المقدّمة
بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى اله وصحبه ومن والاه، ومن سار على سنته واتبع هداه، أما بعد:
فإن علم أصول الفقه من أجلّ العلوم لأنه مرتبط بكلام الله الحي القيوم وسنّة النبي المعصوم صلوات الله وسلامه عليه.
وقواعد الاستنباط فيه مهمة لكل طالب له، لأنها تبين كيفية استثمار الحكم من ألفاظ نصوص الكتاب والسنّة، ولأجل ذلك تقدمت بموضوعي هذا وعنوانه: «قواعد الاستنباط من ألفاظ الأدلة عند الحنابلة واثارها الفقهية»، إلى قسم أصول الفقه في كلية الشريعة بالرياض لنيل درجة الدكتوراه في أصول الفقه، فتمت الموافقة والحمد لله.
* وكان سبب اختياري له ما يلي:
1 - فيه تقرير لقواعد الاستنباط عند الحنابلة.
2 - وفيه تحرير الخلاف بين علماء المذهب، وتحرير نسبة الأقوال إلى أصحابها.
3 - وفيه بيان لسبب تعدد الروايات عن الإمام، واختيارات الأصحاب وترجيح بعضهم لقول خارج المذهب في بعض المسائل.
4 - وفيه بيان لما أضافه علماء المذهب من الاجتهادات الأصولية.(1/5)
3 - وفيه بيان لسبب تعدد الروايات عن الإمام، واختيارات الأصحاب وترجيح بعضهم لقول خارج المذهب في بعض المسائل.
4 - وفيه بيان لما أضافه علماء المذهب من الاجتهادات الأصولية.
أما من الناحية الفقهية ففيه ربط للفروع بأصولها وبيان لثمرة قواعد الاستنباط عند الحنابلة.
طريقة البحث
* وبذلت الجهد في تقرير القواعد، وسرت في بحثي على النهج التالي:
1 - تحرير رأي الإمام أحمد فيما تعددت الروايات عنه فيه.
2 - تحرير الخلاف بين الإمام وبين من خالفه من الأصحاب.
3 - تحرير الخلاف بين الأصحاب فيما لم يكن للإمام فيه رأي.
4 - نسبة الأقوال إلى أصحابها وتحقيق ذلك.
5 - ذكر الأدلة والاعتراضات عليها، والردود، ثم الترجيح.
6 - بناء الفروع على القواعد: فبعد كل قاعدة أذكر ما يتفرع عليها.
7 - تخريج الأحاديث وتوثيق الأقوال من مراجعها.
8 - رتبت الفهارس على حسب ترتيب الأبواب.
وهذا المنهج سيزيد من قيمة الموضوع ويحقق الغاية منه إن شاء الله تعالى إلى جانب أهميته السابقة.
وهو موضوع لم يخدم من قبل في رسالة مستقلة كما خدمت حجية الأدلة، فقد بحث الدكتور عبد الله التركي في رسالته (أصول مذهب الإمام أحمد) الأدلة من حيث حجيتها وترتيبها عند الإمام أحمد وما يخدم ذلك.
وإني سأبحث في النصف الاخر، وهو «قواعد الاستنباط من ألفاظ الأدلة»، وأستمد العون من الله سبحانه فهو خير معين.(1/6)
مراجع البحث
ومن عونه وتيسيره وجود مراجع البحث، وهي:
1 - العدة، لأبي يعلى.
2 - التمهيد، لأبي الخطاب.
3 - الواضح، لابن عقيل.
4 - المسودة، لال تيمية.
5 - روضة الناظر، لابن قدامة.
6 - شرح الكوكب المنير، لابن النجار.
7 - المختصر في أصول الفقه، لابن اللحام.
8 - القواعد والفوائد الأصولية، لابن اللحام.
9 - فتاوى الإمام ابن تيمية.
10 - إعلام الموقعين.
وقد رسمت خطة البحث على مقدمة وتمهيد وستة أبواب وخاتمة، وسرت في ترتيب الأبواب على منهج أبي الخطاب (1)، أسأل الله الهداية والصواب، وإليك تفصيل الخطة:
تمهيد:
وفيه فصلان:
الفصل الأول: في تعريف القاعدة والاستنباط والدليل.
الفصل الثاني: في طريقة الأصحاب في فهم كلام الإمام أحمد والتخريج عليه (2). وفيه عدة مباحث:
المبحث الأول: في طريقة الأصحاب في فهم كلام الإمام أحمد.
المبحث الثاني: في طريقتهم في التخريج على نصوصه.
__________
(1) التمهيد 1/ 121.
(2) الإنصاف 1/ 10، والمسودة ص 527.(1/7)
المبحث الثالث: منهج الأصحاب في الرواية التي رجع عنها الإمام.
المبحث الرابع: الفرق بين القول والرواية والإيماء والوجه والاحتمال والتخريج.
الباب الأول:
الدلالة عند الحنابلة وأثرها وفيه تمهيد وفصلان:
التمهيد: في تعريف الدلالة لغة واصطلاحا وبيان أنها تنقسم باعتبارات متعددة إلى أقسام.
الفصل الأول: في أقسام الدلالة واثارها الفقهية، وفيه مباحث:
المبحث الأول: الدلالة اللفظية وغير اللفظية، وفيه مطالب:
المطلب الأول: الدلالة اللفظية وأقسامها.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المطلب الثالث: الدلالة غير اللفظية.
المبحث الثاني: الحقيقة والمجاز.
وذلك باعتبار استعمال اللفظ فيما وضع له أو عدمه، وفيه مطالب:
المطلب الأول: تعريف الحقيقة.
المطلب الثاني: أقسام الحقيقة.
المطلب الثالث: اثارها الفقهية.
المطلب الرابع: وقوع المجاز في اللغة.
تحرير المسألة.
الأقوال.
الأدلة ومناقشتها.
الترجيح.
المطلب الخامس: اثارها الفقهية.(1/8)
الترجيح.
المطلب الخامس: اثارها الفقهية.
المطلب السادس: وقوع المجاز في القران.
تحرير المسألة.
الأقوال.
الأدلة ومناقشتها.
الترجيح.
المطلب السابع: اثارها الفقهية.
المبحث الثالث: دلالة اللفظ باعتبار وحدة المعنى أو تعدده:
الفصل الثاني: دلالة الحروف واثارها الفقهية، وفيه مباحث:
المبحث الأول: في المراد بالحروف عند الأصوليين.
المبحث الثاني: في معاني الحروف واثارها الفقهية.
وسوف أفرد كل حرف بمطلب وأثره بمطلب بعده.
ودلالة الاقتران سوف أذكرها عند الحديث عن معاني الواو.
الباب الثاني:
قواعد الأمر والنهي عند الحنابلة واثارها الفقهية وفيه تمهيد وفصلان:
التمهيد: في تعريف الأمر والنهي.
الفصل الأول: في قواعد الأمر واثارها الفقهية عند الحنابلة، وفيه مباحث:
المبحث الأول: الأمر حقيقة في القول المخصوص.
وفيه تفصيل الأقوال وعرض الأدلة والمناقشة والترجيح.
المبحث الثاني: الأمر المجرد عن القرائن يقتضي الوجوب، وفيه مطالب:
المطلب الأول: وفيه تحرير المسألة وذكر أقوال الحنابلة والأدلة ومناقشتها مع الترجيح.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.(1/9)
المطلب الأول: وفيه تحرير المسألة وذكر أقوال الحنابلة والأدلة ومناقشتها مع الترجيح.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث الثالث: الأمر المكرر يقتضي التوكيد، وفيه مطالب:
المطلب الأول: وفيه تحرير المسألة وذكر الأقوال والأدلة والمناقشة ثم الترجيح.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث الرابع: الأمر بعد الحظر للإباحة، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: وفيه تحرير المسألة وذكر الأقوال والأدلة والمناقشة ثم الترجيح.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث الخامس: الأمر المطلق يقتضي التكرار، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة وذكر الأقوال والأدلة والمناقشة ثم الترجيح.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية عندهم.
المبحث السادس: الأمر المطلق يقتضي الفور، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة وعرض الأقوال والأدلة والمناقشة ثم الترجيح.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث السابع: الأمر المؤقت هل يسقط بذهاب وقته، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة وذكر الأقوال والأدلة والمناقشة ثم الترجيح.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث الثامن: الأمر بالشيء نهي عن ضده، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث التاسع: الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به، وفيه مطلبان:(1/10)
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث التاسع: الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
الفصل الثاني: قواعد النهي واثارها الفقهية، وفيه مباحث:
المبحث الأول: النهي المجرد يقتضي التحريم، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث الثاني: النهي المطلق يقتضي التكرار والفور، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث الثالث: النهي يقتضي الفساد، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
الباب الثالث:
قواعد العام ومخصصاته عند الحنابلة واثارها الفقهية وفيه تمهيد وفصلان:
التمهيد: في تعريف العام وتعريف التخصيص.
الفصل الأول: في قواعد العام، وفيه مباحث:
المبحث الأول: صيغ العموم، وفيه مطالب:
المطلب الأول: للعموم صيغة تفيده بمطلقها.
المطلب الثاني: صيغ العموم المتفق عليها.
المطلب الثالث: صيغ العموم المختلف فيها، وفيه مسائل، هي:(1/11)
المطلب الثاني: صيغ العموم المتفق عليها.
المطلب الثالث: صيغ العموم المختلف فيها، وفيه مسائل، هي:
النكرة في سياق النفي، والاسم المفرد إذا دخله التعريف، وألفاظ الجموع المنكرة، وقول الصحابي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وترك الاستفصال في حكاية الأحوال هل تنزل منزلة العموم في المقال، وسوف أحرر الخلاف في كل مسألة وأقرر رأي الحنابلة فيها وأثرها الفقهي عندهم.
المبحث الثاني: يجب العمل بالعموم واعتقاده في الحال، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة وتحرير الخلاف فيها وذكر الأقوال والأدلة والمناقشة ثم الترجيح.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث الثالث: دلالة العام بين القطعية والظنية، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث الرابع: العموم من عوارض الألفاظ والمعاني.
وفيه تحرير الخلاف وذكر الأقوال والأدلة والمناقشة ثم الترجيح.
المبحث الخامس: يصح ادعاء العموم في المضمرات، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث السادس: عموم العلة، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة عند الحنابلة بتحريرها وذكر الأقوال والأدلة والمناقشة ثم الترجيح.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.(1/12)
المطلب الأول: تقرير المسألة عند الحنابلة بتحريرها وذكر الأقوال والأدلة والمناقشة ثم الترجيح.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث السابع: العام هل يشمل المعدومين، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث الثامن: العام هل يشمل الكفار في الفروع، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث التاسع: العام هل يشمل العبيد والإماء، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
الفصل الثاني: مخصصات العموم عند الحنابلة واثارها الفقهية، وفيه مباحث:
المبحث الأول: العام بعد التخصيص حجة، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث الثاني: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث الثالث: مخصصات العموم المنفصلة، وفيه مطالب:
سأذكر كل مخصص في مطلب وأثره في مطلب بعده.
المبحث الرابع: مخصصات العموم المتصلة، وفيه مطالب:
سأذكر كل مخصص في مطلب وأثره في مطلب بعده.
الباب الرابع:(1/13)
سأذكر كل مخصص في مطلب وأثره في مطلب بعده.
الباب الرابع:
قواعد المطلق والمقيد عند الحنابلة واثارها الفقهية وفيه تمهيد وفصلان:
التمهيد: في تعريف المطلق والمقيد.
الفصل الأول: في أحوال المطلق مع المقيد، وفيه مباحث:
المبحث الأول: إذا اختلف حكمهما وسببهما.
المبحث الثاني: إذا اختلف حكمهما واتحد السبب.
المبحث الثالث: إذا اتحد حكمهما وسببهما.
المبحث الرابع: إذا اتحد حكمهما واختلف السبب.
المبحث الخامس: إذا تواردت مقيدات على مطلق واحد فما الحكم.
الفصل الثاني: اثارها الفقهية، وفيه مباحث حسب الفصل الأول.
الباب الخامس:
قواعد المجمل والمبين عند الحنابلة واثارها الفقهية وفيه تمهيد وفصلان:
التمهيد: في تعريف المجمل والمبين.
الفصل الأول: في قواعد المجمل وأثرها الفقهي، وفيه مباحث:
المبحث الأول: لا بد للعمل بالمجمل من بيان، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث الثاني: أوجه الإجمال في القران والسنّة، وفيه مطالب:
المطلب الأول: أوجه الإجمال في القران والسنّة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المطلب الثالث: مواضيع توهم فيها الإجمال ولا إجمال.(1/14)
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المطلب الثالث: مواضيع توهم فيها الإجمال ولا إجمال.
المطلب الرابع: اثارها الفقهية.
المبحث الثالث: أسباب الإجمال.
الفصل الثاني: قواعد المبين واثارها الفقهية، وفيه تمهيد ومبحثان:
التمهيد: في تعريف المبين والبيان.
المبحث الأول: ما يقع به البيان.
المبحث الثاني: يجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة ولا يجوز بعدها، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير ذلك.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
الباب السادس:
قواعد المفهوم عند الحنابلة واثارها الفقهية وفيه تمهيد وفصلان:
التمهيد: في تعريف المفهوم وانقسامه إلى مفهوم موافقة ومخالفة.
الفصل الأول: في حكم مفهوم الموافقة وشروطه وأقسامه، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: مفهوم الموافقة حجة بشروط، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تقرير المسألة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المبحث الثاني: أقسام مفهوم الموافقة.
الفصل الثاني: في حكم مفهوم المخالفة وشروطه وأقسامه، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: في حكم مفهوم المخالفة وشروطه.
المبحث الثاني: في أقسام مفهوم المخالفة واثار كل قسم.
فإن وجدت الأثر في كتب الفقه ذكرته وإلّا فأمثّل من عندي.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج للبحث، أسأل الله أن يرزقني حسن الختام.(1/15)
فإن وجدت الأثر في كتب الفقه ذكرته وإلّا فأمثّل من عندي.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج للبحث، أسأل الله أن يرزقني حسن الختام.
الفهارس: وتشتمل على:
* فهرس الايات القرانية الكريمة.
* فهرس الأحاديث الشريفة.
* فهرس الاثار.
* فهرس المسائل الفقهية.
* فهرس الموضوعات.
وقد بحثت بعناية تلك القواعد حسب المنهج الذي بينته. وهذا الجهد الذي بذلته كان بعناية شيخي الفاضل الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن السعيد، جزاه الله خير الجزاء.
حيث أرشد وسدد، وأعطاني من وقته ما أنا عاجز عن شكره. فبذلك شمّرت لبحث تلك المسائل وتحريرها وبلغت بالجهد أقصاه، ولكن لا يسلم جهد مهما اجتهد صاحبه. لذا، فقد أمر الله الحاج بالاستغفار مع الإفاضة قال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفََاضَ النََّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللََّهَ إِنَّ اللََّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199].
أستغفر الله وأتوب إليه، والله ولي التوفيق.
المؤلف(1/16)
التمهيد
وفيه فصلان:
الفصل الأول: تعريف القاعدة والاستنباط والدليل.
الفصل الثاني: طريقة الأصحاب في فهم كلام الإمام أحمد والتخريج عليه.(1/17)
الفصل الثاني: طريقة الأصحاب في فهم كلام الإمام أحمد والتخريج عليه.
الفصل الأول تعريف القاعدة والاستنباط والدليل
أولا: تعريف القاعدة:
القاعدة لغة:
الأساس (1)، فأساس البيت قاعدته، قال الله تعالى:
{فَأَتَى اللََّهُ بُنْيََانَهُمْ مِنَ الْقَوََاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} الاية [النحل: 26].
واصطلاحا:
معنى كليّا ينطبق على جميع جزئياته.
وعبارات العلماء في تعريفها تختلف، والمراد واحد، فمنهم من قال:
قضية كلية، ومنهم من قال: أمر كلي، ومنهم من قال: حكم كلي، ومنهم من نظر إلى المستثنى فقال: أمر أكثري (2).
ثانيا:
تعريف
الاستنباط:
الاستنباط لغة:
الاستخراج، قال ابن فارس: (نبط: النون والباء والطاء كلمة تدل على استخراج شيء، واستنبطت الماء استخرجته) (3).
__________
(1) انظر: القاموس المحيط 1/ 328.
(2) انظر: التعريفات ص 177، وقواعد العلائي 1/ 64، والأشباه والنظائر لابن السبكي 7أمخطوط، وغمز عيون البصائر 1/ 51.
(3) معجم مقاييس اللغة 5/ 381، وانظر: القاموس المحيط 2/ 402.(1/19)
ومرادي به في هذا البحث: استخراج الحكم من ألفاظ الأدلة.
ثالثا: الدليل:
الدليل لغة:
المرشد إلى المطلوب، والموصل إلى المقصود (1).
واصطلاحا:
عرّفه بعض متأخري الحنابلة فقالوا: ما يتوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري (2).
أما القاضي، وأبو الخطاب، وابن عقيل، فعبارتهم فيه هي عبارة التعريف اللغوي (3)، وبينوا أنه لا فرق بين أن يكون قديما أو محدثا، أو أن يفيد العلم أو غلبة الظن أو الظن، وأبطلوا قول من خالف من المتكلمين فجعل ما أفاد الظن أمارة (4) لا دليلا. والحجة: أن أهل العربية لم يفرقوا بين ما أفاد العلم وما أفاد الظن، فالجميع سمّوه دليلا.
وتعريف الحنابلة هو تعريف عامة الفقهاء.
قال الامدي: (حده على أصول الفقهاء: أنه الذي يمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري.
فالقيد الأول: احتراز عما لم يتوصل به إلى المطلوب لعدم النظر فيه، فإنه لا يخرج بذلك عن كونه دليلا لما كان التوصل به ممكنا.
والقيد الثاني: احتراز عما إذا كان الناظر في الدليل بنظر فاسد.
__________
(1) انظر: القاموس المحيط 3/ 388، ومعجم مقاييس اللغة 2/ 259.
(2) شرح الكوكب 1/ 52، والمختصر لابن اللحام ص 33.
(3) العدة 1/ 131، والتمهيد 1/ 61، والواضح 1/ 8أ.
(4) الحدود، للباجي ص 38.(1/20)
والقيد الثالث: احتراز عن الحد الموصل للعلم التصوري وهو عام للقاطع والظني) (1).
ثم ذكر تعريفه عند المخالفين بزيادة كلمة «العلم» بمطلوب خبري.
واعلم أن هذا الخلاف مرتبط بمسائل عدة: منها: خبر الاحاد، والقياس الظني، هل هما دليل أو أمارة؟ والتحقيق: أن الشرع قد نصبهما أدلة على أحكام كثيرة، فكيف لا يصدق عليهما اسم الدليل؟!
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام، للامدي 1/ 9.(1/21)
الفصل الثاني طريقة الأصحاب في فهم كلام الإمام أحمد
والتخريج عليه نظرا، لأننا سنبحث في قواعد الاستنباط من ألفاظ الأدلة عند الحنابلة فإنه لا بد لنا أن نتعرف على منهجهم، وعلى الاصطلاحات التي جرت في كتبهم وأقوالهم، وخصوصا فيما يرتبط بفهم كلام الإمام أحمد والتخريج عليه.
وهذا مرتب على أربع مباحث:
المبحث الأول: طريقة الأصحاب في فهم كلام الإمام أحمد رحمه الله.
المبحث الثاني: طريقة الأصحاب في تحرير مذهب الإمام أحمد والتخريج على نصوصه.
المبحث الثالث: منهج الأصحاب في الرواية التي رجع عنها الإمام أحمد.
المبحث الرابع: الفرق بين الرواية والوجه والاحتمال والتخريج والتوجيه.(1/23)
المبحث الرابع: الفرق بين الرواية والوجه والاحتمال والتخريج والتوجيه.
المبحث الأول طريقة الأصحاب في فهم كلام الإمام أحمد (1)
وقف الأصحاب مع ثروة الإمام أحمد الضخمة في الفقه وأصوله والعلوم الشرعية الاخرى، مفسّرين لمصطلحاته وموضّحين لرموزه، وذلك لأن الإمام لم يدوّن فقهه في كتب كما فعل غيره، ولم يبين مراده في مصطلحاته بيانا مسطرا، لذا، فقد عمد الأصحاب إلى تجلية معاني ما جاء عنه من مصطلحات، وتحرير المراد بها.
ويلزم كل ناظر في الفقه أو الأصول لمذهب معين أن يعرف معاني مصطلحات ذلك المذهب حتى لا يحملها على غير المراد منها، فينسب إليه ما ليس فيه، أو ينفي عنه ما هو جزء منه.
__________
(1) هو الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، إمام أهل السنّة، أبو عبد الله ولد عام 164هـ، تلقّى العلم عن كثيرين ورحل في طلب العلم بين البلدان، شهد له بالإمامة والفضل، قال الشافعي: أحمد إمام في ثمان خصال: إمام في الحديث، إمام في الفقه، إمام في اللغة، إمام في القران، إمام في الورع، إمام في الفقر، إمام في الزهد، إمام في السنّة. اه، تلقّى عنه العلم كثيرون، وانتشر مذهبه، وموقفه من أهل البدع وصبره على المحنة معلوم، توفي سنة إحدى وأربعين ومائتين.
[انظر: طبقات الحنابلة 1/ 204، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي، والمقصد الأرشد 1/ 64].(1/24)
ومصطلحات مذهب الإمام أحمد قد حظيت بعناية من أئمة المذهب في مؤلفاتهم، كما في المذاهب الاخرى. فقد حدّدوا المعاني وحرروها على وفاق بينهم أو على الاختلاف، وإليك بيان ذلك.
أولا: ما أراد به التحريم:
ذكر الأصحاب أن قوله: (لا ينبغي)، أو (لا يصلح)، أو (أستقبحه)، أو (هو قبيح)، أو (لا أراه) يريد به الدلالة على التحريم (1).
وأمثلة ذلك:
(سأله أبو طالب (2): يصلي إلى القبر والحمام والحش؟ قال: لا ينبغي أن يكون، لا يصلي إليه. قلت: فإن كان؟ قال: يجزيه) (3).
وهذا يدل على تحريم التوجه في الصلاة إلى تلك المذكورات مع صحة الصلاة لو أديت.
أيضا قال مهنا: (قلت لأحمد: أسلم في ثوب فعجز، فقال:
خذ مني بدراهمك غزلا؟ فقال: لا يصلح إلّا أن يأخذ مسلمه أو دراهمه) (4).
ولكن ورد عن الأصحاب ما يدل على أنه قد يرد ب (لا ينبغي) ويكون المراد منه الكراهة، مثل قولهم في غير العفيفة: يستحب فراقها، وذكروا
__________
(1) الإنصاف 12/ 247، والمسودة ص 530529.
(2) أحمد بن حميد، أبو طالب المشكاني، صحب الإمام أحمد، وكان يكرمه نقل عن الإمام مسائل كثيرة، مات سنة أربع وأربعين ومائتين. [انظر: طبقات الحنابلة 1/ 39، والمنهج الأحمد 1/ 186، والمقصد الأرشد 1/ 95].
(3) الإنصاف 12/ 247.
(4) تهذيب الأجوبة ص 112.(1/25)
قول أحمد رحمه الله: (لا ينبغي أن يمسكها) (1). فمعنى ذلك أنه يكره إمساكها، إذ لو حرم لوجب فراقها.
أما قوله: (أكره كذا)، أو (لا يعجبني)، أو (لا أحبه)، أو (لا أستحسنه)، فهي دائرة بين التحريم والكراهية، والقرائن تحدد المراد في كل حالة بحسبها.
وقيل: بأنها تدل على التحريم عنده، وقيل: بأنها تدل على الكراهية عنده (2). والأول أقوى لأن ما اصطلح عليه المتأخرون من تقسيم المنهي عنه إلى محرّم ومكروه لم يكن متميزا في كلام المتقدمين.
وورع الأئمة المجتهدين جعلهم لا يصرحون بالحرمة إلّا بما ثبت بنص قطعي، وأما ما أدى الاجتهاد إليه فيعبرون عنه بمثل تلك الكلمات.
ومثال ذلك: عن عبد الله (3) قال: (سألت أبي عن الرجل يقطر في عينيه وهو صائم ويكتحل، هل عليه في ذلك شيء؟ قال: أكرهه، لا يقطر في عينيه شيء، ويقلّ من الكحل ولا يكثّر الميل ونحوه) (4). فالسياق يدل على أن المقصود بقوله: (أكرهه) كراهية تحريم لأنه وضّح وأكّد فقال:
(لا يقطر).
وعن عبد الله: (قلت لأبي: فإن رأوا الهلال يوم الشك قبل الزوال،
__________
(1) الإنصاف 12/ 247، والمدخل ص 48.
(2) المسودة ص 530529.
(3) عبد الله ابن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد الرحمن، حدث عن أبيه وعن يحيى بن معين وغيرهما، روى عنه البغوي، والخلال، وغيرهم، وكتب عن أبيه مسائل كثيرة، توفي سنة تسعين ومائتين. [طبقات الحنابلة 1/ 180، المنهج الأحمد 1/ 294، المقصد الأرشد 2/ 5].
(4) مسائل الإمام أحمد ص 187، وانظر المسألة في: المغني 4/ 353.(1/26)
ترى للناس أن يفطروا ساعة رأوا الهلال؟ قال: لا يعجبني ذلك. أرى أن يتمّوا صومهم) (1).
فهذا، قد أحاطت بها قرينة السياق التي تدل على أنه للتحريم.
أما الكراهية، فعن عبد الله قال: (سألت أبي عن الرجل يصوم تطوعا في السفر، فهل يأثم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ليس من البر الصوم في السفر» (2). فقال: إن صام في سفر صوم فريضة أجزأه، ولا يعجبني تطوعا ولا فريضة في سفر) (3).
ثانيا: ما أراد به الإباحة:
قوله: (لا بأس)، أو (أرجو ألابأس) يدل على الإباحة عنده (4).
ومثال ذلك: ما رواه عبد الله قال: (سألت أبي عن سؤر الهر؟
فقال أبي: لا بأس به. وسألت أبي عن الرجل يصيب ثوبه من طين المطر، وقد خالطه بول البغال والدواب؟ فقال: أرجو ألايكون به بأس) (5).
وقال عبد الله: (سألت أبي عن الطيب للصائم؟ قال: لا بأس) (6).
ثالثا: ما أراد به الندب:
قوله: (أحب كذا)، أو (أستحبه)، أو (هو أحسن)، أو (حسن)،
__________
(1) مسائل الإمام أحمد ص 176.
(2) رواه جابر بن عبد الله، أخرجه البخاري 2/ 238، ومسلم 3/ 147.
(3) مسائل الإمام أحمد ص 185.
(4) الإنصاف 12/ 249، والمسودة ص 530، وتهذيب الأجوبة ص 133.
(5) مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية ابنه عبد الله ص 9.
(6) مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية ابنه عبد الله ص 183.(1/27)
أو (هذا يعجبني)، أو (هو أعجب إلي): يدل عند جماهير الأصحاب على الندب عنده، وقيل: يدل على الوجوب عنده (1).
مثال ذلك: عن عبد الله قال: (سألت أبي: يحرم الرجل في دبر الصلاة أحب إليك؟ قال: أعجب إلي أن يصلي، وإن لم يصل فلا بأس) (2).
وعن عبد الله قال: (قلت: فيجب الأذان على الجماعة في السفر؟
قال: ما أحسنه. قلت: فإن لم يفعلوا؟ قال: يجزئهم) (3).
فظاهر أن مراده الندب.
__________
(1) الإنصاف 12/ 248، والمسودة ص 529، وذهب ابن حامد إلى أن قوله (أحب إلي) يدل على الإيجاب. تهذيب الأجوبة ص 123، والمدخل لابن بدران ص 51.
(2) مسائل الإمام أحمد ص 198.
(3) مسائل الإمام أحمد ص 198.(1/28)
المبحث الثاني طريقة الأصحاب في تحرير مذهب الإمام أحمد والتخريج على نصوصه
بعد بيان مصطلحات الإمام أحمد في فتواه، نقف مع الضوابط التي رسمها الأصحاب لتحرير مذهب الإمام أحمد والتخريج على نصوصه، وإليك بيانها:
أولا: ما قاله الإمام أو نبّه عليه ومات على ذلك: فهو مذهبه (1).
ثانيا: ما أجاب فيه بكتاب، أو سنّة، أو إجماع، أو قول بعض الصحابة: فهو مذهبه لأن قول أحد الصحابة حجة عنده على أصح الروايتين عنه (2).
ولا نقول إنه لا مذهب له في المسألة، بل نجزم بأن هذا مذهبه، لأن من أصول الإمام أنه لا يعارض تلك الأدلة بأدلة اجتهادية، من قياس أو غيره.
قال الإمام ابن القيم (3) في كلامه عن أصول الإمام أحمد: (فإذا وجد
__________
(1) المسودة ص 524، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 54.
(2) الإنصاف 12/ 250، والمسودة ص 530.
(3) هو محمد ابن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي، فقيه أصولي، من علماء(1/29)
النص أفتى بموجبه ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا من خالفه كائنا من كان.
ولهذا لم يلتفت إلى خلاف عمر (1) في المبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس (2)
ولا إلى خلافه في التيمم للجنب لحديث عمار بن ياسر (3). كما بيّن مكانة ما أفتى به الصحابة عنده، فقال: (فإذا وجد لبعضهم فتوى لا يعرف له مخالف منهم فيها لم يعدها إلى غيرها، ولم يقل: (وإن ذلك إجماع، بل من ورعه في العبادة يقول: (لا أعلم شيئا يدفعه) أو نحو هذا) (4).
وبيّن بعد ذلك أنه يقدم الحديث المرسل والضعيف على القياس وغيره
__________
الحنابلة، له عدة مصنفات، يكنى أبا عبد الله، لازم ابن تيمية، تبحر في عدة علوم، وتلقّى عنه كثيرون، توفي سنة إحدى وخمسين وسبعمائة. [انظر في:
طبقات الحنابلة 4/ 447، والمقصد الأرشد 2/ 384].
(1) عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، يكنى أبا حفص، لقّب بالفاروق، من المبشرين بالجنة، شهد المشاهد كلها، من فقهاء الصحابة رضي الله عنهم، ثاني الخلفاء الراشدين، استشهد سنة ثلاث وعشرين. [الإصابة 2/ 518، والثقات 2/ 196، وطبقات الحفاظ ص 13].
(2) حديث فاطمة بنت قيس: رواه مسلم 4/ 195، وأبو داود 2/ 716، والترمذي 3/ 484.
وفاطمة هي: بنت قيس بن خالد القرشية رضي الله عنها، أخت الضحاك بن قيس، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنها القاسم بن محمد وبعض التابعين، من أوائل المؤمنات، أشار عليها النبي صلى الله عليه وسلم بالزواج من أسامة فقبلت وحمدت ذلك.
[الإصابة 4/ 384، وتهذيب التهذيب 12/ 443].
(3) إعلام الموقعين 1/ 19. وحديث عمار: رواه البخاري 1/ 87، ومسلم 1/ 193.
وعمار هو: ابن ياسر بن مالك بن كنافة القيسي، حليف بني مخزوم، من أوائل المسلمين، شهد المشاهد كلها، استشهد في صفين. [الإصابة 2/ 512، وتهذيب الكمال 2/ 998، وتهذيب التهذيب 7/ 408].
(4) إعلام الموقعين 1/ 30.(1/30)
من الأدلة العقلية (1).
ثالثا: ما رواه من سنّة أو أثر، أو صححه، أو حسّنه، أو رضي سنده، أو دوّنه في كتبه ولم يردّه ولم يفت بخلافه: ففيه وجهان:
مذهب عبد الله (2)، وصالح (3)، والمروذي (4)، والأثرم (5)، وابن حامد (6)، وابن تيمية (7)،
__________
(1) إعلام الموقعين 1/ 32.
(2) عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، يكنى أبا عبد الرحمن، حدث عن أبيه وصنف مسائل في روايته، وتلقّى عن غيره فيهم يحيى بن معين، روى عنه البغوي، والخلال، وغيرهم حفظ عن أبيه المسند، وهو أكثر إخوانه رواية، توفي سنة تسعين ومائتين. [انظر: طبقات الحنابلة 1/ 180، والمقصد الأرشد 2/ 5].
(3) هو صالح ابن الإمام أحمد بن محمد ابن حنبل، أبو الفضل، أكبر أولاد الإمام، روى عنه عدة مسائل، سمع من كثيرين، وتلقّى عنه البغوي وغيره، توفي سنة ست وستين ومائتين. [طبقات الحنابلة 1/ 173، والمنهج الأحمد 1/ 231، والمقصد الأرشد 1/ 444].
(4) المروذي: أحمد بن محمد بن عبد ربه المروذي، تلقّى عن الإمام أحمد. [طبقات الحنابلة 1/ 75، والمقصد الأرشد 1/ 164، والمنهج الأحمد 1/ 364].
(5) أحمد بن محمد الأثرم: هو أحمد بن محمد بن هانىء الطائي الأثرم، أبو بكر، كان إماما جليلا متقنا، تلقّى عن الإمام أحمد وغيره، ونقل عنه مسائل كثيرة، وهبه الله زيادة في الفطنة والحفظ، مات نيّف وستين ومائتين. [المقصد الأرشد 1/ 161، وطبقات الحنابلة 1/ 66، والمنهج الأحمد 1/ 218].
(6) ابن حامد: الحسين بن حامد بن علي بن مروان البغدادي، إمام الحنابلة في زمانه، له عدة مصنفات، منها: الجامع، تلقّى عنه أبو يعلى وغيره، توفّي في عودته من الحج سنة ثلاث وأربعمائة. [طبقات الحنابلة 2/ 171، والمنهج الأحمد 2/ 98، والمقصد الأرشد 1/ 319].
(7) هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن أبي القاسم ابن تيمية، الحراني ثم(1/31)
والمرداوي (1) إلى أنه مذهب له.
وذهب بعضهم إلى أنه لا يكون مذهبا له (2).
استدل الفريق الأول بقول الله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللََّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}
[النور: 54].
فإذا ثبت الحديث وجب العمل به وعدم الذهاب إلى خلافه. فإذا ثبت عند الإمام الحديث وجب أن يكون به قائل.
واستدل الفريق الثاني بأنه لو جاز نسبة ذلك مذهبا له لجاز أن يكون أهل الاثار ومن دوّن الأخبار أنهم بالفقه مختصون وله قائلون (3).
والذي يترجح عندي أنه مع وجود نص معارض لا يعد مذهبا وذلك لورود عدة احتمالات. أما عند عدم وجود نص معارض فهو مذهب له لأن أصوله تدل على تقديمه للنصوص على الاجتهاد بالرأي.
والفرق بين هذا الضابط والذي قبله: أن هذا مجرد رواية، أما السابق فإنه إجابة وإفتاء.
__________
الدمشقي، تبحّر في العلوم وأتقن عدة علوم، ولد عام واحد وستين وستمائة، وتأهّل للإفتاء وعمره دون العشرين، وشرع في الجمع والتصنيف حتى برع فيه وأتقن، توفّي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. [المقصد الأرشد 1/ 132، وذيل طبقات الحنابلة 2/ 387، والمنهج الأحمد 1/ 424].
(1) هو علي بن سليمان المرداوي، أبو الحسن، ولقبه علاء الدين، تلقّى من تقي الدين بن قندس البعلي، أتقن فنونا عدة من العلم، له عدة مصنفات، توفّي سنة خمس وثمانين وثمانمائة. [انظر ترجمته في: مقدمة الإنصاف، وطبقات الأصوليين 3/ 53].
(2) الإنصاف 12/ 250، والمسودة ص 530، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 51.
(3) تهذيب الأجوبة ص 30بتصرف.(1/32)
رابعا: القياس على كلامه: هل ينسب مذهبا له؟
اختلف الأصحاب في نسبة ما قيس على كلامه إليه، مذهبا له، على أقوال:
1 - أنه لا يجوز نسبة ما قيس على كلامه إليه، فلا يعتبر مذهبا له، وإنما هو رأي من قاس، فإن كان من الأصحاب فهو وجه في المذهب. وقد ذهب إلى ذلك: الخلال (1)، وأبو بكر عبد العزيز (2)، واختاره الحلواني (3)، وغيرهم.
قال ابن حامد: (اختلف أصحابنا في ذلك، فقال عامة شيوخنا مثل: الخلال، وعبد العزيز، وأبي علي (4)،
__________
(1) أحمد بن محمد بن هارون أبو بكر الخلال، تلقّى عن المروذي وغيره، وتلقّى عن عبد الله وصالح أبناء الإمام أحمد، صنّف عدة مصنّفات، منها: السنّة، ونقل عنه عدد من الأصحاب، منهم: أبو بكر عبد العزيز، توفي سنة أحد عشرة وثلاثمائة. [طبقات الحنابلة 2/ 12، والمقصد الأرشد 1/ 167166، والمنهج الأحمد 2/ 8].
(2) عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد، المعروف بغلام الخلال، كنيته أبو بكر، لازم الخلال وحدث عنه وعن جماعته، وروى عنه ابن شاقلا وابن حامد وغيرهم، له عدة مصنفات منها: تفسير القران، والشافي، والتنبيه في الفقه، واسع الرواية، توفي سنة ثلاث وستين وثلاثمائة. [طبقات الحنابلة 2/ 19، المنهج الأحمد 2/ 68، المقصد الأرشد 2/ 126].
(3) محمد بن علي بن محمد عثمان الحلواني أبو الفتح، تلقّى من القاضي أبي يعلى وغيره، له عدة مصنفات، توفي سنة خمس وخمسمائة. [المقصد الأرشد 2/ 472، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 106، المنهج الأحمد 2/ 224].
(4) هو حنبل بن إسحاق الشيباني ابن عم الإمام أحمد، روى عنه مسائل، وسمع المسند من الإمام، تلقّى عنه الأصحاب، وله رحلات للعلم والتعليم، توفي سنة ثلاث وسبعين ومائتين.(1/33)
وإبراهيم (1)، وسائر من شاهدناه: أنه لا يجوز نسبته إليه من حيث القياس، وأنكروا على الخرقي (2) ما رسمه في كتابه من حيث أنه قاس على قوله) (3).
2 - أنه يجوز نسبة ما قيس على كلامه إليه فيعتبر مذهبا له، وذهب إلى ذلك: الأثرم والخرقي، واختاره المرداوي (4).
قال في الإنصاف: (والمقيس على كلامه مذهبه، على الصحيح من المذهب. قال في الفروع: مذهبه في الأشهر. وقدّمه في الرعايتين والحاوي وغيرهم، وهو مذهب الأثرم والخرقي وغيرهم) (5).
3 - التفصيل: فيجوز نسبته إليه إذا نص على العلة في كلامه. أما إذا كانت العلة مستنبطة، ولم يشهد على صحتها من كلام الإمام فلا يجوز نسبته إليه. وهو قول ابن حامد، وهو الراجح عندي لأنه صرح بربط الحكم بهذه العلة التي نص عليها. أما المستنبطة فيحتمل عدم موافقته على صحتها عنده.
__________
(1) من أصحاب أحمد عدة أشخاص بهذا الاسم، ولعلّ أشهرهم إبراهيم بن إسحاق الحربي، لازم الإمام ونقل عنه، عرف بالزهد والورع، له عدة مصنفات، تلقى عنه الأصحاب، توفي سنة خمس وثمانين ومائتين. [انظر: طبقات الحنابلة 1/ 86، 93، والمقصد الأرشد 1/ 212211].
(2) الخرقي: عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد، أبو القاسم الخرقي، تلقّى عن المروذي، وعبد الله وصالح ابني الإمام، له مصنفات عدة من أشهرها: المختصر، تتلمذ عليه جماعة من شيوخ المذهب، توفي سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة. [طبقات الحنابلة 2/ 75، والمنهج 2/ 61، والمقصد الأرشد 2/ 298].
(3) تهذيب الأجوبة ص 36.
(4) الإنصاف 12/ 243.
(5) تهذيب الأجوبة ص 37، والمسودة ص 525.(1/34)
وكل هذه الأقوال لا تستند إلى أدلة نقلية حتى نسوقها، وإنما هو اجتهاد قائم على النظر والتأمل.
خامسا: المفهوم من كلام الإمام: يعتبر مذهبا له إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه (1).
وما ثبت بالضابط الأول والثاني يسمى: رواية منصوصة. وما ثبت بالضابط الثالث والرابع والخامس يسمى: رواية مخرّجة. والرواية المنصوصة أقوى من المخرجة.
__________
(1) الإنصاف 12/ 147.(1/35)
المبحث الثالث منهج الأصحاب في الرواية التي رجع عنها الإمام
إذا اجتهد الإمام في مسألة ثم اجتهد في وقت اخر فيها، فتغير مؤدى اجتهاده عن الأول، فإن العمل السابق لا ينقض، لأن الاجتهاد لا ينقض بمثله، ولكن اختلف الأصحاب هل تسقط الرواية الأولى ولا تذكر، أو تذكر وتثبت في التصانيف رواية ثانية له، على أقوال:
القول
الأول: أن الاجتهاد الثاني مذهبه وهو ناسخ للأول
(1)، وبه قال أبو يعلى (2) وأبو الخطاب (3) وابن قدامة (4).
__________
(1) الإنصاف 1/ 10، وأيضا البلبل في أصول الفقه ص 182.
(2) تهذيب الأجوبة ص 101.
(3) هو محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد الفراء، شيخ المذهب تلقى عن ابن حامد وخلفه في حلقته عند حجه ثم علا قدره وأصبح مقدما عند الأصحاب وغيرهم، صنّف في الأصول والفروع، وقد اعتنى الأصحاب بأقواله، توفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة. طبقات الحنابلة 2/ 193، والمنهج الأحمد 2/ 128، والمقصد الأرشد 2/ 395.
(4) هو محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذاني، أبو الخطاب، البغدادي أحد أئمة المذهب، تتلمذ على أبي يعلى ولازمه حتى أتقن أصول المذهب وطرق الاستدلال، صنّف في الأصول والفقه، تتلمذ عليه عدد من شيوخ الأصحاب، توفي سنة عشر وخمسمائة. ذيل طبقات الحنابلة 1/ 116، والمنهج الأحمد 2/ 233، والمقصد الأرشد 3/ 20.(1/36)
القول
الثاني: أن الاجتهاد الأول مذهب ثان له
كالرواية الثانية، وبه قال الحسن بن حامد، فقد قال: (المذهب أننا ننسب إليه نص ما نقل عنه في الموضعين ولا نسقط من الروايات شيئا قلّت أم كثرت) (1).
واعترض بعض علماء المذهب وبعض علماء الشافعية على هذا بأنه لا يمكن معه القطع بمذهب الإمام، كما أن المجتهد إذا قال في وقت قولا وقال في اخر ضده، فإنا على يقين من أن أحد القولين خطأ عنده ولا يعقل أن يكون القول الثاني في رأيه خطأ، فلزم أن الأول في رأيه خطأ والثاني صواب، لذا غيّر اجتهاده، وأيضا اعترض عليه بما إذا صرح في رجوعه عن الأول فكيف ننسب إليه ما نفاه عن نفسه؟
وقد رد ابن حامد على ذلك بردود عديدة ولكنها غير مسلّمة له، فقد قاس ذلك على نزول نصوص الشارع (2)، وهو قياس مع الفارق، كما أنه يدل على عكس ما أراد حيث أن المتأخر من نصوص الشارع ناسخ لمعارضه المتقدّم.
كما ذكر بأن الصحابة يتغير اجتهادهم عندما يعلمون دليلا خفي عليهم فهم مأجورون على اجتهادهم الأول والثاني، ولكن ليس هذا محل النزاع وإنما الخلاف في إبقاء الرأي الأول أو إلغائه. والصحابة يتركون القول الأول إلى ما يتبين لهم في الاجتهاد الثاني، فيكون ذلك دليلا لما ذهب إليه أبو يعلى ومن وافقه.
__________
(1) هو عبد الله بن محمد بن أحمد محمد قدامة المقدسي أبو محمد، أحد أعلام المذهب، تلقى العلم عن كثيرين ورحل في طلبه، شهد بفضله أساتذته وأقرانه، له عدة مصنفات في الفقه وأصوله وغيرها، توفي سنة عشرون وستمائة. ذيل طبقات الحنابلة 2/ 234، والمنهج الأحمد 1/ 379، والمقصد الأرشد 2/ 54.
(2) تهذيب الأجوبة ص 103.(1/37)
وبناء عليه، فإن الراجح هو ما ذهب إليه أبو يعلى وأبو الخطاب وابن قدامة ومن وافقهم، ويؤيد هذا ما نقل عن الإمام أحمد أنه قال: (إذا رأيت ما هو أقوى أخذت به وتركت القول الأول) (1).
__________
(1) الإنصاف 1/ 10.(1/38)
المبحث الرابع الفرق بين الرواية والوجه والاحتمال والتخريج والتوجيه
لقد سار الأصحاب على نهج واضح في ترتيب مصطلحات المذهب، ميزوا فيها بين ما جاء عن الإمام وعن غيره من الأصحاب، فميزوا بين:
الرواية، والوجه، والتخريج، والاحتمال، والتوجيه.
فالرواية: نص الإمام أحمد رحمه الله أو نقلهم عنه.
أما الوجه: فقول أحد الأصحاب أو تخريجه إن كان مأخوذا من كلام الإمام أو إيمائه أو تعليله أو سياق كلامه وقوته، فإن كان مأخوذا من نص الإمام فهو رواية مخرجة له، وإن كان مقيسا عليه فهي رواية مخرجة عند من يرى القياس على كلامه، ووجها عند من لا يراه.
أما الاحتمال: فهو الدليل المرجوح بالنسبة إلى ما خالفه أو المساوي له، فإذا اختاره أحد الأصحاب كان وجها في المذهب.
أما التخريج: فهو نقل حكم المسألة إلى ما يشبهها والتسوية بينهما فيه.
أما التوجيه: فبيان وجه دلالة الدليل على الحكم (1).
__________
(1) انظر فيما سبق: الإنصاف 12/ 256، و 257، والمدخل لابن بدران ص 55، و 56.(1/39)
الباب الأول الدلالة عند الحنابلة واثارها الفقهية
وفيه تمهيد وفصلان:
التمهيد: في تعريف الدلالة.
الفصل الأول: في أقسام الدلالة، واثارها الفقهية.
الفصل الثاني: في دلالة الحروف، واثارها الفقهية.(1/41)
الفصل الثاني: في دلالة الحروف، واثارها الفقهية.
التمهيد في تعريف الدلالة
الدلالة لغة:
مصدر يدل دلالة.
قال ابن فارس: (دل: الدال واللام أصلان: أحدهما إبانة الشيء بأمارة تتعلمها، والاخر اضطراب في الشيء. فالأول قولهم: دللت فلانا على الطريق. والدليل: الأمارة في الشيء، وهو بيّن الدّلالة والدّلالة) (1).
واصطلاحا:
ما يلزم من فهم شيء فهم شيء اخر (2).
أي: هي العلاقة اللازمة الرابطة بين الدال والمدلول عليه، فمثلا الاية هي الدال والحكم هو المدلول عليه، والرابط بينهما هو الدلالة.
وتقسم الدلالة باعتبارات متعددة: إما باعتبار الدال، أو باعتبار قوتها:
فباعتبار الدال: إما أن يكون لفظا، أو غير لفظ، فإن كان لفظا فهي دلالة لفظية، وإلّا فهي دلالة غير لفظية.
وباعتبار الاستعمال تنقسم إلى: حقيقة ومجاز.
__________
(1) معجم مقاييس اللغة 2/ 259، وانظر: القاموس المحيط 3/ 388.
(2) شرح الكوكب المنير 1/ 125.(1/43)
وباعتبار وحدة المعنى المدلول عليه أو تعده تنقسم إلى: مترادف، ومتواطىء، ومشترك، ومتباين.
وباعتبار قوتها تنقسم إلى: دلالة قطعية، ودلالة ظنية.
وإليك بيان ذلك:(1/44)
الفصل الأول أقسام الدلالة واثارها الفقهية
وفيه مباحث:
المبحث الأول أقسام الدلالة باعتبار مصدرها
مصدر الدلالة: إما أن يكون لفظا أو غير لفظ.
لذا فالدلالة تنقسم إلى قسمين:
1 - دلالة لفظية.
2 - دلالة غير لفظية.
وغير اللفظية تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 - دلالة طبيعية:
كدلالة التنفس أو الحركة على الحياة.
2 - دلالة عقلية:
كدلالة الأثر على المؤثر، ومنه دلالة العالم على موجده وهو الله سبحانه وتعالى.
3 - دلالة وضعية:
كدلالة غروب الشمس على وقت إفطار الصائم، وعلى وقت صلاة المغرب. وهذا وضع شرعي. أما الوضع العرفي فكدلالة الضوء الأحمر من إشارة المرور على وجول التوقف، والأخضر على وجوب
السير، ودلالة اللباس العسكري على أن صاحبه من العسكريين، ودلالة الأوسمة على رتبته، ودلالة اللباس الطبي على أن صاحبه في مهنة الطب، ونحو ذلك.(1/45)
كدلالة غروب الشمس على وقت إفطار الصائم، وعلى وقت صلاة المغرب. وهذا وضع شرعي. أما الوضع العرفي فكدلالة الضوء الأحمر من إشارة المرور على وجول التوقف، والأخضر على وجوب
السير، ودلالة اللباس العسكري على أن صاحبه من العسكريين، ودلالة الأوسمة على رتبته، ودلالة اللباس الطبي على أن صاحبه في مهنة الطب، ونحو ذلك.
ومن أهم ما يبنى على هذه الدلالة: دلالة أفعال النبي صلى الله عليه وسلّم على الأحكام، فالله جل وعلا أرشدنا إلى الاقتداء والتأسي به، فقال:
{لَقَدْ كََانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللََّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كََانَ يَرْجُوا اللََّهَ وَالْيَوْمَ الْاخِرَ وَذَكَرَ اللََّهَ كَثِيراً (21)} [الأحزاب: 21].
فأفعاله صلى الله عليه وسلّم حجة تثبت بها الأحكام، لأن الله سبحانه جعله قدوة وأسوة.
أقسام الدلالة اللفظية:
أما الدلالة اللفظية: فتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 - دلالة طبيعية:
كدلالة أح أح على وجع الصدر.
2 - دلالة عقلية:
كدلالة الكلام على حياة صاحبه.
3 - دلالة وضعية:
وهي دلالة اللفظ على المعنى الموضوع له.
وتنقسم الوضعية إلى ثلاثة أقسام:
1 - دلالة مطابقة:
وهي دلالة اللفظ على تمام المعنى الموضوع له، كدلالة القران على جميع سوره.
2 - دلالة تضمن:
وهي دلالة اللفظ على جزء مسمّاه، كإطلاق القران على سورة أو اية منه.
3 - دلالة التزام:
وهي دلالة اللفظ على لازم مسماه الخارج عنه، كدلالة الإنسان على صفة الضحك أو صفة الكتابة.
وفي اعتبار دلالة الالتزام مستفادة من اللفظ أو من العقل وجهان في المذهب (1)، ولا أرى له أثرا يدعو إلى التفصيل فيه.
__________
(1) راجع فيما سبق: شرح الكوكب المنير 1/ 128125.(1/46)
اثارها الفقهية:
يترتب على ما سبق اثار فقهية منها:
1 - لو حلف إن وطأت رجله أرض العراق فإن عليه كذا؟ فإنه يحنث بمجرد عودته إلى أي مدينة أو موطن فيه لدلالة التضمن.
2 - لو دخل في الطواف لكنه طاف دون الحجر ولم يطف خلفه؟
فيلزمه الإعادة لأن الحجر من البيت فلم يطف بكامل البيت. وفي ذلك روى عبد الله عن أبيه أنه قال: (أرى أن يعيد الطواف من عند الحجر الأسود) (1).
3 - لو نذر أن يصلي تهجدا عشر ركعات، ثم صلى على غير وضوء؟ لم يف بنذره لأن الوضوء وإن كان خارجا عن الصلاة إلّا أنه لازم لها. فدلالة الالتزام دلت عليه.
4 - لو قال هذه الناقة أمانة عندي لفلان، فلازم إقراره أن نتاجها كذلك، فيردها ويرد ولدها.
__________
(1) مسائل الإمام أحمد ص 231.(1/47)
المبحث الثاني الحقيقة والمجاز
المطلب الأول: تعريف الحقيقة:
الحقيقة لغة:
مشتقة من الحق. فيقال: حقيقة الأمر، وفلان حامي الحقيقة إذا حمى ما يجب عليه. والمحقّق من الكلام: الرصين، ومن الثياب:
المحكم النسج. ويقال: حققت الأمر وأحققته، أي: كنت على يقين منه (1).
واصطلاحا:
اللفظ المستعمل في وضعه الأصلي (2).
فيشمل ما أصل وضعه في اللغة، أو الشرع، أو العرف، سواء أكان الوضع قديما، أو جديدا لشيء جديد.
المطلب الثاني: أقسام الحقيقة:
تنقسم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام:
1 - حقيقة لغوية:
وهي اللفظ المستعمل في وضعه اللغوي الأصلي.
__________
(1) انظر: معجم مقاييس اللغة 2/ 1915، والقاموس المحيط 3/ 229228.
(2) روضة الناظر ص 173، وعبارة القاضي فيه: كل لفظ بقي على موضوعه، وعبارة أبي الخطاب قريبة من ذلك، والمعنى في الجميع واحد. انظر: العدة 1/ 172، والتمهيد 1/ 78، وانظر: الإحكام للامدي 1/ 27.(1/48)
مثل: (الأسد) حقيقة في الحيوان المعروف. و (البحر) حقيقة في المحيطات والبحار المعروفة.
2 - حقيقة شرعية:
وهي اللفظ المستعمل في أصل وضعه الشرعي.
مثل: (الصلاة) حقيقة في ما افتتح بالتكبير واختتم بالتسليم.
و (الوضوء) حقيقة في غسل الأعضاء المعلومة على الصيغة المطلوبة شرعا.
و (الصوم) حقيقة في الإمساك عن سائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
3 - حقيقة عرفية:
وهي اللفظ المستعمل في ما تعارف عليه الناس، سواء كان تعارفا عاما أو تعارفا خاصا.
مثاله: تعارف الناس على أن اللحم غير السمك والجراد (1).
* واختلف العلماء في الأسماء الشرعية كالصلاة والزكاة والصيام، هل تكون حقيقة في معناها الشرعي أم لا؟
مذهب الحنابلة أنها حقيقة في مسمياتها الشرعية.
قال أبو الخطاب: (الأسماء المنقولة من اللغة إلى الشرع حقيقة في مسمياتها مثل الصلاة والصيام والزكاة والحج، فيكون حد الاسم الشرعي:
ما استفيد بالشرع وضعه للمعنى، سواء عرفه أهل اللغة أولم يعرفوه. فإذا أطلق الشرع الأمر بالصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج؟ حمل على الشرعية) (2).
وقال ابن قدامة: (وعند إطلاق هذه الألفاظ في لسان الشرع وكلام الفقهاء، يجب حمله على الحقيقة الشرعية دون اللغوية) (3).
__________
(1) انظر: شرح الكوكب المنير 1/ 150149.
(2) التمهيد 2/ 252.
(3) روضة الناظر ص 174، والضمير في «حمله» الأولى أن يكون «حملها» ليتناسب مع كلمة الألفاظ.(1/49)
وبذلك قال جمهور العلماء (1).
وذهب بعضهم إلى منع ذلك، محتجا بأن ذلك يخرجها عن كونها من لغة العرب، ولا بد فيها من تنبيه للمخاطبين على ترك ما فهموه بأصل وضعهم.
وهذا الاستدلال مردود بأن النبي صلى الله عليه وسلّم بينها بيانا عاما مستفيضا. وبأن اللغة لا تمنع من الانتقال إلى المعنى في الاستعمال العرفي، فكذا الاستعمال الشرعي، ولا مانع في اللغة من إحداث اسم لمسمى جديد، فكذلك هنا.
واستدل الجمهور بورود ذلك في الشرع وعدم إنكار أهل اللغة له، فلو لم يكن حقيقة مفهومة لديهم لعاب كفار قريش على محمد صلى الله عليه وسلّم ذلك (2).
المطلب الثالث: اثارها الفقهية:
يترتب على أقسام الحقيقة اثار فقهية منها:
1 - إذا نذر أن يصلي أو يصوم: وجب عليه صلاة شرعية وصيام شرعي، ولا يبرأ بالدعاء أو بمجرد الإمساك.
2 - إذا حلف ألايأكل لحما، فأكل سمكا أو جرادا: لم يحنث لأن اللحم لا يطلق في العرف على السمك والجراد (3).
3 - قال ابن رجب: (لو حلف على لفظ الدابة والسقف والسراج والوتد؟ لا يتناول إلّا ما يسمى في العرف كذلك) (4).
__________
(1) انظر: الإحكام، للامدي 1/ 35.
(2) انظر: التمهيد 2/ 260253، والإحكام 1/ 4436.
(3) القواعد الكبرى، لابن رجب ص 275.
(4) القواعد الكبرى، لابن رجب ص 274.(1/50)
المطلب الرابع: وقوع المجاز في اللغة:
المجاز واقع في اللغة عند جمهور العلماء (1)، خلافا للإسفرائيني (2)، وهو اللفظ المستعمل في غير موضعه الأصلي على وجه يصح (3).
وقيل: هو كل اسم أفاد معنى على غير ما وضع له (4). وهذا اختيار أبي الخطاب.
والأول اختيار ابن قدامة، وهو أولى لأنه لو أطلق اسم الأرض على السماء أو العكس، فإنه استعمال له في غير ما وضع له، لكنه لا يصح فلا يسمى مجازا.
واستدل الجمهور على وقوعه باستفاضته في كلام العرب، بإطلاقهم الأسد على الرجل الشجاع، والحمار على الرجل البليد، والبحر على الكريم، ونحو ذلك مما لا يخفى على من له أدنى اطلاع في لغة العرب. أما المانعون فهم قلة حيث اشتهر ذلك عن أبي إسحاق الإسفرايني.
وحجتهم في المنع: أن اللفظ استعمل في وضع ثان له هو حقيقة فيه كالمشترك.
وقد رد أبو الخطاب على المانعين فقال: (لا يخلو منعهم أن يقولوا:
__________
(1) التمهيد 1/ 78، و 2/ 264، وشرح الكواكب 1/ 191، والمسودة ص 564.
(2) انظر: الإحكام للامدي 1/ 45.
وأبو إسحاق الإسفراييني، هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإسفراييني، من أئمة الشافعية، فقيه أصولي له مصنفات، توفي سنة ثمان عشرة وأربعمائة. [انظر:
الفتح المبين 1/ 228، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 126].
(3) روضة الناظر ص 64، والمختصر ص 42.
(4) التمهيد 1/ 78، وأيضا في 2/ 250.(1/51)
إن أهل اللغة لم يستعملوا اسم الحمار في البليد، واسم الأسد في الشجاع، وما أشبه ذلك من الأسماء التي نقول إنها مجاز، فهذه مكابرة لا يكلم مرتكبها.
أو يقولوا: (إن أهل اللغة وضعوا اسم الحمار للبليد واسم الأسد للشجاع كما وضعوه للبهيمة)، فهذا باطل لأنا نعلم أن السابق إلى فهم من سمع قائلا يقول: (مرّ بي حمار): أنّ المارّ بهيمة، و (رأيت أسدا): أنه بهيمة، فلو كان وضعهما سواء لما سبق إلى الفهم أحدهما، ولهذا لو قلت:
(هذا أسد) للرجل، قيل لك: بل هو رجل، فتحتاج أن تقول: هو كالأسد في القوة والإقدام. فصار تسميته بالأسد تشبيها فدل على أنه مجاز. فإن قيل:
فإذا كانت الحقائق تعم المسميات فلماذا تجوز بالأسماء في غير ما وضعت له؟ قلنا: لأن في المجاز من المبالغة ما ليس في الحقيقة ولهذا وصفنا البليد بأنه حمار كان أبلغ في إبانة بلادته من قولنا بليد) (1).
ولذا، فإن الراجح عندي ما ذهب إليه الجمهور أن المجاز واقع في اللغة.
أما موقف الإمام تقي الدين ابن تيمية، فإن المتتبع للمسودة يجد فيها قوله: (اللغة مشتملة على الحقيقة والمجاز في قول الكافة خلافا للإسفرائيني) (2)، وأيضا قال: (في القران مجاز) (3).
أما في الفتاوى فقد ناقش الامدي في نسبته القول بالمجاز لجمهور الأصوليين، وأنكر أن يكون أحد من الأئمة المتقدمين قد صرح بتقسيم
__________
(1) التمهيد 2/ 265264.
(2) المسودة ص 564.
(3) المسودة ص 164.(1/52)
الكلام إلى حقيقة ومجاز، ثم قال: (وإن أراد من عرف بهذا التقسيم من المتأخرين المعتزلة وغيرهم من أهل الكلام، ومن سلك طريقهم في ذلك من الفقهاء، قيل له: لا ريب أن أكثر هؤلاء قسموا هذا التقسيم، لكن ليس فيهم إمام في فن من فنون الإسلام لا التفسير ولا الحديث ولا الفقه ولا اللغة ولا النحو) (1).
ثم ناقش ما احتج به الامدي، وقال: (الجواب عن هذه الحجة من وجوه: أحدها: أن يقال: ما ذكرته من الاستعمال غير ممنوع، لكن قولك:
(إن هذه الأسماء إما أن تكون حقيقة أو مجازية)، إنما يصح إذا ثبت انقسام الكلام إلى الحقيقة والمجاز. ثم قال: (وهذا محل النزاع، فكيف تجعل محل النزاع مقدمة في إثبات نفسه وتصادر على المطلوب) (2).
وبعد أن قرر ضعف ما احتج به الامدي وأن هذا التقسيم مصطلح حادث لم ينقل عن العرب ولا عن الصحابة ولا عن التابعين ومن بعدهم من الأئمة الأربعة وأئمة النحو، ذكر مفاسد حمل النصوص الشرعية على المجاز (3).
ولكن إذا تتبعت قوله في: «رفع الملام عن الأئمة الأعلام»، تجده في السبب السادس من أسباب اختلافهم، وهو عدم معرفة دلالة الحديث، يقول: (وتارة لكون اللفظ مشتركا أو مجملا أو مترددا بين حقيقة ومجاز فيحمله على الأقرب عنده) (4). فأثبت المجاز وعده من أنواع الدلالة.
__________
(1) الفتاوى 20/ 404.
(2) الفتاوى 20/ 407، 408.
(3) الفتاوى 20/ 455.
(4) رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وانظر: الفتاوى 20/ 245.(1/53)
وأيضا قال في السبب الثامن: (اعتقاده أن تلك الدلالة قد عارضها ما دل على أنها ليست مرادة. مثل معارضة العام بخاص، أو المطلق بمقيد، أو الأمر المطلق بما ينفي الوجوب، أو الحقيقة بما يدل على المجاز) (1).
فكلامه هنا متفق مع ما في المسودة وهو ظاهر في إثباته للمجاز. وما ذكره في التعقيب على كلام الامدي لعل المقصود به إبطال حمل ايات الصفات على المجاز وإبطال مسلك المغالين في حمل النصوص الشرعية على المجاز، وبذلك يتفق كلامه كما تبين لك.
وفي كتاب الإيمان جمع بين ذلك مما يؤيد هذا التوجيه، فقال:
(تقسيم الألفاظ الدالة على معانيها إلى حقيقة ومجاز، وتقسيم دلالتها أو المعاني المدلول عليها: إن استعمل لفظ الحقيقة والمجاز في المدلول أو في الدلالة، فإن هذا كله قد يقع في كلام المتأخرين، ولكن المشهور أن الحقيقة والمجاز من عوارض الألفاظ، وبكل حال فهذا التقسيم اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة) (2).
وأنكر المغالين في حمل النصوص على المجاز حيث جعلوا العام بعد التخصيص مجاز، والمطلق بعد التقييد مجاز، فقال: (وبالجملة: إن كان هذا مجازا، فيكون تقييد الفعل المطلق بالمفعول به، وبظرف الزمان والمكان مجازا، وكذلك الحال. وكذلك كل ما قيد بقيد فيلزم أن يكون الكلام كله مجازا، فأين الحقيقة؟) (3).
وهذا يبين ما ذكرنا.
__________
(1) رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وانظر: الفتاوى 20/ 246.
(2) كتاب الإيمان ص 8483.
(3) كتاب الإيمان ص 9998.(1/54)
وموقف تلميذه ابن القيم يشير إلى هذا حيث أبطل قول من حملوا ايات الصفات على المجاز، فقال: (الفصل الرابع والعشرون: في ذكر الطواغيت الأربع التي هدم بها معاقل الدين وانتهكوا بها حرمة القران ومحوا بها رسوم الإيمان، وهي: قولهم: (إن كلام الله وكلام رسوله أدلة لفظية لا تفيد علما ولا يحصل منها يقين). وقولهم: (إن ايات الصفات وأحاديث الصفات مجازات لا حقيقة لها). ثم ذكر الثالث والرابع (1).
فهذا يدل على نفي حمل ايات الصفات على المجاز، لا على نفي المجاز مطلقا.
المطلب الخامس: اثاره الفقهية: ينبني على ذلك اثار في الفقه كثيرة، منها:
1 - إذا حلف (لا يشرب من دجلة أو الفرات)، فإنه يحنث باغترافه منه بإناء وشربه منه. لأنه مجاز راجح. وهذا مذهب الأصحاب (2).
2 - إذا حلف أن (لا يأكل من هذه النخلة)، فإنه يحنث بثمرها لا بخشبها لأن الحقيقة مماتة (3).
3 - إذا لم ينتظم الكلام إلّا بارتكاب المجاز، مثل أن يقول رجل لزوجتيه: (إذا حضتما حيضة فأنتما طالقتان)، فلا شك في استحالة اشتراكهما في حيضة واحدة، بل لا بد من حمله على المجاز: إما بتقدير النقص وهو الأولى، وتقديره: (إن حاضت كل واحدة منكما حيضة)، أو الزيادة، وهو زيادة حيضة.
__________
(1) الصواعق المرسلة 2/ 632، الثالث قولهم: إن أخبار الرسول لا تفيد العلم، والرابع: تقديم العقل على الوحي.
(2) القواعد والفوائد الأصولية ص 124.
(3) القواعد والفوائد الأصولية ص 123.(1/55)
(وفي حكم هذه المسألة للأصحاب أربعة أوجه:
أولها: سلوك الزيادة ويصير التقدير: (إن حضتما فأنتما طالقتان).
فإذا طعنتا في الحيض طلقتا. وهذا قول القاضي أبي يعلى.
والثاني: سلوك النقص، وهو الإضمار، فلا تطلق واحدة منهما حتى تحيض كل واحدة منهما حيضة واحدة، ويكون التقدير: (إن حاضت كل واحدة منكما حيضة واحدة فأنتما طالقتان). نظيره قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمََانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]، أي: اجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة. وهو اختيار صاحب المغني.
والثالث: تطلقان بحيضة إحداهما لأنه لما تعذر وجود الفعل منهما وجبت إضافته إلى إحداهما، كقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجََانُ (22)}
[الرحمن: 22] وإنما يخرج من أحدهما.
والرابع: لا تطلقان بحال، بناء على أنه لا يقع الطلاق المعلق على المستحيل) (1).
المطلب السادس: وقوع المجاز في القران:
المجاز واقع في القران الكريم عند الأكثر (2)، وقد نص عليه الإمام أحمد حيث قال في قوله تعالى: {إِنََّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15)} [الشعراء: 15]:
(هذا في مجاز اللغة، يقول الرجل: إنا سنجري عليك رزقك، إنا سنفعل بك خيرا) (3).
__________
(1) القواعد والفوائد الأصولية ص 124، و 125، وشرح الكوكب 1/ 196، و 197.
(2) التمهيد 1/ 80، و 2/ 265، وروضة الناظر ص 64، والمختصر ص 45.
(3) العدة 2/ 695.(1/56)
وخالف في ذلك بعض أهل الظاهر (1) وابن حامد ومن وافقه من الأصحاب (2)، وقالوا: ليس فيه مجاز بل كله حقيقة حكى الفخر إسماعيل أنه رواية للإمام أحمد (3).
* وقد فصل القاضي وأبو الخطاب في الاستدلال ومناقشة أدلة المخالفين:
والأدلة التي استدلوا بها على وقوعه هي:
1 - أن القران عربي بلغة العرب، وقد وجدنا أن لغة العرب يدخلها المجاز، فلزم أن يجوز ذلك في كلام الله تعالى.
2 - أن استعمال اللفظ في غير ما وضع له موجود في القران، وهذا هو المجاز. وقد أتى بالزيادة، أو بالنقص، أو بالاستعارة، أو بالتقديم والتأخير.
فالزيادة، كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].
قال أبو الخطاب: (فهذه كاف زائدة لا يحتاج إليها) (4). وكقوله تعالى:
{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهََارُ} [البقرة: 25]، وتقديره: تجري تحتها. وأما النقصان، فمثل قوله تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، وقوله:
{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقرة: 93].
__________
(1) الإحكام لابن حزم 1/ 413، والمسودة ص 165، وذكر أنه مذهب بعض الشيعة.
(2) المختصر 45/ 46، والمسودة ص 165، وبين أنه مذهب أبي الحسن التميمي والخرزي.
(3) شرح الكوكب 1/ 192.
(4) التمهيد 1/ 81، وهذا ليس على إطلاقه، بل المراد من حيث أن الكاف للتشبيه ومثل للتشبيه وإلّا فإنها لا تخلو من دلالة، فمن المعلوم أن زيادة المبنى تدل على زيادة في المعنى.(1/57)
وقوله: {ذََلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ} [مريم: 34] معناه صاحب قول الحق (1).
وأما الاستعارة فمثل قوله تعالى: {جِدََاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}
[الكهف: 77].
وأما التقديم والتأخير فمثل قوله تعالى: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى ََ (4) فَجَعَلَهُ غُثََاءً أَحْوى ََ (5)} [الأعلى: 4، 5].
قال أبو الخطاب: (معناه خلق المرعى أحوى فجعله غثاء) (2)، وهناك وجه اخر في تفسيرها (3).
(فإن قيل: هذا ليس بمجاز وإنما هو زيادة ونقصان واستعارة وتقديم وتأخير، قيل: هذا هو المجاز على ما بيناه. وإلّا فبينوا المجاز ما هو حتى ننظر فيه هل هو في القران أو لا) (4).
ورد القاضي: (إن هذه الألفاظ لم يوضع لها في صميم اللغة. فإن لم تسمها مجازا، فذلك منازعة في عبارة مع تسليم المعنى الموجود في المجاز) (5).
وقد ذكر ابن قدامة أمثلة على وقوعه، فقال: (القران يشتمل على الحقيقة والمجاز، وهو اللفظ المستعمل في غير موضعه الأصلي على وجه يصح، كقوله: {وَاخْفِضْ لَهُمََا جَنََاحَ الذُّلِّ} [الإسراء: 24]،
__________
(1) العدة 2/ 696، والتمهيد 1/ 81.
(2) التمهيد 1/ 82.
(3) انظر: ابن كثير 4/ 500، وفتح القدير 5/ 423.
(4) التمهيد 1/ 82.
(5) العدة 2/ 700.(1/58)
{وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، {جِدََاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77]، {أَوْ جََاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغََائِطِ} [النساء: 43، المائدة: 6]، {وَجَزََاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهََا} [الشورى: 40]، {فَمَنِ اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: 194]، {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللََّهَ} [الأحزاب: 57]، أي: أولياء الله، وذلك كله مجاز لأنه استعمال للفظ في غير موضعه.
ومن منع فقد كابر، ومن سلّم وقال: لا أسميه مجازا فهو نزاع في عبارة لا فائدة في المشاحة فيه، والله أعلم) (1).
واحتج المخالف بما يلي:
1 - أن المجاز كذب لأنه يتناول الشيء على خلاف الوضع، والقران حق ولا يكون إلّا حقيقة فلا مجاز فيه.
ورد ذلك: بأن المجاز ليس كذبا لأن الكذب يتناول الشيء على غير مطابقة الواقع، والمجاز فيه تطابق الخبر مع الواقع حيث تعرف الناس على دلالة اللفظ على ذلك المعنى. كما أن العرب استحسنوا التكلم بالمجاز مع استقباحهم الكذب (2)، أما أن القران حق ولا يكون إلّا حقيقة فلا يصح هذا التلازم، فالقران حق بحقيقته ومجازه.
كما أن الباطل يكون حقيقة ومجازا، فعبادة الوثن باطل مع أنها حقيقة.
2 (المجاز لا ينبىء عن المراد، فإذا لم ينبىء عن المراد كان ذلك إلباسا وإشكالا، والقران لا يجوز أن يكون فيه تلبيس لأنه بيان)، والدليل عليه قوله تعالى: {تِبْيََاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89].
__________
(1) روضة الناظر ص 64.
(2) انظر: الدليل والرد عليه في العدة 2/ 700، و 701، والتمهيد 1/ 86.(1/59)
والجواب:
أنه يكون إلباسا لو لم تكن دلالة الاستعمال دالة عليه، وقد ذكر أبو الخطاب أدلة أخرى لهم وردّ عليها بردود كافية وافية (1).
والراجح:
هو القول الأول لقوة أدلته وسلامتها.
المطلب السابع: اثاره الفقهية:
يترتب على ذلك اثار كثيرة في الاعتقاد وفي مسائل فقهية متعددة. أما في الاعتقاد فمثاله: أن معية الله تعالى لرسله وللمؤمنين، أي: بنصره وتأييده. أما معيته لخلقه، أي: بعلمه، فمن أنكر المجاز في القران، فإما أن تكون مخالفته في مجرد اللفظ أو يرى أن الله معهم بذاته وهذا مذهب باطل.
أما الاثار الفقهية، فمنها:
1 - ورد لفظ النكاح في كتاب الله في مواضع كثيرة، والنكاح حقيقة في الوطء مجاز في العقد، وقد ورد في مواضع كثيرة ويراد به المعنى المجازي، ويتفرّع على هذا مسائل عدة في باب النكاح.
__________
(1) التمهيد 1/ 84، و 85.(1/60)
المبحث الثالث دلالة اللفظ باعتبار وحدة المعنى أو تعدده
المطلب الأول: المترادف:
المترادف: هو ما تعددت أسماؤه واتحد مسمّاه مثاله: الأسد، والليث، والغضنفر، والهزبر، أسماء لمسمى واحد، وأم القرى، وبكة، ومكة أسماء لمسمى واحد. وهو واقع في اللغة عند أكثر العلماء.
قال ابن اللحام: (المترادف واقع عند أصحابنا والحنفية والشافعية خلافا لثعلب وابن فارس مطلقا وللإمام الرازي (1) في الأسماء الشرعية) (2).
وقال الفتوحي: (الذي عليه أصحابنا والحنفية والشافعية أنه واقع في اللغة في الأسماء والأفعال والحروف فمن أمثلته في الأسماء، الأسد، والسبع، والليث، والغضنفر، فإنها كلها للحيوان المفترس المعروف. وفي الأفعال: قعد، وجلس، وكذا مضى وذهب، وفي الحروف: إلى وحتى لانتهاء الغاية) (3).
__________
(1) ما بين الشرطتين أضفته للتوضيح ودفع الإيهام.
(2) المختصر ص 42، وانظر المسألة في: جمع الجوامع 1/ 290، والإحكام للامدي 1/ 23.
(3) شرح الكوكب المنير 1/ 141.(1/61)
فإن تعددت الألفاظ على مسمى واحد لكن اشتمل كل اسم على إفادة صيغة لم يفدها الاخر كان ذلك مترادفا مع الدلالة على المسمى متباينا في الدلالة على صفاته، كالسيف والصارم والمهند، ومن هذه أسماء الله جل وعلا، فهي مترادفة في الدلالة على وحدة المسمى متباينة في ما دلّت عليه من صفات الله جل وعلا (1).
والمترادف الذي لا تعبّد فيه بلفظ معين يقوم كل لفظ مقام الاخر، لأن المقصود هو المعنى (2).
المطلب الثاني: المتواطىء:
المتواطىء: هو اللفظ الدال على مسميات متفقة، مثاله: «إنسان»، لفظ واحد يصدق على كل رجل وامرأة.
قال ابن قدامة: (أما المتواطئة فهي الأسماء المنطلقة على أشياء متغايرة بالعدد متفقة في المعنى التي وضع الاسم عليها، كالرجل ينطلق على زيد وعمرو، والجسم يطلق عليهما وعلى السماء والأرض لاتفاقهما في معنى الجسمية) (3).
المطلب الثالث: المشترك:
المشترك: هو اللفظ الدال على مسميات مختلفة، مثاله: العين يطلق على العين الباصرة. وعلى مهد الذهب، والقرء يطلق على الحيض وعلى
__________
(1) التحفة المهدية ص 226225.
(2) المختصر ص 42، وشرح الكوكب 1/ 145، وذكر صاحب الإبهاج فيه تفصيلا.
انظر: الإبهاج 1/ 243.
(3) روضة الناظر ص 16، وانظر المسألة: شرح الكوكب المنير 1/ 134.(1/62)
الطهر، وهو واقع في اللغة عند أكثر العلماء والحنابلة منهم (1).
وذهب بعض العلماء إلى نفي وقوعه وتأولوا ما ذكر فيه الاشتراك إلى أنه متواطىء أو حقيقة ومجاز (2).
وهو واقع في القران والسنّة، ومن العلماء من نفى وقوعه فيهما وتأوله أيضا (3).
واختلف العلماء في دلالته على معانيه هل هي حقيقة أم مجاز؟
قال أبو الخطاب: اختلفوا في الاسم المشترك بين شيئين هل هو حقيقة فيهما، مثل قرء هل هو حقيقة في الحيض وحقيقة في الطهر؟ فقال أكثر الناس: هو حقيقة فيهما.
ومنع الأقل من ذلك وذكروا أن الغرض من المواضعة تمييز المعاني بالأسماء ليقع بها الإفهام، فلو وضعوا لفظة واحدة لشيء ولخلافه على البدل لم يفهم بها أحدهما وفي ذلك نقض لغرض المواضعة.
وهذا غلط لأنه لا يمتنع أن تضع قبيلة اسم القرء للحيض، وتضعه أخرى للطهر، ويشيع ذلك ويخفى أن الاسم موضوع لهما من قبيلتين، ويفهم من إطلاقه الحيض والطهر على البدل لما شاع وثبت) (4).
__________
(1) روضة الناظر ص 16، وشرح الكوكب المنير 1/ 140139، والمختصر ص 4140، والإحكام 1/ 19، ومختصر المنتهى وشرحه 1/ 127، وشرح تنقيح الفصول ص 29.
(2) انظر: الإبهاج 1/ 250.
(3) المختصر لابن اللحام ص 41، الإبهاج 1/ 252.
(4) التمهيد 2/ 251، وذكر جوابا اخر في الرد على المانعين، وقد ذكر المسألة في الجزء الأول ص 8887.(1/63)
المطلب الرابع: المتباين:
المتباين: هو الألفاظ المتعددة لمعان مختلفة مثاله: الجبل، والسهل، والبحر، فتلك متباينة، وهذا كثير في اللغة، قال ابن قدامة:
(المتباينة: الأسماء المختلفة للمعاني المختلفة كالسماء والأرض وهي الأكثر) (1).
وإذا اشتمل السياق على ما هو دائر بين الترادف والتباين حمل على التبيان لأن فيه زيادة معنى (2).
__________
(1) روضة الناظر 1/ 15.
(2) شرح الكوكب 1/ 297.(1/64)
الفصل الثاني دلالة الحروف واثارها الفقهية
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: المراد بالحروف عند الأصوليين.
المبحث الثاني: معاني الحروف واثارها الفقهية.(1/65)
المبحث الثاني: معاني الحروف واثارها الفقهية.
المبحث الأول المراد بالحروف عند الأصوليين
الحرف في اللغة يطلق على عدة معان، منها: الطّرف، فطرف كل شيء حرفه، ويطلق على الحروف المكتوبة من حروف المعجم (1).
وقد ميز النحاة بين الاسم والفعل والحرف بمميزات.
ولكن مراد الأصوليين به في هذا الموضع: الألفاظ المفردة التي تؤثر على معنى الكلام، فذكروا أسماء الشرط وأسماء الاستفهام ولم يقتصروا على مراد النحاة، بل قصدوا ما رسمه أهل المعاني.
قال ابن عقيل: (وأما الحرف اللغوي الذي يتكلم أهل العربية على معانيه وأحكامه فهو اللفظ المتصل بالأسماء والأفعال وكل جملة من القول، والداخل عليها لتغيير معانيها وفوائدها مثل: من، وإلى، وحتى، وما) (2).
__________
(1) انظر: القاموس المحيط 3/ 131.
(2) الواضح لابن عقيل 1/ 24ب، 25أمخطوط.(1/67)
المبحث الثاني معاني الحروف واثارها الفقهية
وفيه مطالب:
المطلب الأول: معاني الواو:
تتعدد دلالة الواو بتعدد حالات السياق الذي ترد فيه، فإليك بيان معانيها:
أولا: الاستئناف:
وهو ابتداء معنى جديد بعد الانتهاء من معنى اخر.
قال الفيروز ابادي: (الاستئناف والائتناف: الابتداء) (1).
فقد وردت الواو دالة على الاستئناف: في قول الله تعالى: {وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ امَنََّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنََا وَمََا يَذَّكَّرُ إِلََّا أُولُوا الْأَلْبََابِ (7)} [ال عمران: 7]، ففي مذهب الجمهور (2) أن الوقف لازم على (إلّا الله). والواو دالة على الاستئناف وما بعدها كلام مستأنف.
قال أبو الخطاب: (إذا لو لم يرد الاستئناف كان قوله تعالى: {فَيَقُولُونَ}
__________
(1) القاموس المحيط، باب الفاء، فصل الهمزة (الأنف) 3/ 123.
(2) انظر: جامع البيان للطبري 3/ 122، وفتح القدير 1/ 315.(1/68)
{مََا ذََا أَرََادَ اللََّهُ بِهََذََا مَثَلًا} كلاما منقطعا) (1)، وسوف يأتي تفصيل ذلك في المطلب التالي.
ثانيا: القسم:
وردت الواو دالة على القسم بدلا عن الباء، حيث أن الأصل في القسم الباء، إذ تقول أقسم بالله ثم حذفوا فقالوا: (بالله لقد كان كذا، ثم جعلوا الواو بدلا عن الباء لأن مخرجهما من الشفتين) فقالوا: (والله) (2) ومثاله قول الله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحََاهََا (1) وَالْقَمَرِ إِذََا تَلََاهََا (2) وَالنَّهََارِ إِذََا جَلََّاهََا (3) وَاللَّيْلِ إِذََا يَغْشََاهََا (4) وَالسَّمََاءِ وَمََا بَنََاهََا (5) وَالْأَرْضِ وَمََا طَحََاهََا (6) وَنَفْسٍ وَمََا سَوََّاهََا (7) فَأَلْهَمَهََا فُجُورَهََا وَتَقْوََاهََا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكََّاهََا (9) وَقَدْ خََابَ مَنْ دَسََّاهََا (10)} [الشمس: 101]، فالواوات في الايات واو القسم وجوابه: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكََّاهََا (9) وَقَدْ خََابَ مَنْ دَسََّاهََا (10)}.
ثالثا: بمعنى ربّ:
ومثاله قول الشاعر:
ومهمه مغبرة أرجاؤه ... كأنّ لون أرضه سماؤه (3).
رابعا: بمعنى أو:
كقوله تعالى: {مَثْنى ََ وَثُلََاثَ وَرُبََاعَ} [النساء: 3].
خامسا: واو الحال:
كقوله (4) تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى ََ قَرْيَةٍ وَهِيَ خََاوِيَةٌ عَلى ََ عُرُوشِهََا}
__________
(1) التمهيد 1/ 99.
(2) العدة 1/ 197.
(3) ديوان رؤبة بن العجاج ص 4.
(4) انظر: رصف المباني 1/ 417.(1/69)
[البقرة: 259]، وكقولك: جئت والشمس طالعة، وخرجت والمطر يهطل ونحو ذلك.
سادسا: العطف:
فتقول: رأيت زيدا وعمرا (ومعناها مطلق الجمع، فنعطف الشيء على مصاحبه نحو: {فَأَنْجَيْنََاهُ وَأَصْحََابَ السَّفِينَةِ} [العنكبوت: 15].
