محتويات الكتاب
توطئة صفحة
المقدمة 1م 29م
الجزء الأول (1) تقليد الناصري محمد بن البارزي الجهني بصحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة (13شوال 815هـ) 5
(2) تقليد العلمي داود بن الكويز بنظر الجيوش المنصورة بالممالك الإسلامية (غير مؤرخ) 8
(3) تقليد البدري حسن بن محبّ الدين بالإشارة الشريفة (غير مؤرخ) 11
(4) توقيع لصدر الدين ابن الآدمي بالحسبة الشريفة (غير مؤرخ) 15
(5) توقيع لناصر الدين محمد بن كمال الدين عمر ابن العديم بالعودة إلى قضاء قضاة الحنفية بالديار المصرية (رمضان 816هـ) 19
(6) تقليد لنجم الدين أبي الحفص عمر بن حجي الشافعي بقضاء قضاة الشافعية بالشام المحروس (غير مؤرخ) 22
(7) توقيع للناصري محمد بن البارزي الجهني الشافعي بنظر تربتي الظاهرية والناصرية بباب النصر (عام 817هـ) 26
(8) توقيع للكمالي محمد بن الناصري محمد البارزي الشافعي بنظر الكارم (غير مؤرخ) 29(1/1)
(9) توقيع للبدري حسن بن نصر الله بنظر سبيل وقف المرحوم السيفي بكلمش وبئره وحوضه (غير مؤرخ) 31
(10) توقيع لأبي الضياء شمس الدين الهروي الشافعي بنظر الصلاحية بالقدس الشريف وتدريسها (غير مؤرخ) 33
(11) توقيع للشيخ الإمام برهان الدين إبراهيم بن غرس الدين خليل السكندري برياسة الطب بالديار المصرية (غير مؤرخ) 35
(12) توقيع القاضي جمال الدين ابن جماعة بنصف الخطابة بالقدس الشريف (غير مؤرخ) 38
(13) توقيع لعلم الدين داود بن الكويز بنظر الجامع الأموي وجامع يلبغا بدمشق المحروسة (عام 817هـ) 40
(14) توقيع للصدري ابن العجمي بنظر الجيوش المنصورة بالشام المحروس (عام 817هـ) 43
(15) توقيع للمحيوي يحيى الإربدي بكتابة السر الشريف بالشام المحروس (عام 817هـ) 46
(16) توقيع للقاضي شهاب الدين أحمد بن السفاح بكتابة السر الشريف ونظر الجيوش والقلعة المنصورة بحلب (عام 817هـ) 50
(17) توقيع لشهاب الدين أحمد الدنيسري بكتابة السر الشريف بطرابلس المحروسة (عام 817هـ) 52
(18) توقيع للناصري محمد بن العطار بمشيخة الشيوخ بالمملكة الشامية المحروسة (عام 817هـ) 55
ديباجة عهد مولانا أمير المؤمنين المعتضد بالله أبي الفتح داود العباسي 57
ديباجة القاضي تقي الدين أبي بكر ابن قرناص بكتابة سرّ حماة المحروسة 58
صدر توقيع المقر التاجي فضل الله ناظر الدولة باستيفاء أوقاف مقام الشهيد الناصر حسن 58(1/2)
صدر مسموح الخواجا إبراهيم الإسعردي 59
(19) جواب صاحب تونس عن مولانا الملك المؤيد (غير مؤرخ) 59
(20) جواب صاحب اليمن عن مولانا السلطان (غير مؤرخ) 63
(21) جواب الأمير فخر الدين عثمان بن طر علي (غير مؤرخ) 67
(22) صداق لابنة الناصري محمد بن البارزي الجهني الشافعي من الناصري العلمي داود ابن الكويز (غير مؤرخ) 68
(23) تفويض شريف من المعتضد بالله لأبي الفتح داود بنظر الجامع الجديد بمصر المحروسة (غير مؤرخ) 73
(24) تهنئة عن السلطان الملك المؤيد حين فتح الشام عنوة وحصر نوروز المخذول بقلعتها (11صفر 817هـ) 76
(25) تهنئة عن السلطان الملك المؤيد بوقوع نوروز في القبضة الشريفة (19ربيع الأول 817هـ) 77
(26) بشارة عن مولانا السلطان الملك المؤيد بحلول الركاب الشريف بالديار المصرية (1رمضان 817هـ) 79
(26آ) تعليق التمائم 82
(26ب) مجرى السوابق. «مجاراة الشهاب محمود وجمال الدين ابن نباته وابن فضل الله العمري في وصف الخيل المسوّمة 86
الجزء الثاني (27) توقيع لأبي بكر الجيتي الحنفي بإفتاء دار العدل الشريف عوضا عن ابن السفري وقضاء العسكر المنصور (غير مؤرخ) 111
(28) توقيع للزيني عبد الرحمن ابن الخرّاط بكتابة السر الشريف بطرابلس المحروسة (غير مؤرخ) 113
(29) توقيع للعلائي علي بن المغلي بقضاء القضاة الحنابلة بالديار المصرية (غير مؤرخ) 116
(30) مكاتبة القان شكرا خان حاكم مملكة بوران (ربيع الثاني 818هـ) 119(1/3)
(31) مكاتبة جكرا خان صاحب بوران (منتصف ربيع الثاني 818هـ) 124
(32) توقيع العلمي داود بن الكويز المؤيدي بنظر الكسوة الشريفة (1جمادى الأولى 818هـ) 129
(33) توقيع للزيني عبد الباسط بنظر الخزانة الشريفة (16جمادى الثانية 818هـ) 132
(34) توقيع لفخر الدين محمد بن الصغيّر بالانتقال من وظيفة الاستيفاء بثغر الإسكندرية إلى النظر بها (10رجب 818هـ) 135
(34آ) التقاريظ على السيرة الشيخية لابن ناهض الشامي الشهير بالفقّاعي 137
تقريظ للمصنّف 138
تقريظ لابن الدماميني 140
تقريظ لابن مكانس الحنفي 143
(34ب) صورة فتيا 145
(34ج) تقريظ على «عمدة المناسك» لولي الدين أقضى القضاة أبي الفتح محمد السكندري القرشي الشافعي 149
(35) بشارة عن السلطان الملك المؤيد بحلول الركاب الشريف بالديار المصرية (منتصف ذي الحجة 818هـ) 151
(36) توقيع للصلاحي إبن الكويز بنظر الديوان الشريف المفرد السلطاني (10صفر 819هـ) 153
(37) توقيع مسامحة الخواجا برهان الدين إبراهيم بن مبارك شاه الإسعردي (أواخر صفر 819هـ) 157
(38) توقيع القاضي شمس الدين محمد بن موسى الأزهري المالكي بكتابة الدرج الشريف بالأبواب الشريفة (15رمضان 819هـ) 159
(39) مكاتبة واردة من صاحب اليمن على يد القاضي أمين الدين ابن مفلح (في 16ربيع الأول 819هـ) 162
(40) جواب على المكاتبة السابقة (15رمضان 819هـ) 167
(41) بشارة بوفاء النيل مضاهاة لما كتبه القاضي الفاضل وابن نباته 172(1/4)
(42) توقيع لعبد الرحمن بن العلمي داود بن الكويز ناظر الجيوش المنصورة بصحابة ديوان الجيوش (غير مؤرخ) 176
(43) مكاتبة واردة من الناصري محمد بن أبي يزيد بن عثمان ابن أرخان على الأبواب الشريفة (في 5شعبان 819هـ) 178
(44) جواب على المكاتبة السابقة (غير مؤرخ) 183
(45) تقليد الفخري عبد الغني ابن أبي الفرج بالأستاد دارية والإشارة بالديار المصرية (غير مؤرخ) 187
(46) توقيع لناصر الدين محمد بن الكاتب القادري بنظر الجيش بحماة المحروسة (26ذي القعدة 819هـ) 192
(47) تقليد القاضي نجم الدين ابن حجّي بقضاء الشافعية بالشام المحروس (20ذي الحجة 819هـ) 194
(48) مثال وارد على الأبواب الشريفة المؤيدية من قرا يوسف صاحب العراقين (غير مؤرخ) 198
(49) جواب على المثال السابق (غير مؤرخ) 202
(50) توقيع لابن المغلي علاء الدين علي بن محمود بنظر الأوقاف بمصر والقاهرة المحروستين (1محرم 820هـ) 207
(51) مكاتبة واردة من محمد بن قرمان الناصري (في 2ربيع الثاني 820هـ) 209
(52) جواب على المكاتبة السابقة (غير مؤرخ) 212
(53) مكاتبة واردة من الملك العادل سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا (في 20جمادى الأولى 820هـ) 215
(54) جواب على المكاتبة السابقة (غير مؤرخ) 218
(55) مكاتبة واردة من قرا يوسف صاحب العراقين (في 27جمادى الأولى 820هـ) 221
(56) جواب على المكاتبة السابقة (24رجب 820هـ) 224
(57) رسالة الشمسي العمري عين أعيان كتّاب الإنشاء الشريف بالديار المصرية إلى المؤلف (1شوال 820هـ) 226(1/5)
الجزء الثالث (58) بشارة إلى نوّاب الغيبة بالممالك الشامية والديار المصرية عند حلول الركاب الشريف في حلب المحروسة بعد العودة (9رجب 820هـ) 231
(59) مكاتبة واردة على الأبواب الشريفة من الملك العادل سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا (في 19محرم 821هـ) 240
(60) جواب على المكاتبة السابقة (منتصف ربيع الأول 821هـ) 242
(61) توقيع للفخري عبد الغني ابن أبي الفرج استاددار العالية بنظر وقف السادة الأشراف بمصر المحروسة (25ربيع الأول 821هـ) 244
(62) بشارة بولادة سيدي موسى ابن الملك المؤيد شيخ المحمودي (13جمادى الأولى 821هـ) 248
(63) جواب على البشارة السابقة عن نائب ثغر الأسكندرية (أواخر رجب 821هـ) 250
(64) مكاتبة واردة من الملك العادل العلمي سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا على الأبواب الشريفة (في 9شعبان 821هـ) 251
(65) جواب على المكاتبة السابقة (منتصف رمضان 821هـ) 254
(66) توقيع ليحيى ابن العطار بتوقيع الدرج الشريف (4ذي القعدة 821هـ) 256
(67) تقليد محمد ابن البارزي بنظر أوقاف السادة الأشراف بالديار المصرية والبلاد الشامية (5شوال 821هـ) 258
(67آ) تقريظان على الجوهرة لبدر الدين محمود العيني ناظر دواوين الأحباس المبرورة 261
تقريظ لبدر الدين محمد البشتكي 262
تقريظ للمؤلف 263
(68) تقليد للعلائي علي باك بن قرمان بنيابة قونية وتوابعها (غير مؤرخ) 265
(69) تقليد لمحمد ابن دلغادر بنيابة قيسارية (غير مؤرخ) 267(1/6)
(70) تقليد لقاضي القضاة جلال الدين البلقيني بالعودة إلى وظيفته بعد الهروي (غير مؤرخ) 269
(71) بشارة بولادة سيدي أحمد ابن الملك المؤيد شيخ (5جمادى الأولى 822هـ) 274
(72) مرسوم شريف بمنع النصارى واليهود من المباشرات بالدواوين الشريفة (غير مؤرخ) 276
(73) صداق الخواجكي الشمسي محمد بن الماحوزي المؤيدي على لقاء المحبوب بنت عبد الله المؤيدية (أواخر جمادى الأولى 822هـ) 278
(74) توقيع الشيخ ناصر الدين محمد بن الضريس الحموي الحنفي برياسة الطب بالبيمارستان النوري بدمشق المحروسة (1رمضان 822هـ) 282
(75) تقليد قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهني بقضاء قضاة الحنفية بالديار المصرية والممالك الإسلامية (العشر الثاني من ذي الحجة 822هـ) 284
(76) مكاتبة إلى محمد بن أبي يزيد بن عثمان (محرم 823هـ) 287
(77) مرسوم شريف لقاضي القضاة علاء الدين علي بن المغلي الحنبلي أن يلقب «عالم الاسلام» (1ربيع الأول 823هـ) 291
(78) تعزية بصارم الدين إبراهيم بن المؤيد شيخ لكافل الشام المحروس (16جمادى الآخرة 823هـ) 294
(79) تعزية بصارم الدين إبراهيم عن السيفي جقمق كافل السلطنة بالشام المحروس (غير مؤرخ) 298
(80) جواب المؤلف على مكاتبة السيفي جقمق كافل الشام المحروس (غير مؤرخ) 300
(81) تقليد كمال الدين محمد بن البارزي بصحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الاسلامية (2ذي القعدة 823هـ) 302
(82) توقيع لبدر الدين محمد بن مزهر الشافعي بنيابة كتابة السر الشريف بالديار المصرية (17ذي الحجة 823هـ) 307(1/7)
(83) مكاتبة واردة من علم الدين سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا (في 18ذي الحجة 823هـ) 310
(84) جواب على المكاتبة السابقة (غير مؤرخ) 313
(85) مكاتبة واردة من شاه رخ بن تيمور الحاكم بالممالك الشرقية (في أواخر محرم 824هـ) 315
(86) جواب على المكاتبة السابقة (غير مؤرخ) 318
(87) تقليد العلمي داود بن الكويز بنظر دواوين الإنشاء الشريف (1صفر 824هـ) 321
(88) تقليد البدري حسن بن نصر الله بنظر الخواص الشريفة (1صفر 824هـ) 324
(89) تقليد صلاح الدين محمد الحاجب بن بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخواص الشريفة بالأستاد دارية الكبرى بالإضافة إلى نيابة السلطنة الشريفة بالوجه البحري (19جمادى الأولى 824هـ) 327
(90) جواب علم الدين داود بن الكويز على التهنئة بحلول الركاب الشريف المظفري بدمشق، ووقوع الأعداء في القبضة الشريفة (1جمادى الآخرة 824هـ) 331
(90آ) خطبة بمناسبة ختم القرآن برسم الزيني عبد اللطيف بن الشرفي (غير مؤرخ) 333
(91) عهد الملك الظاهر ططر (غير مؤرخ) 336
(92) بشارة إلى أكابر الشام المحروس بحلول الركاب الشريف بالديار المصرية (1شوال 824هـ) 344
(93) مكاتبة الملك الظاهر ططر إلى الملك الناصر صاحب اليمن (غير مؤرخ) 346
(94) تقليد وليّ الدين أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي بقضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية (ذو القعدة 824هـ) 348
(95) توقيع لزين الدين عبد الباسط بنظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية والممالك الإسلامية (1ذي القعدة 824هـ) 352(1/8)
(96) جواب على مكاتبة واردة من علم الدين سليمان الإيوبي صاحب حصن كيفا (في العشر الأول من محرم 825هـ) 357
(97) مكاتبة واردة من زين الدين الاسكندر بن قرا يوسف صاحب العراق (في 14ربيع الأول 825هـ) 359
(98) جواب على المكاتبة السابقة (غير مؤرخ) 363
(99) توقيع لبدر الدين حسن بن الصاحب نجم الدين بنظر الجيش المنصور بدمشق (غير مؤرخ) 365
(100) عهد الملك الأشرف أبي النصر برسباي (غير مؤرخ) 367
(101) مكاتبة بعتاب لطيف إلى ناصر الدين محمد بن قرمان (العشر الأخير من جمادى الآخرة 825هـ) 375
(102) مكاتبة واردة من الجناب العالي يار علي صاحب ماردين، ابن زين الدين إسكندر بن قرا يوسف صاحب العراق (في شعبان 825هـ) 377
(103) جواب على المكاتبة السابقة (غير مؤرخ) 378
(104) مكاتبة واردة من السيفي العلائي الظاهري تنبك ميق كافل الشام المحروس (في شعبان 825هـ) 379
(105) جواب على المكاتبة السابقة (غير مؤرخ) 380
(106) تقليد علم الدين أبي البقاء صالح البلقيني الشافعي بقضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية والممالك الإسلامية (العشر الأول من محرم 826هـ) 382
(107) مكاتبة واردة من علم الدين سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا (منتصف شوال 825هـ، وردت في ذي الحجة 825هـ) 386
(108) جواب على المكاتبة السابقة (غير مؤرخ) 389
(109) مكاتبة واردة من زين الدين إسكندر بن قرا يوسف صاحب العراق (أواخر شوال 826هـ، وردت في العشر الأول من محرم 826هـ) 391
(110) جواب على المكاتبة السابقة (غير مؤرخ) 396
(111) مكاتبة واردة من علم الدين سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا (في 8جمادى الأولى 826هـ) 400(1/9)
(112) جواب على المكاتبة السابقة (غير مؤرخ) 404
(112آ) تقريظ المؤلف على كتاب «اللّبابة في معارضة ديوان الصّبابة» للأديب الفاضل البارع عماد الدين إسماعيل بن الصائغ 406
(112ب) تقريظ المؤلف على كتاب «حلبة الكميت» لشمس الدين محمد بن حسن النواجي الشافعي 409
(113) جواب على مكاتبة واردة من الملك الناصر صاحب اليمن (غير مؤرخ ربيع 827هـ) 411
(114) تقليد شيخ الاسلام شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني الشافعي بقضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية (العشر الأخير من محرم 827هـ) 412
(115) تقليد شمس الدين محمد الرازي الهروي الشافعي بالنظر في دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة (غير مؤرخ) 417
(116) تقليد نجم الدين عمر ابن حجي الشافعي بصحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة (العشر الأول من رجب 827هـ) 422
(117) عهد للسلطان الملك العادل مظفر شاه شمس الدنيا والدين صاحب حضرة دهلي والفتوحات الهندية (العشر الأخير من رمضان 813هـ) 428
(118) صداق السلطان الناصر فرج بن برقوق لستّ الملوك بنت السيفي كمشبغا الظاهري الحموي (810هـ) 435
(119) توقيع لصدر الدين ابن الآدمي الحنفي بقضاء قضاة الحنفية بدمشق المحروسة (15ربيع الأول 810هـ) 439
(120) توقيع لشيخ الإسلام علاء الدين أبي الحسن علي بن المغلي الحنبلي بنظر البيمارستان النوري بحماة (غير مؤرخ) 441
(121) توقيع لصلاح الدين ناظر الجيوش المنصورة بالمملكة الحموية، بنظر الجوامع الشريفة بحماة (غير مؤرخ) 443(1/10)
مراسلات المؤلف مع أعيان الديار المصرية والممالك الشامية:
(121آ) ياقوت الكلام في نار الشام، رسالة إلى فخر الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن مكانس 449
(121ب) رسالة إلى أبي عبد الله بدر الدين محمد ابن الدماميني المالكي المخزومي 461
رسالة إلى فتح الدين فتح الله بن مستعصم بن نفيس الإسرائيلي الداوودي التبريزي الحنفي، صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية 466
رسالة إلى قاضي القضاة صدر الدين أبي الحسن علي الحنفي ابن الآدمي من حماة المحروسة 467
رسالة السكين 469
رسالة «نفثة الصدور» إلى قاضي القضاة صدر الدين أبي الحسن علي الحنفي الشهير بابن القضامي 471
جواب عن بشارة وفاء النيل، كتبت به عن كافل المملكة الحموية الشريفة 473
رسالة إلى ناصر الدين محمد بن منهال، عين كتّاب الإنشاء بالشام 474
رسالة إلى بدر الدين أبي عبد الله محمد ابن قاضي أذرعات 476
رسالة إلى الأميني الأنصاري الحنفي صاحب ديوان الإنشاء بالشام المحروس جوابا عن مثال كريم 477
تهنئة قاضي القضاة شرف الدين مسعود الشافعي بعود الوظيفة إليه 479(1/11)
تقاريظ المؤلف (121ج) تقريظ على قصيدة الإمام البارع شمس الدين أبي عبد الله محمد بن علي السلمي الشافعي إبن خطيب زرع، التي امتدح بها سيف الدين قلمطاي العثماني الظاهري الداوادار 481
تقريظ على رسالة عاطلة مشتملة على وعظيات وحكم، لقاضي القضاة شمس الدين أبي عبد الله محمد الشافعي العراقي الشهير بابن قاضي العراقين 483
تقريظ على زجل للشيخ شمس الدين محمد ابن الطراح قيّم المملكة الشامية في نظم الزجل المغربي 485
تقريظ على بيتين مواليا للشيخ الفاضل والأديب البارع شرف الدين أبي سليمان داود الغزي 487
تقريظ على «مطالع البدور في منازل السرور» لأبي الحسن علي البهائي الشهير بالغزولي 488
خطب الأدبيات (121د) خطبة «تحرير القيراطي» من ديوان الشيخ برهان الدين ابراهيم بن عبد الله القيراطي 492
خطبة «شرح البديعية» التي التزم فيها بتسميته النوع البديعي، وجارى فيها الحلي صفي الدين 494
خطبة كتاب «بيوت العشرة» وهي القصائد التي نظمها مناصفة مع ابن نباتة 496
خطبة ديوان المؤلّف المسمّى «جنى الجنتين». جنة الشعر وجنة النثر 497(1/12)
فهارس الكتاب فهرس الآيات القرآنية 503
فهرس الأحاديث النبوية 517
فهرس الأعلام 519
فهرس الأماكن والبلدان 535
فهرس الأمم والقبائل والجماعات والطوائف 541
فهرس الحكم والأمثال والأقوال المأثورة 545
فهرس الموظفين والوظائف 551
فهرس الأشعار 555
فهرس الأرجاز 567
ثبت المصادر والمراجع 571(1/13)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/14)
إبن جماعة في قصيدة كافيّة بديعة رنانة (1). وتوجه فيما بعد إلى القاهرة (2) ليعرض قصيدته هذه والتقاريض الجيدة لها على الشاعر المشهور فخر الدين عبد الرحمن بن عبد الرزاق ابن مكانس، وعلى ابنه مجد الدين، فقبلاها باستحسان. ونشأت مؤانسة بين الثلاثة، إذ كتب ابن حجّة قصيدة أخرى أثنى فيها على ابن مكانس وتمتّع ابنه مجد الدين بالمحاورات معه. ورجع ابن حجّة إلى حماة سنة 791هـ (1389م) بعد ما شاهد في طريق عودته حريق دمشق وقت محاصرتها من قبل السلطان المعزول الثائر الملك الظاهر برقوق (3)، ووصف انطباعاته عن هذه الواقعة المرعبة في رسالة مفصّلة أرسل بها إلى ابن مكانس وسمّاها (ياقوت الكلام في نار الشام) (4).
ولا نعلم ما كان عمله بعد عودته إلى حماة. وتبّين من رسالتيه المؤرختين في أوائل سنة 802هـ (نهاية 1399م) (5) أنه غادر الشام مرة أخرى وسافر على ظهر مركب إلى مصر من طرابلس، حيث شاهد أحوالا قلقة دامية، ويتضح منهما أيضا أن علاقات ودية كانت قائمة كذلك بينه وبين تربيه بدر الدين محمد الدماميني (6) وفتح الدين فتح الله (7).
__________
(1) وقد جرى ذلك قبل عام 790هـ إذ توفي ابن جماعة في شوال 790هـ (ابن طولون، قضاة دمشق 115) وهذا موافق لما ذكره السخاوي في «الضوء اللامع» ج 11ص 53: «قبل التسعين»، «بقصيدة كافيّة طنانة».
(2) لا يذكر السخاوي أن ابن حجّة أقام في الموصل على عكس ما ورد في:
.. 1، 2 .. 1،،.
(3) «السلوك» للمقريزي ج 3ص 668: ذو القعدة 791هـ (22/ 2010/ 11/ 1389).
(4) أورد السخاوي هذه الرسالة تحت عنوان (ياقوت الكلام في أيام الشام) ونشر نصها في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، 31/ 1956تحت عنوان (ياقوت الكلام فيما ناب الشام). وربما كان العنوان الذي ذكرته المخطوطات التي اعتمدنا عليها في التحقيق هو الصحيح.
(5) وهما الرسالتان الأولى والثانية من رسائله الخاصة (الرقم 121ب، ص 461) المؤرختان في أواسط ربيع الثاني 802هـ (أواسط ديسمبر 1399م).
(6) كان الدماميني خطيبا في جامع الإسكندرية (بعد الحج عام 800هـ الضوء اللامع للسخاوي ج 7ص 187وما يليها (رقم الترجمة 440)، وإليه أشار أيضا السيوطي في حسن المحاضرة ج 1ص 231).
(7) أشار إليه السخاوي في «الضوء اللامع» ج 6ص 165وما يليها. كان رئيس الأطباء، وفي جمادى الأولى 802هـ (يناير 1400م) وولاه السلطان برقوق (بفضل مبلغ مالي منحه له الدماميني راجع السخاوي في المصدر المذكور سابقا) صحابة دواوين الإنشاء الشريف («السلوك» للمقريزي ج 3ص 926).(1/15)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/16)
ومن المحتمل أنه أتيحت لابن حجّة فرصة للتعرف بالأمير شيخ المحمودي خلال حصار حماة عام 812هـ (1410م) (1)، ومن المفترض أنه انتقل بعد فترة مثل ابن البارزي إلى دمشق وأمسى من مقربي الأمير شيخ.
فالتحق ابن حجّة بمعية السلطان الملك المؤيد شيخ، وما لبث أن صار منشئا في ديوان الإنشاء الشريف بالقاهرة، كما يشهد به تقليد محمد ابن البارزي بصحابة دواوين الأنشاء المؤرخ في 13شوال 815هـ (17/ 1/ 1413م) (2) من إنشائه. وليس من قبيل الصدفة أن ابن حجّة بدأ كتابه بهذا التقليد، بل كان هذا متعمّدا ولأسباب شخصية، إذ قال السخاوي (3) بأن الذي لفت انتباه السلطان إلى ابن حجّة هو محمد ابن البارزي، فأمسى أحد منشئي الديوان، فربما كان من قصد ابن حجّة أن يومئ بهذه الصورة إلى أنه مدين لابن البارزي بوظيفته التي بدأ بممارستها مع شفيعه هذا في وقت واحد تقريبا.
ولا شك في أنه كان مؤهّلا لوظيفة المنشئ، إذ كان شاعرا ذا معرفة جيدة بآثار الشعراء الأسلاف (4)، وصاحب خبرة تامّة في خدمة ديوان الإنشاء. وقد حصل عليها في أيامه الحموية. كما أنه استوعب دساتير كل من ابن فضل الله العمري والشهاب محمود ابن فهد الموصلي وابن ناظر الجيش وابن نباتة، ولا ينفي أنه درس أيضا رسائل القاضي الفاضل وابن العميد (5) وقد أشار اليهما في كتابه قهوة الإنشاء أكثر من مرة،
__________
(1) في شعبان وذي الحجة عام 812هـ (ديسمبر 1409وأبريل 1410م) «السلوك» للمقريزي ج 4ص 117، 119، 129126وذكر السخاوي أن المقريزي التقى بابن حجّة للمرة الأولى في صفر 812هـ (15/ 146/ 7/ 1409م) في دمشق، وهو ما يدل على أن ابن حجّة سافر إلى دمشق أكثر من مرة. وقد غادر الأمير شيخ دمشق آنئذ ليخلي المدينة لسلطان فرج المتقدم في («السلوك» للمقريزي ج 4ص 95وما بعدها).
(2) وأنشأ محمد ابن البازري وهو منشئ في الديوان الذي كان صاحبه فتح الدين فتح الله عهد السلطان المؤيد شيخ (راجع نصه في «صبح الأعشى» للقلقشندي ج 10ص 120وما بعدها).
(3) «الضوء اللامع» للسخاوي ج 11ص 54.
(4) يبدو أنه كان يعتبر ابن نباتة دائما أستاذا له، لأنه لم يكتف بذكر اسمه كاملا فقط، بل أشار إليه بالصفة «النباتي» وبإشارة إلى آثاره مستعملا الصفات المشتقة من عناوينها مثل «المطوق» (إشارة إلى سجع المطوق)، و «المنثور» (إشارة إلى «زهر المنثور»، مثلا في مقدمته لما أشار إليه برياض المنثور) واستعمل إيماءات مماثلة مشيرا إلى آثار أئمة فن الإنشاء والمراسلة.
(5) نذكر هنا أسماء الذين ذكرهم ابن حجّة في منشآته فقط، وتشهد معارضاته بالمعرفة الجيدة بمصنفات كبار المنشئين.(1/17)
كما أنه عرف آثار زميله الأكبر منه سنا في الديوان شهاب الدين أحمد القلقشندي (1).
ويبدو أن ابن حجّة قضى في القاهرة في خدمة السلطان الملك المؤيد شيخ وفي الحاشية المقربة منه وتحت رعاية ابن بلده ابن البارزي أوقاتا موفّقة وسعيدة. وذكر السخاوي أن صيته ذاع سريعا وبعيدا، وأنه سرعان ما أصبح شخصية بارزة بين أدباء العصر، كما أنه رفع دخله الناتج من خدمته في الديوان على حد قول السخاوي أيضا بمباشرة عدة أنظار، وبالقيام بوظائف مختلفة أخرى (2)، وكان عضوا في حاشية السلطان (3) واشترك في مجالس الأدباء مع السلطان وشاركه في غزواته، كما يشهد بذلك حضوره في الحملة ضد الأمير نوروز سنة 817هـ (1414م) إلى سوريا وإلى الأناضول سنة 820هـ (1417م) (4).
ولم ينج ابن حجّة من النقد من جانب بعض الأدباء المعاصرين له (5) رغم شهرته والإعجاب به والتقدير العالي الذي تمتع به لدى الأدباء المحدثين المعجبين بآثاره الغنية في مجال الشعر والبديع والنقد (6). ويبدو أن موقفه الاجتماعي وكونه أحد المقربين من السلطان وإنجازاته الأدبية مع أخلاقه الصعبة قد ساهمت في إعراض بعض الناس عنه.
__________
(1) يذكر ابن حجّة كتاب «صبح الأعشى» عدة مرات (مثلا الرقم 26و 26آو 28و 66و 115) بينما لم يذكر القلقشندي كتاب ابن حجّة أبدا، والوثيقة الوحيدة من إنشاء ابن حجّة التي أوردها مع التنبيه إلى منشئها هو العهد لمظفر شاه من دهلي (رقم 117راجع حاشية 4ص ب 3م صبح الاعشى للقلقشندى ج 10ص 134129).
(2) «الضوء اللامع» للسخاوي ج 11ص 54س 3: «باشر عدة أنظار» «النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي ج 15ص 190: «ولي إمامة عدة وظائف دينية».
(3) «السلوك» للمقريزي ج 4ص 246: «كان أحد ندماء السلطان» وقال ابن تغري بردي في («النجوم الزاهرة» ج 15ص 190) إنه «كان من شعراء السلطان وأخصّائه».
(4) تشهد بذلك الأجوبة على مكاتبات كل من محمد بن قرمان وسليمان الأيوبي وقرا يوسف، والبشارة بالسفر الناجح (الرقم 52، و 54، و 56، و 58). وفي ترجمة البشارة نبه ابن حجّة القارئ مفتخرا على توكيله بقراءتها بحضور قضاة القضاة وكبار رجال الدولة والأدباء.
(5) «الضوء اللامع» للسخاوي ج 11ص 5554وأنكر ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» ج 15ص 190، آراء أولئك النقاد قائلا: «وكان مفننا لا يجحد فضله إلا حسود».
(6) لخص السخاوي («الضوء اللامع» ج 11ص 5554) نشاطه وذكر أسماء مؤلفاته راجع كذلك في 823، 3، 82،. 16،،،. وتشهد الأدعية التي أرفق بها النساخ اسمه في عناوين المنشآت بالاحترام الذي تمتع به لدى معاصريه ولدى الأجيال المتأخرة.(1/18)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/19)
ابن العطار (1). ولم تزل الحال تزداد سوءا حتى عزم ابن حجّة سنة 830هـ (1427م) على العودة إلى موطنه حماة. ومن المحقق أنه في ذلك الوقت لم يعد يعمل في ديوان الإنشاء، وهذا ما تثبته الوثيقة الأخيرة التي صنفها في ديوان الإنشاء وضمها إلى قهوة الإنشاء المؤرخة أوائل رجب 827هـ (أوائل يونيو 1424م)، أي قبل ذهابه إلى حماة بثلاثة أعوام تقريبا.
أقام ابن حجّة في حماة على حد قول السخاوي (2) «ملازما للاشتغال بالعلوم والخير إلى أن مات». فلا شك في أن هذا ليس بحقيقة كاملة، لأن ابن حجّة كان رجلا نشيطا ولم يحسب تقاعده في حماة إلا أمرا عابرا لن يدوم طويلا، فلم يقطع علاقاته مع أصدقائه في القاهرة في انتظار فرصة ملائمة للعودة إلى مصر مرة أخرى فأتيحت فرصة تحقيق قصده لما عيّن كمال الدين محمد، ابن صديقه الناصري محمد ابن البارزي للمرة الثانية صاحبا لدواوين الإنشاء في ربيع الأول 836هـ (نوفمبر 1432م) وكانت هذه الآمال مرتبطة بزيارات صديقه القديم شهاب الدين أحمد ابن حجر العسقلاني في حماة في السنة نفسها (3). ولكن فوجئ بنوبة حمّى أدركته قبل أن يتخذ القرار النهائي، فمات فجأة في 25شعبان 837هـ (6/ 4/ 1434م) وهو ابن 68سنة (4).
ولا ينكر أن ابن حجّة كان شخصية بارزة في مجتمع القاهرة الثقافي، ويبدو أنه كان رجلا فهم جيدا كيف ينجح مساعيه. فقد جاء إلى القاهرة التي سبق له أن نجح في إقامة اتصالات مفيدة فيها. وهو الآن في حاشية الأمير السلطان المؤيد شيخ المقبل الذي حقق لديه حظوة قوية قبل مغادرته سوريا، مع وجود عدد من الأصدقاء بين مقرّبي السلطان.
ومكنته هذه الظروف من اكتساب مكانة اجتماعية ثابتة واعتراف بالكرامة. وسرعان ما حصل كصاحب ديوان الإنشاء على رزق مؤمن زاد محصوله بوظائف مدرّة مما مكنه من الاشتغال بالأدب مبدعا وناقدا، إلى جانب وظيفته في الديوان. وتركزت جهوده الأدبية في مجال الشعر نظما ونثرا فطوّر نتاجه كشاعر في مجالات الشعر المحدث والمعاصر، وربما
__________
(1) راجع الرقم 66. و «الضوء اللامع» للسخاوي ج 11ص 56.
(2) نفس المصدر ج 11ص 54.
(3) نفس المصدر ج 11ص 54.
(4) هذا ما أورده ابن تغري بردي (في «النجوم الزاهرة» ج 15ص 189)، أما السخاوي فذكر العشر الأخير من شهر شعبان («الضوء اللامع» ج 11ص 55) ملاحظا أن بعض الناس أرّخ وفاته في شهر رجب.(1/20)
متأثّرا بنظرات جمالية محدثة. ولكن هذا المسعى لم يجد قبولا إيجابيا لدى بعض الأدباء، في حين استقبله آخرون باستحسان، ومن المفترض أنه أدرك جيدا مقدار شأنه بصفته أديبا حاذقا ذا بلاغة، وهذا ما حمله أحيانا على إظهار هذا الإدراك الذي رأى الآخرون فيه إعجابا بنفسه أو حتى زهوا وغطرسة ومباهاة (1).
وأتاحت الخدمة في ديوان الإنشاء لابن حجّة فرصة جيدة لاستغلال فنه الشعري في ميدان النثر، وفي لغة المنشآت الرسمية الديبلوماسية. وبغض النظر عن كون صياغة كل نوع من المكاتيب الرسمية مقرّرة محدّدة، استطاع أن ينمّي بلاغته وفنه الإنشائي بصورة واسعة، وأن يجاري المنشئين من خارج البلاد وداخله. فإن فن المنشئين ومهارتهم في جعل النصوص المتعلقة بالأعمال الإدارية العادية نصوصا مطربة ومرقصة، على حد قول صاحبنا، قد نال تقديرا عاليا لدى رجال الدولة، فسعوا دائما إلى أن يعمل في دواوين الإنشاء منشئون من الأدباء فاعترف كتّاب الديوان الآخرون بقدراتهم وأداروا منشآتهم مع ذكر أسمائهم (2) كنماذج مثالية، وأحيانا ألّف المنشئون بأنفسهم أو كتّاب الديوان مجاميع الوثائق والمكاتبات من إنشائهم أو من إنشاء سابقيهم (3).
__________
(1) تشهد بمعلوماته ما ذكره في التواقيع والتقاليد والتقاريظ من مؤلفات القدماء في مختلف فروع العلم ومن تصانيف معاصريه المكلفين بوظائف جديدة.
(2) من المعروف أن دساتير الكتاب مثل كتاب «صبح الأعشى»، تحوي وثائق ترفقها أسماء منشئيها (مبتدئا بأبي أسحاق الصابي ومنتهيا بمعاصري القلقشندي) فأبدينا في دراستنا،. .:
237247، 1993 .. رأيا أنه كان من عادة المنشئين اعتبار نتاج عملهم الإنشائي الذي قاموا به كأصحاب مهنة معينة حسب طلب الزبون وطبقا لقواعد خاصة ملكا لهم ولم يزل، بصرف النظر عن موضوعه ومحتوياته، في تصرفهم الحر بما فيه نشره بين زملائهم وغيرهم وبيئتهم الاجتماعية أي كتاب الدواوين، كذلك حسبت منشآتهم أثرا لا يتجزأ من اسم أصحابه.
(3) راجع في هذا الخصوص مؤلفات اعتمد عليها كتاب الدواوين والقضاة والموثقون مقالنا (1992. 188208،،) وكذلك =.:
، 42. 1979.
239244.(1/21)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/22)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/23)
وإن التفتنا الآن إلى ما تحويه هذه المجموعة، يتبيّن لنا من الوهلة الأولى أن غالبيتها نصوص رسمية صدرت من ديوان الإنشاء الشريف إلى أصحابها داخل البلاد، فالأكثر منها عددا هي التقاليد والتواقيع. وأما النصوص الأخرى مثل البشائر والتعازي والتهاني والمراسيم فعددها أقل، وأما الوثائق الصادرة باسم الخليفة، فنجد منها ثلاثة عهود بالسلطنة، بينما يمثل كتابا الصداق وثائق شرعية (1).
وإلى جانب الوثائق السياسية المرسلة داخل البلاد (2)، ضم ابن حجّة إلى كتابه عددا لا بأس به من الرسائل والمكاتبات الرسمية، فمنها ما رسم له بإنشائه ردا على الرسائل الواردة أو إعلاما عن أوضاع جديدة (3). والجدير بالذكر أن ابن حجّة قد أورد المكاتبات التي أنشأ لها ردا كما أشرنا سابقا فنجد هنا رسائل مع الأجوبة ليس فقط من جملة المراسلات مع الحكام التابعين لسلاطين المماليك مثل محمد بن قرمان صاحب لارنده، أو الملك العادل فخر الدين سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا، بل وأيضا مع محمد بن بايزيد العثماني (4) وقرا يوسف التركماني وابنه إسكندر وحفيده يار علي وشاه رخ بن تيمور ومع صلاح الدين أحمد صاحب اليمن (5).
ووفى ابن حجّة بالوعد الذي وعده في مقدمة كتابه قائلا أنه سيتيح الفرصة لقارئه للتفكّه بالفواكه الحموية بعد الحلويات القاهرية عندما أردف ما أنشأه خلال خدمته في ديوان الإنشاء في القاهرة من الوثائق والمراسلات الرسمية وما أبداه هو أو غيره من الآراء في حياة القاهرة الأدبية بعدد من الوثائق التي أنشأها قبل التحاقه بالسلطان المؤيد
__________
(1) نظرا إلى تحديد الجانب الديبلوماسي لهذه النصوص، يجب علينا أن نتذكر أنها مجرد منشآت ابن حجّة التي قد تخضع للتعديلات (راجع حاشية 3ص 14م أدناه) بينما يجوز أن نرى في المكاتبات التي وردت إلى الديوان وأوردها ابن حجّة في كتابه هذا نصوصا أصلية منقولة من النسخ المحفوظة في محفوظات الديوان.
(2) ما عدا العهد بالسلطنة المرسل إلى حاكم دهلي من سنة 813هـ.
(3) مثل الجلوس على تخت الملك.
(4) نشرناها تحت عنوان:
. . 241259، 1994.:.
(5) ونجد في «قهوة الإنشاء» بعض المكاتبات المنفردة التي وردت أو صدرت من ضمن المراسلة مع صاحبي اليمن وتونس وشكرا خان صاحب توران وفخر الدين عثمان بن طور علي من تراكمة آق قيونلو مع بضعة رسائل من المكاتبة داخل البلاد.(1/24)
شيخ (1)، وبمختارات من مراسلاته الخاصة وتقاريظه، وبما ختم به كتابه هذا من مقدمات لبعض آثاره الأدبية (2).
واحتل ابن حجّة في حياة القاهرة الأدبية والثقافية مكانا بارزا كشاعر وأديب وناقد جعل من الصعب أن يقارن بوظيفته كمنشئ في ديوان الإنشاء، وهي الوظيفة التي كان يشغلها حقيقة. فمع أنه لم يترك مجموعة وثائق، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، أو حتى دستورا منتظما تذكر فيه الألقاب وتحدد به النعوت والأدعية الملائمة للطقوس الديبلوماسية الدقيقة وغيرها من رسوم إنشاء وثائق متنوعة بحيث يسهّل العمل لكتّاب الديوان، فقد جمع في كتابه نصوصه ونصوص غيره رسمية كانت أم غير رسمية، راغبا في عرض أمثلة تسلك أسلوبا أدبيا موافقا لمقاييس الجمال المعاصرة، وتراعي الشروط الشكلية والغايات السياسية في آن واحد. ويغلب الظن أن معاصريه فهموا القصد من هذه المجموعة، فاستخدموها حسب مراده مكثرين في استغلالها كما يشهد بذلك العدد الكبير نسبيا للنسخ المتبقية حتى أيامنا هذه (3).
أما ترتيب النصوص فمنها ما سماه بالحلويات القاهرية مرتب ترتيبا زمنيا (4) وما يليها من «الفواكه الحموية» مرتب حسب النوع الأدبي الوثائق الرسمية والرسائل الخاصة والتقاريظ والمقدمات للآثار الأدبية. ومن الجدير بالذكر أن النصوص المرتبة
__________
(1) قد يكون التوقيع لأبي الضياء محمد الهروي استثناء، إذ صدر قبل أن يتولى الأمير شيخ السلطنة، ولكنه يجوز أيضا أن الأمر الحاسم في رأي ابن حجّة كان الرسم بإنشائه في القدس وليس في حماة فلم يحسبه «فاكهة حموية».
(2) ومن المحتمل أن الرسائل والتقاريظ الواردة في هذا القسم هي نصوص كتبها ابن حجّة قبل انتقاله إلى البلاط السلطاني بمصر، والحالة مختلفة فيما يخص بالمقدمات إذ تصدر مؤلفات ألفها ابن حجّة في مصر فيبقى سبب إدماجها في «الفواكه الحموية» مبهما.
(3) يوجد منها 15نسخة، وسجل بروكلمان (9،،. 16،،،.) 13نسخة، ويزداد هذا العدد بإضافة النسخة المحفوظة في هامبورغ (ألمانيا) والنسخة المحفوظة في إستانبول ذات الرقم 4308. أما النسخ المستخدمة للتحقيق فراجع إليها ما يأتي ذكره أسفله.
(4) أغلبية النصوص غير مؤرخة، ولكن كتب التواريخ سهّلت تحديدها الزمني. أما التقاريظ فيناسب وقت إنشائها موقعها ضمن بقية النصوص، والمؤلفات موضوع التقاريظ (السيرة الشيخية والجوهر) نشأت أيضا وفق نفس الترتيب. أما مطاردتا (تمائم الحمائم) و (مجرى السوابق) فلا يمكن تحديد وقت إنشائهما، ومجرد موقعهما في سلسلة بقية النصوص المرتبة زمنيا يسمح بالافتراض أنهما أنشئتا في أواخر عام 817هـ.(1/25)
زمنيا تختلف من حيث نوعها، فتتناوب هنا الوثائق الرسمية والمكاتبات وأجوبتها والتقاريظ ونصوص منثورة غير رسمية أخرى بشكل غير منتظم، فيمنح هذا التناوب للقسم «القاهري» نوعا من «الحركة» قصدا أم بغير قصد أدّى إلى إحداث تأثيرات جمالية (1).
خصّصت قهوة الإنشاء أصلا لكل من يرغب في تهذيب فنه الإنشائي بصفة عامة، وربما بصفة خاصة لكتّاب الديوان الذين اعتبروها موردا للمزيد من افتنانهم. هذا وترتكز أهميتها للدراسات المعاصرة في كونها مصدرا تاريخيا فريدا لمعرفة حالة مصر الاجتماعية والثقافية وتطورها في الربع الأول من القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) (2) والحقيقة أنّنا نجد بين دفتيها أكثر من مائة وثيقة ومكاتبة أنشأها ابن حجّة في الفترة بين عامي 815هـ (1413م) و 827هـ (1424م) أي أثناء فترة حكم أربعة من السلاطين الشراكسة وهم المؤيد شيخ المحمودي وابنه المظفر أحمد والظاهر ططر وابنه الصالح محمد، وخلال السنتين الأوليين من حكم السلطان الأشرف برسباي، مما يبرر اعتبارها مجموعة هامة من الوثائق التاريخية (3). وأما فيما يتعلق بصحة هذه النصوص فلا يوجد ما يدعو للشك بها (4)، وهذا ما يزيد من قيمتها ويسمح لنا باستخدامها مصدرا أصيلا يعتمد عليه (5).
__________
(1) نبهنا على تناوب أو «حركة» النصوص في كتاب «قهوة الإنشاء»، وعلى احتمال عثور بظاهرة الحركة في نصوص أدبية في بحثنا (محدث بلا أخلاف؟) في:
. (114116،. 1995.)
(2) ما تزال معروفة على نطاق ضيق لدى المؤرخين ولم تستغل إلّا نادرا، وفيما علمنا انحصر عدد الذين نقلوا منها بعض المعطيات على باحثين وهما صبحي لبيب في كتابه 1965. (11711517). والباحث في كتابه:
1412). 1989، (1421
(3) درسنا مسألة طبيعة هذا المصنف في مقالنا المذكور أعلاه (راجع حاشية 2ص 9م في ما سبق).
(4) في بعض الأحوال نجد حتى الخواتم (مثل الأرقام 95، و 13و 14، و 1816، و 23و 29وغيرها).
(5) لا بد من إدراك أن المكاتيب في هذا الكتاب ليست إلا ما أنشأه أبن حجّة نفسه، أي أنها تنحصر في نصوص المكاتيب فحسب، فلذلك لا نجد فيها عناصر الرسميات الديبلوماسية مثل ألقاب المرسل والإمضاءات وغيرها من التصديقات أو مستندات الدواوين الأخرى المرتبطة بموضوع المكتوب، وأنه كما(1/26)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/27)
إظهار موقف المرسل تجاه المرسل إليه. وهناك كذلك عنصر تعبيري آخر وهي المصطلحات والتعابير المستقرة المستخدمة في أنواع الوثائق المعينة وفي الحالات المعلومة وللغايات المحددة. وكانت عادة ترصيع النصوص بأبيات الشعر اقتباسا من أشعار الشعراء القدامى، أو من نظم المنشئ نفسه (1)، من الوسائل الجمالية المميزة لذوق ذلك العصر. وكما أن استخدامها كوسيلة إنشائية وجمالية كان دليلا وبصفة خاصة في الرسائل على تعطف المرسل على المرسل إليه وترفيهه، وكان ترفيهه وتسليته غاية لتسجيع المكتوب بأكمله (2).
والجدير بالذكر أن التقاريظ الواردة هنا مجموعة مؤلفة من أحد عشر تقريظا، فهي بكونها نوعا خاصا للنقد الأدبي لا تعرض علينا صورة للحياة الفكرية في تلك الفترة وحسب وإنما تطلعنا على العلاقات بين الأدباء، وتوضح لنا في نفس الوقت تطبيق الآراء النقدية المناسبة للنظريات الجمالية والفنية على الآثار الأدبية.
وليست هذه التقاريظ مجرد مرآة للحياة الأدبية المعاصرة، بل هي مع رسائل ابن حجّة الخاصة تصوّر أيضا طبيعة شخصيته من نواح شتّى. لقد ذكرنا أن معاصريه اعتبروه رجلا تيّاها ومعجبا بنفسه، وربما قارب حكمهم هذا الحقيقة فعلا أو لم يقاربها، فنرى من خلال تقاريظه أنه كان نصيرا للتراث الأدبي الكلاسيكي، وخبيرا بالانتاج الأدبي المعاصر، لم يتردد في أن يحكم حكما صارما أو يظهر رضاه وإعجابه.
وتستكمل رسائله الخاصة (3) هذه الناحية الظاهرة عموما ببعض إشارات تومئ إلى أنه فهم المزاح وكان يميل أحيانا إلى الدعابة المرّة (4).
__________
(1) نجد في «قهوة الإنشاء» أبياتا معنونة بكلمة (نغم)، فهل كان يعني ذلك أن الأبيات كانت أغنية لها لحن معروف؟
(2) غالبا ما وصف ابن حجّة المكاتبة التي يرد عليها بنصه «مرقصا ومطربا» راجع عنوان كتاب «المراسلة» للدماميني (شمس المغرب في المرقص والمطرب). 2،،، ..
(3) تحت الرقم (121ب).
(4) مثل الرسالة إلى ابن القضامي (الرقم 121ب، ص 471) التي شكا فيها من البرد والسعال وصعوبة التنفس، أو الرسالة إلى ابن الدماميني (نفس الرقم، ص 461) التي وصف فيها بشيء من المزاح ما اعتراه من أهوال البحر. وأخيرا الأبيات التي قالها ابن حجّة على فراش موته فيما أصابه من الحمى («الضوء اللامع» للسخاوي ج 11ص 56).(1/28)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/29)
الجديد من الحلاوة القاهرية والفواكه الحموية، وعلى أن يستمر في وضع هذا الكتاب أطول مدة تكون، وأن يختمه بما يذكّره وطنه وسنيّ شبابه. وتشهد نسخة ليدن أن ابن حجّة شرع في تحقيق نيته مبكرا فعلا، كما أن نسخة (ق) القاهرية التي نسخها النواجي صديق ابن حجّة (ومنافسه فيما بعد) على حد قوله بناء لطلبه هو (1)، برهان قاطع على انتهائه من إنجاز «قهوة الإنشاء» في الفترة التي تلت إعفاءه من منصبه في ديوان الإنشاء، وقبل عودته إلى حماة (2).
استمر ابن حجّة في تأليف «قهوة الإنشاء» ثلاث عشرة أو أربع عشرة سنة وجزّأها، إلا أن التجزئة هذه غير واضحة. فقد تألفت القهوة من جزءين حسب قول السخاوي (3)، وهذا ما تنكره النسخ التي جلبناها لتحقيق نصها والتي تذكر التجزئة في ختام الجزء الأول. فنسخة ليدن التي اقتصرت على الجزء الأول فقط ونسخت قريبا من تأريخ الوثيقة الأخيرة تنتهي ب (مجرى السوابق)، وتختم كل من مخطوطتي توبينجن (تو) وهامبورغ (ها) ومخطوطة إستانبول (طب) الجزء الأول بالعارضة نفسها (4). ومن الملفت للنظر قصر الجزء الأول، علما بأن إنهاء الجزء الأول ب (مجرى السوابق) إنما هو قرار صاحب الكتاب (5). فأما النسخ التي تحتوي على بقية المصنّف فتنقسم النصوص فيها قسمين غير متساويين فنجد ذكر انتهاء الجزء الثاني وبداية الجزء الثالث بعد الرقم 57من طبعتنا في كل من نسختي توبينجن (تو) وإستانبول (طب) (6). فالنسخة الثالثة التي تذكر التجزئة في هذا المكان هي نسخة (ق) القاهرية، ولكنها تقول بأن: هنا نهاية الجزء الأول. أما بقية النسخ المأخوذة في الاعتبار وهي النسخ (قا) القاهرية و (طا) الإستانبولية و (ها) من هامبورغ فلا ذكر
__________
(1) راجع ملاحظاتنا حول مخطوطة (ق) في موضعها.
(2) قد يكون هذا الأمر إشارة إلى أن المنافسة بين النواجي وابن حجّة لم تبدأ إلا قبيل مغادرة ابن حجّة القاهرة.
وإذا صح ما قلناه، فإن هذا الخلاف ساهم في عزم ابن حجّة على الذهاب وهناك احتمالات أخرى عبرنا عنها في ملاحظاتنا حول مخطوطة (ق) في موضعها.
(3) «الضوء اللامع» للسخاوي ج 11ص 54.
(4) مخطوطة عاشر أفندي الرقم 869، أما بقية المخطوطات، فمنها مخطوطات لا تذكر التجزئة أو تتفقد النصوص «على الحدود».
(5) تؤكد مخطوطة (طب) الإستانبولية أن التجزئة «من تجزئة المصنّف».
(6) وفيها يبدأ الجزء الثالث في صفحة جديدة بعد البسملة.(1/30)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/31)
الميلادي وهي مرحلة من مراحل الانحطاط الثقافي المزعوم للمنطقة العربية. فتظهر هذه الحياة من خلال كتاب ابن حجّة حياة متنوّعة الألوان غنية بالحركة، لم يرض المشتركون فيها بإعجابهم بزعماء الأدب السابقين فحسب، بل طوروا فنون النظم والنثر على السواء، موسّعين لمجالاتهما وباحثين عن أشكال ووسائل التعبير الجديدة المناسبة.
لذا فإن تنويع الوسائل الإنشائية والأدبية التي استخدمها ابن حجّة في مجموعته هذه، والمواضيع المختلفة التي عالجها على المستويات الإنشائية المختلفة، واشتراكه الفعال فيما كان يحدث حوله، وموقفه ونشاطه ودوره في الوسط الاجتماعي المعاصر له، يشير بكل وضوح إلى رجل استطاع بالاشتراك مع آخرين من المثقفين المبدعين أن يكسب الثقافة العربية في عصرها الوسيط المتقدم سعة وغنى وكمالا.
ثانيا: كلمة عن التحقيق
(آ) المخطوطات المستخدمة
لقد استخدمنا في التحقيق عشر مخطوطات متفاوتة كمالا وجودة (1).
طا مخطوطة إستانبول (2)
نسخة (171ق، 25ط / ص) نسخت برسم مكتبة صاحب دواوين الإنشاء الشريف، وتشير إلى صاحب تلك المكتبة، نسبته وهي صعبة القراءة لكونها مطموسة (ورقة 1آ) (3). النسخة ناقصة التأريخ (4) وناسخها مجهول النص كامل حتى نهاية الرقم 116من كتابنا هذا الخط دقيق وواضح وجيد التنقيط تراجم المكاتيب مكتوبة
__________
(1) سجل بركلمان (9،،. 16،،) 13نسخة من «قهوة الإنشاء» فيجب أن نضيف إليها النسخة المحفوظة في مكتبة هامبورغ، والنسخة المحفوظة في مكتبة يكي جامع في إستانبول، كما أنه يجب الإشارة إلى ان دار الكتب المصرية في القاهرة تحتوي نسختين (يذكر بروكلمان هاتين النسختين مرتين) فتكون إجمالي المخطوطات المعروفة 16نسخة.
(2) دفتر كتبخانهء يكي جامع. در سعادت، 1300هـ، ص 53رقم 988.
(3) انظر ما أوردناه أدناه عن هذه المسألة.
(4) الصفحة 1آتحمل بعض علامات تمليك غير مؤرخة، وكذلك الورقة الأخيرة تحمل نصوصا غير مؤرخة.
حول قراءة نسبة المالك الأصلي وتأريخ المخطوطة، أنظر أسفله.(1/32)
بالأحمر مثل الكلمات الأولى لفقرات الوثائق المختلفة (أما بعد، وكان، لذلك [رسم]، أن [يستقرّ]) التي كتبت بحروف أكبر، والنسخة بشكل عام في حالة جيدة.
طب مخطوطة إستانبول (1)
نسخة مركبة من قسمين سطرتهما يدان مختلفتان في فترتين متباعدتين (2)، القسم الأصلي القديم (من الورقة 92آحتى 286آ) استكمل فيما بعد بالقسم الجديد (من الصفحة 1ب حتى 91ب) ويمكن استنتاجه من الحقيقة أن الورقة 91تحمل على الصفحة (آ) منها 16سطرا، وعلى الصفحة (ب) 15سطرا بدل 17سطرا كما جرت العادة. بحيث يستمر النص في الصفحة 92آدون أي خلل. والدليل الثاني هو الخط، ففي القسم الجديد كتب ناسخه الحروف مستديرة نسبيا، وفي القسم الأصلي القديم كان الخط بقلم النسخ العادي، ولكن أكثر إتقانا من الخط في القسم الجديد مع مساحات أكبر بين السطور، كما أهمل تنقيط الحروف في القسم القديم غالبا. لا أثر للتأريخ ولاسم الناسخ في كلا القسمين أما النسخة فكاملة وفي حالة جيدة.
با مخطوطة باريس (3)
نسخة من 97ورقة (13ط / ص) تضم القسم الأول من الكتاب فقط. نسخها عبد العافي ابن أحمد الذهبي الشافعي، وأتمها في أواسط شهر شعبان 842هـ (27/ 1 5/ 2/ 1439م) في الصفحة 1آرسم عنوان في قسمين كتب في قسمه الأعلى عنوان الكتاب «الأول من قهوة الإنشاء» بالخط الكوفي المستطيل، وفي القسم السفلي اسم مالك النسخة «محمد بن أحمد بن الفرفور الشافعي» النص في الصفحتين 1ب و 2آداخل إطار، وهامش الصفحات عريض، والحروف مهملة التنقيط غالبا.
__________
(1) دفتر كتبخانهء رئيس الكتاب عاشر أفندي، در سعادت 1306هـ، ص 55رقم 869.
(2) تشهد بذلك الأدعية في تراجم المكاتيب أيضا: في القسم القديم تخصّ برجل على قيد الحياة، بينما يدعى للمرحوم في القسم الجديد (من ص 1ب حتى 91ب).
(3) .. ، ..
. 1613.، 4438. 18831895(1/33)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/34)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/35)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/36)
(ب) منهج التحقيق
لا توجد بين المخطوطات المستخدمة في التحقيق أية نسخة بخط المؤلف يمكن الركون إليها لضمان التأكد من صحة النص، وما وجدنا النص الكامل لكتاب «قهوة الإنشاء» إلا في نسخ متأخرة لا يمكننا الاعتماد عليها اعتمادا تامّا، وهذا ما عقّد التحقيق إلى حد ما، كما لم تساعد إمكانية استخدام نسخ مختلفة نصا أساسيا للتحقيق بعد تحديد جودة النصوص المنفردة وتقدير جميع صفاتها تقديرا دقيقا.
ويمثل ما نصت عليه الجملة الأخيرة في الفقرة الأولى من الرقم 23فاصلا زمنيا ونوعيا بين المخطوطات العشر من جهة، ورابطا بين بعضها البعض من جهة أخرى (1). فبفضلها يمكننا توزيع المخطوطات فئتين أو ثلاث فئات حيث تضم الفئة الأولى مخطوطات ليدن ونابولي وباريس التي تنص فيها تلك الجملة على «تحت العلمين العباسي والمؤيدي»، وتكوّن مخطوطتا إستانبول (طا) و (طب) ومخطوطات توبينجن وهامبورغ والقاهرة (ق) التي نقرأ فيها «تحت العلمين العباسي» الفئة الثانية، وأخيرا الفئة الثالثة وتتألف من مخطوطتي برلين والقاهرة (قا). وتنص تلك الجملة فيهما على «تحت الأعلام العباسية».
يتوقف الغرض من تحقيق نصوص التراث على ضبط النص الأصلي للمؤلف بإزالة تدخلات النساخ المقصودة أو غير المقصودة في النصوص المنسوخة ولتحديد حجم هذه التدخلات وتفسيرها أهمية لا تنكر لمعرفة وضع النص في سلسلة نقله، يعني لمعرفة تاريخ النسخ والتحديد الزمني لذلك. فمن تلك التدخلات مثلا تكييف النص للأحوال الراهنة المرتبطة غالبا بتغيير أحوال الأفراد، مثلما نراه في إسقاط كلمة (المؤيدي) في النسخ المكتوبة بعد وفاة السلطان المؤيد شيخ المحمودي أي بعد عام 1421م، أو في تصحيح كلمة (العلمين) إلى (الأعلام) في النسخ التي قد يمكن اعتبارها أحدث الفئات الثلاث.
ونجد مثل هذا «التكييف للواقع» في الأدعية كذلك، فالأدعية للأفراد على قيد الحياة تدعو لهم بحياة مديدة، أو تبدي رغبة في دوام بركاتهم وفضلهم ألخ، فأبدلت هذه الدعوات حال كتابة النسخة الجديدة بعد وفاة المدعو له بأدعية مناسبة، فدعي له بالرحمة والغفران والخلود في الجنة وغير ذلك.
__________
(1) الرقم 23، حاشية 5.(1/37)
لقد اتضح لنا أن مخطوطة ليدن (لد) أقرب مخطوطاتنا من ابن حجّة ومن نص نسخته الأصلية، لذا فنحن نعتبرها إحدى مخطوطات الفئة الأولى فقد نسخها «تلميذ» المؤلّف إبان حياته بعد ختام المكتوب الأخير الوارد فيها بقليل، ولا يوجد ما يمنع الافتراض بأن النسخ قد تم بمعرفة ابن حجّة وحتى تحت إشرافه، رغم أن النسخة خالية من تأشيرة المؤلف، وقد استخدمناها نصّا أساسيا لتحقيق الجزء الأول من الكتاب.
كانت الجودة التي تميز بها مخطوط باريس (با) سببا لإدراجه في الفئة الأولى أيضا، رغم أنه كانت قد مضت خمسة أعوام على وفاة ابن حجّة وخمس عشرة سنة على وفاة المؤيد شيخ أثناء كتابته، ويبدو أنها نسخة جيدة منقولة عن أصل نسخ إبّان سلطنة المؤيد، ولها قرابة واضحة بمخطوطة إستانبول (طا).
ومع أن مخطوطة نابولي (نب) تبدو نتيجة لنقل طويل، فإنها تأتي بنص جيد معتمد عليه في الأقسام الموجودة فيها، فيحق لنا أن ندرجها في الفئة الأولى رغم تاريخ نسخها المتأخر. وهذا ليس فقط بسبب ما جاء في الجملة المذكورة أعلاه، بل وأيضا لكون نصها قريبا جدا مما نقلته مخطوطتا ليدن وباريس. وساعدتنا في تحديد جودة هذه المخطوطة الإشارة إلى أنها القسم الأول في مجموعة مخطوطة مكوّنة من قسمين: فالقسم الثاني هي السيرة الشيخية لابن ناهض (1). وأثبت ناسخها (2) صحة نسخته بعلامتي المقارنة (ق 80آو 89آ)، ومع أن الناسخ لم يذكر المقارنة بين نسخته لقهوة الإنشاء وأصلها، نعتقد أن ما في يده لم تكن نسخة جيدة للسيرة الشيخية فحسب، بل وأيضا لكتاب ابن حجّة (3).
واستخدمنا هذه النسخة سندا لنص المخطوطتين (طا) و (ق).
أما مخطوطات الفئة الثانية، فيحتل مخطوط استانبول (طا) مركز الصدارة فيها، ويمكننا الاعتماد عليه لعدة أسباب:
أولها الافتراض أنه بصفته نسخة نسخت برسم مكتبة صاحب ديوان الإنشاء الشريف، يقدم نصا نقل من أصل جيد. وبالإضافة إلى ذلك، تشهد الأدعية
__________
(1) راجع حاشية 1ص 11م أعلاه.
(2) وهو ابو الفتح محمد بن إبراهيم البلبيسي المقدسي ناسخ كتاب «قهوة الإنشاء» المذكور أعلاه.
(3) يبدو أن الناسخ أو طالب النسخة كان مهتما إلى حد ما بالسلطان المؤيد.(1/38)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/39)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/40)
نسخته إلا لأنه وجده «في نسخة الأصل بعد حكاية الترجمة» ورغم ظنه بأن الخبر هذا ليس إلا خبثا صادرا من النواجي، إذ «النسخة المنقول منها كانت بخطه». ففي رأينا هذا ما يشهد أن بين هذه النسخة وبين نسخة صاحب الكتاب (1) ليس ثمة إلّا نسخة واحدة نسخها النواجي (2).
فالمخطوط الأخير الذي يجوز ضمه إلى الفئة الثانية هي نسخة هامبورغ (ها) المؤرخة بتاريخ 930هجرية (1523م) (3)، التي بدون أي شك تمثل نصا حديثا، فعلاقة هذا المخطوط بالنصوص الأخرى غير محددة، إذ يجانس غالبا ما ورد في مخطوطة توبينجن. وفي الوقت نفسه نجد مواقع كثيرة فيها مطابقة لما تنص عليه كل من مخطوطتي القاهرة (قا) وبرلين (بر) الأمر الذي جعلنا نفترض أن هذه المخطوطات الأربع الأخيرة تشكّل أسرة صغيرة تتقدّمها مخطوطة توبينجن (تو). فعلاوة على ذلك تنفرد المخطوطة (ها) بكثير من الاختلافات غير الموجودة في بقية النسخ، وهذا ما يجعلها أحدث طرف في هذه المجموعة.
وقد استخدمناها مثل النسخ الأخرى المنسوخة بعد 900هـ (ما عدا مخطوطة نابولي) تأييدا لنص النسخ القريبة من النص الأصلي قربا أكثر باعتبارها ممثلا لامتداد تطوير النص.
إن العلاقة الوثيقة بين المخطوطات التي اعتبرناها الفئة الثانية وبين مخطوطات الفئة الثالثة التي تنتمي إليها المخطوطتان الأخيرتان، برزت بوضوح في أماكن متعددة مطابقة لما نصّت عليه مخطوطات هاتين الفئتين، ففي رأينا أن الناسخ نسخ المخطوطة (قا) القاهرية لنفسه من نسخة غير بعيدة من أسرة مخطوطة توبينجن وتميز ناسخ (قا) بحذفه لألقاب أصحاب التقاليد والتواقيع وبإضافة أدعية وتبريكات إظهارا لتديّنه.
__________
(1) راجع المخطوطة (ق).
(2) غير نسخة (ق) لا نجد هذا الخبر في (طا) ولا في (طب). أما النسخة (طا) فيجوز الافتراض أنه لم يكن له وجود في أصله قط، أو أن موضوعه لم يهم طالب النسخة، أو أنه لم يرغب في إيراده لسبب ما في حالة (طب) عسى أن نعتبر غيابه علامة قرابة بين قسمها القديم وبين مخطوطة (طا) أما المخطوطات التي يوجد فيها الرقم 114فنجد هذه الملاحظة في المخطوطات المتأخرة فقط أي في (تو) و (ق) وهي من نسخ النواجي!) و (قا) و (ها). وأثارت انتباهنا ملاحظة قارئ مجهول لمخطوط (تو)، وقد أبدى رأيه بأن ما ذكر في قضية ابن حجر ليس إلا نميمة لاذعة أشاعها النواجي المشهور بمساوئه.
(3) تأريخ في علامة الملكية.(1/41)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/42)
الجزء الأوّل(1/43)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/44)
بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي
تقديم:
قال الشيخ الإمام العالم العلّامة حجّة الأدب ولسان العرب أبو بكر تقي الدين ابن حجّة الحموي، منشئ دواوين الإنشاء الشريفة المؤيّدية كان تغمده الله تعالى برحمته (1):
الحمد لله الذي أحسن إنشاءنا فسجعنا على أفنان العبودية بتحميده، وأعربت ألحان سواجعنا بين الأوراق عن تمجيده، وأدّبنا فشعرنا متأدّبين بتوحيده. نحمده على حسن هذا الأدب الذي هو ملهمه، ونشكره على الإرشاد إلى ما ننثره في بديع وصفه وننظمه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نؤدّيها بجميل تفضله، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أقرّ الناس برسالته لما صدعهم بترسّله. صلى الله عليه وعلى آله * وأصحابه (2) الذين ما نظم لأعدائه شمل إلا نثروه نثرا * (3)، صلاة تنشئ لنا الخير إنشاء وتشرح لنا به صدرا، وسلم تسليما (4).
__________
(1) قال الشيخ برحمته: لد، طا: استهل المصنف، فسح الله في أجله، خطبة هذا الكتاب الذي سماه «قهوة الإنشاء» بقوله نب: استهل المصنف رحمة الله عليه خطبة هذا الكتاب الذي سماه «قهوة الإنشاء» بقوله طب: قال الشيخ الإمام نابغة زمانه، وقطري أوانه، فريد عصره، وناظم شمل الأدب في نثره، تقي الدين أبو بكر بن حجّة، روى الله روض الأدب بسحاب فكره قا، ها: قال الشيخ الإمام العالم العلامة حجة الأدب ولسان العرب تقي الدين أبو بكر ابن حجّة الحموي منشئ دواوين الإنشاء الشريفة المؤيدية بالديار المصرية، تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته ها: قال الشيخ الإمام العالم العلامة حجة الأدب ولسان العرب تقي الدين أبو بكر ابن حجّة الحموي منشئ دواوين الإنشاء الشريفة المؤيدية. كان تغمده الله برحمته سقطت الجملة من ق (راجع حاشية رقم 9ص 4)، با، بر.
(2) وأصحابه: ساقط من طا، طب.
(3) ما بين النجمتين في نب: وعلى أصحابه سادات الدنيا والآخرة.
(4) تسليما: ها: تسليما كثيرا.(1/45)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/46)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/47)
الزمان وتأريخ الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من أخلص في حبّ محمد، وأشهد أنه عبده ورسوله الذي ما غالى فيه ملك إلا وقالت له عين العناية: «أنت المؤيّد»، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه (1) الذين نثروا شمل أعدائه وشعروا (2) بشرف بيته فنظموا قواعده، صلاة تكون لنا صلة وبأجمل العوائد إن شاء الله عائده.
أما بعد، فنعمنا (3) الشريفة اقتضت حكمتها أن تضع كل شيء في محله، وفضلنا المنيف أبى أن يكون إلا لأهله، وسرّنا المصون بخل (4) أن يجلس إلا في صدور الكرام الكاتبين، وسلوك آداب خدمتنا لم ينتظم في سلكها إلا من إذا ذكر الأدب كان ملك المتأدبين. وديوان إنشائنا الشريف لم يدوّنه إلا من إذا تكلم كان كل كلمة بديوان، وإذا كتب ورمّل طاب التغزل في خدود الورد وعوارض الريحان، وأمثلتنا الشريفة لم يوقّعها إلا من غدا علمه بتوقيعات الرقاع محقّقا، ولم يغرّد بسجعها إلا من أمسى بنعمنا مطوّقا، وتأريخنا المؤيدي لم يجدد به عهد بني أيوب، إلا إذا لمعت بوارق فضله بالديار المصرية قال الناس: «هذا هو البرق الشامي ومفرّج الكروب».
وكان الجناب الكريم العالي القاضوي الناصري محمد بن البارزي الجهني الشافعي، ضاعف الله تعالى نعمته، هو الذي أودعه الله تعالى هذه الأسرار، وتردد إلى التمسك بآثار ملكنا الشريف فقالت له مصر: «الحمد لله على طول الأعمار والتردد إلى الآثار»، وأوصلناه إلى استحقاقه من رتب المعالي، ورقّيناه إلى درجات الكمال علما أن الكمال ما خرج عن بيته العالي، لأنه المنشئ الذي ما لابن الصاحب دخول إلى ديوانه، ولا لابن عبد الظاهر بلاغته وقوة سلطانه، ولا الشهاب محمود أن باهى كماله في طارفه وتليده، ولا للقاضي الفاضل شرف ابن البارزي وتمييزه ولو بالغ في كثرة شهوده، ما نثر في كمام طرسه زهرة إلا عرّفها بندا يديه ذبول زهر المنثور، ولا قرع أبواب المصطلح إلا فتحت ودخل بيوتها من غير دستور، ولا قال متسنّما ذروة منبر إلا جاد بألفاظ كأن مزاجها من تسنيم، قالت البلغاء للفصاحة المحمدية: «ما ثم إلا الرضى والتسليم»، هذا
__________
(1) وأصحابه: ساقط من طا طب: صحبه.
(2) شعروا: ها: سعدوا.
(3) فنعمنا: تو، ها: نعمتنا.
(4) بخل: كذا في لد مهمل في طا، طب با: بجل تو، قا، بر، ها: يجل.(1/48)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/49)
تمييزها، يطيل النظر في الملخّصات، ونسخ ما دلس فيها من النسخ، فقدمه إن شاء الله تعالى في ذلك كله قد رسا ورسخ، والوصايا كثيرة ولكنه ممن يستفاد بوصاياه، لأنه إذا أشكل على الأمة أمر كان عالم المسلمين وقاضي القضاة، والله تعالى يبلغه في الدارين أقصى مرامه، وكما أحسن ابتداءه يجعل من مسك القبول حسن ختامه.
إن شاء الله تعالى.
كتب في ثالث عشر شوال المبارك عام خمس عشرة وثمنمائة.
(2)
تقليد العلمي داود بن الكويز بنظر الجيوش المنصورة بالممالك الإسلامية:
ومنه (1) تقليد المقر الأشرف العالي القضائي (2) العلمي داود ابن الكويز (3)، رحمه الله (4)، بنظر الجيوش المنصورة بالممالك الإسلامية عند قدومه من الحجاز الشريف (5)، وهو:
الحمد لله الذي أقام لجيوش المسلمين في أيامنا الزاهرة علما زاهرا، وجعله عينا في وجه الزمان ليصير عليها (6) ناظرا، وناداه لسان الاستحقاق بالرفعة لما عمّ به النفع، وليس للعلم عند النداء إلّا الرفع. نحمده حمد من صبر فقدر، ونشكره شكرا يرشدنا بعين البصيرة إلى حسن النظر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المبدي المعيد، شهادة نرجو أن تكون مقبولة يوم تأتي كل نفس معها سائق وشهيد، ونشهد أن محمدا
__________
(1) ومنه: بر: ومن إنشائه.
(2) الأشرف العالي القضائي: ساقط من طب القضائي ها: القاضوي.
(3) هو علم الدين أبو عبد الرحمن داود بن عبد الرحمن بن داود الشوبكي الكركي، المعروف بابن الكويز، («الضوء اللامع» للسخاوي ج 3ص 214212رقم الترجمة 797و «المنهل الصافي» لابن تغري بردي ج 5ص 292289رقم الترجمة 1016) 1451005،،.
(4) رحمه الله: لد، طا، نب: عظم الله شأنه ساقط من با، بر، قا.
(5) راجع: «كتاب السلوك» للمقريزي ج 4ص 265: يوم السبت خامس من شهر جمادى الأولى 816 و «النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي ج 5ص 290: يوم السبت ثامن من شهر جمادى الأولى سنة 816 و «الضوء اللامع» للسخاوي ج 3ص 213/ 21.
(6) عليها: تو: عليه قا: علينا.(1/50)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/51)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/52)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/53)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/54)
وكان المقر العالي (1) الأميري المشيري البدري حسن المؤيدي، أعز الله تعالى أنصاره، هو الموصوف الذي تنعته هذه الصفات الحسنه، وهاجر إلينا ومعنا ولم يقل منزلنا بالغوير من سكنه (2)، وخطبته الديار المصرية لنفسها وفارقها هذا البحر فترمّلت، ولما شعرت بوفائه علّقت الستر وتخلّقت (3) وتجمّلت. وبالأمس قال لأعدائنا: {اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مََا سَأَلْتُمْ} (4) من قيد الحياة، وقد أمدّه الله تعالى بالنصر وأبي النصر (5) وعامله بألطافه (6) لمّا أحسن معاملته مع الله.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زال رأيه الشريف حسنا في كل مشوره، وليالي الزمان ببدور (7) سعوده مقمره، ولا برحت الأقربون أولى بمعروفه، والإعراب عن الخيرات يأتي من نحوه وحسن تصريفه،
أن يفوّض إلى المشار إليه الإشارة الشريفة بالديار المصرية والممالك المحروسة الإسلامية تفويضا مرضيا معتبرا مرعيا على أجمل الفوائد وأتمّها، علما أن زناد عزمه ما برح في مصالح ملكنا الشريف إلى أيام الكبر يشبّ ويشبّ (8)، وهو أولى من بالغنا في قربه لأنه محبّ وابن محب، فاخترناه أن يكون ركنا لعصابتنا الشامية ليمسي علمها (9) منشورا، وصدرها منشرحا مسرورا، وصلاحها في أكناف الديار المصرية باديا، وتاجها على الرؤوس عاليا، والبارزي قد قضيت حاجات في نفسه ولم يقل: [من الطويل]
وفي النفس حاجات إليك كما هيا
كم اقتدينا برأيه فكان كالسهام التي هي للأغراض صائبه، واستشرناه في أمور
__________
(1) المقر العالي: طب: المقر الكريم.
(2) سكنه: نب: مسكنه.
(3) تخلقت: تو، قا، بر: تخلقت وتزينت.
(4) سورة البقرة 2/ 61.
(5) أبي النصر: ساقط من نب.
(6) بألطافه: طب: باللطافة.
(7) ببدور: طب، تو، قا، ها، بر: ببدر.
(8) يشب ويشب: طا: يشبّ ويشبو (؟) طب: يشبّ ويشبّ با: يشب.
(9) علمها: طب: عليها.(1/55)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/56)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/57)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/58)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/59)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/60)
فليقابل ما قصدناه من مساعدته على مصالح المسلمين بالقبول، ولا يظهر لسيف عزمه في ذلك فلول والوصايا كثيرة وهو بحمد الله تعالى ممن يتمسّك بطيب وصاياه، ويترنّم بحسن سجاياه، والله تعالى ينفعنا بعلومه الشريفة العلويّه، ويديم مجاورته للنيل حتى تتروى من مجمع البحرين جماعة الحنفيه، ويبقيه صدرا منشرحا تتغالى عقود الممالك منه بحسن النظام، ويحسن خاتمته حتى يصير مسكا لكل ختام.
إن شاء الله تعالى.
(5)
توقيع لناصر الدين محمد بن كمال الدين عمر ابن العديم بالعودة إلى قضاء قضاة الحنفية بالديار المصرية:
ومنه (1) توقيع قاضي القضاة ناصر الدين محمد ابن العديم (2) بعوده إلى وظيفة قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية (3) بعد وفاة قاضي القضاة صدر الدين (4)، * سقى الله ثراه، في (5) رمضان المعظم قدره * (6) سنة ست عشرة وثمان مائة، وهو:
الحمد لله المبدي المعيد، المانع المعطي الذي من رضي بمنعه وعطائه فهو المعتصم الرشيد، الهادي إلى التمسك بالأحكام المحمدية التي هي دائمة القضاء على كل جبّار عنيد. نحمده (7) حمد من ذاق حلاوة الأمنية وحمد عواقب الصبر. ونشكره (8) شكر
__________
(1) ومنه: بر: ومن ذلك.
(2) هو ناصر الدين أبو غانم محمد بن عمر بن ابراهيم بن محمد العقيلي الحلبي الحنفي المعروف بابن العديم («الضوء اللامع» للسخاوي ج 8ص 235رقم الترجمة 631)
. 3422291،،
(3) «السلوك» للمقريزي ج 4ص 271.
(4) نفسه ج 4ص 276.
(5) في: طب: في شهر.
(6) ما بين النجمتين ساقط من قا، بر قدره: ساقط من تو، ها «السلوك» للمقريزي ج 4ص 271: في يوم الاثنين عاشر رمضان.
(7) نحمده: طب: أحمده.
(8) نشكره: طب: أشكره.(1/61)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/62)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/63)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/64)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/65)
النجمية أنوار»، وقال المنبر: «لم يلذّ تحت أعوادي بعده لأحد (1) أوتار، ولولا طمع النسر بقربه لغرّد منّي على عود وطار».
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت الهجرة إلى مدينته الشريفة لها أنصار وأعوان، وقوة للنّصرة (2) على الأعداء وسلطان، ولا برحت مصره وشامه هذه ثغر طلعتها لم يفته شنب إذا ابتسم فرحا بوقائعه المنصوره، وهذه أهلها من دوح عدله في ظلّ ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيره،
أن نفوّض للمشار إليه وظيفة (3) قضاء قضاة الشافعية بالشام المحروس وخطابة الجامع الأموي ومشيخة الشيوخ ونظر البيمارستان (4) النوري وغير ذلك على قاعدة المرحوم برهان الدين ابن جماعة، تفويضا تاما عامّا شاملا. فإنه وليها أولا فكان رفع فضلها به مأهولا، وفي هذه تلت له العناية المؤيدية (5) {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى ََ} (6)، لأنه ملك العلم الذي ما ذكر بالشام أصوله وفروعه إلا وكان فارس الميدانين، ولا رقى منبر ابن عبد العزيز إلا قال المنبر: «سبحان من أعزني قديما وحديثا بالعمرين»، ولا تصدر بالأموي لإيراد الأحاديث النبوية وأكثر إلا استقل الناس ابن كثير، وقالوا: «وقد جمع في هذا (7) الجامع قديم كل حديث هذا الجامع الكبير»، ولا بوّب في العلم كتاب إلا وبيده مفاتيح أبوابه، فإن ذكر البيان كان مفتاحه مضافا إلى ما بيده فلم يعسر على طلابه، أو ذكر النحو فالمغني مفتقر إلى إعرابه، أو ذكر المنطق فإن نتائجه لم تتأخر عن عذوبة منطقه في إيجازه وإطنابه، أو ذكر العروض قال الناس: «هذا الخليل الذي يتمسك الأصحاب (8) من غير فاصلة
__________
(1) لأحد: ساقط من طب.
(2) للنصرة: طب، تو، قا، بر: النصر.
(3) وظيفة: ساقط من طب، تو، ها، قا، بر.
(4) البيمارستان: ها: المارستان.
(5) المؤيدية: ساقط من تو، ها، قا، بر.
(6) سورة الضحى 93/ 4.
(7) بهذا: تو، ها: في هذا.
(8) الأصحاب: طب، تو، قا، ها، بر: الناس.(1/66)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/67)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/68)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/69)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/70)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/71)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/72)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/73)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/74)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/75)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/76)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/77)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/78)
الشريفة: «هذه بضاعتنا ردّت إلينا» (1)، لأنه الفاضل الذي إن بحث في العلوم الطبيعية فقد غرست في طبعه والطبع أغلب، أو تكلم في الرياضية (2) بكلامه الزاهر كان لفظه من القانون أطرب، أو سقى شرابا حصل للضعيف نشأة تجلب العافية وفرحه. فعلمنا أنه بقراط زمانه وبقراط بالفارسية ضامن الصحة، أخذ حظه من الحكمة فنطق بها، والحكمة حظ للنفس الناطقه، فما سرى ذهنه في استقصاء عرض إلا وكانت الصحة له مرافقه (3)، ولا جسّ يدا إلا عقدت الخناصر عليه، ولا حصل بين الجسم والصحة منافرة إلا وكان الصلح بينهما على يديه، ولا دخل البيمارستان إلا تمشت الصحة في مفاصل ضعفائه، وقيل لهم: «جوزيتم بما صبرتم»، وامتدّت مقاصيرهم وفتحت أبوابهم وقالت لهم خزنتهم (4): {سَلََامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} (5)، فلو أدركه السّويديّ ما صدق أحد له رساله، أو عاصره (6) ابن البيطار (7) أحجم عن مفرداته وقبّل نعاله، ولو حتى تحسم (8)
هذه المادّه، وينتهي المشي في هذه الجادّه.
فليباشر ذلك على ما عهد من مبادئ أدواته التي هي غاية المنتهى والوصايا كثيرة، وأرسل حكيما ولا توصّه، والله تعالى يحفظه حفظ الصحة للأبدان، ولا برح دليل المناصحة في خدمتنا الشريفة يأتينا منه ببرهان.
إن شاء الله تعالى.
__________
(1) قول مأثور عن أبي علي القالي بعد رحلته الشهيرة إلى بلاد الأندلس.
(2) الرياضية: ق، تو، ها، بر، قا: الرياضة.
(3) مرافقه: طب: رافقه.
(4) وقالت لهم خزنتهم: ها: وقيل لهم حزنتها.
(5) سورة الزمر 39/ 73.
(6) عاصره: طب: عاشره نب: عارضه.
(7) العشّاب المالقي الأندلسي المشهور، صاحب كتاب مفردات الأغذية والأدوية.
(8) تحسم: نب: تخسم بر: تقصر قا: يقصر.(1/79)
(12)
توقيع القاضي جمال الدين ابن جماعة بنصف الخطابة بالقدس الشريف:
ومنه (1) توقيع القاضي جمال الدين ابن جماعة بنصف خطابة القدس الشريف، وهو:
الحمد لله الذي أبرز علماء هذه الأمة في حلل الجمال، وأسرى بهم إلى المسجد الأقصى الذي بارك (2) حوله فكان لهم نعم المآل، وقدس أسرارهم بالأرض المقدسة فما منهم إلا من حسن (3) مثواه، وأيد مشايخ الإسلام بشيخهم الذي أيده الله.
نحمده حمد من رغب في المهاجرة إلى حرمه المقدس (4)، ففتح له باب الرحمه، ونشكره شكرا يقرب الأقصى إلى من وفّر في قبول الزيارة قسمه. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نترقّى بها إلى أعلى الدرج، ونشهد أن محمدا (5)
عبده ورسوله الذي ما جسّ عود منبر إلا طرب، واخضرّ وفاح من ذلك العود أطيب الأرج، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم خطباء محاسنه، وجواهر معادنه، صلاة هي ثمرات أشجار المنابر، وحضرات المجالس إذا أدار كأس الإنشاء كل خطيب وناثر (6).
وبعد، فإنّ أولى من أوليناه جزيل إنعامنا، وجعلنا بهجة جماله غرة في جباه (7)
أيامنا، وأوصلناه إلى استحقاقه من إرث من سلف، ورقّيناه إلى مراتبهم علما أن في فرعه من تلك الأصول الزاكية (8) نعم الخلف، من إذا علا أفق منبر أنشده لسان
__________
(1) ومنه: لد، طا، نب، ق، با: ومن إنشائه ما ينبى عن فضل خطبه وفصل خطابه طب، ها، قا: ومن إنشائه بر: ومن ذلك.
(2) بارك: نب: باركنا.
(3) إلا من حسن: قا، بر: إلا من أحسن، طا: من أحد إلا حسن.
(4) حرمه المقدس: ق: حرمة المقدس.
(5) محمدا: نب: سيدنا محمدا.
(6) ناثر: بر: ناثر وسلم.
(7) جباه: ق: حياة.
(8) الزاكية: تو، ها، قا: الزكية.(1/80)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/81)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/82)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/83)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/84)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/85)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/86)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/87)
كثيرة وعلمه بحمد الله كثير، وهو صدر العلماء وعضد الدولة وهنا يحسن مراعاة (1)
النظير، والله تعالى يديم نظره على دمشق المحروسة ليصير عليها بوجوده خفر، وتتملّى بمشاهدته فإنها قد قنعت منه بالنظر.
* والخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه * (2). إن شاء الله تعالى (3).
(15)
توقيع للمحيوي يحيى الإربدي بكتابة السر الشريف بالشام المحروس (عام 817هـ):
ومنه (4) توقيع المقر المحيوي يحيى الإربدي بكتابة السر الشريف بالشام المحروس في التاريخ المذكور، وهو:
الحمد لله الذي يحيي من أحيى ميّت قلبه بذكره، ومن اعتصم به وشكره أوّاه إلى ربوة ذات قرار ومعين اعتصامه وشكره، ومن قرع باب عطائه تسلم مفتاح دار (5)
السعادة دخل إليها بعد الكسر من باب نصره. نحمده حمدا يدخلنا ببركته إن شاء الله (6) إلى الجنة (7) بغير حساب، ونشكره شكر من تنعم (8) بتنقله من مقاتل الفرسان إلى منازل الأحباب، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو أن تكون لنا يوم إنشاء المناقشة نعم التوسل، بحضرة صاحب الترسل، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ما قرع الأسماع أبلغ من رسالته، ولا شك أحد في فضل صحابته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين دوّنوا ما أنشأه من الخير فنعم
__________
(1) مراعاة: ساقط من طب.
(2) ما بين النجمتين ساقط من بر، قا.
(3) سقط الاستثناء من تو، ها، با.
(4) ومنه: لد، طا، نب: ومن إنشائه متع الله بسر معناه لفظ الإنشاء وأحيى ليدوم بذلك السر ويحيى طب، با، ق: ومن إنشائه أنشأ الله بسر معناه لفظ الإنشاء وأحياه ليدوم الأدب بذلك السر ويحيى ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته قا: ومن إنشائه رحمه الله بر: ومن إنشائه.
(5) دار: ساقط من ها.
(6) الله: طب، ها: الله تعالى.
(7) إلى الجنة: طا: الجنة.
(8) تنعم: ها: ينعم.(1/88)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/89)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/90)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/91)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/92)
السماء، * وتتطاول أبراجها حتى (1) تكاد أن تتخذ إلى السماء سلّما * (2)، لتستضيء بشهاب إن طلع بأفقها كان لشياطين الأعداء رجم، وتترفع بهذا الشهاب وتسمو على ما قاله الفاضل في قلعة نجم، وتسفل القلعة الأرتقية إلى أن تحث على رأسها من الحزن تربا (3)، وتقول: وقد أظلم أفقها النير: «شهابي اليوم في قلعة الشهبا».
وكان المجلس العالي القاضوي الشهابي أحمد بن السفاح، أدام الله تعالى نعمته، هو الذي طلع في هذا الأفق العالي، ورخّص (4) بطيب أوصافه العاطرة قيمة الغوالي، لأنه المنشئ الذي إن كان الشهاب محمودا فهذا أحمد، أو باشر أمر جيش استغنى فقيره ولم يفتقر بحسن رأيه إلى أن يتجرّد، أو نظر في قلعة حرست بروجها بالسماء والطارق ومن هذا الشهاب بنجم ثاقب (5)، واعترف سهامها الخطّائية بصواب فاستغنت في بلوغ الغرض برأيه الصائب.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت السبعة الشهب تخدم بالسعد شهاب ملكه، وأصحاب السر والنظر الصحيح منتظمين نظما بديعا في سلكه، ولا برح كل ذي بيت في هذه الأيام (6) الشريفة أشهر من «قفا نبك»، وأغلى من بيوت القصائد لما يظهره في صياغة نظم المصالح من حسن السبك،
أن يستقرّ المشار إليه في كتابة السر الشريف ونظر الجيش المنصور (7) ونظر القلعة المنصورة بالمملكة الحلبية المحروسة. علما إن ظهر في المناصب الجليلة نقص وإشكال فهو لها تكملة وإيضاح، أو بان لها شرف بخلف صالح فهذا خليفة السفاح (8)، أو ركب
__________
(1) حتى: ق، نب، قا، بر: إلى أن.
(2) ما بين النجمتين ساقط من با.
(3) تحث على رأسها من الحزن تربا: با: يحث على رأسها من الحرب تربا قا، بر: تحثو على رأسها من الحزن تربا نب: تحث على رأسها من الخراب ترنا تو، ها: بحث على رأسها التربا ق: بحث على رأسها الثريا.
(4) رخص: طب: ترخص.
(5) بنجم ثاقب: طب: بالنجم الثاقب.
(6) في هذه الأيام: ها: في أيامه.
(7) الجيش المنصور: تو: الجيوش المنصورة ق، بر: الجيوش.
(8) السفاح: طب: ابن السفاح.(1/93)
الشهباء فإنها من جنائب أهله بتلك الحلبة، أو استودع سرها أغنى الملوك عن الكتائب إذا حفظوا كتبه، أو باشر جيشها كان باب نصرها مفتوحا وباب الله مشحونا بالأدعية المتجدده، أو نظر في قلعتها طلعت بهذا الشهاب أنجم السعادة في بروجها المشيده.
فليباشر ذلك على ما عهد من أدوات بيته السفاحي برأيه الرشيد، فإنه البيت الذي ما بالغت قصيد في ممدوحها إلا وحسن أن يكون بيتا لذلك القصيد. وهم الكتّاب الذين عرفت بالصدق ألسن أقلامهم، وتميزت دواوين الممالك بحسن نظامهم، وإذا تمسك الملوك بما في كتبهم من العلم استغنوا عن رفع أعلامهم والوصايا كثيرة وهو بحمد الله أهل للقبول والإيجاب، وأولى من تحسّب بالرسول وتمسك بالكتاب، والله تعالى ينير بشهابه آفاق الممالك، ويرشده بحسن سلوكه إلى أوضح المسالك، فإنه ممن إذا طالع أبوابنا الشريفة بأمر كان أصدق من طالع بذلك.
والخط الشريف أعلاه حجة بذلك إن شاء الله تعالى.
(17)
توقيع لشهاب الدين أحمد الدنيسري بكتابة السر الشريف بطرابلس المحروسة (عام 817هـ):
ومما أنشأته (1) بدمشق المحروسة في هذا التاريخ توقيع المقر العالي القضائي الشهابي أحمد الدّنيسري بكتابة السر الشريف بطرابلس المحروسة، وهو:
الحمد لله الذي أضحك ثغر الإسلام وجمّله في أيام شيخ الشيوخ بالخرقة الأحمديه، وأطلع بأفقه أنجم الأدب، وأرانا شهابه محمودا بسموّ النكت (2) الأدبيه، ونسخ من حواشيه ما أحدثه الناسخ بتوقيعات الرقاع من أحكام الجاهليه، وأزال غباره الفضاح بمن غدت محققات إنشائه فاضليه. نحمده حمد من متّع بالعود إلى الديار وهو أحمد، ونشكره على سوابغ هذه النعم التي يجب أننا بقيام شكرها نتعبد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نستعين في السر والجهر بنفعها، ونشهد أن محمدا
__________
(1) ومما أنشأته: لد، طا، طب، ق، نب، با، بر: ومن إنشائه ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته سقطت الترجمة من قا.
(2) النكت: ها: الكتب.(1/94)
عبده ورسوله الذي نتوصل به إلى دار السعادة بعد إنهاء القصص ورفعها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه (1) صلاة تجرينا بركتها (2) على أجمل العوائد، وتوصلنا إلى الغرض وغاية المقاصد، وسلّم تسليما.
وبعد، فإنّ أصحاب (3) الحقوق القديمة * يجب لصاحبها الوفاء إذا أمّلت المدّه، والأقربون أولى بالمعروف * (4) الذي هو معروف بنشر المودّه، وأهل الأمانة أولى بإيداع أسرارنا المصونه، وأهل الأدب أمسّ بالإنشاء في دواوين ممالكنا التي هي بكل بديع وغريب مشحونه، لا سيما الثغر الطرابلسي فإن له مدّة قد فاته الشنب، ونشف منه ريق الفضل ولم يدر به (5) لسان الأدب، ولا تمسّك أحد من ديوان ترسلاته برسالة مصدّقه، ولا ظفر من قهوة الإنشاء بنهلة من كدر الجهل مروّقه، ووقع في بحره المديد زحاف، إذ (6) لم يقيموا فيه بالقسط وزنا، ولا ظهر من تمويه الأدب ما ينطلي بتلك المينا ونرى (7) لصياغته حسنا. وأظلمت آفاقه إلى أن طلع شهابه * الزاهر، وصحت دوائر أعاريضه وانتظم شمله * (8) بهذا البحر الوافر. وقيل لسفن الفضل حين رست: «بسم الله مرساك»، واستحق المنشد أن يتغزل في بقعة الثغر ويقول: «لثمت ثغر عذولي حين سمّاك».
وكان المجلس العالي القضائي الشهابي أحمد الدّنيسري هو الذي أنوار شهابه في أفق هذه الصفات السامية (9) ساطعه، وترمّلت بعده هذه البقعة البحرية إلى أن متّعها بالمراجعه، وأشرقت بعد خسوف بدرها بشهاب نوّر الآفاق، وكادت أن تسجع بحسن إنشائه الأوراق.
__________
(1) صحبه: ها: أصحابه.
(2) بركتها: تو، ها: ببركتها قا: ببركتها.
(3) فإن أصحاب: تو، قا: فأصحاب.
(4) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(5) يدر به: طب: يدريه.
(6) إذ: طب: إن.
(7) نرى: تو، ها: روى ق: زي.
(8) ما بين النجمتين ساقط من تو، ها.
(9) السامية: طا: الشامية.(1/95)
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت شهب السعد بآفاق ممالكه مشرقه، وألسن الإنشاء في ثغورها بمدائحه منطلقه، ولا برحت حكمة تدبيره الشريف تضع الأشياء في محلها، وتردّ الأمانات إلى أهلها،
أن يستقرّ المشار إليه في وظيفة كتابة السر الشريف بثغر طرابلس المحروس فإنه ممن جعل خدمتنا عليه شرطا فأحسنّا له الجزاء، وتعيّن أن يجعل لسمر أقلامه في صدور أعدائنا مركزا، لأنه المنشئ الذي يتجمّل بنظمه ونثره كل ديوان، وإذا جاور بأياديه البحر أرانا {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيََانِ} (1)، وإن حمدت الشهب بنور في الآفاق يتوقّد، قلنا لهم:
«شهابنا في أفق مملكتنا أحمد».
فليباشر ذلك على ما عهد من كمال أدواته التي هي * «أشهر من نار على علم» (2)، وليطلق لسانه * (3) في هذا الثغر بالشكر على سوابغ هذه النعم، ولينشر من فضله ما يطوي به ابن برّ (4) إذا جاور (5) هذا البحر البسيط ونزل بشطّه (6)، ويزيّن خدود الطروس بشامات نقطه وعوارض خطه والوصايا كثيرة ولكنه (7) نشأ من أغراضنا الشريفة في حجرها، وتأدّب بخدمتنا في مطابقة حلوها ومرّها، فالوصية ساقطة (8) منه على الخبير، وقبولها مشرق بشهابه المنير، والله تعالى يديم بهذا البيت الشريف انسجامه، كما أحسن به ابتداءه يحسن ختامه.
والخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه (9) إن شاء الله تعالى (10)
__________
(1) سورة الرحمن 55/ 19.
(2) قول أثر عن العرب يعكس صورة عن قيم الجاهلية.
(3) ما بين النجمتين ساقط من نب.
(4) ابن بر: بياض في طب، ق، بر، ها، قا تو: بن برد.
(5) جاور: ها: جاوز.
(6) نزل بشطه: ق، تو، ها: ترك بسطه.
(7) ولكنه: نب: وهو بحمد الله.
(8) ساقطة: طب: سابقة.
(9) سقطت هذه الجملة من بر، قا.
(10) سقط الاستثناء من ق، تو.(1/96)
(18)
توقيع للناصري محمد بن العطار بمشيخة الشيوخ بالمملكة الشامية المحروسة (عام 817هـ):
ومنه (1) توقيع المقر الناصري محمد بن العطار (2) بمشيخة الشيوخ بالممالك الشامية المحروسة، وهو:
الحمد لله الذي أوضع سلوك الطريق لمشايخها في أيام شيخ الإسلام، وأظهر السر المحمدي فحصل به الفتوح والهداية إلى بلوغ المرام، وسلكنا به (3) أوضح الطرق فظهر في حسن السلوك بديع النظام، وأرسله إلى الطوائف فما منهم إلا من أمسى له مريدا ومجرّدا لخدمته، وأظهر الكرامات لمن مشى تحت علم الفقر اقتداء بسنّته. نحمده حمد من اطّرح عزّ الدنيا حقارة بها فحرسه الله وتولّاه، ونشكره شكر من مال مع الغنى إلى طريق الفقر متمسكا بقوله تعالى: {يََا أَيُّهَا النََّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرََاءُ إِلَى اللََّهِ} (4)، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من تجمّل بشعار هذه الخرقة وإن كان أميرا، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي عرضت عليه كنوز الأرض فأبى أن يكون إلا فقيرا. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام النجباء، الذين منهم من هام بحب الفقر ونفق المال حتى تخلّل بالعباء. صلاة نصير بها من أشرف الفرق، ونرفل ببركتها في أجمل الخرق، وسلم تسليما.
وبعد، فإن مسالك هذه الطريق متشعبة، فهي (5) تتلو طرائق قددا، وإذا انفرد المريد بنفسه المريد وقدح من زناد فهمه نارا لم يجد عليها هدى، وقيل له: «إن الخطأ في هذا الاجتهاد يعتريك»، وقال له لسان الحال: «لا بد من شيخ يريك»، فإن المشيخة هي الدليل لمن جدّ في هذه المهمة السرى (6)، ومن استمع لنفسها الطيب كشفت له الأسرار
__________
(1) ومنه: لد، طا: ومن إنشائه متع الله ببقائه ق: ومن إنشائه نفع الله ببقائه طب: ومن إنشائه غفر الله له بر، با، قا، نب: ومن إنشائه ساقط من ها.
(2) هو الأمير ناصر الدين محمد بن أحمد بن عمر بن يوسف بن عبد الله التنوخي الحموي الحنفي المعروف بابن العطار («الضوء اللامع» للسخاوي ج 7ص 32رقم الترجمة 60)
. 3052046،،
(3) سلكنا به: نب: سلك بنا.
(4) سورة فاطر 35/ 15.
(5) فهي: ساقط من طب.
(6) السرى: با: السرا تو، ها، ق: للسرى قا، بر: ليحمد السري.(1/97)
وصار ممن يسمع ويرى، لا سيما من نهل من موارد التصوف فإنه لم يبق في الصبابة منهل مستعذب إلا وله فيه (1) الألذ الأطيب، وأمست ملوك الطوائف تحت علمه الذي مال إلى نحوه فقد بنى على أسّ وأعرب، وحام عليه من الجوّ القادري سرّ الباز الأشهب، وزاحم شجعان الورى بالمناكب، وشقّ صفوف العارفين بعزمة تعلي مجده (2) فوق تلك المراتب، وبرزت بزاة خواطره (3) فصغر عنده كل أمر (4) كبير، ولم يبق (5) لعصافير الطريق صفير.
وكان المجلس السامي الأميري الكبيري الأخصّي المقرّبي الناصري، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في الأنام، زين المجاهدين، عضد الملوك والسلاطين، محمد ابن العطار المؤيدي الدوادار السيفي، كافل السلطنة الشريفة بالشام المحروس، أدام الله سعادته، ممن اتضح إعراضه عن الدنيا (6) بزهد هو في قلبه راسخ، وزاد في الزهد وهو في سن الشبيبة فاختار أهل الخرق الطاهرة أن يكون عليهم (7) شيخ المشايخ، وتحاسدت الطوائف بالممالك الشامية والديار المصرية عليه، وودّ كل من الفريقين أن يمتّع بالنظر إليه،
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت ديون إنعامه في كل رتبة مستحقه، وجمّل الله الوجود بوجوده كما جمّل بنظره الشريف كل خرقه،
أن يستقرّ المجلس السامي المشار إليه في وظيفة مشيخة شيوخ المشايخ على المشايخ بالمملكة الشامية (8) فإنه ممن يغتنم أهل الفقر معروفه ومعارفه، ويليق به أن يصير كلّ طائفة حول بيته طائفه.
__________
(1) فيه: ساقط من طب.
(2) بعزمة تعلي مجده: بر، قا: بعزمة فعلا مجده طب: بمعرفة من تعالى مجده.
(3) بزاة خواطره: طب: نزاهة خاطره.
(4) أمر: طب، نب، قا: أمير.
(5) ولم يبق: طب: وكم.
(6) عن الدنيا: ساقط من ها.
(7) عليهم: نب: لهم.
(8) الشامية: تو: الإسلامية.(1/98)
فليباشر ذلك بعزمه المحمدي ليصير لضعيف الفقراء منه قوة وناصر، وتظهر قدرتهم على السلوك به (1) فإنه قادري ومستضيء (2) ببهجة عبد القادر (3) والوصايا كثيرة ولكنه هو المسلك إلى طريقها، ومدير كأسها ليتحف لظامئ برشف رحيقها، والله تعالى يجعل خبايا الزوايا في أيامه ظاهرة بالهناء، ويديم تشبيبها بذكره ليصير أهل الفقر بهذا التشبيب في غناء.
والخط الشريف أعلاه حجة بمقتصاه إن شاء الله تعالى.
ومنه (4) ديباجة عهد مولانا أمير المؤمنين المعتضد بالله أبي الفتح داود العباسي (5)، عضد الله به الدين:
الحمد لله الذي شدّ عضد الأمة بمن أمسى به معتضدا، وأسعفنا من البيت النبوي بخليفة ما برح شيخ الملوك في تقديم بيته الشريف مجتهدا، وأقام العلم العباسي بعد أبي مسلم بأبي النصر فأكرم بحسن الختام وحسن الابتداء. فلله الحمد أولا وآخرا وباطنا وظاهرا ونكرّر حمده على سلطان مؤيّد يحف به العلماء الأعلام، وظهر لجلالهم في أيامه الزاهرة بهجة فقال مورّيا: «هذا زمان مشايخ الإسلام» نحمده على حكمته التي اقتضت أن تكون الخلافة عمدة لأحكام يزول بها الالتباس، وهو القائل: {يََا دََاوُدُ إِنََّا جَعَلْنََاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النََّاسِ} (6)، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القادر الذي أطلع بدور الخلافة كاملة في المطالع الهاشميه، وبلّ ظمأ الإسلام بسقايتها العباسيه، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي يجب تقديم آل بيته في إيضاح كل أمر
__________
(1) به: ساقط من ها.
(2) مستضيء: نب: نستجير.
(3) عبد القادر: نب: السيد عبد القادر.
(4) ومنه: لد، طا، ق، با: ومن إنشائه فسح الله في مدته طب: ومن إنشائه غفر الله له ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته بر، قا، نب: ومن إنشائه.
(5) «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص 511509وراجع أيضا «السلوك» للمقريزي ج 4ص 273.
(6) سورة ص 38/ 26.(1/99)
وإشكاله. وصلى الله عليه وعلى آله (1)، صلاة يصل بها الحق إلى أربابه (2)، وينتظم شمل أبي الفتح بأبي النصر في ذهاب كل منهما وإيابه، ما تراعت في مديحه النظائر، وملئت بتغذية البديع بطون الدفاتر. * بمنّه وكرمه، إن شاء الله * (3)
ومنه (4) ديباجة (5) القاضي تقي الدين أبي بكر بن قرناص بكتابة سرّ حماة المحروسة:
الحمد لله الذي متّع بالدخول إلى الجنة من كان تقيّا، وخصّ أبا بكر بالتقديم ورفعه مكانا عليّا، وجعله خليفة محمد في مدينته ليخرّ عاصيها طائعا ويمسي قلبه بالفرح مليّا.
نحمده على وضع الأشياء في محلها، ونشكره على الإرشاد في ردّ الأمانات إلى أهلها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تحسن لنا العاقبة عند عقبى الدار.
ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي هو نعم الدليل إلى جنّات تجري من تحتها الأنهار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه (6) صلاة ترينا عاصي المحمدية، وقد هبّت عليه نسمات الطاعة والقبول في مسراه، وجرت به سفن النجاة ومشّاه النجح على الشريعة وحماه، وسلم تسليما.
ومن إنشائه (7) صدر توقيع للمقر التاجي فضل الله ناظر الدولة (8) باستيفاء أوقاف المقام (9) الشهيد الناصر حسن سقى الله عهده وهو:
__________
(1) آله: تو، ها، بر: آله وأصحابه.
(2) يصل بها الحق إلى أربابه: طا: يصل بها إلى الحق أربابه.
(3) ما بين النجمتين ساقط من بر قا ونقرأ مكانه في تو: الحمد لله وحده.
(4) ومنه: لد، طا، ق: ومن إنشائه متع الله ببقائه طب: ومن إنشائه غفر الله له ها: ومن إنشائه عفا الله عنه وغفر له وللمسلمين با، نب، بر، قا: ومن إنشائه.
(5) ديباجة: طب: توقيع.
(6) صحبه: طب، ها: أصحابه.
(7) ومنه: لد، طا، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله: طب: ومن إنشائه غفر الله تعالى له قا، با، نب: ومن إنشائه بر: ومن ذلك.
(8) راجع «السلوك» للمقريزي ج 4ص 110و «الضوء اللامع» للسخاوي ج 6ص 174173
. 2661795،،
(9) كذا في الأصل.(1/100)
* الحمد لله الذي أيقظ لدولتنا الشريفة ناظرا عرف به فضل الله، أدّبه في استيفاء ما دوّن فظفر بخلاصته وأملاه، وأطلق حمر أقلامه في ميادين الوقف الحسنيّ فحوى قصبات السّبق وأبعد مداه.
ومنه (1) صدر مسموح الخواجا إبراهيم الإسعردي، وهو: * (2)
الحمد لله الكريم المسامح، المتفضّل الذي ما برح برهان فضله يرشدنا إلى الدليل الواضح، الواهب الذي رفع للسماح الإبراهيمي مقاما من شد إليه الرحال فاز (3) بالمتجر الرابح. نحمده حمدا يكون لنا يوم العرض نعم التجارة الرابحه، ونشكره شكرا يقوم لنا إذا تحتّم الواجب بالمسامحه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تقبل إن شاء الله تعالى يوم القيامة بالحقوق الواجبه، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي يسامح من شدّ الرحال إليه ويظهر الحق في متجرة مكاسبه (4)، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة هي تربح المتجر في سوق المسامحة والكرامه، عند من اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بما أعدّ لهم في دار المقامه، وسلم تسليما.
(19)
جواب صاحب تونس عن مولانا الملك المؤيد:
ومنه (5) جواب صاحب تونس (6) عن مولانا الملك المؤيد رحمه الله (7) يذكر
__________
(1) ومنه لد، طا، ق، با، نب، قا، ها: ومن إنشائه بر: ومن ذلك.
(2) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(3) فاز: بر: فآب ق، تو، ها: فسار.
(4) متجرة مكاسبه: طب: متجر مكاسبه.
(5) ومنه: لد، طا: ومن إنشائه جمّل الله ببقائه الوجود ق: ومن إنشائه كمل الله ببقائه الوجود طب: ومن إنشائه غفره الله تعالى له ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى با، نب، قا، بر: ومن إنشائه.
(6) هو أبو فارس عبد العزيز المتوكل بن محمد الحفصي:
. (76،، 75،،)
(7) رحمه الله: لد، طا، ق، نب: خلد الله ملكه ساقط من طب، با، بر، قا.(1/101)
فيه قضيته مع الناصر فرج قديما وحديثا ويصرّح فيه بما منّ الله به من النصر والفتح المبين، وهو:
بعد البسملة،
عبد الله ووليه،
السلطان الأعظم، المالك، الملك، المؤيد إلى آخر الألقاب على العادة، خلّد الله ملكه، وأيّد بتأييده ممالك الإسلام، ولا زالت السطور والطروس مشرّفة باسمه على مرّ الليالي والأيام،
تخصّ الحضرة السنية السريّة إلى آخر الألقاب ولا زالت سيوف عزائمه في الجهاد ماضية الغرب، ولا برح جوده (1) وإقدامه متطابقين في السلم والحرب، بسلام هو لنار الشوق برد وسلام، وسقاية وداد ماء زمزم نسيم قبولها إلا لعالي ذلك المقام، وتحيات تطلق بها عند مواظبة الخمس ألسنة الأقلام، وثناء يقلّد بخالصة عقوده جيد الزمان، وينشئ قلائد العقيان، ومحبة يقمر صدقها في ذلك الأفق الغربي ويشمس، ويزيل وحشة من سلا عن غيرها في الغرب وتونس.
أما بعد، حمدا لله مؤيد من شاء من عباده، وناصر الحق الذي يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء (2) لحكمته البالغة وبلوغ مراده، وقامع كل فئة باغية لم يبق لها فرج إذا حكم سيف انتقامه وأمضاه، وهو القائل: {فَقََاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتََّى تَفِيءَ إِلى ََ أَمْرِ اللََّهِ} (3) فإنه قد تقدمت مفاوضة علمكم الشريف أن فرجا كان على المسلمين شدة، وأنه سل سيف البغي، والزيادة في الحد نقص في المحدود، وما أفلح من تعدّى حدّه، وكم تعرّض للجناب المحمدي وضاق بكثرة البيّنة الفضا، إلى أن انتقم منه الحكم العدل وأنفذ فيه حكم القضا، كم حمينا شامه بماضي سيفنا وكلما غضب نراضي، وهو مع ذلك لم يحفظ غير تلقين العناد ونسيان الماضي، وكم اهتضم جانب الشريعة المطهرة بثبوت متواتر، ونحن نصبر على ذلك ونخفيه مراعاة لأبوّة الظاهر، * ونقول: «لعلّه يصحو من سكر
__________
(1) جوده: تو، بر، قا: وجوده.
(2) قارن بالآية الكريمة: سورة المائدة 3/ 26.
(3) سورة الحجرات، 49/ 9.(1/102)
الشبيبة ونجد للصبر (1) على ذلك طعما (2) مرّا» * (3)، وهو لم يرجع عن إتراع كاسات الجهل ولم يزدد إلا سكرا، هذا ومقل سيوفنا قريرة في أجفانها تتناوم عن فعاله، لعله يصاب في كنانة مصر بسهام من الأدعية تطلق عن قسيّ الركوع لقتاله، إلى أن بحث عن حتفه بظلفه، وأعلنت بشائر الأدعية المستجابة (4) بحتفه، ومشى نحونا بعساكر طلبوا الربح بكثرتهم فكانوا (5) في صفقة الحرب من الخاسرين، وتمسّكنا بطيب قوله (6) تعالى:
{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللََّهِ وَاللََّهُ مَعَ الصََّابِرِينَ} (7)، إلى أن ابتسم لنا (8)
ثغر النصر الذي ما فاته شنب، بثنيّة ثغر (9) اللّجون، وقد خسفت بدور تلك الطوارق في سماء النقع إلى أن عاد كل بدر كامل كالعرجون، ونحن نكتب بالهندي ونعجم بالخطي وننشئ سجعات ضرب وننثر بها الرؤوس، ونقيم سوق الحرب التي كلما سعّرت أرخصت بتسعيرها النفوس، إلى أن كسر الناصر ووقع بعد (10) بسط عساكره في قبضتنا الشريفه ورغبنا (11) قبل الدخول إلى الديار المصرية أن تكون رسائل الملك مسفّرة في الآفاق عن من هو (12) نعم الخلف والخليفه. فلما حلّ ركابنا الشريف بمصر ونحن لنعم الله السابغة من الشاكرين، وتلا لسان الحال بباب نصرها:
{ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شََاءَ اللََّهُ آمِنِينَ} (13)، وتحصّنّا في استقرارنا بالقلعة المنصورة بالسماء ذات البروج، وصفا قلب النيل وبالغ في الوفاء وباهى بعد ما شاب وبلغ الهرم بخضرة
__________
(1) للصبر: ق، نب، تو، بر: الصبر.
(2) طعما: نب، بر: طعاما.
(3) ما بين النجمتين ساقط من قا.
(4) المستجابة: تو: المجابة.
(5) فكانوا: ها: فأصبحوا.
(6) بطيب قوله: ق، تو، بر، قا: بقوله.
(7) سورة البقرة 2/ 249.
(8) لنا: ساقط من طب.
(9) كذا في ها وراجع هذه السجعة في رقم 20القادم ص 6564.
(10) بعد: تو، ها: بعض.
(11) رغبنا: تو، ها: رعينا.
(12) من هو: ساقط من نب، ق، تو، ها.
(13) سورة يوسف 12/ 99.(1/103)
عوارض المروج، وماجت بحار الوافدين إلينا (1) من كل فجّ عميق، وصار كل (2) منهم ماشيا على الطريق، ورعينا خواطر الرعايا بالعدل إلى أن صيّرنا لهم في أهل الظلم أمرا ونهيا، وفي أكناف النيل سقيا ورعيا، فجنح أئمة الدين، وعلماء المسلمين، وأرباب العقد والحل إلى مبايعتنا بالسلطنة الشريفة ليبلغ كل منهم في مصالح الأمة مرامه، وأعلنوا في تقليد إمامة الأمة بالتكبير والإقامه، وكرروا السؤال في ذلك وقالوا: «هذا أمر يأبى الله إلا أن يفعل»، وأفتوا بأن العذر عن قبول ذلك لم يقبل، وفوّض إلينا أمير المؤمنين تفويضا قرّت به عينه وطاب في مهد الأمن منامه، وقال: «هذا نظم يظهر في (3) بيتنا الشريف بديعه وانسجامه»، فلما كان مستهل شعبان سنة خمس عشرة (4)، استخرنا الله تعالى ولبسنا شعار السلطنة الشريفة وجلسنا على كرسي ملكنا الشريف، وقمنا على قدم الاجتهاد في مصالح هذه الأمه، وكشفنا عنهم غمّة الظلم والجهل قائلين: {لََا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} (5).
فوردت مفاوضتكم الكريمة تعلن أنه بلغ المسامع الكريمة ذلك، وصرّحتم بتهنئة رائحة قطرها في الآفاق غاديه، وأعربت عن نحوكم فكانت بنسيمها العليل شافية كافيه.
وردت صادرة من الغرب فأزهر الشرق بورودها، واشتملت بوشي البلاغة فأمست قبلة لأئمة الإنشاء تواظب (6) الأقلام بها على ركوعها وسجودها، واستطردت بجياد إنشائها إلى الوصيّة بحاجّ (7) المغرب، فسابقنا إلى قبول ذلك، فإن هذا وفد نتبرّك من آثار النّجب السائرة به بالمبارك، وقد أعدناه مصحوبا بالسلامة وحداته تطرب بنغمتها الحجازيه، وتهيم اشتياقا عند تشبيبها بذكر الطلعة المتوكليه، وأعدنا جواب (8) ذلك (9) على يد
__________
(1) إلينا: ها: علينا.
(2) كل: طب: كل بدر.
(3) في: ساقط من ها.
(4) خمس عشرة: طب: خمس عشرة وثمان مائة ها: «ثماني مائة» إضافة في هامشها.
(5) سورة يونس 10/ 71.
(6) تواظب: طب: فواظبت ساقط من با.
(7) بحاجّ: طب: نجاح.
(8) جواب: ساقط من طب.
(9) جواب ذلك: ها: جوابا.(1/104)
رسولكم الذي لم (1) يقابل بغير (2) القبول، ليكون خالص ودادنا إن شاء الله تعالى متمسكا بالكتاب والرسول، والله تعالى يحفظه في مطابقة نقضه وإبرامه، ويعطر الجهات الغربية بمسك ختامه. بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
(20)
جواب صاحب اليمن عن مولانا السلطان:
ومنه (3) جواب صاحب اليمن (4) عن مولانا السلطان رحمه الله (5)، والعبارة في حكاية الحال مع الناصر منقولة بعضها من جواب صاحب تونس (6) حسب المرسوم الشريف وهو (7):
أعزّ الله تعالى أنصار المقام العالي، السلطاني، الملكي، الناصري، الشهابي، لا زالت بقاع ممالكه التي سقيت بماء العدل تنبت (8) العزّ، وكلمة الإيمان تعلو به في اليمن وتعزّ، ووشي صنيعه بصنعاء لم ينسج على منواله، وحرم تلك المدينة تحفظ بأحمد وآله، ولا برح كل مهاجر إلى زبيده ظافرا من ضرعها الحافل بزبدته مهتديا بنور شهابها الذي يعرف سهيل من (9) بين النجوم بخدمته، ولا زالت أهل
__________
(1) لم: ساقط من تو. ها.
(2) بغير: تو، ها: بعين ق: مغيرة بر: إلا بعز.
(3) ومنه: لد، طا، ق: ومن إنشائه متع الله ببقائه طب: ومن إنشائه رحمه الله ها: ومن إنشائه رحمه الله وعفى عنه بر، با، قا، نب: ومن إنشائه.
(4) هو الملك الناصر صلاح الدين أحمد بن إسماعيل:
. (76،، 120،،)
(5) مولانا السلطان رحمه الله: لد، طا، ق، با، نب: مولانا السلطان خلد الله ملكه طب: مولانا السلطان المؤيد ها: مولانا. رحمه الله.
(6) تونس: لد، طا: تونس هنا.
(7) عن مولانا السلطان وهو: قا: عن الملك المؤيد أيضا وهو كحكاية الحال مع صاحب تونس حسب المرسوم الشريف وهو بر: عن المؤيد حسب المرسوم الشريف بقصة فرج المذكور.
(8) بماء العدل تنبت: طب: بالعدل تثبت.
(9) من: ساقط من طا.(1/105)
عدن في جنات عدن بعدله، وركنه اليماني يطوف الوفد حوله ويسعى لالتماس بركته وفضله،
أصدرناها إلى المقام العالي بنسيم ثناء عرّج عليه الركب اليماني، حيث وجد هواه يمانيا، فلو تنسّمه من رام الخلاص من الهوى لتلقاه بالقبول ولم يقل: «وأخلص منه لا عليّ ولا ليا»، وتحية عاجلت بها صالح القلم صلاته، فصلّى في محراب الطّرس (1) وقال بعد التحية: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»، وخالص وداد يشدو به الحادي ويتحلّى في البحر بذكره الملّاح، ويملأ من سواد سطوره بياض الطروس لتحسن بها المطابقة في المساء والصباح،
وتبدي لكريم علمه أن فرجا كان على المسلمين شدّه، وأنه سلّ سيف البغي، والزيادة في الحد نقص في المحدود، وما أفلح من تعدى حدّه. وكم تعرّض للجناب المحمدي * (2) وضاق بكثرة البيّنة القضاء (3)، إلى أن انتقم منه الحكم العدل وأنفذ فيه حكم القضاء. كم حمينا شامه بماضي سيفنا وكلما غضب نراضي، وهو لم يحفظ مع ذلك غير تلقين العناد ونسيان الماضي. وكم اهتضم جانب الشريعة المطهرة بثبوت متواتر، ونحن نصبر على ذلك ونخفيه مراعاة لأبوّة الظاهر، ونقول: «لعله يصحو من سكر الشبيبة ونجد للصبر على ذلك طعما (4) مرّا»، وهو لم يرجع عن إتراع كاسات الجهل، ولم يزدد إلا سكرا، هذا ومقل سيوفنا قريرة في أجفانها تتناوم عن فعاله، لعله يصاب في كنانة مصر بسهام من الأدعية تطلق من قسيّ الركوع لقتاله، إلى أن بحث عن حتفه بظلفه، وأعلنت بشائر الأدعية المستجابة بحتفه. ومشى نحونا بعساكر طلبوا الربح بكثرتهم فكانوا في صفقة الحرب من الخاسرين. وتمسكنا بطيب قوله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللََّهِ وَاللََّهُ مَعَ الصََّابِرِينَ} (5)، إلى أن ابتسم لنا النصر الذي ما فاته شنب بثنية ثغر اللّجون، وقد خسفت بدور تلك الطوارق في سماء النقع إلى أن عاد كل بدر كامل
__________
(1) الطرس: ها: الطروس.
(2) من هنا يبدأ ما أسقطه ناسخ مخطوطة بر. وهو النص المطابق لما ورد في مفاوضة صاحب تونس السابقة لهذه المفاوضة (رقم 19ص 60).
(3) البينة القضاء: طب: البينة الفضاء، ها: البنية الفضا.
(4) طعما: نب، قا: طعاما.
(5) سورة البقرة 2/ 249.(1/106)
كالعرجون، ونحن نكتب بالهندي ونعجم بالخطّي وننشئ سجعات ضرب ننثر بها الرؤوس، ونقيم سوق الحرب التي كلما سعّرت أرخصت بتسعيرها النفوس، إلى أن كسر الناصر ووقع بعد بسط عساكره في قبضتنا الشريفه، ورغبنا قبل الدخول إلى الديار المصرية أن تكون رسائل الملك مسفّرة في الآفاق عن من هو (1) نعم الخلف والخليفه، فلما حلّ ركابنا الشريف بمصر ونحن لنعم الله السابغة من الشاكرين، وتلا لسان الحال بباب نصرها: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شََاءَ اللََّهُ آمِنِينَ} (2) وتحصنّا في استقرارنا بالقلعة المنصورة بالسماء ذات البروج، وصفا قلب النيل وبالغ في الوفاء وباهى بعد ما شاب وبلغ الهرم بخضرة عوارض المروج، وماجت بحار الوافدين إلينا (3) من كل فجّ عميق، وصار كل منهم ماشيا على الطريق. ورعينا خواطر الرعايا بالعدل إلى أن صيّرنا لهم في أهل الظلم أمرا ونهيا، وفي أكناف النيل المبارك سقيا ورعيا. فجنح أئمّة الدين، وعلماء المسلمين، وأرباب العقد والحل إلى مبايعتنا بالسلطنة الشريفة ليبلغ كل منهم مرامه، وأعلنوا في تقليد إمامة الأمة بالتكبير والإقامه، وكرّروا السؤال في ذلك وقالوا: «هذا أمر يأبى الله إلا أن يفعل»، وأفتوا بأن العذر عن قبول ذلك لم يقبل. وفوّض إلينا أمير المؤمنين تفويضا قرّت به عينه وطاب في مهد الأمن منامه (4)، وقال: «هذا نظم يظهر في بيتنا الشريف بديعه وانسجامه»،
فلما كان مستهل شعبان سنة خمس عشرة (5) استخرنا الله سبحانه (6)، ولبسنا شعار السلطنة الشريفة وجلسنا على كرسي ملكنا الشريف وقمنا على قدم الاجتهاد في مصالح هذه الأمه، * (7) وكشفنا عنهم غمّة الظلم والجهل قائلين: {لََا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} (8)، وما برح الهناء بهذه النّصرة من ملوك الشرق والغرب صادرا وواردا، وآثرنا العلوم الكريمة بذلك ليصير الهناء عند ملوك الإسلام واحدا.
__________
(1) من هو: ساقط من ق، نب، تو، ها.
(2) ادخلوا مصر: تو، ها: ادخلوها بسلام آمنين سورة يوسف 12/ 99.
(3) إلينا: ها: علينا.
(4) في مهد الأمن منامه: طب: في المهد منامه.
(5) عشرة: طب: عشرة وثمان مائة «ثماني مائة» إضافة في هامش ها.
(6) سبحانه: ها: سبحانه وتعالى.
(7) إلى هنا ينتهي ما أسقطه ناسخ نسخة بر.
(8) سورة يونس 10/ 71.(1/107)
وقد تقدمت مفاوضة المقام بالوصية في تجّار اليمن فلم يبق إلا اليمن، وها ثمار الأمن قد ذلّلت قطوفها للجاني، وزالت وحشة المناقضة حتى صار اليمني يبتهج إذا قيل له:
«رفيقك قيسيّ وأنت يماني»، وإذا خلصوا من دوائر البحر المديد ودخلوا مكة ينظموا من عروبة صاحبها في سلك ذلك البيت أحسن نظام، وينبع لهم (1) بالينبع ما يطفئ هاجرة الخوف ويحصل لهم منه برد وسلام، ليقابل كارمنا في مقابلة ذلك بالإكرام، ويتميز عند دخوله إلى الحرم الأحمدي بالاحترام، ويحصل له باليمن بلوغ المنى ونيل الأمل، ويجني كل من الفريقين ثمر الجزاء من جنس العمل، ويردع ابن جميع لا جمع الله له على ضرر المسلمين شملا، ويهدّد بالسطوات الناصرية فإن آب إلى التوبة وإلا.
وقد جهّزنا المجلس السامي الخواجكي الفخري عثمان تاجر الخاص الشريف (2)
وعلى يده هدية يقنص (3) بها من أرآم المودّة كل شارد، وتصير على إعراب أبيات (4)
المحبة أعظم شاهد، وتزيل وحشة المقاطعة ساعة الوصول، ويهبّ عليها من النسمات اليمانية القبول، والله تعالى يجعل مناقبه الكريمة أشهر من المثل السائر، ولا برحت ممالك اليمن محروسة منه بقوة وناصر. بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
(21)
جواب الأمير فخر الدين عثمان بن طر علي:
ومنه (5) جواب الأمير فخر الدين عثمان بن طرعلي (6) عن مكاتبته الواردة على الأبواب الشريفة (7) وهو:
__________
(1) لهم: ساقط من طب.
(2) الخاص الشريف: تو، ها، بر، قا: الخواص الشريفة.
(3) يقنص: طب، تو، قا، بر: يقتنص، ها: يقبض.
(4) أبيات: ساقط من طب.
(5) ومنه: طا، ق، نب، با، بر، قا: ومن إنشائه طب: ومن إنشائه رحمه الله ها: ومن إنشائه تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه فسيح جنته.
(6) راجع «السلوك» للمقريزي ج 4ص 258و «الضوء اللامع» للسخاوي ج 5ص 134و «المنهل الصافي» لابن تغري بردي ج 7ص 428424.
(7) الأبواب الشريفة: لد، طا، نب: الأبواب الشريفة المؤيدية خلد الله ملك سلطانها ق: الأبواب الشريفة المؤيدية خلد الله ملك مالكها طب، با، قا: الأبواب الشريفة المؤيدية.(1/108)
بعد البسملة
ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي، إلى آخر الألقاب، ولا زالت جهات أعداء دولتنا الشريفة بحسن تنقيبه متّسعة (1) الخرق، ورقاب الخارجين عن طاعتنا تضرب بسيوفه الماضية على الشرق، ولا نبت لأعدائنا زرع إلا وهو بهذا السيف مقسوم ومفروز، وتمام هذه القسمة يأتيه إن شاء الله تعالى في نوروز، وأمدّ آمد منه ببلوغ الأمد، ولا برحت شمس النصر مشرقة {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهََذَا الْبَلَدِ} (2).
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي بثناء ابتسم ثغره عن شنب الرضى، وودّ لسان البرق أن يكون في لهواته متلمظا، وخالص وداد أبهج من خالصة العقود، وحسن تمسك يؤكّد أن الاسم العثماني له في الصحابة شرف معهود،
وتوضح لعلمه ورود مكاتبته ونور إخلاصها أزهر من النيرين، وبرق كلامها يومض لصدقه وما برح هذا الاسم مشهورا بذي النورين. فتزايد شكرنا لإخلاصه في المبايعة (3) التي لم يحتج دليلها القاطع إلى إقامة برهان، ولم يشكّ أحد من أهل السنّة في صدق بيعة عثمان. والله تعالى يحفظه ويحرسه وذويه، ويجرّد سيوفه لأعداء دولتنا ليلحق جكم (4) بأخيه. بمنّه وكرمه إن شاء الله تعالى.
__________
(1) متسعة: نب: متشعبة.
(2) سورة البلد 90/ 2.
(3) المبايعة: ها: المتابعة.
(4) جكم: كذا في لد، طا طب، نب، ق، با: حكم تو، ها، بر، قا: حكمه في طب ونب بياض واسع بين «حكم» و «بأخيه».(1/109)
(22)
صداق لابنة الناصري محمد بن البارزي الجهني الشافعي من الناصري العلمي داود ابن الكويز:
ومنه (1) صداق مولانا المقر الأشرف العالي المولوي القاضوي العلمي داود بن الكويز المؤيدي (2)، ناظر الجيوش المنصورة بالممالك الإسلامية الشريفة المحروسة (3)، على ابنة مولانا المقر الأشرف العالي المولوي القاضوي الناصري محمد بن البارزي الجهني الشافعي (4)، ناظر (5) دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية الشريفة المحروسة (6)، وهو:
الحمد لله الذي أيّد السنّة الشريفة ورفع لها علما، ومدّ أطناب البيت المحمدي وجعله على الأمة مخيّما (7)، فمن استنجد بنجده فقد استظل بظل ذلك السفح وعرّج على الحمى، ومتّع من سلّم قياده إليه في الغربة بالتأهيل، وأرشده في طريق السنة إلى بيت الشرف والكمال فسكنه وحصل له بديع التكميل، وصدق (8) خبره في فضل هذا البيت صحيح الخبر، فأكرم ببيت أودعه الله السر، وساكن خصه بالصلاح وحسن النظر، فله الحمد على أن جعل عقود هذه السنة بحسن الوسائط في أبدع النظام، وله الشكر على هذا النظم الذي أمست به بيوت هذه الأمة في غاية الانسجام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نصير بها من الفرقة الناجية التي تمسكت بمحمّدها، ونشهد أنه عبده ورسوله الذي هو واسطة هذه العقود لمنضّدها، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه (9) الذين هم لطريق هذا
__________
(1) ومنه: لد، طا، ق: ومن إنشائه متع الله الموجود ببقائه: طب، نب، بر، با، قا: ومن إنشائه ها: ومن إنشائه غفر الله له وعفى عنه.
(2) راجع رقم (2) ص 8حاشية 3.
(3) المحروسة: لد: المحروسة عظم الله تعالى شأنه طب: كان.
(4) راجع رقم (1) ص 5حاشية 2.
(5) ناظر: لد، طا، طب، ق، نب: الناظر في.
(6) المحروسة: لد، طا، ق: جمل. الله وجودها بوجوده: طب: كان تو، ها: تغمده الله تعالى برحمته.
(7) مخيما: ها: نجما.
(8) صدق: تو، نب: صدّق.
(9) وأصحابه: ساقط من ق، با.(1/110)
المنهاج وإعرابه نعم التوضيح، صلاة ترشدنا في سنن السنة إلى الوجه الحسن (1) الصحيح، وسلم تسليما.
وبعد، فإن النكاح سنّة بناؤها عند الأنبياء عظيم، وحديثها بين رجال الأولياء قديم، فيها الاجتماع الذي يحسن (2) ببديع الاتصال والتورية توليده، وتنتظم بأبكار الجواهر عقوده، وتظهر بأفقه النيّر بدور الكمال، وتنسجم بيوته بالقرائن الصالحة وبديع الجمال، ومقدماته براعة النتائج بغير خلاف، وما برحنا نتمسك في إنعامه من النساء بطيب الأعراف، وناهيك بالطيب والنساء فإن ثالثهما في المحبة قرّة عين النبي، صلى الله عليه وسلم، وهي الصلاة، فمن تمتّع بهذه الثلاثة في مربع فقد أحسن الله في الدارين مثواه، فأكرم بها سنّة إذا سقيت بماء (3) القرب تفرّع منها النبات الحسن الذي تجنى ثمرته بعد العقد، ويصير لخلاصة نقدها في قلب من فتر عن القيام بواجبها نقد، وما برح حديثها القديم يتسلسل بثقات الرجال ويسند، حتى انتهت به الغاية من داود إلى محمد.
وكان مولانا (4) المقر الأشرف العالي المولوي القاضوي الكبيري المشيري العلمي، علم العصابة المؤيدية، الذي تخفض عند رفعه الأعلام، والأمين الذي إذا رفع إليه الحكم في جيش كان في ذلك عمدة الأحكام، والناظر الذي إذا ذكر النظر فهو صاحبه، والصالح الذي إذا ذكر الصلاح فهو أخوه ومناسبه، وذو الكرم الذي ما لأبي الطيب إذا أطنبنا في حاتميته مجال، وذو الرياسة (5) التي تواترت (6) في حديثها أسماء الرجال، وذو الدين الذي اشتهر وهو علمه المشهور، وذو الفضل الذي أخذه (7) عن شيخه وسلطانه المؤيد المنصور، حاتم طي الكرام الكاتبين،. وعين وجه (8) الزمان في نظر جيوش المسلمين،
__________
(1) الحسن: ساقط من تو، ها.
(2) يحسن: بر، قا: يحصل.
(3) بماء: ساقط من طب.
(4) مولانا: تو: سيدنا.
(5) الرياسة: تو، ق: الراسة نب، با: العفة.
(6) تواترت: تو، نب: تواثرت لد: توارت طا: توارطت (وهو تصحيح من «توارت»).
(7) الفضل الذي أخذه: تو، ها: الفضل والكمال أخذه.
(8) وجه: تو، ها: وجوه.(1/111)
مشير الملوك والسلاطين * (1)، ولي أمير المؤمنين (2)، داود بن الكويز المؤيدي، ناظر الجيوش المنصورة بالممالك الإسلاميه، أسبغ الله تعالى عليه دروع آرائه الداوديه، هو الذي تمسّك بشرف هذه السنّة والكتاب، وكشف له (3) بحسن نظره وبصيرته عن عين الصواب، وتمسّك في مصر من محمد بالآثار، وتنسّم من نسمات القبول أطيب الأخبار، وبشّر (4) من سكان (5) ذلك الحمى بقرب المزار، ونوى الخير من طلب السنة فنجحت أعماله المرضيات، فقلنا له: «إنما الأعمال بالنيات» (6)، ورغب في مخطوبة الله أكبر هي قبلة الجهات ومنبر الخاطب، وآية الكتاب الذي ينفث سحره الحلال في عقد أقلام الكاتب، وهي ثريّا الأفق البارزي في سموّها عن مقارب (7)
ومداني، فبعيد أن يقارنها بالأفق المصري سهيل وهي شامية إذا ما استقلت (8)
وسهيل إذا استقل (9) يماني، لم يظهر في غير أفق الكمال والشرف إبدارها (10)
الكامل، وأنا أحجم عن الوصف، وأستغفر الله فإن قسّ الفصاحة في روض هذا الوصف الزاهر باقل، ولم يسع البديعي أن يعرب عن بديع هذا الوصف الكريم بغير الكناية، فإنه يجل عن الاستعارة والتلفيق وفي هذا القدر كفايه. ولكن أقول من وراء حجراتها تبركا لحجرها وحجر بيتها المكرم، إنه إذا ذكر مدح ربّات الخدور فإنها النسيب المقدم.
فلذلك علا خطيب القلم على منبر الراحة (11) ولبس من نقسه (12) السواد، وأطلق
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(2) ولي أمير المؤمنين: ساقط من تو، ها.
(3) له: ساقط من طب.
(4) بشر: طب: سكن.
(5) سكان: ساقط من تو، ها.
(6) مسند الإمام أحمد رقم 168.
(7) مقارب: طب: مقارن.
(8) استقلت: تو، ها: استهلت.
(9) استقل: تو، ها: استهل.
(10) إبدارها: طب: بدوراها.
(11) الراحة: طب: الراح نب: الفصاحة.
(12) نقسه: طا، نب، ق، بر: نقشه طب: نفسه.(1/112)
عنانه في ميادين الطروس فكانت في قصبات السبق نعم الجواد، وأرشف من ثغور المحابر لسانه فنطق بالحكمة لأنه ظفر بدواة، وعلم أن كلّ أمر (1) ذي بال لا يبدأ (2) فيه ببسم الله فهو أجذم، فكتب:
بسم الله هذا ما أصدق مولانا المقرّ الأشرف، العالي، المولوي، القاضوي، العلمي، براعة استهلال هذا الكتاب وحسن ختامه، جمّل الله الطروس والسطور بمطابقة ذكره في ضيائه وظلامه، مرغوبته فلانة الجهة الممنّعة المحجّبة المكرّمة، الخوند الخاتون درّة تاج الآدر الكريمة، وعين إنسان الخواتين، وربة الخدور (3) التي لم تحتج في رفيع حجابها إلى إقامة الأدلّة والبراهين، وقد تقدّم أن المتأدب يتأدب إن يتبع موصوفها الكريم بنعت أو صفه، فإن البدر ما برح يقبّل ترب أعتابها حتى رأينا على وجهه (4) كلفه، وهي من البيت الذي من اعتمر به فقد بلغ المنى بمنى ذلك الخيف وعرفه، ذات الحجب التي سترت بسجف ستورها مفرق الفرقدين، وغطت به بهجة القمرين، فلانة ابنة مولانا المقر الأشرف، العالي، المولوي، القاضوي، الكبيري، العالمي، العاملي، اليميني، السفيري، المشيري، الأصيلي، الناصري، مشير الملوك والسلاطين، ولي أمير المؤمنين، محمد ابن البارزي الجهني الشافعي، صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة، وهو أبو الكمال وابن الكمال، جمل الله الوجود بوجود أدواته الكامله، وعظم شأنه وأطاب من موارد السنة مناهله، البكر المراهق الصحيحة الأوصاف الخلية من الموانع الشرعيه، أسبغ الله تعالى ظل ستورها على حجبها المنيعة، ورفع قدرها على الأعين والرؤوس فإنها من الخواتين الرفيعه،
أصدقها على بركة الله وعونه وتوفيقه وسنّة نبيّه محمد، صلى الله عليه وسلم، صداقا مبلغه من الذهب المصري المصكوك بصكة الإسلام كذا، ولي تزويجها منه على ذلك بالإذن الكريم الشرعي الصادر عن والدها المقر المشار إليه، عظم الله شأنه،
__________
(1) أمر: ق، نب: امرئ.
(2) يبدأ: طب: يبدي.
(3) وربة الخدور: نب: ريّة الخدور تو، ها: وربة الخواتين.
(4) وجهه: ساقط من طب.(1/113)
مولانا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام، القدوة العلّامة، قاضي القضاة، جلال الدين أوحد المجتهدين، رحلة الطالبين، شيخ الإسلام والمسلمين، أبو الفضل عبد الرحمن البلقيني الشافعي (1)، الناظر في الحكم العزيز (2) بالديار المصرية والممالك الإسلامية، رفع الله أعلام علمه على الأئمة الأعلام، ولا زال في مستقبل كل حال ماضي القضايا والأحكام، وعقد مع مولانا المقرّ الأشرف، العالي، المولوي، القاضوي، الصلاحي، خليل ناظر الديوان الشريف المفرد، أخي المقر الأشرف العلمي المشار إليه ووكيله عقد هذا التزويج على الصداق المعيّن وخاطبه على ذلك شفاها باللفظ الشرعي فقبل منه ذلك لأخيه وموكّله قبولا صحيحا شرعيا بحضرة من تم العقد الكريم بحضوره شرعا، فأكرم به عقدا (3) تمسّك فيه الأصحاب بالكتاب والسنّه، ونظموا جواهر إنشائه فتقلدها جيد الزمان أعظم منّه، وهبّت نسمات أصايله بالقبول والإيجاب، وتليت آيات كتابه فعوّذنا ب {الم ذََلِكَ الْكِتََابُ} (4)، وها قد دخل شيخ الإسلام بتدريبه إلى تمييز هذا الكتاب البارزي، وخطب في محاسنه فحيّر الأفهام، وهذا وروض الأيام المؤيدية زاهر (5) فأحبب به كتابا ظهر تمييزه بمشايخ الإسلام، وحصل له بمالك أزمّة العلم نفع ورفع المسند (6) في مبتدأ (7) هذا الخبر، لمالك لنافع لابن عمر، والله تعالى يجعله عقدا مباركا ميمونا ماضي الأمر في حاله والاستقبال، ولا برح علمه مرتفعا وسعده منتصبا على هذا الحال.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
__________
(1) الشافعي: ساقط من طب.
(2) الناظر في الحكم العزيز: بر، قا: الناظر في الأحكام الشرعية.
(3) عقدا: ساقط من نب.
(4) فعوذنا بألمّ: طب، تو: فعوذنا بآلم ها: عوذنا لم. تضمين للآية الكريمة في سورة البقرة 2/ 1.
(5) زاهر: ها: فيه زاهر.
(6) المسند: قا: السند طب: المستند.
(7) مبتدأ: ساقط من تو، ها.(1/114)
(23)
تفويض شريف من المعتضد بالله لأبي الفتح داود بنظر الجامع الجديد بمصر المحروسة:
ومنه (1) تفويض شريف (2) عن مولانا أمير المؤمنين المعتضد بالله لأبي الفتح داود (3)
بنظر الجامع الجديد بمصر المحروسة باسم مولانا المقر الأشرف العالي القاضوي الناصري محمد بن البارزي الجهني الشافعي (4)، صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الشريفة الإسلامية المحروسة، رحمه الله تعالى (5)، وهو:
الحمد لله الذي جعل التفويض العباسيّ متصلا بمحمد، ونفّذ أحكام الخلافة الداودية قديما وحديثا إلى أن تسلسل حديثها المسند، وعضّد الإسلام والمسلمين بمعتضد ما أقام في نصرة بيته إلا من هو مؤيّد. نحمده على أن أتحفنا من هذا البيت بكل أمين على الأمة ورشيد، * ونشكره على أن أقام له بعد أبي مسلم أبا النصر فأمسى وهو بأركان الشرف مشيد * (6)، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تجمع بين حسن النظر والشهاده، ونشهد أن محمّدا عبده ورسوله الذي هو جامع شمل هذه الأمة وقبلتها وسراجها المنير للعباده، وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تمسّكوا بطيّب أثره، وتبصّروا بأحسن نظره، صلاة تعلي منار الشهادتين في جوامع الكلم بركتها، وتعلو في جوامع الأمصار بمحمد كلمتها، ما سجع على أفنان المنابر ساجع وغرّد، وأعلن تحت العلمين العباسي والمؤيدي (7) بقرب المعتضد من محمّد، وسلم تسليما.
__________
(1) ومنه: لد، طا، ق: ومن إنشائه مد الله أمد عمره طب، نب، بر، با، قا: ومن إنشائه ها: ومن إنشائه غفر الله له وعفى عنه.
(2) تفويض شريف: ها: توقيع شريف.
(3) راجع ص 57حاشية 5.
(4) راجع رقم (1) ص 5حاشية 2.
(5) المحروسة رحمه الله تعالى: ساقط من طب.
(6) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(7) تحت العلمين العباسي والمؤيدي: كذا في با ونب وكتب ناسخ لد الكلمة «المؤيدي» في الهامش طا، طب، ق، تو، ها: تحت العلمين العباسية بر، قا: تحت الأعلام العباسية.(1/115)
وبعد، فإن سجايا الكرم في آل بيت النبي ما برحت لعقود المدائح خلاصه، وكيف لا وهو البيت الذي أنزل بأكنافه {وَيُؤْثِرُونَ عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كََانَ بِهِمْ خَصََاصَةٌ} (1)، لا سيما بنو العباس، فإن في شجرتهم التي {أَصْلُهََا ثََابِتٌ وَفَرْعُهََا فِي السَّمََاءِ} (2) نعم الخلف، وما منهم إلا واثق بالله ومتوكل عليه ومعتضد به وهذا غاية الشرف. فمن أخذ عنهم حديثا في أمر بيت من بيوت الله فقد ظفر بحسن نظر (3) وفضل جامع، فإن البيت والحديث لهم من غير منازع، ولا معبد إلا وهو الطرب عند جسّ عيدان المنابر بأوصافهم المشهوره، ولا خائف من عصاة الأمة إلا داس بساط الطاعة في جوامعهم ودخل تحت أعلامهم المنشوره، فمن قصد القرب إليهم فقد فاز بأعظم قربه، لا سيما إن نهل من سقايتهم نهلة فإنه لم يجد بعدها في المناهل (4) منهلا مستعذبا للمحبه (5).
وكان الجناب الكريم، العالي، القاضوي، الكبيري، المدبري، السفيري، الناصري، محمد بن البارزي الجهني الشافعي، صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسه ضاعف الله نعمته هو الركن السامي في رفع قواعد بيتنا الشريف، والمنتصب لرفع علمه العباسي حتى تفيأ كل قائل في ظله الوريف، والملاحظ بعين سره الذي هو في نسبنا أبدع من بديع النسيب. والسر المحمدي ما برح لبني العباس فيه حظ ونصيب، والمساعد بعد عمارة بيتنا في أمر بيت الله الذي صار بحسن نظره قرير العين. ولقد أبدع في إنشاء نظمهما حتى تحقق الناس أنه أعظم من أنشأ ونظم البيتين.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي الإمامي المعتضدي، لا زالت تفاويضه الشريفة العباسية المعتضدية محروسة بالأسرار المحمديه،
أن يفوّض للمشار إليه نظر الجامع الجديد بمصر المحروسة ووقفه المنسوب إلى السلطان الشهيد الملك الناصر (6) سقى الله عهده علما أنه شمل نظره الجامع
__________
(1) سورة الحشر 59/ 9.
(2) سورة ابراهيم 14/ 24.
(3) نظر: ها: نظره.
(4) في المناهل: ساقط من تو، بر، قا.
(5) هنا انقطع نص نسخة ق وتابعه في الرسالة رقم (31)، راجع حاشية رقم 3ص 127.
(6) الناصر: طب: الناصر حسن.(1/116)
المصري، فقد مدّ الله هذا النظر في سائر الأمصار. ونعلم (1) أنه يصير بحسن مهاجرته لوقفه الناصري من أعظم الأنصار، ويحق لهذا الجامع أن يقول: «ما برحت بمصر متمسكا من محمد بالآثار»، ولقد هام البيت العتيق إلى رؤية هذا البيت الجديد الذي هو بالمدينة الآهلة (2) بالجناب المحمدي ودار الخلافه، وودّ الأقصى أن يكون الأدنى إليه ليطالع تفسيره الذي جعل من البحر اعترافه، وتمنى الأموي أن يطير بأجنحة النسر ليزوّجه بعروسه العالية المنار، واستصغر تنكز نفسه عن مقابلة الناصر وأحجم الحاكم وقصّر طولون عن السبق في هذا المضمار. وقال الأزهر: «هذا بنور النظر المحمدي أزهر»، وقال الأقمر: «هذا بالطلعة البارزية أقمر».
فليتلقّ حديث هذا التفويض عن أبي الفتح عن أبي النصر ويتبرك بسنده العالي، ويملي ما أخذه من شواهد هذه المحبة (3) عن المعتضد عن المؤيد لا عن القالي،
وليباشر ذلك على ما عهد من أدواته التي ما نسبت إلى غير الكمال، فإن الخلل لم ينظر إليه بعينه من خلال والوصايا كثيرة ولكنه بحمد الله أبو عذرتها، وابن نجدتها، وجهينة أخبارها، وكاتب أسرارها، والله تعالى يمد فروع أصوله حتى تستظل الأمة بظل (4) هذه الشجرة، ويفتح له أبواب الخير بأبي الفتح، فإن أبواب العلم لديه محرره، ويديم على بيوت الله بالممالك الإسلامية نظره.
والاعتماد على الخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى
__________
(1) نعلم: طا، طب: يعلم.
(2) الآهلة: قا: الأهلية.
(3) شواهد هذه المحبة: طب: شواهد المحبة ها: شواهده.
(4) بظل: ساقط من طب.(1/117)
(24)
تهنئة عن السلطان الملك المؤيد حين فتح الشام عنوة وحصر نوروز المخذول بقلعتها (11صفر 817هـ):
منه ما كتبت به (1) تهنئة عن مولانا السلطان الملك المؤيد، رحمه الله تعالى، حين فتح الشام عنوة وحصر نوروز (2) المخذول بقلعتها وذلك يوم الثلثاء حادي عشر صفر سنة سبع عشرة وثمان مائة، وأنشأتها (3) على الفور حسب المرسوم الشريف (4).
أعزّ الله تعالى أنصار الجناب الكريم، ولا زال، صدرت هذه المكاتبة توضّح لعلمه الكريم ما منّ به الغافر من الفتح الذي جاء الإطناب في بلاغته وجيزا، وتلا باب نصره بأبواب الشام {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمََا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرََاطاً مُسْتَقِيماً وَيَنْصُرَكَ اللََّهُ نَصْراً عَزِيزاً} (5)، وتكرار سيرتنا الشريفة بفتوح الشام الذي ما برح ذكرنا به خالدا، وعدم الفترة من عساكرنا المنصورة إلى أن رشفوا (6) من حرارة النقع مغنما باردا. هذا وطلبة علم الحرب مكبّون في حلقاته على الاشتغال، متأهلون للفتوى في قتل (7) أعدائنا ومزيلون بشيخهم ما أبهم عليهم من الإشكال. كم حافظوا على تجريد الماضي ليحفظ، إلى أن أرونا ألسنة السيوف وهي بحلاوة النصر في لهوات الدروع تتلمّظ، وسكر نوروز لكثرة المخامرة وعربد فأذقناه الحدّ، إلى أن صار للسيف والرمح في جهّال جموعه جزر (8) ومد. كسر يوم الثلاثاء ولم يدخل بغير اثنين إلى داخل البلد، ولا ثبت من جمعه خميسه في ذلك اليوم أحد، تسحّب بختك إليه فهاجر من عنده ألفان إلينا شوقا إلى قربنا، فورّينا بتقريعه وقلنا له:
__________
(1) منه ما كتبت به: لد، طا، نب: نور الله الوجود بغرر ألفاظه ما كتب به با، قا، ها: ومن إنشائه ما كتب به طب، بر: ومن إنشائه.
(2) وهو الأمير نوروز الحافظي الظاهري برقوق («الضوء اللامع» للسخاوي ج 10ص 205204رقم الترجمة 871).
(3) وأنشأتها: في بقية النسخ: وأنشأها.
(4) حسب المرسوم الشريف: ساقط من با.
(5) سورة الفتح، الآيات 31.
(6) رشفوا: طب: ترشفوا.
(7) قتل: ها: فتك.
(8) جزر: ها: زخر.(1/118)
«هل قد رأيت بختك وبختنا؟»، كم شرع في تدريب، وأحكم في سدّه فعاجله الفتح القريب، وقال له شيخ الإسلام: «لقد أتعبت (1) أهل العلم في جهلك بالتدريب»، وتبطّن بعد ذلك بالقلعة التي هي به غير محروسة، وقال إنه يعتصم في برج قد شيّده، فتلا له لسان الحال: {أَيْنَمََا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} (2)، وقال بجهله إنه أوى إلى جبل يعصمه من السيف، وأنحله الخوف إلى أن صار في عيون مراميه أخفى من الطيف.
فليأخذ الجناب من هذه البشرى حظه، فقد اشترك بها في الهناء ممالك الإسلام، ويستعد للثانية بحتفه فإن فيها بعد تلك البراعة حسن الختام، والله تعالى يديم عليه التهاني بنصرنا والسلام.
(25)
تهنئة عن السلطان الملك المؤيد بوقوع نوروز في القبضة الشريفة (19ربيع الأول 817هـ):
ومنه ما كتبت به (3) تهنئة عن السلطان الملك المؤيد، رحمه الله، بوقوع نوروز المخذول ومن معه في القبضة الشريفة في التاسع عشر من شهر ربيع الأول (4) سنة سبع عشرة وثمان مائة.
أعزّ الله نصرة (5) الجناب الكريم لا زال، صدرت هذه المكاتبة، وتبدي لعلمه الكريم ما هو أبدع في بيانه وأوضح من الإيضاح، وأكثر فوائد من فتح القلعة الشامية من الشرح الكبير على تلخيص المفتاح، ووقوع نوروز ومن معه بعد
__________
(1) أتعبت: تو: أتبعت.
(2) سورة النساء 4/ 78.
(3) ومنه ما كتبت به: لد، طا، نب: ومن إنشائه متع الله ببقائه ما كتب به با، قا: ومن إنشائه ما كتب به بر: ومن إنشائه طب: ومن إنشائه رحم الله عليه ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته ما كتب به.
(4) ربيع الأول: كذا في تو. والتاريخ الذي ذكره المقريزي («السلوك» ج 4ص 283) هو 21ربيع الآخر لد:
ربيع الآخرة (كذا) طب، نب، با، قا: ربيع الأخر، بر: ربيع الثاني.
(5) نصرة: تو: أنصار (راجع كتاب «تثقيف التعريف» ص 88).(1/119)
بسطة الجهل في القبضة الشريفة، وقد لبس كل منهم أطواق الحديد بالحضرة الشريفة تشريفة: [من الطويل]
ولم يبق فيهم (1) للصنيعة (2) موضع ... وللسيف فيهم (3) موضع قد تمهّدا
ووضع الندى في موضع السيف بالعلى ... مضر كوضع السيف في موضع النّدا (4)
ووقفوا بكسرة أيتام الذمّة بين يدي أبي النصر، وقالت لهم قارعة التقريع: «لقد ألهاكم جهلكم بهذا العصر»، وفسدت أغذيتهم بالقلعة فعجزوا عن معالجة البارد والحامي، وثقلوا بعد ذلك على قلبها فاستفرغتهم من أفواه المرامي، وطلّقوا بالبتاتي لذة العيش بتاتا، وظهر نوروزهم بوجه أسود، وعاين الغرق في لجّتها لما أرغى موجها في وجهه وأزبد، سلب عقله أولا وتسلسل في البلد بذهن من الخوف قد تلبّد، ودار (5) عليه التسلسل إلى أن أمسى وهو في قبضتنا الشريفة مقيد، واعتذر عن تكرار إساءته أعذارا مشحونة بالترّهات والمين، فقلنا له في وجهه: «لا يلذع (6) المؤمن من جحر مرّتين» (7)، ودخل كساء (8) في كسوة ثقلت عليه أطواقها، وتقمّش بها قمش فظهر على هيكله المظلم إشراقها، وتحلّى طوخ بشعارها فأنار بها وجهه وأضاء، وقال له المتهكم على ذلك: «هذه خلع الرضى». وكان ابن أزدمر ذا وجهين فلم يبق له وجه من الخجل يرى، وإذا ذكرت له السلامة قال: «باتت معانقتي ولكن في الكرى»، ونال الظفر من إينال الرجبي (9) وبختك مناله، وسبق السيف فيهما
__________
(1) فيهم: نب، تو: منهم با: فيه.
(2) للصنيعة: با: للكرامة.
(3) فيهم: با: فيه ها: فيض.
(4) هو البيت الثلاثون من دالية شهيرة للمتنبي مدح فيها سيف الدولة بن حمدان وهنأه بعيد الأضحى. أنظر شرح «ديوان المتنبي» للعكبري 1/ 288.
(5) دار: طا، تو: زاد.
(6) في جميع الروايات: يلسع.
(7) قاله النبي صلى الله عليه وسلم، أنظر: «المستقصى في الأمثال» للزمخشري 2/ 285رقم 957، و «مجمع الأمثال» للميداني 2/ 2215/ 386رقم 1880، وكتاب «الحيوان» للجاحظ 1/ 335و «لسان العرب» لابن منظور (لسع).
(8) كساء: قا: في كساء.
(9) إينال الرجبي: بر: أينال الرجي قا: نيال الرحبي. وراجع عنه كتاب «السلوك» للمقريزي ج 4ص 172، 237، 247، 249، 251.(1/120)
عذاله، وقد تقدم في بشارتنا الأولى إلى الجناب كسر نوروز وحصره، أن يستعدّ للثانية بأسره (1)، وقد عززناهما بثالث وهو إعدام وجوده إذ لم يبق للكناية نور ساطع، فهي ثلاث ما لهن رابع، ولم تهجع (2) مقل السيوف بأجفانها إلى أن أخذته أخذا وبيلا، وأمسى تشبيب الزمان بقطع رأسه موصولا.
والله تعالى يشنف سمع الجناب في كل وقت بنصرتنا المؤيديه، ويديم عليه بركات فتوحاتنا الشيخيه.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
(26)
بشارة عن مولانا السلطان الملك المؤيد بحلول الركاب الشريف بالديار المصرية (1رمضان 817هـ):
ومنه ما كتبت به (3) بشارة (4) عن مولانا السلطان الملك المؤيد، رحمه الله تعالى، بحلول ركابه الشريف بالديار المصرية في مستهل رمضان سنة سبع عشرة وثماني مائة، ورسم لي (5) بقراءتها لدى المواقف الشريفة بقلعة الجبل المحروسة بحضور قضاة القضاة وعلماء الديار المصرية وأعيان الدولة الشريفة، وكان يوما مشهودا (6) * وشملتني (7)
الصدقات الشريفة بتشريف شريف * (8)، وهو:
أعزّ الله تعالى أنصار الجناب الكريم، لا زال، صدرت هذه المكاتبة وتبدي لعلمه الكريم حلول ركابنا الشريف بالديار المصرية بعد ما تركنا قطوف الأمن بأدواح
__________
(1) يستعد للثانية بأسره: ها: يستقل للثانيه لاسر.
(2) تهجع: ها: تهج.
(3) ومنه ما كتبت به: لد، طا، نب: ومن إنشائه متع الله ببقائه ما كتب به با، قا: ومن إنشائه ما كتب به طب: ومن إنشائه رحمه الله تعالى ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى وغفر له ما كتب به، بر: من إنشائه.
(4) بشارة: طب: تهنئة.
(5) لي: ساقط من طب.
(6) مشهودا: بر: مشهودا عظيما.
(7) وشملتني: في بقية النسخ: وشملته.
(8) بتشريف شريف: لد، طا، طب، نب، قا، با، ها: بتشريف يليق بمقامه سقط ما بين النجمتين من بر.(1/121)
الشام دانيه، وأهبط الله من ترفع بطارمتها وتمرّد إلى الهاويه، وأصلاه نار الجحيم، {وَمََا أَدْرََاكَ مََا هِيَهْ، نََارٌ حََامِيَةٌ} (1)، ولا يخفي ظهور الأهلة من مواطئ خيلنا وقد بهرت بالأفق الرومي لمعاتها، وبدور أخفاف المطيّ وقد خيّلت في غدير ذلك السراب هالاتها، وشهب الأسنة وقد زادت سموا كأنها تحاول ثأرا عند بعض النجوم، والبلاد الرومية قد تلا لها لسان الحال عند الغلبة: {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ} (2)، واستطرادنا بخيول النصر على ممالكنا الشامية عند العود، فقد جعله الله استطرادا بديعا (3)، وحصل به لفّ الشمل ونشر العدل الذي ما برح لتيجان الملوك ترصيعا، فحلب ركبت الشهباء وهنّت الشقراء وقالت: «الأيام المؤيدية من أيام ابن حمدان أحمد»، وحماة المحروسة قالت: «ما برحت مشرّفة بالمؤيد» (4)، وشبّب الثغر الطرابلسي بمواصيل أقصابه الحلوه، * وحلّت به صياغة الميناء وأمست بحسن هذه الخواتم في جلوه * (5)، وغنّت دمشق بجنكها على تلك الدفوف، ولعبت أنامل النسيم بعيدانها، وظهرت غرّة الفرح في جبهة الأبلق بميدانها، وأوى الأمن بها {إِلى ََ رَبْوَةٍ ذََاتِ قَرََارٍ وَمَعِينٍ} (6)، وقال العدل للخائف من الظلم: {أَقْبِلْ وَلََا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} (7)، وفتح باب الرحمة بالبيت المقدّس (8) فما أبهى ذلك الفتح وأبرك. وبلغ الهناء الرشد (9) بصدر ذلك الحرم المنشرح وأدرك، وقال له الفرح بالتين والزيتون {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (10)، وترنّمت حداة مكة بطيب أنغامها الحجازية، وأطربت بدور الدوائر على أبطال النوبة النوروزية، وظهر بديع الانسجام لأهل البيت المحرّم، وغنّى بشير الهناء بذلك البيت الشريف وزمزم، وأمست أعداء دولتنا الشريفة في صفد مقرنين
__________
(1) سورة القارعة 101/ 10.
(2) سورة الروم 30/ 21.
(3) بديعا: ها: رايعا.
(4) مشرفة بالمؤيد: بر، قا: مشرقة بالمؤيد ها: مشرقة المؤيد.
(5) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(6) سورة المؤمنون 23/ 50.
(7) سورة القصص 28/ 31.
(8) بالبيت المقدس: ها: ببيت المقدس.
(9) الرشد: طب: الرشيد.
(10) سورة الشرح، 94/ 1.(1/122)
بالأصفاد، ولما غدت لنا عمدة تسامت (1) بقلعتنا على إرم ذات العماد، وجال الهناء في غزة بالجاولي على ذلك الميدان، وصار النصر إلى أن وصل من القاهرة إلى بابه ودخل منه بقوة وسلطان، وجلسنا على كرسي ملكنا الذي تولدت النصرة والاجتماع بتخته الشريف، وتطابقت المسرة به بين التالد والطريف، وراق مديد بحر النيل وأظهر من بديعه لأهل مصر الاكتفاء، وأشار إلى ما وعد الله به من الرخاء والنصر بأصابع الوفاء، وأسبل على باب مقياسه ستر الفرح وقال: الحمد لله الساتر، واستقر بالخطيري قلب كل مجاور وخاطر، وصحّت بشارة القائل: [من الطويل]
أيا ملكا بالله صار مؤيدا ... ومنتصبا في ملكه نصب تمييز
كسرت بمسرى نيل مصر وتنقضي ... وحقك بعد الكسر أيام نوروز
هذا وسرحته الموصوفة قد استمهدت دوحها المخضلّ وأفرشت نجم الربى (2)، ورقت عرشا إلى الماء، وصارت على شاطئه كالأذن لأنها مالت طربا (3) لسماع هذه البشرى وهي صعدة الصماء، وابتسم الثغر الإسكندري وأقمر بدره، وصفق بكفوف موجه على رقص قيان (4) الجواري بحره.
