/ 316. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (12992) 12/ 240. والحاكم 2/ 423.
وفي سنده ابن لهيعة. وانظر مجمع الزوائد 1/ 197و 7/ 94.
وفي الباب عن فروة بن مسيك: رواه الترمذي في سننه، حديث رقم (3222) 5/ 361. وأبو داود، حديث رقم (3988) 4/ 35. والبخاري في التاريخ الكبير 7/ 226. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (6852) 12/ 251250. والطبري في تفسيره 10/ 360. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (838836835834) 18/ 326323. والحاكم في المستدرك 2/ 424. وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، وحديث رقم (1700) 3/ 322. وحديث رقم (2469) 4/ 418.
وفي سنده ثابت بن سعيد: مجهول. وأبوه: كذلك.
(2) رواه البخاري في صحيحه، حديث رقم (4701) 8/ 380. وحديث رقم (4800) 8/ 538537.
وحديث رقم (7481) 13/ 453. وأبو داود، حديث رقم (3989) 4/ 3534مختصرا. والترمذي، حديث رقم (3223) 5/ 362. وابن ماجة، حديث رقم (194). وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (36) 1/ 223222. وابن خزيمة في التوحيد، ص 148147. والحميدي في مسنده، حديث رقم (1151) 2/ 487. والبخاري في خلق أفعال العباد ص 93. والبيهقي في الأسماء والصفات ص 200.
وابن منده في الإيمان، حديث رقم (700) 2/ 703702.
(3) رواه الترمذي في سننه، حديث رقم (3225) 5/ 363. وأحمد في المسند 3/ 78. وفيه مبهمان.(1/534)
وأخرج أحمد، وغيره، عن أبي الدرداء، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتََابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنََا مِنْ عِبََادِنََا فَمِنْهُمْ ظََالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سََابِقٌ بِالْخَيْرََاتِ} [فاطر: 32]: فأمّا الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنة بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته، فهم الذين يقولون: {الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: 32]» (1).
وأخرج الطّبراني، وابن جرير، عن ابن عباس، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا كان يوم القيامة قيل: أين أبناء الستين؟ وهو العمر الذي قال الله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مََا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فاطر: 37]» (2).
__________
وفي الباب عن عائشة:
رواه الطبراني في الأوسط وحديث رقم (6090) 7/ 56.
وسنده ضعيف جدا، فيه: الصلت بن دينار، أبو شعيب: متروك. انظر التقريب 1/ 369.
(1) رواه أحمد في المسند 5/ 198194و 6/ 444. وعبد الرزاق في تفسيره 2/ 136. من طرق عن أبي الدرداء.
في سند الإمام أحمد: ثابت أو أبو ثابت: مجهول. انظر الجرح والتعديل 4/ 2/ 352، والكنى للبخاري ص 1817.
ورواه 5/ 198من طريق علي بن عبد الله الأزدي، عن أبي الدرداء. وانظر كلام الإمام البخاري فيما بعد.
وفي سند عبد الرزاق: أبان بن أبي عياش: متروك. انظر التقريب 1/ 31، وتهذيب التهذيب 1/ 97 101.
وأشار البخاري إلى الاختلاف في سنده فقال في الكنى ص 1817: «قال محمد بن يوسف، نا سفيان، عن الأعمش، عن رجل، عن أبي ثابت، قال لي أبو الدرداء، سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ومنهم سابق بالخيرات» قال: بغير حساب.
قال وكيع: عن سفيان، عن الأعمش، عن ثابت أو أبي ثابت.
وقال أبو نعيم: عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي الدرداء، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم مرسل.
وقال بعضهم: عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي زياد، عن أبي الدرداء، ولا يصح.
وقال الحميدي: عن ابن عيينة، عن طعمة بن عمرو، عن رجل، عن أبي الدرداء، ولم يصح حديثه.
وقال محمد بن علي، نا سعيد بن عبد الحميد، قال: نا ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن علي الأزدي، عن أبي خالد البكري، أن رجلا جاء المدينة. فلقي أبا الدرداء نحوه» اهـ.
وانظر مجمع الزوائد 7/ 9695.
(2) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (11415) 11/ 178177.
وفي المعجم الأوسط، حديث رقم (7921) 8/ 449448. وحديث رقم (9134) 10/ 6766.
وابن جرير في تفسيره 10/ 418.(1/535)
يس
أخرج الشيخان، عن أبي ذرّ، قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهََا} [يس: 38]؟.