وعلى سابقه نحو: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنََا نُوحاً وَإِبْرََاهِيمَ} [الحديد: 26]، وعلى لا حقه: {كَذََلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} [الشورى: 3]، وقد اجتمع هذان في: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرََاهِيمَ وَمُوسى ََ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب: 7]، فعلى هذا إذا قيل: وقام زيد وعمرو احتمل ثلاثة معان، قال ابن مالك: (وكونها للمعية راجح وللترتيب كثير، ولعكسه قليل، ويجوز أن يكون بين متعاطفيها تقارب، أو تراخي، نحو: {إِنََّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجََاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)}
[القصص: 7]، فإن الرد بعيد إلقائه في اليم، والإرسال على رأس أربعين سنة) (1)، وهي أم حروف العطف لكثرة استعمالها فيه (2).
واختلف في اقتضائها الترتيب، فذهب الأكثر إلى أنها لا تدل على الترتيب بل على الجمع فحسب، وهو مذهب أكثر الأصحاب (3).
وذهب بعض النحاة إلى أنها تدل على الترتيب (4) واختاره الحلواني (5)
ووجه ما قاله الأكثرون أنها لو كانت للترتيب لأفضى ذلك إلى التناقض بين
__________
(1) مغني اللبيب 2/ 354.
(2) رصف المباني 1/ 410لأحمد المالقي ص 702.
(3) التمهيد 1/ 100.
(4) مغني اللبيب 2/ 354.
(5) المختصر ص 50.(1/70)
قول الله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبََابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58]، وقوله تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبََابَ سُجَّداً} [الأعراف: 161]، فلو كانت دالة على الترتيب لكان هذا تناقضا وكلام الله تعالى منزه عن ذلك (1).
ولأنها تستعمل فيما لا يقع فيه الترتيب، وهو قولهم: اشترك فلان وفلان ولا يجوز أن يقال: اشترك فلان ثم فلان، وعند ما يرى زيدا وخالدا معا يقول: رأيت زيدا وخالدا. فلو كانت للترتيب لكان كاذبا في خبره لأنه لم تتقدم رؤية زيد بل راهما معا.
ولأنه لو كانت دالة على الترتيب لما صح أن يقال: رأيت زيدا وعمرا معا. لأن ذلك تناقض في الكلام حيث أن الترتيب يناقض قولنا معا.
ولما رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال:
«لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان» (2)، فلو كانت الواو توجب الترتيب لكان قوله وشاء فلان، وقوله: ثم شاء فلان سواء. ولكن فرق بينهما النبي صلى الله عليه وسلّم فأمره بأحدهما ونهاه عن الاخر، فدل ذلك أن الواو تفيد الجمع وثم تفيد الترتيب (3).
والعطف لا يدل على التسوية في غير الحكم المذكور. قال ابن تيمية:
(القران بين الشيئين في اللفظ لا يقتضي التسوية بينهما في حكم غير المذكور) (4)، وهو مذهب الشافعية وأكثر الأحناف خلافا لأبي يوسف (5).
__________
(1) التمهيد 1/ 101.
(2) أخرجه أبو داود 5/ 259، وابن ماجه 1/ 685.
(3) انظر الأدلة في: العدة 1/ 195194.
(4) المسودة ص 140، وانظر المسألة في: شرح الكوكب المنير 3/ 259.
(5) انظر: جمع الجوامع 2/ 19، وشرح المنار وحواشية ص 432.(1/71)
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
من اثار الخلاف في دلالتها على الجمع أو على الترتيب ما يلي:
1 - لو قال لامرأته التي لم يدخل بها: أنت طالق، وطالق، وطالق، طلقت ثلاثا بناء على أنها للجمع (1).
2 - لو وقف على أولاده، وأولاد أولاده، وأولاد أولاد أولاده، فإنه يكون مشتركا بين البطون كلها (2).
3 - من أراد أن يحرم بالنسك قارنا فإنه ينوي ويقول: لبيك اللهم حجّا وعمرة.
أما اثار دلالتها على الاستئناف فمن ذلك:
4 - أن من المتشابه ما لا يعلم تأويله إلّا الله، بناء على أن الواو للاستئناف، والوقف لازم قبلها، في قوله تعالى: {وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ}
[ال عمران: 7]، فالوقف لازم {وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} الواو للاستئناف (الراسخون) مبتدأ خبره جملة يقولون. وهذا مذهب الجمهور (3)، ومن خالف في دلالتها على الاستئناف قال: (بأن الراسخون معطوف على لفظ الجلالة فهم يعلمون تأويله)، والراجح هو مذهب الجمهور لقوة أدلتهم.
وقرر الطحاوي أن الاية لا حجة فيها لنفاة الصفات في كلا القراءتين، فقال: (قوله تعالى: {وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} الاية فيها قراءتان. قراءة من يقف على قوله: (إلّا الله)، وقراءة من لا يقف عندها، وكلتا القراءتين حق. ويراد بالأولى المتشابه في نفسه الذي استأثر الله بعلم
__________
(1) القواعد والفوائد الأصولية ص 133.
(2) القواعد والفوائد الأصولية ص 133.
(3) فتح القدير 1/ 315، وجامع البيان في تفسير القران للطبري 3/ 122.(1/72)
تأويله، ويراد بالثانية المتشابه الإضافي الذي يعرف الراسخون تفسيره) (1).
والوقوف على (إلّا الله) هو الأرجح.
وقد ذكر أبو يعلى الخلاف فيه وبيّن أن الوقوف على (إلّا الله) هو الأشبه بأصول المذهب (2).
المطلب الثالث: الفاء:
وردت الفاء على ثلاثة أوجه (3):
أولا: عاطفة ما بعدها على ما قبلها
، ولها معان ثلاثة:
1 - التعقيب:
ومعناه أن ما بعدها جاء عقب ما قبلها من دون مهلة كقولك: دخل خالد فزيد، يدل على أن دخول زيد بعد دخول خالد مباشرة.
وتعقيب كل شيء بحسبه، فيقال: تزوج فلان فولد له، إذا لم يكن بينهما إلّا مدة الحمل (4).
2 (الترتيب،
وهو نوعان، معنوي: كما في قام زيد فعمرو.
وذكري: وهو عطف مفصل على مجمل نحو: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطََانُ عَنْهََا فَأَخْرَجَهُمََا مِمََّا كََانََا فِيهِ} [البقرة: 36]، ونحو: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى ََ أَكْبَرَ مِنْ ذََلِكَ فَقََالُوا أَرِنَا اللََّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153]، ونحو: {وَنََادى ََ نُوحٌ رَبَّهُ فَقََالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] الاية، ونحو قولك: توضأ فلان فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه وغسل رجليه.
__________
(1) شرح الطحاوية ص 163.
(2) العدة 2/ 689.
(3) انظر: مغني اللبيب 1/ 161، ومعاني الحروف ص 43، وحروف المعاني والصفات ص 48.
(4) انظر: مغني اللبيب 1/ 161، والعدة 1/ 198.(1/73)
وقال الفراء (1): إنها لا تفيد الترتيب مطلقا، وهو مع قوله: إن الواو تفيد الترتيب غريب، واحتج بقوله تعالى: {أَهْلَكْنََاهََا فَجََاءَهََا بَأْسُنََا بَيََاتاً أَوْ هُمْ قََائِلُونَ (4)} [الأعراف: 4]، وأجيب بأن المعنى أردنا إهلاكها أو بأنها للترتيب الذكري. وقال الجرمي (2): (لا تفيد الترتيب في العقاب ولا في الإنكار)، وبدليل قوله:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل (3)
وقولهم: (مطرنا مكان كذا فمكان كذا)، وإن كان وقوع المطر فيهما في وقت واحد) (4).
وقد ذهب القاضي أبو يعلى إلى ما قاله الفراء، لذا فإنه لم يذهب إلى أنها تفيد الترتيب، بل اقتصر على دلالتها على التعقيب (5).
3 - السببية:
وذلك غالب في العاطفة جملة أو صفة، فالأول مثل قوله تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسى ََ فَقَضى ََ عَلَيْهِ} [القصص: 15]، ومثل قوله: {فَتَلَقََّى ادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمََاتٍ فَتََابَ عَلَيْهِ} [البقرة: 37]، والعاطفة صفة مثل قوله تعالى:
__________
(1) هو يحيى بن زياد بن عبد الله الديلمي أبو زكريا الفراء، أخذ عن الكسائي، وهو من أئمة أهل الكوفة في اللغة، له مصنفات في اللغة والنحو ومعاني القران، توفي سنة سبع ومائتين. انظر: إشارة التعيين ص 379، وشذرات الذهب 2/ 19.
(2) هو صالح الجرمي، أبو إسحاق، من أئمة النحاة في البصرة، ناظر ابن الفراء، تلقّى عن الأخفش وغيره، له مصنفات، توفي سنة خمس وعشرين ومائتين. إشارة التعيين ص 145، وشذرات الذهب 20/ 57.
(3) مغني اللبيب 1/ 161.
(4) العدة 1/ 198.
(5) العدة 1/ 198.(1/74)
{لَاكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمََالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشََارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54)}
[الواقعة: 5452].
ثانيا: أن تكون رابطة للجواب:
وذلك حيث لا يصلح لأن يكون شرطا وهو منحصر في ست حالات:
1 - أن يكون الجواب جملة اسمية مثل قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)} [الأنعام: 17].
2 - أن يكون الجواب جملة فعلية فعلها جامد مثل قوله تعالى:
{إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مََالًا وَوَلَداً (39) فَعَسى ََ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ}
[الكهف: 39، 40].
3 - أن يكون الجواب جملة فعلية فعلها إنشائيا. مثل قوله تعالى:
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللََّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللََّهُ} [ال عمران: 31].
4 - أن يكون الجواب جملة فعلية فعلها ماضيا لفظا ومعنا نحو قوله تعالى: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 77]، ونحو: {إِنْ كََانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكََاذِبِينَ (26) وَإِنْ كََانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصََّادِقِينَ (27)} [يوسف: 26، 27]، وقوله تعالى: {وَمَنْ جََاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النََّارِ} [النمل: 90]، فعبر عنه بذلك لتحقق وقوعه.
5 - أن تقترن بحرف استقبال مثل قوله تعالى: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللََّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54].
6 - أن تقترن بحرف له الصدر كقول الشاعر:
فإن أهلك فذي لهب لظاه ... علي تكاد تلتهب التهاب
ثالثا: أن تكون زائدة: وهي التي دخولها في الكلام يستوي مع
عدمها، واختلف أهل اللغة في ذلك. (فأنكر سيبويه (1) زيادتها، وأجاز الأخفش (2) زيادتها في الخبر مطلقا، وحكى «أخوك فوجد»، وقيد الفراء والأعلم (3) وجماعة الجواز بكون الخبر أمرا أو نهيا، فالأمر مثل قول الشاعر:(1/75)
فإن أهلك فذي لهب لظاه ... علي تكاد تلتهب التهاب
ثالثا: أن تكون زائدة: وهي التي دخولها في الكلام يستوي مع
عدمها، واختلف أهل اللغة في ذلك. (فأنكر سيبويه (1) زيادتها، وأجاز الأخفش (2) زيادتها في الخبر مطلقا، وحكى «أخوك فوجد»، وقيد الفراء والأعلم (3) وجماعة الجواز بكون الخبر أمرا أو نهيا، فالأمر مثل قول الشاعر:
وقائله: خولان فانكح فتاتهم ... وأكرومة الحيين خلو كما هي
والنهي مثل: (زيد فلا تضربه).
وقال ابن برهان (4): تزاد الفاء عند أصحابنا جميعا) (5).
__________
(1) هو عمرو بن عثمان بن قنبر، أبو بشر، وقيل: أبو الحسن، لقبه سيبويه، أخذ عن الخليل بن أحمد ولازمه، إمام في اللغة وفنونها، جالس الفقهاء والمحدثين، له مصنفات وأهمها الكتاب، توفي سنة ثمانين ومائة، وقيل غير ذلك. انظر: إشارة التعيين ص 242، وشذرات الذهب 1/ 252.
(2) هو سعيد بن سعد أبو الحسن الأخفش الأوسط، سكن البصرة، له مصنفات في النحو وغيره، تلقّى عن سيبويه، وهو من المقدمين عنده، توفي سنة خمس عشرة ومائتين. إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين ص 131، وشذرات الذهب 2/ 36.
(3) هو يوسف بن سليمان بن عيسى، يكنى أبا الحجاج ويعرف بالأعلم، أقام بقرطبة، إمام في اللغة والنحو، له مصنفات منها: شرح الحماسة، وشرح الجمل، توفّي سنة ست وأربعين وأربعمائة، وقيل غير ذلك. إشارة التعيين ص 393، وشذرات الذهب 3/ 403.
(4) هو أحمد بن علي بن محمد الوكيل، أبو الفتح المعروف بابن برهان، كان على المذهب الحنبلي ثم تحول إلى الشافعي، أصولي فقيه، صنف الأصول وغيره، توفي سنة عشرين وخمسمائة، وقيل غير ذلك. شذرات الذهب 4/ 60، والفتح المبين 2/ 16.
(5) مغني اللبيب 1/ 165، و 166.(1/76)
وقد ذكر الفتوحي (1) بعض هذه الأقوال ولم يرجح بينها (2)، والراجح عندي هو القول بجواز زيادتها وهو قول ابن هشام (3) والرماني (4) (5)، لأن المنع يحتاج إلى تأويل بتقدير محذوف، والسلامة من ذلك أولى من الاحتياج إليه، وزيادتها لا يعني خلو ذكرها من فائدة بل يعني أن المعنى والصرف مستقيم حتى مع عدمها، ولكن قد يكون للذكر فائدة بلاغية عظيمة كما في الأحرف في بعض الايات القرانية الكريمة، وينبغي التنزه عن وصفها بالزيادة تكريما لكلام الله جلّ وعلا عن ما لا يليق به. مثل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلََاقِيكُمْ} [الجمعة: 8].
وهذه المعاني الثلاثة تختلف في كثرة ورودها، والغالب ورودها عاطفة وبعد وقوعها في الجواب، وأقلها ورودها زائدة، وأقل من ذلك ورودها للاستئناف (6) وهذا وجه رابع.
__________
(1) هو محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي المعروف بابن النجار، من علماء المذهب الحنبلي، فقيه أصولي، عرف بالزهد، له مصنفات في اللغة والأصول، توفي سنة اثنين وسبعين وتسعمائة.
(2) شرح الكوكب 1/ 236.
(3) هو عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام المصري، يكنى أبا محمد، إمام في اللغة، له مصنفات، شهد له العلماء بالإتقان، توفي سنة إحدى وستين وسبعمائة. انظر: شذرات الذهب 6/ 191، وإشارة التعيين ص 403.
(4) هو علي بن عيسى بن علي، أبو الحسن، الرماني، إمام في اللغة والنحو، تلقّى عن ابن السراج، له مصنفات، توفي سنة أربع وثمانين وثلاثمائة. إشارة التعيين ص 221، وشذرات الذهب 3/ 109.
(5) انظر: مغني اللبيب 1/ 165، ومعاني الحروف ص 43، و 45.
(6) معاني الحروف للرماني ص 44.(1/77)
ومثاله قول الشاعر:
ألم تسأل الربع القواء فينطق ... وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق
أي: فهو ينطق، إذ لو كانت للعطف لجزم ما بعدها، ولو كانت للسببية لنصب، ولكن ابن هشام ضعف ذلك وحمله على العطف وأنه من عطف الجمل (1).
المطلب الرابع: اثارها الفقهية:
يتفرع عليها مسائل عدة منها: قال ابن اللحام (2):
1 (إذا قال لزوجته: إن قمت فقعدت فأنت طالق. لم تطلق إلّا بهما مرتبين كما ذكر، جزم به جمهور الأصحاب. وذكر بعض المتأخرين أن بعض الأصحاب حكى رواية أن الفاء وثم كالواو في هذه المسألة فحينئذ يقع الطلاق بالشرطين كيف وجد على هذه الرواية.
ويتخرج لنا رواية أنها تطلق بوجود أحدهما لو قلنا بالترتيب بناء على أن الطلاق إذا كان معلقا على شرطين أنها تطلق بوجود أحدهما) (3).
2 - لو قال: رميت طيرا فأصبت الرجل لكان إقرار منه بالجناية، فإن مات المصاب فهو إقرار منه بالقتل، وإن لم يمت فهو إقرار بالجراح خطأ.
__________
(1) مغني اللبيب 1/ 168.
(2) هو علي بن محمد بن علي البعلي الدمشقي، أبو الحسن المعروف بابن اللحام، أصولي فقيه، تلقّى من ابن رجب. وعاصر ابن مفلح وابن منجا، شهد له بالفضل وحسن المعاشرة، له مصنفات، توفي سنة ثلاثة وثمانمائة، وقيل غير ذلك. انظر:
المقصد الأرشد 2/ 237، ومقدمة المختصر.
(3) القواعد والفوائد الأصولية ص 137.(1/78)
3 - إذا وقف عقارا وقال: هو على أيتام أقاربي فالأرامل من نسائهم، ونحو ذلك، فإنهم لا يشتركون بل يكون نفع الوقف على الترتيب، حسب تحديد الوقف.
المطلب الخامس: ثم:
وردت «ثم» دالة على المعاني الاتية:
1 - الترتيب والتراخي:
فتقول: دخل زيد ثم عمرو، لتدل على أن دخول عمرو بعد دخول زيد ومتأخّرا عنه بمهلة. قال أبو يعلى: (أما ثم فهو للفصل مع الترتيب، فإذا قال: رأيت فلانا ثم فلانا اقتضى أن يكون الثاني متأخرا عن الأول في الرؤية) (1).
وكذا قال أبو الخطاب: (وأما ثم فإنها تكون للترتيب والتراخي) (2).
2 - التشريك في الحكم:
مثل قوله صلى الله عليه وسلّم: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم» (3)، ففيه تشريك في الفضل مع دلالته أيضا على الترتيب فيه.
قال ابن النجار: (ثم حرف عطف تكون للتشريك في الأصح بين ما قبلها وما بعدها في الحكم، وتكون أيضا لترتيب بمهلة عند الأربعة وغيرهم) (4).
وتلك المعاني محل خلاف عند علماء اللغة، قال ابن هشام: (ثم، ويقال فيها «فم» كقولهم: جدث، جدف حرف عطف يقتضي ثلاثة أمور:
__________
(1) العدة 1/ 199.
(2) التمهيد 1/ 111.
(3) البخاري 3/ 1335، ومسلم 7/ 184.
(4) شرح الكوكب 1/ 237.(1/79)
التشريك في الحكم، والترتيب، والمهلة وفي كل منها خلاف، ثم ذكر أن الأخفش والكوفيين يرون أن الاشتراك قد يختلف، وأما الترتيب فخالف قوم في دلالتها عليه، وأما المهلة فزعم الفراء أنها قد تتخلف، وقد أجاب ابن هشام على الأمثلة التي ذكروها (1).
وقد تبيّن من قول ابن النجار أنها تفيد تلك المعاني عند الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى.
المطلب السادس: اثارها الفقهية:
ويتفرع على ذلك فروع:
1 - إذا وقف على أولاده ثم على أولاد أولاده، ثم على المساكين، فينتقل الوقف حسب الترتيب، فلا حق لأحد من البطن الثاني مع وجود أحد من البطن الأول. قال ابن اللحام: (جزم به الأصحاب) (2).
2 - إذا قال: لله عليّ أن أحج ثم أجاهد وجب عليه أن يف بنذره مرتبا كما ذكر.
المطلب السابع: حرف الباء:
الباء حرف جر وله عدة معان:
1 - الإلصاق:
وهو معنى لا يفارقها عند أصحابنا (3)، وقد اقتصر عليه سيبويه (4). وهو إما حقيقي مثل أمسكت بزيد. وإما
__________
(1) مغني اللبيب 1/ 118117.
(2) القواعد والفوائد الأصولية ص 139.
(3) شرح الكوكب 1/ 267، والعدة 1/ 200، والتمهيد 1/ 112.
(4) مغني اللبيب 1/ 101.(1/80)
مجازي مثل: مررت بزيد، أي: ألصقت مروري بمكان يقرب من زيد.
وذهب أصحاب الشافعي إلى أنها لا تلازم الإلصاق، بل قد تدل على التبعيض في مثل قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ} [المائدة: 6]، فيكفي مسح جزء من الرأس. وتفصيل ذلك سيأتي في المطلب التالي، لكنها عند أصحابنا إما أن تتمحض للإلصاق أو تدل عليه مع معنى اخر من المعاني الاتية:
2 - التعدية:
وتسمى باء النقل وهي التي يتعدى بها الفعل اللازم إلى نصف مفعول مثل: ذهبت بزيد إلى المكتبة.
3 - الاستعانة:
وهي الداخلة على الة الفعل، مثل: كتبت بالقلم وجاهدت بالحجر، وقيل: إن الباء في بسم الله الرحمن الرحيم مثال لها كذلك، لأن الفعل لا يتأتى على الوجه الأكمل إلّا بها.
4 - السببية:
مثل قوله تعالى: {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخََاذِكُمُ الْعِجْلَ} [البقرة: 54]، أي: بسبب اتخاذكم العجل، ودلالتها على السبب هل هي دلالة عليه بمعناه العام أو بمعناه الذي يتميز به عن العلة؟
إذ أن الحاصل من كلام الأصوليين (أن السبب هو الأمر الذي جعل الشارع وجوده علامة على وجود الحكم، وانتفائه علامة على انتفائه لذاته، سواء أكان مناسبا لتشريع الحكم مناسبة ظاهرة أولم يكن كذلك، إلّا أنه إن كان مناسبا للحكم مناسبة ظاهرة سمي علة كما يسمى سببا، وإن لم يكن مناسبا له مناسبة ظاهرة سمى سببا فقط ولم يسم علة، فبينهما عموم وخصوص مطلق، إذ السبب أعم مطلقا من العلة، حيث أن كل علة سبب وليس كل سبب علة) (1).
__________
(1) انظر: السبب عند الأصوليين، د. عبد العزيز الربيعة 1/ 174.(1/81)
وقد بين الفتوحي أنها تدل عليه بالمعنى العام، فذكر أنها تدل على السبب وعلى العلة (1). ومثّل لدلالتها على العلة بقوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هََادُوا حَرَّمْنََا عَلَيْهِمْ طَيِّبََاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160].
وهذا يفيد في باب القياس في العلة المنصوصة. وورودها في ايات الكتاب دالة على السبب حجة في إثبات الأسباب للأحكام وهو مذهب الحنابلة وجمهور السلف (2)، والموجب والموجد هو الله جل وعلا خلافا للمنكرين في إثبات الأسباب للأحكام، وفي ذلك قال ابن تيمية: (فهذا إنما يقوله منكرو الأسباب كجهم ومن وافقه، وإلّا فالسلف والأئمة متفقون على إثبات الأسباب والحكم خلقا وأمرا) (3)، ويقول ابن القيم: (ومعلوم أن طي بساط الأسباب والعلل تعطيل للأمر والنهي والشرائع والحكم) (4)، ويقول ملخصا لكلام شيخه ابن تيمية: (قال شيخنا ابن تيمية: وهذا الأصل (إنكار الأسباب) مخالف للكتاب والسنّة وإجماع السلف وأئمة الدين، بل ومخالف لصريح العقل والحس والمشاهدة) (5).
5 - المصاحبة:
مثل قوله تعالى: {اهْبِطْ بِسَلََامٍ} [هود: 48]، أي: معه، وقوله تعالى: {وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ} [المائدة: 61].
6 - الظرفية:
مثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللََّهُ بِبَدْرٍ}
[ال عمران: 123]، أي: في بدر، وقوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: 137، 138].
__________
(1) شرح الكوكب 1/ 268.
(2) الفتاوى 8/ 484، وأصول ابن مفلح ورقة 30، ونظرية السبب عند الأصوليين 1/ 194.
(3) الفتاوى 8/ 485484.
(4) مدارج السالكين 3/ 397.
(5) مدارج السالكين 3/ 399.(1/82)
7 - البدل:
مثل قولك: ليت لي بك رجلا إذا قال صدق.
أي: فليت لي بدلهم قوما.
8 - المقابلة:
وهي الداخلة على الأعواض، مثل قولهم: اشتريت جارية بألف ديا نار.
9 - أن تكون بمعنى على
، مثل قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينََارٍ} [ال عمران: 75]، أي: على ديا نار. ومثل قوله تعالى: {وَإِذََا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغََامَزُونَ (30)} [المطففين: 30]، أي: مروا عليهم.
10 - أن تكون بمعنى من
، مثل قوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهََا عِبََادُ اللََّهِ}
[الإنسان: 6]، أي: يشرب منها.
11 - أن تكون بمعنى إلى
، مثل قوله تعالى حكاية عن يوسف: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} [يوسف: 100]، أي: أحسن إليّ.
12 - القسم:
وهي أصل حروفه، لذلك جاز ذكرها مع الفعل كقولك: (أقسم بالله لتفعلن).
13 - التوكيد:
مثل قوله تعالى: {قُلْ كَفى ََ بِاللََّهِ شَهِيداً}
[الإسراء: 96، والرعد: 43، والعنكبوت: 52]، وقوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 25].
المطلب الثامن: اثارها الفقهية:
يترتب عليها اثار فقهية منها:
1 - المقدار الواجب في مسح الرأس في الوضوء مختلف فيه، والخلاف في ذلك راجع إلى الباء في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ}
[المائدة: 6]، هل هي للإلصاق أو للتبعيض؟
قال ابن قدامة: (لا خلاف في وجوب مسح الرأس. وقد نص الله تعالى عليه بقوله: {وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ}، واختلف في قدر الواجب. فروي عن أحمد وجوب مسح جميعه في حق كل أحد، وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب مالك. وروي عن أحمد: يجزىء مسح بعضه.(1/83)
1 - المقدار الواجب في مسح الرأس في الوضوء مختلف فيه، والخلاف في ذلك راجع إلى الباء في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ}
[المائدة: 6]، هل هي للإلصاق أو للتبعيض؟
قال ابن قدامة: (لا خلاف في وجوب مسح الرأس. وقد نص الله تعالى عليه بقوله: {وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ}، واختلف في قدر الواجب. فروي عن أحمد وجوب مسح جميعه في حق كل أحد، وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب مالك. وروي عن أحمد: يجزىء مسح بعضه.
قال أبو الحارث: قلت لأحمد: فإن مسح برأسه وترك بعضه قال:
يجزئه، ثم قال: ومن يمكنه أن يأتي على الرأس كله، وقد نقل عن سلمة بن الأكوع: أنه كان يمسح مقدم رأسه وابن عمر مسح اليافوخ (1)، وممن قال بمسح البعض: الحسن والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، إلّا أن الظاهر عند أحمد رحمه الله في حق الرجل وجوب الاستيعاب وأن المرأة يجزيها مسح مقدم رأسها.
قال الخلال: العمل في مذهب أحمد أبي عبد الله أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها، وقال مهنا: قال أحمد: أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل، قلت له: ولم؟ قال: (كانت عائشة تمسح مقدم رأسها) (2).
وذكر أقوال الفريق الثاني ثم قال: (وزعم من ينصر ذلك أن الباء للتبعيض، فكأنه قال: وامسحوا بعض رؤوسكم، ولنا قول الله تعالى:
{وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ}، والباء للإلصاق فكأنه قال: امسحوا رؤوسكم، فيتناول الجميع كما قال في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ}. وقولهم: الباء للتبعيض غير صحيح ولا يعرف أهل اللغة ذلك) (3).
__________
(1) هو مقدمة الرأس من أعلاه.
(2) المغني 1/ 125، مكتبة الرياض الحديثة 1401هـ.
(3) المغني 1/ 126، مكتبة الرياض الحديثة 1401هـ.(1/84)
المطلب التاسع: (ل): * اللام حرف له معان كثيرة
مما جعل بعض العلماء يفردها في مصنف (1)، وإليك أبرز معانيها (2):
معاني اللام غير الجازمة
1 - الملك:
مثل قولك: دار لزيد، قال ابن اللحام: (هي حقيقة في الملك لا يعدل عنه إلّا بدليل) (3)، وكذا قال الفتوحي (4).
2 - الاستحقاق:
وهي الواقعة بين معنى وذات مثل.
الحمد لله، ومثل عذاب النار للكافرين. ونحو قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)} [المطففين: 1].
3 - الاختصاص:
مثل قولك: الجنة للمؤمنين، وهذا الحصير للمسجد والمنبر للخطيب، ونحو ذلك. وبعض النحاة (5) يستغني بذكر هذا المعنى عن المعنين قبله، ويمثل له بجميع الأمثلة السابقة.
4 - التمليك:
مثل: وهبت لزيد فرسا.
5 - شبه التمليك:
مثل قوله تعالى: {وَاللََّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوََاجاً} [النحل: 72].
__________
(1) من الذين صنفوا فيها أبو القاسم الزجاجي، طبع كتابه في دمشق 1969م، وأبو الحسن الهروي مخطوطة في مكتبة لاله لي بإستانبول، وأحمد بن فارس، طبع كتابه في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق 1973م.
(2) راجع مغني اللبيب والجني الداني في حروف المعاني ص 143، والتمهيد 1/ 113، وشرح الكوكب 1/ 259255.
(3) المختصر ص 54.
(4) شرح الكوكب 1/ 255.
(5) رصف المباني في حروف المعاني ص 294.(1/85)
6 - التعليل:
مثل قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)}
[العاديات: 8]، أي: وأنه من أجل المال لبخيل. وكقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ} [النحل: 44].
7 - التبيين:
وهي الواقعة بعد أسماء الأفعال والمصادر التي تشبهها مبينة لصاحب معناها، مثل: {هَيْتَ لَكَ قََالَ مَعََاذَ اللََّهِ} [يوسف: 23].
وكذا المعلقة بحب في تعجب أو تفضيل مثل: {وَالَّذِينَ امَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلََّهِ}
[البقرة: 165].
8 - التعجب:
وذلك في باب النداء، مثل قولهم: يا للعجب، وقول الشاعر:
فيا لك من ليل كأن نجومه ... بكل مغار القتل شدت بيذبل
ويكون في المدح كقولك: يا لك من رجل صالح، وفي الذم: يا له من مخادع.
9 - تأكيد النفي:
وهي الداخلة على الفعل مسبوقة بما كان أو بلم يكن ناقصين مسندتين لما أسند إليه الفعل المقرون باللام، مثل قوله تعالى:
{وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [ال عمران: 179]، وقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ اللََّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: 137، 168].
وتسمى لام الجحود.
10 - أن تكون بمعنى إلى:
مثل قوله تعالى: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى}
[الرعد: 2، فاطر: 13، الزمر: 5].
11 - أن تكون بمعنى على:
مثل قوله تعالى: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)}
[الصافات: 103].(1/86)
12 - أن تكون بمعنى في:
مثل قوله تعالى: {لََا يُجَلِّيهََا لِوَقْتِهََا إِلََّا هُوَ}
[الأعراف: 187].
13 - أن تكون بمعنى عند
، مثل قولك: كتبته لخمس عشرة ليلة خلت من شهر شعبان.
14 - أن تكون بمعنى مع:
كقول الشاعر:
فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
أي: مع طول اجتماع.
15 - أن تكون بمعنى من:
كقول الشاعر:
لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم ... ونحن لكم يوم القيامة أفضل
16 - أن تكون للتبليغ:
وهي الجارة لاسم السامع لقول أو ما في معناه، مثل قولك: قلت له، وأذنت له، فسرت له.
17 - أن تكون بمعنى بعد:
مثل قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلََاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78].
18 - أن تكون بمعنى عن، مثل قوله تعالى:
{وَلََا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللََّهُ خَيْراً} [هود: 31]، أي: لا أقول عن الذين.
ومثل قوله تعالى: {قََالَتْ أُخْرََاهُمْ لِأُولََاهُمْ رَبَّنََا هََؤُلََاءِ أَضَلُّونََا}
[الأعراف: 38]، أي: عن أولاهم. وكقول الشاعر:
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وبغضا إنه لذميم(1/87)
19 - القسم:
ويلزم فيه معنى التعجب، مثل قول الشاعر:
الله يبقي على الأيام ذو حيد ... بمشمخرّيه الظّيّان والاس (1)
20 - الصيرورة:
وتسمى لام العاقبة، مثل قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ الُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} [القصص: 8].
21 - التعدية:
وهي التي يتعدى بها الفعل اللازم إلى مفعوله، مثل قوله تعالى: {وَهَبْ لَنََا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهََّابُ (8)} [ال عمران: 8].
فاللام في لنا إفادة الفعل فعدته من اللزوم إلى نصب المفعول.
22 - التوكيد:
وتفيده في مواضع كثيرة وهي زائدة، مثل قوله تعالى: {فَعََّالٌ لِمََا يُرِيدُ (16)} [البروج: 16].
ومن أمثلتها: اللام الواقعة في النداء الدال على الاستغاثة مثل: يا للمسلمين لأطفال فلسطين. وقد ذكر بعض النحاة لها معان أكثر من تلك، ولكنها ترجع مع التحقيق إلى واحد منها فهي متداخلة، وفي ذلك قال بعضهم:
اتاك للام الجر مما جمعته ... ثلاثون قسما في كلام منظم
ثم قال في النهاية:
وعندي في التقسيم عيب تداخل ... وعذري في ذاك اتباع القسم (2)
تلك المعاني كما ذكر هي في حالة كونها جارّة أو ناصبة.
__________
(1) البيت مختلف في قائله، فقيل لأمية بن عائذ، وقيل لأبي ذؤيب، وقيل للفضل بن عباس، وقيل لغيرهم. والمشمخرّ هو الجبل العالي، والظبيان ياسمين البرّ، والاس نوع من الريحان.
(2) القائل هو حسن بن قاسم المرادي في كتابه الجني الداني في حروف المعاني ص 151، و 152.(1/88)
معاني اللام الجازمة
* أما الجازمة فإنها تفيد معان:
1 - الأمر:
مثل قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}
[الطلاق: 7].
2 - الدعاء:
مثل دعاء أهل النار: {لِيَقْضِ عَلَيْنََا رَبُّكَ}
[الزخرف: 77].
3 - الالتماس:
مثل قولك لصاحبك لتسافر معي للجهد.
4 - التهديد:
مثل قوله تعالى: {وَمَنْ شََاءَ فَلْيَكْفُرْ}
[الكهف: 29].
معاني اللام غير العاملة
* وأما غير العاملة فهي أقسام:
1 - لام الابتداء: وتفيد معنيين:
(أ) توكيد مضمون الجملة
، مثل قوله تعالى: {لَقَدْ كََانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللََّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
(ب) تخليص دلالة المضارع للحال
، مثل قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيََامَةِ فِيمََا كََانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)}
[النحل: 124].
2 - اللام الزائدة:
وهي الداخلة في خبر المبتدأ، وفي خبر لكن، وفي خبر زال، وفي المفعول الثاني لأرى.
3 - لام الجواب
، وهي ثلاثة أقسام، وتفيد التوكيد.
(أ) لام جواب لو
، مثل قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعََادُوا}
[الأنعام: 28].(1/89)
(ب) لام جواب لولا
، مثل قوله تعالى: {وَلَوْلََا دَفْعُ اللََّهِ النََّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: 251، الحج:
40].
(ج) اللام جواب لقسم
، مثل قوله تعالى: {وَتَاللََّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنََامَكُمْ} [الأنبياء: 57].
4 - اللام الداخلة على أداة شرط:
وتفيد الإيذان بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها لا على الشرط وتسمى المؤذنة أو الموطئة، مثل قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لََا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} [الحشر: 12].
5 - لام أل: مثل الرجل
، العلم، ونحو ذلك.
6 - اللام اللاحقة لأسماء الإشارة:
لدلالة على البعد أو على توكيده مثل: تلك، ذلك.
7 - لام التعجب غير الجارة:
مثل: لظرف زيد ولكرم عمرو، أي:
ما أظرف زيد وما أكرم عمرو (1).
المطلب العاشر: اثارها الفقهية:
يترتب عليها اثار فقهية كثيرة، منها:
1 - أن المولود يضاف للزوج أو السيد ولا ينتفي عنه لمجرد دعوى، لقوله صلى الله عليه وسلّم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» (2)، فاللام دلت على الاختصاص.
__________
(1) انظر فيما سبق: مغني اللبيب 1/ 228.
(2) روته عائشة رضي الله عنها، أخرجه البخاري 6/ 2499برقم 6431، ومسلم 4/ 171.(1/90)
2 - إحياء الأرض الموات سبيل إلى تملكها لقوله صلى الله عليه وسلّم: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» (1)، فاللام تدل على التمليك، ولا فرق بين المسلم والذمي في الإحياء نص عليه أحمد (2) لعموم النص، ولأنه جهة من جهات التمليك، فاشترك فيها المسلم والذمي كسائر جهات التمليك.
3 - إذا قال: لزيد عندي ألف ديا نار قرضا، لكني رددتها إليه أو وهبها لي. فيثبت إقراره بالحق لزيد، لكن براءة ذمته من هذا الحق لا تثبت إلّا ببينة لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان.
4 - إذا وقف بستانا وقال: ريعه لتجهيز المجاهدين في سبيل الله أو لكفالة المجاهدين في أهليهم، فإن ذلك يفيد الاختصاص فلا يصرف في غيره.
5 - إذا أقسم بأن لا يأمر ابنه ولا ينهاه، ثم قال له: لتذهب بأختك إلى الطبيب فإنه يحنث لأن قوله: لتذهب، صيغة أمر. وسوف يأتي البيان بأنها لا تصرف عنه إلى غيره من المعاني إلّا بقرينة.
المطلب الحادي عشر: (من):
(من) تستعمل للدلالة على أحد المعاني الاتية:
1 - ابتداء الغاية:
مثل قولك: سافرت من الرياض إلى مكة، وهي حقيقة فيه، ومجاز في غيره من المعاني عند أصحابنا وأكثر النحاة (3).
__________
(1) رواه سعيد بن زيد، أخرجه أبو داود 3/ 454453، والترمذي عن جابر بن عبد الله 3/ 664، وقال: حديث حسن صحيح.
(2) المغني 5/ 566.
(3) شرح الكوكب 1/ 241، والمختصر ص 52، ومغني اللبيب 1/ 318.(1/91)
2 - التبعيض:
أي: بمعنى بعض، ومثاله قوله تعالى: {لَنْ تَنََالُوا الْبِرَّ حَتََّى تُنْفِقُوا مِمََّا تُحِبُّونَ} [ال عمران: 92]، وقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجََارَةِ لَمََا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهََارُ وَإِنَّ مِنْهََا لَمََا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمََاءُ وَإِنَّ مِنْهََا لَمََا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللََّهِ وَمَا اللََّهُ بِغََافِلٍ عَمََّا تَعْمَلُونَ (74)} [البقرة: 74].
3 - بيان الجنس:
وغالبا ما تقع بعد ما ومهما، مثل قوله تعالى:
{مََا يَفْتَحِ اللََّهُ لِلنََّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلََا مُمْسِكَ لَهََا} [فاطر: 2]، وقوله تعالى: {* مََا نَنْسَخْ مِنْ ايَةٍ أَوْ نُنْسِهََا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهََا أَوْ مِثْلِهََا} [البقرة: 106]، فمن لبيان الجنس في كلا الموضعين في الاية. ومثل قوله تعالى: {مَهْمََا تَأْتِنََا بِهِ مِنْ ايَةٍ} [الأعراف: 132]، وتأتي مع غيرها، مثل قوله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهََا مِنْ أَسََاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيََاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} [الكهف: 31]، فقوله:
«من ذهب»، و «من سندس» هما لبيان الجنس، أما الأولى، فقال ابن هشام: إنها للابتداء، وقيل: زائدة (1).
4 - التعليل:
مثل قوله تعالى: {مِمََّا خَطِيئََاتِهِمْ أُغْرِقُوا}
[نوح: 25]، وهو بمعنى السببية كقوله تعالى: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذََا جََاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى ََ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [الأحزاب: 19].
5 - البدل:
كقول الله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيََاةِ الدُّنْيََا مِنَ الْاخِرَةِ} [التوبة: 38]، أي: بدل الآخرة. وقول الشاعر:
أخذوا المخاض من الفصيل غلبة ... ظلما ويكتب للأمير أفيلا (2)
أي: أخذوا المخاض بدل الفصيل.
__________
(1) مغني اللبيب 1/ 319.
(2) غلبة، أي غلبة وقهرا، وأفيلا هو الصغير لأنه يأفل بين الإبل.(1/92)
6 - بمعنى عن، مثل قوله تعالى:
{فَوَيْلٌ لِلْقََاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللََّهِ}
[الزمر: 22]، بمعنى: عن ذكر الله.
7 - بمعنى الباء:
مثل قوله تعالى: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ}
[الشورى: 45].
8 - بمعنى في:
مثل قوله: {إِذََا نُودِيَ لِلصَّلََاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}
[الجمعة: 9].
9 - بمعنى عند، مثل قوله تعالى:
{لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوََالُهُمْ وَلََا أَوْلََادُهُمْ مِنَ اللََّهِ شَيْئاً} [ال عمران: 10، 116، المجادلة: 17].
قال بعض العلماء: أي عند الله. ولكنها عند ابن هشام بمعنى البدل، أي: بدل طاعة الله (1).
10 - بمعنى ربما:
وذلك عند ما تتصل بما، كقول الشاعر:
وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ... على رأسه تلقي اللسان من الفم
والمعنى: وإنا لربما نضرب ضربة (2)، وذلك عند غير ابن هشام.
11 - بمعنى على:
مثل قول الله تعالى: {وَنَصَرْنََاهُ مِنَ الْقَوْمِ}
[الأنبياء: 77]، أي: على القوم.
12 - الفصل:
وهي الواقعة بين المتضادين، مثل قوله تعالى:
{وَاللََّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220]، وقوله تعالى: {حَتََّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [ال عمران: 179].
__________
(1) مغني اللبيب 1/ 321.
(2) مغني اللبيب 1/ 322.(1/93)
13 - الغاية:
قال سيبويه: (وتقول رأيته من ذلك الموضع)، فجعلته غاية لرؤيتك (1).
14 - التنصيص على العموم:
مثل قولك: (ما جاءني من رجل)، ومعناه نفي عام فلا يصح أن تقول بعدها بل رجلان، أما مع عدمها فيصح.
15 - توكيد العموم:
مثل قولك: (ما جاءني من أحد)، فأحد تفيد العموم، ومن تفيد توكيد العموم وهي زائدة، ومثاله أيضا قوله تعالى: {مََا فَرَّطْنََا فِي الْكِتََابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38].
المطلب الثاني عشر: اثارها الفقهية:
يتفرع عليها مسائل كثيرة، منها:
1 - أنه يجزىء في التيمم بعض الصعيد، وهو التراب، لأن من في قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]، تفيد التبعيض.
قال ابن اللحام: (ذهب الإمام أحمد إلى أنها للتبعيض هنا وأيد قوله بما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (الصعيد تراب الحرث) (2)، وقوله صلى الله عليه وسلّم: «جعلت الأرض كلها مسجدا وجعل تربتها لنا طهورا» (3). وفي ذلك خلاف بين الفقهاء، فذهب أحمد والشافعي إلى أنه لا يجزي إلّا التراب، وقال مالك وأبو حنيفة: يجوز بكل حال ما كان من جنس الأرض كالنّورة والحجارة (4).
__________
(1) مغني اللبيب 1/ 322.
(2) المغني 1/ 324.
(3) رواه حذيفة رضي الله عنه، أخرجه مسلم 2/ 64.
(4) القواعد والفوائد ص 152151.(1/94)
قال ابن قدامة (1): (ولنا: الاية، فإن الله أمر بالتيمم بالصعيد وهو التراب، فقال: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]، ولا يحصل المسح بشيء منه إلّا أن يكون ذا غبار يعلق باليد.
وروي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أعطيت ما لم يعط نبي من أنبياء الله جعل لي التراب طهورا» (2)، وذكر الحديث رواه الشافعي في مسنده، ولو كان غير التراب طهورا لذكره فيما منّ الله تعالى عليه) (3).
2 - إذا كانت من لابتداء الغاية فهل هي داخلة في المحدود أم لا؟ ويتفرع على ذلك مسائل منها. قال أبو الخطاب: (إذا قال بعتك من هذا الحائط إلى هذا الحائط، ومن هذه النخلة إلى هذه النخلة، وله علي من درهم إلى عشرة، هل يدخل الحد في المحدود أم لا فيه خلاف) (4).
ولو أوصى من بستانه لرجل فقال: (أوصي بأن لفلان في البستان من حقل البرسيم شمالا إلى النخل جنوبا ومن البئر القديم شرقا إلى السور غربا، فهل يدخل حقل البرسيم والبئر القديم في الوصية أم لا؟).
وإذا نذر لله أن يصوم من الجمعة إلى الجمعة، فهل يبدأ يوم الجمعة أم يبدأ من يوم السبت؟
__________
(1) المغني 1/ 324.
(2) رواه الإمام أحمد في المسند 1/ 98، وعن جابر في الصحيحين: البخاري 1/ 128، و 168، ومسلم 2/ 6463.
(3) المغني 1/ 325.
(4) التمهيد 1/ 13.(1/95)
المطلب الثالث عشر: (إلى):
1 - تدل على انتهاء الغاية (1):
مثل قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيََامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، وقوله تعالى: {سُبْحََانَ الَّذِي أَسْرى ََ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1]، وفي دخول الغاية خلاف سأبينه بعد ذلك. وقد استعملت لدلالة على معان غيرها، وهي:
2 - المعية:
وبه قال الكوفيون وجماعة من البصريين في قوله تعالى: {مَنْ أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ} [ال عمران: 52، الصف: 14]، أي: مع الله، قال أبو يعلى: (وتستعمل بمعنى مع، كقوله تعالى:
{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ} [المائدة: 6] معناه مع المرفق. وهذا المعنى يحتاج إلى الدليل، ولهذا إذا قال: بعتك كذا على أنك بالخيار إلى الليل، أنّ الليل لا يدخل في الخيار خلافا لأبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن أحمد رحمهم الله أنه يدخل فيه) (2)، وعلّل ما ذهب إليه بأن إلى لانتهاء الغاية.
3 - بمعنى في:
وقال ابن مالك: ويمكن أن يكون منه (3):
{لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى ََ يَوْمِ الْقِيََامَةِ} [النساء: 87، الأنعام: 12].
4 - بمعنى اللام:
تمثل قوله تعالى حكاية عن قوم بلقيس: {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مََا ذََا تَأْمُرِينَ (33)} [النمل: 33]، أي: لك.
__________
(1) العدة 1/ 202، والتمهيد 1/ 112، والمختصر ص 52، وشرح الكوكب 1/ 245، وحروف المعاني والصفات ص 69، ومغني اللبيب 1/ 74.
(2) العدة 1/ 203.
(3) مغني اللبيب 1/ 75.(1/96)
5 - بمعنى عند:
كقول الشاعر:
أم لا سبيل إلى الشباب وذكره ... أشهى إلي من الرحيق السلسل (1)
أي: أشهى عندي.
6 - التبيين:
قال ابن هشام: (وهي المبينة لفاعلية مجرورها بعد ما يفيد حبا أو بغضا من فعل تعجب أو اسم تفضيل نحو: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} [يوسف: 33]) (2).
7 - بمعنى من:
كقول الشاعر:
... أيسقي فلا يروى إلي ابن أحمر (3)
أي: مني.
8 - التوكيد:
وهي الزائدة (أثبت ذلك الفراء مستدلا بقراءة بعضهم: {أَفْئِدَةً مِنَ النََّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]، بفتح الواو، وخرجت على تضمين تهوى بمعنى تميل) (4).
وعند ما يكون متعلقها فعل أمر محذوف، فإن معنى الأمر باق في مثل قول القائل: (إلي إلي) بمعنى أقبل إلي.
المطلب الرابع عشر: اثارها الفقهية:
اختلف العلماء في دخول ما بعدها في المحدود على أقوال. قال ابن اللحام: (وهل يدخل ما بعدها فيما قبلها؟
في المسألة مذاهب:
__________
(1) البيت لأبي كبير الهذلي، ديوان الهذليين 3/ 1069، وأدب الكاتب ص 402.
(2) مغني اللبيب 1/ 75.
(3) عجز البيت لعمرو بن أحمد الباهلي، وصدره: تقول وقد عاليت بالكور فوقها.
انظر: ديوان الباهلي ص 84، وأدب الكاتب ص 402.
(4) مغني اللبيب 1/ 76.(1/97)
أحدها: وهو المشهور: أنه لا يدخل
، بل تدل على خروجه، وهذا مذهب الشافعي والجمهور، وصرح به إمام الحرمين الشافعي في البرهان (1).
المذهب الثاني: أن الغاية المحصورة تدخل
، وعن أحمد ما يدل عليه (2).
المذهب الثالث: إن كانت الغاية من جنس المحصور
كاية الوضوء دخلت وإن كانت من غير جنسه كقوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيََامَ إِلَى اللَّيْلِ}
[البقرة: 187] لم يدخل.
المذهب الرابع: إن لم تكن معه «من» دخل وإلّا فلا
، نحو: بعتك من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة.
المذهب الخامس: رجحه في المحصول والمنتخب
، إن كان منفصلا عما قبله بمنفصل معلوم بالجنس كقوله: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ}
[المائدة: 6]، فإن المرفق منفصل بجزء مشتبه، وليس تعيين بعض الأجزاء أولى من تعيين البعض فوجب الحكم بالدخول.
المذهب السادس: وهو مذهب سيبويه
، كما قاله في البرهان: أنها إن اقترنت بمن فلا يدخل وإلّا فيحتمل الأمرين.
المذهب السابع: واختاره الامدي: أنها لا تدل على شيء
، ولم يصحح ابن الحاجب شيئا) (3).
* وقد بيّن ابن اللحام اختياره في المختصر، وأن الأصح عنده هو
__________
(1) البرهان 1/ 192.
(2) انظر: العدة 1/ 203.
(3) القواعد والفوائد الأصولية ص 145144.(1/98)
المذهب الأول، فقال: ((إلى) لانتهاء الغاية، وابتداء الغاية داخل لا ما بعدها في الأصح)، وفاقا لمالك والشافعي. وقال أبو بكر: (إن كانت الغاية من جنس المحدود دخلت وإلّا فلا). وحكاه القاضي عن أهل اللغة (1)، وهو أيضا اختيار الفتوحي (2). وكلام القاضي في العدة (3) يدل على أنه المختار عنده كذلك. أما أبو الخطاب في التمهيد ذكر أن فيه خلافا ولم يوضح (4) اختياره.
ويترتب على ذلك مسائل فقهية، منها:
1 - إذا اشترط المتبايعان أو أحدهما الخيار إلى الليل؟ لم يدخل الليل في أصح الروايتين (5) بناء على القول الأول وهو المشهور. والرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله: أن الليل داخل في الخيار، وذلك بناء على المذهب الثاني، وهو أن الغاية المحصورة تدخل.
2 - إذا حلف لا يأتي أمته إلى يوم الفطر أو نحو ذلك مما له الحلف عليه، فلما كان يوم الفطر فعله؟ فعن الإمام روايتان (6): أحدهما: أنه لا يحنث بناء على القول الأول، والثانية: يحنث.
3 - إذا أجل المسلم أو غيره من الديون إلى شهر صفر مثلا؟ فيتعلق بأوله: (جزم به الأصحاب) (7).
__________
(1) المختصر ص 5352.
(2) شرح الكوكب المنير 1/ 246.
(3) العدة 1/ 203.
(4) التمهيد 1/ 113.
(5) العدة 1/ 203، والقواعد والفوائد ص 145.
(6) القواعد والفوائد الأصولية ص 146.
(7) القواعد والفوائد الأصولية ص 147.(1/99)
المطلب الخامس عشر: (في):
(في) حرف له عدد من المعاني هي (1):
1 - الظرفية:
وهي إما مكانية أو زمانية، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: 41]، أو مجازية كقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصََاصِ حَيََاةٌ} [البقرة: 179].
2 - المصاحبة:
فتكون بمعنى مع، كقوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ}
[الأعراف: 38]، أي: مع أمم.
3 - التعليل:
كقوله تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِيمََا أَخَذْتُمْ} [الأنفال: 68]، وقوله تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِيمََا أَفَضْتُمْ} [النور: 14].
4 - أن تكون بمعنى على:
كقوله تعالى حكاية عن فرعون:
{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]، أي: على جذوع النخل.
5 - أن تكون بمعنى إلى:
كقوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوََاهِهِمْ}
[إبراهيم: 9].
6 - أن تكون بمعنى من:
كقول الشاعر:
وهل يعمن من كان أحدث عهده ... ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال (2)
أي: من ثلاثة أحوال.
__________
(1) انظر: مغني اللبيب 1/ 168، والجني الداني ص 266، ورصف المباني.
(2) ديوان امرىء القيس ص 27، ويعمن بمعنى: ينعمن، أي كيف ينعمن من كان أقرب عهده بالنعيم.(1/100)
7 - أن تكون بمعنى الباء:
كقول الشاعر:
ويركب يوم الروع منا فوارس ... بصيرون في طعن الأباهر والكلى (1)
أي: بطعن.
8 - المقايسة:
وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق، مثل قوله تعالى: {فَمََا مَتََاعُ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا فِي الْاخِرَةِ إِلََّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38].
9 - التوكيد:
وهي الزائدة لغير التعويض، مثل قوله تعالى:
{* وَقََالَ ارْكَبُوا فِيهََا} [هود: 41].
10 - وتكون زائدة:
تعويضا عن محذوفة، مثل قولك: (ضربت فيمن رغبت)، أصله: ضربت من رغبت فيه.
المطلب السادس عشر: اثارها الفقهية:
يترتب عليها اثار فقهية كثيرة، منها:
1 - إذا أقر بالمظروف فقال له: عندي سيف في قراب، أو تمر في جراب، أو فص في خاتم، فإنه مقر بالمظروف دون الظرف على الأصح، في المذهب وجه بأنه مقر بهما، ووجه بالتفريق بين الظرف المتصل خلقه:
وعادة يدخل في الإقرار وبين الظرف المنفصل خلقه وعادة فلا يدخل (2)
في الإقرار. وهذين الوجهين بناء حكم من ملك عينا هل يملك ما يتصل بها أو تولد عنها؟ (3).
__________
(1) البيت لزيد الخيل الطائي رضي الله عنه. انظر: ديوانه ص 27، وأدب الكاتب ص 539، والمخصص 14/ 16، وجواهر الأدب ص 131.
(2) القواعد الكبرى لابن رجب ص 36، الطبعة الأولى 1352هـ، مكتبة الخانجي.
(3) القواعد الكبرى ص 34، القاعدة الخامسة والعشرون.(1/101)
والأشهر في المذهب أنه يكون مقرا له بالمظروف دون الظرف وهو قول ابن حامد والقاضي وأصحابه.
ولكن لو قال له عندي قراب فيه سيف، وجراب فيه تمر، وخاتم فيه فصّ، فإنه يكون مقرا بهما.
2 - إذا قال لزوجته: أنت طالق في شهر كذا، طلقت في أوله لأنه جعل الشهر ظرفا، فإذا انقضى منه ما يكفي لظرفية الطلاق فإنه يقع. أما إذا قال: أردت اخره، ففي قبول قوله روايتان (1).
3 - يحرم وطء الحائض لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسََاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]، والمحيض هو الفرج فيحرم وطؤها في الفرج ولا يحرم ما دونه على المذهب الصحيح (2)، وفيه رواية أخرى بمنع الاستمتاع ما بين السرة والركبة (3).
المطلب السابع عشر: (على):
الحالات التي تأتي فيها على ثلاث حالات (4):
الحالة
الأولى: تأتي اسما بمعنى فوق:
وذلك إذا دخلت عليها من، كقول الشاعر:
غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها (5)
وزاد الأخفش موضعا اخر وهو إذا كان مجرورها وفاعلها متعلقين
__________
(1) القواعد والفوائد الأصولية ص 150.
(2) القواعد الكبرى ص 303.
(3) المغني 1/ 415414.
(4) رصف المباني 1/ 371.
(5) هذا شطر بيت وعجزه هو قوله: تصل وعن فيض بزيزاء مجهل.(1/102)
بمسمى واحد، مثل قوله تعالى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب: 37]، وذلك غير مسلم له لأنه لا يصح أن يحل محلها فوق.
الحالة
الثانية: أن تأتي فعلا وتكون بألف ممدودة بمعنى ارتفع
: مثل قولك:
علا البنيان.
الحالة
الثالثة: تأتي حرفا: وهي المقصودة هنا ولها عدة معان
(1):
1 - الإيجاب (2):
مثل قولك: عليّ كذا وكذا لفلان.
2 - الاستعلاء:
ويكون حسيا: كقولك وقف الخطيب على المنبر، ومعنويا كقول الله تعالى: {* تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنََا بَعْضَهُمْ عَلى ََ بَعْضٍ}
[البقرة: 253].
3 - المصاحبة:
فتكون بمعنى عن مثل قوله تعالى: {وَاتَى الْمََالَ عَلى ََ حُبِّهِ} [البقرة: 177].
4 - المجاورة:
فتكون بمعنى عن مثل قول الشاعر:
إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر أبيك أعجبني رضاها (3)
أي: إذا رضيت عني.
5 - التعليل:
كقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللََّهَ عَلى ََ مََا هَدََاكُمْ}
[البقرة: 185]، أي: لهدايته لكم.
6 - الظرفية:
فتكون بمعنى في، كقوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مََا تَتْلُوا}
__________
(1) راجع: مغني اللبيب 1/ 143، ورصف المباني ص 372، والجني الداني ص 444.
(2) العدة 1/ 203، و 204، والتمهيد 1/ 113.
(3) البيت لقحيف بن سليم العقيلي. أدب الكاتب ص 537، والمغني 1/ 153.(1/103)
{الشَّيََاطِينُ عَلى ََ مُلْكِ سُلَيْمََانَ} [البقرة: 102]، أي: في ملك سليمان.
7 - بمعنى من:
كقوله تعالى: {إِذَا اكْتََالُوا عَلَى النََّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2)}
[المطففين: 2]، أي: من الناس.
8 - بمعنى الباء:
كقوله تعالى: {حَقِيقٌ عَلى ََ أَنْ لََا أَقُولَ}
[الأعراف: 105]، أي: بأن لا أقول على الله إلّا الحق وتقول العرب:
اركب على اسم الله، أي: باسم الله (1).
9 - بمعنى اللام:
كقوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}
[المائدة: 54]، أي: للمؤمنين.
10 - الاستدراك:
كقولك: فلان لا ينجح لسوء صنعه على أنه لا ييأس من رحمة الله، أي: لكن لا ييأس. وكقول الشاعر بعد أن تمنى قرب الدار:
على أن قرب الدار ليس بنافع ... إذا كان من تهواه ليس بذي ود (2)
المطلب الثامن عشر: اثارها الفقهية:
يتفرع عليها مسائل فقهية كثيرة، منها:
1 - إذا قالت لزوجها: إن طلقتني فلك علي ألف، فقال: طلقتك أو خالعتك، طلقت ووجب عليها الألف إذا كان جوابه في المجلس (3)، أما بعده فإنها تطلق ولا يجب عليها شيء لأن لها أن ترجع.
__________
(1) أدب الكاتب ص 544.
(2) مغني اللبيب 1/ 145.
(3) المحرر 1/ 47.(1/104)
2 - إذا قال: أنت علي كظهر أمي أو كبطن أختي، فهو ظهار تلزم فيه الكفارة، قال أبو البركات: (ولو لم يقل علي لم يكن مظاهرا إلّا بالنية) (1)
وعلى هنا بمعنى من.
3 - النفقة واجبة على الزوج لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، ووجه الدلالة فيها أن على تفيد الإيجاب.
المطلب التاسع عشر: (أو):
(أو) حرف عطف له معان عدة (2):
1 - الشك:
نحو قام زيد أو عمرو.
2 - الإبهام:
مثل قوله تعالى: {وَإِنََّا أَوْ إِيََّاكُمْ لَعَلى ََ هُدىً}
[سبأ: 24].
3 - التخيير:
مثل قوله تعالى: {فَكَفََّارَتُهُ إِطْعََامُ عَشَرَةِ مَسََاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مََا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89].
4 - الإباحة:
مثل: جالس الحسن أو ابن سيرين، والفرق بينهما جواز الجمع في الإباحة دون التخيير.
5 - التقسيم:
مثل قوله صلى الله عليه وسلّم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» (3)، وقد عبر عنه بعضهم بالتفصيل.
__________
(1) المحرر 1/ 89.
(2) مغني اللبيب 1/ 61، والجني الداني ص 245، والعدة 1/ 199، وشرح الكوكب 1/ 263، والتمهيد 1/ 110.
(3) رواه البخاري 1/ 215برقم 572، ومسلم 2/ 142.(1/105)
6 - الإضراب:
كقوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذََلِكَ فَهِيَ كَالْحِجََارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74].
7 - أن تكون بمعنى الواو:
مثل قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنََاهُ إِلى ََ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)} [الصافات: 147].
8 - أن تكون بمعنى إلّا في الاستثناء وبعدها إن مضمرة:
كقوله تعالى: {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطََانٍ مُبِينٍ (21)} [النمل: 21]، أي: إلا.
9 - أن تكون بمعنى إلى وبعدها أن مضمرة
كقول الشاعر:
لأستسهلن الصعب أو أبلغ المنى ... فما انقادت الامال إلّا لصابر
المطلب العشرون: اثارها الفقهية:
يترتب عليها مسائل فقهية، منها:
1 - من حنث في يمينه فعليه كفارة، وهو مخير فيها بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فيلزمه صيام ثلاثة أيام لقوله تعالى: {فَكَفََّارَتُهُ إِطْعََامُ عَشَرَةِ مَسََاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مََا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيََامُ ثَلََاثَةِ أَيََّامٍ ذََلِكَ كَفََّارَةُ أَيْمََانِكُمْ إِذََا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمََانَكُمْ كَذََلِكَ يُبَيِّنُ اللََّهُ لَكُمْ ايََاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)}
[المائدة: 89]، فأو: تفيد التخيير.
قال ابن عباس: (ما كان في كتاب الله (أو) فهو مخير فيه، وما كان (فمن لم يجد) فالأول فالأول) (1).
قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن الحانث في يمينه بالخيار إن
__________
(1) المغني 8/ 734.(1/106)
شاء أطعم وإن شاء كسا وإن شاء أعتق، أي: ذلك فعل أجزأه لأن الله عطف بعض هذه الخصال على بعض بحرف أو وهو للتخيير) (1).
2 - الزوج مخير أثناء عدة الرجعية بين الإمساك والطلاق. فلا يجبر على أحدهما لقوله تعالى: {الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ فَإِمْسََاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسََانٍ}
[البقرة: 229].
وقوله تعالى: {وَإِذََا طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231].
3 - إذا قال الواقف: هو وقف على الأيتام أو الأرامل فهو مباح لهما دون غيرهم، لأن أو تدل على الإباحة.
__________
(1) المغني 8/ 734.(1/107)
الباب الثاني قواعد الأمر والنهي عند الحنابلة واثارها الفقهية
وفيه تمهيد وفصلان:
التمهيد: في تعريف الأمر والنهي.
الفصل الأول: في قواعد الأمر واثارها الفقهية.
الفصل الثاني: في قواعد النهي واثارها الفقهية.(1/109)
الفصل الثاني: في قواعد النهي واثارها الفقهية.
التمهيد
قبل البحث في قواعد الأمر وقواعد النهي لا بد من أن نعرّف الأمر والنهي لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
والتعريف وسيلة لحصر المراد وتمييزه عما ليس منه، لذا فسوف أقتصر في جميع التعريفات القادمة على ما يحقق ذلك، لأنه عندي أولى من الجدل المنطقي الذي قد يؤدي بالمعرّف إلى الغموض أو يشغل القارىء عن المراد من معرفة القواعد والأحكام الأصولية.
وإليك التعريف مرتبا على مسألتين:
أولا: تعريف الأمر لغة واصطلاحا.
ثانيا: تعريف النهي لغة واصطلاحا.
أولا: تعريف الأمر لغة واصطلاحا:
الأمر لغة:
ضد النهي وهو مصدر أمر يأمر أمرا. قال ابن منظور:
(الأمر معروف نقيض النهي. أمره به وأمره الأخيرة عن كراع، وأمره إياه على حذف الحرف يأمره أمرا وإمارا فأتمر، أي: قبل أمره) (1).
__________
(1) لسان العرب 5/ 86، فصل الهمزة وحرف الراء، وانظر معانيها إلى ص 95، وفي القاموس المحيط 1/ 379، ومعجم مقاييس اللغة 1/ 138137.(1/111)
ومنه: أولو الأمر وهم الرؤساء والعلماء.
ومنه: الإمرة والإمارة وصاحبها الأمير ومؤمر.
ومنه: قوله تعالى: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 6]، فمعناه أي:
ليأمر بعضكم بعضا بمعروف. ويقال: ائتمر القوم إذا تشاوروا. وأمّر فلان، أي: صار أميرا.
وله معان أخرى، فيطلق على الحادثة فيقال: أمر محزن. وعلى الشأن فيقال: أمر فلان مستقيم. وتجمع على أمور.
وبكسر الهمزة: إمرا: العجب المنكر، ومنه قوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (71)} [الكهف: 71].
وبكسر الميم: أمر: النماء والزيادة والبركة، فيقال: رجل أمر، وامرأة أمرة، إذا كانا ميمونين. ويقال: أمر ماله، أي: كثر. ومنه قول أبي سفيان (1) رضي الله عنه: (لقد أمر أمر ابن أبي كبشة) (2)، أي: زاد وارتفع شأنه، يعني: النبي صلى الله عليه وسلّم.
وبفتح الهمزة والميم: أمر: جمع أمرة، وهي العلم، يقال: ما بها أمر، أي: علم، والأمارات الأعلام ومنه أمارات الساعة، أي: علاماتها.
وأما اصطلاحا:
فقال أبو الخطاب: (الأمر استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء) (3).
__________
(1) هو الصحابي صخر بن حرب بن أمية، أسلم عام الفتح وحسن إسلامه، مقدم في قريش، بنته أم حبيبة أم المؤمنين وابنه معاوية رضي الله عنهم، توفي سنة أربع وثلاثين. الإصابة 2/ 180178.
(2) رواه البخاري 1/ 6، ومسلم 5/ 164163.
(3) التمهيد 1/ 124.(1/112)
ووافقه ابن قدامة (1)، وهو اختيار ابن مفلح (2)، وهو المختار عندي.
وقال القاضي: (الأمر اقتضاء الفعل أو استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه) (3)، فاشترط العلو في الرتبة، ولم يذكر الاستعلاء وهناك فرق بين العلو والاستعلاء، ووافقه ابن عقيل (4) والفخر إسماعيل (5).
وقال الفتوحي: هو (اقتضاء أو استدعاء مستعل ممن دونه فعلا بقول) (6). فيظهر منه أنه يشترط الاستعلاء والعلو.
والاستعلاء هو الطلب لا على وجه التذلل بل على رفعة وجزم، وأما العلو، فأن يكون الامر أعلى مرتبة من المأمور.
* وقد اختلف العلماء في اشتراط العلو والاستعلاء في الأمر على أقوال (7)، هي:
__________
(1) روضة الناظر ص 189.
(2) أصول ابن مفلح 1/ 289، هو محمد بن مفلح بن محمد المقدسي ثم الصالحي، من أئمة المذهب، صاحب كتاب الفروع شهد له بالفضل والعلم، له عدة مصنفات، توفي سنة ثلاث وستين وسبعمائة. الجوهر المنضد ص 112، والمقصد الأرشد 2/ 520517.
(3) العدة 1/ 157.
(4) الواضح 1/ 231ب.
(5) المسودة ص 10، وهو إسماعيل بن نباتة الإمام الفقيه فخر الدين، حافظ متقن، شهد له بالعلم والفضل، توفي قبل ثمانين وخمسمائة. انظر: ذيل طبقات الحنابلة 3/ 351، والمقصد الأرشد 1/ 275.
(6) شرح الكوكب 3/ 10، هذه تعريفات علماء الحنابلة، وللعلماء تعريفات منها تعريف الغزالي: بأنه القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به. المستصفى 1/ 411، هو فاسد لأنه يتوقف على معنى معرفة المأمور.
(7) القواعد والفوائد الأصولية ص 158، وشرح الكوكب 3/ 1211.(1/113)
1 - يشترط فيه العلو والاستعلاء.
2 - يشترط فيه العلو دون الاستعلاء.
3 - يشترط فيه الاستعلاء دون العلو.
4 - لا يشترط فيه علو ولا استعلاء.
وقد ذكر ابن تيمية مذهب الحنابلة فقال: (الامر لا بدّ أن يكون أعلى مرتبة من المأمور من حيث هو امر. وإلّا كان سؤالا وتضرعا ويسمى أمرا مجازا. هذا قول أصحابنا والجمهور. وقال بعض الأشعرية: لا تشترط الرتبة) (1). وقال ابن اللحام: (واشترط جمهور المعتزلة في حد الأمر العلو دون الاستعلاء وهو ظاهر قول أصحابنا) (2).
والصحيح أن يقال: وهو قول بعض الأصحاب لأنهم اختلفوا كما تبين لك.
وقد بين الفتوحي رحمه الله تعالى هذا الاختلاف فقال:
(فعلى هذا يعتبر الاستعلاء وهو قول أبي الخطاب والموفق وأبي محمد الجوزي (3) والطوفي (4) وابن مفلح وابن قاضي
__________
(1) المسودة ص 41.
(2) القواعد والفوائد الأصولية ص 158.
(3) عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله، أبو الفرج ابن الجوزي، لازم ابن الزاغوني وكتب عنه، وتلقّى من كثيرين، فصيح العبارة مؤثر الوعظ، له مصنفات عدّة، توفي سنة سبع وتسعين وخمسمائة. ذيل طبقات الحنابلة 1/ 399، والمنهج الأحمد ص 311، والمقصد الأرشد 2/ 93.
(4) هو سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطوفي، الفقيه الأصولي، حافظ مكثر، صنف عدة مصنفات منها البلبل في أصول الفقه، وهو مختصر للروضة، ثم شرح المختصر، توفي سنة ست عشرة وسبعمائة. ذيل طبقات الحنابلة 2/ 366، والمنهج الأحمد ص 417، والمقصد الأرشد 1/ 426425.(1/114)
الجبل (1) وابن برهان في الأوسط والفخر الرازي (2)، والامدي (3) وغيرهم وأبي الحسين (4) من المعتزلة وصححه ابن الحاجب (5) وغيره.
قال في شرح التحرير: (واعتبرا أكثر أصحابنا: منهم القاضي وابن عقيل وابن البنا (6) والفخر إسماعيل والمجد بن تيمية، وابن حمدان (7)
__________
(1) أحمد بن الحسن بن عبد الله المقدسي المعروف بابن قاضي الجبل، تلقّى العلم عن كثيرين منهم تقي الدين ابن تيمية، صنّف عدّة مصنفات، توفي سنة إحدى وسبعين وسبعمائة. المنهج الأحمد 2/ 126، والمقصد الأرشد 1/ 92.
(2) هو محمد بن عمر بن الحسين الطبرستاني الرازي، أبو عبد الله الملقب فخر الدين، فقيه أصولي من أئمة المذهب الشافعي، شهد له بالفضل والإتقان، صاحب المحصول، وله عدة مصنفات، توفي سنة ست وستمائة. الفتح المبين في طبقات الأصوليين 2/ 47.
(3) علي بن محمد بن عبد الرحمن البغدادي أبو الحسن الامدي، تلقّى من أبي يعلى وغيره، وبلغ مكانة في النظر والاستدلال، جلس للفتوى في جامع المنصور في موضع ابن حامد، توفي سنة سبع أو ثمان وستين وأربعمائة.
طبقات الحنابلة 2/ 234، والمنهج الأحمد 2/ 146، والمقصد الأرشد 2/ 253252.
(4) هو محمد بن علي بن الطب أبو الحسين البصري المعتزلي عالم أصولي، له عدة مصنفات، توفي سنة ست وثلاثين وأربعمائة. شذرات الذهب 3/ 259.
(5) عثمان بن عمر بن أبي بكر، يكنى أبا عمرو وشهرته بابن الحاجب لأن أباه كان حاجبا عند أحد الأمراء، من فقهاء المذهب المالكي أصولي متقن، له عدة مصنفات، مات سنة ست وأربعين وستمائة.
(6) الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء البغدادي الإمام أبو علي المقرىء المحدّث الفقيه، تلقّى الفقه من أبي يعلى، وابن أبي موسى وغيرهم، تلقّى منه كثيرون، انتفع منه طلبة العلم، توفي سنة إحدى وسبعين وأربعمائة. طبقات الحنابلة 2/ 244، والمقصد الأرشد 1/ 309.
(7) أحمد بن حمدان النميري، الفقيه الأصولي، أتقن أصول المذهب ودقائقه، له عدة(1/115)
وغيرهم ونسبه ابن عقيل في الواضح إلى المحققين، وأبو الطيب الطبري (1)
وأبو إسحاق الشيرازي (2) والمعتزلة: العلو، فأمر المساوي لغيره يسمى عندهم التماسا والأدون سؤلا) (3).
ثم ذكر أن بعض العلماء اشترط العلو والاستعلاء معا، وبعضهم لم يشترط علوا ولا استعلاء، وسبب اختياري لتعريف أبي الخطاب: أن طلب الأعلى من الأدنى على سبيل التضرع والتذلل لا يكون أمرا. ولكن طلب الأدنى ممّن فوقه على سبيل الاستعلاء يسمى أمرا كقولك للأمير: اتق الله واعدل في رعيتك. ومنه قول الشاعر يخاطب أميره:
أمرتك أمرا جازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإمارة نادما (4)
كما أن العلو غير منضبط (5)، أما الاستعلاء فإنه مدرك من الجزم في الطلب.
وأيضا فإن الإبقاء على الحقيقة أولى من المجاز.
__________
مصنفات، توفي سنة خمس وتسعين وستمائة. ذيل طبقات الحنابلة 4/ 331، والمقصد الأرشد 1/ 99.
(1) طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري أبو الطيب الفقيه الأصولي الشافعي، تلقّى عن علماء جرجان ونيسابور ثم رحل إلى بغداد، عنه الخطيب البغدادي وغيره، توفي سنة خمسين وأربعمائة. الفتح المبين 1/ 238، وشذرات الذهب 3/ 284.
(2) هو إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله، أبو إسحاق الشيرازي، الفقيه الأصولي، أحد الأعلام الشافعية، له مصنفات عدّة، شهد له بالعلم والفضل، توفي سنة ست وسبعين وأربعمائة. الفتح المبين 1/ 255.
(3) شرح الكوكب 3/ 1211.
(4) القائل هو حباب بن المنذر الرقاشي، والأمير هو يزيد بن المهلب أمير خراسان.
(5) فهل نعتبر العلو بالمسؤولية أو بالعلم أو بالعمر أو بالجاه، فإذا أمر عالم أميرا أو غنيّا، وإذا أمر شيخ مسن شابّا غنيّا، فأيهم الأعلى؟(1/116)
وإليك شرح التعريف المختار:
استدعاء: أي طلب، وهو جنس في التعريف يخرج التهديد والإباحة والإرشاد وغيرها من المعاني التي استعملت فيها صيغة افعل، فإنها لا استدعاء فيها.
وهو يدل على اعتبار إرادة النطق بالصيغة (1)، فيخرج كلام النائم والساهي.
الفعل: أي إيجاد الفعل، ويخرج النهي فإنه استدعاء الترك.
بالقول: أي: بالنطق بصيغة افعل للحاضر وليفعل للغائب.
ويخرج الفعل كالطلب بالإشارة أو الكتابة فليس أمرا حقيقة (2).
على وجه الاستعلاء: أي: برفعة وقوة، ويخرج به الدعاء كقوله:
{وَاعْفُ عَنََّا وَاغْفِرْ لَنََا وَارْحَمْنََا أَنْتَ مَوْلََانََا فَانْصُرْنََا عَلَى الْقَوْمِ الْكََافِرِينَ (286)}
[البقرة: 286]، فإنه على وجه التذلّل والتضرّع، ويخرج به أيضا كلام النائم والساهي فإنه لا استعلاء فيه.
وقد اشترط المعتزلة (3) الإرادة في الأمر، ولكن رد عليهم علماء الحنابلة وغيرهم بردود وافية شافية (4)، منها: أن الله تعالى أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه عليه السلام ولم يرده منه إذ لو أراده لكان، فدل ذلك على أن الإرادة ليست شرطا في الأمر.
__________
(1) شرح الكوكب المنير 3/ 1312، والمسودة ص 11.
(2) العدة 1/ 157، والتمهيد 1/ 66.
(3) المعتمد 1/ 43.
(4) العدة 1/ 221220، والتمهيد 1/ 133124، والروضة ص 192 193.(1/117)
ثانيا: تعريف النهي:
لغة:
صمصدر من نهى وهو ضد الأمر. قال في القاموس: (نهاه ينهاه نهيا ضد أمره فانتهى) (1).
واصطلاحا:
هو استدعاء الترك بالقول على وجه الاستعلاء (2).
ومن اشترط المرتبة قال: هو استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه (3).
فقولنا (استدعاء): جنس في التعريف يخرج الخبر فإنه لا استدعاء فيه.
(والترك): يخرج الأمر فإنه استدعاء الفعل ما عدا كف ودع فإنهما أمر بالترك.
بالقول: أي: بالنطق بصيغة لا تفعل. وتخرج الكتابة والإشارة.
على (وجه الاستعلاء): يخرج الدعاء مثل: {رَبَّنََا لََا تُؤََاخِذْنََا إِنْ نَسِينََا أَوْ أَخْطَأْنََا رَبَّنََا وَلََا تَحْمِلْ عَلَيْنََا إِصْراً كَمََا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنََا رَبَّنََا وَلََا تُحَمِّلْنََا مََا لََا طََاقَةَ لَنََا بِهِ} [البقرة: 286] الاية، فإنه على وجه التذلل والتضرع.
__________
(1) القاموس المحيط 4/ 400.
(2) هذا لازم من قولهم النهي مقابل الأمر، فما قيل في الأمر يقال في النهي.
(3) العدة 1/ 159، وكذا عرفه ابن عقيل مع فرق في ترتيب العبارة الواضح ص 23/ ب.(1/118)
الفصل الأول قواعد الأمر عند الحنابلة واثارها الفقهية
وفيه مباحث:
المبحث الأول: الأمر حقيقة في القول المخصوص.
المبحث الثاني: الأمر المجرد عن القرائن يقتضي الوجوب؟
المبحث الثالث: الأمر المكرر يقتضي التوكيد.
المبحث الرابع: الأمر بعد الحظر للإباحة.
المبحث الخامس: الأمر المطلق يقتضي التكرار.
المبحث السادس: الأمر المطلق يقتضي الفور.
المبحث السابع: الأمر المؤقت هل يسقط بذهاب وقته؟
المبحث الثامن: الأمر بالشيء نهي عن ضده.
المبحث التاسع: الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به؟(1/119)
المبحث التاسع: الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به؟
المبحث الأول الأمر حقيقة في القول المخصوص
لفظ الأمر له عدة معان (1) في اللغة، وهو حقيقة في القول المخصوص، أي: قول الامر افعل أو لتفعل، ولا خلاف في ذلك، قال ابن اللحام: (الأمر حقيقة في القول المخصوص اتفاقا) (2)، وكذا قال الفتوحي (3)، وذلك ظاهر لا يحتاج إلى إقامة أدلة عليه. قال أبو الحسين البصري: (اعلم أنه لا شبهة في أن قولنا: (أمر يقع على جهة الحقيقة على القول المخصوص)، وذلك غير مفتقر إلى دلالة) (4).
واختلف في دلالته على الفعل وعلى الشيء والصفة والشأن والطرائق.
وبيان الخلاف وأثره مرتب على ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الخلاف في دلالته على الفعل أحقيقة أم مجاز؟
المطلب الثاني: الخلاف في دلالته على الشيء والصفة والشأن والطرائق أحقيقة أم مجاز؟
__________
(1) لسان العرب 5/ 9586.
(2) المختصر في أصول الفقه ص 97.
(3) شرح الكوكب 3/ 5، وانظر: المحصول ج 1ق 2/ 7، وجمع الجوامع 1/ 166، والإحكام للامدي 2/ 130.
(4) المعتمد 1/ 39.(1/121)
المطلب الثالث: أثر الخلاف.
المطلب الأول: دلالة الأمر على الفعل:
دلالة لفظ الأمر على الفعل مجاز لا حقيقة عند علماء الحنابلة (1)، وهو مذهب الجمهور (2)، وخالف في ذلك بعض الشافعية فقالوا: الأمر حقيقة في الفعل كما هو حقيقة في القول (3).
والأدلة على أنه مجاز في الفعل
لا حقيقة ما يلي (4):
1 - أنه يصح نفي الأمر عنه، فلو كان حقيقة لما صح. فلك مثلا أن تقول عمن صلّى بأنه لم يأمر.
2 - أنه لو كان حقيقة في الأمر لا طّرد فيه، فكان يسمى الأكل أمرا والشرب أمرا والقراءة أمرا والكتابة أمرا، ولكنه غير مطرد فلا تسمى هذه الأفعال ونحوها أمرا، فدل على أنه مجاز لا حقيقة.
3 - أن أهل اللغة حدوا الأمر بأنه الاستدعاء بالقول فخصصوه به دون غيره.
فدل على أنه حقيقة في القول دون غيره. فلو كان حقيقة في الفعل لما قصروا الحقيقة على القول.
4 - ومما استدل به القاضي وأبو الخطاب على ذلك، بأنه لو كان
__________
(1) العدة 1/ 224223، والتمهيد 1/ 145139، والمسودة 16، والقواعد والفوائد الأصولية ص 158.
(2) المعتمد 1/ 39، والإحكام في أصول الأحكام 2/ 131.
(3) المعتمد 1/ 39، والتمهيد 1/ 140.
(4) انظر: العدة 1/ 223، والتمهيد 1/ 140.(1/122)
حقيقة في الفعل لا شتق لفاعل الفعل امر، ولكن اعترض على ذلك بأنه ليس من شرط الحقيقة أن يشتق منها، ألا ترى أن قولنا رائحة يقع على الرائحة حقيقة ولا يشتق، وكذا قولنا لون حقيقة ولا يشتق (1).
الأدلة على أنه حقيقة في الفعل
واستدل القائلون بأنه حقيقة في الفعل، وهم بعض متأخري الشافعية بما يلي:
1 - يقول الله تعالى: {وَمََا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97)} [هود: 97]، ووجه الدلالة أن المراد به فعله.
والجواب: بأن المراد به اتباع قوله، ولهذا قال تعالى: {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} [هود: 97]، والاتباع إنما يكون للقول.
2 - وقوله تعالى: {وَمََا أَمْرُنََا إِلََّا وََاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)}
[القمر: 50]، ووجه الدلالة أن المراد: وما فعلنا إلّا واحدة كلمح بالبصر.
والجواب: بأنه ليس المراد ما ذكرتم، ولكن المراد أن من قدرته وشأنه أنه إذا أراد شيئا وقع كلمح البصر في السرعة بمجرد أن يقول له كن فيكون.
3 - أن جمع الأمر إذا أفاد الفعل يختلف عن جمعه إذا أريد به القول، فيجمع في الفعل على أمور، وفي القول على أوامر، فدل على أنه حقيقة فيهما لأن الجمع أحد أدلة الحقائق.
والجواب: أن لفظ أوامر جمع امرة. كما أن الأمور لا تختص بالأفعال، فعندما تقول أمور فلان مستقيمة، فإنها تشمل كل حاله من الأقوال والأفعال والترك وعلى أن اختلاف جميعهما لا يدل على أنه حقيقة فيهما (2).
__________
(1) المعتمد 1/ 41.
(2) انظر: المعتمد 1/ 4241، والتمهيد 1/ 145142.(1/123)
* فتبين لك أن الراجح هو مذهب الأصحاب والجمهور بأنه مجاز في الفعل.
