ولما فشلت ريح بني عبد المؤمن في زمن المستنصر بن الناصر، استولى الفنش على جميع ما فتحه المسلمون من معاقل الأندلس، ثم هلك الفنش.
وولي ابنه (هرّاندة) وكان أحول وبذلك يلقّب، فارتجع قرطبة واشبيلية من أيدي المسلمين.
وزحف ملك أرغون في زمنه فاستولى على ماردة، وشاطبة، ودانية، وبلنسية، وسرقسطة، والزّهراء، والزاهرة، وسائر القواعد والثّغور الشرقيّة، وانحاز المسلمون إلى سيف البحر، وملّكوا عليهم ابن (1) الأحمر بعد ولاية ابن هود. وكان استرجاع الطاغية ماردة سنة ستّ وعشرين وستّمائة، وميورقة سنة سبع وعشرين، وبلنسية سنة ستّ وثلاثين، وسرقسطة وشاطبة قبل ذلك بزمن طويل.
ثم هلك هرّاندة، وولي ابنه [شانجة] (2) ثم هلك [سنة ثلاث وتسعين] (3)
وولي ابنه (هرّاندة) وكان بينه وبين عساكر يعقوب بن عبد الحق:
سلطان الغرب الواصلة إلى الأندلس حروب متصلة، الغلب فيها لعساكر ابن عبد الحق، ثم خرج على هرّاندة هذا ابنه (شانجة) فوفد هرّاندة على السلطان يعقوب بن عبد الحق فقبّل يده، واستجاشه على ولده شانجة، فقبل وفادته، وأمدّه بالمال والعساكر، ورهن عنده على المال التاج المعروف من ذخائر سلفهم، فهو عند بني عبد الحق إلى الآن.
ثم هلك هرّاندة سنة ثلاث وثلاثين وستّمائة، واستقل ابنه (شانجة) بالملك، ووفد على يوسف بن يعقوب بالجزيرة الخضراء بعد مهلك أبيه يعقوب ابن عبد الحق وعقد معه الهدنة، ثم نقض واستولى على مدينة طريف سنة ثلاث وتسعين وستّمائة ثم هلك سنة ثنتي عشرة وسبعمائة.
__________
(1) هو: محمد بن يوسف بن محمد من آل نصر بن الأحمر الخزرجي الأنصاري أبو عبد الله أمير المسلمين الملقب بالغالب بالله: مؤسس دولة بني الأحمر في الأندلس. توفي سنة 671هـ.
(2) الزيادة من العبر (ج 4، ص 184) كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.
(3) الزيادة من العبر (ج 4، ص 184) كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/258)
فولي ابنه (بطرة) صغيرا، وكفله عمّه جوان وهلكا جميعا على غرناطة عند زحفهما إليها سنة ثمان عشرة وسبعمائة.
فولي ابنه (الهنشة بن بطرة) صغيرا وكفله زعماء دولته، ثم استقل بأمره وهلك محاصرا جبل الفتح سنة إحدى وخمسين وسبعمائة في الطاعون الجارف.
وولي (ابنه بطرة) وفرّ ابنه القمط إلى برشلونة فاستجاش صاحبها على أخيه بطرة فأجابه، وزحف إليه بطرة فاستولى على كثير من بلاده، ثم كان الغلب للقمط سنة ثمان وستين وسبعمائة، واستولى على بلاد قشتالة، وزحفت إليهم أمم النصرانية، ولحق بطرة بأمم الفرنج الذين وراء قشتالة في الجوف بجهات الليمانية وبرطانية إلى ساحل البحر الأخضر وجزائره فزوّج بنته من ابن ملكهم الأعظم المعروف بالبنس غالس، وأمدّه بأمم لا تحصى فملك قشتالة والقرنتيرة، واتصلت الحرب بعد ذلك بين بطرة وأخيه القمط، إلى أن غلبه القمط وقتله سنة ثنتين وسبعين وسبعمائة، واستولى القمط على ملك بني أدفونش أجمعه، واستقام له أمر قشتالة، ونازعه البنس غالس ملك الإفرنجة بابنه الذي هو من بنت بطرة، وطلب له الملك على عادتهم في تمليك ابن البنت، واتصلت الحرب بينهما، وشغله ذلك عن المسلمين فامتنعوا عن أداء الإتاوة التي كانوا يؤدّونها إلى من كان قبله، وهلك القمط سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.
فولي ابنه (دن جوان) وفرّ أخوه غريس ولحق بالبرتغال، واستجاش على أخيه بجموع كثيرة، ثم رجع إليه واصطلح عليه، ثم هلك دن جوان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ونصّب قومه في الملك ابنه بطرة صبيا صغيرا لم يبلغ الحلم وقام بكفالته وتدبير دولته اليركيش خال جدّه القمط بن الهنشه والأمر على ذلك إلى الآن، وفتنهم مع البنس غالس ومع الفرنج متصلة، وأيديهم عن المسلمين مكفوفة
{وَاللََّهُ مِنْ وَرََائِهِمْ مُحِيطٌ} (1)
قلت: والممالك القائمة بجزيرة الأندلس الآن من ممالك النصرانية أربع ممالك.(5/259)
فولي ابنه (دن جوان) وفرّ أخوه غريس ولحق بالبرتغال، واستجاش على أخيه بجموع كثيرة، ثم رجع إليه واصطلح عليه، ثم هلك دن جوان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ونصّب قومه في الملك ابنه بطرة صبيا صغيرا لم يبلغ الحلم وقام بكفالته وتدبير دولته اليركيش خال جدّه القمط بن الهنشه والأمر على ذلك إلى الآن، وفتنهم مع البنس غالس ومع الفرنج متصلة، وأيديهم عن المسلمين مكفوفة
{وَاللََّهُ مِنْ وَرََائِهِمْ مُحِيطٌ} (1)
قلت: والممالك القائمة بجزيرة الأندلس الآن من ممالك النصرانية أربع ممالك.
المملكة الأولى (مملكة قشتالة)
التي عليها سياقة الحديث إلى أن صارت إلى بطرة بن دن جوان المتقدّم ذكره.
وهي مملكة عظيمة وعمالات متسعة تشتمل على طيطلة، واشبيلية، وقشتالة، وغليسية والقرنبيرة وهي بسط من الغرب إلى الشرق ويقال لملكها الأدفونش والعامة تسميه الفنش.
المملكة الثانية (مملكة البرتغال)
وهي في الجانب الغربيّ من قشتالة، وهي عمالة صغيرة تشتمل على أشبونة وغرب الأندلس، وهي الآن من أعمال جلّيقيّة، إلا أن صاحبها متميز بسمته وملكه.
المملكة الثالثة (مملكة برشلونة)
وهي بجهة شرق الاندلس، وهي مملكة كبيرة، وعمالات واسعة، تشتمل على برشلونة، وأرغون، وشاطبة، وسرقسطة، وبلنسية، وجزيرة دانية، وميورقة وكان ملكهم بعد العشرين والسبعمائة اسمه بطرة وطال عمره، وهلك سنة سبع وثمانين وسبعمائة، وانفرد أخوه الدك بملك سرقسطة مقاسما لأخيه ثم سار بعد
__________
(1) انظر سورة البروج ورقمها (85) آية رقم (20)(5/260)
ذلك في أسطول فملك جزيرة صقلية من أيدي أهلها وصارت داخلة في أعمالهم.
المملكة الرابعة (مملكة نبرّة مما يلي قشتالة من جهة الشرق، فاصلا بين عمالات ملك قشتالة وعمالات ملك برشلونة)
وهي عمالة صغيرة، وقاعدتها مدينة ينبلونة، وملكها ملك البشكنس. أما ما وراء الأندلس من الفرنج فأمم لا تحصى، وسيأتي الكلام على ذكر ملكهم الأكبر ريدفرنس فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الجملة السادسة (في ترتيب هذه المملكة)
أما مملكة المسلمين فلا يخفى أنها في معنى بلاد المغرب. [وفي كثير من الأوقات يملكهم ملوك المغرب الأقصى، فبالضرورة إن ترتيبهم جار على ترتيب بلاد الغرب] (1)
وقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن أهل الأندلس في الجملة لا يتعمّمون، بل يتعهّدون شعورهم بالتنظيف والحنّاء ما لم يغلب الشّيب، ويتطيلسون فيلقون الطّيلسان على الكتف أو الكتفين مطويّا طيّا ظريفا [والمتعمم فيهم قليل] ويلبسون الثياب الرفيعة الملونة من الصّوف والكتّان ونحو ذلك، وأكثر لباسهم في الشتاء الجوخ وفي الصيف البياض. قال: وأرزاق الجند به ذهب بحسب مراتبهم، وأكثرهم من برّ العدوة من بني مرين وبني عبد الواد وغيرهم. والسلطان مسكنه القصور الرفيعة، ويقعد السلطان للناس بدار العدل في مكان يعرف بالسبيكة من القصبة الحمراء التي هي القلعة يوم الاثنين ويوم الخميس صباحا، ويحضر معه المجلس الرؤساء من أقاربه ونحوهم، ويقرأ بمجلسه عشر من القرآن وشيء من الحديث النبويّ، ويأخذ الوزير القصص من الناس فتقرأ عليه. وأما
__________
(1) الزيادة من القطعة الأزهرية. كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/261)
الحرب فإنهم فيها سجال: تارة لهم وتارة عليهم، والنصر في الأغلب للمسلمين على قلّتهم وكثرة عدوّهم بقوّة الله تعالى. وبالبلاد البحرية أسطول الحراريق المفرّق في البحر الشامي، يركبها الأنجاد من الرّماة والرؤساء المهرة، فيقاتلون العدوّ على ظهر البحر، وهم الظافرون في الغالب، ويغيرون على بلاد النصارى بالساحل وما هو بقربه فيأسرون أهلها ذكورهم وإناثهم، ويأتون بهم بلاد المسلمين، فيبرزون بهم ويحملونهم إلى غرناطة إلى السلطان فيأخذ منهم ما يشاء ويهدي ويبيع.
وقد كانت لهم وقيعة في الإفرنج سنة تسع عشرة وسبعمائة على مرج غرناطة قتل فيها من الإفرنج أكثر من ستين ألفا وملكان: وهما بطرة وجوان عمه ففديت جيفة جوان بأموال عظيمة. وحملت جثّة بطرة إلى غرناطة، فعلّقت على باب قلعتها في تابوت، واستمرت معلّقة هناك، وجاز المسلمون غنيمة من أموالهم قلّما يذكر مثلها في تاريخ، {وَمَا النَّصْرُ إِلََّا مِنْ عِنْدِ اللََّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (1)
وقد تقدم في المقالة الأولى في الكلام على النوع الرابع مما يحتاج إليه الكاتب: وهو حفظ كتاب الله تعالى: أن بعض ملوك الفرنج كتب إلى ابن الأحمر:
صاحب غرناطة كتابا يهدّده فيه، فكان جوابه أن قلبه وكتب على ظهره {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لََا قِبَلَ لَهُمْ بِهََا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهََا أَذِلَّةً وَهُمْ صََاغِرُونَ} (2)
وأما ملوك الفرنج به فعلى ترتيب سائر ممالك الفرنج مما هو غير معلوم لنا.
__________
(1) انظر سورة آل عمران ورقمها (3) آية رقم (126)
(2) انظر سورة النمل ورقمها (27) آية رقم (37)(5/262)
الفصل الثالث من المقالة الثانية في الجهة الجنوبيّة عن مملكة الديار المصرية
: من مصر والشام والحجاز، ومضافاتها مما هو واقع في الثاني والثالث والرابع من الأقاليم السبعة) اعلم أنه قد دخل في جهتي الشرق والغرب المتقدّمتين ذكر أماكن مما هو في جهة الجنوب عن مملكة الديار المصرية ومضافاتها، انساق الكلام إليها استطرادا واستتباعا: كأطراف اليمن، والهند، والصّين الجنوبية الخارجة عن الإقليم الثاني إلى جهة الجنوب مما استتبعته ممالك الشرق، والمقصود الآن الكلام على ما عدا ذلك، وهو بلاد السّودان.
وهي بلاد متّسعة الارجاء رحبة الجوانب، حدّها من الغرب البحر المحيط الغربيّ، ومن الجنوب الخراب مما يلي خطّ الاستواء ومن [الشّرق] بحر القلزم مما يقابل بلاد اليمن والأمكنة المجهولة الحال شرقيّ بلاد الزّنج في جنوبيّ البحر الهنديّ، ومن الشّمال البراريّ الممتدّة فيما بين الديار المصرية وأرض برقة، وبلاد البربر، من جنوبي المغرب إلى البحر المحيط.
والمشهور منها ستّ ممالك.
المملكة الأولى (بلاد البجا)
والبجا بضم الباء الموحدة وفتح الجيم وألف في الآخر. وهم من أصفى السودان لونا. قال ابن سعيد: وهم مسلمون ونصارى وأصحاب أوثان، ومواطنهم
في جنوبي صعيد مصر مما يلي الشرق، فيما بين بحر القلزم وبين نهر النيل، على القرب من الديار المصرية.(5/263)
والبجا بضم الباء الموحدة وفتح الجيم وألف في الآخر. وهم من أصفى السودان لونا. قال ابن سعيد: وهم مسلمون ونصارى وأصحاب أوثان، ومواطنهم
في جنوبي صعيد مصر مما يلي الشرق، فيما بين بحر القلزم وبين نهر النيل، على القرب من الديار المصرية.
وقاعدتهم (سواكن) بفتح السين المهملة والواو وكسر الكاف ونون في الآخر. قال في «تقويم البلدان» في الكلام على بحر القلزم: وهي بليدة للسّودان، حيث الطول ثمان وخمسون درجة، والعرض إحدى وعشرون درجة.
قلت وقد أخبرني من رآها أنها جزيرة على طرف بحر القلزم من جهته الغربيّة قريبة من البرّ يسكنها التّجّار. وصاحبها الآن من العرب المعروفين بالحداربة بالحاء والدال المهملتين المفتوحتين وألف ثم راء مهملة وباء موحدة مفتوحة وهاء في الآخر، وله مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، ويقال في تعريفه الحدربيّ بضم الحاء وسكون الدال وضم الراء، على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة فيما بعد، إن شاء الله تعالى.
وقد عدّ في «تقويم البلدان» من مدن البجا (العلّاقي) بفتح العين المهملة واللام المشدّدة ثم ألف وقاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحت. من آخر الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال»: حيث الطول ثمان وخمسون درجة، والعرض ستّ وعشرون درجة. قال في «تقويم البلدان»: وهي بالقرب من بحر القلزم، ولها مغاص ليس بالجيّد، وبجبلها معدن ذهب، يتحصّل منه بقدر ما ينفق في استخراجه. قال المهلّبي: إذا أخذت من أسوان في سمت المشرق تصل إلى العلّاقي بعد اثنتي عشرة مرحلة. قال: وبين العلّاقي وعيذاب ثمان مراحل ومن العلّاقي يدخل إلى بلاد البجا.
المملكة الثانية (بلاد النّوبة)
بضم النون وسكون الواو وفتح الباء الموحدة وهاء في الآخر. ولون بعضهم يميل إلى الصّفاء، وبعضهم شديد السّواد. قال في «مسالك الأبصار»:
وبلادهم مما يلي مصر في نهاية جنوبيّها مما يلي المغرب على ضفتي النيل الجاري
إلى مصر. قال في «تقويم البلدان» في الكلام على الجانب الجنوبيّ: وبينها وبين بلاد النّوبة جبال منيعة.(5/264)
وبلادهم مما يلي مصر في نهاية جنوبيّها مما يلي المغرب على ضفتي النيل الجاري
إلى مصر. قال في «تقويم البلدان» في الكلام على الجانب الجنوبيّ: وبينها وبين بلاد النّوبة جبال منيعة.
وقاعدتها مدينة (دنقلة). قال في «تقويم البلدان»: الظاهر أنها بضم الدال المهملة وسكون النون وقاف مضمومة ولام مفتوحة وهاء في الآخر. وما قاله هو الجاري على ألسنة أهل الديار المصرية، ورأيتها في «الروض المعطار» مكتوبة (دمقلة) بإبدال النون ميما، مضبوطة بفتح الدال، وباقي الضبط على ما تقدّم.
وأنشد بيت شعر شاهدا لذلك. وموقعها في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة.
قال ابن سعيد: حيث الطول ثمان وخمسون درجة وعشر دقائق، والعرض أربع عشرة درجة وخمس عشرة دقيقة. قال: وفي جنوبيّها وغربيّها مجالات زنج النّوبة الذين قاعدتهم (كوشة) خلف الخطّ، وفي غربي دنقلة وشماليّها مدنهم المذكورة في الكتب. قال الإدريسيّ: وهي في غربيّ النيل على ضفّته وشرب أهلها منه.
قال: وأهلها سودان لكنهم أحسن السّودان وجوها، وأجملهم شكلا، وطعامهم الشعير والذّرة والتمر يجلب إليهم. واللحوم التي يستعملونها لحوم الإبل: طريّة ومقدّدة، ومطبوخة. وفي بلادهم الفيلة، والزّراريف، والغزلان.
قال في «مسالك الأبصار»: ومدنها أشبه بالقرى والضيّاع من المدن، قليلة الخير والخصب، يابسة الهواء. قال: وحدّثني غير واحد ممن دخل النّوبة: أن مدينة دنقلة ممتدّة على النيل، وأهلها في شظف من العيش، والحبوب عندهم قليلة إلا الذّرة، وإنما تكثر عندهم اللحوم والألبان والسّمك. وأفخر أطبختهم أن تطبخ اللّوبيا في مرق اللحم، ويثرد ويصفّ اللحم واللّوبيا على وجه الثّريد.
وربما عملت اللّوبيا بورقها وعروقها. قال: ولهم انهماك على السّكر بالمزر (1)
وميل عظيم إلى الطّرب.
__________
(1) المزر: نبيذ الشعير والحنطة والحبوب. انظر لسان العرب مادة (مزر). والانهماك: التمادي في الشيء. انظر لسان العرب، مادة (همك).(5/265)
ولما خاف بنو أيّوب نور الدّين الشهيد صاحب الشام على أنفسهم حين همّ بقصدهم، بعث السلطان صلاح الدّين أخاه شمس الدولة (1) إلى (النّوبة) ليأخذها لتكون موئلا لهم إذا قصدهم، فرأوها لا تصلح لمثلهم، فعدلوا إلى اليمن واستولوا عليها، وجعلوها كالمعقل لهم. قال ابن سعيد: ودين أهل هذه البلاد النصرانية. قال في «مسالك الأبصار»: ومن هذه البلاد نجم «لقمان الحكيم» ثم سكن مدينة أيلة، ثم دخل إلى بيت المقدس. ومنها أيضا «ذو النون المصريّ» (2)
الزاهد المشهور، وإنما سمي المصريّ لأنه سكن مصر فنسب إليها. وكان ملوكها في الزمن القديم وسائر أهلها على دين النّصرانية، فلما فتح عمرو بن العاص (3)
رضي الله عنه مصر غزاهم. قال في «الروض المعطار»: فرآهم يرمون الحدق بالنّبل، فكفّ عنهم، وقرّر عليهم إتاوة في كل سنة. قال صاحب «العبر» وعلى ذلك جرى ملوك مصر بعده، وربما كانوا يماطلون بذلك ويمتنعون من أدائه، فتغزوهم عساكر المسلمين من مصر حتى يطيعوا، إلى أن كان ملكهم في أيام الظاهر بيبرس (4) رحمه الله، رجلا اسمه (مرقشنكز) وكان له ابن أخ اسمه (داود) فتغلب عليه، وانتزع الملك من يده، واستفحل ملكه بها، وتجاوز حدود مملكته قريب (أسوان) من آخر صعيد الدّيار المصرية فقدم (مرقشنكز) المذكور على الظاهر بيبرس بالدّيار المصرية، واستنجده على ابن أخيه (داود) المذكور، فجهّز معه العساكر إلى بلاد النّوبة، فانهزم (داود) ولحق بمملكة الأبواب من بلاد السّودان، فقبض عليه ملكها وبعث به مقيّدا إلى الظاهر بيبرس،
__________
(1) سبق التعريف به.
(2) هو: ذو النون المصري، ثوبان بن إبراهيم الإخميميّ المصري أبو الفيّاض، أو أبو الفيض: أحد الزهاد العباد المشهورين. توفي سنة 245هـ. أنظر ميزان الاعتدال (ج 1، ص 331). ولسان الميزان (ج 2، ص 437) والأعلام (ج 2، ص 102)
(3) هو: عمرو بن العاص بن وائل السهميّ القرشيّ أبو عبد الله: فاتح مصر وأحد عظماء العرب ودهاتهم. انظر تاريخ الإسلام للذهبي (ج 2، ص 240235) والأعلام (ج 5، ص 79)
(4) هو: الظاهر بيبرس العلائي البندقداري الصالحي ركن الدولة: صاحب الفتوحات والأخبار. توفي سنة 676هـ. أنظر فوات الوفيات (ج 1، ص 85) والأعلام (ج 2، ص 79)(5/266)
فاعتقل بالقلعة حتى مات، واستقرّ (مرقشنكز) في ملك النّوبة على جزية يؤدّيها في كل سنة، إلى أن كانت دولة المنصور (قلاوون) ثم استقرّ بمملكة دنقلة في الدولة المنصورية (قلاوون) رجل اسمه سيمامون وغزته عساكر قلاوون سنة ثمانين وستّمائة.
ثم ملكهم في أيام الناصر «محمد بن قلاوون» (1) رجل اسمه (أمي) وبقي حتى توفّي سنة ستّ عشرة وسبعمائة.
وملك بعد دنقلة أخوه (كرنبس).
ثم خرج من بيت الملك منهم رجل اسمه (نشلى) فهاجر إلى مصر، وأسلم وحسن إسلامه، وأقام بمصر بالأبواب السّلطانية وأجرى عليه السلطان الملك الناصر رزقا، ولم يزل حتى امتنع (كرنبس) من أداء الجزية سنة ستّ عشرة وسبعمائة، فجهّز إليه السلطان العساكر مع نشلى المقدّم ذكره، وقد تسمّى عبد الله ففرّ كرنبس إلى بلاد الأبواب، فاستقرّ (عبد الله نشلى) في ملك دنقلة على دين الإسلام، ورجعت العساكر إلى مصر، وبعث الملك الناصر إلى ملك الأبواب في أمر كرنبس فبعث به إليه، فأسلم وأقام بباب السلطان، وبقي نشلى في الملك حتى قتله أهل مملكته سنة تسع عشرة وسبعمائة، فبعث السلطان كرنبس إليهم فملكهم وانقطعت الجزية عنهم من حين أسلم ملوكهم. قال في «العبر»: ثم انتشرت أحياء جهينة (2) من العرب في بلادهم واستوطنوها، وعاثوا فسادا، وعجز ملوك النّوبة عن مدافعتهم فصاهروهم مصانعة لهم، وتفرّق بسبب ذلك ملكهم حتى صار لبعض جهينة من أمّهاتهم على رأي العجم في تمليك الأخت وابن الأخت، فتمزّق ملكهم واستولت جهينة على بلادهم، ولم يحسنوا سياسة الملك، ولم ينقد بعضهم إلى بعض، فصاروا شيعا ولم يبق لهم رسم ملك، وصاروا رحّالة بادية
__________
(1) سبق التعريف به.
(2) ولد جهينة بن زيد: قيس، ومودوعة. انظر جمهرة انساب العرب ص (444)(5/267)
على عادة العرب إلى هذا الزمان.
وذكر في «مسالك الأبصار»: أن ملكها الآن مسلم من أولاد (كنز الدولة) قال: وأولاد الكنز هؤلاء أهل بيت ثارت لهم ثوائر مرّات. فيحتمل أن أولاد الكنز من جهينة أيضا جمعا بين المقالتين.
وقد ذكر في «مسالك الأبصار»: أنّ سلطانهم كواحد من العامّة، وأنه تأوي الغرباء إلى جامع دنقلة فيرسل إليهم فيأتونه فيضيفهم وينعم عليهم هو وأمراؤه، وأن غالب عطائهم الدّكاديك: وهي أكسية غلاظ غالبها سود: وربما أعطوا عبدا أو جارية.
(وقد ذكر في «الروض المعطار»: أن عمرو بن العاص (1) رضي الله عنه قصد قتال النّوبة فرآهم يرمون الحدق بالنّبل فكفّ عنهم، وقرّر عليهم إتاوة من الرّقيق في كل سنة)، ولم تزل ملوك مصر تأخذ منهم هذه الإتاوة في أكثر الأوقات حتى ذكر في «مسالك الأبصار» أنه كان عليهم في زمنه مقرّر لصاحب مصر في كلّ سنة من العبيد، والإماء، والحراب، والوحوش النّوبية قلت: أمّا الآن فقد انقطع ذلك. {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مََا يَشََاءُ وَيَخْتََارُ} (2)
المملكة الثالثة (بلاد البرنو)
وبلاد البرنو بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وضم النون وسكون الواو. وهم مسلمون والغالب على ألوانهم السواد قال في «التعريف»:
وبلاده تحدّ بلاد التّكرور من الشرق، ثم يكون حدّها من الشّمال بلاد أفريقيّة، ومن الجنوب الهمج.
__________
(1) سبق التعريف به.
(2) انظر سورة القصص ورقمها (28) آية رقم (68)(5/268)
وقاعدتهم مدينة (كاكا) بكافين بعد كلّ منهما ألف فيما ذكر لي رسول سلطانهم الواصل إلى الدّيار المصرية صحبة الحجيج في الدولة الظاهرية (برقوق) (1) وقد تعرّض إليها في «مسالك الأبصار» في تحديد مملكة مالّي على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
ومن مدنهم أيضا مدينة (كتنسكي) بكاف مضمومة وتاء مثناة فوقية ساكنة ونون مكسورة وسين مهملة ساكنة وكاف مكسورة بعدها ياء مثناة تحتية. وهي شرقيّ (كاكا) على مسيرة يوم واحد منها.
قلت: وقد وصل كتاب ملك البرنو في أواخر الدولة الظاهرية (برقوق) يذكر فيه أنه من ذرّية «سيف بن ذي يزن» (2) إلا أنه لم يحقق النسب فذكر أنه من قريش وهو غلط منهم فإن «سيف بن ذي يزن» من أعقاب تبابعة اليمن من حمير. على ما يأتي ذكره في الكلام على المكاتبات، في المقالة الرابعة فيما بعد، إن شاء الله تعالى.
ولصاحب البرنو هذا مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، يأتي ذكرها هناك إن شاء الله تعالى.
المملكة الرابعة (بلاد الكانم)
والكانم بكاف بعدها ألف ثم نون مكسورة وميم في الآخر. وهم مسلمون أيضا والغالب على ألوانهم السّواد. قال في «مسالك الأبصار»: وبلادهم بين
__________
(1) هو: الظاهر برقوق بن أنص أو أنس العثماني أبو سعيد سيف الدين الملك الظاهر: أول من ملك مصر من الشراكسة. توفي سنة 801هـ. انظر الضوء اللامع (ج 3، ص 10) والأعلام (ج 2، ص 48)
(2) هو: سيف بن ذي يزن بن ذي أصبح بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو الحميري: من ملوك العرب اليمانيين ودهاتهم. وقيل اسمه معد يكرب. توفي سنة 50ق هـ. انظر الأعلام (ج 3، ص 149)(5/269)
أفريقيّة وبرقة، ممتدّة في الجنوب إلى سمت الغرب الأوسط. قال: وهي بلاد قحط، وشظف، وسوء مزاج مستول عليها. وغالب عيشهم الأرزّ، والقمح، والذّرة، وببلادهم التّين، والليمون، واللّفت، والباذنجان، والرّطب. وذكر عن أبي عبد الله السلايحي، عن الشيخ عثمان الكانميّ وغيره أن الأرزّ ينبت عندهم من غير بذر. ومعاملتهم بقماش ينسج عندهم اسمه دندي، طول كلّ ثوب عشرة أذرع فأكثر. قال: ويتعاملون أيضا بالودع، والخرز، والنّحاس المكسور، والورق، لكنه جميعه يسعر بذلك القماش.
وذكر ابن سعيد: أن في جنوبيّها صحارى فيها أشخاص متوحّشة، كالغول أقرب الحيوانات إلى الشّكل الآدميّ، تؤذي بني آدم ولا يلحقها الفارس.
وذكر أبو عبد الله المرّاكشيّ في كتابه «التكملة» عن أبي اسحاق إبراهيم الكانميّ الأديب الشاعر: أنه يظهر ببلاد الكانم في الليل أمام الماشي بالقرب منه قلل نارتضيء، فإذا مشى بعدت منه، فلا يصل إليها ولو جرى، بل لا تزال أمامه.
وربما رماها بحجر فأصابها، فيتشظّى منها شرارات. قال في «مسالك الأبصار»:
وأحوالها وأحوال أهلها حسنة، وربما كان فيهم من أخذ في التعليم، ونظر من الأدب نظرة النجوم فقال إني سقيم، فما يزال يداوي عليل فهمه، ويداري جامح علمه، حتّى تشرق عليه أشعتها، ويطرّز بديباجه أمتعتها.
وقاعدتها (مدينة جيمي). قال في «تقويم البلدان»: بكسر الجيم وبالياء المثناة تحت الساكنة وكسر الميم ثم ياء مثناة تحتية في الآخر. حسب ما هو في خط ابن سعيد. وموقعها في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ثلاث وخمسون درجة، والعرض تسع درج، وبها مقرّة سلطانهم. قال في «مسالك الأبصار»: ومبدأ هذه المملكة من جهة مصر بلدة اسمها (دلا) وآخرها طولا بلدة يقال لها (كاكا) وبينهما نحو ثلاثة أشهر. وقد تقدّم أن كاكا هي قاعدة سلطان البرنو. وبينها وبين جيمي أربعون ميلا. قال وبها فواكه لا تشبه فواكه بلادنا، وبها الرّمان، والخوخ، وقصب السّكّر. قال في «مسالك الأبصار»:
وسلطان هذه البلاد رجل مسلم. قال في «تقويم البلدان»: وهو من ولد «سيف بن ذي (1) يزن». قال في «مسالك الأبصار»: وأوّل من بثّ الإسلام فيهم الهادي العثمانيّ، ادّعى أنه من ولد «عثمان بن عفّان» رضي الله عنه وملكها، ثم صارت بعده لليزنيّين.(5/270)
وقاعدتها (مدينة جيمي). قال في «تقويم البلدان»: بكسر الجيم وبالياء المثناة تحت الساكنة وكسر الميم ثم ياء مثناة تحتية في الآخر. حسب ما هو في خط ابن سعيد. وموقعها في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ثلاث وخمسون درجة، والعرض تسع درج، وبها مقرّة سلطانهم. قال في «مسالك الأبصار»: ومبدأ هذه المملكة من جهة مصر بلدة اسمها (دلا) وآخرها طولا بلدة يقال لها (كاكا) وبينهما نحو ثلاثة أشهر. وقد تقدّم أن كاكا هي قاعدة سلطان البرنو. وبينها وبين جيمي أربعون ميلا. قال وبها فواكه لا تشبه فواكه بلادنا، وبها الرّمان، والخوخ، وقصب السّكّر. قال في «مسالك الأبصار»:
وسلطان هذه البلاد رجل مسلم. قال في «تقويم البلدان»: وهو من ولد «سيف بن ذي (1) يزن». قال في «مسالك الأبصار»: وأوّل من بثّ الإسلام فيهم الهادي العثمانيّ، ادّعى أنه من ولد «عثمان بن عفّان» رضي الله عنه وملكها، ثم صارت بعده لليزنيّين.
وذكر في «التعريف»: أن سلطان الكانم من بيت قديم في الإسلام، وقد جاء منهم من ادّعى النسب العلويّ في بني الحسن. ثم قال: وتمذهب بمذهب «الشافعيّ» رضي الله عنه. قال في «مسالك الأبصار»: وملكهم على حقارة سلطانه، وسوء بقعة مكانه، في غاية لا تدرك من الكبرياء، يمسح برأسه عنان السماء، مع ضعف أجناد، وقلة متحصّل بلاد، لا يراه أحد إلا في يوم العيدين بكرة وعند العصر. أما في سائر السنة فلا يكلمه أحد ولو كان أميرا إلا من وراء حجاب.
قال: والعدل قائم في بلادهم، ويتمذهبون بمذهب الإمام «مالك» رضي الله عنه، وهم ذوو اختصار في اللباس، يابسون في الدّين، وعسكرهم يتلثمون، وقد بنوا مدرسة للمالكية بالفسطاط ينزل بها وفودهم.
المملكة الخامسة (بلاد مالّي ومضافاتها)
و (مالّي) بفتح الميم وألف بعدها لام مشدّدة مفخّمة وياء مثناة تحت في الآخر. وهي المعروفة عند العامّة ببلاد (التّكرور). قال في «مسالك الأبصار»:
وهذه المملكة في جنوب المغرب، متّصلة بالبحر المحيط. قال في «التعريف»:
وحدّها في الغرب البحر المحيط وفي الشرق بلاد البرنو وفي الشّمال جبال البربر، وفي الجنوب الهمج. ونقل عن الشيخ سعيد الدّكّالي: أنها تقع في جنوب مرّاكش ودواخل برّ العدوة جنوبا بغرب إلى البحر المحيط. قال في «مسالك الأبصار»: وهي شديدة الحرّ، قشفة المعيشة، قليلة أنواع الأقوات، وأهلها طوال
__________
(1) سبق التعريف به.(5/271)
في غاية السواد وتفلفل الشّعور، وغالب طول أهلها من سوقهم، لا من هياكل أبدانهم. قال ابن سعيد: والتّكرور قسمان: قسم حضر يسكنون المدن وقسم رحّالة في البوادي.
وقد حكى في «مسالك الأبصار» عن الشيخ سعيد الدّكّالي: أن هذه المملكة مربّعة، طولها أربعة أشهر أو أزيد، وعرضها مثل ذلك، وجميعها مسكونة إلا ما قلّ، وهذه المملكة هي أعظم ممالك السّودان المسلمين.
وتشتمل على ثمان جمل:
الجملة الأولى (في ذكر أقاليمها ومدنها)
وقد ذكر صاحب «العبر»: أنها تشتمل على خمسة أقاليم كل إقليم منها مملكة بذاتها.
الإقليم الأوّل (مالّي)
وقد تقدم ضبطه. وهو إقليم واسطة الأقاليم السبعة الداخلة في هذه المملكة، واقع بين إقليم صوصو وإقليم كوكو: صوصو من غربيه، وكوكو من شرقيّه.
وقاعدته على ما ذكره في «مسالك الأبصار»: مدينة (بني) (1) قال في «مسالك الأبصار»: بالباء الموحدة والنون ثم الباء الموحدة أيضا. قال: وهي ممتدّة تقدير طول بريد في عرض مثل ذلك، ومبانيها متفرّقة، وبناؤها بالبالستا. وهو أنه يبنى بالطين بقدر ثلثي ذراع، ثم يترك حتّى يجفّ، ثم يبنى عليه مثله، وكذلك حتّى
__________
(1) في القطعة الأزهرية «مدينة ييتى بكسر الياء المثناة تحت وسكون الياء الثانية وكسر المثناة فوق وياء مثناة تحت في الآخر» وقد ورد هذا التوضيح في طبعة دار الكتب المصرية.(5/272)
ينتهي، وسقوفها بالخشب والقصب، وغالبها قباب أو جملونات كالأقباء، وأرضها تراب مرمل، وليس لها سور، بل يستدير بها عدّة فروع من النيل من جهاتها الأربع، بعضها يخاض في أيام قلّة الماء، وبعضها لا يعبر فيه إلا في السّفن.
وللملك عدّة قصور يدور بها سور واحد.
الإقليم الثاني (صوصو)
بصادين مهملتين مضمومتين، بعد كلّ منهما واو ساكنة. وربما أبدلوا الصاد سينا مهملة سمّي بذلك باسم سكّانه. قال في «العبر»: وهم يسمّونها الانكارية.
وهو في الغرب عن إقليم مالّي المقدّم ذكره فيما ذكره في «العبر» عن بعض البقلة.
الإقليم الثالث (بلاد غانة)
بفتح الغين المعجمة وألف ثم نون مفتوحة وهاء في الآخر. وهي غربيّ إقليم صوصو المقدّم ذكره تجاور البحر المحيط الغربيّ.
وقاعدته (مدينة غانة) التي قد أضيف إليها. قال في «تقويم البلدان»:
وموقعها خارج الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة إلى الجنوب. قال ابن سعيد:
حيث الطول [تسع وعشرون (1) درجة] والعرض عشر درج. قال في «تقويم البلدان»: وهي محلّ سلطان بلاد غانة.
وقد حكى ابن سعيد: أن لغانة نيلا شقيق نيل مصر، يصب في البحر المحيط الغربي عند طول عشر درج ونصف، وعرض أربع عشرة. وإليها تسير التّجّار المغاربة من سجلماسة في برّ مقفر ومفاوز عظيمة في جنوب الغرب نحو خمسين يوما، فيكون بين غانة وبين مصبّه نحو أربع درج. وهي مبنيّة على ضفّتي
__________
(1) الزيادة من التقويم نقلا عن ابن سعيد كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/273)
نيلها هذا. قال في «العبر»: وكان أهلها قد أسلموا في أوّل الفتح الإسلامي.
وقد ذكر في «تقويم البلدان»: أنها مدينتان على ضفّتي نيلها، إحداهما يسكنها المسلمون والثانية يسكنها الكفّار.
وقد ذكر في «الروض المعطار»: أن لصاحب غانة معلفين من ذهب، يربط عليهما فرسان له أيام مقعده.
الإقليم الرابع (بلاد كوكو)
وهي شرقيّ إقليم مالّي المقدّم ذكره. قال في «الروض المعطار»: وملكها قائم بنفسه، له حشم وقوّاد وأجناد وزيّ كامل وهم يركبون الخيل والجمال، ولهم بأس وقهر لمن جاورهم من الأمم. قال: وبها ينبت عود الحيّة: وهو عود يشبه العاقر قرحا، إلا أنه أسود من خاصّته أنه إذا وضع على جحر الحيّة خرجت إليه بسرعة، ومن أمسكه بيده أخذ من الحيّات ما شاء من غير جزع يدركه أو يقع في نفسه. ثم قال: والصحيح عند أهل المغرب الأقصى أن هذا العود إذا أمسكه ممسك بيده أو علّقه في عنقه لم تقربه حية البتّة.
وقاعدته (مدينة كوكو) بفتح الكاف وسكون الواو وفتح الكاف الثانية وسكون الواو بعدها. وموقعها في الجنوب عن الإقليم الأول قال ابن سعيد:
حيث الطول أربع وأربعون درجة، والعرض عشر درج. قال: وهي مقرّ صاحب تلك البلاد. قال: وهو كافر يقاتل من غربيّه من مسلمي غانة ومن شرقيّة من مسلمي الكانم.
وذكر المهلّبي في العزيزي أنهم مسلمون، وبينهما وبين مدينة غانة مسيرة شهر ونصف. قال في «الروض المعطار»: وهي مدينة كبيرة على ضفّة نهر يخرج من ناحية الشمال، يمرّ بها ويجاوزها بأيام كثيرة، ثم يغوص في الصّحراء في رمال كما يغوص الفرات في بطائح العراق. قال ابن سعيد: وكوكو في شرقيّ النهر، ولباس عامّة أهلها الجلود يسترون بها عوراتهم، وتجّارهم يلبسون الأكسية، وعلى
رؤوسهم الكرازين، ولبس خواصّهم الأزرق. قال في «مسالك الأبصار»:(5/274)
وذكر المهلّبي في العزيزي أنهم مسلمون، وبينهما وبين مدينة غانة مسيرة شهر ونصف. قال في «الروض المعطار»: وهي مدينة كبيرة على ضفّة نهر يخرج من ناحية الشمال، يمرّ بها ويجاوزها بأيام كثيرة، ثم يغوص في الصّحراء في رمال كما يغوص الفرات في بطائح العراق. قال ابن سعيد: وكوكو في شرقيّ النهر، ولباس عامّة أهلها الجلود يسترون بها عوراتهم، وتجّارهم يلبسون الأكسية، وعلى
رؤوسهم الكرازين، ولبس خواصّهم الأزرق. قال في «مسالك الأبصار»:
وسكانها قبائل يرنان من السّودان.
الإقليم الخامس (بلاد تكرور)
وهي شرقيّ إقليم (كوكو) المقدّم ذكره، ويليه من جهة الغرب مملكة (البرنو) المتقدّمة الذكر، وبها عرفت هذه المملكة على كبرها واشتهرت.
وقاعدتها (مدينة تكرور) بفتح التاء المثناة فوق وسكون الكاف وضم الراء المهملة وسكون الواو وراء مهملة في الآخر. قال في «الروض المعطار»: وهي مدينة على النّيل على القرب من ضفافه أكبر من مدينة سلا من بلاد المغرب، وطعام أهلها السمك، والذّرة، والألبان، وأكثر مواشيهم الجمال، والمعز، ولباس عامّة أهلها الصّوف، وعلى رؤوسهم كرازين صوف، ولباس خاصّتهم القطن والمآزر. قال: وبينها وبين سجلماسة من بلاد المغرب أربعون يوما بسير القوافل، وأقرب البلاد إليها من بلاد لمتونة بالصحراء آسفي بينهما خمس وعشرون مرحلة.
قال: وأكثر ما يسافر به تجّار الغرب الأقصى إليها الصّوف، والنّحاس، والخرز، ويخرجون منها بالتّبر، والخدم. قلت: وذكر في «مسالك الأبصار»: أن هذه المملكة تشتمل على أربعة عشر إقليما وهي: غانة، وزافون، وترنكا، وتكرور، وسنغانة، وبانبغو، وزرنطابنا، وبيترا، ودمورا، وزاغا، وكابرا، وبراغودي، وكوكو، ومالّي. فذكر أربعة من الأقاليم الخمسة المتقدّمة الذكر، وأسقط إقليم صوصو، وكأنها قد اضمحلّت وزاد باقي ذلك، فيحتمل أنها انضافت إلى صاحبها يومئذ بالفتح والاستيلاء عليها.
قال في «مسالك الأبصار»: وفي شماليّ بلاد مالّي قبائل من البربر بيض تحت حكم سلطانها: وهم نيتصر، ونيتغراس، ومدوسة، ولمتونة، ولهم أشياخ تحكم عليهم إلا نيتصر، فإنهم يتداولهم ملوك منهم تحت حكم صاحب مالّي.
قال: وكذلك في طاعته قوم من الكفار بعضهم يأكل لحم الآدميين. ونقل عن
الشيخ سعيد الدّكّالي: أن في طاعة سلطانها بلاد مغارة الذهب. وهم بلاد همج، وعليهم إتاوة من التبر تحمل إليه في كل سنة، ولو شاء أخذهم ولكن ملوك هذه المملكة قد جرّبوا أنه ما فتحت مدينة من هذه المدن وفشا بها الإسلام، ونطق بها داعي الأذان، إلا قلّ بها وجود الذهب ثم يتلاشى حتّى يعدم، ويزداد فيما يليه من بلاد الكفار، فرضوا منهم ببذل الطاعة، وحمل قرّر عليهم. وذكر نحو ذلك في «التعريف» في الكلام على غانة.(5/275)
قال: وكذلك في طاعته قوم من الكفار بعضهم يأكل لحم الآدميين. ونقل عن
الشيخ سعيد الدّكّالي: أن في طاعة سلطانها بلاد مغارة الذهب. وهم بلاد همج، وعليهم إتاوة من التبر تحمل إليه في كل سنة، ولو شاء أخذهم ولكن ملوك هذه المملكة قد جرّبوا أنه ما فتحت مدينة من هذه المدن وفشا بها الإسلام، ونطق بها داعي الأذان، إلا قلّ بها وجود الذهب ثم يتلاشى حتّى يعدم، ويزداد فيما يليه من بلاد الكفار، فرضوا منهم ببذل الطاعة، وحمل قرّر عليهم. وذكر نحو ذلك في «التعريف» في الكلام على غانة.
الجملة الثانية (في الموجود بهذه المملكة)
قد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ سعيد الدّكّالي: أن بها الخيل من نوع الأكاديش التتريّة. قال: وتجلب الخيل العراب إلى ملوكهم، يتغالون في أثمانها، وكذلك عندهم البغال، والحمير، والبقر، والغنم، ولكنّها كلّها صغيرة الجثّة، وتلد الواحدة من المعز عندهم السبعة والثمانية، ولا مرعى لمواشيهم، إنما هي جلّالة على المقامات والمزابل. وبها من الوحوش الفيلة، والآساد والنّمورة، وكلّها لا تؤذي من بني آدم إلا من تعرّض لها. وعندهم وحش يسمّى (ترمّي) بضم التاء المثناة والراء المهملة وتشديد الميم، في قدر الذئب، يتولد بين الذئب والضّبع لا يكون إلا خنثى: له ذكر وفرج، متى وجد في الليل آدميّا صغيرا أو مراهقا أكله. ولا يتعرّض إلى أحد في النهار، وهو ينعر كالثور، وأسنانه متداخلة.
وعندهم تماسيح عظام منها ما يكون طوله عشرة أذرع وأكثر، ومرارته عندهم سمّ قاتل تحمل إلى خزانة ملكهم. وعندهم بقر الوحش، وحمير الوحش، والغزلان.
وفيما يسامت سجلماسة من بلادهم جواميس متوحّشة تصاد كما يصاد الوحش.
وبها من الطيور الدّواجن الإوزّ، والدّجاج، والحمام. وبها من الحبوب الأرزّ، والغوثي: وهو دق مزغّب، يدرس فيخرج منه حبّ أبيض شبيه بالخردل في المقدار
أو أصغر منه، فيغسل ثم يطحن ويعمل منه الخبز، وهذا الحب هو والأرزّ هما غالب قوتهم، وعندهم الذّرة وهي أكثر حبوبهم، ومنها قوتهم وعليق خيولهم ودوابّهم، وعندهم الحنطة على قلّة فيها، أما الشعير فلا وجود له عندهم البتة، وعندهم من الفواكه البستانية الجمّيز (1) وهو كثير لديهم وعندهم أشجار برّية ذوات ثمار مأكولة مستطابة، منها شجر يسمّى تادموت يحمل شيئا مثل القواديس كبرا في داخلها شيء شبيه بدقيق الحنطة، ساطع البياض، طعمه مزّ لذيذ يأكلون منه، وإذا جف جعلوه على الحنّاء فيسوّده كالنوشادر، ومنها شجر يسمّى زبيزور تخرج ثمرته مثل قرون الخرّوب فيخرج منها شيء شبيه بدقيق التّرمس حلو لذيذ الطعم، له نوى. ومنها شجر يسمّى قومي، يحمل شبيه السفرجل، لذيذ الطعم يشبه طعم الموز، وله نوى شبيه بغضروف العظم، يأكله بعضهم معه. ومنها شجر اسمه فاريتي، حمله شبيه بالليمون وطعمه يشبه طعم الكمّثرى بداخله نوى ملحم، يؤخذ ذلك النوى وهو طريّ، فيطحن فيخرج منه شيء شبيه بالسمن يجمد، وتبيّض به البيوت، وتوقد منه السّرج، ويعمل منه الصابون، وإذا قصد أكله وضع في قدر على نار ليّنة، ويسقى الماء حتّى يقوى غليانه وهو مغطّى الرأس، ويسارق كشف الغطاء في افتقاده، فإنه متى كشف القدر فار ولحق بالسقف. وربما انعقد منه نار فأحرق البيت، فإذا نضج برّد، وجعل في ظروف القرع، وصار يستعمل في المأكل كالسّمن. ومتى جعل في غير ظروف القرع من الآنية خرقها. ويوجد بها من الثمرات البرّيّة ما هو شبيه بكل الفواكه البستانيّة على اختلاف أنواعها، ولكنها حرّيفة لا تستطاب، يأكلها الهمج من السّودان، وهي قوت كثير منهم.(5/276)
وبها من الطيور الدّواجن الإوزّ، والدّجاج، والحمام. وبها من الحبوب الأرزّ، والغوثي: وهو دق مزغّب، يدرس فيخرج منه حبّ أبيض شبيه بالخردل في المقدار
أو أصغر منه، فيغسل ثم يطحن ويعمل منه الخبز، وهذا الحب هو والأرزّ هما غالب قوتهم، وعندهم الذّرة وهي أكثر حبوبهم، ومنها قوتهم وعليق خيولهم ودوابّهم، وعندهم الحنطة على قلّة فيها، أما الشعير فلا وجود له عندهم البتة، وعندهم من الفواكه البستانية الجمّيز (1) وهو كثير لديهم وعندهم أشجار برّية ذوات ثمار مأكولة مستطابة، منها شجر يسمّى تادموت يحمل شيئا مثل القواديس كبرا في داخلها شيء شبيه بدقيق الحنطة، ساطع البياض، طعمه مزّ لذيذ يأكلون منه، وإذا جف جعلوه على الحنّاء فيسوّده كالنوشادر، ومنها شجر يسمّى زبيزور تخرج ثمرته مثل قرون الخرّوب فيخرج منها شيء شبيه بدقيق التّرمس حلو لذيذ الطعم، له نوى. ومنها شجر يسمّى قومي، يحمل شبيه السفرجل، لذيذ الطعم يشبه طعم الموز، وله نوى شبيه بغضروف العظم، يأكله بعضهم معه. ومنها شجر اسمه فاريتي، حمله شبيه بالليمون وطعمه يشبه طعم الكمّثرى بداخله نوى ملحم، يؤخذ ذلك النوى وهو طريّ، فيطحن فيخرج منه شيء شبيه بالسمن يجمد، وتبيّض به البيوت، وتوقد منه السّرج، ويعمل منه الصابون، وإذا قصد أكله وضع في قدر على نار ليّنة، ويسقى الماء حتّى يقوى غليانه وهو مغطّى الرأس، ويسارق كشف الغطاء في افتقاده، فإنه متى كشف القدر فار ولحق بالسقف. وربما انعقد منه نار فأحرق البيت، فإذا نضج برّد، وجعل في ظروف القرع، وصار يستعمل في المأكل كالسّمن. ومتى جعل في غير ظروف القرع من الآنية خرقها. ويوجد بها من الثمرات البرّيّة ما هو شبيه بكل الفواكه البستانيّة على اختلاف أنواعها، ولكنها حرّيفة لا تستطاب، يأكلها الهمج من السّودان، وهي قوت كثير منهم.
وبها من الخضراوات اللّوبياء، واللّفت، والثّوم، والبصل، والباذنجان، والكرنب، أما الملوخيّة فلا تطلع عندهم إلا برّية، والقرع عندهم بكثرة. وعندهم شيء شبيه بالقلقاس إلا أنه الذّ من القلقاس، يزرع في الخلاء فإن سرق منه
__________
(1) الجميز: ضرب من الشجر يشبه حمله التين. أحمر حلو كبير. انظر لسان العرب، مادة (جمز).(5/277)
سارق، قطع الملك رأسه وعلّقه مكان ما قطع منه، عادة عندهم يتوارثونها خلفا عن سلف، لا توجد فيها رخصة، ولا تنفع فيها شفاعة.
وجبالها ذوات أشجار مشتبكة، غليظة السّوق إلى الغاية، تظلّ الواحدة منها خمسمائة فارس. وفيها بغانة وما وراءها في الجنوب من بلاد السّودان الهمج معادن الذهب.
وقد حكى في «مسالك الأبصار» عن الأمير أبي الحسن عليّ بن أمير حاجب عن السلطان (منسا موسى) سلطان هذه المملكة: أنه سأله عند قدومه الديار المصرية حاجّا عن معادن الذهب عندهم فقال: توجد على نوعين: نوع في زمان الربيع ينبت في الصحراء، له ورق شبيه بالنجيل (1)، أصوله التبر. والثاني يوجد في أماكن معروفة على ضفّات مجارى النيل، تحفر هناك حفائر فيوجد فيها الذهب كالحجارة والحصى، فيؤخذ. قال: وكلاهما هو المسمّى بالتّبر. ثم قال:
والأوّل (2) أفحل في العيار، وأفضل في القيمة. وذكر في «التعريف» نحوه. وذكر عن الشيخ عيسى الزواويّ عن السلطان (منسا موسى) المقدّم ذكره أيضا أنه يحفر في معادن الذهب كلّ حفيرة عمق قامة أو ما يقاربها، فيوجد الذهب في جنباتها.
وربما وجد مجتمعا في سفل الحفيرة، وأنّ في مملكته أمما من الكفّار لا يأخذ منهم جزية، إنما يستعملهم في إخراج الذهب من معادنه. ثم قد ذكر في «مسالك الأبصار»: أن النوع الأوّل من الذهب يوجد في زمن الربيع عقيب [الأمطار] (3) ينبت في مواقعها، والثاني يوجد في جميع السنة في ضفّات مجارى النّيل. وذكر في «التعريف»: أن نبات الذهب بهذه البلاد يبدأ في شهر
__________
(1) النجيل: ضرب من الحمض. انظر القاموس المحيط، مادة (نجل).
(2) في الأصل والأول في الخيار والتصحيح عن «التعريف»، و «المسالك» كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.
(3) بياض في الأصل والتصحيح من المسالك، كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/278)
(أغشت) (1) حيث سلطان الشمس قاهر، وذلك عند أخذ النّيل في الارتفاع والزيادة. فإذا انحطّ النيل تتبّع حيث ركب عليه من الأرض، فيوجد منه ما هو نبات يشبه النجيل وليس به. ومنه ما يوجد كالحصى. فجعل الجميع مما يحدث في هذا الزمن في أماكن النيل خاصّة، وفيه مخالفة لما تقدّم. بل قد قال: إن شهر (أغشت) الذي يطلع فيه الذهب وهو من شهور الروم، ويقع والله أعلم أنه يركّب من (تمّوز) و (آب) يعني من شهور السريان، وهذا غلط فاحش. فقد تقدّم في المقالة الأولى أن شهور الروم منطبقة على شهور السّريان في الابتداء والانتهاء، دون ابتداء أوّل السنة، وشهر (أغشت) من شهور الروم هو شهر (آب) من شهور السريان بعينه.
ثم قد حكى في «مسالك الأبصار» عن والي مصر عن (منسا موسى) المقدم ذكره: أن الذهب ببلاده حمّى له، يجمع له متحصله كالقطيعة، إلا ما يأخذه أهل تلك البلاد منه على سبيل السّرقة.
وحكي عن الشيخ سعيد الدّكّاليّ: أنه إنما يهادى بشيء منه كالمصانعة، وأنه يتكسّب عليهم في المبيعات لأنّ بلادهم لا شيء بها. ثم قال: وكلام الدّكّالي أثبت وعليه ينطبق كلامه في «التعريف» حيث ذكر غانة ثم قال: وله عليها إتاوة مقرّرة تحمل إليه في كلّ سنة. وبهذه البلاد أيضا معدن نحاس وليس يوجد في السّودان إلا عندهم. قال الشيخ عيسى الزواوي: قال لي السلطان موسى: إن عنده في مدينة اسمها (نكوا) معدن نحاس أحمر، يجلب منه قضبان إلى مدينة بنبى قاعدة مالّي فيبعث منه إلى بلاد السّودان الكفّار، فيباع وزن مثقال بثلثي وزنه من الذهب، يباع كلّ مائة مثقال من هذا النحاس بستة وستين مثقالا وثلثي مثقال من الذهب.
وبهذه البلاد (معدن ملح) وليس في شيء من السّودان الوالجين في الجنوب والمسامتين لسجلماسة وما وراءها ملح سواه. قال «المقرّ الشهابيّ بن
__________
(1) كلمة اجنبية ومعناها شهر آب.(5/279)
فضل الله»: حدّثني أبو عبد الله بن الصائغ، أن الملح معدوم في داخل بلاد السّودان، فمن الناس من يغرّر ويصل به إلى أناس منهم يبذلون نظير كلّ صبرة ملح مثله من الذهب. قال ابن الصائغ: وحدّثت أن من أمم السودان الداخلة من لا يظهر لهم بل إذا جاء التّجّار بالملح وضعوه ثم غابوا، فيجيء السّودان فيضعون إزاءه الذهب، فإذا أخذ التجّار الذهب، أخذ السّودان الملح.
قال في «مسالك الأبصار»: قال لي الدّكّاليّ: وأهل هذه المملكة كثير فيهم السحر، ولهم به عناية حتّى إنهم في بلاد الكفّار منهم يصيدون الفيل بالسحر حقيقة لا مجازا، وفي كلّ وقت يتحاكمون عند ملكهم بسببه، ويقول أحدهم: إن فلانا قتل أخي أو ولدي بالسّحر، والسلطان يحكم على القاتل بالقصاص وقتل الساحر.
وحكى عنه أيضا: أن السّموم بهذه المملكة كثيرة، فإن عندهم حشائش وحيوانات يركّبون منها السموم القتّالة، ولا سيما من سمك يوجد عندهم. قال الشيخ سعيد الدّكّالي: ومن خصّيصة هذه البلاد أن يسرع فيها فساد المدّخرات لا سيما السّمن فإنه يفسد وينتن فيها في يومين.
الجملة الثالثة (في معاملة هذه المملكة)
ذكر في «مسالك الأبصار» عن ابن أمير حاجب: أن المعاملة عندهم بالودع وأن التّجّار تجلبه إليهم كثيرا، فتربح فيه الرّبح الكثير. وكأن هذا في المعاملات النازلة من مثل المآكل وما في معناها، وإلا فالذهب عندهم على ما تقدّم من الكثرة.(5/280)
الجملة الرابعة (في ذكر ملوك هذه المملكة)
قد تقدّم أن هذه المملكة قد اجتمع بها خمسة (1) أقاليم، وهي: إقليم مالّي، وإقليم صوصو، وإقليم غانة من الجانب الغربيّ عن مالّي، وإقليم كوكو، وإقليم تكرور في الجانب الشرقي عن مالّي، وأن كلّ إقليم من هذه الخمسة كان مملكة مستقلة، ثم اجتمع الكلّ في مملكة صاحب هذه المملكة، وأن مالّي هي أصل مملكته. قال في «مسالك الأبصار»: وهو وإن غلب عليه عند أهل مصر اسم سلطان التّكرور فإنه لو سمع هذا أنف منه، لأن التّكرور إنما هو إقليم من أقاليم مملكته، والأحبّ إليه أن يقال (صاحب مالّي) لأنه الإقليم الأكبر، وهو به أشهر.
ونقل عن الشيخ سعيد الدّكّاليّ: أنه ليس بمملكته من يطلق عليه اسم ملك إلا صاحب غانة وهو كالنائب له وإن كان ملكا. وكأنه إنما بقي اسم الملك على صاحب غانة دون غيره لعدم انتزاعها منه والاستيلاء عليها استيلاء كلّيّا. فقد قال في «التعريف»: وأما غانة فإنه لا يملكها وكأنه مالكها، يتركها عن قدرة عليها: لأن بها وبما وراءها جنوبا منابت الذهب. وذكر ما تقدّم من أن بلاد منابت الذهب متى فشا فيها الإسلام والأذان، عدم فيها نبات الذهب، وصاحب مالّي يتركها لذلك لأنه مسلم، وله عليها إتاوة كبيرة مقرّرة تحمل إليه في كل سنة.
وقد ذكر صاحب «العبر»: أن هذه الممالك كانت بيد ملوك متفرّقة، وكان من أعظمها مملكة غانة. فلما أسلم الملثّمون من البربر، تسلّطوا عليهم بالغزو حتّى دان كثير منهم بالإسلام، وأعطى الجزية آخرون، وضعف بذلك ملك غانة واضمحلّ، فتغلّب عليهم أهل صوصو المجاورون لهم، وملكوا غانة من أيدي أهلها. وكان ملوك مالّي قد دخلوا في الإسلام من زمن قديم.
__________
(1) في الأصل سبعة، ولعل الناسخ نسخها سبعة سهوا لان المعدود هنا خمسة. وقد جاء هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.(5/281)
قال: ويقال: إن أوّل من أسلم منهم ملك اسمه (برمندانّة) بباء موحدة وراء مهملة مفتوحتين وميم مكسورة ونون ساكنة ودال مهملة بعدها ألف ثم نون مشدّدة مفتوحة وهاء في الآخر فيما ضبطه بعض علمائهم. ثم حجّ بعد إسلامه، فاقتفى سننه في الحج ملوكهم من بعده.
ثم جاء منهم ملك اسمه (ماري جاظة) ومعنى (ماري) الأمير الذي يكون من نسل السلطان ومعنى (جاظة) الأسد، فقوي ملكه وغلب على صوصو، وانتزع ما كان بأيديهم من ملكهم القديم وملك غانة الذي يليه إلى البحر المحيط. ويقال: إنه ملك عليهم خمسا وعشرين سنة.
ثم ملك بعده ابنه (منساولي) ومعنى (منسا) بلغتهم السلطان، ومعنى (ولي) عليّ، وكان من أعظم ملوكهم، وحجّ أيام الظاهر بيبرس صاحب مصر.
ثم ملك من بعده أخوه (والي).
ثم ملك من بعده أخوه (خليفة) وكان أحمق، يغلب عليه الحمق فيرمي الناس بالسّهام فيقتلهم، فوثب به أهل مملكته فقتلوه.
وملك بعده سبط من أسباط «ماري جاظة» المقدّم ذكره، اسمه (أبو بكر) على قاعدة العجم في تمليك البنت وابن البنت.
ثم تغلّب على الملك مولى من مواليهم اسمه (ساكبورة). ويقال (سيكره) فاتسع نطاق مملكته وغلب على البلاد المجاورة له، وفتح بلاد كوكو واستضافها إلى مملكته، واتّصل ملكه من البحر المحيط الغربيّ إلى بلاد التّكرور، فقوي سلطانه، وهابه أمم السّودان ورحل إليه التّجّار من بلاد الغرب وأفريقيّة. وحجّ أيام السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» (1) ورجع فقتل في أثر عوده.
وملك بعده (قو) ابن السلطان «ماري جاظة».
__________
(1) سبق التعريف به.(5/282)
ثم ملك من بعده (محمد بن قو) ثم انتقل الملك من ولد ماري جاظة إلى ولد أخيه أبي بكر.
فولي منهم (منسا موسى) بن أبي بكر. قال في «العبر»: وكان رجلا صالحا، وملكا عظيما، له أخبار في العدل تؤثر عنه، وعظمت المملكة في أيامه إلى الغاية، وافتتح الكثير من البلاد.
قال في «مسالك الأبصار»: حكى ابن أمير حاجب والي مصر عنه، أنه فتح بسيفه وحده أربعا وعشرين مدينة من مدن السّودان ذوات أعمال وقرى وضياع.
قال في «مسالك الأبصار»: قال ابن أمير حاجب: سألته عن سبب انتقال الملك إليه فقال: إن الذي قبلي كان يظنّ أن البحر المحيط له غاية تدرك، فجهز مئين سفن، وشحنها بالرجال والأزواد التي تكفيهم سنين، وأمر من فيها أن لا يرجعوا حتّى يبلغوا نهايته أو تنفد أزوادهم، فغابوا مدّة طويلة، ثم عاد منهم سفينة واحدة وحضر مقدّمها، فسأله عن أمرهم. فقال: سارت السفن زمانا طويلا حتّى عرض لها في البحر في وسط اللّجة واد له جرية عظيمة، فابتلع تلك المراكب وكنت آخر القوم فرجعت بسفينتي، فلم يصدّقه: فجهّز ألفي سفينة ألفا للرجال وألفا للأزواد، واستخلفني وسافر بنفسه ليعلم حقيقة ذلك، فكان آخر العهد به وبمن معه. قال في «العبر»: وكان حجّه في سنة أربع وعشرين وسبعمائة في الأيام الناصرية «محمد بن قلاوون».
قال في «مسالك الأبصار»: قال لي المهمندار خرجت لملتقاه من جهة السلطان فأكرمني إكراما عظيما، وعاملني بأجمل الآداب، ولكنه كان لا يحدّثني إلا بترجمان مع إجادته اللسان العربيّ. قال: ولما قدم، قدّم للخزانة السلطانية حملا من التّبر ولم يترك أميرا ولا ربّ وظيفة سلطانيّة إلا وبعث إليه بالذهب.
وكنت أحاوله في طلوع القلعة للاجتماع بالسلطان حسب الأوامر السلطانية فيأبى خشية تقبيل الأرض للسلطان ويقول: جئت للحجّ لا لغيره، ولم أزل به حتّى وافق على ذلك.
فلما صار إلى الحضرة السلطانية. قيل له: قبّل الأرض، فتوقف وأبى إباء ظاهرا. وقال: كيف يجوز هذا؟ فأسرّ إليه رجل كان إلى جانبه كلاما فقال: أنا أسجد لله الذي خلقني وفطرني ثم سجد، وتقدّم إلى السلطان، فقام له بعض القيام وأجلسه إلى جانبه وتحدّثا طويلا، ثم قام السلطان موسى فبعث إليه السلطان بالخلع الكاملة له ولأصحابه، وخيلا مسرجة ملجمة. وكانت خلعته طرد وحش بقصب كثير، بسنجاب مقندس، مطرّز بزركش، على مفرج إسكندري، وكلّوتة زركش، وكلاليب ذهب، وشاش بحرير، ورقم خليفتيّ، ومنطقة ذهب مرصّعة، وسيف محلّى، ومنديل مذهب خزّ، وفرسين مسرجين ملجمين بمراكب بغل محلّاة وأعلام، وأجرى عليه الأنزال والإقامات الوافرة مدّة مقامه.(5/283)
وكنت أحاوله في طلوع القلعة للاجتماع بالسلطان حسب الأوامر السلطانية فيأبى خشية تقبيل الأرض للسلطان ويقول: جئت للحجّ لا لغيره، ولم أزل به حتّى وافق على ذلك.
فلما صار إلى الحضرة السلطانية. قيل له: قبّل الأرض، فتوقف وأبى إباء ظاهرا. وقال: كيف يجوز هذا؟ فأسرّ إليه رجل كان إلى جانبه كلاما فقال: أنا أسجد لله الذي خلقني وفطرني ثم سجد، وتقدّم إلى السلطان، فقام له بعض القيام وأجلسه إلى جانبه وتحدّثا طويلا، ثم قام السلطان موسى فبعث إليه السلطان بالخلع الكاملة له ولأصحابه، وخيلا مسرجة ملجمة. وكانت خلعته طرد وحش بقصب كثير، بسنجاب مقندس، مطرّز بزركش، على مفرج إسكندري، وكلّوتة زركش، وكلاليب ذهب، وشاش بحرير، ورقم خليفتيّ، ومنطقة ذهب مرصّعة، وسيف محلّى، ومنديل مذهب خزّ، وفرسين مسرجين ملجمين بمراكب بغل محلّاة وأعلام، وأجرى عليه الأنزال والإقامات الوافرة مدّة مقامه.
ولما آن أوان الحج بعث إليه بمبلع كبير من الدراهم، وهجن (1) جليلة كاملة الأكوار والعدّة لمركبه، وهجن أتباع لأصحابه وأزواد جمة، وركز له العليق في الطّرق، وأمر أمير الركب بإكرامه واحترامه.
ولما عاد، بعث إلى السلطان من هديّة الحجاز تبرّكا، فبعث إليه بالخلع الكاملة له ولأصحابه، والتّحف والألطاف، من البزّ السّكندريّ والأمتعة الفاخرة، وعاد إلى بلاده.
وذكر عن ابن أمير حاجب والي مصر أنه كان معه مائة حمل ذهبا أنفقها في سفرته تلك على من بطريقه إلى مصر من القبائل ثم بمصر، ثم من مصر إلى الحجاز توجّها وعودا حتّى احتاج إلى القرض، فاستدان على ذمّته من تجّار مصر بمالهم عليه فيه المكاسب الكثيرة، بحيث يحصل لأحدهم في كلّ ثلاثمائة دينار سبعمائة دينار ربحا، وبعث إليهم بذلك بعد توجّهه إلى بلاده. قال في «العبر» ويقال: إنه كان يحمل آلته اثنا عشر ألف وصيفة لا بسات أقبية الدّيباج.
__________
(1) هجن: خيل هجن أي الخيل التي ولدت من برذونة من حصان عربي. انظر لسان العرب، مادة (هجن).(5/284)
قال في «مسالك الأبصار»: وذكر لي عنه ابن أمير حاجب: أنه حكى له أن من عادة أهل مملكته أنه إذا نشأ لأحد منهم بنت حسناء، قدّمها له أمة موطوءة، فيملكها بغير تزويج مثل ملك اليمن فقلت له: إن هذا لا يحل لمسلم شرعا فقال: ولا للملوك؟ فقلت: ولا للملوك واسأل العلماء. فقال: والله ما كنت أعلم ذلك! وقد تركته من الآن. قال في «العبر»: ودام ملكه عليهم خمسا وعشرين سنة ومات.
فملك بعده ابنه (منسا مغا) ومعنى مغا عندهم محمد، يعنون السلطان محمدا، ومات لأربع سنين من ولايته.
وملك بعده أخوه (منسا سليمان) بن أبي بكر، وهو أخو منسا موسى المقدّم ذكره. قال في «مسالك الأبصار»: واجتمع له ما كان أخوه افتتحه من بلاد السّودان وأضافه إلى يد الإسلام، وبنى به المساجد والجوامع والمنارات، وأقام به الجمع والجماعات والأذان، وجلب إلى بلاده الفقهاء من مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، وتفقّه في الدين. قال في «العبر» ودام ملكه أربعا وعشرين سنة، ثم مات.
وولي بعده ابنه (قنبتا بن سليمان) ومات لتسعة أشهر من ملكه.
وملك بعده (ماري جاظه) بن منسا مغا بن منسا موسى فأقام أربع عشرة سنة أساء فيها السيرة، وأفسد ملكهم، وأتلف ذخائرهم بسرفه وتبذيره، حتّى انتهى به الحال في السّرف أنه كان بخزائنهم حجر ذهب، زنته عشرون قنطارا منقولا من المعدن من غير سبك ولا علاج بالنار. وكانوا يرونه من أنفس ذخائرهم لندور وجود مثله في المعدن، فباعه على تجّار مصر المتردّدين إليه بأبخس ثمن، وصرف ذلك كله في الفسوق، وكان آخر أمره أن أصابته علّة النوم وهو مرض كثيرا ما يصيب أهل تلك البلاد لا سيّما الرؤساء منهم، يأخذ أحدهم النوم حتّى لا يكاد يفيق،
فأقام به سنتين حتّى مات سنة خمس وسبعين وسبعمائة.(5/285)
وملك بعده (ماري جاظه) بن منسا مغا بن منسا موسى فأقام أربع عشرة سنة أساء فيها السيرة، وأفسد ملكهم، وأتلف ذخائرهم بسرفه وتبذيره، حتّى انتهى به الحال في السّرف أنه كان بخزائنهم حجر ذهب، زنته عشرون قنطارا منقولا من المعدن من غير سبك ولا علاج بالنار. وكانوا يرونه من أنفس ذخائرهم لندور وجود مثله في المعدن، فباعه على تجّار مصر المتردّدين إليه بأبخس ثمن، وصرف ذلك كله في الفسوق، وكان آخر أمره أن أصابته علّة النوم وهو مرض كثيرا ما يصيب أهل تلك البلاد لا سيّما الرؤساء منهم، يأخذ أحدهم النوم حتّى لا يكاد يفيق،
فأقام به سنتين حتّى مات سنة خمس وسبعين وسبعمائة.
وملك بعده ابنه (موسى) فنكّب عن طريق أبيه، وأقبل على العدل وحسن السيرة.
وتغلب على دولته وزيره (ماري جاظه) فحجره وقام بتدبير الدولة، وكان له فيها أحسن تدبير، وبقي منسا موسى حتّى مات سنة تسع وثمانين وسبعمائة.
وملك بعده أخوه (منسا مغا) وقتل بعده بسنة أو نحوها.
وملك بعده (صندكي) زوج أم موسى المقدّم ذكره، ومعنى (صندكي) الوزير، ووثب عليه بعد أشهر رجل من بيت ماري جاظة.
ثم خرج من ورائهم من بلاد الكفرة رجل اسمه (محمود) ينسب إلى (منساقو) بن منساولي، بن ماري جاظة، ولقبه منسا مغا، وغلب على الملك في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
قال في «التعريف»: وصاحب التّكرور هذا يدّعي نسبا إلى عبد الله بن صالح، بن الحسن، بن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجوههم. قلت: هو صالح ابن عبد الله بن موسى، بن عبد الله أبي الكرام، بن موسى الجون، بن عبد الله، بن حسن المثنّى، ابن الحسن السبط، ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقد ذكر في «تقويم البلدان»: أن سلطان غانة يدّعي النسب إلى الحسن ابن عليّ عليهما السلام، فيحتمل أنه أراد صاحب هذه المملكة لأنّ من جملة من هو في طاعته غانة، أو من كان بها في الزمن القديم قبل استيلاء أهل الكفر عليها.
الجملة الخامسة (في أرباب الوظائف بهذه المملكة)
قد ذكر في «مسالك الأبصار» أن بهذه المملكة: الوزراء، والقضاة، والكتّاب، والدّواوين، وأن السلطان لا يكتب شيئا في الغالب، بل يكل كلّ أمر
إلى صاحب وظيفته من هؤلاء فيفصله. وكتابتهم بالخط العربيّ على طريقة المغاربة.(5/286)
قد ذكر في «مسالك الأبصار» أن بهذه المملكة: الوزراء، والقضاة، والكتّاب، والدّواوين، وأن السلطان لا يكتب شيئا في الغالب، بل يكل كلّ أمر
إلى صاحب وظيفته من هؤلاء فيفصله. وكتابتهم بالخط العربيّ على طريقة المغاربة.
الجملة السادسة (في عساكر سلطان هذه المملكة، وأرزاقهم)
أما مقدار العساكر، فقد ذكر الشيخ سعيد الدّكّاليّ: أن مقدار عسكره مائة ألف نفر، منهم خيّالة نحو عشرة آلاف فارس، وباقيهم رجّالة لا خيل لهم.
وأما الإقطاعات لأمراء هذا السلطان وجنده والإنعامات عليهم، فقد قال الدّكّالي: إن من أكابرهم من يبلغ جملة ماله على الملك في كلّ سنة خمسين ألف مثقال من الذهب، وأنه يتفقّدهم مع ذلك بالخيل والقماش، وإن همته كلها في تجميل زيّهم وتمصير مدنهم.
الجملة السابعة (في زيّ أهل هذه المملكة)
قال الدكاليّ لباسهم عمائم بحنك مثل الغرب، وقماشهم بياض من ثياب قطن تنسج عندهم في نهاية الرقة واللطف تسمّى الكمصيا ولبسهم شبيه بلبس المغاربة جباب ودراريع بلا تفريج والأبطال من فرسانهم تلبس أساور من ذهب، فمن زادت فروسيّته لبس معها أطواقا من ذهب فإن زادت لبس مع ذلك خلاخل من ذهب، وكلما زادت فروسيّة البطل ألبسه الملك سراويل متسعة وسراويلاتهم ضيقة أكمام الساقين متّسعة الشرج، وأهل هذه المملكة يركبون بالسّروج وهم في غالب أحوالهم في الركوب كأنهم من العرب، إلا أن هؤلاء يبدأون في الركوب بأرجلهم اليمنى بخلاف غيرهم من سائر الناس جميعا، ولا يعرف عندهم ركوب جمل بكور.(5/287)
الجملة الثامنة (في ترتيب هذه المملكة)
أما جلوس السّلطان في قصره فإنه يجلس على مصطبة كبيرة، على دكّة كبيرة من آبنوس، كالتخت على قدر المجلس العظيم المتسع، عليها أنياب الفيلة في جميع جوانبها، الناب إلى الناب، وعنده سلاح له من ذهب كلّه: سيف، ومزراق، وقوس، وتركاش، ونشّاب، وعليه سراويل كبير، مفصّل من نحو عشرين نصفية، لا يلبس مثله أحد منهم، بل هو من خصوصيته، ويقف خلفه نحو ثلاثين مملوكا من التّرك وغيرهم ممن تبتاع له من مصر، بيد واحد منهم جتر من حرير عليه قبّة، وطائر من ذهب صفة بازي يحمل على يساره، وأمراؤه جلوس حوله يمينا وشمالا، ثم دونهم أعيان من فرسان عسكره جلوس، وبين يديه شخص يغنّي له وهو سيّافه، وآخر سفير بينه وبين الناس يسمّى الشاعر، وتنهى إليه الشّكاوى والمظالم فيفصلها بنفسه، ولا يكتب شيئا في الغالب، بل يأمر بالقول بلسانه، وحوله أناس بأيديهم طبول يدقّون بها، وأناس يرقصون وهو يضحك منهم، وخلفه صنجقان منشوران، وأمامه فرسان مشدودان محصّلان لركوبه متى أحبّ، ومن عطس في مجلسه ضرب ضربا مؤلما، لا يسامح أحد في مثل ذلك، فإن بغت أحدا منهم العطاس، انبطح في الأرض وعطس حتّى لا يعلم به. أما الملك فإنه إذا عطس ضرب الحاضرون بأيديهم على صدورهم. ولا يدخل أحد دار السلطان منتعلا كائنا من كان، ومن لم يخلع نعليه قتل بلا عفو: عامدا كان أو ساهيا، وإذا قدم عليه أحد من أمرائه أو غيرهم، وقف أمامه زمانا، ثم يومى القادم بيده اليمنى مثل من يضرب الجوك ببلاد توران وإيران من بلاد المشرق. وصفة ذلك أن يكشف مقدّم رأسه ويرفع الذي يضرب الجوك يده اليمنى إلى قريب أذنه، ثم يضعها وهي قائمة منتصبة، ويلقيها بيده اليسرى فوق فخذه، واليد اليسرى مبسوطة الكفّ لتلقي مرفق اليمنى مبسوطة الكف مضمومة الأصابع بعضها إلى جانب بعض كالمشط، تماسّ شحمة الأذن. قال ابن أمير حاجب: وقد رأيت هذا عند خدمتهم للسلطان «موسى» لما قدم الديار المصرية. فإذا أنعم على أحد بإنعام أو وعده وعدا
جميلا أو شكره على فعل، تمرّغ المنعم عليه بين يديه من أوّل المكان إلى آخره، فإذا وصل إلى آخر المكان، أخذ غلمان المنعم عليه أو من هو من أصحابه من رماد يكون موضوعا في آخر مجلس الملك معدّا لهذا الشأن، فيذرّ في رأس المنعم عليه، ثم يعود ويتمرّغ، إلى أن يصل بين يدي الملك، ويضرب جوكا آخر بيده ثم يقوم.(5/288)
أما جلوس السّلطان في قصره فإنه يجلس على مصطبة كبيرة، على دكّة كبيرة من آبنوس، كالتخت على قدر المجلس العظيم المتسع، عليها أنياب الفيلة في جميع جوانبها، الناب إلى الناب، وعنده سلاح له من ذهب كلّه: سيف، ومزراق، وقوس، وتركاش، ونشّاب، وعليه سراويل كبير، مفصّل من نحو عشرين نصفية، لا يلبس مثله أحد منهم، بل هو من خصوصيته، ويقف خلفه نحو ثلاثين مملوكا من التّرك وغيرهم ممن تبتاع له من مصر، بيد واحد منهم جتر من حرير عليه قبّة، وطائر من ذهب صفة بازي يحمل على يساره، وأمراؤه جلوس حوله يمينا وشمالا، ثم دونهم أعيان من فرسان عسكره جلوس، وبين يديه شخص يغنّي له وهو سيّافه، وآخر سفير بينه وبين الناس يسمّى الشاعر، وتنهى إليه الشّكاوى والمظالم فيفصلها بنفسه، ولا يكتب شيئا في الغالب، بل يأمر بالقول بلسانه، وحوله أناس بأيديهم طبول يدقّون بها، وأناس يرقصون وهو يضحك منهم، وخلفه صنجقان منشوران، وأمامه فرسان مشدودان محصّلان لركوبه متى أحبّ، ومن عطس في مجلسه ضرب ضربا مؤلما، لا يسامح أحد في مثل ذلك، فإن بغت أحدا منهم العطاس، انبطح في الأرض وعطس حتّى لا يعلم به. أما الملك فإنه إذا عطس ضرب الحاضرون بأيديهم على صدورهم. ولا يدخل أحد دار السلطان منتعلا كائنا من كان، ومن لم يخلع نعليه قتل بلا عفو: عامدا كان أو ساهيا، وإذا قدم عليه أحد من أمرائه أو غيرهم، وقف أمامه زمانا، ثم يومى القادم بيده اليمنى مثل من يضرب الجوك ببلاد توران وإيران من بلاد المشرق. وصفة ذلك أن يكشف مقدّم رأسه ويرفع الذي يضرب الجوك يده اليمنى إلى قريب أذنه، ثم يضعها وهي قائمة منتصبة، ويلقيها بيده اليسرى فوق فخذه، واليد اليسرى مبسوطة الكفّ لتلقي مرفق اليمنى مبسوطة الكف مضمومة الأصابع بعضها إلى جانب بعض كالمشط، تماسّ شحمة الأذن. قال ابن أمير حاجب: وقد رأيت هذا عند خدمتهم للسلطان «موسى» لما قدم الديار المصرية. فإذا أنعم على أحد بإنعام أو وعده وعدا
جميلا أو شكره على فعل، تمرّغ المنعم عليه بين يديه من أوّل المكان إلى آخره، فإذا وصل إلى آخر المكان، أخذ غلمان المنعم عليه أو من هو من أصحابه من رماد يكون موضوعا في آخر مجلس الملك معدّا لهذا الشأن، فيذرّ في رأس المنعم عليه، ثم يعود ويتمرّغ، إلى أن يصل بين يدي الملك، ويضرب جوكا آخر بيده ثم يقوم.
وأما في الركوب فقد جرت عادة سلطان هذه المملكة أنه إذا قدم من سفر أن يحمل على رأسه الجتر راكب، وينشر على رأسه علم، وتضرب أمامه الطّبول، والطّنابير (1)، والبوقات بقرون لهم فيها صناعة محكمة. قال ابن أمير حاجب:
وشعار هذا السلطان أعلام وألوية كبار جدّا، ورنكه أصفر في أرض حمراء.
وأما غير ذلك من سائر أموره، فقد ذكر الشيخ سعيد الدّكّاليّ: أن من عادة هذا السلطان أنه إذا عاد إليه أحد ممّن بعثه في شغل له أو أمر مهمّ أن يسأله عن كلّ ما حدث له من حين مفارقته له وإلى حين عوده مفصّلا. قال ابن أمير حاجب: وقد رأيت السلطان موسى وهو بمصر لا يأكل إلا منفردا وحده، لا يحضره عند الأكل أحد البتّة.
المملكة السادسة (من ممالك بلاد السّودان، مملكة الحبشة)
بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة والشين المعجمة وهاء في الآخر.
وهي مملكة عظيمة جليلة المقدار، متسعة الأرجاء، فسيحة الجوانب. قال في «مسالك الأبصار»: وأرضها صبعة المسلك: لكثرة جبالها الشامخة، وعظم أشجارها، واشتباك بعضها ببعض، حتّى إنّ ملكها إذا أراد الخروج إلى جهة من جهاتها، تقدّمه قوم مرصدون لإصلاح الطّرق بآلات لقطع الأشجار وإحراقها بالنار.
__________
(1) الطنابير: جمع الطنبور والطنبار: معروف وهي لفظة فارسية معرّبة دخيلة. وهو الذي يلعب به. أنظر لسان العرب. والقاموس المحيط، مادة (طنبر).(5/289)
قال: وهم قوم كثير عددهم، ولم يملك بلادهم غيرهم من النوع الإنسانيّ، لأنهم أجبر بني حام، وأخبر بالتّوغّل في القتال والاقتحام، طول زمنهم في الأسفار، وصيد الوحش، وقتالهم إنما يكون عريا من غير لأمة (1) تدفع عنهم ولا عن خيلهم. ثم وصفهم بعد ذلك بأوصاف لولا ما هم عليه من الشرك لكانوا في الرّتبة العليا من مراتب بني آدم: فذكر أنّ المشهور عنهم مع ما هم عليه من المجاعة أنهم يقبلون الحسب ويصفحون عن الجرائم. ومن عادتهم أن من رمى سلاحه في القتال حرم قتاله، ويكرمون الضيف، ولا ينقض الصديق منهم عهد صديقه، وإذا أحبّوا أظهروا المحبة، وإذا أبغضوا أظهروا البغض، والغالب عليهم الذّكاء والفطنة وصدق الحدس، ولهم علوم وصناعات خاصّة بهم، ولهم قلم يكتبون به من اليمين إلى الشّمال كما في العربيّ، عدّة حروفه ستّة عشر حرفا، لكل حرف منها سبعة فروع، فيكون عدّتها مائة واثنين وثمانين حرفا، سوى حروف أخر مستقلّة بذاتها لا تفتقر إلى حرف من الحروف المذكورة، مضبوطة بحركات نحوية متصلة بالخط لا منفصلة عنه. ومع كونهم جنسا واحدا فلغاتهم تزيد على خمسين لسانا، ويميل الكثير من ألوانهم إلى الصّفاء، ولكل طائفة منهم وسم في وجوههم يعبر عنه بالتلعيط، بعضهم يسم في الخدّين وسما خفيفا، وأمحرا يسمون في الخدّين والجبهة إلى الأنف خطوطا طوالا. ويقال: إن أوّل بلادهم من الجهة الغربيّة بلاد التّكرور مما يلي جهة اليمن، وأوّلها من الجهة الشرقية المائلة إلى بعض الجهة الشمالية بحر الهند واليمن، وفيها يمرّ النهر المسمّى سيحون الذي يرفد منه نيل مصر. وقد عدّ منها أحد عشر إقليما من جهة الغرب بمفازة بمكان يسمّى (وادي بركة) يتوصّل منه إلى إقليم يسمّى (سحرت) ويسمّى قديما تكراي، وكان به في الزمن القديم مدينة اسمها (احسرم) بلغة أخرى من لغاتهم، وتسمّى أيضا (زرفرتا). بها كان كرسيّ ملك النّجاشيّ، وكان مستوليا على أقاليم الحبشة. ويليه من جهة الشرق إقليم (أمحرا) الذي به الآن مدينة المملكة، ثم
__________
(1) لأمة: عدة الحرب والدّرع. وجمعها لؤم.(5/290)
إقليم شاوة، ثم إقليم داموت، ثم إقليم لامنان، ثم إقليم السّيهو، ثم إقليم الزلح، ثم إقليم عدل الأمراء، ثم إقليم حماسا، ثم إقليم باريا، ثم إقليم الطّراز الإسلامي. قال: وبها أقاليم كثيرة العدد، مجهولة الأسماء، غير مشهورة ولا معلومة.
ثم هي على قسمين:
القسم الأوّل (بلاد النّصرانية)
وهي القسم الأوفر عددا، الأوسع مجالا، وهو الذي يملكه ملك (أمحرا) بفتح الألف وسكون الميم وفتح الحاء والراء المهملتين وألف في الآخر. وهم جنس من الحبشة.
ويشتمل على ستّ جمل:
الجملة الأولى (في ذكر قواعدها)
وقاعدتها مدينة (مرعدي) بفتح الميم وكسر الراء وسكون العين وكسر الدال المهملتين وياء مثناة تحت في الآخر. وهي مدينة بإقليم أمحرا المقدّم ذكره فيما ذكره في «مسالك الأبصار» إلا أنه لم يذكر صفتها، والذي ذكره في «تقويم البلدان»: أن قاعدة الحبشة (مدينة جرمي) بالجيم المفتوحة والراء المهملة الساكنة ثم ميم مكسورة ثم ياء مثناة تحتية في الآخر كما ضبطه ابن سعيد. وموقعها في الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال»: حيث الطول خمس وخمسون درجة، والعرض تسع درج وثلاثون دقيقة. قال في «تقويم البلدان»:
وهي مدينة ذكرها أكثر المصنّفين في كتب المسالك والممالك والأطوال والعروض، وأنها كرسيّ مملكة الحبشة وقاعدتهم، ولم يزد على ذلك، فيحتمل أنها قاعدة قديمة، ويحتمل أنها القاعدة المستقرّة.(5/291)
الجملة الثانية (في الموجود بها)
قد ذكر في «مسالك الأبصار»: أنّ بها من المواشي ذوات الأربع: الخيل، والبغال، والبقر، والغنم وما في معناها، وأغنامهم تشبه أغنام عيذاب واليمن. ومن الوحوش الأسد، والنّمر، والفهد، والفيل، والزّرافة، والغزال، وبقر الوحش، وحمار الوحش، والقردة، وغيرها من الوحوش.
وبها من الطّيور الجوّية: الصّقورة، والبزاة بكثرة، والنّسور البيض والسّود، والغراب، والحجل، وطير الواجب بجملته، والحمام، والعصفور، وغير ذلك مما لم يوجد بالديار المصرية. ومن الطيور البرّية دجاج الحبش وأمثالها. ومن الطيور المائية البطّ، وعندهم بنهرهم سمك يشبه البوريّ، وسمك يشبه الثّعبان، يطول إلى مقدار ذراعين ونصف، ويغلظ إلى مقدار كبار الخشب، وبنهرهم أيضا التّمساح وفرس البحر، وغير ذلك.
وبها من الحبوب: الحنطة، والشّعير، والحمّص، والعدس، والبسلّا، والذّرة، وبعض الباقلا، وحبوب أخرى غير ذلك منها حبّ يسمّى (قنابهول) يستعملونه قوتا كالحنطة. والحنطة عندهم على مثال الحنطة الشاميّة، والشعير حبّه عندهم أكبر من حبّ الشعير المصرية والشامية، ومنه ضرب يسمّى طمجة. ولون الحمّص عندهم إلى الحمرة. والباسلّا عندهم عزيز الوجود في أكثر البلاد، ولكنهم لا يفتقرون إليه للعلف لكثرة المراعي ببلادهم.
وعندهم حبّ يسمّى (طافي) على قدر الخردل، ولونه إلى الحمرة، ومكسره إلى السّواد، يتخذون منه الخبز. وعندهم ببعض الأقاليم حبّ شبيه بالحنطة إلا أنّ له قشرين، ينزع قشره بالهرس كالأرزّ، ويتّخذون منه طعاما يكون مغنيا عن الحنطة.
وعندهم بزر الكتّان وحبّ الرّشاد، وهم يزرعون على المطر في كل سنة مرتين: مرة في الصيف، ومرّة في الشتاء، تتحصل في كل مرة الغلّات.
ونقل البطرك (بنيامين) أنه يقع عندهم المطر الكثير، وتحصل مع المطر الصواعق العظيمة.(5/292)
وعندهم بزر الكتّان وحبّ الرّشاد، وهم يزرعون على المطر في كل سنة مرتين: مرة في الصيف، ومرّة في الشتاء، تتحصل في كل مرة الغلّات.
ونقل البطرك (بنيامين) أنه يقع عندهم المطر الكثير، وتحصل مع المطر الصواعق العظيمة.
وعندهم من أصناف المقاثيء القرع، وفي بعض الأقاليم بطّيخ صغير.
وعندهم من البقول: الثّوم، والبصل، والكزبرة الخضراء، ومن الرياحين الرّيحان، والقرنفل، ونبات أبيض يسمّى بعتران. وعندهم الياسمين البرّيّ، ولكنه ليس بمشموم لهم.
وعندهم من الفواكه العنب الأسود على قلّة، والتّين الوزيريّ، وأصناف الحوامض خلا النّارنج.
وعندهم شجر يسمّى (جان) بجيم بين الجيم والشين لا ثمر له، وإنما له قلوب تشبه قلوب النارنج تؤكل فتزيد في الذّكاء والفهم، وتفرّح، إلا أنها تقلّل الأكل، والنّوم، والجماع. وعنايتهم به عناية أهل الهند بالتّنبل وإن كان بينهما مبانية. وأيّ نفع فيما فائدته تقليل النّوم والأكل والجماع، اللاتي هي لذّات الدنيا، حتّى يحكى أنه وصف لبعض ملوك اليمن فقال: أنا لا يذهب متحصّل ملكي إلا على هذه الثلاث، فكيف أسعى في ذهابها بأكل هذا؟
ومن أشجارهم الزّيتون، والصّنوبر، والجمّيز، وفي بعض بلادهم الآبنوس، وفي بعضها المقل (1)، وفي بعضها القنا المجوّف والمسدود. ومأكلهم شحوم البقر والمعز، وبعض شحوم الضأن، ومشروبهم اللّبن البقريّ، وفي ضعفهم يتداوون باللبن المداف بالماء وسمن البقر.
وعندهم عسل النحل بكثرة في جميع الأقاليم، تختلف ألوانه باختلاف المراعي: منه ما يوجد في الجبال فيؤخذ من غير حجر على أخذه. ومنه ماله خلايا
__________
(1) المقل: ثمر شجر الدّوم، ينضج ويؤكل، خشن قابض، مقوّ للمعدة. انظر القاموس المحيط، مادة (مقل).(5/293)
من خشب منقورة، له ملّاك يختصّون به. ووقود مصابيحهم شحوم البقر. أما الزّيت الطّيّب فيجلب إليهم. وادّهانهم بالسّمن. وأواني طعامهم فخّار مدهون أسود. واغتسالهم بالماء البارد، وربما استعملوا الحارّ منه.
وحكى البطرك (بنيامين) أن عندهم من المعادن معدن الذهب، ومعدن الحديد.
وحكي عن الشريف عز الدين التاجر: أن في بعض بلادهم يوجد معدن الفضّة. ومصاغهم الذّهب، والفضّة، والنّحاس، والرّصاص، كل أحد منهم بحسبه.
الجملة الثالثة (في ذكر معاملاتهم وأسعار بلادهم)
أما معاملاتهم، فقد ذكر في «مسالك الأبصار» أن معاملتهم مقايضة بالأبقار والأغنام والحبوب وغير ذلك. وأما الأسعار فالقمح والشعير اللذان هما أصل المطعومات ليس لهما عندهم قيمة تذكر، لاستغنائهم عن ذلك باللحم واللّبن. وسيأتي ذكر معاملة الطّراز الإسلاميّ فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الجملة الرابعة (في ذكر زيّهم وسلاحهم)
أما زيّهم، فقد ذكر في «المسالك» أن لباسهم في الشتاء والصيف واحد:
لكلّ واحد منهم ثوبان غير مخيطين: أحدهما يشدّ به وسطه، والآخر يلتحف به، ولا يعرفون لبس المخيط جملة، إلا أن الخواصّ والأجناد يفضّلون في اللّبس، فيلبسون الحرير والأبراد اليمنيّة، والعوامّ يلبسون ثياب القطن على ما تقدّم.
وأما سلاح المقاتلة منهم، فالسيوف، والحراب، والمزاريق، والقسيّ، يرمون عنها بالنّبل: وهو نشّاب صغير، وربما رمى بعضهم بالنّبل عن قوس طويل يشبه قوس البندق، ولهم درق مدوّرة، ودراق طوال يتّقون بها.(5/294)
الجملة الخامسة (في ذكر بطاركة الإسكندريّة، الذين عن توليتهم تنشأ ولاية ملوك الحبشة)
اعلم أنه قد تقدّم في المقالة الأولى في الكلام على ما يحتاج إليه الكاتب عند ذكر النحل والملل أن البطاركة عند النّصارى عبارة عن خلفاء الحواريّين الذين هم أصحاب المسيح عليه السّلام، وأنه كان لهم في القديم أربعة كراسيّ: كرسيّ برومية: قاعدة الروم، وكرسيّ بالإسكندرية من الديار المصرية، وكرسيّ بأنطاكية: قاعدة العواصم من بلاد الشام، وكرسيّ ببيت المقدس. وأن كرسيّ رومية قد صار لطائفة الملكانيّة وبه بطركهم المعبّر عنه بالبابا إلى الآن. وكرسيّ الإسكندرية قد صار آخرا لبطرك اليعاقبة تحت ذمّة المسلمين بالديار المصرية من لدن الفتح الإسلاميّ وهلمّ جرّا إلى زماننا. وأن كرسيّ بيت المقدس وكرسيّ أنطاكية قد بطلا باستيلاء دين الإسلام عليهما. ثم كرسيّ الإسكندرية بعد مصيره إلى اليعاقبة قد تبع البطرك القائم به على مذهب اليعاقبة الحبشة والنّوبة وسائر متنصّرة السّودان، وصار لديهم كالخليفة على دين النصرانية عندهم، يتصرّف فيهم بالولاية والعزل، لا تصحّ ولاية ملك منهم إلا بتوليته، حتّى قال في «التعريف» في الكلام على مكاتبة ملك الحبشة: ولولا أنّ معتقد دين النصرانية لطائفة اليعاقبة أنه لا يصحّ تعمّد معموديّ إلّا باتّصال من البطريرك، وأن كرسيّ البطريرك كنيسة الإسكندرية، فيحتاج إلى أخذ مطران [بعد مطران] (1) من عنده، وإلا كان شمخ بأنفه على المكاتبة، لكنه مضطرّ إلى ذلك. قال: ولأوامر البطريرك عنده ما لشريعته من الحرمة، وإذا كتب إليه كتابا فأتى ذلك الكتاب إلى أوّل مملكته، خرج عميد تلك الأرض فحمل الكتاب على رأس علم، ولا يزال يحمله بيده حتّى يخرجه من أرضه وأرباب الدولة في تلك الأرض كالقسوس والشّمامسة حوله مشاة بالأدخنة، فإذا خرجوا من حدّ أرضهم تلقّاهم من يليهم أبدا كذلك في كل أرض
__________
(1) الزيادة عن التعريف كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/295)
بعد أرض حتّى يصلوا إلى أمحرا، فيخرج صاحبها بنفسه، ويفعل مثل ذلك الفعل الأوّل، إلا أن المطران هو الذي يحمل الكتاب لعظمته لا لتأبّي الملك، ثم لا يتصرف الملك في أمر ولا نهي ولا قليل ولا كثير حتّى ينادى للكتاب ويجمع له يوم الأحد في الكنيسة، ويقرأ والملك واقف، ثم لا يجلس مجلسه حتّى ينفّذ ما أمره به.
ولما تعذر الوقوف على معرفة تواريخ ملوكهم، اكتفينا بذكر البطاركة الذين عنهم تنشأ ولاياتهم، فكانوا هم ملوكهم حقيقة.
اعلم أنّ أوّل من ولي من البطاركة كنيسة الإسكندرية مرقص الإنجيليّ:
تلميذ بطرس الحواريّ، الذي أرسله المسيح عليه السّلام إلى رومية. وإنما سمّي بمرقص الإنجيليّ لأن بطرس الحواريّ حين كتب إنجيله كتبه بالرّوميّة ونسبه إلى مرقص المذكور فتلقّب بالإنجيلي، وأقام مرقص المذكور في بطركية الإسكندرية سبع سنين يدعو إلى النصرانية بالإسكندرية ومصر وبرقة والمغرب ثم قتله نيرون قيصر بن اقليوديش قيصر سادس القياصرة.
وولي مكانه (حنانيا) ويسمّى بالعبرانية أنانيو ثم مات لسبع وثمانين سنة للمسيح.
وولي مكانه (فلبو) فأقام ثلاث عشرة سنة ثم مات.
فولي مكانة (كرتيانو) ومات لإحدى عشرة سنة من ولايته في أيام (طرنبش قيصر).
وولي مكانه (إيريمو) ثنتي عشرة سنة.
ثم ولي بعده (نسطس) في أيام (أندريانوس قيصر)، وكان حكيما فاضلا فأقام في البطركية إحدى عشرة سنة ثم مات.
وولي مكانه (أرمانيون) إحدى عشرة سنة أيضا [ومات] في أيام (أندريانوس) قيصر أيضا.
وولي بعده (موقيانو) فلبث تسع سنين ومات في أيام (أنطونيس قيصر)
في الخامسة من ملكه.(5/296)
وولي بعده (موقيانو) فلبث تسع سنين ومات في أيام (أنطونيس قيصر)
في الخامسة من ملكه.
وولي بعده (كلوتيانو) فأقام أربع عشرة سنة في أيام أنطونيس قيصر ومات.
وولي بعده (أغريتوس) فبقي اثنتي عشرة سنة ومات.
وولي بعده (يليانس) في أيام [أوراليانس] (1) قيصر فلبث عشر سنين ومات.
فولي مكانه في أيام أوراليانس (ديمتريوس) فأقام ثلاثا وثلاثين سنة.
وولي بعده (تاوكلا) فأقام ستّ عشرة سنة ومات.
فولي بعده (دونوشيوش) فلبث تسع عشرة سنة [ومات].
وولي مكانه (مكسيموس) فأقام ثنتي عشرة سنة ومات.
وولي مكانه (ثاونا) فلبث عشر سنين [ومات] وكان النصارى إذ ذاك يقيمون الدّين خفية فلما صار بطركا صانع الروم ولاطفهم بالهدايا فأذنوا له في بناء كنيسة مريم، وأعلنوا فيها بالصلاة.
ثم ولي بعده (بطرس) فلبث عشر سنين وقتله (ديقلاديانوس قيصر).
وولّي مكانه تلميذه (اسكندروس) وكان كبير تلامذته فلبث ثلاثا وعشرين سنة. وقيل ثنتين وعشرين سنة، وقيل ستّ عشرة سنة، وكسر صنم النّحاس الذي كان في هيكل زحل بالإسكندرية وبنى مكانه كنيسة، وبقيت حتّى هدمها العبيديّون عند ملكهم الإسكندرية، ومات لإحدى وعشرين سنة من ملك (قسطنطين) ملك الروم.
وولي مكانه تلميذه (ايناسيوس) ووثب عليه أهل إسكندرية ليقتلوه لانتحاله مذهبا غير مذهبهم فهرب.
وتولى مكانه (لوقيوش) ثم ردّ (ايناسيوس) المتقدّم ذكره إلى كرسيه بعد
__________
(1) بياض في الأصل والتكميل عن المقريزي وفي القطعة الأزهرية [في أيام طرغش] كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/297)
خمسة أشهر وطرد لوقيوس، وأقام ايناسيوس بطركا إلى أن مات.
فتولّى بعده تلميذه (بطرس) سنتين ووثب عليه أصحاب لوقيوس فهرب وردّ لوقيوس إلى كرسيه، فأقام ثلاث سنين، ثم وثبوا عليه وردّوا بطرس ومات لسنة من إعادته، وقيل إنه حبس وأقيم مكانه (أريوس) من أهل سميساط.
ثم ولي (طيماناواس) أخو بطرس، فلبث فيهم سبع سنين ومات. ويقال:
إن ايناسيوس المتقدّم ذكره ردّ إلى كرسيه ثم مات.
فولي مكانه كاتبه (تاوفينا) [فأقام سبعا وعشرين سنة] (1) ومات.
وتولّى مكانه (كيرلس) ابن أخته [فأقام اثنتين وثلاثين سنة] (2) ومات.
فولي مكانه (ديسقرس) فأحدث بدعة في الأمانة التي يعتقدونها فأجمعوا على نفيه.
وولّوا مكانه (برطارس) وافترقت النصارى من حينئذ إلى يعقوبيّة وملكانية (3)
ووثب أهل الإسكندرية على برطارس البطرك فقتلوه لستّ سنين من ولايته وأقاموا مكانه (طيماناوس) وكان يعقوبيا، وهو أوّل من ولي البطركية من اليعاقبة بالإسكندرية فأقام فيها ثلاث سنين ثم جاء قائد من القسطنطينية فنفاه وأقام مكانه (سوريس) من الملكية، فأقام تسع سنين. ثم عاد (طيماناوس) المتقدّم ذكره إلى كرسيه بأمر لاون قيصر. ويقال أنه بقي في البطركية اثنتين وعشرين سنة ومات.
فولي مكانه (بطرس) وهلك بعد ثمان سنين.
وولي مكانه (اثناسيوس) وهلك لسبع سنين، وكان قيّما ببعض البيع في بطركية بطرس ومات.
__________
(1) الزيادة من المقريزي. كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.
(2) الزيادة من المقريزي. كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.
(3) فرق دينية مسيحية.(5/298)
فولي مكانه (يوحنا) وكان يعقوبيا، ومات بعد سبع سنين.
وولي مكانه (يوحنا الحبيس) ومات بعد إحدى عشرة سنة.
فولي مكانه (ديسقرس الجديد) ومات بعد سنتين ونصف.
ثم ولي مكانه (طيماناوس) وكان يعقوبيّا، فمكث فيهم ثلاث سنين، وقيل سبع عشرة سنة، ثم نفي.
وولي مكانه (بولص) وكان ملكيا فلم تقبله اليعاقبة، وأقام على ذلك سنتين.
ثم ولّى قيصر قائدا من قوّاده اسمه (أثوليناريوس) فدخل الكنيسة على زيّ الجند، ثم لبس زيّ البطاركة وحملهم على رأي اليعقوبيّة، وقتل من امتنع وكانوا مائتين، ومات لسبع عشرة سنة من ولايته.
وولي مكانه (يوحنا) وهلك لثلاث سنين.
وانفرد اليعاقبة بالإسكندرية وكان أكثرهم القبط وقدّموا عليهم طودوشيوش بطركا، فمكث فيهم ثنتين وثلاثين سنة. ثم جعل الملكية بطركهم داقيانوس وطردوا طودوشيوش عن كرسيّة ستة أشهر، ثم أمر قيصر بأن يعاد فأعيد، ثم نفاه بعد ذلك.
وولّى مكانه (بولس التّنّيسي) فلم يقبله أهل الإسكندرية ولا ما جاء به، ثم مات وغلّقت كنائس القبط اليعقوبية، ولقوا شدّة من الملكية، ومات (طودوشيوش) الذي كان قد نفي.
وتولّى البطركية (بطرس) ومات بعد سنتين.
وولي مكانه (داميّانو) فمكث ستّا وثلاثين سنة، وخربت الدّيرة في أيامه.
ثم ولي على الملكية بالإسكندرية ومصر (يوحنا الرّحوم) وهو الذي عمل البيمارستان للمرضى بالإسكندرية، ولما سمع بمسير الفرس إلى مصر هرب إلى
قبرس فمات بها لعشر سنين من ولايته، وخلا كرسيّ الملكية بعده بالإسكندرية سبع سنين.(5/299)
ثم ولي على الملكية بالإسكندرية ومصر (يوحنا الرّحوم) وهو الذي عمل البيمارستان للمرضى بالإسكندرية، ولما سمع بمسير الفرس إلى مصر هرب إلى
قبرس فمات بها لعشر سنين من ولايته، وخلا كرسيّ الملكية بعده بالإسكندرية سبع سنين.
وكانت اليعاقبة بالإسكندرية قدّموا عليهم (انسطانيوس) فمكث فيهم ثنتي عشرة سنة، واستردّ ما كانت الملكية استولوا عليه من كنائس اليعقوبيّة ومات.
ثم ولي (اندرانيكون) بطركا على اليعاقبة فأقام ستّ سنين خربت فيها الدّيرة، ثم مات.
وولي مكانه لأوّل الهجرة (بنيامين) فمكث تسعا وثلاثين سنة. وفي خلال أيامه غلب هرقل ملك الروم على مصر وملكها.
وولّى أخاه (منانيا) بطركا على الاسكندرية وواليا وكان ملكيّا. ورأى بنيامين البطرك في نومه من يأمره بالاختفاء فاختفى، ثم غضب (هرقل) على أخيه (منانيا) لمعتقد في الدين فأحرقه بالنار ثم رمى بجثّته في البحر، وبقي (بنيامين) مختفيا إلى أن فتح المسلمون الإسكندرية فكتب له عمرو بن العاص بالأمان، فرجع إلى الإسكندرية بعد أن غاب عن كرسيّه ثلاث عشرة سنة، وبقي حتّى مات في سنة تسع وثلاثين من الهجرة، واستمرت البطركية بعده في اليعقوبيّة بمفردهم وغلبوا على مصر، وأقاموا بجميع كراسيّهم أساقفة يعاقبة، وأرسلوا أساقفتهم إلى النّوبة والحبشة فصاروا يعاقبة.
وخلفه في مكانه (أغاثوا) فمكث سبع عشرة سنة، ثم مات في سنة ستّ وخمسين من الهجرة، وهو الذي في (1) أيامه قد انتزعت كنائس الملكية من اليعاقبة، وولّي عليهم بطرك بعد أن أقاموا من لدن خلافة عمر بغير بطرك نحوا من مائة سنة ورياسة البطرك لليعاقبة وهم الذين يبعثون الأساقفة إلى النّواحي. ومن هنا
__________
(1) عبارة العبر (ج 2، ص 227) وفي أيام هشام ردت كنائس الملكية من أيدي اليعاقبة وولي عليهم الخ وقد جاء هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.(5/300)
صارت النّوبة ومن وراءهم من الحبشة يعاقبة، وهو الذي بنى كنيسة مرقص وبقيت حتّى هدمت أيام العادل أبي بكر بن أيّوب (1)
وولي مكانه بطرك اسمه (يوحنا).
ثم ولي البطركية بعده (ايساك) فأقام سنتين وأحد عشر شهرا [ومات]. وكانت تقدمته في الثامنة عشرة ليوشطيان ملك الروم، وتقرّر أن لا يقدّم بطرك إلا يوم الأحد.
وقدّم عوضه (سيمون السرياني) فأقام سبع سنين ونصفا، ومات في الرابع والعشرين من أبيب سنة أربعمائة وستّ عشرة للشهداء في خلافة عبد الملك بن مروان.
ويقال: إنه وصل إليه رسول من الهند يطلب منه أن يقدّم لهم أسقفّا وقسوسا فامتنع إلى أن يأمره صاحب مصر، فمضى إلى غيره ففعل له ذلك.
وقدّم بعده في البطركية (الاسكندروس) في سنة إحدى وثمانين من الهجرة في يوم عيد مرقص الإنجيليّ سنة أربعمائة وعشرين للشهداء، فمكث أربعا وعشرين سنة ونصفا، وقيل خمسا وعشرين سنة، وقاسى شدّة عظيمة، وصودر دفعتين، أخذ منه في كل دفعة ثلاثة آلاف دينار، ومات في سنة ثمان ومائة، وكانت وفاته بالإسكندرية.