قال: «مستقرّها تحت العرش» (1).
وأخرجا عنه، قال: كنت مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المسجد عند غروب الشمس، فقال: «يا أبا ذرّ، أتدري أين تغرب الشمس؟».
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فذلك قوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهََا} (2).
الصافات
أخرج ابن جرير، عن أم سلمة، قالت: قلت: يا رسول لله، أخبرني عن قوله:
{وَحُورٌ عِينٌ (22)} [الواقعة: 22]؟.
قال: «العين الضخام العيون، شفر الحوراء مثل جناح النسر».
قلت: يا رسول الله، أخبرني عن قول الله: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)} [الصافات:
49]؟.
__________
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه: إبراهيم بن الفضل المخزومي: متروك. انظر التقريب 1/ 41، والمغني 1/ 22، والكاشف 1/ 44، والتهذيب 1/ 151150.
(1) رواه البخاري في صحيحه، حديث رقم (3199) 6/ 297. وحديث رقم (48034802) 8/ 541.
وحديث رقم (7424) 13/ 404. وحديث رقم (7433) 13/ 416. ومسلم في صحيحه، حديث رقم (159) 1/ 138. وأبو داود، حديث رقم (4002) 4/ 37. والترمذي، حديث رقم (2186) 4/ 479.
وحديث رقم (3227) 5/ 364، والنسائي في كتاب التفسير من سننه الكبرى، حديث رقم (11176) 6/ 343. وحديث رقم (11430) 6/ 439. وأحمد في المسند 5/ 177158152145.
والقطيعي في جزء الألف دينار، حديث رقم (116) ص 183. والطيالسي في مسنده، حديث رقم (460) ص 62. والطحاوي في شرح مشكل الآثار، حديث رقم (281) 1/ 254. والطبري في تفسيره 10/ 441. وأبو الشيخ في العظمة، حديث رقم (652إلى 659) 4/ 11931188. وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (615461536152) 14/ 2520. والبيهقي في الأسماء والصفات 2/ 136135، والبغوي في شرح السنة، حديث رقم (4293) 15/ 9594. وفي تفسيره 4/ 1312.
(2) انظر الحديث السابق.(1/536)
قال: «رقّتهنّ كرقة الجلدة التي في داخل البيضة التي تلي القشر» (1).
قوله «شفر»: هو هو بالفاء، مضاف إلى الحوراء، وهو هدب العين، وإنما ضبطته وإن كان واضحا، لأني رأيت بعض المهملين من أهل عصرنا صحفه بالقاف، وقال:
الحوراء مثل جناح النسر مبتدأ وخبر، يعني: في السرعة والخفة، وهذا كذب وجهل محض، وإلحاد في الدين، وجرأة على الله ورسوله.
وأخرج التّرمذيّ، وغيره، عن سمرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وَجَعَلْنََا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبََاقِينَ (77)} [الصافات: 77]: قال: «حام، وسام، ويافث» (2).
__________
(1) رواه الطبري في تفسيره 10/ 489488. والعقيلي في الضعفاء 2/ 138ثم قال: «ولا يتابع عليه، ولا يعرف إلّا به» اهـ. ورواه الطبراني في المعجم الأوسط، حديث رقم (3165) 4/ 111109مطولا وسيأتي في تفسير سورة الواقعة إن شاء الله تعالى.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1 - سليمان بن أبي كريمة: ضعّفه أبو حاتم. وقال العقيلي: يحدث بمناكير، ولا يتابع على كثير من حديثه. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير. انظر الميزان 2/ 221، والضعفاء للعقيلي 2/ 138.
2 - خيرة أم الحسن البصري: مقبولة. انظر التقريب 2/ 596، والكاشف 3/ 425، والتهذيب 12/ 416.
(2) رواه الترمذي، حديث رقم (3230) 5/ 365. وفي العلل الكبير، حديث رقم (658) ص 355.
والطبري في تفسيره 10/ 497. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (68736872) 7/ 254.
وسنده ضعيف، فيه:
1 - سعيد بن بشير: ضعيف، انظر التهذيب 4/ 108، والكاشف 1/ 282، والمغني 1/ 256.
والتقريب 1/ 292.
2 - الحسن، عن سمرة: لم يسمع الحسن منه إلّا أحاديث معدودة منها حديث العقيقة، وليس حديثنا منها، والله أعلم.