وأما القول الثاني فهو مرجوح وقد نسبه أبو الحسين البصري إلى بعض أصحاب الشافعي، وقد سار أبو الخطاب في عرضه للأدلة متأثرا بعرض أبي الحسين البصري لها، وقد ذكر في البداية أن الإمام نص على أنه ليس بحقيقة في الفعل فقال: (الأمر ليس بحقيقة في الفعل نص عليه أحمد في رواية إسحاق (1) بن إبراهيم، فقال: الأمر من النبي صلى الله عليه وسلّم سوى الفعل، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قد يفعل الشيء على جهة الفضل، ولأن النبي صلى الله عليه وسلّم قد يفعل وهو له خاصة، وإذا أمر بالشيء فهو للمسلمين عامة وأمره توكيد) (2).
وأرى أن هذه الرواية غير صريحة في الدلالة على أنه مجاز في الفعل حيث لا ذكر فيها للحقيقة والمجاز. وإنما هو من طريق المفهوم من كلام الإمام أحمد.
المطلب الثاني: دلالة الأمر على الشيء والصفة والشأن والطريقة:
دلالة لفظ الأمر على الشيء والصفة والشأن والطريقة مجاز لا حقيقة عند الجمهور (3)، وذهب أبو الحسين البصري إلى أنه مشترك بين الشيء والصفة وجملة الشأن والطرائق وبين القول المخصوص (4).
__________
(1) هو إسحاق بن إبراهيم هانىء النيسابوري، أبو يعقوب، ونقل عن الإمام مسائل كثيرة وأخذ عنه الأصحاب، توفي سنة خمس وسبعين ومائتين. طبقات الحنابلة 1/ 108، والمقصد الأرشد (1/ 241).
(2) التمهيد 1/ 140.
(3) التمهيد 1/ 140، والإحكام في أصول الأحكام 2/ 131.
(4) المعتمد 1/ 39.(1/124)
وأدلة الجمهور على أنه حقيقة في القول المخصوص مجاز في المعاني الاخرى هي الأدلة السابقة (1).
وأما أدلة أبي الحسين البصري، فقال: (يبين ذلك أن الإنسان إذا قال: (هذا أمر) لم يدر السامع أي هذه الأمور أراد، كما أنه إذا قال: (إدراك) لم يدر ما الذي أراد من الرؤية واللحوق. فإذا قال: (هذا أمر بالفعل)، أو قال: (أمر فلان مستقيم)، أو قال: (قد تحرك هذا الجسم لأمر من الأمور) أو جاءنا زيد لأمر من الأمور): عقل السامع من الأول القول المخصوص، ومن الثاني الشأن، ومن الثالث أن الجسم تحرك لصفة من الصفات وشيء من الأشياء، وأن زيدا جاءنا لشيء من الأشياء وغرض من الأغراض فبان قولنا (أمر) مشترك بين هذه الأشياء، وأنه يتخصص بواحد واحد منها بحسب ما يقترن به) (2).
الجواب: بأن لفظ الأمر عند إطلاقه يفهم منه القول المخصوص وليس كما ذكر من أن السامع لا يدري أي هذه الأمور أراد، بل يتبادر إلى الذهن القول المخصوص الذي هو ضد النهي دون غيره، فدل ذلك على أنه حقيقة فيه مجاز في المعاني الاخرى، كيف وقد قامت الأدلة على أن الأمر مجاز في الشيء والصفة وجملة الشأن والطرائق، ومنها صحة نفيه عنها، فتقول: شأن فلان مستقيم ولا أمر له، وتقول: تحرك الجسم بلا أمر ولكن لسبب من الأسباب، وجاءنا زيد لا لأمر ولكن لحاجة من حوائجه.
وقد نقل عن القاضي أنه قال في الكفاية بقول أبي الحسين البصري (3).
__________
(1) انظر: ص 122.
(2) المعتمد 1/ 4039.
(3) قال ابن اللحام: وفي الكفاية مشترك بينه وبين الشأن والطريقة. المختصر ص 97،(1/125)
ولكن ذلك معارض لما صرح به في العدة، حيث قال: (إن أهل اللغة قد ذكروا في حده (أي الأمر) قول القائل: افعل إذا كان على صفة وهو من الأعلى إلى الأدنى فلم يجز نقله عما حكموا عليه في الوضع كما لا يجوز في سائر اللغات) (1)، فلو كان موضوعا عنده لأكثر من معنى لما قال ذلك.
كما أنه لو كان الاشتراك مذهبه لصرح به في العدة، ولكنه صرح بما يبطله، فالأصح عندي أن مذهبه أنه حقيقة في القول المخصوص.
وأما تصحيح الشيخ عبد الحليم بن تيمية، فإنه ملتبس وغامض. إذ هل يعني به تصحيح مذهب أبي الحسين أو يعني به تصحيح من يرى أنه حقيقة في الفعل حيث قال: (وهذا الصحيح لمن أنصف ونصره ابن برهان وأبو الطيب وهو مذهب بعض المالكية. أعني أن الفعل يسمى أمرا حقيقة) (2)، أو يرجع إلى ما جعله في رأس المسألة وعنوانها حيث قال:
(الفعل لا يسمى أمرا حقيقة بل مجازا، في قول إمامنا وأصحابه والجمهور) (3).
وهذه الغموض (4) يمنع من إفادتها حكما يطمئن إليه، وعلى أنه سليم
__________
وفي المسودة: وذهب أبو الحسين البصري والقاضي أبو يعلى في الكفاية إلى أن لفظ الأمر مشترك بين القول وبين البيان، والصواب أنها الشأن والطريقة وما أشبه ذلك، وهذا هو الصحيح لمن أنصف ونصره ابن برهان وأبو الطيب، وهو مذهب بعض المالكية أعني أن الفعل يسمى أمرا حقيقة. المسودة ص 16.
(1) العدة 1/ 223.
(2) المسودة ص 16.
(3) المسودة ص 16.
(4) لعلّ في الكلام سقط وخصوصا أن هذه الأسطر مركبة ومجموعة من أكثر من نسخة من نسخ المخطوطة.(1/126)
من ذلك هو ترجيح من الشيخ لا يلزم أن يكون هو الصحيح. والله أعلم.
وقد أضاف ابن اللحام إلى أبي الحسين البصري ما لم يذهب إليه، حيث أضاف الفعل فقال: (وقال أبو الحسين: هي موضوعة للقول والفعل وللشيء) (1)، وأبو الحسين ذهب إلى أنه مشترك بين الشيء والصفة والشأن، وردّ على من قال بأن الأمر حقيقة في الفعل) (2).
ولعل ذلك خطأ من النساخ، وأعجب من أن أبا الخطاب لم يذكر قول أبي الحسين ولم يناقشه (3) واختار الامدي أنه متواطء في القول المخصوص والفعل (4).
والراجح عندي:
أن الأمر حقيقة في القول المخصوص مجاز في معانيه الاخرى، وذلك لأن القول المخصوص غالب على الذهن عند إطلاقه مثل غلبة فهم الحيوان المفترس عند إطلاق كلمة أسد. أما المعاني الاخرى فلا تتبادر إلى الذهن بل لا بد من وجود ما يدل عليها من السياق.
ولأن الله تعالى قال: {أَلََا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، فعطف الأمر على الخلق وهو فعل، وفي ذلك دلالة على أن الفعل غير الأمر.
المطلب الثالث: اثار الخلاف الفقهية:
يترتب على الخلاف في المطلبين السابقين اثار فقهية، منها:
1 - أفعال النبي ص هل تسمى أمرا حقيقة أو لا؟
وفي ذلك قال أبو البركات: (الفعل لا يسمّى أمرا حقيقة بل مجازا في
__________
(1) القواعد والفوائد الأصولية ص 158.
(2) المعتمد 1/ 4039.
(3) التمهيد 1/ 145139.
(4) الإحكام في أصول الأحكام 2/ 137.(1/127)
قول إمامنا وأصحابه والجمهور) (1)، ورتب على ذلك ابن اللحام أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلّم لا تسمى أمرا حقيقة بل مجازا (2)، ومنه تفهم أنها لا تساوى بأقواله من حيث قوة الدلالة والإيجاب، وهذا ما نص عليه أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم، حيث قال: (الأمر من النبي صلى الله عليه وسلّم سوى الفعل، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قد يفعل الشيء على جهة الفضل ولأن النبي صلى الله عليه وسلّم قد يفعل الشيء وهو له خاصة، وإذا أمر بالشيء فهو للمسلمين عامة وأمره توكيد) (3)، وأما من قال بأن الأمر حقيقة في الفعل فقال بأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلّم تسمى أمرا حقيقة وهي موجبة مثل أقواله (4).
2 - الكتابة والإشارة هل تسمى أمرا أم لا؟
المذهب أنها لا تسمّى أمرا حقيقة بل مجازا (5). وأما وقوع الطلاق بالكتابة فلأن الطلاق لا يقتصر إيقاعه على الألفاظ الصريحة بل يقع بالكنايات وبكل ما يفيد الطلاق إذا نواه، وعليه فإنه لا تعارض في كلام القاضي أبي يعلى حيث قال بأن الكتابة لا تسمى أمرا حقيقة، ثم حكم بوقوع الطلاق فيها، وقد ذكر ابن اللحام أن ذلك رواية معارضة. وقال:
(وهذا يقتضي أن يكون أمرا حقيقة) (6)، والصحيح أنه لا يقتضيه لأنه لا تعارض بينهما، فالطلاق يقع بالمجاز الذي يدل عليه، وليس مقتصرا وقوعه على الحقيقة.
__________
(1) المسودة ص 16.
(2) القواعد والفوائد الأصولية ص 162.
(3) مسائل الإمام أحمد رواية إسحاق بن إبراهيم 1/ 9، والتمهيد 1/ 140.
(4) انظر: الميزان للسمرقندي ص 81، 82.
(5) العدة 1/ 157، و 224، والتمهيد 1/ 66.
(6) القواعد والفوائد الأصولية ص 162.(1/128)
وأما من قال بأن الأمر حقيقة في الفعل، فإن الكتابة أو الإشارة تسمى عنده أمرا حقيقة.
3 - لو حلف ألايتكلم بمجاز
، ثم قال: فلان أمره مستقيم، أو جاءتنا هند لأمر ما، فإنه يحنث لأنه تكلم بمجاز، ولا يحنث عند أبي الحسين لأنه تكلم بحقيقة مشتركة.(1/129)
المبحث الثاني الأمر المجرد من القرائن يقتضي الوجوب
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في بيان المسألة وتحريرها.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المطلب الأول:
تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة
الأمر المجرد من القرائن يقتضي الوجوب:
صيغة الأمر
ترد صيغة الأمر وقد حفت بها قرائن تؤكد الوجوب، فتفيد الوجوب بلا خلاف.
وترد وقد حفت بها قرائن تدل على الندب، فتحمل على الندب بلا خلاف.
وترد مجردة عن القرائن، وفيها اختلف العلماء، هل تقتضي الوجوب أم لا،
على أقوال:
القول
الأول:
أنها تقتضي الوجوب ولا تصرف عنه إلّا بدليل
ذهب جمهور العلماء (1) ومنهم: الإمام أحمد وأصحابه
__________
(1) المعتمد لأبي الحسين 1/ 50، وجمع الجوامع 1/ 375، وشرح المنار وحواشيه ص 120، وإرشاد الفحول ص 94، والإحكام للامدي 2/ 144، ومختصر المنتهى لابن الحاجب 2/ 79.(1/130)
رحمهم الله جميعا (1) إلى أنها تقتضي الوجوب ولا تصرف عنه إلّا بدليل.
قال القاضي: (إذا ورد لفظ الأمر متعريا عن القرائن اقتضى وجوب المأمور به، وهذا ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في مواضع) (2).
وقال أبو الخطاب: (إذا تجردت صيغة الأمر عن القرائن اقتضت الوجوب نص عليه أحمد في مواضع) (3).
المواضع التي ذكرها القاضي وأبو الخطاب، هي:
1 - رواية صالح عن أبيه، أنه قال: (إذا صلّى خلف الصف وحده أرى أن يعيد الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلّم رأى رجلا صلّى خلف الصف فأمره بإعادة الصلاة) (4).
2 - رواية مهنا (5): أن الإمام أحمد ذكر له قول مالك في الكلب يلغ في الإناء (لا بأس به) فقال: ما أقبح هذا من قولة، قال (6) رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
«يغسل سؤر الكلب سبع مرات» (7).
__________
(1) المسودة ص 5.
(2) العدة 1/ 224.
(3) التمهيد 1/ 145.
(4) العدة 1/ 226، والتمهيد 1/ 146، والحديث رواه وابصة بن معبد رضي الله عنه، وأخرجه أحمد في المسند 4/ 228، والترمذي 1/ 445، وأبو داود 1/ 157.
(5) هو مهنا بن يحيى الشامي السلمي، أبو عبد الله، حدّث عن كثير، وتلقّى عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، وأخذ عنه الأصحاب وهو من المقدمين عند أحمد. طبقات الحنابلة 1/ 345، والمقصد الأرشد 3/ 4443.
(6) رواه أبو هريرة، أخرجه البخاري 1/ 51، وأخرجه مسلم 1/ 161.
(7) التمهيد 1/ 146، و 147.(1/131)
وقد ذكر القاضي (1) أيضا رواية أبي الحارث (2): (إذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلّم وجب العمل به) (3)، ولكن تعقب ابن تيمية مدلول هذه الرواية فقال: (يقتضي وجوب العمل به على ما اقتضاه من إيجاب أو استحباب أو تحريم) (4)، وهذا هو الأولى عندي.
وعن الإمام نصوص كثيرة غير ما ذكروه تدل على أن الأمر المجرد يقتضي الوجوب. منها: ما رواه عبد الله قال: قلت لأبي: من أسلم يجب عليه الغسل؟ قال: يقال إن النبي صلى الله عليه وسلّم: (أمر الذي أسلم أن يغتسل) (5)، فبين أن الأمر دال على الوجوب.
القول الثاني:
أنها تقتضي الندب
ذهب جماعة من المعتزلة وبعض الشافعية: إلى أنه يقتضي الندب (6)، وقد فسر بعض الأصحاب قول الإمام أحمد في رواية علي (7) بن سعيد عنه (ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلّم فهو عندي أسهل مما نهى عنه) (8) وكذا رواية الميموني (9)، وأن ذلك يدل على أن إطلاق الأمر
__________
(1) هو أحمد بن محمد الصائغ، أبو الحارث، صحب الإمام أحمد وروى عنه.
طبقات الحنابلة 1/ 74، والمقصد الأرشد 1/ 163.
(2) العدة 1/ 225.
(3) المسودة ص 13.
(4) مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه ص 32.
(5) رواه قيس بن عاصم، أخرجه أبو داود 1/ 252251، والترمذي 2/ 502، و 503، وفي المستند 5/ 61.
(6) المعتمد 1/ 50، والإحكام للامدي 2/ 144.
(7) هو علي بن سعيد النسوي أبو الحسن، صحب أحمد، محدث كبير القدر عند أحمد. انظر: طبقات الحنابلة 1/ 225224، والمقصد الأرشد 2/ 225.
(8) العدة 1/ 228، و 229، 1/ 147.
(9) هو عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الميموني أبو الحسن، من أصحاب أحمد،(1/132)
يقتضي الندب وإطلاق النهي يقتضي التحريم (1).
* والذي أراه أن ذلك مفهوم وقد عارضه منطوق نصوص كثيرة تدل على أنه للوجوب عنده. والمنطوق مقدم على المفهوم فلا ينسب ذلك مذهبا له.
كما أن هذا المفهوم بعيد.
مناقشة ابن تيمية
وقد ناقش ابن تيمية ذلك فقال:
(فيحتمل أنه أراد أنه على الندب وهو بعيد لمخالفته منصوصاته الكثيرة ويحتمل وهو الأظهر أنه قصد أنه أسهل بمعنى أن جماعة من الفقهاء قالوا بالتفرقة بأن الأمر للندب والنهي للتحريم، والنهي على الدوام والأمر لا يقتضي التكرار) (2)، وفي العدة نحوه، أي: أنه حكاية لنظر العلماء فما اتفقوا عليه أشدّ عنده مما اختلفوا فيه (3)، ثم وإن كان الأمر المجرد عنده للوجوب كما في نصوصه إلّا أن النهي أشد عنده. وهذا المعنى يدل عليه قول المصطفى صلى الله عليه وسلّم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (4).
وهل يثبت هذا الفهم رواية عنه: مردّ ذلك إلى أصلين سبق بيانهما في التمهيد (5).
__________
روى عنه مسائل عدة، توفي سنة أربع وسبعين ومائتين. طبقات الحنابلة 1/ 212، والمقصد الأرشد 2/ 142.
(1) التمهيد 1/ 147.
(2) المسودة ص 5.
(3) كذا تأوّله القاضي. انظر: العدة 1/ 229.
(4) الحديث رواه أبو هريرة، أخرجه البخاري 8/ 142، ومسلم 4/ 102.
(5) انظر: ص 31، و 29.(1/133)
الأول: إذا أفتى بأسهل أو أشد من كذا، فهل يقتضي المساواة بينهما في الحكم أو يقتضي الاختلاف؟ ذهب أبو بكر ومن وافقه إلى القول بالمساواة، وذهب ابن حامد إلى القول بالاختلاف.
الثاني: إذا رويت عنه رواية تخالف منصوصاته فهل تثبت مذهبا له، فذهب أبو بكر إلى أنها ليست مذهبا له، وذهب ابن حامد إلى أنه لا يطلق ذلك، وإن كان دليلها أقوى قدمت.
وعليه فمذهب أبي بكر ومن وافقه نفيها في الأصلين. قال ابن تيمية:
(وهو الأولى) (1)، ومذهب ابن حامد إثباتها في الأصلين. ولكن القاضي رجح عدم إثباتها وأولها. والراجح عندي أيضا عدم إثباتها لأنها مفهوم بعيد ومتعارض مع أقوى منه.
الثالث: ذهب أبو الحسن الأشعري (2) إلى التوقف حتى يدل الدليل على ما أريد بها. ووافقه على ذلك جماعة من أصحابه، وهو مذهب الباقلاني واختيار الغزالي والامدي (3).
__________
(1) المسودة ص 5.
(2) المسودة ص 5. والإحكام في أصول الأحكام 2/ 145. وهو علي بن إسماعيل بن إسحاق، أبو الحسن الأشعري فقيه أصولي كان من المعتزلة ثم تركهم وإليه ينسب الأشاعرة. توفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. الفتح المبين 1/ 174، وتذكرة الحفاظ 3/ 821، وشذرات الذهب 2/ 303.
(3) الإحكام في أصول الأحكام للامدي 2/ 145، والمستصفى 1/ 423، وجمع الجوامع 1/ 376. والغزالي: هو محمد بن محمد الغزالي، أبو حامد الأصولي المتقن الملقب حجة الإسلام من علماء الشافعية، تلقّى من أبي المعالي الجويني وغيره، له مصنفات كثيرة، توفي سنة خمس وخمسمائة. الفتح المبين 2/ 8.(1/134)
وقد توقف طائفة من العلماء فيه لأنه مشترك، واختلفت أقوالهم فيما هو مشترك فيه وتعددت على أقوال:
1 - مشترك بين الوجوب والندب.
2 - مشترك بين الوجوب والندب والإباحة.
3 - مشترك بين الوجوب والندب والإرشاد.
4 - مشترك بين الوجوب والندب والإباحة والتهديد والإرشاد.
5 - مشترك بين الوجوب والندب والإباحة والتحريم والكراهية.
وقيل أيضا غير ذلك (1).
وتشترك هذه الأقوال بالتوقف في الحكم بالوجوب أو الندب أو غيره حتى ترد قرينة تدل عليه.
4 - ذهب قوم إلى أنه يقتضي الإباحة (2)، ونسب ذلك إلى بعض أصحاب مالك (3)، ومن خلال النظر في أقوال العلماء نرى اتفاق علماء الحنابلة على أنه للوجوب، وأما الشافعية فقد اختلفت أقوالهم، ومن المالكية ومن الأحناف من خالف فيه. ولكن الأكثر على أنه للوجوب، وهذا مذهب أبي الحسين ومن وافقه من المعتزلة، فهو مذهب جمهور العلماء.
وإليك أدلة كل قول مع المناقشة:
أدلة القول الأول:
من الكتاب والسنّة واتفاق الصحابة رضي الله عنهم ودلالة اللغة.
__________
(1) القواعد والفوائد الأصولية ص 16، وجمع الجوامع 1/ 376، وإرشاد الفحول ص 94.
(2) المعتمد 1/ 50، والتمهيد 1/ 147، والمختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص 99.
(3) شرح المنار وحواشيه ص 120، وحاشية الرهاوي.(1/135)
فمن الكتاب الكريم:
1 - قول الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخََالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذََابٌ أَلِيمٌ (63)} [النور: 63]، فتوعد من خالف الأمر بالعقاب، ولا عقاب على من ترك مندوبا أو جائزا. فدل على أن الأمر المطلق يقتضي الوجوب.
واعترض عليه بأن المراد بمخالفة الأمر الإقدام على ارتكاب محظور، وردّ ببعده وبأن المراد عدم الامتثال.
2 - قوله تعالى: {وَإِذََا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لََا يَرْكَعُونَ} [المرسلات: 48].
فبين أن سبب عقابهم مخالفتهم للأمر، فدل ذلك على أن الأمر المطلق يقتضي الوجوب إذ لو كان مقتضيا غيره لما ترتب على تركه عقاب.
ومن السنّة المطهّرة:
1 - ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة» (1). فلم يوجبه النبي صلى الله عليه وسلّم لكي لا يشق على أمته. ومعلوم أن السواك مندوب إليه، فدل ذلك على أن الأمر عند إطلاقه يقتضي الوجوب، إذ لو كان يقتضي الندب لما نفاه في هذا الحديث، وأيضا فإن المندوب لا مشقة فيه.
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لبريرة:
(لو راجعتيه فإنه أبو ولدك، فقالت: أبأمرك يا رسول الله، فقال: لا، إنما أنا أشفع» (2). ومعلوم أن إجابة شفاعته مستحبة، فلما نفى الأمر
__________
(1) أخرجه البخاري 1/ 303، رقم 847، ومسلم 1/ 151.
(2) رواه البخاري 5/ 2023، رقم 4979، والنسائي 8/ 246245، وابن ماجه 1/ 671.(1/136)
وفرق بينه وبين الشفاعة دل ذلك على أن الأمر المطلق يقتضي الوجوب.
وأما اتفاق الصحابة: فقد ذكره القاضي (1) وابن قدامة إجماعا. قال ابن قدامة: (الثالث: إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم أجمعوا على وجوب طاعة الله تعالى وامتثال أوامره من غير سؤال النبي صلى الله عليه وسلّم عما عنى بأوامره. وأوجبوا أخذ الجزية من المجوس بقوله صلى الله عليه وسلّم: «سنوا بهم سنّة أهل الكتاب» (2)، وغسل الإناء من الولوغ بقوله: «فليغسله سبعا» (3)، والصلاة عند ذكرها بقوله: «فليصلها إذا ذكرها» (4)، واستدل أبو بكر رضي الله عنه على إيجاب الزكاة بقوله تعالى: {اتُوا الزَّكََاةَ} (5)، ونظائر ذلك مما لا يخفى يدل على إجماعهم على اعتقاد الوجوب) (6).
فإن قيل: إن الصحابة فهموا الوجوب من تلك الأوامر لوجود قرينة وليس لمجرد الصيغة.
قلنا: الظاهر أن احتجاجهم بنفس الألفاظ فلم يتوقفوا وينظروا إلى القرائن، ثم أنه لو توقف العمل على القرينة لكان نقلها أولى من لفظ الأمر لأن في تركها تضييع للشريعة، وغير جائز أن يطلق على الصحابة مثل ذلك (7).
__________
(1) العدة 1/ 235، وأيضا ذكره أبو الحسين إجماعا. انظر: المعتمد 1/ 58.
(2) موطأ مالك 1/ 207، وله ما يدل عليه في الكتب الستة.
(3) مسلم 3/ 183182.
(4) رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري 1/ 75برقم 170، ومسلم 1/ 161.
(5) البقرة: 43، 83، 110، 277، والنساء: 77، والتوبة: 5، 11، والحج: 41، 78، والنور: 56، والمجادلة: 13، والمزمل: 20.
(6) الروضة ص 196195.
(7) انظر: العدة 1/ 236، و 237، والتمهيد 1/ 159158.(1/137)
وأما دلالة اللغة:
فإن أهل اللغة استعملوا صيغة إفعل للدلالة على أن يفعل المطلوب منه لا محالة، وهذا هو معنى الوجوب. ومن ذلك أن السيد لو قال لعبده أسقني ماء فلم يفعل حسن عندهم لومه وتوبيخه على مخالفته، ولا ذم إلّا على ترك الواجب، فدل ذلك على أن مقتضى الأمر المطلق الوجوب.
وأيضا، فإن صيغة إفعل موضوعة في اللغة لطلب واستدعاء الفعل، ولا يتحقق ذلك إلّا بحمله على الوجوب. إذ أن من حمله على التوقف فإنه لا يفيد شيئا عنده، ومن حمله على الندب جوّز تركه، وكل ذلك بخلاف ما وضع له (1).
وأما أدلة القول الثاني بأنه يقتضي الندب، فهي:
1 - أن حمله على الندب أولى لأنه أقل ما يقتضيه الأمر فهو متيقن، والجواب عن ذلك: (أنه يبطل بلفظ العموم، فإنه لا يجب حمله على الخصوص وإن كان أقل ما يقتضيه، وجواب اخر وهو أن حمله على الوجوب أولى من وجهين: أحدهما أنه يتضمن الندب، الثاني: أنه أسلم من الغرر والخطر) (2).
وأجاب ابن قدامة أيضا بأنه لا يصح لوجهين:
أحدهما: أن قد بينا أن مقتضى الصيغة الوجوب بما ذكرنا من الأدلة.
الثاني: أن هذا إنما يصح أن لو كان الوجوب ندبا وزيادة. ولا كذلك لأنه يدخل في حد الندب جواز الترك وليس بموجود في الوجوب) (3).
__________
(1) انظر: العدة 1/ 238، والتمهيد 1، و 160، والروضة (196).
(2) العدة 1/ 246.
(3) الروضة ص 197.(1/138)
أي: فليس الوجوب رتبة عليا في الندب حتى تكفي فيه الرتبة الدنيا المتيقنة، بل الوجوب حكم اخر يختلف عن الندب.
2 - أن الأمر يقتضي حسن المأمور به، وحسنه لا يقتضي وجوبه، فالمباحات حسنة والنوافل حسنة ومرادة وليست بواجبة، فالوجوب صفة زائدة عن الحسن فلا يثبت بنفس الأمر فيبقى على الندب ولا يحمل على الوجوب إلّا بدليل (1).
والجواب عن ذلك من وجهين:
أولا: أن الأمر لا يقتضي الحسن فقط، وإنما يقتضي الاستدعاء والطلب، والحسن تابع لذلك. والندب يجوز تركه فهو مخالف لمقتضى الأمر عند أهل اللغة.
ثانيا: أن الحسن منه ما هو واجب ومنه ما هو مندوب ومنه ما هو مباح، ولا يحكم له بشيء من ذلك إلّا بدليل. فلا يلزم من كونه حسنا أن يكون مندوبا كما قلتم. وقد أثبتنا بالأدلة أن الأمر المطلق يقتضي الوجوب.
واستدل القائلون بالتوقف بما يلي:
1 - أن الحكم بأنه للوجوب أو لغيره إما أن يكون من العقل أو من النقل، والأول محال إذ العقول لا مدخل لها في المنقول، والثاني إما أن يكون قطعيّا أو ظنّيّا، والقطعي غير متحقق والظني لا يصلح لإثبات حكم هنا ودلالته غير مسلمة، فلم يبق غير التوقف (2).
والجواب عن ذلك من وجوه:
1 - أن التوقف إما أن يثبت بالعقل أو بالنقل، والعقل لا مدخل له
__________
(1) العدة 1/ 245، والتمهيد 1/ 169.
(2) المستصفى 1/ 224، 425، والإحكام للامدي 2/ 145.(1/139)
هنا. والنقل إما أن يكون قطعيّا وهو غير متحقق أو ظني وهو على مذهبكم لا يصلح لإثبات حكم هنا. فبطل مذهبكم بدليلكم.
2 - أن النقل وإن سلمنا أنه ظني إلّا أنه قد تظافر مع أدلة كثيرة، كما أن إثبات حكم المسألة لا يقتصر على الأدلة القطعية، فقولكم لا يصلح غير مسلّم.
3 - أننا لم نجد الصحابة رضي الله عنهم توقفوا فيه وهم أهل الفصاحة والعلم بالتنزيل، بل وجدناهم بادروا وفهموا الوجوب من الأمر المجرد، والحق لا يخرج عنهم، فكيف وقد اتفقوا على أنه للوجوب.
واستدل القائلون بأنه يقتضي الإباحة:
بأنها أدنى الدرجات فهي متيقنة فوجب حمله على اليقين.
والجواب عن ذلك:
بأن الأمر استدعاء وطلب، والإباحة إذن مجرد لا استدعاء فيها ولا طلب فتختلف عن حقيقة الأمر (1)، والراجح عندي:
قول الجمهور بأن الأمر المجرد عن القرائن يقتضي الوجوب ولا يصرف عنه إلّا بدليل. وذلك لقوة أدلتهم وتظافرها وسلامتها من المعارض، فقد استدلوا بالنقل وبفهم الصحابة وتطبيقهم له.
وهذه من أقوى البراهين والأدلة، فلا يؤثر عليه شبه أهل الكلام ولا معارضتهم، فما هم بأقدر ولا أعلم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
ولم تنهض لأقوالهم حجة بل رد العلماء عليهم ما استندوا إليه كما تبين لك.
__________
(1) روضة الناظر ص 197، وانظر حجتهم في ص 193.(1/140)
المطلب الثاني: اثارها الفقهية عند الحنابلة:
يترتب عليها اثار فقهية كثيرة فلا يخلو باب من أبواب الفقه من بناء مسائل عديدة على هذه القاعدة، وإليك عددا منها:
1 - حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء. المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء لأمر النبي صلى الله عليه وسلّم بهما، وقد بين الإمام أحمد رحمه الله ذلك، فعن عبد الله: (سألت أبي عمن ترك المضمضة والاستنشاق ناسيا حتى صلّى ثم ذكر بعد ما صلّى، أو ذكر وهو في الصلاة قال:
يتمضمض ويستنشق ويعيد الصلاة، وإن كان في صلاة انصرف فتوضأ وتمضمض واستنشق، قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلّم يروى عنه أنه تمضمض واستنشق، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينثر» (1)، وقال أبي: وروي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلّم: (استنثروا ثنتين بالغتين أو ثلاثا) (2)، وقال أبي: وأنا أذهب إلى هذا وأقول به لأمر النبي صلى الله عليه وسلّم) (3)، فنص على أن مأخذ الحكم بوجوبها هو أمر النبي صلى الله عليه وسلّم.
قال المرداوي: (وهما واجبان في الطهارة يعني المضمضة والاستنشاق. هذا المذهب مطلقا وعليه الأصحاب ونصروه وهو من مفردات المذهب) (4)، وأما الشافعي فذهب إلى أن المضمضة والاستنشاق ليست من واجبات الوضوء ولا إعادة عليه لو تركهما (5).
__________
(1) رواه البخاري 1/ 48، ومسلم 1/ 146.
(2) رواه أبو داود 1/ 97، وابن ماجه 1/ 143، والبخاري معلقا.
(3) مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله ص 24، و 25.
(4) الإنصاف 1/ 152.
(5) الأم 1/ 39.(1/141)
2 - نفقة المطلقة الحامل واجبة على الزوج حتى تضع حملها (1)، لقول الله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولََاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتََّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
[الطلاق: 6]، فأمر جل وعلا بالنفقة عليهن في مدة الحمل والأمر يقتضي الوجوب.
وقد نص الإمام على ذلك.
3 - من ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وجب قتله (2)
لقوله صلى الله عليه وسلّم: «من بدل دينه فاقتلوه» (3).
__________
(1) المغني 7/ 606.
(2) العدة شرح العمدة ص 578.
(3) رواه ابن عباس، أخرجه البخاري 3/ 1098، رقم 2854، والترمذي 4/ 48، وأبو داود 4/ 520.(1/142)
المبحث الثالث الأمر المكرر يقتضي التوكيد
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: وفيه تحرير المسألة وذكر الأقوال والمناقشة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية.
المطلب الأول: الأمر المكرر يقتضي التوكيد: الأمر إذا تكرر فلا يخلو إما أن يكون المأمور به متماثلا أو مختلفا، فإن كان مختلفا فالأمر الثاني أمر مستقل، كقولك: أعط زيدا ديا نارا وأعطه حلة.
وإن كان المأمور به متماثلا فلا يخلو إما أن يكون الأمر معطوفا كقولك: صل ركعتين وصل ركعتين، أو غير معطوف كقولك: صل ركعتين صل ركعتين.
وأيضا إما أن يكون الثاني معرّفا بألف ولام كقولك: صل ركعتين صل الصلاة، أو يكون غير معرّف. فإن كان معطوفا فهو أمر ثان باتفاق، وإن كان معرفا فهو توكيده.
وإن كان غير معطوف وغير معرّف وكان قابلا للتكرار، فقد اختلف العلماء فيه، هل هو أمر مستقل فيدل على تكرار المأمور به أو هو توكيد للأول، على أقوال:
1 - ذهب الأحناف إلى أنه أمر ثان فيفيد تكرار المأمور به (1)، وهو قول الجبائي والقاضي عبد الجبار (2).(1/143)
وإن كان غير معطوف وغير معرّف وكان قابلا للتكرار، فقد اختلف العلماء فيه، هل هو أمر مستقل فيدل على تكرار المأمور به أو هو توكيد للأول، على أقوال:
1 - ذهب الأحناف إلى أنه أمر ثان فيفيد تكرار المأمور به (1)، وهو قول الجبائي والقاضي عبد الجبار (2).
2 - واختلف الشافعية فيه، فمنهم من قال: يكون أمرا ثانيا، ومنهم من قال: هو توكيد للأول، ومنهم من توقف.
3 - وعند الحنابلة هو توكيد للأول (3)، فلا يفيد التكرار واختلف طريق استدلالهم على ذلك.
* فالقاضي: رتب ذلك على مذهبه بأن التكرار مستفاد من الأمر الأول وسوف يأتي. فالثاني مؤكد للأول فقال:
(ولا حاجة بنا إلى الكلام في هذا الفصل، لأن عندنا الأمر الأول اقتضى التكرار، والثاني لم يفد غير ما أفاد الأول) (4).
* وأما أبو الخطاب فإنه استدل على ذلك بعدة أدلة، وذلك لأن مذهبه في الأمر الأول أنه لا يقتضي التكرار بخلاف مذهب القاضي. والأدلة التي استند إليها في أن الثاني توكيد للأول، هي:
1 - أن أوامر الله تعالى في القران قد تكررت ولم يفد الثاني غير
__________
(1) فواتح الرحموت 1/ 392، وتيسير التحرير 1/ 362.
(2) الإحكام في أصول الأحكام 2/ 185، والمعتمد 1/ 161.
والجبائي هو عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب، كنيته أبو هاشم، ولقبه الجبائي وأبوه أبو علي، هو وأبوه من علماء المعتزلة، وهو رئيس المعتزلة في البصرة، له مصنفات، توفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. انظر: الفتح المبين 1/ 172.
(3) العدة 1/ 279، والتمهيد 2/ 210، والمسودة ص 23.
(4) العدة 1/ 280279.(1/144)
ما أفاد الأول كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَاتُوا الزَّكََاةَ} (1) ونحوه، فإن قيل: لم يفد التكرار لدليل، قيل: بينوا لنا ما الدليل.
2 - وأيضا فإن الأمر الثاني يحتمل الاستئناف ويحتمل التأكيد فلا يوجب فعلا ثانيا بالشك.
فإن قيل: الاحتياط في إيجاب الفعل الثاني، قيل: الأصل براءة الذمة ولأن من اعتقد إيجاب ما لم يجب عليه كاعتقاد (2) ترك ما وجب عليه.
3 - وأيضا، فإن السيد إذا قال لعبده: (اسقني ماء، اسقني ماء، أو اشتر لحما، اشتر لحما، لم يفد التكرار، كذلك إذا قال: صل ركعتين صل ركعتين. فإن قيل: إنما لم يقتض التكرار لقرينة أنه يرويه الماء مرة واحدة، قلنا: ولعله لا يرويه، ثم يجب إذا قال: اسقني ماء واسقني ماء أن لا يتكرر كما ذكرتم) (3).
فقد استدل بالكتاب وبالعقل وباللغة، وردّ على الاعتراضات بردود وافية.
* وقد نقل أبو البركات في المسودة عن القاضي أنه قال في مقدمة المجرد: (وإذا تكرر الأمر بالشيء اقتضى ذلك وجوب تكرار المأمور به إلّا أن يكون ما يدل على أن المراد بالثاني التأكيد) (4).
فيثبت ذلك رواية ثانية عن القاضي أو يفهم من قوله: (إلّا أن يكون ما يدل) أنه إذا كان للتأكيد فلا يجب تكرار المأمور به، وأنه لا يفيد التأكيد إلّا
__________
(1) البقرة: 83، 110، والنساء: 77، والنور: 56، والمزمل: 20.
(2) الأولى أن يقال كمن اعتقد، ولم يشر المحقق لذلك!
(3) التمهيد 2/ 212211.
(4) المسودة ص 23.(1/145)
بدليل. وعندي أن مذهبه هو الأول لأنه صرح به في العدة، وهذه الرواية ثبتت من المفهوم المخالف والمنطوق مقدم على المفهوم.
والراجح عندي:
مذهب الحنابلة أنه للتأكيد حيث استدل أبو الخطاب بالنقل والعقل واللغة، ولم ينهض للأقوال الاخرى دليل سليم (1).
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
يترتب عليها اثار فقهية، منها:
1 - إذا قال لزوجته: اعتدي اعتدي، أو قال: الحقي بأهلك الحقي بأهلك. فهل تقع طلقة واحدة، أو طلقتين؟
2 - إذ قال لوكيله: تصدق بجمل تصدق بجمل، فهل يتصدق بواحد أو اثنين.
__________
(1) التمهيد 1/ 215212.(1/146)
المبحث الرابع الأمر بعد الحظر للإباحة
وفيه مطلبان:
الأول: في تحرير المسألة وذكر الأقوال والمناقشة.
الثاني: اثارها الفقهية.
المطلب الأول: صيغة الأمر بعد الحظر للإباحة:
إذا وردت صيغة الأمر بعد حظر فلا يخلو: إما أن يكون المأمور به هو المنهي عنه، أو يكون المأمور به غير المنهي عنه، فإن كان غيره فلا تأثير لأحدهما على الاخر وليست المراد.
أما إن كان المأمور به هو المنهي عنه فلا يخلو إما أن يكون الامر هو الناهي والمأمور هو المنهي أو لا يكون، فإن لم يكن الامر هو الناهي أو المأمور هو المنهي فلا تأثير لأحدهما على مدلول الاخر وليس من المراد.
وإن كان الامر هو الناهي والمأمور هو المنهي فلا يخلو إما أن يكون أمره مسبوقا باستئذان أو لا يكون. فإن كان مسبوقا باستئذان فهو للإباحة (1):
مثل أن ينهى السيد عبده عن شيء ثم يستأذنه العبد فيه فيقول له: إفعل.
__________
(1) المسودة ص 18.(1/147)
فإن كان غير مسبوق باستئذان مثل قوله تعالى: {وَإِذََا حَلَلْتُمْ فَاصْطََادُوا}
[المائدة: 2]، وقوله تعالى: {فَإِذََا قُضِيَتِ الصَّلََاةُ فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: 10]، وقوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللََّهُ} [البقرة: 222]، وقوله صلى الله عليه وسلّم:
«اذهب فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما» (1)، فقد اختلف العلماء في مقتضاه على أقوال:
1 - أنه يقتضي الإباحة ولا تكون أمرا، قال به أكثر الحنابلة (2)، وأكثر العلماء (3).
2 - أنه يقتضي الوجوب وهو مذهب طائفة من العلماء (4).
3 - أنه يقتضي الندب. وهو قول بعض الشافعية (5).
4 - أنه يعود إلى ما كان عليه قبل الحظر وهو اختيار ابن تيمية (6).
__________
(1) رواه المغيرة بن شعبة، أخرجه النسائي 6/ 7069، ورواه ابن ماجه 1/ 600، والترمذي بلفظ اخر 3/ 397، وقد رتّب البخاري بابا في النظر إلى المخطوبة 5/ 1969، وكذا رتّب مسلم 4/ 142، وكذا أبو داود 2/ 566565عن رواة اخرين.
(2) العدة 1/ 256، والتمهيد 1/ 179، والمسودة ص 165، وروضة الناظر ص 198.
(3) الإحكام للامدي 2/ 178، والمستصفى 1/ 435، الوصول إلى الأصول ص 159، ومختصر المنتهى 2/ 91.
(4) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/ 321، وشرح اللمع ص 181، والإبهاج 2/ 43، وجمع الجوامع 1/ 378، والإحكام للامدي 2/ 178، وشرح المنار ص 121.
(5) انظر المراجع السابقة.
(6) المسودة ص 18.(1/148)
5 - التوقف: وهو مذهب إمام الحرمين، ومال إليه الامدي (1).
قال القاضي أبو يعلى: (صيغة الأمر إذا وردت بعد الحظر اقتضت الإباحة وإطلاق محظور ولا يكون أمرا وذكر الأمثلة عليه ثم قال:
(وقد نص أحمد رضي الله عنه في رواية صالح وعبد الله في قوله تعالى:
{وَإِذََا حَلَلْتُمْ فَاصْطََادُوا} [المائدة: 2]، {فَإِذََا قُضِيَتِ الصَّلََاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10]، وقال: أكثر من سمعنا إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، كأنهم ذهبوا إلى أنه ليس بواجب وليس هما على ظاهرهما) (2)، وذكر أبو محمد التميمي أن الأمر بعد النهي للإباحة عند الإمام أحمد (3).
وإليك الأدلة والمناقشة:
استدل علماء الحنابلة وغيرهم على أن صيغة الأمر بعد الحظر للإباحة، بالأدلة الاتية:
1 - أن الشرع لم يرد بأمر بعد الحظر إلّا والمراد به الإباحة، بدليل قوله تعالى: {وَإِذََا حَلَلْتُمْ فَاصْطََادُوا} [المائدة: 2]، وقوله تعالى: {فَإِذََا قُضِيَتِ الصَّلََاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10]، وقوله تعالى: {فَإِذََا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللََّهُ} [البقرة: 222]، وقوله عليه السلام: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها) (4)، «كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فادخروها» (5)، قد عرف الاستعمال في الشرع على أنه للإباحة.
__________
(1) البرهان 1/ 246، والإحكام للامدي 2/ 178.
(2) العدة 1/ 256.
(3) المسودة ص 22.
(4) رواه بريدة، وأخرجه مسلم 3/ 65، وأبو داود 3/ 558، والترمذي 3/ 30.
(5) رواه بريدة، وأخرجه مسلم 3/ 65، والترمذي 4/ 80، وأبو داود عن عالمه، وغيرها 2/ 243242، والنسائي 7/ 235.(1/149)
واعترض عليه:
بأنه قد ورد أيضا والمراد به الوجوب بدليل قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5].
وأجيب:
بأنا لا نسلم أن قتل المشركين استفيد من هذه الاية، وإنما استفيد من ايات أخر نحو قوله تعالى: {فَقََاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}
[التوبة: 12]، وغير ذلك من الايات.
واعترض على ذلك:
بأن هذه المواضع حملت على الإباحة بدليل الإجماع.
وأجيب:
بأن الإجماع حادث بعد النبي صلى الله عليه وسلّم، والإباحة مستفادة بهذه الألفاظ في وقته صلى الله عليه وسلّم، ولا نعلم دليلا غير ورودها بعد الحظر.
2 - عرف الناس أن السيد لو قال لعبده: لا تدخل دار زيد، ولا تكلمه ثم قال له: ادخل دار زيد وكلمه، اقتضى هذا الإباحة ورفع الحظر دون الإيجاب ولذلك لا يحسن لومه ولا توبيخه على تركه (1).
وحجة القائلين بالوجوب هي: أدلة الوجوب في الصيغة المجردة فلا أثر عندهم لتقدم الحظر. قال الشيرازي: (الدليل عليه قوله تعالى:
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخََالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]، ولم يفرق بين أن يتقدمه حظر وبين ألايتقدمه) (2).
وقال البيضاوي: (الأمر بعد التحريم للوجوب وقيل: للإباحة. لنا أن الأمر يفيده ووروده بعد الحرمة لا يدفعه) (3).
__________
(1) راجع التمهيد 1/ 181179، وروضة الناظر ص 198، 199.
(2) شرح اللمع ص 182.
(3) الإبهاج شرح المنهاج 2/ 43.(1/150)
ورد ذلك بأن الأدلة تفيد الوجوب لو لم يتقدمه حظر، لكن الحظر قرينة صارفة له بدليل ما ذكرناه من عرف الشرع وعرف الناس.
ونحن نطلب الحكم الشرعي وقد دلت الايات السابقة على أنه للإباحة، وهذا رد على أدلة القائلين بالندب أو الرجوع إلى ما كان عليه قبل الحظر أو التوقف.
فحجة القائلين بالندب لأنه أدنى درجات الطلب، والرد عليه بأن ذلك لو لم تكن قرينة مؤثرة، وهي تقدم الحظر عليه.
وبعدم التسليم حيث لو لم تكن قرينة لدل على الوجوب.
وأما القائلون بأنه يعود إلى ما كان عليه قبل الحظر، فإنهم نظروا إلى حكم ما ذكر في الايات فوجدوها مباحة قبل الحظر، واعترض عليه بأن البحث إنما هو في دلالة صيغة إفعل وهل تبقى على الوجوب أم لا، وليس توافق الحكم مع ما قبله أو اختلافه. إذ ما المانع أن يكون مباحا فلما أمر به يكون واجبا. فبقي أن الصيغة بعد النهي صرفت من إفادة الوجوب إلى الإباحة.
الراجح عندي
وعليه، فإن الراجح عندي هو المذهب الأول بأن صيغة الأمر بعد الحظر للإباحة وتخرج عن الأمر كما خرجت إلى التهديد والإرشاد وغيره من معانيها اللغوية. ومن المتقرر عند العلماء بأن الأمر إذا جاء بعد الحظر بغير الصيغة، وإنما بنحو أمرتكم أو أوجبت عليكم أو فرضت أو كتبت عليكم ونحو ذلك، فإنه يقتضي الوجوب بلا خلاف، كالأمر بالقتال بعد النهي عنه.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
يترتب على هذه القاعدة مسائل فقهية عديدة، منها:
1 - النظر إلى المخطوبة:
أمر النبي صلى الله عليه وسلّم من عزم على النكاح أن
ينظر إلى المخطوبة، وهذا أمر مسبوق بحظر وهو تحريم النظر إلى الأجنبية، فبناء على هذه القاعدة يباح النظر إلى المخطوبة، قال المرداوي: (ويجوز لمن أراد خطبة امرأة النظر هذا المذهب، أعني أنه يباح، جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والرعايتين والحاوي الصغير والفائق وغيرهم، وقدمه في الفروع وتحرير العناية، وقيل: يستحب له النظر، جزم به أبو الفتح الحلواني وابن عقيل وصاحب الترغيب، قلت:(1/151)
أمر النبي صلى الله عليه وسلّم من عزم على النكاح أن
ينظر إلى المخطوبة، وهذا أمر مسبوق بحظر وهو تحريم النظر إلى الأجنبية، فبناء على هذه القاعدة يباح النظر إلى المخطوبة، قال المرداوي: (ويجوز لمن أراد خطبة امرأة النظر هذا المذهب، أعني أنه يباح، جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والرعايتين والحاوي الصغير والفائق وغيرهم، وقدمه في الفروع وتحرير العناية، وقيل: يستحب له النظر، جزم به أبو الفتح الحلواني وابن عقيل وصاحب الترغيب، قلت:
وهو الصواب) (1)، وذكر ابن اللحام: أنه معلل بعلة فلأجل ذلك قالوا: بأنه مستحب (2).
2 - الانتشار بعد صلاة الجمعة مأمور به:
بقوله تعالى: {فَإِذََا قُضِيَتِ الصَّلََاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10]، ولكنه أمر بعد حظر فيدل على الإباحة، فله الجلوس في المسجد والانتشار، فعن الإمام أحمد أنه قال:
(أكثر من سمعنا إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ذهبوا إلى أنه ليس بواجب) (3).
3 - الأمر في قوله تعالى: {فَإِذََا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللََّهُ}
[البقرة: 222]، فذهب ابن حزم إلى أنه واجب على الرجل أن يجامع زوجته كل طهر (4)، والجمهور على أن الأمر هنا للإباحة لأنه بعد حظر.
4 - حمل السلاح في صلاة الخوف:
أمر الله تعالى بحمل السلاح في صلاة الخوف فقال: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102]، وهو أمر بعد حظر. قال ابن اللحام: (قال طائفة من الأصحاب منهم القاضي
__________
(1) الإنصاف 8/ 1716.
(2) القواعد والفوائد الأصولية ص 169.
(3) العدة 1/ 256.
(4) المحلة 10/ 40.(1/152)
وابن عقيل، حمله في الصلاة في غير الخوف محظور، فهو أمر بعد حظر وهو للإباحة، فهذا يقتضي إباحة حمل السلاح في صلاة الخوف لا استحبابه، لكن قالوا باستحبابه) (1)، ذلك لأجل الحيطة فارتقى إلى الاستحباب.
5 - ادّخار لحوم الأضاحي:
نهى النبي صلى الله عليه وسلّم عنه ثم أمر به، وبناء على القاعدة يكون حكمه الإباحة. ومن ذلك الانتفاع بجلدها بصنع نعال وخفاف وأسقية من دون (2) بيع.
__________
(1) القواعد والفوائد الأصولية ص 169.
(2) العدة شرح العمدة ص 213.(1/153)
المبحث الخامس الأمر المطلق هل يقتضي التكرار؟
وفيه مطلبان:
المطلب
الأول: في تقرير المسألة وبيان الأقوال والمناقشة.
الثاني: اثارها الفقهية.
المطلب الأول: الأمر المطلق على يقتضي التكرار؟ إذا ورد الأمر فلا يخلو إما أن يكون مقيدا بمرة أو بتكرار أو لا يكون مقيدا بمرة ولا بتكرار. فإن كان مقيدا بمرة أو بتكرار فلا خلاف فيه، مثل قولك: اختم القران مرة كل شهر. فهو مقيد بواحدة ومقيد بالتكرار كل شهر. وقولك: أكرم زيدا كلما دخل عليك
وإن لم يكن مقيدا بمرة ولا بتكرار فلا يخلو إما أن يكون التكرار فيه ممكنا أو غير ممكن، فإن كان غير ممكن فلا خلاف أنه لا يقتضي التكرار مثل أن يقول: أقتل زيدا، فإن الموت لا يتكرر. وكالأمر المستوعب لجميع وقته.
وأما إذا كان التكرار ممكنا فهل تدل عليه صيغة الأمر أم لا؟ على أقوال:(1/154)
وأما إذا كان التكرار ممكنا فهل تدل عليه صيغة الأمر أم لا؟ على أقوال:
الأقوال
1 - أنه يقتضي التكرار:
ذكر ابن عقيل والمرداوي أنه مذهب أحمد وأكثر أصحابه (1)، وهو مذهب أبي إسحاق الإسفراييني من الشافعية وطائفة من العلماء (2). واختاره أبو يعلى في العدة وابن عقيل (3).
2 - أنه لا يقتضي التكرار:
وهو مذهب جمهور الفقهاء والمتكلمين (4)، وذكره التميمي مذهبا لأحمد (5)، واختاره أبو الخطاب (6)، والموفق ابن قدامة (7)، والمرداوي (8)، ورواية عن أبي يعلى (9) واختلفوا هل يقتضي فعل مرة أو يحتمل التكرار أو لا يدل على فعل مرة وإنما المرة ضرورة الامتثال. فذهب أبو الخطاب إلى أنه يقتضي فعل مرة واحدة، وقال ابن قدامة: (ليس في نفس اللفظ تعرض لعدد) (10).
3 - التوقف:
فلا يثبتون التكرار ولا ينفونه وهو مذهب إمام الحرمين (11) ومن وافقه، ومنهم: من توقف لأنه مشترك بينهما، ومنهم: من توقف لأنه حقيقة في أحدهما ولا دليل عليه، وإليك الأدلة والمناقشة.
__________
(1) الواضح، مخطوط 1/ 259، والتحرير، مخطوط ص 73.
(2) شرح الكوكب المنير 3/ 43، والإحكام للامدي 2/ 155.
(3) العدة 1/ 264، والواضح 1/ 259.
(4) الإحكام للامدي 2/ 155.
(5) ما يذهب إليه الإمام أحمد ص 26، والمسودة ص 22.
(6) التمهيد 1/ 187.
(7) روضة الناظر ص 199.
(8) التحرير، مخطوط ص 73.
(9) التمهيد 1/ 187.
(10) روضة الناظر ص 200.
(11) البرهان 1/ 229، والإحكام للامدي 2/ 855.(1/155)
* استدل القاضي وابن عقيل على أن الأمر يقتضي التكرار بالأدلة الاتية:
1 (أن الصحابة عقلت من ظاهر قوله تعالى: {إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]، أنه يقتضي التكرار، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما جمع عام الفتح بطهارة واحدة بين صلوات، قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أعمدا فعلت هذا يا رسول الله؟ فقال: نعم (1)، فعقلت من إطلاق الاية التكرار، فلما خالف النبي صلى الله عليه وسلّم ذلك وجمع بطهارة واحدة سألته عن ذلك واستكشفت عن حاله) (2).
واعترض على ذلك: بأن الاية أفادت التكرار من إذا الشرطية، لا من صيغة الأمر، فليست دليلا على محل النزاع. وبأن عمر رأى النبي صلى الله عليه وسلّم تغير عن فعله الغالب فسأله عن ذلك. وذلك من باب البيان بالفعل ولا دليل فيه على محل النزاع.
2 - أن الأمر كالنهي: فالنهي يقتضي ترك المنهي على الدوام، فكذلك الأمر يقتضي فعل المأمور به على الدوام والتكرار (3).
اعترض على ذلك: باختلاف الأمر عن النهي، فبينهما فروق، منها:
أن النهي أشد من الأمر، فلا يلزم من دلالة النهي على الدوام دلالة الأمر عليه، فهو قياس مع الفارق المؤثر فلا يصح، ثم إنه إثبات للغة بالقياس واللغة سماعية، ومن الفروق أيضا أن الأمر يقتضي وجود المأمور مطلقا ولنهي يقتضي ألا يوجد مطلقا. والنفي المطلق يعم، والوجود المطلق
__________
(1) رواه بريدة، أخرجه مسلم 1/ 160، والترمذي 1/ 89.
(2) العدة 1/ 266، وهذا الدليل في الواضح ج 1ق 259ب.
(3) الواضح 1/ 260، والعدة 1/ 266.(1/156)
لا يعم، فكل ما وجد مرة، فقد وجد مطلقا (1).
3 - أن الأمر يتضمن ثلاثة أشياء: وجوب الفعل، ووجوب الاعتقاد لوجوبه، ووجوب العزم على فعله. وقد ثبت أن الاعتقاد والعزم يجب تكررهما كذلك الفعل (2).
واعترض على ذلك: بعدم التسليم فالاعتقاد لا تجب استدامته، فإنه إذا اعتقد ثم غفل جاز. والعزم يجب مرة فلو غفل بعد ذلك لم يضر (3)
وأيضا، فإن الاعتقاد لم يجب بصيغة الأمر وإنما استند إلى قيام الدلالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلّم وعصمته. فإذا أخبر بالوجوب وجب اعتقاده (4)، فلو أمر زيد عمرا لم يلزم الاعتقاد لمجرد الصيغة، بل قد يكون الأمر مجانبا للصواب.
4 - أن الأمر عام في جميع الأزمان: بدليل صحة الاستثناء منه، فتقول: صل إلّا في وقت كذا، وصم إلّا يوم العيد وأيام التشريق، ولو اقتضى فعل مرة لما حسن الاستثناء. فدل على أنه يقتضي العموم والدوام فلا يصرف عنه إلّا بدليل كلفظ العموم (5).
واعترض على ذلك: بأن الاستثناء إذا ورد على الصيغة فهو قرينة ظاهرة تدل على التكرار، والخلاف في المطلق عن القرائن.
وأيضا: فإن الأمر لا تعرض فيه لزمن بعموم ولا خصوص، لكن الزمن
__________
(1) روضة الناظر ص 201.
(2) العدة 1/ 269، والواضح 1/ 260.
(3) التمهيد 1/ 197.
(4) التمهيد 1/ 198.
(5) الواضح 1/ 260، والعدة 1/ 271.(1/157)
من ضرورته كالمكان. ولا يجب شمول الأماكن بالفعل فكذلك لا يجب شمول الزمان، وأيضا لو سلمنا عمومه، فإن العموم لا يلزم منه التكرار بل يفيد أنه إذا امتثل في أي وقت صح وسمي ممتثلا.
5 - أن السيد لو قال لعبده: احفظ فرسي، فحفظه ساعة ثم تركه لم يكن ممتثلا، لذا فإنه يحسن ذمه وتأديبه. فدل ذلك على أن الأمر يقتضي التكرار.
واعترض على ذلك: بأن قرينة في هذا الأمر دلت على طلب التكرار وهي طلب الحفظ، فمن حفظ ساعة وضيع بعدها سمي مضيعا، والخلاف في الأمر المطلق عن القرائن.
* واستدل أبو الخطاب وابن قدامة على أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار وهو مذهب أكثر الفقهاء والمتكلمين بالأدلة الاتية:
1 - أن الأمر خال من التعرض لكمية المأمور به، إذ ليس في نفس اللفظ تعرض للعدد (1)، فدل ذلك على أنه لا يقتضي التكرار.
2 - لو اقتضى التكرار لأفضى إلى المناقضة حيث ورد الأمر بأشياء مختلفة فلا يمكن مواصلة واحد إلّا بترك غيره (2)، والشريعة منزهة عن ذلك.
فدل على أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، وأجيب عنه: بأن التكرار على الإمكان فلا مناقضة.
ويرد على الجواب أن الإمكان غير محدد حيث أنه لم يخصص لواحد منها وقت حتى نفرده به دون غيره، فالمناقضة غير منتفية.
__________
(1) روضة الناظر ص 200.
(2) التمهيد 1/ 191.(1/158)
3 - أن السيد لو قال لعبده: ادخل الدار واشتر تمرا، لم يعقل منه التكرار. ولو لامه على ترك التكرار لحسن من العقلاء ذمه، بل لو كرر العبد ذلك حسن لومه، فيقول: إني لم امرك بتكرار دخول الدار ولا بتكرار الشراء، فدل على ما قلناه (1).
4 - أن قول القائل: صل، أمر بما هو صلاة، وقوله: صلّى فلان، خبر عنه، ولا يقتضي التكرار، فدل ذلك على أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، واعترض عليه: بأن صل أمر بما هو صلاة على التكرار.
ودليل القائلين بالوقف هو عدم الدليل. وحقيقة قولهم يرجع إلى القول بعدم التكرار.
وبالنظر إلى الخلاف والاستدلال ترى أن المسألة لغوية والأدلة عليها عقلية لغوية.
والراجح عندي:
القول بأنه لا يقتضي التكرار لرجحان استدلالهم بأن الصيغة لا تعرّض فيها للعدد، بل هي متجردة للطلب فلا تقتضي التكرار ولا يحكم به إلّا بدليل يدل عليه، وهو مذهب أكثر الفقهاء والمتكلمين، وقد رجحه الشوكاني، فقال: (والحاصل أنه لا دلالة للصيغة على التكرار إلّا بقرينة تفيد وتدل عليه، فإن حصلت حصل التكرار وإلّا فلا) (2).
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
بيّن الرسول صلى الله عليه وسلّم ما يلزم تكراره مما أمر الله به وما يجب مرة واحدة، لأن الوحي هو طريق التعبد. إذ لا يعبد الله جلّ وعلا إلّا بما شرع لذا فإنه
__________
(1) التمهيد 1/ 187.
(2) إرشاد الفحول ص 99.(1/159)
لا أثر لهذه المسألة في أوامر الله ورسوله، وإنما أثرها في المسائل الاتية ونحوها:
1 - إذا قال لزوجته: طلقي نفسك، فإنها لا تملك إلّا واحدة، أو قال لوكيله: طلق زوجتي، فإنه لا يطلق إلّا واحدة. وذلك مبني على أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار. وهو اختيار القاضي في الروايتين حيث قال: وعندي أنه لا يقتضي التكرار. ثم ذكر أن أحمد قال: إذا خير زوجته لم يجز لها أن تطلق نفسها إلّا طلقة، واحدة (1).
وقد بيّن ابن قدامة حكم هذه المسألة فقال: (فإن قال لزوجته:
طلقي نفسك ونوى عددا فهو على ما نوى، وإن أطلق من غير نية لم تملك إلّا واحدة لأن الأمر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم، وكذلك الحكم لو كان أجنبيا، فقال: طلق زوجتي، فالحكم على ما ذكرناه، قال أحمد: إذا قال لامرأته: طلقي نفسك ونوى ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا فهي ثلاث، وإن كان نوى واحدة فهي واحدة، وذلك لأن الطلاق يكون واحدة ويكون ثلاثا، فأيهما نواه فقد نوى بلفظه ما احتمله، وإن لم ينو تناول اليقين وهو الواحدة، فإن طلقت نفسها أو طلقها الوكيل في المجلس أو بعده وقع الطلاق لأنه توكيل، وقال القاضي: إذا قال لها: طلقي نفسك، تقيد بالمجلس لأنه تفويض للطلاق إليها فتقيد بالمجلس كقوله: اختاري) (2).
2 - إذا قال السيد لعبده تزوج، فإنه يتزوج واحدة ولا يتزوج ثانية إلّا بعد إذن سيده، وذلك مبني على أن الأمر لا يقتضي التكرار،
__________
(1) المسائل الأصولية من كتاب الروايتين والوجهين ص 41.
(2) المغني 7/ 152.(1/160)
وقد نص أحمد على ذلك في رواية صالح ويعقوب بن بختان (1):
(إذا أذن له سيده بتزوج قال: واحدة، وإن أراد أن يتزوج الاخرى استأذنه) (2).
__________
(1) يعقوب بن إسحاق بختان، يكنى أبا يوسف، سمع من الإمام أحمد، وروى عنه الأصحاب، نقل عن الإمام مسائل عدة. طبقات الحنابلة 1/ 415، والمقصد الأرشد 3/ 122121.
(2) المسودة ص 21.(1/161)
المبحث السادس الأمر المطلق هل يقتضي الفور؟
وفيه مطلبان:
الأول: في تقرير المسألة وبيان الأقوال والمناقشة.
الثاني: اثارها الفقهية عند الحنابلة.
المطلب الأول: الأمر المطلق هل يقتضي الفور؟ إذا ورد الأمر مطلقا من التقييد بوقت فهل يقتضي الفور أم لا يقتضيه؟
اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
الأقوال
1 - أنه يقتضي الفور:
وهو مذهب الإمام أحمد وأصحابه ولم يختلفوا فيه. قال أبو يعلى: (الأمر المطلق يقتضي فعل المأمور به على الفور عقيب الأمر، وهذا ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله، لأنه يقول: الحج على الفور) (1).
وقال أبو الخطاب: (الأمر المطلق يقتضي تعجيل فعل المأمور به في ظاهر المذهب) (2).
__________
(1) العدة 1/ 281.
(2) التمهيد 1/ 215.(1/162)
وبين ابن عقيل أن القول بالفور أصل عند أحمد رحمه الله مأخوذ من أن أصل مذهبه الاحتياط في أصوله وفروعه. ومن الاحتياط التقديم والفور (1). وذكر أبو محمد التميمي ذلك فقال: (الأمر عنده على الوجوب إذا تعرى لفظه عن قرينة تدل على غيره، وله عنده صيغة تدل بمجردها على كونه أمرا، وهي لفظة: افعل، وهو عنده على الفور والعجلة دون التراخي والمهلة) (2).
وأما ما روي أن الإمام سئل عن قضاء رمضان يفرق فقال: لا بأس (3)، قال الله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، فلا يدل على أن الأمر عنده للتراخي، لأن المأمور به مطلق وهو أيام. والمطلق يبقى على إطلاقه حتى يرد ما يقيده، فهي خارجة عن محل الخلاف، لأن الخلاف في الأمر الذي لم يرد معه ما يفيد الفور أو التراخي، والاية فيها ما يفيد التراخي وهو إطلاق المأمور به، كما أنها لو سلمت فلا يبنى عليها، لأنها فرع قد حكم له بالتراخي لدليل، وأيضا هي معارضة بأقوى منها عن الإمام أحمد رحمه الله.
قال أبو محمد: (كان أحمد رحمه الله يقرأ: {فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
[التغابن: 16]، وهو مستطيع للفور فلا وجه للتراخي) (4)، وبما ذكره ابن عقيل من أن الأصل في مذهبه الاحتياط، والفور من الاحتياط، لذا فقد
__________
(1) انظر: الواضح 1/ 272، وقد ذكر كلام القاضي ثم ذكر أن المحققين عابوا أخذ الأصول من الفروع ثم بين أن الفور عند أحمد مبني على أصل وهو قوله بالتعجيل والاحتياط.
(2) مما يذهب إليه الإمام أحمد، مخطوط، ق 26أ.
(3) مسائل الإمام أحمد لابن هانىء 1/ 134.
(4) مما يذهب إليه الإمام أحمد ق 26أ.(1/163)
قرر القاضي رحمه الله أن المذهب القول بأنه للفور (1).
وهو مذهب أكثر المالكية وبعض الأحناف وبعض الشافعية (2). وقد أخطأ من نسبه إلى الأحناف بإطلاق لأن بعضهم قال بالمذهب الثاني.
2 - أنه لا يقتضي الفور:
بل يجوز فيه التراخي ولا يقتضي إلّا طلب الماهية وهو مذهب أكثر الشافعية وبعض الأحناف (3)، وهو مذهب أبو علي وأبو هاشم (4)، ومن وافقهم من المعتزلة، ولم ينقل عن أبي حنيفة ولا الشافعي نص في ذلك، ولكن استخرج ذلك من فروعهم (5)، وهذا البناء غير صحيح عند المحققين لأن الأصل لا يستمد من الفرع. وهذا اختيار الغزالي والامدي (6).
3 - التوقف:
وهو مذهب أكثر الأشاعرة وبعض المعتزلة (7)، واختلف القائلون بالوقف على قولين. قال السهروردي: (ثم إن المتوقفين انقسموا إلى من سلّم الامتثال بالمبادرة، ومنهم من بالغ بالتوقف حتى في الامتثال بالمبادرة) (8).
__________
(1) العدة 1/ 283.
(2) تنقيح الفصول ص 128، وتيسير التحرير 1/ 57، وإرشاد الفحول ص 101، مختصر المنتهى لابن الحاجب 2/ 83.
(3) جمع الجوامع 1/ 381، وشرح اللمع 1/ 210، وتيسير التحرير 1/ 356، وإرشاد الفحول ص 99، والمستصفى 2/ 9، وأصول الشاشي ص 131.
(4) المعتمد 1/ 11.
(5) الوصول إلى علم الأصول 1/ 149.
(6) المستصفى 2/ 9، والإحكام 2/ 165.
(7) البرهان 1/ 232.
(8) التنقيحات، مخطوط ق 42أ.(1/164)
وإليك الأدلة والمناقشة:
أدلة القائلين أنه يقتضي الفور
استدل الحنابلة ومن وافقهم على أنه يقتضي الفور بعدد من الأدلة.
قال أبو الخطاب: (لنا أن لفظ الأمر يقتضي ذلك، والوجوب المستفاد من الأمر يقتضي ذلك، ودليل السمع يقتضي ذلك (1).
ومن الأدلة السمعية ما يلي:
1 - قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وهو مستطيع للفور فلا وجه للتراخي (2).
2 - قال تعالى: {* وَسََارِعُوا إِلى ََ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [ال عمران:
133]، وفي الطاعة مغفرة فيجب المسارعة إليها (3).
3 - قال تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرََاتِ} [البقرة: 148، والمائدة: 48]، وامتثال الأمر من الخير فوجب المسابقة والمبادرة إليه (4).
وأما أن اللفظ يقتضيه، فإن لفظ الأمر عند الإطلاق يقتضي إيقاع الفعل والمتراخي تارك للفعل وذلك ضد دلالة الأمر، فدل ذلك على أنه يقتضي الفور.
ومما يدل عليه أيضا أن السيد لو قال لعبده افعل كذلك فأخر الفعل حسن لومه وتوبيخه وذمه لأجل مخالفته للأمر، فدل على أنه عند أهل اللسان يقتضي الفور (5).
__________
(1) التمهيد 1/ 217.
(2) ما يذهب إليه الإمام أحمد ص 26أ، مخطوط.
(3) التمهيد 1/ 232، والواضح 1/ 272أ، مخطوط، وروضة الناظر ص 203، والبلبل ص 90.
(4) التمهيد 1/ 233، والواضح 1/ 272، مخطوط.
(5) روضة الناظر ص 203، والعدة 1/ 286، والتمهيد 1/ 220.(1/165)
ومما استدلوا به أيضا أن لفظ الأمر يقتضي إيقاع الفعل المأمور به في وقت، فوجب أن يقع في أقرب الأوقات إليه، كعقد البيع لما كان الملك فيه ينتقل في وقت انتقل في أقرب الأوقات إلى عقد البيع (1) وهو عندي ضعيف، ومردود عليه بأنه قياس في اللغة وهو قياس مع الفارق. وكذلك بعدم التلازم بين مقدمته ونتيجته وهو استدلال بمحل الخلاف. فليس أولى من قول المخالف: لفظ الأمر يقتضي إيقاع الفعل المأمور به في وقت فجاز فعله في أي وقت بعده.
وأما أن الوجوب المستفاد من الفعل يدل عليه: فإن الوجوب يقتضي أن تفعل المأمور به والمتراخي تارك للفعل فهو مخالف للأمر، والمتعجل ممتثل فدل على أنه عند الإطلاق يقتضي الفور.
ومما يدل عليه أنه لو لم يتعلق الأمر بالوقت الأول لتعلق بمجهول، لأنه لا يخلو إما أن يكون التأخير لا إلى غاية أو إلى غاية، فإن كان لغاية طلب الدليل عليها وخرج عن محل الخلاف.
وإن كان لا إلى غاية فهو مجهول وذلك يتنافى مع الوجوب، والشرع مطهر عنه وعن مثله، لأنه من حكيم عليم.
وقد فصّل القاضي وأبو الخطاب فيه (2)، لكن القاضي قال:
(ولا يجوز أن يتعبده الله بعبادة في وقت مجهول كما لا يجوز أن يتعبده بعبادة مجهولة) (3). والصواب عدم إطلاق لا يجوز ونحوها في حق الله جل وعلا. ويغني عنها ما ذكرت ونحوه مما لا إيجاب فيه ولا تحريم على الله جل وعلا.
__________
(1) التمهيد 1/ 217، والعدة 1/ 287.
(2) العدة 1/ 283، والتمهيد 1/ 223.
(3) العدة 1/ 284.(1/166)
ومما استدلوا به أن المتعجل ممتثل يقينا (1)، فوجب القول بما تبرأ به الذمة يقينا، لا المشكوك فيه.
قال إمام الحرمين: (القول فيه أن الأمر اقتضاء ناجز والمقتضى مطلوب على الوجوب. وحق الوفاء بالطلب التنجيز مع الإمكان، فمن أراد مداراة هذا بالإيهام بذكر الأوقات، وخروجها من الإرادات فقد أبعد) (2).
ولكنه بيّن اختياره بعد ذلك فقال: (والذي أقطع به أن المطالب مهما أتى بالفعل فإنه بحكم الصيغة المطلقة موقع للمطلوب وإنما التوقف في أمر اخر.
وهو أنه إن بادر لم يعص وإن أخر فهو مع التأخير ممتثل لأصل المطلوب، وهل يتعرض للإثم بالتأخير، ففيه التوقف) (3).
أدلة القائلين بأنه لا يقتضي الفور
واستدل القائلون بأنه لا يقتضي الفور بعدة أدلة:
1 - أن الأمر حقيقة في طلب الفعل لا غير، فمهما أتى بالفعل في أي زمان كان مقدما أو مؤخرا كان اتيا بمدلول الأمر، فيكون متمثلا للأمر ولا إثم عليه بالتأخير (4).
ورد ذلك بأن دلالة اللفظ على طلب الفعل مع صفة الفور، فهي مستفادة منه. وقد ذكرنا الدليل على ذلك.
2 - أن الأمر لا تعلق فيه بمكان معين فكذلك الزمان (5)، ورد ذلك بأنه قياس مع الفارق حيث أن المكان يعد ممتثلا أينما أوقعه، أما الزمان فلا يسمى في الوقت الأول ممتثلا بل هو تارك للأمر وهذا فارق كبير بينهما. كما
__________
(1) الروضة ص 203، والبلبل ص 89.
(2) البرهان 1/ 245.
(3) البرهان 1/ 247.
(4) الإحكام للامدي 2/ 165، وانظر: تيسير التحرير 1/ 357.
(5) المستصفى 2/ 9.(1/167)
أن الزمان يفوت والمكان لا يفوت. وأيضا، فإنه لا تلازم بين الزمان والمكان حتى يصح ما قلتم. واستدل القائلون بالتوقف بأن اللفظ لا تعرض فيه لزمن فوجب التوقف لعدم الدليل.
والرد عليهم:
بأن الدليل قد بيناه لكم وبأن التوقف تعطيل لأوامر الشارع (1).
والراجح عندي:
القول الأول بأنه يقتضي الفور لقوة أدلته وسلامتها من المعارض المؤثر. ولأن التراخي لا حد له. ودلالة الطلب على إنجاز المطلوب ظاهرة وجلية.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
يترتب على هذه القاعدة مسائل فقهية كثيرة، منها:
1 - الحج واجب على من وجد الزاد والراحلة على الفور عند الإمام أحمد وأصحابه (2)، لأن الله تعالى أمر به والأمر المطلق يقتضي الفور.
2 - قضاء الصلوات المفروضة يجب على الفور عند ذكرها لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «فليصلها إذ ذكرها» (3). والأمر يقتضي الفور عندنا.
3 - تجب الزكاة على الفور عند الحول وعند الحصاد، فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه والتمكن منه إذا لم يخش ضررا (4).
4 - الجهاد المتعين يجب على غير المعذور على الفور، لأن الله تعالى أمر به في نصوص كثيرة منها: {انْفِرُوا خِفََافاً وَثِقََالًا وَجََاهِدُوا}
__________
(1) انظر تفصيل ذلك في: العدة 1/ 289.
(2) القواعد والفوائد الأصولية ص 182.
(3) رواه أنس، وأخرجه البخاري 1/ 215، ومسلم 2/ 142.
(4) المغني 2/ 684.(1/168)
{بِأَمْوََالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللََّهِ} [التوبة: 41]، وقوله تعالى: {وَجََاهِدُوا فِي اللََّهِ حَقَّ جِهََادِهِ} [الحج: 78]، وغير ذلك والأمر يقتضي الفور.
5 - قال في المسودة: (إذا ثبت أنه على الفور فلم يفعله المكلف في أول أوقات الإمكان لم يسقط عنه في قولنا وقول الجمهور وأكثر المالكية، واختلف الحنفية فقال الرازي كقولنا، وقال غيره منهم: يسقط كالموت عندهم، هذا قول الكرخي وغيره وأبو الفرج المالكي) (1).
__________
(1) المسودة ص 26.(1/169)
المبحث السابع الأمر المؤقت هل يسقط بذهاب وقته؟
وفيه مطلبان:
المطلب
الأول: في تقرير المسألة وبيان الأقوال والمناقشة.
الثاني: في اثارها الفقهية عند الحنابلة.
المطلب الأول: الأمر المؤقت هل يسقط بذهاب وقته؟ إذا كان الأمر مؤقتا فمضى الوقت ولم يفعله المكلف فهل يسقط الأمر ولا يجب القضاء إلّا بأمر اخر، أم أنه يبقى ويدل على القضاء؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين. ولم يتفق الأصحاب فيه على قول واحد بل اختلف اجتهادهم فيه أيضا.
الأقوال:
1 - القول الأول: أنه لا يسقط الأمر بفوات وقته
ويكون عليه فعله بعد الوقت بذلك الأمر. وقال به القاضي وابن قدامة والحلواني (1) وبعض الشافعية (2)، وقد نسبه بعض العلماء إلى عموم الحنابلة (3) وهذا خطأ.
2 - القول الثاني: أن الأمر يسقط بذهاب وقته
ولا يجب القضاء إلّا
__________
(1) العدة 1/ 293، وروضة الناظر ص 204، والمسودة ص 27.
(2) شرح اللمع 1/ 230، والمسودة ص 27، والمختصر ص 102.
(3) الإحكام للامدي 1/ 179.(1/170)
بأمر اخر، وهو مذهب أكثر العلماء والمحققين (1)، واختاره أبو الخطاب (2)
وابن عقيل، وابن تيمية (3) وأكثر الأصحاب (4).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
واستدل القاضي وابن قدامة بالأدلة الاتية:
1 - الأصل ثبوته في ذمته، فلا تبرأ منه إلّا بأداء أو إبراء كما في حقوق الادميين، فمن زعم إسقاطه بخروج الوقت فعليه الدليل (5).
وأجيب عليه: أنه لا خلاف في ثبوته في ذمته. لكنه ثابت في وقت محدد، فلما ترك الأداء فيه بقي عليه الإثم. فلا يبرأ منه إلّا بدليل يدل على صحة الفعل بعده، وذلك هو الأحوط لبراءة الذمة.
2 - أنه لو سقط بفوات وقته لسقط المأثم بفوات الوقت كما يسقط الوجوب، ولما لم يسقط المأثم فكذلك الوجوب.
وأجيب عليه: بأنه لا تلازم بين المأثم والوجوب، فالقصاص يجب على الإمام إقامته على القاتل وقد يعفو عنه الولي ويبقى الإثم على القاتل.
ولو تاب القاتل لم يسقط عنه القصاص فلا تلازم بينهما ومن أفطر في يوم من رمضان عامدا من دون عذر لم يبرأ من الإثم ولو صام الدهر كله مع وجوب قضائه عليه. ومن تولى يوم الزحف لم يبرأ من الإثم ولم يجب عليه شيء، ولا تكون البراءة من الإثم في كل ما ذكرنا إلّا بفضل الله وغفرانه والله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
__________
(1) البرهان 1/ 265، والمستصفى 2/ 11، وإرشاد الفحول ص 106، والإحكام للامدي 2/ 179.
(2) التمهيد 1/ 252.
(3) الواضح 1/ 285284، والمسودة ص 27.
(4) المختصر في أصول الفقه ص 102.
(5) العدة 1/ 294، والروضة ص 205.(1/171)
فقد يبقى الإثم مع سقوط الوجوب، وقد يغفر الإثم مع بقاء الوجوب.
3 - النذر المؤقت لا يسقط بفوات وقته كذلك ما وجب بالشرع.
والجواب عليه: بأن هذا قياس مع الفارق حيث أن النذر يختلف عن غيره بعدة فروق وهذا منها.
4 - الوقت شرط من شرائط العبادة ففقدانه لا يوجب إسقاطها، كالطهارة والسترة وغيرها.
والجواب عليه: بأنه شرط صحة فيعتبر، لذلك فلا يجوز تقدمه ولا التأخر عنه وصحة العمل هي المقصد لأن الأداء لا يكون إلّا بها.
5 - الأمر بالفعل يتضمن الأمر بالفعل والأمر بالاعتقاد، والاعتقاد لا يسقط بخروج الوقت فكذلك الفعل (1).
والجواب عليه: أن الأمر ليس مطلقا حتى يصح ما ذكرتم، وإنما هو أمر بالفعل المحدد بوقت فلا ينبغي أن يتقدم عليه أو يتأخر عنه.
وقد استدل أبو الخطاب لهذا القول بعدد من الأدلة التي لم يذكرها القاضي مع أنه اختار القول الثاني، وقال: (هو الأقوى عندي) (2)، ولكن تراه بعد ذلك يرد على أدلة القول الذي اختاره ولم يذكر غيرها. وهذا موطن اضطراب (3) وتناقض.
__________
(1) انظر: العمدة 1/ من 294إلى 296.
(2) التمهيد 1/ 252، ولذا قال ابن تيمية (واختاره أبو الخطاب ونصره)، والمسودة ص 27، والواقع أنه انتصر لشيخه.
(3) ومما يزيد ذلك أنه سمى المستدل للقول الثاني خصما فيقول: واستدل الخصم.
ولو بحثنا عن عذر له لكان من المحتمل أن تقديره لشيخه دفعه لذلك، ولكن بيان الصواب والراجح لا يتنافى مع الأدب مع الشيخ.(1/172)
أدلة القول الثاني
واستدل ابن عقيل وأصحاب القول الثاني بالأدلة الاتية:
1 - أن الله سبحانه وتعالى إذا علق العبادة بوقت فلا يخلو من مصلحة تختص به أو لمشيئة وإرادة علقها بذلك الوقت، ونحن لا نعلم أن غير ذلك الوقت كالوقت المحدد في حصول المصلحة ونفي المفسدة ولا الإرادة والمشيئة. فيصير ما بعده كما قبله من الأوقات.
2 - أن العبادة إذا قيدت بمكان فلا يقوم غيره مقامه، فكذلك إذا قيدت بزمان لا يقوم غيره مقامه إلّا بدليل. ومن أجاز إبدال وقت بوقت بلا دليل، كمن أبدل الوقوف بمزدلفة بدلا من الوقوف بعرفة، وصوم غير رمضان بدلا من صوم رمضان.
3 - أن الأصل قبل الإيجاب عدم إيجاب الفعل في الزمان، فلما فات الزمن المعين عدنا إلى الأصل فلا نعلم تعلق الوجوب بوقت ثان إلّا بدليل.
4 - أن الوقت الذي علق عليه الفعل مقصود بالفعل، ولذلك يأثم بالتأخر عنه، ويحصل الأجر والثواب والأداء للفعل فيه، فمن ادعى أن ما بعده من الأوقات مثله فعليه الدليل.
5 - أن الصيغة ليس فيها ذكر أبدا لوقت بعده عند الفوات ولا أمر بالقضاء ولا أن الإيجاب باق بعد الفوات، فلا يجب القضاء إلّا بدليل يدل عليه.
6 - أن من العبادات المأمور بها ما يجب قضاؤها، ومنها ما لا يجب، فلو كان الأمر الأول دالا على القضاء لوجب قضاء الجميع، ومثال ذلك: الصلاة يجب قضاؤها على النائم والناسي والمغمى عليه. ولا يجب قضاؤها على الحائض والنفساء والصوم يجب قضاؤه على الحائض والنفساء
ولا يجب على من أكل ناسيا. وكل ذلك ثبت بدليل مستقل عن الأول فدل على أن القضاء لا نعلمه إلّا بدليل يدل عليه (1).(1/173)
6 - أن من العبادات المأمور بها ما يجب قضاؤها، ومنها ما لا يجب، فلو كان الأمر الأول دالا على القضاء لوجب قضاء الجميع، ومثال ذلك: الصلاة يجب قضاؤها على النائم والناسي والمغمى عليه. ولا يجب قضاؤها على الحائض والنفساء والصوم يجب قضاؤه على الحائض والنفساء
ولا يجب على من أكل ناسيا. وكل ذلك ثبت بدليل مستقل عن الأول فدل على أن القضاء لا نعلمه إلّا بدليل يدل عليه (1).
والراجح عندي:
القول الثاني بأنه يسقط بفوات وقته ولا يجب القضاء إلّا بأمر اخر، وذلك لقوة أدلته، ولأن عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن قضاء الصلاة، قالت: كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلّم فلا يأمرنا به (2).
فدل ذلك على أن القضاء لا يجب إلّا بأمر ثان يدل عليه.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
أوامر الشرع قد بينت ما يجب قضاؤه من العبادات مما لا قضاء فيه، لأن الشرع منزّه عن الغموض والحرج، ولذا فإن أثر الخلاف في هذه المسألة إنما هو في مثل ما يلي:
1 - إذا قال لوكيله أنفق على الأيتام والأرامل شهر رمضان، فلم يفعل حتى انتهى رمضان، فهل ينفق عليهم في شهر شوال أو غيره بموجب هذا الأمر أم لا ينفق إلّا بأمر ثان؟
ولو أنفق بلا أمر ثان، فهل يضمن عند عدم رضى الموكل أم لا؟
على القول الراجح أنه لا ينفق إلّا بأمر ثان، وعليه فلو أنفق بدونه ولم يرض الموكل فإنه يضمن.