وقد أتحفنا الجناب ببسيط هذه البشرى ليأخذ منها حظه بالوافر، ويقرع مسامع الصم بإعلان البشائر، والله تعالى يطلق ألسنة الأقلام بتهانيه (5) ويملأ بطون الدفاتر، وكما أحسن براعته في الأول يحسن ختامه في الآخر.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
__________
(1) تسامت: ساقط من تو.
(2) الربى: نب: الثريا ساقط من طب.
(3) لأنها مالت طربا: تو: انها ما انتظرناها ها: لانا ما انتظرنا.
(4) قيان: ساقط من تو.
(5) بتهانيه: ها: بنهايته طب: بمكاتبته.(1/123)
(26 آ)
تعليق التمائم:
ومنه ما سجعت به (1) على فنن البلاغة مطارحا سجع (2) القاضي الفاضل، مالك أزمّة الأدب والآخذ بعنانه، وحائز قصبات السبق على فرسانه، والموجب للجمع بين المطارحتين هنا أنّ مولانا المقر الأشرف العالي المولوي (3) القاضوي الناصري محمد بن البارزي الجهني الشافعي، صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية الشريفة المحروسة وملك المتأدّبين الذي مشت ملوك هذه الصناعة تحت أعلامه الفاضليه، لا زالت أفق المعالي مشرّفة بنور طلعته البارزيه، أوقفني (4) على جزء من تذكرة الشيخ صلاح الدين الصفدي، رحمه الله تعالى، بخطه (5) استطرد فيه إلى فصل ذكر فيه الشيخ صلاح الدين أنه وقف على مصنّف القاضي محيى الدين (ابن عبد الظاهر) (6)
مشتمل (7) على وصف حمام (8) الرسائل، الّفه من كلامه وكلام غيره وسمّاه «تمائم الحمائم»، وأورد فيه قطعة للقاضي الفاضل، تسحب (9) أذيال البلاغة على سحبان وائل. فاستحسن مولانا المقر الأشرف الناصري المشار إليه تسمية هذا الكتاب وما أورده الشيخ صلاح الدين من كلام القاضي الفاضل. ورسم لي أن أقمر (10) بنوره في هذا الأفق الزاهر، وأنصب (11) حبائل الفكر لوقوع هذا الطائر. فلم أجد (12) بدّا من
__________
(1) ومنه ما سجعت به: لد، طا، نب، بر: ومن إنشائه متع الله ببقائه ما سجع به با، قا، ها: ومن إنشائه ما سجع به.
(2) ومنه مطارحا سجع: طب: ومن إنشائه رحمه الله مطارحا سجع.
(3) المولوي: ساقط من طب.
(4) أوقفني: بقية النسخ: أوقف شيخنا المقر التقوي المشار إليه.
(5) بخطه: ساقط من ها.
(6) ما بين الهلالين ساقط من طا.
(7) مشتمل: طب: يشتمل.
(8) حمام: تو، ها، بر، قا: حمائم.
(9) تسحب: طا: بسحب.
(10) ورسم لي أن أقمر: بقية النسخ: ورسم لشيخنا المقر التقوي ألمشار إليه أن يقمر.
(11) أنصب: بقية النسخ: أنصب.
(12) أجد: بقية النسخ: يجد.(1/124)
الشروع في هذا الإلزام الواجب، فأوترت قوس العزم (1) مطمئنا لهذا الرأي المسدّد الصائب، وسمّيت ما علّقته من إنشائي (2) «تعليق التمائم».
وقلت (3): إن كان في ذلك خطأ فتعليق (4) المملوك مقدّم وأنفه راغم، وقد أوصلت هنا شمل القطعتين، ليتفكّه المتأمل في جنى الجنّتين، وينزّه نظره في حدائق الروضتين، ويطرب لسجع حمائم الدوحتين.
قال القاضي الفاضل، رحمه الله:
«سرّحت لا تزال أجنحتها تحمل من البطائق أجنحة، وتجهّز جيوش المقاصد والأقلام أسلحه، وتحمل من الأخبار ما تحمله الضمائر، وتطوي الأرض إذا نشرت الجناح الطائر، وتزوى لها الأرض حتى ترى ما سيبلغه ملك هذه الأمّه، وتقرب منها السماء حتى ترى ما يبلغه وهم ولا همّه، وتكون مراكب (5) الأغراض والأجنحة قلوعا، وتركب الجو بحرا تصطفق (6) فيه هبوب الرياح موجا مرفوعا، وتعلّق الحاجات على إعجازها، ولا تعوّق (7) الإرادات عن إنجازها، ومن بلاغات البطائق استفادة ما هي مشهورة به من السّجع، ومن رياض كتبها ألفت الرياض فهي إليها دائمة الرجع، وقد سكنت النجوم فهي أنجم، وأعدّت في كنانتها فهي للحاجات أسهم، وكادت تكون ملائكة لأنها رسل وإذا (8) نيطت بالرقاع، صارت أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع، وقد باعد الله بين أسفارها وقربها، وجعلها طيف خيال اليقظة الذي صدق العين وما كذبها، وقد أخذت عهود أداء الأمانة في رقابها أطواقا، وأدّتها من أذنابها أوراقا، فصارت خوافي وراء الخوافي، وغطّت (9) سرها المودع بكتمان سحبت
__________
(1) أوترت قوس العزم: بقية النسخ: أوتر قوس عزمه.
(2) وسميت ما علقته من إنشائي: بقية النسخ: وسمى ما علقه من إنشائه.
(3) قلت: يقية النسخ: قال.
(4) فتعليق: طا: تعلّق.
(5) مراكب: بر، قا: كواكب.
(6) تصطفق: نب، بر، قا: تصفق.
(7) تعوق: بر، قا: تفوف.
(8) وإذا: بر. فإذا.
(9) غطت: ها: حفظت.(1/125)
عليه ذيول ريشها (1) الصوافي، ترغم أنف النوى بتقريب العهود، وتكاد العيون بملاحظتها تلاحظ أنجم السّعود، وهي أنبياء (2) الطير لكثرة ما تأتي به من الأنباء، وخطباؤها أنها تقوم على منابر الأغصان مقام الخطباء.»
قلت (3):
«سرّح فما سرح العيون إلا دون رسالته المقبوله، وطلب السبق فلم يرض مفرق البرق سرجا ولا استطلى صفحته (4) المصقولة، وهمز جواد النسيم عاريا فقصّر وأمست أذياله بعرق (5) السحب مبلولة، وأرسل فأقرّ الناس برسالته وكتابه المصدق. وانقطع كوكب الصبح خلفه فقال عند التقصير: «كنت نجّابا وعلى يدي مخلق»، يؤدّي ما جاء (6) على يده من حسن الترسل فيهيّج الأشواق، وما برحت الحمائم بحسن الأداء في الأوراق، وصحبناه على الهدى فقال: {مََا ضَلَّ صََاحِبُكُمْ وَمََا غَوى ََ} (7)، ومن روى عنه حديث هذا الفضل المسند فعن عكرمة (8) قد روى، يطير مع الهواء (9) لفرط صلاحه، ولم يبق على السر المصون جناح إذا دخل تحت جناحه، إن برز من مقفّصه لم يبق لطرح البرد قيمه، بل نتغزّل في تدبيج أطواقه ونعلّق عليه من العين تلك التميمه، ما سجن إلا صبر على السجن وضيقة الأطواق، فلهذا حمدنا عاقبته على الإطلاق، ولا غنى على عود (10)
إلا أسال دموع الندى من حدائق الرياض، ولا أطلق من كبد الجوّ إلا كان سهما مريّشا
__________
(1) ريشها: طب: أرياشها.
(2) أنبياء: ها: أبناء.
(3) قلت: لد، طا، نب:. قال المقر العالي الشيخي التقوي المشار إليه فوق الله روض الأدب ببديعه طب: قال الشيخ تقي الدين بن حجة فوق الله روض الأدب ببديعه بر: قال المقر التقوي با: قال الشيخ تقي الدين المشار إليه ها: قال الشيخ تقي الدين المشار إليه تغمده الله برحمته قا: قال المقر التقوي المشار إليه تغمده الله برحته.
(4) صفحته: ها: صحيفته.
(5) بعرق: طا: بغرق، تو، ها: بعرف.
(6) ما جاء: ها: ما جاء به.
(7) سورة النجم 53/ 2.
(8) عكرمة: أضاف ناسخ لد في الهامش ما يلي: ما أحسن التورية في عكرمة فإنها من أسماء الطير.
(9) الهواء: طب، با، تو، ها، بر، قا: الهوى.
(10) عود: تو، ها: عوده.(1/126)
نبلغ به الأغراض، كم علا فصار بريش القوادم كالأهداب لعين الشمس، وأمسى عند الهبوط لعين الهلال النعلية كالطمس، فهو الطائر الميمون والغاية السبّاقه، والأمين الذي إذا أودع أسرار الملوك حملها بطاقه، فهو من الطيور التي خلا لها الجوّ فنقرت ما شاءت من حبّات النجوم، * والعجماء التي من أخذ عنها شرح المعلّقات فقد أعرب عن دقائق المفهوم * (1)، والمقدمة والنتيجة للكتاب الحجلي في منطق الطير، وهي من حملة الكتاب الذي إذا وصل القارئ منه إلى الفتح تهلّل منه (2) بفاتحه الخير، إن تصدر البازي بغير علم فكم جمعت بين طرفي الكتاب، وإن سألت (3) العقبان عن بديع السّجع أحجمت عن رد الجواب: [من الكامل]
نغم (4)
رعت النسور بقوّة جيف الفلا ... ورعى الذباب الشهد وهو ضعيف
وما قدمت إلا وأرتنا من شمائلها اللطيفة نعم القادمه، وأظهرت لنا من تلك الخوافي ما كانت له خير كاتمه (5)، كم أهدت من مخلقها (6) وهي غادية رائحه. وكم حنّت إليها الجوارح وهي أدام الله (7) إطلاقها غير جارحه، وكم أدارت من كؤوس السّجع ما هو (8) أرقّ من قهوة الإنشا، وأبهج على زهر المنثور من صبح الأعشى (9)، وكم عامت بحور الفضاء ولم تحفل بأمواج الجبال، وكم جاءت ببشارة خضبت لها الكف ورمت من تلك الأنملة قلامة الهلال (10)، وكم زاحمت النجوم بالمناكب حتى ظفرت بكف الخضيب، وانحدرت كأنها دمعة سقطت على خد الشفق لأمر مريب، وكم لمع في
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من نب.
(2) منه: كلمة مشطوب عليها في طا.
(3) سألت: با، قا: سيلت.
(4) نغم: ساقط من لد، با، تو، ها، بر، قا.
(5) خير كاتمة: نب: غير كاتمة تو ها: خير خاتمة.
(6) مخلقها: نب: مخلفها.
(7) الله: بر، قا: الله تعالى.
(8) هو: ساقط من نب.
(9) «صبح الأعشى»: في هامش نسختي لد وطا: «قهوة الإنشاء» للمصنف الشيخ تقي الدين و «زهر المنثور» لابن بناتة و «صبح الأعشى» للشيخ شهاب الدين القلقشندي المصري.
(10) الهلال: ها: كالهلال.(1/127)
أصيل الشمس خضاب كفها الوضّاح، فصارت بسموّها وفرط البهجة كمشكاة فيها مصباح، والله تعالى يديم بأفنان أبوابه العالية ألحان السّواجع، ولا برح تغريدها مطربا بين البادي والمراجع». إن شاء الله تعالى.
(26 ب)
جرى السوابق. «مجاراة الشهاب محمود وجمال الدين ابن نباته وابن فضل الله العمري في وصف الخيل المسوّمة:
ومما أنشأته كتابي (1) المسمى «بمجرى السوابق». والموجب لتأليف هذا الكتاب واختراع هذه التسمية (2) أنه رسم لي (3) بمجاراة الشهاب محمود والشيخ جمال الدين (4) ابن نباتة والقاضي شهاب الدين ابن فضل الله (5) في وصف مسوّمة الخيل، فكتبت (6):
الحمد لله الذي يقف عند سوابق فضله كلّ جواد، ويقصّر في حلبة هذا الكرم الذي ليس له غاية في بديع الاستطراد. فمن ألهمه الحزم وأرشده إلى حد المعرفة حاز قصبات السبق، ولا نقول: كاد. نحمده على أن جعل لنا «الخير معقودا بنواصي الخيل» (7)، ونشكره شكرا نعلو به على أشهب الصبح ونمتطي أدهم الليل، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو أن نكون بها في ميدان الرحمة الواسعة من السابقين، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله قائد الغرّ المحجّلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم السابقون إلى الغايات، وإذا ذكرت الفصاحة والشجاعة كانوا على كلا الحالين فرسان العربيات، وسلّم تسليما كثيرا.
__________
(1) ومما أنشأته كتابي: لد، طا، نب، قا: ومن إنشائه لا برح سابقا في حلبة الفضل كتابه طب، با، بر: ومن إنشائه كتابه ها: ومن إنشائه سقى الله ثراه وجعل الجنة منتقله ومثواه كتابه.
(2) اختراع هذه التسمية: بر: وتسميته هذا الإسم.
(3) لي: في بقية النسخ: له.
(4) جمال الدين: ها: جمال الدين محمد.
(5) فضل الله: ها: فضل الله رحمهم الله.
(6) فكتبت: في بقية النسخ: فكتب.
(7) من حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم مضمونه «والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة».(1/128)
وبعد، فإن الموجب لدخول هذه الحلبة وإن لم أكن من فرسانها، وركوب الأهوال في امتطاء صهوة البلاغة وإطلاق عنانها، أنه رسم لي بالاستطراد إلى سوم المعاني الغالية في وصف الخيول المسوّمة، وقالوا: «قهوة الإنشاء من جنس الكميت، فعلّة الضمّ في دور كاساتها مقدّمه»، فقلت: «إذا كان المطلوب حسن الأدب فامتثال المراسيم من سلوكه».
وتعيّن أن أقيم لرقيق اللفظ سوقا وأسأل من رسم لي أن لا يناظر السادات في سوق الرقيق بمملوكه، فإني رأيت الشهاب قد سبقني إلى ذلك وهو محمود بكل لسان، ومعه ابن نباتة (1) وهو من الفحول التي ما تجارى في هذا الميدان. ومن أين لتنكيري وصول إلى تعريف ابن فضل الله وتحريره؟ ومن لي بأن أطرق باب الإنشاء وأدخله بغير دستوره، وهو ملك هذه العصابة، فلا تستكثر (2) جياد الخيل على مثله، وليس لابن نباتة وابن حجة غير دهم السطور إذا دهما (3) بخيله ورجله. ولكن بركة محمد شملت أبا بكر فدخل هذه الحلبة وأبدى ما وقر في صدره، أنه خليفته والماشي (4) على سنّته خلافا للحلّيّ، فإنه رفضها وتشيّع في شعره. هذا ولم ينتظم له في صناعة النثر مع أهله شمل، ولا اشتملت منه قرائنه الصالحة على حمل: [من السريع]
قالوا صفيّ الدين أشعاره ... ما للورى في طرقها ممشى
وهكذا إنشاؤه مسكر ... قلت لهم: والله ما أنشا
وقد سمّيت هذه النبذة من نثري ونثر الجماعة في وصف الخيل «مجرى السوابق»، والله تعالى يغفر بمنه (5) السابق، ويأخذ بيد اللاحق (6).
قال الشهاب محمود (7):
__________
(1) ابن نباتة: ها: محمد ابن نباتة.
(2) تستكثر: تو: تستنكر.
(3) إذا دهما: با، ها، قا: إذا هما دهما تو: أتا هما دهما.
(4) الماشي: ها: الماضي.
(5) بمنه: ساقط من نب، تو.
(6) اللاحق: إضافت نسخة ها: إن شاء الله تعالى.
(7) «حسن التوسل إلى صناعة الترسل»، طبعة مصر 1315ص 142141نشر نفس النص مؤخرا في الجزء 25من «الوافي بالوفيات» لخليل بن أيبك الصفدي (المكتبة الإسلامية، بيروت 1999) ضمن ترجمة شهاب الدين أبي الثناء محمود بن سلمان بن فهد الحلبي (ص 355وما بعدها).(1/129)
فمن أشهب، غطاه النهار بحلّته، وأوطأه الليل على أهلّته، يتموّج أديمه ريّا، ويتأرّج ريّا (1). ويقول من استقبله في حليّ لجامه: «هذا الفجر قد طلع بالثريّا»، إن التفّت المضايق انساب انسياب الأيم (2)، وإن انفرجت المسالك مرّ مرور الغيم، كم أبصر فارسه يوما أبيض بطلعته، وكم عاين طرف السّنان مقاتل العدى في ظلام النقع بنور أشعّته، ولا يستنّ داحس (3) في مضماره، ولا تطمع الغبراء في شق غباره، ولا يظفر لاحق من لحاقه بسوى آثاره، تسابق يداه مرامي طرفه، ويدرك شوارد البروق ثانيا من عطفه.
قال الشيخ جمال الدين ابن نباتة (4):
ومن أشهب، كأنه طلعة نجح، أو قطعة صبح، أو غرّة (5) قمر يضرب بأشعته أدبار جنح، قد ترتبت منه الأوضاع، وانقطعت دون غايته حتى الأطماع، واعتذرت له الريح فصوّب أذنيه للسماع، وأصبح لصاحبه نعم العون يوم السبق والغوث في يوم القراع (6)، وكاد يكون من الملائكة. فكم له من غبار السبق أجنحة مثنى وثلاث ورباع، ما خفيت (7) مصلحة إلا قيّضها، ولا ادلهمّت سحابة نقع إلا قام لها بنفسه وبيّضها، وما حدّث عن حسن إلا رواه، ولا امتطاه عازم إلا حمد صباح لونه سراه، يقرب الطلب بسفارة عزائمه المسفره (8)، ويختال في الخيل كالنهار فلا جرم أن آيته مبصرة، كم ثنى عنانه كبرا عن مسابقة الرياح وأعرض، وكم تعب عليه غارم حتى فاز منه بالعيش إلا أنه (9) الأبيض.
__________
(1) ويتأرج ريا: ساقط من طب.
(2) الأيم: نب: الأديم.
(3) يستن داحس: بر، قا: يسترد ان حسن ها: بسرد احسن حسن التوسل ص 142: يستن داج.
(4) أضافت تو، طب، ها، قا: رحمه الله تعالى.
(5) أو غرة: ها: أوغره.
(6) القراع: طب: الفزاع.
(7) خفيت: طب: خفّت.
(8) المسفرة: تو: المنتصرة.
(9) إلا أنه: ساقط من تو، ها.(1/130)
قال القاضي شهاب الدين ابن فضل الله (1):
ومن أشهب (2)، جواد بما في يده، سابق يعدّ (3) يومه الأبيض لغده، كأنما قمّصها (4) النهار بردائه، أو سمح له البدر التمام بروائه. قد صيغ من لجين، وصين نور البصر منه بسواد العين.
ومعه شهباء من جنسه، لا تحدّث عن غيرها محاسن الأنباء ولا تعرف لحلب زبدة إلا لكونها حكتها وتسمّت بالشهباء.
قلت (5):
ومن أشهب، شابت ببياضه مفارق الأرض، وقصر طولها لسرعته (6) يوم العرض.
إن تهلّل جواد بغرته فهذا كلّه غرر، وكم قالت الشّهب الثواقب: إن كان هذا في السبق مبتدئا تنزلنا (7) وراءه منزلة الخبر. [من البسيط]
والنصر في أشهب يبدو بطلعته ... يوم الخميسين (8) لا في السبعة الشهب
وفرضنا أن القمر شاركه في اللون وفرط البهجة في الأفق، فكم جاراه في السير فقطعه وتركه مرميا على الطرق، جواد له اليد البيضاء مع كرم الأصل، وما همزه فارس إلا قطع بوصوله إلى الغرض، فهمزته همزة قطع وهمزة وصل، يسبق النظر في تصوّره إذا امتدّ خلفه وطلبه، وكأنه بقايا يقين كاد الشكّ أن يذهبه، ما قرع بيده ثنيّة إلا سقطت ساجدة بصعوده (9) بهاتيك المزايا، وقال بياضه الصبحي منشدا:
__________
(1) إضافة في طب، تو، ها، قا: رحمه الله تعالى.
(2) كتاب «التعريف بالمصطلح الشريف»، تحقيق سمير الدروبي، جامعة مؤتة 1992ص 327.
(3) يعد: با، نب، تو بر، قا: بعد راجع التعريف: ص 327هامش 20.
(4) قمصها: طب، ها: قميصه.
(5) قلت: لد، طا: قال. شيخنا العلامة الشيخ تقي الدين ابن حجة متع الله ببقائه بر: قال المقر التقوي متع الله ببقائه: نب، ها: رحمه الله قا: تغمده الله تعالى با: قال شيخنا الشيخ تقي الدين بن حجة طب:
الشيخ تقي الدين ابن حجة.
(6) لسرعته: طب: بسرعته.
(7) تنزلنا: نب: ينزلنا.
(8) الخميسين: طب، ها: الخميس، وقارن بمطلع قصيدة أبي تمام «فتح عمورية» في مديح المعتصم، ديوان أبي تمام 1/ 40.
(9) بصعوده: طب: لصعودها.(1/131)
أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا (1)
وكم مدّ يراع يمينه وأجراها فلم يبق لمقادير الأرض وضع يعتبر، ولا وقعت أحرف النجب من رسم نعاله على عين ولا أثر. ما روت ثقات الخيل عن صحيح نقله ومذهبه حيث يذهب، إلا ظفرت بصحة الرواية عن أشهب.
وتتبعه شهباء، ما للشقراء والأبلق معها في الميدان مجال، وإذا جليت تحت العصائب تنقص عند طرفها الأكحل (2) قيمة الأميال. وما (3) جواد السحب من الفحول التي تعلوها ولو تسامى بأفقه، وكم انقطع خلفها وجرى حتى تكلل بعرقه.
قال الشهاب محمود (4):
ومن أدهم (5)، حالك الأديم، حالي الشكيم، وله مقلة غانية وسالفة ريم (6)، قد ألبسه الليل برده، وأطلع الفلك بين عينيه سعده، يظن من نظر إلى سواد طرّته، وبياض حجوله وغرّته، أنه توهّم النهار نهرا فخاضه، فألقى بين عينيه نقطة (7) من رشاش (8) تلك المخاضه، ليّن الأعطاف، سريع الانعطاف، يقبل كالليل، ويمر «كجلمود صخر حطّه السّيل» (9)، يكاد يسبق ظلّه، ومتى جارى السهم إلى غرض بلغه قبله.
قال الشيخ جمال الدين ابن نباتة (10):
__________
(1) البيت من قصيدة لسحيم بن وثيل الرياحي، الشاعر المخضرم، رواها الأصمعي في الأصمعيات. وراجع كتاب «طبقات فحول الشعراء» لابن سلام الجمحي (تحقيق محمود محمد شاكر) ج 2ص 643. إختيار الأصمعي أبي سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك، تحقيق أحمد محمد شاكر، وعبد السلام هارون القاهرة، دار المعارف، ص 4. (ابن جلا: المنكشف الأمر. وطلّاع الثنايا: الجلد الذي يتغلّب على المصاعب).
(2) الأكحل: ها: الأكمل.
(3) وما: بر، قا: وما سار.
(4) إضافة في قا: رحمه الله تعالى.
(5) «حسن التوسل» ص 142و «الوافي بالوفيات» للصفدي ج 5ص 356.
(6) ريم: طا، نب: بريم ساقط من ها.
(7) نقطة: طا: قطعة.
(8) رشاش: طب: بياض.
(9) قارن بما ورد في معلقة امرئ القيس حيث يقول:
مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطّه السيل من عل
(10) إضافة في كل من طب، تو، ها، قا: رحمه الله تعالى.(1/132)
ومن أدهم، كأنما التحف سبجا، أو دخل تحت ذيل دجى، تخضع عواصي الذرى (1) لغرته، وينشق الصباح غيظا من تحجيله وغرّته. كأنما لطمته يد الفجر فخاض في أحشائه، وورد نهر المجرّة فطارت لجبهته نقطة من مائه، فسيح المنتشق، متدرع ملابس حب القلوب والحدق. كم عنت شوامخ الجبال لجلاله، وقصّرت عنه الخيل حتى لم تسابق إلا ظل إدباره وإقباله. وخاف سطوته (2) الليل فحباه بمثل أنجمه، وأنعله بمثل هلاله. يسر الموالي ويسوء المناصب، ويأتي من صباح تحجيله وليل تلوينه بالعجائب، وتكبو الرياح من شأوه وكلها من خلفه جنائب.
قال القاضي شهاب الدين ابن فضل الله (3):
ومن أدهم (4)، كم دهم الأعداء برعب غرّته المطلّة، ودهى الأنواء بما أبكى سحبها المستهلّة، وسلب الظلماء حلّتها وداس على هلالها ومعه تتمة أربعة أهلّه. لو عنّ لعنترة خياله لم يذكر لبان أدهمه (5)، أو رأى البدر غرته لزرّ في الليل جيبه على درهمه، إذا بلغ قبل ارتداد الطرف مداه كان قد اقتصر، وإذا قصّر به أمد السرور زيد فيه سواد القلب والبصر.
وقرينة دهماء، سكنت بها الدهماء، وحقّنت بها الدماء، تؤذن أنها من عطايا جواد، ومواهب الشباب لأنها في صبغة السواد.
قلت (6):
ومن أدهم، ما أقبل مسرعا إلا قال الدجى للصبح: «لونك حائل»، وتسامت الأرض بأهلّة نعاله وفاخرت الشهب الحصى والجنادل، ولا قابل بغرّته إلا أرانا في أول الليل كوكب الزهره، وحلا لراكبه السهر في هذا الليل الطويل والمسير في هذه القمره، كم
__________
(1) عواصي الذري: بر، قا: نواصي الدراري.
(2) سطوته طا: سطوة.
(3) إضافة في تو، ها، قا: رحمه الله تعالى.
(4) التعريف بالمصطلح الشريف ص 328.
(5) لو أدهمه: تو، ها: لو عز لعسره خياله لم يذكر لسان أدهمه. وهنا إشارة إلى ما ورد في معلقة عنترة وهو البيت الحادي والسبعون:
يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأدهم
(6) قلت: لد، طا، با،: قال شيخنا الشيخ تقي الدين ابن حجة نب، بر: المقر التقوي قا: قال المقر التقوي تغمده الله تعالى برحمته ها: قال المقر التقوي رحمه الله تعالى طب: الشيخ تقي الدين بن حجة رحمه الله.(1/133)
هجم على أشهب الصبح وترك ذيله بدم الشفق مبلولا، وخفض من قدره فتنازل إلى أن صار لقوائمه تحجيلا، ما تغزّلت في سواده وبياض غرّته النقي، إلا قلت مترنما ليل الحمى:
بات بدري فيك معتنقي
لم يرض من دهم الكدش خصيّا لخدمته، وكم مشى معه (1) على غير الطريق فشق مناخيره تأديبا له على جرأته. ما صدم بفارسه ركن جيش إلا تهدّم (2)، ومن الذي يثبت لصدمة السواد الأعظم. ولا خاض بلونه العنبري عجاجا إلا فتقت لنا ريح الجلاد بعنبر، وأمدّنا من غرته فلق الصباح الذي أسفر، ولا قعقع لجامه في أثر وحش نافر إلا افترسه، حتى قلنا أن تلك القعقعة كانت في صدره وسوسة، وقالت قائمته التي قعد لها الدهر وطاولت حبال الشمس عند الأصايل: «هكذا تكون القعاقع التي تحتها طائل».
ومعه قرينة، صالحة من جنسه، وهي عالية النسب إلى أصايل العربيات، والمحسنة التي ما ساءت وكيف لا (3) وهي على وجنات الأرض من الحسنات، ما أرخت غدائرها إلا وودّ مفرق الفرقد منها ذؤابه، ولا جارت (4) أدهم الليل إلا شيّبه صبح غرّتها وانقطع خلفها يندب شبابه.
قال الشهاب محمود (5):
ومن أشقر (6) وشّاه البرق بلهبه، وغشّاه الأصيل بذهبه. يتوجس (7) ما لديه برقيقتين، وينفض (8) وفرتيه (9) عن عقيقتين، وينزل عذار لجامه من سالفتيه على شقيقتين. له من الراح لونها، ومن الرياح لينها، إن جرى فبرق خفق، وإن أسرج فهلال
__________
(1) معه: ساقط من طب.
(2) تهدم: ها: انهدم.
(3) لا: ساقط من ها، طب.
(4) جارت، قا: جادت.
(5) إضافة في تو، ها، قا: رحمه الله تعالى.
(6) «حسن التوسل» ص 142و «الوافي بالوفيات» للصفدي ج 25ص 357.
(7) يتوجس: طب، تو، بر، قا: يتوحش.
(8) ينفض: طب، بر، قا: ينقض.
(9) وفرتيه: طا: وفرته ها: فرتيه.(1/134)
على شفق. لو أدرك أوائل حرب لبني وائل (1) لم يكن للوجيه وجاهه، ولا للنعامة نباهه، ولكان ترك إعارة (2) سكاب لؤما وتحريم بيعها سفاهة. يركض ما وجد أرضا، وإن (3)
اعترض به راكبه بحرا وثبه عرضا.
قال الشيخ جمال الدين ابن نباتة (4):
ومن أشقر، كلمعة البرق (5)، أو غزالة الشرق، فسيح اللّبان، رقيق مجاري العنان، يروق الأبصار، ويدني الأوطان والأوطار، ويسمع بوقع حوافره صمّ الأحجار. يضعف البصر عن اقتفاء ما له من السنن، ويعجز عن بلوغ غايته السيل إذا هجم والغيث إذا هتن، وتقصر عن شأوه الرياح فعن عذر إذا حثت في وجهه الترب للحزن (6)، كأنما صعد لأشعة النجوم فكسبها، أو راهن البرق على حلّته (7) فلبسها حين سلبها. قرنت (8)
حركاته بحسن الاتفاق، وحلّته (9) في تطلعها الشموس عند الإشراق، وامتدت كفّ الثريا لمسح جبهته من غبار السباق.
قال القاضي شهاب الدين ابن فضل الله:
ومن أشقر (10)،
أغرّ (11) كأنه قبس يتلهّب، قد قيّد بحجوله لئن لا (12) يذهب، كأنما سلب البرق رداءه الموشّع، ووقفت له الشمس كما وقفت ليوشع، وأقر له كل سابق بأنه مسبوق، وأذعن له في الميدان لمّا جاء وعليه أثر الخلوق.
__________
(1) لبني وائل: نشرة بيروت: ابني وائل.
(2) إعارة: با، تو: إعادة.
(3) في حسن التوسل: وإذا
(4) إضافة في تو، ها، قا: رحمه الله تعالى.
(5) كلمعة البرق: ها: كانه برق.
(6) للحزن: تو، ها: من الحزن.
(7) حلته: طب: خلته تو، ها: حلقته.
(8) قرنت: طب: قربت.
(9) حلته: طب، با، نب، تو: حكته.
(10) التعريف، ص 329.
(11) أغر: ساقط من تو.
(12) لئن لا: لد، طا، با، نب، تو: لين لا طب، بر، قا، التعريف ص 329: لئلا.(1/135)
تجنب إلى جانبه شقراء، طارت من زندة شرارة، وأتت ما بين شقيقة وبهارة، لا يدانيها جواد ليس له معها يدان، ولا يباريها إذا قيل له: «هذه (1) الشقراء والميدان».
قلت (2):
ومن أشقر، ورد مياه (3) العذيب، وجاء عليه لمعة بارق، وما تغنى بصهيله الحجازيّ إلا أذكرنا مجرّ (4) عوالينا ومجرى السوابق. أقمرت غرّته (5) بأفقه الشمسي وزاد سناها، فعوذناه ب {وَالشَّمْسِ وَضُحََاهََا، وَالْقَمَرِ إِذََا تَلََاهََا} (6). وودّ الراح أن يتوّج بحباب عرقه رؤوس كؤوسه، وما برز بأصيله الذهبي إلا قفل الجوّ صندوق غيمة على دنانير (7) شموسه. كم حفظنا عنه مجرى السوابق ما جريّة، وكم أعرب في أشكال الحزن عن تسهيل. فعلمنا أنه من فحول العربية، وهو في بحر الفضاء بزورق سرجه الذهبي من الجواري، وإذا اعتلّ أصيل (8) الشمس بسواد الغيوم عالجه بشراب لونه الديناري. قصرت يد البرق عن إدراكه فقلنا: {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ} (9)، وكأن تحجيله كاسات لجين أترعت براح من ذهب. إن كان للمح البصر وإيماض البرق سرعة فهذا الجزئيّ (10) إذا انحصر لحق (11) بالكلّ، ولم يظهر لحمام الرسائل معه برهان في رسالة، بل خفض له جناح الذلّ. يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، فلا يتصوره وصف ناظم ولا ناثر، وقد تنزل منزلة الضمير، ومن المستحيلات وصف الضمائر.
__________
(1) هذه. نب: هذا.
(2) قلت: لد، طا، نب: قال شيخنا العلامة تقي الدين ابن حجة با: قال شيخنا الشيخ تقي الدين ابن حجة قا: قال المقر التقوي رحمه الله تعالى وعفى له بر: المقر التقوي طب: الشيخ تقي الدين ابن حجة ها:
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله.
(3) مياه: طب: ما.
(4) مجر: ها: مجرى.
(5) غرته: طب: غربة.
(6) سورة الشمس 91/ 21.
(7) دنانير: ها: دينار.
(8) أصيل: ساقط من قا.
(9) سورة المسد 111/ 1.
(10) الجزئي: تو، بر، قا: الجزء.
(11) لحق: ساقط من نب.(1/136)
وكم جرت الشمس لمستقر ظله لتدخل تحته فسبق، وقالت عينها: «من لي برؤية خياله؟» فقلنا لها: «في النوم إن اتفق».
تقارنه شقراء، يعتلّ جواد النسيم عند شمائلها، ويودّ أن يكون لها من الجنائب ليهتدي بنور أصائلها، لأنها العربية التي ما تضمّنها بيت من بيوت العرب إلا حسد أهل البديع تضمينها، ولا غردت بصهيل عربي * إلا أنست ذكر معبد وتلحينه * (1). [من السريع]
قد لبست من شفق (2) حلّة ... تخبرنا أنّ أباها أصيل
فهي العروس التي ليس لها جلوة إلّا على جسّ (3) العيدان وتحريك الأوتار، وإن لم تشكل هاء حافرها (4) بميم لم يقرّ لعين البرق في أجفان الليل قرار.
قال الشهاب محمود (5):
ومن كميت (6)،
نهد الأركان (7)، سابح كأن راكبه في أهنى (8) مهد، ومن * وثباته فوق أجرى (9) ليث ومن سرجه على رأي أبي الطيب في أعزّ مكان * (10)، عندمي الإهاب، شمألي الذهاب، يزلّ الغلام الخف عن صهواته (11)، وكأن نغم الغريض (12) ومعبد في لهواته. قصير المطا،
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من ها وهو معبد بن وهب اليقطيني نابغة الغناء في العصر الأموي، من مولدي المدينة، أنظر: «الوافي» للصفدي 26رقم 45.
(2) شفق: تو: الشفق.
(3) في هامش لد، وطا: «ضرب معا».
(4) هاء حافرها: تو، ها، قا: حافرها، بر: حافر.
(5) إضافة في كل من تو وقا: رحمه الله تعالى.
(6) «حسن التوسل»، (طبعة القاهرة)، ص 142 (طبعة بيروت)، ص 357.
(7) نهد الأركان: ها، بر: يهد الأركان «حسن التوسل» (طبعة القاهرة)، ص 142: نهد كان.
(8) أهنى: ساقط من كلتا طبعتي «حسن التوسل» (القاهرة وبيروت).
(9) أجرى: ساقط من تو طب، ها: اخرى.
(10) ما بين النجمتين ساقط من كلتا طبعتي «حسن التوسل» (القاهرة وبيروت) وقد ضمّن ما قاله المتنبي في إحدى قصائده يمدح كافورا الإخشيدي «شرح العكبري 1/ 193»:
أعزّ مكان في الدّنى سرج سابح ... وخير جليس في الزمان كتاب
(11) إشارة إلى صدر البيت الرابع والخمسين من معلقة امرئ القيس.
(12) طب، قا، تو: القريض، والصحيح ما أثبتناه: الغريض من أشهر مغني الحجاز في صدر الإسلام، واسمه عبد الملك، من مولدي البربر، راجع الأعلام 4/ 156.(1/137)
فسيح الخطا، إن ركب لصيد قيّد الأوابد، وأعجل (1) عن الوثوب الوحوش اللوابد (2)، وإن جنب إلى حرب لم يزورّ من وقع القنا بلبانه، ولم يشك لو علم الكلام بلسانه (3). ولم ير دون بلوغ الغاية وهي غرض راكبه ثانيا من عنانه. وإن سار في سهل اختال براكبه (4)
كالثمل، وإن أصعد في جبل طار في عقابه كالعقاب وانحط في مخارمه (5) كالوعل. متى ما ترق العين فيه تسهّل، ومتى أراد البرق مجاراته قال له الوقوف عند قدره: «ما أنت هناك فتمهّل».
قال الشيخ جمال الدين ابن نباتة (6):
ومن كميت، يسرّ الناظر، ويشوّق الخاطر، كأنه جذوة النار (7)، أو كأس العقار (8).
أحلى من الضرب، له من نفسه طرب. كم خدم من النصر أعوان، وأسكره اسمه فاختال تحت راكبه كالنشوان. وظفر في حلبة سبق حتى شكرت له في أربابه (9) يد وفي سير أربه (10) يدان. أسرع الأشياء شوطه، وأضيع ما في عدّته سوطه. يجمع لراكبه بين الطرب والجلاله، وتحتجب الشمس إذا تصدى لصيد خوفا من تسميتها بالغزاله، كم أرعد بصهيله وأبرق، وكم لقي منه الموت الأحمر العدوّ الأزرق. قصرت عن معاياته الهمم، وأسودّ ذنبه وعرفه فكأنهما لذوب نار جسمه حمم. يوسع أهل الحيّ ميرا (11)، ويقدّ بخنجر نعله أديم الأرض سيرا.
__________
(1) أعجل: بر، قا: أعجز.
(2) اللوابد: «حسن التوسل» (طبعة القاهرة) ص 142 (طبعة بيروت) ص 358: الأوابد، وما أثبت هو الصحيح، واللابد: هو الملتصق بالأرض.
(3) قارن بمعلقة عنترة بن شداد العبسي، وخاصة البيتين 76و 77.
(4) اختال براكبه: با، نب: اختال راكبه قا: اختار براكبه.
(5) مخارمه: تو، ها: مخامره طب، «حسن التوسل» (بيروت) ص 358: مجاريه «حسن التوسل»، (القاهرة) ص 142: مجارريه لعل القراءة المفضلة «في مخازمه».
(6) إضافة في ها وقا: رحمه الله تعالى.
(7) النار: طب: ساقط من ها.
(8) العقار: طب: عقار ساقط من ها.
(9) أربابه: تو، ها، بر، قا: أياديه.
(10) سير أربه: نب، مسير اربه بر: مسيراته تو: سراربه ها: سراريه.
(11) المير: الطعام، راجع كتاب لسان العرب (مير).(1/138)
قال القاضي شهاب الدين ابن فضل الله (1):
ومن كميت (2)،
كم حيّ على تمنّي (3) مثله، كميت قد سجّف سواد الليل ذيل شفقه، وذرّ (4)
فتيت المسك على ورد أفقه، رخص بملء العليقة، وخرط كالعقيقة، وأشبه الروض، فإن لم يكنه كان شقيقه. لزّت به حجر لم ترض بالهلال أن يكون نعلها، ولما كانت في لونها كميتا أشبهت فعلها.
قلت (5):
ومن كميت، كم علا نهدا في صدور الجبال، وأنشأ فارسه فرحة، ونشوة الكميت لها في الرؤوس أفعال. جمع المحاسن وفرّقها على كرام الخيل في إدباره والإقبال، وأخذ بمجامع القلوب فهو مجموع حسن على كل حال. تعجز الجهات عن حصره في الجولان بين المعامع، وتخيّلنا أنه للجهات الست سابع. موصوف نعجز لسرعته أن نتبعه بصفته، وكم قبّل أدهم الليل يده وتعلّق بذيله ليكتسب من معرفته. كم طالع رقعة أرض فأزال غلطها بمدية نعله كشطا، وحكّم كأس حافره (6) على طول حجمها وما خالف شرطا. يألف من بديع الصفات، سرعة الالتفات، ويشق أدواح القنا متنزها، ويخوض جداول (7) السيوف. ومن العجائب أن بعينه (8)
من النجيع رمدا ويلمح في الأعداء من أطراف (9) الميل موارد الحتوف. شقيقة روض (10) ومن
__________
(1) أضافت قا: رحمه الله تعالى.
(2) التعريف بالمصطلح الشريف ص 328.
(3) تمني: با: ثمني ساقط من تو.
(4) وذرّ: طب: وردّ.
(5) قلت: لد، طا: شيخنا العلامة الشيخ تقي الدين ابن حجة نب، با: قال شيخنا الشيخ تقي الدين ابن حجة طب: الشيخ تقي الدين ابن حجة بر: المقر التقوي قا: قال المقر التقوي تغمده الله برحمته ها:
قال المقر التقوي رحمه الله.
(6) حافره: طب: حوافره.
(7) جداول: طا: جدوال.
(8) بعينه: ها: يعينه طب، تو، قا: بعينيه.
(9) أطراف: ها: طرف.
(10) شقيقة روض بر: شقيقة ورد.(1/139)
عرفه سواد تلك الشقيقة، وإذا وضعت عربية في موقف (1) الحرب حملها كان لموضوعها (2) بعد الخلاص نعم العقيقة. طالما أصلي نار (3) وغى بياقوتيّ (4) لونه المنعوت، ثم انطفى الجمر والياقوت ياقوت، وما أحقه هنا بقول القائل: [من الخفيف]
ألقني في لظى فإن أحرقتني ... فتيقن أن لست بالياقوت
إن نقّر خفيفا على دفوف الأرض أجاد، وحرّك بإيقاع حوافره الجماد، ففارسه ما برح ينتشي بهذا الكميت ويطرب، فكأنه تحت راكبه آلة للطرب. حجازي يفرح القلب بعقيقي لونه الشريق، وكيف لا (5) وطينته مجبولة بسفح وادي العقيق.
يمازجه من العربيات كميت: لم ترض بنت بسطام لها مرادفه، ولو عاصرتها لاستحالت وأمست كجسم الشنفرى عند ما ولّت وهي خائفه، وإذا ضلّ راكبها في ليل ذوائبها عند المسرى، رفعت له أشعّة جسمها ألوية حمرا.
قال الشهاب محمود (6):
ومن حبشي أصفر (7)، يروّق العين ويشوّق القلب بمشابهته (8) العين، كأن الشمس ألقت عليه أشعّتها جلالا، وكأنه نفر من الدجى فاعتنق منه عرفا واعتلق أحجالا، ذي كفل يزين سرجه، وذيل يسدّ إذا استدبرته منه فرجه. قد أطلعته الرياضة على مراد راكبه وفارسه، وأغناه نضار لونه ونضارته عن ترصيع قلائده وتوشيع ملابسه. له من البرق خفة وطئه وخطفه، ومن النسيم طروقه (9) ولطفه، ومن الريح هزيزها إذا ما جرى
__________
(1) موقف: ها: موضع.
(2) لموضوعها: بر، قا: لمولودها.
(3) أصلي نار: طا: أصلي نار.
(4) بياقوتي: بر، قا: بياقوت تو: ما قوي ها: ما فوق.
(5) لا: ساقط من بر، قا.
(6) إضافة في تو، قا: رحمه الله تعالى.
(7) «حسن التوسل»، (طبعة القاهرة)، ص 142 (طبعة بيروت)، 359358.
(8) بمشابهته: «حسن التوسل»، (طبعة القاهرة) ص 142: مشبهته (طبعة بيروت)، ص 358: بمشابهة تو: بمشاهدته.
(9) طروقه: بر، قا: ظرفه «حسن التوسل» (طبعة القاهرة): لين مروره (طبعة بيروت)، ص 359: [لين] طروقه.(1/140)
شأوين وابتل عطفه. يطير بالغمز، * ويدرك مواضع الرياضة بالرمز * (1)، ويغدو كألف الوصل في استغنائه (2) مثلها عن الهمز.
قال الشيخ جمال الدين ابن نباتة (3):
ومن حبشي أصفر، يسرّ النظّار، ويسمو على النضار، ويشوّق البصائر وربما شق على الأبصار، ويخفق وراءه حتى قلب البرق إذا لزّ معه في مضمار. كم أسمع وقعه في ليل السرى من سمر، وكم نقش بنعله ظهر جبل فجاء كما قيل نقشا في حجر. تطلع سماء الطلب أهلة هو وعيدها، وإذا امتطاه عازم رأى الأرض تطوى له ويدنو بعيدها.
كم حسن خبرا وخبرا، وتأثيرا وأثرا، وكم عشى إلى نار سنابكه طارق، فأجزل له من صيده القرى. كأنما خلع عليه الدهر حلّة ذهب، ووهبته صفرة لونها الراح حتى تحلّى بالحبب، ولو أمكن أوّل الفجر لما سمي في زمانه بالسرحان، ولو كتب اسمه على مقدم كتيبة قرنها اليمن والأمان.
انتهى استطراد الشيخ جمال الدين ابن نباتة في وصف الخيل إلى هنا.
قال القاضي شهاب الدين ابن فضل الله:
ومن حبشي أصفر (4):
كأنما علق سبج (5) بديناره، وامتد خيط من الليل في أصيل نهاره، لا يفوته ما أراد من التحصيل، ولا ينكر له إذا كان كريما وهو أصيل.
وتدانيه {صَفْرََاءُ، فََاقِعٌ لَوْنُهََا تَسُرُّ النََّاظِرِينَ} (6)، وتسوء المناظرين (7)، كأنها سبيكة ذهب أفرغت، أو في ورس (8) المغرب قد صبغت (9)، لا تزال تتجمّل بها الكتائب
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من نب.
(2) استغنائه: با، قا، نب: استغنائها «حسن التوسل»: استغناء.
(3) إضافة في ها: رحمه الله تعالى.
(4) «التعريف بالمصطلح الشريف» ص 329.
(5) سبج: تو: صبح.
(6) سورة البقرة 1/ 69.
(7) المناظرين: ها: الناظرين.
(8) ورس: طب، نب، تو: روس «التعريف بالمصطلح الشريف» ص 218: ورش.
(9) ورس المغرب قد صبغت: طب: روس العرب قد صيغت.(1/141)
المنصوره، وتتقدم الجنائب صفراء (1) كأنها رايات (2) السلطان المنشوره.
قلت (3):
ومن حبشي أصفر، هو خلوق السوابق يوم البرهان، وإذا تحلّت به قلادة قالت:
«أنا من أطواق الذهب وقلائد العقيان». صلّت الجيوش خلفه وقدمته للإمامة، فلولا أنه من الخيول السوابق لقلنا عند طيرانه: «هذا الحبشي ابن حمامة». ما برح (4)
بسرعة (5) قربه يرغم أنف النوى، وكيف لا وهو الصالح الذي له خطوات (6) في الهوى، ما لمع نضار لونه وأشرق (7) عرفه (8) بالشعائر العباسية، إلا قرّ قلب الجيش بالعلم المعتضدي والراية المؤيدية. ودّت ملوك بني الأصفر تدبيج بحرها الأزرق بصفرته. وهو أبو صفرة العربي، فلم يرض عجمة الفرنج لعربيته، وشبّه القاصرون صفرة لونه بالورس، وهو تشبيه سافل بالإجماع. وما علموا أنه سما براكبه حتى التقم قرص الشمس. وهذه الصفرة من جرم ذلك الشعاع، لم يرض لجين الهلال سرجا على أصيل نضاره المغرق، واختار خيط الصبح قلادة علما بأنه يصير بليل ذوائبه أبلق. وهو الجزار لتقطيف شوارد الوحش بخنجر نعله إذا هاج، وإذا حاضرته ليلا تأدب وكان في محاضرته لمعة السّراج.
ولقد صحت معه علة الضم بحبشية (9) لو أدركها ابن فضل الله لقال:
«هذه ذهبية العصر» وسمح بصرف تلك الذهبيه. تعرب في أبيات العرب إعرابا (10)
__________
(1) صفراء: ساقط من تو ومن طبعة التعريف
(2) رايات: تو: سرايات طب: راية التعريف لابن فضل الله العمري ص 218: رأية.
(3) قلت: لد، طا، نب: قال شيخنا العلامة الشيخ تقي الدين ابن حجة. با: قال شيخنا الشيخ تقي الدين ابن حجة طب: شيخ تقي الدين نب حجة قا: قال المقر التقوي تغمده الله برحمته بر، قال المقر التقوي ها: قال الشيخ تقي الدين ابن حجة رحمه الله تعالى.
(4) برح: طب: برحت.
(5) بسرعة: نب: من سرعة.
(6) خطوات: بر، قا: الخطوات.
(7) أشرق: نب: أشعر.
(8) عرفه: طب: غرته.
(9) بحبشية: طب: بجنسيه ها: بجنسه.
(10) إعرابا: قا: أعيانا.(1/142)
يبرد عنده (1) الفرّاء، وما علا صهوتها غير فارسها إلا لعبت به الصفراء. خطرت بملاءتها الذهبية فأدركت بأحشاء البرق لهبا، وسلبت سويداء القلب لما تقمّعت (2)
بأحداق الظبا.
قال شهاب الدين محمود (3):
ومن أخضر (4)، حكاه من الروض تفويفه، ومن الوشي تقسيمه وتأليفه. قد كساه الليل والنهار حلّتي وقار وسناء، واجتمع فيه من البياض والسواد ضدان لما استجمعا حسنا. ومنحه البازيّ حلّة وشيه، ونحلته (5) الرياح ونسماتها قوّة ركضه وخفّة مشيه. يعطيك أفانين الجري قبل سؤاله، ولما لم يسابقه شيء من الخيل أغراه حبّ الظفر بمسابقة خياله، كأنه تفاريق شيب في سواد عذار، أو طلائع فجر خالط بياضه الدجى فما سجا. ومازج (6) ظلامه النهار (7) فما أنار، يختال لمشاركة اسم الجري بينه وبين الماء في السير كالسيل. ويدل بسبقه على المعنى المشترك بين البروق اللوامع وبين البرقية من الخيل، ويكذّب المانويّة لتولد اليمن فيه بين إضاءة النهار وظلمة الليل.
قال القاضي شهاب الدين ابن فضل الله (8):
ومن أخضر (9)، لم يبعد عليه أرب، أخضر الجلدة من بيت العرب، يطلع في كمام الزهر نوّارا، ويقدح من الشجر الأخضر نارا. إذا أمّ نازحا اقترب، وإذا بلّله الركض جرّ ذيله على المجرّة وملأ الدلو إلى عقد الكرب.
__________
(1) يبرد عنده: بر، قا: يبرد عنه ها: يرد عنه تو: ببردعته.
(2) تقمعت: نب: تقنعت.
(3) أضافت تو، ها، قا: رحمه الله تعالى.
(4) «حسن التوسل» (القاهرة)، ص 143 (طبعة بيروت) ص 359.
(5) نحلته: طب: تحلته.
(6) مازج: طب، نب، بر، تو، ها، قا: ما برح.
(7) النهار: ساقط من تو، ها.
(8) أضافت تو، ها، قا: رحمه الله تعالى.
(9) «التعريف» ص 328.(1/143)
تتلوه خضراء:
عجّلت بالسراء، وأقامت عذر بني أمية في حب الخضراء.
قلت (1):
ومن أخضر، يمتد على وجنات الأرض كالعذار، ويهنئ راكبه بالعيش الأخضر وفصل الربيع واعتدال الليل والنهار، قالوا: «أسل عنه أما (2) أبصرت عارضه في الخد أخضر؟» قلت: «النفس خضراء». وكم قلت عند ما قابلت به القوم وقد كثرت القتلى ورخصت الأسرى: [من الطويل]
خذوا حذركم من خارجيّ عذاره ... فقد جاء زحفا في كتيبته الخضرا
يسبق اللمح في تصوّره فلم نتصوّره (3) إلا فكرا، وكم قال له جواد: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى ََ أَنْ تُعَلِّمَنِ} (4) فقال له هذا الخضر: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} (5). استوعب صفات أمرئ القيس في جواده ولم يشك بعبرة (6) كجواد عنتر. وما أمّ في جهاد إلا صلّت السيوف في محاريب الدروع وتهلل فارسه بالنصر فكبّر. كم نزّهنا بعيونه في الروضة المحدقه، وعجز الآس أن يتوصل إلى أذنه بورقه. شجرة ما برح ورق الحديد الأخضر يجني منه ثمرات النصر بأعاليها، وقصيدة نظمت على بحر الخبب فأبدت لنا المرقص والمطرب من معانيها. ما النظم بحر ألأك بأمواجه إلا وكان نعم السابح، وما قدح بيده في ظلمة النقع إلا قال كليم الحرب: «آنست نارا بلا قادح»، أنسى طيب حديثه ذكر قديم الخيل يوم السباق، فإن أنكره جياد عصره قلت لهم: «فإليكم هذا الحديث يساق».
__________
(1) قلت: لد، طا، نب: قال شيخنا العلامة الشيخ تقي الدين ابن حجة با: قال شيخنا الشيخ تقي الدين ابن حجة طب: الشيخ تقي الدين ابن حجة بر: قال المقر التقوي قا: قال المقر القوي تغمده الله برحمته ها: قال الشيخ تقي الدين ابن حجة رحمه الله تعالى.
(2) أما: طا: ما بر، با، قا: إذا.
(3) نتصوره: تو، بر، قا، نب: يتصوره.
(4) سورة الكهف 18/ 66.
(5) سورة الكهف 18/ 67، 72، 75.
(6) يشك بعبرة: تو، ها: يشك بغيره بر، قا: يشل بغيره.(1/144)
تقابله خضراء، إذا وقعت فيها النواظر أدهشت فما وجدت من مرجع (1) القهقرى بدّا، ما أزهر ريحانها إلا وكان ديباجة الخضره، ولا جازت (2) الفراسخ إلا قطعتها وفتّتت أكباد جمادها فذابت من الفتره.
قال الشهاب محمود (3):
ومن أبلق (4)، ظهره حرم، وجريه ضرم. إن قصد غاية فوجود الفضاء بينه وبينها عدم. وإن صرّف في حرب فعمله ما يشاء البنان (5) والعنان وفعله ما يريد الكفّ والقدم. قد طابق الحسن (6) البديع بين ضدّي لونه، ودلّت على اجتماع النقيضين علّة كونه، وأشبه زمن الربيع باعتدال الليل فيه والنهار، وأخذ وصف حلّتي الدّجى في حالتي الإبدار والسرار (7). ولا تكلّ مناكبه، ولا يضلّ في حجرات الجيوش راكبه، ولا يحتاج ليله المشرق بمجاورة نهاره إلى أن تسترشد فيه كواكبه. ولا يجاريه الخيال فضلا عن الخيل. ولا تتمسك البروق اللوامع من لحاقه بسوى الأثر، فإن جهدت فبالذيل. ولا يملّ السرى إلا إذا ملّه مشبهاه (8) النهار والليل. فهو الأبلق الفرد، والجواد الذي لمحاربه (9) العكس وله الطرد. قد أغنته شهرة نوعه في جنسه عن
__________
(1) مرجع: ها: موضع.
(2) جازت: نب: جاورت.
(3) قال الشهاب محمود: بر: الشهاب محمود إضافة في تو وها: رحمه الله تعالى قا: قال شهاب الدين فضل الله (!)، رحمه الله تعالى وفي هامش نسخة تو ما يلي: يقول العبد المصطفى محب الدين: يحسن أن نذكر هنا قول بعضهم في وصف الخيل: [من الطويل]
ومن كل فضّيّ القميص مدبّر ... يروقك كالقرطاس حبره الحبر
وأشقر حلّاه اللجين حجوله ... وغرّته ثم استبدّ به التبر
وورد كأن الخمر صرفا بجلده ... أصفر فيه يمزج الماء والخمر
وأبلق أعطى الليل شطر أديمه ... فلما تمشّى فيه ضايقه الفجر
وأدهم في أعطافه تعبس الوغى ... وأشهب في أرجائه يضحك النصر
(4) «حسن التوسل» (طبعة مصر)، ص 143 (طبعة بيروت) ص 361360.
(5) البنان: طب: البيان.
(6) الحسن: طب، الجنس.
(7) السرار: طب: الإسرار، وفي أعيان العصر: الإبدار والإسرار.
(8) مشبهاه: نب: مشبهاة تو، ها: مشبهات.
(9) لمحاربه: طب، ها: لمجاريه.(1/145)
الأوصاف، وعدل بالرياح عن مباراته سلوكها في الاعتراف له جادّة الإنصاف.
قال القاضي شهاب الدين ابن فضل الله (1):
ومن ذي بلق (2)، كأنما هو لابس بردين، أو جامع لضدّين، إلا أنه قد ضم بردا وأرخى بردا، وامتدّ فيه جنح الليل والنهار قد تبدّى.
وتلته بلقاء تسوّي مبلغ خراجها، وتدلّ على تمام الحسن باعتدال مزاجها. قد جاءت (3) وفق ما أراد، وازداد حسنها بما جمعت من البياض والسواد.
قلت (4):
ومن أبلق، كأنه القصر في ميدانه، وكم تلمّظ البرق عند سرعته ولم يتطاول إلى تحريك لسانه. ما لمع بياضه وطابق سواده الذي دجا، إلا عوذتهما ب {وَالضُّحى ََ وَاللَّيْلِ إِذََا سَجى ََ} (5). ما قابل بغرّته إلا نسينا (6) الليلة التي أديمها ذو لونين، وقمرها كتعويذ من لجين، فلو أدركه ابن برد (7) لقال: «لست من هذا الطرح» وأقر لبرده بالعجز والتقصير، وحار من سواده في {وَاللَّيْلِ إِذََا يَغْشى ََ} (8) ومن بياضه في {وَالنَّهََارِ إِذََا تَجَلََّى} (8)
فقال: «ما أنا كشّاف هذا التفسير». كم طار بفارسه إلى جهة وعاد ولم يشعر أهلها بما نقض فيها وأبرم. وإذا سئلت عنه أهل تلك الجهة قالوا: «طائركم معكم، والله أعلم».
وكم حبس أدهم الليل خلفه وهو بقطعة قيد (9) من هلاله مقيّد، إلى أن أقر له بالعبودية واعترف أن الأبلق خير من الأسود. يخفق قلب البرق عند ركضه، ويشكو خلفه
__________
(1) قال فضل الله: بر: ابن فضل الله اضافة في نسخة تو: رحمه الله تعالى قا: قال المقر التقوي تغمده الله برحمته.
(2) «التعريف بالمصطلح الشريف» ص 330.
(3) جاء: طب: جادت.
(4) قلت: لد، طا، نب: قال شيخنا العلامة الشيخ تقي الدين ابن حجة، با: قال شيخنا الشيخ تقي الدين ابن حجة طب: الشيخ تقي الدين بن حجة بر: المقر التقوي قا: قال المقر التقوي تغمده الله برحمته ها:
قال الشيخ العلامة تقي الدين ابن حجة رحمه الله تعالى.
(5) سورة الضحى 93/ 1.
(6) نسينا: طب: نسبت إلى.
(7) هو بشار بن برد العقيلي، أشعر المولدين على الإطلاق، من شعراء الطبقة الأولى.
(8) سورة الليل 92/ 21.
(9) قيد: ساقط من تو، ها.(1/146)
الانقطاع، ويقول: «من لي بوصل هذا النافر وتسليمه عليّ مقترن (1) بالوداع، وكم أومضت (2) لرؤيته ليلا فبهر في (3) بياض صبحه بالشعاع».
ومعه بلقاء: [من الكامل]
عشقت لياليها وأيّام لها ... فكأنما هي أوجه وذوائب
أمكن الله في محاسنها الجمع بين النقيضتين، وكم أبلّت جدة الفراسخ لمّا برزت من ليلها ونهارها في جديدين،
نغم: [من الرجز]
إن الجديدين إذا ما استوليا ... على جديد أدنياه للبلا
عربية لطّفت شمائلها ونسمات حاجر، وكم انقطع خلفها جواد وتعثر بدمعة في المحاجر، وهامت بها النسران فهذا واقع لطردها وهذا خلفها طائر.
انتهى ما استطرده الشهاب محمود في وصف الخيل إلى الأبلق، وانفرد القاضي شهاب الدين ابن فضل الله بوصف الورد والكدش، * فجاريته شيخنا العلامة الشيخ تقي الدين ابن حجة (4) في حلبة وصفهما * (5).
قال القاضي شهاب الدين ابن فضل الله (6):
ومن الورد (7): أحسن (8) ما جني من أغصانه، ورئي (9) من شجر خرصانه، وتسربل
__________
(1) مقترن: تو: مقرن ها: مقرب ساقط من نب وبياض في طب.
(2) أومضت: لد، با: أومضت (كذا) تو، ها، بر، قا: أومض.
(3) فبهر في: با، نب: فبهرني.
(4) فجاريته: طا: فجاراه. شيخنا العلامة الشيخ تقي الدين ابن حجة: طب: فجاراه الشيخ تقي الدين ابن حجة ها: فجاراه الشيخ العلامة تقي الدين ابن حجة رحمه الله قا: وجاراه الشيخ العلامة تقي الدين ابن حجة المشار إليه نب: فجاراه شيخنا العلامة تقي الدين بن حجة.
(5) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(6) إضافة في قا: رحمه لله تعالى.
(7) «التعريف بالمصطلح الشريف» ص 329.
(8) أحسن: طب: أحصن.
(9) كذا في لد وطا وبا بر: رؤي طب، نب، تو، ها، قا: روي وراجع التعريف ص 329والحاشية رقم (1).(1/147)
بما أطلّت فرسانه من دم العدى (1)، وأعرقه الركض فجاء منه الورد مكللا بالندى، يخشى من الأسد الورد إذا تسمى باسمه، ويخشع عروة بن الورد منه فما يدعى إلا إلى أمّه.
ومعه من ذوات نسبه: غراء كأنها مدامة ضحك في وجهها الحبب، أو شفق طلع فيه هلال، وكل هالته من ذهب. يحق لها أن تسبق يوم الرهان، تنشق (2) سماء النقع منها عن وردة كالدهان.
قلت (3): ومعه في الخضره، ورد من العرب منسوب (4) فلا قطعت أيدي الحوادث من أنسابه (5) شجره. يتسامى علوّا فتمنى الشفق أن يكون جلّ قصده. وإذا حدّق لم يرض أن يقابل نرجس النجوم بورده، فهو الورد الذي ليس له شقيق في إصداره ولا في الورود، والجواد الذي يجود بنفسه في المضايق (6) وهذا غاية الجود.
نغم: [من الكامل]
إنّ الكرام بلا كرام (7) منهم ... مثل القلوب بلا سويداواتها
ما ظهر هذا الورد بنضارته ولمعة نضاره، إلا ودّت النجوم أن تفكّ عرى الليل وتكون من أزراره، وقال جوري الشفق وقد حققه (8): «ليته من نصيبي». وقال نهر المجرة: «ليتني من أوراده ليحلو به بين حدائقي الزاهرة مشروبي». نغم: [من الطويل]
إذا اشتاقت الخيل المناهل أعرضت ... عن الماء فاشتاقت إليها المناهل
كم جرى عليل النسيم على أثره ليكتسب الصحة من نسماته الوردية الذكية، وكم
__________
(1) العدى: تو: العدوي.
(2) تنشق: قا: ينشق نب: تتنشق.
(3) قلت: لد، طا، نب: قال شيخنا العلامة الشيخ تقي الدين ابن حجة با: قال شيخنا الشيخ تقي الدين ابن حجة بر: قال المقر التقوي طب: الشيخ تقي الدين ابن حجة قا: قال المقر التقوي تغمده الله برحمته ها: قال الشيخ تقي الدين ابن حجة رحمه الله تعالى.
(4) ومعه منسوب: بر: ومعه ورد من العرب منسوب في الخضرة قا: ومعه ورد من العرب في الخضرة.
(5) من أنسابه: ساقط من طب.
(6) المضايق: طب: الحقائق.
(7) كرام: ها: كريم.
(8) وقد حققه: تو: قد حققته.(1/148)
خدش بشوكة نعله رأس الجبل وكسر ثنيّه، ولهذا خضعت ملوك الخيل الرياضية * بين يديه، علما بأن الورد شوكته قوية، كم رفع فارسه على جوريّ ورده وانتصب * (1)
لخدمته، وحيّاه بالوردة البيضاء من غرته.
ومعه من جنسه من حلا شكلها ونقلها، وناهيك بالحلاوة الوردية، ومن جرى دمع سابق في مضمارها واضطرب، كأنه (2) عند رؤية هذا الورد من الجعليه، ما كللها عرق وداست بتحجيلها على سقيط نجيع قد وقد، إلا قلنا أنها استمطرت لؤلؤا وسقت وردا وعضّت على العنّاب بالبرد. كم أنشأت فارسها فرحة بالسبق وبلغته من الغايات قصده، وحيّته منها بعد النشوة بورده.
قال القاضي شهاب الدين ابن فضل الله (3):
ومن الأكاديش (4) الرهاوين: كل سابق يبلغ الأمد (5) القصيّ، ويخدم ركابه (6) منه الخادم الخصيّ. قد جمع همّة الفحول إلى عدم شغبها، وطار في الحزم لولا إمساكها له (7)
بلببها (8). يتمشى مشية المتمايل، ويظهر على بقية الخيل وهو المتخايل. أهون ما تمرّ (9) به الوحول (10)، وأسهل ما عليه قنن الجبال التي لا يتقحم مشاقّها الوعول. قد أعرق في بني الأصفر فجاء كأنه دينار، ورام في الروم سنا قبس فتلهب كأنه نار. وتكفل براحة راكبه فكانت صهوته أوطأ المهود، وأخفّ ظهرا من جياد العربيات (11) في قطع العقبة الكؤود، كم حام في قلّة شاهق مع النسور، ونزل إلى قرارة واد لا يظن مستوطنه منه النشور.
يتحدّر تحدّر الماء، ويصعد صعود الدعاء المتقبّل فلا يزال حتى تفتح له أبواب السماء.
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(2) كأنه: تو: ركابه ساقط من ها.
(3) إضافة في قا: رحمه الله تعالى.
(4) «التعريف بالمصطلح الشريف» ص 330.
(5) الأمد: تو، ها، بر، قا: المدا.
(6) ركابه: طب: ركايبه.
(7) امساكها له: بر، قا: امساكه لها نب: امساكها إليه.
(8) «التعريف» ص 330: بلبها.
(9) تمر: بر، قا: يمر ها: ثمر.
(10) الوحول: نب: الفحول ها: الدخول.
(11) كذا في جميع النسخ.(1/149)
قلت (1):
ومن الكدش، كل شاعر بالمراد إذا انتظم شمل العدو وظهر، فيأتي في نثر ذلك النظم بالغرائب ولا ينكر لابن الرومي إذا شعر. برع (2) في الروم وكم له في العاديات (3)
من القصص، وإذا نقّر على دفوف الأرض تفرّها (4) كان على ضربه الداخل قد رقص (5)، ولما كان في صهيله بلبل الأفراح، رفرف الباز الأشهب عليه، لأنه الكيلاني الذي له خطوات في الهوى جذبت القلوب إليه. وهو الخادم الذي يأمنه على بنات العربيات من عرفه، لأنه طاهر الذيل، ماش على الطريق، شديد الحزم غزير المعرفه، وإذا لعب في رقعة الأرض كان من العوال بحسن نقله وضياء حسه (6)، ولم يقابله فارس بنقلة ومن الذي يسمح بفرسه ونفسه، ينتظم في سلك راكبه نظما يتحيّر في حسنه الشاعر، ويخترع الفروهية فلم يقع معه (7) عربي على حافر، ويظهر كل يوم لنعومة (8)
جسمه في بذله، ما رأى متعمم فروهيته إلا هام بها ونزل عن البغله.
هذا آخر مجرى السوابق (9).
__________
(1) قلت: لد، طا، نب: قال شيخنا العلامة الشيخ تقي الدين ابن حجة با: قال شيخنا الشيخ تقي الدين ابن حجة طب: الشيخ تقي الدين بن حجة بر: المقر التقوي قا: قال المقر التقوي تغمده الله برحمته ها:
قال الشيخ العلامة تقي الدين ابن حجة رحمه الله.
(2) براع: بر، قا: يسرع.
(3) في العاديات: طا: من العاديات تو، ها: في الغايات.
(4) تفرها: بر، قا: نقرها.
(5) رقص: بر، قا: رفص.
(6) ضياء حسه: بر، قا: صناعة جسه.
(7) معه: ها، بر، قا: منه.
(8) لنعومة: ها: لنجومه.
(9) تو: وبه تم الجزء الأول من كتاب «قهوة الإنشاء» ولله الحمد والمنة على كل حال ها: وبه تم الجزء الأول من كتاب «قهوة الإنشاء»، صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا. وفي الهامش: تم الجزء الأول من كتاب «قهوة الإنشاء» تم تم با: وبه تم الجزؤ الأول من كتاب قهوة الإنشاء للشيخ الإمام العلامة قدوة أهل الأدب وحامل رايته والسبّاق إلى غايته، شيخنا الشيخ تقي الدين ابن حجة، نور الله ضريحه وجعل من الرحيق المختوم غبوقه وصبوحه لد: لا يختلف عن تتمة با إلا في الدعاء الختامي: «متع الله ببقائه». فلا ذكر لتجزئة الكتاب في طا ونب (راجع مقدمة نشرتنا هذه ص 18).(1/150)
الجزء الثاني(1/151)
(27) (1)
توقيع لأبي بكر الجيتي الحنفي بإفتاء دار العدل الشريف عوضا عن ابن السفري وقضاء العسكر المنصور:
ومما أنشأته (2) توقيع المقر التقوي أبي بكر الجيتي الحنفي (3) بإفتاء دار العدل * الشريف عوضا عن ابن السفري * (4) وقضاء العسكر المنصور (5)، وهو:
الحمد لله الذي أعزّ جانب الدين بكل تقيّ وحماه، وخص أبا بكر بالتقديم فأطاعه عاصي المحمدية، وجرى لإمامته على الرأس فسبحان من أجراه، وأعزه بمحمد وكان له نعم الصّديق والصدّيق، وأكرم معه في دار الهجرة مثواه. نحمده على أن زادنا بالإخلاص في الصحبة المحمدية (6) كرامه، ونشكره شكر من مشى على سنن السنة واعترف لأبي بكر باستحقاق الإمامة، ونشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له شهادة يزول بها عند أحكم الحاكمين الالتباس، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أرشدنا إلى التقديم بقوله: «مروا أبا بكر فليصلّ بالناس»، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم مقدماتنا في نتائج الصحبه، وآلة التعريف بالحب الشريف في إخلاص المحبه، وسلم تسليما.
__________
(1) ورد في تو بعد الإشارة إلى نهاية الجزء الأول من كتاب «قهوة الإنشاء» ما يلي: «وأول الجزء الثاني، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلّ على سيدنا محمد وأله وصحبه وسلّم».
(2) ومما إنشأته: طا: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها: ومن أنشائه تغمده الله برحمته طب: ومن إنشائه غفر الله تعالى له بر، قا: ومن إنشائه.
(3) تقي الدين أبو بكر بن عثمان الجيتي الحموي الحنفي المعروف بابن الجيتي («الضوء اللامع» للسخاوي ج 11ص 50رقم الترجمة 130).
(4) ما بين النجمتين ساقط من ها السفري (كذا): ساقط من بر «السلوك» للمقريزي ج 4ص 157:
شهاب الدين ابن سفري، «الضوء اللامع» للسخاوي ج 1ص 307: أحمد بن سفري، شهاب الدين.
(5) «السلوك» للمقريزي ج 4ص 302: 12شهر صفر عام 818و «الضوء اللامع» للسخاوي ج 11ص 50.
(6) المحمدية: ساقط من طا، طب، تو،. ها.(1/153)
وبعد، فأبوابنا الشريفة ما برحت مبنية على الفتح لمن انضمّ إلينا من علماء الإسلام، وتصريعها (1) ما برح بديعا ينتظم به شمل الأئمة الأعلام. فأصحاب ابن إدريس لهم عندنا تمييز وجلال ظاهر، والحنفيّة لما علمنا أن أبا بكر هو عين أصحاب محمد جعلناه مختارا لمجمع برّنا الوافر، وأثبتناه في تأريخنا الذي ما برح عقده ينتظم بجواهر العلماء ويتنضّد، وإذا كان حمويا فهو غير (2) أجنبي من تاريخ المؤيد.
وكان المجلس التقوي أبو بكر ابن الجيتي الحنفي، أدام الله تعالى نعمته، هو الذي علمنا أهليته فأهّلنا غربته، وهاجر إلى أبوابنا الشريفة وكنا له أنصارا وعظمنا هجرته، ونفذنا أحكامه في عساكرنا المنصورة حتى قال له الشرع: «أمض ما تحاوله، واقض قضاء لا يرد قائله». وهو متنصل من وظيفة القضاء ولكن يجب تحلية هذا السيف المتنصل في أيامنا السيفيه، لتبتسم ثغور الطلع بمصر إذا كثرت حولها الفواكه الحمويه.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت مواقفه الشريفة مجرى السوابق في النعم لمستحقّها، وحرما لوفد العلماء من غربها وشرقها، وقبلة يتقدم بها من الفضلاء كل إمام، وروضة بها مقياس العلم الذي يشار إليه بالأصابع وتعقد عليه الخناصر من غير إبهام،
أن يستقرّ المشار إليه في إفتاء دار العدل الشريف وقضاء العسكر المنصور، ومباشرة الأحكام الشرعية على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، لأنه دوحة العلم التي لبلابل الأفهام عليها تغريد وصدح، ونختصر من الإطناب في شكره علما أنه ممن تجاوز قدر المدح. ولكن أردنا أن نجعل فتواه عمدة لأحكامنا الشريفة. نتبرك في مذهبنا بصاحب هو اليوم نخبة أصحاب أبي حنيفة، وهو أفتى أهل العصر فتوّة وعلما. وإذا باشر القضاء داوى علل الأمّة حكمة وحكما، ولقد حصل لأصحاب أبي حنيفة به الفرح (3) بعد (4) قبض صدرهم، وورد عليهم في فصل الربيع فتنزهوا بشقيق النعمان في أكناف مصرهم.
__________
(1) تصريعها: قا: ترصيعها بر: تفريعها ها: تعريفها.
(2) فهو غير: بر، قا: فغير.
(3) الفرح: تو، طب: الفرج.
(4) بعد: ها: بعد ما.(1/154)
فليباشر ذلك على ما عهد من أدواته الكاملة، ويقابل خبرنا (1) من الشكر بأعظم مقابله، ويستظلّ بظلال دوحنا الشريف ويتفكّه من ثمره بقطوف دواني، ويعيش في مصر بعد كافوريّ حماة بالسلطاني، فإنه إذا ورد بحرنا استقل سواقي بلاده مع ما فيها من النهر، ورفع الخلاف في قرار الخاطر بمجاورتنا التي لاحظها السعد وقرّت بها عين الدهر فليتلقّ عصا التسيار (2) ويستحل (3) جناس الأمن بقلبه وقالبه، ويعلم أننا في هذه الهجرة المباركة (4) جمعنا بين أبي بكر وصاحبه والوصايا كثيرة ولكن في علمه ودينه ما يجله عن ذلك، وفي حسن سلوكه ما يرشده إلى أوضح المسالك، والله تعالى يزيد غربته بإكرامنا تأهيلا، ويجعل روض علومه بندى أيادينا الشريفة مطلولا، ويؤيّد أحكامه في عساكرنا المنصورة بالمؤيد، ويقر عينه في أكناف المدينة بمحمد.
* بمنه وكرمه * (5) إن شاء الله تعالى (6).
(28)
توقيع للزيني عبد الرحمن ابن الخرّاط بكتابة السر الشريف بطرابلس المحروسة:
ومنه (7) توقيع المقر الزيني عبد الرحمن ابن الخرّاط (8) بكتابة السر الشريف بطرابلس المحروس:
__________
(1) خبرنا: بر: حبرنا، تو: جبرنا طب: حبها.
(2) التسيار: تو، ها: التيسار، قا: الستيار.
(3) يستحل: طب: يتسجلي.
(4) المباركة: ساقط من ها، بر.
(5) ما بين النجمتين ساقط من بر، قا.
(6) سقط الاستثناء من طا.
(7) ومنه: قا، بر: ومن إنشائه طا: ومما أنشأه طب: ومن إنشائه رحمه الله ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى وعفى عنه.
(8) وهو زين الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد بن سلمان بن عبد الله الحموي الشافعي («الضوء اللامع» للسخاوي ج 4ص 131130رقم الترجمة 343، مع ذكر هذا التوقيع و «المنهل الصافي» لابن تغري بردي ج 7ص 222213رقم الترجمة 1399) 2001387،،.(1/155)
الحمد لله الذي زاد دواوين الإنشاء في أيامنا الشريفة بهجة وزينا، وأقر لأهل الأدب في زمان فاضلها وناظرها عينا، وأوفاهم من جوائز إنعامنا ما كان لهم في ذمة الزمان دينا. * نحمده حمد من سعد في هجرته بمحمد وسما بعلو قدره * (1)، ونشكره شكرا يبتسم كلّ ثغر لبركته وسرّه. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يسجع بها على أفنان العبودية سرّا وجهرا، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من ترسل ونثر كلام الجهّال نثرا (2)، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تواردوا على إنشاء الخيرات بكتابه ورسالته، وشرّفهم في ديوان السعادة بسرّه وصحابته، وسلّم تسليما.
وبعد، فمنهل إنعامنا الشريف قد حلّينا لأهل العلم مورده، لتصير عقود إنشائنا بجواهر ما نثروه منظّمة ومنضّده، وتصبح الأيام الفاضلية بصاحب ديوانه مجدّده، ويشرق في أيامنا الزاهرة صبح الأعشى، وتحلو مواقع التورية بقهوة الإنشاء، وتطلع كل براعة باستهلا لها في أشرف المطالع، وتسكن النزاهة في طباق البديع للمقابلة، فينتزه الناظر والسامع، ويقوم الاستخدام بما يجب عليه من الخدمه، ويزيل الاقتباس بنوره لأهل التلميح كل ظلمه، وتجول خيول الاستطراد فتردّ العجز على صدره، ويحصل لأهل الأدب في زماننا تمكين، فيظهر الافتنان في نظمه ونثره، ويصير للمذهب الكلامي (3) في أيامنا الشريفة ترشيح ومماثلة ومناسبة، ويبرز في توشيح التسليم من غير اعتراض ومناقضة ومواربة، ويجنح العصيان إلى الرجوع والدخول تحت الطاعة، ويسمع القول بموجبه من غير مراجعة في كل براعة، ويزول التجاهل بالعارف، ويصير للتسجيع ترصيع عند إنجازه بالمواقف.
وكان المجلس السامي الزيني عبد الرحمن ابن الخراط (4)، أدام الله تعالى نعمته، ممن في حسن بيانه إيضاح وللسرّ إيداع، وللأدب إليه التفات لأنه بجواهر ترصيعه يشنف الأسماع. وهو الفاضل الذي إذا نظم أزال بسهولة نظمه الإبهام والتوهيم، وإذا نثر عقود النثر فلا فرق بين عبد الرحمن وعبد الرحيم، يحسن في المطالعات والأمثلة الشريفة طيّه ونشره، وهو من الشعراء فما يبعد من القصص إذا علا في تفسيرها أمره.
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(2) كذا في جميع النسخ، وربما كان الأصح: نتر نترا.
(3) الكلامي: ها: الكلام.
(4) الزيني الخراط: طب: فلان.(1/156)
فلذلك رسم بالأمر الشريف * العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي * (1)، لا زالت براعة الطلب منظومة في بديع زمانه بإنعامه (2)، ولا برحت أبوابه الشريفة في تصريع وتشريع لوفود أهل الأدب (3) في أيامه،
أن يستقر * المشار إليه في وظيفة كتابة السر الشريف بطرابلس المحروسة * (4) لأنه ممن يحسن التحبير ويحصل به الاكتفاء والتتميم، ويجمع بين نظمه ونثره للتحمس والترسل، فيحسن الجمع بهذا التقسيم.
فليباشر ذلك ويجعل الاستعانة بالله ليأمن من التنكيت والتعليل، ويصير لشقة الإنشاء به بعد النقص (5) تسهيم (6) وتكميل، ويظهر لبرد الكلام بتفصيله تفويف وتوشيع، ولأصول التهذيب والتأديب (7) مبالغة وترفيع والوصايا كثيرة ولا يخفى على الأديب الفاضل الاحتراس والفرق بين المستوي والمقلوب، وعليه يحسن النسق في جمع الفرائد ليظهر براعة التخلص (8) في عنوان كل مطلوب، لأنه الفاضل الذي إن سكن ثغرا لم يفته شنب بحسن نظامه، أو جاور البحر فالبحور تحت تصريف أوامره في نقضه وإبرامه، والله تعالى يجعل نظم هذا الثغر بحسن أدبه في بلاغة وانسجام، وكما (9) أحسن له الابتداء يعضده بديع السموات والأرض (10) بحسن الختام.
بمنه وكرمه (11) إن شاء الله تعالى (12).
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من طا واسقط ناسخ طب: السلطاني الملكي المؤيدي.
(2) بإنعامه: ها: بأيامه.
(3) الأدب: بر، قا: الإنشاء.
(4) ما بين النجمتين ساقط من طا ها: الى آخره.
(5) بعد النقص: ساقط من بر، قا.
(6) تسهيم: ها: تتميم.
(7) التأديب: طب: التأدب.
(8) التخلص: بر: الصرف.
(9) وكما: قا: وكلما.
(10) والأرض: ساقط من طب، ها.
(11) بمنه وكرمه: ساقط من بر، قا.
(12) سقط الاستثناء من طب، تو.(1/157)
(29)
توقيع للعلائي علي بن المغلي بقضاء القضاة الحنابلة بالديار المصرية:
ومنه (1) توقيع المقر الحاكمي العلائي علي بن المغلي (2) بقضاء قضاة الحنابلة بالديار المصرية (3)، وهو:
الحمد لله الذي أيّد الإسلام بعليّ وجعله أفتى الأمة، وأبقاه عمدة بعد أحمد صاحب الرسالة وأورثه علمه، ففتح لنا أبواب كتاب سنّته وما ترك أمرنا علينا غمّة.
نحمده حمد من رفع الله قدره بشرف العلم وصيّره عليّا، ونشكره شكر من غذاه بلبان العلوم طفلا وآتاه الحكم صبيّا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو أن تكون مقبولة يوم فصل القضاء بين يديه، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي عظّم علماء أمّته، وناهيك بعلي وثنائه الجميل عليه. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ما فيهم إلا من برّز فيما أخذه عنه وفضّل. صلاة تجمع لنا بركتها إن شاء الله تعالى بين العلم والعمل، ما هبت نسمات القبول على العالمين العاملين، دخلوا مصر الآمن بعين العناية آمنين، وسلم تسليما (4).
وبعد، فعلماء هذه الأمة تدقيق (5) البحث في تعظيمهم مسلم، ولزوم إكرامهم واجب لم يتنزل عندنا (6) كلزوم ما لا يلزم، لا سيما الشجرة التي جنى أهل الأصلين ثمرات العلم من فروعها، والتذكرة التي نسبت إليها (7) الحفاظ وفرقت (8) على أغنياء العلماء من مجموعها، وإذا ذكر التفسير (9) فهو آيته وكشاف أسراره، والغوّاص في بحره المحيط إلى قراره، لأنه البرهان الذي يدفع به التعارض، عما يوهم التناقض. إذا سار إليه طالب الغنى
__________
(1) ومنه: طا: ومما أنشأه طب، قا، بر: ومن إنشائه ها: ومن إنشائه رحمه الله.
(2) هو علاء الدين أبو الحسن علي بن بن محمود بن أبي بكر السلمي الحموي الحنبلي المعروف بابن المغلي («الضوء اللامع» للسخاوي ج 6ص 34رقم الترجمة 102)
. 2441666،،
(3) «السلوك» للمقريزي ج 4ص 302: 18، صفر 818هـ.
(4) تسليما: ساقط من بر، قا.
(5) تدقيق: بر، قا: تحقيق.
(6) عندنا: طا: عنده.
(7) نسبت أليها: طا، طب، تو: نسيت (سميت؟) بها، ها: بها نسبت بها.
(8) فرقت: طب، تو، ها: فرق.
(9) كتبت الكلمات بالحروف الثقيلة بالحبر الأحمر في مخطوطة تو.(1/158)
من الإكسير، لم يقف عند زاد المسير، وإذا ذكر الحديث فناهيك بما اتصل إلى علي من أحمد، واستناد الناس إلى ما حرره وأسنده إليه من المسند. والفقه فمغنيه في غاية الافتقار إلى علمه الغزير، لأنه الله أكبر قبلته في هذا العصر وجامعه (1) الكبير. والآداب الشرعية فقد زاد أدبها (2) تنقيحا لما سقطت منه على الخبير، والقراآت فعلمه فيها نافع وعاصم من الزلل، وفي فوائده (3) كثرة على ابن كثير. والخلاف ارتفع الجدل من مسائله واتفق أهله على أنه في طريق المذاهب عمدة الأدله (4)، لأنه أبان الفروق في رؤوس المسائل وأنار عيونها بعلمه الشافي فأزال العلة. والمنطق فمنطقه فيه سعيد وأظهر لنا من مقدماته النتائج المستفاده، والبيان فمفتاح أبوابه في يده وهو مضاف إلى مفتاح دار السعاده. والأدب قالت علماؤه: «هذا قاضينا الفاضل بلا خلاف»، واللغة فهو عينها (5) التي لو أدركها المبرّد فتر عن مجاراتها وودّ أن يكون له من شربها ارتشاف، ولو عاصرها الجوهري تمنى أن يكون لصحاحه انتظام مع جوهرها الشفاف. والعربية فهو فارس ميدانها وقائد عنانها، والتأريخ فهو منتظم شمله ومرآته المنيرة، وكم نزهنا بالحدائق الزاهرة في السيرة، وكم شفى بطبّه الروحاني من العلل المتناهية، وعافانا من سقم الأحاديث الواهية. ولقد تشرّف النيل بالوفاء، في شرف المصطفى. هذا ومواعظه في مدهشها للتوابين كتاب، وتبصرة لأهل البصيرة ولطائف لذوي الألباب. كم أصّل في العلوم فروعا وفرّع أصولا، وزادنا في العقليات معقولا. ولقد ألغينا علوما رأينا تجاوز قدر المدح عن وصفه لها، وإن لم يكن هو صدر هذه الرتبة فمن (6) لها. وأما دينه فمنه تؤخذ الإبانه عن أصول الديانه.
وكان الجناب العالي القاضوي الحاكمي (7) العلائي علي بن المغلي (8)، أعز الله تعالى أحكامه، هو الذي تلخّصت هذه الأوصاف الجميلة من مجموع صفاته، ولمّ شمل العلم
__________
(1) جامعه: طا: مفتاحه.
(2) زاد أدبها: تو، بر، قا: زاد بها.
(3) فوائده: تو، بر، قا: قواعده.
(4) الأدلة: ها: الأدب.
(5) عينها: تو: غنيها.
(6) فمن: تو، طب: من.
(7) الجناب العالي القاضوي الحاكمي: تو: الجناب الكريم العالي القاضوي قا: الجناب الحاكمي، بر: الجناب السامي.
(8) العلائي على بن المغلي: طب: الفلاني.(1/159)
لأهله بعد شتاته، وخطبته عرائس الممالك لنفسها قديما فأبى إلا جبر قلب حماته. ركب الشهباء فخضعت له فرسان الشقراء والميدان. وها هو اليوم نشر علم علمه في الديار المصرية بقوة وسلطان، فالشافعية شهدوا له بالتمييز، ولو لحقه لأقرّ له بالعجز صاحب التعجيز، والحنفية قالوا: «هذا صار به لمجمعنا ثلاثة أبحر وهو بحرها الطويل»، والمالكية قالوا: «هذا مالك العلم الذي تؤخذ عنه النوادر، وهو الذخيرة لنا في البيان والتحصيل»، وأهل مذهبه قالوا: «هذا صارمنا المسلول الذي حصل به الانتصار والرعاية الكبرى، وعليّ أفقه أصحاب أحمد فإذا حكم لم يخالف له أمرا».
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت مدارس العلم ودواوين الإنشاء محفوظة في أيامه الشريفة بعليّ ومحمد، ومؤيدة في كل وقت بالمؤيد،
أن يستقر المشار إليه في قضاء القضاة الحنابلة بالديار المصرية، علما أنه المنتقى لنصيحة الملوك وهو الكافي على التحقيق وكفايته لا تنكر، وبه يحصل التمهيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه رحلة وذكره زاد المسافر في الطريق الأقرب إلى معرفة المذهب، ما أبرز حكما إلا تلقّى الزمان تنفيذه بقبوله وبشره، وما شك أحد أن عليا أقضى أهل عصره.
فليتلق إنعامنا المقنع بتنبيه ليصير لنا من دعاية المحرر الصالح زاد المعاد، ويوضح لنا منازل السائرين على سبل الرشاد، لأن في علومه ما يترنم به حادي الأرواح، إلى بلاد الأفراح،
وليباشر ذلك بسيفه العلوي المجرّد، فقد علمنا أن به تجتمع المفردات وهو المفرد، فقد أقمر به بدر الشريعة وحصل له التمام، واجتمعت فيه الخصال الكاملة وكانت له من الأقسام والوصايا كثيرة ولكن فيه الغنية ومنتهى الغايه، في الإرشاد الواضح إلى الهدايه، والله تعالى يديمه في مصر (1) بحرا ثانيا، ويجعل له عاصي المحمدية (2) له طائعا، ولا برح لمسائل أحمد وعلمه وأخلاقه وآدابه كتابا جامعا.
* والخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه. * (3) إن شاء الله تعالى * بمنه وكرمه. * (4)
__________
(1) في مصر: ساقط من طب.
(2) المحمدية: بر: المؤيدية.
(3) ما بين النجمتين ساقط من بر، قا.
(4) ما بين النجمتين ساقط من طا، بر، قا.(1/160)
(30)
مكاتبة القان شكرا خان حاكم مملكة بوران (ربيع الثاني 818هـ):
ومنه (1) ما كتبت به (2) إلى القان شكرا خان (3) حاكم مملكة توران (4) في شهر ربيع الآخر سنة ثماني عشر (5) وثمان مائة، عند ما رسم به بإعلام القان المشار إليه بما كتب به إلى صاحب اليمن وصاحب تونس قبل ذلك. وهو في الورق المعمول بمصر على قدر البغدادي الكامل، وذرعه بذراع القماش المصري عرض ذراع ونصف، وطول الوصل ذراعان بهامش من الجانب الأيمن ربع ذراع ومن الهامش الأيسر قيراطان هذا غير بيت العلامة، فإنه يكتب البسملة وسطر الخطبة والسطر الثاني من الخطبة بهامش أقل من الهامش المسطور وغايته ثلاثة أصابع مطبوقة وبينهما ألقاب السلطان بهامشين اليمين واليسار ومقدار وسع ما بين الأسطر ثلث ذراع حاشا (6) بيت العلامة، والألقاب الشريفة في بيت العلامة بالمغراة العراقية بقلم المحقق. والطمغاة خشب مدور (7) منقوشة مدورة بما صورته: «السلطان الأعظم المالك الملك المؤيّد أبو النصر (8)» وفي وسطها: «شيخ (9) عز نصره». وباقي الكتابة بقلم الطومار، والخطبة والبسملة بالذهب المزمك (10) وكلما يقع بعد الخطبة (11) من اسم (12) الله تعالى والأنبياء، * صلوات الله تعالى عليهم * (13)، أو (14) اسم
__________
(1) ومنه: طا: من إنشائه فسح الله في أجله طب، ها: ومن إنشائه تغمده الله تعالى برحمته بر، قا: من إنشائه.
(2) كتبت: في بقية النسخ: كتب.
(3) وهو (246،، 154،،).
(4) توران: تو، بر، قا: بوران.
(5) كذا في الأصل، وصوابه: عشرة.
(6) حاشا: بر، قا: خلا.
(7) مدور: ساقط من بر، قا.
(8) الملك المؤيد أبو النصر: بر، قا: الملك الفلاني أبو كذا.
(9) شيخ: بر، قا: فلان.
(10) المزمك: ساقط من بر.
(11) الخطبة: بر: ذلك.
(12) اسم: طب، بر، قا: أسماء.
(13) ما بين النجمتين ساقط من بر وأضافت قا: وسلامه.
(14) أو: تو، بر، قا: و.(1/161)
المقام الشريف أو المكتوب إليه أو الضمائر كتب (1) بالذهب المزمك (2) والطرّة أربعة أوصال، وهو:
بسم الله الرّحمن الرّحيم (3)
لطيف الحمد لله الذي أيّدنا بنصره وأعزّنا بتأييده، وجعلنا مشايخ التحقيق في قواعد الملك فمن قلّدنا شرّفناه بتقليده، فحفظنا الخلف العباسي لشرفه ورعينا (4) حقوق معتصمه ورشيده. نحمده على نشر عدلنا الذي هو بعد الشهيد محمود، ونشكره على أن جعل سيفنا مفرّج الكروب والصلاح بنا في الديار المصرية موجود، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تزيدنا تأييدا في الدنيا وسعادة في الآخره. ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي تشرفنا بنظر مدينته، فهذه بيتها البديع منسجم وهذه روضتها بأغصان منبرها زاهره. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة تدخل ملوك الأرض ببركتها إلى جامع طاعتنا، وتعلن بالتكبير إذا صلّت خلف إمامتنا، وسلم تسليما (5).
أما بعد، فقلوب الملوك إذا صارت أجنادا مجندة للتعارف والائتلاف، انعقد الإجماع على خالص المودة وارتفع الخلاف، وصدّقت الرسل وحصل التبرك بكتبها، وأغمدت سيوف العناد وتمتعت على البعد بقربها، ورشفت ألسن الأقلام من ثغور المحابر رضاب الموده، وتغزلت (6) في وجه كل طرس ورقمت (7) بعوارض السطور خدّه. وقد أهدينا هذه الرسالة مشحونة بالرضى ومواقع التسليم، وأتحفناكم من بديع الإنشاء بما كتب بماء الذهب، وخصّيناكم من مصاحبتنا بالتقديم، حتى صلى القلم بمحراب الطرس لهذه الرسالة وسلّم، وجاء النسيم لأخبار قبولها يتنسّم (8)، وطرب
__________
(1) كتب: بر، قا: يكتب.
(2) المزمك: بر: أيضا.
(3) أسقط كاتب طب البسملة وأضاف كاتب ها التصلية الكاملة بعد البسملة.
(4) رعينا: ها: رأينا.
(5) تسليما: ساقط من بر وقا ها: تسليما كثيرا.
(6) تغزلت: بر، قا: نعز.
(7) رقمت: بر، قا: رقت.
(8) يتنسم: تو، ها: فتنسم.(1/162)
لسجع حمائمها في الأوراق. وعلمنا أنه عليل فلم نثقل عليه في حمل ما تضمنته من الأشواق. ووقفت أئمة الإنشاء لبديع تواريها (1) على قدم تشريفها بالاستخدام، وقالوا: «كلام الملوك ملوك الكلام»، وعرفنا الرسالة بطيب تمسك (2) أرخص قيمة (3) * الغوالي، وتناهى (4) فقصرت على الطعن في صدق ذكائه * (5) العوالي.
ونظمنا في سلكه ثناء تجاوز كقول أبي الطيب قدر المدح والثناء، وأعرب عن بناء قواعد المحبة فأكرم بهذا الإعراب والبناء. فإنّا وإن لم نركم، فقد سمعنا خبركم، * الذي هو بكل فن معلم، (فكان الخبر الذي جلا بصحته ليل كل شك مظلم) * (6)
ونقلته لنا ثقاة (7) الرواة عن مسلم، ولا بدّ أن تشرق نجوم هذه المودة عند مطلع الشمس بالشرق، ويقول الصبح: «إذا أرخت ذوائب سطورها سبقني بياض طرسها (8) إلى الفرق».
وقد سطرناها إلى المقام العالي، السلطاني، الكبيري، الأخوي، القاني، السيفي، سيف الدنيا والدين، ركن الملّة الإسلامية، عماد المملكة الجنكز خانية (9)، ذخيرة الدين، خليل أمير المؤمنين، شكرا خان (10)، زيدت عظمته، ودامت معدلته، تخصه بسلام تتكمل صلاة المودة بتحياته، ويعترف له المسك بالعبودية إذا كاتبه (11) في طي النسيم برسالة من نفحاته، وتناجي شرف علمه أن فرجا الناصر كان على المسلمين شدة، وأن
__________
(1) تواريها: طا: توايرها.
(2) تمسك: طب: مسك.
(3) قيمة: ساقط من تو، ها.
(4) تناهى: تو، قا، بر: تناها طب: سناها.
(5) ما بين النجمتين ساقط من ها ذكائه: تو: ذكائها.
(6) ما بين النجمتين ساقط من تو ما بين الهلالين ساقط من بر أسقط كاتبا طا وطب: «الذي هو بكل فن معلم».
(7) لنا ثقاة: ساقط من بر، قا.
(8) طرسها: بر، قا: طروسها.
(9) الجنكز خانية: تو: الجنكا خانية.
(10) السيفي خان: بر، قا: إلى آخر الألقاب.
(11) كاتبه: طب: كانت.(1/163)
سلّ سيف البغي والزيادة في الحد نقص في المحدود وما أفلح من تعدى حده (1)، كم تعرّض للجناب المحمدي وضاق بكثرة البيّنة والفضاء، إلى أن انتقم منه الحكم العدل، وأنفذ فيه حكم القضاء. * كم حمينا شامه بماضي سيفنا وكلما غضب تراضى، وهو لم يحفظ مع ذلك غير تلقين العناد ونسيان الماضي * (2)، وكم اهتضم حانب الشريعة المطهّرة بثبوت متواتر، ونحن نصبر على ذلك ونخفيه مراعاة لأبوّة الظاهر، ونقول: «لعله يصحو من سكر الشبيبة، ونجد للصبر على ذلك طعما (3) مرّا». وهو لم يرجع عن إتراع كاسات الجهل ولم يزدد إلا سكرا. هذا ومقل سيوفنا قريرة في أجفانها تتناوم عن فعاله، ونقول: «لعله يصاب في كنانة مصر بسهام من الأدعية تطلق عن قسي الركوع لقتاله». إلى أن بحث عن حتفه بظلفه، وأعلنت بشائر الأدعية المستجابة بحتفه، ومشى نحونا بعساكر طلبوا الربح بكثرتهم فكانوا في صفقة الحرب من الخاسرين، وتمسكنا بطيب قوله (4): {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللََّهِ وَاللََّهُ مَعَ الصََّابِرِينَ} (5)، إلى أن ابتسم لنا ثغر النصر الذي ما فاته شنب بثنية اللّجون، وقد خسفت بدور تلك الطوارق في سماء النقع إلى أن عاد كل بدر كامل كالعرجون.
ونحن نكتب بالهندي ونعجم بالخطي وننشئ سجعات ضرب ننثر بها الرّؤوس، ونقيم سوق الحرب التي كلما سعّرت أرخصت بتسعيرها النفوس، إلى أن كسر الناصر ووقع بعد بسط عساكره في قبضتنا الشريفة. ورغبنا قبل الدخول إلى الديار المصرية أن تكون رسائل الملك مسفّرة في الآفاق عن من هو نعم الخلف والخليفة. فلما حلّ ركابنا الشريف بمصر ونحن لنعم الله من الشاكرين، وتلا لسان الحال بباب نصرها: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شََاءَ اللََّهُ آمِنِينَ} (6)، وتحصنّا في استقرارنا بالقلعة المحروسة بالسماء ذات البروج، وصفا قلب النيل وبالغ في الوفاء، وباهى بعد ما شاب وبلّغ الهرم بخضرة عوارض المروج،
__________
(1) هنا قطع كاتب بر نص المكاتبة قائلا: «وهكذا إلى آخر ما ذكره في مفاوضة صاحب تونس برمّته وقد ذكر آنفا ثم قال بعده هنا» وتابع نسخه ابتداء من قول الرسالة: «وأعلمنا المقام الشريف» (راجع الحاشية رقم 1 ص 124).
(2) ما بين النجمتين ساقط من قا.
(3) طعما: بر، تو: طعاما.
(4) بطيب قوله: تو، ها: بقوله تعالى.
(5) سورة البقرة 2/ 249.
(6) سورة يوسف 12/ 99.(1/164)
وماجت بحار الوافدين إلينا من كل فج عميق، وصار كل منهم ماشيا على الطريق، ورعينا خواطر الرعايا بالعدل إلى أن صيرنا (1) لهم في أهل الظلم أمرا ونهيا، وفي أكناف النيل المبارك سقيا ورعيا، فجنح أئمة الدين، وعلماء المسلمين، وأرباب العقد والحل إلى مبايعتنا بالسلطنة المعظمة ليبلغ كل منهم مرامه، وأعلنوا في تقليد إمامة الأئمة بالتكبير والإقامه، وكرروا السؤال في ذلك وقالوا: «هذا أمر يأبى الله إلا أن يفعل»، وأفتوا أن العذر عن قبول ذلك لم يقبل. وفوّض إلينا أمير المؤمنين تفويضا قرّت به عينه وطاب في مهد الأمن منامه، وقال: «هذا نظم يظهر في بيتنا الشريف بديعه وانسجامه»، فلما كان مستهل شعبان المكرّم سنة خمس عشرة وثمانمائة، استخرنا الله تعالى وجلسنا على تخت الملك الشريف وقمنا على قدم الاجتهاد في مصالح هذه الأمّة، وكشفنا عنهم غمّة الظلم والجهل قائلين: {لََا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} (2).
هذا وسيرتنا بفتوح الشام عن العلوم الشريفة غير خافيه، وإهباط نوروز بعد عصيانه وترفّعه بطارمتها إلى الهاوية، وقد أصلاه الله نار (3) الحجيم {وَمََا أَدْرََاكَ مََا هِيَهْ نََارٌ حََامِيَةٌ} (4). ولا يخفى ظهور الأهلّة من مواطئ خيولنا وقد بهرت بالأفق الرومي لمعاتها، * وبدور أخفاف المطي وقد خيّلت في غدير ذلك السراب هالاتها * (5)، وشهب (6) الأسنة وقد زادت سموّا كأنها (7) تحاول ثأرا عند بعض النجوم. والبلاد الرومية وقد تلا لها لسان الحال عند الغلبة {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ} (8). واستطردنا بخيول النصر على ممالكنا الشامية عند العود وقد جعله الله استطرادا بديعا، وحصل به لفّ الشمل ونشر العدل الذي ما برح لتيجان الملوك ترصيعا، وفتح باب الرحمة بالبيت المقدّس فما أبهى ذلك الفتوح وأبرك، وبلغ الهناء الرشد بصدر ذلك الحرم المنشرح وأدرك، وترنّمت حداة مكة بطيب أنغامنا الحجازية،
__________
(1) صيرنا: طب، تو، ها: صار.
(2) سورة يونس 10/ 71.
(3) أصلاه الله نار: طب: أصلاها نار.
(4) سورة القارعة 101/ 10.
(5) ما بين النجمتين ساقط من تو، ها.
(6) شهب: تو: سمّت، ها: سميت.
(7) زادت سموا كأنها: ها: زاد سموا كأنها طب: رأت سموكاتها.
(8) سورة الروم 30/ 21. وأضافت ها: نارا.(1/165)
وأطربت بدور الدوائر على إبطال النوبة النوروزية، وحلا جناس الهناء لأهل مصر بين الأمن والإيمان (1)، ودخلنا بعد ذلك من باب نصرها بقوة وسلطان (2).
وأعلمنا المقام الشريف بذلك ليصير على خاطره الشريف، ولتنوب هذه المفاوضة عن نظرنا في مشاهدة محيّاكم الذي تتفيأ الشمس ظلاله الوريف. * ونستطلع أخباركم، ونستعرض أوطاركم * (3)، واخترنا لتبليغ رسالتنا مجلس الشيخ الأجل الكبير (4) شمس الدين محمد الخوارزمي، أعزّه الله تعالى، والقصد من المقام الشريف المواصلة بمكاتباته، وتجهيز رسله وقصّاده، وتسليك التجّار لتتأكد بذلك أسباب المحبة، وتستمرّ إدامة الأخاء والصحبة، والله تعالى يحفظه ويحرس ملكه بمالك يوم الدين، ويختم تقواه بحسن العاقبة {وَالْعََاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (5).
بمنه كرمه إن شاء الله تعالى.
(31)
مكاتبة جكرا خان صاحب بوران (منتصف ربيع الثاني 818هـ):
ومن الغريب، ما اتفق أنه لما انتهيت من عمل (6) هذه الرسالة التي لم ينسج على منوالها (7) وكتب بها (8) وقرأها المقر الأشرف الناصري البارزي (9) صاحب دواوين
__________
(1) الإيمان: طب، ها: الأمان.
(2) إلى هنا انتهى ما أسقطه ناسخ نسخة بر من المكاتبة.
(3) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(4) الأجل الكبير: طب: الأوحد الكبير ساقط من بر وقا.
(5) سورة الأعراف 7/ 128وسورة هود 22/ 49وسورة القصص 28/ 83.
(6) انتهيت من عمل: طا: انتهى سيدنا ومولانا الشيخ تقي الدين منشي ديوان «الإنشاء الشريف» أعزه الله تعالى من عمل قا: انتهى سيدنا الشيخ تقي الدين المشار إليه من عمل طب: أنتهى سيدنا ومولانا الشيخ تقي الدين المشار إليه أدام الله الرحمة عليه من عمل ها: انتهى سيدنا الشيخ تقي الدين المشار إليه تغمده الله برحمته من عمل.
(7) التي منوالها: ساقط من بر، قا.
(8) ومن الغريب وكتب بها: بر: ومما اتفق أن الشيخ تقي الدين المذكور لما أنهى هذه الرسالة وكتبها.
(9) راجع رقم (1) ص 5الحاشية رقم 2.(1/166)
الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة، تغمده الله برحمته (1)، على المسامع الشريفة (2)، استعظم تجهيزها مع القاصد الذي كان تعيّن للتوجه بها، فبرزت المراسيم الشريفة (3) بادّخارها بالخزانة الشريفة إلى أن يعيّن لها من أمراء الدولة الشريفة من هو أهل لحملها فتجهز على يده. ورسم لي أن أكتب (4) نسخة ثانية في قطع الثلثين وأن لا يتعرض المنشئ، أعزه الله تعالى (5)، إلى لفظ الرسالة المدّخرة، فاخترعت (6) هذه المفاوضة ارتجالا في ليلته وجهزت على يد شهاب الدين ألطن برمق (7) فجاءت مع سرعة الارتجال فريدة الحسن عزيزة المثال، وهي:
الحمد لله الذي أيّدنا في القتال بالفتح وخصّنا بالملك في هذا العصر، وصيّر التأييد لنا لقبا وراعى النظير (8) في الكنية بأبي النصر، وجعل كلّية الأعداء محصورة (9) بجزئية من عزمنا الشريف وناهيك بهذا الحصر. نحمده على أن جعل نظم التهاني في بيوتنا الشريفة مطربا، وتهكم الرثاء (10) في بيوت أعدائنا يضحك منه تعجّبا. ونشكره شكرا أظهر من أفعالنا ما يردّه الفكر لولا مشاهدة الأبصار، وجعلنا وله العزة أعزّاء مصر وأطاع لنا الأمصار، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ليس لسهام الباطل فيمن تدرعّها سهم ولا نصيب، ونشهد أن سيدنا (11) محمدا عبده ورسوله الذي خدمنا حديثه فتأيدنا بهذه الخدمة الشريفة وجاءنا نصر من الله وفتح قريب. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ما منهم إلا من يقول (12): [من الطويل]
__________
(1) تغمده الله برحمته: طا: عظم الله شأنه طب: كان تغمده الله برحمته ساقط من بر، ها، قا.
(2) الشريفة: طا: الشريفة خلد الله ملك سلطانه.
(3) الشريفة: طا: شرفها الله تعالى وعظمها.
(4) رسم لي أن أكتب: في بقية النسخ: رسم له أن يكتب.
(5) أعزه الله تعالى: طب، ها: رحمه الله ساقط من تو، بر، قا.
(6) فاخترعت: طا: فاخترع أبقاه الله تعالى طب: فاخترع رحمه الله: ها، بر، قا: فاخترع.
(7) الطن برمق: قا: الطي برمق، بر: التي برمق، ها: الطز هق.
(8) النظير: ها: النظم.
(9) محصورة: ساقط من بر، قا.
(10) الرثاء: تو: الثريا.
(11) سيدنا: ساقط من بر.
(12) بيت الشعر سقطت منه الكلمة الأولى، وربما كانت: ويأوي.(1/167)
ولو أن الليالي خصومة ... ويمضي ولو أن النجوم مطالبه
صلاة تجعل أطراف رماحنا أنامل في عمر العدوّ وتحاسبه (1)، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فنسمة ودادكم لما صبا القلب في قبولها، وجدناها نسمة خير يتنسّم أطيب (2) الأخبار من تمسك بذيولها، فصدّقنا رسولها وقبلها (3) بعد التسليم ما أسرّه، وأجلسنا تلك المشافهة في الصدر (4) فوق الأسرّه، وقلنا: «هذا مبتدأ وداد لا بد أن يرفع خبره»، وفلك ملوكي (5) تقارن في أفق المحبة شمسه (6) وقمره، وروض أزهر بشقيقين ما للنعمان نضارتهما، ولو استعان بماء السماء، وبحران صارا لمن تفقّه في مذهبنا مجمعا، وقصيدتا مودّة ودّت الشمس أن تكون بينهما (7) مطلعا، وقلنا: «هذه ألفة رحمانية (8) يجلّ قدرها أن توصف» (9)، وتمسكنا بقوله تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ مََا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مََا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} (10) ولكن الله ألّف.
وقد سطرنا هذه المفاوضة إلى المقام العالي، السلطاني، الكبيري، الأخوي (11)، القاني، السيفي، سيف الدنيا والدين، ركن الملة الإسلامية، عماد المملكة الجنكز خانية، ذخيرة الدين، خليل أمير المؤمنين، شكرا خان * (12)، زيدت عظمته، ودامت معدلته، تخصّه
__________
(1) كذا في الأصل.
(2) أطيب: تو، ها: لطيف.
(3) رسولها وقبلها: بر، قا: رسوله وقبلنا.
(4) الصدر: ها، بر، قا: الصدور.
(5) فلك ملوكي: طب: قلك تمولي قا: فلك لمعان بر: ذلك لمعان.
(6) شمسه: بر: نفسه.
(7) بينهما: ها: لما يليهما.
(8) رحمانية: ساقط من طب.
(9) يجل قدرها أن توصف: طا: يجل أن يوصف قدرها.
(10) سورة الأنفال 8/ 63.
(11) السلطاني الكبيري الأخوي: قا: السلطاني الأخوي السلطاني الكبيري: ساقط من بر الأخوي: ساقط من ها.
(12) ما بين النجمتين ساقط من بر.(1/168)
بسلام وتحية، من صدّقهما (1) أمن وسلم، وثناء تشرّف بنا نسبه فقدّمناه وقلنا: [من الطويل]
«إذا كان مدح (2) فالنسيب المقدم» (3)
وتناجي شريف علمه (4) أن أخبارنا المسندة (5) تسلسلت في سطورها بعد سجود الأقلام بجامعها الكبير، وهذه المقدمة لتلك النتيجة التي موضوع منطقنا محمول في أكمل حجم وهو المبني والخبير (6).
وقصدنا أن تكون هذه في صغر حجمها براعة استهلال، ومنها ترقّي أهلّة الودّ إلى درجات الكمال، ويأتي بعدها من المراسلات ما فيها النبأ العظيم، وشراب إخلاصها مزاجه في كأس الإنشاء من تسنيم، وتشوّقاتها تفور مع القطع الكبير بالوصل، ويتصل السمع الشريف بالمسرّة كلما دخل منها إلى فصل.
وقصدنا سرعة الرسول الأول فلم نثقّل (7) بالمفاوضة الكبرى كاهله، وبعدها يصل ما فيه المفصّل فيعرب (8) كل مفعول ويسمّي فاعله. وتحقق (9) ما كان المسلمون فيه من الشدة في أيام الناصر فرج، وقتله بسيف الشرع ما بين معترك الأحداق والمهج، وقيام البيّنة عليه لئلا يقول: «أنا القتيل بلا إثم ولا حرج». وتفصيل ذلك يأتي على القياس في المفاوضة الكبرى، فإنّا أطفأنا فتنته ونار من (10) استأنف فتنة أخرى، وزدنا الإيضاح بيانا في أمر نوروز وما أحدثه على المسلمين بعد فرج من الشدة، وقتله أيضا بسيف الشريعة المطهّرة
__________
(1) صدقهما: تو، بر، قا: صدقها.
(2) مدح: بر: مدحا.
(3) شرح «ديوان المتنبي» للعكبري 3/ 350.
(4) وتناجي شريف علمه: ق: ومن إنشائه من رسالة «وليكن في شريف علمه». (بداية تكملة نص نسخة ق:
راجع رقم 23، حاشية رقم 8).
(5) المسندة: بر: المشيدة.
(6) المبني والخبير: تو، ها، بر، قا: المبنى الخبير.
(7) نثقل: قا: تنقل.
(8) فيعرب: ها: فتعرب طب: فنعرب.
(9) تحقق: تو: نحقق بر: يحقق.
(10) أطفأنا من: بر: أطفأنا نار فتنته ومن قا: أطفأنا نار فتنته ونار من.(1/169)
لمّا تجاوز حدّه، وصيّرنا لفتوح الشام بعده سيرة سارت بها الركبان، وقصصا (1) في الروم حيّرت الشعراء، وأرخصت بنظمها قلائد العقيان. كان العود أحمد، فجلسنا على تخت ملكنا الشريف بعد توليد النصرة بالرمل، واستجلينا محاسن الديار المصرية وأرداف القلعة بارزة لاجتماع الشمل، وتصدّر النيل المبارك فأبرز نهود أهرامه، وأمست عرائس نخيله في حمل، وجاورنا الشافعي وكسرنا بليثه (2) كل كاسر، وابتهج بنا في الخطيري كل خاطر، وتعبد كل خارجي بدخوله إلى الطاعة، وصلى لإمامتنا (3) مع الجماعة، ولم نقصد الإيجاز هنا (4) إلا لتحصيل (5) الالتفات إلى ما يأتي بعده من بديع التتميم والتكميل، ويكون إن شاء الله تعالى جواب الجواب وغاية الغايات في الإجمال والتفصيل.
* وجهزنا بهذه المفاوضة مجلس الأمير الأجلّ الأعز (6) شهاب الدين ابن الأمير علاء الدين ألطن برمق (7)، أعزه الله تعالى، فليس القصد غير إتحافنا باختياراته الشريفة وما يسنح في خاطره الشريف، لتروى أخبار المودّة عن صحة ويردّ الخبر الضعيف * (8)، والله تعالى يشنّف الأسماع بجواهر جوابه، ويؤكد إيمان المحبة برسوله وكتابه (9).
بمنه وكرمه (10) إن شاء الله تعالى
كتب [في] منتصف ربيع الآخر سنة ثماني عشرة وثماني مائة (11).
__________
(1) قصصا: ها، بر، قا: قصصنا.
(2) بليثه: تو: بلينه ها، بر، قا: ببينه طب: بكسر.
(3) لإمامتنا: قا: لأمتنا ق: لامايتنا.
(4) هنا: ها: ههنا.
(5) لتحصيل: ق، تو، ها، بر، قا: ليحصل.
(6) الأعز: طب: الأعز الأخص.
(7) ألطن برمق: قا: ألطي برمق.
(8) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(9) كتابه: سقطت بقية الرسالة من بر.
(10) بمنه وكرمه: ساقط من قا.
(11) سقط التاريخ بأكمله من قا.(1/170)
(32)
توقيع العلمي داود بن الكويز المؤيدي بنظر الكسوة الشريفة (1جمادى الأولى 818هـ):
ومنه (1) توقيع الجناب العالي القاضوي (2) العلمي داود بن الكويز المؤيدي (3)، * ضاعف الله نعمته * (4)، بنظر الكسوة الشريفة في أول جمادى الأولى سنة ثماني عشرة وثمان مائة (5)، وهو:
الحمد لله الذي كسا بيته ثوب جلال أمن من تعلّق بأذياله، ورفع له علما يأوي إليه من نفر من (6) بين العلمين وتفيّأ (7) بظلاله، وأيقظ له ناظرا حسنا ليطيب التغزل في حسن ناظره وأسود خاله. نحمده حمد من شعر باستخدامه في نظم هذا البيت فأعرب عن بديعه، وبالغ في حسن التجنيس (8) بين توشيحه وتوشيعه، ونشكره شكر من صان الله محاسن بيته بستره الجميل، وجعل لوفده محملا من برّه فيه البرهان لفضله والدليل، وسبّل ندا يديه في هجير تلك المهامه لأبناء السبيل، وشدّت (9) حداة الركائب (10) تترنم بذكره في الحجاز وقدود (11) المحامل من الطرب تميل، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من تحلى (12) البيت العتيق بجديد ملابسه، وأبرزه (13) في شعاره الأسود وما أبهج
__________
(1) ومنه: طا: ومن إنشائه أمتع الله ببقائه في عز وعافية ق، ها: ومن إنشائه روى الله أرض الأدب بسحائب فكره طب: ومن إنشائه تغمده الله برحمته بر، قا: ومن أنشائه.
(2) القاضوي: ساقط من بر، قا.
(3) راجع ص 8الحاشية رقم 3.
(4) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(5) في ثمان مائة: قا: في جمادي الأولى من السنة المذكورة ها: أول جماد الاول سنة ثمان عشرة وثمانمائة ساقط من طب.
(6) نفر من: ق: نفى من طب: يفرق.
(7) وتفيأ: طا، ق: ويتفيأ.
(8) التجنيس: بر، قا: التخميس.
(9) شدت: ق: شدة، قا: غدت.
(10) الركائب: تو: الركاب.
(11) قدود: تو، ها: وقد ورد، بر: وقد ودت.
(12) تحلى: ها: تجلى.
(13) أبرزه: تو، ها، قا: أبرز.(1/171)
ضياء البدر في ظلام حنادسه، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي طابت السقاية في المقام على بهجة وروده. فإنه لما ورد إلى الوجود أبرق الأبرق (1) وطاب موصول التشتيت في نار (2) الحمى وزروده، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه نظام هذا البيت الذي هو مديد في الشرف وطويل (3)، وأشبال آساده (4) وناهيك بآساد أنزل الله في عرينها {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحََابِ الْفِيلِ} (5).
أما بعد، فإن خدمة بيت الله الحرام عزّ من شارك بها بني شيبة في عصر الشبيبة، فإنها قربة لها حرمة وهي من رب الحرم قريبة، لا سيما من أرشد بعين (6) العناية إلى النظر في الأموي بالشام، وفي الحجاز إلى بيت الله الحرام. فالأموي لزيادة الخيرات قد فتح باب الزياده والبيت المحرّم قد أمسى بحلله الزاهرة في ربيع وزياده، وصار للركن الشامي أركان وأحكام وعمده، وبلغ الحد إلى أن كلم اليماني بحدّه، وأنشد حسن هذا (7) النظر:
[من البسيط]
ما سرت من حرم إلّا (8) إلى حرم
* وجاور أهل الحرمين فقيل:
«بشراكم يا جيرة العلم» * (9)
وكان الجناب * العالي القاضوي الكبيري العالمي العادلي البليغي الأصيلي المفوهي الأكملي الأفضلي الحجي (10) الأثيلي القوامي النظامي * (11) العلمي داود ابن الكويز
__________
(1) الأبرق: بر: البرق.
(2) موصول التشتيت في نار: بر، قا: موصول التشتيت في بان ق: موصولا لتشتيت في يان تو: موصول التشبب في نار طب: موصول التسبيب في بان ها: موصول السبب (؟: مهمل) ثاني.
(3) الذي هو وطويل: بر، قا: الذي هو في الشرف مديد وطويل تو: الذي هو مديد في الشوق وطويل.
(4) اشبال آساده: طا: اشال اسناده (؟).
(5) سورة الفيل 105/ 1.
(6) بعين: ها: بفض.
(7) هذا: ساقط من ق، تو.
(8) إلا: طا: ليلا ساقط من ق.
(9) ما بين النجمتين ساقط من تو، ها.
(10) الحجي: طا: الحججي.
(11) ما بين النجمتين ساقط من بر، قا.(1/172)
المؤيدي، ضاعف الله تعالى نعمته، هو الذي انتصب للخدمة {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللََّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} (1) وبالغ في خدمة البيوت المقدسة فاختاره الله لبيته المحرم، وهذا مقام توفر في رتب المعالي قسمه، وأكرم به دوحة جلال ما برح السرور (2) حولها طائفا، ومناهل فضل ما برحت سقايتها تحلي للوارد في ثغر قبة الشرابي مراشفا، نعم ما لفرقان الشعراء شرف هذا البيت الذي يخضع المؤمنون في الحج لإعرابه عن تلك المباني، ومن أين للشعراء في جهاتها الست محلّ أنزلت في السبع المثاني؟، وأجيب بمن حج فضله بشعار هذا البيت وهو قاعد بمصر من اليوم وغدا (3)، وتالله لقد حج بهذا البرّ مفردا، ونوّع ملابسه الشريفة بجمل لها تفصيل، ولم يفتقر في كسوة هذا البيت البديع إلى تتميم وتكميل، ولقد دارت كؤوس الهناء بين أهل مروة بالصفاء (4)، ومزجوها بماء زمزم في تلك الحضرة فحصل لأهل مكة بهذا المزاج اللطيف شفاء.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زال نظر أهل البصيرة في أيامه الشريفة ممتدا، ولا برحت حداة المحامل تشدو بذكره الشريف غورا ونجدا،
أن يفوض للمشار إليه نظر الكسوة الشريفة على عادة من تقدمه (5) في ذلك، علما أنه لهدايته ناظر بنور الله، والروح الباصر في عين بصيرته قد نوره الله وجلاه. وإذا نظر في كسوة البيت الشريف أمست عروس جماله في جلوه، وما برحت الشام مشمولة بنظره الكريم، فعلى كلا الحالين هو صاحب الكسوه، وغدا يكفل البيت له وليد الأدعية في حجره إلى أن يبلغ رشد الإجابة، ويصعد به أهل الوقفة فتجري ألسنتهم على ذلك العلم لهذا العلم الذي أعظم الله ثوابه. ولقد شدا (6) الفرح بهذه البشرى بين الحطيم وزمزم، فكان أحلى من السحر الحلال عند ذلك البيت المحرّم، وحج قبل ذلك فلا رباط إلا ونزل فيه بره (7)
__________
(1) سورة النور 24/ 36.
(2) السرور: تو: السرو طب: الشرف.
(3) كذا في الأصل.
(4) أهل مروة بالصفاء: تو، ها، قا: أهل مروة والصفاء.
(5) تقدمه: ها: تقدم.
(6) شدا: تو، ها: شدي، ق: شذا.
(7) بره: ساقط من ق، تو، ها.(1/173)
وحلّ، وأغنى ندى أياديه في تلك الأباطح الحجازية عن الوبل والطلّ، وتفقه في تسليك أهل المناسك وارتفع بهذا العلم لهم أعلام، وهذه الفوائد أخذها قديما عن سلطانه وشيخه الذي هو شيخ الإسلام.
فليباشر ذلك علما أنه ممن تقرّب إلى الله بخدمة بيوته ففاز، ولا بد أن يصير لديباجة هذا البيت بحسن توشيحه مختار دار الطراز، فقد أسعده الله وظهر له في قواعد هذا البيت نظم مفيد، ولا ينكر حسن التوشيح للقاضي السعيد والوصايا كثيرة ولكن علمنا بكثرة التجارب فضله، ولا بدّ بمده لستور هذا البيت الشريف أن يسبغ الله (1) ظله، والله تعالى يكرم مثواه في دار الآخرة بتشييد هذا البيت وقيام شعاره، ولا زالت أنامل برّه تتختّم بخواتم الخير وتنقل أحاديث المحاسن بفصّها (2) في أخباره.
إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه (3).
(33)
توقيع للزيني عبد الباسط بنظر الخزانة الشريفة (16جمادى الثانية 818هـ):
ومنه (4) توقيع المقر الزيني عبد الباسط (5) بنظر الخزانة الشريفة بتأريخ سادس عشر جمادى الآخرة عام ثمانية عشر وثمان مائة، وهو:
الحمد لله باسط الرزق لعبده، ورافع قدر من أودعه الأمانة فحفظها بحسن نظره وسعده، وبسط يده بما أنعم مولاه عليه ولا ينكر لعبد الباسط إذا بالغ (6) في بسط يده
__________
(1) الله: ساقط من طب.
(2) بفصها: تو: لفصها ق، بر: بفضها.
(3) إن شاء كرمه: قا: أنشا الله تعالى بر: آمين.
(4) ومنه: طا: ومن إنشائه متع الله كتاب «الإنشاء الشريف» بحياته في خير وعافية ق: ومن إنشائه متع الله كتاب «الإنشاء الشريف» بحياته ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى وعفى عنه طب: ومن إنشائه عفى الله عنه بر، قا: ومن إنشائه.
(5) هو زين الدين عبد الباسط بن خليل بن ابراهيم الدمشقي («الضوء اللامع» للسخاوي ج 4ص 2724 رقم الترجمة 81وكذلك «السلوك» للمقريزي ج 4ص 382، 507).
. 1931346،،
(6) إذا بالغ: طب: إن يبالغ.(1/174)
ورفده. نحمده حمد من جمّل الله ذاته وجعله بين عباده زينا، * وعلم أنه من أهل النظر فصيّره في وجه الزمان عينا * (1)، ونشكره شكر من حمل الأمانة وقد عرضت على السموات والأرض فأبين، وأدّاها إلى أهلها كما أمر الله وناهيك بهذا الكمال والزين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من باشرها بإخلاص، فزاده الله نظرا يجلو كل غمّه، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين على خزائن الرحمة التي تظهر منها بحسن سفارته تشاريف هذه الأمّه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ليس لهم في حسن النظر مناظر، صلاة ينشرح بها (2) كل خاطر، ويبتهج بها كل ناظر، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فخزائن الملوك ما برحت صدورها مقبولة لعدم الملاحظ، ولا بد أن يكون لها من عيون الأمناء ناظر (3) هو لماضيها ومستقبلها حافظ، لتصحّ (4) نسخ حواصلها عند المقابلة بكثرة اطّلاعه، ويصدق فيها كل جنس حسن على أنواعه، ويحسن نظم ديوانها، وتظهر الفوائد الجمّة من مفتاح بيانها. وأما خزانتنا (5) الشريفة فمنشرحة الصدر قريرة العين بناظرها الحسن، لأن صدره ما برح صندوق سرنا الشريف. فلا بدع إذا أمسى وهو على خزائن ملكنا مؤتمن، لأنها المطالب التي ما فتحت قديما إلا على وجهه الجميل. وإذا كان لذوي الاستحقاق في تشاريفها دين فهو خير ضامن وكفيل، وادّخرته لذخائرها الشريفة فعظمت بأمانته وبجّلت، وظهرت بمجملات تفاصيلها وقد تليت عليها آية الحرس وفصّلت، وأمسى لبدور لجينها وشموس نضارها أفقا زاهرا، ولأكاسيرها بحسن تدبيره جابرا، ولتحف معادنها معدنا، ولطرفها الغريبة موطنا.
* لما كان المجلس العالي القاضوي الكبيري الرئيسي عبد الباسط، أدام الله تعالى نعمته، هو الذي لتعريف هذه الصفات الجميلة آله * (6)، وتكفل لنا بالأمانة فحصل
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(2) ينشرح بها: طا: ينشرح لها.
(3) من عيون الأمناء ناظر: طب: من عنون إلا ناظر.
(4) لتصح: ها: ليصح.
(5) خزانتنا: طب، ها: خزائننا.
(6) ما بين النجمتين ساقط من ها.(1/175)
الوفاء منه بكفالة صدرت عن إصاله، لأنه الجواد الذي ما لغاية كرمه انتهى. وكم جهزناه في مهماتنا الشريفة ولم يكن في كفّه غير نفسه فجاد بها. ما برح يقول الحق في مصالحنا وغيره يتقول، وإذا وصفناه بحسن النظر فبعيد بين الناظر الأكحل وبين من يتكحل، وقد قر بهذا النظر ناظر خواصنا الشريفة فحسن قران البدرين، وتمتع الناس بمحاسنهما وكيف لا وهذا حسن وهذا زين.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت محاسنه الشريفة تتحفنا بكل زين تتزيّن الدنيا ببهجته، ولا برح معروفه أولى بالأقربين من خواصّ دولته،
أن يستقرّ المشار إليه في نظر الخزانة، لأنه ما برح إنسان عينها بحسن نظره، ورفع بها من الابتداء وسارت الرّكبان برفع خبره، وهي قرينته التي ما روّعها الدهر ببينه، * وما برحت تقول عند ملاحظته: «هذا ناظري بعينه» * (1)، لأنه عين الكرام الكاتبين بكتابته وندى كرمه (2) الذي يجف (3) عنده هاتل كل ديمه، وإن ذكرت أفعاله فهي (4) كما قال القائل: «أفعال من تلد الكرام كريمه».
فليباشرها على ما ألفته من جميل صفاته، وكمال أدواته، فإن براعة استهلالها (5)
برعت أولا ببديع نظامه، ولم تخلص إلى مديح غيره ولا تكملت إلا بحسن ختامه والوصايا كثيرة ولكن أمانته على الأسرار والأرواح معلومة، وأحاديثه في إخلاصه وخالص محبته قديمة، فالله تعالى يجعل كل وصف حسن منسوبا إليه، ويجمّله بحسن النظر ويشرفه بنظرنا الشريف عليه.
والاعتماد على الخط الشريف أعلاه إن شاء الله تعالى (6)
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من ق.
(2) وندى كرمه: طب: مذاكرته.
(3) يجف: تو، بر: يحف.
(4) فهي: بر، قا: فهو.
(5) استهلالها: بر، قا: استعلاله.
(6) سقط الاستثناء من طا.(1/176)
(34)
توقيع لفخر الدين محمد بن الصغيّر بالانتقال من وظيفة الاستيفاء بثغر الإسكندرية إلى النظر بها (10رجب 818هـ):
ومنه (1) توقيع شريف بانتقال القاضي فخر الدين محمد بن الصغيّر من وظيفة الاستيفاء بثغر الإسكندرية المحروسة (2) إلى وظيفة النظر (3) بتأريخ عاشر شهر رجب الفرد سنة ثمان عشرة وثمان مائة:
الحمد لله الذي عظّم فخر هذه الأمة بمحمد، وأيّد ذوي الاستحقاق في عصرنا هذا بملك مؤيّد، وجعلهم (4) كالنشب في ثغر الإسلام فأمسى وهو بهم (5) منظّم ومنضّد. نحمده حمد من استوفى شرائط العبودية فزاده الله نظرا، ونشكره شكرا نتنقّل به إلى علوّ الدرجات ونرفع لمبتدأ (6) التنقل خبرا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تزيد مستوفيها نظرا فيمسي وهو بنور الله ناظر، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي باشرنا بحسن نظره فزادنا فخرا نتميز به على كل مفاخر.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة نتعبد بها في محاريب الطروس، وإذا صلّت بها الأقلام تكرر من دمعها النقط وهي خاضعة الرؤوس.
وبعد، فاستيفاء الشرائط في خدمتنا الشريفة يجب أن نرفع فاعله، ونقابله بالجبر (7)
ليسكن في علوّ الطباق (8) بين الجبر والمقابلة، ويصير في ذلك الثغر المحروس ابتساما ولا نقول: «كأنّه»، وتتجلّى به صياغة تلك الميناء فتعقد الخناصر على خواتم هذه الأعمال ويتقلّدها منّه.
__________
(1) ومنه: طا: ومن إنشائه أمتع الله كتاب «الإنشاء الشريف» ببقائه في خير وعافية ق: ومن إنشائه أمتع الله كتاب «الإنشاء الشريف» ببقائه ها: ومن إنشائه عفى الله عنه طب: ومن إنشائه رحمه الله بر، قا:
ومن إنشائه.
(2) المحروسة: ها، ق: المحروس ساقط من بر.
(3) النظر: بر، قا: النظر بها.
(4) جعلهم: تو، ها: جعله ق: جعا (بياض).
(5) بهم: بياض في ق ساقط من تو، ها.
(6) لمبتدأ: طب، ق، تو: للذات ها: اللذات طا: للذات وفي الهامش تصحيح: «لمبتدأ صح».
(7) الجبر: طب: بالخير.
(8) الطباق: ق: الطبقات.(1/177)
ولما كان * المجلس (العالي القضائي الكبيري الرئيسي) * (1) الفخري محمد بن الصغيّر، أدام الله تعالى نعمته، هو الذي تجلو (2) الثغور بذكره المتردّد، وبالغ في استيفاء خدمنا فلا حظناه بنظرنا الشريف فقرّ جفنه وطرف حاسده متسهّد، وصار عينا لناظر خواصّنا الشريفة في ذلك الوجه، وكيف لا وهو ناظره، ولسانا منطلقا في ذلك الثغر وبحرا يزيد على ذلك البحر المديد وافره. وأمسى وهو لأهل الصناعة بحسن تدبيره جابرا، ولتوشيح دار الطراز ناظما فإنه ما برح بدقائقها شاعرا.
وسعت بنو الأصفر في البحر الأزرق إلى جيرة الباب الأخضر، وصار للمغاربة رجل بالتكبير ولهذا الرجل رتبة لا تنكر. وهامت الروم إلى حسن هذا القصص فطارت بأجنحة الغربان، وأمست (3) ميناء الثغر الإسكندري بحسن نظره لسائر الوافدين محلّ الأمان، فإنه البرّ الذي ساد بنظره في مصالح أهل السفن وتبحر، وباشر بتقوى الله فتهلّل وجهه للزمان (4) بهذه المباشرة ومال إلى مطلق جناسها فاستبشر.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت ثغور الإسلام تفترّ في أيامه الشريفة عمّا هو أبهج من بيت المقامات وأبدع، ولا برح من مال إلى نحوه ينتصب للإعراب عن المجد الأثيل (5) ويرفع،
أن يستقرّ المشار إليه في نظر ثغر الإسكندرية المحروس، فإنه فخر الكتّاب الذي ما يعده ذلك الثغر (6) المحروس إلا من نواجذه (7)، وإذا ورد إلى بلده وجاور المالح تحلّى كل (8) ملاح بطيب موارده، وكيف لا وهو لمعة تولد نورها من
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من بر ما بين الهلالين ساقط من قا الرئيسي: ق: الزيني.
(2) تجلو: تو، ها، بر: تحلو ق: تخلو.
(3) أمست: ها: أصبحت.
(4) فتهلل وجهه للزمان: كذا في طا في بقية النسخ: فتهلل وجه الزمان.
(5) المجد الأثيل: تو: المجد الأثير ها: المحبه الابتر.
(6) الثغر: ساقط من بر، قا.
(7) نواجذه: ها: نواخذه.
(8) تحلى كل: ها: تخلى على كل.(1/178)
بدرين، وفخر عظم شرفه بنسبته إلى الحسين (1)، وقد اقتضت آراؤنا الشريفة أن ينقلب إلى أهله مسرورا بعلو رتبته، لتقر الأعين بمحمد إذا حلّ بمدينته.
فليباشر ذلك على ما عهد من أدواته التي ظهر فخرها، ومحاسنه التي ثبتت نسبتها إلى البدرين وسما أمرها والوصايا كثيرة ولكن هو الصعدة التي ما برحت بالقبول مثقّفه، وبآلة التعريف إن شاء الله تعالى معرّفه، والله تعالى يبلغه في أيامنا الشريفة من مأموله كل غايه، ويحسن طباقه (2) في انتقاله من المبتدأ إلى النهايه.
والاعتماد على الخط الشريف أعلاه * شرفه الله تعالى وأعلاه حجة بمقتضاه (3).
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى * (4)
(34 آ)
التقاريظ على السيرة الشيخية لابن ناهض الشامي الشهير بالفقّاعي:
ومن غريب ما اتفق بالديار المصرية بتأريخ شهر شوال سنة ثمان عشرة وثمان مائة، أن الشيخ شمس الدين ابن ناهض الشامي الشهير بالفقّاعي (5) له كتاب موضوع على نمط غريب قد ضمّنه الوقائع المنصورة المؤيدية وأبدع فيه نثرا ونظما. ولما فرغ من تأليفه سمّاه السّيرة (6). وسأل الشيخ الإمام العلامة بدر الدين محمد الدماميني المخزومي
__________
(1) الحسين: طب، قا، ق: الحسنين.
(2) طباقه: ق: طباقاته.
(3) والاعتماد بمقتضاه: ساقط من بر، قا.
(4) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(5) وهو شمس الدين محمد بن ناهض بن محمد بن حسن الجهني الحلبي («الضوء اللامع» للسخاوي ج 10 ص 67رقم الترجمة 226)
(6) نشرنا هذه السيرة تحت عنوان:
). 149220، 1999/ 67 .. .. ((1/179)
المالكي (1) أن يكتب له عليه تقريظا. فالتزم بيمين أنه لن يكتب عليه حرفا إلا أن يكتب الشيخ (2) تقي الدين ابن حجّة (3). وقصد بذلك إبعاده. فلازمني ابن ناهض المذكور ودخل عليّ بجماعة، فلم يسعني إلا الكتابة عليه. فكتبت (4) له تقريظا لم أسبق (5) إلى إبهامه الذي عقدت عليه الخناصر وأشار إليه عدول الأدب بالشهاده، وحكم بصحة الالتزام على الشيخ بدر الدين لأنه مالكي المذهب فكتب وقدّم أبا بكر فحصل له بالتقديم المحمدي سعاده.
* وقد أثبتّ التقريظين هنا ليتفكّه أهل الأدب بالفواكه الحموية، ويحظى بجمل من التفاصيل الإسكندرية * (6). ونسخة تقريظي (7):
الحمد لله ملهم الرشد
وقفت على قواعد الأدب * من هذه السيرة الناهضيه * (8)، فوجدت مطرب لحنها قد أعرب عن التنكيب (9) لأهل النكت الأدبية، ولزمت معها سلوك الأدب لاحتشامها بالصفات المؤيديه. فإنها ما قوبلت بأدب إلا تقوّت بسلطانها، ولا جارتها سيرة مطولة
__________
(1) وهو بدر الدين محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن سليمان القرشي المخزومي السكندري المالكي المعروف بابن الدماميني («الضوء اللامع» للسخاوي ج 7ص 187184رقم الترجمة 440 و «البدر الطالع» للشوكاني ج 2ص 151150رقم الترجمة 428و «شذرات الذهب» لابن العماد الحنبلي ج 8ص 182181وراجع أيضا 21،، (14) 26،،.
(2) الشيخ: طا، ق: شيخنا العلامة الشيخ: طب، ها: الشيخ العلامة قا: شيخنا العلامة ساقط من بر.
(3) تقي الدين ابن حجة: قا: المقر التقوي المشار إليه بر: التقوي وأضافت كل من طا، ق: اسبغ الله ظلالمهما وها: تغمدهما الله برحمته طب: رحمه الله.
(4) فلازمني فكتبت: طا، طب، ق، قا: فلازم ابن ناهض المذكور شيخنا الشيخ تقي الدين ودخل عليه بجماعة فلم يسعه إى الكتابة عليه فكتب بر: فلازم المذكور المقر التقوي وحمل عليه جماعة فكتب.
(5) أسبق: بقية النسخ: يسبق.
(6) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(7) ونسخة تقريظي: طا، طب، ق: قال اسبغ الله ظلاله بر: وصيغة ما كتب المشار إليه ها: قال رحمه الله وعفى عنه بمنه وكرمه قا: وصيغة ما كتب المقر المشار إليه وهو.
(8) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(9) التنكيب: طب، ق تو، بر، قا: التنكيت.(1/180)
إلا كانت قاصرة عن الجري في ميدانها، ولا ذكرت التواريخ المتقدمة معها إلا تأخرت وكبت خلفها، ولا ناظرها ذو قصص إلا ثقل عليه أمرها ونظر إلى قصصه فاستخفّها، ولا بالغ أهل التقاريض في تقاريضهم إلا وكانت دونها. واستحق لها هذا الوصف في ذمة أهل الأدب فاستوفت منهم ديونها. فلو نظر الصفدي إلى هذا التاريخ وراجع النظر في تأريخه لسلخ جلده، أو تصفحه الكتبي لعدّد على تأريخه وما عدّه، أو كاثره ابن كثير لرأى نقصه متزايدا عنده، أو عاصره ابن خلكان لقال: «لم أمازج شراب الفقاعي بخلّي فإن عنده حمضه وبرده»، أو لمحه الذهبي وموّه بتأريخه لقيل له: «هذا ما ينطلي معه»، وعلم أن خلاصة الذهب تظهر بالسبك فهضم من جانبه ووضعه، ولو أدركه البديع لذمّ (1) بديعه وعلم أنه بدعه، أو لحقه الوهراني لرآه في المنام أن حصل له بعد مطالعته هجعه. ونسب هذا التأليف إلى الدولة المؤيدية فصار على أهل الأدب صولة، فلو ناظره مؤلّف بمجلد لقلنا:
«هذا جراب الدولة، تحمّس في شعره وتغالى فما أبقى لنا في سوق الكلام رخصه». فلو زايده أبو تمام لتحقق عجزه وأرانا بنفسه نقصه. نعم هذه الأشعار التي ما زاحمها شاعر ببيوته إلّا تلت له بعد الزلزلة في الواقعه، وتقوم القيامة (2) وهي إلى الحشر مرمية على القارعه، ولقد أقام أوزانها بالقسط ولكن رجحها على القيراطي بفضله، ونقص عنها الراجح الحلّي لأن فيها زيادة على مثله (3). فيا له من شعر قصر عن بحره الطويل (4) كلّ معارض، وكيف لا وناظمه ذو همة عالية وناهض وابن ناهض، ولقد وقف ابن حجّة وقوف معترف أن عنده في نظمه وقفه، وسيكتب المقر البدري على اعترافه فإنه قاضي الأدب * وإمامه الذي صلّت البلغاء خلفه. وفتحت لعلماء الأدب * (5) هذا الباب وأرجو أن يكون فتحه مبينا، وإن رضوا بي (6) براعة يحسنوا (7) الختام، وإذا حصل العلل من هذا المنهل روينا، نعم (8) وقفت وغير خاف عن علومهم الكريمة أنّ شرط الواقف ما يهمل، وامتثلت
__________
(1) لذمّ: طب: لزم.
(2) القيامة: بر: يوم القيامة.
(3) مثله: ق: نقله.
(4) الطويل: طب: النيل.
(5) ما بين النجمتين ساقط من ق.
(6) رضوا بي: قا: رضويي طا، طب، ق، تو، ها: رضوني.
(7) يحسنوا: تو، ها: يحسن.
(8) نعم: ساقط من طب ومكانه بياض قدر كلمة واحدة.(1/181)
مراسيم المصنف مع سلوك الأدب الذي يذوقه من له فيه أعذب منهل، والله تعالى يجمعنا على هذا الشرب لتحلو (1) موارده بالموارده، ولا يحجبنا عن الكلام الذي يحسن السكوت عليه وتتم به الفائده، بمنه وكرمه.
وهذا تقريظ الشيخ الإمام العلامة عمدة المحققين وملك المتأدبين بدر الدين محمد ابن الدماميني نوّر الله مطالع خواطره بشموس الأدب وزواهره (2) وهو:
الله الموفق للصواب
وقفت وأنا لا أكاد أثبت نظري لشدة الخجل، وسألت المهلة في وصف هذه الألفاظ، فإذا هي قد جاءت على عجل، فقلت: «أما المقام الشريف الممدوح عز نصره، ولا زالت تفخر بدولته القاهرة مصره، فملك مدّ على الرعية (3) جناح العدل وحمى بيضة الإسلام، وتواردت على تجريح عداته وتعديل صفاته ألسنة السيوف والأقلام، وسار على أقوم (4) طريق فأذكرنا السيرة * العمريه، وطلع في سماء المواكب كالبدر فقل ما شئت (5) في الطلعة * (6) القمريه، ودعا إلى نسك طاعته فلبّته في ذلك الموقف النفوس، ونادى عداته (7) منادي الحين فأرانا كيف يكون الترخيم بحذف (8)
الرؤوس، ناهيك بها مناقب سرّت القلوب وسارت، ونافست النجوم جواهر الألفاظ في مدحها فغارت، وشملت البرايا بالمنّ والمنح، وقابلت المسيء بالعفو والصفح، حماها الله تعالى من الغير، وجعل صفاتها الشريفة جمال الكتب والسير، بمنه وكرمه».
__________
(1) لتحلو: قا: لتجلوا ق: لتحملوا.
(2) وهذا زواهره: طا: تقريظ شيخنا الشيخ الإمام العلامة عمدة المحققين وملك المتأدبين بدر الدين محمد بن الدماميني أبقاه الله تعالى طب: هذا تقريظ شيخنا الشيخ الإمام بدر الدين محمد بن الدماميني رحمه الله تعالى قا: وتقريظ سيدنا المقر البدري المشار إليه صورته بر: وتقريظ المقر البدري.
(3) الرعية: بر: الرعايا.
(4) أقوم: ق: أقوام طا: أقوام (مع التصحيح: «أقوم» شطب الكاتب على الألف).
(5) فقل ما شئت: طب، تو، ها: فقل ما شيت طا: فقل ما سيت بر: فقلت ما شيت.
(6) ما بين النجمتين ساقط من ق.
(7) عداته: ها: عذابه
(8) الترخيم بحذف: ها: الترحيم بحتف.(1/182)
أما منشئ السيرة فماذا أقول؟ قد رأيت الخطب جليلا، وماذا أصف؟ وقد حمّلني العجز عن الوصف عبئا ثقيلا، هو كبير أناس، مزمّل (1) من البلاغة بأنواع وأجناس، تأتمّ الهداة به كأنه (2) علم، وتروم الأدباء المقايسة به فيقاسون ولكن شدة الألم، له في الأدب صريمة وشهامه، وفراهة الهمة (3) تجريه إلى المقامات الرائقة ولا تعتريه سآمه، وما همّ بتركيب معنى إلا وشرح الصدور بذلك الهمّ، ولا شنّ فارس فكرة غارة إلا وتمّ منها على بيوت الشعراء ما تمّ، طالما أظهر برغم أنوف الحسدة في المجالس فضله، وصعبت الآداب على غيره لكنها أصبحت عليه سهله، وعقل غرائب نكته عما سواه فلله ما أبدع من عقله. كدّر عيش الحلّي بما أبتدعه من العجائب ولا تنكر لمثله تكدير الصفي، واكتفى في ميدان البراعة بجواد فكره الذي جال وهو مكرّ مفرّ وهكذا يكون المكتفي، أتى بألفاظ تأريخية لو رآها ابن الأثير لتأثر، أو ابن سعيد لتعثر (4)، أو ابن بسّام لأصيب منها بالقارعة فعبس وتولّى، أو الحجازي لرمي منها بالداهية التي هدمت ما بناه وثقلت عليه حملا. وكتب خطأ لو لمحه ابن مقلة لأصيب منه بنظره، أو ابن البوّاب لهتك الله ستره. وجاء بأدب لو وازن أحد به الراجح لما أقام الدهر له وزنا ولا رجحه، ولو تأمّل الملحي ملاحة (5) لفظه الذي ما مر مثله بالذوق لقال لسان التعجب: «ما أملحه»، ولو قيس به ابن الرومي المتعاظم، لأنشد الناظم: [من الوافر]
ولو أنّي بليت بهاشميّ ... خؤولته بنو عبد المدان
لهان عليّ ما ألقى ولكن ... تعالوا فانظروا بمن ابتلاني
ولو تشبّه به مادح كافور لعاد من برده بكبد (6) حرّا، ولو كلّف مجاراته (7) صاحب القطر النباتي لقال: «ربنا أفرغ علينا صبرا»، ولو تعرّض ديك الجن لعزائمه في الأدب لما
__________
(1) مزمل: ها: محمّل طب: مزمله.
(2) كأنه: ق: كأنهم.
(3) الهمة: طب، ها: همة.
(4) تعثر: بر: تغير.
(5) ملاحة: تو، ها: ملاحظة.
(6) بكبد: ق: يكيد.
(7) مجاراته: ق: مجازاته بر: بمجاراته.(1/183)
زادته إلا خبالا، ولرأى سطورا تتولد بها (1) المعاني العجيبة والليالي كما علمت حبالى، ولو أصبح ابن قادوس فخّارا بمثل أدبه لقلنا: «حسبه أن يدور في الدولاب»، ولو تسرّع الزغاري (2) إلى نضيد معاني ألفاظه الشاردة لقطعت عليه أذناب الكلاب، ولو تسلق المعمار عليها لعلم أنه ينحت من الجبال بيوتا، أو أبو نواس لقال: «هذا الذي قتل (3) الأدب خبرا (4) وعرف من أين يؤتى»، ولو عورض به ابن ممّاتي لطال على قريحته الميتة النحيب، أو ذكر الصابي لقال الذوق السليم: «ليس بعصرنا من صابّ سوى هذا الأديب»، ولو أدرك آدابه الحكيم (5) ابن دانيال، لعلم أنه ما تخيل نظيرها في الوهم ولا تصور مثلها في الخيال، وإذا كان الأمر كما قال حسان رضي الله عنه:
[من البسيط]
وإنما الشعر عقل (6) المرء يعرضه ... على البرية (7) إن كيسا وإن حمقا
فما أوفر عقل هذا الشاعر وما أوفاه، وما أقدره على تخيّل المعاني الغريبة وأقواه، وما أحمق من قاسه من قرنائه في هذه الصناعة التي تعاطاها بسواه، كم تصوّر معنى في الذهن فأبرزه في الخارج أغرب الأشياء أسلوبا، وكم ركب جناسا إذا ذكر البستي عنده قال الأدب: «دعنا من تركيبه للجناس مقلوبا»، ولقد كنت أرتجي بابا أدخل منه إلى التقريض ففتح المقر التقوي بابا مرتجا، * ونهج الطريق إلى المدح فاقتفيت آثاره واهتديت حيث رأيت منهجا * (8)، أبقاه الله تعالى لإبهام يوضحه، وفساد عاجز يصلحه، والله تعالى يحفظ على منشئ هذه السيرة قريحته التي هي لعجائب (9) الأدب حائزه (10)، ويجعله ممن يسرح في
__________
(1) تتولد بها: طب: تتولد منها.
(2) الزغاري: قا: الزعاري ق: الزغادي طا: الزغاي ساقط من ها.
(3) قتل: ها: قبل بر، قا: قيد.
(4) خبرا: قا: خيرا.
(5) آدابه الحكيم: طب: ادايه الأديب.
(6) ديوان حسان بن ثابت ج 1ص 430: لبّ
(7) البرية: بر، قا: الأنام ديوان حسان بن ثابت: المجالس.
(8) ما بين النجمتين ساقط من النسخة بر.
(9) لعجائب: ق: لنجائب.
(10) حائزة: ق: جائزة.(1/184)
رياض الصدقات الشريفة بما يسوقه إليه من وفور الجائزه (1)، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وكتب المقر المجدي مجد الدين فضل الله ابن مكانس الحنفي (2)، رحمه الله تعالى تقريظا، فهن ثلاث ما لهن رابع، وشفت بذكرها المسامع (3)، وهو:
يا لطيف
نظرت هذه السيرة (4) التي يعرض عنها المعارض، وينزو مؤلفها في رياض الأدب على بكر من سوام المعاني وفارض، فوجدته قد نهض بعبء ثقيل من الكلام وقام، وأوقف البلغاء في مقام العجز إذ شرفها بذكر مولانا السلطان ويعذر العاجز في هذا المقام، خلد الله تعالى ملكه (5) الشريف، وعمّر بعدله المبسوط مدائن فضل ذوات ظلّ وريف، وجعل أيامه الزاهرة تواريخ السعود، ومقام الوفود، ومواسم الكرم والجود، وثبّت قواعد سلطانه على التخوم، ورفع جنابه المعظم على الأفلاك حتى تسير لخدمته ممنطقات بمناطق النجوم (6)، * وأعز دولته عزا يذلّ له الدبر والأملس، ويلبس ثوابه في الأرضين الأطلسين ويختص محله الرفيع من تلك الأفلاك بالأطلس، هناك يتحنى (7) الهلال لتقبيل أقدامه، ويمتد كف الثريا لاستجداء صوب غمامه، ويتضاءل كل منهما فيصير هذا نعل فرسه وهذا حلية لجامه، وملّكه رقاب العباد، وأمضى أحكام سيوفه في أهل العناد، حتى يشهد الدين أنه أقام بحقوقه
__________
(1) الجائزة: بر: الفائدة.
(2) وهو مجد الدين فضل الله بن عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس القبطي الحنفي المعروف بابن مكانس («الضوء اللامع» للسخاوي ج 6ص 173172رقم الترجمة 581) و «شذرات الذهب» لابن العماد الحنبلي ج 6ص 334وانظر أيضا: 7،، (22) 15،،.
(3) وكتب المسامع: طا: وتقريظ المقر المجدي مجد الدين فضل الله ابن مكانس الحنفي أسبغ الله تعالى ظلاله طب، ق: وكتب المقر المجدي مجد الدين فضل الله ابن مكانس أسبغ الله تعالى ظلاله (طب:
تغمده الله برحمته) تقريظا أيضا فهي ثلاث ما لهن رابع وشنفت بحسنها المسامع، وهو قا: وكتب المقر المجدي فضل الله ابن مكانس تقريظا على السيرة المذكورة صورته بر: وتقريظ المقر ابن مكانس.
(4) نظرت هذه السيرة: بر، قا: نظرت إلى هذه السيرة.
(5) ملكه: تو، ها: ملك مالكه.
(6) بمناطق النجوم: تو: بالنجوم.
(7) يتحنى: طا: يتهنى ق، تو: ينحني.(1/185)
نافلة وفرضا، وسعى في مراضي الله فزلزل ديار الكفر سماء وأرضا * (1)، وضاعف ثواب عمله المقبول، وأنطق بشكر لسان (2) العالم حتى ينشد ويقول:
«السيد المالك الملك المؤيد سيف الدين شيخ حوى العليا وأرضاها، وشيّد الدين والدنيا ببيض ظبى (3) إن لم يضاه بها في الحرب أمضاها»، ثم كررت النظر فيها واستنهضت القلم للكتابة عليها حسب سؤال منشئها، ونكس القلم من الخجل رأسه، وصعّد بصريره الخفي أنفاسه، وقال: «لست ممن يجيد في هذا التقريظ (4)
عباره، ولا ينهض بوصف ما جاء به هذا الرجل من متين كلمه الذي ألجم الفحول فكأنما ألقمهم حجاره». فلقد ترفّع قلمه في أرض قرطاس وسما، وأتى من الرقيق بشيء (5) يحسبه الظمآن ما، وقذف الرعب في القلوب بذكر الوقائع فورمت خوفا وشكت مما قذف به ورمى، فلو وازنه (6) القيراطي لثقل في الحقيقة عليه، أو حام على حمى ابن أبي حجلة لفرّ طائرا من بين يديه، أو جلى على ابن نباتة سلاف (7) نظمه لم يقل: «إليّ بكأسك الأشهى إلي»، أو أورى زنده مع الشوي لأحرق قلبه ولم يستحسن منه شي، أو عاصر ابن الساعاتي لم يتلذّ (8) بطيب المنام، أو جارى النصير الحمامي لألقى شعره في سراب الحمام، أو تقدم لزمان أبي تمام وناظمه لعلم الناس أنه غير لبيب، وقال له علماء البديع: «هذا ضدك يا حبيب»، أو ابن حجاج لأظهر فساد عقله (9) السخيف، ورمى بجميع ما قاله في الكنيف، فهو أولى منهم بما جرّه الفضل وجذب، وأحقّ وإن اشتهرت فضائلهم * أن يشهّر (10) بالأدب * (11)، فإنه
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(2) بشكر لسان: طب: بشكره.
(3) كذا في النسختين طا وتو ق: ظبى بر: ظبا قا: ظي.
(4) التقريظ: بر: التقريض.
(5) من الرقيق بشيء: ها: بشيء من الرقيق.
(6) وازنه: ق: قارنه.
(7) سلاف: ها: سلافة.
(8) يتلذ: ها: يلتذ.
(9) عقله: ساقط من طب.
(10) يشهر: ق، تو، بر: يشتهر.
(11) ما بين النجمتين ساقط من طب.(1/186)
لو كلف لغريب من القول لأتى (1) به على كنهه، أو أراد الاعتذار عن قبيح لقام بالعذر عما جاء به وهبّ على وجهه. ولو تصدّى لتهجين حسن لقدر يملأ الطروس بذلك ويشحن، أو حاجج بالباطل من يعرب عن الحق لنهض بحجة (2) واستمر يلحن. فسبحان من أقدره على من تقصر عن إدراكه الأفهام، وتعجز عن تصوره عقول الأنام. ولقد استعفاه القلم من الكتابة خشية من عرض فضائحه، وسأله طيّ هذه الصحيفة خوفا من نشر قبائحه، فأبى إلا إظهار المكتوم، وفض المختوم. فيا خجلتاه لما كتب، ويا فضيحتاه إذا لام الفاضل على ما جاء به وعتب. ولكنه جرى خلف الجوادين السابقين، واقتدى بإمامتهما (3) الذي (4) اعترف حتى برق الآفاق وسراب البقاع أنها ملأت الخافقين. أبقاهما الله مدى الزمان، وأسبغ عليهما غطاء الفضل، وبلّغهما غاية الأماني يوم الخوف والأمان، وأمتع بحياة منشئها الأحباب، وأقر به أعين الإخوان، وبسط أنفس الأصحاب، وألهمنا أجمعين تجنّب ما خفي علينا من عيوبنا، وستر عوراتنا وكشف حجب قلوبنا.
بمنّه وكرمه (5) إن شاء الله تعالى (6).
(34 ب)
صورة فتيا:
وكتب شخص من أهل العلم إليّ في هذا التأريخ يستفتيني في مطارحة وقعت بين فاضلين من أهل العلم والأدب وهي (7):
__________
(1) لأتى: ها: أتى.
(2) بحجة: بر، قا: بحجته طب، ق، تو: بحججه.
(3) إمامتهما: تو: أمانيها.
(4) الذي: بر، قا: التي
(5) بمنه وكرمه: بر: آمين.
(6) إن شاء الله تعالى: ساقط من ق، تو، بر ها: آمين
(7) وكتب وهي: طا: وكتب إلى شيخنا العلامة أسبغ الله ظلاله في هذا التاريخ يستفتيه في مطارحة وقعت بين فاضلين من أهل العلم والأدب وهي ها: وكتب إلى شيخنا العلامة تقي الدين ابن حجة
وهي طب: وكتب إلى شيخنا العلامة رحمه الله وهي قا: شخص إلى المقر التقوي المشار إليه في التاريخ المذكور يستفتيه والأدب وصورة ما كتب بر: وكتب شخص إلى المقر التقوي وصورة فتيا.(1/187)
ما قول من رقّص أرباب الألباب حسن وقع دقّات أدبياته المطربه، ولذّذ أسماع ذوي الاستماع بسماع أحاديث محاسنه الطيّبه، علّامة العصر بإجماع أهل المشرق والمغرب، المبدي من فرائد فوائد قصائده المعنى، المغني (1) المقنع المعرّب المغرب، نضّر الله تعالى (2) به وجه الزمان، وزيّن به مذهب النعمان، في رجل جلس في مجلس (3) فيه أكابر وأعيان علماء، وأعيان أكابر فضلاء (4)، فحكى حاك أن شخصا شريف النسب (5)
كان يحب شخصا اسمه صدقة ففقده يوما وسأل عنه فقيل له: «توجه مع زيد إلى بستان»، فتحيل حتى عرف البستان وجاء إليه فوجد صدقة في طبقة مع شخص بالبستان المذكور، فنظم بيتين وكتبهما وأرسلهما لزيد مع خادم وهما: [من مجزوء الرجز]
يا أهل هذه الطبقه ... هل عندكم من شفقه
لسائل إذا أتى ... يطلب منكم صدقه
فجاءه الجواب بيتين وهما: [من مجزوء الرجز]
يا من أتانا سرقه ... بمهجة محترقه
جدّك يا ذا الفتى ... حرّم عليك صدقه
فقال قائل من حاضري المجلس للحاكي: «الصواب أن تقول: «جدّك يا هذا الفتى» مع أن في قول المجيب «حرّم» بجزم الميم فيه (6) ما فيه»، فخالفه مخالفون وتعصّب عليه متعصبون وقالوا: «الصواب أن يقال: (يا ذا الفتى) وقول القائل (يا هذا الفتى) خطأ» فمن المخطئ ومن المصيب؟، أجب أيها العلّامة الذي صار له في العلوم أوفر النصيب، * أجاب الله سؤالك، وبلّغك في الدارين آمالك * (7).
__________
(1) المغني: ساقط من طب، ها.
(2) تعالى: ساقط من بر.
(3) جلس في مجلس: ها: جلس بمجلس.
(4) فيه أكابر فضلاء: بر: فيه أكابر وأعيان أسقطت ها كلمة «فضلاء».
(5) شريف النسب: بر: شريفا.
(6) فيه: وفي طا فوق هذه الكلمة «كذا».
(7) آمالك: تو: مرادك، وما بين النجمتين ساقط من بر.(1/188)
والذي استفتي عليه هذا المستفتي رجل كبير القدر بالديار المصرية جدا. فجهز إلىّ يسأل (1) عدم التصريح بعيوب المجيب والاعتذار عنه بما هو مشهور من ملكه الأدب، فكتبت (2):
«أقول إن نسيب (3) الشريف مطرب (4) بمشيه في الوزن على القانون، وهو الذي غاص في بحر السلامة حتى شنّف الأسماع بهذا الجوهر المكنون، وسأل فأجابه من له البيت الذي ما برحت قواعده بالإعراب عن الكرم تبنى، وجزاف (5) الكريم لا يوزن ولو شاحح القيراطي في ذلك لم نقم (6) له وزنا، ولله درّ القائل: [من الكامل]
يعطي الجزاف من اللآلي نثره ... وكذا الكريم عطاؤه لا يوزن
ولكن صدقة هذا الكريم لم يطابق سرّها المصون يوما بجهر، ومجاهرة السائل بها وخوضه في مجرى التورية هو الذي أوجب له النهر، ولم يجب بآلة التعريف إلا لإبطال المعنى البعيد على الموّري (7) والوقوف معه على القريب، فإنه لو وافق على التورية ظفر السائل بمراده وقال المسؤول لصاحبه: «قفا نبك من ذكرى حبيب» (8)، فإذا كانت «المجالس بالأمانات» (9) فلا غرو أن الإعراب عن سكون ذلك الفعل الماضي غير مستجاد، فإن الماضي بالنسبة إلى ذلك المجلس العالي لا يعاد، ولقد ذكرت بهذا الرويّ قصيدة موسومة بهذا الاسم الكريم، فعنّ لي أن أدير على هذا الشراب كأسا من لطف مزاجها وحديثها القديم، فأن ملوك الأدب أخلصوا في الطاعة قديما لمخلصها وهاموا سماعا بين مطربها ومرقصها، أولها (10): [من المنسرح]
__________
(1) فجهز إلي يسأل: طا: فجهز إلى شيخنا يسأله طب: فجهز إلى المقر التقوي المشار إليه قا: فجهز إلى المقر التقوي يسأله بر: وقد أرسل إلى التقوي يسأله.