وقدّم عوضه (قسيما) فأقام خمسة عشر شهرا ومات.
فقدّم مكانه (تادرس) في سنة تسع ومائة فأقام إحدى عشرة سنة ومات.
__________
(1) هو: محمد بن أيوب بن شاذي أبو بكر سيف الإسلام، الملقب بالملك العادل، أخو السلطان صلاح الدين. من كبار سلاطين الدولة الأيوبية. توفي سنة 615هـ. أنظر وفيات الأعيان لابن خلكان (ج 2، ص 48) والسلوك للمقريزي (ج 1، ص 151) وذيل الروضتين (ص 111) وحلى القاهرة (ص 206) والأعلام للزركلي (ج 6، ص 47)(5/301)
فقدّم مكانه (ميخائيل) في سنة عشرين ومائة فأقام ثلاثا وعشرين سنة ولقي شدائد من عبد الملك بن موسى نائب مروان الجعديّ على مصر ثم من مروان لما دخل إلى مصر إلى أن قتل في أبي صير وأطلق البطرك والنصارى نائب أبي العباس السّفّاح.
وفي سنة إحدى وثلاثين ومائة رسم بإعادة ما استولى عليه اليعاقبة من كنائس الملكية بالديار المصرية إليهم، فأعيدت وأقيم لهم بطرك، وكانت الملكيّة قد أقاموا بغير بطرك سبعا وتسعين سنة من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين الفتح الإسلاميّ إلى خلافة هشام بن عبد الملك.
وفي سنة سبع وأربعين ومائة صرف أبو جعفر المنصور (ميخائيل) بطرك اليعاقبة، وأقام عوضه (مينا) فأقام تسع سنين، ومات في خلافة الهادي «محمد بن المهدي».
وقدّم مكانه (يوحنا) فاقام ثلاثا وعشرين سنة، ومات سادس عشر طوبة سنة خمسمائة وخمس عشرة للشهداء.
ثم في سنة اثنتين وسبعين ومائة في خلافة الرشيد قدّم في البطركية (مرقص الجديد) فأقام عشرين سنة وسبعين يوما. وفي أيامه رسم الرشيد بإعادة كنائس الملكية التي استولى عليها اليعاقبة ثانيا إليهم، وثارت العربان والمغاربة وخرّبوا الدّيرة بوادي هبيب (1) ولم يبق فيها من الرّهبان إلا اليسير ثم مات في سنة إحدى عشرة ومائتين.
وقدّم عوضه في البطركيّة (يعقوب) قيل في السنة الثالثة من خلافة المأمون.
وفي أيامه عمرت الديارات وعادت الرهبان إليها، ومات في سنة اثنتين وعشرين ومائتين.
__________
(1) هو: وادي بالمغرب ينسب إلى هبيب بن مغفل صحابي. أنظر معجم البلدان (ج 5، ص 346)(5/302)
وقدّم عوضه (سيماون) في السنة المذكورة في خلافة المعتصم (1) فأقام سنة واحدة. وقيل سبعة شهور وستة عشر يوما. وخلا الكرسيّ بعده سنة واحدة وتسعة وعشرين يوما.
وفي سنة سبع وعشرين ومائتين قدّم في البطركية (بطرس) ويقال (يوساب) وكانت تقدمته في دير (بومقار) بوادي هبيب حادي عشري هاتور سنة خمسمائة وسبعة وأربعين للشهداء. وقيل: إنه قدّم في أيام المأمون، وإنه أقام ثماني عشرة سنة، وسيّر أساقفة إلى أفريقيّة والقيروان، ومات سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وخلا الكرسيّ بعده ثلاثين يوما.
وقدّم عوضه (جاتيل) في السنة العاشرة من خلافة المتوكل. ويقال: إنه كان قسّا بدير بوحنس، فأقام سنة واحدة وخمسة أشهر، ثم مات ودفن بدير بومقار، وهو أوّل من دفن [فيه] من البطاركة. وخلا الكرسيّ بعده أحدا وثمانين يوما.
وقدّم عوضه (قسيما) في سنة أربع وأربعين ومائتين من الهجرة، وهي الثانية عشرة من خلافة المتوكل (2)، وكان شمّاسا بدير بومقار، فأقام سبع سنين وخمسة شهور ثم مات ودفن بدنوشر، وخلا الكرسيّ بعده أحدا وخمسين يوما.
وقدّم مكانه بطرك اسمه (اساسو) ويقال (سالوسو) في أوّل سنة من خلافة
__________
(1) هو محمد بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور أبو اسحاق المعتصم بالله العباسي. توفي سنة 227هـ.
(2) هو: جعفر (المتوكل على الله) بن محمد (المعتصم بالله): خليفة عباسي. توفي سنة 247هـ. أنظر تاريخ بغداد (ج 7، ص 165) والنبراس (ص 8580) وثمار القلوب (ص 149) ومروج الذهب (ج 2، ص 288) والأعلام (ج 2، ص 127)(5/303)
المعتزّ (1) وأحمد بن طولون (2) بمصر، فأقام إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر ومات، وهو الذي عمل مجاري المياه التي تجري تحت الأرض من خليج الإسكندرية إلى آدرها.
ولما مات قدّم مكانه (ميخائيل) في خلافة المعتمد (3) في سنة ثلاث وستين ومائتين، فأقام خمسا وعشرين سنة. وصادره أحمد بن طولون في عشرين ألف دينار، فباع في المصادرة رباع الكنائس بالإسكندرية، وبركة الحبش بظاهر مصر، ومات.
فبقي الكرسيّ بعده أربع عشرة سنة شاغرا إلى سنة ثلاثمائة. [وفي يوم الاثنين ثالث شوّال سنة ثلاثمائة] احترقت الكنيسة العظمى بالإسكندرية التي كانت بنتها (كلابطره) ملكة مصر هيكلا لزحل.
ثم قدّم البطرك (غبريال) في السنة السابعة من خلافة المقتدر، وهي سنة إحدى وثلاثمائة، فأقام إحدى عشرة سنة ومات.
فقدّم مكانه البطرك (قسيما) فأقام اثنتي عشرة سنة ومات. وفي السنة الأخيرة من رياسته (وهي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة) أحرق المسلمون كنيسة مريم بدمشق ونهبوا ما فيها وتتبّعوا كنائس اليعاقبة والنّساطرة.
__________
(1) هو: محمد (المعتز بالله) بن جعفر (المتوكل على الله) بن المعتصم. خليفة عباسي توفي سنة 255.
(2) أحمد بن طولون، أبو العباس: الأمير صاحب الديار المصرية والشامية والثغور، تركي مستعرب توفي سنة 270هـ. أنظر الولاة والقضاة (ص 232212) والنجوم الزاهرة (ج 3، ص 1) وبدائع الزهور (ج 1، ص 37) والعبر (ج 4، ص 297) والأعلام (ج 1، ص 140)
(3) هو: أحمد بن المتوكل بن المعتصم، أبو العباس المعتمد على الله: خليفة عباسي. توفي سنة 279 أنظر البدء والتاريخ (ج 6، ص 124) والديارات (ص 6963) والأعلام (ج 1،(5/304)
ولما مات قسيما المذكور قدّموا عليهم بطركا لم أقف على اسمه، فأقام عشرين سنة، ثم مات.
وقدّم في البطركية (تاوفانيوس) من أهل اسكندرية في السنة الحادية عشرة من خلافة المطيع (1) فأقام أربع سنين وستة أشهر، ومات مقتولا في سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة.
وقدّم مكانه البطرك (مينا) في السنة الخامسة عشرة من خلافة المطيع، والأخشيد (2) نائب بمصر، فأقام إحدى عشرة سنة ثم مات. وخلا كرسيّ اليعاقبة بعد موته سنة واحدة.
ثم قدّم مكانه بطرك اسمه (أفراهام السرياني) في سنة ست وستين وثلاثمائة، فأقام ثلاث سنين وستة أشهر، ومات في أيام العزيز الفاطمي بمصر مسموما من بعض كتّاب النصارى: لإنكاره عليه التسرّى، وقطعت يد ذلك الكاتب بعد موته، ومات لوقته. وخلا الكرسيّ بعده ستة أشهر.
وقدّم عوضه بطرك اسمه (فيلاياوس) في سنة تسع وستين وثلاثمائة. وقيل:
في السنة الخامسة للعزيز الفاطميّ فأقام أربعا وعشرين سنة وسبعة أشهر ومات.
وقدّم بعده بطرك اسمه (دخريس) في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة في أيام الحاكم الفاطميّ، فأقام ثمانا وعشرين سنة، ثم مات ودفن ببركة الحبش. وخلا كرسيّ اليعاقبة بعده أربعة وسبعين يوما. [ثم قدّم اليعاقبة بعده (سابونين) بطركا في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، فأقام خمس عشرة سنة ومات، فخلا الكرسيّ
__________
(1) هو: الفضل (المطيع لله) بن المقتدر بن المعتضد، أبو القاسم: من خلفاء الدولة العباسية. توفي سنة 364هـ. أنظر فوات الوفيات (ج 2، ص 153) والأعلام (ج 5، ص 147)
(2) هو: محمد بن طغج بن جفّ، أبو بكر الملقب بالأخشيد: مؤسس الدولة الأخشيدية بمصر والشام، من ابناء المماليك. توفي سنة 334هـ. أنظر النبراس (ص 115) ووفيات الأعيان (ج 2، ص 41) والأعلام (ج 6، ص 174)(5/305)
بعده سنة وخمسة أشهر] (1)
ثم قدّم بعده بطرك اسمه (اخرسطوديس) في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة في خلافة المستنصر الفاطميّ، فأقام ثلاثين سنة، ومات في السنة الحادية والأربعين من خلافة المستنصر المذكور بالكنيسة المعلّقة بمصر. وهو الذي جعل كنيسة بومرقورة بمصر وكنيسة السيدة بحارة الروم بطركية. وخلا الكرسيّ بعده اثنين وسبعين يوما.
ثم قدّم بعده البطرك (كيرلص) فأقام أربع عشرة سنة وثلاثة أشهر ونصفا، ومات بكنيسة المختارة بجزيرة مصر سلخ ربيع الآخر سنة خمس وثمانين وأربعمائة. وخلا الكرسيّ بعده مائة وأربعة وعشرين يوما.
وقدّم عوضه بطرك اسمه (ميخائيل) في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، في أيام المستنصر الفاطمي صاحب مصر، وكان قبل ذلك حبيسا بسنجار، فأقام تسع سنين وثمانية أشهر، ومات في المعلّقة بمصر.
وقدّموا عوضه بطركا اسمه (مقاري) سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة بدير بومقار، ثم كمل بالإسكندرية، وعاد إلى مصر وقدّس بدير بومقار ثم في الكنيسة المعلّقة. وفي أيامه هدم الأفضل بن أمير الجيوش كنيسة بجزيرة مصر كانت في بستان اشتراه.
ولما مات قدّم عوضه بطرك اسمه (غبريال) أبو العلا صاعد، سنة خمس وعشرين وخمسمائة في أيام الحافظ الفاطمي، وكان قبل ذلك شمّاسا بكنيسة بومرقورة، فقدّم بالمعلّقة، وكمّل بالإسكندرية، فأقام أربع عشرة سنة، ومات بكنيسة بومرقورة. وخلا الكرسيّ بعده ثلاثة أشهر.
وقدّم بعده بطرك اسمه (ميخائيل) بن التقدوسيّ في السنة الخامسة عشرة من
__________
(1) الزيادة عن المقريزي كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/306)
خلافة الحافظ أيضا وكان قبل ذلك راهبا بقلّاية دنشري، قدّم بالمعلّقة وكمّل بالإسكندرية، ومات بدير بومقار في رابع شوّال سنة إحدى وأربعين وخمسمائة.
وخلا الكرسيّ بعده سنة واحدة وسبعين يوما.
وقدّم عوضه بطرك اسمه (يونس) بن أبي الفتح بالمعلّقة بمصر وكمّل بالإسكندرية، فأقام تسع عشرة سنة، ومات في السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. وخلا الكرسيّ بعده ثلاثة وأربعين يوما.
وقدّم بعده بطرك اسمه (مرقص) أبو الفرج بن زرعة في سنة إحدى وستين وخمسمائة بمصر وكمّل بالإسكندرية، فأقام اثنتين وعشرين سنة وستة أشهر وخمسة وعشرين يوما، وفي أيامه أحرقت كنيسة بومرقورة بمصر، ثم مات. وخلا الكرسيّ بعده سبعة وعشرين يوما.
وقدم بعده بطرك اسمه (يونس) بن أبي غالب في عاشر ذي الحجّة سنة أربع وثمانين وخمسمائة بمصر وكمّل بالإسكندرية، وأقام ستّا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وثلاثة عشر يوما، ومات في رابع عشر رمضان المعظّم قدره، سنة اثنتي عشرة وستمائة بالمعلّقة بمصر، ودفن ببركة الحبش.
وقدّم بعده بطرك اسمه (داود) بن يوحنا، ويعرف بابن لقلق بأمر العادل بن الكامل، فلم يوافق عليه المصريون فأبطلت بطركيته، وبقي الكرسيّ بغير بطرك تسع عشرة سنة.
ثم قدّم بطرك اسمه (كيرلس) داود بن لقلق في التاسع والعشرين من رمضان المعظم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، فأقام سبع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام، ومات في السابع عشر من رمضان المعظم سنة أربعين وستمائة، ودفن بدير الشّمع بالجيزة. وخلا الكرسيّ بعده سبع سنين وستة أشهر وستة وعشرين يوما.
وقدّم بعده بطرك اسمه (سيوس) بن القسّ أبي المكارم، في رابع رجب سنة ثمان وأربعين وستمائة وكمّل بالإسكندرية، وأقام إحدى عشرة سنة وخمسة
وخمسين يوما، ومات في ثالث المحرم سنة ستين وستمائة. وخلا الكرسيّ من بعده خمسة وثلاثين يوما.(5/307)
وقدّم بعده بطرك اسمه (سيوس) بن القسّ أبي المكارم، في رابع رجب سنة ثمان وأربعين وستمائة وكمّل بالإسكندرية، وأقام إحدى عشرة سنة وخمسة
وخمسين يوما، ومات في ثالث المحرم سنة ستين وستمائة. وخلا الكرسيّ من بعده خمسة وثلاثين يوما.
ثم قدّم، بعده في الدولة الناصريّة محمد بن قلاوون (1) البطرك (بنيامين) وهو الذي كان معاصرا للمقرّ الشهابيّ بن فضل الله، ونقل عنه بعض أخبار الحبشة.
ثم قدّم بعده المؤتمن (جرجس) بن القس مفضّل في شهور سنة أربع وستين وسبعمائة.
ثم قدّم بعده البطرك متّى وطالت مدّته في البطركية ثم مات في شهور سنة اثنتي عشرة وثمانمائة.
واستقرّ بعده الشيخ الأمجد (رفائيل) في أواخر السنة المذكورة، وهو القائم بها إلى الآن.
أما ملوكهم القائمون ببلادهم، فلم يتّصل بنا تفاصيل أخبارهم، غير أنّ المشهور أنّ ملكهم في الزمن المتقدّم كان يلقّب النّجاشيّ، سمة لكلّ من ملك عليهم، إلى أن كان آخرهم (النجاشيّ) الذي كان في زمن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأسلم وكتب إليه بإسلامه، ومات وصلّى عليه صلاة الغائب، وكان اسمه بالحبشية (أصحمة) ويقال (صحمة) ومعناه بالعربية عطيّة.
وقد ذكر المقر الشهابيّ بن فضل الله في «مسالك الأبصار»: أن الملك الأكبر الحاكم على جميع أقطارهم يسمّى بلغتهم (الحطّي) بفتح الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة المكسورة وياء مثناة تحت في الآخر. ومعناه السلطان اسما موضوعا لكل من قام عليهم ملكا كبيرا. ثم قال: ويقال: إن تحت يده تسعة وتسعين ملكا، وهو لهم تمام المائة. وذكر أن الملك القائم بمملكتهم في زمانه
__________
(1) سبق التعريف به.(5/308)
اسمه (عمدسيون) ومعناه ركن صهيون. قال: وصهيون بيعة قديمة البناء بالإسكندرية معظّمة عندهم. قال: ويقال: إنه من الشجاعة على أوفر قسم، وإنه حسن السّيرة، عادل في رعيته. قال في «التعريف»: وقد بلغنا أن الملك القائم عليهم أسلم سرّا، واستمرّ على إظهار دين النصرانية إبقاء لملكه. فيحتمل أنه (عمدسيون) المقدّم ذكره، ويحتمل أنه غيره. قال في «التعريف»: ومدبّر دولته رجل يقرب إلى بني الأرشي الأطباء بدمشق. قال في «مسالك الأبصار»:
ومع ما هم عليه من سعة البلاد، وكثرة الخلق والأجناد، مفتقرون إلى العناية والملاحظة من صاحب مصر. لأن المطران الذي هو حاكم شريعتهم في جميع بلادهم من أهل النصرانية لا يقام إلا من الأقباط اليعاقبة بالديار المصرية، بحيث تخرج الأوامر السلطانية من مصر للبطرك المذكور بإرسال مطران إليهم. وذلك بعد تقدّم سؤال ملك الحبشة الذي هو الحطّي وإرسال رسله وهداياه. قال: وهم يدّعون أنهم يحفظون مجاري النيل المنحدر إلى مصر، ويساعدون على إصلاح سلوكه تقرّبا لصاحب مصر.
وقد ذكر ابن العميد مؤرّخ النصارى في تاريخه: أنه لما توقف النيل في زمن المستنصر بالله (1) الفاطميّ، كان ذلك بسبب فساد مجاريه من بلادهم، وأنّ المستنصر أرسل البطرك الذي كان في زمانه إلى الحبشة حتّى أصلحوه واستقامت مجاريه. لكن قد تقدّم في الكلام على النيل عند ذكر مملكة الديار المصرية من هذه المقالة ما يخالف ذلك.
الجملة السادسة (في ترتيب مملكتهم)
قال في «مسالك الأبصار»: يقال إن الحطّي المذكور وجيشه لهم خيام
__________
(1) هو: معدّ (المستنصر بالله) بن علي (الظاهر لإعزاز دين الله) بن الحاكم بأمر الله، أبو تميم: من خلفاء الدولة الفاطمية (العبيدية) بمصر. توفي سنة 487هـ.(5/309)
ينقلونها معهم في الأسفار والتنزّهات، وإنه إذا جلس الملك يجلس على كرسيّ، ويجلس حول كرسيه أمراء مملكته وكبراؤها على كراسيّ من حديد: منها ما هو مطعّم بالذهب، ومنها ما هو ساذج على قدر مراتبهم. قال: ويقال إن الملك مع نفاذ أمره فيهم يتثّبت في أحكامه. ولم يزد في ترتيب مملكتهم على ذلك.
ولملك الحبشة هذا مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، يأتي ذكرها في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
القسم الثاني (من بلاد الحبشة ما بيد مسلمي الحبشة)
وهي البلاد المقابلة لبرّ اليمن على أعالي بحر القلزم، وما يتصل به من بحر الهند، ويعبّر عنها «بالطّراز الإسلامي» لأنها على جانب البحر كالطّراز له. قال في «مسالك الأبصار»: وهي البلاد التي يقال لها بمصر والشام بلاد الزّيلع.
قال: والزّيلع إنما هي قرية من قراها، وجزيرة من جزائرها، غلب عليها اسمها.
قال الشيخ عبد المؤمن الزّيلعيّ الفقيه: وطولها برّا وبحرا خاصّا بها نحو شهرين، وعرضها يمتدّ أكثر من ذلك، لكن الغالب في عرضها أنه مقفر، أما مقدار العمارة فهو ثلاثة وأربعون يوما طولا، وأربعون يوما عرضا. قال في «مسالك الأبصار»:
وبيوتهم من طين وأحجار وأخشاب، مسقّفة بجملونات وقباب، وليست بذوات أسوار ولا لها فخامة بناء، ومع ذلك فلها الجوامع، والمساجد، وتقام بها الخطب والجمع والجماعات، وعند أهلها محافظة على الدّين، إلا أنه لا تعرف عندهم مدرسة، ولا خانقاه، ولا رباط، ولا زاوية. وهي بلاد شديدة الحرّ، وألوان أهلها إلى الصّفاء، وليست شعورهم في غاية التفلفل كما في أهل مالّي وما يليها من جنوب المغرب، وفطنهم أنبه من غيرهم من السّودان، وفطرهم أذكى، وفيهم الزّهّاد، والأبرار، والفقهاء والعلماء، ويتمذهبون بمذهب أبي حنيفة، خلا وفات (1) فإن ملكها وغالب أهلها شافعيّة.
__________
(1) وفات: مدينة من مدن الحبشة. أنظر الصفحة التالية.(5/310)
وتشتمل على ستّ جمل:
الجملة الأولى (فيما اشتملت عليه من القواعد والأعمال)
مقتضى ما ذكره في «مسالك الأبصار» و «التعريف» أن هذه البلاد تشتمل على سبع قواعد، كلّ قاعدة منها مملكة مستقلّة بها ملك مستقل.
القاعدة الأولى (وفات)
قال في «تقويم البلدان»: بالواو المفتوحة والفاء ثم ألف وتاء مثناة فوق في الآخر، والعامّة تسميها (أوفات). ويقال لها أيضا (جبرة) بفتح الجيم والباء الموحدة والراء المهملة ثم هاء في الآخر، والنسبة إلى جبرة جبرتيّ. وموقعها بين الإقليم الأوّل وخط الاستواء. قال في «تقويم البلدان»: والقياس أنها حيث الطول سبع وخمسون درجة، والعرض ثمان درج. قال: وعن بعض المسافرين أنها من أكبر مدن الحبشة. وهي على نشز من الأرض، وعمارتها متفرّقة، ودار الملك فيها على تلّ والقلعة على تلّ، ولها واد فيه نهر صغير، وتمطر في الليل غالبا مطرا كثيرا، وبها قصب السّكّر. قال في «مسالك الأبصار»: وقال الشيخ عبد الله الزّيلعيّ: وطول مملكتها خمسة عشر يوما وعرضها عشرون يوما بالسير المعتاد.
قال: وكلّها عامرة آهلة بقرى متصلة، وهي أقرب أخواتها إلى الديار المصرية وإلى السّواحل المسامتة لليمن، وهي أوسع الممالك السّبع أرضا، والإجلاب إليها أكثر لقربها من البلاد. قال في «مسالك الأبصار»: وعسكرها خمسة عشر ألفا من الفرسان، ويتبعهم عشرون ألفا فأكثر من الرّجّالة، وسيأتي الكلام على سائر أحوالها عند ذكر أحوال سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ومن مضافاتها (زيلع). قال في «تقويم البلدان»: الظاهر أنها بفتح الزاي المعجمة وسكون الياء المثناة التحتية وفتح اللام ثم عين مهملة في الآخر.
وهي فرضة من فرض هذه البلاد، وموقعها بين الإقليم الأوّل وخطّ الاستواء. قال في «القانون»: حيث الطول إحدى وستون درجة، والعرض ثمان درج. قال في «تقويم البلدان»: وهي في جهة الشرق عن (وفات) وبينهما نحو عشرين مرحلة. قال ابن سعيد: وهي مدينة مشهورة وأهلها مسلمون، وهي على ركن من البحر في وطاءة من الأرض. قال في «تقويم البلدان»: وعن بعض من رآها أنها مدينة صغيرة نحو عيذاب في القدر، وهي على الساحل والتّجّار تنزل عندهم فيضيفونهم ويبتاعون لهم. قال ابن سعيد: وهي شديدة الحرّ وماؤها عذيبي من جفارات (1) وليس لهم بساتين، ولا يعرفون الفواكه. قال في «القانون»: وفيها مغاص لؤلؤ. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» أنها في مملكة صاحب أوفات.(5/311)
ومن مضافاتها (زيلع). قال في «تقويم البلدان»: الظاهر أنها بفتح الزاي المعجمة وسكون الياء المثناة التحتية وفتح اللام ثم عين مهملة في الآخر.
وهي فرضة من فرض هذه البلاد، وموقعها بين الإقليم الأوّل وخطّ الاستواء. قال في «القانون»: حيث الطول إحدى وستون درجة، والعرض ثمان درج. قال في «تقويم البلدان»: وهي في جهة الشرق عن (وفات) وبينهما نحو عشرين مرحلة. قال ابن سعيد: وهي مدينة مشهورة وأهلها مسلمون، وهي على ركن من البحر في وطاءة من الأرض. قال في «تقويم البلدان»: وعن بعض من رآها أنها مدينة صغيرة نحو عيذاب في القدر، وهي على الساحل والتّجّار تنزل عندهم فيضيفونهم ويبتاعون لهم. قال ابن سعيد: وهي شديدة الحرّ وماؤها عذيبي من جفارات (1) وليس لهم بساتين، ولا يعرفون الفواكه. قال في «القانون»: وفيها مغاص لؤلؤ. وقد ذكر في «مسالك الأبصار» أنها في مملكة صاحب أوفات.
وذكر في «تقويم البلدان» عن بعض من رآها أن فيها شيوخا يحكمون بين أهلها، وقال: إن بينها وبين عدن من اليمن في البحر ثلاث مجار، وهي عن عدن في جهة الغرب بميلة إلى الجنوب.
القاعدة الثانية (دوارو)
بفتح الدال المهملة وواو ثم ألف وراء مهملة وواو وهي مدينة ذكرها في «مسالك الأبصار» و «التعريف». ولم يتعرّض لصفتها. وذكر في «مسالك الأبصار»: أنها تلي أوفات المقدّمة الذكر، وأن مملكتها طولها خمسة أيام، وعرضها يومان. ثم قال: وهي على هذا الضيّق ذات عسكر جمّ، نظير عسكر أوفات في الفارس والراجل. وسيأتي الكلام على تفصيل أحوالها مع أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
__________
(1) كذا في الأصل وهو خطأ لغوي وقع فيه المؤلف. إذ الجفر: البئر الواسعة والجمع جفار ولا تجمع على جفارات. انظر لسان العرب مادة (جفر).(5/312)
القاعدة الثالثة (أرابيني)
وهي مدينة ذكرها في «المسالك» و «التعريف» أيضا، ولم يذكر شيئا من صفتها. ثم ذكر أن مملكتها مربّعة: طولها أربعة أيام، وعرضها كذلك، وعسكرها يقارب عشرة آلاف فارس. أما الرجّالة فكثيرة للغاية.
القاعدة الرابعة (هدية)
قال في «تقويم البلدان»: بالهاء والدال المهملة والياء المثناة التحتية ثم هاء في الآخر على ما ذكره بعض من رآها. وموقعها بين الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة وبين خطّ الاستواء. قال: والقياس أنها حيث الطول سبع وخمسون درجة، والعرض سبع درج. وذكر عن بعض المسافرين أنها جنوبيّ (وفات). قال في «مسالك الأبصار»: وهي تلي أرابيني المقدّم ذكرها، وطول مملكتها ثمانية أيام، وعرضها تسعة أيام، وصاحبها أقوى إخوانه من ملوك هذه الممالك السبعة، وأكثر خيلا ورجالا، وأشدّ بأسا على ضيق بلاده عن مقدار أوفات. قال: ولملكها من العسكر نحو أربعين ألف فارس سوى الرّجّالة، فإنهم خلق كثير مثل الفرسان مرتين أو أكثر. قال في «تقويم البلدان»: ومنها تجلب الخدّام، وذكر أنهم يخصونهم بقرية قريبة منها. وذكر في «مسالك الأبصار»: أن الخدّام تجلب إليها من بلاد الكفّار. ثم حكى عن الحاج فرج الفوّي التاجر: أنه حدّثه أن ملك أمحرا يمنع من خصي العبيد وينكر ذلك ويشدّد فيه. وإنما السّرّاق تقصد بهم مدينة اسمها (وشلو) بفتح الواو والشين المعجمة واللام، أهلها همج لا دين عندهم فتخصى بها العبيد، لا يقدم على هذا في جميع بلاد الحبشة سواهم. قال: ولذلك التّجّار إذا اشتروا العبيد يخرجون بهم إلى (وشلو) فيخصونهم بها لأجل زيادة الثمن، ثم يحمل من خصي منهم إلى مدينة (هدية) لقربها من (وشلو) فتعاد عليهم الموسى مرة ثانية لينفتح مجرى البول لأنه يكون قد استدّ عند الخصي
بالقيح، فيعالجون بهدية إلى أن يبرءوا، ولأن أهل (وشلو) وإن كان لهم معرفة بالخصي فليس لهم معرفة بالعلاج، بخلاف أهل هدية فإنهم قد درّبوا [على] ذلك وعرفوه. ثم قال: ومع هذا فالذي يموت منهم أكثر من الذي يعيش، وأضرّ ما عليهم حملهم بلا معالجة من مكان إلى مكان، فإنهم لو عولجوا في مكان خصيهم كان أرفق بهم.(5/313)
قال في «تقويم البلدان»: بالهاء والدال المهملة والياء المثناة التحتية ثم هاء في الآخر على ما ذكره بعض من رآها. وموقعها بين الإقليم الأوّل من الأقاليم السبعة وبين خطّ الاستواء. قال: والقياس أنها حيث الطول سبع وخمسون درجة، والعرض سبع درج. وذكر عن بعض المسافرين أنها جنوبيّ (وفات). قال في «مسالك الأبصار»: وهي تلي أرابيني المقدّم ذكرها، وطول مملكتها ثمانية أيام، وعرضها تسعة أيام، وصاحبها أقوى إخوانه من ملوك هذه الممالك السبعة، وأكثر خيلا ورجالا، وأشدّ بأسا على ضيق بلاده عن مقدار أوفات. قال: ولملكها من العسكر نحو أربعين ألف فارس سوى الرّجّالة، فإنهم خلق كثير مثل الفرسان مرتين أو أكثر. قال في «تقويم البلدان»: ومنها تجلب الخدّام، وذكر أنهم يخصونهم بقرية قريبة منها. وذكر في «مسالك الأبصار»: أن الخدّام تجلب إليها من بلاد الكفّار. ثم حكى عن الحاج فرج الفوّي التاجر: أنه حدّثه أن ملك أمحرا يمنع من خصي العبيد وينكر ذلك ويشدّد فيه. وإنما السّرّاق تقصد بهم مدينة اسمها (وشلو) بفتح الواو والشين المعجمة واللام، أهلها همج لا دين عندهم فتخصى بها العبيد، لا يقدم على هذا في جميع بلاد الحبشة سواهم. قال: ولذلك التّجّار إذا اشتروا العبيد يخرجون بهم إلى (وشلو) فيخصونهم بها لأجل زيادة الثمن، ثم يحمل من خصي منهم إلى مدينة (هدية) لقربها من (وشلو) فتعاد عليهم الموسى مرة ثانية لينفتح مجرى البول لأنه يكون قد استدّ عند الخصي
بالقيح، فيعالجون بهدية إلى أن يبرءوا، ولأن أهل (وشلو) وإن كان لهم معرفة بالخصي فليس لهم معرفة بالعلاج، بخلاف أهل هدية فإنهم قد درّبوا [على] ذلك وعرفوه. ثم قال: ومع هذا فالذي يموت منهم أكثر من الذي يعيش، وأضرّ ما عليهم حملهم بلا معالجة من مكان إلى مكان، فإنهم لو عولجوا في مكان خصيهم كان أرفق بهم.
القاعدة الخامسة (شرحا)
بفتح الشين المعجمة وسكون الراء المهملة وحاء ثم ألف.
وهي مدينة تلي (هدية) المقدّمة الذكر. ذكرها في «مسالك الأبصار» و «التعريف» ولم يصرّح لها بوصف. قال في «مسالك الأبصار»: وطول مملكتها ثلاثة أيام، وعرضها أربعة أيام. قال: وعسكرها ثلاثة آلاف فارس، ورجّالة مثل ذلك مرتين فأكثر، وسيأتي الكلام على سائر أحوالها مع سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
القاعدة السادسة (بالي)
بفتح الباء الموحدة وألف ثم لام وياء آخر الحروف.
وهي مدينة تلي شرحا المقدّمة الذكر ذكرها في «المسالك» و «التعريف» قال في المسالك: ولكنها أكثر خصبا، وأطيب سكنا، وأبرد هواء، وسيأتي الكلام على سائر أحوالها مع سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
القاعدة السابعة (دارة)
بفتح الدال المهملة وألف بعدها راء ثم هاء. وهي مدينة تلي (بالي) المقدّمة الذكر، ذكرها في «المسالك» و «التعريف». قال في «المسالك»:
وطولها ثلاثة أيام، وعرضها كذلك. وهي أضعف أخواتها حالا، وأقلها خيلا ورجالا. قال: وعسكرها لا يزيد على ألفي فارس، ورجّالة كذلك، وسيأتي الكلام على سائر أحوالها في الكلام على سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى.(5/314)
بفتح الدال المهملة وألف بعدها راء ثم هاء. وهي مدينة تلي (بالي) المقدّمة الذكر، ذكرها في «المسالك» و «التعريف». قال في «المسالك»:
وطولها ثلاثة أيام، وعرضها كذلك. وهي أضعف أخواتها حالا، وأقلها خيلا ورجالا. قال: وعسكرها لا يزيد على ألفي فارس، ورجّالة كذلك، وسيأتي الكلام على سائر أحوالها في الكلام على سائر أخواتها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الجملة الثانية (في الموجود بهذه الممالك، على ما ذكره في «مسالك الأبصار»)
قد ذكر أنّ عندهم من المواشي الخيل العراب، والبغال، والحمير، والبقر، والغنم بكثرة. أما المعز فقليل عندهم. ومن الوحش: البقر، والحمر، والغزلان، والمها، والإيّل، والكركدّن، والفهد، والأسد، والضّبعة العرجاء، وتسمّى عندهم مرعفيف، وعندهم جواميس برّيّة تصاد كما تقدّم في إقليم مالّي. وعندهم من الطيور الدّواجن الدّجاج، ولكن لا رغبة لهم في أكله استقذارا له: لأكله القمامات والزّبالات، ودجاج الحبش يصيدونه ويأكلونه، وهو عندهم مستطاب.
وعندهم من الحبوب الحنطة، والشعير، والذّرة، والطّافي: وهو حبّ نحو الخردل أحمر اللون على ما تقدّم ذكره في الكلام على القسم الأوّل من بلاد الحبشة.
وعندهم الخردل أيضا. وعندهم من الفواكه العنب الأسود على قلّة، والموز، والرمّان الحامض، والتوت الأسود على قلّة فيه، والجمّيز بكثرة. وعندهم من المحمّضات: الأترجّ، واللّيمون، والقليل من النارنج. وعندهم تين برّي، وخوخ برّيّ، ولكنهم لا يأكلون الخوخ دون التين. وعندهم فواكه أخرى لا تعرف بمصر والشأم والعراق، منها شجر يسمى كشباد، ثمره أحمر على صفة البسر، وهو حلو ماويّ، وشجر يسمّى كوشى، ثمره مستدير كالبرقوق، ولونه أصفر خلوقيّ كالمشمش، وهو مزّماويّ، وشجر يسمّى طانة، ثمره أصغر من البسر، وفي وسطه شبه النّوى، وهو حلو صادق الحلاوة ونواه يؤكل معه لعدم صلابته. وشجر اسمه أوجاق بفتح الواو والجيم ثمره أكبر من حبّ الفلفل وطعمه شبيه به في الحرافة مع بعض حلاوة. وعندهم شجرجان المقدّم ذكره في القسم الأوّل من بلاد الحبشة، وهو الذي يؤكل عندهم للذّكاء والفطنة، ولكنه يقل النوم والنكاح على ما تقدّم ذكره هناك. وعندهم من أنواع المقاثيء البطّيخ الأخضر، والخيار، والقرع.
ومن الخضروات اللّوبيا، والكرنب، والباذنجان، والشّمار، والصّعتر. أما الملوخيا فإنها تطلع عندهم برّية.(5/315)
وعندهم الخردل أيضا. وعندهم من الفواكه العنب الأسود على قلّة، والموز، والرمّان الحامض، والتوت الأسود على قلّة فيه، والجمّيز بكثرة. وعندهم من المحمّضات: الأترجّ، واللّيمون، والقليل من النارنج. وعندهم تين برّي، وخوخ برّيّ، ولكنهم لا يأكلون الخوخ دون التين. وعندهم فواكه أخرى لا تعرف بمصر والشأم والعراق، منها شجر يسمى كشباد، ثمره أحمر على صفة البسر، وهو حلو ماويّ، وشجر يسمّى كوشى، ثمره مستدير كالبرقوق، ولونه أصفر خلوقيّ كالمشمش، وهو مزّماويّ، وشجر يسمّى طانة، ثمره أصغر من البسر، وفي وسطه شبه النّوى، وهو حلو صادق الحلاوة ونواه يؤكل معه لعدم صلابته. وشجر اسمه أوجاق بفتح الواو والجيم ثمره أكبر من حبّ الفلفل وطعمه شبيه به في الحرافة مع بعض حلاوة. وعندهم شجرجان المقدّم ذكره في القسم الأوّل من بلاد الحبشة، وهو الذي يؤكل عندهم للذّكاء والفطنة، ولكنه يقل النوم والنكاح على ما تقدّم ذكره هناك. وعندهم من أنواع المقاثيء البطّيخ الأخضر، والخيار، والقرع.
ومن الخضروات اللّوبيا، والكرنب، والباذنجان، والشّمار، والصّعتر. أما الملوخيا فإنها تطلع عندهم برّية.
الجملة الثالثة (في معاملاتهم وأسعارهم)
أما معاملاتهم فعلى ثلاثة أنواع. منها ما هو بالأعراض مقايضة: تباع البقر بالغنم ونحو ذلك كما في القسم الأول من بلاد الحبشة. ومنها ما هو بالدّنانير والدراهم كمصر والشأم ونحوهما، وهو (وفات) وأعمالها خاصّة. قال في «مسالك الأبصار»: وليس بأوفات سكّة تضرب بل معاملاتهم بدنانير مصر ودراهمها الواصلة إليهم صحبة التّجّار. وذلك أنه لو ضرب أحد منهم سكّة في بلاده لم ترج في بلد غيره. ومنها ما هو بالحكنات، جمع حكنة بفتح الحاء المهملة وضم الكاف والنون كما ضبطه في «مسالك الأبصار» وهي قطع حديد في طول الإبرة، ولكنها أعرض منها بحيث تكون في عرض ثلاث إبر، يتعامل بها في سائر هذه البلاد سوى ما تقدّم ذكره. قال: وليس لهذه الحكنة عندهم سعر مضبوط بل تباع البقرة الجيدة بسبعة آلاف حكنة، والشاة الجيدة بثلاثة آلاف حكنة. وتكال غلّتهم بكيل اسمه الرابعيّة، بمقدار ويبة من الكيل المصريّ. وزنة أرطالهم اثنتا عشرة أوقية كل أوقية عشرة دراهم بصنجة مصر.
وأما الأسعار فكلّها رخيّة حتّى قال في «مسالك الأبصار»: إنه يباع بالدرهم الواحد عندهم من الحنطة بمقدار حمل بغل، والشعير لا قيمة له. وعلى هذا فقس.
الجملة الرابعة (في ملوكهم)
قد تقدّم في الكلام على القسم الأول من بلاد الحبشة أن الحطّي الذي هو سلطانهم الأكبر تحت يده تسعة وتسعون ملكا وهو لهم تمام المائة. وقد ذكر في
«التعريف»: أن هذه السبعة من جملة التسعة والتسعين الذين هم تحت يده. قال في «مسالك الأبصار»: والملك منهم في بيوت محفوظة إلّا بالي اليوم، فإن الملك بها صار إلى رجل ليس من أهل بيت الملك، تقرّب إلى سلطان أمحرا حتّى ولّاه مملكة بالي فاستقلّ ملكا بها. على أنه قد وليها من أهل بيت الملك رجال أكفاء، ولكنّ الأرض لله يورثها من يشاء. قال: وجميع ملوك هذه الممالك وإن توارثوها لا يستقلّ منهم بملك إلا من أقامه سلطان أمحرا، وإذا مات منهم ملك ومن أهله رجال قصدوا جميعهم سلطان أمحرا، وتقرّبوا إليه جهد الطاقة، فيختار منهم رجلا يولّيه، فإذا ولّاه سمع البقيّة له وأطاعوا، فهم له كالنّواب، وأمرهم راجع إليه. ثم كلّهم متفقون على تعظيم صاحب أوفات، منقادون إليه. ثم قال: وهذه الممالك السبع ضعيفة البناء، قليلة الغناء، لضعف تركيب أهلها، وقلّة محصول بلادهم، وتسلّط الحطّي سلطان أمحرا عليهم، مع ما بينهم من عداوة الدّين، ومباينة ما بين النصارى والمسلمين. قال: وهم مع ذلك كلمتهم متفرّقة، وذات بينهم فاسدة.(5/316)
قد تقدّم في الكلام على القسم الأول من بلاد الحبشة أن الحطّي الذي هو سلطانهم الأكبر تحت يده تسعة وتسعون ملكا وهو لهم تمام المائة. وقد ذكر في
«التعريف»: أن هذه السبعة من جملة التسعة والتسعين الذين هم تحت يده. قال في «مسالك الأبصار»: والملك منهم في بيوت محفوظة إلّا بالي اليوم، فإن الملك بها صار إلى رجل ليس من أهل بيت الملك، تقرّب إلى سلطان أمحرا حتّى ولّاه مملكة بالي فاستقلّ ملكا بها. على أنه قد وليها من أهل بيت الملك رجال أكفاء، ولكنّ الأرض لله يورثها من يشاء. قال: وجميع ملوك هذه الممالك وإن توارثوها لا يستقلّ منهم بملك إلا من أقامه سلطان أمحرا، وإذا مات منهم ملك ومن أهله رجال قصدوا جميعهم سلطان أمحرا، وتقرّبوا إليه جهد الطاقة، فيختار منهم رجلا يولّيه، فإذا ولّاه سمع البقيّة له وأطاعوا، فهم له كالنّواب، وأمرهم راجع إليه. ثم كلّهم متفقون على تعظيم صاحب أوفات، منقادون إليه. ثم قال: وهذه الممالك السبع ضعيفة البناء، قليلة الغناء، لضعف تركيب أهلها، وقلّة محصول بلادهم، وتسلّط الحطّي سلطان أمحرا عليهم، مع ما بينهم من عداوة الدّين، ومباينة ما بين النصارى والمسلمين. قال: وهم مع ذلك كلمتهم متفرّقة، وذات بينهم فاسدة.
ثم حكي عن الشيخ عبد الله الزّيلعيّ وغيره: أنه لو اتفقت هذه الملوك السبعة واجتمعت ذات بينهم، قدروا على مدافعة الحطّي أو التماسك معه، ولكنهم مع ما هم عليه من الضّعف وافتراق الكلمة بينهم تنافس. قال: وهم على ما هم عليه من الذّلّة والمسكنة للحطّي سلطان أمحرا عليهم قطائع مقرّرة، تحمل إليه في كل سنة من القماش الحرير والكتان، مما يجلب إليهم من مصر واليمن والعراق. ثم قال: قد كان الفقيه «عبد الله الزيلعيّ» قد سعى في الأبواب السلطانية بمصر عند وصول رسول سلطان أمحرا إلى مصر في تنجّز كتاب البطريرك إليه، بكف أذيّته عمّن في بلاده من المسلمين وعن أخذ حريمهم. وبرزت المراسيم السلطانية للبطريرك لكتابة ذلك، فكتب إليه عن نفسه كتابا بليغا شافيا، فيه معنى الإنكار لهذه الأفعال، وأنه حرّم هذا على من يفعله، بعبارات أجاد فيها، ثم قال:
وفي هذا دلالة على الحال.
قلت: وقد كتب في أوائل الدولة الظاهرية «برقوق» كتاب عن السلطان في معنى ذلك، وقرينه كتاب من البطريرك (متّى) بطريرك الإسكندرية يومئذ بمعناه.
وتوجّه به إلى الحطّي سلطان الحبشة، «برهان الدين الدّمياطيّ» فذهب وعاد بالحباء من جهة الملك، لكن ذكر عنه أنه أتى أمورا هناك تقدح في عقيدة ديانته، والله أعلم بحقيقة ذلك. وستأتي الإشارة إلى المكاتبة إلى هؤلاء الملوك السبعة في المقالة الرابعة في الكلام على المكاتبات إن شاء الله تعالى.(5/317)
قلت: وقد كتب في أوائل الدولة الظاهرية «برقوق» كتاب عن السلطان في معنى ذلك، وقرينه كتاب من البطريرك (متّى) بطريرك الإسكندرية يومئذ بمعناه.
وتوجّه به إلى الحطّي سلطان الحبشة، «برهان الدين الدّمياطيّ» فذهب وعاد بالحباء من جهة الملك، لكن ذكر عنه أنه أتى أمورا هناك تقدح في عقيدة ديانته، والله أعلم بحقيقة ذلك. وستأتي الإشارة إلى المكاتبة إلى هؤلاء الملوك السبعة في المقالة الرابعة في الكلام على المكاتبات إن شاء الله تعالى.
الجملة الخامسة (في زيّ أهل هذه المملكة)
أما لبسهم، فإنه قد جرت عادتهم أن الملك يعصّب رأسه بعصابة من حرير، تدور بدائر رأسه، ويبقى وسط رأسه مكشوفا، والأمراء والجند يعصّبون رؤوسهم كذلك بعصائب من قطن، والفقهاء يلبسون العمائم، والعامّة يلبسون كوافي بيضا طاقيات، والسلطان والجند يتّزرون بثياب غير مخيطة: يشدّ وسطه بثوب، ويتّزر بآخر، ويلبسون مع ذلك سراويلات. ومن عداهم من الناس يقتصرون على شدّ الوسط والاتّزار خاصّة بلا لبس سراويل. وربما لبس القمصان منهم بعض الفقهاء وأرباب النّعم.
وأما ركوبهم الخيل، فإنهم يركبونها بغير سروج، بل يوطّا لهم على ظهورها بجلود مرعزّى حتّى ملوكهم.
وأما سلاحهم فغالبه الحراب والنّشّاب.
الجملة السادسة (في شعار الملك وترتيبه)
أما شعار الملك، فقد جرت عادتهم أن الملك إذا ركب تقدّم قدّامه الحجّاب والنّقباء لطرد الناس، ويضرب بالشّبّابة (1) أمامه، ويضرب معها ببوقات من خشب، في رؤوسها قرون مجوّفة، ويدقّ مع ذلك طبول معلّقة في أعناق
__________
(1) الشبّابة: آلة موسيقية.(5/318)
الرجال تسمّى عندهم الوطواط. ويتقدّم أمام الكل بوق عظيم يسمّى الجنبا، وهو بوق ملويّ من قرن وحش عندهم من نوع بقر الوحش اسمه (عجرين) في طول ثلاثة أذرع، مجوّف يسمع على مسيرة نصف يوم، يعلم من سمعه ركوب الملك، فيبادر إلى الركوب معه من له عادة به.
وأما ترتيب الملك عندهم، فإن من عادتهم أن الملك يجلس على كرسيّ من حديد مطعّم بالذهب، علوّه أربعة أذرع من الأرض، ويجلس أكابر الأمراء حوله على كراسيّ أخفض من كرسيّه، وبقية الأمراء وقوف أمامه، ويحمل رجلان السلاح على رأسه. ويختصّ صاحب (وفات) بأنه إذا ركب حمل على رأسه جتر على عادة الملوك.
ثم إن كان الملك راكبا فرسا، كان حامل الجتر ماشيا بازائه والجتر بيده، وإن كان راكبا بغلا، كان حامل الجتر رديفه والجتر بيده على رأس الملك.
وبالجملة فإنه يعد من حشمة الملك أو الأمير عندهم أنه إذا كان راكبا بغلا أن يردف غلامه خلفه، بخلاف ما إذا كان راكبا فرسا فإنه لا يردف خلفه أحدا. ومما يعدّ ب (وفات) من حشمة الملك أو الأمير أنه إذا مشى يتوكّا على يدي رجلين.
وملوكهم تتصدّى للحكم بأنفسهم وإن كان عندهم القضاة والعلماء. وليس لأحد من الأمراء ولا سائر الجند إقطاعات على السلطان ولا نقود كما بمصر والشام، بل لهم الدوابّ السائمة. ومن شاء منهم زرع واستغلّ ولا يعارض في ذلك. وليس لأحد من ملوكهم سماط عامّ، بل إنما يمد سماطه له ولخاصّته، ولكنه يفرّق على أمرائة بقرا عوضا عن أمر أكلهم على السّماط. وأكثر ما يعطى الأمير الكبير منهم مائتا بقرة.
قلت: وأهمل المقرّ الشهابي بن فضل الله في «مسالك الأبصار» و «التعريف» عدّة بلاد من ممالك الحبشة المسلمين.
منها (جزيرة دهلك). قال في «تقويم البلدان»: بفتح الدال المهملة وسكون الهاء ثم لام مفتوحة وكاف. وهي جزيرة في بحر القلزم، واقعة في الإقليم
الأول من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال»: حيث الطول إحدى وستون درجة، والعرض أربع عشرة درجة. قال في «تقويم البلدان»: وهي جزيرة مشهورة على طريق المسافرين في بحر عيذاب إلى اليمن. قال ابن سعيد: غربي مدينة (حلي) في بلاد اليمن، فطولها نحو مائتي ميل، وبينها وبين برّ اليمن نحو ثلاثين ميلا [وملك دهلك من الحبش المسلمين (1)] وهو يداري صاحب اليمن.(5/319)
منها (جزيرة دهلك). قال في «تقويم البلدان»: بفتح الدال المهملة وسكون الهاء ثم لام مفتوحة وكاف. وهي جزيرة في بحر القلزم، واقعة في الإقليم
الأول من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال»: حيث الطول إحدى وستون درجة، والعرض أربع عشرة درجة. قال في «تقويم البلدان»: وهي جزيرة مشهورة على طريق المسافرين في بحر عيذاب إلى اليمن. قال ابن سعيد: غربي مدينة (حلي) في بلاد اليمن، فطولها نحو مائتي ميل، وبينها وبين برّ اليمن نحو ثلاثين ميلا [وملك دهلك من الحبش المسلمين (1)] وهو يداري صاحب اليمن.
ومنها (مدينة عوان) بفتح العين المهملة والواو وألف ثم نون. وهي مدينة على ساحل بحر القلزم مقابل (تهامة اليمن) حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض ثلاث عشرة درجة ونصف درجة. قال في «تقويم البلدان»: وإذا كان وقت الضحى ظهر منها (الجناح) وهو جبل عال في البحر.
ومنها (مدينة مقدشو) بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال (2) المهملة ثم شين معجمة وواو في الآخر كما نقله في «تقويم البلدان» عن ضبطه في «مزيل الارتياب» بالشكل. وموقعها بين الإقليم الأول من الأقاليم السبعة وخطّ الاستواء.
قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وسبعون درجة، والعرض درجتان. قال في «مزيل الارتياب»: وهي مدينة كبيرة بين الزّنج والحبشة. قال: وهي على [بحر] الهند، ولها نهر عظيم شبيه بنيل مصر في زيادته في الصيّف. قال: وقد ذكر أنه شقيق لنيل مصر في مخرجه من بحيرة كورا، ومصبّه ببحر الهند على القرب من مقدشو.
قلت: وقد أتى الحطّي ملك الحبشة النصارى على معظم هذه الممالك بعد الثمانمائة وخرّبها وقتل أهلها وحرّق ما بها من المصاحف وأكره الكثير منهم على الدخول في دين النصرانية، ولم يبق من ملوكها سوى ابن مسمار المقابلة بلاده
__________
(1) الزيادة من تقويم البلدان، كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.
(2) ضبطها ياقوت بفتح الدال. انظر معجم البلدان (ج 5، ص 172) وقد جاء هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.(5/320)
لجزيرة دهلك تحت طاعة الحطّي ملك الحبشة وله عليه إتاوة مقرّرة، والسلطان سعد الدين صاحب زيلع وما معها وهو عاص له خارج عن طاعته بينه وبينه الحروب لا تنقطع، وللسلطان سعد الدين في كثير من الأوقات النصرة عليه والغلبة والله يؤيد بنصره من يشاء.
واعلم أن ما تقدّم ذكره من ممالك السودان هو المشهور منها، وإلا فوراء ذلك بلاد نائية الجوانب بعيدة المرمى منقطعة الأخبار.
منها (بلاد الزنج). وهي بلاد شرقيّ الخليج البربريّ المقدّم ذكره في الكلام على البحار تقابل بلاد الحبشة من البر الآخر.
وقاعدتها (سفالة الزّنج). قال في «تقويم البلدان» بالسين المهملة والفاء ثم ألف ولام وهاء في الآخر. وموقعها جنوبيّ خط الاستواء. قال في «القانون»: حيث الطول خمسون درجة، والعرض في الجنوب درجتان. قال في «القانون»: وأهلها مسلمون. قال ابن سعيد: وأكثر معايشهم من الذهب والحديد، ولباسهم جلود النّمور. وذكر المسعوديّ أن الخيل لا تعيش عندهم، وعسكرهم رجّالة، وربما قاتلوا على البقر.
ومنها (بلاد الهمج) جنوبيّ بلاد التّكرور. فقد ذكر ابن سعيد أنه خرج على أصناف السّودان طائفة منهم يقال لهم [الدّمادم] (1) يشبهون التتر، خرجوا في زمن خروجهم فأهلكوا ما جاورهم من البلدان. وذكر في «مسالك الأبصار» عن ابن أمير حاجب والي مصر عن منسا موسى ملك التّكرور أنهم كالتتر في تدوير وجوههم، وأنهم يركبون خيولا مشقّقة الأنوف كالأكاديش، وأن همج السودان عدد لا يستوعبهم الزمان وأن منهم قوما يأكلون لحم الناس.
__________
(1) بياض بالأصل والتصحيح من مسالك الأبصار. كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/321)
الفصل الرابع من الباب الرابع من المقالة الثانية في الجهة الشّمالية عن ممالك الدّيار المصرية ومضافاتها،
(خلا ما تقدّم ذكره مما انضمّ إلى ممالك المشرق من شماليّ الشرق، نحو أرمينية، وأرّان، وأذربيجان، وشماليّ خراسان، وشماليّ مملكة توران: من خوارزم، وما وراء النهر، وبلاد الأزق، وبلاد القرم، وما والى ذلك وما انضم إلى ممالك المغرب من شماليّ الغرب، وهو الأندلس) وينقسم ذلك إلى قسمين:
القسم الأوّل (ما بيد المسلمين مما في شرقيّ الخليج القسطنطينيّ فيما بينه وبين أرمينية وهي البلاد المعروفة ببلاد الرّوم)
قال في «التعريف»: وتعرف الآن ببلاد الدّربندات. وقد سمّاها في «التعريف» و «مسالك الأبصار» بلاد الأتراك، وكانه يريد بالأتراك التّركمان، فإنهم هم الذين انضاف ملكها بعد ذلك إليهم، على ما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر في «تقويم البلدان» أنه يحيط بهذه البلاد من جهة الغرب بحر الرّوم، وعامّة الخليج القسطنطيني، وبحر القرم. ومن جهة الجنوب بلاد الشام
والجزيرة. ومن جهة الشرق أرمينية. ومن جهة الشّمال بلاد الكرج وبحر القرم.(5/322)
وقد ذكر في «تقويم البلدان» أنه يحيط بهذه البلاد من جهة الغرب بحر الرّوم، وعامّة الخليج القسطنطيني، وبحر القرم. ومن جهة الجنوب بلاد الشام
والجزيرة. ومن جهة الشرق أرمينية. ومن جهة الشّمال بلاد الكرج وبحر القرم.
وذكر في «التعريف» ما يخالف ذلك فقال: إنها منحصرة بين بحرى القرم والخليج القسطنطيني، تنتهي من شرقيها إلى بحر القرم المسمّى ببحر نيطش وما نيطش، وفي الغرب إلى الخليج القسطنطيني، وتنتهي متشاملة إلى القسطنطينيّة، وتنتهي جنوبا إلى بلاد لاون: وهي بلاد الأرمن يحدّها البحر الشاميّ. وبالجملة فإنها مفارقة ما يسامت شرقيها من بلاد الأرمن المضافة إلى بلاد الشام من ممالك الدّيار المصرية. والحاصل أن هذه البلاد مبتدؤها من الشرق مما يلي المغرب حدود أرمينية في شماليّ بلاد الجزيرة وما والاها من بلاد الأرمن المضافة الآن إلى مملكة حلب، وتأخذ في جهة الغرب إلى بحر الرّوم، فيصير البحر في جانبها من الجنوب ويمتدّ عليها حتّى يتصل بالخليج القسطنطينيّ، فيدور عليها الخليج وما يتصل به من بحر القرم من جهة الغرب ثم من جهة الشمال كالجزيرة ويحيط بها البحر من جميع جوانبها خلا جهة الشرق.
وقد كانت هذه البلاد في زمان الرّوم من مضافات القسطنطينيّة وأعمالها.
قال في «مسالك الأبصار»: وقد كانت هذه البلاد على عهد الرّوم محتكّ الأعنّة، ومشتبك الأسنّة، دار القياصرة، ومكسر الأكاسرة. ثم وصفها بأتمّ الأوصاف، فقال بعد أن ذكر أنها أثرى البلاد: صخورها تتفجّر ماء، وجوّها يسخّر أنواء، تعقد دون السماء سماء، فيخصب زرعها، ويخصم المحل ضرعها، ويخصف ورق الجنّة على الحدائق ثمرها وينعها، ويطرب ورقها منظرها البديع، ويحبّرها من صناعة صنعاء الرّبيع، فلا تسمع إلا كلّ مطربة تناجي النّجيّ، وتشجي الشّجيّ، وتخلب قلب الخليّ، وتهب الغواني ما في أطواقها من الحليّ، يعجب ثوبها السّندسيّ، ونباتها المتعلّق بذيل البهار بسجافها القندسيّ. فلا تجول في أرضها إلا على أرائك، ولا تنظر إلا نساء كالحور العين وولدانا كالملائك. ثم قال بعد كلام طويل: وهي شديدة البرد لا يوصف شتاؤها، إلا أن سكّانها تستعدّ للشّتاء بها قبل دخوله، وتحصّل ما تحتاج إليه، وتدّخره في بيوتها، وتستكثر من القديد والأدهان والخمور، فتأكل وتشرب مدّة أيام الشتاء، ولا تخرج من بيوتها، ولو أرادت ذلك
لم تقدر عليه، حتّى تذوب الثّلوج. قال وهذه الأيام هي بلهنية (1) العيش عندهم.(5/323)
قال في «مسالك الأبصار»: وقد كانت هذه البلاد على عهد الرّوم محتكّ الأعنّة، ومشتبك الأسنّة، دار القياصرة، ومكسر الأكاسرة. ثم وصفها بأتمّ الأوصاف، فقال بعد أن ذكر أنها أثرى البلاد: صخورها تتفجّر ماء، وجوّها يسخّر أنواء، تعقد دون السماء سماء، فيخصب زرعها، ويخصم المحل ضرعها، ويخصف ورق الجنّة على الحدائق ثمرها وينعها، ويطرب ورقها منظرها البديع، ويحبّرها من صناعة صنعاء الرّبيع، فلا تسمع إلا كلّ مطربة تناجي النّجيّ، وتشجي الشّجيّ، وتخلب قلب الخليّ، وتهب الغواني ما في أطواقها من الحليّ، يعجب ثوبها السّندسيّ، ونباتها المتعلّق بذيل البهار بسجافها القندسيّ. فلا تجول في أرضها إلا على أرائك، ولا تنظر إلا نساء كالحور العين وولدانا كالملائك. ثم قال بعد كلام طويل: وهي شديدة البرد لا يوصف شتاؤها، إلا أن سكّانها تستعدّ للشّتاء بها قبل دخوله، وتحصّل ما تحتاج إليه، وتدّخره في بيوتها، وتستكثر من القديد والأدهان والخمور، فتأكل وتشرب مدّة أيام الشتاء، ولا تخرج من بيوتها، ولو أرادت ذلك
لم تقدر عليه، حتّى تذوب الثّلوج. قال وهذه الأيام هي بلهنية (1) العيش عندهم.
وينحصر المقصود من ذلك في خمس جمل:
الجملة الأولى (فيما اشتملت عليه من القواعد، وهي على ضربين)
الضرب الأول (القواعد المستقرّة بها الملوك والحكّام ممن يكاتب عن الأبواب السّلطانية بالديار المصرية)
فأما ما ذكره المقرّ الشهابيّ بن فضل الله من ذلك في «التعريف» و «مسالك الأبصار»، فستّ عشرة قاعدة عبّر عنها في «مسالك الأبصار»: بممالك. ونحن نوردها على ما أوردها وإن كان قد أخلّ بها في الترتيب.
القاعدة الأولى (كرميان)
بكسر الكاف وسكون الراء المهملة والميم وفتح المثناة تحت وألف ثم نون في الآخر. وهي مدينة في شرق هذه البلاد، متوسطة في المقدار، مبنيّة بالحجر، عليها سور دائر. وبها مساجد وأسواق وحمّامات، وبوسطها قلعة حصينة على جبل مرتفع، وخارجها أنهار تجري وبساتين ذات أشجار وفواكه متنوعة، وأراض مزدرعة.
القاعدة الثانية (طنغزلو)
بضم الطاء المهملة وسكون النون وضم الغين المعجمة وسكون الزاي المعجمة وضم اللام وواو في الآخر. وهي مدينة متوسّطة في أوساط هذه البلاد، وبناؤها بالحجر، وليس لها سور. وبها المساجد والأسواق والحمامات. وخارجها أنهار تجري وبساتين محدّقة ذات فواكه وثمار.
القاعدة الثالثة (توازا)
بضم التاء المثناة فوق وواو مفتوحة بعدها ألف ثم
__________
(1) بلهنية: سعة العيش: أنظر لسان العرب، مادة (بلهن).(5/324)
زاي معجمة وألف في الآخر وهي مدينة عظيمة. قال في «مسالك الأبصار»:
وهذه المملكة تقع شرقي كرميان محضا، وموقعها ما بين جنوبي بركى إلى قوله، وكرسيه توازا. قال: ولصاحبها أربع قلاع ونحو ستمائة قرية، وعساكره نحو أربعة آلاف فارس وعشرة آلاف راجل. وقد عدّها في «مسالك الأبصار» من جملة مضافات كصطمونية الآتي ذكرها. وذكر أنه كان بها إذ ذاك أمير من قبل صاحبها اسمه (مراد بك) وذكر في «التعريف» أن اسمه أرينة.
القاعدة الرابعة (حميدلي)
. قال في «مسالك الأبصار» وحميدلي اسم للإقليم، وقاعدته مدينة (بركو) وموقعها من قوله إلى قراصار. قال: ولصاحبها أيضا إقليم بلواج وإقليم قراغاج وإقليم اكرى دوز. قال: وهذه البلاد مدنها قليلة وقراها كثيرة، وبها خمس عشرة قلعة، وعسكر صاحبها خمسة عشر ألف فارس ومثلهم رجّالة وهي نهاية ما أخذ إلى الشمال وقد ذكر في «التعريف»: أن صاحبها كان اسمه في زمانه دندار. قال: وهو أخو يونس صاحب أنطاليا (1)، وحينئذ فتكون من مملكة بني الحميد.
القاعدة الخامسة (قسطمونية)
قال في «تقويم البلدان»: بفتح القاف وسكون السين وبالطاء المهملتين وضم الميم وسكون الواو وكسر النون وبالياء المثناة من تحت وهاء في الآخر، وربما أبدلوا القاف كافا، وعليه جرى في «التعريف» و «مسالك الأبصار»: وهي مدينة في شرقيّ هذه البلاد داخلة في حدودها، موقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول خمس وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ستّ وأربعون درجة وثمان وأربعون دقيقة. قال: وهي قاعدة التّركمان، وتراكمتها يغزون (القسطنطينيّة) وهي شرقيّ (هرقلة) وفي الجنوب عن سنوب على ثلاث مراحل منها، وقيل
__________
(1) انطاليا: بلد كبير من مشاهير بلاد الروم وهي حصن للروم على شطّ البحر، وتنتهي إلى خليج القسطنطينية. أنظر معجم البلدان (ج 1، ص 270)(5/325)
خمس مراحل، وهي في الشرق عن أنكوريه على خمسة أيام منها. وقد أخبرني بعض أهل تلك النواحي أنها مدينة متوسطة المقدار، مبنية بالحجر، ذات مساجد وأسواق وحمّامات، وليس عليها سور، وخارجها أنهر وبساتين ذات فواكه. قال في «مسالك الأبصار»: وبها الأكاديش الرّوميّة الفائقة، المفضّل بعضها على كلّ سابق من الخيل العراب، ولها أنساب محفوظة عندهم كخيل العرب، يتغالى في أثمانها لا سيّما في بلادها، حتّى تبلغ قيمة الواحد منها ألف دينار فما فوقه، بل لا يستكثر فيها من يعرفها بذل مال. قال في «التعريف»:
وكانت آخر وقت (لسليمان باشاه) وكان أميرا كبيرا كثير العدد، موفور المدد ذا هيبة وتمنّع، ثم مات.
وورث ملكه ابنه (إبراهيم شاه) وكان عاقّا لأبيه، خارجا عن مراضيه، وكان في حياته ينفرد بمملكة سنوب. قال: وهي الآن داخلة في ملكه، منخرطة في سلكه، قال: وعسكره على ما يقال لنا ويبلغنا نحو ثلاثين ألف فارس.
القاعدة السادسة (فاويا)
. قال في «مسالك الأبصار»: ومملكتها تجاور سمسون من غربيها. قال: ولصاحبها عشر مدن ومثلها قلاع، وعسكره نحو سبعة آلاف فارس، أما الرجّالة فكثير عددهم ودرهمها نصف درهم فضة خالصة، ورطلها ستة عشر رطلا بالمصري، ومدّها نحو إردب (1) بالمصري، وأسعارها رخيّة وقد ذكر في «التعريف»: أن اسم صاحبها في زمانه (مراد الدين حمزة) قال: وهو ملك مضعوف، ورجل بمجالس أنسه مشغوف.
القاعدة السابعة (برسا)
بضم الباء الموحدة وسكون الراء وفتح السين المهملتين وألف في الآخر. وربما أبدلت السين صادا مهملة. والموجود في «التعريف» و «مسالك الأبصار» وغيرهما إثبات السين دون الصاد. وهي مدينة كبيرة في شماليّ هذه البلاد، مبنية بالطّوب والحجر، وسقوفها من الخشب،
__________
(1) إردب: كيل مصري.(5/326)
وغالبها جملونات، وبها مساجد وأسواق وحمّامات، وبعض حمّاماتها من أعين حارّة تنبع من الأرض كذلك كما في طبريّة بالشام، ولها سور عظيم، وبوسطها قلعة شاهقة مرتفعة البناء بها سكن سلطانها، وفيها قصور عظيمة متعدّدة وجامع وثلاث حمّامات.
وخارج ربض المدينة نهران:
أحدهما يسمّى (ككدرا) بضم الكاف الأولى وسكون الثانية وفتح الدال والراء المهملتين وألف في الآخر، ومعناه واد أزرق، سمّي بذلك لأنه يخرج من جبل أزرق، وتقطع منه الحجارة بشدّة جريه، فتجري منه بجريان الماء فيأخذها من عليه من أهل تلك النواحي فيعمّر بها، ومعظم عمارة برسا منها.
والنهر الثاني يسمّى (منرباشي) في قدر الفرات، يشقّ المدينة ويمرّ في جامعها، وبها جبل عظيم اسمه (كمش) به معدن فضّة سمّي باسم الفضّة.
وبرسا هذه هي مقرّ مملكة أولاد (عثمان جق) الذين هم الآن رؤوس ملوكها. وقد ذكر في «التعريف»: أن صاحبها في زمانه كان أرخان بن عثمان، وذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ حيدر العريان: أن عسكره نحو خمسة وعشرين ألفا، وأن بينه وبين صاحب القسطنطينيّة الحروب، وأيّامها بينهم تارات، له في غالبها على صاحب القسطنطينيّة الغلب، وملك الروم يداريه، على مال، يحمله إليه في كلّ هلال. قال: ولقد جاز الجزيرة إلى بلاد النصارى وعاث في نواحيها، وشدّ على بطارقتها لا على فلّاحيها، وألقى علوجها بحيث تعتلج سيول الدماء، وتختلج سيوف النصر من الأعداء، وسيأتي ذكر ما انتهى إليه فتحه من برّ القسطنطينيّة بعد هذا في الكلام على ملوك هذه المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
القاعدة الثامنة (أكيرا)
. قال في «مسالك الأبصار»: وهي تجاور مملكة برسا آخذة إلى الشمال وجبل القسيس جنوبيها وسنوب شماليها وهي طريق من طرق سنوب وقلاعها وعساكرها كثيرة. ومنها يخرج الحرير الكثير واللاذن إلى
غيرها من البلاد، ورطلها ثمانية أرطال بالمصري، ومدّها نحو إردب ونصف وأسعارها رخية وقد ذكر في «التعريف»: أن صاحبها في زمانه كان (صارو خان ابن قراسي) ولم يبيّن من أيّ طوائف التّركمان هو.(5/327)
قال في «مسالك الأبصار»: وهي تجاور مملكة برسا آخذة إلى الشمال وجبل القسيس جنوبيها وسنوب شماليها وهي طريق من طرق سنوب وقلاعها وعساكرها كثيرة. ومنها يخرج الحرير الكثير واللاذن إلى
غيرها من البلاد، ورطلها ثمانية أرطال بالمصري، ومدّها نحو إردب ونصف وأسعارها رخية وقد ذكر في «التعريف»: أن صاحبها في زمانه كان (صارو خان ابن قراسي) ولم يبيّن من أيّ طوائف التّركمان هو.
القاعدة التاسعة (مرمرا)
بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح الميم الثانية والراء المهملة الثانية وألف في الآخر. وهي مدينة في شماليّ هذه البلاد، بها جبل فيه مقطع رخام. قال في «الروض المعطار»: والروم تسمّي الرخام مرمرا، فسميت بذلك. وذكر في «التعريف»: أن صاحبها في زمانه كان اسمه (بخشى بن قراسي) ولم يبين من أيّ طوائف التّركمان هو. وقد أخبرني بعض أهل تلك البلاد أنها قد خربت ودثرت، ولم يبق بها عمارة.
القاعدة العاشرة (مغنيسيا)
بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وكسر النون وسكون الياء المثناة تحت وكسر السين المهملة وفتح الياء الثانية وألف في الآخر. وهي مدينة في أوساط هذه البلاد، متوسّطة في المقدار، مبنية بالحجر، وعليها سور دائر، وبها مساجد وأسواق وحمامات وبساتين ومروج. وقد ذكر في «التعريف»: أنه كان اسم صاحبها في زمانه (صارو خان) ولم يزد على ذلك.
القاعدة الحادية عشرة (نيف)
بكسر النون وسكون الياء المثناة تحت وفاء في الآخر. وهي مدينة لطيفة بأوساط هذه البلاد، بالقرب من (مغنيسيا) المقدّم ذكرها على نحو مرحلتين منها. وهي مبنيّة بالحجر، وبها المساجد والأسواق والحمّامات وخارجها الأنهار والزّروع والبساتين المختلفة الفواكه.
القاعدة الثانية عشرة (بركي)
بفتح الباء الموحدة وكسر الراء المهملة وكسر الكاف وياء مثناة تحت في الآخر. وهي مدينة متوسطة القدر على القرب من نيف المقدّم ذكرها على نحو مرحلتين منها، وبها المساجد والأسواق والحمّامات والمياه والبساتين والزروع.
القاعدة الثالثة عشرة (فوكه)
. وقد ذكر في «التعريف»: أن صاحبها في زمانه كان اسمه (أرخان بن منتشا) واقتصر على ذلك.(5/328)
القاعدة الرابعة عشرة (أنطاليا)
(1) قال في «تقويم البلدان»: بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الطاء المهملة وألف ولام مكسورة وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان»: والقياس أنها حيث الطول أربع وخمسون درجة واثنتان وثلاثون دقيقة، والعرض إحدى وأربعون درجة وأربعون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي بلدة مشهورة. وقال ابن حوقل: هي حصن [للروم على شطّ البحر منيع واسع الرّستاق كثير الأهل (2)]. قال في «تقويم البلدان»: وهي على دخلة في البحر، وسورها من حجر في غاية الحصانة، ولها بابان: باب إلى البحر، وباب إلى البر. وأخبرني من رآها أنها ذات أشجار وبساتين ومياه تجري. وبها قلعة حصينة بوسطها، وبها نهر يعرف بالصّبّاب، قال في «تقويم البلدان»: وهي كثيرة المحمضات: من الأترجّ، والنارنج، والليمون، وما أشبه ذلك. قال ابن سعيد: وكانت للروم فاستولى عليها المسلمون في عصرنا. قال: وبها أسطول صاحب الدّروب، وميناها غير مأمونة في الأنواء (3) قال في «تقويم البلدان»: وكان الحاكم بها شخصا من أهل تلك البلاد فخرج منها إلى بعض جهاتها، فكبسها التّركمان وملكوها ثم أمسكوه فقتلوه.
قال: وصاحبها في زماننا واحد من بني الحميد ملوك التّركمان. وقد ذكر في «التعريف»: أن صاحبها في زمانه كان اسمه (خضر بن يونس). وذكر في «مسالك الأبصار»: أن صاحبها في زمانه كان اسمه (خضر بن دندار) من أولاد (منتشا). وقال: إن عسكره نحو أربعين ألف فارس. ثم قال: إن لبني دندار هؤلاء إلى ملوك مصر انتماء وكان بمصر منهم من له إمرة ثم عاد إلى بلاده.
القاعدة الخامسة عشرة (قراصار)
بفتح القاف والراء المهملة وألف ثم صاد مهملة مفتوحة بعدها ألف ثم راء مهملة في الآخر. وتعرف بقراصار التّكا بفتح
__________
(1) سبق التعريف بها.
(2) الزيادة عن التقويم. كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.
(3) الأنواء: واحدها نوء وهو سقوط نجم وطلوع آخر، وهو دلالة على سقوط الأمطار. والمقصود هنا سقوط الأمطار.(5/329)
التاء المثناة فوق. وهي قلعة على جبل مرتفع يحفّ بها ربض بأعلى الجبل، وحول الرّبض في الجبل زراعاتهم وبساتينهم. وقد ذكر في «التعريف»: أن اسم صاحبها في زمانه (زكريا) ولم يزد على ذلك. وهي غير مدينة قراصار الصاحب. وهي مدينة لطيفة بأوساط بلاد الروم في الغرب عن قراصار هذه وفي الشمال عن أنطاليا.
القاعدة السادسة عشرة (أرمناك)
بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الميم وفتح النون وألف ثم كاف في الآخر. وهي مدينة في مشارق الروم، مبنيّة بالحجر غير مسوّرة، وبها مساجد وأسواق وحمّامات، وبها بساتين كثيرة وفواكه جمّة إلا أنها شديدة البرد. وقد ذكر في «التعريف»: أنها بيد أولاد قرمان.
وذكر في «مسالك الأبصار»: أن المملكة كانت بيد (محمد بن قرمان). وذكر في «التثقيف»: أن آخر من استقرّ بها في شوّال سنة سبع وستين وسبعمائة، (علاء الدّين على بك) بن قرمان.
وأما ما زاد ذكره في «التثقيف»: فخمس قواعد:
القاعدة الأولى (العلايا) بفتح العين المهملة واللام وألف بعدها ثم ياء مثناة تحت وألف في الآخر. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان»: والقياس أنها حيث الطول اثنتان وخمسون درجة، والعرض تسع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال: وهي بلدة محدثة أنشأها (علاء الدّين عليّ) بعض ملوك بني سلجوق بالروم فنسبت إليه. وقيل لها (العلائيّة) على النسب، ثم خفّفها الناس، فقالوا: (العلايا) ثم قال: والذي تحقّق عندي من جماعة قدموا منها أنها بليدة صغيرة أصغر من أنطاليا على دخلة في بحر الروم.
وهي من فرض تلك البلاد. وذكر أنها في الجنوب عن أنطاليا على مسيرة يومين، وعليها سور دائر، وأنها كثيرة المياه والبساتين. وقد ذكر في «التثقيف»: أن الحاكم بها في زمانه كان اسمه (حسام الدين محمود) بن علاء الدين. وقال: إنه كتب إليه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية في شوّال سنة سبع وستين
وسبعمائة، ولم يبيّن من أيّ طوائف التّركمان هو. وذكر في «مسالك الأبصار»:(5/330)
وهي من فرض تلك البلاد. وذكر أنها في الجنوب عن أنطاليا على مسيرة يومين، وعليها سور دائر، وأنها كثيرة المياه والبساتين. وقد ذكر في «التثقيف»: أن الحاكم بها في زمانه كان اسمه (حسام الدين محمود) بن علاء الدين. وقال: إنه كتب إليه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية في شوّال سنة سبع وستين
وسبعمائة، ولم يبيّن من أيّ طوائف التّركمان هو. وذكر في «مسالك الأبصار»:
أنها في ساحل بلاد بني قرمان، وأن الحاكم بها من قبلهم حينئذ كان اسمه (يوسف).
القاعدة الثانية (بلاط) بفتح الباء الموحدة واللام وألف ثم طاء مهملة في الآخر. وهي بلدة بأوساط الروم على نحو ثمان مراحل من برسا، وهي مدينة صغيرة، بغير سور، وبها قلعة خراب كانت مبنيّة بالرّخام، وبها مساجد وأسواق وأربع حمّامات. ذكر لي بعض أهل تلك البلاد أنها بيد أولاد (منتشا) من ملوك التّركمان.
القاعدة الثالثة (أكردور) بفتح الهمزة والكاف وسكون الراء وضم الدال المهملتين وسكون الواو وراء مهملة في الآخر. قال في «التثقيف»: ويقال أكردون بالنون بدل الراء الأخيرة. وهي بلدة غير مسوّرة بها قلعة عظيمة على جبل شاهق، وبها مساجد وأسواق وحمّامات، إلا أنّ بساتينها قليلة، وبها برج عظيم.
القاعدة الرابعة (أياس لوق) بفتح الهمزة والياء المثناة تحت وألف ثم سين مهملة ساكنة ولام مضمومة بعدها واو ساكنة ثم قاف في الآخر. وهي مدينة عظيمة على ساحل البحر الروميّ، بها المساجد والأسواق والحمّامات، وبها أعين وأنهار تجري وبساتين ذات فواكه. وقد أخبرني بعض أهل تلك البلاد أنها في ملك بني أيدين.
القاعدة الخامسة (سنوب). قال في «تقويم البلدان»: بالسين المهملة والنون والواو وباء موحدة في الآخر ولم يقيّدها بالضبط وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول سبع وخمسون درجة، والعرض ستّ وأربعون درجة وأربعون دقيقة. قال في «تقويم البلدان»: وهي فرضة مشهورة (يعني على بحر القرم). ثم قال: وهي في الشّمال عن كسطمونية وفي الغرب عن سامسون. قال: وعن بعض الثّقات أن بسنوب سورا حصينا، يضرب البحر في بعض أبراجه. ولها بساتين كثيرة إلى الغاية، وبينها.
وبين سامسون نحو أربع مراحل. ثم قال: وصاحب سنوب في زماننا من ولد البرواناه، وله شوان يغزو بها في البحر ولا يكاد أن ينقهر. وذكر في «مسالك الأبصار»: أنها من مضافات كسطمونية المقدّم ذكرها، وأنه كان بها في زمانه نائب من جهة (إبراهيم بن سليمان باشاه) صاحب كسطمونية اسمه غازي چلبي.(5/331)
القاعدة الخامسة (سنوب). قال في «تقويم البلدان»: بالسين المهملة والنون والواو وباء موحدة في الآخر ولم يقيّدها بالضبط وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول سبع وخمسون درجة، والعرض ستّ وأربعون درجة وأربعون دقيقة. قال في «تقويم البلدان»: وهي فرضة مشهورة (يعني على بحر القرم). ثم قال: وهي في الشّمال عن كسطمونية وفي الغرب عن سامسون. قال: وعن بعض الثّقات أن بسنوب سورا حصينا، يضرب البحر في بعض أبراجه. ولها بساتين كثيرة إلى الغاية، وبينها.
وبين سامسون نحو أربع مراحل. ثم قال: وصاحب سنوب في زماننا من ولد البرواناه، وله شوان يغزو بها في البحر ولا يكاد أن ينقهر. وذكر في «مسالك الأبصار»: أنها من مضافات كسطمونية المقدّم ذكرها، وأنه كان بها في زمانه نائب من جهة (إبراهيم بن سليمان باشاه) صاحب كسطمونية اسمه غازي چلبي.
وقال في «التثقيف»: يقال إن بها إبراهيم بك بن سليمان باشاه، فإن كان يريد الذي كان في زمن صاحب «مسالك الأبصار»: بكسطمونية، فقد أبعد المرمى. وإن كان آخر بعده كان سمّي باسمه، فيحتمل أنه في «التعريف» قد ذكر صاحبها في جملة ملوك الكفر وكأن ذلك كان قبل أن تفتح.
الضرب الثاني (من هذه البلاد ما لم يسبق إلى صاحبه مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، ممن هو بصدد أن تطرأ له مكاتبة، فيحتاج إلى معرفته)
وهي عدّة قواعد:
منها (سيواس). قال في «تقويم البلدان»: بكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الواو ثم ألف وسين مهملة في الآخر. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض أربعون درجة وعشر دقائق. قال ابن سعيد: وهي من أمّهات البلاد مشهورة على ألسنة التّجّار، وهي في بسيط من الأرض. قال في «تقويم البلدان»: وهي بلدة كبيرة مسوّرة، وبها قلعة صغيرة ذات أعين، والشجر بها قليل، ونهرها الكبير بعيد عنها بمقدار نصف فرسخ.
قال: ويقول المسافرون: إن فيها [أربعا] (1) وعشرين خانا للسبيل، وهي شديدة البرد، وبينها وبين قيساريّة ستون ميلا، وكانت سيواس هذه قد غلب عليها في
__________
(1) الزيادة عن التقويم كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/332)
الأيام الظاهرية «برقوق» صاحب الديار المصرية قاضيها (القاضي إبراهيم) وملكها.
ومنها (أماسية). قال في «تقويم البلدان»: بفتح الهمزة والميم وألف وكسر السين المهملة ثم ياء مثناة تحتية مفتوحة وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في «رسم المعمور»: حيث الطول سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمس وأربعون درجة. قال في «تقويم البلدان»: ذكر بعض من رآها أنها بلدة كبيرة ذات سور وقلعة، وفيها بساتين ونهر كبير عليه نواعير يمرّ عليها ثم يصبّ في بحر سنوب يعني بحر القرم. قال ابن سعيد: وهي من مدن الحكماء، وهي مشهورة بالحسن وكثرة المياه والبساتين والكروم، وهي في الشرق عن سنوب وبينهما ستة أيام، ثم قال: وذكر بعض من رآها أن بها معدن فضّة.
ومنها (هرقلة) قال في «تقويم البلدان»: بكسر الهاء وفتح الراء المهملة وسكون القاف وفتح اللام ثم هاء في الآخر. وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة قال في «الأطوال»: حيث الطول سبع وخمسون درجة وعشرون دقيقة، والعرض إحدى وأربعون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي في شرقيّ نهر ينزل من جبل العلايا إلى نحو سنوب وهرقلة عليه في قرب البحر. قال: وهي التي هدمها الرشيد. قال: وفي شرقيها جبل الكهف.
وقد حكى ابن خرداذبة في كتابه «المسالك والممالك» عن بعضهم أنه سار إلى هذا الكهف ودخل بمساعدة صاحب الروم فوجد به أمواتا برواق في كهف في جبل عليهم مسوح قد طال عليها الزمن حتّى صارت تنفرك باليد، وقد طليت أجسادهم بالمرّ والصّبر فلم يبلوا، ولصقت جلودهم بعظامهم، وجفّت، وعندهم سادن يخدمهم، وأنه أنكر أن يكون أولئك هم أهل الكهف المذكورون في القرآن، للاختلاف في محلّ الكهف هل هو في هذه البلاد أو غيرها.
ومنها (أقسرا). قال في «تقويم البلدان»: بفتح الهمزة وسكون القاف
وفتح السين والراء المهملتين وألف في الآخر، وربّما أبدلت السين صادا مهملة.(5/333)
ومنها (أقسرا). قال في «تقويم البلدان»: بفتح الهمزة وسكون القاف
وفتح السين والراء المهملتين وألف في الآخر، وربّما أبدلت السين صادا مهملة.
قال: ويقال إن أصلها (أخ سرا) يعني بالخاء المعجمة بدل القاف. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال»: حيث الطول خمس وسبعون درجة، والعرض أربعون درجة. قال في «تقويم البلدان»: وهي مدينة ذات أشجار وفواكه، ولها نهر كبير ينجرّ وسط البلد ويدخل الماء منه بعض بيوتها، ولها قلعة حصينة في وسطها. قال ابن سعيد، وبها تعمل البسط الأقصريّة الفائقة، ومنها إلى قونية ثمانية وأربعون فرسخا، وكذلك بينها وبين قيساريّة.
ومنها (قيساريّة). قال في «اللباب»: بفتح القاف وسكون المثناة من تحتها وفتح السين المهملة وألف ثم راء مهملة وياء مثناة تحتية مفتوحة مشدّدة وهاء في الآخر قال في «تقويم البلدان»: وتقال بالصاد المهملة بدل السين. قال ابن سعيد: وهي منسوبة إلى قيسر، وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة.
قال في «الأطوال»: حيث الطول ستون درجة والعرض أربعون درجة. قال ابن سعيد: وهي مدينة جليلة يحلّها سلطان البلاد. قال في «تقويم البلدان» وهي بلدة كبيرة ذات أشجار وبساتين وفواكه وعيون تدخل إليها. وداخلها قلعة حصينة وبها دار للسلطنة.
وقيساريّة هذه كان بها تخت السلطنة لبني سلجوق بهذه البلاد. ولما ملك التتر هذه البلاد بقوا بقاياهم في الملك إلى أن دخلها السلطان الملك (الظاهر (1)
بيبرس) صاحب الديار المصرية، وجلس على تخت آل سلجوق بها، ثم عاد إلى الديار المصرية فزال ملك السّلجوقيّة منها من حينئذ، على ما سيأتي ذكره في الكلام على ملوك هذه البلاد.
__________
(1) سبق التعريف به.(5/334)
ومنها (قونية). قال في «تقويم البلدان»: بضم القاف وسكون الواو وكسر النون وبعدها ياء مثناة من تحت مفتوحة وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في «الأطوال»: حيث الطول ستّ وخمسون درجة، والعرض تسع وثلاثون درجة. قال ابن سعيد: وهي مدينة مشهورة، وبها دار للسلطنة، والجبال مطيفة بها من كل جانب، وتبعد عنها من جهة الشمال.
وينزل من الجبل الجنوبيّ منها نهر يدخل إليها من غربيّها وبها البساتين من جهة الجبل على نحو ستة فراسخ، ونهرها يسقي بساتينها، ثم يصير بحيرة ومروجا، وبها الفواكه الكثيرة، وفيها يوجد المشمش المعروف بقمر الدّين، وهي ثاني قاعدة مملكة السّلجوقيّة ببلاد الروم، كان الملك ينتقل منها إلى قيساريّة، ومن قيساريّة إليها. قال ابن سعيد [وبقلعتها تربة] (1) أفلاطون الحكيم.
ومنها (أق شهر) بفتح الهمزة ثم قاف ساكنة وشين معجمة مفتوحة وهاء ساكنة وراء مهملة في الآخر، كما في «تقويم البلدان»: عمّن يوثق به من أهل المعرفة، وربما أبدلوا الهاء ألفا فقالوا (أقشار). وفي كتاب «الأطوال»: (أخ شهر) بإبدال القاف خاء معجمة. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة، قال في «الأطوال»: حيث الطول خمس وخمسون درجة، والعرض إحدى وأربعون درجة. قال ابن سعيد: وهي من أنزه البلدان، وبها بساتين كثيرة وفواكه مفضّلة.
قال في «تقويم البلدان»: وأخبرني من رآها أنها على ثلاثة أيام من قونية شمالا بغرب.
ومنها (عمّورية). قال في «تقويم البلدان»: بفتح العين المهملة وميم مشدّدة مضمومة وواو ساكنة وراء مهملة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مفتوحة وهاء في الآخر. قال: وهي بلدة كبيرة، ولها قلعة داخلها حصينة، وأكثر ساكنيها التركمان وبها بساتين قليلة، ولها نهر وأعين جارية، وهي التي فتحها «المعتصم
__________
(1) بياض بالأصل والتصحيح عن تقويم البلدان. كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/335)
ابن الرشيد» (1)، أحد خلفاء بني العبّاس، وكان المنجّمون قد زعموا أنها لا تفتح إلا في زمان التّين والعنب، فلما فتحها أنشده أبو تمّام قصيدته التي أوّلها: (بسيط).
السّيف أصدق إنباء من الكتب ... في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب (2)!
ومنها (أنكورية). قال في «تقويم البلدان»: بفتح الهمزة وسكون النون وضم الكاف وسكون الواو وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحتية مكسورة وهاء في الآخر. ويقال لها (أنقرة) أيضا بفتح الهمزة وسكون النون ثم قاف وراء مهملة وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال»: حيث الطول أربع وخمسون درجة، والعرض إحدى وأربعون درجة. قال ابن سعيد: وهي بلدة لها قلعة على تلّ عال، وهي بين الجبال، وليس بها بساتين ولا ماء، وشرب أهلها من الآبار، وهي عن قسطمونية في جهة الغرب على خمسة أيام.
ومنها (فلك بار). قال في «تقويم البلدان»: الفلك معروف، وبار بباء موحدة وألف وراء مهملة في آخرها. قال: وهي مدينة أنشأها ملك من ملوك بني الحميد اسمه (فلك الدين) وهي في مستو من الأرض في وسط الجبال على قريب من منتصف الطريق بين قونية والعلايا، في الغرب من قونية على مسيرة خمسة أيام، وهي في الشرق عن أنطاليا على مسيرة خمسة أيام. قال: وليس في تلك الجبال الآن مدينة أكبر منها، وقد صارت قاعدة لبني الحميد: ملوك التّركمان بتلك الناحية.
ومنها (لارندة). قال في «تقويم البلدان»: بلام وألف وراء مهملة مفتوحة ونون ساكنة ثم دال مهملة وهاء في الآخر. قال: وهي قريبة من قونية على
__________
(1) سبق التعريف به.
(2) ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي (ج 1، ص 40)(5/336)
مسافة يوم من الشرق والشمال، حيث الطول سبع وخمسون درجة، والعرض أربعون درجة وثلاثون دقيقة.
وقد تقدّم في الكلام على مملكة الشام من مضافات الديار المصرية أن مدينة ملطية دخلت في مملكة مصر ومضافاتها فصارت في معاملة حلب.
واعلم أنه قد تقدّم أن خليج القسطنطينيّة وما اتصل به من بحر نيطش المعروف ببحر القرم يطيف بهذه البلاد من غربيّها وشماليها، وعلى ساحل هذا البحر عدّة فرض منتظمة في سلك هذه البلاد قد ذكرها في «تقويم البلدان» في الكلام على مملكة أرمينية وما معها، وأشار إليها في الكلام على هذا البحر عند ذكره له في جملة البحار على ما تقدّمت الإشارة إليه في الكلام على البحار في أوّل هذه المقالة، غالبها في مملكة ابن عثمان صاحب برسا.
أوّلها (الجرون). وهي قلعة خراب عند فم الخليج القسطنطيني من الجهة الشّمالية مقابل القسطنطينيّة، حيث الطول خمسون درجة، والعرض خمس وأربعون درجة وعشر دقائق.
ويليها من جهة الشّمال بميلة إلى الشرق مدينة اسمها (كربي) بكاف وراء مهملة ثم باء موحدة وياء مثناة تحت في الآخر.
ويليها في الشرق مدينة اسمها (بنتر) بباء موحدة ونون وتاء مثناة فوق وراء مهملة.
ويليها في الشرق والشّمال بلدة اسمها (سامصرى) بسين مهملة وألف ثم ميم وصاد وراء مهملتين وألف في الآخر.
ويليها في الشرق أيضا مدينة اسمها (كترو) بكاف وتاء مثناة من فوق ثم راء وواو في الآخر وهي آخر أعمال قسطنطينيّة.
ويليها في الشرق مدينة اسمها (كينولي) بكسر الكاف وسكون المثناة التحتية وضم النون وسكون الواو وكسر اللام وياء مثنّاة من تحت في الآخر.
ويليها في جهة الغرب (فرضة سنوب) المقدّم ذكرها في الكلام على ما زاده في «التثقيف».(5/337)
ويليها في الشرق مدينة اسمها (كينولي) بكسر الكاف وسكون المثناة التحتية وضم النون وسكون الواو وكسر اللام وياء مثنّاة من تحت في الآخر.
ويليها في جهة الغرب (فرضة سنوب) المقدّم ذكرها في الكلام على ما زاده في «التثقيف».
ويليها من جهة الشرق مدينة (سامسون) المقدّم ذكرها في الكلام على الضرب الثاني من هذه البلاد.
ويليها في جهة الشرق أيضا مدينة (أطرابزون) بألف وطاء وراء مهملتين وباء موحدة بعدها زاي معجمة ثم واو ونون. وهي آخر مدن هذه البلاد على الساحل، ومنها ينتهى إلى ساحل بلاد الكرج على ما تقدّم الكلام عليه في الكلام على بحر نيطش.
الجملة الثانية (في ذكر الموجود بهذه البلاد)
قد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ حيدر العريان الرّومي: أن بها من المواشي الخيل، والبقر، والغنم ما لا يقع عليه عدد ولا يدخل تحت الإحصاء، ونتاج بلادهم من الخيل هي البراذين الرّوميّة الفائقة. وقد تقدّم الكلام على القسطمونيات منها في الكلام على قسطمونية، وتجلب إليهم العربيّات من بلاد الشأم وغيرها، وأكثر مواشيهم نتاجا الغنم. قال في «مسالك الأبصار»: وهي مما يبسط فرش الأرض [منها]. قال: ومنها المعز المرعزّى، ذوات الأوبار المضاهية لأنعم الحرير. ثم قال: وغالب قنية أهل الشام وديار بكر والعراق وبلاد العجم وذبائحهم مما يفضل عنها ويجلب إليها منها، وهي أطيب أغنام البلاد لحما، وأشهاها شحما، ويترتب على ذلك في كثرة الوجود الألبان وما يتحصّل عنها من السمن والجبن وغير ذلك. وبها من الحبوب القمح، والشعير، والباقلّا ونحوها، ويزرع بها الكتّان، والقطن الكثير، وبها من الفواكه كلّ ما يوجد بمصر والشأم من التّفّاح، والسّفرجل، والكمّثرى، والقراصيا، والإجّاص، والرمّان: الحلو والمزّ والحامض، وغير ذلك. أما المحمضات فلا توجد إلا ببلاد السواحل من بلادهم على ما تقدّم ذكره، والموز والنّخيل لا يوجد ببلادهم وبها من العسل ما يضاهي
الثلج بياضا والسّكّر لذاذة وطعما، لا حدّة فيه ولا إفراط حلاوة توقف الأكل عنه، إلى غير ذلك من الأشياء التي يطول ذكرها. وقد تقدّم أنّ بها معدن فضة بمدينة برسا، ومعدن فضة بأماسية.(5/338)
قد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ حيدر العريان الرّومي: أن بها من المواشي الخيل، والبقر، والغنم ما لا يقع عليه عدد ولا يدخل تحت الإحصاء، ونتاج بلادهم من الخيل هي البراذين الرّوميّة الفائقة. وقد تقدّم الكلام على القسطمونيات منها في الكلام على قسطمونية، وتجلب إليهم العربيّات من بلاد الشأم وغيرها، وأكثر مواشيهم نتاجا الغنم. قال في «مسالك الأبصار»: وهي مما يبسط فرش الأرض [منها]. قال: ومنها المعز المرعزّى، ذوات الأوبار المضاهية لأنعم الحرير. ثم قال: وغالب قنية أهل الشام وديار بكر والعراق وبلاد العجم وذبائحهم مما يفضل عنها ويجلب إليها منها، وهي أطيب أغنام البلاد لحما، وأشهاها شحما، ويترتب على ذلك في كثرة الوجود الألبان وما يتحصّل عنها من السمن والجبن وغير ذلك. وبها من الحبوب القمح، والشعير، والباقلّا ونحوها، ويزرع بها الكتّان، والقطن الكثير، وبها من الفواكه كلّ ما يوجد بمصر والشأم من التّفّاح، والسّفرجل، والكمّثرى، والقراصيا، والإجّاص، والرمّان: الحلو والمزّ والحامض، وغير ذلك. أما المحمضات فلا توجد إلا ببلاد السواحل من بلادهم على ما تقدّم ذكره، والموز والنّخيل لا يوجد ببلادهم وبها من العسل ما يضاهي
الثلج بياضا والسّكّر لذاذة وطعما، لا حدّة فيه ولا إفراط حلاوة توقف الأكل عنه، إلى غير ذلك من الأشياء التي يطول ذكرها. وقد تقدّم أنّ بها معدن فضة بمدينة برسا، ومعدن فضة بأماسية.
وذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ حيدر العريان أن بها ثلاثة معادن فضّة مستمرّة العمل: معدن بمدينة ركوة، ومعدن بمدينة كش، ومعدن بأراضي مدينة تاخرت.
الجملة الثالثة (في معاملاتها وأسعارها)
أما معاملاتها، فقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ حيدر العريان أن لملوك التّركمان هؤلاء نقودا ولكن لا يروج نقد واحد منهم في بلاد الآخر. قال:
ودرهمهم في الغالب تقدير نصف وربع درهم من نقد مصر، وأرطالهم مختلفة، وأكثرها بالتقريب زنة اثني عشر رطلا بالمصريّ، وأقلّها ثمانية أرطال، وكيلهم الذي تباع به الغلّات يسمّى الوط تقدير إردبّ ونصف بالمصريّ.
وأما أسعارها، فقد ذكر أنها رخيّة رخيصة الأسعار للغاية لقلّة المكوس وكثرة المراعي واتّساع أسباب التجارة واكتناف البحر لها من كل جانب بحيث يحمل إليها على ظهره كلّ شيء مما لا يوجد فيها. قال: وقيمة الغلّات بها دون قيمتها بمصر والشام أو مثلهما في الغالب. والأغنام في غاية الرّخص، حتّى إن الرأس الغنم الجيّد لا يجاوز اثني عشر درهما من دراهمهم، يكون بنحو تسعة دراهم من دراهم مصر إلى ما دون ذلك، ويترتب على ذلك رخص اللحم. أما اللبن وما يعمل منه فإنه لا يكاد يوجد من يشتريه: لاستغناء كلّ أحد بما عنده من لبن مواشيه، لا سيما في زمن الربيع. قال: والعسل لا يتجاوز الرطل منه ثلاثة دراهم برطلهم ودرهمهم، وهو (ذلك الرطل الكبير والدرهم الصغير) والفواكه في أوانها في حكم اللبن وما في معناه في زمن الربيع، في عدم وجود من يشتريه. ثم قال:
وبالجملة فبلاد الروم إذا غلت وأقحطت كانت كسعر الشام إذا أقبل وأرخص.(5/339)
الجملة الرابعة (في ذكر من ملك هذه البلاد)
قد ذكر ابن سعيد: أن هذه البلاد كانت بيد اليونان، وهم بنو يونان بن علجان بن يافث بن نوح عليه السّلام من جملة ما بيدهم قبل أن يغلب عليهم الرّوم، ثم غلب عليها الرّوم بعد ذلك فيما غلبوهم عليه، واستمرت بأيديهم في مملكة صاحب القسطنطينيّة على ما سيأتي ذكره في الكلام على مملكة القسطنطينيّة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وكان كلّ من ملك هذه البلاد التي شرقيّ الخليج القسطنطيني يسمّى (الدّمستق) بضم الدال المهملة وفتح الميم وسكون السين المهملة والتاء المثناة فوق وقاف في الآخر، وله ذكر في حروب الإسلام. قال في «العبر»: وكان ثغور المسلمين حينئذ من جهة الشام (ملطية) ومن جهة أذربيجان (أرمينية) إلى أن دخل بعض قرابة (طغرلبك) أحد ملوك السّلجوقيّة في عسكر إلى بلاد الروم هذه فلم يظفروا منها بشيء.
ثم دخلها بعد ذلك (مماني) أحد أمرائهم بعد الثلاثين وأربعمائة، ففتح وغنم وانتهى في بلادهم حتّى صار من القسطنطينيّة على خمس عشرة مرحلة، وبلغ سبيه مائة ألف رأس، والغنائم عشرة آلاف عجلة، والظّهر ما لا يحصى.
ثم فتح (قطلمش) بن إسرائيل بن سلجوق قونية، وأقصرا، وأعمالهما، ثم وقعت الفتنة بين قطلمش وبين (ألب أرسلان) السّلجوقيّ بعد طغرلبك، وقتل قطلمش في حربه في سنة ست وخمسين وأربعمائة.
وملك البلاد من بعده (ابنه سليمان) ثم كان بين سليمان ومسلم بن قريش صاحب الشأم حروب انهزم سليمان في بعضها وطعن نفسه بخنجر فمات في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
وملك بعده ابنه (قليج أرسلان) تلك البلاد، ثم قتل قليج أرسلان في
بعض الوقائع.(5/340)
وملك بعده ابنه (قليج أرسلان) تلك البلاد، ثم قتل قليج أرسلان في
بعض الوقائع.
وولي مكانه بقونية وأقصرا وسائر بلاد الروم ابنه (مسعود) واستقام له ملكها، ثم توفّي مسعود بن قليج أرسلان سنة إحدى وخمسين وخمسمائة.
وملك بعده ابنه (قليج أرسلان).
ثم قسم قليج أرسلان المذكور هذه البلاد بين أولاده: فأعطى قونية وأعمالها لابنه (غياث الدين كيخسرو) وأقصرا وسيواس لابنه (قطب الدين) ودوفاط لابنه (ركن الدين سليمان) وأنكورية لابنه (محيي الدين) وملطية لابنه (عزّ الدين قيصر شاه) والأبلستين لابنه (غيث الدين) وقيساريّة لابنه (نور الدين محمود) وأعطى أماسية لابن أخيه. ثم ندم على هذه القسمة، وأراد انتزاع الأعمال من أولاده فخرجوا عن طاعته إلا ابنه غياث الدين كيخسرو صاحب قونية فإنه بقي معه.
وحاصر ابنه محمودا في قيساريّة فتوفّي وهو محاصر لها في منتصف شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة.
واستقلّ (غياث الدين كيخسرو) بقونية وما والاها.
ثم ملكها من يده أخوه (نور الدين محمود).
ثم ملك (قطب الدين) صاحب أقصرا وسيواس قيساريّة من يد أخيه محمود غدرا، ثم مات قطب الدين في أثر ذلك.
فملك أخوه (ركن الدين سليمان) صاحب دوفاط ما كان بيد أخيه قطب الدين من سيواس وأقصرا وقيساريّة. ثم ملك قونية بعد ذلك من يد أخيه غياث الدين. ثم ملك أماسية، ثم سار إلى ملطية، فملكها من يد عز الدين قيصر شاه سنة سبع وتسعين وخمسمائة. ثم ملك أنكورية بعد ذلك في سنة إحدى وستمائة، واجتمع لركن الدين سليمان سائر أعمال إخوته وتوفي عقب ذلك.
وتولّى بعده ابنه (قليج أرسلان) فأقام يسيرا ثم قبض عليه أهل قونية وملّكوا عمه غياث الدين كيخسرو مكانه فقوي ملكه وعظم شأنه، وبقي حتّى قتل في حرب صاحب القسطنطينيّة سنة سبع وستمائة.
وملك بعده ابنه (كيكاوس) وتلقب الغالب بالله، وبقي حتّى مات سنة ستّ عشرة وستمائة، وخلّف بنين صغارا.(5/341)
وتولّى بعده ابنه (قليج أرسلان) فأقام يسيرا ثم قبض عليه أهل قونية وملّكوا عمه غياث الدين كيخسرو مكانه فقوي ملكه وعظم شأنه، وبقي حتّى قتل في حرب صاحب القسطنطينيّة سنة سبع وستمائة.
وملك بعده ابنه (كيكاوس) وتلقب الغالب بالله، وبقي حتّى مات سنة ستّ عشرة وستمائة، وخلّف بنين صغارا.
وملك بعده أخوه (علاء الدين كيقباد محمد شاه) وبقي حتّى توفي سنة أربع وثلاثين وستمائة.
وملك بعده ابنه (غياث الدين كيخسرو) وتوفي سنة أربع وخمسين وستمائة.
وملك بعده ابنه (علاء الدين كيقباد) بعهد من أبيه. وفي أيامه أرسل القان (منكوقان بن جنكزخان) صاحب التخت بقراقوم عسكرا فاستولوا على قيساريّة ومسيرة شهر معها ورجعوا إلى بلادهم. ثم عادوا في سنة خمس وخمسين وستمائة واستولوا على ما كانوا استولوا عليه أوّلا وزادوا عليه، فسار علاء الدين كيقباد إلى القان بهدايا استصحبها معه مصانعا له فمات في طريقه، فوصل رفقته بما معهم من الهدايا إلى القان، فأخبروه الخبر، ورغبوا إليه في ولاية (عز الدين كيكاوس) أخي كيقباد المذكور فكتب القان إليه بالولاية، ثم أشرك بعد ذلك بينه وبين أخيه (ركن الدين قليج أرسلان) على أن يكون من سيواس إلى تخوم القسطنطينيّة غربا لعز الدين كيكاوس. ومن سيواس إلى أرزن الرّوم شرقا متصلا ببلاد التتر، لركن الدين قليج أرسلان، على إتاوة تحمل إلى القان بقراقوم، وجهّز القان من أمرائه أميرا اسمه (بيدو) على أن يكون شحنة له ببلاد الروم، لا ينفّذون في شيء إلا عن رأيه، ورجعوا إلى بلادهم، وقد حملوا معهم جثّة كيقباد إلى قونية فدفنوه بها. ولم يزل الأمر على ذلك حتّى سار هولاكو (1) بن طولى بن جنكزخان بعد استيلائه على بغداد إلى الشام في سنة ثمان وخمسين وستمائة، بعث إلى عز الدين كيكاوس، وركن الدين قليج أرسلان المذكورين بالطّلب، فحضرا إليه وحضرا معه فتح حلب، ومعهما معين الدين سليمان البرواناه صاحب دقليم، فاختار هولاكو
__________
(1) سلطان التتار المعروف.(5/342)
أن يكون البرواناه المذكور سفيرا بينه وبينهما، ثم هلك بيدو الشّحنة ببلاد الروم.
وولي بعده ابنه (صمغان) ثم غلب ركن الدين قليج أرسلان على أخيه (عز الدين كيكاوس) وبقي في الملك وحده، وفرّ كيكاوس إلى (ميخائيل اللشكري) صاحب القسطنطينيّة، فأقام عنده حتّى بلغه عنه ما غيّر خاطره عليه فقبض عليه واعتقله حتّى مات.
واستبدّ ركن الدين قليج أرسلان بسائر بلاد الروم، فغلب على أمره معين الدين سليمان البرواناه المقدّم ذكره، ولم يزل حتّى قتله.
وأقام ابنه (غياث الدين كيخسرو) بن قليج أرسلان مكانه واستولى عليه وحجره، وصار البرواناه هو المستولي على بلاد الروم والقائم بملكها.
ثم دخل (الظاهر (1) بيبرس) صاحب الديار المصرية إلى بلاد الروم في سنة خمس وسبعين وستمائة، ولقيه صمغان بن بيدو الشّحنة من جهة التتار على بلاد الروم في جيش التّتر، فهزمهم وقتل وأسر، وسار إلى قيساريّة فملكها وجلس على تخت آل سلجوق بها، ثم رجع إلى بلاده.
وبلغ ذلك (أبغا) بن هولاكو صاحب إيران، فسار في جموعه إلى قيساريّة ورأى مصارع قومه فشقّ عليه، واتهم البرواناه في ممالأة الظاهر، فقبض عليه وقتله.
واستقلّ (غياث الدّين كيخسرو) بن ركن الدين قليج أرسلان بالملك بعده.
ثم لمّا ولي (أرغون) بن أبغا مملكة إيران بعد أبيه، قبض على غياث الدين كيخسرو وقتله في سنة إحدى وثمانين وستمائة.
وأقام مكانه (مسعودا) ابن عمه كيكاوس، وعزل صمغان بن بيدو
__________
(1) سبق التعريف به.(5/343)
الشّحنة. وولّى مكانه أميرا اسمه (أولاكو) وبقي مسعود بن كيخسرو في الملك وليس له منه سوى الاسم، والمتحدّث هو الشّحنة الذي من جهة التتر إلى أن مات في سنة ثمان عشرة وسبعمائة، واستقلّ الشّحنة بالمملكة. وبقي أمراء التتر يتغالبون على الشّحنكيّة واحدا بعد واحد إلى أن كان منهم الأمير (سلامش) وبقي بها مدّة. ثم انحرف عن طاعة بيت هولاكو صاحب إيران، وكتب إلى الملك المنصور لاچين صاحب الديار المصرية يطلب تقليدا بأن يكون حاكما بجميع بلاد الرّوم، وأن يكون (أولاد قرمان) ومن عداهم في طاعته، فكتب له تقليد بذلك بإنشاء الشيخ شهاب الدين «محمود الحلبي» على ما سيأتي ذكره في الكلام على التقاليد فيما بعد إن شاء الله تعالى في المقالة الخامسة.