__________
(1) الواضح 1/ 284ب، و 285أ.
(2) روته معاذة عن عائشة، أخرجه البخاري 1/ 122، ومسلم 1/ 182.(1/174)
المبحث الثامن الأمر بالشيء نهي عن ضده
وفيه مطلبان:
المطلب
الأول: في تقرير المسألة وبيان الأدلة والمناقش.
الثاني: في اثارها الفقهية عند الحنابلة.
المطلب الأول: الأمر بالشيء نهي عن ضده: الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده من طريق المعنى أو اللفظ أو ليس نهيا عن ضده؟ على أقوال:
الأقوال:
القول الأول: أن الأمر بالشيء نهي عن ضده من طريق المعنى
1 - ذهب الحنابلة والأحناف والمالكية وأكثر الشافعية إلى أن الأمر بالشيء نهي عن ضده من طريق المعنى سواء كان له ضد واحد أو أضداد كثيرة وسواء كان مطلقا أو معلقا بوقت مضيق (1).
القول الثاني: أن الأمر بالشيء نهي عن ضده من طريق اللفظ:
2 - ذهب أكثر الأشاعرة إلى أنه نهي عن ضده من طريق اللفظ بناء
__________
(1) العدة 2/ 368، والتمهيد 1/ 329، والواضح 1/ 111ب، والمسودة ص 49، والتحرير ص 73، وتيسير التحرير 1/ 273، وشرح تنقيح الفصول ص 135، وإرشاد الفحول ص 101، والإحكام للامدي 2/ 170، وجمع الجوامع 1/ 385 مما يذهب إليه الإمام أحمد ص 26ب.(1/175)
على مذهبهم في أن الكلام قائم في النفس (1).
القول الثالث: أن الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده
3 - ذهب أكثر المعتزلة وبعض الشافعية إلى أنه ليس نهيا عن ضده لا من طريق المعنى ولا من طريق اللفظ (2).
الأدلة:
استدلال الحنابلة على أن الأمر نهي عن ضده
* واستدل علماء الحنابلة على أنه نهي عن ضده من طريق المعنى بما يلي:
1 - أن الأمر عندنا يقتضي الوجوب والفور وقد ثبت ذلك بالدليل، وإذا كان كذلك وجب أن يكون تركه محرما، وفعل ضده من تركه فوجب أن يكون فعل ضده منهي عنه، فدل ذلك على أن الأمر متضمن للنهي عن ضده (3).
2 - أن المكلف لا يمكنه فعل المأمور به إلّا بترك ضده، فالأمر دال على النهي عن الضد من طريق التلازم، إذ يلزم من فعل المأمور به ترك ضده ومن فعل الضد ترك المأمور به (4).
3 - لو لم يكن نهيا عن ضده لأدى ذلك إلى التناقض حيث أمرنا بالإيمان، فلو لم يكن نهيا عن ضده لكان الكافر غير منهي عن الكفر ولجاز أن يرد الأمر بضده وذلك تناقض والشرع منزه عنه (5).
وقد استدل غيرهم من القائلين بذلك بنحوها وذكروا أدلة غيرها مما يفيد أن الأمر بالشيء يدل على النهي عن ضده (6).
__________
(1) المراجع السابقة.
(2) المعتمد 1/ 97، والإحكام 2/ 171، والبرهان 1/ 252.
(3) انظر: العدة 2/ 371، والواضح 1/ 111ب.
(4) انظر: التمهيد 1/ 330، والواضح 1/ 111ب.
(5) انظر: العدة 2/ 371، والتمهيد 1/ 331.
(6) انظر: هامش رقم (1) في الصفحة السابقة.(1/176)
* واستدل القائلون بأن الأمر ليس نهيا عن ضده بما يلي:
1 - أن الامر يحتمل أنه لم يخطر بباله الضد فكيف يجعل ناهيا عما لم يخطر بباله، ولو خطر على باله لم يكن مقصودا له إنما قصده الامتثال، فلا يدل على النهي عن ضده (1).
وأجيب عليه: بأن الدلالة من طريق المعنى لا من طريق اللفظ كدلالة قوله تعالى: {فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ} [الإسراء: 23] على تحريم ما هو أشد منه، فاللفظ لا تعرض فيه للأشد إنما دلالة المعنى عليه ظاهرة. وأما كونه لم يقصده فإنه لازم لتحقيق مقصوده (2).
2 - أن صيغة الأمر خلاف صيغة النهي فلا تكون إحداهما مقتضية للاخرى.
والجواب عنه: أنها لا تقتضيه من حيث اللفظ والصيغة بل من حيث تحقق المأمور به، إذ هو لازم له فهو من دلالة المعنى لا اللفظ.
والراجح عندي:
قول الجمهور أن الأمر بالشيء نهي عن ضده من طريق المعنى لظهور أدلته وسلامتها من المعارض المؤثر.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
يترتب على هذه القاعدة فروع فقهية، منها:
1 - أمر الله من عزم على الطلاق أن يكون طلاقه على العدة:
{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، وفي ذلك نهي عن ضده فيكون الطلاق في حال الحيض والطلاق بالثلاث منهي عنه.
__________
(1) البرهان 1/ 254253.
(2) التمهيد 1/ 335.(1/177)
2 - يترتب عليها مسألة أصولية، وهي أن النهي هل هو أمر بأحد أضداده؟
فالجمهور قالوا بأنه أمر من جهة المعنى وأنكر ذلك المعتزلة ومن وافقهم، وقد فرع بعض العلماء على ذلك أن حكم الزواج واجب لأن الزنا منهي عنه وضده النكاح فيكون مأمورا به (1).
وأرى أن النكاح مأمور به بمنطوق نص فلا داعي لطلب ما دونه في الدلالة.
__________
(1) القواعد والفوائد الأصولية ص 185.(1/178)
المبحث التاسع الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به؟
وفيه مطلبان:
الأول: في تحرير المسألة وبيان الأقوال فيها.
الثاني: في اثارها الفقهية عند الحنابلة.
المطلب الأول: الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا به:
إذا ورد الأمر بالأمر بشيء فلا يخلو إما أن يكون الامر هو الله جل وعلا والمأمور بالأمر هو النبي صلى الله عليه وسلّم، أو يكون الامر هو النبي صلى الله عليه وسلّم والمأمور بالأمر أحد المؤمنين، أو يكون الامر أحد الناس والمأمور بالأمر أحدهم.
فإذا كان الامر هو الله جل وعلا والمأمور هو النبي صلى الله عليه وسلّم، فلا خلاف في أنه أمر به، مثاله قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصََارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذََلِكَ أَزْكى ََ لَهُمْ إِنَّ اللََّهَ خَبِيرٌ بِمََا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنََاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصََارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلََا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلََّا مََا ظَهَرَ مِنْهََا} [النور: 30، 31]، لقيام الحجة على وجوب طاعة الرسول والاقتداء به صلى الله عليه وسلّم، وأنه مبلّغ عن ربه جل وعلا.
أما إذا كان الامر هو النبي صلى الله عليه وسلّم مثل قوله صلى الله عليه وسلّم: «مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر» (1)، فهل يكون أمرا منه
__________
(1) رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أخرجه أبو داود 1/ 334، وعن الترمذي بلفظ اخر وهو حديث سبرة عن أبيه 2/ 259، وقال فيه: حسن صحيح.(1/179)
بالصلاة فتجب على ابن سبع، أو هو مجرد أمر للولي بأن يأمر لسبع ويؤدب لعشر فيجب عليه ذلك وليس أمرا بالصلاة؟
في ذلك اختلف العلماء، وكذا إذا كان الامر أحد الناس.
والذي ذهب إليه جمهور العلماء أنه لا يكون أمرا بذلك الشيء (1)، ومنهم علماء الحنابلة (2)، ما لم يدل عليه دليل.
وقيل: أنه أمر بذلك الشيء.
ولا أرى للأقوال ما يمكن أن يسمى حجة لكنه اجتهاد في محل توجه الأمر، والظاهر أنه متوجه إلى المخاطب أن يأمر، فالولي يجب عليه أمر الصبي، وليس متوجها إلى من يخاطبه المخاطب، فلا يجب على الصبي به شيء.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية: يتفرع عليها بعض المسائل:
1 - إذا قال لعبده: إن أمرتك فأنت حر، ثم قال لابنه: مر عبدي أن يفعل كذا، فإنه لا يعتق عند الجمهور لأنه لم يأمره، ويعتق على القول الثاني تفريعا على ما سبق.
2 - إذا قال لابنه: والله لا امرك اليوم ولا أنهاك، ثم قال لزوجته:
مري ابني أن يذهب إلى البستان فيأتينا بتمر ونحو ذلك. فإنه لم يأمره عند الجمهور فلا يحنث، وعلى القول الثاني يحنث.
__________
(1) المستصفى 2/ 12، وإرشاد الفحول ص 107.
(2) روضة الناظر ص 207.(1/180)
الفصل الثاني قواعد النهي واثارها الفقهية عند الحنابلة
وفيه المباحث التالية:
المبحث الأول: النهي المجرد يقتضي التحريم.
المبحث الثاني: النهي المطلق يقتضي التكرار والفور.
المبحث الثالث: النهي يقتضي الفساد.(1/181)
المبحث الثالث: النهي يقتضي الفساد.
المبحث الأول النهي المجرد يقتضي التحريم
وفيه مطلبان:
المطلب
الأول: في تقرير المسألة وبيان الأدلة والمناقشة.
الثاني: اثارها الفقهية عند الحنابلة.
المطلب الأول: النهي المجرد يقتضي التحريم: إذا وردت صيغة النهي «لا تفعل» مجردة عن القرائن، فماذا تقتضي؟
1 - ذهب جمهور العلماء إلى أنها تقتضي التحريم (1).
2 - ذهب الأشاعرة إلى التوقف (2).
3 - حكى أبو الخطاب أن قوما قالوا بأنها تقتضي التنزيه والكراهة ولم يسمهم (3)، وقيل: بأنها مشتركة بين التحريم والكراهة، وحقيقة هذا القول يؤول إلى القول الثاني.
__________
(1) التمهيد 1/ 362، والمسودة ص 81، وشرح الكوكب المنير 3/ 83، والرسالة ص 217، و 43، ونهاية السول 2/ 293، والبرهان 1/ 283، وإرشاد الفحول ص 109، وتنقيح الفصول ص 168.
(2) المسودة ص 81، والبرهان 1/ 283.
(3) التمهيد 1/ 362، وكذا ذكره الشوكاني إرشاد الفحول ص 110.(1/183)
4 - وقال بعض الأحناف بأنها تقتضي التحريم إذا كانت قطعية الثبوت، وتقتضي الكراهة إذا كانت ظنية الثبوت (1).
* وساق أبو الخطاب الأدلة على القول الأول، فقال:
1 - لنا أن الصحابة رضي الله عنهم عقلوا من النهي الكف عن الفعل والترك، فروى عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: (كنا نخابر أربعين سنة لا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلّم نهى عن ذلك فتركناه) (2).
2 - ولأن السيد إذا نهى عبده عن فعل الشيء فخالفه عاقبه، ولم يلم في عقوبته، فلو لم يكن النهي يقتضي التحريم والمنع لما استحق العقوبة) (3)، واستدل البيضاوي (4) لذلك بقول الله تعالى: {وَمََا اتََاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمََا نَهََاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلّم:
«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (5).
* وحجة القائلين بالوقف: أنّ النهي لا صيغة له عندهم بناء على مذهبهم في تأويل صفة الكلام لله جلّ وعلا بأنه كلام نفسي بلا لفظ.
__________
(1) تيسير التحرير 1/ 375، وقد اختار ابن الهمام والشارح القول الأول، وإرشاد الفحول ص 110.
(2) رواه البخاري 2/ 285برقم 2218، ومسلم 5/ 2221، وانظر حديث رافع في البخاري برقم 2202، و 2207، ومسلم 5/ 23.
(3) التمهيد 1/ 363.
(4) نهاية السول 2/ 293.
(5) صحيح البخاري 6/ 2658برقم 6858، ومسلم 4/ 102.
فائدة: في هذا الباب ذكر ابن قدامة إن ما سبق في الأوامر يوضح أحكام النواهي، وهذا هو ما ذكره الغزالي في المستصفى ولم يبحث إلّا اقتضاؤه الفساد، وهذا من المواضع التي تظهر علاقة الروضة بالمستصفى.(1/184)
ومعلوم أن أهل السنّة يثبتون ما أثبته الله لنفسه من الصفات من دون تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل، فالله جل وعلا أثبت لنفسه صفة الكلام: {وَكَلَّمَ اللََّهُ مُوسى ََ تَكْلِيماً (164)} [النساء: 164]، واحتج من قال بالكراهية: بأن النهي يرد والمراد به الكراهية، ويرد والمراد به التحريم، فتحمل على الأقل لأنه المتيقن.
والجواب عليه: بأن مخالف النهي يستحق العقاب فلا يلام السيد على عقوبة عبده إذا خالف أمره، فلو كان للكراهة لتوجه اللوم عليه إذا عاقبه لأن المكروه يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله.
أما قول بعض الأحناف فلم أر لهم حجة عليه إلّا أنه امتداد لمذهبهم في التفريق بين الفرض والواجب.
والراجح أن النهي المجرد يقتضي التحريم لظهور أدلته وسلامتها من المعارض المؤثر.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية عند الحنابلة:
يترتب على هذه القاعدة فروع فقهية كثيرة، منها:
1 - يحرم إنفاق المال على وجوه الباطل للنهي الوارد في قول الله تعالى: {وَلََا تَأْكُلُوا أَمْوََالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبََاطِلِ} [البقرة: 188]، فالنهي يقتضي التحريم.
2 - يحرم استعمال جلد الميتة قبل دبغه لنهي النبي صلى الله عليه وسلّم عنه حيث قال: «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» (1).
__________
(1) رواه عبد الله بن عكيم. أخرجه أبو داود 4/ 371، والترمذي 4/ 194، وابن ماجه 2/ 194.(1/185)
أما بعد الدبغ ففيه روايتان في المذهب والمشهور أنه نجس (1)، لأن الحديث السابق متأخر فهو ناسخ لحديث: «هلّا انتفعتم بجلدها» (2).
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلّم أرسل إليهم كتابه قبل وفاته بشهر أو شهرين، ومن قال بإباحته بعد الدبغ خصه بما كان طاهرا في حال الحياة واستعمل باليابسات (3).
__________
(1) المغني 1/ 66، والشرح الكبير 1/ 24.
(2) رواه ابن عباس. أخرجه البخاري 2/ 543برقم 1421، ومسلم 1/ 190.
(3) شرح منتهى الإيرادات 1/ 27، والروض المربع بحاشية ابن قاسم 1/ 111.(1/186)
المبحث لثاني النهي المطلق يقتضي التكرار والفور
وفيه مطلبان:
المطلب
الأول: في تقرير المسألة وبيان الأدلة والمناقشة.
الثاني: اثارها الفقهية عند الحنابلة.
المطلب الأول: النهي المطلق يقتضي التكرار والفور: ذهب الحنابلة وجمهور العلماء إلى أن النهي المطلق يقتضي التكرار والفور (1)، وذهب أبو بكر الباقلاني إلى أنه لا يقتضي التكرار والفور (2).
ووافقه الرازي (3).
قال القاضي: (النهي يقتضي المبادرة إلى ترك المنهي عنه على الفور كالأمر وأنه يقتضي التكرار كالأمر سواء.
__________
(1) العدة 2/ 428، والتمهيد 1/ 363، والمسودة ص 81، وحاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 309، وشرح تنقيح الفصول ص 168، والإحكام في أصول الأحكام 2/ 194.
(2) المسودة ص 81.
(3) المحصول 1/ 2/ 470، والمسودة ص 81، وشرح تنقيح الفصول ص 168.(1/187)
وقال أبو بكر ابن الباقلاني: لا يقتضي التكرار كالأمر ولا يقتضي الفور، وما ذكرناه في الأوامر فهو دلالة في النهي فلا وجه لإعادته) (1).
وأدلة الحنابلة والجمهور على أنه يقتضي التكرار والفور ما يلي:
1 - أن الصحابة رضي الله عنهم عقلوا من ظاهر النهي الفور والتكرار، فبادروا إلى تركه ولم يختلفوا في ذلك.
2 - أن النهي المطلق عام في جميع الأزمان فلا يتخصص بزمن معين إلّا بدليل.
3 - أن التحريم المستفاد من الصيغة يدل عليه، إذ لو لم يكن على الفور لكان له مخالفته في الزمن الأول، ولو لم يكن التكرار لكان له مخالفته في معظم الأزمان وهو يتنافى مع التحريم، فدل على أنه يقتضي أن يكون للفور والتكرار، وغير ذلك من الأدلة التي ذكرت في دلالة الأمر.
لكن أبا الخطاب وهم فقال: (لنا ما تقدم في باب الأمر) (2)، وقد تقدم اختياره في الأمر أنه لا يقتضي التكرار والنهي عنده يفيد التكرار والفور.
4 - أن السيد لو قال لعبده: لا تفعل ولا تدخل الدار. اقتضى أن لا يفعل ذلك على المبادرة والمداومة، فإن خالف استحق العقوبة. فدل ذلك على أن النهي يقتضي المبادرة والمداومة (3).
واستدل الباقلاني بأدلة المخالفين في دلالة الأمر عليهما (4).
__________
(1) العدة 2/ 428.
(2) التمهيد 1/ 364.
(3) التمهيد 1/ 364، والعدة 2/ 428.
(4) انظر: ص 158.(1/188)
والراجح عندي: مذهب الحنابلة والجمهور، لأنه مقتضى التحريم المستفاد منه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (1)، ففيه مبادرة ومداومة على ترك المنهي عنه.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية عند الحنابلة:
يتفرع على هذه القاعدة فروع فقهية كثيرة، منها:
1 - ما ورد فيه نهي مطلق في الكتاب أو السنّة فحكمه متفرع عن هذه القاعدة من حيث المبادرة في الترك والمداومة عليه، مثل قول الله تعالى: {فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ وَلََا تَنْهَرْهُمََا} [الأسراء: 23]، وقوله تعالى: {وَلََا تَقْفُ مََا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» (2).
2 - إذا قال: والله لا أجلس في دار زيد، فإنه يحنث إذا كان جالسا فيها، ولم يبادر إلى القيام، ويحنث إذا جلس بعد ذلك بناء على أن النهي المطلق يقتضي الفور والتكرار.
__________
(1) أخرجه البخاري 6/ 2658برقم 6858، ومسلم 4/ 102.
(2) رواه جابر وأبو هريرة رضي الله عنهما، أخرجه البخاري 5/ 1965، برقم 4819، و 482، ومسلم عن أبي هريرة 4/ 135.(1/189)
المبحث الثالث النهي يقتضي الفساد
وفيه مطلبان:
المطلب
الأول: تقرير المسألة وبيان الأدلة والمناقشة.
والثاني: اثارها الفقهية عند الحنابلة.
المطلب الأول: النهي يقتضي الفساد: تحرير المسألة:
النهي لا يخلو إما أن يرد على عين الفعل أو يرد على صفته.
فالنهي عن عين الفعل كالنهي عن الربا والزنا ونكاح زوجة الأب والشغار وغير ذلك، والنهي عن صفة الفعل كالنهي عن البيع بعد النداء وعن نكاح المحرم.
الأقوال:
واختلفت الأقوال في اقتضائه الفساد فيهما على ما يلي:
1 - ذهب الحنابلة وأكثر الفقهاء إلى أن النهي يقتضي الفساد
سواء كان واردا على عين الفعل أو على صفته (1).
__________
(1) العدة 2/ 432، و 441، والتمهيد 1/ 369، والتحرير ص 78، ونسب لأبي الخطاب قولا لم يذكره في التمهيد، بل انتصر لما ذكرنا، والمسودة ص 82، و 83، ومفتاح الوصول ص 39، والمستصفى 2/ 25.(1/190)
2 - ذهب بعض الأحناف إلى أنه يقتضي الفساد إذا ورد على عين الفعل ولا يقتضيه إذا ورد على صفة الفعل
، بل يكون صحيحا في ذاته، وأما الصفة فهي فاسدة، ويفرقون بين الباطل والفاسد (1).
3 - ذهب أكثر المعتزلة والأشاعرة إلى أنه لا يقتضي الفساد
فيهما (2).
4 - ذهب أبو الحسين البصري إلى أنه يقتضي الفساد في العبادات دون العقود والإيقاعات
(3)، وذكر ابن قدامة عن قوم وذكر منهم أبو حنيفة أنه يقتضي الصحة (4). ولكن لم أجد ذلك مرويا عن أبي حنيفة في كتب الأحناف، فالنسبة غير محققة.
الأدلة:
أدلة القول الأول:
أما القول الأول، فروي عن الإمام أحمد روايات عدة تدل على أن النهي عنده يقتضي الفساد. قال القاضي: (قال أحمد رضي الله عنه في رواية أبي القاسم إسماعيل بن عبد الله بن ميمون العجلي في الشغار: يفرق بينهما لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قد نهى عنه (5). وقال: أرأيت لو تزوج امرأة أبيه أليس قال الله تعالى: {وَلََا تَنْكِحُوا مََا نَكَحَ ابََاؤُكُمْ مِنَ النِّسََاءِ} [النساء: 22].
وقال رضي الله عنه في رواية أبي طالب وقد سئل عن بيع الباقلا قبل أن تحمل هو رد، فقال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها) (6)، هذا بيع فاسد) (7).
__________
(1) شرح المنار وحواشيه ص 266.
(2) البرهان 1/ 283، والتمهيد 1/ 269.
(3) المعتمد 1/ 171.
(4) روضة الناظر ص 217.
(5) رواه ابن عمر، أخرجه البخاري 5/ 1966، 4822، ومسلم 4/ 139.
(6) رواه ابن عمر. البخاري 2/ 766، ومسلم 5/ 11.
(7) العدة 2/ 433432.(1/191)
وقال أبو محمد التميمي: (وكان يقول رحمه الله أن النهي يدل على فساد المنهي عنه) (1).
وعن الإمام روايات عدة تفيد ذلك.
* وقد استدل الحنابلة على أنه يقتضي الفساد بأدلة كثيرة، منها:
1 - ما روت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (2).
ووجه الدلالة: أن معنى رد أي باطل وفاسد.
فإن قيل: أن معنى رد أي غير مقبول، والقبول من الله هو الإثابة عليه، وقد يكون صحيحا ولا يثاب عليه.
فالجواب: أن معنى الرد يحتمل عدم القبول ويحتمل البطلان والفساد فيجب حمله عليهما، فهو دال على الفساد وعدم القبول.
2 - أن الصحابة رضي الله عنهم، استدلوا على الفساد بالنهي عنه أو عن صفته، ومن ذلك، استدلال ابن عمر على فساد نكاح المشركات بقول الله تعالى: {وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ} [البقرة: 221].
فإن قيل: لعلهم رجعوا إلى فساد ذلك لقرينة تدل عليه.
قلنا: لو كانت قرينة لذكرت وبيّنها بعضهم لبعض، فلما قنعوا بمجرد اللفظ وظاهره دل على أنهم عقلوا منه الفساد.
3 - لو كان المنهي عنه مجزيا صحيحا لكان طريق إجزائه الشرع،
__________
(1) مما يذهب إليه الإمام أحمد ص 26ب.
(2) أخرجه البخاري 2/ 959برقم 2550، ومسلم 5/ 132.(1/192)
إما إيجابا أو ندبا أو إباحة، والنهي ضد ذلك (1).
4 - قال أبو الخطاب: (إن الأمر بالعبادة يقتضي إشغال الذمة بفعلها متجردة عن النهي لأنه لا يجوز أن يكون المنهي عنه هو الذي ورد الأمر به، فإذا فعلها على الوجه المنهي فلم يأت بما أمر به على الوجه الذي أمر به، وإذا لم يأت بالعبادة بشروطها وقعت باطلة كمن أمر بالصلاة على طهارة فأتى بها على غير طهارة، لا تصح وتبقى في ذمته) (2).
5 - قال ابن قدامة: (النهي عن الشيء يدل على تعلق المفسدة به أو بما يلازمه لأن الشارع حكيم لا ينهى عن المصالح إنما ينهى عن المفاسد، وفي القضاء بالفساد إعدام لها بأبلغ الطرق) (3).
وأما الأحناف فقالوا: بأن النهي متعلق بالوصف لا بالأصل ولا يلزم من قبح الوصف قبح الأصل (4).
أدلة القول الثاني:
* واستدل القائلون بأنه لا يقتضي الفساد بما يلي:
1 - أن فساد العبادة هو وجوب قضائها، والنهي إنما يدل على قبح المنهي عنه وعلى كراهية الناهي لها، وقبحها لا يقتضي وجوب قضائها لعلمنا بقبح أشياء كثيرة لا يلزم قضاؤها (5).
والجواب: أن النهي يدل على المنع ومقتضى المنع عدم الإجزاء، إذ
__________
(1) انظر الأدلة السابقة 2/ 439434، التمهيد 1/ 375371، وروضة الناظر ص 218.
(2) التمهيد 1/ 374.
(3) روضة الناظر ص 218.
(4) شرح المنار وحواشيه ص 275.
(5) المعتمد 1/ 175.(1/193)
لو أجيزت لبطل حقيقة المنع منها. فالنهي يدل على عدم القبول وعلى الفساد ولا يقصر على أحدهما.
أما عدم وجوب القضاء فلأن ذلك يرجع إلى عدم الدليل عليه حيث أنه يجب بأمر جديد على الأصح (1).
2 - أن لفظ النهي لغوي والفساد شرعي فلا يجوز أن يكون موضوعا له (2).
والجواب: بأنا لا نقول بأنه من دلالة اللفظ بل هو من مقتضى التحريم المستفاد من اللفظ، حيث أن الله حكيم لا يحرم إلّا الفاسد.
واستدل أبو الحسين البصري بأدلة الجمهور ومنه إجماع الصحابة على الاستدلال بالنهي على الفساد فقال: (فصار هذا إجماعا منهم على أن النهي المتناول للأفعال الشرعية من حقه أن يكون مقتضيا لفسادها ما لم تدل دلالة على خلاف ذلك) (3).
وهذا يبين أن العقود المتعلق بها تعبّد تدخل في الأفعال الشرعية، وأن مراده في اختياره بعض العقود والإيقاعات حيث ذكر قبل ذكر استدلال الصحابة على النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح على فساد هذا العقد. وكرجوعهم إلى نهيه عن بيع الغرر وبيع ما لم يقبض وبيع ما ليس عنده، على فساد تلك العقود.
والراجح: هو القول بأن النهي يقتضي الفساد سواء كان لعين الفعل أو لصفته، وذلك لأنه مقتضى التحريم والمنع حيث لا يحرّم الله جلّ وعلا
__________
(1) راجع ص 170.
(2) المعتمد 1/ 176.
(3) المعتمد 1/ 178.(1/194)
إلّا الفاسد، قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبََاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبََائِثَ}
[الأعراف: 157]، إلى جانب قوة أدلته، وسلامتها من المعارض المؤثر.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية عند الحنابلة:
يتفرع على هذه القاعدة مسائل فقهية كثيرة.
منها: ما تبين لك في عرض المسألة.
ومنها: ما ذكر ابن رجب في القاعدة التاسعة، حيث قال في العبادات الواقعة على وجه محرم: (إن كان التحريم عائدا إلى ذات العبادة على وجه يختص بها لم يصح. وإن كان عائدا إلى شرطها فإن كان على وجه يختص بها فكذلك أيضا. وإن كان لا يختص بها ففي الصحة روايتان أشهرهما عدمها. وإن عاد إلى ما ليس بشرط فيها ففي الصحة وجهان). واختار أبو بكر عدم الصحة وخالفه الأكثر.
فللأول أمثلة كثيرة منها: صوم يوم العيد فلا يصح بحال على المذهب ومنها الصلاة في أوقات النهي، ومنها الصلاة في مواضع النهي فلا يصح على القول بأن النهي للتحريم وإنما يصح على القول بأن النهي للتنزيه، هذه طريقة المحققين وإن كان من الأصحاب من يحكي الخلاف في الصحة مع القول بالتحريم. ومنها صيام أيام التشريق فلا يصح تطوعا بحال، والخلاف في صحة صومها فرضا مبني على أن النهي هل يشمل الفرض أم يختص التطوع؟
وللثاني أمثلة كثيرة، منها: الوضوء بالماء المغصوب، ومنها الصلاة في الثوب المغصوب والحرير.
وفي الصحة روايتان. وعلى رواية عدم الصحة فهل المبطل ارتكاب النهي في شرط العبادة، أم ترك الإتيان بالشرط المأمور به؟
للأصحاب فيه مأخذان، ينبني عليهما: لو لم يجد إلّا ثوبا مغصوبا فصلى فيه فإن عللنا بارتكاب النهي لم تصح صلاته، وإن عللنا بترك المأمور به صحت لأنه غير واجد لسترة يؤمر بها. وأما من لم يجد إلّا ثوب حرير فتصح صلاته فيه بغير خلاف على أصح الطريقتين لإباحة لبسه في هذه الحال.(1/195)
وفي الصحة روايتان. وعلى رواية عدم الصحة فهل المبطل ارتكاب النهي في شرط العبادة، أم ترك الإتيان بالشرط المأمور به؟
للأصحاب فيه مأخذان، ينبني عليهما: لو لم يجد إلّا ثوبا مغصوبا فصلى فيه فإن عللنا بارتكاب النهي لم تصح صلاته، وإن عللنا بترك المأمور به صحت لأنه غير واجد لسترة يؤمر بها. وأما من لم يجد إلّا ثوب حرير فتصح صلاته فيه بغير خلاف على أصح الطريقتين لإباحة لبسه في هذه الحال.
ومنها الصلاة في البقعة المغصوبة وفيها الخلاف.
وللبطلان مأخذان أيضا:
أحدهما: أن البقعة شرط للصلاة، ولهذا لا تصح الصلاة في الأرجوحة ولا على بساط في الهواء.
والثاني: أن حركات المصلي وسكناته في الدار المغصوبة هو نفس المحرم، فالتحريم عائد إلى نفس الصلاة وإن كان غير مختص بها فهو كإخراج الزكاة والهدي من المال المغصوب.
وللرابع أمثلة، منها:
1 - الوضوء من الإناء المحرم، ومنها صلاة من عليه عمامة غصب أو حرير أو في يده خاتم ذهب، وفي ذلك كله وجهان اختيار أبي بكر عدم الصحة) (1).
وأرى أن النهي في الأخير غير وارد على الفعل ولا على صفته بل هو على فعل اخر مصاحب للعبادة. مثله مثل من كان هاجرا لأخيه المسلم أو كان اكلا لمال غيره بالباطل، فلا تأثير له على صحة الصلاة.
2 - بيع الثمر قبل بدو صلاحه بيع فاسد لنهي النبي صلى الله عليه وسلّم عن
__________
(1) القواعد ص 12.(1/196)
ذلك (1)، وقد نص على ذلك أحمد في بيع الباقلا قبل صلاحه فقال: هذا بيع فاسد (2).
3 - فساد عقد نكاح المرأة على عمتها أو خالتها لنهي النبي صلى الله عليه وسلّم عن ذلك (3)، وقد بين ابن رجب ذلك فقال:
كل امرأتين بينهما رحم محرم يحرم الجمع بينهما بحيث لو كانت إحداهما ذكرا لم يجز له التزوج بالاخرى لأجل النسب دون الصهر، فلا يجوز له الجمع بين المرأة وعمتها وإن علت، ولا بينها وبين خالتها وإن علت، ولا بين الأختين ولا بين البنت وأمها وإن علت.
قال الشعبي: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم يقولون: لا يجمع الرجل بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يصلح له أن يتزوجها، ذكره الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله بإسناده.
وإنما قلنا لأجل النسب دون الصهر ليخرج من ذلك الجمع بين زوجة رجل وابنته من غيرها، فإنه مباح إذ لا محرمية بينهما ليخشى القطيعة، لكن يرد على هذا من كان بينهما تحريم رضاع، فإنه يحرم عليه الجمع بينهما، نصّ عليه في رواية الأثرم وحرب (4).
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) العدة 2/ 433.
(3) سبق تخريجه.
(4) القواعد ص 325.(1/197)
الباب الثالث قواعد العام ومخصصاته عند الحنابلة واثارها الفقهية
وفيه تمهيد، وفصلان:
التمهيد: في تعريف العام وتعريف التخصيص.
الفصل الأول: في قواعد العام عند الحنابلة واثارها الفقهية.
الفصل الثاني: مخصصات العموم عند الحنابلة واثارها الفقهية.(1/199)
الفصل الثاني: مخصصات العموم عند الحنابلة واثارها الفقهية.
التمهيد تعريف العام والتخصيص
أوّلا: تعريف العام:
العام لغة:
الشامل.
قال ابن فارس: (عمّنا هذا الأمر يعمنا عموما، إذا أصلب القوم أجمعين، قال: والعامة ضد الخاصة) (1).
قال صاحب القاموس: (عمّ الشيء عموما شمل الجماعة، يقال:
عمّهم بالعطية) (2).
واصطلاحا:
هو اللفظ الواحد الدال على مسميين فصاعدا مطلقا معا (3).
وعرّفه القاضي فقال: (العموم ما عمّ شيئين فصاعدا) (4).
وقال أبو الخطاب: (هو كلام مستغرق لجميع ما يصلح له) (5)، ويبدو
__________
(1) معجم مقاييس اللغة 4/ 18.
(2) القاموس المحيط 4/ 156.
(3) الإحكام للامدي 2/ 196.
(4) العدة 1/ 140.
(5) التمهيد 2/ 5.(1/201)
أنه تأثر بأبي الحسين البصري، فقد قال في المعتمد: (اعلم أن الكلام العام هو مستغرق لجميع ما يصلح له) (1)، مع أنه قد عرّفه في أول التمهيد (2) بما هو قريب من تعريف شيخه.
وعرّفه ابن قدامة فقال: (هو اللفظ الواحد الدال على شيئين فصاعدا مطلقا (3)، وهو قريب من تعريف الغزالي، فقد قال في المستصفى: (العام عبارة عن اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة على شيئين فصاعدا) (4).
وعرّفه الفتوحي فقال: (العام لفظ دال على جميع أجزاء ماهية مدلوله) (5)، وهو تعريف الطوفي (6) أيضا.
* وأسلم هذه التعريفات عندي التعريف الأول وهو: اللفظ الواحد الدال على مسميين فصاعدا مطلقا معا. لأنه جامع لما في التعريفات من احترازات مع سلامته مما ورد عليها من (7) اعتراضات. وهو تعريف الامدي وقد شرحه فقال:
(قولنا: «اللفظ»، وإن كان كالجنس للعام والخاص ففيه فائدة تقييد العموم بالألفاظ لكونه من العوارض الحقيقية لها دون غيرها عند أصحابنا وجمهور الأئمة، كما يأتي تعريفه.
__________
(1) المعتمد 1/ 189.
(2) التمهيد 1/ 9.
(3) روضة الناظر ص 220.
(4) المستصفى 2/ 32.
(5) مختصر التحرر ص 42، وشرح الكوكب 3/ 101.
(6) البلبل ص 97.
(7) انظر: روضة الناظر ص 220، وإرشاد الفحول ص 112، والإحكام للامدي 2/ 195، ولم أذكرها لأني أرى ألّا يقال في ذلك تكلف غير محمود قد يوصل إلى اللبس، بل إن قولنا «العام» أوضح مما أرادوا أن يوضحوه به.(1/202)
وقولنا: «الواحد»، احتراز عن قولنا: ضرب زيد عمرا.
وقولنا: «الدال على مسمّيين» ليندرج فيه الموجود والمعدوم، وفيه أيضا احتراز عن الألفاظ المطلقة كقولنا: «رجل ودرهم»، فإن لفظة رجل ودرهم، وإن كانت صالحة لكل واحد من احاد الرجال واحاد الدراهم فلا يتناولهما معا، بل على سبيل البدل.
وقولنا: «فصاعدا»، احتراز عن لفظ اثنين.
وقولنا: «مطلقا»، احتراز عن قولنا: عشرة ومائة ونحوها من الأعداد المقيدة) (1).
وأما قولنا: «معا»، فيخرج المشترك، ويخرج ما له حقيقة ومجاز فإنهما يدلان على جهة البدل.
ثانيا: تعريف التخصيص:
والتخصيص لغة:
تمييز بعض الأفراد، قال في القاموس: (خصّه بالشيء خصّا وخصوصا وخصوصية. وخصيصى ويمد وخصّيه وتخصّه فضله وخصه بالود كذلك، والخاص والخاصة ضد العامة) (2).
وقال ابن فارس: (ومن الباب خصصت فلانا بشيء خصوصية بفتح الخاء وهو القياس، لأنه إذا أفرد واحدا فقد أوقع فرجة بينه وبين غيره) (3).
واصطلاحا:
هو تمييز بعض الجملة بحكم (4).
__________
(1) الإحكام في أصول الأحكام 2/ 196.
(2) القاموس المحيط 2/ 312، باب الصاد، فصل الخاء.
(3) معجم مقاييس اللغة 2/ 153.
(4) العدة 1/ 155.(1/203)
قال أبو الخطاب: (قولنا هذا الكلام مخصوص معناه: أنه قصر على بعض فائدته، وكان غرض المتكلم به بعض ما وضع له) (1).
لذا قال الفتوحي: أما التخصيص فرسموه بأنه (قصر العام على بعض أجزائه) (2).
وقال في شرح التعريف: (فدخل ما عمومه باللفظ ك: (اقتلوا المشركين) قصر بدليل على غير الذمي وغيره وغيره، ممن عصم بأمان، وما عمومه بالمعنى كقصر علة الربا في بيع الرطب بالتمر مثلا لأنه ينقص إذا جف على غير العرايا، والمراد من قصر العام قصر حكمه) (3).
* وبهذا يتضح الفرق بين التخصيص والنسخ، حيث أن النسخ رفع للحكم، قال أبو الخطاب:
(والفرق بين النسخ والتخصيص على ما يجيء على قول أصحابنا أن التخصيص تمييز بعض الجملة بحكم، أو بيان المراد باللفظ العام والنسخ رفع ما يتناوله الخطاب) (4).
وقد فصل ابن قدامة بينهما فقال: (فإن قيل: فما الفرق بين النسخ والتخصيص؟ قلنا: هما مشتركان من حيث إن كل واحد يوجب اختصاص بعض متناول اللفظ، مفترقان من حيث إن التخصيص بيان أن المخصوص غير مراد باللفظ، والنسخ يخرج ما أريد باللفظ الدلالة عليه كقوله: صم أبدا، يجوز أن ينسخ، وما أريد باللفظ بعض الأزمنة بل الجميع.
__________
(1) التمهيد 2/ 171.
(2) شرح الكوكب 3/ 267.
(3) شرح الكوكب 3/ 268267.
(4) التمهيد 2/ 7.(1/204)
وكذلك افترقا في وجوه ستة:
أحدها: أن النسخ يشترط تراخيه، والتخصيص يجوز اقترانه.
والثاني: أن النسخ يدخل في الأمر بمأمور واحد بخلاف التخصيص.
والثالث: أن النسخ لا يكون إلّا بخطاب، والتخصيص يجوز بأدلة العقل والقرائن.
والرابع: أن النسخ لا يدخل الأخبار، والتخصيص بخلافه.
والخامس: أن النسخ لا يبقى معه دلالة اللفظ على ما تحته، والتخصيص لا ينتفي معه ذلك.
والسادس: أن النسخ في المقطوع به لا يجوز إلّا بمثله، والتخصيص فيه جائز بالقياس وخبر الواحد وسائر الأدلة) (1).
* وقبل بيان مسائل العام ومسائل التخصيص لا بد من العلم بأن اللفظ لا يخلو في دلالته من هذه الناحية على واحد من الأقسام التالية:
1 - إما أن يكون لفظا عامّا لا أعم فيه، وقد مثّل له ابن قدامة بلفظ:
المعلوم يتناول الموجود والمعدوم، ومثّل له الامدي بالمذكور، ومثّل له الغزالي بهما معا، وقيل: ليس في الألفاظ ما يصلح مثالا له لأن المعلوم لا يتناول المجهول، والمذكور لا يتناول غير المذكور، والشيء لا يتناول المعدوم (2).
__________
(1) روضة الناظر، تحقيق د. السعيد ص 7372، وروضة الناظر مع شرحها نزهة الخاطر من ص 198196، وقد سقط الوجه الرابع من المحققة، كما أن الجملة بعد قوله صم أبدا قد اختلفت بين النسخ، والراجح ما أثبته المحقق.
(2) انظر: الروضة ص 221220، والإحكام 2/ 197، والمستصفى 2/ 32 33، وشرح الكوكب 3/ 104.(1/205)
2 - أو يكون خاصا لا أخص منه كأسماء الأعلام.
3 - أو يكون عاما بالنسبة لما يندرج تحته، خاص بالنسبة للأجناس فوقه، أي: لما هو جزء منها، مثل: الناس، عام بالنسبة للدلالة على الرجال والنساء. خاص بالنسبة للأحياء، وهكذا (1).
فإذا قلنا: هذا لفظ عام فليس المراد بأنه لا أعم منه، بل هو عام في دلالته على الأنواع تحته.
__________
(1) انظر: المراجع السابقة.(1/206)
الفصل الأول قواعد العام عند الحنابلة واثارها الفقهية
وفيه المباحث التالية:
المبحث الأول: صيغ العموم.
المبحث الثاني: حكم العمل بالعموم واعتقاده في الحال.
المبحث الثالث: دلالة العام بين القطعية والظنية.
المبحث الرابع: العموم من عوارض الألفاظ والمعاني.
المبحث الخامس: يصح ادعاء العموم في المضمرات.
المبحث السادس: عموم العلة.
المبحث السابع: العام هل يشمل المعدومين.
المبحث الثامن: العام هل يشمل الكفار في الفروع.
المبحث التاسع: العام هل يشمل العبيد والإماء.(1/207)
المبحث التاسع: العام هل يشمل العبيد والإماء.
المبحث الأول صيغ العموم
وفيه مطالب:
المطلب الأول: صيغ العموم تفيده بمطلقها.
المطلب الثاني: صيغ العموم المتفق عليها.
المطلب الثالث: صيغ العموم المختلف فيها.
المطلب الأول: صيغ العموم تفيده بمطلقها:
للعموم صيغ موضوعة في اللغة تدل عليه بمجردها فلا تحتاج لقرينة في إفادة العموم، وإنما إذا أريد بها الخصوص فلا بد من دليل أو قرينة عليه، ومن أمثال تلك الصيغ: المسلمين، والرجال، ونحو ذلك مما سيأتي بيانه، هذا هو مذهب الإمام أحمد وأبو حنيفة والشافعي ومالك وداود وأصحابهم (1).
__________
(1) راجع النقل عن مذهب أبي حنيفة في: تيسير التحرير 1/ 197، وأصول السرخسي 1/ 162151، ومذهب الشافعي في جمع الجوامع 1/ 414408، ومذهب مالك في شرح تنقيح الفصول ص 182178، ومذهب الظاهرية في الأحكام لابن حزم 3/ 362338.(1/209)
وقد نص الإمام أحمد على ذلك في رواية ابنه عبد الله. قال القاضي:
(وله صيغة موضوعة في اللغة، إذا وردت متجردة عن القرائن دلت على استغراق الجنس، نص على هذا في رواية ابنه عبد الله رحمهما الله، وقد سأله عن الاية إذا جاءت عامة مثل قوله تعالى: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} [المائدة: 38]، وأخبره أن قوما يقولون: لو لم يجىء فيها خبر النبي صلى الله عليه وسلّم توقفنا عندها فلم نقطع حتى يبين الله لنا فيها أو يخبر الرسول.
فقال: قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ} [النساء: 11]، فكنا نقف عند الولد لا نورثه حتى ينزل الله تعالى ألايرث قاتل، ولا عبد، ولا مشرك. وقال في كتاب طاعة الرسول: قوله تعالى: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} [المائدة: 38]، فالظاهر يدل على أنه من وقع عليه اسم سارق وإن قل فقد وجب عليه القطع، وكما (1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا يقطع في ثمر ولا كثر» (2)، دل ذلك على أنها ليست على ظاهرها وأنه على بعض السراق دون بعض) (3).
وذهب أبو الحسن الأشعري ومن وافقه إلى أنه ليس للعموم صيغة تدل عليه بمجردها وإنما يتوقف حتى تدل القرائن على المراد.
وذهب محمد بن شجاع الثلجي (4) إلى أن الصيغ تدل على أقل الجمع، وهو ثلاثة ولا تحمل على ما زاد إلّا بدليل.
__________
(1) كذا أثبتها المحقق، ولكن لعل الصواب [فلما] حيث يستقيم المعنى بها، وهو ما ورد في صفحة ص 519من العدة.
(2) لفظ الحديث: [لا قطع في ثمر ولا كثر]، رواه أبو داود 2/ 549، والترمذي 4/ 43، والنسائي 2/ 865.
(3) العدة 2/ 488486485.
(4) هو محمد بن شجاع أبو عبد الله الثلجي من فقهاء الأحناف، توفي سنة ست وستين ومائتين. شذرات الذهب 2/ 151، وطبقات الفقهاء ص 140.(1/210)
وذهب بعض الناس إلى أن الصيغ تفيد العموم في الأمر والنهي دون غيره من الأخبار والوعد والوعيد (1).
وإليك الأدلة والمناقشة:
استدل الحنابلة والجمهور بالأدلة الاتية:
1 - قال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمََا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهََا وََارِدُونَ (98)} [الأنبياء: 98]. وجه الدلالة أن قريشا فهمت من قوله: «وما تعبدون» العموم، فقال شاعرها عبد الله بن الزبعرى (2):
لأخصمن محمدا، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: قد عبدت الملائكة وعبد المسيح أفيدخلون النار؟ فأنزل الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ََ أُولََئِكَ عَنْهََا مُبْعَدُونَ (101)} (3) [الأنبياء: 101]. ولم يكن الرد عليه بتخطئة فهمه وإنما بيّن الله جل وعلا أن من ذكرهم ممن سبقت لهم الحسنى فهم عن النار مبعدون.
2 - قال تعالى: {قُلْنَا احْمِلْ فِيهََا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ}
[هود: 40].
فعقل نوح عليه السلام من ذلك جميع أهله وفيهم ابنه: {وَنََادى ََ نُوحٌ رَبَّهُ فَقََالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود: 45]، فبيّن الله تعالى أنه ليس من أهله الذين أمر بحملهم، لأنه عمل غير صالح وإنما أمر بحمل من أطاع من أهله.
__________
(1) انظر: العدة 2/ 489، و 490، والتمهيد 2/ 76، والمسودة ص 89، والإحكام للامدي 2/ 200، وشرح الكوكب 3/ 108، 109.
(2) عبد الله بن الزبعرى بن قيس السهمي، من شعراء قريش، أسلم بعد الفتح واعتذر عما قال. الإصابة 4/ 87.
(3) انظر: الحادثة في كتاب أسباب النزول للواحدي ص 315.(1/211)
3 - إجماع الصحابة رضي الله عنهم على فهم العموم من صيغة واستدلالهم بها، وذلك مستفيض عنهم، ومن ذلك:
(أ) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه احتج على أبي بكر رضي الله عنه في منعه من قتال مانعي الزكاة بعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلّا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم» (1)، ومعناه: من قال لا إله إلّا الله فقد عصم دمه، ولم ينكر عليه أبو بكر استدلاله.
وإنما بين له أن ذلك مخصوص بقوله صلى الله عليه وسلّم: «إلّا بحقها» (2)
والزكاة حق المال.
(ب) أن فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت محمد صلوات الله عليه وسلامه، طالبت بميراثها واحتجت بعموم قوله تعالى:
{يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}
[النساء: 11]. فلم ينكر عليها أبو بكر احتجاجها بعموم الاية، وبيّن لها أن ذلك مخصوص بقوله صلى الله عليه وسلّم: «لا نورث ما تركنا صدقة» (3).
(ج) ما روي عن عثمان بن مظعون رضي الله عنه لما سمع قول لبيد:
وكل نعيم لا محالة زائل (4)
__________
(1) الحديث بهذا اللفظ رواه جابر بن عبد الله. مسلم 1/ 39، ورواية ابن عمر وفيها:
يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة 1/ 17، رقم 25، ورواه غيره بألفاظ أخرى.
(2) رواه مسلم 1/ 38.
(3) رواه البخاري 3/ 11271126، ومسلم 5/ 153.
(4) صدر البيت: ألا كل شيء ما خلا الله باطل. وهو لبيد بن ربيعة العامري رضي الله عنه.(1/212)
قال: كذبت، نعيم أهل الجنة لا يزول.
وما قال ذلك إلّا لأن لفظ كل يفيد العموم في لغة العرب.
(د) لما نزل قوله تعالى: {الَّذِينَ امَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمََانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولََئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام: 82]، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورضي الله عنهم قالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فأنزل الله جل وعلا: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)}
[لقمان: 13]، فلو لم يفهموا العموم أي: في (ظلم) من صيغة النكرة في سياق النفي في الاية لما قالوا ذلك.
4 - أن الحاجة إلى العموم ماسة لأنه لا يعبر عنه بألفاظ الخصوص.
فيبعد على أهل اللغة والفصاحة أن يهملوه ولا يضعوا له ألفاظا تدل عليه، وقد وضعوا اسم البحر واسم النهر، والتل، والحزن، والجبل مقابل مسمياتها وميزوا سائر المسميات بأسمائها وسائر الأفعال بما يميزها عن غيرها.
5 - أن تسمية العموم عموما والخصوص خصوصا من وضع أهل اللغة، فهم يقولون هذا اللفظ عموم، وهذا اللفظ خصوص، كما يقولون هذا خبر وهذا فعل وهذا اسم. فلما تميزت وثبتت صيغ ما ذكر بتسميتهم لها، فكذلك العموم والخصوص.
6 - أن أهل اللغة أكدوا العموم بألفاظ غير الألفاظ التي يؤكد بها الخصوص، فقالوا في تأكيد الخصوص: رأيت زيدا نفسه، فلولا أن للعموم صيغا يتميز بها عن الخصوص لما اختلف حكمها في التوكيد.
7 - لو لم تكن الصيغ الواردة في كلام العرب دالة على العموم بمجردها لما حسن الاستثناء منها، والدليل على حسنه، وروده في كلام الله
جل وعلا في مثل قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تََابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}
[البقرة: 160]، فهو استثناء من الذين يكتمون ما أنزل الله، وقوله تعالى:(1/213)
7 - لو لم تكن الصيغ الواردة في كلام العرب دالة على العموم بمجردها لما حسن الاستثناء منها، والدليل على حسنه، وروده في كلام الله
جل وعلا في مثل قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تََابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}
[البقرة: 160]، فهو استثناء من الذين يكتمون ما أنزل الله، وقوله تعالى:
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ امَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ وَتَوََاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوََاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 31].
فالاستثناء دليل على أن الأصل في الصيغة قبله العموم لجميع أفراده مما أوجب إخراج المستثنى من هذا العموم بأداة الاستثناء. وتلك أدلة (1)
كافية وافية لم ينهض للمخالف اعتراض سليم عليها.
واستدل المخالف بما يلي:
1 - أن ألفاظ العموم لو اقتضت الاستغراق فلا يخلو: إما أن يثبت ذلك بالعقل أو بالنقل. والعقل لا مدخل له في إثبات اللغات، وأما النقل فإما أن يكون تواترا أو احادا. والاحاد لا تثبت به الأصول لأن طريق ثبوتها اليقين، ولو كان تواترا لعلمناه ضرورة كما علمتموه (2).
والجواب عليه من وجوه:
(أ) أن خبر الاحاد حجة ثبت به أصل الدين، وهو الرسالة والإخبار عن الله جل وعلا.
(ب) أن ذلك ثابت مستفيض لكنه نقل عنهم بالسماع وطريق النقل.
هل هو احاد أو تواتر؟ يحتاج إلى نظر؟
(ج) أن استدلالكم بهذا على أنها لا تفيد الاستغراق ينقلب عليكم، فيقال: إما أن يثبت ذلك بالعقل أو بالنقل، فالعقل والاحاد كما تقولون، والتواتر لو كان لعلمناه.
__________
(1) انظر: العدة 2/ 501490، والتمهيد 2/ 207.
(2) المعتمد 1/ 207، والعدة 2/ 504، والتمهيد 2/ 26.(1/214)
كيف، وقد علمنا باستقراء كلام العرب ومعرفة مقاصدهم أنها تفيد الاستغراق.
2 - أن لفظ العموم يستعمل في الاستغراق وما دونه على السواء فكما وجب أن يكون حقيقة في الاستغراق وجب أن يكون حقيقة في ما دونه.
والجواب عليه من وجوه:
(أ) إن أردتم أنها تستعمل فيهما حقيقة من دون قرينة أو لا تستعمل فيهما إلّا بقرينة لم يسلم لكم ذلك فلم يبق إلّا أنها حقيقة في الاستغراق بمجردها، ولا تحمل على البعض إلّا بقرينة تدل عليه.
(ب) الاستعمال لا يقتضي الحقيقة فقط، فقد استعملوا الحقيقة والمجاز في الأسماء المفهوم لا يستفهم عنه.
3 - أن ألفاظ العموم لو أفادت الاستغراق لما صح الاستفهام عنه.
والجواب عليه: بأن حسن الاستفهام لا ينفي الاستغراق وإلّا لانتفى بذلك بذلك الخصوص أيضا، فمن قال: ضربت زيدا، يستفهم منه، فيقال:
أضربت زيدا. وبأن الاستفهام لا يدل على عدم الفهم بالكلية وإنما قد يستفهم لنفي الالتباس أو للتحقق والتأكد من خبره. فيكون الجواب قرينة دالة على مراد المتكلم، فإن أراد البعض حمل عليه وإلّا فهو مؤكد لدلالة الصيغة.
4 - أن ألفاظ العموم لو أفادت الاستغراق بمجردها لكان دخول الاستثناء عليها نقضا ورجوعا عنه.
وأجيب عليه:
(أ) بأن الاستثناء بيان بأن المستثنى غير داخل فيما دخلت فيه بقية
أقسام الجنس، ولولا الاستثناء لكان داخلا في العموم، فإذا سميتم ذلك نقضا فإنه لا يضر فهو مستغرق لما سوى المستثنى.(1/215)
(أ) بأن الاستثناء بيان بأن المستثنى غير داخل فيما دخلت فيه بقية
أقسام الجنس، ولولا الاستثناء لكان داخلا في العموم، فإذا سميتم ذلك نقضا فإنه لا يضر فهو مستغرق لما سوى المستثنى.
(ب) بأن الكلام هنا عن المجرد عن قرينة والاستثناء قرينة تفيد عدم عمومه للمستثنى، وبهذا يتبين بطلان شبه القائلين (1) بالوقف.
واستدل من قال يحمل على أقل الجمع بما يلي:
1 - أن أقل الجمع ثلاثة متيقن فوجب الحمل عليه.
والجواب عليه: بأن الواحد متيقن والاثنين متيقن فوجب أن تحمله عليها.
2 - بأن استعمال ألفاظ العموم في الخصوص هو الغالب فوجب الحمل عليه.
والجواب عليه: بأن الاختصاص بالثلاثة ليس غالبا، وبأن البحث هنا في الصيغة المجردة، وما ذكر قد حفت بها قرائن تفيد الخصوص فليست من محل الخلاف (2).
واستدل من فرّق بين الأوامر والأخبار:
بأن الأوامر تكليف فلو لم يعرف المراد بها لأدى إلى القول بتكليف ما لا يطاق، أما الخبر والوعد والوعيد ونحوها فليس كذلك (3).
والجواب عليه: بأن الصحابة رضي الله عنهم وهم أهل اللغة لم يفرقوا بين الأمر والخبر في العموم، وبأن الخبر له فائدة كما أن للأمر فائدة.
__________
(1) راجع: المعتمد 1/ 216207، والعدة 2/ 508504، والتمهيد 2/ 26 39، والمستصفى 2/ 5037.
(2) راجع: العدة 2/ 511، والتمهيد 2/ 4340.
(3) راجع: العدة 2/ 512، والتمهيد 2/ 4443.(1/216)
فالحال فيهما واحدة من حيث دلالة العموم فيهما أو دلالة الخصوص. وقد وجدنا العرب تفهم العموم من ألفاظه المجردة في الأمر والنهي والخبر والوعد والوعيد وغير ذلك ولم يفرقوا بينها.
المطلب الثاني: صيغ العموم المتفق عليها:
بعد أن تبين الخلاف في إثبات صيغ للعموم تدل عليه بمجردها، نبحث في هذا المطلب صيغ العموم المتفق عليها عند القائلين بالعموم، فإليك ذكرها مع التمثيل:
1 - لفظ الجمع المعرف بالألف واللام
، وهو جمع المذكر السالم والمؤنث السالم وجمع التكسير، فنقول: أحب المسلمين، وأكرم المؤمنات، واصحب الأبرار.
2 - لفظ الجنس
، مثل: الناس والإبل والحيوان، فنقول: فزع الناس، وفي الإبل الزكاة، والرفق بالحيوان صدقة.
3 - الأسماء المبهمة
، مثل: «من» فيمن يعقل و «ما» فيما لا يعقل غالبا، وقد تستعمل فيهما أو في العاقل، ولكن الغالب الأول، وتفيدان العموم إذا كانتا للشرط مثل: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللََّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، و {مَنْ عَمِلَ صََالِحاً فَلِنَفْسِهِ} [فصلت: 46، والجاثية: 15]، و {وَمََا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللََّهِ} [البقرة: 110].
أو كانتا للاستفهام مثل: من عندك؟ وما معك؟
أو كانتا للجزاء مثل: من أكرمني أكرمته، وما زرعت تحصد، أو كانتا موصولة مثل: قل خيرا لمن أحسن إليك، وقوله: {إِنَّكُمْ وَمََا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98]، وأي: في جميع استعمالاتها
إلّا إذا جاءت صفة مثل: راتب الرجل أي رجل وشجاعته أي شجاعة، فليست للعموم، وما عداه فهي من صيغ العموم مثل: «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل» (1)، وقوله تعالى: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلََا عُدْوََانَ عَلَيَّ} [القصص: 28]، وفي الاستفهام: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهََا} [النمل: 38]، وأين: في المكان مثل: {أَيْنَمََا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78]، وأنى: الدالة على المكان مثل: أنى تذهب أذهب معك، وحيث الدالة على المكان مثل: أنزل حيثما تريد، وارحل حيثما تريد، ومتى: الدالة على الزمان مثل قول الشاعر:(1/217)
أو كانتا للجزاء مثل: من أكرمني أكرمته، وما زرعت تحصد، أو كانتا موصولة مثل: قل خيرا لمن أحسن إليك، وقوله: {إِنَّكُمْ وَمََا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98]، وأي: في جميع استعمالاتها
إلّا إذا جاءت صفة مثل: راتب الرجل أي رجل وشجاعته أي شجاعة، فليست للعموم، وما عداه فهي من صيغ العموم مثل: «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل» (1)، وقوله تعالى: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلََا عُدْوََانَ عَلَيَّ} [القصص: 28]، وفي الاستفهام: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهََا} [النمل: 38]، وأين: في المكان مثل: {أَيْنَمََا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78]، وأنى: الدالة على المكان مثل: أنى تذهب أذهب معك، وحيث الدالة على المكان مثل: أنزل حيثما تريد، وارحل حيثما تريد، ومتى: الدالة على الزمان مثل قول الشاعر:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد (2)
4 - لفظ كل
، مثل: أكرم كل طالب علم.
5 - لفظ جميع
، أرفق بجميع من معك، وكذا أجمع وأجمعين (3)، وذكر الفتوحي من تلك الصيغ اسم الموصول الذي والتي واللذان واللتان والذين واللاتي وذا الطائية، كما ذكر الشوكاني والقرافي ذلك ونقله.
عن القاضي عبد الوهاب، وقال ابن السمعاني: جميع الأسماء المبهمة تقتضي العموم (4).
__________
(1) أبو داود 2/ 566، والترمذي 3/ 408، وابن ماجه 1/ 605.
(2) انظر: شرح أبيات سيبويه للسيرافي 2/ 65، وشرح ابن عقيل 2/ 365، والشاعر هو الحطيئة يمدح بغيض بن عامر.
(3) راجع ما سبق في المساعد على تسهيل الفوائد 1/ 169162.
(4) انظر: شرح الكوكب 3/ 123، وإرشاد الفحول ص 121، وشرح تنقيح الفصول ص 179.(1/218)
المطلب الثالث: صيغ العموم المختلف فيها:
اختلف الأصوليون في عدد من الصيغ، هل تفيد العموم أم لا؟ فإليك بيان ذلك مرتبا على المسائل الاتية:
المسألة الأولى: النكرة في سياق النفي.
المسألة الثانية: الاسم المفرد إذا دخلت عليه الألف واللام للتعريف.
المسألة الثالثة: ألفاظ الجموع المنكرة.
المسألة الرابعة: قول الصحابي رضي الله عنه: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
المسألة الخامسة: ترك الاستفصال في حكاية الأحوال.
المسألة الأولى: النكرة في سياق النفي:
النكرة الواردة في سياق نفي لا يخلو إما أن تكون مسبوقة بمن أو غير مسبوقة بها، فإن كانت مسبوقة بمن فهي نص في إفادة العموم مثل: ما جاءني من أحد، أو تكون واقعة في اسم لا النافية للجنس فهي أيضا نص في إفادة العموم مثل: لا إله إلّا الله (1)، فإن كانت غير مسبوقة بمن ولا واقعة بعد لا النافية للجنس مثل: ما جاءني رجل ولم يدخل أحد، فهل تفيد العموم؟
هذا هو محل الخلاف فيها عند مثبتي العموم.
ذكر ابن قدامة وابن تيمية والمرداوي والفتوحي وابن اللحام والطوفي أنها تفيد العموم (2)، وعليه أكثر العلماء (3).
__________
(1) انظر: التحرير ص 80، وشرح الكوكب المنير 3/ 138136، وإرشاد الفحول ص 119، الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 104، والمسودة ص 103.
(2) روضة الناظر ص 222، و 229، والمسودة ص 103، والتحرير ص 80، وشرح الكوكب 3/ 136، والمختصر ص 108، والبلبل ص 98.
(3) تيسير التحرير 1/ 225، المحصول ج 1ف 2ص 563، اللمع ص 27.(1/219)
وقال بعض النحويين (1) والمتأخرين: إنها في تلك الحالة لا تفيد العموم بدليل أنه يحسن أن يقال ما عندي رجل بل رجلان.
والجواب: أن القرينة هنا منعت من دلالة العموم، فالإضراب إلغاء للمعنى الأول وإعراض عنه، وكلامنا فيما كان خال من ذلك.
والدليل على أنها تفيد العموم:
1 - أن الأدلة السابقة في إثبات صيغ للعموم جارية في النكرة في سياق النفي فتقول: لم أر أحدا غير زيد، فصحة الاستثناء دليل على العموم.
2 - أن الله جلّ وعلا قال: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}
[الإخلاص: 4]، وقال: {وَلََا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49)} [الكهف: 49]، ولا يصح أن يقال بأن ذلك لا يفيد العموم.
3 - إذا قال: «ما أكلت اليوم شيئا»، فأراد أحد تكذيبه يقول: بل أكلت اليوم خبزا، فلو كانت النكرة في سياق النفي لا تفيد العموم لما كان قول الثاني ردّا عليه، ولهذه الأدلة فإن الراجح أنها تفيد العموم، والعموم في تلك الحالة ظاهر يقبل احتمال الخصوص، وأما مع أو لا النافية للجنس فنص لا يقبل الاحتمال (2)، ومثل النكرة في سياق النفي، النكرة في سياق النهي، فإنها تفيد العموم مثل: {وَلََا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فََاعِلٌ ذََلِكَ غَداً (23)}
[الكهف: 23]، وقوله: {فَلََا رَفَثَ وَلََا فُسُوقَ وَلََا جِدََالَ فِي الْحَجِّ}
[البقرة: 197].
وكذا النكرة في سياق الاستفهام الإنكاري تقتضي العموم، مثل قوله
__________
(1) شرح تنقيح الفصول ص 182، وروضة الناظر ص 229، والمسودة ص 103، والتحرير ص 80.
(2) شرح الكوكب المنير 3/ 138، والإبهاج 2/ 104.(1/220)
تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} [مريم: 65]، وقوله: {هَلْ مِنْ خََالِقٍ غَيْرُ اللََّهِ}
[فاطر: 3]، وأيضا في سياق الشرط تقتضي العموم مثل إن رأيت فقيرا فاعطه، وإن دخل الدار رجل فأكرمه، وأيضا في سياق الامتنان مثل: {فِيهِمََا فََاكِهَةٌ} [الرحمن: 68]، فهي عامة في كل فاكهة (1).
وأما في سياق الإثبات غير الشرط والامتنان فلا تفيد العموم (2).
اثارها الفقهية:
1 - تجب قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة لعموم قوله صلى الله عليه وسلّم:
«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (3)، وفي رواية: «لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة» (4) الحديث. على المذهب الصحيح (5).
2 - إذا حلف ألايأكل رغيفا فأكل رغيفين أو أكثر فإنه يحنث، لأن النكرة في سياق النفي تقتضي العموم (6).
3 - لا يصح النكاح بدون ولي لعموم قوله صلى الله عليه وسلّم: «لا نكاح إلّا بولي» (7)، فالفكرة في سياق النفي تقتضي العموم، ولكن الأحناف لم يعملوا به لا تفريعا على هذا وإنما لأنه تعارض مع ما هو أقوى منهم عندهم (8).
__________
(1) انظر ما سبق في: التحرير ص 80، وشرح الكوكب 3/ 141136، والمسودة ص 101100، والمختصر ص 81.
(2) المسودة ص 103.
(3) رواه مسلم 2/ 9، وأبو داود 1/ 514، والترمذي 2/ 25.
(4) ابن ماجه 1/ 274.
(5) المغني 2/ 156.
(6) روضة الناظر ص 229.
(7) رواه أبو موسى، وأخرجه الترمذي 3/ 407، وأبو داود 2/ 568، وابن ماجه 1/ 605.
(8) المغني 9/ 345.(1/221)
المسألة الثانية: الاسم المفرد إذا دخلت عليه الألف واللام:
الاسم المفرد إذا دخلت عليه الألف واللام فلا يخلو إما أن تكون الألف واللام للعهد، أي دالة على سابق معهود في الذهن أو لا تكون للعهد.
فإن كانت للعهد فليس الاسم دالّا على العموم بلا خلاف (1) ومثالها:
{كَمََا أَرْسَلْنََا إِلى ََ فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصى ََ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنََاهُ أَخْذاً وَبِيلًا (16)}
[المزمل: 15، 16]، فالألف واللام في (الرسول) دالة على معهود.
وإذا لم تكن للعهد: ففي دلالة الاسم المعرف بها على العموم خلاف.
ومثالها: الإنسان، والسارق، والزاني، والقاتل، والكافر، والبيع، والصيد، والديا نار، والدرهم.
* فذهب الإمام أحمد وأصحابه والشافعي وبعض أصحابه ومالك وأبو حنيفة وأصحابهم إلى أنه يفيد العموم (2) في جنسه.
صرح الإمام أحمد بذلك في كتاب طاعة الرسول فقال: (قوله تعالى:
{وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا)}، فالظاهر يدل على أنه من وقع عليه اسم السارق وإن قل ذلك فقد وجب عليه القطع، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
«لا يقطع في ثمر ولا كثر»، دلّ أنها ليست على ظاهرها وأنها على بعض السراق دون بعض (3)، قال القاضي: فقد صرح بأن إطلاق اللفظ اقتضى العموم في كل سارق.
__________
(1) المسودة ص 105.
(2) العدة 2/ 159، والتمهيد 2/ 53، والمسودة ص 105، والرسالة ص 6766، والإبهاج 2/ 103، واللمع ص 26.
(3) العدة 2/ 520519، وقد تقدم ذكرها.(1/222)
وصرح الشافعي بذلك أيضا في باب ما نزل عامّا ودلّ على أنه مخصوص فقال: وقال الله تبارك وتعالى: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا جَزََاءً بِمََا كَسَبََا نَكََالًا مِنَ اللََّهِ} [المائدة: 38].
وسنّ رسول الله ألاقطع في تمر ولا كثر وألايقطع إلّا من بلغت سرقته ربع ديا نار فصاعدا، وقال الله: {الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وََاحِدٍ مِنْهُمََا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2].
وقال في الإماء: {فَإِذََا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفََاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مََا عَلَى الْمُحْصَنََاتِ مِنَ الْعَذََابِ} [النساء: 25].
فدلّ القران على أنه إنما أريد بجلد المائة الأحرار دون الإماء، فلما رجم رسول الله صلى الله عليه وسلّم الثيب من الزناة ولم يجلده، دلّت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أن المراد بجلد المائة من الزناة الحران البكران وعلى أن المراد بالقطع في السرقة من سرق من حرز، وبلغت سرقته ربع ديا نار، دون غيرهما من لزمه اسم سرقة وزنا (1)، وإلى ذلك ذهب أبو علي الجبائي والجرجاني (2).
وقال الرازي (3) وعدد من الشافعية، وأبو هاشم ابن الجبائي لا يقتضي العموم.
وإليك الأدلة والمناقشة:
استدلّ الحنابلة والجمهور بما يلي:
1 - أن الاستغراق ضرورة التعريف، لأنه لو لم يفده لأفاد واحدا
__________
(1) الرسالة ص 6766.
(2) المعتمد 1/ 277، والتمهيد ص 53.
(3) المحصول ج 1ق 2ص 599، والمعتمد 1/ 227.(1/223)
غيره معين وهو مخرج له عن التعريف، وقد أجمع أهل اللغة أن الألف واللام يفيدان التعريف في هذا الموضع.
كما أن الواحد مستفاد قبل دخول التعريف عليه، فلو لم يفد الاستغراق لما كان للتعريف معنى.
2 - أن لو لم يفد الاستغراق لما حسن الاستثناء منه، فالاستثناء دليل على عمومه في غير المستثنى، قال تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ امَنُوا وَعَمِلُوا الصََّالِحََاتِ وَتَوََاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوََاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
[العصر: 31]، والاستثناء جاء بصيغة الجمع أيضا، مما يدل على استغراق الاسم المستثنى منه لأفراد كثيرين، إذ لا يمكن أن يستثنى الجمع من واحد.
فإن قيل: هذا استثناء من غير الجنس.
نرد عليه: بأن الأصل في الاستثناء الحقيقة مثل سائر الكلام في اللغة، وحقيقة الاستثناء إخراج ما لولاه لكان داخلا في المستثنى منه، ولا يصرف عن ذلك إلّا بدليل.
أن الألف واللام إذا دخلت على الجمع مثل: مسلمين وأبرار ورجال أفاد الاستغراق فكذلك هنا (1).
واستدل الرازي ومن وافقه بما يلي:
1 - أن الرجل إذا قال لبست الثوب، وشربت الماء، لا يتبادر إلى الفهم الاستغراق.
2 - لا يجوز تأكيده بما يؤكد به الجمع، فلا يقال: جاءني الرجل كلهم أجمعون.
__________
(1) انظر: الأدلة في العدة 2/ 520، والتمهيد 2/ 5453.(1/224)
3 - لا ينعت بنعوت الجمع، فلا يقال: (جاءني الرجل القصار، وتكلم الفقيه الفضلاء) (1)، وساق أدلة غيرها.
ولكن يرد عليه بأن الفهم لا يتبادر إليه الاستغراق في قولك: شربت الماء، لأن الاستغراق غير مراد في الاستعمال ودلالة الاستعمال فيه قرينة مانعة من العموم، وأما التأكيد فيجزي فيه بما يتناسب من صياغة اللفظ، فيمكن أن تقول التراب كله طهور، والماء جميعه طهور ونحو ذلك.
وأما النعت فقد ورد في قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنََاهُ أَسْفَلَ سََافِلِينَ (5)} [التين: 54]، فجمع سافلين.
قال الشوكاني: (قال أسفل سافلين على الجمع لأن الإنسان في معنى الجمع) (2).
وورد أيضا قوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى ََ عَوْرََاتِ النِّسََاءِ} [النور: 31].
اثارها الفقهية:
1 - يقطع النباش لأنه سارق يشمله عموم قوله تعالى: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} [المائدة: 38].
قال الخرقي: (إذا أخرج النباش من القبر كفنا قيمته ثلاثة دراهم، قطع) (3).
قال ابن قدامة: (ولنا قول الله تعالى: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا}
__________
(1) المحصول ج 1ق 2ص 599.
(2) فتح القدير 5/ 465.
(3) المغني 12/ 455.(1/225)
{أَيْدِيَهُمََا} [المائدة: 38]، وهذا سارق) (1).
2 (قال أحمد: والضيافة على كل المسلمين كل من نزل عليه ضيف كان عليه أن يضيفه، قيل: إن ضاف الرجل ضيف كافر يضيفه؟ قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم» (2)، وهذا الحديث بين، ولما أضاف المشرك دل على أن المسلم والمشرك يضاف. وأنا أراه كذلك. والضيافة معناها معنى صدقة التطوع على المسلم والكافر، واليوم والليلة حق واجب. وقال الشافعي ذلك مستحب وليس بواجب لأنه غير مضطر إلى طعامه، فلم يجب عليه بذله. كما لو لم يضيفه، ولنا ما روى المقدام أبو كريمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ليلة الضيف حق واجب، فإن أصبح بفنائه فهو دين عليه إن شاء اقتضى وإن شاء ترك» (3)، حديث صحيح) (4).
3 - إن حلف لا يأكل الفاكهة فأكل البطيخ حنث.
قال المرداوي: (قوله: «وإن حلف على الفاكهة فأكل من ثمر الشجر كالجوز واللوز والرمان حنث»: إن أكل من ثمر الشجر رطبا حنث بلا نزاع.
وإن أكل منه يابسا كحب الصنوبر، والعنّاب، والزبيب والتمر والتين والمشمش اليابس والإجّاص ونحوه، حنث على الصحيح من المذهب ثم قال قوله: «وإن أكل البطيخ حنث»: هذا المذهب اختاره القاضي وغيره) (5).
__________
(1) المغني 12/ 456.
(2) رواه أبو داود 4/ 129، وابن ماجه 2/ 1212.
(3) رواه أبو داود 4/ 129، وابن ماجه 2/ 1212.
(4) المغني 13/ 353352.
(5) الإنصاف 11/ 7473.(1/226)
المسألة الثالثة: ألفاظ الجموع المنكّرة:
اختلف العلماء في ألفاظ الجموع المنكّرة مثل: مسلمين، مشركين، رجال، هل تفيد العموم أم لا؟
على قولين:
الأول:
لا تفيد الاستغراق والعموم
قال علماء الحنابلة والمالكية والأحناف وأكثر الشافعية (1)
أنها لا تفيد الاستغراق والعموم وإنما تنزل على أقل الجموع. واختلف فيه، فقال الحنابلة وأكثر العلماء: أقله ثلاثة (2)، وقيل: أقله اثنان فيحمل اللفظ على أقل الجمع إلّا مع دليل أو قرينة فيحمل على ما تدل القرينة عليه.
الثاني:
إنها تقتضي العموم
قال أبو علي الجبائي وبعض الشافعية إنها تقتضي العموم (3)، وذكره أبو الخطاب وجها في المذهب (4)، وأشار إليه الإمام أحمد عند ما سأله ابنه صالح عن لبس الحرير، فقال: لا إنما هي للإناث، يروى عن النبي صلى الله عليه وسلّم في الحرير والذهب: «هذان حرامان على ذكور أمتي» (5).
وأرى أن التعريف هنا حصل بالإضافة فاستفاد العموم وليس نكرة (6)، وعليه، فإن المذهب أن ألفاظ الجموع المنكرة لا تفيد العموم.
__________
(1) العدة 2/ 523، والتمهيد 2/ 50، والمسودة ص 106، والمحصول ج 1ف 2 ص 614، والإبهاج 2/ 114.
(2) التمهيد 2/ 58، وروضة الناظر ص 231.
(3) اللمع ص 26، والمعتمد 1/ 229.
(4) التمهيد 2/ 50، والعدة 2/ 524523.
(5) العدة 2/ 524523، والحديث رواه أبو داود 2/ 373، والنسائي 4/ 250 251.
(6) وهو ما تتبع فيه ابن تيمية القاضي أبا يعلى. انظر: المسودة ص 106.(1/227)
واستدل الحنابلة والجمهور بما يلي:
1 - أن أهل اللغة سموا هذه الألفاظ نكرة، فلو كانت دالة على عموم الجنس لكانت معرفة.
2 - أنها لو كانت مفيدة للعموم لما كان هناك فرق بينها وبين ما دخلت عليه الألف واللام، وعندها لا معنى للألف واللام. وهذا مخالف لما ثبت عند أهل اللغة أنها تفيد التعريف والعموم، وعليه فألفاظ الجموع المنكرة لا تفيد العموم.
3 - أنه يوصف فيقال: رجال ثلاثة، أو رجال خمسة ونحو ذلك، مما يدل على مغايرة مدلوله وعدم عمومه. ولو قيل: أطعم رجالا فأطعم ثلاثة لعد متمثلا.
4 - ولأنه يوصف ب «ما» فيقال: أكرم رجالا ما. ولو أفاده العموم لما حسن ذلك، فلا يقال: أكرم الرجال ما.
واستدل المخالف بما يلي:
1 - أنه يصح الاستثناء فيه فنقول: جاء رجال إلّا زيد.
(أ) وأجيب عليه بعدم التسليم، فلا يصح الاستثناء، فإذا قال: كلم رجالا إلّا زيد، فمعناه: ليس زيد منهم، وإذا قال: كلم رجلا إلّا واحدا لم يصح، لأنه استثناء مجهول.
(ب) ولو سلمنا: فلأنه جمع استثني فرد منه، وتحمل على الثلاثة لا على الاستغراق.
2 - أن حمله على الاستغراق حمل له على جميع حقائقه، وذلك أولى من حمله على بعض حقائق.
والجواب عليه: بأن حمله على الثلاثة حمل على حقائقه ولا نسلم له أنه حقيقة في الاستغراق، ولا يصح أن تكون الدعوى دليلا.(1/228)
2 - أن حمله على الاستغراق حمل له على جميع حقائقه، وذلك أولى من حمله على بعض حقائق.
والجواب عليه: بأن حمله على الثلاثة حمل على حقائقه ولا نسلم له أنه حقيقة في الاستغراق، ولا يصح أن تكون الدعوى دليلا.
اثارها الفقهية:
1 - إذا أقر الشخص بمبلغ فقال: له في ذمتي ريالات أو جنيهات، ثم فسره بثلاث أو أربع أو غير ذلك، قبل تفسيره، هذا هو المذهب (1).
2 - إذا حلفت أن يضرب عبده العاصي ضربات. فضربه ثلاثا بر بيمينه.
المسألة الرابعة: قول الصحابي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالشفعة ونحوه هل تفيد العموم:
إذا حكى الصحابي حكما عن النبي صلى الله عليه وسلّم وصفه من صيغ العموم، مثل قوله: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالشفعة في كل ما لم يقسم) (2)، وقوله: (نهى عن بيع الغرر) (3)، فهل يعم كل جار وكل غرر؟
ذهب الحنابلة إلى أنه يقضي العموم (4) ووافقهم على ذلك بعض العلماء (5)، وذهب أكثر الأصوليين إلى أنه لا يقتضي العموم (6).
__________
(1) انظر: الإنصاف 12/ 212.
(2) رواه جابر. أخرجه البخاري 2/ 787برقم 38/ 2، ومسلم 5/ 57.
(3) مسلم 3/ 1153، وأبو داود 2/ 228، والنسائي 7/ 230، وابن ماجه 2/ 739، والمسند 1/ 116.
(4) المسودة ص 102، وروضة الناظر ص 235، وشرح الكوكب 3/ 231230، والمختصر ص 113112، والتحرير ص 84.
(5) إرشاد الفحول ص 125، والإحكام للامدي 2/ 255.
(6) المحصول ج 1ق 2ص 642، والإحكام 2/ 255.(1/229)
ومن العلماء من فصل بين ما ذكره الصحابي مع أن مثل: «قضى أن الخراج بالضمان»، فيفيد العموم، وما كان خاليا منها مثل: نهى عن بيع الغرر، فلا يفيد العموم (1).
والدليل على أنه يفيد العموم:
1 - أن الصحابة رضي الله عنهم عندما يحكي لهم أحدهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بصيغ العموم، يستدلوا على العموم، ومن أمثلة ذلك رجوع ابن عمر إلى حديث أبي رافع: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن المخابرة) (2) وغير ذلك.
2 - إن الصحابي راوي الحديث من أهل اللغة والفصاحة. فيبعد أن يعبر عنه بما لا يفيده. فلما عبر بلفظ العموم علمنا أنه أدرك العموم من رسول الله فرواه بلفظ العموم، ولو أدرك الخصوص لعبر عنه بألفاظ غير ألفاظ العموم. ولا يجرؤ مسلم على أن يبدل في حجج القران والسنّة فضلا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فلو أن الراوي قد أدرك العموم يقينا لما حكاه بصيغة العموم.
واحتج المخالفون: بأن الحجة في المحكي لا في الحكاية، وقد يكون ذلك خاصّا بصورة واحدة، وقد يكون عامّا، ولهذا الاحتمال فإنها لا تفيد العموم (3).
ويرد عليه: بأن ذلك يقال أيضا في دلالتها ما أردتم، مما يقتضي التوقف وإهمال العمل به، وإعمال الدليل أولى من إهماله، وجانب العموم
__________
(1) إرشاد الفحول ص 125.
(2) رواه جابر. أخرجه البخاري 2/ 787برقم 2138، ومسلم 5/ 57.
(3) المحصول ج 1ق 2ص 643642.(1/230)
أولى لدلالة اللفظ المستعمل عليه. وأيضا، فإن حال الصحابة رضي الله عنهم ترد ذلك، فهم موضع العدل والثقة مع إدراكهم لمقاصد الشارع بالمشاهدة والمعايشة، وهم مع ذلك أهل الفصاحة والبيان، ولئن احتج أهل اللغة بقول من بعدهم ممّن ليس مثلهم فكيف لا نعتبر دلالة قول الواحد منهم على العموم فيما يحكيه عن ما شاهده من رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
اثارها الفقهية:
إذا أردنا أن نطبق هذه المسألة تطبيقا فقهيا فسنجد أن الشفعة للشريك فيما لم يقسم، ذكرها ابن قدامة في الروضة. لكنه في المغني بيّن أن الشفعة جاءت على خلاف الأصل لأنها انتزاع من المشتري بدون رضاه فلا تثبت إلّا بأربعة شروط هي:
1 - أن يكون الملك مشاعا غير مقسوم.
2 - أن يكون المبيع أرضا أو معها ما يتبعها من البناء والفراس، فلا شفعة في الزرع ولا الثمر إذا ظهر، لأنه لا يتبعها في البيع.
3 - أن يكون المبيع مما يمكن قسمته، أما ما لا يمكن قسمته كالحمام الصغير ونحوه ففيه روايتان.
4 - أن يكون منتقلا بعوض فلا شفعة في الهبة والصدقة والوصية والميراث.
ثم ذكر أن الشفعة لا تثبت في بيع الخيار، وإذا علم ولم يطلب بها في وقف علمه، فالصحيح من المذاهب ألاشفعة له (1).
ومن هذا المثال يتبين لنا أن التطبيق الفقهي يحتاج إلى النظر إلى
__________
(1) المغني 7/ 453436.(1/231)
الأصول والأدلة بشمول وتوازن، فلا تطبق قاعدة أصولية أو دليل تطبيقا إلى إلغاء قاعدة أو دليل ثبات غيرها.
ومما يتفرع عليها: إن كل بيع اشتمل على ما يعده الناس غررا فهو منهي عنه وأمثلته كثيرة (1)، ومن أمثلته الحادثة: بيع الأرض الممنوحة من الدولة قبل أن يحدد موقعها، فإن فيها غرر وجهالة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن بيع الغرر.