(2) فكتبت: في بقية النسخ: فكتب.
(3) نسيب: ها: نسب.
(4) مطرب: ق، ها: مضطرب.
(5) جزاف: تو، ها: خزائن.
(6) نقم: ق، تو، ها: يقم.
(7) البعيد على الموري: ها: البعيد على البعيد على الموري
(8) حبيب: ها: حبيب ومنزل. مطلع المعلّقه المشهورة لامرئ القيس.
(9) قول بل مبدأ حضاري واجتماعي وخلقي ثابت على مر العصور.
(10) أولها: طب: وهي ساقط من تو، ها، بر(1/189)
سهام جفنيك في الحشا رشقه ... رفقا فما مهجة الشقي درقه
أنفقت عمري وصحّتي شغفا ... عليك والصبر آخر النفقه
جرت دموعي فبلّلت جسدي ... والجسم منّي أرقّ من ورقه
غصن خلاف يميس من خفر ... قلوبنا في هواه متفقه
قوامه في اعتداله ألف ... سبحان من مده ومن مشقه
أمير حسن بقرطه ظهرت ... له جنود لكن من الحلقه
عامر بيت الوصال خرّبه ... وقال: ما أنت هذه الطبقه
قلت له: إنّ جفن مقلته ... تشبه سهما بعجبه رشقه
خفت من القتل رمت (1) أملقه ... سابقني مدمعي جرى ملقه
بدر منير قسيّ برؤيته ... لكن نرى عند خدّه شفقه
قالوا لبدر التمام شمل ضيا ... قلت: وعيش الهوى لقد محقه
وحمّل الصبح من محاسنه ... أثقال نور ولكنه فلقه
وماس في الروض كلّ غصن نقا ... غدا إلى الله رافعا ورقه (2)
وانظر إلى الظبي كيف يرمقه ... ويأخذ الغنج (3) منه بالسرقه
فقيل: والظبي ما يقابله ... فقلت: والله ما له حدقه
والمخلص المقدم ذكره (4):
طرقت (5) باب الجيب والرقبا ... عليّ من خيفة اللّقا حنقه
قالوا: فما تبتغي؟ فقلت لهم ... حتى تخلصت: أبتغي صدقه
والله تعالى يعمّر بيوت أهل الأدب في الأيام المؤيدية، حتى يتفكّه أهل الذوق بالفواكه الشامية، والحلاوة القاهرية».
بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى.
__________
(1) رمت: تو، ها، بر، قا،: رحت.
(2) ورقه: ها: رزقه.
(3) الغنج: ق: القبح.
(4) والمخلص المقدم ذكره: ساقط من بر، قا.
(5) طرقت: قا، بر: أتيت تو: قصدت.(1/190)
(34 ج)
تقريظ على «عمدة المناسك» لولي الدين أقضى القضاة أبي الفتح محمد السكندري القرشي الشافعي:
وكتبت (1) تقريظا للشيخ الإمام العلامة أقضى القضاة ولي الدين أبي الفتح محمد السكندري (2) القرشي (3) على كتابه المنظوم المسمى بعمدة المناسك، تغمدهما الله تعالى برحمته (4)، وهو:
الحمد لله واهب الأدب صعد ابن حجّة إلى عرفات هذه المناسك وفاز بوقفه، وحجّ في ساقة الركب المصري متمتعا بالمحاسن التي أعيت وصفه، وطاف من براعتها بالبيت الذي هو أول بيت وضع للناس في هذا الباب لأبي الفتح، وشاهد أبو بكر معجزاتها المحمدية فبادر إلى التصديق وبالغ في المدح فهي (5) حجّة الحجّاج وعمدة الأدلة إلى تلك المقاصد. ولقد حج مصنّفها فسح الله في أجله بالناس وهو قاعد، وأرانا النسك في نظم هذه المناسك التي بطيب عرفها نتمسك، فقلنا: «وغير بدع لهذا الوليّ إذا تنسك»، ولقد تعبّد بهذا النظم وساد فاعترفنا بالعبودية بين يديه، والذي (6) يرشد المؤمنين إلى الحج من فرقان الشعراء بالنسبة إليه، فإنه أتي بالسحر الحلال في كل بيت عرفنا منه الدخول إلى البيت الحرام. وما زمزم لنا بهذا الزجر (7) إلا ليهيم إلى السقاية في ذلك المقام، نعم هيّمنا بوصف الشعاب المكية إلى الطواف بأبوابها، وهو أمسّ بها (8) منا بهذا الوصف لأنه قرشيّ، «وأهل مكة
__________
(1) وكتبت: طا، طب: وكتب بر: ومن إنشائه تقريظ للعلامة ولي الدين أبي الفتح السكندري الشافعي على كتابه عمدة المناسك ها، قا: ومن إنشائه تقريظ للعلامة أقضى القضاة ولي الدين (مطابقا لما جاء في بر).
(2) السكندري: طب: الإسكندري.
(3) القرشي: طب: القرشي الشافعي إضافة في ها: تغمده الله تعالى برحمته.
(4) تغمد هما الله تعالى برحمته: طا: أمتع الله تعالى ببقائهما طب: رحم الله المقرّظ والمقرّظ له آمين ساقط من قا.
(5) فهي: تو: فهو.
(6) والذي: بر، قا: وما الذي.
(7) الزجر: طب، ق، بر: الرجز طا: الرجر.
(8) بها: ساقط من طب، ها.(1/191)
أخبر بشعابها» (1). وقد فتح أبو الفتح بابا وهو مجازنا إلى طرق التحقيق، فلو كان صاحب التدريب حيّا لقال له: «أوضحت لنا الطريق» فلم يبق للناس اعتماد إلا على هذه العمدة، فإنها قعدت لناظمها وتأخر ابن حجّة عن ذي القعده، فقال: [من البسيط]
يا عمدة الحج يا ذات المناسك قد ... تقبّل الله في ذا (2) السعي مسعاك
وصار ذكراك لي نسكا وتذكرة ... فكيف أسلوك يا حجي وأنساك
ثبت شرف علمها وأعيان العلماء بذلك تشهد، وكيف لا ونسبتها في العلم الشريف إلى الشافعي محمد، فهي يتيمة العصر ولكن لها وليّ يطلب الكفاءة من الخاطب، وما تصفحت سواد سطورها في بياض طروسها إلا قلت: «إن في الليل والنهار عجائب»، فلو أدركه من تأدب من العلماء وتقدم، لصلّى متنسّكا خلف هذه الإمامة ورفع الخلاف وسلم، ولو رأى السبكي هذا النسك (3) لقال: «ما لابن الصائغ في ميناء هذا البحر نزول»، أو ابن الوردي لحقق (4) ذهاب بهجته عند هذا الروض الذي هو بغمام العلم مطلول، وكان الأرّجاني يقول: «إن كنت أفقه الشعراء فهذا أشعر الفقهاء ونسيبه القرشي له نسب». ولو عاصره ابن الوكيل وتأمل بسط قوله لقال متأدّبا: «وعند بسط الموالي يحفظ الأدب»، ولو وقف ابن الصاحب على هذا الديوان لودّ أن يكون له فيه نظر، وقال:
«هذا الفقيه الذي لم يدرك شأوه من العلماء إلا من تفقه وشعر»، ولو أدركه شيخ الشيوخ الأنصاري لكان لمحمد من الأنصار وهاجر إلى هذه الغرائب، أو القاضي الفاضل لحكم بفضله وسجّل حكمه العماد الكاتب، ولقد سمعتها من الناظم، نظم الله به شمل الفضل، فحصل لي سماع يطرب الجماد، وأجازني بها قبل مديحه (5) وهذا هو الكرم الذي لم يصل غاية سبقه جواد. والله تعالى يزيد صياغة هذا السبك بهجة على كل ناظم، ويجعله لأعماله المقبولة من أحسن الخواتم.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى (6)
__________
(1) قول مأثور عند العرب.
(2) ذا: ها: ذاك طب: ذي.
(3) النسك: ق، ها، قا: السبك.
(4) كذا في الأصل.
(5) مديحه: طب، تو، ها، بر، قا: تأريخه.
(6) أسقط ناسخ مخطوطة ق (محمد بن حسن النواجي) النصوص القادمة حتى افتتاح رقم 44من المجموعة.(1/192)
(35)
بشارة عن السلطان الملك المؤيد بحلول الركاب الشريف بالديار المصرية (منتصف ذي الحجة 818هـ):
ومما أنشأته ما كتبت به (1) بشارة عن مولانا السلطان الملك المؤيد، رحمه الله (2)، بحلول ركابه الشريف بالديار المصرية في منتصف ذي الحجّة الحرام سنة ثمان عشرة (3)
وثمان مائة:
أعزّ الله تعالى نصرة الجناب الكريم، ولا زال صدرت هذه المكاتبة وتبدي لعلمه الكريم حلول ركابنا الشريف بالديار المصرية. وقد ابتسمت ثغور أيامنا الشريفة عن شنب النصر، وإعلان المسلمين بالتكبير لانتصابنا في محل إمامتنا بهذا العصر، وجلوسنا على تخت ملكنا الشريف وقد بالغ السرور بمدّه في طباق القصر، وتلي الحمد جهرا من الرعايا لرب الناس، وخرس لسان كل وسواس وخناس، وحمد القوم السرى وقد أسفر صبح التأييد لعزمنا المؤيد، وعدنا إلى محل ملكنا الشريف وكان العود أحمد، وتوشحت خيول التهاني ببردها، ففرح بقربها بعد المشرقين، وخفقت أجنحة البطائق فرحة لنا بملك الخافقين، وثبت عند ملوك الأرض أنّا نقول ونفعل في اليوم القصير والعدد القليل، ما يعجزها أن تقوله وتفعله (4) بجموعها الكثيرة وفي الدهر الطويل، وصار في مطالع القلعة سهولة بعد اقفالها المكلفة، وعلا زجل الفرح في أبياتها عند دخولها إلى الخرجة المشرفة (5)، وأطال الزرع ألسن السنابل وبشر بالإقبال، وظهر الحنوّ من أمهات عصفة والأب على الأطفال، وأطفأنا بغيث العدل ما سعّره الغلاء، وتفرغت خواطرنا الشريفة لإظهاره في الملأ، وسابقت خيولنا المنصورة شهر المحرّم وصفر إلى ربيع مقيم، وتشنّفت بأقراطها وخلعت نعالها تأدّبا عند دوس البساط الوسيم، وقال لها العيش الأخضر: «سقيا ورعيا وريّا»، واتصلت من النيل بمقاطيع عليها سناء الملك ولم تترك لابنه نظما شهيا، وتهلّل جبين السيف فرحة بقربه واتصاله. وذاق العسال حلاوة الفرح بعد طول اعتقاله. وتأدب
__________
(1) ومما أنشأته ما كتبت به: طا: ومن إنشائه فسح الله تعالى في أجله قا: ومن إنشائه ما كتب به بر: ومن إنشائه طب، ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى.
(2) رحمه الله: طا: خلد الله ملكه ساقط من بر، قا.
(3) ثمان عشرة: ق، بر: سبعة عشرة.
(4) تفعله: ساقط من طب.
(5) المشرفة: ها، قا: المشرقة.(1/193)
القوس بعرك أذنيه فلم يحرّك بعدها لسانه، وقالت سهامه عند رؤية مصر: «الحمد لله على القرار في الكنانة»، هذا والفرسان المؤيدية قد هذّبها تكرار النصر فلم يظهر في أعطافه مرح، بل تناسب ما أثّلته من المجد فكأنه ما مر لها في خاطر ولا سنح، ولا تنكر لأبناء أبي النصر سعادة هذا الجد وإبدار هذا الكمال، فلو لم نشاهد منهم ذلك عيانا لكنا نشك في خبر من قال: [من البسيط]
لا يحدث النصر في أعطافهم مرحا ... حتى كأنهم بالنصر ما شعروا
وكم أسقفوا (1) بأعواد عوالينا بيوت المعامع (2)، فقالت الأعداء والسقف المرفوع:
{إِنَّ عَذََابَ رَبِّكَ لَوََاقِعٌ} (3). وكم خطبوا عروس الحرب وقد جليت تحت العصائب، فبذلوا لها النفوس، ومدّوا ألفات رماحهم ولم يرضوا لها من الترويسات بغير الرؤوس.
ولقد بان شغف النصر في حسن شمائلهم عند القتال، وكلما شاهد حربهم تمتّع منهم بلذة الوصال. وكم أشهروا صواعق سيوفنا ولمع برقها وأرعد فأخفت كل صوت، والأعداء يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت. وفي مشاهدة الجناب من مبتدأ أفعالهم ما يغنيه من الخبر، فإنه أول من طرب لجسّ (4) عيدانهم في ذلك المغني على تحريك الوتر، وعاين ما أودعوه بألسنة رماحهم من الأسرار الخفية في الصدور، وقد كسفت شموس البيض وخسفت من الطوارق هالات تلك البدور، ولقد شاركوا الجناب (5) في إخلاص الطاعة لما علموا أنها عليهم من الفرض، وحسمت مادة الذين ينقضون (6) عهد الله من ميثاقهم ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض، ولقد رأينا ألوفا ساعة كسرهم وخلق عمود السيف الأصابع لذهاب نفوسهم، * وشاركوا نوروز في كسره فأمسى باب زويلة مقياسا لرؤوسهم * (7)، فاهتز عود الفرح لهذا الهناء، وحرك به لسانه وشدا، وأخرس الأمن عود الحرب وسل
__________
(1) أسقفوا: تو، ها: استفتوا.
(2) المعامع: بر، قا: المطامع.
(3) سورة الطور 52/ 7.
(4) لجس: تو: بجس.
(5) الجناب: طب: الجنان.
(6) ينقضون: تو، بر: ينقصون.
(7) ما بين النجمتين ساقط من طب.(1/194)
لسانه فلم يكلم منهم أحدا، والجناب أحقّ أن يتمثل بقول القائل عند سماع هذا الهناء وقال: [من الكامل]
وتقاسم (1) الناس المسرّة (2) بينهم ... قسما فكان أجلّهم قسما أنا
فإن هذه النعمة هو أول من يتقلّب فيها، ويتفكّه في ثمارها الدانية القطوف ويجنيها، وقد ثقفنا له صعدة هذه البشرى ليفوز منها بلين المعاطف، ويقف لاستجلاء محاسنها مع علمه الكريم بشروط الواقف، ويأخذ حظه منها بالوافر ويتفيأ بظلالها (3) الوارف، ويقول للقادم بها: «لله در مبشري بقدومكم فلقد أتى بلطائف»، والله تعالى يديم له التهاني لتشنّف جواهرها مسمعه، ولا برحت حلاوات (4) مكررها عنده في كل وقت منوّعه.
إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه (5).
(36)
توقيع للصلاحي إبن الكويز بنظر الديوان الشريف المفرد السلطاني (10صفر 819هـ):
ومنه (6) توقيع المقرّ الصلاحي ابن الكويز (7) بنظر الديوان الشريف المفرد السلطاني، وكتب في عاشر شهر صفر المبارك سنة تسع عشرة وثمان مائة (8):
__________
(1) تقاسم: قا: تقسّم.
(2) المسرة: قا: البشائر.
(3) بظلالها: طب: بظلها.
(4) حلاوات: قا: حلاوة.
(5) بمنه وكرمه: ساقط من طب، بر، قا.
(6) ومنه: طا: ومن إنشائه فسح الله في أجله طب: ومن إنشائه رحمه الله بر، قا، ها: ومن إنشائه.
(7) وهو صلاح الدين خليل بن عبد الرحمن بن الكويز («الضوء اللامع» للسخاوي ج 3ص 197رقم الترجمة 751و «المنهل الصافي» لابن تغري بردي ج 5ص 263رقم الترجمة 1006، 143993، وراجع أيضا «السلوك» للمقريزي ج 4ص 528).
(8) ومنه وثمان مائة: قا: ومن إنشائه توقيع المقر الصلاحي بنظر الديوان الشريف المفرد في صفر سنة تسع عشرة وثمانمائة بر: ومن إنشائه توقيع الصلاحي بنظر الديوان الشريف المفرد.(1/195)
الحمد لله الذي جعل ديواننا الشريف مفردا بصلاحه، وأجرى شقر (1) الأقلام في ميادين الطروس بنجاحه، وأطلق على أجنحة الأوراق بطائق التهنئة مخلّقة بفلاحه، وجعله عين بيوت القصائد في هذا الديوان الذي بحسن ختامه اكتمل، وجانس بينه وبين أخيه جناسا يدخل إلى القلب سمو العلم وصلاح العمل، ولم يضع لنا بحمد الله حساب في تخيّره وقد عقدت على فضله الجمل. نحمده حمدا يكون لنا أصلا يوم الخصم والمناقشة في رفع الحساب على الزلل، ونشكره شكرا نتنزل (2) بوصوله في ديوان القبول * ونستوفي من حاصل الرحمة ما تعلق به الأمل * (3)، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو أن ندخل بها الجنة (4) من غير حساب، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي ملئت الدواوين بمدحه وتشرّفت باسمه (5) الكتّاب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة تملأ الدفاتر، وتوصلنا إلى حسن النظر بنور البصائر، ويزول الفساد بصلاحها، ونستضيء في ظلمات السطور بمصباحها، وسلّم تسليما.
وبعد، فديوان إنشائنا الشريف ما برح محروسا (6) بمحمد وصحابة محمد، وديوان جيشنا المنصور ما برح علمه مرفوعا. ورفع أعلام النصر في الأيام المؤيدية (7) لا يجحد، وديوان وزارتنا الشريفة سألنا في تقيّ فأجبنا سؤاله، وديوان مفردنا الشريف أمّل منا الصلاح فبلّغناه من ذلك آماله. علمنا أنه يعتضد به ويجد بصلاحه هدى، وإذا سئل في غيره قال: «ما كنت متخذا للمضلين عضدا». وحديث أصحاب الخدم القديمة (8) ما برح عندنا مسلسلا، وبرّنا ما زال عن جابر إلى رجال هذا الحديث مرسلا، لتحسن المطابقة في ديواننا الشريف بين الحديث والقديم، وتفوح أعراف فضلنا فيتمتّع بها الأقربون من نسمات قبولها الشميم.
__________
(1) شقر: قا: شقراء.
(2) نتنزل: ها: نتبرك.
(3) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(4) الجنة: طب، قا، بر: إلى الجنة.
(5) باسمه: ساقط من طب، ها.
(6) محروسا: طب: محمديا.
(7) الأيام المؤيدية: ها: أيام المؤيد.
(8) القديمة: بر، قا: الشريفة ساقط من تو، ها.(1/196)
وكان المجلس العالي القاضوي الكبيري العالمي الكاملي المتصرفي المنفذي الصلاحي خليل ابن الكويز المؤيدي، أدام الله تعالى نعمته، ممن تسلسل البحث في إخلاصه وصحّ فانقطعت البحوث، وافترس كواسر الكتاب بين غايات الأقلام بأنامل أعظم سطوة (1) من الليوث، ولازم خدمتنا الشريفة غورا ونجدا، وحرا وبردا، وبعدا وقربا، وسلما وحربا (2)، وهو ميمون النقيبة مبارك الطلعه، سعيد الحركة في كل ذهاب ورجعه، إن أطلق لسان قلمه لم يدر لسان قلم في ثغر محبره، أو ناظم الحسّاب في ديوان أظهر ما ورّوه من الإبهام فيا لله ما أشعره، ولقد ملك بيده البيضاء رقّ السطور السود فهي له من جملة العبيد، ولكن ما منهم إلا صواب وموفّق ومبارك وسعيد.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زال الصلاح مقترنا بأوامره، والأقربون يرفلون في حلل إنعامه، والديوان الشريف يغازل بحسن ناظره،
أن يفوّض للمشار إليه نظر الديوان الشريف المفرد السلطاني على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، علما بأن المفرد لا يناظر إلا بمفرد مثله، وتيقّنا أنّا بحمد الله تعالى ما نضع الشيء إلا في محله، لأنه الناظر الذي يزداد به وجه الزمان (3) محاسنا، والكاتب الذي كم أرانا ردينيّ قلمه في صدور أوراق الكتاب مطاعنا، والحاسب الذي فكّه الديوان من فروع أقلامه بما ثمّره (4)، وجاء به يانعا على أوراقه فأكرم من غصون أقلامه بهذه الدوحة المثمرة. كم أرغم أنوف الحساب وقادها إلى الحق بمخازيمها، وحلّ ما عقدته من الباطل فشدّت للموت حيازيمها، وشرّفت أقلامها بريق المداد وقد أيقنت بقطع الرؤوس، ودفنت في توابيت الأدوية بعد ما أدرجت في أكفان الطروس.
فليباشر ذلك على ما عهد من صلاحه وبركته، وحسن نظره الذي ما برح يدرك شأو كل غامض بيقظته. فإنه إن ساد وبالغ في الخدمة فمنّا وإلينا، وحقوقه القديمة ما
__________
(1) اعظم سطوة: بر، قا: هي أعظم سطوة.
(2) وبعدا وقربا، وسلما وحربا: ها: وقربا وبعدا، سهلا وحزنا.
(3) الزمان: تو، ها: النهار.
(4) ثمّره: بر: أثمره.(1/197)
برحت مستحقّة علينا، خدمنا ورياحين شبيبته غضّه، إلى أن أزهرت ببياض المشيب وجاءت بصحيفة مبيضّه، وقد وجب تقديمه بهذه النسبه، وثبت ذلك عندنا بشواهد المحبه، واخترناه للنظر ففتحت أحرف الكتابة كلّ عين وأصغت كل هاء بأذنها، وانحنت ظهور دالات الكتاب خيفة من أسنّة أقلامه وطعنها فإنه الأمين الذي إذا قال فما مقدار حذام إذا قالت وصدّقت، أو كتب زال غبار الشك ونسخ ورأينا أحرفه في الرقاع وقد تحقّقت. فالشهباء أقرت في حلبتها بسبقه، وعيون فيضها لفراقه دامعه، والشقراء تفيّأ دوحها قديما بظل أوراقه اليانعه، وهذا وجه الديار المصرية قد تميزت محاسنه من هذا البيت بناظرين، فلا برح حسن هذا النظر محروسا من كل عين والوصايا كثيرة وفي يقظته بحمد الله ما يغني عن تأكيدها، ولنصرته في المباشرة (1) لم يفتقر الأمر إلى توكيدها (2)، فإنه من الحكماء الذين إذا أرسلوا إلى جهة لم يفتقروا إلى وصيّه (3)، وأعراف معارفه ما برحت تضوع في خدمتنا فنعلم (4) أنها ذكيّه، والله تعالى يجريه على أجمل (5) العوائد من فضلنا المتواتر، ويجعله في وجه ديواننا الشريف أجمل ناظر، ويبرزه من حلل إنعامنا في أعظم الشعائر، وكما أحسن ابتداءه في الأول يحسن ختامه في الآخر.
والاعتماد على الخط الشريف أعلاه (6)
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى (7).
__________
(1) ولنصرته في المباشرة: ق: ولبصيرته في المباشرة قا: وكبصيرته المباشرة.
(2) توكيدها: طب، قا: توليدها.
(3) وصية: بر: الوصية.
(4) فنعلم: تو، ها: فعلم بر، قا: فعلمنا.
(5) أجمل: طب، قا: أحسن.
(6) والاعتماد أعلاه: ساقط من بر قا، بر: آمين.
(7) بمنه تعالى: ساقط من طا، طب، ها، بر.(1/198)
(37)
توقيع مسامحة الخواجا برهان الدين إبراهيم بن مبارك شاه الإسعردي (أواخر صفر 819هـ):
ومنه (1) توقيع مسامحة الخواجا برهان الدين إبراهيم بن مبارك شاه الإسعردي (2)
في أواخر شهر صفر سنة تسع عشرة وثمان مائة (3):
الحمد لله الذي خصّ إبراهيم بعلوّ المقام، ورفع به قواعد البيت الذي هو واسطة عقده في حسن النظام، وأطفأ نار أعدائه فكانت عليه بردا وسلام. نحمده حمد من عمّه مولاه بالكرم والمسامحة، وجعل تجارته لمّا (4) بايعه بالإخلاص رابحه، ورآه قد حطّ الرحال بباب تجاوزه فسامحه، ونشكره شكرا نتطاول به يوم العرض إلى الصفح بما علينا (5) من الواجب، وتخفّ به الوطأة يوم الحساب بما وجّه علينا الكريم الكاتب، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يقبلها الحكم العدل يوم المطالبة بالحقوق. ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي هو سفيرنا في متجر الآخرة عند الكريم المسامح إذا ثقلت الأحمال بالعقوق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة يظهر فيها الربح والمكسب، وتمدنا بخفر السلامة في كل طريق تتشعّب، وسلم.
وبعد، فقد آن أوان الكسب لمن اتّجر في خدمتنا قديما، وسمح ببيع نفسه في رضانا وكان فيما سمح به كريما، ولم يرض فيما يتحفنا به من الطرف قديما وحديثا أن يشارك، وما برح مبارك الطلعة علينا فهو بحمد الله مبارك وابن مبارك، ولم يزل يشدو في كل مغنى بطيب أوصافنا المؤيديه، ويشنف الأسماع ولكن ما كان (6) له أيقاع في النوبة النوروزيه، وتعرّف بنا عند تنكر (7) الالزام لأمور ليس في الإحجام عنها خفاء، فتعين أن نزيده تورية من طيب إنعامنا أن يصير على كلا الحالين معرّفا.
__________
(1) ومنه: طا: ومن إنشائه أعزه الله تعالى طب: ومن إنشائه تغمده الله برحمته قا، ها، بر: ومن إنشائه.
(2) الخواجا الإسعردي: بر: الخواجكي برهان الدين ابن المبارك الاسعردي («الضوء اللامع» للسخاوي ج 1ص 118).
(3) في وثمان مائة: سقط التأريخ من بر.
(4) لما: بر: لمن.
(5) علينا: طب: عليه.
(6) كان: ساقط من طب.
(7) تنكر: بر: تنكير.(1/199)
ولما كان المجلس العالي الخواجكي البرهاني (1)، أدام الله تعالى نعمته، وأكرم إلى أبوابنا الشريفة هجرته، هو الذي أطلق خطيب القلم لسانه على منبر الراحة بجميل صفاته، وانحصرت فيه هذه المناقب الجمّة وسكنت في سعادة حركاته، وحدّث عنّا وهاجر معنا وإلينا، ووجب حقه القديم بهذا الحديث علينا، ورأى في أحلام (2) أمانيه حسن الوفاء من خيرنا العميم، وصدق رؤياه ولا ينكر من (3) تصديق الرؤيا لإبراهيم، اقتضت آراؤنا الشريفة تقديمه بعد ثبوت ما تقدم له من جميل تلك الصفات، وحكمنا له بذلك (4) في وجه الزمان ولم يأت (5) بدافع عند قبول تلك البينات.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زال السماط الإبراهيمي في أيامه الشريفة ممدودا، ولواء شرفه على ذلك المقام المبارك معقودا،
أن يسامح الخواجا المشار إليه وأولاده * شمس الدين محمد وشرف الدين عبد الغني وزين الدين عمر * (6) بما يتوجب عليهم في جميع الممالك الإسلامية المحروسة فيما يبيعونه ويبتاعونه * من الذهب عشرة آلاف مثقال * (7). فإنهم ربوة شامنا التي لنا بها قرار ومعين، وسبّاق فرسان الكارم (8) إلى غايات الكرم لأن الشقراء وأبلقها من جنايبه في هذا الحين، ورتبته عالية في حاشيتنا بحسن نقله وسعادة ممشاه. وكم نفس تاجر ماتت في رقعة الأرض من كرم ابن مبارك شاه، ولقد طرفنا في هذه المدة وأهدى من التحف تالده وطريفه، وفاح منه عرف الزهور الشامية بحضرتنا الشريفه، وكيف لا وهو البرهان الذي تقوم به على محاسنها الأدله. وهي ذات المجلس التي إذا ذكرت أوصاف البلاد جمعت بالنسبة إليها جمع قله: [من المنسرح]
__________
(1) البرهاني: بر، قا: ابراهيم.
(2) احلام: ها: احكام.
(3) من: ساقط من تو، ها، بر، قا.
(4) وحكمنا له بذلك: قا: وحكمناه بذلك، بر: وحكمناه.
(5) لم يأت: طب، بر، قا: لم يؤت.
(6) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(7) ما بين النجمتين ساقط من بر مثقال: طا: مثقالا.
(8) الكارم: طب، تو، بر، قا: المكارم.(1/200)
دع وصف ما قيل في دمشق فقد ... كفى الورى ما حكاه حسّان
وإن تفقهت في محاسنها ... هذا دليل لها وبرهان
ولقد ودّت الديار المصرية أن يكون للسرّ الإبراهيمي فيها مقام، وسألته في ذلك فلم يمل إلى الهرم بعد شباب ست الشام. وحملت نسيم النيرين (1) من الأشواق (2) إليه (3) ما أثقل كاهله فتعلّل، ولم يجمل بها بعد نقوش تلك المروج الحافلة فله أن يترمّل. والله تعالى يجعل عوده إليها من أجمل الأمور التي تحمد. ولا برحت خواطرنا الشريفة عاطفة عليه بمحبة تتأكد. إن شاء الله تعالى (4).
(38)
توقيع القاضي شمس الدين محمد بن موسى الأزهري المالكي بكتابة الدرج الشريف بالأبواب الشريفة (15رمضان 819هـ):
ومنه (5) توقيع القاضي شمس الدين (6) محمد (7) بن موسى (8) الأزهري المالكي بكتابة الدرج الشريف بالأبواب الشريفة في خامس عشر شهر ربيع الأول سنة تسع عشرة وثمان مائة (9).
الحمد لله الذي أطلع لديوان الإنشاء بعد الكسوف شمسا، وأرانا عجائب الليل والنهار من سطور قارنت طرسا، وزاد ضياء الأوراق من صرير أقلام المنشئين حسّا.
نحمده حمدا نتنزل بإنشائه في ديوان الرحمه. ونشكره شكرا نتميز بحسن توقيعه على
__________
(1) النيرين: بر، قا: السحر.
(2) الأشواق: بر، قا: الشوق.
(3) إليه: ساقط من طب.
(4) سقط الاستثناء من طا، تو بر: آمين.
(5) ومنه: طا: ومن إنشائه فسح الله في أجله طب: ومن إنشائه تغمده الله برحمته ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى وعفى عنه بمنه وكرمه قا، بر: من إنشائه.
(6) شمس الدين: ساقط من بر.
(7) محمد: ساقط من تو، ها.
(8) بن موسى: طا: بن القوق.
(9) بكتابة ثمان مائة: بر: بكتابة الدرج الشريف قا: بكتابة الدرج الشريف بالأبواب الشريفة في التاريخ المقدم وهو.(1/201)
كل أمه. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يتشرّف وصل كل طرس بفضلها، وتمتد لنا فروع الخيرات من أصلها، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي هو أفضل من جاء برساله، ومثّل الصواب لأمته فهديت بأمثلته الشريفه وأسبغ الله عليها ظلاله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين سجع مطوق القلم بمدحهم في الأوراق، وأشرحت صدور الطروس بهذا السجع الذي هيّج الأشواق، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فديوان الإنشاء الشريف كانت ألسن (1) أقلامه قد اعتراها الخرس، ولم يتردد في صدور الأوراق من أفواه المحابر نفس، وانتثرت أوراق المنثور بعد ذبول زهره، وقطعت منه تلك الأصابع التي هي أقلامه في نظمه ونثره، وضاعت رائحته من غير تورية فلم يشمها كاتب، وتبلد عرفه وكان من الذكاء على جانب، ولم يبق له يراع إلا اشتغل رأسه بالمشيب لطول المدد، ودفن في قبور الأدوية بإرادة الباري وهو عاري الجسد، وتأيدت رسالة السيف عليه وكذّبت رسالته المصدّقه، ولم تظهر لدوحة الإنشاء لغصنه ثمرة على ورقه، ونقّصوا ما اختاره ابن نباتة من فاضل الفاضل، وأخفوا محاسن ابن عبد الظاهر فلا قلم إلا ودمع مداده على تلك المحاسن سائل، شكا فصل الخطاب من عدم الوصل، وتنكّر التعريف كأن لم يكن لفروعه أصل، ولم يظهر للتثقيف في خطّي القلم صعدة، ومنع من كحل المداد الأسود فظهر البياض على عينه المسوده، وأطبقت عيون الأحرف من تشاعيرها هذب تلك الأجفان، ولازمها القرح فأمست تلك العيون الساحرة بغير إنسان، وفرّق بين قسيّ (2) دالاتها وسهام همزاتها مدّه، ومنعا من الغرض فلم تمتد إليها يد صائبة (3) بمدة. وكأن الفتح ليس له طاقة على بيوت الإنشاء فسدّ الباب، وأبعد لجهله كل كريم من الكتّاب، إلى أن ظهرت أيامنا الشريفة المؤيدية، وبرزت فرسان البلاغة في الأيام البارزية، وقالت قهوة الإنشاء: «دار لي الدور، وصعدت أقلامي إلى نجد الطروس بعد ما كانت من بطون الأودية في غور».
__________
(1) ألسن: تو، ها: السنة.
(2) قسي: ساقط من بر، قا.
(3) صائبة: طب: صابية بر، قا: كاتبة.(1/202)
وكان المجلس السامي القضائي الشمسي محمد ابن قوق (1) الأزهري المالكي، * أدام الله تعالى نعمته وأعلى (2) في أيامنا الشريفة رتبته * (3)، ممن زاحم فرسان هذه الحلبة بالمناكب، وهزّ مثقّف قلمه وكتب فأغنى عن الكتائب، وبرز بين الأقيال البارزية وبرّز، وحوى قصبات * السبق من أقلامه وأحرز. كم ترسّل وأتحف برسالة محمدية، وألقى عصا * (4) القلم من يده البيضاء، وتحقق كل أحد أنها اليد الموسوية. واقتضت آراؤنا الشريفة نظمه في هذا السلك ليطابق حسن هذا النظم بنثره، ويحلو الجناس من سجعه البديع بين طرسه وسطره.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت شموس دولته الشريفة مشرقة بنور إقباله، ولا برح محروسا بمحمد وآله،
أن يستقر المشار إليه في وظيفة كتابة الدرج الشريف بالأبواب الشريفة، فإنه في الإنشاء وعلم الحساب فارس الحلبتين، وعسكري الصناعتين. إن أدار كأس الإنشاء بادر كل من المنشئين ونهل، أو حاسب ضاع حساب الكتاب وانعقدت على فضله الجمل.
فليباشر ذلك على ما علم من كمال أدواته، ويسكن في بيوت إنعامنا بسعادة حركاته، ويشرق في أفقنا الشريف (5) بشمسه، وينعش أجسام الطروس بحاسّة لمسه، فشباب الإنشاء قد عاد في أيامنا الشريفة بعد ما شابت من أدويته الذوائب، وغازلت وجوه طروسه من عيونها ونوناتها بكل عين ساحرة (6) وحاجب والوصايا كثيرة وهو إلى الالتزام بصحة قبولها أقرب، فإنه فقيه عالم ومالكي المذهب، والله تعالى يزيده بسطة من العلم (7) ولا يخلي إنشاءه من النكت الأدبية، ويزيد أيام الديوان الشريف بهجة بطلعته الشمسية. بمنه وكرمه (8) إن شاء الله تعالى (9).
__________
(1) ابن قوق: طب، تو، بر، قا: بن موسى.
(2) أعلى: طب، تو، ها: علّى.
(3) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(4) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(5) في أفقنا الشريف: طا، طب: في افق الشريف تو، ها: في افق التشريف.
(6) ساحرة: تو، ها، بر، قا: سحارة.
(7) من العلم: تو، ها، بر، قا: في العلم.
(8) بمنه وكرمه: ساقط من تو، ها، بر، قا.
(9) سقط الاستثناء من تو، ها.(1/203)
(39)
مكاتبة واردة من صاحب اليمن على يد القاضي أمين الدين ابن مفلح (في 16ربيع الأول 819هـ):
ومما ورد على الأبواب الشريفة نسخة الكتاب الوارد من صاحب اليمن (1) على يد القاضي أمين الدين ابن مفلح (2) في سادس عشر من شهر ربيع الأول سنة تسع عشرة وثمان مائة، وهو (3):
أعز الله أنصار المقام الشريف، العالي (4)، السلطاني، الأعظمي، الإمامي، الهمامي، المالكي، الملكي، المؤيدي، وأيد سلطانه، وأمد بالنصر أعوانه، وشيد بالعز أركانه، * ولا برح العيش الرغيد في أيامه، والموت المبيد في حسامه * (5)، والأمن في ممالك مصره وشامه (6)، والخوف من خلف عدوّه وقدّامه، وخص بسلام لا أطيب منه إلا أخلاقه، ولا أزكى منه إلا أعراقه، ولا أثمر منه إلا عهده وميثاقه،
ورد المثال الشريف، * شرّفه الله وعظّمه، وعزّزه وأكرمه * (7)، فحمدنا الله تعالى على ما تضمنه من النعم التي وهبها، والفتن التي أذهبها وأخمد لهبها (8)، والفتوح التي فتح (9) مغاليق أبوابها، وردّ بها حقوق الإسلام من غصّابها، * والملك الذي ابتهج به الدين الحنيفي سرورا، والسعد الذي كان له في الأزل مذخورا، {إِنَّ هََذََا كََانَ لَكُمْ جَزََاءً وَكََانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} * (10)، ووصل به ما وصل من الإكرام، وأتحف به من الأيادي
__________
(1) راجع رقم (20) ص 63.
(2) ابن مفلح: طا، طب، ها: مفلح ربما ذكره «الضوء اللامع» للسخاوي ج 10ص 166رقم الترجمة 686: مفلح بن تركي الأجدل؟
(3) ومما وهو: قا: ومما ورد على الأبواب الشريفة مكاتبة صاحب اليمن على يد القاضي أمين الدين بن مفلح في ربيع الأول من السنة المذكورة وهو بر: ومما ورد على الأبواب الشريفة مكاتبة صاحب اليمن على يد القاضي أمين الدين بن مفلح وأول ذلك.
(4) العالي: ساقط من بر، ها: العالمي.
(5) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(6) مصره وشامه: ها: عصره ونيامه.
(7) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(8) أخمد لهبها: ساقط من بر.
(9) فتح: طب: فتح الله.
(10) سورة الإنسان 76/ 22وما بين النجمتين ساقط من بر.(1/204)
الجسام، المستقبلة بالإجلال والإعظام، والمحدّثة عن خلق عظيم، وفضل عميم، فما أهل مصر على القرب بأعرف من أهل اليمن على البعد بما انتشر من محاسن المقام العالي وفضله (1)، وسياسته وعدله، وما خصّه الله به من النصر التام الآيات، والتأييد المنصور الرايات، والتوفيق البعيد الغايات، والفضائل التي ملأت القلوب بمحبته، وأكدت الأشواق إلى رؤيته، وعلمنا بها أنه الملك المحيي ما كان من السلف (2) الأول من المصادقة والموافاه، والمواددة والمصافاه، والمخالصة والموالاه. وفي هذه المناشير (3)
الصادره، وهي كتب من الملوك المتأخره، إلى صاحب اليمن الملك الأشرف، تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوح جنته، ما يشهد بما بينهم من المحبة الصادقه، والطبائع المتوافقه، والألفة التي انتظمت عقودها، وصدقت عهودها، ووشيت برودها، وما تضمنته من الاهتمام بنصره الأودّاء، وبذلته من بعث الجيوش للنصر على الأعداء.
ونرجو أن المقام العالي، خلد الله تعالى ملكه، هو الواصل أرحام تلك المودّات الشريفه، والناشر أعلام تلك الوصلة اللطيفه، إن شاء الله تعالى.
صدرت والمراكب سائرة على ثبج هذا البحر كأنها ليال خطّارة، وكأنّ ما فوقها من القلوع أيام موّارة، وكارمها وتجارها مثقلون من المكارم، ممتلئون من المغانم، سالمون من المغارم، إذا سكتوا من الثناء نطقت به حقائبهم، وإذا قصّروا فيه طوّلت زواملهم وركائبهم، والرعايا باليمن تحت ظل الأمن وادعه، والمعدلة لأركان الباطل صادعه، ويد العدل والإنصاف لشمل الحقوق جامعه، ولسطوات أرباب الأهواء قامعه. إلا أن الشريف حسن بن عجلان قد أخاف العباد في الحرم الذي جعله الله آمنا، وأصبح يتخطف الناس من وسطه ومن حوله مقيما وظاعنا، حتى انقطع حاجّ (4) اليمن وتجاره من موسم مكة الحرام، واشتدت وطأته على الخلق واستغنى بما انتهب من الأموال العظام، * وبقي كالقاطع وقته الحاضر غير مراع لرياسه، (5) ولا ملتفت على سياسه * (6)، لا يدخل تحت
__________
(1) وفضله: تو، ها: بفضله.
(2) من السلف: تو، ها، بر، قا: بين السلف.
(3) المناشير: ها: المباشر طب: المناشر.
(4) حاج: بر: حج طا: جناح.
(5) لرياسة: تو، ها: للرياسة.
(6) ما بين النجمتين ساقط من بر.(1/205)
طاعه، ولا يقارب ما دخلت فيه الجماعه، وقنع منه ملوك مصر بسلامة حاجّهم من شرّه، ووكلوا غيرهم من الحاج والتجار إلى أمره، فاستباح الأموال واستحلها، ونقض معاقد شرائع الإسلام وحلّها، وما أخذ الولاية لولده إلا تكبّرا عليها، وأنفة أن تكون على يده يد تمتد إليها. فقدّم ولده كالبيدق في الصدر (1) وهو يرى أنه في حمايته، وأنه ما بقي فولده عزيز لا تقدر الملوك على نكايته، خيالات غرّته بها السلامة، وخدعته بها الجرأة على أرباب الزعامة، ومن جمع ما جمع من الذهب، وحاز ما حاز من النشب، تعدى طوره واستخف غيره، ورأى أنه بالملك أولى، وترقب لأعمال الحيلة فيه حولا فحولا، فعواقبهم غير محموده، وقبائحهم غير محصورة ولا معدوده، وبالله ما أخذ أموال اليمن هذه السنة بيمينه التي هي يده، بل يمينه التي لم يصدق بها موعده، {وَقََاسَمَهُمََا إِنِّي لَكُمََا لَمِنَ النََّاصِحِينَ} (2)، وراعينا من حقوق المقام العالي، خلد الله ملكه، ما لم يراعه، ورأينا أن ننتصف بيده الشريفة ولا نكيل له كما كال لنا بضاعه: [من الطويل]
لولاك ما امتدّت إلينا يمينه ... ولا صانه منا حسام ولا رمح
تركنا له من خوف عتبك ما لنا ... وإن كان لا يرضيك من مثله الصفح
ونحن على علم بأن ليس عندكم ... أمان لمن يبغي الفساد ولا صلح
وإن لنا في رفع شكوى تجارنا ... إلى عدلك الإنصاف في الحكم النجح
وقد سلّط الله عليه ابن أخيه وهو (3) رميثة بن محمد بن عجلان فإنّ العمّ ظلم حقوقه، وبرّه الولد فأكثر عقوقه، فخرج منه مغاضبا فغضب لغضبه القوّاد (4)، والسبب أن ذلك صادف هوى في الفؤاد، وقد ترشح لطلب الولاية في البلاد، وقويت شوكته، وزادت على عصبة عمه عصبته، وقد دخل اليمن مسترفدا فرأينا من أخلاقه الليّنه، ومنطقه الذي هو منه على بيّنه، ما يصلح أن يكون به أهلا للولايه، وموضعا للكفايه، فإن اقتضى الرأي العالي كسر شوكة حسن بإقامة (5) هذا الكفؤ الكريم (6) مع ولده في نصف البلاد،
__________
(1) في الصدر: طب، قا: في الصدور.
(2) سورة الأعراف 7/ 21.
(3) وهو: ساقط من تو، ها.
(4) القواد: طب: بعض القواد.
(5) بإقامة: بر: لإقامة.
(6) الكريم: ساقط من بر.(1/206)
اتّسق (1) الحق وافترقت كلمة الفساد، واجتهد كل في بذل الطاعة والانقياد، وهذه سياسة بل فرصة تغتنم لا ينبغي أن يعرض عنها، فما تقطع الشجرة إلا بعود منها.
* وقد عمّر حسن بن عجلان مراكب (2) في البحر صيرها على الناس ألبّا، يقطع السيارة (3) عن الطور ويأخذ كل سفينة غصبا، ولأجلها شحنّا (4) مراكب الكارم من المقاتلة بكل باسل * (5)، ومن أنواع السلاح بكل ما يعتصم به المقاتل، من سيوف ورماح، وسهام يطير منها الموت بجناح، وقسيّ كلما اشتدت اتسعت خطا سهامها الفساح، ومدافع لا يدفع عذابها عنهم ترس ولا سلاح، وأمرناهم أن يستكثروا من ظروف الماء وأوعيته، وأعنّاهم بما (6) يحتاجون إليه من أوانيه وأسقيته، خوفا أن يقف لهم بجموعه (7) على موارد الماء، وأن يحول بينهم وبين الاستقاء، والله الكافي.
وأما أخبار أهل (8) اليمن فكلمة أهل السنّة ظاهره، وصفقة أهل البدع خاسره، والنكايات فيهم متواتره، والحاجة إلى المساعدة بالنجدة وإلى شراء المماليك الجلب الجياد مشتدّه، وإلى السلاح فإنه (9) نعم العدّه. فإن اقتضى الرأي الشريف أن يبرز مراسيمه الشريفة بالإذن للسفراء في شراء (10) ما تشهد به التذكرة من المماليك والسلاح وغير ذلك، مضافا إلى ما تجود به اليد الشريفة من هنالك، كما جرت عوائد السفراء في أيام الملك الشهيد برقوق، فإن أيامه كانت أيام خير وسلامه، وسكون واستقامه. ولكن خلفه من قطع ما وصل، وأخذ ما حصل، ونفر التجار، وأخلى من المراكب البحار، حتى أيد
__________
(1) اتسق: تو، ها، قا: انتسق بر: انشق طب: انتشق.
(2) وقد عمر حسن بن عجلان مراكب: بر: ولقد بثّ حسن المذكور المراكب تو: ولقد حسّن ابن عجلان المراكب ها: اتخذ ابن عجلان مراكب.
(3) السيارة: بر، قا: السفارة.
(4) شحنا: بر، قا: أشحنا.
(5) قرأنا النص بين النجمتين في طب كما يلي: ولقد (بياض) حسن بن عجلان مراكب صيرها في البحر اليا، يقطع بكل باسل.
(6) وأعناهم بما: تو، ها: أعناهم لما قا: أغنينا بما بر: أغنيناهم بما.
(7) بجموعه: تو، قا: مجموعة ساقط من بر.
(8) أهل: ساقط من بر، قا.
(9) فإنه: تو، ها: فإنهم.
(10) في شراء: طب، تو: في اشتراء ساقط من قا.(1/207)
الله الإسلام بهذه الدولة المؤيدية فحقنت الدماء في أهبها، وقرّت الرؤوس في كواهلها، وحفظت الأموال على أربابها، والحمد لله رب العالمين.
وقد صدر * المجلس السامي (الأثيري (1) الكبيري الأجلي) * (2) القاضوي الأميني أمين الدين مفلح * التركي سلمه الله * (3)، والسفراء وما بأيديهم بجوار المقام العالي، * خلد الله تعالى ملكه ونصره وفي ذمامه، وجلالته واحترامه * (4)، فجواره عزيز، وذمامه حريز، ولكل حسّاد لا يؤمنون أبدا، وقد استعاذ * سيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم * (5)، من شماتة الأعداء. فالسفراء إن شاء الله تعالى لا ينقطعون * كل عام (6) عن النزول * (7) ببابه، والتعلق (8) بجنابه، * فما انقطعوا في أيام فرج، إلا لما سدّ دون معروفه الفرج، وأما هذه الأيام فإنها تواريخ الخيرات، وتذاكر الحسنات * (9)، ومما اقتضاه الإدلال على مكارمه، والتبسط في مواهبه، التصدق بما أمكن من السناقير الملكيه، وهي التي تسمّى بالشواهين البحريه، فللمحب إدلال، وقد يكون من المحبوب الاحتمال، والله تعالى يسمع الخير من أخباره، ويحسن الكفاية في إيراده وإصداره، * إنه على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين (إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه) * (10)
__________
(1) الأثيري: تو، ها: الأميري ساقط من طب.
(2) ما بين النجمتين ساقط من بر وما بين الهلالين ساقط من قا.
(3) ما بين النجمتين ساقط من بر زيادة في قا: تعالى.
(4) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(5) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(6) كل عام: ساقط من قا.
(7) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(8) والتعلق: بر: ولا.
(9) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(10) ما بين النجمتين ساقط من بر وما بين الهلالين ساقط من طا، قا.(1/208)
(40)
جواب على المكاتبة السابقة (15رمضان 819هـ):
وكتبت (1) الجواب عن المكاتبة المذكورة (2) * في قطع النصف بقلم الثلث العلامة أخوه في خامس عشر شهر رمضان المعظم قدره سنة تسع عشرة وثماني مائة * (3)
أعز الله تعالى أنصار المقام العالي، المولوي، السلطاني، الملكي، الناصري، الشهابي، لا زال جناس (4) مجده سعيد الحركة بين اليمن واليمن، وسيفه اليماني لم يرض بمجانسة سيف بن ذي يزن. والأمة بأحمدها تهنأ بجنات عدن في عدن، ولا برحت صنائعه بصنعاء محبّرة (5) حتى في سطور الطروس، وأقلام الثناء سود اللمم بمدحه ولو تركته لاعتراها شيب في الرؤوس، وتحياته المكرمة مخصوصة منا بشرف التسليم، وبدور مودته سافرة في ليالي سطورها بين بديعي التكميل والتتميم.
أصدرناها إلى المقام (6) وشاهد المودّة قد وضع رسم شهادته وكتب، وأثبت مقدمات الإخلاص فحكم له قاضي المحبّة بالموجب، وأودعناها من السلام ما تعمّه رحمة الله وبركاته، ومن طيب الثناء ما تتأرّج (7) بين أدواح ذلك المندل الرطب نفحاته، ومن خالص المودة ما نظم بغير مخلص ولكن له إن شاء الله حسن الختام. ومن سجعات الشوق كل مصونة ليس لها غير أسود (8) النقس زمام.
وتبدي لكريم علمه ورود المثال العالي متحملا أنواع الطيب من تلك المعادن التي ودّ النسيم أن يقيّد فيها ويحتبس، ولقد رافقها لاكتساب الرقة ولكن سرق من عرفها
__________
(1) فكتبت: طا: وكتب سيدنا وشيخنا المنشئ المشار إليه قا: فكتب المنشئ المشار إليه بر: فأنشأ المقر المذكور طب: فكتب تغمده الله برحمته.
(2) الجواب المذكورة: طب: عن المكاتبة المذكورة جوابا.
(3) ما بين النجمتين ساقط من بر. سنة تسع عشرة وثماني مائة: قا: من السنة المذكورة. وأضاف كاتب نسخة تو: ورسم المكاتبة وأضاف كاتب نسخة قا: وهو.
(4) جناس: تو: جأش.
(5) محبرة: ها: مجنوة، ساقط من طب.
(6) المقام: طب: المقام العالي.
(7) كذا في الأصل.
(8) اسود: بر، قا: سواد.(1/209)
وتكلم بنفس، فأكرم به مثالا (1) أرانا خفر الملك على كل قرينة لها من حجب البلاغة ستور، وخدامها من سود سطورها وبيض طروسها عنبر وكافور، ورد وصحف الصفاء صقيلة فتمثّل فيها، وأظهر من أوراقه ثمرات المودّة ونحن بيد القبول نجنيها. وقدم من ذلك الحرم الأحمدي فكان أكرم وافد قوبل منّا بالإكرام، وفتح أبواب الدخول إلى السلام، فسلمنا وقلنا لخواصّنا: {ادْخُلُوهََا بِسَلََامٍ} (2). ولقد ثملنا بكأس إنشائه وهو بحضرتنا الشريفة دائر، وعلمنا أن هذا الإنشاء لا يصدر إلا من فاضل، والفاضل لا ينسب إلا إلى الناصر، وتغزّلنا بمحاسنه في جيرة اليمن بعد التغزّل في جيرة العلم، ورأينا تحمّس بلاغته فقلنا: «هذا لا يصدر إلا من رب سيف وقلم»، وودّ كل دوح أن يملأ طروس أوراقه بريحان سطوره، وتطفّل كل روض أريض (3) عند وروده على زهر منثوره، وقالت فصاحته وتلك البلاغة التي جاءت بسحر البيان: «هل يفتي لنا بصدق المحبة؟» فقال لهما القلب: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيََانِ} (4)، فهذا نفس طيب عرفنا معدن طيبه فلم نقل: «من أين؟».
وهذي سلافة إنشاء أدارت سلطانياتها فأنشأت أهل الخافقين، وهذا سحر صدقت عزائمه في العطف والقبول بين الملكين، وأبطل هذا السحر الحلال ما حرّم ببابل من سحر الملكين، واشتمل على نظم ونثر. ورأينا شعار السلطنة عليهما عيانا (5)، كأنّ البلاغة قالت لهما قديما: «سنجعل لكما سلطانا»، فعلمنا أن هذا الأدب الملوكي لا يكتب إلا من ديوان سلطان، وهذه النصرة لا تتولد في البلاغة إلا من ناصر رفعت له أعلام البيان. فيا له من مثال تدرّع زرد ميماته فقلنا: «لا طعن فيك لطاعن»، وشرّع أطباق (6) بديعه فكانت على أكناف النيل المبارك من أنزه المساكن، وأطرب بأنفاس علمنا أنها صعدت من يراع ما برح بالسعادة موصولا، وطاف في حضرتنا الشريفة بكأس يمنية كان مزاجها زنجبيلا، وأهدى مخدّرات تحفة فكان المسك من خدامها
__________
(1) مثالا: ها: ما.
(2) سورة ق 50/ 34.
(3) أريض: طب، تو: أبيض.
(4) سورة يوسف 12/ 41.
(5) عيانا: ساقط من طب.
(6) وشرع أطباق: طب: شرع طباق ها: سرع طباق.(1/210)
السود، وفتق لنا ريح المسرة بعنبر وطعن في ريح جلاد بن هانئ بذلك العود، وأتحفنا من غرائب زبيده بزبد، ومن سحر بيانه ما أشارت إليه أصابع الأقلام وقالت: «هذا النفاثات العقد»، وقد أكثر هذا المثال في كتابه المبين من إيناس (1) الخطاب، وقضت به الوحشة أجلها فقلنا: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتََابٌ} (2)، وأرّخ في وجوه الأعداء سلخا لما ورد في غرة المحرّم، وأثبت نسب المحبة بيننا في نظم نسيبه المقدّم وجاء على يد المجلس السامي القاضوي الأميني أمين الملك فعلمنا أن هذا الأمين لا ينسب إلا إلى ذلك الرشيد، وهو مفلح في الحركة والإسم (3) وهذه التورية يحسن بها بيت كل قصيد.
وما خفي عن كريم علمه إبطال النوبة النوروزية وإيقاع الضرب فيمن جسّ فيها عودا. وكم افترسنا منهم لما زادوا بالعصيان في سنة سبع أسودا، وتصلب العزم الشريف في العام الثاني على أهل الردّة بعده، ومقابلتهم (4) على نقض البيعة، وكلما أظهر السيف فيهم جزره أطال الرمح مدّه، وسألنا كبيرهم عن سبب كفر النعمة وهو في الأصفاد من المقرّبين، فبهت الذي كفر {وَاللََّهُ لََا يَهْدِي الْقَوْمَ الظََّالِمِينَ} (5): [من الطويل]
ومذ نظموا العصيان بالشام خامرت ... رؤوسهم قهرا ومالت إلى النثر
ولم يشعروا إلا ونحن براعة (6) ... لجيش له في النظم نوع من السحر
فطارت رؤوس القوم حتى كأنها ... تحوم اشتياقا من يدينا على وكر
وكلّ أعادينا بها الأرض زلزلت ... وقالت: وحقّ العصر (7) إنّا لفي خسر
وأدرنا عليهم بعد السكر من الحرب كؤوس الحين (8)، وعدنا إلى الديار المصرية فخضع النيل لكسر نوروزه لما علم أننا كسرنا بالشام نوروزين، وجلسنا على تخت ملكنا الشريف وقد تولّدت به الأفراح، وجاءت تحاياكم المكرمة على يد مفلح فتبيّن اشتقاق الفلاح.
__________
(1) إيناس: قا: أنياب.
(2) سورة الرعد 13/ 38.
(3) الإسم: ساقط من تو، ها.
(4) مقابلتهم: قا: مقاتلتهم.
(5) سورة آل عمران 3/ 86.
(6) كذا في الأصول.
(7) العصر: بر، قا: النصر.
(8) الحين: طب: لجين.(1/211)
وأما الشريف حسن بن عجلان فإنه بلغنا أنه طابق تسميته عند المقام بالعكس فرسمنا بطرده، وقلنا له: «هذا الكدر لا يليق عند سكّان الصفاء» فقربنا إليهم المسرة ببعده، وعلمت أهل مكة منا بذلك فأنكرت مشاركته في شرف البيت، وأخرجته من الحرم الشريف وغلّقت الأبواب وقالت: «هيت»، وانقطع أمله من ورود زمزم وقد جرّعته كؤوس البين مرارة الإصدار، وتيقّن قتل نفسه عند خروجه من الديار، ولم تتعرف به عرفات لما طرد (1) منكّرا على وجل، ولا أمكنه أن يقول بعدها: {سَآوِي إِلى ََ جَبَلٍ} (2)، وأيقن أن يصاب من كنانة مصر بسهام يبلغ بها المقام الغرض ويقول ببلاغة وإيجاز: «سهم أصاب وراميه بذي سلم منّ بالحجاز»، وعلم أن سيفنا المؤيدي لا بد أن يسبق فيه العذل (3) ويدخله في خبر كان، وتتنغّص حياته ويأتيه الموت كأبيه عجلان:
[من الطويل]
ويمسي اليماني نائما ملء جفنه ... ومن كثرة التطويل يختصر الرمح
كذاك مديد البحر يمضي زحافه ... بتقطيعه قهرا ويتضح الشرح
وفي جدّة يمسي السرور مجدّدا ... وللطير في أفنانها بالهنا صدح
وتعذب من عيذاب أرياق ثغرها ... وشاربها من لذّة الرشف ما يصحو
وأعداؤنا أعداؤكم غير أنهم ... ظلام محاه من صداقتنا الصبح
ونزل بعد ذلك على الطّور، وقال له لسان الحال والبحر المسجور: {إِنَّ عَذََابَ رَبِّكَ لَوََاقِعٌ} (4)، وفهم إعراب سيفنا عن صرفه، فصرف نفسه ولم يتقوّ (5) على الصرف بمانع. وتحقق أنه فعل فاحشة وظلم نفسه وذكر الله واستغفر لذنبه، واستجار بقوله تعالى:
{وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا} (6) إلى آخر الآية، فرأينا العفو أليق به، وعلى كل حال فهو شريف ورتبته في الشرف رفيعه، وقد تاب من ذنبه وطمع في أن يكون المقام الأحمدي شفيعه، التزم بالتوصل إلى رضى الخواطر الكريمة عليه، ويردّ الأمانات إلى
__________
(1) طرد: ها: ظهر.
(2) سورة هود 11/ 43.
(3) العذل: طب، تو: العدل.
(4) سورة الطور 52/ 7.
(5) يتقوّ: ها: يتفقوا.
(6) سورة التغابن 64/ 14.(1/212)
أهلها ليفوز بالتفات العواطف الناصرية إليه، وأقسم بالبيت العتيق أن يتقرب إلى المقام (1)
بإخلاص جديد، وقال: «كل أحد يعرف أن الحنوّ الأحمدي على الحسن (2) غير بعيد».
وأما الاختيار الكريم في ابتياع المماليك فمماليك المملكتين منتظمون في سلك واحد، وصلة خدمهم عائدها على كل من الجهتين عائد.
وأما الأسلحة فأعزل الرماح في أفق مراده إن شاء الله تعالى هو الرامح، ومخالب أسنّتها لجوارح أعدائه هي الجوارح، وقد أطلقنا له ألسن السيوف ليكلّم بها أعداءه بما يحجمها عن الكلام، ويبالغ بين بلاغة ضربها ودم الأعداء في صحة الانسجام، ومن القسيّ ما يكون في عسكره المنصور مما يقع لاختيار الكريم عليه من الحلقة، وكل من سهامها كوكب صبح ولكن لم يرض من غير دم الأعداء شفقة.
وأما السناقر فقد تقدمتها حمائم السجع مطوّقة من تشاعير السطور أطواقا، وبعدها تصلّ منشدة: [من البسيط]
لا سكّن الله قلبا عن تذكّركم (3) ... فلم يزل بجناح الشوق خفّاقا
والله تعالى يجمّل أغصان الأقلام في رياض الثناء بوصفه الزاهر، ولا زالت أركان اليمن محروسة منه بقوة وناصر.
* إن شاء الله تعالى * (4) (بمنه وكرمه) (5)
__________
(1) المقام: تو، ها، قا: المقام الأحمدي.
(2) على الحسن: تو: عن الحسن ساقط من طب.
(3) عن تذكركم: ها: عنّ ذكركم طب: عند ذكركم.
(4) ما بين الهلالين ساقط من طا، تو.
(5) ما بين الهلالين ساقط من بر، ق. وفي طا أشار ناسخها إلى النص السابق بقوله: «أملى ذلك منشئه أطال الله بقاءه بمنزل مخدومنا المقر الأشرف الشمسي العمري جمل الله بوجوده وحضوره بعد موكب يوم السبت المبارك السادس عشر من شهر رمضان المعظم قدره سنة تسع عشرة وثمان مائة، والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه، حسبنا الله ونعم الوكيل».(1/213)
(41)
بشارة بوفاء النيل مضاهاة لما كتبه القاضي الفاضل وابن نباته:
ومما رسم لي به مولانا السلطان الملك المؤيد عز نصره أن أنشئ (1) بشارة بوفاء النيل (2) في سنة تسع عشرة وثماني مائة، وأن أخترع (3) في هذا النوع ما لم يسبق إليه من القاضي الفاضل ولا من الشيخ جمال الدين ابن نباته، فتعيّن هنا كتابة ما قاله كل منهما لتظهر سلامة الاختراع.
قال القاضي الفاضل (4):
نعم الله سبحانه وتعالى من أضواها بزوغا، وأضفاها سبوغا، وأصفاها ينبوعا، وأسناها منفوعا، وأمدّها بحر مواهب، وأضمنها حسن عواقب، النعمة بالنيل المصري الذي يبسط الآمال ويقبضها (5) مدّه وجزره، ويربّي النبات حجره، ويجري على أسود الأرض بفضّته البيضاء، وتهنأ بيد الخصب (6) نقب الجدب من الحرباء، ويحيى مطلعه أنواع الحيوان، ويجني ثمرات الأرض صنوان وغير صنوان، وينشر مطويّ حريرها وينشئ مواتها، ويوضّح معنى قوله تعالى عز وجل {وَبََارَكَ فِيهََا وَقَدَّرَ فِيهََا أَقْوََاتَهََا} (7)، وكان وفاء النيل المبارك بتأريخ كذا فأسفر له وجه الأرض وإن كان قد تنقّب، وأمن يوم بشراه من كان خائفا يترقب. ورأينا الإبانة عن لطائف الله سبحانه التي حققت الظنون، ووفت بالرزق المضمون، {إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيََاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (8)، وقد
__________
(1) ومما أنشئ: طا: ومما رسم به مولانا السلطان المالك الملك المؤيد عز نصره لسيدنا الشيخ الإمام العلامة مالك أزمة الأدب تقي الدين ابن حجة أمتع الله ببقائه أن ينشئ طب: ومما رسم به مولانا السلطان الملك المؤيد سقى الله عهده للشيخ تقي الدين المشار إليه أن ينشئ ها: ومما رسم به مولانا السلطان الملك المؤيد لسيدنا الشيخ المشار إليه تغمده الله تعالى برحمته أن ينشئ قا: ومما رسم به السلطان الملك المؤيد للمقر التقوي المشار إليه فيه أن ينشئ بر: وقد رسم السلطان للمقر التقوي أن ينشئ.
(2) النيل: طب: النيل المبارك.
(3) أخترع: في جميع النسخ: يخترع.
(4) أضافت ها: رحمه الله تعالى.
(5) يقبضها: ساقط من ها.
(6) الخصب: طب: الخصيب.
(7) سورة فصلت 41/ 10.
(8) سورة الروم 30/ 37.(1/214)
أعلمناك بتوفية حقه من الإذاعه، وتبعّده من الإضاعه، فتتصرف فيه على ما نصرّفك (1)
من الطاعه، وتشهر ما أورده البشير من البشرى بإبانته، وتمده بإيصال رسمه إليه مهنئا على عادته.
وقال الشيخ الإمام العلامة جمال الدين ابن نباته، رحمه الله تعالى (2):
ما زالت مبشّرة المنازل بكلّ مبهجه، معطّرة الأرجاء بكل سائرة أرجه، ميسّرة الأوقات لمقدمتي سماع وعيان كلاهما للمسارّ منتجة، مستحضرة في معاني الكرم كل دقيقة تشهد حتى بسطة النيل (3) أنها أرفع درجه. وتنهي بعد ثناء ما الروض أعطر من شذاه، ولا ماء النيل المبارك وإن كرم وفاء بأوفى من جداه (4). وفاء النيل المبارك وحبّذا من وفيّ موافي، ومتغير المجرى (5) وعيش البلاد به العيش الصافي، ووارد برد (6) من بعيد بعيد، وجميل لا جرم إن مدّه ثابت ويزيد، وجايد إذا تدافع (7) خبب (8) تيّاره تقلّد برّه ودرّه من الأرض كل جيد، وجايل إذا ذكر الخصب (9) في مكان عيده المشهور {أَلْقَى السَّمْعَ} [10] وَهُوَ شَهِيدٌ (11). وذلك في يوم كذا فالبلاد جبرت بكسر خليجه، واستقامت أحوالها بتعريجه، وأثنت عليه بآلائه، وسمّت لونه الأصهب على رغم الصهباء بأحسن أسمائه، وجعلت ماءه قاهرا لهضبة كل سدّ ولم تسلطها على مائه.
وخلّق فملأت (12) الدنيا ببشائر مخلّقة، وعلّق ستره فزكى لونه التبري على معلّقة.
وحدّث عن البحر ولا حرج، وانعرج على البقاع يلوي معصمه، فلله أوقات اللّوى
__________
(1) نصرفك: طب، ها: يصرفك قا، بر: (كلمة مهملة).
(2) الإمام العلامة: ساقط من طب، تو، ها، قا بر: وقال ابن نباتة أسقط كاتب طب الترحيم.
(3) النيل: طب: النيل المبارك.
(4) جداه: بر: جذاه طب: جدواه.
(5) المجرى: بر، قا: ماء المجرى.
(6) ووارد برد: بر: ووارد يرد قا: وارد يرد و.
(7) تدافع: تو: ترفع.
(8) خبب: بر، قا: حبب طا: حيث.
(9) ذكر الخصب: قا ذكر الخصيب تو: ذكرت للخصب.
(10) السمع: بر، قا: الدمع.
(11) سورة ق 50/ 37.
(12) ملأت: بر: مليت.(1/215)
والمنعرج. واستقرت الرعايا آمنين آملين، وقطع دابر الجدب حتى ظلمه (1) في هذه الدولة القاهرة {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (2). والله تعالى يملأ له بالمسرات صدرا، ويضع بعدله عن الرعية إصرا، ويسرّهم في أيامه بكل وارد يقول الإحسان لمتحمله (3): {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} (4).
قلت: (5)
وتبدي لعلمه الكريم ظهور آية النيل، عاملنا (6) الله فيه بالحسنى وزياده، وأجراه لنا في طرق الوفاء على أجمل عاده، وخلّق أصابعه ليزول الإبهام (7) فأعلن المسلمون بالشهادة. كسر بمسرى فأمسى كل قلب بهذا الكسر مجبورا، وأتبعناه بنوروز وما برح هذا الاسم بالسعد المؤيدي مكسورا. دقّ قفا السودان فالراية البيضاء من كل قلع عليه، وقبّل ثغور الإسلام وأرشفها ريقه الحلو فمالت (8) بأعطاف غصونها إليه، وشبّب خريره في الصعيد بالقصب، ومدّ سبائكه الذهبية إلى جزيرة الذهب، وضرب الناصرية واتصل بأمّ دينار، وقلنا إنه صبغ بفوّة لما جاء وعليه ذلك الاحمرار، وأطال الله عمر زيادته وتردد إلى الآثار، وعمته البركة فأجرى سواقي مكّة إلى أن غدت جنّة تجري من تحتها الأنهار، وحضن (9) مشتهي الروضة في صدره (10) وحنى عليه حنوّ المرضعات على الفطيم: [من الوافر]
وأرشفه على ظمأ زلالا ... ألذّ من المدامة للنديم
وراق مديد بحره لما انتظمت عليه تلك الأبيات، وسقى الأرض سلافته الخمرية
__________
(1) ظلمه: بر، قا: الظلمة.
(2) سورة الزمر 39/ 75.
(3) لمتحمله: قا: لمتجمله.
(4) سورة الكهف 18/ 77.
(5) قلت: طا: قال شيخنا المشار إليه أبقاه الله تعالى طب، ها: قال الشيخ تقي الدين المشار إليه قا: قال المقر التقوي المشار إليه، تغمده الله برحمته بر: وقال التقوي.
(6) النيل عاملنا: تو: النيل الذي عاملنا ها: النيل التي عاملنا بر، قا: النيل المبارك الذي عاملنا.
(7) ليزول الإبهام: ها: لنزول الإيهام.
(8) فمالت: ها: فحالت.
(9) حضن: قا: حصن تو، ها: حصّ بر: تحصن.
(10) صدره: تو، ها: حصنه.(1/216)
فخدمته بحلو النبات، وأدخله إلى جنات النخيل والأعناب فالق (1) النوى والحبّ، فأرضع في أحشاء الأرض جنين النبت (2) وأحيى له أمهات العصف والأبّ، وصافحته كفوف الموز (3) وختمها بخواتمه العقيقية، ولبس الورد تشريفه وقال:
«أرجو أن تكون شوكتي في أيامه قوية». ونسي الزهري بحلاوة لقائه مرارة النوى، وهامت به الشقراء فأرخت ضفائر فروعها عليه من شدّة الهوى. واستوفت الأشجار ما كان لها في ذمّة الريّ من الديون، ومازج الحوامض بحلاوته فهام الناس بالسكّر والليمون. وانجذب إليه الكبّاد وامتدّ، ولكن قوي قوسه لما حظي (4) منه بنصيب سهم لا يردّ. ولبس شربوش (5) الأترجّ وترفّع إلى أن لبس بعده التاج.
وفتح منشور الأرض لعلامته بسعة الرزق (6) وقد نفذ أمره وراج، فتناول مقالم الشنبر (7) وعلّم بأقلامها ورسم لمحبوس كلّ سدّ بالإفراج (8). وسرّح بطائق السفن فخفقت أجنحتها بمخلّق بشائره، وأشار بأصابعه إلى قتل المحل، فبادر الخصب إلى امتثال أوامره. وحظي بالمعشوق وبلغ من كل منية مناه. فلا سكن (9) على البحر إلا تحرك ساكنه للمطالعة بعد ما تفقه وأتقن باب المياه، ومدّ شفاه أمواجه إلى تقبيل فم الخور، وزاد بسرعة واستحلى المصريون زائده على الفور، ونزل في بركة الحبش فدخل التكرور في طاعته، وحمل على الجهات البحرية فكسر المنصورة وعلا على الطويلة بشهامته، وأظهر في مسجد الحضر (10) عين الحياة فأقر الله عينه، وصار أهل دمياط في برزخ بين المالح وبينه، وطلب المالح رده (11) بالصدر وطعن في حلاوة شمائله، فما شعر
__________
(1) فالق: بر، قا: فألقى.
(2) النبت: قا: النبات بر: البنت.
(3) الموز: تو: المزن.
(4) حظي: بر، قا: ظفر.
(5) شربوش: بر، قا: شربوشه.
(6) الرزق: طب، تو، ها، بر، قا: الأرزاق.
(7) مقالم الشنبر: تو: معالم الشنير ها: مقام المشير.
(8) بالإفراج: تو: بالأفراح طا: فالإفراج بر، قا: بالانفراج.
(9) سكن: ها: يسكن.
(10) الحضر: ها: الخضر.
(11) رده: تو، ها: فرده.(1/217)
إلا وقد ركب عليه ونزل في ساحله. وأما المحاسن فواوات دوائره (1) على وجنات الأرض عاطفه، وثقلت أردافه على خصور الجواري فاضطربت كالخائفه، ومال شيّق النخيل إليه فلثم ثغر طلعه (2) وقبّل سالفه، وأمست سود السفن كالحسنات في حمرة وجناته. وكلما زاد زاد الله في حسناته. فلا فقير سدّ إلا حصل له من فيض نعمائه فتوح، ولا ميّت خليج إلا عاش به ودبّت فيه الروح. ولكنه احمرّت عيونه على الناس بزيادة وترفّع، وقال له المقياس: «عندي قبالة كل عين إصبع»، فنشر أعلام قلوعه وحمل وله من ذلك الخرير زمجره، ورام أن يهجم على غير بلاده فبادر عزمنا المؤيدي وكسره.
وقد آثرنا الجناب (3) بهذه البشرى التي عم فضلها برا وبحرا، وحدّثناه عن البحر ولا حرج وشرحنا له حالا وصدرا، ليأخذ حظه من هذه البشارة البحرية بالزيادة الوافرة، وينشق من طيبها (4) نشرا. وقد حملت له من طيبات (5) ذلك النسيم أنفاسا عاطرة. والله تعالى يوصل بشائرنا الشريفة بسمعه الكريم ليصير بها في كل وقت مشنّفا، ولا برح من نيلنا المبارك وإنعامنا الشريف على كلا الحالين في وفا.
إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه.
(42)
توقيع لعبد الرحمن بن العلمي داود بن الكويز ناظر الجيوش المنصورة بصحابة ديوان الجيوش:
ومما أنشأته (6) توقيع * باسم المجلس العالي الزيني * (7) عبد الرحمن بن الجناب (8)
__________
(1) دوائره: تو، ها: دوائرة وجاء التصحيح على هامش تو: «وأمست واوات دوائره».
(2) ثغر طلعته: طب: ثغره.
(3) الجناب: قا: الجناب العالي.
(4) طيبها: طب: طيها.
(5) طيبات: طب: طيات.
(6) ومما أنشأته: طا، بر، قا: ومن إنشائه طب، ها: ومن إنشائه تغمده الله تعالى برحمته.
(7) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(8) الجناب: قا: المقر ساقط من بر.(1/218)
العلمي داود بن الكويز (1)، * ناظر الجيوش المنصورة بالممالك الإسلامية المحروسة * (2)، بصحابة ديوان الجيش * وكتب في انتصاب والده في نظر الجيش * (3) وهو:
الحمد لله الذي رفع لديوان جيشنا المنصور علما زاهرا وزاده زينا، واختار لصحابته من قال له صلاح بيته: «طب نفسا وقرّ عينا». نحمده حمد آل بيت ما برح علمهم بالصلاح منشورا، ونشكره شكر قوم خصّهم الله بحسن النظر وأمسى سعيهم في إخلاص الصحابة مشكورا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نتنزل (4) بها يوم الكشف في ديوان الرحمه. ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي كشف عنا بصحابته كل غمّه. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم الناظر بنور الله، والعامل لله (5)، والصاحب الذي حسنت صحابته في الدنيا والآخره، وما منهم إلا من باشر فينا بعده صلى الله عليه وسلم فأحسن المباشره، وسلّم تسليما.
وبعد، فدوح غرسنا الشريف ما برحت فروعه زاكيه، وقطوف ثمراتها كأصولها دانيه، لا سيما الدوح الذي أزهر في أيامنا الزاهره، وسقي بماء فضلنا فأنبت النبات الحسن وأرانا أزاهره، وإذا نتج من هذا الدوح غصن سقيناه بماء القبول، لنجني ثمرته إذا أثمر ولحق بتلك الأصول.
ولما كان المجلس السامي هو الغصن الذي أينع في هذا الدوح وأزهر، وتفرّع من تلك الأصول الزاكية وأثمر، وسقي بماء واحد من إنعامنا فأخلف من سلف، ورأينا في هذا الغصن الناجب بحمد الله نعم الخلف.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت فروع دولته في أيامه الزاهرة يانعة، وبهجة زينها فوق مطالع البدور طالعة،
__________
(1) «الضوء اللامع» للسخاوي ج 4ص 7876رقم الترجمة 224و «المنهل الصافي» لابن تغري بردي ج 7 ص 169168رقم الترجمة 1378و «السلوك» للمقريزي ج 4ص 652.
. 1961367،،
(2) ما بين النجمتين ساقط من بر، قا.
(3) ما بين النجمتين ساقط من طب، بر الجيش: قا: الجيوش المنصورة.
(4) نتنزل: طب: نتبرك ها، بر: نتستر.
(5) والعامل لله: ساقط من بر.(1/219)
أن يستقرّ المشار إليه في صحابة ديوان الجيوش المنصورة بالممالك الإسلامية المحروسة، فإنه الشبل الذي هو في المخبر كأسوده، والوارد الذي ورد على روضة الديوان فحسنت بوروده، ورفع في الابتداء ولا بد أن يصير له خبر يسمع، وقاربه (1)
بدر التمام في عمره ولكن بهجته أسنى ومنزلته أرفع.
فليباشر ذلك على ما عهد (2) من أدوات أبيه وعمه، ونرجو أن يكون خلاصة هذا العقد الذي بالغ التهذيب في حسن نظمه والوصايا كثيرة ولكن في علم العلم وصلاح الصلاح ما يغني عن وصيته، ويرشده إلى نتائج الأغراض إن شاء الله تعالى من مقدمته، والله تعالى يجعل أصول هذا الدوح دائما في تفريع، ولا برح حسن الختام منتظما في قصيد هذا البيت البديع. إن شاء الله تعالى.
(43) (3)
مكاتبة واردة من الناصري محمد بن أبي يزيد بن عثمان ابن أرخان على الأبواب الشريفة (في 5شعبان 819هـ):
ولما وردت (4) مكاتبة الجناب العالي الناصري محمد بن أبي يزيد بن عثمان ابن أرخان على الأبواب الشريفة في خامس شعبان المكرم سنة تسع عشرة وثمانمائة على يد رسوله طرسان بك (5) والكتابة في قطع الشامي بقلم التوقيعات، وهي (6):
__________
(1) قاربه: ها: قارنه.
(2) عهد: بر: عهد إليه.
(3) نشرنا الرقم (43) تحت عنوان:
. . 241259 .. 1994 ...
(4) ولما وردت: قا: ومما ورد.
(5) طرسان بك: طب، تو، قا: طرستان بك.
(6) سقطت هذه المكابتة من بر.(1/220)
بسم الله الرّحمن الرّحيم (1)
والحمد لله وسلام على عباده الّذين اصطفى وبعده بياض وصل
أدام الله تعالى عزّ المقام (2) المنيف الخطير العالي، العالمي، العاملي (3)، العادلي، الكبيري، العوني، الغوثي، النظامي، الهمامي، المشيّدي، المنعمي، المتفضلي (4)، النصيري، المجاهدي، المرابطي، المثاغري، المظفري، الأوحدي، الأمجدي، الكاملي، الكافلي، الغياثي، الظهيري (5)، الذخري، المؤيدي، محيى معالم الإسلام، ظلّ الله على كافة الأنام، مبدي مراسم الشرائع والأحكام، عزّ الشرع النبوي، والدين القويم الباهر المصطفوي، قاهر الطغاة والمتمردين، نصرة الغزاة والمجاهدين، عون الأمة الباهره، كهف الملة الزاهره، سلطان الإسلام والمسلمين، عون الضعفاء والمساكين، الذي تهتز بوصفه المنيف أعطاف المفاخر، وتختال بذكره الشريف أعواد المنابر، وبه أضحت عقود الإمامة منتظمه، وأمور السلطنة الباهرة ملتئمه، ورايات الغيّ والجهالة منتكسه، وآيات الظلم والضلالة مندرسه، وألوية الأمن والأمان منشوره، وأبنية الأفضال والعدل معموره: [من الطويل]
هو البحر (6) والإقبال طرّا (7) مراكب (8) ... هو البدر والإشراق (9) كلّا كواكب
له نعم تغني العفاة سواكب ... له نقم تفني العداة نواكب
فلا زال منه للحسود صواعق ... ولا زال منه للودود مواهب
__________
(1) وهي الرحيم: قا: وهي بعد البسملة الشريفة لطيف.
(2) المقام: ساقط من طا، طب.
(3) العاملي: ساقط من تو.
(4) المتفضلي: ساقط من ها.
(5) الظهيري: ها: الظهيري الأفضلي.
(6) البحر: كتب ناسخ نسخة طا فوق هذه الكلمة كلمة «كذا».
(7) طرا: طب، تو، ها: كلا.
(8) مراكب: طا، تو، ها: كواكب.
(9) الإشراق: طب، ها: الإشراف.(1/221)
ولا زال منشور عزه مكتوبا على وجهة الشمس، وجماجم أعدائه كأن لم تغن بالأمس المحبّ المخلص بعد تقديم تحية أضحت غرّاء بنور الوفاء والإخلاص، وأصبحت محجّلة بصفاء الولاء والاختصاص، وأزهرت بصدق الهمّة رياضها، وامتلأت من زلال الإخلاص حياضها، ورفع أدعية صالحة مستجابة، وإتحاف أثنية رفيعة مستطابه،
تبدي إلى العلم الكريم، لا زال محفوفا بما يسر (1) من المقاصد السنية، والمآرب المنيفة البهية، بعيدا عنه كل منفّر، مدفوعا عنه كدورة (2) كل مكدّر، أن المثال الشريف الزاهر، والخطاب المنير الباهر، المشتمل على فنون البلاغه، والمتحلّي بأساليب الفصاحة والبراعة، المحتوي من الألطاف السنية على أسناها، ومن الأعطاف البهية على أسماها، قد أزهرت رياض دقائقه، وأثمرت أشجار حدائقه، لله درّ بلاغته ما أزهر قمره ونجمه، ولله درّ فصاحته ما أنضر شجره ونجمه (3)،
فتلقيناه بالإجلال التام، وطالعناه بالإعزاز والإكرام، فاستظهرنا بمكانه، وبنينا عيان ثناء ببيانه (4)، وقلنا له: «أهلا وسهلا ومرحبا بخير كتاب أتى من خير مرسل»:
[من الوافر]
أتاني من جنابكم كتاب ... يحاكي نظمه نظم الجمان
فقد شاهدت في الدنيا عيانا ... بما أهديت روضات الجنان
بقيت مع الزمان قرير أمن ... ويمن تجتني ثمر الأمان
وصار وروده سببا للمباهاه، وإحكام أحكام الحب والموالاه، وذريعة إلى رسوخ أركان الإخلاص وصدق النية، ووسيلة إلى مزيد حسن الطوية. على يد حامله المجلس العالي ينبوع المآثر والخصائل، مفخر الأماجد والأماثل، افتخار أهل الفتوة والمروّة، أخي رستم المؤيدي الخاصكي، دام عزه (5)، واطلعنا على ما تضمنه من خبر ما منّ الله تعالى ببركات ذلك الجناب العالي على العبيد، ورحم بفضله سكان البراري والبلاد، من قهر المفسدين، أعوان المردة والشياطين، بالجنود المؤيّدين للدّين، المؤيّدين على العصاة البغاة
__________
(1) محفوفا بما يسر: طا: محققا قائما بسر.
(2) كدورة: بر، قا: كدرة.
(3) ما أنضر شجره ونجمه: تو: ما أزهر قمره ونجمه وعلى هامش تو: النجم نبات لا سوق له.
(4) بنينا ببيانه: قا: قنينا عنان الثنا ببيانه تو: أثنينا عنان الثنا ببيانه ها: ثبتنا عنان ثنا ببيانه.
(5) دام عزه: طب: أدام الله تعالى عزه.(1/222)
المتمردين، الخارجين من طاعة إمام المسلمين، بفضل الله وتأييده، ومنّه وتسديده، وحسب ما قال الله تعالى: {إِنَّ جُنْدَنََا لَهُمُ الْغََالِبُونَ} (1). طبق ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص (2) الأمير فقد عصاني»، وقال (3): «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، فميتة الجاهلية»، ومن خبر ما يسّر الله تعالى من إنعامه الباهر من فتح البلاد وتخليص أهلها من الباغين، وتسلط الظلمة الطاغين، وإطفاء نيران الجور والفساد، وقلع آثار الظلم والبغي والعناد، واكتساب الجناب المنيف الذكر الجميل الذي يبقى مدى الأيام، ولا (4) ينسى بتعاقب الشهور والأعوام، فشكرنا الله تعالى اقتداء بقوله جل ذكره: {فَقُطِعَ دََابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (5)، على حصول تلك النعم العظيمه، وتيسير تلك المنح الجسيمه، وخلاص المؤمنين ببركة (6) الدولة المؤيدية من فساد المفسدين. {وَلَوْلََا دَفْعُ اللََّهِ النََّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوََامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوََاتٌ} [7] وَمَسََاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللََّهِ كَثِيراً، وَلَيَنْصُرَنَّ اللََّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللََّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (8). ثم جهّزنا المجلس المشار إليه إلى الأبواب الشريفة، شرّفها الله تعالى ووقاها من الآفات والعاهات، وجهزنا في صحبته الأمير الأكرم، افتخار الغزاة والمجاهدين، مؤتمن الملوك والسلاطين، ينبوع المآثر، ظهير الدين طرسان بك، دام عزه، إلى الجناب الرفيع بتهنئة الفتوح التي أباح الله تعالى (9)، وعرض ما في خاطر (10) هذا المحب المخلص من صدق النيه، وخلوص الطويّه الموروثة من آبائه الكرام، الذين كانوا بالغين كل مبلغ في المودة والإخلاص للسلاطين العظام، الماضين الحامين لقطّان حرم الله تعالى، الذابّين يد الظلم والعدوان عن المؤمنين، تغمّدهم الله
__________
(1) سورة الصافات 37/ 173.
(2) يعص: طب: عصى، راجع مسند الإمام أحمد ج 13ص 93رقم 7656.
(3) وقال: أضافت قا: عليه الصلاة والسلام، المصدر السابق ج 13ص 326رقم 7944.
(4) ولا ينسى: ها: وبه ينسى.
(5) سورة الأنعام 6/ 45.
(6) ببركة: ها: ببركات.
(7) الصلوات: ساقط من تو، ها.
(8) سورة الحج 22/ 40.
(9) بتهنئة تعالى: قا: بتهنئته بالفتوح الذي من الله تعالى به.
(10) خاطر: طب: خواطر.(1/223)
تعالى بغفرانه، وأسكنهم غرف جنانه. وكانوا متّحدين في الأمور كلّ الاتحاد، سالكين مسلك المودة (1) والسداد، ساعين في مصالح الأبواب الشريفة فيما يحتاج إليه بالجد والإقبال، مجدّين في إجلال من يرد إليهم في عامة (2) ما يردّ عليهم من الأبواب الشريفة في كل حال باهتمام البال.
وكانت المملكتان متحدتين في زمانهم، والعهود راسخة الأركان في أيامهم، وقد قيل: «صداقة الآباء قرابة الأبناء»، وقصد هذا المحب أن يقتفي آثار آبائه في تشييد بنيان المحبة، وسلوك نهج الإخلاص والاتحاد والمودة، وبذل الجهد بقدر الوسع في إتمام مصالح الدولتين، وإنجاح مرام الطرفين، فإن آثار المحبة الموروثة على التزايد (3) ليلا ونهارا، مولّدة نامية سرا وجهارا، شامخة البنيان لم يستنشق مشامّها رائحة الخلل، ولم يختلط بمياسمها شائبة الزلل. فالمأمول من شيم الجناب العالي، لا زال عاليا، أن يشرف هذا المحب بمشرفاته المشرفه، وينبّئه (4) بأخباره السارة في انتظام أمور دولته المنصورة العالية الغاليه، لا زالت غالبة غير مغلوبه، قاهرة غير مقهوره، ليكون سببا لاطمئنان الخاطر، فإن انتظام أمور الجناب الشريف الحامي لحرم الله تعالى، زاده الله تعظيما وإجلالا، سبب لبهجة خواطر المؤمنين، وصفاء قلوب الموحدين، وأن ينبئه (5) بسوانح الحوائج والمهمات التي في وسع هذا المحب المخلص إتمامها ليجتهد متأهّبا في قضائها، ويهتم بها كل الاهتمام حسبما رأى، وسمع من ديدان آبائه الكرام العظام، غفر الله تعالى لهم، وشكر مساعيهم بالأموال والأنفس في سبيل الله لإعلاء دين الإسلام، وقهر أعداء الله تعالى بالاجتهاد التام، وأن يمكّن التجار والقوافل القاصدين لبلادنا من الترداد، كما يمكّن هذا المحب كل من يريد التوجه إلى مملكة الجناب العالي لتحصل الفائدة للعباد والبلاد، ويكون وسيلة إلى الأجر الجزيل، والذكر الجميل.
والأمير الأكرم ظهير الدين طرسان بك المذكور قد حمل من المشافهات ليرفعها إلى
__________
(1) المودة: ها: المودة والأخاء.
(2) عامة: كذا في طا تو: عاية، قا: غاية.
(3) التزايد: تو: الزائد ها: المزائد.
(4) ينبئه: طب: يتنبه تو، ها، قا: ينبّه.
(5) ينبئه: تو، ها، قا: ينبه.(1/224)
العلم الكريم، لا زال كذلك عند الفرصة، فالمأمول من إحسانه (1) الكريم ولطفه الشامل أن يحسن الإصغاء إليها على عادته الحسنة السنية، وسريرته (2) الكريمة المرضية، ثم يشرّفه بالجواب ويبلغه إلى هذا المحب المخلص ويحصل المرام، إن شاء الله تعالى والله تعالى يخص الجناب المنيف بالفضل العميم، واللطف الجسيم، ويحسره في حالاته وينصره بملائكة سماواته.
سطر ذلك وأصدر في السادس عشر من صفر، ختمه الله بالخير والظفر، أحد شهور عام تسعة عشر وثمانمائة.
والحمد لله رب العالمين والصلاة على حبيبه محمد وآله وصحبه أجمعين (3)
والولاية بآخره (4)
(44) (5)
جواب على المكاتبة السابقة:
كتبت بما هو (6) في الورق قطع الثلث، العلامة «أخوه».
ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي، الأميري، الكبيري، العالمي، العادلي، المؤيدي، العوني، الغياثي، الزعيمي، الظهيري، المشيدي، الممهدي، المثاغري، المرابطي، المجاهدي، الناصري (7)، عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين،
__________
(1) إحسانه: طب، تو، ها: احتفاله.
(2) سريرته: قا: سيرته.
(3) والحمد أجمعين: تو، ها: والحمد لله وحده قا: والصلاة على حبيبه وآله وصحبه والتابعين ساقط من طب.
(4) الولاية بآخره: قا: العلامة بآخره ساقط من طب، تو، ها.
(5) نشرنا هذه المكاتبة في الدراسة المذكورة في الحاشية رقم (1) للرقم السابق (43).
(6) كتبت بما هو: طا: فأجاب الشيخ تقي الدين منشئ الديوان أمتع الله ببقائه بما هو قا: فأجاب المقر التقوي المنشي المشار إليه بما سيأتي طب: فأجاب سيدنا الشيخ المشار إليه غفر الله له بما هو ها: فأجاب الشيخ العلامة تقي الدين المشار إليه تغمده الله تعالى برحمته بر: ومن إنشائه جواب عن كتاب ورد على الأبواب الشريفة من المقر العالي الناصري محمد أبي يزيد ابن عثمان في شهر شعبان المعظم.
(7) الناصري: من هنا تبدأ مواصلة نص نسخة ق.(1/225)
زعيم جيوش الموحدين، مقدم العساكر، ممهد الدول، مشيد الممالك، عون الأمة، عماد الملة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين (1)، ولا زالت تحياته مخصوصة منا بشرف التسليم، وسرّه (2) العثماني ملحوظا منا في بيعة المودة بالتقديم، وشعراء الإخلاص في كل واد من معاني محبته تهيم، وفروض الجهاد بسيوفه المسنونة في كل وقت تقام، وبلاده الإسلامية محروسة بالجناب المحمدي عليه السلام، وهمزات عوامله بصدور الكفار موصوله، وألسن سيوفه بثغور بلادهم من رشف أرياق دمائهم مبلوله، ولا برح يجاهد (3) في سبيل الله تعالى برّا ويتخذ في البحر سبيله، فإنه من البيت الذي علا بمحمد مقامه، وانسجم بالخلف العثماني نظامه، واقتدى بالمشيخة المؤيدية والنجح في هذا الاقتداء له شريك، وساعدته تورية السعادة لما تمسك بقول من قال: «لا بد من شيخ يريك»، ولم يبق بعد الاقتداء بهذه المشيخة إلا الفتوحات المقبولة، والمشاركة في حسن السلوك على ما يرضي الله ورسوله، وإن كانت حروف مفاوضته الكريمة لم تفتح من قبل في وجوه الطروس أعينا (4)، عملنا بقول القائل: «اليوم تاريخ المودة بيننا».
صدرت هذه المفاوضة إلى الجناب العالي المحمدي، تتأرّج بطيب السلام عليه، وتتنسّم نسمات القبول من أخبارها الطيبة ما تنقله إليه، وحملناها ثناء أطلقنا عنان كميت القلم وهو غرّة في جبهته، وتوجهت وجوه الأقلام قبل ركوعها إلى قبلته، ومن رسائل الشوق ما خفق به قلب القلم في صدر طرسه وأجرى على خد الورق دمعه، ومن صدق الوداد ما التفت إليه وجه الإخلاص وهو مشرق الطلعة، ومن الإنشاء الملوكي ما أطلق به فصيح القلم لسانه، وخفر الشباب على عوارض نفسه ومحاسن سجعاته، وقال الفاضل الناصر: «هذا الإنشاء الذي ما خرس لسان قلمه ولا شابت لمّة دواته»،
وتبدي لعلمه الكريم ورود ما أهداه من ثمر المودة يانعا في أوراقه، مختالا في شعار من الإخلاص يعلمنا (5) أنه عنوان لعهوده وميثاقه. ولقد أتحف (6) من نبات الإيناس ما
__________
(1) الجناب المؤمنين: بر، قا: المقر إلى آخر ألقابه.
(2) سره: طب، تو، ها: منبره.
(3) يجاهد، ق: مجاهدا.
(4) أعينا: طب: أعيانا.
(5) يعلمنا: طب: فعلمنا قا: لعلمنا.
(6) أتحف: تو: أنجب.(1/226)
غرس بأكناف النيل المبارك فحلا نباته، ودنت قطوف أنسه وظهرت في فروع المحبة ثمراته، فاقتطفنا زهر المنثور من رياضه عند الورود، وتغزلنا من رقم سطوره على بياض طروسه بين (1) العوارض والخدود، وطالعنا مجموع محاسنه التي لم تنس (2) فعلمنا أنها للملوك (3) تذكره، وتبصرنا فيما أدهش من زواجر حكمه فرأينا المدهش في التبصره، فقلنا هذه لمعة لو أدركها السراج لقصّر لسانه تأدبا، وقال سراج الملوك: «حرمته قويه» أو القاضي السعيد لقال: «ما لسناء الملك بهجة مع الأنوار المحمديه»، ولقد أدار كؤوس المحبة بلطف (4) مزاج المودة فعذبت، وثملنا بقهوة إنشائها قد غرّدت سواجعها بين الأوراق فأطربت (5)، وقال الحرم الشريف: «مرحبا بالبركة العثمانية وأثرها المكرم»، وطرب المقام فرحة بهذا الأثر المبارك وزمزم، وهبّت نسمات القبول من الحرم النبوي إكراما لمحمد، وقال البيت المقدس: «إن كنت الأقصى فأنا الأدنى لهذه المسرة التي طرب لها كل معبد»، وعلمنا أنه الجناب الذي علم أن القلوب نعم الأجناد المجندة في مهمّنا (6) الشريف فاستخدمها، وتحقق أن صحابة الأنصار (7) للجناب المحمدي مقدمة فقدمها، ولقد باء القلب لأبياته البائية التي هي نزهة لكل راء بالعين، ومازجناها بسلاف الجواب ليصير لأهل الإنشاء بينهما في سكرين، وهو، شعر: [من الطويل]
كلام مليك والمعاني كتائب ... له في ميادين الطروس مواكب
وفي نصف شعبان أتى غير أنّ في ... حلاوته للذائقين رغائب
فلا برحت أعداؤه في مهالك ... وفي راحتيه للعفاة مطالب
وقد اتصلت الأبيات بالأبيات، وخطاب المودة بينهما خاطب، وحكمنا للخاطب (8) الأول بموجب المودّة ومذهبنا يرى (9) صحّة الحكم على الغائب، ولا بد
__________
(1) بين: ق: من.
(2) تنس: تو: ننس، طا: ينس.
(3) أنها للملوك: طا: أنه للملوك ق: للمملوك: تو، ها: أن للملوك.
(4) بلطف: ساقط من طب.
(5) أطربت: تو، ها: اضطربت.
(6) كذا في الأصل.
(7) صحابة الأنصار: بر، قا: صحابة محمد الأنصار.
(8) للخاطب: طب، قا: للمخاطب.
(9) كتب ناسخ مخطوطة طا كلمة «هنا» فوق كلمة «يرى».(1/227)
لهذه الألفة من اضطراب في أعداء الدولتين وضرب لنا في إيقاع سيوفه مقاصد، حتى يقول لسان الحال: «إذا تآلفت القلوب على الولاء فالخلق تضرب في حديد بارد».
وممالكنا الشريفة قد طهّرها الله تعالى من الطغاة (1) بسيفنا الذي كان لأعمالهم باترا، ولنظم شملهم لما ظهر عليهم زحاف المعصية ناثرا، وقد تيقظت عيون عزمنا الشريف للجهاد وعن قريب تهجر مقل السيوف أجفانها، وتتجرد لقتال الكفار وقد تكنّى لها (2)
النصر بأبيه وأيّد سلطانها، وإذا قدحت سيوف الدولتين في عباب البحر على الكفار (3) نارا، تلا لسان النصر: {رَبِّ لََا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكََافِرِينَ دَيََّاراً} (4).
ومن إنشاء الفاضل عن الناصر هنا ما يحسن أن يشنّف به سمعه الكريم، فإنه عن أبي الفتوحات صلاح الدين الذي جاهد في الله حق جهاده ومشى على هذا الصراط المستقيم:
«إذا كان الله قد أعطانا البلاد، وهي آلة المقيم الراتب، وأعطاهم المراكب وهو الظاعن الهارب، فقد علمنا لمن عقبى الدار، ومن ينقله الله انتقال قوم نوح من الماء إلى النار»، انتهى. فالجناب يوطّن نفسه على حسن المآل في الحالين، ويعلم أنه من المكرمين إن شاء الله تعالى في الدارين، وقد تلمّظت ألسن سيوفنا في ثغور قربها شوقا لحلاوة نصره، وتحركت عيدان رماحها طربا لما ترنمت مفاوضته بطيب ذكره، ونفّضت جوارح سهامها ريش أجنحتها لاقتناص تلك الغربان، وهامت فرساننا المؤيدية إلى منازله التي هي منازل الأحباب لتريه (5) من أعدائه مقاتل الفرسان. فإنه المجاهد الذي حط بني الأصفر في البحر الأزرق من بيض سيوفه أسود، * وكم أذاقهم الموت الأحمر وكمال التذبيح يقول: «أهلا بعيش أخضر يتجدد». وتتولد نصرتنا له برفع راية الفرح على كل وقت عليه مبارك، ويتأيد بعزم نصرنا المؤيدي حتى يقول له لسان الحال: «أعزّ الله أنصارك» * (6)، فتقديمه العثماني من وجه الاستحقاق قد ثبت عندنا وتقرر، وهو اليوم إمام المجاهدين (7) الذي ما صلّت
__________
(1) الطغاة: طب: البغاة.
(2) تكنى لها: تو: تكنا له ها: تكنا لنا ق: تكتا لها.
(3) الكفار: ها: الكافرين.
(4) سورة نوح 71/ 26.
(5) لتريه: طب: لتربة.
(6) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(7) المجاهدين: طب: المجتهدين.(1/228)
سيوفه في محراب إلا قال مرقّي النصر من خلفه «الله أكبر»، وما أحق هذا البيت الطاهر، وخلفه الزاهر بقول أبي الطيب وقد برزت توريته من وراء الستائر، شعر (1): [من الكامل]
وتفوح من طيب الثّناء روائح ... لهم بكل مكانة تستنشق
مسكيّة النفحات إلا أنها ... وحشية بسواهم لا تعبق
وعجبت من أرض سحاب أكفّهم ... من فوقها وصخورها لا تورق
أمريد مثل محمد في عصرنا ... لا تأتنا (2) بطلاب ما لا يلحق
لم يخلق الرحمن مثل محمد ... أحدا (3) وظنّي أنه لا يخلق
والله تعالى يجريه على أجمل عوائده من النصر، ليصير (4) الكافرون في زلزلة من قارعة سيوفه بهذا العصر، ولا زالت خيول نصره تسابق مواسم أيامه أعياد غده، وصان الله حمى الإسلام وحمى جنابه بمحمد. إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه.
(45)
تقليد الفخري عبد الغني ابن أبي الفرج بالأستاد دارية والإشارة بالديار المصرية:
ومما أنشأته تقليد المقر الأشرف العالي الفخري (5) ابن أبي الفرج (6) بالأستادّارية والإشارة * بالديار المصرية (7) وما أضيف إلى ذلك * (8).
__________
(1) «شرح ديوان المتنبي» ج 3ص 7977مع اختلاف في ترتيب الأبيات.
(2) تأتنا: نفس المرجع ج 3ص 79: تبلنا.
(3) أجدا: نفس المرجع ج 3ص 79: أبدا.
(4) يصير: ها: يكون.
(5) ومما أنشأته الفخري: طا: ومن إنشائه فسح الله في أجله تقليد المقر الأشرف العالي الفخري ها: ومن إنشائه تغمده الله تعالى برحمته تقليد المقر الفخري طب: ومن إنشائه رحمه الله تعالى توقيع المقر الفخري بر، قا: ومن إنشائه تقليد الفخري.
(6) وهو فخر الدين عبد الغني بن تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج بن نقولا الأرمني المعروف بابن أبي الفرج («الضوء اللامع» للسخاوي ج 4ص 251248رقم الترجمة 649و «المنهل الصافي» لابن تغري بردي ج 7ص 318314رقم الترجمة 1450في استقراره استادارا ومشيرا، راجع: «السلوك» للمقريزي ج 4ص 356 (الأستادارية في 25ربيع الآخر 819) و 359 (الإشارة في 4جمادى الآخرة 819).
. 2091442،،
(7) الديار المصرية: ق: الديار الشامية ساقط من النسخة بر.
(8) ما بين النجمتين ساقط من طب.(1/229)
الحمد لله الذي جعل لملكنا الشريف علوا على رتب الملوك وفخرا، ونظم شمل ديوانه بمن شعر بفوائده وأرانا نظمه درّا، وشرح صدور خزائنه بعد قفلها فقالت: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (1). نحمده حمدا كثيرا (2) على جزيل هذه النعمه، ونشكره شكرا زائدا على نيل فخر السعادة وزوال الغمّه (3)، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من رفع حسابه (4) وقوبل بعلامة الرضى (5)، ونشهد أن محمدا (6) عبده ورسوله الذي هدينا (7) بإشارته الشريفة، وكان نعم المشير الذي تهلّل به وجه الصواب وأضاء، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين حملوا الدواوين من بديع صفاته بحسن النظام، وما منهم إلا من عظمت صحابته بحسن النظر في مصالح الإسلام، صلاة تكون يوم الحساب صلة من الغني لعبده الفقير، وإضافة عبد الغني ترفع القدر ولكن يجرّ الخيرات على كل تقدير، وسلم تسليما.
أما بعد، فبيت الملك الشريف لا ينتظم إلا بواحد لا ينكر لله إذا جمع العالم فيه، وألهمه الرشد (8) ويجعله نصبة سعيدة (9) لرفع مبانيه، لا سيما ملك مصر الذي من ورد بحره استقل سواقي الممالك، ولم يصل الحاكم بالرصد إلى مطالبه إلا بعد ركوب المهالك، فإن ممالك الإسلام دائرة وهو قطبها، وقبلة لصلاة الصلات ولكن هو نصبها. وهو الذي صرّح الكتاب بالأمن عند الدخول إلى حرمه الجليل، وجهات (10)
أعتابه تتشرف صيد الملوك إذا حظيت منها بالتقبيل. وسلطانه خلد الله ملكه من قصد رفعته لحظ الناس أهلّة (11) الأعياد فوق جبينه. ومن فاز بلثم يمينه خرج من أبوابه
__________
(1) سورة الشرح 94/ 65.
(2) كثيرا: طب: كبيرا.
(3) الغمة: ها: النقمة.
(4) حسابه: تو، ها: حسناته.
(5) هنا انقطع النص في النسخة ق ويواصل في الرقم (47) ص 197سطر 9، (راجع هامش رقم 7ص 191).
(6) محمدا: بر، قا: سيدنا محمد.
(7) هدينا: ها: هذبنا.
(8) الرشد: طب: رشده.
(9) سعيدة: ها: سنده بر، قا: شريفة.
(10) وجهات: طب: وجبهات بر، قا: وجبهة.
(11) أهلة: طب: أهلية.(1/230)
الشريفة ازدحم الملوك على لثم يمينه. وعساكره المنصورة (1) ما سلكت فجّا إلا سبقت سيوفها العذل، وقالت الأعداء وقد ماتت أكثر نفوسها: «ليتنا عشنا بالذي فضل إن حصل» (2): [من البسيط]
وضاقت الأرض حتى كان هاربها ... إذا رأى غير شيء ظنه رجلا
فبعدها وإلى ذا اليوم لو ركضت ... بالخيل في لهوات الطفل ما سعلا
وإذا أمطر سحاب جوده وأغدق، طلب كل من الناس الملاحظة بعين الرحمة لأن لا يغرق. وقد تقدم أن هذا البيت الشريف لا بد أن ينتخب له من يقوم بشعائره، ويرفع منابر شكره لخطباء محاسنه من بادئه وحاضره، ويكون الرجل الذي أشار إليه أبو الطيب بقوله (3) في حسن مآثره (4): [من البسيط]
إذا تغلغل فكر المرء في طرب ... من مجده غرقت فيه خواطره
ليظهر منه إذا أعرب عن نحو الملك حسن التصريف، ويرى منه في نظم بيوته وتشييدها بديع الجناس والترصيف، ويكون أحذق طبيب في استقصاء أعراضه، وأسبق سهم إلى بلوغ أغراضه، وأسعد مشير لم يفتقر الملك بحسن رأيه إلى رفع رايه، وأكرم جواد لم يصل معه مجار في حلبة الكرم إلى غايه.
ولما كان المقر العالي، الكبيري، المدبري، المشيري، الفخري، عبد الغني بن أبي الفرج أعز الله أنصاره (5) هو ابن نجدة هذه الأوصاف الجميلة وأبو عذرتها، والفخر الذي انحصرت فيه هذه المفاخر ولبس تفاصيل جملتها، والسيف الذي سلّ من هذا الغمد الشريف فأقام حدود الملك وما كلّ، وتنصّل غيره إذ لم يكن في مضربه جوهر، ولكن بئس ما تنصل، والمتيقظ الذي نبّهناه فنامت عين الملك قريره، وبان إدبار الأعداء لما صار مدبّره ومشيره، اقتضت آراؤنا الشريفة تشريفه على الغير والمجانسة له بلبس تشريفه، وأن يهزّ مثقف إنشائنا في تقليده فإنه في غنية من التعريف والتثقيف.
__________
(1) المنصورة: ساقط من بر.
(2) إن حصل: ساقط من طب، ها.
(3) بقوله: ساقط من طب، تو.
(4) «شرح ديوان المتنبي» ج 2ص 223.
(5) أعز الله أنصاره: ساقط من طب.(1/231)
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت ينابيع إنعامه تفيض وتفجر الصخر، ولا برح الزمان في أيامه الشريفة يختال في حلل هذا الفخر،
أن يفوّض إلى المشار إليه وظيفة الإشارة والأستادّارية وما أضيف إلى ذلك وذكر هنا (1)، فإنه الكامل (2) الذي إن باشر الكتّاب بنظره عقدت عليه الجمل ولم يضع (3)
حساب لكاتب، وإن كان في كتيبة جيش وسوست ألسن السيوف في صدور الكتائب، وصدق قول القائل: [من الطويل]
وكم عين قرن حدّقت لنزاله ... فلم تغض إلّا والسّنان لها كحل
وإن قيل: رفقا، قال: للحلم موضع ... وحلم الفتى في غير موضعه جهل (4)
هذا والطعن في صدور أوراق الكتّاب بأسنّة أقلامه مشهور، فلا كاتب إلا وشاهد ذلك بعينه وعجز عن دفع ما هو في الكتاب مسطور، فأرباب السيوف وقفوا عند حده، وأرباب الأقلام استمدّوا منه وأطلقوا ألسن أقلامهم بحمده، فهو في الحالتين ربّ السيف والقلم، والممهّد الذي حسن طباق سياسته بين العرب والعجم، إن جهزناه في البحر عاد بزيادة وبشارة ووفاء، وإن تبطّن (5) البرّ تراضعت عربه ثدى الذمام على مناهل الصفاء، وإن جنحوا لحربه شلّت ألسن أسنّتهم وخرست عن (6) التكليم، ولم يستقم لأعاريض بيوتهم وتد ولا سبب، بل نفروا في البر مع ظباء الصّريم، وإن سلمناه فم الرمل تبسم ثغره ولم يفته من حسن المصالح شنب، وإن كشف أسبغ الله ظلال ستره على البلاد وضرب له على رؤوس العصاة وتد امتدّ طنب (7)، وإن سئلت العصاة من العرب عن الأموال والأرواح قالت: «سلبت وراحت يا عرب».
__________
(1) ذكر هنا: ساقط من بر، قا.
(2) الكامل: بر، قا: الكاتب.
(3) يضع: بر، قا: يرفع.
(4) تضمين للبيت رقم 30من قصيدة المتنبي في مدح سيف الدولة وهو:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ... مضر كوضع السيف في موضع الندا
راجع شرح العكبري لديوان المتنبي ج 1ص 288.
(5) تبطن: بر: توطن.
(6) عن: بر، قا: عند.
(7) امتد طنب: تو، ها: امتد له طنب.(1/232)
وأما الوجه البحري فأمسى وجها حسنا لما اكتسب من محاسنه، وبان كماله من أوجه لما حل الفجر بجهاته وأماكنه، وأضفنا إليه البحيرة علما أنها قطرة (1) في بحره، وصغّرناها بعد الحقارة للتحبيب بما نسبت إلى علوّ قدره، فهو ملك الأمراء وأستاذ دارنا العاليه، ومشير دولتنا الشريفة، وعين أنسابنا (2) التي هي ملحوظة منا بالواقيه (3). وأما الكرم فبحر النيل يوفي مرة في العام بعد طول ظمأ القوم، وهذا البحر أصابعه تتخلّق بالوفاء في كل يوم، فالخصب مشغوف بندى أياديه (4) وريّ أيامه، والزمان يتوّج بهذه الأيّام البيض رؤوس أعوامه (5)، طلع في أفق ملكنا الشريف وظهر رونقه وجماله، وقابل البدر عند تمامه فخسف ونقص كماله، وذكر محمود فكان مذموما عنده، ونسينا الجمال اليوسفي لما أقمر في أفقه وكمّل الله سعده، وتالله ما غاب إلا ضعف (6) البدر ونقص عندنا بعده.
فليباشر ما فوضناه إليه من بسيط هذه الوظائف الجليلة (7) فإنه بحمد الله كامل، ويقابل إنعامنا بالشكر والقبول، فإن الوقت قابل، وإن كان لبني أيّوب مفرّج الكروب الذي مال إليه كل بنيه، ولابن الجوزي المصنّف الذي ينسبه إلى الفرج بعد الشدة ويدّعي صحة نسبته من يرويه، فهذا الذي اعترف الفرج بإخوته وثبت عندنا أنه ابن أبيه الوصايا كثيرة ولكن أحسن ما يسقط طائرها منه على الخبير، وهو أمسّ الناس بها فإنه مدبّر في الملك ومشير، والله تعالى يجعل ثغور الإسلام ببديع نظامه باسمه، وأركان الملك بحسن قواعده قائمه، ولا زالت أكباد أعاديه مفطّرة، وهي من الوصول إلى محله صائمة، ولا برح له في كل براعة خير إن شاء الله تعالى حسن الخاتمة.
بمنه وكرمه (8).
__________
(1) قطرة: طب نقطة.
(2) أنسابنا: طب: انسانها.
(3) بالواقية، بر: بالوافية.
(4) أياديه: تو: يديه.
(5) أعوامه: بر، قا: أعلامه.
(6) ضعف: طب، تو، بر، قا: صغر.
(7) فليباشر الجليلة: بر: فليباشر ذلك الفضل البسيط.
(8) بمنه وكرمه: تو: إن شاء لله تعالى بر: آمين.(1/233)
(46)
توقيع لناصر الدين محمد بن الكاتب القادري بنظر الجيش بحماة المحروسة (26ذي القعدة 819هـ):
ومنه (1) توقيع القاضي ناصر الدين محمد بن الكاتب القادري بنظر الجيش المنصور بحماة * المحروسة (2) في السادس والعشرين من ذي القعدة الحرام سنة تسع عشرة وثماني مائة * (3).
الحمد لله الذي زاد الجيش الحموي قوة وأيّده بناصر، وجمل وجه إقباله ورفع حاجب عزه وزيّنه بناظر، وأحسن ختامه بعد إسحاق ويوسف بمحمد فظهر تمييزه في الآخر. نحمده حمد من دخل مصر آمنا وانقلب إلى أهله مسرورا، ونشكره شكر من سعوا إلى أهل التمييز فتميّزوا وقيل لهم: {إِنَّ هََذََا كََانَ لَكُمْ جَزََاءً وَكََانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} (4). ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نصير بها إن شاء الله من أهل البصيرة والنظر، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ما رقم اسمه على لواء جيش إلا حفّه الله بالتأييد والظفر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة يزداد بها العلم المحمدي رفعا، وتكون لنا تحت هذا العلم الشريف عند ملتقى الجموع درعا (5)، وسلّم.
وبعد، فحقوق الخدم القديمة ما برحت عندنا في ديوان الوفاء ثابته، وأصولها الزاكية ما زالت بسقيا إنعامنا الشريف نابته، ولا سيما النبات الحموي فإن له عندنا حلاوه، وتكرر في خدمتنا فكان على مكرره عند الاحتياج إليه طلاوه، وقد آن أوان الوفاء بتلك الحقوق فإن المدة أملّت، وتحركت ألسن الأقلام لها وسجدت بعد ذلك شكرا في محاريب طروسها وصلّت.
__________
(1) ومنه: طا: ومن إنشائه فسح الله في أجله طب: ومن إنشائه رحمه الله تعالى ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى وعفا عنه. بر، قا: ومن إنشائه.
(2) المحروسة: ساقط من طب، ها.
(3) ما بين النجمتين ساقط من بر في السادس ثمان مائة: قا: في ذي القعدة الحرام من السنة المذكورة.
(4) سورة الإنسان 76/ 22تو: إن هذا كان لهم جزاء وكان سعيهم مشكورا.
(5) درعا: طا: ذرعا (كذا).(1/234)
وكان المجلس السامي القاضوي الكبيري الناصري محمد ابن الكاتب القادري (1)، * أدام الله تعالى نعمته * (2)، ممن أخلص الطاعة وتجسّر على العاصي بحماة، وسعى إلينا في تلك الظلمة بضياء حسه. وأحسن النقل (3) في تلك الرقعة، وكانت همته عالية فلم يخش عند المقاطعة على نفسه، وأتحفنا بالسر المحمدي مرارا وتستر والكشّافة على رأسه. كم برز عند ضيق المعارك بأسرار بارزيه، وكم أظهر معجزا وجاء برسالة محمدية، وكم خاض ولعب بالعاصي ولم يخش من النهر. وكم أرّخ في وجوه أعدائنا سلخا عند غرّة كل شهر. وكم غاص في ذلك البحر وطلع بجواهر الأخبار وعيون الأعداء تتبحّر (4). وكم مشى في طاعتنا على الشريعة والعاصي يجري خلفه ويتكسر. وكم له في أوتاد العرب وأسبابها فواصل دلّت على علوّ هممه، وكم جاءنا بالسر المحمدي بعد ما داس على رقاب أصحاب العجل بقدمه.
وكم قطع المعتزلة بدقائق بحثه (5) وغاب بعد ما كان في الحاضر حاضرا، وعميت عنه عيون أعدائنا بحماة فاستحق أن يكون لجيشها ناظرا. وكم وكم إلى أن تجسم (6) من كم الجزية (7)
المادة، وتضيق مسالك الشكر في هذه الجادّة. وأما الأهلية فهو من دوحة الفضل هو غصنها الناجب، وإذا ذكر الكرم والكتابة فهو الكريم الكاتب وابن الكريم الكاتب.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السّيفي، لا زالت جيوشه المنصورة محفوظة بمحمد، وغرر التأييد زاهرة في جبهاتها بمليكها المؤيّد، ولا برحت ديون الخدم القديمة في هذه الأيام الشريفة مقبوضه، وسنن الوفاء بتشاريف الإنعام لأربابها مفروضه.
أن يستقرّ المشار إليه في نظر الجيش المنصور بحماة المحروسة على عادة من تقدّمه في ذلك وقاعدته، على أجمل العوائد وأتمّها، وأكمل القواعد وأعمّها، علما
__________
(1) المجلس القادري: قا: المجلس الناصري محمد ابن القادري بر: المجلس العالي الناصري محمد ابن القادري.
(2) ما بين النجمتين ساقط من بر.
(3) النقل: تو، ها: التنقل.
(4) تتبحر: بر، قا: تتفجّر طب: تتحسر.
(5) بدقائق بحثه: ساقط من طب.
(6) تجسم: قا: تنجسم.
(7) الجزية (؟): تو، ها: الحبرية بر، قا: الخبرية.(1/235)
بحقوق خدمه وأهليته، وحفظا لما أوردناه من الحديث لقديم خدمته.
فليباشر ذلك على ما هو المعلوم (1) من أدواته الكامله، ويقابل جبرنا بالشكر ليجمع بذلك بين الجبر والمقابله، ويتحقق الربح فيما اتّجر به من قديم تلك الخدمه، ويحدّث عن بحر إنعامنا عند جيرة العاصي ولا حرج عليه إذا تكلم بحرمه والوصايا كثيرة والمرجوّ من كرم الله (2) أن تهبّ عليه نسمات قبولها، وتثمر بنجابته فروع أصولها، والله تعالى يبصّره في ظلم (3) الأشكال بحسن نظره، ويجعل هذا المبتدأ بولايته مقترنا بحسن خبره (4)، ويمدّه بالسر القادري في إقامته وسفره، ويحفظه بدعاء الحسن وصوت أم الحسن عال في أثره.
بمنّه وكرمه (5) إن شاء الله تعالى (6).
(47)
تقليد القاضي نجم الدين ابن حجّي بقضاء الشافعية بالشام المحروس (20ذي الحجة 819هـ):
ومنه تقليد مولانا القاضي نجم الدين ابن حجّي (7) بقضاء الشافعية بالشام المحروس، وذلك في العشرين من ذي الحجة الحرام سنة تسع عشرة وثمان مائة (8).
__________
(1) على ما هو المعلوم: طب: على ما علم.
(2) من كرم الله: ساقط من ب قا: من كرم الله تعالى.
(3) ظلم: طب: ظلمة.
(4) بحسن خبره: بر: بخبره.
(5) بمنه وكرمه: ساقط من بر وقا بر: آمين.
(6) سقط الاستثناء من طا، تو، ها.
(7) راجع ص 22حاشية 2.
(8) ومنه ثمان مائة: طا: ومن إنشائه فسح الله في أجله تقليد مولانا القاضي نجم الدين بن حجي بقضاء الشافعيه بالشام المحروس وأملاني هذه النسخة المذكورة بالقاهرة ونقلتها في هذه الجزء المبارك في العشرين من شهر ذي الحجة الحرام سنة تسع عشرة وثماني مائة بمنزلة أوشيم بالجيزية ها: ومن إنشائه تقليد مولانا القاضي نجم الدين ابن حجي بقضاء الشافعية بالشام وذلك في العشرين من ذي الحجة سنة تسع عشرة وثمان مائة طب: ومن إنشائه تغمده الله برحمته توقيع مولانا القاضي نجم الدين بن حجي بقضاء الشافعية بالشام المحروس في العشرين من ذي الحجة الحرام سنة تسع عشرة وثمان مائة قا: ومن إنشائه تقليد قاضي القضاة نجم الدين بن حجي بقضاء قضاة الشافعية بدمشق المحروسة وهو بر: ومن إنشائه تقليد القاضي نجم الدين بن حجي بقضاء القضاة الشافعية بدمشق.(1/236)
الحمد لله ناصر من استعان به، وقامع أهل البغي في الأيام المؤيدية وناشر أعلام العدل في مواكبه، ورامي المبطل في مهالك الباطل وموصل الحق إلى مطالبه. نحمده حمد من أسبل عليه ستره الجميل عند الكشف، وجرّع أعداءه الغصص وخصه من مناهل النصرة بلذيذ الشرف، ونشكره على إظهار نجم الشريعة لإحراق كل مارد، وإيصال صلة النصر لمن صبر وعاد عليه من الصبر الجميل أجمل عائد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو أن تكون يوم فصل القضاء عند أحكم الحاكمين مقبوله، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ما برحت السيوف العمرية على من عادى الشريعة مسلوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة يظهر في أفق السعادة نجمها، وتشرق في سماء الشريعة فتزول ظلمات الباطل وظلمها، وسلم تسليما.
أما بعد، فنجم الشريعة يأبى الله أنه في غيوم الباطل يخفى، وغرس دولتنا الشريفة تقصر يد العدوان أن تنال (1) من ثمرات عزه قطفا، وضعيف البغي ما تقتضي (2) حكمة عدلنا أنه في أيامنا القاهرة يشفى، ولكن محن أهل العلم لم تزدهم في الدارين إلا رفعة، وبها يظهر ما انطووا عليه من الكمالات التي (3) تودّ البدور أن تكتسب منها لمعة، ويأبى الله إلا ما أراده من خفض الأعداء ورفعهم في الحال وهو ماضي الأمر. وهذا الإعراب يأتي على رغم من أنكره ولو انتسب إلى زيد وعمرو، فإنه أمر ملئت بطون الدفاتر شبعا من طيبات (4) أخباره، وسلف للسلف من عرف عرفه ما تمسّك الناس بطيب آثاره، ولسان حال السبكي قال: «إنّ خلاصة ذهبه ظهرت بالسبك، وطالما أصلى الياقوت جمر غضى ثم انطفى الجمر والياقوت ياقوت بلا شك». والمختصر أن أصوله حفظت في محنته (5) برفع المراتب، وتحقق العدو أنه جهل تلك الأصول لما خفض منه برفع الحاجب.
فتبا لقوم أمسوا بكثرة البغي على علماء الأمة قائمين، و {عَمََّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نََادِمِينَ} (6)، غرّهم ما أخفوه في صدورهم من فساد الأمور، والله {يَعْلَمُ خََائِنَةَ}
__________
(1) تنال: بر، قا: تتناول.
(2) تقتضي: طب، تو، بر: يقتضي.
(3) هنا انتهى نص مخطوطة بر.
(4) طيبات: قا: طيب.
(5) محنته: طب، ها، قا: محبته.
(6) سورة المؤمنون 23/ 40.(1/237)
{الْأَعْيُنِ وَمََا تُخْفِي الصُّدُورُ} (1). فلا يغرنّك من أهل الباطل تقديمهم بكثرة الأنصار.
و {إِنَّمََا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصََارُ} (2). فقل لمن يشتري الضلالة بالهدى، {أَيَحْسَبُ الْإِنْسََانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} (3). وناهيك بضلال من تعرّض إلى أئمة الشرع وشرع بالباطل في فساد نظامهم، وما عذره في غد يوم ندعو كل أناس بإمامهم.
وكان الجناب (* العالي القاضوي الحاكمي * (4) النجمي، أعز الله تعالى أحكامه) (5)، هو الذي غرسناه وسقي من المناصحة بماء واحد، وهذه السقيا ظاهرة في يانع ثمره، وسبك إبريز فضله بعد السبكي، فظهرت بالسبك خلاصة جوهره، واستحق قول القائل عند صدق مخبره: [من البسيط]
إني أنا الذهب المعروف مخبره (6) ... يزيد في السبك للدينار دينارا
وامتحنّاه فحفّته براءة من الله في إصداره وإيراده، وهززناه (7) فكان مثقّفا ولم يقع الطعن إلّا في صدور أعدائه وحسّاده. وقد قيل فيما غبر من الزمان: «عند الامتحان يكرم المرء أو يهان». والجناب تحارب (8) خيول الإكرام عند امتحانه إلى غايات سبقه. وفوض أمره إلى الله وإلينا، ففوضنا إليه الحكم فيمن نازعه بعد ثبوت حقه. كم صالوا عليه بأسلحة (9) الأقوال وجالوا، فبرأه الله مما قالوا. وكم ظنوا به غير ما فطر عليه، واتخذوا ظلّ الباطل فيئا. وقيل لهم: «جهلتم فإن الظن لا يغني من الحق شيئا»، ولم يقم لهم عدلنا الشريف برأس مال الباطل سوقا، وتلا لهم لسان الحال: {وَقُلْ جََاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبََاطِلُ إِنَّ الْبََاطِلَ كََانَ زَهُوقاً} (10). ولما نبّهنا لها عمر ظهرت بحمد الله يقظته، وآب إلينا فأرته حسن المآب أوبته. واقتضت آراؤنا الشريفة أن ينقلب إلى أهله مسرورا، ويصير في أيامنا
__________
(1) سورة غافر 40/ 19.
(2) سورة إبراهيم 14/ 42.
(3) سورة القيامة 75/ 36.
(4) ما بين النجمتين ساقط من قا.
(5) ما بين الهلالين ساقط من طب.
(6) مخبره: طب: جوهره.
(7) وهززناه: قا: وهززناه عود عزمه.
(8) والجناب تحارب: طب: والجناب تجردت تو، ها: والجناب تجددت قا: الجنان تجارات.
(9) باسلحة: قا: بألسنة.
(10) سورة الإسراء 17/ 81.(1/238)
المؤيدية مظفّرا بأعدائه ومنصورا، ليقوّم سوق العلم بدمشق المحروسة ويقول: «تجارة هذه بضاعتنا ردّت إلينا» (1)، وإذا سقي الغير غيث ولائه «فحوالينا اللهمّ ولا علينا» (2).
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت نجوم العلم في أيامه الزاهرة زاهرة، وطغاة البغاة مقهورة في أقصى البلاد بسطواته الشريفة من القاهرة، وأظهر الله جلال العلم بمصره وأطلع نجمه بشأمه، وأدامه سلطان الإسلام وشيخه لتصير علماء الأمة مكرّمين في أيامه،
أن يفوّض للمشار إليه كيت وكيت. وقد تقدّم في تقليده الأول أنه ملك العلم بها وفارس الميدانين، والخطيب الذي ما رقّى منبر ابن عبد العزيز إلا قال: «سبحان من أعزّني قديما وحديثا بالعمرين» (3). وقررنا أنه من بيت هو قبلة (4) العلوم، وهو (5) اليوم به إمام، وقد باهى العلماء قبل هذا التاريخ وقال: «أبي وأخي وسلطاني كل من الثلاثة شيخ الإسلام»، وها هو قد تقلّد سيف العز ولكن نعلم أن العلم حمائله، ولم يضرب به إلا صفحا فإنه ممن عذبت في موارد الصفح همائله، ولو سلّه على أعدائه الذين في كل واد من الجهل هاموا، لظهر صدق أبي الطيّب في قوله (6): [من الخفيف]
من يهن يسهل الهوان عليه ... ما لجرح بميّت إيلام
وما أحقّ حكاية حاله ببقية الأبيات، وما أبدعها إذا انتظمت في أسلاك هذه الصفات:
كلّ حلم أتى بغير اقتدار ... حجّة لا جئ إليها اللئام
رفعت قدرك النزاهة عنه ... وثنت قلبك المساعي الجسام
لو حمى نفسه (7) من الموت حام ... لحماك الإجلال والإعظام
__________
(1) قول مشهور منسوب إلى أبي علي القالي بعد اطلاعه على بعض كتابات أهل الأندلس.
(2) دعاء مشهور للنبي صلى الله عليه وسلم بعد استسقائه، راجع مسند الإمام أحمد ج 19ص 76رقم 12019.
(3) تضمين لحديث الرسول عليه السلام، راجع الحديث في مسند الإمام أحمد ج 9ص 506رقم 5696.
(4) قبلة: طب: عمدة.
(5) وهو: من هنا يستأنف نص مخطوطة ق.
(6) «شرح ديوان المتنبي» ج 2ص 225217.
(7) المصدر السابق ج 2ص 220: سيّدا.(1/239)
همم بلّغتكم رتبات ... قصرت عن بلوغها الأوهام
وقلوب موطّنات على الرّو ... ع كأنّ اقتحامها استسلام
وكفتك التجارب الفكر حتى ... قد كفاك التجارب الإلهام
قل فكم من جواهر بنظام ... ودّها أنها بفيك كلام
حسبك الله ما تضلّ عن الح ... قّ ولا (1) يهتدي إليك أثام
فليباشر ما فوّضناه (2) إليه على ما عهد من دينه ورأفته، فإنه ممن ثبت فضله بالتواتر وحكمنا له بصحته. وهو سريّ فلم يقابل الناس إلا بمعروف بشره، وما استكبر (3) عنه خبر إلّا صغرناه عند الملتقى بعظيم خبره والوصايا كثيرة «ولكن أهل مكة أخبر بشعابها» (4)، فإنه عالم المسلمين وحاكمهم ومصالح أهل دمشق هو أدرى بها، والله تعالى يزيد سلامته ثبوتا (5) تدوس الأعداء منه على الجمر، فإنها السلامة التي ما ثبتت إلا وفي نفسها أمر، ويجريه على أجمل العوائد في أيامنا الشريفة، ولا برح يستظل بدوح عدلنا الشريف ويتفيّأ وريفه.
والاعتماد [على الخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه] (6).
(48)
مثال وارد على الأبواب الشريفة المؤيدية من قرا يوسف صاحب العراقين:
ومما (7) ورد على الأبواب الشريفة المؤيدية مثال قرا يوسف صاحب العراقين.
أوله بعد البسملة الشريفة (8):
__________
(1) «شرح ديوان المتنبي» ج 2ص: وما.
(2) ما فوضناه: طب، ها: ما فوضنا.
(3) استكبر: تو، ها: استكثر.
(4) قول مأثور عند العرب.
(5) ثبوتا: طب: سلاما.
(6) الاعتماد: وارد في طا فقط والتكملة من نسخ سابقة أخرى.
(7) من هنا يبدأ القسم القديم لمخطوطة طب.
(8) أوله الشريفة: قا: وهو بعد البسملة الشريفة. ها: أسقطت «الشريفة».(1/240)
إلى الحضرة الشريفة الرفيعة، ملاذ وملجأ السلطنة، ومآب ومرجع المملكة الدينية والدنيوية، السلطان الأعظم، الأعدل، الأعقل، الأشجع، أعدل الملوك وسلاطين الزمان، افتخار الملوك والقهارمة، فلك الاقتدار، ملك ملوك الفرسان، في مضمار العدل والإحسان، أعقل وأشجع أكاسرة الزمان، غياث السلطنة والدنيا والدين، سلطان شيخي
خلّد الله تعالى في دوام النصر ملكه وسلطانه، لطائف التسليمات الطيبات، وصحائف التحيات الناميات، التي يوصل نسيمها إلى مشامّ الأرواح روائح الإخلاص، وفوائح الاختصاص، تبلغ وتتحف مع قصّاد الصباح والروّاح: [من الطويل]
سلام يحاكي عرفه ونسيمه ... نسيم الصّبا جاءت بريّا القرنفل
على الدوام، تستخبر أخبار انتظام شمل أمور الدوله، وتسأل من حضرة رب الأرباب ازدياد الرفعة وانتظام المملكة وإمداد السلطنة ودوام الدوله، إنه يسمع ويجيب الاشتياق والتعطّش بزلال بحار المواصلة التي هي أهمّ المطالب وأتم المأرب من حيث لا يحتسب، أنعم الله (1) علينا بمنّه وكرمه رقم هذه الصحيفة المشحونة بالمودّة والإخلاص حال شمول نعم الله تعالى في أواسط شهر الله الأحبّ رجب المرجّب، فاضت ميامن أنواره وبركاته، والحمد لله على سبوغ آلائه وتعاقب نعمائه.
أما بعد، فإنه ينهي إلى الرأي المزيّن لمصالح الممالك، أنه في سابق الزمان كان للمغفور [له] المرحوم السلطان برقوق مع هذا الضعيف إشفاق وإعطاف فوق الغايه، مع أنه كان في أوائل دولتي، وما كان معي إلا خمسة ستة آلاف. ولا يخفى على الرأي الشريف العالي أن المرحوم كان يبالغ في إكرام هذا المحبّ وإعزازه ومراعاة جانبه بأقصى الغاية والإمكان، حتى ساق القدر نوبة السلطنة إلى ولده، وحكم قضاء الله وقدره أنه ساقني إلى أن صرت مقيّدا، وبعث الأمير الكبير تيمور في طلبي. الحق أن المقام الشريف عمل معي الذي يليق بالأكابر والسلاطين، أنه أطلقني من القيد والحبس وأحسن إليّ بأنواع المكارم، وهذا غاية الكرم والإحسان والفضل والامتنان. وتوجه هذا الضعيف مع المقام الشريف العالي (2) إلى جانب مصر، وأظهر طريقة الإخلاص والمرافقة على الوجه الذي هو واضح ولائح (3)
__________
(1) الله: ها: الله تعالى.
(2) المقام الشريف العال: ها: المقام الشريف الجناب العالي.
(3) لائح: قا: لائق.(1/241)
للمقام الشريف. وبعد هذا كله توجّه بإجازة الجناب (1) الشريف العالي ورخصته إلى أوطانه ومقامه. ومن ذلك التاريخ إلى يومنا هذا كان هذا الضعيف كالطّود الشامخ مع تلك الحضرة، راسخ القول وثابت القدم. ولما حصلت العناية من حضرة واهب العطيّة حتى بتوفيق الله تعالى بيمن (2) دولة المقام الشريف العالي حصّل دولة ومرتبة عالية لهذا الضعيف.
هذا من فضل الله تعالى والحمد لله رب العالمين.
ولا يخفى أن هذا الضعيف (3) بأنواع السعي والاجتهاد ومقاساة الشدائد مع كل واحد من السلاطين مثل أولاد أمير (4) تيمور والسلطان أحمد وغيرهم بأنواع المحاربة والمقاتلة حتى صار آخر الأمر معاملتهم إلى ما استمع (5) من أحوالهم وصار الأمر إلينا بالتصرف في هذه المملكة ولا بقي منهم أحد ولا أثر.
وكان المترقّب من المقام الشريف العالي أن تكون طريقة الاتحاد والمصادقة راسخة مستحكمة بحيث لا يكون عليه مزيد، ويكون على التواتر والتسلسل والتوالي (6) إرسال الرسل (7) والبريدية من الجانبين بإظهار المحبة والاتحاد، وتكون المملكتان والبيتان واحدا، وما ظهر منها (8) شيء إلى هذه الغاية. الحق صعب عليّ هذا.
وأيضا سمع من الأفواه والألسنة أن قرا عثمان يلتفت إليه ويعتنى به، وملحوظ به من جهة السلطنه، وهذه الأمور كلها ترى مستبعدة من كمال عدالة الحضرة الشريفة وعظمته (9)، هذا مضى والمأمول والمتوقع على الدوام، والقاعدة طريقة الإخلاص والتودد والإشفاق والألطاف التي تترقّب (10) من ذلك المقام الشريف العالي يكون راسخا
__________
(1) الجناب: طب، تو، ها، قا، ق: المقام.
(2) بيمن: قا: يمن، ساقط من تو ها: وبياض في ق.
(3) الضعيف: طب: العبد الضعيف.
(4) أمير: ساقط من ق.
(5) استمع: تو: أشيع ق: اسمع.
(6) والتوالي: ها: والتوالي إن شاء الله تعالى.
(7) إرسال الرسل: ساقط من ها.
(8) منها: طب: منهما.
(9) وعظمته: ساقط من طب.
(10) التي تترقب: ق: التي تترتب قا: الذي يترقب.(1/242)
ومؤكدا. من الديار المصرية إلى ساحل الفرات تتعلق بتلك الحضرة ونوابه على القرار السابق بالتصرف فيها، وهذا الضعيف طهّر الأرض من هذا الجانب من حدّ الفرات إلى حدود إصفهان من الأعادي والمفسدين وقطّاع الطريق، حتى أمن المسلمون من التجار والقوافل في مسافراتهم وتردداتهم، ويكون هذا ذخيرة لنا يوم المعاد.
ولما كان العام الأول، جاءنا حضرة السلطنة أميرزا سعد وقاص، وتيسّر لنا فتح مملكته عراق العجم وقلعة (1) السلطانية. بعد ذلك وقّع الصلح مع الحضرة الخاقانية أميرزا شاه رخ بالعهود والمواثيق الوثيقة والعقد بروابط الحدود بأن يكون من حدود إصفهان وعراق العجم وممالكها في تصريفنا، ومن حدود إصفهان إلى تلك الجهة يتعلق (2) به بحيث لا يتصرف كل واحد منا في غير حدوده، ولا يكون بيننا إلا المحبّة والاتحاد بعناية الله. وحصل لنا الاطمئنان من تلك الجهة وارتفع التشويش.
وتوجهنا في هذا الربيع إلى جانب ألأداغ لنصيّف فيه ويحصل لنا القرب والجوار إلى الحضرة السلطانية (3)، ولم تتيسّر لنا سعادة المواصلة. وسمعنا أن قرا عثمان المخذول توجه إلى بلاد أرزنجان (4) واشتغل بفساد البلاد وخراب ديار المسلمين. وبعثنا بسبب دفعه وقمعه الأمير * الأعظم أشجع الأمراء الأمير المبارز بيرقرا مع جمع من الأمراء مع اتفاق الأمير * (5) الأعظم ملك أعاظم الأمراء أمير شجاع الدين بير عمر (6) مع قريب من عشرين ألف فارس الجلد المسلح. فلما لم تكن له لشدتهم طاقة هرب مع جماعة يسيرة وشرذمة قليله، فتصرفت عساكرنا في الأحمال والأثقال والمواشي فجازاه الله شرّ الجزاء. ولعلّ وصل هذا إلى المسامع الشريفة العالية.
وتوجّهنا لدفع الكفار وقلعهم وقمع ديارهم مع قريب من خمسين ألف فارس
__________
(1) قلعة: طب: فتح.
(2) يتعلق: تو: تتعلق قا: متعلقة.
(3) السلطانية: تو: الشريفة.
(4) أرزنجان: قا: أذربيجان.
(5) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(6) الأمير الأعظم الأشجع بيرعمر: طب: الأمير الأعظم الأشجع الأمير شجاع الدين بيرعم قا: الأمير الأعظم ملك أعاظم الأمراء أشجع الأمراء الدين بيرعمر تو، ها: الأمير الأعظم ملك أعاظم الأمراء شجاع الدين بيرعم ق: الأمير الأعظم أشجع الأمراء الأمير المبارز بيرقرا.(1/243)
الجلد المسلّحين والمستعدّين للحرب إلى جهة كرجستان، وسخّر لنا جميع مملكة الكرج بتوفيق الله، وفتح الله علينا قريب ثلاثة آلاف موضع ومائتي قلعة، وداستهم العساكر المنصورة، وقتل من شجعانهم قريب من عشرة آلاف، وأسر منهم قريب من ثلاثين ألفا، وتصرفنا في أموالهم وغنائمهم وخرّبت واستؤصلت تلك بالكلية. فوجب الإعلام بها إلى المسامع الشريفه.
والمرجو والمتوقع أن يكون الحال في المستقبل بخلاف الماضي، فلا تزال تتردد بيننا الرسل (1) والأخبار (2) من غير انقطاع، ويدخلنا في سلك جملة أحبابه وأصفياء (3) دولته.
وإذا توجه إلينا معتمد الحضرة وشرفنا بعد قضاء الله تعالى وقدره وكنا نازلين إلى تبريز نرسل الهدايا والتحف التي تليق بالمقام الشريف العالي. وأيضا لا يخفى على الرأي الشريف أن الله تعالى خصّ تلك الحضرة وتلك المملكة بمقدار همته الشريفة وبالأموال الجزيله، وخصّنا وديارنا بالعساكر غير معدودة وغير محصوره. وينبغي أن تكون بيننا طريقة المحبة والمودة والاتحاد راسخة ومؤكدة، وتكون أعداء الدولة منعدمه، خلد الله ملكه وسلطانه بمحمد وآله وصحبه.
* انتهى. هذا نصّ ما وجد بحروف المثال وفصّ عبارته * (4)
(49)
جواب على المثال السابق:
فكتبت الجواب عن ذلك عن مولانا المقام الشريف خلد الله ملكه بما هو (5):
__________
(1) الرسل: ق، تو، ها: الرسائل.
(2) الرسل والأخبار: قا: الأخبار والرسل.
(3) أصفياء: طب، ق، تو، ها، قا: أصدقاء.
(4) ما بين النجمتين ساقط من ق، تو، قا وأسقطت المخطوطتان طب وها كلمة «انتهى».
(5) فكتبت بما هو: طا: الجواب عن مولانا السلطان الملك المؤيد خلد الله ملكه من إنشاء الشيخ الإمام العلامة حجة أهل الأدب تقي الدين بن حجة منشئ «الديوان الشريف» فسخ الله في أجله وهو قا: الجواب عن مولانا السلطان الملك المؤيد من إنشاء المقر التقوي المشار إليه بما صورته طب، ق: فأجاب شيخنا الشيخ الإمام العلامة المشار إليه، فسح الله في أجله، عن المقام الشريف، خلد الله ملكه، بما هو ها: عن. المقام الشريف خلد الله ملكه بما هو (! راجع العنوان السابق).(1/244)
أعز الله أنصار المقر الكريم العالي الجمالي اليوسفي، لا زالت زوراء العراق في أيامه القويمة مستقيمة الجانبين، وحلّتها (1) الفيحاء عالية المنار، وشمل الدين مجتمعا بها في الجامعين، وعراق العرب والعجم بارزين من محاسنه اليوسفية في حلبتين، ومتفقتين على أوصافه البديعة في اللاميّتين، فلامية العرب تقول: [من الطويل]
ولولا اجتناب العار لم يلف مشرب ... يعاش به إلّا لديه ومأكل (2)
ولامية العجم تقول: [من البسيط]
حلو الفكاهة مرّ الجدّ قد مزجت ... بقسوة (3) البأس منه رقة الغزل
فأكرم بهما لامين دارا على وجنات الطروس لكمال المحاسن اليوسفيه، وفتحت لهما الميمات أفواه الشكر لأنها (4) من الأحرف المؤيديه.
أصدرناها إلى المقر وسواجعها تغرد بالثناء بين أوراقها، وألسن الأقلام قد أودعت صدور طروسها سرّ أشواقنا عند انطلاقها، فإنها الصدور التي تعرب من نفثاتها عن ضمائر الأشواق، وإذا أطلقت من قفص الختم خفقت أجنحتها بذلك الثناء على الإطلاق.
وتبدي لكريم علمه ورود البشير بالقرب اليوسفي وقد حلّ بالأسماع قبل رؤيته تشنّف، وهبت نسمات قبوله فأطفأت ما في القلوب من التلهّف، وضاع نشرها اليوسفي، فقال شوقنا اليعقوبي: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} (5)، وتأمّلنا كريم مثاله فوجدناه قد مدّ أطناب المحبّة وخيّم على معاني المودّة، وحام عليه صادي الأشواق فوجده منهلا قد أعذب الله في مناهل الصفاء ورده. وأومض البرق في الظلماء من رقم سطوره، فما شككنا أنه رقم برده. وهو مثال يوسفي، ولكن ظهر السر
__________
(1) حلتها: تو: حلتها، قا، ق: حلتها.
(2) مختار الشعر الجاهلي:
ولولا اجتناب الذأم لم يبق مشرب ... يعاش به إلا لديّ ومأكل
وكذلك في الغيث المسجم للصفدي 1/ 268. والذأم هو العيب.
(3) بقسوة: ياقوت، معجم الأدباء، 10، 61: بشدّة.
(4) لأنها: ق، قا: لأنهما.
(5) سورة يوسف 12/ 94.(1/245)
الداوودي في فصل خطابه. وصدّقنا رسوله لما جاءنا بكريم كتابه. والتفتت من كأس (1)
طروسه أرام (2) الإيناس، فاقتنصنا منها ما هو من الغير شارد. وألّفت القلوب على الولاء فضربت الأعداء من جماد الحسد في حديد بارد، وأمست دجلة والنيل لامتزاجهما بسلاف المحبة كالماء الواحد. وتحققنا أنها ألفة أزال الله عنها وحشة التنكير وبعرف مودتها عرّف. وتلا لسان صداقتنا للغير: {لَوْ أَنْفَقْتَ مََا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مََا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} (3) ولكن الله ألف، وهذا ألفة خولتنا في نعم الله وزمام الأخوّة منقاد إلينا، وقد تعيّن على المقر أن يقول: {أَنَا يُوسُفُ وَهََذََا أَخِي قَدْ مَنَّ اللََّهُ عَلَيْنََا} (4).
وسرّتنا الإشارة الكريمة بحصول التمكن في أرض الأعداء ومطابقة الطول بالعرض، وعلمنا أن هذا الاسم الكريم شملته العناية قديما بقوله تعالى: {وَكَذََلِكَ مَكَّنََّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} (5).
وأما قرا عثمان فمقل سيوفنا ما غمضت عنه في أجفانها، وأنامل أسنتها ما ذكرت نوبته إلّا شرعت في جسّ عيدانها، وجوارح سهامنا ما برحت تنفض ريش (6) أجنحتها للطيران إليه. وإن كان معنى سافلا فلا بدّ لأجل الغرض اليوسفي أن نخيّم (7) عليه، وينزل سلطان قهرنا بأرضه ويغرس فيها عوامل المرّان. وإن كانت من الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان، لينتصب بعوامل أغراضنا ويدخل في خبر كان. وعند سرعة أخذه * يتفسّر (8) النصّ في ضعف كيد الشيطان، ولم يهمل إلا لاشتغال الدولتين بالدخول * (9) في تطهير الأرض من الخوارج، وإيقاع الضرب الداخل بعد جسّ العيدان في كل خارج: [من الطويل]
__________
(1) كأس: تو، قا: كناس ق: كنايس.
(2) أرام، قا: أرآم تو: أآرام.
(3) سورة الأنفال 8/ 63.
(4) سورة يوسف 12/ 90.
(5) سورة يوسف 12/ 56.
(6) ريش: ق، تو: ريح.
(7) نخيّم: ق، تو، قا: يختم.
(8) يتفسر: قا: يتيسر.
(9) ما بين النجمتين ساقط من قا.(1/246)
وقد ملّ ضوء الصبح مما نغيره ... وملّ سواد الليل مما نزاحمه
وملّ القنا مما ندقّ صدوره ... وملّ حديد الهند مما نلاطمه
إلى أن أعزّ الله سلطاننا وأيده، وجعل تأريخه بعد فترة الغير كاملا، فأمست القلوب مبرّده. وقد آتانا الله الملك وشاء إنزاعه من الغير: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (1)، وأعزنا وأذلّ أعداء الدولتين، فتلا لسان الحال على هذا التقدير: {قُلِ اللََّهُمَّ مََالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشََاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشََاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشََاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشََاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى ََ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2). وقد خلت الأرض من الأعداء وصفت موارد الملك بحمد الله وحلت، وأورثنا الله أرضهم وديارهم وتلونا وقد نزلنا بها: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} (3) وقد آن شيل قرا عثمان لئلا يكون بين المحب والمحبوب رقيبا، ولا بد أن يجانسه العكس ويرى ذلك قريبا، ويدهمه من أبي النصر أبناء حرب شرف في أنساب الوقائع جدّهم، وردّ الجموع الصحيحة إلى التكسير فردهم (4)، وإذا كثرت الخدود وتورّدت بالدماء عذّرت (5) بورق الحديد الأخضر مردهم (6)، وإذا امتدّوا إلى آمد تلا لهم حصنها في سورة الفتح قبل القتال، فإنهم مريدون ولهم شيخ منحه الله بكثرة الفتوح والإقبال، وإذا صرفوا الهمم المؤيدية لم تكن حصونه عند ذلك الصرف مانعة، ولم تسمع لسكانها مجادلة إذا صمدوا بالحديد وتلت تلك الحصون في الواقعة، وإن كانت المنايا غابت عنه مدة كلّمته ألسن سيوفهم وقالت: «حضرت»، وإذا طرق بروجه منهم طارق رأى سماء تلك البروج قد انفطرت. وما خفي من كريم علمه ما جمعه الناصر من الجموع التي مزّقها الله (7)
بأيديهم تمزيق أيدي (8) سبأ، وكم سأل سائل وقد رآهم في النازعات عن ذلك النبأ. وقد أشار بعض شعراء دولتنا إلى ذلك بقصيد كامل بحرها مديد، ولكن القصد هنا من أبيات ذلك القصيد: [من الكامل]
__________
(1) سورة الأنعام 6/ 18و 73وسورة سبأ 34/ 1.
(2) سورة آل عمران 3/ 26.
(3) سورة البقرة 2/ 134و 141.
(4) فردهم: تو: فردّهم.
(5) عذرت: ق: غدرت قا: غدزت (؟).
(6) مردهم: ق: موردهم.
(7) الله: ها: الله تعالى.
(8) أيدي: ساقط من تو، ها، قا.(1/247)
يا حامي الحرمين والأقصى ومن ... لولاه لم يسمر بمكة سامر
والله إن الله نحوك ناظر ... هذا وما في العالمين مناظر
فرج على اللجّون نظّم عسكرا ... وأطاعه في النظم بحر وافر
فأبنت منه زحافه في وقفة (1) ... يا من بأحوال الوقائع شاعر
وجميع هاتيك البغاة بأسرهم ... دارت عليهم من سطاك دوائر
وعلى ظهور الخيل ماتوا خيفة ... فكأن هاتيك السّروج مقابر
وما خفي عن كريم علمه أمر القوم الذين نقضوا بيعتنا بعد الناصر فاشتروا الضلالة بالهدى، ودعوا سيوفهم الصقيلة لما حاق بهم المكر السيّئ فأجابهم الصدى، ولم تكن في حرارة عزمنا الشريف عند عصيانهم البارد فترة، حتى أظهرنا في لوان (2) الشام من دمائهم على تدبيج (3) الدروع ألوان البصره. وأخذوا سريعا بشبّان حرب ما شابت عوارضهم إلا بغبار الوقائع، وحكم برشدهم ولم يخرجوا من تحت حجر المعامع، وكم دخلوا الفرات وخاضوا ولعبوا برؤوس الأعداء في ذلك الشطّ، وامتدّ جزرهم (4) في تلك الجزائر وقطعوا أقلام القدود حتى شهد العدو، أن ما رؤي (5) مثلهم قطّ، وقد أسبغ الله تعالى ظلال الملك وخيّم به على الدولتين، ولم يظهر لمحراب بهجة إلا بهاتين القبلتين، ولو صلّت السيوف لغيرهما ما قبلت، أو صرفت العوامل للإعراب عن سواهما ما عملت.
وقد فهمنا كريم الالتفات إلى أن تدار كؤوس الإنشاء بيننا ممزوجة بصافي الموده، وعلمنا أنها أحكام صحيحة في شرع الأخوّة ولهذه الأحكام عندنا عمده، وقلنا: «هذا ينبوع صفاء عذبت للفريقين منه الموارد: [من الكامل]
وإذا صفا لك من زمانك واحد ... فهو المراد وأنت ذاك الواحد
وتالله لقد سابق القصد (6) اليوسفيّ بسهام مراده إلى الغرض، وقضى حاجة في نفس يعقوب المحبة ليس عنها عوض، ولم يبق إلا اتصال شمل الأوصال بكل رسالة سطور
__________
(1) وقفة: قا: وقعة ق: وقته طب: وقبة.
(2) لوان (؟): طا: لوّان، تو، ها: لوان ق: لوان طب، قا: الوان. راجع «معجم البلدان» لياقوت: «لوان».
(3) تدبيج: ق: تذبيح.
(4) جزرهم: طب: حبهم.
(5) رؤي: تو: روي قا: روي ق: روى ها: رأى.
(6) القصد: تو، ها: الغرض قا: العزم.(1/248)
الأخوّة في رقاعها محققه، وتصديق ما قصّه (1) في الجواب فإن القصة اليوسفية ما برحت مصدّقه، وأما علم العدل فقد علا بحمد الله وامتد إلى أن بلغ الجهات السّتّ وأوصل يومه بالأمس، وعوذته الرعايا بالسبع المثاني لما اعتدلت بالأمن حواسّها الخمس، فإن الغرض الدنيوي ما برح فانيا وجوهر الآخرة قد خلّد الله له البقاء، ومشيب الوقار قد خيّم ونزل بالأكناف النقاء. والله تعالى يمتّع الأسماع والأبصار بمشاهدة أمثلته وطيب أخباره، ويفكهنا من بين أوراقها بشهيّ أثماره، ويعمّر القلوب بصدق محبته فقد تقرر أنها من مساكنه، وينظم عقود المودة بجواهر أمثلته الواردة من معادنه.
بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى.
(50)
توقيع لابن المغلي علاء الدين علي بن محمود بنظر الأوقاف بمصر والقاهرة المحروستين (1محرم 820هـ):
ومما أنشأته توقيع مولانا شيخ الإسلام قاضي القضاة الحنبلي بالديار المصرية (2) بنظر الأوقاف بمصر والقاهرة المحروستين بتاريخ مستهلّ المحرم سنة عشرين وثماني مائة (3).
الحمد لله الذي جعل عليا أقضى الأمة وأعلمها بالصرف وموانعه، وأورثه علم أحمد ففرّق هذا الإرث الشريف على علماء هذه الأمة بجميل صنائعه، وقالوا: «ما رأينا أفتى من علي فإنه مفتي الفرق والإمام الذي يتعبّد العلماء بجوامعه». نحمده على تأييد أهل العلم بسلطانهم الذي هو شيخ الإسلام، ونشكره على الإتحاف بشرف العلوم العلوية والصلاة
__________
(1) بياض مقدار كلمة واحدة في كل من طا، طب، ق، تو.
(2) وهو علاء الدين علي بن محمود بن أبي بكر الشهير بابن المغلي (راجع ص 116حاشية (2).
(3) ومما أنشأته وثمان مائة: طا: ومن إنشائه. فسح الله تعالى في أجله (بقية الترجمة مطابقة لما ورد في تو) طب، ق: ومن إنشائه فسح الله تعالى في أجله توقيع سيدنا ومولانا شيخ الإسلام وقاضي قضاة الحنبلي بالديار المصرية بنظر الأوقاف بمصر والقاهرة المحروستين بتاريخ شهر محرم الحرام سنة عشرين وثمان مائة وهو قا: ومن إنشائه توقيع قاضي القضاة الحنبلي بالديار المصرية بنظر الأوقاف بالقاهرة وبمصر المحروستين في المحرم في سنة عشرين وثمان مائة ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته توقيع سيدنا شيخ الإسلام قاضي القضاة الحنبلي بالديار المصرية بنظر الأوقاف بمصر والقاهرة المحروسين بتاريخ مستهل المحرم ستة عشرين وثماني مائة.(1/249)
في قبلتها خلف هذا الإمام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو أن تكون بركتها لعلماء المسلمين شامله، ومعاليمهم بها إن شاء الله من حواصل الرحمة كامله، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي نرجو نظره الشريف عند رفع الحساب، يوم يشخص كل ناظر إذا تحقق أن منع زيد وعمرو من الصرف الواجب كان غير صواب، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة يتنبّه بها كل ناظر عميت بصيرته عن طرق الهدى، ويرى من سيف علي ما يريه من سبل الرشاد طرائق قددا، وسلم تسليما.
أما بعد، فمواعيدنا الشريفة ما برحت تختال لأهل العلم الشريف في حلل الوفاء، وبديع برّنا ما زال ينقلهم بعد التتميم والتكميل إلى الاكتفاء، حتى حفظ ضعيفهم في أيامنا الشريفة كتاب الشفاء، وسيف عدلنا يقصم من بخسهم أشياءهم، ولا سيما إذا (1)
تصدّى بصره الجديد، وكلّت بصيرته فجهل علماءهم. وكشّاف انتقامنا يتقدم بالكشف على من رام لهم بالباطل حربا، ومسامع اعتنائنا الشريف تتجسّس أخبار من كدّر عليهم في موارد حقوقهم شربا، وأقلام إنشائنا تتعبد في محاريب الطروس إذا تلت أوصافهم وصلّت، وتوردهم مناهل الإكرام إذا أسقمت أعداءهم وعلّت، فإننا نعلم أنهم وجه الزمان الذي هو في سماء الشريعة سافر، وقد اقتضت آراؤنا الشريفة أن يكون لهذا الوجه الجميل ناظر.
ولما كان الجناب الكريم العالي القاضوي الكبيري العلائي الحنبلي، أعز الله تعالى أحكامه، هو الإنسان الذي يجب أن يكون لهذا الوجه ناظرا، ويتعين لأن يكون في هذا الأفق الزاهر بكماله سافرا، فإن إمامته العلوية ليس عند أحد من أصحاب أحمد فيها خلاف. وهو أفتى أهل (2) عصره على كلا الحالين وأشجع من سلّ سيوف الإنصاف، فإنه الإمام الذي ما درس إلا (3) أحيى ما درس من معالم العلوم بدرسه، ولا خيّمت على العلماء ظلمة إشكال إلا أزالها بضياء حسّه (4)، ولا حج إلى بيته متمتع بعلومه إلا حسّن (5) الله له عمره، ولا تدرّع ذو قدرة بدروع الباطل إلا قطعها بسيفه العلوي
__________
(1) إذا: تو: إن.
(2) أهل: ساقط من تو، ها، قا، ق.
(3) ما درس إلا: ساقط من ها.
(4) بضياء حسه: طب: بحسه.
(5) حسّن: طب: أحسن.(1/250)
وأضعف تلك القدره، ولا أوقف الباطل حال وقف (1) إلا أجراه بسرعة على شرط واقفه، ولا تنكرت أحوال جهة شرعية إلا عرفها بمعارفه، اقتضت آراؤنا الشريفة أن نمدّ نظره الكريم إلى الأوقاف الجارية بالديار المصرية على علماء هذه الأمّه، فإنه إذا لا حظهم بحسن نظره وعين بصيرته لم يكن أمرهم عليهم غمّه.
فرسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت سيوف العلوم العلوية مشهورة على أعدائه، ومعالم أهل العلم الشريف وافرة من جزيل عطائه،
أن يفوّض إلى المشار إليه النظر في أوقاف مدارس القاهرة المحروسة وغيرها من الديار المصرية، وأن يعمّ نظره الكريم في ذلك الظاهرية (2) والشيخونية والبيمارستان المنصوري وغير ذلك، وأن يتتبّع شروط الواقفين على ما وقفوه من صرف الدراهم الكامل وهو النقرة حسب ما أفتى العلماء، رضي الله عنهم، تفويضا صحيحا تاما شاملا عامّا ليشرك بيننا وبين كل واقف، تقبل الله عمله وأثابه، ويخصنا من العلماء المستحقين بالأدعية الصالحة (3) المستجابة، فإن هذه الشعاب الشرعية علي أخبر بمكنّها، وهذه الأجسام التي أسقمها الباطل هو أدرى بصحتها، وإذا قضى فيها بعلمه واجتهد فإنه أحد مشايخ الإسلام في هذا العصر، وفارس العلم الذي ما باشر واقعة إلا تلا سيفه العلوي في سورة النصر.
فليباشر ذلك على ما هو المعهود من علمه وعمله، ويقيم وزن ما دثر من مال الأوقاف بحسن نظمه، والوصايا كثيرة ولكنه تقدم أنه مكّي هذه الشعاب ونوء هذا السحاب، والله تعالى يثبت أوتاده بالديار المصرية لتمتدّ بعلومه أسبابها، وتدور من مشارب هذه العلوم الصافية على كل ظمآن إلى العلم أكوابها، ولا برحت أركان العلوم بهمته العلوية قائمه، حتى يصير لنا في براعة اختياره إن شاء الله تعالى حسن الخاتمه، بمنه وكرمه.
__________
(1) وقف: ها: وقفه.
(2) الظاهرية: قا: البرقوقية.
(3) الصالحة: ساقط من طب، ق، تو، قا، ها.(1/251)
(51)
مكاتبة واردة من محمد بن قرمان الناصري (في 2ربيع الثاني 820هـ):
وعند (1) حلول الركاب الشريف بالعمق بتاريخ ثاني ربيع الآخر سنة عشرين وثماني مائة قد قوي العزم الشريف على التوجه إلى البلاد الرومية، ورد كتاب المجلس العالي الناصري محمد بن قرمان على يد شيخ بلاده وقاضي عسكره مصلح الدين ابن مرسل (2) الحنفي متضمنا ضرب الدرهم والدينار وإعلان الخطباء على المنابر بالاسم الشريف، وصحبته هدية سنيّة، وهو:
بسم الله الرحمن الرّحيم الملكي، المؤيدي، خلد الله تعالى أيام دولة مولانا السلطان الأعظم، ظل الله في العالم، مالك رقاب الأمم، سلطان سلاطين العرب والعجم، حامي حوزة الدين بالعدل والإنصاف، ماحي آثار الجور والاعتساف، وحافظ بلاد الله، ناصر عباد الله، ملجأ جنود (3) الموحّدين، قاهر الجبابرة والمتمردين، المختصّ بغايات عنايات رب العالمين، وأيّد سعادته وعمّم على كافة (4) الأنام عنايته، وأيّد جنوده وأعوانه، ورجّح بالعدل ميزانه، وأعلى شأنه، وأعزّ سلطانه، وأفاض عليه جوده وإحسانه، ولا زالت باسطته الشريفة مقبّل شفاه الملوك، * وملتثم كل حر ومملوك، وهذا دعاء لا يردّ فإنه دعاء لأصناف البرية شامل * (5).
المملوك يقبّل الأرض بين يدي الحضرة العلية المنيعه، والسدّة السنية الرفيعه، أسناها الله تعالى ورفعها، وأعلاها ومنعها، وينهي بعد تقديم شرائط العبودية والإخلاص، وتتميم مراسيم الخدمة والاختصاص، أن المملوك منتسب إلى الباب الشريف وكذلك أسلافه الماضون رحمهم الله تعالى وكان من الواجب أن يتردد قصّاده إلى الأبواب الشريفة تترى (6)، ولكنّ قصد المملوك استقصارا لنفسه واستعظاما لذلك المقام الشريف،
__________
(1) يسبق في ها عنوان المكاتبة رقم 51ما كتبه ناسخ مخطوطة تو في هامشها وهو: «مكاتبة ابن قرمان».