وفي الباب عن: أبي هريرة مرفوعا: «ولد لنوح ثلاثة: سام وحام ويافث» الحديث: رواه البزار في مسنده، حديث رقم (218) 1/ 118وأشار إلى وقفه. وابن حبان في المجروحين 3/ 107. وابن عدي في الكامل 7/ 271. والدارقطني في العلل 7/ 283وسنده ضعيف، فيه:
1 - يزيد بن سنان: ضعيف. انظر الكامل 7/ 271، والمجروحين 3/ 107.
2 - رجّح الدارقطني وقفه، فقال: «يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري، واختلف عنه:
أفرواه يزيد بن سنان الرهاوي، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. وقاله عنه ابنه محمد بن يزيد.
ب وغيره يرويه عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب من قوله» اهـ. ورواية الوقف أشار إليها البزار 1/ 118، والحاكم 4/ 463.(1/537)
وأخرج من وجه آخر قال: «سام: أبو العرب، وحام: أبو الحبش، ويافث: أبو الروم» (1).
وأخرج عن أبيّ بن كعب، قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قول الله: {وَأَرْسَلْنََاهُ إِلى ََ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)} [الصافات: 147]؟.
قال: «يزيدون عشرين ألفا» (2).
وأخرج ابن عساكر، عن العلاء بن سعد أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوما لجلسائه: «أطّت السماء وحقّ لها أن تئطّ، ليس منها موضع قدم إلّا عليه ملك راكع أو ساجد». ثم قرأ:
{وَإِنََّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنََّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)} [الصافات: 166165] (3).
الزمر
أخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، عن عثمان بن عفان، أنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن تفسير: {لَهُ مَقََالِيدُ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر: 63]. فقال: «ما سألني عنها أحد قبلك تفسيرها: لا إله إلّا الله،. والله أكبر وسبحان الله وبحمده، أستغفر الله، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن، بيده الخير يحيي ويميت» (4).
__________
(1) رواه الترمذي في سننه، حديث رقم (3231) 5/ 365. وحديث رقم (3931) 5/ 725. وفي العلل الكبير، حديث رقم (659) ص 356355. وأحمد في المسند 5/ 11109. والحاكم في المستدرك 2/ 546. والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم (6871) 7/ 254253. وحديث رقم (309) 8/ 146145. وفيه: عن سمرة وعن عمران. وفيه: الحسن: عن سمرة. منقطع.
(2) رواه الترمذي في سننه، حديث رقم (3229) 5/ 365. والطبري في تفسيره 10/ 532. وسنده ضعيف، فيه رجل مبهم. والوليد بن مسلم، لكن تابعه عمرو بن أبي سلمة عند الطبري.
(3) رواه ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة، حديث رقم (255) 1/ 262261. وابن عساكر في تاريخ دمشق 22/ 130المختصر (لابن منظور). وانظر الدر المنثور 5/ 293، والإصابة 2/ 491. وفي سنده من لم أهتد إليه.
وفي الباب: عن ابن مسعود موقوفا: رواه الطبري في تفسيره 10/ 539. وعبد الرزاق في تفسيره 2/ 2/ 158. ورجاله ثقات.
(4) رواه أبو يعلى، ويوسف القاضي في سننه، وأبو الحسن القطان في المطولات، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه. كما في الدر المنثور 5/ 334333. وابن السني في عمل اليوم والليلة، حديث رقم (73) ص 3130. والعقيلي في الضعفاء 4/ 232231.
قلت: سنده ضعيف جدا، واه بمرة، فيه:
1 - أغلب بن تميم: قال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء. انظر اللسان 1/ 464 465.(1/538)
الحديث غريب، وفيه نكارة شديدة (1).
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: سأل جبريل عن هذه الآية: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمََاوََاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلََّا مَنْ شََاءَ اللََّهُ} [الزمر: 68] «من الّذين لم يشأ الله أن يصعق؟.
قال: «هم الشهداء» (2).
غافر
أخرج أحمد، وأصحاب السنن، والحاكم، وابن حبّان، عن النعمان بن بشير، قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبََادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دََاخِرِينَ} [غافر: 60]» (3).
__________
2 - مخلد أبو الهذيل: في إسناده نظر، كما قال العقيلي 4/ 231، والميزان 4/ 84، واللسان 6/ 10.
3 - عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر: متروك. انظر التقريب 1/ 488487.
قال الذهبي: قلت: هذا موضوع فيما أرى.
وقد قال النسائي: لا يعرف هذا من وجه يصح، وما أشبهه بالوضع. انظر الميزان 4/ 84، واللسان 6/ 10.