المسألة الخامسة: ترك الاستفصال في حكاية الأحوال:
ترك الاستفصال في حكاية الأحوال هل ينزل منزلة العموم في المقال؟
اشتهر هذا القول عن الإمام الشافعي، قال الرازي:
(قال الشافعي رضي الله عنه: ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، مثاله: أنّ ابن غيلان أسلم مع عشر نسوة فقال عليه الصلاة والسلام: «أمسك أربعا وفارق سائرهن» (2) ولم يسأله عن كيفية ورود عقده عليهن) (3).
أما عند الإمام أحمد، فقد قال ابن تيمية:
(قلت: وهذا ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله، لأنه احتج في مواضع كثيرة بمثل ذلك، وكذلك أصحابنا) (4)، ولم أجد من الحنابلة من تكلم غير
__________
(1) انظر: الإنصاف 4/ 303295.
(2) رواه الترمذي 3/ 435، وابن ماجه 1/ 628، ابن غيلان هو: غيلان بن سلمة الثقفي، يكنى أبا عمر أحد وجهاء ثقيف، توفي في اخر خلافة عمر رضي الله عنه.
الإصابة 3/ 186.
(3) المحصول ج 1ق 2ص 632، وانظر: الأم 5/ 49، وشرح تنقيح الفصول ص 186.
(4) المسودة ص 109.(1/232)
هذا النقل عن ابن تيمية، وأرى أن هذه المسألة لا يتحرر لها مثال مستقل بها بل تندرج تحت العام إذا ورد على سبب إذا كانت الحادثة سببا في نزول العموم وسوف يأتي، أو تكون تطبيقا لنص: مثل حادثة ابن غيلان إنما هي تطبيق لقول الله تعالى: {فَانْكِحُوا مََا طََابَ لَكُمْ مِنَ النِّسََاءِ مَثْنى ََ وَثُلََاثَ وَرُبََاعَ}
[النساء: 3].
فالعموم في المخاطبين مستفاد من الاية: والحصر بأربع مستفاد من الاية أيضا، فبيان النبي صلى الله عليه وسلّم لابن غيلان إنما هو لما نصت عليه الاية. ولذا، فإن أكثر الأصوليين لم يتطرق لها. وقد نقل عن الإمام الجويني مخالفته للشافعي فقال: إنها لا تفيد العموم، ووافقه عدد من العلماء (1).
وستعرف المزيد عند بيان أقوال العلماء في العام إذا ورد سبب خاص (2).
__________
(1) البرهان 1/ 346.
(2) انظر: ص 274.(1/233)
المبحث الثاني حكم العمل بالعام واعتقاده في الحال
إذا سمع المكلف الخطاب العام فهل يجب عليه اعتقاده والعمل به في الحال، أم ننظر هل ورد عليه تخصيص أم لا؟
بيان ذلك وبيان اثاره في مطلبين:
المطلب
الأول: تقرير المسألة وبيان أقوال العلماء فيها مع الأدلة والمناقشة.
والثاني: في اثارها الفقهية.
المطلب الأول: حكم العمل بالعام واعتقاده في الحال: إذا ورد الخطاب العام فلا يخلو من حيث دلالته على الزمن من حالتين:
1 - إما أن يقترن به ما يدلّ على زمن حاضر أو مستقبل فيعمل بعمومه حسب دلالته.
2 - أو يكون خاليا من ذلك.
وفي حكم العمل به في الحال اختلف العلماء على أقوال:
القول
الأول: يجب العمل به واعتقاده في الحال
، وهو رواية عن الإمام
أحمد قال بها أبو بكر عبد العزيز والقاضي وابن عقيل وبمثلها قال ابن قدامة (1).(1/234)
، وهو رواية عن الإمام
أحمد قال بها أبو بكر عبد العزيز والقاضي وابن عقيل وبمثلها قال ابن قدامة (1).
قال القاضي: (فيه روايتان إحداهما يجب العمل بموجبه في الحال، وهذا ظاهر كلام أحمد رحمه الله في رواية عبد الله لما سأله عن الاية إذا كانت عامة مثل: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} [المائدة: 38]، وذكر له قوما يقولون: لو لم يجىء فيها بيان عن النبي صلى الله عليه وسلّم توقفنا، فقال:
قوله: {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ} [النساء: 11]، كنا نقف عند ذكر الولد لا نورثه حتى ينزل الله ألايرث قاتل ولا عبد.
وظاهر هذا: الحكم به في الحال من غير توقف، وهو اختيار أبي بكر من أصحابنا ذكره في أول كتاب التنبيه، فقال: وإذا ورد الخطاب من الله تعالى أو من الرسول صلى الله عليه وسلّم بحكم عام أو خاص، حكم بوروده على عمومه، حتى ترد الدلالة على تخصيصه أو تخصيص بعضه) (2).
وهي رواية عند الأحناف والشافعية قال بها الصيرفي وعدد من متقدمي الشافعية ومال إليها الإمام الرازي، وخالف في هذا النقل بعض المتأخرين فادعى الإجماع على القول الثاني ولم يسلم له ذلك (3).
القول الثاني: أنه لا يعمل به إلّا بعد طلب التخصيص
، فإن وجد عمل بما دل عليه بعد التخصيص، وإن لم يوجد حمل على العموم، وهذه رواية عن الإمام أحمد قال بها أبو الخطاب ونصرها ابن تيمية (4)، قال
__________
(1) انظر: العدة 2/ 526525، والواضح 2/ 9594مخطوط، روضة الناظر ص 243242، والمختصر ص 130.
(2) العدة 2/ 526525.
(3) الإبهاج 2/ 141، والمحصول ج 1ف 3ص 29.
(4) التمهيد 2/ 6665، والمسودة ص 111110.(1/235)
أبو الخطاب: (إذا ورد لفظ عموم لم يجب على السامع اعتقاد عمومه والعمل به قبل أن يبحث فلا يجد ما يخصه، وقد أومأ إليه في رواية صالح وأبي الحارث) (1).
ورواية صالح عن أبيه أنه قال: (إذا كان للاية ظاهر ينظر ما عملت السنّة فهو دليل على ظاهرها ومنه قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ}
[النساء: 11]، فلو كانت على ظاهرها لزم من قال بالظاهر أن يورث كل من وقع عليه اسم ولد وإن كان قاتلا ويهوديّا) (2).
وظاهر هذه: أنه لا يجب اعتقاده ولا العمل به في الحال حتى يبحث وينظر هل هناك دليل تخصيص، قال ابن تيمية: (وهذا عام في الظواهر كلها من العموم والمطلق والأمر والنهي والحقائق، وهو نص) (3)، وبين قبل ذلك أن ألفاظ أحمد كالصريحة في الدلالة على هذه الرواية التي نصرها أبو الخطاب، لكن فيما لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلّم، وأيضا بيّن رأيه فقال:
(يجب أن يكون قولنا في جميع الظواهر كالعموم، وكلام أحمد إنما هو في مطلق الظاهر من غير فرق بين العموم وغيره، وكذلك قال أبو الخطاب) (4).
وهذا مذهب ابن سريج من الشافعية، ووافقه أكثر متأخريهم (5).
وادعى الغزالي والامدي الإجماع عليه (6)، والمسألة خلافية كما ترى.
__________
(1) التمهيد 2/ 6665.
(2) العدة 2/ 527526.
(3) المسودة ص 111.
(4) المسودة ص 110.
(5) المحصول ج 1ق 3ص 29، والإبهاج 2/ 141، واللمع ص 28.
(6) المستصفى 2/ 5150، والإحكام للامدي 2/ 235.(1/236)
القول الثالث: التفصيل: فمن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلّم على طريق تعلم الحكم فالواجب اعتقاد عمومه، وإن سمعه من غيره لزمه التثبت وطلب ما يقتضي تخصيصه، فإن فقده حمل على مقتضاه في العموم، وحكاه القاضي عن أبي عبد الله الجرجاني من كتاب له، ووافقه بعض العلماء (1).
وحقيقة هذا القول يرجع إلى القول الثاني.
الأدلة:
وإليك بيان الأدلة والمناقشة:
استدل أصحاب القول الأول
بما يلي:
1 - أن صيغة العموم موضوعة له فهي إذا تجردت حقيقة فيه، والتخصيص متوهم ومتجوز فلا يؤخر العمل بالحقيقة لتوهم ورود التخصيص، مثل أسماء الحقائق من الأعداد وغيرها متى وردت وجب العمل بمدلولها ولا يتوقف لطلب ما يدل على صرفه عنها، وكذلك هنا.
فإن قيل: عدم القرينة غير مسلّم بل لا يثبت إلّا بعد الطلب، قلت:
النفي لا يحتاج إلى دليل بل إثباتها يحتاج إلى دليل، والأصل عدم القرينة فلا نتحول عنه إلّا بدليل يفيد وجودها.
2 - أن الصيغة ترد في عموم الزمان كما ترد في عموم الأعيان، والعموم الوارد في الزمان لازم قبل البحث عن مخصص، فكذلك العموم الوارد في (2) الأعيان.
__________
(1) العدة 2/ 528، والواضح 2/ 95مخطوط، والجرجاني هو محمد بن يحيى بن مهدي أبو عبد الله الجرجاني، من أئمة الأحناف، له مصنفات، توفي سنة سبع وتسعين وثلاثمائة. انظر: الفوائد البهية ص 202، والجواهر المضيئة 2/ 143.
(2) انظر: العدة 2/ 529، والواضح ص 12، ق 95، وروضة الناظر ص 243، والمحصول ج 1ق 3ص 30.(1/237)
3 - أن الخطاب العام يعمل به ولا يتوقف فيه لطلب ناسخ له، فكذلك لا يتوقف لطلب مخصص له.
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1 - أن لفظ العموم يقتضي الاستغراق بشرط تجرده عن قرينة تخصه، ونحن لا نعلم عدم القرينة إلّا أن نطلب فلا نجد.
ويعترض عليه:
بأن الأصل عدم القرينة، والنافي لا يلزمه بالدليل، وإنما الدليل على المثبت فيعمل بالعموم على عمومه، فإن ثبت دليل التخصيص قلنا به.
وأجيب:
بأنه وان كان الأصل العدم لكن وجود القرينة محتمل فلا تكون الصيغة مجردة إلّا إذا علمنا بعدم القرينة المخصصة.
واعترض عليه:
بأن ذلك يؤدي إلى التوقف أبدا لأن احتمال وجودها لا ينتهي عند حد معين من الجهد والطلب.
وأجيب:
بأن نجتهد ونبحث في الأصول فإذا لم نجد حكمنا بعدمها، ولم نتوقف. واعترض على ذلك بأن عدم العلم بوجودها لا يدل على انتفاء الوجود، فوجب المصير إلى الأصل، وهو أن العموم ثابت وموجود والقرينة المخصصة لم تظهر للمكلف، فكيف يتوقف عن دليل ثابت لأجل البحث عما لم يثبت.
ولأجل ذلك فإن الراجح عندي هو القول الأول، أن العام يجب العمل به واعتقاده في الحال، ولأن التوقف عن العام لأجل احتمال التخصيص ليس بأولى من التوقف عن دليل التخصيص عند وجوده، لاحتمال نسخه أو احتمال عدم التسليم بأنه مخصص له، أو احتمال ورود التخصيص عليه أيضا بأن يكون عامّا بالنسبة لما تحته، فلماذا نتوقف عن العمل بالدليل الثابت في ذمتنا لأجل ما لم يظهر، ولو ظهر لما سلم من الاحتمالات.
وعمدة الجرجاني في تفصيله أن من سمعه من النبي صلى الله عليه وسلّم على وجه بيان الحكم لا يرد عليه ما يمنع من عمومه لأنه لو كان على غير عمومه لبينه له النبي صلى الله عليه وسلّم.(1/238)
ولأجل ذلك فإن الراجح عندي هو القول الأول، أن العام يجب العمل به واعتقاده في الحال، ولأن التوقف عن العام لأجل احتمال التخصيص ليس بأولى من التوقف عن دليل التخصيص عند وجوده، لاحتمال نسخه أو احتمال عدم التسليم بأنه مخصص له، أو احتمال ورود التخصيص عليه أيضا بأن يكون عامّا بالنسبة لما تحته، فلماذا نتوقف عن العمل بالدليل الثابت في ذمتنا لأجل ما لم يظهر، ولو ظهر لما سلم من الاحتمالات.
وعمدة الجرجاني في تفصيله أن من سمعه من النبي صلى الله عليه وسلّم على وجه بيان الحكم لا يرد عليه ما يمنع من عمومه لأنه لو كان على غير عمومه لبينه له النبي صلى الله عليه وسلّم.
واعترض عليه:
بجواز تأخير البيان. ذكر هذا الاعتراض القاضي أبو يعلى.
والتحقيق:
أن تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز، وتأخيره عن وقت الحاجة لا يجوز، فلا يسلم هذا الاعتراض لأن المستدل يقول: لبيّنه له عند حاجته إليه. ولكن بالنظر إلى حال الصحابي نعلم أنه لو أشكل عليه لسأل النبي صلى الله عليه وسلّم فبين له، ولا نعلم من الصحابة إلّا المبادرة إلى امتثال الأوامر العامة دون توقف أو سؤال عن ما يخصصها، وهذا مما يرجح أن العام يجب العمل به واعتقاده في الحال.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
هذه المسألة رغم ما فيها من أقوال واستدلال إلّا أنها في الجانب العملي الفقهي لا أعلم مثالا قد بني عليها، لأن العمومات في كلام الله جل وعلا أو في السنّة المطهرة قد بين لنا ما يخصصها، فلا نحتاج إلى توقف فيها لأن أدلة التخصيص ظاهرة فيكون من مسألة العام بعد التخصيص، وسوف تأتي، والدليل إذا لم يكن معلوما فليس بدليل، ثم إن العمومات إما أن تتضمن تكليفا أو تتضمن خبرا لا تكليف فيه وهذا لا يبنى عليه شيء، والتكليف إما أن يكون أمرا أو نهيا، والأمر يقتضي الفور على الأصح كما سبق وكذا النهي، فيكون العموم قد خف به ما يدل على الفور فتكون المبادرة مستفادة من الأمر أو النهي.
ولذا، فإن الأثر الفقهي لهذه المسألة لا يكاد يوجد، ولولا أن عدم العلم بوجوده لا يدل على عدمه، لقلت: إن المسألة لا ينبني عليها أثر فقهي.(1/239)
المبحث الثالث دلالة العام بين القطعية والظنية
دلالة العام على كل فرد من أفراده هل هي دلالة قطعية أم ظنيّة؟ وما هي اثار ذلك الفقهية؟ بيان ذلك في مطلبين:
المطلب
الأول: في تقرير المسألة وبيان أقوال العلماء فيها مع الأدلة والمناقشة.
والثاني: في اثارها الفقهية.
المطلب الأول: دلالة العام بين القطعية والظنية: دلالة العام على أصل المعنى دلالة قطعية بلا خلاف (1).
ودلالته على كل فرد من أفراده بلا قرينة محل خلاف بين العلماء، هل هي قطعية أم ظنية؟ فإن وجد دليل على التخصيص فبحسبه سوف يأتي بيان مسائل التخصيص، وإن وجد دليل على انتفاء التخصيص فهو قطعي الدلالة على كل فرد، مثل: {وَاللََّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)} [النور: 64].
__________
(1) شرح الكوكب المنير 3/ 114، وجمع الجوامع 1/ 407، والتقرير والتحبير 1/ 248.(1/240)
أما العام المجرد عن قرينه ففي دلالته قولان:
الأول: أنها دلالة ظنيّة، قال بذلك أكثر الحنابلة وجمهور العلماء (1).
الثاني: أنها قطعية، وقال به أكثر الأحناف (2)، وذكره ابن اللحام عن ابن عقيل والفخر إسماعيل، ولم أجد غيره ذكره (3).
وكلام الإمام أحمد في رواية صالح قد بين أن العام دلالته من الظاهر، فيفهم منه أنها ظنيّة في الدلالة على كل فرد من أفراده.
والدليل على أنها ظنية أن احتمال التخصيص وارد (4)، حيث إن غالب عمومات القران مخصصة حتى قبل كل عام في الشرع قد دخله التخصيص، حتى هذه القاعدة خصصت بقوله تعالى: {* وَمََا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ}
[هود: 6]، وقوله تعالى: {وَاللََّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)} (5).
وقال الفتوحي: (واستدل لذلك بأن التخصيص بالمتراخي لا يكون نسخا، ولو كان العام نصّا على أفراده لكان نسخا) (6).
وقال ابن اللحام في ذكر الأقوال فيها: والثاني: أنها بطريق الظهور وهو المشهور عند أصحابنا، وقد ذكره القاضي وأصحابه، واستدلوا لذلك
__________
(1) شرح الكوكب 2/ 114، والمختصر ص 106، وجمع الجوامع 1/ 407، ومختصر التحرير ص 42.
(2) التقرير والتحبير 1/ 238.
(3) المختصر ص 106، والقواعد والفوائد ص 233.
(4) جمع الجوامع 1/ 407، والتقرير والتحبير 1/ 238.
(5) البقرة: 282، والنساء: 176، والنور: 35، 64، والحجرات: 16، والتغابن: 11.
(6) شرح الكوكب 3/ 115.(1/241)
بأن التخصيص بالتراخي لا يكون نسخا، ولو كان العام نصّا على أفراده لكان نسخا) (1).
ومعلوم أنه ليس كذلك لما بينهما من الفروق السابقة (2).
واستدلّ القائلون بأنه قطعي الدلالة على كل فرد من أفراده بأن العام وضع لمسمى ملزم القطع بدلالته عليه ضد الإطلاق (3)، واعترض عليه بأن المسمى إن أردتم به كامل الجنس وذلك محل وفاق كما تقدّم، إن أردتم القطع في كل فرد فممنوع لأن إرادة البعض جائزة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
يترتب على الخلاف في هذه المسألة خلاف في تخصيص العام بخبر الاحاد وتخصيص العام بالقياس، وتخصيص العام بدلالة السياق، وكل مسألة منها ينبني عليها فروع فقهية سيأتي تفصيلها في مواضعها (4).
__________
(1) القواعد والفوائد الأصولية ص 233.
(2) انظر: ص 204.
(3) التقرير والتحبير 1/ 239.
(4) انظر: ص 280وما بعدها.(1/242)
المبحث الرابع العموم من عوارض الألفاظ والمعاني
العموم من عوارض الألفاظ
حقيقة، فيوصف اللفظ بأنه لفظ عام، وذلك باتفاق العلماء (1) لأنه لا وجه نعلم به كون الاسم حقيقة من المراد وغيره إلّا هو متحقق فيه.
الأقوال على كون العموم من عوارض المعاني:
أما المعاني، فهل توصف بالعموم على جهة الحقيقة أو المجاز أو لا؟
اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
القول
الأول: أن العموم من عوارض المعاني حقيقة
، قال بذلك القاضي أبو يعلى، وابن تيمية، وابن الحاجب والرازي وغيرهم (2).
قال القاضي: (العموم مأخوذ من قولهم عمّمت الشيء أعمه عموما، وعمهم العدل والرخص والغلاء) (3)، وقد قال في أول المسألة يصح ادعاء العموم في المضمرات والمعاني (4)، وقال أيضا: (فإن قيل يجب أن يقولوا أن التخصيص يدخل على المضمرات والمعاني، قيل: هكذا نقول) (5).
__________
(1) المعتمد 1/ 189، والإحكام للامدي 2/ 198، والتحرير ص 79.
(2) شرح الكوكب 3/ 106.
(3) العدة 2/ 511.
(4) العدة 2/ 513.
(5) العدة 2/ 517، وانظر: المسودة ص 97.(1/243)
وقال ابن تيمية: (مسألة يصح ادعاء العموم في المضمرات والمعاني (1)) (2)، ثم قال: (وأما المعاني نحو قوله: أينقص الرطب إذا يبس؟ اللفظ في الرطب والتعليل يعم، فيستعمل عمومه في الرطب وغيره، وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية الميموني، ومنه من بيع الرطب بيابس من جنسه، واحتج في ذلك بالحديث، فجعل تعليله عامّا في المعاني) (3).
وقال في عرض الأقوال فيها: (الثالث أنه من عوارضهما مطلقا وهو قول القاضي وأبي محمد، وهو أصح) (4)، وقدمه الفتوحي في مختصر التحرير (5).
القول
الثاني: أن العموم من عوارض المعاني مجازا
لا حقيقة، قال به الغزالي وابن قدامة وأبي الحسين البصري ونسبه الفتوحي للأكثر وكذا الامدي (6)، قال ابن قدامة: (اعلم أن العموم من عوارض الألفاظ حقيقة، وقد يطلق في غيرها كقولهم عمهم القحط، والمطر، والعطا، لكنه مجاز) (7).
القول
الثالث: أنه لا يكون في المعاني لا حقيقة ولا مجازا
، نسبه ابن تيمية لأبي الخطاب (8).
__________
(1) المسودة ص 90.
(2) المسودة ص 90.
(3) المسودة ص 92.
(4) المسودة ص 97، وأبو محمد لعله التميمي.
(5) مختصر التحرير ص 42.
(6) المستصفى 2/ 3433، وروضة الناظر ص 220، والمعتمد 1/ 189، والتحرير ص 79، وشرح الكوكب 3/ 107، والإحكام 2/ 98.
(7) روضة الناظر ص 220.
(8) المسودة ص 97، وحكاه عنه المرداوي في التحرير ص 79.(1/244)
الأدلة:
ومستند القول الأول:
1 - أن حقيقة العموم هي الشمول وذلك متحقق في المعاني، فهو مأخوذ من عممت الشيء أعمه عموما، وعمهم العدل والرخص، والغلاء.
2 - أن أهل اللغة أطلقوا العموم على المعاني فقالوا: عمهم المطر والخصب وعم العطاء ونحو ذلك، والأصل في الإطلاق الحقيقة.
ومستند القائلين بأنه مجاز في المعاني:
1 - أن حقيقة العموم هي شمول أمر واحد لمتعدد وشمول المطر ونحوه، شمول المتعدد لتعدد فكل جزء نزل عليه ما لم ينزل على الجزء الاخر وهكذا الخصب، وكذا العطاء، فما أخذه زيد غير ما أخذه عمرو، وهكذا فإطلاق العموم فيه مجاز لا حقيقة.
2 - وبأنه لو كان حقيقة فيه لكان مطردا في جميع المعاني وليس كذلك، فدلّ على أنه مجاز، واعترض عليه بأنّ من الألفاظ ما لا يوصف بالعموم فإن لم يكن حقيقة في المعاني لأجل ذلك فليس بحقيقة في الألفاظ وما تذكرونه في دفع ذلك يذكر في المعاني حيث لا فرق.
* ولأجل عدم قيام دليل سليم أنه مجاز فيها فإنّ الراجح عندي القول الأول فيكون العموم من عوارض الألفاظ والمعاني، حقيقة مشتركة فيهما.
المبحث الخامس يصح ادعاء العموم في المضمرات(1/245)
المبحث الخامس يصح ادعاء العموم في المضمرات
وفيه مطلبان:
المطلب
الأول: في تقرير المسألة وبيان الأقوال فيها.
والثاني: اثارها الفقهية.
المطلب الأول: يصح ادعاء العموم في المضمرات: المضمر ما يقتضيه صدق الكلام أو صحته ويسمى المقتضى، ومثاله: قوله صلى الله عليه وسلّم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (1)، وقوله: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (2)، وقوله: «لا نكاح إلّا بولي» (3). ففيها مضمر يقتضيه صدق الكلام، حيث إن الخطأ والنسيان والإكراه أمور قد حصلت فلا يمكن رفعهما فلا بد من تقدير. وكذا الصلاة والنكاح.
__________
(1) رواه ابن عباس. أخرجه ابن ماجه 1/ 659، والحاكم 2/ 198، وفي بعض طرقه ضعف. انظر: التلخيص الحبير 1/ 281.
(2) رواه مسلم 2/ 9، وأبو داود 1/ 514، والترمذي 2/ 25.
(3) رواه أبو موسى رضي الله عنه، وأخرجه الترمذي 3/ 407، وأبو داود 2/ 568، وابن ماجه 1/ 605.(1/246)
وفي وصف هذا المقدر بالعموم اختلف العلماء على قولين:
القول
الأول:
صحة اتصاف المضمرات بالعموم
ذهب الحنابلة والمالكية إلى أن المضمرات يصح أن توصف بالعموم مثل الألفاظ الظاهرة (1)، فيكون المقدر في قوله صلى الله عليه وسلّم:
«رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»، عام في الحكم والإثم.
قال القاضي: (يصح ادعاء العموم في المضمرات والمعاني).
فأما المضمرات نحو قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}
[المائدة: 3]، {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة: 96]، معلوم أنه لم يرد نفس العين لأنها فعل الله تعالى، وإنما المراد به أفعالنا فيها فيعم تحريمها بالأكل والبيع، وكذا قول النبي صلى الله عليه وسلّم: «لا أحل المسجد لجنب» (2)، ليس المراد عين المسجد وإنما المراد أفعالنا فهو عام في الدخول واللبث. وكذا قوله عليه السلام: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» (3)، والنسيان لا يمكن رفعه لأنه قد تقضى، والمراد به حكمه فهو عام في المأثم والحكم به، وكذا قوله: «لا نكاح إلّا بولي» (4)، عام في الصحة والكمال) (5).
وهذا التصريح من أبي يعلى يتعارض مع كلامه عن الاية بأنها مجملة، ويتفق مع كلامه مثل قبل بأنها مبنية (6) فيترجح بذلك أن مذهبه أنها
__________
(1) انظر: العدة 2/ 513، والمسودة ص 90، وشرح الكوكب المنير 3/ 197.
(2) روته عائشة رضي الله عنها، ونصه لا أحل المسجد لحائض ولا جنب، أخرجه أبو داود 1/ 159، وابن ماجه عن أم سلمة 1/ 212.
(3) سبق تخريجه في الصفحة السابقة.
(4) سبق تخريجه في الصفحة السابقة.
(5) العدة 2/ 515513.
(6) العدة 1/ 145.(1/247)
مبنية عامة، ويعضد ذلك أيضا أن مذهبه في المضمرات غيرها ما أوضحه من صحة العموم فيها (1).
ونسب ابن تيمية صحة ادعاء العموم فيه للشيرازي، فقال:
(يصح ادعاء العموم في المضمرات والمعاني كقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3]، ومعلوم أنه لم يرد نفس العين بل الفعل فيحمل على كل فعل من بيع وأكل وغيرهما، وكذلك رفع عن أمتي الخطأ والنسيان. ونحو هذا قول كثير من الشافعية منهم صاحب اللمع في كتابه وهو ظاهر كلام إمامنا وقول أصحابنا القاضي وغيره وإليه ذهب بعض الشافعية) (2).
وفي هذا النقل عن الشافعية اضطراب ظاهر، فتارة قال: هو قول كثير من الشافعية، ثم قال: وإليه ذهب بعض الشافعية، وأيضا فإن الشيرازي صرح في اللمع في هذا الموضع بخلافه. فبعد أن قال: (وكذلك القضايا في الأعيان لا يجوز دعوى العموم فيها (3)، وأقام أدلته على ذلك، عطف عليه المضمرات فقال: (وكذلك المجمل من القول المفتقر إلى إضماره لا يدعى في إضماره العموم) (4).
ومثّل لذلك وبيّن أنه لا يحمل على جميع معانيه، ثم قال:
(ومن الفقهاء من يحمل في مثل هذا على العموم في كل ما يحتمله لأنه أعم فائدة، ومنهم: من يحمله على الحكم المختلف فيه لأن ما سواه معلوم بالإجماع، وهذا كله خطأ لما بيناه من أن الحمل
__________
(1) العدة 1/ 106، و 110.
(2) المسودة ص 9190.
(3) اللمع ص 29.
(4) اللمع ص 30.(1/248)
على الجميع لا يجوز وليس هناك لفظ يقتضي العموم) (1).
ولا أدري ما سبب خطأ ابن تيمية في نقله عن الشيرازي واضطرابه في النقل عن الشافعية، وهل ذلك منه أم من النساخ؟
القول الثاني:
عدم صحة اتصاف المضمرات بالعموم
قال أكثر الشافعية والأحناف: لا يصح ادعاء العموم في المضمرات (2)، ويعبرون عنه بقولهم المقتضى لا عموم له (3). بل يحمل على الجزاء الذي يتحقق به صدق الكلام وصحته، وهذا غير معين لنا فهو مجمل يجب التوقف فيه حتى يتبين لنا بدليل من أدلة البيان.
قال الغزالي: (المقتضى لا عموم له) (4). وقال الامدي: (المقتضى وهو ما أضمر ضرورة صدق المتكلم لا عموم له) (5).
* واستدل الحنابلة ومن وافقهم على صحة العموم في المضمرات.
أن النصوص المذكورة تدل على ذلك حيث أن الأمور الواردة فيها الخطأ والنسيان والنكاح وغيرها مما سبق، لا يمكن رفعها ولا نفيها بعد وقوعها، مما يدل على أن المراد عموم ما يتعلق بها من الحكم والإثم والصحة والكمال (6).
__________
(1) اللمع ص 30.
(2) انظر: المستصفى 2/ 61، والإحكام للامدي 2/ 249، واللمع ص 30، وتيسير التحرير 1/ 242.
(3) ضبطت كلمة المقتضى بفتح الضاد اسم مفعول، وضبطت بكسرها اسم فاعل، والأول هو المراد هنا على الصحيح. انظر: شرح الكوكب 3/ 199، وحاشية البناني على شرح المحلى على جمع الجوامع 1/ 402، و 424.
(4) المستصفى 2/ 61.
(5) الإحكام للامدي 2/ 249.
(6) انظر: العدة 2/ 517، وشرح الكوكب 3/ 199198.(1/249)
واحتج المخالف بأن الإضمار على خلاف الأصل، والمقصود يحصل بإضمار البعض فيجب الاقتصار عليه ولا يصح إطلاق العموم (1)، ويفترض عليه بأن المقصود هو البيان وذلك لا يحصل بتقدير بعض غير معين. فوجب تقدير ما يحصل به الدلالة والبيان.
المطلب الثاني آثارها الفقهية:
لها عدة اثار، منها:
لا يجوز استعمال انية صنعت من عظام الميتة. قال ابن قدامة: (جملة ذلك أن عظام الميتة نجسة سواء كانت ميتة ما يؤكل لحمه أو ما لا يؤكل لحمه كالفيلة) (2)، وفي الاستدلال قال: (لنا قول الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3]، والعظم من جملتها فيكون محرما، والفيل لا يؤكل لحمه فهو نجس على كل حال) (3).
قال ابن تيمية: (ظاهر كلام أصحابنا، لا بل صريحه أنه يحرم منها كل شيء كالأكل والبيع وما أشبههما) (4)، وذكر صريح كلامهم في عموم الاية لكل أوجه الانتفاع.
__________
(1) انظر: جمع الجوامع 2/ 424، والإحكام للامدي 2/ 249، وتيسير التحرير 1/ 241.
(2) المغني 1/ 97.
(3) المغني ص 98.
(4) المسودة ص 95.(1/250)
المبحث السادس عموم العلة
وفيه مطلبان:
المطلب
الأول: في تقرير المسألة وبيان الأقوال فيها.
والثاني: في اثارها الفقهية.
المطلب الأول: عموم العلّة: العلة إما منصوصة أو مستنبطة. والمنصوصة إما قاصرة أو متعدية، وكذا المستنبطة إما قاصرة أو متعدية.
وهنا نتناول المنصوصة لأننا نبحث في دلالة الألفاظ حيث إن موضع العلة باب القياس. فإذا نص الشارع على علة، هل تفيد عموم الحكم في كل ما وجدت فيه العلة؟ وهل دلالتها عليه لفظية أم قياسية؟ فإليك بيان أقوال العلماء في ذلك:
اتفق جمهور العلماء على أنه إذا نص الشارع على حكم وعلته فإن ذلك يدل على عموم ذلك الحكم في كل ما وجدت فيه العلة (1).
__________
(1) انظر: العدة 4/ 1372، وتيسير التحرير 1/ 259، ومختصر المنتهى بحواشيه 2/ 119، وشرح الكوكب 3/ 156155.(1/251)
قال القاضي أبو يعلى: (إذا ورد النص بحكم شرعي معللا، وجب الحكم في غير المنصوص عليه إذا وجدت فيه العلة المذكورة) (1).
وقال أبو الحسين البصري: (أن يكون اللفظ مفيدا للحكم ومفيدا لعلته، فيقتضي شياع الحكم في كل ما شاعت فيه العلة) (2).
ومعلوم أن القاصرة لا توجد ولا تشيع.
وذهب أبو بكر الباقلاني إلى أنه لا يدل على عموم الحكم، حكى ذلك عنه عدد من الأصوليين (3)، وهذا يتفق مع مذهبه في صيغ العموم، قاله القرافي، (وخالف القاضي أبو بكر في جميع هذه الصيغ، وقال بالوقف مع الواقفية) (4)، وقد سبق الرد على القائلين بالتوقف وهذا تابع له.
فالراجح مذهب الجمهور بأنها تدل على عموم الحكم لكل ما وجدت فيه العلة المذكورة.
* وهل إفادتها في غير محل النص مستفادة من دلالة اللفظ أم من القياس؟ اختلفوا في ذلك على أقوال:
1 - ذهب أكثر الحنابلة وعدد من العلماء منهم الكرخي والنظام (5)
وغيرهم إلى أن دلالتها من النص فلا يتوقف الحكم بها على التقيد
__________
(1) العدة 4/ 1372.
(2) المعتمد 1/ 193.
(3) مختصر المنتهى بحواشيه 2/ 119، وتيسير التحرير 1/ 259، وإرشاد الفحول ص 135.
(4) شرح تنقيح الفصول ص 192.
(5) هو إبراهيم بن سيار بن هانىء البصري المعروف بالنظام من علماء أهل اللغة وأهل الكلام، له مذهب اعتزالي خاص به، له مصنفات علميّة غير محمودة، توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين. الفتح المبين 1/ 141.(1/252)
بالقياس (1)، قال ابن تيمية: (إذا علل الشارع في صورة بعلة توجد في غيرها فالحكم ثابت في الكل بجهة النص لا بالقياس، وهذا قول الشافعي (2) حتى أن ذلك ينسخ وينسخ به) (3)، ولكن نسبته للشافعي انفرد بها فلم أر غيره حكى ذلك مذهبا للشافعي.
وقد صرح القاضي بأن ما وجدت فيه العلة مراد بالنص (4) وبين بعد كلامه السابق أن الحكم فيه لا يتوقف على وروده قبل ثبوت حكم القياس أو بعده، ثم قال: (وإلى هذا أومأ أحمد رحمه الله في رواية الميموني فقال:
«إذا كانت الثمرة واحدة فلا يجوز رطب بيابس»، واحتج بالرطب بالتمر لحديث النبي (5) صلى الله عليه وسلّم فجعل أحمد رحمه الله العلة عامة في جميع ما توجد فيه تلك العلة) (6).
ووافق أبو الخطاب شيخه، غير أنه حكاه عن أكثر الشافعية فقال: (به قال النظام والقاشاني والكرخي والرازي (7) وأكثر الشافعية، فيجب حيث وجدت العلة المنصوص عليها أن يتعلق الحكم بها، وسواء كان ذلك قبل ورود التعبد بالقياس أو بعده) (8).
__________
(1) العدة 4/ 1372، والإحكام 4/ 55.
(2) لم أجد توثيقا لذلك في الرسالة، ولم أجد غيره حكاه، بل ذكر صاحب تيسير التحرير أن مذهب الشافعي أن دلالته من جهة القياس 1/ 259.
(3) المسودة ص 390.
(4) العدة 4/ 1369.
(5) الذي رواه سعد بن أبي وقاص: «أينقص الرطب إذا يبس»، رواه الخمسة. نيل الأوطار 5/ 224.
(6) العدة 4/ 1372.
(7) المراد به الحنفي.
(8) التمهيد 3/ 428، وانظر: ص 405404.(1/253)
2 - ذهب أكثر المالكية والشافعية والأحناف إلى أنها تعم من جهة القياس (1) وإلى ذلك ذهب ابن قدامة فقد قال: (لو لم يرد التعبد بالقياس لاقتصرنا عليه) (2).
3 - ذهب أبو عبد الله البصري إلى أنه إن كانت العلة للتحريم وترك الفعل كان التنصيص عليها كافيا في تحريم الفعل بها أين وجدت. وإن كانت علة لوجوب الفعل أو ندبه لم يكن ذلك كافيا في إيجاب الفعل وندبه بل لا بدّ من ورود التقيد بالقياس (3).
* وقد علّق ابن تيمية عليه فقال: (الفرق بين التحريم والإيجاب في العلة المنصوصة قياس مذهبنا في الإيمان وغيرها، لأن المفاسد يجب تركها كلها، بخلاف المصالح فإنما يجب تحصيل ما يحتاج إليه، فإذا أوجب تحصيل مصلحة لم يجب تحصيل كل ما كان مثلها للاستغناء عنه بالأول، ولهذا نقول بالعموم في باب الأيمان إذا كان المحلوف عليه تركا، بخلاف ما إذا كان المحلوف عليه فعلا) (4).
وإليك مستند كل قول من الأقوال:
استدلّ أصحاب القول بما يلي:
1 - قال القاضي: (دليلنا أن النص معلل فوجب الحكم في غير المنصوص عليه إذا وجدت علته) (5).
__________
(1) انظر: مختصر المنتهى 2/ 119، والإحكام 4/ 55، وتيسير التحرير 1/ 259.
(2) روضة الناظر ص 293.
(3) المعتمد 2/ 235، والإحكام للامدي ص 554.
(4) المسودة ص 391.
(5) العدة 4/ 175.(1/254)
2 - أن العلة نصّ عليها للدلالة على الحكم في مواضعه المتعددة كالنهي عن الأدنى تنبيها على المنع من الأعلى.
واستدل القائلون: أن دلالتها من جهة القياس:
بأن اللفظ لا تناول فيه للثاني ويجوز أن يكون المسمى جزا من علة لحكم فلا يتعدى الحكم إلى غيره إلّا بالقياس (1). وبأنه لو كان النص على العلة كافيا لكان قول القائل أعتق سالما لسواده مفيدا لعتق كل عبد أسود من عبيده (2).
لكن يعترض على ذلك بأن التخصيص فيه بيّن ظاهر فلا يعم، والكلام فيما ليس كذلك.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
قال في الإنصاف: («قوله وسؤر الهر وما دونها في الخلقة طاهر»، وهو بقية طعام الحيوان وشرابه، وهو مهموز، يعني أنها وما دونها طاهر، وهذا المذهب مطلقا بلا ريب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم) (3).
قال ابن قدامة: (لنا ما روي عن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت أبي قتادة، أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوا، قالت: فجاءت هرة فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فراني أنظر إليه فقال: أتعجبين يا ابنة أخي (4)؟ فقلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم
__________
(1) انظر: تيسير التحرير 1/ 259.
(2) انظر: روضة الناظر ص 293، والإحكام في أصول الأحكام 4/ 56.
(3) الإنصاف 1/ 343.
(4) أخيه في الله، لا في النسب أو الرضاع، لأنها زوجته.(1/255)
قال: إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات) (1).
أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح وهو أحسن شيء في الباب. وهذا قد دل بلفظه على نفي الكراهة عن سؤر الهر وبتعليله على نفي الكراهة عما دونها مما يطوف علينا) (2).
أما كون العموم من اللفظ أو القياس، فهذا لا يترتب عليه في الاستدلال إلّا من حيث جواز تخصيص العلة أو جواز النسخ بها إذا اعتبرناه من النص، وقد قال إمام الحرمين: (وهذه مسألة لفظية ليس وراءها فائدة معنوية) (3).
__________
(1) رواه أبو داود 1/ 60، والترمذي 1/ 4153، والنسائي 1/ 55، وابن ماجه 1/ 131.
(2) المغني 1/ 71.
(3) البرهان 2/ 786.(1/256)
المبحث السابع العام هل يشمل المعدومين
وفيه مطلبان:
المطلب
الأول: في تقرير المسألة وبيان الأقوال.
الثاني: في اثارها الفقهية.
المطلب الأول: العام هل يشمل المعدومين: ألفاظ العموم في كتاب الله جل وعلا وفي سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم هل تشمل المعدومين الذين لم يوجدوا وقت الخطاب، أم أن الحكم فيها يشملهم بدليل اخر لا بألفاظ العموم ذاتها؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
1 - أن العام يشمل المعدومين بشرط أن يوجدوا على صفة المكلفين
. وهو مذهب الحنابلة والمالكية وبعض العلماء من الشافعية والحنفية وأكثر الأشاعرة (1)، فالحكم ثابت في حقهم إذا وجدوا من اللفظ
__________
(1) انظر: العدة 2/ 387386، والتمهيد 1/ 352351، وروضة الناظر ص 213، والمسودة ص 44، وشرح مختصر المنتهى 2/ 15، والبرهان 1/ 270، والإحكام للامدي 2/ 274، وتيسير التحرير 1/ 256.(1/257)
الذي خوطب به المشافهين وقت التنزيل. قال القاضي: (الأمر يتعلق بالمعدوم، وأوامر الشرع قد تناولت جميع المعدومين إلى قيام الساعة، ويفيد هذا الخلاف أنه لا يحتاج إلى أمر ثان، وهو ظاهر كلام أحمد رحمه الله في رواية حنبل: «لم يزل الله يأمر بما شاء ويحكم»، فقد نص على أنه أمر فيما لم يزل ولا مأمور) (1).
وقال أبو الخطاب: (الأمر يتناول المعدومين الذين علم سبحانه أنهم سيوجدون على صفة المكلفين) (2). وقال ابن قدامة: (الأمر يتعلق بالمعدوم، وأوامر الشرع قد تناولت المعدومين إلى قيام الساعة بشرط وجودهم على صفة من يصح تكليفه) (3).
وقد ذكروها في باب الأمر لأنه عمدة الاستدلال، لكن لا فرق عندهم في ذلك بين الأمر والنهي. وذكرته في باب العموم لأن شمولاه للمعدومين من هذا الباب.
2 - أن اللفظ لا يشمل المعدومين وإنما ثبت الحكم بدليل اخر
حيث أن ذلك معلوم بالضرورة. والإجماع على أن أوامر الشرع ونواهيه للعالمين إلى أن تقوم الساعة. وبه قال أكثر الأحناف والمالكية والشافعية وهو مذهب المعتزلة (4).
واستدل الحنابلة ومن وافقهم
على القول الأول
بما يلي:
1 - سيرة الصحابة والتابعين
(أن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين كانوا يرجعون في
__________
(1) العدة 2/ 386.
(2) التمهيد 1/ 351.
(3) روضة الناظر ص 213.
(4) جمع الجوامع 1/ 428427، والإحكام للامدي 2/ 274، وتيسير التحرير 1/ 256255، ومختصر المنتهى 2/ 127، وشرح تنقيح الفصول ص 188.(1/258)
إيجاب الحكم إلى الظواهر المتضمنة للأمر من الله ومن نبيه عليه السلام على من يوجد في عصرهم لا يمتنع من ذلك أحد منهم، فدل على أن الأمر تناول من كان معدوما حال الخطاب) (1).
2 - إجماع الأمة
على أن الله سبحانه أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلّم بهذه العبادات ودخل من كان موجودا في تلك الحال، فإن من وجد بعدهم ما أمروا بأمر اخر، بل هم مأمورون بالأمر الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه (2).
أما مستند القول الثاني:
1 - أن اللفظ لا تناول فيه لغة لغير الموجودين (3).
ويعترض عليه بأنه لا مانع في اللغة يمنع من دخول المعدومين إذا وجدوا، وأيضا: يصح في كلام العرب أن يوصي الرجل بنيه وأبناءهم الذين لم يوجدوا بما يريد من الأوامر والتصرفات. فدل ذلك على أن اللفظ العام يشمل المعدومين إذا وجدوا. ولا يخص إلّا بدليل يدل على التخصيص، والراجح عندي مذهب الحنابلة: لأن البحث في العموم الشرعي ومراد الشارع فاصل في ذلك، وقد تبين لنا أن مراده فيها أنها عامة للعالمين إلى أن تقوم الساعة، ولا مانع في اللغة يمنع من ذلك، فهو حقيقة في شمولاه للمعدومين إذا وجدوا.
وهذه المسألة من المسائل التي تأثر فيها أصول الفقه بمنهج المعتزلة (4)، لذا يعجب طالب العلم من مثل هذا الخلاف، إذ كيف تعتبر
__________
(1) العدة 2/ 387، وروضة الناظر ص 213.
(2) المسودة ص 45، وذكره دليلا من أدلة الأشاعرة في محاجتهم للمعتزلة.
(3) تيسير التحرير 1/ 256.
(4) قال في البرهان: [هذه المسألة إنما رسمت لسؤال المعتزلة إذا قالوا: لو كان الكلام أزليّا لكان أمرا، ولو كان أمر لتعلق بالمخاطب في عدمه] 1/ 274.(1/259)
ألفاظ القران الكريم والسنّة المطهرة للمخاطبين من الصحابة فقط، فيكون من بعدهم بحاجة إلى دليل اخر يدل على أنها حجة عليه، ثم ما هو مستند هذا الدليل؟ وهذا المستند ألا يحتاج إلى دليل يدل على أنه حجة في حقنا.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
تبين لك من تحرير المسألة أن الأحكام الشرعية عامة لكل زمان ومكان باتفاق، وإنما الخلاف في مأخذ الدلالة هل هو اللفظ أو دليل اخر؟
ولذا قال ابن دقيق العيد: (الخلاف في أن خطاب المشافهة هل يشمل غير المخاطبين قليل الفائدة ولا ينبغي أن يكون فيه خلاف عند التحقيق) (1)، فالحكم الذي يثبته الحنابلة ومن وافقهم من عموم اللفظ يثبته الاخرون من طريق دليل اخر.
__________
(1) ذكر ذلك عنه الشوكاني في إرشاد الفحول ص 129.(1/260)
المبحث الثامن العام هل يشمل الكفار في الفروع
وفيه مطلبان:
المطلب
الأول: في تقرير المسألة وبيان الأقوال.
والثاني: في اثارها الفقهية.
المطلب الأول: العام هل يشمل الكفار في الفروع: خطاب الشارع بصيغة يا أيها الناس ونحوها، هل تشمل الكفار في الفروع؟ اختلف العلماء في ذلك. وأما أصول الدين فلا خلاف في شمول الخطاب لهم، ولا خلاف فيما دلت قرينة السياق على توجه الخطاب إليهم، مثل قوله تعالى: {الَّذِينَ قََالَ لَهُمُ النََّاسُ إِنَّ النََّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}
[ال عمران: 173].
فكلمة الناس الأولى أريد بها الخاص، وكلمة الناس الثانية أريد بها كفار قريش وحلفاؤهم. وقوله تعالى: {قُلْ يََا أَيُّهَا النََّاسُ إِنَّمََا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)} [الحج: 49].
ومثال أصول الدين: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السََّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)} [الحج: 1]، {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لََا يَجْزِي
وََالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلََا مَوْلُودٌ هُوَ جََازٍ عَنْ وََالِدِهِ شَيْئاً} [لقمان: 33] الاية (1).(1/261)
ومثال أصول الدين: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السََّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)} [الحج: 1]، {يََا أَيُّهَا النََّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لََا يَجْزِي
وََالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلََا مَوْلُودٌ هُوَ جََازٍ عَنْ وََالِدِهِ شَيْئاً} [لقمان: 33] الاية (1).
فالخلاف فيما ورد من مثل تلك الصيغ مطلقا من القرائن على يشمل الكفار في الفروع؟
1 - ذهب الحنابلة وجمهور العلماء إلى أنه يشمل الكفار في الفروع (2)، وهذا أصح الروايتين عند أحمد. قال القاض: (الأمر المطلق يتناول الكافر كتناوله المسلم نحو قوله: يا أيها الناس، ويا أولي الألباب، ويا أولي الأبصار، ويكون مخاطبا بالعبادات كالمسلمين في أصح الروايتين) (3).
2 - ذهب بعض الشافعية إلى أنه يشملهم في النواهي دون الأوامر، وهي رواية عن الإمام أحمد (4).
3 - ومن العلماء من قال لا يشملهم في الفروع وهو مذهب بعض العلماء (5)، وهذه المسألة مرتبطة بمسألة تكليف الكافر، وقد بحثها الأصوليون في باب التكليف، وساق الجمهور أدلتهم على أن الكافر مكلف بفروع الشريعة، ومنها قوله تعالى: {فَلََا صَدَّقَ وَلََا صَلََّى (31)} [القيامة: 31]، وقوله: {مََا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قََالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)}
[المدثر: 4442].
__________
(1) فائدة: وردت كلمة الناس في كتاب الله جل وعلا بضعا وثلاثين ومائتين مرة على ما رتبه صاحب معجم ألفاظ القران الكريم. انظر: ص 729726.
(2) العدة 2/ 358، والتمهيد 1/ 298، وجمع الجوامع 1/ 427، والمحصول ج 1 ق 3ص 201، وشرح تنقيح الفصول ص 163162، والمستصفى 2/ 78.
(3) العدة 2/ 358.
(4) العدة 2/ 359، والمسودة ص 46.
(5) المسودة ص 47، حكاها عن بعض الأحناف.(1/262)
أما في هذه المسألة فالدليل على أن تلك الصيغ تشمل الكفار في الفروع هو أن اللفظ في أصل الوضع اللغوي يشملهم ولا مانع في الشرع يخرجهم عن هذا الأصل، وهذا هو القول الراجح لأنه لأوله في مسألة تكليف الكافر تظافرت مع هذا الدليل مع سلامتها من المعارض المؤثر.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
ذكر الأصوليون أن أثر هذا الخلاف في الدار الآخرة، هل يعاقبون على الفروع، أما الحكم في الدنيا فالإسلام يجبّ ما قبله.
وأرى أنه ينبني عليها إلى جانب ما ذكروا عدد من الاثار الفقهية في الضمان وبعض الحقوق والتصرفات، ومنها:
1 - إذا أتلف المستأمن مال غيره ضمن ما أتلفه.
2 - إذا تعامل التاجر الكافر في بلاد المسلمين وجب عليه جميع ما يلزم لصحة العقود، ولزمه جميع ما يترتب عليها من الحقوق، وله مثل ذلك.
3 - يجب على الكافر المقيم في بلاد الإسلام بأمان أو ذمة ومعه أهله وذويه أن يصونهم عن الزنا وأسبابه وأن ينفق عليهم من ماله، فإذا لم يفعل جبره الوالي.(1/263)
المبحث التاسع العام هل يشمل العبيد والإماء
وفيه مطلبان:
المطلب
الأول: في تقرير المسألة وبيان الأقوال.
والثاني: في اثارها الفقهية.
المطلب الأول: العام هل يشمل العبيد والإماء: صيغ العموم المتجردة عن قرائن، هل تشمل العبيد والإماء؟
جمهور العلماء والحنابلة منهم أن صيغ العموم تشملهم (1)، وذهب بعض الشافعية إلى أنها لا تشملهم إلّا بدليل يدل على دخولهم (2)، والمشهور عن الشافعية الأول، وذكر عن الرازي الحنفي دخولهم في حقوق الله فقط (3).
__________
(1) العدة 2/ 348، والتمهيد، وروضة الناظر ص 236، والمستصفى 2/ 77، والإحكام 2/ 270، وشرح مختصر المنتهى 2/ 125، وشرح تنقيح الفصول ص 196، وإرشاد الفحول ص 128، تيسير التحرير 1/ 253.
(2) انظر: المراجع السابقة.
(3) تيسير التحرير 1/ 253، ومختصر المنتهى وشرحه 2/ 125.(1/264)
والدليل على شمول العام لهم:
أن اللفظ في أصل الوضع يشملهم ولا مانع في الشرع يخرجهم عن هذا الأصل، وهم في الشرع مكلفون، ولا ينهض دليل سليم للمنكرين لأنهم إن أنكروا تناول اللفظ لهم في اللغة فتلك مكابرة، وإن زعموا أن الرق أخرجهم فذلك باطل بالإجماع على أنهم مكلفون، وإن قالوا لأنه وردت أحكام تخصهم، فذلك لورود ما أفاد التخصيص، والكلام هنا عن الصيغة المطلقة فهو خارج عن المسألة، ولا دلالة فيه على ما ذهبوا إليه.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
يترتب عليها اثار فقهية كثيرة، فجميع أحكام الشرع تجري في حقهم سوى ما استثنوا فيها، ومن تلك الاثار:
1 (قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية إسماعيل بن سعيد: تجوز شهادة المملوك إذا كان عدلا لأن الله تعالى يقول: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدََاءِ}
[البقرة: 282]، وقال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]) (1).
2 - إذا خالعت الأمة زوجها صح الخلع لعموم قوله تعالى: {فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِمََا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]، سواء كان ذلك بأذن سيدها أم لا (2).
__________
(1) العدة 2/ 248.
(2) المغني 10/ 305.(1/265)
الفصل الثاني مخصصات العموم عند الحنابلة واثارها الفقهية
وفيه مباحث:
المبحث الأول: العام بعد التخصيص حجة.
المبحث الثاني: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
المبحث الثالث: مخصصات العموم المنفصلة.
المبحث الرابع: مخصصات العموم المتصلة.(1/267)
المبحث الرابع: مخصصات العموم المتصلة.
المبحث الأول العام بعد التخصيص حجة
وفيه مطلبان:
المطلب
الأول: في تقرير المسألة وبيان الأقوال.
والثاني: في اثارها الفقهية.
المطلب الأول: العام بعد التخصيص حجة: العام إذا خصص بمجهول فلا خلاف في أنه مجمل لا يحتج به إلّا بعد البيان، ومثاله (1) أن تقول: أكرم الطلاب إلّا بعضهم، فهذا مبهم لا يتعين به الأفراد المخصصة عن غيرها. أما إذا خص بمعلوم فهل هو حجة في الباقي بعد التخصيص؟
في ذلك اختلف العلماء على أقوال:
الأول: أنه حجة في غير محل التخصيص
، وهو مذهب جمهور العلماء والحنابلة منهم صرح بذلك القاضي وأبو الخطاب
__________
(1) الإحكام للامدي 2/ 233، والتمهيد 2/ 148، والتحرير ص 81، وشرح العضد على مختصر المنتهى 1/ 109108، وتيسير التحرير ذكره عن الجمهور 1/ 313.(1/269)
وابن قدامة ومن بعدهم (1).
الثاني: لا يحتج به مطلقا
، وهو مذهب أبي ثور وعيسى بن أبان (2).
الثالث: حجة إذا خص بمتصل كالاستثناء والشرط
، وإن خص بمنفصل فليس حجة، نسب هذا القول للكرخي (3)، لكن نسبه ابن الهمام وابن الحاجب والامدي إلى البلخي (4)، ونبّه ابن تيمية إلى أن نسبته إلى الكرخي غلط فقال: (ولا أحسب ما حكى عن الكرخي إلّا غلطا) (5).
الرابع: إن كان المخصص قد منع من التعلق بالعام وأوجب التعلق بشرط
لا ينبىء عنه الظاهر، لم يجز الاحتجاج به، وإن كان المخصص لا يمنع من التعلق بالاسم العام فإنه يصح الاحتجاج به، وهذا مذهب أبي عبد الله البصري (6)، ومثّل للقسم الأول بقوله تعالى: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} [المائدة: 38]، فقد خصصت باشتراط الحرز ونصاب المسروق وهو مانع من تعلق الحكم بعموم اسم السارق. وللقسم
__________
(1) العدة 2/ 533، والتمهيد 2/ 142، وروضة الناظر ص 238، والمسودة ص 116، والتحرير ص 81، وشرح الكوكب 3/ 161، والمستصفى 2/ 57، وجمع الجوامع 2/ 7، والمحصول ج 1ق 3ص 22، ومختصر المنتهى وعليه العضد 2/ 8، وشرح تنقيح الفصول ص 227، وتيسير التحرير 1/ 313.
(2) انظر: المراجع السابقة.
(3) انظر: التمهيد 2/ 143، والمحصول ج 1ق 3ص 23، وشرح تنقيح الفصول ص 227.
(4) التحرير بشرحه تيسير التحرير 1/ 313، ومختصر المنتهى بحواشيه 2/ 108، والإحكام للامدي 2/ 231.
(5) المسودة ص 116.
(6) انظر: المعتمد 1/ 266265، والإحكام 2/ 232.(1/270)
الثاني بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، فإنه مخصص بالذمي ولكنه لا يمنع من التعلق بالاسم العام فيصح أن يحتج به فيما عداه.
الخامس: إن كان العام قبل التخصيص غير مفتقر إلى بيان فهو حجة بعد التخصيص في الباقي
، وإن كان مفتقرا إلى بيان فلا يحتج به، وهذا مذهب القاضي عبد الجبار (1).
ومثّل للأول بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، وللثاني بقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ} [البقرة: 43، 110، والنور: 56، والروم: 31، والمزمل: 2].
فالأول: مخصص بالذمي، ويحتج به فيما عداه. والثاني: مخصص بالنهي عن الصلاة وقت الحيض، ولكنه يحتاج إلى بيان قبله فلا يحتج به.
السادس: قيل يكون حجة في أقل الجمع
لا فيما عداه (2).
والراجح مذهب الجمهور:
أنه حجة فيما عدا محل التخصيص، وذلك للأدلة الاتية:
1 - أن الصحابة رضي الله عنهم احتجوا بالعام فيما بقي بعد التخصيص، وشاع ذلك بينهم من دون أن ينكره أحد منهم، فكان ذلك إجماعا منهم على أن العام بعد التخصيص حجة فيما عداه، فقد وافق أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم فاطمة رضي الله عنها على استدلالها عند طلب ميراثها بعموم قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ} [النساء: 11]، مع أنها مخصوصة باختلاف الدين، والقتل، والرق، ولكن أبا بكر بيّن لها أن
__________
(1) مختصر المنتهى بحواشيه 2/ 109108.
(2) الإحكام 2/ 233، ومختصر المنتهى 2/ 109108، والتحرير وشرحه التيسير 1/ 13.(1/271)
رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة» (1)، واستدل ابن عباس رضي الله عنه على تحريم قليل الرضاع بعموم قوله تعالى: {وَأُمَّهََاتُكُمُ اللََّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]، مع أنها مخصصة باشتراط أن يكون في الحولين عنده وعند أكثر العلماء (2).
2 - أن اللفظ العام متناول لما لم يخصص من أفراده قبل التخصيص، ولم يرد ما يصرفه عنه، فيبقى حجة فيه لأنه لا معارض له، أما ما أخرجه المخصص فقد حكما بعد دلالة العام عليه.
وأيضا فإن التخصيص دليل على عموم اللفظ لما لم يخصص، إذ لو لم يكن كذلك لما كان للتخصيص فائدة.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
الخلاف في هذه المسألة خطير، وخصوصا إذا علمنا أن جميع عمومات القران الكريم قد دخلها التخصيص إلّا قوله تعالى: {وَاللََّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)} [البقرة: 282، والنساء: 176، والنور: 35، 64، والحجرات: 16، والتغابن: 11].
وقوله: {* وَمََا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلََّا عَلَى اللََّهِ رِزْقُهََا} [هود: 6].
وحقيقة القول بعدم حجيته بعد التخصيص تعطيل لعمومات القران الكريم، وهذا لا يتصور من علماء لهم فضلهم، لكن لعلهم عند التطبيق الفقهي يخرجون من مخارج عجيبة كما دخلوا من مداخل عجيبة.
__________
(1) رواه البخاري 3/ 1126، و 1127برقم 2926، و 2927، ومسند الإمام أحمد 1/ 4.
(2) انظر قول الله تعالى: {* وَالْوََالِدََاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلََادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كََامِلَيْنِ لِمَنْ أَرََادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضََاعَةَ}
[البقرة: 233]. في تفسير الطبري 2/ 302، و 303، وأحكام القران 1/ 410.(1/272)
أما على مذهب الجمهور فينبني عليه مسائل فقهية كثيرة منها:
1 - القاذفون للمحصنة إذا لم يكونوا أربعة وجب على كل واحد حد القذف لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنََاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدََاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمََانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] الاية، وهي مخصصة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوََاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدََاءُ إِلََّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهََادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهََادََاتٍ بِاللََّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصََّادِقِينَ (6)} [النور: 6] وما بعدها.
2 - قال القاضي عن الإمام أحمد: (احتج فيمن ابتاع عبدا أو أمة واستعملت ثم ظهر على عيب أنه يرده ويمسك الغلة لقوله عليه السلام:
«الخراج بالضمان» (1)، وهو مخصوص بلبن المصرّاة فإنه إن ردها رد قيمة اللبن وإن كانت مضمونة) (2).
__________
(1) روته عائشة رضي الله عنها مرفوعا. أخرجه أبو داود 3/ 779، والترمذي 3/ 582.
(2) العدة 2/ 535533.(1/273)
المبحث الثاني العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
وفيه مطلبان:
المطلب
الأول: في تقرير المسألة وبيان الأقوال.
والثاني: في اثارها الفقهية.
المطلب الأول: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب: إذا ورد اللفظ العام على سبب خاص فلا يخلو: إما أن يكون مستقلّا عن السبب أو غير مستقل. فإن كان غير مستقل فلا خلاف في أنه يكون مطابقا للسبب (1)، وإن كان مستقلّا سواء كان السبب سؤالا أو حادثة ففيه الخلاف، هل يعتبر عموم اللفظ أم خصوص السبب؟
ومثاله: سؤال الصحابة رضي الله عنهم عن ماء بئر بضاعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الماء طهور لا ينجسه شيء» (2). فهل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟
__________
(1) مختصر المنتهى بشروحه 2/ 110109، والعدة 2/ 596، ومن العلماء من فصل في كونه تابع في العموم دون الخصوص. انظر: الإحكام 2/ 237، وتيسير التحرير 1/ 263.
(2) رواه أبو سعيد الخدري. أخرجه أبو داود 1/ 54، والترمذي 1/ 9695.(1/274)
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول
الأول: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
، وهو مذهب الحنابلة والأحناف وأكثر الشافعية والمالكية (1).
قال القاضي أبو يعلى: (الاعتبار بعموم اللفظ دون خصوص السبب) (2)، وقال أبو الخطاب أيضا: (إذا ورد اللفظ العام على سبب خاص واللفظ مستقل بنفسه حمل على عمومه ولم يقتصر على سببه) (3). وهو مذهب الجمهور.
القول
الثاني: أن العبرة بخصوص السبب
فيقصر اللفظ عليه. وهو مذهب المزني وأبي ثور (4) وذكره القرافي رواية أخرى عند مالك (5)، ونسبه أبو يعلى وابن تيمية لأصحاب مالك (6). ومذهب أكثر المالكية بيّنه القرافي وابن الحاجب وهو أن العبرة عندهم بعموم اللفظ لا بخصوص السبب واستدلوا لذلك (7).
__________
(1) انظر: العدة 2/ 607، والتمهيد 2/ 161، وروضة الناظر ص 233، والمسودة ص 130، وتيسير التحرير 1/ 164، والمحصول ج 1ق 3ص 189188، والمستصفى 2/ 60، والبرهان 1/ 375، ومختصر المنتهى وعليه العضد 2/ 110109، وشرح تنقيح الفصول ص 216.
(2) العدة 2/ 607.
(3) التمهيد 2/ 161.
(4) المحصول ج 1ق 3ص 189، والإحكام 2/ 2239، وفي اللمع والدقاق أيضا ص 38.
(5) شرح تنقيح الفصول ص 216.
(6) العدة 2/ 608، والمسودة ص 130.
(7) شرح تنقيح الفصول ص 216، ومختصر المنتهى لابن الحاجب وعليه شروحه 2/ 111110109.(1/275)
ونسبه إمام الحرمين للإمام الشافعي، فقال: (الذي يصح عندنا من مذهب الشافعي اختصاصها به) (1)، ثم ساق ما يدل عليه عنده ولا أرى فيه ما يدل على مراده. وذكره الامدي أيضا (2).
وقد رد علماء الشافعية (3) هذه النسبة وبينوا أن الصحيح أن مذهب الشافعية أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فقال الإسنوي في رده على إمام الحرمين (4): (فإن الشافعي رحمه الله قد نص على أن السبب لا أثر له فقال في الأم في باب ما يقع به الطلاق وهو بعد باب طلاق المريض ما نصّه: ولا يصنع السبب شيئا إنما يصنعه الألفاظ) (5).
ثم ساق بقية كلام الشافعي وبين أنه نص في أن العبرة عند الشافعي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وجزم بذلك في التمهيد (6). وهو الصواب، لأن من تتبع الرسالة وجد استدلال الشافعي بعموم ما ورد على سبب خاص ظاهر ومتكرر (7)، ومنه بيانه لايات اللعان فقد قال:
(إذا التعن الزوج خرج من الحد كما يخرج الأجنبيون بالشهود. وإذا لم يلتعن وزوجته حرة بالغة حد. قال: وفي العجلاني وزوجته أنزلت اية اللعان) (8)،
__________
(1) البرهان 1/ 373372.
(2) الإحكام 2/ 239.
(3) الإبهاج 2/ 185.
(4) نهاية السول 2/ 479.
(5) الأم، وقال أيضا: إنما أنظر إلى عقد الكلام الذي لا سبب له. الأم 5/ 212.
(6) التمهيد ص 411.
(7) انظر: الرسالة ص 67، حيث استدل باية السرقة، وص 550، حيث استدل باية الظهار، وغيرهما من المواضع.
(8) الرسالة ص 148، وانظر: الأم 5/ 133.(1/276)
فقد اعتبر رحمه الله اللفظ ولم يعتبر خصوص السبب.
الأدلة:
وإليك الأدلة والمناقشة.
استدل الحنابلة والجمهور بعدة أدلة منها:
1 - أن الصحابة رضي الله عنهم استدلوا بعموم ايات
وردت على أسباب خاصة كاية السرقة وايات اللعان وايات الظهار وبعموم أحاديث وردت على أسباب خاصة ولم يقصروها على أسبابها، ولم يخالف أحد منهم في صحة منهج الاستدلال في ذلك فكان إجماعا منهم على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
2 - أن الحجة في ألفاظ الشارع لا في السبب
. فإذا كان اللفظ عاما وجب حمله على عمومه، فلا يصرف عنه إلّا بحجة تدل على التخصيص.
3 - أن اللفظ دال على حكم عام والسبب جزء منه
غير معارض له في الحكم، فلا يصح أن يكون مخصصا لعموم اللفظ لعدم المنافاة بينهما.
واحتج المخالف بما يلي:
1 - لو كان عاما لجاز تخصيص السبب عنه بالاجتهاد.
وردّ ذلك بأن دخول السبب مقطوع في دلالة اللفظ عليه فلا يخرج من الحكم، وقد غالى أبو حنيفة عندما أخرج صورة السبب عن عموم قوله صلى الله عليه وسلّم:
«الولد للفراش وللعاهر الحجر» (1)، فالسبب هو أن عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بأن ابن وليدة زمعة ابني فاقبضه، فلما كان عام الفتح تخاصما
__________
وانظر حديث ملاعنة العجلاني لزوجته في البخاري 5/ 2033، برقم 5002، ومسلم 4/ 205، و 209.
(1) روته عائشة رضي الله عنها. أخرجه البخاري 2/ 724برقم 1948، وذكره في مواضع عدة بالأرقام 6369، و 6432، ومسلم 4/ 171.(1/277)
فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، وأمر سودة أن تحجب عنه، لكن ذكر عن أبي حنيفة إخراج ولد الأمة من عمومه بالاجتهاد مخالفا في ذلك للأكثر (1).
2 - لو كان عاما لما كان لذكر السبب فائدة
ولما أخر الحكم إلى حصوله، إذ لا فائدة من ذلك إلّا قصر الحكم عليه.
ورد بأن له فوائد منها أن صورة السبب لا تخرج عنه، ولأن ذلك أوقع في تربية المؤمنين وأثبت للحكم في قلوبهم، قال تعالى: {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤََادَكَ} [الفرقان: 32] الاية.
* وقد أثبتنا بالدليل عدم قصر الصحابة رضي الله عنهم وهم الرواة العام على سببه بل احتجوا بعمومه (2). وعليه، فإن الراجح مذهب الجمهور لقوة أدلتهم وسلامتها وضعف أدلة المخالفين.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
هذه المسألة مثل التي قبلها في الشأن، لكثرة الايات العامة الواردة على أسباب خاصة وكذلك الأحاديث الشريفة، فهل يترك المخالفون دلالة اللفظ فيها على العموم ليسلكوا في الاحتجاج على الحكم طريق القياس أو غيره من أدلة الاجتهاد؟!
ومن اثار الخلاف فيها:
1 - إذا سألته إحدى نسائه الطلاق فقال: نسائي طوالق.
__________
(1) انظر: تيسير التحرير 1/ 265، حيث حرر هذه المسألة وبين الوجه فيها، وانظر:
مختصر المنتهى 2/ 111110، وشرح الكوكب 3/ 187.
(2) انظر: ص 274.(1/278)
طلقت جميع نسائه، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (1).
2 - الوضوء من ماء البحر صحيح ولو لم تكن ضرورة (2)، لأن العبرة بعموم اللفظ.
3 - وفي مسائل الإمام عن ابن هاني قال: (سألت أبا عبد الله عن الرجل يقول: الحل علي حرام؟ فقال: له زوجة؟ قلت: نعم، قال: كفارة ظهار، فإن لم تكن له زوجة فكفارة يمين إطعام عشرة مساكين) (3).
__________
(1) العدة للقاضي أبي يعلى 2/ 609608.
(2) العدة 2/ 607.
(3) مسائل الإمام أحمد رواية ابن هاني 1/ 233.(1/279)
المبحث الثالث مخصصات العموم المنفصلة
وفيه مطالب:
المطلب الأول: التخصيص بدلالة العقل:
ذهب الحنابلة وجمهور العلماء إلى أن دلالة العقل تخصص عموم الألفاظ (1) مثل عموم قوله تعالى: {اللََّهُ خََالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62]، مخصصة بدلالة العقل على أن ذات الله وصفاته غير مخلوقة والقران كلام الله منزل غير مخلوق.
وذهب بعض المتكلمين إلى أنها لا تخصص العموم (2).
واستدل الجمهور بأن الإدراك العقلي موصل إلى العلم فجاز التخصيص به. قال القاضي: (دليلنا أنه يفضي بنا إلى العلم كالكتاب والسنّة المتواترة والإجماع، فلما جاز تخصيص العموم بالكتاب والسنّة
__________
(1) العدة 2/ 547، والتمهيد 2/ 101، والمسودة ص 118، وشرح الكوكب 3/ 359، وتيسير التحرير 1/ 316، ومختصر المنتهى وشرحه 2/ 147، والمحصول ج 1ق 3ص 111، والإحكام للامدي 2/ 314، والمعتمد 1/ 252، وجمع الجوامع 2/ 24.
(2) انظر: المراجع السابقة، وذكر الامدي وغيره أنهم طائفة شاذة من المتكلمين.(1/280)
والإجماع كذلك يجوز تخصيصه بدليل العقل) (1). وعبارة أبي الخطاب تختلف في مقدمتها والاستدلال واحد حيث قال: (أن أدلة العقل تفضي بنا العلم بالكتاب والسنّة المتواترة بالإجماع، ثم تخصيص العموم يجوز بهذه الأدلة كذلك تخصيصه بدليل العقل) (2).
واستدل المخالفون بما يلي:
1 - أنه لو جاز التخصيص به لجاز النسخ به.
ورد عليهم ذلك لأن النسخ لا طريق له إلّا الوحي، فالإجماع لا ينسخ رغم قوته.
2 - أنه متقدم فلا يصلح أن يكون مخصصا.
ورد بأن دلالته مفهومه بعد ورود اللفظ العام فيسمى مخصصا بعد ذلك لا قبله.
والراجح هو مذهب الحنابلة والجمهور بأن دلالة العقل تخصص عموم الألفاظ.
ومثلها دلالة الحس، مثل قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}
[الأحقاف: 25]، فالحس خصص بالمشاهدة أنها لم تدمر الأرض. ولعلها عند بعض الأصوليين جزء من دلالة العقل، لذلك لم يفردوها بالذكر.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
ذكر بعض الأصوليين أن الخلاف فيها لفظي لأن المخصص بالعقل لم
__________
(1) العدة 2/ 548، وكلمة [إلى] لم تذكر في المطبوع، ولكن ذكرتها لأن استقامة الكلام تتوقف عليها حسب فهمي.
(2) التمهيد 2/ 103.(1/281)
يكن داخلا بالعموم ابتداء عند من نفى التخصيص بالعقل. ولكن مع ذلك فإن لها اثار منها:
إذا رتب المسلم حكما من نذر أو إعتاق أو طلاق بسياق يخصصه دليل العقل فلا يثبت الحكم في محل تخصيص العقل لأنه خارج عن عموم اللفظ.
مثل أن يقول لعبيده: من جاءني بمال فهو حر. فإن العقل يستثني العبد نفسه من ذلك وإن كان مالا.
أو يقول: لله علي إن عملت شيئا أن أتصدق، فالعقل يستثني التنفس والجلوس والاستقرار فلا يحنث بها. وكذا إذا قال لزوجته: إن عملت شيئا فأنت طالق، فإن العقل يستثني استقرارها على ما هي عليه.
المطلب الثالث: التخصيص بخبر الاحاد:
اتفق العلماء على أن القران يخصص بالقران وبالسنّة المتواترة، وإن السنّة تخصص بالسنّة المتواترة (1).
واختلفوا في مسائل منها تخصيص القران الكريم والسنّة المتواترة بخبر الاحاد وتخصيص السنّة بالقران، والتخصيص بفعل النبي صلى الله عليه وسلّم، وإليك بيان ذلك مرتبا:
خبر الاحاد يخصص خبر الاحاد، لكن هل يخصص القران الكريم والسنّة المتواترة؟ في ذلك اختلف العلماء على أقوال:
1 - أنه يخصص القران الكريم والسنّة المتواترة. وهو مذهب الحنابلة والشافعية والمالكية. وذكر عن أبي حنيفة (2)، قال القاضي
__________
(1) الإحكام 2/ 322، ومسلم الثبوت بشرحه 1/ 349، وممّا اختلفوا فيه: إذا كان الخاص متقدّما والعام متأخّرا أيهما يقدّم؟ وبحثها في باب التعارض.
(2) العدة 2/ 550، والتمهيد 2/ 105، وروضة الناظر ص 245244، والمسودة(1/282)
أبو يعلى: (يجوز تخصيص عموم الكتاب بأخبار الاحاد سواء كان العموم قد دخله التخصيص أولم يدخله) (1).
وقال أبو الخطاب أيضا: (يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد. نص عليه في رواية عبد الله في الاية إذا كانت عامة ينظر ما جاءت به السنّة، لتكون السنّة هي الدليل على ظاهرها مثل قوله: {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، فلو كانت الاية على ظاهرها ورث كل من يقع عليه اسم ولد وإن كان يهوديا أو نصرانيا أو عبدا أو قاتلا، فلما جاءت السنّة ألايرث مسلم كافر ولا كافرا مسلما، ولا يرث قاتل ولا عبد، كانت دليلا على ما أورده الله من ذلك) (2).
2 - يجوز التخصيص به إن كانت الاية مخصصة بقطعي وإلّا فلا، وهو مذهب الأحناف (3). وذكره بعض الأصوليين عن عيسى بن أبان (4).
وإذا تذكرنا أن جل عمومات الكتاب مخصصة نعلم أن الواقع متحد في كلا القولين السابقين.
3 - لا يجوز التخصيص به مطلقا وقال به بعض المتكلمين (5)، ومنهم من توقف وإليك الأدلة والمناقشة.
__________
ص 119، والمستصفى 2/ 4، والإحكام 2/ 322، وشرح تنقيح الفصول ص 208، والمحصول ج 1ق 3ص 131.
(1) العدة 2/ 551550.
(2) التمهيد 2/ 106105.
(3) مسلم الثبوت بشرحه 1/ 349.
(4) انظر: الإحكام 2/ 322، ج 1ق 3ص 131، والتمهيد 2/ 106.
(5) الإحكام 2/ 322، والمحصول ج 1ق 3ص 131، والتمهيد 2/ 106، ومسلم الثبوت 1/ 349.(1/283)
استدل الجمهور بما يلي:
1 - أن الصحابة رضي الله عنهم خصوا به العموم في مواضع كثيرة، منها: عموم قول الله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مََا وَرََاءَ ذََلِكُمْ}
[النساء: 24]. خصصوه بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها» (1)
الحديث. وخصصوا عموم ايات المواريث بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم:
«لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم» (2)، وقوله: «لا يرث القاتل» (3). وعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللََّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] بما ورد من النهي عن بيوع كبيع الحصاة وبيع حبل الحبلة وتلقي الركبان وغير ذلك مما ورد النهي عنه وعموم اية السرقة بقوله صلى الله عليه وسلّم: «تقطع يد السارق في ربع ديا نار» (4).
وكل ذلك يدلّ على أن خبر الاحاد يخصص عموم القران والسنّة المتواترة. فإن قيل: أن عمر بن الخطاب رد حديث فاطمة بنت قيس في نفقة المطلقة وسكناها (5)، قلنا: بأن ذلك راجع إلى اتهامه لها بالوهم فلم يثبت حديثها صحيحا عنده، فلو ثبت لخصص به العموم مثل تخصيصه لايات
__________
(1) رواه أبو هريرة. وأخرجه البخاري 5/ 1965برقم 4820، ومسلم 4/ 135.
(2) رواه أسامة بن زيد. أخرجه البخاري 6/ 2484برقم 6383، ومسلم 5/ 59.
(3) أخرجه مالك عن عمر 3/ 70، والموطأ مع تنوير الحوالك وبشرح الزرقاني 4/ 44، وأخرجه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده 4/ 694، وعن أبي هريرة عند الترمذي 4/ 371، وابن ماجه 2/ 913، ورواه الدارقطني عنهم جميعا 4/ 96.
(4) روته عائشة رضي الله عنها. وأخرجه البخاري 6/ 2492برقم 6407، ومسلم 5/ 112.
(5) سبق تخريجه.(1/284)
القصاص بما ورد أن الأب لا يقتص منه بجنايته على ابنه (1).
2 - أن خبر الاحاد حجة (2)، فجاز أن يخصص به العموم كالمتواتر.
واستدل الأحناف على تفصيلهم، فقالوا:
1 - القران الكريم قطعي الثبوت والدلالة، وكذلك السنّة المتواترة، وخبر الاحاد ظني فلا يصح أن يخصصهما، لكن بعد تخصيصهما أصبحا ظنيين فجاز تخصيصهما لتساويهما (3). وحجة القول الثالث هي تلك من دون استثناء لما خص.
وردّ على ذلك بالمنع من شرط التساوي بين المخصّص والمخصّص، لأن التخصيص من البيان ولا يشترط فيه ذلك وسوف يأتي (4).
ولأن براءة الذمة مقطوع بها وتترك بخبر الواحد فيجب به ما لم يكن واجبا من قبل، فكذلك هنا يجوز أن يخصص المقطوع بالمظنون، ويمنع أن تكون الدلالة فيه قطعية فيكون مساويا في الدلالة لخبر الاحاد وعلى فرض التسليم، فإن غاية هذا الدليل هو النفي. لكن قام الدليل الشرعي المثبت، والمثبت مقدم على النافي.
وأيضا، فإن العمل بالخاص في محل خصوصه لا يعارض العمل
__________
(1) انظر: المغني 11/ 483.
(2) لم يخالف في حجية خبر الاحاد إلّا الروافض وطائفة، أما جمهور علماء الأمة فهو حجة عندهم. انظر: الإحكام 2/ 51، ومسلم الثبوت وشرحه 2/ 131، وأصول مذهب الإمام أحمد ص 260.
(3) مسلم الثبوت وشرحه 1/ 349، وقولهم: والدلالة بناء على ما سبق في دلالة العام بين القطعية والظنية.
(4) انظر: ص 364.(1/285)
بالعام في بقية أفراده والجمع بين الدليلين أولى من ترك أحدهما. وأيضا، فإن دلالة خبر الاحاد الخاص على محل الخصوص أقوى من دلالة العام على محل الخصوص، لذا، فإنه يخصص بها فيثبت حكمها في محل الخصوص ويبقى حكم العام في بقية أفراده. وعليه، فإن الراجح هو قول الجمهور أن خبر الاحاد يخصص عموم الكتاب والسنّة.
المطلب الرابع: اثارها الفقهية:
تبين لك في عرض المسألة عدد من الفروع الفقهية التي ثبت حكمها بناء على تخصيص عمومات الكتاب بخبر الاحاد.
ونعرض في هذا المطلب أيضا بعض الاثار ومنها:
1 - لا يحل أن يتزوج امرأة بقصد إحلالها لزوجها الأول في قول عامة أهل العلم (1)، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لعن المحلل والمحلل له (2).
وذلك مخصّص لعموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مََا وَرََاءَ ذََلِكُمْ}
[النساء: 24].
2 - لا يصح نكاح المحرم (3) لقوله صلى الله عليه وسلّم: «لا ينكح المحرم ولا ينكح» (4). والنهي يقتضي الفساد وذلك مخصص لعموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مََا وَرََاءَ ذََلِكُمْ} [النساء: 24].
__________
(1) المغني 10/ 49، والإنصاف 8/ 161.
(2) رواه علي رضي الله عنه. أخرجه أبو داود 2/ 562، والترمذي 3/ 428، والنسائي 6/ 149، وابن ماجه 1/ 622.
(3) المغني 10/ 55.
(4) رواه عثمان رضي الله عنه. مسلم 4/ 126، وأبو داود 2/ 422421، والترمذي 3/ 200.(1/286)
3 - لا يحل وطء الأمة إلّا بعد استبرائها بحيضة (1)، ولا يحل وطؤها إذا كانت حاملا من غيره (2)، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم نهى أن توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض (3). ولا يحل الاستمتاع منها بمباشرة أو قبلة أو نظر إذا تزوجت (4). وكل ذلك ثابت بأخبار احاد، ومخصص لعموم قوله تعالى: {أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)}
[المؤمنون: 6].
المطلب الخامس: تخصيص السنّة بالقران:
ذهب عامة الفقهاء إلى جواز تخصيص السنّة بالقران (5)، وهو المشهور عند الحنابلة (6). وخرّج ابن حامد رواية عن أحمد أنه لا يجوز.
قال القاضي: (يجوز تخصيص عام السنّة بخاص القران أومأ إليه أحمد رحمه الله في نسخ السنّة بالقران، فقال في رواية عبد الله، وذكر قصة أبي جندل، فقال: ذلك (7) صالح على أن يرد من جاءهم مسلما، فرد النبي صلى الله عليه وسلّم الرجال، ومنع النساء، ونزل قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنََاتٍ فَلََا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفََّارِ} [الممتحنة: 10].
فظاهر هذا أنه أثبت نسخ القصة (8) بالقران، وبهذا قال جماعة من
__________
(1) المغني 11/ 275274.
(2) المغني 11/ 268267.
(3) رواه الإمام أحمد في المسند 3/ 62، وأبو داود 2/ 64، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(4) المغني 9/ 497.
(5) مختصر المنتهى 2/ 149، والإحكام 2/ 322.
(6) العدة 2/ 569، والتمهيد 2/ 113، والمسودة ص 122.
(7) لعلّ هنا سقوط هو [لأنه] حيث أن السياق يستقيم بذلك.
(8) لعل الصواب [السنّة]، أي أثبت نسخ السنّة بالقران.(1/287)
الفقهاء والمتكلمين، وخرّج الشيخ أبو عبد الله في ذلك وجها اخر أنه لا يجوز، أومأ إليه أحمد في رواية حنبل وغيره، فقال: السنّة مفسّرة للقران ومبينة له، وظاهر هذا أن البيان بها يقع) (1).
وذكر ذلك أبو الخطاب (2) أيضا ورجحا الجواز واستدلاله.
وأدلة الجمهور:
1 - قوله تعالى: {وَنَزَّلْنََا عَلَيْكَ الْكِتََابَ تِبْيََاناً لِكُلِّ شَيْءٍ}
[النحل: 89]. فهو بيان، والتخصيص من البيان فجاز أن يخصص عموم السنّة.
2 - الكتاب أقوى من السنّة فجاز أن يخصصها من باب أولى. فإذا جاز تخصيص السنّة للكتاب كان من باب أولى تخصيص الكتاب للسنّة.
واحتج المخالف بما يلي:
1 - قول الله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
فمكانة السنّة مبنية للقران لا العكس.