(2) مصلح الدين بن مرسل: «السلوك» للمقريزي ج 4ص 404402: مصلح الدين مرتيل.
(3) جنود: طب: جيوش.
(4) على كافة: ها: على كل كافة.
(5) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(6) تترى: تو، طب، قا: تترا، ق: بياض قدر كلمة واحدة طا: تترك.(1/252)
فإنه لم يتجاسر لذلك، وحين تجاسر لذلك مرارا عديده من جهة التبسط، عاقته عوائق وخطوب أحاطت بها العلوم الشريفه.
ولا يخفى مراد صدر (1) المرسوم الشريف، على يد الجناب الكريم المولوي الأميري الكبيري الأجلي الأكملي الفخري الأوحدي الأسعدي، عز الإسلام والمسلمين، ناصح الملوك والسلاطين، [الأمير قجقار المؤيدي] (2)، أعزه الله تعالى وحرسه، في أمر التركمان وقهرهم وقطع دائرتهم (3)، واستئصال شأفتهم (4) وإخلاء دروب الحجّاج والمسافرين من فساد الطغاة والمعاندين. وفي أمور أخرى، استبشر المملوك بأنه خطر بالبال الشريف مرة بعد الأخرى، واشتغل ممتثلا المرسوم (5) الشريف بمقابلة التركمان، وقد حصل المقصود بعون الله ويمن الهمة الشريفه.
فبينا المملوك في هذا الأمر طلع علينا مماليك عدة من مخامري الدولة الشريفه، فجعل المملوك أمرهم شورى بين خدمته وبين الأمير قجقار، فاتفقت الآراء على أن يبعث المملوك الخواجا ولي إلى الأبواب الشريفة ليعود مجددا (6) بالمرسوم الشريف الدائم النفوذ حتى يفوز المملوك بقضائه.
ثم نزل المملوك بظاهر أدنة وحاصرها بعد كسر صاحبها وأعوانه، وهزمهم وتشتيت شملهم (7)، وطال مكث المملوك هناك، وأبطأ الخبر من جهة الخواجا ولي بسبب الوقائع التي أحاطت بها العلوم الشريفة. وظهرت فتنة أخرى من وراء المملوك فداراهم المملوك (8) على ما اقتضته الآراء الشريفه، ورجع إلى بلاده وبعث المماليك المذكورين إلى حصن قونيه، وأمر المباشرين هناك أن يترقّبوهم ويتفقّدوهم، وينظروا إليهم من بعيد، فاتفق أن بعض الخونة أعلمهم بما بعث به الخواجا ولي إلى الأبواب الشريفه، فذهبوا
__________
(1) مراد صدر: قا: أولا ورود.
(2) الأمير قجقار المؤيدي: ساقط من تو، طب، ها، قا، ق ورد إسم الأمير قجقار في هامش طا فقط.
(3) دائرتهم: كذا في جميع النسخ (لعل الصحيح: دابرتهم أو: نائرتهم).
(4) شأفتهم: طب، ها: شاقتهم تو، ق: شاقّهم.
(5) المرسوم: قا: للمرسوم.
(6) مجددا: ها: مجردا (ولعل الصحيح: مجهّزا).
(7) هزمهم وتشتيت شملهم: ها: هزمهم وشتت شملهم.
(8) فداراهم المملوك: تو: فداراهم المملوك على نفسه.(1/253)
وبالله العظيم ما كان للمملوك بذلك علم، ولا عبارة ولا إشارة ولا إراده. والمرجوّ من الله تعالى أن يقدّر الوقوع في الحصول إن شاء الله تعالى الحالة هذه.
والمملوك ممتثل (1) الأوامر الشريفة منقاد لما يرد عليه والقيام بما رسم بنفسه وجنده حسب الطاعة المفترضة وقد ضرب الصكة وخطب بالاسم الشريف السلطاني. وجهز المملوك صحبة الأمير سيف الدين قجقار المشار إليه المجلس العالي المولوي العالمي العاملي الأسعدي الأمجدي، فخر العلماء الراشدين، أفضل الفضلاء المتقدمين والمتأخرين، القاضي (2) مصلح الملة والدين مرسل، أعاده الله بالسلامة غانما، وهو أخصّ معتمدي المملوك، وحمّله المملوك من المشافهات (3)
ما سيعرضه غبّ الحضور (4) بالأبواب الشريفة من المهمات الكلية والجزئيه، فلسان المملوك ومصلحته لسانه ومصلحته، وسؤاله أن يلاحظ بعين العناية الشريفة، وتزاح إعذاره وعوائقه، فضلا وصدقة وإنعاما، وأن يدام انفتاح أبواب المراسلات والاقتراحات في الأوامر الشريفة والنواهي ليفوز المملوك بقضائها.
أنهى ذلك والله تعالى يديمه ويبقيه بدوام الأدوار (5)، وبقاء الأطوار، ما اختلف الليل والنهار، بمحمد وآله الأخيار، وصحابته الأحرار.
حرر في أواخر المحرم الحرام (6) سنة عشرين وثمان مائة.
والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
__________
(1) ممتثل: قا: ينتظر تمثيل، ق: تمثيل.
(2) القاضي: ساقط من تو، ها.
(3) المشافهات: طب، ق، ها: المساقاة.
(4) ما سيعرضه غب الحضور: ق: فاستعرضه غب الحضور قا: ما سيعرضه على المسامع الشريفة عند مثوله.
(5) الأدوار: طب: الأطوار.
(6) الحرام: ساقط من ق، تو، ها، قا.(1/254)
(52)
جواب على المكاتبة السابقة:
وكتبت الجواب ساعة حضوري من زيارة حبيب النجار ارتجالا، وهو (1):
أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي، الأميري، الكبيري، الناصري، لا زال جنابه المحمدي مخصوصا منّا بأشرف سلام وتحية، وصديق ودادنا متمسكا في كل وقت برسالته المحمديه، فإنه ممن توصلنا من فاتحة كتابه إلى سورة الإخلاص وقد اتّضحت كالفلق، وصدّقنا مرسله وقد جاء من الروم بقصص أدّى ما تحمّله فيها من الترسل وصدّق. وتصرف في عوامل القرب فأحسن الإعراب عنها ونحا، وأصلح فساعدته التورية وقد تلقب مصلحا.
صدرت هذه المكاتبة تثني على طاعته التي أقامت صلوات الإخلاص (2) في أوقاتها، وأذّنت على أغصان المنابر باسمنا الشريف قطوف ثمراتها،
وتبدي لكريم علمه ورود كريم كتابه على يد المجلس السامي القاضي الأجلّ مصلح الدين مرسل، أنجح الله سعيه، فوجدناه كتابا ترك رقيق المودّة مكاتبا بحسن تدبيره، ونزهنا في حدائق الإنشاء بعد وروده على زهر منثوره، وظهر النور المحمدي من غرّة طرسه فسلّمنا، ونلنا من بركته المحمدية بحمد الله ما أمّلنا. وما هي إلا ألفة استجلت القلوب محاسن صدقاتها فهامت الأبصار إلى المشاهدة، ورسالة محمدية (3) لم يخل فصل خطابها الداودي من فائدة، فيا له من فضل اتصل إلى القلوب بأسباب فثبتت أوتاد المحبة وبعد العطف أكّد، وزاد صديق المحبة حبا ومن المستحيلات رجوع الصديق عن حبّ محمد.
__________
(1) وكتبت وهو: طا، طب، ق: وكتب شيخنا المقر التقوي منشئ ديوان «الإنشاء الشريف» المؤيدي فسح الله في أجله الجواب ساعة حضوره من زيارة حبيب النجار ارتجالا وهو قا: فكتب المقر التقوي المنشي المشار إليه ساعة حضوره من زيارة سيدي حبيب النجار رضي الله عنه ارتجالا ما صورته ها: وكتب الشيخ العلامة تقي الدين منشي «ديوان الشريف». الجواب ساعة حضوره. من زيارة حبيب النجار ارتجالا.
(2) صلوات الإخلاص: ها: صلواته بالإخلاص.
(3) محمدية: ها: محمد.(1/255)
ولم يخف عن كريم علمه أن ملوك الشرق والغرب تعبدوا بطاعتنا الشريفة واتّخذوها لهم قبلة، وأهل مطلع الشمس (1) أقسموا ب {الشَّمْسِ وَضُحََاهََا وَالْقَمَرِ إِذََا تَلََاهََا} (2)
أنهم لم (3) يخرجوا عن هذه الملّه، وأصحاب (4) اليمن قالوا: «بلادنا في الأيام المؤيدية بحمد الله تعز»، ونحن نؤمّل تأييد العصابة المحمدية في هذه الأيام الشريفة ليقرّ الخاطر الكريم ولا يشمئزّ، فملوك الأرض قد دخلوا إلى دوحة هذه الطاعة الشريفة وتفكّهوا، وأخذوا عن شيخ ملوك الإسلام وتفقهوا، واستأنسوا من لسان قلم إنشائنا الشريف بإيناس الخطاب، وعلى كل تقدير فنحن حنفية (5) ومحمد عندنا من أكبر الأصحاب. وقد علم الله صدق هذه الصداقة فجعل ربيع أنسها على الغير محرّما، فإنها كما قال القائل: [من الطويل]
وليس بتزويق اللسان وصوغه ... لكنه ما خالط اللحم والدّما
وأما قلعة طرسوس فغير خاف عن كريم علمه (6) أنها هي وسيس من جنائب الشهباء قديما، وقد ازورّت وشكت إلينا بعبرة وتحمحم، وناهيك بالصديق الحميم إذا فارق صديقا حميما. وجلّ القصد في ذلك علم الفريقين أن البلاد بيننا واحدة وفينا العوض، وقطع ألسنة الأعداء ووصول سهام (7) صداقتنا من أكبادهم إلى الغرض. فإن المجلس قرر في كريم كتابه أنّ خيول الحلبتين واحدة فلم ينقض عليه من رباط الخيل عدّه. فلا يعمل بقول أبي الطيّب في اعتذاره عن ممدوحه حيث قال: «لا خيل عندك يهدينا» فإنه عذر يفتّر عزم الجواد لما فيه من البرده. وهذا القصد يستغنى بحسن بيانه عن الإيضاح، ولم يبق بعد هذا التلخيص غير تجهيز المفتاح. فإن بادر إلى ذلك بسرعة حبسنا عنان القلم عن إطلاقه في ميادين العتب بسبب الغفلة عن كزل (8) ومن تبعه، فإن أهل
__________
(1) الشمس: ها: العين، وهنا انقطع نص هذه المكاتبة إلى نهايتها وتواصل نص مخطوطة ها في مكاتبة صاحب حصن كيفا القادمة (رقم 53) ابتداء من الحاشية رقم (4).
(2) سورة الشمس 91/ 21.
(3) لم: طب: لن.
(4) أصحاب: قا: أهل.
(5) حنفية: كذا في ق، تو، قا طا: حنفيقه طب: نحفيه (كلمة مهملة).
(6) علمه: طب: علمكم.
(7) سهام: طب: لسان.
(8) كزل: قا: قزل.(1/256)
التفسير أجمعوا في تفسير قوله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} (1) على أنه الصفح الذي لا عتاب معه، وكفّرنا عنه ما غلّظه من اليمين في كتبه الواردة علينا بسببه. ولم نقل إنه اتصل بنا ما حكم عليه قاضي مذهبه بموجبه. وطرسوس هي موجب حركة ركابنا الشريف وهي حركة إن شاء الله تعالى على المسلمين مباركه، فإن فيها تأكيد الصداقة مع المجلس وإشراق صبح اليقين في ظلم الشك التي كانت قبل ذلك حالكه.
والغرض أن لا يصحّ لجرد السيف ومد الرمح بيننا عبارة في هذا المقام. وإذا خاطب المجلس جاهل بخلاف قصدنا الشريف لا يقابله بغير سلام، وقد رأينا مخالفة أبي تمام ليزول من بيننا الحيف، وتكون الكتب هنا لترشيح (2) جانب الصداقة أصدق إنباء من السيف، وهذا الأمر شورى بيننا وآيات أحكام فصّلت، ومنه تقرع الأعداء قارعة الخوف إذا وقعت عادياتهم وزلزلت، فإن انتصب قلم الجواب في محراب طرس الطاعة {وَخَرَّ رََاكِعاً وَأَنََابَ} (3)، تلا لسان صداقتنا {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنََا لَزُلْفى ََ وَحُسْنَ مَآبٍ} (4).
ويثبت ما ادّعاه المجلس من الإخلاص ويحكم بصحته ويرتفع (5) الخلاف. وتنتظم أبيات المودّة منسجمة ببديع الصحبة ولم تشنّ من المخالفة بزحاف. والله تعالى كما أعز البلاد الإسلامية بمؤيدها، يحرسه ويحرس مدينته في كل وقت بمحمّدها.
بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى.
(53)
مكاتبة واردة من الملك العادل سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا (في 20جمادى الأولى 820هـ):
وعند حلول الركاب الشريف بحصن منصور عند العود من الأبلستين ودرنده، وردت مكاتبة الملك العادل سليمان الأيوبي، صاحب حصن كيفا على يد قاصديه طقز
__________
(1) سورة الحجر 15/ 85.
(2) الترشيح: قا: الترجيح.
(3) سورة ص 38/ 24.
(4) سورة ص 38/ 25.
(5) يرتفع: قا: بعد رفع.(1/257)
ملك والحاج شهاب الدين أحمد أستاداره في سادس عشر (1) جمادى الأول (2) سنة عشرين وثمان مائة بالتهنئة وعلى يديهما هدية سنية (3)، وهي:
بسم الله الرّحمن الرّحيم يقبّل الأرض أمام المواقف الشريفة، العالية، العالمية، العادلية، المظفّرية، المنصورية، المجاهدية، المرابطية، المثاغرية، المولوية، المخدومية، السلطانية، الأعظمية، الملكية، المؤيدية، أمضى الله تعالى أوامرها ونواهيها في البلاد، وأفاض مكارمها على كافة العباد، ومكّن قواضب نصرها من رقاب الحسّاد والأضداد، وأبقى دولتها الغرّاء بقاء الأفلاك والسّبع الشداد، ولا زالت بسطة سلطانها في البسيطة مبسوطه، وطاعتها بطاعة الله عز وجل منوطة، والملّة الأحمدية والأمّة المحمدية بدولتها المؤيدية محفوظة محوطة، وفروض طاعتها وخدمتها كفروض الدين مشروعة مشروطة،
وينهي أقلّ المماليك المخلص في المحبة والطاعة، القائم على قدم العبودية جهد الاستطاعة، التالي محامد المدائح في كل وقت وساعة، إلى العلوم الشريفة لا زالت في الشرف دائمة الازدياد والنماء، رافعة المنار ما دامت الأرض والسماء بعد عرض دعاء يرفعه عقيب الفروض والنوافل، وبثّ ثناء يعطّر نشره أكناف الربوع والمحافل، وبثّ ولاء أكيد قام برهان صدقه بأوضح الدلائل، وانتماء إلى تلك الأعتاب الشريفة التي هي مساجد جباه الملوك الأماجد والأماثل، وملاثم شفاه صناديد الأعيان والأفاضل، أنه جار على رسم عادته في العبودية والولاء، الخاليين من الرعونة والرّياء، آخذ بمجامع الوفاء الموروث (4) من الأجداد والآباء، حالتي السرّاء والضرّاء، في إبداء النصائح لتلك الدولة القاهره، وإظهار المصالح لنيل السعادة الزاهره، خلّدهما الله تعالى خلود الآباد، وأدامهما
__________
(1) سادس عشر: كذا في طب، تو (راجع الحاشية التالية) طا، ق: سادس وعشرين ساقط من قا.
(2) جمادى الأول: قا: جمادى الأولى أوردت المخطوطات الكائنة تحت تصرفنا هذا الشهر على خلاف ما ذكره المقريزي في كتاب «السلوك» ج 4ص 409: وصول رسول صاحب حصن كيفا في سادس وعشرين جمادى الآخرة.
(3) سنة عشرين هدية سنية: قا: من السنة المذكورة.
(4) الموروث: من هنا يبدأ نص مخطوطة ها الذي انقطع في المكاتبة السابقة (حاشية رقم 4).(1/258)
إلى يوم التناد. وكيف لا يكون ذلك (1) إذ جبلت قلوب الملوك الكرام على طاعة تلك الدولة الشريفة وودّها، وانطلقت ألسنة كافة الأنام بثناء منحتها وعاطفتها وحمدها. ومع ذلك هممها الشريفة إلى غايات (2) الإحسان والمفاخر سبّاقه، ولأبواب المعالي بهمتها العالية طرّاقة، ولمغالق المناجح بأيدي آرائها فتّاحه، وفي مسالك الممالك بعساكرها (3) المنصورة لنيل المآثر والمفاخر سيّاحه. فلما استفاض وشاع، وقرع (4) الآذان والأسماع خبر (5)
البشرى من الأفواه أنّ حشم المواكب المؤيدية (6) في هذه الأيام، انقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء وأتبعوا رضوان الله من الديار المصرية إلى ممالك حلب والشام، وما يضاف إليها من البلاد والبقاع، لمعاونة من بها من الرعايا ومحافظة سائر الأتباع، ولاستجلاب قلوب ساكنيها، واسترفاه حال قاطنيها، ولصلاح أمور الجمهور، إذ فيه تضاعف نواميس الدولة وزيادة الأجور. وحصل لأقلّ المماليك ولسائر الأنام بهذا الخبر السار، أنواع الأفراح والاستبشار، والحظ الأوفى الأوفر، والقسط الأجزل الأكبر، فتضاعفت أدعيته الصالحة وأثنيته الفائحة للمواقف الشريفة على هذا الرأي الجميل، والإفضال الجليل، الذي هو لمصالح العامة والخاصة كافل، وللقريب والبعيد في مشارق الأرض ومغاربها شامل. فحمد الله تعالى أقلّ المماليك حيث جعل فتكات السطوات المؤيدية واقعة على قمع ذوي العناد والفساد، وحركاتها قائمة بمصالح العباد والبلاد.
فرفع يد الإخلاص بالدعوات، وطلب من الله قاضي الحاجات، أن يجعل العساكر المؤيدية منصورة بالرعب، ووقائعها ناطقة بألسنة الأسنّة بين العجم والترك والعرب، وأن يفتح لها البلاد المستغلقة وييسّر لها الآراء الموفقة وينشر ألويتها المنصورة فلا تطوى إلى أن تنطوي (7) الأعداء، ويرفع (8) أعلامها المظفّرة إلى أن يوضع الاعتداء. وأن يشكر
__________
(1) ذلك: طب: كذلك.
(2) غايات: تو، ها: غاية.
(3) بعساكرها: تو، ها: بعساكرنا.
(4) قرع: تو، طب، ها، ق: قرن.
(5) خبر: تو، ها: خير.
(6) المؤيدية: طب: العمومية.
(7) تنطوي: تو، ها: ينطوي قا: يطوي.
(8) ويرفع: طب، تو، ها: ورفع ق: ولا يقع.(1/259)
سعيها، ويمضي أمرها ونهيها، ويسدد بسداد آرائها الشريفة خلال قصدها ووهيها أنه وليّ التوفيق، وببلوغ مأرب خواصّ عبيده حقيق.
فقسما بالله الذي هو في السماء إله وفي الأرض إله، ولا يعبد على الحقيقة إلا إيّاه، أنه لو جاز أن تسافر نفس عن جثمانها، أو ترحل مقلة عن أجفانها، لسرت مقلة أقل المماليك إلى لقاء مالكها، وسعت مهجته للوصول إلى (1) الحضرة الشريفة في مسالكها. أو لو ساعدته هممه، وأنجدته الأقدار على ما تتأكّد به ذممه، يحضر إلى الأعتاب الشريفة ساعيا على رأسه كما يسعى لفرض العبودية قلمه، لقضي حقوق الخدمة بما نقله قدمه لا بما يقول فمه، وما كان يختار المراسلة (2) على المواصله، وما كان يقنع لهدايا الألفاظ، عن مشاهدة الألحاظ. ولكن العوائق (3) كثيره، وأيدي الزمان عن بلوغ الآمال قصيره (4):
[من البسيط]
ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
وقد جهّز أقلّ المماليك المجلس العالي الأجلّي الأسعدي الأميري الكبيري الكافي الكافلي الحاجي الشهابي طقز ملك الأمراء في العالمين، والحاج شهاب الدنيا والدين استادار، كتب الله سلامته، وفي خدمته بعض الغلمان (5) إلى عبودية الأبواب العالية، وجعله نائب منابه في لثم رغام تلك الأبواب الشريفة، وحمّله من صدق الإخلاص، وصفو العبودية التي ليس له منها مناص ولا مفاص، بما يشافهه في الحضرة الشريفة.
فالمسؤول من التفضلات العميمه، والتطولات الجسيمه، جبر أقل المماليك بالإصغاء إلى ما ينهيه المذكور عند المثول، لعلّ يقع ذلك في محل القبول، وللآراء (6) الشريفة لا زالت مشرّفة في ذلك مزيد العلوّ. * بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى * (7).
__________
(1) وسعت مهجته للوصول إلى: ق: وللوصول إلى طب: وسعت مهجته إلى.
(2) المراسلة: تو، ها: المواصلة.
(3) العوائق: تو، ها، قا: ثقول العوائق.
(4) «شرح ديوان المتنبي» للبرقوقي ج 4ص 366.
(5) وفي خدمته بعض الغلمان: ق: وفي بعض خدمته.
(6) للآراء: ق، ها: الآراء.
(7) ما بين النجمتين ساقط من طا قا: والحمد لله رب العالمين.(1/260)
(54)
جواب على المكاتبة السابقة:
فأجبت عن ذلك بمنزلة كختا بما صورته (1):
أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي، الأميري، الكبيري، العلمي (2)، لا زالت أصوله الأيّوبيّة تثمر في الفروع اليوسفية بما يدلّ على صلاحها، وعرف المودّة ينشقّ من ريحه السليمانية في غدوها وراوحها، * والناظر يتنزه من حدائق سطوره وكؤوس إنشائه بين ريحانها ورواحها * (3)، فإنه الإنشاء الذي أرانا في بلاغته معجزات البيان، وقال لسان الحال تعظيما (4) لما رآه كتابا كريما: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمََانَ} (5).
صدرت هذه المكاتبة تظهر من مكرّرها المصري حلاوة المراسلة، ترنح بنسمات الثناء من قوام الملك عادلة، لترى ثمرات القرب بين أوراقها دانية القطوف، وبشر (6)
المودة وهو من سري المشايخ (7) معروف.
وتبدي لكريم علمه ورود كتابه الذي ما برح بين دجلته ونيلنا بما دل على لطف المزاج، ومد كل منهما إلى تقبيل صاحبه إلى البعد شفاه الأمواج، وفرّج كرب (8) الأشواق وأرّخ (9) بنيل المطلوب، فقلنا عند وروده (10): «هذا مفرّج الكروب في تاريخ بني أيوب»، وفهمنا منه توكيد المحبة، فتزايد عطفنا الذي ليس
__________
(1) فأجبت صورته: طا، طب، ق: فأجاب شيخنا المقر التقوي منشئ ديوان «الإنشاء الشريف» فسح الله في أجله بما صورته بمنزلة كختا (أسقط ناسخ ق كلمة «كختا» وترك مكانها بياضا) ها، قا: فأجاب المقر التقوي المنشي المشار إليه بمنزلة كختا بما صورته.
(2) أدام العلمي: قا: أعز الله تعالى أنصار المقر العلمي.
(3) ما بين النجمتين ساقط من ق، ها ورواحها: طب، تو: وراحها.
(4) لسان الحال تعظيما: طب، ق، تو، قا: لسان تعظيمنا.
(5) سورة النمل 27/ 30.
(6) بشر: تو: نشر.
(7) المشايخ: قا: المنح.
(8) وفرج كرب: تو: وفرح كروب ها: وفرج كروب.
(9) أرخ: تو: ارّح ق: أزح طب: الارح (؟).
(10) وروده: قا: رؤيته.(1/261)
عنه بدل، وتحققنا أنه أحق من الطغرائي في قوله (1): [من البسيط]
أصالة الرأي صانتني عن الخطل
فإنه برشيد الرأي قديما وحديثا لم يختلج عليه حقد في صدر، وإن كان من بني أيوب فإنه اليوم عندنا فيما نختاره من التمكين من أهل بدر، وقد أردنا أن يتفكّه (2) في جوابنا الشريف بجزء من الفواكه الفتحيه، ونعرب له عما أبدته عربياتنا (3) من شواهد التسهيل في فتح البلاد الروميه، فإنها رحلة مؤيدية تشدّ إليها الرحال، وإن كانت دول الإسلام حلّة على أعطاف الدهر فهي لهذه الحلّة من أطهر الأذيال، فإن مخدّرات الحصون تجلت بكل وجه حسن تحت عصائبنا (4) المؤيديه، واستقرت سيس في هذه الحلبة على قديم عادتها بين الجنائب الحلبيه، وحرّك باب (5) قلعتها مصراعي شفتيه وأعلن بسورة الفتح جهرا، وتلت أقفاله بعد ما عسرت على الغير {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (6). وصعدت أنفاس الأدعية من أفواه مراميها فرحة بنا وسرورا، وبدّلت صوامعها وتلك البيع بمساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا. وسجعت خطباء تلك البلاد على منابرها باسمنا الشريف والدهر يهتز فرحة ويترنم، ولم يخل من أسمائنا عود منبر، ولم يخل دينار ولم يخل درهم، وتقارب الاشتقاق بين سيس وسيواس فتجانسا للطاعه، ومات العصيان بتلك البلد فلا بلد إلا قال: «الصلاة جامعة» وصلّى طائعا مع الجماعه، ولا قلعة إلا افتضّينا (7) بكارتها بالفتح وابتدلنا من ستائرها الحجاب، ولا كأس برج أنزعوه بالتحصين إلّا توّجنا رأسه من مدافعنا بالحباب، حتى فصّلت (8) في الروم لعساكرنا التي هي عدد النمل قصص، وعدنا فكان العود أحمد، إذ لم يبق بتلك البلاد ما تعده قدرة الفتح من الفرص (9)، ودخلنا حلب المحروسة وأوصلناها ما
__________
(1) «معجم الأدباء» لياقوت الحموي ج 10ص 60.
(2) يتفكه: تو، ها: نتفكه طب ننقله.
(3) عربياتنا: ها: غرايبنا.
(4) عصائبنا: قا: عصابتنا.
(5) حرك باب: تو: حركت باب طب: وحول بابي.
(6) سورة الشرح 94/ 5و 6.
(7) افتضينا: ها: أقضينا.
(8) فصلت: تو، ها: وصلت.
(9) الفرص: طا، قا: الفرض ق: القرص.(1/262)
استحق لها من ديوان الفتح علينا، ورددنا إليها ما اغتصب منها فقالت: «هذه بضاعتنا ردّت إلينا». (1)
وقد آثرنا المجلس بكرامة هذه البشارة التي استبشر بها وجه الزمان بعد قطوبه وتبسّم، فإنه ركن من أركان مودّتنا الشريفة ونسيب مدحها المقدّم، والله تعالى يحرسه ويقرّ منه الخاطر والعين، ويجعله من بلده وعنايتنا الشريفة في حصنين.
إن شاء الله تعالى، * بمنه وكرمه * (2)
(55)
مكاتبة واردة من قرا يوسف صاحب العراقين (في 27جمادى الأولى 820هـ):
وفي السابع والعشرين من جمادى الأول سنة عشرين وثماني مائة عند حلول الركاب الشريف بحصن منصور بعد العود من درنده، ورد جواب المقر الجمالي قرا يوسف، صاحب العراقين عن المثال الشريف الذي تقدم (3) على كلا الحالين بتاريخه وعظم إنشائه ومشت ملوك البلاغة والإنشاء تحت لوائه، وفضّلت به على (4) الفاضل وفتر عنده كلام المبرد وظهر نقصه في الكامل، وهو:
جواب سلطان الإسلام، السلطان الأعظم، مولى ملوك العرب والعجم، مالك رقاب بني آدم، المؤيّد من السماء، المظفر على الأعداء، ظل الله في الأرضين، خلاصة المكوّنات من الماء والطين، قاهر الكفرة والمتمرّدين، مدمّر الفجرة والمشركين، ناصر الغزاة والمجاهدين، الممدوح بأيامه الزاهرة على الخلائق أجمعين، قسيم أمير المؤمنين، غوث الإسلام والمسلمين، المنصور بنصرة خير الناصرين، المنظور بأنظار رب العالمين، غياث الدنيا والدين، زيّن الله سرير العز بوجوده وأفاض على العالمين خلافته وسلطانه،
__________
(1) قول مشهور لأبي علي القالي بعد رحلته إلى الأندلس.
(2) سقطت الخواتم من طا وما بين النجمتين ساقط من قا.
(3) الذي تقدم: قا: المتقدم وأسقط ناسخ قا بقية العنوان.
(4) وفضلت به على: طا، طب، ق: وفضل به شيخنا المقر التقوي على ها: وفضل به الشيخ العلامة المشار إليه.(1/263)
كما أوضح (1) على العالمين برّه ورحمته وإحسانه، وحي سماوي، وتنزيل رباني، مكلل بدرر ولآلئ، وغرر متلألئ (2) كأنهن اللؤلؤ (3) والمرجان، يتفقده به هذا المحب المخلص الصادق الوداد، الصافي الاعتقاد، وهو المثال الشريف الذي أصدره مولانا السلطان، خلد الله ملكه وجدد، وظهر منه صدق المحبة وتأكد: [من الطويل]
فجدّد لي شوقا وما كنت ناسيا ... ولكنه تجديد ذكر على ذكر
مثال سواده وبياضه فرح (4) وسرور، ولقد رأينا في ذلك السواد نورا له في سويداء القلب نور: [من الطويل]
وكادت معانيه خلال سطوره ... بحسن معاني اللفظ أن تتكلما
فتلقاه المخلص بأنواع الإعزاز والإكرام، وأصناف التبجيل والتفخيم والاهتزاز (5) والاحترام، بأضعاف آلاف ذلك الذي ورد وظهر، بتحرير قلمهم الذي يمطر الدرر. وهي صحائف خدمات، وأردية صفحات، ولطائف دعوات، طيبة الفوحات (6)، على سمت إهداء ونجم سعد ثاقب شمس الاتصال، يكون مقدرا على أسعد الأحوال.
وقد علم الله المهيمن أن خيالكم الجميل السلطاني المؤيدي نصب العين والخاطر، وذكر حضرتكم التي هي ملجأ الإسلام خلقت ورد (7) لساننا وريحان روحنا الزاهر:
[من البسيط]
وما جلست إلى قوم أحدّثهم ... إلا وكنت حديثي بين جلّاسي
وما تنفّست محزونا ولا فرحا ... إلّا وذكرك مقرون بأنفاسي
فلا زالت أمور دولتكم وجمهور مملكتكم ناجحة المقاصد والآمال والأماني، إنه سميع مجيب.
__________
(1) أوضح: قا: أسبغ.
(2) غرر متلألي: تو: غرر تتلالي قا: عقد متلالى ق: غرر فضلان.
(3) اللؤلؤ: طب، ق، تو، ها، قا: الياقوت.
(4) فرح: تو: فرج.
(5) الاهتزاز: قا: الاهرترار ق: الاعزاز.
(6) الفوحات: ق: الوحات قا: الفتوحات طب: النفحات.
(7) خلقت ورد: ق، تو: جعلت ورد طب: وبرد.(1/264)
ويعرض بعد الإخلاص أن الألطاف والتفقدات الواردة في مثالكم الشريف جعلت رأسنا عاليا وقدرنا ساميا، وكذلك التحف المتصدق بها صحبة ملك الأمراء والأكابر المقرب إلى الحضرة العليا مؤتمن الملوك والسلاطين، محمد التركماني، عز نصره، وهو الذي ألفناه من الحضرة الشريفة قديما وما برحنا له متطلّعين، وإلى وروده مترقّبين.
وسطرت في سابع عشرين ربيع الثاني صحبة الجناب العالي ملجأ الشريعة، ملاذ الإسلام، قاضي القضاة، مبين الشرائع والأحكام، قدوة العلماء المحقّقين، أسوة الفضلاء المدقّقين، مولانا حجة الملّة والدين، قاضي بابا حميد الدين، رفع الله مقر مقاله، بمحمد وآله، فإنه من المقربين، ومن أعز أصحابنا، وقد أرسلناه ليتشرف بتقبيل بساط الحضرة الشريفة الملجئيه، ويبدي جميع ما تحمله من المشافهات مجملا ومفصّلا عند الحضور، بحضرة السرور، وينتهز الفرصة ويتشرف بالعرض عند الإيصال. والمتوقع أن تكون حلاوات المواصلة بالأمثلة الشريفة مستمرة لتستمر سلسلة المحبة والاتحاد متحركه.
وجلّ القصد أن يشرّف مخلصه في كل وقت بمشرفات سارّه، ليصير رأسه بهذا التشريف والابتهاج عاليا ويبلغ القلب من الود ما اختاره.
ونحن نقسم بالعلي (1) العلّام، وكفى به شهيدا، أن حقوق الحضرة السلطانية الأخوية الملجئيه، والأشفاق ليست بمنطوية عن صحيفة ضمير الإخلاص بحال من الأحوال، ولا تنطوي على ممر الأيام والليالي. والمخلص ما برح دائما رطب اللسان وعذب البيان بذكر محامدكم ونشر مناقبكم. ولم ينس الصدقات الشريفة قديما، وقد تكرر طلب تيمور والملك الناصر بطلب المخلص وطلب السلطان أحمد ولم تسمح النفس الشريفة بتسليمهما. وكان قد تقدم قبل ذلك أمر الناصر بتثقيل (2) قيودهما وتجهيزهما إلى الأمير تيمور كما تقدم، ومولانا السلطان، خلد الله ملكه، يبالغ في الإكرام ويعاكس قصد الناصر إلى أن منّ (3) بالطلاق، وأعادنا إلى بلادنا كما تشتهي الأنفس وتتنزه في الأحداق. وما زالت الروح في الجسد لم تنس شيئا من تلك الحقوق، ولا تنسب في رق العبودية إلى العقوق: [من الطويل]
__________
(1) بالعلي: طب: بالعليم.
(2) قد تقدم قبل ذلك أمر الناصر بتثقيل: طب: قدم قبل ذلك بالثقيل.
(3) منّ: طب: من الله.(1/265)
ولو أن لي في كل منبت شعرة ... لسانا يبثّ الشكر (1) كنت مقصّرا
والمحب كان بشهادة الله يلمح إشارات السلطنة في الشمائل الشريفة من تلك الأيام كالشمس طالعة والبدر لا معا، فلله المنّة على بلوغ المرام، وتطهير البلاد وتصفية أكدارها من المعاندين، وإيقاعهم في القبضة الشريفة الملجئيه. فذلك من فضل الله، والحمد لله رب العالمين.
وقد وقر في مسامع المخلص أن الرايات الميمونة المؤيدية الشعار، نهضت لقمع الأعادي التي في منتهى مملكته لتقلع منهم الآثار، ورسم أن يقع بيننا القرب بسبب ذلك وأن تدنو الديار من الديار، فامتثلنا المراسيم الشريفة وألقينا لأجل القرب عصا التسيار، وباقي الحركات والحالات يقررها (2) قاضي القضاة (3) حميد الدين المشار إليه مشافهة للمسامع الشريفة في وقت الفرصه، والمخلص معتذر (4) عن قصر العبارة في مكاتبته والصفح الشريف (5) يغتفر نقصه. خلّد الله سلطنتكم، وأدام على المسلمين دولتكم (6).
(56)
جواب على المكاتبة السابقة (24رجب 820هـ):
فكتبت (7) الجواب عن ذلك في رابع عشرين رجب الفرد سنة عشرين وثمان مائة بحلب المحروسة بما صورته:
أعزّ الله تعالى أنصار المقر العالي الجمالي، ولا زال شوقنا اليعقوبي يجد في قميص
__________
(1) الشكر: طب: الشوق.
(2) يقررها: ق: يقرؤها.
(3) قاضي القضاة: تو: القاضي.
(4) معتذر: طب: يعتذر ق: مقتدر.
(5) الشريف: قا: الجميل.
(6) دولتكم: زيادة في قا: إن شاء الله تعالى.
(7) فكتبت: طا، طب، ق: وكتب شيخنا المقر الأشرف المشار أليه ها: وكتب الشيخ العلامة المشار إليه قا: فكتب المقر التقوي المنشئ المشار إليه.(1/266)
طرسه اليوسفي ريحه، وكؤوس إنشائه بين سطوره وطروسه يلقى المحب بها غبوقه وصبوحه، وتأسّد (1) بيانه الذي افترس به ليوث البلاغة ينسي ثعلب وفصيحه، ولا برح تمكينه اليوسفي ممكّنا في الأرض، ومسنون عزمه يرى تطهيرها من أعداء الدولتين عليه من الفرض،
صدرت هذه المكاتبة نتيجة لمقدمات ثناء أعرب منطقها عنده، وتكررت والمكرر المصري يحلو إذا مزجه المقر بصافي المودة، وهو جواب متدارك تقدّمه من مديد الثناء بسيط، ونهر صفاء ورده في تفسير المحبة ولكن سبقه البحر والعلم الكريم به محيط.
وتبدي لكريم علمه ورود كريم كتابه الذي تمثّلنا به فسار في الآفاق مثلا، وأزال ظلمة الوحشة وقد طلع ثنايا المودة فعلمنا أنه ابن جلاء: [من الطويل]
وجدّد أنسا عندنا ومودّة ... وأعبق نشرا فهو في غاية الذكا
واقتطفنا وروده على يد المجلس العالي * القضائي الكبيري العالمي العلامي المفيدي الأوحدي الحميدي * (2)، قاضي بابا الجمالي، فإنه الرسول الذي صدقنا رسالته لما أحسن صلاة صلاتها وقت أدائها. وصعد منبر الثناء في وصف المحاسن اليوسفية فكان من أجلّ خطبائها. واعتبرنا أدبه في نظام الملك فكان من أبلغ المتأدبين، واختبرنا دينه فكان بحمد الله حميد الدين. وهو العالم الذي بوّب كتابه بحلاوة ودّت شمس الأفق أن توضع على قرصها، وصاغ خواتم كلامه بحكمة لما نقل أحاديث المودّة بفصّها، وقدّم الهدية التي هبت نسمات القبول على أفنانها، وجنينا منها ثمار المحبة، وجمّل التفاصيل التي وشّحها ابن سناء الملك ببهجته وما ترك لابنه في دار الطراز رتبة، والنمورة التي يحجم ابن فهد عن وصفها إذا قابل منها السواد والبياض بالمقلتين. وجمعت لنا من ليلها الحالك ونهارها الساطع بين الآيتين، والجواد الذي تميّز بأوصاف ما صاحب مجرى السوابق من الفحول التي تجاريها. * فإنه غرّة في جباه الخيل التي قال قائد الغر المحجّلين: «إن الخير معقود بنواصيها» * (3). والسّروج التي
__________
(1) تأسد: تو، ها: تأييد.
(2) ما بين النجمتين ساقط من قا.
(3) ما بين النجمتين ساقط من تو.(1/267)
سمت عندنا على السّروجي بمقاماتها العالية، ورأيناها أهلّة تغني بهجتها عن الفجر، فحصّنّا (1) كل سرج منها بالغاشية. والجوارح التي خشي النسر الطائر أن يصير (2) واقعا لافتراسها وصدق فيما تفرّس. وخافت الشمس لتسميتها بالغزالة، ولفّ سرحان الأفق ذنبه على خيشومه ولم يتنفّس. والقوس الذي أصاب أغراض المحبة ونال منها أوفر سهم ونصيب. وجاء عبارة عن رأي مهديه (3) وكل عندنا بحمد الله مصيب، وهو من الأشياء التي وضعت في محلها ونحن نقيم دليل ذلك وبرهانه، فإن القوس إذا عانق سهامه بمصر علم أنه وصل إلى الكنانة.
ولقد نوّع المقرّ بديع النظم في الهدايا ونسخ الجفاء بكثرة رقيقه، وأدار من أواني الصين (4)
كؤوسا أترعها الود (5) بسلاف رحيقه. وأسفر كتابه من نور الإخلاص والمحاسن اليوسفية عن بهجتين، وأعرض كتاب الطهارة في تطهير الأرض من أعداء الدولتين.
وقد أكّدنا القصد الجمالي بتكرار ما في الأوصال من لذّة المواصلة، وإذا زالت بكارة ختمها وضعت ما حملته من الثناء وعليها من السعادة قابلة. قد أعدنا المجلس العالي الحميدي وحملناه من جمل المشافهات ما يستغنى بحسن أدائه عن تفصيلها، فيحسن الإصغاء إليها، والله تعالى يزيد بدور مودته (6) كمالا، ومحاسنه اليوسفية جمالا.
(57)
رسالة الشمسي العمري عين أعيان كتّاب الإنشاء الشريف بالديار المصرية إلى المؤلف (1شوال 820هـ):
وكتب إليّ (7) المقرّ الكريم العالي القضائي الشمسي العمري عين أعيان كتّاب
__________
(1) فحصنا: تو: فخصنا قا: فخضنا.
(2) يصير: تو: يطير ق: يكون.
(3) مهديه: ها: مهذبه.
(4) الصين: ق: الطين.
(5) الود: ها: للود.
(6) بدور مودته: ها: ورد مودته تو: ورد مودبه قا: ود مودته.
(7) إليّ: طا، طب، ق: إليه فسح الله في أجله ها: إليه تغمده الله برحمته قا: له (وأسقط الناسخ «الكريم العالي القضائي»).(1/268)
الإنشاء الشريف بالديار المصرية رحمه الله (1) من القاهرة المحروسة إلى البلاد الرومية وأنا (2) صحبة الركاب الشريف بها، وذلك في مستهلّ جمادى الأولى سنة عشرين وثماني مائة ما صورته:
يقبل الأرض وينهي بعد دعاء ما أحرصه على كونه فيه مخلص، وثناء ما أخلصه من محب صادق عليه يحرص، أنه منذ استقل الركاب الكريم وإلى هذه الأيام، التي هي عند المملوك كالأعوام، ما طاب للعبد مقام، وقد سطّر هذه العبودية تنهي بعض الأشواق، وتبدي ما حصل للمملوك بسبب الفراق. فأصدرها تعلم استمراره على العبوديه، وتستعرض ما يعرض من الخدم العليه، ليفوز بقضائها، ويبادر إلى امتثالها. والله المسؤول أن يمد المملوك منكم بعين العنايه، ويرزقه منكم حظا يعدّه (3) من الزمان وقايه، ويغني عن مطالعتكم، بما عوّده من الفوز بمشاهدتكم، بمنه وكرمه.
فكتبت له الجواب (4):
بعد البسملة (5):
يقبل الأرض وينهي ورود المثال الكريم الذي أنسى بوروده زهر المنثور، ورشف على قمري طرسه قهوة الإنشاء الشمسية، وهو إلى الآن من ذلك الإنشاء مخمور، وأقر في سوق رقيقها بالرقّ فجعله مولاه مكاتبا، والعبد بهذه المكاتبة مسرور. وغير خاف عن العلوم الكريمة إنشاء البشارة التي هي قطرة من صبابات تلك القهوة الشمسيه، ولكن إذا شملها النظر الكريم تقدم أبو بكر على غيره بالعناية المحمديه. وجلّ القصد أنها غريبة وإن لم تلحظ (6) بالنظر الكريم لم تتأهّل (7). والذوق المخدومي هو أعظم الجلاء لعيون
__________
(1) رحمه الله: طا، طب، ق: عظم الله تعالى شأنه ساقط من قا.
(2) وأنا: بقية النسخ: وهو.
(3) يعده: ق: يعيده تو: يعتده.
(4) فكتبت له الجواب: طا: فأجابه شيخنا المقر التقوي فسح الله في مدته بما صورته طب، ق: فأجابه شيخنا المشار إليه فسح الله في أجله بما صورته ها: فأجابه المقر التقوي المشار إليه تغمده الله تعالى برحمته قا:
فأجاب المقر المشار إليه بما صورته.
(5) سقطت البسملة من طب.
(6) تلحظ: ها: يخلط.
(7) تتأهل: ها: يتأهل.(1/269)
المعاني، وبه يظهر الفرق بين الأكحل وبين من يتكحّل. ومولانا عظّم الله شأنه أحق بصون بنات الأفكار لأنّ نفسه أبيه، وغيرته بحمد الله تعالى عمريّه، والله تعالى يقرّ عيون (1) المتأدبين ببقائه لتعمر أبياتهم وتتشيّد، ويحرسه ويقر عينه إن شاء الله تعالى بمحمد (2).
* بمنّه وكرمه * (3) (إن شاء الله تعالى) (4).
هذا آخر الجزء الثاني من الكتاب (5).
__________
(1) عيون: قا: عين.
(2) بمحمد: ق: بمحمد وآله.
(3) ما بين النجمتين ساقط من طب، ها، قا.
(4) ما بين الهلالين ساقط من طب، ق، تو، قا.
(5) هذا ما أوردته تو ولا توجد هذه الملاحظة في طا، ها طب: تم الجزء الثاني من «قهوة الإنشاء» بحمد الله وعونه قا: آخر الجزء الأول من «قهوة الإنشاء» يتلوه الجزء الثاني إن شاء الله تعالى وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم وحسبنا الله ونعم الوكيل ق:. تم الجزء الأول من «قهوة الإنشاء».(1/270)
الجزء الثالث(1/271)
(58) (1)
بشارة إلى نوّاب الغيبة بالممالك الشامية والديار المصرية عند حلول الركاب الشريف في حلب المحروسة بعد العودة (9رجب 820هـ):
منه ما كتبت به (2) بشارة عن المقام الشريف المؤيدي، خلد الله تعالى ملكه، عند عوده من البلاد الرومية، وحلول الركاب الشريف بحلب المحروسة إلى نواب الغيبة بالممالك الشامية والديار المصرية. وضمّن البشارة ما منّ الله تعالى من الفتح الذي صار له في الروم قصص، وقوّى جأش الإسلام والمسلمين ببلوغ هذه الفرص، وذلك بتاريخ تاسع شهر رجب الفرد سنة عشرين وثماني مائة. فمما كتبت (3) به إلى نائب الغيبة بالديار المصرية (4):
بسم الله الرّحمن الرّحيم (5)
ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي (6)، لا زالت طرف أخبارنا السارّة تسرّ خاطره وتشنّف سمعه، وترنّحه بنسمات قربنا وتجاور كريم سمعه ليأخذها بالشفعة.
وإن حصل بينه وبين المسرّة (7) طلاق فمثالنا الشريف مبشّر بالرجعه.
__________
(1) طب: بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي ق، ها: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تو: هذا آخر الجزء الثاني وأول الجزء الثالث منه (راجع الحاشية الأخيرة. للرقم السابق).
(2) منه ما كتبت به: طا، طب، ق: ومن إنشائه جمل الله بوجوده الوجود ما كتب به ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته وبمنه وكرمه ما كتب به قا: ومن إنشائه ما كتب به.
(3) كتبت: في بقية النسخ: كتب.
(4) الديار المصرية: قا: الديار المصرية وهو.
(5) سقطت البسملة من طا، طب، ق، قا.
(6) العالي: قا: العالي إلى آخره.
(7) المسرة: ق، تو، ها، قا: المسرة لبعدنا.(1/273)
صدرت هذه المكاتبة تهدي إليه من أوراقها ثمرات الفتح ليتفكّه منها بالفواكه الفتحيه، وتعرب عما أبدته عربياتنا من شواهد التسهيل في فتح البلاد الروميه. فإنها رحلة مؤيديّة تشدّ إليها الرحال، وإن كانت دول الإسلام حلة على أعطاف الدهر فهي لها من أطهر الأذيال.
وتبدي لكريم علمه تجلّي مخدّرات الحصون بكل وجه حسن تحت عصابتنا المؤيدية. واستقرار سيس في هذه الحلبة على قديم عادتها (1) بين الجنائب الحلبية. وفتح قلعتها قد حرك بابها مصراعي شفتيه وأعلن بسورة الفتح جهرا، وتلت أقفاله بعد ما عسر على الغير {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (2). وصعدت أنفاس الأدعية من أفواه مراميها فرحة وسرورا، وبدلت صوامعها وتلك البيع بمساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، وأخلصت الطاعة لشيخ ملوك الأرض طائفتها الأرمنية، وانقطعوا في زوايا الطاعة مريدين لهذه المشيخة الشريفة وصوفيه. ورغب ابن رمضان في طاعتنا الشريفة فجعلنا له في ربيع حلاوة الرغائب، ورفعنا قواعد بيته الإبراهيمي وأدنيناه من أدنة فدنا بها إلى أعلى المراتب. وتلمظت سيوفنا بحلاوة الفتح ورشفت بألسنتها في كل قطر قطرها ففتحت أياس من بعيد لهذه الحلاوة الشهية ثغرها، وانسجمت أبياتها لما نظمت على بسيط الطاعة بحرها. ومصّ حصن مصّيصة من رحيق هذه الطاعة فأمسى ثغره بأفواه الشكر يقبّل، وبسط جبين جسره لمواطئ خيلنا فرحة وتهلّل. وجانس الفتح بين أياس وباياس فقلنا: لا بدّ لهذا الجناس المطرف أن يتذيّل، ولم ينتظم لبني كبك بيت بملطيه يقام له وزن ويظهر منه اقتباس، وانعكس هذا الاسم الخبيث بعد الاستحالة، وإن كان مما لا يستحيل بالانعكاس. وتسحّب كافرهم وقد أضرم بها النار فخاطبته بلسان جمري لا يفحم: «وما أنت إلا كافر طال عمره فجاءته لما استبطأته جهنم». وفرّ إلى ملك ابن عثمان، فحكمنا بقتله في تلك الأرض، علما أن الجهاد في أعداء هذا الدين عند العصابة المحمدية من الفرض. وسمع العصاة بطرسوس زئير آسادنا من بعيد، فأدبر مقبلهم وتخيّل أن الموت أقرب إليه من حبل الوريد. وأعربت أبوابها بعد كسره عن الفتح وقال أهلها: {«ادْخُلُوهََا بِسَلََامٍ آمِنِينَ} (3)». وأوى العصاة إلى جبل القلعة لما رأوا بعد
__________
(1) عادتها: قا: عاداتها.
(2) سورة الشرح 94/ 65.
(3) سورة الحجر 15/ 46.(1/274)
القتال هذا الفتح المبين، وصفق مقبلهم وجهه فبصقت فيه أفواه المدافع، وحكم عليه القضاء بالاعتقال ولم يأت عند ذلك الحكم بدافع. وشاهد القرمانيون من سيوفنا شدّة القرم (1)، فخشي كل منهم أن يصير لحما على وضم، ورأوا ألسن السهام في أفواه تلك المرامي برأينا الصائب ناطقه، وما أظهروا على سماء برج غيوم ستائر إلا لمعت فيها من بوارق نفوطنا بارقه. فأذقناهم الحشر فتركوا المجادلة وانتهوا بعد الواقعة إلى الحديد، وأحيينا الفتح المأموني في ذلك الحصن المعتصم بسيفنا السفاح ورأينا الرشيد.
وما خفي من كريم علمه وقوع انتقامنا الشريف في الغادر ابن الغادر (2) لما أدبر وقطع الله دابره، وظهور السر الإبراهيمي فيه وقد ادعى أنه نمرود تلك الفئة الغادره، كلّمه بألسن سيوفه فأخرسه وتخبّطه شيطان الرعب بمسّه. ورأى منه تلك الهمّة العالية فنجا من تلك الوقعة بفرسه ونفسه. وأوى من قبل إلى جبل ليعصمه فقال له: {«لََا عََاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللََّهِ»} (3). ورماه من شاهقه في بحر عساكرنا بعد ما عضّ عليه بثناياه. وسمع (4)
الرعد من سيف إبراهيم ففرّ وقد شاهد من أصيب بصواعقه من العصاة التركمان.
وصدقت فيه عزائم أتراكنا وما رؤي أحد في ذلك اليوم من التركمان (5)، وسقّوا أوعار تلك الجبال من دمائهم فكادت أحجارها أن تورق وتخصب بعد المحل، وجنوا بالعسّال (6) عسل النصر شهيا، وغنموا من الإنعام ما زاد في عدد أجناسه على النحل، ونفرت عنهم أوانس تلك الظباء والمتيّم ينشد: [من البسيط]
لهفي لظبية إنس منكم نفرت
وانفطرت كبده لمّا رأى كواكب الحلي من أفلاك تلك الصدور وقد انتثرت، وسنّ المقرّ الصارمي فيهم عزمه فقطع الله بهذا الصارم من عواتقهم أوصالا، وحميت نار حربه فسبكت أوانيهم من الذهب والفضة تحت حوافر خيله نعالا. ورخصت أنواع الديباج
__________
(1) القرم: قا: القوم وعلى هامش تو: القرم هو الجوع.
(2) الغادر ابن الغادر: ها: الغادر بن الغادر بن الغادر تو: الغادرين الغادر ابن الغادر ق: العادرين الغادر.
(3) سورة هود 11/ 43.
(4) بثناياه وسمع: طب: فقال.
(5) مان: ها: التركمان في هامش تو: مان هو الكذب.
(6) العسال: في هامش تو: العسال الرمح.(1/275)
فكم معدني، صار مع دني، لأن قبور حمولهم (1) بعثرت، وتلا لسان الكسب (2) على السمور وغيره من أصناف الوبر، وإذا الوحوش حشرت، وانقادت بساركهم (3) إلينا وبدور مواطئها (4) في بروج (5) تلك الجبال قد أشرقت، والناظر يتلو متعجبا: {أَفَلََا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} (6)، وكانت نار حرب القوم على المقر الإبراهيمي بردا وسلاما، فإنه رفع قواعد بيته في ذلك اليوم، وعلمنا أن الله قد جعل لإبراهيم في هذا البيت الشريف مقاما، ورقاه في عمر الأبدار (7) إلى بروج الكمال فأبدر فيها وسرى، وظهر بحمد الله فلا يخفى على أحد إلا على أكمه لا يعرف القمراء. وإن كان شبلا فهو في المخبر كأسده، ومصارع ليوث الحرب قد جعلها الله من صغر تحت يده، ورفع له هذا المبدأ وسيّره في الآفاق خبرا، وعلم الأعداء أن دمعهم (8) يجري عند لقائه دما وكذا بالأمس جرى. وهذه المقابلة تليق بابن الغادر على فتح سريرته وغدره، فإنه أخرج أهل تلك البلاد من أرضهم بظلمه لا بسحره. وسألنا قبل ذلك في ولده وقد كره العود إليه وألف أبوابنا (9)
الشريفة وتوطّن، فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن، فخالف نصّ الكتاب ومشى في ظلم (10) الطغيان، ولم يعمل بقوله تعالى: {هَلْ جَزََاءُ الْإِحْسََانِ إِلَّا الْإِحْسََانُ} (11). فقابلته سطوتنا الشريفة على قوله وفعله، وحاق المكر السيء منه بأهله.
وحلّ ركابنا الشريف بالأبلستين، في العشرين من ربيع الآخر فجمعنا بحصنها الزاهر بين ربيعين، وأتممناها بعشر الإقامة لاستيفاء ما لنا في ذمة جيرانها من الدين.
فرحّبت بنا وبسطت بساط أنسها الأخضر وقالت: «على الرأس والعين».
__________
(1) حمولهم: تو، ها، قا: خمولهم.
(2) الكسب: ها: الكتب طب: الحال.
(3) بساركهم: طب: تشاركهم قا: مشاركهم ق: بساريهم.
(4) مواطئها: تو، ها: مطاويها.
(5) بروج: طب: بدور.
(6) سورة الغاشية 88/ 17.
(7) الأبدار: ها: انذار طب: الاندراج.
(8) دمعهم: قا: دمهم.
(9) أبوابنا: تو، ق، ها: أبوّتنا.
(10) ظلم: ق، تو، ها: ظلمة.
(11) سورة الرحمن 55/ 60.(1/276)
والتفتنا إلى درندة وما العيان من صنع الله في أخذها كالخبر، وقررنا صدع صخورها باختلاف الآلات، فجاء ما قررناه نقشا على حجر، وادّعت أن صخرها أصمّ فأسمعناه من آذان المرامي تنقير المدافع وتحريك الوتر. وطلعت في ظهر الجبل كدمّل فطار كل جارح من سهامنا بريشته إلى فتحها، وظنت صون من بها لعلو ذلك السفح فطالت سيوفنا إلى دماء القوم وسفحها، وقرعنا سن جبلها بسبّابات المدافع وكسرنا منه الثنيّة، وأمست حلق مراميها كالخواتم في أصابع سهامنا المستوية، وخرّ بحرها طائعا فركّبنا عليه سفن جسور على الزحف إليها جاسره، وأقلعنا إلى خشب سفينتها المسنّدة فمزّقنا (1) قلوع ستائرها وخرّبنا قريتها (2) العامره، هذا مع أن اللنك خطبها لنفسه وأراد أن يعرّج إليها، فترفعت عليه ولم ترضه لنقص العرج أن يعلو عليها، فرحل عنها ولم يحظ من ديوان وصلها بمسموح، ولكن ساعة رؤيتنا قالت بكارتها: «مرحبا بأبي النصر وأبي الفتوح»، وتعلق سكانها بأذيال الأمان فأمّنّاهم، ولكن كانوا في صدرها (3) غلّا فنزعناهم.
وجاءت مفاتيح خندروس قبل التلخيص منها براعه. وأحسنا الختام بدرندة وألقينا إكسير المدافع على حجرها الذي كان غير مكرم وأحسنا التدبير في الصناعه. وسمعت كرت برت بذلك فألقت من بها في بئر معطّلة وزهت فرحة بقصرها المشيّد، ووصلت مفاتيحها يوم هذا الفتح مهنئة بلسانها الحديد.
وغارت عروس بهسنا من ذلك فخطبتها لجمالها البارع، وجهزت كتابها يشهد لها بالخلوّ من الموانع، وهي أيضا ممن خطبها اللنك لنفسه فتمنعت، وأراد السموّ إلى أفقها العالي فاستسفلته (4) وترفّعت، وعوت كلابه فلقمتهم ما ثقل وزنه من أحجارها الثقال، خلافا لمن أصبح الصخر عنده مثقالا بمثقال. وعلم طغرق (5) أن سهامنا في كل عضو من أعضاء العصاة جارحة، وأفواه مدافعنا في أغراض الصخور من سائر القلاع قادحة، فتبّت يداه عن المنع وجنح إلى الإخلاص فسابقه باب القلعة ورفع صوته في الفاتحه.
__________
(1) فمزقنا: طب: فرقمنا.
(2) قريتها: ها: قلعتها.
(3) صدرها: ها: صدورها.
(4) استسفلته: تو: استقلته ها: استثقلته.
(5) طغرق: قا: طغروق ق: طفرق.(1/277)
وضحك ناموس ملكنا (1) الشريف على من ادّعاه بكختا وكركر، ولكن أبكتهم سهامنا دما جرى من محاجر القلعتين ولم يتعثر. قال حصن كختا: «إن كانت قلعة نجم عقابا في عقاب فالنسر الطائر يخفق تحت قادمتيّ بأجنحته، أو كان الهلال قلامة لأنملتها التي علاها من الأصيل (2) خضاب فكفّ الخضيب يتيمّم بتربي ويمسح (3) بياض جبهته.
فأنا الهيكل الذي ذاب قلب الأصيل على تذهيبه» (4)، وود دينار الشمس أن يكون من تعاويذه، والشجرة التي لولا سموّ فرعها (5) تفكّهت به حبات الثريا وانتظمت في سلك عناقيده. وتشامخ هذا الحصن ورفع أنف جبله وتشامم، فأرمدنا عيون مراميها بدم القوم وأميال سهامنا على تكحيله تتزاحم، ووصل النقب بتنقيبه عن مقابلتهم (6) إلى الصواب، وأيقنوا أن بعده لم يضرب بيننا بسور له باب، وكان منهل مائهم عذبا فأكثرنا على منعه الزحام، وتطفّلوا على رضاع ثدي دلو فلم ترض أم المنع بغير الفطام، فأمسى دلوهم كدلو أبي زيد السروجي لا يرجع ببلّه، ولا يجلب نفع غله. وحكم المدفع الكبير على سورهم فقال:
«هذا السور دائم النفوذ والإحكام»، وانقلبوا صاغرين إلى الطاعة وقد قابلنا أنف جبلهم بالإرغام، ورجعوا عن خليلهم الكردي لما قام لهم على جهله الدليل، وقالوا: «طاعة السلطنة الشريفة ما يراعي (7) فيها من العصاة (8) خليل». وسألونا الصفح عن حديث جهلهم القديم، وسلّموا القلعة لرضى خواطرنا الشريفة فجمعوا بذلك بين الرضى والتسليم.
وتنكرت أكراد كركر بسور القلعة فعرّفناهم بلامات القسي وألفات السهام.
وعطست أنوف مراميهم بأصوات مدافعنا كأن بها زكام. وتبرّموا من خليلهم الكردي لما شاهدوا الخطب جليلا، وقال كل منهم: «يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا»، وأورت عاديات المدافع بالقلعة قدحا فأمست بالزلزلة مهدّدة، وفروا من طارق سطوتنا الشريفة إلى البروج فأدركهم الموت في بروجهم المشيّدة. وسألنا كرديّهم في جزيل ماله ليغدو بنفسه
__________
(1) ناموس ملكنا: طب: ناموسنا.
(2) الأصيل: تو: الأصل.
(3) ويمسح: تو: وماسح.
(4) على تذهيبه: طب: عند تذهيبه.
(5) فرعها: طب، قا: فروعها.
(6) مقابلتهم: ق: مقاتلتهم.
(7) يراعي: ها: نراعي.
(8) العصاة: طب: الأنام.(1/278)
الخبيثة ويروح، فلم نرض منه على كفره بغير المال والروح. وسجنّاه بالقلعة وقد أيقن بالموت وارتفع النزاع، وجهز المفتاح لتلخيص ذنبه (1) فحصل على سجنه الإجماع، فأمسى بها: [من البسيط]
كريشة في ممرّ (2) الريح ساقطة ... * لا تستقرّ على حال من القلق * (3)
وتمام البيت معروف عند من له عليه اطلاع (4).
وجاءت مفاتيح أكل من ديار بكر وقد أزهرت (5) باسمنا الشريف * أغصان منابرها، وسألت قلعتها التشريف * (6) برسول يدوس بنعليه على محاجرها، فأجبناها على ذلك وأمست بنا بعد التنكير معرّفه، وصارت أبراجها بالنسبة المؤيدية مشرّفه.
وجهّز قرا عثمان مفاتيح الرها وآمد وسأل تشريفهما بتقليدين يرفعان لهما في الشرف محلّا، فحلّيناهما بذلك وهما من العواطل، فحلّت المطابقة بالعاطل المحلى.
والتهب ابن ذو الغادر (7) بحرارة المعصية، ففرّ إلى برد الطاعة من غير فتره، وهز جذع مراحمنا الشريفة، واعترف أنه جهل الفرق بين الجمرة والتمره، وأقر بذنوبه وقال: «التوبة تجبّ ما قبلها»، ودوحة المراحم (8) الشريفة قد مدّ الله على الخافقين ظلّها، وعلم أنه ما أحسن البيان عن درندة (9) في تلخيص ذلك المفتاح، وسأل أن يحظى من بيان عفونا الشريف في استجلاء عروس الأفراح. فأذقناه حلاوة قربنا بعد ما ذاق مرارة بينه، وألبسناه تشريفة بنيابة الأبلستين، فباس الأرض وهو لا يصدّق أنه يرى محاجر تلك العين بعينه، وجهزنا ولده داود بدروع من الأمن ليأمن بهذه الدروع المانعة من يد داود، ويتفيأ بظلال جبرنا، ويصير بعد هاجرة المعصية في ظل ممدود.
__________
(1) ذنبه: قا: دينه.
(2) ممر: طب، ق، تو، ها، قا: مهب.
(3) ما بين النجمتين ساقط من طب، ها، قا وكتب في هامش كل من طا وتو.
(4) كذا في الأصل.
(5) أزهرت: طب، قا: اهتزت.
(6) ما بين النجمتين ساقط من ق.
(7) ذو الغادر: تو، ها: دولغادر قا: داغادر ق: درغادر.
(8) المراحم: تو، ها: المراسيم.
(9) عن درندة: ساقط من طب، ق، تو.(1/279)
وقد تقدم سؤال قيسارية أن تقام بها سوق الأمان فأجبناها، وسعّرت بها نار الخوف بعد غلوّه، فجهزنا إليها بضائع الأمن وأرخصناها. وأيقن أهلها أنهم إن مشوا في حدائق عدلنا على غير هذه الطريقه، صار على سوسنة كل سنان من دمائهم شقيقه، فأزلنا عنهم بإيناس عدلنا الوحشه، وأمست قيساريتهم في أيامنا الزاهرة دهشه، وسجعت خطباء منابرها باسمنا الشريف، والدهر يهتز فرحة ويترنم: [من الطويل]
ولم يخل من أسمائنا عود منبر ... ولم يخل دينار ولم يخل درهم
وتقارب الاشتقاق بين سيواس وسيس فتجانسا للطاعه، ومات العصيان بتلك البلاد فقالت أرزنكان: «الصلاة جامعه»، وصلّت طائعة (1) مع الجماعة، فلا قلعة إلا افتضّينا بكارتها بالفتح وابتذّ لنا (2) من ستائرها الحجاب، ولا كأس برج أنزعوه بالتحصين إلا توّجنا رأسه من مدافعنا بالحباب، حتى فصّلت في الروم لعساكرنا التي هي عدد النمل قصص. وعدنا فكان العود أحمد، إذ لم يبق بتلك البلاد ما تعدّه قدرة الفتح من الفرص.
وجاءت رسل ملوك الشرق بالإذعان لطاعتنا التي اتخذوها لشرفها قبله، وودّ كل منهم أن يحظى فمه من وجنات أعتابنا بقبله، وتنوّعوا من الهدايا بأجناس صدقت عن كل نوع مقبول، وبالغوا في الرقّة وأهدوا من الرقيق ما قام له عندنا سوق القبول.
وأسفر قرا يوسف عن الجمال اليوسفي ونوّر الطاعة عن بهجتين، وأظهر كتاب الطهارة بتطهير الأرض ممن ندبناه إليه من أعداء الدولتين. ودنت الديار من الديار فكانت سيوفنا في القرب له حصنا وملاذا، ولم يباشر في إخلاص الطاعة بما يقال له بسببه: «يوسف أعرض عن هذا». وجاءت هداياه التي * هبّت نسمات القبول على أفنانها وجنينا منها ثمار المحبه، وجمل التفاصيل التي * (3) وشحها سناء الملك ببهجته ولم يترك لابنه في دار الطراز رتبه، والنمورة التي تحجم ابن فهد عن وصفها إذا قابل منها البياض والسواد بالمقلتين، فإنها جمعت لنا من ليلها الحالك ونهارها الساطع بين الآيتين، والجواد الذي تميّز بأوصاف ما صاحب مجرى السوابق من الفحول التي تجاريها. فإنه غرّة في جباه الخيل الذي قال قائد الغر المحجّلين: «إن الخير معقود بنواصيها (4)»، والسروج التي سمت
__________
(1) طائعة: ها: طائفة.
(2) ابتذ لنا: تو: ابتدّ لنا طا: ابتد لنا قا، ق، ها: ابتدلنا.
(3) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(4) بنواصيها: ها: في نواصيها.(1/280)
عندنا على السروجي بمقاماتها العاليه، ورأيناها أهلّة تغني عن الفجر فحصنا كل سرج منها بالغاشيه، والجوارح التي خشي النسر الطائر أن يصير واقعا لافتراسها وصدق فيما تفرّس، وخافت الشمس تسميتها بالغزالة ولف سرحان الأفق ذنبه على خيشومه ولم يتنفس.
والقوس الذي أصاب به أغراض المحبة ونال منها أوفر سهم ونصيب، وجاء عبارة عن رأي مهديه (1) وكلّ عندنا بحمد الله مصيب، وهو من الأشياء التي وضعت في محلها ونحن نقيم دليل ذلك وبرهانه، فإن القوس إذا عانق سهامه بمصر علم أنه وصل إلى الكنانة، وبالغ المقر الجمالي (2) في نظم بديع الهدايا ونسخ (3) الجفاء بكثرة رقيقه، وأدار من أواني الصين كؤوسا أترعها (4) الودّ بسلاف رحيقه: [من الكامل]
والله ملّكنا زمام عباده ... والسعد يقمر والسرور يهلل
وإذا تغمّدنا الإله بنصره ... وقضى لنا الحسنى فمن ذا يخذل
ودخلنا (5) حلب المحروسة وأوصلناها ما استحق لها من ديون الفتح علينا، ورددنا ما اغتصب منها فقالت: «هذه بضاعتنا ردت إلينا».
وقد آثرنا الجناب بكرامة هذه البشرى التي استبشر بها وجه الزمن بعد قطوبه وتبسّم، فإنه ركن هذا البيت الشريف ونسيب مدحه المقدم. فيأخذ منها حظه ويثلج صدور (6) الرعايا، ففيها لهم برد وسلام، ويرعاهم بعين الرعاية ليضوع (7) فيهم عرف العدل ويصير مسكا لهذا الختام. والله تعالى يمتّعه في ليله ونهاره بأخبارنا السارة بالأعياد والمواسم، ويجعل له من صياغة (8) أعماله إن شاء الله حسن الخواتم.
بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى
__________
(1) مهديه: ها: مهذبه.
(2) الجمالي: ها: العالي.
(3) نسخ: ها، قا: نسج.
(4) اترعها: ها: أنزعها.
(5) ودخلنا: طب: ووصلنا إلى.
(6) صدور: تو، ها، ق: صدر.
(7) ليضوع: ق: ليصوغ.
(8) صياغة: ها: صناعة.(1/281)
(59)
مكاتبة واردة على الأبواب الشريفة من الملك العادل سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا (في 19محرم 821هـ):
ولما كان تاريخ (1) تاسع عشر شهر الله المحرم سنة إحدى وعشرين وثماني مائة، ورد كتاب الجناب العالي الأميري الكبيري العلمي سليمان الأيوبي (2)، صاحب حصن كيفا على الأبواب الشريفة وهو:
بسم الله الرّحمن الرّحيم يقبّل الأرض أمام المواقف الشريفة العالية، العالمية، المظفرية، المنصورية، المجاهدية، المرابطية، المولوية، المخدومية، السلطانية، الأعظمية، الملكية، المؤيدية، خلّد الله تعالى سلطانها وأمضى يدها في الأنام بسطا وقبضا، وأعطاها من خيري الدنيا والآخرة حتى ترضى، وجعل على علو قدرها للسماء سماء وللأرض أرضا، ولا زالت شموس ممالك مصرها في أوجاب (3) الدوام طالعة، وحجج دعوتها الهادئة إلى أكناف شامها وحلبها ببراهين الحق صادعة، وخدود الجبابرة الصّيد على وصيد أبواب حضرتها المؤيدية ضارعه، وأعناق الملوك لقهر سطوتها خاضعه، ولأوامرها النافذة ومراسيمها المطاعة سامعة طائعه.
وينهي المملوك الأصغر والداعي الأكبر، إلى العلوم الشريفة، ضاعف الله شرفها وأدام على كافة الأمم (4) كنفها، بعد رفع صالح دعاء مقبول الوسائل والابتهال، وشواهد صدق ولاء قضت الخواطر الشريفة لها بالتصديق لا محال، والقيام على قدم الطاعة والانتماء من غير حول ولا زوال، والإقرار بقديم الصدقات وحديثها بكل مقام ومقال، وإبذال المجهود في النصائح إلى يوم التخلي (5) والانتقال، إنه لم يزل مقرّا بما تكنفته (6)
__________
(1) تاريخ: طا، طب، ق: بتاريخ ساقط من قا.
(2) الجناب العالي الأيوبي: قا: المقر العالمي.
(3) كذا في الأصول.
(4) الأمم: تو: الأنام.
(5) التخلي: ق: التحلي تو، قا: التجلي.
(6) تكنفته: ق: تكتفيه تو: تلتتقه قا: تلقته ها: تلقه.(1/282)
الصدقات العميمه، معترفا بما خصته صلات الأيادي الجسيمه، التي لو ظلّت الجباه لها ساجده، والقلوب حامده، والأيدي برفع الدعاء بادئة وعائدة، لما وفى ذلك بحقها، ولا أخرج أعناق الاعتراف من عهدة رقّها. لأن أيادي الأبواب الشريفة غرست ولاءها على صفحات القلوب، والولاء من منابت الإحسان تثميره بآثار غيثها المسكوب (1). ومع هذا فسيب (2) الأيادي الشريفة لا يجاوز الولاء (3) وإن رست عروقه، ووجبت حقوقه، فإنها (4)
سبقته والفضل للسابق، ومزيد الحمد والشكر على الدوام بتعريف ذلك ملاحق. ولأن عجز المملوك الأصغر لشكر برّها الموفور، وإحسانها المشهور، سيقوم به جميع خلفه (5)، كما قام به من مضى من سلفه. وينطق بذلك لسان حاله الذي هو أفصح من لسان قلبه، وأوضح من بيان صحيفته وكتبه. وكيف لا وقد انطلقت ألسنة العباد والبلاد، من الحاضر والباد، إن شاء الله تعالى بتمهيد ممالك مصر والشام بهداية تلك الدولة المؤيدية ودعوتها، وحطم صعاب الرقاب في أزمة طاعتها، وأسجد الجباه المتوجهة على صعيد أبوابها، وأرغم الأنوف الشامخة على مواقف أعتابها، ووصل بالدوام أوائلها ومبادئها، وقصم بالانتقام حسّادها وأعاديها. فتلك الدولة السعيدة المؤيدية التي هي ورّاد عطاش الآمال تؤوب عليها، ونواظر أنظار السعود والإقبال ترنو (6) إليها. وكان يودّ المملوك الأصغر والداعي الأكبر، أنه في كل مدة يتوجه إلى تلك الأبواب الشريفة وينخرط في زمرة الأرقّاء والعبيد، ويلثم بشفاه أدبه (7) تلك الوصيد. ولكن عذره واضح عن التأخير (8)، والعواطف الرحيمة أحق بالصفح عن التقصير. وهو في أعقاب الصلوات، عند مظانّ الإجابات، يرفع يد التضرع إلى الله تعالى في إدامة الدولة القاهرة المؤيدية، فهي غرّة الزمن البهيم، والمتفيّئ (9)
بظلها الظليل ذو حظ عظيم.
__________
(1) المسكوب: تو، ق، طب، ها: السكوب.
(2) فسيب: تو، قا: نسيب طب، ق: فسبب.
(3) لا يجاوز الولاء: ق، تو، قا: لا يجازي بالولاء طب، ها: يجاري بولا.
(4) فإنها: طب، ق، تو، ها، قا: لأنها.
(5) خلفه: ق: خلقه.
(6) ترنو: تو، ها: ترموا.
(7) أدبه: كذا في طا، طب، تو، ها، قا ق: أربة (وربما هو الصحيح؟).
(8) التأخير: ها: التأخر.
(9) المتفيّئ: ها: المتفيأ.(1/283)
فالمسؤول من ألطاف الله الخفية أن يجعل تلك الدولة المؤيدية مخلّده، وأيامها بالسعود السرمدية مؤيده، ولا يخالط صفوها قذى، ولا يفضي إليها أذى، ولما تعذّر على المملوك الأصغر المثول في زمرة الخدم بالقدم، ناب منابه ترجمان القلم، وجهز به المملوك الناصح المقيم بهذه الثغور، لتعريف ما سنح من أخبار هذه البلاد وأحوال من فيها من الجمهور.
وهو الأجلّ الأخصّ الأسعد الأوحد المحترم المكرم، سيف الدين أياس، أمير آخور كتب الله تعالى سلامته، وأحسن بعنايته عاقبته، إلى عبودية الحضرة الشريفه، والمواقف المنيفه، وحمّله جملا من صدق الفصاحة والإخلاص، وتفصيلا من صفو العبودية التي ليس له منها مناص ومفاص. مع ما تجدّد من الأخبار، في هذه الأقطار والأمصار مشافهة. فالمرجوّ من التفضلات الشريفة العميمه، والتطولات الجسيمة، جبر قلب المملوك الأصغر بالإصغاء الشريف لما ينهيه المذكور عند المثول، لعلّ يقع ذلك في محل الإرضاء والقبول، ثم التشرّف بما تراه الحضرة الشريفة إهلاله من الأوامر الشريفة * نفذها الله تعالى في مشارق الأرض ومغاربها ليبذل لها كنه اجتهاده، ويظهر في الجري على مقتضاها خلوص اعتقاده، وللآراء الشريفة * (1) في ذلك مزيد العلو.
الحمد لله وحده (2).
(60)
جواب على المكاتبة السابقة (منتصف ربيع الأول 821هـ):
وأجبت عن ذلك بما صورته، وذلك الجواب عن ذلك، وكتبت (3) في أوائل شهر ربيع الأول من السنة المذكورة (4):
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من تو، ها.
(2) سقطت الحمدلة من طا، طب، تو، ق.
(3) وأجبت وكتبت: طا: الجواب عن ذلك من إنشاء المقر الأشرف المخدومي التقوي بن حجة منشئ «ديوان الإنشاء الشريف» أمتع الله ببقائه وكتب طب، ق: فأجاب شيخنا المقر التقوي المشار إليه، أسبغ الله تعالى ظلاله، بما صورته وذلك ها: فأجاب المقر التقوي المشار إليه، رحمه الله، بما صورته قا:
الجواب عن ذلك من إنشاء المقر التقوي المشار إليه.
(4) المذكورة: قا: المذكورة وهو.(1/284)
أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي الأميري، الكبيري، العالمي، المجاهدي، المؤيدي، الأصيلي، العريقي، العلمي (1)، لا زالت ريحه السليمانية تنشر بساط أنسه، فإنها الريح التي غدوّها سهر (2) ونسيم (3) قربها يخفق بقلوع النيل ويحرّك عيدانها بلطف جسّه، وسجع حمائم ودّها يظهر لابن أبي حجلة أنه (4) ما علم منطق الطير (5) ويحفظ جناح طرسه. فإنه السجع الذي أنشأ بسلاف إنشائه وأغنى ببهجته في كؤوس الطروس عن لمع السراج، ومزج بماء دجلة. فما شك ذوقنا الشريف أنه مميّز (6) بلطف هذا المزاج، وفهمنا خالص المحبة التي وقع عليها الإجماع فلم نقل: «لا نسلم»، وصحيح الود الذي تسلسل وجاءنا مرسلا فما شككنا أنه صحيح مسلم.
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب (7) تثني على تحاياه التي أثلجت صدور الأشواق وروّت الأوآم (8). وهي سليمانية ولكن فيها من السر الإبراهيمي برد وسلام.
وتبدي لعلمه الكريم ورود مفاوضته التي هي من ذخائر الملوك (9) لما فيها من التحف والطرف، وقلنا وقد أينعت بزهر بديعها: «ما هذه النضارة إلا من ذلك الفرع الأيوبي الذي هو نعم الخلف». ورشفنا رحيق المودة من ثغر طرسها وأفواه ميماتها تتبسّم. وظهر النسب الأيوبي على تلك الهمم العالية فقلنا: [من الطويل]
إذا كان مدح فالنسيب المقدّم
ورأينا حمائم همزاتها على غصون تلك الألفات تغرد بسجعها، وجداول طروسها تصفّق بأمواج السطور. وقد طفح السرور على عيون المحابر فنقطت (10) بدمعها،
__________
(1) أدام العلمي: قا: أعز الله تعالى أنصار المقر العلمي.
(2) سهر: ق، تو، ها، قا: شهر.
(3) نسيم: تو: رواحها.
(4) أنه: ق: لأنه.
(5) الطير: ساقط من ق، تو، ها.
(6) مميز: تو: يتميز ها: متميز.
(7) الجناب: قا: المقر.
(8) روت الأوآم: ق: ردت الأنام.
(9) ذخائر الملوك: طب: ذخائر نضارة الملوك.
(10) فنقطت: ق: فنطقت قا: فنطفت.(1/285)
وأعربت لنا ضمائر مشافهاتها عن فوائد فهمناها، وخالفنا النحاة في وصف هذه الضمائر فأطنبنا في مدحها ووصفناها، ونشقنا عرفها قبل فضّ ختامها فضاع من غير اشتراك، ورأينا من جواهرها (1) كل واسطة حسنة لم ترض بغير تلك السطور أسلاك، ولمحنا صرح طرسها الممرّد ووجوه محاسنه بلقيسيه، ومعاني شمائله اللطيفة بديعة وهي في سموّها ملكيه. فقطعنا أن مملكة هذه البلاغة لا تكون غير سليمانيه، وطربنا لهذا الاتحاد الذي لو رآه الفاضل لاستمر على قوله: «فدعني أدع يتيم قلمي، وأخيّط هذا الجرح الذي هو فمي، لئلا أتكلم فيسيل دمي». ونزيد كريم علمه بعد بلاغة الفاضل أن ملكنا الشريف صار قبلة ملوك الأرض وقد صلّت الأمم خلف جماعته، وبساط طاعتنا ملأ الخافقين وسليمان ممّن داس بساط طاعته، وعدلنا قد أنبت عشب الأمن حتى في صمّ الأحجار، والعدل يفعل ما لا تفعل الأمطار. وقد آثرنا الجناب (2) بهذه المنح التي هي أحق من رتع (3) في حلل مسرّاتنا، واستجلاء في ليل السطور من بياض الطروس قمراتها.
وقد أعدنا قاصده بما فيه حسن الأدب وما أودعناه من المحاسن على كل وجه جميل، وحمّلناه من المشافهات ما يقابلها شفاه المحبة بالتقبيل. والله تعالى يزيد حصنه تحصينا بالسماء ذات البروج، ويزيده من العناية المؤيدية حصنا يسمو به وتصير له الأهلّة من بعض السروج. بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى (4)
(61)
توقيع للفخري عبد الغني ابن أبي الفرج استاددار العالية بنظر وقف السادة الأشراف بمصر المحروسة (25ربيع الأول 821هـ):
ومما أنشأته (5) توقيع المقر الأشرف الفخري ابن أبي الفرج (6) بنظر وقف السادة
__________
(1) جواهرها: تو، طب، ها، قا: جواهر.
(2) الجناب: قا: المقر.
(3) رتع: ق: رفع.
(4) سقط الاستثناء من طا، طب، ق.
(5) ومما أنشأته.: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها: ومن إنشائه رحمه الله قا: ومن إنشائه.
(6) إليه راجع ص 187أعلاه، حاشية 6.(1/286)
الأشراف بمصر المحروسة (1) وهو إذ ذاك أستاد دار العالية بها (2) بتاريخ خامس عشرين ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثمانمائة:
الحمد لله الغني الذي أغنى أوقاف السادة الأشراف بعبده، وجعل إضافة اسمه الكريم تجرّ الخيرات إلى منتهى الغاية في قصده، وخصّه برسالة السيف والقلم فما برحت سواجعها تغرّد على أفنان سعده. وإن جرد ماضيا قطعنا أنه سيف الدولة والأخبار على إقامة الحدود متفقه، أو كتب تميّز على الفاضل وما خرس له لسان قلم ولا شابت لمّة دواة (3) ولا ضاق صدر ورقه. نحمده على هذه الخصائص التي ميّز بها من شاء من عباده ورقّاه إلى أعلى الدرج، ونشكره شكرا يعلو فخره ونظهر به نتائج (4) الفرج. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من كان بها عاملا وزاده الله نظرا، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي نظر في هذه الأمة بنور الله، وهذا هو النور الذي أعجز وصفه فرقان الشعراء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة تكتب لنا في ديوان الرحمة خطا، وتصير بركتها جزاء لمن أيد أوقاف المسلمين شرطا، وسلّم.
أما بعد، فقد اتصل بمسامعنا الشريفه، * أن أوقاف السادة الأشراف صار في جريانها على مقتضى شروط الواقف * (5) وقفه، وقد حصل في غالبها بدل، والمتكلّم ما أحسن على هذا البدل عطفه، وصار بين كل وقف منها وبين موصوفه (6) مباينه، إلى أن حرّكت الضرورة للنقلة ساكنه. وهذا نحو (7) غيّر لحن الطمع قواعده، ولم يعد على موصول وقف صلة ولا عائدة. وفضل آل البيت النبوي وحقهم الواجب قد ورد في السنّة والكتاب، وكان لهم ناظر يعمل بغير ذلك، فأذهب الله نظره ونقله إلى دار الحساب:
[من البسيط]
__________
(1) «السلوك» للمقريزي ج 4ص 44.
(2) نفس المصدر ج 4ص 355.
(3) دواة: ها: دواته.
(4) نتائج: تو: تباريح ها: بتاريح.
(5) ما بين النجمتين ساقط من ق الواقف: تو: الواقفين.
(6) موصوفه: قا: موقوفه.
(7) نحو: طب: لحن.(1/287)
ماذا نقول إذا قال النبيّ لنا: ... أضعتم حقّ أهلي مع وفا ذممي
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم ... أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
وقد وجب أن نجعل لهذا البيت الشريف نظما تسير به الركبان، ونتحمّس في نظمه فنقلّد (1) سيفنا المؤيدي (2) من نختاره لنصرته من فرسان هذا الميدان، ليجري فيه أمر كل واقف على ما قرره في شرطه، ونزيل ما دخل في إعرابه من اللحن بحسن ضبطه، ويشترك (3) السيف والقلم في الصدق ونلغي أفعل (4) التفضيل، ويزول زحاف الباطل من بيوت هذه الأوقاف ويتميز ببديع التتميم والتكميل، ويصير لسواقيها المطربة بالغيطان المصرية بعد الفقر غنى، وتظهر ثمرات العدل بالأدواح الشامية ويقابل المبطل على ما جنى.
ولما كان المقر العالي الأميري الكبيري المدبري (5) المشيري الفخري ممن قلدناه أمور الخوارج من العرب فكان عذيقها المرجّب. وغنت سيوفه على أعوادهم في الصعيد فأنستهم الرباب وزينب (6). إلى أن تيمّموا بصعيد تربه ورأوه صعيدا طيبا فأخلصوا الطاعه، وانتظموا له في صف (7) المخلصين وصلّوا طائعين مع الجماعه، * وفوّضنا إليه أمر الحضر (8) فكان أبا فقرائهم وأخا أغنيائهم * (9) ومشارك علمائهم ومنقح شعرائهم، وكلفناه أمر الوزارة فشد أزرها ورفع له في ابتدائه بها خبر، وكم ذكر لها غيره فقلنا عند ذكره: {كَلََّا لََا وَزَرَ} (10)، واستشرناه وكان سعيد رأيه مقبلا بصوابه وخاطرنا الشريف مسرور، واختبرناه في التدبير فملكنا زمام الحجر المكرّم ولم نلتفت مع حسن تدبيره إلى معرفة الشذور، وحكمناه في
__________
(1) فنقلد: ها: فتقيد.
(2) سيفنا المؤيدي: طب: سيفنا المختار المؤيدي.
(3) ويشترك: ق: ويشير إلى.
(4) ونلغي أفعل (كذا في طا): تو، ها: ويلغا أفعل ق: ويلغى أفعل قا، طب: يلغى أفضل.
(5) المدبري: ها: المؤيدي.
(6) زينب: طا، ق: زينت.
(7) وانتظموا له في صف: تو، ها، قا: وانتظموا في وصف.
(8) الحضر: تو: الحصّر.
(9) ما بين النجمتين ساقط من قا.
(10) سورة القيامة 75/ 11.(1/288)
الرمل فولّد الأفراح في نظام تختنا الشريف، وأضفنا إليه دوائر البحر فكان نعم الخليل في تقطيع أعدائنا وبسيط أمرهم الطويل عليه خفيف، وخضعوا له مذعنين لما رأوا سيفه طوقا في كل نحر، وحميت كل سفينة كانت لمساكين يعملون في البحر، وسارت (1) الرواة بنقل حديثه وصحيح خبره، واعترف الزمان أنه عينه لما تحقق حسن نظره،. اقتضت آراؤنا الشريفة بجرد سيف عزمه القاطع للقيام في مصالح السادة الأشراف، فإنه إذا كرّر نظره الكريم في أوقافهم حصل الإجماع على إقامة شعائرهم وارتفع الخلاف.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي لا زالت رتب الفخر في أيامه الشريفة عالية، ولا برح الناظر الحسن في هذه الأيام قريرا وعلى عينه من ملاحظته الشريفة واقيه
أن يفوّض للمشار إليه وظيفة النظر على أوقاف السادة الأشراف بالديار المصرية بحكم وفاة من كان بها، على قاعدة المرحوم جمال الدين الأستاذدار كان على أجمل العوائد، علما بأنّ بيانها (2) المقفر يعود بحسن نظره روضا أنفا، ويحصل لعليلها الشفاء ويظهر بذلك تعريف حقوق المصطفى، فإنه واحد العصر ولم يختلف في ذلك اثنان. وإذا جمع بين غضب سيفه ورضى قلمه لم يقل له: «عمرك الله كيف يجتمعان؟»، وجلّ قصدنا الشريف أن يجري في صحائفنا الشريفة خدمة آل البيت، ونرى ذلك وهو في رقاع الصحف محقّق. وإن كان الذي قبله أشرف بالأمس يقابل على إشرافه وفي غد يقلّب كفّيه على ما أنفق. وإذا ظهر لآل البيت موسم الإقبال وقد أهدى إليهم طرفه وتحفه، ورأوا وفود النجاح قد وصلت وهي بعرف اللقاء بعد التنكير معرّفه، يعملون بقبول القائل: فلا عذر لقاطن مكة أن يغيب عن عرفه». فإذا علموا أن اجتهادنا الشريف في مصالحهم اجتهاد مصيب، وشاهدوا ما هدمه حبيبهم من منازل أوقافهم عامرا ألا يبكوا من ذكرى منزل وحبيب، وقد اخترنا لهذه الأمر من وقع عليه شريف الاختيار، ورجونا (3) التأييد في إسعاف آل البيت بالمختار.
__________
(1) سارت: ها: صارت.
(2) بيانها (كذا في طا): قا: نباتها ق: ببابها طب: مثل ما في طا، ق، قا إنما مهملا تو: بنيانها.
(3) رجونا: طب: رأينا.(1/289)
فليباشر ما فوّضنا إليه نظره علما أنه بحمد الله من أهل النظر، وقد عاينّا نجابته التي سار خبرها، «وما العيان مثل الخبر» (1) والوصايا كثيرة ولكن نسمات قبولها ما برحت مشغوفة بقربه. وإذا انتظمت هذه الوظيفة في سلكه استغنت بعقد عبد الغني عن عقد ابن عبد ربه. فقد أرّخ له في تأريخنا المؤيدي أوصاف كالغرر في حياة الأيام. * ولو أدركه الذهبي لجعله طرازا لدول الإسلام، والله تعالى يزيد في أيامنا الشريفة به فخرا وتأييدا * (2)، ولا برح متفقها في مصالحنا ومدرّسا ومعيدا (3)، وكما أسعد براعة ابتدائه وأحسن تخلّصه بجعل ختامه إن شاء الله سعيدا.
بمنه وكرمه (4)، إن شاء الله تعالى (5)
(62)
بشارة بولادة سيدي موسى ابن الملك المؤيد شيخ المحمودي (13جمادى الأولى 821هـ):
ومنه ما كتبت به (6) بشارة بوضع المقر الكريم العالي الشرفي سيدي موسى (7)، ولد المقر الشريف تغمده الله تعالى برحمته (8) وأنشأته (9) ارتجالا من رأس القلم حسب المرسوم الشريف بالمواقف الشريفة بتاريخ ثالث عشر شهر جمادى الأولى عام إحدى وعشرين وثماني مائة:
أعزّ الله تعالى أنصار المقر الكريم ولا زالت مسرات بشائرنا تسر في كل وقت خاطره، وتشنّف سمعه بظهور أقمار الملك في أفقنا الشريف زاهره.
__________
(1) مجمع الأمثال للميداني 2/ 172 «ليس الخبر كالمعاينة».
(2) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(3) معيدا: ق: مفيدا.
(4) بمنه وكرمه: ساقط من تو، ها.
(5) سقط الاستثناء من ق، تو، ها، قا.
(6) ومنه ما كتبت به: طا، ق: ومن إنشائه أسبغ الله تعالى ظلاله وفسح في أجله ما كتب به قا: ومن إنشائه أسبغ الله تعالى ظلاله ما كتب به طب: ومن إنشائه ما كتب به ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته.
(7) «الضوء اللامع» للسخاوي ج 10ص 182رقم الترجمة 773.
(8) تغمده الله تعالى برحمته: طا، طب، ق: خلد الله ملكه.
(9) وأنشأته: طا طب، ق: أنشأها متع الله بوجوده ها، قا: وأنشأه.(1/290)
وتبدي لعلمه الكريم أن الله وله الحمد لما أيّد بنا العصابة المحمدية أمدّنا بسرّ إبراهيم وموسى، ومدّ ظلال أدواحنا المؤيدية وأزكى لنا بها عروسا. وأرانا ثمرة هذا الغراس الشريف وقد تفكه بها الزمان لما رآه غراسا نفيسا. وكان جهل الحسّاد قد تفرعن بمصر فأغرقه الله في البحر بظهور الطلعة * الموسويه، وشمّوا من يده البيضاء روائح العصا ففترت عزائم السحرة منهم وعلموا أنها عناية إلهيّة. وعلا طور مصر لما بشر من موسى بقرب مناجاته، ووجدت على نوره الموسوي * (1) هدى فعلمت أنها ما برحت معمورة ببركة هذا الاسم وظهور معجزاته. حملت به أمه وأبرزته كشمس الحمل بهجة ونورا، وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ولكن ملأ الدنيا سرورا، وصدق قول الفاضل فيما ابتكره من المعنى في الأيام الصلاحية فإنه تراآ (2)، ومرآة السماء صقيلة فأثر فيها وجهه طلعة قمريه، وقال الناس «وقد بهر (3) بجماله الباهر»: سبحان من أودع موسى هذه المحاسن اليوسفيه.
فأفقنا المؤيدي صار بحمد الله مقمرا ببدرين، ومذهبنا الحنفي أمسى بما أفاض الله بهما من الهداية مجمع البحرين. وجاء النيل مخلّقا بوجامه وجرى فسبق جاري العاده، فعلمنا أنها طلعة ميمونة وأنها سنة من الخيرات كثيرة الزيادة. وعلت قبّة النصر (4) فقلنا: «إنها ما تسامت إلا لظهور هذا البدر»، * واتسع صدرها وانشرح (5) خاطر الدهر فأمسى كل منهما منشرح الصدر * (6)، وإذا كان ثغر الطلع بالديار المصرية قد افتر عن مباسمه وتبسم، * وتعين أن البلاد الشامية تحرك أعواد (7) أدواحها لتأتي نسمات القبول إلى طيب هذه الأخبار وتتنسم * (8)، وتجول هذه المسرات من دمشق المحروسة في الميدان على الشقراء، وتحمحم الشهباء فينشر قلب المحمّدية بحماة ويجري عاصيها طائعا فيسبق داحسا والغبراء. وقد آثرنا المقر الكريم بذلك علما أن هذه البشرى من أعظم المسرات التي تشنّف بها سمعه الكريم، فيأخذ حظّه منها ويعلن البشائر وينقلها بألسن أقلامه إلى
__________
(1) الموسوي: طا: الموسي ما بين النجمتين ساقط من طب.
(2) تراآ: ق، تو، ها، قا: ترااى طا: ترآء.
(3) بهر: طب: برز.
(4) النصر: ق، قا: القصر.
(5) انشرح: طب: انسرّ.
(6) ما بين النجمتين ساقط من ق.
(7) أعواد: ها: أدواح.
(8) ما بين النجمتين ساقط من طب.(1/291)
سائر الأقاليم. ويعلمه أن الله لما زاد عقد ملكنا الشريف جوهرة وخضعت لها جواهر التيجان، أردنا أن يشنّف الأسماع بلؤلؤ هذه البشارة مرجان. والله تعالى يديم له طوالع بشائرنا الشريفة ويصير بها في أسعد طالع وأقوم تقويم، ويحلّى له في كل وقت مكرّرها ليصير مزاجها إن شاء الله (1) من تسنيم. * بمنه وكرمه * (2).
(63)
جواب على البشارة السابقة عن نائب ثغر الأسكندرية (أواخر رجب 821هـ):
ومما أنشأته وأنا (3) في ثغر الإسكندرية المحروس في مهمّ شريف، وقد وردت على نائب الثغر المحروس بشارة شريفة بمولد سيدي محمد ولد المقام الشريف في أواخر شهر رجب سنة إحدى وعشرين وثماني مائة، وسألني (4) النائب المشار إليه في الجواب عن ذلك فكتبت (5):
يقبل الأرض وينهي ورود البشرى التي عمّت بركاتها المحمدية، وأنارت آفاق الممالك بظهور الأقمار المؤيدية، وتحقق العصاة لما ظهر سرّها المحمدي أنهم كانوا من الجاهليه، وأمسى لها في فم الثغر بل وفي فم الدهر ابتسام، وأشرق نورها بالبلاد الإسلاميه، فقال (6) الناس: «على سيدنا محمد السلام» فأكرم به مولدا قرى (7) وأفراح المسلمين به تتولد، وما شك مسلم أن الأفراح مولدة بمولد محمد، وأكرم بها صحيفة محمدية أمسى بها كل قلب مأنوسا، وتلت مسرتها ما تقدّمها (8) من {الصُّحُفِ الْأُولى ََ}
__________
(1) الله: ق، قا: الله تعالى.
(2) ما بين النجمتين ساقط من طا، طب، قا.
(3) ومما أنشأته وأنا:. طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في مدته وهو ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى وهو قا: ومن إنشائه وهو.
(4) سألني: بقية النسخ: سأله.
(5) فكتبت: طا، طب، ق: فكتاب أعزه الله تعالى ها: فكتاب تغمده الله برحمته قا: فكتاب.
(6) فقال: ق: فقالوا.
(7) كذا في الأصول.
(8) ما تقدمها: قا: مع ما تقدمها.(1/292)
{صُحُفِ إِبْرََاهِيمَ وَمُوسى ََ} (1) طلع بالأفق الشريف فتطفّل سعد السعود على سعادته، وجاءت بشارته موسما في رجب، فتحلت ثغور الإسلام بحلاوته. وأبدر بالنور المحمدي في أفقه العالي، ومن بديع المناسبات كنية البدر بأبي المعالي، وتقدمه قمران أغنت بشارتهما عن طيب المثاني والمثالث، فعززهما الله في الأيام المؤيدية بثالث. وقد متّع الله المقام الشريف في مصر بمحمد وطلعته المنيفه، وفي غد يتمتع إن شاء الله بمحمد في المدينة الشريفه، ويسمع شدو (2) كل حاد وقد ترنم بهذا الاسم الشريف في الحجاز، فإن الإسكندرية قد لبست تشريفها بذلك ودار الطراز وأعلن المملوك البشائر فصفّق البحر فرحا بكفوف أمواجه. ومد الخليج حلاوته بعد ما حرّكها بلطف مزاجه، والمملوك يقسم بمحمد أنه رتع من هذه البشارة في حلل الهنا: [من الكامل]
وتقاسم الناس المسرّة بينهم ... قسما فكان أجلّهم قسما أنا
فالحمد لله على تواتر هذه التهاني التي اتهم بها كل حاد وأنجد، وعمّت بركتها بإبراهيم وموسى ومحمد، والله تعالى يوصل حديث التهاني المؤيدية ليتسلسل سير الرواة بمسنده، ولا برحت الخواطر الشريفة مسرورة بمحمد وحديثه ومولده.
إن شاء الله تعالى.
(64)
مكاتبة واردة من الملك العادل العلمي سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا على الأبواب الشريفة (في 9شعبان 821هـ):
ولما كان في تاسع شعبان المكرم سنة إحدى وعشرين وثماني مائة، ورد كتاب الجناب العالي الأميري العلمي سليمان الأيوبي، صاحب حصن كيفا على الأبواب الشريفة وهو:
__________
(1) سورة الأعلى 87/ 19.
(2) شدو: تو، قا: شذو.(1/293)
بسم الله الرّحمن الرحيم يقبل الأرض أمام المواقف الشريفة، العالية، العالمية، العادلية، المظفرية، المنصورية، المجاهدية، المرابطية، المثاغرية، المولوية، المخدومية، السلطانية، الأعظمية، الملكية، المؤيدية، أعاذ الله شمس جلال قدرها من التكوير، ونزّه موارد ملك مصرها عن الشوب والتكدير، وأجرى أوامرها الشريفة في الآفاق لا كجري النيل بل كجري صروف المقادير. وجعل آمال الملوك العظام وصناديد الكرام موقوفة على أبواب جودها الغزير، والنصر والتأييد معقودين بألويتها المنصورة حيث مواكبها المؤيدية لقمع الأضداد تسير. وصيّر أعادي دولتها بالغزاة المؤيدية بميامن الملة المحمدية مقهورة بحدّي سنانها وحسامها ما دار الفلك المستدير، ولا زالت أوامرها المطاعة في الأقطار جاريه، وسحائب إنعامها وإحسانها على كافة الأنام هاطلة هاميه، وطلى أعداء ممالك مصرها وشامها وسائر ممالكها بقرضاب عزائمها دائمة داميه، ودولتها الشريفة المؤيدية ما دامت السماء (1)
والأرض بالإقبال باقيه.
وينهي أقلّ المماليك وأصغر العبيد، الذي لم يتبع (2) ناصح مثله بالطارف والتليد، بعد عرض أداء عبوديته التي بعد فرائض الله تعالى يؤدّيها، وقيامه بوظائف شكر نعمه المولوية المؤيدية التي هو بعد حمد الله تعالى لم يزل رطب اللسان فيها، إنه جار على رسم عادته في العبودية والولاء، الخاليين من الرعونة والرّياء، آخذ بمجامع الوفاء الموروث من الأجداد والآباء، حالتي السرّاء والضرّاء في إبداء النصائح لتلك * الدولة المؤيدية القاهره، وإظهار النصائح لتيك * (3) السعادة السرمدية الزاهره، خلدهما الله تعالى خلود السماء والأرض، وأدامهما إلى يوم النشور والعرض. وكيف لا يكون ذلك؟ إذ جلّ قلبه وقلوب الملوك الكرام في الممالك على طاعة الدولة المؤيدية وودّها، وانطلق لسانه وألسنة كافة الأنام في المناهج والمسالك بثناء منحتها وبسموحاتها الشريفة وعاطفتها وحمدها.
فلم يزل أقلّ المماليك رافعا يده إلى الله تعالى بالدعوات في أعقاب الصلوات لدوام دولته المؤيديه، وثبات مملكتها السرمدية. حيث طالما أسدت وأنعمت عليه، وتفضّلت
__________
(1) السماء: طب، ها: السموات.
(2) يتبع: كذا في طا مهمل في طب، ها تو: يتبع قا: يبع ق: يتع.
(3) لتيك: ها: لنقل ما بين النجمتين ساقط من طب، ق.(1/294)
وتكرّمت إليه، وسمحت ومنحت بصنوف التفضلات العميمه، والتطولات الجسيمه، وأنواع الإنعام والإحسان، والتفقد والامتنان، وطالبا من ألطاف الله الخفية أن يجعل عساكره المؤيدية منصورة بالرعب، ووقائعها ناطقة بألسنة الأسنّة بين العجم والترك والعرب. وأن يفتح لها البلاد المنغلقة، وييسّر لها الآراء الموفّقه، وينشر ألويتها المنصورة ولا تطوى إلى أن ينطوي الأعداء. ورفع أعلامها المظفرة فلا توضع إلى أن يوضع الاعتداء، وأن يشكر في جميع الأمور سعيها، ويمضي أمرها ونهيها، ويسدّد بسداد آرائها الشريفة خلال القصد ووهيها، إنه ولي التوفيق، وببلوغ المأرب حقيق.
وكان الواجب من حكم العبودية * والنصاحة (1) والخدمة الأكيدة والمخالصة السديدة لتلك الدولة المؤيدية * (2)، أن يسعى أقل المماليك إلى الأبواب الشريفة سعي الأقلام على الروس، ويشافه من دعائه وثنائه وشكره ما يعجز عن استيعابه صفحات الطروس، ولكن أقعده الزمان بنوائبه عن النهوض، لتأدية المفروض. فجهّز الأجل الأعز الأسعد الأوحد الأمير سيف الدين بخشايش أمير آخور إلى عبودية تلك الأبواب الشريفة ليكون نائب مناب أقل المماليك في تعريف مجاري الأحوال والأخبار، الواقعة في هذه الأطراف والأمصار
والمسؤول من التفضلات العميمة جبر قلب أقل المماليك بالإصغاء الشريف بما ينهيه المذكور عند المثول، لعل يقع في محل القبول، ثم التشرف بما سيلوح من الأوامر الشريفه، ويسنح من المراسيم المنيفه نفّذهما الله تعالى ليبذل أقل المماليك في امتثالها كنه اجتهاده، ويظهر في الجري على مقتضائهما خلوص اعتقاده، والآراء الشريفة لا زالت مسرّفة (3) مزيد العلو (4) في ذلك، والله تعالى يؤيد (5) تلك الدولة المؤيدية بالملائك.
إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه.
__________
(1) النصاحة: ها: المناصحة.
(2) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(3) مسرفة: ق، قا: مشرفة ها: مشرقة.
(4) مزيد العلو: ق، قا: من يد العلو.
(5) يؤيد: ها: يؤيد.(1/295)
(65)
جواب على المكاتبة السابقة (منتصف رمضان:
فكتبت (1) الجواب عن ذلك (2)، في منتصف شهر رمضان المعظم قدره سنة إحدى وعشرين وثمان مائة (3)، وهو:
أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي (4) إلى آخره، ولا زالت تحاياه العلمية تتحمل عرف المودّة من خيرة العلم، ونرى بروق طروسها بين سطورها لامعة نلتفت إلى نار ليلى إذا بدت ليلا بذي سلم، ونتنسّم الأخبار السليمانية من شذا ريحها فنجدها من طيب تلك النفحات في شمم، وتتنقّح حاسّة الشمّ بذكائها الزائد فنعلم أن الذكاء الأيوبي معروف، ونتأمل كتابه وقد قمّصه الليل والنهار جلبابا من عيون أمسى بها (5) كل بليغ مطروف. وأما بلاغتها فقد قال الفاضل عن السلف الأيوبي أنهم لو ملكوا الدهر لامتطوا لياليه أداهم، وقلّدوا بيض أيامه صوارم، والبلاغة العلمية قد تفرّست في ملك بلاغتها على أداهم السطور، وسلّت من تحمّسها سيوف ألفاظ أمسى بها سيف كل طرس مسطور.
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب تحمّل الريح السليمانية بساط عتب يكاد أن لا يطوى، ويكاد أن يجعل في قافية الإخلاص لضعف اليقظة إقوا.
وتبدي لكريم علمه أن موجب ذلك وصول قرا يوسف إلى أطراف البلاد على حين غفلة من أهلها، وغفلة الجناب قد أتى عليها (6) حين، وقلنا: «إن الريح السليمانية تسبق بأخباره» فوجدناها قد اعتلّت ولم يعرف لها من ندا الأسحار في مسراها جبين. ولو شمرت في هذا المهم ذيلها وهبّت مثل النسيم إذا سرى، وأيقظت مقل سيوفنا التي قرّت (7) في أجفانها علم الجناب من سرعة ركابنا ودم الأعداء ما جرى، فإنها حركة كان
__________
(1) فكتبت: طا، قا: فكتب طب: فكتب المقر المشار إليه.
(2) عن ذلك: طا: عن ذلك أمتع الله ببقائه: ها: عن ذلك رحمه الله تعالى.
(3) سنة إحدى وعشرين وثمان مائة: قا: السنة المذكورة.
(4) أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي: قا: أعز الله أنصار المقر العلمي.
(5) بها: طب، ها: طرف ساقط من تو.
(6) عليها: تو: عليه.
(7) التي قرت: ها: حتى قررت.(1/296)
يجب أن يتحرك لها كل ساكن، ونحن نستثقل (1) أن نستدرك فيها على الجناب (2) ونقول أنه مشهور باليقظة ولكن. فالجناب (3) يستدرك هذا الفارط بما علم منه من حسن اليقظة، ويعيد الماضي من حسن حافظته لمعضل الأمور والله يتولى حفظه، ويسنّ ماضي عزمه لزوال هذا المكروه، بحيث إذا حلّ ركابنا الشريف بالقرب منه يعرب عن ملاقاتنا وينحوه (4)، ويسير صحبتنا فقد استخرنا الله تعالى (5) في المسير إلى توريز ليرى (6) أهل الشرق غرب كل سيف سلّ من قبلتنا (7) لإقامة الحدود، ويشاهدوا وجنات دجلة وقد تورّدت بدم الأعداء فتعاف أنفسهم الورود، ويروا من علماء الحرب لنا طلبة ما منهم إلا من ودّ كلّ محراب أن يكون له إمام. وقد فضل على أقرانه في بحث (8) كل واقعة، وكيف لا وقد أخذ هذا العلم من شيخ شيوخ الإسلام، وقد أثرنا الجناب (9) بإجازة هذه الرواية عنّا. فليتمسك بصحتها ويحرك عيدانه (10) الأيوبية ليسير في هذه النوبة صحبتنا إلى ذلك المغنى، والله تعالى يزيد حصنه تحصينا بذات البروج من الطارق، ويعلي درجته إلى يوم الساعة ويبصره في كل وقت بغوامض الدقائق.
* إن شاء الله تعالى * (11)
__________
(1) نستثقل: تو: نستتفل ق: نستقل.
(2) الجناب: قا: المقر.
(3) الجناب: قا: المقر.
(4) وينحوه: ها: وينجوه.
(5) تعالى: طب، تو، ها، قا: سبحانه وتعالى.
(6) ليرى: طب، ها: ليروا.
(7) قبلتنا: طب: قبلتنا المحمدية.
(8) بحث: ها: بخب
(9) الجناب: قا: المقر.
(10) عيدانه: تو: عيدانها.
(11) سقط الاستثناء من تو، ق.(1/297)
(66)
توقيع ليحيى ابن العطار بتوقيع الدرج الشريف (4ذي القعدة 821هـ):
ومما أنشأته (1) توقيع سيدي يحيى ابن العطّار (2) بتوقيع الدرج الشريف في رابع ذي القعدة الحرام (3) سنة إحدى وعشرين وثماني مائة:
الحمد لله الذي يحيى من أدار سلاف ذكره وأنشا، ووقع ترسّل صفاته فاستغنى بضياء حسّه عن صبح الأعشى. وأرانا زهر منثور لو أدركه زهير ودّ أن يكون له بحدائقه ممشا. نحمده حمدا يحلو في سطور الطروس توقيعه، ويطرب على فنن الأوراق تسجيعه، ويهتزّ عود اليراع إذا ظهر فيه ترجيعه. ونشكره شكرا تنتظم بلاغته في توقيع كل درج، وتمزج به أراضي الطروس فتصير ألسن الأقلام في هرج ومرج. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يحيى قائلها بإخلاصه، وما تبرّك بها منشئ إلا تأنست أرآم المعاني النافرة بلطف (4) اقتناصه.
ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ما ذكرت بلاغة نظم ونثر إلا كانا من بيته وحديثه، ولا دار كأس فصاحة تقادم عصرها إلا نسب لقديم (5) هذا البيت وحديثه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين أعجزوا فصحاء العرب بمعجزات ترسّله، ولا نظم لأعدائه بيت إلا نثروه بعد ما سجّع صليل سيوفهم في مجمله ومفصّله، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فديوان الإنشاء الشريف كانت ألسن أقلامه قد اعتراها الخرس، ولم يتردّد في صدور طروسها من أفواه محابرها نفس، وانتثرت أوراق المنثور بعد ذبول زهره، وقرع بإصبعه سن الندم بعد ما ودّت النثرة أن تنتظم في سلك نثره. وضاعت رائحته من غير تورية فلم يشمها كاتب، وتبلّد عرفه وكان من الذكاء على جانب، واشتعل رأس
__________
(1) ومما أنشأته: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها: ومن أنشائه غفر الله عنه قا: ومن إنشائه.
(2) وهو شرف الدين يحبى بن أحمد بن عمر بن يوسف بن عبد الرحمن التنوخي الحموي الكركي الشافعي المعروف بابن العطار («الضوء اللامع» للسخاوي ج 10ص 221217رقم الترجمة 944)
. 2625، 395،،
(3) الحرام: ساقط من طا، طب، ق.
(4) بلطف: قا: بحسن.
(5) لقديم: ها: لتقديم.(1/298)
يراعه بالمشيب لطول المدد، ودفن في قبور الأدوية (1) بإرادة البارئ وهو عاري الجسد.
وقطعته رسالة السيف وكذّبت رسالته المصدّقه، ولم يظهر في دوحة الإنشاء لأغصان أقلامه ثمرة على ورقه. ونقض (2) ما اختاره ابن نباتة من فاضل الفاضل، واختفت محاسن ابن عبد الظاهر فلا قلم إلا ودمع مداده على تلك المحاسن سائل، وشكا فصل الخطاب من عدم الوصل. وتنكر التعريف كأن لم يكن لفروعه أصل، ولم يظهر للتثقيف في خطي القلم صعدة، ومنع من كحل المداد الأسود فظهر البياض على عينه المسوّدة، وفقدت تلك العين من تشاعيرها هدب الأجفان، ولازمها القرح إلى أن صارت مقلتها السحارة بغير إنسان، وفرق بين قسيّ دالاتها وسهام ألفاتها مدّه، ومنعا من الغرض فلم تمتدّ إليهما يد صائبة بمدّه.
وكان الفتح ليس له طاقة على بيوت الإنشاء فسد هذا الباب، وبخل بقرب أهله لهذه العلّة فأبعد كل كريم من الكتّاب. إلى أن ظهرت أيامنا الشريفة المؤيديه، وبرزت فرسان البلاغة في الأيام البارزيه، وقالت قهوة الإنشاء: «دار لي (3) الدور، وصعدت أقلامي إلى نجد الطروس بعد ما كانت من بطون الأودية في غور».
وكان المجلس السامي الشرفي يحيى ابن العطار أدام الله تعالى رفعته ممن زاحم فرسان هذه الحلبة بالمناكب، وهزّ مثقّف قلمه فأغنى بتحمس إنشائه عن الكتائب، وبرز بين الأقيال البارزية وبرّز، وحوى قصبات السبق بأقلامه وأحرز.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زال ديوان الإنشاء الشريف يحرس في أيامه الشريفة بمحمد ويحيى، وسطور البلاغة تستظلّ (4) في هذه الأيام الزاهرة من أوراق البلغاء باقيا (5).
أن يستقرّ المشار إليه في وظيفة كتابة الدرج الشريف بأبوابنا الشريفة، فإنه المنشئ الذي إذا قال فهو حذام (6) البلاغة وجهينة أخبارها، وإذا رقم طرسا أخجل حدائق
__________
(1) قبور الأدوية: طب: قبور الأودية ها: بطون الأودية.
(2) نقض: ق، تو، ها، قا: نقص.
(3) دار لي: ق، قا: دار إلي.
(4) تستظل: ق: تستطيل.
(5) باقيا: طب: ما فيّا ها: ما فيها.
(6) حذام: تو، ها: حدام ق: خدام.(1/299)
الأزهار على جداول أنهارها، وإذا وقّع على رقعة فهو في توقيعات الرقاع محقّق، وإذا أخذ الكتاب بقوة فيحيى في ترسّله مصدّق.
فليباشر ذلك على ما تقرر من أدواته التي تطفّلت البدور على كمالها، وأثلجت صدور البلغاء من ينابيع أقلامه برشف زلالها. والوصايا كثيرة، ولكن كمال يحيى له في كل مجموع تذكره، وفي عين كل تاريخ تبصره. والله تعالى يجعل غصنه الناجب في دوحة إقبالنا مثمرا، ولا برح وجهه الميمون في آفاق ملكنا الشريف مقمرا.
بمنه وكرمه (1)، إن شاء الله تعالى (2).
(67)
تقليد محمد ابن البارزي بنظر أوقاف السادة الأشراف بالديار المصرية والبلاد الشامية (5شوال 821هـ):
ومنه (3) تقليد المقر الأشرف العالي المخدومي الناصري محمد البارزي (4)
تغمده الله برحمته (5) بنظر أوقاف السادة الأشراف بالديار المصرية والبلاد الشامية في تاريخ خامس شهر شوال سنة إحدى وعشرين وثمان مائة (6):
الحمد لله الذي ردّ على الأشراف ما ضاع من حقوق الشرف بمحمد، وأعاد ما استلب من تشريفهم وكان العود بمحمد أحمد. * وأرانا حلل هذا التشريف مرقومة بعز لمولانا السلطان الملك المؤيد * (7). نحمده على شمول هذا البيت النبوي بالنظر المحمدي وإزالة الضرر. ونشكره على إطلاق أوقافهم من سجن الظلم وتفويضهم إلى أهل التمييز
__________
(1) بمنه وكرمه: ساقط من ق، تو، ها، قا.
(2) سقط الاستثناء من طا، ق.
(3) ومنه: طا، ق: ومن إنشائه فسح الله تعالى في أجله ها: ومن إنشائه تغمده الله تعالى برحمته طب، قا:
ومن إنشائه.
(4) راجع ص 5أعلاه، حاشية 2.
(5) تغمده الله برحمته: ساقط من طا، طب، ق، ها تكملة في طا، طب، ق: ناظر دواوين «الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية» أسبغ الله تعالى ظلاله.
(6) سنة وثمان مائة: قا: من السنة المذكورة.
(7) ما بين النجمتين ساقط من طا.(1/300)
والنظر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يقرّ بها الناظر، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ما برح نور علامة الشرف في آل بيته الشريف ظاهر، صلى الله عليه وعلى آله الخرقة (1) الطاهرة التي أذهب الله عنها الرّجس (2) وأظهر في حلل شرفها تطهيره، صلاة تزداد بها إن شاء الله تعالى نظرا وحسن بصيرة، وسلّم تسليما كثيرا.
أما بعد، فديوان إنشائنا الشريف صاحبه على طريق السلف نعم الوزير والمشير والصاحب، فإنه حجب عنّا النقص بحسن نظره حتى أبدر وجه (3) ملكنا وغازل بحسن العين والحاجب. فوّضنا إليه نظر الإنشاء فأرانا نقص الفاضل بكمال فضائله.
ولو أدركه ابن عبد الظاهر لقال: «هذا محيى الدين ومنشئ الخيرات بحسن رسائله»، ولو عاينه عين بني فضل الله لقال: «هذا الناظر ما وقعت على مثله مسالك الأبصار»، أو لحقه ابن فهد ما تنمّر في إنشائه وقال: «هذا محمود علي في مصر بحسن الآثار»، وترك الصابي (4) نسيم الصبا وبالغ في حسن التوسل، ليوضح له الطريق إلى صناعة الترسل، وإن سجع على الأوراق كادت الحمائم لطرب ذلك السجع أن تمزق الأطواق، أو رقم خدّ طرس بعذار سطر (5) هامت إلى تلك التشاعير جفون الأحداق، وإذا نظم عنا (6) عقد منثور كان فيه نعم الواسطه، وإذا زاحمه ذو رأي فغاية المزاحم أن يستدرك فارطه، وباشر الوظائف الدينية فعلمنا أن للدين في بيته شرف، ومشيخة الإسلام لها في دوحتهم أصل وهو في فرع هذا الأصل نعم الخلف. واتصل بمسامعنا الشريفة أن بيوت السادة الأشراف دخلها زحاف ظلم تقطعت بسببه الأكباد، ولكن لم يثبت له بحمد الله في أيامنا الشريفة أوتاد، وأردنا إزالة هذا الزحاف بمن يكون أشعر الناس بهذا النظام، ليظهر بديع عدلنا الشريف في نظم هذه الأبيات وتزول عنها عقادة الظلم بهذا الانسجام.
ولمّا كان الجناب الكريم العالي القاضوي الكبيري العالمي العلّامي الإمامي الناصري محمد بن البارزي الشافعي الجهني، ضاعف الله تعالى نعمته، هو أشعر أهل العصر بنظام
__________
(1) كذا في الأصول.
(2) الرجس: ها: النجس.
(3) أبدر وجه: ق: أيد روحه.
(4) الصابي: طا: النصابي، ق: التصابي، قا: النضابي، تو: التصايي.
(5) بعذار سطر: تو: بعد سطر.
(6) عنا: تو: عنّا.(1/301)
الملك وأصحاب الدواوين تحت رتبة ديوانه، اقتضت آراؤنا الشريفة نظره على البيت النبوي * ليقيم وزنه ويظهر شرفه بحسن بيانه.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت صحابة محمد في أيامه الشريفة مسلسلة الأخبار، وزاد الله به آل البيت النبوي * (1)
عزا يعلو على طرة الليل وجبين النهار،
أن يفوّض للمشار إليه وظيفة النظر على أوقاف السادة الأشراف بالديار المصرية والبلاد الشامية بحكم وفاة من كان بها قبله على أجمل العوائد وأتمها، وأكمل القواعد وأعمها، علما أنه عين الزمان بحسن نظره، ومن المبتدأ رفع وسارت الركبان بطيب خبره، فإنه الكفؤ الذي تأهل عصرنا لما صار من أهله، وودّ العصر المتقدم أن يرى هيف يراعه ويحظى بوصله. ولو عاش عبد الحميد كان باري أقلامه، أو سهل بن هارون ما دوّن غير كلامه. وإن كانت سيوف سلطانه ما برحت ألسنتها بدم الأعداء متلمظة، فمقل يراعاته السود ما زالت في تدبير ملكه متيقظة. ما خضب (2) بها شيب طرس إلا أراه رونق الشباب الذي أيقن أنه لا يحصل، * وقلنا له: «ثق بهذا الخضاب (3) ولك الأمان بأنه لا ينصل» * (4).
ولقد تطاولت على السحب والدليل على تطاولها ظاهر، فإن السحب تفضل بنثر القطر ويراعاته (5) تفضل بنثر الجواهر. وكانت الأخبار عن بلاغة الإنشاء قد قطعت وأتى عليها من الدهر حين، إلى أن شملها هذا الجهنيّ وسمعنا من بلاغته (6) الخبر اليقين. وإذا لاحظ السادة الأشراف بحسن نظره أزال عنهم إبهام (7) الظلم، وأمست الخناصر على شرفهم تعقد. وإذا أردنا وضع الأشياء في محلها فمن للبيت النبوي غير محمد؟
فليباشر ذلك على ما عهد من أدواته التي تجاوزت قدر الوصف والمدح، ومحاسنه التي ما برح لسواجع الإنشاء على أفنان مدائحها صدح، ويقظته التي جمع الله تعالى بها
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من ق.
(2) خضب: طب: خطب.
(3) الخضاب: طب، تو، قا: الخطاب.
(4) ما بين النجمتين ساقط من ق.
(5) يراعاته: ق، تو، ها: براعاته.
(6) بلاغته: ها: يراعته.
(7) ابهام: ها: اتهام.(1/302)
بين حسن البصيرة وحسن النظر، * وفضائله التي إذا هززنا لها جذع الثناء «فالتمر لا يهدى إلى هجر» * (1) والوصايا كثيرة ولكن سار في الأمثال العربية، «أن الحكيم إذا أرسل لسداد أمر لم يفتقر المرسل معه إلى وصيّة». لا زال المترنم ينشد عند ذكر معاليه ذي المعالي فليعلون من تعالى (2)، وزاد الله تاريخنا المؤيدي بمحاسن إنشائه جمالا، وبأبدار فضائله الزاهرة كمالا.
والاعتماد * على الخط الشريف أعلاه * (3)
(67 آ)
تقريظان على الجوهرة لبدر الدين محمود العيني ناظر دواوين الأحباس المبرورة:
ومما اتفق أن القاضي بدر الدين محمود العيني ناظر دواوين الأحباس المبرورة، نظم أرجوزة في سيرة مولانا السلطان المالك الملك المؤيد خلد الله ملكه (4) وسمّاها بالجوهرة وعدة بيوتها أربعة آلاف وثمانمائة بيت سوى ما استشهد به من شعر المتنبي وغيره، وأجازه على ذاك جائزة جزيلة. وثم بعد أيام وقع ذكرها بين يدي مولانا السلطان نصره الله تعالى (5) فأعاب نظمها من حضر المجلس من العلماء فأمر أيده الله تعالى أن تتعقب هذه الأرجوزة جماعة من العلماء الأدباء وأن يكتبوا (6) ما يجدونه من الخطأ ليقابله بحضرتهم أم عكس ذلك. فكتب شيخ الإسلام الشيخ الإمام العلامة القدوة (7) شهاب الدين بن حجر الشافعي أعزه الله تعالى كتابا ضمنه ما وجد (8)
من بيوت الأرجوزة خرابا، وما ادّعى فيه ناظمه أنه معمّر بالوزن وكان في الحقيقة يبابا.
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(2) فليعلون من تعالى: طب، تو، ها: فليعل من قد تعالى ق: فليقل من قد تعالى.
(3) ما بين النجمتين ساقط من طا وأسقط ناسخ نسخة قا الجملة بأكملها وكتب مكانها «إن شاء الله تعالى».
(4) خلد الله ملكه: قا: رحمه الله
(5) بين يدي الله تعالى: قا: بالحضرة الشريفة
(6) وأن يكتبوا: قا: ويكتبون
(7) شيخ الإسلام القدوة: قا: الشيخ الإمام العلامة القدوة ساقط من ق.
(8) وجد: ق: وجده قا: كان(1/303)
وكان عدّة ذلك ألفا بيت، وسأل المتعقب المذكور مشايخ الفن الكتابة على ما انتقاه فأجابوه إلى ذلك.
فكتب الشيخ الإمام العلامة بدر الدين محمد البشتكي (1):
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجََاهِلِينَ} (2) سبيل من كان هذا مبلغ علمه، ونهاية نثره ونظمه، أن يحمد الله تعالى على العافية مما ابتلاه، ويكثر العاقل شكره على ما أولاه، وإنما قالوا: «كفى المرء فضلا (3) أن تعد معايبه»، ولا من سخّمت (4) صفحات الصحف مثالبه، وزيّن له سوء عمله فرآه حسنا، وحمل أقوال الناصحين له على حسد الأكفاء والقرناء، وأقسم لو جمع كل هوس فاه به كل مجنون، لأربى ما في هذه المجلدة على ما لهم من فنون، ولعدّت سقطاتهم بالنسبة إلى محاسنها في النجوم. وما استقام له هوسها في التخوم، إن كان قصد (5) بتحريف هذه الألفاظ والأوزان أن يضحك الممدوح فقد بلغ النهايه. وليس في عصره من يجاريه إلى هذه الغايه، وإن أراد أن يعترف بأنه حيوان ناطق، فما أظن يرضى بهذا ولا الحيوان الناهق.
ولقد مال على نفسه هذا السائل يتتبع هذه المجاهل التي ما سمعها أحد من الناس، إلا واستعاذ بالله من شر الوسواس الخناس. فلست أرى لفاضل أن يترك ما هو بسبيله (6) من الحسنات والإحسان، * ويشغل نفسه بمثل هذا الهذيان * (7). ولو لم يكن من حلم مولانا السلطان إلا الإغضاء عن سقطها، وخرابات أبياتها وغلظها، لكفاه حلما ومثوبه، ويعد ذلك من حسناته المكتوبه، فضلا أن يغمر قائلها بالذهب، وأن يذكر مع أهل الأدب والرتب، ولله در القائل: [من البسيط]
__________
(1) البشتكي: ق: البشتكي أعزه الله تو: البشتكي رحمه الله تعالى وعفى عنه قا: البشتكي ما صورته
(2) سورة الأعراف 7/ 199.
(3) فضلا ق، تو: نيلا، راجع مجمع الأمثال للميداني 2/ 156.
(4) كذا في الأصول.
(5) قصد: قا: قصده.
(6) بسبيله: ق: لسبيله
(7) ما بين النجمتين ساقط من طب.(1/304)
كم عالم عامل (1) أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل يلقاه مرزوقا
هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... وصيّر العالم النحرير زنديقا
لا والله إلا أن يزدادوا إيمانا مع إيمانهم المكنون، وصبرا ورجوعا (2) إلى قوله تعالى:
{وَجَعَلْنََا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} (3).
نعم، قال ذلك وكتبه محمد بن إبراهيم البشتكي.
وكتبت أنا (4):
الحمد لله السميع المجيب.
قال الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلََا تُخْسِرُوا الْمِيزََانَ} (5)، والمظلومون من أهل الأدب يقولون: «اللهم من بخس حقوق هذا العلم ولم يقم بالقسط أوزانه، ثقّل كفّات سيئاته ولا تحرك يوم التحرير لسانه، وعاقبه على شحيح وزنه ونقص حقوق أهل المتأدبين. فأنت القائل: {وَإِنْ كََانَ مِثْقََالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنََا بِهََا وَكَفى ََ بِنََا حََاسِبِينَ} (6). اللهم وقابل من ورد بحوره ولم يرع فيها من الأنام خليلا، وانتقم (7) ممن عطل أسبابه وخرق العادة حتى أرانا الرجز مديدا ووافرا وطويلا. وكما جعلته من الذين يخربون بيوتهم بأيديهم ونار الألسنة في أعراض أهل البيوت قادحه، أرح أهل النظم ممن شيّدها وجعلها محشرا لكل قرينة غير صالحه، أعاذنا الله ممن نظم ولا شعر والقوم به يسخرون، ونعوذ بالله من قوم لا يشعرون:
قال لنا الشعر: دنّى الجهل إليّ ... هدم بيوتي ودنو حيني
__________
(1) عالم عامل: ق، قا: عالم عالم.
(2) وصبرا ورجوعا: طا: وصبروا رجوعا تو: وصبوا ورجعوا
(3) سورة الفرقان 25/ 20.
(4) وكتبت أنا: طا، طب، ق: وكتب الشيخ الإمام العلامة تقي الدين ابن حجة منشئ دواوين «الإنشاء الشريف بالديار المصرية» أمتع الله بطول بقائه قا: وكتب فريد دهره ونخبة عصره المقر التقوي المشار إليه فيه بما صورته ها:. وكتب الشيخ الإمام تقي الدين المشار إليه رحمه الله تعالى بما صورته.
(5) سورة الرحمن 55/ 9.
(6) سورة الأنبياء 21/ 47.
(7) انتقم: ق: انتقل.(1/305)
وسلك نظمي قد غدا منتثرا ... والدهر قد أصابني بالعيني (1)
فيا لها محنة تركت بديع هذا الفن بين أهله غريبا، وصيّرت جناسه التامّ بعد ما أقمر في أفق الجهل مقلوبا. وسلّطت العجمة على فصيح إعرابه. وكان على كل بيت قفل قافية فدخل شياطين الجهل إليه من غير بابه. فيا حكام الطريق الفاضلية أدّبوا من دخل إلى بيوتكم من غير طريق، ويا شرب الرحيق النباتي لا تعاكسوا من رام مجانسة هذا الرحيق بغير الحريق. وأرجو أن فحول هذا العصر تدوس على هذا الخارجي بنعالها، وتخرجه من أبياتها العربية حتى لا يتفيأ جهله بظلالها. ما عرض على موازينه وزن إلا اضطربت وأمست قوتها من الخفة واهيه. ونحن واثقون بقوله تعالى: {وَأَمََّا مَنْ خَفَّتْ مَوََازِينُهُ فَأُمُّهُ هََاوِيَةٌ} (2)، وكم سأل من معرفة الزحاف وقال إنه للعروضيين سميع مطيع. فتأملوا نفور طباعه وما رأوا له (3) أقرب من الحزم بعد التقطيع.
ولقد رمت الإبهام في تقريظه فوجدت الخناصر قد عقدت على جهله، وفضل الأدب قد باينه وأبى هذا الفضل أن يكون إلا لأهله، فإنه ما شرع بيتا إلا حرّفه عن نسمات القبول وتعدّى فيه شريعة العرب، وقطع أطناب وزنه فلم يثبت له فيه وتد ولا امتدّ سبب: [من الطويل]
وإني على ما فيّ من حضرية ... ليعجبني ظلّ الخباء المشرّع
وماذا أقول فيمن دخلت إلى أخبية بيوته فما وجدت في تلك الأخبية سعدا، ومازجته بسلاف التقريظ فوجدته قد غرق في سكر الجهل وعلى حدود التأديب تعدّى؟، وعربد على صالح الوزن ففرّ منه. والمرجوّ أن يقيم عليه بالسيف المؤيديّ حدا، وقد قال المتأدبون: [من الطويل]
إذا كنت ما تدري سوى الوزن وحده ... فقل: أنا وزّان وما أنا شاعر
فما تقول في من لم يدخل الوزن إلى بعض أبياته إلّا بغير اختياره؟، ولكن نرجو الله أن يسرّ أهل الأدب بعد خراب بيوته بقلع آثاره، ولكونه (4) ابتداء وما أحسن التخلص إلى جهة سالمه، نسأل الله أن لا يحسن له الخاتمه.
__________
(1) بالعيني: ق، قا: بالعين.
(2) سورة القارعة 101/ 98.
(3) رأوا له طا: راوا اله طب: راواله ق، قا: راواله تو: رأوله.
(4) ولكونه طب: يكونه ق: ولكن.(1/306)
(68)
تقليد للعلائي علي باك بن قرمان بنيابة قونية وتوابعها:
ومما أنشأته (1) تقليد الجناب العالي العلائي علي باك بن قرمان بنيابة قونية وما معها (2):
الحمد لله الذي سنّ (3) سيف عليّ لنصرة الدين المحمديّ وإقامة الحدود، وسقاه من حوض إقبالنا، فودّ كل أحد أن يكون له من شربة عليّ ورود، وبصّره (4) بكفر بعض أهله فتبرأ منهم وهي براءة من الله ورسوله بلغ بها غاية المقصود. نحمده حمد من تنصّل من قرب أهله لما علم أنهم سلّوا سيف العناد، وأورثه الله أرضهم وديارهم وأزال عنها فسادهم فساد، ونشكره شكر من هاجر إلى أبوابنا الشريفة وتحقق أننا له من الأنصار، وملّكناه قونية بتقليد لو أدركه القونوي علم أن مطوّل كتابه في غاية الاختصار، وود أن تكون الدرر في نثر هذا التقليد من جملة النثار، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يعود الغريب ببركتها قرير العين إلى بلاده، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أيده الله بالسيف (5) العلوي في جهاده، صلّى الله عليه وعلى آله (6) صلاة يزيد فضلها في الملك المؤيدي ويطابق في زيادته بين الشرق والغرب، ويعذّب مناهله لوارد الطاعة حتى يصير ملوك الأرض لعذوبة هذا الشرب من الشرب، وسلّم.
أما بعد، فوضع الأشياء في محلها حكمة ألّفها (7) الله لمن اختاره من عباده، وما قاد إليه أهل الطاعة إلا وقد ملكه زمام بلاده. وهذه الحكمة اقتضت أن نزيد من اختارنا على أهله تأهيلا، ونبرز له في مرآة إقبالنا وجها جميلا، ونزيد عطفنا عليه تأكيدا لم نشنه
__________
(1) ومما أنشأته: طا طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى قا: ومن إنشائه.
(2) وما معها: ق، تو: وما معها وهو قا: وما معها في السنة المذكورة وهو.
(3) سن: ها: سلّ.
(4) بصره: ق، تو، قا: نصره.
(5) السيف: تو: السلف.
(6) آله: ها: آله وأصحابه.
(7) ألفها: طب، ق، تو، قا، ها: الهمها(1/307)
ببدل، ليبلغ من شرفنا سعودا تنفر منه الغزالة إذا قارنت (1) الحمل. ونرقّيه إلى أعلى الدرج لنظهر له من وقتنا السعيد دقائق، ويحمّسه في لقاء الأعداء مجرّ عوالينا ومجرى السّوابق، ويظهر شرف عصابته العلوية بصحيح هذه النسبة، ويقرر (2) أن إكرام عليّ مثابة وقربة.
ولما كان الجناب العالي العلائي، ضاعف الله تعالى نعمته، هو الذي هجر الأهل وهاجر إلينا، وعوّل (3) بعد الله في كل أموره علينا، وحج في هذا العام (4) فزمزم له السعد في ذلك المقام، وعاد من الحج وقد نوى الجهاد في أعداء بيت الله الحرام، اقتضت آراؤنا الشريفة أن نشدّ أزره في جهاده بسيف مؤيدي يكون به في هذا التقليد الشريف مقلّدا، ويفتح به ما ندبناه إليه ويكون رأيه إن شاء الله في هذا الفتح مسدّدا.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زال السيف العلوي في رقاب أعداء دولته الشريفة مسلولا، وكلما شكا المرّة كان بنجيع أكبادهم مكحولا (5)،
أن نفوّض للمشار إليه نيابة السلطنة الشريفة بقونية وما معها.
فليستقرّ في ذلك، أقر الله تعالى بملاحظتنا الشريفة عينه، ويعلم أن ذمّة الزمان قد برئت، وقد استوفى من رتب المعالي دينه. وقد جانس اسمه في أيامنا الشريفة قدره، وتليت له سورة {أَلَمْ نَشْرَحْ} (6) وملأ الله بها صدره، وليدخل في إعراب العدل إلى بحث «إنّ» ويدخل الأعداء في «خبر كان»، ويثبت في قلع شأفتهم الجنان، ويضرب في هذه المجانسة عن الجبان. ويحرك باسمنا * الشريف أعواد المنابر لتثمر به ويضوع عرفها ويفوح، وينشئهم بإنشاء * (7) تقليده في كل غبوق وصبوح، ويستجلب الأدعية لنا لنشر العدل في كل وقت قابل، ويزلّ باطل الظلم ليحقق (8) أهل البلاد أنه «إذا جاء الحق زهق
__________
(1) قارنت: ها: دارست.
(2) يقرر: ق: تقرر قا: نقرر.
(3) عول: طب، ق، تو، ها: تحول.
(4) العام: ق، تو، قا: العام المبارك.
(5) مكحولا: تو: محلولا.
(6) سورة الشرح 94/ 1.
(7) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(8) ليحقق: قا: ليتحقق.(1/308)
الباطل» والوصايا كثيرة ولكن فضل عليّ وعلمه (1) مشهور، و «أهل مكة أخبر بشعابها» فلم يحتج معه دليلا إلى مشكلات هذه الأمور، والله تعالى يمتّع أهل بلاده بقربه الزاهر، ولينشده لسان الحال: [من الطويل]
فألقت عصاها واستقرّ بها النوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر
والاعتماد (2) [على الخط الشريف أعلاه] (3) إن شاء الله تعالى (4)
(69)
تقليد لمحمد ابن دلغادر بنيابة قيسارية:
ومنه (5) تقليد محمد بن دلغادر بنيابة قيسارية (6):
الحمد لله الذي جعل في الروم قصصا لمحمد، وأيّد عصابته المحمديّة ورقمها بعز لمولانا السلطان الملك المؤيد، وجعل حديثه في الأيام المؤيدية مسلسلا مع الرواة ومسند.
نحمده على إخراج الخوارج من قيسارية الروم إلى أن أمست هذه القيسارية بالبهجة المؤيدية دهشه. ونشكره شكر من تختّم بخاتم الطاعة وأقعد الإخلاص على الأعداء نقشه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ينقل محمد بها إلى الرتب العاليه، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ما خدم حديثه ملك (7) إلا أيده الله وأنار فجر نصرته وحرسه بالغاشيه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تشرفنا بركتها بتقاليد الشرف، وتزيد الدوحة المؤيدية فروعا تظهر فيها نعم الخلف، وسلم.
أما بعد، فإن المخلصين في طاعتنا الشريفة لما تلوا سورة الإخلاص حرسوا برب الناس، وصفت صدورهم من كدر المعصية فسدّوا أبواب مسامعهم عن الباطل فما طرقها
__________
(1) فضل علي وعلمه: قا: علم علي وفضله.
(2) ساقط من تو، ق، ها.
(3) كملنا ما بين الحاصرتين على نمط التقاليد والتواقيع الأخرى.
(4) سقط الاستثناء من طا، ق، تو، ها.
(5) ومنه: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله. في أجله قا: ومن إنشائه ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته.
(6) قيسارية: قا: قيسارية في التاريخ المذكور، وهو. عن تولية ابن دلغادر نيابة قيسارية راجع «السلوك» للمقريزي ج 4ص 479.
(7) ملك: طب: أحد.(1/309)
وسواس ولا خنّاس، وتفيأوا بظلال دوحتنا المؤيدية وكانت ثمار القرب لهم دانيه، وقرّت عين مخلصهم وأمسى على تلك العين من عنايتنا الشريفة واقية، ورشفوا من سلاف طاعتنا الشريفة فدار لهم على الأعداء دور، ونشقوا من عرف إقبالنا ما رخصوا بغاليته نفخة الصور: [من الطويل]
ولو عبقت في الشرق أنفاس طيبه ... وفي الغرب مزكوم لعاد له الشّمّ
ومشوا على مستقيم صراط الطاعة وسلموا فقوبلوا بالرضى والتسليم، وتلا لهم لسان الحال: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى ََ وَجْهِهِ أَهْدى ََ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (1)، وعلموا أن بيت صاحب الحرم حرم فشدوا إليه الرحال، وسألوا نصب رتبتهم على التمييز فأجبناهم على ذلك ونصبناها على الحال.
ولما كان الجناب العالي الناصري محمد (2) ممن قام على قدم (3) الطاعة وداس بساطها الشريف، وفرّ من هاجرة المعصية حتى تفيّأ بظلالنا الوريف، وقصد بذلك القرب إلى بيتنا الشريف، * فحصل له بقربه من البيت مقام * (4)، وأحسن التخلص (5)
من ابتدائه وجنح إلى حسن الختام، وقصد أن يزيد بيته من بديع الطباق علوّا، ورتبته المحمدية في آفاق السعادة سموّا. وبلغنا أن قرمه تزايد إلى لحم (6) بني قرمان لما قلدناه سيفا مؤيّديّا. واقتضت آراؤنا الشريفة أن نزيد تقليد ذلك السيف دليلا قاطعا، ونجعل نوره المحمدي في الآفاق الرومية ساطعا.
فلذلك رسم * بالأمر الشريف العالي (المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي) * (7)، لا زال الجناب المحمدي في الأيام المؤيدية مرفوعا، وحديثه في هذه الأيام الزاهرة مسموعا.
__________
(1) سورة الملك 67/ 22.
(2) محمد: ساقط من طا، طب، ق قا: إلى آخره.
(3) قدم: طب: بساط.
(4) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(5) التخلص: قا: التخليص.
(6) لحم: ها: نجم، قا: فحم.
(7) ما بين النجمتين ساقط من طا، طب ما بين الهلالين ساقط من ق، ها.(1/310)
أن يفوّض للمشار إليه نيابة السلطنة الشريفة بقيسارية المحروسة مضافا لما بيده من نيابة الأبلستين على أجمل العوائد، وأكمل القواعد.
فليستقرّ في ذلك فقد جعلنا أمره في هذا الحال ماضيا، وقلّدناه سيفا مؤيديا يكون به في نصرة الشرع وإقامة الحدود قاضيا، وينشر لواء العدل ويطوي بساط الظلم لتصير أيامه بديعة بالطيّ والنشر، ولا يسمع لأعداء دولتنا الشريفة مجادلة إذا تركهم (1) بعد الواقعة في الحشر. والوصايا كثيرة ولكن في عقله ودينه إن شاء الله تعالى ما يغني عن تأكيدها، وفي رفع علمه (2) راية فرح ونصرة تتولّد المسرات بتوليدها، والله تعالى يزيد العصابة المحمدية في أيامنا الشريفة نصرا وتأييدا، ويفقّه من اخترناه لنصرة الدين ليصير لدرس الأعداء في كل وقت معيدا. إن شاء الله تعالى * بمحمد وآله * (3)
(70)
تقليد لقاضي القضاة جلال الدين البلقيني بالعودة إلى وظيفته بعد الهروي:
ومنه (4) تقليد سيدنا ومولانا قاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني (5)
بعوده إلى وظيفته بعد الهروي رحمهما الله تعالى وهو (6):
__________
(1) تركهم: طب، ق، تو، ها، قا: تركتهم.
(2) علمه: طب: علمه إن شاء الله تعالى.
(3) ما بين النجمتين ساقط من ق، قا.
(4) ومنه: طا، طب، قا: ومن إنشائه ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته.
(5) هو جلال الدين عبد الرحمن بن عمر بن رسلان بن نصير البلقيني الشافعي (راجع «الضوء اللامع للسخاوي» ج 4ص 113106رقم الترجمة 301و «السلوك» للمقريزي ج 4مكرر و «المنهل الصافي» لابن تغري بردي ج 7ص 203197رقم الترجمة 1393) 198، 1381. ولا يذكر المقريزي تأريخ توليته قضاء قضاة الشافعية بدقة وإنما يقول ابن تغري بردي في «السلوك» ج 4ص 485: شهر ربيع الأول 822: «شافهه السلطان بولاية قضاء القضاة» ويقول السخاوي في «الضوء اللامع» ج 4ص 108) أن الشيخ البلقيني أعيد إلى تلك الوظيفة في شهر ربيع الأول عام 822.
وأضاف ناسخ ها بعد اسمه «رحمهما الله تعالى».
(6) ومنه وهو: قا: ومن إنشائه تقليد مولانا شيخ الإسلام قاضي القضاة جلال الدين البلقيني، تغمده الله برحمته، بقضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية والممالك الإسلامية بعد عزل الهروي وهو.(1/311)
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الذي أبان فضل العرب على العجم في الكتاب والسنّة، وأظهر جلال سراجهم المنير، فأوضح لهم بالتدريب طريق الجنّة، وأزال بنور هذا الجلال ظلم الجهل، فله الحمد على هذه المنّة. ونكرر حمده على نصرة أصحاب الشافعي وعود جيرته إلى منازلها العالية. ونشكره على نيل الغرض بسهام ابن إدريس ممنّ جهل القضاء وأمست عليه قاضية. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نستعين بحسن أدائها على القضاء والقدر. ونشهد أن محمدا (1) عبده ورسوله الذي من قابل شريعته المطهّرة بدنس الجهل فقد كفر. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين أزالوا بفصاحتهم العربية كل عجمة، وتميّزوا على العجم بقوله تعالى: {إِنََّا جَعَلْنََاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا} (2) وهذا التمييز نصبه مرفوع على كلّ أمّة. صلاة تسن (3) بها سيوف السنة على من تسربل بدروع ضلاله، وتقيم حدودها على من بدّل حديث النبي صلى الله عليه وسلم وجهل أسماء رجاله، وسلّم تسليما كثيرا.
أما بعد، فالهناء بنصرة هذا الدين القيّم بين هذه الأمة مشترك، وكيف لا وقد ظهر جلالهم مقمرا وأنشدوا: [من مجزوء الرجز]
يا ليل طل أو لا تطل ... فليس نرعى (4) قمرك
وقد حلا لنا مكرر الحمد بنشر الأعلام المؤيدية على أئمّتنا الأعلام، وحلّت أيضا مواقع التورية بنصرة شيخ الإسلام لشيخ الإسلام. فهو الليث الذي كان لظمأ العلماء إلى إمامهم نعم الغوث والغيث، حتى تأيّدوا بمؤيدهم وأعز الله أنصارهم بالشافعي والليث، حجبناه في غيوم العزل وقلنا: قد ساعده رأينا الشريف في إظهاره»: [من البسيط]
أصالة الرأي صانتنا عن الخطل
وولي غيره فأنشد كل عالم أظلم ضوء نهاره: [من البسيط]
__________
(1) محمدا: طب: سيدنا محمد.
(2) سورة الزخرف 43/ 3.
(3) تسن: ق، تو، ها، قا: نسن.
(4) نرعى: ق: يرعى.(1/312)
ما كنت أوثر أن يمتدّ بي زمني ... حتى أرى دولة الأوغاد والسفل
واعتلت كتب العلم فقالت وعيون سطورها باكية: [من البسيط]
لعل إلمامه بالجزع ثانية ... يدبّ منها نسيم البرء في عللي
وأنشد لسان حال شيخ الإسلام وقطوف قربه دانية: [من البسيط]
تقدّمتني رجال كان شوطهم ... وراء خطوي إذا أمشى على مهلي
وأشار إلينا وقال وخواطرنا الشريفة بإشارته راضية: [من البسيط]
لعلّه إن بدا فضلي ونقصهم ... لعينه نام عنهم أو تنبّه لي
فتنبهنا له وقلنا لضدّه وقد أهبطناه من تلك الرتبة العالية: [من البسيط]
فإن جنحت إليها فاتخذ نفقا ... في الأرض أو سلّما في الجو فاعتزل
وكيف نطلب من نار خامدة هدى، أو نجعل السراب ماء وإذا دعونا الريّ جاوبنا الصدا، ويأبى الله أن يطابق سحبان بباقل، أو يجارى فارس الكلام براجل: [من السريع]
ومن يقل للمسك: أين الشذا ... كذّبه في الحال من شمّا
وتالله لقد زادنا تحجّبه في غيوم العزل علما بعلو مقداره، وكان تحجّبا أظلمت به الدنيا إلى أن منّ الله إلى المسلمين بإبداره، وقالت الأمة: «هذا ما كنا نبغي». واستوفى كل عالم شروط المسرة واستوعب، وعلمنا أن الحكم العدل حكم لتقديم هذا الإمام بالموجب: [من المتقارب]
أنلنا وظيفته غيره ... فزلزلت الأرض زلزالها
وقلنا: نخفّ على قلبنا ... فأخرجت الأرض أثقالها
ومدّ لجهله أطناب خيام وأراد أن يسبغ بها ظلاله، فأسبغ الله بها جهله وضلاله.
وباشر الأقصى بقلب كالصخرة، ولكن فتح الله بعزله باب الرحمة. واتخذ الباطل خليلا وجفا خليل الله (1) فأهبطه بمصر وهي كنانته التي تفوّق منها في كل معاند سهمه. وظهر جلال العرب فأطلقوا أعنّة بلاغتهم في ميادين الفصاحة، وما أحقّهم هنا بقول الفاضل:
«تناجدت أهل نجد وكل صاح يا صباحه (2)». وعلمنا أن هذا فضل رفل به أبناء العرب
__________
(1) خليل الله: أضافت نسخة قا: عليه السلام.
(2) يا صباحه: قا: وا صباحه.(1/313)
في حلل التقديم، وأن {الْفَضْلَ بِيَدِ اللََّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشََاءُ وَاللََّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (1).
وامتلأ صحن جامع القلعة بحلاوة هذه البشرى، وهلّل مؤذنوه وذكروا طلعته الجلالية فكبّروا: [من الكامل]
لو أن مشتاقا تكلّف فوق ما ... في وسعه لسعى إليه المنبر
وأزهرت هذه البشرى في ربيع ولكنه ربيع الأبرار الذي نزّه الله روحه وريحانه عن كل نمام، وصان فيه المسلمين ممن يأكل أموال الناس بالباطل يدلي بها إلى الحكام.
ونشرت أعلام كتب العلم، وزاد الله بالسيف المؤيدي إسعافها. وكانت ستور الجهل قد أسبلت على التفاسير فأظهر السر الإلهي كشافها (2)، ونشقنا بحمد الله من أنفال الفوائد أعرافها. والقراآت (3) فهي اليوم في قرى (4) شيخ الإسلام وفضله، فيها عاصم من الجهل ونافع. والحديث فهو مجلّي مبهماته بنور جلاله الساطع. والعربية فقد ظهر بعد وعر العجمة تسهيلها، وشرّعت بيوت العرب لشواهدها وأكرم نزيلها. والمعاني قد أظهر الله بيانها وجليت بها عروس الأفراح، واهتدينا بنور جلالها ففتحت لنا أبوابها بغير مفتاح.
والمنطق فمقدمات منطقه العذب أرتنا نتائجه يقينا، والعقليات فما رأينا لمن ناظره بها في هذه المدة عقلا ولولا الحياء لقلنا ولا دينا. وها قد نبّه الفقه بتنبيهه من سنة الغفلة بعد ما أمره الجهل عيونه وأرمد. والحاوي أظهر ما حواه من العلم بعد ما هلك أسى وتجلّد، والروضة أزهرت في حدائق هذه المسرة بين أوراقها وأينعت. ومدت الشافعية أصول دوحتها فتفرعت، وظهرت رفعة الرافعي في أفق كماله، ونوّر الله ضريح الشافعي بنور سراجه وبهجة جلاله.
ولما كان الجناب الكريم الفلاني (5) هو الذي ناظرناه بالغير فقال: «نور الشريعة وهو أشهر من نار على علم (6)»: [من البسيط]
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظلم
__________
(1) سورة آل عمران 3/ 7473.
(2) كتب ناسخ تو الكلمات المعلّمة من أسفلها بالحبر الأحمر.
(3) القراآت: ق: القران.
(4) قرى: طا: قرا ق: قري ساقط من تو.
(5) الفلاني: قا: العالي إلى آخر الألقاب.
(6) في «جمهرة الأمثال» للعسكري: أشهر من العلم.(1/314)
فعلمنا أنه حجة الشافعي الذي منه الاستقصاء وإليه ينتهي السؤال. وما أبدر في أفق درس إلا أزال (1) ظلم الشك بأنواره وأسفر في إبداره عن التتمة والإكمال، وهو أبو العلماء الذي ولّد من الأم أفراحهم، وأبو المهمات الذي أشهر من العدة الكاملة في ميدان الفرسان سلاحهم، وإليه انتهت (2) الغاية فإنه ما برح يأتينا * بوجيز تقريبه بالعجاب، ويغنينا عن موضح القشيري فإنه يغذينا في إبانته * (3) باللباب. اقتضى حسن الرأي الشريف أن نعيده إلى منازل شرفه * بعد التحجّب وها هو قد ظهر، وتسلسل في أيامنا الشريفة مع الرواة حديث ابن عمر.
فلذلك رسم * (4) بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت الشافعية في أيامه الشريفة بجلالهم في ترشيح بهجة وابتهاج، وثبّت القواعد في ملكه وأقامها على التحرير ومشّى الرعية فيها على أوضح منهاج،
أن يفوّض للجناب المشار إليه (5) وظيفة كذا وكذا، فقد رفع التمويه في الفروق بينه وبين الغير عند أهل (6) التبصرة والهدايه، وهو المطلب ونهاية المطلب وعيون (7) المسائل وتاج رؤوسها والمهذب الذي تهذيبه في أدب القضاء كفايه، وهو البحر الذي ما دخلنا بسيطه المبسوط إلا قالت التورية إنه في البسيط كامل، ولا نظرنا إلى حليته الجلالية إلا غنينا عن المصباح بنوره الشامل. وقد ميّزناه على مناظريه لما أقرّوا له بالتعجيز، وقرّت عين ابن البارزي نوّر الله ضريحه بهذا التمييز، وألغينا ذكر علوم تجل قدره عن نسبتها إليه، ولكن ثغور سيناتها تتبسم عند ذكره وأفواه ميماتها تكثر الثناء عليه: [من البسيط]
تملّك الحمد حتى ما لمفتخر ... في الحمد حاء ولا ميم ولا دال
__________
(1) أزال: ها: زال.
(2) انتهت: ها: تنتهي.
(3) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(4) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(5) للجناب المشار إليه: ق، قا: للمشار إليه.
(6) وبين الغير عند أهل: ق: وبين القبر عند أهل تو: وبينه أهل ها: وبين أهل.
(7) وهو المطلب ونهاية المطلب وعيون: ها: وهو المطلب ذو عيون.(1/315)
فليتلقّ ذلك فإنه العزيز عندنا والمنتقى لهذا التشريف الذي هو ديباجة رقمه. وإذا ذكرنا الأصول فأصوله محفوظة وهو المعتمد عليه في التمهيد والمستصفى ببديع علمه. ولو عاش السبكي ما تغزّل في رفع حاجبه * وخفّض له جانبه (1)، وعلم أن جلالنا عين الإسلام فلم يرفع على العين (2) حاجبه * (3) والوصايا كثيرة، ولكن جواهر ذخائرها تلتقط من إملائه وأماليه. وهو جامع مختصراتها ومظهر زوائدها ببيانه ومعانيه، لا زال حديث فضله مرسلا يتسلسل مع الرواة ويسند، ولا برح أجلّ من أوضح الرسالة في مسند محمد وأحد. بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
(71)
بشارة بولادة سيدي أحمد ابن الملك المؤيد شيخ (5جمادى الأولى 822هـ):
ومنه (4) البشارة بمولود (5) المقام الشريف (6) وهو سيدي أحمد (7) في خامس جمادى الأولى سنة اثنين وعشرين وثمان مائة.
ضاعف الله تعالى نعمة الجناب إلى آخره، ولا زال سمعه الكريم مشنّفا من عقود مسراتنا بكل دره، ورياحين بشائرنا تتحفه بما يضوع نشره من الحضره
صدرت هذه المكاتبة تهدي من غرسنا الشريف ما أثمر ودنت قطوفه إليه، ليعلم أن الله قد أسبغ ظلال دوحنا الوريف عليه، ويتحلّى من نبات هذا الغرس الذي جلا للخلق مكرّره، فقد مد الله فروعه لما سما على عنقود الثريّا مشجره.
__________
(1) جانبه: ها: جنابه.
(2) على العين: طب: عن العين.
(3) ما بين النجمتين ساقط من ق.
(4) ومنه: طا، طب، ق: من إنشائه فسح الله في مدته ها: ومن إنشائه رحمه الله قا: ومن إنشائه.
(5) بمولود: طا: بمولد ولد قا: بمولد الشهابي أحمد نجل ساقط من طب، ها.
(6) الشريف: طا، طب، ق: الشريف خلد الله ملكه قا: الشريف المؤيدي ها: الشريف رحمه الله.
(7) أحمد: طا، طب: أحمد أنشأه الله تعالى ق: أحمد إن شاء الله تعالى ها: احمد رحمه الله. وهو شهاب الدين أبو السعادات أحمد بن الشيخ المحمودي، السلطان المظفر («الضوء اللامع» للسخاوي ج 1ص 314313و «السلوك» للمقريزي ج 4ص 543وما بعده).(1/316)
وتبدي لعلمه الكريم أن مولد أحمد أمست به مشيختنا الشريفة أحمديه، وظهر (1)
هو والثريّا في أفق واحد فارتفعت العاهات عن أيامنا المؤيديه، وأزال مرارة هذا الفصل بحلاوة (2) مولده القاهريه، وإن كان أخوه أعز الله أنصاره قد شنّ الغارة وأجاد الطعن (3) في فتح البلاد الروميه، فبركة أحمد أبطلت طعن الطاعون وكفت شوكته عن الديار المصرية، وولد (4) في تختنا الشريف فأمست النصرة وراية الفرح في هذا التخت تتولد. فقابله البدر فأمسى سناه مرميا على الطرق ولو عاش ابن سناء الملك كان بذلك يشهد. وتحرك جمادى بمولده فأمسى ربيعا وقال نبات الهناء: «أهلا بعيش أخضر يتجدّد»، وذكر ابن طولون فقال: «الشرف أن نجلنا المؤيدي أحمد»، وأبدر في قلعة الجبل فقال الهناء: «يا سارية الجبل الجبل» (5). وابتهج النيل فتخلّق بوحامه وهامت (6)
أفواه دوائره من هذا المعشوق إلى القبل. وشبّب القصب في الصعيد ونقل ذلك إلى الحجاز، وابتسم ثغر الإسكندرية وألبسته هذه البشرى تشريفا ودار الطراز، ظهر يوم الأحد وخدمه طالع سعيد فقلنا: «ما أبرك ليلة الإثنين»، وودّ الأفق أن يضعه من رأس نجومه وعين شمسه على الرأس والعين.
وقد أثرنا علم الجناب بهذه البشرى ليأخذ منها حظه فقد توفّر قسم الزمان، ويمتطى (7) ظهور مسراتها فقد ناولناه من طرف كل سطر عنان، ليحصل من ضرعنا الحافل له في كل وقت زبدة، ويتحلّى بعد مولد أحمد من نسيج مدائحه ببرده. والله تعالى يجعل حلل مسراته في أيامنا الشريفة مجدّده، ولا برحت أحاديث أحمد مسلسلة إليه مع الرواة ومسنده. بمنه وكرمه (8) إن شاء الله تعالى (9).
__________
(1) هنا انقطع نص نسخة ق ويواصل في رقم 79ص 298حاشية رقم 2.
(2) بحلاوة: تو، ها: بحلاوة الايمان.
(3) أجاد الطعن: تو: أباد الطغي.
(4) وولد: كذا في طب، تو، ها وكتب ناسخ النسخة طا «وولد» وفيما بعد محيت احدى الواوين الأصليتين فأصبح: ولد قا: ولد.
(5) سارية بن زنيم الدؤلي الصحابي، ترجمته في الوافي 15/ 75.
(6) هامت: ها: حامت.
(7) ويمتطى: ها: وتمطى.
(8) بمنه وكرمه: ساقط من قا.
(9) سقط الاستثناء من طب، تو.(1/317)
(72)
مرسوم شريف بمنع النصارى واليهود من المباشرات بالدواوين الشريفة:
ومنه ما برزت به (1) المراسيم الشريفة (2) بمنع النصارى واليهود من المباشرات بالدواوين الشريفة (3) والموالي الأمراء بالممالك الإسلامية وغيرهم (4) عقيب ما تجدد لمولانا المقام الشريف من النجل الشريف وهو سيدي أحمد المشار إليه (5).
رسم بالأمر الشريف (6)، لا زال عمود هذا الدين القيّم على أجمل العوائد في أيامه الشريفة قائما. وكلما نوت أعداء هذه الأمة فعلا مضارعا كان سيفه المؤيدي له جازما، أن يعلم كلا من الأمة المحمّدية بما اقتضته آراؤنا الشريفة المؤيدية أن الدهر اقتبس من مولد أحمد أنوارا أمست غرة (7) في جباه الأيام. وما برحت الملّة الأحمدية عمدة تقتبس منها فضائل الأحكام. ولولا أن الله فضّل دينه ما نسخ به الملل وقال (8) {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللََّهِ الْإِسْلََامُ} (9)، رقّاه صلى الله عليه وسلم إلى قاب قوسين فنال أوفر سهم وأبعد برأيه الصائب مرماه، وأنزل عليه كتابا لو أنزله {عَلى ََ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خََاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللََّهِ} (10)، وأنتم الأمة شرّفها الله تعالى بحمل هذا الكتاب فحملته وكان على الجبال عبئا ثقيلا، وأثنى عليكم بقوله عز وجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجََالٌ صَدَقُوا مََا عََاهَدُوا اللََّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى ََ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمََا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (11). فتمييزكم على أهل التبديل يجب أن
__________
(1) ومنه ما برزت به: طا، طب: ومن إنشائه أمتع الله الإسلام والمسلمين بجميل بقائه عند ما برزت قا: من إنشائه ما كتب عند ما برزت ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى ما كتب عند ما برزت.
(2) الشريفة: طا: الشريفة ضاعف الله تعالى شرفها الشريفة: ساقط من طب.
(3) الشريفة: قا: الشريفة العالية.
(4) راجع ما ذكر المقريزي في «السلوك» ج 4ص 494: بتأريخ 7جمادى الأولى 822.
(5) المشار إليه طا، طب: أنبته الله تعالى نباتا حسنا قا: المنوه باسمه الكريم فيه وصورة الكتابة ها:
رحمهما الله تعالى بمنه وكرمه.
(6) رسم بالأمر الشريف: ساقط من طا، طب، قا، ها.
(7) غرة: تو، ها: غرتها.
(8) وقال: قا: وقال عز من قايل.
(9) سورة آل عمران 3/ 19.