ثم خاف على نفسه من (غازان) صاحب إيران، ففرّ إلى الديار المصرية في الدولة المنصورية لاچين، ثم عاد إلى بلاد الروم لإحضار من تأخّر من أهله فقبضت عليه عساكر غازان وحملته إليه فقتله. ولم يزل أمرهم على التنقل من أمير إلى أمير من أمراء التتر إلى أن كان منهم الأمير (برغلي) وهو الذي قتل هيتوم ملك الأرمن صاحب سيس.
ثم كان بعده في سنة عشرين وسبعمائة الأمير (إبشبغا).
ثم ولّى أبو سعيد صاحب إيران بعد ذلك على بلاد الرّوم هذه (دمرداش) ابن جوبان سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة فقوي بها ملكه. ثم قتل أبو سعيد جوبان والد دمرداش المذكور، فهرب دمرداش إلى الملك الناصر محمد بن (1) قلاوون صاحب الديار المصرية. وكان سنقر الأشقر أحد أمراء الملك الناصر قد هرب إلى السلطان أبي سعيد فوقع الصلح بين السلطانين على أن كلّا منهما يقتل الذي عنده ففعلا ذلك.
وكان قد بقي ببلاد الروم أمير من أمراء دمرداش اسمه (أرتنا) فبعث إلى
__________
(1) سبق التعريف به.(5/344)
أبي سعيد بطاعته، فولّاه البلاد فملكها، فنزل سيواس واتخذها كرسيّا لملكه، ثم خرج عن طاعة أبي سعيد وكتب إلى الناصر «محمد بن قلاوون» صاحب الديار المصرية، وسأله كتابة تقليد بالبلاد، فكتب إليه بذلك وجهّزت إليه الخلع، فأقام دعوة الخطبة الناصريّة على منابر البلاد الرّوميّة، وضرب السّكّة باسمه، وجهّز بعض الدراهم المضروبة إلى الديار المصرية، وصارت بلاد الروم هذه من مضافات الديار المصرية، ولم يزل (أرتنا) على ذلك إلى أن توفّي سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة.
واستولى على الروم أولاده من بعده إلى أن كان بها (محمد بن أرتنا) في سنة ست وستين وسبعمائة، وبقي حتّى توفّي في حدود الثمانين والسبعمائة وخلّف ابنا صغيرا.
فاستولى عليه الأمير (قليج أرسلان) أحد أمراء دولتهم وكفله.
ثم غدر به (القاضي إبراهيم) صاحب سيواس وقتله في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة واستولى على مملكة سيواس.
قال في «العبر»: وكان من طوائف التّركمان ببلاد الروم جموع كثيرة، كانوا يستعينون بهم في حروبهم على أعدائهم، وكان كبيرهم في المائة الرابعة أميرا من أمرائهم اسمه (جق) فلما ملك سليمان بن قطلمش المقدّم ذكره قونية وأقصرا بعد أبيه على ما تقدّم ذكره، خرج جق هذا مع «مسلم بن قريش» صاحب الموصل على سليمان بن قطلمش، فلما التقي الجمعان مال (جق) بمن معه من التّركمان إلى سليمان بن قطلمش، فانهزم مسلم بن قريش وقتل، وأقام أولئك التّركمان أيام سليمان بن قطلمش بجبال تلك البلاد وسواحلها. فلما ملك التتر هذه البلاد وصار الملك لقليج أرسلان بعد غلبة أخيه كيكاوس، كان أمراء التّركمان يومئذ (محمد بك) وأخوه (إلياس بك) وصهره (علي بك) وقريبه (سونج) فخرجوا عن طاعة قليج أرسلان وبعثوا بطاعتهم إلى هولاكو صاحب إيران وتقرير إتاوة عليهم على أن يبعث إليهم بلواء الملك على عادة
الملوك، وأن يبعث شحنة من التتر تختصّ بهم، فأجابهم إلى ذلك وقلّدهم الملك وبعث إليهم بلواء. فملّكوا عليهم (محمد بك).(5/345)
قال في «العبر»: وكان من طوائف التّركمان ببلاد الروم جموع كثيرة، كانوا يستعينون بهم في حروبهم على أعدائهم، وكان كبيرهم في المائة الرابعة أميرا من أمرائهم اسمه (جق) فلما ملك سليمان بن قطلمش المقدّم ذكره قونية وأقصرا بعد أبيه على ما تقدّم ذكره، خرج جق هذا مع «مسلم بن قريش» صاحب الموصل على سليمان بن قطلمش، فلما التقي الجمعان مال (جق) بمن معه من التّركمان إلى سليمان بن قطلمش، فانهزم مسلم بن قريش وقتل، وأقام أولئك التّركمان أيام سليمان بن قطلمش بجبال تلك البلاد وسواحلها. فلما ملك التتر هذه البلاد وصار الملك لقليج أرسلان بعد غلبة أخيه كيكاوس، كان أمراء التّركمان يومئذ (محمد بك) وأخوه (إلياس بك) وصهره (علي بك) وقريبه (سونج) فخرجوا عن طاعة قليج أرسلان وبعثوا بطاعتهم إلى هولاكو صاحب إيران وتقرير إتاوة عليهم على أن يبعث إليهم بلواء الملك على عادة
الملوك، وأن يبعث شحنة من التتر تختصّ بهم، فأجابهم إلى ذلك وقلّدهم الملك وبعث إليهم بلواء. فملّكوا عليهم (محمد بك).
ثم أرسل هولاكو يطلب محمد بك، فامتنع عليه وخالفه صهره عليّ بك فقدم على هولاكو فقدّمه على قومه مكان محمد بك. ثم جاء محمد بك إلى قليج أرسلان صاحب بلاد الروم مستأمنا فأمّنه ثم قتله، واستقرّ علي بك في امرة التّركمان.
ولما تناقص أمر التتر وضعف ببلاد الروم المذكورة واستقرّ بنو أرتنا بسيواس وأعمالها، غلب هؤلاء على ما وراء الدروب وما كان فتحه التتر من نواحي الشمال إلى خليج القسطنطينيّة.
واشتهر من ملوكهم ستّ طوائف:
الطائفة الأولى (أولاد قرمان)
وهم أصحاب أرمناك وقسطمونية وما والاها من شرق هذه البلاد كما تقدم.
قال في «مسالك الأبصار»: وهم أهل بيت توارثوا هذه البلاد، ولا يخاطب قائم منهم إلا بالإمارة. قال في «التعريف»: وهم أجلّ من لدى ملوكنا من التّركمان: لقرب ديارهم، وتواصل أخبارهم، ولنكايتهم في متملّك سيس وأهل بلاد الأرمن، واجتياحهم لهم من ذلك الجانب، مثل اجتياح عساكرنا لهم من هذا الجانب.
قال: وأكبرهم قدرا، وأفتكهم نابا وظفرا، الأمير (بهاء الدين موسى) وحضر إلى باب السلطان وتلقّي بالإجلال، وأحلّ في ممتدّ الظّلال، وأورد موارد الزّلال، وأري ميامن أسعد من طلعة الهلال، وحجّ مع الركب المصريّ وقضى المناسك، وأسبل في ثرى تلك الرّبا بقيّة دمعه المتماسك، وشكر أمراء الركب دينه المتين، وذكروا ما فيه من حسن اليقين، وعاد إلى الأبواب السلطانية، وأجلس في المرتين مع أمراء المشورة، فأشرك في الرأي وسأل السلطان في منشور يكتب له بما يفتح
بسيفه من بلاد الأرمن ليقاتل بعلمه المنشور، ويجتني من شجر المرّان جنى عسله المشور، فكتبه له.(5/346)
قال: وأكبرهم قدرا، وأفتكهم نابا وظفرا، الأمير (بهاء الدين موسى) وحضر إلى باب السلطان وتلقّي بالإجلال، وأحلّ في ممتدّ الظّلال، وأورد موارد الزّلال، وأري ميامن أسعد من طلعة الهلال، وحجّ مع الركب المصريّ وقضى المناسك، وأسبل في ثرى تلك الرّبا بقيّة دمعه المتماسك، وشكر أمراء الركب دينه المتين، وذكروا ما فيه من حسن اليقين، وعاد إلى الأبواب السلطانية، وأجلس في المرتين مع أمراء المشورة، فأشرك في الرأي وسأل السلطان في منشور يكتب له بما يفتح
بسيفه من بلاد الأرمن ليقاتل بعلمه المنشور، ويجتني من شجر المرّان جنى عسله المشور، فكتبه له.
ثم قال: وهم على ما هم عليه يدارون ملوك التتار، وهو ومن سلف من أهل بيته مع ملوك مصر لا تغبّ المكاتبات بينهم، ولا ينقطع بذل خدمته لهم، وإقبالهم عليه، واعتدادهم بموالاته.
قال في «مسالك الأبصار»: وهم عصبة ذات أيد ويد، وجيوش كثيرة العدد، وهم أصحاب الحروب التي ضعضعت الجبال، ولهم مع الأرمن وبلاد التّكفور، وقائع لا يجحدها إلا الكفور، يتخطّفهم عقبانهم القشاعم (1)
[وتلتهمهم] (2) أسودهم الضّراغم. قال: وهم أهل بيت ألقى الله عليهم محبة منه، وإذا شاء أميرهم جمع أربعين ألفا. ثم ذكر بعد ذلك بكلام طويل أنهم هم الذين كانوا ألّفوا بين سلامش وبين المنصور لاچين، وأنهم هم الذين لا يرتاب في رأيهم، ولا يطعن في دينهم، بل مهما ورد من جهتهم تلقّي بالقبول، وحمل على أحسن المحامل. ثم قال: وحكي عمّن تردّد إليهم وعرف ما هم عليه أنهم رجال صدق، وقوم صبر، لا تستخفّ لهم حفيظة، ولا تردّ بحنقها لهم صدور مغيظة، ولهذا أمراء الرّوم لا يطأون لهم موطئا يغيظ، ولا يواطئون لهم عدّة شهور في مشتى ولا مقيظ وما أحد ممن يحسدهم على ما آتاهم الله من فضله إلا من يستجيش عليهم بالتتار، ويعدّد عليهم عظام الذنوب الكبار، ووقاية الله تكفيهم، وحياطته عن عيون القوم تخفيهم، ولذلك كان السلطان (محمود غازان) يقول: أنا أطلب الباغي شرقا وغربا، والباغي في ثوبي، يريد أولاد قرمان وتركمان الروم [ومع هذا لم يسلّط عليهم].
وحكي عن الصدر شمس الدين عبد اللطيف أخي النجيب أنه قال يوما: لولا الأكراد وأولاد قرمان وتركمان الروم، دست بخيلي مغرب الشمس.
__________
(1) قشاعم: جمع قشعم وهو المسنّ من الرجال والنّسور.
(2) بياض بالأصل والتصحيح عن مسالك الأبصار. كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/347)
الطائفة الثانية (بنو الحميد)
وهم أصحاب أنطاليا وفلك بار على ما تقدّم ذكره، وهم من عظماء ملوك التركمان.
الطائفة الثالثة (بنو أيدين)
وهم أصحاب بركي وما معها، على ما تقدّم ذكره. قال في «مسالك الأبصار» وقد ذكر محمد بن أيدين صاحب بركي المذكورة: وهذا ابن أيدين ما أعرف أن له بمن حوله من ملوك الممالك إلماما، ولا أنّ له أخبارا ترد طروقا ولا إلماما، بل هو في عزلة من كل جانب، لا مخالط ولا مجانب.
الطائفة الرابعة (بنو منتشا. وهم أصحاب فوكة وما معها)
وقد ذكر في «مسالك الأبصار»: أن منهم أولاد دندار. ثم قال: ولهؤلاء بني دندار إلى ملوك مصر انتماء، ولهم من تحف سلاطينها نعماء. قال: وكان بمصر منهم من له إمرة فيها ثم عاد إلى بلاده بعد مهلك تمرتاش بن جوبان، لأنه كان قد ترك بلاده لأجله، وفرّ هاربا من يده لعداوة كان قد اضطرمت بينهما شرورها، واضطربت أمورها، فلمّا خلت من مجاورة تمرتاش تلك البلاد، عاد.
ويقال: إنه قتل ولم يصل إلى بلاده.
الطائفة الخامسة (بنو أورخان بن عثمان جق)
وهو صاحب برسا على ما تقدّم ذكره. قال في «العبر»: وكان قد اتخذ برسا دارا لملكه، ولكنه لم يفارق الخيام إلى القصور، وإنما كان ينزل بخيامه في بسيطها وضواحيها ولم يزل على ذلك إلى أن مات.
وملك بعده ابنه (مراد بك) وتوغّل في بلاد النصرانية فيما وراء الخليج القسطنطينيّ في الجانب الغربيّ، وفتح بلادهم إلى أن قرب من خليج البنادقة، وجبال جنوة، وصير أكثرهم أمراء ورعايا له، وعاث في بلاد الكفّار بما لم يعهد قبله من مثله، وأحاط بالقسطنطينيّة من كل جانب حتّى أعطاه صاحبها الجزية. ولم يزل على ذلك حتّى قتل في حرب الصّقالبة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.(5/348)
وهو صاحب برسا على ما تقدّم ذكره. قال في «العبر»: وكان قد اتخذ برسا دارا لملكه، ولكنه لم يفارق الخيام إلى القصور، وإنما كان ينزل بخيامه في بسيطها وضواحيها ولم يزل على ذلك إلى أن مات.
وملك بعده ابنه (مراد بك) وتوغّل في بلاد النصرانية فيما وراء الخليج القسطنطينيّ في الجانب الغربيّ، وفتح بلادهم إلى أن قرب من خليج البنادقة، وجبال جنوة، وصير أكثرهم أمراء ورعايا له، وعاث في بلاد الكفّار بما لم يعهد قبله من مثله، وأحاط بالقسطنطينيّة من كل جانب حتّى أعطاه صاحبها الجزية. ولم يزل على ذلك حتّى قتل في حرب الصّقالبة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
وملك بعده ابنه (أبو يزيد) فجرى على سنن أبيه، وغلب على قطعة من بلاد الروم هذه فيما بين سيواس وأنطاليا والعلايا، بساحل البحر إلى قريب مدينة بني قرمان، ثم تزوّج في بني قرمان بنت أحدهم وغلب على ما بيده من تلك النواحي، ودخل بنو قرمان وسائر التّركمان في طاعته، ولم يبق خارجا عن ملكه إلا سيواس التي كانت بيد قاضيها (إبراهيم) المتغلّب عليها وملطية الداخلة في مملكة الديار المصرية ومضافاتها على ما تقدّم. ولم يزل على ذلك حتّى قصده تمرلنك (1) بعد تخريب الشام في سنة ثلاث وثمانمائة وقبض عليه، فبقي في يده حتّى مات.
وملك بعده ابنه (سليمان جلبي) وبقي حتّى مات.
فملك بعده أخوه (محمد بن أبي يزيد) بن مراد بك بن عثمان جق، وهو القائم بمملكتها إلى الآن.
قال في «مسالك الأبصار»: ولو قد اجتمعت هذه البلاد لسلطان واحد، وكفّت بها أكفّ المفاسد، لما وسع ملوك الأرض إلا انتجاع سحابه، وارتجاع كل زمان ذاهب في غير جنابه، ثم قال: الله أكبر إن ذلك لملك عظيم، وسلك نظيم، وسلطنة كبرى ودنيا أخرى {(ذََلِكَ فَضْلُ اللََّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشََاءُ)} * (2)
__________
(1) سبق التعريف به.
(2) أنظر سورة المائدة ورقمها (5) آية رقم (54)(5/349)
الجملة الخامسة (في زيّ أهل هذه المملكة، وترتيب الملك بها)
أما زيّ أهلها فإن لبس السلطان والأمراء والجند أقبية تتريّة ضيقة الأكمام، مزنّدة على الأكفّ، والأمراء منهم يلبسون فوق ذلك أقبية قصار الأكمام من رقيق الخام مضرّبة تضريبا واسعا، وعلى رؤوسهم عمائم من لانس متوسطة المقدار بين الكبر والصّغر، مكوّرة تكويرا خاصّا، حسن الصّنعة، متداخل بعض اللفّات في بعض، ويلبسون خفافا من أدم، وقد شاهدت أميرا من أمرائهم ورد رسولا عن أبي يزيد بن مراد بك بن عثمان إلى الظاهر «برقوق» (1) صاحب الديار المصرية وهو على هذه الهيئة، وكثير من الجند يلبسون الطراطير البيض والحمر المتخذة من اللبد.
وأما ترتيب مملكتهم فلم تتحرّر لي كيفية ذلك إلا أنه قد تقدّم نقلا عن صاحب «العبر» أنهم كانوا يسكنون الخيم ثم نزلوا المدن بعد ذلك، فلا يبعد أن يكون ترتيب ملكهم على نحو من ترتيب التتر والله أعلم.
القسم الثاني (من الجهة الشمالية عن الديار المصرية، ما بيد ملوك النصارى)
وهو ثلاثة أضرب:
الضرب الأوّل (جزائر بحر الروم)
وهو البحر الشاميّ الممتدّ من البحر المحيط الغربيّ، المسمّى (بحر أوقيانوس) إلى ساحل الشام وما على سمته من بلاد الأرمن الممتدّ ساحله الجنوبيّ
__________
(1) سبق التعريف به.(5/350)
على ساحل الديار المصرية، ثم على ساحل برقة، ثم على ساحل أفريقيّة، ثم على ساحل الغرب الأوسط، ثم على ساحل الغرب الأقصى إلى البحر المحيط.
وساحله الشّماليّ على بلاد الرّوم التي شرقيّ الخليج القسطنطينيّ، ثم على سواحل بلاد الروم والفرنجة من غربيّ الخليج المذكور إلى ساحل الأندلس إلى البحر المحيط، على ما تقدّم ذكره في الكلام على البحار في أول هذه المقالة.
وبه إحدى عشرة جزيرة:
إحداها جزيرة (قبرس)
. قال في «اللباب»: بضم القاف وسكون الباء الموحدة وضم الراء المهملة وفي آخرها سين مهملة. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة قال في «الأطوال»: حيث الطول سبع وخمسون درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة. وهي جزيرة في مشارق هذا البحر. قال ابن سعيد: على القرب من ساحل الشام بينها وبين الكرك (بضم الكاف وسكون الراء المهملة من بلاد الأرمن) نحو نصف مجرى. قال: وطولها من الغرب إلى الشرق مائتا ميل، ولها ذنب دقيق في شرقيها. قال الإدريسي: ودورها مائتان وخمسون ميلا ولصاحبها مكاتبة تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات، في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
الثانية (جزيرة رودس)
. قال في «تقويم البلدان»: بضم الراء المهملة ثم واو ساكنة ودال مهملة ويقال معجمة مكسورة ثم سين مهملة. وموقعها في الإقليم [الرابع] (1) من الأقاليم السبعة قال في «الأطوال»: حيث الطول إحدى وخمسون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ستّ وثلاثون درجة. قال في «تقويم البلدان»:
وهي على حيال الإسكندرية، بين جزيرة المصطكى وجزيرة أقريطش. قال:
وامتدادها من الشّمال إلى الجنوب بانحراف نحو خمسين ميلا، وعرضها نصف ذلك. وبين هذه الجزيرة وبين ذنب جزيرة أقريطش مجرى واحد، وهي من الغرب عن جزيرة قبرس بانحراف إلى الشمال. قال: وبعضها للفرنج، وبعضها
__________
(1) بياض بالأصل والتصحيح عن تقويم البلدان. كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/351)
لصاحب اصطنبول (وهي القسطنطينيّة) ومن رودس يجلب العسل الطيب العديم النظير، ولصاحبها مكاتبة تخصه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
الثالثة (جزيرة أقريطش)
. قال في «اللباب»: بفتح الألف وسكون القاف وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وكسر الطاء وشين معجمة في الآخر. قال في «الروض المعطار»: سميت بذلك لأن أوّل من عمرها كان اسمه (قراطي) قال: وتسمى أيضا (أقريطش البترليش) ومعناها بالعربية مائة مدينة. وهي على سمت برقة، وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة، قال ابن سعيد: ومدينتها حيث الطول سبع وأربعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض أربعون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي جزيرة عظيمة مشهورة، وامتدادها من الغرب إلى الشرق ودورها ثلاثمائة وخمسون ميلا. وقيل: هذه الأميال إنما هي طولها شرقا بغرب لا دورها، وذكر في «كتاب الأطوال» أن دورها سبعة عشر يوما. قال في «تقويم البلدان»: ومنها يجلب إلى الإسكندرية العسل والجبن وغير ذلك. قال في «الروض المعطار»: وهي جزيرة عامرة، كثيرة الخصب، ذات كروم وأشجار، وبها معدن ذهب. وأكثر مواشيها المعز، وليس بها إبل، ولم يكن بها سبع ولا ثعلب ولا غيرهما من الدوابّ الدابّة بالليل، وكذلك ليس بها حيّة، وإن دخلت إليها حيّة ماتت في عامها. ويقال: إن صناعة الموسيقى أوّل ما ظهرت بها، وبينها وبين ساحل برقة يوم وليلة، وبينها وبين قبرس أربعة مجار، وإليها ينسب الأنتيمون الأقريطشيّ المستعمل في الأدوية. وكان «عبد الله بن أبي سرح» (1) أمير مصر قد افتتحها في زمان إمارته في خلافة «عثمان» رضي الله عنه، وبقيت بأيدي المسلمين حتّى تغلب عليها النصارى في سنة خمس وأربعين وثلاثمائة. قال في «الروض المعطار»: وهي بيد صاحب القسطنطينيّة.
الرابعة (جزيرة المصطكى)
بفتح الميم وسكون الصاد وفتح الطاء
__________
(1) سبق التعريف به.(5/352)
المهملة والكاف وألف في الآخر. وسمّيت بذلك لأنه ينبت بها شجر المصطكى.
قال في «تقويم البلدان»: وهي جزيرة بالقرب من فم الخليج القسطنطيني. وقال ابن سعيد: هي داخلة في بحر الروم على مائة وخمسين ميلا من فم الخليج القسطنطيني. قال: وطولها من الشّمال إلى الجنوب نحو ستين ميلا. قال: وهي شرقيّ (جزيرة التغريب) وبينهما نحو ثلاثين ميلا. قال في «تقويم البلدان»: وبها ديورة وقرى، ومنها تجلب المصطكى إلى البلاد، وهي صمغ شجر ينبت بها يشبه شجر الفستق الصغار، يشرط في فصل الربيع بمشاريط فتسيل منها المصطكى، ثم تجمد على الشجر، وربما قطر منه شيء على الأرض، والأوّل أجود.
الخامسة (جزيرة التّغريب)
بالتاء المثناة فوق المفتوحة وسكون الغين المعجمة وكسر الراء المهملة وياء مثناة تحت وباء موحدة في الآخر. قال في «تقويم البلدان»: وهي من الغربة، وموقعها في أواخر الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: وطرفها الشرقيّ حيث الطول ثمان وأربعون درجة وخمسون دقيقة، والعرض اثنتان وأربعون درجة وخمس وخمسون دقيقة. وهي جزيرة كبيرة في الغرب عن جزيرة المصطكى المقدّم ذكرها، وامتدادها من المغرب إلى المشرق بانحراف إلى الجنوب مائة وخمسون ميلا، وفي العرض من عشرين ميلا إلى نحو ذلك. قال في «تقويم البلدان»: وهي معروفة بخروج الشّواني والقطائع منها.
السادسة (جزيرة لمريا)
. قال في «تقويم البلدان»: بفتح اللام وسكون الميم وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحتية وألف في الآخر. قال: وعن بعض المسافرين أن بعد المثناة هاء. قال ابن سعيد: وتعرف في الكتب بجزيرة بلونس، وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: ووسطها حيث
الطول خمس وأربعون درجة واثنتان وأربعون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون درجة وثلاث عشرة دقيقة. قال: وهي أكبر جزائر الرّوم ودورها على التحقيق سبعمائة ميل، وفيها أخوار وتعريجات، ومدينتها في وسطها.(5/353)
قال في «تقويم البلدان»: بفتح اللام وسكون الميم وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحتية وألف في الآخر. قال: وعن بعض المسافرين أن بعد المثناة هاء. قال ابن سعيد: وتعرف في الكتب بجزيرة بلونس، وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: ووسطها حيث
الطول خمس وأربعون درجة واثنتان وأربعون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون درجة وثلاث عشرة دقيقة. قال: وهي أكبر جزائر الرّوم ودورها على التحقيق سبعمائة ميل، وفيها أخوار وتعريجات، ومدينتها في وسطها.
السابعة (جزيرة صقلّية)
. قال في «اللباب»: بفتح (1) الصاد المهملة والقاف ولام وياء مثناة من تحت وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة، وبين ذنبها الغربيّ وبين تونس مجرى وستون ميلا، ودورها خمسمائة ميل. وهي على صورة شكل مثلّث حادّ الزاوية: فالزاوية الأولى شمالية، وهناك المجاز الضيق إلى الأرض الكبيرة (يعني التي وراء الأندلس) وهو نحو ستة أميال. والزاوية الثانية جنوبيّة، وهي تقابل برّ طرابلس من أفريقيّة من بلاد الغرب. والزاوية الثالثة غربيّة، وهناك (بركان النار) في جزيرة صغيرة منقطعة شماليّ الزاوية المذكورة، وشماليّ صقلّية بلاد قلفرية الآتي ذكرها في الكلام على الضرب الثاني. قال في «تقويم البلدان»: وصاحب صقلّية في زماننا هذا فرنجيّ من الكيتلان اسمه الريد افريك.
وقاعدتها مدينة (بلزم) بفتح الباء الموحدة واللام وسكون الزاي المعجمة وميم في الآخر. قال ابن سعيد: وهي حيث الطول خمس وثلاثون درجة، والعرض ستّ وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وبها عدّة مدن غير هذه القاعدة.
منها مدينة (مازر). قال في «المشترك»: بفتح الزاي المعجمة وبعدها راء مهملة، وإليها ينسب «الإمام المازريّ المالكي» (2) شارح «موطإ مالك» وغيره.
ومنها (قصر يانّة) بلفظ قصر المعروف، ويانّة بفتح الياء المثناة تحت وألف
__________
(1) ضبطها ياقوت بثلاث كسرات وتشديد اللام والياء. أنظر معجم البلدان (ج 3، ص 416) وقد جاء هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.
(2) هو: محمد بن عليّ بن عمر التميمي المازريّ، أبو عبد الله: محدّث من فقهاء المالكية. توفي سنة 536هـ. أنظر أزهار الرياض (ج 3، ص 165) والأعلام (ج 6، ص 277)(5/354)
ونون مشدّدة، وهي مدينة كبيرة على سنّ جبل.
الثامنة (جزيرة سردانية)
. قال في «تقويم البلدان»: بضم السين (1) وكسر الراء وفتح الدال المهملات ثم ألف ونون مكسورة وياء مثناة تحت مفتوحة وهاء في الآخر. قال: واسمها بالفرنجية صرداني، يعني بابدال السين صادا مهملة وحذف الهاء من الآخر. وهي غربيّ الجزر المتقدّمة الذكر. وموقعها في الإقليم الرابع بين مرسى الخرز من البر الجنوبيّ وبين مملكة بيزة من البرّ الشماليّ. قال في «الأطوال»: وطولها إحدى وثلاثون درجة، وعرضها ثمان وعشرون درجة. قال ابن سعيد: وامتدادها من الطول من الشمال إلى الجنوب مجرى ونصف، وفي غربيها مغاص المرجان الفائق الذي ليس له نظير، وبها معدن فضّة، وهي الآن بيد الفرنج الكيتلانيين، ولملك الكيتلان نائب بها.
التاسعة (جزيرة قرسقة)
بفتح القاف وسكون الراء المهملة وفتح السين المهملة والقاف وهاء في الآخر. وهي مقابل (جنوة) الآتي ذكرها في الضرب الثاني، وبينها وبين سردانية المتقدّمة الذكر مجاز نحو عشرة أميال، وامتدادها من الشّمال إلى الجنوب مجرى ونصف، ووسطها متّسع، ورأسها من جهة جنوة ضيّق.
العاشرة (جزيرة أنكلطرة)
بألف ونون ساكنة وكاف مفتوحة ولام مفتوحة وطاء مهملة ساكنة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الآخر. قال ابن سعيد: ويقال (أنكلترة) بإبدال الطاء تاء مثناة من فوق. قال: وطول هذه الجزيرة من الجنوب إلى الشمال بانحراف قليل أربعمائة وثلاثون ميلا، واتساعها في الوسط نحو مائتي ميل، وفيها معدن [الذهب] (2) والفضّة والنّحاس [والقصدير] وليس فيها كروم لشدة
__________
(1) في معجم البلدان بفتح أوله وسكون ثانيه، أنظره في (ج 3، ص 209) وقد جاء هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.
(2) الزيادة عن التقويم كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/355)
البرد بها، وأهلها يحملون الذهب إلى بلاد الفرنج، ويعتاضون عنه الخمر لعدمه عندهم.
وقاعدتها (مدينة لندرس) بلام ونون ودال وراء وسين مهملات. وصاحب هذه الجزيرة يسمى (الانكتار) بنون وكاف وتاء مثناة فوقية وألف وراء مهملة في الآخر. وهو الذي عقد الهدنة بينه وبين الملك العادل «أبي بكر بن أيوب» في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، والملك العادل على عسقلان. وكان من أمره أنه لم يحلف على الهدنة بل أخذت يده وعاهدوه، واحتج بأن الملوك لا يحلفون، وكانت الهدنة بينهما ثلاث سنين وثلاثة أشهر، أولها كانون الأوّل الموافق لحادي عشري شعبان من السنة المذكورة.
الحادية عشرة (جزيرة السّناقر)
. جمع سنقر وهو الجارح المعروف المقدّم ذكره في الكلام على ما يحتاج الكاتب إلى وصفه في المقالة الأولى. وهي جزيرة على القرب من (جزيرة انكلترة) المقدّمة الذكر. قال ابن سعيد: وامتدادها في الطّول شرقا بغرب سبعة أيام، وفي العرض أربعة أيام. قال في «تقويم البلدان»: ومنها ومن الجزائر التي شماليها تجلب السّناقر التي هي أشرف أنواع الجوارح، وإلى ذلك أشار في «التعريف» في الكلام على أوصاف السّناقر بقوله وهي مجلوبة من البحر الشاميّ. قلت: وجزيرة جربة تقدّم ذكرها مع بلاد أفريقيّة.
وجزيرة ميورقة وجزيرة يانسة وجزيرة قادس تقدّم ذكرها مع جزيرة الاندلس.(5/356)
الضرب الثاني (ما شماليّ بحر الروم المقدّم ذكره من غربيّ الخليج القسطنطينيّ مما يمتدّ غربا إلى البحر المحيط الغربيّ، وما يتصل بذلك مما شماليّ بحر نيطش المعروف ببحر القرم إلى أقصى الشمال، وهو جهتان)
الجهة الأولى (ما هو في جهة الغرب عن الخليج القسطنطينيّ. وهو قطران)
القطر الأوّل (ما بين الخليج المذكور وبين جزيرة الأندلس، وما على سمت ذلك. ويشتمل على ممالك كبار وممالك صغار)
فأما الممالك الكبار، فالمشهور منها خمس ممالك
:المملكة الأولى (مملكة القسطنطينية)
قال في «اللباب»: بضم القاف وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة وسكون النون وكسر الطاء الثانية وسكون المثناة من تحت ثم نون (يعني مفتوحة) ثم هاء في الآخر. قال في «تقويم البلدان»: وتسمّى بوزنطيا يعني بالباء الموحدة والواو والزاي المعجمة والنون والطاء المهملة ثم ياء مثناة من تحت وألف في الآخر. وربما قالوا: بوزنطية بابدال الألف هاء. وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال في «رسم المعمور»: حيث الطول ثمان وأربعون درجة، والعرض خمس وأربعون درجة، وواقفه على ذلك صاحب «الأطوال» وصاحب «القانون» وابن سعيد: وهي قاعدة الرّوم بعد رومية وعمّورية، وهي المستقرّة قاعدة ملك لهم إلى الآن.
قال في «الروض المعطار»: نزل رومية من ملوك الروم عشرون ملكا، ثم نزل عمّورية منهم ملكان، ثم عادت المملكة إلى رومية فنزلها منهم ملكان، ثم
ملك (قسطنطين) بن هيلاني، فجدّد بناء بوزنطية وزاد في بنائها، وسمّاها قسطنطينيّة نسبة إليه ونزل بها فصارت دار ملك للرّوم بعده إلى الآن. قال: وهي على ضفّة الخليج المنصبّ من بحر نيطش ومانيطش إلى بحر الرّوم، وقد صار هذا الخليج مشهورا بها. فيقال فيه (الخليج القسطنطينيّ) كما تقدّم. وجهاتها الثلاث من الشرق والغرب والجنوب إلى البحر، والجهة الرابعة وهي الشّمال إلى البرّ، وقطرها من الشرق إلى الغرب ثمانية وعشرون ميلا، ولها سوران من حجارة بينهما فضاء ستّون ذراعا، وعرض السّور الداخل اثنا عشر ذراعا، وارتفاعه اثنان وسبعون ذراعا، وعرض السّور الخارج ثمانية أذرع، وارتفاعه اثنان وأربعون ذراعا، وفيما بين السّورين نهر يسمّى (قسطنطينيانوس) مغطّى ببلاط من نحاس، يشتمل على اثنين وأربعين ألف بلاطة، طول كلّ بلاطة ستة وأربعون ذراعا، وعمق النهر اثنان وأربعون ذراعا. ولها نحو مائة باب أكبرها باب الذهب: وهو باب في شماليّها، طوله أحد وعشرون ذراعا، وهو مضبّب (1) بالحديد، وبه أعمدة من ذهب، وبها قصر في غاية الكبر والعلوّ، وطريقة الذي يتوصل إليه منه يعرف بالبدندون. وهو من عجائب الدنيا، يمشى فيه بين سطرين من صور مفرّغة من النّحاس البديع الصّناعة على صور الآدميين وأنواع الخيل والسّباع وغير ذلك، وفي القصر ضروب من عجائب المصنوعات.(5/357)
قال في «الروض المعطار»: نزل رومية من ملوك الروم عشرون ملكا، ثم نزل عمّورية منهم ملكان، ثم عادت المملكة إلى رومية فنزلها منهم ملكان، ثم
ملك (قسطنطين) بن هيلاني، فجدّد بناء بوزنطية وزاد في بنائها، وسمّاها قسطنطينيّة نسبة إليه ونزل بها فصارت دار ملك للرّوم بعده إلى الآن. قال: وهي على ضفّة الخليج المنصبّ من بحر نيطش ومانيطش إلى بحر الرّوم، وقد صار هذا الخليج مشهورا بها. فيقال فيه (الخليج القسطنطينيّ) كما تقدّم. وجهاتها الثلاث من الشرق والغرب والجنوب إلى البحر، والجهة الرابعة وهي الشّمال إلى البرّ، وقطرها من الشرق إلى الغرب ثمانية وعشرون ميلا، ولها سوران من حجارة بينهما فضاء ستّون ذراعا، وعرض السّور الداخل اثنا عشر ذراعا، وارتفاعه اثنان وسبعون ذراعا، وعرض السّور الخارج ثمانية أذرع، وارتفاعه اثنان وأربعون ذراعا، وفيما بين السّورين نهر يسمّى (قسطنطينيانوس) مغطّى ببلاط من نحاس، يشتمل على اثنين وأربعين ألف بلاطة، طول كلّ بلاطة ستة وأربعون ذراعا، وعمق النهر اثنان وأربعون ذراعا. ولها نحو مائة باب أكبرها باب الذهب: وهو باب في شماليّها، طوله أحد وعشرون ذراعا، وهو مضبّب (1) بالحديد، وبه أعمدة من ذهب، وبها قصر في غاية الكبر والعلوّ، وطريقة الذي يتوصل إليه منه يعرف بالبدندون. وهو من عجائب الدنيا، يمشى فيه بين سطرين من صور مفرّغة من النّحاس البديع الصّناعة على صور الآدميين وأنواع الخيل والسّباع وغير ذلك، وفي القصر ضروب من عجائب المصنوعات.
قال في «تقويم البلدان»: وحكى لي بعض من سافر إليها أن داخلها مزدرع وبساتين، وبها خراب كثير، وأكثر عمارتها في الجانب الشرقيّ الشّمالي، وكنيستها مستطيلة، وإلى جانب الكنيسة عمود عال دوره أكثر من ثلاثة باعات، وعلى رأسه فارس وفرس من نحاس، وفي إحدى يديه حربة كبيرة، وقد فتح أصابع يده الأخرى وهو مشير بها. قيل: إن ذلك صورة (قسطنطين) باني المدينة. قال في العزيزيّ: ولها أربع عشرة معاملة.
واعلم أن هذه المملكة كانت أوّلا بيد اليونان. قال البيهقي: وهم بنو يونان
__________
(1) الضّبّة: حديدة عريضة، يضب بها الباب والخشب، فيربط إلى بعضه فيصبح أكثر متانة.(5/358)
ابن علجان، بن يافث، بن نوح عليه السّلام. وفي التوراة أن يونان ابن يافث لصلبه، واسمه فيها (يافان) بفاء تقرب من الواو. وخالف الكنديّ فنسبهم إلى عابر بن فالغ فجعل يونان أخا لقحطان، وذكر أنه خرج من اليمن بأهله وولده مغاضبا لأخيه قحطان فنزل ما بين إفرنجة والرّوم، فاختلط نسبه بنسبهم. وردّ عليه أبو (1) العبّاس الناشي في ذلك بقوله: (طويل) [و] تخلط يونانا بقحطان ضلّة ... لعمري لقد باعدت بينهما جدّا!
وقيل إنهم إنما نجموا من رجل يقال له (الكن) ولد سنة سبع وأربعين لوفاة موسى عليه السّلام.
وكانت قاعدة ملكهم الأولى (مدينة أغريقية). وهي مدينة بناها (أغريقش) ابن يونان المقدّم ذكره على الجانب الغربيّ من الخليج القسطنطيني، وهي أوّل مدنهم، ثم هدمها هيليوس أحد ملوكهم وبنى (مدينة مقدونية (2)) في وسط المملكة بالجانب الغربيّ أيضا ونزلها فصارت منزلا لملوكهم من بعده، وإليها ينسب ملوكهم فيقال ملوك مقدونية، وقد كان يقال للإسكندر بن فيلبس المقدوني نسبة إلى مقدونية هذه. ومن طائفة اليونان كان معظم الحكماء الذين عنهم أخذت علوم الفلسفة، ومنهم بقراط وسقراط وأفلاطن وأرسطو طاليس وإقليدس وغيرهم من الحكماء.
__________
(1) هو عبد الله بن محمد الناشي الأنباري، أبو العباس: شاعر مجيد، يعدّ في طبقة ابن الرومي والنّميري. توفي سنة 293هـ. وأوّل الأبيات:
أبا يوسف إني نظرت فلم أجد ... على الفحص رأيا صح منك ولا عقدا
وصرت حكيما عند قوم إذ امرؤ ... بلاهم جميعا لم يجد عندهم عندا
أنظر تاريخ بغداد (ج 10، ص 92) ومروج الذهب (ج 1، ص 138) وقد ورد هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.
(2) قال ياقوت في معجم البلدان (ج 5، ص 173) بفتح أوله وثانيه، وضم الذال المعجمة. وقد ورد هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.(5/359)
وكان لهم عدّة ملوك، أوّلهم (يونان) بن يافث بن نوح.
ثم ملك بعده ابنه (أغريقش) وهو الذي بنى مدينة أغريقيّة المتقدّم ذكرها.
وتوالى الملك في ولده، وقهروا اللّطينيّين ودال ملكهم في أرمينية.
ثم ملك (هرقل الجبّار) بن ملكان، بن سلقوس، بن أغريقش.
ثم ملك بعده ابنه (بلاق) وإليه تنسب الأمّة البلاقيّة التي هي الآن على بحر سوداق، واتصل الملك في عقب بلاق المذكور إلى أن ظهر عليهم إخوانهم الروم واستبدوا بالملك.
فكان أوّلهم (هردوس) بن مطرون، بن رومي، بن يونان، فملك الأمم الثلاثة، وصار اسمه لقبا لكل من ملك بعده.
ثم ملك بعده ابنه (هرمس) وحاربه الفرس فقهروه وضربوا عليه الإتاوة.
ثم ملك بعده ابنه (مطرنوس) فحمل الإتاوة للفرس.
ثم ملك بعده (فيلبوس) فظهر على الأعداء وهدم مدينة أغريقيّة، وبنى مدينة مقدونية المتقدّم ذكرها، وكان محبّا في الحكمة فكثر الحكماء في دولته.
ثم ملك بعده ابنه (الإسكندر) فاستقام له الأمر وملك الشام، وبيت المقدس، والهند، والسّند، وبلاد الصين، والتّبّت، وخراسان، وبلاد التّرك، وذلّت له سائر الملوك، وهاداه أهل المغرب والأندلس والسّودان، وبنى مدينة الإسكندريّة بالديار المصرية عند مصبّ النيل على ساحل البحر الرّومي، وبنى بالسّند أيضا مدينة سماها الإسكندريّة، ورجع إلى بابل فمات بها، وعرض الملك على ابنه إسكندروس فأبى واختار الرّهبانيّة.
ثم ملك بعده (لوغوس) من بيت الملك، وتلقب (بطليموس) فصار ذلك علما على كل من ملك منهم. وقيل: هو بطليموس بن لاوى صاحب عسكر الإسكندرية. وهلك لأربعين سنة من ملكه.
وملك بعده ابنه (فلديفش) فأقام ثمانيا وثلاثين سنة، وترجمت له التوراة من العبرانيّ إلى الرّومي.(5/360)
ثم ملك بعده (لوغوس) من بيت الملك، وتلقب (بطليموس) فصار ذلك علما على كل من ملك منهم. وقيل: هو بطليموس بن لاوى صاحب عسكر الإسكندرية. وهلك لأربعين سنة من ملكه.
وملك بعده ابنه (فلديفش) فأقام ثمانيا وثلاثين سنة، وترجمت له التوراة من العبرانيّ إلى الرّومي.
ثم ملك بعده ابنه (أنطرطيش) فأقام ستّا وعشرين سنة وهلك.
فملك بعده أخوه (قلوباظر) فأقام سبع عشرة سنة وهلك.
فملك بعده ابنه (أبيفانش) فأقام أربعا وعشرين سنة.
وملك بعده ابنه (قلوماظر) فأقام خمسا وثلاثين سنة. وكان مقرّه الإسكندرية وهلك.
فملك بعده ابنه (إبرياطش) فأقام سبعا وعشرين سنة. وعلى عهده استفحل ملك رومة، وملكوا الأندلس وأفريقيّة وهلك.
فملك بعده ابنه (شوظا) فأقام سبع عشرة سنة، وهلك.
فملك بعده أخوه (الإسكندر) فأقام عشر سنين وهلك.
فملك بعده (دنونشيش) بن شوظا، فأقام ثمانيا وثلاثين سنة، وفي أيامه ملك الرّوم بيت المقدس وأنطاكية، وهلك.
فملك بعده بنته (كلابطرة) فأقامت سنتين، وكان سكنها الإسكندرية.
وكان الملك على الروم يومئذ أغشطش قيصر ملك الروم، فقصدها، فاحتالت بأن اتخذت حيّة توجد بين الحجاز والشام، فلمست الحية فيبست مكانها، وبقيت الحية في رياحين حولها، وحضر أغشطش فوجدها جالسة ولم يشعر بموتها، فتناول من الرياحين ليشمّها فلسعته الحية فمات. وزالت دولة اليونان بزوالها.
هكذا رتّبهم (هروشيوش مؤرّخ الروم) وسبب ذلك أن الروم واليونان كانوا متجاورين متلاصقين لعلاقة النّسب فقد نقل ابن سعيد عن البيهقي أن الرّوم من ولد روميّ بن يونان المقدّم ذكره. وقيل هم بنو لطين بن يونان أخي روميّ المذكور، ولذلك يقال لهم اللّطينيّون. وقيل هم من بني كيتم بن ياثان وهو يونان. وقيل بل هم من بني عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السّلام.
قال صاحب حماة في تاريخه: وكان أوّل ظهورهم في سنة ستّ وتسعين وثلاثمائة لوفاة موسى عليه السّلام. قال: وهم يعرفون ببني الأصفر، والأصفر هو رويم بن العيص. قال في «العبر»: وذلك أنه لما خرج يوسف عليه السّلام من مصر بأبيه يعقوب ليدفنه بالشأم عند الخليل عليه السّلام، اعترضه بنو عيصو فحاربهم وهزمهم، وأسر منهم صفوا بن إليفار بن عيصو، وبعث به إلى أفريقيّة، فأقام بها واتصل بملكها واشتهر بالشجاعة، ثم هرب من أفريقيّة إلى أسبانية، فزوّجوه وملّكوه عليهم، فأقام في الملك خمسا وخمسين سنة، وبقي الملك في عقبه إلى أن كان منهم ملك اسمه (روميش) فبنى مدينة رومية وسكنها فعرفت به.(5/361)
هكذا رتّبهم (هروشيوش مؤرّخ الروم) وسبب ذلك أن الروم واليونان كانوا متجاورين متلاصقين لعلاقة النّسب فقد نقل ابن سعيد عن البيهقي أن الرّوم من ولد روميّ بن يونان المقدّم ذكره. وقيل هم بنو لطين بن يونان أخي روميّ المذكور، ولذلك يقال لهم اللّطينيّون. وقيل هم من بني كيتم بن ياثان وهو يونان. وقيل بل هم من بني عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السّلام.
قال صاحب حماة في تاريخه: وكان أوّل ظهورهم في سنة ستّ وتسعين وثلاثمائة لوفاة موسى عليه السّلام. قال: وهم يعرفون ببني الأصفر، والأصفر هو رويم بن العيص. قال في «العبر»: وذلك أنه لما خرج يوسف عليه السّلام من مصر بأبيه يعقوب ليدفنه بالشأم عند الخليل عليه السّلام، اعترضه بنو عيصو فحاربهم وهزمهم، وأسر منهم صفوا بن إليفار بن عيصو، وبعث به إلى أفريقيّة، فأقام بها واتصل بملكها واشتهر بالشجاعة، ثم هرب من أفريقيّة إلى أسبانية، فزوّجوه وملّكوه عليهم، فأقام في الملك خمسا وخمسين سنة، وبقي الملك في عقبه إلى أن كان منهم ملك اسمه (روميش) فبنى مدينة رومية وسكنها فعرفت به.
وبالجملة فإنهم كانوا مجاورين لهم: الروم في المغرب، واليونان في المشرق، فوقعت الحرب بينهم، وكانت الغلبة للروم على اليونان مرة بعد أخرى إلى أن كانت غلبة أغشطش على قلوبطرا على ما تقدّم ذكره.
ثم ملوك الرّوم على طبقات:
الطبقة الأولى (من ملك منهم قبل القياصرة)
قال «هروشيوش» مؤرّخ الرّوم: وأوّل من ملك منهم (بيقش) بن شطونش ابن يوب، في آخر الألف الرابع من أوّل العالم على زمن تيه بني إسرائيل.
ثم ملك بعده ابنه (بريامش) واتصل الملك في عقب بيقش المذكور وإخوته إلى أن كان منهم كرمنش بن مرسية بن شبين بن مزكة، بعد أربعة آلاف وخمسين لأوّل العالم في زمن بار بن كلعاد من ملوك بني إسرائيل، وهو الذي ألّف حروف اللسان اللّطينيّ ولم تكن قبله.
ثم كان منهم (أناش) من عقب بريامش بن بيقش المتقدّم ذكره لأربعة آلاف ومائة وعشرين للعالم.
وفي أيامه خرّب الأغريقيّون مدينة طروبة المتقدّم ذكرها في قواعد مملكتهم.
ثم ملك بعده ابنه (أشكنانيش) وهو الذي بنى مدينة ألبا، ثم اتصل الملك فيهم إلى أن افترق أمرهم، ثم كان من أعقابهم برقاش على عهد عزيا بن أمصيا من ملوك بني إسرائيل. واتصل الملك لابنه ثم لحافديه روملش وراملش لأربعة آلاف وخمسمائة سنة للعالم. وهما اللذان اختطّا مدينة رومية، وكان الرّوم بعد روملش وراملش وانقراض عقبهم قد سئموا ولاية الملوك عليهم، فصيّروا أمرهم شورى بين سبعين وزيرا. وقال ابن العميد: كانوا يقدّمون شيخا بعد شيخ، ولم يزل أمرهم على ذلك مدّة سبعمائة سنة، تقترع الوزراء في كلّ سنة، فيخرج قائد منهم إلى كل ناحية على ما توجبه القرعة، فيحاربون الأمم والطوائف، ويفتحون الممالك حتّى ملكوا الاندلس وأثخنوا في الجلالقة، وملكوا سمّورية (1) مدينة القوط، واستولوا على الشأم وأرض الحجاز، وافتتحوا بيت المقدس وأسروا ملكها، وكانت الحرب بينهم وبين الفرس سجالا إلى أن كانت القياصرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.(5/362)
وفي أيامه خرّب الأغريقيّون مدينة طروبة المتقدّم ذكرها في قواعد مملكتهم.
ثم ملك بعده ابنه (أشكنانيش) وهو الذي بنى مدينة ألبا، ثم اتصل الملك فيهم إلى أن افترق أمرهم، ثم كان من أعقابهم برقاش على عهد عزيا بن أمصيا من ملوك بني إسرائيل. واتصل الملك لابنه ثم لحافديه روملش وراملش لأربعة آلاف وخمسمائة سنة للعالم. وهما اللذان اختطّا مدينة رومية، وكان الرّوم بعد روملش وراملش وانقراض عقبهم قد سئموا ولاية الملوك عليهم، فصيّروا أمرهم شورى بين سبعين وزيرا. وقال ابن العميد: كانوا يقدّمون شيخا بعد شيخ، ولم يزل أمرهم على ذلك مدّة سبعمائة سنة، تقترع الوزراء في كلّ سنة، فيخرج قائد منهم إلى كل ناحية على ما توجبه القرعة، فيحاربون الأمم والطوائف، ويفتحون الممالك حتّى ملكوا الاندلس وأثخنوا في الجلالقة، وملكوا سمّورية (1) مدينة القوط، واستولوا على الشأم وأرض الحجاز، وافتتحوا بيت المقدس وأسروا ملكها، وكانت الحرب بينهم وبين الفرس سجالا إلى أن كانت القياصرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
الطبقة الثانية (القياصرة قبل ظهور دين النّصرانية فيهم)
قال ابن العميد: لم يزل تدبير المشايخ الذين رتّبوهم نافذا فيهم، إلى أن كان آخرهم أغانيوش فدبّرهم أربع سنين وتسمّى قيصر، وهو أوّل من تسمّى بذلك من ملوكهم، ثم صار سمة لمن بعده. وسيأتي الكلام على معنى هذه اللفظة.
ثم ملك بعده (بوليوش قيصر) ثلاث سنين.
ثم ملك بعده (أوغشطش قيصر) بن مونوخس، وهروشيوش يسمّيه (أكتبيان قيصر) وهو الثاني من القياصرة، وهو الذي سلب ملك كلابطرا آخر ملوك اليونان المقدّم ذكرها. واستولى على مصر والإسكندرية وسائر ممالك اليونان الرّوم.
__________
(1) في معجم البلدان (ج 3، ص 255) سمّورة: أي بدون ياء. وقد جاء هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.(5/363)
ويقال: إنه كان آخر قوّاد الشيخ مدبّر رومة، وإنه توجه بالعساكر لفتح الاندلس ففتحها ثم عاد إلى رومة فملكها وطرد الشيخ عنها، ووافقه الناس على ذلك، ثم قتل نائبه بناحية المشرق واستولى عليها لثنتي عشرة سنة من ملكه [ولثنتين وأربعين سنة من ملك أغشطش ولد المسيح بعد مولد يحيى بثلاثة أشهر وذلك] (1)
لتمام خمسة آلاف وخمسمائة سنة شمسيّة للعالم.
ثم ملك من بعده ابنه (طباريش قيصر) فاستولى على النّواحي، وفي أيامه كان رفع المسيح عليه السّلام وافتراق الحواريّين في الآفاق لإقامة الدّين وحمل الأمم على عبادة الله تعالى. ومات لثلاث وعشرين سنة من ملكه بعد أن جدّد مدينة طبريّة واشتقّ اسمها من اسمه.
ثم ملك من بعده (غابيش قيصر) وهو الرابع من القياصرة. وقال هروشيوش: وهو أخو طباريش، وسماه غابيش قليفة بن أكتبيان. قال ابن العميد:
ووقعت في أيامه شدّة على النصارى، وقتل يعقوب أخاه يوحنّا من الحواريّين، وحبس بطرس رأسهم، ثم وثب عليه بعض قوّاده فقتله.
وملك من بعده (فلوديش قيصر) وهو الخامس من القياصرة. قال هروشيوش: هو ابن طباريش المتقدّم ذكره فيكون أخا (2) غابيش، وعلى عهده كتب متّى الحواريّ إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية، ونقله يوحنّا بن زندي إلى الروميّة، وكتب بطرس رأس الحواريّين إنجيله بالروميّة وبعث به إلى بعض أكابر الرّوم، وهلك فلوديش قيصر لأربع عشرة سنة من ملكه.
وملك بعده ابنه (نيرون قيصر) وهو السادس من القياصرة، وكان غشوما
__________
(1) الزيادة من العبر (ج 2، ص 200) كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.
(2) لعل الصواب (فيكون ابن أخي غابيش). وقد جاء هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.(5/364)
فاسقا، فأنكر على من أخذ بدين المسيح وقتلهم، وقتل بطرس وبولس الحواريّين، وقتل مرقص الإنجيليّ: بطرك الإسكندرية لثنتي عشرة سنة من ملكه. وفي أيامه هدم اليهود كنيسة النصارى بالقدس، ودفنوا خشبتي الصّليب بزعمهم في الزّبالة. قال هروشيوش: وقتله جماعة من قوّاده لأربع عشرة سنة من ملكه، وانقطع ملك آل يوليوش قيصر لمائة وستّ عشرة سنة من أوّل ملكهم، قال هروشيوش: وكان نيرون قيصر قد وجّه قائدا إلى جهة الأندلس فافتتحها وعاد إلى رومة بعد مهلك نيرون قيصر فملّكه الروم عليهم. وكان لنيرون قيصر صهر على أخته يسمّى (يشبشيان)، وابن العميد يسميه (إشبا شيانس) وكان نيرون قيصر قد وجهه لفتح بيت المقدس ففتحه وعاد فقتل ذلك القائد الذي استولى على المملكة بعد نيرون قيصر، وملك مكانه، وتسمّى قيصر كمن كان قبله واستقام له الملك، هكذا ذكره هروشيوش.
والذي ذكره ابن العميد أنه لما هلك نيرون قيصر وإشباشيانس الذي سماه هروشيوش يشبشيان [محاصر للقدس] (1) ملّك الروم عليهم غلياش قيصر، فأقام تسعة أشهر وكان رديء السيرة فقتله بعض خدمه.
ثم ملّكوا عوضه (أنون) ثلاثة أشهر، وملّكوا (بطالس) ثمانية أشهر، وسار إليه اشباشيانس الذي يسمّيه هروشيوش يشبشيان فقتله وهلك اشباشيانس المذكور لتسع سنين من ملكه.
وملك بعده ابنه (طيطش قيصر) لأربعمائة سنة من ملك الإسكندر، فأقام فيهم سنتين وقيل ثلاثا وقيل أربعا، وكان حسن السيرة متفنّنا في العلوم.
ثم ملك بعده أخوه (دومريان قيصر) وقيل اسمه دوسطيانوس، وقيل
__________
(1) الزيادة من العبر (ج 2، ص 202) ليستقيم الكلام. وقد جاء هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.(5/365)
دوماطيانوس، فأقام خمس عشرة سنة، وقيل ستّ عشرة سنة، وقيل تسع سنين، وهو ابن أخت نيرون قيصر المتقدّم ذكره، وكان ظلوما غاشما فحبس يوحنّا الحواريّ، وأمر بقتل النصارى ونفيهم، وقتل اليهود من نسل داود حذار أن يملكوا وهلك في حرب الفرنج.
وملك بعده (نربا) ابن أخيه طيطش، وقيل اسمه تاوداس، وقيل قارون، وقيل: برسطوس، فأقام نحوا من سنتين أو سنة ونصفا، فأحسن السّيرة وأمر بردّ من نفي من النصارى وخلّاهم ودينهم، ولم يكن له ولد.
فعهد بالملك إلى (طريانش) من عظماء قوّاده، وقيل: اسمه أنديانوش، وقيل طرينوس، فملك بعده وتسمّى قيصر، فأقام تسع عشرة سنة، ولقي النصارى في أيامه شدّة وتتبع أئمّتهم بالقتل واستعبد عامّتهم، وفي زمنه كتب يوحنّا إنجيله برومة في بعض الجزائر، وهلك طريانش المذكور لتسع عشرة سنة من ولايته.
وملك بعده (أندريانوس) فأقام إحدى (1) وعشرين سنة، وقيل عشرين سنة وهو الذي بنى مدينة القدس وسماها إيليا، وكان شديدا على النصارى وقتل منهم خلقا كثيرا، وأخذ الناس بعبادة الأوثان، وألزم أهل مصر حفر خليج من النيل إلى القلزم (2) فحفروه وأجروا فيه ماء النيل ثم ارتدم بعد ذلك.
ولما جاء الفتح الإسلاميّ ألزمهم عمرو بن العاص (3) رضي الله عنه حفره
__________
(1) في الأصل إحدى عشرة. والتصحيح من العبر (ج 2، ص 204) وقد جاء هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.
(2) القلزم: سمّي بحر القلزم قلزما لالتهامه من ركبه: وهو المكان الذي غرق فيه فرعون وآله وقلزم بلدة على ساحل بحر اليمن قرب أيلة والطور ومدين وإلى هذه المدينة ينسب هذا البحر. أنظر معجم البلدان (ج 4، ص 387)
(3) هو: عمرو بن العاص بن وائل السهميّ القرشى، أبو عبد الله: فاتح مصر وأحد عظماء العرب ودهاتهم. توفي سنة 43هـ. أنظر تاريخ الإسلام للذهبي (ج 2، ص 240235) والأعلام (ج 5، ص 79)(5/366)
فحفروه وجرى فيه الماء ثم ارتدم أيضا، وبقي على ذلك مردوما إلى زماننا. ومات أندريانوس لإحدى وعشرين سنة من ملكه.
فملك بعده ابنه (انطونيش) وتسمّى (قيصر الرحيم) فأقام ثنتين وعشرين سنة، وقيل إحدى وعشرين سنة وهلك.
فملك بعده أخوه (أوراليانس) وقيل اسمه اورالش، وقيل اسمه أنطونيش الأصغر، وأصاب الأرض في زمنه قحط ووباء عظيم، وأصاب النصارى في أيامه شدّة عظيمة، وقتل منهم خلقا كثيرا، وهلك لتسع عشرة سنة من ملكه.
وملك من بعده ابنه (كمودة) ويقال بالقاف بدل الكاف، فأقام ثلاث عشرة سنة، وقيل اثنتي عشرة سنة. وفي عاشرة ملكه ظهر «أردشير (1) بن بابك» أوّل ملوك الساسانية من الفرس. وفي زمنه كان «جالينوس» اليونانيّ المشهور بالطّب، و «بقراطس» الحكيم، ومات كمودة المذكور.
فملك بعده (ورمتيلوش قيصر) وقيل اسمه برطنوش، وقيل اسمه فرطيخوس، وقيل برطانوس، وقيل ألبيش بن طنجيش فأقام ثلاثة أشهر، وقيل شهرين، وقيل سنة، وقتله بعض قوّاده.
فملك بعده (يوليانوس قيصر) فأقام شهرين ومات.
فملك بعده (سوريانوس قيصر) وقيل اسمه سورس، وقيل طباريش، فأقام تسع عشرة سنة، وقيل ثمان عشرة، وقيل ستّ عشرة، وقيل ثلاث عشرة، وقيل ستّ سنين، واشتدّ على النصارى وفتك فيهم وسار إلى مصر والإسكندرية فقتلهم، وهدم كنائسهم وشرّدهم في البلاد، وهلك.
فملك من بعده (أنطونيش قيصر) وقيل أنطونيش قسطس لخمس وعشرين سنة وخمسمائة لغلبة الإسكندر، فأقام ستّ سنين، وقيل سبع سنين،
__________
(1) هو: أردشير بن بابك من بني ساسان: ملك الفرس. أنظر جمهرة أنساب العرب. ص (511)(5/367)
وضعف عن مقاومة الفرس فغلبوا على أكثر مدن الشأم، ونواحي أرمينية، وهلك في حروبهم.
فملك بعده (مقرين قيصر) بن مزكة، وقيل اسمه مقرونيوس، وقيل مرقيانوس، فأقام سنة وقتله قوّاد رومة.
ثم ملك من بعده (أنطونيش) قيل ثلاث سنين، وقيل أربع سنين، وفي أوّل سنة من ملكه بنيت مدينة عمواس بأرض فلسطين من الشأم وملك سابور بن أردشير مدنا كثيرة من الشام ومات.
فملك من بعده (اسكندروس) فأقام ثلاث عشرة سنة، وقيل عشرين سنة، وكانت أمّه نصرانيّة، فكانت النصارى معه في سعة من أمرهم. قال هروشيوش:
ولعشر من ملكه غزا فارس وقتل سابور بن أردشير ملك الفرس، وثار عليه أهل رومة فقتلوه.
وملك بعده (مخشميان) بن لوجيه، وقيل اسمه نقيموس، فأقام ثلاث سنين ولقي النصارى منه شدّة عظيمة. قال ابن العميد: وفي ثالثة ملكه مات سابور ابن أردشير، وهو خلاف ما تقدّم من كلام هروشيوش أنه قتله [اسكندروس] في العاشرة من ملكه، وهلك.
فملك بعده (يونيوش) وقيل اسمه لوكيوش قيصر، وقيل بلينايوس، فأقام ثلاثة أشهر وقتل.
ثم ملك بعده (غرديانوس قيصر) وقيل اسمه فودينوس، وقيل فرطانوس وقيل غرديان بن بلنسيان، فأقام ستّ سنين، وقيل سبع سنين، وطالت حروبه مع الفرس، وقتله أصحابه على نهر الفرات.
وملك بعده (فلفش قيصر) بن أوليان بن أنطونيش، فأقام سبع سنين، وقيل ستّ سنين، وقيل تسع سنين، ودان بدين النصرانية، وهو أوّل من تنصرّ من ملوك الروم، وقتله قائد من قوّاده.
وملك ذلك القائد الذي قتله مكانه، وكان من أولاد الملوك. واسمه داجية ابن مخشميان فأقام خمس سنين، وقيل سنتين، وقيل سنة، وكان يعبد الأصنام، ولقي النصارى منه شدّة قيل وفي أيامه كانت قصّة أهل الكهف مع ملكهم وهلك.(5/368)
وملك بعده (فلفش قيصر) بن أوليان بن أنطونيش، فأقام سبع سنين، وقيل ستّ سنين، وقيل تسع سنين، ودان بدين النصرانية، وهو أوّل من تنصرّ من ملوك الروم، وقتله قائد من قوّاده.
وملك ذلك القائد الذي قتله مكانه، وكان من أولاد الملوك. واسمه داجية ابن مخشميان فأقام خمس سنين، وقيل سنتين، وقيل سنة، وكان يعبد الأصنام، ولقي النصارى منه شدّة قيل وفي أيامه كانت قصّة أهل الكهف مع ملكهم وهلك.
فملك من بعده (غالش قيصر) فأقام سنتين، وقيل ثلاث سنين، واستتبع في قتل النصارى، وكان في أيامه وباء عظيم أقفرت منه المدن، ومات.
فملك بعده (والاريانس) لسبعين وخمسمائة لغلبة الإسكندر، وقيل اسمه غاليوش، وقيل أقيوس وغاليوش ابنه، وقيل أورليوس، وقيل غليوش، وقيل أدرياليانوس، فأقام إحدى عشرة سنة، وقيل خمس عشرة سنة، وقيل أربع عشرة سنة، وقيل خمس سنين، وكان يعبد الأصنام فلقي النصارى منه شدّة عظيمة، ووقع في أيامه وباء عظيم فرفع الطلب عن النصارى بسببه. وفي أيامه خرج القوط من بلادهم وتغلّبوا على بلاد مقدونية وبلاد النّبط واقتلعوها منه، وقتله بعض قوّاد رومة.
وملك بعده (افلوديوش قيصر) لثمانين وخمسمائة للإسكندر، فأقام سنة واحدة، وقيل سنة وتسعة أشهر، وقيل هو فلوديش بن بلاريان، ولم يكن من بيت الملك وأقام سنتين، وقيل ملك [بعده أخوه] (1) قنطل فأقام سبعة عشر يوما، ودفع القوط عن مقدونية وأرمينية وقتله بعض قوّاده.
ثم ملك (أوريليانس) وقيل اسمه أوراليوس، وقيل أورينوس، وقيل أروليوس، وقيل أوراليان بن بلنسيان، فأقام ستّ سنين، وقيل خمس سنين، وأشتدّ على النصارى وجدّد بناء رومة وفي سادسة ملكه ولد قسطنطين، ثم قتل.
وملك بعده (طافيش بن اليش) وقيل اسمه طافسيوس، وقيل طافساس، فأقام نحو سنة، وقيل تسعة أشهر، وقيل ستة أشهر.
__________
(1) الزيادة عن العبر (ج 2، ص 208) وقد جاء هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.(5/369)
ثم ملك بعده (فروفش قيصر) وقيل اسمه فرويس، وقيل برويش، وقيل ولاكيوش، وقيل ارفيون، فأقام خمس سنين، وقيل ستّ سنين وقيل سبع سنين، وقتله قوّاد رومة.
ثم ملك بعده (قاريوش قيصر) وقيل اسمه قوروش، وقيل قاروش لخمسمائة وثنتين وتسعين للإسكندر في زمن سابور ذي الأكتاف: أحد ملوك الساسانيّة من الفرس، فأقام سنتين، وقيل ثلاث سنين، وتغلّب على كثير من بلاد الفرس، واشتدّ على النصارى وقتل منهم خلقا كثيرا وهلك في الحرب.
فملك بعده ابنه (مناريان) وقتل لوقته.
ثم ملك من بعده (ديقلاديانوس) لخمسمائة وخمس وتسعين سنة للإسكندر، وقيل اسمه دقلطيانوس، وقيل غرنيطا، فأقام إحدى وعشرين سنة، وقيل عشرين سنة، وقيل ثمان عشرة ولقي النصارى منه شدّة وأمر بغلق الكنائس، وقتل جملة من أعيان النصارى، وهلك.
فملك بعده ابنه (مقسيمانوس قيصر) فأقام سبع سنين، وقيل سنة واحدة.
وكان شريكه في الملك (مفطوس) وهو أشدّ كفرا منه، ولقي النصارى منهما شدّة عظيمة وقتل منهم خلقا كثيرا، ووقع في كلام هروشيوش ما يخالف هذا الترتيب، ولا حاجة بنا إلى ذكره.
الطبقة الثالثة (القياصرة المتنصّرة إلى الفتح الإسلاميّ)
وكانوا يدينون أوّلا بدين الصابئة، ثم دانوا بدين المجوسية، ثم بعد ظهور الحواريّين، وتسلّطهم عليهم مرة بعد أخرى أخذوا بدين النّصرانية، وكان أوّل من أخذ منهم به قسطنطين بن قسطنش بن وليتنوش، وكان قد خرج على مقسيمانوس قيصر: آخر القياصرة من الطبقة الثانية، فهزمه ورجع مقسيمانوس إلى رومة، فازدحم عسكره على الجسر فغرق فيمن غرق، ودخل قسطنطين رومة وملكها فبسط العدل، ورفع الجور، وتنصّر لثنتي عشرة سنة من ملكه، وهدم بيوت
الأصنام، وتوجهت أمّه (هلانة) إلى القدس واستخرجت خشبة الصّلبوت بزعمهم من تحت القمامات وبنت مكانها كنيسة قمامة، وذلك لثلاثمائة وثمان وعشرين سنة من مولد المسيح عليه السّلام. وفي السنة التاسعة عشرة من ملكه كان مجمع الأساقفة بنيقية، ولما تنصّر قسطنطين وخرج عن دين المجوسيّة، خاف من قومه فارتحل من رومة إلى مدينة بوزنطية فجدّدها وزاد فيها وسمّاها القسطنطينيّة باسمه وأقام في الملك خمسين سنة: منها ببوزنطية ستّ وعشرون سنة قبل غلبة مقسيمانوس، وأربع وعشرون بعد استيلائه على الرّوم وهلك لستمائة وخمسين للإسكندر.(5/370)
وكانوا يدينون أوّلا بدين الصابئة، ثم دانوا بدين المجوسية، ثم بعد ظهور الحواريّين، وتسلّطهم عليهم مرة بعد أخرى أخذوا بدين النّصرانية، وكان أوّل من أخذ منهم به قسطنطين بن قسطنش بن وليتنوش، وكان قد خرج على مقسيمانوس قيصر: آخر القياصرة من الطبقة الثانية، فهزمه ورجع مقسيمانوس إلى رومة، فازدحم عسكره على الجسر فغرق فيمن غرق، ودخل قسطنطين رومة وملكها فبسط العدل، ورفع الجور، وتنصّر لثنتي عشرة سنة من ملكه، وهدم بيوت
الأصنام، وتوجهت أمّه (هلانة) إلى القدس واستخرجت خشبة الصّلبوت بزعمهم من تحت القمامات وبنت مكانها كنيسة قمامة، وذلك لثلاثمائة وثمان وعشرين سنة من مولد المسيح عليه السّلام. وفي السنة التاسعة عشرة من ملكه كان مجمع الأساقفة بنيقية، ولما تنصّر قسطنطين وخرج عن دين المجوسيّة، خاف من قومه فارتحل من رومة إلى مدينة بوزنطية فجدّدها وزاد فيها وسمّاها القسطنطينيّة باسمه وأقام في الملك خمسين سنة: منها ببوزنطية ستّ وعشرون سنة قبل غلبة مقسيمانوس، وأربع وعشرون بعد استيلائه على الرّوم وهلك لستمائة وخمسين للإسكندر.
وملك بعده ابنه (قسطنطين الأصغر) بن قسطنطين، بن قسطنطين، بن قسطنش فأقام أربعا وعشرين سنة ومات.
فملك بعده ابن عمه (يوليانش) فأقام سنة واحدة، وقيل سنتين، فكان على غير دين النصرانية، فقتل النصارى وعزلهم عن الكنائس واطرحهم من الدّيوان وسار لقتال الفرس فمات من سهم أصابه، وقيل ضلّ في مفازة فقتله أعداؤه.
وملك بعده (يليان) بن قسطنطين سنة واحدة وهلك.
فملك بعده (بوشانوش) فأقام سنة واحدة، وقيل إنما هو بلنسيان بن قسطنطين، وقيل واليطينوش، وانه ملك ثنتي عشرة سنة أو خمس عشرة سنة ثم هلك بالفالج.
وملك بعده أخوه (واليش) وقيل اسمه والاش فأقام أربع سنين، وقيل ثلاث سنين، وقيل سنتين، وقيل إنه كان شريك واليطينوش المتقدّم ذكره في الملك، ثم خرج على واليش خارج من العرب وقتل في حربه.
وملك بعده (اغراديانوس قيصر) وهو أخو واليش، ويقال إن ولنطيانش ويقال والنطوش بن واليش كان شريكا له في الملك فأقام سنة واحدة، وقيل سنتين، وقيل ثلاث سنين، ومات اغراديانوس وابن أخيه في سنة واحدة.
وملك بعدهما (تاوداسيوس) ويقال إنه طودوشيوش لستمائة وتسعين من ملك الإسكندر، فأقام سبع عشرة سنة، وفي الخامسة عشرة من ملكه ظهر أهل الكهف وأفاقوا من نومهم، فأرسل في طلبهم فوجدهم قد ماتوا فأمر أن تبنى عليهم كنيسة ويتّخذ يوم ظهورهم عيدا، وفي أيامه كان المجمع بقسطنطينيّة لمائتين وخمسين سنة من [مجمع] نيقية.(5/371)
وملك بعده (اغراديانوس قيصر) وهو أخو واليش، ويقال إن ولنطيانش ويقال والنطوش بن واليش كان شريكا له في الملك فأقام سنة واحدة، وقيل سنتين، وقيل ثلاث سنين، ومات اغراديانوس وابن أخيه في سنة واحدة.
وملك بعدهما (تاوداسيوس) ويقال إنه طودوشيوش لستمائة وتسعين من ملك الإسكندر، فأقام سبع عشرة سنة، وفي الخامسة عشرة من ملكه ظهر أهل الكهف وأفاقوا من نومهم، فأرسل في طلبهم فوجدهم قد ماتوا فأمر أن تبنى عليهم كنيسة ويتّخذ يوم ظهورهم عيدا، وفي أيامه كان المجمع بقسطنطينيّة لمائتين وخمسين سنة من [مجمع] نيقية.
ثم ملك (اركاديش) بن تاوداسيوس، فأقام ثلاث عشرة سنة، وولد له ولد سماه طودوشيوش، فلما كبر هرب إلى مصر وترهّب، وأقام في مغارة في الجبل المقطّم ومات فبنى الملك على قبره كنيسة وديرا يسمّى دير القيصر، وهو دير البغل، وهلك.
فملك بعده ابنه (طودوشيش قيصر) الأصغر، فأقام ثنتين وأربعين سنة.
وفي أيامه كان المجمع الثالث للنصارى بمدينة أفسس، وولّى أخاه أنوريش على رومة واقتسما الملك بينهما، وقيل إن أركاديش بن طودوشيوش ولّى أخاه أنوريش على رومة واقتسما الملك وإنه لما هلك أركاديش استبدّ أخوه أنوريش قيصر بالملك خمس عشرة سنة، وإنه لما هلك ملك من بعده طودوشيش المقدّم ذكره.
ثم ملك (مرقيان قيصر) ويقال بالكاف بدل القاف، فأقام ستّ سنين.
وفي أيامه كان المجمع الرابع بخلقدونية وانقسم النصارى إلى يعقوبيّة وملكية.
ونسطوريّة. وفي أيامه سكن شمعون الحبيس الصّومعة بأنطاكية وترهّب فيها وهو أوّل من فعل ذلك من النصارى، ثم مات مرقيان.
وملك بعده (لاون قيصر) ويعرف بلاون الكبير لسبعمائة وسبعين سنة من ملك الإسكندر، وقيل اسمه ليون بن شميخلية، وكان ملكيّا فأقام ستّ عشرة سنة ومات.
وملك بعده (لاون قيصر) ويعرف بلاون الصغير، وكان يعقوبيّا فأقام سنة واحدة وهلك.
فملك بعده (زينون قيصر) وقيل اسمه سينون بالسين المهملة بدل الزاي، وكان يعقوبيّا فأقام سبع عشرة سنة وهلك.(5/372)
وملك بعده (لاون قيصر) ويعرف بلاون الصغير، وكان يعقوبيّا فأقام سنة واحدة وهلك.
فملك بعده (زينون قيصر) وقيل اسمه سينون بالسين المهملة بدل الزاي، وكان يعقوبيّا فأقام سبع عشرة سنة وهلك.
فملك بعده (نشطاش قيصر) لثمانمائة وثلاث سنين للإسكندر، فأقام سبعا وعشرين سنة، وكان يعقوبيّا وسكن حماة من الشام، وأمر أن تشاد وتحصّن فبنيت في سنتين، وأمر بقتل كلّ امرأة قارئة كاتبة، وهلك.
فملك بعده (يشطيانش قيصر) لثمانمائة وثلاثين للإسكندر، وكان ملكيّا فأقام تسع سنين، وقيل سبع سنين، ويقال إنه كان معه شريك في ملكه يقال له يشطيان، وهلك.
فملك بعده (يشطيانش قيصر) لثمانمائة وأربعين للإسكندر، وكان ملكيّا وهو ابن عم يشطيانش الملك قبله، وقيل كان شريكه فأقام أربعين سنة، وقيل ثلاثا وثلاثين سنة، وأمر بأن يتّخذ عيد الميلاد في الرابع والعشرين من كانون، والغطاس في ستّ منه، وكانا قبل ذلك جميعا في سادسه، وكانت كنيسة بيت لحم بالقدس صغيرة فزاد فيها ووسّعها حتّى صارت على ما هي عليه الآن. وفي أيامه كان المجمع الخامس للنصارى بالقسطنطينيّة وهلك.
فملك بعده (يوشطونش قيصر) لثمانمائة وثمانين سنة للإسكندر في زمن كسرى أنوشروان فأقام ثلاث عشرة سنة، وقيل إحدى عشرة سنة، وهلك.
فملك بعده (طباريش قيصر) لثمانمائة وثنتين وتسعين للإسكندر فأقام ثلاث سنين، وقيل أربع سنين، وهلك.
فملك بعده (موريكش قيصر) لثمانمائة وخمس وتسعين للإسكندر، فأقام عشرين سنة، وكان حسن السّيرة، ووثب عليه بعض مماليكه فقتله.
وملك بعده (قوقاص قيصر) قريب موريكش الملك قبله، وكان هو الذي بعث مملوكه على قتله. وفي أيامه ثار كسرى أبرويز على بلاد الروم، وملك الشام ومصر. فأقاما في ملكة الفرس عشر سنين، وحاصر القسطنطينيّة طلبا لثأر
موريكش لمصاهرة كانت بينهما، فثار الرّوم على قوقاص فقتلته بسبب ما جلبه إليهم من الفتنة.(5/373)
وملك بعده (قوقاص قيصر) قريب موريكش الملك قبله، وكان هو الذي بعث مملوكه على قتله. وفي أيامه ثار كسرى أبرويز على بلاد الروم، وملك الشام ومصر. فأقاما في ملكة الفرس عشر سنين، وحاصر القسطنطينيّة طلبا لثأر
موريكش لمصاهرة كانت بينهما، فثار الرّوم على قوقاص فقتلته بسبب ما جلبه إليهم من الفتنة.
وملك بعده (هرقل) بن أنطونيش، وقيل هرقل بن هرقل بن أنطونيش لستمائة وإحدى عشرة من تاريخ المسيح، ولألف ومائة من بناء رومة، ولتسعمائة وثنتين وعشرين سنة للإسكندر، ولأوّل سنة من الهجرة، وقيل لإحدى عشرة سنة منها، وقيل لتسع سنين. فارتحل أبرويز عن القسطنطينيّة راجعا إلى بلاده، وأقام هرقل في الملك إحدى وثلاثين سنة ونصفا، وقيل ثنتين وثلاثين سنة، وثار على بلاد الفرس فخرّبها في غيبة كسرى، وضعفت مملكة الفرس بسبب ذلك، واستولى هرقل على ما كان كسرى استولى عليه من بلاده: وهو مصر والشأم، وأعاد بناء ما كان خرّب (1) من الكنائس فيهما، وكتب إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعوه للإسلام.
قال المسعوديّ، وقيل إن مولد النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم كان في أيام يوشطيانش، وإن ملكه كان عشرين سنة. ثم ملك (هرقل بن نوسطيونس) خمس عشرة سنة، وإليه تنسب الدراهم الهرقليّة. ثم ملك بعده (مورق بن هرقل). قال: والمشهور بين الناس أن الهجرة وأيام الشيخين، كان ملك الروم لهرقل. قال: وفي كتب السير أن الهجرة كانت على عهد قيصر بن مورق، ثم كان بعده قيصر بن قيصر [ايام أبي بكر ثم هرقل بن قيصر] (2) أيام عمر، وعليه كان الفتح وهو المخرج من الشأم.
الطبقة الرابعة (ملوك الروم بعد الفتح الإسلاميّ إلى زماننا)
قد تقدّم أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعث وهاجر وهرقل ملك الروم، وكتب إليه يدعوه إلى
__________
(1) أي كسرى.
(2) الزيادة عن العبر (ج 2، ص 222) وقد جاء هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.(5/374)
الإسلام. وبقي هرقل إلى أن افتتح المسلمون الشأم في خلافة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه. فلما غلب المسلمون على أكثر بلاد الشأم، خرج إلى الرّها، ثم علا على نشز من الأرض والتفت إلى الشأم وقال: «السلام عليك يا سور يا سلام لا اجتماع بعده، ولا يعود إليك روميّ بعدها إلا خائفا» وسار حتّى بلغ القسطنطينيّة فأقام بها، واستولى المسلمون على الشأم ومصر والإسكندرية وأفريقيّة والأندلس، وأستولوا على جزائر البحر الرّومي: مثل صقلّيّة، ودانية، وميورقة وغيرها مما كان بيد الرّوم. وأقام في الملك إحدى وثلاثين سنة، وهلك لإحدى وعشرين سنة من الهجرة.
وملك بعده على الرّوم بقسطنطينيّة ابنه (قسطنطين) بن هرقل فأقام ستة أشهر وقتله بعض نساء أبيه.
وملك بعده أخوه (هرقل) بن هرقل، فتشاءم به الروم فخلعوه وقتلوه.
وملّكوا عليهم (قسطينو بن قسطنطين) فأقام ستّ عشرة سنة. وفي أيامه غزا معاوية بن أبي سفيان بلاد الرّوم وهو أمير على الشأم من قبل عمر بن الخطاب في سنة أربع وعشرين من الهجرة فدوّخ البلاد وفتح منها مدنا كثيرة، ثم أغزى عساكر المسلمين إلى قبرص في البحر في سنة سبع وعشرين، ففتح منها حصونا، وضرب الجزية على أهلها. ومات قسطينو سنة سبع وثلاثين من الهجرة.
فملك بعده ابنه (يوطيانس) فأقام اثنتي عشرة سنة، ومات سنة ثمان وأربعين من الهجرة.
وملك بعده ابنه (لاون) فأقام ثلاث سنين، ومات سنة خمسين من الهجرة.
فملك بعده (طيباريوس قيصر) فمكث سبع سنين. وفي أيامه غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية في عساكر المسلمين وحاصرها مدّة، ثم أفرج عنها واستشهد أبو أيّوب الأنصاريّ (1) في حصارها ودفن في ساحتها، وقتل طيباريوس المذكور
__________
(1) هو: خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة، أبو أيوب الأنصاري، من بني النجار: صحابي، شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد. توفي سنة 52هـ.(5/375)
سنة ثمان وخمسين من الهجرة.
وملك بعده (أغشطش قيصر) فذبحه بعض عبيده.
وملك بعده ابنه (إصطفانيوس) في أيام عبد الملك بن مروان ثم خلع.
وملك بعده (لاون) ومات سنة ثمان وسبعين من الهجرة.
وملك بعده (طيباريوس) سبع سنين، ومات سنة ستّ وثمانين من الهجرة.
وملك بعده (سطيانوس) في أيام الوليد بن عبد الملك باني الجامع الأمويّ بدمشق.
ثم ملك بعده (تداوس) في سنة إحدى ومائة من الهجرة، فأقام سنة ونصفا.
ثم ملك بعده (لاون) فأقام أربعا وعشرين سنة.
وملك بعده ابنه (قسطنطين). وفي أيامه غزا هشام بن عبد الملك الصائفة اليسرى من بلاد الروم، وأخوه سليمان الصائفة اليمنى في سنة ثلاث عشرة ومائة، فلقيهم قسطنطين المذكور في جموع الرّوم فانهزم وأخذ أسيرا ثم أطلق.
ثم ملك بعده رجل اسمه (جرجس) من غير بيت الملك فبقي أيام السّفّاح والمنصور وأمره مضطرب ثم مات.
وملك بعده (قسطنطين) بن لاون، وبنى المدن وأسكنها أهل أرمينية وغيرهم، ثم مات.
وملك بعده ابنه (لاون) وهلك.
فملك بعده (نقفور) وهلك في خلافة الأمين بن الرّشيد.
وملك بعده ابنه (استيراق قيصر) وأقام إلى خلافة المأمون. وفي أيام المأمون غلب قسطنطين [بن فلفط] (1) على مملكة الروم، وطرد ابن نقفور،
__________
(1) الزيادة عن العبر (ج 2، ص 229) وقد جاء هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.(5/376)
هكذا رتبه ابن العميد. وفي كلام المسعوديّ ما يخالفه.
قال المسعوديّ: ثم ملك بعد قسطنطين (نوفيل) أيّام المعتصم (1)
ثم ملك من بعده (ميخائيل) بن نوفيل أيّام الواثق (2) والمتوكل (3)، والمنتصر (4)، والمستعين (5)
ثم تنازع الروم وملّكوا عليهم (نوفيل بن ميخائيل) أيام المعتز (6)، والمهتدي (7)، وبعض أيام المعتمد (8)
ثم ملك من بعده ابنه (أليون) بن نوفيل [بقية] أيام المعتمد وصدرا من أيام المعتضد (9)
__________
(1) أنظر الصفحة (303)، هامش رقم (1)
(2) هو: هارون (الواثق بالله) بن محمد (المعتصم، بن هارون الرشيد، أبو جعفر: من خلفاء الدولة العباسية). أنظر الطبري (ج 11، ص 24) والأغاني (ج 9، ص 300276) والأعلام (ج 8، ص 62)
(3) أنظر الصفحة (303) هامش رقم (2)
(4) هو: محمد (المنتصر بالله) بن جعفر (المتوكل على الله) بن المعتصم، أبو جعفر: من خلفاء الدولة العباسية. توفي سنة 248هـ. أنظر الأغاني (ج 9، ص 300) والأعلام (ج 6، ص 70)
(5) هو: أحمد بن محمد بن المعتصم بن هارون الرشيد، أبو العباس، أمير المؤمنين المستعين بالله من خلفاء الدولة العباسية. توفي سنة 252هـ. أنظر الطبري (ج 11، ص 92و 146137) والأعلام (ج 1، ص 204)
(6) سبق التعريف به.
(7) هو: محمد بن هارون الواثق بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد، أبو عبد الله، المهتدي بالله:
من خلفاء الدولة العباسية. توفي سنة 256هـ. أنظر مروج الذهب (ج 2، ص 345338) والأعلام (ج 7، ص 128)
(8) أنظر صفحة (304)، هامش رقم (3)
(9) هو: أحمد بن طلحة بن جعفر، أبو العباس المعتضد بالله بن الموفق بن المتوكل، من خلفاء الدولة العباسية. توفي سنة 289هـ. أنظر النجوم الزاهرة (ج 3، ص 128) والأعلام (ج 1، ص 140)(5/377)
ثم ملك من بعده (الإسكندروس) بن أليون، فنقموا سيرته، فخلعوه.
وملّكوا عليهم أخاه [لاوي] بن أليون، فأقام [بقية] أيام المعتضد والمكتفي (1)، وصدرا من أيام المقتدر (2) ثم هلك.
وملك ابنه (قسطنطين) صغيرا، وقام بتدبير دولته أرمنوس بطريق البحر، وزوّجه ابنته وتسمّى بالدمستق، والدمستق هو الذي يلي شرق الخليج القسطنطينيّ واتصل ذلك أيام المقتدر (3) والقاهر (4)، والراضي (5)، والمتقي (6) ثم افترق أمر الروم.
ثم ظاهر كلام ابن الأثير أن أرمنوس المتقدّم ذكره صار إليه الملك بعد قسطنطين. قال: وكان الدّمستق على عهده قوقاس فملك ملطية من يد المسلمين بالأمان في سنة ثنتين وعشرين وثلاثمائة، وولّى تقفور دمستقا، وهلك أرمنوس وترك ولدين صغيرين وكان تقفور الدمستق غائبا ببلاد المسلمين فلما رجع اجتمع إليه زعماء الروم وقدّموه لتدبير أمر الصغيرين وألبسوه التاج، ثم دسّت عليه أم
__________
(1) هو: علي (المكتفي بالله) بن أحمد المعتضد بن الموفق بن المتوكل، أبو محمد: من خلفاء الدولة العباسية. توفي سنة 265هـ. أنظر الطبري (ج 11، ص 404) والأعلام (ج 4، ص 253)
(2) أنظر صفحة (305)، هامش رقم (1)
(3) سبق التعريف به.
(4) هو: محمد بن أحمد بن طلحة العباسي: أمير المؤمنين القاهر بن المعتضد بن الموفق، أبو منصور، من خلفاء الدولة العباسية. توفي سنة 339هـ. أنظر نكت الهميان (ص 236) والأعلام (ج 5، ص 309)
(5) هو: محمد بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد، أبو العباس الراضي بالله: خليفة عباسي. توفي سنة 329هـ. أنظر البداية والنهاية (ج 11، ص 196) والأعلام (ج 6، ص 71)
(6) هو: إبراهيم بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد الموفّق بن المتوكل، أبو إسحاق:
خليفة عباسي. توفي سنة 357هـ. أنظر مختصر أخبار الخلفاء لابن الساعي. (ص 81) وأخبار الراضي والمتقي (ص 285186) والأعلام (ج 1، ص 35)(5/378)
زوجة أرمنوس أم الصغيرين، فقتلته في سنة ستين وثلاثمائة.
وقام ابنها الأكبر وهو (بسيل بن أرمنوس) بتدبير ملكه فطالت مدّته، وأقام في الملك نيّفا وسبعين سنة، وهلك بسيل سنة عشر وأربعمائة.
وملك بعده أخوه (قسطنطين) فأقام تسع سنين، ثم هلك عن ثلاث بنات.
فملّك الروم عليهم الكبرى منهن، وقام بأمرها ابن خالها (أرمانوس) وتزوّجت به فاستولى على مملكة الرّوم، ثم مالت زوجته إلى المتحكّم في دولته، واسمه ميخائيل فدسّته عليه فقتله واستولى على الأمر، ثم أصابه الصّرع ودام به.
فعهد لابن أخت له اسمه (ميخائيل) فأحسن السّيرة وطلب من زوجة خاله أن تخلع نفسها عن الملك فأبت فنفاها إلى بعض الجزر، واستولى على المملكة سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وأنكر عليه البطرك خلع المرأة فهمّ بقتله، فنادى البطرك في النصارى بخلعه فخلعوه، واستدعى الملكة التي خلعها وأعادها إلى الملك، ونفت ميخائيل كما نفاها ثم اتفق البطرك والروم على خلعها فخلعت.
وملّكوا عليهم أختها (ندورة) وسملوا ميخائيل فوقع الخلف بسبب ذلك، فأقرعوا بين المترشّحين للملك منهم فخرجت على رجل منهم اسمه (قسطنطين) فملّكوه عليهم وزوّجوه بندورة الملكة في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، ثم توفّي قسطنطين المذكور سنة ستّ وأربعين وأربعمائة.
وملّك على الروم (أرمانوس) وذلك لأوّل دولة السّلجوقيّة، وخرج لبلاد الإسلام [فزحف إليه ألب أرسلان من أذربيجان فهزمه وحصل في أسره، ثم فاداه على مال يعطيه وأجروه عليه وعقد معه صلحا] (1)
فوثب (ميخائيل) بعده على مملكة الروم. فلما انطلق من الأسر وعاد إلى
__________
(1) الزيادة عن تاريخ ابن خلدون (ج 2، ص 131) وقد جاء أيضا هذا الاستدراك في طبعة دار الكتب المصرية.(5/379)
قسطنطينيّة، دفعه ميخائيل عن الملك، والتزم لألب أرسلان ما انعقد عليه الصلح. وترهّب أرمانوس وترك الملك. إلى هنا انتهى كلام ابن الأثير.
ثم توالت عليها ملوك الروم واحدا بعد واحد إلى آخر المائة السادسة. وكان ملك القسطنطينيّة يومئذ قد تزوّج أخت الفرنسيس ملك الفرنجة، فولد له منها ابن ذكر.
ثم وثب بالملك أخوه فسمله وملك مكانه، ولحق الابن بخاله الفرنسيس، فوجده قد جهّز الأساطيل لارتجاع بيت المقدس وفيها ثلاثة من ملوك الفرنجة وهم كيدقليس: أحد ملوكهم، وهو أكبرهم، ودوقس البنادقة، والمركين مقدّم الفرنسيس، فأمرهم الفرنسيس بالجواز على القسطنطينية ليصلحوا بين ابن أخته وبين عمه ملك الروم. فلما وصلوا إلى مرسى القسطنطينيّة خرج إليهم عمّه وحاربهم فهزموه ودخلوا البلد، وأجلسوا الصبيّ على سرير الملك، وساء أمرهم في البلد، وصادروا أهل النّعم، وأخذوا أموال الكنائس، وثقلت وطأتهم على الرّوم، فعقلوا الصبيّ وأخرجوهم من البلد، وأعادوا عمّ الصبيّ إلى الملك. ثم هجم الفرنج البلد وأستباحوها ثمانية أيام حتّى أقفرت، وقتلوا من بها من القسّيسين والرّهبان والأساقفة، وخلعوا الصبيّ، واقترع ملوك الفرنج الثلاثة على الملك، فخرجت القرعة على كيدقليس كبيرهم فملّكوه على القسطنطينية وما يجاورها.
وجعلوا لدوقس البنادقة الجزائر البحريّة: مثل أقريطش ورودس وغيرهما، وللمركين البلاد التي في شرقيّ الخليج: مثل أرسوا ولارتو في جوار سليمان بن قليج أرسلان، فلم يحصل لأحد منهم شيء من ذلك إلا لمن أخذ شرقيّ الخليج.
ثم تغلّب على القسطنطينية بطريق من بطارقة الرّوم شهرته لشكريّ واسمه (ميخائيل) فدفع عنها الفرنج وملكها وقتل الذي كان ملكا قبله، وعقد معه الصّلح الملك المنصور «قلاوون الصالحيّ» صاحب مصر والشام، وتوفّي سنة إحدى وثمانين وستّمائة.
وملك بعده ابنه (ياندر) وتلقّب الدوقس، وشهرتهم جميعا اللشكري،
وبقي بنوه في ملكها إلى الآن. ولم أقف على تفاصيل أخبارهم غير أنه لم يبق بيدهم سوى قسطنطينيّة وبعض أعمالها المجاورة لها. وقد استولى الفرنج على جهاتها الغربية، واستولى المسلمون على ما هو شرقيّ الخليج القسطنطيني وعلى أعمال كثيرة من غربيّه إلى ما يقارب خليج البنادقة على ما تقدّم بيانه في الكلام على القسم الأوّل من هذا المقصد، مع تسلّط صاحب السّراي ملك تتر الشمال من بني جنكزخان عليه بالبعوث والسّرايا قبل ذلك. حتّى إن القان أزبك صاحب هذه المملكة قرّر عليه إتاوة تحمل إليه في كل سنة ليكفّ عنه، كما أشار إليه في «التعريف» في الكلام على مكاتبة صاحب القسطنطينيّة. قال ابن سعيد: ومنتهى حكم اللشكريّ صاحب القسطنطينيّة الآن إلى إيثنية. قال في «تقويم البلدان»:(5/380)
وملك بعده ابنه (ياندر) وتلقّب الدوقس، وشهرتهم جميعا اللشكري،
وبقي بنوه في ملكها إلى الآن. ولم أقف على تفاصيل أخبارهم غير أنه لم يبق بيدهم سوى قسطنطينيّة وبعض أعمالها المجاورة لها. وقد استولى الفرنج على جهاتها الغربية، واستولى المسلمون على ما هو شرقيّ الخليج القسطنطيني وعلى أعمال كثيرة من غربيّه إلى ما يقارب خليج البنادقة على ما تقدّم بيانه في الكلام على القسم الأوّل من هذا المقصد، مع تسلّط صاحب السّراي ملك تتر الشمال من بني جنكزخان عليه بالبعوث والسّرايا قبل ذلك. حتّى إن القان أزبك صاحب هذه المملكة قرّر عليه إتاوة تحمل إليه في كل سنة ليكفّ عنه، كما أشار إليه في «التعريف» في الكلام على مكاتبة صاحب القسطنطينيّة. قال ابن سعيد: ومنتهى حكم اللشكريّ صاحب القسطنطينيّة الآن إلى إيثنية. قال في «تقويم البلدان»:
بالهمزة والياء المثناة التحتية والثاء المثلثة ونون ثم ياء مثناة تحتية ثانية وهاء في الآخر. قال ابن سعيد: وهي غربيّ الخليج القسطنطيني بشمال. قال ابن حوقل:
وهي مدينة بها مجمع النصارى بقرب البحر، وهي دار حكمة اليونان في القديم، وبها تحفظ علومهم، وحكمهم.
ولصاحب القسطنطينية المستقرّ بها مكاتبة تخصّه من الأبواب السلطانية بالديار المصرية، على ما يأتي بيانه في الكلام على مكاتبات ملوك الكفر في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
المملكة الثانية (مملكة الألمان)
قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه: وهم من أكبر أمم النصارى، يسكنون في غربيّ القسطنطينيّة إلى الشّمال، وملكهم كثير الجنود. قال: وهو الذي سار إلى الشأم في زمن السلطان صلاح الدين «يوسف بن أيوب» في سنة ستّ وثمانين وخمسمائة، فهلك قبل وصوله إلى الشام. وكان قد خرج بمائة ألف مقاتل فسلّط الله عليهم الغلاء والوباء فمات أكثرهم في الطريق، ولما وصل إلى بلاد الأرمن نزل يغتسل في نهر هناك فغرق فيه، وبقي من عسكره قدر ألف مقاتل
لا غير فعادوا إلى بلادهم. {وَرَدَّ اللََّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنََالُوا خَيْراً} (1)
وقاعدتهم فيما ذكر ابن سعيد (مدينة برشان). قال في «تقويم البلدان»: بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الشين المعجمة ثم ألف ونون في الآخر. قال: ويقال لها أيضا (برجان) بالجيم وذكر ابن سعيد: أنه كان بها الأمّة المسماة برجان في قديم الزمان فاستولت عليهم الألمانيّة وأبادوهم حتّى لم يبق منهم أحد، ولم يبق لهم أثر. وهؤلاء البرجان هم الذين كان يقاتلهم قسطنطين ورأى في منامه أعلاما عليها صلبان فتنصّر.(5/381)
قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه: وهم من أكبر أمم النصارى، يسكنون في غربيّ القسطنطينيّة إلى الشّمال، وملكهم كثير الجنود. قال: وهو الذي سار إلى الشأم في زمن السلطان صلاح الدين «يوسف بن أيوب» في سنة ستّ وثمانين وخمسمائة، فهلك قبل وصوله إلى الشام. وكان قد خرج بمائة ألف مقاتل فسلّط الله عليهم الغلاء والوباء فمات أكثرهم في الطريق، ولما وصل إلى بلاد الأرمن نزل يغتسل في نهر هناك فغرق فيه، وبقي من عسكره قدر ألف مقاتل
لا غير فعادوا إلى بلادهم. {وَرَدَّ اللََّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنََالُوا خَيْراً} (1)
وقاعدتهم فيما ذكر ابن سعيد (مدينة برشان). قال في «تقويم البلدان»: بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الشين المعجمة ثم ألف ونون في الآخر. قال: ويقال لها أيضا (برجان) بالجيم وذكر ابن سعيد: أنه كان بها الأمّة المسماة برجان في قديم الزمان فاستولت عليهم الألمانيّة وأبادوهم حتّى لم يبق منهم أحد، ولم يبق لهم أثر. وهؤلاء البرجان هم الذين كان يقاتلهم قسطنطين ورأى في منامه أعلاما عليها صلبان فتنصّر.
المملكة الثالثة (مملكة البنادقة)
وهم طائفة مشهورة من الفرنج، وبلادهم شرقيّ بلاد (الأنبردية) الآتي ذكرهم.
وقاعدة مملكتهم (البندقيّة). قال في «تقويم البلدان»: بضم الباء الموحدة وسكون النون ثم دال مهملة وقاف ومثناة تحتية وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة، والعرض أربع وأربعون درجة. قال ابن سعيد: وهي على طرف الخليج المعروف بجون البنادقة، وقد تقدّم الكلام عليه عند ذكره في الكلام على بحر الرّوم. قال: وعمارتها في البحر، وتخترق المراكب أكثرها، تتردّد بين الدّور، ومركب الإنسان على باب داره، وليس لهم مكان يتمشّون فيه إلا الساباط الذي فيه سوق الصّرف، صنعوه لراحتهم إذا أرادوا التمشّي، وملكهم من أنفسهم يقال له الدّوك، يعني بضم الدال المهملة وسكون الواو وكاف في الآخر.
ودنانيرهم أفضل دنانير الفرنجة، وقد تقدّم في الكلام على معاملة الديار المصرية في أوّل هذه المقالة أن دينارهم يقال له (دوكات) نسبة إلى الدّوك الذي هو
__________
(1) أنظر سورة الأحزاب ورقمها (33) آية رقم (25)(5/382)
ملكهم، وإليها ينسب الجوخ البندقيّ الفائق لكل نوع من الجوخ.
قال السلطان عماد الدّين صاحب حماة في تاريخه: وهي قريبة من جنوة في البر، وبينهما نحو ثمانية أيام. أما في البحر فبينهما أمد بعيد أكثر من شهرين.
وذلك أنهم يخرجون إلى بحر الرّوم في جهة الشرق ثم يسيرون في بحر الرّوم إلى جهة الغرب.
قال في «تقويم البلدان»: ومن أعمال البندقية (جزائر النّقر بنت) بفتح النون وسكون القاف والراء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون النون وتاء مثناة فوقية في الآخر. قال: وكثيرا ما يكمن بين تلك الجزائر شواني الحراميّة.
ثم قال: وفي شماليّ هذه الجزائر مملكة (أستيب) بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وكسر المثناة الفوقية وسكون المثناة التحتية وباء موحّدة في الآخر.
وفي مملكة أستيب هذه يعمل الأطلس المعدنيّ.
المملكة الرابعة (مملكة الجنويين)
وهم طائفة من الفرنج مشهورة أيضا.
وقاعدة مملكتهم (مدينة جنوة). قال في «تقويم البلدان»: بفتح الجيم والنون والواو ثم هاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى وثلاثون درجة. والعرض إحدى وأربعون درجة وعشرون دقيقة. قال: وهي على غربيّ جون عظيم من البحر الروميّ، والبحر فيما بينها وبين الأندلس يدخل في الشّمال. وهي غربيّ (بلاد البيازنة). قال الشريف الإدريسيّ: وبها جنّات وأودية، وبها مرسى جيّد مأمون، ومدخله من الغرب. قال في «تقويم البلدان»: وعن بعض أهلها أنها في ذيل جبل عظيم، وهي على حافة البحر، وميناها عليها سور، وأنها مدينة كبيرة إلى الغاية، وفيها أنواع الفواكه، ودور أهلها عظيمة، كلّ دار بمنزلة قلعة، ولذلك اغتنوا عن عمل سور
عليها، ولها عيون ماء، منها شربهم وشرب بساتينهم. قال المؤيّد صاحب حماة في تاريخه: ولها بلاد كثيرة.(5/383)
وقاعدة مملكتهم (مدينة جنوة). قال في «تقويم البلدان»: بفتح الجيم والنون والواو ثم هاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول إحدى وثلاثون درجة. والعرض إحدى وأربعون درجة وعشرون دقيقة. قال: وهي على غربيّ جون عظيم من البحر الروميّ، والبحر فيما بينها وبين الأندلس يدخل في الشّمال. وهي غربيّ (بلاد البيازنة). قال الشريف الإدريسيّ: وبها جنّات وأودية، وبها مرسى جيّد مأمون، ومدخله من الغرب. قال في «تقويم البلدان»: وعن بعض أهلها أنها في ذيل جبل عظيم، وهي على حافة البحر، وميناها عليها سور، وأنها مدينة كبيرة إلى الغاية، وفيها أنواع الفواكه، ودور أهلها عظيمة، كلّ دار بمنزلة قلعة، ولذلك اغتنوا عن عمل سور
عليها، ولها عيون ماء، منها شربهم وشرب بساتينهم. قال المؤيّد صاحب حماة في تاريخه: ولها بلاد كثيرة.
المملكة الخامسة (بلاد روميّة)
بضم الراء المهملة وسكون الواو وكسر الميم وفتح الياء المثناة تحت المشدّدة (1) وهاء في الآخر. قال في «تقويم البلدان»: ويقال لها أيضا رومة (يعني بضم الراء وسكون الواو وفتح الميم وهاء في الآخر). وهي مدينة واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة قال في «القانون»: حيث الطول خمس وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، والعرض أربعون درجة وخمسون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي مدينة مشهورة في جنوبيّ جون البنادقة على جانبي نهر يعرف بنهر الصّفر.
وقد ذكر «هروشيوش» مؤرّخ الروم أنها بنيت لأربعة آلاف وخمسمائة سنة من أوّل العالم، على زمن حزقيا بن احاز رابع عشر ملوك بني إسرائيل. وذكر ابن كريون: أنها بنيت في زمن داود عليه السّلام، وبينهما تفاوت كثير في المدّة. قال في «الروض المعطار»: وهي من أعظم المدن وأحفلها. يقال: إنه كان طولها من الشّمال إلى الجنوب عشرين ميلا، وعرضها من الشرق إلى الغرب اثني عشر ميلا. وقيل: دورها أربعون ميلا، وقطرها اثنا عشر ميلا، وارتفاع سورها ثمانية وأربعون ذراعا. وقيل اثنان وسبعون ذراعا، في عرض اثني عشر شبرا مبنيّ بالحجر، وهي في سهل من الأرض تحيط بها الجبال على بعد، وبينها وبين البحر الروميّ اثنا عشر ميلا، ويشقّها نهر ينقسم داخلها قسمين ثم يلتقيان آخرها، وأرضه مفروشة بالنّحاس الأصفر مسافة عشرين ميلا، وفي وسطها صحن في صخرة مرتفعة لم يظفر به عدوّ قط.
__________
(1) ضبطها ياقوت بتخفيف الياء. أنظر معجم البلدان (ج 3، ص 100) وقد جاء هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.(5/384)
وفي داخلها كنيسة طولها ثلاثمائة ذراع وارتفاعها مائتا ذراع، لها أربعة أبواب من فضّة سبكا واحدا، مسقّفة بالنحاس الأصفر الملصق بالقصدير، وحيطانها ملبّسة بصفائح النّحاس، وبها كنيسة أخرى بها برج طوله في الهواء مائة ذراع، وعلى رأس ذلك البرج قبّة مبنية بالرّصاص، وعلى رأس القبة زرزور من نحاس إذا أدرك الزيتون انحشرت إليه الزّرازير من الأقطار البعيدة، في منقار كل زرزور زيتونة وفي رجليه زيتونتان، فيطرحها على ذلك البرج فيعصر ويؤخذ زيته، فيستصبح به في الكنيسة جميع السنة. قال: وأهل رومية أجبن خلق الله تعالى، ومن سنّتهم أنهم لا يدفنون موتاهم، وإنما يدخلونهم في مغائر (1) ويتركونهم فيها فيستوبيء هواؤهم ويقع الذّباب على الموتى، ثم يقع على ثمارهم فيفسدها، ولذلك هم أكثر بلاد الله تعالى طواعين، حتّى إن الطاعون يقع فيها ولا يتعدّاها إلى غيرها فوق عشرين ميلا، وجميع أهلها يحلقون لحاهم، ويزعمون أن كلّ من لا يحلق لحيته فليس نصرانيّا كاملا، زاعمين أن سبب ذلك أن شمعون الصفا والحواريّين جاءوهم وهم قوم مساكين ليس مع كل واحد منهم إلا عصا وجراب، فدعوهم إلى النّصرانية فلم يجيبوهم، وأخذوهم فعذّبوهم وحلقوا رؤوسهم ولحاهم. فلما ظهر لهم صدق قولهم واسوهم بأن فعلوا بأنفسهم مثل ذلك.
ولم تزل رومية هي القاعدة العظمى للرّوم حتّى بنيت القسطنطينيّة وتحوّل إليها قسطنطين، وصارت قسطنطينيّة هي دار ملك الروم على ما تقدّم ذكره في الكلام عليها، مع بقاء رومية عندهم على رفعة المحلّ وعظم الشأن إلى أن غلب عليها الفرنج وانتزعوها من أيديهم، ورفعوا منها قواعدهم واستولوا على ما وراءها من النواحي والبلدان والجزائر: كجنوة، والبندقيّة، وأقريطش، ورودس، واسترجعوا كثيرا مما كان المسلمون استولوا عليه من بلاد الروم كغالب الأندلس.
ثم حدثت الفتن بينهم وبين الروم بالقسطنطينيّة، وعظمت الفتن بينهم ودامت نحوا من مائة سنة «وملك الروم بالقسطنطينيّة معهم في تناقص» حتّى إن رجّار
__________
(1) كذا في الأصل. وهذا خطأ لغوي وقع فيه المؤلف فمغارة لا تجمع على مغائر. وتجمع على مغارات لأنها على وزن مفعلة، لا على وزن فعالة. ولم يرد هذا الجمع في الشواذ أيضا.(5/385)
صاحب جزيرة صقلّية صار يغزو القسطنطينيّة بأساطيله ويأخذ ما يجد في ميناها من سفن التّجّار وشواني المدينة، وانتهى أمره أن جرجا بن ميخائيل صاحب أساطيله دخل إلى مينا القسطنطينية في سنة أربع وأربعين وخمسمائة ورمى قصر الملك بالسّهام، فكان ذلك أنكى على الروم من كلّ نكاية. ثم تزايد الحال إلى أن استولى الفرنج على القسطنطينيّة نفسها في آخر المائة السادسة، وأوقعوا بأهلها وفتكوا وخرّبوا على ما تقدّم بيانه في الكلام على ملوك القسطنطينية. وبالجملة فرومية اليوم من قواعد الفرنج، وهي مقرّ (بابهم) الذي هو خليفة النصارى الملكانية وإليه مرجعهم في التحليل والتحريم.