ورد ذلك: أن ذلك لا يمنع لأن إبلاغه ما أنزل وإظهاره نصّا ومعنى بيان، وتخصيص ما جاء في السنّة بايات، جزء من البيان لأن الكل من الله جل وعلا فلا تعارض بينهما.
2 - لو خصصنا السنّة بالقران لجعلنا السنّة هي الأصل والقران بعدها، وهذا غير جائز فلا يجوز تخصيص السنّة بالقران.
ورد بعدم التسليم فلا يلزم من ذلك ما ذكرتم بل القران أصل
__________
(1) العدة 2/ 570569.
(2) التمهيد 2/ 113.(1/288)
ولو حصل به بيان السنّة، لأن حجية السنّة وغيرها من الأدلة إنما ثبتت بالقران الكريم، وعليه فإنّ الأرجح أنّ السنّة تخصص بالقران.
المطلب السادس: اثارها الفقهية:
وقوع هذه المسألة محدود، واثارها محدودة، ومنها:
لا يجوز المصالحة على رد المؤمنات إلى الكفار، لأن ذلك مخصص بالقران بقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنََاتٍ فَلََا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفََّارِ لََا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلََا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (1) [الممتحنة: 10].
لكن هل تجوز المصالحة مع الكفار؟ وهل تجوز المصالحة على رد المؤمنين إليهم، أم ذلك منسوخ بقوله تعالى: {بَرََاءَةٌ مِنَ اللََّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عََاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1)} [براءة: 1] الاية (2). تلك مسألة تحتاج إلى بحث (3)، وهي غير داخلة في مسألتنا.
المطلب السابع: التخصيص بأفعال النبي صلى الله عليه وسلّم:
فعل النبي صلى الله عليه وسلّم الذي لم يرد دليل على أنه خاص به، هل يخصص عموم الكتاب والسنّة؟
ذهب جمهور العلماء والحنابلة (4) منهم إلى أنه يخصص عموم الكتاب
__________
(1) انظر: المسألة في المغني 13/ 162.
(2) راجع تفسير القران العظيم لابن كثير 2/ 331، وجامع تفسير القران للطبري 10/ 42وما بعدها.
(3) انظر: المغني 13/ 163155.
(4) العدة 2/ 573، والتمهيد 2/ 116، والمسودة ص 125، ومختصر المنتهى وشرحه 2/ 151، والإحكام 2/ 329.(1/289)
والسنّة، قال القاضي: (يجوز تخصيص العموم بأفعال النبي صلى الله عليه وسلّم) (1). وقال أبو الخطاب: (يجوز تخصيص العموم من الكتاب والسنّة بفعل الرسول صلى الله عليه وسلّم).
قال أحمد في رواية صالح: {وَلََا تَقْرَبُوهُنَّ حَتََّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]، لما قالت عائشة وميمونة: (كانت إحدانا إذا حاضت اتزرت ودخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في شعاره) (2)، دل على أنه أراد الجماع. فخص العموم بفعل الرسول صلى الله عليه وسلّم، وبه قال أكثرهم) (3).
وقال الكرخي: لا يجوز تخصيص العموم به (4).
والراجح مذهب الجمهور للأدلة التالية:
1 - أن فعل النبي صلى الله عليه وسلّم حجة فجاز تخصيص العموم به كالتخصيص بقوله صلى الله عليه وسلّم.
2 - أن النبي صلى الله عليه وسلّم وأمته في أحكام الشرع سواء إلّا ما قام الدليل على خصوصيته به. ولذا، سارع الصحابة رضي الله عنهم إلى الاقتداء به ولم يتوقفوا.
3 - أن البيان بالفعل جائز، والتخصيص من البيان.
المطلب الثامن: اثاره الفقهية: يترتب عليه اثار فقهية منها:
1 - ذكر أبو الخطاب (5): أن رجم الزاني المحصن ثابت بفعل
__________
(1) العدة 2/ 573.
(2) روى حديثهما بغير هذا اللفظ: البخاري 1/ 115برقم 296، و 297، ومسلم 1/ 167.
(3) التمهيد 2/ 116.
(4) التمهيد 2/ 116، والإحكام للامدي 2/ 329.
(5) التمهيد 2/ 116، وكذا مثل الطوفي له. انظر: شرح مختصر الروضة 2/ 570.(1/290)
الرسول صلى الله عليه وسلّم، حيث رجم ماعز (1)، وهو مخصّص لعموم قوله تعالى:
{الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وََاحِدٍ مِنْهُمََا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2].
2 - بقاء النبي صلى الله عليه وسلّم في المدينة عند بعثه السرايا مخصص لعموم قول الله تعالى: {انْفِرُوا خِفََافاً وَثِقََالًا} [التوبة: 41].
المطلب التاسع: التخصيص بالإجماع:
تخصيص العموم بالإجماع جائز عند الحنابلة والمالكية والشافعية والأحناف، ولم يخالف فيه إلّا قلّة (2)، بل قال الامدي: (لا أعرف خلافا في تخصيص القران والسنّة بالإجماع) (3).
قال القاضي أبو يعلى: (ويجوز التخصيص بالإجماع، لأن الإجماع حجة مقطوع بها، فإذا جاز التخصيص بخبر الواحد والقياس كان بالإجماع أحق) (4)، وفرقوا بين التخصيص وبين النسخ هنا، لأن التخصيص بيان والنسخ رفع، فإذا رأينا إجماع الصحابة أو من بعدهم على مسألة شملها عموم مخالف لإجماعهم جزمنا بأن العموم مخصوص بما علمه أهل الإجماع وخفي علينا، فكان الإجماع دليلنا على التخصيص.
المطلب العاشر: اثاره الفقهية:
من الاثار المترتبة عليها: حد العبد القاذف إذا لم يكن الشهود أربعة:
__________
(1) رواه البخاري 6/ 2502برقم 6438، ومسلم 5/ 118.
(2) العدة 2/ 578، والتمهيد 2/ 117، ومختصر المنتهى بشرحه 2/ 150، والمستصفى 2/ 102، والمحصول ج 1ق 3ص 124.
(3) الإحكام 2/ 327.
(4) العدة 2/ 578.(1/291)
يجلد العبد في حد القذف نصف حد الحر بالإجماع (1)، وهذا مخصص لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنََاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدََاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمََانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4].
وذكر ابن قدامة مخالفة بعض التابعين منهم عمر بن عبد العزيز في ذلك، ثم قال: (والصحيح الأول للإجماع المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم، ولأنه حد يتبعض فكان العبد فيه على النصف من الحر كحد الزنا، وهذا يخصص عموم الاية) (2).
المطلب الحادي عشر: التخصيص بقول الصحابي:
يجوز تخصيص العموم بقول الصحابي إذا لم يكن له مخالف عند الحنابلة (3) بناء على الرواية التي تعتبره حجة مقدما على القياس (4)، وهو قول الأحناف وبعض الشافعية (5).
قال القاضي: (يجوز تخصيص العموم بقول الصحابي إذا لم يظهر خلافه، وكذلك تفسير الاية المحتملة، وهذا على الرواية التي تجعل قوله حجة مقدما على القياس، وقد نصّ على هذا في رواية صالح وأبي الحارث في الاية إذا جاءت تحتمل أن تكون عامة، وتحتمل أن تكون خاصة، نظرت ما عملت عليه السنّة، فإن لم يكن فعن الصحابة، وإن كانوا على قولين أخذ
__________
(1) مراتب الإجماع لابن حزم ص 134.
(2) المغني 12/ 388.
(3) العدة 2/ 579، والتمهيد 2/ 119، والمسودة ص 127، وشرح مختصر الروضة 2/ 571.
(4) راجع حجية قول الصحابي. أصول مذهب الإمام أحمد ص 402392.
(5) العدة 2/ 579.(1/292)
بأشبه القولين بكتاب الله تعالى) (1).
وذهب أكثر الشافعية والمالكية والمتكلمين إلى أنه لا يخصص العموم (2)، قال في مختصر المنتهى: (الجمهور أن مذهب الصحابي ليس بمخصص ولو كان الراوي، خلافا للحنفية والحنابلة) (3).
واستدل الحنابلة بما يلي:
أن قول الصحابي حجة يقدم على القياس، والقياس يخصص العموم، فمن الأولى تخصيص العموم بقول الصحابي.
واستدل الشافعية والمالكية:
1 - أن قول الصحابي ليس حجة فلا يخصص به العموم.
2 - أن الصحابي يرجع إلى حكم الدليل إذا تبين له لأنه حجة في حقه، والراجح عندي ما اختاره ابن تيمية (4) بأنه إذا كان الصحابي قد سمع الحديث فيقوى أن يكون قوله مخصصا، وإن لم نعلم سماعه فيحتمل أن يترك الصحابي قوله لعموم الاية أو الحديث لو سمعه.
المطلب الثاني عشر: اثاره الفقهية:
يترتب عليه بعض الاثار الفقهية، منها:
1 - الراهب إذا لم يعن على المسلمين لا يقتل ولا يتعرض له (5)
__________
(1) العدة 2/ 579.
(2) إرشاد الفحول ص 161، والإحكام 2/ 333، ونهاية السول 2/ 474، 483.
(3) مختصر المنتهى 2/ 151.
(4) المسودة ص 127.
(5) المغني 13/ 178، والأثر رواه سعيد بن منصور في باب ما يؤمر به الجيوش إذا خرجوا. السنن 2/ 149.(1/293)
لقول أبي بكر رضي الله عنه ووصيته لأمراء الجيش بذلك، وهذا مخصص لعموم قول الله تعالى: {وَقََاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36]، وغيرها من النصوص.
2 - عورة الأمة في القول المشهور (1) ما بين السرة إلى الركبة، فيجوز لها أن تخرج بغير قناع لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى الإماء عن القناع لكي لا يتشبهن بالحرائر، وهذا مخصص لعموم قوله تعالى:
{وَلََا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] الاية.
المطلب الثالث عشر: التخصيص بالمفهوم:
التخصيص بمفهموم الموافقة جائز (2) عند عموم العلماء، لأن دلالته إما قياسية أو من اللفظ على قولين (3)، وعلى أي واحد منهما فإنه يصح تخصيص العموم به، وأما مفهوم المخالفة فكل من قال بحجيته أو حجية نوع منه جاز عنده تخصيص العموم بما ثبتت حجيته عنده (4)، وسوف يأتي في بابه (5).
والحنابلة بناء على ذلك يرون أن مفهوم المخالفة من مخصصات العموم (6)، وفي ذلك قال الامدي: (لا نعرف خلافا بين القائلين بالعموم،
__________
(1) المغني 2/ 332، والمغني 9/ 501.
(2) العدة 2/ 579578، والإحكام 2/ 328، وشرح الكوكب 3/ 366.
(3) انظر: ص 378.
(4) مختصر المنتهى وشرحه 2/ 150، وتيسير التحرير 1/ 316307، وإرشاد الفحول ص 160.
(5) انظر: ص 387.
(6) العدة 2/ 579578، والتمهيد 2/ 118، وذكر اختلافا لم يذكره عنه، والمسودة ص 127، وشرح الكوكب 3/ 367366.(1/294)
والمفهوم أنه يجوز تخصيص العموم بالمفهوم، وسواء كان من قبيل مفهوم الموافقة أو من قبيل مفهوم المخالفة) (1).
والمستند في ذلك أنه حجة فجاز التخصيص به، حيث أنه خاص في مورده، والخاص في محل خصوصه مقدم على العام.
المطلب الرابع عشر: اثاره الفقهية:
سوف يأتي في باب المفهوم أمثلة له لكن نذكر منها:
قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» (2)، مفهومه أن ما دون القلتين يحمل الخبث فينجس بملاقاة النجاسة ولو لم تغير طعمه أو ريحه أو لونه (3)، وهذا مخصص لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» (4)، وقوله: «إن الماء لا ينجسه شيء إلّا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه) (5).
المطلب الخامس عشر: التخصيص بالقياس: للعلماء في جوازه أقوال:
أولا: ذهب جمهور العلماء وأكثر الحنابلة، والأشعري وأبو هاشم
__________
(1) الإحكام 2/ 328.
(2) رواه ابن عمر رضي الله عنهما. أخرجه أبو داود 1/ 51، والترمذي 1/ 97، والنسائي 1/ 46، وابن ماجه 1/ 172.
(3) المغني 1/ 3938.
(4) رواه أبو سعيد الخدري. أخرجه أبو داود 1/ 5453، والترمذي 1/ 9695، والنسائي 1/ 174.
(5) رواه أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه. أخرجه ابن ماجه 1/ 174، وفي سنده ضعف.(1/295)
وأبو الحسين إلى جواز التخصيص بالقياس (1)، سواء كان قطعيّا أو ظنيّا، قال القاضي: (يجوز تخصيص العموم بالقياس أومأ إليه أحمد في مواضع، فقال في رواية بكر بن محمد (2): إذا قذفها بعد الثلاث وله منها ولد يريد نفيه يلاعن، فقيل: أليس الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوََاجَهُمْ} [النور: 6]، وهذه ليست بزوجة فاحتج بأن الرجل يطلق ثلاث وهو مريض فترثه، لأنه فار من الميراث، وهذا فار من الولد فقد عارض الظاهر بضرب من القياس) (3).
ثانيا: أنه لا يجوز التخصيص به مطلقا، قال به بعض الأصحاب، قال في التمهيد: (الوجه الاخر أنه لا يخص به ولا يعارض به الظاهر، وهو اختيار أبي الحسن الجزري من أصحابنا وأبي إسحاق ابن شاقلا، وبه قال الجبائي وغيره من الفقهاء) (4).
ثالثا: يجوز التخصيص به إذا كان النص مخصصا بمقطوع به، قال بذلك الكرخي وعيسى بن أبان وأكثر الأحناف (5).
رابعا: يجوز التخصيص به إذا كان القياس جليّا، أما الخفي فلا يخص به وهو مذهب بعض الشافعية، واختاره الطوفي (6).
__________
(1) هو بكر بن محمد النسائي البغدادي، تلقى عن الإمام أحمد وروى عنه عدة مسائل وكان يكرمه ويقدمه، طبقات الحنابلة 1/ 119، والمقصد الأرشد 1/ 289.
(2) العدة 2/ 559، والتمهيد 2/ 120، والروضة ص 249، والمسودة ص 119، وشرح الكوكب ص 377، ومختصر المنتهى وشرحه 2/ 153، والإحكام 2/ 337، والبرهان 1/ 428، وإرشاد الفحول ص 59.
(3) العدة 2/ 560559.
(4) التمهيد 2/ 121.
(5) تيسير التحرير 1/ 322321، وإرشاد الفحول ص 159.
(6) شرح مختصر الروضة 2/ 574، ومختصر المنتهى 2/ 153، والإحكام 2/ 337، وإرشاد الفحول ص 159، والبلبل ص 109، 110.(1/296)
القول الراجح
هو مذهب الجمهور للأدلة الاتية:
1 - أن الصحابة رضي الله عنهم خصصوا به العموم في عدة مسائل منها قياسهم العبد على الأمة في الحد وأجمعوا على ذلك وهو مخصص لعموم قوله تعالى: {الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وََاحِدٍ مِنْهُمََا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2].
2 - لأن القياس حجة فجاز التخصيص به وهو خاص في مورده والخاص مقدم على العام في محل خصوصه.
واحتج المانعون بما احتج به المانعون في خبر الاحاد والرد عليهم بما سبق (1)، وأدلة الجمهور سالمة من المعارض المؤثر، ثم إذا كانت إرادة المتكلم تحدد المراد بالعموم فتجعله عامّا أريد به الخصوص، ونحوها من القرائن والأمارات وهي أضعف من القياس تؤثر في السياق ودلالته، فإن القياس من باب أولى في دلالته على خصوص بعض مفردات العام.
المطلب السادس عشر: اثاره الفقهية:
يترتب عليها اثار منها:
إذا لاعن من نكحها بعقد فاسد وبينهما ولد يريد نفيه صح اللعان ولا حدّ عليه، قياسا على العقد الصحيح، قال ابن قدامة: (لنا أن هذا ولد يلحقه بحكم عقد النكاح فكان له نفيه كما لو كان النكاح صحيحا، ويفارق إذا لم يكن ولد فإنه لا حاجة إلى القذف لكونها أجنبية، يفارق سائر الأجنبيات لأنه لا يلحقه ولدهن فلا حاجة به إلى قذفهن) (2).
__________
(1) ارجع إلى ذلك في: ص 284.
(2) المغني 11/ 132.(1/297)
المبحث الرابع المخصصات المتصلة
وفيه مطالب:
المطلب الأول: التخصيص بالاستثناء:
شروطه:
يصح التخصيص بالاستثناء إذا توفرت شروطه وهي:
1 - أن يكون الاستثناء في كلام متصل
عادة مع المستثنى منه، فلا يصح إذا فصل بينهما بما يقطع به الكلام من قول أو فعل أو صمت.
2 - أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه
، فإن كان من غير جنسه فهو استثناء منقطع لا يحصل به التخصص.
3 - ألايكون المستثنى أكثر من المستثنى منه (1).
وحكى عن ابن عباس وبعض العلماء صحة الاستثناء وإن طالت المدة (2)، وذهب أكثر الأحناف إلى صحة الاستثناء مع اختلاف الجنس، وبه
__________
(1) العدة 2/ 677660، والتمهيد 2/ 9073، وروضة الناظر ص 253، والمسودة ص 156152، وشرح مختصر الروضة 2/ 610589، والإحكام 2/ 289، وما بعدها، ومختصر المنتهى 2/ 137.
(2) العدة 2/ 661، وجمع الجوامع 2/ 1110.(1/298)
قال بعض المالكية، ومذهب الجمهور عدم صحته (1).
وذهب جمهور العلماء إلى صحة استثناء الأكثر (2)، ومذهب الحنابلة (3) عدم صحته في تلك الصور.
واستدلوا لتلك الشروط بما يلي:
1 - أن الاستثناء لغة، وليس في اللغة أن الإنسان إذا قال بعد شهر إلّا كذا أنه يعتبر متصلا به بل يقبح هذا لو أراده ويعد لغوا.
2 - أن الاستثناء لا يستقل حتى يصح هذا الانفصال.
وأما الثاني فاستدلوا له:
1 - أن الاستثناء إخراج لبعض ما يدل عليه المستثنى منه.
فإذا ذكر بعده ما نعلم أنه ليس من جنسه لم يكن فيه إخراج فلا حقيقة فيه بل هو منقطع.
والثالث استدلوا له:
1 - بأن ليس في اللغة استثناء الأكثر.
فإن قيل ورد في قوله تعالى: {إِلََّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغََاوِينَ (42)}
[الحجر: 42].
رد ذلك بأنه استثناء منقطع.
أو هم قلة بالنسبة لعباد الله من الملائكة والإنس والجن.
__________
(1) الإحكام 2/ 291، وتيسير التحرير 1/ 283، والروضة ص 254253، والمسودة ص 156، وشرح تنقيح الفصول ص 239.
(2) مختصر المنتهى 2/ 138، وشرح تنقيح الفصول ص 244، والإحكام 2/ 297، وتيسير التحرير 1/ 300.
(3) انظر: المراجع في هامش (1).(1/299)
ومن قال: له مائة إلّا تسعون ما كان متكلما بالعربية، بل كلامه منكر عند أهل اللغة.
2 - أن الاستثناء وضع للاختصار وذلك غير متحقق في استثناء الأكثر، بل فيه تطويل ظاهر لا تدعو له حاجة فعد لغوا.
المطلب الثاني: اثاره الفقهية:
يترتب عليه اثار فقهية، منها:
1 - قال الخرقي: (من أقر بشيء واستثنى منه الكثير، وهو أكثر من النصف أخذ بالكل وكان استثناؤه باطلا) (1).
2 - وقال أيضا: (من أقر بعشرة دراهم وسكت سكوتا يمكنه الكلام فيه، ثم قال: زيوفا أو صفارا أو إلى شهر، كانت عشرة وافية جياد حالّة) (2).
المطلب الثالث: التخصيص بالشرط:
يصح التخصيص بالشرط (3)، مثل قولك: أكرم الطلاب إن اجتهدوا وعبيدي أحرار إن أسلموا، ونحو ذلك فهو المراد هنا. ومنه قوله تعالى:
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا لََا تَتَّخِذُوا ابََاءَكُمْ وَإِخْوََانَكُمْ أَوْلِيََاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمََانِ} [التوبة: 23]، فالشرط خصص عموم النهي. وقوله تعالى:
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبََاتُ وَطَعََامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعََامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ الْمُؤْمِنََاتِ وَالْمُحْصَنََاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذََا اتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5]، فخصص حلهن بدفع المهور لهن.
__________
(1) المغني شرح مختصر الخرقي 7/ 292.
(2) المغني شرح مختصر الخرقي 7/ 282.
(3) التمهيد 2/ 7271، وروضة الناظر ص 259، وشرح الكوكب ص 3، ومختصر المنتهى وشرح تنقيح الفصول ص 259، والإحكام للامدي 2/ 309.(1/300)
وقد سبق في صيغ العموم أن أسماء الشرط منها (1).
وهنا نقول بأنه من المخصصات، وذلك راجع إلى ما ذكرناه (2) من أن اللفظ يكون عاما بالنسبة لما يندرج تحته وخاص بالنسبة للجنس الذي هو منه. فالشرط يفيد العموم لكل ما تحقق فيه المشروط، وهو مخصص ومخرج لما لم يتحقق فيه فلا يدخل في العموم.
والدليل على أنه مخصص: فهم الصحابة رضي الله عنهم التخصيص منه، ومن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهم التخصيص في قوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلََاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}
[النساء: 101]، فسأل النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: ما بالنا نقصر وقد أمنّا؟ وأقره النبي صلى الله عليه وسلّم على فهمه وقال له: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» (3).
المطلب الرابع: اثاره الفقهية:
يفهم من ذلك أن كل ما لم يتوفر فيه الشرط فليس داخلا في العموم، وهذا من أقسام مفهوم المخالفة، وسوف يأتي بيانه وما يترتب عليه، ولكن نعرض هنا بعض الاثار:
1 - قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتََابَ مِمََّا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ فَكََاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور: 33] الاية. فالعموم فيها مخصص بشرط علم الخير فيهم، أي: القدرة على كسب المال، وقيل: الأمانة والصدق (4).
__________
(1) انظر: ص 217.
(2) انظر: ص 205.
(3) رواه يعلى بن أمية عن عمر رضي الله عنهما. أخرجه مسلم 2/ 143، وأبو داود 2/ 7، والنسائي 3/ 117116، وأحمد في المسند 1/ 2625.
(4) تفسير القران العظيم، لابن كثير 3/ 287.(1/301)
والأمر فيها عند الأكثر للندب. قال ابن قدامة: (إذا سأل العبد سيده المكاتبة استحب له إجابته إذا علم فيه خيرا ولم يجب ذلك في ظاهر المذهب وهو قول عامة أهل العلم) (1).
المطلب الخامس: التخصيص بالصفة:
يصح تخصيص العموم بالصفة (2)، مثل قوله تعالى: {مِنْ فَتَيََاتِكُمُ الْمُؤْمِنََاتِ} [النساء: 25]، فالعموم في فتياتكم مخصص بصفة المؤمنات وتشمل هنا النعت والحال وعطف البيان.
والتخصيص بها مرتبط بحجيتها في باب المفهوم وشروط اعتبارها (3)، ومنه أن تكون خرجت مخرج الغالب.
المطلب السادس: اثاره الفقهية:
سنذكر أثرا من اثاره، لأن المزيد سيأتي في باب المفهوم.
قال الله تعالى في المحرمات من النساء: {وَرَبََائِبُكُمُ اللََّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسََائِكُمُ اللََّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلََائِلُ أَبْنََائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلََابِكُمْ}
[النساء: 23]، فتحريم الربيبة مخصص بالدخول بأمها، وتحريم زوجات الأبناء مخصص بأبناء الأصلاب لا أبناء التبني حيث أبطل الإسلام أحكام التبني.
__________
(1) المغني 14/ 442.
(2) التمهيد 2/ 7170، وشرح الكوكب 3/ 347، والإحكام 2/ 312، ومختصر المنتهى 2/ 146.
(3) انظر: ص 392.(1/302)
المطلب السابع: التخصيص بالغاية:
يصح تخصيص العموم بالغاية (1): ومثاله قول الله تعالى: {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْاخِرِ وَلََا يُحَرِّمُونَ مََا حَرَّمَ اللََّهُ وَرَسُولُهُ وَلََا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ حَتََّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صََاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]، فالعموم مخصص بغاية هي دفعهم الجزية.
وقوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتََّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى ََ أَهْلِهََا ذََلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهََا أَحَداً فَلََا تَدْخُلُوهََا حَتََّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} [النور: 27، 28] الاية. فالعموم في الايتين مخصص بغاية الاستئذان بالسلام والإذن بالدخول.
وقوله تعالى: {وَلََا تَقْرَبُوهُنَّ حَتََّى يَطْهُرْنَ فَإِذََا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللََّهُ} [البقرة: 222]، فالعموم مخصص بغاية وشرط. فالغاية هي الطهر والشرط هو التطهر. وسبق أيضا أنه مخصص بفعل النبي صلى الله عليه وسلّم (2)، والتخصيص بالغاية مرتبط باعتبار حجية مفهوم المخالفة، وسوف يأتي في بابه (3).
المطلب الثامن: اثاره الفقهية:
سيتبين لنا في الكلام عن مفهوم الغاية عدد من الاثار، ونذكر هنا بعضها:
1 - قال الله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ} [المائدة: 6] اليد عامة
__________
(1) التمهيد 2/ 7170، وشرح الكوكب 3/ 349، والبلبل ص 113، والإحكام 2/ 313، ومختصر المنتهى 2/ 147146، والتيسير 1/ 281.
(2) انظر: ص 289.
(3) انظر: ص 396.(1/303)
في العضو كله وخصصت بغاية إلى المرافق. فما بعد المرافق خارج بالتخصيص، واختلف في المرافق هل تدخل أم لا؟
قال ابن قدامة: (لا خلاف بين العلماء في وجوب غسل اليدين في الطهارة، وقد نص الله تعالى عليه بقوله سبحانه: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ}
[المائدة: 6]، وأكثر العلماء على أنه يجب إدخال المرفقين في الغسل) (1).
والمثبت مقدم على النافي.
وأيضا، فإن العمل بالخاص في محل خصوصه لا يعارض العمل بالعام في بقية أفراده، والجمع بين الدليلين أولى من ترك أحدهما.
وأيضا، فإن دلالة خبر الاحاد الخاص على محل الخصوص مقطوع بها. فهي أقوى من دلالة العام على محل الخصوص، لذا فإنه يخصص بها فيثبت حكمها في محل الخصوص ويبقى حكم العام في بقية أفراده، إذا فالراجح هو قول الجمهور أن خبر الاحاد يخصص عموم الكتاب والسنّة.
__________
(1) المغني 1/ 172.(1/304)
الباب الرابع قواعد المطلق والمقيد عند الحنابلة واثارها الفقهية
وفيه تمهيد وفصلان:
التمهيد: في تعريف المطلق والمقيد.
الفصل الأول: أحوال المطلق مع المقيد.
الفصل الثاني: اثارها الفقهية.(1/305)
الفصل الثاني: اثارها الفقهية.
التمهيد تعريف المطلق والمقيد
أولا: تعريف المطلق:
المطلق لغة:
الخالي من القيد، وهو اسم مفعول، قال ابن فارس:
(الطاء واللام، والقاف أصل صحيح مطرد واحد، وهو يدل على التخلية والإرسال، يقال: انطلق الرجل ينطلق انطلاقا، ثم ترجع الفروع إليه تقول أطلقته إطلاقا) (1).
واصطلاحا:
ما تناول واحدا غير معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه (2).
فخرج بقولنا ما تناول واحدا ألفاظ الأعداد المتناولة لأكثر من واحد، وخرج العام فإنه دال على اثنين فصاعدا مطلقا.
وبقولنا غير معين خرج المعين وهو المعرفة كزيد ونحوه.
وبقولنا باعتبار حقيقة شاملة لجنسه خرج المشترك والواجب المخير فإنهما يدلان على واحد غير معين باعتبار حقائق مختلفة، ومثاله قوله تعالى:
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3]، وقوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ}
__________
(1) معجم مقاييس اللغة 3/ 420، وانظر: استعمالاته في القاموس المحيط 3/ 267.
(2) شرح الكوكب المنير 3/ 392، وأيضا: روضة الناظر ص 259، والبلبل ص 113، والتحرير للمرداوي ص 94.(1/307)
{وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]، فالرقبة في اية الظهار مطلقة، والأيدي في التيمم مطلقة.
ثانيا: المقيّد:
لغة:
المربوط بالقيد، قال ابن فارس: (القاف والباء والدال كلمة واحدة وهي القيد وهو معروف ثم يستعار في كل ما يحبس يقال قيدته أقيّده تقييدا) (1)، فهو مقيد فيقال بغير مقيد.
واصطلاحا:
(ما تناول معينا أو موصوفا بزائد على حقيقة جنسه) (2).
فالمعين مثل: أعط زيدا، والموصوف بزائد على حقيقة جنسه مثل قول الله تعالى: {فَصِيََامُ شَهْرَيْنِ مُتَتََابِعَيْنِ} [المجادلة: 4].
__________
(1) معجم مقاييس اللغة 5/ 44، وانظر استعمالاته في: القاموس المحيط 1/ 343.
(2) شرح الكوكب المنير 3/ 393، والبلبل ص 114، والتحرير ص 94.(1/308)
الفصل الأول أحوال المطلق مع المقيد
لا يخلو المطلق إذا ورد عليه ما يقيده من الحالات الاتية:
* إما أن يختلف حكم المطلق وسببه عن المقيد.
* وإما أن يختلف حكمهما ويتحد سببهما.
* وإما أن يتحد حكمهما وسببهما.
* وإما أن يتحد حكمهما ويختلف سببهما، وتارة يرد عليه أكثر من مقيد.
لذا فبيانها مرتب على خمسة مباحث:(1/309)
لذا فبيانها مرتب على خمسة مباحث:
المبحث الأول إذا اختلف حكم المطلق وسببه عن المقيد
إذا اختلف حكم المطلق وسببه عن حكم المقيد وسببه فيعمل بالمطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده، ولا تأثير للمقيد على المطلق في تلك الحالة (1)، لأنه لا علاقة بينهما، ولم أجد خلافا بين العلماء في ذلك (2)، بل ذكره القرافي إجماعا (3).
وسوف تأتي الأمثلة عليه في بيان اثاره الفقهية:
__________
(1) العدة 2/ 636، والتمهيد 2/ 179، وروضة الناظر ص 262، وشرح الكوكب المنير ص 395، والتحرير ص 94.
(2) المحصول ج 1ق 3ص 314، ونهاية السول 2/ 140، وإرشاد الفحول ص 166، والمستصفى 2/ 185، وكشف الأسرار 2/ 287، والتلويح على التوضيح 1/ 63، والمعتمد 1/ 312.
(3) شرح تنقيح الفصول ص 266.(1/311)
المبحث الثاني إذا اختلف حكمهما واتحد سببهما
إذا اختلف حكم المطلق عن المقيد واتحد سببهما فلا يحمل المطلق على المقيد بل يبقى المطلق على إطلاقه فلا تأثير للمقيد عليه عند الحنابلة كالمسألة السابقة، ولكن ذكر ابن اللحام أنه يشكل على ذلك إحدى الروايتين عن أحمد: (أنه يحرم وطء المظاهر منها قبل التكفير بالإطعام)، واحتج القاضي في تعليقه لهذه الرواية بحمل المطلق على المقيد، وهذا مخالف لما قرروه من أن اختلاف الحكم مانع من الحمل وإن اتحد السبب (1).
وعندي أن هذا الإشكال غير واقع لأنه ليس من هذا الباب. بل إن من شرط حل وطء المظاهر منها أن يأتي بالكفارة أو لا يجزىء في الكفارة ما ذكر في الاية الكريمة، من العتق، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
والدليل على هذا ما رواه ابن عباس: (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال:
يا رسول الله، إني تظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفّر، فقال: ما حملك على ذلك يرحمك الله، قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر، قال:
__________
(1) القواعد والفوائد الأصولية ص 281.(1/312)
فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله) (1).
فهذا الحديث بيّن أن وطأها لا يحل إلّا بفعل ما أمر الله به والإطعام مما أمر الله به، فقد أمر الله جل وعلا بالعتق، وعند عدم القدرة أمر بصوم شهرين متتابعين، وعند عدم الاستطاعة أمر بإطعام ستين مسكينا، فعموم النص دال عليه (2)، وعليه فلا إشكال في أن المطلق لا يقاس على المقيد إذا اختلف حكمهما واتحد السبب، (لأن القياس من شرطه اتحاد الحكم، والحكم المطلق ههنا مختلف) (3).
وهذا محل وفاق عند العلماء على ما ذكره الامدي حيث قال: (فإن اختلف حكمهما فلا خلاف في امتناع حمل أحدهما على الاخر، وسواء كانا مأمورين أو منهيين أو أحدهما مأمورا والاخر منهيا وسواء اتحد سببهما أو اختلف) (4).
__________
(1) رواه الترمذي 3/ 403، وابن ماجه 1/ 666، وأبو داود 2/ 666.
(2) انظر المسألة في: المغني 11/ 66، و 67، وأيضا في: ص 111110، تحقيق د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو.
(3) روضة الناظر ص 262.
(4) الإحكام في أصول الأحكام 3/ 4.(1/313)
المبحث الثالث إذا اتحد حكمهما وسببهما
إذا اتحد حكم المطلق وسببه مع حكم المقيد وسببه، فمذهب الحنابلة وجمهور العلماء (1) أنه يجب حمل المطلق على المقيد لأنه بيان له، ولأن الأخذ بالزائد أولى، ولأن فيه عملا بكلا الدليلين. وذكر ابن قدامة أن مذهب أبي حنيفة لا يحمل المطلق على المقيد لأن في المقيد زيادة على المطلق والزيادة على النص نسخ ولا سبيل إلى النسخ بالقياس (2)، ولكن في شرح المنار (3)، وفي كشف الأسرار (4) يجب حمل المطلق على المقيد فيها.
وقد بيّن أبو الخطاب هذه الحالة وفصّل القول فيها: فلا يخلو إما أن يكونا أمرين أو يكونا نهيين. فإن كانا أمرين وجب حمل المطلق منهما على المقيد (5)، لأن في ذلك عملا بهما، ولو كان المطلق متواترا والمقيد
__________
(1) العدة 2/ 628، والتمهيد، وروضة الناظر ص 260، والمحصول ج 1ق 3 ص 215.
(2) روضة الناظر ص 261.
(3) شرح المنار ص 185، طبعة إستانبول 1965م.
(4) كشف الأسرار 2/ 290، وبين أن ذلك في عامة كتب الأحناف.
(5) ذكر الفتوحي أن ذلك عند الأئمة الأربعة وغيرهم. شرح الكوكب المنير 3/ 396.(1/314)
احادا (1)، وخالف في ذلك الأحناف لأنهم لا يرون نسخ المتواتر بالاحاد والزيادة على النص نسخ عندهم (وإن كانا نهيين مثل أن يقول: إن حنثتم فلا تكفّروا بالعتق، ثم يقول في موضع اخر: إذا حنثتم فلا تكفروا بعتق كافر.
فإن هذا ينبني على دليل الخطاب، فمن يقول ليس بحجة يقول: لا يجب العتق أبدا لأن النهي يفيد التأييد ولا يخص النهي المقيد لأنه بعضها ما دخل تحته، والشيء لا يخص بذكر بعض ما دخل تحته.
ومن يقول بدليل الخطاب يقول تخصيصه بالكافرة يدل على أنه يجوز أن يكفر بالمسلمة فيخص به اللفظ المطلق ويكون كأنه نهى في الموضعين عن الكافرة ويجعل دليل الخطاب بمنزلة النطق في وجوب الاستعمال) (2).
ومعلوم أن الأحناف يذهبون إلى أن دليل الخطاب ليس بحجة وسوف يأتي بيانه، لكنهم في هذه المسألة لم يذكروا أن مذهبهم عدم حمل المطلق على المقيد في تلك الحالة، بل نصّت كتبهم على وجوب حمل المطلق على المقيد (3).
وهذا التفريع غير لازم لهم وخصوصا مع تصريحهم بمذهبهم، لاحتمال وجود ما يدفعه عندهم، وخصوصا أن البحث ليس في مثال معين، وإنما البحث في القاعدة نفسها، حيث أن المثال يمكن أن يذكر غيره.
وعليه فالذي يظهر لي: أن نسبة القول بعدم حمل المطلق على المقيد في تلك الحالة إلى أبي حنيفة أو إلى الأحناف نسبة غير محققة. بل ما صرح
__________
(1) شرح الكوكب المنير 3/ 396، والمسودة ص 146.
(2) التمهيد 2/ 179178.
(3) انظر: كشف الأسرار 2/ 290، وشرح المنار ص 185، و 187186.(1/315)
به ابن مالك (1) والتفتازاني أن مذهب الأحناف وجوب حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة ونسبه التفتازاني إلى عامة كتب أصحابه (2).
ودفع التوهم عن عبارة البزدوي: (ولا تلتفت إلى ما توهم البعض أن المراد منه نفي الحمل بالكلية وإن كان القيد والإطلاق في حكم واحد في حادثة واحدة، فإن ذلك مخالف للروايات أجمع) (3). ثم ساق تلك الروايات وفيها وجوب حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة.
والتحقيق أن المطلق إذا اتحد مع المقيد في الحكم والسبب وجب حمله على المقيد عند أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم (4)، لأن فيه عملا بالدليلين وذلك أولى من إهمال أحدهما.
__________
(1) شرح المنار ص 185، و 186، و 187، وهو عبد اللطيف بن عبد العزيز الملقّب عز الدين والشهير بابن مالك، من أئمة الأحناف، أصولي محدّث، له عدة مصنفات في علوم عدة، توفي سنة خمس وثمانمائة. الفتح المبين 3/ 50، وشذرات الذهب 7/ 542.
(2) كشف الأسرار 2/ 290.
(3) كشف الأسرار 3/ 289.
(4) شرح الكوكب المنير 3/ 396.(1/316)
المبحث الرابع إذا اتحد حكمهما واختلف السبب
إذا اتحد حكم المطلق مع المقيد واختلف سببهما، فللعلماء في ذلك
ثلاثة أقوال:
القول الأول: يحمل المطلق فيه على المقيد من طريق اللغة
، وهو مذهب الشافعية (1)، ورواية عن الإمام أحمد اختارها القاضي أبو يعلى (2).
القول الثاني: يحمل المطلق فيه على المقيد من طريق القياس
، فإذا سلمت علة القياس بينهما صح قياسه وإلّا فلا يحمل عليه. وهو مذهب أكثر الشافعية (3)، وقال به أبو الحسين البصري (4) واختاره أبو الخطاب (5).
القول الثالث: لا يحمل المطلق على المقيد بل يعمل بالمطلق
على إطلاقه، وهو مذهب الأحناف (6) وأكثر المالكية (7) ورواية عن الإمام أحمد
__________
(1) المحصول ج 1ق 3ص 181180.
(2) العدة 2/ 638، والتمهيد 2/ 181180.
(3) المحصول ج 1ق 3ص 218، والمستصفى 2/ 186.
(4) المعتمد 1/ 313، والتمهيد 2/ 181.
(5) التمهيد 2/ 181.
(6) شرح المنار ص 186، وكشف الأسرار 2/ 287.
(7) الإشارات ص 42، وشرح تنقيح الفصول ص 267، ونشر البنود 1/ 68.(1/317)
اختارها ابن شاقلا وابن تيمية (1).
وإليك الأدلة والمناقشة.
استدل القاضي أبو يعلى للقول الأول الذي اختاره بعدة أدلة، منها:
(أن العرب تطلق الحكم في موضع، وتقيده في موضع، والمراد بالمطلق المقيد يدل عليه قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوََالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرََاتِ} [البقرة: 155]، وكذلك قوله تعالى:
{وَالْحََافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحََافِظََاتِ وَالذََّاكِرِينَ اللََّهَ كَثِيراً وَالذََّاكِرََاتِ}
[الأحزاب: 35]، وتقديره والحافظات فروجهن والذاكرات الله كثيرا.
وكذلك قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمََالِ قَعِيدٌ (17)} [ق: 17]، وتقديره عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد.
وكذلك قول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف (2)
يعني بما عندنا راضون.
وقال اخر:
وما أدري إذا يممت أرضا ... أريد الخير أيهما يليني (3)
يعني: أريد الخير وأتوقى الشر) (4).
__________
(1) المسودة ص 145، وانظر: العدة 2/ 638، والتمهيد 2/ 180.
(2) نسبه سيبويه في كتابه 1/ 3837، للشاعر قيس بن الخطيم ونسبه البغدادي في خزانة الأدب 4/ 283إلى عمرو بن امرىء القيس.
(3) البيت من قصيدة للشاعر المثقف العبدي ومطلعها: أفاطم قبل. خزانة الأدب 4/ 9، والشعر والشعراء 1/ 396.
(4) العدة 2/ 640، 641، 642.(1/318)
واعترض على ذلك بعدة اعتراضات
، منها:
أن المطلق حمل على المقيد في ما ذكر لأن المطلق غير مستقل ولا مفيد بنفسه، وليس ذلك من مسألة الخلاف لأن المطلق فيها مفيد مستقل بنفسه، ولأنه معطوف على المقيد فأخذ حكمه لأجل العطف (1).
ورد القاضي على تلك الاعتراضات
بأجوبة (2) لا تسلم من المناقشة.
واستدل أبو الخطاب للقول الثاني:
بأنه يحمل عليه إذا دل على ذلك القياس ولا يحمل عليه بدونه، بعدة أدلة منها:
(أن المطلق يقتضي العموم، وتخصيص العموم جائز بالقياس، ولأن من منع تقييد المطلق بالقياس لا يخلو أن يكون منعه لأجل أن التخصيص لا يتأتى في العين الواحدة، وهذا عين واحدة. وهذا غلط لأن المطلق يشتمل على جميع صفات الشيء وأحواله، أو لأن القياس ليس بدليل، أو دليل لا يخصص العموم) (3)، وأحال كل واحد منها إلى موضع تفصيله ثم قال:
(أو لأن الله تعالى استوفى حكم المطلق ونحن لا نسلم ذلك ونقول الدليل على صحة علة القياس يدل على أنه سبحانه وتعالى لم يستوف حكم المطلق بهذا الكلام) (4).
واعترض على ذلك:
بأن في قياس المطلق على المقيد قياس منصوص على منصوص، وقياس المنصوصات بعضها على بعض لا يجوز، لأنها قد استغنت بدخولها تحت النص عن القياس على غيرها، ولهذا لم يجز قياس
__________
(1) التمهيد 2/ 184.
(2) العدة 2/ 644642.
(3) التمهيد 2/ 187.
(4) التمهيد 2/ 187.(1/319)
التيمم على الوضوء في إيجاب مسح الرأس والقدمين، ولا قياس السارق على المحارب في قطع رجله، ولا قياس كفارة القتل على الظهار في إيجاب الإطعام، لأن كل واحد من ذلك منصوص عليه.
وأجيب عليه: بأن هذا قياس المسكوت عنه على المنطوق به، وذلك جائز لا يفضي إلى إسقاط شيء بل يفضي إلى إعمال كلا النصين، وإعمالهما أولى من إهمال أحدهما. والمنطوق به هو الوصف المصرح به في المقيّد.
واستدل القائلون بأنه لا يحمل على المقيد بما يلي:
1 - بأن حمل المطلق على المقيد قياس (1) يوجب زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ والنسخ لا يثبت بالقياس.
واعترض عليه: بعدم التسليم بأن الزيادة على النص نسخ وبعدم التسليم بأنه يوجب الزيادة بل يفيد النقصان فهو تخصيص لا نسخ (2).
2 - أن المراد الشرعي في المقيد قد لا يكون مرادا في المطلق، وفي حمله على المقيد مخالفته لمراد الشارع فوجب العمل به على إطلاقه لأن هذا ليس من هذا (3).
وذكر الإمام أحمد رضي الله عنه أمثلة على ذلك عند ما سأله أبو الحارث: أليس التيمم بدلا عن الوضوء والوضوء إلى المرفقين؟ فقال:
إنما قال الله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [المائدة: 6]، ولم يقل إلى المرفقين، وقال في الوضوء: {إِلَى الْمَرََافِقِ} [المائدة: 6]، وقال:
__________
(1) كشف الأسرار 2/ 293.
(2) العدة ص 2، والإحكام في أصول الأحكام 3/ 8.
(3) انظر: شرح المنار ص 186.(1/320)
{وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} [المائدة: 38]، فمن أين تقطع يد السارق؟ من الكف) (1).
والراجح عندي: أنّ المطلق لا يحمل على المقيد في هذه الحالة إلّا إذا دل القياس الصحيح عليه، لأن العمل بالنص على إطلاقه لا يحتاج إلى دليل، أما صرفه عنه إلى معنى المقيد فيحتاج إلى دليل، فإن دل القياس الصحيح عليه حمل على المقيد وإلّا فلا.
__________
(1) العدة 2/ 638، و 639.(1/321)
المبحث الخامس إذا تواردت مقيدات متنافية على مطلق واحد
إذا توارد أكثر من مقيد على مطلق واحد وكانت المقيدات متنافية،
فللعلماء في ذلك قولان:
الأول: أن المطلق يبقى على إطلاقه
لأن حمله على أحد القيدين ليس بأولى من حمله على الاخر. وبه قال الأحناف ومن وافقهم في المسألة السابقة (1)، وأيضا من حمله على اللغة فيها وهو مذهب القاضي أبي يعلى (2).
الثاني: أن المطلق يحمل على ما كان القياس عليه أولى من القياس على الاخر
، فإن تساوت تساقطت، وقال به القائلون بالقياس في المسألة السابقة (3)، وهو مذهب أبي الخطاب (4).
__________
(1) كشف الأسرار 2/ 297، والمسودة ص 145.
(2) العدة 2/ 637236.
(3) المحصول ج 1ق 3ص 223.
(4) التمهيد 2/ 188.(1/322)
الفصل الثاني الأمثلة الفقهية لأحوال المطلق مع المقيد
وفيه مباحث:
المبحث الأول: الأمثلة الفقهية لاختلاف المطلق عن المقيد في الحكم والسبب.
المبحث الثاني: الأمثلة الفقهية لاختلاف المطلق عن المقيد في الحكم دون السبب.
المبحث الثالث: الأمثلة الفقهية لاتحادهما في الحكم والسبب.
المبحث الرابع: الأمثلة الفقهية لاتحادهما في الحكم واختلافهما في السبب.
المبحث الخامس: الأمثلة الفقهية لتوارد مقيدات متنافرة على مطلق واحد.(1/323)
المبحث الخامس: الأمثلة الفقهية لتوارد مقيدات متنافرة على مطلق واحد.
المبحث الأول الأمثلة الفقهية لاختلاف المطلق عن المقيد في الحكم والسبب.
تقرر فيما سبق أن المطلق لا يحمل على المقيد إذا اختلفا في الحكم والسبب بلا خلاف.
والأمثلة الفقهية على ذلك كثيرة منها:
1 - قطع يد السارق ورد مطلقا في قوله تعالى: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} [المائدة: 38]، لا يحمل على الأيدي في الوضوء حيث وردت مقيدة بالمرافق في قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ} [المائدة: 6] لاختلافهما في الحكم والسبب.
2 - قضاء الصوم ورد مطلقا في قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ}
[البقرة: 182]، وقضاء الصلاة ورد مقيدا في قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» (1)، ولا يحمل المطلق على المقيد.
__________
(1) رواه أنس، وأخرجه البخاري 1/ 215برقم 572، ومسلم 2/ 142.(1/325)
المبحث الثاني الأمثلة الفقهية لاختلافهما في الحكم دون السبب
تبين لنا أن المطلق لا يحمل على المقيد في هذه الحالة.
والأمثلة الفقهية على ذلك:
1 - ورد في كفارة الظهار إطعام ستين مسكينا مطلقا من التتابع ورد الصيام فيها مقيدا بالتتابع، فلا يحمل المطلق على المقيد لاختلافهما في الحكم.
2 - إذا قال لله عليّ أن أتصدق ثم أصوم ثلاثة أيام، فلا تحمل الصدقة حيث وردت مطلقة على الصيام حيث قيّده بثلاثة أيام لأن الحكم مختلف مع أن السبب واحد وهو النذر.(1/326)
المبحث الثالث الأمثلة الفقهية لاتحادهما في الحكم والسبب
إذا اتحدا في الحكم والسبب فيحمل المطلق على المقيد كما تبين لك.
والأمثلة على ذلك:
أن عقد النكاح (لا ينعقد إلّا بشهادة مسلمين، سواء كان الزوجان مسلمين أو الزوج وحده، وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة: إذا كانت المرأة ذمية صح بشهادة ذميين، قال أبو الخطاب: ويتخرج لنا مثل ذلك مبنيّا على الرواية التي تقول بقبول شهادة بعض أهل الذمة على بعض، ولنا قوله عليه السلام: «لا نكاح إلّا بولي وشاهدي عدل» (1)، ولأنه نكاح مسلم فلم ينعقد بشهادة ذميين كنكاح المسلمين) (2).
فقوله صلى الله عليه وسلّم في هذه الرواية: «وشاهدي عدل»، مقيد للرواية المطلقة:
__________
(1) رواه ابن مسعود وابن عمر وعائشة، وأخرجه الدارقطني 3/ 226225، وفي بعض طرقه ضعف.
(2) المغني 9/ 348.(1/327)
«لا نكاح إلّا بولي» (1)، والمطلق يحمل على المقيد، أما عند الأحناف فلا تشترط العدالة لأدلة أخرى ولأن الحديث لم يثبت عندهم (2)، وليس كما ذكر الزنجاني في تخريج الفروع على الأصول (3).
2 - لا يجب على السيد إخراج زكاة الفطر عن الأمة والعبد الكافرين، لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فرض زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حرّ وعبد ذكر أو أنثى من المسلمين، متفق عليه (4)، وهذا مقيد للمطلق الوارد في الرواية الاخرى عن ابن عمر: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم صدقة الفطر أو قال رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير قال: فعدل الناس به نصف صاع من بر على الصغير والكبير) (5).
وقد حمل المطلق في هذه الرواية على المقيد، حيث قيد الوجوب بالمسلمين في الرواية الأولى لاتحادهما في الحكم والسبب (6).
__________
(1) رواه أبو موسى. أخرجه الترمذي 3/ 407، وأبو داود 2/ 568، وابن ماجه 1/ 605.
(2) بدائع الصنائع 2/ 255250.
(3) تخريج الفروع على الأصول ص 262.
(4) البخاري 2/، ومسلم 2/ 2/ 547برقم 1433، ومسلم 3/ 68.
(5) البخاري 2/ 549برقم 1440، ومسلم 3/ 68.
(6) انظر: المغني 4/ 284283.(1/328)
المبحث الرابع الأمثلة الفقهية لاتحادهما في الحكم واختلافهما في السبب
تبين لك مذاهب العلماء في حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة.
وإليك الأمثلة على ذلك:
1 - العتق ورد مطلقا في كفارة اليمين وفي كفارة الظهار، وورد مقيدا بأن تكون الرقبة مؤمنة في كفارة القتل، قال ابن رشد في كفارة اليمين:
(المسألة السابعة: وهي اشتراط الإيمان في الرقبة أيضا فإن مالكا والشافعي اشترطا ذلك وأجاز أبو حنيفة أن تكون الرقبة غير مؤمنة، وسبب اختلافهم هو هل يحمل المطلق على المقيد في الأشياء التي تتفق في الأحكام وتختلف في الأسباب) (1).
وقد تبيّن لنا أن للحنابلة روايتين في حمل المطلق على المقيد في تلك الحالة، وبناء على ذلك فلهم فيما يتفرع عليه من مسائل الفقه روايتان.
قال ابن قدامة في كفارة الظهار: (إنه لا يجزئه إلّا عتق رقبة مؤمنة في كفارة الظهار وسائر الكفارات، هذا ظاهر المذهب، وهو قول الحسن
__________
(1) بداية المجتهد 1/ 419، وأخطأ رحمه الله بعد ذلك عندما ذكر أن كفارة الظهار جاءت مقيدة بالإيمان، والصواب أنها كفارة القتل.(1/329)
ومالك والشافعي وإسحاق وأبي عبيد، وعن أحمد رواية ثانية أنه يجزىء فيما عدا كفارة القتل من الظهار وغيره عتق رقبة ذمية وهو قول عطاء والنخعي والثوري وأبي ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لأن الله تعالى أطلق الرقبة في هذه الكفارة فوجب أن يجزىء ما تناوله الإطلاق) (1).
__________
(1) المغني 7/ 359.(1/330)
المبحث الخامس الأمثلة الفقهية على توارد القيود المتنافرة على مطلق واحد
تبين لنا في الفصل السابق رأي العلماء في ذلك.
ومن أمثلته الفقهية:
1 - قضاء صوم رمضان، ورد مطلقا في قول الله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، فهل يجب فيه التتابع حملا له على الصوم في كفارة الظهار أو التفريق حملا له على صوم المتمتاع في الحج، فقد ورد عليه قيدان متنافران، قال أبو يعلى: (فإنما يحمل المطلق على إطلاقه ولا شيء على واحد منهما لأنه ليس حمله على أحدهما بأولى من حمله على الاخر) (1).
(وقد قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن قضاء رمضان قال: إن شاء فرق وإن شاء جمع) (2)، فعمل بالمطلق على إطلاقه، فإن قضاه متتابعا أجزأه وإن قضاه متفرقا أجزأه والتتابع أحسن (3)، وأما أبو الخطاب فقال: (نحمله
__________
(1) العدة 2/ 637.
(2) مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص 95.
(3) المغني 4/ 409408، والمقنع ص 65، وشرح منتهى الإرادات 1/ 456.(1/331)
على أحد التقييدين إذا كان بالقياس عليه أولى من القياس على الاخر) (1)، ولم يبين أيهما أولى ولم يذكر له في كتب الفقه مخالفة.
__________
(1) التمهيد 2/ 188.(1/332)
الباب الخامس قواعد المجمل والمبين عند الحنابلة واثارها الفقهية
وفيه: تمهيد وفصلان التمهيد: في تعريف المجمل والمبين والبيان.
الفصل الأول: في قواعد المجمل واثارها الفقهية.
الفصل الثاني: في قواعد المبين واثارها الفقهية.(1/333)
الفصل الثاني: في قواعد المبين واثارها الفقهية.
التمهيد في تعريف المجمل والمبين والبيان
أولا: المجمل:
المجمل لغة:
المجموع، يقال: جملت الشيء إذا جمعته، وأجمل الحساب، أي: جمعه (1).
واصطلاحا:
قال القاضي: (وأما المجمل ما لا ينبىء عن المراد بنفسه ويحتاج إلى قرينة تفسره، أو لا يعرف معناه من لفظه وهو أصح) (2).
وقال أبو الخطاب: (أما المجمل فهو كل لفظ لا يعرف معناه منه) (3)
فعبارتهم فيه متقاربة.
وقال ابن قدامة: (المجمل هو ما لا يفهم منه عند الإطلاق معنى) (4)، والأولى أن يقول معناه المراد حيث أن قوله: {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلََاةَ}
[الأنعام: 72]، يفهم منه الأمر ولكن لا يفهم كيفية إقامة الصلاة وهو المعني المأمور به والمراد.
__________
(1) مقاييس اللغة 1/ 481، والقاموس المحيط 3/ 362.
(2) العدة 1/ 143142.
(3) التمهيد 1/ 9.
(4) الروضة ص 180.(1/335)
وقال الفتوحي: (ما تردد بين محتملين فأكثر على السواء) (1). وأرى أن هذا التعريف يصدق على المتشابه وهو جزء من المجمل، لأن المجمل قد يكون له معنى واحد لكنه مبهم فيحتاج إلى إيضاح وبيان.
وتعريف العلماء نحوا مما سبق (2).
ثانيا: المبين:
المبيّن لغة:
الموضّح، من بان الشيء بيانا اتضح فهو بيّن، ويقال:
أبان الشيء فهو مبين. وأبنته: أوضحته، واستبان الشيء ظهر، واستبنته عرفته، واستبان الشيء ظهر (3).
واصطلاحا:
عرّفوه بأنه ضد المجمل، أي: ما عرف معناه من لفظه أو من دليل غيره، فما عرف معناه من لفظه فهو البين ابتداء، وما عرف معناه من دليل غيره فهو المبين بعد أن كان مجملا.
قال الامدي: (أما المبين فقد يطلق ويراد به ما كان من الخطاب المبتدأ المستغني بنفسه عن بيان. وقد يراد به ما كان محتاجا إلى البيان وقد ورد عليه بيانه، وذلك كاللفظ المجمل إذ بين المراد منه) (4).
ثالثا: البيان:
البيان لغة:
الإظهار والإيضاح، ومنه الفصاحة واللّسن، وكلام بيّن،
__________
(1) شرح الكوكب المنير 3/ 414.
(2) راجع: الحدود للباجي ص 45، والمستصفى 1/ 345، والتعريفات للجرجاني ص 108، والمحصول ج 1ق 3ص 231، والبرهان 1/ 419، وكشف الأسرار 1/ 54، وشرح تنقيح الفصول ص 37، والإحكام للامدي 3/ 9.
(3) لسان العرب 16/ 215214.
(4) الإحكام في أصول الأحكام للامدي 3/ 34.(1/336)
أي: فصيح، والبيان الإفصاح مع ذكاء، والبيّن من الرجال هو الفصيح (1).
واصطلاحا:
إظهار المعنى وإيضاحه للمخاطب مفصلا مما يلتبس به ويشتبه من أجله (2).
وقال أبو بكر الصيرفي: (البيان إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي) (3)، واختاره أبو بكر من أصحابنا (4).
ولكن هذا التعريف يرد عليه أن البيان المبتدأ ليس فيه إخراج من الإشكال ويسمى بيانا، ويرد عليه أن الحيّز للأجسام وفي إطلاقه على المعاني تجوز.
وقيل: هو الدلالة لأن البيان يقع بها. قال أبو يعلى: (وهو ظاهر كلام أبي الحسن التميمي، فإنه قال في جزء وقع إلي من كلامه: باب في البيان، ثم قال: البيان عن الشيء يجري مجرى الدلالة.
وهذا أيضا فيه خلل، لأن من الدلائل ما لا يقع به البيان كالمجمل ونحوه) (5).
والتعريف الأول أولى لأن أصله في اللغة كذلك.
__________
(1) لسان العرب 16/ 216215.
(2) العدة 1/ 100، وقريبا منه في التمهيد 1/ 58.
(3) المنخول ص 63، والمستصفى 1/ 365، وإرشاد الفحول ص 168.
(4) العدة 1/ 105، والتمهيد 1/ 59.
(5) العدة 1/ 106.(1/337)
الفصل الأول قواعد المجمل عند الحنابلة واثارها الفقهية
وفيه مباحث:
المبحث الأول: لا بدّ للعمل بالمجمل من بيان.
المبحث الثاني: أوجه الإجمال في القران والسنّة.
المبحث الثالث: أسباب الإجمال.(1/339)
المبحث الثالث: أسباب الإجمال.
المبحث الأول لا بدّ للعمل بالمجمل من بيان
المطلب الأول: حكم العمل بالمجمل:
حكم المجمل التوقف عن العمل بما فيه حتى يتبين المراد منه، فلا يجوز العمل بأحد احتمالاته إلّا بعد الدليل المبين له (1) لأن من شروط التكليف: علم المكلف بما كلف به (حيث مقتضى التكليف الطاعة والامتثال ولا تمكن إلّا بقصد الامتثال وشرط القصد العلم بالمقصود) (2).
والمجمل مبهم فيتوقف عن العمل بما فيه حتى يتبين المراد منه، ويلزم البحث عن بيانه لأن البيان لا يتأخر عن وقت الحاجة وسيأتي تفصيل ذلك.
أما (3) إن كان له دلالة اعتقادية أو دلالة على حكم الفعل المأمور به فنؤمن بدلالته ولا نتوقف فيها لقوله تعالى: {وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ امَنََّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنََا} [ال عمران: 7]، ومثال ما له دلالة على حكم المطلوب قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَاتُوا الزَّكََاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرََّاكِعِينَ} [البقرة: 43]،
__________
(1) روضة الناظر ص 181، وشرح الكوكب المنير 3/ 414، وشرح المنار ص 105، والمحصول ج 1ق 3ص 331.
(2) روضة الناظر ص 47.
(3) هذا أمر مهم يجب الانتباه له وخصوصا أن أكثر العلماء لم ينبه له في هذا الموضع.(1/341)
فإنها تدل على وجوب الصلاة ووجوب الزكاة، فنؤمن بذلك ثم نبحث عن البيان، وقد جاء بيان الصلاة والزكاة في أقوال النبي صلى الله عليه وسلّم وأفعاله، فنعمل ما أمرنا به على الصفة التي بيّنات لنا من دون زيادة أو نقصان.
وللإجمال قبل البيان فوائد، منها:
1 - أن ذلك أوقع في النفس لما فيه من تهيئتها للأمر المراد.
2 - أنه أدعى إلى كمال الامتثال، فإذا تهيئت النفوس بمعرفة الحكم إجمالا كان ذلك دافعا لها على الامتثال بإقبال وإتقان.
3 - أنه أبلغ في التأكيد. فإذا جاء الحكم مجملا ثم جاء مفصلا ومبينا فإن ذلك أبلغ في التأكيد من مجرد التكرار أو غيره من أساليب التوكيد، لأنه تأكيد وبيان.
4 - أن في ذلك يسر على هذه الأمة. فقد أراد الله جل وعلا بنا اليسر في كل الأمور، قال تعالى: {يُرِيدُ اللََّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلََا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}
[البقرة: 185]، وقال تعالى: {وَمََا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}
[الحج: 78]، ومن اليسر أن يأتي البيان بعد الإجمال ليفصل لنا حكم المطلوب في حالة قوتنا وحالة ضعفنا ويبين لنا ما نأثم بتركه، منه وما لا نأثم بتركه، وما هو شرط في صحته عما ليس بشرط، حتى لا نقع في حرج أو عنت، فالحمد لله على نعمه ولطفه.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
يتفرع على هذه المسألة فروع فقهية، منها:
1 - من قال كلاما مجملا يحتمل الكفر ويحتمل الفسق ويحتمل الجهل، فإنه يتوقف عن الحكم عليه حتى يتبين مقصوده، فإذا تبين مقصوده من كلامه حكم عليه بما يترتب على بيانه.
2 - من أقرّ لشخص بشيء طلب منه بيان ذلك الحق وألزم بأدائه.(1/342)
1 - من قال كلاما مجملا يحتمل الكفر ويحتمل الفسق ويحتمل الجهل، فإنه يتوقف عن الحكم عليه حتى يتبين مقصوده، فإذا تبين مقصوده من كلامه حكم عليه بما يترتب على بيانه.
2 - من أقرّ لشخص بشيء طلب منه بيان ذلك الحق وألزم بأدائه.
قال في العدة شرح العمدة: (ومن أقر بشيء مجمل قبل تفسيره بما يحتمله) (1)، أما إذا لم يبين، فقد قال صاحب الفروع: (فإن أبى، فقيل ببينة المقر له فإن صدقه ثبت وإلّا جعل ناكلا وحكم عليه. والأشهر إن أبى حبس حتى يقر، ويقبل تفسيره بحق شفعة أو أقل مال لا بمبينة وخمر) (2)، وفي الإنصاف: (إذا قال له على شيء أو كذا، قيل له: فسر، فإن أبى حبس حتى يفسر، وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب) (3).
__________
(1) العدة شرح العمدة ص 664.
(2) الفروع 6/ 634، وانظر المسألة في: المغني 5/ 187.
(3) الإنصاف 12/ 204.(1/343)
المبحث الثاني أوجه الإجمال في القران والسنّة
وفيه مطالب:
الأول: أوجه الإجمال في القران والسنّة.
الثاني: اثارها الفقهية.
الثالث: مواضع توهم فيها الإجمال، ولا إجمال.
الرابع: اثارها الفقهية.
المطلب الأول: أوجه الإجمال في القران والسنّة:
الإجمال في القران والسنّة أتى على عدة أوجه، إليك بيان تلك الأوجه والأنواع:
1 - إجمال في حرف:
مثل قوله تعالى: {وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ امَنََّا بِهِ} [ال عمران: 7]، فالإجمال هنا في الواو هل تقتضي الاستئناف أو تقتضي العطف.
2 - إجمال في اسم:
مثل «القرء» اسم يطلق على الحيض وعلى الطهر، ومثل: «العين» اسم يطلق على الباصرة والجارية ومهد الذهب، ومثل: لفظ الصلاة والزكاة.(1/344)
3 - إجمال في تركيب،
مثل قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكََاحِ} [البقرة: 237] فيحتمل الزوج ويحتمل الولي. ومثل قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره) (1)، فمرجع الضمير في جداره يحتمل أن يعود إلى الجار الذي يريد أن يغرز، ويحتمل أن يعود إلى الجار المخاطب، فهذا إجمال في التركيب.
وقد ذكر الفتوحي (2) وغيره تلك الأوجه مع أسباب الإجمال، مع أن الأسباب توضح سبب الإجمال في الحرف أو الاسم أو التركيب، وسوف يأتي بيان الأسباب (3). وقد قسم الرازي المجمل تقسيما اخر، فقال: (أما اللفظ فإما أن يحكم عليه بالإجمال حال كونه مستعملا في موضوعه، أو حال كونه مستعملا في بعض موضوعه، أو كونه مستعملا لا في موضوعه ولا في بعض موضوعه) (4)، ثم مثّل لكل قسم.
* ومنهج الحنابلة هو من منهج المتكلمين الذي يتميز عن منهج الأحناف، حيث قسم الأحناف ما لم يظهر معناه إلى أربعة أقسام، هي:
أقسام ما لم يظهر معناه عند الأحناف:
1 - الخفي:
وهو (ما خفي مراده بعارض غير الصيغة) (5)، ومثّلوا له بقوله تعالى: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} [المائدة: 38]، دلالته على قطع الطرار والنبّاش، دلالة خفية.
__________
(1) رواه أبو هريرة رضي الله عنه. أخرجه البخاري 2/ 869برقم 2331، ومسلم 5/ 57.
(2) شرح الكوكب 3/ 416415.
(3) انظر: ص 356.
(4) المحصول ج 1ق 3ص 233.
(5) شرح المنار ص 102، وكشف الأسرار 1/ 52.(1/345)
2 - المشكل:
وهو (الداخل في أشكاله) (1) أي: أمثاله كقوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنََّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، فقالوا: كلمة أنّى مشتركة بين معنيين فتأتي بمعنى من أين، مثل: {أَنََّى لَكِ هََذََا} [ال عمران: 37]، وتأتي بمعنى كيف مثل: {أَنََّى يُحْيِي هََذِهِ اللََّهُ بَعْدَ مَوْتِهََا} [البقرة: 259]، أي: كيف. فتأملنا في معناها في هذه الاية فظهر أنه بمعنى كيف بقرينة الحرث.
3 - المجمل:
هو (ما ازدحمت فيه المعاني واشتبه المراد اشتباها لا يدرك بنفس العبارة) (2)، ومثّلوا له بقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَاتُوا الزَّكََاةَ} [البقرة: 43].
4 - المتشابه:
وهو (ما انقطع رجاء معرفة المراد منه) (3)، فلا يعلم تأويله إلّا الله، ومثّلوا له بصفة اليد والوجه. فيجب اعتقاد ثبوتها وإن لم تعرف الكيفية، وتلك الأقسام الأربعة مرتبة عندهم في إبهام المراد منها.
فالخفي أدناها والمتشابه أشدها في الخفاء.
أما الحنابلة والشافعية والمالكية، فالمجمل يشمل عندهم كل تلك الأقسام ولم يفصلوا كما فصل الأحناف.
المطلب الثاني: اثارها الفقهية:
يترتب على ذلك اثار فقهية، منها:
1 - هل الاعتداد في عدة الطلاق بالأطهار أو بالحيض؟ خلاف بين
__________
(1) شرح المنار ص 103، وكشف الأسرار 1/ 52.
(2) شرح المنار ص 105104، وكشف الأسرار 1/ 54.
(3) شرح المنار ص 106105، وكشف الأسرار 1/ 55، والتلويح 1/ 126، و 127.(1/346)
العلماء في ذلك مرجعه إلى الإجمال في لفظ القروء في قوله تعالى:
{وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ وَلََا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مََا خَلَقَ اللََّهُ فِي أَرْحََامِهِنَّ} [البقرة: 228]، وقد سئل الإمام أحمد عن ذلك، قال عبد الله:
(سألت أبي عن الأقراء الأطهار أم الحيض؟ فقال: فيه اختلاف عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم) (1).
ولذلك فعنه روايتان في ذلك:
الأولى: أنها الحيض، وبه قال عدد من الصحابة والتابعين وهو اختيار أصحابنا (2)، وبه قال الأحناف (3).
الثانية: أنها الأطهار، وهي رواية قديمة له (4)، وهو مذهب مالك والشافعي وجمهور أهل المدينة (5).
2 - إذا طلق قبل الدخول وقد فرض لها صداقا فلها نصفه، ويحل لها جميعه إذا أذن الزوج بناء على أنه المراد بقوله: {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكََاحِ} [البقرة: 237].
قال ابن قدامة: (والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح، فإذا طلق قبل الدخول فأي الزوجين عفا لصاحبه عما وجب له من المهر وهو جائز لأمر في ماله، برىء منه صاحبه، وكمل له الصداق جميعه.
__________
(1) مسائل الإمام أحمد، رواه عبد الله ص 378.
(2) المغني 7/ 452، والروايتين والوجهين 2/ 209، قال به أبو بكر وعثمان وعلي وابن عباس وسعيد بن المسيب والثوري والأوزاعي رحمهم الله.
(3) بدائع الصنائع 3/ 193192.
(4) المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين 2/ 208، قالت به عائشة، وقال به زيد وابن عمر وسليمان بن نصار وعمر بن عبد العزيز.
(5) الأم 5/ 224، وبداية المجتهد ص 89.(1/347)
وعنه: ما يدل على أن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب، فيصبح عفوه عن نصف مهر بنته البكر التي لم تبلغ إذا طلقت قبل الدخول، لأن الذي بيده عقدة النكاح عند الطلاق هو الولي، ولأن الله خاطب الأزواج بخطاب المواجهة)، ثم قال: {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكََاحِ} [البقرة: 237]، وهذا خطاب غائب فاعتبرنا هذه الشروط، لأن الأب يلي مالها في صغرها دون غيره ولا يليه في كبرها، ولا يملك تزويجها إلّا إذا كانت بكرا ولم تكن ذات زوج (1).
المطلب الثالث: مواضع توهم فيها الإجمال ولا إجمال:
وفيه عدد من المسائل: نبحث في كل مسألة موضعا من المواضع التي اختلف في إجمالها، ومن خلال البحث يتبين لنا سبب الوهم فيها.
المسألة الأولى: التحريم إذا أضيف إلى الأعيان:
إذا أضيف التحريم إلى الأعيان مثل قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}
[المائدة: 3]، وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ} [النساء: 23]، فليس بمجمل عند الأكثر (2)، وقال الكرخي وأبي عبد الله البصري (3) والقاضي أبو يعلى (4): أن ذلك مجمل لأن تحريم الأعيان لا يصح، وإنما يحرم أفعالنا في العين فيجب التوقف حتى تبين الفعل المحرم.
وبين أبو الخطاب والموفق ابن قدامة وابن تيمية والامدي وغيرهم من
__________
(1) الكافي 3/ 104103.
(2) شرح الكوكب المنير 3/ 419.
(3) الإحكام للامدي 3/ 12.
(4) العدة 1/ 145.(1/348)
العلماء (1)، أن ذلك ليس بمجمل لأن السامع يفهم أن التحريم المضاف إلى الميتة هو الأكل والمضاف إلى النساء هو الوطء والاستمتاع، فهذا ظاهر ومعروف عنده بعرف الاستعمال. واللغة تتضمن الوضع الأصلي، والاستعمال العرف وكلاهما ينتفي بهما الإجمال.
فتبين أن سبب وهم الأئمة الذين قالوا بإجمالها، هو عدم نظرهم إلى الاستعمال العرفي، مع أنه مصدر من مصادر اللغة.
وأما قول القاضي: (وقد أومأ إليه أحمد رحمه الله أيضا في كتاب طاعة الرسول فقال: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}
[المائدة: 3]، وقال: (قال: لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلّا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير)، فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير دلّت على أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أن الاية ليست على ظاهرها (2).
فأرى أن هذا لا يدل على ما ذهب إليه القاضي، وقد قال ابن تيمية متعقبا للقاضي: (ذكر عنه كلاما لا يدل عندي على ما قال بل على خلافه) (3)، وكلام الإمام أحمد إنما هو في العموم وأن السنّة تخصص العموم.
وكلام القاضي في هذا الموضع من العدة يتعارض مع قوله في باب البيان: (وأما ما يمكن استعماله على ظاهره وحقيقته فلا يحتاج إلى البيان إلّا أن يريد به المخاطب بعض ما انتظمه، أو كان مراده غير حقيقته فيحتاج إلى
__________
(1) التمهيد 2/ 230، وروضة الناظر ص 181، والمسودة، والإحكام 3/ 12.
(2) العدة 1/ 147145.
(3) المسودة ص 91.(1/349)
بيان المراد به، نحو قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، وقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللََّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ} [النساء: 23]، فهذه الألفاظ معانيها معقولة ظاهرة فهي غير مفتقرة إلى بيان (1)، وعليه فليست مجملة، إذ لو كانت مجملة لاحتاجت إلى بيان.
وأيضا عند مناقشته لتعريف الصيرفي للبيان، قال في الخطاب المبتدأ:
(إذا كان ظاهر المعنى بين المراد فهو بيان صحيح وإن لم يشتمل عليه هذا الوصف (2)، ألا ترى أن قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ} [النساء: 23]، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] قد حصل البيان به وإن لم يكن قبل ظهور ذلك إشكال أخرجه إلى التجلي) (3)، فهل ذلك اضطراب وسهو من أبي يعلى أم أنه قول اخر له؟
المسألة الثانية: لا إجمال في قول الله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ}
[المائدة: 6]، هذا هو قول أكثر العلماء (4) لأنه ظاهر في مسح جميع الرأس والباء تفيد الإلصاق، وعليه فلا إجمال فيها.
وقال بعض الأحناف إنها مجملة، ذكر ذلك ابن عبد الشكور وابن الهمام فقالا: (لا إجمال في {وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ} خلافا لبعض
__________
(1) العدة 1/ 110.
(2) يرجع إلى الوصف الذي ذكره الصيرفي وهو [إخراج الشيء من حيّز الإشكال إلى حيّز التجلي].
(3) العدة 1/ 106.
(4) شرح الكوكب المنير 3/ 423.(1/350)
الحنفية) (1) حيث قالوا بأنه يحتمل مسح جميع الرأس ويحتمل بعضه، وهذا غير مسلم لأنه ظاهر في مسح جميع الرأس، لأن الباء للإلصاق والرأس حقيقة في جميع الرأس لا بعضه، فكان ذلك مقتضيا لمسح جميع الرأس، وإلى جانب ذلك دلالة العرف في الاستعمال. وعليه، فلا وجه للقول بالإجمال.
وقد نسب أبو الخطاب (2) والفتوحي (3) القول بالإجمال إلى أصحاب أبي حنيفة، والصحيح أنه قول بعض الأحناف كما تبين لك.
المسألة الثالثة: لا إجمال في اية السرقة:
قال الله تعالى: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا} [المائدة: 38]، قال أكثر العلماء: لا إجمال فيها، لأن اليد مجاز في الكف، وحدّه الكوع، واستعمال المجاز صحيح إذا قام الدليل على أنه المراد دون الحقيقة، وهو معلوم وظاهر للمخاطب فلا إجمال فيه، لكن العدول عن الحقيقة إليه يحتاج إلى دليل، وقد دل الدليل عليه وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلّم (4)، وإجماع الصحابة عليه (5)، وقال بعض العلماء (6): فيها إجمال في اليد وفي القطع لأن اليد تطلق على ما هو إلى الكوع وعلى ما هو إلى المرفق، وعلى ما هو إلى
__________
(1) مسلم الثبوت 2/ 35، وتيسير التحرير 1/ 167.
(2) التمهيد 2/ 232.
(3) شرح الكوكب 3/ 423.
(4) بفعله «صلى الله عليه وسلّم» في سارق رداء صفوان بن أمية أنه أمر بقطعه من المفصل، سنن الدارقطني 3/ 205، وعن عبد الله بن عمرو قال: قطع النبي صلى الله عليه وسلّم سارقا من المفصل. الدراية بتخريج أحاديث الهداية 2/ 111.
(5) المغني 10/ 264.
(6) التمهيد 2/ 236، وشرح الكوكب 3/ 425، والإحكام في أصول الأحكام 3/ 19.(1/351)
المنكب، والمراد غير معلوم من النص فهو مجمل. والقطع يطلق على الإبانة وعلى الجرح وهذا غير معلوم من الاية، فالاية مجملة تحتاج إلى بيان.
* وعندي أن هذه الاية من العام الذي أريد به الخاص. فاليد عامة في جميع العضو وخاصة في الكف، فأطلق العام وأريد به الخاص وهو الكف بدليل دل عليه، أما القطع فإنه حقيقة في الإبانة لذلك فالاية ليست مجملة حيث أن المراد منها معلوم.
المسألة الرابعة: لا إجمال في اية البيع:
قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللََّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] الاية. أكثر العلماء على أن هذه الاية ليست مجملة (1). وقال القاضي أبو يعلى: (وأما قوله:
{وَأَحَلَّ اللََّهُ الْبَيْعَ}، فهذا أيضا من المجمل لأن الله تعالى حكى عنهم وهم أهل اللسان أنهم قالوا: إنما البيع مثل الربا، وأحل الله البيع وحرم الربا)، وإذا كان كذلك افتقر إلى قرينة تفسره، وتميز بينه وبين الربا) (2)، وقال به بعض العلماء (3).
وأرى أن كلامهم لا يدل على ما قال بل يدل على أن البيع مستقل عن الربا ولكنه مثله، لأنه لو كان منه لما شبّه به حيث أن الشيء لا يشبّه بذاته بل يشبه بغيره المماثل له، فلم يقولوا إنما البيع ربا وإنما قالوا مثل الربا.
وذكر الفتوحي أن الحلواني ذهب إلى أنها مجملة وأن للقاضي فيها قولان، وذلك بناء على كلام القاضي الذي سبق.
ولا إجمال فيها لأنها من العام الذي خصص بمعلوم، ولم يخصص بمجهول.
__________
(1) العدة 1/ 148.
(2) التبصرة ص 200، وكشف الأسرار 1/ 54، والتلويح 1/ 127.
(3) شرح الكوكب المنير 3/ 426.(1/352)
المسألة الخامسة: نفي الصحة عن الفعل لا يقتضي الإجمال:
ذهب جمهور العلماء إلى أنه (1) لا إجمال في قول النبي صلى الله عليه وسلّم:
«لا صلاة إلّا بطهور» (2)، وقوله: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (3)، وقوله: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صوم له» (4)، وقوله: «لا نكاح إلّا بولي» (5)، وقوله: «إنما الأعمال بالنيات» (6)، لأن عرف الشارع فيها نفي الصحة. وهي حقائق شرعية، فإذا نقص منها ما جعله الشارع ركنا أو شرطا فيها انتفت عنها الحقيقة الشرعية، والدليل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلّم للمسيء في صلاته: «ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ» (7).
وقال بعض العلماء: إنه مجمل (8) لأنه محتمل أن المراد به نفي الإجزاء، أو أن المراد به نفي الكمال، فلا بد من بيان ذلك. ولكن يصح دعوى الإجمال لو كان البحث في حقائق لغوية مجردة، لكن البحث في حقائق شرعية، وعرف الشارع ظاهر في ذلك، وفي حمله على نفي الكمال إثبات للصحة وهو مخالف للظاهر (9). والأصل
__________
(1) التمهيد 3/ 234، والمسودة ص 108107، وشرح الكوكب 3/ 429، وروضة الناظر ص 182، وتيسير التحرير 1/ 169، وفواتح الرحموت 2/ 38، والإحكام 3/ 17.
(2) رواه مسلم 1/ 140، وأبو داود 1/ 49.
(3) سبق تخريجه.
(4) رواه أبو داود 2/ 823، والترمذي 3/ 108، والنسائي 4/ 196.
(5) سبق تخريجه.
(6) البخاري 1/ 3، ومسلم 6/ 48.
(7) رواه أبو هريرة، وأخرجه البخاري 1/ 263، ومسلم 2/ 11.
(8) المسودة ص 107، وروضة الناظر 182، ونسبوه للأحناف والصحيح أنه لبعضهم.
(9) المسودة ص 108.(1/353)
حمل الكلام على ما هو حقيقة فيه وعلى هذا، فلا إجمال.
المسألة السادسة: لا إجمال في قول النبي صلى الله عليه وسلّم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (1):
قال بذلك جمهور العلماء (2)، لأنه يدل على رفع حكم الخطأ والنسيان والإكراه. فلا يجب على المخطىء والناسي والمكره ما يجب على المتعمد، إذ لا يمكن حمله على رفع الفعل حيث أن الفعل قد وقع.
وقال أبو الحسين البصري وأبو عبد الله البصري وغيرهما أنه مجمل (3)، لأنه يحتمل رفع جميع أحكامه ويحتمل رفع بعضها. ولا يحكم بأحدهما إلّا بدليل، فهو مجمل يحتاج إلى بيان.
وأجيب عليه: بأنه يتبادر إلى الذهن منه نفي المؤاخذة والعقاب المترتب على فعله لو وقع عمدا ودلالته على ذلك ظاهرة، وعرف اللغة دال عليه فلا إجمال فيه (4).
المطلب الرابع: اثارها الفقهية:
يترتب على الخلاف في المسائل السابقة اثار فقهية، منها:
1 - الانتفاع بجلد الميتة:
لا خلاف بين العلماء في نجاسة جلد الميتة قبل دبغه فيحرم الانتفاع
__________
(1) رواه ابن ماجه 1/ 659، وفي الجامع الصغير 2/ 291، ولفظ الحديث: «إن الله تجاوز عن أمتي»، وفي طرقه ضعف نبه عليها ابن حجر في التلخيص الحبير 1/ 282.
(2) التمهيد 2/ 235، وشرح الكوكب 3/ 424، والإحكام للامدي 3/ 15، وروضة الناظر ص 183، والمستصفى 1/ 348، وإرشاد الفحول ص 171، وأصول السرخسي 1/ 251، وفواتح الرحموت 2/ 38.
(3) المعتمد 1/ 336، والإحكام 3/ 15.
(4) التمهيد 2/ 236235، والإحكام 3/ 15، والروضة ص 183.(1/354)
به، واختلفوا فيه بعد دبغه والمشهور في المذهب أنه محرم ونجس (1) لأنه جزء من الميتة، والله تعالى يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3]، فهي عامة في كل منافعها. والرواية الثانية: أن الجلد يطهر بالدبغ لقوله صلى الله عليه وسلّم:
«إذا دبغ الإهاب فقد طهر» (2)، وذهب الأحناف إلى ذلك لأن الاية مجملة، وقد جاء بيانها من النبي صلى الله عليه وسلّم في هذا الحديث، وفي حديث ميمونة وفيه قال صلى الله عليه وسلّم: «إنما حرم أكلها» (3).
ومما يدل على القول المشهور في المذهب كتاب النبي صلى الله عليه وسلّم إلى جهينة وفيه: (إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب). وفي رواية: (أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل وفاته بشهر أو شهرين) (4)، وقد سبق بيان المسألة.
2 - مسح الرأس في الوضوء:
يجب مسح جميع الرأس عند الإمام أحمد، وعليه جماهير أصحابه.
وعنه رواية يجزأ مسح أكثره. وقال عدد من العلماء: يجزأ مسح بعضه واختلفوا في المقدار، فمنهم من قال: قدر الناصية، ومنهم من قال: الربع، ومنهم من قال: ثلاث شعرات. وزعم بعض من قال بذلك أنّ الباء في قول الله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ} [المائدة: 6]، للتبعيض، والصحيح أنها للإلصاق فكأنه قال: امسحوا رؤوسكم، فيتناول الجميع ولا إجمال فيها.