(10) سورة الحشر 59/ 21.
(11) سورة الأحزاب 33/ 23.(1/318)
ينتصب لكم (1) على الحال ويرفعكم كالأعلام، ويظهر ما يكتب عنكم ممن يحرّفون الكلم عن مواضعه ونقابل أنف كل مخزومة (2) بالإرغام. فإن الله سبحانه وتعالى لم يقم لهم مع هذه الأمة وزنا في حالة منسجمة. وإذا كانوا من القوم الذين لا يشعرون تعيّن طردهم عن الدواوين التي هي بفصاحة المسلمين منتظمة. وقد تعيّن على كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر الإعراض في كل ولاية عنهم. وكيف لا وقد قال الله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا * لََا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصََارى ََ أَوْلِيََاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيََاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (3) ولا تلتفتوا إلى باطل حسابهم فإن الله يرزقكم بغير حساب. وقد قال عزّ من قائل: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا *} [4] إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبََارِ وَالرُّهْبََانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوََالَ النََّاسِ (5)
{وَلََا تَأْخُذْكُمْ بِهِمََا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللََّهِ} (6)، إذا بالغنا لهم في العقاب (7). وتمسكوا بقوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى ََ يَوْمِ الْقِيََامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذََابِ} (8) فإنهم ما رفعوا حسابا إلّا حرّفوا أقلامهم عن طريق الإيمان. فقل للذين توهّموا صدق ما نقلوه:
{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كََانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلََامَ اللََّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مََا عَقَلُوهُ} (9)، وقد أيقظنا الله لنزع الغلّ من صدور أقلامهم التي ما برحت غربان سطورها على غش هذه الأمة حائمه، وخزم مخازيمهم عن أموال المسلمين لئلا تقوم لهم من بعدها قائمه.
ولما اتصل بمسامعنا الشريفة أن أمراء الممالك الإسلامية غفلوا عما يبرزونه من زخارف (10) الباطل على ألسنة الأقلام، اقتضت آراؤنا الشريفة أن يقابل رضّع أقلامهم
__________
(1) لكم: طب، تو، ها: له.
(2) مخزومة: قا: مخزومة منهم.
(3) سورة المائدة 5/ 51.
(4) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(5) سورة التوبة 24/ 34.
(6) سورة النور، 24/ 2والصحيح «بهما» مكان «بهم» الوارد في النص.
(7) العقاب: تو: العذاب.
(8) سورة الأعراف 72/ 167.
(9) سورة البقرة 2/ 75.
(10) زخارف: تو، قا: زحاف ويبدو أن ناسخ نسخة طا صحح هذه الكلمة من «زحاف» إلى «زخارف» بإضافة حرف راء تحت حرف فاء.(1/319)
من ثدي الأدوية بالفطام. فرسمنا بإبطال حسباناتهم من دواوين الإسلام ليقول كل حاسب منهم: «ساء مآبي، وكان حساب الدهر غير حسابي». ولم لا وأقلام المسلمين ما برحت بأداء الشهادتين رافلة في حلل العداله، وإذا أنشأت فهي العيدان التي ما برحت للطرب نعم الآله، وإذا كتبت حسابا أظهرت مقلوب كل قبطي في الكتابه. وللقبط مدّة يعلمون الحمد لله الساتر إلى أن كشف الله ستر كل منهم وأوجب عقابه. فالبسملة لم يتبسم ثغر سينها * في عيون أقلامهم * (1) لما عليها من الجلاله. والحسبلة لها نعم الوكيل في طردهم عنها فإنها حسن الختام لكل رساله. وما برح طرف حائها منجلا لحصاد أقلامهم النابتة في أرض الجهاله. والله تعالى يذهب رجسهم عن هذه الأمة التي ليس لهم عليها سبيل.
وهنا يحسن الختام على رغمهم فنقول: «صلى الله على سيدنا محمد (2) وحسبنا الله ونعم الوكيل».
(73)
صداق الخواجكي الشمسي محمد بن الماحوزي المؤيدي على لقاء المحبوب بنت عبد الله المؤيدية (أواخر جمادى الأولى 822هـ):
ومنه (3) صداق الجناب العالي المولوي الخواجكي الشمسي محمد بن الماحوزي المؤيدي (4) أدام الله تعالى نعمته (5) على لقاء المحبوب المؤيدية، صان الله حجابها (6):
الحمد لله الذي بلّغ محمدا بالكتاب والسّنّة غاية المطلوب، * ومتّعه لما أراد قربه بلقاء المحبوب * (7). وأطلع لسنّته شمسا أمست بها أيام الطروس صاحية، وأرتنا غيم الباطل وهو محجوب. نحمده حمد من أخلص في صدق المحبة فظفر بلقاء محبوبه، وتناول
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(2) محمد: قا: محمد وآله.
(3) منه: طا، طب: ومن إنشائه فسح الله في أجله وزاد الوجود بوجوده جمالا ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته قا: ومن إنشائه.
(4) «الضوء اللامع» للسخاوي ج 10ص 114113رقم الترجمة 420.
(5) أدام الله تعالى نعمته: ساقط من قا.
(6) صان الله حجابها: ساقط من قا.
(7) ما بين النجمتين ساقط من طب.(1/320)
كتابه باليمين بعد عقد مسرته واستيفاء مكتوبه، ونشكره شكر من جانست السّنّة بين عقد قبوله وعقد شمله، وميزت كلا منهما ببديع النظام. وزادهما الله تأييدا (1)، وكساهما جلالا بشيخي الإسلام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو أن يقابل عقدها بالقبول والإيجاب، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي تميزنا به على سائر الأمم بالسّنّة والكتاب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المنتظمين في أسلاك عقوده، والمتناسلين الذين باهى بهم الأمم وسنّ لهم سيف السّنّة فبادروا إلى إقامة حدوده، صلاة يسفر بيانها عن عروس الأفراح، ونهتدي بنورها إلى كل طلعة كمشكاة فيها مصباح، وسلّم تسليما كثيرا.
أما بعد، فسنّة النكاح ما برحت سيوفها لقطع المحارم مسنونه، وعقودها ما زالت منتظمة بكل جوهرة مكنونه، وأبياتها من شعر ببديع نظامها ظفر بكل قرينة صالحه، وأمسى لنسمات القبول وهي عليه غادية رائحه، ما نزل ماء الإرادة على جبلتها المباركة إلا اهتزّت وربت وأنبتت غاية المراد، وزكى غرس زوجها البهيج فحمل ثمرة الفؤاد، وتالله ما برحت صلة هذه السنة برضى الخالق عائده، وإذا زادت أنفال أعرافها تضوع لمن جمع بين النساء والمائده، فأكرم بها منّة (2) من تمسّك بكتابها جمع بين الكتاب والسنّه.
وكيف لا وهو الكتاب الذي تفتح به أبواب الرحمة وسطوره مفاتيح دار السعادة في الجنه. هي مقدمة لنتيجة التناسل الذي لحديث شرفه سند، وناهيك بشرف واو القسم في قوله تعالى {وَوََالِدٍ وَمََا وَلَدَ} (3). وقد تقدم للأنبياء في سلوك هذه السنة الشريفة عظيم النبا، وهبّ على كل وليّ منها (4) نسمة قبول وصبا. فطوبى لتاجر بايع الله تعالى فيها فربحت تجارته وأمن عند تحرير الحساب من الخساره، وأعرض بها عن لهو الدنيا متمسكا بقوله تعالى: {قُلْ مََا عِنْدَ اللََّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجََارَةِ} (5). وعلم أن شقة الدنيا مطوية فقطع بمقاطع السنّة مواصيلها وتخلّى بحمل تفاصيلها المحرّره، واستخفّ أحمال عرضها الفاني فحزم رأيه وشدّ العزم وحمد عند صباح القبول سفره.
__________
(1) تأييدا: طب: تأكيدا.
(2) منة: قا: سنة.
(3) سورة البلد 90/ 3.
(4) كل ولي منها: ها: كل ولي منهما قا: كل نبي منهم.
(5) سورة الجمعة 62/ 1.(1/321)
ولما كان الجناب العالي، المولوي، الأوحدي، الأكملي، العريقي، الخواجكي، الشمسي (1)، شمس الرؤساء في العالمين، سليل السلف الصالحين، مرتضى الملوك والسلاطين، محمد ابن الفقير إلى الله تعالى الخواجا الكبير الرئيس السعيد الشهيد محمد أبي عبد الله ابن الفقير (2) إلى الله تعالى السعيد الشهيد أبي عبد الله محمد الماحوزي الشافعي (3)، عين أعيان الموالي الخواجكية بالديار المصرية والممالك الشامية، هو الذي بادر إلى الانتظام في سلك هذا العقد الذي هو بيتيمة الجواهر منظوم ومنضود، وأذعن بالوفاء لهذا العقد متمسكا بقوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (4). وكيف لا وهو الكريم الذي زكا في المكارم قولا وفعلا، ونما فرعا ولم يلحق أصلا، وملأ بذكر صفاته الجهات الست واعتدلت حواسّه الخمس، وطلع في أفق المعالي فسما (5). ومن ذا الذي (6) يصل إلى مطلع الشمس؟، وطلب العلم فكان بحمد الله (7) في المعارف كالعلم، وأخذ في طلبه عن شيخ خضعت له رقاب الأمم، وأبرز شمسه في سماء السنة فما احتجبت، وأجرى حمر الأقلام في ميادين طروسها فما كبت بل كتبت:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أصدق الجناب الكريم، العالي، المولوي، الشمسي المشار إليه أعلاه، أدام الله تعالى علاه، مرغوبته الجهة الممنّعة، المحجبة، المكرّمة، الخوند الخاتون، درة تاج الآدر الكريمة، وعين إنسان الخواتين، وربة الخدر التي ما برحت محجّبة بشعار الملوك والسلاطين. ولعمري إنّها ثالثة القمرين، إن رضيت أن تعززهما بثالث، وهي من رقائق شيخ الشيوخ التي يطرب ترجيع وصفها المفرد على المثاني والمثالث، غاية المطلوب، لقاء
__________
(1) الشمسي: تو: شمس الدين شمس الدين.
(2) الفقير: طب: الشيخ الفقير.
(3) الجناب الشافعي: قا: الجناب الخواجكي الشمسي أبو عبد الله الماحوزي الشافعي.
(4) سورة المائدة 5/ 1.
(5) المعالي فسما: ها: المعاني قسما.
(6) ومن ذا الذي: قا: ومن الذي.
(7) الله: قا: الله تعالى.(1/322)
المحبوب (1)، بنت عبد الله المؤيديه، المرأة الكامل الصحيحة الأوصاف الخلية عن الموانع الشرعية، أصدقها على بركة الله وعونه وسنّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، صداقا مبلغه من الذهب المصري المصكوك بصكة الإسلام ثلثمائة دينار، نصفه مائة دينار وخمسون دينارا من ذلك مائة دينار على حكم الحلول، والباقي مقسّط في سلخ كل سنة تمضي من تاريخه خمسة دنانير. وولي تزويجها منه على ذلك من تجاوز قدر المدح وأفحمني عن عبارة تليق بعلو قدره، علم أن الزمان شاعر بفضله ولكن عجز عن وصفه ورد ذلك العجز على صدره، مولانا وسيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام القدوة العلّامة قاضي القضاة جلال الدين، أوحد المجتهدين، رحلة الطالبين، شيخ الإسلام والمسلمين، أبو الفضل عبد الرحمن البلقيني الشافعي، الناظر في الحكم العزيز بالديار المصرية والممالك الإسلامية، زاد الله الإسلام بوجوده جلالا وبهجه، وأعز الدين بأحكامه التي ثبت (2) بها على كل معاند حجه، وذلك بالإذن الشريف المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت عقود السنة بحسن واسطته الشريفة منظّمة (3)، ولا برح منطقه الشريف لنتائج مسرّات المسلمين مقدّمة، والإذن الكريم (4) الشرعي الصادر عنها لمولانا شيخ الإسلام المشار إليه. وتالله لقد تلقى قبول هذا العقد المبارك وكيل براهين معاليه في غنية عن إقامة الدليل. وإذا أحجمنا عن وصفه قلنا: {حَسْبُنَا اللََّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (5)، مولانا المقرّ الأشرف العالي المولوي القاضوي الناصري محمد بن البارزي الجهني الشافعي، الناظر في دواوين الإنشاء الشريف بالديار المصرية والممالك الإسلامية (6)، عظّم الله تعالى شأنه وقبل منه ذلك لموكّله قبولا صحيحا شرعيا، بعد مخاطبة جرت بينهما شفاها باللفظ الشرعي بالحضرة الشريفة السلطانية المؤيدية، وحضور من تم العقد المبارك بحضوره شرعا: [من الكامل]
أكرم به عقدا تنظّم عقده ... نظما يفوق قلائد العقيان
__________
(1) المحبوب: طب: المحجوب.
(2) ثبت: ها: يثبت.
(3) منظمة: تو، ها، قا: منتظمة.
(4) الكريم: طب: الكريم العالي.
(5) سورة آل عمران 3/ 173.
(6) بالديار المصرية والممالك الإسلامية: طب: بالممالك الشريفة الإسلامية المحروسة، ها: بالممالك الإسلامية.(1/323)
ومشايخ الإسلام واسطة له ... شرفا وكان العقد بالسلطان
والله تعالى يجعله عقدا مباركا تجري شمسه المشرقة إلى مستقرّ، ولا برح قرانه سعيدا إن شاء الله بالشمس والقمر، بمنه وكرمه.
* وكتب بتاريخ العشر الأخير من جمادى الأولى سنة اثنين وعشرين وثماني مائة، والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله صحبه وسلامه (1)
وحسبنا الله ونعم الوكيل * (2).
(74)
توقيع الشيخ ناصر الدين محمد بن الضريس الحموي الحنفي برياسة الطب بالبيمارستان النوري بدمشق المحروسة (1رمضان 822هـ):
ومنه (3) توقيع بقية السلف وعلامة العصر الشيخ ناصر الدين بن الضريس الحنفي الحموي برياسة الطب بالبيمارستان النوري بدمشق المحروسة، وما أضيف إلى ذلك بتاريخ مستهل رمضان المعظم سنة اثنين وعشرين وثمان مائة (4):
الحمد لله الذي جعل لهذه الأمة بالطب المحمدي شفاء، * وداوى علل أفهامهم بصحيح حديثه بعد ما كانوا من سقم الباطل على شفا * (5)، فهو الحكيم الذي عافانا بمحمد وتجاوز عناء وعفا. نحمده حمد من استقصى عرض عمله وشخّصه فداواه بالتوبه، ونشكره شكر من برّد حميات قلبه بشراب الذكر فحصل له الانجبار، وظهر تدبيره الحسن في كل نوبه. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من علم أنه الحكيم الخبير فتداوى بذكره، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أظهر الطب النبوي فشفى كل من هذه الأمة به غليل صدره، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين جمعوا
__________
(1) وصلواته وسلامه: ساقط من تو، ها.
(2) ما بين النجمتين ساقط من قا وسقطت كل من الحمدلة والصلولة والحسبلة الختامية من طب.
(3) ومنه: طا، طب: ومن إنشائه متع الله أهل الإنشاء بطول بقائه ها: ومن إنشائه تغمده الله تعالى برحمته قا: ومن إنشائه.
(4) بتاريخ وثمان مائة: قا: في السنة المذكورة وهو.
(5) ما بين النجمتين ساقط من تو، ها.(1/324)
بالعلم والفصاحة بين الحكمة وفصل الخطاب، وعالجوا زمان الجهل بحسن تدبيرهم فعوفي وحفظ لهم الصحة وطاب، وسلّم تسليما كثيرا.
أما بعد، فالإرشاد إلى منهاج الطب كان قد خفي (1) إيضاحه عن الهدايه، وافتقر المغني بعد الغنية ونقص الكامل واعترف الكافي بعدم الكفايه، ونسيت التذكرة المفيده، ولم تبق لكنز هذا العلم ذخيرة حميده. وأحجم كل مهذّب عن التصريح بالمكنون، واستشكل جسّ النبض. ومن أشكلت عليه حركات الجسّ كان أجنبيا من القانون، ونسي تاريخ الأطباء، حتى كأنه لم يظهر له إنباء، ولم يظهر للمنقول في شرح الفصول بدائع، ولا حصل الإجماع على تقديم إمام يؤمّ بالناس في الجامع، إلى أن ظهرت الشمس المحمدية فقلنا: «هذا هو المنتقى والمختار». وعام الناس في بحر العوافي وقالوا: «هذا هو البحر المحيط الذي لا حرج على المحدث عنه في الأخبار».
لما كان المجلس السامي القضائي الشمسي محمد بن الضريس الحموي الحنفي أدام الله رفعته هو الذي حصل به الكشف عن هذه الغمّة بعلامات وأسباب، وظهرت منه نتيجة الانتخاب في المسئلة والجواب، وظفر الطلبة منه بالتنقيح وتغذّوا بخاص اللباب، وفازوا بالمحصول الشامل وعقدوا عليه خناصر الإقناع، وقالوا: «هذا كهف الألبّاء وليس لزهر الروضة بغير إيناع»، اقتضى موجز رأينا الشريف الملكي أن يكون المنتخب، وعلمنا أن حبّ الوطن استماله إلى التفكّه بالفواكه الشامية عن الحلاوة القاهرية وجني الرطب.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زال كل مهاجر إلى أبوابه الشريفة محفوفا من بأنصار، ومن أحبّ العود إلى أوطانه أعاده بإنعامه الشريف كما يحب ويختار،
أن يستمرّ المشار إليه على وظائفه بدمشق المحروسة وهي رئاسة الطب بالبيمارستان النوري وما أضيف إلى ذلك، فإنه العالم الذي آتاه الله الحكمة وغذّاه لبانها صغيرا. {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} (2). كم أنشأ في الطب رسالة مدّت إليها الأيادي، وأمست الخناصر عليها تعقد. وإن ذكر فقه الحنفية فالدرّ يلتقط من مجمع بحريه وهو المختار لهداية الطلاب. وقد علم كل أحد أن محمدا في هذا المذهب من أكبر الأصحاب.
__________
(1) قد خفي: ها: قد أخفى.
(2) سورة البقرة 2/ 269.(1/325)
أو ذكرت الكتابة فما تلمظت ألسنة الأقلام في ثغور المحابر بأحلى من بروق طروسه في دياجي سطوره، وهو ملك (1) هذه الصناعة ولو أدركه صاحب الحواشي ودّ أن يكون من حاشيته ليكتسب في تحرير تحبيره. ولو ناظره إبن مقلة لقال: «هذا عين الزمان الذي انقطعت (2) الأقلام في خدمته وحافظت على مواظبة الخمس». ولو ساماه ابن هلال لقال: «من أين لهلالي على ما فيه من عوج وصول إلى مطلع الشمس؟»، وله النبات الحموي الذي تحلّت الألسنة في ثغور الممالك بذكر حلاوته. فلو أدركه ابن نباتة لقال:
«هذا شيخ الشيوخ» وودّ أن يكون قطره النباتي من جلاسته.
فليباشر ذلك على المعهود من كماله ليحيى ما درس من درس الأطباء في البلاد الشامية من فوائد درسه، ويزداد النوري نورا على نور بطلعة شمسه والوصايا كثيرة، وحكمته إن شاء الله تعالى عن تكرارها غنيّة. وقد تقرر «أن الحكيم إذا أرسل لمصلحة لم يحتج إلى وصية»، والله تعالى يديم إقبالنا عليه لتصير الأسماع على طيب أخباره متزاحمه، ويحرسه في ذهابه وإيابه ويزيده بسطة في العلم والجسم ويحسن له الخاتمه.
بمنه وكرمه (3) إن شاء الله تعالى (4).
(75)
تقليد قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهني بقضاء قضاة الحنفية بالديار المصرية والممالك الإسلامية (العشر الثاني من ذي الحجة 822هـ):
ومنه (5) تقليد مولانا قاضي القضاة زين الدين التفهني الحنفي (6) بقضاء قضاة
__________
(1) ملك: ها: مالك صاحب.
(2) انقطعت: تو، ها: انقطت.
(3) بمنه وكرمه: ساقط من تو وقا.
(4) سقط الاستثناء من طا وتو.
(5) ومنه: طا، طب: ومن إنشائه متع الله كتّاب «الإنشاء الشريف» بطول بقائه ها: ومن إنشائه تغمده الله تعالى برحمته قا: ومن إنشائه.
(6) الحنفي: طا، طب: الحنفي أعز الله تعالى أحكامه: ها: الحنفي رحمه الله. وهو زين الدين أبو هريرة عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن هاشم التفهني القاهري الحنفي («الضوء اللامع» للسخاوي ج 4ص 10098ترجمة رقم 285و «المنهل الصافي» لابن تغري بردي ج 7ص 194191)
. 1971981376،،(1/326)
الحنفية (1) بالديار المصرية والممالك الشريفة المحروسة الإسلامية، بتاريخ العشر الثاني من ذي حجة الحرام سنة اثنين وعشرين وثمان مائة (2):
الحمد لله الذي يزيد علماء الأمّة في كل وقت بهجة وزينا. ويزين وجه التحقيق بمن إذا رفع للعلم حاجب كان لذلك الوجه والحاجب عينا. ويوفي كل مستحق ما كان له في ذمّة الزمان دينا. نحمده حمد من خدم العلم الشريف في المبادئ، وانتهت الغاية إليه. وقالوا: «هذا هو المختار للهداية والدرر تلتقط من مجمع بحريه». ونشكره شكرا نستعين به على القضاء وأحكامه، فإنه الحكم العدل وإليه مرجع كل حكم في نقضه وإبرامه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو أن تكون عند أحكم الحاكمين مقبوله، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي عمدة الأحكام من فوائد أحاديثه منقوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نفذوا أحكامه الشرعية واتّصل هذا التنفيذ بمن تأخر من علماء هذه الأمه. ولا يبرح متّصلا إلى أن يقضي الله سبحانه وتعالى قضاءه وحكمه، صلاة يظهر بها لهذه الأمة في كل وقت زين وشرف، وسموّ (3) إذا رامت (4) الشهب إليه دنوّا قيل لها: «هذا غاية الشرف»، وسلم تسليما كثيرا (5).
أما بعد، فوضع الأشياء في محلها حكمة إلهامية، ومنحة يظهر بها صواب الآراء الشريفة السلطانية، وخطّاب هذه الرتبة الجليلة كثيرون، ولكن لم يحصل القبول والإيجاب إلا مع من (6) ثبت له عندنا شرف الكفاءة، واعترف الفقراء إلى تحقيق العلم أنهم أمسوا بفوائده في قدرة وملاءه، وصار عقيم الدهر ثانيا وقال: «هذا واحدي» فغفرنا له بهذه الحسنة كل إساءه، وتلت ذمتنا (7) لصلاحه وعلومه التي هي كثيرة الأنفال في
__________
(1) بقضاء قضاة الحنفية: ساقط من طا، طب، ها تو: بقضاء الحنفية.
(2) بتاريخ ثمان مائة: قا: في السنة المذكورة. وخلع على زين الدين التفهني في سادس ذي القعدة وقرئ التقليد بتوليته القضاء في ثامن عشر ذي الحجة («السلوك» للمقريزي ج 4ص 510، 512وراجع ايضا المصدر السابق لابن تغري بردي ص 192).
(3) سمو: تو، ها: سموّا.
(4) رامت: طب، قا: رمت.
(5) تسليما كثيرا: ساقط من قا.
(6) مع من: ها: لمن طب: من.
(7) ذمتنا: قا: همتنا.(1/327)
براءه، فإنها الخلافة التي ما لفروعها خلف إلا من أصول الدوحة (1) المحمديه، ولا لروضها الأنف يانع زهر إلا من تلك الروضة النبويه.
ولما كان الجناب العالي القاضوي الزيني عبد الرحمن التفهني أعز الله أحكامه هو الذي وضعنا الأشياء في محلها بولايته، وبرئت ذمتنا إن شاء الله تعالى بكفاءته، وراودته الوظيفة عن نفسها (2) لما شغفها حبا بمحاسنه وعلو قدره، وتبسم ثغر الدهر لما تلمّظت الألسن بحلاوة ذكره، وأنست شفاه المحابر هائمة إلى تقبيل أنامل أقلامه، وصدور الطروس منشرحة بما أودعها (3) من أسرار كلامه، اقتضت آراؤنا الشريفة أن تكون نتيجة ولايته في مصالح المسلمين مقدمه، ورتبته بتصريح منطق ثنائنا الشريف عليه معظمه.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت العلماء في أيامه الشريفة رافلة في حلل زينها (4)، مستوفية من عزيم الدهر المماطل ماضي دينها،
أن يفوض للمشار إليه وظيفة قضاء القضاة الحنفية بالديار المصرية والممالك الإسلامية على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته، تفويضا شرعيا معتبرا مرضيا (5)، فإنه فارس العلم الذي قلّدناه سيف الشرع فأقام حدوده، وحمد ذلك السيف الماضي في أيامنا الشريفة تقليده. وهو مجموع علوم ترقّى بدقائقها على مجمع ابن الساعاتي إلى أعلى الدرج. وكيف لا وحاجب العلم به قد ارتفع وطرف الدهر فرحة قد اختلج. وإن ذكر النعمان فهو اليوم في رياض الفضل شقيقه، وورد حضرته الذي ظهر بين أوراق العلم تحقيقه، إن تأخّر عصره فقد زاحم بالمناكب من تقدم، ولو لم يستحق التقديم ما قدّمه في مذهبه الإمام الأعظم.
فليباشر ذلك على ما ثبت من كمال (6) أدواته، وامتدت يد القبول لما عقدت عليه الخناصر من جميل صفاته، والوصايا كثيرة، ولكن في علمه ودينه إن شاء الله تعالى
__________
(1) الدوحة: تو، ها: الرفعة.
(2) نفسها: طب: نفسه.
(3) أودعها: تو: أودعها الله.
(4) زينها: ها: رتبها.
(5) مرضيا: طب، قا: ماضيا مرضيا.
(6) كمال: ساقط من تو، ها.(1/328)
غنية عن ذلك. فإن سلوكه في مصالح المسلمين قديما وحديثا من أوضح المسالك، والله تعالى يزيد علم الشريعة بعلمه رفعة فإنه من الأئمّة الأعلام، وكما جعل في براعة استهلاله مخلصا إلى الهدى ممن عليه يحسن الختام.
بمنه وكرمه (1)، صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه (2) إن شاء الله تعالى (3).
(76)
مكاتبة إلى محمد بن أبي يزيد بن عثمان (محرم 823هـ):
ومنه ما أنشأته (4)، عند ما رسم لي (5) بالكتابة إلى الجناب العالي (6) الناصري محمد ابن المرحوم أبي يزيد بن عثمان في المحرم عام ثلاث وعشرين وثماني مائة بسبب ما اتفق من إحضار محمد بك بن قرمان عند وقوعه في قبضة الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر نائب السلطنة الشريفة بقيسارية والأبلستين، فرسم بطلبه منه على يد الأمير سيف الدين بكتمر السعدي. فجهزه صحبته وصحبتهما ولد الأمير الناصري محمد بن داود (7) ولد المجهز (8) المشار إليه، وهو:
ضاعف الله تعالى نعمة الجناب العالي، الأميري، الناصري، إلى آخره، وولّد لجنابه المحمدي بتختنا الشريف راية كل فرح ونصره، ولا زالت نفوس مجاهديه تحفها بدوح ورق الحديد الأخضر وروح وريحان يضوع نشرهما بتلك الحضره، وبسيرته العثمانية تجهز جيوش المسلمين وتزيل عنهم كل عسره. وأبيض سيفه
__________
(1) بمنه وكرمه: ساقط من تو، قا.
(2) سقطت التصلية من طب، تو، ها، قا.
(3) سقط الاستثناء من طا، طب، تو، ها.
(4) ومنه ما أنشأته: طا، طب: ومن إنشائه أمتع الله ببقائه ها: ومن إنشائه رحمه الله.
(5) لي: ساقط من بقية النسخ.
(6) ومنه العالي: قا: ومن إنشائه ما كتب به حسب المرسوم الشريف إلى المقر.
(7) داود: ساقط من ها.
(8) ولد الأمير المجهز: طا: ولد الأمير ناصر الدين محمد داود ولد المجهز قا: ولده أعني المجهز ساقط من طب.(1/329)
يدبّج البحر الأزرق من بني الأصفر بحمرة الدماء وخضرة المرائر، ولا أخلى الله الملة المحمدية من قوّة منه في الجهاد وناصر. ولا برحت عروس النصر تجلي تخت عصائبه وهي من دم المشركين في خضاب، ونفوس الملحدين تدفن في لحود أجسامها (1)
وألسن سيوفه تزمجر عليها عند الحساب، وعزمه المحمدي ما سلك خلف الأعداء برا إلّا قالوا: {لَقَدْ لَقِينََا مِنْ سَفَرِنََا هََذََا نَصَباً} (2)، ولا خاض عباب بحر إلا {اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً} (3).
صدرت هذه المفاوضة إلى الجناب المحمدي، ولا عتب في إيهام التورية إذا قلنا:
عليه السلام، وحملناها من طيب الثناء ما اعترف المسك له بالعبودية وودّ أن يكون لبراعته ختام، ومن ثمرات المودة ما دنا قطوفها وكادت الأوراق تضعف عن حملها، وودّ فصل كل ربيع أن يتصل بفصلها. ومن رسائل الأشواق ما لو أدركه ابن نباتة لما استجلى من زهر المنثور نباته، وقال: «سلاف هذا الإنشاء سلطانيّ وقد أدار على ملوك الأرض كاساته».
وتبدي لعلمه الكريم أن تأخير صلاة الود عن محاريب الطروس ما يجب له غير التقديم، وقد هامت الأقلام لعدم ركوعها وسجودها إلى بركة تلك التحيات وشرف ذلك التسليم. وقد تبلّد عرف المودة بعد ما كان من الذكاء المفرط على جانب، وضاع ذلك العرف من غير تورية، ورد هذا الضائع علينا من الواجب. وقد قيل أن كتب الأحباب هي طيف اللقاء الذي يشفى به غليل الصدور. فلم منع الجناب ذلك الطيف وكان عناقه يحلو لعيون (4) المطالعة في ليالي تلك السطور، ولم يصرّح بلطيف * هذا العتب إلا علما بأن له في القلوب العامرة بالمحبة مساكن، وهو عتب يتطفل * (5) النسيم (6) على لطفه ولكن: [من الطويل]
إذا لم تكونوا مثلنا في اشتياقنا ... فكونوا أناسا يحسنون التجمّلا
__________
(1) أجسامها: طب، تو، ها: أجسادها.
(2) سورة الكهف 18/ 62.
(3) سورة الكهف 18/ 63.
(4) يحلو لعيون: تو: يجلو لعيون قا: يجلو العيون.
(5) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(6) النسيم: ها: اليتيم.(1/330)
فقطع أوصال المودة مشعر والعياذ بالله بقطع الوصل، وترك الإعراب (1) عن فصول المحبة، ويأبى الله ذلك مؤذن بالفصل، والأقلام قد تطاولت أعناقها واشتاقت إلى أطواق المداد، وهامت إلى خطابة المحاسن المحمدية وترقيها في شعار ذلك السواد.
وقد علم الجناب أن الكتاب المحمديّ ما برحنا مستمسكين بأسبابه، ونحن في كل وقت ملتفتون إلى الرسول وكتابه. وغير ذلك أنه ما خفي عن علمه الكريم أن الأمير ناصر الدين محمد بن قرمان كان قد ركب خيول السهو فاستطردت به إلى مضارع (2)
الآفات، وشرب خمر التعدّي. فلو لم يقم سيف السلطنة عليه الحدّ ما أفاق من تلك السكرات. وها هو قد قرع بعد ما عضّت الحرب بأنيابها (3) من الندم سنّه، وكم كتبنا إليه مثالا شريفا ومشّيناه على السنة الواضحة فخالف الكتاب والسّنّة. وحذّرناه من التعرض إلى طرسوس فخالف أم كل تحذير وأبى، وكرر المجادلة في المخالفة إلى أن وقع في النازعات وصار لتلك الواقعة نبأ. وغير خاف عن الجناب أن طرسوس ما برحت أسوارها بالنسبة إلى سلطاننا مشرّفة، وآذان مراميها بأقراط تقاليدنا الشريفة مشنّفة، وهو ينقاد إليها بزمام الجهل ويسلّم إلى جهّاله (4) القياد، ويقول بعد ذلك: «لعنت إن عدت إليها لعنة قوم ثمود وعاد»، إلى أن جهّزنا المقر الشريف العالي الأميري الولدي الصارمي أبراهيم ولد مقامنا الشريف، أعز الله أنصاره: [من البسيط]
فساق كلّ عصاة القوم خاضعة ... تمشي إلينا وقد زلّت به القدم
وخصّ (5) من قرمان فرقة فنيت ... واشتد في لحمهم من سيفه القرم
وراموا بطرسوس ملكا منهم أخذت (6) ... وزال من أجلها والله ملكهم
ومصطفى عينه مذ مدّها قلعت ... وها أبوه أسير دابه الندم
ولكن مراحمنا إن تاب قد وعدت ... بعده لينادي: «هكذا الكرم!»
ولم نؤخره إلا لأنه نظم أمره على غير طريق المتأدبين وأردنا أن نعلّمه طريق الأدب،
__________
(1) الإعراب: طب، تو، ها: الإعراض.
(2) مضارع: تو، ها، قا: مصارع.
(3) بأنيابها: قا: إينابها.
(4) جهاله: ها: جهالة.
(5) خص: تو: حض.
(6) الواو في مطلع البيت زائدة، وكذلك في مطلع البيت الأخير.(1/331)
وإذا أعدناه إلى بلاده عاد متأدّبا وأقام وزن الطاعة بالقسط بعد ما عرف الفاصلة والسبب.
وبلغنا أن بعض القلاع المضافة إليه معربة على أنها إلى الآن مجرورة بالإضافة، والمضاف والمضاف إليه صارا تحت تصرفنا الشريف فيردهما الجناب (1) عن هذا اللحن وإلا أظهر إعراب الانتقام خلافه. وإذا سألوه أن يتسلم منهم القلاع لا سلّمهم الله! ينهرهم عن قبيح هذا السؤال، ويعلم أن قصدهم بذلك فساد ما بيننا من الجيرة ونعيذه بالله من نصب المباينة على هذا الحال، فالجناب يسلم مفتاح كلّ قلعة إلى قصّادنا ليزداد نور الإخلاص بهجة وإيضاح، ويستغنى بهذا التلخيص عن ذكر كل مفتاح. وإذا سلموا تلك القلاع وجمعوا برضى خواطرنا الشريفة بين الرضى والتسليم، أعدنا إليهم أميرهم وقد ذاق بعد مرارة السلب حلاوة العطاء ورفل بعد شقاء المعصية من طاعتنا الشريفة في حلل النعيم. وإذا حضّهم (2) الجناب على طاعتنا الشريفة فسيوف الدولتين ما زالت متلمظة في ثغور القرب (3) بحلاوة المجامله، وإن كانت نصولا فما برحت بحمد الله متنصلة من المناصله.
واتصل أيضا بمسامعنا الشريفة أن الأمير سيف الدين كزل مملوكنا ترامى على الجناب ليشفع فيه عندنا وأنه قد ظمئ إلى الرشف من مناهل الطاعه، فعلى كل تقدير هو رفيقنا وقد أزلنا عنه الجفاء والشفاعة المحمّدية مقدمة في القبول على كل شفاعه، فالجناب يقدم خيره (4) الله ويجهز كزل المذكور قرين شفاعته فقد تقرر أن أمر الشفاعة المحمدية مقبول، ورسالته لم تقابل بغير القبول.
وقد جهّزنا بهذا المثال الشريف المجلس فلان وحملناه مشافهة تغني الأذن الكريمة جواهر نصحها عن الإشناف، وتزهو على أزهار الربيع إذا أينعت بغير خلاف، والقصد من محبته الإصغاء إليها، ولا تهبّ غير نسمات القبول عليها. والله تعالى يجعل عصابته المحمدية منصورة الألوية في كل جهاد، ولا برح شمل المجاهدين لسيفه المحمدي منتظما وهذا هو النظم الذي يقال لناظمه: «أجاد».
بمنه وكرمه (5) إن شاء الله تعالى.
__________
(1) الجناب: طب، تو، ها: الجواب.
(2) حضهم: طب: حطهم قا: حثهم.
(3) متلمظة في ثغور القرب: ساقط من طب.
(4) خيره: قا: خيرة.
(5) بمنه وكرمه: ساقط من طب، قا.(1/332)
(77)
مرسوم شريف لقاضي القضاة علاء الدين علي بن المغلي الحنبلي أن يلقب «عالم الاسلام» (1ربيع الأول 823هـ):
ومنه ما أنشأته (1) وقد برزت المراسيم الشريفة المؤيدية أن يلقب مولانا قاضي القضاة علاء الدين بن مغلي الحنبلي (2) الحاكم يومئذ (3) بالديار المصرية والممالك الإسلامية المحروسة (4) بعالم الإسلام بتاريخ مستهل شهر ربيع الآخر المبارك سنة ثلاث وعشرين وثمان مائة وهو:
الحمد لله الذي جعل عليا عالم الإسلام وأعزّ الأمة بعلمه وعمله، وأورثه علم أحمد فكسا العلماء من حلل تفاصيله وجمله. وصيّره أفتى العالمين والاشتراك في أفتى غير محتاج إلى لازم تتضح التورية من قبله. نحمده حمد من أمسى في رتب العلوم على أهل زمانه عليا، ونشكره شكر من أصبح كل حافظ بالنسبة إلى حافظته منسيا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تعقد الخناصر على فضلها وننال ببركتها من العلم أوفر نصيب، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي اجتهد في مصالح هذه الأمة وخصّها في كل عصر بمجتهد سهم اجتهاده مصيب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة ترشدنا إلى إمام تنتفع الأمة ببركته وعلومه، وتصلّي خلف إمامته وتسلم إلى اجتهاده وتتأخر لتقديمه، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فإن الله سبحانه وتعالى لم يكن في خلقه تفاوت، وإنما جعل التفاوت في علوّ طبقاتهم، لا سيما العلماء فإنهم في كل وقت وساعة دقائقهم تؤدي إلى علوّ درجاتهم، وفيهم من إذا فتح لدرس فاتحة قال الناس: «لم يكن لأهل العصر وصول إلى تكاثر هذا القدر. وقد ظهر فلا يخفى على أحد إلا على أكمه لا يعرف نور البدر»، وشدّت إليه الرحال شرقا وغربا، وشدت الحداة في الحجاز والعراق بذكره، وتحلّى كل ملّاح بحلاوة هذا الذكر في مديد بحره، وفصح العجم فلم يظهر لمقدمة منطقهم نتيجه وجاور علماء مصر بحره الكامل فكل منهم استقل لديه خليجه، وفاضت ينابيع علومه
__________
(1) ومنه ما نشأته: طا، طب: ومن إنشائه فسح الله في أجله قا: ومن إنشائه ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى.
(2) راجع ص 116حاشية 2.
(3) يومئذ: قا: إذ ذاك.
(4) والممالك الإسلامية المحروسة: ساقط من قا.(1/333)
فكانت مناهلها العذبة كثيرة الزحام، وهو بقية المجتهدين وقد ثبت اجتهاده عند الإمام الأعظم الذي صرّحت التورية أنه شيخ الإسلام، وقد تقدم أنه وارث علم (1) أحمد وما شك أحد في نسبة علي إليه وقربه، فلو أدركه ابن تيمية ورأى انقياد علماء المذاهب إلي اجتهاده تيمم في حبه. وقد مشت الأئمّة الأعلام تحت علمي علمه ودينه (2)، وما رفع لعلم راية إلا تلقّاها عرابة مجده بيمينه، فهو القدوة الذي إن قيل: [من الطويل]
لكلّ زمان واحد يقتدى به ... فقد علم الله أنه ذلك الواحد
ولما رأيت الناس دون محلّه ... تيقنت أنّ الدهر للناس ناقد (3)
ولما كان الجناب العالي القاضوي الكبيري الحاكمي العلائي، أعز الله تعالى أحكامه، هو الذخيرة المخبوءة لهذا الأمر، والنحو الذي ما شك في إعراب فضله زيد النحاة ولا عمرو، اقتضت آراؤها الشريفة لما علمنا أنه أعلم أهل زمانه أن نخصّه بالتقديم، وتمسكنا في ذلك بقوله تعالى: {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللََّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشََاءُ وَاللََّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (4).
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت سهام آرائه الشريفة تصيب في تقديم كل مجتهد الغرض، وترشدنا في ظلم الأشكال بضياء حسّها الشريف إلى الفرق بين الجوهر والعرض،
أن يلقّب المشار إليه في تقاليدنا الشريفة له بعد لبس تشريفه بعالم الأسلام، ويوقّع له بذلك في السطور على الطروس لتبتهج به الليالي والأيام، وتهتز أعواد المنابر بقراءته التي تغني (5) عن طرب الأعواد، وينتظم به للمسلمين عقد ويعدّ لنا من المستجاد، لأنه العالم الذي ما صابره باحث إلّا كلّ وقال له: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً؟} (6)، ولا ذاكره حافظ إلا قال له: {لََا تُؤََاخِذْنِي بِمََا نَسِيتُ وَلََا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} (7)،
__________
(1) علم: طب: علوم.
(2) تحت علمي علمه ودينه: طب: في حبه ودينه.
(3) ناقد: ها: فاقد.
(4) سورة الحديد 57/ 29.
(5) تغني: ها: تعرب.
(6) سورة الكهف 18/ 75.
(7) سورة الكهف 18/ 73.(1/334)
ولا أغلس إشكال إلا قدح فيه زناد فهمه قبسا، ولم يترك في ثوب ذلك الغلس (1) دنسا.
كم فقّه في علوم الدين فدخل الناس به في دين الله أفواجا، وركب صهوات العلوم فأبدى نوره العلوي على دهم الإشكالات إسراجا. وما أحقّه هنا أن يقول الفاضل: «أهلا بطلعته العلوية فإنها في غربنا مشرقه، وبخواطره فإنها لا تدخل العلوم من باب واحد وتدخل من أبواب متفرقه». فبينا هو في كتاب الله ترجمان إذ هو على أثر الرسول أمين إذ هو على ما نقل من لسان العرب ثقة.
وكان ابن مالك رحمه الله تعالى قد رفع إلى الناصر ترجمة يطلب بها التقديم على أهل زمانه، فما التفت إليها جيد القبول وادّخرت لهذا الإمام في عصرنا المؤيدي بقوة سلطانه، وما هي إلا رتبة عرفت محله، فأسرعت ولم تنم دون منزله، وهامت بعد الظمأ إلى منهل مستعذب فأرشدها دليل الحظ إلى ورود (2) منهله. وقد أيقظنا الله تعالى لتقديمه لما رأيناه لعين الملاحظة إنسانا، وكان الناس في غفلة من علمه وبركته فقال لهما لسان إقبالنا الشريف: «سنجعل لكما سلطانا».
* فليتلقّ ذلك بالقبول ليجانس به إقبالنا عليه * (3)، ويتنسم هذه النسمات القبولية (4) التي أمالت أعطاف محبتنا إليه، وكيف لا وهو العالم الذي تتعبد أقلام العلوم بمحراب يمينه وتستضيء في ليل نقسها (5) بنوره، وتسجد من طرسه على سجادة بيضاء مسجّفة (6) بسواد سطوره، فقل لقوم أبدوا تجاهل العارف وصاروا لما منحه الله (7) من العلوم يجهلون: {كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} (8)، فإنه العالم الذي ما دخل دوح علم إلا فكّه العلماء من ثمرات فروعه وأصوله، ولا ذكر
__________
(1) الغلس: ساقط من قا.
(2) ورود: طب: ورد.
(3) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(4) القبولية: تو، ها: المقبولة.
(5) النقس: المداد الذي يكتب به.
(6) مسجفة: ها: مستحقه.
(7) الله: قا: الله تعالى.
(8) سورة التكاثر 102/ 43.(1/335)
للتفسير نبأ إلا كان أحقّ أهل العصر بقوله تعالى: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} (1). وليس للوصايا هنا موقع فإنه عالم الإسلام أعلم بالمصالح، ومتجر علماء الأمة ببضائع علومه رابح، والله تعالى يزيده بسطة في العلم والجسم ليتمتع الإسلام بطول بقائه ودوام أيامه، فإنه خاتمة المجتهدين وقد عطّر الأكوان بمسك ختامه.
والاعتماد [على الخط الشريف] (2).
(78)
تعزية بصارم الدين إبراهيم بن المؤيد شيخ لكافل الشام المحروس (16جمادى الآخرة 823هـ):
ومما أنشأته ما كتبت به (3) تعزية بوفاة المقر الأشرف المرحوم (4) الصارمي (5)
سقى الله ثراه (6) ولد مولانا المقام الشريف الملكي المؤيدي (7)، وذلك بتاريخ سادس عشر جمادى الآخرة عام ثلاثة وعشرين وثماني مائة (8) إلى كافل الشام المحروس (9)
أعزّ الله (10) أنصار المقرّ الكريم وأحسن عزاءه وأعظم أجره، وأفرغ عليه دروع الصبر فإن سهام هذه المحنة مصيبة لمن فقد صبره.
__________
(1) سورة يوسف 12/ 45.
(2) أكملنا ما بين الحاصرتين وفقا لما جاء في تو طا: والاعتماد. قا إن شاء الله تعالى ها: بمنه وكرمه أسقط ناسخ طب الخواتم كليا.
(3) ومما أنشأته ما كتبت به: طا، طب: ومن إنشائه فسح الله في أجله ما كتب به ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى ما كتب به.
(4) الأشرف المرحوم: طب الأشرفي.
(5) هو صارم الدين إبراهيم بن المؤيد الشيخ («الضوء اللامع» للسخاوي ج 1ص 5553و «المنهل الصافي» لابن تغري بردي ج 1ص 8278رقم الترجمة 53333،،
(6) سقى الله ثراه: ها: رحمه الله تعالى.
(7) المؤيدي:: طا، طب: المؤيدي خلد الله ملكه ها: المؤيدي تغمده الله برحمته.
(8) «السلوك» للمقريزي ج 4ص 531530.
(9) ومما أنشأته المحروس: قا: ومن إنشائه ما كتب به إلى كافل الشام المحروس تعزية بوفاة المقر الصارمي إبراهيم سقى الله ثراه ولد المقام الشريف المؤيدي في سادس وهي.
(10) الله: تو، قا: الله تعالى.(1/336)
صدرت هذه المكاتبة تشرح له أن دوحة صدرنا الشريف فقدت ثمرة الفؤاد، اشتغل الناس بزيادة الدمع من زيادة البحر وكلّ من البحرين طما وزاد.
وتبدي لعلمه الكريم فقد المقرّ الأشرف الصارمي، روى الله من غيث الرحمة ثراه، وسقى نباته الحسن ورعاه. فيا له من رزء حثا الترب في وجه البدور وذلك الأثر ما زال. وغارت الشمس من عناق الترب له فمدت إلى تلقّيه تلك الحبال (1). ويا لها من ثمرة ذقنا بعد التفكّه بحلاوتها مرارة النوى، ويا له من غصن قلنا إن فيه الخلف فذوى، ويا له من نجم رمنا أن نصافح به كفّ الخضيب فهوى. ويا له من عزم فلّته يد المنية وكان هو والسيف على حدّ (2) سوى. وقد وجدنا في ندبة التهامي هنا فائده، إذ التورية فيها لحكاية الحال مساعده، وهي: [من الكامل]
إني وترت بصارم ذي رونق ... أعددته لطلابة (3) الأوتار
يا كوكبا ما كان أقصر عمره ... وكذا تكون كواكب الأسحار
فكأنّ قلبي قبره وكأنه ... في طيّه سرّ من الأسرار
* جاورت أعدائي وجاور ربّه ... شتّان بين جواره وجواري * (4)
وأما الرياض الصارمية فلفقدها نثر الورد كفوفه على الشوك وشق أكمامه، وقطع البان عذباته، وأغمد (5) البرق في غيوم الحزن حسامه، وقال أخوه الروض لما فقد خده الشريق (6): «والله ليس لي بعده شقيق». وهامت عوارض الريحان إلى النبات على وجنات تربته، وأقسم نسيم الصّبا لا يمرّ بريّا القرنفل إلا على أكناف بقعته، وعضّ المنثور على الأصابع وبكته عيون النرجس من الطلّ بدموع. وأشار النيل بأصابعه إلى وداعه فقد تغير لونه وخفقت من أمواجه الضلوع، ومزّقت الورق عليه من الأسف مدبج أطواقها، وأملت (7) فنون الحزن من أوراقها، وقلعت العربيات عيونها النعلية ومشت حافية على
__________
(1) الحبال: طب: الخبال.
(2) حد: طب: يد.
(3) لطلابة: ها: لطلايه.
(4) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(5) أغمد: تو، قا: أعمد.
(6) الشريق: ها: الشريف.
(7) أملت: ها: أسبلت.(1/337)
المحاجر، وبان (1) الزّحاف في خببها وسريعها ولم تفرح بعده في نظم البحرين بوقع حافر.
وكان الرمح قد تطاول فرحا به (2) وها هو اليوم بسجن الأحزان معتقل، ومقل السيوف أرمدها الصدى وتقرّحت أجفانها من رمد تلك المقل، ولم تصل سهام القسيّ بعده إلى غرض، وقصت (3) أجنحة ريشها وسقطت من كبد القوس فاصفرّ لونه كأنما اعتراه مرض، وقال خادم جواده إنه: [من الكامل]
لو كان يعلم ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلّمي (4)
لكنه مذ غاب فارسه بكى ... شكا إليّ بعبرة وتحمحم (5)
ولم لا يشكو فقده وهو الفارس الذي، شعر [من البسيط]
إن جسّ عودا رأيت الخيل راقصة ... كأنها في سماع هزّها النغم
أو حرّكت يده اليمنى له وترا ... على أعاديه غنّى البوم والرّخم
وكان روض صباه يانعا نضرا ... لكن بإقدامه كم شابت اللّمم
وساق كلّ عصاة الروم خاضعة ... يمشي إلينا وقد زلّت بها القدم
فالخيل والليل والبيداء تندبه ... والسيف والرمح والقرطاس والقلم (6)
علا نعشه فأخذت بنات نعش حظها من عزائه، ومشى على الماء من دموع الناس فاستوت المياه والأخشاب عند بكائه. وصلّينا عليه وعلى المحاسن يوم الجمعه، وماتت مكارم الأخلاق لموته فدفنت معه. وترفّعت تربته على الشهب لما ضمّت الكرم ولطف تلك الشمائل. وبقعة فيها مقام إبراهيم لا بدع أن تفاخر الشهب حصباؤها والجنادل. فرحم الله ذلك الصارم (7) الذي قطع مسرّاتنا بعده، وتجاوز الحزن عندنا لفقده (8) حدّه. ولقد رمنا رجوع الناس عن شدة الحزن عليه علما بأنهم سامعون، فقالوا عند إقبال مصيبته: {إِنََّا لِلََّهِ}
__________
(1) بان: ها: بات.
(2) فرحا به: تو: فرجاته.
(3) قصت: ها: قصه.
(4) البيت رقم 76من معلقة عنترة بن شداد برواية ديوانه، أما رواية الزوزني والأنباري فهي: يدري.
(5) تحمحم: طب: تجمجم.
(6) قارن بمضمون البيت الثاني والعشرين من ميمية المتنبي في عتاب سيف الدولة، شرح الواحدي للديوان 3/ 369.
(7) الصارم: قا: الغصن.
(8) لفقده: طب، تو: بفقده.(1/338)
{وَإِنََّا إِلَيْهِ رََاجِعُونَ} (1) ولم تحل لنا مرارة الصبر لفقده إلا بقول من قال: [من الكامل]
إصبر لكل مصيبة وتجلّد ... واعلم بأن المرء غير مخلّد
وإذا ذكرت محمدا ومصابه ... فاجعل مصابك بالنبي محمد
فالمقرّ يعلم أن سلطاننا محروس بعناية الله (2) في كل وقت ومؤيّد. وقد شملتنا العناية بعد إبراهيم وموسى ببركة أحمد، وما أحقّه بقول الخنساء، إذا أندبت أخاها حين تصبح وتمسى (3): [من الوافر]
وما يبكون (4) مثل أخي ولكن ... أسلّي النفس عنه بالتأسّي
وقد أشركنا المقرّ في هذا المأتم علما بأنه بمناكب حزنه على المقرّ الصارمي يزاحم، ونعلمه أننا قد فقدنا صارما فالمقرّ وإخوته بحمد الله دروع لدولتنا الشريفة وصوارم، وسيوفنا الماضية تجلّ عن العدد وتزيد على الحدّ، ورماحنا إذا امتدت اتصلت بأواخر الأعمار وقصّرت همزة كل سمهري عند ذلك المدّ، وما جرّدنا صارما إلا تدرّع به صدر الزمان وتستّر، ولا قابلنا جمع صحيح سالم إلا جمع على القلة وتكسّر. ونحن ملوك العوالي السمهريه، والمواضي المشرفيه، والعديد الأكثر (5). وإذا سرنا تحت أعلامنا المؤيدية من تبّع في حمير، ولكن الحزن على إبراهيم تقدّمنا فيه سيد البشر، فاقتدينا بهذه السنّة الشريفة وتمسّكنا بطيب هذا الأثر. ورأينا الزهر الصارمي قد ذوى بعد ما شاهده المقرّ وهو يانع، فأعلمناه بذلك ليبادر إلى سقياه بماء المدامع (6)، والله تعالى يحسن له العزاء في هذا المصاب، ويحسن أيضا ختامه بجزيل الثواب.
بمنه وكرمه (7) إن شاء الله تعالى، والحمد لله وحده،
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم (8)
__________
(1) سورة البقرة 2/ 156.
(2) الله: قا: الله تعالى.
(3) تمس: طب: وحين تمسى.
(4) يبكون: طب: تبكون أنيس الجلساء 153: يبكين.
(5) الأكثر: ها: الأكبر.
(6) بماء المدامع: طب: بالمدامع.
(7) بمنه وكرمه: ساقط من قا.
(8) سقطت الحمدلة والصلولة من طب، تو، ها، قا.(1/339)
(79)
تعزية بصارم الدين إبراهيم عن السيفي جقمق كافل السلطنة بالشام المحروس:
جواب المقرّ السيفي (1) جقمق كافل السلطنة بالشام المحروس (2) على يد المصونة والدته وسيف الدين إينال أمير سلاح عن التعزية المذكورة وهو:
بسم الله الرّحمن الرّحيم يقبّل الأرض وينهي بعد ما أعجزه من الألم بهذه الصدمة الملمّة، وأخرجه من الإعلام بهذه الوصمة المهمّة، التي ارتعدت لها فرايص القلوب وتقلقلت، وتزعزعت أركان الممالك وتزلزلت، وانقصمت لظهورها الظهور أشدّ انقصام، وطلب التوصّل للتمسك بعرى الصبر فإذا هي ذات انفصال وانفصام. وعاد بياض النهار كالليل البهيم، وتحدث الناس أن الشمس كسفت لموت إبراهيم، فياله من قضاء، ضاق به الفضاء، وغصن ذوى، ونجم هوى، وجواد كبا، ونبأ نبّأ أن الصارم نبا، وآزفه، {لَيْسَ لَهََا مِنْ دُونِ اللََّهِ كََاشِفَةٌ} (3). ولقد أخذت البلاد من الرزء بهذا المصاب، بأتمّ نصيب وأكمل نصاب. لا سيما دمشق المحروسه، إذ وافى مغانيها وهي بأنواع المحاسن مأنوسه، فاستوحشت لذلك بعد الإيناس، وقطرت الدموع وصعدت الأنفاس، ولبست شحاريرها من الحداد، ما تعممت به رؤوس الأقلام من المداد، وغدت بادية الكمد والانتحاب، وبدا على جبهتها أمارة الحزن والاكتئاب. مغلقة أسواقها، ممزقة أطواقها، وأبدلت الورق بترداد ترديدها، تعداد تعديدها. وبالجملة فقد كان الذي خفت أن يكونا، إنا إلى الله راجعونا (4). وأقسم بالرحمن لو كان
__________
(1) المقر السيفي: قا: المقر الأشرف السيفي.
(2) كافل المحروس: تو، طب، ها: كافل السلطنة الشريفة بالشام المحروس قا: كافل المملكة الشامية.
واصل ناسخ مخطوطة ق نسخه من «على يد المصونة» مواصلة نص نسخة ق. وهو سيف الدين جقمق الدوادار («الضوء اللامع» للسخاوي ج 3ص 7574رقم الترجمة 288و «المنهل الصافي» لابن تغري بردي ج 4ص 274227رقم الترجمة 847، سيف الدين جقمق بن عبد الله الأرغون شاوي الدوادار و «السلوك» للمقريزي ج 4ص 508507. 122836،،
(3) سورة النجم 53/ 57.
(4) كان راجعونا: كتب ناسخ نسخة قا هاتين الفقرتين في شكل مصراعين: كان الذي خفت أن يكونا.
إنا إلى الله راجعون.(1/340)
يفتدى بمالي وروحي كنت أول فادي فلقد كان كما قال أبو تمام: (1) [من الخفيف]
زهرة غضّة تفتّح (2) عنها المج ... د في منبت أنيق الجناب
أنزلته الأيام عن ظهرها من ... بعد ما حطّ (3) رجله في الرّكاب
وحكى الصارم المحلّى سوى أ ... نّ حلاه جواهر الآداب
أسبل الله عليه شآبيب الرحمة والغفران، وأسبغ عليه جلابيب الرأفة والرضوان.
ولقد كاد (4) المملوك يقضي أسى من شدة ما تألّم، ولكنّ الله سلّم، بأن أطفأ من لهيبه، وسكّن بعض وجيبه، وبسط أمله ورجاءه، بما أمّله من دوام الأيام الشريفة وارتجاءه.
فهي الأيام التي بها إعزاز القبلتين، وإجلال الحرمين الشريفين، أيّد الله تعالى تأييدها، وأبّد (5) تأبيدها، وجعلها وارثة بقية الأعمار والآجال، وسدّ عنها طرق الحوادث حتى لا يبقى إلى التطرق إلى حماها مجال. وإذا علم تحتّم حلول هذه الحال، وأنها نهاية محطّ الرّحال، فأولاها موضعا، وأطلاها موقعا. ما حذفت به الفضلة لإبقاء العمدة، وإذا سلم السيف فلا عهدة على من لصونه أتلف غمده. واقتداء الأكابر بالصغار (6)، كاقتداء الأصول بالثمار. ولقد عزّ والله على المملوك كونه معزّيا، وبرغمه أنه أصبح مسلّيا، مع تحقيقه أن مقام مولانا السلطان أسمى من أن تؤنسه المنح بالعطايا، أو تؤنسه المحن بالرزايا، لأنه أسبق إلى ادّراع (7) الصبر، وتجليب الشكر، والارتداء بأردية الاستسلام، والاقتداء بسنّة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وأولى مقتد بسبيل ذي الخلق العظيم، وأحق متأسّ عند وفاة ابنه إبراهيم. لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، ولولا ورود السنة الشريفة * بتعزية المصاب، لم تكن للمملوك طاقة على هذا الباب. والله تعالى يجعل الحياة الشريفة * (8) عوضا عن كل فقيد وبدلا
__________
(1) «ديوان أبي تمام» ج 4ص 45.
(2) تفتّح: نفس المرجع: تفتّق.
(3) بعد ما حط: نفس المرجع: إثبات.
(4) كاد: طب، ها: كان.
(5) ابد: طب، تو، قا: أيد.
(6) الصغار: تو، ها: الأصاغر.
(7) أدراع: ها: افراغ.
(8) ما بين النجمتين ساقط من ها.(1/341)
من كل عديم، وأن يأذن لنار التأسّف أن تكون بردا وسلاما على إبراهيم.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
(80)
جواب المؤلف على مكاتبة السيفي جقمق كافل الشام المحروس:
ومما أنشأته ما كتبت به عن نفسي (1) جواب مولانا ملك الأمراء كافل الشام المحروس وهو المقر السيفي جقمق أعز الله تعالى أنصاره عن رسالة كتبها إليّ (2) تتضمن التشوّق والاستدعاء إلى شيء من إنشائي فكتبت (3):
يقبّل الأرض وينهي هيمانه إلي التيمم (4) بتربها ليأوي إلى ربوة ذات قرار، ومعين (5)، ويسمع بلبل الأفراح وقد غنّى له بعد الجنك والدفّ على عود وطار، ويشاهد ستّ الشام وقد عادت إلى عصر الشبيبة وكشفت عن جبهتها الزاهرة الخمار. وينهي ثانيا أن روض الشام لما سقي بماء العدل نشق المقام الشريف بالحضرة الشريفة أزهاره، وتحقق أن الشقراء والأبلق ليس لهما فارس إلا مولانا ملك الأمراء أعز الله أنصاره وقد زادت قيمة دمشق المحروسة والأموي أول من فتح باب الزيادة، وفتح النصر بابه وجاوز مولانا ملك الأمراء فرفل في حلل دار السعاده. وتزايد الأمن حتى كشفت عروس الغوطة عن خلخالها السعيد، وحل بها ركابه الكريم فتخلّقت بالزعيفرينة ورقصت فرحة على شبّابة (6) يزيد، وكانت دمشق في ضيق وعلى خطر ففتح لها (7) باب الفرج وباب السلامه، وقالوا: «هل أتى هذا
__________
(1) ومما نفسي: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها: ومن إنشائه غفر الله تعالى عنه قا:
ومن إنشائه.
(2) إليّ: في بقية النسخ: إليه.
(3) من إنشائي فكتبت: في بقية النسخ: من إنشائه فكتب.
(4) إلى التيمم: ساقط من طب.
(5) معين: ساقط من طب، ق، تو، ها، قا.
(6) شبابة: قا: شبّابة.
(7) ففتح لها: طب: ففتح.(1/342)
البلد مثله في العصر؟» فقيل: «لا وإلى القيامه» (1)، وأعلنت الأمة بالحمد لرب الناس وعوّذت مولانا ملك الأمراء برب الفلق، من شرّ غاسق إذا وقب وقصدت العموم فقالت: {مِنْ شَرِّ مََا خَلَقَ} (2)، وفتح لمدارس الكتب والعلم (3) أبواب، وما فضل عالم في مذهبه إلا كان له مولانا ملك الأمراء من أكبر الأصحاب. ومشت الأئمة الأعلام لنصرة الشريعة المطهرة تحت أعلامه، ومشى معهم على سنن الشرع الشريف فبادروا في تنفيذ أحكامه. وظهر نجم قضاة القضاة في لياليه المشرقة وقارنه سعد السعود، وحكم بصحة عدله وعدالته وكيف لا وشيخ مشايخ الإسلام خلّد الله ملكه من أكبر (4) الشهود، وفطّر أكباد أهل الظلم فنووا عن مظالم رعيته الصوم، ونادى المنادي وقد اقتبس من أنوار عدله لأظلم اليوم، وطابت طيبته بتواتر الميرة (5) ونظرت بعينها الزرقاء إلى جهة الشام وقالت: «المدينة شاميّه»، وزمزم القبول في مقامه الذي أنشأه عند سقاية العباس فقالت قبّة الشرابي: «أهلا بهذه المشارب الهنيّه»، فلو أدرك ابن الوردي زمانه المعتدل ما ركّب لفصله الفاسد تركيب مزج على بعلبك، ولا أنشد في قارة «قفا نبك»، وشاهد العاصي وقد خرّ بحمص طائعا وتعلق بأذيال (6) الجزيرة يطلب الأمان، وقالت نواعير حماة: «والمحمّدية (7) لنا مدّة ندور على مثل هذا الزمان».
وأما المرسوم الكريم فقد وقف له المملوك وقوف عبد تميز في عبوديته إذ صار من مالكه مكاتبا، وتنزّه في حدائق إنشائه بين سواد السطور وبياض الطروس، فرأى من الليل والنهار عجائبا، وشاهد إنشاء لو أدركه الفاضل البيساني لقال: «صافي هذا الإنشاء خاص عليّ وعلامه»، أو لحقه ابن نباتة لقال: «ما لخبز الشعير هنا سوق تقام ولا إقامه».
فتأدب المملوك معه وعلم أنه النثر الذي تنثر عنده عقود النظام، وقال متأدبا: «ومن يجهل
__________
(1) لا وإلى القيامة: ق: لا وإلى يوم القيامة قا: لا ولا إلى القيمة.
(2) سورة الفلق 2/ 113.
(3) الكتب والعلم: طب: العلم والكتب.
(4) من أكبر: طب، ق: أول.
(5) طيبته بتواتر الميرة: طب: طيبته المنيرة.
(6) باذيال: طب: بادبار.
(7) والمحمدية: تو: والحمد لله ها: والحمدية.(1/343)
أن كلام الملوك ملوك الكلام؟». وامتثل المراسيم الكريمة في القيام بخدمة فلان والعلوم الكريمة محيطة أن أبا بكر ما خرج يوما عن صداقة محمد، وراجع تورية الإنشاء فلازم الدعاء الذي ما برح به في رقّ العبودية يتعبّد. وقد عاد المشار إليه إلى الأبواب العالية بعد ما جنى ثمرات المراسيم الكريمة وتفكّه بها في الديار المصريه، وكرر معه محبة صاحب ديوان الإنشاء الشريف نبات الصحبة فحلي مكرر النباتات الحمويه. وأراد المشار إليه عظّم الله شأنه نظم شمله على البحر المديد لتصير عينه بحسن هذا النظم قريره، فجذبه زمام الشوق إلى ظل مولانا ملك الأمراء فهام إلى {ظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمََاءٍ مَسْكُوبٍ وَفََاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} (1)، والله تعالى يجعل أيامه لمماليك أبوابه العالية غرّة في جباه الأيام، ولا زال مسك لياليه شامة بوجه الشام، ويحصل منه إن شاء الله حسن الختام.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى، والحمد لله وحده،
وصلاة على محمد وآله وصحبه، وحسبنا الله ونعم الوكيل (2)
(81)
تقليد كمال الدين محمد بن البارزي بصحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الاسلامية (2ذي القعدة 823هـ):
ومنه (3) تقليد المقرّ الأشرف (4) الكمالي محمد بن المقرّ الأشرف (5) المرحوم الناصري محمد البارزي (6) بصحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة عوضا عن والده المشار إليه بحكم وفاته رحمه الله (7) بتأريخ ثاني ذي القعدة الحرام سنة ثلاث وعشرين وثماني مائة (8) وهو:
__________
(1) سورة الواقعة 56/ 32.
(2) بمنه الوكيل: ساقط من قا وسقطت الصلولة والحسبلة من تو، ق.
(3) ومنه: طا، طب: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته قا: ومن إنشائه.
(4) المقر الأشرف: طا: مولانا الجناب الكريم.
(5) المقر الأشرف: طا: الجناب.
(6) راجع ص 29حاشية 3.
(7) رحمه الله: ها: إلى رحمة الله تعالى ساقط من قا.
(8) سنة ثلاث وعشرين ثماني مائة: قا: من السنة المذكورة وهو.(1/344)
الحمد لله الذي كمّل الأمة بمحمد وأراها بعده وجه الكمال، وجعل العصابة البارزية فحول ميادين الإنشاء وفرسان المقال، وميّزهم في الشرف وحسن التمييز ووثّق بهم عرى الإيمان وشدّت إليهم الرّحال، فمن أنكر قربهم من الشافعي فإن (1) الله يبعده ويقصيه، ومن عارض بيتهم بسوء فإن للبيت ربّا سوف يحميه. نحمده حمد من ورث الفضائل من أبيه وجدّه و «شابه أباه فما ظلم». نشكره شكر من نال رتب المعالي بالتمام والكمال ورفل في سوابغ هذه النعم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ما برح كمالها في نموّ وزياده، وكيف لا وقد عوّدنا الحاكم عند أدائها بالقبول فمنه جلّ جلاله عادة ومنّا شهاده، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي إن ذكر إنشاء الأدب فما نقول (2) فيمن أدّبه ربّه فأحسن تأديبه، وأفرده بجوامع الكلم وألهمه البيان فأهلّ بديعه وغريبه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قلّدهم منن العلم وقلدوه أمورهم، فعلى كل حال تقليد محمد مشمول بالبركة والشرف، صلاة تهتزّ بها فروع الأدواح ويظهر بها من كل أصل طاهر نعم الخلف، وسلّم تسليما.
أما بعد، فقد تقدم وتقرر أن البيت البارزي بيت مبارك فتح منه للعلم أبواب، وهو جزء من مذهب ابن إدريس (3) وهذا الجزء ظهر منه بفاطر السموات والأرض أحزاب، وشهرته في الفضل (4) فلق الصباح عمود أركانها فما شهرة النار على العلم، فقل لمن خفي عليه هذا النور: [من البسيط]
وما انتفاع أخي (5) الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظلم؟ (6)
فإنه البيت الذي وهبه الله شرف العلم ورحم منه كل ميت. فقل لكل من مشايخ الإسلام: «ناشدتك الله هل تنكر هبة الله لهذا البيت؟، وما خفي أن إمامكم الأعظم أول من رعى حقوقه وبادر إلى رفع منازله (7)»، * وها هو قد شرع في رفع قواعده وتشييد
__________
(1) الشافعي فإن: قا: الشافعي رضي الله عنه كان.
(2) نقول: قا: تقول.
(3) ابن إدريس: قا: ابن إدريس رضي الله عنه.
(4) في الفضل: طب: في الفجر ق: في الأرض.
(5) وما انتفاع أخي: ق: وما أشاع في.
(6) البيت للمتنبي، راجع «شرح ديوان المتنبي» للبرقوقي ج 4ص 83.
(7) منازله: طب: مناله.(1/345)
كماله * (1)، ولهم هذا الفرع الذي زكت أصوله وسقيناه ماء القرب فأثمر. وقد أنبته الله نباتا حسنا، والنبات الحموي حسنه لا ينكر. غاب نيره الأكبر فأبدر بعده هذا البدر في كماله ما أبهاه، ولجأ إلينا وإلى الله (2) فزاده كمالا وعلّمنا أن الكمال لله.
وسلكناه في حياة والده فكان لمشيختنا الشريفة نعم المريد. * وأخذ عنّا الأدب * (3)
فأجاد نظمه، وها هو اليوم في البيوت البارزية بيت القصيد. وطوقناه بإنعامنا الشريف فحلا سجعه في الأوراق، وناهيك بسجع المطوق، وفضل لسان قلمه تتجمّل به التورية إذا قلنا أنه في الرقاع محقق، فإن الكتابة دون كماله ومحاسنه تجلّ أن تقابل بمثال. وإن كان الكمال (4) زهى بحاشيته، فحاشيتنا زهت بهذا الكمال. وهذه الوظيفة دينية وشرف سرها لا يجحد، ودينه عندنا ثابت والمسلمون مجمعون على دين محمد.
ولما كان الجناب الكريم العالي القاضوي الكبيري (5) الكمالي، مشير الملوك والسلاطين، ولي أمير المؤمنين محمد بن الجناب الكريم المرحوم الناصري محمد بن البارزي ضاعف الله تعالى نعمته عدى من اقتدى بأبيه في الكرم، وحسن هذه الشيم. وتذكر ديوان إنشائنا الشريف جيرة والده ولم يتذكر جيرانا بذي سلم. وأطلق ألسن أقلامه وصرح بطلب ولده، وقال: «إجماع الناس على أن الشبل في المخبر كأسده». اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعرب (6) عن بناء هذا البيت المحمدي لالتماس بركته، ونرعى لديواننا الشريف قربه منه وحقوق جيرته.
فلذلك رسم الأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زال كماله الزاهر متصلا بالأفق، وإذا تكلف بدر السماء وناظره نقص عند الكمال وأمسى مرميا على الطرق،
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(2) الله: قا: الله تعالى.
(3) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(4) الكمال: طب، تو، ها: الجمال.
(5) العالي القاضوي الكبيري: طب: القاضي الكبيري وأضافت كل من طب، ق، تو، ها بعد «الكبيري»:
التميمي (؟) السفيري (ق: السري طب: السفري) المشيري (ساقط من ها).
(6) نعرب: ها: تعرب.(1/346)
أن يفوض للمشار إليه صحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة على عادة والده وقاعدته، تفويضا شرعيا معتبرا مرعيا مرضيا، فإن الزمان فرّط في والده ولكن استدرك به فارطه، * وقد نظمناه في عقد ملكنا الشريف وها هو اليوم لهذا العقد نعم واسطة * (1). وكان القلم قد ابيضّت عينه السوداء حزنا على أبيه، ورأى صبح الطرس مظلما، واليوم راجع عينه السواد فسجد للباري وأنشد للفرح (2) مترنّما: [من الطويل]
هناء محا ذاك العزا المتقدّما ... فما عبس المحزون حتى تبسّما
ثغور ابتسام في ثغور مدامع ... شبيهان لا يمتاز (3) ذو السبق منهما
نردّ مجاري الدمع والبشر واضح ... كوابل غيث في ضحى الشمس قد هما
سقى الغيث عنا تربة الفاضل الذي ... عهدنا سجاياه أبرّ وأكرما
ودامت يد النعمى على الفاضل الذي ... تدانت له الدنيا وعزّ به الحمى
بليغان هذا قد هوى لضريحه ... شهيدا وهذا للأسرّة قد سما
ودوحة فضل بارزي تكافأت ... فغصن ذوى منها وآخر قد نما
وناداه فضل قد تقادم إرثه ... فقام كما ترضى العلى وتقدّما
فإن يك وقت من أبيه قد انقضى ... فقد جددت علياه وقتا وموسما
هو الغيث ولّى بالهناء مشيّعا ... وأبقاه بحرا للمكارم منعما
به انبسطت فينا التهاني وأنشأت ... ربيع الهنا حتى نسينا المحرّما.
وامتدت ألسن الأقلام إلى ثغور المحابر فرحة فقبلتها، وانشرحت صدور الأوراق وعلق عليها عنابر سطوره فجمّلتها، وقالت لحمر أقلامه: «أهلا بالعربيات التي ليس لها إلّا الأيادي الجهنية غرر، ومرحبا بعد التوبة بقهوة الإنشاء، فإن شباب الزمان قد عاد، وزهر المنثور قد أزهر». وجاءنا المنشئ الذي إن كتب تقليدا قالت البلغاء: «هذا الإمام يجب تقليده، وهذا هو الخليفة على السرّ الشريف وأمينه ومأمونه ورشيده»، وإن تحمّس في إنشائه قال الجبان: «لا أقعد الجبن عن الهيجا»، أو استطرد إلى وصف روض ممزّج (4)
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(2) للفرح: طب: من الفرح.
(3) يمتاز: ها: يجتاز.
(4) مصفرّ بعد خضرة.(1/347)
زاد الناس هرجا ومرجا، أو ترسّل غراميّا فما حديقة زهير عند زهر منثوره، أو كتب عنا تهديدا أسال جامد الصخر وسمعت الجوزاء حديثه مع الحصى عند خريره، فإنه المنشئ الذي ما اعتقل رمح قلمه واهتزّ في يمينه هزه، إلا قال كل منشئ: «دخلت إصبع قلمي من دواتي تحت رزّه». ولا أنشأ رسالة إلا أظهر فيها معجزات بلاغته، وقد علم أن الناس مقرّون بفضل محمّد ورسالته. ولا هزّ من دوح أقلامه فرعا إلا تساقط منه بين الأوراق ثمرات شهية. فلو أدركها ابن صاحب لقدّمها وأخّر الفواكه البدرية، فلو عاصره بنو (1) فضل الله لأقرّوا والله بفضله، والكلستاني فما لعجمته في الأدب فصاحة هذا الجهني ولا عراقة أصله. ولو ناسبه الفتح لقابله المؤمنون بالقتال. وأما والده فقد اعترف عندنا بكماله، وهذا التقليد هو لثبوت ذلك الاعتراف إسجال. فإنه الأمين الذي إن تصرّف في مزرّتنا الشريفة فقد تقدم أنّ توثيق العرى لبيته العالي، أو أملى في ديواننا الشريف كانت أماليه أمالي المحبّ لا أمالي القالي. ويراعه هو الموصول الذي ما تنفّس (2) على دفّ طرس إلا سمع منه المرقص والمطرب، وقال المنشئون وقد سكروا في الحضرة بإنشائه: «من أين هذا النفس الطيّب؟» (3)، وأما النظم فإن سئل عن بلاغة بيوته هل درست أم صخرها ثابت لم تغيره مدّه، فسلوا (4) هذا العربيّ فإنه جهنيّ ويقين الخبر عنده، فلو أدركه ابن نباتة ودّ أن تكون من نباته الحموي جلاسة (!) (5) قطره، وتمنّى لحدائق منثوره زهرة من نثره. وأما العلوم فبيته لها أهل وهو إن شاء الله صالح أهلها، والاستعانة بهذا الصالح وقعت بمشيئة الله في محلها.
فليباشر ذلك على ما علم (6) من هذه الصفات التي لم تنسب لغير كماله وعلوّ قدره، ويقابل هذه النعم التي عقدت عليها الخناصر بحسن خواتم شكره، وقصص المستحقين يمد لها من أنفال قبولها (7) مائده، ويعرب لهم عن صلتنا الشريفة لتكون عليهم
__________
(1) فلو عاصره بنو: قا: فلولا عاصره ابن.
(2) تنفس: ق: نقر.
(3) النفس الطيب: طب: النفس والطيب.
(4) فسلوا: طا: فاسلوا قا: فاسالوا ها: فسلوا عن.
(5) جلاسة: كذا في جميع النسخ الكائنة تحت تصرفنا وربما هو تحريف ل «خلاصة».
(6) علم: طب: عرف.
(7) قبولها: تو، قا: قبولنا.(1/348)
عائده، والملخّصات فهو مفتاح تلخيصها وبيان معانيها يؤخذ من فهمه البديع، والبريد يمد لخيوله مديد الأرض وبسيطها وينقلها من الجنب إلى السريع، ولا يجعل للبريدية غير تفاصيل البرد شعارا، ولا يترك لهم في بحر الثبات قرارا، وحمام الرسائل يهيّمه إلى السجع إذا أراه غصن قلمه أوراقه (1)، ومهما حمله (2) بعد ذلك من ترسّله حمله بطاقه. والوصايا كثيرة ولكن في كماله غنية عن التكرار، وفي حسن بصيرته ما يغني إن شاء الله تعالى عن مسالك الأبصار. والله تعالى يصيب به الأغراض في مرامي كل مرام، ويحسن مطابقته البديعة في النقض والإبرام، وكما كمل به نظم البيوت البارزية يحسن به الختام. إن شاء الله تعالى.
(82)
توقيع لبدر الدين محمد بن مزهر الشافعي بنيابة كتابة السر الشريف بالديار المصرية (17ذي الحجة 823هـ):
ومنه (3) توقيع المقرّ المخدومي البدري ابن مزهر (4) بنيابة كتابة السرّ الشريف بالديار المصرية في سابع عشر ذي الحجّة الحرام سنة ثلث وعشرين وثماني مائة (5).
الحمد لله الذي جعل بدر بني مزهر في كل وقت مزهرا، وحفظ زمان إبداره فما برح في أفق السعود مبدرا، وأطلع نجوم البلاغة في سماء طروسه، وجعل ليل كل سطر بأياديه البيض مقمرا. وكيف لا وهو البدر الذي قارنه السعد وقارنته التورية بالكمال.
فلو قابلته الغزالة توحّشت عند محاسنه التي تتطفّل عليها الأغزال. صفت له سماء السعادة فطلع هلالها من جبينه وأزهر، ونقلته إلى منازلها العالية فأبدر. نحمده حمد من آواه الله في مبادئ عمره إلى ربوة ذات قرار، وأعزه في مصر بعزيزها ومسّكه من النبي صلى الله عليه وسلم بطيب الآثار. ونشكره شكر من بخل أفق الفضل بأن يبدر فيه غيره وجعله الله كريما كاتبا، وإذا أنشأ قالت البلغاء: [من الكامل]
__________
(1) أوراقه: ها: وأوراقه طب: وأرزاقه.
(2) حمله: ها: عمله.
(3) ومنه: طا، طب: ومن إنشائه فسح الله في أجله ق، قا: ومن إنشائه توقيع ها:. ومن إنشائه تغمده الله برحمته.
(4) وهو بدر الدين محمد بن مزهر الشافعي (راجع «السلوك» للمقريزي ج 4ص 637، 665، 667).
(5) سنة مائة: قا: للسنة المذكورة وهو.(1/349)
لو أن أغصانا جميعا ألسن ... تثني عليك لما قضينا الواجبا
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لإيضاح بدرها في سماء القبول إن شاء الله تكمّله، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل رسول أنشأ لأمّته الخيرات فصدّقت ترسّله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تجعل بيت من أخلص بها مزهرا في حدائق الرحمه، وتطلع بدره في منازل الشرف وتزيل به كل ظلمه، وسلم تسليما كثيرا (1).
أما بعد، فقد تقدم وتقرر أن دوح بني مزهر ما برحت غياض الشام به قديما مزهره، وأغصان أقلام الإنشاء ما زالت مفكّهة بكلامه الغض ومثمره. وكم اهتزت تلك الأغصان بسجعهم المرقص بين الأوراق، وهامت الورق بمطرب هذا السجع فانجذبت إليه بالأطواق. وفتح بني الشهيد (2) كان صاحب السيرة ولكن سدّ الفتح في أيامهم بابه، وتحقق أن البين قص جناحه وأطار عليه غرابه. وها فرع ذلك الدوح قد امتدّ إلى أيامنا الشريفة وأزهر، وشرب عندنا من عين يشرب بها المقربون فأثمر، وخطبته رياض الشام لنفسها لشغفها القديم المتزايد، وبذلت له الخلخال وقالت: «زهر لوزي لهذه الخطبة عاقد». فراودته مصر التي هو في بيتها عن نفسه وقالت له: «أنا ذات الأقراط التي لم تحتج في سموّها على الخلخال إلى شاهد»، هذا وفي النيل المؤيدي والنيل المبارك ما يغنيك عن الزائد: [من الطويل]
ومن ورد البحر استقل السواقيا (3)
وكلّ سحاب لا أخصّ الغواديا (4)
وزاد تغاير المصريين على نور طلعته البدريه، فأردنا أن نجمع بإنشائه بين الفواكه الشامية والحلاوة القاهريه. وإنه المنشئ الذي ينفث سحر بلاغته من أقلام البلغاء في العقد، ويعوّذه كلّ بليغ {وَمِنْ شَرِّ غََاسِقٍ إِذََا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفََّاثََاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حََاسِدٍ إِذََا حَسَدَ} (5)، وهو الأمين الذي ليس لغصن قلمه إلى جهة الباطل ميل، وإذا كتب ورمل قلنا: «ما أبهج شفق الصبح في أثر الليل».
__________
(1) تسليما كثيرا: ساقط من قا، ها.
(2) كذا في جميع الأصول.
(3) عجز بيت للمتنبي من قصيدة مشهورة في مديح كافور الإخشيدي. أنظر: «شرح ديوان المتنبي» للبرقوقي ج 4ص 423.
(4) عجز بيت آخر من نفس القصيدة، أنظر نفس المصدر ج 4ص 426.
(5) سورة الفلق 113/ 3، 5.(1/350)
ولما كان المجلس العالي القاضوي البدري محمد بن مزهر الشافعي أدام الله تعالى نعمته هو بدر هذه الصفات التي لو رآها بدر المقنّع تلثّم بغيم الخجل وتجلّل، وأنشد (1): [من الكامل]
ما الشمس حمرة وجهها من حسنها ... لكن تراك كما أراك فتخجل
اقتضت آراؤنا الشريفة أن نطلعه في أفق ملكنا الشريف ونتبرّك بطلعته، لتصير ليالينا الشريفة مقمّرة بأبداره ونور بهجته.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المؤيدي السيفي، لا زالت بدور ملكه الشريف في أفق سعادته طالعة، وفروع بني مزهر مزهرة في أيامه الشريفة ويانعه،
أن يستقر المشار إليه في وظيفة النيابة لصحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة على أجمل العوائد وأكملها، وأعلى القواعد وأفضلها. علما بأنّ البدر ميله إلى الكمال لا ينكر، وحبه لصحابة محمد من «قفا نبك» أشهر. فإنه أعرض عن الشيعة التي ألفاظها بالرفض لهذه الصحابة مشحونه، وكيف لا وسيوف السنّة ما برحت في بيته المحمدي (2) مسنونه، وإن ذكر الإنشاء فهو فارسه الذي تشهد بسبقه (3) الشقراء والميدان، وخاص (4) نثره رخص (5) دقائق البيساني وصاحب خبز الشعير ليس له على مائدة هذا الخاص مكان. طال ما أزهر بروض الشام في حضرتنا الشريفة منثوره، وأمطر سحب بلاغته فسالت أودية فضل أزهر بها سيلونه وميطوره (6)، وأدخلناه مصر بسلام فسلم البلغاء له وعليه، وكشف للطلبة حجاب الإنشاء فأعرضوا عن دستور ابن فضل الله ولم يلتفتوا إليه. ولقد تقدّم حسن سعيه في خدمتنا الشريفة وكان سعيا مبرورا، وها قد تلا له لسان الحال: {إِنَّ هََذََا كََانَ لَكُمْ جَزََاءً وَكََانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} (7).
__________
(1) أنشد: ق: أنشد مستقربا وتخلل.
(2) في بيته المحمدي: قا: في بيوته المحمدية.
(3) بسبقه: تو، ها: لسبقه ق: بسيفه.
(4) خاص: قا: خاض ها: حاض.
(5) رخص: قا: نقص.
(6) سيلونه وميطوره: كذا في طا، طب، ها تو: سبلونه ومبطوره قا: سيلونه وممطوره ق: سلونه
(7) سورة الإنسان 76/ 22.(1/351)
فليباشر ذلك على ما شرح من هذه الأوصاف التي لم ينسب كمالها إلى غير بدره، ويقابل نيل إنعامنا الشريف على هذا الوفاء بأصابع شكره، والوصايا كثيرة، ولكن في دينه وأصالة رأيه ما يغنيه عن الخطل، وقد رأيناه وتركنا من سمعنا به فحسن أن نقول (1): [من البسيط]
في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل (2)
والله تعالى يزيد أفق ملكنا الشريف ببهجته البدرية نورا، ويجدد (3) لنا في كل وقت بطلعته الميمونة نصرة وسرورا، ويرفعه في أيامنا المعربة عن فضله رفع الأعلام، وكما أحسن ابتداؤه في خدمتنا الشريفة يحسن (4) له الختام.
بمنه وكرمه (5) إن شاء الله تعالى (6)
(83)
مكاتبة واردة من علم الدين سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا (في 18ذي الحجة 823هـ):
وبتأريخ ثامن عشر ذي الحجة الحرام سنة ثلاث وعشرين وثماني مائة، ورد على الأبواب الشريفة المؤيدية كتاب صاحب حصن كيفا وهو المقر العادلي العلمي الأيوبي (7)، أعز الله تعالى أنصاره (8):
يقبّل الأرض أمام المواقف الشريفة، العالمية، العاملية، العادلية، المظفرية، المنصورية، المجاهدية، المرابطية، المثاغرية، المولوية، المخدومية، السلطانية، الأعظمية، الملكية، المؤيدية،
__________
(1) قارن برواية عجز البيت من شعر المتنبي، في شرح شعره للبرقوقي ج 3ص 205.
(2) في «ديوان المتنبي»: طلعة الشمس.
(3) يجدد: ها: يجرّد.
(4) يحسن: قا: يحسن الله تعالى.
(5) بمنه وكرمه: ساقط من طا، قا.
(6) سقط الاستثناء من طا، طب.
(7) الأيوبي: تو: السليماني ق، ها: سليمان.
(8) وبتاريخ أنصاره: قا: وفي الشهر المذكور من السنة المذكرة ورد على الأبواب الشريفة المؤيدية مكاتبة المقر العلمي العادلي الأيوبي سليمان صاحب حسن كيفا وصورتها.(1/352)
أعز الله بدولتها القاهرة أنصار الدين الحنيف، وحرس بسطوتها الظاهرة أكناف ممالكنا من التغيير والتحريف، وجعل لثم عتبات أبوابها الشريفة موصلا لنيل السعود وسببا للتشريف، وأوجب طاعة خلافتها على كل من جرى عليه قلم التكليف، ولا زالت أحكام سلطانها (1)
مستولية على مواقع الغروب والإشراق، ومكارم إحسانها متكلفة لأعاظم الملوك والسلاطين بالاستحقاق، وأيدي إنعامها مبسوطة بالجود، وكيف لا يكون ذلك وقد جعلها الله تعالى موجبا للأرزاق، ومنن تفضلاتها مناطق في الخصور وقلائد في الأعناق، وأوامرها ونواهيها نافذة في البلاد والأمصار فلا تختصّ بها مصر ولا الشام ولا العراق،
وينهي أقل المماليك والعبيد، الذي لم يتبع مثله بالطارف والتليد، إلى العلوم الشريفة، ضاعف الله تعالى شرفها، وأدام على كافة الأنام كنفها، بعد الابتهال إلى الله تعالى بصالح الدعاء، والتمسّك من موالاة تلك الدولة المؤيدية بأيمن الرجاء، والتوسل لنيل السعود وحصول المقصود (2) من تلك الدولة الشريفة نسبة الأجداد والآباء، أنه استفاض وذاع، واشتهر وشاع، بنصّ كلام الله (3) وأحاديث رسوله عليه السلام (4) أن مغبّة الظلم والعناد، وخاتمة الجور والفساد، وعاقبة العدوان ونهاية الاستبداد، خسران ووبال وهلاك وبعاد. فمصداق هذا أنّ قرا يوسف وأتباعه كانوا بكل فعل قبيح يتقلبون، وبكل سوء للعباد والبلاد يضمرون، حتى الأماجد الكرام بل سائر الأنام من قبح أفعالهم يتضوّرون. فقضى الله إذا أراد شيئا أن يقول له «كن» فيكون، انتقم (5) من ظلمه وظلم أتباعه لقوله: {سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (6). فحاصل الكلام أن بكرة نهار الخميس الرابع والعشرين من شهر ذي القعدة الحرام أدام الله تعالى حرمتها كان قد جهز ولد خال أقل المماليك وهو حاكم بمدينة بدليس قاصده فأورد الخبر السارّ، وأهدى إلينا الاستبشار، وجلب إلى العين القرّة وإلى القلب القرار، أن ابنة أميرزا التي كانت زوجة قرا يوسف قد سقته بأمر الباري، كأسا من السمّ الساري، ففي ليلته قضى
__________
(1) سلطانها: طب: سلطاننا.
(2) والتوسل المقصود: ق: والتوسل لنيل المقصود (وبعده بياض مقدار كلمتين).
(3) الله: قا: الله تعالى.
(4) عليه السلام: قا: عليه أفضل الصلوة والسلام.
(5) انتقم: ها: انتقل.
(6) سورة الشعراء 26/ 89.(1/353)
نحبه وسلّم روحه لمالك. ففرح أهل الإسلام بذلك. لقد صدق الله العظيم في كتابه المكنون، {كُلُّ شَيْءٍ هََالِكٌ إِلََّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (1). فبحمد الله تعالى جميع تراكمته تفرّقوا (2) أيدي سبا. * وكانت تلك المصونة لهلاك المذكور (3) ولتبدّد أتباعه سببا * (4). ولقد تحقّق أقلّ المماليك أنباءهم، فكأنهم لمّا سقي ذلك المخذول سقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم. فالحمد لله على هذه النعمة التي أقر بها كل جاحد، وفرح بذلك كل مسلم يعلم أن الله واحد، وأن اتسع للإسلام مجاله، ونصرت أنصاره ورجاله، والفرح ظهر ابتسامه، والبشر والسرور وقد خفقت أعلامه. ولقد حاق بتلك الفئة الباغية قضاء الله وهم صاغرون، وسلّط عليهم غضب الله وهم كارهون، فكم أظهروا في هذه النواحي من البغي والعصيان والمنكر والطغيان، وهم عن غبّ الأمور غافلون، أما علموا أن الله تعالى قال {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنََّا مُبْرِمُونَ} (5)، فأصبح الناس من وقوع هذا الواقع متعجبين، وهم يتلون آية {فَقُطِعَ دََابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (6).
ولقد كان من حكم العبودية والخدمة الأكيده، والمخالصة السديده، لتلك الدولة المؤيدية أن يسعى أقلّ المماليك للمواقف الشريفة سعي الأقلام على الرؤوس، ويلقي إلى المسامع الشريفة (7) ملأها الله تعالى سرورا بهذه التهنئة والبشارة ويشافه من دعائه وثنائه ما يعجز استيعابه صفحات الطروس، وأن يكون أعجل وارد لأداء (8) هذه التهنئة العظيمه، وأسرع وافد لرفع ذي البشارة العميمه، ولكن أقعده الزمان بنوائبه عن النهوض، لتأدية المفروض. فلمّا تعذّر على أقل المماليك المثول في زمرة الخدم بالقدم، جعل نائب منابه ترجمان القلم، وقد جهّز المجلس السامي الأميري الكبيري الولدي الأمير
__________
(1) سورة القصص 28/ 88.
(2) تفرقوا: قا: تفرقوا تفرق.
(3) المذكور: ق: المقتول.
(4) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(5) سورة الزخرف 43/ 79.
(6) سورة الأنعام 6/ 45.
(7) سعي الأقلام المسامع الشريفة: ساقط من ق.
(8) لأداء: ق: لإهداء.(1/354)
سيف الدين أرغون شاه دوادار الخاص دامت سعوده إلى عبودية الحضرة الشريفه والمواقف المنيفه، خلد الله سلطانها، وأعلى شأنها، ليكون نائب أقل المماليك في عرض هذه التهنئة والبشارة ولقد حمّله سائر الأخبار، من هذه الأقطار، مع صدق النصيحة والإخلاص، وصفو العبودية التي ليس له منها مفاص ولا مناص، مشافهة فالمسؤول من التفضّلات العميمه، والتطولات الجسيمه، جبر أقل المماليك بالإصغاء الشريف بما ينهيه المذكور عند المثول. لعله يقع ذلك في محل القبول، ثم التشرف بما لعله وعسى يتقدم من الأوامر الشريفة نفذها الله تعالى في مشارق الأرض ومغاربها ليبذل أقل المماليك في امتثالها كنه اجتهاده، ويظهر في الجري على مقتضياتها خلوص اعتقاده، وللآراء الشريفة لا زالت مشرفة في ذلك مزيد العلو.
والحمد لله وحده وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
(84)
جواب على المكاتبة السابقة:
فأجبت عن ذلك بما صورته (1):
أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ (2) الكريم، العالي، العالمي، العادلي، العلمي ولا زالت ريحه السليمانية تتنسم فتختلج بوجه النيل عيون الزهر، وأنفاسها (3) السارة متتابعة و {غُدُوُّهََا شَهْرٌ وَرَوََاحُهََا شَهْرٌ} (4). وتفريج الكروب لبيته الأيوبي مسطرا بالهناء على صفحات الدهر.
__________
(1) فأجبت صورته: طا: الجواب من إنشاء فاضل عصره الشيخ تقي الدين أبي بكر بن حجة الحنفي منشئ دواوين «الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة» فسح الله تعالى في أجله قا: الجواب عن ذلك من إنشاء فاضل عصره المقر التقوي المشار إليه في التاريخ المتقدم ذكره، وهو طب، ق، ها: فأجاب مولانا المقر التقوي أبو بكر بن حجة الحموي الحنفي منشئ دواوين «الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة» اسبغ الله تعالى ظلاله (ها: تغمده الله برحمته) بما صورته.
(2) أعز الله تعالى أنصار المقر: طب: أعز الله المقر.
(3) أنفاسها: ق، تو، قا، ها: أنفاسه.
(4) سورة سبأ 34/ 12.(1/355)
أصدرناها إلى المقرّ وقد حمّلناها سلاما يجمع له (1) بين الرضى والتسليم، وطيب ثناء لم يتضوّع عندنا لغيره ولكن سمحنا ببعضه للنسيم.
وتبدي لكريم علمه ورود البشرى في كتابه الكريم الذي لم يحتج صدق لسان قلمه إلى برهان. ورأينا برق طروسه غير خلّب فقلنا لمن شكّ في صحته: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمََانَ} (2)، وكيف لا وصحيح حديث المقرّ ما برح مسلسلا مع الرواه، وقد تحققنا أن تلك النفس الخبيثة ماتت عند سوق أرغون شاه، فلا رحم الله هاتيك الروح التي طغى عليها طوفان الانتقام ولا عاصم، وكاد (3) سرور سيوفنا لا يفي بندامتها على تركه في عمره المتقادم. ولما كفر هو وشياطينه نعمنا القديمة وما شكروا، سأل رجوعنا عن المقرّ السليماني فقلنا: {وَمََا كَفَرَ سُلَيْمََانُ وَلََكِنَّ الشَّيََاطِينَ كَفَرُوا} (4). ولما ثبت كفرهم وضلّوا عن الهدى في ظلمات الضلال، أعددنا لهم سيوفا ما برحت على بعد المدى متّصلة بقطع الآجال، {وَرَدَّ اللََّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنََالُوا خَيْراً وَكَفَى اللََّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتََالَ} (5)، وقصم هو وفريقه قصما ما خفي عن المقرّ أن سيف الانتقام له مشهور، وتلا لهم لسان الحال: {ذََلِكَ جَزَيْنََاهُمْ بِمََا كَفَرُوا وَهَلْ نُجََازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (6)، وكم اعتذر عن كفر قومه وسأل الهدى مع زيادة طغيانهم. وقلنا لهم:
{كَيْفَ يَهْدِي اللََّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمََانِهِمْ} (7)، {وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنََّا بِاللََّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمََا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} (8). وأشرنا بزواجر هذه الآية الشريفة إليهم، وتحتّم علينا قوله تعالى: {قََاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللََّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} (9). وأردنا نعلمه في هذه المدّة أن لسان السيف إذا كلّم كان أصدق من الكتب في الإنباء، فعاجلته يد المنية وسحبته في سجن الهاوية سحبا. وظهر السرّ السليماني في هذا المارد وشياطينه، وجلس
__________
(1) له: تو، ها: لنا.
(2) سورة النمل 27/ 30.
(3) كاد: تو، ها: كان.
(4) سورة البقرة 2/ 102.
(5) سورة الأحزاب 33/ 25.
(6) سورة سبأ 34/ 17.
(7) سورة آل عمران 3/ 86.
(8) سورة البقرة 2/ 8.
(9) سورة التوبة 9/ 14.(1/356)
على بساط الأمن فوصلت ريحه السليمانية ببشائره وقوة براهينه. والمقرّ يعلم أننا لم نتأخّر عمّن طغى حقارة به إلا قتله عزمنا الشريف وبطش الهمم، ولا تحركت ألسن سيوفنا بمصر إلا كلّمت كل بعيد فر منها إلى إرم. وآمالنا الشريفة ما برحت لنصرة المقرّ كرماحنا تمتد، وسيوفنا المؤيدية ما كلّت في تأييده من إقامة الحد، وما أحقه فيما أتبعنا به من جميل الحلال، بمدح النابغة الذبياني في معلّقته حيث قال (1): [من البسيط]
وما نرى فاعلا في الناس يشبهنا ... وما نحاشي من الأقوام من أحد
إلّا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فازجرها (2) عن الفند
وعن قرب تحمحم شهباء ماردين لقربنا وقربه، وينتظم له عقد شمل ينتثر عند محاسنه عقد ابن عبد ربه. وقد أعدنا فلانا بعد ما رشفنا مشافهته بشفاه القبول (3)، وأمسى موضوع منطقها وهو عندنا على مقدمات النتائج محمول، وعاد وهو بصلات الإقبال أكرم عائد، بعد ما نهل من نيل الوفاء أعذب الموارد. فلا برح المقرّ مأمونا (4) بسيفنا السفاح ومعتصما برأينا الرشيد وهو متوكّل وواثق. ولا زال في {وَاللَّيْلِ إِذََا يَغْشى ََ وَالنَّهََارِ إِذََا تَجَلََّى} (5)
محروسا في قلعته بالسماء ذات البروج من الطارق. بمنه وكرمه (6) إن شاء الله تعالى (7).
(85)
مكاتبة واردة من شاه رخ بن تيمور الحاكم بالممالك الشرقية (في أواخر محرم 824هـ):
ولما ورد كتاب المقام الشريف العالي السيفي شاه رخ الحاكم بالممالك الشرقية في آخر المحرّم سنة أربعة وعشرين وثماني مائة على يد محمود الساعي وهو (8):
__________
(1) «ديوان النابغة الذبياني» ص 20حيث ورد البيت الأول كما يلي:
ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه ... ولا أحاشي من الأقوام من أحد
(2) فازجرها: نفس المرجع: فاحددها.
(3) القبول: طب: القلوب.
(4) مأمونا: قا: مأنوسا.
(5) سورة الليل 92/ 21.
(6) بمنه وكرمه: ساقط من طب، قا.
(7) سقط الاستثناء من طا، ق، ها، تو.
(8) وهو: طا: وهو على المقام المرحوم الوالدي وهو قا: وهو على المقام الشريف المرحوم المؤيدي سقى الله ثراه. (وكانت وفاة المؤيد شيخ في تاسع المحرم 824 (راجع «السلوك للمقريزي» ج 4ص 549).(1/357)
بعد البسملة من شاه رخ بهادر
أيّد (1) الله تعالى دولة المقام الشريف، العالي، المولوي، الملكي، المؤيدي، وأعز أنصاره وأعوانه، وأظهر كلمته وبرهانه،
وينهي بعد إهداء أشرف الدعاء وأكمله، واتحاف أطيب الثناء وأجمله، أن قاصد الحضرة الشريفة الشيخ شرف الدين ابن برهان المحتسب قد وصل في العام الماضي بملطفتكم (2) الكريمة وهي مشتملة على كمال الإخلاص والمحبّة، وحسن الاعتقاد وصدق الصحبة (3)، والتماسكم مسيرنا إلى أذربيجان لدفع الثلمة التي حصلت في البين، ورفع العقدة التي حالت بين الجانبين. فكتبنا جوابنا وذكرنا جهة وقوع أذربيجان، في يد قرا يوسف التركمان، وسبب إهمالنا وإغضائنا عنه إلى الآن.
وكانت النّيّة إلى كفاية هذا الأمر معطوفه، والهمّة إلى التوجه إلى ذلك مصروفه، فصارت الملطّفة الشريفة للنهوض (4) مهيجة وللعزيمة باعثة. وقررنا العزيمة إلى التوجه إلى ذلك الطرف وقت الربيع، وجهّزنا الحسن الساعي بالمكاتبة إلى المقام العالي، واشتغلنا بجميع (5) العساكر وترتيبها، وتهيئة أسبابها وتجهيزها. وكما أحاط به علمكم الشريف نجمع عساكرنا من نواحي الهند وحدود المغول وحوالي الخزر (6).
فأقمنا أشهرا حتى وصلت الجيوش واجتمعت العساكر، فعزمنا بعناية الله تعالى وحسن تدبيره، أوائل شهر رمضان المعظم من هذا المجموع (7)، ووصلنا أوائل ذي القعدة الحرام بلدة الريّ وجاءنا القاصد من حضرتكم الشريفة، فما توقفنا بها، ودخلنا بلاد قزوين وسلطانية التي كانت بيد قرا يوسف واستقبل أصحابها (8) بالانقياد والطاعة وبمفاتيح قلعة سلطانية وأخبروا أن قرا يوسف بعد وصول خبرنا إليه،
__________
(1) أيد: ها: أدام.
(2) بملطفتكم: طب، تو، ها: بملطفكم ق: بمطلعكم قا: تلطفتكم.
(3) الصحبة: ق، تو: المحبة.
(4) الملطفة الشريفة للنهوض: طب: الهمة الشريفة للملطفة.
(5) بجميع: ق، تو: بجمع، وهو الصواب.
(6) الخزر (كذا في طا مع الضمة): تو: الجزز ها، قا: الجزر ق: الحرر.
(7) كذا في جميع الأصول.
(8) أصحابها: قا: أهلها.(1/358)
ومسيرنا عليه، خرج من بلدة تبريز منزلا، وصار مضطربا ومتزلزلا، وبقي متحيرا، وأقام متخسّرا، فما له طاقة بالمقاومة والقرار، ولا له محل للهزيمة والفرار، فأسرعنا الحركة واستعجلنا السير والكرّة فإذا نحن في هراء (1) وقد جاء خبر موته، وقصة وفاته وفوته، فسبحان الحيّ الذي لا يموت ولا يفوت سرمدا وتفرق عسكره، وتشتت نظمه، وانقطع شمله، و {فَأَخَذَهُ اللََّهُ نَكََالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى ََ، إِنَّ فِي ذََلِكَ لَعِبْرَةً} [2] لِمَنْ يَخْشى ََ (3)، وكذلك تكون عواقب الظالمين، {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ وَيَبْغُونَهََا عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كََافِرُونَ} (4) فقابلنا هذه النعمة بالشكر الجزيل، والثناء الجميل، والتعطف والرأفة على أهل الممالك والبلاد، والشفقة والنعمة على سائر العباد، وأمرنا أن لا يزاحم أحد أحدا ولا يشوش مسلم مسلما (5) أبدا، والناس كلهم في مساكنهم سالمون آمنون مطمئنون وعلى ذلك الحمد لله رب العالمين ثم أرسلنا الولد الأعز إبراهيم سلطان إلى طرف بغداد ونواحي العراق، والولد الأكرم باي سنقر بهادر (6) إلى جانبي تبريز والأطاق، ونرجو من فضل الله تعالى انقطاع بقية الشراونة التركمانيه، وحسم مادة فسادهم وانطفاء ثائرة شرهم بالكليه، إن شاء الله تعالى وإن في هذه الممالك ليس مكان متسع يتحمّل مثل هذه العساكر في الشتاء غير قرا باغ وتوجهنا إليها، ومنها في أوان الربيع الأطاق أن شاء الله تعالى وكان في خاطرنا أن نجهز إلى المقام الشريف رسولا بهذا الخبر، وإعلام كيفية الفتح والظفر، فجاء قاصدكم ثانيا بملطفة أخرى، ووصل أيضا قاصد الأمير المعظم المكرم فخر الدين عثمان زيدت نعمته أنه يجهز القاصد، وبعد نزولنا قرا باغ نرسل القاصد الذي جاء قبله مع واحد من جانبنا إن شاء الله تعالى، فالمأمول من المقام الشريف رعاية حسن الجوار، ومحافظة قرب الدار، وإنهاء ما تقتضي آراؤه
__________
(1) (!) هكذا في جميع الأصول، ومن المستحيل أنها مدينة هراة / هرات.
(2) لعبرة: قا: عبرة.
(3) سورة النازعات 79/ 25و 26.
(4) سورة الأعراف 7/ 45.
(5) يشوش مسلم مسلما: طب، ق، تو: يشوش على مسلم.
(6) باي سنقر بهادر: قا: بباي سنقر بهادر ق، تو، ها: بهادر في ق مكان كلمتي «باي سنقر» بياض بقدرهما.(1/359)
الشريفه، وأفكاره الصائبة اللطيفه، وما سنح من الأخبار والحالات، وظهر من الأمور والمهمات، والله سبحانه يبقيه في الملك مؤيّدا، وفي الدولة مخلدا ومؤبّدا.
وقد كتبت الأسطر في أواخر (1) ذي قعدة سنة ثلاث وعشرين وثمان مائة.
(86)
جواب على المكاتبة السابقة:
فكتبت الجواب عن ذلك (2):
أعز الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي، الكبيري، العالمي، العادلي، المؤيدي، الملجأي، الملاذّي، السيفي، نصرة الدين، ملجأ القاصدين، ملاذ العارفين، ظهير الملوك والسلاطين. لا زالت طوالعه السعيدة تولد رايات فرحه ونصرته، ولا برحت نفس عدوّه في كل رقعة إذا سمعت شاه رخّ ميّتة
أصدرناها إلى المقام الشريف وسواجعها تغرّد بسجع الثناء بين الأوراق، وتهدي من نسمات القبول ما يتنسّم منه المقام أخبار الاشتياق،
وتبدي لعلمه الشريف ورود مثاله الشريف على المقام المرحومي الوالدي سقى الله من غيث الرحمة ثراه، وكما آوى شمل العدل بعد شتاته يجعل الجنة مأواه وصار لدموع الأمة في صفحات الخدود شروح واختلاف مسائل، ولكن غلب عليهم الفرح بخلف فرعنا المظفري ولله در القائل، شعر: [من الكامل]
نور المؤيد إن تحجّب في الثرى ... وجه المظفّر قد تبدّى مقمرا
أو كان ذاك السيف أغمد حدّه ... سيف المظفر سلّه منشي الورا
أو كان ذاك الأصل أمسى ذاويا ... ذا الفرع أمسى بالسعادة مثمرا
__________
(1) أواخر: تو: أوائل.
(2) فكتبت ذلك: طا: الجواب من إنشاء الإمام العلامة الشيخ تقي الدين منشئ ديوان «الإنشاء الشريف» المشار إليه طب، ق: فكتب الجواب الشيخ تقي الدين المشار إليه فسح الله تعالى في أجله قا: الجواب من إنشاء المقر التقوي المشار إليه بما صورته بعد البسملة الشريفة ها:. فكتب الشيخ تقي الدين رحمه الله وعفا عنه الجواب.(1/360)
أو كان ذاك البحر أظمأ فقده ... فبدا المظفر قد تقسّم أبحرا
أو كان ذاك الليث ولّى ضاريا ... ذا الشبل فيه قد رأينا المخبرا
أو كان موت أبيه أحزن دهرنا ... هو بالمظفر قد غدا مستبشرا
والناس مذ حزنوا عليه وعمّهم ... فرح بنا قال البليغ مخبّرا
نبكي فيأتينا الهنا متبسّما ... كالغيث في حلل البروق تخدّرا
وقرأت أعيان الدولة الشريفة لما جلسنا على الكرسي في سورة الإخلاص وتبّت يدا المعاند {وَكَفَى اللََّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتََالَ} (1)، وفرح المسلمون بصدق البيعة تحت الشجرة المؤيّدية فأسبغ الله عليهم تلك الظلال.
وعلمنا قصد المقام الشريف من الإعلام بهلاك قرا يوسف عدوّ الدولتين، وكيف أزال الله رجسه وأباح بعده التيمم بصعيد أكناف البقعتين. فلا رحم الله هاتيك الروح، وفتح لها أبواب جهنم فهو آخر ما أعدّ الله لها من الفتوح. والظاهر أنه لما مدّ إليه المقام الشريف مديد عزمه ووافره تقطّع قلبه تقطيعا، وعلم أن سيف المقام طويل فمات من الخوف سريعا. وكان المقام الشريف الوالدي نوّر الله ضريحه، وجعل من الرحيق المختوم غبوقه وصبوحه. فقد وافق المقام الشريف على قلع شاقّته (2) بعد ما سنّ له سيوف التقريع فولاذا. فكم قال له في مبادئ طغيانه: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هََذََا} (3).
وكم سأل أن يكون له عضدا، وأعرب عن خير ما أسداه (4) إليه من المبتدا، فلم يجبه بغير قوله تعالى: {وَمََا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} (5). وكم سأل تشريفه بالأمثلة الشريفة فتلجلج لسان القلم وذهب مغاضبا، ولم يرضه عن كفره أن يكون له عبدا مكاتبا. ولو كتب له مثالا ما تحرك لسان القلم (6) في ثغر سين البسمله، وإذا انتهى إلى الختام عضّت عليه بنواجذها سين الحسبله، لأن البسملة جاءت لكتاب الله عنوانا، والحسبلة نزلت في حق من زادهم الله إيمانا. وحميّة الإسلام منعته أن يجهّزهما إليه في كتاب مكنون، وهما
__________
(1) سورة الأحزاب 33/ 25.
(2) قلع شاقته: ها: قطع ساقه.
(3) سورة يوسف 12/ 29.
(4) أسداه: ها: أسداه الله.
(5) سورة الكهف 18/ 51.
(6) القلم: تو: قلمه.(1/361)
تنزيل من رب العالمين ويأبى الله أن يمسهما إلا المطهرون. فأقلل به إنسانا كفر الدين والنعمة فقطع دابره لمّا أكثر دبره، وتلت سيوف الانتقام عند قتله: {قُتِلَ الْإِنْسََانُ مََا أَكْفَرَهُ} (1). وما خفي عن العلوم الشريفة أن الملك الناصر طلبه وهو في سجن المقام المرحومي بدمشق المحروسة فمنّ عليه بالعتق. ومعلوم أن ولاء المعتقين من الردى يفوق ولاء المعتقين من الرقّ، فنسي ذلك ولم يحرّك به لسانه ولا ذكره. وكان قد أعدّ له سيوفا تسطر (2) له على صفحات صدور التركمان تذكره. فعلم الله صدق النيتين الشريفتين فقصمه بسيوف القدرة وكانت لإقامة الحدّ عليه إمضا، والتقمته أفواه الأرض وزادت عليه بأنياب صخورها عضّا. وعمّ الفرح بعود سلطانيه إلى قوة سلطان المقام، وقالت دار الإسلام لأهلها: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابشروا فقد رفع منار الإسلام»، وتحركت عيدان المنابر وسكنت ألسن النواقيس خرسا وهدمت البيع والصوامع، وانتصرت المستنصرية وكبر الجامع المنصوري لهذه النصرة وعلم أنّ المقام الشريف لشمل ما تفرق من الدين جامع، وانتظم شمل العراقين نظما شرع كل من المسلمين في تقريظه وأطنب، وكتب هذا النظم في الديوان الشريف وكيف لا وهو من المرقص والمطرب أطرب.
ولما هبّت نسمات القرب من الأداغ (3) صبا إليها كل قلب وعلمنا أنها نسمات قبول، فحصل الطرب لنفسها الطيب لما جاء وهو بتشبيب المحبة موصول. وقالت الفراة إنها الواسطة لنظم هذا العقد الذي لو أدركه ابن عبد ربه نثر عليه عقده، وأعربت الدجلة والنيل عن التركيب المزجي بسلاف الموده، والله تعالى يجعله بالممالك الشرقية محرابا لقيام (4) الدين الحنيفي وقبله. ولم نجد في حسن الختام على ما خوّله الله من النّصرة والتمليك بأعظم من «الحمد لله» (5).
__________
(1) سورة عبس 80/ 17.
(2) سيوفا تسطر: طب: سيوفنا تسطر ها: سيوفا تصدر.
(3) كلمة تركية تعني بالعاميّة: الأوضة غرفة، منزل، معسكر (جيش).
(4) لقيام: طب: بإقامة ق، تو: يقام.
(5) أضافت قا الاستثناء.(1/362)
(87)
تقليد العلمي داود بن الكويز بنظر دواوين الإنشاء الشريف (1صفر 824هـ):
ومما أنشأته (1) تقليد المقرّ الأشرف المخدومي العلمي ابن الكويز (2) بنظر دواوين الإنشاء الشريف (3) في غرّة صفر الخير سنة أربعة وعشرين وثماني مائة (4).
الحمد لله الذي أقام للمؤيّد والمظفّر علما ما برح مرفوعا، ونظم ديوان إنشائنا بمن أصبح لمفردات المحاسن مجموعا، وجعله في عقدنا الشريف نعم الواسطة فزاده موازنة وترصيعا. نحمده حمد من أودعه الله السرّ واختاره لصحابة أحمد، ونشكره شكر من ظفر بنصرة المظفر (5) بعد ما أيّده الله بالمؤيد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يرتفع عند أدائها للدين علم، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي نتغزل (6)
بجيرة العلم إذا همنا من جيرته إلى عرب بذي سلم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كان لهم في إنشاء محاسنه نعم الصحابه، وما منهم إلا من أنشأ عنه ما يزري بلحن السواجع إذا ذكرنا إعرابه، صلاة لا يزال علم الدين بها زاهرا، ولا برح مديد فضلها على هذه الأمة وافرا، وسلّم تسليما كثيرا.
أما بعد، فديوان إنشائنا الشريف بمسند أحمد قد أعزّ الله في هذا العصر رجاله، ومن مشى تحت علمه الزاهر فقد اسبغ الله تعالى ظلاله، فإنه الديوان الذي لا يقابل مثاله الشريف بمثال. ومعلوم أنه لو قابله تقطعت منه الأوصال، فإنّ شرفه ما برح ظاهرا بالعلامه، وأصابع أقلامه لم ترض لشرفها أن يكون الهلال لها قلامه. وقد اخترنا لصحابته من إذا ذكر حديث فضله ودّ كل فاضل أن يكون له بذلك الحديث سماع. وعلمنا أن الصاحب ابن عبّاد دون صحابته التي ليس في صدقها نزاع. ولو أدركه الصاحب ابن هبيرة رجع عن الخلاف في ذلك ووافق الإجماع. وكان المقام المرحومي الوالدي، سقى
__________
(1) ومما أنشأته: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى قا: ومن إنشائه.
(2) راجع ص 8حاشية 3.
(3) الشريف: قا: الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة.
(4) سنة ثماني مائة: قا: من السنة المذكورة وأضافت تو، قا: وهو.
(5) بنصرة المظفر: طب: بنصر المظفر ق: بنظر المظفر تو: بنصر المؤيد.
(6) نتغزل، كذا: ق: تتنزل.(1/363)
الله تعالى من غيث الرحمة ثراه، وكما آوى شمل العدل بعد شتاته يجعل الجنة مأواه. قد ألم بدينه وشرح لنا ذلك وناهيك بشرح الإلمام لذلك الإمام، وحكم بصحته بعد الإعذار إلى كل مدّع. وقد نفّذنا هذا الحكم الذي صدر عن شيخ الإسلام.
لما كان الجناب الكريم العالي القاضوي الكبيري العلمي، مشير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين، داود ابن الكويز ضاعف الله تعالى نعمته هو المنعوت بهذه الصفات التي كشف الدهر عن محاسنها نقابه، وخطبه ديوان إنشائنا الشريف فأعلنت كفاءته بالإجابه، واستحق لدينه وأمانته أن يكون إمام القبلتين، وفارس الحلبتين، وعسكري الصناعتين، وتوثيق عرى المزرّتين (1)، اقتضت آراؤنا الشريفة تقديمه لقبلة هذه الإمامه، وتشريفه بحلل هذه الكرامه.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المظفري الشهابي لا زالت آراؤه الشريفة مسدّدة وأعلامه مرفوعه، وإذا أعرب عن إنعاماته الشريفة كانت في الإعراب مصروفة غير ممنوعه
أن يفوض للمشار إليه صحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة، عوضا عن الجناب الكريم الكمالي محمد ابن البارزي، بحكم انتقاله إلى نظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية. لأنه الكفؤ الذي مدّ نظره في جيوش المسلمين فجمع بين كلمتهم وكفى الله المؤمنين القتال، وكمّل محاسن نظر الجيوش لما كانت وظيفته وما أخرجها عن الكمال، وكذلك جياد الخيل نسبت إليه فاشتهرت بمعارف وشدة حزم وفضائل. فلا جرم أن شقر الأقلام إذا أجراها في ميادين الطروس فرسّها بأطراف الأنامل. فإنه نظر في تهذيب فرسان القناء (2) فتهذبت. فلا غرو إذا انقادت إليه فرسان قصب الأقلام وتأدّبت. وقد ثبت عندنا أنه في عربيات الخيل ويراعات الأقلام حاز قصبات الرهان (3). ودمشق المحروسة أول شهوده فإنها شاهدته على الشقراء والأبلق في الميدان. وكم تطلّبت فحول الرؤساء لحاق أثره، ويأبى الله ما يأتون (4) والكرم، وأهل
__________
(1) كذا في الأصول.
(2) القناء: تو: القتا ق: القتال.
(3) الرهان: ق: البرهان.
(4) يأتون: قا: يأبون. وهو تضمين بيت من قصيدة للمتنبي في عتاب سيف الدولة الحمداني، راجع «شرح الديوان» للعكبري ج 4ص 87.(1/364)
الخيل والليل والبيداء ما برحوا تحت نظره. وقد تقوّى اليوم بدروعه الداوودية أهل القرطاس والقلم، واعتقل كل منهم رمح قلمه وطعن في صدور الأوراق فتكلمت، وأداروا كؤوس الإنشاء فسجعت لهم حمايم السجع على زهر منثورها وهينمت (1).
وتزيّن وجه ديوان الإنشاء بهذا الناظر واستوفى ما كان له في ذمة الزمان من الدين. وعلمنا أنه عين الدهر فقلنا له: «ما جئناك إلا بعين». وكم نظر في رزق الجيش وأفاض عليها نيل أياديه فأنبت فيها الأرزاق، ولهذا هام دوح الإنشاء إلى غصون أقلامه ليراها في كل حين مثمرة بين الأوراق.
فلينظر في ذلك على ما علم من تدبيره الذي نزع ما في صدور القوم من الغلّ فأصبحوا إخوانا، فإنه ما برح يمهّد في الدولتين قواعد ويقيم أركانا. فمواصيل الأقلام بشّرت أن يدبّ فيها منه نفس صادق فترنمت، وثغور المحابر علمت أن يصير لها (2) من أطراف أنامله البيض شنب فتبسمت. وخدّام السطور والطروس قام في خدمته منها عنبر وكافور. وقال أسود النقس: «والله إن العبد بذلك مسرور»، ولا قلم إلا سجد برأسه في محراب طرسه شكرا، وغازل بعينه السوداء مايسا فقلنا: «رنا وانثنى كالسيف والصعدة السمرا»، وعاد شباب أقلام الكرم وكأنّ المشيب في فرعها الأسود قد وخط، وزهت وجنات الطروس بعوارض السطور وشامات النقط، وصدّق سيف الجيش رسالة قلم الإنشاء ومال إلى سحر بيانه، وصدّق القلم (3) أيضا رسالة السيف وقصّر من طول لسانه.
ولمّ الله في بيت واحد شمل كل منهما، ويجمع الله الشتيتين (4) بعد ما، ونام السيف ملء جفنه، وأصبح القلم بعد كسره في بسط، وأصلح الجناب العلمي بينهما وخرج ابن نباته بزخارفه المفتنة من الوسط. فرحم الله المقام الوالدي وفقّه تربه من غيث الرحمة في باب المياه، فهذه القطوف الدانية من المحاسن ثمرات ما غرسته يداه. والوصايا كثيرة ولكن من دينه وحسن تدبيره تكتسب، ووصاياه ما برحت مقترنة بالنجاح ونيل الأرب. والله تعالى يجعله علما كلما نودي لمهم شريف رفع بذلك النداء، ويحسن ختامه في الآخرة كما أحسن براعته في الابتداء. بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
__________
(1) هينمت: كذا في طا، طب، تو قا، ق: هيمت.
(2) لها: طب: لنا.
(3) القلم: ها: العلم.
(4) الشتيتين: ق: الشيبتين.(1/365)
(88)
تقليد البدري حسن بن نصر الله بنظر الخواص الشريفة (1صفر 824هـ):
ومما أنشأته (1) تقليد المقرّ الأشرف البدري حسن بن نصر الله (2) بنظر الخواصّ الشريفة في التأريخ المذكور، وهو (3):
الحمد لله الذي جعل لخواصّ ملكنا الشريف ناظرا من نظر إليه رآه حسنا، وصاحبا أول من نطق بالبيعة المؤيدية والبيعة المظفرية معلنا. وهذا ثمر صحبته قد أينع قطوفه في فرعنا المظفري ودنا. كم قصدوا ضعفه في وزارته والله تعالى يشد أزره، وعلموا أنه صار بدرا كاملا فقصدوا نقصه ويأبى الله إلا أن يتم بدره: [من السريع]
ومن يقل للبدر: أين الضيا؟ ... كذّبه في الحال من ينظر
وكم أوقدوا نار العزم لإطفاء نوره فأطفأ الله منهم الأفواه، ويأبى الله أن يخذل بيتا عرف بنصر الله. نحمده حمد أصل راموا يبسه ويبس فرعه الذي فيه الصلاح فأينع كل منهما وأثمر، ونشكره شكر بدر قصدوا تحجّبه بغيوم الظلم فغلب نوره وأبدر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد تمسّك به فأيّده، وجعل حلل نصر الله في بيته كل وقت مجدّده، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي هو خصم من أضاع حقوق الحسن يوم القيامه، ومطالب من اعتدى عليه بحقه (4) وقد أحجم بين الحسرة والندامه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة من أخلص بها انتظم في سلك الخواص، وخلص من كل نائبة بصدق ذلك الإخلاص، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فقد تقدم وتقرر أن الجناب الكريم العالي الصاحبي البدري ضاعف الله تعالى نعمته من أعز أصحاب البيعتين، وهو المتأدّب الذي أظهر كل نكتة بديعة في نظم هذين البيتين، طال ما جهز في الأيام المؤيدية جيشا أقرّ له بالملاءة بعد العسره، وأظهر في الخاص الشريف دقائق لو شاهدها البيساني لقال: «ما لي على
__________
(1) ومما أنشأته: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها:. ومن إنشائه رحمه الله تعالى قا: ومن إنشائه.
(2) راجع ص 31حاشية 6.
(3) وهو: ساقط من طا، طب، ق.
(4) بحقه: طب: لحقوقه.(1/366)
نظم هذه الدقائق قدره»، وكم فتح عليه في مهمّ يعجز آل برمك عن شدّه في أيام الرشيد، وإن كان جعفر شيّد في الدنيا قصرا فهذا شيّد الدنيا في قصور المؤيد (1). فما خفي عن الأمة التشييد، ونظم له على البحر المديد بيتا أصبح نظم البلغاء في العجز عن وصفه منثورا، ولو أدركه أبو تمام نقص عند محاسن نظمه وشاهد هناك قصورا.
وقصر القلعة ودّ كفّ الثريا أن يتعلق بستوره (2)، ولكن سما عليه بعلو القدر، وملأ الدنيا بهجة ونورا فما شك الناس أنه مطلع البدر، واقتنص المحاسن بجيرة الليث وأزهر بنور الشافعي، وقال وقد ترفّع مزهرا: «أنا الروضة والجناب البدري رافعي».
والجامع المؤيدي هو إمام قبلته والخبر عندنا أنه رفع قواعده على الابتداء، وناداه الملك المؤيّد لترخيمه فرخّمه بذلك النداء، وهو الذي رصّع التاج فأقمرت وجوهه السبعة في تلك الأفق، فلو قابلها القمر بفرد وجه تكلّف وأمسى مرميا على الطرق. وكم تكرّر إلى الشام المحروس وأفاض ينابيع الخدم فاعترف يزيد بفضل الحسن ونقص، وسار صحبة الركاب الشريف المؤيدي إلى البلاد الرومية فظهر له في الروم قصص. وكم ألبس ملوك الأرض تقليدا وقلّدها منه فضلا، وحلّى سيوف تقاليدهم فنطقت ألسنتها بالشكر وناهيك بشكر اللسان إذا تحلّى (3). وكم نظم في الخواص درّا فقلنا: «ما يجوز لصاحب الوشي المرقوم، حلّ (4) بديع هذا المنظوم». وكم أظهر في تواشيح الطّراز نظما يزداد به ملكنا الشريف اعتزاز. فلو أدركه ابن سناء الملك ورأى ذلك التوشيح رجع عن دار الطراز. وكم أظهر في المغرّقات (5) شموسا وأقمارا وبديع الكنايتين عن الذهب والفضة ظاهر (6)، وعلمنا أنه يحسن تدبيره لإكسير هذا الملك جابر. وكم أظهر عن أصناف الوبر إعرابا لو أدركه الفرّاء مات من خوف الإشكال في جلده، أو عاصره المبرّد تطفل عليه لإزالة برده، وكم وكم حتى تنحسم مادة الحروف، وتعجز الصفات عن نعت هذا الموصوف.
__________
(1) شيد الدنيا في قصور المؤيد: تو، ها: شيد في الدنيا قصور المؤيد.
(2) بستوره: قا: بسوره، ولعله افضل مما ورد في بقية النسخ.
(3) تحلى: طب: تجلى.
(4) حل: ها: جل.
(5) المغرقات: ق، قا: المفرقات ها: المعرفات.
(6) عن الذهب والفضة ظاهر: طب: عن الفضة والذهب ظاهر ق: عن الذهب والفضة ظاهرة.(1/367)
ولما كان الجناب * الكريم العالي الصاحبي البدري ضاعف الله تعالى نعمته * (1)
هو نظّام هذا العقد الذي يزري بقلائد العقيان، ودرّه المكنون الذي يجلّ عقلنا الشريف الجوهري أن نقيسه بمرجان، اقتضت آراؤنا الشريفة الاستضاءة في أفق ملكنا الشريف بنور بدره، وإجراءه على ما ألفه من سموّه وعلوّ قدره.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المظفري الشهابي لا زالت بدوره في أفق السعادة كامله، وإنعاماته الشريفة لذوي الاستحقاق في كل وقت شامله
أن يفوض للمشار إليه نظر الخواصّ الشريفة بالممالك الإسلامية المحروسة على أجمل العوائد وأكملها، وأجلّ (2) القواعد وأفضلها. فإن حاتم (3) الخواصّ الشريفة كانت قد صفرت يده بعد تلاطم بحرها، وعسعس عليها ليل الاحتياج بعد غياب بدرها، فأنشدت وهي على الدهر عاتبه، وأشارت إلى أنوار هذا البدر الذي يأبى الله سبحانه أن تكون غائبه: [من الطويل]
فما الناس مذ غيّبت إلا حجارة ... وما العيش مذ فارقت إلا مآثم
فلينظر في ذلك فإن الله جل جلاله جعله من أهل التبصرة والنظر، ويبدر في أفق ملكنا الشريف فإنه لا يخفى إلا على الأكمه لا يعرف القمر. وهو ملحوظ من الأولياء وبأنفاسه الصادقة في كل وقت محفوف، ولهذا هو سريّ في طلاقة بشره ومعروف. فلا مزرّة إلا ولها توثيق بعرى دينه وعفّته، وكم قالت بعد الحسن: «ما رأيت حسنا انتسب إلى شريف همته»، فهو غرابة (4) مجد كل رايه، والسّباق في حلبة السؤدد إلى كل غايه.
وكيف لا والصلحاء قد أعدّوا له من صالح الأدعية جنودا، وأقاموا لحفظه (5) من الأيام والليالي مماليكا (6) وعبيدا، والوصايا كثيرة ولكن مدبر الملك قديما وحديثا في غنية عن ذلك. وقد قيل: «إنه لا يفتى وفي المدينة مالك». والله تعالى يزيد أيامه البدرية نورا، وراية
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من قا.
(2) أجل: طب، ق، تو، قا، ها: أعلى.
(3) حاتم: قا، ها: خاتم.
(4) غرابة (؟): في جميع النسخ: عرابة.
(5) لحفظه: قا: الحفظة.
(6) مماليكا: هكذا في جميع النسخ.(1/368)
هذه الدعوة يتلقاها كل سامع بيمينه، ويديم له ثناء ودعاء يتلقاه القلب بتصديقه واللسان.
إن شاء الله تعالى.
(89)
تقليد صلاح الدين محمد الحاجب بن بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخواص الشريفة بالأستاد دارية الكبرى بالإضافة إلى نيابة السلطنة الشريفة بالوجه البحري (19جمادى الأولى 824هـ):
ومما أنشأته (1) عن مولانا السلطان الملك المظفر (2) تقليد المقر الأشرف الصلاحي ابن المقر الأشرف البدري الصاحبي (3) ناظر الخواصّ الشريفة عظّم الله شأنه باستمراره في وظيفة الأستاددارية الكبرى (4) وبإضافة نيابة السلطنة الشريفة بالوجه البحري إليه.
وذلك بعد أن وصل تقليد شريف مصدر تحت العلامة الشريفة بسجعة مضمونها:
«الحمد لله الذي جعل الخير كله في صلاح الدين»، فرجع عنها وكتبت (5) في تاسع (6) من جمادى الأول سنة أربع وعشرين وثماني مائة:
الحمد لله الذي أزال فساد الديار المصرية وأظهر فيها الصلاح، وشيّد لنصر الله بيتا تتولد فيه لنا النّصرة وتقام راية الأفراح، وهدم ركن من رام لهذا البيت هدما وقصد لأهله انتزاح. نحمده حمد من ماطله الزمان بحقه وساعده حكم القضاء فاستوفاه، ونشكره شكر من أخّرته حسّاد فضله فقدّمته أيامنا المظفرية بعد فناء أعداه، ونشهد أن
__________
(1) ومما أنشأته: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته قا: ومن إنشائه.
(2) عن مولانا السلطان الملك المظفر: طا، طب، ق: عن مولانا السلطان الملك المظفر خلد الله ملكه قا: في الأيام المشار إليها ها: عن مولانا السلطان الملك المظفر رحمه الله.
(3) وهو صلاح الدين محمد الحاجب بن بدر الدين حسن بن نصر الله راجع «السلوك» للمقريزي ج 4 مكررا و «النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي ج 14ص 183وغيره.
. 3142104،،
(4) الكبرى: طا: الكريمة.
(5) وكتبت: طب، ق: وكتب الشيخ تقي الدين المشار إليه أمتع الله بوجوده طا: وكتب شيخنا المقر التقوي أمتع الله بوجوده ها: وكتب الشيخ تقي الدين رحمه الله.
(6) تاسع: طا، طب، ق، ها: تاسع عشر.(1/369)
لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يظهر بها صلاح للدين وتمكين (1)، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي من جعل ديوانه مفردا بمدحه حكم بهذا المفرد على مجاميع الدواوين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة نرجو أن تكون لصلاحنا عدة وعمده، وننال بها الكشف عن كل غمّة وشدّه، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فإننا نكرر حمده على أن جعل أيامنا المظفرية مقدمة تظهر بها نتائج أهل الاستحقاق، * وأيد بنا حزب بني نصر الله فقرأت أهله في سورة النصر وقرأت قلوب أعدائهم في سورة الانشقاق * (2). وكان بدر هذا البيت محتجبا في ظلمات الظلم فأبدرناه، وصلاحه مختفيا في غيوم الحسد فأظهرناه، ونور ذلك البدر ما أبدر في أفق ملك إلا قال له السعد: «ربي وربك الله» (3)، وبركة هذا الصلاح ما شملت ديوانا إلا قامت قوائم سعده ولم يصغّر الله ممشاه، ولا باشر كشفا إلا أسبل عليه ستور العدل وحصل الإجماع على صحة حكمه وارتفع الخلاف. فلو أدركه البلقيني شيخ الإسلام لقدّمه وأخّر الكشاف على الكشاف، فإنه نشأ في حجر العلم وجانسه بالعمل فرفع لزيادة هذا الجناس علم، وخرّت رؤوس الأقلام ساجدة في محاريب الطروس وقام حدّ السيف فلا جرم أنه ربّ السيف والقلم، وشجرة هذا البيت ما برح نباتها الحسن يمدّ للملك فروع صلاحه، ويدني قطوف ثمره ويطوي ذكر الطائي بنشر سماحه، ولهم في خاصنا الشريف علامة يتباشر بها أهل الأخباز، وما شبّب بذكرهم في الصعيد إلا ترنموا لطيب هذا النفس الطيب بالحجاز، وقد عادت شبيبة هذا البيت المبارك وأمست رياحينه غضّه، وكانت ديون استحقاقه قد استغرقها الدهر فقبضها أيامنا الشريفة (4) نضّه. وهذا صلاحه قد بدا وأعرب عنه نحو السعادة ورفعه بالابتدا، وأجابته سيوف العزّ صقيلة ولم تجاوبه (5) الصدا.
ولما كان الجناب الكريم العالي الصلاحي محمد بن الجناب الكريم الصاحبي البدري حسن بن نصر الله أعز الله أنصاره هو فرع هذا الدوح الذي زكى أصله، وصلاح
__________
(1) صلاح للدين وتمكين: طب، ق، تو، قا: للدين صلاح وتمكين.
(2) ما بين النجمتين ساقط من تو.
(3) إشارة إلى بعض الآيات القرآنية (سورة المائدة 5/ 72، 117وسورة هود 11/ 56وسورة مريم 19/ 36وسورة الزخرف 43/ 64).
(4) الشريفة: قا: المظفرية طب، تو، ق، ها: المؤيدية.
(5) تجاوبه: طب: تجاذبه.(1/370)
هذا الملك الذي ارتفع على ملوك الأرض محلّه، ونظام عقده الذي أمسى فيه نعم الواسطه، وخبير تدبيره الذي قالت طيور السداد: «نحن به على الخبير ساقطه»، ومختارنا الذي تهلل الوجه البحري به فرحا وأمسى هذا الوجه قرير العين، وقال بحره:
«مرحبا بأياديه التي إن اجتمعت بها جمعت بين المختار ومجمع البحرين»، اقتضت آراؤنا الشريفة أن نضع الأشياء في محلها بتقديمه الواجب، فإنه نعم الصديق لمصالح ملكنا (1)
الشريف ووالده نعم الصاحب.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي (2) المظفري الشهابي لا زال صلاح الدين في أيامه الصالحة ظاهرا، وبدرها الكامل في هذه الأيام الزاهرة زاهرا
أن نفوض للمشار إليه وظيفة الأستاددارية الشريفة العالية، فإنه شغفها حبا وراودته قديما عن نفسه، ولم تظفر بقربه إلا في أيامنا المظفرية. وهذا التقليد هو العقد الذي حرّكت نسمات القبول أوراق طرسه. وكان الدهر قد طلّق مسرّاته وراجعها حاليا بعد ما مجّت أواخره. وتخلق مقياس النيل فرحا بهذا الوفاء تخليقا ملأت الدنيا بشائره، وتملّت هذه الرتبة بجماله بعد ما أذاقها مرارة الهجران. فما نقول في منهل عذب وقد وافاه ظمآن. وأضفنا إلى ذلك نيابة السلطنة الشريفة بالوجه البحري فإنه إذا صار به ملك الأمراء زاد ذلك الوجه بمحاسنه حسنا، وشدا به السعد وحصل الطرب لأهله بذلك المعنى، وإن كان بحر البحيرة نقص (3) بزحاف الظلم ولم يجد تكميلا، فقد صار به هذا البحر كاملا ومديدا ووافرا وطويلا، وكيف لا وهو المكمل الذي جمع بين المعنى وحسن الصورة فحسن في الباطن والظاهر، واستحق بهذه المطابقة البديعة قول الشاعر: [من البسيط]
تمّت معانيه وازدادت محاسنه ... وذاك عند البديعيين تكميل
إن كتب ودّ الكمال أن يكون من حاشيته ليشاهد في خدود رقاعه عوارض الريحان، أو تكلم في نظم ديوان كانت كل كلمة من بديع نظامه بديوان، أو سار في
__________
(1) الصديق لمصالح ملكنا: ق: الصديق الصالح لمصالح ملكنا طب: لملكنا.
(2) السلطاني الملكي: قا: الملكي المؤيدي.
(3) نقص: ساقط من طب، ق، تو، ها.(1/371)
قلب جيش رحيب الصدر خفقت بحسن رائه للنصر رايات، وسبق جياد الخيل بسوابق عزمه إلى الغايات. وإذا نشر للعدل علما قالت الرعايا: «رفع الله هذا العلم وأسبغ ظلاله». وإذا أفاض بحر أياديه أشار إليه النيل بأصابعه وقال: «ما حسن الوفاء إلا له» ولو ولو حتى تنحسم (1) مادة الحروف، وتقصر خيول الصفات (2) عن تبع هذا الموصوف، فإنه الذات التي جمع الله فيها بين الحسن والحسنى، والكريم الذي لو أدركه معن بن زائدة لنقص عند قومه وقالوا: «ما أبقى لنا هذا صورة ولا معنى».
فلينظر في ذلك فإنه الموصوف الذي تجمّلت هذه الأوصاف ببديع صفاته، وقد جاء شامة في وجنة هذا العصر. ولأجل ذلك اتخذه الدهر من حسناته، وقد صرفناه في بديع هذا البيت الشريف علما أنه يصير بحسن نظمه في غاية الانسجام. ويتسلى به عن فقد الأحبّة فؤاد ما يسلّيه المدام، وها زهر فضله قد أينع في رياض (3) ملكنا الشريف واتخذته أركان الدولة شقيقا، وبلّ ثغور الممالك بنداه وكيف لا وقد أمسى غصنا زاهرا وريقا. ولو همّزنا شقر الأقلام إلى استطراد (4) وصفه لضاقت ميادين الطروس، فإنه فرع سقّيناه ماء القرب فأثمر سريعا وعلمنا أنه من دوحة زاكية الغروس، وإذا أحسن نظره فيما فوّضناه إليه فحسن النظر في الخاص والعام ما خرج عن بيته العالي، ولا رأيناه أملى تدبيره إلا قالت أماليه: «إنّا أمالي المحبّ لا أمالي القالي». والوصايا كثيرة ولكن في كفايته بحمد الله ما يكفي ويغني عن توكيدها. فإنه غذّي بلبانها ونشأ بين طارفها وتليدها، والله تعالى يزيده صلاحا في دينه ودنياه، ويحسن به ختام نظم بيته ليضوع في الآفاق من مسك هذا الختام طيب شذاه. بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
__________
(1) تنحسم: ها: تنجسم.
(2) الصفات: ق: التعلقات.
(3) رياض: ساقط من ها.
(4) استطراد: قا: استقرار.(1/372)
(90)
جواب علم الدين داود بن الكويز على التهنئة بحلول الركاب الشريف المظفري بدمشق، ووقوع الأعداء في القبضة الشريفة (1جمادى الآخرة 824هـ):
ومما أنشأته ما أجبت به عن (1) مولانا المقرّ الأشرف القاضوي العلمي (2) صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة (3) عظم الله شأنه (4) عن تهنئته الشريفة (5) بحلول الركاب الشريف المظفري بدمشق المحروسة ووقوع أعداء الدولة الشريفة في القبضة الشريفة. وهذا الجواب الكريم سطرته (6) من رأس القلم ارتجالا في غرّة (7) جمادى الآخرة سنة أربع وعشرين وثماني مائة، وصدره (8): [من الخفيف]
مرحبا مرحبا بداعي الهناء ... مرحبا مرحبا بقرب اللقاء
مرحبا بالهنا عن علم النص ... ر وقد صار فوق كل لواء
علم قد تزاحم النصر والدي ... ن عليه وأذعنا بالوفاء
وأتاني (9) من نحوه طيب نشر ... صادق النقل زائد في الذكاء (10)
هب في حي مصر أحيى فؤادا ... كان بالهجر (11) ميّت الأحياء
وروى مسند الرضا في التحيا ... ت فسلّمت معلنا بالدعاء
جاء يسري في ليل نقس وناجى ... فسعدنا بليلة الإسراء
ليل نقس بالطرس أقمر حتى ... نتملّى بالليلة القمراء
__________
(1) ومما أنشأته ما أجبت به عن: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ما أجاب به ها:. ومن إنشائه رحمه الله ما أجاب به قا: ومن إنشائه ما أجاب به.
(2) المقر العلمي: قا: المقر العلمي ابن الكويز وهو علم الدين داود بن عبد الرحمن الكركي الشهير بابن الكويز، راجع ص 8حاشية 3.
(3) بالممالك الإسلامية المحروسة: قا: بالديار المصرية.
(4) عظم الله شأنه: ساقط من تو، قا.
(5) تهنئته الشريفة: ق، تو، قا، ها: تهنئة شريفة.
(6) سطرته: بقية النسخ: سطر.
(7) غرة: ساقط من قا.
(8) سنة وصدره: قا: من السنة المذكورة وهو.
(9) أتاني: قا: أتانا.
(10) سقط هذا البيت من ق.
(11) بالهجر: في هامش طا: بالبعد.(1/373)
ذو معان من السطور تبدت ... كبدور طلعن في الظلماء
رفعت عن وجه البديع حجابا ... وتجلّت بطلعة غراء (1)
قلت إذ لامت الحسان عليها ... أقصروا يا ضرائر الحسناء
سحر لفظ كان سحر لحظ ... قام (2) يرنو بمقلة كحلاء
وإذا جاء بالتفات بديع ... لا تسلني عن التفات الظباء
ثمل العبد منه سكرا فلاموا ... قلت: هذا من قهوة الإنشاء
يا ملوك الكلام إني عبد ... لكم حامل لواء اللواء
لم أحل عن وفاء عهدي وهذا ... نيل دمعي لي شاهد بالوفاء
أهّلوا غربتي وغربة نظمي ... بقبول يا ملجأ الغرباء
واختموا بطيب مسك رضاكم ... فلعلّي أشمّ ريح اللقاء
ختم الله ذا البعاد بصبح ... من تدان يجلو ظلام الثناء
يقبّل الأرض وينهي ورود المثال الكريم الذي عزز أخويه بثالث. وترنّم المملوك بإنشائه بين تلك المرابع (3) فأغنى عن المثاني والمثالث، وحلف الزمان ليأتينّ (4) بمثله فقال لسان الحال: «بادر إلى التكفير فإنك حانث»، وكيف لا يكون هذا المثال كريما وقد نثر على عبده جواهر عقده، وأطفأ ظمأ الأشواق عند وروده بصافي ورده. ورآه المسك وقد فتقت له ريح النصر بعنبر وكاتبه من عند عبده، وجهر بعد فاتحته بسورة النصر فعوّذه الناس بربّ الفلق، وجنى المسلمون منه فواكه الهناء وقد جاءت دانية القطوف بين تلك الورق، وثبت عند الناس أن هذا العلم ما رفع في جيش إلا كان سلطانه بأعدائه مظفّرا، وجاءه السعد وهو عن أذيال النصر مشمّرا، وكم ضمه المؤيد إلى صدر جيشه فرأى على طلعته الميمونة فتحا مبينا. وها أعداء المظفّر تنشد اليوم: [من البسيط]
__________
(1) هذا هو البيت الأخير في ورقة (129ب) لمخطوط طا، ويليه في الورقة (130آ) البسملة في عنوان عهد السلطان ططر، والنص الناقص في هذا المخطوط بقدر ورقتين. والموجود فيهما بقية الرقم 90ونص الرقم 91بأكمله.
(2) قام: قا: جاء.
(3) المرابع: تو، ها: المراتع.
(4) ليأتين: ها: لا يأتين.(1/374)
أضحى التنائي بديلا من تدانينا (1)
والمملوك يهنئ دمشق قد نالت من مولانا عظّم الله شأنه بعد ما طويت دروج اللقاء وصلا. وحمحمت الشقراء على الأبلق فرحة بقربه وتسابقا في ذلك الميدان لينالا برؤيته الشرف الأعلى، وغنّت ربوتها على عيدان الجنك بالدفّ وطابت أنفاس شبّابة يزيد بهذه البشرى، وسجد وجه ذلك الوادي على جبهته وسطّر: «أيقول مثال هذه التهنئة على أوراق الأدواح مقرى؟». ولم يتجدد بالديار المصرية إلا تواتر هذه التهاني التي لبس الناس حلل المسرّة من جديدها، وتطاول بحر النيل المبارك بدوائره إلى بسيطها ووافرها ومديدها. وتفكّه المصريون من بين أوراقها بالفواكه الشامية، وأعرضوا بثمراتها الشهية عن الحلاوة القاهرية. وقال الناس: «زاد الله سبحانه رفعة هذا العلم ليتفيأ المسلمون بظلاله»، وما منهم إلا من أحسن ختامه بالتأمين بعد ابتهاله.
والحمد لله وحده (2).
(90 آ)
خطبة بمناسبة ختم القرآن برسم الزيني عبد اللطيف بن الشرفي:
ومما أنشأته (3) هذه الخطبة التي ما نسج على منوالها، ولا سمحت قرائح الأوائل والأواخر بمثالها. وهي برسم الجناب العالي الزيني عبد اللطيف بن المقرّ الأشرف العالي الشرفي عين كتّاب الإنشاء الشريف بالديار المصرية عظم الله تعالى شأنه:
الحمد لله الذي لطف بعبده في حفظ هذا الكتاب الشريف. وإذا كان المولى لطيفا لم ييأس من اللطف عبد اللطيف. نحمده على أن فتح لنا بفاتحة هذا الكتاب أبواب الجنان، وأيّد حفّاظ البقرة على أصحاب العجل واصطفى آل عمران، ومدّ لرجال
__________
(1) مطلع قصيدة مشهورة لابن زيدون الأندلسي في ولّادة بنت المستكفي، أنظر «ديوان ابن زيدون» ص 165رقم 77.
(2) سقطت الحمدلة من ق، تو، ها.
(3) ومما أنشأته: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها: ومن إنشائه رحمه الله قا: ومن إنشائه.(1/375)
هذه الأمة والنساء مائدة الإكرام. وتفقهوا في {الدِّينُ الْقَيِّمُ} (1) وصارت بقية الأمم عندهم كالأنعام. ونشقوا من نبيّهم أعراف الهدى فتزايدت في قسم حظهم الأنفال.
فهي الأمة التي تقبل منها التوبة وتوسل بنبيها يونس وهود ويوسف فتبسم لهم بعد رعد الخوف برق الإقبال، نعم وتوسل به إبراهيم وكيف لا وهو الذي تميّز بالحجر عقلا ونقلا، وحديثه أحلى من جنى النحل فسبحان من كمله، وهو كهف الرسل الذي بشّر به ابن مريم ووجوه الآفاق متهلّله، وسماه ربه طه وحض الأنبياء على الحج للبيت الذي رفع له من أجله أركانا. ولمح المؤمنون هذا النور فساروا إلى هذا البيت فرقانا. وصارت أكابر الشعراء في الخرس كالنمل لما سمعوا من قصص هذا القرآن الذي سدّا عليه العنكبوت إكراما وغلب الروم وزادت حكمته على لقمان: أيها الناس حافظوا على سجدة الشكر أحزابا، فقد تميزتم ببني سبأ عقول الفصحاء ببيانه.
واشكروا فاطر السموات والأرض على يس الذي صرتم من صافّاته وصاد قارئكم جوارح الفصحاء بقراءته (2)، واجتمعوا زمرا معلنين بالشكر لغافر الذنب فقد فصّلت لكم حلل السعادة وازددتم بهذا النبي أمنا وإيمانا. وليكن أمركم {شُورى ََ بَيْنَهُمْ} (3).
فزخرف هذه الدنيا عن قريب يصير دخانا، وتمسكوا بالشريعة (4) المطهّرة قبل النزول إلى تحت الأحقاف، فالله قد منّ عليكم بعد القتال (5) بهذا الفتح وودّت أعداؤكم أن تتوارى وراء حجرات ق. فابتهلوا بجفون ذاريات الدمع، وتوسلوا بهذا النبي الذي توسل به موسى على الطور فلاح له نجم الهدى، وكيف لا وهو القمر أسرى به الرحمن وعداه واقعة في شرك الردى. صلى الله عليه وعلى وآله وأصحابه يلين لها الحديد وتبطل بها مجادلة الشرك وتكون لنا يوم الحشر مدّخرة وتصير بها الأعداء ممتحنة ونصير بها في الصف الأول يوم المغفرة. ورضي الله عن خليفته الذي ندبه للإمامة في حياته وهو أول من خطب بعده الجمعة، وتصلّب لمّا ارتدّ المنافقون فأذاقهم التغابن وطلّقوا الحياة طلاقا ليس بعده في الدنيا رجعة. أللهم وأرض عمّن تخلّف بعده وأوضح لنا الفرق بين التحليل
__________
(1) سورة التوبة 9/ 36.
(2) بقراءته: ق، قا، ها: بقرآنه.
(3) سورة الشورى 42/ 38.
(4) سورة الجاثية 45.
(5) سورة محمد 47.(1/376)
والتحريم. {فَتَبََارَكَ} (1) من أغرّ به هذا الدين وجعله كنون (2) الوقاية في اتقاء كسره إذا حقّت الحاقّة من كل غريم. وكم ماج بحر الشرك وسأل (3) المسلمون النجاة فكان لهم كسفينة نوح في ذلك الخطب الجسيم. أللهم وأرض عمّن تخلف بعده واجتمع الإنس والجنّ على ترتيله في القرآن بشعار العبادة مزمّلا ومدّثرا، وهو ذو النورين ويوم القيامة يظهر له نور ثالث يكون به في أفق السعادة مقمرا. و {هَلْ أَتى ََ} (4) مثله في ترتيب مرسلات الآيات أو ظهر لغيره هذا النبأ، ألطافه نازعات الضيم عن هذه الأمة فإنه ما عبس وتولى عنها في عسرة ولا سيف كرمه نبا. أللهم ارض عمّن كوّرت شمس أعداء هذا الدين بسيفه وقرأت أكبادهم في الانفطار وانشقت، {وَوَيْلٌ} (5) لهم من ذلك الانشقاق، وكم جاء لبروجهم طارق، فقال له الفتوح سبّح (6) بحمد ربّك فأنت سيف الله المسلول على أهل الشقاق. {وَهَلْ أَتََاكَ} (7) حديث جهادك ولمعان فقاره كالفجر في البلد المظلم بالكفره، وطلعته الميمونة كالشمس والليل بها كالضحى فترضّ أيها السامع ألم نشرح لك خبره.
أللهم وارض عن بقية القرابة والصحابة والتابعين، وارض عمّن بسط يديه لدعاء يكون مسك ختامه التامّين. وها أنا أقول يا من فكّه بيننا بثمار القرب وأقسم له بالتين والزيتون، وقال له: {اقْرَأْ} (8)، فهذا القدر لم يكن (9) لأحد من قبلك ولا يكون، اعضد خليفتك مولانا أمير المؤمنين المعتضد بك وارم الزلزلة في عاديات أعدائه واقرعهم من الخوف بكل قارعه. وكما أصلحت بواطنا (؟) بعبدك الملك الظاهر وربحت تجارة من أخلص له المبايعه، وقللت من أظهر عليه التكاثر في هذا العصر، أخرس عنه لسان الهمزة حتى لم يبق فرقة إلا وقال لسان الحال: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} (10) جاءته خاضعه أللهم وأسألك بسيّد
__________
(1) سورة الملك 67.
(2) سورة القلم 68.
(3) سورة المعارج 70.
(4) سورة الإنسان 76.
(5) سورة المطفّفين 83.
(6) سورة الأعلى 87.
(7) سورة الغاشية 88.
(8) سورة العلق 96.
(9) سورة القدر 97، وسورة البيّنة 98.
(10) سورة الفيل 105.(1/377)
قريش الذي بصرته بمعجزات قرآنك وقلت له {أَرَأَيْتَ} (1) وأعطيته بعد ذلك الكوثر فخذل به الكافرون وأزال عن أمته البأس، وأدام له النصر فقد {تَبَّتْ} (2) به يدا الأعداء وهو في الإخلاص مثل الفلق، فأحسن له الخاتمة يا رب الناس. والحمد لله وحده.
(91)
عهد الملك الظاهر ططر:
ومما أنشأته (3) عهد مولانا السلطان الملك الظاهر أبي الفتح ططر (4)، رحمه الله تعالى (5):
الحمد لله الذي فتح أبواب العدل بأبي الفتح وأصلح كل باطن بالظاهر، وقال عز من قائل: {يََا دََاوُدُ إِنََّا جَعَلْنََاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} (6) وهذا مما يدل على شرف الخلافة الداودية في الأول والآخر، وسلسل دور السقاية العباسية وها هو في يمين المعتضد دائر.
فالحمد لله على اتصال هذا العهد الشريف وتنفيذ أحكامه، ثم الحمد لله على مسلسل حديثه الذي اتصل من أبي داود بالملك الظاهر وأمسى غرّة في جبهة أيامه، فسلام على هذا الخلف الذي أرانا المعتضد بالله وهو الخليفة الرشيد، ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد. والحمد لله على امتداد فروع هذه الشجرة التي كرّر الشرف حلاوة نباتها، وتفيّأ المسلمون بظلالها وهذا العهد الشريف من جنيّ ثمراتها. والحمد لله على تقديم إمام هو أسنّ من تقدم عليهم وأقرأ وأورع وقد نشر الله بالعلم أعلامه، ومذهبه أن الأسن والأقرأ والأورع والأعلم أولى بتقديمه للإمامه. فالحمد لله على إنعامه
__________
(1) سورة الماعون 107.
(2) سورة المسد 111.
(3) ومما أنشأته: طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها: ومن إنشائه رحمه الله وعفا عنه قا: ومن إنشائه طا: كتب الناسخ البسملة في صدر الورقة وتحتها: «عهد مولانا السلطان الملك الظاهر أبي الفتح ططر خلد الله ملكه من إنشاء فاضل العصر سيدنا الشيخ أبي بكر بن حجة الحنفي الحموي فسح الله في أجله بمنه وكرمه» وفي هامش الورقه: «عهد بالسلطنة».
(4) «الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر ططر» لبدر الدين العيني (تحقيق هانس أرنست).
(5) رحمه الله تعالى: طب، ق: خلد الله ملكه وأدام دولته، قا: في السنة المذكورة وهو.
(6) سورة ص 38/ 26.(1/378)
بهذا الإمام الذي قدمه الله لخيره وأخّر الأشرار، فلو أدركه أبو حنيفة لقال: «هذا على (1)
مذهبي المختار». ثم الحمد لله على هذه المنّة التي صار لمرسلاتها في الأمة نبأ، وقرأ سلطاننا فيها أول الفتح وقرأت أعداؤه في آخر سبأ، فإن البغاة بنت لاحتجاب السلطنة عنه سدا أسسته على الطغيان، فقيل لأهل البيعة: «قد فتح الله لأبي الفتح {فَانْفُذُوا لََا تَنْفُذُونَ إِلََّا بِسُلْطََانٍ}» (2). فشكرا لله سعى أصحاب البيعة وما شك مسلم أنه كان مبرورا (3)، فإنهم لما بلغوا القصد تلا لهم لسان الحال: {إِنَّ هََذََا كََانَ لَكُمْ جَزََاءً وَكََانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} (4). وسرّ أهل الجمعة وأصحاب السبت والأحد ما حصل من الفتح يوم الخميس وكان نعم اليوم. وجاء رمضان مسرعا بخنجر نونه فقيل له: «قد ظهر الظاهر (5) فأمر الناس بالصوم». ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تقهر الأعداء عند أدائها بسلطان وقوّه، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي من انتصر لأمّته كان ظاهرا على من عانده وأخفى الله عدوّه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين وفوا بالعهود، ورأوا في بيعته ربح التجارة فسنّوا سيوفهم لنصرة سنّته وإقامة الحدود، صلاة تسقي عهاد الرحمة إن شاء الله عهدها، وتنظم في سلك القبول عقدها، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فالعهد النبوي وإجماع الأمة قد حكم بموجبها وارتفع الخلاف، وزمزم ساقي القبول بالسقاية العباسية، وسعى حول المقام الشريف على الشرب الظاهري (6)
وطاف، ولزمه ذلك شرعا فأعلن المسلمون بالتكبير ليتقدم هذا الإمام إلى محرابه، وكان بامتناعه أشد من الحديد فألانه الله لداود لما بالغ في لين خطابه، فالعهد بحمد الله قد صدر، والمقام الشريف قد نشق بعد الشمم رائحة وروده، وكاتبته ملوك الروم من مماليكه وملوك (7) الهند والحبشة من خدامه وعبيده، والمقام الشريف أولى من عقد
__________
(1) على: تو، ها: عين ساقط من طب ق: بياض قدر كلمة واحدة.
(2) سورة الرحمن 55/ 33.
(3) مبرورا: طب: سعيا مشكورا.
(4) سورة الإنسان 76/ 22.
(5) قد ظهر الظاهر: تو، ها: قد أظهر الله الظاهر.
(6) الظاهري: ق: الأزهري.
(7) ملوك: قا: مماليك.(1/379)
الخناصر على قبضة هذا العهد الشريف وجنح إليه، وكيف لا وقد قال الله عز وجل:
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجََالٌ صَدَقُوا مََا عََاهَدُوا اللََّهَ عَلَيْهِ} (1)، وبركة قبوله أظهرت البرهان في أعدائه وعجلت لهم حتفهم، وجعلتهم نكالا لما بين أيديهم وما خلفهم، وتالله لقد كانوا قذى في عيون هذه الأمّه، وكان منهم على كل صدر منشرح غمّه، وما خفي عن العلم الشريف أن وليّ هذا العهد الشريف لا يقابل شرف عهده بحتّى واصطبر وسوف، فإنه من السلف الذي حصل عليه (2) إيلاف قريش، فأيّدهم الله على أصحاب الفيل و {أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (3). والتنزيل في بيته الشريف نزل، وجبريل هبط بوحي الله على هذا البيت الذي تهيم أفواه النجوم من جبهات أعتابه إلى القبل، فإذا جعل علمه الأسود خالا في وجنات راياته، قالت التورية: «هذا يعدّ من حسناته»، وقد نقل الفاضل في بعض عهوده وسلسل الروايه، أن جده العباس بشّر أنه لا يطوى لولده إلى يوم القيامة رايه، ومولانا أمير المؤمنين قد ألقى عصى اختياره، وكان الاختيار في ذلك لله. وقد صار مولانا السلطان وليّ هذه الأمة فأعانه الله على ما ولّاه، واستوفى خلّد الله ملكه شروط العهد والبيعة إلى وجه الحق الذي رفع حاجبه على الباطل، وقصّر الله عمر من تطاول إلى ذلك وعند التناهي يقصر المتطاول. وجلس مولانا السلطان (4) على تخت ملكه الشريف فتولد لأهل الرمل بذلك راية فرح ونصره، وعثر المعاند بذيله بعد ما أظهر تلك الشمره، وتقلقلت لأبّهة ملكه (5) أحشاء الفلك، وحفّته أملاك السماء وقال الناس: {مََا هََذََا بَشَراً إِنْ هََذََا إِلََّا مَلَكٌ} (6). وجلس الاسم الشريف من المنابر على أسرته، ومن الدينار على طلعته الشمسية وغرّته، وقال الدرهم: «هذا مكتوب على جبيني» فرأينا ذلك ظاهرا على جبهته. وسجدت أقلام الملك في محاريب الطروس وكانت سجدة شكر أطلقت فيها الألسنه، وكان الذي ينقط من مدادها دموعا،
__________
(1) سورة الأحزاب 33/ 23.
(2) حصل عليه: قا: حصل لهم.
(3) سورة قريش 106/ 4.
(4) السلطان: تو: أمير المؤمنين
(5) ملكه: قا: مملكته.
(6) سورة يوسف 12/ 31.(1/380)
واليوم كل نقطة في وجنة طرس حسنه، وكان تخت الملك قد أعرب عن الكسر فرفعه الله مكانا عليّا، وأعاده إلى عصر الشبيبة وقد بلغ {مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} (1). وطارت بمحلق هذه البشرى أجنحة النسيم وحملتها بطاقه، وأبدى لسان الدهر حديثها في أقطار الأرض مقدمة وساقه، وأيقنت الأمّة أن عوّد عدله تصير في استقصاء أعراضها ملاطفة، وأنه يكشف عنها وحشة ليس لها من دون الله كاشفة. وقد أظهر الله صلاحه وأورثه ملك الأرض وأهل الفساد عنها جامحون، وهو القائل: {لَقَدْ كَتَبْنََا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهََا عِبََادِيَ الصََّالِحُونَ} (2). وسلطاننا بحمد الله صالح وظاهر وهو من العالمين العاملين. ولقد اتّصل حبل السلطنة بعدله: {فَقُطِعَ دََابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (3). [من المتقارب]
وحقّكم لم يكن في الورى ... سواه يسدّد أحوالها
ولو نالها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها (4)
وحيث متّع الله الملك بمولانا السلطان الملك الظاهر أبي الفتح ططر وحظي بعد التمتع بلقائه، وعلم أنه يستغني عن بقية الخلق ببقائه، وهبّت نسمات القبول بما تحملته من عاطر الأنفاس، وثبت أنه عمدة المسلمين في البأساء (5) والضرّاء وحين الباس. فوّض إليه مولانا أمير المؤمنين ما ولّاه الله من أمور المسلمين، في بلاده وعباده، وأسند إليه ما في يده ووراء سريره، فحكمت قضاة قضاة الإسلام بصحة إسناده، وقدمه للإمامة فقال المسلمون بعد التهليل: «الله أكبر»: [من الكامل]
ولو أنّ مشتاقا تكلّف فوق ما ... في وسعه لسعى إليه المنبر
وعهد إليه بعد التفويض عهدا أدخله في توثيق عرى الإيمان فزرّر به طوق (6)
الإجابة، واشتمل على ما اشتملت عليه الخلافة العباسية فأذعن المسلمون له بالإنابه.