(1) هذا قول ابن كثير في تفسيره 4/ 61.
(2) عزاه في الدر المنثور 5/ 336لأبي يعلى والدارقطني في الأفراد وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه، والبيهقي في البعث، عن أبي هريرة. وانظر المطالب العالية (3721)، ومختصر إتحاف المهرة 4/ 414413.
(3) رواه أبو داود، حديث رقم (1479) 2/ 7776. والترمذي، حديث رقم (2969) 5/ 211. وحديث رقم (3372) 5/ 456. والنسائي في كتاب التفسير من سننه الكبرى، حديث رقم (11464) 6/ 450.
وأحمد في المسند 4/ 277276267. وابن ماجة في سننه، حديث رقم (3828). وابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم (29167) 6/ 2221. وابن المبارك في الزهد، حديث رقم (1298 1299) ص 459. وفي مسنده حديث رقم (74) ص 138. والبخاري في الأدب المفرد، حديث رقم (714) ص 249. والطيالسي في مسنده، حديث رقم (801) ص 108. والطبري في تفسيره 11/ 73.
وابن حبان في صحيحه، حديث رقم (890) 3/ 172. والطبراني في الدعاء، حديث رقم (321 7654) 2/ 788786. وفي المعجم الصغير، حديث رقم (1041) 2/ 208. والحاكم في المستدرك 1/ 492491. وابن منده في التوحيد، حديث رقم (325) 1/ 180. والقضاعي في مسند الشهاب، حديث رقم (3029) 1/ 5351. وأبو نعيم في الحلية 8/ 120. والبيهقي في شعب الإيمان 2/ 37. وفي الدعوات (4). والبغوي في تفسيره 4/ 103. وفي شرح السنة، حديث رقم (1384) 5/ 185184. والمزي في تهذيب الكمال 3/ 1548. والحافظ عبد الغني المقدسي في الترغيب في الدعاء، حديث رقم (8) ص 3938بتحقيقنا، والضياء في المنتقى (22) بتحقيقنا.
قلت: سنده صحيح، رجاله ثقات.(1/539)
فصلت
أخرج النسائيّ، والبزّار، وأبو يعلى، وغيرهم، عن أنس، قال: قرأ علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ قََالُوا رَبُّنَا اللََّهُ ثُمَّ اسْتَقََامُوا} [فصلت: 30]: «قد قالها ناس من النّاس ثم كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فهو ممن استقام عليها» (1).
الشورى
أخرج أحمد، وغيره، عن عليّ، قال: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله، وحدّثنا به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟.
قال: {«وَمََا أَصََابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمََا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (30)}
[الشورى: 30]. وسأفسّرها لك يا عليّ: ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، والله أحلم من أن يثنّي عليه العقوبة في الآخرة، وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرم من أن يعود بعد عفوه» (2).
الزخرف
أخرج أحمد، والترمذيّ، وغيرهما، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلّا أوتوا الجدل». ثم تلا: {مََا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلََّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] (3).
__________
(1) رواه الترمذي، حديث رقم (3250) 5/ 376. والنسائي في كتاب التفسير من سننه الكبرى، حديث رقم (11470) 6/ 452. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (3495) 6/ 213. والطبري في تفسيره، 11/ 106. وابن عدي في الكامل 3/ 450.
قلت: سنده ضعيف، فيه: سهيل بن أبي حزم القطعي: ضعيف. انظر التهذيب 6/ 261، والتقريب 1/ 338.
(2) رواه الترمذي، حديث رقم (2626) 5/ 16ببعضه. وابن ماجة في سننه، حديث رقم (2604). وأحمد في المسند 1/ 1599985. وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم (453) 1/ 352351. وحديث رقم (608) 1/ 453. وعبد بن حميد في المنتخب من المسند، حديث رقم (87) ص 58. والحاكم في المستدرك 2/ 445و 4/ 262. وابن أبي الدنيا في حسن الظن بالله، حديث رقم (52) ص 5453.
والبغوي في شرح السنة، حديث رقم (4182) 14/ 380379. وفي التفسير 4/ 128.
وفي سنده أبو إسحاق: ثقة، إلّا أنه اختلط، وكان مدلسا. ويونس الراوي عنه روى عنه في الاختلاط.
لكن للحديث شواهد عن عبادة بن الصامت عند البخاري وغيره.
(3) رواه الترمذي، حديث رقم (3253) 5/ 379378. وأحمد في المسند 5/ 256252. وابن ماجة(1/540)