ولهذا الباب مكاتبة تخصّه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، كما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
وأما الممالك الصغار فسبع ممالك:
الأولى (مملكة المرا)
قال في «تقويم البلدان»: بفتح الميم والراء المهملة وألف. وهي مملكة تبتديء من الخليج القسطنطينيّ من الغرب على ساحل بحر الروم وتمتدّ مغرّبا [وتشتمل على قطعة من (1)] ساحل بحر الروم وعلى بلاد وجبال خارجة عن البحر. قال: وهذه المملكة مناصفة بين صاحب قسطنطينيّة وبين جنس من الفرنج يقال لهم (القيتلان) بالقاف والياء الساكنة آخر الحروف والمثناة الفوقية ولام ألف ونون، ويقال (الكيتلان) بإبدال القاف كافا، وهذا هو الجاري على ألسنة الناس في النطق بهم.
__________
(1) الزيادة عن التقويم ص 198. كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/386)
الثانية (بلاد الملفجوط)
قال في «تقويم البلدان»: بفتح الميم وسكون اللام وفتح الفاء وضم الجيم وسكون الواو وطاء مهملة في الآخر. وهم جنس من الروم لهم لسان ينفردون به، وبلادهم من أعمال قسطنطينيّة على ساحل بحر الروم مما يلي مملكة المرا المقدّم ذكرها من جهة الغرب في مقابلة مشاريق برقة من البر الآخر، على ما تقدّم ذكره في الكلام على بحر الروم في أوّل هذه المقالة.
الثالثة (بلاد إقلرنس)
قال في «تقويم البلدان»: بكسر الهمزة وسكون القاف وكسر اللام والراء المهملة وسكون النون وسين مهملة في الآخر. وهي بلاد على ساحل بحر الروم غربيّ بلاد الملفجوط المقدّم ذكرها وشرقيّ بلاد الباسليسة الآتي ذكرها، وهم في مملكة الباسليسة المذكورة.
الرابعة (مملكة بولية)
بضم الباء الموحدة وسكون الواو ولام وياء آخر الحروف وهاء. قال:
ويقال لها أنبولية أيضا يعني بزيادة همزة في أوّلها ونون ساكنة بعدها. وهي مملكة على بحر الروم عند فم جون البنادقة من غربيّة، في مقابل مملكة الباسليسة من بر الجون المذكور من الجهة الشرقية، وببولية هذه يعرف الزيت المعروف بالبولية.
قال في «تقويم البلدان»: وملك بولية هذه في زماننا يقال له الريدشار.
الخامسة (بلاد قلفرية)
قال في «تقويم البلدان»: بفتح القاف واللام وسكون الفاء وكسر الراء
المهملة وفتح المثناة تحت وهاء في الآخر. قال: ويقال لها قلورية أيضا بإبدال الفاء واوا. وهي من جملة بولية المقدّمة الذكر، واقعة في غربيها وشرقيّ مملكة رومية المتقدّمة الذكر، وقد تقدّم في الكلام على بحر الروم أنه يقابلها طرابلس الغرب من البر الآخر.(5/387)
قال في «تقويم البلدان»: بفتح القاف واللام وسكون الفاء وكسر الراء
المهملة وفتح المثناة تحت وهاء في الآخر. قال: ويقال لها قلورية أيضا بإبدال الفاء واوا. وهي من جملة بولية المقدّمة الذكر، واقعة في غربيها وشرقيّ مملكة رومية المتقدّمة الذكر، وقد تقدّم في الكلام على بحر الروم أنه يقابلها طرابلس الغرب من البر الآخر.
السادسة (بلاد التّسقان)
قال في «تقويم البلدان»: بضم المثناة الفوقيّة وسكون السين المهملة وقاف وألف ونون. قال: وهم جنس من الفرنج ليس لهم ملك بعينه يحكم عليهم بل لهم أكابر يحكمون بينهم، ثم قال: وبتلك البلاد يكون نبات الزّعفران، وقد تقدّم في الكلام على البحر الروميّ أنه يقابلها مدينة تونس من البرّ الآخر.
السابعة (بلاد البيازنة)
بفتح الباء الموحدة والياء المثناة تحت وألف ثم زاي معجمة مكسورة ونون مفتوحة وهاء في الآخر. وهم فرقة من الفرنج.
وقاعدة ملكهم (مدينة بيزة). قال في «تقويم البلدان»: بباء موحدة مكسورة وياء آخر الحروف ساكنة وزاي معجمة يعني وهاء في الآخر. قال: وقد تبدل الزاي شينا معجمة. وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال: والقياس أنها حيث الطول اثنتان وثلاثون درجة، والعرض ستّ وأربعون درجة وسبع وعشرون دقيقة. وقد ذكر في «تقويم البلدان» أنها على الركن الشّماليّ من بلاد الاندلس في مقابل جزيرة سردانية المقدّمة الذكر. وهي غربيّ بلاد رومية وليس لهم ملك وإنما مرجعهم إلى الباب: خليفة النصارى، وإلى بيزة هذه تنسب الفرنج البيازنة والحديد البيزانيّ. وقد تقدّم في الكلام على البحر الروميّ أنه يقابلها من البر الآخر مرسى الخرز.(5/388)
القطر الثاني (مما غربيّ الخليج القسطنطينيّ الأرض الكبيرة)
قال صاحب حماة: وهي أرض متسعة في شماليّ الاندلس، بها ألسن كثيرة مختلفة. وقد ذكر في «التعريف» أنها في شرق الاندلس، ولا يصح ذلك إلا أن يريد منها ما هو شرق شمالي الأندلس.
ويتعلق الغرض منها بثلاث ممالك:
المملكة الأولى (مملكة الفرنج القديمة)
وقاعدتها (مدينة فرنجة) بالفاء والراء المهملة المفتوحتين وسكون النون وفتح الجيم وهاء في الآخر، وقد تبدل الجيم منها سينا مهملة فيقال فرنسة. ويقال لملكهم ريدإفرنس، ومعناه ملك إفرنس، والعامة تقول الفرنسيس. وهو الذي قصد ديار مصر وأخذ دمياط وأسره المسلمون ثم أطلقوه. يشير بذلك إلى قضية تاريخية، وهي أن الفرنج في سنة خمس عشرة وستّمائة وهم مستولون على سواحل الشام يومئذ سار منهم نحو عشرين ملكا من عكّا وقصدوا دمياط في أيام الملك العادل «أبي بكر بن أيّوب» (1) رحمة الله، وسار العادل من مصر إليهم فنزل مقابلهم، وأقاموا على ذلك أربعة أشهر، ومات العادل في أثناء ذلك، واستقرّ بعده في الملك ابنه الملك «الكامل محمد» فوقع في عسكره اختلاف تشاغل به، فهجم الفرنج دمياط وملكوها عنوة في سنة ستّ عشرة وستّمائة، وطمعوا بذلك في مملكة الديار المصرية، فبنى الملك الكامل بلدة عند مفرق النيل: الفرقة الذاهبة إلى دمياط، والفرقة الذاهبة إلى أشموم طناح، وسمّاها (المنصورة) ونزلها بعساكره، ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن دخلت سنة ثمان عشرة وستّمائة، وقد اشتدّ طمع الفرنج في الديار المصرية، وتقدّموا عن دمياط إلى المنصورة وضايقوا المسلمين
__________
(1) سبق التعريف به.(5/389)
إلى أن سألهم الملك الكامل في الصّلح على أن يكون لهم القدس، وعسقلان، وطبريّة، واللاذقيّة، وجبلة، وسائر ما فتحه السلطان صلاح الدين من سواحل الشأم، خلا الكرك والشّوبك، فأبوا إلا أن يكون لهم الكرك والشّوبك أيضا، وأن يعطوا مع ذلك ثلاثمائة ألف دينار في نظير ما خرّبوه من سور القدس، فاعمل المسلمون حينئذ الحيلة في إرسال فرع من النيل في إبّان زيادته، حال بين الفرنج وبين دمياط، انقطع بسببه الميرة عنهم، وأشرفوا على الهلاك، وكان آخر أمرهم أن أعرضوا عن جميع ما كانوا سئلوا به من الأماكن المتقدّمة الذكر ونزلوا عن دمياط للمسلمين، وتسلّمها الملك الكامل منهم، ثم عاد إلى مصر وبقيت دمياط بيد المسلمين إلى أن قصدها الفرنسيس في خمسين ألف مقاتل، ومعه الأدفونش صاحب طليطلة في أيام الملك «الصالح أيوب» بن الكامل محمد، بن العادل أبي بكر، بن أيّوب في سنة سبع وأربعين وستمائة، وهجم دمياط، وملكها عنوة، وسار الملك الصالح فنزل بالمنصورة، وسار الفرنج فنزلوا مقابله ثم قصدوا دمياط فتبعهم المسلمون وبذلوا فيهم السيف، فقتلوا منهم نحو ثلاثين ألفا، وأسر الفرنسيس وحبس بالمنصورة بدار الصاحب «فخر الدين إبراهيم بن لقمان» صاحب ديوان الإنشاء، ووكّل به الطّواشيّ صبيح «المعظميّ» ومات الصالح في أثناء ذلك، واستقر ابنه الملك المعظّم مكانه في الملك ثم قتل عن قريب، وفوّض الأمر إلى «شجرة الدّرّ» (1) زوجة الملك الصالح، وقام بتدبير المملكة معها «أيبك التّركمانيّ» ثم تسلّم المسلمون دمياط من الفرنسيس وأطلقوه فسار إلى بلاده فيمن بقي معه من جماعته. وفي ذلك يقول جمال الدّين يحيى (2) بن مطروح الشاعر: (سريع).
__________
(1) هي: شجرة الدرّ الصالحية: ملكة مصر، أصلها من جواري الملك الصالح الأيوبي نجم الدين.
توفيت سنة 655هـ.
(2) هو: يحيى بن عيسى بن إبراهيم جمال الدين، ابن مطروح: شاعر أديب مصري. توفي سنة 649 هـ. أنظر طبقات الأطباء (ج 1، ص 255) والأعلام (ج 8، ص 162)(5/390)
قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال صدق من قؤول نصوح:
أتيت مصرا تبتغي ملكها ... تحسب أنّ الزّمر يا طبل ريح
وكلّ أصحابك أودعتهم ... بحسن تدبيرك بطن الضّريح!
خمسين ألفا لا ترى منهم ... غير قتيل أو أسير جريح!
وفّقك الله لأمثالها ... لعلّ عيسى منكم يستريح
آجرك الله على ما جرى ... أفنيت عبّاد يسوع المسيح
فقل لهم إن أضمروا عودة ... لأخذ ثار أو لقصد صحيح!
دار «ابن لقمان» على حالها ... والقيد باق، والطّواشي صبيح!
وقد تعرّض في «التعريف» للإشارة لهذه الواقعة في الكلام على مكاتبة الأدفونش صاحب طليطلة من الاندلس، واقتصر من هذه الأبيات على الأوّل والأخير فقط.
المملكة الثانية (مملكة الجلالقة)
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه: وهم أمّة كالبهائم، يغلب عليهم الجهل والجفاء. ومن زيّهم أنهم لا يغسلون ثيابهم، بل يتركونها عليهم إلى أن تبلى، ويدخل أحدهم دار الآخر بغير إذن. قال: وهم أشدّ من الفرنج، ولهم بلاد كثيرة شماليّ الاندلس، ونسبتهم إلى مدينة لهم قديمة تسمى جلّيقيّة. قال في «اللباب»: بكسر الجيم واللام المشدّدة وبعدها ياء آخر الحروف وقاف. قال في «تقويم البلدان»: [ثم ياء ثانية] (1) وهاء.
وقاعدتها (مدينة سمّورة) بسين مهملة وميم مشدّدة مضمومة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الآخر. وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن
__________
(1) الزيادة عن تقويم البلدان. كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/391)
سعيد: حيث الطول عشر درج، والعرض ستّ وأربعون درجة. قال في «اللباب»: وهي من بلاد الرّوم المتاخمة للأندلس، وكأنه يريد أنها كانت للروم أوّلا. قال في «تقويم البلدان»: وعن بعضهم أنها مدينة جليلة معظّمة عندهم، قال ابن سعيد: وهي قاعدة جلّيقيّة، أكبر مدن الفنش، في جزيرة بين فرعين من نهر يعرف بها. قال: وكان المسلمون قد ملكوها ثم استرجعها الجلالقة زمن الفتنة، ونهرها يصبّ في البحر المحيط الغربيّ حيث الطول خمس درج وثلاثون دقيقة من الجزائر الخالدات، والعرض ستّ وأربعون درجة.
المملكة الثالثة (مملكة اللّنبرديّة)
قال في «تقويم البلدان»: باللام المشددة المضمومة والنون الساكنة والباء الموحدة المفتوحة والراء المهملة الساكنة والدال المهملة والياء المثناة التحتية والهاء، قال: ويقال لها النّوبرديّة، والأنبرديّة. وموقعها في أوّل الإقليم السادس من الأقاليم السبعة قال ابن سعيد: حيث الطول ثلاثون درجة وسبع وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون درجة وخمسون دقيقة. قال في «تقويم البلدان»: وهي ناحية من الأرض الكبيرة، وبلادها تحيط بها جبال إلى حدّ جنوة، قال: وملكها في زماننا صاحب القسطنطينيّة، ورثها من خاله المركيش.
ثم قال: وغربيّ هذه البلاد (الرّيدراقون) بكسر الراء المهملة وسكون المثناة التحتية ثم دال مهملة وراء مهملة [وألف] (1) وقاف مضمومة وواو ونون في الآخر. ومعناه ملك راقون، وقد تبدل القاف غينا معجمة. فيقال ريدراغون وهو الموجود في مكاتبات أهل الأندلس وهدنهم.
__________
(1) الزيادة عن التقويم كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/392)
الجهة الثانية (ما شماليّ مدينة القسطنطينية وبحر نيطش إلى نهاية المعمور في الشّمال)
ويشتمل على عدّة ممالك وبلاد:
منها (بلاد الجركس): قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه: وهم على بحر نيطش من شرقيّه، وهم في شظف من العيش. قال والغالب عليهم دين النصرانية.
قلت: وقد جلب منهم «الظاهر برقوق» (1) صاحب الديار المصرية من المماليك أيام سلطنته ما يربو على العدد حتّى صار منهم معظم جند الديار المصرية، وصار بهم جمال مواكبها، والملك باق فيهم بالديار المصرية إلى الآن.
ومنها (بلاد الآص): بفتح الهمزة الأولى والثانية وصاد مهملة في الآخر وهم طائفة، وبلادهم على بحر نيطش.
وقاعدتهم (مدينة قرقر). قال في «تقويم البلدان»: بكسر القاف وسكون الراء المهملة وسكون القاف الثانية وكسر الراء المهملة في الآخر.
وموقعها في الشّمال عن الإقليم السابع أو في آخره. قال: والقياس أنها حيث الطول خمس وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمسون درجة. وهي قلعة عاصية منيعة في جبل لا يقدر أحد على الطلوع إليه، وفي وسط الجبل وطاءة تسع [أهل] (2) تلك البلاد. وعندها جبل عظيم شاهق يقال له (جاطر طاغ) يظهر لأهل السفن من بحر القرم. وهي في شماليّ صاري كرمان على نحو يوم منها.
__________
(1) سبق التعريف به.
(2) بياض بالأصول والتصحيح عن تقويم البلدان كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/393)
ومنها (بلاد البرغال) بضم الموحدة وسكون الراء وفتح الغين المعجمة وألف ثم لام في الآخر. ويقال لهم أولاق أيضا بقاف في الآخر.
وقاعدتهم (مدينة طرنو). قال في «تقويم البلدان»: بالطاء المكسورة والراء الساكنة المهملتين والنون المفتوحة وواو في الآخر، وموقعها في الإقليم السابع. قال: والقياس أنها حيث الطول ستّ وأربعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمسون درجة. وهي غربيّ صقجي على ثلاثة أيام وأهلها كفّار. قال بعض المسافرين وهي على خور البرغال.
ومنها (بلاد البلغار والسّرب) وهما طائفتان على بحر نيطش.
فأما البلغار فبضم الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الغين المعجمة وألف ثم راء مهملة. قال المؤيّد صاحب حماة في تاريخه: وهم منسوبون إلى المدينة التي يسكنونها، وقد سمّاها في كتابه «تقويم البلدان»: بلار بضم الباء وفتح اللام وألف وراء مهملة في الآخر. ثم قال: ويقال لها بالعربية (بلغار).
وأما السّرب فبفتح السين وسكون الراء المهملتين وباء موحدة في الآخر.
وهم في مملكة صاحب البلغار. وقاعدة ملكهم مدينة بلغار المذكورة، وموقعها في الشّمال عن الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال»: حيث الطول ثمانون درجة، والعرض خمسون درجة وثلاثون دقيقة. قال: وهي بلدة في نهاية العمارة الشمالية قريبة من شط إثل من الجانب الشماليّ الشرقيّ، وهي وصراي في برّ واحد، وبينهما فوق عشرين مرحلة، وهي في وطاءة، والجبل عنها أقلّ من يوم، وبها ثلاث حمّامات، ولا يكون بها شيء من الفواكه ولا أشجار الفواكه من العنب وغيره لشدّة بردها، وبها الفجل الأسود في غاية الكبر، قال المؤيّد صاحب حماة: وحكى لي بعض أهلها أنّ في أوّل فصل الصيف لا يغيب الشّفق عنها ويكون ليلها في غاية القصر. ثم قال: وهذا الذي حكاه صحيح موافق لما يظهر بالأعمال الفلكيّة، لأن من عرض ثمانية وأربعين ونصف يبتديء
[عدم] (1) غيبوبة الشّفق في أوّل فصل الصيف، وعرضها أكثر من ذلك، فصحّ ذلك على كل تقدير.(5/394)
وهم في مملكة صاحب البلغار. وقاعدة ملكهم مدينة بلغار المذكورة، وموقعها في الشّمال عن الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال»: حيث الطول ثمانون درجة، والعرض خمسون درجة وثلاثون دقيقة. قال: وهي بلدة في نهاية العمارة الشمالية قريبة من شط إثل من الجانب الشماليّ الشرقيّ، وهي وصراي في برّ واحد، وبينهما فوق عشرين مرحلة، وهي في وطاءة، والجبل عنها أقلّ من يوم، وبها ثلاث حمّامات، ولا يكون بها شيء من الفواكه ولا أشجار الفواكه من العنب وغيره لشدّة بردها، وبها الفجل الأسود في غاية الكبر، قال المؤيّد صاحب حماة: وحكى لي بعض أهلها أنّ في أوّل فصل الصيف لا يغيب الشّفق عنها ويكون ليلها في غاية القصر. ثم قال: وهذا الذي حكاه صحيح موافق لما يظهر بالأعمال الفلكيّة، لأن من عرض ثمانية وأربعين ونصف يبتديء
[عدم] (1) غيبوبة الشّفق في أوّل فصل الصيف، وعرضها أكثر من ذلك، فصحّ ذلك على كل تقدير.
وقد حكى في «مسالك الأبصار» عن حسن الرومي عن مسعود الموقّت بها: أن أقصر ليلها أربع ساعات ونصف تحريرا، وأنهم جرّبوه بالآلات الرّصدية فوجدوه كذلك. قال صاحب حماة في تاريخه: وكان الغالب عليهم النصرانية ثم أسلم منهم جماعة. وذكر في «تقويم البلدان» أن أهلها مسلمون حنفيّة، وذكر المسعودي في «مروج الذهب» أنه كان بالسّرب والبلغار دار إسلام من قديم.
قال في «مسالك الأبصار»: أما الآن فقد تبدّلت بإيمانها كفرا، وتداولها طائفة من عبّاد الصليب، ووصلت منهم رسل إلى صاحب مصر سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة بكتاب من صاحب السّرب والبلغار، يعرض نفسه على مودّته ويسأله سيفا يتقلّده، وسنجقا يقهر أعداءه به، فأكرم رسوله، وأحسن نزله، وجهّز له معه خلعة كاملة: طردوحش بقصب بسنجاب مقندس، على مفرّج إسكندري، وكلّوته زركش، وشاش بطرفين رقم، ومنطقة ذهب، وكلاليب كذلك، وسيف محلّى، وسنجق سلطانيّ أصفر مذهب، قال في «التعريف»: وجهّز له أيضا الخيل المسرجة الملجمة. وربما أنه يظهر لصاحب السراي الانقياد والطاعة. قال في «مسالك الأبصار»: وذلك لعظمة سلطانه عليهم، وأخذه بخناقهم لقربهم منه.
ولصاحب السّرب والبلغار مكاتبة تخصّه عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها (بلاد أفتكون) بألف وفاء وتاء مثناة ثم كاف وواو ونون. وهي بلاد تلي بلاد البلغار في جهة الشّمال.
وقاعدتهم مدينة تسمّى (قصبة أفتكون) والقصبة في مصطلحهم المدينة الصغيرة. قال في «مسالك الأبصار»: وبينها وبين البلغار مسافة عشرين يوما
__________
(1) الزيادة عن تقويم البلدان. كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/395)
بالسير المعتاد. وحكي عن مسعود الموقّت بالبلغار أنه حرّر ليلها فوجد أقصر ليلها ثلاث ساعات ونصف، أقصر من ليل البلغار بساعة واحدة.
ومنها (بلاد الصّقالبة) بفتح الصاد المهملة والقاف وألف وكسر اللام وفتح الباء الموحدة وهاء في الآخر. ويقال لبعض بلادها بلاد سبراوير. وهي تلي بلاد أفتكون في جهة الشمال، قال في «مسالك الأبصار»: وهي بلاد شديدة البرد، لا يفارقها الثلج مدّة ستة أشهر لا يزال يسقط على جبالهم وبيوتهم، ولهذا تقلّ المواشي عندهم. وحكى عن الفاضل شجاع الدين: عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان أن منها يجلب السّمّور والسّنجاب، ثم قال: وليس بعدهم في العمارة شيء. وذكر أنه جاء جدّه فتيا من بعض أهلها يسأل فيها كيف تكون صلاة أهل بلد لا يغيب عندهم الشفق حتّى يطلع الصبح؟ لسرعة انقضاء الليل وهذا ظاهر في أن هذه البلاد مسلمون أو فيهم المسلمون.
ومنها (بلاد جولمان) بجيم وواو ولام ثم ميم وألف ونون. وهي تلي بلاد سبراوير المقدّمة الذكر في جهة الشمال. وهي على مثل حال بلاد سبراوير في شدّة البرد وكثرة الثلج وأشدّ من ذلك. قال في «مسالك الأبصار» قال حسن الروميّ:
وهؤلاء هم سكّان قلب الشّمال، والواصل إليهم من الناس قليل، والأقوات عندهم قليلة حتى يحكى عنهم أنّ الإنسان منهم يجمع عظام أيّ حيوان كان، ثم يغلي عليه بقدر كفايته ثم يتركها، وبعد سبع مرات لا يبقى فيها شيء من الودك (1)
قال: وهم مع ضيق العيش ليس في أجناس الرّقيق أنعم من أجسامهم، ولا أحسن من بياضهم، وصورتهم تامة الخلقة في حسن وبياض ونعومة عجيبة، ولكنهم زرق العيون. وإذا سافر المسافر من جولمان إلى جهة الشرق، وصل إلى مدينة قراقوم قاعدة القان الكبير القديمة. قال: وهي من بلاد الصين، وإذا سافر منها إلى جهة الغرب وصل إلى بلاد الرّوس، ثم إلى بلاد الفرنج.
__________
(1) الودك: الدّسم.(5/396)
ومنها (بلاد الرّوس) بضم الراء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الآخر. قال في «مسالك الأبصار» وهي بلاد واغلة في الشمال، في غربيّ بلاد جولمان المقدّمة الذكر. قال صاحب حماة في تاريخه: ولهم جزائر أيضا في بحر نيطش.
ومنها (بلاد الباشقرد) قال صاحب حماة في تاريخه: وهم أمة كبيرة ما بين بلاد الباب وبلاد فرنجة. قال: وغالبهم نصارى وفيهم مسلمون، وهم شرسو الأخلاق. قال في «مسالك الأبصار»: وهي مصاقبة لبلاد جولمان ثم قال: وفي باشقرد قاض مسلم معتبر.
ومنها (بلاد البرجان) بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الجيم وألف ونون، وقد تبدل الجيم شينا. قال صاحب حماة في تاريخه: وهم أمم كثيرة طاغية قد فشا فيهم التثليث. قال: وبلادهم واغلة في الشّمال، وأخبارهم وسير ملوكهم منقطعة عنّا لبعدهم وجفاء طباعهم، وقد تقدّم أن البرجان غلب على مكانهم الألمانيّة، فيحتمل أنهم هؤلاء، ويحتمل أنهم طائفة أخرى منهم غير هؤلاء.
ومنها (بلاد بمخ) بباء موحدة وميم ثم خاء معجمة. قال في «مسالك الأبصار»: وهي بلاد مشتركة بين بلاد الروس والفرنج.
ومنها (بلاد بوغزة) بباء موحدة ثم واو وغين وزاي ثم هاء في الآخر. قال في «مسالك الأبصار»: قال الشيخ علاء الدين بن النّعمان الخوارزميّ: وهي بلاد في أقصى الشّمال، وليس بعدها عمارة غير برج عظيم من بناء الإسكندر على هيئة المنارة العالية، ليس وراءه مذهب إلا الظلمات، وهي صحار وجبال لا يفارقها الثلج والبرد، ولا تطلع عليها الشمس، ولا ينبت فيها نبات، ولا يعيش فيها حيوان أصلا، متصلة ببحر أسود لا يزال يمطر والغيم منعقد عليه، ولا تطلع عليه الشمس أبدا. قال ابن النعمان: ويقال: إن الاسكندر مرّ بأطراف أوائل جبال الظّلمات الغربية من العمارة فرأى فيه أناسا من جنس التّرك أشبه شيء بالوحوش لا يعرف أحد بلغتهم، وإذا أمسكهم أحد فرّوا من يده، يأكلون من نبات الجبال المجاورة
لهم فإذا أقحطوا أكل بعضهم بعضا، فمرّ بهم ولم يعترضهم.(5/397)
ومنها (بلاد بوغزة) بباء موحدة ثم واو وغين وزاي ثم هاء في الآخر. قال في «مسالك الأبصار»: قال الشيخ علاء الدين بن النّعمان الخوارزميّ: وهي بلاد في أقصى الشّمال، وليس بعدها عمارة غير برج عظيم من بناء الإسكندر على هيئة المنارة العالية، ليس وراءه مذهب إلا الظلمات، وهي صحار وجبال لا يفارقها الثلج والبرد، ولا تطلع عليها الشمس، ولا ينبت فيها نبات، ولا يعيش فيها حيوان أصلا، متصلة ببحر أسود لا يزال يمطر والغيم منعقد عليه، ولا تطلع عليه الشمس أبدا. قال ابن النعمان: ويقال: إن الاسكندر مرّ بأطراف أوائل جبال الظّلمات الغربية من العمارة فرأى فيه أناسا من جنس التّرك أشبه شيء بالوحوش لا يعرف أحد بلغتهم، وإذا أمسكهم أحد فرّوا من يده، يأكلون من نبات الجبال المجاورة
لهم فإذا أقحطوا أكل بعضهم بعضا، فمرّ بهم ولم يعترضهم.
واعلم أنه قد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الشيخ علاء الدين بن النّعمان أن التّجار المتردّدين إلى بلاد الديار المصرية لا يتعدّون في سفرهم بلاد البلغار، ثم يرجعون من هناك، ثم تجّار بلغار يسافرون منها إلى بلاد جولمان، وتجّار جولمان يسافرون إلى بلاد بوغزة التي ليس بعدها عمارة. وقد ذكر في «تقويم البلدان» أن شماليّ بلاد الرّوس مما هو متصل بالبحر المحيط الشماليّ قوما يبايعون مغايبة. وذكر عن بعض من سافر إلى تلك البلاد أنه إذا وصل التّجّار إلى تخومهم أقاموا حتّى يعلموا بهم، ثم يتقدمون إلى مكان معروف عندهم بالبيع والشراء، فيضع كلّ تاجر بضاعته ويعلّمها بعلامة، ثم يرجعون إلى منازلهم، ثم يحضر أولئك القوم ويضعون مقابل تلك البضائع السّمّور (1)، والوشق، والثعلب، وما شاكل ذلك، ويدعونه ويمضون ثم يحضر التجّار من الغد فمن أعجبه ذلك أخذه وإلا تركه، حتّى يتفاصلوا على الرضا. وقد تقدّم ذكر مثل ذلك عن قوم بالهند وعن قوم ببلاد السّودان في الكلام على مملكة مالّي.
قلت: وقد تقدّم في الكلام على مملكة خوارزم والقبجاق من مملكة التورانيين في القسم الثاني منها أن الجركس والرّوس والآص أهل مدن عامرة آهلة، وجبال مشجرة مثمرة، ينبت عندهم الزرع، ويدرّ الضّرع وتجري الأنهار، وتجنى الثّمار، ولا طاقة لهم بسلطان تلك البلاد. وإن كان فيهم ملوك فهم كالرّعايا لصاحب السراي إن داروه بالطاعة والتّحف والطّرف كفّ عنهم وإلا شنّ عليهم الغارات وضايقهم وحاصرهم.
__________
(1) السّمّور: دابة معروفة يصنع من جلودها فراء غالية الأثمان. أنظر لسان العرب مادة (سمر).(5/398)
المقالة الثالثة في ذكر أمور تشترك فيها أنواع المكاتبات، والولايات، وغيرهما من الأسماء، والكنى، والألقاب،
(ومقادير قطع الورق، وما يناسب كلّ مقدار منها من الأقلام، ومقادير البياض في أوّل الدّرج وحاشيته، ومقدار بعد ما بين السّطور في الكتابات، وبيان المستندات التي يصدر عنها ما يكتب من ديوان الإنشاء بهذه المملكة: من مكاتبات، وولايات، وكتابة الملخّصات (1)، وكيفية تعيين صاحب الدّيوان لها، وبيان الفواتح، والخواتم، وفيه أربعة أبواب).
الباب الأوّل (في الأسماء والكنى والألقاب، وفيه فصلان)
الفصل الأوّل (في الأسماء والكنى، وفيه طرفان)
الطّرف الأوّل (في الأسماء)
والاسم عند النّحاة ما دلّ على مسمّى دلالة إشارة، واشتقاقه من السّمة وهي العلامة لأنه يصير علامة على المسمّى يميزه عن غيره، أو من السموّ لأن الاسم يعلو المسمّى باعتبار وضعه عليه.
ثم المراد هنا بالاسم أحد أقسام الكلم، وهو ما ليس بكنية ولا لقب وفيه جملتان:
__________
(1) انظر التعريف بها في الجزء السادس ص 210209من كتاب صبح الأعشى.(5/399)
الجملة الأولى (في أصل التسمية والمقصود منها، وتنويع الأسماء، وما يستحسن منها، وما يستقبح)
أما أصل التسمية فهي لا تخرج عن أمرين:
أحدهما أن يكون الاسم مرتجلا: بأن يضعه الواضع على المسمّى ابتداء، كأدد اسم رجل، وسعاد اسم امرأة، فإنهما ليسا بمسبوقين بالوضع على غيرهما، والرجوع في معرفة ذلك إلى النقل والاستقراء.
والثاني أن يكون الاسم منقولا عن معنى آخر، كاسد إذا سمّي به الرجل نقلا عن الحيوان المفترس، وزيد إذا سمّي به نقلا عن معنى الزيادة وما أشبه ذلك.
وهذا هو أكثر الأسماء الأعلام وقوعا، والرجوع في معرفته إلى النقل والاستقراء أيضا كما تقدّم في المرتجل.
وأما المقصود من التسمية، فتمييز المسمّى عن غيره، بالاسم الموضوع عليه ليتعرّف.
وأما تنويع الأسماء، فيختلف باختلاف المسمّين وما يدور في خزائن خيالهم مما يألفونه ويجاورونه ويخالطونه.
فالعرب أكثر أسمائهم منقولة عمّا لديهم مما يدور في خزائن خيالهم إما من أسماء الحيوان كبكر: وهو ولد الناقة، وأسد: وهو الحيوان المفترس المعروف، وإما من أسماء النّبات كحنظلة: وهو اسم لواحدة الحنظل الذي هو النبات المعروف من نبات البادية، وطلحة: وهو اسم لشجرة من شجر الغضى، وعوسجة: وهم اسم لشجرة من شجر البادية. وإما من أجزاء الأرض كحزن: وهو الغليظ من الأرض، وصخر: وهو الصّلد من الحجارة. وإما من أسماء الزّمان
كربيع: وهو أحد فصول السنة الأربعة. وإمّا من أسماء النّجوم كسماك (1): اسم لنجم معروف. وإما من أسماء الفاعلين: كحارث فاعل من الحرث، وهمّام فاعل من همّ أن يفعل كذا، إلى غير ذلك من المنقولات التي لا تحصى.(5/400)
فالعرب أكثر أسمائهم منقولة عمّا لديهم مما يدور في خزائن خيالهم إما من أسماء الحيوان كبكر: وهو ولد الناقة، وأسد: وهو الحيوان المفترس المعروف، وإما من أسماء النّبات كحنظلة: وهو اسم لواحدة الحنظل الذي هو النبات المعروف من نبات البادية، وطلحة: وهو اسم لشجرة من شجر الغضى، وعوسجة: وهم اسم لشجرة من شجر البادية. وإما من أجزاء الأرض كحزن: وهو الغليظ من الأرض، وصخر: وهو الصّلد من الحجارة. وإما من أسماء الزّمان
كربيع: وهو أحد فصول السنة الأربعة. وإمّا من أسماء النّجوم كسماك (1): اسم لنجم معروف. وإما من أسماء الفاعلين: كحارث فاعل من الحرث، وهمّام فاعل من همّ أن يفعل كذا، إلى غير ذلك من المنقولات التي لا تحصى.
وكان من عادتهم أن يختاروا لأبنائهم من الأسماء ما فيه البأس والشّدّة ونحو ذلك: كمحارب، ومقاتل، ومزاحم، ومدافع ونحو ذلك، ولمواليهم ما فيه معنى التّفاؤل: كفرح، ونجاح، وسالم، ومبارك، وما أشبهها، ويقولون: أسماء أبنائنا لأعدائنا، وأسماء موالينا لنا، وذلك أن الإنسان أكثر ما يدعو في ليله ونهاره مواليه للاستخدام دون أبناءه فإنه إنما يحتاج إليهم في وقت القتال ونحوه.
والتّرك راعوا في أسمائهم ما يدلّ على الجلادة والقوّة مما يألفونه ويجاورونه، وغالب ما يسمّون باسم بغا، ومعناه بلغتهم الفحل: إما مفردا كما تقدّم وهو قليل، وإما موصوفا بحيوان من الحيوانات، مقدّمين الصفة على الموصوف على قاعدة لغتهم في ذلك، كطيبغا بمعنى فحل مهر. وإما بمعدن من المعادن: كالطنبغا بمعنى فحل ذهب، وكمشبغا بمعنى فحل فضة، وتمربغا بمعنى فحل حديد. وربما أبدل اسم الفحل باسم الحديد، واسمه بلغتهم دمركبى دمر بمعنى أمير حديد، وطي دمر بمعنى مهر حديد. وربما أفردوا الاسم بالوصف كدمر بمعنى حديد، وأرسلان بمعنى أسد، وتنكز بمعنى بحر، ونحو ذلك إلى غير ذلك من المفردات والمركّبات التي لا يأخذها حصر. وكذلك كلّ أمة من أمم الأعاجم تراعي في التسمية ما يدور في خزانة خيالها مما يخالطونه ويجاورونه.
__________
(1) السّماكان: نجمان نيّران أحدهما السّماك الأعزل، والآخر السّماك الرامح. أنظر لسان العرب، مادة (سمك).(5/401)
وأما الأمم المتديّنة فإنهم راعوا في أسمائهم التسمية بأسماء أنبيائهم وصحابهم.
فالمسلمون
تسمّوا باسمي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الواردين في القرآن وهما «محمد» و «أحمد» إذ يقول صلّى الله عليه وسلّم، تسمّوا باسمي. وكذلك تسمّوا باسم غيره من الأنبياء عليهم السلام: إما بكثرة: كإبراهيم، وموسى، وهارون، وإما بقلّة:
كآدم، ونوح، ولوط. وأخذوا بوافر حظّ من أسماء الصّحابة رضوان الله عليهم:
كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وحسن، وحسين، وما أشبه ذلك.
والنصارى
تسمّوا باسم عيسى وغيره من الأنبياء عليهم السلام ممن يعتقدون نبوّته: كإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وكذلك أسماء الحواريّين: كبطرس، ويوحنّا، وتوما، ومتّى، ولوقا، وسمعان، وبرتلوما، وأندراوس، ونحوها: كمرقص، وبولص، وغيرهما.
واليهود
تسمّوا باسم موسى عليه السّلام وغيره من الأنبياء الذين يعتقدون نبوّتهم: كإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، ولم يتسمّوا باسم عيسى عليه السلام لإنكارهم نبوّته.
وأما ما يستحسن من الأسماء فما وردت الشريعة بالنّدب إلى التسمية به:
كأسماء الأنبياء عليهم السلام، وعبد الله، وعبد الرحمن، ففي سنن أبي داود والتّرمذيّ من رواية أبي وهب الجشميّ أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «تسمّوا بأسماء الأنبياء، وأحبّ الأسماء إلى الله عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها حارث، وهمّام، وأقبحها حرب، ومرّة».
وأما ما يستقبح فما وردت الشريعة بالنهي عنه: إما لكراهة لفظه كحرب ومرّة، وإما للتطيّر به كرباح، وأفلح، ونجيح، وراجح، ورافع، ونحوها. ففي
صحيح مسلم وغيره النهي عن التسمية بمثل ذلك معلّلا بأنك تقول: أثمّ هو؟ فيقال لا، وإما لعظمة فيه: كالتسمية بشاهنشاه، ومعناه بالفارسية ملك الأملاك. ففي الصحيحين من رواية أبي هريرة أنه أخنع اسم. وقد ورد في جامع الترمذيّ من حديث عائشة رضي الله عنها، «أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يغيّر الاسم القبيح».(5/402)
وأما ما يستقبح فما وردت الشريعة بالنهي عنه: إما لكراهة لفظه كحرب ومرّة، وإما للتطيّر به كرباح، وأفلح، ونجيح، وراجح، ورافع، ونحوها. ففي
صحيح مسلم وغيره النهي عن التسمية بمثل ذلك معلّلا بأنك تقول: أثمّ هو؟ فيقال لا، وإما لعظمة فيه: كالتسمية بشاهنشاه، ومعناه بالفارسية ملك الأملاك. ففي الصحيحين من رواية أبي هريرة أنه أخنع اسم. وقد ورد في جامع الترمذيّ من حديث عائشة رضي الله عنها، «أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يغيّر الاسم القبيح».
الجملة الثانية (في مواضع ذكر الأسماء في المكاتبات والولايات)
أما المكاتبات، فالأسماء التي تذكر فيها على أربعة أنواع:
النوع الأوّل (اسم المكتوب عنه)
وذكره إنما يقع في المكاتبات في موضع الخضوع والتواضع، إذ من شأن المكتوب عنه ذلك، وله محلّان:
المحل الأوّل
في نفس المكاتبة وذلك فيما إذا كانت المكاتبة بصورة «من فلان إلى فلان» كما كان يكتب عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: من محمّد رسول الله إلى فلان، وكما كان يكتب عن الخلفاء: من عبد الله فلان أمير المؤمنين إلى فلان، وكما يكتب الآن في المكاتبات السلطانية إلى ملوك المغرب، وما يكتب عنهم إلى الأبواب السلطانية ونحو ذلك.
المحل الثاني
العلامة في المكاتبات كما يكتب المملوك فلان، أو أخوه فلان، أو شاكره فلان، أو فلان فقط، ونحو ذلك على اختلاف المراتب الآتية على ما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
النوع الثاني (اسم المكتوب إليه، وله محلّان)
المحل الأوّل
ابتداء المكاتبة كما يكتب في بعض المكاتبات «من فلان إلى فلان، أو إلى فلان من فلان» ونحو ذلك، وكما يكتب في مكاتبات القانات،
فلان خان، وكما يذكر اسم ملوك الكفر في مكاتباتهم عن الأبواب السلطانية ونحو ذلك. وفيما عدا ذلك من المكاتبات المصدّرة بالتقبيل والدعاء وغيرهما من المصطلح عليه في زماننا وما قاربه لا يصرّح باسم المكتوب إليه غالبا تعظيما له عن التفوّه بذكره، إذ ترك التصريح بالاسم دليل التعظيم والتوقير والتبجيل، بخلاف الكنية واللّقب، فإنهما بصدد التعظيم للملقّب أو المكنيّ على ما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى ولذلك لم يخاطب الله تعالى نبيّه محمدا صلّى الله عليه وسلّم في كتابه العزيز باسمه تشريفا لمقامه، ورفعة لمحله، فلم يقل يا محمد ويا أحمد كما قال يا آدم، يا نوح، يا إبراهيم، يا موسى، يا عيسى. بل قال {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ} * {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ} *
وقد صرح أصحابنا الشافعية وغيرهم أنه لا يجوز نداؤه صلّى الله عليه وسلّم باسمه احتجاجا بالآية الكريمة. وفي كتاب ابن السنيّ عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلا معه غلام فقال للغلام: من هذا؟ قال أبي قال: فلا تمش أمامه ولا تستسبّ له، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه».(5/403)
ابتداء المكاتبة كما يكتب في بعض المكاتبات «من فلان إلى فلان، أو إلى فلان من فلان» ونحو ذلك، وكما يكتب في مكاتبات القانات،
فلان خان، وكما يذكر اسم ملوك الكفر في مكاتباتهم عن الأبواب السلطانية ونحو ذلك. وفيما عدا ذلك من المكاتبات المصدّرة بالتقبيل والدعاء وغيرهما من المصطلح عليه في زماننا وما قاربه لا يصرّح باسم المكتوب إليه غالبا تعظيما له عن التفوّه بذكره، إذ ترك التصريح بالاسم دليل التعظيم والتوقير والتبجيل، بخلاف الكنية واللّقب، فإنهما بصدد التعظيم للملقّب أو المكنيّ على ما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى ولذلك لم يخاطب الله تعالى نبيّه محمدا صلّى الله عليه وسلّم في كتابه العزيز باسمه تشريفا لمقامه، ورفعة لمحله، فلم يقل يا محمد ويا أحمد كما قال يا آدم، يا نوح، يا إبراهيم، يا موسى، يا عيسى. بل قال {يََا أَيُّهَا الرَّسُولُ} * {يََا أَيُّهَا النَّبِيُّ} *
وقد صرح أصحابنا الشافعية وغيرهم أنه لا يجوز نداؤه صلّى الله عليه وسلّم باسمه احتجاجا بالآية الكريمة. وفي كتاب ابن السنيّ عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلا معه غلام فقال للغلام: من هذا؟ قال أبي قال: فلا تمش أمامه ولا تستسبّ له، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه».
المحل الثاني
العنوان من الأدنى إلى الأعلى. كما يكتب في عنوان بعض المكاتبات «مطالعة المملوك فلان» على ما سيأتي في الكلام على العنوان. وإذا كان من تعظيم المخاطب أن لا يخاطب باسمه فكذلك في مكاتبته: لأن المكاتبة الصادرة إلى الشخص قائمة مقام خطابه، بل المكاتبة أجدر بالتعظيم لاصطلاحهم في القديم والحديث على ذلك.
النوع الثالث (اسم المكتوب بسببه)
وهو مما لا نقص فيه بسبب ذكره، إذ لا بدّ من التصريح باسمه ليعرف، اللهم إلا أن يشتهر حتّى تغني شهرته عن ذكر اسمه، وله محلان:
المحل الأوّل
في الطرّة (1) بأن يقال «هذا ما عهد به فلان» إما الخليفة في
__________
(1) هو الهامش الذي يترك في أعلى الكتاب (أنظر صبح الأعشى ج 6، ص 313)(5/404)
عهده بالخلافة أو السّلطنة، أو السلطان في عهده بالسلطنة على ما سيأتي بيانه.
وفي معنى ذلك البيعات بأن يقال «مبايعة شريفة لفلان» ونحو ذلك.
المحل الثاني
صدر الولاية حيث يقال: هذا ما عهد عبد الله ووليّه فلان، أو من عبد الله ووليّه فلان، ونحو ذلك على اختلاف المذاهب في الابتداء على ما سيأتي.
النوع الرابع (اسم من تصدر إليه الولاية، وله محلان)
المحل الأوّل
في الطّرّة إما في العهود حيث يقال. هذا ما عهد فلان إلى فلان. وإما في التقاليد والتواقيع والمراسيم، حيث يقال: أن يفوّض إلى فلان، أو أن يستقرّ فلان، أو أن يرتّب فلان.
المحل الثاني
أثناء الولاية حيث يقال: أن يفوّض إلى فلان، أو أن يستقرّ فلان، أو أن يرتّب فلان، على نظير ما في الطرّة، أما المولّى عليه فقلّ أن يذكر كما في التحدّث على شخص معيّن ونحوه.
الطّرف الثاني (في الكنى)
والكنية عند النّحاة أحد أقسام العلم أيضا، والمراد بها ما صدّر بأب أو أمّ، مثل أبي القاسم، وأمّ كلثوم وما أشبه ذلك. وقد كان للعرب بالكنى أتمّ العناية، حتى إنهم كنّوا جملة من الحيوان بكنى مختلفة: فكنّوا الأسد بأبي الحارث، والثعلب بأبي الحصين، والدّيك بأبي سليمان، وكنّوا الضّبع بأمّ عامر، والدّجاجة بأمّ حفصة، والجرادة بأمّ عوف ونحو ذلك. وفيه ثلاث جمل:(5/405)
والكنية عند النّحاة أحد أقسام العلم أيضا، والمراد بها ما صدّر بأب أو أمّ، مثل أبي القاسم، وأمّ كلثوم وما أشبه ذلك. وقد كان للعرب بالكنى أتمّ العناية، حتى إنهم كنّوا جملة من الحيوان بكنى مختلفة: فكنّوا الأسد بأبي الحارث، والثعلب بأبي الحصين، والدّيك بأبي سليمان، وكنّوا الضّبع بأمّ عامر، والدّجاجة بأمّ حفصة، والجرادة بأمّ عوف ونحو ذلك. وفيه ثلاث جمل:
الجملة الأولى (في جواز الكنية، وهي على نوعين)
النوع الأوّل (كنى المسلمين)
قال الشيخ محيي الدين النوويّ رحمه الله في كتابه «الأذكار»: وجواز التكنّي أشهر من أن نذكر فيه شيئا منقولا، فإن دلائله يشترك فيها الخواصّ والعوامّ.
قال: والأدب أن يخاطب أهل الفضل ومن قاربهم بالكنية، وكذلك إن كتب إليه رسالة، أو روى عنه رواية. فيقال: حدثنا الشيخ أو الإمام أبو فلان فلان بن فلان وما أشبهه.
واعلم أن الأوّلين أكثر ما كانوا يعظّمون بعضهم بعضا في المخاطبات ونحوها بالكنى، ويرون ذلك في غاية الرّفعة ونهاية التعظيم حتّى في الخلفاء والملوك: فيقال: أبو فلان فلان، وبالغوا في ذلك حتّى كنّوا من اسمه في الأصل كنية فقالوا في أبي بكر «أبو المناقب» اعتناء بشأن الكنية، وربما وقف الأمر في الزمن القديم في تكنية خاصّة الخليفة وأمرائه على ما يكنّيه به الخليفة، فيكون له في الرّفعة منتهى ينتهي إليه، ثم رجع أمرهم بعد ذلك إلى التعظيم بالألقاب. على أن التعظيم بالكنى باق في الخلفاء والملوك فمن دونهم إلى الآن على ما ستقف عليه في مواضعه إن شاء الله تعالى، وكذلك القضاة والعلماء، بخلاف الأمراء والجند والكتّاب، فإنه لا عناية لهم بالتكنّي.
ثم لا فرق في جواز التكنّي بين الرجال والنساء، فقد كانت «عائشة» أمّ المؤمنين رضي الله عنها تكنّى «بأمّ عبد الله» وكذلك غيرها من نساء الصحابة والتابعين كان لهنّ كنى يكتنين بها.
النوع الثاني (كنى أهل الكفر والفسقة والمبتدعين)
قال النوويّ: والكافر والفاسق والمبتدع إن كان لا يعرف إلا بالكنية جاز
تكنيته. قال تعالى: {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ} (1) واسمه عبد العزّى، قيل: إنه ذكر تكنيته لكونه كان لا يعرف إلا بها، وقيل: كراهة لاسمه حيث جعل عبدا للصّنم، وقد تكرر في الحديث ذكر أبي طالب بكنيته، واسمه عبد مناف. وفي الصحيح أنه صلّى الله عليه وسلّم «لمّا مرّ بأرض الحجر من الشأم، قال هذا قبر أبي رغال» لعاقر الناقة من قوم ثمود. قال: وكذلك إذا خيف من ذكره باسمه فتنة، كما ثبت في الصحيحين «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركب على حمار ليعود سعد بن عبادة (2) رضي الله عنه، فمرّ في طريقه على عبد الله بن أبيّ ابن سلول المنافق (3)، وما كان من بذاءته على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين مرّ عليه، وأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سار حتّى دخل على سعد بن عبادة فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟ (يريد عبد الله بن أبيّ ابن سلول) قال كذا وكذا. وذكر الحديث. قال: فإن كان يعرف بغير الكنية ولم تخف فتنة لم يزد على الاسم كما ثبت في الصحيحين أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتب «من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل» فسمّاه باسمه ولم يكنّه ولا لقّبه بملك الرّوم.(5/406)
قال النوويّ: والكافر والفاسق والمبتدع إن كان لا يعرف إلا بالكنية جاز
تكنيته. قال تعالى: {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ} (1) واسمه عبد العزّى، قيل: إنه ذكر تكنيته لكونه كان لا يعرف إلا بها، وقيل: كراهة لاسمه حيث جعل عبدا للصّنم، وقد تكرر في الحديث ذكر أبي طالب بكنيته، واسمه عبد مناف. وفي الصحيح أنه صلّى الله عليه وسلّم «لمّا مرّ بأرض الحجر من الشأم، قال هذا قبر أبي رغال» لعاقر الناقة من قوم ثمود. قال: وكذلك إذا خيف من ذكره باسمه فتنة، كما ثبت في الصحيحين «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركب على حمار ليعود سعد بن عبادة (2) رضي الله عنه، فمرّ في طريقه على عبد الله بن أبيّ ابن سلول المنافق (3)، وما كان من بذاءته على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين مرّ عليه، وأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سار حتّى دخل على سعد بن عبادة فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟ (يريد عبد الله بن أبيّ ابن سلول) قال كذا وكذا. وذكر الحديث. قال: فإن كان يعرف بغير الكنية ولم تخف فتنة لم يزد على الاسم كما ثبت في الصحيحين أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتب «من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل» فسمّاه باسمه ولم يكنّه ولا لقّبه بملك الرّوم.
قال: ونظائر هذا كثيرة، وقد أمرنا بالإغلاظ عليهم، ولا ينبغي لنا أن نكنّيهم، ولا نرفق بهم، ولا نلين لهم قولا، ولا نظهر لهم ودّا ولا مؤالفة.
الجملة الثانية (فيما يكنى به، وهو على نوعين)
النوع الأوّل (كنى الرجال، ولها حالان)
الحال الأوّل أن يكون للرجل ولد أو أولاد
. قال النوويّ: فإن كان له ولد
__________
(1) أنظر سورة المسد ورقمها (111) آية رقم (1)
(2) هو: سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجي أبو ثابت: صحابي من أهل المدينة، كان سيّد الخزرج. أنظر تهذيب ابن عساكر (ج 6، ص 84) وطبقات ابن سعد (ج 3، ص 142) والأعلام (ج 3، ص 85)
(3) هو: عبد الله بن أبيّ بن مالك بن الحارث بن عبيد الخزرجي، أبو الحباب، المشهور بابن سلول:
رأس المنافقين في الإسلام. من أهل المدينة. أنظر الأعلام (ج 4، ص 65)(5/407)
يكنّى به، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الولد ذكرا أو أنثى، فيجوز تكنية الرجل بأبي فلانة كما يجوز بأبي فلان. فقد تكنّى جماعة من أفاضل السّلف من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم بأبي فلانة، فمن الصحابة أبو ليلى: والد عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو فاطمة الليثيّ، وأبو مريم الأزديّ، وأبو رقيّة تميم الداريّ، وأبو زرعة المقداد بن معدى كرب. ومن التابعين أبو عائشة مسروق بن الأجدع وخلائق لا يحصون. وإن كان له أولاد يكنّى بأكبرهم: فقد كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يكنّى بأبي القاسم، وكان القاسم أكبر بنيه.
وفي سنن أبي داود والنّسائيّ عن شريح الحارثيّ أنه وفد على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع قومه فسمعهم يكنّونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّ الله هو الحكم وإليه الحكم! فلم تكنّى أبا الحكم؟ فقال: إنّ قومي اختلفوا في شيء فأتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما أحسن هذا! فما لك من الولد؟ قال: شريح، ومسلم، وعبد الله قال: فمن أكبرهم؟ قال شريح قال: فأنت أبو شريح».
فلو تكنّى بغير أولاده فلا بأس به قاله النوويّ. ثم قال: وهذا الباب واسع لا يحصى من يتّصف به.
وقد اختلف في جواز التكنّي بأبي القاسم: فنص الشافعيّ رضي الله عنه على أنّه لا يجوز التكنّي بذلك مطلقا، لما ورد أنه صلّى الله عليه وسلّم قال «تسمّوا باسمى ولا تكتنوا بكنيتي». وذهب ذاهبون إلى تخصيص ذلك بحياته صلّى الله عليه وسلّم احتجاجا بأن المنع فيه كان لعلّة: وهي أن اليهود كانوا ينادون يا أبا القاسم! فإذا التفت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالوا:
لم نعنك، قصدا لإيذائه صلّى الله عليه وسلّم وقد زالت هذه العلّة بوفاته صلّى الله عليه وسلّم، واختاره النوويّ من أصحابنا الشافعية. وذهب آخرون إلى تخصيص المنع بما إذا جمع لواحد بين الاسم والكنية، بأن يتسمّى محمدا ويتكنّى بأبي القاسم، بخلاف ما إذا لم يكن اسمه محمدا فإنه يجوز، وهو وجه قويّ.
الحال الثاني أن لا يكون للرجل ولد بأن لم يولد له ولد أصلا
، قال
النوويّ: فيجوز تكنيته حتّى الصّغير. ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير (قال الراوي): أحسبه فطيما، وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا جاء يقول يا أبا عمير، ما فعل النّغير؟ لنغير كان يلعب به». قال النوويّ: وكان من الصحابة رضوان الله عليهم جماعات لهم كنّى قبل أن يولد لهم، كأبي هريرة وخلائق لا يحصون من التابعين فمن بعدهم. قال: ولا كراهة فيه بل هو محبوب بشرطه.(5/408)
، قال
النوويّ: فيجوز تكنيته حتّى الصّغير. ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير (قال الراوي): أحسبه فطيما، وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا جاء يقول يا أبا عمير، ما فعل النّغير؟ لنغير كان يلعب به». قال النوويّ: وكان من الصحابة رضوان الله عليهم جماعات لهم كنّى قبل أن يولد لهم، كأبي هريرة وخلائق لا يحصون من التابعين فمن بعدهم. قال: ولا كراهة فيه بل هو محبوب بشرطه.
واعلم أن الرجل قد يكون له كنيتان فأكثر، فقد كان لأمير المؤمنين عثمان ابن عفّان رضي الله عنه ثلاث كنّى: أبو عمرو، وأبو عبد الله، وأبو ليلى.
النوع الثاني (كنى النساء)
والحال فيه أنه إن كان للمرأة ولد تكنّت به ذكرا أو أنثى، كما تقدّم في الرجل. وإن كان لها أولاد تكنّت بأكبرهم مع جواز الكنية بغير أولادها كما في الرجل أيضا. قال النوويّ: ويجوز تكنيتها ولو لم يولد لها، ففي سنن أبي داود وغيره بأسانيد صحيحة عن عائشة رضي الله عنها قالت: «يا رسول الله كلّ صواحبي لهن كنّى، قال: فاكتني بابنك عبد الله يعني عبد الله بن الزّبير، وهو ابن أختها أسماء، وكانت عائشة رضي الله عنها تكنى أمّ عبد الله» قال: هذا هو الصحيح المعروف. وما رواه ابن السنيّ عن عائشة أنها قالت «أسقطت من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سقطا فسمّاه عبد الله» فحديث ضعيف. ثم كما تجوز تكنية الرجل بأبي فلانة، يجوز تكنية المرأة بأمّ فلانة من باب أولى.
الجملة الثالثة (في التكنّى في المكاتبات والولايات)
فأما الكنية في المكاتبات فعلى ثلاثة أنواع:(5/409)
فأما الكنية في المكاتبات فعلى ثلاثة أنواع:
النوع الأوّل (تكنّي المكتوب عنه)
قال محمد بن عمر المدايني في كتاب «القلم والدواة»: أوّل من اكتنى في كتبه «الوليد بن عبد الملك». قال النوويّ في «الأذكار»: والأدب أن لا يذكر الرجل كنيته في كتابه ولا في غيره إلا أن لا يعرف إلا بكنيته، أو كانت الكنية أشهر من اسمه. وقال أبو جعفر النحاس: إذا كانت الكنية أشهر، يكنّى على نظيره ويسمّى لمن فوقه ثم يلحق «المعروف أبا فلان، أو بأبي فلان».
ثم الكنية من المكتوب عنه قد تكون في صدر الكتاب كما يكتب عن الخلفاء «من عبد الله ووليه أبي فلان فلان أمير المؤمنين» أو في موضع العلامة كما يكتب في الطغراة من السلطان لملوك الكفر بعد سياقه ألقاب السلطان «أبو فلان فلان» أو في العنوان كما كان يكتب في المصطلح القديم «من أبي فلان فلان إلى فلان».
النوع الثاني (تكنية المكتوب إليه)
وبه كان الاعتناء في الزمن المتقدّم لا سيّما إذا كان المكتوب إليه ممّن يستحقّ التعظيم بالتكنية. وكنية المكتوب إليه تارة تكون في عنوان الكتاب كما يكتب «إلى أبي فلان فلان» وتارة تكون في صدر الكتاب كما كان يكتب «من فلان إلى أبي فلان فلان».
النوع الثالث (تكنية المكتوب بسببه)
وهي تارة تذكر في طرّة الكتاب فيقال فيمن قصد تعظيمه «بما قصده أبو فلان فلان» واستعماله قليل. وتارة تذكر في أثناء الكتاب حيث يجري ذكره.
وأما الكنية في الولايات فلها محلان:
أحدهما في طرّة الولاية، حيث يقال: «عهد شريف [لأبي فلان] (1)
فلان» أو «تقليد شريف بأن يفوّض إلى [أبي فلان] (2) فلان».(5/410)
وأما الكنية في الولايات فلها محلان:
أحدهما في طرّة الولاية، حيث يقال: «عهد شريف [لأبي فلان] (1)
فلان» أو «تقليد شريف بأن يفوّض إلى [أبي فلان] (2) فلان».
والثاني في أثناء الولايات حيث يجري ذكره على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
__________
(1) الزيادة عن الضوء كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.
(2) الزيادة عن الضوء كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/411)
الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة الثالثة (في الألقاب، وفيه طرفان)
الطّرف الأوّل (في أصول الألقاب، وفيه جملتان)
الجملة الأولى (في معنى اللّقب والنّعت، وما يجوز منه ويمتنع)
أما اللقب (1) فأصله في اللغة النّبز بفتح الباء. قال ابن حاجب النعمان في «ذخيرة الكتّاب»: والنّبز ما يخاطب به الرجل الرجل من ذكر عيوبه وما ستره عنده أحبّ إليه من كشفه، وليس من باب الشّتم والقذف.
وأما النعت فأصله في اللغة الصّفة. يقال: نعته ينعته نعتا إذا وصفه. قال في «ذخيرة الكتّاب»: وهو متّفق على أنه ما يختاره الرجل ويؤثره ويزيد في إجلاله ونباهته، بخلاف اللّقب. قال: لكن العامّة استعملت اللقب في موضع النّعت الحسن، وأوقعوه موقعه لكثرة استعمالهم إيّاه، حتّى وقع الاتّفاق والاصطلاح على استعماله في التشريف والإجلال والتعظيم والزيادة في النّباهة والتّكرمة.
قلت: والتحقيق في ذلك أن اللّقب والنعت يستعملان في المدح والذمّ جميعا: فمن الألقاب والنّعوت ما هو صفة مدح ومنها ما هو صفة ذمّ. وقد عرّفت النحاة اللقب بأنه ما أدّى إلى مدح أو ذمّ، فالمؤدّي إلى المدح كأمير المؤمنين، وزين العابدين، والمؤدّي إلى الذمّ كأنف الناقة وسعيد كرز وما أشبه ذلك.
__________
(1) اللقب: النّبز، اسم غير مسمى به، والجمع ألقاب. أنظر لسان العرب، مادة (لقب).(5/412)
والنعت تارة يكون صفة مدح، وتارة يكون صفة ذمّ، ولا شكّ أن المراد هنا من اللقب والنّعت ما أدّى إلى المدح دون الذمّ. وقد اصطلح الكتّاب على أن سمّوا صفات المدح التي يوردونها في صدور المكاتبات ونحوها بصيغة الإفراد كالأمير والأميريّ والأجلّ والأجلّيّ والكبير والكبيريّ ونحو ذلك ألقابا، وصفات المدح التي يوردونها على صورة التركيب كسيف أمير المؤمنين وظهير الملوك والسّلاطين ونحو ذلك نعوتا، ولا معنى لتخصيص كلّ واحد منهما بالاسم الذي سمّوه به إلا مجرّد الاصطلاح، ولا نزاع في إطلاق اللقب والنعت عليهما باعتبارين: فمن حيث إنها صفات مؤدّية إلى المدح يطلق عليها اسم اللقب، ومن حيث إنها صفات لذوات قائمة بها يطلق عليها اسم النعت.
وأما ما يجوز من ذلك ويمتنع، فالجائز منه ما أدّى إلى المدح مما يحبّه صاحبه ويؤثره، بل ربما استحبّ، كما صرح به النوويّ في «الأذكار» للإطباق على استعماله قديما وحديثا. والممتنع منه ما أدّى إلى الذمّ والنّقيصة مما يكرهه الإنسان ولا يحبّ نسبته إليه. قال النوويّ: وهو حرام بالاتفاق، سواء كان صفة له: كالأعمش، والأجلح، والأعمى، والأحول، والأشجّ، والأصفر، والأحدب، والأصمّ، والأزرق، والأشتر، والأثرم، والأقطع، والزّمن، والمقعد، والأشلّ، وما أشبه ذلك. أو كان صفة لأبيه: كابن الأعمى، أو لأمّه: كابن الصّوراء ونحو ذلك مما يكرهه قال تعالى: {وَلََا تَنََابَزُوا بِالْأَلْقََابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمََانِ} (1) قال: واتفقوا على جواز ذكره بذلك على جهة التعريف لمن لا يعرفه إلا بذلك، ودلائل ذكره كثيرة مشهورة، وهو أحد المواضع التي تجوز فيها الغيبة.
__________
(1) أنظر سورة (الحجرات) ورقمها (49) آية رقم (11)(5/413)
الجملة الثانية (في أصل وضع الألقاب والنّعوت المؤدّية إلى المدح)
واعلم أن ألقاب المدح ونعوته لم تزل واقعة على أشراف الناس وجلّة الخلق في القديم والحديث فقد ثبت تلقيب إبراهيم عليه السّلام ب «الخليل» وتلقيب موسى عليه السّلام ب «الكليم» وتلقيب عيسى عليه السّلام ب «المسيح» وتلقيب يونس عليه السّلام ب «ذي النّون» وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يلقّب قبل البعثة ب «الأمين» ووردت التواريخ بذكر ألقاب جماعة من العرب في الجاهليّة: كذي يزن، وذي المنار، وذي نواس، وذي رعين، وذي جدن، وغيرهم مما هو مشهور شائع.
وكذلك وقعت ألقاب المدح على كثير من عظماء الإسلام وأشرافه كالصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم من الخلفاء والوزراء وغيرهم: فكان لقب أبي بكر «عتيقا» ثم لقّب ب «الصّدّيق» بعد ذلك، ولقب عمر «الفاروق» ولقب عثمان «ذا النّورين» ولقب عليّ «حيدرة» ولقب حمزة بن عبد المطلب «أسد الله» ولقب خالد بن الوليد «سيف الله» ولقب عمرو بن عمرو «ذا اليدين» ولقب مالك بن التّيّهان الأنصاريّ «ذا السّيفين» ولقب خزيمة بن ثابت الأنصاريّ «ذا الشّهادتين» ولقب جعفر بن أبي طالب بعد استشهاده «ذا الجناحين».
وأما الخلفاء، فخلفاء بني أميّة لم يتلقب أحد منهم، فلما صارت الخلافة إلى بني العبّاس وأخذت البيعة لإبراهيم بن محمد، لقّب ب «الإمام» ثم تلقب من بعده من خلفائهم: فتلقب محمد بن عليّ ب «السّفّاح» لكثرة ما سفح من دماء بني أميّة. واختلف في لقبه بالخلافة: فقيل «القائم» وقيل «المهتدي» وقيل «المرتضي» وألقاب الخلفاء بعده وإلى زماننا معروفة مشهورة على ما مرّ ذكره في المقالة الثانية. وعلى ذلك كانت ألقاب خلفاء بني أميّة بالاندلس إلى حين انقراضهم على ما هو مذكور في مكاتبة صاحب الاندلس، على ما سيأتي في المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
ثم تعدّت ألقاب الخلافة إلى كثير من ملوك الغرب بعد ذلك، وتلا الخلفاء
في الألقاب الوزراء لاستقبال الدولة العباسيّة وما بعد ذلك: فلقّب أبو سلمة الخلّال وزير السّفّاح ب «وزير آل محمد» ولقّب المهديّ وزيره يعقوب بن داود بن طهمان «الأخ في الله» ولقّب المأمون الفضل بن سهل حين استوزره «ذا الكفايتين» ولقّب أخاه الحسن بن سهل «ذا الرّياستين» ولقّب المعتمد على الله وزيره صاعد ابن مخلد «ذا الوزارتين» إشارة إلى وزارة المعتمد والموفّق، وكان لقب إسماعيل ابن بلبل الشكور «الناصر لدين الله» كألقاب الخلفاء.(5/414)
ثم تعدّت ألقاب الخلافة إلى كثير من ملوك الغرب بعد ذلك، وتلا الخلفاء
في الألقاب الوزراء لاستقبال الدولة العباسيّة وما بعد ذلك: فلقّب أبو سلمة الخلّال وزير السّفّاح ب «وزير آل محمد» ولقّب المهديّ وزيره يعقوب بن داود بن طهمان «الأخ في الله» ولقّب المأمون الفضل بن سهل حين استوزره «ذا الكفايتين» ولقّب أخاه الحسن بن سهل «ذا الرّياستين» ولقّب المعتمد على الله وزيره صاعد ابن مخلد «ذا الوزارتين» إشارة إلى وزارة المعتمد والموفّق، وكان لقب إسماعيل ابن بلبل الشكور «الناصر لدين الله» كألقاب الخلفاء.
وكذلك وقع التلقيب لجماعة من أرباب السّيوف وقوّاد الجيوش: فتلقب أبو مسلم الخراسانيّ صاحب الدعوة ب «أمير آل محمد». وقيل «سيف آل محمد» وتلقب أبو الطيّب طاهر بن الحسين ب «ذي اليمينين» ولقّب المعتصم بالله حيدر ابن كاووس ب «الأفشين» لأنه أشروسنيّ والأفشين لقب على الملك بأشرو سنة ولقّب إسحاق بن كيداح أيام المعتمد ب «ذي السّيفين» ولقّب مؤنس في أيام المقتدر ب «المظفّر» ولقّب سلامة أخو نجح أيام القاهر ب «المؤتمن» ولقّب أبو بكر بن محمد بن طغج الراضي بالله ب «الأخشيد» والأخشيد لقب على الملك بفرغانة.
ثم وقع التلقيب بالإضافة إلى الدّولة في أيام المكتفي (1) بالله: فلقّب المكتفي أبا الحسين بن القاسم بن عبيد الله وليّ الدولة، وهو أوّل من لقّب بالإضافة إلى الدولة، ولقّب المقتدر بالله عليّ بن أبي الحسين المتقدّم ذكره «عميد الدولة».
ووافت الدولة البويهيّة أيام المطيع لله والأمر جار على التلقيب بالإضافة للدولة، فافتتحت ألقاب الملوك بالإضافة إلى الدولة، فكان أوّل من لقّب بذلك من الملوك بنو بوية الثلاثة: فلقّب أبو الحسن عليّ بن بويه ب «عماد الدولة» ولقّب أخوه أبو عليّ الحسن ب «ركن الدولة» وأخوهما أبو الحسين أحمد ب «معزّ الدولة»
__________
(1) سبق التعريف به.(5/415)
ثم وافى «عضد الدولة» من بعدهم فاقترح أن يلقب ب «تاج الدّولة» فلم يجب إليه وعدل به إلى «عضد الدولة»، فلما بذل نفسه للمعاونة على الأتراك، اختار له أبو إسحاق الصابي صاحب ديوان الإنشاء «تاج الملّة» مضافا إلى عضد الدولة، فكان يقال «عضد الدولة وتاج الملّة» ولقّب أبو محمد الحسن بن حمدان أيام المتقي لله «ناصر الدولة» ولقّب أخوه أبو الحسن عليّ بن حمدان «سيف الدولة».
وبقي الأمر على التلقيب بالإضافة إلى الدولة إلى أيام القادر بالله فافتتح التلقيب بالإضافة إلى الدين. وكان أوّل من لقّب بالإضافة إليه أبو نصر بهاء الدولة ابن عضد الدولة بن بويه، زيد على لقبه بهاء الدولة «نظام الدّين» فكان يقال «بهاء الدولة ونظام الدّين» قال ابن حاجب النعمان: ثم تزايد التلقيب به وأفرط، حتّى دخل فيه الكتّاب والجند والأعراب والأكراد، وسائر من طلب وأراد، وكره (؟) حتّى صار لقبا على الأصل. ولا شك أنه في زماننا قد خرج عن الحدّ حتّى تعاطاه أهل الأسواق ومن في معناهم، ولم تصر به ميزة لكبير على صغير، حتى قال قائلهم: (خفيف) طلع الدّين مستغيثا إلى الله ... وقال العباد قد ظلموني
يتسمّون بي، وحقك لا أعرف ... منهم شخصا ولا يعرفوني
أما الديار المصرية فكان جريهم في الألقاب على ما ينتهي إليهم خبره من ألقاب الدولة العباسية ببغداد، فتلقب خلفاء الفاطميّين بها بنحو ألقاب خلفاء بني العبّاس ببغداد، فكان لقب أوّل خلفائهم بها «المعزّ لدين الله» وثانيهم بها «العزيز بالله» وعلى ذلك إلى أن كان لقب آخرهم «العاضد لدين الله» على ما تقدم في المقالة الثانية في الكلام على ملوك الديار المصرية.
وتلقب وزراؤهم وكتّابهم بالإضافة إلى الدولة، وممن لقّب بذلك في دولتهم «وليّ الدولة» بن أبي كدينة وزير المستنصر، وأيضا «وليّ الدولة» بن خيران كاتب الإنشاء المشهور. ولما صارت الوزارة لبدر الجماليّ تلقّب ب «أمير الجيوش». ثم تلقب الوزراء بعده بنحو «الأفضل» و «المأمون». ثم تلقبوا بالملك
الفلانيّ، ك «الملك الأفضل» و «الملك الصالح» ونحو ذلك على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.(5/416)
وتلقب وزراؤهم وكتّابهم بالإضافة إلى الدولة، وممن لقّب بذلك في دولتهم «وليّ الدولة» بن أبي كدينة وزير المستنصر، وأيضا «وليّ الدولة» بن خيران كاتب الإنشاء المشهور. ولما صارت الوزارة لبدر الجماليّ تلقّب ب «أمير الجيوش». ثم تلقب الوزراء بعده بنحو «الأفضل» و «المأمون». ثم تلقبوا بالملك
الفلانيّ، ك «الملك الأفضل» و «الملك الصالح» ونحو ذلك على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وكان الكتّاب في أواخر الدولة الفاطميّة إلى أثناء الدولة الأيّوبيّة يلقبون ب «الفاضل» و «الرّشيد» و «العماد» وما أشبه ذلك، ثم دخلوا في عموم التلقيب بالإضافة إلى الدين، واختص التلقيب بالإضافة إلى الدولة كوليّ الدولة بكتّاب النصارى، والأمر على ذلك إلى الآن.
الطرف الثاني (في بيان معاني الألقاب، وفيه تسع جمل)
الجملة الأولى (في الألقاب الخاصّة بأرباب الوظائف المعتبرة التي بها انتظام أمور المملكة وقوامها، وهي قسمان)
القسم الأوّل (الألقاب الإسلاميّة، وهي نوعان)
النوع الأوّل (الألقاب القديمة المتداولة الحكم إلى زماننا، وهي صنفان)
الصنف الأوّل (ألقاب أرباب السيوف، وهي سبعة ألقاب)
الأوّل الخليفة
. وهو لقب على الزعيم الأعظم القائم بأمور الأمّة، وقد اختلف في معناه، فقيل: إنه فعيل بمعنى مفعول، كجريح بمعنى مجروح، وقتيل بمعنى مقتول ويكون المعنى أنه يخلفه من بعده، وعليه حمل قوله تعالى {إِنِّي جََاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (1) على قول من قال: إن آدم عليه السّلام أوّل من عمر
__________
(1) أنظر سورة (البقرة) ورقمها (2) آية رقم (30)(5/417)
الأرض وخلفه بنوه من بعده. وقيل: فعيل بمعنى فاعل، ويكون المراد أنه يخلف من بعده، وعليه حمل الآية من قال إنه كان قبله في الأرض الجنّ وإنه خلفهم فيها، واختاره النّحّاس (1) في «صناعة الكتّاب»: وعليه اقتصر البغويّ في «شرح السّنّة» والماورديّ في «الأحكام السّلطانية». قال النّحاس: وعليه خوطب أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه بخليفة رسول الله.
وقد أجازوا أن يقال في الخليفة «خليفة رسول الله» لأنه خلفه في أمّته.
واختلفوا هل يجوز أن يقال فيه خليفة الله: فجوّز بعضهم ذلك لقيامه بحقوقه في خلقه محتجّين بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلََائِفَ الْأَرْضِ} (2) وامتنع جمهور الفقهاء من ذلك محتجّين بأنه إنما يستخلف من يغيب أو يموت والله تعالى باق موجود إلى الأبد لا يغيب ولا يموت. ويؤيّد ما نقل عن الجمهور بما روي أنه قيل لأبي بكر رضي الله عنه: يا خليفة الله فقال: لست بخليفة الله ولكنّي خليفة رسول الله، وقال رجل لعمر بن عبد العزيز: يا خليفة الله فقال: ويلك! لقد تناولت متناولا بعيدا! إنّ أمّي سمّتني عمر، فلو دعوتني بهذا الاسم قبلت، ثم كبرت فكنّيت أبا حفص، فلو دعوتني به قبلت، ثم ولّيتمونى أموركم فسمّيتموني أمير المؤمنين، فلو دعوتني به كفاك. وخصّ البغويّ جواز إطلاق ذلك بآدم وداود عليهما السلام، محتجّا بقوله تعالى في حق آدم: {إِنِّي جََاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (3) وقوله في حقّ داود: {يََا دََاوُدُ إِنََّا جَعَلْنََاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} (4) ثم قال: ولا يسمّى أحد خليفة الله بعدهما. قال في «شرح السنة»: ويسمّى خليفة وإن كان مخالفا لسيرة أئمة العدل.
ثم قد كره جماعة من الفقهاء منهم «أحمد بن حنبل» إطلاق اسم الخليفة
__________
(1) هو: أبو جعفر النحاس. أنظر ترجمته في وفيات الأعيان (ج 1، ص 99)
(2) أنظر سورة (الأنعام) ورقمها (6) آية رقم (165)
(3) أنظر سورة (البقرة) ورقمها (2) آية رقم (30)
(4) أنظر سورة (ص) ورقمها (38) آية رقم (26)(5/418)
على ما بعد خلافة «الحسن بن عليّ» رضي الله عنهما فيما حكاه النحاس وغيره، محتجّين بحديث «الخلافة بعدي ثلاثون» يعني ثلاثين سنة، وكان انقضاء الثلاثين بانقضاء خلافة الحسن، ولما انقضت الخلافة صارت ملكا. قال المعافى بن إسماعيل في تفسيره: وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل طلحة والزّبير وكعبا وسلمان عن الفرق بين الخليفة والملك فقال طلحة والزبير لا ندري فقال سلمان: الخليفة الذي يعدل في الرعيّة، ويقسم بينهم بالسّويّة، ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله والوالد على ولده، ويقضي بينهم بكتاب الله تعالى فقال كعب: ما كنت أحسب أن في هذا المجلس من يفرّق بين الخليفة والملك، ولكنّ الله ألهم سلمان حكما وعلما!.
واختلف في الهاء في آخره: فقيل أدخلت فيه للمبالغة كما أدخلت في رجل داهية وراوية وعلّامة ونسّابة وهو قول الفرّاء، واستحسنه النحاس ناقلا له عن أكثر النحويين وخطّأه عليّ بن سليمان محتجّا بأنه لو كان كذلك لكان التأنيث فيه حقيقيّا، وقيل: الهاء فيه لتأنيث الصّيغة. قال النحاس: وربما أسقطوا الهاء منه وأضافوه فقالوا «فلان خليف فلان» يعنون خليفته.
ثم الأصل فيه التذكير نظرا للمعنى لأن المراد بالخليفة رجل وهو مذكّر، فيقال أمر الخليفة بكذا على التذكير، وأجاز الكوفيّون فيه التأنيث على لفظ خليفة فيقال أمرت الخليفة بكذا، وأنشد الفرّاء:
أبوك خليفة ولدته أخرى
ومنعه البصريون محتجين بأنه لو جاز ذلك لجاز قالت طلحة في رجل اسمه طلحة وهو ممتنع. فإن ظهر اسم الخليفة تعين التذكير باتّفاق فتقول قال أبو جعفر الخليفة أو قال الراضي الخليفة ونحو ذلك. ويجمع على خلفاء ككريم وكرماء، وعليه ورد قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفََاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} (1) وعلى
__________
(1) أنظر سورة (الأعراف) ورقمها (7) آية رقم (69)(5/419)
خلائف كصحيفة وصحائف، وعليه جاء قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلََائِفَ الْأَرْضِ} (1) والنسبة إليه خلفيّ كما ينسب إلى حنيفة حنفيّ، وقول العامة درهم خليفتيّ ونحوه خطأ، إذ قاعدة النسب أن يحذف من المنسوب إليه الياء وهاء التأنيث على ما هو مقرّر في علم النحو. وممن وهم في ذلك المقرّ الشهابيّ بن فضل الله رحمه الله في كتابه «التعريف» حيث قال: وأوّل ما نبدأ بالمكاتبة إلى الأبواب الشريفة الخليفتيّة، ولعله سبق قلم منه، وإلا فالمسألة أظهر من أن يجهلها أو تخفى عليه.
الثاني الملك
. وهو الزّعيم الأعظم ممن لم يطلق عليه اسم الخلافة، وقد نطق القرآن بذكره في غير موضع كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طََالُوتَ مَلِكاً} (2) ({وَقََالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} * (3) إلى غير ذلك من الآيات. ويقال فيه ملك بكسر اللام وملك بإسكانها ومليك بزيادة ياء، ومنه قوله تعالى: {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} (4) قال الجوهري: والملك مقصور من مالك أو مليك، ويجمع على ملوك وأملاك. ويقال لموضع الملك المملكة.
الثالث السّلطان
، وهو اسم خاصّ في العرف العامّ بالملوك. ويقال: إن أوّل من لقّب به «خالد بن برمك» وزير الرشيد، لقّبه به الرشيد تعظيما له، ثم انقطع التلقيب به إلى أيام بني بويه فتلقب به ملوكهم فمن بعدهم من الملوك السّلاجقة وغيرهم وهلمّ جرّا إلى زماننا.
وأصله في اللغة الحجّة قال تعالى: {وَمََا كََانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطََانٍ} (5) يعني من حجّة. وسمّي السلطان بذلك لأنه حجّة على الرعية يجب عليهم الانقياد إليه.
__________
(1) أنظر سورة (فاطر) ورقمها (35) آية رقم (39)
(2) أنظر سورة (البقرة) ورقمها (2) آية رقم (247)
(3) أنظر سورة (يوسف) ورقمها (12) آية رقم (50و 54)
(4) أنظر سورة (القمر) ورقمها (54) آية رقم (55)
(5) أنظر سورة (سبإ) ورقمها (34) آية رقم (21)(5/420)
واختلف في اشتقاقه: فقيل إنه مشتقّ من السّلاطة وهي القهر والغلبة:
لقهره الرعية وانقيادهم له، وقيل مشتقّ من السليط وهو الشّيرج في لغة أهل اليمن لأنه يستضاء به في خلاص الحقوق، وقيل من قولهم لسان سليط أي حادّ ماض لمضيّ أمره ونفوذه. وقال محمد بن يزيد البصريّ: السّلطان جمع واحده سليط كقفيز وقفزان وبعير وبعران.
وحكى صاحب «ذخيرة الكتّاب» (1): أنه يكون واحدا ويكون جمعا، ثم هو يذكّر على معنى الرجل، ويؤنّث على معنى الحجّة. وحكى الكسائيّ والفرّاء على التأنيث عن بعض العرب قضت به عليك السلطان. قال العسكريّ في كتابه «الفروق» في اللغة: والفرق بينه وبين الملك أن الملك يختصّ بالزعيم الأعظم، والسّلطان يطلق عليه وعلى غيره. وعلى ما ذكره العسكريّ عرف الفقهاء في كتبهم، إذ يطلقونه على الحاكم من حيث هو حتّى على القاضي فيقولون فيمن ليس لها وليّ خاصّ يزوجها السلطان ونحو ذلك. ومن حيث إن السلطان أعمّ من الملك يقدّم عليه في قولهم السلطان الملك الفلانيّ: ليقع السلطان أوّلا على الملك وعلى غيره ثم يخرج غير الملك بعد ذلك بذكر الملك.
الرابع الوزير
، وهو المتحدّث للملك في أمر مملكته. واختلف في اشتقاقه: فقيل مشتق من الوزر بفتح الواو والزاي وهو الملجأ، ومنه قوله تعالى:
{كَلََّا لََا وَزَرَ} (2) سمّي بذلك لأن الرعية يلجأون إليه في حوائجهم، وقيل مشتق من الأوزار وهي الأمتعة، ومنه قوله تعالى: {وَلََكِنََّا حُمِّلْنََا أَوْزََاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} (3) سمّي بذلك لأنه متقلّد بخزائن الملك وأمتعته، وقيل مشتق من الوزر بكسر الواو وإسكان الزاي وهو الثّقل، ومنه قوله تعالى: {حَتََّى تَضَعَ الْحَرْبُ} (4)
__________
(1) لابن حاجب النعمان أنظر صبح الأعشى (ج 1)
(2) أنظر سورة (القيامة) ورقمها (75) آية رقم (11)
(3) أنظر سورة (طه) ورقمها (20) آية رقم (87)
(4) أنظر سورة (محمد) ورقمها (47) آية رقم (4)(5/421)
{أَوْزََارَهََا} سمّي بذلك لأنه يتحمل أثقال الملك وقيل مشتق من الأزر: وهو الظّهر، سمّي بذلك لأن الملك يقوى بوزيره كقوة البدن بالظهر، وتكون الواو فيه على هذا التقدير منقلبة عن همزة. وقد أوضحت القول في ذلك في «النفحات النّشرية في الوزارة البدرية». قال القضاعي في «عيون المعارف في أخبار الخلائف»:
وأوّل من لقّب بالوزارة في الإسلام أبو سلمة: حفص بن سلمان الخلّال وزير السفّاح. قال: وإنما كانوا قبل ذلك يقولون كاتب. ثم هو إما وزير تفويض: وهو الذي يفوّض الإمام إليه تدبير الأمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده كما كانت الوزراء بالديار المصرية من لدن وزارة بدر الجماليّ وإلى حين انقراضها، وإما وزير تنفيذ: وهو الذي يكون وسيطا بين الإمام والرّعايا معتمدا على رأي الإمام وتدبيره. وهذه هي التي كان أهل الدولة الفاطمية يعبّرون عنها بالوساطة، أما الوزارة في زماننا فقد تقاصرت عن ذلك كلّه حتّى لم يبق منها إلا الاسم دون الرّسم، ولم تزل الوزارة في الدّول تتردّد بين أرباب السيوف والأقلام تارة وتارة إلا أنها في زماننا في أرباب الأقلام.
الخامس الأمير
. وهو زعيم الجيش أو الناحية ونحو ذلك ممن يولّيه الإمام. وأصله في اللغة ذو الأمر وهو فعيل بمعنى فاعل فيكون أمير بمعنى آمر.
سمّي بذلك لامتثال قومه أمره يقال: أمر فلان إذا صار أميرا، والمصدر الإمرة والإمارة بالكسر فيهما، والتأمير تولية الأمير، وهي وظيفة قديمة.
السادس الحاجب
. وهو في أصل الوضع عبارة عمن يبلّغ الأخبار من الرعيّة إلى الإمام ويأخذ لهم الإذن منه، وهي وظيفة قديمة الوضع كانت لابتداء الخلافة فقد ذكر القضاعيّ في «عيون المعارف» لكل خليفة حاجبا من ابتداء الأمر وإلى زمانه: فذكر أنه كان حاجب أبي بكر الصّديق رضي الله عنه «شديدا» مولاه، وحاجب عمر «يرفأ» مولاه، وحاجب عثمان «حمران» مولاه، وحاجب عليّ «قنبرا» مولاه، وعلى ذلك في كل خليفة، ما عدا الحسن ابن عليّ رضي الله عنهما فإنه لم يذكر له حاجبا. وسمّي الحاجب بذلك لأنه يحجب الخليفة أو الملك عمّن يدخل إليه بغير إذن. قال زياد لحاجبه: «ولّيتك
حجابي وعزلتك عن أربع: هذا المنادي إلى الله في الصلاة والفلاح فلا تعوجنّه عنّي ولا سلطان لك عليه، وطارق الليل فلا تحجبه فشرّ ما جاء به ولو كان خيرا ما جاء في تلك الساعة، ورسول الثّغر فإنه إن أبطأ ساعة أفسد عمل سنة فأدخله عليّ وإن كنت في لحافي وصاحب الطعام فإن الطعام إذا أعيد تسخينه فسد».(5/422)
وهو في أصل الوضع عبارة عمن يبلّغ الأخبار من الرعيّة إلى الإمام ويأخذ لهم الإذن منه، وهي وظيفة قديمة الوضع كانت لابتداء الخلافة فقد ذكر القضاعيّ في «عيون المعارف» لكل خليفة حاجبا من ابتداء الأمر وإلى زمانه: فذكر أنه كان حاجب أبي بكر الصّديق رضي الله عنه «شديدا» مولاه، وحاجب عمر «يرفأ» مولاه، وحاجب عثمان «حمران» مولاه، وحاجب عليّ «قنبرا» مولاه، وعلى ذلك في كل خليفة، ما عدا الحسن ابن عليّ رضي الله عنهما فإنه لم يذكر له حاجبا. وسمّي الحاجب بذلك لأنه يحجب الخليفة أو الملك عمّن يدخل إليه بغير إذن. قال زياد لحاجبه: «ولّيتك
حجابي وعزلتك عن أربع: هذا المنادي إلى الله في الصلاة والفلاح فلا تعوجنّه عنّي ولا سلطان لك عليه، وطارق الليل فلا تحجبه فشرّ ما جاء به ولو كان خيرا ما جاء في تلك الساعة، ورسول الثّغر فإنه إن أبطأ ساعة أفسد عمل سنة فأدخله عليّ وإن كنت في لحافي وصاحب الطعام فإن الطعام إذا أعيد تسخينه فسد».
ثم تصرّف الناس في هذا اللقب ووضعوه في غير موضعه، حتّى كان في أعقاب خلافة بني أمية بالأندلس ربما أطلق على من قام مقام الخليفة في الأمر، وكانوا في الدولة الفاطميّة بالديار المصرية يعبّرون عنه بصاحب الباب كما سبق بيانه في المقالة الثانية في الكلام على ترتيب دولتهم. أما في زماننا فإنه عبارة عمن يقف بين يدي السلطان ونحوه في المواكب، ليبلّغ ضرورات الرعية إليه، ويركب أمامه بعصا في يده، ويتصدّى لفصل المظالم بين المتداعيين خصوصا فيما لا تسوغ الدعوى فيه من الأمور الدّيوانية ونحوها. وله ببلاد المغرب والأندلس أوضاع تخصّه في القديم والحديث، على ما سيأتي ذكره في الكلام على مكاتباتهم في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
السابع صاحب الشّرطة
. بضم الشين المعجمة وإسكان الراء: وهو المعبّر عنه في زماننا بالوالي، وتجمع الشّرطة على شرط بضم الشين المعجمة وفتح الراء. وفي اشتقاقه قولان: أحدهما أنه مشتق من الشّرط بفتح الشين والراء وهي العلامة، لأنهم يجعلون لأنفسهم علامات يعرفون بها، ومنه أشراط الساعة يعني علاماتها، وقيل من الشّرط بالفتح أيضا: وهو رذال المال، لأنهم يتحدثون في أرذال الناس وسفلتهم ممن لا مال له من اللّصوص ونحوهم.
الصّنف الثاني (ألقاب أرباب الأقلام، وفيه ثلاثة ألقاب)
الأوّل القاضي
. وهو عبارة عمن يتولّى فصل الأمور بين المتداعيين في الأحكام الشرعيّة. وهي وظيفة قديمة كانت في زمن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقد ذكر القضاعيّ
أنه صلّى الله عليه وسلّم ولّى القضاء باليمن عليّ بن أبي طالب ومعاذ بن جبل (1) وأبا موسى الأشعريّ (2) وأن أبا بكر رضي الله عنه ولّى القضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه.(5/423)
وهو عبارة عمن يتولّى فصل الأمور بين المتداعيين في الأحكام الشرعيّة. وهي وظيفة قديمة كانت في زمن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقد ذكر القضاعيّ
أنه صلّى الله عليه وسلّم ولّى القضاء باليمن عليّ بن أبي طالب ومعاذ بن جبل (1) وأبا موسى الأشعريّ (2) وأن أبا بكر رضي الله عنه ولّى القضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثم هو مشتقّ من القضاء، واختلف في معناه فقال أبو عبيد: هو إحكام الشيء والفراغ منه، ومنه قوله تعالى: {وَقَضَيْنََا إِلى ََ بَنِي إِسْرََائِيلَ فِي الْكِتََابِ} (3)
أي أخبرناهم بذلك وفرغنا لهم منه. قال أبو جعفر النحاس: وسمّي القاضي قاضيا لأنه يقال قضى بين الخصمين إذا فصل بينهما وفرغ. وقيل معناه القطع، يقال قضى الشيء إذا قطعه، ومنه قوله تعالى: {فَاقْضِ مََا أَنْتَ قََاضٍ} (4) وسمّي القاضي بذلك لأنه يقطع الخصومة بين الخصمين بالحكم. على أن كتّاب الزمان يطلقون هذا اللقب والألقاب المتفرّعة منه كالقضائيّ والقاضويّ على أرباب الأقلام في الجملة، سواء كان صاحب اللّقب متصدّيا لهذه الوظيفة أو غيرها، كسائر العلماء والكتّاب ومن في معناهم، وعلى ذلك عرف العامّة أيضا.
الثاني المحتسب
، وهو عبارة عمن يقوم بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والتحدّث في أمر المكاييل والموازين ونحوهما. قال الماورديّ في «الأحكام السلطانية»: وهو مشتقّ من قولهم حسبك بمعنى اكفف، سمّي بذلك لأنه يكفي الناس مؤونة من يبخسهم حقوقهم. قال النحاس: وحقيقته في اللغة المجتهد في كفاية المسلمين ومنفعتهم إذ حقيقة افتعل عند الخليل وسيبويه بمعنى اجتهد.
__________
(1) هو: معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن: صحابي جليل.
توفي سنة 18هـ. أنظر الأعلام (ج 7، ص 258)
(2) هو: عبد الله بن قيس بن سليم بن حرب أبو موسى، من بني الأشعر من قحطان: صحابي. توفي سنة 44هـ. أنظر طبقات ابن سعد (ج 4، ص 79) والأعلام (ج 4، ص 114)
(3) أنظر سورة (الإسراء) ورقمها (17) آية رقم (4)
(4) أنظر سورة (طه) ورقمها (20). آية رقم (72)(5/424)
وأوّل من قام بهذا الأمر وصنع الدّرّة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في خلافته. وقد كانوا في الأيام الفاطميّة بالديار المصرية يضيفونها إلى الشّرطة في بعض الأحيان، كما هو موجود في تقاليد الحسبة في زمانهم.
الثالث الكاتب
. وقد تقدّم اشتقاقه ومعناه في مقدّمة الكتاب، وأنه كان في الزمن الأوّل عند الإطلاق إنما يراد به كاتب الإنشاء ثم تغيّر الحال بعد ذلك إلى أن صار في العرف العامّ بالديار المصرية عند الإطلاق يراد به كاتب المال ومن في معناه، وهو من الألقاب القديمة فقد تقدّم في الكلام على الوزارة من كلام القضاعيّ أنهم قبل التلقيب بالوزارة في الدولة العباسيّة في خلافة السفّاح إنما كانوا يقولون كاتب.
قلت: ووراء ما تقدّم من الألقاب القديمة المتداولة ألقاب أخرى كانت مستعملة في الأيام الفاطمية ثم رفضت الآن وتركت.
ك «صاحب المظالم» وهو المتحدّث في فصل الخصومات.
وصاحب الصّلاة: وهو المتحدّث في أمر المساجد والصلوات.
وكالمتحدّث في الوساطة، وهي القيام بوظيفة الوزارة ممن لم يؤهّل لإطلاق اسم الوزارة عليه.
وصاحب الباب كنحو الحاجب.
وداعي الدّعاة للشّيعة ونحو ذلك.
النوع الثاني (الألقاب المحدثة)
وهي إما عربيّة، وإما عجميّة. والعجميّة منها إما فارسيّة، وإما تركيّة، وأكثرها الفارسيّة. والسبب في استعمال الفارسيّ منها وإن كانت الفرس لم تلها في الإسلام أن الخلافة كانت ببغداد وغالب كلام أهلها الفارسية، والوظائف منقولة عنها إلى هذه المملكة، إما مضاهاة كما في الدولة الفاطمية على قلّة، كما في
الاسفهسلار، وإما تبعا كما في الدولة الأيوبية فما بعدها.(5/425)
وهي إما عربيّة، وإما عجميّة. والعجميّة منها إما فارسيّة، وإما تركيّة، وأكثرها الفارسيّة. والسبب في استعمال الفارسيّ منها وإن كانت الفرس لم تلها في الإسلام أن الخلافة كانت ببغداد وغالب كلام أهلها الفارسية، والوظائف منقولة عنها إلى هذه المملكة، إما مضاهاة كما في الدولة الفاطمية على قلّة، كما في
الاسفهسلار، وإما تبعا كما في الدولة الأيوبية فما بعدها.
وهي أربعة أصناف:
الصنف الأوّل (المفردة، وهي ضربان)
الضرب الأوّل (ما لفظه عربيّ، وهو ثلاثة ألقاب)
الأوّل النائب
: وهو لقب على القائم مقام السلطان في عامّة أموره أو غالبها، والألف فيه منقلبة عن واو. يقال: ناب فلان عن فلان ينوب نوبا ومنابا إذا قام مقامه فهو نائب. ويطلق هذا اللقب في العرف العامّ على كل نائب عن السلطان أو غيره بحضرته أو خارجا عنها في قرب أو بعد، إلا أن النائب عن السلطان بالحضرة يوصف في عرف الكتّاب بالكافل: فيقال «النائب الكافل» وفي حال الإضافة «كافل الممالك الإسلاميّة» على ما سيأتي ذكره في النّعوت إن شاء الله تعالى. والنائب عنه بدمشق يقال فيه «كافل السّلطنة» ومن دونه من أكابر النّوّاب:
كنائب حلب ونائب طرابلس ونائب حماة ونائب صفد ونائب الكرك من الممالك الشامية، ونائب الإسكندريّة ونائبي الوجهين: القبلي والبحريّ بالديار المصرية.
[يقال فيه نائب السلطنة الشريفة بكذا ليس إلا] (1) ويقال فيمن دونهم من النّوّاب بالممالك الشامية كنائب حمص ونائب الرّحبة وغيرهما «النائب بفلانة».
الثاني الساقي
. وهو لقب على الذي يتولّى مدّ السّماط وتقطيع اللحم وسقي المشروب بعد رفع السّماط، ونحو ذلك. وكأنه وضع في الأوّل لسقي المشروب فقط ثم استحدث له هذه الأمور الأخرى تبعا. ويجوز أن يكون لقّب
__________
(1) الزيادة من الضوء ص 342. كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/426)
بذلك لأنّ سقي المشروب آخر عمله الذي يختم به وظيفته.
الثالث المشرف
. وهو الذي يتولّى أمر المطبخ ويقف على مشارفة الأطبخة في خدمة إستادار (1) الصّحبة الآتي ذكره، ومعناه ظاهر.
الضرب الثاني (ما لفظه عجميّ وهو لقب واحد)
وهو «الأوجاقيّ» وهو لقب على الذي يتولّى ركوب الخيول للتسيير والرياضة، ولم أقف على معناه (2)
الصنف الثاني (المركّبة، وهي ثلاثة أضرب)
الضرب الأوّل (ما تمحّض تركيبه من اللفظ العربيّ، وفيه سبعة ألقاب)
الأوّل ملك الأمراء
. وهو من الألقاب التي اصطلح عليها لكفّال الممالك من نوّاب السلطنة، كأكابر النّوّاب بالممالك الشامية ومن في معناهم. وذلك أنه قام فيهم مقام الملك في التصرّف والتنفيذ، والأمراء في خدمته كخدمة السلطان.
وأكثر ما يخاطب به النوّاب في المكاتبات، وذلك مختصّ بغير المخاطبات السلطانية، أما السلطان فلا يخاطب عنه أحد منهم بذلك.
الثاني رأس نوبة
. وهو لقب على الذي يتحدّث على مماليك السلطان أو الأمير، وتنفيذ أمره فيهم، ويجمع على رؤوس نوب. والمراد بالرأس هنا الأعلى
__________
(1) أنظر صفحة (429) من هذا الجزء.
(2) أصل اللفظ تركي: اوجاق ومعناه الأول في التركية الموقد والمدخنة، ثم أطلق على البيت ثم على الجماعة تتلاقى في مكان واحد ثم على صنف من أصناف الجند وهم الفرسان. أنظر (تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل ص 194)(5/427)
أخذا من رأس الإنسان لأنه أعلاه. والنّوبة واحدة النّوب وهي المرّة بعد الأخرى، والعامّة تقول لأعلاهم في خدمة السلطان «رأس نوبة النّوب» وهو خطأ لأن المقصود علوّ صاحب النّوبة لا النوبة نفسها، والصواب فيه أن يقال: «رأس رؤوس النّوب» أي أعلاهم.
الثالث أمير مجلس
. وهو لقب على من يتولّى أمر مجلس السلطان أو الأمير في الترتيب وغيره، ويجمع على أمراء، ومعناه ظاهر، والأحسن فيه أن يقال أمير المجلس بتعريف المضاف إليه، وتكون الألف واللام فيه للعهد الذّهني، إما مجلس السلطان أو غيره.
الرابع أمير سلاح
. وهو لقب على الذي يتولّى أمر سلاح السلطان أو الأمير. ويجمع على أمراء سلاح، والسلاح آلة القتال. قال الجوهريّ: وهو مذكّر ويجوز تأنيثه.
الخامس مقدّم المماليك
. وهو لقب على الذي يتولّى أمر المماليك للسلطان أو الأمير من الخدّام الخصيان المعروفين الآن بالطّواشيّة. ومقامه فيهم نحو مقام رأس النّوبة، ولفظ المقدّم والمماليك معروف.
السادس أمير علم
. وهو لقب على الذي يتولّى أمر الأعلام السلطانية والطّبلخاناه وما يجري مجرى ذلك. والعلم في اللغة يطلق بإزاء معان أحدها الراية، وهو المراد هنا.
السابع نقيب الجيش
. وهو الذي يتكفّل بإحضار من يطلبه السلطان من الأمراء وأجناد الحلقة ونحوهم، والنقيب في اللغة العريف الذي هو ضمين القوم وفي التنزيل حكاية عن بني إسرائيل: {وَبَعَثْنََا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} (1) ويقال:
__________
(1) أنظر سورة (المائدة) ورقمها (5) آية رقم (12)(5/428)
نقب على قومه ينقب نقبا مثل كتب يكتب كتبا. والجيش العسكر ويجمع على جيوش. أما بالممالك الشامية فإنه يقال في مثله نقيب النّقباء.
الضرب الثاني (ما تمحّض تركيبه من اللفظ العجميّ)
وقاعدة اللّغات العجميّة تقديم المضاف إليه على المضاف، والصّفة على الموصوف، بخلاف اللغة العربية. ولهذا الضرب حالتان:
الحالة الأولى (أن تكون الإضافة إلى لفظ دار)
وهي لفظة فارسية معناها ممسك فاعل من الإمساك. وكثير من كتّاب الزمان أو أكثرهم بل كلّهم يظنّون أن لفظ دار في ذلك عربيّ بمعنى المحلة، كدار السلطان أو الأمير ونحو ذلك، وهو خطأ كما سيأتي بيانه في الكلام على إستدّار، وخزندار وغيرهما.
والمضاف إلى لفظ دار من وظائف أرباب السيوف تسعة ألقاب:
الأوّل الإستدّار
. بكسر الهمزة وهو لقب على الذي يتولّى قبض مال السلطان أو الأمير وصرفه، وتمتثل أوامره فيه. وهو مركّب من لفظتين فارسيتين:
إحداهما إستذ (1)، بهمزة مكسورة وسين مهملة ساكنة بعدها تاء مثناة من فوق ثم ذال معجمة ساكنة، ومعناها الأخذ. والثانية دار، ومعناها الممسك كما تقدّم، فأدغمت الذال الأولى وهي المعجمة في الثانية وهي المهملة فصار إستدّار.
والمعنى المتولّي للأخذ، سمّي بذلك لما تقدّم من أنه يتولّى قبض المال. ويقال فيه أيضا: ستدّار بإسقاط الألف من أوّله وكسر السين والمتشدّقون من الكتّاب
__________
(1) أصلها الفارسي: ستد بكسر السين وفتح التاء المثناة ثم دال ساكنة مهملة.(5/429)
يضمّون الهمزة في أوّله ويلحقون فيه ألفا بعد التاء، فيقولون: «أستادّار» وربما قالوا: «أستاذ الدار» بإدخال الألف واللام على لفظ الدار ظنّا منهم أن المراد حقيقة الدار في اللفظ العربيّ، وأن أستاذ بمعنى السيد أو الكبير، ولذلك يقولون «أستادّار العالية»: أو «أستاذ الدّار العالية» وهو خطأ صريح لما تقدّم بيانه.
على أن العامة تنطق به على الصواب، من كسر الهمزة وحذف الألف بعد التاء. ثم قد يزاد في هذا اللقب لفظ الصّحبة، فيصير «إستدّار الصّحبة» ويكون لقبا على متولّي أمر المطبخ، وكأنه لقّب بذلك لملازمته الباب سفرا وحضرا.
الثاني الجوكاندار
. وهو لقب على الذي يحمل الجو كان مع السلطان في لعب الكرة، ويجمع على جو كان داريّة، وهو مركّب من لفظتين فارسيّتين أيضا:
إحداهما جو كان، وهو المحجن (1) الذي تضرب به الكرة، ويعبر عنه بالصّولجان أيضا: والثانية دار، ومعناه ممسك كما تقدّم. فيكون المعنى ممسك الجو كان.
والعامّة تقول: «جكندار» بحذف الواو بعد الجيم والألف بعد الكاف.
الثالث الطّبردار
. وهو الذي يحمل الطّبر حول السلطان عند ركوبه في المواكب وغيرها. وهو مركّب من لفظين فارسيين: أحدهما طبر ومعناه الفأس، ولذلك يقولون في السّكّر الصّلب الشديد الصّلابة طبرزذ بمعنى يكسر بالفأس.
والثاني دار ومعناه ممسك كما تقدم، فيكون المعنى ممسك الطّبر.
الرابع السّنجقدار
. وهو الذي يحمل السّنجق خلف السلطان. وهو مركّب من لفظين: أحدهما تركيّ وهو سنجق، ومعناه الرّمح وهو في لغتهم مصدر طعن، فعبّر به عن الرّمح الذي يطعن به. والثاني دار ومعناه ممسك كما تقدّم، ويكون المعنى ممسك السّنجق وهو الرمح. والمراد هنا العلم الذي هو الراية كما تقدّم، إلا أنه لما كانت الراية إنما تجعل في أعلى الرمح عبّر بالرمح نفسه عنها.
__________
(1) المحجن: العصا المعوجة، وهو كالصولجان. أنظر لسان العرب، مادة حجن.(5/430)
الخامس البندقدار
. وهو الذي يحمل جراوة (1) البندق خلف السلطان أو الأمير. وهو مركّب من لفظتين فارسيتين إحداهما بندق، وإن كان الجوهريّ قد أطلق ذكره في الصحاح من غير تعرّض لأنه معرّب فقال: والبندق الذي يرمى به. ثم هو منقول عن البندق الذي يؤكل وهو الجلّوز بكسر الجيم والزاي المعجمة في آخره. فقد قال أبو حنيفة في كتاب «النبات» الجلّوز عربيّ وهو البندق والبندق فارسيّ. اللفظة الثانية دار ومعناها ممسك كما تقدّم، ويكون المعنى ممسك البندق.
السادس الجمدار
(2) وهو الذي يتصدّى لإلباس السلطان أو الأمير ثيابه.
وأصله جاما دار فحذفت الألف بعد الجيم وبعد الميم استثقالا وقيل جمدار. وهو في الأصل مركّب من لفظين فارسيين أحدهما جاما، ومعناه الثوب. والثاني دار، ومعناه ممسك كما تقدّم فيكون المعنى ممسك الثوب.
السابع البشمقدار
. وهو الذي يحمل نعل السلطان أو الأمير، وهو مركّب من لفظين: أحدهما من اللغة التركية وهو بشمق ومعناه النعل. والثاني من اللغة الفارسية وهو دار ومعناه ممسك على ما تقدّم. ويكون المعنى ممسك النعل.
على أن صاحب «الأنوار الضوّية في إظهار غلط الدرّة المضية في اللغة التركية» قد ذكر أن الصواب في النعل بصمق بالصاد المهملة (3) بدل الشين المعجمة، وحينئذ فيكون صوابه على ما ذكر بصمقدار. والمعروف في ألسنة الترك بالديار المصرية ما تقدّم.
الثامن المهمندار
. وهو الذي يتصدّى لتلقي الرّسل والعربان الواردين على
__________
(1) كذا في الأصل ولعله مصحف من غرارة أو نحوه. وقد جاء هذا الاستدراك في طبعة دار الكتب المصرية.
(2) استعمل هذا اللفظ في العصرين السلجوقي والمملوكي، وحل محله لفظ الجوخدار في العصر العثماني. أنظر تأصيل الدخيل ص (71)
(3) وفي التركية «باصمق» أي يطأ برجله. أنظر تأصيل الدخيل (ص 40)(5/431)
السلطان وينزلهم دار الضيافة ويتحدّث في القيام بأمرهم. وهو مركب من لفظين فارسيين: أحدهما مهمن بفتح الميمين ومعناه الضيف، والثاني دار ومعناه ممسك كما تقدّم، ويكون معناه ممسك الضيف، والمراد المتصدّي لأمره.
التاسع الزّنان دار المعبر عنه «بالزّمام دار»
. وهو لقب على الذي يتحدّث على باب ستارة السلطان أو الأمير من الخدّام الخصيان. وهو مركّب من لفظين فارسيين: أحدهما زنان بفتح الزاي ونونين بينهما ألف، ومعناه النساء. والثاني دار، ومعناه ممسك كما تقدّم فيكون معناه ممسك النّساء، بمعنى أنه الموكّل بحفظ الحريم إلا أن العامّة والخاصة قد قلبوا النونين فيه بميمين فعبّروا عنه بالزّمام دار كما تقدّم، ظنّا أن الدار على معناها العربيّ والزّمام بمعنى القائد، أخذا من زمام البعير الذي يقاد به.
الحالة الثانية (أن تكون الإضافة إلى غير لفظ دار، وفيها لقبان)
الأوّل الجاشنكير
. وهو الذي يتصدّى لذوقان (1) المأكول والمشروب قبل السلطان أو الأمير خوفا من أن يدسّ عليه فيه سمّ ونحوه. وهو مركّب من لفظين فارسيين: أحدهما جاشنا بجيم في أوّله قريبة في اللفظ من الشين، ومعناه الذّوق، ولذلك يقولون في الذي يذوق الطعام والشراب الشّيشنيّ. والثاني كير وهو بمعنى المتعاطي لذلك، ويكون المعنى الذي يذوق.
الثاني السّراخور
. وهو الذي يتحدّث على علف الدّوابّ من الخيل وغيرها. وهو مركّب من لفظين فارسيين: أحدهما سرا ومعناه الكبير. والثاني خور، ومعناه العلف (2)، ويكون المعنى كبير (3) العلف والمراد كبير الجماعة الذين يتولّون
__________
(1) كذا في الأصل لذوقان وقد جارى فيه العامة والذّواق والمذاق يكونان مصدرين، ويكونان طعما.