__________
(1) الإنصاف 1/ 86، والمغني 1/ 66.
(2) رواه ابن عباس. أخرجه مسلم 1/ 191، وأبو داود 4/ 368367، والترمذي 4/ 193.
(3) أخرجه البخاري 2/ 543، ومسلم 1/ 190.
(4) رواه عبد الله بن عكيم. أخرجه أبو داود 4/ 371، والترمذي 4/ 194.(1/355)
المبحث الثالث أسباب الإجمال
يرجع الإجمال في الحرف أو الاسم أو التركيب إلى سبب من الأسباب الاتية:
1 - دلالة اللفظ على معان مشتركة
فيه على السواء، مثل لفظ القرء يدل على الطهر ويدل على الحيض. ومثل دلالة الواو على الاستئناف ودلالتها على العطف وعلى معانيها السابقة (1). ودلالة الباء على الإلصاق وعلى التبعيض وعلى الظرفية، وعلى معانيها السابقة (2).
2 - إبهام معناه وخفاؤه
، مثل الحروف التي ابتدأت بها بعض السور، ومنها: {الم (1) ذََلِكَ الْكِتََابُ لََا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)}
[البقرة: 1، 2]، {المص (1)} [الأعراف: 1]، {كهيعص (1)}
[مريم: 1]، {حم (1) عسق (2)} [الشورى: 1، 2]، {ص} [ص: 1]، {ق} [ق: 1]، {ن وَالْقَلَمِ وَمََا يَسْطُرُونَ (1)} [القلم: 1].
3 - النقل من العرف اللغوي إلى العرف الشرعي
، مثل كلمة الإيمان، والصلاة والزكاة والصوم وغيرها من الكلمات التي تدل على معنى
__________
(1) المغني 1/ 125، والإنصاف 1/ 161.
(2) انظر: ص 68.(1/356)
لغوي لكن الشارع نقلها إلى حقيقة أخرى شرعية. ومنه أيضا المصطلحات الشرعية التي لم يسبق للعرب استعمالها لكن الشارع اشتق من أصل لغتهم ما يدل عليها، مثل: الاعتكاف، الرباط، وغير ذلك من الكلمات التي أثرى بها القران الكريم والسنّة المطهرة لغة العرب.
4 - دلالة اللفظ على مجازات متعددة
ليس لمعنى منها أولوية على غيره، مثل قولك: (رأيت بحرا على فرس) فهو مجاز في الرجل العالم ومجاز في الرجل الكريم، ولا أولية لأحدهما على الاخر.
5 - تردد استعمال اللفظ بين مجاز راجح في اللغة
وحقيقة مستعمله، مثل النكاح، يطلق ويراد به الوطء وهو حقيقة فيه، ويطلق ويراد به العقد وهو مجاز فيه مثل قول الله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا إِذََا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنََاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: 49]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «لا نكاح إلّا بولي» (1)، فإذا ورد مطلقا لزم البحث عما يحدد المراد به منهما مثل قوله تعالى: {فَلََا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتََّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}
[البقرة: 230]، فهو محتمل للعقد ومحتمل للوطء وجاء البيان من النبي صلى الله عليه وسلّم في قوله: «حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» (2).
6 - تردد إعادة الضمير بين أكثر من متقدم
، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلّم:
«لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره» (3)، فالضمير في جداره يحتمل أن يعود إلى الجار المخاطب أو يعود إلى جاره، ويختلف المعنى فيه عن المعنى في الأول. وهذا من أسباب الإجمال في التركيب.
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) روته عائشة. أخرجه البخاري 2/ 933برقم 2496، ومسلم 4/ 154.
(3) سبق تخريجه.(1/357)
7 - تردد الصفة بين مذكورين أو أكثر
، ومثاله: قوله: له عندي ماشية وبقر وإبل ذكور، فهل هذه الصفة تعود إلى جميع ما ذكر أو إلى بعضه، وهذا من أسباب الإجمال في التركيب أيضا.
8 - إذا كانت الصفة مجهولة
مثل قوله: له عندي قيمة سيارة، فهذا إقرار مجمل يطلب منه بيان صفة ما أقر به.
9 - تخصيص العام بمجهول
مثل قولك: اقتل اليهود والنصارى إلّا بعضهم، تلك هي أسباب الإجمال (1).
__________
(1) ذكر الفتوحي بعضها، انظر: شرح الكوكب 3/ 417، وذكر الامدي بعضها، انظر:
الإحكام 3/ 1210.(1/358)
الفصل الثاني قواعد المبين واثارها الفقهية
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: ما يقع به البيان.
المبحث الثاني: تأخير البيان.(1/359)
المبحث الثاني: تأخير البيان.
المبحث الأول ما يقع به البيان
البيان لا يخلو من أن يكون ابتداء مثل قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسََاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثََا مََا تَرَكَ وَإِنْ كََانَتْ وََاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] الاية.
أو يكون تخصيصا لعموم يمكن استعماله على عمومه فيبين أن المراد بعضه، أو يكون صرفا للفظ من الحقيقة إلى المجاز فيبين أن المجاز هو المراد، أو يكون بيان لمجمل، أو يكون نسخا، فيبين رفع الحكم الثابت قبله.
ومرادنا في هذا الفصل بيان المجمل. بماذا يقع؟
قرر العلماء أن البيان يقع بالكتاب والسنّة والإجماع والقياس، لأنها أدلة تثبت بها الأحكام ابتداء.
وإليك تفصيل ذلك في المسائل الاتية:
المسألة الأولى: بيان مجمل القران بالقران:
ورد في كتاب الله ايات مجملة قد جاء بيانها في ايات أخرى. ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعََامِ إِلََّا مََا يُتْلى ََ عَلَيْكُمْ}
[المائدة: 1]، فهذا مجمل جاء بيانه في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمََا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللََّهِ} [المائدة: 3] الاية.(1/361)
ورد في كتاب الله ايات مجملة قد جاء بيانها في ايات أخرى. ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعََامِ إِلََّا مََا يُتْلى ََ عَلَيْكُمْ}
[المائدة: 1]، فهذا مجمل جاء بيانه في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمََا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللََّهِ} [المائدة: 3] الاية.
قوله تعالى: {لِلرِّجََالِ نَصِيبٌ مِمََّا تَرَكَ الْوََالِدََانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسََاءِ نَصِيبٌ مِمََّا تَرَكَ الْوََالِدََانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 7]، فالنصيب مجمل قد جاء بيانه في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، والايات بعدها.
المسألة الثانية: بيان مجمل القران بالسنّة:
السنّة تبين مجمل القران بدليل قول الله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، ومن أمثلة ذلك قول الله تعالى: {وَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ} [الأنعام: 141] بيّن النبي صلى الله عليه وسلّم هذا الحق في ما روي عنه: أنه قال: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر» (1)، وكما يقع البيان بالقول يقع البيان بفعله صلى الله عليه وسلّم (2)، مثل بيان الصلاة بفعله وبيان الحج بفعله صلى الله عليه وسلّم، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلّم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (3)، وقوله صلى الله عليه وسلّم: «خذوا عني مناسككم» (4)، والبيان بالفعل أبلغ فليس الخبر كالمعاينة.
ويقع البيان بالترك ويدل على عدم الوجوب، ويقع البيان بالكتابة والإشارة مثل إرساله الكتب إلى الملوك (5)، والإشارة مثل بيانه للشهر بقوله: «الشهر هكذا وهكذا وهكذا» (6)، ويقع البيان بإقراره لما يعلم به من
__________
(1) رواه ابن عمر. أخرجه البخاري 2/ 540، والترمذي 3/ 32.
(2) شرح الكوكب 3/ 442، والإحكام للامدي 3/ 43.
(3) جزء من حديث رواه مالك بن الحويرث، أخرجه البخاري 1/ 227226.
(4) رواه جابر بلفظ: لتأخذوا مناسككم. أخرجه مسلم 4/ 79.
(5) انظر: صحيح البخاري 1/ 7.
(6) رواه ابن عمر، وأخرجه البخاري 2/ 674، ومسلم 3/ 123.(1/362)
فعل أصحابه مثل إقراره لهم على أكل لحم الضب (1)، وإقرارهم على العزل عن نسائهم (2) فإنه يفيد الإباحة. ويقع البيان بهديه صلى الله عليه وسلّم الممتزج من قوله وفعله مثل قول الله تعالى: {ادْعُ إِلى ََ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}
[النحل: 125]، بينها الرسول صلى الله عليه وسلّم بهديه المتكامل الذي يجمع بين الرفق والقوة ويجمع بين الابتسامة والجهاد.
المسألة الثالثة: بيان مجمل السنّة بالسنّة:
ويقع بيان مجمل السنّة بالسنّة مثل: (ما رواه أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى، قيل: وما تزهى؟ قال: حتى تحمر) (3). ومثل بيانه للوتر بفعله على الصفات المنقولة (4) ومثل بيانه لوقت السنن الرواتب.
المسألة الرابعة: بيان مجمل السنّة بالقران:
ويقع بيان مجمل السنّة بالقران، مثل:
1 - بيان القران لحكم الأسرى حيث أبهم حكمهم فاجتهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيهم، ثم بين القران حكم الله فيهم.
2 - بيان القران لحكم الظهار حيث جاءت المرأة تجادل النبي صلى الله عليه وسلّم في زوجها فلم ير لها النبي مخرجا، فبين القران حكم الظهار وفصّله (5).
__________
(1) انظر: حديث ابن عمر وخالد. صحيح البخاري 5/ 2105، ومسلم 6/ 66، و 67.
(2) انظر: حديث جابر والبخاري 5/ 198، ومسلم 4/ 160.
(3) رواه البخاري 2/ 766برقم 2086، ومسلم 5/ 29.
(4) انظر: كتاب الوتر في صحيح البخاري 1/ 338337.
(5) أول سورة المجادلة الايات: 1، 2، 3، 4.(1/363)
3 - بيان الله لنبيه حكم تحريم ما أحل الله له في قول الله تعالى:
{يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مََا أَحَلَّ اللََّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضََاتَ أَزْوََاجِكَ وَاللََّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللََّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمََانِكُمْ وَاللََّهُ مَوْلََاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)} [التحريم: 1، 2].
المسألة الخامسة: يقع البيان بالإجماع:
ويقع بيان المجمل بالإجماع (1) ومثاله قول الله تعالى: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى ََ أَهْلِهِ} [النساء: 92]، فالدية مجملة وقد بين الإجماع أن دية الخطأ تجب على العاقلة، ذكر ذلك القاضي أبو يعلى. وأرى أن البيان حصل بمستند الإجماع الذي قام عليه، والإجماع معبر عنه.
المسألة السادسة: يقع البيان بالعرف:
أجمل القران المقادير في مواضع كثيرة وجعل الشارع بيان ذلك إلى العرف الصحيح، ومن أمثلة ذلك:
1 - قال تعالى في كفارة الظهار: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعََامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة: 4]، فنوع الطعام ومقداره راجع إلى العرف.
2 - قال تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتََاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)} [البقرة: 236]، فتحديد المقدار على الموسر أو المقتر راجع إلى العرف، وقال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقََاتِ مَتََاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)} [البقرة: 241] وتحديد ذلك راجع إلى العرف.
3 - النفقات الواجبة مردها من حيث النوع والمقدار راجع إلى العرف. كالنفقة على الوالدين، ونفقة الزوجة، ونفقة المطلقة الحامل، ونفقة الخادم وغير ذلك من النفقات الواجبة يجب فيها قوت أهل البلد ويجب فيه المقدار الذي يحدده العرف الصحيح.
__________
(1) العدة 1/ 128.(1/364)
المسألة السابعة: يقع البيان بالأدنى:
لا يشترط في البيان أن يكون المبيّن مثل المبيّن في القوة، بل يجوز بأدنى منه عند علماء الحنابلة (1)، وعليه أكثر العلماء (2). فالسنّة تبين القران والاحاد يبين المتواتر، وخالف في ذلك الكرخي، فقال باشتراط المساواة بينهما في القوة (3).
الراجح قول الجمهور بدليل قول الله تعالى: {وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، ووجه دلالتها أن السنّة تبين القران وهي أدنى منه، فدل ذلك على أن الأدنى يبين الأعلى فلا تشترط المساواة.
__________
(1) التمهيد 2/ 288287، وشرح الكوكب 3/ 450.
(2) مختصر المنتهى وشرحه 2/ 163.
(3) فواتح الرحموت 2/ 48، وتيسير التحرير 3/ 173، وما بعدها.(1/365)
المبحث الثاني تأخير البيان
تأخير البيان لا يخلو إما أن يكون تأخيرا إلى وقت الحاجة أو تأخيرا عن وقت الحاجة، ثم لا يخلو إما أن يكون التأخير يعود بمصلحة أو لا يعود بها، والحكم في ذلك يختلف.
وتفصيله مرتب على ما يلي:
المسألة الأولى: تأخير البيان إلى وقت الحاجة:
الأقوال:
القول
الأول: يجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة
، قال به أكثر الحنابلة (1)
وأكثر الشافعية وجماعة من الأحناف (2).
القول
الثاني: لا يجوز تأخيره إلى وقت الحاجة
، قال به بعض الأحناف وبعض الشافعية (3)، وقال به أبو بكر عبد العزيز وأبو الحسن التميمي (4) وهو قول أكثر المعتزلة وأهل الظاهر (5).
القول
الثالث: التفصيل
فيجوز تأخير بيان المجمل دون غيره، وقال به
__________
(1) التمهيد 2/ 290.
(2) الإحكام 3/ 32.
(3) الإحكام 3/ 32.
(4) التمهيد 2/ 291، والروضة ص 185.
(5) روضة الناظر ص 185، والمعتمد 1/ 433432.(1/366)
أبو الحسن الكرخي (1)، وقال بعضهم: يجوز تأخير بيان العموم دون غيره (2)، وقال بعضهم: لا يجوز تأخير بيان ما له ظاهر يمكن العمل به وهو غير مراد، ويجوز تأخير غيره، قال به أبو الحسين البصري (3).
الأدلة:
وأدلة القول الأول كثيرة، منها:
1 - وقوعه في الكتاب والسنّة، فالصلاة والزكاة نزل فيها بهما ثم بين النبي صلى الله عليه وسلّم بعد ذلك أحكامهما. ولما نزل قول الله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمََا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98]، نزل بعد ذلك بيانه:
{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ََ أُولََئِكَ عَنْهََا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] ردّا على ابن الزبعرى عند ما قال: لأخصمن محمدا ثم قال: (أليس قد عبدت الملائكة وعبدت المسيح وأمه من دون الله أهم حصب جهنم؟)، فجاء البيان لذلك.
2 - قول الله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنََا جَمْعَهُ وَقُرْانَهُ (17) فَإِذََا قَرَأْنََاهُ فَاتَّبِعْ قُرْانَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنََا بَيََانَهُ (19)} [القيامة: 17، 19].
ووجه الدلالة: أن البيان بعد جمعه وضم بعضه لبعض، وقد عطف بثم وهي للتراخي والمهلة، فدل على جواز تأخير البيان عن الخطاب.
3 - قول الله تعالى: {وَلََا تَعْجَلْ بِالْقُرْانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى ََ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه: 114]، ودلالتها أن النهي عن التعجل ببيانه قبل أن يبين له الوحي دال على تأخر البيان عن الخطاب. ولهم أدلة أخرى (4)
وهو القول الراجح عندي لقوة هذه الأدلة وسلامتها من المعارض المؤثر.
__________
(1) الإحكام 3/ 32.
(2) التمهيد 2/ 291.
(3) المعتمد 1/ 343، والتمهيد 2/ 292291.
(4) انظر: التمهيد 2/ 301292، والإحكام 3/ 4433.(1/367)
واستدل المانعون بأدلة (1):
1 - إذا لم يبين لنا المراد لم يحصل مقصد الخطاب وهو الإفهام، فكان بمنزلة من خاطب العربي بالفارسية.
وأجيب عليه: بأن الخطاب يفهم منه طلب الفعل أو الترك أو غيره، بحسب مدلوله. وبيان كيفية المطلوب هي المتوقفة على البيان. وأصحاب اللغات الاخرى خوطبوا بالعربية لأن فهم مراد الخطاب ممكن لهم ببذل سبب إضافي وهو تعلم اللغة.
2 - إن تأخير البيان لا يخلو إما أن نفهم الخطاب قبل البيان على ظاهره أو على غير ظاهره، فإن كان الأول فهو جهل وإن كان الثاني فلا سبيل لنا إليه.
وأجيب عليه: بأن فهم الخطاب على ظاهره لا جهل فيه، فالعام يفهم منه العموم حتى يرد ما يخصصه وبأن الخلاف قبل الحاجة وهي وقت الامتثال المطلوب.
وأدلتهم عقلية وغير مسلمة لهم. وأتعجب من استرسال بعض الأصوليين فيها مع ظهور أدلة وقوعه في مواضع عدة من الكتاب والسنّة.
المسألة الثانية: تأخير البيان عن وقت الحاجة:
اتفق العلماء على أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز (2) لأن فيه إيقاع للمكلف في الحيرة وتكليف له بما لا يمكنه فعله، ومما ينبغي الانتباه إليه أن ذلك غير واقع في كلام الله جلّ وعلا، لكن يلزم التحفظ من إطلاق
__________
(1) انظر: المعتمد 1/ 350343، والإحكام 3/، والتمهيد 2/، والمانعون هم أصحاب القول الثاني وأصحاب القول الثالث الذين فصلوا فيه.
(2) المعتمد 1/ 342، والتمهيد 2/ 290، والإحكام 3/، والروضة ص 185.(1/368)
عدم الجواز على الله لأن هذا مرتبط بوجوب الأصلح على الله وهو مذهب المعتزلة (1).
أما في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فإنه غير واقع إلّا في حالة وجود مصلحة للمخاطب مثل تأخير النبي صلى الله عليه وسلّم البيان للمسيء في صلاته إلى المرة الثالثة (2)، فإن التأخير لمصلحة وهي حفز همته إلى الانتباه والإتقان في الامتثال بعد البيان.
وفي المسودة تنبيه إلى أمر مهم في هذه المسألة، قال شيخنا:
(قولهم: «تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز» ونقل الإجماع على ذلك ينبغي أن يفهم على وجهه. فإن الحاجة قد تدعو إلى بيان الواجبات والمحرمات من العقائد والأعمال. لكن قد يحصل التأخير للحاجة أيضا، إما من جهة المبلّغ أو المبلّغ. أما المبلّغ فإنه لا يمكنه أن يخاطب الناس جميعا ابتداء، ولا يخاطبهم بجميع الواجبات جملة، بل يبلغ بحسب الطاقة والإمكان، وأما المبلّغ فلا يمكنه سمع الخطاب وفهمه جميعا، بل على سبيل التدريج. وقد يقوم السبب الموجب لأمرين من اعتقادين أو عملين أو غير ذلك، لكن يضيق الوقت عن بيانهما أو القيام بهما فيؤخر أحدهما للحاجة) (3).
اثاره الفقهية:
يترتب على حكم تأخير البيان عن وقت الحاجة فروع عدة، منها:
1 - أداء الشهادة فرض لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
__________
(1) المراجع السابقة.
(2) سبق تخريجه.
(3) المسودة ص 181.(1/369)
وهل هي فرض عين أم فرض كفاية؟ روايتان في المذهب، وظاهر كلام الإمام أحمد أنها فرض عين (1).
2 - يجب على الأب تعليم ابنه وابنته أحكام فرائض الإسلام التي تجب عند البلوغ قبل البلوغ، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
3 - لا يجوز للعالم أن يكتم علمه عند الحاجة إليه لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
أما تأخير البيان إلى وقت الحاجة فمما يتفرع عليه، إذا قال: أحد عبيدي عتيق اخر الشهر ثم بين اسمه في اخر الشهر، صح بيانه ولزم لأن تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز على الأرجح.
__________
(1) الإنصاف 4/ 12.(1/370)
الباب السادس قواعد المفهوم عند الحنابلة واثارها الفقهية
وفيه تمهيد وفصلان:
التمهيد: في تعريف المفهوم بقسميه.
الفصل الأول: مفهوم الموافقة وحكمه وشروطه وأقسامه.
الفصل الثاني: مفهوم المخالفة وحكمه وشروطه وأقسامه.(1/371)
الفصل الثاني: مفهوم المخالفة وحكمه وشروطه وأقسامه.
التمهيد تعريف المفهوم: مفهوم الموافقة، ومفهوم المخالفة
المفهوم لغة
المعلوم من اللفظ، فهو اسم مفعول من فهم (1)، فيشمل في اللغة جميع ما دل عليه النطق، أما في محل النطق أو غيره.
أما في اصطلاح الأصوليين:
ما دل عليه اللفظ في غير محل النطق.
فيخرج المنطوق لأنه ما دل عليه اللفظ في محل النطق (2).
أقسام المفهوم:
وينقسم إلى مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة.
ومفهوم الموافقة
، هو: ما كان حكم المسكوت عنه موافقا لحكم المنطوق به.
ويسمى فحوى الخطاب، ولحن الخطاب، ومفهوم الخطاب (3).
ومفهوم المخالفة
، هو: ما كان حكم المسكوت عنه مخالفا لحكم المنطوق به.
__________
(1) معجم مقاييس اللغة 4/ 457، وانظر: لسان العرب 15/ 357.
(2) شرح الكوكب 3/ 480، والإحكام 3/ 66، ولكن عبارته «ما فهم»، وإرشاد الفحول ص 178، والتحرير ص 1.
(3) العدة 1/ 152، والتمهيد 1/ 20، وروضة الناظر ص 263.(1/373)
ويسمى دليل الخطاب (1).
ولكل حكمه وأقسامه، وبيان ذلك مرتب في فصلين.
__________
(1) العدة 1/ 154، والتمهيد 1/ 21، وروضة الناظر ص 264، وشرح الكوكب 2/ 489.(1/374)
الفصل الأول حكم مفهوم الموافقة: شروطه، أقسامه
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حكم مفهوم الموافقة وشروطه.
المبحث الثاني: أقسامه.(1/375)
المبحث الثاني: أقسامه.
المبحث الأول
المطلب الأول: حكم مفهوم الموافقة وشروطه:
تبين لك تعريف الموافقة، والمثال عليه دلالة قول الله تعالى: {فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ} [الإسراء: 23] على تحريم جميع أنواع الإيذاء من السب أو الضرب وغيرهما، فهل دلالته حجة معتبرة؟
اتفق جمهور العلماء على أن مفهوم الموافقة حجة (1)، ولم يخالف في ذلك إلّا داود الظاهري وابن حزم (2).
قال القاضي مثل قوله تعالى: {* وَمِنْ أَهْلِ الْكِتََابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطََارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [ال عمران: 75]، نبّه على أنه إذا أمن بديا نار أداه، وكذلك قوله تعالى: {فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ} [الإسراء: 23]، نبّه على المنع من الضرب، وهذا مستفاد من فحوى الخطاب ومفهومه لا من نطقه.
وقد احتج أحمد بمثل هذا في مسائل، فقال رحمه الله في رواية أحمد بن سعيد: (لا شفعة لذمي)، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «إذا
__________
(1) العدة 2/ 480، والإحكام للامدي 3/ 67.
(2) الإحكام لابن حزم 2/ 33.(1/377)
لقيتموهم في طريق فألجئوهم إلى أضيقه» (1)، فإذا كان ليس لهم في الطريق حق فالشفعة أحرى ألايكون لهم فيها حق.
وقال أيضا في رواية الفضل (2) بن زياد، وقد سئل عن رهن المصحف عند أهل الذمة، قال: (لا) نهى النبي صلى الله عليه وسلّم أن يسافر بالقران إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو (3). انتهى) (4).
وقال أبو بكر الباقلاني: (القول بمفهوم الموافقة من حيث الجملة مجمع عليه) (5)، وقال الامدي: (وهذا مما اتفق أهل العلم على صحة الاحتجاج به إلّا ما نقل عن داود الظاهري أنه قال: أنه ليس بحجة) (6).
وقال الامدي: (وهذا مما اتفق أهل العلم على صحة الاحتجاج به إلّا ما نقل، والدليل على أنه حجة: تبادر الفهم إليه، فإذا قال: لا تعط فلان حبة يفهم منه المنع من ما هو أكثر منها. وإذا حلف ألايشرب من ماء زيد شربة ولا يأكل من طعامه لقمة ولا يجلس في بيته لحظة، كان ذلك موجبا لامتناعه عما زاد عليه.
وهل دلالته لفظية أم قياسية؟! اختلفوا في ذلك على قولين:
1 - أن دلالته لفظية مستفادة من فحوى اللفظ ومفهومه. قال
__________
(1) رواه أبو هريرة، وأخرجه مسلم 7/ 5، وأبو داود 5/ 384، والترمذي 5/ 57.
(2) هو الفضل بن زياد أبو العباس القطان، كان من المقدمين عند أحمد، روى عنه مسائل عدة، وحدّث جماعة عنه. طبقات الحنابلة 1/ 251، والمقصد الأرشد 2/ 312.
(3) رواه ابن عمر، وأخرجه البخاري 3/ 109، ومسلم 6/ 30.
(4) العدة 2/ 481480.
(5) إرشاد الفحول ص 179.
(6) الإحكام للامدي 3/ 67.(1/378)
القاضي: (تسمى فحوى لأنه يظهر من معنى اللفظ كما تظهر الأبزار طعم الطبخ ورائحته) (1)، هذا مذهب أكثر الحنابلة. قال المرداوي: (دلالته لفظية عند أحمد والقاضي وابن حمدان وابن عقيل، وحكاه عن أصحابنا والحنفية والمالكية وغيرهم) (2).
وقال الفتوحي: (دلالته لفظية على الصحيح، نص عليه الإمام أحمد رضي الله عنه وحكاه ابن عقيل عن أصحابنا) (3).
ودليل الأول: أنه مفهوم من اللفظ من غير تأمل بل يسبق إلى الفهم.
2 - أنّ دلالته قياسية فهو قياس جلي ثبتت علته بالإجماع، قال بذلك أبو الخطاب (4) وبعض الأصحاب وهو مذهب أكثر الشافعية، قال المرداوي: (عند الشافعي وأكثر أصحابه وابن أبي موسى والخرزي وأبي الخطاب والحلواني والفخر: قياس جلي. وقال بعض أصحابنا: إن قصد التنبيه فليس قياسا وإن قصد الأدنى فقياس) (5).
حكم المسكوت مع المنطوق من غير تراخ (6).
واستدل من قال أنها قياسية بأنه إلحاق المسكوت بالمنطوق في الحكم لاجتماعها في المقتضى، وهذا هو القياس (7)، والراجح أن دلالته لفظية.
__________
(1) العدة 1/ 153.
(2) التحرير ص 102.
(3) شرح الكوكب المنير 3/ 483.
(4) التمهيد 1/ 26، و 227.
(5) التحرير ص 102، وانظر: السورة 348.
(6) روضة الناظر ص 264.
(7) روضة الناظر ص 263.(1/379)
وسبب الترجيح:
1 - أن القياس لا تبدل للأصل فيه بالفرع، وهنا تنبيه بالأدنى على الأعلى.
2 - أن القياس لا يشترط فيه أن تكون العلة في الفرع أكثر من الأصل أو مساو له، وهنا لا يتحقق المفهوم إلّا بذلك (1).
وشرطه صحة مفهوم الموافقة:
1 - فهم المعنى المقصود في محل النطق.
2 - أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به أو مساو له (2)، فإذا خفي المعنى، أي: كانت العلة تعبدية أو كان المسكوت عنه أدنى فلا مفهوم.
المطلب الثاني: اثاره الفقهية:
يترتب عليه اثار فقهية، منها:
1 - لا تثبت الشفعة للذمي بناء على مفهوم قوله صلى الله عليه وسلّم: «فإذا لقيتموهم فألجئوهم إلى أضيقه» (3).
فإذا كان ليس لهم في الطريق حق فالشفعة أحق ألايكون لهم فيها حقّ. وهذا مظنون (4)، وقد نص على ذلك الإمام أحمد (5).
__________
(1) راجع: الإحكام للامدي 3/ 69.
(2) التحرير ص 101، وشرح الكوكب المنير 3/ 482.
(3) سبق تخريجه.
(4) المسود ص 347، وشرح الكوكب 3/ 488.
(5) العدة 2/ 481480.(1/380)
2 - يحرم رهن المصحف عند أهل الذمة وهذا مفهوم من النهي عن السفر به إلى أرض العدو. نص على ذلك الإمام أحمد في رواية الفضل بن زياد (1)، فقد سئل عن رهن المصحف عند أهل الذمة قال: لا، نهى النبي صلى الله عليه وسلّم أن يسافر بالقران إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو (2).
3 - أكثر الأحكام ثبتت بالمنطوق، فما ثبت بالمفهوم قليل، لأن المفهوم أضعف في الدلالة من المنطوق.
__________
(1) العدة 2/ 481.
(2) سبق تخريجه.(1/381)
المبحث الثاني أقسام مفهوم الموافقة
ينقسم مفهوم الموافقة إلى قسمين:
1 - أولى:
وهو ما كان الحكم في المسكوت عنه أولى من المنطوق به.
مثل: مفهوم قوله تعالى: {فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ وَلََا تَنْهَرْهُمََا} [الإسراء: 23] فمنطوقها تحريم التأفف منهما ونهرهما. ومفهومها تحريم الضرب من باب أولى لأنه أشد في الإيذاء.
قال أبو يعلى: (نبه بذلك على تحريم الضرب والشتم لأنه إنما منع من التأفيف لما فيه من الأذى، وذلك في الضرب أعظم فوجب أن يكون بالمنع أولى).
ويسميه من قال بأن دلالته قياسية بالقياس الجلي.
2 - مساوي:
وهو ما كان الحكم في المسكوت عنه مساويا للمنطوق به.
ومثاله: مفهوم قوله تعالى: {وَلََا تَأْكُلُوا أَمْوََالَهُمْ إِلى ََ أَمْوََالِكُمْ}
[النساء: 2]، فمنطوقها تحريم أكل مال اليتيم، ويفهم منها تحريم إتلافه بالإحراق ونحوه من سبل الإتلاف لأنه مساو للأكل في تفويته على مالكه.
أما إذا كان الحكم في المسكوت عنه أدنى فلا يثبت حكما له من هذا الطريق، لأنه ليس من مفهوم الموافقة حيث أن شرطه مفهوم الموافقة أن يكون أولى أو مساويا كما سبق.(1/382)
ومثاله: مفهوم قوله تعالى: {وَلََا تَأْكُلُوا أَمْوََالَهُمْ إِلى ََ أَمْوََالِكُمْ}
[النساء: 2]، فمنطوقها تحريم أكل مال اليتيم، ويفهم منها تحريم إتلافه بالإحراق ونحوه من سبل الإتلاف لأنه مساو للأكل في تفويته على مالكه.
أما إذا كان الحكم في المسكوت عنه أدنى فلا يثبت حكما له من هذا الطريق، لأنه ليس من مفهوم الموافقة حيث أن شرطه مفهوم الموافقة أن يكون أولى أو مساويا كما سبق.
وينقسم أيضا إلى:
1 - قطعي الدلالة:
وهو ما كان ثبوت الحكم في المسكوت عنه مقطوع به لأجل أولويته أو وضوح علته. مثل رهن المصحف عند الذمي أولى بالتحريم من السفر به إلى ديار أهل الحرب، فهو قطعي الدلالة لأنّ تمكن من المصحف في الرهن مقطوع به وتمكنه منه في حالة سفر المسلم به إلى ديار الكفار ظن غالب فتحريمه فيها صيانة بالمصحف من الوقوع بأيدي الكفار، وهذا قاطع في تحريم رهن المصحف عند الذمي من باب أولى.
2 - ظني الدلالة:
وهو ما كان ثبوت الحكم في المسكوت عنه مظنونا لورود احتمال، مثل إذا ردت شهادة فاسق فكافر أولى برد شهادته لأنّ الكفر فسق وزيادة، ولكن هذا مظنون لأجل ورود احتمال بأنّ الكافر قد يكون صادقا وممن يتنزه عن الكذب لشرفه أو رجاحة عقله، وورود هذه الاحتمالات عليه جعله مظنونا (1).
__________
(1) انظر: روضة الناظر ص 264، وشرح الكوكب المنير 3/ 487.(1/383)
الفصل الثاني مفهوم المخالفة شروطه وأقسامه
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حجية مفهوم المخالفة وشروطه.
المبحث الثاني: أقسامه واثاره الفقهية.(1/385)
المبحث الثاني: أقسامه واثاره الفقهية.
المبحث الأول حجية مفهوم المخالفة وشروطه
وفيه مطلبان:
الأول: في حجيته.
والثاني: في شروطه.
المطلب الأول: حجية مفهوم المخالفة:
لمفهوم المخالفة أقسام عدة. وللعلماء في حجية دلالته
أقوال:
الأول: ذهب جمهور العلماء (1) إلى أنه حجة بشروط
إلّا مفهوم اللقب فلا يحتج به.
الثاني: ذهب بعض العلماء إلى أن مفهوم اللقب حجية
أيضا مثل غيره من الأقسام (2).
الثالث:
ليس بحجة
ذهب أبو حنيفة (3) وهو المشهور لأصحابه، أن مفهوم
__________
(1) البحر المحيط ص 151، وإرشاد الفحول ص 179، وروضة الناظر ص 264، والتحرير ص 102، وشرح الكوكب 30/ 489، والمسودة ص 51.
(2) سوف يأتي تفصيل القول فيه.
(3) تفسير التحرير 1/ 98، والبحر المحيط ص 151.(1/387)
المخالفة لا يحتج به مطلقا وهو مذهب ابن حزم ومن وافقه من الظاهرية (1)، وحكاه أبو إسحاق الشيرازي في شرح اللمع عن القفال الشاشي وأبي حامد المروزي (2)، وسوف نبين الأدلة ونفصل الأقوال في كل قسم من أقسامه (3).
أما نص الإمام أحمد رحمه الله على حجيته، فقد قال القاضي أبو يعلى: (قد نص الإمام على هذا في مواضع:
فقال في رواية صالح: «لا وصية لوارث» (4)، دليل أن الوصية لمن لا يرث.
وقال رضي الله عنه في رواية إسحاق بن إبراهيم: لا يحل للمسلمة أن تكشف عن رأسها عند نساء أهل الذمة لأن الله تعالى يقول: {أَوْ نِسََائِهِنَّ}
[النور: 31]، وذكر (5) عنه نصوصا عدة على أن مفهوم المخالفة حجة وهو مذهب الأصحاب، ولم ينقل عنهم خلاف في ذلك إلّا أبا الحسن التميمي في مفهوم الصفة حيث اختار أنه غير حجة (6).
المطلب الثاني: شروط مفهوم المخالفة:
حدد الجمهور شروطا لحجية مفهوم المخالفة، فإذا تخلف واحد منها فلا دلالة فيه على الحكم المخالف في محل السكوت، وإليك بيانها:
__________
(1) الأحكام لابن حزم 2/ 887.
(2) البحر المحيط ص 151، وإرشاد الفحول ص 179، ولم أجده في أصول الشاشي المطبوع، فلعله في غيره.
(3) انظر ذلك من: صفحة 392إلى 399.
(4) رواه أبو أمامة. أخرجه أبو داود 3/ 291، والترمذي 4/ 378.
(5) العدة 2/ 450449وما بعدها.
(6) التمهيد 2/ 207، وروضة الناظر ص 274، والمسودة ص 360.(1/388)
1 - ألايظهر لتخصيص المنطوق بالذكر فائدة غير نفي الحكم عن المسكوت عنه (1).
فإن ظهر أنه للتنبيه على الغالب مثل قوله تعالى: {وَرَبََائِبُكُمُ اللََّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23]، فالغالب في الربيبة أن تكون في الحجر مع أمها فإنه لا يدل على إباحة من ليست في حجره عند جمهور العلماء (2)، لأن الوصف المذكور خرج مخرج الغالب فلا يفيد نفي الحكم عما عداه، أو ظهر أنه خرج مخرج التفخيم مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلّم:
«لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاخر أن تحد على ميت فوق ثلاث) (3)، فقيد الإيمان ذكر للتفخيم فلا يدل على انتفاء الإيمان عند تجاوز الثلاثة أيام، أو ظهر أنّه كان جوابا لسؤال مثل قول النبي صلى الله عليه وسلّم عند ما سئل عن الوضوء من البحر فقال صلى الله عليه وسلّم: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» (4)، فلا يفيد بأن ماء غيره ليس طهورا، أو ظهر أنه ذكر لزيادة الامتنان نحو قوله جلّ وعلا: {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا} [النحل: 14]، فلا يدل على تحريم القديد من مأكول حيوان البحر، أو ظهر أنّه ذكر لتقديره جهل المخاطب مثل قوله: صلى الله عليه وسلّم، أو ذكر لرفع خوف وتوجس المخاطب مثل قوله تعالى: {* إِنَّ الصَّفََا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعََائِرِ اللََّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمََا} [البقرة: 158]، فلا يدل على انتفاء وجوب الطواف بها على الحاج والمعتمر.
__________
(1) شرح الكوكب المنير 3/ 496.
(2) أحكام القران لابن العربي 1/ 378، وفتح القدير 1/ 445.
(3) روته أم المؤمنين زينب. أخرجه البخاري 5/ 2042، ومسلم 4/ 202.
(4) رواه أبو هريرة. أخرجه الترمذي 1/ 101100، وأبو داود 1/ 64، والنسائي 1/ 50، وابن ماجه 1/ 136.(1/389)
2 - ألايكون حكم المنطوق معلق بصفة ليست مقصودة مثل قوله تعالى: {لََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ مََا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236]، فلا مفهوم مخالف له لأن الصفة لم تذكر لتعليق الحكم بها، وإنّما قصد بها رفع الجناح عمن طلق قبل الجماع، وإيجاب المتعة على وجه التبع (1).
3 - ألايعود الحكم للمسكوت عنه بالإبطال لحكم المنطوق به (2).
قال تعالى: {وَلََا تُكْرِهُوا فَتَيََاتِكُمْ عَلَى الْبِغََاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا} [النور: 33]، فمفهوم قوله تعالى: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}، إذا لم يردن فخلافه، لكن هذا غير معتبر لأنّه يتعارض مع حقيقة الإكراه المنطوق بها، إذ لا حقيقة للإكراه إلّا مع تمنعهن، والنهي عن الزنا ثابت بأدلة أخرى، وهذه الاية جاءت لحال معينة من أمثال حال عبد الله بن أبي سلول حيث كان له جواري يكرههن على طلب البغاء ويأخذ مقابل ذلك مالا، فهي لنهي الأولياء عن هذا العمل (3).
4 - ألايكون المسكوت عنه أولى من المنطوق به ولا مساو له (4).
__________
(1) راجع: المسودة ص 364363، وشرح الكوكب المنير 3/ 495.
(2) إرشاد الفحول ص 180، وشرح الكوكب 3/ 495، وذكر فيه مثالا ولكني أرى مثاله متناقضا، حيث يقول: فيفهم منه صحة بيع الغائب إذا كان عنده، فإذا كان عنده فهو حاضر لا غائب.
(3) انظر: تفسير القران العظيم لابن كثير 3/ 288.
(4) شرح الكوكب 3/ 489، وفواتح الرحموت 1/ 414، وشرح العضد 2/ 174، والتمهيد 2/ 219.(1/390)
5 - ألايتعارض مع دليل أقوى منه كالمنطوق أو مفهوم الموافقة، وإذا تعارض مع قياس فالمسألة فيها نظر، والراجح أن القياس يقدم عليه، اختار ذلك أبو الخطاب (1).
__________
(1) التمهيد 2/ 221.(1/391)
المبحث الثاني أقسامه واثاره الفقهية
ينقسم مفهوم المخالفة إلى ستة أقسام (1):
أولا: مفهوم الصفة. ثانيا: مفهوم الغاية.
ثالثا: مفهوم الشرط. رابعا: مفهوم التقسيم.
خامسا: مفهوم العدد. سادسا: مفهوم اللقب.
وإليك بيانها وتفصيل القول في حجيتها واثارها الفقهية:
أولا: مفهوم الصفة:
وهو أن يعلق الحكم بصفة فيفهم منه أن ما عداها بخلافه، مثاله: قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «في صدقة الغنم في سائمتها زكاة» (2)، فيفهم منه أن المعلوفة منها لا زكاة فيها.
وهو حجة إذا توفرت فيه الشروط عند الإمام أحمد رحمه الله، نص عليه في مواضع منها قوله في رواية حنبل:
__________
(1) لم يذكر القاضي ولا أبو الخطاب مفهوم التقسيم وإنما ذكره: الفتوحي وابن قدامة.
انظر: العدة 2/ 448447، والتمهيد 2/ 213189، وشرح الكوكب 3/ 497، وروضة الناظر ص 274273.
(2) رواه أنس بن مالك. أخرجه البخاري 2/ 528، وأبو داود 2/ 221.(1/392)
(قول إبراهيم صلى الله عليه وسلّم لأبيه: {يََا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مََا لََا يَسْمَعُ وَلََا يُبْصِرُ}
[مريم: 42]، فثبت أن الله سميع بصير) (1).
وهو حجة أيضا عند الإمام مالك نص على ذلك القرافي (2)، وعند الإمام الشافعي (3)، وذهب الأحناف إلى أنه غير حجة (4)، ووافقهم بعض الشافعية والمالكية (5)، وأبو الحسن التميمي من الحنابلة (6)، وفصل بعض العلماء بين أن يكون الوصف مناسبا أو غير مناسب، فالمناسب يدل على أن ما عداه بخلافه، وغير المناسب لا مفهوم له وهو مذهب إمام الحرمين (7).
وأكثر الشافعية على أنه حجة (8).
(والمراد بالصفة عند الأصوليين تقييد لفظ مشترك المعنى بلفظ اخر يختص ببعض معانيه ليس بشرط ولا غاية ولا يريدون به النعت فقط) (9)، فمرادهم أعم من مراد النحاة.
وبدأ أكثر الأصوليين بمفهوم الصفة لأنه رأس المفاهيم، حتى لو عبر عن جميع المفاهيم به لكان متجها، لأن المعدود والمحدود والمشروط موصوفان بالعدد والحد والشرط.
__________
(1) العدة 2/ 453.
(2) تنقيح الفصول ص 270.
(3) التمهيد للإسنوي ص 245، والإحكام للامدي 3/ 72.
(4) تيسير التحرير 1/ 100.
(5) إرشاد الفحول ص 180.
(6) المسودة ص 360.
(7) البرهان 1/ 446، و 467.
(8) المستصفى 2/ 191.
(9) إرشاد الفحول ص 180.(1/393)
ودلالته من دلالة اللغة ووضع اللسان عند أكثر الحنابلة والشافعية (1).
والدليل على أنه حجة:
1 - أن التخصيص بالصفة المذكورة إذا توفرت فيه الشروط السابقة دليل على انتفاء الحكم عما سواها، إذ لو كان ثابتا لضدها لكان ذكرها خاليا من فائدة ولا معنى له (2).
واعترض على ذلك بأن ذكر الصفة له فائدة غير التخصيص وهي احتمال التوهم بعدم إرادة تلك الصفة فيصرح بها لدفع هذا التوهم، والجواب أن الأصل بقاء الكلام على ظاهرة، وهذا الاحتمال يحتاج إلى دليل.
2 - أن أهل اللغة لا يضمّون الصفة إلى الاسم ويقيدون الاسم بها إلّا للتمييز والمخالفة بينه وبين ما عداه (3).
واستدل الأحناف على نفي حجية مفهوم الصفة:
1 - أن الاستقراء دل على النفي الثابت للمسكوت عنه في الايات مستفاد من دليل الاستصحاب لا من المفهوم (4).
2 - أن الدليل ما يفيد عند وجوده حكم مدلوله. وقد وجدنا صفات عدة لا تدل على انتفاء الحكم عما سواه، فعلمنا من ذلك أن مفهوم الصفة لا يدل على ثبوت حكم في ضده لا بنفي ولا إثبات (5).
__________
(1) شرح الكوكب المنير 3/ 500.
(2) التمهيد 2/ 211، وروضة الناظر ص 274، وشرح مختصر الروضة 2/ 765.
(3) العدة 2/ 465، وعبارة أبي الخطاب: (أن العرب فرقوا بين الخطاب المطلق والمقيد بصفة)، والتمهيد 2/ 210.
(4) تيسير التحرير 1/ 106.
(5) راجع: التمهيد 2/ 219، وعبارة ابن حزم في مضمون هذا الدليل شديدة. انظر:
الإحكام 2/ 888.(1/394)
ومن أمثلة ما ذكرنا قوله تعالى: {وَلََا تَقْتُلُوا أَوْلََادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلََاقٍ}
[الإسراء: 31]، فذكر خشية الإملاق مع أن حكم قتلهم في ضدها التحريم أيضا، فلا مفهوم لها.
وقوله تعالى: {لََا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعََافاً مُضََاعَفَةً} [ال عمران: 130].
والجواب: أن دليل الخطاب سقط في هذه المواضع لقيام الدلالة على سقوطه، ففي قوله تعالى: {وَلََا تَقْتُلُوا أَوْلََادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلََاقٍ} [الإسراء: 31]، الصفة خرجت مخرج الغالب فلا دلالة له، وكذلك قوله تعالى: {لََا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعََافاً مُضََاعَفَةً} [ال عمران: 130]، فإن الغالب أنه إذا لم يقض ضاعف عليه حتى يكون أضعافا. وقد سبق أن من شروطه ألايخرج المنطوق به مخرج الغالب، كما أن إسقاط الدليل في بعض المواضع لا يفيد أنه ليس بدليل.
والراجح أن مفهوم الصفة يدل على أن ما عداه بخلافه إذا توفرت فيه الشروط السابقة، وهل يدل على ثبوت حكم الضد في الجنس المذكور أو في سائر الأجناس إذا لم توجد فيها تلك الصفة، مثل: وفي الغنم السائمة زكاة يدل على أن الغنم المعلوفة لا زكاة فيها أو يدل على أن المعلوفة من سائر الحيوان لا زكاة فيها.
قال ابن تيمية: (إذا علق الحكم على صفة في جنس كقوله: (في سائمة الغنم الزكاة دل على نفيه عما عداها في ذلك الجنس دون بقية الحيوان في قول بعض أصحابنا، وبه قال بعض الشافعية). قال القاضي في مقدمة المجرد: وقوله: (في سائمة الغنم الزكاة يقتضي سقوط الزكاة عن معلوفه الغنم فحسب) (1). وهذا اختيار أبي الخطاب (2)، وعن الإمام أحمد وجه
__________
(1) المسودة ص 358.
(2) التمهيد 2/ 223.(1/395)
اخر اختاره ابن عقيل أنه يقتضي سقوط الزكاة عن معلوفة كل حيوان (1).
فعلى هذا السوم وحده المعتبر).
ثانيا: مفهوم الغاية:
وهو أن يذكر الحكم مقيدا بغاية فيدل على أن ما بعدها بخلافه، مثل قول الله تعالى: {فَلََا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتََّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، وقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتََّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيََامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، ومذهب الجمهور أنه يدل على نفي الحكم فيما بعد الغاية (2)، وقال به معظم نفاة المفهوم (3) وخالف في ذلك بعض أصحاب أبي حنيفة (4)، واختاره الامدي (5)، وقالوا بأنه لا تعرض فيه لما بعد الغاية لا بنفي ولا إثبات.
ولكن الغاية ما سميت بذلك إلّا لانتهاء ما قبلها إليها، فلو تجاوزها لما بعدها لم تسم غاية. وهذا معلوم في اللغة.
ثالثا: مفهوم الشرط:
وهو أن يعلق الحكم بشرط فيدل على انتفاء الحكم عند فقد الشرط، إلّا أن يقوم دليل على تعلق شرط اخر فلا يدل على خلافه مع وجود الشرط الاخر، بل يدل عليه عند فقدهما معا. فإن دل الدليل على ثبوت الحكم عند عدمه علمنا أنه ليس شرطا. ومن الأمثلة عليه قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولََاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6].
__________
(1) شرح الكوكب 3/ 501.
(2) شرح الكوكب 3/ 507، وشرح مختصر الروضة 2/ 757.
(3) إرشاد الفحول ص 182.
(4) فواتح الرحموت 1/ 432.
(5) الإحكام في أصول الأحكام للامدي 3/ 92.(1/396)
ومذهب الإمام أحمد وأصحابه (1)، ومالك، والشافعي (2) وجل أصحابهم أنه حجة.
وقال أبو عبد الله البصري وعبد الجبار بن أحمد البصري: لا يدل على أن ما عداه بخلافه (3)، واختلف أصحاب أبي حنيفة فيه، فمنهم من قال:
لا يدل على أن ما عداه بخلافه، ومنهم من وافق الجمهور وقال: يدل على أن ما عداه بخلافه (4).
والدليل على أنه حجة فهم الصحابة رضي الله عنهم، ومن ذلك ما روي أن يعلى بن أمية رضي الله عنه سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: (ما بالنا نقصر وقد أمنّا، فقال: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: صدقة تصدق الله سبحانه بها عليكم فاقبلوا صدقته) (5)، فلو لم يفهما من الشرط في قوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}
[النساء: 101]، نفي الحكم عما عداه لما كان منهما هذا التعجب، وأقرهما النبي صلى الله عليه وسلّم عليه وبين أن ذلك رخصة من الله جل وعلا.
2 - أن الشرط في اللغة وضع لهذا المعنى، فمن أثبت الحكم عند فقد الشرط فقد ألغى ما وضع له بلا دليل.
رابعا: التقسيم (6):
وهو أن يذكر لأحد الأقسام حكم فيفهم أن ما عداه بخلافه، مثاله قول
__________
(1) العدة 2/ 454وما بعدها، والتمهيد 2/ 189، وشرح مختصر الروضة 2/ 761.
(2) التمهيد للإسنوي ص 245.
(3) المعتمد 1/ 142، والتمهيد 2/ 190.
(4) تيسير التحرير 1/ 100، والمسودة نقلا عن الجرجاني ص 357.
(5) سبق تخريجه.
(6) ذكر الفتوحي في شرح الكوكب 3/ 504، وذكره ابن قدامة في روضة الناظر ص 274.(1/397)
الرسول صلى الله عليه وسلّم: «الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن» (1)، فيفهم منه أن البكر ليست مثل حق الثيب، إذا لو كانت مساوية لها لم يكن للتقسيم فائدة.
خامسا: مفهوم العدد:
وهو أن يعلق الحكم بعدد فيدل على أن ما عداه بخلافه، مثاله قوله صلى الله عليه وسلّم: «في أربعين شاة شاة» (2)، وقوله في الرضاع: «لا تحرم المصة ولا المصتان» (3)، وهو حجة عند الإمام أحمد وأصحابه نص عليه في رواية محمد بن العباس وقد سئل عن الرضاع فقال: (عن النبي صلى الله عليه وسلّم: «لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان» (4)، فأرى الثالثة تحرم) (5)، وهو حجة عند الإمام مالك نص على ذلك القرافي (6) وعند الشافعي (7)، وقال أصحاب أبي حنيفة: ليس بحجة (8)، ووافقهم بعض الشافعية (9).
ومن الأدلة على أنه حجة ما روى قتادة لما نزل قوله الله تعالى في المنافقين: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «قد خيرني ربي فو الله لأزيدن على السبعين» (10)،
__________
(1) أخرجه مسلم 4/ 141، وأبو داود 2/ 578، والنسائي 6/ 85.
(2) وابن ماجه 1/ 577، وقد سبق حديث أنس في ذلك.
(3) رواه مسلم 4/ 166، وابن ماجه 1/ 624.
(4) مسلم 4/ 167.
(5) العدة 2/ 450، والتمهيد ص 198197.
(6) شرح تنقيح الفصول ص 270.
(7) إرشاد الفحول ص 181.
(8) تيسير التحرير 1/ 98وما بعدها.
(9) إرشاد الفحول ص 181.
(10) صحيح البخاري 1/ 460.(1/398)
فأنزل الله تعالى: {سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَهُمْ} [المنافقون: 6].
ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلّم عقل أن ما بعد السبعين، يخالف حكم ما قبل السبعين، قال أبو الخطاب: (فإن قيل الكافر لا يغفر له من جهة السمع بدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48، و 116]، فغير جائز أن يخالفه الرسول صلى الله عليه وسلّم وبان أن الخبر غير صحيح.
قلنا: الخبر ثابت مشهور لم يختلف في صحته، فأما استغفار النبي صلى الله عليه وسلّم فكان قبل تسميتهم كفارا وقبل قوله: {إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}
ومغفرة الله سبحانه لا يحيلها العقل فلهذا قال ذلك) (1).
سادسا: مفهوم اللقب:
وهو أن يعلق الحكم باسم فيدل على أن ما عداه بخلافه، مثاله قوله صلى الله عليه وسلّم: «وترابها طهور» (2)، فعلق الحكم بالتراب فدل ذلك على أن ما عداه بخلافه. ومثاله أيضا قوله تعالى: {لََا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}
[المائدة: 95]، فدل على أن ما عدا الصيد لا يحرم قتله كالسباع.
وهو حجة عند الإمام أحمد وأكثر أصحابه، وقد نص عليه في مواضع منها ما رواه الميموني أنه سئل عن التيمم بالسهلاة (3)، فقال: (كيف يتيمم بهذه الأشياء ليست بصعيد ولكن يتيمم ويعيد جميع ذلك) (4). قال أبو يعلى: (لأن اسم الصعيد لا يتناوله والاية تضمنت التيمم بما يسمى
__________
(1) التمهيد 2/ 199.
(2) سبق تخريجه.
(3) السهلاة كالرمل، وهي مما يجيء به الماء في الأودية.
(4) العدة 2/ 466.(1/399)
صعيدا فدل على أن غيره لا يجوز التيمم به) (1).
وقد ذهب القاضي أبو يعلى وأبو الخطاب وابن تيمية إلى أنه حجة (2)، وهو قول مالك (3) وداود وبعض الشافعية (4).
قال القاضي: (دليل الخطاب حجة، وهو أن يعلق الحكم بصفة نحو قوله: في سائمة الغنم الزكاة، أو بعدد نحو قوله: في أربعين شاة شاة، أو باسم نحو قوله: في الغنم الزكاة) (5).
وقال أبو الخطاب: (فإن علق الحكم باسم دل على أن ما عداه بخلافه) (6)، وقال ابن تيمية: (فإن علق على اسم ليس بصفة دل على أن ما عداه بخلافه) (7)، وقال الفتوحي في مختصر التحرير:
(السادس تخصيص اسم بحكمه وهو حجة) (8)، ومن متأخري الحنابلة من فصل بين المشتق وغيره وبين اسم الجنس واسم العين، فمنهم من يثبته في المشتق فقط، ومنهم من يثبته في اسم الجنس دون اسم العين (9)، وذهب أكثر الشافعية والمتكلمين وأصحاب أبي حنيفة إلى أنه ليس بحجة (10)،
__________
(1) العدة 2/ 449، و 475، والتمهيد 2/ 202، والمسودة ص 360.
(2) تنقيح الفصول ص 271270.
(3) إرشاد الفحول ص 182، منهم الدقاق والصيرفي وابن فورك وابن خويزمنداد وابن القصار.
(4) الروضة ص 449448.
(5) التمهيد 2/ 202.
(6) المسودة ص 360.
(7) مختصر التحرير ص 52.
(8) انظر: التحرير ص 105، مخطوط.
(9) الإحكام للامدي 3/ 95، والوصول إلى علم الأصول 1/ 338.
(10) روضة الناظر ص 275.(1/400)
فلا يدل على أن ما عداه بخلافه.
واختاره ابن قدامة وابن عقيل (1)، ولعل ابن قدامة تابع الغزالي فيه وتأثر بالمستصفى في ذلك (2)، وقد نسب الفتوحي (3) وابن اللحام (4)، هذا القول للقاضي أبي يعلى، ولعلهما وهما في ذلك لأنه قد صرح في كتابه العدة بأنه حجة عنده في أكثر من موضع كما تبين لك، وقد ساق الأدلة على أنه حجة ودفع أدلة المانعين. أو لعله يكون قولا قد رجع عنه ولذلك لم ينقله عنه تلميذه أبو الخطاب.
وإليك الأدلة والمناقشة:
استدل الحنابلة على أن مفهوم اللقب حجة بعدة أدلة، منها:
1 - أن الاسم وضع لتمييز المسمى عن غيره، كما أن الصفة وضعت لتمييز الموصوف عن غيره، والغاية وضعت لتمييز ما قبلها عن ما بعدها، فتلك سواء في الدلالة على أن ما عداها بخلافها (5).
فإن قيل: الصفة يجوز أن تكون علة يعلق الحكم عليها والاسم ليس كذلك.
قلنا: لا نسلم بل يجوز أن يكون علة يعلق الحكم به مثل تعلق التيمم بما يسمى ترابا، وتعلق الوضوء بما يسمى ماء.
بل إن الاسم أقوى من الصفة في تعيين ما يراد تمييزه.
__________
(1) المستصفى 2/ 211.
(2) شرح الكوكب المنير 3/ 510509.
(3) القواعد والفوائد الأصولية ص 289.
(4) انظر هذا الدليل بعبارة أخرى في: العدة 2/ 275، والتمهيد 2/ 204.
(5) التمهيد 2/ 203.(1/401)
فإذا جعلنا للصفة مفهوما لأنها لو لم تكن مقصودة بالتعيين لما خصت، فالاسم أقوى فمن باب أولى أن يكون ما عداه بخلافه.
2 - أنه إذا علق الله سبحانه وتعالى الحكم على الاسم الخاص ولم يعلقه على الاسم العام علمنا أنه غير متعلق عليه، إذ لو كان متعلقا عليه لما عدل عنه إلى الخاص (1).
واستدل الفريق الاخر بأدلة، منها:
1 - أنه إذا اعتبرنا تعليق الحكم بالاسم مفيدا أن ما عداه بخلافه، فإن ذلك يسد باب القياس (2) والقياس من يحتاج إليه عند فقد الدليل والجواب عليه: أن ذلك لا يسد باب القياس، وإنما قد يتعارض معه فيكون من باب تعارض الأدلة فيقدم الأقوى، فإن كان القياس أقوى بأن كانت علته منصوصة أو ظاهرة قدم، وإن كان مفهوم الخطاب أقوى قدم.
وقد سبق أن تقرر أن من شروط حجية المفهوم ألايتعارض مع دليل أقوى منه.
وأيضا: فإن الصفة على قولكم هذا تمنع من القياس فيما عداها أيضا، وما تقولونه في الجواب عن ذلك في الصفة نقوله في الاسم.
2 - أن قول القائل: زيد أكل، لا يدل على أن عمرا لم يأكل.
والجواب: بأن السياق هو المبين، فإن قيل في حالة وجود عمر وزيد على المائدة، فإن هذا يدل على أن عمرا لم يأكل، وإن كان السياق مطلقا فهو خبر في سياق مطلق مثل قولك: جلس الفقيه أو قام الطويل، وليس البحث في الأخبار وإنما في الأحكام.
__________
(1) المستصفى 2/ 211، والروضة ص 275.
(2) شرح مختصر الروضة 2/ 774، و 775.(1/402)
وقد ناقش الطوفي أدلتهم ودفعها ثم قال:
(نعم هذا المفهوم ضعيف جدّا، فلذلك ألغاه الخصم عن درجة الاعتبار).
وبين أن سبب ضعفه ضعف ظهور التعليل فيه، لكن ضعفه لا يدل على إلغائه بالكلية. لأن ضعفه بالإضافة إلى ما هو أقوى منه أما هو في نفسه فيصلح للعمل (1).
ويتفرع على مفهوم المخالفة مسائل فقهية كثيرة، منها:
1 - قال ابن قدامة: (ليس للمسلم وإن كان عبدا أن يتزوج أمة كتابية لأن الله تعالى قال: {مِنْ فَتَيََاتِكُمُ الْمُؤْمِنََاتِ} [النساء: 25]، هذا ظاهر مذهب أحمد رواه عنه جماعة وهو قول عدد من أئمة الإسلام (2). وهذا متفرع من مفهوم الصفة في الاية حيث دلت الاية بمنطوقها على تخصيص الإباحة بالمؤمنات منهن وبمفهومها على تحريم غير المؤمنات.
وذهب الأحناف إلى جواز نكاحها (3) بناء على مذهبهم في عدم حجية مفهوم الصفة، وقد رد الخلال ما نقل عن أحمد في إباحة ذلك (4)، وبين أن مذهبه أنها لا تحل له.
2 - لا يجوز للحر القادر على مهر الحرة أن يتزوج أمة مسلمة، ولا يجوز أيضا لغير القادر الذي لم يخش العنت. قال ابن قدامة:
__________
(1) المغني 9/ 554، تحقيق عبد الله التركي ود. عبد الفتاح الحلو، والأم 5/ 9، ومنهم الحسن والزهري ومكحول ومالك، والشافعي والثوري والأوزاعي وإسحاق.
(2) بدائع الصنائع 2/ 270.
(3) المغني 9/ 554.
(4) انظر: المغني 9/ 555.(1/403)
(الكلام في هذه المسألة في شيئين:
أحدهما: أنه يحل له نكاح الأمة المسلمة إذا وجد فيه الشرطان، عدم الطّول، وخوف العنت، وهذا قول عامة العلماء لا نعلم بينهم اختلافا فيه، والأصل فيه قوله سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} [النساء: 25] الاية، والصبر عنها مع ذلك خير وأفضل لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [النساء: 25].
والثاني: أنه إذا عدم الشرطان أو أحدهما لم يحل نكاحها لحر) (1)، روي ذلك عن عدد من الصحابة والتابعين.
فمنطوق الاية على إباحة عقد الزواج على الأمة المسلمة عند تحقق الشرطين، ومفهوم الشرط يدل على عدم الإباحة عند تخلف الشرطين وأحدهما. فمن كان متزوجا بحرة أو قادرا على مهرها أو لا يجد عنتا فإنها لا تحل له.
وذلك عند من يثبت حجة مفهوم الشرط، أما عند الأحناف فإنه يجوز نكاحها مع القدرة على طول الحرة ومع عدم العنت، ولا تحرم إلّا إذا كانت تحته حرة (2). قال الكاساني: (وأما عدم طول الحرة وهو القدرة على مهر الحرة وخشية العنت فليس من شرط جواز نكاح الأمة عند أصحابنا، والحاصل: أن من شرائط جواز نكاح الأمة عند أبي حنيفة ألا يكون في نكاح المتزوج حرة ولا في عدة الحرة، وعندهما خلو الحرة من عدة البينونة ليس بشرط لجواز نكاح الأمة، وعند الشافعي من شرائط جواز نكاح الأمة ألايكون في نكاحه حرة وأن لا يكون قادرا على مهر الحرة وأن يخشى العنت) (3).
__________
(1) بدائع الصنائع 2/ 266.
(2) بدائع الصنائع 2/ 267.
(3) سبق تخريجه.(1/404)
3 - المطلقة البائن إذا كانت حائلا لا نفقة لها، وهذا متفرّع من مفهوم الشرط في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولََاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتََّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6]، ولكن هذا المفهوم أكّده منطوق حديث فاطمة بنت قيس (1)، وفيه: «لا نفقة لك إلّا أن تكوني حاملا».
قال القاضي: [مسألة: في المبتوتة الحائل لا نفقة لها رواية واحدة، وهل لها السكنى؟ على روايتين، نقل المروزي وأبو طالب وأبو الحارث والفضل بن زياد: لا سكنى ولا نفقة.
ونقل ابن منصور عنه: السكنى للمطلقة ثلاثا أوكد من النفقة، لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6].
ووجه الأولى وهي الصحيحة ما روت فاطمة بنت قيس.
وذهب الأحناف إلى أن لها النفقة والسكنى، لأن مفهوم المخالفة لا حجة فيه. والدليل على ثبوت ذلك لها أنها مطلقة كالرجعية. ولأن ذلك روي عن عمر بن الخطاب وابن مسعود، وردوا حديث فاطمة بنت قيس فلم يثبت عندهم لما روي عن عمر أنه قال: (لا ندع كتاب ربنا وسنّة نبينا لقول امرأة) (2)، ولكن رد ذلك بأنه نص رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو حجة لا يعارض بقول عمر. والراجح: ما ذكر القاضي أنه لا نفقة لها ولا سكنى، لأن مفهوم الاية يدل على ذلك، إذ لو كانت النفقة لغير الحامل لما خصت الحامل بذلك (3).
ولأن النبي صلى الله عليه وسلّم نص على ذلك.
__________
(1) المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين 2/ 219.
(2) سبق تخريجه.
(3) المغني 11/ 404.(1/405)
4 - إذا كان الماء الراكد أقل من قلتين وخالطته نجاسة فإنه ينجس وإن لم تتغير أوصافه.
وهذا ثابت من مفهوم قوله صلى الله عليه وسلّم: «إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء» (1)، وفي رواية: «لم يحمل الخبث» (2)، ومنطوقه مقيد بقوله صلى الله عليه وسلّم:
«إلّا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه» (3)، وبيان ذلك كما فصله ابن قدامة حيث قال: (قد دلت هذه المسألة بصريحها على أن ما بلغ القلتين فلم يتغير بما وقع فيه لا ينجس، وبمفهومها على أن ما تغير بالنجاسة نجس وإن كثر، وأن ما دون القلتين ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة وإن لم يتغير) (4).
5 - لا يطهر الإناء الذي ولغ فيه الكلب بغسله ست مرات أو أقل من ذلك (5)، وهو ثابت من مفهوم قوله صلى الله عليه وسلّم: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا» (6)، واختلفت الروايات في التراب في الأولى أو غيرها ولكنها تتفق على أن إحداهن بالتراب.
وعند أبي حنيفة لا يجب هذا العدد بل يغسل حتى يغلب على الظن نقاؤه من النجاسة (7).
6 - إذا عقد الأب على ابنته البكر لكفء ولم ترض صح العقد، قال الخرقي: (إذا زوج الرجل ابنته البكر فوضعها في كفاءة فالنكاح ثابت وإن
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه ابن ماجه 1/ 74.
(4) المغني 1/ 3938.
(5) انظر: المغني 1/ 73.
(6) سبق تخريجه.
(7) بدائع الصنائع 1/ 64.(1/406)
كرهت، كبيرة كانت أو صغيرة) (1)، وهذا من مفهوم التقسيم في قوله صلى الله عليه وسلّم:
«الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن وأذنها صماتها» (2)، إذ يفهم منه أن الولي أحق بالبكر فإذا زوجها كفؤ صح، فلو كانت أحق لما كان لتخصيص الثيب بذلك فائدة.
وللإمام أحمد في اعتبار رضى البكر البالغة رواية أخرى وهي أنه يعتبر رضاها (3)، وكذا اختلف فيها علماء المذاهب على قولين (4) وذلك لتعارض الأدلة، واختلاف أوجه الترجيح.
7 - لو تيمم بغير التراب لم يصح، وهذا متفرع من قوله صلى الله عليه وسلّم:
«وترابها طهور» (5)، فلو كان غير التراب طهورا لما خص التراب بالذكر، قال الخرقي: (ويضرب بيديه على الصعيد الطيب وهو التراب) (6)، قال ابن قدامة: (وجملة ذلك أنه لا يجوز التيمم إلّا بتراب طاهر ذي غبار، لأن الله تعالى قال: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}
[المائدة: 6]، قال ابن عباس: الصعيد تراب الحرث.
واختلف في ذلك العلماء نظرا لإطلاق الصعيد، ولأنه ورد مطلقا في حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلّم قال: أعطيت خمسا وفيه: «وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» (7)، وعن الإمام أحمد رحمه الله رواية أخرى في السبخة والرمل أنه
__________
(1) انظر: المغني 9/ 398.
(2) سبق تخريجه.
(3) المغني 9/ 398، و 399.
(4) بدائع الصنائع 2/ 241، والأم 5/ 1918.
(5) سبق تخريجه.
(6) المغني 1/ 325.
(7) سبق تخريجه.(1/407)
يجوز التيمم به (1). لعل ذلك لأنها نوع منه، أو لأن فيها غبار يتحقق به المسح.
8 - يجوز للمرأة والصبي الوضوء بالماء الذي خلت به المرأة في طهارة كاملة (2)، وهذا من مفهوم نهي النبي صلى الله عليه وسلّم: «أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة» (3).
__________
(1) المغني 1/ 326325.
(2) انظر: الروض المربع مع حاشية ابن قاسم 1/ 80.
(3) رواه أبو داود 1/ 63، والترمذي 1/ 93، وقال: حديث حسن.(1/408)
الخاتمة
الحمد لله على تمام نعمه، والشكر لله على جزيل عطائه وفضله، الحمد لله أن وفقني ويسّر لي طريق العلم والبحث في الأصول، وأسأله أن يتم علي بتحقيق العمل المأمول، ويختم لي بالغفران والرضوان والقبول، فبفضل الله تتم الصالحات، وبرحمته يفوز المؤمنون بالجنات.
وفي هذه الخاتمة أعرض لك نتائج البحث المهمة، مرتبة على الأبواب والفصول فيه، فإليك ذكرها بإيجاز:
* الدلالة تنقسم باعتبارات متعددة إلى أقسام:
* تنقسم باعتبار الدال إلى دلالة لفظية، ودلالة غير لفظية، ولكل أقسامه.
* تنقسم باعتبار الاستعمال إلى حقيقة ومجاز.
* تنقسم باعتبار وحدة المدلول أو تعدده إلى: مترادف، ومتواطىء، ومشترك ومتباين.
* تنقسم باعتبار قوتها إلى: قطعية، وظنية.
* الأسماء الشرعية حقيقة في معناها الشرعي.
* المجاز واقع في اللغة عند الحنابلة والجمهور، خلافا للإسفراييني ومن وافقه.
* ابن تيمية ينفي حمل ايات الصفات على المجاز، ولا ينفي المجاز مطلقا، بل صرح بإثباته في مواضع عدة.(1/409)
* المجاز واقع في اللغة عند الحنابلة والجمهور، خلافا للإسفراييني ومن وافقه.
* ابن تيمية ينفي حمل ايات الصفات على المجاز، ولا ينفي المجاز مطلقا، بل صرح بإثباته في مواضع عدة.
* المجاز واقع في القران الكريم عند الإمام أحمد وأكثر أصحابه وأكثر العلماء.
* ابن حامد ومن وافقه من الأصحاب قالوا بعدم وقوع المجاز في القران الكريم، والراجح ما عليه الإمام وأكثر الأصحاب.
* دلالة الحروف تؤثر على: معاني النصوص.
* حرف الواو يدل على: واحد من المعاني الاتية:
1 - الاستئناف. 2القسم.
3 - بمعنى ربّ. 4بمعنى أو.
5 - الدلالة على الحال.
6 - العطف.
* الواو لا تفيد الترتيب.
* العطف لا يدل على التسوية في غير الحكم المذكور، خلافا لأبي يوسف.
* حرف الفاء له ثلاث حالات. إما العطف أو لربط الجواب أو يكون زائدا.
* الفاء العاطفة لها معان:
1 - التعقيب.
2 - الترتيب.
3 - السببية.
* ثم تدل على المعاني التالية:
1 - الترتيب والتراخي.
2 - التشريك في الحكم.
* حرف الباء يفيد واحدا من المعاني الاتية:(1/410)
2 - التشريك في الحكم.
* حرف الباء يفيد واحدا من المعاني الاتية:
1 - الإلصاق. 2التعدية.
3 - الاستعانة. 4السببية.
5 - المصاحبة. 6الظرفية.
7 - البدل. 8المقابلة.
9 - بعنى عن. 10بمعنى من.
11 - بمعنى إلى. 12بمعنى على.
13 - القسم. 14التوكيد.
* حرف اللام يفيد أحد المعاني التالية:
1 - الملك. 2الاستحقاق.
3 - الاختصاص. 4التمليك.
5 - شبه التمليك. 6التعليل.
7 - التبيين. 8التعجب.
9 - توكيد النفي. 10بمعنى إلى.
11 - بمعنى على. 12بمعنى في.
13 - بمعنى عند. 14بمعنى مع.
15 - بمعنى من. 16بمعنى بعد.
17 - بمعنى عن. 18التبليغ.
19 - القسم. 20العاقبة.
21 - التعدية. 22التوكيد.
تلك معاني اللام في حالة كونها جارّة أو ناصبة.
* اللام الجازمة تفيد أحد المعاني الاتية:(1/411)
تلك معاني اللام في حالة كونها جارّة أو ناصبة.
* اللام الجازمة تفيد أحد المعاني الاتية:
1 - الأمر. 2الدعاء.
3 - الالتماس. 4التهديد.
* اللام غير العاملة لها حالات.
* حرف من يفيد أحد المعاني الاتية:
1 - ابتداء الغاية. 2التبعيض.
3 - بيان الجنس. 4التعليل.
5 - البدل. 6بمعنى عن.
7 - بمعنى الباء. 8بمعنى عند.
9 - بمعنى في. 10بمعنى ربما.
11 - بمعنى على. 12الفصل.
13 - الغاية. 14التنصيص.
15 - توكيد العموم.
* حرف إلى يفيد أحد المعاني الاتية:
1 - انتهاء الغاية. 2المعية.
3 - بمعنى في. 4بمعنى اللام.
5 - بمعنى عند. 6التبيين.
7 - بمعنى من. 8التوكيد.
* اختار الفتوحي وابن اللحام وغيرهم من الأصحاب أن «ما» بعد «إلى» لا يدخل في المقصود، واختار بعض الأصحاب دخوله إن كانت الغاية من جنسه.
* في حرف يفيد أحد المعاني الاتية:(1/412)
* اختار الفتوحي وابن اللحام وغيرهم من الأصحاب أن «ما» بعد «إلى» لا يدخل في المقصود، واختار بعض الأصحاب دخوله إن كانت الغاية من جنسه.
* في حرف يفيد أحد المعاني الاتية:
1 - الظرفية. 2المصاحبة.
3 - التعليل. 4بمعنى على.
5 - بمعنى إلى. 6بمعنى من.
7 - بمعنى الباء. 8المقايسة.
9 - التوكيد.
* حرف على يفيد أحد المعاني الاتية:
1 - الإيجاب. 2الاستعلاء.
3 - المصاحبة. 4المجاوزة.
5 - التعليل. 6الظرفية.
7 - بمعنى من. 8بمعنى الباء.
9 - بمعنى اللام. 10الاستدراك.
* حرف أو يفيد أحد المعاني الاتية:
1 - الشك. 2الإبهام.
3 - التخيير. 4الإباحة.
5 - التقسيم. 6الإضراب.
7 - بمعنى الواو. 8بمعنى إلى وبعدها أن مضمرة.
9 - بمعنى إلّا.
* الأمر حقيقة في القول المخصوص، مجاز في الفعل، والطريقة والشأن، خلافا لبعض الشافعية حيث جعلوه حقيقة في الفعل كما هو حقيقة في القول المخصوص، وخلافا لأبي الحسين ومن وافقه حيث قالوا بالاشتراك.
* الأمر المجرد عن القرائن يقتضي الوجوب، وهذا بيّن في كلام الإمام أحمد في مواضع عدة، وهو مذهب جمهور العلماء، خلافا لبعض الشافعية والمعتزلة حيث قالوا بأنه يقتضي الندب، وخلافا لأبي الحسن الأشعري ومن وافقه حيث قالوا بالتوقف، وخلافا لمن قال الإباحة.(1/413)
* الأمر حقيقة في القول المخصوص، مجاز في الفعل، والطريقة والشأن، خلافا لبعض الشافعية حيث جعلوه حقيقة في الفعل كما هو حقيقة في القول المخصوص، وخلافا لأبي الحسين ومن وافقه حيث قالوا بالاشتراك.
* الأمر المجرد عن القرائن يقتضي الوجوب، وهذا بيّن في كلام الإمام أحمد في مواضع عدة، وهو مذهب جمهور العلماء، خلافا لبعض الشافعية والمعتزلة حيث قالوا بأنه يقتضي الندب، وخلافا لأبي الحسن الأشعري ومن وافقه حيث قالوا بالتوقف، وخلافا لمن قال الإباحة.
* إذا تكرر الأمر بالشيء من غير عطف ولا تعريف وكان قابلا للتكرار، ففيه خلاف بين العلماء، فمنهم من قال هو أمر ثان يقتضي تكرار المأمور به، ومذهب الحنابلة أنه توكيد للأمر الأول فلا يقتضي التكرار.
* إذا ورد الأمر على محل نهي سابق فإنه يقتضي الإباحة عند أكثر الحنابلة وجمهور العلماء.
* الأمر المطلق عن قيد المرة أو التكرار، والتكرار فيه ممكن يقتضي التكرار عند ابن عقيل والقاضي وذكروه مذهبا لأحمد، ولا يقتضيه عند أبي الخطاب والتميمي وابن قدامة والمرداوي، وهو رواية عن القاضي وذكره التميمي مذهبا لأحمد، وهو الراجح عندي.
* الأمر المطلق يقتضي الفور عند الإمام أحمد وأصحابه، خلافا لأكثر الشافعية وبعض الأحناف حيث قالوا بجواز التراخي فيه، وخلافا لمن توقف.
* الأمر المؤقت إذا انتهى وقته ولم يفعل هل يسقط فيحتاج قضاؤه إلى أمر ثان أم لا فيجب القضاء به؟ اختلف الأصحاب في ذلك على قولين، والراجح عندي أنه يسقط ولا يجب القضاء إلّا بدليل اخر، لحديث عائشة رضي الله عنها.
* الأمر بالشيء نهي عن ضده عن طريق المعنى سواء كان له ضد واحد أو أضداد كثيرة، خلافا لأكثر المعتزلة وبعض الشافعية.
* لا خلاف بأن أمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلّم بأن يأمر المؤمنين أمر به، لقيام الحجة على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلّم.(1/414)
* الأمر بالشيء نهي عن ضده عن طريق المعنى سواء كان له ضد واحد أو أضداد كثيرة، خلافا لأكثر المعتزلة وبعض الشافعية.
* لا خلاف بأن أمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلّم بأن يأمر المؤمنين أمر به، لقيام الحجة على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلّم.
* الأمر لشخص أن يأمر غيره فيه خلاف، والذي عليه الجمهور أنه لا يعد أمرا بذلك الشيء ما لم يدل عليه دليل.
* النهي لمجرد يقتضي التحريم، خلافا لمن قال بالتوقف وهم الأشاعرة، وخلافا لمن فرق بين القطعي والظني.
* النهي المجرد يقتضي التكرار والفور، خلافا لأبي بكر الباقلاني ومن وافقه.
* النهي يقتضي الفساد، سواء كان نهيا عن عين الفعل أو صفته، وذهب بعض الأحناف إلى أنه يقتضي الفساد إذا كان عن عين الفعل، وأما النهي عن الصفة فلا يفسد الفعل، بل الصفة باطلة. وذهب أكثر المعتزلة والأشاعرة إلى أنه لا يقتضي الفساد.
* للعموم صيغ موضوعة في اللغة تدل عليه بمجردها عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء، خلافا لأبي الحسن الأشعري ومن وافقه، حيث قال بالتوقف، وخلافا لمحمد بن شجاع الثلجي حيث قال بأنها تدل على أقل الجمع.
* صيغ العموم المتفق عليها:
1 - لفظ الجمع المعرف بالألف واللام مثل: المسلمين، المسلمات، الرجال.
2 - لفظ الجنس، مثل: الناس، الإبل.
3 - الأسماء المبهمة مثل: من، وما، وأي، وأين، وحيث، ومتى.
4 - لفظ كل.
5 - لفظ جميع وأجمعين ونحوها.
* النكرة في سياق النفي إذا سبقت بمن فهي نص في إفادة العموم.(1/415)
5 - لفظ جميع وأجمعين ونحوها.
* النكرة في سياق النفي إذا سبقت بمن فهي نص في إفادة العموم.
* النكرة في سياق النفي إذا كانت اسما للنافية للجنس فهي نص في إفادة العموم.
* النكرة في سياق النفي ولم تسبق بمن ولا بلا النافية، اختلف العلماء في إفادتها العموم على قولين، قال الأكثر: أنها تفيد العموم، وقال بعض النحويين والمتأخرين: أنها لا تفيد العموم، والأول هو الراجح.
* الاسم المفرد إذا دخلت عليه الألف واللام لغير العهد، ففي إفادته العموم خلاف، فالأكثر أنه يفيد العموم، صرح بذلك الإمام أحمد في عدة مواضع، وقال بعض الشافعية والمعتزلة لا يقتضي العموم.
* ألفاظ الجموع المنكرة لا تفيد العموم عند أكثر العلماء، وقال بعض المعتزلة والشافعية أنها تفيد العموم.
* قول الصحابي: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالشفعة ونحوه، يفيد العموم عند الحنابلة ووافقهم بعض العلماء، وذهب أكثر الأصوليين إلى أنه لا يفيد العموم.
* ترك الاستفصال في حكاية الأحوال ينزل منزلة العموم في المقال عند الإمام أحمد، وهذه المقالة مشتهرة عند الشافعي وأصحابه.
* العام إذا ورد مطلقا ففي حكم العمل به واعتقاده في الحال أقوال:
الأول: يجب العمل به واعتقاده في الحال. وهو رواية عن الإمام أحمد قال بها أبو بكر عبد العزيز والقاضي وابن عقيل، ورواية عن الشافعي قال بها الصيرفي، وقال بها بعض الأحناف.
الثاني: لا يعمل به إلّا بعد طلب التخصيص، فإن وجد حمل على ما بعد التخصيص، وإن لم يوجد حمل على عمومه، وهذا رواية عن أحمد واختارها أبو الخطاب وابن تيمية.
الثالث: التفصيل بالفرق بين من سمعه من النبي صلى الله عليه وسلّم ومن لم يسمعه، وقال به أكثر الأحناف.(1/416)
الثاني: لا يعمل به إلّا بعد طلب التخصيص، فإن وجد حمل على ما بعد التخصيص، وإن لم يوجد حمل على عمومه، وهذا رواية عن أحمد واختارها أبو الخطاب وابن تيمية.
الثالث: التفصيل بالفرق بين من سمعه من النبي صلى الله عليه وسلّم ومن لم يسمعه، وقال به أكثر الأحناف.
* دلالة العام على أصل المعنى دلالة قطعية بلا خلاف.
* دلالة العام على كل فرد من أفراده للعلماء فيها قولان:
الأول: أنها ظنية، وهو مذهب أكثر الحنابلة وجمهور العلماء.
الثاني: أنها قطعية وهو مذهب أكثر الأحناف.
* العموم من عوارض الألفاظ حقيقة باتفاق.
* العموم من عوارض المعاني، حقيقة عند القاضي وابن تيمية وابن الحاجب والرازي وغيرهم، وذهب الغزالي وابن قدامة وغيرهم إلى أنه من عوارض المعاني مجازا.
وذهب أبو الخطاب إلى أنه ليس من عوارض المعاني لا حقيقة ولا مجازا.
* يصح وصف المضمرات بالعموم، والمضمر هو ما يتوقف عليه صدق الكلام أو صحته، خلافا لأكثر الشافعية والأحناف.
* إذا نص الشارع على علة فإن ذلك يدل على عموم الحكم لكل ما وجدت فيه، وعلى ذلك جمهور العلماء، خلافا للباقلاني.
* اللفظ العام يشمل المعدومين إذا وجدوا على صفة المكلفين عند الحنابلة وأكثر المالكية وبعض العلماء، خلافا لبعض المالكية والشافعية والمعتزلة، حيث قالوا: لا يشمل المعدومين، وإنما يشملهم الحكم بدليل اخر.
* اللفظ العام يشمل الكفار في أصول الدين بلا خلاف.
* اللفظ العام يشمل الكفار في الفروع عند جمهور العلماء والحنابلة منهم، وذهب بعض العلماء إلى أنه يشملهم في النواهي دون الأوامر، وذهب بعضهم إلى أنه لا يشملهم في الفروع.(1/417)
* اللفظ العام يشمل الكفار في أصول الدين بلا خلاف.
* اللفظ العام يشمل الكفار في الفروع عند جمهور العلماء والحنابلة منهم، وذهب بعض العلماء إلى أنه يشملهم في النواهي دون الأوامر، وذهب بعضهم إلى أنه لا يشملهم في الفروع.
* اللفظ العام المجرد عن قرائن يشمل العبيد والإماء عند الحنابلة وجمهور العلماء، وذهب بعض الشافعية إلى أنه لا يشملهم.
* العام إذا خص بمجهول مجمل لا يحتج به إلّا بعد البيان.