وقلده ذلك بعدا وقربا، وشرقا وغربا، وقبلة وشمالا، وإقامة وارتحالا، وبرا وبحرا،
__________
(1) سورة مريم 19/ 8.
(2) سورة الأنبياء 21/ 105.
(3) سورة الأنعام 6/ 45.
(4) تضمين للآية الأولى من سورة الزلزلة 99.
(5) البأساء: ها: السراء.
(6) طوق: طب: طواف.(1/381)
وسهلا ووعرا، وغورا ونجدا، وحلّا وعقدا، وما له من ملك تخضع البدور (1) في شرقها لشرفه، ومدد تمتدّ أيادي الملوك إلى أقطاف ما أثمر في فروع خلفه، وما ينسب إلى أبي الفتح خلّد الله ملكه من الفتوحات التي يفتحها الله على يده الشريفه.
فاستوعب مولانا أمير المؤمنين الشروط الشرعية في ذلك كله، فرحم الله من خلفه فإنه نعم الخلف والخليفه، تفويضا شاملا وتقليدا كاملا وعهدا تامّا وإسنادا عامّا، تدخل فيه الناس قاطبه، وتعاقب على ترك طاعته فإنها واجبه، وتلقّى مولانا السلطان خلد الله ملكه ذلك بقبول تعطّرت نسمات القبول بشذاه، وسمع وصايا عهد الخلافة {خََاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللََّهِ} (2) وما أحقه زاد الله شرفه تعظيما (3) بقول الفاضل في حكاية الحال: «الله أكبر لهلال طلع بنسك رمضان وخصب شوّال، وسبحان الله كيف قطع بحدّ إقبال لا بحدّ قتال»، وتالله لقد كشف هذا العهد عن وجه الدين لثاما، وأمسى كافور النهار له خادما ومسرور الليل زماما، وجاء الحقّ وزهق الباطل، حتى نيل مصر طولب بالوفاء فلم يماطل، وخر طائعا وجرى في الخدمة على العاده، ووصل الناس منه إلى وفاء الحق وزياده، وفطّرت أكباد الطغاة في أول رمضان فابتهج الناس بعيد أوّل، ولم يجسر هلال شوال أن يغتصب منه النون بل أظهر فرحا وتهلّل، وعاد شباب العدل غضّا بالديار المصرية بعد ما ظهر عليها الهرم (4)، وهبّت نسمات القبول من طيبه طيّبة، وحملت عرف هذه البشرى وعرّفت به جيرانا بذي سلم، وظهر الملك الظاهر في أفق الملك كالبدر الذي شبّب بنوره عوارض الحلك، وإن ذكر الكرم فقل: «كالسحاب الذي يرقع لثامه وجه الفلك»، وردت روح الملك بحمد الله إلى جسمها، ودخل نظامه إلى بيوته الشريفة فأظهر البديع والغريب في نظمها: [من الطويل]
وقد عنّ لي أني أقول مضمّنا ... سلاف كلام يرشف الذوق صفوه
تحاسدت الأمصار حتى لوانها ... نفوس لسار الشرق والغرب نحوه
__________
(1) البدور: قا: الملوك.
(2) سورة الحشر 59/ 21.
(3) زاد الله شرفه تعظيما: طب: زاده الله شرفا وتعظيما ها: زاد الله شرفا وتعظيما.
(4) الهرم: طب: الهدم ق: الهزم.(1/382)
ولكن الهناء لمصر التي حظيت من نيلها وسلطانها الحنفي بمجمع البحرين، وأرّخت في وجوه أعدائها سلخا بمستهل رمضان في سلخ شعبان فأكرم بهذين الشهرين.
[من الطويل]
وكانت وليس الصبح فيها بأبيض ... فصارت وليس الليل فيها بأسود
فالحمد لله على هذه النعمة التي فكّت من ربقة (1) الخطوب وثيق أسرها، وأمست بعد ما قهرها الظلم قاهرة في مصرها، ولقد سلّت ملوكها السيوف أعواما ولم تأو من التمهيد إلى ركن سديد، وأبو الفتح في مختصر أيام مهّد الأرض وسيفه نائم ملء جفنه على وساد التمهيد. وهذا تأييد استغنى فيه بآرائه الشريفة عن حمل الرايات، وتلا في فتحه المبين من غير قتال آيات، وصوّب رأي أبي الطيب فيما تفحل به (2) وسبق إلى الغايات، وهو (3): [من الكامل]
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحلّ الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس مرّة ... بلغت من العليا كلّ مكان
لولا العقول لكان أدنى ضيغم ... أدنى إلى شرف من الإنسان
ولما تفاضلت النفوس ودبّرت ... أيدي الكماة عوالي المرّان
والمقام الشريف قد استغنى برأيه الشريف عن حمل رمحه وترفع عنه فحمله الرامح، وخدمه سعد السعود وسأله أن يستخدم في أعداء هذا الدين سعد الذابح، وها قد أفنى من بقي من أهل الظلم {فَهَلْ تَرى ََ لَهُمْ مِنْ بََاقِيَةٍ؟} (4)، وصرعهم بعزائم رأيه الشريف {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهََا صَرْعى ََ كَأَنَّهُمْ أَعْجََازُ نَخْلٍ خََاوِيَةٍ} (5)، وكم طالبته سيوف حلمه بالصفح ويأبى الله إلا ما أراد، ولسان الحال ينشد وقد حرك بإنشاده الجماد: [من الطويل]
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا
ووضع الندا في موضع السيف بالعلى ... مضر كوضع السيف في موضع الندا
__________
(1) ربقة: تو، ها: ريقه.
(2) فيما تفحل به: طب، تو، ها: يفحل فيه ق: سحل فيه.
(3) «شرح ديوان المتنبي» ج 2ص 308307.
(4) سورة الحاقة 69/ 8.
(5) سورة الحاقة 69/ 7.(1/383)
وإن لم ترق دماء أعداء الدين ويقل عند ذلك «يا حبذا»، لم يسلم الشرف الرفيع من الأذى، وإمامنا على كلا الحالين إمام كل محراب، ولما خدم السعد رأيه الشريف يسمى بصواب، وقد اعتقلت السمهريّة في أيامه الشريفة بسجن السلم ولم تفتح لأجفان السيوف مقل، وهذا خلاف قول من (1) قال: [من البسيط]
أعلى الممالك ما يبنى على الأسل (2)
قالت الأمة: «هذا أمر عنّ لنا في المنام إشكاله وفي اليقظة فسّرناه (3)، وهذا دين استحق لنا على مماطل الدهر فتقاضيناه»، فالحمد لله الذي اطلع على ضمائر عباده في تقديم هذا الإمام الأعظم، وتالله ما اختلف في ذلك قلب ولا ضاق صدر ولا شمخ أنف ولا عبس وجه ولا ثغر إلّا تحلى بهذه البشرى وتبسم وإذا انتهت الغاية إلى الوصايا فقد ثبت أن بديهة مولانا السلطان مقدمة في السياسة على كل رويّه، وحكم بأنه أفقه ملوك الأرض في الأحكام الشرعيه، وهو محبّب (4) إلى الله لرحمة تفيّأت بظلال قلبه الشريف واتخذتها مخيما، وما خفي أن الله تعالى يحب من عباده الرحما، وأما الكرم فليتق الله سائله ولا يذكر نقص ابن زائدة (5) عنده، فإنه الجواد الذي إذا مخض البحر بين يديه لم يظهر لزبده زبده، وإن ذكر للعلم حديقة فهو زهرة تلك الحديقه، ولو أدركه النعمان لاتخذه شقيقه، وإن ذكر معروف فهو سريّه وبشره ظاهر، وأما الدين فقد وقع الإجماع أنّ إحياء علومه في هذا العصر كانت على يد سلطانه القاهر، ولو علم الناس محبته للعفو لتقربوا إليه بالجرائم، اللهم إلا ما تترتب فيه أحكام الله فإنه لم تأخذه في الله لومة لائم، وأما العدل فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: * «سبعة يظلّهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» (6)
__________
(1) خلاف قول من: قا: خلاف لمن.
(2) مطلع قصيدة للمتنبي في مديح سيف الدولة، وعجز البيت:
والطعن عند محبيهن كالقبل
(راجع شرح «الديوان» للبرقوقي ج 3ص 163.
(3) في اليقظة فسرناه: طب: فسرناه في اليقظة.
(4) محبب: قا، ها: مجيب.
(5) ابن زائدة: قا: ابن أبي زائدة.
(6). 45/ 77،،، ..
«مسند أحمد بن حنبل» رقم الحديث 9665.(1/384)
وبدأ بالإمام العادل، (وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يوم من أيام (1) عادل أفضل من عبادة ستين سنة» (2) وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال) * (3): «السلطان ظل الله في الأرض يأوى إليه كل مظلوم من عباده»، وعدل مولانا السلطان خلد الله ملكه قد أثر في الأرض خصبا ما تؤثّره الغمائم في غدقها، وكاد أن يؤلف بين الذئب والغنم صداقة يقوم كلّ منهما بواجب حقها، وقد أكّدها بين هذه الأمة فأصبحوا بحمد الله ونعمته إخوانا، ولم يحتج صاحب الحق الشرعي أن يظهر حجة وبرهانا، وقد خطب خطيب الأمن وقال:
«الحمد لله على إزالة الخطوب وإزاحة الطغيان» وأعلن المسلمون بالدعاء لما وصل الخطيب إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسََانِ} (4)، فإن الملك الظاهر خلد الله ملكه قد جعلهما شعاره، وهذه الأحاديث المروية عن المزمّل والمدثر تكون إن شاء الله في الآخرة دثاره، فوجه الوصية لم ير لمقابلته وجها بل يسبل (5) من الحياء لثامه، فإن سماء مولانا السلطان صاحبة (6) بالعدل فلم يغدق (7) فيها للوصية غيم غمامه: [من الطويل]
تجاوز قدر المدح حتى كأنه ... بأحسن ما يثنى عليه يعاب (8)
لأن التتميم والتكميل قد انتظما في بديع سلكه، وحسن الابتداء وحسن الختام فالبديع الرفيع قد جعلهما مثالين في بديعية ملكه، والله تعالى يجزيه على أجمل عوائده التي لا يكله فيها إلى نفسه، ويجعل كل يوم من أيام ملكه مبشرا بالخير عن غده وزائدا فيه على أمسه.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________
(1) أيام: طب، قا: إمام.
(2). 3/ 410،،، ..
(3) ما بين النجمتين ساقط من تو، ها ما بين الهلالين ساقط من ق.
(4) سورة النحل 16/ 19.
(5) يسبل: تو، ها: يسيل.
(6) صاحبة: ق، قا، ها: صاحية في هامش تو تصحيح بخط من طالع الكتاب: صوابه: مصحبة.
(7) يغدق: ها: يصدق ق: تعرف.
(8) هو البيت العشرون من قصيدة المتنبي في مدح كافور الإخشيدي، راجع «شرح ديوان المتنبي» للبرقوقي ج 1ص 319.(1/385)
(92)
بشارة إلى أكابر الشام المحروس بحلول الركاب الشريف بالديار المصرية (1شوال 824هـ):
ومما أنشأته ما كتبت به (1) بشارة عن مولانا السلطان الملك الظاهر ططر، رحمه الله (2)، بحلول ركابه الشريف بالديار المصرية إلى أكابر الشام المحروس، وذلك في أول شوال عام أربعة وعشرين وثماني مائة:
أعزّ الله أنصار المقرّ ولا زال لوافد الهناء كلقبه مقرّا، ولا برحت نسمات البشائر تطوي بعد المسافة وتضوع عنده نشرا.
صدرت وتبدي لعلمه الكريم حلول ركابنا الشريف بديارنا المصرية والتمسك من النبي صلى الله عليه وسلم بالآثار، وجلوسنا على تخت ملكنا الشريف وما عيان الظاهر المشاهد (3) كما ينقل في الأخبار. ولقد بادر الناس إلى سجدة الشكر أحزابا وقالوا: «بعد أبي الفتح لم نروّع بقتال»، وعاد نور الهدى ظاهرا ومقامنا الشريف يجل هنا عن ذكر أهل الضلال، وهام الناس إلى الصلاة خلف إمامتنا فما منهم إلا من صلّى عند قدومنا وسلم، وتلمظت ألسن السيوف بحلاوة الأمن * فأمست من التيه في أغمادها تتبسم * (4)، وإن كان الأمن قد أوى بالشام إلى ربوة ذات قرار ومعين، فمصر قد أمست لشهامة كنانة تقول للخائف: {أَقْبِلْ وَلََا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} (5). ورفلت في حلل الشبيبة وأخضر عارضها على وجنة نيلها دائر، وكانت قد ترمّلت فأعرست عند حلول ركابنا الشريف وخلوق العرس (6) على جبهة مقياسها ظاهر، ودخلنا في أول شوال بعد ما أقعدنا العدى تلك القعدة (7) التي تقوم مقام الحجّه، فإنهم لما زادوا في المحرم صفر ربعهم وأمست الدنيا في ربيع له بهجه، وتلقى الناس عهدنا الشريف بقبول يؤدّي إلى
__________
(1) ومما أنشأته ما كتبت به: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ما كتب به ها: ومن إنشائه رحمه الله وعفا عنه ما كتب به قا: ومن إنشائه ما كتب به.
(2) رحمه الله: طا، طب، ق: خلد الله ملكه سقط الدعاء من قا.
(3) الظاهر المشاهد: تو: الظاهر والمشاهد ها: المظاهر المشاهد.
(4) ما بين النجمتين ساقط من ق.
(5) سورة القصص 28/ 31.
(6) العرس: ها: العروس.
(7) القعدة: قا: الفقدة.(1/386)
اتباع السنة والفرض، وحسمت (1) مادة {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللََّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثََاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مََا أَمَرَ اللََّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} (2)، وأمسى كرسيّ الخلافة معتضدا بمعتضده، ومنابر كلمات الله قد سها إليها السّهى وشاب لسموها فرق فرقده، وانتقل الناس بعد فتوح الشام إلى سيرتنا الظاهريه، وتحلّى الأمن بعد الفواكه الشامية بالحلاوة القاهريه، وجاء ربيع الإقبال وقد رصّع درّ الطّل (3) شنوف أقراطه (4)، وبادرت الخيول إلى خلع نعالها تأدّبا قبل دوس بساطه، وأمست أعداء دولتنا الشريفة مقرنين في الأصفاد، وكم قال كاذبهم: «لعنت إن عدت إلى البغي لعنة ثمود وعاد» والمقرّ أحقّ أن يتمثل بقول القائل عند سماع هذا الهناء: [من الكامل]
تقاسم الناس المسرّة (5) بينهم ... قسما وكان أجلهم قسما أنا
فإن هذه النعمة شكر الله عليها واجب، لا سيما من المقرّ فإن أقسامه منها (6) وافيه، وهو أول من تفكّه بها فإن قطوف ثمراتها لديه دانيه، وقد جلينا له (7) عروس هذه البشرى ليتمتع من طروسها وسطورها بالخدود والسوالف، ويأخذ حظه منها بالوافر ويتفيأ بظلالها الوارف، ويقف لاستجلاء محاسنها مع علمه الكريم بشرط الواقف، وينشد القادم بها (8): [من الكامل]
لله در مبشري بقدومكم ... فلقد أتى بلطائف
والله تعالى يجعل مسراته ببشائرنا الشريفة متصله، ويجعل لموصولها في كل وقت منا عائد وصله. بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
__________
(1) حسمت: ها: جسمت.
(2) سورة البقرة 2/ 27.
(3) در الطل: ها: رد الظل.
(4) أقراطه: طب: أطراقه.
(5) المسرة: ها: البشارة.
(6) منها: قا: فيها.
(7) جلينا له: ها: حليناها تو: حلينا.
(8) البيت غير مكتمل، فقد سقط منه ما أفقده الوزن.(1/387)
(93)
مكاتبة الملك الظاهر ططر إلى الملك الناصر صاحب اليمن:
ومنه ما كتبت به (1) عن مولانا السلطان الملك الظاهر رحمه الله (2) إلى الملك الناصر (3) صاحب اليمن:
أعزّ الله أنصار المقام العالي، السلطاني، الملكي، الناصري، الشهابي (4) لا زال علم الأمن والإيمان مرفوعا به في اليمن، ولا برحت أهل الصنعاء تعز بصنايع فضله، وترتع في جنات عدن بعدن. فإن الأمة بأحمدها في عزّ توطّن تلك البلاد وأبطل حركة كل باطل (5) وسكن. واللقب الناصري يوازنه اللقب الظاهري قد تمكنت قافيته من الجهتين. وما مكّن الله هذه القافية إلا لانسجام هذين البيتين. وقد أزال الله تلك الوحشة التي مشى بها في الأيام المؤيدية كل وسواس وخنّاس، وبدّلها الله في أيامنا الظاهرية بالأنس الذي أنشد فيه خطاب الإيناس: [من الطويل]
ألا أيها الركب اليمانون عرّجوا ... علينا فقد أمسى هوانا يمانيا
أصدرناها إلى المقام وأصالة رأينا الشريف قد أزالت من تلك الوحشة الخطل، وبديع التفاتنا إلى الوداد أضفنا إليه التكميل فتعبّد له في سوق الرقيق رقيق الغزل، وصلّت ركع أقلامنا في محاريب الطروس وأعلنت للمقام الأحمدي بالتحية والسلام، وكيف لا وقد حكم الشرع الشريف على فضله بالظاهر وثبت أن أحمد لهذه الأمة خير إمام.
وتبدي لكريم علمه ما قدره الله تعالى من اندراج الملك المؤيد سقى الله ثراه إلى رحمة الله واضطراب البلاد والعباد، وقيام أئمة (6) الدين وعلماء المسلمين في مبايعتنا الشريفة ونحن نمتنع من ذلك، ويأبى الله إلا ما أراد. هذا وأمير المؤمنين قد ألقى عصا اختياره واجتهد في ذلك غاية الاجتهاد، إلى أن جلسنا على تخت ملكنا الشريف فطهّرنا
__________
(1) ومنه ما كتبت به: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ما كتب به ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته ما كتب به قا: ومن إنشائه ما كتب به.
(2) رحمه الله: طا، طب، ق: خلد الله ملكه ساقط من قا.
(3) راجع الرقم (20) ص 63.
(4) الشهابي: ساقط من ها.
(5) باطل: ق: باطن.
(6) أئمة: قا: أهل.(1/388)
الأرض بالعمل الصالح من أهل الفساد. وقد تقدم في عهدنا الشريف أن إمامنا المعتضد بالله أبا الفتح داود زاد الله شرفه تعظيما، وكرّم بيته الذي رفعت به قواعد الإيمان تكريما لما ألزمنا بذلك شرعا وأعلن المسلمون بالتكبير ليتقدم إمام سلطاننا إلى محرابه، كان خاطرنا الشريف بامتناعه أشد من الحديد، فألانه الله لداود لما بالغ في لين خطابه.
وكان الجلوس على تخت ملكنا الشريف في غرّة رمضان المعظم عام تاريخه. فأردنا أن المقام يأخذ الحظّ من هذه البشرى على قدر مقامه، فإنها إن شاء الله تشرع في انسجام بيته البديع وعلوّ نظامه، وقد تقدم في أمثلته الكريمة في الأيام المؤيدية قوله الكريم «صدرت والمراكب سائرة على ثبج هذا البحر كأنها ليال خطّاره، وكأنما فوقها من القلوع أيام موّاره، وكارمها وتجارها مثقلون من المكارم، وممتلئون من الغنائم، سالمون من المغارم. إذا سكتوا عن الثناء نطقت حقائبهم، وإذا قصّروا فيه طولت زواملهم وركائبهم، والرعايا باليمن تحت ظلال الأمن وادعه، والمعدلة لأركان الباطل صادعه، ويد العدل والإنصاف تشمل الحقوق جامعه، ولسطوات أرباب الأهواء قامعه»، ونحن نبدي للمقام جلّ قصدنا الشريف، وهو أن تلك المراكب لا تختلّ على ذلك البحر المديد نظمها، فإن زحاف الظلم قد زال، والكارم نجانسهم بالمطرّف من المكارم، ونقابلهم بالإقبال ونعيدهم إن شاء الله كما ذكر المقام مثقلين من المغانم، سالمين من المغارم. وقد جهزنا المجلس العالي الأخصّي العلائي علاء الدين علي القائد كتب الله سلامته وهو ممن يشهد الصفاء والمروّة بحسن سعيه وصدق تلبيته. ويشهد البيت الحرام لطول مجاورته بحسن جيرته، وهو كلقبه إن شاء الله تعالى للخيرات قائد، ونرجو أن يكون لصلة المودة أجمل عائد، وعلى يده من الهدية ما يؤكد أسباب المودّه، ويصير إن شاء الله لإحكام المحبة عمده. والله تعالى يجعل عروض وداده بهذا السبب من غير فاصلة ثابت الأوتاد، ولا يلجئ قافية محبته في إخلاص تمكينها إلى إيطاء وسناد.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.(1/389)
(94)
تقليد وليّ الدين أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي بقضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية (ذو القعدة 824هـ):
ومنه (1) تقليد مولانا قاضي القضاة وليّ الدين العراقي (2) بوظيفة قضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية (3)، وهو (4):
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي فوّض أمور الشرع الشريف لوليّ من أوليائه، ولما قلّده حكم القضاء لطف به في حكمه وقضائه، وجعله بقية مشايخ الإسلام ومتع المسلمين ببقائه، وأظهر الملك الظاهر إلى صلاحه فجمع العدل بين الظاهر والصالح فالحمد لله على نعمائه، ونكرر حمده على سلطان عالم استدرج الجهّال من حيث قرّت به عين الشافعي بعد ما وثب سرّه (5) ووثب بإزائه الليث. فإنه الملك الذي بسط الله يده الشريفة بالفعل ولسانه الشريف بالقول، وفي هذا العام متّع الله الإسلام والمسلمين منه بالقوة والحول، والشكر لله فإن شكر المنعم لا سيما على مثل هذه النعمة واجب، ونطنب في شكره على إمام ظاهر ظهرت الأولياء في أيامه وأقمر وجه الشريعة ولم يرفع للظلم حاجب، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يبلغ مؤديها يوم حكم القضاء سوله، ونرجو أن تكون هذه الشهادة عند الحكم العدل مقبوله، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي سن سيف الشريعة فنفّذ الله حكمه وأمضاه، وسله لكل وليّ اختاره للولاية وأعانه على ما ولّاه، وجعله آخر الأنبياء في الوقت ودقائق معجزاته تشهد له يوم الساعة بعلوّ الدرجه، وأظهر
__________
(1) ومنه: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى وعفا عنه قا: ومن إنشائه.
(2) العراقي: طا: عظم الله شأنه ها: العراقي تغمده الله برحمته. وهو ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين الشافعي المعروف بابن العراقي («الضوء اللامع» للسخاوي ج 1ص 344336 و «المنهل الصافي» لابن تغري بردي ج 1ص 335332رقم الترجمة 181)
. 25178،،
(3) «النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي ج 14ص 204، 206.
(4) وهو: قا: وهو بعد البسملة الشريفة.
(5) سره: ق: سريره ها: شره.(1/390)
غلط من جهل مقداره الشريف. وهذه الغلطات ما برحت في حواشي الدهر مخرجه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نفذوا أحكام شريعته، وأوصلوا تلك الأحكام النافذة بكل وليّ من أمته، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فولاية الولي تعمّ هذه الأمة ببركاتها، وإذا تمسكت بها تضوّعت من نسمات القبول نفحاتها. وقد تلت ذمتنا الشريفة بولاية هذا الوليّ في براة ورشّحت (1)
من الخير بالأنفال (2). وكان أمر المسلمين في ولايته شورى وفصّلت في الثناء عليه أقوال.
فإنه إمام العلماء الذي ودّ كل إمام أن يصلّي خلفه ليعدّ من جماعته، والولي الذي ما شك عالم بحمد الله بصدق ولايته، وهذا أمر اشترك في نفعه راع ومرعي، وحضّ عليه أمران عقلي وشرعي. فمن يهدي (3) الله لاتّباع هذا الوليّ فقد أرشده إلى طرق (4) الهدى، {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً} (5).
ولقد راودته مخدّرة هذا المنصب عن نفسه زمانا لما شغفها حبا بديانته، ولكن حصل القبول في أيامنا الشريفة وصادف العقد محلا وقد حكم على مقتضى مذهبه بكفاءته، وأما دقائق العلوم فكتبها عن حسن نظره الكريم لا تصبر ولا تتجلّد. وإذا حمدت علماء العصر فإجماع المسلمين يشهد أنه أحمد. وهو الذي تسلسلت أحاديث فضله مع الرواة، ورقص الناس لها عند السماع، فإنه القدوة الذي (6) أنشده لسان العصر ولسان الإجماع: [من الطويل]
لكل زمان واحد يقتدى به ... وهذا زمان أنت لا شكّ واحده
وأما دروسه فقد علم الله أنه أحيى بها ما نسي من العلم ودرس، وإذا طال لسان قلمه في فتوى قصّرت ألسن أقلام العلماء واعتراها الخرس: [من الطويل]
فواعجبا منّا نحاول وصفه ... وقد غرقت فيه القراطيس والصّحف
__________
(1) رشحت: ق، ها: وشحت.
(2) بالأنفال: ق: بالأفعال.
(3) يهدى: طا، طب، ق: يهد / مهد (؟ مهمل).
(4) طرق: ق، تو، ها: طريق.
(5) سورة الكهف 18/ 17.
(6) الذي: قا: التي.(1/391)
وكم قال هذا المنصب: «ربّ قد أضعفني اليتم وصار الباطل قويّا، {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} (1)، فإنه الوليّ الذي لا يخاف إذا عزل به قوم عن أحكام القضاء غافلون، تمسكا بقوله تعالى: {أَلََا إِنَّ أَوْلِيََاءَ اللََّهِ لََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2). وقد اطمأنّ قلب كل يتيم ويتيمة أرمله. وقالا بعد حمد الله: «هذا وليّ من لا وليّ له»، ومشى حال كل واقف كان وقفه جاريا فاعتراه وقفه، وصدقت الرسل وأعلن شهود الحق بالشهادة وغضّ كل ناظر طرفه، ومال الصدقات كان قد منع صرفه فألقى موانعه وصرفه لما أعرب عن هباته، وأهل الصدقات ما برحوا معترفين بصدقاته، وأهل مكة والمدينة رفعوا لهذه البشرى علمين، وقالوا: «هذا على الحقيقة قبلة العلماء وإمام الحرمين»، وهبّ نسيمه العراقي فترنم الناس بحسن إيقاعه في الصعيد والحجاز، ورنح أعطاف الدوح الشامي فإنه نسيم قبول له في القلوب على الحقيقة مجاز، وهذا التقليد كما قال الفاضل موقعه موقع طوق الحمامة تتقلده ولا يقلع، فإن سجعت على عودها فمطوّقها بين الأوراق المثمرة بالعلم يسجع. ومن بديع الاتفاق في حكاية الحال، ما قرره الفاضل في الأيام الصلاحية وقال: «وما كان الله ليخلي مصر وهي خزائن (3)
الأرض من أن يوطنها مفتاح علوم شرعه، ولا ليعطلها وهي كنانة الله من سهم قسمه بين أوليائه وأعدائه سهما لضرّه وسهما لنفعه»، وزماننا قد سمح بهذا الولي وهو سهم هذه الكنانة الذي وصلنا به إلى الأغراض الصائبه، ولم نخرج (4) لصدق ولايته عن الأمور الواجبه، فإنه العالم الذي حاز كثيرا من العلم عجز الأنام من أقلّه.
وإذا أشرنا إليه بقول الشاعر فقد وضعنا الشيء في محلّه: [من البسيط]
إذا تغلغل فكر المرء في طرف ... من فضله غرقت فيه خواطره
ما ندب إلى ولاية غير مستحق إلا قال مورّيا به: «لا مهلا»، ولا حاول أمرا شرعيا عجز عنه الغير إلّا: [من السريع]
قال له الشرع: امض ما تحاوله ... واقض قضاء لا يردّ قائله
__________
(1) سورة مريم 19/ 5.
(2) سورة يونس 10/ 62.
(3) خزائن: قا: خزانة.
(4) نخرج: قا: يخرج.(1/392)
ولا أمر بولاية مستحق إلا هيّأ الله له من أمره رشدا، ونطق لسان الهداية منشدا:
[من الخفيف]
حسبك الله ما تضلّ عن الح ... قّ ولا يهتدي إليك إثام
هذا ودليل الدين في سيره (1) الحسن يرشده، ويرنّح أعطافه كأنه عن كل ضائع ينشده. فأعاذه الله من ولاية قوم يسمعون بيّنة الحق، وإذا جاءتهم الرّشوة لأمور معضلات، تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات. لا جرم أنه الألمعي الذي كأن أفكاره مشتملة (2) على مسامع وأبصار، واللّوذعي الذي يتطفّل على نور أوهامه ضوء النهار.
ولما كان الجناب الكريم العالي القاضوي الولي أحمد ابن العراقي الشافعي أعز الله تعالى أحكامه (3) هو الموصوف الذي تجاوز بالفضل (4) حدّ صفاته، وإليه أشار القائل بقوله في بديع أبياته: [من المنسرح]
صفاته في العلوم إن ذكرت ... يغار منها النسيب والغزل
تعرف من عينه حقائقه ... كأنه بالذكاء مكتحل
ولما صدّقنا خدام هذا الوصف الذي نقلته من بعض أوصافه، وتطفلت ملوك العلم على مائدة علمه ونشقت من طيب أعرافه، اقتضت آراؤنا الشريفة أن نجمع (5) بين علمه وعمله في الأحكام الشرعية علما أن النجاح بولايته لائذ (6)، واعتمدنا في ذلك على نصرة أحكام الله وقضائه النافذ.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الظاهري السيفي لا زال حاكم الشرع في أيامه العادلة وليّا، وكلما أغضب أهل الباطل كان حكمه ماضيا مرضيا
__________
(1) سيره: قا: سيرة.
(2) مشتملة: قا: مجتمعة.
(3) الشافعي أعز الله أحكامه: قا: إلى آخره.
(4) بالفضل: قا: بالوصف.
(5) نجمع: قا: يجمع.
(6) لائذ: قا، ها: زائد.(1/393)
أن يفوض للجناب المشار إليه وظيفة (1) قضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية على عادة من تقدمه وقاعدته، فإنه العالم الذي: [من الوافر]
إذا ما العالمون غرّوه قالوا ... أفدنا أيّها الحبر الإمام
فلينظر في ذلك فإنه الناظر الذي لم يحجبه عن الخيرات حاجب، * ولو كانت الأعضاء ألسنا لما قضت بالثناء عليه بعض الواجب * (2) والوصايا كثيرة ولكن أمره مبني على التقوى والعاقبة للمتقين. وإذا أعزّ أحكام الشرع فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. وقد علمنا أنه يدحض كيد الخونة فإنّ {اللََّهَ لََا يَهْدِي كَيْدَ الْخََائِنِينَ} (3)، ويقطع دابر عمّال الفساد {إِنَّ اللََّهَ لََا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} (4). والله تعالى يطلق له أعنة الإقبال، وينيله من نعمه ما لا يخطر قبل وقوعه ببال، وكما أحسن حاله في البداية يحسنها في النهاية حتى يقول: «الحمد لله على كل حال»،
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
كتب في ذي القعدة عام أربعة وعشرين وثمان مائه (5)
بمنه كرمه إن شاء الله تعالى، وحسبنا الله وكفى.
(95)
توقيع لزين الدين عبد الباسط بنظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية والممالك الإسلامية (1ذي القعدة 824هـ):
ومنه (6) توقيع المقرّ الأشرف الزيني عبد الباسط (7) عظّم الله شأنه (8) في أوّل
__________
(1) للجناب المشار إليه الوطيفة: قا: للمشار إليه.
(2) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(3) سورة يوسف 12/ 52.
(4) سورة يونس 10/ 81.
(5) ويتعلق هذا التقليد بإعادة القاضي ولي الدين ابن العراقي إلى القضاء في ثاني ذي الحجة بعد استقالته من منصبه في 25من ذي القعدة (راجع «النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي ج 14ص 206205).
(6) ومنه: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته قا: ومن إنشائه.
(7) هو زين الدين عبد الباسط بن خليل بن إبراهيم الدمشقي («الضوء اللامع» للسخاوي ج 4ص 2724 رقم الترجمة 71و «المنهل الصافي» لابن تغري بردي ج 7ص 143136رقم الترجمة 1358)
. 1931346،،
(8) سقط الدعاء من قا.(1/394)
ذي القعدة سنة أربع وعشرين وثماني مائة (1) بنظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية والممالك الإسلامية (2)، وهو:
الحمد لله الذي تسمّى بالباسط، وبسط الرزق لعبده، ورأى هذا العبد متزايد الشكر فزاده بسطة من عنده. * وشكا الزمان قلة النظر فشرفه بناظر وصل بحسن نظره إلى بلوغ قصده * (3)، وزاد جيش المسلمين بهذا الناظر الحسن بهجة وزينا، فطاب نفسا وقرّ عينا، وتحقق ما عنده من الديانة وحسن السريره (4)، فقال: «هذا يوم العرض على مالك يوم الدين يكون إن شاء الله نعم الذخيره». نحمده على ملك ظاهر زان الملك فرفل الدهر في حلل زينه، واختار لوجه جيشه ناظرا فقال الصواب: «هذا ناظر الجيش بعينه»، ونشكره شكرا نرجو أن يكون به وجه التقصير يوم الكشف مستورا، ومطوي العمل الصالح عند مالك الملك منشورا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نزداد بها نظرا وحسن بصيره، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ما برحت جيوش الأنصار تحسن نظره منصوره، ولا رقم اسمه على لواء جيش إلا حصل به نصر من عند الله وفتح قريب. وهذا الرقم هو الطراز الذي به عز لمولانا السلطان وشرف على كل نسيب، فصلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة إذا كان اللسان لها مديرا كانت له في منشور الرحمة نعم العلامه، وتكلّفت له بزيادة الرزق وأثبتته في ديوان الكرامه، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فأهل النظر لا سيما بنور الله هم نظّام ملكنا الشريف ووسائط عقوده، واختيارنا الشريف لم يقع بحمد الله إلا على من تجمّلت الوجود بوجوده، وآراؤنا الشريفة تسكن عندها خافقة كل رايه، وما برح سهمها يبلغ كل غرض وجوادها يسبق إلى كل غايه. وقد بصّرنا الزمان بناظر ملأ عينه فقال: «نعم الإنسان»، واختارت جيوش المسلمين أن تكون تحت نظره لتقر سيوفها في الأجفان، وجاء نسيم القبول بهذه الأخبار السارة متنسما، وأنشد لسان اختيارنا الشريف مترنما: [من الكامل]
__________
(1) سنة مائة: من السنة المذكورة.
(2) «النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي ج 14ص 205.
(3) ما بين النجمتين ساقط من تو، ها.
(4) السريره: قا: السيرة.(1/395)
قلّ الثقات فإن ظفرت بواحد ... فاشدد يديك عليه فهو وحيد
وضربت كل مربعة أخماسها في الأسداس فلم تقع على غيره، واشتق الناس بسط الرزق من الأيام الباسطية اشتقاق من هو عالم بخيره، وردّ الله من أرزاق المسلمين كل ضائع بعلامته، وابتهجوا بعد الضيق بإفراج الحال وجانسوا في ذلك بين كرمه وكرامته، وقرأ المسترزقون وقد فتحت لهم أبواب الرزق وعنده مفاتح الغيب، وسعت أقلام الرزق على الرؤوس واسودّت عوارضها بعد ما لكزها (1) الشيب. وكان كل من كتّاب الجيش قد توكّأ على عصا قلمه لما ضعفت قائمته، وكانت القصص أوهن من العنكبوت فشمل الكل حول الله وقوته، وقال الديوان الشريف: «هذا ناظمي»، وقال دار الوسائط: «هذا ناثري»، وقال الزمان وقد تهلل: «هذا وجهي»، وقال جيش المسلمين وقد ابتهج: «هذا ناظري». هذا وجبهات الأقلام قد ظهر فيها أثر السجود، وأصابعها تتحرك بين تلك السطور في مسابحها السود، وما أحقه هنا بقول القائل، إذا سرّح رأس قلمه بأطراف الأنامل: [من السريع]
مداده في الطّرس لما بدا ... قبّله الصبّ ومن يزهد
كأنما قد حلّ فيه اللّمى ... أو ذاب فيه الحجر الأسود
وقد جانس الله بين جماله وجميله في صورته ومعناه، وقالت الرئاسة: [من البسيط]
هل غير أني أهواه وقد صدقوا ... نعم نعم أنا أهواه وأهواه
والدليل على رفعته أن الباسطية بمصر قد أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ورفع خطيبها إلى أعلى الدرج وإذا أطلق سهام وعظه سقط (2) قوس الهلال وسقط عن هذا السموّ سهمه، والباسطية بالشام تسلسل ماؤها ودار بها حديث البخاري فسلّم كل عالم لهذا التسلسل والدور، وما دخلها طالب علم إلا تفقّه في باب المياه على الفور، وقد أجرى الله مناهل أياديه في مجاري أرزاق العباد. وكان رأي أبي الفتح خلّد الله ملكه جاريا في ذلك على السّداد. وقال الدهر وقد علم بتفريطه من قبلها: «قد استدركت فارطي، وكنت منقبضا (3) لهذا التفريط وهذا التقليد بحمد الله باسطي». ولو شاهد المانويّة ما على
__________
(1) بعد ما لكزها: طب: بعدها لكز بها قا: بعد ما أنكرها.
(2) سقط: طا: سفل.
(3) منقبضا: ها: منقضيا.(1/396)
ظلام سطوره من بهجة الدين ونور الكرم، لأقسموا بالليل إذا يغشى أنهم أخطأوا فيما نسبوه من الشر إلى الظلم، وأنشدوا وقد اعترفوا بالحق وتأدّبوا: [من الطويل]
وكم لظلام الليل عندك من يد ... تصدّق أن المانويّة تكذب
وكان عرف الرئاسة قد طوي نشره، فلم ينشق الناس عبيره (1). ولما شمله النظر الباسطي عاش بعد الطيّ وجدّد منشوره، وأصبح الدهر بالأيام الباسطية في بسط أمست الأفراح في قبضته، وذلّلت به قطوف الهناء فتفكّه الناس في فروع دوحته، وانطلق لسان الحال وأنشد مترنما وقال: [من البسيط]
مات السرور فأحياه بزورته ... كأنّ مبعث أنس النفس مورده
هذا وثغور الإسلام بحلاوة هذه البشرى تحلّت (2)، وتفرّعت لتلقّيها حتى حظيت بها وتملّت، ولم يتأخر مقدم جيش عن هذه الحلاوة بل مدّ إلى تناولها يده، فإن قلوب الجيوش أمست على محبته أجنادا مجنّده.
ولما كان الجناب الكريم العالي القاضوي (3) الزيني ضاعف الله تعالى نعمته هو مجموع هذه الغرر التي نقلت من ديوان محاسنه فأمست تذكره، ولو أدرك ابن الجوزي وصفها (4) المدهش لاتخذه لعيونه تبصره، اقتضت آراؤنا الشريفة أن نثبت في ديوان جيشنا المنصور حسن نظره، وقد حكم بصحة هذا الثبوت ونفذ بين باديه وحضره.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الظاهري السيفي، لا زالت أهل النظر في أيامه المتيقظة قريرة العين، ولا برح كل مستحق مستوفيا ما كان له في ذمّة الزمان من الدين
أن يفوّض للجناب المشار إليه وظيفة نظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية والممالك الإسلامية المحروسه، فإنه الكامل الذي وقع اختيارنا الشريف عليه وكان هذا الاختيار مقترنا بالخيره، وقد رأينا في تأريخه الحسن ما دلّنا منه على حسن السيره.
__________
(1) عبيره: ها: عنبره.
(2) تحلت: قا: تجملت.
(3) العالي القاضوي: ساقط من قا.
(4) وصفها المدهش لاتخذه: قا: وضعها المدهش لاتخذ.(1/397)
فليتلقّ هذا الاختيار الذي ثبت فضله على الإمام الأعظم وحكم بفضله الظاهر، وينظر في ذلك بنور الله فقد اعترف كل إنسان بأنه نعم الناظر، وكيف لا وهو الأمين الذي نظر في خزائن الملك فكان معتصما برأيه الرشيد، وفوّض إليه أمر بيت الله فكساه بديعا ونظم معه بيوتا خضع لها بيت كل قصيد، فعين الله على هذا الناظر الحسن، ويد الله (1) تعضد يده التي ليس لغريب الكرم غيرها وطن، فإنه ذو الرأي الذي حمدنا عواقبه على التجريب، والفطرة التي بلغنا بها الأمل البعيد في الأمد القريب، والشبيبة التي (2) حمل لسواد عارضها الراية البيضاء من تهذيب كل مشيب، واليد البيضاء التي ود الكف (3) الخضيب أن تعقد عليها الخناصر، والطلعة الميمونة التي إذا قابلها البدر قلنا له: «إن الكلف على وجهك ظاهر»، وذو وذو حتى تنحسم هذه الماده، وينتهي السير في طريق هذه الجادّه. والوصايا كثيرة ولكن صاحب هذه المناقب عن ذلك في غنيه، وحسن ملاطفته في استقصاء الأغراض يعالج كل نفس أضعفها الفساد بالحميه، والله تعالى يسدده في نقض كل أمر وإبرامه، ويرشده إلى إزالة كل إشكال تعقد الخناصر على إبهامه. وكما أحسن براعة استهلاله في الابتداء يوفقه في التخلص إلى حسن خاتمه.
إن شاء الله تعالى (4) بمنه وكرمه (5)
كتب في شهر القعدة سنة أربع وعشرين ثمان مائه (6).
__________
(1) الله: قا: الله سبحانه وتعالى.
(2) والشبيبة التي: ها: والشبيه الذي.
(3) ود الكف: قا: ود كف ها: ورد الكهف.
(4) سقط الاستثنا من طب.
(5) سقط الدعاء من طا، قا.
(6) ورد التاريخ في طا فقط.(1/398)
(96)
جواب على مكاتبة واردة من علم الدين سليمان الإيوبي صاحب حصن كيفا (في العشر الأول من محرم 825هـ):
ومنه ما كتبت به (1) عن مولانا (2) السلطان الملك الصالح (3) رحمه الله (4)
جوابا عن مطالعة وردت على والده المقام المرحومي الظاهري سقى الله عهده (5)
بعد وفاته من المقرّ الكريم العالي (6) العلمي سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا في العشر الأول من المحرم سنة خمس وعشرين وثماني مائة، وهو (7):
بسم الله الرحمن الرحيم (8)
أعز الله أنصار المقر الكريم، العالي، العالمي، العادلي، العلمي لا زالت ريحه السليمانية تضوع في طيّ ملكنا الشريف نشرا، وأفقه الشرقي يظهر لنا من بياض طرسه في كل وقت بدرا
صدرت وتبدي لكريم علمه ورود كتابه الكريم على المقام الشريف المرحومي الظاهري الوالدي سقى الله من غيث الرحمة ثراه، وكما أكرم مثوى العدل يكرم الله في الدار الآخرة مثواه فإنه الملك الذي كان لأبواب الصلاح فاتحا، وقد خلف بحمد الله لهذه الأمة ملكا صالحا، وحلاوة تهاني المقرّ الواردة إلى المقام الشريف الوالدي كان قد حلا لدنيا مسيّرها (9)، وإذا كررها إلينا يحلو في نبات الودّ مكرّرها. وقد جلسنا على تخت
__________
(1) ومنه ما كتبت به: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ما كتب به ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى ما كتب قا: ومن إنشائه ما كتب به.
(2) مولانا: ساقط من قا.
(3) الملك الصالح ناصر الدين محمد بن الملك الظاهر أبي الفتح سيف الدين ططر («الضوء اللامع» للسخاوي ج 7ص 274رقم الترجمة 702). 3232165،،
(4) رحمه الله: طا، طب، ق: خلد الله تعالى ملكه ساقط من قا.
(5) سقط الدعاء من قا.
(6) الكريم العالي: ساقط من قا.
(7) في العشر الأول مائة وهو: طا، طب: وفي العشر الأول مائة كتب شيخنا الجواب وهو.
(8) سقطت البسملة من قا.
(9) حلا لدنيا مسيرها: طب: جلى الدنيا مسيرها ها: حلا الدنيا ومسيرها ق: حلى لدنيا مسيرها.(1/399)
ملكنا الشريف وانتظمت للمسلمين بذلك عقود المصالح. وكان الوقت المبارك واختيار الأمة واللقب الشريف كل من الثلاثة صالح. فالمقرّ يأخذ من هذه البشرى حظه ويهنّئ نسبته (1) الأيوبيه، فإن اشتقاق الصالح يجانس إن شاء الله تعالى بين الأيام الصلاحية وأيامنا الصالحيه. وأما ما جهّزه من النظم فقد قرضنا (2) بعده في قلائد العقيان، وقال علو القدر بعد بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمََانَ} (3)، فإن المقرّ من بيت كان به عمود الأدب على أحسن القواعد قائما، وكان الفاضل عبد الرحيم لشمل ديوانه ناظما.
وقد طربنا لمقطوعه الذي أغنى تشبيبه بالمقام الوالدي عن كل موصول، وأجابت أقصاب أقلامنا الشريفة عنه بما يود كل ديوان أن يحظى منه بوصول. فإن حلاوة أقصابنا بمصر تتطفل العسالة عليها، ومن ذلك قولها في الجواب الذي ينسب في صدق الحلاوة إليها:
[من الطويل]
مدحت المقام الوالدي بمدحة ... رأينا بها نظم العقود قد انتثر
ونحن شعرنا بالمحاسن والذي ... يشك بما فيها من الفضل ما شعر
فالمقر يستمر على ما تكلفه للمقام الوالدي بمطالعة ما (4) يتجدد، فإن فضله الكامل (5) يفتر عنه (6) كلام المبرّد، وهو القائل في تحيته التي اتبعناها عن المقام الوالدي بالسلام، وطربنا لما في مفردها من الكلام الجامع الذي هو لعقود الأدب نظام، وهو:
[من البسيط]
لا تنكرنّ زمانا كان حادثه ... وصرفه لي إلى علياكم سببا
فالسبب بحمد الله تعالى ثابت الأوتاد من غير فاصله، وذلك الجبر من المقام الوالدي نقابله بأمثاله لنجمع بين الجبر والمقابله. وقد صار على خواطرنا الشريفة أنّ شاه رخ رد بنفسه ونقلها عن تلك الرقاع وقاطعها جملة كافيه. والكشف عن ذلك كان من حاشية المقرّ بهمته العاليه. واطلعنا على سيرة الإسكندر الذي لم يمكنه الله في الأرض، وعلمنا
__________
(1) نسبته: طب: نسبه ق: بسببه ها: نسبت.
(2) قرضنا: طب، ق، تو، قا، ها: فرطنا.
(3) سورة النمل 27/ 30.
(4) بمطالعة ما: تو: بما
(5) الكامل: طب: الوافر.
(6) عنه: طا، تو، قا، ها: عنده.(1/400)
قصّته مع أخيه الذي زاحمه من الورد في برض (1). واتصل بعلومنا الشريفة ما ذكره المقرّ * في مطالعته عن الأمير عثمان، ونفّذ (2) حكم المقام الوالدي في مناصحة المقرّ * (3) بصحّة الدليل وقوة البرهان. والله تعالى يجعل مسرّاته من أبوابنا الشريفة متصله، ولا برحت أوصال تهانيه في أيامنا الصالحية غير منفصله.
إن شاء الله تعالي، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
(97)
مكاتبة واردة من زين الدين الاسكندر بن قرا يوسف صاحب العراق (في 14ربيع الأول 825هـ):
وفي رابع عشر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وثماني مائة (4) وردت مكاتبة المقر الزيني الإسكندر بن قرا يوسف صاحب العراق على الملك المظفر، وقد آل الأمر إلى الملك الصالح، ومضمونه:
بعد البسملة الشريفة، الحمد لله ربّ العالمين (5)
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله (6) أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وبعد، فإني ألقي إليّ كتاب كريم ممن هو أعظم من ملك البلاد وساس العباد شأنا، وأعلاهم منزلة ومكانا، وأنداهم راحة وبنانا، وأشجعهم جأشا وجنانا، وأقواهم دينا وإيمانا، وأروعهم سيفا وسنانا، وأبسطهم ملكا وسلطانا، وأشملهم عدلا وإحسانا، وأعزهم أنصارا وأعوانا، وأجمعهم للفضائل النفيسه، وأولاهم بالرياسة الأنيسه، من شيّد قواعد الدين بعد أن كادت تنهدم، واستبقى حشاشة الكرم حين أرادت أن تنعدم،
__________
(1) الورد في برض: ها: الود في مرض.
(2) نفذ: طب، تو، ها، قا: نفذنا.
(3) ما بين النجمتين ساقط من ق.
(4) سنة مائة: قا: من السنة المذكورة.
(5) بعد البسملة العالمين: تو: بعد البسملة الشريفة طب: بعد البسملة ساقط من قا.
(6) وآله: تو، وآله وصحبه.(1/401)
رافع آيات (1) المعالي أوان أن (2) ناهزت الانتكاس، ومجدد مكارم الشريعة وقد آذنت بالاندراس، محرز (3) الممالك الإسلامية بشدة الباس: [من الكامل]
الوصف عن إحصاء وصفك عاجز ... والعقل عن إدراك قدرك قاصر
وقف الكلام وراء مدحك حائرا ... أنّى يفي بالمدح ذاك الحائر؟
أسبغ الله تعالى ظلال جلال السلطنة المظفرية على كافة الناس أجمعين، ولا زالت الأفلاك تابعة لهواه، والأقدار متحرّية (4) لرضاه، ولا برح أهل الفضل من العلماء العظام، والمشايخ الكرام، مبتهلين بأطلق لسان، ومتضرعين بأرق جنان، أن يديم أيام دولته ويمتعه بما خوله دهرا طويلا، ويوفقه لأن يكتسب به ذكرا جميلا، لأنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير. ولمّا بشّرنا بتباشير وصول الرسول هتف هاتف أنّ صبح السعادة من مشارقها طالع، وروح السيادة من مفاتيحها ساطع، انكشفت الهموم، التي قد ساورتني فيها الغموم، وتجلّت عن القلوب الأفكار المضادّه المضارّه، وتنحّت عن الأفئدة الأنظار (5) المعاندة المعارّه، وسجدنا شاكرين لواهب (6) المواهب والعطايا، وكاشف المصائب والرزايا، شكرا لوصول الكتاب المزيح للشبهات، والمزيل للكربات، بعد أن تلقّي بالتبجيل (7) والإكرام، والتعظيم والاحترام، ولثم بالأفواه، ووضع على الجباه: [من مخلّع البسيط]
الناس أرض بكل أرض ... وأنت من فوقهم سماء
فالمرجّو من صدقات مالك الرقّ، وواهب الرفق، أن لا يقطع إنعاماته الجسيمه (8)، ومراسلاته الكريمه، حتى يتشرّف المماليك ويتكرم، ويتسمّن المهازيل ويتسنّم (9). وقد كان برهة من الزمان، ومدة من الأوان، يدور الاتحاد والمحبّه، ويسير الوداد والمودّه، بين
__________
(1) آيات: قا: رايات.
(2) أوان أن: قا، ها: أوان
(3) محرز: طب: مجهز.
(4) متحرية: طب: متجبرة ها: متحركه قا: متحيرة.
(5) الأنظار: طا: الأنصار.
(6) شاكرين لواهب: ها: شاكرين لمواهب طب: ساجدين لواهب.
(7) بالتبجيل: تو، ها: بالتمجيد.
(8) الجسيمة: ها: الكريمة.
(9) يتسنّم: ق: تتنسم.(1/402)
والد الحضرة المظفريه، السعيد الشهيد الملك المؤيد تغمده الله بغفرانه، وأسكنه بحابح جنانه، وبين والد المملوك المرحوم المغفور أزال الله تعالى عنه نكال نقمته، وأسبل عليه سجال رحمته. روي في الخبر: «من أشبه أباه فما ظلم» (1). وفي الأثر عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم «الحب يتوارث والبغض يتوارث». فالآن الماضي لا يذكر، والمذكور لا يتكرر ثم إن المملوك بعد ما نزلت الملمّة المهلكة البتراء، والمصيبة المدلهمّة السوداء، تحصّن ببعض الحصون، وارتضى بالسكون. تنشّط عثمان المخذول وتفرّح، وكاد من شدة نشاطه يتبرح (2)، لما رأى من تفرق الإخوان، وتشتت أحوال الخلّان، هجم هجوم الأعداء بالعساكر، * وآل على الضعفاء والمساكين * الأصاغر، فالتقى (3) الفتاة والفتيان، وتمادى بين الجانبين الخراب، وتطاول بين الطائفتين الضراب، واشتد الخصام والنزاع، وارتفع الصّياح أي ارتفاع. وأتى أمر الله وجاء نصر الله، وتليت: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللََّهِ وَاللََّهُ مَعَ الصََّابِرِينَ} (4). فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين.
ثم بعد ذلك وقع الاستماع، وانتشر البقاع، عن عسكر الجغتاي (5) قد صمموا العزم إلى بلاد الشام صينت عن وصول أيدي الظلّام ليخربوا البلاد، ويعذبوا العباد.
فنوديت في سري أن هذا الأمر واجب الدفع، وأن ذلك الخطب لازم المنع، توجه العسكر الحضر، الذين كانوا يصاحبوننا في ذلك السفر، من غير اجتماع تام، ونفير عام، ليعارضوهم. فعارضوهم كرّارين فرّارين، بشدّ الوثاق والاتشاق (6)، في موضع يقال له الأطاق، أياما معدودة مجدّين محتالين، غير مختالين، وهم كانوا من أهل الختل والخداع (7)،
__________
(1) «مجمع الأمثال» للميداني النيسابوري ج 2ص 333.
(2) يتبرح: ها: يتترح.
(3) وآل فالتقى: وآل: تصويبنا: طا: واللوا (كذا! التوى؟) ق: وال ساقط من طب، قا، تو ما بين النجمتين ساقط من ها طب، ق، تو: على المساكين الأصاغر والضعفا فالتقى.
(4) سورة البقرة 2/ 249.
(5) الجغتاي: طب: الحثعاي ق: الحفناي. ها: الجعياني
(6) الاتشاق: طب، قا، تو، ها: الانتشاق ق: الاستنشاق.
(7) الختل الخداع: ها: الخيل والخداع.(1/403)
والحيل والخلاع (1)، على أنهم لا يحصى عددهم، * ولا ينضبط عددهم * (2)، ولا ينتهي أمدهم. ومن جملة حيلهم أنهم سيّبوا الخيول مسرجه، والإبل مقتبه، والفيول مكرشه (3)، ليشتغل الأبطال بأخذ المال، ويغفلوا عن معارضة الأمثال، ومحاربة الأقبال، والمقدّر كائن، والمصون من له صائن. فأخذوا شيئا من الأثقال والأحمال، واستولوا على بعض الدواب والرّحال، وكان ذلك في الكتاب مسطورا، وكان أمر الله مفعولا. فنجونا حامدين سالمين، وقلنا: {الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي نَجََّانََا مِنَ الْقَوْمِ الظََّالِمِينَ} (4).
فلم يقدروا على ما أرادوا من الاستيصال، وارتدّوا ناكصين على أعقابهم بخيبة الآمال، {وَرَدَّ اللََّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنََالُوا خَيْراً وَكَفَى اللََّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتََالَ} (5).
ثم إن الملك القدير علت كلمته وجلّت حكمته (6) أعاد فضله الكبير على هذا المملوك، بالفوز والسلوك (7)، إلى بلاد آذربيجان حميت عن مصادمة الحدثان فتمهّدت الأمور، وتقررت الشؤون بالسرور، بيمن تلك الدولة المظفرية في دار الملك تبريز، صينت عن البلية بتأييد الملك العزيز، تباركت أسماؤه وتعالى جده.
فالمتوقع من صدقاته الكثيره، وإحسانه النيره (8)، أن يتفضل بمرسوماته الشريفه، ومكاتباته المنيفه، كما كان معهودا من دأب (9) الآباء، وديدان الأصدقاء. ونرجو من الله تعالى شأنه أن يجعلنا يدا واحدة لا يشوب صفو الوداد كدر، ولا يدخل البين دخيل ذو غدر وغرر. قد جهزنا بهذه العبودية الأعز الأمجد حاج يساول (10) إلى تلك الأبواب الشريفة والله يؤيده بالملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين، والحمد لله أولا وآخرا، والصلاة على نبيّه محمد دائما كثيرا.
__________
(1) الحيل والخلاع: ها: الحيل والخداع، قا: الخيل والخلاع.
(2) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(3) مكرشة: قا: مكرشبة طب: مدشه.
(4) سورة المؤمنون 23/ 28.
(5) سورة الأحزاب 33/ 25.
(6) علت كلمته وجلت حكمته: طب: جلت قدرته وعلت كلمته.
(7) والسلوك: ساقط من قا، ها.
(8) وإحسانه النيره (كذا): قا: وإحساناته المستنيره: تو: إحسانه السيره.
(9) دأب: قا: أدب.
(10) يساول: طب: يساوب.(1/404)
(98)
جواب على المكاتبة السابقة:
فكتبت الجواب عن ذلك (1):
بسم الله الرحمن الرحيم أعز الله أنصار المقرّ الكريم الزيني لا زالت سيرته الإسكندرية عندنا أكرم ضيف يقرى، ولا برح بسكون رأيه العالي بملك الخافقين من أعدائه قهرا. ومن سئل عن تمكينه الإسكندري قال: {سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً} (2).
أصدرناها إلى المقرّ يصحبها مع إقبالنا نسمات القبول، والنسمات ذكية يعلم من صدق أنفاسها حسن التمسك بالكتاب والرسول.
وتبدي لكريم علمه ورود كتابه الكريم في رابع شهر ربيع الأوّل إلى الديار المصرية يتضمن أن الله حصّنه في تلك المحنة التي أحسن الله عاقبتها ببعض حصونه، وسكن إلى أن أبطل الله حركات أعدائه بسكونه. واتصل بمسامعنا الشريفة أنهم قصدوا سدّ الحصن الإسكندري ليأخذوه غصبا، فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا. وذكر المقرّ أن إقبالهم عاد إدبارا وما انتصب لهم أمر على الحال. {وَرَدَّ اللََّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنََالُوا خَيْراً وَكَفَى اللََّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتََالَ} (3). وثبت عندنا بالتواتر أن الله مكّنه في أرض أعاديه وصار له في أسباب الفتوحات نبا، فقلنا: «وغير بدع إذا مكّن الله الإسكندر في الأرض وأتاه من كل شيء سببا» (4). وكان المقام الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الظاهري المرحومي الوالدي السيفي ططر (5) سقى الله تعالى من غيث الرحمة ثراه،
__________
(1) فكتبت الجواب عن ذلك: طا، طب، ق: الجواب الشريف عن مولانا السلطان الملك الصالح من إنشاء سيدنا المقر التقوي (طا: التقوي الشيخي) منشئ دواوين «الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة» فسح الله في أجله ها: الجواب عن مولانا السلطان الملك الصالح رحمه الله قا: الجواب عن السلطان الملك الصالح من إنشاء المقر التقوي المشار إليه تغمده الله تعالى برحمته، وهو.
(2) سورة الكهف 18/ 83.
(3) سورة الأحزاب 33/ 25.
(4) إشارة إلى الآية 84من سورة الكهف.
(5) ططر: ساقط من قا.(1/405)
وأكرم في الآخرة مثواه قد اتصل به ثبوت كتابه الكريم وحكم بصحته. وكان عنده في ذلك التأريخ غرّة أرّخها بسلخ الأعداء عن أكناف المقر ومملكته، وقد اتصل هذا الحكم بنا ونفّذنا ما حكم به المقام الوالدي المرحومي (1) من صدق إخلاص المقرّ وحسن يقينه، وكلّ منّا برّ قسمه في صدق المودّة وأخذ بيمينه، وسرّ خواطرنا الشريفة استيلاء المقرّ الكريم على أذربيجان وطالعنا الشرح التبريزي من كتابه، وعلمنا أن رشيد رأيه سعيد (2) ومقبل بصوابه.
وقد جنح المقرّ في كريم كتابه إلى أن يكون نبات المودة بيننا مكررا، وأن يستمرّ قلم الترسل خطيبا ويرقى بشعائر سواده من الطرس منبرا. فقد نبهنا مقلته السوداء لذلك وصار لها من تشاعير السطور أجفان. وحامت طيور الإنشاء على الأوراق فأظهرت فنون البلاغة على تلك الأفنان، لتبرز عرايس مودتنا للمقرّ في تبريز، ويعلم الأعداء أنّ الله تعالى قد أعزّه في مصر بصحبة العزيز.
وقد أعدنا قاصده مكرما وعلى يده من الهدية ما تتأكد به أسباب المودة والمحبه، ليعلم المقر أنّا أردنا بذلك عند الله قربه، وقد عنّ لنا أن نتمثّل هنا بقول القائل، فإنه لصدق حكاية الحال من أكبر الدلائل: [من الكامل]
إنّ الصفا في شرب كل مودّة ... لم يخل من كدر لمن هو وارد
وإذا صفا لك من زمانك واحد ... فهو المراد وأنت (3) ذاك الواحد
والله تعالى يجعل عطف مودته مؤكدا ليس فيه بدل، ولا برحت أصالة رأيه تصونه في كل وقت عن الخطل (4).
إن شاء الله تعالى (5).
__________
(1) المرحومي: ساقط من قا.
(2) رشيد رأيه سعيد: ق: رشيد كريم رأيه سعيد ها: رشيد كلام رأيه سعيده.
(3) أنت: طب، تو، ها: أين.
(4) إشارة إلى البيت الأول من «لامية العجم» للطغرائي، أنظر ذلك في «الغيث المسجم» للصفدي ج 1 ص 63.
(5) سقط الاستثناء من طب.(1/406)
(99)
توقيع لبدر الدين حسن بن الصاحب نجم الدين بنظر الجيش المنصور بدمشق:
ومما أنشأته (1) في هذا التأريخ توقيع القاضي بدر الدين ابن الصاحب نجم الدين بنظر الجيش المنصور بدمشق، وهو:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أطلع بالأفق الشامي بدرا من شاهده رآه حسنا، وهلّل جبهتها بعوده فإن الجبهة ما برحت للبدر منزلة وموطنا، وأنشدت دمشق شغفا ببدرها: [من الكامل]
إني رأيت الشمس ثم رأيته ... ماذا عليّ إذا هويت الأحسنا؟
وقالت الغوطة: «مرحبا بهذه الفواكه البدريه»، وقال جيش الشام: «لا تقولوا فقد رزق الله فقد فتحت أبواب الأرزاق بالبركة الحسنيه». نحمده على أن زيّن وجه الشام بناظر أجمع المسلمون أنه الحسن، ونشكره عنها فإنه الناظر الذي تذوق (2) به لذة الوسن، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من أودعه الله السر قديما وخصّه بعد ذلك بحسن النظر، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ما طوى له منشور ذكر، وهو صاحب القصص والعلائم التي ما شك في صحتها بدو ولا حضر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلوة تزداد بها نظرا وحسن بصيره، وتكون لنا يوم الكشف عند منشور العمل نعم الذخيره، وسلّم تسليما كثيرا.
أما بعد، فإن المملكة الشامية شامة في وجه الأرض تعدها الناس من الحسنات، ومجموع محاسنها تذكرة نتذكر بها محاسن الجنات. وقد ألهمنا الله (3) إلى مقابلة الحسن بالحسن، بحيث لم تبق بها غيضة إلا تزايدت بها الأفراح وزال عنها الحزن، ويركب الشقراء فارس ميدانها، وقائد عنانها.
__________
(1) ومما أنشأته: طا، طب، ق: ومن إنشائه جمل الله الوجود بوجوده ها: ومن إنشاءه تغمده الله برحمته قا: ومن إنشائه رحمه الله تعالى.
(2) تذوق: ق: ترزق.
(3) الله: قا: الله سبحانه وتعالى.(1/407)
ولمّا كان المجلس العالي القضائي البدري حسن بن نجم الدين أدام الله تعالى نعمته هو فارسها الذي ما اعتقل رمح قلمه إلا أغنى عن السمهرية وألسنتها الحداد، فإنه القلم الذي صانه الباري من الدنس وهو أبلغ من خطب على منابر الطروس بشعار السواد، وأدار قهوة الإنشاء قديما، فإنشاء البلغاء على يد كل مدير، وما برح نظر الجيش ممتدا إليه إلى أن أشرقت ليالي سطوره بهذا البدر المنير، اقتضت آراؤنا الشريفة أن نزيل بعقله الجوهري ما حصل في هذه الوظيفة من الأعراض، ونطلق فيها سهم رأيه الصائب لنصل بها إلى الأغراض، فإنه صحب ديوان الإنشاء فوثق بصحابته ورأيه الصائب، وصدق المحبة لا ينكر له فإنه صاحب وابن صاحب.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الصالحي لا زالت بدور الكمال مشرقة في أيامه، وكلما أطلع فيها بدرا اعترف الناس بكماله وتمامه
أن يستقر المشار إليه في وظيفة نظر الجيش المنصور (1) بدمشق المحروسة لنرى من يقظته في مهماتنا الشريفة جيشا ثانيا، وقطفا من ثمار التأييد بحسن بصيرته دانيا. فإن خوافق الرايات تسكن عند صواب رأيه الرشيد، ونظمه في المربعات يفوق على تخميس كل قصيد، وإن ذكر الكرم والكتابة فإجماع الناس على أنه عين الكرام الكاتبين، وإذا رفع إليه حساب ما يجاري في سرعة فهمه فإنه ملحوظ من أسرع الحاسبين. وكأنّا بالربوة وقد غنّت على جنكها فرحة بعودها المرقص والمطرب. وحركت عيدانها على تلك الدفوف ونفخ النسيم في شبّابة يزيد فأتحفت بالنفس الطيب. وقويت قلوب العساكر الشامية فرحة بقدومه وعلما بإقدامه، وقال كل جبّان: «حرام عليّ أكل الخبز بالجبن في أيامه»، وعلم صاحب كل خبز أنه يصل إلى الخاصّ بعلامته، وتجندت قلوب العساكر على محبّته، وصار لها يوم العرض طول بطوله وشهامته، وقرأ باب النصر في أوّل الفتح وصار مطلعا لهذا البدر وكان غيم الوحشة قد أخفاه، وقالت دار السعادة وقد أبدر في أفقها: «ربي وربك الله».
فليباشر ذلك فإنّ الله قد خصّه بحسن النظر وحسن البصيره، وهو البدر الذي يغني كماله أن نقول له والوصايا كثيرة، ولم يخالف بالبلاد الشامية في تمام هذا البدر أحد من الناس، وقالت مصر لمن قاسه بغيره: «بيني وبينك المقياس»
__________
(1) الجيش المنصور: قا: الجيوش.(1/408)
فليقابل إقبالنا عليه بالشكر الذي تتقيد به (1) شوارد النعم، فقد صار نعم الركن لبيتنا الشريف والملتزم. والله تعالى يقر عينه بهذا النظر الذي أصبح للخيرات شاملا، ويطلعه في أفق السعادة كل وقت بدرا كاملا. بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
(100)
عهد الملك الأشرف أبي النصر برسباي:
ومما أنشأته (2) هذا العهد الشريف الصادر من عبد الله ووليّه مولانا أمير المؤمنين المعتضد بالله، إلى مولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر برسباي خلّد الله ملكه (3) وكان الجلوس على تخت الملك الشريف يوم الأربعاء ثامن ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل سلطاننا أعلى رتبة من ملوك الأرض وأشرف، ورقّاه إلى أفق الكمال، فلو ناظره البدر قيل له: «أنت مكلّف»، واختاره أن يكون نعم الخلف الأشرفي ولهذا أينع (4) فرع سلطنته وأخلف، وكان الملك قد اختفى شعاره لحقارة الصغر عن التبيين (5)، وبعد ذلك الشعار المخفيّ، منّ الله على الإسلام بسلطان مبين، وعضده بالمعتضد لما رآه متوكلا. ولما نظم به شمل الأمة قال القبول: «بدأت ببسم الله في النظم أوّلا»، ثم الحمد لله الذي استخلف داود في الأرض ووثق عهوده الشريفه،
__________
(1) تتقيد به: ق: تتقيد به القلوب.
(2) ومما أنشأته: طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته قا: ومن إنشائه رحمه الله تعالى ساقط من طا.
(3) سقط الدعاء من قا أضاف ناسخ طا بعد الدعاء: من إنشاء قاضي هذا العصر وفاضله مولانا المقر الشيخي التقوي أبي بكر بن حجة الحنفي منشئ دواوين «الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة» عظم الله تعالى شأنه بمنه وكرمه.
(4) أينع: قا: أتبع.
(5) التبيين: ها: البنين.(1/409)
وقال عز من قائل: {يََا دََاوُدُ إِنََّا جَعَلْنََاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} (1)، وأعز الإسلام في هذا العصر بقوة وسلطان، وإمام لو حلف الزمان أن يأتي بمثله قيل له: «حنثت يمينك يا زمان»، وكان قمر الملك قد تصاغر حتى عاد كالعرجون من الضعف. فالحمد لله على إبداره وتنقله بالملك الأشرف إلى منازل الشرف، وعلى أن ظفّره الله بأعدائه وطرف سيفه نائم ملء جفنه، وأدّبه في نظام بيوت الملك فدقّق فيها المعاني بشريف ذهنه، ولما قرأ سورة النصر تبت يدا من عانده وحماه رب الفلق من شر كل وسواس وخناس، وسلسل أحاديث عهده مع الرواة فصحّت وكيف لا وهي مروية عن ابن عباس. ثم الحمد لله على سلطان ملكه الأحد (2) يوم الأربعاء فلم يقم خميس حرب ولا ظهر خلاف من إثنين، ومنع أن تكون السجدة لغير الرحمن فرفع الله نجمه بهذا التواضع فوق الفرقدين، وكان التقبيل قد صار له في خدود الأرض علامه، وصار لأثر الشفاه في وجنة كل بقعة شامه. فالحمد لله الذي جعله أشرف الملوك وأوصل (3) عهده الشريف ببيت النبوه، وقيل له: «إنّ كتاب هذا العهد يحيى به الملك» فأخذ الكتاب بقوه. ثم الحمد لله على إجابة الأدعية بكتابته التي ما يترتب على الدهر بعدها عتاب، وقد تكرر الشكر في الدعاء الفاضلي من الأمة وهو الحمد لله فاتحة الكتاب وخاتمة الدعاء المجاب، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة إذا تمسك بها ملك كان الأشرف إذا انتسبت ملوك الأرض، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي هو عدّتنا عند مالك الملك يوم العرض، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ربحت تجارتهم يوم البيعة بمشترى الآخره، صلاة نرجو أن تكون بها فروع الأعمال في ربيع الأبرار زاهره، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فهذا العهد الشريف الصادر من مولانا أمير المؤمنين المعتضد بالله زاد الله شرفه تعظيما، ولا برح كلما ألقاه إلى ملك عادل تلقى منه كتابا كريما عباسي تتبسم ثغور الأفق بلوامع برقه، والذي عهد به قد أورثه الله الأرض ولم يذر عليها من ينازعه في حقه. فإنه ذو الحسب الذي يحتسب به ذوو الأحساب، وذو النسب الذي إذا نفخ في الصور فلا أنساب، وهو من السلف القائمين بحقوق الله إذا قعد الناس، والمستضيئين بنور الإلهام الموروث من الوحي لا من الاقتباس. وهو الخليفة الذي لا يصل سهم عمل إلى
__________
(1) سورة ص 38/ 26.
(2) الأحد: طب: الله الأحد.
(3) أوصل: تو: واصل ها: وصل طب: جعل.(1/410)
غرض إلّا من يد إمامته، ولا يتألّق صبح عهد إلا من نور خلافته، وقد درع مولانا السلطان خلّد الله ملكه بدروع هذا العهد الذي رتبته (1) عند الله رفيعه، وما شك مسلم أن الدروع الداوودية منيعه، وصاحب مطلع الشمس عوّذ هذا العهد الشريف بالشمس وضحاها، وبلغ ذلك صاحب الهند فقال: {وَالْقَمَرِ إِذََا تَلََاهََا} (2)، وقيل لناصر اليمن: «أنت بالملك الأشرف (3) تعزّ في عدن، وينتظم سلك قيس بعد ذلك التنافر باليمن». وقال الإسكندر: «صار لي سدّ» ونسي حزنه اليعقوبي على فقد الطلعة اليوسفيه. وسمح شاه رخّ بنسفه للناقل وفرزن أن يكون في رقعة ملكه من الحاشية الأشرفيه، وأمست قلوب أهل الملك الصيني خوافق من الفرح بهذه البشارة السلطانيه، وقالت ملوك الخطا: «هذا عين الصواب» فشكر الله (4) الهمة الشريفة المعتضديه، ووجهت ملوك الشرق والغرب وجوهها إلى قبلة هذا الإمام الذي شرّفه الله (5) بالتقديم، وتلقت إمامته بالتحيات المباركات والتسليم. وإن ادّعى أحد من ملوك الأرض أن له في شجرة الشرف (6) نبت، فقد صح أن سلطاننا خلّد الله ملكه هو الأشرف بالثبت (7)، وخافت ملوك الحبشة وسودان (8) التكرور والنوبة دق الأقفية من هذا القيل (9)، ورأت نهار الملك الأشرفي قد أشرق فما شكت أن الله محا (10) آية الليل. وقالت بنو الأصفر في البحر الأزرق: «مرحبا بهذا العيش الأخضر»، ورأى المعاند سواد يومه الأبيض فاصفرّ لونه وأيقن بالموت الأحمر، وقالت أعاريب البر: «زالت الغمّة عنا وراحت يا عرب»، ونظمت أبياتها على أجمل وتد من غير فاصلة بهذا السبب، فأمسى فريق آل مهنا مهنى (11) بهذه
__________
(1) رتبته: ها: زينته.
(2) سورة الشمس 91/ 2.
(3) الأشرف: ساقط من ها.
(4) الله: ساقط من طب.
(5) الله قا: الله سبحانه.
(6) الشرف: ها: البيت.
(7) بالثبت: ها: بالنبت.
(8) سودان: طب: سلطان.
(9) القيل: ق: القبيل.
(10) محا: ها: مجي.
(11) مهنى: قا: يهني.(1/411)
البشرى وأصبح لثامه عن وجه الفرح مسفرا، وحمدت بنو عقبة هذه العاقبة وقالت آل مرى: «زال بحمد الله عنا المرى»، وزاحمت أعطاف الاستحقاق شمائل مولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر برسباي بالمناكب، وحرضت مولانا أمير المؤمنين على ما يجب عليه من القيام لله (1) بالواجب، فألقى عصا اختياره ورأى خيرة الله في تفويض أمور المسلمين إليه، شرّفه (2) بذلك فامتنع فأفتت (3) أئمة الدين أن الامتناع في مصالح المسلمين يحرم عليه، وقيل له: «إن التبرك ببيت أمير المؤمنين والإصغاء لحديثه يجب على كل دولة قاهره، فقد ثبت أن البيت والحديث لأسلافه الطاهره، وهو خلف الخلفاء ولا خلاف في شرفه الذي زكى في الأرض ونما، فإنه من بيت ساكن الروضة ومن الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء». فلما هبّت نسمات القبول وارتفعت عن وجه التفويض البراقع، وأومض لمولانا أمير المؤمنين (4) برق (5) من جانب الهدى لامع، فوّض إلى مولانا السلطان الملك الأشرف المشار إليه ما ولاه الله من أمور المسلمين ولاية تعيّن إسنادها * إليه ووجب، وثبت عند قضاة قضاة الإسلام صحة هذا الإسناد * (6) فحكمت فيه بالموجب، وقدمه للإمامة وعلم المسلمون أنه إمام كل محراب فكبروا: [من الكامل]
ولو أنّ مشتاقا تكلّف فوق ما ... في وسعه لسعى إليه المنبر
وعهد إليه بعد التفويض عهدا مزرّرا بتوثيق عرى الإيمان، مشتملا على ما اشتملت عليه الخلافة العباسية وهذا الحديث متصل بقديم الزمان. وقلّده ما وراء سرير (7) خلافته، فجلس على تخت ملكه الشريف، وحظي السرير والتخت من الملك الأشرف بالتشريف.
وفوّض إليه مولانا أمير المؤمنين ذلك بعدا وقربا، وشرقا وغربا، وقبلة وشمالا، وإقامة وارتجالا، برا وبحرا، سهلا ووعرا، غورا ونجدا، وحلّا وعقدا، وما له من ملك تخضع البدور في شرفها لشرفه، ومدد تمتدّ أيادي الملوك إلى اقتطاف ما أثمر في فروع خلفه، وما
__________
(1) الله: قا: الله عز وجل.
(2) وشرفه: طا: وشوقه.
(3) فأفتت: ساقط من قا.
(4) أمير المؤمنين: ها: السلطان.
(5) برق: قا: برق بدا.
(6) ما بين النجمتين ساقط من ها.
(7) سرير: ق: ستائر.(1/412)
يفتحه الله على يده الشريفة في تأريخه الأشرفي فإنه تأريخ في جبهة الزمان غرّه، وقد أرّخ في وجوه الأعداء سلخا ما أرّخ مثله من الهجره. تفويضا شاملا، وتقليدا كاملا، وعهدا تامّا، وإسنادا عاما، تدخل فيه الناس قاطبه، وتعاقب على ترك طاعته فإنها واجبه. ولم لا نكرر (1) الحمد لله إلى سلطان جاء بحسن تبصرته لأعداء هذا الدين مدهشا. وقد شاء الله (2) تمليكه وتلا لسان الحال: {قُلِ اللََّهُمَّ مََالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشََاءُ} (3)، وأوضح لنا سبل الرشاد وأرانا بيان العدل (4) في ذلك الإيضاح، وأظهر في فتح (5) أبواب الملك تلخيصا استغنى به عن المفتاح. فطلع في شعاره كالبدر في ليالي شرفه فكان طلعة على المسلمين مباركه. وتمشّى العدل في مفاصل الظلم فزعزعها (6) فأحسن الله في ذلك المشي مسالكه. وقد أجاب الله دعاء مصر بعد ما تضرّعت بأصابع نيلها ونشرت أيدي القلوع، وكشفت عن صدر بحرها ورفعت ثدي هرمها وأجرت من عيون سواقيها تلك الدموع، وتنسّمت دمشق هذا الخبر الطيب من نسيم القبول وقد مرّ عليها من التعب عليلا، فأرسلت كافلها وهي تقول: «يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا». ولما شاهد عمود الملك قائما على أجمل القواعد، بالغ في الإخلاص وعلم بأنه (7) الذي ظفر (8)
بأشرف صلة وهو عائد، وحمحمت الشهباء لما غنّت الشقراء على الأبلق وخلّقت (9)
غرّة جبهتها، وخرّ عاصي حماة طائعا ودار للمحمدية (10) دور فسلسلته حتى دخل تحت شريعتها، وتنبّهت صفد لتصفيد الأعداء فأذاقتهم من أصفادها نصبا، وابتسم ثغر طرابلس الشام وركب سفن المسرّة. {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً} (11)، وأمسى
__________
(1) نكرر: قا، تو، ها: يكرر.
(2) الله قا: الله تعالى.
(3) سورة آل عمران 3/ 26.
(4) العدل: قا: العهد.
(5) فتح: تو، ها: فتوح.
(6) فزعزعها: طب: فرعزها ق: فزعزها.
(7) بانه: ها: أنه.
(8) ظفر: ها، قا: يظفر طا: فظفر.
(9) خلقت: طب: حلفت ق: حلقت.
(10) للمحمدية: ها: للمجد به.
(11) سورة الكهف 18/ 63.(1/413)
ملك الشام عراقا وترنم حادي المسرّة بعد الصعيد في الحجاز، وفتح الله لسلطاننا أبواب النصر فكانت على الحقيقة نعم المجاز، وأخصبت مصر في أيامه الزاهرة فلم ترض أن تستخدم جارية تصب على يدها من الغيث، وجاور الشافعي (1) فتفقّه في العدل، وتأسّد على ملوك الأرض بالليث. وقرّ قرار البحر وسكن البرّ البرّ (2) فتيسرت له كل عسره، وناهيك أن ريم الفلا دخل تحت هذا الإيناس ولم يصر عنده نفره، ولا تنمر بعدها أسد بل صار لصغار الأرآم (3) في جبهته لمس، وأشرقت الأرض الأشرفية بأسدها فحسن أن يكون طالع الرعايا بالأسد والشمس، وأخبر نسيم القبول بطيب طيبة وهو صادق الأنفاس، وزمزم الفرح بالمقام لما سمع أن الأشرف شرب (4) من سقاية العباس.
وأمسى عيش أهل الصفا والمروة بهذه البشرى صافيا، وصار أول بيت وضع للناس على هذا الهناء ثانيا. ودنا الأقصى من هذه المسرّة التي ألانت (5) الصخرة، وفتح الله باب الرحمه، وأثمرت أعواد المنابر بشكر الله فقال (6) كل خطيب: «الحمد لله على هذه النعمه»، ونثر الملك الأشرف ندى قلمه الشريف على الأوراق فكأنه مدّ من غمامه، وظهر كل تقليد وقد بان عليه الشرف بتلك العلامه. ووجدت كتّاب الإنشاء للمصطلح بعد التنكير (7) تعريفا، وأعطاهم الوقت القابل دستورا فزادوا صعدة التعريف تثقيفا. وارتفع علمهم الزاهر ووجدوا في الأيام الأشرفية شرفا، وسئلوا عن قلم الترسل (8)
«هل وكف بالخيرات؟» فقالوا: «حسبنا الله وكفى». وصار لبليغهم حظ وقلم البليغ بغير حظ مغزل. ودار لقهوة الإنشاء دور صفا بسلافتها (9) وتسلسل، وطار حمام (10)
الرسائل وقد جعل طوقه على مخلق هذه البشرى مزرّرا. وبعده يصير طرح البرد في هذه
__________
(1) الشافعي: قا: الشافعي رضي الله عنه.
(2) البر البر: قا: البر.
(3) الآرام: ق: الآلام.
(4) شرب: ها: سمع.
(5) ألانت: قا: لانت.
(6) فقال: ساقط من ها.
(7) التنكير: ها: الشكر.
(8) الترسل: ها: التوسل.
(9) بسلافتها: قا: لسلافتها تو، ها: لبلاغتها.
(10) حمام: تو، ها: حمائم.(1/414)
الأيام الشريفة محرّرا (1)، وضاع نشر هذه المسرّة في أقطار الأرض وهو أجلّ من التباس التورية في تضييع (2). وكيف لا والسلطنة الأشرفية (3) والفصل السعيد والشهر المبارك ربيع في ربيع في ربيع. وقد أعرست الديار المصرية في هذا الفصل وبرزت من عقود الزهر في قلائد، وكتب الطلّ (4) على الأوراق صداق هذا العرس والثمر عاقد، وتحرك دينار الشمس في راحة الصبح وكان مع لؤلؤ الندى من جملة النثار، فإنه عرس شريف ترفع لشرفه عن دراهم الأقمار. وقال السيف: «قد استغنيت بثروة السلم فلم أرض أن أكون عريانا مجرّدا». وقال الرمح: «قد سئمت من الاعتقال فلم أكلم بلسان سناني (5) بعدها أحدا».
وقال القوس (6): «تأدبت (7) بعرك الأذنين فلم أترك (8) لي في غنيمة وقعة سهما ولا طلبا بأوتار». وقال الأمن: «كان (9) قد انقطع أثري وفي الأيام الأشرفية تمسّكت في مصر بالآثار». وتحصّنت قلاع المسلمين بالسماء ذات البروج من الطارق وأصبحت بالملك الأشرف مشرّفه، وعوذت سهامها بالنجم الثاقب وفتحت آذان مراميها لتصير بهذه البشرى (10) مشنّفة. وقد انتهت الغاية إلى الوصايا فإنها من الأمور الواجبة وحق من حقوق المصطلح. وبحسن نظمها تصير أسلاك السطور في هذه العهد كالسبح. ولكنّ وجه الوصية هنا قد غضّ من الحياء طرفه، وأسبل عليه براقع الخجل وسجفه، وقال:
«الوصايا بالنسبة إلى الحلم (11) الأشرفي والعدل والكرم والعقل تحصيل الحاصل». فحلم مولانا السلطان بسيط، وعدله مديد، ونداه سريع، وعقله الشريف كامل. وقد قابل وصايا أمير المؤمنين عند تلقي عهده الشريف بالإقبال، وانتصب لها في إعراب القبول على
__________
(1) محررا: ها: محزرا
(2) تضييع: ق، تو، ها: تضيع طا: يضيع.
(3) الأشرفية: قا: الشريفة.
(4) الطل: ها: الظل.
(5) بلسان سناني: ها: بلساني شاني قا: بلسان لساني.
(6) القوس: ق: الفرس.
(7) تأدبت: ها: ناديت.
(8) أترك: ق: أنزل.
(9) كان: ساقط من ق.
(10) بهذه البشرى: ها: اذاتها.
(11) الحلم: ها، قا: الحكم.(1/415)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/416)
(101)
مكاتبة بعتاب لطيف إلى ناصر الدين محمد بن قرمان (العشر الأخير من جمادى الآخرة 825هـ):
ومما أنشأته ما كتبت به (1) عن مولانا السلطان الملك الأشرف زاد الله شرفه تعظيما وقد رسم لي أن أكتب (2) إلى الجناب الناصري محمد بن قرمان مثالا شريفا يتضمن عتبا لطيفا لا يطلق (3) فيه لسان القلم بزمجرة، وذلك في العشر الأخير من جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وثمان مائة.
بسم الله الرحمن الرحيم أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي الأميري، الكبيري (4)، الناصري، لا زال جنابه المحمدي مخصوصا بإهداء السلام إليه، ووفود التحايا من أبوابنا الشريفة وافدة في كل وقت عليه.
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب، تهدي إليه سلاما ممزوجا بتسنيم (5) العتاب، مترعا بسلاف المودّة ولكن عليه من رقيق (6) العتب حباب، لأنه عتب يتطفّل النسيم على موائد لطفه، ويتنسّم طيب أخباره ليتعرّف بعرفه.
وتبدي لكريم علمه أن المقام الشريف، المرحومي، الملكي، الظاهري، الأخوي، السيفيّ ططر، درج بالوفاة إلى رحمة الله سقى الله تعالى من غيث تلك الرحمة تربه، وأتى على ذلك الإنسان حين من الدهر ولم يظهر للجناب أسف يشعر من وجنة طرسه بسالف المحبّه (7). وارتفع علمنا الشريف فاهتزت الدنيا طربا لتحريك عوده، ووجهت
__________
(1) ومما أنشأته ما كتبت به: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ما كتب به ها: ومن إنشائه تغمده الله برحمته ما كتب به قا: ومن إنشائه رحمه الله تعالى ما كتب به.
(2) رسم لي أن أكتب: باقي النسخ: رسم له أن يكتب.
(3) يطلق: ق: يطيق.
(4) الأميري الكبيري: ساقط من قا.
(5) بتسنيم: طب، تو، قا، ها: بنسيم.
(6) رقيق: ق: رفيق طب، تو: رحيق.
(7) المحبة: ق: المحنة.(1/417)
ملوك الشرق والغرب محاريب طروسها إلى قبلتنا وأومأ (1) قلم كل مملكة إلى هذه القبلة بسجوده. هذا وغصون أقلام الجناب لم تظهر منها في دوح التهنئة ورقه، ولا وقف طارق قلمه على باب طرس الهناء ولا طرقه. اللهمّ إلا أن تكون مقلة هذا القلم من النوم في سنه، وإذا فرضنا ذلك فالسنة ما تكون في سنه. وما خفي عن الجناب أن كتبه تتصل بها أوصال المودة وتتأكد، وما برحنا في كل وقت متمسكين بكتاب محمد، وعلى كل تقدير: [من الطويل]
إذا لم يكن في الحبّ سخط ولا رضى ... فأين حلاوات الرسائل والكتب؟
والجناب أمسّ الناس بمواقع إسداء (2) المعروف لا سيما مع مثله، والمنّة في ذلك لله، فإنه أرشدنا إلى وضع الشيء في محله، وقاد سادات الملوك إلى طاعتنا فتعبّد كل منهم وسأل أن يكون مكاتبا، وألبسوا كل قلم شعار سواده فقام على منبر طرسه خاطبا، ولهذا قيدنا كميت القلم عن مكاتبة الجناب بعد ما كان له في ميادين الطروس سريع وخبب، ولكن جذبته يد الأشواق فتلقّى أرض الطرس بوجهه وكتب: [من الطويل]
إذا لم تكونوا مثلنا في اشتياقنا ... فكونوا أناسا تحسنون التجمّلا
والآن قد ابتدأنا الجناب بصلة ما قطعه من الموده وأعدناها فمنّا الصلة ومنّا العائد، وإذا تعبدت (3) أقلام مودته بمحبتنا وواظبت الخمس بين راكع وساجد، قابلنا هذا الركوع والسجود بالتحيات المباركات والسلام. وأدرنا كؤوس المودّة من قهوة الإنشاء ولها من مسك السطور ختام. وقد جهّزنا المجلس السامي الأميري الكبيري السيفي أسنبغا الخاصكي أعزه الله تعالى بما على يده من الهدية على قاعدة الملوك وبيان هذه القاعدة تضمنته القائمه، وفي ذلك ما تحصل به اليقظة لتنبيه مقلة القلم فإن لها مدّة نائمه، وقد حملنا المشار إليه من ترسل الشوق ما ينقص عنده الفاضل، ومن جنابه (4) كأس المودة مبردا ليقف الجناب من المبرد على الكامل. والله تعالى يقوّي عزائم ودّه ليعقد بها عنه لسان العتاب، ويسدّد آراءه ليفتح بها من تجديد المودة كل باب.
بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى.
__________
(1) أومأ: في كافة النسخ: اومى.
(2) إسداء: تو، ها: ابداء.
(3) تعبدت: ها: تعمدت.
(4) ومن جنابه: ق: ومرحبا به.(1/418)
(102)
مكاتبة واردة من الجناب العالي يار علي صاحب ماردين، ابن زين الدين إسكندر بن قرا يوسف صاحب العراق (في شعبان 825هـ):
وفي شعبان المكرّم سنة خمس وعشرين وثمان مائة وردت مكاتبة الجناب العالي العلائي يار علي صاحب ماردين ابن المقرّ الزيني إسكندر صاحب العراق، يتضمن أن والده أيده الله بالنصر على أعدائه وفتح الدربند والسلطانية وقتل حاكم قم وحاكم شيراز وملك تلك البلاد، وصيغة المكاتبة:
يقبّل الأرض بالموقف الشريف، العالي، العالمي، العادلي، المؤيدي، السلطاني، الأعظمي، الملكي، الأشرفي خلّد الله تعالى له الملك وأقام به الإيمان، وجمع بعدله الشامل شمل الإسلام ويمن الأيمان، وأفاض إلى القاصي والداني من صوب برّه كلّ هتان، وجعل شكر أياديه الشريفة من كل شاكر ذريعة بها يد وغايتها يدان، وإصابة معروفه ومواضعها محجّة لمن سبقت له حسناها إلى أرفع مكان، وعزة سلطانه لها شمس ملوك الشرق وهلال الغرب يسجدان، ولسان حال كرمها ناطق: {هََذََا عَطََاؤُنََا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسََابٍ} (1) ولا سؤال {فَبِأَيِّ آلََاءِ رَبِّكُمََا تُكَذِّبََانِ؟»} (2)
كذا أقلّ المماليك ينهي إلى المواقف الشريفة شرّفها الله تعالى تشريف الأفلاك، وحرسها حراسة الممالك وحفظ الملاك. أنه لما كان بتأريخ نهار الاثنين عاشر جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وثمان مائة حضرت قصّاد المملوك من عند (3) أقلّ المماليك لهذه الدولة القاهره، المقر الوالدي الشاهي بما على أيديهم من المكاتبات مخبرة أنه وصل بالعساكر المنصورة إلى الدربند وفتح تلك البلاد وضرب السلطانية وقتل حاكم قمّ وحاكم شيراز وغنم هو وعساكره غنائم لا تحدّ ولا توصف وعاد بالخير والسلامة إلى الأداغ وهو قد صمم عزمه للتوجه إلى أذربيجان المحروسة وإلى ديار بكر لتمهيد البلاد، وقلع شافة أهل الفساد والعناد. كل ذلك بدولة السلطنة الشريفه. فلما بلغ أقلّ المماليك ذلك أوجب أن يعرضه على المواقف الشريفه، وهو من جملة مماليك الدولة القاهرة وينتظر المراسيم الشريفه، وقد جهّز رؤوس أعداء الدولة القاهره، والله تعالى يخلد قواعد ملكه بالولي الرحيم، والنبي الكريم.
__________
(1) سورة ص 38/ 39.
(2) سورة الرحمن 55/ 7713.
(3) قصاد المملوك من عند: ق: قصاد المملوك عند ها: قضاة الملوك عند.(1/419)
(103)
جواب على المكاتبة السابقة:
فأجبت عن ذلك بما صورته (1):
أدام الله تعالى نعمة الجناب العالي العلائي، لا زالت أخباره العلوية مسلسلة بسندها العالي، وأمالينا في أجوبته أمالي المحب لا أمالي القالي.
أصدرناها إلى الجناب وأسماع الخافقين بأقراط هذه البشرى مشنّفه، وفروع النصر ومواعيده هذه مخلفة وهذه غير مخلفه.
وتبدي لكريم علمه ورود كتابه الكريم يتضمن أن الله وله الحمد أرهف سيف المقرّ الوالدي وأقام به حدود الدين، وجعل بيته العالي مضمّنا بالنصر، وقد حسن هذا البيت بهذا التضمين، وتهافتت رؤوس الأعداء على سيفه الطويل النجاد، فأذكرنا قول أبي الطيب: (2) [من الوافر]
كأنّ الهام في البيدا (3) عيون ... وقد طبعت سيوفك من رقاد
وكان الأعداء كياجوج وماجوج في الكثرة والفساد، فحسم الله مادتهم في يد الإسكندر وأراح منهم العباد. وتسلم السلطانية سلطانها وكانت له في ذمة الزمان من الدين، وقيل لصاحب قم: «قم إلى رشف كؤوس الحين»، ورأى صاحب شيراز شيّا راز (4) مقتله، فعاجلته يد المنية وكان إيضاح قتله للنصر تكمله. وأنشدت ديار بكر وقد فضّت (5) ختام هذه الهناء: [من الكامل]
وتقاسم الناس المسرّة بينهم ... قسما فكان أجلّهم قسما أنا
__________
(1) فأجبت صورته: طا: الجواب عن مولانا السلطان الملك الأشرف خلد الله تعالى ملكه من إنشاء المقر الشيخي التقوي منشئ دواوين «الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة» فسح الله في أجله طب، ق: الجواب من إنشاء المقر التقوي منشئ دواوين «الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة» فسح الله تعالى في أجله ها، قا: الجواب من إنشاء المقر التقوي المشار إليه تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه فسيح جنته.
(2) «شرح ديوان المتنبي» للعكبري ج 2ص 80.
(3) البيدا: نفس المرجع: الهيجا
(4) شيا راز: ق، تو: شبا راز طب: شنارزا ها: شيا راز قا: شازار.
(5) فضت: ها: قضت.(1/420)
وهذا النصر لم يكن لتأييده نسبة (1) في الأيام المؤيديه، ولا ظهر له شرف في الأيام الظاهريه، وأبى الله أن يكون هذا الشرف إلا في أيامنا الأشرفيه. ليعلم الجناب أن طالعنا السعيد هو الأشرف، ولسان سيفنا يطول ويكلم الأعداء في أقطار الأرض ولم يتوقف.
فالحمد لله على توليد هذه النصرة التي أقمنا لها راية الفرح، ووقوع الأعداء في القبض الذي اتسع له صدر الزمان وانشرح. والشكر له على هذه النعمة التي اضطربت لها في البحر الأزرق بنو الأصفر. فقد مهّد الله تلك البلاد بسيف علي وعزمة الإسكندر. والله تعالى يجعل إعراب ودّنا الشريف مقدمة لهما في تسهيل النصر، ولا برح كنون الوقاية يقي أفعالهما في كل وقت من الكسر.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
(104)
مكاتبة واردة من السيفي العلائي الظاهري تنبك ميق كافل الشام المحروس (في شعبان 825هـ):
وفي شهر شعبان المكرّم وردت مكاتبة كافل الشام المحروس المقرّ السيفي تنبك ميق (2) تضمن تجهيز قود إلى الأبواب الشريفة، وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم يقبّل الأرض وينهي أنه قد وجّه آماله إلى الخدمة الشريفة ببضاعة مزجاه، وتطفّل على المراحم المنيفة راجيا أن لا يخيب رجاه، وعمل بقوله سبحانه وتعالى وقدم بين يدي نجواه (3)، وحسن ظنه بقبوله إلى ذلك الجاه العريض الجاه (4)، سالكا في جادّة
__________
(1) نسبة: ها: شبه.
(2) هو السيفي العلائي الظاهري الشهير بميق («الضوء اللامع» للسخاوي ج 3ص 2726رقم الترجمة 128تاني بك راجع «النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي ج 14مكرر، واستقراره في نيابة الشام ص 189وما يليها و «السلوك» للمقريزي، مكرر.
(3) راجع سورة المجادلة 58/ 12و 13.
(4) العريض الجاه: ساقط من طب، ق.(1/421)
الإخلاص سبيل الخدم، قائما بما يجب عليه من فروض الطاعة إلى أثبت قدم، متقربا إلى الخواطر الشريفة بآداب الوسائل والخدم، راجيا أن الأماني إن شاء الله تنجز له وعودها، والحظوظ الشاسعة تطوي له الأرض ويدنو بعيدها. فكان كمن أهدى إلى هجر تمرا، أو كأثر بالوشل بحرا، ولكن السجايا الشريفة قد جبلها الله تعالى على جبر قلوب عبيدها، والرأفة برضيع ثدي جودها (1) ووليدها. وقد جهّز مما أفاضته الصدقات الشريفة عليه، وأسدته بالإنعامات المطيفة (2) إليه، ما عيّنه من ذلك في قائمة من الكراع، وما فصّله في أخرى من الأصناف والمتاع، سالكا في الخدمة الشريفة بمشيئة الله سبيل الرشاد، متمسكا بموالاة البيت الشريف بعرى السداد، على وتيرة لا يجد وراءها مزيدا ولا يعرف أمامها حدا محدودا، باسطا يديه (3) للسؤال في الإغضاء عن القليل، والمسامحة بالتعويض بالحقير عن الجليل، طامعا من الصدقات الشريفة في خيرها وإحسانها. وإن كان قد أهدى على قدره كما أهدت القنبرة لسليمانها. والمزاحم الشريفة غنية عن هزها بهذه الأقوال المطوّله، ولكن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالإلحاح في المسألة.
(105)
جواب على المكاتبة السابقة:
فأجبت عن ذلك بما صورته (4):
بسم الله الرحمن الرحيم أعز الله تعالى أنصار المقرّ لا زال إخلاصه يقرأ في سورة الإخلاص ويسكن
__________
(1) جودها: طب: جيدها.
(2) المطيفة: طب، تو: المطبقة ها: المطبعة.
(3) يديه: ها: يده.
(4) فأجبت صورته: جواب من إنشاء المقر التقوي فسح الله في أجله طب، ق: فأجاب المقر التقوي المشار إليه فسح الله تعالى في أجله ها: فأجاب المقر التقوي المشار إليه رحمه الله تعالى قا: فأجاب المقر التقوي المشار إليه سامحه الله تعالى وعفا عنه.(1/422)
القلوب والقلوب به تسكن، وتحف تقادمه (1) تقرأ في {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (2)
وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين
أصدرناها إلى المقرّ تهدي إليه سلاما قابله نسيم قبولنا بالرضى والتسليم، وثناء أقرّ له أسود المسك بالعبودية وقنع في خدمته بالشميم.
تبدي لعلمه الكريم ورود الرياض من مكاتبته الكريمة علينا، فجنت منها يد القبول ثمرات (3) ما غرسناه فهي منّا وإلينا. ووقفنا على ما تضمنته من المثل السائر في إهداء التمر إلى هجر. فتمر المقرّ عندنا يجل عن النوى ووشله كالبحر إذا زخر. وأما جياد خيله فوجدناها من أهل المعارف وأصحاب الحزم في الحركة والتسكين. وقد عوّذ القبول أعزّها بقائد الغرّ المحجّلين، والجمال فقد جانسها الجمال وفيها كل نجيب شبّبت الحداة بحسن سيره ونطقت، وقال المباهي بخلقتها: {أَفَلََا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} (4) [من الكامل]
يغلبن ناصية الفلا بمناسم (5) ... وسم الدجا بدمائهنّ البيدا (6)
فكأنهنّ نثرن وردا بالخطى ... ونظمن فيه بسيرهن عقودا
وأما القسيّ فقد صارت من أعيان الحلقة، ونال كل منها في كنانة مصرنا ما تمنّى. والمقرّ وقسيه عندنا في القرب كقاب قوسين أو أدنى. وأما ما تضمنه أصناف التقادم من أوبار وأغشية فقد قبلت وبأفواه الشكر قبّلت، وعوذها القبول ب {حم عسق} (7) وفصّلت (8)، وأما وأما وأما، حتى تنحسم (9) مادة الوصف وتجفّ ألسنة الأقلام في ثغور المحابر وتظمأ، فإنها التقادم الذي كان القبول لها نتيجة
__________
(1) تقادمه: قا: إنعامه.
(2) سورة الشرح 94/ 1.
(3) ثمرات: طب: ثمرات القلوب.
(4) سورة الغاشية 88/ 17.
(5) بمناسم: تو: بمياسم.
(6) البيدا: كذا في جميع النسخ وربما كان الصحيح: «لبيدا» معنى ووزنا.
(7) سورة الشورى 42/ 21.
(8) سورة فصلت ورقمها 41.
(9) تنحسم: ها: تنجسم.(1/423)
ولهذا صارت مقدمه، والمسألة في إخلاص المقر لم تفتقر إلى تدقيق بحث فإنها مسلمه، فإنه * ممن سعى في مروة الصفا وصفت في السقاية منه الموارد * (1): [من الكامل]
وإذا صفا لك من زمانك واحد ... فهو المراد وأين (2) ذاك الواحد
وبرق رضانا عنه لم يكن خلّبا وقد أومض في الخافقين وأضا، وقد شملته صدقاتنا الشريفة بما يليق بمقره ليعلم أنها خلع الرضى. وأعدنا إلى المقرّ فحله حرفوشا وعليه من الذهب واللؤلؤ ما أفحم الزركشي والنظام. وقد صار هذا الحرفوش من أغنياء الخيل وأشرفها بتشريف هذا الإنعام. وآثرنا المقرّ بنبذة من البطيخ الصيفي تنكّس (3) من الأخضر الشامي كل رأس، ويتلقاها بقلبه وتخرج فرحة من قشوره إذا حظي منها بالإيناس، ويصغر كبير الضميري عندها ولم يتكبر (4)، ويحمرّ السمرقندي من الحسد ويصفرّ، لأنه يعلم أن العيش بها أخضر، والله تعالى يجعل الثغور الشامية بأنس المقر كل وقت في ابتسام، وينظر له في كل براعة من الخير حسن الختام.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
(106)
تقليد علم الدين أبي البقاء صالح البلقيني الشافعي بقضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية والممالك الإسلامية (العشر الأول من محرم 826هـ):
ومما أنشأته (5) تقليد سيدنا قاضي القضاة (6) علم الدين أبي البقاء صالح البلقيني
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من ق، تو، قا،. ها.
(2) وأين: طب: والمقر طا، ق: والمقر بحمد الله.
(3) تنكس: تو، ها: فنكس.
(4) يتكبر: طب: يتكثر.
(5) ومما أنشأته: طا: ومن إنشائه جمل الله الوجود بوجوده طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ها:
ومن إنشائه رحمه الله تعالى قا: ومن إنشائه.
(6) قاضي القضاة: طب، ق، ها، قا: قاضي القضاة ملك العلماء شيخ الإسلام.(1/424)
الشافعي (1) عظم الله شأنه (2) بقضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية والممالك الإسلامية بتأريخ (3) العشر الأول من المحرم سنة ست وعشرين وثمان مائة، وهو:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي رفع علم الشرع (4) الشريف بكل عالم وصالح، ونصبه في بيت أنار الله سراجه وأظهر جلاله وجانس للمسلمين بين صالحه * والمصالح، فأكرم به صالحا شرح صدور العلماء بولايته وشروحه فقالت التورية: * (5) «لله در هذا الشارح». واختاره الملك الأشرف فجمعت التورية أيضا بين صالح وأشرف، فقال علم إنشائه: «هذا علم آخر في الأيام الأشرفية» فاخضرّ عوده وأينع وأخلف. فالحمد لله على سلطان أعرب لهذه الأمة عن بلوغ المرام، لما علم أن الرفع تستحقّه (6) الأعلام. وقد ألهمه الله الحكمة فإنه لم يضع الأشياء إلا في محلها، وقد أقام سوق العلماء لما ردّ بضاعة هذا المنصب إلى أهلها، ونكرر حمده على تشييد هذا البيت الذي أوضح تدريب العلوم من أبوابه، وهاجر العلماء إليه حتى صححوا باب التيمّم في ثرى أعتابه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد صالح عند الحكم العدل مقبوله، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ما برحت سيوف شريعته بصالح أمته (7) مسلوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ما منهم إلا من قضى بالحق وساعده القضاء فيما حكم، وأقام أعلام الشريعة واتصل ما أقامه إلى أن قام لنا في هذا العصر هذا العلم، وسلم تسليما كثيرا.
__________
(1) البلقيني: قا: الكناني البلقيني. هو علم الدين صالح بن أبي البقاء عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكناني العسقلاني البلقيني الشافعي («الضوء اللامع» للسخاوي ج 3ص 314312رقم الترجمة 1199 و «المنهل الصافي» لابن تغري بردي ج 6ص 329327رقم الترجمة 1208.
. 1721197،،
(2) عظم الله شأنه: قا: تغمده الله برحمته ها: رحمه الله تعالى.
(3) بتأريخ: ها، قا: في.
(4) الشرع: قا: العلم.
(5) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(6) تستحقه: ق، تو: يستحقه.
(7) بصالح أمته: ساقط من تو.(1/425)
أما بعد، فهذا البيت العمري معلوم أن سراجه نوّر الآفاق، وعلته بعد ذلك بالطلعة الجلالية بهجة وإشراق، وقد تعيّن علينا أن نستضيء (1) ببركاته، ونقتبس (2) من نور مشكاته، فإنه البيت الذي قامت به أعمدة العلوم على أحسن القواعد، * وأجراه الله من مشايخ الإسلام على أجمل العوائد * (3).
ولما كان الجناب الكريم العالي العلمي أبو البقاء صالح البلقيني الشافعي أعز الله أحكامه، وجعل لتحقيق قلمه على صحة كل كتاب شرعي علامه هو التكميل البديعي لنظم هذا البيت الذي نثرت جواهر العلوم من علو طباقه (4)، والخلف الصالح الذي تجنى ثمرات الفوائد من بين أوراقه، والعالم الذي إذا حلف الحالف أنه علم الأئمة في هذا العصر لم يكن بحانث، اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعزز شيخي الإسلام من بيتهما بثالث.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الأشرفي لا زال قاضي قضاة الشرع في أيامه الصالحة صالحا، ولصدور أهل العلم يحل ما أشكل عليهم على كلا الحالين شارحا
أن يفوّض إلى المشار إليه قضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية وأعمالها وبسائر الممالك الإسلامية المحروسة، على قاعدة أخيه قاضي القضاة جلال الدين نوّر الله ضريحه، وجعل من الرحيق المختوم غبوقه وصبوحه والقاعدة قائمتها (5) مشمولة بكذا وكذا تفويضا صحيحا شرعيا كاملا، وإسنادا معتبرا مرضيا شاملا، لأنه العالم الذي إن ذكرت الفروع فقد تأصّلت بعلمه وأزهرت، أو ذكرت الأصول فقد تفرعت بفوائده وأثمرت، فإنه فرع شجرة ما برحت أصولها بعين العناية ملحوظه، فلو أدركه السبكي ما رفع حاجبه بل غضّ طرفه وقال: «الأصول محفوظه»، والتفاسير فقد رفعت له ستور الإشكال وقالت: «هذا الإمام كشّافي (6) بجزيل فوائده»، ولو عصى عليه تفسير قاده
__________
(1) نستضيء ببركاته: طب: نقضى بركاته ق: ستغنى بركانه.
(2) نقتبس: طب: يقتبس ق: تقتبس.
(3) ما بين النجمتين ساقط من ها، قا.
(4) من علة طباقه: تو، ها، قا: من طباقه طا: عن علو طباقه.
(5) والقاعدة قائمتها: ها، قا: والقائمة قاعدتها.
(6) كشافي: ها: كساني.(1/426)
بسلاسل سطوره وسلّط عليه كشّاف والده. وأما العربية فهو فارس ميدانها، وقائد عنانها. كم قال مغني ابن هشام: «هذا اللبيب والغني الذي ما ردّ لفقرى إليه مسأله».
وقال التسهيل: «أرجو أن يكون شهود شواهدي عند قاضي القضاة علم الدين معدله».
والبيان فقد فتح أبوابه بغير مفتاح وكساه ديباجة المعاني، والحديث فكتبه الستة عوّذته بالسبع المثاني. وقد تميز من روى عنه وأسند إليه صحيح الخبر، وناهيك بالسند العالي وصحة الرواية عن ابن عمر. والقراءات فهو مقرئ ضيوفها بفضله المتتابع، فإنه كثير الفضل والله له عاصم وهو بعلومه نافع. والمنطق صار موضوعه به محمولا وعقود شمله منتظمه، وبصحة منطقه وصلت إلى نتيجتها كل مقدمه، والأدب فقرائنه الصالحة لم تخطب غير صالح وقد صارت مؤهلة به، وقالت التورية: «ما شك أحد في حشمة قاضي القضاة وكثرة أدبه». وأما الخطابة فما كرر سجعة إلا قالت الخطب النباتية: «هذا النبات المكرر»، وود كف الثريا أن ينصب له الرامح علما رابعا على ذلك المنبر، ومن جهل أن في مواعيده المستجاد والمستفاد، وأراد العلم بذلك كأن بيننا وبينه ميعاد، فلو أدركه ابن الجوزي قال بتبصرته: «هذا المدهش بمواعظه والمفضل»، وكم قال الكرسي: «هذا إبني» وعوذه بالمفصل. ويطول الشرح عن بقية ما أودعه الله من العلوم، وذلك بحمد الله عند الأئمة معلوم.
فليرق إلى هذه الرتبة التي قطعت دونها المطالع، ولكن طافت ببيته وكان لها إليه مسعى، وليمش في حللها المهشمة بعلومه فإنه يستحقها شرعا، ولقد هامت به شغفا من الأيام الجلاليه، وأبى الله (1) أن يعقد لها عليه عقدا إلا في الأيام الأشرفيه.
فلينظر في أمرها نظر صالح أظهر الله به سيف الشرع وأعلاه، ونفذ له حكم ذلك السيف القاطع وأمضاه. وهذا المنصب تغزّل بأوصافه قديما وكان حديثه غير مفترى.
وقال قلم الإنشاء: «لا بد أن أجري في ميادين الطروس بتقليده» وكذا جرى، وها أقلام الأوقاف قد أطلقت الألسنة في وصف مناقبه وشكرها، وقال لسان حال الواقف: «إن فني لساني فلتشكرنّك أعظمي في قبرها»، وتقدّمه جماعة تقصر نهاياتهم (2) عن ابتدائه، ولو عاشوا مشوا تحت علمه وتشرّفوا بحمل لوائه. ولو أدرك ابن دقيق العيد علومه قال:
__________
(1) الله: قا: الله سبحانه.
(2) نهاياتهم: طب، قا: نهايتهم.(1/427)
«خاص الخاص يؤخذ من هذه الدقائق»، أو تقي الدين السبكي لقال: «أنا تقي وهذا صالح فما في الفرق إشكال على الفارق». وقال ابن جماعة: «هذا الفرد لم يحتج منّي إلى برهان». وقال أبن أبي البقاء: «لنا مجانسة بأبي البقاء لم نحتج في فضلها إلى تبيان». ولم يتصدر المناوي بل عام في بحر علمه المديد الطويل، وكان أمن من الغرق في الفرات وغرق من فوائده في بحر النيل. وقال ابن ميلق: «ما يقاس هذا البحر الزاخر بالملق».
وقال الصالحي: «صالح والله أصلح» وأوفق الجماعة وأئمة الفرق، فلو زاحمه الكركي وقع من تقصيره في الدرك، ورسم بتجهيزه إلى الكرك، ولو لحقه الزبيري زبر نفسه عن هذه الرتبه، وقال: «ما أنا من سكان هذا المغنى»، ولو ولو ولو حتى يسأم حرف الامتناع من مباشرة هذا المعنى. هذا ودروسه بخشابية مصر قالت لعلمائها: «علوتم بهذا العلم».
وقال الجناس (1) اللاحق: «علمتم»، وحصّلت له الحسّاد مسائل فقيل لهم: {اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مََا سَأَلْتُمْ} (2). فليعل صهوة هذا المنصب الذي لو سنّ عزمه له قاصر قيل له: «كلا، اللهم إلا إن كنت صالحا فمرحبا بقدومك وسهلا». والوصايا كثيرة ولكن قاضي القضاة أعلم بأحكامها، وأشعرهم بالمطابقة في نقضها وإبرامها. ولما بشّرت الصالحية بصلاحه أظهرت البسط لأحكامه الشرعية، وقالت: «هذا ملك العلماء وصالحها ومن أحقّ من الملك الصالح بالصالحيه؟»، والله تعالى يرفع علم علمه في كل غاد ورائح، ويجعل كلا من علمه وحكمه واسمه الكريم صالحا في صالح في صالح.
بمنّه وكرمه إن شاء الله تعالى
(107)
مكاتبة واردة من علم الدين سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا (منتصف شوال 825هـ، وردت في ذي الحجة 825هـ):
وفي ذي الحجة الحرام وردت مكاتبة المقرّ الكريم العالي العالمي العادلي (3) العلمي صاحب حصن كيفا وهي:
__________
(1) الجناس: تو، ها: الخناس.
(2) سورة البقرة 2/ 61.
(3) الكريم العالي العالمي العادلي: ساقط من قا.(1/428)
يقبّل الأرض أمام المواقف الشريفة، العالية، العالمية، العادلية، المظفرية، المنصورية، المجاهدية، المرابطية، المثاغرية، المولوية، المخدومية، السلطانية، الأعظمية، الأشرفية أعز الله تعالى بدولتها القاهرة أنصار الدين الحنيف، وحرس بسطواتها الظاهرة أكناف مملكتها من التغيير والتحريف، وجعل لثم عتبات أبوابها الشريفة موصلا لنيل السعود وسببا للتشريف، وأوجب طاعة خلافتها على كل من جرى عليه قلم التكليف، ولا زالت شموس ممالك مصرها في أوجات الدوام طالعه، وحجج دعوتها الهادية في أكناف شامها وحلبها ببراهين الحق صادعه، وخدود الجبابرة الصيد على وصيد أبواب حضرتها الأشرفية ضارعه.
وينهي أقلّ المماليك وأضعف العبيد، الذي صفاء (1) نيته وخلوص طويّته في الخدمة والنصاحة كل يوم يتضاعف ويزيد. بعد عرض دعاء يرفعه في أعقاب الفروض والنوافل، وبثّ ثناء يعطر نشره (2) أرجاء الربوع والمحافل، وبثّ ولاء أكيد قام برهان صدقه بأوضح الدلائل، وانتماء إلى تلك الأعتاب الشريفة لا زالت في الشرق دائمة الازدياد والنماء، رافعة المنار ما دامت الأرض والسماء، أنه مذ سمع أن الله تعالى فوض أمور السلطنة إليها، وعوّل فيها عليها، فأضحت سكان مملكة مصر والشام من الخاص والعام من نمير عدلها وإنصافها شاربين، وعلى وثير مضاجع الأمن والأمان هاجعين، وبحزمها وتدبيرها واثقين، ومن جودها الموفور شاكرين، ولإحسانها المشهور ذاكرين، ولبرّها المذكور واصفين، وعلى دعاء دولتها الغرّاء عاكفين، فانطلق لسانه وألسنة جميع الأنام، بذكر حديث النبي عليه أفضل الصلاة والسلام حيث قال: «طوبى للشام»، ولذلك يتلو من في الأمصار سيّما سكان مملكة مصر من الجماهير لصلاح الأمور، هذه الآية الكريمة التي قال الله تعالى: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (3).
فبارك الله تعالى الدولة القاهرة فيما ولّاها، وأقرن (4) لها اليمن فيما منحها وآتاها، ووفقها لانقياد طاعته، وإقامة المعدلة بين بريته. ثم يبتهل أقل المماليك إلى الله تعالى في إدامة الأيام الأشرفية على أهل الإسلام، وتخليد سلطنتها المنيرة الأعلام، وأن يكفي كافة الأولياء
__________
(1) صفاء: ق: صعاب.
(2) وبث ثناء بعطر نشره: قا: نشر ثنا يعطر عرفه.
(3) سورة سبأ 34/ 15.
(4) أقرن: تو، ها: أقرت.(1/429)
فيها من المحاذر، ويستخدم السعد والتوفيق في الموارد والمصادر. وكان من حكم النصاحة والخدمة الأكيده، والمخالصة السديدة، لتلك الدولة الأشرفيه، أن يسعى أقلّ المماليك إلى المواقف الشريفه سعي الأقلام على الرّوس، ويشافه من دعائه وثنائه ما تعجز عن استيعابه صفحات الطروس، وأن يكون أعجل وارد لأداء هذه التهنئة العظيمه، وأسرع وافد لرفع ذي البشارة العميمه. لكن أقعده الزمان بنوائبه عن النهوض، لتأديته المفروض، وسد على مطالعاته المطالع (1)، وأرصد لها العوائق والموانع. فمع ذلك ينهي أقل المماليك في حالة بعده أنه قريب من الخدمة الشريفة لطاعته وولائه، معدود من جملة المماليك والعبيد بانتمائه واعتزائه (2). يرفع يد التضرع إلى الله تعالى في إدامة تلك الدولة الشريفة فهي غرّة الزمان البهيم، والمتفيّئ بظلها الظليل {لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (3). فالله تعالى يجعل دولتها الغرّاء مخلّده، وأيامها الزاهرة مؤبّده (4)، لا يخالط صفوها قذى الكدر، ولا يفضي إلى ساحة أمنيتها أذى الضرر. فلما تعذّر على أقل المماليك المثول في زمرة الخدم بالقدم، جعل نائب منابه ترجمان القلم، فلقد جهّز الجناب العالي العالمي المؤيدي الأسعدي ملك التجار في العالمين، زائر بيت الله وشرف الحجاج والمعتمرين، الحاج جمال الدين يوسف كتب الله تعالى سلامته إلى عبودية الحضرة الشريفه، والمواقف المنيفه، خلد الله تعالى سلطانها، وأعلى شأنها، وحمله من صدق النصاحة والإخلاص، وصفو العبودية التي ليس له فيها (5) مفاص ولا مناص، مشافهة فالمسؤول من التفضلات العميمه، والتطولات الجسيمه، جبر قلب أقل المماليك بالإصغاء الشريف بما ينهيه المذكور عند المثول، لعله يقع ذلك في محل القبول، ثم التشرف بما لعل وعسى ينفذ من الأوامر الشريفة نفّذها الله تعالى في مشارق الأرض ومغاربها، ليبذل في امتثالها كنه اجتهاده، ويظهر في الجري على مقتضائها (6) خلوص اعتقاده، وللآراء الشريفة لا زالت مشرّفة في ذلك مزيد العلو.
__________
(1) المطالع: تو، ها: المطامع.
(2) اعتزائه: قا: اغترابه.
(3) سورة فصلت 41/ 35.
(4) مؤبده: ق، قا: مؤيده.
(5) فيها: تو، ق: منها طب: لها.
(6) مقتضائها: ها: مقتضياتها.(1/430)
كتب في منتصف شهر شوال ختم بالخير والإقبال من شهور سنة خمس وعشرين وثماني مائة. والحمد لله ربّ العالمين
(108)
جواب على المكاتبة السابقة:
فأجبت عن ذلك: (1)
الحمد لله (2)
أعزّ الله تعالى أنصار المقرّ الكريم العالي، العالمي، العادلي، العلمي لا زالت تهانيه الواردة من الفرات يشهد لها نيلنا المبارك بالوفاء، ويجدها نهلة صافية المورد فيتخذها من إخوان الصفاء، وتهز شمائله لريحها (3) السليمانية وتجمع بصحة حديثها بين الشمائل والشفاء، فإنها النهلة التي صفت سلافة إنشائها فأنشت، وحصل (4) البسط ببساط أنسها السليماني والقبول لما وشّعت فيه ووشت.
أصدرناها إلى المقرّ وأفواه ميماتها قد أطلقت بالثناء ألسن الألفات، وأصداغ واواتها قد عطفت بالشكر من بياض الطروس على وجنات.
وتبدي لكريم علمه ورود كتابه الكريم فأرانا من معانيه بلاغة البيان، وقال لسان تعظيمنا لمن جهل مقداره (5): {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمََانَ} (6)، وأعلنت تهانيه العلمية برفع علمنا الأشرفي وإنه أول من انتصب على الحال فرحة برفعه، وإن الفرات صفّقت بكفوف أمواجها، وزمزم خريرها، فمال كل غصن كأنه يتلقى ذلك بسمعه، وصدق
__________
(1) فأجبت عن ذلك: طا: الجواب من إنشاء مولانا المقر التقوي منشئ دواوين «الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية» فسح الله في أجله طب، ق: فأجاب فسح الله في أجله بما صورته قا: فأجاب تغمده الله برحمته بما صورته ها: فأجاب تغمده الله تعالى برحمته.
(2) توجد الحمدلة في طا فقط.
(3) لريحها: طب: لرياحها.
(4) حصل: تو، قا: جعل.
(5) مقداره: قا: قدره.
(6) سورة النمل 27/ 30.(1/431)
إخلاص المقرّ قديما وحديثا لعزيز مصر محكوم بصحته، لأنه من البيت اليوسفي، وهذا البيت ما برح أهل مصر متمسكين ببركته وملتمسين تكملة الخير من إيضاحه، لأن صلاحه ظهر قديما للمسلمين وما شك مسلم في صلاحه، وهو الصلاح الذي قال فيه فاضل إنشائه، وقد لحق بربّه ولبس عليه الصبح سوادا من أرديه ظلمائه: [من السريع]
قلت لضوء الصبح لما بدا ... ولونه منكسف حاسر
ما لك لا تسفر عن بهجة؟ ... فقال: مات الملك الناصر
وصلى عليه وعلى الصبر، ودفن هو والكرم في قبر. فرحم الله هاتيك الروح، وفتح لها أبواب الجنة فهو آخر ما كانت ترجوه من الفتوح. وأما المقرّ العلمي فقد قال فيه منشئ الدولة المؤيدية: «وما أحقّه فيما حازه من جميل الخلال»، بقول النابغة الذبياني حيث قال (1): [من البسيط]
وما نرى فاعلا في الناس يشبهنا (2) ... وما نحاشي (3) من الأقوام من أحد
إلّا سليمان إذ قال الإله له: ... قم في البرية فازجرها (4) عن الفند
وفي أيامنا الشريفة يزداد علمه رفعا وتجزم أفعال أعداه (5)، ويصير حصنه المحروس لوجه إقبالنا مرآه (6)، فإنه بالغ في الإخلاص وعلم أن أمير المؤمنين المعتضد بالله بذل في قبولنا المجهود، فقلنا: «وغير بدع لسليمان إذ تبرّك بفعل داود». وقد صار لسمعنا الشريف في مسند مشافهته سماع، واتصلت به وصار لموصولها المطرب إيقاع (7).
وتفاصيل الهدية فقد قوبلت من القبول بالجمل، والرقيق فشقة الجفاء طويت عنه وقد أبدر في أفق رضانا واكتمل. والله تعالى يجعله عند عزيز مصر في كل وقت عزيزا، ولا برح جذع قبولنا عليه في كل وقت بثمر الثناء مهزوزا. بمنه وكرمه
__________
(1) «ديوان النابغة الذبياني» ص 20.
(2) يشبهها: نفس المرجع: يشبنهه.
(3) نحاشي: نفس المرجع: أحاشي.
(4) فازجرها: نفس المرجع: فاحدّدها.
(5) اعداه: تو: اعدائه ها: اعداله.
(6) مراه: ق: براة.
(7) المطرب إيقاع: ق: المضطرب ارتفاع.(1/432)
(109)
مكاتبة واردة من زين الدين إسكندر بن قرا يوسف صاحب العراق (أواخر شوال 826هـ، وردت في العشر الأول من محرم 826هـ):
وفي العشر الأول من المحرم سنة ستّ وعشرين وثماني مائة ورد جواب من المقر الزيني الإسكندر بن قرا يوسف، صاحب العراق عن مثال شريف تقدم من إنشائي (1)
ظهرت عراقة شرفه في عراق العرب والعجم، وارتفع له على ملوك الإنشاء بالعراقين علم ومكاتبة المقرّ الزيني المشار إليه مشحونة بالثناء على هذا المثال، معترفة أن ليس في الممالك الإسلامية من يأتي له بمثال، وصورة (2) الجواب الزيني المشار إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم شعر: [من الكامل المجزوء]
ورد الكتاب وإنه ... عندي وحقّكم كريم (3)
وفضضته وكأنه ... من حسنه درّ يتيم
وبدت معانيه وقد ... رقّت كما رق النسيم
أحبابنا إنّا على (4) ... حسن الوفا لكم نقيم (5)
ورد ما أنعم بإصداره ووصل ما رسم بإرساله السلطان الأعظم، أعدل ملوك العرب والعجم، ملاذ صناديد الأمم، معز أولياء الله، مذلّ أعداء الله، القائم بأمر الله، القاهر بحجة الله، الغازي في سبيل الله، المجاهد لوجه الله، قاهر الكفرة والمتمردين، مدمر الفجرة (6) والمشركين، ظل الله في الأرضين، قهرمان الماء والطين، المؤيّد بتأييد الله رب
__________
(1) من إنشائي: طا: من إنشاء مولانا المقر التقوي منشئ دواوين «الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة» عظم الله تعالى شأنه طب، ق: من إنشاء المقر التقوي المشار إليه فسح الله في أجله ها: من إنشاء المقر التقوي المشار إليه تغمده الله برحمته قا: من إنشاء المقر التقوي المشار إليه.
(2) صورة: طا: نص.
(3) كريم: قا: عظيم.
(4) أنا على: ق: ان اعلى قا: اني على. ويمكننا قراءة كلمة انا ك «أنا» أو «إنا» وإلى هذين الاحتمالين راجع الحاشية القادمة.
(5) في جميع النسخ ما عدا ق (مقيم).
(6) الفجرة: طب، قا: الكفرة.(1/433)
العالمين، المنصور بنصرة خير الناصرين، ناصر الدنيا والدين، ظهر الإسلام والمسلمين، قسيم أمير المؤمنين، أبو النصر ملك أشرف (1)، الذي قرّط بتأييد الله تعالى آذان السعادة وشنّف، * زيّن الله تعالى سرير السلطنة بوجوده الشريف وشرف * (2)، ونشر صيت عدله وفضله في أطراف العالم وعرّف، ولا زال شريفا بين خلق الله مشرّفا، عادلا بين عباد الله منصفا، فكان زائد القبول والإقبال، ومبشّرا ببلوغ الآمال، وممهدا قواعد المودّات، ومؤكدا أسباب السعادات، عطّر أرجه أرجاء الوفاق، وزيّن رونقه رياض الاتفاق.
كأنه روضة زيّنت بزواهر الرياحين، أو درّة رصّعت في شنوف الحور العين، ألفاظه تنوّر الألحاظ، ومعانيه تزيّن الألفاظ، استنشقت منه روائح الاتحاد وفوائح الاعتضاد، واستدل منه على الوداد الكامن في مكامن الفؤاد، كل سطر منه يحاكي كتابا أنيقا، وكل كلمة منه تضاهي عشيقا: [من الطويل]
نواطق إلّا أنهنّ سواكت ... يترجمن عما في الضمير مكتّما
فتلقّي (3) بالتعظيم حين وفد، وابتهج بوروده حين ورد، فقوبل بالتبجيل والتكريم، وتلي عنده: يا قوم (4) {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتََابٌ كَرِيمٌ} (5). وكان وروده سببا لتكامل السرور، ووصوله علّة لتواصل أمداد البهجة والحبور، ولله درّ المنعم بإصداره، والمفضل (6) بإيراده: [من الطويل]
وأقلامه تحمي الأقاليم فالردى ... لأعدائه منها وللمقتر البر
ولما جرت بالسعد حتما طروسه ... تيقنت حتما (7) أن خادمه الدهر
فتشرّف المحب المخلص بمطالعته، وظفر برؤية الأماني حين رؤيته. فأخذ يكرّر ألفاظه ومعانيه، ويلتقط الدر من زواهر جواهر فحاويه، وجعله عقدا في أعناق الآمال،
__________
(1) ملك أشرف: كذا في طا، طب، ق، تو، ها قا: الملك الأشرف. وأشار ناسخ طا إلى غريب هذا المصطلح بكلمة «كذا» فوق «أشرف».
(2) ما بين النجمتين ساقط من تو، قا، ها.
(3) فتلقى: قا: فيلقى.
(4) يا قوم: قا: يا أيها الملأ.
(5) سورة النمل 27/ 29.
(6) المفضل: قا: المتفضل.
(7) حتما: قا: حقا.(1/434)
مقرّطا في آذان السعادة والإقبال. وأقدم على إصدار هذا الكتاب، الناطق بالصدق والصواب، المعرب عن ورود المحب إلى موارد الوداد، ووصوله إلى مقامات ذوي الإرادة والاعتقاد، سالكا في ذلك مسالك الإخلاص والاصطفاء، راجيا أن يقع موقع الاجتباء والارتضاء: [من المنسرح]
وحسبنا شاهد القلوب فلا ... حاجة لي في شواهد الكتب
إلى المقر العالي والمجلس السامي (1) لا زال عاليا، وإلى مصاعد العز والشرف واليا، معلما بتهنئتنا جلوسه على سرير الملك والسلطنه، شاكرين لله تعالى على أمان نفسه الشريفة عن البلية والمحن، وقلنا: «مهنئا لك»: [من البسيط]
يا من أعاد رميم الملك منشورا ... وضم بالرأي أمرا كان منشورا
أنت الأمير وإن لم تؤت منشورا ... والأمر بعدك إن لم يؤتمن شورا
معلنا بذكر ما نحن عليه من تأكد المحبة والمودة والاتفاق، والمصادقة والارتفاق، الجالبة لازدياد الأشواق (2)، الجالية بصنوف الموالاة والوفاق، الخالية عن فنون الكدورة والنفاق، موضحا لعلمه الكريم أن أحوال مملكتنا هذه بسبب توجه عساكر خراسان وما وراء النهر حفّهما الله تعالى بالغضب والقهر، كما بيّنّاه في المكاتبة التي بعثناها إلى تلك الديار على أمراء ذلك الزمان رحمهم الله تعالى وأبقاكم، وحفظنا في كنفه وإياكم كان متزلزلا (3). أمّا أولا بسبب وفاة والدنا السعيد، الواصل إلى جوار الملك المجيد، أنار الله برهانه، وثقّل بالحسنات (4) ميزانه، وهي عنده من أعظم المصائب، وأشد الأحزان وأكبر النوائب. وأما ثانيا فبواسطة تفرق عساكرنا حينئذ بسبب ما كنّا بعيدا عن خدمته، مشتغلا عن شرف ملازمته، لأجل وقوع بعض القضايا المتعلقة بأمور المملكة مع جماعة محصورين، ولكنهم في الشجعان كانوا معدودين. أما ثالثا فبتوجه الأمير شاه رخّ مع عساكره الكبيرة بغتة على مملكتنا فدخلوا فيها مستقرين بالبقاع والأصقاع، غير ملتفتين إلينا، ناظرين بنظر الحقارة علينا، فأخذوا مشتاهم في قراباغ أرّان، بقعة من بقاع أذربيجان. فلما جاء فصل الربيع، توجه نحونا قاصدين
__________
(1) المجلس السامي: استغرب ناسخ طا هذا اللقب بكلمة «كذا» فوقه.
(2) والأشواق: تو: الاشتياق.
(3) متزلزلا: قا: متزلزلا عندنا.
(4) بالحسنات: تو: بالحساب.(1/435)
محاربتنا، ونحن بقلة بضاعتنا، توفّقنا كما توفّقنا متوكلين على ربنا مقبلين عليهم غير مدبرين. ولما وصلنا التحم القتال بيننا مرة بعد أخرى ثانية بعد أولى، إذ قلب الله تعالى بفضله تدبيرهم، وفرّق بلطفه جمعهم، وشتّت شملهم، فغلبناهم منصورين بعون الله مختم المنون، وإن جندنا لهم الغالبون. فما توفقوا ساعة بل لحظة في المصافّ، فحمدنا الله تعالى على ذلك صواف، فتوجهوا إلى بلادهم وأماكنهم. فاقتفينا (1) آثارهم، ونهبنا أموالهم، وعطّلنا عشارهم، القصّة بطولها، {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذََا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهََا} (2).
ولما ولّوا مدبرين، دخلنا مصر مملكتنا آمنين سالمين، وقلنا: حمدا لله تعالى على هذه النعمة شاكرين. فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين.
ولما تمكنّا في مدينة الإسلام تبريز أكبر وأشهر مدن أذربيجان حماها الله عن الحدثان جلسنا بإجماع أهل الحلّ والعقد من أكابر السادات والقضاة والأئمة والعلماء والولاة على تخت المملكة بأسعد طالع وأيمن فأل، والحمد لله الملك المتعال، توجه نحونا متفرقو أمرائنا وأحبائنا وعساكرنا وأودّائنا صفّا صفّا، وبايعوا معنا فوجا فوجا، وكنا والحالة هذه بحمد الله في صحة كامله، ونعمة من الله شامله، فرحين بما آتانا الله علّام الغيوب، كشاف الكروب، وجعلنا أورادنا ما كان أوراد أهل الجنة الطاهر من الشؤون والعيوب. الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسّنا فيها لغوب، فأخذنا بنشر المعدلة واستمالة الرعايا والضعاف، وجمعناهم من الأطراف والأكناف، ووصّينا أمراءنا ونوابنا بتقوية شرع سيد المرسلين. فالحمد لله الذي جعل قلوبنا مائلة إلى المعدلة بين المسلمين فالمتوقع من الجناب العالي والمقرّ السامي السلطاني الأعظمي الأعدلي الأفخمي لا زالت ألوية إقباله منشورة منصوره، وقلوب أوليائه بوفور مرحمته مبتهجة مسروره، أنه لما حصن الله تعالى وحفظ تلك الديار المصريه، والممالك الغربيه، عن شرور هؤلاء المفسدين، المريدين بنا وبهم السوء ومتوجهين على ذلك لا مترددين، أن يأمر أهاليها بالدعاء في المقامات الشراف العظام، سيما في الأوقات الكرام، لدفع مكايد الظلمة اللئام، عن جميع ممالك الإسلام. وأيضا لما وقعنا (3) بينهم وبين تلك الممالك، صانها الله تعالى
__________
(1) فاقتفينا: قا: فاقتضينا ها: فبقينا.
(2) سورة النمل 27/ 34.
(3) وقعنا: ها، قا: وقفنا.(1/436)
وإيانا عن المهاوي والمهالك، كالسد (1) الأسكندري الذي بناه الأسكندر ذو القرنين لدفع شرور ياجوج وماجوج المفسدين في الأرض عن مشرقي الأقاليم السبعة والمغربين، {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً} (2)، فأكون بينكم وبينهم بعون الله خالقنا وخالقكم هدما، والتعاون على البر والتقوى من عادات أرباب العلم والحجى. وقد عرض علينا الرسول الأمين، والمعتمد المتين، وهو الأمير المعظم، المعزز المكرم، مختار الملوك والسلاطين، سيف الدين ياغي بستي أكرمه الله تعالى بعد عرض المثال الشريف أن الحضرة الشريفة رسم أن تتأكد أسباب المودّة بيننا بالازدواج من الجانبين، وهو أمر محمود من الطرفين، السارّ لقلوب أولياء الدولتين، الكاسر لخواطر أعداء المملكتين، وقد جهّزنا في صحبته لعرض هذه الأمور عائدا إلى الحضرة الشريفة، والسدّة المنيفه، معتمدنا الأمير الأجل الكبير مفخر الإخوان، خلاصة الخلان، شمس الدين الحاج محمد زيد علوّه، ودام سموّه، إذ هو محل الوثوق والاعتماد، ومقام الصلاح والسداد.
وقد حمل من المشافهات ما يعود بمصالح الدولتين، ومناجح المملكتين، ما سيشرف بعرضه على الحضرة الشريفة العالية شرفها الله تعالى وعظّمها وفخّمها. فالمرجّو من المكارم العميمة حسن الإصغاء إلى المشافهات، وتقرير الأجوبة الشريفة على وفق الإرادات، وصدور المراسيم والفرامين الواجبة الإطاعة إلى هذه الجهة بإعادته سريعا بتعيين خدمات لائقة بالحضرة الشريفة خلّدها الله تعالى ليشار بإتمامها على وفق المراضي الشريفة العاليه، والمصالح الجليلة الساميه، أعلاها الله تعالى بفضله.
ولما حرّك المقرّ المعلّى، والمسند المسنى، سلسلة التودد الذي كان (3) بين سلاطين تيك الممالك وتلك الممالك، الموجب لصلاح عباد الله باري نسمة كل مليك (4) ومالك، فنضّرها نضارة (5) بهية كالأشجار النضرة (6) المورقة في فصل الريبع، أو كأزهار جاز خلالها الماء النجيع، مهززة لقلب كل شريف ووضيع، في المفاوضة الشريفة الواردة علينا
__________
(1) كالسد: قا: كالأسد.
(2) سورة الكهف 18/ 95.
(3) سلسلة التودد الذي كان: طب: سلسلة الود التي كانت،
(4) مليك: تو، ها، قا: مملوك.
(5) فنضّرها نضارة: قا: فنظرها الله نظارة تو: فنصرها نصاره ها: فنصرها نصرة.
(6) النضرة: ها: النظرة قا: النظيرة.(1/437)
من المحل الرفيع، تهيجت (1) قلوبنا وتبهجت بعد ما استقبلناها مبجّلا معظما، بل مقبّلا مكرما قصدنا في مكاتبتنا هذه إخبار المقرّ العالي لا زال مقبلا للأكابر والأعالي أحوالنا مفصلة وإحاطة علمه الشريف على أمور هذه المملكة ليعلم اتحادنا مع المقر العالي كل ذى شوكة. ومن هذا الاتحاد يتبين أنا ما كنا قائلين بسلطنة أولاد أمير تيمور قط، ولكنا قلنا للمقرّ العالي سلطانا يقرّبنا بذلك إليه لازدياد تأكّد (2) المحبة التي سنحت (3)
بيننا توافقا، ويوثق ذلك الأمر الجيد بيننا توثقا، ليعلم أودّاؤنا بعدا وقربا، شرقا وغربا، التعاضد كيد واحدة والتواصل بيننا فتسرّ به قلوب الأحباء السعدا، وتحزن بل تموت قلوب الأعداء الأشقيا، والله على ما نقول وكيل، وحسبنا الله وكفى شهيدا: [من البسيط]
الله يبقيك للدنيا وللدين ... ولا يخلّيك من عز وتمكين
بالنبي النبيه، وعترته وذويه.
كتب ذلك حسب المرسوم المطاع آخر شوال ختم بالإقبال سنة خمس وعشرين وثمان مائة، وصلى الله على سيدنا محمد وآله (4).
(110)
جواب على المكاتبة السابقة:
فأجبت عن ذلك (5) بما صورته: [من مجزوء الكامل]
وافت (6) تحيات المقرّ ... فسلّم الشوق العميم
__________
(1) تهيجت: تو: بهجت طب: تهجب.
(2) تأكد: ها: تأكيد قا: تلك.
(3) سنحت: ها: سمحت قا: نسجت.
(4) سقطت التصلية من طب، قا.
(5) فأجبت عن ذلك: طا: الجواب الأعظم الأشرفي من إنشاء مولانا المقر الشيخي التقوي منشئ دواوين «الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية» عظم الله شأنه طب، ق: فأجاب فسح الله في أجله ها، قا:
فأجاب المقر التقوي المشار إليه رحمه الله.
(6) وافت: ق، تو: فاحت.(1/438)
وأتت وصدق حديثها ... قد قال لي: حق قديم
وكتابه في نثره ... ما العقد ما الدرّ النظيم
أغنى الطروس بفضله ... ولأجل ذا قلنا: كريم
أعز الله أنصار المقر الكريم الزيني لا زال سدّه الإسكندري في منع أعداء المسلمين مشيّدا، ولا برح ركنهم بتهديده في كل وقت مهدّدا، وإن كانوا كياجوج وماجوج في العدّة وأكثر، فغير بدع إذا حسم الله مادتهم على يد الإسكندر.
أصدرناها إلى المقرّ ولصدورها في حدائق المسرّة عند منشور الهناء ورود، وقد بلغت رشد المودّة لأن عوارض سطورها دارت ولها في قلوب الأعداء خدود.
تبدي لعلمه الكريم (1) ورود كتابه الذي تقدم حديث التورية على (2) كرمه، وقلد جيد الدهر من عقود هذه البشرى بجواهر كلمه، وصار لمبتدأ حديثه بين الأمة نعم الخبر، وحسن قدومه في المحرم وإخباره أن ربع الأعداء صفر. وقد تقدّم في مثالنا الشريف في الجواب الأول أن الله مكّنه في أرض أعدائه وصار له في أسباب الفتوحات نبا، وغير بدع إذا مكّن الله (3) الإسكندر في الأرض وآتاه من كل شيء سببا. وبالأمس ذكر المقرّ أنهم قصدوا سدّ الحصن الإسكندري ليأخذوه غصبا، فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا.
واليوم سدّ الله في وجوههم المذاهب وأظهر معوجّ طالعهم في كل تقويم، وعبس إنسانهم وتولى وعمّ يتساءلون وسطوات المقرّ تخبرهم عن النبأ العظيم: [من الكامل]
الحق يعلو والأباطل تسفل ... والله عن أحكامه لا يسأل
وإذا استحالت حالة وتبدلت ... فالله عز وجلّ لا يتبدّل
واليسر بعد العسر موعود به ... والصّبر بالفرج القريب موكّل
تاب الزمان إليك مما قد جنى ... والله يأمر بالمتاب ويقبل
إن كان ماض من زمانك قد مضى ... بإساءة قد سرّك المستقبل
هذا بذاك فشفّع الثاني الذي ... أرضاك فيما قد جناه الأول
والله قد ولّاك أمر عباده ... لما ارتضاك ولاية لا تعزل
__________
(1) لعلمه الكريم: طب: لكريم علمه الكريم.
(2) على: ها: عن.
(3) الله: قا: الله سبحانه.(1/439)
لله موقفك الذي وثباته ... وثباته كلّ به يتمثّل
والخيل خطّ والمجال صحيفة ... والسمر تنقط (1) والصوارم تشكل
أما سعودك فهو دون منازع ... عقد بأحكام القضاء مسجّل
* وقد علمنا أن المقرّ رفع منار الشرع الشريف فأنزل غريب العدل في بلاده وجعلها مسكنه، وما شككنا قديما وحديثا أن سيرة الإسكندر سيرة حسنه * (2)، وقد أشار المقر إلى المعونة من عندنا وتلا في الكتاب بعد ما سمّى: {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً} (3)، وإذا افتقر (4) الأمر إلى ذلك آزرنا نصره من عندنا بقوة وسلطان، وأيدناه بفوارس هجرت منازل الأحباب وكرهت مصارع العشاق وتفقهت في مقاتل الفرسان.
وإذا شاهدت ورق الحديد الأخضر على حمرة النجيع تنزّهت إلى الريحان فوق الشقائق، وجانست (5) للمقرّ في بديع جريها بين مجرّ (6) العوالي ومجرى السوابق. وعساكرنا المنصورة لنصرة المقرّ على أتم برق، ولكن تبّت يدا أعاديه وقد قرأ في سورة النصر وساعده رب الفلق: [من البسيط]
هذي السوابق والأبطال رابضة (7) ... والعزم والحزم والصمصام والخدم (8)
وكل أروع (9) ميمون نقيبته ... يقيله (10) الرأي إن زلّت به القدم
شمّ المعاطس (11) لم تغمز قناتهم ... كالغيث والليث إن جادوا وإن نقموا
إن أنعموا جادت الأنواء ساكبه ... وإن سطوا جاءت النيران تضطرم
يغزو لمقربهم من حلّ قتلهم ... ولو يضمّهم في حجره الحرم
__________
(1) تنقط: ها، قا: تكتب.
(2) ما بين النجمتين ساقط من تو، ها، قا.
(3) سورة الكهف 18/ 95.
(4) افتقر: قا: اقتصر.
(5) جانست: ق، تو، قا، ها: جاءت
(6) مجر: قا: مجن ق، تو: مجرى.
(7) رابضة: طب: رابطه تو: راكده.
(8) الخدم: ها: الحرم.
(9) وكل أروع: ها: بكل اورع.
(10) يقيله: ها: ثقيله.
(11) المعاطس: ها: المعاطش.(1/440)
من كل عاد كعاد في تجبّره ... من فوق ذات عماد شادها إرم
لا يجمعون على غير الحرام إذا ... تجمّعوا كحباب الراح وانتظموا
ولكن الحمد لله على هذه النصرة التي ولّدت لنا الأفراح، وطاف البشير بها بين كؤوس مسرّات وراح. وقد طارحنا المقرّ برقيق أشعار أنزلت معلقة امرئ القيس إلى الحضيض، ولو أدركها لأحجم عنها وقال: حال الجريض (1) دون القريض، وقد ضمنا من إعجاز معلقته ما نظهر به عجزه. وقلنا وأصابع أقلامنا لم تدخل من ملام لامات السطور تحت رزّه، [من الطويل]
سرت نفحة منكم إلينا كأنها ... نسيم الصّبا جاءت بريّا القرنفل
جنت ما حلا ذوقا فقلنا: تقرّبي ... ولا تبعدينا من جناك المعلّل
ورقّت فأشعار امرئ القيس عندها ... كجلمود صخر حطّه السيل من عل
فقلنا: قفا نضحك لرقّتها على ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وأما النثر فلو أدركه الفاضل وسهر لجوابه مع كمال أدواته، عمشت مقلة سراجه كما قال، وخرس لسان قلمه وشابت لمّة دواته. ولو أدركه ابن نباتة نثره في حدائقه وقال: «هذا على الحقيقة زهر المنثور»، أو لحقه ابن فضل الله أدخله على ملوك المصطلح بغير دستور، وأنشد منشئ القهوة وقد طاب بإنشائها يقينا: [من الوافر]
ألا هبّي بصحنك فاصبحينا! (2)
وأما المشافهة فقد أرتشفها سمعنا الشريف بشفاه القبول، وأعدنا جوابها، وموضوع منطقها عندنا على أحسن وجه محمول. والله تعالى يؤيد (3) نصره في كل وقت ويؤيده، ويشدد (4) عزمه ويصوب رأيه الكريم في الفتح ويسدّده والحمد لله
__________
(1) الجريض: ها: الحريض.
(2) ألا هبي بصحنك فأصبحينا: ق: الا صبي بصحنك فاصبيحا تو: ألا هبي بصبحك فاصحبينا ها:
الا هي يصنحك فاصحبنا.
وهو مطلع معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي، وعجز البيت:
ولا تبقي خمور الأندرينا
راجع: «شرح القصائد السبع الطوال» للأنباري ص 371و «شرح المعلقات السبع» للزورني ص 104.
(3) يؤيد: تو: يزيد.
(4) يشدد: ها: يسد.(1/441)
رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا (1).
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
(111)
مكاتبة واردة من علم الدين سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا (في 8جمادى الأولى 826هـ):
وفي ثامن جمادى الأولى سنة ست وعشرين وثمان مائة وردت مكاتبة المقرّ الكريم العالي العالمي العاملي الملكي العادلي (2) صاحب حصن كيفا على يد دواداره الجناب العالي السيفي أرغون شاه وصحبته مملو كان برسم الخدمة الشريفة الأشرفية، وصورة المكاتبة:
بسم الله الرحمن الرحيم يقبّل الأرض أمام المواقف الشريفة، العالية، العالمية، العادلية، المظفرية، المنصورية، المجاهدية، المرابطية، المثاغرية، المولوية، المخدومية، السلطانية، الأعظمية، الملكية، الأشرفية، أعلى الله قدرها ومكانها عن الأشباه والنظائر، وأجرى بأمرها حكم الأفلاك الدوائر، وأحلّها من سرير ملك مصرها وشامها ما أحلّها من ملك السرائر.
وملأ ببسطة سلطانها (3) قلوب الأعداء والأولياء بالهموم والبشائر، ومثّل دولتها الغراء منى للأبصار (4) وطاعتها نورا في البصائر. وجعل شرف خدمتها ونصاحتها شعارا لملوك الأرض ومعالم حرم مملكتها ميقاتا للشعائر. ووسم عبيدها بسمة (5) الملوك حتى لا يزال كل منهم جرّارا للألوية ووهّابا للحرائر. ولا زالت أيامها الزاهرة مطالع الإقبال، ومساعيها الجميلة الباهرة مفاتح أقفال الآمال. ولا عدمت النصال والأقلام خدمة عزائمها الصائبة التي هي أنطق من الأقلام وأمضى من النصال. ولا برحت وفود
__________
(1) توجد الحمدلة والصلولة في طا فقط.
(2) المقر العادلي: قا: المقر العلمي.
(3) سلطانها: ق، تو: السلطنة.
(4) الأبصار: ق، تو: البصائر.
(5) بسمة: تو: بوسم سمة.(1/442)
التهاني على استسلام أركان دولتها الشريفة متنافسه، والمسرّات من أنوار شموس سعادتها المنيفة قابسه، وأعطاف تلك الممالك بميامن عدلها وجودها مائسه.
وينهي أقل المماليك وأصغر العبيد، الذي صفاء نيّته وخلوص طويّته في العبودية والنصاحة يتضاعف ويزيد. بعد بثّ دعاء يرفعه في أعقاب الفروض والنوافل، وبث ثناء يعطر نشره أرجاء الربوع والمحافل، ووصف ولاء أكيد قام برهان صدقه بأوضح الدلائل، وعرض انتماء سديد إلى تلك الأعتاب الشريفة التي هي مساجد جباه السلاطين والأماثل، وملاثم شفاه الخواقين والأفاضل. إنه لما اشتهر وشاع، واستفاض وذاع، في هذه البلاد والبقاع، أن الله جلّت عظمته، وعلت كلمته، قد فوّض سلطنة ممالك مصر والشام، إلى السلطاني الملكي الأشرفي بالتمام، وملّكه زمام أمور البريه، وخصّصه (1) بالسيرة العمريه، وجعل أيامه الزاهرة نامية الميامن، باهرة الإحسان والمحاسن، ليلتئم به شمل المصالح، وينتظم بسلطنته (2) سلك المناجح (3)، فقد أسعده بما أفرده من مزايا الكمال، وأعطاه من نواصي الجلال، واختصه بذلك من المراتب الباهرة الإشراق، وأثره من المآثر المأثورة في الآفاق، وجمع له النعوت والأوصاف المستحسنة بالاستحقاق، فأصبح مرعى ذكره مريعا، وربع مصره ربيعا، ومجال الأمن واليمن في جوار جريان النيل رحيبا، وجناب الأنس بحصول نيل السول خصيبا: [من الكامل]
فالناس ظلّوا من ميامن عدله ... في خصب مرعاه وصافي شربه
والكل أصبح شاكرا لزمانه ... والكل أمسى آمنا في سربه
فهنالك انطلق لسان ذوي الجاه والجلال، وأولي الفضل والأفضال بهذا المقال، وأنشد في وصف الحال مرتجلا وقال: [من الكامل]
ملك العباد مع البلاد بأسرها ... بمحامد ومآثر وتلطّف
ملك مطاع في الملوك كأنه ... ملك غدا أمنا لكل مخوف
هو حاتم جودا ومعن منحة ... فلذا بباب نداه لاذ المعتفي
__________
(1) خصصه: تو، ها، قا: خصه.
(2) بسلطنته: تو، ها: للسلطنة.
(3) المناجح: تو، ها: المناهج.(1/443)
يا قوم إن رمتم بلوغ مآرب ... فعليكم تحصيلها لا يختفي
قوموا اهبطوا مصرا فإن لكم بها ... ما قد سألتم من عطا المتعطّف
كسرى الزمان عدالة وكقيصر ... هو في الأنام عليهم مولى خفي
ظهر السعود بجوده ووجوده ... لله في إعلائه سرّ خفي
أضحى عزيز المصر (1) وهو لأهلها ... مستعبد بسماحة كاليوسف
حامي الممالك والمسالك في الورى ... بالرمح والسيف الصقيل المرهف
فديار مصر والشآم تفاخرت ... وتشرّفت بعلاه أيّ تشرّف
وزهت به لما تولّى أمرها ... بالسعد والإقبال غير تعسف
وتباشرت تلك الممالك كلها ... بحكومة المولى المليك الأشرف
فالفتح يقدم خيله أنّى أتت ... والنصر يطلب نجحه إذ يقتفي
ولقد سما فوق السماك ترفّعا ... وعلا إلى العليا بغير توقف
لا زال مولى للأنام ومالكا ... لأزمّة الأحكام في ظلّ ضفي
ذو المحامد الكثيرة التي باهت الوسائد بسيادة مكانه، وناهت (2) المساند إذا استندت إلى أركان سلطانه، كيف لا وهو سلطان الحرمين المشرفين (3)، وله المباهاة بذلك على ملوك المشرقين. فهو الموحّد المتواضع الذي يقول: «الحمد لله الذي رزقني سلطنة مصر وجعلها مقرّ تختي»، بخلاف المشرك المتكبر الذي قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهََذِهِ الْأَنْهََارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي؟} (4): [من الكامل]
ولقد سألت الناس عن أخلاقه ... وكماله المعلى نباهة قدره
فوجدتهم صنفين فيه فقاصر ... عن مدحه ومقصّر عن شكره
فلله الحمد وله المنّة بسلطنته التي غدت بها السعود مبتلجه، والقلوب مبتهجه، والصدور منشرحه، والآمال منفسحه، والدنيا مبيضّة الآفاق، وعيدان المسرّات مخضرّة الأوراق. فلا سلب الله في الدين والدنيا ظلّه الوارف، وصرف عنه وعن أكناف مملكته الصوارف، وجعل سلطنته الشريفة مباركة لنيل ما يرجوه من أمانيه، ويديم له الرتب
__________
(1) المصر: أشار ناسخ طا بكلمة «كذا» إلى استغرابه.
(2) ناهت: طب، ق، قا، تو، ها: تاهت.
(3) المشرفين: طب، ق، تو، قا، ها: الشريفين.
(4) سورة الزخرف 43/ 51.(1/444)
الرفيعة التي يكبت بها شانته (1)، ومتّع طبقات البرايا والرعايا بحسن حمايته، ووفور رأفته وعنايته، ومتّعه منهم بالطاعة والانقياد، والعدول عن سنن التمرّد والعناد. وكان على أقل المماليك من الواجب، واللازم اللازب، أن يتوجّه بنفسه وينخرط في زمرة الأرقّاء والعبيد، ويلثم بشفاه الأدب ذلك الوصيد. ولكن عذره واضح عن التأخير، وبرّ عواطف المولوي المخدومي أحقّ بالفصح عن التقصير، فلا ريب أن أقل المماليك والعبيد في حال بعده قريب من العبودية والنصاحه بطاعته وولائه، معدود من جملة المماليك والعبيد بانتمائه واعتزائه. وهو في أعقاب الصلوات عند مظان الإجابات، يرفع يد التضرع إلى الله تعالى في إدامة تلك الدولة الأشرفية حيث هي غرّة الزمن البهيم، والمتفيئ بظلها الظليل: {لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (2)، فالمسؤول من الله تعالى أن يجعل أيامها مخلّده، وسعودها مؤيّده (3)، وأن لا يخالط صفوها قذى، ولا يفضي إليها أذى.
فلما تعذّر على المملوك الأصغر المثول في زمرة الخدم بالقدم، أنهى حاله بسفارة القلم، وجعل نائب منابه الجناب العالي المولوي (4) السيفي أرغون شاه الدوادار كتب الله سلامته، وضاعف رفعته، وجهّزه إلى عبودية الأبواب العالية ليقوم بواجب هذه التهنئة وحمله بالمشافهة حملا من صدق النصاحة والإخلاص، وتفصيلا من صفو العبودية التي ليس منها مناص ومفاص، مع ما سنح من الأخبار في هذه الأقطار.
فالمأمول من التطولات العميمه، والتفضلات الجسيمه، الإصغاء الشريف بما ينهيه المذكور عند المثول لعله يقع ذلك في محل القبول، وملاحظته بعين العاطفة (5) والمرحمة لينال بذلك المقصود والسول (6)، والله تعالى يخلد دولته السعيدة بالملائكة ويديم لها أخبار السرور، ويزيد لأوليائها نورا على نور، ولأعدائها ثبورا على ثبور.
إن شاء الله تعالى، صلى الله على سيدنا محمد وسلم.
__________
(1) يكبت بها شانته (شايته؟) قراءة غير أكيدة: طا: شانته مع نقطتين تحت نون طب، ق، تو،: يكتب بها شانيه قا: يكبت بها شاينه، ها: يكتب بها سيايته.
(2) سورة فصلت 41/ 35.
(3) مؤيده: كذا في جميع النسخ ما عدا ها (مؤيدية). وربما الصحيح «مؤبده».
(4) المولوي: ق، تو، ها: الولدي.
(5) العاطفة: ها، قا: الملاطفة.
(6) السول: ها، قا: المسئول.(1/445)
(112)
جواب على المكاتبة السابقة:
فأجبت عن ذلك بما صورته: (1)
بسم الله الرحمن الرحيم أعز الله تعالى أنصار المقرّ الكريم العالي، العاملي، العالمي، الملكي، العادلي، العلمي (2)
لا زالت هداياه ومناظيمه تتحفنا بكل رقيق، وسلافة تهانيه تمزج بماء النيل فتغني بلطف مزاجها عن رشف الرحيق، ونضارة تلك السطور بعد ترميلها تنزهنا على الريحان تحت الشقيق، ورسالته تأتي بمعجز البلاغة فتصدق وكيف لا وهي الرسالة الأيوبيه، وتسجع بالترسل الفاضلي وهذا البيت ما برح مشحونا بالترسلات الفاضليه.
أصدرناها إلى المقرّ تهدي إليه سلاما نطق به لسان القلم في ثغر كل سين وفم كل ميم، وثناء أمسى به شاعر في كل واد يهيم.
وتبدي لعلمه الكريم ورود رسالته التي ينقص عند كمالها الفاضل، وقصيده التي يغرق ابن قادوس في دوائر بحرها الكامل. ويهيم ظامئ الأدب من فائها إلى رشف تلك النقطه. فإنها نقطة ودّت كل عين أن تصير بها غينا (3) حسدا للفاء على هذه الغبطه (4).
وردّ بها العالية من حاشيته وقد أحسن في رقعة الأدب نقله وممشاه، وأمتنا نفس المنافرة تأنسا بأرغون شاه. وهذه المكاتبة عمرة تشهد للمقرّ بالسعي في مروة الصفاء فإنه أقام بها شعائر الألفه، وصعد ابن حجتنا إلى عرفات بلاغتها وحظي منها بتلك الوقفه. وأما المشافهة الكريمة فقد أقمنا لمطربها سماعا، وجاء حاملها مشنّفا فعاد مشرّفا، وقد ولدت
__________
(1) فأجبت صورته: طا: الجواب الشريف الأشرفي من إنشاء ملك المنشئين مالك أزمة المتأدبين مولانا المقر الشيخي التقوي أبي بكر بن حجة الحنفي منشئ دواوين «الأنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة» جمل الله الوجود بوجوده طب: فأجاب المقر التقوي فسح الله في أجله ورحم سلفه بما صورته ق:
فأجاب فسح الله في أجله بما صورته ها: فأجاب المقر التقوي رحمه الله تعالى قا: فأجاب رحمه الله تعالى بما صورته.
(2) الكريم العلمي: قا: الكريم العلمي.
(3) غينا: طب: عنيا ق: عتيا تو: غيثا.
(4) الغبطه: طب، تو: العطفه.(1/446)
له راية الفرح بنا نصرة واجتماعا، والرقيقان فقد تقدمت التورية باشتراكهما مع رقيق ذلك الشعر وتنميقه، وقبلنا الثلاثة التي لو أدركها ابن نباتة لاستصغر عن قيمة كل منها سوق رقيقه. وأما التهنئة بالسلطنة الشريفة فقد تقدمت ولكم حلا عندنا مكررها، ودخل إلى صدور الحلاوة القاهرية مسيّرها. وجل القصد أن المقرّ ما برح لجيوش الوفاء علما مرفوعا. ولا زالت الأسماع تقيم لمطرب تهانيه الطيبة مسموعا. وأما القصيد فبحرها الكامل قد جاوز بحر النيل بحلاوته الفراتيه، وصفقت كفوف الأمواج بدجلة فرحا بهذه الممازجة الأدبيه، وذاق فم الحور هذه الحلاوة فأنشد وقد تماسك طيّابه بطيب هذه الريح السليمانيه: [من الكامل]
ريح سليمانية بتلطف ... هبّت على مصر بنشر يوسفي
وفروع أيّوب لنا قد أثمرت ... بفضائل ولغيرنا لم تقطف
هو أفق عدل ما خلا من عادل ... وبحصن كيفا شمسه لم تكسف
هذا وعادله يقول مضمّنا ... في حبّنا قولا بغير توقّف
لا تحسبوني في الهوى متصنّعا ... كلفي بكم خلق بغير تكلّف
وله يقول عدوّنا من خوفه ... قلبي يحدثني بأنك متلفي
أهدى لنا المنثور في أوراقه ... وسياجه ريحان تلك الأحرف
برسالة إنشاؤها أنشى الورى ... طربا وأغنى عن صبوح القرقف
وقصيدة ما للنباتي قطرها ... الحالي ولا يدنو لموردها الصفي
جاءت ربيعا في جمادى ثانيا ... لربيع مصر في البها والزخرف
فائيّة وافت ونقطتها غدت ... خالا بوجنة طرسها لم يختف
ويقول مسك سطورها: هذا الذي ... إن غاب عن إنسان عيني فهو في
ويقول من تيه لكل معارض: ... عرّضت نفسك للبلا فاستهدف
فنسيب شعرك ما يناسبها وقد ... أضحت مشرّفة بمدح الأشرف
ولفرقة الشعراء قد أمسى بها ... قصص تعوّذ حسنها بالزخرف
والله تعالى يديم تهاني المقرّ في أبوابنا الشريفة نظما ونثرا، ليضيع (1) طيب أعرافه بالديار المصرية وتقول التورية طيّا ونشرا. وحسبنا الله وكفى بمنه وكرمه.