أنظر لسان العرب، مادة (ذوق). وقد جاء هذا الاستدراك أيضا في طبعة دار الكتب المصرية.
(2) العلف: معناه المعلف أو المذود. وكبير العلف رأس المعلف. أي الذي يقف على المعلف. أنظر تأصيل الدخيل.
(3) العلف: معناه المعلف أو المذود. وكبير العلف رأس المعلف. أي الذي يقف على المعلف. أنظر تأصيل الدخيل.(5/432)
علف الدّوابّ. والعامّة يقولون سراخوريّ بإثبات ياء النسب في آخره ولا وجه له.
ومتشدّقو الكتّاب يبدلون الراء فيه لاما فيقولون سلاخوريّ وهو خطأ (1)
الضرب الثالث (ما تركّب من لفظ عربيّ ولفظ عجميّ، وله حالتان)
الحالة الأولى (أن يصدّر بلفظ أمير وهو لفظ عربيّ كما تقدّم في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف، وفيها أربعة ألقاب)
الأوّل أمير آخور
. وهو الذي يتحدّث على إصطبل السلطان أو الأمير، ويتولّى أمر ما فيه من الخيل والإبل وغيرهما مما هو داخل في حكم الإصطبلات، وهو مركّب من لفظين: أحدهما عربيّ وهو أمير، والثاني فارسيّ وهو آخور بهمزة مفتوحة ممدودة بعدها خاء معجمة ثم واو وراء مهملة ومعناه المعلف، والمعنى أمير المعلف: لأنه المتولّي لأمر الدوابّ على ما تقدّم وأهمّ أمورها المعلف.
الثاني أمير جاندار
. وهو لقب على الذي يستأذن على الأمراء وغيرهم في أيام المواكب عند الجلوس بدار العدل. وهو مركّب من ثلاثة ألفاظ: أحدها عربيّ وهو أمير وقد تقدّم معناه. والثاني جان بجيم وألف ونون، ومعناه الروح بالفارسيّة والتركية جميعا. والثالث دار، ومعناه ممسك كما تقدّم، فيكون المعنى «الأمير الممسك للروح» ولم يظهر لي وجه ذلك إلا أن يكون المراد أنه الحافظ لدم السلطان فلا يأذن عليه إلا لمن يأمن عاقبته (2)
الثالث أمير شكار
. وهو لقب على الذي يتحدّث على الجوارح من الطيور
__________
(1) يذهب الاستاذ أحمد السعيد سليمان إلى صحة الاستعمال باللام ويشير بذلك إلى خطأ القلقشندي (أنظر تأصيل الدخيل ص 131)
(2) في تأصيل الدخيل (ص 111) كان الدوادار يتسلم هو والجاندار وكاتب السر البريد الوارد ثم يعرضه الدوادار على السلطان.(5/433)
وغيرها وسائر أمور الصيد. وهو مركّب من لفظين: أحدهما عربيّ وهو أمير والثاني فارسيّ وهو شكار بكسر الشين المعجمة وكاف وألف ثم راء مهملة في الآخر، ومعناه الصيد فيكون المراد «أمير الصيد».
الرابع أمير طبر
. وهو لقب على الذي يتحدّث على الطّبرداريّة الذين يحملون الأطبار حول السلطان في المواكب ونحوها. وهو مركّب من لفظين:
أحدهما عربيّ وهو أمير، والثاني طبر وهو بالفارسية الفأس كما تقدّم في الكلام على الطّبردار.
الحالة الثانية (أن لا يصدّر اللقب بلفظ أمير، وفيها خمسة ألقاب)
الأوّل الدّوادار
(1) وهو لقب على الذي يحمل دواة السلطان أو الأمير أو غيرهما، ويتولّى أمرها مع ما ينضمّ إلى ذلك من الأمور اللازمة لهذا المعنى من حكم وتنفيذ أمور وغير ذلك بحسب ما يقتضيه الحال. وهو مركّب من لفظين:
أحدهما عربيّ وهو الدّواة، والمراد التي يكتب منها. والثاني فارسيّ وهو دار، ومعناه ممسك كما تقدّم. ويكون المعنى «ممسك الدّواة» وحذفت الهاء من آخر الدواة استثقالا. أما في اللغة العربية فإنه يقال لحامل الدواة «داو» على وزن قاض، فتثبت الياء فيه مع الألف واللام فتقول جاء الدّاوي ورأيت الداوي ومررت بالدّاوي، ويجوز حذفها كما في سائر الأسماء المنقوصة.
الثاني السّلاح دار
. وهو لقب على الذي يحمل سلاح السلطان أو الأمير ويتولّى أمر السّلاح خاناه وما هو من توابع ذلك. وهو مركّب من لفظين: أحدهما عربيّ وهو السّلاح، وقد تقدّم معناه في الكلام على أمير سلاح. والثاني فارسيّ وهو دار ومعناه ممسك كما تقدّم، ويكون المعنى «ممسك السّلاح».
__________
(1) ويقال له أيضا الدويدار والدوادار والدويندار والدوالدار. ووظيفة الدوادارية أنشأها السلاجقة على الأرجح كما جاء في النجوم الزاهرة. تأصيل الدخيل ص (109)(5/434)
الثالث الخزندار
بكسر الخاء وفتح الزاي المعجمتين. وهو لقب على الذي يتحدّث على خزانة السلطان أو الأمير أو غيرهما. وهو مركّب من لفظين:
أحدهما عربيّ وهو خزانة: وهي ما يخزن فيه المال. والثاني فارسيّ وهو دار، ومعناه ممسك كما تقدّم فحذفت الألف والهاء من خزانة استثقالا فصار خزندار ويكون المعنى «ممسك الخزانة» والمراد المتولّي لأمرها، ومتشدّقو الكتّاب يسقطون الألف والهاء من خزانة على ما تقدّم ويلحقون بعد الخاء ألفا فينقلون لفظ خزانة إلى خازن فاعل من الخزن ويضيفونه إلى دار، ظنّا منهم أن الدار على معناها العربيّ كما تقدّم في الاستدّار والزّنان دار، وهو خطأ كما تقدّم بيانه هناك. على أن العامّة تنطق بحروفه على الصواب إلا أنهم يكسرون الزاي بعد الخاء والصواب فتحها.
الرابع العلم دار
. وهو لقب على الذي يحمل العلم مع السلطان في المواكب. وهو مركّب من لفظين: أحدهما عربيّ وهو العلم، وقد تقدّم أن معناه الراية. والثاني فارسيّ وهو دار ومعناه ممسك كما تقدّم، ويكون المعنى «ممسك العلم».
الصنف
الثالث
الثاني (1)
(ألقاب أرباب الأقلام، وهي على خمسة أضرب)
الضرب الأوّل (ألقاب أرباب الوظائف من العلماء، وفيه خمسة ألقاب)
الأوّل الخطيب
. وهو الذي يخطب الناس ويذكّرهم في الجمع والأعياد
__________
(1) كذا في الأصل ولعله الثالث ومع ذلك لم يذكر الصنف الرابع وقد جعل في الضوء هذا القسم من نوع القاب أرباب الوظائف الدينية وهو الموافق. وقد جاء هذا التوضيح في طبعة دار الكتب المصرية.(5/435)
ونحوهما. وقد كان ذلك في الزّمن المتقدّم مختصّا بالخلفاء والأمراء بالنّواحي على ما تقدّم في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية.
الثاني المقريء
. وهو الذي يقريء القرآن العظيم، وقد غلب اختصاصه في العرف على مشايخ القراءة من قرّاء السبعة المجيدين المتصدّين لتعليم علم القراءة.
الثالث المحدّث
. والمراد به من يتعاطى علم حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بطريق الرّواية والدّراية، والعلم بأسماء الرجال وطرق الأحاديث، والمعرفة بالأسانيد ونحو ذلك.
الرابع المدرّس
. وهو الذي يتصدّى لتدريس العلوم الشرعية: من التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والتصريف ونحو ذلك. وهو مأخوذ من درست الكتاب دراسة إذا كرّرته للحفظ.
الخامس المعيد
. وهو ثاني رتبة المدرّس فيما تقدّم، وأصل موضوعه أنه إذا ألقى المدرّس الدرس وانصرف أعاد للطلبة ما ألقاه المدرّس إليهم ليفهموه ويحسنوه.
الضرب الثاني (ألقاب الكتّاب، وهي نمطان)
النمط الأوّل (ألقاب أرباب الوظائف من كتّاب الإنشاء. وفيه ثلاثة ألقاب)
الأوّل كاتب السّر
. وهو صاحب ديوان الإنشاء وقد تقدّم الكلام عليه مستوفى عند الكلام على الكتابة والكتّاب في مقدّمة الكتاب.
الثاني كاتب الدّست
. وهو الذي يجلس مع كاتب السرّ بدار العدل أمام السلطان أو النائب بمملكة من الممالك، ويوقّع على القصص. وهم جماعة وقد تقدّم الكلام عليهم في المقدّمة أيضا.(5/436)
الثالث كاتب الدّرج
. وهو الذي يكتب المكاتبات والولايات وغيرها في الغالب وربما شاركه في ذلك كتّاب الدّست، ويعبّر الآن عنه بالموقّع، وقد تقدّم الكلام عليه هناك أيضا (1)
الضرب الثالث (ألقاب أرباب الوظائف من كتّاب الأموال ونحوها، وفيه تسعة ألقاب)
الأول الوزير
إذا كان من أرباب الأقلام، وقد تقدّم الكلام عليه في ألقاب أرباب السّيوف في الصّنف الأول (2)
الثاني الناظر
. وهو من ينظر في الأموال وينفّذ تصرّفاتها ويرفع إليه حسابها لينظر فيه ويتأمّله فيمضي ما يمضي ويردّ ما يردّ. وهو مأخوذ إمّا من النظر الذي هو رأي العين: لأنه يدير نظره في أمور ما ينظر فيه، وإما من النظر الذي هو بمعنى الفكر: لأنه يفكّر فيما فيه المصلحة من ذلك. ثم هو يختلف باختلاف ما يضاف إليه ك (ناظر الجيش) وهو الذي يتحدّث في أمر الجيوش وضبطها. أو (ناظر الخاصّ) وهو الذي ينظر في خاصّ أموال السلطان. أو (ناظر الدّواوين) وهو الذي يعبّر عنه بناظر الدّولة ويشارك الوزير في التصرف. أو (ناظر النّظّار بدمشق) وهو الذي يقوم بها مقام الوزير بالديار المصرية. أو (ناظر المملكة) بحلب، أو طرابلس، أو حماة ونحوها. أو (ناظر أوقاف أو جهات برّ) وما يجري مجرى ذلك.
الثالث صاحب الديوان
. وكانوا في الزمن الأوّل يعبّرون عنه بمتولّي الدّيوان، وهو ثاني رتبة الناظر في المراجعة. وله أمور تخصّه كترتيب الدّرج ونحو ذلك.
الرابع الشاهد
. وهو الذي يشهد بمتعلّقات الديوان نفيا وإثباتا.
الخامس المستوفي
. وهو الذي يضبط الديوان، وينبّه على ما فيه مصلحته
__________
(1) لم يذكر النمط الثاني من هذا الضرب ولعله سهو من الناسخ. وقد ورد هذا التوضيح في طبعة دار الكتب المصرية.
(2) أي من الألقاب الإسلامية وقد تقدم الكلام عليها في الصفحة (421) من هذا الجزء.(5/437)
من استخراج أمواله ونحو ذلك. ولعظم موقعه أشار إليه الحريريّ (1) في مقاماته بقوله: «منهم المستوفي الذي هو قطب الدّيوان» إلى آخره. ثم في بعض المباشرات قد ينقسم إلى مستوفي أصل ومستوفي مباشرة، ولكلّ منهما أعمال تخصّه.
السادس العامل
. وهو الذي ينظّم الحسبانات ويكتبها. وقد كان هذا اللقب في الأصل إنما يقع على الأمير المتولّي العمل ثم نقله العرف إلى هذا الكاتب وخصّه به دون غيره (2)
السابع الماسح
. وهو الذي يتصدّى لقياس أرض الزّراعة، وهو فاعل من مسح الأرض يمسحها مساحة إذا ذرعها.
الثامن المعين
. وهو الذي يتصدّى للكتابة إعانة لأحد من المباشرين المذكورين، ومعناه واشتقاقه ظاهر.
التاسع الصّيرفيّ
. وهو الذي يتولى قبض الأموال وصرفها. وهو مأخوذ من الصّرف: وهو صرف الذهب والفضّة في الميزان. وكان يقال له فيما تقدّم الجهبذ.
الضرب الرابع (ألقاب أرباب الوظائف من أهل الصّناعات، وفيه خمسة ألقاب)
الأوّل مهندس العمائر
. وهو الذي يتولّى ترتيب العمائر وتقديرها ويحكم على أرباب صناعاتها. والهندسة علم معروف فيه كتب مفردة بالتصنيف.
الثاني رئيس الأطبّاء
. وهو الذي يحكم على طائفة الأطبّاء ويأذن لهم في
__________
(1) هو القاسم بن عليّ الحريري المتوفى سنة 516هـ. صاحب المقامات المعروفة باسمه.
(2) وكان خاضعا في عمله «للمشارق» والمشارق هو الذي يطلب التفاصيل الكاملة من أية جهة من الجهات القريبة التي تقع في دائرة عمله.(5/438)
التطبيب ونحو ذلك. وسيأتي الكلام على ضبط ذلك ومعناه في الكلام على الرئيس في الألقاب المفردة في حرف الراء فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الثالث (رئيس الكحّالين)
. وحكمه في الكلام على طائفة الكحّالين (1)
حكم رئيس الأطبّاء في طائفة الأطبّاء.
الرابع رئيس الجرائحيّة
. وحكمه في الكلام على طائفة الجرائحيّة والمجبّرين كالرئيسين المتقدّمين.
الخامس رئيس الحرّاقة
. وهو الذي يحكم على رجال الحرّاقة (2)
السلطانية ويتولّى أمرها. وكان في الزمن المتقدّم يقال له رئيس الخلافة جريا على ما كان الأمر عليه في الخلافة الفاطمية بالديار المصرية.
الضرب الخامس (ألقاب أرباب الوظائف من الأتباع والحواشي والخدم، وهم طائفتان)
الطائفة الأولى (الأعوان، وهم نمطان)
النمط الأوّل (ما تمحّضت ألفاظه عربية، وفيه ثلاثة ألقاب)
الأوّل مقدّم الدّولة
. وهو الذي يتحدّث على الأعوان والمتصرّفين لخدمة الوزير. والمراد المقدّم على الدولة، والدولة لفظ قد خصه العرف بمتعلّقات الوزارة. كما يقال لناظر الدّواوين ناظر الدولة على ما تقدّم ذكره.
الثاني مقدّم الخاصّ
. وهو المتحدّث على الأعوان والمتصرفين بديوان
__________
(1) الكحّالون هم أطباء العيون (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى ص 286. عن معجم).
(2) الحرّاقة: جمعها حراريق وحرارق، وهي نوع من السفن الحربية الخفيفة. كانت تستخدم لحمل الأسلحة النارية، كالنار الإغريقية. أنظر التعريف بمصطلحات الصبح ص (104)(5/439)
الخاص (1) المختصّ بالسلطان، كمقدّم الدولة بالنسبة إلى أعوان الوزارة.
الثالث مقدّم التّركمان
. ويكون بالبلاد الشاميّة والحلبية متحدّثا على طوائف التّركمان الذين يقدّم عليهم.
النمط الثاني (ما تمحّض لفظه عجميا، وفيه لقب واحد)
وهو (البرددار). وهو الذي يكون في خدمة مباشري الدّيوان في الجملة متحدّثا على أعوانه والمتصرّفين فيه، كما في مقدّم الدولة والخاصّ المقدّم ذكرهما. وأصله (فردادار) بفاء في أوله وهو مركّب من لفظين فارسيين: أحدهما فردا، ومعناه الستارة. والثاني دار، ومعناه ممسك، والمراد «ممسك السّتارة» وكأنه في أوّل الوضع كان يقف بباب السّتارة ثم نقل إلى الديوان.
الطائفة الثانية (أرباب الخدم، وهم نمطان)
النمط الأوّل (ما يضاف إلى لفظ الدار كما تقدّم في أرباب السّيوف، وهي سبعة ألقاب)
الأوّل الشّربدار
. وهو لقب على الذي يتصدّى للخدمة بالشّراب خاناه، التي هي أحد البيوت. وهو مركب من لفظين: أحدهما شراب وهو ما يشرب من ماء وغيره، فحذفوا الألف فيه استثقالا. والثاني دار، ومعناه ممسك على ما تقدّم، والمعنى «ممسك الشّراب».
الثاني الطّست دار
. وهو لقب على بعض رجال الطّشت خاناه. وهو مركب
__________
(1) ووظيفة الديوان الخاص هي النظر في خاص اموال السلطان والتحدث في جهاته ومضافاته. وأعظم بلاده وأغناها مدينة الإسكندرية. (صبح الأعشى، ج 3)(5/440)
من لفظين أحدهما طست بفتح الطاء وإسكان السين المهملة في اللغة العربية، وهو الذي يغسل فيه، ويجمع على طسوس بسينين من غير تاء، ويقال فيه أيضا طسّ بإسقاط التاء، إلا أن العامة أبدلوا السين المهملة بشين معجمة. والثاني دار ومعناه ممسك على ما تقدّم، فيكون معناه «ممسك الطّست».
الثالث البازدار
. وهو الذي يحمل الطيور الجوارح المعدّة للصيد على يده. وخصّ بإضافته إلى الباز الذي هو أحد أنواع الجوارح دون غيره لأنه هو المتعارف بين الملوك في الزمن القديم، على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
الرابع الحوندار
. وهو الذي يتصدّى لخدمة طيور الصيد من الكراكيّ والبلشونات ونحوها، ويحملها إلى موضع تعليم الجوارح. وأصله «حيوان دار» أطلق الحيوان في عرفهم على هذا النوع من الطيور، كما أطلق على من يتعانى معامل الفرّوج الحيوانيّ.
الخامس المرقدار
. وهو الذي يتصدّى لخدمة ما يحوز المطبخ وحفظه.
سمّي بذلك لكثرة معاطاته لمرق الطعام عند رفع الخوان ونحو ذلك.
السادس المحفّدار
بكسر الميم. وهو الذي يتصدّى لخدمة المحفّة. وهو مركب من لفظين. أحدهما محفّة فحذفت التاء منها استثقالا، والثاني دار، ومعناه ممسك على ما تقدّم، فيكون بمعنى «ممسك المحفّة».
النمط الثاني (ما لا يتقيّد بالإضافة إلى دار ولا غيرها، وفيه خمسة ألقاب)
الأوّل المهتار
. وهو لقب واقع على كبير كلّ طائفة من غلمان البيوت، كمهتار الشّراب خاناه، ومهتار الطّست خاناه، ومهتار الرّكاب خاناه. ومه بكسر الميم معناه بالفارسية الكبير، وتار بمعنى أفعل التفضيل، فيكون معنى المهتار الأكبر.(5/441)
الثاني البابا
. وهو لقب لجميع رجال الطّست خاناه ممن يتعاطى الغسل والصّقل وغير ذلك. وهو لفظ روميّ، ومعناه أبو الآباء على ما سيأتي بيانه في لقب الباب في الكلام على ألقاب أهل الكفر. وكأنه لقّب بذلك لأنه لما تعاطى ما فيه ترفيه مخدومه: من تنظيف قماشه وتحسين هيئته أشبه الأب الشفيق فلقّب بذلك.
الثالث الرّختوان
. وهو لقب لبعض رجال الطست خاناه يتعاطى القماش.
والرّخت بالفارسية اسم للقماش (1)، والواو والألف والنون بمعنى ياء النسب، ومعناه «المتولّي لأمر القماش».
الرابع الخوان سلار
. وهو لقب مختصّ بكبير رجال المطبخ السلطانيّ، القائم مقام المهتار في غير المطبخ من البيوت. وهو مركّب من لفظين: أحدهما خوان، وهو الذي يؤكل عليه. قال الجوهريّ: وهو معرّب. والثاني سلار، وهي فارسية ومعناها المقدّم وكأنه يقول مقدّم الخوان. والعامة تقول: «إخوان سلار» بألف في أوّله وهو لحن.
الخامس المهمرد
. وهو الذي يتصدّى لحفظ قماش الجمال أو قماش الإصطبل والسقائين ونحو ذلك. ومعناه باللغة الفارسية «الرجل الكبير» فمه اسم للكبير، ومرد اسم للرجل.
السادس (الغلام)
. وهو الذي يتصدّى لخدمة الخيل، ويجمع على غلمان وغلمة بكسر الغين وسكون اللام. وهو في أصل اللغة مخصوص بالصبيّ الصغير والمملوك ثم غلب على هذا النوع من أرباب الخدم، وكأنهم سمّوه بذلك لصغره في النّفوس. وربما أطلق على غيره من رجال الطّست خاناه ونحوهم.
__________
(1) الرخت بالفارسية لها معان كثيرة منها: متاع البيت من أثاث ورياش والمتاع الخاص من ثياب الأمراء والسلاطين وقماشهم، ومنها طقم الحصان وعدة لجامه (تأصيل الدخيل ص 113)(5/442)
القسم الثاني (من ألقاب أرباب الوظائف ألقاب أرباب الوظائف من أهل الكفر، والمشهور منهم طائفتان)
الطائفة الأولى النصارى (والمشهور من ألقاب أرباب وظائفهم ثمانية ألقاب)
الأول الباب
بباءين موحدتين مفخمتين في اللفظ. وهو لقب على القائم بأمور دين النصارى الملكانيّة بمدينة رومية. وما ذكره في «التثقيف» من أنه عندهم بمثابة القان عند التتار فخطأ ظاهر: لأن الباب قائم في النصارى مقام الخليفة، بل به عندهم يناط التحليل والتحريم، وإليه مرجعهم في أمر دياناتهم بخلاف القان فإن أمره قاصر على أمر الملك، وأصله البابا بزيادة ألف في آخره، والكتّاب يثبتونها في بعض المواضع ويحذفونها في بعض، وربما قيل فيه البابه بابدال الألف هاء.
وهي لفظة روميّة معناها أبو الآباء. وأوّل ما وضع هذا اللقب عندهم على بطرك الإسكندرية الآتي ذكره فيما بعد، وذلك أن صاحب كلّ وظيفة من وظائفهم الآتي ذكرها كان يخاطب من فوقه منهم بالأب، فالتبس ذلك عليهم فاخترعوا لبطرك الإسكندرية البابا دفعا للاشتراك في اسم الباب، وجعلوه أبا للكلّ، ثم رأوا أن بطرك رومية أحقّ بهذا اللقب: لأنه صاحب كرسيّ بطرس كبير الحواريّين ورسول المسيح عليه السّلام إلى رومية، وبطرك الإسكندرية صاحب كرسيّ مرقص الإنجيلي تلميذ بطرس الحواريّ المقدّم ذكره فنقلوا اسم البابا إلى بطرك رومية، وأبقوا اسم البطرك على بطرك الإسكندرية.
الثاني البطرك
بباء موحدة مفتوحة ثم طاء مهملة ساكنة وبعدها راء مهملة مفتوحة ثم كاف في الآخر. وهو لقب على القائم بأمور دين النّصرانية. وكراسيّ البطاركة عندهم أربعة: كرسيّ برومية وهو مقر الباب المقدّم ذكره، وكرسيّ بأنطاكية من بلاد العواصم، وكرسيّ بالقدس، [وكرسيّ بالإسكندرية (1)] وقد
__________
(1) الزيادة عن الضوء، كما ورد في طبعة دار الكتب المصرية.(5/443)
غلب الآن بالديار المصرية على رئيس النصارى اليعقوبيّة بالديار المصرية وهو المعبر عنه في الزمن القديم ببطرك الإسكندرية، ومقرّه الآن بالكنيسة المعلقة بالفسطاط (1) على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأصله البطريرك بزيادة ياء مثناة تحت مفتوحة بعدها راء ساكنة وهو لفظ روميّ معناه (2) ورأيت في ترسّل العلاء بن موصلايا كاتب القائم بأمر الله العباسيّ في تقليد أنشأه «الفطرك» بإبدال الباء الموحدة فاء.
وقد تقدّم أن هذا البطرك هو الذي كان يدعى أوّلا بالبابا ثم نقل ذلك إلى بابا رومية، على أن بطرك الإسكندرية لم يكن في الزمن المتقدّم مختصّا ببطرك اليعقوبية بل كان تارة يكون يعقوبيا وتارة يكون ملكانيّا وإنما حدث اختصاصه باليعقوبية في الدولة الإسلامية على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
الثالث الأسقفّ
بضم الهمزة والقاف. وهو عندهم عبارة عن نائب البطرك.
الرابع المطران
بكسر الميم. وهو عبارة عن القاضي الذي يفصل الخصومات بينهم.
الخامس القسّيس
بكسر القاف. وهو القاريء الذي يقرأ عليهم الإنجيل والمزامير وغيرها.
السادس الجاتليق
بجيم بعدها ألف ثم تاء مثناة (3) فوق ولام ثم ياء مثناة تحت وقاف في الآخر. وهو عندهم عبارة عن صاحب الصّلاة.
__________
(1) الفسطاط: مدينة بناها عمرو بن العاص بمصر. أنظر معجم البلدان (ج 4، ص 262)
(2) بياض في الأصل، وكذلك جاء في طبعة دار الكتب المصرية.
(3) نص في القاموس على جواز الفتح والكسر فيه وأورده بالثاء المثلثة، فلعل ما أثبته في الأصل تصحيف عن طبعة دار الكتب المصرية.(5/444)
السابع الشّمّاس
بشين معجمة في الأوّل وسين مهملة في الآخر وميم مشدّدة. وهو عبارة عندهم عن قيّم الكنيسة.
الثامن الراهب
. وهو عبارة عن الذي حبس نفسه على العبادة في الخلوة.
الطائفة الثانية اليهود (والمشهور من ألقاب أرباب وظائفهم ثلاثة ألقاب)
الأول الرئيس
. وهو القائم فيهم مقام البطرك في النصارى، وقد تقدّم الكلام على لفظ الرئيس وأنه يقال بالهمز وبتشديد الياء.
الثاني الحزّان
بحاء مهملة وزاي معجمة مشدّدة وبعد الألف نون. وهو فيهم بمثابة الخطيب يصعد المنبر ويعظهم.
الثالث الشّليحصبّور
بكسر الشين المعجمة واللام وفتح الياء المثناة تحت وبعدها حاء مهملة ساكنة ثم صاد مهملة مفتوحة وباء موحدة مشدّدة مضمومة بعدها راء مهملة. وهو الإمام الذي يصلّي بهم.
الجملة الثانية (في ذكر الألقاب المرتّبة على الأصول العظام من ألقاب أرباب الوظائف المتقدّمة، وهي نوعان)
النوع الأوّل (ألقاب الخلفاء المرتّبة على لقب الخليفة، وهي صنفان)
الصنف الأول (ما جرى منها مجرى العموم، وهو لقبان)
الأول أمير المؤمنين
. وهو لقب عامّ للخلفاء. وأوّل من لقّب به منهم عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في أثناء خلافته، وكانوا قبل ذلك يدعون أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه بخليفة رسول الله، ثم دعوا عمر بعده لابتداء خلافته بخليفة خليفة رسول الله.
واختلف في أصل تلقيبه بأمير المؤمنين فروى أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» بسنده إلى أبي وبرة، أن أصل تلقيبه بذلك أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يجلدان في الشراب أربعين، قال فبعثني خالد إلى عمر في خلافته أسأله عن الجلد في الشراب فجئته، فقلت: يا أمير المؤمنين إن خالدا بعثني إليك قال فيم؟ قلت: إن الناس قد تخافوا العقوبة وانهمكوا في الخمر فما ترى في ذلك فقال عمر لمن حوله ما ترون في ذلك فقال عليّ نرى يا أمير المؤمنين ثمانين جلدة فقبل ذلك عمر فكان أبو وبرة ثم عليّ بن أبي طالب أوّل من لقّبه بذلك.(5/445)
وهو لقب عامّ للخلفاء. وأوّل من لقّب به منهم عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في أثناء خلافته، وكانوا قبل ذلك يدعون أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه بخليفة رسول الله، ثم دعوا عمر بعده لابتداء خلافته بخليفة خليفة رسول الله.
واختلف في أصل تلقيبه بأمير المؤمنين فروى أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» بسنده إلى أبي وبرة، أن أصل تلقيبه بذلك أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يجلدان في الشراب أربعين، قال فبعثني خالد إلى عمر في خلافته أسأله عن الجلد في الشراب فجئته، فقلت: يا أمير المؤمنين إن خالدا بعثني إليك قال فيم؟ قلت: إن الناس قد تخافوا العقوبة وانهمكوا في الخمر فما ترى في ذلك فقال عمر لمن حوله ما ترون في ذلك فقال عليّ نرى يا أمير المؤمنين ثمانين جلدة فقبل ذلك عمر فكان أبو وبرة ثم عليّ بن أبي طالب أوّل من لقّبه بذلك.
وذكر أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» أن أصل ذلك أن عمر رضي الله عنه بعث إلى عامله بالعراق أن يرسل إليه رجلين عارفين بأمور العراق يسألهما عما يريد فأنفذ إليه لبيد بن ربيعة وعديّ بن هشام (1) فلما وصلا المدينة دخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص فقالا له: استأذن لنا على أمير المؤمنين فقال لهما عمرو: أنتما أصبتما اسمه! ثم دخل على عمر فقال السلام على «أمير المؤمنين» فقال: ما بدا لك يا ابن العاص؟ لتخرجنّ من هذا القول! فقصّ عليه القصة فأقرّه على ذلك، فكان ذلك أوّل تلقيبه بأمير المؤمنين، ثم استقرّ ذلك لقبا على كلّ من ولي الخلافة بعده أو ادّعاها خلا خلفاء بني أميّة بالأندلس فإنهم كانوا يخاطبون بالإمارة فقط إلى أن ولي منهم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله (2)، ابن عبد الرحمن، وهو الثالث عشر من خلفائهم إلى زماننا.
الثاني عبد الله ووليّه
. وهو لقب عامّ للخلفاء أيضا، إذ يكتب في نعت الخليفة في المكاتبات ونحوها «من عبد الله ووليّه أبي فلان فلان أمير المؤمنين»
__________
(1) كذا في الأصول وفي الضوء وفي مروج الذهب «عدي بن حاتم» وهو الصواب. كما ورد في الطبعة الأميرية.
(2) هو: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الداخل أبو المطرّف المرواني الأموي. توفي سنة 350هـ. أنظر الحلة السيراء (ص 99) وطبقات السبكي (ج 5، ص 230) والأعلام (ج 3، ص 324)(5/446)
فأما عبد الله فأوّل من تلقب به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا، فكان يكتب في مكاتباته «من عبد الله عمر» ولزم ذلك من بعده من الخلفاء حتّى إن المأمون كان اسمه عبد الله فكان يكتب من «عبد الله عبد الله بن هارون» مكرّرا لعبد الله على الاسم الخاص واللقب العامّ، وأما إردافها بقوله «ووليّه» فأحدث بعد ذلك.
الصنف الثاني (ألقاب الخلافة الخاصة بكل خليفة)
والمتلقّبون بألقاب الخلافة خمس طوائف:
الطائفة الأولى (خلفاء بني العبّاس)
قد تقدّم في الجملة الثانية من الطّرف الأوّل من هذا الفصل في الكلام على أصل وضع الألقاب والنّعوت أن خلفاء بني أميّة لم يتلقّب أحد منهم بألقاب الخلافة، وأن ذلك ابتديء بابتداء الدولة العبّاسية فتلقب إبراهيم بن محمد حين أخذت له البيعة ب «الإمام» وأن الخلف وقع في لقب السفّاح: فقيل «القائم» وقيل «المهتدي» وقيل «المرتضي» ثم تلقب أخوه بعده ب «المنصور» واستقرّت الألقاب جارية على خلفائهم كذلك إلى أن ولي الخلافة أبو إسحاق إبراهيم بن الرشيد بعد أخيه المأمون فتلقّب ب «المعتصم بالله» فكان أوّل من أضيف في لقبه من الخلفاء اسم الله. وجرى الأمر على ذلك فيمن بعده من الخلفاء ك «الواثق بالله» و «المتوكّل على الله» و «الطائع لله» و «القائم بأمر الله» و «الناصر لدين الله» وما أشبه ذلك من الألقاب المتقدّمة في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية.
وكان من عادتهم أنه لا يتلقّب خليفة بلقب خليفة قبله إلى أن صارت الخلافة إلى الديار المصرية فترادفوا على الألقاب السابقة، واستعملوا ألقاب من سلف من الخلفاء على ما تقدّمت الإشارة إليه في الكلام على ترتيب الخلفاء، إلى أن تلقب
أمير المؤمنين محمد بن أبي بكر خليفة العصر ب «المتوكل على الله» وهو من أوائل ألقاب الخلافة العباسية.(5/447)
وكان من عادتهم أنه لا يتلقّب خليفة بلقب خليفة قبله إلى أن صارت الخلافة إلى الديار المصرية فترادفوا على الألقاب السابقة، واستعملوا ألقاب من سلف من الخلفاء على ما تقدّمت الإشارة إليه في الكلام على ترتيب الخلفاء، إلى أن تلقب
أمير المؤمنين محمد بن أبي بكر خليفة العصر ب «المتوكل على الله» وهو من أوائل ألقاب الخلافة العباسية.
الطائفة الثانية (خلفاء بني أميّة بالأندلس) (حين غلب بنو العباس على الأمر بالعراق، وانتزعوا الخلافة منهم)
وأوّل من ولي الخلافة منهم بالأندلس «عبد الرحمن» بن معاوية، بن هشام، بن عبد الملك، بن مروان، المعروف (بالداخل) لدخوله الأندلس في سنة تسع وثلاثين ومائة على ما سيأتي ذكره في مكاتبة صاحب الأندلس. ولم يتلقّب بلقب من ألقاب الخلافة جريا على قاعدتهم الأولى في الخلافة. وجرى على ذلك من بعده من خلفائهم إلى أن ولي منهم «عبد الرحمن» بن محمد، المعروف ب «المقبول» فتلقب ب «الناصر» بعد أن مضى من خلافته تسع وعشرون سنة، وتبعه من بعده منهم على ذلك إلى أن ولي عبد الرحمن بن محمد، بن عبد الملك، بن الناصر عبد الرحمن المقدّم ذكره، فتلقب ب «المرتضي بالله» وهو أوّل من أضيف في لقبه بالخلافة منهم اسم الله، مضاهاة لبني العباس، وذلك في حدود الأربعمائة، وبقي الأمر على ذلك في خلفائهم إلى أن كان آخرهم هشام ابن محمد فتلقب ب «المعتمد بالله» وانقرضت خلافتهم من الأندلس بعد ذلك بانقراضه في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.
الطائفة الثالثة (الخلفاء الفاطميّون ببلاد الغرب ثم بالديار المصرية)
وأوّل ناجم نجم منهم ببلاد الغرب (أبو محمد عبيد الله) في سنة ست وتسعين ومائتين من الهجرة، وتلقب ب «المهديّ» ثم تلقب بنوه من بعده بألقاب الخلافة المضاف فيها اسم الله ك «القائم بأمر الله» و «المنصور بالله» إلى أن كان منهم المعزّ لدين الله أبو تميم معدّ، وهو الذي انتزع الديار المصريّة من أيدي الأخشيديّة، وصار إليها في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. وتداول خلفاؤهم بها مثل
هذه الألقاب إلى أن كان آخرهم العاضد لدين الله عبد الله وانقرضت خلافتهم بالدولة الأيوبية على ما تقدّم ذكره في المقالة الثانية في الكلام على ملوك الديار المصرية.(5/448)
وأوّل ناجم نجم منهم ببلاد الغرب (أبو محمد عبيد الله) في سنة ست وتسعين ومائتين من الهجرة، وتلقب ب «المهديّ» ثم تلقب بنوه من بعده بألقاب الخلافة المضاف فيها اسم الله ك «القائم بأمر الله» و «المنصور بالله» إلى أن كان منهم المعزّ لدين الله أبو تميم معدّ، وهو الذي انتزع الديار المصريّة من أيدي الأخشيديّة، وصار إليها في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. وتداول خلفاؤهم بها مثل
هذه الألقاب إلى أن كان آخرهم العاضد لدين الله عبد الله وانقرضت خلافتهم بالدولة الأيوبية على ما تقدّم ذكره في المقالة الثانية في الكلام على ملوك الديار المصرية.
الطائفة الرابعة (الخلفاء الموحّدون الذين ملوك أفريقيّة بتونس الآن من بقاياهم)
وأوّلهم في التلقيب بألقاب الخلافة إمامهم محمد بن تومرت البربريّ، القائم ببلاد الغرب في أعقاب الفاطميين المتقدّم ذكرهم، تلقب ب «المهديّ» وآل الأمر من جماعته إلى الشيخ أبي حفص أحد أصحابه، ومن عقبه ملوك تونس المتقدّم ذكرهم فلم يتلقب أحد منهم بألقاب الخلافة إلى أن ولي منهم أبو عبد الله محمد بن أبي زكريّا يحيى فتلقب ب «المستنصر بالله» وتبعه من بعده من ملوكها على التلقيب بألقاب الخلافة إلى زماننا، ولذلك قال المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في كتابه «التعريف» في الكلام على مكاتبة صاحب تونس «لا يدّعي إلا الخلافة» وشبهتهم في ذلك أنهم يدّعون انتسابهم إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو من صميم قريش.
الطائفة الخامسة (جماعة من ملوك الغرب ممن لا شبهة لهم في دعوى الخلافة)
كملوك الطوائف القائمين بالأندلس بعد انقراض الدولة الأمويّة منها: من بني عبّاد وبني هود وغيرهم حيث كانوا يلقّبون ب «المعتمد» وغيره.(5/449)
النوع الثاني (ألقاب الملوك المختصة بالملك، وهي صنفان)
الصنف الأوّل (الألقاب العامة، وهي التي تقع بالعموم على ملوك ممالك مخصوصة تصدق على كلّ واحد منهم، وهي ضربان)
الضرب الأوّل (الألقاب القديمة، والمشهور منها ألقاب ستّ طوائف)
الطائفة الأولى (التّبابعة ملوك اليمن)
كان يقال لكل منهم «تبّع» قال السّهيليّ في «الروض الأنف»: سمّوا بذلك لأن الناس يتبعونهم، ووافقه الزمخشريّ على ذلك. وقال ابن سيده في «المحكم»: سمّوا بذلك لأنهم يتبع بعضهم بعضا. قال المسعوديّ في «مروج الذهب»: ولم يكونوا ليسمّوا أحدا منهم تبّعا حتّى يملك اليمن والشّحر وحضرموت. وقيل: حتّى يتبعه بنو جشم بن عبد شمس، أما إذا لم يكن كذلك فإنما يسمّى ملكا. وأوّل من لقّب منهم بذلك «الحارث بن ذي شمر» وهو الرائش. ولم يزل هذا اللقب واقعا على ملوكهم إلى أن زالت مملكتهم بملك الحبشة اليمن.
الطائفة الثانية (ملوك الفرس، وهم على أربع طبقات)
الطبقة الأولى القيشداديّة، كان يقال لكل من ملك منهم قيشداد، ومعناه «سيرة العدل» وأوّلهم كيومرث، والفرس كلهم مطبقون على أنه مبدأ نسل البشر، وكأنهم يريدون به آدم عليه السّلام.
وحكى الغزاليّ في «نصيحة الملوك»: أن كيومرث ابن آدم لصلبه، وأن
آدم عهد إلى شيث بأمر الدّين وإلى كيومرث بأمر الملك، وبعضهم يقول إنه كامر ابن يافث بن نوح عليه السّلام.(5/450)
وحكى الغزاليّ في «نصيحة الملوك»: أن كيومرث ابن آدم لصلبه، وأن
آدم عهد إلى شيث بأمر الدّين وإلى كيومرث بأمر الملك، وبعضهم يقول إنه كامر ابن يافث بن نوح عليه السّلام.
الطبقة الثانية (الكيانيّة). سمّوا بذلك لأن في أوّل اسم كل واحد منهم لفظ كي، وأوّلهم (كيقباذ).
الطبقة الثالثة (الأشغانيّة). كان يقال لكل منهم «أشغان» (1) قال المسعوديّ: بالغين المعجمة ويقال بالكاف.
الطبقة الرابعة (الأكاسرة)، كان يقال لكل منهم «كسرى» بكسر الكاف وفتحها، وربما قيل فيهم «الساسانيّة» نسبة إلى جدّهم ساسان بن أردشير بن كي بهمن. وأوّلهم أردشير بن بابك وآخرهم يزدجرد الذي انقرض ملكهم بانتزاع المسلمين الملك من يديه في خلافة عثمان رضي الله عنه.
الطائفة الثالثة (ملوك مصر من بعد الطّوفان من القبط)
كان كلّ من ملكها منهم يسمّى «فرعون» قال إبراهيم بن وصيف شاه في «كتاب العجائب»: والقبط تزعم أن الفراعنة من ملكها من العمالقة دون القبط، كالوليد بن دومغ ونحوه. ويقال: إن أوّل من تسمّى بهذا الاسم منهم (فرعان) آخر ملوكها قبل الطّوفان ثم تسمّى من بعده ب «فرعون» قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه: ولم أدر لأيّ معنى سمّي بذلك. والمذكور في القرآن منهم هو الذي بعث موسى عليه السّلام في زمانه.
__________
(1) في الأصول بدون نون والتصحيح من المسعودي. وقد ورد هذا التوضيح في الطبعة الأميرية.(5/451)
الطائفة الرابعة (ملوك الروم، وهم طبقتان)
الطبقة الأولى منهما ليس لهم لقب يعمّ كلّ ملك
، بل لكلّ ملك منهم اسم يخصّه.
الطبقة الثانية القياصرة
. كان يقال لكلّ من ملك منهم قيصر، وأصل هذه اللفظة في اللغة الروميّة جاشر بجيم وشين معجمة فعرّبتها العرب قيصر ولها في لغتهم معنيان: أحدهما الشّعر، والثاني الشيء المشقوق.
واختلف في أوّل من تلقّب بهذا اللقب منهم: فقيل أغانيوش أوّل ملوك الطبقة الثانية منهم. سمّي بذلك لأن أمه ماتت وهو حمل في بطنها فشقّ جوفها وأخرج فأطلق عليه هذا اللفظ أخذا من معنى الشقّ، ثم صار علما على كل من ملكهم بعده، وقيل أوّل من لقّب بذلك يوليوش الذي ملك بعد أغانيوش المذكور، وقيل أوّل من لقّب به أغشطش (1)، واختلف في سبب تسميته بذلك: فقيل لأن أمه ماتت وهو في جوفها فشقّ عنه وأخرج كما تقدّم القول في أغانيوش، وقيل لأنه ولد وله شعر تامّ فلقّب بذلك أخذا من معنى الشعر كما تقدّم. ولم يزل هذا اللقب جاريا على ملوكهم إلى أن كان منهم هرقل الذي كتب إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
وزعم القاضي شهاب الدين بن فضل الله في كتابه «التعريف» في الكلام على مكاتبة الأدفونش (2) أن هرقل لم يكن الملك نفسه وإنما كان متسلّم الشأم لقيصر، وقيصر بالقسطنطينية لم يرم، وإنما كتب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل لقربه من جزيرة العرب وبقي هذا اللقب عليهم بعد الإسلام إلى أن كان آخر من تلقّب به منهم (إستيراق قيصر) ملك القسطنطينية في خلافة المأمون بن الرّشيد.
__________
(1) هو أغسطس قيصر الذي زاد شهر آب يوما واحدا. أنظر دائرة المعارف للمعلم بطرس البستاني (ج 1، ص 10)
(2) سبق التعريف به.(5/452)
الطائفة الخامسة (ملوك الكنعانيّين بالشأم)
كان كلّ من ملك منهم لقب «بجالوت» إلى أن كان آخرهم جالوت الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله {وَقَتَلَ دََاوُدُ جََالُوتَ} (1)
الطائفة السادسة (ملوك الحبشة)
كان كلّ من ملك منهم يلقّب ب «النّجاشيّ» ولم يزل ذلك لقبا على ملوكهم إلى أن كان منهم النجاشيّ الذي كتب إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصلّى عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد موته، وهو الذي هاجر إليه من هاجر من الصحابة رضوان الله عليهم الهجرة الأولي، واسمه صحمة ويقال أصحمة، ومعناه بالعربية عطيّة.
الضرب الثاني (الألقاب المستحدثة، والمشهور منها ألقاب ستّ طوائف)
الطائفة الأولى (ملوك فرغانة) (2)
كان كلّ من ملك منهم يلقّب «الأخشيد» ولذلك لقّب الراضي (3) بالله العباسيّ محمد (4) بن طغج صاحب الديار المصرية والبلاد الشامية، ب «الأخشيد» لأنه كان فرغانيّا.
__________
(1) أنظر سورة (البقرة) ورقمها (2) آية رقم (251)
(2) فرغانة: مدينة واسعة متاخمة لبلاد تركستان. أنظر معجم البلدان (ج 4، ص 253)
(3) سبق التعريف به.
(4) سبق التعريف به.(5/453)
الطائفة الثانية (ملوك أشروسنة) (1)
كان كلّ من ملكها يقال له «الأفشين». قال في «ذخيرة الكتّاب»: وبه لقّب المعتصم (2) بالله حيدر بن كاووس ب «الأفشين» لأنه أشروسنيّ.
الطائفة الثالثة (ملوك الجلالقة من الفرنج)
الذين قاعدة ملكهم طليطلة وبرشلونة من الأندلس، يقال لكلّ من ملك منهم «أدفونش» بدال مهملة ثم فاء بعدها واو ثم نون مفتوحة وشين معجمة في آخره. وهذا اللقب جار على ملوكهم إلى زماننا، وهو الذي تسمّيه العامة «الفنش».
الطائفة الرابعة (ملوك فرنسة، ويقال فرنجة بالجيم)
وهو ملك الأرض الكبيرة بظاهر الأندلس، يقال لكلّ من ملكها «ريد أفرنس» ومعنى ريد بلغتهم الملك، والأفرنس اسم للجنس الذين يملّك عليهم.
والمعنى ملك الأفرنس. وهو الذي تسميه العامّة «الفرنسيس» وهذا اللقب جار على ملوكهم إلى الآن.
الطائفة الخامسة (ملوك البندقيّة من بلاد الفرنج)
كلّ من ملك منهم يسمّونه «دوك» بالكاف المشوبة بالجيم فيقال: «دوك البندقيّة». وهذا اللقب جار على ملوكهم إلى آخر وقت.
__________
(1) أشروسنة: بلدة كبيرة تقع بين سيحون وسمرقند. أنظر معجم البلدان (ج 1، ص 197)
(2) سبق التعريف به.(5/454)
الطائفة السادسة (ملوك الحبشة في زماننا)
كلّ من ملك منهم يقال له «حطّي» بفتح الحاء المهملة وكسر الطاء المهملة المشدّدة. وهذا اللقب يذكر في مكاتباتهم عن الأبواب السلطانية على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
الصنف الثاني (من النوع الثاني الألقاب الخاصة)
وهي التي يخصّ كلّ ملك من ملوك الإسلام منها بلقب، وهو المعبّر عنه عند الكتّاب باللقب الملوكيّ. ويختلف الحال فيه باختلاف البلاد والزمان.
فأما بلاد المشرق فأوّل افتتاح تلقيب ملوكهم بالإضافة إلى الدولة، وكان أوّل من تلقّب منهم بذلك بنو حمدان ملوك حلب، فتلقب أبو محمد الحسن بن حمدان في أيام المتّقي لله «ناصر الدولة» (1) وتلقّب أخوه أبو الحسن عليّ «سيف الدولة» (2) وعلى ذلك جرى الحال في ملوك بني بويه على ما تقدّم ذكره في الكلام على أصول الألقاب، وتوالى ذلك فيهم إلى انقراض دولتهم. ثم وقع التلقيب بالسلطان فيما بعدهم من الدّول كدولة بني سبكتكين وبني ساسان، وبني سلجوق، إلى أن غلبت التتار على بلاد المشرق فجرت ملوكهم في التلقيب بألقاب على عادة ملوكهم.
__________
(1) هو: الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان التغلبيّ: من ملوك الدولة الحمدانية. توفي سنة 358هـ. أنظر وفيات الأعيان (ج 1، ص 140) والأعلام (ج 2، ص 195)
(2) هو: علي بن عبد الله بن حمدان التغلبي، أبو الحسن، سيف الدولة: أمير حلب، صاحب المتنبي وممدوحه. توفي سنة 356هـ. أنظر يتيمة الدهر (ج 1، ص 228) والأعلام (ج 4، ص 203)(5/455)
وأما بلاد المغرب: فأوائل ملوكهم على عموم ملوكهم لجميعها وخصوصه ببعضها ما بين مدّع للخلافة، كبني أميّة بالأندلس، وأتباع المهديّ (1) بن تومرت، فيدور أمر أحدهم بين التلقيب بألقاب الخلافة والاقتصار على اسمه أو كنيته، وما بين غير مدّع للخلافة، فيقتصر على اسمه أو كنيته فقط إلى أن غلب يوسف (2) بن تاشفين في أوائل دولة المرابطين من الملثّمين من البربر على بلاد المغرب والأندلس، ودان بطاعة الخلافة العباسيّة ببغداد، فتلقّب ب «أمير المسلمين» خضوعا عن أن يتلقّب ب «أمير المؤمنين» الذي هو من خصائص الخلافة، وتبعه على ذلك من جاء بعده من ملوك الغرب من البربر: فتلقّب به بنو مرين: ملوك فاس، وبنو عبد الواد ملوك تلمسان، وبقي الأمر على ذلك إلى أن ملك فاس وما معها من بلاد المغرب أبو عنان من أحفاد السلطان أبي الحسن، فتلقب ب «أمير المؤمنين» وصارت مكاتباته ترد إلى الديار المصرية بذلك، وتبعه من بعده من ملوكهم على ذلك.
أما ملوك تونس من بقايا الموحّدين، فلم يزالوا يلقّبون بألقاب الخلافة على ما سبق ذكره في الكلام على ألقاب الخلفاء.
وأما الديار المصرية، فمضى الأمر فيها على نوّاب الخلفاء من حين الفتح الإسلاميّ وإلى انقراض الدولة الأخشيديّة ولم يتلقب أحد منهم بلقب من الألقاب الملوكية. ثم كانت دولة الفاطميين فتلقّبوا بألقاب الخلفاء على ما مر ذكره. ولم يتلقب أحد من وزرائهم أرباب السيوف لابتداء أمرهم بالألقاب الملوكية إلى أن ولي الوزارة المستنصر بدر الجماليّ وعظم أمر الوزارة، وصارت قائمة مقام السلطنة الآن فتلقب ب «أمير الجيوش» وتلقب ابنه في وزارته بعده
__________
(1) هو: محمد بن عبد الله بن تومرت المصمودي البربري، أبو عبد الله المتلقب بالمهدي ويقال له مهدي الموحدين. توفي سنة 524هـ. أنظر وفيات الأعيان (ج 2، ص 37) والأعلام (ج 6، ص 229)
(2) سبق التعريف به.(5/456)
ب «الأفضل» وتلقب ابن السّلار بعد ذلك ب «العادل» وتلقّب ابن البطائحيّ وزير الآمر ب «المأمون» ثم وزّر بعد ذلك الحافظ بهرام الأرمنيّ النصرانيّ فتلقب ب «تاج الدولة» ثم وزّر بعده وزير اسمه رضوان، فلقبه ب «الملك الأفضل». قال المؤيد صاحب حماة: وهو أوّل من لقّب من وزرائهم بالملك، وجرى الأمر على ذلك في وزارتهم حتّى كان منهم الملك الصالح طلائع بن رزّيك وزير الفائز ثم العاضد، ثم وزّر للعاضد آخرا أسد الدّين شيركوه عمّ السلطان صلاح الدين يوسف (1) بن أيوب ولقّب ب «الملك المنصور» ثم وزّر له بعده ابن أخيه صلاح الدين، فلقّب ب «الملك الناصر» ثم استقلّ بالملك بعد ذلك، وبقي في السلطنة على لقبه الأوّل. وتداول ملوك الدولة الأيّوبية بعده مثل هذه الألقاب: كالملك العزيز ابن السلطان صلاح الدين، والملك العادل أبي (2) بكر بن أيوب، والملك الكامل محمد ابنه، والأفضل صاحب دمشق، والمعظّم صاحب الكرك، وغيرهم إلى حين انقراض دولتهم ودخول الدولة التركيّة. فتلقب أيبك التّركمانيّ أوّل ملوكهم ب «الملك المعزّ» واستمرّ التلقيب مثل ذلك في الدولة التركية إلى أن صارت المملكة آخرا إلى الظاهر (3) برقوق، ثم ابنه الناصر فرج، وهم على ذلك.
وعلى نحو ذلك ملوك البلاد المجاورة لهذه المملكة: كماردين (4)، وحصن (5)
كيفا ونحوهما.
__________
(1) سبق التعريف به.
(2) سبق التعريف به.
(3) سبق التعريف به.
(4) ماردين: قلعة مشهورة على قنّة جبل الجزيرة، مشرفة على دنيسر. ودار او نصيبين. أنظر معجم البلدان (ج 5، ص 35)
(5) حصن كيفا: ويقال كيبا. بلدة وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر من ديار بكر.
أنظر معجم البلدان (ج 2، ص 265)(5/457)
الجملة الثالثة (في الألقاب المفرّعة على الأسماء، على ما استقرّ عليه الحال من التلقيب بالإضافة إلى الدّين، وهي على أربعة أنواع)
النوع الأوّل ((ألقاب أرباب السّيوف، وهم صنفان)
الصنف الأوّل (ألقاب الجند من التّرك ومن في معناهم)
واعلم أن الغالب في ألقاب التّرك من الجند التلقيب ب «سيف الدّين» لما فيه من مناسبة حالهم وانتسابهم إلى القوّة والشّدّة: كيلبغا، ومنكلي بغا، وبي خجا، وأسن خجا، وتغري بردي، وتغري برمش، ونحو ذلك. وقد يخرج ذلك في بعض الأسماء فيلقّب بألقاب خاصّة، كما يلقّبون طيبغا، والطنبغا، وقرابغا «علاء الدين» وأيدمر وبيدمر «عزّ الدّين» ولاچين «حسام الدين» وأرسلان «بهاء الدّين» وأقوش «جمال الدّين» وسنجر «علم الدين» ونحو ذلك. وفي المولدين يقولون في لقب محمد: «ناصر الدين» ولقب أبي بكر «سيف الدّين» ولقب عمر «ركن الدين» ولقب عليّ «علاء الدين» ولقب إبراهيم «صارم الدّين» ولقب إسماعيل «تاج الدين» ولقب حسن وحسين «حسام الدين» ولقب خالد «شجاع الدين» ونحو ذلك.
الصنف الثاني (ألقاب الخدّام الخصيان المعبّر عنهم الآن بالطّواشيّة، وفي زمن الفاطميين بالأستاذين)
ولهم ألقاب تخصهم: فيقولون في هلال ومرجان «زين الدّين» وفي دينار «عزّ الدين» وفي بشير «سعد الدين» وفي شاهين «فارس الدين» وفي جوهر «صفيّ الدين» وفي مثقال «سابق الدين» وفي عنبر «شجاع الدين» وفي لؤلؤ
«بدر الدين» وفي صواب «شمس الدين» وفي محسن «جمال الدين» ونحو ذلك.(5/458)
ولهم ألقاب تخصهم: فيقولون في هلال ومرجان «زين الدّين» وفي دينار «عزّ الدين» وفي بشير «سعد الدين» وفي شاهين «فارس الدين» وفي جوهر «صفيّ الدين» وفي مثقال «سابق الدين» وفي عنبر «شجاع الدين» وفي لؤلؤ
«بدر الدين» وفي صواب «شمس الدين» وفي محسن «جمال الدين» ونحو ذلك.
النوع الثاني (ألقاب أرباب الأقلام، وهي على صنفين)
الصنف الأوّل (ألقاب القضاة والعلماء)
قد كان في الزمن الأوّل لغالب أسمائهم ألقاب لا يتعدّونها، كقولهم في محمد: «شمس الدين» وفي أحمد «شهاب الدين» وفي أبي بكر «زين الدّين» وفي عمر «سراج الدين» وفي عثمان «فخر الدين» وفي عليّ «نور الدين» وفي يوسف «جمال الدين» وفي عبد الرحمن «زين الدين» وفي إبراهيم «برهان الدّين» ونحو ذلك. ثم ترك أعيانهم ذلك لابتذاله بكثرة الاستعمال، وعدلوا إلى ألقاب أخر ابتدعوها على حسب أغراضهم فقالوا في محمد «بدر الدين» و «صدر الدين» و «عزّ الدين» ونحوها، وفي أحمد «بهاء الدين» و «صدر الدّين» و «صلاح الدين» وفي عليّ «تقيّ الدين» وفي عبد الرحمن «جلال الدّين» ونحو ذلك، ولم يتوقّفوا في ذلك على لقب مخصوص، بل صاروا يقصدون المخالفة لما عليه جادّة من تقدّمهم في ذلك.
الصنف الثاني (ألقاب الكتّاب من القبط)
ولهم ألقاب تخصّهم أيضا: فيقولون في عبد الله «شمس (1) الدين» وفي عبد الرزاق «تاج الدين» وربما قالوا «سعد الدين» وفي إبراهيم «علم الدين» وفي ماجد «مجد الدين» وفي وهبة «تقيّ الدين» ونحو ذلك.
__________
(1) لعل هذا بعد إسلامهم كما يدل عليه النوع الرابع، الوارد فيما بعد.(5/459)
النوع الثالث (ألقاب عامة الناس من التّجّار والغلمان السّلطانية ونحوهم)
وهم على سنن الفقهاء في ألقابهم، وربما مال من هو منهم في الخدم السلطانية إلى التلقيب بألقاب الجند.
النوع الرابع (ألقاب أهل الذّمّة من الكتّاب والصّيارف ومن في معناهم من اليهود والنصارى)
وقد اصطلحوا على ألقاب يتلقبون بها غالبها مصدّرة بالشيخ، ثم منهم من يجري على الرسم الأوّل في التلقيب بالإضافة إلى الدولة فيتلقب بوليّ الدولة ونحوه، ومنهم من يحذف المضاف إليه في الجملة ويعرّف اللقب بالألف واللام فيقولون «الشيخ الشمسيّ» و «الشيخ الصفيّ» و «الشيخ الموفّق» وما أشبه ذلك. فإذا أسلم أحدهم أسقطت الألف واللام من أوّل لقبه ذلك، وأضيف إلى لفظ الدين. فيقال في الشيخ الشمسي «شمس الدين» وفي الصفيّ «صفي الدين» وفي وليّ الدولة «وليّ الدين» وما أشبه ذلك. وربما كان لقب الذميّ ليس له موافقة في شيء مما يضاف إلى الدين من ألقاب المسلمين، فيراعى فيه إذا أسلم أقرب الألقاب إليه، مثل أن يقال في الشيخ السعيد مثلا إذا أسلم «سعد الدين» ونحو ذلك.
الجملة الرابعة (في أصل وضع الألقاب الجارية بين الكتّاب، ثم انتهائها إلى غاية التعظيم ومجاوزتها الحدّ في التكثير)
أما أصل وضعها ثم انتهاؤها إلى غاية التعظيم فإنّ ألقاب الخلافة في ابتداء الأمر على جلالة قدرها وعظم شأنها كانت في المكاتبات الصادرة عن ديوان الخلافة وإليه، والولايات الناشئة عنه «عبد الله ووليّه الإمام الفلانيّ أمير المؤمنين» ولم يزل الأمر على هذا الحدّ في الألقاب إلى أن استولى بنو بويه من
الدّيلم على الأمر، وغلبوا على الخلفاء، واستبدّوا عليهم احتجبت الخلفاء ولم يبق إليهم فيما يكتب عنهم غالبا سوى الولايات، وفوّض الأمر في غالب المكاتبات إلى وزرائهم، وصارت الحال إذا اقتضت ذكر الخليفة كني عنه ب «المواقف المقدّسة» و «المقامات الشريفة» و «السرّة النبويّة» و «الدار العزيزة» و «المحل الممجّد» يعنون «بالمواقف» الأماكن التي يقف فيها الخليفة، وكذلك المقامات، وبالسرة الأنماط التي يجلس عليها الخليفة، و «بالدار» دار الخلافة، و «بالمحل» محلّ الخليفة. قال في «ذخيرة الكتّاب»: وليت شعري أيّ شيء قصد من كنى عن أمير المؤمنين بهذه الكنايات، وبدّل نعوته وصفاته المعظمة المكرّمة بهذه الألفاظ المحقّرات؟ وإذا استجيز ذلك ورضي به وأغضي عنه كان لآخر أن يقول «المجالس الطاهرة» و «المقاعد المقدّسة» و «المراكب المعظّمة» و «الأسرّة الممجّدة» وما يجري هذا المجرى مما ينبو عنه السمع وينكره لاستحداثه واستجداده. على أنه لو توالى على الأسماع كتوالي تلك الألفاظ لم تنكره بعد إذ لا فرق. قال: ولم يستسنّه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا اختاره لنفسه، ولا استحدثه الخلفاء من بعده. فما وجه العمل بموضعه والاقتفاء لأثره؟(5/460)
أما أصل وضعها ثم انتهاؤها إلى غاية التعظيم فإنّ ألقاب الخلافة في ابتداء الأمر على جلالة قدرها وعظم شأنها كانت في المكاتبات الصادرة عن ديوان الخلافة وإليه، والولايات الناشئة عنه «عبد الله ووليّه الإمام الفلانيّ أمير المؤمنين» ولم يزل الأمر على هذا الحدّ في الألقاب إلى أن استولى بنو بويه من
الدّيلم على الأمر، وغلبوا على الخلفاء، واستبدّوا عليهم احتجبت الخلفاء ولم يبق إليهم فيما يكتب عنهم غالبا سوى الولايات، وفوّض الأمر في غالب المكاتبات إلى وزرائهم، وصارت الحال إذا اقتضت ذكر الخليفة كني عنه ب «المواقف المقدّسة» و «المقامات الشريفة» و «السرّة النبويّة» و «الدار العزيزة» و «المحل الممجّد» يعنون «بالمواقف» الأماكن التي يقف فيها الخليفة، وكذلك المقامات، وبالسرة الأنماط التي يجلس عليها الخليفة، و «بالدار» دار الخلافة، و «بالمحل» محلّ الخليفة. قال في «ذخيرة الكتّاب»: وليت شعري أيّ شيء قصد من كنى عن أمير المؤمنين بهذه الكنايات، وبدّل نعوته وصفاته المعظمة المكرّمة بهذه الألفاظ المحقّرات؟ وإذا استجيز ذلك ورضي به وأغضي عنه كان لآخر أن يقول «المجالس الطاهرة» و «المقاعد المقدّسة» و «المراكب المعظّمة» و «الأسرّة الممجّدة» وما يجري هذا المجرى مما ينبو عنه السمع وينكره لاستحداثه واستجداده. على أنه لو توالى على الأسماع كتوالي تلك الألفاظ لم تنكره بعد إذ لا فرق. قال: ولم يستسنّه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا اختاره لنفسه، ولا استحدثه الخلفاء من بعده. فما وجه العمل بموضعه والاقتفاء لأثره؟
وكيف يجوز أن يكنى عن الجمادات، بما يكنى به عن الإنسان الحيّ الناطق الكامل الصفات. ولما انتهى الحال بالخلفاء إلى التعظيم بهذه الألقاب والنعوت المستعارة، تداعى الأمر إلى تعظيم الملوك والوزراء بالتلقيب ب «المجلس العالي» و «الحضرة السامية» وما أشبه ذلك. قال: وهذا مما لم يكن في زمان، ولا جرى في وقت، ولا كتب به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا استعمله الخلفاء بعده. ثم تزايد الحال في ذلك إلى أن كنوا ب «المقام» و «المقرّ» و «الجناب» و «المجلس» ونحو ذلك على ما سيأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وأما مجاوزتها الحدّ في الكثرة، فقد تقدّم أن اللقب الواحد كان يلقّب به الشخص دون تعدّد ألقاب، إلى أن وافت أيام القادر بالله (1) والتلقيب بالإضافة إلى
__________
(1) هو: أحمد بن إسحاق بن المقتدر أبو العباس القادر بالله: الخليفة العباسي. توفي سنة 422هـ.
أنظر النبراس لابن دحية (ص 127) والأعلام (ج 1، ص 96)(5/461)
الدولة فزيد في لقب عضد الدولة بن بويه (تاج الملة) فكان يقال «عضد الدولة وتاج الملّة» وكان أوّل من زيد في لقبه على الإفراد، وأن ابنه «بهاء الدولة» زيد في لقبه في الأيام القادريّة أيضا «نظام الدين» فكان يقال: «بهاء الدولة ونظام الدين» ويقال: إنه زاده من بعد بهاء الدولة لفظ «في الأمة» فكان يقال: «بهاء الدّولة في الأمة ونظام الدّين» ثم لقّب محمود بن سبكتكين في الأيام القادريّة أيضا «يمين الدولة، وأمين الملّة، وكهف الإسلام والمسلمين، وليّ أمير المؤمنين» وتزايد الأمر بعد ذلك في تكثير الألقاب حتّى جاوز الحدّ وبلغ النهاية، وصارت الكتّاب في كل زمن يقترحون ألقابا زيادة على ما سبق إلى أن صارت من الكثرة في زماننا على ما ستقف عليه إن شاء الله تعالى فيما بعد.
الجملة الخامسة (في بيان الألقاب الأصول وذكر معانيها واشتقاقها، وهي صنفان)
الصنف الأوّل (ما يقع في المكاتبات والولايات، وهي ثمانية ألقاب)
الأوّل الجانب
. وهو من ألقاب ولاة العهد بالخلافة ومن في معناهم:
كإمام الزّيديّة باليمن في مكاتبته عن الأبواب السلطانية. وربّما وقع في الخطاب في أثناء المكاتبة: فيقال «الجانب الأعلى» و «الجانب الشريف العالي» [والجانب الكريم العالي] (1) و «الجانب العالي» مجرّدا عنهما، رتبة بعد رتبة.
ثم الجانب في أصل اللغة اسم للناحية، والمراد الناحية التي صاحب اللقب فيها، كني بها عنه تعظيما له من أن يتفوّه بذكره، وكذا في غيره مما يجري هذا المجرى من الألقاب المكتتبة: كالمقام والمقرّ ونحوهما.
__________
(1) الزيادة ساقطة من الناسخ يحتاج إليها الكلام. كما جاء في الطبعة الأميرية.(5/462)
الثاني المقام
بفتح الميم. وهو من الألقاب الخاصّة بالملوك. وأصل المقام في اللغة اسم لموضع القيام، أخذا من قام يقوم مقاما. وقد ورد [في] التنزيل بمعنى موضع القيام في قوله تعالى: {فِيهِ آيََاتٌ بَيِّنََاتٌ مَقََامُ إِبْرََاهِيمَ} (1)
يريد موضع قدميه في الصّخرة التي كان يقوم عليها البيت، ثم توسّع فيه فأطلق على ما هو أعمّ من موضع القيام من محلّة الرجل أو مدينته ونحو ذلك، ومن ثمّ قال الزمخشريّ في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقََامٍ أَمِينٍ} (2) إنه خاصّ استعمل في معنى العموم، يعني أنه يستعمل في موضع الإقامة في الجملة. أما المقام بالضم فاسم لموضع الإقامة أخذا من أقام يقيم، إذ الفعل متى جاوز الثلاثة فالموضع منه مضموم كقولهم في المكان الذي يدحرج فيه مدحرج كما نبّه عليه الجوهريّ وغيره. وقد قريء قوله تعالى: {يََا أَهْلَ يَثْرِبَ لََا مُقََامَ لَكُمْ} (3) بالفتح والضم جميعا على المعنيين. قال الجوهريّ: وقد يكون المقام بالفتح بمعنى الإقامة والمقام بالضم بمعنى موضع القيام. وجعل من الثاني قوله تعالى: {حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقََاماً} (4) أي موضعا. وبالجملة فالذي يستعمله الكتّاب في المقام الفتح خاصة، يكنون بذلك عن السلطان تعظيما له عن التفوّه باسمه. قال المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «عرف التعريف»: ويقال فيه «المقام الأشرف» و «المقام الشريف العالي» وربّما قيل فيه «المقام العالي» ولم يتعرّض لذكر «المقام الكريم» ولو عمل عليه تأسّيا بلفظ القرآن الكريم حيث قال تعالى: {وَمَقََامٍ كَرِيمٍ} * (5) لكان حسنا.
الثالث المقرّ
بفتح الميم والقاف. قال في «عرف التعريف»:
ويختص بكبار الأمراء، وأعيان الوزراء، وكتّاب السّر ومن يجري مجراهم: كناظر
__________
(1) أنظر سورة (آل عمران) ورقمها (3) آية رقم (97)
(2) أنظر سورة (الدخان) ورقمها (44) آية رقم (51)
(3) أنظر سورة (الأحزاب) ورقمها (33) آية رقم (13)
(4) أنظر سورة (الفرقان) ورقمها (25). آية رقم (66)
(5) أنظر سورة (الشعراء) ورقمها (26). آية رقم (58)(5/463)
الخاصّ، وناظر الجيش، وناظر الدّولة، وكتّاب الدّست ومن في معناهم. قال:
ولا يكتب لأحد من العلماء والقضاة، وكأنه يريد العرف العامّ. والتحقيق في ذلك أن الحال فيه يختلف بحسب المكتوب عنه، فلا يقال فيما يكتب عن السلطان إلا لأكابر الأمراء وبعض الملوك المكاتبين عن هذه المملكة: كصاحب ماردين ونحوه. بل قد ذكر ابن شيث في «معالم الكتابة» أن المقرّ من أجلّ ألقاب السلطان. وقد رأيت ذلك في العهد المكتتب بالسلطنة للمنصور قلاوون من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر. أما عمّن عدا السلطان كالنّوّاب ونحوهم فإنه يكتب به لأكابر أرباب السيوف والأقلام: من القضاة والعلماء والكتّاب. على أن ابن شيث في «معالم الكتابة» قد جعله من الألقاب الملوكيّة كالمقام، بل جعلهما على حدّ واحد في ذلك. قال في «عرف التعريف»: ويقال فيه «المقرّ الأشرف» و «المقرّ الشريف العالي» و «المقرّ الكريم العالي» و «المقرّ العالي» مجرّدا عن ذلك. وأصله في اللغة لموضع الاستقرار، والمراد الموضع الذي يستقرّ فيه صاحب ذلك اللقب. ولا يخفى أنه من الخاصّ الذي استعمل في العموم كما تقدّم في لفظ المقام عن الزمخشريّ. إذ يجوز أن يقال فلان مقرّه محلّة كذا وبلدة كذا، كما يقال مقامه محلّة كذا وبلد كذا.
الرابع الجناب
. وهو من ألقاب أرباب السّيوف والأقلام جميعا فيما يكتب به عن السلطان وغيره، من النوّاب ومن في معناهم. قال في «عرف التعريف»:
وهو أعلى ما يكتب للقضاة والعلماء من الألقاب. قال: ويكتب لمن لا يؤهّل للمقرّ من الأمراء وغيرهم ممن يجري مجرى الوزراء ويزيد على ما قد ذكره أنه يكتب به لبعض الملوك المكاتبين عن الأبواب السلطانية. قال في «عرف التعريف»:
ويقال فيه: «الجناب الشريف العالي» و «الجناب الكريم العالي» و «الجناب العالي» مجرّدا عنهما. وأصل الجناب في اللغة الفناء أو ما قرب من محلّة القوم، ومنه قولهم: لذنا بجناب فلان وفلان خصيب الجناب، فيعبّر عن الرجل بفنائه وما قرب من محلّته تعظيما له، ويجمع على أجنبة كمكان وأمكنة وعلى جنابات كجماد وجمادات.(5/464)
الخامس المجلس
. وهو من ألقاب أرباب السّيوف والأقلام أيضا ممن لم يؤهّل لرتبة الجناب، وربما لقّب به بعض الملوك في المكاتبات السلطانية. على أنه كان في الدولة الأيّوبية لا يلقّب به إلا الملوك ومن في معناهم. ومكاتبات القاضي الفاضل والعماد الأصفهانيّ وغيرهما من كتّاب الدولة الأيّوبيّة ومن عاصرها مشحونة بذلك، حتّى قال صاحب «معالم الكتابة»: وقد كانوا لا يكتبون المجلس إلا للسلطان خاصّة. قال: ولم يكن السلطان يكاتب به أحدا من الداخلين تحت حكمه والمنسحب عليهم أمره. ثم ذكر أنه كان يكتب به في زمانه إلى كبار الأمراء والوزراء وولاة العهد بالسلطنة.
أما في زماننا فقد صار في أدنى الرّتب وجعل الجناب والمقرّ فوقه على ما تقدّم. ويقال فيه: «المجلس العالي» و «المجلس السامي» رتبة بعد رتبة.
ويقال في المجلس السامي الساميّ بالياء، والسامي بغير ياء، رتبة بعد رتبة.
واعلم أن العالي والسامي اسمان منقوصان كالقاضي والوالي وقد تقرّر في علم النحو أنه إذا دخلت الألف واللام على الاسم المنقوص جاز فيه إثبات الياء وحذفها فيقال القاض والقاضي ونحو ذلك، وحينئذ فيجوز في العالي والسامي إثبات الياء وحذفها ولكن الكتّاب لا يستعملونهما إلا بالياء.
فأما في العالي فيجوز أن تكون الياء التي تثبتها الكتّاب في آخره هي الياء اللاحقة للاسم المنقوص على ما تقدّم وتكون حينئذ ساكنة، ويجوز أن تكون ياء النّسب نسبة إلى العالي وتكون مشدّدة، وكذلك في الساميّ بالياء.
أما السامي بغير ياء فيجوز أن يكون المراد حذف ياء النسب لا الياء اللاحقة للاسم المنقوص، لما تقدّم من أن الكتّاب لم يستعملوها إلا بإثبات الياء، وحينئذ فتحذف الياء من الألقاب التي تنعت بها. ويحتمل أن يكون المراد حذف الياء اللاحقة للاسم المنقوص وهو بعيد.
وأصل المجلس في اللغة لموضع الجلوس، ويشار بذلك إلى الموضع الذي يجلس فيه تعظيما له على ما تقدّم في غيره. ولا يخفى أنه ليس للمجلس ما
للمقرّ والمقام من العموم حتّى يعمّ ما فوق موضع الجلوس، إذ لا يحسن أن يقال مجلس فلان محلّة كذا ولا بلد كذا كما يحسن أن يقال: مقرّه أو مقامه محلّة كذا أو بلد كذا.(5/465)
وأصل المجلس في اللغة لموضع الجلوس، ويشار بذلك إلى الموضع الذي يجلس فيه تعظيما له على ما تقدّم في غيره. ولا يخفى أنه ليس للمجلس ما
للمقرّ والمقام من العموم حتّى يعمّ ما فوق موضع الجلوس، إذ لا يحسن أن يقال مجلس فلان محلّة كذا ولا بلد كذا كما يحسن أن يقال: مقرّه أو مقامه محلّة كذا أو بلد كذا.
السادس مجلس
مجرّدا عن الألف واللام مضافا إلى ما بعده، وله في الاصطلاح أربع حالات:
الأولى أن يضاف إلى الأمير
: فيقال «مجلس الأمير» وهو مختصّ بأرباب السيوف على اختلاف أنواعهم من التّرك والعرب وغيرهم.
الثانية أن يضاف إلى القاضي
: فيقال «مجلس القاضي» وهو مختصّ بأرباب الأقلام من القضاة والعلماء والكتّاب ومن في معناهم.
الثالثة أن يضاف إلى الشيخ
: فيقال «مجلس الشيخ» ويختصّ ذلك بالصّوفيّة وأهل الصّلاح ومن في معناهم.
الرابعة أن يضاف إلى الصّدر
: فيقال «مجلس الصّدر» وهو مختصّ بالتجّار وأرباب الصّنائع ومن في معناهم، وربما كتب به في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» وما قاربها لكتّاب الدّرج ومن في معناهم. والمراد بالصّدر صدر المجلس الذي هو أعلى أماكنه وأرفعها، والمضاف والمضاف إليه فيه كالمتعاكسين، والتقدم صدر المجلس.
السابع أن يقتصر على المضاف إليه من مجلس الأمير
، أو مجلس القاضي، ومجلس الشيخ، أو مجلس الصّدر ويقال فيه: «الأمير الأجلّ» و «القاضي الأجلّ» و «الشيخ الصالح» و «الصدر الأجلّ».
الثامن الحضرة
، والمراد بها حضرة صاحب اللّقب. قال الجوهري:
حضرة الرجل قربه وفناؤه. قال ابن قتيبة في «أدب الكاتب»: وتقال بفتح الحاء
وكسرها وضمها وأكثر ما تستعمل في المكاتبات. وهي من الألقاب القديمة التي كانت تستعمل في مكاتبات الخلفاء، وكان يقال فيها «الحضرة العالية» و «الحضرة السامية» وتستعمل الآن في المكاتبات الصادرة عن الأبواب السلطانية إلى بعض الملوك. ويقال فيها: «الحضرة الشريفة العالية» و «الحضرة الكريمة العالية» و «الحضرة العليّة» بحسب ما تقتضيه الحال. قال ابن شيث في «معالم الكتابة»: كانت مما يكتب بها لأعيان الدولة من الوزراء وغيرهم، ولم يكن السلطان يكاتب بها أحدا من الداخلين تحت حكمه والمنسحب عليهم أمره.(5/466)
حضرة الرجل قربه وفناؤه. قال ابن قتيبة في «أدب الكاتب»: وتقال بفتح الحاء
وكسرها وضمها وأكثر ما تستعمل في المكاتبات. وهي من الألقاب القديمة التي كانت تستعمل في مكاتبات الخلفاء، وكان يقال فيها «الحضرة العالية» و «الحضرة السامية» وتستعمل الآن في المكاتبات الصادرة عن الأبواب السلطانية إلى بعض الملوك. ويقال فيها: «الحضرة الشريفة العالية» و «الحضرة الكريمة العالية» و «الحضرة العليّة» بحسب ما تقتضيه الحال. قال ابن شيث في «معالم الكتابة»: كانت مما يكتب بها لأعيان الدولة من الوزراء وغيرهم، ولم يكن السلطان يكاتب بها أحدا من الداخلين تحت حكمه والمنسحب عليهم أمره.
وتستعمل أيضا في مكاتبات ملوك الكفر، ويقال فيه بعد الدعاء للحضرة: «حضرة الملك الجليل» ونحو ذلك على ما سيأتي بيانه في موضعه. وقد تستعمل في الولايات في نحو ما يكتب للبطرك. فيقال: «حضرة الشيخ» أو «حضرة البطرك» ونحو ذلك. قلت: وكثير من كتّاب الزمان يظنّون أن هذه الألقاب الأصول أو أكثرها أحدثها القاضي شهاب الدين بن فضل الله وليس كذلك، بل المجلس مذكور في مكاتبات القاضي الفاضل ومن عاصره بكثرة بل لا تكاد مكاتبة من مكاتباته الملوكيّة تخلو عن ذلك. ومقتضى كلام ابن حاجب النّعمان في «ذخيرة الكتّاب» أنّه أوّل ما ابتدع في أيّام بني بويه ملوك الدّيلم والجناب موجود في مكاتبات القاضي الفاضل أيضا بقلّة. وقد ذكره ابن شيث في مصطلح كتابة الدولة الأيوبية. والمقرّ موجود في كلام القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر.
والمقام موجود في مكاتبات من قبل القاضي شهاب الدّين المذكور، نعم هذا الترتيب الخاصّ: وهو جعل أعلاها المقام، ثم المقرّ، ثم الجناب، ثم المجلس، ثم مجلس الأمير أو القاضي أو الشيخ، لم أره إلا في كلام المقرّ الشهابيّ المشار إليه ومتابعيه، ولا أدري أهو المقترح لهذا أم سبقه إليه غيره؟ وقد أولع الفضلاء بالسؤال عن وجه هذا الترتيب، بل أخذوا في إنكاره على مرتّبه من حيث إن هذه الألقاب متقاربة المعاني في اللغة، فلا يتجه تقديم بعضها على بعض في الرتبة، ولا يخفى أن واضع ذلك من المقرّ الشهابيّ أو غيره لم يضعه عن جهل على سبيل التشهّي إذ لا يليق ذلك بمن عنده أدنى مسكة من العلم، وقد ظهر لي عن ذلك
أجوبة يستحسنها الذهن السليم إذا تلقّيت بالإنصاف، ولا بدّ من تقديم مقدّمة على ذلك: وهي أن تعلم أن الخطاب في المكاتبات، والوصف في الولايات، مبنيّ على التفخيم والتعظيم، على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى، ومن ثمّ أتي فيهما بالألقاب المؤدّية إلى الرّفعة كما تقدّمت الإشارة إليه في أوّل الكلام على الألقاب، ثم أثبتوا هذه الألقاب بمعنى الأماكن كناية عن أصحابها من باب مجاز المجاورة وجعلوها رتبة بعد رتبة بحسب ما تقتضيه معانيها اللائحة منها على ما سيأتي بيانه، فجعلوا أدناها رتبة الأمير والقاضي والشيخ، التي وقع فيها التصريح بذكر الشخص، وجعلوا فوق تلك المجلس لتجرّده عن الاضافة إلى ما هو في معنى القريب من التصريح، وجعلوا فوق ذلك الجناب الذي هو الفناء من حيث إن فناء الرجل أوسع من مجلسه ضرورة، بل ربما اشتمل على المجلس واستضافه إليه، وجعلوا فوق ذلك المقرّ الذي هو موضع الاستقرار مع ما يقتضيه من شمول جميع المحلّة أو البلد الذي هو مقيم فيه، من حيث إنه يسوغ أن يقال مقرّه محلّة كذا أو بلد كذا، وتضمنت معنى القرار الذي هو ضد الزّوال على ما قال تعالى: {وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دََارُ الْقَرََارِ} (1) وجعلوا فوق ذلك المقام لاستعماله في المعنى العامّ، الذي هو أعم من موضع القيام كما أشار إليه الزمخشريّ، مع ما في معنى القيام من النّهضة والشّهامة الزائدة على معنى الاستقرار، من حيث إن القعود دليل العجز والقصور. قال تعالى: {وَقََالُوا ذَرْنََا نَكُنْ مَعَ الْقََاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوََالِفِ} (2) وقال: {الَّذِينَ قََالُوا لِإِخْوََانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطََاعُونََا مََا قُتِلُوا} (3) فكان المقام باعتبار ذلك أعلى من المقرّ ويوضّح ما ذكرناه أنهم جعلوا المجلس أدنى المراتب والمقام أعلاها.(5/467)
والمقام موجود في مكاتبات من قبل القاضي شهاب الدّين المذكور، نعم هذا الترتيب الخاصّ: وهو جعل أعلاها المقام، ثم المقرّ، ثم الجناب، ثم المجلس، ثم مجلس الأمير أو القاضي أو الشيخ، لم أره إلا في كلام المقرّ الشهابيّ المشار إليه ومتابعيه، ولا أدري أهو المقترح لهذا أم سبقه إليه غيره؟ وقد أولع الفضلاء بالسؤال عن وجه هذا الترتيب، بل أخذوا في إنكاره على مرتّبه من حيث إن هذه الألقاب متقاربة المعاني في اللغة، فلا يتجه تقديم بعضها على بعض في الرتبة، ولا يخفى أن واضع ذلك من المقرّ الشهابيّ أو غيره لم يضعه عن جهل على سبيل التشهّي إذ لا يليق ذلك بمن عنده أدنى مسكة من العلم، وقد ظهر لي عن ذلك
أجوبة يستحسنها الذهن السليم إذا تلقّيت بالإنصاف، ولا بدّ من تقديم مقدّمة على ذلك: وهي أن تعلم أن الخطاب في المكاتبات، والوصف في الولايات، مبنيّ على التفخيم والتعظيم، على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى، ومن ثمّ أتي فيهما بالألقاب المؤدّية إلى الرّفعة كما تقدّمت الإشارة إليه في أوّل الكلام على الألقاب، ثم أثبتوا هذه الألقاب بمعنى الأماكن كناية عن أصحابها من باب مجاز المجاورة وجعلوها رتبة بعد رتبة بحسب ما تقتضيه معانيها اللائحة منها على ما سيأتي بيانه، فجعلوا أدناها رتبة الأمير والقاضي والشيخ، التي وقع فيها التصريح بذكر الشخص، وجعلوا فوق تلك المجلس لتجرّده عن الاضافة إلى ما هو في معنى القريب من التصريح، وجعلوا فوق ذلك الجناب الذي هو الفناء من حيث إن فناء الرجل أوسع من مجلسه ضرورة، بل ربما اشتمل على المجلس واستضافه إليه، وجعلوا فوق ذلك المقرّ الذي هو موضع الاستقرار مع ما يقتضيه من شمول جميع المحلّة أو البلد الذي هو مقيم فيه، من حيث إنه يسوغ أن يقال مقرّه محلّة كذا أو بلد كذا، وتضمنت معنى القرار الذي هو ضد الزّوال على ما قال تعالى: {وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دََارُ الْقَرََارِ} (1) وجعلوا فوق ذلك المقام لاستعماله في المعنى العامّ، الذي هو أعم من موضع القيام كما أشار إليه الزمخشريّ، مع ما في معنى القيام من النّهضة والشّهامة الزائدة على معنى الاستقرار، من حيث إن القعود دليل العجز والقصور. قال تعالى: {وَقََالُوا ذَرْنََا نَكُنْ مَعَ الْقََاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوََالِفِ} (2) وقال: {الَّذِينَ قََالُوا لِإِخْوََانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطََاعُونََا مََا قُتِلُوا} (3) فكان المقام باعتبار ذلك أعلى من المقرّ ويوضّح ما ذكرناه أنهم جعلوا المجلس أدنى المراتب والمقام أعلاها.
أما تخصيصه خطاب الخليفة بالدّيوان فلبعد تعلّقه مع كونه عنه تصدر المخاطبات وعليه ترد على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
__________
(1) أنظر سورة (غافر) ورقمها (40) آية رقم (39)
(2) أنظر سورة (التوبة) ورقمها (9) آية رقم (86)
(3) أنظر سورة (آل عمران) ورقمها (3) آية رقم (168)(5/468)
الصنف الثاني (من الألقاب الأصول ما يختص بالمكاتبات دون الولايات، وفيه تسعة ألقاب)
الأوّل الدّيوان
. وقد تقدّم الكلام على ضبطه ومعناه في الكلام على ترتيب ديوان الإنشاء في مقدّمة الكتاب، ويصدّر بالدعاء له في المكاتبة إلى أبواب الخلافة المقدّسة، ويقال فيه «الدّيوان العزيز» على ما سيأتي في الكلام على المكاتبات فيما بعد إن شاء الله تعالى، قال المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في كتابه «التعريف». والمعنيّ به ديوان الإنشاء إذ الكتب وأنواع المخاطبات إليه واردة، وعنه صادرة. قال: وسبب الخطاب بالدّيوان العزيز الخضعان عن خطاب الخليفة نفسه. ثم كتّاب الزمان قد يستعملون ذلك في غير المكاتبات مثل أن يكتب عن السلطان منشور إقطاع للخليفة فيقال: «أن يجرى في الديوان العزيز» ونحو ذلك على ما سيأتي في الكلام على المناشير في موضعه إن شاء الله تعالى.
الثاني الباسط
، وهو مما يستعمل في المكاتبات بالتقبيل على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وأصله في اللغة فاعل من البسط، والمراد بسط الكفّ بالبذل والعطاء. ومنه قوله تعالى: {وَلََا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى ََ عُنُقِكَ وَلََا تَبْسُطْهََا كُلَّ الْبَسْطِ} (1) وهو من ألقاب اليد، ويشترك فيه أرباب السيوف والأقلام وغيرهم. قال في «عرف التعريف» ويقال فيه: «الباسط الشّريف العالي» و «الباسط الكريم العالي».
الثالث الباسطة
بلفظ التأنيث. وهو بمعنى الباسط إلا أن الباسطة دون الباسط في الرتبة لميزة التذكير على التأنيث.
الرابع اليد
. وهي في معنى الباسطة إلا أنها دونها لفوات الوصف بالبسط فيها. قال في «عرف التعريف»: ويقال فيها «اليد الشريفة العالية» و «اليد
__________
(1) أنظر سورة (الإسراء) ورقمها (17) آية رقم (29)(5/469)
الكريمة العالية» واليد العالية مجرّدة عنهما.
الخامس الدار
، وهي معروفة. وتجمع على آدر، وديار، ودور والمراد دار المكتوب إليه، تنزيها له عن التصريح بذكره كما في الجناب وغيره. وكانت مما يكتب به في الزمن القديم في ألقاب الخلفاء ويقال: «الدار العزيزة» وما أشبه ذلك، وربما كتب بها في القديم أيضا للخواتين من نساء الملوك وغيرهم، وممن كتب به لهنّ العلاء بن موصلايا صاحب ديوان الإنشاء في أيام القائم العباسيّ، وعلى ذلك الأمر في زماننا في الكتب الصادرة إليهنّ من الأبواب السلطانية وغيرها، وإنما كتب إليهنّ بذلك إشارة إلى الصّون لملازمتهن الدّور، وعدم البروز عنها.
السادس السّتارة
، وكتّاب الزمان يستعملونها في نحو ما تستعمل فيه الدار، ويكنون بها عن المرأة الجليلة القدر، التي هي بصدد أن تنصب على بابها السّتارة حجابا.
السابع الجهة
، وهو مستعمل في معنى الدار والسّتارة من المكاتبات، ويعنى بها المرأة الجليلة القدر. وهي في أصل اللغة اسم للناحية، فكنوا بها عن المرأة الجليلة، كما كنوا عن الرجل الجليل بالجناب.
الثامن الباب
. وهو من الألقاب المختصة بالعنوان في جليل المكاتبات، وأصل الباب في اللغة لما يتوصّل منه إلى المقصود، ويجمع على أبواب: كحال وأحوال، وعلى بيبان: كجار وجيران، والمراد باب دار المكتوب إليه، وكأنه أجلّ صاحب اللّقب عن الوصول إليه والقرب منه، لعلوّ مكانه ورفعة محلّه، ويقال فيه «الباب الشريف العالي» و «الباب الكريم العالي» و «الباب العالي» مجرّدا عنهما، واستعماله بلفظ الجمع على أبواب أعلى منه بلفظ الإفراد لما في معنى الجمع من الشّرف، أما الجمع على بيبان فلا يستعمله الكتّاب أصلا.
التاسع المخيّم
. وهو من الألقاب المختصة بالعنوان للمسافر، والمراد المكان الذي تضرب فيه خيام المكتوب إليه، أخذا من قولهم خيّم بالمكان إذا أقام به، أو خيّمه إذا جعله كالخيمة والخيمة في أصل اللغة اسم لبيت تنشئه العرب من
عيدان ثم توسّع فيه فاستعمل فيما يتّخذ من الجلود والقطن المنسوج ونحوه، ويوصف بما يوصف به الباب: من الشريف والكريم، والعالي.(5/470)
وهو من الألقاب المختصة بالعنوان للمسافر، والمراد المكان الذي تضرب فيه خيام المكتوب إليه، أخذا من قولهم خيّم بالمكان إذا أقام به، أو خيّمه إذا جعله كالخيمة والخيمة في أصل اللغة اسم لبيت تنشئه العرب من
عيدان ثم توسّع فيه فاستعمل فيما يتّخذ من الجلود والقطن المنسوج ونحوه، ويوصف بما يوصف به الباب: من الشريف والكريم، والعالي.
قلت: وقد يستعمل بعض هذه الألقاب كالدار والسّتارة والجهة في غير المكاتبات من الولايات وغيرها ولكن بقلة، والغالب استعمالها في المكاتبات، فلذلك خصّصتها بها.
الجملة السادسة (في بيان الألقاب المفرّعة على الأصول المتقدّمة، وفيها مهيعان)
المهيع الأوّل (في بيان أقسامها، وهي على نوعين)
النوع الأوّل (المفردة، وهي صنفان)
الصنف الأوّل (المجرّدة عن ياء النسب)
كالسلطان، والملك، والأمير، والقاضي، والشيخ، والصّدر، والأجلّ، والكبير، والعالم، والعامل، والأوحد، والأكمل، وما أشبه ذلك.
الصنف الثاني (الملحق بها ياء النسب)
كالسلطانيّ، والملكيّ، والأميريّ، والقضائيّ، والقاضويّ، والشّيخيّ، والصّدريّ، والأجلّيّ، والكبيريّ، والعالميّ، والعامليّ، والأوحديّ، والأكمليّ.
ونحو ذلك.
ثم الألقاب الملحقة بها ياء النسب تارة يراد بالنسب فيها النسب الحقيقيّ على بابه: كالقضائيّ، لأنه منسوب إلى القضاء الذي هو موضوع الوظيفة التي مناطها فصل الحكومات الشرعية على ما تقدّم، وتارة يراد به المبالغة كالقاضويّ، فإنه منسوب إلى القاضي نفسه مبالغة. وفي معناه الأميريّ نسبة إلى الأمير، والوزيريّ نسبة إلى الوزير، والشيخيّ نسبة إلى الشيخ، والكبيريّ نسبة إلى الكبير، والعالميّ نسبة إلى العالم، وما أشبه ذلك.(5/471)
ونحو ذلك.
ثم الألقاب الملحقة بها ياء النسب تارة يراد بالنسب فيها النسب الحقيقيّ على بابه: كالقضائيّ، لأنه منسوب إلى القضاء الذي هو موضوع الوظيفة التي مناطها فصل الحكومات الشرعية على ما تقدّم، وتارة يراد به المبالغة كالقاضويّ، فإنه منسوب إلى القاضي نفسه مبالغة. وفي معناه الأميريّ نسبة إلى الأمير، والوزيريّ نسبة إلى الوزير، والشيخيّ نسبة إلى الشيخ، والكبيريّ نسبة إلى الكبير، والعالميّ نسبة إلى العالم، وما أشبه ذلك.
والأصل فيه أنّ عادة العرب أنهم إذا أرادوا المبالغة في وصف شيء أدخلوا عليه ياء النسب في آخره للمبالغة في وصفه فيقولون في الأحمر إذا قصدوا المبالغة في وصفه بالحمرة أحمريّ ونحو ذلك على ما هو مقرّر في كتب النحو المبسوطة كالتسهيل ونحوه، ثم منها ما يستعمل بالتجريد عن ياء النسب أو إثباتها: كالعالم، والعالميّ، ومنها ما يستعمل مجرّدا عنها فقط كالقطب والغوث من ألقاب الصّوفيّة، ومنها ما يستعمل بإثباتها فقط كالغياثيّ، وبكلّ حال فالألقاب التي قد تثبت ياء النسب في آخرها وقد لا تثبت كالأمير والأميريّ إن كانت من ألقاب المجلس الساميّ بالياء فما فوقه من المجلس العالي والجناب العالي، والمقرّ والمقام على مراتبها تثبت الياء في آخرها، وإن كانت من ألقاب المجلس السامي بغير ياء فما دونه من مجلس الأمير ومجلس القاضي، ومجلس الشيخ، ومجلس الصّدر، والأمير، والقاضي، والشيخ، والصدر، لم تثبت الياء في آخرها. والألقاب المضافة إلى الدين، مثل «ناصر الدّين» و «شمس الدين» و «نور الدين» و «عز الدين» و «وليّ الدين» و «سيف الدين» وما أشبه ذلك إن كانت في ألقاب من تثبت الياء في ألقابه من المجلس الساميّ بالياء فما فوقه حذف المضاف إليه وأدخلت الألف واللام على المضاف وألحقت به ياء النّسب، فيقال في ناصر الدين «الناصريّ» وفي شمس الدين «الشّمسيّ» وفي نور الدين «النّوريّ» وفي عز الدين «العزّيّ» وفي وليّ الدين «الولويّ» وفي سيف الدين «السيفيّ» وما أشبه ذلك.(5/472)
النوع الثاني (المركّبة)
وهي المعبّر عنها بالنّعوت. وأكثر ما يكون التركيب فيها بالإضافة ثم تارة تكون باضافة واحدة نحو «ممهّد الدّول» وتارة تكون باضافتين نحو «سيّد أمراء العالمين» وتارة تكون بثلاث إضافات نحو «حاكم أمور ولاة الزّمان» وربما زيد على ذلك، وتارة تكون بوصف المضاف، نحو «بقيّة السّلالة الطاهرة» وتارة تكون بالعطف على المضاف إليه: إما بعطف واحد، نحو «سيد الملوك والسلاطين» وإما بأكثر، نحو «فاتح الممالك والأقاليم والأقطار» وتارة تكون بجارّ ومجرور بعد المضاف إليه، نحو «سيّد الأمراء في العالمين» وربما توسط النعت بين المضاف إليه والجارّ والمجرور، نحو «سيد الأمراء الأشراف في العالمين». وقد يكون التركيب بغير الإضافة إما بالجارّ والمجرور، نحو «المجاهد في سبيل ربّ العالمين» وإما بغير ذلك مثل المعفّي آل ساسان وغير ذلك مما يجرى هذا المجرى.
[واعلم أنه إذا كان لقب الأصل مفردا نحو المقرّ والجناب، جاءت ألقابه ونعوته مفردة فيقال «المقرّ الشّريف» و «الجناب الشريف» و «المقرّ الكريم» وفي نعوته «سيد الأمراء في العالمين» ونحو ذلك.
ثم إن كان مذكّرا جاء بصيغة التذكير، كما تقدّم في ألقاب المقرّ] (1)
وإذا كان لقب الأصل فيه مؤنّثا كالجهة في ألقاب النساء، أتت ألقابه ونعوته مؤنّثة تبعا له، فيقال في ألقاب الجهة «الجهة الشريفة أو الجهة الكريمة العالية» وفي النعوت «سيدة الخواتين في العالمين» ونحو ذلك.
وإن كان اللقب في الأصل مجموعا، نحو «مجالس الأمراء» كما يكتب
__________
(1) هذه الجملة التي بين القوسين: غير موجودة في الأصول فنقلناها عن الضوء لتتم الفائدة. وقد جاء هذا التوضيح في طبعة دار الكتب المصرية.(5/473)
في المطلقات، جاءت الألقاب والنّعوت مجموعة فيقال في الألقاب الأجلّاء الأكابر وما أشبه ذلك. وفي النعوت إن كان ذلك اللقب اسم جنس نحو «عضد الملوك والسلاطين» أو مصدرا، نحو «عون الأمّة» جاز إبقاؤه على الإفراد كذلك: لأن المصدر واسم الجنس لا يثنّيان ولا يجمعان، وإن لوحظ فيه معنى التعدّد، جاز الجمع فيقال «أعوان الأمة» و «أعضاد الملوك والسلاطين» ونحو ذلك، وقد أشار إلى ذلك المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في كتابه «التعريف» في الكلام على كتابة المطلقات فقال ونحو عضد وأعضاد.
تم الجزء الخامس يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء السادس وأوّله المهيع الثاني (في ذكر الألقاب والنعوت المستعملة عند كتّاب الزمان، وبيان معانيها، ومن يقع عليه كل واحد منها من أرباب السّيوف وغيرهم، وهي نوعان) والحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيّدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتابعين وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل(5/474)
مصادر ومراجع الجزء الخامس
11 - إتمام أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس لعبد الرحمن بن زيدان.
طبع في الرباط سنة 1347هـ.
2 - الآثار الأندلسية الباقية في اسبانية والبرتغال.
لمحمد عبد الله عنّان.
طبع في مؤسسة الخانجي بالقاهرة.
طبعة ثانية سنة 1961.
3 - الإحاطة في أخبار غرناطة.
للسان الدين بن الخطيب.
طبع بمصر سنة 1319هـ.
4 - أخبار الراضي بالله والمتقي لله، من كتاب الأوراق لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي.
طبع بمصر 1935م.
5 - أزهار الرياض في أخبار عياض.
لأحمد بن محمد المقريّ أربعة أجزاء. طبع بمصر 1358هـ.
6 - الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى.
لأحمد بن خالد الناصري السلاوي.
أربعة أجزاء.
طبع بمصر سنة 1312هـ. 72الإسلام والحضارة العربية لمحمد كرد علي.
جزآن.
طبع بمصر سنة 1934م.
8 - أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير.
خمسة مجلدات.
طبع بمصر 1280هـ.
الأعلام للزركلي.
دار العلم للملايين. طبعة سادسة 1984 م.
9 - أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام وما يجرّ ذلك من شجون الكلام. للسان الدين بن الخطيب.
طبع في بالرمو سنة 1900م.
10 - أعمال الأعلام. القسم الثاني في أخبار الجزيرة الأندلسية.
لابن الخطيب.
طبع في رباط الفتح سنة 1353 هـ / 1934م وطبعة بيروت 1956م.
11 - الأغاني لأبي فرج الأصبهاني.
طبعة دار الكتب المصرية.
12 - الانبساط بتلخيص الاغتباط بتراجم أعلام الرباط.
1 - لمحمد بن محمد بن عبد الله.(5/475)
12 - الانبساط بتلخيص الاغتباط بتراجم أعلام الرباط.
1 - لمحمد بن محمد بن عبد الله.
رسالة استخلصها من كتاب الاغتباط لمحمد بن أبي جنيدار.
طبعت بمصر سنة 1347هـ.
13 - الأنيس المطرب القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاج مدينة فاس.
لأبي عبد الله محمد بن عبد الحليم المعروف بابن أبي زرع.
مطبوع على الحجر بفاس سنة 1305 هـ.
14 - بدائع الزهور في وقائع الدهور لابن إياس، ثلاثة أجزاء.
طبع بمصر سنة 1310هـ.
15 - البداية والنهاية في التاريخ لابن كثير.
أربعة عشر جزءا.
طبع بمصر سنة 1351هـ.
16 - البدء والتاريخ. المنسوب لأحمد بن سهل البلخي وهو لمطهر بن طاهر المقدسي.
ستة أجزاء.
طبع في شالون سنة 1966م.
17 - بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس.
لابن عميرة الضبي.
طبع في مجريط سنة 1884.
18 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة.
للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي.
تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.
الطبعة الثانية 1398هـ.
19 - البيان المغرب في أخبار الأندلس لابن عذارى المراكشي.
أربعة أجزاء. 2الأول والثاني طبعة ليدن 1948و 1951 م. والثالث طبعة باريس 1930م.
والرابع طبعة تطوان 1956م.
وتحقيق د. إحسان عباس. دار الثقافة بيروت لبنان.
طبعة ثانية 1980م.
20 - تاريخ آداب اللغة العربية.
لجرجي زيدان أربعة أجزاء.
طبع بمصر سنة 19141913م.
21 - تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام للذهبي طبع بمصر 22تاريخ الأمم والملوك. للطبري.
طبع بمصر 1336هـ.
23 - تاريخ أبي الفداء.
دار المعرفة ببيروت.
24 - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي.
أربعة عشر مجلدا.
طبع بمصر سنة 1365هـ.
25 - تاريخ الجزائر في القديم والحديث.
لمبارك بن محمد الهلالي المسيلي.
جزآن.
طبع في المطبعة الجزائرية الاسلامية بالقسطنطينية.
26 - تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس.
لحسين بن محمد الديار بكري.
مجلدان.
طبع في مصر 1283هـ.
27 - تاريخ سني ملوك الأرض والأنبياء.
لحمزة بن الحسن الأصفهاني.
طبع في برلين 1340هـ.
28 - تاريخ الشعوب الإسلامية.
1 - لكارل بروكلمن. ترجمة نبيه أمين فارس.(5/476)
28 - تاريخ الشعوب الإسلامية.
1 - لكارل بروكلمن. ترجمة نبيه أمين فارس.
ومنير بعلبكي.
خمسة أجزاء.
طبع في بيروت 19501948م.
29 - تاريخ طرابلس الغرب المسمى التذكار فيمن ملك طرابلس، وما كان بها من الأخبار وهو شرح لمحمد بن خليل غلبون الطرابلسي. على قصيدة أحمد بن عبد الدائم الأنصاري.
طبع بمصر سنة 1349هـ.
30 - تاريخ العرب السياسي والثقافي.
لفيليب حتى وجبرائيل جبور. طبع في مطابع الغندور.
طبعة رابعة سنة 1965م.
31 - تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وايطاليا وجزائر البحر المتوسط.
لشكيب ارسلان.
طبع بمصر سنة 1352هـ.
32 - تاريخ الفكر الأندلسي لآنخل بالنثيا.
ترجمة حسين مؤنس.
ط. أولى مكتبة النهضة المصرية.
33 - التاريخ الكامل لابن الأثير.
دار صادر دار بيروت 1979م.
وطبعة أخرى القاهرة بولاق 1290هـ ودار صادر 1965م. وليدن 1851م.
34 - تأصيل الدخيل 35تراجم اسلامية وشرقية وأندلسية.
لمحمد عبد الله عنّان.
طبع بمصر سنة 1947م.
36 - التعريف بمصطلحات الصبح.
37 - التكملة لكتاب الصلة لابن الابار.
طبع في مجريط سنة 1886م. 382تهذيب تاريخ ابن عساكر.
لعبد القادر بدران.
طبع بدمشق سنة 13511329هـ.
39 - تهذيب التهذيب.
لابن حجر العسقلاني.
اثنا عشر جزءا.
طبع في حيدرآباد الدكن سنة 1325 1327هـ.
40 - التيجان في ملوك حمير.
لأبي محمد بن عبد الملك بن هشام.
طبع في حيدرآباد سنة 1347هـ.
41 - ثمار القلوب في المضاف والمنسوب للثعالبي وعبد الملك بن محمد.
طبع بمصر سنة 1326هـ.
42 - جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس.
للحميدي.
طبع بمصر سنة 1372هـ.
43 - جذوة الاقتباس فيمن حلّ من الأعلام مدينة فاس.
لابن القاضي.
طبع بفاس على الحجر سنة 1309هـ.
44 - جمهرة أنساب العرب.
لابن حزم.
دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
طبعة أولى 1403هـ.
45 - الحلة السيراء.
لابن الابار.
طبع في ليدن سنة 18511847م.
46 - الحلل الموشية في ذكر الاخبار المراكشية.
للسان الدين بن الخطيب.
طبع في تونس سنة 1329هـ.
47 - الحور العين. لنشوان الحميري.
1 - طبع بمصر سنة 1948م.(5/477)
47 - الحور العين. لنشوان الحميري.
1 - طبع بمصر سنة 1948م.
48 - خلاصة تاريخ تونس.
لحسن حسني عبد الوهاب.
طبع بتونس سنة 1373هـ.
49 - الخلاصة النقية في أمراء إفريقية.
لأبي عبد الله محمد الباجي المسعودي.
طبع بمطبعة الدولة التونسية سنة 1283 هـ.
50 - دائرة المعارف.
للمعلم بطرس البستاني.
طبع بدار المعارف بيروت سنة 1880م.
51 - الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة.
لابن حجر العسقلاني.
أربعة أجزاء.
طبع في حيدرآباد سنة 19501945 م.
52 - دول الإسلام.
للذهبي.
جزآن في مجلد.
طبع في حيدرآباد سنة 1337هـ.
53 - الديارات للشابستي.
طبع في بغداد سنة 1951م.
54 - الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب (المالكي).
لابن فرحون.
طبع بمصر 1329هـ.
55 - الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة.
لأبي الحسن علي بن بسام الشنتريتي.
تحقيق د. إحسان عباس.
دار الثقافة بيروت لبنان 1399هـ.
56 - ذيل الروضتين. 2لعبد الرحمن بن إسماعيل. المعروف بأبي شامة المقدسي الدمشقي.
طبع بمصر سنة 1366هـ.
57 - رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية للمالكي.
طبع في مصر سنة 1951م.
58 - السلوك لمعرفة دول الملوك. للمقريزي.
الجزء الأول منه في ثلاثة أقسام.
علّق عليه محمد مصطفى زيادة طبع بمصر سنة 19391934م. ثم القسم الأول من الجزء الثاني طبع بمصر أيضا 1941م.
59 - السّير في رجال الإباضية.
لأحمد بن سعيد بن عبد الواحد الشماخي طبع على الحجر في الجزائر.
60 - صفة جزيرة الأندلس، منتخبة من كتاب الروض المعطار في خبر الأقطار. عني بنشرها. د. ليفي بروفنسال. القاهرة.
مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1937م.
61 - صورة الأرض.
لابن حوقل النصيبي أبو القاسم.
دار مكتبة الحياة بيروت.
62 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع.
للسخاوي اثنا عشر جزء.
طبع بمصر سنة 13551353هـ.
63 - طبقات الأطباء والحكماء.
لأبي داود سليمان بن حسان الأندلسي المعروف بابن جلجل.
طبع بمصر سنة 1955م.
64 - طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي ستة أجزاء.
1 - طبع بمصر سنة 1324هـ.(5/478)
64 - طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي ستة أجزاء.
1 - طبع بمصر سنة 1324هـ.
65 - طبقات الشافعية.
لأبي بكر بن هداية الحسيني الملقب بالمنف.
طبع في بغداد.
66 - طبقات علماء إفريقية.
لأبي العرب محمد بن أحمد بن تميم ورسائل أخرى في موضوعه جمعها محمد بن أبي شنب.
طبع في الجزائر سنة 1914م.
67 - الطبقات الكبرى.
لابن سعد ثمانية مجلدات، عدا الفهرس.
طبع في ليدن سنة 1321هـ.
68 - العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر.
لابن خلدون.
طبع بمصر سنة 1284هـ.
وطبعة أخرى. طهران 1337هـ. ولجنة البيان العربي 1957م.
وبيروت دار الكتاب اللبناني 1956 1959م.