* العام إذا خص بمعلوم فللعلماء فيه أقوال:
الأول: أنه حجة في غير محل التخصيص، وهو مذهب جمهور العلماء والحنابلة منهم.
الثاني: لا يحتج به مطلقا، وهو مذهب أبي ثور وعيسى بن أبان.
الثالث: حجة إذا خص بمتصل، وإن خص بمنفصل فليس بحجة.
الرابع: إن كان المخصص يمنع من التعلق بالعام فلا يحتج به فيما بقي، وإن كان لا يمنع صح الاحتجاج به.
الخامس: إن كان العام غير مفتقر إلى بيان فهو حجة بعد التخصيص وإلّا فلا.
السادس: حجة في أقل الجمع لا فيما عداه.
والراجح الأول وهو مذهب الجمهور لقوة أدلتهم وسلامتها من المعارض المؤثر.
* إذا ورد العام على سبب خاص لا يستقل عنه فيكون مطابقا للسبب بلا خلاف.
* إذا ورد العام على سبب خاص يستقل عنه، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وهو مذهب الحنابلة والأحناف وأكثر الشافعية والمالكية، خلافا للمزني وأبي ثور حيث قالوا العبرة بخصوص السبب.
* نسب إمام الحرمين إلى الشافعي أن العبرة بخصوص السبب، ورد علماء الشافعية هذه النسبة وبينوا أن مذهبه أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.(1/418)
* إذا ورد العام على سبب خاص يستقل عنه، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وهو مذهب الحنابلة والأحناف وأكثر الشافعية والمالكية، خلافا للمزني وأبي ثور حيث قالوا العبرة بخصوص السبب.
* نسب إمام الحرمين إلى الشافعي أن العبرة بخصوص السبب، ورد علماء الشافعية هذه النسبة وبينوا أن مذهبه أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
* من مخصصات العموم دلالة العقل، خلافا لبعض المتكلمين.
* خبر الاحاد يخصص عموم القران والسنّة عند الحنابلة وجمهور العلماء، خلافا لبعض الأحناف وبعض المتكلمين.
* القران الكريم يخصص السنّة.
* أفعال النبي صلى الله عليه وسلّم تخصص العموم.
* الإجماع يخصص العموم.
* قول الصحابي إذا لم يكن له مخالف يخصص العموم عند الحنابلة، وهو قول الأحناف وبعض الشافعية.
* مفهوم الموافقة يجوز تخصيص العموم به.
* مفهوم المخالفة يجوز تخصيص العموم به عند الحنابلة.
* يجوز تخصيص العموم بالقياس عند أكثر الحنابلة وجمهور العلماء.
وقال بعض الأصحاب لا يجوز التخصيص به، ومن العلماء من فصّل، والراجح هو الأول.
* من مخصصات العموم المتصلة، الاستثناء، وله شروط:
1 - أن يكون في كلام متصل عادة مع المستثنى منه.
2 - أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه.
3 - ألايكون المستثنى أكثر من المستثنى منه.
* يخصص العموم بالشرط.(1/419)
3 - ألايكون المستثنى أكثر من المستثنى منه.
* يخصص العموم بالشرط.
* يخصص العموم بالصفة.
* يخصص العموم بالغاية.
* إذا اختلف حكم المطلق وسببه عن حكم المقيد وسببه فيعمل بالمطلق على إطلاقه، والمقيد على تقييده، بلا خلاف.
* إذا اختلف حكمهما واتحد السبب، فلا يحمل المطلق على المقيد.
* إذا اتحد حكمهما وسببهما، فمذهب الحنابلة وجمهور العلماء يحمل المطلق على المقيد لأنه بيان له. ونسب إلى الأحناف خلاف ذلك، ولكن في شرح المنار وفي كشف الأسرار مذهبهم حمل المطلق على المقيد في هذه الحالة.
* إذا اتحد حكمهما واختلف السبب فيحمل المطلق على المقيد عند الحنابلة والشافعية، خلافا لمذهب الأحناف وأكثر المالكية. وعن الإمام رواية اختارها ابن شاقلا.
* إذا تواردت مقيدات على مطلق واحد فللعلماء فيه قولان:
الأول: أن المطلق يبقى على إطلاقه واختاره أبو يعلى.
الثاني: أن المطلق يحمل على ما كان القياس عليه أولى، واختاره أبو الخطاب.
* لا بدّ للعمل بالمجمل من بيان، فلا يعمل به قبل بيانه.
* الإجمال له فوائد منها: أنه أوقع في النفس، وأدعى إلى كمال الامتثال، وأبلغ في التأكيد، وفيه يسر على هذه الأمة.
* أوجه الإجمال في القران والسنّة متعددة، فهو واقع في حرف، وفي اسم، وفي تركيب.(1/420)
* الإجمال له فوائد منها: أنه أوقع في النفس، وأدعى إلى كمال الامتثال، وأبلغ في التأكيد، وفيه يسر على هذه الأمة.
* أوجه الإجمال في القران والسنّة متعددة، فهو واقع في حرف، وفي اسم، وفي تركيب.
* التحريم إذا أضيف إلى الأعيان، فللعلماء في إجماله قولان الأكثر ليس بمجمل، وذهب الكرخي وأبو عبد الله البصري والقاضي أبو يعلى إلى أن ذلك مجمل.
* لا إجمال في قول الله تعالى: {وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا}
[المائدة: 38]، وبه قال الأكثر، وقال بعض العلماء أنها مجملة.
* لا إجمال في قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللََّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، عند أكثر العلماء، وقال القاضي إنها مجملة.
* نفي الصحة عن الفعل لا يقتضي الإجمال عند أكثر العلماء، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «لا صلاة إلّا بطهور»، «لا نكاح إلّا بولي»، ونحو ذلك.
* لا إجمال في قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» عند جمهور العلماء، وقال بعضهم: أنه مجمل.
* أسباب الإجمال ما يلي:
1 - دلالة اللفظ على معان مشتركة.
2 - إبهام معناه وخفاؤه.
3 - النقل من العرف اللغوي إلى العرف الشرعي.
4 - دلالة اللفظ على مجازات متعددة.
5 - تردد استعمال اللفظ بين الحقيقة والمجاز الراجح.
6 - تردد إعادة الضمير بين أكثر من متقدم.
7 - تردد الصفة بين مذكورين أو أكثر.
8 - إذا كانت الصفة مجهولة.(1/421)
7 - تردد الصفة بين مذكورين أو أكثر.
8 - إذا كانت الصفة مجهولة.
9 - تخصيص العام بمجهول.
* تلك هي أسباب الإجمال.
* بيان المجمل يحصل بالكتاب، وبالسنّة، وبالإجماع، وبالقياس، وبالعرف.
* السنّة تبين القران الكريم.
* القران بين مجمل السنّة.
* لا يشترط في البيان أن يكون المبيّن مساو للمبيّن في القوة عند الجمهور خلافا للكرخي.
* لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
* تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز عند أكثر الحنابلة وأكثر الشافعية، وذهب بعض الأحناف وبعض الشافعية إلى عدم جوازه، واختاره أبو بكر عبد العزيز وأبو الحسن التميمي، ومن العلماء من قال بالتفصيل.
* مفهوم الموافقة حجة عند الجمهور خلافا لداود وابن حزم.
* دلالة مفهوم الموافقة لفظية عند القاضي وابن حمدان وابن عقيل، وقياسية عند أبي الخطاب وبعض الأصحاب.
* لصحة مفهوم الموافقة شرطان:
1 - فهم المعنى المقصود في محل النطق.
2 - أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به أو مساو له.
* مفهوم المخالفة حجة عند جمهور العلماء بشروط خلافا لابن حزم ومن وافقه من الظاهرية.
* ذكر عن أبي الحسن التميمي من الأصحاب أنه لا يقول بحجية مفهوم الصفة.(1/422)
* مفهوم المخالفة حجة عند جمهور العلماء بشروط خلافا لابن حزم ومن وافقه من الظاهرية.
* ذكر عن أبي الحسن التميمي من الأصحاب أنه لا يقول بحجية مفهوم الصفة.
* شروط حجية مفهوم المخالفة هي:
1 - ألايظهر لتخصيص المنطوق بالذكر فائدة غير نفي الحكم عن المسكوت عنه، وتحت ذلك أمثلة عدة.
2 - ألايكون حكم المنطوق معلق بصفة غير مقصودة.
3 - ألايعود الحكم به للمسكوت عنه بالإبطال لحكم المنطوق به.
4 - ألايكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به ولا مساو له.
5 - ألايتعارض مع دليل أقوى منه.
* ينقسم مفهوم المخالفة إلى:
1 - مفهوم الصفة.
2 - مفهوم الغاية.
3 - مفهوم الشرط.
4 - مفهوم التقسيم.
5 - مفهوم العدد.
6 - مفهوم اللقب.
* مفهوم اللقب وهو أن يعلق الحكم باسم فيدل على أن ما عداه بخلافه وهو حجة عند الإمام أحمد وأكثر أصحابه، نص عليه في مواضع، واحتج له القاضي وأبو الخطاب، وهو قول مالك وداود وبعض الشافعية.
وذهب أكثر الشافعية والمتكلمين والأحناف إلى أنه ليس بحجة، واختاره ابن قدامة وابن عقيل.
هذه إشارة موجزة لأهم النتائج الأصولية، وإلى جانبها الربط بالفروع الفقهية، فإنه ثمرة علم الأصول وهو من أهم النتائج التي بذلت فيها جهدا واكتسبت منها فوائد، والحمد لله.(1/423)
وذهب أكثر الشافعية والمتكلمين والأحناف إلى أنه ليس بحجة، واختاره ابن قدامة وابن عقيل.
هذه إشارة موجزة لأهم النتائج الأصولية، وإلى جانبها الربط بالفروع الفقهية، فإنه ثمرة علم الأصول وهو من أهم النتائج التي بذلت فيها جهدا واكتسبت منها فوائد، والحمد لله.
ولكن لا يخفى أن الكمال لا يدعيه عاقل، فأستغفر الله من كل نقص وأتوب إليه، إنه هو التواب الرحيم.
وصلّى الله على نبينا محمد واله وصحبه وسلّم.(1/424)
الفهارس
* فهرس الايات القرانية الكريمة.
* فهرس الأحاديث النبوية الشريفة.
* فهرس اثار الإمام أحمد.
* فهرس المصادر والمراجع.
* فهرس المسائل الفقهية.
* فهرس الموضوعات.(1/425)
* فهرس الموضوعات.
فهرس الايات الواردة في أبواب البحث
الاية ورقمها: السورة: الصفحة {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفََاضَ النََّاسُ}: 199: البقرة: 16
{فَأَتَى اللََّهُ بُنْيََانَهُمْ مِنَ الْقَوََاعِدِ}: 26: النحل: 19
{قُلْ أَطِيعُوا اللََّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}: 54: النور: 32
{لَقَدْ كََانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللََّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}: 21: الأحزاب: 46
{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمََانِينَ جَلْدَةً}: 4: النور: 56
{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجََانُ}: 22: الرحمن: 56
{إِنََّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ}: 15: الشعراء: 56
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}: 11: الشورى: 57
{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهََارُ}: 25: البقرة: 57
{وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}: 82: يوسف: 57، 59
{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ}: 93: البقرة: 57
{ذََلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ}: 34: مريم: 58
{جِدََاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}: 77: الكهف: 58، 59
{وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى ََ (4) فَجَعَلَهُ غُثََاءً أَحْوى ََ}: 4، 5: الأعلى: 58
{وَاخْفِضْ لَهُمََا جَنََاحَ الذُّلِّ}: 24: الإسراء: 58
{أَوْ جََاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغََائِطِ}: 43: النساء: 59
والمائدة: 6: 59
{وَجَزََاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهََا}: 40: الشورى: 59
{فَمَنِ اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ}: 194: البقرة: 59
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللََّهَ}: 57: الأحزاب: 59(1/427)
{فَمَنِ اعْتَدى ََ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ}: 194: البقرة: 59
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللََّهَ}: 57: الأحزاب: 59
{تِبْيََاناً لِكُلِّ شَيْءٍ}: 89: النحل: 59
{وَمََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللََّهُ وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ امَنََّا بِهِ}: 7: ال عمران: 68، 72
{وَالشَّمْسِ وَضُحََاهََا (1) وَالْقَمَرِ إِذََا تَلََاهََا (2) وَالنَّهََارِ إِذََا جَلََّاهََا (3) وَاللَّيْلِ إِذََا يَغْشََاهََا (4) وَالسَّمََاءِ وَمََا بَنََاهََا (5) وَالْأَرْضِ وَمََا طَحََاهََا (6) وَنَفْسٍ وَمََا سَوََّاهََا (7) فَأَلْهَمَهََا فُجُورَهََا وَتَقْوََاهََا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكََّاهََا (9) وَقَدْ خََابَ مَنْ دَسََّاهََا}: 101: الشمس: 69
{مَثْنى ََ وَثُلََاثَ وَرُبََاعَ}: 3: النساء: 69
{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى ََ قَرْيَةٍ وَهِيَ خََاوِيَةٌ}: 259: البقرة: 69
{فَأَنْجَيْنََاهُ وَأَصْحََابَ السَّفِينَةِ}: 15: العنكبوت 70
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنََا نُوحاً وَإِبْرََاهِيمَ}: 26: الحديد: 70
{كَذََلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ}: 3: الشورى: 70
{وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرََاهِيمَ وَمُوسى ََ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}: 7: الأحزاب: 70
{إِنََّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجََاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}: 7: القصص: 70
{وَادْخُلُوا الْبََابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ}: 58: البقرة: 71
{وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبََابَ سُجَّداً}: 161: الأعراف: 71
{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطََانُ عَنْهََا فَأَخْرَجَهُمََا}: 36: البقرة: 73
{فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى ََ أَكْبَرَ مِنْ ذََلِكَ}: 153: النساء: 73
{وَنََادى ََ نُوحٌ رَبَّهُ فَقََالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي}: 45: هود: 73
{أَهْلَكْنََاهََا فَجََاءَهََا بَأْسُنََا}: 4: الأعراف: 74
{فَوَكَزَهُ مُوسى ََ فَقَضى ََ عَلَيْهِ}: 15: القصص: 74
{فَتَلَقََّى ادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمََاتٍ}: 37: البقرة: 74
{لَاكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمََالِؤُنَ}: 52، 53: الواقعة: 75
{وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: 17: الأنعام: 75(1/428)
{لَاكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمََالِؤُنَ}: 52، 53: الواقعة: 75
{وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: 17: الأنعام: 75
{إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مََالًا وَوَلَداً (39) فَعَسى ََ}: 39، 40: الكهف: 75
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللََّهَ فَاتَّبِعُونِي}: 31: ال عمران: 75
{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}: 77: يوسف: 75
{إِنْ كََانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ}: 26: يوسف: 75
{وَمَنْ جََاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النََّارِ}: 90: النمل: 75
{مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللََّهُ}: 54: المائدة: 75
{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلََاقِيكُمْ}: 8: الجمعة: 77
{وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ}: 6: المائدة: 81
{إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخََاذِكُمُ الْعِجْلَ}: 54: البقرة: 81
{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هََادُوا حَرَّمْنََا}: 160: النساء: 82
{اهْبِطْ بِسَلََامٍ}: 48: هود: 82
{وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ}: 61: المائدة: 82
{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللََّهُ بِبَدْرٍ}: 123: ال عمران: 82
{وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ}: 137، 138: ال عمران: 82
{وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينََارٍ}: 75: ال عمران: 83
{وَإِذََا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغََامَزُونَ}: 30: المطففين: 83
{عَيْناً يَشْرَبُ بِهََا عِبََادُ اللََّهِ}: 6: الإنسان: 83
{وَقَدْ أَحْسَنَ بِي}: 100: يوسف: 83
{قُلْ كَفى ََ بِاللََّهِ شَهِيداً}: 43: الرعد: 83
والإسراء: 96: 83
والعنكبوت: 52: 83
{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ}: 25: مريم: 83
{وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ}: 6: المائدة: 83، 84
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}: 6: المائدة: 84(1/429)
{وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ}: 6: المائدة: 83، 84
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}: 6: المائدة: 84
{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}: 1: المطففين: 85
{وَاللََّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوََاجاً}: 72: النحل: 85
{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}: 8: العاديات: 86
{وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ}: 44: النحل: 86
{هَيْتَ لَكَ قََالَ مَعََاذَ اللََّهِ}: 23: يوسف: 86
{وَالَّذِينَ امَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلََّهِ}: 165: البقرة: 86
{وَمََا كََانَ اللََّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}: 179: ال عمران: 86
{لَمْ يَكُنِ اللََّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ}: 137، 168: النساء: 86
{كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى}: 2: الرعد: 86
وفاطر: 13: 86
والزمر: 5: 86
{وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}: 103: الصافات: 86
{لََا يُجَلِّيهََا لِوَقْتِهََا إِلََّا هُوَ}: 187: الأعراف: 87
{أَقِمِ الصَّلََاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}: 78: الإسراء: 87
{وَلََا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ}: 31: هود: 87
{قََالَتْ أُخْرََاهُمْ لِأُولََاهُمْ رَبَّنََا}: 38: الأعراف: 87
{فَالْتَقَطَهُ الُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ}: 8: القصص: 88
{وَهَبْ لَنََا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً}: 8: ال عمران: 88
{فَعََّالٌ لِمََا يُرِيدُ}: 16: البروج: 88
{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}: 7: الطلاق: 89
{لِيَقْضِ عَلَيْنََا رَبُّكَ}: 77: الزخرف: 89
{وَمَنْ شََاءَ فَلْيَكْفُرْ}: 29: الكهف: 89
{لَقَدْ كََانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللََّهِ}: 21: الأحزاب: 89
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيََامَةِ}: 124: النحل: 89
{وَلَوْ رُدُّوا لَعََادُوا}: 28: الأنعام: 89(1/430)
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيََامَةِ}: 124: النحل: 89
{وَلَوْ رُدُّوا لَعََادُوا}: 28: الأنعام: 89
{وَلَوْلََا دَفْعُ اللََّهِ النََّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}: 251: البقرة: 90
والحج: 40: 90
{وَتَاللََّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنََامَكُمْ}: 57: الأنبياء: 90
{لَئِنْ أُخْرِجُوا لََا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ}: 12: الحشر: 90
{لَنْ تَنََالُوا الْبِرَّ حَتََّى تُنْفِقُوا مِمََّا تُحِبُّونَ}: 92: ال عمران: 92
{وَإِنَّ مِنَ الْحِجََارَةِ لَمََا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهََارُ}: 74: البقرة: 92
{مََا يَفْتَحِ اللََّهُ لِلنََّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ}: 2: فاطر: 92
{* مََا نَنْسَخْ مِنْ ايَةٍ أَوْ نُنْسِهََا}: 106: البقرة: 92
{مَهْمََا تَأْتِنََا بِهِ مِنْ ايَةٍ}: 132: الأعراف: 92
{يُحَلَّوْنَ فِيهََا مِنْ أَسََاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ}: 31: الكهف: 92
والحج: 23: 92
وفاطر: 33: 92
{مِمََّا خَطِيئََاتِهِمْ أُغْرِقُوا}: 25: نوح: 92
{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذََا جََاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى ََ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذََا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدََادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولََئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللََّهُ أَعْمََالَهُمْ وَكََانَ ذََلِكَ عَلَى اللََّهِ يَسِيراً}: 19: الأحزاب: 92
{أَرَضِيتُمْ بِالْحَيََاةِ الدُّنْيََا مِنَ الْاخِرَةِ}: 38: التوبة: 92
{فَوَيْلٌ لِلْقََاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللََّهِ}: 22: الزمر: 93
{يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ}: 45: الشورى: 93
{إِذََا نُودِيَ لِلصَّلََاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}: 9: الجمعة: 93
{لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوََالُهُمْ وَلََا أَوْلََادُهُمْ مِنَ اللََّهِ شَيْئاً}: 10، 116: ال عمران: 93(1/431)
{إِذََا نُودِيَ لِلصَّلََاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}: 9: الجمعة: 93
{لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوََالُهُمْ وَلََا أَوْلََادُهُمْ مِنَ اللََّهِ شَيْئاً}: 10، 116: ال عمران: 93
والمجادلة: 17: 93
{وَنَصَرْنََاهُ مِنَ الْقَوْمِ}: 77: الأنبياء: 93
{وَاللََّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}: 220: البقرة: 93
{حَتََّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}: 179: ال عمران: 93
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}: 6: المائدة: 94، 95
{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيََامَ إِلَى اللَّيْلِ}: 187: البقرة: 96
{سُبْحََانَ الَّذِي أَسْرى ََ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}: 1: الإسراء: 96
{مَنْ أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ}: 52: ال عمران: 96
والصف: 14: 96
{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ}: 6: المائدة: 96
{لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى ََ يَوْمِ الْقِيََامَةِ}: 87: النساء: 96
والأنعام: 12: 96
{وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي}: 33: النمل: 96
{رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ}: 33: يوسف: 97
{أَفْئِدَةً مِنَ النََّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}: 37: إبراهيم: 97
{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيََامَ إِلَى اللَّيْلِ}: 187: البقرة: 98
{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ}: 6: المائدة: 98
{الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}: 31: الروم: 100
{وَلَكُمْ فِي الْقِصََاصِ حَيََاةٌ}: 179: البقرة: 100
{ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ}: 38: الأعراف: 100
{لَمَسَّكُمْ فِيمََا أَخَذْتُمْ}: 68: الأنفال: 100
{لَمَسَّكُمْ فِيمََا أَفَضْتُمْ فِيهِ}: 14: النور: 100(1/432)
{لَمَسَّكُمْ فِيمََا أَخَذْتُمْ}: 68: الأنفال: 100
{لَمَسَّكُمْ فِيمََا أَفَضْتُمْ فِيهِ}: 14: النور: 100
{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}: 71: طه: 100
{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوََاهِهِمْ}: 9: إبراهيم: 100
{فَمََا مَتََاعُ الْحَيََاةِ الدُّنْيََا فِي الْاخِرَةِ}: 38: التوبة: 101
{* وَقََالَ ارْكَبُوا فِيهََا}: 41: هود: 101
{فَاعْتَزِلُوا النِّسََاءَ فِي الْمَحِيضِ}: 222: البقرة: 102
{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ}: 37: الأحزاب: 103
{* تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنََا بَعْضَهُمْ عَلى ََ بَعْضٍ}: 253: البقرة: 103
{وَاتَى الْمََالَ عَلى ََ حُبِّهِ}: 177: البقرة: 103
{وَلِتُكَبِّرُوا اللََّهَ عَلى ََ مََا هَدََاكُمْ}: 185: البقرة: 103
{وَاتَّبَعُوا مََا تَتْلُوا الشَّيََاطِينُ عَلى ََ مُلْكِ سُلَيْمََانَ}: 102: البقرة: 103
{إِذَا اكْتََالُوا عَلَى النََّاسِ}: 2: المطففين: 104
{حَقِيقٌ عَلى ََ أَنْ لََا أَقُولَ}: 105: الأعراف: 104
{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}: 54: المائدة: 104
{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ}: 233: البقرة: 105
{وَإِنََّا أَوْ إِيََّاكُمْ لَعَلى ََ هُدىً}: 24: سبأ: 105
{فَكَفََّارَتُهُ إِطْعََامُ عَشَرَةِ مَسََاكِينَ}
{أَوْ كِسْوَتُهُمْ}: 89: المائدة: 105، 106
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذََلِكَ}
{أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}: 74: البقرة: 106
{وَأَرْسَلْنََاهُ إِلى ََ مِائَةِ أَلْفٍ}: 147: الصافات: 106
{أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطََانٍ مُبِينٍ}: 21: النمل: 106
{الطَّلََاقُ مَرَّتََانِ فَإِمْسََاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ}: 229: البقرة: 107
{وَإِذََا طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ فَبَلَغْنَ} {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ}: 231: البقرة: 107
{وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ}: 6: الطلاق: 112
{لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً}: 71: الكهف: 112(1/433)
{وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ}: 6: الطلاق: 112
{لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً}: 71: الكهف: 112
{وَاعْفُ عَنََّا وَاغْفِرْ لَنََا وَارْحَمْنََا}: 286: البقرة: 117
{رَبَّنََا لََا تُؤََاخِذْنََا}: 286: البقرة: 118
{وَمََا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}: 97: هود: 123
{فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ}: 97: هود: 123
{وَمََا أَمْرُنََا إِلََّا وََاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}: 50: القمر: 123
{أَلََا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}: 54: الأعراف: 127
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخََالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}: 63: النور: 136
{وَإِذََا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لََا يَرْكَعُونَ}: 48: المرسلات: 136
{وَإِنْ كُنَّ أُولََاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ}: 6: الطلاق: 142
{وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَاتُوا الزَّكََاةَ}: 43و 83و 110: البقرة: 145
والنساء: 77: 145
والنور: 56: 145 والمزمل: 20: 145
{وَإِذََا حَلَلْتُمْ فَاصْطََادُوا}: 2: المائدة: 148
{فَإِذََا قُضِيَتِ الصَّلََاةُ فَانْتَشِرُوا}: 10: الجمعة: 148
{فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللََّهُ}: 222: البقرة: 148
{وَإِذََا حَلَلْتُمْ فَاصْطََادُوا}: 2: المائدة: 149
{فَإِذََا قُضِيَتِ الصَّلََاةُ فَانْتَشِرُوا}: 10: الجمعة: 149
{فَإِذََا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ}: 222: البقرة: 149
{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ}: 5: التوبة: 150
{فَقََاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}: 12: التوبة: 150
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخََالِفُونَ}: 63: النور: 150
{فَإِذََا قُضِيَتِ الصَّلََاةُ فَانْتَشِرُوا}: 10: الجمعة: 152
{فَإِذََا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ}: 222: البقرة: 152
{وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ}: 102: النساء: 152(1/434)
{فَإِذََا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ}: 222: البقرة: 152
{وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ}: 102: النساء: 152
{إِذََا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلََاةِ فَاغْسِلُوا}: 6: المائدة: 156
{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ}: 184، 185: البقرة: 163
{فَاتَّقُوا اللََّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}: 16: التغابن: 163، 165
{* وَسََارِعُوا إِلى ََ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}: 133: ال عمران: 165
{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرََاتِ}: 148: البقرة: 165
والمائدة: 48: 165
{انْفِرُوا خِفََافاً وَثِقََالًا}: 41: التوبة: 169
{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}: 1: الطلاق: 177
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصََارِهِمْ}: 30، 31: النور: 179
{وَمََا اتََاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}: 7: الحشر: 184
{وَكَلَّمَ اللََّهُ مُوسى ََ تَكْلِيماً}: 164: النساء: 185
{وَلََا تَأْكُلُوا أَمْوََالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبََاطِلِ}: 188: البقرة: 185
{فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ}: 23: الإسراء: 189
{وَلََا تَقْفُ مََا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}: 36: الإسراء: 189
{وَلََا تَنْكِحُوا مََا نَكَحَ ابََاؤُكُمْ مِنَ النِّسََاءِ}: 22: النساء: 191
{وَلََا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكََاتِ}: 221: البقرة: 192
{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبََاتِ}: 157: الأعراف: 195
{وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا}: 38: المائدة: 210
{يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ}: 11: النساء: 210
{إِنَّكُمْ وَمََا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}: 98: الأنبياء: 211
{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ََ أُولََئِكَ عَنْهََا مُبْعَدُونَ (101)}: 101: الأنبياء: 211
{قُلْنَا احْمِلْ فِيهََا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ}: 40: هود: 211(1/435)
{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ََ أُولََئِكَ عَنْهََا مُبْعَدُونَ (101)}: 101: الأنبياء: 211
{قُلْنَا احْمِلْ فِيهََا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ}: 40: هود: 211
{وَنََادى ََ نُوحٌ رَبَّهُ}: 45: هود: 211
{يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ}: 11: النساء: 212
{الَّذِينَ امَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمََانَهُمْ بِظُلْمٍ}: 82: الأنعام: 213
{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}: 13: لقمان: 213
{إِلَّا الَّذِينَ تََابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}: 160: البقرة: 214
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ امَنُوا وَعَمِلُوا}: 31: العصر: 214
{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللََّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}: 3: الطلاق: 217
{مَنْ عَمِلَ صََالِحاً فَلِنَفْسِهِ}: 46: فصلت: 217
والجاثية: 15: 217
{وَمََا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ}: 110: البقرة: 217
{إِنَّكُمْ وَمََا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}: 98: الأنبياء: 217
{أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلََا عُدْوََانَ عَلَيَّ}: 28: القصص: 218
{أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهََا}: 38: النمل: 218
{أَيْنَمََا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ}: 78: النساء: 218
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}: 4: الإخلاص: 220
{وَلََا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}: 49: الكهف: 220
{وَلََا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فََاعِلٌ ذََلِكَ غَداً}: 23: الكهف: 220
{فَلََا رَفَثَ وَلََا فُسُوقَ وَلََا جِدََالَ فِي الْحَجِّ}: 23: البقرة: 220
{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}: 65: مريم: 221
{هَلْ مِنْ خََالِقٍ غَيْرُ اللََّهِ}: 3: فاطر: 221
{فِيهِمََا فََاكِهَةٌ}: 68: الرحمن: 221
{كَمََا أَرْسَلْنََا إِلى ََ فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصى ََ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنََاهُ أَخْذاً وَبِيلًا (16)}: 15، 16: المزمل: 222(1/436)
{فِيهِمََا فََاكِهَةٌ}: 68: الرحمن: 221
{كَمََا أَرْسَلْنََا إِلى ََ فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصى ََ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنََاهُ أَخْذاً وَبِيلًا (16)}: 15، 16: المزمل: 222
{وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا}: 38: المائدة: 222، 223
{فَإِذََا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفََاحِشَةٍ}: 25: النساء: 223
{الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وََاحِدٍ مِنْهُمََا مِائَةَ جَلْدَةٍ}: 2: النور: 223
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ امَنُوا وَعَمِلُوا}: 31: العصر: 224
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسََانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنََاهُ}: 4، 5: التين: 225
{أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى ََ عَوْرََاتِ النِّسََاءِ}: 31: النور: 225
{وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا}: 38: المائدة: 225، 235، 270
{فَانْكِحُوا مََا طََابَ لَكُمْ مِنَ النِّسََاءِ}: 3: النساء: 233
{يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ}: 11: النساء: 236، 241
{وَاللََّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}: 64: النور: 240
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}: 3: المائدة: 247، 248، 250
{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ}: 96: المائدة: 247
{الَّذِينَ قََالَ لَهُمُ النََّاسُ إِنَّ النََّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}: 173: ال عمران: 261
{يََا أَيُّهَا النََّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السََّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}: 1: الحج: 261
{يََا أَيُّهَا النََّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لََا يَجْزِي وََالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ}: 33: لقمان: 261
{فَلََا صَدَّقَ وَلََا صَلََّى}: 31: القيامة: 262
{مََا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قََالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}: 4442: المدثر: 262
{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدََاءِ}: 282: البقرة: 265(1/437)
{مََا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قََالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}: 4442: المدثر: 262
{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدََاءِ}: 282: البقرة: 265
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}: 2: الطلاق: 265
{فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِمََا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}: 229: البقرة: 265
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}: 5: التوبة: 271
{يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ}: 11: النساء: 271
{وَأُمَّهََاتُكُمُ اللََّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}: 23: النساء: 272
{وَاللََّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}: 282: البقرة: 272
والنساء: 176: 272
والنور: 35، 64: 272
والحجرات: 16: 272
والتغابن: 11: 272
{* وَمََا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلََّا عَلَى اللََّهِ رِزْقُهََا}: 6: هود: 241، 272
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنََاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدََاءَ}: 4: النور: 272
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوََاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدََاءُ}: 6: النور: 273
{اللََّهُ خََالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}: 62: الزمر: 280
{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ}: 25: الأحقاف: 281
{لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤََادَكَ}: 32: الفرقان: 278
{يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ}: 11: النساء: 283
{وَأُحِلَّ لَكُمْ مََا وَرََاءَ ذََلِكُمْ}: 24: النساء: 284، 286
{وَأَحَلَّ اللََّهُ الْبَيْعَ}: 275: البقرة: 284
{أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}: 6: المؤمنون: 287
{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنََاتٍ فَلََا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفََّارِ}: 10: الممتحنة: 287، 289
{وَنَزَّلْنََا عَلَيْكَ الْكِتََابَ تِبْيََاناً لِكُلِّ شَيْءٍ}: 89: النحل: 288
{لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}: 44: النحل: 288
{بَرََاءَةٌ مِنَ اللََّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عََاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}: 1: براءة: 289
{وَلََا تَقْرَبُوهُنَّ حَتََّى يَطْهُرْنَ}: 222: البقرة: 290(1/438)
{بَرََاءَةٌ مِنَ اللََّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عََاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}: 1: براءة: 289
{وَلََا تَقْرَبُوهُنَّ حَتََّى يَطْهُرْنَ}: 222: البقرة: 290
{الزََّانِيَةُ وَالزََّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وََاحِدٍ مِنْهُمََا مِائَةَ جَلْدَةٍ}: 2: النور: 291، 297
{انْفِرُوا خِفََافاً وَثِقََالًا}: 41: التوبة: 291
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنََاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدََاءَ}: 4: النور: 292
{وَقََاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}: 36: التوبة: 294
{وَلََا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}: 31: النور: 294
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوََاجَهُمْ}: 6: النور: 296
{إِلََّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغََاوِينَ}: 42: الحجر: 299
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا لََا تَتَّخِذُوا ابََاءَكُمْ وَإِخْوََانَكُمْ أَوْلِيََاءَ}: 23: التوبة: 300
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبََاتُ وَطَعََامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ}: 5: المائدة: 300
{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلََاةِ إِنْ خِفْتُمْ}: 101: النساء: 301
{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتََابَ مِمََّا مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ فَكََاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}: 33: النور: 301
{مِنْ فَتَيََاتِكُمُ الْمُؤْمِنََاتِ}: 25: النساء: 302
{وَرَبََائِبُكُمُ اللََّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسََائِكُمُ اللََّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}: 23: النساء: 302
{قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْاخِرِ}
{مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ}: 29: التوبة: 303
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا لََا تَدْخُلُوا بُيُوتاً}
{حَتََّى تَسْتَأْنِسُوا}: 27: النور: 303
{فَلََا تَدْخُلُوهََا حَتََّى يُؤْذَنَ لَكُمْ}: 28: النور: 303
{وَلََا تَقْرَبُوهُنَّ حَتََّى يَطْهُرْنَ}: 222: البقرة: 303
{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ}: 6: المائدة: 303، 304
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}: 3: المجادلة: 307
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}: 6: المائدة: 307(1/439)
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}: 3: المجادلة: 307
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}: 6: المائدة: 307
{فَصِيََامُ شَهْرَيْنِ مُتَتََابِعَيْنِ}: 4: المجادلة: 308
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ}: 155: البقرة: 318
{وَالْحََافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحََافِظََاتِ}: 35: الأحزاب: 318
{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمََالِ قَعِيدٌ}: 17: ق: 318
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}: 6: المائدة: 318
{وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا}: 38: المائدة: 321، 325، 345
{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرََافِقِ}: 6: المائدة: 325
{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيََّامٍ أُخَرَ}: 185: البقرة: 325
{وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلََاةَ}: 72: الأنعام: 335
{وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ امَنََّا بِهِ}: 7: ال عمران: 341
{وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَاتُوا الزَّكََاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرََّاكِعِينَ}: 43: البقرة: 341
{يُرِيدُ اللََّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلََا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}: 185: البقرة: 342
{وَمََا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}: 78: الحج: 342
{وَالرََّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ امَنََّا بِهِ}: 7: ال عمران: 344
{أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكََاحِ}: 237: البقرة: 345
{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنََّى شِئْتُمْ}: 223: البقرة: 346
{أَنََّى لَكِ هََذََا}: 37: ال عمران: 346
{أَنََّى يُحْيِي هََذِهِ اللََّهُ بَعْدَ مَوْتِهََا}: 259: البقرة: 346
{وَأَقِيمُوا الصَّلََاةَ وَاتُوا الزَّكََاةَ}: 43: البقرة: 346
{وَالْمُطَلَّقََاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلََاثَةَ قُرُوءٍ}: 228: البقرة: 347
{أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكََاحِ}: 237: البقرة: 347، 348
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}: 3: المائدة: 348، 349، 350
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ}: 23: النساء: 348، 350، 355
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}: 5: التوبة: 350
{وَأَحَلَّ اللََّهُ الْبَيْعَ}: 275: البقرة: 350(1/440)
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}: 5: التوبة: 350
{وَأَحَلَّ اللََّهُ الْبَيْعَ}: 275: البقرة: 350
{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}: 6: المائدة: 350
{وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ}: 6: المائدة: 350، 355
{وَالسََّارِقُ وَالسََّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمََا}: 38: المائدة: 351
{وَأَحَلَّ اللََّهُ الْبَيْعَ}: 275: البقرة: 352
{الم (1) ذََلِكَ الْكِتََابُ لََا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}: 1، 2: البقرة: 356
{المص}: 1: الأعراف: 356
{كهيعص}: 1: مريم: 356
{حم (1) عسق}: 1، 2: الشورى: 356
{ص}: 1: ص: 356
{ق}: 1: ق: 356
{ن وَالْقَلَمِ وَمََا يَسْطُرُونَ}: 1: ن: 356
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا إِذََا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنََاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}: 49: الأحزاب: 357
{فَلََا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتََّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}: 230: البقرة: 357
{يُوصِيكُمُ اللََّهُ فِي أَوْلََادِكُمْ}: 11: النساء: 361، 362
{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعََامِ}: 1: المائدة: 361
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمََا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللََّهِ بِهِ}: 3: المائدة: 361
{لِلرِّجََالِ نَصِيبٌ مِمََّا تَرَكَ الْوََالِدََانِ وَالْأَقْرَبُونَ}: 7: النساء: 362
{لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}: 44: النحل: 362
{وَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصََادِهِ}: 141: الأنعام: 362
{ادْعُ إِلى ََ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ}: 125: النحل: 363
{يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مََا أَحَلَّ اللََّهُ لَكَ}: 1: التحريم: 364
{فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى ََ أَهْلِهِ}: 92: النساء: 364(1/441)
{يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مََا أَحَلَّ اللََّهُ لَكَ}: 1: التحريم: 364
{فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى ََ أَهْلِهِ}: 92: النساء: 364
{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعََامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً}: 4: المجادلة: 364
{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتََاعاً بِالْمَعْرُوفِ}: 236: البقرة: 364
{وَلِلْمُطَلَّقََاتِ مَتََاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}: 241: البقرة: 364
{وَأَنْزَلْنََا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنََّاسِ مََا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}: 44: النحل: 365
{إِنَّكُمْ وَمََا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}: 98: الأنبياء: 367
{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى ََ أُولََئِكَ عَنْهََا مُبْعَدُونَ}: 101: الأنبياء: 367
{إِنَّ عَلَيْنََا جَمْعَهُ وَقُرْانَهُ (17) فَإِذََا قَرَأْنََاهُ فَاتَّبِعْ قُرْانَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنََا بَيََانَهُ}: 1917: القيامة: 367
{وَلََا تَعْجَلْ بِالْقُرْانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى ََ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}: 114: طه: 367
{فَلََا تَقُلْ لَهُمََا أُفٍّ}: 23: الإسراء: 377، 382
{وَلََا تَأْكُلُوا أَمْوََالَهُمْ إِلى ََ أَمْوََالِكُمْ}: 2: النساء: 382
{أَوْ نِسََائِهِنَّ}: 31: النور: 388
{وَرَبََائِبُكُمُ اللََّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}: 23: النساء: 389
{لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا}: 14: النحل: 389
{* إِنَّ الصَّفََا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعََائِرِ اللََّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلََا جُنََاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمََا}: 158: البقرة: 389
{لََا جُنََاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسََاءَ مََا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ}: 236: البقرة: 390
{وَلََا تُكْرِهُوا فَتَيََاتِكُمْ عَلَى الْبِغََاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}: 33: النور: 390
{يََا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مََا لََا يَسْمَعُ وَلََا يُبْصِرُ}: 42: مريم: 393
{وَلََا تَقْتُلُوا أَوْلََادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلََاقٍ}: 31: الإسراء: 395
{لََا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعََافاً مُضََاعَفَةً}: 130: ال عمران: 395(1/442)
{وَلََا تَقْتُلُوا أَوْلََادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلََاقٍ}: 31: الإسراء: 395
{لََا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعََافاً مُضََاعَفَةً}: 130: ال عمران: 395
{فَلََا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتََّى تَنْكِحَ زَوْجاً}: 230: البقرة: 396
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتََّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيََامَ إِلَى اللَّيْلِ}: 187: البقرة: 396
{وَإِنْ كُنَّ أُولََاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ}: 6: الطلاق: 396
{إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}: 101: النساء: 397
{إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَهُمْ}: 80: التوبة: 398
{سَوََاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللََّهُ لَهُمْ}: 6: المنافقون: 399
{إِنَّ اللََّهَ لََا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}: 48، 116: النساء: 399
{لََا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}: 95: المائدة: 399
{مِنْ فَتَيََاتِكُمُ الْمُؤْمِنََاتِ}: 25: النساء: 403
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا}: 25: النساء: 404
{مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ}: 25: النساء: 404
{وَإِنْ كُنَّ أُولََاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ}: 6: الطلاق: 405
{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ}: 6: الطلاق: 405
{فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً}: 6: المائدة: 407(1/443)
فهرس الأحاديث الواردة في البحث
الحديث: الصفحة «إذا رأي الهلال يوم الشك في العيد) 26
«ليس من البر الصوم في السفر) 27
«حديث فاطمة بنت قيس في المبتوتة» 30، 405
«حديث عمار بن ياسر في التيمم للجنب» 30
«لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان» 71
«الولد للفراش وللعاهر الحجر» 90، 277، 278
«من أحيا أرضا ميتة فهي له» 91
«جعلت الأرض كلها مسجدا، وجعل تربتها لنا طهورا» 94
«أعطيت ما لم يعط نبي من أنبياء الله، جعل لي التراب طهورا» 95
«من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» 105
«حديث أبي سفيان عند هرقل، وقوله: (لقد أمر أمر ابن أبي كبشة)» 112
«صلاة الفذ خلف الصف» 131
«يغسل سؤر الكلب سبع مرات» 131
«أمر الذي أسلم أن يغتسل» 132
«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» 133
«لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة» 136
«لو راجعتيه» 136
«سنّوا بهم سنة أهل الكتاب» 137
«فليغسله سبعا» 137
«فليصلها إذا ذكرها» 137(1/444)
«فليغسله سبعا» 137
«فليصلها إذا ذكرها» 137
«إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينثر» 141
«استنثروا ثنتين بالغتين أو ثلاث» 141
«من بدل دينه فاقتلوه» 142
«اذهب فانظر إليها» 148
«كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» 149
«كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فادخروها» 149
«الصلوات بوضوء واحد» 156
«فليصلها إذا ذكرها» 168
«سئلت عائشة عن قضاء الصلاة فقالت: كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلّم فلا يأمرنا به» 174
«مرو أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع» 179
«كنا نخابر أربعين سنة لا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع» 184
«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» 184
«لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» 185، 355
«هلّا انتفعتم بجلدها» 186
«إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» 189
«لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» 189، 197
«النهي عن الشغار» 191
«نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها» 191، 196
«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» 192
«لا قطع في ثمر ولا كثر» 210
«أمرت أن أقاتل الناس» 212
«لا نورث ما تركناه صدقة» 212، 272
«أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل» 218
«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» 221
«لا نكاح إلّا بولي» 221، 246، 328، 353، 357(1/445)
«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» 221
«لا نكاح إلّا بولي» 221، 246، 328، 353، 357
«لا قطع في ثمر» 222
«ليلة الضيف حق واجب» 226
«قضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالشفعة» 229
«نهى عن بيع الغرر» 229، 232
«نهى عن المخابرة» 230
«أمسك أربعا» 232
«رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» 246، 247
«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» 246
«لا نكاح إلّا بولي وشاهدين» 247
«لا أحل المسجد لجنب» 247
«أينقص الرطب إذا يبس» 253
«إنها من الطوافين عليكم والطوافات» 256
«الخراج بالضمان» 273
«الماء طهور لا ينجسه شيء» 274، 295
«حديث ملاعنة العجلاني وزوجته» 276
«حديث ملاعنة العجلاني وزوجته» 276
«لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها» 284
«لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» 284
«لا يرث القاتل» 284
«تقطع يد السارق في ربع ديا نار» 284
«لعن المحلل والمحلل له» 286
«لا ينكح المحرم ولا ينكح» 286
«نهى أن توطأ حامل حتى تضع» 287
«كانت إحدانا إذا حاضت» 290
«رجم ماعز» 291(1/446)
«كانت إحدانا إذا حاضت» 290
«رجم ماعز» 291
«إذا بلغ الماء قلتين» 295
«إن الماء لا ينجسه شيء إلّا ما غلب على ريحه» 295
«صدقة تصدق الله بها عليكم» 301
«وقعت عليها قبل أن أكفّر» 312
«لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله» 313
«من نام عن صلاة أو نسيها» 325
«لا نكاح إلّا بولي وشاهدي عدل» 327
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فرض زكاة الفطر» 328
«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم صدقة الفطر» 328
«لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره» 345، 357
«نهى عن كل ذي ناب من السباع» 349
«لا صلاة إلّا بطهور» 353
«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» 353
«من لم يجمع الصيام قبل الفجر» 353
«إنما الأعمال بالنيات» 353
«ارجع فصلّ فإنك لم تصل» 353، 369
«رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» 354
«إذا دبغ الإهاب فقد طهر» 355
«إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة» 355
«حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» 357
«فيما سقت السماء» 362
«صلوا كما رأيتموني أصلي» 362
«خذو عني مناسككم» 362
«الشهر هكذا وهكذا وهكذا» 362
«العزل عن النساء» 363(1/447)
«الشهر هكذا وهكذا وهكذا» 362
«العزل عن النساء» 363
«نهى عن بيع الثمار حتى تزهى» 363
«أحاديث الوتر والسنن» 363
«بيانه صلى الله عليه وسلّم للمسيء في صلاته» 369
«إذا لقيتموهم في طريق فألجؤهم إلى أضيقه» 378، 380
«نهى أن يسافر بالقران إلى أرض العدو» 378، 380
«لا وصية لوارث» 388
«لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاخر أن تحد على ميت فوق ثلاث» 389
«هو الطهور ماؤه الحل ميتته» 389
«في صدقة الغنم في سائمتها الزكاة» 392
«صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» 397
«الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن» 398
«في أربعين شاة شاة» 398
«لا تحرم المصة ولا المصتان» 398
«لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان» 398
«قد خيرني ربي، فو الله لأزيدن على السبعين» 398
«وترابها طهور» 399، 407
«لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا» 405
«إذا ولغ الكلب» 406
«إذا بلغ الماء قلتين» 406
«الثيب أحق بنفسها والبكر تستأذن وإذنها صماتها» 407
«جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» 407
«نهى النبي صلى الله عليه وسلّم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة» 408(1/448)
فهرس اثار الإمام أحمد
الأثر الصفحة «لا ينبغي أن يكون، لا يصلي إليه (الصلاة إلى القبر والحش)» 25
«لا يصلح إلّا أن يأخذ مسلمه أو دراهمه» 25
«لا ينبغي أن يمسكها» (غير العفيفة) 26
«أكرهه لا يقطر في عينه ويقلل من الكحل» (في الصوم) 26
«لا يعجبني ذلك أرى أن يتموا صومهم» 27
«لا يعجبني تطوع ولا فريضة في سفر» 27
«سئل عن سؤر الهر فقال: لا بأس به» 27
«سئل عن طين المطر، فقال: أرجو ألايكون به بأس» 27
«سئل عن الطيب للصائم، قال: لا بأس» 27
«في الصلاة قبل الإحرام، قال: أعجب إلي أن يصلي» 28
«في الأذان في السفر، قال: ما أحسنه» 28
«أرى أن يعيد الطواف» 47
«هذا في مجاز اللغة» 56
«الأمر من النبي صلى الله عليه وسلّم سوى الفعل» 124، 128
«ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلّم فهو عندي أسهل مما نهى عنه» 132
«في الانتشار بعد صلاة الجمعة قال: إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل» 152
«إذا خيّر زوجته لم يجز لها أن تطلق نفسها إلّا واحدة» 160
««إذا أذن له سيده بتزوج قال: واحدة». 161(1/449)
«إذا خيّر زوجته لم يجز لها أن تطلق نفسها إلّا واحدة» 160
««إذا أذن له سيده بتزوج قال: واحدة». 161
«الحج على الفور». 168
«في بيع الباقلاء قبل صلاحه، قال: هذا بيع فاسد». 197
«الضيافة على كل المسلمين كل من نزل عليه ضيف كان عليه أن يضيفه». 226
«كنا نقف عند ذكر الولد، لا نورثه». 235
«في قضاء رمضان قال: إن شاء فرق وإن شاء جمع». 331
«سئل أبي عن الأقراء: الأطهار أم الحيض فقال: فيه اختلاف عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم». 347(1/450)
المصادر والمراجع
* القران الكريم.
كتب التفسير:
1 - تفسير القران العظيم، للإمام ابن كثير، دار المعرفة بيروت.
2 - جامع البيان في تفسير القران، لابن جرير الطبري، دار المعرفة بيروت.
3 - فتح القدير، للشوكاني، دار المعرفة.
4 - أحكام القران، لابن العربي.
5 - أحكام القران، للجصاص، دار الفكر العربي.
كتب الحديث:
1 - صحيح البخاري، تحقيق د. مصطفى ديب، دار ابن كثير واليمامة، وأيضا طبعة دار الفكر.
2 - صحيح مسلم، طبعة مكتبة محمد علي صبيح مصر.
3 - سنن أبي داود، عناية الدعاس والسيد، دار الحديث بيروت، الطبعة الأولى.
4 - الجامع الصحيح، وهو سنن الترمذي، تحقيق أحمد شاكر، دار الكتب العلمية بيروت.
5 - سنن النسائي، عناية عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية حلب.
6 - سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية.
7 - مسند الإمام أحمد بن حنبل، المكتب الإسلامي بيروت.
8 - سنن الدارقطني، وبذيله التعليق المغني، مكتبة المتنبي القاهرة.(1/451)
7 - مسند الإمام أحمد بن حنبل، المكتب الإسلامي بيروت.
8 - سنن الدارقطني، وبذيله التعليق المغني، مكتبة المتنبي القاهرة.
9 - موطأ الإمام مالك بشرحه تنوير الحوالك، دار الباز مكة المكرمة وبشرح الزرقاني، مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة.
كتب أصول الفقه:
1 - العدة في أصول الفقه، للقاضي أبي يعلى، تحقيق أستاذي الفاضل د. أحمد بن علي سير المباركي، الطبعة الثانية 1410هـ، وأيضا الطبعة الأولى.
2 - التمهيد في أصول الفقه، لأبي الخطاب الكلوذاني، تحقيق د. مفيد أبو عمشة، طبعة مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى.
3 - الواضح، لابن عقيل، مخطوط، مصوّر في مكتبة جامعة الإمام برقم 6319 و 6320.
4 - روضة الناظر، لابن قدامة، تحقيق شيخي الفاضل د. عبد العزيز بن عبد الرحمن السعيد، طبعة كلية الشريعة بجامعة الإمام، الطبعة الثانية.
5 - المسودة، لال تيمية، إشراف محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي بيروت.
6 - شرح الكوكب المنير، لابن النجار، تحقيق د. محمد الزحيلي ود. نزيه حماد، مركز البحث العلمي بأم القرى.
7 - شرح مختصر الروضة، للطوفي، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة.
8 - المختصر في أصول الفقه، لابن اللحام، تحقيق محمد مظهر بقا.
9 - البلبل في أصول الفقه، للطوفي، مكتبة الشافعي الرياض، الطبعة الثانية.
10 - إعلام الموقعين، لابن قيم الجوزية، مراجعة طه عبد الرؤوف، دار الجيل بيروت.
11 - أصول مذهب الإمام أحمد، للدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، مكتبة الرياض الحديثة.
12 - الفتاوى، لابن تيمية، جمع وترتيب ابن قاسم، إهداء رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء.
13 - مما يذهب إليه الإمام أحمد، لأبي محمد التميمي، مخطوط ضمن مجموع في مكتبة جامعة لملك سعود برقم 1938.(1/452)
12 - الفتاوى، لابن تيمية، جمع وترتيب ابن قاسم، إهداء رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء.
13 - مما يذهب إليه الإمام أحمد، لأبي محمد التميمي، مخطوط ضمن مجموع في مكتبة جامعة لملك سعود برقم 1938.
14 - المسائل الأصولية من كتاب الروايتين والوجهين، تحقيق د. عبد الكريم اللاحم، مكتبة المعارف.
15 - القواعد والفوائد الأصولية، لابن اللحام، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية بيروت.
16 - المحصول في علم الأصول، للرازي، تحقيق د. طه جابر فياض، الطبعة الأولى، جامعة الإمام.
17 - المستصفى من علم أصول الفقه، للغزالي، دار إحياء التراث العربي.
18 - البرهان في أصول الفقه، لإمام الحرمين الجويني، دار الأنصار بالقاهرة.
19 - الإحكام في أصول الأحكام، للامدي، تعليق عبد الرازق عفيفي، المكتب الإسلامي.
20 - المعتمد في أصول الفقه، لأبي الحسين البصري، دار الكتب العلمية.
21 - جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية البناني، دار الفكر.
22 - الإبهاج في شرح المنهاج، لابن السبكي، دار الكتب العلمية بيروت.
23 - نهاية السول، للإسنوي، عالم الكتب.
24 - اللمع في أصول الفقه، للشيرازي، دار الكتب العلمية.
25 - الرسالة، للإمام الشافعي، بتحقيق أحمد محمد شاكر، مكتبة دار التراث القاهرة.
26 - الوصول إلى الأصول، لابن برهان، تحقيق د. عبد الحميد أبو زنيد، مكتبة المعارف الرياض.
27 - إرشاد الفحول، للشوكاني، دار الفكر بيروت.
28 - شرح اللمع في أصول الفقه، تحقيق د. علي العميريني، دار البخاري.
29 - أصول الشاشي، دار الكتب العربي بيروت.
30 - البحر المحيط، للزركشي، مخطوط، مصور في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
31 - التنقيحات، للسهروردي، مخطوط.
32 - الميزان في أصول الفقه، للسمرقندي، في مكتبة جامعة الإمام.(1/453)
31 - التنقيحات، للسهروردي، مخطوط.
32 - الميزان في أصول الفقه، للسمرقندي، في مكتبة جامعة الإمام.
33 - التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، للإسنوي، تحقيق محمد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة.
34 - شرح تنقيح الفصول، للقرافي، دار الفكر.
35 - مختصر المنتهى، لابن الحاجب وعليه حاشية الجرجاني وحاشية التفتازاني، دار الكتب العلمية.
36 - مفتاح الوصول، للشريف التلمساني، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الكتب العلمية.
37 - الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم، دار الاعتصام.
38 - شرح المنار، لابن ملك وعليه حواشيه، المطبعة العثمانية، دار سعادات.
39 - التلويح على التوضيح لمتن التنقيح، للتفتازاني، دار الكتب العربية.
40 - التقرير والتحبير، لابن أمير الحاج، دار الكتب العلمية.
41 - كشف الأسرار شرح المصنف على المنار، للنسفي، دار الباز مكة المكرمة.
42 - فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، دار إحياء التراث، مع كتاب المستصفى.
43 - تخريج الفروع على الأصول، للزنجاني، تحقيق د. محمد أديب الصالح، مؤسسة الرسالة.
44 - نظرية السبب عند الأصوليين، د. عبد العزيز الربيعة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
45 - الأشباه والنظائر، لابن نجيم، دار الكتب العلمية بيروت.
46 - الأشباه والنظائر، للسيوطي، دار الباز مكة المكرمة.
47 - القواعد الكبرى، لابن رجب، الطبعة الأولى مكتبة الخانجي.
48 - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد، لابن بدران، إدارة الطباعة المنيرية بمصر.
49 - تهذيب الأجوبة، لابن حامد، تحقيق صبحي السامرائي، مكتبة النهضة بيروت.
50 - كتاب الحدود، للباجي، تحقيق نزيه حماد، مؤسسة الزعبي بيروت.
كتب الفقه:(1/454)
50 - كتاب الحدود، للباجي، تحقيق نزيه حماد، مؤسسة الزعبي بيروت.
كتب الفقه:
1 - المغني، لابن قدامة، تحقيق د. عبد الله التركي ود. عبد الفتاح الحلو، هجر للطباعة، وطبعة مكتبة الرياض الحديثة.
2 - الشرح الكبير، لأبي الفرج عبد الرحمن بن قدامة المقدسي، طبعة جامعة الإمام.
3 - المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين، للقاضي أبي يعلى، تحقيق الدكتور عبد الكريم اللاحم، مكتبة المعارف الرياض.
4 - الإنصاف، للمرداوي، دار إحياء التراث.
5 - الروض المربع بحاشية ابن قاسم، الطبعة الثانية.
6 - شرح منتهى الإرادات، للبهوتي، نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء.
7 - مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي.
8 - مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانىء، تحقيق زهير الشاويش، جامعة الإمام.
9 - مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية أبي داود، دار الباز.
10 - المحرر، لأبي البركات.
11 - العدة شرح العمدة بهاء الدين المقدسي، دار الباز.
12 - الأم، للإمام الشافعي، دار الفكر.
13 - بدائع الصنائع، للكاساني، دار الكتاب العربي.
14 - بداية المجتهد، لابن رشد، دار الباز.
15 - الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، للقرطبي، مكتبة الرياض الحديثة.
16 - المحلى، لابن حزم، مكتبة الجمهورية.
كتب العقيدة:
1 - شرح الطحاوي، لعلي بن علي الحنفي، طبعة كلية الشريعة بجامعة الإمام.
2 - كتاب الإيمان، لابن تيمية، الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي.
3 - الصواعق المرسلة، لابن قيم الجوزية، تحقيق د. علي الدخيل الله، دار العاصمة الرياض.(1/455)
2 - كتاب الإيمان، لابن تيمية، الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي.
3 - الصواعق المرسلة، لابن قيم الجوزية، تحقيق د. علي الدخيل الله، دار العاصمة الرياض.
4 - مدارج المسالكين، لابن قيم الجوزية.
5 - التحفة المهدية، لفالح بن مهدي، تصحيح عبد الرحمن المحمود، مكتبة الحرمين الرياض.
كتب اللغة والأدب:
1 - معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية إيران.
2 - القاموس المحيط، للفيروز ابادي، دار الجيل.
3 - لسان العرب، لابن منظور، طبعة مصدرة عن طبعة بولاق، الدار المصرية.
4 - مغني اللبيب، لابن هشام، دار الكتاب العربي.
5 - رصف المباني في شرح حروف المعاني، تحقيق أحمد محمد خراط، مجمع اللغة العربية.
6 - الجني الداني في حروف المعاني، للمرادي، تحقيق فخر الدين قباوة ومحمد نديم فاضل.
7 - معاني الحروف، للرماني، تحقيق د. عبد الفتاح شلبي، دار الشروق.
8 - حروف المعاني والصفات، للزجاج.
9 - جواهر الأدب، للهاشمي مؤسسة المعارف بيروت.
10 - جمهرة أشعار العرب، أبو زيد القرشي، المكتبة التجارية الكبرى القاهرة.
11 - أدب الكاتب، لابن قتيبة، المكتبة التجارية القاهرة.
كتب التراجم:
1 - الإصابة في تمييز أسماء الصحابة، لابن حجر، دار إحياء التراث العربي.
2 - طبقات الحنابلة، لمحمد بن أبي يعلى، دار المعرفة بيروت.
3 - مناقب الإمام أحمد، لابن الجوزي.
4 - المقصد الأرشد، لابن مفلح، تحقيق د. عبد الرحمن بن عثيمين، مكتبة الرشد.
5 - شذرات الذهب، لابن العماد، تحقيق محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير دمشق.(1/456)
4 - المقصد الأرشد، لابن مفلح، تحقيق د. عبد الرحمن بن عثيمين، مكتبة الرشد.
5 - شذرات الذهب، لابن العماد، تحقيق محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير دمشق.
6 - سير أعلام النبلاء، للذهبي، مؤسسة الرسالة.
7 - الثقات، لابن حبان، دائرة المعارف الهند.
8 - طبقات الفقهاء، للشيرازي، دار الرائد بيروت لبنان.
9 - تهذيب الكمال، للمزي، مخطوط مصوّر، دار المأمون للتراث.
10 - تهذيب التهذيب، لابن حجر، دار صادر بيروت.
11 - الفتح المبين، للمراغي، الناشر محمد أمين بيروت.
12 - إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين، عبد الباقي اليماني، تحقيق عبد المجيد دياب، مركز الملك فيصل.
13 - طبقات الحفاظ، للسيوطي، دار الكتب العلمية بيروت.(1/457)
فهرس المسائل الفقهية
المسألة الصفحة
التمهيد الصلاة إلى القبر والحمام والحش 25
حكم السّلم عند عدم القدرة على المسلم فيه 25
إمساك غير العفيفة 26
الكحل والقطرة للصائم 26
رؤية الهلال يوم الشك قبل الزوال 2726
الصوم في السفر 27
سؤر الهر 27
طين المطر في الطرقات 27
الطيب للصائم 27
الإحرام بعد صلاة 28
الاذان في السفر 28
المسائل الفقهية في الباب الأول:
الدلالة عند الحنابلة واثارها الفقهية لو حلف إن وطأت رجله أرض العراق فيحنث بعودته إلى أي مدينة أو مكان 47
إذا طاف دون الحجر ولم يطف خلفه، لزمه الإعادة 47
لو قال: هذه الناقة أمانة لفلان، فيلزم ردها مع ولدها 47(1/458)
إذا طاف دون الحجر ولم يطف خلفه، لزمه الإعادة 47
لو قال: هذه الناقة أمانة لفلان، فيلزم ردها مع ولدها 47
إذا نذر أن يصلي، فصلى على غير وضوء، لم يف بالنذر 47
إذا نذر أن يصلي أو يصوم وجب عليه صلاة شرعية وصيام شرعي 50
إذا حلف ألايأكل لحما، فأكل سمكا لا يحنث 50
إذا حلف لا يشرب من دجلة أو الفرات فإنه يحنث باغترافه منه أو نحوه 55
إذا حلف لا يأكل من هذه النخلة فإنه يحنث بتمرها 55
إذا قال لزوجتيه: إذا حضتما حيضة فأنتما طالقتان 55
النكاح حقيقة في الوطء مجاز في العقد 60
إذا قال لامرأته: أنت طالق وطالق وطالق 72
إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده 72
من أراد الإحرام بالنسك قارنا 72
إذا قال: إن قمت فقعدت فأنت طالق 78
إذا قال: رميت طيرا فأصبت الرجل 78
إذا قال الواقف: هو على أيتام أقاربي فالأرامل من نسائهم 79
إذا قال الواقف: على أولادي ثم أولاد أولادي ثم المساكين 80
إذا نذر أن يحج ثم يجاهد 80
المقدار الواجب في مسح الرأس 83
الولد يضاف للزوج أو للسيد 90
إحياء الأرض الموات سبيل لتملكها 91
إذا قال لزيد: عندي ألف ديا نار لكن رددتها 91
إذا وقف بستانا لتجهيز المجاهدين فلا يصرف في غيره 91
إذا أقسم بأن لا يأمر ابنه ولا ينهاه ثم قال: لتذهب يحنث 91
المجزىء في التيمم هو التراب 94
إذا قال: بعتك من هذا الحائط إلى هذا الحائط ومن هذه النخلة إلى هذه النخلة 95
إذا اشترطا الخيار إلى الليل 99(1/459)
إذا قال: بعتك من هذا الحائط إلى هذا الحائط ومن هذه النخلة إلى هذه النخلة 95
إذا اشترطا الخيار إلى الليل 99
إذا حلف لا يطأ أمته إلى يوم الفطر 99
إذا أجل المسلم إلى شهر 99
إذا قال له: عندي سيف في قراب أو تمر في جراب 101
إذا قال: أنت طالق في شهر كذا 102
يحرم وطء الحائض 102
إذا قالت: إن طلقتني فلك عليّ ألف 104
إذا قال: أنت علي كظهر أمي 105
نفقة الزوجة واجبة على الزوج 105
من حنث في يمينه فعليه كفارة اليمين 106
الزوج في عدة الرجعية بالخيار 107
إذا ذكر الواقف أصناف الموقوف عليهم بأو 107
المسائل الفقهية في الباب الثاني:
قواعد الأمر والنهي حكم المضمضة والاستنشاق 141
نفقة المطلقة الحامل على الزوج حتى تضع 142
حكم المرتد 142
إذا قال لزوجته: اعتدي اعتدي 146
إذا قال لوكيله: تصدق تصدق 146
جواز النظر إلى المخطوبة 151
الانتشار بعد صلاة الجمعة 152
الجماع كل طهر 152
حمل السلاح في صلاة الخوف 152
ادخار لحوم الأضاحي 153
إذا قال لزوجته: طلقي نفسك 160(1/460)
ادخار لحوم الأضاحي 153
إذا قال لزوجته: طلقي نفسك 160
إذا قال السيد لعبده: تزوج 160
الحج على المستطيع على الفور 168
قضاء الصلوات المفروضة على الفور 168
الزكاة على الفور 168
الجهاد المتعين على غير المعذور يجب على الفور 168
إذا قال لوكيله: أنفق على الأيتام في شهر رمضان 174
الطلاق للعدة 177
إذا قال لعبده: إن أمرتك فأنت حر ثم أو عز إلى ابنه أن يأمره 180
يحرم إنفاق المال على وجوه الباطل 185
يحرم استعمال جلد الميتة 185
إذا حلف لا يجلس في دار زيد فيحنث إذا كان جالسا ولم يقم 189
العبادات الواقعة على صفة محرمة 195
الصلاة في البقعة المغصوبة 196
الوضوء من الإناء المحرم 196
بيع الثمر قبل صلاحه 196
فساد عقد نكاح المرأة على عمتها أو خالتها 197
المسائل الفقهية في الباب الثالث:
قواعد العام ومخصصاته قراءة الفاتحة في كل ركعة 221
إذا حلف لا يأكل رغيفا فأكل رغيفين أو أكثر 221
النكاح بدون ولي لا يصح 221
يقطع النباش لأنه سارق 225
حكم الضيافة 226
إذا حلف لا يأكل الفاكهة فأكل البطيخ 226(1/461)
حكم الضيافة 226
إذا حلف لا يأكل الفاكهة فأكل البطيخ 226
إذا قال له: عندي ريالات أو جنيهات ثم فسره بثلاث 229
إذا حلف أن يضرب ضربات فضرب ثلاثا بر 229
الشفعة للشريك 231
بيع الأرض الممنوحة من الدولة قبل أن يحدد موقعها 232
لا يجوز استعمال انية صنعت من عظام الميتة 250
سؤر الهر وما دونه في الخلقة طاهر 255
إذا أتلف المستأمن مال غيره ضمن 263
إذا تعامل التاجر الكافر في بلاد المسلمين وجب عليه 263
يجب على الكافر المقيم بأمان أو ذمة حفظ عرضه 263
شهادة المملوك إذا كان عدلا 265
خلع الأمة يصح 265
القاذفون إذا لم يكونوا أربعة وجب على كل واحد حد 273
من اشترى أمة أو عبدا واستعمله ثم وجد عيبا يرده 273
إذا سألته إحدى نسائه الطلاق فقال نسائي طوالق 278
الوضوء من ماء البحر صحيح ولو لم تكن ضرورة 279
من قال: الحل عليّ حرام، وله زوجة، فعليه كفارة ظهار 279
من تزوج امرأة بقصد إحلالها لزوجها الأول ملعون 286
نكاح المحرم لا يصح 286
وطء الأمة لا يحل إلا بعد استبرائها 287
لا يجوز رد المؤمنات إلى الكفار 289
رجم المحصن ثابت 290
جلد العبد في حد القذف نصف حد الحر 292
الراهب إذا لم يعن على المسلمين لا يقتل 293
عورة الأمة ما بين السرة والركبة 294
ما دون القلتين يحمل الخبث 295(1/462)
عورة الأمة ما بين السرة والركبة 294
ما دون القلتين يحمل الخبث 295
إذا لاعن من نكاح فاسد يريد نفي الولد صح اللعان 297
من أقر بشيء واستثنى الكثير أخذ بالكل 300
من أقر بعشرة دراهم وسكت، ثم قال زيوفا، كانت عشرة واقية 300
حكم المكاتبة 302
تحريم الربيبة مخصص بالدخول بأمها 302
المرافق هل تدخل في الغسل 304
المسائل الفقهية في الباب الرابع:
قواعد المطلق والمقيد قطع يد السارق 325
قضاء الصوم 325، 331
قضاء الصلاة 325
كفارة الظهار 326
الشهود في عقد النكاح 327
زكاة الفطر على المسلمين 328
اشتراط الإيمان في الرقبة المعتقة 329
المسائل الفقهية في الباب الخامس:
قواعد المجمل والمبيّن من قال كلاما مجملا يحتمل، فإنه يتوقف في الحكم حتى نتبين المقصود 342
من أقر لغيره بمجمل طلب منه تفسيره 243
العدة بالطهر أم بالحيض 246
الانتفاع بجلد الميتة 354
مسح الرأس في الوضوء 355
أداء الشهادة 369(1/463)
مسح الرأس في الوضوء 355
أداء الشهادة 369
تعليم الأبناء 370
المسائل الفقهية في الباب السادس:
قواعد المفهوم لا شفعة للذمي 380
يحرم رهن المصحف عند أهل الكتاب 381
أكثر الأحكام ثبتت بالمنطوق 381
الزواج من أمة كتابية لا يصح 403
من قدر على مهر حرة لا يتزوج أمة 403
لا نفقة للبائن إذا لم تكن حامل 405
إذا كان الماء الراكد أقل من قلتين ينجس وإن لم يتغير 406
الإناء إذا ولغ فيه الكلب لا يطهر بست غسلات 406
ولاية الأب 406
التيمم بغير التراب لا يصح 407
وضوء المرأة والصبي من ماء خلت به امرأة 408(1/464)
فهرس الموضوعات
الموضوع الصفحة المقدمة 5
التمهيد، وفيه فصلان:
الفصل الأول، وفيه:
أولا: تعريف القاعدة 19
ثانيا: تعريف الاستنباط 19
ثالثا: تعريف الدليل 20
الفصل الثاني: في طريقة الأصحاب في فهم كلام الإمام أحمد والتخريج عليه 23
المبحث الأول: طريقة الأصحاب في فهم كلام الإمام أحمد 24
أولا: ما أراد به التحريم 25
ثانيا: ما أراد به الإباحة 27
ثالثا: ما أراد به الندب 27
المبحث الثاني: طريقة الأصحاب في تحرير مذهب الإمام أحمد والتخريج عليه 29
المبحث الثالث: منهج الأصحاب في الرواية التي رجع عنها الإمام 36(1/465)
المبحث الثاني: طريقة الأصحاب في تحرير مذهب الإمام أحمد والتخريج عليه 29
المبحث الثالث: منهج الأصحاب في الرواية التي رجع عنها الإمام 36
المبحث الرابع: الفرق بين الرواية والوجه والاحتمال والتخريج والتوجيه 39
الباب الأول الدلالة عند الحنابلة واثارها الفقهية تعريف الدلالة 43
الفصل الأول: أقسام الدلالة واثارها الفقهية 45
المبحث الأول: 45
المطلب الأول: أقسامها باعتبار مصدرها 45
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 47
المبحث الثاني: الحقيقة والمجاز 48
المطلب الأول: تعريف الحقيقة 48
المطلب الثاني: أقسام الحقيقة 48
المطلب الثالث: اثارها الفقهية 50
المطلب الرابع: وقوع المجاز في اللغة 51
المطلب الخامس: اثارها الفقهية 55
المطلب السادس: وقوع المجاز في القران الكريم 56
المطلب السابع: اثارها الفقهية 60
المبحث الثالث: أقسام اللفظ باعتبار وحدة المعنى أو تعدده 61
المطلب الأول: المترادف 61
المطلب الثاني: المتواطىء 62(1/466)
المطلب الأول: المترادف 61
المطلب الثاني: المتواطىء 62
المطلب الثالث: المشترك 62
المطلب الرابع: المتباين 64
الفصل الثاني: دلالة الحروف واثارها الفقهية 65
المبحث الأول: المراد بالحروف عند الأصوليين 67
المبحث الثاني: معاني الحروف واثارها الفقهية 68
المطلب الأول: حرف الواو 68
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 72
المطلب الثالث: حرف الفاء 73
المطلب الرابع: اثارها الفقهية 78
المطلب الخامس: ثم 79
المطلب السادس: اثارها الفقهية 80
المطلب السابع: حرف الباء 80
المطلب الثامن: اثارها الفقهية 83
المطلب التاسع: حرف اللام 85
المطلب العاشر: اثارها الفقهية 90
المطلب الحادي عشر: من 91
المطلب الثاني عشر: اثارها الفقهية 94
المطلب الثالث عشر: إلى 96
المطلب الرابع عشر: اثارها الفقهية 97
المطلب الخامس عشر: في 100
المطلب السادس عشر: اثارها الفقهية 101
المطلب السابع عشر: على 102(1/467)
المطلب السادس عشر: اثارها الفقهية 101
المطلب السابع عشر: على 102
المطلب الثامن عشر: اثارها الفقهية 104
المطلب التاسع عشر: أو 105
المطلب العشرون: اثارها الفقهية 106
الباب الثاني قواعد الأمر والنهي عند الحنابلة واثارها الفقهية تمهيد: تعريف الأمر لغة واصطلاحا 111
تعريف النهي لغة اصطلاحا 118
الفصل الأول: قواعد الأمر عند الحنابلة واثارها الفقهية 119
المبحث الأول: الأمر حقيقة في القول المخصوص 121
المطلب الأول: دلالة الأمر على الفعل 122
المطلب الثاني: دلالة الأمر على الشيء والصفة والطريقة والشأن 124
المطلب الثالث: اثار الخلاف الفقهية 127
المبحث الثاني: الأمر المجرد عن قرائن يقتضي الوجوب 130
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 130
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 141
المبحث الثالث: الأمر المكرر يقتضي التوكيد 143
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 143
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 146
المبحث الرابع: الأمر بعد الحظر للإباحة 147
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 147
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 151(1/468)
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 147
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 151
المبحث الخامس: الأمر المطلق يقتضي التكرار 154
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 154
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 159
المبحث السادس: الأمر المطلق هل يقتضي الفور 162
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 162
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 168
المبحث السابع: الأمر المؤقت هل يسقط بذهاب وقته 170
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 170
المطلب الثاني: اثارها الفقهية عند الحنابلة 174
المبحث الثامن: الأمر بالشيء نهي عن ضده 175
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 175
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 177
المبحث التاسع: الأمر بالشيء هل هو أمر به 179
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 179
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 180
الفصل الثاني: قواعد النهي عند الحنابلة واثارها الفقهية 181
المبحث الأول: النهي المجرد يقتضي التحريم 183
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 183
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 185
المبحث الثاني: النهي المطلق يقتضي التكرار والفور 187
المطلب الأول: عرض المسألة 187
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 189(1/469)
المطلب الأول: عرض المسألة 187
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 189
المبحث الثالث: النهي يقتضي الفساد 190
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 190
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 195
الباب الثالث قواعد العام ومخصصاته عند الحنابلة واثارها الفقهية تمهيد: تعريف العام 201
تعريف التخصيص 203
الفصل الأول: قواعد العام عند الحنابلة واثارها الفقهية 207
المبحث الأول: صيغ العموم 209
المطلب الأول: للعموم صيغة تفيده بمطلقها 209
المطلب الثاني: صيغ العموم المتفق عليها 217
المطلب الثالث: صيغ العموم المختلف فيها 219
المسألة الأولى: النكرة في سياق النفي 219
اثارها الفقهية 221
المسألة الثانية: الاسم المفرد إذا دخلت عليه الألف واللام 222
اثارها الفقهية 225
المسألة الثالثة: ألفاظ الجموع المنكرة 227
اثارها الفقهية 229
المسألة الرابعة: قول الصحابي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالشفاعة ونحوه 229
اثارها الفقهية 231
المسألة الخامسة: ترك الاستفصال في حكاية الأحوال 232(1/470)
اثارها الفقهية 231
المسألة الخامسة: ترك الاستفصال في حكاية الأحوال 232
اثارها الفقهية 232
المبحث الثاني: حكم العمل بالعام واعتقاده في الحال 234
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 234
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 239
المبحث الثالث: دلالة العام بين القطعية والظنية 240
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 240
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 242
المبحث الرابع: العموم من عوارض الألفاظ والمعاني 243
المبحث الخامس: يصح ادعاء العموم في المضمرات 246
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 246
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 250
المبحث السادس: عموم العلة 251
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 251
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 255
المبحث السابع: العام هل يشمل المعدومين 257
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 257
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 260
المبحث الثامن: العام هل يشمل الكفار في الفروع 261
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 261
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 263
المبحث التاسع: العام هل يشمل العبيد والإماء 264(1/471)
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 263
المبحث التاسع: العام هل يشمل العبيد والإماء 264
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 264
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 265
الفصل الثاني: مخصصات العموم عند الحنابلة واثارها الفقهية 267
المبحث الأول: العام بعد التخصيص حجة 269
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 269
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 272
المبحث الثاني: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب 274
المطلب الأول: تقرير المسألة وبيان الأقوال والأدلة والمناقشة 274
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 278
المبحث الثالث: مخصصات العموم المنفصلة واثارها الفقهية 280
المطلب الأول: التخصيص بدلالة العقل 280
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 281
المطلب الثالث: التخصيص بخبر الاحاد 282
المطلب الرابع: اثارها الفقهية 286
المطلب الخامس: تخصيص السنّة بالقران الكريم 287
المطلب السادس: اثارها الفقهية 289
المطلب السابع: التخصيص بأفعال النبي صلى الله عليه وسلّم 289
المطلب الثامن: اثارها الفقهية 290
المطلب التاسع: التخصيص بالإجماع 291
المطلب العاشر: اثارها الفقهية 291
المطلب الحادي عشر: التخصيص بقول الصحابي 292
المطلب الثاني عشر: اثارها الفقهية 293(1/472)
المطلب الحادي عشر: التخصيص بقول الصحابي 292
المطلب الثاني عشر: اثارها الفقهية 293
المطلب الثالث عشر: التخصيص بالمفهوم 294
المطلب الرابع عشر: اثارها الفقهية 295
المطلب الخامس عشر: التخصيص بالقياس 295
المطلب السادس عشر: اثارها الفقهية 297
المبحث الرابع: المخصصات المتصلة 298
المطلب الأول: التخصيص بالاستثناء 298
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 300
المطلب الثالث: التخصيص بالشرط 300
المطلب الرابع: اثارها الفقهية 301
المطلب الخامس: التخصيص بالصفة 302
المطلب السادس: اثارها الفقهية 302
المطلب السابع: التخصيص بالغاية صلى الله عليه وسلّم 303
المطلب الثامن: اثارها الفقهية 303
الباب الرابع قواعد المطلق المقيد عند الحنابلة واثارها الفقهية تمهيد: في تعريف المطلق والمقيد 307
الفصل الأول: أحوال المطلق مع المقيد 309
المبحث الأول: إذا اختلفا في الحكم والسبب 311
المبحث الثاني: إذا اختلف حكمهما واتحد السبب 312
المبحث الثالث: إذا اتحد حكمهما وسببهما 314
المبحث الرابع: إذا اتحد حكمهما واختلف السبب 317(1/473)
المبحث الثالث: إذا اتحد حكمهما وسببهما 314
المبحث الرابع: إذا اتحد حكمهما واختلف السبب 317
المبحث الخامس: إذا تواردت مقيدات متنافية على مطلق واحد 322
الفصل الثاني: الأمثلة الفقهية لأحوال المطلق مع المقيد 323
المبحث الأول: الأمثلة الفقهية لاختلافهما في الحكم والسبب 325
المبحث الثاني: الأمثلة الفقهية لاختلافهما في الحكم دون السبب 326
المبحث الثالث: الأمثلة الفقهية لاتحادهما في الحكم والسبب 327
المبحث الرابع: الأمثلة الفقهية لاتحادهما في الحكم دون السبب 329
المبحث الخامس: الأمثلة الفقهية على توارد القيود المتنافرة على مطلق واحد 331
الباب الخامس قواعد المجمل والمبين عند الحنابلة واثارها الفقهية تمهيد: في تعريف المجمل 335
تعريف المبين 336
تعريف البيان 336
الفصل الأول: قواعد المجمل عند الحنابلة واثارها الفقهية 339
المبحث الأول: لا بد للعمل بالمجمل من بيان 341
المطلب الأول: حكم العمل بالمجمل 341
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 342
المبحث الثاني: أوجه الإجمال في القران والسنّة 344
المطلب الأول: أوجه الإجمال في القران والسنّة 344
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 346
المطلب الثالث: مواضع توهم فيها الإجمال 348(1/474)
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 346
المطلب الثالث: مواضع توهم فيها الإجمال 348
المسألة الأولى: التحريم إذا أضيف إلى الأعيان 348
المسألة الثانية: لا إجمال في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ} 350
المسألة الثالثة: لا إجمال في اية السرقة 351
المسألة الرابعة: لا إجمال في اية البيع 352
المسألة الخامسة: نفي الصحة عن الفعل لا يقتضي الإجمال 353
المسألة السادسة: لا إجمال في قول النبي صلى الله عليه وسلّم: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه 354
المطلب الرابع: اثارها الفقهية 354
المبحث الثالث: أسباب الإجمال 356
الفصل الثاني: قواعد المبين واثارها الفقهية 359
المبحث الأول: ما يقع به البيان 361
المسألة الأولى: بيان مجمل القران بالقران 361
المسألة الثانية: بيان مجمل القران بالسنة 362
المسألة الثالثة: بيان مجمل السنّة بالسنّة 363
المسألة الرابعة: بيان مجمل السنّة بالقران 363
المسألة الخامسة: يقع البيان بالإجماع 364
المسألة السادسة: يقع البيان بالعرف 364
المسألة السابعة: يقع البيان بالأدنى 365
المبحث الثاني: تأخير البيان 366
المسألة الأولى: تأخير البيان إلى وقت الحاجة 366
المسألة الثانية: تأخير البيان عن وقت الحاجة 368(1/475)
المسألة الأولى: تأخير البيان إلى وقت الحاجة 366
المسألة الثانية: تأخير البيان عن وقت الحاجة 368
المسألة الثالثة: اثارها الفقهية 369
الباب السادس قواعد المفهوم عند الحنابلة واثارها الفقهية تمهيد: تعريف المفهوم 373
مفهوم الموافقة 373
مفهوم المخالفة 373
الفصل الأول: مفهوم الموافقة وحكمه، وشروطه وأقسامه 375
المبحث الأول: 377
المطلب الأول: حكم مفهوم الموافقة وشروطه 377
المطلب الثاني: اثارها الفقهية 380
المبحث الثاني: أقسام مفهوم المخالفة 382
الفصل الثاني: مفهوم المخالفة 385
المبحث الأول: حجية مفهوم المخالفة وشروطه 387
المطلب الأول: حجية مفهوم المخالفة 387
المطلب الثاني: شروط مفهوم المخالفة 388
المبحث الثاني: أقسام مفهوم المخالفة 392
أولا: مفهوم الصفة 392
ثانيا: مفهوم الغاية 396
ثالثا: مفهوم الشرط 396
رابعا: مفهوم التقسيم 397
خامسا: مفهوم العدد 398(1/476)
رابعا: مفهوم التقسيم 397
خامسا: مفهوم العدد 398
سادسا: مفهوم اللقب 399
المبحث الثالث: اثارها الفقهية 403
الخاتمة 409
الفهارس 425
* فهرس الايات القرانية الكريمة 427
* فهرس الأحاديث النبوية الشريفة 444
* فهرس اثار الإمام أحمد 449
* فهرس المصادر والمراجع 451
* فهرس المسائل الفقهية 458
* فهرس الموضوعات 465(1/477)