__________
(1) ليضيع: تو، قا: ليضوع.(1/447)
(112 آ)
تقريظ المؤلف على كتاب «اللّبابة في معارضة ديوان الصّبابة» للأديب الفاضل البارع عماد الدين إسماعيل بن الصائغ:
ومما أنشأته ما كتبته (1) تقريظا على كتاب المقر البارعي الفاضلي الأديبي (2) العمادي إسماعيل بن الصائغ الحلبي (3)، أحد كتّاب السر الشريف (4) بالديار المصرية رحمه الله (5) واسم المصنّف (6) «اللّبابة في معارضة ديوان الصّبابة»، وهو:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمد السامع المطيع (7)
وقفت على هذا الكتاب الذي رفع عماد الأدب في هذا الجيل، وشرعت في محاسنه فقال لسان القلم: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتََابِ إِسْمََاعِيلَ} (8)، فقد بايعته الخواصّ على سلطنة الأدب، وتأيّد في هذه الحين. فقلت وأنا حموي: «لم أنكر سلطنة عماد الدين»، وتالله لقد أظهر محاسن الشهباء على الشقراء في هذه الميدان. وقالوا: «كتابه ديوان المتأدبين»، فقلت: «بل كل كلمة بديوان». ذكر أن براعته عنوان، فقلت: «والنونان هلالان في استهلالها»، وانتهيت إلى حسن الخواتم، ونسيت ذات الأساور وبديع جمالها، فإنها الخواتم التي طليت وسبكت في أحسن القوالب، ومذهبي أن أبن الصائغ مقدّم على ابن الصاحب، قعدت أدباء العصر عجزا عن بلاغتها الذي جاءت لأحكام الغرام عمده، وكان ابن حجّة أول من بادر إلى القعده، وتنسمنا من نسماته الغرامية أخبار الوجد، وتركنا لابن حبيب نسيم الصبا ولابن الجوزي صبا نجد. ولقد فقهني في شرع المحبة، فكلي إن حدثتكم ألسن تتلو، وقلت لمساميه في هذه الرتبة: [من الطويل]
هو الحب فاسلم بالحشا ما الهوى سهل
__________
(1) ومما كتبته: طا، طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ما كتبه ها، قا: ومن إنشائه رحمه الله تعالى ما كتبه.
(2) الأديبي: طا، الأديبي القضائي.
(3). 1.، (17)، 56،،،
(4) السر الشريف: طا، طب، ق: الإنشاء الشريف.
(5) رحمه الله: طا، طب، ق: فسح الله تعالى في أجله.
(6) واسم المصنف: طا: والمصنف الذي كتب شيخنا عليه اسمه.
(7) سقطت الحمدلة من ها، قا.
(8) سورة مريم 19/ 54.(1/448)
شيّد قواعد البيوت الغرامية وثبّت أوتادها بأسباب، وأنسانا مصارع العشاق لما أرانا منازل الأحباب: [من الكامل]
وغدا يقول لنا لسان يراعه ... مترنّما والقول قول طيّب
يا من بديوان الصبابة لم يجد ... وردا لورّاد المعاني يعذب
ما في الصبابة (1) منهل مستعذب ... إلّا ولي فيه الألذّ الأطيب
ذكر مقدمة العشق فرأينا نتيجة لم تنس بهذه التذكره، وأرانا مدهشا صار لأهل الغرام تبصره، وشرع في شرح أسباب الهوى فأخّرنا ديوان الصبابة عن هذه المقدّمه (2)، وأنشدت عصابة العشاق وهي لهذا الشرح مترنّمة: [من الكامل]
لا تخف ما فعلت بك الأشواق ... واشرح هواك فكلنا عشّاق
وأورد في وصف الجمال محاسن لو سمعتها بثينة لم تلتفت (3) إلى جميل، وأوصل الشمل بمقاطيع لو أدركها ابن سناء الملك رجع عن مقطعات النيل، فلو لحقه القشيري قنع من خاص المحبة بهذه اللبابه، أو ابن الخطيب نسي آلة التعريف ولم يحسن خطابه، وابن أبي حجلة رجع عن منطق الطير بفصاحة هذا الساجع، ورجع ابن نباته عن سجع المطوّق والصفدي عن ألحان السواجع، وليس لابن أبي حجلة وبلديّه ابن العفيف هذا العقد ونظمه المستجاد، ولو عاصراه وناظراه قلت مضمّنا قول من أجاد: [من المنسرح]
أيقظت أهل الغرام فانتبهوا ... واجتمعت بالسّهاد أجفان
فنم خليا وقل كذا وكذا ... من كل من أطلعت تلمسان
أدار سلافة الأدب في هذا العصر وأنشا، وكنت أول من اعترف بلطف مزاجه لأني صاحب قهوة الإنشا، ونثر مع نظمه فطربت لسجعه على زهر المنثور، ونظم مع نثره فحرمت سماع نظم الحليّ في قلائد النحور. ولقد تطفّلنا على هذه الموائد، ولكن لزم كل منا أدبه، وزاد هذا المصنف في الرقة فقالت قصبات الأقلام: «والله لم يقم معه لسوق الرقيق قصبه»، ووصلت إلى لغز موصوله الذي شبّب الزمان بأوصافه المطربه، فأنشدت وقد طبت بأنفاسه الطيبه: [من السريع]
__________
(1) الصبابة: ها، قا: المناهل.
(2) المقدمه: قا: التقدمه.
(3) تلتفت: تو: تلفت.(1/449)
شنّفت سمعي أيها المطرب ... من أين هذا النفس الطيب؟
فلو نافسه ابن عبد الظاهر بلغز موصوله أحجم مع من أحجموا، وأشار إلى أنفاسه منشدا: [من الطويل]
سكتنا وقالت للقلوب فأطربت ... فنحن سكوت والهوى يتكلم
ولعمري إنه اللغز الذي أحرز قصبات السبق، وعليه بهجة وطلاوه، وأعلمني أن لغزي في قصب السكّر لم تبق له حلاوه، وأهل المنطق يعرفون الموضوع منهما (1)
والمحمول، والمقطوع في كل وقت والموصول. * وقال موصول المشد: «هذا المعشوق الذي يجب أن يضمه العاشق في كل وقت ويقبّله» * (2)، وقال موصول ابن الصاحب «هذا الموصول الذي يفتقر عند النحاة إلى صله»، وشببوا بذكر هذا الموصول في كل مقطوع وشعروا، وقال كل منهم وقد هجر مواصيله: [من الطويل]
وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
وأما ابن حجّة فقد ندب إلى الوقفة على عرفات هذا الفضل المعروف، والامتثال هنا واجب ولكن الكفّ صفر والطريق مخوف، * وهذا وقد ذوت من حدائق فكري زهرة الشباب * (3)، اختفى لساني كما قال ابن نباتة وأغلق عليه من شفتيه مصراعي الباب، وخمد حمراء القريحة وجمد ذلك الذهن السيال، ونأى عن خدمتي كافور الطروس وعنبر السطور وصواب المقال، ولكن هبّت عليّ نسمات الشبيبة من هذا المصنف الجليل، فقلت وقد شبّت نار القريحة * وأملت عليّ هذا الوصف الجميل * (4): «الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل»، والله تعالى يجعل قواعد الأدب بحسن تشييده قائمه، وكما أحسن خاتمة كتابه يخصه في كل براعة بحسن الخاتمه. (5)
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
__________
(1) منهما: طب، قا، تو، ها: منها.
(2) ما بين النجمتين ساقط من ق.
(3) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(4) ما بين النجمتين ساقط من تو، ها، قا.
(5) زيادة في طا: قال ذلك وكتبه أبو بكر ابن حجة الحنفي منشئ ديوان «الإنشاء الشريف» في العشر الأول من الحجة الحرام عام ست وعشرين ثمان مائة مقتديا بقول الفاضل، الحمد لله فاتحة الكتاب، وخاتمة الدعاء المجاب.(1/450)
(112 ب)
تقريظ المؤلف على كتاب «حلبة الكميت» لشمس الدين محمد بن حسن النواجي الشافعي:
ومما أنشأته ما كتبت به (1) تقريظا على كتاب للشيخ شمس الدين محمد بن حسن النواجي الشافعي (2)، لطف الله به وهذا الكتاب مشتمل على ما وقع من المرقص في الخمريات لفرسان الأدب * وقال مصنفه أعزه الله: «وريت * (3) في تسميته بالكميت»، وهو (4):
وقفت على المجموع الحسن فوجدته قد جمع المحاسن وتفرّد، وتحققت أنه الجامع الكبير فصليت خلف إمامته وسمعت فيه حديث محمد، وشرطت أن تكون مدائحي (5) وقفا على هذا الجامع المعمور باللطائف، علما بأن أهل الأدب لم تخرج عن شرط هذا الواقف، وقلت وأنا صاحب قهوة الإنشاء: «مزاج هذا الكميت ألطف»، فإن شفاه أقلامه لم ينسب إليها بحمد الله محرف. وهذا المؤلّف جواد جمع بين فحول معارفها في جبهة الدهر غرّه، وكرّ معه صاحب مجرى السوابق فسبق منه في كرّه، وأقام قلمه قصبة سوق الأدب وجاوز (6) بها سوق الرقيق، وأطلق لسانه بالمعجز المحمدي فصدّقته، وأبو بكر هنا أحق بالتصديق، نظم هذا المجموع عقودا فتنازع الضميران (7) في حسن نظمه، ورأى يتيم الدرّ قد فرط (8) فيه فنظم شمله وبالغ في
__________
(1) ومما أنشأته ما كتبت به: طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ما كتبه ها، قا: ومن إنشائه رحمه الله تعالى ما كتبه.
(2) وهو شمس الدين محمد بن حسن بن علي بن عثمان النواجي الشافعي («الضوء اللامع» للسخاوي ج 7 ص 232229رقم الترجمة 571و «نظم العقيان» للسيوطي ص 148144رقم الترجمة 144 و «شذرات الذهب» لابن العماد الحنبلي ج 7ص 296295و «البدر الطالع» للشوكاني ج 2ص 157156رقم الترجمة 3152112344،، 56،.
(3) ما بين النجمتين في طب، ق، قا: «ولهذا وريت» وفي ها: «وقال مصنفه أعزه الله».
(4) ومما وهو: طا: وكتبت على المجموع المسمى «بحلبة الكميت» تأليف الشيخ العالم الأديب المفنن أبي عبد الله محمد الحنفي الشهير بالنواجي فسح الله تعالى في أجله وهذه المؤلّف يشتمل على ما وقع من المرقص في الخمريات لفرسان الأدب ولهذا ورّى في تسميته بالكميت.
(5) مدائحي: ق: مداعي.
(6) جاوز: طب، ق: جاور.
(7) الضميران: قا: الغيران.
(8) فرط: قا: قرظ.(1/451)
جبر يتمه، وأدار على شرب الأدب لشرب الراح وصفا تغرب به على (1) أهل الشرق والغرب، وكساه ديباجة اختيار رخصت عندها قيمة مقاطع الشرب، وفكهنا شمس الدين على هذا الشرب بما نسينا به الفواكه البدريه، وأظهرت الراح في كؤوس وصفه بهجة الضحى فقالت التورية: «إنها شمسيه»، وأعرب في تسميتها عن العروس والعاتق والبكر فهامت الأنفس بهذه التسمية إلى المسمّى، ولم تلتفت بعدها إلى أفعال نسبت إلى لمياء ولا إلى أسما، فإن هذه الموصوفة التي ثغر كأسها بدرّ حبابها أشنب (2)، وحبّ درّها تنظم (3) به عقود الشمل وهو إلى القلوب محبّب: [من الكامل]
عذراء قد راض (4) المزاج شماسها ... فتعلّمت من لطف خلق الماء
خرقاء يلعب بالعقول جنانها ... كتلاعب الأفعال بالأسماء
* ولقد ملك هذا التأليف أزمّة الأدب، فمن تطاول إليه قصر، وكيف لا وهو الملك الذي خدمه في مجالس شرابه كسرى وقيصر، وأشهر سيف الدولة فأطاعه فخر الترك وتبعه التاجي والأسعد، وقام الحاجبي في الخدمة فقال سيف الدين: «أنا المشدّ» وأمست عصاة الأدب في يد ابن النقيب تتأود، ودخل ديوان إنشائه ابن عباد والفاضل وابن عبد الظاهر وأتى بابن حجّة (5) على سبيل الجبر والتتميم، وقال ابن دانيال: «أنا الكاحل وشمس الدين المزين وموفق الدين الحكيم». وأظهر من زاوية شيخ الشيوخ فتوحا ومزايا، وعرفنا بابن الفارض وابن أبي الوفاء أن في الزوايا خبايا، ورأينا فيه الكثير الطيّب وشهد له أبو الطيب بتأهيل الغريب، وأحضر أبا العلاء فأرانا معجز أحمد وهيمنا بذكرى حبيب، ونزّهنا على الخطيري ونقلنا إلى حديقة زهير وسقانا كأسا روية بسلاف البيان، وأتحفنا من سمين ابن خروف بما ظهرت به فضائل الجزار ومحاسن الشواء وتزايد الثناء على الجوبان، وأتى من ناضج ابن قلاقس بما ليس يقلى ومن نظم ابن لؤلؤ بما نثر به عقودا، وأطال لسان السراج وأرانا الشهاب مع ابن سناء
__________
(1) تغرب به على: فغرب عن.
(2) بدرّ حبابها أشنب: ها: بدر حباتها اسنت.
(3) تنظم: قا: منتظم.
(4) راض: ق: رام.
(5) بابن حجة: قا: بابن أبي حجلة.(1/452)
الملك محمودا، وانتصر هذا المولى لنصير الحمامي فقلنا: {نِعْمَ الْمَوْلى ََ وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (1).
وأظهر صلاح الصفدي وعرّج بالصفي عن مناهل التكدير (2)، وحلّى الأذواق من المكرر النباتي بما رخص عنده ابن سكّره، وأرانا من تحرير القيراطي ما ينقص عنده الراجح، إذ أقام الوزن بالقسط وحرره، وقطف لنا من الدوحة الوردية ما أخجل به وجنة وخدا، وباشر في هذا الديوان بابن الصاحب وأحسن خواتم ابن الصائغ وأظهر لبني مكانس فخرا ومجدا * (3)، ولولا خشية الإطالة ذكرت جميع من دخل إلى هذه الحلبة من فرسان الأدب وتأدب (4)، فإن هذا المؤلف أقام لأهل الأدب سماعا على أحسن قانون فدخل إليه صاحب المرقص والمطرب وشبّب، والله تعالى يزيد (5) عزائمه في سحر الأدب عطفا وقبولا ومحبه، ويديمه فارسا لكل كميت وسابقا في كل حلبه.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى
(113)
جواب على مكاتبة واردة من الملك الناصر صاحب اليمن (غير مؤرخ ربيع 827هـ):
ومما أنشأته (6) صدر رسالة عن مولانا السلطان الملك الأشرف زاد الله شرفه تعظيما (7) في جواب الملك الناصر صاحب اليمن (8)، وهو:
أعز الله تعالى أنصار المقام العالي السلطاني، الملكي، الناصري لا زالت رسالته الأحمدية عند كل مسلم مصدّقه، وتوقيعات الرقاع بمنسوب إخلاصها محقّقه، وسلاف الوداد بسلطانياتها اليمنية مزوّقه. فإنه المقام الذي إن نسب إلى
__________
(1) سورة الحج 22/ 78.
(2) التكدير: ها: التكفير.
(3) ما بين النجمتين ساقط من طا.
(4) ولولا خشية وتأدب: طا: وما من فرسان الأدب إر من وقف عند حلبة هذا الكميت وتأدب.
(5) يزيد: ها: يؤيد.
(6) ومما أنشأته: طا: وكتبت طب، ق، قا: ومن إنشائه ها: صدرت.
(7) سقط الدعاء من قا.
(8) راجع ص 63حاشية 4.(1/453)
الحجر فهو ابن إسماعيل، أو أدار سقاية المحبة فنسبة السقاية إلى العباس لم تحتج إلى إقامة دليل. فلا برحت أخوتها بمقامنا الشريف تتشرف، وملوك الأرض تحكم على أنفسها بأفعل التفضيل، فيقول المقام الناصري أحمد والمقام الأشرفي أشرف.
أصدرناها إلى المقام الشريف وقد شافهتها ألسن أقلامنا من خالص المحبة بسرّها، إلى أن حفظته بحمد الله وأودعته في صدرها. وحمّلناها من التحيات المباركات ما يحسن بعدها التسليم، ومن الثناء على خالص المودة ما هو أكبر الأدلّة إلى التشوق العميم.
وتبدي لكريم علمه ورود المثال العالي متحملا معادن الطيب من عدن، يعرفنا بعرف روائح المندل الرطب، فملنا إلى التشبيب بعد حيرة العلم بخيرة اليمن، وسبق النسيم إلينا مبشّرا بقربه فقلنا: «من أين لك هذا العبير؟»، فقال: «رافقت المثال الناصري وقد علمتم أن للمجاورة تأثير». فأكرم به مثالا ناصريا عوّذنا بالطور كتابه المسطور، وعم بسلطانه الهناء وكيف وخادمه من كل سطر أسود مسرور، ورد في المحرم وجهزنا الجواب في ربيع ليتنزه المقام في منثوره عند الورود، ويترنم لتغريد سجعه ويطرب منه باليمن على العود.
بمنّه وكرمه.
(114)
تقليد شيخ الاسلام شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني الشافعي بقضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية (العشر الأخير من محرم 827هـ):
ومما أنشأته (1) تقليد * مولانا قاضي القضاة شيخ الإسلام شهاب الدين * (2) ابن
__________
(1) ومما أنشأته: طا: ومما أنشأته في الأيام الشريفة الأشريفة طب، ق، قا: ومن إنشائه ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى.
(2) ما بين النجمتين ساقط من طب، ق، ها، قا.(1/454)
حجر العسقلاني (1) بقضاء قضاة الشافعية * بالديار المصرية * (2) في العشر الأخير من المحرم سنة سبع وعشرين وثماني مائة. (3)
بسم الله الرحمن الرحيم (4)
الحمد لله الذي أطلع للمسلمين شهابا مطالع الأنوار ومشارقها بكماله تشهد، وأيد الشرع الشريف بمن إذا حمدوا إماما قلنا لهم: «هذا الإمام أحمد»، وقد أسندوا إليه صحيح الحديث النبوي ومسند أحمد لا يجحد. وهو الشهاب الذي إذا ناظره البدر رمد
__________
(1) العسقلاني: ساقط من طب، ها، قا. وهو شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن على بن محمد العسقلاني الشافعي المعروف بابن حجر («الضوء اللامع» للسخاوي ج 2ص 4036رقم الترجمة 104 و «المنهل الصافي» لابن تغري بردي ج 2ص 3217رقم الترجمة 223و «نظم العقيان» للسيوطي ص 5345رقم الترجمة 34و «شذرات الذهب» لابن العماد الذهبي ج 7ص 273271و «البدر الطالع» للشوكاني ج 1ص 9287رقم الترجمة 51.
. 7276،، (13) 6770،،. 31219،،
(2) بالديار المصرية: ساقط من طب، ق، ها طا: بالديار المصرية وسائر الممالك الإسلامية المحروسة وهو (مع إسقاط التاريخ).
(3) في هامش تو ما يلي: في نسخة الأصل بعد حكاية الترجمة ما صورته: «ومن الغريب أن قصته لما قدّمت للسلطان قطعها وألقاها من يده وربما عرّض بعزله فلم يجسر أحد بعد ذلك أن يكلم السلطان فيه ولم يقرأ له تقليد بل ولم يكتب ولم يحصل له في ولايته سعد ولا قبول وكان على الناس أثقل من أبيه إلى أن أزاله الله من طريق المسلمين بعد تسعة أشهر وهي على الناس أثقل من تسع سنين ولم يفرح هو فيها بيوم طيّب وذلك في أوائل ذي القعدة من السنة المذكورة والحمد لله على ذلك» هذا نصه. قلت: «ولقد بالغ في إساءة الأدب على مثل هذا الرجل والظاهر أن ذلك إنما هو كلام النواجي فالنسخة المنسوخ منها كانت بخطه والمؤلف أحشم من أن يتكلم بذلك والله أعلم.»
وكتب غيره ملاحظا في هامش تو: الجاهلون لأهل العلم أعداء فإن صاحب هذا التقليد كان ممن أجمع على جلالته وإمامته وكان يلقب بأمير المؤمنين في الحديث وكفاه شرفا وكمالا خدمته للحديث الشريف على قائله أفضل الصلاة والسلام. فحق أن ينشد لشائبه ومتعصبه (؟) قول القائل: إذا أجمع الناس على واجد وخالفهم في الثناء واحد فقد دل إجماعهم دونه على غفله أنه فاسد هذا والنواجي قبائحه معلومة مسطورة في مثالبه معلومة مشهورة قدّس الله تعالى روح صاحب التقليد شيخ الإسلام والمسلمين ابن حجر ونور ضريحه ونفعنا بعلومه وكرمه.
لا وجود لهذين النصين في طا وطب وذيل نسّاخ كل من ق وقا وها ترجمة التقليد بالنص بين القوسين أعلاه.
(4) لا توجد البسملة إلا في طا.(1/455)
بحمرة الشفق من طول تسهيده، والحاكم الذي أعزّ الله أحكامه، وكيف لا والبخاري من بعض شهوده. وقد فتح الله له باب شرحه، فكل عالم إلى الدخول من هذا الباب جاري، وما شك مسلم أن هذا الفتح المبارك فتح الباري. نحمده على الإلهام إلى وضع الأشياء في محلها، ونشكره على العمل بقوله: {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمََانََاتِ إِلى ََ أَهْلِهََا} (1). ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يتميز مؤدّيها عند الحكم العدل بالعداله، ويرى علامة القبول ويتناول بخط الكرام الكاتبين إسجاله.
ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي من أتقن علوم حديثه كان أحمد هذه الأمه، وشهابها الذي يزيل عنها من دجى الإشكال كل ظلمه. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة ما برح الحكم بموجب بركاتها مسجلا، وفضل حديثها القديم مع الرواة مسلسلا، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فمنصب الشرع الشريف قد فهمنا من لسان حاله ما يغني عن بيان المنطق وبلاغته، وعلمنا أنه مفتقر إلى شافعي تتكمّل صحّة العقود بثبوت كفاءته، وملتفت إلى إمام يصلي أئمة العلم خلف إمامته، وتعزّ الأصحاب في أيامه بأحمد وصحابته. ولقد أكثر هذا المنصب سؤاله أن يتأيد بهذا الإمام في الأيام المؤيديه، وكرر ذلك على أن يستضيء بنوره الظاهر في الأيام الظاهريه، وأبى الله أن يظهر هذا الشهاب في غير أيامنا (2)
الأشرفيه، وإن تأخر فتأخره في الوقت لا في الدرجة العاليه، فإن المناصب تارة يسمو بها صاحبها وتارة تكون بمثل هذا الشهاب الزاهر ساميه، فإنه ممن يجلّ أن يقال في ولاية مثله: «ليت ولولا» (3)، وإن تقدمته ولاية فلسان الحال يتلو: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى ََ} (4): [من البسيط]
وقد طوينا به أخبار من سلفوا ... لأنّه علم بالفضل منشور (5)
أحاط بالعلم حتى صار (6) يحصره ... كأن أفكاره من حوله سور
__________
(1) سورة النساء 4/ 58.
(2) في غير أيامنا: طب: في أيامنا.
(3) ولولا: طب: ولا.
(4) سورة الضحى 93/ 4.
(5) منشور: قا: مشهور.
(6) صار: قا: كاد(1/456)
ومن فوائده يعطي بلا قدر ... فما لإعرابه في الفضل تقدير (1)
بدا الهلال وقد هنّى بطلعته ... فصار للناس تهليل وتكبير
وأبيض الصبح قد وافاه مبتسما ... وأسود الليل قال: العبد مسرور
له يراع سعيد في تقلّبه ... إن خطّ خطا أطاعته المقادير
محرّر وبتحرير (2) العلوم إذا ... جرى يرى منه تحبير وتحرير
كذا محابره سود العيون فإن ... دانت أياديه فهي الأعين الحور
ولقد مد الهلال شفة فتحت لتقبيل هذا التقليد، وأشعل كفّ الثريا شمعة المريخ فوقف بها مسرور الليل (3) من جملة العبيد، وتقمّع كف الخضيب بسواد الليل وترك عين الشفق عليه حمرا، وبالأمس نزل فارس الغيث عن مغرّق البرق وقبّل مواطئ الأرض على هذه البشرى، وسأل نهر المجرّة ذلك فردّ سائله نهرا، وكشف الجوّ شعرية الغيم عن وجوه أقماره، وحيّى من نجومه وشموسه بنرجسه وبهاره، وابتسم ثغر البرق عن لعس الغيم فلم يفته من درّ النجوم شنب، ما خفي أن السحب أدارت كؤوس الهناء * مبردة وكان جمان البرد لها من بديع الحبب، وهام حوت السماء * (4) إلى العوم في بحر علومه الذي زاد على النيل بكثرة النيل، وودّ زورق الهلال أن يوسق من عنبر سطوره لا من حمولة عنبر الليل، فإنه الشهاب الذي إذا غامر في أمر مروم، لم يقنع بما دون النجوم. وقد انتهت الغاية بولايته إلى أن صار شرط كل واقف ماشيا، وقضت نوابه بالحق فصار كل منهم بقتل (5) الباطل قاضيا، وأنعمنا على هذا المنصب بولايته فاعترف بجزيل الصنيع، وارتفع المحرّم في صفر فتنزه المسلمون في ربيع.
ولما كان الجناب الشهابي هو الذي حصل الإجماع من أئمّة الفرق على تقديمه، رسم اختيارنا الشريف فما خالف مسلم في تورية مرسومه، وقال المتعبدون بالعلم: «هذا إمامنا بالجامع الكبير»، وقال لسان الميزان: «هذا بشهادة الله صاحب التحرير، وهذا
__________
(1) سقط هذا البيت من طا.
(2) بتحرير: قا: بتحبير
(3) مسرور الليل: تو: سرور الليل.
(4) ما بين النجمتين ساقط من تو، ها، قا.
(5) بقتل: ق: يقتل.(1/457)
صدر العلماء الذي اطمأن به قلب الزمان وأسند ظهره»، وإن قلنا إنه ساد على كثير من المتقدمين أنشد لسان الحال وقد رسخ في المسامع شعره: [من الكامل]
يقضي الحسود له قضاء ضرورة ... بفضيلة الطاري على المتقدم
اقتضت آراؤنا الشريفة أن يظهر في أفق ملكنا الشريف نور شهابه، ويثبّت أوتاد الدين القيم من غير فاصلة بأسبابه.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الأشرفي لا زالت شهب العلم في مطالع شرفه زاهره، وحدائق مصنفات العلماء في روضات أيامه زاهره،
أن يفوّض للجناب الكريم المشار إليه (1) وظيفة قضاء قضاة الشافعية بالديار المصرية والممالك الإسلامية المحروسه (2)، فإنه الشهاب الذي نجوم تصانيفه مشرقة في ظلمة كل أشكال. ولما خشينا من الجهل برجال الحديث بادر إلى الاحتفال بأسماء الرجال، وهو بحمد الله نتيجة هذا العصر وصاحب المقدمه، وبه حصل التعليق وفزنا بالتوفيق وهمنا إليه بالتشويق فأكرم بها مكرمه. ولقد تميز عندنا بتقريب الغريب، وقلنا: «لا ينكر ذلك لمن جبل على تهذيب التهذيب». وتالله إن ثقاة الرجال تشهد له بالتمييز والإعجاب، فإنه المقرر للإصابة وعنده شفاء العلل وخاص اللباب. ما جاءه مستفيد إلا وجد عنده الإيناس وترتيب الفوائد، ولمّ تفريق ذهنه بالمجمع وفرحه بعد نقضه بالزوائد، فإنه الشهاب الذي له الأجوبة المشرقة (3) وصاحب الاستدراك (4) الذي التفّ منه وجه كل مصنف (5) من الحياء. وكم لمّ أطراف الأحاديث المختارة فأغنى بنور شهابه عن الضياء. وهو صاحب النكت والتخريج والتعليق والترتيب، وكم جاءنا بالمنتخب والتعريف بالنبأ ونبه الأفهام بالتقريب. وإن ذكرت المقاصد الحميدة فهو صاحب المقصد الأحمد، وقد استدّ به هذا الباب لأنه صاحب القصد المسدد.
__________
(1) للجناب الكريم المشار إليه: طب، ق، تو، ها: للجناب المذكور قا: إلى المشار إليه.
(2) والممالك الإسلامية المحروسة: ساقط من طب، ق، تو، قا، ها.
(3) المشرقة: طب، تو: المشرفة.
(4) الاستدراك: طب: الادراك.
(5) التف منه وجه كل مصنف: طب: التف وجه كل مصنف منه ق: التف به وجه كل مصنف.(1/458)
وهذا الشهاب بحمد الله صاحب الأنوار، والآيات المنيرة على شمس النهار. وقد أقرّ له أهل العلم بالاعتراف لما نبّه ناسيهم بالتذكره، وعنده لهم نزهة النواظر وتبصير المنتبه وتربية الطالب على الخصال التي هي من الذنوب مكفره. ولقد أرانا مفتاح كل تلخيص وأعرب عن المعجم الكبير وحرره، ولما أحكم تصحيح الروضة أظهر فروع (1) أفنانها مزهره، وشرح مناسك المنهاج فحج بالمسلمين وهو قاعد، وكلما علق الشافعي القول به على الصحة كانت المنحة عنده على تلك الفوائد، هذا ومصنفات الغير في بقية العلوم، فقد تكرر وقوفها له بالأوراق، حتى رفع عنها مظالم الأشكال وطوق أجياد طروسها من سطور بتنكيته بأطواق.
فلينظر فيما فوّضناه إليه فإنه بحمد الله [من] أهل النظر والبصيره، وقد رجونا أن تكون ولايتنا له عند الله نعم الذخيره والوصايا كثيرة، ولكن مثل رشيد رأيه لا يدل على صواب. فإنه الحاكم الذي إذا حكم في كتاب عوّذ المسلمون بألمّ ذلك الكتاب. وما أحقه بقول الفاضل: «وقرّت به العيون وأقرت الألسنه، وسارت فضائل هذا الشهاب مسير الشمس فملأت النواظر والأمكنه»، وتغالى المادح في صفاته فكانت أكثر من دعواه البيّنه. ولقد قال العدو فيه ما قاله الولي، وأشبهت به صدور الكتب صدور الغانيات بما فيها من الحلي، وقد أعاد على الإسلام زمان السلف الصالح، وأشرق سعد سعود شهابه فاستعمل للأعداء سعد الذابح، وتحصنت سماء الدين به فوق سماء الدنيا فما استطاعها ذم النابح، والله تعالى يديمه شهابا تحرق به المردة من أعداء هذا الدين، ويبقيه خاتمة لمن سلف من الأئمة وختام هذا الدعاء بحسن التأمين.
(115)
تقليد شمس الدين محمد الرازي الهروي الشافعي بالنظر في دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة:
ومما أنشأته (2) تقليد مولانا المقرّ * (3) الأشرف العالي الإمامي العلامي القاضوي *
__________
(1) فروع: ها: فنون.
(2) ومما أنشأته: طا: ومما أنشأته في الأيام الأشرفية زاد الله شرفها تعظيما ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى طب، ق، قا: ومن إنشائه.
(3) ما بين النجمتين ساقط من قا.(1/459)
الشمسي محمد الرازي الهروي الشافعي (1) رحمه الله بالنظر في دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة (2) وهو هذا:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أزال بالشمس المحمدية عنّا كل ظلمه، وأزاح (3) غمّة كل إشكال، وما ترك أمرنا علينا غمّه. وأعزّ الإسلام بمحمد وصحابته فتخول المسلمون في جزيل هذه النعمه، وصيّر أفق ملكنا الشريف مطلعا لشمس العلوم ومستقرا لمحلها العظيم، وقدّر ذلك بعزّته (4) {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهََا ذََلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (5) وعضد ديوان إنشائنا الشريف بصاحب لو أدركه الصاحب ابن عباد رجع عن صحبة ابن العميد، أو الصاحب أبن هبيرة رفع الخلاف وعقد عليه الإجماع وقال: «هذا الصاحب أحمد صحبة من عبد الحميد»، فإنه الصاحب الذي عوّذنا طلعته الشمسية بالشمس وضحاها، فقال بياض طرسه {وَالْقَمَرِ إِذََا تَلََاهََا، وَالنَّهََارِ إِذََا جَلََّاهََا} (6)، وقال أسود نقسه وعلوّ قدره: {وَاللَّيْلِ إِذََا يَغْشََاهََا، وَالسَّمََاءِ وَمََا بَنََاهََا} (6). نحمده على أن أطلع في أفق ملكنا الشريف شمسا في سعد سعودها زاهره، وأظهر شرفها في الجمل والأدلّة بذلك في اعتدال زماننا ظاهره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تشرق بنور بهجتها طلعة الشمس، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي تعبدت ألسن الأقلام بالصلوة عليه، وحافظت على مواظبة الخمس، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلوة تظهر بنور شمسها بهجة كل تقليد، وتقام بها إن شاء الله لتخت ملكنا الشريف راية فرح ونصرة في كل توليد، وسلم تسليما كثيرا.
__________
(1) راجع ص 33حاشية 5.
(2) بالممالك الإسلامية المحروسة: قا: بالديار المصرية.
(3) أزاح: تو، قا: أزال.
(4) بعزته: قا: بعزته سبحانه.
(5) سورة يس 36/ 38.
(6) سورة الشمس 91/ 51.(1/460)
أما بعد، فديوان إنشائنا الشريف كان سيف ناموسنا (1) قد ضرب عنه صفحا، ونسيت الأيام الفاضلية واستدّ الفتح القدسي ولم نر لباب من أبواب هذا العلم فتحا، واختفت محاسن ابن عبد الظاهر، ونسي سجع المطوق على أفنان البلاغة ولم يظهر لحدائق المنثور فرع زاهر، وذوت دوحة الإنشاء وقصفت غصون أقلامها، وعبّس ثغر سينها وانحدب ظهر دالها ولم يتوصّل إلى التعريف بلامها، وصار لصرير القلم في صدر كل طرس أنّه. وكان لصوت غنائه على دفوف الأوراق غنّه، وفقد خدّ الطّرس حسن العوارض من تشاعير لاماته، ومحيت سود نقطه التي كانت تعدّ من حسناته، وضيّق الجهل خناق قلمه وفطس، وأخرس لسانه بعد ما كان يتكلم من صريره بنفس، وبطل تشبيب هذا اليراع (2) على المثالث من سجعاته والمثاني، وقال المنشئ: «لا من يدي» فقال القلم: «لا من لساني»، وبطلت أحكام القاضي الفاضل، ولهذا أصبح غريم الدهر لذوي الاستحقاق يماطل، وقيّد كميت قلم الإنشاء ولم يطلق عنانه، وأراد يغرّد بسجعه فقطع لسانه، ودفن بعد قبضه في تابوت دواته، ولبس النقس عليه السواد لأنه فقد حلاوة لسانه وعذوبة رشفاته. وقضى الإنشاء نحبه وكان وشيه المرقوم على صفحات الدهر منقوشا، وكانت سجعاته تجلس من طروسها على أسرّة الملك فأمست تلك الأسرة لها نعوشا، وحبست سطوره وتقيّدت بقيود ميماتها وتسلسلت، ولم ترض قرينة صالحة مراجعة قلبها بعد ما ترمّلت. وفقد (3) السجع فمزّق طوقه (4) الحمام، وأمسى غريب الإنشاء بلا صاحب. والغريب إذا فقد الصحبة كره المقام، وبعد تلك الفترة ظهرت الشمس المحمدية فعوّذتها الأمة بالسماء والطارق، واهتدينا عند طلوعها بمطلع الأنوار وبهجة المشارق، وتسامى ديوان إنشائنا الشريف بهذه الطلعة الشمسية وشق جيب ظلامه، وود القمر أن يكون له طرسا وسواد الليل مدادا وتطاول الرامح إلى أن يكون من بعض أقلامه، وإن قيل أنه كان للإنشاء فاضل ليس له مناظر ولا مناضل، فما شك
__________
(1) فديوان إنشائنا الشريف كان سيف ناموسنا: طب: فديوان إنشائنا الشريف كان سيف ناموسنا الشريف ق، قا: فديوان إنشائنا كان سيف ناموسنا الشريف تو: فديوان إنشائنا كان ناموسا الشريف.
(2) اليراع: قا: الربوع.
(3) وفقد: ها: ونفد.
(4) طوقه: طب: طوق.(1/461)
عالم أن الإمام الرازي أفضل من الفاضل، جهلوا قدره في غير أيامنا الأشرفية وكان الزمان نعم المجازي. ولما حل بهم الرّزء علموا أنهم جهلوا قدر الرازي. ونظر في هذا الديوان فكشف الغطاء، وعلم الدهر أنه بتقديم غيره أخطأ، وتحقق الجاهل لما انهتك ستره أن عين الشمس ما تغطى، وقد أصبح أفق ديواننا الشريف مقمرا ومشمسا، وعلمت الطروس والسطور أن الله قد أنعم لهما الصباح والمسا. وظهرت نتائج المنطق وانقطع جدل الأعداء وولّت حججها مدبره، وعلمت أقلامه في قلوبها ما تعمله سيوفنا الأشرفية في رقاب الكفره، لأن هذا الإمام تصدر بالحرم (1) الخليلي والأقصى فرفع الناس لعلومه بهما علمين، وقالت العلماء: «أرتنا قدرة الله في هذا العصر إمام الحرمين».
ولما كان الجناب الكريم العالي الإمامي العلامي القاضوي الشمسي محمد الرازي الشافعي ضاعف الله تعالى نعمته هو رأس العلماء الذي هام إليه تاج مصر من سبع وجوه، ولو عاصره صاحب كنز الفقر والدر النضيد والبلغة وقفوا ببابه فقراء وسألوه، ولو أدركه الخوارزمي رجع عن ترسله واهتدى بأنواره الشمسية، وقال: «أبو بكر أحق بتصديق الترسلات المحمديه». إن ذكرنا دقائق درجاته في العلوم فهي محفوظة إلى وقت الساعه، لأنه الجامع الكبير والإمام الذي صلّت خلفه الجماعه، اقتضت آراؤنا الشريفة أن تطلع في أفق ملكنا الأشرفي شمسه (2) المشرقه، لتصبح رياض العلوم بورود فوائده محققه.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الأشرفي لا زالت شموس دولته الأشرفية في غاية الشرف، وفروع إنعامه غضّة النبات وفيها للمستحقين نعم الخلف
أن نفوض للجناب الكريم المشار إليه وظيفة النظر في دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة، لأنه العالم الذي قال أبيض الطرس: «أنا رقيقه فسميناه صباحا»، وقال أسود السطر: «أنا عبده فسميناه نجاحا»، وزاحمهما النقس في العبودية فعلمنا أنه سعيد. وجاءهم الليل وهو مسرور وقال: «كلنا عبيد». وهو الفاضل الذي إن نثر اشتملت أبكار الفقر منه على حمل، وتولدت النكت الأدبية مثل الرمل. وإن نظم قال
__________
(1) بالحرم: ق: الإمام.
(2) ملكنا الأشرفي شمسه: طب: ملكنا الشريف في شمسه تو: ملكنا الشريف شمسه.(1/462)
كل من مطالعه: «أنا مطلع الشمس الذي ما تستّر بغيم جهل ولا احتجب»، وتأدبت لاميّة الطغرائي بين يديه وباشرت في خدمته سلوك الأدب، وما شك متأدب أن لامية العجم أبدع من لامية العرب. ولو عاش الفاضل قيل له: «هذه مقلة سراجك قد غازلتها جفون الغلس، ولسان قلمك قد انطلق بعد ما اعتراه الخرس، وخاطر سكّينك قد انبسط وكلّم بحدّه، ولمّة دواتك قد راجعها عصر الشباب وأمست بعد بياض المشيب مسودّه، وصدور أوراقك قد انشرحت بعد ضيقها وضيق صدرك، وتليت سورة الإنشاء وأبطل الترسل المحمدي معجزك في نثرك، وقد تعين عليك أن تخاطب هذا الإمام بقولك في شعرك»: [من البسيط]
أهذه سير في المجد أم سور ... وهذه أنجم في السعد أو غرر
وأنت في الأرض أم فوق السماء وفي ... يمينك البحر أم في وجهك القمر
يقبّل البدر تربا أنت واطئه ... فللتراب عليه ذلك الأثر
فلينظر في ذلك فإنه أمسّ الناس قديما وحديثا بتدبير الدول، وفي حسن تدبيره بحمد الله ما يجمع لنا بين العلم والعمل، ويقابل جمل هذه النعمة بتفاصيل شكره المتزايد، ويعرب للمستحقين عن صلة برنا فإنها نعم الصلة إذا كان هو العائد، والملخصات فمفتاح تلخيصها في يده وفي مصر خطبته عروس الأفراح، وهي خائفة من نقصها بين يديه عند الإيضاح. والقصص لو كانت عدد النمل كان أجلّ من الشعراء في نظم بيانها (1)، وخيول البريد ففي أيامه تمزق محرر البرد لسرعة جريانها، وحمائم الرسائل أرته بعد تمزيق أطواقها نعم القادمه، وأظهرت من خوافيها ما كانت له كاتمه، وبرزت من مقفّصها فلم تترك لطرح البرد قيمه، وتغزل الناس في تدبيج أطواقها وعلقوا عليها تلك النميمه، ونفذ الدستور في أيامه وأمسى لواء المصطلح على رؤوس كتّاب الإنشاء معقودا، وزال تنكير التعريف وأصبح حسن التوسل للشهاب محمودا، ونفث سحر الإنشاء من أنامل الأقلام في كل عقده. وقام ابن حجّة بحمد الله بعد تلك العقده، واتضح لأهل هذا العلم صبح الأعشى وأدار قهوة الإنشاء كل منشئ فأنشا. ونظر في ذلك ملك العلماء وأسجع من تناول رماح الخط بيمينه، وأمسّ من طعن في صدور الجهّال بأسنّتها ولا طعن بحمد الله في رأفته ودينه. وجاء حق العلم وزهق باطل الجهل
__________
(1) بيانها: قا: أبياتها.(1/463)
وانقطع من حيث رقّ. وقد أجمع الناس على أن الرازي هو شيخ الإسلام الذي أتى بتحصيل الحق، ولو أدركه الصابي رجع عن صبوته واعتذر، وشاهد شمسنا التي أتت من المشرق {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} (1)، وقال: «آمنت بمحمد ورسائله وصحابته»، وأنشد من شعره وقد ساعده اتفاق التورية لبلاغته: [من الطويل]
وكم من يد بيضاء حازت كمالها ... يد لك (2) لا تسودّ إلا من النقس
إذا رقشت بيض الصحائف خلتها ... تطرّز بالظلماء أردية الشمس
والوصايا كثيرة ولكن «لا يهدى التمر إلى هجر»، ولا يهدى النور إلى الشمس ولا إلى القمر، وطلعته الشمسية أحق بقول أبي الطيب (3): [من البسيط]
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
وهو أحق بقول مؤيد الدين الطغرائي (4): [من البسيط]
مجدي أخيرا ومجدي أولا شرع
والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل
والله تعالى يزيد هذه الشمس في أفق ملكنا الشريف شرفا، ويشيّد بها ربع هذه الوظيفة فإنه كان قد عفا، ويحسن ختامنا بكفاءة هذا الإمام، وها نحن قد قلنا: «حسبنا الله وكفى».
(116)
تقليد نجم الدين عمر ابن حجي الشافعي بصحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة (العشر الأول من رجب 827هـ):
ومما أنشأته (5) تقليد المقرّ (6) الأشرف القاضوي النجمي عمر ابن حجي الشافعي (7)
__________
(1) سورة البقرة 2/ 258.
(2) يد لك: قا، ها: بذلك.
(3) «شرح ديوان المتنبي» ج 3ص 205.
(4) «معجم الأدباء» لياقوت ج 10ص 60.
(5) ومما أنشأته: طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله قا، ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى.
(6) المقر: طب، ق: مولانا المقر.
(7) راجع ص 22حاشية 2.(1/464)
رحمه الله تعالى (1) بصحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة (2) وذلك في العشر الأول من شهر رجب الفرد سنة سبع وعشرين وثماني مائة وقرئ بالجامع المؤيدي، وهو (3):
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي نبّه عمر لمصالح هذه الأمه، وأظهر بسره نجم الشريعة، فأزال عن المسلمين كل ظلمه، وزاد أفق ملكنا الأشرفي نورا. لما أطلع فيه نجمه، ظهر في أفق السعاده فصار لشهب علومه في شياطين الجهل رجم. وقرأت دموع أعدائه في الذاريات وارتفع به طور إنشائنا إلى أن وصل إلى النجم، واعترف القمران بسموه من وجهين، وأنشد اختيارنا الشريف وهو أحق هنا بقول ابن الحسين: [من الوافر]
إذا غامرت في شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم
وقالت الناس: «تكلفت الأقمار ولم تصل إلى بهجة هذا النجم العمري وعلو مناره»، فقلنا لهم: «الدليل على ذلك أن البدر نائبه وشمس الإنشاء عمرية تستمدّ من مطالع أنواره». وقد نظر في ديوان إنشائنا الشريف فتفقه بعلومه المنشئون، * وشعروا بأدب الكاتب والآداب الشرعية ونعوذ بالله من قوم لا يشعرون * (4)، وكيف لا تزول (5) عنهم ظلم الأشكال وبالنجم هم يهتدون. نحمده على حسن صحابة هذا الصاحب الذي ما برح من ابتدائه مرفوع الخبر، ونشكره على ما منّ الله به على المسلمين في صحابة عمر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو أن يكون نجم السعود في أفق قبولها زاهرا، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي لما صار عمر من خلفائه كان لدينه
__________
(1) رحمه الله تعالى: طب، ق: عظم الله تعالى شأنه.
(2) بالممالك الإسلامية المحروسة: قا: بالديار المصرية وراجع «النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي ج 14ص 265و 273.
(3) ومما أنشأته وهو: طا: وفي العشر الأول من شهر رجب سنة سبع وعشرين وثماني مائة ولي مولانا المقر الأشرف القاضوي النجمي عمر بن حجي الشافعي عظم الله تعالى شأنه صحابة دواوين «الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة» فأنشأت تقليده وكان يوم قراءته بالمؤيدية من الأيام المشهودة، وهو.
(4) ما بين النجمتين ساقط من طا.
(5) تزول: تو: يزول.(1/465)
وشريعته ناصرا. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة صلّت بها الأقلام في محاريب أوراقها، وأطلقت ألسنتها بأمر الباري فأدام الله بركة إطلاقها، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فديوان إنشائنا الشريف قد جنح إلى إمام فصيح يستحق أن ينشد عن نفسه الكريمة مترنما: [من الكامل]
أنا صخرة الوادي إذا ما زوحمت ... فإذا نطقت فإنني الجوزاء
ويستوجب إذا عموا عن نور نجمه أن ينشد لأهل العمى:
وإذا خفيت عن الغبيّ فعاذر ... أن لا تراني مقلة عمياء
ويجب على من شاهد فيض كرمه أن ينشد لأهل الكرم:
وكذا الكريم إذا أقام ببلدة ... سال النضار بها وقام الماء
ويتعين على من شاهد خطه الكريم أن ينشد بعد نطق لسان القلم:
في خطه من كل قلب شهوة ... حتى كأنّ مداده الأهواء
ويتأكد على من شاهد طلعته النجمية أن ينشد مرتجلا:
ولكل عين قرّة من قربه ... حتى كأنّ مغيبه الأقذاء
ويترتب على من سمع نظمه ونثره أن ينشد متمثلا:
في كل يوم للقوافي جولة ... في قلبه ولأذنه إصغاء
ولما كان الجناب الكريم * العالي القاضوي النجمي ضاعف الله تعالى نعمته * (1)
هو الذي قال كل علم: «أنا ساقط منه على الخبير»، وقال سحر البلاغة: «أنا أنفث من أصابع الأقلام في العقد إذا اهتديت بهذا النجم المنير»، وهذا الذي لو ناظره قس الفصاحة لعيّره بالفهاهة باقل. وهذا الذي إن تأخر زمانه فقد أتى بما لم تستطعه الأوائل. وهذا هو النجم الذي تحسد الأسحار عليه الأصائل، وإذا أشرقت طلعته النجمية قال الدجى: «يا صبح لونك حائل»، وهذا الذي هو وناظر جيوشنا المنصورة في النسبة الوطنية رضيعا لبان، وإذا عمت بهما الخيرات حمدت أهل مصر سعادة هذا القران، اقتضت آراؤنا الشريفة أن نؤيد ما جنح إليه ديوان إنشائنا ونجيبه إلى قصده، علما بأنه يكون نعم الواسطة لملكنا الشريف إذا انتظم في عقده، وتثبت في تأريخنا الشريف سيرته العمريه.
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من قا ومكانه «إلى آخره».(1/466)
ولقد تهافت المطلع المؤيدي على ظهور هذا النجم به وأبى الله أن يظهر في غير مطالعنا الأشرفيه.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الأشرفي السيفي لا زالت أنجم سعوده في غاية الشرف، وإذا تعطش من غرس نباته فرع كان بحمد الله عليه نعم الخلف
أن يفوض للجناب المشار إليه صحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الشريفة الإسلامية المحروسة علما بأنه المنشئ الذي: [من الكامل]
أقلامه السمر الرّشاق إذا انثنت ... أغنت نهار الخطب عن بيض الطيى (1)
سود العيون كأنما ألحاظها ... قد كحّلت بسواد أحداق الظبى
لكن إلى وجه الطروس إذا رنت ... أبدت لنا سحرا حلالا طيّبا
وسرى نسيم الذوق في قصباتها ... فغدا بها بين الأنام مشيّبا
فلأجل ذا إن رجّعت أقلامها ... لم تلق إلا مرقصا أو مطرّبا
كم سجع بالمنبر الأموي فأمسى النسر وهو مطوق بسجعه، وها زهر منثوره الشامي قد أينع بروضة مصر وشرع ديوان إنشائنا الشريف في جمعه. وقد تقدم في تقاليده الشامية أنه ملك العلماء بها وفارس الميدانين، والخطيب الذي ما رقى منبر ابن عبد العزيز إلا قال: «سبحان من أعزّني قديما وحديثا بالعمرين». وها قد سعت أقلام الإنشاء إلى خدمته على الرؤوس، وأقام صريرها سماعا مطربا نقّط به دفوف الطروس، وسواد المحابر تلا عند بيض أياديه (2): «وجعلنا الليل والنهار آيتين»، وحج ابن حجّة المنشئ إلى كعبة علومه فصار ابن حجتين، وتميز بالمجانسة الحجية فلم يلتفت بعدها إلى الصفدي في جنان الجناس بل وافق ابن نباتة في تصحيفه على أنه جنان الخناس. وقالت ثغور المحابر العمرية لابن أبي الأصبغ: «من هنا يؤخذ تحرير التحبير»، وقال لسان كميت القلم: «دارت قهوة الإنشاء وطاب والله عيش المدير»، وقالت المزرّة: «وصلت بحمد الله إلى توثيق عرى الإيمان»، وقالت القصص: «عوّذت هذا النجم بالقمر والرحمن»، وقال كل ملخص باب التلخيص: «هو فاتح أبوابه لأن المفتاح بيده»، وقالت التقاليد: «هذا
__________
(1) الطي: كذا في طا، وفي باقي النسخ ما يقرب إلى الطبى / الظبى.
(2) بيض أياديه: قا: بيض أيامه ق: بعض أباديه.(1/467)
الإمام مجتهد في الأيام الأشرفية فالهناء لمقلّده»، وقالت المراسيم وقد رسمها بيده الكريمة: «صار كل منّا مرسوما شريفا»، وقالت التواقيع: «تنكر إنشاؤنا للجهل بالمصطلح فكسانا بإعرابه تعريفا»، وهامت أوراق الملطفات بصقالة ذهنه الكريم وجنحت إلى وصله، وحمحمت خيول البريد، ومد كل جواد يده إلى تفصيل البرد بمقص نعله، وطار حمام الرسائل فرحا، وخلع مقفصه وخرج منه بطاقه، لأنه سمع بالصفات العمرية فكاد أن يمزق من الحنين أطواقه.
فلينظر في ذلك فإنه صار لهذا الديوان الشريف ناظرا شرعيا، وإذا حكم فيه بعدله أظهر للناس عدلا عمريّا، وإن تطاول الأموي إليه قلنا له: «بنو أمية اليوم تحت أحكام بني العباس»، وقد صح (1) قياسنا الأشرفي باختياره. وقالت مصر للبلاد الشامية: «بيني وبينك المقياس»، وإن كانت الشقراء أو الأبلق حمحما عند شد ركائبه، فقد قالت لهما مصر: «أنتما اليوم من بعض جنائبه». وقد نظر في ديوان ملكنا الأشرفي فلم ينظر بعدها بدمشق سطرا، ولم يلتفت إلى مثال أظهرته مقرا، وإن سفح دمع كل نهر بعده وتعثر بمحاجره (2) حين أمسى جاريا، قال له نيل الديار المصرية: «ومن ورد البحر استقل السواقيا»، وإن قالت صالحية دمشق: «فسد صلاحي وزالت سعادة قسمي»، قالت صالحيّة مصر: «الحمد لله ظهر في الأيام الأشرفية سعد نجمي» (3)، وجرت عيون المنيبع (4) فوق كل خدّ أضحى بتلك الروضة مورّدا، وأنشدت دوحة دمشق وقد أيقنت عند رحيله بفقد الندا: [من البسيط]
يا من يعزّ علينا أن نفارقهم ... وجداننا كل شيء بعدكم (5) عدم
وظهرت غيضة ست الشام لما اتصل بمصر وروضتها، فكشف المقياس الستر وقال: «لا أفكر في غيضها»، وبيننا نص الكتاب العزيز الذي لا يتطرق إليه التأويل والاحتمال ما يتطرق إلى أخبار الآحاد، ولا يضطر المحتج به إلى تعديل الرواة وتصحيح الإسناد، من قوله تعالى في مصر التي هي حرم الوافدين، {كَمْ تَرَكُوا}
__________
(1) صح: تو، ها، قا: منح.
(2) بمحاجره: طب: بمحابره.
(3) الحمد لله ظهر في الأيام الأشرفية سعد نجمي: طب: الحمد لله الذي ظهر في الأيام الأشرفية نجمي.
(4) المنيبع: قا: المنبع.
(5) بعدكم: ق: بعده.(1/468)
{مِنْ جَنََّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقََامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كََانُوا فِيهََا فََاكِهِينَ} (1). ومن قوله تعالى وهو لمصر في غاية التعظيم: {فَأَخْرَجْنََاهُمْ مِنْ جَنََّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقََامٍ كَرِيمٍ} (2)، فهذه آيات في سموّ رتبتها بينات، وما وصف الله بقعة من بقاع الأرض بهذه الصفات. وشرف الشام وفضلها فوق ما يذكر عنها ويوصف.
ولكن قالت التورية: إن الجناب قصد الأشرف، لعلمه الكريم أن الله ندب لسكنى مصر من رفع قدره ومحله، في قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنََا إِلى ََ مُوسى ََ وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءََا لِقَوْمِكُمََا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} (3)، وقد قال ناظم البهجة وما شك عالم أنه في العلم والأدب حجّه: [من البسيط]
ديار مصر هي الدنيا وساكنها ... هم الأنام فقابلها بتقبيل
يا من يباهي ببغداد ودجلتها ... مصر مقدّمة والشرح للنيل
فالجناب يقابل سوابغ هذه النعم بإطلاقه أعنة الشكر المتزايد، فصلة هذه الخيرات كان رأينا الأشرفي لها أشرف عائد والوصايا كثيرة، ولكن العباب لا يهدى إلى البحر الزاخر، والنور لا يهدى إلى النجم الزاهر، وهذا الحكم هو أولى من تقلده وأمضاه، لأن أمر الوصايا ما برح راجعا إلى قاضي القضاه. والله تعالى يزيد نجمه في أفق ملكنا الأشرفي أنوارا (4)، ويجعل له في هجرته من أركان دولتنا الشريفة أنصارا، ويحفظ سطوره وطروسه من أعين حسّاده ليلا ونهارا.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
__________
(1) سورة الدخان 44/ 2725.
(2) سورة الشعراء 26/ 57و 58.
(3) سورة يونس 10/ 87.
(4) أنوارا: ها: نورا.(1/469)
(117) (1)
عهد للسلطان الملك العادل مظفر شاه شمس الدنيا والدين صاحب حضرة دهلي والفتوحات الهندية (العشر الأخير من رمضان 813هـ):
ومما أنشأته حين كنت مقيما بالبلاد الشامية قبل استقراري منشئ ديوان الإنشاء الشريف (2) هذا العهد (3) الذي هو نسيج وحده وخالصة عقده، أنشأته (4) عن مولانا أمير المؤمنين المستعين بالله (5) عند حلول ركابه الشريف إلى دمشق المحروسة * صحبة الركاب الشريف الملكي الناصري بحضرة كتاب الإنشاء الشريف * (6) بالديار المصرية والممالك الشامية، وجهّز على يد قاصد صاحب الهند وهو مولانا السلطان الملك العادل مظفر شاه شمس الدنيا والدين (7) صاحب حضرة دهلي والفتوحات الهندية وذلك بتأريخ العشر الأخير من رمضان المعظم سنة ثلاث عشرة وثمان مائة وهو:
الحمد لله الذي وثّق عهد النجاح للمستعين به، وثبّت أوتاده ليفوز من تمسك من غير فاصلة بسببه، وزيّن السماء الدنيا بمصابيح وحفظا وأسبغ (8) على أعطاف الأرض حلل الخلافة الشريفه. وعلم أن في خلفها الزاهر (9) زهرة الحياة الدنيا. فقال عز من قائل:
{إِنِّي جََاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (10)، واختارها من بيت براعة استهلاله في أول بيت وضع للناس. وسبقت إرادته وله الحمد أن تكون هذه النهلة الشريفة من سقاية
__________
(1) قدّم ناسخ مخطوطة طب البسملة والحسبلة لعنوان الوثيقة المقبلة (رقم 117) في صدر صفحة جديدة.
وقابلنا ما أنشأه ابن حجة على ما أورده القلقشندي في «صبح الأعشى» ج 10ص 134129.
(2) ومما الإنشاء الشريف: طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله وهو مقيم ببلاده الشامية قبل أن يستقر منشئ ديوان «الإنشاء الشريف» قا، ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى وهو مقيم ببلاد الشامية قبل أن يستقر منشئ ديوان «الإنشاء الشريف» نب: ومن إنشائه وهو مقيم ببلاده الشامية.
(3) انظر نصه في «صبح الأعشى» للقلقشندي ج 10ص 135129.
(4) أنشأته: طب، ق، نب، قا، ها: أنشأه.
(5) وهو أبو الفضل العباس المستعين بالله بن محمد المتوكل على الله بن أبي بكر المعتضد بالله بن سليمان المكتفي بالله الهاشمي العباسي. («الضوء اللامع» للسخاوي ج 4ص 19رقم الترجمة 70).
(6) ما بين النجمتين ساقط من ق.
(7) 296،،.
(8) أسبغ: صبح الأعشى: أفرغ.
(9) الزاهر: صبح الأعشى: الشريف.
(10) سورة البقرة 2/ 30.(1/470)
العباس. فالحمد لله على أن جعل هذه السقاية {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} (1). ومن علم شرفها تميز (2) بقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ} (3).
فالحمد لله الذي استخلف آل النبي (4) في الأرض وفضّلهم. وإن تحدث أحد في شرف بيت (5) فالله (6) قد جعل البيت والحديث لهم، فأكرم به بيتا فمن أقر بعبوديته كان له من النار عتقا، وتمتع بنعيم بركته التي لا يتجنبها إلا الأشقى، وكيف لا (7) وهو البيت الذي بعث الله منه {شََاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدََاعِياً إِلَى اللََّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرََاجاً مُنِيراً} (8)، وصفّى أهله من الأدناس وأنزل في حقهم: {يُرِيدُ اللََّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} (9). وأبرز (10) علمهم الخليفتي على وجنة الدهر شامه، وخصّهم بالتقديم. فالحمد لله والله أكبر لهذه الإمامه.
وإذا كان النسب ممدّحا (11) وهو في النظم واسطة العقود، فهذا هو النسب الذي عليه (12) من شمس الضحى نور (13) ومن فلق الصباح عمود. وهذا هو الركن الذي من استلمه واستند إليه قيل له: «فزت بعلوّ سندك». فقد قيل أن النبي (14) صلى الله عليه وسلم قال (15): «ألا أبشّرك يا عمّ؟» قال: «بلى يا رسول الله» قال: «إن الله قد فتح الأمر بي ويختمه بولدك»، فأحبب بها شجرة نسب زكى غرسها ونما، وتسامت بها
__________
(1) سورة المطففين 83/ 28.
(2) تميز: صبح الأعشى: تمسك.
(3) سورة الزمر 39/ 9.
(4) آل النبي: صبح الأعشى: آله.
(5) بيت: تو: بيت الله.
(6) الله: قا، صبح الأعشى: الله سبحانه.
(7) وكيف لا: ساقط من صبح الأعشى.
(8) سورة الأحزاب 33/ 4645.
(9) سورة الأحزاب 33/ 33.
(10) أبرز: صبح الأعشى: صيّر.
(11) ممدحا: قا: ممدوحا نب: مقدما مع التصحيح في الهامش: ممدحا صبح الأعشى: مقدما في المدح.
(12) عليه: صبح الأعشى: كأن عليه.
(13) نور: صبح الأعشى: نورا.
(14) قيل أن النبي: صبح الأعشى: روي عن النبي.
(15) قال: صبح الأعشى: قال لعمه العباس.(1/471)
الأرض وكيف لا وأصلها ثابت وفرعها في السما. فسلام على خلفها (1) الذي منه المستعين بالله والمتوكل عليه والواثق به والمعتصم والرشيد، ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد.
نحمده حمد من علم أن آل هذا البيت النبوي (2) كسفينة نوح وتعلق بها فنجا، ونشكره شكر من مال إلى الدخول تحت العلم العباسي وتنصّل من الخوارج فوجد له من كل ضيق مخرجا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو أن تكون مقبولة عند الحاكم وقت الأدا، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي حرّضنا على الوفاء بالعهد (3) وأرشدنا إلى طريق الهدى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين وفوا له (4) بالعهود، * وأقامت مواضي سيوفهم الحدود * (5)، صلاة يسقى عهاد الرحمة إن شاء الله عهدها، وينظم في سلك العبودية عقدها، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فالحمد لله (6) الذي ألهمنا الرشد وجعل منا الخلفاء الراشدين، وبنسبتنا إلى علم الهدى فضلنا (7) بالأئمة المهديين، واصطفى من هذا الخلف الشريف خلائف الأرض، وسنّ مواضي العقول التي قطعت أن طاعتنا فرض. فإن لعهدنا العباسي شرفا لا يرفل في حلله الشرفة إلا من اتخذ مع الله عهدا وأتى الله بقلب سليم، فقد قال الله تعالى بعد «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللََّهِ وَأَيْمََانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولََئِكَ لََا خَلََاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلََا يُكَلِّمُهُمُ اللََّهُ [وَلََا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ]} [8] يَوْمَ الْقِيََامَةِ وَلََا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذََابٌ أَلِيمٌ (9)، ولا يتمسّك بطيب هذا العهد الشريف (10)
__________
(1) خلفها: صبح الأعشى: هذا الخلف.
(2) النبوي: صبح الأعشى: الشريف.
(3) الوفاء بالعهد: صبح الأعشى: التمسك بالعهود.
(4) له: ساقط من صبح الأعشى.
(5) ما بين النجمتين في صبح الأعشى: وكانوا في نظام هذا الدين وجمعه فرائد العقود.
(6) وبعد فالحمد لله: صبح الأعشى: وأما بعد حمد الله.
(7) وبنسبتنا فضلنا: صبح الأعشى: وهدانا بنبيّه صلى الله عليه وسلم وخصّنا من بيته الشريف.
(8) ما بين الحاصرتين ساقط من جميع النسخ.
(9) سورة آل عمران 3/ 77.
(10) بطيب هذا العهد الشريف: صبح الأعشى: بهذا العهد.(1/472)
إلا من صحا إلى القيام بواجب الطاعة وترك أهل الجهل في سكرتهم يعمهون، وانتظم في سلك من أنزل الله في حقهم: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذََا عََاهَدُوا وَالصََّابِرِينَ فِي الْبَأْسََاءِ وَالضَّرََّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولََئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (1)، وهو قبضة من آثار البيعة النبويه، وشعار يتشرف به من مشى تحت الراية (2) العباسيه. وما أرسل هذا العهد النبوي إلى ملك من ملوك (3) الأرض إلّا عمّه الشرف من جميع جهاته، {اللََّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسََالَتَهُ} (4)، * ولا أعلن به على منبر إلا شدت أعواده طربا * (5)، وأزهرت رونقا وأثمرت أدبا، * وقالت وقد رنّحتها نسمات القبول من ساكن الروضه، «واخضلّ نبات تلك البقاع وأينع، وعمّ الفرح بها كل غيضه» * (6).
وكان المقام الأشرف * العالي (7) إلى آخر الصفات السلطانية السلطاني الملكي المظفري شمس الدنيا والدين، والمستعين في زيادة شرف ملكه (8) بعد الله بالمستعين، لا زالت أيامه الزاهرة بشمسه المنيرة مشرقه، وتوقيعات الرقاع بنسخ (9) صفاته الشريفة محققه * (10)، ممن يرغب (11) في التمسّك بهذا العهد الشريف ليزيل عن ملكه الالتباس، واستند إليه ليروي في سنده العالي عن ابن عباس، ومشى بعين البصيرة في هذا المنهج
__________
(1) سورة البقرة 2/ 177. وأضاف القلقشندي في كتاب صبح الأعشى: «فمن نهض في منهاجه مشى بعين البصيرة في الطريق القويم، وتلا له لسان الحال: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى ََ وَجْهِهِ أَهْدى ََ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ»} سورة الملك 67/ 22. ويوجد هذا النص في إنشاء ابن الحجة أسفله.
(2) الراية: صبح الأعشى: ألويته.
(3) إلى ملك من ملوك: صبح الأعشى: إلى أحد ملوك.
(4) سورة الأنعام 6/ 124، رسالاته: كذا في جميع النسخ وفي صبح الأعشى.
(5) ما بين النجمتين في صبح الأعشى: وشدت أعواد منبره طربا.
(6) ما بين النجمتين ساقط من صبح الأعشى ومكانه ما يلي: «واستطالت بيد الخلافة لإقامة الحد، وكيف لا ويد الخلافة لا تطاولها يد».
(7) الأشرف العالى: قا: الشريف.
(8) في زيادة شرف ملكه: طب: في شرف ملكه تو: في زيادة ملكه.
(9) ينسخ: ق، قا: ينسج.
(10) ما بين النجمتين ساقط من صبح الأعشى ومكانه ما يلي: «إلى آخر الألقاب المذكورة في التعريف واسمه المكتتب في الطرة».
(11) ممن يرغب: صبح الأعشى: وهو الذي. رغب(1/473)
القويم، وتلا له لسان الحال: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى ََ وَجْهِهِ أَهْدى ََ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (1)، وطاول بيد الخلافة الشريفة لإقامة الحدّ، علما بأن يد الخلافة لا تطاولها يد (2)، * وأخلص مودته في التقرّب إلى بيتنا الشريف لما شغفه حبّا، وتمسك بطيب {قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ} * (3)، لأنه الملك الذي ظفّره الله بأعداء هذا الدين وسمّاه مظفرا، ولقّبه بالشمس واختار له أن يقارن من الطلعة المستعينية قمرا، وأينع زهر العدل بحضرة دهلية فعطّر الآفاق، وضاع نشره بالهند فعاد الشم إلى المزكوم في العراق، وصارت دمن سمنات عامرة بقيام الدين، وأيده الله فيها بعد القتال بالفتح المبين. ولم يترك للعدوّ في بيت يبيت ليله، وأبطل ما دهره أهل داهر (4) بحسن اليقظة وقوة الصوله، وأباد الكفرة من ديوا (5) ولم يقبل لهم ديه، وفاؤوا إلى غير أمر الله (6)
فقصمهم (7) بسيفه الهندي ولم يقم لهم فئه (8)، وفطّر أكباد من ناؤوه (9) بها فلازموا عن رؤيتها الصوم، ونادى منادي عدله ببلاد الهندية: «لا ظلم اليوم»، ودانت له تلك الممالك برا وبحرا، سهلا ووعرا، ما نظم الأعداء على ذلك البحر المديد بيتا إلا أبان زحافه وأدار عليه دوائره. وكم نظم شمل الرعايا بالعدل ونثر رؤوس الكفرة (10) بالسيف فلا عدم الإسلام في الحالين (11) ناظمه وناثره. * عربيّ وكم كلّم الأعداء بلسان الهندي فأحجمهم عند ملتقاه، عادل تسلسل حديث فضله فغدا مرسلا مع الرواه. عاطر الأرجاء ولم يتيمم المسك إلا بطيب تربته. سلطان تتطفل الملوك على أواني موائده وتخضع بسلطانيته * (12)،
__________
(1) سورة الملك 67/ 22، وراجع حاشية رقم 34.
(2) راجع حاشية رقم 6ص 431.
(3) سورة الشورى 42/ 23، وسقط ما بين النجمتين من صبح الأعشى.
(4) داهر: صبح الأعشى: دهلي.
(5) ديوا: كذا في طب ق، قا: ديور تو، ها، نب: ديو، صبح الأعشى: أهل ديو.
(6) إلى غير أمر الله: تو، قا: إلى أمر غير الله.
(7) فقصمهم: صبح الأعشى: فأبادهم.
(8) فئة: ق: فيه بينه.
(9) ناؤوه: طب، تو، نب: ناواه ق: ناداه، وهي ربما كانت: ناوأوه.
(10) الكفرة: صبح الأعشى: الطغاة.
(11) في الحالين: ساقط من صبح الأعشى.
(12) ما بين النجمتين ساقط من صبح الأعشى.(1/474)
سئلت الركبان في البرّ عن مناقبه الشريفة وعم يتساءلون وقد صار لهم عظيم النبأ، وصرّح راكب البحر بعد التسمية باسمه {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً} (1). فظلّه في البر ظليل، وعدله في البحر بسيط وطويل. هذا ولم تبق في تلك الممالك الهندية بقعة إلا ولم يصعد الله بسنابك الخيل فيها ممشاه، ولا نفس خارجة عن الطاعة الشريفة إلا ماتت في رقعة الأرض بمظفر شاه.
فلذلك رسم بالأمر الشريف إلى آخر الألقاب الإمامية (2)
أن يفوّض إليه (3) من ولاية العهد وكفالة السلطنة الشريفة بالبلاد الهندية ما هو المعهود (4)، ليهطل جود الرحمة على تلك البقاع المباركة إن شاء الله ويجود، * عهدا شريفا إلى آخر الصفات وأن يستخلف فيما فوّضه الله إلينا من * (5) صلاح الأمة ومصالح الخلق استخلافا تتحلى بذكره الأفواه (6)، وتترنّم به في شعاب مكة (7)
الحداه (8)، ويقطع به ويحفظه رب كل سيف وقلم. ويعتمد عليه كل ذي علم وعلم، فلا زعيم جيش * إلا وهذا التفويض الشريف يسعه في بلاده ويشمله، ولا إقليم من أقاليمه * (9) إلا ومن به يقبّله ويقبله، ويتمثل به ويمتثله، ولا منبر (10) إلا وخطيبه يتلو كتاب (11) هذا التفويض ويرتّله وأما الوصايا فعنده إن شاء الله تعالى تهب نسمات قبولها، ويعرب عن نصب مفعولها، وهو بحمد الله لوصايا هذا العهد
__________
(1) سورة الكهف 18/ 63.
(2) أورد القلقشندي هذه الألقاب مع الاستخارة والتصلية.
(3) إليه: صبح الأعشى: إلى المقام الأشرف المشار إليه.
(4) السلطنة الشريفة بالبلاد الهندية ما هو المعهود: صبح الأعشى: السلطنة المعظمة بحضرة دهلي وأعمالها كما في الطرة كما هو المعهود.
(5) ما بين النجمتين في صبح الأعشى: لما رآه من.
(6) الأفواه،: صبح الأعشى: الأفواه، وتستند إليه الرواه.
(7) في شعاب مكة: ها: في شعار ملكه ساقط من صبح الأعشى.
(8) الحداه،: صبح الأعشى: الحداه، وتستبشر به كافة الأمم.
(9) ما بين النجمتين ساقط من تو، قا، ها أقاليمه: صبح الأعشى: أقاليمها.
(10) منبر: صبح الأعشى: منبر بجوامعها.
(11) كتاب: صبح الأعشى: برهان.(1/475)
الشريف نعم القابل، * فقد قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال * (1): «سبعة يظلّهم الله في ظله منهم الإمام العادل» (2)، والوصية بالرعايا واجبه، * وقد حضّ النبيّ صلى الله عليه وسلم على العدل فيهم وحرّض عليه * (3)، وقال: «يوم من إمام عادل أفضل من مطر أربعين صباحا أحوج ما تكون الأرض إليه»، وقال ابن عمنا علي رضي الله عنه: «الملك والدين أخوان لا غنى لأحدهما عن الآخر (4) فالدين أسّ والملك حارس، فما لم يكن له أسّ فمهدوم وما لم يكن له حارس فضائع»، * فهذه الحكمة بها يعالج ما ضعف من أركان الملك (5) وهذا الشرع يجري على أجمل الشرائع * (6)، فليأمر بالمعروف وينه عن المنكر، علما أنه ليس يسأل غدا (7) عن ذلك سوانا وسواه، ويردّ (8) نفسه الشريفة عن الهوى ولا يحسن لثبات (9) قدّه أن يميل مع هواه، وليترك الثغور بعدله باسمه، وقواعد الملك بفضله قائمه، وليجاهد في الله حقّ جهاده، ويلطف بالرعايا ويعلم أن {اللََّهُ لَطِيفٌ بِعِبََادِهِ} (10). وليشرح لهم بالإحسان صدرا، ليجروا (11) إذا وقف على أحوالهم أحسن مجرى. وهو بحمد الله غير محتاج إلى التأكيد لأنه لم يخل من القيام في مصالح الأمة فكر، ولكنه تجديد ذكر على ذكر، والله تعالى يمتع بطول بقائه البلاد والعباد، ولا برحت سيوفه الهندية تكلم أعداء هذا الدين بألسنة حداد، وثبت ملكه بالعدل وشيد أقواله، وختم بالصالحات أعماله.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه.
__________
(1) ما بين النجمتين في صبح الأعشى: ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) «مسند الإمام أحمد» ج 15ص 414رقم الحديث 9665.
(3) ما بين النجمتين في صبح الأعشى: قد حرض النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
(4) أضاف صبح الأعشى: ونشرهما في الرعية ضائع.
(5) الملك: ها: الممالك.
(6) ما بين النجمتين ساقط من صبح الأعشى.
(7) غدا: صبح الأعشى: غدا بين يدي الله عز وجل.
(8) يرد: صبح الأعشى: ينه.
(9) لثبات: صبح الأعشى: لعود.
(10) سورة الشورى 42/ 19.
(11) ليجروا: صبح الأعشى: ويجرهم.(1/476)
(118)
صداق السلطان الناصر فرج بن برقوق لستّ الملوك بنت السيفي كمشبغا الظاهري الحموي (810هـ):
ومما أنشأته (1) صداق مولانا السلطان الملك الناصر فرج على بنت المقرّ الأشرف المرحومي السيفي كمشبغا الظاهري الحموي، وأنشأته (2) بالمواقف الشريفة بدمشق المحروسة سنة عشرة وثماني مائة، وهو:
الحمد لله الذي أيّد السنّة الشريفة بقوة وناصر، وأعزها بعزيز مصر لأنه شعر ببركتها فجعلها له من أجمل الشعائر، وسنّ خلّد الله ملكه أسنّتها فصار لها به ملك وسلطان، وشهر سيفها لإقامة الحدود فأقام به قواعد الإيمان، فالشكر لله على أن عرفها بطيب هذا الأثر الشريف، وشرح للتمسك به صدرا، ووضع عنّا به وزرا، وأمدّنا بأموال وبنين وجعل بيننا نسبا وصهرا، وسقى سبحانه وتعالى أرض المصاهرة بماء القرب ففاح نشرها الأريج، واهتزّت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، وقرّب بين البعيدين فصارا زوجين اثنين، وهذه نكرة بغير قدرة لا تتعرف، وألّف بين أجانب {لَوْ أَنْفَقْتَ مََا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مََا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلََكِنَّ اللََّهَ أَلَّفَ} (3)، فله المنّة على أن جعل النساء حرثا لزرع نباته زهرة للحياة الدنيا، وسقيا لهذا النبات ورعيا. نحمده حمد من ترقّى باتّباع السنة الشريفة إلى أعلى الدرج، ونشكره شكرا يأتينا عند كل شدة بفرج، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مقبولة إن شاء الله عند أحكم الحاكمين في دار المقامه، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قال: «تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامه»، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أيّدوا ملّته، واتّبعوا سنّته، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن النكاح سنّة من سنن الأنبياء، وحلية من شعار الأولياء، تنتظم جواهره في أسلاك عقود الشمل، وتمسي غرائس غصونه ببركة هذا الغراس في حمل، ما برح نورها في جباه هذه الأمة يتضح ويتبلّج، وقد حرّض النبي صلى
__________
(1) ومما أنشأته: طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله قا، ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى نب: ومن إنشائه.
(2) وأنشأته: في بقية النسخ: وأنشأه.
(3) سورة الأنفال 8/ 63.(1/477)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/478)
وقد صغت الأسنّة من هموم ... فما يخطرن إلا في فؤاد
وهي السعادة في السماك، فلو يشاء لأصاب منها رامحا بالأعزل، هذا وسيوف حكمه خلّد الله ملكه ما تضرب إلا صفحا عن كل آثم وما أحقه بقول القائل: «لو علم الناس محبّتي بالعفو لتقرّبوا إليّ بالجرائم». وأما عطاؤه سبحان المانح ما أعطى إلا ودّت أغنياء الملوك أن تصير سائلة كأبناء السبيل. وكيف يحيى لجعفر خالد ذكر وما جعفر بالنسبة إلى بحر النيل؟، فلو أدركه الفاضل لقال: «هذه المناقب الناصرية وعبد الرحيم عبد الرحيم»، وأنشد وقد شاهد ما قاله عيانا في الناصر القديم: [من البسيط]
أهذه سيرة في المجد أم سور ... وهذه أنجم في السعد أم غرر
وأنمل أم بحار والسيوف لها ... موج وإفرندها في لجّها درر
وأنت في الأرض أم فوق السماء وفي ... يمينك البحر أم في وجهك القمر
يقبّل البدر تربا أنت واطئه ... فللتراب عليه ذلك الأثر
نأى بك الملك حتى قيل ذا ملك ... دنا بك الجود حتى قيل ذا بشر
خلائق في سموات العلى زهر ... لنا تنير وفي روض الثنا زهر
ونعود إلى أنه خلّد الله ملكه هو المتحلّي بشعار هذه السنّه، والمتقلّد لله سبحانه وتعالى هذه المنّه، لأنه الملك الذي إن نصر السنة فهو ناصر الدنيا والدين، أو أبان شرفها فقد تأيدت منه بسلطان مبين، أو ترقّى إلى أوجها حل منها في أرفع محل، أو عقد عليها خناصره الشريفة فإنه صاحب العقد والحلّ، رغب إليها خلّد الله ملكه فسرى نسيم القبول وفتح طروس الأوراق في مسراه، وجرت حمر الأقلام في ميادين الطروس فكتبت
بسم الله،،، هذا ما أصدق مولانا المقام الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري لا زالت أبكار العقود وأيتامها بسلكه الشريف منظومه، وفتح له كل مانع وكثرة الفتوحات في الأيام الناصرية معلومه، مرغوبته الجهة المصونة الممنّعة المحجّبة المكرّمة الخوند الخاتون، درّة تاج الآدر وعين إنسان الخواتين، ويتيمة العقود، مخدّرة الملوك والسلاطين، ثالثة القمرين، والممدّدة سترها الرفيع على مفرق الفرقدين، ربيبة حجر
الملك ورضيعة لبانه، وخلاصة الذهب الأبريز وقلادة عقيانه، والنهد الذي كبا خلفه كل كميت براكبه، كيف لا ووالدها كانت الشقراء والشهباء من بعض جنائبه. ذات الستور الرفيعة والحجب المنيعه، ستّ الملوك بنت المقرّ الأشرف السيفي المرحومي كمشبغا بن عبد الله الحموي الظاهري البكر العاقل الصحيحة الأوصاف، الخلية عن الموانع الشرعيه أسبغ الله تعالى ظلال خدورها، ومد على الآفاق أطناب ستورها.(1/479)
بسم الله،،، هذا ما أصدق مولانا المقام الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري لا زالت أبكار العقود وأيتامها بسلكه الشريف منظومه، وفتح له كل مانع وكثرة الفتوحات في الأيام الناصرية معلومه، مرغوبته الجهة المصونة الممنّعة المحجّبة المكرّمة الخوند الخاتون، درّة تاج الآدر وعين إنسان الخواتين، ويتيمة العقود، مخدّرة الملوك والسلاطين، ثالثة القمرين، والممدّدة سترها الرفيع على مفرق الفرقدين، ربيبة حجر
الملك ورضيعة لبانه، وخلاصة الذهب الأبريز وقلادة عقيانه، والنهد الذي كبا خلفه كل كميت براكبه، كيف لا ووالدها كانت الشقراء والشهباء من بعض جنائبه. ذات الستور الرفيعة والحجب المنيعه، ستّ الملوك بنت المقرّ الأشرف السيفي المرحومي كمشبغا بن عبد الله الحموي الظاهري البكر العاقل الصحيحة الأوصاف، الخلية عن الموانع الشرعيه أسبغ الله تعالى ظلال خدورها، ومد على الآفاق أطناب ستورها.
أصدقها على بركة الله وعونه وتوفيقه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم صداقا مبلغه من الذهب المصري ألف دينار نصفها خمس مائة دينار، ومن الدراهم الفضة الجيدة المعاملة يومئذ عشرون ألف * درهم نصفها عشرة آلاف درهم * (1). ولّى تزويجها منه على ذلك بإذنها الكريم مولانا وسيدنا * العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام القدوة العلامة حجة الإسلام والمسلمين، حسنة الأيام (2) ورحلة الطالبين، علم المحققين، خالصة أمير المؤمنين * (3)، أبو حفص عمر ابن أبي جرادة الحنفي، الناظر في الحكم العزيز بالديار المصرية وسائر الممالك الإسلامية أعز الله تعالى أحكامه، ونشر على الخافقين بالعلم الشريف أعلامه، قبل ذلك منه لنفسه الشريفة عظم الله تعالى شرفها قبولا صحيحا شرعيا بحضرة من تم العقد الشريف بحضوره شرعا، فأكرم به اتصالا شريفا، اجتمع طارفه وتالده، وأجيب به عقدا ناصريا والقاضي الفاضل عاقده. وتالله لقد أضحى بنظم هاتين الجوهرتين في عقده رفيع المثال، وحظي من تنقّل هذين القمرين إلى أفقه بشرف الانتقال، وكيف لا وقد حصل لهما بهذا العاقد الكمال، ترقّت إلى أعلى الدرج بسيف الأسلام فلسان الهناء على منابر الشكر خطيب، وحصل لها بالناصر وقرب كاتب سره نصر من الله وفتح قريب. وأمست ست الديار المصرية وراحت بغيضتها ست الشام، وأبى الله أن يمتطي صهوة هذا النهد إلا فارس الإسلام. جعله الله عقدا مباركا ميمونا تتجمّل بسواد سطوره وبياض طروسه الليالي والأيام، كما أحسن ابتداءه يجعل من مسك القبول له حسن الختام.
إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه.
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من تو، ها.
(2) الأيام: تو، ها: الأنام.
(3) وجاء في قا مكان ما بين النجمتين ما يلي: قاضي القضاة سراج الدين.(1/480)
(119)
توقيع لصدر الدين ابن الآدمي الحنفي بقضاء قضاة الحنفية بدمشق المحروسة (15ربيع الأول 810هـ):
ومما أنشأته (1) توقيع مولانا قاضي القضاة صدر الدين ابن الأدمي الحنفي (2)
رحمه الله بقضاء قضاة الحنفية بدمشق المحروسة، وأنشأته (3) بديوان الإنشاء الشريف خامس عشر ربيع الأول سنة عشر وثمان مائة عند حلول الركاب الشريف الناصري إلى دمشق المحروسة، وهو:
الحمد لله الذي أقرّ عين الشام وشرح بعد القبض صدرها، وأيّدها بالإمام علي وأعزّ بالسيوف العلوية نصرها، ورفعها بمن إن تسامى فقد دارت على القطب دوائره، أو كاثر بالعلم قلّ نظيره (4) وما ألهاه تكاثره. أحمده حمد من علم أنه المبدي المعيد، وأشكره شكرا يقمع بأحكامه النافذة كل جبار عنيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو أن تكون مقبولة يوم فصل القضاء، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي سنّ سيف الشريعة وأوضح أحكامها فقابلتها الأمة بالطاعة والرضى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين رضوا بأحكام القضاء والقدر، صلاة ينشرح بها الصدر كلما ورد فضلها وصدر، وسلّم تسليما.
وبعد، فإن أولى من رفل في حلل إنعامنا الشريفة * من وجب حقّه علينا، وأعدنا إليه بضاعته التي ربحت تجارتها في أيامنا الشريفة فتلاء (5) «هذه بضاعتنا ردّت إلينا»، وصدّرناه فحسنت به التورية وأصبح صدر الشام، وحكّمناه فكان بحمد الله نافذ القضايا والأحكام. فهو الصدر الذي حصل له القبض بعدنا وانشرح بعودنا وابتهج، وأصبح بعد ضيقه من سلطاننا على كلا الحالين في فرج، وأودعناه قديما سرنا الشريف وكان نعم الصدر. ونطقت ألسن أقلامه في ثغور الأقاليم بشكرنا فقابلناه بعلوّ القدر.
__________
(1) ومما أنشأته: طب، ق: ومن إنشائه روى الله روض الأدب بسحائب فكره ونظم شمل البلاغة في نثره قا، ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى نب: ومن إنشائه.
(2) راجع ص 15حاشية 2.
(3) أنشأته: طب، نب،: أنشأه قا: إنشاؤه ها: إنشائه.
(4) أو كاثر بالعلم قل نظيره: قا: أو كاثر بالعلم مناظر قل نظره.
(5) فتلاء (؟): طب: فتلى (مهمل) تو: فتلا (مهمل) نب: فتلا قا: فتلى.(1/481)
وكان المجلس العالي الفلاني الصدري (1) هو الذي نظم في سلك شكره من ثنائنا الشريف هذه القلائد، وعادت عليه صلة برّنا فهو يرفل من إنعامنا الشريف * (2) بين الصلة والعائد، وضربت بفضله الأمثلة فلم يوجد له مثال. وشهد له ابن العديم وناهيك بمن حصل له هذا الكمال.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري لا زالت صدقاته الشريفة تعطي كل مستحق وتمنح، ولا برح كل صدر يتلو في هذه الأيام الشريفة {أَلَمْ نَشْرَحْ}،
أن يستقرّ المجلس العالي القضائي الصدري أعز الله أحكامه (3) في وظيفة قضاء قضاة الحنفية بدمشق المحروسة على عادته في ذلك وقاعدته، لأنه بحر العلم الذي ظهرت عجائبه واجتمعت في سلك الفضل فرائده، والخليفة الباقية للفضائل وكيف لا والأمين والده، والإمام الذي لو أدركه محمد عين الأصحاب لاعترف بفضله الملي، واتخذه صاحبا وقال: «ما لمحمد غير علي»، والفاضل إن ألقى درسا فهو على الحقيقة صدر المدرسين، أو ذكرت الفتاوى والفتوّة فما ثم بحمد الله أفتى من عليّ في هذا الحين، أحرز قصبات السبق على فرسان مذهبه فعلمنا أنه فارس الشقراء والميدان، وكم اقتطفنا من رياض علومه زهرة علمنا بها أنه شقيق النعمان، فلو أدركه صاحب الدرر (4) لقلّده وانتظم في سلك عقوده، وكم طما بحر علمه (5)
وجوده فعلمنا أنه مجمع البحرين من طارفه وتليده، هذا وما لابن الساعاتي دقائقه ولا ارتفاع هذا المقام، ولو عاصره صاحب المختار ما اختار غيره وقال: «عليّ هو الإمام»
فليباشر ذلك على ما عهد من جميل أدواته، ومحاسنه التي هي كالخيلان على جيد الدهر ونعدّها من حسناته.
__________
(1) العالي الفلاني الصدري: قا: إلى آخره.
(2) ما بين النجمتين ساقط من ق.
(3) المجلس أحكامه: قا: المشار إليه.
(4) الدرر: تو، نب: الدر.
(5) علمه: طب: علومه.(1/482)
وليقابل هذه النعمة السابغة بما يجب من شكر الله عليه، ويحسن كما أحسن الله إليه (1). والوصايا كثيرة وهو بحمد الله غير محتاج إلى وصيّه، لأن الوظائف تتجمل بحسن سيرته العلويه، والله تعالى يسدّد سهام أحكامه، ويجعل من مسك الثناء حسن ختامه، إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه (2).
(120)
توقيع لشيخ الإسلام علاء الدين أبي الحسن علي بن المغلي الحنبلي بنظر البيمارستان النوري بحماة:
ومما أنشأته وأنا مقيم بحماة المحروسة (3) توقيع مولانا الشيخ الإمام القدوة العلامة شيخ الإسلام حسنة الأيام أبي الحسن علي الحنبلي (4) رحمه الله (5) بنظر البيمارستان النوري من كافل المملكة الشريفة الحموية:
الحمد لله الذي رفع قدر من برز في العلم وجعله عليّا، واصطفى من عباده من أرضعه لبان الفضل صغيرا وآتاه الحكم صبيّا، وخصّ بالنظر في مصالح هذه الأمة من جعل الحكم شعاره ولم يكن جبّارا عتيا، فهو المبدي المعيد والقاصم بسيف عليّ كل جبّار عنيد. أحمده حمدا يتقوّى به الضعيف، وأشكره شكرا وافيا يكون لنا نعم العلاج عند الحكيم اللطيف، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من نظر بنور الله فكان من أهل النظر والبصيره، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أمست الأعين بحسن نظره الشريف قريره. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة تزيل قذا العين وتنوّر الناظر، وننتصر ببركتها على كل معاند وفاجر، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن للوظائف الدينية فضلا أبى أن يكون إلا لأهله، وحكمة أنف سرّها أن يوضع إلا في محله.
__________
(1) ويحسن كما أحسن الله إليه: ساقط من قا، ها.
(2) سقطت الخواتم من نب.
(3) ومما المحروسة: طب، ق: ومن إنشائه أعذب الله موارد آدابه وهو مقيم بحماة المحروسة وطنه نب:
ومن إنشائه وهو مقيم بحماة المحروسة وطنه ها، قا: ومن إنشائه رحمه الله تعالى وهو مقيم بحماة المحروسة وطنه (وطنه: ساقط من ها).
(4) وهو أبو الحسن علي المغلي الحنبلي، راجع ص 116حاشية 2.
(5) رحمه الله: طب: جود الله الوجود بوجوده ق، نب: جمل الله الوجود بوجوده.(1/483)
وكان المقرّ العالي الشيخي القدوي الإمامي العلامي الأوحدي العاملي العالمي المفيدي القضائي علي (1) ابن المغلي الحنبلي هو الذي لمّ شمل العلم بعد شتاته، وخطبته عرائس الممالك لنفسها فأبى إلا جبر قلب حماته. ركب الشهباء فخضعت له أهل الشقراء والميدان، وودّت مصر أن تستضيء بنوره بعد سراجها الذي نوّر الأكوان، فلو أدركه إمامه السابق لقال: «هذا المصلي الذي أزال الإبهام وعليه الخناصر تعقد»، وقد علم كل أحد أن عليّا أعلم أصحاب أحمد.
فلذلك رسم الأمر الكريم العالي الفلاني لا زال علم الشرع الشريف مشهورا في أيامه، ولا برح كل من ذوي الاستحقاق واصلا في هذه الأيام الزاهرة إلى أقصى مرامه،
أن يستقرّ المشار إليه في وظيفة نظر البيمارستان النوري بحماة المحروسة، فلقد سعدت بقعته بعد الشقاء وقالت: «أهلا بعيش أخضر يتجدد»: [من الكامل]
وإذا نظرت إلى البقاع وجدتها ... تشقى كما تشقى الرجال وتسعد
وصفت مشارب الضعفاء بعد الكدر {وَسَقََاهُمْ رَبُّهُمْ شَرََاباً طَهُوراً} (2). وتلا لمن سعى في ذلك وجزي بالخيرات: {إِنَّ هََذََا كََانَ لَكُمْ جَزََاءً وَكََانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} (3).
ودار شراب العافية على أهل تلك الحضرة بالطاس والكاس، وحصل لهم البرء من تلك البراني (4) التي {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهََا شَرََابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوََانُهُ فِيهِ شِفََاءٌ لِلنََّاسِ} (5). وتمشّت الصحة في مفاصل ضعفائه وقيل لهم: «جوزيتم بما صبرتم». وامتدت مقاصيرهم {وَفُتِحَتْ أَبْوََابُهََا وَقََالَ لَهُمْ خَزَنَتُهََا: سَلََامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} (6). فلقد قام بحسن نظره الكريم في طاعة الله ومشى، وأعاد بنور طلعته البهجة النورية فقلنا: {نُورٌ عَلى ََ نُورٍ يَهْدِي اللََّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشََاءُ} (7).
__________
(1) المقر العالي القضائي علي: قا: المقر الشريف القضائي العلائي علي.
(2) سورة الإنسان 76/ 21.
(3) سورة الإنسان 76/ 22.
(4) البراني: ق: البراقي قا: البرايز.
(5) سورة النحل 16/ 69.
(6) سورة الزمر 39/ 73.
(7) سورة النور 24/ 35.(1/484)
فليباشر ذلك من غير وصية لأنه أكبر وأجلّ قدرا، فلقد تلت جهات الوقف المعسرة فرحا بقدومه {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (1)، وليتناول معلومه الشهد به ديوان الوقف المبرور (2). والله تعالى يحفظ الجهات النورية بنظره ويحرسه بسورة النور. بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
(121)
توقيع لصلاح الدين ناظر الجيوش المنصورة بالمملكة الحموية، بنظر الجوامع الشريفة بحماة:
وممن أنشأته (3) توقيع المقرّ الكريم العالي المولوي (4) القضائي الصلاحي ناظر الجيوش المنصورة (5) بالمملكة الشريفة الحموية أسبغ الله تعالى ظلاله بنظر الجوامع الشريفة بها، وهو:
الحمد لله الذي زاد القائمين بشعار بيته صلاحا وجعلهم من أهل النظر، وصيّر جميل ذكرهم مبتدئا كلما ذكر عن أهل الصلاح خب. نحمده حمد من عمّر مساجد الله بالذكر وحسن في بناء هذا التأسيس نظمه، ونشكره شكر من انتصب لرفع {بُيُوتٍ أَذِنَ اللََّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} (6)، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من علم أنه الحاضر الناظر، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي محا آثار الشرك عن بيت الله وقام له بأجمل الشعائر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ما برحوا خدّام هذا البيت الشريف، والمتفيّئين بظلاله الوريف، صلاة نزداد بها نظرا وبصيره، وتكون لها يوم الحساب نعم الذخيره، وسلم تسليما.
__________
(1) سورة الشرح 94/ 5، 6.
(2) المبرور: قا: المعمور.
(3) ومما أنشأته: طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله لتناوب في زمانه وهو بحماة المحروسة عن كافل المملكة الشريفة بها نب: ومن إنشائه وهو بحماة المحروسة عن كافل المملكة الشريفة بها قا، ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى.
(4) الكريم العالي المولوي: ساقط من قا.
(5) الجيوش المنصورة: طب، ق، نب، قا: الجيش المنصور.
(6) سورة النور 24/ 36.(1/485)
وبعد، فإن أولى ما بادر إليه أهل البصائر النظر في بيوت الله فإنه من أعظم القرب، ولا يشعر بهذه الشعائر إلا من ظهر صلاحه ولم يفصل بينه وبين الخير فاصلة ولا سبب، وبادر إلى عمارتها بالذكر ودخل إليها من أبوابها، متمسكا بقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسََاجِدَ اللََّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى ََ فِي خَرََابِهََا} (1).
وكان المقرّ الكريم العالي المولوي القضائي الصلاحي إلى آخر الصفات (2) ممن أدرك فعل الخيرات قبل إدراكه وجبلت عليه جبلّته، ولا يشك في حسن نظره إلا من عميت بصيرته، * أن اتسع للفضائل مضمار كان جواد فضله هو السابق الجموح * (3)، أو فتح للخيرات أبوابا فصلاح الدين بحمد الله أبو الفتوح، ظهرت عليه بهجة ذلك النجم الذي إلى غير فعل الخير (4) ما هوى، وصحب أفعاله الجميلة فتلا لسان الحال: {مََا ضَلَّ صََاحِبُكُمْ وَمََا غَوى ََ} (5) ما أطلق سهم عزمه إلى غرض خير إلا وكان بحمد الله نفّاذا، ولا أظهر فعلا إلا تلقّى الناس ذلك الفعل (6) بالقبول (7). وما قيل له: {«يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هََذََا»} (8)، وهو ذو اليراع الذي إذا خط خطا أطاعته المقادير. وكم جرت خلفه حمر الأقلام حتى حفيت فما لحقت له غبارا لأنه (9) حوى قصبات السبق ورفل في حلل التحبير، إن سطر مربعة جيش ضرب الأخماس في الأسداس أئمة الكتاب، أو كتب كتاب إنشاء عوّذنا بألم ذلك الكتاب.
فلذلك رسم بالأمر الكريم العالي المولوي الفلاني (10) لا زال كل مستحق في أيامه الزاهرة بالغا أقصى المراد، ولا برح يظهر لنا في كل حين صلاحا يزيل عنا الفساد
__________
(1) سورة البقرة 2/ 114.
(2) العالي الصفات: قا: الكريم إلى آخره.
(3) ما بين النجمتين ساقط من نب.
(4) إلى غير فعل الخير: ها: إلى فعل غير الخيرات.
(5) سورة النجم 53/ 2.
(6) ذلك الفعل: ساقط من طب، ق، نب، تو، ها.
(7) بالقبول: ها: بقوله.
(8) سورة يوسف 12/ 29.
(9) لأنه: ق: إلا أنه.
(10) المولوي الفلاني: ها: السلطاني الفلاني قا: إلى آخره.(1/486)
أن يستقرّ المشار إليه أدام الله تعالى نظره في وظيفة نظر الجامع الكبير الأعلى بحماة المحروسة على العادة في ذلك والقاعدة لئلا يكون لمصالح المسلمين وجه * إلا وهو له ناظر، ولا ينظم للوظائف الدينية عروض * (1) إلا وهو بحره الوافر، خاطبه الجامع بلسان الحال ليكون لشمله جامعا، وجبر قلب المحمدية وخرّ ماؤها ساجدا، ودخل عاصيها إلى الجامع طائعا، وأمسى على ذلك الصحن حلاوة ظاهره، وتيقظت مقل مصابيحه بعد طول الغمض {فَإِذََا هُمْ بِالسََّاهِرَةِ} (2). واهتزّ طربا من طيب هذا الثناء المنبر، وكادت أعواده أن تزهر فرحة بهذا الزمن الغضّ والعيش الأخضر، وضعف نظر الرسام وأمست مراسيمه غير مقبوله، هذا ولو أدركه ابن كتائب لقال:
«ما أنا من فرسان من كتيبة كل جيش بنظره مشموله» أو لحقه ابن السّمين لتحقق ضعفه وضعف أبيه عن القيام بهذا الشعار، أو عاشره ابن رواحة الأنصاري لكان له من جملة الأنصار، وأمسى جامعنا وهو الأعلى على من قبله وبعده، وتلا أهل الصلاة وقد حظوا بيوسف في السجده، وزال محل بلاده في هذه الأيام اليوسفيه، وأمسى في بسط بعد ما طوى بساطه بالكليه، وقد زال فساده والله الحمد بهذا الصلاح، وأعلن مؤذّنوه في أعلى منارته (3) «بحيّ على الفلاح!»
فليباشر ذلك مباشرة تثمر جزيل الثواب، وليطعن أعداؤه من دعاء كل قائم بالمحراب، وليحسن إلى حلقة كل علم لينشرح صدرها، فما لرجال الحلقة غير ناظر الجيش إذا أشكل أمرها، وليرم (4) من عانده بسهام من الأدعية عن قوس كل راكع، وليتوجه في ذلك إلى الله تعالى وأحسن ما كان التوجه في الجامع. والوصايا كثيرة وهو بحمد الله تعالى في غنية عن ذلك. والله تعالى يؤيده ويجمّل به الوظائف الدينية ويجعله لأزمّتها خير مالك، ولا برح كفّه مبسوطا للخيرات، وتعقد عليه خناصر كفّال (5)
الممالك.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(2) سورة النازعات 79/ 14.
(3) منارته: تو: مناره طب: منابره.
(4) وليرم: ها: وليلزم.
(5) كفال: ها: كبار.(1/487)
الترسّلات
المراسلات:
بين المؤلّف وأعيان الدّيار المصريّة والممالك الشاميّة(1/489)
(121 آ)
ياقوت الكلام في نار الشام، رسالة إلى فخر الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن مكانس:
ومن إنشائي (1) في الترسلات بيني (2) وبين أعيان الديار المصرية والممالك الشامية (3)
ما كتبت به (4) إلى المقرّ المرحومي القضائي الفخري (5) هذه الرسالة الموسومة ب «ياقوت الكلام في نار الشام» وذلك بعد توجّهي (6) من عنده إلى البلاد الشامية بتاريخ سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وهو (7):
بسم الله الرحمن الرحيم {كََانَ ذََلِكَ فِي الْكِتََابِ مَسْطُوراً} (8)
يقبّل الأرض التي من يمّمها أو تيمّم بتربها (9) حصل له الفخر والمجد، فلا برح هيام الوفود إلى أبوابها أكثر من هيجان العرب إلى ربى نجد، ولا زالت فحول الشعراء
__________
(1) ومن إنشائي: طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله قا، ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى نب: ومن إنشائه.
(2) بيني: في جميع النسخ: بينه.
(3) الشامية: قا: الإسلامية.
(4) ما كتبت به: في جميع النسخ: كتب.
(5) وهو فخر الدين أبو الفرج عبد الرحمن ابن مكانس راجع ص 143حاشية 2.
(6) توجهي: في جميع النسخ: توجهه.
(7) وهو: طب، ق، قا: وهي.
(8) سورة الإسراء 17/ 58.
(9) بتربها: قا، نب: بثراها.(1/491)
تطلق أسنّة (1) لفظها وتركض في ذلك المضمار، وتهيم بواديها الذي يجب أن ترفع فيه على أعمدة المدائح بيوت الأشعار،
وينهي بعد أشواق أمست الدموع بها في محاجر العين معثره، ولو لم يقر إنسانها بمرسلات الدموع لقلت في حقه: {قُتِلَ الْإِنْسََانُ مََا أَكْفَرَهُ} (2)، وصول المملوك إلى دمشق المحروسة، فيا ليته قبض قبل ما (3) كتب عليه ذلك الوصول، ودخوله إليها ولقد والله تمنّى خروج الروح عند ذلك الدخول. فنظر المملوك إلى قبّة يلبغا وقد طار بها طير الحمام، وجنت حولها تلك الأسود الضاريه، فتطيرت في ذلك الوقت من القبة والطير وتعوّذت بالغاشيه. ودخلت بعد ذلك إلى القبيبات التي صغّر اسمها لأجل التحبيب، فوجدتها وقد خلا منها كل منزل كان آنسا بحبيبه، فأنشد به لسان الحال: «قفا نبك من ذكرى حبيب». ونظرت بعد القباب إلى المصلّى وما فعلت به سكان تلك الخيام، والتفتّ إلى بديع بيوته التي حسن بناء تأسيسها وقد فسد منها النظام: [من الوافر]
فسال، وقد وقفت، عقيق دمعي ... على أرض المصلّى والقباب
ونظرت إلى ذلك الوادي الفسيح وقد ضاق من الحريق لسكانه الفضا، فتوهمت أن وادي المصلّى تبدّل بوادي الغضا: [من الكامل]
فسقى الغضاء وساكنيه وإن هم ... شبّوه بين جوانح وقلوب
واصطليت النار وقد أرادت سبي ذلك النادي، فشنّت عليه من فوارس لهيبها الغاره، وركضت في ميدان الحصى فوجدت أركانه كما قال الله تعالى: {وَقُودُهَا النََّاسُ وَالْحِجََارَةُ} (4). ودخلت قصر الحجاج وقد مدّت النار به من غير ضرورة في موضع القصر، وأصبح أهله في خسر، وكيف لا وقد صاروا عبرة لأهل العصر، وتأملت تلك الألسن الجمرية وقد انطلقت في ثغور تلك الربوع وكلّمت السكان، وتطاولت بألسنة الأسنّة وانغثام (5) الأتراك فانذهل أهل دمشق وقد كلموا بكل لسان، ووصل المملوك بعد الفجر إلى البلد وقد تلا بعد زخرفه في سورة الدخان، فوجب أن أجرى الدموع على
__________
(1) أسنة: نب: أعنة.
(2) سورة عبس 80/ 17.
(3) قبض قبل ما: طب: قبل ما ق: قبض ما.
(4) سورة البقرة 2/ 24.
(5) انغثام: كذا في تو طب، ها: مهمل نب، قا: انغتام ق: انغنام. وربما الصحيح: «اقتثام».(1/492)
وجيب كل ربع وأنشد: «وقد دخل صبري بعد إنّ في خبر كان (1)»: [من البسيط]
دمع جرى فقضى في الربع ما وجب
ووقفت أندب عرصاتها التي قمحت بالبين فخابت (2) من أهلها الظنون، وكم داروا بقمحها خيفة من طاحون النار فلم تسلم فصدّقت المثل بأنّ «القمح يدور ويجيء إلى الطاحون»، وتطرّقت بعد ذلك إلى الحدّادين وقد نادتهم النار بلسانها من مكان بعيد، {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} (3). ولقد كان يوم حريقها {يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} (4) ضج (5)
المسلمون فيه من الخيفة وقد رأوا سلاسل وأغلالا وسعيرا. هذا وكلما أصليت نار الحريق وشبت نار الحرب، ذكرت ما أشار به مولانا على المملوك من الإقامة بمصر فأنشدت من شدة الكرب: [من الكامل]
آها لمصر أين مصر وكيف لي ... بديار مصر مراتعا وملاعبا
والدهر سلم كيفما حاولته ... لا مثل دهري في دمشق محاربا
يا مولانا لقد لبست دمشق في هذا المأتم السواد، وطبخت قلوب أهلها كما تقدم على نارين وسلقوا من الأسنّة بألسنة حداد، ولقد نشفت عيونهم من الحريق واستسقوا فلم ينشقوا رائحة لغاديه، وكم رئي في ذلك اليوم {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} [6] خََاشِعَةٌ، عََامِلَةٌ نََاصِبَةٌ، تَصْلى ََ نََاراً حََامِيَةً (7). وكم رجل تلا عند لهيب بيته {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ} (8)، وخرج هاربا {وَامْرَأَتُهُ حَمََّالَةَ الْحَطَبِ}، وشكا الناس من شدة الوهج وهم في الشتاء وصاروا من هذا الأمر يتعجبون، فقال لهم لسان النار: «أيعجب من الوهج والحريق من هو في كانون؟»، ولعمري لو عاش ابن نباته ورأى هذا الحال، وما تم على أهل دمشق في كانون لترك رثاء ولده عبد الرحيم وقال: [من البسيط]
__________
(1) بعد إن في خبر كان: قا: بعد ان كان في خير كان.
(2) فخابت: تو: فحانت ق: فخافت.
(3) سورة الكهف 18/ 96
(4) سورة الانسان 76/ 10.
(5) ضج: ق: جنح.
(6) يومئذ: ساقط من تو، نب.
(7) سورة الغاشية 88/ 32.
(8) سورة المسد 111/ 1.(1/493)
يا لهف قلبي على وادي دمشق ويا ... حزني عليه ويا شجوي ويا دائي
في شهر كانون وافاه الحريق لقد ... أحرقت بالنار يا كانون أحشائي
ونظرت بعد ذلك إلى القلعة المحروسة وقد قامت قيامة حربها حتى قلنا: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} (1)، وستّروا بروجها من الطارق بتلك الستائر وهم يتلون: {لَيْسَ لَهََا مِنْ دُونِ اللََّهِ كََاشِفَةٌ} (1)، استجليت عروس الطارمة عند زفتها وقد تجهزت للحرب وما لها غير الأرواح مهر، وأقعدت على رأسها تلك العصائب وتوشّحت بتلك الطوارق، وأدارت على معصمها الأبيض سوار النهر، وغازلت بحواجب قسيّها فرمت القلوب من عيون مراميها بالنبال، وأهدت إلى العيون من مكاحل نارها أكحالا كانت السهام لها أميال، وطلبها كل من المحاصرين (2) وقد غلا دست الحرب وسمح وهو على فرسه بنفسه الغاليه، * وراموا كشفها وهم في رقعة الأرض كأنهم لم يعلموا بأن الطارمة عاليه * (3). وتالله لقد حرست بقوم لم يتدرّعوا بغير آية الحرس في الأسحار، وقد استيقظوا لحمل قسيّهم ولم تنم أعينهم عن الأوتار، فأعيذ رواسيها التي هي كالجبال الشامخة بمن أسس رواسي المحجوج (4)، وأحصنها قلعة بالسماء ذات البروج. وتطاولت إلى السور المشرف وقد فضل في علم الحرب وحفظ أبوابه المقفلات، فما وقفنا له على باب إلا وجدناه لم يترك خلفه لصاحب المفتاح تلخيصا لما أبداه من المشكلات، وما أحقه من قول القائل: [من الطويل]
فضائله سور على المجد حائط ... وبالعلم هذا السور أضحى مشرّفا
وكم حملوا عليه وظنوا في طريق حملتهم نصره، ونصبوا دست الحرب ولم يعلموا بأنه قد طبخ لهم على كل باب قدره. فلا وأبيك لو نظرته يوم الحرب وقد تصاعدت فيه أنفاس الرجال لقلت: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذََلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} (5). وإلى المحاصرين وقد جاؤوا راجلا وفارسا ليشهدوا القتال لقلت: {وَجََاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهََا سََائِقٌ وَشَهِيدٌ} (6)، وإلى كواكب الأسنة وقد انتثرت، وإلى قبور الشهداء وهي تحت أرجل الخيل وقد بعثرت، وإلى كرّ
__________
(1) سورة النجم 53/ 5857.
(2) المحاصرين: ق، تو، ها، قا: الحاضرين.
(3) ما بين النجمتين ساقط من تو، قا.
(4) رواسي المحجوج: ق: وأسى المجنوح.
(5) سورة ق 50/ 20.
(6) سورة ق 50/ 21.(1/494)
الفوارس وفرّها لقلت: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مََا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} (1)، وإلى نار النفط وقد نفطت من غيظها، وإلى ذكور السيوف وقد وضعت المنايا السود وتعذرت من شدة الدماء لكثرة حيضها: [من الكامل]
ومن العجائب أنّ بيض سيوفهم ... تلد المنايا السود وهي ذكور
وإلى فارس الغبار وقد ركب صهوات الجو ولحق بعنان السماء، وإلى أهداب السهام وقد بكت لما تخضبت بالدماء، وإلى كل هارب سلب عقله، وكيف لا وخصمه له تابع، وإلى كل مدفع وله عند حكم القضاء دافع، وإلى قامات أقلام الخط وقد صار لها في طروس الأجسام مشق، فاستصوبت عند ذلك رأي من قال: «عرّج ركابك عن دمشق». ونظرت بعد ذلك إلى العشير وقد استحلّ في ذي الحجة المحرّم، وحمل كل قيسي يمانيا وتقدّم. فجزع النساء وقد أنكرن منهم هذا الأمر العسير، فقلت: «وغير بدع للنساء إذا أنكرن العشير». وتصفّحت بعد ذلك فاتحة باب النصر فعوذته بالإخلاص وزدت لله شكرا وحمدا. وتأملت أهل الباب وهو يتلون لأهل البلد في سورة الفتح وللمحاصرين: {وَجَعَلْنََا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا} (2). كم طلبوا فتحه فلم يجدوا لهم طاقة، وضرب بينهم بسور له باب، {بََاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظََاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذََابُ} (3).
ونظرت إلى ما تحت القلعة من أسواق التّجّار، فوجدت كلا قد محت النار آثاره، وأهله يتلون: {قُلْ مََا عِنْدَ اللََّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجََارَةِ} (4)، فمنهم من همى شأنه على صاحبته وبنيه، وآخر قد استغنى بشأن نفسه، فهم كما قال الله تعالى:
{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (5). فوقفت أنشد في تلك الأسواق وقد سعّرت: [من الوافر]
ألا موت يباع فاشتريه؟
ونظرت إلى المؤمنين الركّع السجود، وهم يتلون على من ترك في بيوتهم أخدودا من وقود النار وقعد لحربهم في ذلك اليوم المشهود: {قُتِلَ أَصْحََابُ الْأُخْدُودِ، النََّارِ ذََاتِ}
__________
(1) سورة الانفطار 82/ 5، كما أشارت الفقرة إلى الايتين الثانية والرابعة من نفس السورة.
(2) سورة يس 36/ 9.
(3) سورة الحديد 57/ 13.
(4) سورة الجمعة 62/ 11.
(5) سورة عبس 80/ 37.(1/495)
{الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهََا قُعُودٌ، وَهُمْ عَلى ََ مََا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} (1). هذا وكم مؤمن قوم خرج من دياره حذر الموت وهو يقول: «النجاة!» وطلب الفرار، وكلما دعاه قومه لمساعدتهم على الحريق ناداهم وقد عدم الاصطبار:، «يا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار». ونظرت إلى ضواحي البلد وقد استدّت في وجوههم المذاهب وما لهم من الضيق مخرج، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت لما غلق في وجوههم باب الفرج، فقلت: «اللهم اجعل لهم من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ولعدم أموالهم من كل عسر يسرا، ولانتهاك مخدّراتهم من كل فاحشة سترا، ولانقطاع الماء عنهم إلى كل خير سبيل، فأنت حسبنا (2) ونعم الوكيل». هذا وكم نظرت إلى سماء ربع غربت شمسه بعد الإشراق، فأنشدت وقد ازددت كربا من شدة الاحتراق: [من الطويل]
فديناك من ربع وإن زدتنا كربا ... فإنّك كنت الشرق للشمس والغربا
وانتهيت إلى الطواقيين وقد أسبل عليهم الحريق قندسه فكشفوا الرؤوس لعالم السرائر، وكم ذات ستر (3) خرجت بفرق مكشوف ورمت العصائب وبعلها بغبنه دائر. هذا وكم ناهدات: [من الكامل]
أسبلن من فوق النهود ذوائبا ... فتركن حبّات (4) القلوب ذوايبا
ووصلت إلى ظاهر الفراديس وقد قام كل إلى فردوس بيته فاطّلع فرآه في سواء الجحيم، واندهشت لتلك الأنفس التي ماتت من شدة الخوف وهي تستغيث الذي أنشأها أول مرة {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ} [5] عَلِيمٌ (6). ونظرت إلى ظاهر (7) باب السلامة، وقد أخفت النار أعلامه، ولقد كان أهله من صحة أجسامهم ومن إسمه كما يقال «في الصحة والسلامه»، وإلى الشلّاحة ولقد لبست ثياب الحزن وذابت من أجلها الكبود.
وقعدوا بعد تلك الربوع على أديم الأرض ونضجت منهم الجلود، ولقد والله عدمت لذة
__________
(1) سورة البروج 85/ 74.
(2) فأنت حسبنا: طب: فأنت حسبنا الله.
(3) ذات ستر: نب: ذات خدر.
(4) حبات: ها: جنات.
(5) خلق: تو: شيء.
(6) سورة يس 36/ 79.
(7) ظاهر: ساقط من تو، ها، قا.(1/496)
الحواسّ الخمس وضاقت عليّ الجهات الست فلم ترق لي دمعه، وأكلت الأنامل من الأسف لما سمعت بحريق أطراف السبعه، فأعيذ ما بقي من السبعة بالسبع المثاني والقرآن العظيم. فكم رأينا بها يعقوب حزن رأى سواد بيته (1) فأصفرّ لونه:
{وَابْيَضَّتْ عَيْنََاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} (2). وتغرّبت إلى ظاهر الباب الشرقي فتشرّقت بالدمع من شدة الالتهاب. ولقد كان أهله من دار عنبه وكرومه الكريمة في جنتين من أعناب. وتوصّلت إلى ظاهر كيسان فأنفقت كيس الصبر لما افتقرت (3) من دنانير تلك الأزهار (4) والدراهم رباها، وسمحت بعد ذلك بالعين واستخدمت فقلت:
{بِسْمِ اللََّهِ مَجْرََاهََا} (5). وكابرت إلى أطراف الباب الصغير فوجدت فاضل النار لم {لََا يُغََادِرُ صَغِيرَةً وَلََا كَبِيرَةً إِلََّا أَحْصََاهََا} (6).
فيا لهفي على عروس دمشق التي لم تذكر مع محاسنها أسماء ولا الجيدا، لقد كانت ست الشام فاستعبدها ملك النار حتى صارت جارية سودا. ولقد وقفت بين ربوعها وقد التهبت أحشاؤها بالاضطرام، وفطم جنين نبتها عن رضاع ندى الغمام فاستسقيت لها بقول ابن أسعد: [من البسيط]
سقى دمشق وأياما مضت فيها ... مواطر السحب ساريها وغاديها
ولا يزال جنين النبت ترضعه ... حوامل المزن في أحشاء أرضيها
فما نضا (7) حبّة قلبي لنيربها ... ولا قضى نحبه ودّي لواديها
ولا تسلّيت عن سلسال ربوتها ... ولا نسيت مبيتي جار جاريها
هذا وكم خائف قبل اليوم آويناه بها إلى ربوة ذات قرار. وكم كان بها مطرب طير خرج بعد ما كان يطرب على عود وطار، وبطل الجنك (8) لما انقطعت أوتار
__________
(1) سواد بيته: نب: بنيه.
(2) سورة يوسف 12/ 84.
(3) افتقرت: قا: اقتصرت.
(4) من دنانير تلك الأزهار: تو: من تلك الأزاهر قا: من ملك تلك الأزهار.
(5) سورة هود 11/ 41.
(6) سورة الكهف 18/ 49.
(7) نضا: ها: قضا.
(8) آلة طرب فارسية.(1/497)
أنهاره فلم يبق له مغنى، وكسر الدفّ لما خرج نهر المغنية عن المغنى، واستسمع الناس من قال: [من السريع]
إنهض إلى الربوة مستمتعا ... تجد من اللذات ما يكفي
فالطير قد غنّى على عوده ... في الروض بين الجنك والدفّ
وأضحت (1) أوقات الربوة بعد ذلك العيش الخضل واليسر عسيره، ولقد كان أهلها في {ظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمََاءٍ مَسْكُوبٍ وَفََاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} (2)، فعبس بعد ذلك ثغر روضها الباسم، وضاع من غير تورية عطره الناسم، ولم ينتظم لزهر المنثور على ذلك الوشي المرقوم رسالة سحريه. وكيف لا وقد محي سجع المطوّق من طروس تلك الأوراق النباتيه، هذا وكم عروس روض قعد لمعصمها النقش فلما انقطع نهرها صحّ أنها كسرت السوار، وكم دولاب نهر بطل غناه على تشبيب النسيم بالقصب، وعطلت نوبته من تلك الأدوار، فوقفت أندب ذلك العيش الذي كان بذلك التشبيب موصولا، وأنشد ولم أجد لي بعد تلك النوبة المطربة إلى مغنى الربوة دخولا: [من البسيط]
لم لا أشبّب بالعيش الذي انقرضت ... أوقاته وهو باللذات موصول
ونقص يزيد فاحترق ولا ينكر ليزيد الحريق على صنعه، وانقطع ظهر توراه فأهلك الحرث والنسل بقطعه، وذاب بردا وحمي مزاجه لمّا شعر بالحريق، ولم يبق في ثغره إلا شنب بدرّ حصبائه ما يبل الريق. وانقطع وقد اعتل (3) من غيضه باناس، ولم يظهر عند قطعه خلاف ولا بان آس. وجرى الدم من شدة الطعن بالقنوات، وكسرت قناة المزّة فذاقت مر العيش بعد حلاوة تلك القطوف الدانيات. وكسر الخلخال لما قام الحرب على ساقه، * وسقط رأس كل غصن على الجبهة فهاجت البلابل على أوراقه * (4). وخرّ نهر حمص خاضعا وتكدر بعد ما كان يصفي لنا قلبه، * وافتقر أغنياء غصونه من حبات تلك الثمار فصاروا لا يملكون حبّه * (5)، طال ما كان أهله فاكهين، ولكنهم اعترفوا بذنوبهم
__________
(1) وأضحت: ها: وأصبحت.
(2) سورة الواقعة 56/ 3230.
(3) اعتل: نب: انقطع.
(4) ما بين النجمتين ساقط من طب.
(5) ما بين النجمتين ساقط من تو.(1/498)
فقالوا: {وَكُنََّا نَخُوضُ مَعَ الْخََائِضِينَ} (1). وذبلت عوارض تلك الجزيرة التي كانت على وجنات شطوطه مستديره، فقلنا: «بعد عروس دمشق وحماتها لا حاجة لنا بحمص والجزيره»، فيا لهفي على منازل الشرف وذلك الوادي الذي نعق به (2) غراب البين، ويا شوقي إلى رأس تلك المرجة التي كانت تجلسنا قبل اليوم على الرأس والعين.
هذا وقد اسودّت الشقراء فأمست كابية لما على ظهرها من الجولان، وجانسها العكس فأضحت (3) باكية على فراق الأبلق وأخضر ذلك الميدان.
يا مولانا لقد بكى المملوك من الأسف بدمعة حمراء، على ما جرى من أهل الشهباء في الميدان على الشقراء، حتى كذّب الناس من قال: [من الرجز]
قل للذي قائس بين حلب (4) ... وجلّق بمقتضى عيانها
ما تلحق الشهباء في حلبتها ... تعثّر الشقراء في ميدانها
فقال لسان الحال: «والله ما كذب ولكنه قد يخبو الزناد، وقد يكبو الجواد»، وقد يصاب الفارس بالعين التي تغمز قناته غمزا: [من المتقارب]
ومن ظنّ أن سيلاقي الحروب ... وأن لا يصاب فقد ظنّ عجزا
ودخلت بعد ذلك إلى البلد فوجدت على أهله من دروع الصبر سكينه، فقلت: «يا ربّ مكة والحرم انظر إلى أحوال هذه المدينة!»، ولكن ما دخلت بها إلى حمّام، إلا وجدته قد ذاق لقطع الماء عنه حماما، وعلم القوّام والقاعدون بأرضه أنها ساءت مستقرّا ومقاما، وتلي على بيت ناره قلنا: {يََا نََارُ كُونِي بَرْداً وَسَلََاماً} (5)، فحسن أن أنشده قول ابن الجوزي: [من مجزوء الكامل]
الحار عندك بارد ... والنهر أمسى منقطع
والعين ما ماء فيها (6) ما حيلة القوّام؟
__________
(1) سورة المدثر 74/ 45.
(2) نعق به: ق: يغوثه.
(3) أضحت: ق، تو: أصبحت.
(4) كذا في جميع الأصول، ووزن البيت مضطرب.
(5) سورة الأنبياء 21/ 69.
(6) ما ماء فيها: نب: ما ما فيها قا: لا ما فيها، طب، تو، ها: ما نافيها ق: ما بافيها.(1/499)
وأمّيت بعد ذلك إلى الجامع الأموي فإذا هو لأشتات المحاسن جامع، وأتيته طالبا لبديع حسنه فظفرت بالاستضاءة والاقتباس من ذلك النور الساطع. وتمسكت بأذيال حسنه لما نشقت تلك النفحات السحريه، * وتشوقت إلى النظم والنثر لما نظرت إلى تلك الشذور الذهبيه * (1)، وآنست من جانب طوره نارا فرجع إليّ ضياء حسي، واندهشت لذلك الملك السليماني وقد زها بالبساط والكرسي، فقلت: «هذا ملك سعد من وقف في خدمته خاشعا، وشقي من لم يدس بساطه ويأتيه طائعا»، ولقد صدق من قال: [من الطويل]
أرى الحسن مجموعا بجامع جلّق ... وفي صدره معنى الملاحة مشروح
فإن يتغالى بالجوامع معشر ... فقل لهم: باب الزيادة مفتوح
معبد له قصبات السبق ولكن كسرت عند قطع الماء قناته، ورأيته في القلّة من شدة الظمأ وقد قويت من ضجيج المسلمين أناته. وخفّض النسر جناح الذل وود أن يكون النسر الطائر، وطمست مقل تلك المصابيح فاندهش لذلك الناظر. هذا وكم نظرت إلى حجر مكرّم ليس له بعد إكسير الماء جابر. واختفت نجوم تلك الأطباق التي كانت كالقلائد في جيد الغسق، ومرّت حلاوة نارها (2) بعد ما ركبت طبقا عن طبق، وأصبح دوحه وهو بعد تلك النضارة والنعيم ذابل، وكادت قناديله وقد سلبت لفقد الماء أن تقطع السلاسل. ولم تشر الناس بأصابعها إلى فصوص تلك الخواتم المذهبه، ولم تبق على ذلك الصحن طلاوة بعد الماء وحلاوة سكبته الطيبه، وتذكر المنبر عند قطع الماء أوقاته بالروضه، وتكدرت أفراحه لما ذكر أيامه بتلك الغيضه، وأنشد لسان حاله: [من الكامل]
لو أن مشتاقا تكلّف فوق ما ... في وسعه لسعى إليك المنبر
وودّت العروس أن تكون مجاورة لحماتها، لتبلّ ريقها برحيق الأمن إذا نظرت إلى عاصي المحمدية وقد دخل إلى جنّاتها، ونظرت إلى فوّار أبي نواس وقد انقطع قلبه بعد ما كان يثب ويتجرّا، وكاد أن ينشد من شعره لعدم الماء «ألا فاسقني خمرا»، ودخلت إلى الكلاسة وقد علا بها غبار الحزن فتنهدت من الأسف على كل ناهده، ورثيت (3) النساء وقد فقدن بعد تلك الأنعام المائده. واستطردت إلى باب البريد فوجدت خيول الماء الجارية قد قطعت عن تلك المراكز، ونظرت إلى السراج الأكبر وقد انعقد لسانه لما شعر من
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من قا، ها.
(2) نارها: قا: نهارها.
(3) رثيت: تو، ها: زينت طب، ق: كلمة مهملة تماما.(1/500)
ممدوح الماء بعد تلك الجوائز، ونظرت إلى أهل الصلاة وعليهم في هذه الواقعة من الصبر دروع، وقد استعدوا بسهام من الأدعية أطلقوها عن قسي الركوع: [من الطويل]
مريّشة بالهدب من جفن ساهر ... منصّلة أطرافها بدموع
ونظرت إلى الريان من العلم وقد اشتدّ لفقد الماء ظماه، وتبلد ذهنه حتى صار ما يعرف من أين الطريق إلى باب المياه، ومشيت بحكم القضاء إلى الشهود فوجدت كلا منهم قد راجع سهاده وطلّق وسنه، وتأملت أهل الساعات وقد صار عليهم كل يوم بسنه. ونزلت في ذلك الوقت من الساعات إلى الدرج في دقيقه، فانتهيت إلى مجاز طريق الفوّار فوجدته كأن لم تكن له حقيقه. كم وردته وهو كأنّه سنان يطعن في صدر الظماء، أو شجرة (1) كدنا نقول أنها طوبى لما ظهرت وأصلها ثابت وفروعها في السماء، أو معترف بندى الماء وقد أفاض عليه عطاياه فيضا، فرفع له لأجل (2) ذلك فوق قناته راية بيضا، أو عمود وفاء أشارت الناس إليه بالأصابع، أو ملك طالب السماء بودائع حتى كان إكليل الجوزاء له من جملة الودائع، أو أبيض طائر علا حتى قلنا أنه يلتقط حبات النجوم الثواقب، أو شجاع ذو همّة عالية يحاول ثأرا عند بعض الكواكب. فخفض لفقد الماء مناره، وخفي بعد ما كان «أشهر من علم»، وجذع أنفه وطالما ظهر وفي عرنينه شمم: [من الخفيف]
لست أنسى الفوّار وهو ينادي ... غيض مائي وعطّل الدهر حالي
فتمنيت من لهيّى بأنّي ... أشتري غيضه بروحي ومالي
فلا والله ما كانت إلا أيسر مدة حتى رجع الماء إلى مجاريه وابتسم ثغر دمشق عن شنب الريّ، بعد ما نشف ريقه في فيه.
هذا وقد خمدت نار الحرب وقعدت بعد ما قامت على ساق وقدم، وبطلت آلتها التي كان لها على تحريك الأوتار وجس العيدان نغم، واعتقل الرمح بسجن السلم وعلى رأسه لواء الحرب معقود، وهجعت مقل السيوف في أجفانها لما علمت أنّ الزيادة في الحد نقص في المحدود، وفاضت غدران الرحمة على رياض الأمن فظهر لها من المسرة نبات حسن، فالحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.
__________
(1) شجرة: تو، ها، قا: كشجرة.
(2) لأجل: قا: بعد.(1/501)
وبعد، فالمعذرة من فهاهة هذه الرسالة التي هي في رياض الأدب باقليّة (1)، والصفح عن طولها وقصر بلاغتها بين يدي تلك المواقف السحبانيه (2). وليكن محمولا على متن الحكم كلامها الموضوع، فقد علم الله أنها صدرت من قلب مكسور وفؤاد مصدوع، وذهن ضعف وليس لكثير (3) ضعفه عاصم ولا نافع، وراحلة فكر أمست وهي عند سيرها إلى غايات المعاني ضالع: [من الطويل]
فسيروا على سيري لأني (4) ضعيفكم ... وراحلتي بين الرواحل ضالع
هذا وكم تولّد للمملوك في طريق الرمل من عقله، وكم ضاق من قطاع الطريق أنكادا حتى ظن أنه لعدم النصرة ليس له إلى الاجتماع وصله، وكلما زعق عليه غراب تألّم لسهام البين وفقد مصر التي هي نعم الكنانه، وأنشد وقد تحيّر في الرمل لفراق ذلك التخت الذي أعزّ الله سلطانه: [من الرجز]
من زعقة الغراب بعد الملتقى ... فارقت مصرا وبها أحبابي
وفي طريق الرمل صرت حائرا ... مروّعا من زعقة الغراب
واستقبل المملوك بعد ذلك بلاد الشام فبئس الحال وبئس الاستقبال، فو الرحمن (5)
ما وصل بها إلى مكان إلا وجده قد وقعت فيه الواقعة واشتد القتال، وحصدوا سبل الرشاد فدرست فلا أعيد لمعيد حربهم دروس، وأداروا رحاء الحرب بقلوب كالأحجار فطحنت عند ذلك الرؤوس: [من البسيط]
من كل عاد كعاد في تجبّره ... من فوق ذات عماد شادها إرم
لا يجمعون على غير الحرام إذا ... تجمعوا كحباب الراح وانتظموا
وانتهت الغاية بالمملوك إلى أنه شلّح بقرب الكسوة في الشتا، وانتظرت ملك الموت وقد أمست: [من الكامل]
لي مهجة في «النازعات» وعبرة ... في «المرسلات» وفكرة في «هل أتى»
__________
(1) نسبة إلى باقل الإيادي، جاهلي ضربت العرب به المثل في العيّ والبلاهة.
(2) نسبة إلى سحبان وائل، الذي ضربت العرب به المثل في الخطابة والفصاحة. أنظر: 830، 2،
(3) لكثير: ها: لكثرة.
(4) لأني: ها: فإني.
(5) فو الرحمن: نب: فو الله.(1/502)
هذا والليل قد انطفأت مصابيح أنواره (1) وعسعس، حتى أيقنت بموت الصبح وقلت: «لو كان في قيد الحياة تنفّس». فذهب المملوك وقد تزوّد عند قسم الغنيمة بسهم، وخرج ولم يجد له تعديلا ولكنه صبر على الألم بعد ما كان يدمى من الوهم، ولم يلق له مجيرا لما قوي ألمه وضعف منه الحيل، إلا أنه دخل تحت ذيل الليل، فوصل إلى البلد وقد ودّ يومه لو تبدل بالأمس، ولم يسلم له في رقعة الحرب غير الفرس والنفس، ولكنه أنشد: [من السريع]
ما يفعل الأعداء في جاهل ... ما يفعل الجاهل في نفسه
فأعاذ الله مولانا وبلاده من هذه القيامة القائمه، وبدا به في الدنيا ببراعة الأمن وفي الآخرة بحسن الخاتمه. إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه
(121 ب)
رسالة إلى أبي عبد الله بدر الدين محمد ابن الدماميني المالكي المخزومي:
وكتبت (2) إلى القاضي الفاضل أدبا وعلما، وعسكري الصناعتين نثرا ونظما، سيدنا أقضى القضاة بدر الدين ملك المتأدبين رحلة الطالبين أبي عبد الله محمد ابن الدماميني المالكي المخزومي (3) رحمه الله هذه الرسالة التي أنتجتها (4) كما اتفق لي (5) من فكر عاقر، وقلب ليس له على ضعفه قوة ولا ناصر. وذلك من القاهرة المعزّيّة إلى الثغر المحروس عند دخولي (6) إليها هاربا، من طرابلس الشام وقد عضّت عليّ (7) أنياب الحرب بثغرها شائبا، من أهوال برّها وبحرها وذلك في منتصف ربيع الآخر سنة اثنين وثمان مائة، وهي:
__________
(1) انطفأت مصابيح أنواره: ها: انطفت نور مصابيحه.
(2) وكتبت: طب، ق: وكتب روى الله روض الأدب بسحائب فكره نب: وكتب قا، ها: وكتب رحمه الله تعالى.
(3) راجع ص 138حاشية 1.
(4) انتجتها: بقية النسخ: أنتجها.
(5) اتفق لي: بقية النسخ: اتفق له.
(6) دخولي: بقية النسخ: دخوله.
(7) عضت عليّ: بقية النسخ: عضت عليه.(1/503)
بسم الله الرحمن الرحيم يقبّل الأرض التي سقى دوحها نزول الغيث فأثمر الفواكه البدريه، وطلع بدر كمالها من المغرب فسلمنا لمعجزاتها المحمديه، وجرى لسان البلاغة في ثغرها فسما على العقد بنظمه المستجاد، وأنشد لا فضّ الله فاه وقد ابتسم عن محاسنه التي لم يخلق مثلها في البلاد: [من الوافر]
لقد حسنت بك الأيام حتى ... كأنك في فم الدهر ابتسام
فأكرم به مورد فضل ما برح منهله العذب كثير الزحام، ومدينة علم تشرّفت بالجناب المحمدي فعلى ساكنها السلام. ومجلس حكم ما ثبت لمدّعي الباطل به حجّه، وعرفات أدب إن وقفت بها وقفة صرت على الحقيقة ابن حجّه. وأفق معال بالغ في سموّ بدره فلم يقنع بما دون النجوم، وميدان عربية يجول فيه فرسان الفصاحة من بني مخزوم. وتالله ما لفرسان الشقراء والأبلق في هذا الميدان مجال، وإذا اعترفوا بما حصل للفارس المخزومي عندهم من الفتح، كفى الله المؤمنين القتال.
وينهي بعد أدعية ما برح المملوك منتصبا لرفعها، وتغريد أثنية ما لسجع المطوق في الأوراق النباتية حلاوة سجعها، وأشواق برّحت بالمملوك ولكن تمسّك في مصر بالآثار:
[من الوافر]
وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الديار من الديار
وصول المملوك إلى مصر محتميا بكنانتها وهو بسهام البين مصاب، مذعورا لما شاهده من المصارع عند مقاتل الفرسان في منازل الأحباب، مكلما من ثغر طرابلس الشام بألسنة الرماح محمولا على جناح غراب. وقد حكم عليه البين أن لا يبرح من سفره على جناح: [من مخلّع البسيط]
وكان في البين ما كفاني ... فكيف بالبين والغراب
يا مولانا لقد قرعت سنّ هذا الثغر بأصابع السهام، وقلع منه ضرس الأمن ولم يبق له بعد ما شعر به البين نظام، وكسرت الحرب بين ثناياه عن أنياب، واقتلعنا منه مع أنهم لم يتركوا لنا فيه ثنيّة ولا ناب، وأمست شهب الرماح قافية على آثارنا والسابق السابق منا الجواد، ولزمت الرّويّ من دمائنا لأن لا يظهر لقافيتها عند نظم الحرب سناد، وفسد انسجام تلك الأبيات المنظومة على ذلك البحر المديد، وبدّلت جنتها بنار الحرب التي كم
تقول لها: «هل امتلأت؟» وتقول: «هل من مزيد؟»، ونفذ حكم القضاء وكم جرّح خصم السيف في ذلك اليوم شهودا، واتصل الحكم بقضاة القضاة فلم يسلم منهم إلا من كان مسعودا، ووقع غالبنا في القبض من عروض حربهم الطويل، وتبدّلت محاسن طرابلس الشام بالوحشة فلم نفارقها على وجه جميل. * وتالله لم يدخلها المملوك في هذه الواقعة إلا مكرها لا بطل * (1)، وكم قلت لسارية العزم لما كشفت لي عن ضيق سهلها: «يا سارية الجبل» (2). ورام المملوك أن يتنصّل من انتظامه في هذا السلك جملة كافيه، فقال له لسان الحال عند نظم هذه الكاينة: «جرّتك القافيه»، ولم يطلق المملوك عروس حماته إلا جبرا أظهر به كسره، والعلوم الكريمة محيطة كيف يكون طلاق المكره.(1/504)
وكان في البين ما كفاني ... فكيف بالبين والغراب
يا مولانا لقد قرعت سنّ هذا الثغر بأصابع السهام، وقلع منه ضرس الأمن ولم يبق له بعد ما شعر به البين نظام، وكسرت الحرب بين ثناياه عن أنياب، واقتلعنا منه مع أنهم لم يتركوا لنا فيه ثنيّة ولا ناب، وأمست شهب الرماح قافية على آثارنا والسابق السابق منا الجواد، ولزمت الرّويّ من دمائنا لأن لا يظهر لقافيتها عند نظم الحرب سناد، وفسد انسجام تلك الأبيات المنظومة على ذلك البحر المديد، وبدّلت جنتها بنار الحرب التي كم
تقول لها: «هل امتلأت؟» وتقول: «هل من مزيد؟»، ونفذ حكم القضاء وكم جرّح خصم السيف في ذلك اليوم شهودا، واتصل الحكم بقضاة القضاة فلم يسلم منهم إلا من كان مسعودا، ووقع غالبنا في القبض من عروض حربهم الطويل، وتبدّلت محاسن طرابلس الشام بالوحشة فلم نفارقها على وجه جميل. * وتالله لم يدخلها المملوك في هذه الواقعة إلا مكرها لا بطل * (1)، وكم قلت لسارية العزم لما كشفت لي عن ضيق سهلها: «يا سارية الجبل» (2). ورام المملوك أن يتنصّل من انتظامه في هذا السلك جملة كافيه، فقال له لسان الحال عند نظم هذه الكاينة: «جرّتك القافيه»، ولم يطلق المملوك عروس حماته إلا جبرا أظهر به كسره، والعلوم الكريمة محيطة كيف يكون طلاق المكره.
يا مولانا: [من الطويل]
بوادي حماة الشام عن أيمن الشطّ ... وحقك تطوى شقّة الهمّ بالبسط
بلاد إذا ما ذقت كوثر مائها ... أهيم كأني قد ثملت بأسفنط
ومن يجتهد في أنّ بالأرض رقعة ... تشاكلها قل أنت مجتهد مخطي
وصوب حديثي مائها وهوائها ... فإن أحاديث الصحيحين ما تخطي
بمعصمها إن دار ملوي سوارها ... فما الشام بالخلخال أو مصر بالقرط
تنظّم بالشطّين درّ ثمارها ... عقودا لها العاصي رأيناه كالسمط
وترخي علينا للغصون ذوائبا ... يسرّحها كفّ النسيم بلا مشط
ومذ مدّ ذاك النهر ساقا مد ملجا ... وراح بنقش النبت يمشي على بسط
لوينا خلاخيل النواعير فالتوت ... وأبدت لنا دورا على ساقة السبط
سقى سفحها إن قل دمعي سحابة ... مطبة بالدمع منهلّة النقط
ويا أسطر النبت التي قد تسلسلت ... بصفحتها لا زلت واضحة الخط
ولا زال ذاك الخط بالظل معجما ... ومن شكل أنواع الأزاهر في ضبط
لويت عناني في حماها عن اللّوى ... وهمت بها لا بالمحصّب والسقط
ولذّ عناق الفقر لي بفنائها ... وفي غيرها لم أرض بالملك والرهط
منازل أحبابي ومنبت شعبتي ... وأوطان أوطاري بها ورضى سخط
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من قا، ها.
(2) قول مأثور عن الخليفة عمر بن الخطاب، يوجهه إلى سارية بن زنيم الدؤلي وكان أميرا لجيش المسلمين أثناء حصار فسا ودرابجرد. ترجمته في الوافي 15/ 75رقم 97.(1/505)
نعمت بها دهرا ولكن سلبته ... برغمي وهذا الدهر يسلب لا يعطي
وقد جاء شرط البين أني أغيب عن ... حماها لقد أدمى فؤادي بالشرط
وحطّ عليّ الدهر عمدا وشالني ... إلى غيرها صبرا على الشّيل والحط
وسبحة جمع الشمل كانت لنا بها ... منظّمة لكن قضى الدهر بالفرط
أمثّل شوقا شكلها في ضمائري ... فتتبع عيني ذلك الشكل بالنقط
وقد صار يمشي الهم نحوي مسرعا ... فيا ليته لو كان في مشيه يبطي
وأصبح نظمي راجعا إلى ورى ... كأني في الديوان أكتب بالقبطي
فما هذه المحن التي توالت على أهل الأدب بعد زوال فخرها، ولكن أدام الله مجدها، وأنار شهابها، وأقمر ليالي بدرها.
يا مولانا وأبتك ما لاقيت من أهوال البحر وأحدّث عنه ولا حرج. فكم وقع المملوك من أعاريضه في زحاف (1) فقطع منه القلب لما دخل إلى دوائر تلك اللّجج، وشاهدت منه سلطانا جائرا، {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} (2)، ونظرت إلى الجواري الحسان وقد رمت أزر قلوعها وهي بين يديه لقلة رجالها (3) تسبى. فتحققت أن رأي من جاء يسعى في الفلك جالسا غير صائب، واستصوبت هنا رأي من جاء يمشي وهو راكب، وزاد الظماء بالمملوك وقد اتخذ في البحر سبيله، وكم قلت من شدة الظمأ: «يا ترى قبل الحفرة هل أطوي من البحر هذه الشقة الطويله؟»: [من البسيط]
وهل أباكر بحر النيل منشرحا ... وأشرب الحلو من أكواب ملّاح؟
بحر تلاطمت علينا أمواجه حين متنا من الخوف وحملنا على نعش الغراب، وقامت واوات دوائره مقام مع قصبتنا للغرق لما استوت المياه والأخشاب، وقارن العبد فيه سوداء (4) استرقّت موالينا وهي جاريه، وغشيهم في اليمّ منها ما غشيهم: {هَلْ أَتََاكَ حَدِيثُ الْغََاشِيَةِ} (5)، واقعتها الحرب فحملت بنا ودخلها الماء فجاءها المخاض، وانشق
__________
(1) زحاف: نب: زخارف.
(2) سورة الكهف 18/ 79.
(3) رجالها: ق، قا، ها: رجائها.
(4) سوداء: طب: سوادا.
(5) سورة الغاشية 88/ 1.(1/506)
قلبها لفقد رجالها (1) وجرى ما جرى على ذلك القلب فغاض، وتوشّحت بالسواد في هذا المأتم وسارت على البحر وهي مثل، وكم سمع منها للمغاربة على ذلك التوشيح زجل، برج مائيّ ولكن تعرب في رفعها وخفضها عن النسر والحوت، تتشامخ كالجبال وهي خشب مسنّدة من تبطّنها عدّ من المصبّرين في تابوت، تأتي بالطباق ولكن بالمقلوب لأنّ صغيرها كبير وبياضها سواد، وتمشي على الماء وتطير مع الهواء وصلاحها عين الفساد، إن نقّر الموج على دفوفها لعبت أنامل قلوعها بالعود، وترقصنا على آلتها الحدباء فتقوم قيامتنا من هذا الرقص الخارج ونحن قعود، تتشامم وهي كما قيل أنف في السماء وإست في الماء. وكم نطيل الشكوى إلى قامة صاريها عند الميل وهي الصعدة الصماء، فيها الهدى وليس لها عقل ولا دين، وتتصابى إذا هبّت الصّبا وهي ابنة مائة وثمانين وتوقف أحوال القوم وهي تجري بهم في موج كالجبال، وتدّعي براءة الذمة وكم استغرقت لهم من أموال. هذا وكم ضعف نخيل خصرها عن تثاقل أرداف الأمواج، وكم وجلت القلوب لما صار لأهداب مجاذيفها على مقلة البحر اختلاج. وكم أسبلت على وجنته طرّة قلعها فبالغ الريح في تشويشها، وكم مرّ على قريتها العامرة فتركها وهي خاوية على عروشها. تتعاظم فتهزل إلى أن ترى ضلوعها من السقم تعدّ. ولقد رأيتها بعد ذلك قد تبّت وهي {حَمََّالَةَ الْحَطَبِ، فِي جِيدِهََا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ،} (2).
وخلص المملوك من كدر المالح إلى النيل المبارك فوجده من أهل الصفا، وإخوان الوفا، وتنصّل من ذلك العدو الأزرق الذي ما برح باطنه وهو كدر، وجمع من عذوبة النيل ونضارة شطوطه من عين الحياة والخضر، ووصل بعد عدم القرار من بحريه إلى ذات قرار ومعين وقضى الأمر وقيل: {بُعْداً لِلْقَوْمِ الظََّالِمِينَ} (3). وتلا لسان الحال على المملوك وأصحابه: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شََاءَ اللََّهُ آمِنِينَ} (4).
وبعد، فالمملوك يسأل الإقالة من عثرات هذه الرسالة، فقد علم الله أنها صدرت من فكر تركه البين مشتّتا، والإغضاء عن كثرة بردها فقد خرجت من البحر عارية في أيام الشتا. وليستر عوراتها بستائر الحلم، وينظر إليها من الرحمة بعين. وليكن ضربها بسيف
__________
(1) رجالها: تو، ها: حالها.
(2) سورة المسد 111/ 54.
(3) سورة المؤمنون 23/ 41.
(4) سورة يوسف 12/ 99.(1/507)
النقد صفحا فقد كفى ما جرحت بسيوف البين. وتالله لم يسلك المملوك هذه الجادة إلا ليجد له سبيلا إلى نهلة من عذب تلك الموارد، ويعود قلبه الضعيف الذي قطعت صلاته من صفاء (1) هذا المشرب عائد، ويصير العبد مسعودا إذا عدّ للأبواب العالية من جملة الخدّام، ويحصل لكبده الحرّاء من ذلك النسيم الغربيّ برد وسلام، والله تعالى يمنّ بقرب المثول بين يديه ليحصل للمملوك بعد التخلص من البين حسن الختام.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
وكتبت (2) في هذا التاريخ عند الوصول إلى ميناء السلامة والإرساء بالحجازية إلى المقرّ الأشرف الفتحي (3) صاحب دواوين الأنشاء بالممالك الإسلامية تغمده الله برحمته هذه الرسالة التي هي نسيج وحدها، وجاء العمل فيها صالحا لما قدّر الله في سردها، وورى فيها من الحمد إلى الفتح لأجل إسمه الكريم، ومزجها بصافي مدحه وحكاية الحال فجاء مزاجها من تسنيم. وحصل لها التأهيل لما علم أن نظمها غريب، وحصل لها بعد الكسر وسدّ المذاهب نصر من الله وفتح قريب. ولم يغرّد في رياضها بسجعه عند الورود، علما أن المقرّ الفتحي هذا الباب عنده مسدود.
بسم الله الرحمن الرحيم يقبل الأرض وينهي أن مولانا أصبح ولله الحمد ملجأ الناس، ولما اختاره رب الفلق بإخلاص النيّة تبّت يدا حسوده وحصل للمسلمين به النصر وخذل الكافرون وقلت للحاسد (4) وقد جرى كوثر العطاء من يمينه: أرأيت فيا حاسده بسيد قريش ألم تر عداه الهمزة في خسر بهذا العصر؟ فقل لهم ألهاكم التكاثر
__________
(1) صفاء: نب: صفيّ.
(2) وكتبت: طب، ق: وكتب فسح الله في أجله قا، ها: وكتب رحمه الله تعالى نب: وكتب.
(3) وهو فتح الدين فتح الله بن مستعصم بن نفيس الإسرائيلي الداودي التبريزي الحنفي («الضوء اللامع» للسخاوي ج 6ص 165رقم الترجمة 556و «شذرات الذهب» لابن العماد الحنبلي ج 7ص 122. 69،، 2651788،،
(4) الحاسد: تو، قا: الحاسدين.(1/508)
من جهلكم وقرعتكم قارعة الخوف وجرت الجياد العاديات من أقلامه فزلزلت بكم الأرض ولم يكن لكم طاقة بهذا القدر، ويا معانده إقرأ بالتين والزيتون كتاب معاليه، ألم نشرح منه ما هو أوضح من الضحى؟ فأقسم من سواد نقسه بالليل إذا يغشى ومن بياض طرسه بالنهار إذا تجلّى. إن فضائله أشهر من الشمس ويده البيضاء في غرة البلد كالفجر وهي الغاشية لأبصار عداه.
فيا مولانا {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (1) فأنت طارق بروح السعد وعداك في الإنشقاق ولو أمسوا مطّففين الكيل لم يصلوا إلى وافر فضلك الذي ترك قلوبها في الانفطار، وكورت شمس سعدهم وعبس حاسدك وتولى وأمسى في النازعات، ولا تسل عمّ جرى من دموعه المرسلات. فيا إنسان عين الزمان دعه يمت بحسرته إلى القيامة وأقسم بالمدّثّر والمزّمّل أن عزائمك محرقة الجن من أعدائك فعش على غيظهم عمر نوح وكم سأل سائل منهم حقّت عليه (2) حاقّة الفقر فأجريت في صلاته القلم ونحن يا نظام الملك دهماء من لم يفرّق بين التحليل والتحريم إلى أن صرّحنا بطلاق البلاد ووقعنا في التغابن وشمت المنافقون ومنعنا في الجمعة الصف وأمست فرقتنا الممتحنة في الحشر ولم يسمع لهم مجادلة لما دهموا بالحديد في هذه الواقعة ولكن منّ الرحمن وطلع قمر الأمن ولا حظنا نجم السعد وصعدنا طور النجاة وكففنا إذا رأيت الدموع وطردنا العدى (3) إلى ق لما دخلنا حجرات مصر، وحظينا من مولانا بعد سدّ المذاهب بالفتح، فقلنا: [من الطويل]
نصرنا بحمد الله من بعد كسرة ... ومن كاتب الأسرار قد عمّنا النّجح
فمن ذا يسدّ اليوم باب نجاحنا ... إذا جاء نصر الله يا قوم والفتح
وكتبت (4) إلى مولانا وسيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام (5) العالم القدوة
__________
(1) سورة الأعلى 87/ 1.
(2) عليه: قا: عليهم.
(3) العدى: نب: العدو.
(4) وكتبت: طب، ق: وكتب أمتع الله بحياته قا، ها: وكتب رحمه الله تعالى نب: وكتب.
(5) إلى مولانا الشيخ الإمام: قا: إلى سيدنا الإمام.(1/509)
العلّامة ملك الفضلاء، ومالك أزمّة البلغاء، قاضي القضاة صدر الدين أبي الحسن علي الحنفي (1) نوّر الله ضريحه (2) من حماة المحروسة هذه الرسالة المجسّدة التي ما شفعت بمثالها، ولا سبقت بأمثالها، ولا نسج على منوالها، وهي هذه:
بسم الله الرحمن الرحيم [من الطويل]
يقبل أرضا بالعلى قد تجسدت ... لأرواح أهل العلم روضة مشتهى
وهبّت بأنفاس العلوم قبولها ... فلا زال صدر الدين منشرحا بها
ولا برح هذا الصدر مشروحا ب {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنََا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} (3): [من الكامل]
صدر غدا رأسا لكل فضيلة (4) ... صور المعاني تلتقيه ببشرها (5)
فإذا أتى نحو الشآم مناظر ... في كل علم قابلته بصدرها
هذا وكم لهذا الرأس في العلوم من فرق دقّ على الأفهام، هو كالغرّة في جباه الأيام، لا زال المجد له حاجبا مقرونا بسعده الشامل، ولا برح بعلمه عينا لوجوه المسائل، فلله أهداب معانيه التي هي أسحر من عيون الغزلان، وأمضى من السيوف إذا برزت من الأجفان، وأصداغ فضائله التي هي عاطفة على وجنات الوجود، لأنها كالعواطر الماطرة وكم أنست عند ذكرها من سالف وكم لها في قلوب الأعداء من خدود، وندا جوده الذي إذا جاءه الشراب وجد عنده شفاه، وحلاوة نظمه الذي أنسانا ذكر العذيب وثناياه، وعنق مكارمه التي ألفت من البديع الالتفات، وأوصافه التي غدت على جيد الدهر شامات، حتى تبدلت سيّئاته بالحسنات، كفّ عنا تعب الفقر
__________
(1) يجوز أنه قاضي قضاة الحنفية بحماة الشهير بابن القضامى (راجع «السلوك» للمقريزي ج 4ص 205 وراجع أدناه رسالة «نفثة المصدور» ص 471) أو صدر الدين أبو الحسن علي الشهير بابن الآدمي (راجع ص 15حاشية 2).
(2) نور الله ضريحه: طب، ق، نب: نور الله ضريحه وجعل من الرحيق المختوم عبوقه وصبوحه.
(3) سورة الشرح 94/ 31.
(4) فضيلة: ها: فريضة.
(5) ببشرها: ها: بنشرها.(1/510)
بكرم راحته المتزايد، من غير أن يقال له: «ساعد». وشهدنا أن أياديه بحر يفيض بصنائعه، فأشار النيل إلى قبول هذه الشهادة بأصابعه، فلله ندى يمينه الذي لم يزل المملوك في بلاد الشمال مكفّي، وكم فاض منه قلب النيل وجهد أن يوفيه بالباع والذراع فما قدر يوفّي، جبلت على محبته القلوب فصار حبه ظاهرا في كل باطن، وحنّت إليه الجوارح لما سارت مناقبه إلى كل جانب فحرّكت كل ساكن.
وينهي بعد أدعيته التي هي إن شاء الله تعالى نعيم للبدن الكريم، واعتدال للطيف ذلك المزاج، وأثنيته التي هي كالمناطق على خصور الحسان وبها لكل خاطر ابتهاج، أشواق من تثاقلت عليه أرداف النوى، وأسكنت في وسط قلبه الجوى، وقدّه الانقطاع بسيفه الذي زاد في حدّه، ولكنه جادّ في قدّه. ولو حصر المملوك ما ساق إليه البعد من الاشتياق إلى تقبيل الأقدام لم تسعه قائمه، وهو يعد القلب بالصبر ولكن كما ذكر كعب عن مواعيد عرقوب فنسأل الله حسن الخاتمه.
قلت (1): ولم يبق من هذا القدر إلا ما تمجّه أفواه الأسماع، وينفر منه سليم الطباع، وعلى كل حال فهذه صبابة الحاصل، ونسأل الله السلامة من الجاهل المتغافل.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
ومن اختراعاتي (2) «رسالة السكين» التي انقطع بها خلفي (3) من سبق وتقدمت (4)
بها فقال من بايعني (5) من أهل البلاغة: «إن أبا بكر قد صدق» ووافقتني (6) سلامة الاختراع فمما اتفق لي (7) فيها من تأهيل كل معنى غريب، ولم يظهر معي (8) لرسالة السيف قطع ولا لرسالة القوس سهم ولا نصيب، وهي:
__________
(1) قلت: طب، ق: قال المصنف أبقاه الله تعالى نب، قا: قال المصنف رحمه الله تعالى ها: رحمه الله تعالى.
(2) اختراعاتي: بقية النسخ: اختراعاته (وأضافت قا، ها: رحمه الله تعالى).
(3) خلفي: بقية النسخ: خلفه.
(4) وتقدمت: بقية النسخ: قال وتقدم.
(5) بايعني: بقية النسخ: بايعه.
(6) ووافقتني: بقية النسخ: ووافقته.
(7) اتفق لي: بقية النسخ: اتفق له.
(8) معي: بقية النسخ: معه.(1/511)
بسم الله الرحمن الرحيم يقبّل الأرض التي قامت حدود مكارمها، وقطعت عنّا مكروه الفقر بمسنون عزائمها،
وينهي وصول السكين التي قطع المملوك بها أوصال الجفاء، وأضافها إلى الأدوية فحصل بها البرء والشفاء، وتالله ما غابت إلا وبلغت الأقلام من تعثيرها إلى الجفاء، زرقاء وكم شاهدت البيض منها ألوان، خرساء ومن العجب أنها لسان لكل عنوان (1)، ما شاهدها موسى إلا سجد في محراب النصاب، وذل بعد ما خضعت له الرؤوس والرقاب، كم أيقظت طرف القلم بعد ما خطّ، وعلى الحقيقة ما رئي مثلها قط. وكم وجد بها الصاحب في المضايق نفعا، وحكم بحسن صحبتها قطعا، ماضية العزم قاطعة ألسن فيها حدة الشباب من وجهين، لأنها بالناب والنصاب معلمة من الطرفين. أنملة الصبح تقمعت بسواد الدجى، فعوّذتها بالضحى والليل إذا سجى، ولسان برق امتدّ في لهوات الليل، فتنكرت أشعة الأنجم حتى ما عرف منها سهيل. هذا وتقطيعها موزون إذ لم تتجاوز في عروض ضربها الحدّ، ومعلوم أن السيف والرمح لم يعرفا غير الجزر والمدّ: [من الرجز]
من أجلنا تدخل في مضايق ... ليس لسيف قطّ فيها مدخل
وكلما تفعله توجزه ... والرمح في تعقيده يطوّل
إن هجعت بجفنها كانت أمضى من الطيف، وكم لها من خاصة جازت بها الحد على السيف، تنسي حلاوة العسّال فلا يظهر لطوله طائل، وتغني عن آلة الحرب بإيقاع ضربها الداخل، إن مرّت بشكلها المحلي تركت المعادن عاطله، ولم تسمع للحديد في هذه الواقعة مجادله، شهد الرمح بعدالته أنها أقرب منه إلى الصواب، وحكم بصحة ذلك من قبل أن يتكمل لها النصاب. ما طال في رأس القلم شعرة إلا سرّحتها بإحسان، ولا طالعت كتابا إلا أزالت غلطه بالكشط من رأس اللسان. تعقد عليها الخناصر لأنها عدّة وعدّه، وتالله ما وقعت في قبضة إلا أطالت لسانها وكلّمت بحدّه، إن أدخلت إلى القراب كانت قد سبكت على الدخول، أو أبرزت من غيمه كان على طلعتها الهلالية قبول، تطرف بأشعتها الباهرة عين الشمس، وبإقامتها الحد حافظت الأقلام على مواظبة الخمس، وكم لها من عجائب تركت جدول السيف في بحر الغمد وهو غريق، ولو سمع بها من قبل ضربه ما حمل
__________
(1) عنوان: ها: عوان.(1/512)
بالتطريق، فلو عاصرها العماد لعرّك من قوسه الأذنين، وقال له: «جحدت رسالتك يا ذا القرنين»، فإن جذبت إلى مقومتها وكان لك يد تمتدّ، وصلت السكين إلى العظم وصار عليك قطع وانتهى أمرك إلى هذا الحدّ، وهل تعاند السكين صورة ليس لها من تركيب النظم، إلا ما حملت ظهورها أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، ولو لمحها الفاضل لحقق قوله إن خاطر سكّنه كلّ، أو أدركها ابن نباته ما أقرّ برسالة السيف وفلّ (1)، وقال لقلم رسالته (2):
«أطلق لسانك بشكر مواليك، وأخلص الطاعة لباريك» ولم يقصد المملوك الإيجاز في رسالة هذه السكين ونظمها، إلا لتكون (3) مختصرة كحجمها (4)، لا زالت صدقات مهديها تتحف بما يذبح نحر فقري، ويأتي في كل حين بما يشفي من داء الفقر ويبري. بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
ومن اختراعاتي الغريبة (5) مما كتبت به إلى شيخي (6) مولانا وسيدنا الشيخ الإمام القدوة العلّامة قاضي قضاة المسلمين وعالمهم أبي الحسن علي الحنفي الشهير بابن القضامى (7)، واحد العصر بإجماع الأمة، ومن مشت ملوك العلم تحت لواه. والفاضل الذي لو أراد الفاضل بعض وصفه لصدق في قوله أنه خرّس لسان القلم وكلّ خاطر السكين وشابت لمّة الدواه. هذه الرسالة التي سميتها (8) «نفثة المصدور» وما ذاك إ ل اأنه حصل لي سعال أشرفت منه (9) على التلف وتمادت مدتي، فكتبت (10) إلى شيخنا المشار إليه نوّر الله ضريحه وجعل من الرحيق غبوقه وصبوحه:
__________
(1) وفل: طب، قا: وقل.
(2) لقلم رسالته: قا: بقلم رسالة هذه السكين.
(3) إلا لتكون: طب: إلا إلا لتكون قا: إلا يكون.
(4) كحجمها: ق، تو: لحجمها.
(5) اختراعاتي الغريبة: طب، ق: اختراعاته الغريبة فسح الله في أجله قا، ها: اختراعاته الغريبة رحمه الله تعالى نب: اختراعاته.
(6) مما كتبت به إلى شيخي: بقية النسخ: أنه كتب إلى شيخه.
(7) راجع الصفحة 467حاشية 5.
(8) سميتها: بقية النسخ: سماها.
(9) حصل لي سعال أشرفت منه: بقية النسخ: حصل له سعال أشرف منه.