وبيروت دار الكتاب اللبناني 1966 1968م.
69 - العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية.
لعلي بن الحسن الخزرجي.
مجلدان.
طبع في مصر سنة 1329هـ.
70 - عيون الأنباء في طبقات الأطباء.
لأحمد بن القاسم بن أبي أصيبعة.
مجلدان. 2طبع بمصر سنة 1300هـ.
71 - فتوح البلدان للبلاذري.
طبع بمصر سنة 1319هـ.
72 - الفهرست لابن النديم.
طبع في ليبسك سنة 1871م.
73 - فوات الوفيات.
لابن شاكر الكتبي.
مجلدان.
طبع بمصر 1299هـ وطبعة ثانية بمصر سنة 1324هـ.
74 - القاموس المحيط.
للفيروز آبادي.
المطبعة المصرية. ط ثالثة. 1352هـ.
75 - لسان العرب.
لابن منظور.
طبع بدار صادر بيروت لبنان.
76 - لسان الميزان.
لابن حجر العسقلاني ستة أجزاء.
طبع في حيدرآباد سنة 1330هـ.
77 - اللمحة البدرية في الدولة الناصرية.
للسان الدين بن الخطيب.
طبع بمصر سنة 1347هـ.
78 - مرآة الجنان.
لليافعي. أربعة أجزاء.
طبع في حيدرآباد سنة 1337هـ.
79 - المسلمون في جزيرة صقلية وجنوب ايطاليا.
لأحمد توفيق المدني.
طبع في الجزائر سنة 1365هـ.
80 - مختصر أخبار الخلفاء.
لابن السالمي.
طبع بمصر 1309.
1 - المختصر في أخبار البشر، القسطنطينية دار الطباعة 1286هـ طبعة ثانية المطبعة الحسينية المصرية سنة 1325هـ.(5/479)
طبع بمصر 1309.
1 - المختصر في أخبار البشر، القسطنطينية دار الطباعة 1286هـ طبعة ثانية المطبعة الحسينية المصرية سنة 1325هـ.
81 - المغرب في أشعار أهل المغرب.
لابن دحية.
طبع بمصر سنة 1954م.
82 - مطمح الأنفس للفتح بن خاقان.
طبع بمطبعة الجوائب سنة 1302هـ.
83 - المعارف لابن قتيبة الدينورى.
84 - معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان.
لعبد الرحمن بن محمد الدباغ مع استدراكات عليه لأبي القاسم عيسى بن ناجي.
طبع في تونس 1320هـ.
85 - المعجب في تلخيص أخبار المغرب.
لعبد الواحد المراكشي.
طبع بمصر سنة 1368هـ.
86 - معجم البلدان.
لياقوت الحموي.
دار صادر دار بيروت 1376هـ.
87 - معجم ما استعجم.
للبكري الأندلسي.
طبع بمطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر في القاهرة سنة 1366هـ.
88 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
وضعه محمد فؤاد عبد الباقي.
طبع بمطابع الشعب 1378هـ.
89 - مورد اللطافة.
لابن تغري بردي.
طبع في كمبردج 1792م.
90 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال. للذهبي. 2طبع بمصر سنة 1325هـ.
91 - النبراس في تاريخ خلفاء بني العباس.
لابن دحية.
طبع في بغداد سنة 1365هـ.
92 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة.
لابن تغري بردي.
طبع في دار الكتب المصرية سنة 1348 1375هـ.
93 - النحو الوافي.
لعباس حسن.
طبع بدار المعارف بمصر. الطبعة الخامسة.
94 - نفح الطيب.
للمقري.
تحقيق د. إحسان عباس.
دار صادر بيروت سنة 1388هـ.
95 - نكت الهميان في نكت العميان.
لابن أبيك الصفدي.
طبع بمصر 1329هـ.
96 - نهاية الأرب في معرفة انساب العرب.
للقلقشندي.
طبع في بغداد.
97 - الوافي بالوفيات.
لابن أيبك الصفدي.
طبع في المطبعة الهاشمية بدمشق سنة 1953م. وطبعة أخرى في استانبول سنة 1931م.
98 - وفيات الأعيان. لابن خلكان.
طبع في مصر سنة 1310هـ.
99 - الولاة والقضاة.
لمحمد بن يوسف الكندي.
طبع في بيروت سنة 1908م.(5/480)
فهرس الجزء الخامس
المقصد الثاني في ممالك جزيرة العرب الخارجة عن مضافات الديار المصرية، ويتوجه القصد منها إلى ثلاثة أقطار 3 القطر الأوّل اليمن وهو على قسمين 3 القسم الأوّل التهائم وفيه أربع جمل (والصواب خمس) 6 الجملة الأولى في ذكر ما اشتمل عليه من القواعد والمدن، وبه قاعدتان 6 القاعدة الأولى تعز 6 القاعدة الثانية زبيد 7 الجملة الثانية في ذكر حيوانه، وحبوبه، وفواكهه، ورياحينه ومعاملاته وأسعاره 15 الجملة الثالثة في الطريق الموصلة إلى اليمن 16 الجملة الرابعة في ذكر ملوكه جاهلية وإسلاما أما ملوكه في الجاهلية فعلى عشر طبقات 16 الطبقة الأولى العادية 16 الطبقة الثانية القحطانية 18 الطبقة الثالثة التبابعة 20 الطبقة الرابعة الحبشة 23 الطبقة الخامسة الفرس 24 الطبقة السادسة عمال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء بعده 24 الطبقة السابعة ملوكها من بني زياد 26 الطبقة الثامنة ملوكها من بني مهديّ 27 الطبقة التاسعة ملوكها من بني أيوب ملوك مصر 28 الطبقة العاشرة دولة بني رسول 29
الجملة السادسة (والصواب الخامسة) في ترتيب هذه المملكة على ما هي عليه في زمن بني رسول الخ 32 القسم الثاني من اليمن النجود وفيه أربع جمل 35 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من النواحي والمدن والبلاد 36 الجملة الثانية في الطرق الموصلة إلى هذه المملكة 41 الجملة الثالثة فيمن ملك هذه المملكة إلى زمن المؤلف 42 الجملة الرابعة (وكتبت الثالثة) في ترتيب مملكة هذا الإمام 49 القطر الثاني مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية «بلاد البحرين» وفيه ثلاث جمل 52 الجملة الأولى فيما تشتمل عليه من المدن 52 الجملة الثانية في ذكر ملوكها 54 الجملة الثالثة في الطريق الموصل إليها 54 القطر الثالث مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية «اليمامة»، وفيها ثلاث جمل 55 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من البلدان 56 الجملة الثانية في ذكر ملوكها 57 الجملة الثالثة في الطريق الموصل إليها 58 القطر الرابع مملكة الهند ومضافاتها، وفيه إحدى عشرة جملة 58 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه هذه المملكة من الأقاليم 60 الإقليم الأول إقليم السند وما انخرط في سلكه 60 الإقليم الثاني إقليم الهند وفيه قاعدتان 64 القاعدة الأولى مدينة دلّي 65 القاعدة الثانية مدينة الدواكير 67 الجملة الثانية في حيوانها 77 الجملة الثالثة فى حبوبها وفواكهها ورياحينها وخضراواتها وغير ذلك 78 الجملة الرابعة في المعاملات 80 الجملة الخامسة في الأسعار 81
الجملة السادسة في الطريق الموصلة إلى مملكتي السند والهند 82 الجملة السابعة في ذكر ملوك الهند 84 الجملة الثامنة في ذكر عساكر هذه المملكة وأرباب وظائفها 87 الجملة التاسعة في زيّ أهل هذه المملكة 89 الجملة العاشرة في أرزاق أهل دولة السلطان بهذه المملكة 89 الجملة الحادية عشرة في ترتيب أحوال هذه المملكة 91 الفصل الثاني من الباب الرابع من المقالة الثانية في الممالك والبلدان الغربية عن مملكة الديار المصرية، وفيه أربع (ست) ممالك 95 المملكة الأولى مملكة تونس، وفيها اثنتان وعشرون جملة 95 الجملة الأولى في بيان موقعها من الأقاليم السبعة 95 الجملة الثانية في بيان ما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال، وهو عملان 96 العمل الأوّل افريقية 96 العمل الثاني بلاد بجاية 104 الجملة الرابعة (1) في ذكر زروعها وحبوبها وفواكهها وبقولها ورياحينها. 107(5/481)
المقصد الثاني في ممالك جزيرة العرب الخارجة عن مضافات الديار المصرية، ويتوجه القصد منها إلى ثلاثة أقطار 3 القطر الأوّل اليمن وهو على قسمين 3 القسم الأوّل التهائم وفيه أربع جمل (والصواب خمس) 6 الجملة الأولى في ذكر ما اشتمل عليه من القواعد والمدن، وبه قاعدتان 6 القاعدة الأولى تعز 6 القاعدة الثانية زبيد 7 الجملة الثانية في ذكر حيوانه، وحبوبه، وفواكهه، ورياحينه ومعاملاته وأسعاره 15 الجملة الثالثة في الطريق الموصلة إلى اليمن 16 الجملة الرابعة في ذكر ملوكه جاهلية وإسلاما أما ملوكه في الجاهلية فعلى عشر طبقات 16 الطبقة الأولى العادية 16 الطبقة الثانية القحطانية 18 الطبقة الثالثة التبابعة 20 الطبقة الرابعة الحبشة 23 الطبقة الخامسة الفرس 24 الطبقة السادسة عمال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء بعده 24 الطبقة السابعة ملوكها من بني زياد 26 الطبقة الثامنة ملوكها من بني مهديّ 27 الطبقة التاسعة ملوكها من بني أيوب ملوك مصر 28 الطبقة العاشرة دولة بني رسول 29
الجملة السادسة (والصواب الخامسة) في ترتيب هذه المملكة على ما هي عليه في زمن بني رسول الخ 32 القسم الثاني من اليمن النجود وفيه أربع جمل 35 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من النواحي والمدن والبلاد 36 الجملة الثانية في الطرق الموصلة إلى هذه المملكة 41 الجملة الثالثة فيمن ملك هذه المملكة إلى زمن المؤلف 42 الجملة الرابعة (وكتبت الثالثة) في ترتيب مملكة هذا الإمام 49 القطر الثاني مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية «بلاد البحرين» وفيه ثلاث جمل 52 الجملة الأولى فيما تشتمل عليه من المدن 52 الجملة الثانية في ذكر ملوكها 54 الجملة الثالثة في الطريق الموصل إليها 54 القطر الثالث مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية «اليمامة»، وفيها ثلاث جمل 55 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من البلدان 56 الجملة الثانية في ذكر ملوكها 57 الجملة الثالثة في الطريق الموصل إليها 58 القطر الرابع مملكة الهند ومضافاتها، وفيه إحدى عشرة جملة 58 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه هذه المملكة من الأقاليم 60 الإقليم الأول إقليم السند وما انخرط في سلكه 60 الإقليم الثاني إقليم الهند وفيه قاعدتان 64 القاعدة الأولى مدينة دلّي 65 القاعدة الثانية مدينة الدواكير 67 الجملة الثانية في حيوانها 77 الجملة الثالثة فى حبوبها وفواكهها ورياحينها وخضراواتها وغير ذلك 78 الجملة الرابعة في المعاملات 80 الجملة الخامسة في الأسعار 81
الجملة السادسة في الطريق الموصلة إلى مملكتي السند والهند 82 الجملة السابعة في ذكر ملوك الهند 84 الجملة الثامنة في ذكر عساكر هذه المملكة وأرباب وظائفها 87 الجملة التاسعة في زيّ أهل هذه المملكة 89 الجملة العاشرة في أرزاق أهل دولة السلطان بهذه المملكة 89 الجملة الحادية عشرة في ترتيب أحوال هذه المملكة 91 الفصل الثاني من الباب الرابع من المقالة الثانية في الممالك والبلدان الغربية عن مملكة الديار المصرية، وفيه أربع (ست) ممالك 95 المملكة الأولى مملكة تونس، وفيها اثنتان وعشرون جملة 95 الجملة الأولى في بيان موقعها من الأقاليم السبعة 95 الجملة الثانية في بيان ما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال، وهو عملان 96 العمل الأوّل افريقية 96 العمل الثاني بلاد بجاية 104 الجملة الرابعة (1) في ذكر زروعها وحبوبها وفواكهها وبقولها ورياحينها. 107(5/482)
المقصد الثاني في ممالك جزيرة العرب الخارجة عن مضافات الديار المصرية، ويتوجه القصد منها إلى ثلاثة أقطار 3 القطر الأوّل اليمن وهو على قسمين 3 القسم الأوّل التهائم وفيه أربع جمل (والصواب خمس) 6 الجملة الأولى في ذكر ما اشتمل عليه من القواعد والمدن، وبه قاعدتان 6 القاعدة الأولى تعز 6 القاعدة الثانية زبيد 7 الجملة الثانية في ذكر حيوانه، وحبوبه، وفواكهه، ورياحينه ومعاملاته وأسعاره 15 الجملة الثالثة في الطريق الموصلة إلى اليمن 16 الجملة الرابعة في ذكر ملوكه جاهلية وإسلاما أما ملوكه في الجاهلية فعلى عشر طبقات 16 الطبقة الأولى العادية 16 الطبقة الثانية القحطانية 18 الطبقة الثالثة التبابعة 20 الطبقة الرابعة الحبشة 23 الطبقة الخامسة الفرس 24 الطبقة السادسة عمال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء بعده 24 الطبقة السابعة ملوكها من بني زياد 26 الطبقة الثامنة ملوكها من بني مهديّ 27 الطبقة التاسعة ملوكها من بني أيوب ملوك مصر 28 الطبقة العاشرة دولة بني رسول 29
الجملة السادسة (والصواب الخامسة) في ترتيب هذه المملكة على ما هي عليه في زمن بني رسول الخ 32 القسم الثاني من اليمن النجود وفيه أربع جمل 35 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من النواحي والمدن والبلاد 36 الجملة الثانية في الطرق الموصلة إلى هذه المملكة 41 الجملة الثالثة فيمن ملك هذه المملكة إلى زمن المؤلف 42 الجملة الرابعة (وكتبت الثالثة) في ترتيب مملكة هذا الإمام 49 القطر الثاني مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية «بلاد البحرين» وفيه ثلاث جمل 52 الجملة الأولى فيما تشتمل عليه من المدن 52 الجملة الثانية في ذكر ملوكها 54 الجملة الثالثة في الطريق الموصل إليها 54 القطر الثالث مما هو خارج من جزيرة العرب عن مضافات الديار المصرية «اليمامة»، وفيها ثلاث جمل 55 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من البلدان 56 الجملة الثانية في ذكر ملوكها 57 الجملة الثالثة في الطريق الموصل إليها 58 القطر الرابع مملكة الهند ومضافاتها، وفيه إحدى عشرة جملة 58 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه هذه المملكة من الأقاليم 60 الإقليم الأول إقليم السند وما انخرط في سلكه 60 الإقليم الثاني إقليم الهند وفيه قاعدتان 64 القاعدة الأولى مدينة دلّي 65 القاعدة الثانية مدينة الدواكير 67 الجملة الثانية في حيوانها 77 الجملة الثالثة فى حبوبها وفواكهها ورياحينها وخضراواتها وغير ذلك 78 الجملة الرابعة في المعاملات 80 الجملة الخامسة في الأسعار 81
الجملة السادسة في الطريق الموصلة إلى مملكتي السند والهند 82 الجملة السابعة في ذكر ملوك الهند 84 الجملة الثامنة في ذكر عساكر هذه المملكة وأرباب وظائفها 87 الجملة التاسعة في زيّ أهل هذه المملكة 89 الجملة العاشرة في أرزاق أهل دولة السلطان بهذه المملكة 89 الجملة الحادية عشرة في ترتيب أحوال هذه المملكة 91 الفصل الثاني من الباب الرابع من المقالة الثانية في الممالك والبلدان الغربية عن مملكة الديار المصرية، وفيه أربع (ست) ممالك 95 المملكة الأولى مملكة تونس، وفيها اثنتان وعشرون جملة 95 الجملة الأولى في بيان موقعها من الأقاليم السبعة 95 الجملة الثانية في بيان ما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال، وهو عملان 96 العمل الأوّل افريقية 96 العمل الثاني بلاد بجاية 104 الجملة الرابعة (1) في ذكر زروعها وحبوبها وفواكهها وبقولها ورياحينها. 107
الجملة الخامسة في مواشيها ووحوشها وطيورها 108 الجملة السادسة فيما يتعلق بمعاملاتها من الدنانير والدراهم والأرطال (2) والمكاييل والأسعار 109 الجملة السابعة في ذكر أسعارها 110 الجملة الثامنة في صفات أهل هذه المملكة في الجملة 110 الجملة التاسعة في ذكر من ملكها جاهلية وإسلاما 111 الطبقة الأولى الخلفاء 112 الطبقة الثانية العبيديون 118 الطبقة الثالثة ملوكها من بني زيري 120 الطبقة الرابعة الموحدون 122 الجملة العاشرة في منتمى ملوك هذه المملكة القائمين بها من الموحدين 129 الجملة الحادية عشرة في ترتيب المملكة بها من زيّ الجند وأرباب الوظائف 133
__________
(1) كذا في الأصل، وحقيقتها الثالثة ثم يتسلسل العدد.
(2) كذا في الأصل، وحقيقتها الثالثة ثم يتسلسل العدد.(5/483)
الجملة الثانية عشرة في ذكر الأرزاق المطلقة من جهة السلطان 136 الجملة الثالثة عشرة في لبس سلطان مملكة تونس ولبس أشياخه وسائر جنده وعامّة أهل بلده 137 الجملة الرابعة عشرة في شعار الملك بما يتعلق بهذا السلطان 138 الجملة الخامسة عشرة في جلوس سلطان هذه المملكة في كل يوم 139 الجملة السادسة عشرة في جلوسه للمظالم 140 الجملة السابعة عشرة في خروجه لصلاة الجمعة 140 الجملة الثامنة عشرة في ركوبه لصلاة العيدين أو للسفر 141 الجملة التاسعة عشرة في خروج السلطان للتنزه 142 الجملة العشرون في مكاتبات السلطان 143 الجملة الحادية والعشرون في البريد المقرّر في هذه المملكة 143 الجملة الثانية والعشرون في الخلع والتشاريف في هذه المملكة 144 المملكة الثانية من ممالك بلاد المغرب مملكة تلمسان، وفيها جملتان 144 الجملة الأولى في ذكر حدودها وقاعدتها وما اشتملت عليه من المدن والطريق الموصلة إليها 144 الجملة الثانية في حال مملكتها 146 المملكة الثالثة من بلاد المغرب الغرب الأقصى، ويقال له بر العدوة، وفيه ثلاثة [أربعة] مقاصد 147 المقصد الأوّل في بيان موقعها من الأقاليم السبعة وذكر حدودها وما اشتملت عليه من المدن والجبال المشهورة، وفيه أربع جمل 147 الجملة الأولى في بيان موقعها من الأقاليم السبعة 147 الجملة الثانية في بيان قواعدها وما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال الخ 148 القاعدة الأولى فاس 148 القاعدة الثانية سبتة 152 القاعدة الثالثة مدينة مراكش 156 القاعدة الرابعة سجلماسة 158
الجملة الثالثة في ذكر جبالها المشهورة 168 الجملة الرابعة في ذكر أنهارها المشهورة 169 المقصد الثاني في ذكر زروعها وحبوبها وفواكهها الخ، وفيه خمس جمل 170 الجملة الأولى في ذكر زروعها وحبوبها الخ 170 الجملة الثانية في مواشيها ووحوشها وطيورها 171 الجملة الثالثة فيما تتعامل به من الدنانير والدراهم والأوزان والمكاييل 172 الجملة الرابعة في ذكر أسعارها 172 الجملة الخامسة في صفات أهلها في الجملة 173 المقصد الثالث في ذكر ملوكها وما يندرج تحت ذلك وهم على طبقات 173 الطبقة الأولى ملوكها قبل الإسلام 173 الطبقة الثانية نوّاب الخلفاء من بني أميّة وبني العباس 174 الطبقة الثالثة الأدارسة 175 الطبقة الرابعة ملوك بني أبي العافية من مكناسة 177 الطبقة الخامسة بنو زيري بن عطية 180 الطبقة السادسة المرابطون من الملثمين من البربر 183 الطبقة السابعة ملوك الموحدين 186 الطبقة الثامنة ملوك بني عبد الحق من بني مرين 189 المقصد الرابع في بيان ترتيب هذه المملكة، وفيه عشر جمل 197 الجملة الأولى في ذكر الجند وأرباب الوظائف الخ 197 الجملة الثانية في زيّ السلطان والأشياخ الخ 197 الجملة الثالثة في الأرزاق المطلقة من قبل السلطان على أهل دولته 198 الجملة الرابعة في جلوس السلطان في كل يوم 199 الجملة الخامسة في جلوسه للمظالم 200 الجملة السادسة في شعار السلطان بهذه المملكة 200 الجملة السابعة في ركوبه لصلاة العيد 201 الجملة الثامنة في خروج السلطان للسفر 202 الجملة التاسعة في مقدار عسكر هذه المملكة 203
الجملة العاشرة في مكاتبات السلطان 203 المملكة الخامسة من بلاد المغرب جبال البربر 204 المملكة السادسة من ممالك بلاد المغرب جزيرة الأندلس، وفيها ست جمل 205 الجملة الأولى في ذكر سمك أرضه وحدوده 205 الجملة الثانية فيما اشتمل عليه من المدن، ويشتمل على عدّة قواعد 207 القاعدة الأولى غرناطة 207 القاعدة الثانية أشبونة 214 القاعدة الثالثة بطليوس 216 القاعدة الرابعة إشبيلية 217 القاعدة الخامسة قرطبة 218 القاعدة السادسة طليطلة 219 القاعدة السابعة جيان 221 القاعدة الثامنة مرسية 222 القاعدة التاسعة بلنسية 222 القاعدة العاشرة سرقسطة 224 القاعدة الحادية عشرة طرطوشة 224 القاعدة الثانية عشرة برشنونة 225 القاعدة الثالثة عشرة ينبلونة 225 الجملة الثالثة في ذكر أنهارها 226 الجملة الرابعة في الموجود بالأندلس 227 الجملة الخامسة في ذكر ملوك الأندلس وهم على طبقات 228 الطبقة الأولى ملوكها بعد الطوفان 228 الطبقة الثانية الاشبانية 228 الطبقة الثالثة الشبونقات 229 الطبقة الرابعة القوط 230 الطبقة الخامسة ملوكها على أثر الفتح الإسلامي 232 الطبقة السادسة بنو أمية 235
الطبقة السابعة ملوك بني حمود من الأدارسة 237 الطبقة الثامنة ملوك الطوائف بالأندلس 239 الطائفة (وصوابه الطبقة) التاسعة ملوك المرابطين من لمتونة 249 الطائفة (وصوابه الطبقة) العاشرة بنو الأحمر 251 مملكة قشتالة 260 مملكة البرتغال 260 مملكة برشلونة 260 مملكة نبرة مما يلي قشتالة 261 الجملة السادسة في ترتيب هذه المملكة (مملكة الأندلس) 261 الفصل الثالث (أي من الباب الرابع) من المقالة الثانية في الجهة الجنوبية عن مملكة الديار المصرية: من مصر والشام والحجاز ومضافاتها، والمشهور منها ست ممالك 263 المملكة الأولى بلاد البجا 263 المملكة الثانية بلاد النوبة 264 المملكة الثالثة بلاد البرنو 268 المملكة الرابعة بلاد الكانم 269 المملكة الخامسة بلاد مالي ومضافاتها، وفيها ثمان جمل 271 الجملة الأولى في ذكر أقاليمها ومدنها 272 الجملة الثانية في الموجود بهذه المملكة 276 الجملة الثالثة في معاملة هذه المملكة 280 الجملة الرابعة في ذكر ملوك هذه المملكة 281 الجملة الخامسة في أرباب الوظائف بهذه المملكة 286 الجملة السادسة في عساكر سلطان هذه المملكة وأرزاقهم 287 الجملة(5/484)
الجملة الثانية عشرة في ذكر الأرزاق المطلقة من جهة السلطان 136 الجملة الثالثة عشرة في لبس سلطان مملكة تونس ولبس أشياخه وسائر جنده وعامّة أهل بلده 137 الجملة الرابعة عشرة في شعار الملك بما يتعلق بهذا السلطان 138 الجملة الخامسة عشرة في جلوس سلطان هذه المملكة في كل يوم 139 الجملة السادسة عشرة في جلوسه للمظالم 140 الجملة السابعة عشرة في خروجه لصلاة الجمعة 140 الجملة الثامنة عشرة في ركوبه لصلاة العيدين أو للسفر 141 الجملة التاسعة عشرة في خروج السلطان للتنزه 142 الجملة العشرون في مكاتبات السلطان 143 الجملة الحادية والعشرون في البريد المقرّر في هذه المملكة 143 الجملة الثانية والعشرون في الخلع والتشاريف في هذه المملكة 144 المملكة الثانية من ممالك بلاد المغرب مملكة تلمسان، وفيها جملتان 144 الجملة الأولى في ذكر حدودها وقاعدتها وما اشتملت عليه من المدن والطريق الموصلة إليها 144 الجملة الثانية في حال مملكتها 146 المملكة الثالثة من بلاد المغرب الغرب الأقصى، ويقال له بر العدوة، وفيه ثلاثة [أربعة] مقاصد 147 المقصد الأوّل في بيان موقعها من الأقاليم السبعة وذكر حدودها وما اشتملت عليه من المدن والجبال المشهورة، وفيه أربع جمل 147 الجملة الأولى في بيان موقعها من الأقاليم السبعة 147 الجملة الثانية في بيان قواعدها وما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال الخ 148 القاعدة الأولى فاس 148 القاعدة الثانية سبتة 152 القاعدة الثالثة مدينة مراكش 156 القاعدة الرابعة سجلماسة 158
الجملة الثالثة في ذكر جبالها المشهورة 168 الجملة الرابعة في ذكر أنهارها المشهورة 169 المقصد الثاني في ذكر زروعها وحبوبها وفواكهها الخ، وفيه خمس جمل 170 الجملة الأولى في ذكر زروعها وحبوبها الخ 170 الجملة الثانية في مواشيها ووحوشها وطيورها 171 الجملة الثالثة فيما تتعامل به من الدنانير والدراهم والأوزان والمكاييل 172 الجملة الرابعة في ذكر أسعارها 172 الجملة الخامسة في صفات أهلها في الجملة 173 المقصد الثالث في ذكر ملوكها وما يندرج تحت ذلك وهم على طبقات 173 الطبقة الأولى ملوكها قبل الإسلام 173 الطبقة الثانية نوّاب الخلفاء من بني أميّة وبني العباس 174 الطبقة الثالثة الأدارسة 175 الطبقة الرابعة ملوك بني أبي العافية من مكناسة 177 الطبقة الخامسة بنو زيري بن عطية 180 الطبقة السادسة المرابطون من الملثمين من البربر 183 الطبقة السابعة ملوك الموحدين 186 الطبقة الثامنة ملوك بني عبد الحق من بني مرين 189 المقصد الرابع في بيان ترتيب هذه المملكة، وفيه عشر جمل 197 الجملة الأولى في ذكر الجند وأرباب الوظائف الخ 197 الجملة الثانية في زيّ السلطان والأشياخ الخ 197 الجملة الثالثة في الأرزاق المطلقة من قبل السلطان على أهل دولته 198 الجملة الرابعة في جلوس السلطان في كل يوم 199 الجملة الخامسة في جلوسه للمظالم 200 الجملة السادسة في شعار السلطان بهذه المملكة 200 الجملة السابعة في ركوبه لصلاة العيد 201 الجملة الثامنة في خروج السلطان للسفر 202 الجملة التاسعة في مقدار عسكر هذه المملكة 203
الجملة العاشرة في مكاتبات السلطان 203 المملكة الخامسة من بلاد المغرب جبال البربر 204 المملكة السادسة من ممالك بلاد المغرب جزيرة الأندلس، وفيها ست جمل 205 الجملة الأولى في ذكر سمك أرضه وحدوده 205 الجملة الثانية فيما اشتمل عليه من المدن، ويشتمل على عدّة قواعد 207 القاعدة الأولى غرناطة 207 القاعدة الثانية أشبونة 214 القاعدة الثالثة بطليوس 216 القاعدة الرابعة إشبيلية 217 القاعدة الخامسة قرطبة 218 القاعدة السادسة طليطلة 219 القاعدة السابعة جيان 221 القاعدة الثامنة مرسية 222 القاعدة التاسعة بلنسية 222 القاعدة العاشرة سرقسطة 224 القاعدة الحادية عشرة طرطوشة 224 القاعدة الثانية عشرة برشنونة 225 القاعدة الثالثة عشرة ينبلونة 225 الجملة الثالثة في ذكر أنهارها 226 الجملة الرابعة في الموجود بالأندلس 227 الجملة الخامسة في ذكر ملوك الأندلس وهم على طبقات 228 الطبقة الأولى ملوكها بعد الطوفان 228 الطبقة الثانية الاشبانية 228 الطبقة الثالثة الشبونقات 229 الطبقة الرابعة القوط 230 الطبقة الخامسة ملوكها على أثر الفتح الإسلامي 232 الطبقة السادسة بنو أمية 235
الطبقة السابعة ملوك بني حمود من الأدارسة 237 الطبقة الثامنة ملوك الطوائف بالأندلس 239 الطائفة (وصوابه الطبقة) التاسعة ملوك المرابطين من لمتونة 249 الطائفة (وصوابه الطبقة) العاشرة بنو الأحمر 251 مملكة قشتالة 260 مملكة البرتغال 260 مملكة برشلونة 260 مملكة نبرة مما يلي قشتالة 261 الجملة السادسة في ترتيب هذه المملكة (مملكة الأندلس) 261 الفصل الثالث (أي من الباب الرابع) من المقالة الثانية في الجهة الجنوبية عن مملكة الديار المصرية: من مصر والشام والحجاز ومضافاتها، والمشهور منها ست ممالك 263 المملكة الأولى بلاد البجا 263 المملكة الثانية بلاد النوبة 264 المملكة الثالثة بلاد البرنو 268 المملكة الرابعة بلاد الكانم 269 المملكة الخامسة بلاد مالي ومضافاتها، وفيها ثمان جمل 271 الجملة الأولى في ذكر أقاليمها ومدنها 272 الجملة الثانية في الموجود بهذه المملكة 276 الجملة الثالثة في معاملة هذه المملكة 280 الجملة الرابعة في ذكر ملوك هذه المملكة 281 الجملة الخامسة في أرباب الوظائف بهذه المملكة 286 الجملة السادسة في عساكر سلطان هذه المملكة وأرزاقهم 287 الجملة(5/485)
الجملة الثانية عشرة في ذكر الأرزاق المطلقة من جهة السلطان 136 الجملة الثالثة عشرة في لبس سلطان مملكة تونس ولبس أشياخه وسائر جنده وعامّة أهل بلده 137 الجملة الرابعة عشرة في شعار الملك بما يتعلق بهذا السلطان 138 الجملة الخامسة عشرة في جلوس سلطان هذه المملكة في كل يوم 139 الجملة السادسة عشرة في جلوسه للمظالم 140 الجملة السابعة عشرة في خروجه لصلاة الجمعة 140 الجملة الثامنة عشرة في ركوبه لصلاة العيدين أو للسفر 141 الجملة التاسعة عشرة في خروج السلطان للتنزه 142 الجملة العشرون في مكاتبات السلطان 143 الجملة الحادية والعشرون في البريد المقرّر في هذه المملكة 143 الجملة الثانية والعشرون في الخلع والتشاريف في هذه المملكة 144 المملكة الثانية من ممالك بلاد المغرب مملكة تلمسان، وفيها جملتان 144 الجملة الأولى في ذكر حدودها وقاعدتها وما اشتملت عليه من المدن والطريق الموصلة إليها 144 الجملة الثانية في حال مملكتها 146 المملكة الثالثة من بلاد المغرب الغرب الأقصى، ويقال له بر العدوة، وفيه ثلاثة [أربعة] مقاصد 147 المقصد الأوّل في بيان موقعها من الأقاليم السبعة وذكر حدودها وما اشتملت عليه من المدن والجبال المشهورة، وفيه أربع جمل 147 الجملة الأولى في بيان موقعها من الأقاليم السبعة 147 الجملة الثانية في بيان قواعدها وما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال الخ 148 القاعدة الأولى فاس 148 القاعدة الثانية سبتة 152 القاعدة الثالثة مدينة مراكش 156 القاعدة الرابعة سجلماسة 158
الجملة الثالثة في ذكر جبالها المشهورة 168 الجملة الرابعة في ذكر أنهارها المشهورة 169 المقصد الثاني في ذكر زروعها وحبوبها وفواكهها الخ، وفيه خمس جمل 170 الجملة الأولى في ذكر زروعها وحبوبها الخ 170 الجملة الثانية في مواشيها ووحوشها وطيورها 171 الجملة الثالثة فيما تتعامل به من الدنانير والدراهم والأوزان والمكاييل 172 الجملة الرابعة في ذكر أسعارها 172 الجملة الخامسة في صفات أهلها في الجملة 173 المقصد الثالث في ذكر ملوكها وما يندرج تحت ذلك وهم على طبقات 173 الطبقة الأولى ملوكها قبل الإسلام 173 الطبقة الثانية نوّاب الخلفاء من بني أميّة وبني العباس 174 الطبقة الثالثة الأدارسة 175 الطبقة الرابعة ملوك بني أبي العافية من مكناسة 177 الطبقة الخامسة بنو زيري بن عطية 180 الطبقة السادسة المرابطون من الملثمين من البربر 183 الطبقة السابعة ملوك الموحدين 186 الطبقة الثامنة ملوك بني عبد الحق من بني مرين 189 المقصد الرابع في بيان ترتيب هذه المملكة، وفيه عشر جمل 197 الجملة الأولى في ذكر الجند وأرباب الوظائف الخ 197 الجملة الثانية في زيّ السلطان والأشياخ الخ 197 الجملة الثالثة في الأرزاق المطلقة من قبل السلطان على أهل دولته 198 الجملة الرابعة في جلوس السلطان في كل يوم 199 الجملة الخامسة في جلوسه للمظالم 200 الجملة السادسة في شعار السلطان بهذه المملكة 200 الجملة السابعة في ركوبه لصلاة العيد 201 الجملة الثامنة في خروج السلطان للسفر 202 الجملة التاسعة في مقدار عسكر هذه المملكة 203
الجملة العاشرة في مكاتبات السلطان 203 المملكة الخامسة من بلاد المغرب جبال البربر 204 المملكة السادسة من ممالك بلاد المغرب جزيرة الأندلس، وفيها ست جمل 205 الجملة الأولى في ذكر سمك أرضه وحدوده 205 الجملة الثانية فيما اشتمل عليه من المدن، ويشتمل على عدّة قواعد 207 القاعدة الأولى غرناطة 207 القاعدة الثانية أشبونة 214 القاعدة الثالثة بطليوس 216 القاعدة الرابعة إشبيلية 217 القاعدة الخامسة قرطبة 218 القاعدة السادسة طليطلة 219 القاعدة السابعة جيان 221 القاعدة الثامنة مرسية 222 القاعدة التاسعة بلنسية 222 القاعدة العاشرة سرقسطة 224 القاعدة الحادية عشرة طرطوشة 224 القاعدة الثانية عشرة برشنونة 225 القاعدة الثالثة عشرة ينبلونة 225 الجملة الثالثة في ذكر أنهارها 226 الجملة الرابعة في الموجود بالأندلس 227 الجملة الخامسة في ذكر ملوك الأندلس وهم على طبقات 228 الطبقة الأولى ملوكها بعد الطوفان 228 الطبقة الثانية الاشبانية 228 الطبقة الثالثة الشبونقات 229 الطبقة الرابعة القوط 230 الطبقة الخامسة ملوكها على أثر الفتح الإسلامي 232 الطبقة السادسة بنو أمية 235
الطبقة السابعة ملوك بني حمود من الأدارسة 237 الطبقة الثامنة ملوك الطوائف بالأندلس 239 الطائفة (وصوابه الطبقة) التاسعة ملوك المرابطين من لمتونة 249 الطائفة (وصوابه الطبقة) العاشرة بنو الأحمر 251 مملكة قشتالة 260 مملكة البرتغال 260 مملكة برشلونة 260 مملكة نبرة مما يلي قشتالة 261 الجملة السادسة في ترتيب هذه المملكة (مملكة الأندلس) 261 الفصل الثالث (أي من الباب الرابع) من المقالة الثانية في الجهة الجنوبية عن مملكة الديار المصرية: من مصر والشام والحجاز ومضافاتها، والمشهور منها ست ممالك 263 المملكة الأولى بلاد البجا 263 المملكة الثانية بلاد النوبة 264 المملكة الثالثة بلاد البرنو 268 المملكة الرابعة بلاد الكانم 269 المملكة الخامسة بلاد مالي ومضافاتها، وفيها ثمان جمل 271 الجملة الأولى في ذكر أقاليمها ومدنها 272 الجملة الثانية في الموجود بهذه المملكة 276 الجملة الثالثة في معاملة هذه المملكة 280 الجملة الرابعة في ذكر ملوك هذه المملكة 281 الجملة الخامسة في أرباب الوظائف بهذه المملكة 286 الجملة السادسة في عساكر سلطان هذه المملكة وأرزاقهم 287 الجملة(5/486)
الجملة الثانية عشرة في ذكر الأرزاق المطلقة من جهة السلطان 136 الجملة الثالثة عشرة في لبس سلطان مملكة تونس ولبس أشياخه وسائر جنده وعامّة أهل بلده 137 الجملة الرابعة عشرة في شعار الملك بما يتعلق بهذا السلطان 138 الجملة الخامسة عشرة في جلوس سلطان هذه المملكة في كل يوم 139 الجملة السادسة عشرة في جلوسه للمظالم 140 الجملة السابعة عشرة في خروجه لصلاة الجمعة 140 الجملة الثامنة عشرة في ركوبه لصلاة العيدين أو للسفر 141 الجملة التاسعة عشرة في خروج السلطان للتنزه 142 الجملة العشرون في مكاتبات السلطان 143 الجملة الحادية والعشرون في البريد المقرّر في هذه المملكة 143 الجملة الثانية والعشرون في الخلع والتشاريف في هذه المملكة 144 المملكة الثانية من ممالك بلاد المغرب مملكة تلمسان، وفيها جملتان 144 الجملة الأولى في ذكر حدودها وقاعدتها وما اشتملت عليه من المدن والطريق الموصلة إليها 144 الجملة الثانية في حال مملكتها 146 المملكة الثالثة من بلاد المغرب الغرب الأقصى، ويقال له بر العدوة، وفيه ثلاثة [أربعة] مقاصد 147 المقصد الأوّل في بيان موقعها من الأقاليم السبعة وذكر حدودها وما اشتملت عليه من المدن والجبال المشهورة، وفيه أربع جمل 147 الجملة الأولى في بيان موقعها من الأقاليم السبعة 147 الجملة الثانية في بيان قواعدها وما اشتملت عليه هذه المملكة من الأعمال الخ 148 القاعدة الأولى فاس 148 القاعدة الثانية سبتة 152 القاعدة الثالثة مدينة مراكش 156 القاعدة الرابعة سجلماسة 158
الجملة الثالثة في ذكر جبالها المشهورة 168 الجملة الرابعة في ذكر أنهارها المشهورة 169 المقصد الثاني في ذكر زروعها وحبوبها وفواكهها الخ، وفيه خمس جمل 170 الجملة الأولى في ذكر زروعها وحبوبها الخ 170 الجملة الثانية في مواشيها ووحوشها وطيورها 171 الجملة الثالثة فيما تتعامل به من الدنانير والدراهم والأوزان والمكاييل 172 الجملة الرابعة في ذكر أسعارها 172 الجملة الخامسة في صفات أهلها في الجملة 173 المقصد الثالث في ذكر ملوكها وما يندرج تحت ذلك وهم على طبقات 173 الطبقة الأولى ملوكها قبل الإسلام 173 الطبقة الثانية نوّاب الخلفاء من بني أميّة وبني العباس 174 الطبقة الثالثة الأدارسة 175 الطبقة الرابعة ملوك بني أبي العافية من مكناسة 177 الطبقة الخامسة بنو زيري بن عطية 180 الطبقة السادسة المرابطون من الملثمين من البربر 183 الطبقة السابعة ملوك الموحدين 186 الطبقة الثامنة ملوك بني عبد الحق من بني مرين 189 المقصد الرابع في بيان ترتيب هذه المملكة، وفيه عشر جمل 197 الجملة الأولى في ذكر الجند وأرباب الوظائف الخ 197 الجملة الثانية في زيّ السلطان والأشياخ الخ 197 الجملة الثالثة في الأرزاق المطلقة من قبل السلطان على أهل دولته 198 الجملة الرابعة في جلوس السلطان في كل يوم 199 الجملة الخامسة في جلوسه للمظالم 200 الجملة السادسة في شعار السلطان بهذه المملكة 200 الجملة السابعة في ركوبه لصلاة العيد 201 الجملة الثامنة في خروج السلطان للسفر 202 الجملة التاسعة في مقدار عسكر هذه المملكة 203
الجملة العاشرة في مكاتبات السلطان 203 المملكة الخامسة من بلاد المغرب جبال البربر 204 المملكة السادسة من ممالك بلاد المغرب جزيرة الأندلس، وفيها ست جمل 205 الجملة الأولى في ذكر سمك أرضه وحدوده 205 الجملة الثانية فيما اشتمل عليه من المدن، ويشتمل على عدّة قواعد 207 القاعدة الأولى غرناطة 207 القاعدة الثانية أشبونة 214 القاعدة الثالثة بطليوس 216 القاعدة الرابعة إشبيلية 217 القاعدة الخامسة قرطبة 218 القاعدة السادسة طليطلة 219 القاعدة السابعة جيان 221 القاعدة الثامنة مرسية 222 القاعدة التاسعة بلنسية 222 القاعدة العاشرة سرقسطة 224 القاعدة الحادية عشرة طرطوشة 224 القاعدة الثانية عشرة برشنونة 225 القاعدة الثالثة عشرة ينبلونة 225 الجملة الثالثة في ذكر أنهارها 226 الجملة الرابعة في الموجود بالأندلس 227 الجملة الخامسة في ذكر ملوك الأندلس وهم على طبقات 228 الطبقة الأولى ملوكها بعد الطوفان 228 الطبقة الثانية الاشبانية 228 الطبقة الثالثة الشبونقات 229 الطبقة الرابعة القوط 230 الطبقة الخامسة ملوكها على أثر الفتح الإسلامي 232 الطبقة السادسة بنو أمية 235
الطبقة السابعة ملوك بني حمود من الأدارسة 237 الطبقة الثامنة ملوك الطوائف بالأندلس 239 الطائفة (وصوابه الطبقة) التاسعة ملوك المرابطين من لمتونة 249 الطائفة (وصوابه الطبقة) العاشرة بنو الأحمر 251 مملكة قشتالة 260 مملكة البرتغال 260 مملكة برشلونة 260 مملكة نبرة مما يلي قشتالة 261 الجملة السادسة في ترتيب هذه المملكة (مملكة الأندلس) 261 الفصل الثالث (أي من الباب الرابع) من المقالة الثانية في الجهة الجنوبية عن مملكة الديار المصرية: من مصر والشام والحجاز ومضافاتها، والمشهور منها ست ممالك 263 المملكة الأولى بلاد البجا 263 المملكة الثانية بلاد النوبة 264 المملكة الثالثة بلاد البرنو 268 المملكة الرابعة بلاد الكانم 269 المملكة الخامسة بلاد مالي ومضافاتها، وفيها ثمان جمل 271 الجملة الأولى في ذكر أقاليمها ومدنها 272 الجملة الثانية في الموجود بهذه المملكة 276 الجملة الثالثة في معاملة هذه المملكة 280 الجملة الرابعة في ذكر ملوك هذه المملكة 281 الجملة الخامسة في أرباب الوظائف بهذه المملكة 286 الجملة السادسة في عساكر سلطان هذه المملكة وأرزاقهم 287 الجملة
السابعة في زيّ أهل هذه المملكة 287 الجملة الثامنة في ترتيب هذه المملكة 288 المملكة السادسة من ممالك بلاد السودان مملكة الحبشة، وهي على قسمين 289 القسم الأوّل بلاد النصرانية ويشتمل على ست جمل 291
الجملة الأولى في ذكر قواعدها 291 الجملة الثانية في الموجود بها 292 الجملة الثالثة في ذكر معاملاتهم وأسعار بلادهم 294 الجملة الرابعة في ذكر زيهم وسلاحهم 294 الجملة الخامسة في ذكر بطاركة الإسكندرية الذين عن توليتهم تنشأ ولاية ملوك الحبشة 295 الجملة السادسة في ترتيب مملكتهم 309 القسم الثاني من بلاد الحبشة ما بيد مسلمي الحبشة، ويشتمل على ست جمل 310 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من القواعد والأعمال 311 الجملة الثانية في الموجود بهذه الممالك (أي ممالك السودان) 315 الجملة الثالثة في معاملاتهم وأسعارهم 316 الجملة الرابعة في ملوكهم 316 الجملة الخامسة في زيّ أهل هذه المملكة 318 الجملة السادسة في شعار الملك وترتيبه 318 الفصل الرابع من الباب الرابع من المقالة الثانية في الجهة الشمالية عن ممالك الديار المصرية ومضافاتها خلا ما تقدّم ذكره، وينقسم إلى قسمين 322 القسم الأوّل ما بيد المسلمين مما في شرقيّ الخليج القسطنطيني فيما بينه وبين أرمينية وهي البلاد المعروفة ببلاد الروم، وفيه خمس جمل 322 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من القواعد، وهي على ضربين 324 الضرب الأول القواعد المستقرّة بها الملوك والحكام 324 الضرب الثاني من هذه البلاد ما لم يسبق إلى صاحبه مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية 332 الجملة الثانية في ذكر الموجود بهذه البلاد 338 الجملة الثالثة في معاملاتها وأسعارها 339 الجملة الرابعة في ذكر من ملك هذه البلاد، واشتهر من ملوكهم طوائف 340 الطائفة الأولى أولاد قرمان 346
الطائفة الثانية بنو الحميد 348 الطائفة الثالثة بنو أيدين 348 الطائفة الرابعة بنو منتشا 348 الطائفة الخامسة بنو أورخان بن عثمان جق 348 الجملة الخامسة في زيّ أهل هذه المملكة وترتيب الملك بها 350 القسم الثاني من الجهة الشمالية عن الديار المصرية ما بيد ملوك النصارى، وهو ثلاثة أضرب 350 الضرب الأول جزائر بحر الروم 350 الضرب الثاني ما شماليّ بحر الروم، وهو جهتان 357 الجهة الأولى ما هو في جهة الغرب عن الخليج القسطنطيني، وهو قطران 357 القطر الأوّل ما بين الخليج المذكور وبين جزيرة الأندلس، ويشتمل على ممالك كبار وممالك صغار 357 المملكة الأولى (من الممالك الكبار) مملكة القسطنطينية، وملوكها طبقات 357 الطبقة الأولى من ملك منهم قبل القياصرة 362 الطبقة الثانية القياصرة قبل ظهور النصرانية فيهم 363 الطبقة الثالثة القياصرة المتنصرة إلى الفتح الإسلامي 370 الطبقة الرابعة ملوك الروم بعد الفتح الإسلامي 374 المملكة الثانية مملكة الألمان 381 المملكة الثالثة مملكة البنادقة 382 المملكة الرابعة مملكة الجنويين 383 المملكة الخامسة بلاد رومية 384 المملكة الأولى (من الممالك الصغار) مملكة المرا 386 المملكة الثانية بلاد الملفوط 387 المملكة الثالثة بلاد إقلرنس 387 المملكة الرابعة مملكة بولية 387 المملكة الخامسة بلاد قلفرية 387 المملكة السادسة بلاد التسقان 388
المملكة السابعة بلاد البيازنة 388 القطر الثاني مما غربي الخليج القسطنطيني الأرض الكبيرة، وفيه ثلاث ممالك 389 المملكة الأولى مملكة الفرنج القديمة 389 المملكة الثانية مملكة الجلالقة 391 المملكة الثالثة مملكة اللنبردية 392 الجهة الثانية ما شماليّ مدينة القسطنطينية وبحر نيطش الخ 393 المقالة الثالثة في ذكر أمور تشترك فيها أنواع المكاتبات والولايات، وفيها أربعة أبواب 399 الباب الأوّل في الأسماء والكنى والألقاب، وفيه فصلان 399 الفصل الأوّل في الأسماء والكنى، وفيه طرفان 399 الطرف الأوّل في الأسماء، وفيه جملتان 399 الجملة الأولى في أصل التسمية والمقصود منها وتنويع الأسماء وما يستحسن منها وما يستقبح 400 الجملة الثانية في مواضع ذكر الأسماء في المكاتبات والولايات، وفيها أربعة أنواع 403 النوع الأوّل اسم المكتوب عنه 403 النوع الثاني اسم المكتوب إليه 403 النوع الثالث اسم المكتوب بسببه 404 النوع الرابع اسم من تصدر إليه الولاية 405 الطرف الثاني في الكنى وفيه ثلاث جمل 405 الجملة الأولى في جواز الكنية، وهي على نوعين 406 النوع الأوّل كنى المسلمين 406 النوع الثاني كنى أهل الكفر والفسقة والمبتدعين 406 الجملة الثانية فيما يكنى به، وهو على نوعين 407 النوع الأوّل كنى الرجال 407 النوع الثاني كنى النساء 409
الجملة الثالثة في التكني في المكاتبات والولايات، وهو على ثلاثة أنواع 409 النوع الأوّل تكني المكتوب عنه 410 النوع الثاني تكنية المكتوب إليه 410 النوع الثالث تكنية المكتوب بسببه 410 الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة الثالثة في الألقاب، وفيه طرفان 412 الطرف الأوّل في أصول الألقاب، وفيه جملتان 412 الجملة الأولى في معنى اللقب والنعت وما يجوز منه وما يمتنع 412 الجملة الثانية في أصل وضع الألقاب والنعوت المؤدّية إلى المدح 414 الطرف الثاني في بيان معاني الألقاب، وفيه تسع جمل 417 الجملة الأولى في الألقاب الخاصة بأرباب الوظائف المعتبرة التي بها انتظام امور المملكة وقوامها(5/487)
السابعة في زيّ أهل هذه المملكة 287 الجملة الثامنة في ترتيب هذه المملكة 288 المملكة السادسة من ممالك بلاد السودان مملكة الحبشة، وهي على قسمين 289 القسم الأوّل بلاد النصرانية ويشتمل على ست جمل 291
الجملة الأولى في ذكر قواعدها 291 الجملة الثانية في الموجود بها 292 الجملة الثالثة في ذكر معاملاتهم وأسعار بلادهم 294 الجملة الرابعة في ذكر زيهم وسلاحهم 294 الجملة الخامسة في ذكر بطاركة الإسكندرية الذين عن توليتهم تنشأ ولاية ملوك الحبشة 295 الجملة السادسة في ترتيب مملكتهم 309 القسم الثاني من بلاد الحبشة ما بيد مسلمي الحبشة، ويشتمل على ست جمل 310 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من القواعد والأعمال 311 الجملة الثانية في الموجود بهذه الممالك (أي ممالك السودان) 315 الجملة الثالثة في معاملاتهم وأسعارهم 316 الجملة الرابعة في ملوكهم 316 الجملة الخامسة في زيّ أهل هذه المملكة 318 الجملة السادسة في شعار الملك وترتيبه 318 الفصل الرابع من الباب الرابع من المقالة الثانية في الجهة الشمالية عن ممالك الديار المصرية ومضافاتها خلا ما تقدّم ذكره، وينقسم إلى قسمين 322 القسم الأوّل ما بيد المسلمين مما في شرقيّ الخليج القسطنطيني فيما بينه وبين أرمينية وهي البلاد المعروفة ببلاد الروم، وفيه خمس جمل 322 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من القواعد، وهي على ضربين 324 الضرب الأول القواعد المستقرّة بها الملوك والحكام 324 الضرب الثاني من هذه البلاد ما لم يسبق إلى صاحبه مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية 332 الجملة الثانية في ذكر الموجود بهذه البلاد 338 الجملة الثالثة في معاملاتها وأسعارها 339 الجملة الرابعة في ذكر من ملك هذه البلاد، واشتهر من ملوكهم طوائف 340 الطائفة الأولى أولاد قرمان 346
الطائفة الثانية بنو الحميد 348 الطائفة الثالثة بنو أيدين 348 الطائفة الرابعة بنو منتشا 348 الطائفة الخامسة بنو أورخان بن عثمان جق 348 الجملة الخامسة في زيّ أهل هذه المملكة وترتيب الملك بها 350 القسم الثاني من الجهة الشمالية عن الديار المصرية ما بيد ملوك النصارى، وهو ثلاثة أضرب 350 الضرب الأول جزائر بحر الروم 350 الضرب الثاني ما شماليّ بحر الروم، وهو جهتان 357 الجهة الأولى ما هو في جهة الغرب عن الخليج القسطنطيني، وهو قطران 357 القطر الأوّل ما بين الخليج المذكور وبين جزيرة الأندلس، ويشتمل على ممالك كبار وممالك صغار 357 المملكة الأولى (من الممالك الكبار) مملكة القسطنطينية، وملوكها طبقات 357 الطبقة الأولى من ملك منهم قبل القياصرة 362 الطبقة الثانية القياصرة قبل ظهور النصرانية فيهم 363 الطبقة الثالثة القياصرة المتنصرة إلى الفتح الإسلامي 370 الطبقة الرابعة ملوك الروم بعد الفتح الإسلامي 374 المملكة الثانية مملكة الألمان 381 المملكة الثالثة مملكة البنادقة 382 المملكة الرابعة مملكة الجنويين 383 المملكة الخامسة بلاد رومية 384 المملكة الأولى (من الممالك الصغار) مملكة المرا 386 المملكة الثانية بلاد الملفوط 387 المملكة الثالثة بلاد إقلرنس 387 المملكة الرابعة مملكة بولية 387 المملكة الخامسة بلاد قلفرية 387 المملكة السادسة بلاد التسقان 388
المملكة السابعة بلاد البيازنة 388 القطر الثاني مما غربي الخليج القسطنطيني الأرض الكبيرة، وفيه ثلاث ممالك 389 المملكة الأولى مملكة الفرنج القديمة 389 المملكة الثانية مملكة الجلالقة 391 المملكة الثالثة مملكة اللنبردية 392 الجهة الثانية ما شماليّ مدينة القسطنطينية وبحر نيطش الخ 393 المقالة الثالثة في ذكر أمور تشترك فيها أنواع المكاتبات والولايات، وفيها أربعة أبواب 399 الباب الأوّل في الأسماء والكنى والألقاب، وفيه فصلان 399 الفصل الأوّل في الأسماء والكنى، وفيه طرفان 399 الطرف الأوّل في الأسماء، وفيه جملتان 399 الجملة الأولى في أصل التسمية والمقصود منها وتنويع الأسماء وما يستحسن منها وما يستقبح 400 الجملة الثانية في مواضع ذكر الأسماء في المكاتبات والولايات، وفيها أربعة أنواع 403 النوع الأوّل اسم المكتوب عنه 403 النوع الثاني اسم المكتوب إليه 403 النوع الثالث اسم المكتوب بسببه 404 النوع الرابع اسم من تصدر إليه الولاية 405 الطرف الثاني في الكنى وفيه ثلاث جمل 405 الجملة الأولى في جواز الكنية، وهي على نوعين 406 النوع الأوّل كنى المسلمين 406 النوع الثاني كنى أهل الكفر والفسقة والمبتدعين 406 الجملة الثانية فيما يكنى به، وهو على نوعين 407 النوع الأوّل كنى الرجال 407 النوع الثاني كنى النساء 409
الجملة الثالثة في التكني في المكاتبات والولايات، وهو على ثلاثة أنواع 409 النوع الأوّل تكني المكتوب عنه 410 النوع الثاني تكنية المكتوب إليه 410 النوع الثالث تكنية المكتوب بسببه 410 الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة الثالثة في الألقاب، وفيه طرفان 412 الطرف الأوّل في أصول الألقاب، وفيه جملتان 412 الجملة الأولى في معنى اللقب والنعت وما يجوز منه وما يمتنع 412 الجملة الثانية في أصل وضع الألقاب والنعوت المؤدّية إلى المدح 414 الطرف الثاني في بيان معاني الألقاب، وفيه تسع جمل 417 الجملة الأولى في الألقاب الخاصة بأرباب الوظائف المعتبرة التي بها انتظام امور المملكة وقوامها(5/488)
السابعة في زيّ أهل هذه المملكة 287 الجملة الثامنة في ترتيب هذه المملكة 288 المملكة السادسة من ممالك بلاد السودان مملكة الحبشة، وهي على قسمين 289 القسم الأوّل بلاد النصرانية ويشتمل على ست جمل 291
الجملة الأولى في ذكر قواعدها 291 الجملة الثانية في الموجود بها 292 الجملة الثالثة في ذكر معاملاتهم وأسعار بلادهم 294 الجملة الرابعة في ذكر زيهم وسلاحهم 294 الجملة الخامسة في ذكر بطاركة الإسكندرية الذين عن توليتهم تنشأ ولاية ملوك الحبشة 295 الجملة السادسة في ترتيب مملكتهم 309 القسم الثاني من بلاد الحبشة ما بيد مسلمي الحبشة، ويشتمل على ست جمل 310 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من القواعد والأعمال 311 الجملة الثانية في الموجود بهذه الممالك (أي ممالك السودان) 315 الجملة الثالثة في معاملاتهم وأسعارهم 316 الجملة الرابعة في ملوكهم 316 الجملة الخامسة في زيّ أهل هذه المملكة 318 الجملة السادسة في شعار الملك وترتيبه 318 الفصل الرابع من الباب الرابع من المقالة الثانية في الجهة الشمالية عن ممالك الديار المصرية ومضافاتها خلا ما تقدّم ذكره، وينقسم إلى قسمين 322 القسم الأوّل ما بيد المسلمين مما في شرقيّ الخليج القسطنطيني فيما بينه وبين أرمينية وهي البلاد المعروفة ببلاد الروم، وفيه خمس جمل 322 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من القواعد، وهي على ضربين 324 الضرب الأول القواعد المستقرّة بها الملوك والحكام 324 الضرب الثاني من هذه البلاد ما لم يسبق إلى صاحبه مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية 332 الجملة الثانية في ذكر الموجود بهذه البلاد 338 الجملة الثالثة في معاملاتها وأسعارها 339 الجملة الرابعة في ذكر من ملك هذه البلاد، واشتهر من ملوكهم طوائف 340 الطائفة الأولى أولاد قرمان 346
الطائفة الثانية بنو الحميد 348 الطائفة الثالثة بنو أيدين 348 الطائفة الرابعة بنو منتشا 348 الطائفة الخامسة بنو أورخان بن عثمان جق 348 الجملة الخامسة في زيّ أهل هذه المملكة وترتيب الملك بها 350 القسم الثاني من الجهة الشمالية عن الديار المصرية ما بيد ملوك النصارى، وهو ثلاثة أضرب 350 الضرب الأول جزائر بحر الروم 350 الضرب الثاني ما شماليّ بحر الروم، وهو جهتان 357 الجهة الأولى ما هو في جهة الغرب عن الخليج القسطنطيني، وهو قطران 357 القطر الأوّل ما بين الخليج المذكور وبين جزيرة الأندلس، ويشتمل على ممالك كبار وممالك صغار 357 المملكة الأولى (من الممالك الكبار) مملكة القسطنطينية، وملوكها طبقات 357 الطبقة الأولى من ملك منهم قبل القياصرة 362 الطبقة الثانية القياصرة قبل ظهور النصرانية فيهم 363 الطبقة الثالثة القياصرة المتنصرة إلى الفتح الإسلامي 370 الطبقة الرابعة ملوك الروم بعد الفتح الإسلامي 374 المملكة الثانية مملكة الألمان 381 المملكة الثالثة مملكة البنادقة 382 المملكة الرابعة مملكة الجنويين 383 المملكة الخامسة بلاد رومية 384 المملكة الأولى (من الممالك الصغار) مملكة المرا 386 المملكة الثانية بلاد الملفوط 387 المملكة الثالثة بلاد إقلرنس 387 المملكة الرابعة مملكة بولية 387 المملكة الخامسة بلاد قلفرية 387 المملكة السادسة بلاد التسقان 388
المملكة السابعة بلاد البيازنة 388 القطر الثاني مما غربي الخليج القسطنطيني الأرض الكبيرة، وفيه ثلاث ممالك 389 المملكة الأولى مملكة الفرنج القديمة 389 المملكة الثانية مملكة الجلالقة 391 المملكة الثالثة مملكة اللنبردية 392 الجهة الثانية ما شماليّ مدينة القسطنطينية وبحر نيطش الخ 393 المقالة الثالثة في ذكر أمور تشترك فيها أنواع المكاتبات والولايات، وفيها أربعة أبواب 399 الباب الأوّل في الأسماء والكنى والألقاب، وفيه فصلان 399 الفصل الأوّل في الأسماء والكنى، وفيه طرفان 399 الطرف الأوّل في الأسماء، وفيه جملتان 399 الجملة الأولى في أصل التسمية والمقصود منها وتنويع الأسماء وما يستحسن منها وما يستقبح 400 الجملة الثانية في مواضع ذكر الأسماء في المكاتبات والولايات، وفيها أربعة أنواع 403 النوع الأوّل اسم المكتوب عنه 403 النوع الثاني اسم المكتوب إليه 403 النوع الثالث اسم المكتوب بسببه 404 النوع الرابع اسم من تصدر إليه الولاية 405 الطرف الثاني في الكنى وفيه ثلاث جمل 405 الجملة الأولى في جواز الكنية، وهي على نوعين 406 النوع الأوّل كنى المسلمين 406 النوع الثاني كنى أهل الكفر والفسقة والمبتدعين 406 الجملة الثانية فيما يكنى به، وهو على نوعين 407 النوع الأوّل كنى الرجال 407 النوع الثاني كنى النساء 409
الجملة الثالثة في التكني في المكاتبات والولايات، وهو على ثلاثة أنواع 409 النوع الأوّل تكني المكتوب عنه 410 النوع الثاني تكنية المكتوب إليه 410 النوع الثالث تكنية المكتوب بسببه 410 الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة الثالثة في الألقاب، وفيه طرفان 412 الطرف الأوّل في أصول الألقاب، وفيه جملتان 412 الجملة الأولى في معنى اللقب والنعت وما يجوز منه وما يمتنع 412 الجملة الثانية في أصل وضع الألقاب والنعوت المؤدّية إلى المدح 414 الطرف الثاني في بيان معاني الألقاب، وفيه تسع جمل 417 الجملة الأولى في الألقاب الخاصة بأرباب الوظائف المعتبرة التي بها انتظام امور المملكة وقوامها(5/489)
السابعة في زيّ أهل هذه المملكة 287 الجملة الثامنة في ترتيب هذه المملكة 288 المملكة السادسة من ممالك بلاد السودان مملكة الحبشة، وهي على قسمين 289 القسم الأوّل بلاد النصرانية ويشتمل على ست جمل 291
الجملة الأولى في ذكر قواعدها 291 الجملة الثانية في الموجود بها 292 الجملة الثالثة في ذكر معاملاتهم وأسعار بلادهم 294 الجملة الرابعة في ذكر زيهم وسلاحهم 294 الجملة الخامسة في ذكر بطاركة الإسكندرية الذين عن توليتهم تنشأ ولاية ملوك الحبشة 295 الجملة السادسة في ترتيب مملكتهم 309 القسم الثاني من بلاد الحبشة ما بيد مسلمي الحبشة، ويشتمل على ست جمل 310 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من القواعد والأعمال 311 الجملة الثانية في الموجود بهذه الممالك (أي ممالك السودان) 315 الجملة الثالثة في معاملاتهم وأسعارهم 316 الجملة الرابعة في ملوكهم 316 الجملة الخامسة في زيّ أهل هذه المملكة 318 الجملة السادسة في شعار الملك وترتيبه 318 الفصل الرابع من الباب الرابع من المقالة الثانية في الجهة الشمالية عن ممالك الديار المصرية ومضافاتها خلا ما تقدّم ذكره، وينقسم إلى قسمين 322 القسم الأوّل ما بيد المسلمين مما في شرقيّ الخليج القسطنطيني فيما بينه وبين أرمينية وهي البلاد المعروفة ببلاد الروم، وفيه خمس جمل 322 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من القواعد، وهي على ضربين 324 الضرب الأول القواعد المستقرّة بها الملوك والحكام 324 الضرب الثاني من هذه البلاد ما لم يسبق إلى صاحبه مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية 332 الجملة الثانية في ذكر الموجود بهذه البلاد 338 الجملة الثالثة في معاملاتها وأسعارها 339 الجملة الرابعة في ذكر من ملك هذه البلاد، واشتهر من ملوكهم طوائف 340 الطائفة الأولى أولاد قرمان 346
الطائفة الثانية بنو الحميد 348 الطائفة الثالثة بنو أيدين 348 الطائفة الرابعة بنو منتشا 348 الطائفة الخامسة بنو أورخان بن عثمان جق 348 الجملة الخامسة في زيّ أهل هذه المملكة وترتيب الملك بها 350 القسم الثاني من الجهة الشمالية عن الديار المصرية ما بيد ملوك النصارى، وهو ثلاثة أضرب 350 الضرب الأول جزائر بحر الروم 350 الضرب الثاني ما شماليّ بحر الروم، وهو جهتان 357 الجهة الأولى ما هو في جهة الغرب عن الخليج القسطنطيني، وهو قطران 357 القطر الأوّل ما بين الخليج المذكور وبين جزيرة الأندلس، ويشتمل على ممالك كبار وممالك صغار 357 المملكة الأولى (من الممالك الكبار) مملكة القسطنطينية، وملوكها طبقات 357 الطبقة الأولى من ملك منهم قبل القياصرة 362 الطبقة الثانية القياصرة قبل ظهور النصرانية فيهم 363 الطبقة الثالثة القياصرة المتنصرة إلى الفتح الإسلامي 370 الطبقة الرابعة ملوك الروم بعد الفتح الإسلامي 374 المملكة الثانية مملكة الألمان 381 المملكة الثالثة مملكة البنادقة 382 المملكة الرابعة مملكة الجنويين 383 المملكة الخامسة بلاد رومية 384 المملكة الأولى (من الممالك الصغار) مملكة المرا 386 المملكة الثانية بلاد الملفوط 387 المملكة الثالثة بلاد إقلرنس 387 المملكة الرابعة مملكة بولية 387 المملكة الخامسة بلاد قلفرية 387 المملكة السادسة بلاد التسقان 388
المملكة السابعة بلاد البيازنة 388 القطر الثاني مما غربي الخليج القسطنطيني الأرض الكبيرة، وفيه ثلاث ممالك 389 المملكة الأولى مملكة الفرنج القديمة 389 المملكة الثانية مملكة الجلالقة 391 المملكة الثالثة مملكة اللنبردية 392 الجهة الثانية ما شماليّ مدينة القسطنطينية وبحر نيطش الخ 393 المقالة الثالثة في ذكر أمور تشترك فيها أنواع المكاتبات والولايات، وفيها أربعة أبواب 399 الباب الأوّل في الأسماء والكنى والألقاب، وفيه فصلان 399 الفصل الأوّل في الأسماء والكنى، وفيه طرفان 399 الطرف الأوّل في الأسماء، وفيه جملتان 399 الجملة الأولى في أصل التسمية والمقصود منها وتنويع الأسماء وما يستحسن منها وما يستقبح 400 الجملة الثانية في مواضع ذكر الأسماء في المكاتبات والولايات، وفيها أربعة أنواع 403 النوع الأوّل اسم المكتوب عنه 403 النوع الثاني اسم المكتوب إليه 403 النوع الثالث اسم المكتوب بسببه 404 النوع الرابع اسم من تصدر إليه الولاية 405 الطرف الثاني في الكنى وفيه ثلاث جمل 405 الجملة الأولى في جواز الكنية، وهي على نوعين 406 النوع الأوّل كنى المسلمين 406 النوع الثاني كنى أهل الكفر والفسقة والمبتدعين 406 الجملة الثانية فيما يكنى به، وهو على نوعين 407 النوع الأوّل كنى الرجال 407 النوع الثاني كنى النساء 409
الجملة الثالثة في التكني في المكاتبات والولايات، وهو على ثلاثة أنواع 409 النوع الأوّل تكني المكتوب عنه 410 النوع الثاني تكنية المكتوب إليه 410 النوع الثالث تكنية المكتوب بسببه 410 الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة الثالثة في الألقاب، وفيه طرفان 412 الطرف الأوّل في أصول الألقاب، وفيه جملتان 412 الجملة الأولى في معنى اللقب والنعت وما يجوز منه وما يمتنع 412 الجملة الثانية في أصل وضع الألقاب والنعوت المؤدّية إلى المدح 414 الطرف الثاني في بيان معاني الألقاب، وفيه تسع جمل 417 الجملة الأولى في الألقاب الخاصة بأرباب الوظائف المعتبرة التي بها انتظام امور المملكة وقوامها(5/490)
السابعة في زيّ أهل هذه المملكة 287 الجملة الثامنة في ترتيب هذه المملكة 288 المملكة السادسة من ممالك بلاد السودان مملكة الحبشة، وهي على قسمين 289 القسم الأوّل بلاد النصرانية ويشتمل على ست جمل 291
الجملة الأولى في ذكر قواعدها 291 الجملة الثانية في الموجود بها 292 الجملة الثالثة في ذكر معاملاتهم وأسعار بلادهم 294 الجملة الرابعة في ذكر زيهم وسلاحهم 294 الجملة الخامسة في ذكر بطاركة الإسكندرية الذين عن توليتهم تنشأ ولاية ملوك الحبشة 295 الجملة السادسة في ترتيب مملكتهم 309 القسم الثاني من بلاد الحبشة ما بيد مسلمي الحبشة، ويشتمل على ست جمل 310 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من القواعد والأعمال 311 الجملة الثانية في الموجود بهذه الممالك (أي ممالك السودان) 315 الجملة الثالثة في معاملاتهم وأسعارهم 316 الجملة الرابعة في ملوكهم 316 الجملة الخامسة في زيّ أهل هذه المملكة 318 الجملة السادسة في شعار الملك وترتيبه 318 الفصل الرابع من الباب الرابع من المقالة الثانية في الجهة الشمالية عن ممالك الديار المصرية ومضافاتها خلا ما تقدّم ذكره، وينقسم إلى قسمين 322 القسم الأوّل ما بيد المسلمين مما في شرقيّ الخليج القسطنطيني فيما بينه وبين أرمينية وهي البلاد المعروفة ببلاد الروم، وفيه خمس جمل 322 الجملة الأولى فيما اشتملت عليه من القواعد، وهي على ضربين 324 الضرب الأول القواعد المستقرّة بها الملوك والحكام 324 الضرب الثاني من هذه البلاد ما لم يسبق إلى صاحبه مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية 332 الجملة الثانية في ذكر الموجود بهذه البلاد 338 الجملة الثالثة في معاملاتها وأسعارها 339 الجملة الرابعة في ذكر من ملك هذه البلاد، واشتهر من ملوكهم طوائف 340 الطائفة الأولى أولاد قرمان 346
الطائفة الثانية بنو الحميد 348 الطائفة الثالثة بنو أيدين 348 الطائفة الرابعة بنو منتشا 348 الطائفة الخامسة بنو أورخان بن عثمان جق 348 الجملة الخامسة في زيّ أهل هذه المملكة وترتيب الملك بها 350 القسم الثاني من الجهة الشمالية عن الديار المصرية ما بيد ملوك النصارى، وهو ثلاثة أضرب 350 الضرب الأول جزائر بحر الروم 350 الضرب الثاني ما شماليّ بحر الروم، وهو جهتان 357 الجهة الأولى ما هو في جهة الغرب عن الخليج القسطنطيني، وهو قطران 357 القطر الأوّل ما بين الخليج المذكور وبين جزيرة الأندلس، ويشتمل على ممالك كبار وممالك صغار 357 المملكة الأولى (من الممالك الكبار) مملكة القسطنطينية، وملوكها طبقات 357 الطبقة الأولى من ملك منهم قبل القياصرة 362 الطبقة الثانية القياصرة قبل ظهور النصرانية فيهم 363 الطبقة الثالثة القياصرة المتنصرة إلى الفتح الإسلامي 370 الطبقة الرابعة ملوك الروم بعد الفتح الإسلامي 374 المملكة الثانية مملكة الألمان 381 المملكة الثالثة مملكة البنادقة 382 المملكة الرابعة مملكة الجنويين 383 المملكة الخامسة بلاد رومية 384 المملكة الأولى (من الممالك الصغار) مملكة المرا 386 المملكة الثانية بلاد الملفوط 387 المملكة الثالثة بلاد إقلرنس 387 المملكة الرابعة مملكة بولية 387 المملكة الخامسة بلاد قلفرية 387 المملكة السادسة بلاد التسقان 388
المملكة السابعة بلاد البيازنة 388 القطر الثاني مما غربي الخليج القسطنطيني الأرض الكبيرة، وفيه ثلاث ممالك 389 المملكة الأولى مملكة الفرنج القديمة 389 المملكة الثانية مملكة الجلالقة 391 المملكة الثالثة مملكة اللنبردية 392 الجهة الثانية ما شماليّ مدينة القسطنطينية وبحر نيطش الخ 393 المقالة الثالثة في ذكر أمور تشترك فيها أنواع المكاتبات والولايات، وفيها أربعة أبواب 399 الباب الأوّل في الأسماء والكنى والألقاب، وفيه فصلان 399 الفصل الأوّل في الأسماء والكنى، وفيه طرفان 399 الطرف الأوّل في الأسماء، وفيه جملتان 399 الجملة الأولى في أصل التسمية والمقصود منها وتنويع الأسماء وما يستحسن منها وما يستقبح 400 الجملة الثانية في مواضع ذكر الأسماء في المكاتبات والولايات، وفيها أربعة أنواع 403 النوع الأوّل اسم المكتوب عنه 403 النوع الثاني اسم المكتوب إليه 403 النوع الثالث اسم المكتوب بسببه 404 النوع الرابع اسم من تصدر إليه الولاية 405 الطرف الثاني في الكنى وفيه ثلاث جمل 405 الجملة الأولى في جواز الكنية، وهي على نوعين 406 النوع الأوّل كنى المسلمين 406 النوع الثاني كنى أهل الكفر والفسقة والمبتدعين 406 الجملة الثانية فيما يكنى به، وهو على نوعين 407 النوع الأوّل كنى الرجال 407 النوع الثاني كنى النساء 409
الجملة الثالثة في التكني في المكاتبات والولايات، وهو على ثلاثة أنواع 409 النوع الأوّل تكني المكتوب عنه 410 النوع الثاني تكنية المكتوب إليه 410 النوع الثالث تكنية المكتوب بسببه 410 الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة الثالثة في الألقاب، وفيه طرفان 412 الطرف الأوّل في أصول الألقاب، وفيه جملتان 412 الجملة الأولى في معنى اللقب والنعت وما يجوز منه وما يمتنع 412 الجملة الثانية في أصل وضع الألقاب والنعوت المؤدّية إلى المدح 414 الطرف الثاني في بيان معاني الألقاب، وفيه تسع جمل 417 الجملة الأولى في الألقاب الخاصة بأرباب الوظائف المعتبرة التي بها انتظام امور المملكة وقوامها
، وهي قسمان 417 القسم الأوّل الألقاب الإسلامية وهي نوعان 417 النوع الأوّل الألقاب القديمة المتداولة الحكم إلى زمان المؤلف، وهي صنفان 417 الصنف الأوّل ألقاب أرباب السيوف 417 الصنف الثاني ألقاب أرباب الأقلام 423 النوع الثاني الألقاب المحدثة، وهي أربعة أصناف 425 الصنف الأوّل المفردة وهي ضربان 426 الضرب الأوّل ما لفظه عربيّ 426 الضرب الثاني ما لفظه عجميّ 427 الصنف الثاني المركبة وهي ثلاثة أضرب 427 الضرب الأوّل ما تمحض تركيبه من اللفظ العربيّ 427 الضرب الثاني ما تمحض تركيبه من اللفظ العجميّ ولهذا الضرب حالتان 429 الحالة الأولى أن تكون الاضافة إلى لفظ دار 429 الحالة الثانية أن تكون الاضافة إلى غير لفظ دار 432 الضرب الثالث ما تركب من لفظ عربيّ ولفظ عجميّ وله حالتان 433 الحالة الأولى أن يصدّر بلفظ أمير 433 الحالة الثانية أن لا يصدّر اللقب بلفظ أمير 434
الصنف الثاني ألقاب أرباب الأقلام، وهي على خمسة أضرب 435 الضرب الأوّل ألقاب أرباب الوظائف من العلماء 435 الضرب الثاني ألقاب الكتاب 436 الضرب الثالث ألقاب أرباب الوظائف من كتاب الأموال 437 الضرب الرابع ألقاب أرباب الوظائف من أهل الصناعات 438 الضرب الخامس ألقاب أرباب الوظائف من الأتباع والحواشي والخدم، وهم طائفتان 439 الطائفة الأولى الأعوان، وهم نمطان 439 النمط الأوّل ما تمحضت ألفاظه عربية 439 النمط الثاني ما تمحض لفظه عجميا 440 الطائفة الثانية أرباب الخدم وهم نمطان 440 النمط الأوّل ما يضاف إلى لفظ الدار 440 النمط الثاني ما لا يتقيد بالاضافة إلى دار ولا غيرها 441 القسم الثاني من ألقاب أرباب الوظائف ألقاب أرباب الوظائف من أهل الكفر، والمشهور منهم طائفتان 443 الطائفة الأولى النصارى 443 الطائفة الثانية اليهود 445 الجملة الثانية في ذكر الألقاب المرتبة على الأصول العظام وهي نوعان 445 النوع الأوّل ألقاب الخلفاء المرتبة على لقب الخليفة وهي صنفان 445 الصنف الأوّل ما جرى منها مجرى العموم 445 الصنف الثاني ألقاب الخلافة الخاصة بكل خليفة وهي خمس طوائف 447 الطائفة الأولى خلفاء بني العباس 447 الطائفة الثانية خلفاء بني أمية بالأندلس 448 الطائفة الثالثة الخلفاء الفاطميون ببلاد الغرب ثم بالديار المصرية 448 الطائفة الرابعة الخلفاء الموحدون الذين ملوك إفريقية بتونس من بقاياهم على عهد المؤلف 449 الطائفة الخامسة جماعة من ملوك الغرب ممن لا شبهة لهم في دعوى الخلافة 449
النوع الثاني ألقاب الملوك المختصة بالملك وهي صنفان 450 الصنف الأوّل الألقاب العامة وهي ضربان 450 الضرب الأوّل الألقاب القديمة والمشهور منها ألقاب ست طوائف 450 الطائفة الأولى التبابعة ملوك اليمن 450 الطائفة الثانية ملوك الفرس 450 الطائفة الثالثة ملوك مصر من بعد الطوفان من القبط 451 الطائفة الرابعة ملوك الروم 452 الطائفة الخامسة ملوك الكنعانيين بالشام 453 الطائفة السادسة ملوك الحبشة 453 الضرب الثاني الألقاب المستحدثة والمشهور منها ألقاب ست طوائف 453 الطائفة الأولى ملوك فرغانة 453 الطائفة الثانية ملوك أشروسنة 454 الطائفة الثالثة ملوك الجلالقة 454 الطائفة الرابعة ملوك فرنسة 454 الطائفة الخامسة ملوك البندقية 454 الطائفة السادسة ملوك الحبشة في زماننا 455 الصنف الثاني من النوع الثاني الألقاب الخاصة 455 الجملة الثالثة في الألقاب المفرّعة على الأسماء وهي أربعة أنواع 458 النوع الأوّل ألقاب أرباب السيوف وهم صنفان 458 الصنف الأوّل ألقاب الجند من الترك ومن في معناهم 458 الصنف الثاني ألقاب الخدام الخصيان 458 النوع الثاني ألقاب أرباب الأقلام وهي على صنفين 459 الصنف الأوّل ألقاب القضاة والعلماء 459 الصنف الثاني ألقاب الكتاب من القبط 459 النوع الثالث ألقاب عامة الناس من التجار والغلمان السلطانية ونحوها 460 النوع الرابع ألقاب أهل الذمة من الكتاب والصيارف 460 الجملة الرابعة في أصل وضع الألقاب الجارية بين الكتاب ثم انتهائها إلى
غاية التعظيم ومجاوزتها الحدّ في التكثير 460 الجملة الخامسة في بيان الألقاب الأصول، وذكر معانيها واشتقاقها وهي صنفان 462 الصنف الأوّل ما يقع في المكاتبات والولايات 462 الصنف الثاني من الألقاب الأصول ما يختص بالمكاتبات دون الولايات 469 الجملة السادسة في بيان الألقاب المفرّعة على الأصول المتقدّمة وفيها مهيعان 471 المهيع الأوّل في بيان أقسامها وهي على نوعين 471 النوع الأوّل المفردة وهي صنفان 471 الصنف الأوّل المجرّدة عن ياء النسب 471 الصنف الثاني الملحق بها ياء النسب 471 النوع الثاني المركبة 473 تم فهرس الجزء الخامس من كتاب صبح الأعشى)(5/491)
، وهي قسمان 417 القسم الأوّل الألقاب الإسلامية وهي نوعان 417 النوع الأوّل الألقاب القديمة المتداولة الحكم إلى زمان المؤلف، وهي صنفان 417 الصنف الأوّل ألقاب أرباب السيوف 417 الصنف الثاني ألقاب أرباب الأقلام 423 النوع الثاني الألقاب المحدثة، وهي أربعة أصناف 425 الصنف الأوّل المفردة وهي ضربان 426 الضرب الأوّل ما لفظه عربيّ 426 الضرب الثاني ما لفظه عجميّ 427 الصنف الثاني المركبة وهي ثلاثة أضرب 427 الضرب الأوّل ما تمحض تركيبه من اللفظ العربيّ 427 الضرب الثاني ما تمحض تركيبه من اللفظ العجميّ ولهذا الضرب حالتان 429 الحالة الأولى أن تكون الاضافة إلى لفظ دار 429 الحالة الثانية أن تكون الاضافة إلى غير لفظ دار 432 الضرب الثالث ما تركب من لفظ عربيّ ولفظ عجميّ وله حالتان 433 الحالة الأولى أن يصدّر بلفظ أمير 433 الحالة الثانية أن لا يصدّر اللقب بلفظ أمير 434
الصنف الثاني ألقاب أرباب الأقلام، وهي على خمسة أضرب 435 الضرب الأوّل ألقاب أرباب الوظائف من العلماء 435 الضرب الثاني ألقاب الكتاب 436 الضرب الثالث ألقاب أرباب الوظائف من كتاب الأموال 437 الضرب الرابع ألقاب أرباب الوظائف من أهل الصناعات 438 الضرب الخامس ألقاب أرباب الوظائف من الأتباع والحواشي والخدم، وهم طائفتان 439 الطائفة الأولى الأعوان، وهم نمطان 439 النمط الأوّل ما تمحضت ألفاظه عربية 439 النمط الثاني ما تمحض لفظه عجميا 440 الطائفة الثانية أرباب الخدم وهم نمطان 440 النمط الأوّل ما يضاف إلى لفظ الدار 440 النمط الثاني ما لا يتقيد بالاضافة إلى دار ولا غيرها 441 القسم الثاني من ألقاب أرباب الوظائف ألقاب أرباب الوظائف من أهل الكفر، والمشهور منهم طائفتان 443 الطائفة الأولى النصارى 443 الطائفة الثانية اليهود 445 الجملة الثانية في ذكر الألقاب المرتبة على الأصول العظام وهي نوعان 445 النوع الأوّل ألقاب الخلفاء المرتبة على لقب الخليفة وهي صنفان 445 الصنف الأوّل ما جرى منها مجرى العموم 445 الصنف الثاني ألقاب الخلافة الخاصة بكل خليفة وهي خمس طوائف 447 الطائفة الأولى خلفاء بني العباس 447 الطائفة الثانية خلفاء بني أمية بالأندلس 448 الطائفة الثالثة الخلفاء الفاطميون ببلاد الغرب ثم بالديار المصرية 448 الطائفة الرابعة الخلفاء الموحدون الذين ملوك إفريقية بتونس من بقاياهم على عهد المؤلف 449 الطائفة الخامسة جماعة من ملوك الغرب ممن لا شبهة لهم في دعوى الخلافة 449
النوع الثاني ألقاب الملوك المختصة بالملك وهي صنفان 450 الصنف الأوّل الألقاب العامة وهي ضربان 450 الضرب الأوّل الألقاب القديمة والمشهور منها ألقاب ست طوائف 450 الطائفة الأولى التبابعة ملوك اليمن 450 الطائفة الثانية ملوك الفرس 450 الطائفة الثالثة ملوك مصر من بعد الطوفان من القبط 451 الطائفة الرابعة ملوك الروم 452 الطائفة الخامسة ملوك الكنعانيين بالشام 453 الطائفة السادسة ملوك الحبشة 453 الضرب الثاني الألقاب المستحدثة والمشهور منها ألقاب ست طوائف 453 الطائفة الأولى ملوك فرغانة 453 الطائفة الثانية ملوك أشروسنة 454 الطائفة الثالثة ملوك الجلالقة 454 الطائفة الرابعة ملوك فرنسة 454 الطائفة الخامسة ملوك البندقية 454 الطائفة السادسة ملوك الحبشة في زماننا 455 الصنف الثاني من النوع الثاني الألقاب الخاصة 455 الجملة الثالثة في الألقاب المفرّعة على الأسماء وهي أربعة أنواع 458 النوع الأوّل ألقاب أرباب السيوف وهم صنفان 458 الصنف الأوّل ألقاب الجند من الترك ومن في معناهم 458 الصنف الثاني ألقاب الخدام الخصيان 458 النوع الثاني ألقاب أرباب الأقلام وهي على صنفين 459 الصنف الأوّل ألقاب القضاة والعلماء 459 الصنف الثاني ألقاب الكتاب من القبط 459 النوع الثالث ألقاب عامة الناس من التجار والغلمان السلطانية ونحوها 460 النوع الرابع ألقاب أهل الذمة من الكتاب والصيارف 460 الجملة الرابعة في أصل وضع الألقاب الجارية بين الكتاب ثم انتهائها إلى
غاية التعظيم ومجاوزتها الحدّ في التكثير 460 الجملة الخامسة في بيان الألقاب الأصول، وذكر معانيها واشتقاقها وهي صنفان 462 الصنف الأوّل ما يقع في المكاتبات والولايات 462 الصنف الثاني من الألقاب الأصول ما يختص بالمكاتبات دون الولايات 469 الجملة السادسة في بيان الألقاب المفرّعة على الأصول المتقدّمة وفيها مهيعان 471 المهيع الأوّل في بيان أقسامها وهي على نوعين 471 النوع الأوّل المفردة وهي صنفان 471 الصنف الأوّل المجرّدة عن ياء النسب 471 الصنف الثاني الملحق بها ياء النسب 471 النوع الثاني المركبة 473 تم فهرس الجزء الخامس من كتاب صبح الأعشى)(5/492)
، وهي قسمان 417 القسم الأوّل الألقاب الإسلامية وهي نوعان 417 النوع الأوّل الألقاب القديمة المتداولة الحكم إلى زمان المؤلف، وهي صنفان 417 الصنف الأوّل ألقاب أرباب السيوف 417 الصنف الثاني ألقاب أرباب الأقلام 423 النوع الثاني الألقاب المحدثة، وهي أربعة أصناف 425 الصنف الأوّل المفردة وهي ضربان 426 الضرب الأوّل ما لفظه عربيّ 426 الضرب الثاني ما لفظه عجميّ 427 الصنف الثاني المركبة وهي ثلاثة أضرب 427 الضرب الأوّل ما تمحض تركيبه من اللفظ العربيّ 427 الضرب الثاني ما تمحض تركيبه من اللفظ العجميّ ولهذا الضرب حالتان 429 الحالة الأولى أن تكون الاضافة إلى لفظ دار 429 الحالة الثانية أن تكون الاضافة إلى غير لفظ دار 432 الضرب الثالث ما تركب من لفظ عربيّ ولفظ عجميّ وله حالتان 433 الحالة الأولى أن يصدّر بلفظ أمير 433 الحالة الثانية أن لا يصدّر اللقب بلفظ أمير 434
الصنف الثاني ألقاب أرباب الأقلام، وهي على خمسة أضرب 435 الضرب الأوّل ألقاب أرباب الوظائف من العلماء 435 الضرب الثاني ألقاب الكتاب 436 الضرب الثالث ألقاب أرباب الوظائف من كتاب الأموال 437 الضرب الرابع ألقاب أرباب الوظائف من أهل الصناعات 438 الضرب الخامس ألقاب أرباب الوظائف من الأتباع والحواشي والخدم، وهم طائفتان 439 الطائفة الأولى الأعوان، وهم نمطان 439 النمط الأوّل ما تمحضت ألفاظه عربية 439 النمط الثاني ما تمحض لفظه عجميا 440 الطائفة الثانية أرباب الخدم وهم نمطان 440 النمط الأوّل ما يضاف إلى لفظ الدار 440 النمط الثاني ما لا يتقيد بالاضافة إلى دار ولا غيرها 441 القسم الثاني من ألقاب أرباب الوظائف ألقاب أرباب الوظائف من أهل الكفر، والمشهور منهم طائفتان 443 الطائفة الأولى النصارى 443 الطائفة الثانية اليهود 445 الجملة الثانية في ذكر الألقاب المرتبة على الأصول العظام وهي نوعان 445 النوع الأوّل ألقاب الخلفاء المرتبة على لقب الخليفة وهي صنفان 445 الصنف الأوّل ما جرى منها مجرى العموم 445 الصنف الثاني ألقاب الخلافة الخاصة بكل خليفة وهي خمس طوائف 447 الطائفة الأولى خلفاء بني العباس 447 الطائفة الثانية خلفاء بني أمية بالأندلس 448 الطائفة الثالثة الخلفاء الفاطميون ببلاد الغرب ثم بالديار المصرية 448 الطائفة الرابعة الخلفاء الموحدون الذين ملوك إفريقية بتونس من بقاياهم على عهد المؤلف 449 الطائفة الخامسة جماعة من ملوك الغرب ممن لا شبهة لهم في دعوى الخلافة 449
النوع الثاني ألقاب الملوك المختصة بالملك وهي صنفان 450 الصنف الأوّل الألقاب العامة وهي ضربان 450 الضرب الأوّل الألقاب القديمة والمشهور منها ألقاب ست طوائف 450 الطائفة الأولى التبابعة ملوك اليمن 450 الطائفة الثانية ملوك الفرس 450 الطائفة الثالثة ملوك مصر من بعد الطوفان من القبط 451 الطائفة الرابعة ملوك الروم 452 الطائفة الخامسة ملوك الكنعانيين بالشام 453 الطائفة السادسة ملوك الحبشة 453 الضرب الثاني الألقاب المستحدثة والمشهور منها ألقاب ست طوائف 453 الطائفة الأولى ملوك فرغانة 453 الطائفة الثانية ملوك أشروسنة 454 الطائفة الثالثة ملوك الجلالقة 454 الطائفة الرابعة ملوك فرنسة 454 الطائفة الخامسة ملوك البندقية 454 الطائفة السادسة ملوك الحبشة في زماننا 455 الصنف الثاني من النوع الثاني الألقاب الخاصة 455 الجملة الثالثة في الألقاب المفرّعة على الأسماء وهي أربعة أنواع 458 النوع الأوّل ألقاب أرباب السيوف وهم صنفان 458 الصنف الأوّل ألقاب الجند من الترك ومن في معناهم 458 الصنف الثاني ألقاب الخدام الخصيان 458 النوع الثاني ألقاب أرباب الأقلام وهي على صنفين 459 الصنف الأوّل ألقاب القضاة والعلماء 459 الصنف الثاني ألقاب الكتاب من القبط 459 النوع الثالث ألقاب عامة الناس من التجار والغلمان السلطانية ونحوها 460 النوع الرابع ألقاب أهل الذمة من الكتاب والصيارف 460 الجملة الرابعة في أصل وضع الألقاب الجارية بين الكتاب ثم انتهائها إلى
غاية التعظيم ومجاوزتها الحدّ في التكثير 460 الجملة الخامسة في بيان الألقاب الأصول، وذكر معانيها واشتقاقها وهي صنفان 462 الصنف الأوّل ما يقع في المكاتبات والولايات 462 الصنف الثاني من الألقاب الأصول ما يختص بالمكاتبات دون الولايات 469 الجملة السادسة في بيان الألقاب المفرّعة على الأصول المتقدّمة وفيها مهيعان 471 المهيع الأوّل في بيان أقسامها وهي على نوعين 471 النوع الأوّل المفردة وهي صنفان 471 الصنف الأوّل المجرّدة عن ياء النسب 471 الصنف الثاني الملحق بها ياء النسب 471 النوع الثاني المركبة 473 تم فهرس الجزء الخامس من كتاب صبح الأعشى)(5/493)
، وهي قسمان 417 القسم الأوّل الألقاب الإسلامية وهي نوعان 417 النوع الأوّل الألقاب القديمة المتداولة الحكم إلى زمان المؤلف، وهي صنفان 417 الصنف الأوّل ألقاب أرباب السيوف 417 الصنف الثاني ألقاب أرباب الأقلام 423 النوع الثاني الألقاب المحدثة، وهي أربعة أصناف 425 الصنف الأوّل المفردة وهي ضربان 426 الضرب الأوّل ما لفظه عربيّ 426 الضرب الثاني ما لفظه عجميّ 427 الصنف الثاني المركبة وهي ثلاثة أضرب 427 الضرب الأوّل ما تمحض تركيبه من اللفظ العربيّ 427 الضرب الثاني ما تمحض تركيبه من اللفظ العجميّ ولهذا الضرب حالتان 429 الحالة الأولى أن تكون الاضافة إلى لفظ دار 429 الحالة الثانية أن تكون الاضافة إلى غير لفظ دار 432 الضرب الثالث ما تركب من لفظ عربيّ ولفظ عجميّ وله حالتان 433 الحالة الأولى أن يصدّر بلفظ أمير 433 الحالة الثانية أن لا يصدّر اللقب بلفظ أمير 434
الصنف الثاني ألقاب أرباب الأقلام، وهي على خمسة أضرب 435 الضرب الأوّل ألقاب أرباب الوظائف من العلماء 435 الضرب الثاني ألقاب الكتاب 436 الضرب الثالث ألقاب أرباب الوظائف من كتاب الأموال 437 الضرب الرابع ألقاب أرباب الوظائف من أهل الصناعات 438 الضرب الخامس ألقاب أرباب الوظائف من الأتباع والحواشي والخدم، وهم طائفتان 439 الطائفة الأولى الأعوان، وهم نمطان 439 النمط الأوّل ما تمحضت ألفاظه عربية 439 النمط الثاني ما تمحض لفظه عجميا 440 الطائفة الثانية أرباب الخدم وهم نمطان 440 النمط الأوّل ما يضاف إلى لفظ الدار 440 النمط الثاني ما لا يتقيد بالاضافة إلى دار ولا غيرها 441 القسم الثاني من ألقاب أرباب الوظائف ألقاب أرباب الوظائف من أهل الكفر، والمشهور منهم طائفتان 443 الطائفة الأولى النصارى 443 الطائفة الثانية اليهود 445 الجملة الثانية في ذكر الألقاب المرتبة على الأصول العظام وهي نوعان 445 النوع الأوّل ألقاب الخلفاء المرتبة على لقب الخليفة وهي صنفان 445 الصنف الأوّل ما جرى منها مجرى العموم 445 الصنف الثاني ألقاب الخلافة الخاصة بكل خليفة وهي خمس طوائف 447 الطائفة الأولى خلفاء بني العباس 447 الطائفة الثانية خلفاء بني أمية بالأندلس 448 الطائفة الثالثة الخلفاء الفاطميون ببلاد الغرب ثم بالديار المصرية 448 الطائفة الرابعة الخلفاء الموحدون الذين ملوك إفريقية بتونس من بقاياهم على عهد المؤلف 449 الطائفة الخامسة جماعة من ملوك الغرب ممن لا شبهة لهم في دعوى الخلافة 449
النوع الثاني ألقاب الملوك المختصة بالملك وهي صنفان 450 الصنف الأوّل الألقاب العامة وهي ضربان 450 الضرب الأوّل الألقاب القديمة والمشهور منها ألقاب ست طوائف 450 الطائفة الأولى التبابعة ملوك اليمن 450 الطائفة الثانية ملوك الفرس 450 الطائفة الثالثة ملوك مصر من بعد الطوفان من القبط 451 الطائفة الرابعة ملوك الروم 452 الطائفة الخامسة ملوك الكنعانيين بالشام 453 الطائفة السادسة ملوك الحبشة 453 الضرب الثاني الألقاب المستحدثة والمشهور منها ألقاب ست طوائف 453 الطائفة الأولى ملوك فرغانة 453 الطائفة الثانية ملوك أشروسنة 454 الطائفة الثالثة ملوك الجلالقة 454 الطائفة الرابعة ملوك فرنسة 454 الطائفة الخامسة ملوك البندقية 454 الطائفة السادسة ملوك الحبشة في زماننا 455 الصنف الثاني من النوع الثاني الألقاب الخاصة 455 الجملة الثالثة في الألقاب المفرّعة على الأسماء وهي أربعة أنواع 458 النوع الأوّل ألقاب أرباب السيوف وهم صنفان 458 الصنف الأوّل ألقاب الجند من الترك ومن في معناهم 458 الصنف الثاني ألقاب الخدام الخصيان 458 النوع الثاني ألقاب أرباب الأقلام وهي على صنفين 459 الصنف الأوّل ألقاب القضاة والعلماء 459 الصنف الثاني ألقاب الكتاب من القبط 459 النوع الثالث ألقاب عامة الناس من التجار والغلمان السلطانية ونحوها 460 النوع الرابع ألقاب أهل الذمة من الكتاب والصيارف 460 الجملة الرابعة في أصل وضع الألقاب الجارية بين الكتاب ثم انتهائها إلى
غاية التعظيم ومجاوزتها الحدّ في التكثير 460 الجملة الخامسة في بيان الألقاب الأصول، وذكر معانيها واشتقاقها وهي صنفان 462 الصنف الأوّل ما يقع في المكاتبات والولايات 462 الصنف الثاني من الألقاب الأصول ما يختص بالمكاتبات دون الولايات 469 الجملة السادسة في بيان الألقاب المفرّعة على الأصول المتقدّمة وفيها مهيعان 471 المهيع الأوّل في بيان أقسامها وهي على نوعين 471 النوع الأوّل المفردة وهي صنفان 471 الصنف الأوّل المجرّدة عن ياء النسب 471 الصنف الثاني الملحق بها ياء النسب 471 النوع الثاني المركبة 473 تم فهرس الجزء الخامس من كتاب صبح الأعشى)(5/494)
الجزء السادس
بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله وصحبه
تتمة المقالة الثالثة
تتمة باب الاول من المقالة الثالثة
تتمة الجملة السادسة
المهيع الثاني في ذكر الألقاب والنعوت المستعملة عند كتّاب الزمان، وبيان معانيها، ومن يقع عليه كل واحد منها من أرباب السّيوف وغيرهم (وهي نوعان)
النوع الأوّل (الألقاب الإسلامية، وهي صنفان)
الصنف الأوّل (المذكّرة، وهي ضربان)
الضرب الأوّل (الألقاب المفردة المختصة في اصطلاح الكتّاب باسم الألقاب)
وهذه جملة منها مرتبة على حروف المعجم ليسهل استخراجها.
حرف الألف
(الأتابكيّ) وهو من ألقاب أمير الجيوش ومن في معناه، كالنائب (1)
__________
(1) هو من الألقاب المختصة بالنائب السلطنة بالحضرة، ويقال فيه: الكافل. وهو الذي يحكم في كل ما يحكم فيه السلطان، ويعلم في التقاليد والتواقيع والمناشير وغير ذلك مما هو من هذا النوع على كل ما يعلم عليه السلطان، وجميع نواب المماليك تكاتبه فيما تكاتب فيه السلطان ويراجعونه فيه كما يراجع السلطان. والكافل في اللغة هو الذي يكفل الإنسان ويعوله. ولقد تحدث ابن ناظر الجيش في كتابه «التثقيف» عن ألقاب النائب الكافل. انظر صبح الأعشى (ج 4ص 16) و (ج 5 ص 454453) و (ج 6ص 24، 134).(6/3)
الكافل ونحوه، وهو بالأتابك أخصّ. وقد تقدّم معنى الأتابك في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف، وأنّ أصله بالطاء فقلبت تاء في الاستعمال، وأن معناه «الأب الأمير» وحينئذ فتكون النسبة فيه للمبالغة. نعم إن نسب إليه غيره من أتباعه كانت النسبة إليه حقيقيّة على بابهما.
(الأتقى) من ألقاب ملوك المغرب التي يكتب إليهم بها من الأبواب السلطانية، مضاهاة لما يوجد في مكاتباتهم من الألقاب، وهو أفعل التفضيل من التّقوى.
(الأثير) بالثاء المثلّثة من ألقاب أرباب الأقلام: من القضاة والعلماء والكتّاب ونحوهم وربما استعمل في ألقاب الصّلحاء أيضا. وأصله في اللغة المخالص، وحينئذ فيصلح أن يكون لقبا لكلّ من نسب إلى المخالصة من أرباب السيوف والأقلام جميعا، والأثيريّ نسبة إليه للمبالغة.
(الأثيل) بالمثلثة أيضا من ألقاب أرباب الأقلام: كالأثير، ومعناه في اللغة الأصيل، ومنه قيل مجد مؤثّل وأثيل أي أصيل. وحينئذ فيصلح أن يكون لقبا لكلّ ذي أصالة من أرباب السيوف والأقلام والأثيليّ نسبة إليه للمبالغة.
(الأجلّ) يكون في الاصطلاح من ألقاب السلطان كما يقال السلطان السيّد الأجلّ ويكون من ألقاب السامي بغير ياء فما دونه فيقال: «السامي الأمير الأجلّ» ونحو ذلك وهو مما ينكر على كتّاب الزمان: لاستعماله في الأعلى والأدنى على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. على أن هذا اللقب في الدولة الفاطميّة كان هو أعلى الألقاب وأرفعها قدرا، حتى قال ابن شيث (1) في «معالم
__________
(1) هو أبو القاسم عبد الرحيم بن علي بن الحسين بن شيث، القاضي الرئيس جمال الدين الأموي الإسنائي القوصي، أحد كتّاب الدولة الأيوبية بالديار المصرية وصاحب ديوان الانشاء للملك المعظم عيسى، له كتاب «معالم الكتابة ومغانم الإصابة» ولد بإسنا سنة 557هـ وتوفي بدمشق سنة 625هـ. انظر فوات الوفيات (ج 2ص 315312)، والطالع السعيد ص 305، وصبح الأعشى (ج 8ص 23) والأعلام (ج 3ص 347).(6/4)
الكتابة»: إنه محظور على غير الوزير. وقد كانت الوزارة في زمانهم بمثابة السّلطنة في زماننا، فتصرّف فيه الكتّاب حتّى استعملوه في أدنى الرّتب أيضا والأجلّيّ نسبة إليه للمبالغة.
(الأخصّ) من ألقاب أرباب (1) السّيوف، والكتّاب يستعملونه في أدنى الألقاب مما تسقط فيه ياء النسب: من السامي بغير ياء فما دونه، على أن معناه رفيع، لأخذه من الخصوصية، وهي الانفراد بالشيء، وكان الأحقّ أن يكون مختصّا بالألزام المقرّبين دون غيرهم، والأخصّيّ نسبة إليه للمبالغة.
(الأخويّ) من الألقاب المختصة في الغالب بالمكاتبات الإخوانيّة، وربما وقعت في المكاتبات الملوكية إذا كان قدر الملكين المتكاتبين متقاربا، وهو نسبة إلى الاخوة، وكأنه جعله أخاه حقيقة.
(الأريب) من ألقاب أرباب الأقلام. وهو في اللّغة العاقل، ومنه قيل للدّهاء إرب بكسر الهمزة وإسكان الراء لأنّ الدّهاء من جملة العقل والأريبيّ نسبة إليه للمبالغة.
(الأرقى) من ألقاب ملوك المغرب. وهو مأخوذ من الرّقيّ: وهو الارتفاع والعلوّ في الدّرج.
(الأزكى) من ألقاب ملوك المغرب أيضا. وهو مأخوذ من الزّكاة: وهي الزيادة، كأنه نسبه إلى الزيادة في الرّفعة ونحوها.
(الأسرى) بالسين المهملة من ألقاب ملوك المغرب. وهو مأخوذ من
__________
(1) أرباب السيوف من الوظائف العسكرية، وغالب أصحابها من الأمراء، منهم أمراء المئين وأمراء الألوف والمقدّمون والأتابك، وأعلى ألقابهم المقرّ، وأدناها مجلس الأمير، ثم الأمير مجرّدا عن مجلس. انظر صبح الأعشى (ج 3ص 273) و (ج 9ص 265).(6/5)
السّرو وهو سخاء في مروءة، ومنه قيل لمن اشتمل على ذلك سريّ، وبه لقّب من لقّب «سريّ الدّين».
(الاسفهسلار) بسينين مهملتين بينهما فاء ثم هاء من ألقاب أرباب السيوف وكان في الدولة الفاطمية لقبا على صاحب وظيفة تلي صاحب الباب، على ما تقدّم بيانه في الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية في المقالة الثانية.
ومعناه «مقدّم العسكر» وهو مركّب من لفظين: فارسيّ، وتركيّ، فأسفه بالفارسية بمعنى المقدّم، وسلار بالتركية بمعنى العسكر، والعامة تقول لبعض من يقف بباب السلطان من الأعوان (أسباسلار) بالباء الموحدة، وكأنهم راعوا فيه معنى المقدّم في الجملة، والباء تعاقب الفاء في اللغة الفارسية كثيرا، ولذلك قالوا: أصبهان وأصفهان بالباء والفاء جميعا والأسفهسلاريّ نسبة إليه للمبالغة. وقد ذكر المقرّ الشهابيّ (1) بن فضل الله في بعض دساتيره أن هذا اللقب يختصّ بأمراء الطّبلخاناه (2) على أنه قد ترك استعماله في زماننا، وكأنهم كرهوا مشاركة بعض الأعوان فيه فأضربوا عنه لذلك، أو لم يفهموا معناه فتركوه.
(الأسنى) من ألقاب ملوك المغرب. وهو مأخوذ من السّناء بالمدّ: وهو الرفعة ويجوز أن يكون من السّنا بالقصر: وهو الضّياء.
(الأشرف) من ألقاب المقام والمقرّ (3) في مصطلح كتّاب الزّمان على ما
__________
(1) هو شهاب الدين بن فضل الله العمري، وسترد ترجمته في حاشية الصفحة التالية.
(2) الطبلخاناه (بيت الطبل) يحكم عليها أمير من أمراء العشرات يعرف بأمير علم، ولها مهتار متسلّم لحواصلها يعرف بمهتار الطبلخاناه، وله رجال تحت يده، ولا تكون الطبلخاناه لأقل من أربعين.
صبح الأعشى (ج 4ص 13، 15) وحاشية فوات الوفيات (ج 2ص 86رقم 2).
(3) المقرّ لقب شرف يمنحه السلطان لكبار أرباب الوظائف الديوانية وكذلك ينعم به السلطان على الأمراء، وهو أيضا أعلى ألقاب أرباب السيوف. انظر صبح الأعشى (ج 5ص 495494) و (ج 9ص 265). وعن مرتبة المقر انظر صبح الأعشى (ج 6ص 148وما بعدها).(6/6)
تقدّم ذكره وربما وقع أيضا في ألقاب ملوك المغرب. وهو أفعل التفضيل من الشّرف بمعنى العلوّ.
(الأصعد) من ألقاب ملوك المغرب، وهو أفعل التفضيل من الصّعود ضدّ الهبوط.
(الأصيل) من ألقاب أرباب الأقلام غالبا. وربما وقع في ألقاب أرباب السّيوف إذا كان لصاحب اللقب عراقة نسب وهو فعيل من الأصل بمعنى الحسب والأصيليّ نسبة إليه للمبالغة. قال في «عرف (1) التعريف»: ويختصّ بمن له ثلاثة في الرّياسة، ابن عن أب عن جدّ.
(الأضخم) من ألقاب ملوك المغرب، وهو مأخوذ من الضّخامة والمراد بها هنا العظمة. وهي في أصل اللغة الغلظ واستعملت في العظمة تجوّزا.
(الأعزّ) من ألقاب ملوك المغرب وقد يستعمل في ألقاب من لم يثبت فيه ياء النسب من السامي بغير ياء فما دونه كالأخصّ: فيقال «الأعزّ الأخصّ» ونحو ذلك وهو أفعل التفضيل من العزّ.
(الأعظم) من ألقاب السلطان، يقال فيه «السلطان الأعظم» ويقع في ألقاب ملوك المغرب أيضا. وهو أفعل التفضيل من العظمة: وهي الكبرياء.
(الأعلى) من ألقاب ملوك المغرب، وهو أفعل التفضيل من العلوّ: وهو الارتفاع.
__________
(1) الكتاب للقاضي أبي العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العدوي العمري، المعروف بشهاب الدين بن فضل الله، وصاحب كتاب «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار». كان إماما فاضلا بليغا وأحد رجالات الزمان كتابة وترسّلا، وإمام وقته في معرفة الممالك والمسالك. ولد بدمشق سنة سبعمائة، وكانت وفاته سنة 749هـ. انظر فوات الوفيات (ج 1ص 161157)، والدرر الكامنة (ج 1ص 331)، والنجوم الزاهرة (ج 10ص 334)، والدر الوافر ص 81والأعلام (ج 1ص 268).(6/7)
(الأعلم) من ألقاب ملوك المغرب. وهو أفعل التفضيل من العلم الذي هو خلاف الجهل.
(الأفخم) من ألقاب ملوك المغرب. وهو أفعل التفضيل من الفخامة:
وهي العظمة والقوّة.
(الأفضل) من ألقاب السلطان ويستعمل في ألقاب ملوك المغرب أيضا وهو أفعل التفضيل [من الفضل] بمعنى الزيادة، والمراد الزيادة في الفضيلة.
(الأكمل) من ألقاب السلطان أيضا ويستعمل في ألقاب ملوك المغرب، وفي ألقاب من لم تثبت فيه ياء النسب من السامي بغير ياء فما دونه والأكمليّ نسبة إليه للمبالغة.
(الإمام) من ألقاب الخلفاء كما يقال في المكاتبات عنهم «من عبد الله ووليّه الإمام الفلانيّ» وقد تقدّم أن أوّل من تلقّب به «إبراهيم بن محمد» أوّل من بويع له بالخلافة من بني العبّاس، ويقع أيضا في ألقاب أكابر العلماء.
وأصل الإمام في اللغة الذي يقتدى به، ولذلك وقع على المجتهدين كالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة: وهم الشافعيّ، ومالك، وأبو حنيفة وأحمد (1). والإماميّ نسبة إليه للمبالغة.
(الأمجد) من ألقاب ملوك المغرب وربما كتب به للتّجّار ونحوهم في ألقاب الصّدر الأجلّ. وهو أفعل التفضيل من المجد: وهو الشّرف أو الأصالة.
(الأميرىّ) من ألقاب أرباب السيوف. قال في «عرف (2) التعريف»:
ويكتب به لكبار (3) وإن كانوا من أرباب الأقلام. وذكر في دستور
__________
(1) أي الإمام أحمد بن حنبل.
(2) الكتاب لشهاب الدين بن فضل الله، وقد تقدمت ترجمته في الصحيفة 7من هذا الجزء من صبح الأعشى.
(3) بياض بالأصول ولعله لكبار الأمراء أو الوزراء. حاشية الطبعة الأميرية.(6/8)
له آخر أنه يكتب به لنقيب الأشراف ولا يكتب له القضائيّ أصلا وإن كان من أرباب الأقلام وقد تقدّم لقب الأمير مجرّدا عن ياء النسب وأصله المأخوذ منه في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف فأغنى عن إعادته هنا. واعلم أنهم لم يستعملوا فيه النسبة لنفس الإمرة فلم يقولوا في النسبة إليه الإمريّ كما قالوا في النسبة إلى القضاء القضائيّ.
(الأمين) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة (1) وألقاب الخدّام المعروفين في زماننا بالطّواشية (2)، خصّوا بذلك لائتمان التجّار على الجواري والمماليك في حال جلبهم إلى الملوك، وائتمان الخدّام على الحريم والمماليك بأبواب الملوك وهو مأخوذ من الأمانة ضدّ الخيانة والأمينيّ نسبة إليه للمبالغة.
(الأوحد) يقع في الألقاب السلطانية، ويكون من ألقاب أرباب الأقلام لمن لا تثبت الياء في ألقابه من السامي بغير ياء فما دونه، وفيه ما تقدّم في الكلام على الأجل من الاعتراض على الكتّاب في جمعهم الأعلى والأدنى في لقب واحد والأوحديّ نسبة إليه للمبالغة.
حرف الباء
(البارع) من ألقاب أرباب الأقلام، وهو فاعل من البراعة: وهي النّهضة بالشيء والتقدّم فيه والبارعيّ نسبة إليه للمبالغة.
(البليغ) من ألقاب أرباب الأقلام، وأحسن ما يقع في ألقاب ذوي البلاغة من الكتّاب ونحوهم، وهو فعيل من البلاغة: وهي تأدية كنه المراد بإيجاز لا يخلّ وإطناب لا يملّ، والبليغيّ نسبة إليه للمبالغة.
__________
(1) أنظر شرح المؤلف حول مفهوم «خواجا» ص 12من هذا الجزء من صبح الأعشى.
(2) الطواشية: ج الطواشي، وهو الخصيّ، وهي كلمة أعجمية.(6/9)
حرف التاء
(التّقيّ) من ألقاب ملوك المغرب، يقال التقيّ الزّكيّ ونحو ذلك وربما استعمل بالديار المصرية في ألقاب أرباب الأقلام وأهل الصلاح، وهو مأخوذ من التقوى كما تقدّم في الأتقى.
حرف الجيم
(الجليل) من ألقاب من يكتب له الحاجّ كمقدّمي الدولة ونحوهم، ويقال فيه: «الحاجّ الجليل» ونحو ذلك والجليل في أصل اللغة العظيم، وكان مقتضى الوضع أن يكون لأعلى من هذه الرّتبة.
حرف الحاء المهملة
(الحاجّ) من ألقاب مقدّمي الدّولة ومهتاريّة (1) البيوت ومن في معناهم وإن لم يكن قد حجّ، وإن كان موضوع الحاجّ في العرف العامّ إنما هو لمن حجّ البيت وإنما اصطلح لهم على ذلك حتّى صار كالعلم عليهم.
(الحافظ) من ألقاب المحدّثين، وأصله من الحفظ ضدّ النّسيان، واختصّ بالمحدّثين لاحتياجهم إلى كثرة الحفظ لمتون الأحاديث وأسماء الرجال ونحو ذلك والحافظيّ نسبة إليه للمبالغة.
(الحافل) من ألقاب ملوك المغرب، ومعناه الكثير الجمع، أخذا من قولهم واد حافل إذا كثر سيله.
(الحاكم) من ألقاب القضاة. قال أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب»: وأصله من الحكمة بفتح الكاف، وهي حديدة مستديرة في اللّجام
__________
(1) المهتار: لقب واقع على كبير كل طائفة من غلمان البيوت، كمهتار الشراب خاناه، ومهتار الطست خاناه، ومهتار الركاب خاناه (مه بالفارسية كبير، وتار: أفعل التفضيل) صبح الأعشى (ج 5ص 470) وحاشية فوات الوفيات (ج 1ص 241رقم 1).(6/10)
تمنع الدابّة من الجري والشّباب (1) سمّي بذلك لأنه يردّ الناس عن الظّلم وأكثر ما يستعمله كتّاب الزمان في عنوان المكاتبات في تعريف المكتوب إليهم، وفي أثنائها في وصف المكتوب بسببه، والحاكميّ نسبة إليه للمبالغة.
(الحائز) من ألقاب ملوك المغرب، وهو فاعل من الحيازة، وهي الحياطة، والمراد الحائز للملك، أو الحائز للفضائل ونحو ذلك.
(الحبر) من ألقاب أكابر العلماء وهو بفتح الحاء وكسرها لغتان، والذي اختاره ابن قتيبة (2) في «أدب الكاتب» الكسر، وبه سمّي الحبر الذي يكتب به، ولكن الجاري على ألسنة الناس الفتح والحبريّ نسبة إليه للمبالغة.
(الحجّيّ) بضم الحاء وكسر الجيم المشدّدة وفي الآخر ياء النسب من ألقاب أكابر القضاة والعلماء، وهو منسوب إلى الحجّة بحذف تاء التأنيث منه على قاعدة النّسب، كما تحذف من طلحة ونحوه على ما هو مقرّر في علم النحو، وبعض جهلة الكتّاب يثبت فيه تاء التأنيث مع النسب فيقول الحجّتيّ وهو خطأ. ثم النسبة فيه حقيقيّة لأن المنسوب إليه وهو الحجة غير من له اللقب، ويجوز أن تكون للمبالغة بأن يجعل صاحب اللقب هو نفس الحجة تجوّزا وهو أبلغ.
(الحسيب) من ألقاب الشّرفاء من ولد عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه من فاطمة رضي الله عنها، أخذا من الحسب وهو ما يعدّه الإنسان من مفاخر آبائه على ما ذكره جماعة من أهل اللغة ولذلك اختص في الاصطلاح بالشّرفاء، إذ كان آباؤهم أعظم الناس مفاخر، لكن قد ذكر ابن السّكّيت في «إصلاح
__________
(1) الشباب: بكسر الشين: نشاط الفرس ورفع يديه جميعا، يقال: شبّ الفرس إذا رفع يديه جميعا.
لسان العرب (شبب).
(2) هو الكاتب أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوريّ صاحب كتاب «عيون الأخبار»، من أصل فارسي، ولد ببغداد سنة 213هـ وتوفي بها سنة 276هـ. انظر مقدمة عيون الأخبار، شرحنا وضبطنا، ففيها دراسة وافية عن سيرة ابن قتيبة.(6/11)
المنطق» أن الحسب يكون في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف وعلى هذا فلا يختص هذا اللقب بذوي الأنساب التي فيها عراقة والحسيبيّ نسبة إليه للمبالغة.
حرف الخاء المعجمة
(الخاشع) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصّلاح، وربما استعمل في العلماء، بل ربما استعمل في أرباب السّيوف إذا كان المكتوب له متّصفا بذلك، بل ربما استعمل في ألقاب بطاركة النصارى من الباب وغيره، على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. والخاشع في اللغة الخاضع والمتذلّل، والخاشعيّ نسبة إليه للمبالغة.
(الخواجا) من ألقاب أكابر التّجّار الأعاجم من الفرس ونحوهم. وهو لفظ فارسيّ، ومعناه السيّد، والخواجكيّ بزيادة كاف نسبة إليه للمبالغة، وكأنّ الكاف في لغتهم تدخل مع ياء النسب.
(الخيّر) بفتح الخاء وتشديد الياء المثناة تحت، من ألقاب أهل الدّين والصّلاح، وهو في أصل اللغة خلاف الشّرّير، ثم غلب استعماله فيمن غلب عليه الخير، والخيّريّ نسبة إليه للمبالغة، وقلّ أن يستعمله الكتّاب إلا بإثبات الياء في آخره.
حرف الذال المعجمة
(الذّخر) بضم الذال وإسكان الخاء من ألقاب أرباب السيوف، وربما أطلق على غيرهم. وأصله في اللغة لما يذخر من النفائس، وهو مصدر ذخرت الشيء أذخره، وكثيرا ما يغلط فيه فيجعل بالدال المهملة. وممّن وقع له الوهم في ذلك الشيخ جمال الدين الإسنويّ (1) في «طبقات الفقهاء» (2) فأورد صاحب
__________
(1) هو أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن إبراهيم الأموي، الفقيه الشافعي الأصولي النحوي العروضي، ولد بإسنا سنة 704هـ، وقدم القاهرة سنة 721هـ، وانتهت إليه رياسة الشافعية. توفي سنة 772هـ انظر بغية الوعاة ص 305304، وقلائد الجمان للقلقشندي ص 181، والبدر الطالع (ج 1ص 352)، والدرر الكامنة (ج 2ص 354)، وكشف الظنون (ج 2ص 1102) والأعلام (ج 3ص 344).
(2) هو كتاب «طبقات الفقهاء الشافعية» انظر قلائد الجمان ص 181، وكشف الظنون (ج 2ص 1102).(6/12)
«الذّخائر» في الدال المهملة، والذّخريّ نسبة إليه للمبالغة وأكثر ما يستعمله الكتّاب كذلك.
حرف الراء المهملة
(الرّبّانيّ) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصّلاح، وربما لقّب به العالم فيقال «العالم الرّبّانيّ» قال الجوهريّ، وهو المتألّه والعارف بالله تعالى. قال تعالى: {كُونُوا رَبََّانِيِّينَ} (1).
(الرّحلة) بضم الراء من ألقاب أكابر العلماء والمحدّثين، والرّحلة في اللغة ما يرحل إليه، لقّب بذلك لأنه في حيّز أن يرحل إليه للأخذ عنه. أما الرّحلة بالكسر فالارتحال والرّحليّ بالضم أيضا نسبة إليه للمبالغة.
(الرّئيس) بالهمزة على وزن فعيل من ألقاب علية الناس وأشرافهم، ويقال فيه ريّس على وزن قيّم قاله الجوهريّ. وأصله من الرّياسة وهي رفعة القدر وعلوّ الرّتبة والرئيسيّ نسبة إليه للمبالغة، وغالب ما يستعمله الكتّاب كذلك، وهو من ألقاب أرباب الأقلام من العلماء والكتّاب.
حرف الزاي
(الزاهد) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصّلاح، وهو في اللغة خلاف الراغب، والمراد هنا من أعرض عن الدنيا فلم يلتفت إليها، والزاهديّ نسبة إليه للمبالغة.
__________
(1) سورة آل عمران 3، الآية 79.)(6/13)
(الزّعيميّ) من ألقاب أكابر أرباب السيوف (1) كنوّاب (2) السلطنة ومن في معناهم وهو نسبة إلى الزّعيم، بمعنى السيد والكافل وكأنّه بولايته على القوم سادهم أو كفلهم وتولّاهم ولم يستعملوا فيه الزعيم بغير ياء لأنه إذا كان مختصا بكبار أرباب السيوف دون أدانيهم (3)، وجب إثبات الياء للمبالغة.
(الزّكيّ) من ألقاب المتدينين من أرباب الأقلام وغيرهم، يقال التقيّ الزكيّ ونحو ذلك. وهو في أصل اللغة بمعنى الزاكي وهو الزائد وقد تقدّم مثله في الأزكى في حرف الألف.
حرف السين المهملة
(السالك) من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح، وهو فاعل من السلوك، والمراد سلوك سبيل الرشاد الموصل إلى الله تعالى، والسالكيّ نسبة إليه للمبالغة.
(السامي) من ألقاب المجلس، وقد تقدّمت الإشارة إليه في الكلام على الألقاب الأصول وأنه ينقسم إلى الساميّ بالياء والسامي بغير ياء فليراجع منه.
(السّفيريّ) قال في «عرف التعريف»: وهو من الألقاب الخاصة بالدّوادار (4)،
__________
(1) تقدم الحديث عن أرباب السيوف في الصحيفة 5من هذا الجزء من صبح الأعشى، الحاشية رقم 1.
(2) نائب السلطنة هو الذي كان يعيّن في إحدى نيابات الشام الست، يوم كانت الشام وهي تخضع لحكم المماليك مقسّمة إلى ست ممالك عرفت أيضا بالنيابات. انظر دولة سلاطين المماليك (ج 1ص 8988).
(3) الأداني: ج أدنى، أي الأدنى رتبة منهم.
(4) الدوادار: كلمة تتكون من لفظين أحدهما عربي وهو الدواة، والثاني فارسي وهو الدار، ومعناه:
ممسك. وصاحب وظيفة الدوادارية يتولّى أمر دواة السلطان مع تبليغ الرسائل عنه وتقديم البريد.
وبمعنى آخر هو الذي يقرأ للسلطان كتب الأسرار الواردة عليه من الملوك وهو الذي يجيب عنها ويسفر بينه وبين وزرائه وكتّابه. استحدثت هذه الوظيفة في عصر قلاوون. صبح الأعشى (ج 4 ص 19) و (ج 5ص 462).(6/14)
على أني قد رأيته في بعض الدساتير الشامية قد كتب به لبعض التجار الخواجكيّة لسفارتهم بين الملوك وتردّدهم في الممالك لجلب المماليك والجواري ونحو ذلك وهو منسوب إلى السفير: وهو الرسول والمصلح بين القوم نسبة مبالغة ولم يستعمله الكتاب مجرّدا عن الياء لأنه إذا كان خاصّا بهذين ورتبتهما علية لا يليق بها حذف الياء لم يناسب استعماله مجرّدا عنها.
(السلطانيّ) من ألقاب الملوك فيثبت في ألقاب المقام الشريف ونحوه، فيقال المقام الشريف العالي السلطانيّ ونحو ذلك وهو منسوب إلى السلطان وقد تقدّم الكلام عليه في الكلام على أرباب الوظائف.
(السيّد) من الألقاب السلطانية يقال: السلطان السيّد الأجلّ ونحو ذلك ويقع في اللغة على المالك والزّعيم ونحوهما والسيّديّ نسبة إليه للمبالغة، وهو من الألقاب الخاصة بالجناب الشريف فما فوقه. قال في «عرف التعريف» ولا يكتب به عن السلطان لأحد.
حرف الشين المعجمة
(الشّاهنشاه) من الألقاب الملوكية المختصة بالسلطان وأكابر الملوك.
وهو لفظ فارسيّ معناه بالعربية «ملك الأملاك» وقد ورد النهي عن التسمّي به وفي الحديث أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أخنع اسم عند الله رجل تسمّى ملك الأملاك لا ملك الأملاك إلا الله». قال سفيان بن عيينة (1): معناه شاهنشاه، ولذلك يحذفه المتديّنون من الكتّاب من الألقاب السلطانية، وقد أشار إلى ذلك في «التثقيف» (2) في مكاتبة صاحب المغرب.
__________
(1) هو أبو محمد سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، الإمام العالم الزاهد الورع. ولد بالكوفة سنة 107هـ، وسكن مكة وقدم بغداد، وتوفي بمكة سنة 198هـ. انظر تاريخ بغداد (ج 9 ص 184174) ووفيات الأعيان (ج 2ص 393391).
(2) الكتاب للقاضي تقي الدين ابن ناظر الجيش. انظر الصحيفة 85من هذا الجزء من صبح الأعشى.(6/15)
واعلم أنّه كان قد وقع في تلقيب الملوك بهذا اللّقب نزاع بين العلماء في سلطنة السلطان «جلال الدولة» (1) السّلجوقيّ في سنة تسع وعشرين وأربعمائة كما حكاه ابن الأثير في تاريخه «الكامل» (2) وذلك أن السلطان جلال الدولة كان قد سأل أمير المؤمنين (القائم بأمر الله) الخليفة يومئذ في (3) أن يخاطب بملك الملوك فامتنع، فكتب فتوى للفقهاء في ذلك، فكتب (4) القاضي أبو الطيّب الطبريّ، والقاضي أبو عبد الله الصّيمريّ، والقاضي ابن البيضاويّ، وأبو القاسم الكرخيّ بجوازه، ومنع (5) منه أقضى القضاة أبو الحسن الماورديّ، وجرى بينه وبين من أفتى بجوازه مراجعات، وخطب لجلال الدولة ب «ملك الملوك». وكان الماورديّ من أخصّ الناس بجلال الدولة، وكان يتردّد إلى دار المملكة كلّ يوم، فلما أفتى في ذلك (6) بالمنع، انقطع ولزم بيته خائفا، وأقام منقطعا من شهر رمضان إلى يوم النحر، فاستدعاه جلال الدولة، فحضر خائفا، فأدخله عليه وحده، وقال له: قد علم كلّ أحد أنك من أكثر الفقهاء مالا وجاها وقربا منا وقد خالفتهم فيما خالف هواي، ولم تفعل ذلك إلا لعدم المحاباة منك واتّباع الحقّ، وقد بان لي موضعك من الدّين ومكانك من العلم، وجعلت جزاء ذلك إكرامك بأن أدخلتك إليّ وحدك، وجعلت إذن الحاضرين إليك، ليتحقّقوا عودي إلى ما تحب. فشكره ودعا له وأذن لكل من حضر للخدمة بالانصراف (7).
__________
(1) هو أبو طاهر بن بهاء الدولة بن بويه الديلمي، صاحب العراق، خطب له ببغداد في سنة 418هـ حيث دخلها من البصرة ثالث عشر من رمضان. توفي سنة 435هـ. انظر البداية والنهاية (ج 12 ص 5251) والكامل في التاريخ (ج 9ص 459361) وصفحات أخرى متفرقة.
(2) الكامل في التاريخ (ج 9ص 459).
(3) في المصدر: «ليخاطب».
(4) في المصدر السابق: «فأفتى».
(5) في المصدر السابق: «وامتنع منه قاضي القضاة».
(6) في المصدر السابق: «فلما أفتى بهذه الفتيا».
(7) في الكامل في التاريخ (ج 9ص 460): «للخدمة والانصراف».(6/16)
(الشريف) من ألقاب المقرّ والجناب، من حيث إنه يقال المقرّ الشريف والجناب الشريف، وذكر في «عرف التعريف» أنه مختصّ بالأشراف أبناء فاطمة من عليّ رضي الله عنهما، وكأنه يريد في الألقاب المطلقة التي لا تلي المقرّ والجناب وهو فعيل من الشرف وهو العلوّ والرفعة، قال ابن السكيت (1): ولا يكون إلا لمن له آباء يتقدّمونه في الشرف بخلاف الحسيب ومن هنا جعله الكتّاب أعلى رتبة من الكريم لاشتماله على قدر زائد لا يعتبر في الكريم من عراقة الأصل وشرف المحتد (2)، والشّريفيّ نسبة إليه للمبالغة.
(الشهير) من ألقاب ملوك المغرب، ومعناه المشهور الظاهر، والمراد هنا من اشتهر علوّ قدره ورفعته.
(الشيخ) من ألقاب العلماء والصلحاء وأصله في اللغة الطاعن في السّن، ولقّب به أهل العلم والصّلاح توقيرا لهم كما يوقّر الشيخ الكبير، والشيخيّ نسبة إليه للمبالغة.
حرف الصاد المهملة
(الصاحب) من ألقاب الوزراء. قال في «عرف التعريف»: وهو مختص بأرباب (3) الأقلام منهم دون أرباب السّيوف. وهو في أصل اللغة اسم للصّديق، وأوّل من لقّب به من الوزراء كافي الكفاة إسماعيل (4) بن عبّاد، وذلك
__________
(1) هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق، عرف بابن السكيت لأنه كان كثير السكوت طويل الصمت. كان متصرفا في أنواع العلم، عالما بنحو الكوفيين وعلم القرآن واللغة والشعر، له مؤلفات عدة منها «إصلاح المنطق» وكتاب «الألفاظ»، وكتاب «القلب والابدال». كان يؤدّب أولاد الخليفة العباسي جعفر المتوكل على الله، توفي سنة 244هـ، وقيل: سنة 246هـ، وقيل: سنة 243هـ.
انظر الفهرست ص 79، وفيه أنه توفي سنة 246هـ. وتاريخ بغداد (ج 14ص 274273)، ووفيات الأعيان (ج 6ص 401395) وبغية الوعاة ص 419418، وفيه أنه توفي سنة 244هـ.
(2) المحتد: الأصل والطبع.
(3) هم الكتّاب والأدباء.
(4) هو أبو القاسم إسماعيل بن عبّاد بن العباس بن عباد الطالقاني، نادرة الدهر وأعجوبة العصر في فضائله ومكارمه، وأول من لقّب بالصاحب من الوزراء لأنه كان يصحب ابن العميد، فقيل له:
صاحب ابن العميد. وقيل: لأنه صحب مؤيّد الدولة بن بويه منذ الصبا فغلب عليه هذا اللقب.
ولي الوزارة ثماني عشرة سنة ومدحه الشعراء، وكانت وفاته في سنة 385هـ. انظر يتيمة الدهر (ج 2 ص 286188)، ووفيات الأعيان (ج 1ص 233228)، وبغية الوعاة ص 197196 والأعلام (ج 1ص 316).(6/17)
أنه كان يصحب الأستاذ ابن العميد (1) فكان يقال له بذلك «صاحب ابن العميد» ثم غلب عليه حتّى استعمل فيه بالألف واللام، ثم صار لقبا على كل من ولي الوزارة بعده. على أن كتّاب الإنشاء بالممالك الشامية يلقّبون العلماء من قضاة القضاة ومن في معناهم بذلك، وهم على ذلك إلى الآن، بخلاف كتّاب الديار المصرية، فإنهم يقصرونه على الوزراء دون غيرهم كما تقدّمت الإشارة إليه.
والصاحبيّ نسبة إليه للمبالغة وهو المستعمل عند كتّاب الإنشاء، وبغير الياء في العرف العامّ.
(الصالح) من ألقاب أهل الصّلاح والصّوفية يقال: الشيخ الصالح ونحو ذلك. وهو مأخوذ من الصّلاح ضدّ الفساد، ولم يستعملوه بإثبات ياء النسب فلم يقولوا الصالحيّ، وكأنهم تركوا ذلك خوفا من الالتباس بالنسبة إلى البلد المعروف أو غيره.
(الصّدر) من ألقاب التّجّار ونحوهم، والمراد من يكون صدرا في المجالس وصدر كلّ شيء في اللغة أوّله، وعبّر عن صدر المجلس بأوّله لأنه في الحقيقة أوّل المجلس وكل جانب من جانبيه تلو له، والصّدريّ نسبة إليه للمبالغة.
__________
(1) هو أبو الفضل محمد بن العميد أبي عبد الله الحسين بن محمد الكاتب، وزير ركن الدولة أبي علي الحسن بن بويه الديلمي والد عضد الدولة. كان أوحد عصره في الكتابة، يضرب به المثل في البلاغة، وكان يقال: بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد. وكان يسمى الجاحظ الثاني، وكانت وفاته ببغداد سنة 360هـ. انظر يتيمة الدهر (ج 3ص 181154) ووفيات الأعيان (ج 5 ص 113103).(6/18)
حرف الطاء
(الطاهر) من ألقاب ملوك المغرب، والمراد المتنزّه عن الأدناس.
حرف الظاء
(الظّهيريّ) من ألقاب كبار أرباب السّيوف كأعيان الأمراء من نوّاب السلطنة وغيرهم، وهو نسبة إلى الظّهير بمعنى العون للمبالغة، ومنه قوله تعالى:
{لََا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كََانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} (1) ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب لاختصاص المظاهرة بأكابر أرباب السّيوف، وهو بغير الياء لا يقع إلا على الأدوان منهم.
حرف العين
(العابد) من ألقاب الصّوفية وأهل الصّلاح، وهو فاعل من العبادة وهي الطاعة. وربما استعمل في أرباب السيوف والأقلام أيضا لاتصاف متّصف منهم بذلك أو وقوعه أوّلا على متصف به منهم ثم لزومه من بعده من أهل تلك المرتبة كما في نائب الشام، حيث كتب لبيدمر (2) الخوارزمي في نيابته بذلك، ثم لزم من بعده من نوّاب الشام والنائب الكافل على ما سيأتي ذكره في المكاتبات إن شاء الله تعالى.
(العادل) من ألقاب السّلطان، وهو خلاف الجائر، وذلك أعلى ما وصف به الملك ونحوه من ولاة الأمور: لأن العدل به تقع عمارة الممالك والعادليّ نسبة إليه للمبالغة وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف من النّواب ونحوهم.
__________
(1) سورة الإسراء 17، الآية 88، أي لا يأتي الإنس والجنّ بمثل هذا القرآن.
(2) هو سيف الدين بيدمر الخوارزمي نائب الشام بدمشق في عهد السلطان الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي، والسلطان حسن المذكور ظل يحكم مصر والشام حتى سنة 762هـ حيث هلك على يد سيف الدين يلبغا الخاصكي. انظر أخبار بيدمر في البداية والنهاية (ج 14ص 286273).(6/19)
(العارف) من ألقاب أكابر أهل الصّلاح، وهو خلاف الجاهل ومنهم من يفرّق بينه وبين العالم بأن المعرفة قد يتقدّمها جهل والعلم لا يتقدّمه جهل، ولذلك لم يطلق اسم العارف على الباري سبحانه وتعالى بخلاف العالم فإنه يطلق عليه والعارفيّ نسبة إليه للمبالغة.
(العاضد) من ألقاب ملوك المغرب وهو في أصل اللغة اسم للمعين يقال: عضدته أعضده إذا أعنته.
(العالم) من ألقاب السّلطان، وهو خلاف الجاهل، ثم هو في الحقيقة إنما هو من ألقاب العلماء إلا أنهم نعتوا به الملوك تعظيما إذ العلم كلّ أحد يزاحم على الاتصاف به والعالميّ نسبة إليه للمبالغة. وهو من الألقاب المشتركة في الاصطلاح بين أرباب السيوف والأقلام وإن كان المختصّ بها في الحقيقة العلماء.
(العالي) من الألقاب التي يشترك فيها أرباب السيوف والأقلام، ويوصف به المقام والمقرّ والجناب والمجلس في إحدى حالتيه وهو من العلاء بالمدّ وهو الشرف. يقال علي بكسر اللام يعلى بفتحها إذا شرف، ومنه قيل في عليّ ونحوه «علاء الدّين» ويحتمل أن يكون من العلوّ في المكان، يقال فيه: علا بفتح اللام يعلو علوّا وسيأتي معنى الفرق بينه وبين السامي وإن كان بمعناه في اللغة.
(العامل) من ألقاب أهل الصّلاح، والمراد المجدّ في العمل المجتهد في العبادة والعامليّ نسبة إليه للمبالغة، وهو من الألقاب المشتركة بين أرباب السيوف والأقلام كالعالميّ.
(العريق) من ألقاب ذوي الأصالة، وأكثر ما يقع على أرباب الأقلام، والمراد من له عراقة في كرم الأصل، والعريقيّ نسبة إليه للمبالغة.
(العزيز) من ألقاب ديوان الخلافة، يقال فيه: «الدّيوان العزيز» على
ما سيأتي بيانه في المكاتبة إلى أبواب الخلافة، وربما استعملوه في الولد فقالوا: الولد العزيز ولم يستعملوه مضافا إلى النّسب.(6/20)
(العزيز) من ألقاب ديوان الخلافة، يقال فيه: «الدّيوان العزيز» على
ما سيأتي بيانه في المكاتبة إلى أبواب الخلافة، وربما استعملوه في الولد فقالوا: الولد العزيز ولم يستعملوه مضافا إلى النّسب.
(العضد) من ألقاب أرباب السّيوف وهو في الأصل اسم للساعد: وهو ما بين المرفق والكتف، واستعمل في المعين والمساعد لقيامه في المساعدة مقام العضد الحقيقيّ من الإنسان ثم الأفصح فيه فتح العين مع ضم الضاد، ويجوز فيه كسر الضاد وإسكانها مع الفتح أيضا وضمّ العين مع إسكان الضاد والعضديّ نسبة إليه للمبالغة.
(العونيّ) من الألقاب المختصة بأكابر أرباب السيوف، وهو نسبة إلى العون وهو الظّهير على الأمر المعاون عليه. ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب لوقوع العون على الواحد من أعوان صاحب الشّرطة ونحوه.
(العلّامة) بالتشديد من ألقاب أكابر العلماء. قال الجوهريّ: وهو العالم للغاية، وقلّ أن يستعملوه إلا في ألقاب المكتوب بسببه ونحو ذلك، وحذف الهاء منه لغة، وليست بمستعملة بين الكتّاب أصلا والعلّاميّ نسبة إلى العلّام أو العلّامة للمبالغة. قال في «عرف التعريف»: ويختص بالمفتي.
حرف الغين المعجمة
(الغازي) من ألقاب أرباب السّيوف، وهو من الأسماء المنقوصة كالقاضي ونحوه، وقلّ أن يستعمل إلا في ألقاب السامي بغير ياء فما دونه.
(الغوث) بالثاء المثلثة من ألقاب الصّوفيّة، وهو عندهم لقب على القطب الذي هو رأس الأولياء وأصله في اللغة من قول الرجل: واغوثاه، وقلّ أن تستعمله الكتّاب بل لم يستعملوه مضافا إلى ياء النسب أصلا.
(الغياثي) من ألقاب أرباب السيوف، وأكثر ما يستعمل في الملوك، وهو في اللغة الاسم من استغاثني فأغثته. وأصله الغواثيّ بالواو فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.(6/21)
حرف الفاء
(الفاتح) من ألقاب ملوك المغرب، وهو فاعل من الفتح بمعنى النّصر، والمراد فتح الأمصار وتملّكها.
(الفاضل) من ألقاب أرباب الأقلام، وأكثر ما يقع في ألقاب العلماء، وربما وقع في ألقاب الكتّاب، وهو خلاف الناقص، والمراد زائد الفضل، وبه لقّب القاضي الفاضل «عبد الرحيم البيسانيّ» (1) الكاتب المشهور والفاضليّ نسبة إليه للمبالغة.
(الفائز) من ألقاب ملوك المغرب وهو فاعل من الفوز بمعنى النّجاة أو الظّفر، وقد يشاحح في التلقيب به فإن الفوز يطلق على الهلاك أيضا على ما هو مقرّر في كتب اللغة، ومثل ذلك يجب اجتنابه لما فيه من الاشتراك بين المحمود والمذموم، إلا أنه غلب استعماله في النّجاة حتّى إنه لم يرد في القرآن إلا بمعناها، ولذلك عوّل الكتّاب على استعماله.
(الفقيه) من ألقاب العلماء وهو اسم فاعل من فقه بضم القاف إذا صار الفقه له سجيّة، ككرم إذا صار الكرم له سجيّة. قال المسيليّ (2) في «شرح مختصر ابن الحاجب»: وإنما يقع على المجتهد دون المقلّد أما إطلاقه على فقهاء المكاتب ونحوهم فعلى سبيل المجاز. على أن الكتّاب بالديار المصرية لم يستعملوا هذا اللقب إلا في القليل النادر، بل كثير من جهلة الكتّاب وغيرهم
__________
(1) هو عبد الرحيم ابن القاضي علي بن السعيد اللخمي العسقلاني المولد، المصري الدار، المعروف بالقاضي الفاضل وزر للسلطان صلاح الدين، وتمكن منه غاية التمكن، برزفي صناعة الانشاء وفاق المتقدمين. كذلك له شعر كثير وترجم له العماد الأصفهاني فعدّه ربّ القلم والبيان وصاحب القريحة الوقادة والبصيرة النقادة. توفي بالقاهرة سنة 596هـ. انظر وفيات الأعيان (ج 3ص 158 163). وخريدة القصر، قسم مصر (ج 1ص 35)، والنجوم الزاهرة (ج 6ص 156).
(2) كذا بالأصول ولعله السبكي. انظر شراح مختصر ابن الحاجب في كشف الظنون للحاجي خليفة.
حاشية الطبعة الأميرية.(6/22)
يستصغرون التلقيب به ويعدّونه نقصا، وإنما يعظّم به جدّ التعظيم أهل المغرب، والفقيهيّ نسبة إليه للمبالغة، وهو مستعمل في ألقاب العلماء.
(الفريديّ) من ألقاب أكابر العلماء، وهو نسبة إلى الفريد بمعنى المنفرد للمبالغة، والمراد المنفرد بما لم يشاركه فيه غيره، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النّسب.
حرف القاف
(القاضويّ) من ألقاب أرباب الأقلام، وهو نسبة إلى القاضي للمبالغة ثم في الحقيقة كان يجب أن يختص بالقضاة الذين هم حكّام الشريعة دون غيرهم إلا أنه توسّع فيه حتّى استعمل في غيرهم من ألقاب أرباب الأقلام.
(القدوة) بكسر القاف وضمها، لغة من ألقاب العلماء والصّلحاء، وهو بمعنى الأسوة، يقال: فلان قدوة يقتدى به، والقدويّ نسبة إليه للمبالغة، وحذفت منه تاء التأنيث المبدلة من الهاء على قاعدة النسب عند النحاة، وكثير من جهلة الكتّاب يثبتون فيه تاء التأنيث مع النسب فيقولون: القدوتيّ، وهو خطأ كما تقدّم في الكلام على الحجّة في حرف الحاء.
(القضاميريّ) من الألقاب التي يستعملها بعض الكتّاب في ألقاب من اجتمع له رياسة السيف والقلم وهو نسبة إلى القضاء والأمير تشبيها بمذهب من يرى النسبة إلى المضاف والمضاف إليه جميعا فيقول في النسبة إلى عبد شمس عبشميّ، وإلى عبد الدّار عبدريّ، ونحو ذلك، وهو مذهب مرجوح على ما تقدّم بيانه في المقالة الأولى في الكلام على النحو، والأحسن فيه النسبة إلى كلّ منهما على انفراده، فيقال القضائيّ الأميريّ، أو الأميريّ القضائيّ، وعلى العمل به فاللائق بعلوّ الرّتبة أن يقال: القاضميريّ ليكون مركبا من القاضويّ والأميريّ، إذ كان القاضويّ في المعنى أبلغ من القضائيّ لما في القاضويّ من المبالغة على ما تقدّم بيانه.
(القضائيّ) من ألقاب أرباب الأقلام، وهو نسبة إلى القضاء فلا مبالغة فيه.(6/23)
(القضاميريّ) من الألقاب التي يستعملها بعض الكتّاب في ألقاب من اجتمع له رياسة السيف والقلم وهو نسبة إلى القضاء والأمير تشبيها بمذهب من يرى النسبة إلى المضاف والمضاف إليه جميعا فيقول في النسبة إلى عبد شمس عبشميّ، وإلى عبد الدّار عبدريّ، ونحو ذلك، وهو مذهب مرجوح على ما تقدّم بيانه في المقالة الأولى في الكلام على النحو، والأحسن فيه النسبة إلى كلّ منهما على انفراده، فيقال القضائيّ الأميريّ، أو الأميريّ القضائيّ، وعلى العمل به فاللائق بعلوّ الرّتبة أن يقال: القاضميريّ ليكون مركبا من القاضويّ والأميريّ، إذ كان القاضويّ في المعنى أبلغ من القضائيّ لما في القاضويّ من المبالغة على ما تقدّم بيانه.
(القضائيّ) من ألقاب أرباب الأقلام، وهو نسبة إلى القضاء فلا مبالغة فيه.
(القطب) من ألقاب الصّوفية وأهل الصّلاح، وهو عندهم عبارة عن رأس الأولياء الذي عليه مدارهم كما تقدّم في الغوث، وقلّ أن يستعمله الكتّاب ولم يستعملوه مضافا إلى ياء النسب فيما وقفت عليه أصلا. والقطب في أصل اللغة كوكب بين الجدي والفرقدين يدور عليه الفلك فيما قاله الجوهري.
والتحقيق أنه نقطة متوهّمة بالقرب من هذا الكوكب على ما هو مقرّر في علم الهيئة، ولذلك قيل لسيّد القوم الذي عليه مدار أمرهم: قطب بني فلان، ومن هنا عبّروا عن مدار الأولياء بالقطب. وقلّ أن يستعمله الكتّاب، ولم يستعملوه مضافا إلى ياء النسب فيما وقفت عليه.
(القواميّ) بفتح القاف من ألقاف أرباب السيوف. وهو نسبة إلى القوام وهو العدل. ومنه قوله تعالى: {وَكََانَ بَيْنَ ذََلِكَ قَوََاماً} (1) ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب.
حرف الكاف
(الكافل) من الألقاب المختصّة بنائب السلطنة بالحضرة، يقال فيه:
النائب الكافل ونحو ذلك، والكافل في اللغة الذي يكفل الإنسان ويعوله، ومنه قوله تعالى: {وَكَفَّلَهََا زَكَرِيََّا} (2) ولقّب بذلك لأنه يكفل الرعية ويعولهم والكافليّ نسبة إليه للمبالغة. قال في «عرف التعريف»: وهو مختص بنائب سلطان أو وزير كبير. وذكر في دستور آخر أنه لا يكتب به لغير هما.
(الكبير) من الألقاب المشتركة بين أرباب السيوف والأقلام، وهو في الأصل لخلاف الصغير، والمراد هنا الرفيع الرّتبة والكبيريّ نسبة إليه للمبالغة.
__________
(1) سورة الفرقان 25، الآية 67. أي كان إنفاقهم وسطا. أنظر تفسير الجلالين.
(2) سورة آل عمران 3، الآية 37. أي أن الله سبحانه ضمّ مريم إليه. أنظر تفسير الجلالين.(6/24)
(الكريم) من ألقاب المقرّ والجناب، ويشترك فيه أرباب السيوف والأقلام، والكريم خلاف اللئيم فيما يقتضيه كلام الجوهريّ حيث قال: الكرم نقيض اللّؤم وحينئذ فيكون المراد بالكريم الخالص من اللّؤم، ومن ثمّ جعل دون الشريف في الرّتبة، إذ في الشّرف قدر زائد على ذلك، وهو اعتبار ثبوت رفعة القدر، بل اعتبار ذلك في آبائه أيضا كما قاله ابن السكيت على ما تقدّم ذكره في الكلام على لقب الشريف، ويوضّح ذلك أن الفقهاء قالوا: يستحبّ في الزوجة أن تكون نسيبة فحمله بعضهم على الصحيحة النّسب احترازا بذلك عن بنت الزّنا، وحمله آخرون على العراقة في النّسب، والأوّل في معنى الكرم الذي لم يعتبر فيه سوى خلوصه من اللّؤم، والثاني بمعنى الشريف الذي اعتبر فيه قدر زائد ثم هو فعيل من كرم بضم الراء إذا صار الكرم له سجية كما تقدّم في الفقيه.
(الكفيليّ) من ألقاب أكابر نوّاب السلطنة، وهو أعلى من الكافل، لأن صيغة فعيل أبلغ من صيغة فاعل على ما هو مقرّر في علم النحو والتصريف.
حرف اللام
(اللّبيب) من ألقاب أرباب الأقلام، وهو فعيل من اللّبّ وهو العقل واللّبيبيّ نسبة إليه للمبالغة.
(اللّوذعيّ) بالذال المعجمة من ألقاب أرباب الأقلام، وهو الذّكيّ القلب.
حرف الميم
(الماجد) من ألقاب أرباب الأقلام غالبا، وربما أطلق على غيرهم، وهو مختص بذوي الأصالة فقد قال ابن السكيت: إن المجد لا يكون إلّا بالآباء والماجديّ نسبة إليه للمبالغة.
(المالكيّ) من الألقاب المختصّة بأكابر أرباب السيوف والأقلام. قال
في «عرف التعريف»: ولا يكتب به عن السلطان لأحد، وهو نسبة إلى المالك الذي هو خلاف المملوك للمبالغة، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب.(6/25)
(المالكيّ) من الألقاب المختصّة بأكابر أرباب السيوف والأقلام. قال
في «عرف التعريف»: ولا يكتب به عن السلطان لأحد، وهو نسبة إلى المالك الذي هو خلاف المملوك للمبالغة، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب.
(المثاغر) بالثاء المثلثة من ألقاب السلطان، والمراد القائم بسدّ الثّغور، وهي البلاد التي في نحر العدوّ، أخذا من الثّغر وهو السّنّ، لأنه كالباب على الحلق الذي يمتنع الوصول إليه إلا منه والمثاغريّ نسبة إليه للمبالغة. وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم.
(المتصرّفيّ) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم، والمراد من ينفذ تصرّفه في الأمور، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب.
(المجاهد) من الألقاب السلطانية، والمراد المجاهد في سبيل الله تعالى، وربما استعمل في ألقاب السامي من غير ياء فما دونه كما تقدّم في الغازي والمجاهديّ نسبة إليه للمبالغة. وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم.
(المجتهد) من ألقاب العلماء، والمراد به في الأصل من يستنبط الأحكام الشرعية من الكتاب (1) والسّنّة والإجماع والقياس، وقلّ أن يستعمله الكتّاب والمجتهديّ نسبة إليه للمبالغة. وأكثر استعماله كذلك.
(المحترم) من ألقاب العامّة ممن يلقّب بالصّدر الأجلّ. فيقال: «الصّدر الأجلّ الكبير المحترم» ونحو ذلك.
(المحقّق) من ألقاب العلماء، وربما استعمل في ألقاب الصّوفية، والمراد أنه يأتي بالأشياء على حقائقها لحدّة ذهنه وصحّة حدسه والمحقّقيّ نسبة إليه للمبالغة.
(المختار) من ألقاب أرباب السّيوف غالبا، ويختصّ بالسامي بغير ياء
__________
(1) أي القرآن الكريم.(6/26)
فما دونه، وهو اسم مفعول من الاختيار، بمعنى أن الملوك وأرباب الأمور يختارونه، على أن اسم الفاعل منه أيضا المختار كلفظ المفعول على السّواء وإنما ترشد إليه القرائن.
(المخدوم) من الألقاب المختصّة بالمكاتبات، والمراد من هو في رتبة أن يكون مخدوما لعلوّ رتبته وسموّ محلّه والمخدوميّ نسبة إليه للمبالغة. قال في «عرف التعريف»: ولا يكتب به عن السّلطان لأحد.
(المدبّريّ) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم ككتّاب السرّ ونحوهم، وهو نسبة إلى المدبّر بكسر الباء الموحدة: وهو الذي ينظر في الأمر وما تؤول إليه عاقبته، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النّسب.
(المدقّق) من ألقاب العلماء، وهو الذي ينعم النظر في المسائل ويدقّقه والمدقّقيّ نسبة إليه للمبالغة.
(المرابط) من الألقاب السّلطانية، وهو مفاعل من الرّباط، وهو ملازمة ثغر العدوّ والمرابطيّ نسبة إليه للمبالغة. وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف، كنوّاب السلطنة ونحوهم.
(المربّي) من ألقاب الصوفية، والمراد من يربّي المريدين (1) ويسلّكهم ويعرّفهم الطريق إلى الله تعالى.
(المرتضى) من ألقاب أرباب السّيوف والأقلام، ويختصّ بالسامي بغير ياء فما دونه، والمراد من يرضاه ولاة الأمور ويختارونه.
(المرشد) من ألقاب ملوك المغرب، وربما استعمل في ألقاب الصوفيّة، والمراد من يرشد الناس إلى الحق ويهديهم السبيل والمرشديّ نسبة إليه للمبالغة.
__________
(1) المراد بالمريدين طلّاب الطريق إلى الله تعالى. أنظر ص 49من هذا الجزء.(6/27)
(المسدّديّ) من ألقاب أرباب السيوف وألقاب الوزراء ومن في معناهم، وهو بفتح الدال المشدّدة نسبة إلى المسدّد، وهو اسم مفعول من السّداد بالفتح:
وهو الصّواب والقصد من القول والعمل. ويجوز أن يكون بالكسر على أنه اسم فاعل منه بمعنى أنه يسدّد غيره، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب.
(المسلّك) بتشديد اللام المكسورة من ألقاب الصوفيّة، وهو اسم فاعل من تسليك الطريق وهو تعريفها، والمراد تعريف المريدين الطريق إلى الله تعالى وأصل التسليك إدخال الشيء في الشيء، ومنه قيل للخيط: سلك، لقب بذلك لإدخاله المريدين في الطريق والمسلّكيّ نسبة إليه للمبالغة.
(المشيّديّ) بتشديد الياء المكسورة من ألقاب أكابر أرباب السيوف، كنوّاب السلطنة ونحوهم، وهو نسبة إلى المشيّد فاعل من التشييد، وهو رفع البناء، ومنه قوله تعالى: {وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} (1) أي مرتفع، والمراد أنه يشيّد قواعد المملكة ويرفعها ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب إذ لا يليق بالأدنين (2).
(المشيريّ) من ألقاب الوزراء وأكابر الأمراء ومن ضاهاهم ممن يؤخذ رأيه.
واختلف في أصله المأخوذ منه فقيل: من شرت العسل إذا استخرجته من كوّارة النحل، لأن الرأي يستخرج من المشير. وقيل من شرت الناقة إذا عرضتها على الحوض لأن المستشير يعرض ما عنده على المشير، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب لانحطاطه عن رتبة الأكابر.
(المظاهر) من ألقاب ملوك المغرب، ومعناه المعاون أخذا من المظاهرة: وهي المعاونة.
__________
(1) سورة الحج 22، الآية 45.
(2) الأدنون: أقرب العشيرة نسبا، أو الأقربون.(6/28)
(المظفّر) من الألقاب السلطانية، أخذا من الظّفر وهو النّصر والمظفّريّ نسبة إليه للمبالغة، وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف.
(المعرق) بضم الميم وإسكان العين وكسر الراء من ألقاب ملوك المغرب، والمراد به من أعرق في الكرم. على أن المعرق قد يطلق في اللغة على المعرق في اللّؤم أيضا فهو من الأضداد، ومثل ذلك يجتنب في التلقيب.
(المعزّز) بزاءين معجمتين الأولى منهما مشدّدة مفتوحة من ألقاب ملوك المغرب، وهو اسم مفعول من العزّ خلاف الذّلّ، ومنه قراءة من قرأ (ويعزّزوه ويوقّروه) (1) بزاءين معجمتين.
(المعظّم) بفتح الظاء المشدّدة من ألقاب ملوك المغرب أيضا، وهو اسم مفعول من العظمة وهي الجلالة، وربما استعمل في ألقاب بعض ملوك الكفر على ما سيأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
(المفخّم) بفتح الخاء المعجمة المشدّدة من ألقاب ملوك المغرب، وهو مأخوذ من الفخامة وهي الضّخامة.
(المفوّه) بفتح الواو المشدّدة من ألقاب البلغاء من الكتّاب وغيرهم. وهو البليغ اللّسن والمفوّهيّ نسبة إليه للمبالغة.
(المفيد) من ألقاب العلماء، وهو اسم فاعل من الإفادة وهي إنالة الشخص ما لم يكن حاصلا عنده والمفيديّ نسبة إليه للمبالغة.
(المقدّمي) بفتح الدال المشدّدة من ألقاب أرباب السيوف. ويختص بمقدّمي الألوف من الأمراء، والمراد أنه مقدّم على مضاهيه من الأمراء والأجناد، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النّسب.
__________
(1) من قول الله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}. سورة الفتح 48، الآية 9.(6/29)
(المقرّب) بفتح الراء المشدّدة من ألقاب الخدّام والخواجكيّة، والمراد أنه مقرّب عند الملوك ومن في معناهم، وهو من القرب خلاف البعد والمقرّبيّ نسبة إليه للمبالغة.
(المكرّم) بفتح الراء المشدّدة من ألقاب ملوك المغرب. وهو مفعّل من الكرامة.
(الملكيّ) بفتح اللام من ألقاب الملك وألقاب أتباعه المنسوبين إليه من الأمراء والوزراء ومن في معناهم وهو نسبة إلى الملك بكسر اللام وإنما فتحت لامه في النسب جريا على قاعدة النسب في نمر فإنه ينسب إليه نمريّ بفتح الميم على ما هو مقرّر في علم النحو. على أن كثيرا من كتّاب الزمان يغلطون فيه فيكسرون لامه في النسب أيضا وهو خطأ. ثم النسبة إن كانت في حق الملك نفسه كقولهم في ألقاب الملك الملكيّ، فالنسبة فيه للمبالغة، وإن كانت في حق أحد من أتباعه كقولهم في حق بعض الأمراء ونحوهم الملكيّ الفلاني فالنسبة فيه على حقيقة النسب.
(الممجّد) بفتح الجيم المشدّدة، من ألقاب ملوك المغرب، وهو مفعّل من المجد، وهو الشرف. وقد تقدّم في الكلام على الماجد عن ابن السكّيت أنه يكون (1) المجد للرجل وإن لم يتقدّمه شرف آباء.
(الممهّديّ) بكسر الهاء المشدّدة من ألقاب أكابر أرباب السيوف، نسبة إلى الممهّد، وهو الذي يمهّد الممالك ويدوّخها، والنسبة فيه للمبالغة، ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب.
(المنتخب) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة: وهو المختار والمنتخبيّ نسبة
__________
(1) قال ابن السّكيت: الشرف والمجد يكونان بالآباء، يقال: رجل شريف ماجد، له آباء متقدمون في الشرف. وأضاف ابن السكيت: والحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف.
أنظر لسان العرب، مادة (مجد).(6/30)
إليه للمبالغة.
(المنفّذيّ) بكسر الفاء المشدّدة وبالذال المعجمة من ألقاب الوزراء ومن في معناهم نسبة إلى المنفّذ: وهو الذي له معرفة بتنفيذ الأمور ووضع الأشياء في مواضعها، والنسبة فيه للمبالغة ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب.
(المنصفيّ) من ألقاب الوزراء وولاة الأمور، نسبة إلى المنصف، وهو الذي ينصف المظلوم من الظالم، والنسبة فيه للمبالغة ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب.
(المنصور) من الألقاب السلطانية، يقال منه «المؤيّد المنصور» ونحو ذلك، ومعناه ظاهر، والمنصوريّ نسبة إليه للمبالغة وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم.
(المؤتمن) من ألقاب الخدّام والتّجّار الخواجكيّة، والمراد أن الخدّام يؤتمنون على الحريم والمماليك في الحضر، والتّجّار يؤتمنون على المماليك والجواري في السّفر، أو يؤتمنون على أخبار الممالك وأحوالها، فلا يخبرون عن مملكة بمملكة أخرى إلا بما فيه السّداد.
(المولى) من ألقاب الكتّاب، وأكثر ما يجري ذلك في تعيين كاتب السرّ ونحوه. فيقال: «المولى فلان الدّين» والمراد هنا السيّد، والمولويّ نسبة إليه للمبالغة. وهو من ألقاب أكابر أرباب السيوف والأقلام. قال في «عرف التعريف»: ولا يكتب به عن السلطان لأحد. على أن المولى لفظ مشترك يقع في اللغة على السيد كما تقدّم ويعبّر عنه بالمولى من أعلى ويقع على المملوك والعتيق ويعبّر عنه بالمولى من أسفل ويقع على المنضمّ إلى القبيلة من غير أنفسها، كما يقال في الإمام البخاريّ (1): «الجعفيّ مولاهم» بمعنى أنه ليس
__________
(1) هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي بالولاء، الإمام في علم الحديث، وصاحب الجامع الصحيح والتاريخ. رحل في طلب العلم إلى سائر محدّثي الأمصار. توفي سنة 256هـ.
أنظر تاريخ بغداد (ج 2ص 344) ووفيات الأعيان (ج 4ص 191188).(6/31)
من صلب القبيلة ويطلق على غير ذلك أيضا. وإذا كان مشتركا بين المولى من أعلى والمولى من أسفل فكان الأحسن الإضراب عنه.
(المؤيّد) بفتح الياء المشدّدة من الألقاب السلطانية، وبالكسر من ألقاب الساميّ بالياء فما دونه، والمراد أنه يؤيّد الملك وينصره، وكلاهما مأخوذ من الأيد وهو القوّة، والمراد أن الله تعالى يؤيّده ويقوّيه، ومنه قولهم في الدعاء:
«أيّده الله تعالى» أي قوّاه والمؤيّديّ بالفتح من الألقاب الملوكية نسبة إلى المؤيّد بالفتح للمبالغة وبالكسر من ألقاب أكابر أرباب السيوف نسبة إلى المؤيّد بالكسر للمبالغة.
(الملاذيّ) بالذال المعجمة من ألقاب الوزراء ومن في معناهم من ولاة الأمور. وهو منسوب إلى الملاذ بمعنى الملجإ نسبة مبالغة ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب.
حرف النون
(الناسك) من ألقاب الصّوفية وأهل الصلاح، ومعناه العابد أخذا من النّسك وهو العبادة والناسكيّ نسبة إليه للمبالغة. وهو من ألقاب الصّلحاء أيضا، وربما كتب به لأرباب السيوف والأقلام إذا كان فيهم من ينسب إلى الصّلاح.
(النّبويّ) من ألقاب ديوان الخلافة وما في معناه من متعلّقاتها، يقال فيه:
«الدّيوان العزيز النبويّ» ونحو ذلك. ويقع أيضا في ألقاب ولاة العهد بالخلافة وربما وقع في ألقاب الأشراف. وهو نسبة إلى النبوّة لانتساب الخلافة العبّاسيّة إلى العبّاس عمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وانتساب الأشراف إلى ابنته فاطمة رضي الله عنها.
(النّسيب) من ألقاب الشّرفاء أبناء فاطمة من عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، والمراد العريق في النّسب لقّبوا بذلك لأنهم أعرق الناس نسبا، لانتسابهم إلى بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومن خصائصه صلّى الله عليه وسلّم جواز نسبة أولاد بناته إليه بخلاف غيره، على ما هو مقرّر في كتب الفقه. وقد أوضحت ذلك في كتابي المسمّى ب «الغيوث الهوامع، في شرح جامع المختصرات ومختصر الجوامع» في أوائل النكاح والنّسيبيّ نسبة إليه للمبالغة.(6/32)
«الدّيوان العزيز النبويّ» ونحو ذلك. ويقع أيضا في ألقاب ولاة العهد بالخلافة وربما وقع في ألقاب الأشراف. وهو نسبة إلى النبوّة لانتساب الخلافة العبّاسيّة إلى العبّاس عمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وانتساب الأشراف إلى ابنته فاطمة رضي الله عنها.
(النّسيب) من ألقاب الشّرفاء أبناء فاطمة من عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، والمراد العريق في النّسب لقّبوا بذلك لأنهم أعرق الناس نسبا، لانتسابهم إلى بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومن خصائصه صلّى الله عليه وسلّم جواز نسبة أولاد بناته إليه بخلاف غيره، على ما هو مقرّر في كتب الفقه. وقد أوضحت ذلك في كتابي المسمّى ب «الغيوث الهوامع، في شرح جامع المختصرات ومختصر الجوامع» في أوائل النكاح والنّسيبيّ نسبة إليه للمبالغة.
(النّصير) من ألقاب أرباب السيوف للمجلس الساميّ بالياء فمن دونه.
وهو بمعنى الناصر إلا أنه أبلغ منه، لأن صيغة فعيل أبلغ من صيغة فاعل على ما تقدّم، والنّصيريّ نسبة إليه للمبالغة في نصره.
(النّظاميّ) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم، وهو نسبة إلى النّظام، وهو صورة الاجتماع والالتئام، ومنه نظم اللّؤلؤ وغيره، والمراد أنه يكون به انتظام الأمور والتئامها، وحينئذ فيكون النسب فيه على حقيقته، لأنه نسبة إلى غير صاحب اللّقب ويجوز أن تكون النسبة فيه للمبالغة على معنى أن صاحب اللقب قد جعل (1) عن النظام تجوّزا ولم يستعملوه مجرّدا عن ياء النسب.
(النّوين) بضم النون وفتح الواو وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر من ألقاب كفّال الممالك بالممالك القانيّة، كنائب (2) السّلطنة، وأمراء (3)
__________
(1) أي أطلق عليه النظام. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) تقدّم الحديث عنه في الصحيفة 14من هذا الجزء من صبح الأعشى، الحاشية رقم 2.
(3) جمع أمير الألوس، وهي وظيفة عسكرية في مملكة إيران وكانت زمن جنكيز خان وهولاكو، وظل معمولا بها حتى آخر أيام السلطان أبي سعيد، وكانت تعادل وظيفة أمير الأمراء في مصر. وكان عدد أمراء الألوس في مملكة إيران أربعة، وكان لا يفصل في مهام الأمور إلّا بهم، وإذا غاب أحدهم قام نائبه مقامه، وكانوا لا يمضون أمرا إلّا بالوزير. والوزير يمضي الأمور دونهم لأنه كان يمثل السلطان، وله حق التصرف في أموال المملكة والولاية. ويلقب أمير الألوس بالنوين. صبح الأعشى (ج 4ص 423).(6/33)
الألوس، والوزير، ونحوهم فيما كان عليه مملكة إيران إلى آخر مملكة أبي (1)
سعيد، والنّوينيّ نسبة إليه للمبالغة. قال في «التثقيف» (2): وهو بمثابة الكافليّ في ألقاب النّوّاب. قال: وهو نعت يستعمل دائما لأهل تلك البلاد ولا يستعملون الكافليّ أصلا.
حرف الهاء
(الهمام) من ألقاب أرباب السّيوف، والمراد الشّجاع والهماميّ نسبة إليه للمبالغة.
حرف الواو
(الوالديّ) من ألقاب المسنّين من الأكابر، وهو نسبة إلى الوالد، وكأنه جعله والدا له فتكون النسبة إليه على حقيقة النسب، لأن النسبة فيه ليست (3) إلى صاحب اللقب نفسه، وربما قصد بذلك الوالد حقيقة وأكثر ما يقع هذا اللقب في المكاتبات.
(الورع) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصلاح، وربما لقّب به أرباب السيوف والأقلام أيضا إذا اتصفوا بذلك والمراد من يتنزّه عن الوقوع في الشّبهات. وهو في اللغة التقيّ، يقال منه: ورع يرع بكسر الراء فيهما ورعا فهو ورع والورعيّ نسبة إليه للمبالغة.
(الوزيريّ) من الألقاب الخاصة بالوزراء من أرباب السيوف والأقلام.
__________
(1) هو أبو سعيد برقوق بن أنص العثماني، وقد تقدم في دولة المنصور القلاووني علي بن شعبان، ثم انتزع السلطنة من الصالح أمير حاج آخر بني قلاوون سنة 784هـ، وتلقب بالملك الظاهر. وكانت وفاته بالقاهرة سنة 801هـ. انظر الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (ج 3ص 10) والأعلام (ج 2 ص 48).
(2) الكتاب للقاضي تقي الدين ابن ناظر الجيش. انظر هذا الجزء من صبح الأعشى ص 85، 95.
(3) في الأصل «تنسب» وهو تصحيف ظاهر. حاشية الطبعة الأميرية.(6/34)
وهو نسبة إلى الوزير، وقد تقدّم معناه واشتقاقه في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف.
(الولديّ) من ألقاب الأحداث من الرؤساء، وهو نسبة إلى الولد، كأنه جعله ولدا له، وربما وقع على الولد حقيقة وأكثر ما يقع في المكاتبات كما تقدّم في الوالديّ.
حرف اللام ألف
(الألمعيّ) من ألقاب الأذكياء. قال الجوهريّ: ومعناه الذّكيّ المتوقّد.
حرف الياء
(اليمينيّ) من ألقاب الدوادار (1) وكاتب السرّ والحاجب. قال في «عرف التعريف» ولا يقال لغيرهم، وهو نسبة إلى اليمين كأنه يمين السلطان الذي يتناول به الأشياء، وإلا فمجلس كاتب السرّ بدار العدل عن يسار السلطان، والدّوادار والحاجب قائمان أمامه.
الضرب الثاني (المركّبة المعبّر عنها في اصطلاح الكتّاب بالنّعوت) (وهذه جملة منها مرتّبة على حروف المعجم أيضا)
حرف الألف
(أتابك العساكر) من نعوت الأمير الأتابك ومن في معناه كالنائب الكافل ومن في رتبته. وذكر في «عرف التعريف» أنه مما يختصّ بالنائب الكافل. وقد تقدّم ذكر معنى الأتابك في الكلام على الألقاب الأصول والعساكر جمع عسكر وهو الجيش.
__________
(1) تقدم الحديث عنه في الصحيفة 14من هذا الجزء من صبح الأعشى، الحاشية رقم 4.(6/35)
(إسكندر الزّمان) من الألقاب السلطانية، والمراد بالإسكندر هنا الإسكندر بن فيلبس اليونانيّ، وهو الذي يؤرّخ بظهوره على الفرس وغلبته إياهم على ما سيأتي في الكلام على التاريخ في أواخر هذه المقالة.
كان ملكا عظيما ملك الشأم، وبيت المقدس، والعراقين، والسّند، والهند، وبلاد الصّين، والتّبّت، وخراسان، وبلاد التّرك وذلّت له سائر الملوك وهاداه أهل الغرب، والأندلس، والسّودان وهو الذي بنى مدينة الإسكندريّة، ويقال: إنه ذو القرنين الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز. قال المؤيّد صاحب (1) حماة في تاريخه: والصحيح أن ذا القرنين ملك عظيم كان قبل الإسكندر بزمن طويل.
(أثير الإمام) من ألقاب أرباب الأقلام غالبا، وهو أثير بمعنى مأثور، والمراد أن الإمام يؤثره على غيره فيقدّمه عليه.
(إعتضاد صناديد الزمان) من ألقاب أرباب السّيوف وقد يكتب به لبعض الملوك. والاعتضاد الاستعانة، يقال: اعتضدت بفلان إذا استعنت به، والصّناديد جمع صنديد، وهو الشّجاع.
(أكرم نجباء الأبناء في العالمين) من ألقاب الرؤساء من أرباب الأقلام، وأكرم أفعل التفضيل من الكرم خلاف اللّؤم، والنّجباء جمع نجيب، وهو الكريم.
(أجمل البلغاء في العالمين) من ألقاب أرباب البلاغة من الكتّاب وغيرهم، ومعناه ظاهر.
(الذّابّ عن حوزة المؤمنين) من ألقاب ملوك المغرب، ويصلح لكل
__________
(1) هو الملك المؤيد إسماعيل أبو الفداء صاحب كتاب المختصر في أخبار البشر والمعروف بتاريخ أبي الفداء.(6/36)
ملك مسلم يقوم بفرض الجهاد. والذابّ الدافع، والحوزة بفتح الحاء المهملة والزاي المعجمة الناحية.
(القائم في مصالح المسلمين) من ألقاب ملوك المغرب. ذكر في «التعريف» أنه يكتب به إلى صاحب تونس، ويصلح لكل متّصف بذلك من ملوك الإسلام، ومعناه ظاهر.
(المجاهد عن الدّين) من ألقاب ملوك المغرب، ومعناه ظاهر أيضا.
(المعفّي ملوك آل ساسان، وبقايا فراسياب وخاقان) من ألقاب عظماء ملوك الأعاجم. وقد ذكره في «التعريف» (1) في ألقاب صاحب الهند. والمعفّي بتشديد الفاء المكسورة الماحي للأثر، يقال: عفّت الريح كذا بالتشديد إذا درسته ومحت أثره، وشدّد للمبالغة.
وآل ساسان ملوك الأكاسرة وهم الطبقة الرابعة من ملوك الفرس الساسانيّة إلى أن غلبهم الإسلام وانتزع الملك من أيديهم، ينسبون إلى جدّهم ساسان، وهو ساسان (2) بن أردشير بهمن بن كيبستاسف من ملوك الطبقة الثانية فيهم، على ما سيأتي بيانه في الكلام على مكاتبة ملوك إيران، في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
وفراسياب بفاء في أوّله ثم سين مهملة بعدها ياء ثم ألف وباء موحدة ملك عظيم من ملوك الترك، ويقال: إن أصله من أبناء ملوك الفرس، وهو فراسياب (3) بن طوج بن أفريدون، من الطبقة الأولى من ملوك الفرس، وإن
__________
(1) الكتاب لشهاب الدين بن فضل الله انظر صحيفة 76و 84من هذا الجزء.
(2) في جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 511: ساسان بن بهمن بن أسفنديار بن بستاشب، أول من أظهر دين المجوسية.
(3) في مروج الذهب (ج 1ص 232): ملك فراسياب بعد سهم بن أبان بن أثقبان، وهو فراسياب بن أطوج بن ياسر بن رامي بن ساساسب بن أطوج بن أفريدون الملك.(6/37)
ابن عمه منوشهر غلب عليه بعد أن قتل أباه طوجا ففرّ إلى بلاد الترك وتزوّج منهم، وانتهت به الحال إلى أن ملكهم وعظم ملكه فيهم.
وخاقان بخاء معجمة وقاف ونون ملك من ملوك الترك أيضا كان في زمن كسرى أنو شروان فيما يقتضيه كلام أبي هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» حيث ذكر أنه كان بينه وبينه حرب.
(المواقف المقدّسة) من ألقاب الخلفاء في مخاطباتهم في المكاتبات ونحوها، والمراد الأماكن التي يقف فيها الخليفة، كني بها عن الخليفة تنويها عن التصريح بذكره والمقدّسة المطهّرة، والمراد طهارتها عن الأدناس المعويّة.
(إمام الأئمة) من ألقاب العلماء، وربما قيل «إمام الأئمة في العالمين».
(إمام البلغاء) من ألقاب أهل البلاغة من الكتّاب ومن في معناهم.
(إمام المتكلّمين) من ألقاب العلماء، وهو بأهل المعقول أليق لإطلاق علم الكلام (1) على أصول الدّين، وإنما سمّي بذلك لأنه لما وقع القول بخلق القرآن في صدر الإسلام ممن وقع كثر الكلام والخوض في ذلك فأطلق على أصول الدين علم الكلام وبقي علما عليه.
(أوحد الأشراف) من ألقاب الشّرفاء، وربما قيل «أوحد الأشراف في العالمين» أو «أوحد الأشراف الطاهرين» أو «أوحد الأشراف الماجدين» ونحو ذلك.
__________
(1) يعدّ علم الكلام مبحثا من مباحث علوم الدين، إذ يبحث في أصول الدين الإسلامي من الوجهة النظرية لا العملية، فيعتقد المتكلّم أولا ثم يستدل. ولقد تحدث ابن حزم عنه في رسالته «مراتب العلوم» فقال: علم الكلام ينقسم إلى معرفة مقالات المتكلمين ومعرفة حجاجهم وما يصحّ منها بالبرهان وما لا يصحّ. انظر رسائل ابن حزم (ج 4ص 79).(6/38)
(أوحد الأصحاب) من ألقاب الوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم ككاتب السّر ونحوه وإن كان الصاحب يختصّ بالوزير في عرف [كتّاب الديار المصرية (1)] على ما تقدّم.
(أوحد الأكابر) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة، وربما كتب به لغيرهم من الرؤساء، وربما قيل «أوحد الأكابر في العالمين».
(أوحد الأمّة) من ألقاب العلماء، وربما أطلق على غيرهم.
(أوحد الأمناء في العالمين) من ألقاب الكتّاب، والأمناء جمع أمين، وهو خلاف الخائن.
(أوحد الأئمة العلماء في العالمين) من ألقاب العلماء، وربما اقتصر على أوحد العلماء.
(أوحد البلغاء) من ألقاب أرباب الأقلام، وربما قيل «أوحد البلغاء في العالمين» ونحو ذلك والبلغاء جمع بليغ وقد تقدّم معناه.
(أوحد الرّؤساء) وربما قيل «أوحد الرّؤساء في العالمين» أو «أوحد الرؤساء في الأنام» (2) ونحو ذلك، ومعناه ظاهر.
(أوحد الحفّاظ) من ألقاب المحدّثين، وربما قيل «أوحد الحفّاظ في العالمين» ونحو ذلك.
(أوحد الخطباء في العالمين) من ألقاب الخطباء.
(أوحد العلماء الأعلام) من ألقاب العلماء، وربما قيل «أوحد العلماء في العالمين».
__________
(1) بياض بالأصل، والتصحيح من لقب الصاحب المتقدم في الألقاب المفردة ص 17من هذا الجزء.
حاشية الطبعة الأميرية.
(2) الأنام: الخلق.(6/39)
(أوحد الفضلاء) من ألقاب العلماء، وربما استعمل في غيرهم من أرباب الأقلام، وربما قيل «أوحد الفضلاء المفيدين» أو «أوحد الفضلاء العارفين» ونحو ذلك.
(أوحد الكبراء) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة، ويجوز أن يستعمل في غيرهم.
(أوحد الكتّاب) من ألقاب الكتّاب سواء كتّاب الإنشاء وغيرهم.
(أوحد المتصرّفين) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم.
(أوحد المجاهدين) من ألقاب أرباب السّيوف.
(أوحد المحقّقين) من ألقاب العلماء.
(أوحد المتكلّمين) من ألقاب العلماء، وهو بعلماء المعقول أنسب.
(أوحد المفيدين) من ألقاب العلماء.
(أوحد الملوك والسلاطين) من الألقاب السلطانية.
(أوحد الوعّاظ) من ألقاب أهل التذكير والوعظ.
(أوحد الوقت) من ألقاب أرباب الأقلام، وربما قيل «أوحد الوقت والأوان» والوقت معروف، والأوان الحين، ويجمع على آونة مثل زمان وأزمنة.
حرف الباء
(بركة الأنام) من ألقاب الصّلحاء، وقد تستعمل للعلماء أيضا.
(بركة الدّولة) من ألقاب الصّلحاء أيضا، وقد يقال «بركة الدّول» على الجمع، وربما كتب به لأرباب الأقلام من العلماء وغيرهم. والمراد بالدولة المملكة القائمة، وأصلها من الدّولة في الحرب وهي النّصر والغلبة.
(بركة المسلمين) من ألقاب الصّلحاء، وقد تستعمل لأهل العلم أيضا.
(بقيّة الأكابر) من ألقاب بقايا البيوت الرئيسية من أهل الأقلام وغيرهم، وربما قيل «بقيّة الأكابر في العالمين».
(بقيّة البيت النبويّ) من ألقاب الأشراف، وبه يكتب إلى إمام الزيدية باليمن.(6/40)
(بقيّة الأكابر) من ألقاب بقايا البيوت الرئيسية من أهل الأقلام وغيرهم، وربما قيل «بقيّة الأكابر في العالمين».
(بقيّة البيت النبويّ) من ألقاب الأشراف، وبه يكتب إلى إمام الزيدية باليمن.
(بقيّة السّلف) من ألقاب العلماء والصّلحاء، وربما قيل «بقية السّلف الصالح» أو «بقيّة السّلف الكرام» والمراد بالسّلف الآباء المتقدّمون، أخذا من قولهم سلف إذا مضى، وربما أطلق على من تقدّم في صدر الإسلام من الصّحابة والتابعين.
(بقيّة السّلالة الطاهرة) من ألقاب الأشراف، وقد يقال فيه بقيّة السّلالة الطاهرة الزّكيّة، وربما أطلق على غيرهم. وبذلك يكتب لصاحب تونس لادّعائه أنه من نسل أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه. والسّلالة في الأصل ما استلّ من الشيء، والمراد هنا النّطفة لأنها مستلّة من الإنسان.
(بقيّة الملوك والسلاطين) من ألقاب من له سلف من الملك، كصاحب حصن كيفا (1) من بقايا الملوك الأيّوبيّة.
(بقيّة الأصحاب) من ألقاب الوزراء أرباب الأقلام ومن في معناهم.
(بقيّة شجرة الفخار) من ألقاب ذوي الأصالة العريقين في النّسب، وبه يكتب لابن الأحمر (2) صاحب الأندلس.
(بهاء الأعيان) من ألقاب أرباب الأقلام، والبهاء الحسن، والأعيان جمع
__________
(1) حصن كيفا: بلدة وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر، وهي لصاحب آمد من ولد داود بن سقمان بن أرتق. معجم البلدان (ج 2ص 265).
(2) بنو الأحمر أو بنو نصر هم سلاطين مملكة غرناطة، أسّس مملكتهم محمد بن يوسف بن نصر المعروف بابن الأحمر، وذلك في سنة 635هـ. عرفت مملكتهم سلاطين ضعفاء كما عرفت سلاطين أقوياء كأبي الحجاج (755734هـ) وابنه الغني بالله (793755هـ) حيث وصلت الأندلس الى ذروة مجدها السياسي والأدبي والعمراني. سقطت مملكتهم بيد النصارى الاسبان في سنة 897هـ.(6/41)
عين تجمع على أعين وعيون وأعيان، والمراد هنا الخيار، إذ عين كلّ شيء خياره.
(بهاء الأنام) من ألقاب أرباب السيوف غالبا، وربما أطلق على غيرهم والأنام الخلق.
(بهاء العصابة العلويّة) من ألقاب الأشراف، وبه يكتب لأميري مكة والمدينة المشرّفتين، والعصابة بالكسر الجماعة من الناس وتجمع على عصائب. والعلويّة نسبة إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
حرف التاء المثناة من فوق
(تاج العلماء والحكّام) من ألقاب القضاة، والتاج ما يوضع على الرأس وهو معروف.
(تاج الأمناء) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة، ويصلح لكتّاب الأموال أيضا.
(تاج المتصرّفين) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم.
(تاج الفضلاء) من ألقاب أرباب الأقلام. ورأيت في بعض الدّساتير الشاميّة «تاج الفضلاء المنشئين» وهو مناسب لمن هو في أوّل نشأته وابتداء رياسته، وحداثة سنّه.
(تاج الملّة) من الألقاب التي يشترك فيها أرباب السيوف والأقلام جميعا. والملّة في أصل اللغة الدين والشّريعة، والمراد هنا ملّة الإسلام، والألف واللام فيها للعهد الذّهنيّ.
حرف الثاء المثلثة
(ثقة الدّول) من ألقاب التّجار الخواجكيّة، وربما قيل «ثقة الدولتين» والثّقة في اللغة الأمين وخصّ ذلك بالتّجّار لتردّدهم في الممالك، ويحسن أن
يلقّب به المتردّدون في الرسائل بين الملوك.(6/42)
(ثقة الدّول) من ألقاب التّجار الخواجكيّة، وربما قيل «ثقة الدولتين» والثّقة في اللغة الأمين وخصّ ذلك بالتّجّار لتردّدهم في الممالك، ويحسن أن
يلقّب به المتردّدون في الرسائل بين الملوك.
حرف الجيم
(جامع كلمة الإيمان) من الألقاب السلطانية.
(جامع طرق الواصفين) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصّلاح، وربما قيل «جامع الطّرق» ويصلح أن يكون من ألقاب العلماء أيضا.
(جمال الإسلام) من ألقاب العلماء، وربما قيل جمال الأكابر من ألقاب التجّار الخواجكيّة، وقد يستعمل لأرباب الأقلام، والجمال في اللغة الحسن.
(جمال الذّرّية) والمراد ذرّيّة النبي صلّى الله عليه وسلّم، لأن الذرّيّة تشمل أولاد البنات، وقد عدّ الله تعالى عيسى عليه السّلام [من ذرّيّة إبراهيم عليه السّلام] (1) وهو ابن بنته.
(جمال الصّدور) من ألقاب أرباب الأقلام، والصّدور جمع صدر، والمراد صدور المجالس.
(جمال الأئمة) من ألقاب العلماء، وربما قيل «جمال الأئمة العارفين».
(جمال البارعين) من ألقاب أرباب الأقلام، «والبارعين» جمع بارع وهو الناهض.
(جمال البلغاء) من ألقاب كتّاب الإنشاء ونحوهم.
(جمال الطائفة الهاشميّة) من ألقاب الشّرفاء، والطائفة في أصل اللغة
__________
(1) الزيادة يقتضيها الكلام كما لا يخفى على المتأمّل، وسقوطها سهو من الناسخ. قال الله تعالى:
{أُولََئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللََّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنََا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرََاهِيمَ}
سورة مريم 19، الآية 58. أنظر أيضا حاشية الطبعة الأميرية.(6/43)
اسم للقطعة من الشيء. قال ابن (1) عباس وتطلق على الواحد فما فوقه، والهاشميّة نسبة إلى هاشم: وهو هاشم بن عبد مناف جدّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
(جمال العترة الطاهرة) من ألقاب الشّرفاء أيضا، وربّما اقتصر على جمال العترة فقط. وعترة الرجل نسله وأهله الأدنون، والمراد عترة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
(جمال العصبة الفاطميّة) من ألقاب الشّرفاء أيضا، والعصبة بفتح العين والصاد واحدة العصبات، وهي في أصل اللغة البنون والقرابة للأب. قال الجوهريّ: سمّوا عصبة لأنهم عصبوا بالشخص بمعنى أنهم أحاطوا به: فالأمّ طرف، والأب طرف، والعمّ جانب، والأخ جانب. والمراد هنا أبناء فاطمة رضي الله عنها وهم أحد أفراد العصبة. ولا يجوز أن يقال العصبة بضم العين وإسكان الصاد: لأن المراد بذلك الرجال ما بين العشرة والأربعين كما قاله الجوهريّ. وبنو فاطمة رضي الله عنها قد أربوا عن العدد في الشّرق والغرب.
(جمال العلماء) من ألقاب أهل العلم.
(جمال الفضلاء) من ألقاب أرباب الأقلام من العلماء والكتّاب، وربما قيل «جمال الفضلاء المفيدين» ونحو ذلك ويختصّ حينئذ بالعلماء.
(جمال الكتّاب) من ألقاب كتّاب الإنشاء وغيرهم من الكتّاب.
(جمال المملكة) من ألقاب الكتّاب.
(جمال الورعين) من ألقاب الصّوفية وأهل الصّلاح.
(جمال أهل الإفتاء) من ألقاب أكابر العلماء.
(جلال الإسلام) من ألقاب أرباب الأقلام، ويصلح أن يكون لقبا لبعض
__________
(1) هو أبو العباس عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ولد بمكة ولازم الرسول وروى عنه الأحاديث الصحيحة. توفي بالطائف سنة 68هـ. انظر وفيات الأعيان (ج 3ص 6462) وفيه أنه توفي في فتنة ابن الزبير بالغا من العمر سبعين سنة.
والأعلام (ج 4ص 94).(6/44)
الملوك، وبه يكتب لإمام الزّيديّة باليمن، وربما قيل «جلال الإسلام والمسلمين».
(جلال الأصحاب) من ألقاب الوزراء، ومن في معناهم.
(جلال الأكابر) من ألقاب أرباب الأقلام، وبه يكتب لناظر (1) الخاصّ.
(جلال الحكّام) من ألقاب أكابر القضاة، والجلال في اللغة العظمة.
(جلال العترة الطاهرة) من ألقاب الشرفاء، وبه يكتب لأميري مكة والمدينة المشرّفتين.
(جلال العلماء في العالمين) من ألقاب أهل العلم، وربما قيل «جلال العلماء العاملين» ونحو ذلك.
(جلال الكبراء) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام.
(جلال الأسرة الزاهرة) من ألقاب الأشراف. والأسرة بضم الهمزة الرّهط، والمراد رهط بني هاشم، والزاخرة المضيئة، وبه سمّي الكوكب المعروف بالزّهرة.
(جهبذ الحذّاق) من ألقاب الكتّاب، وربما قيل «جهبذ الحذّاق المتصرّفين» والجهبذ بفتح (2) الجيم وإسكان الهاء وفتح الموحدة النّقّاد للذّهب والفضّة، ولذلك يقال للصيرفيّ جهبذ، والمراد هنا أنه ينقد الأمور فيستخرج جيدها من رديئها كما يفعل الصيرفي.
__________
(1) ناظر الخاص هو الذي ينظر في خاص أموال السلطان. صبح الأعشى (ج 5ص 465وما بعدها) وحاشية فوات الوفيات ج 2ص 378رقم 1.
(2) ضبطه النووي في تهذيب الأسماء واللغات (ج 1ق 2) ص 56، مادة (جهبذ) بكسر الجيم والباء الموحدة وبالذال المعجمة وقال: هو الفائق في تمييز جيد الدراهم من رديئها، والجمع جهابذة، وهي عجمية، وقد تطلق على البارع في العلم استعارة وقيل: الجهابذة: السماسرة.(6/45)
حرف الحاء المهملة
(حاكم الحكّام) من ألقاب قضاة القضاة.
(حاكم أمور ولاة الزمان) من ألقاب أرباب السّيوف، وربما كتب به لبعض الملوك.
(حافظ الأسرار) من ألقاب كاتب السرّ.
(حجّة الأمة) من ألقاب قضاة القضاة وأكابر العلماء، والحجّة في اللغة البرهان ومنه قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنََا آتَيْنََاهََا إِبْرََاهِيمَ عَلى ََ قَوْمِهِ} (1) والأمّة في أصل اللغة الجماعة، والمراد هنا أمّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والمعنى أنه تقوم به الحجة لأهل الإسلام على غيرهم.
(حجّة الأئمة) من ألقاب أكابر العلماء والأئمة جمع إمام، وقد تقدّم أنه الذي يقتدى به.
(حجّة البلغاء) من ألقاب أرباب الأقلام، وهو بالكتّاب أمسّ.
(حجّة العرب) من ألقاب النّحاة واللّغويين ومن في معناهم، كأنهم يحتجّون به للغتهم.
(حجّة المذاهب) من ألقاب أكابر العلماء، وربما قيل «حجّة المذهب» إذا أريد مذهبه خاصّة، وهو دون الأوّل.
(حجّة المفتين) من ألقاب أكابر العلماء، والمراد بالمفتين من هم أهل للفتوى في الأحكام الشرعيّة.
(حرز الإمام) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم من حفظة الأموال.
والحرز في اللغة الموضع الحصين، والمراد بالإمام السلطان ومن في معناه.
(حسام أمير المؤمنين) من ألقاب أرباب السيوف كنوّاب السلطنة
__________
(1) سورة الأنعام 6، الآية 83.(6/46)
ونحوهم. والحسام من أسماء السّيف، سمّي بذلك أخذا من الحسم، وهو القطع.
(حسنة الأيّام) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام من الوزراء والقضاة ومن في معناهم. والحسنة خلاف السيئة، والمراد أنّ الأيام أحسنت بالامتنان به. وقد ذكر القاضي «شهاب الدين (1) بن فضل الله» في بعض دساتيره أنه يصلح لكل من له سلف في الكتابة، وهو بعيد المأخذ.
(حكم الملوك والسلاطين) من ألقاب قضاة القضاة، والحكم بمعنى الحاكم.
حرف الخاء المعجمة
(خادم الحرمين الشريفين) من الألقاب السلطانية، والمراد حرم مكة المشرّفة، والمدينة النبويّة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسّلام والتحية والإكرام.
(خالصة الدولة) من ألقاب الوزراء، والخالصة في اللغة بمعنى الخاصّة. يقال هذا لي خالصة يعني خاصّة. ومنه قوله تعالى: {خََالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (2) وعليه [حمل] قوله تعالى: {وَقََالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} (3).
(خالصة الملوك والسلاطين) من ألقاب أرباب الأقلام. قال في «عرف
__________
(1) هو أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العمري، مؤرخ وحجّة في معرفة الممالك والمسالك وخطوط الأقاليم والبلدان. أجلّ آثاره، «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار». توفي سنة 749هـ.
انظر فوات الوفيات (ج 1ص 7) والدرر الكامنة (ج 1ص 331)، والنجوم الزاهرة (ج 10ص 234) والأعلام (ج 1ص 268).
(2) سورة الأحزاب 33، الآية 50.
(3) سورة يوسف 12، الآية 54.(6/47)
التعريف»: وهو في حقّ من لم يكن حاكما في مقام حكم الملوك والسلاطين لمن هو حاكم.
(خالصة أمير المؤمنين) من ألقاب أرباب الأقلام.
(خالصة الإمام) من ألقاب الصّوفيّة، وربما جعل من ألقاب العلماء أيضا، والمراد بالإمام الخليفة أو السلطان.
(خالصة سلف الأنصار) من الألقاب التي يكتب بها لابن الأحمر (1)
صاحب الأندلس لأنه يذكر أنه من ذرّية «سعد بن عبادة» الأنصاريّ رضي الله عنه، ويصلح لكل من وافقه في ذلك، وكان الأحسن أن يقال: «خلاصة» بدل «خالصة»، لما تقدّم من أن المراد بالخالصة الخاصّة. والمراد بالأنصار أنصار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهم الأوس والخزرج الذين هاجر إليهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة.
(خطيب الخطباء) من ألقاب أكابر الخطباء، وربما كتب به لقضاة القضاة، إذا أضيف له خطابة جليلة، كخطابة جامع القلعة بالديار المصرية، وخطابة الجامع الأمويّ بدمشق.
(خلف الأولياء) من ألقاب أولاد الصالحين.
(خليفة الأئمة) من ألقاب الشّيعة، والمراد من يعتقدونه من الأئمة المعصومين كالإمامية ونحوهم. وبه يكتب لإمام الزيديّة باليمن.
(خليل أمير المؤمنين) من ألقاب أولاد السلطان، وربما كتب به لبعض الملوك، والخليل بمعنى الصّديق.
(خلاصة الخلافة المعظّمة) من ألقاب بعض الملوك، والخلاصة: الذي خلص من الثّفل (2) ونحوه. ويقال فيه خلاص أيضا بغير هاء.
__________
(1) سبق وتحدثنا عن بني الأحمر في الحاشية رقم 2من صفحة 41من هذا الجزء فانظرها.
(2) الثفل: ما استقرّ تحت الشيء من كدرة.(6/48)
(خلاصة سلف القوم) من ألقاب الصّوفية وأهل الصّلاح، والقوم يختصّ في اللّغة بالرجال دون النساء قال تعالى: {لََا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} (1) ثم قال:
{وَلََا نِسََاءٌ مِنْ نِسََاءٍ} (2).
(خيرة الإسلام) من ألقاب أهل الصّلاح فيما ذكره في «عرف التعريف»: ويصلح لأهل العلم أيضا. والخيرة الاسم من قولك: اختار فلان فلانا، والمراد أنّ الإسلام اختاره.
حرف الدال المهملة
(دليل المريدين إلى أوضح الطّرائق) من ألقاب مشايخ الصّوفيّة، والمراد بالمريدين طلّاب الطّريق إلى الله تعالى.
(داعي الدّعاة بالبراهين الظاهرة إلى استعلام الحقائق) من ألقاب العلماء.
حرف الذال المعجمة
(ذخر الإسلام والمسلمين) من ألقاب الملوك، وبه يكتب لصاحب تونس وملك التّكرور (3). والذّخر في اللغة مصدر ذخرت الشيء أذخره بفتح الخاء إذا جعلته دخيرة.
(ذخر الأمّة) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم.
(ذخر الدّولة) من ألقاب أرباب السيوف، وقد يقع في ألقاب الصّلحاء والعلماء.
(ذخر الغزاة والمجاهدين) من ألقاب أرباب السيوف أيضا.
__________
(1) سورة الحجرات 49، الآية 11.
(2) نفس السورة، والآية.
(3) تكرور: بلاد تنسب إلى قبيل من السودان في أقصى جنوب المغرب، وأهلها أشبه الناس بالزنوج، معجم البلدان (ج 2ص 38).(6/49)
(ذخر الطالبين) من ألقاب الصّلحاء والعلماء، والمراد طالبو الوصول إلى الحق أو نحو ذلك.
(ذخر المسلمين) من ألقاب الملوك، وبه يكتب لإمام الزيديّة باليمن فيما ذكره في «التعريف».
(ذخر الملّة) من ألقاب أرباب السيوف، وقد تقدّم معنى الملّة.
(ذخر الممالك) من ألقاب بعض الملوك. وربّما قيل ذخر المملكة.
(ذخر الموحّدين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كالنائب الكافل ونحوه، وجعله في «عرف التعريف» خاصّا بالكافل دون غيره.
(ذخر أمير المؤمنين) من ألقاب الملوك، وهو دون خليل أمير المؤمنين.
حرف الراء المهملة
(رأس البلغاء) من ألقاب أكابر كتّاب الإنشاء ككاتب السّرّ ومن يجري مجراه.
(رأس الصّدور) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام في الجملة من أهل العلم والكتّاب ومن يجري مجراهم. والمراد رأس صدور المجالس.
(رأس العلياء) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام من العلماء والوزراء ومن في معناهم، ويصلح لكلّ عليّ القدر في الجملة، وبه يكتب إلى إمام الزّيديّة باليمن.
(رحلة الحفّاظ) من ألقاب المحدّثين، وقد تقدّم أن الرّحلة بضم الراء ما يرحل إليه، والحفّاظ جمع حافظ، والمراد حفظ الحديث.
(رحلة القاصدين) من ألقاب كبار أرباب الأقلام، وهو بأهل الكرم والجود أخصّ، والمراد من يقصد بالتّرحال إليه.
(رحلة المحصّلين) من ألقاب العلماء، والمراد من يرحل إليه لتحصيل
العلم بالأخذ عنه.(6/50)
(رحلة المحصّلين) من ألقاب العلماء، والمراد من يرحل إليه لتحصيل
العلم بالأخذ عنه.
(رحلة الوقت) من ألقاب العلماء والمراد من انفرد في الوقت بالرحيل إليه لأخذ العلم عنه.
(رضيّ الدولة) من ألقاب الكتّاب، والمراد من يرضيه أعيان الدولة بالتقريب. ثم الظاهر أنه بكسر الضاد بمعنى مرضيّ عند أعيان أهل الدولة.
ويجوز أن يكون بفتح الضاد على جعله هو نفس الرّضا تجوّزا.
(رضيّ أمير المؤمنين) من ألقاب أرباب الأقلام. والكلام فيه كالكلام في الذي قبله.
(ركن الإسلام والمسلمين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف. وبه كان يكتب للنائب الكافل على ما هو مذكور في «التعريف» والرّكن واحد الأركان وهو معروف.
(ركن الأمّة) من ألقاب الملوك، وبه يكتب لملك التكرور (1).
(ركن الملوك والسلاطين) من الألقاب الملوكيّة وما في معنى ذلك من أرباب السيوف. ونقل في «التثقيف» أنه كتب به لبعض مشايخ التصوّف ثم أنكره وقال: الأولى أن يكون بدله (بركة الملوك والسلاطين) وما ذكره واضح.
على أنه في «عرف التعريف» قد أورده في ألقاب الصلحاء، وكأنهم راعوا في ذلك أنه ركن لهم من حيث البركة والدعاء إلا أن الأوّل أظهر.
(ركن الأولياء) من ألقاب أهل الصلاح على أن المراد أولياء الله تعالى ويجوز أن يكون من ألقاب أرباب السيوف وأرباب الأقلام أيضا على معنى أن المراد أولياء الدولة.
__________
(1) تكرور: بلاد تنسب إلى قبيل من السودان في أقصى جنوب المغرب، وأهلها أشبه الناس بالزنوج.
معجم البلدان (ج 2ص 38).(6/51)
(رئيس الكبراء) من ألقاب الوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم.
وأهل الشأم يستعملونه في أرباب الأقلام من قضاة القضاة ونحوهم، وقد تقدّم (1)
المراد بالصاحب في الكلام على الألقاب المفردة.
حرف الزاي المعجمة
(زعيم الجنود) من ألقاب أكابر أرباب السّيوف كالنائب الكافل، والزّعيم الكفيل. والمراد هنا التكفّل بالجنود والقيام بأمرها. ويجوز أن يكون بمعنى السيّد، يقال لسيّد القوم زعيمهم، والأوّل أليق بالمقام، والجنود جمع جند، وهم الأعوان على ما تقدّم.
(زعيم الجيوش) من ألقاب أكابر أرباب السّيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم، والجيوش جمع جيش، وهو العسكر.
(زعيم الموحّدين) من ألقاب صاحب تونس على تخصيص الموحّدين، والمراد بالموحّدين فيه أتباع المهدي (2) بن تومرت الذين من بقاياهم ملوك تونس. كان المهديّ المذكور قد سمّاهم الموحّدين تعريضا بذمّ من كان قبله ببلاد المغرب ممن يدّعي التجسيم على ما سيأتي ذكره في الكلام على مكاتبة صاحب تونس في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى. ويجوز أن يراد بالموحّدين هنا عامة أهل الإيمان ويكون المراد بالموحدّين جميع المؤمنين. ويصح وقوع هذا اللقب حينئذ على غير صاحب تونس من الملوك ونحوهم، ولذلك يكتب به
__________
(1) أي في حرف الصاد المهملة، وهذه الجملة غير مناسبة لشرح هذا اللقب. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت المنعوت بالمهدي الهرغي، صاحب دعوة عبد المؤمن بن علي بالمغرب، ومؤسس حكم الموحدين بالمغرب والأندلس، وهو من جبل السوس في أقصى بلاد المغرب، نشأ هناك ثم رحل إلى المشرق فانتهى إلى العراق وحجّ وأقام بمكة فترة قصيرة حيث ناله شيء من المكروه فخرج منها إلى مصر فالاسكندرية ثم عاد إلى بلاده حتى انتهى إلى المهدية فبجاية. كان ورعا ناسكا مقبلا على العبادة. كانت وفاته في سنة 524هـ. انظر وفيات الأعيان (ج 5ص 5545).(6/52)
لملك التّكرور على ما ذكره في «التعريف».
(زعيم المؤمنين) من الألقاب التي يكتب بها لإمام الزيديّة باليمن.
ويصحّ وقوعه على غيره من ملوك المسلمين أيضا كما في «زعيم الموحّدين» إذا جعل عامّا في حق كل موحّد على ما تقدّم بيانه.
(زعيم جيوش الموحّدين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف، كنائب السلطنة بحلب، وبه يكتب لصاحب حصن كيفا (1) فيما ذكره في «التعريف».
(زين الإسلام والمسلمين) من ألقاب أرباب الأقلام، والزّين في اللغة نقيض الشّين.
(زين الأعيان) من ألقاب أرباب الأقلام، والأعيان جمع عين، وقد تقدّم الكلام عليه.
(زين الأكابر) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة ومن في معناهم.
(زين الأنام) من ألقاب صغار أرباب السيوف، وربما كتب به لغيرهم.
(زين الأئمة) من ألقاب العلماء، وربما قيل «زين الأئمة العلماء».
(زين البلغاء) من ألقاب الكتّاب ونحوهم.
(زين الحكّام) من ألقاب القضاة.
(زين الذّوائب الهاشميّة) من ألقاب الشرفاء، والذّوائب بالذال المعجمة جمع ذؤابة بالهمز، وهي ما يرخى من الشّعر. قال الجوهريّ: وكان الأصل ذائب [لأن الألف التي في ذؤابة] (2) كالألف التي في رسالة، حقّها أن تبدل
__________
(1) حصن كيفا: بلدة وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر، وهي لصاحب آمد من ولد داود بن سقمان بن أرتق. معجم البلدان (ج 2ص 265).
(2) الزيادة عن تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري مادة (ذأب) وفي لسان العرب، مادة (ذأب) قال ابن منظور: «وقيل: كان الأصل ذآئب، لأن ألف ذؤابة كألف رسالة، فحقّها أن تبدل منها همزة في الجمع، لكنهم استثقلوا أن تقع ألف الجمع بين الهمزتين، فأبدلوا من الأولى واوا. والذؤابة:
الناصية لنوسانها وقيل: منبت الناصية من الرأس. أنظر أيضا حاشية الطبعة الأميرية.(6/53)
منها همزة في الجمع، ولكنهم استثقلوا أن تقع ألف الجمع بين الهمزتين فأبدلوا من الأولى واوا. وإنما اختصّ هذا اللقب بالشّرفاء لأنهم من صميم عرب الحجاز، وعادة عرب الحجاز إرخاء الرجال الذّوائب.
(زين الزّهّاد) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصلاح.
(زين العبّاد) من ألقاب أهل الصّلاح أيضا.
(زين العترة الطاهرة) من ألقاب الشّرفاء، وبه يكتب لأميري مكة والمدينة. وقد تقدّم معنى العترة.
(زين الكتّاب) من ألقاب كتّاب الإنشاء وغيره.
(زين المجاهدين) من ألقاب أرباب السيوف، وربما قيل «زين الأمراء المجاهدين» وربما كتب به لبعض صغار الملوك، كصاحب ذنقلة (1) ونحوه.
(زين المنشئين) رأيته في بعض الدساتير الشاميّة في ألقاب الكتّاب ونحوهم، وهو صالح لكل حدث مترقّ في العلوّ.
حرف السين المهملة
(سداد الثّغور) من ألقاب الوزراء، وهو بكسر السين وتخفيف الدال بعدها، بمعنى أنه الذي تسدّ به الثّغور، أخذا من سداد القارورة، وهو ما يسدّ به فمها، ومنه قول الشاعر (2): (وافر) أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر!
__________
(1) دنقلة، بضم أوله وسكون ثانيه وضم القاف، أو بفتح أوله وثالثه أيضا. هي دمقلة، وهي مدينة كبيرة في بلاد النوبة. معجم البلدان (ج 2ص 471470و 478).
(2) هو عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي العرجي الشاعر المشهور. وهذا البيت من جملة أبيات قالها وهو في السجن، وسبب قولها أن والي مكة محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي خال هشام بن عبد الملك كان حبس العرجي، لأنه كان يشبّب بأمه جيداء، وهي من بني الحارث بن كعب، ولم يكن ذلك لمحبته إيّاها، بل ليفضح ولدها. أقام في سجنه تسع سنوات ثم مات فيه بعد أن ضرب بالسياط. انظر وفيات الأعيان (ج 5ص 410399).(6/54)
ويحكى أنّ المأمون نطق بمثل ذلك بفتح (1) السين بحضرة النضر (2) بن شميل فردّه عليه فأمر له بثمانين ألف درهم، فكان النضر يفتخر بذلك ويقول:
أخذت بإفادة حرف واحد ثمانين ألف درهم.
(سفير الأمة) من ألقاب الدّوادار وكاتب السرّ، وقد تقدّم معنى السّفير.
(سفير الدولة) من ألقاب المذكورين.
(سفير الممالك) من ألقاب من تقدّم، وربما قيل «سفير المملكة».
(سفير الملوك والسلاطين) كذلك.
(سلطان الإسلام والمسلمين) من ألقاب السلطانية.
(سلطان الأوان) من الألقاب السلطانية الجليلة.
(سلطان البسيطة) من الألقاب السلطانية، والبسيطة الأرض أخذا من البسطة، وهي السّعة ومنه قيل: تبسّط فلان في البلاد إذا سار فيها طولا وعرضا.
(سلطان العرب والعجم والتّرك) من الألقاب السلطانية أيضا. وهو غير محرّر الوضع لأن العجم في اللغة يقع على من عدا العرب في الجملة ولا يختص بالفرس على ما هو المعروف بين العامة وهو مقصودهم هنا، فالتّرك من جملة العجم فكان يكفي أن يقال سلطان العرب والعجم، وإنما حملهم على ذلك زيادة الإطراء والمدح.
(سليل الأطهار) من ألقاب الشّرفاء، والسّليل الولد، والمراد بالأطهار المبرّؤون عن الأدناس.
__________
(1) أي بفتح سين «سداد» قال ابن خلّكان: السداد بكسر السين هو كل ما سددت به شيئا. وفيات الأعيان (ج 5ص 399).
(2) هو الشاعر النحوي البصري العالم بالفقه والشعر والحديث. كان من أصحاب الخليل بن أحمد توفي سنة 204هـ، وقيل: 203هـ. وفيات الأعيان (ج 5ص 404397).(6/55)
(سليل الأكابر) من ألقاب أولاد الأكابر والرؤساء.
(سليل الطيّبين) من ألقاب أرباب الأقلام من ذوي الأصالة.
(سليل الملوك والسلاطين) من ألقاب أولاد الملوك ومن مضى له سلف في الملك.
(سيد الأمراء المقدّمين) من ألقاب الأمراء مقدّمي الألوف، في الرتبة المتوسطة.
(سيّد الأمراء في العالمين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم، وربما كتب به لبعض الملوك عن الأبواب السلطانية.
(سيّد الرؤساء في العالمين) من ألقاب أكابر أصحاب الأقلام ككاتب السّر ونحوه.
(سيد العلماء والحكّام في العالمين) من ألقاب القضاة.
(سيّد الكبراء في العالمين) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام كناظر الخاصّ ونحوه.
(سيد الوزراء في العالمين) من الألقاب الخاصّة بالوزراء.
(سيّد أمراء العالمين) من ألقاب النّواب المتوسطين.
(سيف الإسلام والمسلمين) من ألقاب أرباب السيوف، وربما كتب به لبعض الملوك.
(سيف الحقّ) من ألقاب العلماء وأهل النّظر.
(سيف الخلافة) من الألقاب الملوكية، وبه يكتب لملك التّكرور.
(سيف المناظرين) من ألقاب العلماء، والمراد بالمناظرين أهل البحث والجدل، أخذا من النّظر وهو الفكر المؤدّي إلى الدّليل.
(سيف النّظر) بمعناه أيضا.
(سيف أمير المؤمنين) من ألقاب أرباب السيوف كنوّاب السلطنة، وهو في الرّتبة المتوسطة.
(سيف جماعة الشاكرين) من الألقاب الخاصّة بصاحب تونس، وهذا اللّقب رأيته واردا في «التثقيف» ولم أعرف له معنى وسألت «قاضي القضاة وليّ الدين بن خلدون» هل يعرف لذلك معنى؟ فقال: لا.(6/56)
(سيف أمير المؤمنين) من ألقاب أرباب السيوف كنوّاب السلطنة، وهو في الرّتبة المتوسطة.
(سيف جماعة الشاكرين) من الألقاب الخاصّة بصاحب تونس، وهذا اللّقب رأيته واردا في «التثقيف» ولم أعرف له معنى وسألت «قاضي القضاة وليّ الدين بن خلدون» هل يعرف لذلك معنى؟ فقال: لا.
حرف الشين المعجمة
(شرف الأصفياء المقرّبين) من ألقاب كبار التّجّار الخواجكيّة.
(شرف الدّول) من ألقاب بعض الملوك، ويصلح لغير الملوك أيضا.
(شرف الأمراء في العالمين) من ألقاب أرباب السيوف، وربما قيل شرف الأمراء الأشراف في العالمين إذا كان شريفا، أو شرف الأمراء العربان في العالمين إذا كان غير (1) أمير عرب، وربما قيل «شرف الأمراء المقدّمين» إذا كان مقدّم ألف، وقد يقتصر على شرف الأمراء فقط.
(شرف الرّؤساء في العالمين) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام كوزير الشأم ونحوه، وربما اقتصر على «شرف الرؤساء» ويكون من ألقاب التجّار الخواجكيّة ونحوهم.
(شرف الصّلحاء في العالمين) من ألقاب أهل الصّلاح.
(شرف العلماء العاملين) من ألقاب أكابر العلماء كقضاة القضاة ونحوهم، وربما قيل «شرف العلماء في العالمين».
(شرف الكتّاب في العالمين) من الألقاب الكتابية.
(شرف الملوك والسلاطين) من الألقاب الملوكية.
(شمس الأفق) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام، وهو بالعلماء أليق، لأن بهم يحصل النّور كما يحصل بالشمس. وهو ما يتخيّل انطباق السماء على الأرض بالنظر في كل ناحية فيه. وأصل الأفق الناحية ومنه قيل للنّواحي آفاق، وإنما
__________
(1) جاء في حاشية الطبعة الأميرية: «الظاهر أن لفظ غير». زائد من الناسخ، والظاهر عكس ذلك.(6/57)
خصّ الشمس هنا بالإضافة للأفق لأنها عند مطلعها تكون في النظر أعظم صورة.
(شمس الشّريعة) من ألقاب أكابر العلماء، والمراد بالشريعة هنا شريعة الإسلام، استعيرت الشمس لها لمشابهتها لها في النّور.
(شمس العصر) من ألقاب العلماء والصّلحاء ونحوهم.
(شمس المذاهب) من ألقاب العلماء الأكابر، والمذاهب جمع مذهب، وهو ما يذهب إليه المجتهد، وأصله في اللغة لموضع الذّهاب.
(شيخ المشايخ) من ألقاب العلماء وأهل الصّلاح، وربما قيل «شيخ شيوخ الإسلام».
(شيخ الملوك والسلاطين) من ألقاب المسنّين من الملوك. وهذا اللقب رأيته في كتاب وقف عن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيّوب، بعث به نجم الدين أيوب والد السلطان صلاح الدين يوسف.
(شيخ شيوخ العارفين) من ألقاب الصّوفية وأهل الصلاح، ومرادهم بالعارفين العارفون بالله تعالى.
حرف الصاد المهملة
(صالح الأولياء) من ألقاب إمام الزيديّة باليمن، ويصلح لأهل الصلاح أيضا.
(صدر المدرّسين) من ألقاب العلماء.
(صدر مصر والشام) من ألقاب أكابر العلماء كقضاة القضاة ونحوهم، وإنما خصّ هذان القطران بالذكر لكثرة علمائهما، وربما قيل «صدر مصر والعراق والشام» وربما اقتصر على صدر الشام فقط إذا كان برسم وظيفة في الشأم ونحو ذلك.
(صفوة الدّولة) من ألقاب من في معنى الوزراء كناظر الخاصّ ونحوه.(6/58)
(صدر مصر والشام) من ألقاب أكابر العلماء كقضاة القضاة ونحوهم، وإنما خصّ هذان القطران بالذكر لكثرة علمائهما، وربما قيل «صدر مصر والعراق والشام» وربما اقتصر على صدر الشام فقط إذا كان برسم وظيفة في الشأم ونحو ذلك.
(صفوة الدّولة) من ألقاب من في معنى الوزراء كناظر الخاصّ ونحوه.
(صفوة الصّلحاء) من ألقاب أهل الصّلاح.
(صفوة الأتقياء) من ألقاب الصّلحاء أيضا.
(صفوة الملوك والسلاطين) من ألقاب أرباب الأقلام كناظر الشام (1) ونحوه، وربما كتب به للتّجّار الخواجكيّة.
(صلاح الإسلام) من ألقاب الصّوفيّة والعلماء.
(صلاح الإسلام والمسلمين) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام، كالوزراء ومن في معناهم.
(صلاح الدول) من ألقاب بعض الملوك، وبه يكتب لصاحب تونس.
ويصلح أيضا لأكابر أرباب الأقلام من الوزراء وغيرهم.
(صلاح الملّة) من ألقاب العلماء والصلحاء.
حرف الضاد المعجمة
(ضياء الإسلام) من ألقاب العلماء والصّلحاء، وربما قيل «ضياء الإسلام والمسلمين» والضّياء خلاف الظّلام، وهو مخصوص بما كان مضيئا لذاته، بخلاف النور فإنه يقع على ما هو مكتسب النّور، ولذلك قال تعالى:
{جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيََاءً وَالْقَمَرَ نُوراً} (2) فخصّ الضياء بالشمس لأنّ نورها لذاتها، والنور بالقمر لأن نوره مكتسب من الشمس، على ما هو مقرّر في علم الهيئة.
(ضياء الأنام) من ألقاب من تقدّم ذكره.
__________
(1) المقصود بالشام نيابة دمشق، وهي وظيفة الوزارة بها، إذ لم يكن مسموحا لمن يتقلد ذلك المنصب بها أن يلقب وزيرا، وإن كان الجاري على ألسنة العامة إطلاق لفظ الوزير عليه. أنظر صبح الأعشى (ج 4ص 189188).
(2) سورة يونس 10، الآية 5.(6/59)
حرف الطاء المهملة
(طراز العصابة العلويّة) من ألقاب الأشراف كأميري مكة والمدينة المشرّفتين. والطّراز (1) في أصل اللغة علم الثوب. قال الجوهريّ: وهو فارسيّ معرّب، كأن صاحب اللقب جعل علما لتلك الطائفة كما جعل الطّراز علما للثوب.
حرف الظاء المعجمة
(ظلّ الله في أرضه) من الألقاب السلطانية، والظل ما يحصل عن الشاخص في ضوء الشمس، والمراد أن الخلق يستظلّون بالسلطان من حرّ الجور كما يستظلّ المستظلّ بظلّ الشجرة ونحوها من حرّ الشمس. وقال ابن قتيبة في «أدب الكاتب» أصل الظّلّ السّتر ومنه قولهم: أنا في ظلّك أي في سترك، ثم اسم الظلّ مخصوص بما قبل الزوال أما بعد الزوال فإنه يسمّى فيئا لأنه يرجع من جهة الغرب إلى جهة الشرق أخذا من قولهم فاء إذا رجع.