(10) تمادت مدتي فكتبت إلى شيخنا: بقية النسخ: تمادت مدته فكتب إلى شيخه.(1/513)
بسم الله الرحمن الرحيم [من البسيط]
قالوا فجسمك يا مهجور صفه عسى ... نعوده، قلت: يا أهل الوفا عودوا
يقبّل الأرض وينهي نفثات صدر مصدور، وقعاقع سعلات تحتها طائل، لأنها اتخذت الصدر تنّورا فملأته نارا وفار التنور: [من البسيط]
وقفّ أبتك ما لان الحديد له (1) ... فإن صدقت فقل: هل صرت داودا؟
يا مولانا كأن النمل خافت حطمة سليمانية فما رأت لها مساكن أنسب (2) من بيوت حلقي، أو كان لضيق الخناق عليّ دين فلم يرض من المطالبة إلا بخنقي. هذا وحوامي السعلات قد زاد بها القرم وهي تنهش من الحلق وتنبّح. والمملوك من السكرة كما يقال يقطع ويلقّح، وقد منع من المائدة وأنعامها المتصله، واستقر من السعلة على الرعد والزلزله: [من الكامل]
يا سعلة سكنت فؤادي والحشا ... وتحكّمت في مهجتي وصميمي
والله ما هي سعلة لكنّها ... روح تلجلج وهي في الحلقوم
وفسد ذوق المملوك من الغث إلى أن تساوى عنده الحلو (3) والمالح، وتبدّل أفق حلقه بعد سعد بلع الذابح، وزاد القرف به إلى أن أقرفه الليمون الأخضر. وكلما سل السعال سيفه لذبحه من أذنه تلا له الألم: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (4). واشتد سبق الهواء إلى أبكار بنات الأذن ففتحها، ومسّى الأرق مقلة المملوك وصبّحها: [من الرجز]
صبّحها الوجد ومسّاها الأرق ... هل بين هذين بقاء للحذق؟
وإن فوّض المملوك الأمر إلى القلب ليملي ما يشتهيه فما يملي من السأم والحرقة إلا عن القالي. أو ذكر له المغلي فقد كره الجمع بين العناب وذلك الخشف البالي. هذا والظمأ ينشد مهجة المملوك: [من الوافر]
ملثّ القطر أعطشها ربوعا ... وإلا فاسقها السمّ النقيعا
__________
(1) كذا في جميع النسخ.
(2) أنسب: قا: أنفس.
(3) الحلو: طب: الغث.
(4) سورة الكوثر 108/ 2.(1/514)
وما السم النقيع إلا ما فتّر بعد نقيعه. والتزم المملوك وهو لا يكاد يسيغه بتجريعه، والمملوك يستفتي مولانا فيما يجوز له استعماله غير المغلي فإنه قد ذاق منه سوء العذاب، ووجده ماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب: [من الطويل]
له في ضلوعي لوعة لو توقّدت ... لأحرقت الدنيا فما حال أضلعي
وما هزّ المملوك الدوحة الكريمة إلا لورقة تثمر الصحة لبدن ربعه من العافية قد عفا، ويتنقل بعد ورودها من الروضة إلى الشفا، ويستعين على كافر الليل بلمعان سيوفه العلويّه، ويتمتع من تلك الورقة المثمرة أدبا برسالة فاضليّه. والقصد أن لا يكلف الخاطر الكريم بحركة، بل وصولها هو الصلة للمملوك والعائد، ويحج مولانا قاضي القضاة به من مكانه فإنه ما برح يحج بالناس وهو قاعد.
والمملوك يعتذر من غثاثة هذه الرسالة فإن هذا العارض الغثيث أفسد ذوقه وأضعف لسانه ويده، هذا مع تلاطم أمواجه في صدر المملوك فعلى كل تقدير هي زبد المعده. والله تعالى يصون اعتدال مزاجه الكريم عن انحراف هذه العوارض الأليمه، ولا برحت الصحة حافظة ذاته الكريمه. إن شاء الله تعالى.
ومن إنشائي (1) جواب عن وفاء النيل كتبت (2) به عن كافل المملكة الشريفة الحموية، وذلك عقيب رحيل اللنك عن البلاد الشامية وحريقها:
وينهي ورود البشرى بوفاء النيل المبارك الذي ما زاد إلا استحلى الناس زائده، وأنسى بزيادة كرمه كرم ابن زائده، وكانت زيادته صلة البلاد الإسلامية فلا برحت هذه الصلة في كل عام إلى المسلمين عائده، وامتدّ بحره المديد فأزال زحاف المحل واتصلت بتلك المقطعات دوائره، وعمت بشائره الممالك وكيف لا وللوفاء عمود من أصابعه مخلق تملأ الدنيا بشائره، وأزال خطب الغلاء لما صعد خطيب وفائه إلى أعلى الدرج، وأمسى الناس بهذا الوفاء وبقاء سلطانهم خلد الله ملكه على كلا الحالين في فرج، وطارت سواجع بشائره في الأوراق مبشّرة بأخضر العيش وشباب الدهر، واتصل سجعها المطرب
__________
(1) ومن إنشائي: طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله قا، ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى نب: ومن إنشائه.
(2) كتبت: بقية النسخ: كتب.(1/515)
بأكناف الفراة وما وراء النهر. وخر عاصي حماة طائعا ولا عاص إلا لهذه الدولة القاهرة مطيع. ووردت هذه البشرى في صفر المبارك فاستبشرت الدنيا بربيع. فيا له من صديق ما برحت الناس شاكرة حسن وفائه، ولا دخل عروس أرض عاطلة إلا حلّاها بأقراطه وخلاخل مائه. ويا له من صالح ما مرّ على يابس من الأرض إلا اخضرّ وأنار، فإنه تمسك من النبي صلى الله عليه وسلم بالآثار (1). لقد كادت البلاد الشامية أن تطير فرحة لولا قصّ الحريق جناحها، وأفسدت الغلوة بعد الحريق صلاحها، وفّى البلاد وطفّف ولا يقال له: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} (2)، وقالت له البلاد المقحطة من الشام: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنََا إِنَّ اللََّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} (3). والمرجو من كرم الله تعالى أن يصلها ببرّه وبرّه (4)، ويبل ثغورها الناشفة من ريق الغيث ولو بقطرة من بحره، لأنه الطوفان الذي تتلقاه (5) الناس بالقبول يعلمها (6) أنها فيه من الآمنين، و {سَلََامٌ عَلى ََ نُوحٍ فِي الْعََالَمِينَ} (7).
والله تعالى يجعل بشائر هذه الدولة الشريفة متّصلة وضدها في قسر، ولا برح عدوها ونيلها على مر السنين إن شاء الله تعالى في كسر.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
وكتبت (8) إلى المقرّ المرحومي القضائي الناصري محمد بن منهال (9) عين كتّاب الإنشاء الشريف بالشام المحروس (10):
يقبل الأرض التي إذا يممها الضعيف المنكسر وجد بها قوة وناصرا، فلا برحت
__________
(1) بالآثار: قا: بحسن الآثار.
(2) سورة المطففين 83/ 1.
(3) سورة يوسف 12/ 88.
(4) بره: كذا في تو، نب.
(5) تتلقاه: ها: يتلقاه قا: تلقاه طب: يتلقوه.
(6) يعلمها: قا: يعلمهم ها: لعلمها.
(7) سورة الصافات 37/ 79.
(8) وكتبت: طب، ق: وكتب فسح الله في أجله قا، ها: وكتب رحمه الله تعالى نب: وكتب.
(9) «الضوء اللامع» للسخاوي ج 10ص 53رقم الترجمة 185: بدر الدين محمد بن منهال القاهري (!) فربما هو غيره.
(10) المحروس: بقية النسخ: المحروس من حماة المحروسة.(1/516)
باشتقاق أفعال الجود لواردها مصادرا، ولا زالت عند عرض الألفاظ المطوّلة تقبل إعذار المقصّرين، وحاشا موجد حبّها أن يخذل وبها ناصر الدين.
وينهي أنه تطفّل على كبر قدر مولانا ببراعة هذه العبارة على قدر مقامه، لعله أن يكون ممن اصطفاه برسالاته وبكلامه، ويجمع بجبر قلب العبد إذا كاتبه بين الثواب والجواب، ويتقلد من جواهر فكره الذي أمره أن يجوب بحار المعاني ويجيء بالدر فجاب، ويتقدم أبو بكر في مسابقته لتصديق الرسالة المحمدية على الأصحاب، وينظر المملوك إلى طروس لمعت بروقها الشامية بنيل المطلوب، وانفرجت بها كرب القلب فيقول:
«هذا هو البرق الشامي ومفرّج الكروب»، ويستيقظ عند صباح ذلك الطّرس وقد ظهر متبلّجا، وقد حمد فيه سرى تلك المعاني فيعوّذ بياضه وسواد سطوره ب {الضُّحى ََ وَاللَّيْلِ إِذََا سَجى ََ} (1)، ويطرب لطيور إنشائه وهي تسجع في الأوراق، وقد كادت أن تطير بأجنحة الطروس إلى أو كار أسماعنا على الإطلاق، وتقول هذه الأسجاع التي نفث سحرها في عقد الأقلام: فلله درّ هذا اليراع الذي حاز قصبات السبق إلى الأسنة لأنّ له إذا جال في ميادين النثر نظام: [من الطويل]
طعان بأطراف القوافي كأنّه ... طعان بأطراف القنا المتقوّم
ويحظى المملوك من هذا المثال الذي ليس لحسنه مثال بالوصل، وتعتدل فصول مسرّاته كلما دخل منه إلى فصل، ويقول: «الحمد لله الحكيم اللطيف بعبادته». لقد صحّ القلب الضعيف وتداوى بصحة هذا الرسالة ويستغني ببياضها عن السويدي ورسالته. وينشق من طيّ منشورها رائحة تلك المعاهد، ويعود بصلة وصلها إليه من المسرة عائد، ويتذكر تلك المواقف التي كلما همّ المملوك أن يقف بها مرة أخرى قال له لسان الحرمان: «عزيز أن يتفق لابن حجّة وقفتان». وقد علم الله أنه لم يكن تأخير العبوديات من العبد إلا حسدا أن يفوز دونه بالملتقى. وحياء أن يرسل إلى تلك الرياض التي سما قدرها بزهر المعاني ورقى. وطمعا أن لا يتخصص بذلك الحي غيره ويصف (2) برد تلك المناهل. وحسدا ثانيا أن تحظى المطالعات دونه بالوصول إلى تلك المنازل. وبعد فإن كان المملوك قد تجاهل بهذه المطالعة إذ ليس هو من أهل هذا المقام، فليكن جوابه من مولانا
__________
(1) سورة الضحى 93/ 21.
(2) يصف: نب: يرشف.(1/517)
سلام، لا زالت تجارة أهل الأدب في سوق ذوقه رابحه، وختم الله أعماله بكل صالحه.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
وكتبت (1) إلى سيدنا الشيخ الإمام القدوة العلّامة القاضي بدر الدين عالم المسلمين أبي عبد الله محمد ابن قاضي أذرعات، نوّر الله ضريحه:
يقبل الأرض التي إذا أطلعت الآفاق بدر الدنيا فقد أطلعت بدر الدين، وإن كان بدر الأفق ينقص ويخفى فقد خصّ هذا البدر ببديع التتميم وشرف التكميل والتبيين، وسكن القلب وغير بدع إذا كان القلب للبدر منزلا، وكم رام هلال السماء أن يباهي سموّه بمطلعه فقلنا له: «ما أنت من براعة هذا الاستهلال فلا»، وتطاول الرامح إلى الطعن في محله الذي يجلّ قدرا عن مناظر ومباهي، فقلنا له:
«اقتصر مكتفيا وإلا فعند التناهي». ولقد شوقتني ظبا المعاني في هذا المسرح إلى الالتفات، فقلت وقد تذكرت تلك الليالي المقمرة بالنور البدري وقطوف الفواكه البدرية بها دانيات: [من الوافر]
أيا بدرا سما أفق المعالي ... فأرفق طائرا من كل نسر
ذكرت لياليا بك قد تقضّت ... فيا شوقي إلى ليلات بدر
وينهي بعد أدعية ما لها عند المملوك من الإعراب غير رفعها، وعبودية أباد المنطق شرف حملها ووضعها، أشواق من أظلم ليله بعد غيبة بدره، وزاد ألم طوله حتى صار كدمّل ودّ المملوك لو ظفر بفجره، غير أن نظمه يرفل فيما أسبغه مولانا عليه من وشي مرقوم نثره. ويرفع تحت الستر الرفيع الذي أسبله على ما أبرزه المملوك من بنات فكره.
وما ذاك إلا أن نظمه كان قد أصبح في رياض الأدب منثورا، وذبل وأتى عليه {حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} (2). فلما استسقى غيث كلمه: [من الوافر]
سقاه مضاعف الغيث العميم
ونظر إلى جواهر عقوده وقد أضحت يتامى فحنا عليها:
__________
(1) وكتبت: طب، ق: وكتب أنتع الله بوجوده قا، ها: وكتب رحمه الله تعالى نب: وكتب.
(2) سورة الإنسان 76/ 1.(1/518)
حنوّ الوالدات (1) على اليتيم (2)
وصارت لما مزجت سلافتها بماء ذوقه ودارت:
ألذّ من المدامة للنديم
وأشرق كلام المملوك بنور بدره ورقّ حتى صار يصدّ الشمس أنّى واجهتنا:
فيحجبها ويأذن للنسيم
وأمسى إذا انتثرت عقوده ترتاع كل حالية:
فتلمس جانب العقد النظيم
فلله تلك الأسجاع التي تمنت عقود الثريّا أن تكون نثارا عند سماعها، وسمحت الغزالة بالعين على أن ترعى نظيرها، ورضيت بالاستخدام لما انكشفت (3) عند شعاعها، وخضعت لها الجبهة وودّ الرأس أن يكون لها إكليلا. وقال وقد ابتهر بنجوم أسجاعها:
«هذا ركب بلاغة قد ألقى هنا عصى التسيار»، وأظهر بسواد سطوره وبياض طروسه عجائب الليل والنهار: [من البسيط]
فليصنع الركب ما شاؤوا بأنفسنا ... هم أهل بدر فلا يخشون من حرج
والله تعالى يسبغ ظله الكريم حتى يتفيأ به أهل الأدب، وتثبّت أوتاد أبياتهم بهذا السبب، وتتبهرج عقود نظامهم بجواهر كلامه، ويتمسك طيّب أدبهم بحسن ختامه.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
وكتبت (4) إلى المقرّ الأشرف المرحومي القضائي الأميني الأنصاري الحنفي صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالشام المحروس جوابا عن مثال كريم، وهو إذ ذاك كاتب السر الشريف بحمص المحروسة، وهو:
__________
(1) الوالدات: قا: الراضعات.
(2) اليتيم: ها: الفطيم.
(3) انكشفت: طب، ق، تو: انكسفت.
(4) وكتبت: طب، ق: وكتب أسبغ الله تعالى ظلاله ها، قا: وكتب رحمه الله تعالى نب: وكتب.(1/519)
يقبل الأرض وينهي أنه آمن ببلاغة هذه الرسالة وصدق الرسول، وكيف لا وقد جاءه بالكتاب وعليه السكينة والقبول، وشهد بأنه مثال مثالها الكريم لم يوجد، وأقر لها طوعا وكيف لا يقر برسالة محمد: [من الطويل]
وصدّق لمّا أن رأى معجزاتها ... وقال بقلب في هواكم موحّد
سمّيت أبا بكر فلا تتعجّبوا ... إذا كنت صدّيقا لقول محمد
ونظر المملوك إلى مولانا وقد استسنّ كلّ سنة حسنة من أنواع بديعه في فصل ذلك الخطاب، وأرسلها كتابا مبينا مع رسوله الذي هدينا برسالته إلى الصواب. فتحسب المملوك بالرسول وتمسّك بالكتاب وتناوله بعد وضعه على الرأس باليمين، وقال عند قراءته: «هذا هو السحر الحلال الذي نفث في عقد أقلام المنشئين»، واستجلى عروس إنشائه وهي مكتبة بتلك السطور، وتأمل ارتفاع طور مناجاتها في سطور كتابها فعوّذها بالطور وكتاب مسطور، ودخل إلى بيت شعرها العامر بالمحاسن فعوّذه بالبيت المعمور، ونسي المملوك سجع المطوّق حين هيجت بلابله سجعات هذا الأدب، وهمنا حتى كأنّنا حين ملنا عند سماعنا من الطرب: [من الطويل]
سمعنا حمام الدّوح في روضة غنّى ... فأذكرنا ربع الحبايب والمغنى (1)
وتعبّد المملوك لما دخل إلى جوامع الكلم التي صلت أقلام البلاغة من طرسها الزاهر في أجلّ محراب، وشكرت الباري وسجدت شكرا لما تحققت أن مولانا إمام الإنشاء والكتاب، وطلب أن يتطفّل على خطّابها فخرست ألسن أقلامه، وانتثر عقد نظامه، وقالت له الطروس: «لا تطل فما عوارض سطورك هي العوارض التي تدور على هذه الخدود، ولا تطمع بورود هذا المنهل فما على منثور كلامك الصادر (2) رونق الورود، وبماذا تخاطب (3) من لو عاصره قاضي الأدب لكان له من جملة الشهود؟» وأنشد وقد تقلد ألفاظه مننا في عنقه حيث تحقق أنها عقود: [من مجزوء الرمل]
يا ملوك الفضل إنّ الح ... قّ حق مستبين
أنا سلطان المعاني ... والخليفة الأمين (4)
__________
(1) الحبائب والمغنى: قا: الحبيب مع المغنى.
(2) الصادر: تو، قا، ها: الصادق.
(3) وبماذا تخاطب: ق: وبماذا يخاطب ها: وبهذا تخاطب.
(4) عجز البيت مضطرب.(1/520)
فلله تلك الأوقات التي كان العبد مسرورا بها في حضرة هذا الخليفة الذي هو إمام المنشئين، ونحن نرتع في شط تلك الجريرة بقرب أمير المؤمنين، ولله تلك المحاضرة التي كلما ذكرها المملوك غاب، ومذاكرة الأبيات التي علت بطباق البديع وما لأحد طاقة أن يدخل إليها من باب: [من البسيط]
أيام ما شعر البين المشتّ بنا ... ولا خلت من معاني الحسن أبيات
وأما نسمات (1) العتب اللطيف فقد قابلها المملوك لما هبت عليه بالقبول، ولم تتأخر مطالعته عن الأبواب العالية إلا أن العبد إذا كان مكاتبا صار له إلى حسن التدبير وصول، لا زال منهل فضله عينا يشرب بها المقرّبون، ولا زال أمينا على الأسرار حيث يكون.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
وكتبت (2) من حماة المحروسة إلى طرابلس المحروسة تهنئة (3) مولانا قاضي القضاة شرف الدين مسعود الشافعي، بعود الوظيفة إليه ونصرته على أعدائه:
يقبل الأرض التي من انتسب إلى أبوابها العالية حصل له الشرف، ومن يممها وجاوز بحرها وأمام علمها فمن مجمع البحرين اغترف،
وينهي تهنئة صفر لها ربع الضد وأزهرت الدنيا لأنها وردت في ربيع، وجاءت على يد مبشر لو كان يقنع بالخليع، وهبته قلبا تمزّق ساعة التوديع. فيا لها من فرحة رقص لها المنصب طربا، لأنه أصبح في غنى، وأنشد مضمنا لحكاية حاله: [من الكامل]
سمح الزمان بعودكم فلي الهنا
وتالله لقد أصبح لسان الثغر بحلاوة هذه المسرّة متلمّظا وبرقه مومضا، وسأل الله تعالى أنه إذا قضى عليه بقاض غير مولانا أن يجعل الموت سابق القضا، وتلا:
«هذه بضاعتنا ردّت إلينا»، وإذا ولي الغير «فحوالينا اللهمّ ولا علينا» (4)، وابتهجت
__________
(1) نسمات: ها: سجعات.
(2) وكتبت: طب، ق: وكتب فسح الله في أجله قا، ها: وكتب رحمه الله تعالى نب: وكتب.
(3) تهنئة: في باقي النسخ: يهنئ.
(4) إشارة إلى قول الرسول الكريم إثر هطول الأمطار الغزيرة بعد صلاة الاستسقاء، أنظر «مسند الإمام أحمد ابن حنبل» الأرقام 12019، 12949، 13016، 13743.(1/521)
تلك المعاملات (1) وزهت بعد الوحشة بالأنيس والخليط. ونزلت (2) اللاذقية في ساحل بحرها فرحا وقالت له: «جاءك البحر المحيط»، وندمت جبلة على قبول ولاية الغير وناهيك بندامة جبلة فيما تقدم. وسرت جنايب القبول وأشرقت غرّة الهناء في مقام ابن أدهم، وأصبح أهله في ذلك الحرم بعد الخوف آمنين، وتلا لهم لسان الحال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقََامٍ أَمِينٍ} (3). ورفع الحصن أنف قلعته وأظهر شمما، وعلم أنه بعد هذا الشرف لم يصل إليه إلا من اتخذ سلّما إلى السما، وصفا العيش لصفيتا بعد ما اشتدّت من الكدر «قفا نبك»، وردّت مسابكها لما عادت إلى قيد الحياة على من قال: [من الطويل]
تحطّمنا الأيام حتى كأننا ... زجاج ولكن لا يعاد لنا سبك
وذللت صهوة صهيون، وبترت يد الحاسد بالبترون، ورجع الظنيّون (4) إلى التحقيق من الخير بعد ما ساءت بهم الظنون، وعرقت عرقى (5) عرق العافية لما جاءها الطبيب، وأمست المرقب كما يقال بلا وشاة ولا رقيب، وغازلت عكا بعينها وصفت وتشامخت أنفة بعد ما كانت من أنفها قد أنفت، وترفّعت بلاطنس الجبل وعلمت أنها لهذه البشرى في صعود وسعود، * وتحقق نجم قلعتها أن طالعه بهذا الهناء مسعود * (6)، وأمست القليعة مشرّفة وظهرت شمس بهجتها حتى قلنا إنها برج الحمل، وعلقت العلّيقة بطرف من (7)
سارية هذه البشرى فقالت لها: «يا سارية الجبل الجبل»، وتشامخ الجبيل فرحة وتعاظم بعد التصغير، وراقت الخوابي وتاهت سكرا بعد ما كانت هي وأهلها من الظلم تحت العصير، ورجعت تلك البقاع التي شقيت لفقد مولانا إلى ما كانت عليه من السعادة وأزيد: [من الكامل]
وإذا نظرت إلى البقاع وجدتها ... تشقى كما تشقى الرجال وتسعد
__________
(1) المعاملات: قا: العلامات.
(2) نزلت: تو، ها: تزلزلت.
(3) سورة الدخان 44/ 51.
(4) نسبة إلى إقليم الضّنّيّة في شمال لبنان.
(5) عرقت عرقى عرق: ها: عرفت عرّ في عرف، وهي إشارة إلى بلدة عرقة في إقليم عكار بشمال لبنان.
(6) ما بين النجمتين ساقط من قا، ها.
(7) من: ساقط من ها.(1/522)
والله تعالى يمتع العباد والبلاد ببقاء مولانا قاضي القضاه، ولا برج الدهر والسعد طائعين لأمره طاعة العبد لمولاه.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى (1)
(121 ج)
تقاريظ المؤلف:
مما كتبته (2) من التقاريظ على مناظيم أهل العصر:
أنشدني (3) من لفظه (4) لنفسه الشيخ الإمام الكامل الفاضل البارع المفنّن الأديب شمس الدين خطيب المسلمين أبو عبد الله محمد الشافعي ابن خطيب زرع (5) قصيدة امتدح بها قلمطاي * الدوادار (6) وادّعى أنه نسجها على منوال لامية العجم وتشفع عندي (7) للكتابة * (8) عليها بمولانا قاضي القضاة شمس الدين الإخنائي (9) رحمه الله (10) فلم أجد (11) بدا من ذلك.
__________
(1) لا توجد الخواتم إلا في نب.
(2) كتبته: طب، ق: كتبه فسح الله في أجله ها: مما كتبه رحمه الله تعالى وعفا له قا: ومما كتبه رحمه الله تعالى نب: كتبه.
(3) أنشدني: باقي النسخ: أنشده.
(4) لفظه: ها: نظمه.
(5) وهو شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن محمود السلمي الدمشقي الحنفي («الضوء اللامع» للسخاوي ج 8ص 211210رقم الترجمة 553).
(6) وهو سيف الدين قلمطاي العثماني الظاهري الدوادار، «السلوك» للمقريزي ج 3تكرارا و «النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي ج 12تكرارا 2801880،،
(7) عندي: باقي النسخ: عنده.
(8) ما بين النجمتين ساقط من قا.
(9) وهو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عثمان بن محمد السعدي الإخنائي الدمشقي الشافعي («الضوء اللامع» للسخاوي ج 9ص 137136رقم الترجمة 349)
. 3512340،،
(10) رحمه الله: ها: تغمده الله برحمته.
(11) أجد: باقي النسخ: يجد.(1/523)
ومطلع القصيدة: [من البسيط]
ما لي وللعلم إنّ الجهل أسلم لي ... ولم ينم فاضل إلّا على وجل
والتقريظ:
حججت إلى كعبة هذه القصيدة متمتعا منها بمعان ذات بهجه، معترفا بالتقصير على استيعاب محاسنها وما عسى أن يتأمل من وقفة ابن حجّه. فيا لها من نسيب شعر ولّده ذهن شريف وما لشرفه مناسب، ويا لها من عربية فحول الشعراء خلفها جنائب: [من البسيط]
لو أنّ فحل كليب شام بارقها ... أضحى يلفّ على خيشومه الذنبا
قعدت لناظمها أيده الله فأقامت قواعد الأدب، وتركت لامية العجم تقول عند فصاحتها: «يا للعرب»، وأرسل ربّها آيات فضلها إلى الأسماع فكان لمرسلاتها نبا، وغاص في بسيط بحرها واتخذ سبيله في البحر عجبا. لحظت معنى (1) السحر من ألحاظ معانيها، وترددت إلى أبياتها المرقصة فملت طربا بين مغانيها: [من الكامل]
نغم لولا معاني السحر من لحظاتها ... ما طال تردادي إلى أبياتها
هذا وقد أرسلت بعد فترة من أصحاب النكت الأدبيه، فقابلتها بالتصديق، وما برح أبو بكر يصدّق المعجزات المحمديه. كم نفث في عقد الأقلام سحرها، وأرضعتها ثدي بلاغتها فقلنا: «لله درّها»، وأوضحت مسالك البديع فأهدتنا إليه بالإيضاح، وأوقفتنا على أبواب المعاني والبيان مفتوحة فأغنتنا (2) عن المفتاح. لقد جاءت يتيمة في الدهر متموّلة بنثر درها النظيم، تالية لمن يتعرض إلى معنى معانيها: {لََا تَقْرَبُوا مََالَ الْيَتِيمِ} (3). فلو عاصرها الطائي لا نطوى ذكره بطيب نشرها، أو سمعها الوليد لشاب من عجائب أمرها: [من الطويل]
كذا المتنبّي لو أتى في زمانها ... لكان إلى أبوابها صار مرسلا
وأما المتأخرون فما للنباتي حلاوتها، ولا للوردي نضارتها، ولا لابن الصايغ سبكها وصياغتها، ولا للسراج نور مشكاتها، ولا لابن تميم فصيح لغاتها، ولا للمعمار قواعد
__________
(1) معنى: نب: معاني.
(2) فأغنتنا: قا: فاغتنينا.
(3) سورة الأنعام 6/ 152.(1/524)
أبياتها. لقد فاقت على ابن الصاحب وديوانه، وعلى ابن الظاهر مع قوة سلطانه، وعلى الزغاري ووصف غزلانه، وعلى القيراطي وتحرير أوزانه، وعلى الشريف ونسيب شعره، وعلى الشهاب وثاقب فكره، وعلى ابن الساعاتي ودقائق نظمه ونثره، وعلى ابن أبي حجلة وسواجعه، وعلى ابن سناء الملك وأنوار مطالعه، وعلى ابن لؤلؤ ونظم عقوده، وعلى القاضي مع كثرة شهوده. هذا وقد سمت بممدوح لو سامته بدور السماء تكلفت، وبشذا عرف أوصافه بعد تنكيرها تعرّفت، فيا له من ملك رفع له على مفرق الرامح علم، ورفلت مصر به في حلل الشبيبة بعد ما عرفت بالهرم، ولأصبح وشي الدولة الظاهرية به مرقوما، وعقد الممالك بحسن واسطته منظوما، لا زالت ليالي سعوده مقمرة بطلعته البدريه، وأيام مدايحه مشرقة بالمطالع الشمسيه.
إن شاء الله تعالى.
أوقفني (1) سيدنا ومولانا الشيخ الإمام القدوة العلّامة قاضي القضاة شمس الدين رحلة الطالبين أبو عبد الله محمد الشافعي العراقي الشهير بابن قاضي العراقين (2) على رسالة عاطلة مشتملة على وعظيات وحكم، ورسم لي (3) بالكتابة عليها عاطلا، وهو مسلك ضيق (4) لم يسبق إليه، وذلك بحلب المحروسة في رابع رمضان (5) سنة أربع عشرة وثماني مائة.
فكتبت (6) إليه:
الله أحمد طالع المملوك رسالة محمد وسلّم، وأحكم السمع والطاعة لكلامها المحكم، والله ما
__________
(1) أوقفني: باقي النسخ: أوقفه.
(2) بابن قاضي العراقين: طب، ق: بابن قاضي العراقين فسح الله في أجله.
(3) رسم لي: باقي النسخ: رسم له.
(4) ضيق: ق: أضيق
(5) رابع رمضان: طب ق، نب: رمضان المعظم.
(6) فكتبت: باقي النسخ: فكتب.(1/525)
سمعها عالم إلّا وهام، ولا ردع سحرها الحلال مسلّما (1) إلا كره الحرام، وعاد عالما (2)
وأعدّ للصلاح حواصله، وصار له مع الله معامله، ما أحلى ما كررها عاطلها المحلّى، وأهلا لسهولة مسالكها وسهلا. ما لولد ساعده سعد أحكامها. وأما أهل العصر سكروا لما دارت كاس مدامها، ولا لعمارة عامر صرحها ورهطه، ولا للصرّ درّ كلؤلئها وسمطه. ولا لولد مطروح مع طرحها المحرر مطارحه، ولا صار لولّاده رسالة مسموعة ولا لسرحها أرآم سارحه، وما مسارح الماء الحلو لملحها إلا كالآل، وما عامر ما أسسه العماد إلا أطلال، وما المطامع الحلوة معها إلا مالحه، وما صوادح الكلام الصادع إلا حول دوحها صادحه، وما لطعم الراح من حلاوة وردها رائحه.
* ولا لسلسال الورد معها طلاوة، ولو كلّل الطلّ أدواحه * (3)، ولا لسلوك الدر در سلوكها، ولا للمسوك العاطرة عطر مسوكها، ولم لا ومحكمها حرسها الله ملك العلماء الأعلام، «وكلام الملوك ملوك الكلام». لا إله إلا الله، ما أسرار ولد آدم إلا حكمه، وما كلام الحكماء وما أحكموا إلا حرمه. وما أمة رسول الملك العلّام إلا سادة الأمم، وما سما صدورهم إلا مطالع أهلّة الحكم. أطالها أطال الله عمره وما ملّها سامع، وأطلع هلال دالها؟ وسعد السعود لها طالع. وحصل للعالم لما هلّ هلالها سرور، وأكرموا محلها وأحلّوها الصدور. أحكامها عمدة لأمة محمد، وما أعادها للمسامع إلا صار العود أحمد: [من الخفيف]
سلسلوا دورها لسمع كساه ... درّها وهو عاطل كل حلّه
لا سماع إلا لها لا كلام ... لسواها كرّره كرّره لله
دع ما حكاه ولدهما ورواه، واسمع مسامره همام صعد طور الحكم وساعده الله.
وحسم لكمال كلامه مادة العواطل، وسلسل لطروسه وكلمه سلاسل الدر ودر السلاسل، ولو سمعها ملك العاطل، أمال رؤوس رماحه وكلّ حدّ سلاحه، وسع معالم العلم ومعاهده صدره، وأدرّ لأهله (4) الموارد الحلوة لله دره. ما للكمال أصول
__________
(1) مسلما: ها: مسلم.
(2) عالما: تو، قا، نب: عاملا ها: عايلا.
(3) ما بين النجمتين ساقط من تو، قا، ها.
(4) لأهله: نب: لأهل.(1/526)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/527)
توحش عنده أدب ضده، وغرق في بحره، والضبّ والنون لا يجتمعان. فلو أدركه ابن قزمان لقال: «أبو بكر أول من أقر لمحمد بالبرهان». حدثت عن جامعه الكبير فسموت إلى أن تعلّقت بأجنحة النّسر، وفعلت ما رسم لي من الكتابة عليه علما بأن وقايته تقي فعلي من الكسر. وتالله لقد تأهّلت في الغربة بنسيبه الغريب،
وكل غريب للغريب نسيب (1)
وجنيت من ثمر أغصانه الثلاثية بين تلك المرابع فطابت حواسّي الخمس. واهتديت بنور مطلعه وترقّيت فعلمت أني وصلت إلى مطلع الشمس. وأذنت إلى خرجاته بالدخول فوجدت كل قرينة صالحة قد اشتملت في بيتها منه على حمل، فبايعته على سلطنة الزجل، لأنه صاحب التخت، ومولّد (2) الدقات الأدبية مثل الرمل، الله أكبر لقد صلّت أئمة الزجل خلف هذا الإمام وسلّمت إليه مقاليد الإمامه، وأقامت قيامة أضداده فاعترفوا في موقف الذلّ أن محمد صاحب القيامه. ونظروا إلى بيوته العامرة بالبديع وقد نظر من علوّ الطباق إليهم، فتلت قوافيهم في الزلزلة وأمسوا يخرّبون بيوتهم بأيديهم. هذا والله الأدب الذي تطيبنا بشذا عرفه وتعرفنا تعريفا لا ينكر، وسمعنا تاء خطابه فعلا لأهل الفن زجل صغّروا به أنفسهم وقالوا: «الله أكبر». ونظرت إلى توريته الشهلاء وقد غازلتنا بسحر أجفانها، وبرزت تحت حاجبها النوني ونقطة تلك النون من جملة خيلانها. عارض موصليّهم (3) بآلة أدبه المطربة فلم يظهر لإبراهيم الموصلي بعدها طرب، ولم نر من بديعه غير عصيان بلا طاعة دلّنا منه على قلة الأدب. فلو أدركه الأمشاطي لسرّح عن القيمة (4) بإحسان وسلا من تعشّقه (5) من الأكياس، أو عاصره ابن مقاتل لقال: «قوموا بنا يا مشايخ قد أنقى المشيب لعلنا ندخل إلى جنان هذا الجناس». ولو جاراه الأعرج لانقطع خلفه ولو عرج إلى السما، وكم ناظره ابن الغباري فما لحق له غبارا ورجع بالعمى: [من مخلّع البسيط]
__________
(1) عجز بيت لامرئ القيس ضمن بيتين قالهما عند موته، وصدر البيت:
أجارتنا إنا غريبان ههنا
(2) مولد: قا: موضع.
(3) موصليهم: قا: مواصيلهم.
(4) القيمة: طب: القيامة.
(5) تعشقه: قا: يعشقه.(1/528)
ابن الغباريّ في نظام ... لقيّم الشام ما يجاري
فإنّ ذا لفظه نسيم ... فلا تقيسوه بالغباري
باشر فتوح الشام فظهر له قصص اشتغل بها كل بطّال، وانتقل إلى قيامة مصر فكان صاحب السيرة لهذا الانتقال. هذا وما أضربت عن ذكر من سلف من أصحاب الطبقات العوال، إلا علما أنه (1) لم يظهر من قيامتهم غير الأهوال، والله تعالى يديم هذا القيم براعة نستهل منها أهلة الفضل ونقتبس نور الكلام، وأيده في القيامة بحسن التخلص ومسكه بحسن (2) الختام. بمنه وكرمه.
وأوقفني (3) الشيخ الفاضل الكامل البارع الأديب المفنّن شرف الدين أبو سليمان داود الغزّي (4) على بيتين مواليا من نظمه، وسألني (5) الكتابة عليهما.
وهما (6): [مواليا]
قالت وقد بسمت عن ثغر يرويني ... عن ارتشاف الضرب، وان تهت تهديني
قلّى بلادك من المشرق وانبيني ... ونا أعينك فقلت: يا قمر عيني
فكتبت (7) له عليهما:
وقفت على هذه الكلمات البديعة ببيان المعاني، فعوّذتها رباعية بالمثالث والمثاني. فلو تصفّحها ابن نقطة لقال: «ما أنا من شكل هذه المثالات»، أو سمعها الحريري لقال: «ما أنا من رجال هذه المقامات، أو رام ابن حمادة أن يمازجها لفتر نظمه وبرد، أو سمع بها المشرقي لتغرّب إلى غريبها واتخذها قبلة ومشهد، أو جاراها حادي الجمال لا نقطع خلفها في الساقة، وأنشد: [من الطويل]
__________
(1) إلا علما أنه: ق، تو، قا: إلا علما أنهم ها: إلا على أنهم.
(2) مسكه بحسن: ق: نسئله حسن.
(3) أوقفني: باقي النسخ: أوقفه
(4) داود الغزي: طب، نب: بن سالم الغزي قا: داود المغربي ق: بن سالم المغربي
(5) وسألني: باقي النسخ: وسأله
(6) وهما: باقي النسخ: وهي.
(7) فكتبت: باقي النسخ: فكتب (أضافت قا: رحمه الله تعالى).(1/529)
فسيروا على سيري لأني ضعيفكم ... وراحلتي بين الرواحل ضالع
ولو بارزها العبسي لقال: «ما أنا من فرسان هذا الميدان»، أو فاخرها العزّ لذلّ بعد عزّه وهان، أو الكفتي لما طلى نظمه بالذهب، أو ابن العجمي لقال: «ما لي ولفصاحة أبناء العرب»، أو ابن الزيتوني لأقسم بالتين والزيتون أنها آية لأهل الأدب، أو ابن معتوق لرجع هو وأبوه إلى رق العبوديه * (1)، أو ابن بيبرس (2) لتدرّع بها للقاء أقرانه وكيف لا وهي من الدروع الداوديه، ولو ساماها الفلك لشهد أن ما تحت القبة لها شبيه، أو سمعها مفدّى لافتداها بماله وبنيه، أو عارضها ابن الوالي لأصبح في تهمة عند أبيه، أو حالاها النحلة لتعسل نظمه واستجار بأمير النحل، أو جاراها ابن الجحيش لقال: «ما لي ولمجاراة هذا الفحل»، أو ناظمها الخرزي لقال: «ما لخرز نظمي مع هذه الجواهر قيمة تعدّ. هذا وقد برد الفقاعي بخرجي نظمه المنبذ (3) ولو قابلها لوجب عليه الحدّ، ولو سمعها المملوك لودّ أن يكون عتيقها ومن ناظمها مكاتب، أو قايسها الخفّاف لعلم عند فساد قياسه أن نظمه على غير هندام وهو على القالب (4). فلله درّ ناظمها من أديب أضحت ورق المعالي على أوراق بيانه صادحه، ولا زال يقرن لفظه البديع من أبكار الغريب بكل قرينة صالحه.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى (5)
وسألني (6) الشيخ الكامل الفاضل البارع الأديب المفنّن المؤلف أبو الحسن علي البهائي الشهير بالغزولي (7) أن أكتب (8) له تقريظا على كتابه الموسوم بمطالع البدور
__________
(1) ما بين النجمتين ساقط من ق.
(2) بيبرس: قا: سيرين.
(3) المنبذ: كذا في تو ق: المفيد.
(4) على القالب: طب: على غير القالب قا: على الغالب.
(5) سقطت الخواتم من طب، ق، تو.
(6) سألني: ها: وسأله رحمه الله تعالى في باقي النسخ: سأله.
(7) الغزولي: باقي النسخ: الغزولي تغمده الله برحمته. («الضوء اللامع» للسخاوي ج 5ص 254رقم الترجمة 855: علاء الدين أبو الحسن علي بن عبد الله البهائي الدمشقي الغزولي راجع أيضا:
. 55، (2/ 5، 495،) 55،،
(8) أكتب: باقي النسخ: يكتب.(1/530)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/531)
أهل الأدب بنزاهته فكان على الحقيقة مفرّج الكروب، وحصل له فتوح فترك باب الفتح القدسي مسدودا، وأوتي من كنوز الأدب وأنبائه {مََالًا مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً} (1).
صرف ذهنه الشريف إلى ترصيعه، واستعان بالناقد البصير عند الصرف، وبالصانع القدير عند الرصف، وأعرب بناؤه عن وصف دار الملك فجاء في حسنه زائد الوصف. ولقد طربت عند سماع وصف هذا المعنى، فكيف لو دخلت إلى المغنى:
[من البسيط]
طربت عند سماعي وصف معناك ... فكيف لو كان هذا عند مغناك
فأقسم من أوصاف هذه الدار بالبيت المعمور أنها نزهة الناظر والسامع، وأتلو على بيت حاسدها: {إِنَّ عَذََابَ رَبِّكَ لَوََاقِعٌ} (2): [من الخفيف]
مثّلتها الذكرى لعيني كأني ... أتمشّى هناك بالأحداق
رسم المؤلف أيده الله (3) أن أجاورها بكلامي، ورضي أن أكون جارا لهذه الدار، وأن أتمتع بها دون الغير، لعلمه أن جار الدار أحق بدار الجار. واجتمع العبد من شوارد معانيها الحسان بكل ظبي غرير، {وَهُوَ عَلى ََ جَمْعِهِمْ إِذََا يَشََاءُ قَدِيرٌ} (4). لقد أحجم الفضلاء عن وصف هذه الدار المباركة أعتابها، فكيف إذا جاورها وفتحت أبوابها، فلله درّه، لقد أبدع في هذا الكتاب تأليفه، وأصبح خليفة لأئمة الأدب، وعليّ والله نعم الخليفه، صدق جنس (5) كتابه على كل واحد من الأنواع، ومات منازع فضله في الأحياء من غير نزاع، وطلعت بدوره في مطالعته السعيدة دالّة على أن مؤلفه كثير الاطلاع: [من الطويل]
نغم طلعتم بدورا في أعزّ المطالع ... فبشّرني قلبي بسعد طوالعي
لقد ودّت بيوت الأدب العامرة أن تضاف إلى هذه المطالع، وجاءت أقلام
__________
(1) سورة المدّثر 74/ 1312.
(2) سورة الطور 52/ 7.
(3) أيده الله: نب: رحمه الله.
(4) سورة الشورى 42/ 29.
(5) جنس: ها: حسن.(1/532)
البلغاء إلى هذا الكتاب الجامع، خاضعة ما بين ساجد وراكع، وسجعت طيور إنشائه بين أوراقها فأغنت عن سجع المطوق وألحان السواجع: [من الرجز]
هذا كتاب زاد نيل فضله ... وعمّ أهل الفضل بالوفاء
لا تعجبوا إذا تناهى حسنه ... فإنه ينسب للبهاء
جمع أشتات العلوم فلولا الأدب لقلنا أنه الجامع الكبير، وقلّ عنده كل تأليف، وتالله لم يأت بمثله ابن كثير: [من الكامل]
فإذا بدا لا تستقلّوا حجمه ... وحياتكم فيه الكثير الطّيّب
لقد فاق مؤلفه بجمعه وأقسم (1) بثاني اثنين أنه تفرّد، ونقص عنده الكامل وهذا التأليف الحار يفتر عنده المبرّد، وهامت كتب الأدب به وأمست عارية من الصبر وما عساها أن تتجلّد، وأقمرت ليالي مطالعه بطالع بدوره التي هي غير أوافل، وأنشد كلّ أديب متغزّلا في منازل سروره (2): [من الكامل]
لك يا منازل في القلوب منازل
وتالله لقد أينع ثمر هذا الكتاب وجليت عرائسه للمجتني والمجتلي، وصلّت أئمة الأدب خلفه مسلّمة للإمام عليّ، والله تعالى يديم لأهل الأدب مراعاة نظيره، لأنه انتقل من ليالي وصاله إلى مطالع بدوره.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى (3)
__________
(1) وأقسم: نب: وأحسن قسم.
(2) مطلع قصيدة للمتنبي في مدح القاضي أحمد بن عبد الله الأنطاكي، وعجز البيت:
أقفرت أنت وهنّ منك أواهل
أنظر: «شرح الديوان» للبرقوقي ج 3ص 366.
(3) سقطت الخواتم من طب، ق، تو قا: والحمد لله وحده.(1/533)
(121 د)
خطب الأدبيات:
ومن إنشائي ما أنشأته (1) في خطب الأدبيات.
أوقفني (2) مولانا وسيدنا قاضي القضاة صدر الدين ابن الآدمي الحنفي (3) نوّر الله ضريحه بدمشق المحروسة على ديوان الشيخ برهان الدين القيراطي (4) في تأريخ ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثمانمائة، ورسم لي (5) بتلخيصه واطّراح ما هو غير مناسب بالنسبة إلى مقام الشيخ برهان الدين. فلخّصت له نبذة سميتها (6) تحرير القيراطي فجاءت من العجائب والتسمية أعجب.
والخطبة:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أرشدنا بدليل الذوق السليم إلى معرفة البرهان، وباهى بخلقنا الشريف وما علّمنا من بيان الحكمة فقال عز من قائل: {الرَّحْمََنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسََانَ، عَلَّمَهُ الْبَيََانَ} (7). فالبيان هو السّحر الذي بابه مجرّب للعطف والقبول، ومن بادر إليه بعزيمة هيّج القلوب ونفث سحره الحلال في الأسماع والعقول. وتالله إنّ له نشوة لا يعرفها إلا ملوك الإنشاء، وفضلا أبى الله أن يؤتيه إلا من يشاء، وإليه أشار القائل بقوله: [من الطويل]
__________
(1) ومن أنشأته: طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله ما أنشأه نب: ومن إنشائه عفا الله عنه ما أنشأه قا، ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى ما أنشأ.
(2) أوقفني: باقي النسخ: أوقفه.
(3) راجع ص 15حاشية 2.
(4) وهو برهان الدين إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عسكر بن مظفر القيراطي («الدرر الكامنة» لابن حجر العسقلاني ج 1ص 32رقم الترجمة 77
. 6، 14،، 640،،
(5) رسم لي: باقي النسخ: رسم له.
(6) فلخصت سميتها: باقي النسخ: فلخص سماها.
(7) سورة الرحمن 55/ 41.(1/534)
فأسكرني السّحر الحلال فإنه ... حديث ولم أشرب عتيقا محرّما
نحمده حمد عبد أدبه مولاه فأحسن، ونشكره شكر من سمع القول فاتّبع منه الأحسن، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نتأدّب في أدائها عند الحكم العدل، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أعجز فرقان الشعراء بما جاء به من القصص فاعترفوا له بالفضل، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين تأدبوا بآدابه وشعروا بمناقبه، فنظموا شمل بيته الذي فاز من تمسّك بأسبابه (1). صلاة نرجو أن يكون مجموعها تذكرة لنا يوم الدين، ونتدرج في طيها يوم الحساب عند نشر الدواوين، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإني طالعت ديوان الشيخ الإمام القدوة العلامة برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم القيراطي، وحرّرته بميزان العقل تحرير الذهب، فوجدته قد مازج القطر النباتي بحلاوة ما حرّكه من نكت الأدب، ولكن في الثلث من ديوانه والثلث علم الله كثير، لأني رددت منه (2) ما لم يخرج على صيارفة الأذهان، واستعنت في ذلك بالناقد البصير. وأول ما ألغيت الخطبة (3) لأنها تخرج عند قسمة هذه الفريضة من الثلثين، وفارقتها عن رضى لأني لم أسمع من ألحان سواجعها إلا غراب البين، ولم أبق من منثوره في هذه الروضة إلا زهره، ولا نظمت في سلكه إلا جمانة منظومة مع درّه، واهتدمت من قصائده كلّ بيت أسس على غير تقوى، وأبقيت السمين واختصرت الغثّ لما فيه من الضعف والأقوى. واخترت من المقاطيع المطربة ما يغني عن المواصيل، وحذفت ما لم تكن حلاوته قاهرية ولا يصلح أن تكون من مقطّعات النيل، واطّرحت القصائد التي لم يحرر فيها القيراطي إلا الوزن والقافيه، ولكونها مع ضعفها لم تكن في إعرابها من البديع شافية كافيه: [من الطويل]
ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها ... كفى المرء نبلا (4) أن تعدّ معايبه
__________
(1) بأسبابه: قا: به تو، ها: به بأسبابه.
(2) منه: قا: عنه.
(3) الغيت الخطبة: ق: القيت الخطبة قا، نب: الغيث الخطيّة.
(4) نبلا: نب: فضلا ها: نيلا.(1/535)
وقد أنفت لهذا الإمام أن يتأخر وقد أتى بما لم تستطعه الأوائل، أو يكون على مقابلة جوهره بهذا العرض منتظما في سلك قول القائل: [من الطويل]
إذا كنت ما تدري سوى الوزن وحده ... فقل: أنا وزّان وما أنا شاعر
فجمعت له هذه الغرر المشرقة في جباه الأيام، وسمّيتها «تحرير القيراطي»، والله المستعان في حسن الابتداء والتخلّص إلى حسن الختام.
بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
ومما أنشأته (1) خطبة شرح بديعيتي (2) التي تصاغرت عندها الأكابر، وقالوا: «هذا بديع هذا الزمان وكم ترك الأول للآخر!»، وهي:
الحمد لله البديع (3) الرفيع الذي أحسن ابتداء خلقنا بصنعه وأولانا جميل الصنيع، واستهلّت الأصوات ببراعة توحيده وهو البصير السميع، أدّب نبيّنا صلى الله عليه وسلم فأحسن تأديبه، حتى أرشدنا جزاه الله عنا خيرا إلى سلوك الأدب وأوضح لنا بديعه وغريبه. نحمده حمدا يحسن به التخلص من غزل (4) الشهوة إلى حسن الختام، ونشكره شكر من شعر ببديع صفاته فأحسن النظم، ونعوذ بالله من قوم لا يشعرون بهذا النظام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة شاعر أنه الواحد، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث من بيت عربيّ هو على الأعراب والإعراب أعظم شاهد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين هم نظام هذا البيت ودوائر بحره، وأنواع بديعه وديباجة صدره.
وبعد، فهذه البديعية التي نسجتها بمدحه على منوال طرح البرده، كان مولانا المقرّ الأشرف العالي المولوي القاضوي الناصري محمد بن البارزي الجهني الشافعي،
__________
(1) ومما أنشأته: طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله قا: ومن إنشائه رحمه الله ها: ومن إنشائه تغمده الله تعالى برحمته نب: ومن أنشائه.
(2) شرح بديعيتي: باقي النسخ: بديعيته.
(3) كتب ناسخ تو الكلمات المعلمة من تحت بالحبر الأحمر.
(4) غزل: طب، ق، قا، تو، ها: عزل.(1/536)
صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك المحروسة الإسلاميه (1) جمل الله بوجوده الوجود هو الذي ثقف لي هذه الصّعده، وحلب ضرعها الحافل لحصول هذه الزبده، وما ذاك إلا أنه وقف بدمشق المحروسة على قصيدة بديعية للشيخ المرحوم عز الدين الموصلي رحمه الله تعالى التزم فيها بتسمية النوع البديعي مورّيا به ليتميز على الشيخ صفي الدين الحلّي لأنه ما التزم في بديعيته بذلك. غير أن الشيخ عز الدين أعرب عن بناء بيوت ما أذن الله أن ترفع، ولا طالت يده لإيهام (2) العقادة إلى شيء من إشارات ابن أبي الأصبغ. وربما رضي في الغالب بتسمية النوع ولم يعرب عن المسمّى، وباين بين الألفاظ والمعاني لشدة ما عقّده نظما: [من الطويل]
فيا دارها بالخيف إنّ مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال
فاستخار الله تعالى مولانا المقرّ الأشرف الناصري المشار إليه ورسم لي بنظم قصيدة أطرّزها ببديع هذا الالتزام، وأجاري الحلّي برقّة السحر الحلال الذي ينفث في عقد الأقلام، فصرت أشيّد البيت فيرسم لي بهدمه، وخراب البيوت صعب في هذا البناء إلى الناس، ويقول بيت الصفي: «أصفى موردا وأنور اقتباس»، فأسنّ ما كلّ من حدّة الفكر وأراجعه ببيت له على المناظرة طاقه، فيحكم لي بالسبق وقد صار لي فكرة بإرشاده إلى الغايات سبّاقه. فجاءت بديعية هدمت بها ما نحته الموصلي في بيوته من الجبال، وجاريت الصفيّ مقيدا بتسمية النوع وهو من ذلك محلول العقال، وسميتها «تقديم أبي بكر»، علما أنه لا يسمع من الحلّيّ والموصليّ في هذا التقديم المقال، وكان المشار إليه عظّم الله تعالى شأنه هو الذي مشى أمامي وأشار إلى هذا السلوك وأرشد، فاقتديت برأيه العالي وهل يقتدي أبو بكر بغير محمد؟
__________
(1) بالممالك المحروسة الإسلامية: قا: بالديار المصرية.
(2) لإيهام: تو: لإبهام.(1/537)
ومن إنشائي (1) خطبة كتابي الذي ألّفته من نظمي (2) ومن نظم الشيخ جمال الدين إبن نباته (3) رحمه الله وسمّيته (4) «بيوت العشرة» لأنه يشمل على خمس قصائد من نظمي (5) وخمس قصائد من نظم الشيخ المشار إليه، والخطبة:
الحمد لله الذي أيد أبا بكر بخلافة محمد وفضّله، وقدّمه على العشرة لأنه أول من أقرّ برسالته وصدّق برسله. أحمده حمد عبد أدّبه مولاه فتأدب، وأشكره شكر ذي ذوق سليم: [من الكامل]
ما في المناهل منهل مستعذب ... إلّا ولي فيه الألذّ الأطيب
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من علم أن محمدا إمامه فصلى وسلم. وأشهد أنه عبده ورسوله الذي لا يجانس في فضله ولفظه. لأنه أفضل من تكرّم وتكلّم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نظموا شمل بيته الكامل وأقاموا قواعده، وشجعت سيوفهم في رقاب أعدائه فنثروها وأنشأوا في الخافقين محامده، وسلم تسليما.
وبعد، فإن للمتقدمين في الأدب حقا لا ينكر، وفضلا أبى الله إلا أن يذكر: [من الكامل]
سبقوا إلى المعنى وجئنا بعدهم ... زدنا على المعنى فكل محسن
وكان الشيخ الإمام القدوة العلّامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد إبن نباته المصري لا زال عهاد الرحمة يبلّ ثراه، ولا قطع لدوح أدبه النباتي شجرة وسقاه الله ورعاه، هو حجة المتأخرين في التقديم على الأوائل، والدليل القاطع بما سنّه من أنواع البديع في نثره ونظمه، والسنة المحمدية من أكبر الدلائل، نعم والله ألغى ذكر الأوائل بسلامة ما اخترعه من النكت الأدبية في نظامه، وإن أطنبت في وصفه لم تحضرني علم الله عبارة أرضاها لعلو مقامه، وما أحق بقول القائل: [من الطويل]
وإني وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل
__________
(1) ومن إنشائي: طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله قا، ها: ومن إنشائه رحمه الله تعالى نب: ومن أنشائه.
(2) باقي النسخ: كتابه الذي ألفه من نظمه.
(3) المراجع الواردة في 4،، 10،،.
(4) سميته: باقي النسخ: سماه.
(5) نظمي: باقي النسخ: نظمه.(1/538)
ومذ نشأت لم استظلّ بغير أبياته، ولا نوّعت حلاوات نظمي إلا من قطر نباته، وأنا أول معترف له بالرق في سوق رقيقه، والجاني ثمر الأدب من أغصانه النباتية والمتنزه بين مزهره (1) ووريقه، ولا والله لم ألتفت إلى تحريم الحلّي ولا إلى العرض الفاني من درر بحوره، ولا همت (2) في رياض الأدب إلا بسجع مطوّقه على زهر منثوره. وقد جمعت هذه النبذة من نظمي ونظمه لا مجاريا بعاصي حماة بحر النيل، غير أن بينهما نسبة المائيه، والموجب لعلة الضمّ هي هذه الجنسيه. وإذا كان لا بد لمحمد من خليفة فأبو بكر أحق بالخلافة المحمدية،. هذا مع علمي أن النبات الحموي يحلو في مصر مكرره، وقربه من القطر النباتي يعرفه الذوق السليم ولا ينكره، وسميتها بيوت العشرة لأن القصائد خمسة من نظمي وخمسة من نظمه، والتورية بين محمد وأبي بكر وبيوت العشرة لا تخفى على المستضيء بنور فهمه، والله الموفق للصواب، وبه المستعان وإليه المآب.
ومن إنشائي (3) خطبة ديواني التي لم تتنزل براعتها لناظم في حساب ديوانه، ولا ظفر بها أحد من عصره وزمانه، والبراعة:
الحمد لله الذي لا يحصر مجموع فضله ديوان، ولا يقابل تذكرة جبره بالنسيان.
علمنا البيان فعلمنا أنه بديع السموات والأرض، وسنّ مواضي عقولنا فقطعنا أن عبادته فرض. نحمده حمد من سقي دوح فكره بماء الأدب فأثمر المعاني، ونشكره شكر من أطرب بنظمه المفرد أهل المثالث والمثاني. نعّم مرقص الأدب ومطربه في الأسماع، أبلغ من آلة الطرب السماع، وقد أشار إلى صاحب الوشي المرقوم، في حلّ المنظوم، بقوله:
«ولو أنصف أهل العقول لعلموا أن القلم مزمار المعاني»، كما أن أخاه في النسب مزمار المغاني، فهذا يأتي ببدائع الحكم، كما يأتي ذلك بغرائب النغم، وكلاهما شيء واحد في الإطراب، غير أن هذا يلعب بالأسماع وهذا يولع بالألباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة هي ذخري يوم المعاد ومطلوبي، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي قال: «أدّبني وربّي وأحسن تأديبي».
__________
(1) مزهره: طب: مثمره.
(2) همت: قا: هممت.
(3) ومن إنشائي: طب، ق: ومن إنشائه فسح الله في أجله قا: ومن إنشائه رحم الله تعالى نب: ومن إنشائه.(1/539)
يا أخا الأدب ما الأدب إلا هبة إلاهيه، وملكة ملكيه، إذا جليت بدوره في مطالع الصدور جلت الظلمه، وحسبك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من البلاغة لسحرا، وإن من الشعر لحكمه» (1)، وبالله أقسم ما سمعت شيئا من طيب الأدب إلا خلب لبّي، وأخذ بمجامع قلبي: [من الوافر]
ومن حضر السماع بغير قلب ... ولم يطرب فلا يلم المغنّي
وبعد، فيا ويح سكران وجد لم يمل وهو إلى حبه ثائر، وأف لبدوي لم يطربه ذكر حاجر.
وحكى صاحب الأغاني أن رجلا أدّى شهادة عند بعض القضاة فقال له القاضي:
«هل يعرفك أحد من ذوي العدالة؟» فقال: «نعم فلان» فلما حضر قال له القاضي: «هل تعرف هذا؟» فقال: «نعم أعرفه عدلا رضى وما ذاك إلا أني سمعته ينشد لجرير: (2) [من الكامل]
إنّ الذين غدوا بلبّك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا
غيّضن من أبصارهن (3) وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا
فعلمت أن هذا لا يرسخ إلا في قلب مؤمن».
وذكر القاضي شمس الدين ابن خلكان في تاريخه (4) أن إبراهيم الموصلي النديم مات سنة ثمان وثمانين ومائة ومات في يوم موته الكسائي النحوي والعباس بن الأحنف، فرفع ذلك إلى الرشيد [فأمر المأمون أن يصلّي عليهم] فقصد الصلاة عليهم فلما مثّلوا بين يديه قال: «من هذا الأول؟» فقيل: «إبراهيم الموصلي» فقال: «أخّروه، وقدّموا العباس ابن الأحنف» فقدّم فصلى عليه، ولما فرغ وانصرف، دنا منه هاشم بن عبد الله [بن مالك] الخزاعي [فقال]: «يا أمير المؤمنين كيف آثرت [العباس بن] (5) الأحنف بالتقدمة على من حضر؟» فقال: «لقوله: [من الكامل]
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل، حيث يرد الحديث في صياغات مختلفة منها: الأرقام 2761، 3025، 3068 وسواها.
(2) «ديوان جرير» ج 1ص 386.
(3) أبصارهن: نفس المرجع: عبراتهن. وفي هامش الأصل من الديوان: قيّضن نقضن.
(4) «وفيات الأعيان» لابن خلكان ج 2ص 231.
(5) ما بين الحاصرتين زيادات أخذت من وفيات الأعيان.(1/540)
وسعى بنا قوم فقالوا إنها (1) ... لهي التي تشقى بها وتكابد
فجحدتهم ليكون غيرك ظنّهم ... إني ليعجبني المحبّ الجاحد»
ثم قال له: «هل تحفظها؟» قال: «نعم يا أمير المؤمنين» فقال: «أليس من قال هذا الشعر (2) أولى بالتقديم؟» (3) فقال له: «بلى والله يا سيدي» وناهيك أنه قضي لحسّان ببيتين بالجنة مرتين، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لا فضّ فوك» (4) وصح في الصحيحين. وما ألطف الشيخ زين الدين ابن الوردي رحمه الله تعالى في قوله:
«ولعمري ما أنصفني من أساء بي الظن»، وقال: «إني رضيت مع درجة العلم بهذا الفن»، والصحابة (5) كانوا ينظمون وينثرون، ونعوذ بالله من قوم لا يشعرون.
وبعد، فهذه أوراق في رياض الأدب زاهره، بل نجوم في سماء البلاغة زاهره، وكنت قد حلّيت بها أوراقا متفرّقة بغير رابطه، فأشار بعض المخاديم بجمعها فنظمتها عقدا لما حصل لها هذه الواسطه، وما أحقها بقول القائل: [من الخفيف]
هذه للقلوب قوت وللأس ... ماع قرط وللواخط قرّه
فاستميلوا عقودها واكتبوها ... بسواد العيون فوق المجرّه
جمعتها وقد قرع السنّ قارع الأربعين، خيفة من حلول الأجل ومسابقة الحين في هذا الحين، لعلمي أن القريحة في هذا الزمن الخامل والفن الكاسد، لم تصل إلى أكثر من هذه المقاصد، ولكن نسجت في شعري على منوال قوم حلّوا بالتورية أشعارهم، وجعلوا أنواع البديع في النظم شعارهم، منهم النباتي بحلاوته، والوردي (6) بنضارته، وابن الصائغ بحسن سبكه وصياغته، وابن الصاحب بديوانه، وابن عبد الظاهر بقوة سلطانه، والسرّاج بنور مشكاته، وابن تميم بفصيح لغاته، والمعمار بقواعد أبياته، والحمامي بانشراح صدره، وابن الساعاتي بدقائق نظمه ونثره، والشهاب بثاقب فكره، والشريف بنسيب شعره، والقيراطي بتحرير أوزانه، والزغاري بوصف غزلانه،
__________
(1) المصدر السابق: وسعى بها ناس وقالوا إنها
(2) الشعر: تو: النظم ها: الشطر نب: القول.
(3) بالتقديم: وفيات الأعيان: بالتقدمة.
(4) لا فض فوك: قا، ها: لا فض الله فاك.
(5) والصحابة: قا: والصحابة رضي الله عنهم. الوردي: قا، ها: ابن تميم.
(6) الوردي: قا، ها: ابن تميم.(1/541)
وابن أبي حجلة بسواجعه، وابن سناء الملك بأنوار مطالعه، وابن لؤلؤ بنظم عقوده، والقاضي بكثرة شهوده، قوم دخلوا بيوت الأدب بأبوابها، وخبروا شعاب بديعه «وأهل مكة أخبر بشعابها»، وسميتها «جنى الجنّتين» أني راعيت فيها بحدائق نثري زهر المنثور، ورخصت بجواهر نظمي قيمة الناظم لدرر البحور، ليعلم المتأمل أني عسكري الصناعتين، والجاني جنى الجنتين وهذه نسخة كمل وصفها لقوم يتأدبون، وهنا يحسن الالتفات فنقول: «والله المستعان على ما تصفون».
تمت قهوة الإنشاء بحمد الله وعونه وحسن توفيقه
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا
والحمد لله وحده، وحسبي الله ونعم الوكيل (1)
__________
(1) الخواتم من نسخة تو.(1/542)
فهارس الكتاب
فهرس الآيات القرآنية
فهرس الأحاديث النبوية
فهرس الأعلام
فهرس الأماكن والبلدان
فهرس الأمم والقبائل والجماعات والطوائف
فهرس الحكم والأمثال والأقوال المأثورة
فهرس الموظفين والوظائف
فهرس الأشعار
فهرس الأرجاز
ثبت المصادر والمراجع(1/543)
فهرس الآيات القرآنية
الآية: رقمها: الصفحة
2 - سورة البقرة {الم. ذََلِكَ الْكِتََابُ}: 1: 72
{وَمِنَ النََّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنََّا بِاللََّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمََا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}: 8: 314
{وَقُودُهَا النََّاسُ وَالْحِجََارَةُ}: 24: 450
{الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللََّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثََاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مََا أَمَرَ اللََّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ}: 27: 345
{إِنِّي جََاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}: 30: 428
{اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مََا سَأَلْتُمْ}: 61: 13، 386
{صَفْرََاءُ فََاقِعٌ لَوْنُهََا تَسُرُّ النََّاظِرِينَ}: 69: 99
{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كََانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلََامَ اللََّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مََا عَقَلُوهُ}: 75: 277
{وَمََا كَفَرَ سُلَيْمََانُ وَلََكِنَّ الشَّيََاطِينَ كَفَرُوا}: 102: 314
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسََاجِدَ اللََّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}: 114: 41، 444
{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ}: 134، 141: 205
{إِنََّا لِلََّهِ وَإِنََّا إِلَيْهِ رََاجِعُونَ}: 156: 296
{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذََا عََاهَدُوا} {وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}: 177: 431
{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً}: 249: 61، 64، 122
{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللََّهِ وَاللََّهُ مَعَ الصََّابِرِينَ}: 249: 361(1/545)
{فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}: 258: 422
{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}: 269: 283
3 - سورة آل عمران {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللََّهِ الْإِسْلََامُ}: 19: 276
{قُلِ اللََّهُمَّ مََالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشََاءُ}: 26: 205، 371
{الْفَضْلَ بِيَدِ اللََّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشََاءُ}: 73، 74: 272
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللََّهِ وَأَيْمََانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا}: 77: 430
{كَيْفَ يَهْدِي اللََّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمََانِهِمْ}: 86: 314
{وَاللََّهُ لََا يَهْدِي الْقَوْمَ الظََّالِمِينَ}: 86: 169
{حَسْبُنَا اللََّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}: 173: 25، 281
{وَشََاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}: 159: 12
4 - سورة النساء {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمََانََاتِ إِلى ََ أَهْلِهََا}: 58: 414
{أَيْنَمََا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ}: 78: 77
5 - سورة المائدة {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}: 1: 280
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لََا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصََارى ََ أَوْلِيََاءَ بَعْضُهُمْ}: 51: 277
6 - سورة الأنعام {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}: 18، 73: 205
{فَقُطِعَ دََابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ}: 45: 181، 312، 339
{اللََّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسََالَتَهُ}: 124: 431
{لََا تَقْرَبُوا مََالَ الْيَتِيمِ}: 152: 482(1/546)
7 - سورة الأعراف {وَقََاسَمَهُمََا إِنِّي لَكُمََا لَمِنَ النََّاصِحِينَ}: 21: 164
{الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللََّهِ وَيَبْغُونَهََا عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كََافِرُونَ}: 45: 317
{وَالْعََاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}: 128: 124
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى ََ يَوْمِ الْقِيََامَةِ}: 167: 277
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجََاهِلِينَ}: 199: 262
8 - سورة الأنفال {لَوْ أَنْفَقْتَ مََا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً}: 63: 126، 204، 435
9 - سورة التوبة {قََاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللََّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ}: 14: 314
{يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبََارِ وَالرُّهْبََانِ}: 34: 277
{الدِّينُ الْقَيِّمُ}: 36: 334
10 - سورة يونس {أَلََا إِنَّ أَوْلِيََاءَ اللََّهِ لََا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلََا هُمْ يَحْزَنُونَ}: 62: 350
{لََا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً}: 71: 62، 65، 123
{إِنَّ اللََّهَ لََا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}: 81: 352
{وَأَوْحَيْنََا إِلى ََ مُوسى ََ وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءََا لِقَوْمِكُمََا بِمِصْرَ بُيُوتاً}: 87: 427
11 - سورة هود {بِسْمِ اللََّهِ مَجْرََاهََا}: 41: 455
{سَآوِي إِلى ََ جَبَلٍ}: 43: 170
{لََا عََاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللََّهِ}: 43: 233
{وَالْعََاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}: 49: 124(1/547)
12 - سورة يوسف {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هََذََا}: 29: 319، 444
{مََا هََذََا بَشَراً إِنْ هََذََا إِلََّا مَلَكٌ}: 31: 338
{قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيََانِ}: 41: 168
{أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ}: 45: 294
{اللََّهَ لََا يَهْدِي كَيْدَ الْخََائِنِينَ}: 52: 352
{وَكَذََلِكَ مَكَّنََّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ}: 56: 204
{هََذِهِ بِضََاعَتُنََا رُدَّتْ إِلَيْنََا}: 65: 9، 239، 379
{وَابْيَضَّتْ عَيْنََاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}: 84: 455
{فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنََا إِنَّ اللََّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}: 88: 474
{أَنَا يُوسُفُ وَهََذََا أَخِي قَدْ مَنَّ اللََّهُ عَلَيْنََا}: 90: 204
{إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}: 94: 203
{ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شََاءَ اللََّهُ آمِنِينَ}: 99: 61، 65، 122، 465
13 - سورة الرعد {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتََابٌ}: 38: 169
14 - سورة إبراهيم {أَصْلُهََا ثََابِتٌ وَفَرْعُهََا فِي السَّمََاءِ}: 24: 74
{إِنَّمََا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصََارُ}: 42: 196
15 - سورة الحجر {ادْخُلُوهََا بِسَلََامٍ آمِنِينَ}: 46: 44، 232، 489
{فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}: 85: 215
16 - سورة النحل {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسََانِ}: 19: 343
{يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهََا شَرََابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوََانُهُ}: 69: 16، 442(1/548)
17 - سورة الإسراء {كََانَ ذََلِكَ فِي الْكِتََابِ مَسْطُوراً}: 58: 449
{وَقُلْ جََاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبََاطِلُ إِنَّ الْبََاطِلَ كََانَ زَهُوقاً}: 81: 196
18 - سورة الكهف {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً}: 17: 349
{لََا يُغََادِرُ صَغِيرَةً وَلََا كَبِيرَةً إِلََّا أَحْصََاهََا}: 49: 455
{وَمََا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً}: 51: 319
{لَقَدْ لَقِينََا مِنْ سَفَرِنََا هََذََا نَصَباً}: 62: 288
{اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً}: 63: 288، 371، 433
{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى ََ أَنْ تُعَلِّمَنِ}: 66: 102
{إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً}: 67، 72، 75: 102
{لََا تُؤََاخِذْنِي بِمََا نَسِيتُ وَلََا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً}: 73: 292
{أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً}: 75: 292
{لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً}: 77: 174
{يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً}: 79: 464
{سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً}: 83: 363
{فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً}: 95: 395، 398
{آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ}: 96: 451
19 - سورة مريم {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا}: 5: 350
{مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}: 8: 339
{يََا يَحْيى ََ خُذِ الْكِتََابَ بِقُوَّةٍ}: 12: 48
{بَرًّا بِوََالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبََّاراً عَصِيًّا}: 14: 20
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتََابِ إِسْمََاعِيلَ}: 54: 406
20 - سورة الأنبياء {يََا نََارُ كُونِي بَرْداً وَسَلََاماً}: 69: 457
{لَقَدْ كَتَبْنََا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ}: 105: 339(1/549)
22 - سورة الحج {وَلَوْلََا دَفْعُ اللََّهِ النََّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوََامِعُ وَبِيَعٌ}: 40: 181
{نِعْمَ الْمَوْلى ََ وَنِعْمَ النَّصِيرُ}: 78: 411
23 - سورة المؤمنون {الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي نَجََّانََا مِنَ الْقَوْمِ الظََّالِمِينَ}: 28: 362
{عَمََّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نََادِمِينَ}: 40: 195
{بُعْداً لِلْقَوْمِ الظََّالِمِينَ}: 41: 465
{إِلى ََ رَبْوَةٍ ذََاتِ قَرََارٍ وَمَعِينٍ}: 50: 81
24 - سورة النور {وَلََا تَأْخُذْكُمْ بِهِمََا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللََّهِ}: 2: 277
{يَهْدِي اللََّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشََاءُ}: 35: 442
{بُيُوتٍ أَذِنَ اللََّهُ أَنْ تُرْفَعَ}: 36: 41، 131، 443
25 - سورة الفرقان {وَجَعَلْنََا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ}: 20: 263
26 - سورة الشعراء {فَأَخْرَجْنََاهُمْ مِنْ جَنََّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقََامٍ كَرِيمٍ}: 57، 58: 427
{سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}: 89: 311
27 - سورة النمل {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتََابٌ كَرِيمٌ}: 29: 392
{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمََانَ}: 30: 219، 314، 358، 389
{إِنَّ الْمُلُوكَ إِذََا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهََا}: 34: 394(1/550)
28 - سورة القصص {أَقْبِلْ وَلََا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ}: 31: 80، 344
{وَالْعََاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}: 83: 124
{كُلُّ شَيْءٍ هََالِكٌ إِلََّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}: 88: 312
30 - سورة الروم {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ}: 1، 2: 80، 123
{إِنَّ فِي ذََلِكَ لَآيََاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}: 37: 172
33 - سورة الأحزاب {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجََالٌ صَدَقُوا مََا عََاهَدُوا اللََّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى ََ نَحْبَهُ}: 23: 276، 338
{وَكَفَى اللََّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتََالَ}: 25: 319
{وَرَدَّ اللََّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنََالُوا خَيْراً}: 25: 314، 362، 363
{يُرِيدُ اللََّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}: 33: 429
{شََاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدََاعِياً إِلَى اللََّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرََاجاً مُنِيراً}: 45، 46: 429
34 - سورة سبأ {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}: 1: 205
{غُدُوُّهََا شَهْرٌ وَرَوََاحُهََا شَهْرٌ}: 12: 313
{بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}: 15: 387
{ذََلِكَ جَزَيْنََاهُمْ بِمََا كَفَرُوا وَهَلْ نُجََازِي إِلَّا الْكَفُورَ}: 17: 314
35 - سورة فاطر {يََا أَيُّهَا النََّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرََاءُ إِلَى اللََّهِ}: 15: 55(1/551)
36 - سورة يس {وَجَعَلْنََا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا}: 9: 453
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهََا ذََلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}: 38: 418
{وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}: 79: 454
37 - سورة الصافات {سَلََامٌ عَلى ََ نُوحٍ فِي الْعََالَمِينَ}: 79: 474
{إِنَّ جُنْدَنََا لَهُمُ الْغََالِبُونَ}: 173: 181
38 - سورة ص {وَخَرَّ رََاكِعاً وَأَنََابَ}: 24: 215
{وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنََا لَزُلْفى ََ وَحُسْنَ مَآبٍ}: 25: 215
{يََا دََاوُدُ إِنََّا جَعَلْنََاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ}: 26: 57، 336، 368
39 - سورة الزمر {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لََا يَعْلَمُونَ}: 9: 429
{سَلََامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ}: 73: 37
{وَفُتِحَتْ أَبْوََابُهََا وَقََالَ لَهُمْ خَزَنَتُهََا سَلََامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ}: 73: 442
{وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ}: 75: 174
40 - سورة غافر {يَعْلَمُ خََائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمََا تُخْفِي الصُّدُورُ}: 19: 195
41 - سورة فصلت {وَبََارَكَ فِيهََا وَقَدَّرَ فِيهََا أَقْوََاتَهََا}: 10: 172
{لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}: 35: 388، 403(1/552)
42 - سورة الشورى {حم. عسق}: 1، 2: 381
{اللََّهُ لَطِيفٌ بِعِبََادِهِ}: 19: 434
{قُلْ لََا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ََ}: 23: 432
{وَهُوَ عَلى ََ جَمْعِهِمْ إِذََا يَشََاءُ قَدِيرٌ}: 29: 490
{شُورى ََ بَيْنَهُمْ}: 38: 334
43 - سورة الزخرف {إِنََّا جَعَلْنََاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا}: 3: 270
{أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهََذِهِ الْأَنْهََارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي}: 51: 402
{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنََّا مُبْرِمُونَ}: 79: 312
44 - سورة الدخان {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنََّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقََامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ}: 2725: 426
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقََامٍ أَمِينٍ}: 51: 480
48 - سورة الفتح {إِنََّا فَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} {وَيَنْصُرَكَ اللََّهُ نَصْراً عَزِيزاً}: 31: 76
{كََانُوا أَحَقَّ بِهََا وَأَهْلَهََا}: 26: 21
49 - سورة الحجرات {فَقََاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتََّى تَفِيءَ إِلى ََ أَمْرِ اللََّهِ}: 9: 60
50 - سورة ق {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذََلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ}: 20: 452
{وَجََاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهََا سََائِقٌ وَشَهِيدٌ}: 21: 452
{ادْخُلُوهََا بِسَلََامٍ}: 34: 168(1/553)
{أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}: 37: 173
{لَذِكْرى ََ لِمَنْ كََانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}: 37: 489
52 - سورة الطور {إِنَّ عَذََابَ رَبِّكَ لَوََاقِعٌ}: 7: 152، 170، 490
51 - سورة النّجم {مََا ضَلَّ صََاحِبُكُمْ وَمََا غَوى ََ}: 2: 9، 84، 444
{أَزِفَتِ الْآزِفَةُ}: 57: 452
{لَيْسَ لَهََا مِنْ دُونِ اللََّهِ كََاشِفَةٌ}: 57: 298، 452
55 - سورة الرحمن {الرَّحْمََنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسََانَ. عَلَّمَهُ الْبَيََانَ}: 41: 492
{الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلََا تُخْسِرُوا الْمِيزََانَ}: 9: 17
{فَبِأَيِّ آلََاءِ رَبِّكُمََا تُكَذِّبََانِ}: 13، 77: 377
{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيََانِ}: 19: 54
{فَانْفُذُوا لََا تَنْفُذُونَ إِلََّا بِسُلْطََانٍ}: 33: 337
{هَلْ جَزََاءُ الْإِحْسََانِ إِلَّا الْإِحْسََانُ}: 60: 234
56 - سورة الواقعة {ظِلٍّ مَمْدُودٍ. وَمََاءٍ مَسْكُوبٍ. وَفََاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ}: 3230: 302، 456
57 - سورة الحديد {بََاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظََاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذََابُ}: 13: 453
{وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللََّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشََاءُ}: 29: 292
59 - سورة الحشر {وَيُؤْثِرُونَ عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كََانَ بِهِمْ خَصََاصَةٌ}: 9: 74
{عَلى ََ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خََاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللََّهِ}: 21: 276، 340(1/554)
62 - سورة الجمعة {قُلْ مََا عِنْدَ اللََّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجََارَةِ}: 11: 279، 453
64 - سورة التغابن {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا}: 14: 170
67 - سورة الملك {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى ََ وَجْهِهِ أَهْدى ََ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا}: 22: 268، 432
68 - سورة القلم {ن وَالْقَلَمِ وَمََا يَسْطُرُونَ}: 1: 485
69 - سورة الحاقة {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهََا صَرْعى ََ كَأَنَّهُمْ أَعْجََازُ نَخْلٍ خََاوِيَةٍ}: 7: 341
{فَهَلْ تَرى ََ لَهُمْ مِنْ بََاقِيَةٍ}: 8: 341
71 - سورة نوح {رَبِّ لََا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكََافِرِينَ دَيََّاراً}: 26: 186
74 - سورة المدّثر {مََالًا مَمْدُوداً. وَبَنِينَ شُهُوداً}: 12، 13: 490
{وَكُنََّا نَخُوضُ مَعَ الْخََائِضِينَ}: 45: 457
75 - سورة القيامة {كَلََّا لََا وَزَرَ}: 11: 246
76 - سورة الإنسان {حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً}: 1: 476(1/555)
{يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً}: 10: 451
{وَسَقََاهُمْ رَبُّهُمْ شَرََاباً طَهُوراً}: 21: 442
{إِنَّ هََذََا كََانَ لَكُمْ جَزََاءً وَكََانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً}: 22: 162، 192، 309، 337، 442
79 - سورة النازعات {فَإِذََا هُمْ بِالسََّاهِرَةِ}: 14: 445
{فَأَخَذَهُ اللََّهُ نَكََالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى ََ. إِنَّ فِي ذََلِكَ لَعِبْرَةً}: 25، 26: 317
80 - سورة عبس {قُتِلَ الْإِنْسََانُ مََا أَكْفَرَهُ}: 17: 320، 450
{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}: 37: 453
82 - سورة الانفطار {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}: 4: 26
{عَلِمَتْ نَفْسٌ مََا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}: 5: 453
83 - سورة المطففين {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}: 1: 474
{عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ}: 28: 429
85 - سورة البروج {قُتِلَ أَصْحََابُ الْأُخْدُودِ. النََّارِ ذََاتِ الْوَقُودِ}: 74: 53
87 - سورة الأعلى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}: 1: 467
{الصُّحُفِ الْأُولى ََ. صُحُفِ إِبْرََاهِيمَ وَمُوسى ََ}: 19: 250
88 - سورة الغاشية {هَلْ أَتََاكَ حَدِيثُ الْغََاشِيَةِ}: 1: 464(1/556)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/557)
102 - سورة التكاثر {كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}: 3، 4: 293
105 - سورة الفيل {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحََابِ الْفِيلِ}: 1: 130، 436
106 - سورة قريش {أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}: 4: 338
108 - سورة الكوثر {إِنََّا أَعْطَيْنََاكَ الْكَوْثَرَ}: 1: 32
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}: 2: 472
111 - سورة المسد {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ}: 1: 94، 451
{وَامْرَأَتُهُ حَمََّالَةَ الْحَطَبِ}: 4: 451
{حَمََّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِهََا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}: 4، 5: 465
13 - سورة الفلق {مِنْ شَرِّ مََا خَلَقَ}: 2: 301
{مِنْ شَرِّ غََاسِقٍ إِذََا وَقَبَ. وَمِنْ شَرِّ النَّفََّاثََاتِ فِي الْعُقَدِ}: 53: 308(1/558)
فهرس الأحاديث النبويّة
الحديث الصفحة
حرف الألف «أدّبني ربي وأحسن تأديبي» 497
«أربعة يظلّهم الله بظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظله» 374
«إنّ الله قد فتح الأمر بي ويختمه بولدك» 429
«إن من البلاغة لسحرا» 498
«إنّما الأعمال بالنيّات» 70
حرف التاء «تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة» 435
حرف الحاء «الحب يتوارث والبغض يتوارث» 361
حرف الخاء «الخير معقودا بنواصي الخيل» 86
حرف السين «سبحان من أعزّني قديما وحديثا بالعمرين» 197
«سبعة يظلّهم الله في ظلّه» 342
«سبعة يظلّهم الله في ظلّه منهم الإمام العادل» 434
«السلطان ظلّ الله في الأرض يأوي إليه كل مظلوم من عباده» 343(1/559)
حرف الفاء «فحوالينا اللهمّ ولا علينا» 197، 479
حرف اللام «لا فضّ فوك» 499
حرف الميم «مروا أبا بكر فليصلّ بالناس» 111
«من أطاعني فقد أطاع الله» 181
«من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، فميتته ميتة الجاهلية» 181
حرف الياء «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج» 436
«يوم من أيام (إمام) عادل أفضل من عبادة ستين سنة» 343
«يوم من إمام عادل أفضل من مطر أربعين صباحا أحوج ما تكون الأرض إليه» 434(1/560)
فهرس الأعلام
حرف الألف إبراهيم (عليه السلام): 36، 158، 232، 233، 234، 243، 249، 251، 296، 297، 298، 300، 334.
إبراهيم بن سعيد (الجوهري) صاحب «المسند»:
117، 326.
إبراهيم سلطان (بن شاه رخ): 317.
إبراهيم بن غرس الدين خليل السكندري، برهان الدين: 35، 36.
إبراهيم بن المؤيد الشيخ (الصارمي): 233، 289، 294، 295، 297.
إبراهيم بن مبارك شاه برهان الدين (الأسعردي): 59، 157، 158.
إبراهيم الموصلي النديم: 486، 498.
ابن الأثير علي بن عبد الكريم (أبو الحسن الشيباني) المؤرخ: 141.
أحمد بن أويس (السلطان): 200، 223.
أحمد بن أبي حمزة (الذهبي) أبو بكر البلخي النيسابوري: 139، 489.
أحمد بن حبيب (ابن عبد ربه) أبو عمرو المرداني: 248، 315، 320.
أحمد بن حنبل (الإمام): 44، 207، 321، 349، 413، 414.
أحمد بن سفري، شهاب الدين (ابن السفري): 111.
أحمد بن سنان (الكركي) أبو الرضا البغدادي:
386.
أحمد سيدي شهاب الدين (أبو السعادات الحمودي) «السلطان المظفر»: 74، 436.
أحمد بن محمد بن الحسين (الأرّجاني) أبو بكر «الشاعر»: 150.
أحمد بن هارون (المستعين بالله) أبو العباس الخليفة: 430.
ابن إدريس محمد الشافعي: 112، 128، 270، 272، 273، 303، 325، 348، 372، 414، 417.
ابن الآدمي صدر الدين أبو الحسن ابن الأمير الدمشقي الحنفي: 15، 19، 439، 440، 492.
ابن أدهم: 480.
الأرّجاني أحمد بن الحسين (أبو بكر) «الشاعر»: 150.
الأزراري: 17.
ابن أزدمر: 78.
إسحاق (عليه السلام): 192.
أبو إسحاق بن هارون (المعتصم بن محمد) الخليفة العباسي: 233، 430.
ابن أسعد: 455.(1/561)
الأسعد: 410.
أسعد بن الخطير مهذّب بن مينا (ابن ممّاتي) أبو المكارم المصري: 142.
الأسعردي إبراهيم بن مبارك شاه برهان الدين: 59، 157، 158.
الإسكندر: 358، 363، 369، 379، 397، 398.
إسكندر بن قرا يوسف التركماني: 11م.
الإسكندر ذو القرنين: 395.
ابن إسماعيل (عليه السلام): 412.
إسماعيل (عليه السلام): 408.
إسماعيل بن الصائغ الحلبي: 406.
إسماعيل بن عيذون (القالي) أبو علي البغدادي «اللغوي»: 75.
إسماعيل بن محمد اللاري: 22م.
أسنبغا الخاصكي (سيف الدين): 376.
أسود النقس: 323.
ابن أبي الأصبغ: 425، 495.
الأعرج: 486.
امرؤ القيس: 102، 399.
أميرزا (سعد وقاص): 201.
ابنة أميرزا: 311.
أميرزا (شاه رخ): 201.
الأمشاطي: 486.
أمين الدين بن مفلح: 162، 166.
أمين الدين الأنصاري الحنفي: 477.
الأميني أمين الملك: 169.
الأنصاري، شيخ الشيوخ: 150.
إينال الرجبي (سيف الدين): 78، 298.
أيوب (عليه السلام): 243.
حرف الباء ابن البارزي (ناصر الدين محمد بن عثمان) المخدومي، الجهني، الشافعي: 3م، 4م، 5م، 6م، 7م، 16م، 27م، 5، 6، 13، 26، 27، 29، 30، 68، 71، 73، 74، 82، 124، 258، 259، 273، 281، 302، 304، 322، 403، 494.
البازيّ: 101.
باي سنقر بهادر: 317.
بثينة: 407.
البخاري: 354، 414.
بدر الدين (القاضي): 476.
بدر الدين حسن بن نصر الله: 10، 31، 32، 324، 326.
بدر الدين بن أبي بكر المخزومي السكندري المالكي (ابن الدماميني): 138، 461.
بدر الدين محمد بن الدماميني: 2م، 139، 140.
بدر الدين محمد بن مزهر الشافعي: 307، 309.
بدر الدين محمد بن منهال القاهري: 474.
بدر الدين محمود البشتكي: 262.
بدر الدين محمود العيني: 261.
البديع (بديع الزمان): 139.
ابن برد بشار بن برد العقيلي: 17، 104.
برقوق (الملك الشهيد) الظاهر: 2م، 165، 335.
أبو البركات محمد الصالحي الشافعي: 21م.
البرمكي أبو الفضل الفارسي جعفر بن يحيى بن خالد: 325.
برهان الدين إبراهيم السكندري: 35، 36.
برهان الدين إبراهيم (ابن جماعة): 1م، 2م، 24.(1/562)
برهان الدين إبراهيم بن مظفر (القيراطي): 17، 139، 144، 147، 411، 483، 492، 493، 494، 499.
برهان الدين أبو إسحاق القيراطي: 493.
ابن بسّام علي بن نصر (أبو الحسن البغدادي) «الشاعر»: 141.
البستي: 142.
بنت بسطام عائشة بنت محمد بن الحسن:
98.
بشار بن برد العقيلي (ابن برد): 104.
ابن أبي البقاء: 386.
بقراط: 37.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه: 112، 113، 138، 149، 227، 302، 409، 420، 469، 475، 482، 486، 495، 496، 497.
أبو بكر بن محمد بن إسماعيل القلقشندي (ابن القلقشندي): 39.
البلقيني جلال الدين بن رسلان بن نصير البلقيني: 269، 328.
ابن البوّاب: 141.
ابن بيبرس: 6م، 488.
بير قرا (الأمير): 201.
البيساني عبد الرحيم، القاضي الفاضل: 16، 301، 309، 324.
ابن البيطار عبد الله بن أحمد المالقي الأندلسي: 37.
حرف التاء التاجي فضل الله: 58، 410.
التبريزي: 364.
التركمان: 211، 233، 320.
تقي الدين أبو بكر الحموي الأزراري (ابن حجة): 1م، 2م، 3م، 4م، 5م، 7م، 8م، 9م، 10م، 11م، 12م، 13م، 14م، 15م، 16م، 17م، 18م، 19م، 22م، 23م، 25م، 26م، 27م، 29م، 3، 87، 102، 105، 106، 108، 124، 138، 139، 149، 150، 263، 313، 406، 408، 410، 421، 425، 426، 475، 482.
تقي الدين أبو بكر بن عثمان الجيتي الحموي (ابن الجيتي): 111، 112.
تقي الدين أبو بكر بن قرناص: 58، 142.
أبو تمام حبيب بن أوس بن الحارث الطائي الجاسمي «الشاعر»: 139، 144، 215، 299، 325.
ابن تميم الوردي: 482، 499.
تيمور لنك (الأمير): 3م، 199، 200، 223، 235، 396، 473.
ابن تيمية: 292.
حرف الجيم جابر (الملك): 325.
ابن الجحيش: 488.
جرير: 498.
جعفر بن أحمد بن طلحة (المقتدر بالله) أبو الفضل العباسي: 224.
أبو جعفر بن هارون (الواثق بالله) الخليفة العباسي: 430.
جعفر بن هارون (المتوكّل على الله) (أبو فضل العباسي) الخليفة: 430.
جعفر بن يحيى بن خالد (أبو الفضل الفارسي البرمكي): 325.(1/563)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/564)
حسن المؤيدي: 13.
حسن بن نجم الدين (ابن الصاحب البدري):
365.
الحسن بن هانىّ (أبو نواس) أبو علي الحكمي «الشاعر»: 458.
أبو الحسن الهمداني (السخاوي) المصري: 4م، 5م، 6م، 7م، 17م، 18م.
ابن الحسين (أحمد بن الحسين الجعفي الشاعر المتنبي): 423.
الحسين بن أحمد البغدادي (ابن الحجاج) «الشاعر»: 137، 144.
الحسين بن عبد الصمد (الطغرائي) أبو إسماعيل الأصبهاني «الشاعر»: 421.
الحسين بن محمد (الكتبي) أبو عبد الله الهروي:
139.
الحلي دبيس بن صدقة بن منصور (أبو الأعز الملك): 141.
ابن حمادة: 487.
الحمامي (نصير): 144، 411، 499.
ابن حمدان: 80.
عبد الحميد: 260، 418.
حميد الدين (قاضي بابا): 223، 224، 225، 226.
الإمام أبو حنيفة النعمان (الكوفي): 112، 337.
حرف الخاء ابن الخرّاط زين الدين أبو الفضل بن عبد الله الحموي الشافعي: 6م، 23م، 113، 114.
الخرزي: 488.
ابن خروف علي بن محمد بن علي (أبو الحسن الإشبيلي): 410.
الخضري محمد بن أحمد (أبو عبد الله المروزي): 17.
ابن الخطيب: 407.
الخطيري: 81، 128، 410.
الخفّاف: 488.
ابن خلكان شمس الدين: 139، 489، 498.
خليل الكردي: 236.
الخنساء: 297.
الخواجكي فخر الدين عثمان: 66.
الخوارزمي شمس الدين محمد: 124، 158، 420.
حرف الدال ابن دانيال: 142، 410
داود (عليه السلام): 57، 336، 337، 347، 367، 368، 390.
داود بن المقر المرحومي بن الكويز: 9.
أبو داود: 336.
الداوودي عبد الرحمن بن محمد (أبو الحسن البوشنجي): 204، 213.
دبيس بن صدقة بن منصور (الحلي): 141.
ابن دقيق العيد: 385.
دلغادر (ابن الغادر): 233، 234، 237.
ابن الدماميني بدر الدين محمد بن أبي بكر المخزومي السكندري المالكي: 137، 138، 461.
ديك الجن عبد السلام بن حبيب (أبو محمد الكلبي الحمصي) «الشاعر»: 141.
حرف الذال الذهبي أحمد بن حمزة (أبو بكر البلخي النيسابوري): 139، 248، 489.(1/565)
ذو القرنين ابن حمدان بن الحسن (أبو المطاع التغلبي) «الشاعر»: 471.
ذو النورين (عثمان بن عفان) رضي الله عنه:
67، 335.
حرف الراء الرازي شمس الدين محمد الشافعي: 420، 422.
الرافعي: 272.
رستم المؤيدي الخاصكي: 180.
الرسول: 3، 6، 9، 12، 15، 20، 26، 29، 32، 34، 36، 38، 41، 44، 46، 50، 53، 55، 58، 69، 73، 78، 86، 111، 114، 116، 118، 137، 166، 181، 184، 192، 193، 225، 238، 250، 251، 258، 260، 267، 275، 276، 278، 279، 281، 282، 288، 291، 292، 297، 299، 302، 303، 307، 311، 324، 342، 343، 344، 361، 365، 368، 374، 387، 396، 429، 434، 435، 438، 474، 494، 497، 498، 499.
الرشيد هارون بن محمد بن المنصور (الخليفة العباسي): 325، 430، 498.
ابن رمضان: 232.
رميثة بن محمد بن عجلان: 164.
ابن رواحة الأنصاري (عبد الله): 445.
ابن الرومي علي بن العباس بن جريج «الشاعر»: 108، 141.
حرف الزاي الزبيري: 386.
زرقاء اليمامة: 42.
الزركشي: 382.
الزغاري: 142، 483، 499.
الزهري: 17، 25، 175.
زهير بن أبي سلمى: 256، 410.
زهير (بن محمد المهلبي المصري): 256، 410.
ابن الزيتوني: 488.
أبو زيد السروجي: 226، 236، 239.
زين الدين عبد اللطيف بن شرف الدين: 333.
زين الدين الإسكندر بن قرا يوسف (صاحب العراق): 11م، 198، 221، 238، 254، 311، 316، 319، 359، 377، 391.
زين الدين عبد الباسط بن إبراهيم الدمشقي:
132، 133، 352، 355.
زين الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن عبد الله الحموي الشافعي (ابن الخرّاط): 6م، 23م، 113، 114.
زين الدين أبو هريرة عبد الرحمن التفهني القاهري الحنفي: 284، 286.
حرف السين سارية (سارية بن زنيم الدؤلي الصحابي): 275، 410.
ابن الساعاتي علي بن محمد بن رستم (أبو الحسن الخراساني الدمشقي): 144، 286، 440، 483، 499.
السبكي (تقي الدين): 141، 150، 195، 196، 274، 384، 386.
السخاوي علي بن عطّاس (أبو الحسن الهمداني المصري): 4م، 5م، 6م، 7م.
17 - م، 18م.
السراج (سراج الدين): 185، 410، 482، 499.(1/566)
1 - أبو السعادات، فرج شهاب الدين أحمد المحمودي (السلطان المظفر): 274، 436.
سعد وقاص (أميرزا): 201.
ابن سعيد: 141.
أبو سعيد برقوق: 436.
ابن أبي السفاح شهاب الدين أبو العباس أحمد الحلبي الشافعي: 50، 51.
ابن السفري أحمد بن سفري، شهاب الدين:
111.
ابن سكرة محمد بن عبد الله بن محمد (أبو الحسن الهاشمي) «الشاعر»: 411.
السلطان الأشرف برسباي: 13م.
السلطان سليمان القانوني: 23م.
السلطان فرج بن برقوق: 9م، 199.
السلطان الملكي الظاهري السيفي: 351، 355، 384.
السلطان المؤيد الشيخ المحمودي: 3م، 4م، 5م، 13م، 16م، 24م، 25م، 7، 10، 13.
السلطان المؤيد شيخ المقبل: 7م، 11م.
السلطان الملكي المؤيدي السيفي: 18، 21، 24، 27، 30، 32، 35، 36، 39، 42، 45، 48، 51، 54، 56، 112، 115، 118، 131، 134، 136، 155، 158، 161، 177، 190، 193، 197، 209، 210، 247، 257، 260، 266، 268، 273، 283، 286، 292، 304، 309، 425.
سليمان (عليه السلام): 219، 244، 314، 315، 358، 390.
سليمان الأيوبي فخر الدين (صاحب حصن كيفا): 11م، 215، 251، 310، 357، 386، 400.
السليماني (الملك): 458.
السمرقندي: 382.
ابن السّمين: 445.
ابن سناء الملك هبة الله بن جعفر بن محمد (أبو القاسم المصري) «الشاعر»: 151، 185، 225، 238، 275، 325، 407، 410، 483، 500.
سهيل بن هارون: 260.
السويدي: 37، 475.
سيف بن ذي يزن: 167.
سيف الدولة علي بن حمدان (أبو الحسن) صاحب حلب: 245، 410.
سيف الدين: 410.
سيف الدين أرغون شاه الدوادار الخاص: 313، 314، 400، 403.
سيف الدين (اينال الرحبي): 78، 298.
سيف الدين أياس (أمير آخور): 242.
سيف الدين بخشايش (أمير آخور): 253.
سيف الدين بكتمر السعدي: 287.
سيف الدين تنبك (ميق): 379.
سيف الدين جقمق الدوادار: 298، 300.
سيف الدين كزل: 290.
سيف الدين ياغي بستي: 395.
السيفي ططر: 375.
حرف الشين الشافعي محمد (ابن إدريس): 112، 118، 270، 272، 273، 303، 325، 348، 372، 414، 417.
شاه رخ (أميرزا): 11م، 201، 393.
شاه رخ بهادر (سيف الدين): 316، 358.
شجاع الدين بير عمر: 201.(1/567)
شرف الدين بن برهان المحتسب: 316.
شرف الدين أبو سليمان داود الغزّي: 487.
شرف الدين سيدي موسى: 30، 248، 295.
شرف الدين مسعود الشافعي: 479.
شرف الدين يحيى بن أحمد التنوخي الكركي الشافعي (ابن العطار): 6م، 256، 257.
الشريف: 483.
شقيق النعمان: 21، 44، 112، 286، 342، 440.
شمس الدين الحاج محمد: 395.
شمس الدين الحلبي الفقاعي (ابن ناهض):
25 - م، 137، 138.
شمس الدين أبو الضياء الهروي الشافعي: 33، 34.
شمس الدين العمري: 226.
شمس الدين محمد بن النواجي الشافعي: 409.
شمس الدين محمد الرازي الهروي الشافعي:
418، 420، 422.
شمس الدين محمد الشافعي، ابن خطيب: 481.
شمس الدين محمد بن الضريس الحموي الحنفي: 282، 283.
شمس الدين أبو عبد الله الدمشقي الإخنائي:
481.
شمس الدين محمد (الخوارزمي): 124، 158، 420.
شمس الدين محمد بن الطرّاح: 485.
شمس الدين محمد بن قوق الأزهري المالكي:
161.
شمس الدين محمد بن الماحوزي المؤيدي الشافعي: 278، 280.
شمس الدين محمد بن موسى الأزهري المالكي:
159.
شمس الدين محمد النواجي: 6م.
شمس الدين المزني: 410.
الشهاب فتيان الدمشقي الشاغوري «الشاعر»: 410، 499.
شهاب الدين أحمد (ابن حجر العسقلاني):
7 - م، 27م، 412.
شهاب الدين أحمد أستاداره: 216، 218.
شهاب الدين أحمد بن السفاح: 6م.
شهاب الدين أحمد القلقشندي (صبح الأعشى): 5م، 85، 256، 421.
شهاب الدين ألطن برمق: 125، 128.
شهاب الدين بن حجر الشافعي: 261.
شهاب الدين (أبو السعادات أحمد المحمودي، السلطان المظفر): 274، 436.
شهاب الدين (أبو العباس أحمد بن أبي السفاح الحلبي الشافعي ابن أبي السفاح): 50، 51.
شهاب الدين (ابن فضل الله): 86، 89، 91، 93، 97، 99، 100، 101، 104، 105، 107.
شهاب الدين (محمد بن فهد): 86، 87، 90، 92، 95، 98، 101، 103، 105.
الشهاب محمود بن فهد الموصلي: 4م، 6
الشهابي أحمد الدّنيسري: 52، 53.
شكرا خان (القان): 119، 121، 126.
حرف الصاد ابن الصائغ (عماد الدين إسماعيل الحلبي):
150، 406، 411، 482، 499.
الصابي (هلال): 142، 259، 422.
ابن الصاحب: 6، 150، 406، 408، 411، 483، 499.
صاحب تونس (أبو فارس عبد العزيز المتوكل بن
محمد الحفصي): 59، 63، 119.(1/568)
صاحب تونس (أبو فارس عبد العزيز المتوكل بن
محمد الحفصي): 59، 63، 119.
صاحب حصن كيفا (سليمان الأيوبي): 215، 251، 310، 357، 386، 400.
صاحب شيراز: 378.
الصاحب ابن عباد: 7، 321، 418.
صاحب العراق (زين الدين الإسكندر بن قرا يوسف): 11م، 198، 221، 238، 254، 311، 316، 319، 359، 377، 391.
صاحب القطر النباتي (ابن نباتة): 141.
صاحب قم: 378.
صاحب لا رندة: 11م.
صاحب الهند: 369.
صاحب اليمن (صلاح الدين أحمد بن إسماعيل) الملك الناصر: 11م، 63، 119، 162، 163، 214، 346، 411.
الصارمي إبراهيم بن المؤيد الشيخ: 233، 289، 294، 295، 297، 299.
الصالحي: 386.
صبح الأعش (شهاب الدين القلقشندي المصري): 85، 256، 421.
صدر الدين أبو الحسن ابن الأمير الدمشقي الحنفي (ابن الآدمي): 15، 18، 19، 439، 440، 492.
صدر الدين بن الحسن علي الحنفي (ابن القضامي): 468، 471.
صدر الدين أحمد بن عبد الله القيسري القاهري، الحنفي (ابن العجمي): 43، 44، 488.
الصفدي صلاح الدين (ابن أيبك): 82، 139، 407، 411.
صفي الدين الحلّي: 141، 411، 495.
صلاح الدين: 5، 327، 444، 495.
صلاح الدين أحمد بن إسماعيل (صاحب اليمن) الملك الناصر: 63، 119، 162، 163، 214، 346، 411.
صلاح الدين البدري الصّاحبي (حسن بن نصر الله): 327، 328.
الصلاحي خليل بن الكويز المؤيدي: 155.
حرف الطاء الطائي، حاتم (حاتم طي): 69، 328، 401، 482.
طرسان بك (ظهير الدين): 178، 181، 182.
الطغرائي الحسين بن عبد الصمد (أبو إسماعيل الأصبهاني) «الشاعر»: 421.
طغرق: 235.
طقز ملك الشهابي الحاجي: 215، 218.
ابن طولون: 275.
أبو الطيب (المتنبي): 95، 121، 187، 189، 197، 214، 261، 341، 378، 410، 422، 436، 482.
حرف الظاء ابن الظاهر: 483، 499.
الظاهر (الملك) أبو الفتح ططر: 6م، 13م، 27، 28، 235، 336، 339، 340، 341، 343، 344، 346، 348، 354، 357، 359، 363، 364.
ظهير الدين (طرسان بك): 178، 181، 182.
حرف العين عائشة بنت محمد بن الحسين (بنت البسطام):
98.
ابن عباد (الصاحب): 7، 410.
ابن عباس عبد الله بن عبد المطلب (الصحابي
القرشي): 301، 368، 431.(1/569)
ابن عباس عبد الله بن عبد المطلب (الصحابي
القرشي): 301، 368، 431.
العباس بن الأحنف بن الأسود الحنفي اليماني «الشاعر»: 498.
العباس بن عبد المطلب (عم رسول الله): 338، 372، 412.
عبد الحميد (الكاتب): 7، 418.
ابن عبد ربه أحمد بن حبيب (أبو عمر المرواني): 248، 315، 320.
عبد الرحمن البلقيني الشافعي، جلال الدين (أبو الفضل): 72، 281.
عبد الرحمن بن عبد الله بن مسافر (الوهراني) أبو القاسم الهمداني المغربي: 139.
عبد الرحمن بن عبد الملك (أبو مروان القرطبي) ابن قزمان: 486.
عبد الرحمن بن محمد (الداوودي): 204، 213.
عبد الرحيم البيساني (القاضي الفاضل): 16، 301، 309، 324.
عبد السلام رغبان بن حبيب (ديك الجن) أبو محمد الحمصي «الشاعر»: 141.
ابن عبد الظاهر (محيى الدين): 6، 82، 160، 257، 259، 408، 410، 419.
عبد العافي بن أحمد الذهبي الشافعي: 20م.
ابن عبد العزيز (عمر) أبو حفص القرشي الأموي (الخليفة): 24، 197، 425.
عبد العزيز بن محمد (الكتاني) أبو محمد التميمي:
17.
عبد القادر (الجيلاني): 57.
عبد الله بن أحمد المالقي (ابن البيطار): 37.
عبد الله بن عبّاس (ابن عباس بن عبد المطلب) الصحابي القرشي: 301، 368، 431.
عبد الله بن عمر (ابن عمر بن الخطاب الصحابي): 385.
أبي عبد الله محمد (ابن قاضي العراقين): 476، 483.
عبد اللطيف بن شرف الدين (زين الدين):
333.
عبد اللطيف بن يوسف الباعوني: 23م.
العبسي (عنترة بن شدّاد): 488.
عثمان بن عفان (ذو النورين): 67، 335.
عجلان (ابن رميثة): 170.
ابن العجمي صدر الدين أحمد بن عبد الله القيسري القاهري الحنفي: 43، 44، 488.
ابن العديم ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن محمد العقيلي الحلبي الحنفي: 19، 22.
العراقي ولي الدين أبو زرعة الشافعي: 348، 351.
عروة بن الورد: 106.
عز الدين الموصلي: 495.
العزّ (عز الدين بن عبد السلام): 488.
العزيز (عزيز مصر): 364، 390، 402، 435.
ابن العطار شرف الدين يحيى بن أحمد التنوخي الكركي الشافعي: 256، 257.
ابن العطار ناصر الدين محمد بن أحمد التنوخي الحموي الحنفي: 55.
ابن العفيف (التلمساني): 407.
علم الدين أبي البقاء بن صالح الكناني البلقيني الشافعي: 383، 384.
علم الدين داود (ابن الكويز): 6م، 27م، 8، 40، 68، 69، 70، 71، 72، 129، 130، 153، 176، 321، 322، 331.
علي باك بن قرمان: 265، 266.
علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): 116، 118، 138، 207، 209، 266، 267، 379،
434، 439، 440، 441، 490، 491.(1/570)
علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): 116، 118، 138، 207، 209، 266، 267، 379،
434، 439، 440، 441، 490، 491.
علي بن بهمن (الكسائي) أبو الحسن الكوفي (النحوي): 498.
علي بن حمدان (سيد الدولة) أبو الحسن: 245، 410.
علي بن العباس بن جريج (ابن الرومي) «الشاعر»: 141.
علي القائد (علاء الدين): 347.
علي بن محمد بن أحمد (ابن لؤلؤ): 410.
علي بن محمد بن رستم (ابن الساعاتي) أبو الحسن الخراساني الدمشقي: 144، 286، 440، 483، 499.
علي بن محمد بن نصر (ابن بسام) أبو الحسن البغدادي: 141.
عماد الدين إسماعيل الحلبي (ابن الصائغ):
150، 406، 411، 482، 499.
ابن عمر عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي (الصحابي): 385.
عمر بن جرادة الحنفي، أبو حفص: 438.
عمر بن حجي الشافعي، نجم الدين أبو حفص (ابن حجي): 26م، 23، 194، 196، 422، 424.
عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): 196، 422.
عمر بن عبد العزيز (أبو حفص القرشي الأموي الخليفة): 24، 197، 425.
عمر بن مرشد (ابن الفارض) أبو القاسم المصري «الشاعر»: 410.
ابن العميد محمد بن محمد (أبو الفضل الديلمي الوزير): 4م، 418.
أبو العلاء المعري: 410.
علاء الدين أبو الحسن الحموي الحنبلي (ابن المغلي): 116، 117، 207، 208، 291، 292، 441، 442.
علاء الدين أبو الحسن البهائي (الغزولي): 488.
علاء الدين يار علي: 377.
عيسى (ابن مريم عليها السلام): 334.
حرف الغين ابن الغادر (دلغادر): 233، 234، 237.
ابن الغباري: 486.
الغزولي علاء الدين، أبو الحسن علي البهائي:
488.
حرف الفاء أبو فارس عبد العزيز المتوكل بن محمد الحفصي (صاحب تونس): 59، 63، 119.
ابن الفارض عمر بن مرشد (أبو القاسم المصري) «الشاعر»: 410.
الفاضل الناصر: 184، 186.
أبو الفتح داود العباسي المعتضد بالله (الخليفة العباسي): 57، 73، 75، 335، 336، 344، 347، 367، 368، 390.
أبو الفتح ططر (الملك الظاهر): 6م، 13م، 27، 28، 235، 336، 339، 340، 341، 343، 344، 346، 348، 354، 357، 363، 364.
أبو الفتح محمد بن إبراهيم بن محمد الوفائي الشافعي: 23م.
فتح الدين بن مستعصم التبريزي: 466.
فتح الدين فتح الله: 2م، 7.
فخر الدين عثمان (الخواجكي): 66.
فخر الدين بن عبد الرزاق (ابن مكانس): 2م، 449.
فخر الدين عبد الغني بن نقولا الأرمني (ابن أبي
الفرج): 187، 189، 244، 246.(1/571)
فخر الدين عبد الغني بن نقولا الأرمني (ابن أبي
الفرج): 187، 189، 244، 246.
فخر الدين عثمان بن طر علي: 66، 317.
فخر الدين بن الصغيّر: 135، 136.
فخر الدين (المشيري): 246.
الفرّاء: 322.
ابن أبي الفرج فخر الدين عبد الغني بن نقولا الأرمني: 187، 189، 244، 246.
أبو الفرج التيمي (ابن الجوزي) عبد الرحمن:
191، 355، 385، 406، 457.
فضل الله، تاج الدين (ناظر الدولة): 58.
ابن الفضل شهاب الدين: 86، 89، 91، 93، 97، 99، 100، 101، 104، 105، 107، 399.
ابن فضل الله العمري: 4م.
أبو الفضل العباس (المستعين بالله) الهاشمي العباسي: 428.
الفقاعي ابن ناهض، شمس الدين الحلبي:
25 - م، 137، 138.
ابن فهد عبد الواحد بن علي بن محمد (أبو القاسم البغدادي): 225، 238، 259.
حرف القاف القادري ناصر الدين محمد بن الكاتب: 192، 193.
ابن قادوس: 142، 404.
أبو القاسم البغدادي (عبد الواحد بن علي بن محمد) ابن فهد: 238.
القاسم بن عثمان (الحريري) البصري «ذو البلاغتين»: 17، 487.
القاضي الفاضل: 82، 83، 150، 172، 212، 293، 399، 410، 421، 440، 483، 498.
القالي إسماعيل بن عيذون (أبو علي البغدادي) اللّغوي: 75.
قجقار المؤيدي (الأمير سيف الدين): 211.
قرا عثمان: 200، 201، 204، 205، 232، 237.
قرا يوسف (صاحب العراقين) زين الدين الإسكندر: 11م، 198، 221، 238، 254، 311، 316، 319، 359، 377، 391.
ابن قزمان عبد الرحمن بن عبد الملك (أبو مروان القرطبي): 486.
القشيري: 273، 407.
ابن القضامي صدر الدين أبي الحسن علي الحنفي: 468، 471.
ابن القلقشندي أبو بكر محمد بن إسماعيل القلقشندي: 39.
قلمطاي العثماني الظاهري الدوادار: 481.
القونوي: 265.
ابن قلاقس نصر الله بن مخلوف (أبو الفتوح اللخمي الإسكندري) «الشاعر»: 410.
القيراطي برهان الدين إبراهيم بن مظفر: 17، 139، 144، 147، 411، 483، 492، 493، 494، 499.
قيصر (ملك الروم): 402، 410.
حرف الكاف الكارم: 29، 165، 347.
كافور الإخشيدي (أبو المسك الخادم الأستاذ): 141، 340، 408.
الكافي الكافلي الجاجي الشهابي طقز: 218.
ابن كتائب: 445.
الكتاني عبد العزيز بن محمد (أبو محمد التميمي): 17.(1/572)
الكتبي الحسين بن محمد أبو عبد الله الهروي:
139.
ابن كثير: 24، 117، 139، 491.
الكركي أحمد بن سنان (أبو الرضا البغدادي): 386.
الكسائي علي بن بهمن (أبو الحسن الكوفي) النحوي: 498.
كسرى يزدجرد بن شهريار المجوسي الفارسي: 374، 410.
الكفتي: 488.
الكلستاني: 306.
كليم الحرب: 102.
كمال الدين بن محمد بن البارزي: 7م، 27م.
كمشبغا الظاهري الحموي: 435، 438.
ابن كويز علم الدين داود: 6م، 27م، 8، 40، 68، 69، 70، 71، 72، 129، 130، 153، 176، 321، 322، 331.
حرف اللام لقاء المحبوب المؤيدية (بنت عبد الله المؤيدية):
281.
لقمان (عليه السلام): 334.
ابن لؤلؤ علي بن محمد بن أحمد: 410، 483، 500.
حرف الميم الماوردي محمد بن الحسن بن علي (المحدث):
17.
ابن مالك محمد بن عبد الله بن مالك بن جمال الدين: 293.
مالك بن أنس: 326.
ابن مبارك برهان الدين الأسعردي إبراهيم: 59، 157، 158.
ابن مبارك شاه: 158.
المبرّد محمد بن يزيد بن عبد الأكبر (صاحب الكامل): 117، 325، 358، 491.
المتنبي (أبو الطيب): 95، 121، 187، 189، 197، 214، 261، 341، 378، 410، 422، 436، 482.
المتوكل على الله جعفر بن هارون (أبو الفضل العباسي) الخليفة: 430.
مجد الدين بن عبد الرزاق: 2م.
مجد الدين فضل الله بن مكانس القبطي الحنفي (ابن مكانس): 143.
محمد بن إبراهيم البشتكي: 263.
محمد بن إبراهيم بن محمد الوفائي الشافعي (أبو الفتح): 23م.
محمد بن أبي بكر (ابن نقطة): 487.
محمد بن أبي يزيد بن عثمان ابن أرخان: 178، 183.
محمد بن أحمد بن الفرفور الشافعي: 20م.
محمد بن بايزيد العثماني: 11م.
محمد التركماني: 223.
محمد بن الحسن الشيباني: 21.
محمد بن الحسن بن علي (الماوردي) «المحدث»:
17.
محمد بن حسن النواجي: 21م.
محمد بن دلغادر: 267.
محمد بن عبد الله بن مالك (ابن مالك) جمال الدين: 293.
محمد بن عبد الواحد بن مفرّج (الملاحي) أبو القاسم الغافقي الأندلسي: 141.
محمد بن العطار المؤيدي الدوادار السيفي: 56.
محمد بن علي بن حسن (ابن مقلة) أبو علي
الوزير: 141، 284.(1/573)
محمد بن علي بن حسن (ابن مقلة) أبو علي
الوزير: 141، 284.
محمد بن قرمان (ناصر الدين): 11م، 210، 268، 287، 289، 375، 486.
محمد بن المرحوم كمال الدين (بن العديم): 20.
محمد بن محمد (ابن العميد) أبو الفضل الديلمي الوزير: 4م، 418.
محمد بن محمد، ابن نباتة المصري (أبو عبد الله):
496.
محمد بن يزيد بن عبد الأكبر (المبرد): 117.
محمود الساعي: 315.
محمود علي: 259.
محمود بن فهد (شهاب الدين): 86، 87، 90، 92، 95، 98، 101، 103، 105.
محيى الدين (ابن عبد الظاهر): 6، 82، 160، 257، 259.
محيى الدين يحيى الإربدي الشافعي: 46، 47.
المروزي (أبو عبد الله) محمد بن أحمد الخضري:
17.
ابن مريم عيسى (عليه السلام): 334.
أبو مسلم (الخراساني): 57، 73.
المستعين بالله أحمد بن هارون (أبو العباس) الخليفة العباسي: 430.
مصلح الدين، ابن مرسل الحنفي: 210، 213.
أبو المطاع التغلبي (ذو القرنين) ابن حمدان بن الحسن: 471.
المظفر أحمد بن ططر: 13م.
مظفر شاه (شمس الدنيا والدين): 428، 431.
المظفر (الملك): 332، 359.
المعتصم أبو إسحاق بن هارون بن محمد (الخليفة العباسي): 233، 430.
المعتضد بالله أبو الفتح داود (الخليفة العباسي):
57، 73، 75، 335، 336، 344، 347، 367، 368، 390.
ابن معتوق: 488.
المعمار: 499.
معن ابن زائدة أبو الوليد الشيباني: 12، 330، 342، 473.
ابن المغلي علاء الدين أبو الحسن الحموي الحنبلي: 116، 117، 207، 208، 291، 292، 441، 442.
مفدّى: 488.
ابن مقاتل: 486.
مقتدر (المخلص) جعفر بن أحمد بن طلحة أبو الفضل العباسي: 224.
ابن مقلة محمد بن علي بن حسن (أبو علي الوزير): 141، 284.
المقريزي: 6م.
ابن مكانس (فخر الدين بن عبد الرزاق): 2م، 449.
ابن مكانس (مجد الدين فضل الله القبطي الحنفي): 143.
الملك الشهيد برقوق: 2م، 165، 335.
الملك الظاهر (أبو الفتح ططر): 6م، 13م، 27، 28، 235، 336، 339، 340، 341، 343، 344، 346، 348، 354، 357، 359، 363، 364.
الملك المؤيد: 27، 59، 60، 63، 76، 77، 79، 119، 135، 144، 151، 172، 193، 202، 258، 261، 265، 267، 325، 332، 346، 361.
الملك الناصر: 223، 320.
الملك الناصر حسن: 74.
الملك الناصر، صاحب اليمن (صلاح الدين أحمد بن إسماعيل): 63، 119، 162،
214، 346، 411.(1/574)
الملك الناصر، صاحب اليمن (صلاح الدين أحمد بن إسماعيل): 63، 119، 162،
214، 346، 411.
ابن ممّاتي أسعد بن الخطير مهذّب بن مينا (أبو المكارم المصري): 142.
المنشىّ: 419.
المؤيد (الملك): 27، 59، 60، 63، 76، 77، 79، 119، 135، 144، 151، 172، 193، 202، 258، 261، 265، 267، 325، 332، 346، 361.
المؤيدي أحمد سيدي: 261، 264، 275، 276، 293، 294، 425.
موسى (عليه السلام): 249، 251، 297، 334، 427، 470.
المناوي: 386.
أم موسى: 249.
موفق الدين الحكيم: 410.
الملاحي محمد بن عبد الواحد بن مفرّج (أبو القاسم الغافقي الأندلسي): 141.
ميق (سيف الدين تنبك): 379.
ابن ميلق: 386.
حرف النون النابغة الذبياني: 315، 390.
الناصر (الملك): 223، 320.
الناصر (الملك) صاحب اليمن (صلاح الدين أحمد بن إسماعيل): 63، 119، 162، 214، 346، 411.
الناصر حسن (الملك): 74.
ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن محمد العقيلي الحلبي الحنفي (ابن العديم): 19، 22.
ناصر الدين محمد بن أبي يزيد بن عثمان: 287.
ناصر الدين محمد بن أحمد التنوخي الحموي الحنفي (ابن العطار): 55.
ناصر الدين محمد بن داود: 287.
ناصر الدين محمد بن دلغادر: 287.
ناصر الدين محمد بن محمد بن عثمان الجهني الشافعي المخدومي (ابن البارزي): 3م، 4م، 5م، 6م، 7م، 16م، 27م، 5، 6، 13، 26، 27، 29، 30، 68، 71، 73، 74، 82، 124، 227، 259، 273، 281، 302، 304، 322، 403، 494.
ناصر الدين محمد بن قرمان: 210، 268، 287، 289، 375، 486.
ناصر الدين محمد بن منهال القاهري: 474.
ناصر الدين محمد بن الكاتب (القادري): 192، 193.
ابن ناظر الجيش: 4م.
ابن ناهض (شمس الدين الحلبي الفقاعي):
25 - م، 137، 138.
(ابن نباتة) جمال الدين: 4م، 86، 87، 88، 90، 93، 96، 99، 144، 160، 172، 173، 257، 284، 288، 301، 306، 323، 399، 405، 407، 408، 425، 451، 471، 496.
النباتي (ابن نباتة): 482، 493، 497، 499.
نجم الدين (ابن حجي قاضي الشافعية): 196.
أبو النصر (شيخ): 57، 73، 75، 152، 205، 235، 392.
أبي النصر برسباي: 367، 370.
نصر الله بن عبد الله بن مخلوف (ابن قلاقس) أبو الفتوح اللّخمي: 410.
ابن نقطة محمد بن أبي بكر (صاحب الاستدراك): 487.
ابن النقيب: 410.
أبو نواس الحسن بن هانىّ (أبو علي الحكمي)
«الشاعر»: 142، 458.(1/575)
أبو نواس الحسن بن هانىّ (أبو علي الحكمي)
«الشاعر»: 142، 458.
نوح (عليه السلام): 335، 467، 474.
نوروز الحافظي الظاهري برقوق، الأمير: 5م، 40، 45، 67، 76، 77، 78، 79، 81، 127، 152، 169، 174.
حرف الهاء هارون الرشيد ابن المهدي (الخليفة العباسي):
325، 430، 398.
هاشم بن عبد الله بن مالك الخزاعي: 498.
الهاشمي (أبو الحسن) محمد بن الله بن محمد (ابن سكرة): 411.
هبة الله بن جعفر بن محمد (ابن سناء الملك) أبو القاسم المصري «الشاعر»: 151، 185، 225، 238، 275، 325، 407، 410، 483، 500.
ابن هبيرة (الصاحب): 321، 418.
الهروي (شمس الدين): 35، 269.
ابن هشام (جمال الدين عبد الله بن يوسف):
385.
الهندي (جمال الدين عبد الله بن يوسف): 39.
ابن هلال: 284.
حرف الواو الواثق بالله أبو جعفر بن هارون (الخليفة العباسي): 430.
ابن الوالي: 488.
ابن الوردي، زين الدين: 150، 301، 499.
الوردي (ابن تميم): 482، 499.
ابن أبي الوفاء: 410.
ابن الوكيل: 150.
الوليد (البحتري الشاعر): 482.
ولي الدين أبو زرعة الشافعي (ابن العراقي):
348، 351.
ولي الدين أبي الفتح السكندري القرشي: 149.
الوهراني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر (أبو القاسم الهمداني المغربي): 139.
حرف الياء يار علي بن اسكندر بن قرا التركماني: 11م.
يحيى (عليه السلام): 48.
يزدجرد بن شهريار (كسرى) المجوسي الفارسي: 374، 410.
يعقوب بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي (أبو يوسف): 21.
يعقوب (عليه السلام): 203، 224، 225، 455.
أبو يوسف (يعقوب بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي): 21.
يوسف (عليه السلام): 192، 203، 204، 206، 207، 225، 226، 334، 444.
يونس (عليه السلام): 334.(1/576)
فهرس الأماكن والبلدان
حرف الألف الأباطح الحجازية: 132.
الأبلستين: 215، 234، 237، 269، 287.
الأبواب الشريفة: 50.
الآثار: 6، 70، 174.
الأداغ: 320، 377.
أدنة: 211.
أذربيجان: 316، 362، 364، 377، 393، 394.
أرزنجان / أرزنكان: 201، 238.
إرم: 81، 315، 460.
إستانبول: 17م، 19م، 20م، 24م، 25م، 26م، 27م، 29م.
الإسكندرية (وانظر أيضا الثغر الإسكندري):
30، 81، 135، 136، 250، 251، 275.
إصفهان: 201.
الأطاق: 317، 361.
الأقصى: 372.
أكل: 237.
أمّ دينار: 174.
آمد: 67، 205، 237.
الأناضول: 5م.
الأهرام: 128.
أياس: 232.
حرف الباء باب البريد (دمشق): 42، 458.
باب السلامة (دمشق): 454.
الباب الشرقي (دمشق): 455.
الباب الصغير (دمشق): 455.
باب النصر (دمشق): 366، 453.
باب النصر (القاهرة): 26، 45، 124.
بابل: 168.
باريس: 20م، 24م، 25م.
باياس: 232.
البترون: 480.
بدليس: 311.
بردا: 456.
بركة الحبش: 175.
برلين: 21م، 24م، 28م، 29م.
البصرة: 206.
بعلبك: 301.
بغداد: 317، 427.
البلاد الرومية: 80، 123، 210، 220، 227، 231، 232، 275، 325.
البلاد الشامية: 249، 258، 260، 284، 366، 426، 428، 449، 473، 474.
البلاد الهندية: 433.
بلاطنس: 480.(1/577)
بهسنا: 235.
بيت الله الحرام: 80، 130، 131، 149، 266، 347، 388، 489.
البيت الشريف: 239، 246، 380.
البيت العتيق: 75، 171.
بيت المقدس: 35.
البيت المقدس: 80، 123، 185.
البيمارستان المنصوري: 209.
البيمارستان النوري (حماه): 441، 442.
البيمارستان النوري (دمشق): 24، 25، 37، 282، 283.
حرف التاء تبريز توريز: 202، 255، 317، 394، 362، 364.
التربة الظاهرية والناصرية: 26، 28.
تعز: 63.
التكرور: 175، 369.
توبينجن: 17م، 21م، 24م، 28م.
تونس: 60، 63.
حرف الثاء الثغر الإسكندري: 31، 81، 135، 136، 250، 251، 275.
الثغر الطرابلسي طرابلس: 2م، 12، 52، 53، 54، 80، 115، 371، 479.
حرف الجيم (جامع ابن) طولون: 75.
(الجامع) الأزهر: 41، 75.
الجامع الأموي: 24، 40، 41، 42، 75، 130، 458.
جامع (تنكز): 75.
الجامع الجديد: 73، 74.
جامع (جلق): 457، 458.
جامع (الحاكم): 75.
الجامع الكبير: 24، 41، 445، 491.
الجامع المصري: 74.
الجامع المنصوري: 320.
الجامع المؤيدي: 325.
جامع يلبغا: 40، 42، 450.
جبل القلعة: 232.
جبلة: 480.
الجبيل: 480.
جدّة: 170.
جزيرة الذهب: 174.
حرف الحاء الحبشة: 337، 369.
الحجاز: 8، 130، 170، 251، 275، 328، 350، 372.
حدائق الرياض: 84.
الحدائق الشامية: 44.
الحدّادين (دمشق): 451.
الحرم: 163، 168، 170، 182، 185، 457، 480.
الحرم الخليلي: 420.
الحرم النبوي: 185.
الحصن الإسكندري: 363.
حصن كيفا: 215، 240، 251، 310، 357، 386، 400، 405.
حصن مصّيصة: 232.
حصن منصور: 221.
الحطيم: 131.(1/578)
حلب: 80، 217، 220، 224، 231، 239، 457، 483.
حماة: 1م، 2م، 3م، 4م، 7م، 9م، 16م، 17م، 58، 80، 112، 138، 192، 193، 249، 371، 441، 442، 445، 463، 468، 474، 479، 497.
حمص: 301، 456، 457، 477.
حمص (نهر): 456.
حرف الخاء خراسان: 393.
الخطيري: 128.
خندروس: 235.
الخوابي: 480.
الخور: 175.
حرف الدال دار السعادة: 45، 46، 300، 366.
دار الطراز: 251، 275، 325.
دار الهجرة: 27.
دجلة: 204، 219، 243، 255، 320، 405، 427.
الدربند: 377.
درندة: 215، 221، 235، 237.
دمشق: 1م، 2م، 4م، 6م، 23، 25، 40، 43، 46، 49، 52، 80، 159، 197، 198، 249، 282، 283، 298، 300، 320، 322، 331، 333، 365، 366، 371، 426، 428، 435، 439، 440، 450، 451، 453، 455، 457، 459، 492، 495.
دمياط: 175.
دهلي: 117.
ديار بكر: 237، 377، 378.
الديار المصرية: 5، 6، 7، 9، 13، 15، 18، 19، 21، 22، 35، 36، 40، 44، 56، 61، 65، 79، 116، 118، 119، 120، 122، 128، 137، 147، 151، 156، 159، 169، 187، 201، 207، 209، 217، 227، 231، 247، 249، 258، 260، 275، 281، 285، 286، 291، 302، 307، 322، 327، 333، 340، 344، 348، 352، 353، 355، 363، 373، 377، 383، 384، 394، 405، 406، 413، 416، 426، 427، 428، 438، 449.
حرف الراء الركن الشامي: 130.
الرها: 237.
الروضة: 174، 426.
الروم: 12، 108، 123، 128، 136، 210، 213، 238، 267، 325، 337.
الرّي: 316.
حرف الزاي زبيد: 63، 169.
زمزم: 131، 149، 185، 301، 372، 389، 489.
حرف السين سبيل وقف السيفي بكلمش: 31.
السلطانية (قلعة): 201، 316، 377، 378.
السودان: 174، 369.(1/579)
سوريا: 5م، 7م، 16م.
سيس: 214، 220، 232، 238.
سيواس: 220، 238.
حرف الشين الشام: 10م، 18م، 9، 22، 23، 24، 40، 42، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 56، 76، 80، 123، 128، 130، 131، 158، 159، 169، 194، 206، 217، 241، 252، 294، 298، 300، 301، 302، 308، 309، 311، 325، 344، 345، 354، 361، 365، 372، 379، 387، 401، 425، 426، 427، 439، 449، 455، 460، 463، 468، 474، 475، 477، 482، 487.
الشيخونية: 209.
شيراز: 377، 378.
حرف الصاد صالحية دمشق: 426.
صالحية مصر: 426.
الصخرة: 372.
الصعيد: 174، 246، 275، 350، 372.
الصفاء: 131، 170، 347، 364، 372، 382، 404.
صفد: 80، 371.
صفيتا: 480.
صنعاء: 63، 67، 346.
صهيون: 480.
حرف الطاء طرابلس الثغر الطرابلسي: 2م، 52، 54، 80، 113، 115، 371، 479.
طرابلس الشام (ثغر): 371، 461، 462، 463.
طرسوس (قلعة): 214، 215، 232، 289.
الطور: 165، 411.
حرف الظاء الظاهرية: 209.
الظنّيون (سكان إقليم الظنية في شمال لبنان):
480.
حرف العين العاصي (نهر): 301، 371، 474، 497.
عدن: 63، 167، 346، 369.
العراق: 311، 317، 359، 377، 391، 432.
عراق العجم: 201.
عراق العرب والعجم: 203، 391.
عرفة عرفات: 39، 71، 149، 170، 247، 404، 408، 462.
عرقى: 480.
العشير (دمشق): 453.
عكا: 480.
حرف الغين غزة: 81.
الغضا (وادي): 450.
الغوير: 13.
حرف الفاء الفرات الفراة: 12، 201، 206، 286، 389، 405، 474.(1/580)
الفراديس: 454.
فوّار أبي نواس: 458.
حرف القاف القاهرة: 2م، 4م، 5م، 7م، 11م، 12م، 16م، 17م، 18م، 21م، 22م، 24م، 26م، 28م، 29م، 18، 81، 140، 197، 207، 209، 227، 241، 311، 461.
قبّة الشرابي: 301.
القبيبات: 450.
القدس الشريف: 33، 35، 38.
قرا باغ: 317، 393.
قزوين: 316.
قصر الحجاج (دمشق): 450.
القلعة (حلب): 50، 51.
القلعة الأرتقية: 51.
قلعة الجبل: 79، 275.
القلعة الشامية: 77.
قلعة الشهباء: 50، 51.
القلعة المحروسة (دمشق): 452.
القلعة المنصورة: 61، 65.
قلعة نجم: 51، 236.
القليعة: 480.
قمّ: 377، 378.
القنوات: 456.
قونية (حصن): 211، 265.
قيسارية: 238، 267، 287.
حرف الكاف كختا: 219، 239.
كرت برت: 235.
كرجستان (مملكة): 202.
الكرك: 12، 18، 386.
كركر: 236.
الكلاسة: 458.
كيسان: 455.
حرف اللام اللاذقية: 480.
ليدن: 16م، 17م، 23م، 24م، 25م، 29م.
حرف الميم ماردين: 315، 377.
ما وراء النهرين: 293، 474.
(المدرسة): الصالحية (بدمشق): 426.
(المدرسة): الصالحية (بمصر): 426.
(المدرسة) الظاهرية (القاهرة): 209.
(المدرسة) المستنصرية: 320.
المدينة الشريفة: 113، 251، 326، 350.
المرقب: 12، 480.
مروة: 131، 347، 372، 382، 404.
المزار: 22.
المسجد الأقصى: 38، 39، 75، 372، 420.
المسجد (الأقمر): 75.
مسجد الخضر: 175.
مصر: 2م، 6م، 7م، 13، 16م، 18م، 26م، 6، 9، 18، 23، 24، 39، 42، 45، 61، 64، 65، 70، 74، 75، 81، 112، 113، 118، 122، 124، 131، 140، 152، 163، 164، 170، 188، 192، 199، 207، 226، 240، 241، 245، 246، 249، 251، 252، 259، 271، 291، 307، 308، 309، 311، 340، 341، 344، 350، 354، 358، 364،
371، 372، 373، 381، 386، 387، 390، 394، 401، 402، 405، 420، 421، 424، 425، 426، 427، 435، 442، 451، 460، 462، 463، 467، 483، 497.(1/581)
مصر: 2م، 6م، 7م، 13، 16م، 18م، 26م، 6، 9، 18، 23، 24، 39، 42، 45، 61، 64، 65، 70، 74، 75، 81، 112، 113، 118، 122، 124، 131، 140، 152، 163، 164، 170، 188، 192، 199، 207، 226، 240، 241، 245، 246، 249، 251، 252، 259، 271، 291، 307، 308، 309، 311، 340، 341، 344، 350، 354، 358، 364،
371، 372، 373، 381، 386، 387، 390، 394، 401، 402، 405، 420، 421، 424، 425، 426، 427، 435، 442، 451، 460، 462، 463، 467، 483، 497.
المصلى (وادي): 450.
مقام ابن أدهم: 480.
المقياس: 176، 329، 426.
مكة: 66، 123، 131، 149، 163، 170، 198، 247، 350، 433، 457، 500.
ملطية: 232.
الممالك الإسلامية: 5، 13، 68، 70، 71، 73، 281، 285، 286، 291، 326، 331، 353، 355، 383، 384، 416، 418، 423، 466.
الممالك الشامية: 55، 123، 231، 428، 449، 485.
مملكة توران: 119.
المملكة الجنكز خانية: 121، 126.
المملكة الحلبية: 51.
المملكة الحموية: 441، 443، 473.
مملكة الكرج: 202.
منى: 39، 71.
المنصورة: 175.
ميدان الحصى: 450.
ميناء ثغر الإسكندري: 136.
حرف النون نابولي: 23م، 24م، 25م، 28م.
الناصرية: 174.
نجد: 40، 160، 257، 406، 449.
النوبة الحجازية: 80.
النوبة النوروزية: 169، 369.
النيل: 19، 21، 45، 61، 62، 65، 81، 122، 123، 128، 168، 169، 172، 173، 174، 191، 204، 219، 243، 249، 252، 275، 295، 308، 320، 329، 333، 340، 371، 374، 386، 401، 405، 415، 427، 437، 464، 465، 468، 473، 497.
حرف الهاء هامبورغ: 17م، 23م، 24م، 28م.
هراء (هرات): 317.
الهرم: 23، 61، 65، 122، 159، 483.
الهند: 316، 337، 428، 432.
حرف الواو وادي دمشق: 452.
وادي العقيق: 10، 98.
الوجه البحري: 191، 327، 329.
الوجه القبلي: 18.
حرف الياء يزيد (نهر بدمشق): 456.
اليمن: 63، 64، 66، 163، 164، 165، 167، 168، 171، 346، 347، 369، 411، 412.
ينبع: 66.(1/582)
فهرس الأمم والقبائل والجماعات والطوائف
حرف الألف الأئمة المهديين: 430.
أبناء العرب: 271.
الأتراك: 450.
أصحاب أحمد: 118، 208، 442.
أصحاب أبي حنيفة: 112.
أصحاب الرسول: 3، 5، 9، 20، 27، 29، 32، 34، 36، 38، 41، 44، 46، 50، 53، 55، 58، 59، 112، 114، 116، 120، 125، 133، 135، 154، 157، 160، 177، 188، 192، 195، 208، 245، 256، 259، 265، 270، 282، 285، 287، 291، 303، 308، 309، 321، 324، 328، 334، 337، 349، 353، 383، 414، 418، 424، 430، 435، 439، 443، 489، 493، 494، 496.
أصحاب الشافعي: 270.
بنو الأصفر: 100، 107، 136، 186، 369، 379.
أعاريب البر: 369.
بنو أمية: 102، 426.
بنو أيوب: 6، 191، 220.
حرف الباء أهل بدر: 220، 477.
آل برمك: 325.
آل بيت النّبي: 74، 429، 430.
حرف التاء الترك: 217.
حرف الثاء ثمود: 345.
حرف الحاء أهل الحرمين: 130.
الحنفية: 44، 112، 118، 214، 249، 283.
حرف الخاء أهل الخافقين: 168.
الخلفاء الراشدون: 430.
الخوارج: 430.
حرف الدال أهل دمشق: 49، 198، 450، 451.
أهل دمياط: 175.(1/583)
1 - حرف الراء آل الرسول: 3، 5، 20، 27، 29، 32، 34، 36، 38، 41، 44، 46، 50، 53، 55، 58، 59، 112، 114، 116، 120، 125، 133، 135، 154، 157، 160، 177، 188، 192، 195، 208، 245، 256، 259، 265، 270، 282، 285، 287، 291، 303، 309، 321، 324، 328، 334، 337، 349، 353، 383، 414، 418، 424، 430، 435، 439، 443، 489، 493، 494، 496.
حرف السين بنو سبأ: 324.
سكان الصفاء: 170.
سكان مملكة مصر والشام: 387.
السلف الأيوبي: 254.
ذو سلم: 254، 321.
سواقي مكة: 174.
حرف الشين الشافعية: 118، 272، 273.
أهل الشرق والغرب: 410.
بنو الشهيد: 308.
بنو شيبة: 130.
حرف الصاد أهل الصفا والمروة: 372، 465.
أهل صنعاء: 346.
حرف العين عاد: 345.
بنو العباس: 74، 426.
العجم: 190، 217.
بنو عبد المدان: 141.
أصحاب العجل: 333.
أهل عدن: 63.
العرب: 190، 217، 369.
بنو عقبة: 370.
العلماء: 209.
آل عمران: 333.
حرف الفاء فخر الترك: 410.
أهل الفرات: 201.
بنو فضل الله: 259، 306.
أصحاب الفيل: 338.
حرف الكاف بنو كبك: 232.
كركر (أكراد): 236.
حرف الميم المالكية: 118.
بنو مخزوم: 462.
أهل المدينة: 350.
آل مرى: 370.
أهل مروة والصفاء: 131.
بنو مزهر: 309.
أهل مصر: 390، 424.
المصريون: 333.(1/584)
المغاربة: 136.
بنو مكانس: 411.
أهل مكة: 131، 149، 170، 198، 267، 350، 500.
أهل المللك الصيني: 369.
ملوك الحبشة وسودان التكرور: 369.
ملوك الخطا: 369.
ملوك الروم: 327.
ملوك الشرق والغرب: 214، 369، 376، 377.
ملوك العرب والعجم: 391.
فريق آل مهنا: 369.
ملوك الهند والحبشة: 327.
حرف النون آل النّبي: 429.
أهل نجد: 271.
النصارى: 276.
بنو نصر الله (حزب): 328.
حرف الواو بنو وائل: 93.
حرف الياء أهل اليمن: 165.
اليهود: 276.(1/585)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/587)
حرف الباء بعد عروس دمشق وحماتها لا حاجة 457
بلادنا في الأيام المؤيدية بحمد الله تعز 214
حرف التاء تأدبت بعرك الأذنين فلم أترك لي في غنيمة وقعة سهما ولا طلبا بأوتار 373
تعيش أنت وتبقى 18
التوبة تجبّ ما قبلها 237
حرف الجيم جهلتم فإنّ الظن لا يغني من الحق شيئا 196
جوزيتم بما صبرتم 37، 442
حرف الخاء الخير معقود بنواصي الخيل 86
حرف الدال دار لي الدور، وصعدت أقلامي إلى نجدة الطروس 160، 257
الدليل على ذلك أنّ البدر نائبه وشمس الإنشاء عمريّة تستمد من مطالع أنواره 423
حرف الراء رفيقك قيسيّ وأنت يمانيّ 66
حرف الزاي زاد الله سبحانه رفعة هذا العلم ليتفيأ المسلمون بظلاله 333
حرف السين سبحان من أعزني قديما وحديثا 24، 197، 425
سقيا ورعيا وريّا 151
سلاف هذا الإنشاء سلطانيّ وقد أدار على ملوك الأرض كاساته 288(1/588)
سهم أصاب وراميه بذي سلم 170
حرف الشين من شابه أباه فما ظلم 303
الشرف أن نجلنا المؤيدي أحمد 275
شهابنا في أفق مملكتنا أحمد 54
حرف الصاد صار كل منّا مرسوما وشريفا 426
صالح والله أصلح 386
صداقة الآباء قرابة الأبناء 182
حرف الطاء طب نفسا وقرّ عينا 177
حرف العين علوتم بهذا العلم 386
عند الامتحان يكرم المرء أو يهان 196
عندي قبالة كل عين إصبع 176
حرف الغين غراء كأنها قدامة ضحك في وجهها الحبب 106
حرف الفاء فالتمر لا يهدى إلى هجر 261
فإليكم هذا الحديث يساق 102
فحوالينا اللهم ولا علينا 479
فزت بعلوّ سندك 429
حرف القاف القمح يدور ويجيء إلى الطاحون 451(1/589)
حرف الكاف كفى المرء فضلا أن تعد معايبه 262
كلام الملوك ملوك الكلام 121
حرف اللام لا خيل عندك يهدينا 214
لا طعن فيك لطاعن 168
لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين 78
لا يهدى تمر إلى هجر 14
لعنت إن عدت إليها لعنة قوم ثمود وعاد 289
لقد أتعبت أهل العلم في جهلك بالتدريب 77
لقد ألهاكم جهلكم بهذا العصر 78
لم أمازج شراب الفقاعي بخلّي فإن عنده حمضة وبرده 139
لم يظهر بأفقي بعد الطلعة النجمية أنوارا 23
لم يلذّ تحت أعوادي بعده لأحد أوتار، 24
لو علم الناس محبتي بالعفو لتقرّبوا 437
حرف الميم ما أنا كشّاف هذا التفسير 104
ما أنا من سكان هذا المغنى 386
ما برحت مشرّفة بالمؤيد 80
ما ثم إلّا الرضى والتسليم 15، 34
ما لخرز نظمي مع هذه الجواهر قيمة تعدّ 488
ما رأيت حسنا انتسب إلى شريف همته 326
ما فارقت نور سراجي إلّا وقد طلعت بأفقي الشمس 35
ما للشرف الحسيني مناسب 12
ما لي ولفصاحة أبناء العرب 488
المجالس بالأمانات 147
مرحبا بأبي النصر وأبي الفتوح 235
مرحبا بأياديه التي إن اجتمعت بها جمعت بين المختار ومجمع البحرين 329
مرحبا بإيصال الحق إلى أربابه 48(1/590)
مرحبا بالبركة العثمانية وأثرها المكرم 185
مرحبا بهذا العيش الأخضر الذي هبّ نشر رياحينه على العباد 17
الملك والدين أخوان لا غنى لأحدهما عن الآخر 434
من أشبه أباه فما ظلم 361
من هنا يؤخذ تحرير التحبير 425
حرف النون النار ولا العار 18
نور الشريعة وهو أشهر من نار على علم 272
حرف الهاء هذا المعشوق الذي يجب أن يضمه العاشق 408
هذا مكتوب على جبيني 338
هذا هو البحر المحيط الذي لا حرج على المحدث عنه في الأخبار 283
هذا هو البرق الشامي ومفرّج الكروب 6، 475
هذا هو السحر الحلال الذي نفث في عقد أقلام المنشئين 478
هذه بضاعتنا ردّت إلينا 221، 239، 439، 479
وأخلص منه لا عليّ ولا ليا 64
وأهل مكة أخبر بشعابها 149، 500
الوصايا بالنسبة إلى الحلم الأشرفي والعدل والكرم والعقل تحصيل الحاصل 373
وعند بسط الموالي يحفظ الأدب 50
وغير بدع لهذا الوليّ إذا تنسك 149
وكلام الملوك ملوك الكلام 484
والله ما كذب ولكنه قد يخبو الزناد 457
ولعمري ما أنصفني من أساء بي الظن 499
ولكن أهل مكة أخبر بشعابها 198
وما كان الله ليخلي مصر وهي خزائن الأرض 350
ومن ورد البحر استقل السواقيا 426(1/591)
فهرس الموظفين والوظائف
حرف الألف أستادار: 218.
الأستاد دارية الشريفة: 11.
الأستاد دارية الشريفة العالية الكبرى: 245، 327، 329.
الأستاذ دار: 247.
استيفاء أوقاف: 58.
الاستيفاء بثغر الإسكندرية المحروسة: 135.
الإشارة والأستادّارية: 190.
الإشارة الشريفة بالديار المصرية: 11، 13.
إفتاء دار العدل الشريف: 112.
أقضى القضاة: 149، 461.
أمير آخور: 242، 253.
حرف الباء البهار الكارمي: 30.
حرف التاء تاجر الخاص الشريف: 66.
توقيع الدرج الشريف كتابة السر الشريف:
256، 257.
حرف الحاء الحسبة الشريفة: 15.
حرف الخاء خطابة الجامع الأموي (دمشق): 24.
حرف الدال دوادار الخاص: 313.
الدوادار: 56، 400.
حرف الراء رياسة الطب: 35، 36.
رياسة الطب بالبيمارستان النوري (دمشق):
282، 283.
حرف الصاد صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية: 27، 71، 73، 74، 82، 124، 331، 466، 495.
صاحب ديوان الإنشاء الشريف (الشام): 477.
صحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية: 5، 7، 302، 305، 322، 423، 425.
صحابة ديوان الجيش: 177، 178.
حرف القاف القاضي: 1م، 5، 7، 28، 50، 58، 82، 83،
86، 89، 91، 93، 97، 99، 101، 104، 105، 107، 135، 159، 192، 194، 261، 365، 476، 498.(1/593)
حرف القاف القاضي: 1م، 5، 7، 28، 50، 58، 82، 83،
86، 89، 91، 93، 97، 99، 101، 104، 105، 107، 135، 159، 192، 194، 261، 365، 476، 498.
قاضي الأدب وإمامه: 139.
قاضي القضاء: 8، 15، 19، 22، 72، 223، 224، 269، 281، 291، 348، 382، 384، 386، 412، 427، 439، 468، 471، 479، 481، 483، 492.
قاضي القضاة الحنبلي (مصر): 207.
قاضي قضاة الحنفية: 15، 18، 19.
قاضي قضاة الشافعية: 23.
قضاء الشافعية (الشام): 194.
قضاء العسكر المنصور: 112، 210.
قضاء قضاة الحنابلة (مصر): 116، 118.
قضاء قضاة الحنفية (دمشق): 439، 440.
قضاء قضاة الحنفية (مصر): 15، 18، 21، 284، 286.
قضاء قضاة الشافعية: 22، 24.
قضاء قضاة الشافعية (مصر): 348، 352، 383، 384، 413، 416.
قيّم المملكة الشامية: 485.
حرف الكاف كاتب السرّ الشريف (حمص): 477.
كافل السلطنة الشريفة (الشام): 56، 298، 300، 379.
كافل المملكة الشريفة الحموية: 441، 473.
كتّاب الإنشاء الشريف (مصر، الشام): 428.
كتابة الدرج الشريف بالأبواب الشريفة: 257.
كتابة السر الشريف (حلب): 50، 51.
كتابة السر الشريف (حماه): 58.
كتابة السر الشريف (الشام): 46، 48.
كتابة السر الشريف (طرابلس): 52، 54، 113، 115.
كتابة الدرج الشريف بالأبواب الشريفة: 159، 161.
حرف الميم مشيخة الشيوخ: 24.
مشيخة الشيوخ: (الشام): 55، 56.
منشىّ دواوين الإنشاء الشريفة المؤيدية: 3، 5، 428.
حرف النون نائب ثغر الإسكندرية: 250.
نائب السلطنة الشريفة بقيسارية والأبلستين:
287.
ناظر الجيوش المنصورة (حماة): 443.
ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية: 40.
ناظر الجيوش المنصورة بالممالك الإسلامية:
31، 32، 68، 70، 177.
ناظر الخواص: 136، 327.
ناظر دواوين الأحباس المبرورة: 261.
ناظر دواوين الإنشاء الشريف: 22، 281.
ناظر الدولة: 58.
ناظر الدواوين الشريف المفرد: 72.
الناظر في الحكم العزيز بالديار المصرية: 72، 281، 438.
الناظر في دواوين الإنشاء الشريف: 281.
نصف خطابة بالقدس الشريف: 38.
نظر أوقاف السادة الأشراف (مصر): 244، 247، 258، 260.
نظر أوقاف السادة الأشراف (مصر والشام):
260.(1/594)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/595)
فهرس الأشعار
القافية: البحر: عدد الأبيات: الصفحة
(ء) سماء: البسيط: 1: 360
الجوزاء: الكامل: 6: 424
(ء) دائي: البسيط: 2: 452
الماء: الكامل: 2: 410
اللقاء: الخفيف: 12: 331
(ب) تكذب: الطويل: 1: 355
كواكب: الطويل: 3: 179
مطالبه: الطويل: 1: 126
معايبه: الطويل: 1: 493
مواكب: الطويل: 3: 185
يعاب: الطويل: 1: 343
الأطيب: الكامل: 1: 496
وذوائب: الكامل: 1: 105
الطّيب: الكامل: 1: 491
طيّب: الكامل: 3: 407
الطيب؟: السريع: 1: 408(1/597)
(ب) والكتب؟: الطويل: 1: 376
الشهب: البسيط: 1: 89
الذهب: البسيط: 1: 16
والغراب: مخلّع البسيط: 1: 462
والقباب: الوافر: 1: 450
شربه: الكامل: 2: 401
وقلوب: الكامل: 1: 450
الجناب: الخفيف: 3: 299
الكتب: المنسرح: 1: 393
(ب) والغربا: الطويل: 1: 454
الذنبا: البسيط: 1: 482
سببا: البسيط: 1: 358
ذوايبا: الكامل: 1: 454
وملاعبا: الكامل: 2: 451
الواجبا: الكامل: 1: 308
(ت) بالياقوت: الخفيف: 1: 98
(ت) أبيات: البسيط: 1: 479
(ت) أتى: الكامل: 1: 460
(ج) حرج: البسيط: 1: 477(1/598)
(ح) ملّاح؟: البسيط: 1: 464
(ح) الرمح: الطويل: 5: 170
رمح: الطويل: 4: 164
مشروح: الطويل: 2: 458
النّجح: الطويل: 2: 467
(د) الواحد: الطويل: 2: 292
واحده: الطويل: 1: 349
مورده: البسيط: 1: 355
عودوا: البسيط: 1: 472
الواحد: الكامل: 1: 206
وحيد: الكامل: 1: 354
وتسعد: الكامل: 1: 442، 480
وتكابد: الكامل: 2: 499
الواحد: الكامل: 1: 382
وارد: الكامل: 2: 364
يزهد: السريع: 2: 354
(د) بأسود: الطويل: 1: 341
موحّد: الطويل: 2: 478
أحد: البسيط: 2: 315، 390
رقاد: الوافر: 1: 378
فؤاد: الوافر: 1: 437
مخلّد: الكامل: 2: 297
(د) تمرّدا: الطويل: 2: 341(1/599)
تمهّدا: الطويل: 2: 78
داودا؟: البسيط: 1: 472
البيدا: الكامل: 2: 381
(ر) انتثر: الطويل: 2: 358
آخر: المنسرح: 2: 436
(ر) البر: الطويل: 2: 392
شاعر: الطويل: 1: 264، 494
خواطره: البسيط: 1: 350
بشر: البسيط: 2: 374
خواطره: البسيط: 1: 189
شعروا: البسيط: 1: 152
غرر: البسيط: 3: 421
غرر: البسيط: 6: 437
ذكور: الكامل: 1: 453
سامر: الكامل: 6: 206
قاصر: الكامل: 2: 360
المنبر: الكامل: 1: 272، 339، 370، 458
حاسر: السريع: 2: 390
منشور: البسيط: 8: 414
ينظر: السريع: 1: 324
(ر) ذكر: الطويل: 1: 222
المسافر: الطويل: 1: 267
النثر: الطويل: 4: 169
يجاري: البسيط: 2: 487(1/600)
الديار: الوافر: 1: 462
نسر: الوافر: 2: 295
الأوتار: الكامل: 4: 476
قدره: الكامل: 2: 402
(ر) الخضرا: الطويل: 1: 102
مقصرا: الطويل: 1: 224
دينارا: البسيط: 1: 196
منشورا: البسيط: 2: 393
مقمرا: الكامل: 8: 318
قرّه: الخفيف: 2: 499
(ز) تمييز: الطويل: 2: 81
(ز) عجزا: المتقارب: 1: 457
(س) النقس: الطويل: 2: 422
جلّاسي: البسيط: 2: 222
بالتأسّي: الوافر: 1: 297
نفسه: السريع: 1: 461
(ش) أمشى: البسيط: 1: 271
ممشى: السريع: 2: 87
(ط) بالبسط: الطويل: 22: 463(1/601)
(ع) منقطع: الكامل: 1: 457
(ع) أضلعي: الطويل: 1: 473
بدموع: الطويل: 1: 459
طوالع: الطويل: 1: 490
المشرّع: الطويل: 1: 264
(ع) النقيعا: الوافر: 1: 472
(ف) والصّحف: الطويل: 1: 349
ضعيف: الكامل: 1: 85
(ف) بلطائف: الكامل: 1: 345
وتلطّف: الكامل: 15: 401
الصافي: الكامل: 1: 14
بمسرف: الكامل: 1: 12
يوسفي: الكامل: 15: 405
يكفي: السريع: 2: 456
(ف) مشرّفا: الطويل: 1: 452
(ق) القلق: البسيط: 1: 237
بالأحداق: الخفيف: 1: 490(1/602)
(ق) تستنشق: الكامل: 5: 187
عشّاق: الكامل: 1: 407
(ق) حمقا: البسيط: 1: 142
حنقه: 2: 148
خفّاقا: البسيط: 1: 171
مرزوقا: البسيط: 2: 263
درقه: المنسرح: 15: 148
(ك) مسعاك: البسيط: 2: 150
(ك) سبك: الطويل: 1: 480
(ك) الذكا: الطويل: 1: 225
(ل) ومأكل: الطويل: 1: 203
أصيل: السريع: 1: 95
(ل) أهوال: الطويل: 1: 495
الأوائل: الطويل: 1: 496
ضالع: الطويل: 1: 460، 488
كحل: الطويل: 2: 190
المناهل: الطويل: 1: 106
تكميل: البسيط: 1: 329(1/603)
دال: البسيط: 1: 273
موصول: البسيط: 1: 456
فتحجل: الكامل: 1: 309
يسأل: الكامل: 10: 397
يهلل: الكامل: 2: 239
قائله: السريع: 1: 350
والغزل: المنسرح: 2: 351
(ل) القرنفل: الطويل: 1: 199
القرنفل: الطويل: 4: 399
بتقبيل: البسيط: 2: 427
زحل: البسيط: 1: 422
والسفل: البسيط: 1: 271
الطفل: البسيط: 1: 422
عللي: البسيط: 1: 271
الغزل: البسيط: 1: 203
فاعتزل: البسيط: 1: 271
لي: البسيط: 1: 271
وجل: البسيط: 1: 482
حالي: الخفيف: 2: 459
حلّه: الخفيف: 2: 484
(ل) التجمّلا: الطويل: 1: 288، 376
رجلا: البسيط: 2: 189
مرسلا: الطويل: 1: 482
(م) العميم: الكامل المجزوء: 4: 396
كريم: الكامل المجزوء: 4: 391(1/604)
(م) درهم: الطويل: 1: 238
الشمّ: الطويل: 1: 268
فأسلم: الطويل: 1: 489
مآثم: الطويل: 1: 326
يتكلم: الطويل: 1: 408
إرم: البسيط: 2: 460
والخدم: البسيط: 7: 398
والظلم: البسيط: 1: 272، 303
عدم: البسيط: 1: 426
القدم: البسيط: 5: 289
النغم: البسيط: 5: 296
ابتسام: الوافر: 1: 462
الإمام: الوافر: 1: 352
إثام: الخفيف: 1: 351
إيلام: الخفيف: 1: 197
اللئام: الخفيف: 8: 197
(م) المتقوّم: الطويل: 1: 475
نزاحمه: الطويل: 2: 205
ذممي: البسيط: 2: 246
النجوم: الوافر: 1: 423
للنديم: الوافر: 1: 174
وصميمي: الكامل: 2: 472
المتقدم: الكامل: 1: 416
مكلّمي: الكامل: 2: 296
(م) تبسّما: الطويل: 2: 49، 305
نتكلما: الطويل: 1: 222(1/605)
والدّما: الطويل: 1: 214
دما: 3: 485
كلاهما: الطويل: 1: 23
محرّما: الطويل: 1: 493
مكتّما: الطويل: 1: 392
شمّا: السريع: 1: 271
(ن) السفن: البسيط: 1: 218
محسن: الكامل: 1: 496
مستبين: مجزوء الرمل: 2: 478
لا يوزن: الكامل: 1: 4، 147
أجفان: المنسرح: 2: 407
مشان: المنسرح: 2: 159
(ن) وتمكين: البسيط: 1: 396
الجمان: الوافر: 3: 180
عبد المدان: الوافر: 2: 141
المغنّي: الوافر: 1: 498
الثاني: الكامل: 4: 341
العقيان: الكامل: 2: 281
تهديني: 2: 487
ودنو حيني: 2: 263
عرفتني: 2: 485
(ن) الأحسنا؟: الكامل: 1: 365
الأقران: الكامل: 1: 14
أنا: الكامل: 1: 153، 251، 345، 378(1/606)
والمغنى: الطويل: 1: 478
معينا: الكامل: 2: 498
(هـ) مشتهى: الطويل: 2: 468
وغاديها: البسيط: 4: 455
أبياتها: الكامل: 1: 482
ببشرها: الكامل: 2: 468
سويداواتها: الكامل: 1: 106
أحوالها: المتقارب: 2: 339
زلزالها: المتقارب: 2: 271
(و) صفوه: الطويل: 2: 340
وأهواه: البسيط: 1: 354(1/607)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/609)
(ك) قمرك: مجزوء الرجز: 1: 270
(ل) سهل: الطويل: 1: 406
مدخل: الرجز: 2: 470
منازل: الكامل: 1: 491
(ل) الأسل: البسيط: 1: 342
الخطل: البسيط: 1: 220، 270
زحل: البسيط: 1: 310
(ل) للبلا: الرجز: 1: 105
(م) العميم؟: الوافر: 5: 476
(م) المقدّم: الطويل: 1: 127، 243
(ن) تدانينا: البسيط: 1: 333
فاصبحينا: الوافر: 1: 399
الهنا: الكامل: 1: 479
(هـ) عيانها: الرجز: 2: 457
(ي) الثنايا: 1: 90
هي: الطويل: 1: 13(1/610)
ثبت المصادر والمراجع
الأصمعيات، اختيار الأصمعي أبي سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون. القاهرة، دار المعارف (بدون تاريخ).
أنيس الجلساء في ملخص شرح ديوان الخنساء، تحقيق الأب لويس شيخو، مطبعة الآباء اليسوعيين، بيروت 1895.
تاريخ الخلفاء لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة 1959.
تثقيف التعريف لتقي الدين عبد الرحمن التميمي الشهير بابن ناظر الجيش، تحقيق رودلف فسلي، المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية، القاهرة 1987.
التعريف بالمصطلح الشريف لابن فضل الله العمري، القاهرة 1312.
التعريف بالمصطلح الشريف لابن فضل الله العمري، دراسة وتحقيق سمير الدروبي، الكرك، منشورات جامعة مؤتة 1992/ 1314.
الثغر البسّام في ذكر من ولّي قضاء الشام لشمس الدين محمد ابن طولون، تحقيق صلاح الدين المنجد، مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق، دمشق 1956.
جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش، المؤسسة العربية الحديثة، القاهرة 1964.
حسن التوسل إلى صناعة الترسل لشهاب الدين أبي الثناء محمود بن سلمان الحلبي، القاهرة 1315.(1/611)
حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة لجلال الدين السيوطي الشافعي، تصحيح حسن الفيومي إبراهيم، مصر 1327.
الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لشهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق محمد سيد جاد الله، دار الكتب الحديثة، القاهرة 1385/ 1966.
دفتر كتبخانهء رئيس الكتاب عاشر أفندي. در سعادت 1306هـ.
دفتر كتبخانهء يكي جامع. در سعادت 1300هـ.
ديوان ابن الرومي، تحقيق حسين نصّار، 61، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1973.
ديوان ابن زيدون، أبي الوليد أحمد بن عبد الله، تحقيق محمد سيد كيلاني، مكتبة الحلبي، الطبعة الثانية، القاهرة 1965.
ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، 41، تحقيق محمد عبده عزام. دار المعارف، الطبعة الثالثة، القاهرة 1983.
ديوان أبي الطيب المتنبي لأبي البقاء العكبري، 41، تحقيق مصطفى السقا ورفيقيه.
الطبعة الثانية، مكتبة الحلبي، القاهرة 1956.
ديوان امرئ القيس، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة 1958.
ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب، تحقيق نعمان أمين طه، دار المعارف، الطبعة الثالثة، القاهرة 1986.
ديوان حسّان بن ثابت الأنصاري، تحقيق وليد عرفات، 21، دار صادر، بيروت 1974.
ديوان النابغة الذبياني، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. دار المعارف، القاهرة 1977.
السلوك لمعرفة دول الملوك لأحمد بن علي المقريزي، تحقيق محمد مصطفى زيادة وسعيد عبد الفتاح عاشور، الطبعة الثانية المنقحة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1956.
شذرات الذهب في أخبار من ذهب لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي، القاهرة، مطبعة القدسي 13511350.(1/612)
شما دسترسي به محتواي اين صفحه نداريد(1/613)