(ظهير الملوك والسلاطين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة.
(ظهير أمير المؤمنين) من ألقاب أرباب السيوف أيضا، وربما كتب به لبعض الملوك كصاحب الأندلس ونحوه.
(ظهير الإمامة) من ألقاب بعض الملوك، وبه يكتب إلى صاحب التّكرور.
__________
(1) الطراز: من أبهة الملك والسلطان، وهو الكتابة بخيط من ذهب على ثوب من الحرير أو الديباج بحيث يصبح معلما بذلك الطراز للدلالة على أنّ لابسه هو السلطان أو من دونه من رجال الدولة الكبار. ولقد وجد قديما عند الروم والفرس، وأول من نقله من الرومية إلى العربية هو عبد الملك بن مروان فالطراز بالرومية كان عبارة «بسم الأب والإبن والروح القدس» فأبطل تلك العبارة واستبدلها ب «لا إله الّا هو» ثم أنشأ الخلفاء في قصورهم دور الطراز لنسج اثوابهم وعليها الشارة العربية «لا إله إلّا هو». أنظر تاريخ ابن خلدون (ج 1ص 473471) وتاريخ التمدن الإسلامي (ج 1ص 140).(6/60)
حرف العين المهملة
(عاقد البنود) من ألقاب النائب الكافل ونحوه، والعاقد فاعل من العقد نقيض الحلّ، والبنود جمع بند بفتح الباء وإسكان النون وهو العلم الكبير.
قال الجوهريّ: وهو فارسيّ معرب.
(عزّ الإسلام) من ألقاب بعض الملوك، وبه يكتب إلى ملك التّكرور.
(عزّ الإسلام والمسلمين) من ألقاب الرّتبة الوسطى من نوّاب السلطنة ومن في معناهم، وربما كتب به لبعض الملوك.
(عدّة الدنيا والدّين) من ألقاب الملوك، وبه يكتب لصاحب تونس.
والعدّة بالضم في اللغة ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح ونحو ذلك وهو المراد هنا، وربما أطلق على نفس الاستعداد.
(عدّة الملوك والسلاطين) من ألقاب أصاغر أرباب السيوف.
(عضد الملوك والسلاطين) من ألقاب متوسّطي أرباب السيوف، وقد تقدّم (1) أن أصل العضد لما بين الساعد والكتف.
(عضد أمير المؤمنين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف من نوّاب السلطنة وغيرهم. وربما كتب به إلى بعض الملوك كملك التّكرور.
(علم الدولة) من ألقاب الأمراء والوزراء ومن في معناهم. وقد تقدّم معنى العلم ومعنى الدولة.
(علم الزّهّاد) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصّلاح، وقد تقدّم أن المراد بالعلم الراية وبالزّهد الإقلاع عن الدنيا.
(علم العلماء الأعلام) من ألقاب أكابر أهل العلم، وربما قيل «علم
__________
(1) تقدم ذلك في صحيفة 21من هذا الجزء.(6/61)
المفسّرين» أو «علم النّحاة» ونحو ذلك.
(علم الهداة) من ألقاب إمام الزيديّة باليمن، ويصلح لأكابر العلماء والصلحاء. والهداة جمع هاد، وهو المرشد.
(علم الأعلام) من ألقاب العلماء والصلحاء، ويصلح لأرباب السيوف أيضا.
(عماد الحكّام) من ألقاب أكابر القضاة، وربما قيل «عماد الحكّام البارعين» أو «عماد الحكّام في العالمين» ونحو ذلك. وأصل العماد في اللغة الأبنية الرفيعة، واحدها عمادة، ومنه قيل: فلان طويل (1) العماد كأنّ بناءه بالارتفاع صار علما لزائريه.
(عماد العرب) من ألقاب أكابر أمراء العربان، كأمير آل فضل ونحوه.
(عماد الدّولة) من ألقاب الأمراء وأكابر الوزراء ونحوهم.
(عماد الملّة) كذلك.
(عماد المملكة) نحوه، وهو دونه في الرّتبة.
(عماد المحدّثين) من ألقاب علماء الحديث النبويّ على صاحبه أفضل الصلاة والسّلام، وبه يكتب لقضاة القضاة ومن في معناهم.
(عمدة الملوك والسلاطين) من ألقاب صغار أرباب السيوف، وهو دون عدّة الملوك والسلاطين والعمدة في اللغة ما يعتمد عليه.
(عون العساكر) من ألقاب ناظر الجيش ونحوه، والعون في اللغة الظّهير والمعاون.
(عون جيوش الموحّدين) من ألقاب بعض الملوك، وبه يكتب لملك
__________
(1) كقول الخنساء في أخيها صخر [متقارب].
طويل النجاد رفيع العماد ... كثير الرماد إذا ما شتا(6/62)
التّكرور، ويصلح لكبار أرباب السيوف من أهل المملكة أيضا.
(علاء الإسلام والمسلمين) من ألقاب العلماء والصلحاء ويصلح لأرباب السيوف أيضا.
والعلاء بالفتح والمدّ مصدر علا في الشرف ونحوه يعلى بفتح اللام.
(عين المملكة) من ألقاب أرباب الأقلام ونحوهم.
(عين الأعيان) نحوه.
حرف الغين المعجمة
(غرّة الزمان) من ألقاب أرباب الأقلام، والغرّة في أصل اللغة بياض في جبهة الفرس فوق الدّرهم، شبّه بالغرّة في وجه الفرس لظهورها وتحسين الفرس بها.
(غوث الأنام) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كالنائب الكافل ونحوه وقد تقدّم معنى الغوث.
(غياث الأنام) من ألقاب أكابر الملوك كصاحب الهند ونحوه. وقد تقدّم (1) معنى الغياث.
(غياث الأمّة) نحوه.
حرف الفاء
(فاتح الأقطار) من الألقاب السلطانية، والفاتح فاعل من الفتح وهو معروف، والأقطار جمع قطر، وهو الناحية والجانب، والمراد نواحي الممالك.
(فارس المسلمين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف، ذكره ابن شيث من كتّاب الدولة الأيّوبية في «معالم الكتابة».
__________
(1) تقدم ذلك في صحيفة 21من هذا الجزء.(6/63)
(فخر الأنام) من ألقاب أرباب الأقلام، ويجوز أن يكون من ألقاب أرباب السيوف أيضا.
(فخر الأسرة الزاهرة) من ألقاب الشرفاء كأميري مكة والمدينة المشرّفتين، وأسرة الرجل بضم الهمزة رهطه.
(فخر الأعيان) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة، ويصلح لغيرهم من الرّؤساء أيضا.
(فخر الرّؤساء) من ألقاب التجّار الخواجكيّة.
(فخر السّلالة الزاهرة) من ألقاب الأشراف، كأميري مكة والمدينة المشرّفتين، والسّلالة الزاهرة تقدّم الكلام على معناها.
(فخر الصّدور) من ألقاب أرباب الأقلام، وربما كتب به للتّجّار الخواجكيّة.
(فخر الصّلحاء) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصّلاح.
(فخر العبّاد) من ألقاب أهل الصّلاح أيضا.
(فخر المجاهدين) من ألقاب أرباب السيوف.
(فخر المحدّثين) من ألقاب أصحاب الحديث.
(فخر المدرّسين) من ألقاب العلماء، وبه يكتب لقضاة القضاة ونحوهم.
(فخر المفيدين) من ألقاب العلماء أيضا.
(فخر الملوك والسلاطين) من ألقاب بعض الملوك.
(فخر الشّجرة الزكيّة) من ألقاب الشرفاء، والمراد شجرة نسبهم الشريف.
(فخر النّسب العلويّ) من ألقاب الشرفاء أيضا، وبه يكتب لإمام الزيديّة باليمن.
(فرد السالكين) من ألقاب أهل الصلاح.(6/64)
(فخر النّسب العلويّ) من ألقاب الشرفاء أيضا، وبه يكتب لإمام الزيديّة باليمن.
(فرد السالكين) من ألقاب أهل الصلاح.
(فرد الزمان) من ألقاب العلماء والصلحاء.
(فرد الوجود) من ألقاب العلماء وأهل الصلاح.
(فرد الشّجرة الزّكيّة) من ألقاب الشرفاء.
حرف القاف
(قامع البدعة) من ألقاب أكابر العلماء، وربما قيل «قامع البدع» وقد يقال «قامع البدع ومخفي أهلها» والقامع فاعل من قمعه إذا ضربه بالمقمعة، وهي محجن من حديد يضرب به على رأس الفيل، والبدعة واحدة البدع، وهي خلاف السّنّة النبويّة وما عليه الجماعة.
(قدوة الأولياء) من ألقاب أهل الصلاح.
(قدوة البارعين) من ألقاب أرباب الأقلام، وهو بالكتّاب أليق، والبارع الماهر.
(قدوة البلغاء) من ألقاب أرباب الأقلام. وهو بكتّاب الإنشاء ومن في معناهم أخصّ.
(قدوة الخلف) من ألقاب العلماء وأهل الصلاح، والخلف في اللغة الذي يجيء بعد غيره ويقوم مقامه والمراد خلف من سلف من علماء الأمة أو صالحيها.
(قدوة العبّاد) من ألقاب أهل الصلاح، وربما قيل «قدوة العبّاد والزّهّاد» أو نحو ذلك.
(قدوة العلماء) من ألقاب أكابر أهل العلم، وربما قيل «قدوة العلماء العاملين» ونحو ذلك.
(قدوة الفرق) من ألقاب العلماء، والمراد فرق أهل الحقّ من أرباب المذاهب والعقائد الصحيحة، والفرق جمع فرقة.
(قدوة الفضلاء) من ألقاب أكابر العلماء، والفضلاء جمع فاضل، وهو خلاف الناقص.(6/65)
(قدوة الفرق) من ألقاب العلماء، والمراد فرق أهل الحقّ من أرباب المذاهب والعقائد الصحيحة، والفرق جمع فرقة.
(قدوة الفضلاء) من ألقاب أكابر العلماء، والفضلاء جمع فاضل، وهو خلاف الناقص.
(قدوة الكتّاب) من ألقاب أكابر الكتّاب كالوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم من كاتب السرّ ونحوه.
(قدوة المجتهدين) من ألقاب كبار العلماء، وقد تقدّم في الألقاب أنّ الاجتهاد عبارة عن استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسّنّة والإجماع والقياس.
(قدوة المحقّقين) من ألقاب أكابر العلماء، وقد تقدّم معنى التحقيق.
(قدوة المسلّكين) من ألقاب الصّوفيّة وأهل الصّلاح، والمراد بالمسلّكين المعرّفون الطريق إلى الله تعالى كما تقدّم بيانه.
(قدوة المشتغلين) من ألقاب أهل العلم، والمراد الاشتغال بالعلم.
(قدوة الموحّدين) من الألقاب الخاصّة بصاحب تونس لوقوع الموحّدين في اصطلاحهم على أتباع المهديّ (1) بن تومرت وصاحب تونس الآن من بقاياهم كما تقدّم.
(قسيم أمير المؤمنين) من الألقاب السلطانية، وهو فعيل بمعنى فاعل فيكون معناه يقاسم أمير المؤمنين، والمراد مقاسمته الأمر.
(قطب الزهّاد) من ألقاب أهل الصلاح والقطب (2) تقدّم معناه.
(قطب الأولياء) من ألقابهم أيضا، والأولياء جمع وليّ، وهو خلاف العدوّ، والمراد أولياء الله تعالى.
(قوام الأمة) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم، والقوام بالكسر نظام
__________
(1) تقدم الحديث عنه في الحاشية رقم 2من ص 52من هذا الجزء، فانظره.
(2) تقدم معناه في صحيفة 24من هذا الجزء، فانظره.(6/66)
الشيء وعماده وملاكه يقال فلان قوام أهل بيته، ومنه قوام الأمر بمعنى نظامه.
(قوام الجمهور) قال في «عرف التعريف»: هو من ألقاب الوزراء والجمهور من الناس جلّهم، أخذا من الجمهور، وهي الرملة المجتمعة المشرفة على ما حولها.
(قوام الدّولة) من ألقاب الكتّاب وهو بالكسر أيضا.
(قوام المصالح) من ألقاب أكابر الكتّاب من الوزراء ومن في معناهم، وهو بالكسر أيضا، والمصالح جمع مصلحة، وهي خلاف المفسدة.
(قوام الإسلام) من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح، وهو بالكسر كالذي قبله.
حرف الكاف
(كافل السّلطنة) من ألقاب كبار النّواب كنائب دمشق، وقد تقدّم معنى الكافل في الكلام على ألقاب أرباب الوظائف.
(كافل الممالك الإسلاميّة) من ألقاب النائب الكافل: وهو النائب بحضرة السلطان.
(كافي الدّولة) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم، والكافي اسم فاعل من الكفاية.
(كنز التّقى) من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح، والكنز في أصل اللغة المال المدفون، استعير لصاحب اللّقب لأنه كالشيء المكنوز لذلك الباب.
(كنز الطالبين) من ألقاب العلماء.
(كنز العلماء) من ألقاب أهل العلم وربما قيل «كنز المفسّرين» أو «كنز المتفقّهين» ونحو ذلك.
(كنز المسلّكين) من ألقاب الصوفيّة وأهل الصّلاح.
(كهف الأسرة الزاهرة) من ألقاب الشرفاء، والكهف الملجأ، ومنه قولهم: فلان كهف. والأصل في الكهف البيت المنقور في الجبل ويجمع على كهوف وقد تقدّم الكلام على الأسرة والزاهرة.(6/67)
(كنز المسلّكين) من ألقاب الصوفيّة وأهل الصّلاح.
(كهف الأسرة الزاهرة) من ألقاب الشرفاء، والكهف الملجأ، ومنه قولهم: فلان كهف. والأصل في الكهف البيت المنقور في الجبل ويجمع على كهوف وقد تقدّم الكلام على الأسرة والزاهرة.
(كهف الكتّاب) من ألقاب أكابر الكتّاب كالوزير من أرباب الأقلام وكاتب السرّ ومن في معناهم.
(كهف الملّة) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم.
(كوكب الأسرة الزاهرة) من ألقاب الأشراف كأميري مكة والمدينة المشرّفتين والكوكب واحد الكواكب، وهو يقع على النّجوم والشمس والقمر.
(كوكب الذّرّيّة) من ألقاب الشرفاء أيضا، والمراد الذّرّية العلويّة.
حرف اللام
(لسان الحقيقة) من ألقاب الصوفية، واللسان هنا جارحة الكلام، والحقيقة خلاف المجاز، وهي في الأصل عين الحق، والمراد هنا معرفة الأمر على ما هو عليه.
(لسان الحفّاظ) من ألقاب المحدّثين والوعّاظ، والمراد المتكلم عنهم، يقال: فلان لسان القوم إذا كان متكلّما عنهم، ويجوز أن يكون المراد اللسان الذي هو جارحة الكلام ويكون المعنى آلتهم للكلام كما أن اللسان آلة الكلام للمتكلّم، ويجوز أن يكون من اللسان بمعنى اللّغة، كما في قوله تعالى:
{وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ رَسُولٍ إِلََّا بِلِسََانِ قَوْمِهِ} (1) ويكون المعنى أنه المترجم عنهم والمتكلّم بلغاتهم المختلفة.
(لسان الدّولة) من ألقاب كاتب السرّ ومن في معناه، واللسان فيه يحتمل المعنيين.
__________
(1) سورة إبراهيم 14، الآية 4.(6/68)
(لسان السلطنة) من ألقاب كاتب السرّ.
(لسان المتكلّمين) من ألقاب العلماء، والمتكلّمون يجوز أن يراد بهم كلّ متكلم في الجملة تعميما للمدح ويجوز أن يراد العلماء بعلم الكلام وهو أصول الدّين، لأن أصحابه هم أرباب النظر الدّقيق والبحث لدقّة متعلّقه، وهو الظاهر.
(لسان الممالك) من ألقاب كتّاب السرّ، والممالك جمع مملكة، وهي (1) موضع الملك، والمعنى أنه يتكلم بلسان ملوك الممالك.
(لسان ملوك الأمصار) من ألقاب كاتب السرّ.
حرف الميم
(مالك زمام الأدب) من ألقاب البلغاء من الكتّاب ونحوهم، ويصلح لكاتب السرّ ومن في معناه.
(مانح الممالك والأقاليم والأمصار) من الألقاب السلطانية، والمانح المعطي، والممالك تقدّم بيانها، والأقاليم جمع إقليم وله معنيان أحدهما واحد الأقاليم السبعة التي تسمّيها الحكماء، ممتدّة في طول الأرض ما بين المغرب والمشرق، والثاني الواحد من الأقاليم العرفيّة، كمصر والشام والعراق وما أشبه ذلك وقد مرّ القول فيهما.
(متعمّد المصالح) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم، والمراد بالمتعمّد المتقصّد.
(مجد الإسلام) من ألقاب صغار أرباب السيوف.
(مجد الإسلام والمسلمين) من ألقاب متوسطيهم.
(مجد الأمراء) من ألقاب أصاغر أرباب السيوف كأمراء العشرين ونحوهم.
__________
(1) في الطبعة الأميرية: «وهو» وهو خطأ.(6/69)
(مجد الرّؤساء) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة.
(مجلّي الغياهب) من ألقاب أكابر العلماء، والمجلّي بالتشديد الكاشف يقال: جلا الأمر إذا أوضحه وكشفه، ومنه جلوت السيف ونحوه إذا كشفته من الصّدإ والغياهب جمع غيهب، وهو الظّلمة الشديدة، يقال: فرس أدهم غيهب إذا اشتدّ سواده.
(مجد الصّدور) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة.
(مجمّل الأمصار) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام، والمجمّل فاعل الجمال، والأمصار جمع مصر، وهو الإقليم.
(مجهد نفسه في رضا مولاه) من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح [والمراد به] المعمل نفسه للغاية. يقال: اجهد جهدك في هذا الأمر أي أبلغ غايتك، والمراد بالمولى هنا الخالق سبحانه وتعالى.
(محيي السّنّة) من ألقاب العلماء والصلحاء.
(محيي العدل في العالمين) من الألقاب السلطانية.
(مدبّر الجيوش) من ألقاب ناظر الجيش.
(مدبّر الممالك) من ألقاب الوزراء، وربما قيل «مدبّر الدولة» والمدبّر فاعل التدبير، وقد تقدّم معناه في الكلام على المدبّريّ في جملة الألقاب المفردة.
(مدبّر أمور السلطنة) من ألقاب الوزراء وكتّاب السّرّ وغيرهم.
(مذكّر القلوب) من ألقاب الخطباء والوعّاظ، والمذكّر فاعل التذكير، وهو الأخذ بالذكرى، ومنه قوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى ََ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (1).
(مذلّ البدعة) من ألقاب علماء السنة، والمذلّ نقيض المعزّ.
(مذلّ حزب الشيطان) من ألقاب العلماء والصلحاء، والحزب الطائفة،
__________
(1) سورة الذاريات 51، الآية 55.(6/70)
وحزب الرجل أصحابه.
(مربّي المريدين) من ألقاب الصلحاء.
(مرتّب الجيوش) من ألقاب ناظر الجيش.
(مرتضى الدولة) من ألقاب الكتّاب، والمرتضى بمعنى المرضيّ المقبول.
(مرتضى الملوك والسلاطين) من ألقاب أرباب السيوف والأقلام جميعا.
(مستخدم أرباب الطّبل والعلم) من ألقاب النائب الكافل ونحوه.
(مشيّد الممالك) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم، والمشيّد فاعل التشييد، وهو رفع البناء.
(مشير الدّولة) من ألقاب الوزراء ومن في معناهم، والمشير الذي يشير على غيره بالرأي.
(مشير السلطنة) مثله.
(مشير الملوك والسلاطين) مثله.
(مظهر أنباء الشريعة) من ألقاب العلماء، وهو بضم الميم وإسكان الظاء على أنه فاعل من الظّهور (1)، والأنباء جمع نبأ، وهو الخبر، والمراد أنه يظهر أخبار الشريعة ويذيعها، ويجوز أن يكون بفتح الميم على أنه هو نفس المظهر وهو أبلغ.
(معزّ الإسلام والمسلمين) من ألقاب النائب الكافل ومن في معناه.
(معزّ السّنّة) من ألقاب العلماء، والسّنّة خلاف البدعة.
(معين الحقّ وناصره) من ألقاب الحكّام من أرباب السيوف وغيرهم.
(مفتي المسلمين) من ألقاب العلماء.
(مفيد البلغاء) من ألقاب أهل البلاغة من الكتّاب وغيرهم.
__________
(1) الأولى من الإظهار. حاشية الطبعة الأميرية.(6/71)
(مفيد الطالبين) من ألقاب العلماء.
(مفيد المناحج) من ألقاب الوزراء، والمناجح جمع منجح أخذا من لنجاح وهو الظّفر بالحوائج.
(مفيد أهل مصر والعراق والشام) من ألقاب العلماء.
(مفيد كلّ غاد ورائح) من ألقابهم أيضا.
(مقرّب الحضرتين) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة إذا كان متردّدا بين مملكتين.
(مقرّب الدّول) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة، وهو أعمّ من الأوّل.
(ملجأ الفقراء والمساكين) من ألقاب النائب الكافل ونائب الشأم على ما استقرّ عليه الحال آخرا.
(ملجأ المريدين) من ألقاب الصوفيّة وأهل الصلاح.
(ملك البحرين) من الألقاب السلطانية، والمراد بحر الرّوم وبحر القلزم، لأنهما يتقاربان بين مصر والشام على القرب من العريش.
(ملك البلغاء) من ألقاب أهل البلاغة من الكتّاب وغيرهم.
(مملّك الممالك والتّخوت والتّيجان) من الألقاب السلطانية أيضا، والمراد بالتّخوت هنا تخوت الملك، يريد أنه مملّك الملوك من تحت يده.
(ممهّد الدّول) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم، وربما كتب به لبعض الملوك أيضا، وقد تقدّم الكلام على التمهيد عند الكلام على الممهّديّ في جملة الألقاب المفردة.
(منبّه الخواطر) من ألقاب الخطباء والوعّاظ، والمنبّه الموقظ، والخواطر جمع خاطر.
(منجد الملوك والسلاطين) من ألقاب النائب الكافل، وبه يكتب لإمام الزيديّة باليمن. والمنجد المعين أخذا من قولهم: استنجدني فلان فأنجدته أي استعان بي فأعنته.
(منشي العلماء والمفتين) من ألقاب أكابر العلماء.(6/72)
(منجد الملوك والسلاطين) من ألقاب النائب الكافل، وبه يكتب لإمام الزيديّة باليمن. والمنجد المعين أخذا من قولهم: استنجدني فلان فأنجدته أي استعان بي فأعنته.
(منشي العلماء والمفتين) من ألقاب أكابر العلماء.
(منصف المظلومين من الظالمين) من الألقاب السلطانية.
(مورد الجود) من ألقاب الكرماء.
(موصّل السالكين) من ألقاب الصوفية والصّلحاء.
(موضّح الطّريقة) من ألقاب الصوفيّة والصلحاء أيضا، وربما قيل «موضّح الطّرائق» وقد تقدّم أن المراد الطريق إلى الله تعالى.
(مولي الإحسان) من الألقاب السلطانية، والمراد بالمولي المنيل.
(مؤمّن الأرض المحيطة) من الألقاب السلطانية أيضا، وكأنهم يريدون الأرض المحيطة لاتساعها، ويكون المراد أرض المملكة، وإلّا فالأرض محوطة من حيث استدارة الماء عليها لا محيطة بغيرها.
(ملاذ الطالبين) من ألقاب العلماء والصلحاء، والمراد الملجأ.
(ملاذ العبّاد) من ألقاب الصلحاء، وفيه نظر لأن العبّاد لا يلوذون إلّا بالله تعالى ولا يلجأون إلّا إليه.
(ملاذ الكتّاب) من ألقاب أكابر الكتّاب، ككاتب السرّ ونحوه.
(مؤيّد الحقّ) من ألقاب أرباب السيوف وغيرهم، والمؤيّد المقوّي أخذا من الأيد، وهو القوّة.
(مؤيّد الملّة) من ألقاب العلماء.
(مؤيّد أمور الدّين) كذلك. وبه يكتب لإمام الزيديّة باليمن.
حرف النون
(ناصح الملوك والسلاطين) من ألقاب التّجّار الخواجكيّة.
(ناصر السّنّة) من ألقاب العلماء.
(ناصر الغزاة والمجاهدين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كالنائب الكافل ونحوه، وربما كتب به لبعض الملوك كملك التّكرور ونحوه.
(ناصر الشّريعة) من ألقاب العلماء، والشريعة ما شرعه الله تعالى من الدّين، يقال شرع لهم شرعا، وأصله من الشّريعة التي هي مورد الماء.(6/73)
(ناصر الغزاة والمجاهدين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كالنائب الكافل ونحوه، وربما كتب به لبعض الملوك كملك التّكرور ونحوه.
(ناصر الشّريعة) من ألقاب العلماء، والشريعة ما شرعه الله تعالى من الدّين، يقال شرع لهم شرعا، وأصله من الشّريعة التي هي مورد الماء.
(ناشر لواء العدل والإحسان) من الألقاب السلطانية.
(نجل السلطنة) من ألقاب أولاد الملوك، والمراد أنه ولد في السلطنة.
(نجل الأكابر) من ألقاب ذوي الأصالة، والنجل النسل، يقال: نجله أبوه إذا ولده.
(نسيب الإمام) من ألقاب الشرفاء كأميري مكة والمدينة المشرّفتين والنّسيب القريب يقال: فلان نسيب فلان أي قريبه، وذلك أن مرجع بني العبّاس والعلويّين إلى بني هاشم.
(نسيب أمير المؤمنين) مثله.
(نصر الغزاة والمجاهدين) من ألقاب أكابر أرباب السيوف كنوّاب السلطنة ونحوهم، وهو عندهم [فوق] ناصر الغزاة.
(نصر الغزاة والمجاهدين) كذلك، وهو عندهم دون الأوّل وفوق الثاني، وفيه كلام يأتي ذكره.
(نظام الدولة) من ألقاب أكابر أرباب السيوف والكتّاب، وقد تقدّم (1)
الكلام على النّظام في الألقاب المفردة.
(نظام الممالك) من ألقاب الوزراء وكتّاب السرّ ونحوهم.
(نظام المناجح) من ألقابهم أيضا.
(نور الزّهّاد) من ألقاب الصوفية وأهل الصلاح.
__________
(1) تقدم الكلام على ذلك في صحيفة 33من هذا الجزء، فانظره.(6/74)
حرف الهاء
(همام الدولة) من ألقاب أرباب السيوف وقد تقدّم (1) في الكلام على الألقاب المفردة أن الهمام بمعنى الشجاع.
حرف الواو
(وارث الملك) من الألقاب السلطانية.
(وليّ أمير المؤمنين) من الألقاب التي يشترك فيها أرباب السيوف والأقلام كالوزراء وقضاة القضاة وكاتب السرّ ومن في معناهم، والوليّ في اللغة خلاف العدوّ.
حرف اللام ألف
(لابس ثوب الفخار) من ألقاب أكابر أرباب الأقلام.
(لافت الغواة إلى طريق الرّشاد) من ألقاب الصلحاء والوعّاظ، واللافت الصارف يقال: لفت وجهه عني إذا صرفه، وأصل اللّفت اللّيّ، والغواة جمع غاو، وهو الضالّ، يقال: غوى يغوي غيّا إذا ضلّ فهو غاو.
حرف الياء
(يمين الملوك والسلاطين) قال في «عرف التعريف»: يختصّ بالدّوادار وكاتب السّرّ، وقد تقدّم الكلام على معنى ذلك في الكلام على اليمينيّ في الألقاب المفردة، وأن المراد يمين السلطان التي يتناول بها، وإلا فمجلس كاتب السرّ عن يسار السلطان والدّوادار واقف أمامه.
(يمين المملكة) مثله.
(يمين الدولة) كذلك.
__________
(1) تقدم الكلام على ذلك في صحيفة 34من هذا الجزء، فانظره.(6/75)
الصنف
الضرب الثاني (من الألقاب المفردة المؤنّثة، ولتأنيثها سببان)
السبب الأوّل (الجمع)
بأن يجمع شيء من الألقاب المذكّرة المفردة أو المركّبة فتنتقل من التذكير إلى التأنيث، فإنّ الجموع كلّها مؤنّثة على ما هو مقرّر في علم النحو، ويتأتّى ذلك في المطلقات مثل أن يجمع في صدر المطلق بين المقرّ الكريم والجناب الكريم والجناب العالي والمجلس العالي ثم يتبعها بالألقاب التي تليق بها مما يأتي ذكره، فيأتي بتلك الألقاب مجموعة بلفظ التأنيث مفردة ومركبّة، مثل أن يكتب إلى المقرّ والجناب الكريمين، والجنابات العالية، والمجلس العالي:
الأميريّة، الكبيريّة، العالميّة، العادليّة، المؤيّديّة، الزّعيميّة، العونيّة، الغياثية، المثاغرية، المرابطيّة، الممهّديّة، المشيّدية، الظّهيريّة، الكافليّة، الفلانية، إعزاز الإسلام والمسلمين، سادات الأمراء في العالمين، أنصار الغزاة والمجاهدين، زعماء الجيوش، مقدّمي العساكر، ممهّدي الدول، مشيّدي الممالك، عمادات الملّة، أعوان الأمّة، ظهيري الملوك والسلاطين، سيوف أمير المؤمنين، ونحو ذلك.
واعلم أن هذه الألقاب كلّها من جملة الألقاب المفردة والمركبة المتقدّم ذكرها، فيستغنى عن بيان مشكلها وتعريف أحوالها هنا اكتفاء بما تقدّم، إلا أنّ من الألقاب المجموعة ما يقوم لفظ الإفراد مقامه بأن يكون اللقب اسم جنس، مثل عضد ومجد ونحو ذلك مما لا يجوز جمعه لأنه يقصد به الجنس، فيجوز للكاتب حينئذ أن يأتي بذلك بلفظ الجمع ولفظ الإفراد الذي معناه الجمع، وقد أشار إلى ذلك القاضي شهاب الدين بن فضل الله في «التعريف» في الكلام على المطلقات، فقال عند ذكره اعتضاد الملوك والسلاطين، ويجوز فيه أعضاد الملوك وعضد الملوك، إطلاقا للافراد على الجمع.(6/76)
السبب الثاني (تأنيث اللقب الأصل الذي تتفرّع عليه الألقاب الفروع. وله حالتان)
الحالة الأولى
أن يكون اللقب الأصل لمؤنّث غير حقيقيّ كالحضرة واليد والباسطة، فتأتي الألقاب المفرّعة عليها مؤنثة بناء على أن الصفة تتبع الموصوف في تذكيره وتأنيثه، على ما هو مقرّر في علم النحو. أما نعوت الحضرة فمثل أن يقال: «الحضرة الشريفة، العليّة، السنيّة، العالميّة، العامليّة، العادليّة، الأوحديّة، المؤيّديّة، المجاهديّة، المرابطيّة، المثاغريّة، المظفّريّة، المنصوريّة، وما أشبه ذلك» وأما نعوت الباسطة فمثل أن يقال:
«الباسطة الشريفة، العالية، المولويّة، الأميريّة، الكبيريّة، العالميّة، العادليّة، المؤيّديّة، المحسنيّة، السّيديّة المالكيّة، الفلانية» وفي معناها نعوت اليد.
وألقاب هذه الحالة كلّها في معنى ما تقدّم من الألقاب المذكّرة لا تختلف الحال فيها إلا في التذكير والتأنيث، وأنه ليس فيها ألقاب مركّبة، فيستغنى بما تقدّم عن ذكر معانيها وأحوالها أيضا.
الحالة الثانية
أن يكون اللقب الأصل لمؤنّث حقيقيّ، كالدّار والسّتارة، والجهة إذا كني بها عن المرأة في الكتابة إليها مثل أن يقال: «الدار الكريمة» و «الستارة الرفيعة» و «الجهة المصونة» ونحو ذلك، فتتبعها الألقاب المفرّعة عليها أيضا في التأنيث إلا أنّ لها معاني تخصها. وهي على ضربين: مفردة ومركبة كما تقدّم في المذكّرة، وإن لم تبلغ شأوها في الكثرة. فأما المفردة فكالشريفة، والكبرى، والعالية، والمعظّمة، والمكرّمة، والمحجّبة، والمصونة، والخاتونيّة، والخوند، وربما قيل الوالديّة اذا كانت والدة حقيقة أو في مقامها، والولدية إذا كانت بنتا حقيقة أو قائمة مقامها، والحاجّيّة إذا كانت حاجّة ونحو ذلك.
ثم الألقاب المفردة تارة تكون مجرّدة عن ياء النسب، كالألقاب المتقدّم ذكرها وقد تلحقها ياء النسب للمبالغة في التعظيم فيما تدخل فيه ياء النسب في
المذكّر، مثل أن يقال: المعظّميّة والمكرّميّة، والمحجّبيّة، وما أشبه ذلك. وهذه الألقاب أكثرها منقول عن المذكر، فيستغنى عن ذكر معانيها وأحوالها وفيها ألقاب لم يتقدّم ذكر مثلها في المذكر كالمحجّبيّة، وهو مأخوذ من الحجاب كأنها محجوبة عن أن يراها الناس ومنها المصونة وهو مأخوذ من الصّيانة، وهي جعل الشيء في الصّوان وقاية له عن مثل النظر والمسّ ونحو ذلك ومنها الخاتون، وهو لفظ تركيّ معناه السيدة ومنها الخوند، وهي لفظة عجمية بمعنى السيادة أيضا.(6/77)
ثم الألقاب المفردة تارة تكون مجرّدة عن ياء النسب، كالألقاب المتقدّم ذكرها وقد تلحقها ياء النسب للمبالغة في التعظيم فيما تدخل فيه ياء النسب في
المذكّر، مثل أن يقال: المعظّميّة والمكرّميّة، والمحجّبيّة، وما أشبه ذلك. وهذه الألقاب أكثرها منقول عن المذكر، فيستغنى عن ذكر معانيها وأحوالها وفيها ألقاب لم يتقدّم ذكر مثلها في المذكر كالمحجّبيّة، وهو مأخوذ من الحجاب كأنها محجوبة عن أن يراها الناس ومنها المصونة وهو مأخوذ من الصّيانة، وهي جعل الشيء في الصّوان وقاية له عن مثل النظر والمسّ ونحو ذلك ومنها الخاتون، وهو لفظ تركيّ معناه السيدة ومنها الخوند، وهي لفظة عجمية بمعنى السيادة أيضا.
وأما المركّبة فمثل جلال النساء، وسيدة الخواتين في العالمين، وشرف الخواتين، وجميلة المحجّبات، وجليلة المصونات، وقرينة الملوك والسلاطين، وسليلة الملوك والسلاطين، إذا كانت بنتا لسلطان أو في معناها، وكريمة الملوك والسلاطين إذا كانت أخت سلطان. ومعاني هذه الألقاب ظاهرة معلومة.
النوع
الصنف (1) الثاني (من الألقاب المفرّعة على الأصول ألقاب من يكتب إليه من أهل الكفر، مما اصطلح عليها لمكاتباتهم)
واعلم أنه لم يكن ملك من ملوك الكفر ممن يكتب له عن الأبواب السلطانية غير النصارى لأنه لم يكن لغيرهم من أهل الملل بالقرب من هذه المملكة مملكة قائمة، بل اليهود ليس لهم مملكة قائمة في قطر من الأقطار بعد غلبة الإسلام، إنما يؤدّون الجزية حيث حلّوا، إذ يقول تعالى في حقهم:
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مََا ثُقِفُوا إِلََّا بِحَبْلٍ مِنَ اللََّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النََّاسِ} (2).
ثم من يلقّب من أهل الكفر في المكاتبات إن كان من متديّنتهم كالباب (3)
__________
(1) لعل الصواب «النوع الثاني»، وبالجملة فالتراجم كثيرا ما يقع فيها سهو من الناسخ أو من المؤلّف، فتنبّه. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) سورة آل عمران 3، الآية 112.
(3) أي بابا رومية. انظر «الباب» برومية ص 164من هذا الجزء.(6/78)
والبطرك، ناسبه من الألقاب ما فيه معنى التنسّك والتعبّد، وإن كان من الملوك ناسبه ما فيه معنى الشّجاعة والرّياسة والقيام بأمر دينه وتحمّله أعباء رعيّته وما في معنى ذلك. فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى هرقل: «من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم» وفي كتب السيرة أنه صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى كسرى:
«من رسول الله إلى كسرى عظيم فارس» وأنه كتب إلى المقوقس: «من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط» فعبّر عن كلّ من الملوك الثلاثة بعظيم قومه لمناسبة ذلك لهم.
وبالجملة فالألقاب التي تكتب إليهم على ضربين:
الضرب الأوّل (الألقاب المذكّرة، وهي نمطان)
النمط الأوّل (المفردة)
وأكثر ما تبنى على صفات الشّجاعة وما في معناها. وهذه جملة منها مرتبة على حروف المعجم أيضا، مقفّاة عليها.
حرف الألف
(الأسد) من الألقاب التي اصطلح عليها بمعنى الشجاعة، وهو في الأصل للحيوان المفترس، ثم استعمل في الرجل الشجاع مجازا لعلاقة ما بينهما من الشّجاعة.
(الأصيل) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم أيضا، وقد تقدّم في الكلام على الألقاب الإسلامية نقلا عن «عرف التعريف» أنه يختصّ بكلّ من له ثلاثة آباء في الرياسة، وحينئذ فيكون هنا مختصا بمن له ثلاثة آباء في الملك، على أنهم الآن لا يقفون مع ذلك بل يراعون من له أدنى نسب.
(الانجالوس) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهي لفظة
يونانيّة معناها الملك، واحد الملائكة، وإنما كتب إليهم بذلك مضاهاة للكتب الواردة عنهم، ولعلّ الكاتب لم يعلم معنى ذلك، وكذلك غيرها من الألفاظ التي في معناها.(6/79)
(الانجالوس) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهي لفظة
يونانيّة معناها الملك، واحد الملائكة، وإنما كتب إليهم بذلك مضاهاة للكتب الواردة عنهم، ولعلّ الكاتب لم يعلم معنى ذلك، وكذلك غيرها من الألفاظ التي في معناها.
حرف الباء
(البالالوغس) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهي لفظة يونانيّة أصلها البالي لوغس، ومعناها «الكلمة القديمة».
حرف الجيم
(الجليل) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، ومعنى الجليل في اللغة العظيم، لكن قد استعمل في ألقابهم في المكاتبات لملوكهم، فيقال:
«الملك الجليل» والمراد الجليل بالنسبة إلى ملوك الكفر، وإلا فالكافر لا يوصف بالعظمة. وكان الأحسن أن لا يكتب به إليهم، لا سيّما وهو اسم من أسمائه تعالى.
حرف الخاء المعجمة
(الخاشع) من الألقاب التي اصطلح عليها لمتديّنتهم: كالباب والبطرك.
وقد تقدّم في الألقاب الإسلامية أنه يكون من ألقاب الصّلحاء والصوفية، وأن معنى الخاشع المتذلّل.
(الخطير) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والخطير في اللغة الكبير الجليل القدر، ومنه قولهم: أمر له خطر أي مقدار كبير.
حرف الدال المهملة
(الدّوقس) بضم الدال وكسر القاف من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم. وقد يقال (الضّوقس) بالضاد بدل الدال، وهي لفظة يونانيّة أصلها دقستين، ومعناها المشكور.(6/80)
حرف الراء المهملة
(الرّوحانيّ) من الألقاب التي اصطلح عليها للمتديّنين منهم، وهو بضم الراء نسبة إلى الرّوح التي بها مناط الحياة للمخلوقين، ومنه نسب إلى الملائكة والجنّ روحانيّ، وبالفتح نسبة إلى الرّوح بمعنى الرائحة، والمعنى الأوّل أقرب إلى مراد الكتّاب.
حرف السين
(السّميدع) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم. قال الجوهري:
وهو بضم السين، وقال في «كفاية المتحفّظ» بفتحها، ومعناه السيّد، وكأن المراد: سيد قومه وزعيمهم.
حرف الضاد المعجمة
(الضّرغام) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهو من أسماء الأسد، لقّب به ملوكهم لما فيه من معنى الشجاعة.
حرف الغين المعجمة
(الغضنفر) بفتح الغين والضاد المعجمتين وسكون النون وفتح الفاء من أسماء الأسد، اصطلح الكتّاب على تلقيبهم بذلك لما فيه من معنى الشجاعة كالأسد والضّرغام. على أنه قد يطلق في اللغة على الرجل الغليظ كما حكاه الجوهريّ، ولا بأس باستعمال الألفاظ التي لها كامل؟؟؟ (1) في المكاتبات إلى الكفّار.
حرف القاف
(القدّيس) بكسر القاف، من الألقاب التي اصطلح عليها لمتديّنتهم من
__________
(1) كذا في الأصول بالاهمال مع إشارة التوقف والمراد الألفاظ التي تحتمل التعظيم وغيره. حاشية الطبعة الأميرية.(6/81)
الباب والبطريرك ونحوهما، وأصله من التقديس وهو التنزيه.
حرف الكاف
(الكرّار) بتشديد الراء من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والكرّار صيغة مبالغة من الكرّ خلاف الفرّ. والمراد أنه يرجع في المحاربة على قرنه المرّة بعد المرّة ولا ينهزم عنه.
(الكمينيوس) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهو لفظ روميّ معناه (1).
حرف الميم
(المتبتّل) من الألقاب التي اصطلح عليها لمتديّنتهم، ومعناه المنقطع عن الدنيا.
(المتخّت) بفتح الخاء المعجمة المشدّدة من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والمراد أنه ممن يجلس مثله على تخت الملك لاستحقاقه له.
(المتوّج) بفتح الواو المشدّدة من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والمراد أنه ممن يلبس التاج لاستحقاقه له.
(المحتشم) من الألقاب التي اصطلح عليها لتجّار الروم والفرنج، والمراد بالمحتشم هنا الرئيس الذي له حشم، وهو خوله وخدمه. وأصل الحشمة في اللغة الغضب، وسمي خول الرجل وخدمه حشما لأنهم يغضبون له وبعضهم يطلق المحتشم على المستحيي وعليه عرف العامة وهو المراد هنا، وأنكره ابن قتيبة وغيره حتّى قال النحاس إنه لا يعرف احتشم إلا بمعنى غضب وإن كان الجوهريّ قد حكاه.
__________
(1) بياض في الأصل، وقد أورده المؤلف في كتابه «ضوء الصبح» دون أن يفسّره. حاشية الطبعة الأميرية.(6/82)
(المعزّز) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم [وهو اسم مفعول من العز خلاف الذل.
(الممجد) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم] (1) وهو مفعّل من المجد. وقد تقدّم الكلام عليه في الألقاب الإسلامية.
حرف الهاء
(الهمام) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وقد تقدّم (2) في الألقاب الإسلامية أنّ معناه الشجاع.
النمط الثاني (من الألقاب التي يكتب بها لملوك الكفر الألقاب المركّبة)
وهذه جملة منها مرتّبة على حروف المعجم أيضا.
حرف الألف
(آخر ملوك اليونان) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهي تصلح لكل ملك ينتسب إلى اليونان أو قام مقامهم في الملك. واليونان أمّة معروفة مشهورة، وكانت مملكتهم أوّلا في الجانب الشرقيّ من الخليج القسطنطينيّ المعروف الآن ببلاد الرّوم ثم ملكوا بعدها العراق، والتّرك، والهند، وبلاد أرمينية، والشام، ومصر، والإسكندرية. ومنهم أكثر الحكماء والفلاسفة، وكانت دولتهم من أعظم الدّول واختلف في نسبهم، فنقل ابن سعيد عن البيهقيّ وغيره من المحقّقين أنهم من ولد أفريقش بن يونان، بن علجان، بن يافث، بن نوح عليه السّلام، والمنقول عن التوراة أن يونان هو ابن يافث لصلبه، واسمه فيها ياقان بفاء تقرب في اللفظ من الواو فعرّبت يونان،
__________
(1) الزيادة لتتميم الكلام. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) تقدم ذلك في صحيفة 34و 75من هذا الجزء، فانظره.(6/83)
وخالف كثير من المؤرّخين فنسبوا يونان إلى عابر بن فالغ، فجعله أخا لقحطان جدّ العرب العاربة، وأنه خرج من اليمن مغاضبا لأخيه قحطان فنزل ما بين الأفرنجة والروم واختلط نسبه بنسبهم. وقيل: بل اليونان (1) من جملة الرّوم من ولد صوفر بن العيص، بن إسحاق، بن إبراهيم عليه السّلام.
(أسوة الملوك والسلاطين) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والإسوة بكسر الهمزة وضمها بمعنى القدوة ومنه قولهم: لي في فلان إسوة يعني قدوة، وكأنهم جعلوه إسوة لملوك الكفر يقتدون به وإلا فلا يجوز إطلاق ذلك على الملوك من حيث هم لدخول ملوك الإسلام فيهم.
(العادل في ملّته) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وقد تقدّم معنى العادل والملّة في الكلام على الألقاب الإسلامية.
(العادل في مملكته) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وقد تقدّم معنى العادل، والمملكة في الأصل موضع الملك ثم أطلقت على الرعيّة مجازا.
(الرّيد أرغون) من الألقاب التي اصطلح عليها لبعض ملوكهم ممن يملك البلاد المعروفة بأرغون (2) وقد ذكر في «الروض المعطار» بلاد أرغون، وقال: هو اسم بلاد غرسيه بن شانجة، تشتمل على بلاد ومنازل وأعمال، ولم يذكر في أيّ حيّز هي ولا في أيّ قطر. وقد رأيت هذا اللقب في «التعريف» للمقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في ألقاب صاحب القسطنطينية وفي «التثقيف»
__________
(1) ذكرهم القلقشندي أيضا في كتابه «قلائد الجمان» ص 3332فقال: واليونان من ولد يونان وهو ياوان بن يافث. وأضاف: قال البيهقي: من بني يونان بن علجان بن يافث، واليونانيون على ثلاثة أصناف: اللطينيون والاغريقيون والكيتم.
(2) أرغون أو أراجون بفتح الهمزة والراء معا. وقد ذكرها ياقوت «أركون» بفتح الهمزة وسكون الراء، وقال: كان حصنا منيعا بالأندلس من اعمال شنتمريه، والمقصود شنتمرية الشرق وليس شنتمرية الغرب. معجم البلدان (ج 1ص 154).(6/84)
لابن ناظر الجيش في ألقاب الأذفونش صاحب طليطلة من الأندلس، ويحتاج إلى تحقيق من يملك هذه الطائفة منهما فيكتب به إليه. والرّيد في لغتهم بمعنى الملك كما تقدّم في الكلام على ريد أفرنس في ألقاب الملوك.
(المنصف لرعيّته) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والرعيّة من يسوسه الملك، سمّوا بذلك تشبيها لهم بالغنم وله بالراعي.
(أوحد الملوك العيسويّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، ويصلح للملكانيّة واليعقوبية جميعا لأنه لم يقيد بمذهب من مذاهب النصارى.
(أوحد ملوك اليعقوبيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوك الحبشة:
لأن ملكها من طائفة اليعقوبيّة.
حرف الباء
(بطل النّصرانيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهو صالح لكل واحد منهم ومعنى البطل في اللغة الشجاع، سمّي بذلك لأنه يبطل حركة قرنه.
(بقيّة أبناء التّخوت والتّيجان) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وهي تصلح لكلّ منهم أيضا من الملكانية واليعاقبة جميعا.
(بقيّة الملوك الأغريقيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لبعض الملوك من بقايا طائفة الأغريقية من اليونان، وهم طائفة من اليونان تنسب إلى أغريقش ابن يونان المقدّم ذكره، وهم اليونان الأول، وقد ذكره في «التعريف» في ألقاب ملك الكرج، ولعله اطّلع على أنه من بقايا هذه الطائفة، وهو مما يحتاج إلى تحرير.
(بقيّة سلف قيصر) من الألقاب التي اصطلح عليها لبعض ملوكهم ممن انتسب إلى القياصرة ملوك الروم أو قام مقامهم. وقيصر اسم قديم لكل من ملك الروم، وأصل هذه اللفظة في اللغة الرومية جاشر بجيم وشين معجمة فعرّبت
قيصر ولها عندهم معنيان: أحدهما الشيء المشقوق عنه، والثاني الشّعر.(6/85)
(بقيّة سلف قيصر) من الألقاب التي اصطلح عليها لبعض ملوكهم ممن انتسب إلى القياصرة ملوك الروم أو قام مقامهم. وقيصر اسم قديم لكل من ملك الروم، وأصل هذه اللفظة في اللغة الرومية جاشر بجيم وشين معجمة فعرّبت
قيصر ولها عندهم معنيان: أحدهما الشيء المشقوق عنه، والثاني الشّعر.
واختلف في أوّل من لقّب بذلك منهم فقيل: أغانيوش قيصر، أوّل الطبقة الثانية من ملوك الروم ماتت أمّه وهو حمل فشقّ بطنها وأخرج فسمّي بذلك لما فيه من الشق عليه، وقيل يوليوش قيصر، وهو الذي ملك بعد أغانيوش المقدّم ذكره، وقيل أغشطش قيصر وهو الذي ولد المسيح عليه السّلام في زمانه، فقد قيل إنه الذي ماتت أمّه وهو حمل فشقّ جوفها وأخرج فسمّي بذلك، وقيل لأنه ولد وله شعر تامّ فسمي قيصر لوجود الشعر فيه حينئذ.
حرف الجيم
(جامع البلاد الساحليّة) من الألقاب التي تصلح لكل ملك [مملكة] متسعة على ساحل البحر كصاحب القسطنطينيّة ونحوه.
حرف الحاء المهملة
(حافظ البلاد الجنوبيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لملك الحبشة من النصارى، على أنه يصلح لغيره من ملوك السّودان أيضا ممن أخذ في الجنوب من المسلمين وغيرهم.
(حامل راية المسيحيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهي تصلح لكل ملك كبير من ملوك النصارى والمراد بالمسيحيّة الملة المسيحيّة، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، يريدون ملّة المسيح وهو عيسى عليه السّلام. واختلف في [سبب] تسميته بالمسيح، فقيل لأنه كان ممسوح القدمين بمعنى أنه لا أخمص له. وقيل لأنه مسح الأرض بالسّياحة، وقيل غير ذلك. أما تسمية الدّجّال بالمسيح فلأنه ممسوح العين لأنه أعور، وقيل لأنه يمسح الأرض بالسير فيها.
(حامي البحار والخلجان) من الألقاب التي تصلح لكل من مملكته منهم على البحر، والبحار جمع بحر، وأصله في اللغة الشّقّ، ومنه سمّيت البحيرة
المذكورة في القرآن، وهي الناقة التي تشقّ أذنها فلا تعارض والخلجان جمع خليج وهو الجدول الصغير، والمراد ما يتشعّب من البحر كخليج القسطنطينية وجون البنادقة ونحوهما.(6/86)
(حامي البحار والخلجان) من الألقاب التي تصلح لكل من مملكته منهم على البحر، والبحار جمع بحر، وأصله في اللغة الشّقّ، ومنه سمّيت البحيرة
المذكورة في القرآن، وهي الناقة التي تشقّ أذنها فلا تعارض والخلجان جمع خليج وهو الجدول الصغير، والمراد ما يتشعّب من البحر كخليج القسطنطينية وجون البنادقة ونحوهما.
(حامي حماة بني الأصفر) من الألقاب التي تصلح لملوك الرّوم والفرنج بالممالك العظام، كصاحب القسطنطينية وغيره، والمراد ببني الأصفر الروم فإنهم من ولد صوفر بن العيص، بن إسحاق، بن إبراهيم عليه السّلام، والمؤرّخون يعبّرون عن صوفر بالأصفر. وإنما خصّه بحماية الحماة تفخيما له فإنه إذا حمى الحماة كان بحماية غيرهم أجدر.
حرف الخاء المعجمة
(خالصة الأصدقاء) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والمراد بالخالصة هنا من ليس في صداقته شائبة.
(خلاصة ملوك السّريان) من الألقاب التي تصلح لكل من ينسب إلى بقايا السّريانيين من الملوك. والسّريان (1) أقدم الأمم في الخليفة، وكانوا يدينون بدين الصابئة (2)، وينتسبون إلى صابيء بن إدريس عليه السّلام. قال ابن حزم:
ودينهم أقدم الأديان على وجه الأرض، ومدار مذاهبهم على تعظيم الرّوحانيّات والكواكب. وكانت منازلهم أرض بابل من العراق. قال المسعوديّ (3): وهم أوّل
__________
(1) قال القلقشندي في كتابه «قلائد الجمان» صحيفة 29: قال الكلبي: السريان من بني سوريان ابن نبيط بن ماش بن إرم بن سام.
(2) الصابئة والصابئون: قوم يزعمون أنهم على دين نوح، عليه السّلام، بكذبهم. لسان العرب (صبأ) وقال ابن حزم في رسائل ابن حزم (ج 3ص 138): «ثم نظرنا في الصابئين فوجدناها ملّة قد بطلت بالكلية، ولم يبق لها أثر مع أن أصولهم أصول المنانية (أتباع ماني) التي لا شك في كذبها؟؟.
(3) عبارة المسعودي في مروج الذهب (ج 1ص 213): «أول الملوك ملوك السريانيين بعد الطوفان وأضاف: أول من ملك منهم رجل يقال له «شوسان»، وكان أول من وضع التاج على رأسه في تاريخ السريانيين وانقادت له ملوك الأرض، وكان ملكه ست عشرة سنة، مفسدا للبلاد سفاكا للدماء.(6/87)
ملوك الأرض بعد الطّوفان.
حرف الذال المعجمة
(ذخر ملوك البحار والخلج) من الألقاب التي تصلح لكل ملك منهم على ساحل البحر، وقد تقدّم معنى الذّخر والبحار، والخلج هي الخلجان وقد تقدّم معناها.
(ذخر الأمة النصرانيّة) من الألقاب التي تصلح لجميع ملوك النصرانية من الملكانيّة واليعاقبة، وقد تقدم معنى الذّخر والأمّة في الكلام على الألقاب الإسلامية.
حرف الراء المهملة
(رضيّ الباب بابا رومية) يجوز أن يكون بفتح الراء وكسر الضاد بمعنى مرضيّ الباب، ويجوز أن يكون بكسر الراء وفتح الضاد بمعنى أنه يجعل نفس رضا الباب وهو أبلغ. وهو من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم وقد تقدّم في الألقاب الأصول معنى البابا، ورومية اسم لرومية التي بها الباب مقيم، إضافة إليها لإقامته بها، وقد مرّ القول عليها في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية. وتأتي الإشارة إليها في الكلام على مكاتبة الباب في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
(ركن الأمّة العيسويّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لكبار ملوكهم كملك الحبشة ونحوه، ويصلح للملكانيّة واليعاقبة جميعا.
حرف الشين المعجمة
(شبيه مريحنّا المعمدان) من الألقاب التي تصلح لكبار ملوكهم، ومريحنّا بفتح الميم وسكون الراء المهملة وضم الياء المثناة تحت وبعدها حاء مهملة ونون.
ومعنى مر السيد، ويحنّا بلغتهم يحيى، والمراد شبيه السيد يحيى، والمعمدان بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة صفة عندهم ليحيى فهم يزعمون
أن مريم عليها السّلام خرجت بعيسى عليه السّلام من الشأم إلى مصر وعادت به إلى الشأم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، فتلقّاه يحيى عليه السّلام وهو ابن خالته، فغمسه في نهر الأردنّ وهو عندهم أصل ماء المعموديّة الذي لا يصح عندهم تنصّر نصرانيّ إلا به فأطلقوا على يحيى عليه السّلام المعمدان لمعنى ذلك وكأنه شبّهه به من حيث إنه أصل المعموديّة بزعمهم.(6/88)
ومعنى مر السيد، ويحنّا بلغتهم يحيى، والمراد شبيه السيد يحيى، والمعمدان بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة صفة عندهم ليحيى فهم يزعمون
أن مريم عليها السّلام خرجت بعيسى عليه السّلام من الشأم إلى مصر وعادت به إلى الشأم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، فتلقّاه يحيى عليه السّلام وهو ابن خالته، فغمسه في نهر الأردنّ وهو عندهم أصل ماء المعموديّة الذي لا يصح عندهم تنصّر نصرانيّ إلا به فأطلقوا على يحيى عليه السّلام المعمدان لمعنى ذلك وكأنه شبّهه به من حيث إنه أصل المعموديّة بزعمهم.
حرف الصاد المهملة
(صديق الملوك والسلاطين) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والمراد أن فيه صداقة وودّا لملوك الإسلام وسلاطينهم.
حرف الضاد المعجمة
(ضابط الممالك الرّوميّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لصاحب القسطنطينيّة، وهو نظير حافظ البلاد الجنوبية لملك الحبشة.
حرف الظاء المعجمة
(ظهير الباب بابا رومية) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وقد تقدّم معنى الباب والبابا.
حرف العين المهملة
(عزّ الملّة النّصرانية) من الألقاب التي اصطلح عليها لأكابر ملوكهم.
(عماد بني المعموديّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لكبار ملوكهم، والعماد في اللغة الأبنية الرفيعة، يذكّر ويؤنّث، وقد مرّ بيان معنى المعمودية في حرف الشين.
حرف الفاء
(فارس البرّ والبحر) يصلح لمن يكون مجاورا للبرّ والبحر من الملوك كأصحاب الجزائر، وقد يصلح لغيرهم أيضا.
(فخر الملّة المسيحيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وتصلح للملكانيّة واليعاقبة منهم.(6/89)
(فارس البرّ والبحر) يصلح لمن يكون مجاورا للبرّ والبحر من الملوك كأصحاب الجزائر، وقد يصلح لغيرهم أيضا.
(فخر الملّة المسيحيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وتصلح للملكانيّة واليعاقبة منهم.
حرف الميم
(متّبع الحواريّين والأحبار الرّبّانيّين والبطاركة القدّيسين) من ألقاب عظماء ملوكهم، والمراد بالحواريّين أصحاب عيسى عليه السّلام الذين بعثهم إلى أقطار الأرض للبشارة به وللدّعاية إلى الله تعالى، وعنهم أخبر تعالى بقوله {قََالَ الْحَوََارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصََارُ اللََّهِ} * (1) وهم اثنا عشر نفسا، أسماؤهم يونانيّة.
أحدهم بطرس، ويقال له شمعون الصّفا، وهو الذي بشّر بالقدس وأنطاكية وما حولها.
والثاني أندراوس. وهو الذي بشّر ببلاد الحبشة والسّودان.
والثالث يعقوب بن (2) زيري. وهو الذي بشر بمدينة (3)
والرابع يوحنّا الإنجيليّ، وهو الذي بشّر ببلاد أفسس وما معها.
والخامس فيلبّس، ولم أقف على موضع بشارته.
والسادس برتلوما، وهو الذي بشّر في الواحات والبربر.
والسابع توما، ويعرف بتوما الرسول، وهو الذي بشّر في السّند والهند.
والثامن متّى، وهو الذي بشّر بأرض فلسطين، وصور، وصيدا، ومصر، وقرطاجنّة (4) من بلاد المغرب.
__________
(1) سورة آل عمران 3، الآية 52.
(2) في تاريخ ابن خلدون (ج 3ص 293): «يعقوب بن زبدي».
(3) بياض في الأصول. حاشية الطبعة الأميرية.
(4) قرطاجنّة، بالفتح ثم السكون، وطاء مهملة، وجيم مفتوحة، ونون مشددة: بلد قديم من نواحي إفريقية. قيل: إنّ اسم هذه المدينة «قرطا» وأضيف إليها «جنّة» لطيبها وحسنها بينها وبين تونس اثنا عشر ميلا. وقرطاجنة: مدينة أخرى بالأندلس من أعمال تدمير. معجم البلدان (ج 4 ص 323).(6/90)
والتاسع يعقوب بن حلفا، وهو ممن بشّر ببلاد الهند أيضا.
والعاشر سمعان، ويقال شمعون الصّفا، وهو الذي بشر بشمشاط (1)
وحلب ومنبج وبزنطية: وهي القسطنطينيّة.
والحادي عشر بولس، ويقال له تداوس، وهو الذي بشّر بدمشق وبالقدس أيضا وبلاد الروم والجزائر ورومية.
والثاني (2) عشر يهوذا الأسخر يوطيّ (3)، وهو الذي خرج عن طاعة المسيح ودلّ عليه اليهود ليقتلوه فألقى الله تعالى شبه المسيح عليه فأمسكه اليهود وقتلوه وصلبوه ورفع الله تعالى المسيح إليه، وليس هذا من المراد بالحواريّين هنا لأنه قد خرج عن دائرتهم. فلفظ الحواريين مأخوذ من الحور، وهو شدّة البياض، سمّوا بذلك لصفائهم وتفانيهم في اتّباع المسيح عن الدّخل، وقيل لأنهم كانوا في الأوّل قصّارين يبيّضون الثياب.
والأحبار جمع حبر، بفتح الحاء وكسرها، وهو العالم.
والرّبّانيّون جمع ربّانيّ، وقد تقدّم معناه في الألقاب الإسلامية.
والبطاركة جمع بطرك، وقد تقدّم الكلام عليه في الألقاب الأصول وأن أصله بطريرك، وأنه يقال فيه فطرك بالفاء بدل الباء، وكان لهم خمسة كراسيّ كرسيّ برومية، وهو الذي قعد فيه الباب، وكرسيّ بالإسكندرية، وهو الذي استقرّ لبطرك اليعقوبية الآن، وكرسيّ ببزنطية وهي القسطنطينية، وكرسيّ بأنطاكية وكان فيه بطرك النسطوريّة، وكرسيّ بالقدس وهو أصغرها عندهم.
(محيي طرق الفلاسفة والحكماء) من الألقاب التي اصطلح عليها
__________
(1) شمشاط: بكسر أوله وسكون ثانيه: مدينة على شاطيء الفرات، قيل: سميت بشمشاط بن اليفز بن سام بن نوح، عليه السّلام، لأنه اول من أحدثها. معجم البلدان (ج 3ص 362).
(2) ذكر ابن خلدون المسيح عليه السّلام وقال: «واختار تلامذته الاثني عشر: سمعان بطرس، وأخوه أندراوس، ويعقوب بن زبدي، وأخوه يوحنا، وفيلبّس، وبرتو لوماوس، وتوما ومتّى العشار، ويعقوب بن حلفا وتدّاوس، وسمعان القناني، ويهوذا الإسخريوطي،.» تاريخ ابن خلدون (ج 3ص 293).
(3) في المصدر السابق: «الإسخريوطي» بكسر الهمزة وليس بفتحها.(6/91)
لصاحب القسطنطينية لأن مملكته منبع حكماء اليونان وفلاسفتهم. والفلاسفة جمع فيلسوف بكسر الفاء، وهي لفظ يوناني مركّب من مضاف ومضاف إليه، معناه محبّ الحكمة، فلفظ فيل بمعنى محبّ، وسوف بمعنى الحكمة، وهم يطلقون الفلسفة على من يحيط بالعلوم الرياضية، وهي: الهيئة والهندسة والحساب واللحون وغيرها، والحكماء جمع حكيم، وهو من يحسن دقائق الصناعات ويتقنها أو من يتعاطى الحكمة، وهي معرفة أفضل الأشياء وأفضل العلوم، وأوّل ما صارت الحكمة فيهم في زمن بختنصّر (1)، ثم اشتهرت فيهم بعد ذلك، ولذلك عبّر بالفلاسفة القدماء إشارة إلى أوّل زمن الحكماء.
(مخوّل التّخوت والتّيجان) من الألقاب التي اصطلح عليها لصاحب القسطنطينيّة لعظم مملكته في القديم والحديث، والمخوّل المملّك، والتّخوت جمع تخت، وهو كرسيّ الملك الذي يجلس عليه الملك في مجلسه العامّ والتيجان جمع تاج، وهو الذي يوضع على رأس الملك إذا جلس على تخته، والمعنى أنه يعطي الملوك الممالك من تحت يده لسعة مملكته وعظمتها، وقد كانت القسطنطينيّة قبل غلبة الفرنج وقوّة شوكتهم ملكا عظيما.
(مسيح الأبطال المسيحيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لأكابر ملوكهم كصاحب القسطنطينيّة. أضاف المسيح إلى الأبطال ثم وصفها به جمعا له بين رتبتي الشجاعة والتديّن بدينه.
(مصافي المسلمين) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم،
__________
(1) هو ملك بابل الذي غزا بني إسرائيل عند قتلهم نبيّهم شعيا في عهد إرميا بن حلقيا، فخرّب بيت المقدس، قاعدة ملّتهم وسلطانهم، بعد ثمانماية سنة من بنائه، وأحرق التوراة، وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم، ثم انصرف راجعا إلى بابل ومعه سبايا بني إسرائيل فنقلهم إلى أصبهان وبلاد العراق الى أن ردّهم بعض ملوك الكيانيّة من الفرس إلى بيت المقدس من بعد سبعين سنة من خروجهم، فبنوا المسجد وأقاموا أمر دينهم على الرسم الأول. عاش بخت نصر بعد تخريب بيت المقدس أربعين سنة. أنظر تاريخ ابن الأثير (ج 1ص 272261، 303) وتاريخ ابن خلدون (ج 1ص 14، 410) و (ج 2ص 631).(6/92)
والمصافي مفاعل من الصّفاء، والمراد أنه صافي النية للمسلمين، والمسلمون صافو النية له.
(معزّ النّصرانية) من الألقاب التي اصطلح عليها لأكابر ملوكهم، والمراد بالنصرانية ملة النصرانية، حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه، والنصرانية في الأصل منسوبة إلى الناصرة، وهي القرية التي نزلها المسيح وأمه عليهما السّلام من بلاد القدس عند عودهما إلى مصر، وقيل مأخوذة من قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السّلام {مَنْ أَنْصََارِي إِلَى اللََّهِ قََالَ الْحَوََارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصََارُ اللََّهِ} * (1).
(معظّم البيت المقدّس) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وربّما زيد فيها فقيل: «معظّم البيت المقدّس بعقد النية» لموافقة الرويّ في السّجعة التي تقارنها ويصلح لكل ملك من ملوكهم لأن جميعهم يعتقدون تعظيم البيت المقدّس، والبيت المقدّس معروف، والتقديس التنزيه والتطهير.
(معظّم كنيسة صهيون) من الألقاب المختصة بملك الحبشة لأنه يعقوبيّ، وكنيسة صهيون بالإسكندرية، وهي كنيسة بطرك اليعاقبة الآن.
ومعتقدهم أنه لا يصح ولاية ملك منهم إلّا باتصال من هذا البطرك على أنه في ابتداء البطركية في زمن الحواريّين لم يكن بكرسيّ الإسكندرية أحد من الحواريين، إنما كان بها مرقص الإنجيلي تلميذ بطرس الحواريّ صاحب كرسيّ رومية، والنصارى يومئذ على طريقة واحدة قبل ظهور الملكية واليعقوبية، فلما افترق دين النصرانية إلى الملكانيّة واليعاقبة وغيرهم، كانت بطركية الإسكندرية يتداولها الملكية واليعقوبية تارة وتارة بحسب انتحال الملوك والميل إلى كلّ من المذهبين، ثم استقرّت آخرا في بطرك اليعاقبة إلى زماننا، وتبعه ملوك الحبشة لانتحالهم مذهب اليعاقبة، كما تبع الروم والفرنجة الباب (2)
__________
(1) سورة آل عمران 3، الآية 52.
(2) أي بابا روميه. أنظر ألقاب «الباب» بروميه ص 164من هذا الجزء.(6/93)
برومية، لانتحالهم مذهب الملكانية، وسيأتي الكلام على طرف من ذلك في الكلام على مكاتبة ملك الحبشة إن شاء الله تعالى.
(ملك ملوك السّريان) من الألقاب التي اصطلح عليها لصاحب القسطنطينية لعظمته عندهم، وقد تقدّم ذكر السّريان فيما قبل.
(موادّ المسلمين) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وهو بتشديد الدال أخذا من المودّة.
(مؤيّد المسيحيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، والمؤيّد المقوّي، والمراد بالمسيحية الملّة المسيحيّة، كما تقدّم بيانه، وربما قيل «مؤيّد العيسويّة»: والأمر فيهما كذلك.
حرف النون
(ناصر الملّة المسيحيّة) من الألقاب التي اصطلح عليها لأكابر ملوكهم، وقد تقدّم معنى هذه الألقاب في مواضعها.
حرف الواو
(وارث التّيجان) من الألقاب التي اصطلح عليها لملوكهم، وقد تقدّم (1)
معنى التّيجان، والمراد أنه انتقل إليه الملك وراثة من آبائه.
(وارث آبائه في الأسرّة والتّيجان) من الألقاب التي اصطلح عليها لمن يكون عريقا في الملك، وهو قريب من اللّقب الذي قبله.
(وارث القياصرة العظماء) من الألقاب التي اصطلح عليها لصاحب القسطنطينية التي هي قاعدة القياصرة، وقد تقدّم أوّل من سمّي قيصر فيما سلف من الألقاب.
__________
(1) تقدم ذلك في صحيفة 42من هذا الجزء.(6/94)
الضرب الثاني (من ألقاب أهل الكفر الألقاب المؤنّثة: بأن يكون اللقب الأصل مؤنّثا فتتبعه الألقاب الفروع في التأنيث. ولها حالتان)
الحالة الأولى
أن يكون اللقب الأصل لمؤنّث غير حقيقيّ كالحضرة مثلا، فترد ألقابه مؤنّثة، وفي الغالب إنما يقع التأنيث في اللّقب الأوّل ثم ينتقل إلى الألقاب المذكّرة، مثل أن يقال: «الحضرة العالية أو السامية أو العلية، حضرة الملك الجليل» ويؤتى بما يناسبه من الألقاب بعد ذلك وربما أتي للحضرة بلقبين فأكثر طلبا للتفخيم، ثم يعدل إلى الألقاب المذكّرة، مثل «الحضرة العالية المكرّمة» ثم يقال «حضرة الملك الجليل» وما أشبه ذلك.
الحالة الثانية
أن يكون اللقب الأصل لمؤنّث حقيقيّ بأن يكون لامرأة كما إذا كانت ملكة في بعض ممالكهم، على قاعدة الأعاجم في إسناد الملك إلى بنات الملوك، فيؤتى بألقابها المفردة والمركّبة مؤنثة، فيكتب مثلا «الملكة الجليلة المكرّمة المبجّلة الموقّرة المفخّمة المعزّزة فلانة العادلة في مملكتها، كبيرة دين النّصرانية، نصرة الأمّة العيسوية، حامية الثّغور، صديقة الملوك والسلاطين» وما أشبه ذلك، ومعاني هذه الألقاب معلومة مما تقدّم.
قلت: قد أتيت من ألقاب أهل الإسلام وألقاب أهل الكفر: المفردة والمركّبة على ما تضمنه «التعريف بالمصطلح الشريف» للمقرّ الشهابي بن فضل الله، و «عرف التعريف» في الإخوانيّات له، و «تثقيف التعريف» للقاضي تقيّ الدين ابن ناظر الجيش إلا ما شرد عنه القلم، مع ما ضممته إلى ذلك مما وجدته في غيرها من الدساتير المجموعة في السلطانيات والإخوانيات المصريّة والشامية جاريا على عرفهم مما استعمله أهل الزمان ومن قاربه والكاتب الماهر إذا فهم أصلها وعرف طرقها، اخترع ما شاء من الألقاب والنّعوت والضابط في وضع الألقاب أن يراعى فيها أحوال المكتوب له، فيؤتى منها بما يناسب حاله في الوظيفة والرّياسة وسائر أوصاف المدح اللائقة به، فيؤتى لصاحب السيف
بالألقاب المقتضية للشّجاعة والبسالة مثل المجاهديّ والمثاغريّ والمرابطيّ وما أشبه ذلك. وربما أضيف له بعض الألقاب المقتضية للعلم والصّلاح، كالعالميّ والعامليّ ونحو ذلك، لاشتراك الناس في المدح بمثل ذلك. ويؤتى للعالم والقاضي ونحوهما بالألقاب المقتضية للعلم كالعالميّ والمحقّقيّ ونحو ذلك. وربما أضيف إليها الألقاب المقتضية للصّلاح لتمدّح العلماء به. ويؤتى للصوفية وأهل الصّلاح بالألقاب المقتضية للصلاح والتعبّد كالعابديّ والزاهديّ ونحوهما. ويؤتى لكتّاب الإنشاء بالألقاب المقتضية للبلاغة كالبليغ والمفوّهيّ ونحو هما. ويؤتى للنساء بالألقاب المقتضية للصّيانة والعفّة كالمصونة والمحجّبة وما أشبههما. ويؤتى لأهل الكفر من الملوك ونحوهم بما لا حرج فيه على الكاتب كالشجاعة وما في معناها، والتقدّم على ملوك طائفته وأهل ملّته وما في معنى ذلك. فإن اجتمع في شخص واحد أوصاف متعدّدة من الممادح جمعت له، على أن أكثر ما يستعمله الكتّاب من الألقاب غير موجودة في صاحبها، وإنما هي ألقاب حفظوها لرتب معيّنة لا يسعهم الإخلال بشيء منها وإن كانت كذبا محضا و {إِنََّا لِلََّهِ وَإِنََّا إِلَيْهِ رََاجِعُونَ} (1). وقد كان في القديم قاعدة مستقرّة: وهو أنه لا يلقّب أحد بلقب ولا يكنى بكنية إلا أن يكون الخليفة هو الذي يلقّب بذلك أو يكني.(6/95)
قلت: قد أتيت من ألقاب أهل الإسلام وألقاب أهل الكفر: المفردة والمركّبة على ما تضمنه «التعريف بالمصطلح الشريف» للمقرّ الشهابي بن فضل الله، و «عرف التعريف» في الإخوانيّات له، و «تثقيف التعريف» للقاضي تقيّ الدين ابن ناظر الجيش إلا ما شرد عنه القلم، مع ما ضممته إلى ذلك مما وجدته في غيرها من الدساتير المجموعة في السلطانيات والإخوانيات المصريّة والشامية جاريا على عرفهم مما استعمله أهل الزمان ومن قاربه والكاتب الماهر إذا فهم أصلها وعرف طرقها، اخترع ما شاء من الألقاب والنّعوت والضابط في وضع الألقاب أن يراعى فيها أحوال المكتوب له، فيؤتى منها بما يناسب حاله في الوظيفة والرّياسة وسائر أوصاف المدح اللائقة به، فيؤتى لصاحب السيف
بالألقاب المقتضية للشّجاعة والبسالة مثل المجاهديّ والمثاغريّ والمرابطيّ وما أشبه ذلك. وربما أضيف له بعض الألقاب المقتضية للعلم والصّلاح، كالعالميّ والعامليّ ونحو ذلك، لاشتراك الناس في المدح بمثل ذلك. ويؤتى للعالم والقاضي ونحوهما بالألقاب المقتضية للعلم كالعالميّ والمحقّقيّ ونحو ذلك. وربما أضيف إليها الألقاب المقتضية للصّلاح لتمدّح العلماء به. ويؤتى للصوفية وأهل الصّلاح بالألقاب المقتضية للصلاح والتعبّد كالعابديّ والزاهديّ ونحوهما. ويؤتى لكتّاب الإنشاء بالألقاب المقتضية للبلاغة كالبليغ والمفوّهيّ ونحو هما. ويؤتى للنساء بالألقاب المقتضية للصّيانة والعفّة كالمصونة والمحجّبة وما أشبههما. ويؤتى لأهل الكفر من الملوك ونحوهم بما لا حرج فيه على الكاتب كالشجاعة وما في معناها، والتقدّم على ملوك طائفته وأهل ملّته وما في معنى ذلك. فإن اجتمع في شخص واحد أوصاف متعدّدة من الممادح جمعت له، على أن أكثر ما يستعمله الكتّاب من الألقاب غير موجودة في صاحبها، وإنما هي ألقاب حفظوها لرتب معيّنة لا يسعهم الإخلال بشيء منها وإن كانت كذبا محضا و {إِنََّا لِلََّهِ وَإِنََّا إِلَيْهِ رََاجِعُونَ} (1). وقد كان في القديم قاعدة مستقرّة: وهو أنه لا يلقّب أحد بلقب ولا يكنى بكنية إلا أن يكون الخليفة هو الذي يلقّب بذلك أو يكني.
الجملة السابعة (في تفاوت الألقاب في المراتب، وهي قسمان)
القسم الأوّل (ما يقع التفاوت فيه بالصّعود والهبوط، وهو نوعان)
النوع الأوّل (ما يقع التفاوت فيه بحسب القلّة والكثرة، وله حالتان)
الحالة الأولى
أن يكون المكتوب إليه من أتباع المكتوب عنه، كنوّاب
__________
(1) سورة البقرة 2، الآية 156.(6/96)
السلطنة فيما يكتب عن الأبواب السلطانية من مكاتبات وولايات، فزيادة الألقاب وكثرتها في هذه الحالة علوّ وشرف في حقّ المكتوب إليه، لأنها من باب المدح والإطراء، ولا شكّ أن كثرة المدح من المتبوع للتابع أعلى من قلّته، ولذلك تقع الإطالة في ألقاب كبار النّوّاب والاختصار في صغارهم، وتأتي في غاية الاختصار في نحو ولاة النّواحي ومن في معناهم.
الحالة الثانية
أن يكون المكتوب له أجنبيّا عن المكتوب عنه، كالملوك الذين تكتب إليهم المكاتبات عن السلطان، فقلّة الألقاب في حقّه أرفع لأن الإكثار من ذلك يرى أنه من باب الملق المذموم بين الأكابر في المكاتبات، فوجب تجنّبه كما يجب تجنّب المدح وكثرة الدعاء، ولذلك يقع الاختصار في الألقاب فيما يكتب لهم عن السلطان إجلالا لقدرهم عن رتبة رعاياه الذين يكثر من ألقابهم.
النوع الثاني (ما يقع فيه التفاوت في العلوّ والهبوط بحسب ما يقتضيه جوهر اللفظ أو ما وقع الاصطلاح عليه. وهو صنفان)
الصنف الأوّل (الألقاب المفردة. وهي على أربعة أنماط)
النّمط الأوّل (التوابع)
وهي التي تلي الألقاب الأصول كالتي تلي المقام والمقرّ والجناب والمجلس، فيلي المقام لفظ الأشرف ولفظ الشريف ولفظ العالي، فالمقام يقال فيه «المقام الأشرف العالي» و «المقام الشريف العالي» و «المقام العالي». ويلي المقرّ لفظ الأشرف ولفظ الشريف ولفظ الكريم ولفظ العالي. فيقال «المقرّ الأشرف العالي» و «المقرّ الشريف العالي» و «المقرّ الكريم العالي» و «المقرّ العالي».
ويلي الجناب لفظ الكريم ولفظ العالي، فيقال «الجناب الكريم العالي» و «الجناب العالي». ويلي المجلس لفظ العالي والسامي، فيقال «المجلس العالي» و «المجلس السامي». والألفاظ التي تتبع، وهي الأشرف والشريف والكريم والعالي والسامي، بعضها أرفع من بعض على الترتيب. فالأشرف أرفع من الشريف لأن أشرف أفعل تفضيل يقتضي الترجيح على غيره كما هو مقرّر في علم النحو والشريف أرفع رتبة من الكريم لما تقدّم عن ابن السّكّيت أن الكرم يكون في الرجل وإن لم يكن له آباء شرفاء، والشّرف لا يكون إلا لمن له آباء شرفاء. ومقتضى ذلك ترجيح الشريف على الكريم لاقتضائه الفضل في نفس الشخص وفي آبائه، بخلاف الكرم ولذلك اختير الشرف لأبناء فاطمة رضي الله عنها دون الكرم. والكريم أرفع رتبة من العالي، لأن الكريم يحتمل أن يكون من الكرم الذي هو خلاف اللّؤم ويحتمل أن يكون من الكرم الذي هو خلاف البخل، وكلاهما مقطوع بأنه صفة مدح، وإن الأقرب إلى مراد الكتاب المعنى الأوّل. والعالي يحتمل أن يكون من علي بكسر اللام يعلى بفتحها علاء بفتح العين والمدّ إذا شرف ويحتمل أن يكون من علا يعلو علوّا إذا ارتفع في المكان وليس العلوّ في المكان مما يدلّ على صفة المدح إلا أن يستعار للارتفاع في الشرف فيكون صفة مدح حينئذ على سبيل المجاز وإن كان مراد الكتّاب هو المعنى الأوّل وما كان مقطوعا فيه بالمدح من الجانبين أعلى مما يكون مقطوعا فيه بالمدح من جانب دون جانب. وقد اصطلحوا على أن جعلوا العالي أرفع من السامي، وهو مما أنكر على واضعه، إذ لا فرق بينهما من حيث المعنى، لأن السموّ بمعنى العلوّ. والذي يظهر أن الواضع لم يجهل ذلك ولعله إنما جعل العالي أرفع رتبة من السامي وإن كان بمعناه لأن العالي لفظ واضح المعنى يفهمه الخاصّ والعامّ، فيكون المدح به أعمّ باعتبار من يفهمه، بخلاف السامي فإنه لا يفهم معنى العلوّ منه إلا الخاصة، فيكون المدح به أخصّ لاقتصار الخاصّة على معرفته دون العامّة.(6/97)
وهي التي تلي الألقاب الأصول كالتي تلي المقام والمقرّ والجناب والمجلس، فيلي المقام لفظ الأشرف ولفظ الشريف ولفظ العالي، فالمقام يقال فيه «المقام الأشرف العالي» و «المقام الشريف العالي» و «المقام العالي». ويلي المقرّ لفظ الأشرف ولفظ الشريف ولفظ الكريم ولفظ العالي. فيقال «المقرّ الأشرف العالي» و «المقرّ الشريف العالي» و «المقرّ الكريم العالي» و «المقرّ العالي».
ويلي الجناب لفظ الكريم ولفظ العالي، فيقال «الجناب الكريم العالي» و «الجناب العالي». ويلي المجلس لفظ العالي والسامي، فيقال «المجلس العالي» و «المجلس السامي». والألفاظ التي تتبع، وهي الأشرف والشريف والكريم والعالي والسامي، بعضها أرفع من بعض على الترتيب. فالأشرف أرفع من الشريف لأن أشرف أفعل تفضيل يقتضي الترجيح على غيره كما هو مقرّر في علم النحو والشريف أرفع رتبة من الكريم لما تقدّم عن ابن السّكّيت أن الكرم يكون في الرجل وإن لم يكن له آباء شرفاء، والشّرف لا يكون إلا لمن له آباء شرفاء. ومقتضى ذلك ترجيح الشريف على الكريم لاقتضائه الفضل في نفس الشخص وفي آبائه، بخلاف الكرم ولذلك اختير الشرف لأبناء فاطمة رضي الله عنها دون الكرم. والكريم أرفع رتبة من العالي، لأن الكريم يحتمل أن يكون من الكرم الذي هو خلاف اللّؤم ويحتمل أن يكون من الكرم الذي هو خلاف البخل، وكلاهما مقطوع بأنه صفة مدح، وإن الأقرب إلى مراد الكتاب المعنى الأوّل. والعالي يحتمل أن يكون من علي بكسر اللام يعلى بفتحها علاء بفتح العين والمدّ إذا شرف ويحتمل أن يكون من علا يعلو علوّا إذا ارتفع في المكان وليس العلوّ في المكان مما يدلّ على صفة المدح إلا أن يستعار للارتفاع في الشرف فيكون صفة مدح حينئذ على سبيل المجاز وإن كان مراد الكتّاب هو المعنى الأوّل وما كان مقطوعا فيه بالمدح من الجانبين أعلى مما يكون مقطوعا فيه بالمدح من جانب دون جانب. وقد اصطلحوا على أن جعلوا العالي أرفع من السامي، وهو مما أنكر على واضعه، إذ لا فرق بينهما من حيث المعنى، لأن السموّ بمعنى العلوّ. والذي يظهر أن الواضع لم يجهل ذلك ولعله إنما جعل العالي أرفع رتبة من السامي وإن كان بمعناه لأن العالي لفظ واضح المعنى يفهمه الخاصّ والعامّ، فيكون المدح به أعمّ باعتبار من يفهمه، بخلاف السامي فإنه لا يفهم معنى العلوّ منه إلا الخاصة، فيكون المدح به أخصّ لاقتصار الخاصّة على معرفته دون العامّة.(6/98)
النمط الثاني (ما يقع التفاوت فيه بحسب لحوق ياء النسب وتجرّده منها)
قد تقدّم أن الألقاب المفردة منها ما تلحق به ياء النسب ومنها ما يتجرّد عنها، وأن الذي تلحقه ياء النسب منها منه ما هو منسوب إلى شيء خارج عن صاحب اللقب كالقضائيّ فإنه منسوب إلى القضاء الذي هو نفس الوظيفة، فيكون النسب فيه على بابه، ومنه ما هو منسوب إلى صاحب اللّقب نفسه كالأميريّ فإنه نسبة إلى الأمير وهو عين صاحب اللقب فدخلت فيه ياء النسب للمبالغة، كما في قولهم لشديد الحمرة أحمريّ على ما تقدّم بيانه.
وبالجملة فقد اصطلحوا على أن يكون ما لحقت به ياء النسب ارفع رتبة مما تجرّد عنها، سواء منسوبا إلى نفس صاحب اللقب أو غيره، فيجعلون الأميريّ أعلى رتبة من الأمير، والقضائيّ أرفع رتبة من القاضي ثم يجعلون المنسوب إلى نفس صاحب اللقب أرفع رتبة من المنسوب إلى شيء خارج عنه ومن أجل ذلك جعلوا القاضويّ (1) أرفع رتبة من القضائيّ. أما كون ما لحقت به ياء النسب (2) أرفع رتبة من المجرّد عنها فظاهر لأن المبالغة تقتضي الرفعة ضرورة وأما كون المنسوب إلى شيء آخر غير المنسوب إليه يقتضي الرفعة وإن لم يكن فيه مبالغة، فللإلحاق بما فيه المبالغة استطرادا، لئلا يلتبس الحال في النسبتين على الضعيف الفهم فلا يفرق بين ما هو منسوب إلى هذا وبين ما هو منسوب إلى ذاك. على أنهم لم يقفوا مع (الحكم في كون ما دخلت عليه ياء النسب أرفع مما لم تدخل عليه فقد استعملوا الأجل ونحوه في الألقاب السلطانية التي هي أعلى الألقاب، فقالوا: «السلطان الأجلّ العالم العادل» إلى آخر ألقابه المفردة من غير إلحاق ياء النسب بها ثم استعملوا مثل ذلك في ألقاب السامي بغير ياء فما دونه مما هو أدنى الألقاب رتبة. وكأنهم اكتفوا بمكانة
__________
(1) تقدم الحديث عن القاضوي ومعناه ص 23من هذا الجزء، فانظره.
(2) أي التي للمبالغة كما يفيده التحليل بعد. حاشية الطبعة الأميرية.(6/99)
السلطان من الرّفعة عن المبالغة في ألقابه بإلحاق ياء النسب، من حيث إنّ المعرّف لا يحتاج إلى تعريف.
النمط الثالث (ما يقع التفاوت فيه بصيغة مبالغة غير ياء النسب)
فيكون أرفع رتبة لمعنى المبالغة كما في الكفيلّي فإنه أرفع رتبة من الكافليّ، لأن صيغة فعيل أبلغ في المعنى من صيغة فاعل من حيث أن فعيلا لا يصاغ إلّا من فعل بضم العين إذا صار ذلك الفعل له سجية كما يقال: كرم فهو كريم وعظم فهو عظيم وحلم فهو حليم، بخلاف فاعل ومن أجل ذلك كان لفظ فقيه أبلغ من لفظ فاقه لأن فاقه يصاغ من فقه بكسر القاف إذا فهم، ومن فقه بفتحها إذا سبق غيره إلى الفهم. وفقيه إنما يصاغ من فقه بضمها إذا صار الفقه له سجيّة كما مرّ القول عليه في الكلام على الفقيه والفقيهيّ في الألقاب الإسلامية المفردة.
النمط الرابع (ما يقع فيه التفاوت بحسب ما في ذلك اللّقب من اقتضاء التشريف لعلوّ متعلّقه ورفعته)
كالممهّديّ والمشيّديّ، فإن المراد ممهّد الدول ومشيّد الممالك على ما مرّ في الألقاب المركّبة فإنّ من ينتهي في الرّتبة إلى تمهيد الدّول وتشييد الممالك فلا نزاع في أنه من علوّ الرتبة بالمكان الأرفع، وكذلك ما يجري هذا المجرى كالمدبّريّ بالنسبة إلى الوزراء ومن في معناهم، والمحقّقيّ بالنسبة إلى العلماء، والأصيليّ بالنسبة إلى العريق في كرم الأصل ونحو ذلك.(6/100)
الصنف الثاني (الألقاب المركّبة، وهي على ضربين)
الضرب الأوّل (ما يترتّب بعضه على بعض لقبا بعد لقب، وله اعتباران)
الاعتبار الأوّل (أن يشترك في رعاية الترتيب أرباب السيوف والأقلام وغيرهم، وهو على ثلاثة أنماط)
النمط الأوّل (ما يضاف إلى الإسلام، وله ثلاثة أحوال)
الحال الأوّل أن يكون ذلك في ألقاب أرباب السّيوف
. وقد اصطلح المقرّ الشّهابي بن فضل الله على أن جعل أعلاها ركن الإسلام والمسلمين فذكر ذلك في المكاتبة إلى النائب الكافل، ومكاتبته يومئذ بالجناب الكريم، ثم أبدل الكتّاب ذلك بعده بمعزّ الإسلام والمسلمين، وجعلوه مع المكاتبة إليه بالمقرّ الكريم على ما استقرّ عليه الحال آخرا في المكاتبة إلى النائب الكافل ونائب الشام، وجعلوا دون ذلك عزّ الإسلام والمسلمين فأوردوه مع الجناب الكريم والجناب العالي على ما استقرّ عليه مصطلحهم في السلطانيات. وجعل في «عرف التعريف» في الإخوانيّات عزّ الإسلام والمسلمين أعلى الألقاب فأورده في ألقاب المقرّ الشريف، ثم طرده فيما بعد ذلك من المقرّ الكريم والمقرّ العالي ولم يعده إلى ما بعد، ثم جعل دونه مجد الإسلام والمسلمين، فأورده مع المجلس العالي مطلقا مع الدعاء وصدرت، ثم جعل دون ذلك مجد الإسلام فقط من غير عطف المسلمين عليه، فأورده في المجلس الساميّ بالياء والسامي بغير ياء، ولم يعده إلى مجلس الأمير بل أعاضه بمجد الأمراء على ما سيأتي ذكره، وتابعه على ذلك في التثقيف.(6/101)
الحال الثاني أن يكون ذلك في ألقاب الوزراء من أرباب الأقلام
ومن في معناهم ككاتب السّر، وناظر الجيش، وناظر الخاصّ فمن دونهم من الكتاب.
وقد ذكر المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في بعض دساتيره السامية أن أعلاها لهم ركن الإسلام والمسلمين، وجعل في «عرف التعريف» أعلاها للوزراء صلاح الإسلام والمسلمين، ولمن في معنى الوزراء عزّ الإسلام والمسلمين أو جلال الإسلام والمسلمين وأورد ذلك مع المقرّ الشريف وما بعده: من المقرّ الكريم، والمقرّ العالي والجناب الشريف، والجناب الكريم، وجعل دون ذلك مجد الإسلام مجرّدا عن عطف المسلمين عليه، وأورده مع المجلس العالي، والمجلس السامي.
أما تخصيص صلاح الإسلام والمسلمين بالوزراء، وعز الإسلام والمسلمين وجلال الإسلام والمسلمين بمن في معناهم فلأنّ الصلاح فيه معنى السّداد والقصد، والعزّ والجلال فيهما معنى العظمة والهيبة، ولا شك أن وظيفة الوزارة التي مناطها تدبير الملك بالصلاح أجدر على أنه إذا حصل الصلاح تبعته العظمة والهيبة ضرورة. وأما كون جلال الإسلام والمسلمين أعلى من مجد الإسلام، فلأمرين أحدهما أنّ الجلال بمعنى العظمة، والمجد بمعنى الشرف، والعظمة أبلغ من الشرف لما في العظمة من نفاذ الكلمة. والثاني أن الإضافة في جلال الإسلام والمسلمين في المعنى إلى شيئين وفي مجد الإسلام إلى أحدهما.
الحال الثالث أن يكون في ألقاب القضاة والعلماء
، وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها حجّة الإسلام أو ضياء الإسلام، فأوردهما مع الجناب الشريف الذي هو عنده أعلى الرّتب لهذه الطائفة، وجعل دون ذلك بهاء الإسلام فأورده مع الجناب الكريم، وجعل دونه مجد الإسلام فأورده مع المجلس العالي والساميّ بالياء وبغير ياء.
أما كون حجة الإسلام وضياء الإسلام أعلى رتبة من مجد الإسلام فلأن
الحجة في اللغة بمعنى البرهان وهو الدليل القاطع، وبه تتقرّر قواعد الإسلام ومبانيه، والضياء في أصل اللغة خلاف الظلمة، ثم استعير للهداية وما في معناها، ولا شكّ أن الوصف بهذين الأمرين أبلغ من الوصف بالمجد الذي هو بمعنى الشرف.(6/102)
أما كون حجة الإسلام وضياء الإسلام أعلى رتبة من مجد الإسلام فلأن
الحجة في اللغة بمعنى البرهان وهو الدليل القاطع، وبه تتقرّر قواعد الإسلام ومبانيه، والضياء في أصل اللغة خلاف الظلمة، ثم استعير للهداية وما في معناها، ولا شكّ أن الوصف بهذين الأمرين أبلغ من الوصف بالمجد الذي هو بمعنى الشرف.
الحال الرابع أن يكون في ألقاب الصلحاء
، وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها صلاح الإسلام وأورده مع الحضرة ومع الجناب الشّريف، والجناب الكريم، وجعل دونه جلال الإسلام وأورده مع الجناب العالي، ودونه ضياء الإسلام وأورده مع المجلس العالي، وجعل دونه جلال الإسلام فأورده مع المجلس الساميّ بالياء فما دونه.
أمّا كون صلاح الإسلام والمسلمين أعلى من جلال الإسلام والمسلمين فقد تقدّم بيانه. وأمّا كون جلال الإسلام والمسلمين أعلى من ضياء الإسلام والمسلمين فلأنّ الجلال معناه العظمة، وهي أعلى من الضياء على ما فيه من التعسّف.
النمط الثاني (من الألقاب المركّبة ما يضاف إلى الأمراء والوزراء ونحوهم، من أرباب المراتب السّنيّة، وهو على الأحوال الأربعة المتقدّمة الذكر فيما يضاف إلى الإسلام)
الحال الأوّل أن يكون في ألقاب أرباب السيوف
. قد جعل في «عرف التعريف» أعلاها سيّد الأمراء في العالمين، وأورده مع المقرّ الشريف، والمقرّ الكريم، والمقرّ العالي. وجعل دونه سيّد الأمراء المقدّمين، وأورده مع الجناب الشريف، والجناب الكريم، والجناب العالي. ودونه شرف الأمراء المقدّمين، وأورده مع المجلس العالي والدّعاء. ودونه شرف الأمراء في الأنام (1)، وأورده مع الساميّ بالياء. ودونه زين الأمراء المجاهدين، وأورده مع
__________
(1) الأنام: الخلق.(6/103)
السامي بغير ياء. ودونه مجد الأمراء، وأورده مع مجلس الأمير.
والذي في «التثقيف» بعد سيّد الأمراء في العالمين سيّد أمراء العالمين، وأورده مع الجناب العالي. ودونه شرف الأمراء في العالمين، وأورده مع المجلس العالي والدعاء. ودونه شرف الأمراء المقدّمين، وأورده مع صدرت والعالي. ودونه شرف الأمراء فقط، وأورده مع الساميّ بالياء. ودونه فخر الأمراء، وأورده مع السامي بغير ياء. ودونه مجد الأمراء، وأورده مع مجلس الأمير. ولا يخفى ما بينهما من الاختلاف. ولا مشاحّة في الاصطلاح بعد فهم المعنى، ولا نزاع في أن الترتيب الذي في التثقيف أحسن. وإذا تأمّلت ذلك وعرضته على ما تقدّم من التوجيه في النمط الأوّل ظهر لك حقيقة ذلك.
الحال الثاني أن يكون في ألقاب الوزراء ومن في معناهم
. فقد ذكر في «عرف التعريف» أن أعلاها للوزراء سيد الوزراء في العالمين، ولمن في معناهم من كاتب السرّ ونحوه سيّد الكبراء في العالمين، وأورد ذلك مع المقرّ الشريف، والمقرّ الكريم، والمقرّ العالي، والجناب الشّريف، والجناب الكريم، والجناب العالي، وجعل دونه لمن دون هؤلاء من الكتّاب فخر الأنام، وأورده في المجلس العالي والدعاء مع ما بعده.
الحال الثالث أن يكون من ألقاب القضاة والعلماء.
وقد جعل في «عرف التعريف»: أعلاها شرف الأنام. وأورده مع الجناب الشريف الذي جعله أعلى المكاتبات لهم، ومع الجناب الكريم والجناب العالي وجعل دونه فخر الأنام، فأورده مع المجلس العالي بالدعاء.
ودونه بهاء الأنام، وأورده مع صدرت والعالي، ومع الساميّ بالياء والسامي بغير باء.
الحال الرابع أن يكون من ألقاب الصلحاء
وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها خالصة الأنام، وأورده مع الحضرة الشريفة التي جعلها أكبر رتبهم، ومع الجناب الشريف، والجناب الكريم، والجناب العالي وجعل دونه
شرف الأنام وأورده مع المجلس العالي. ودونه زين الأنام، وأورده مع الساميّ بالياء وبغير ياء.(6/104)
وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها خالصة الأنام، وأورده مع الحضرة الشريفة التي جعلها أكبر رتبهم، ومع الجناب الشريف، والجناب الكريم، والجناب العالي وجعل دونه
شرف الأنام وأورده مع المجلس العالي. ودونه زين الأنام، وأورده مع الساميّ بالياء وبغير ياء.
النّمط الثالث (من الألقاب المركّبة ما يضاف إلى الملوك والسّلاطين، وهو على الأحوال الأربعة المتقدّمة الذكر)
الحال الأوّل أن يكون من ألقاب أرباب السّيوف
. وقد ذكر في «عرف التعريف» أن أعلاها ظهير الملوك والسلاطين، وأورده مع المقرّ الشريف والمقرّ الكريم، والمقرّ العالي، والجناب الشريف، والجناب الكريم، والجناب العالي وجعل دونه عضد الملوك والسلاطين، وأورده مع المجلس العالي والمجلس الساميّ بالياء. ودونه عمدة الملوك والسلاطين، وجعله مع مجلس الأمير. والذي في «التثقيف» إيراد ظهير الملوك والسلاطين مع المقرّ الكريم وما بعده إلى آخر المجلس العالي وجعل عضد الملوك والسلاطين مع الساميّ بالياء، وعمدة الملوك والسلاطين مع السامي بغير ياء، وعدّة الملوك والسلاطين مع مجلس الأمير.
والحاصل أنه في «التثقيف» زاد رتبتين في ظهير الملوك والسلاطين، فجعله في المجلس السامي مع الدعاء ومع صدرت، على أن التحقيق أن عضد الملوك والسلاطين أعلى في الحقيقة من ظهير الملوك والسلاطين لأن العضد عضو من أعضاء الإنسان، وهو ما بين المرفق والكتف، والظّهير خارج عنه، وما كان من نفس الإنسان كيف يجعل ما هو خارج عنه أرفع منه بالنسبة إلى ذلك الشخص؟.
الحال الثاني أن يكون من ألقاب الوزراء ومن في معناهم
. وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها ظهير الملوك والسلاطين أيضا، وأورده مع المقرّ الشريف، والمقرّ الكريم، والمقرّ العالي، والجناب الشريف، والجناب الكريم، والجناب العالي وجعل دونه صفوة الملوك والسلاطين، وأورده مع
المجلس العالي فما دونه.(6/105)
وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها ظهير الملوك والسلاطين أيضا، وأورده مع المقرّ الشريف، والمقرّ الكريم، والمقرّ العالي، والجناب الشريف، والجناب الكريم، والجناب العالي وجعل دونه صفوة الملوك والسلاطين، وأورده مع
المجلس العالي فما دونه.
الحال الثالث أن يكون من ألقاب القضاة والعلماء
. وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها للقضاة حكم الملوك والسلاطين، ولغيرهم من العلماء خالصة الملوك والسلاطين، وهو عنده للجناب الشريف فما فوقه. ودونه بركة الملوك والسلاطين، وأورده مع الجناب الكريم، والجناب العالي، والمجلس العالي، مع الدّعاء. وجعل دونه صفوة الملوك والسلاطين، وأورده في صدرت والعالي فما دون ذلك.
الحال الرابع أن يكون في ألقاب الصّلحاء
. ولم يزد في «عرف التعريف» على أنه يكتب لهم بركة الملوك والسلاطين، وحينئذ فيقتصر عليها لجميعهم ممن يستحقّ ذلك بحسب ما يقتضيه حال المكتوب بسببه.
النمط الرابع (من الألقاب المركّبة ما يضاف لأمير المؤمنين، وهو على الأحوال الأربعة (1) المتقدّم ذكرها)
الحال الأوّل أن يكون من ألقاب أرباب السيوف
، وأعلاها قسيم أمير المؤمنين، وهو من الألقاب الخاصّة بالسلطان كما تقدّم ذكره في موضعه. ودونه خليل أمير المؤمنين، وهو من ألقاب أولاد الملوك وألقاب بعض الملوك الأجانب المكتوب إليهم عن الأبواب السلطانية. ودونه عضد أمير المؤمنين، وهو أعلى ما يكتب لنوّاب السلطنة عن الأبواب السلطانية وجعله في «عرف التعريف» مع المقرّ الشريف خاصّة. ودونه سيف أمير المؤمنين، وأورده مع المقرّ الكريم والمقرّ العالي ودونه حسام أمير المؤمنين، وجعله في «عرف التعريف» مع الجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي ولم يورد بعد ذلك لقبا بالإضافة إلى أمير المؤمنين بل اقتصر على ما يضاف إلى الملوك والسّلاطين.
__________
(1) كذا في الأصول، ولم يذكر الحال الرابع، وهو ألقاب الصلحاء فتأمّل. حاشية الطبعة الأميرية.(6/106)
وأما في التثقيف فجعله مع المقرّ الكريم والمقرّ العالي. ودونه حسام أمير المؤمنين، وأورده مع المجلس العالي والدّعاء، ولم يورد فيما بعد ذلك لقبا بالإضافة إلى أمير المؤمنين.
والحاصل أنه في «عرف التعريف» زاد رتبة فيما يضاف إلى أمير المؤمنين، وهي حسام أمير المؤمنين.
الحال الثاني أن يكون من ألقاب الوزراء ومن في معناهم
. ولم يزد في «عرف التعريف» على وليّ أمير المؤمنين، وأورده مع المقرّ الشريف، والمقرّ الكريم، والمقرّ العالي والجناب الشريف ويحسن أن يجيء مع الجناب الكريم خالصة أمير المؤمنين، ومع الجناب العالي صفيّ أمير المؤمنين أو صفوة أمير المؤمنين، ولا يضاف إلى أمير المؤمنين مع المجلس العالي فما دونه شيء من الألقاب اكتفاء بما يضاف إلى الملوك والسلاطين كما تقدّم في أرباب السيوف.
الحال الثالث أن يكون من ألقاب القضاة والعلماء
. فقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها وليّ أمير المؤمنين، وجعله مع الجناب الشريف فما فوقه، ويحسن أن يجيء مع الجناب الكريم خالصة أمير المؤمنين، ومع الجناب العالي صفيّ أمير المؤمنين أو صفوة أمير المؤمنين، كما تقدّم في الوزراء ومن في معناهم ومن دونهم من الكتّاب.
الاعتبار الثاني (في الألقاب المركّبة أن يختصّ الترتيب في الألقاب بنوع من المكتوب لهم، وهو أربعة أنماط)
النمط الأوّل (ما يختصّ بأرباب السيوف، وله حالان)
الحال الأوّل أن تقع الإضافة فيه إلى الغزاة والمجاهدين
. وقد جعل
المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في «التعريف» ناصر الغزاة والمجاهدين أعلاها، فأورده في المكاتبة إلى نائب الشام، والمكاتبة إليه يومئذ دون المكاتبة إلى النائب الكافل وهو خلاف مقتضى تركيب لغة العرب لما تقدّم من أن صيغة فعيل أعلى من صيغة فاعل، ولذلك جعلوا الكفيل أعلى من الكافل على ما تقدّم بيانه.(6/107)
وقد جعل
المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله في «التعريف» ناصر الغزاة والمجاهدين أعلاها، فأورده في المكاتبة إلى نائب الشام، والمكاتبة إليه يومئذ دون المكاتبة إلى النائب الكافل وهو خلاف مقتضى تركيب لغة العرب لما تقدّم من أن صيغة فعيل أعلى من صيغة فاعل، ولذلك جعلوا الكفيل أعلى من الكافل على ما تقدّم بيانه.
وحينئذ فيكون نصير الغزاة والمجاهدين أعلى من ناصر الغزاة والمجاهدين على خلاف ما ذكره.
أما في «عرف التعريف» فإنه أعرض عن ذكر الألقاب المضافة إلى الغزاة والمجاهدين مع المقرّ الشريف الذي هو أعلى الألقاب لأرباب السيوف من النّوّاب ومن في معناهم، وأتى بعده مع المقرّ الكريم بنصير الغزاة والمجاهدين، ثم أتى بعده مع الجناب الشريف إلى آخر المجلس العالي بنصرة الغزاة والمجاهدين، فجعل نصير الغزاة أبلغ من نصرة الغزاة لما في نصير من التذكير وفي نصرة من لفظ التأنيث، والتذكير أعلى رتبة من التأنيث ثم أتى مع الساميّ بالياء بذخر الغزاة والمجاهدين، ثم مع السامي بغير ياء بزين الأمراء المجاهدين على وصف الأمراء بالمجاهدين دون عطف المجاهدين على الأمراء ثم مع مجلس الأمير بزين المجاهدين.
وجعل في «التثقيف» أعلاها ناصر الغزاة والمجاهدين تبعا «للتعريف» وأورده مع المقرّ الكريم ودونه نصرة الغزاة والمجاهدين، وأورده مع الجناب الكريم وما بعده إلى آخر المجلس العالي ثم أتى مع الساميّ بالياء بأوحد المجاهدين، ومع السامي بغير ياء ومجلس الأمير بزين المجاهدين، والحال في ذلك قريب.
الحال الثاني أن يكون اللقب مضافا إلى الجيوش
. وقد جعل في «التعريف» أعلاها أتابك الجيوش، وأورده في ألقاب النائب الكافل وجعل دونه زعيم الجيوش وأورده في ألقاب نائب الشام، وهو يومئذ دون النائب الكافل ثم جعل دونه زعيم جيوش الموحّدين، وأورده في ألقاب نائب حلب.
وعلى نحو من ذلك جرى في «عرف التعريف» فجعل أعلاها زعيم الجيوش وأورده مع المقرّ الشريف، والمقرّ الكريم والمقرّ العالي ودونه زعيم جيوش الموحّدين، وأورده مع الجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي ولم يورد شيئا في هذا المعنى فيما بعد ذلك، وعلى نحو ذلك جرى في التثقيف.(6/108)
وقد جعل في «التعريف» أعلاها أتابك الجيوش، وأورده في ألقاب النائب الكافل وجعل دونه زعيم الجيوش وأورده في ألقاب نائب الشام، وهو يومئذ دون النائب الكافل ثم جعل دونه زعيم جيوش الموحّدين، وأورده في ألقاب نائب حلب.
وعلى نحو من ذلك جرى في «عرف التعريف» فجعل أعلاها زعيم الجيوش وأورده مع المقرّ الشريف، والمقرّ الكريم والمقرّ العالي ودونه زعيم جيوش الموحّدين، وأورده مع الجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي ولم يورد شيئا في هذا المعنى فيما بعد ذلك، وعلى نحو ذلك جرى في التثقيف.
النمط الثاني (ما يختص بالوزراء ومن في معناهم: من كاتب السرّ ونحوه فمن دونهم من الكتّاب)
وقد ذكر في «عرف التعريف» أن أعلاها للوزراء سيّد الوزراء في العالمين، ولمن في معناهم سيّد الكبراء في العالمين، وأورد ذلك مع المقرّ الشريف والمقرّ الكريم والمقرّ العالي والجناب الشريف والجناب الكريم والجناب العالي وجل دونه لمن دونهم من الكتّاب شرف الرؤساء، وأورده مع المجلس العالي، ولا شكّ أنه يجيء بعده أوحد الكتّاب أو شرف الكتّاب مع المجلس الساميّ بالياء، ثم جمال الكتّاب للسامي بغير الياء فما دونه.
النمط الثالث (ما يختصّ بالقضاة والعلماء)
وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها سيّد العلماء والحكّام، ولغيرهم أوحد العلماء الأعلام، وجعله للجناب الشريف فما فوقه، ثم للجناب الكريم، والجناب العالي وجعل دونه تاج العلماء والحكّام، أو شرف العلماء والحكّام، وأورده مع المجلس العالي، ودونه جمال العلماء أوحد الفضلاء، وأورده مع الساميّ بالياء ودونه جمال الأعيان مع السامي بغير ياء فما دونه.
النّمط الرابع (ما يختصّ بالصّلحاء)
وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها لهم شيخ شيوخ العارفين،
وأورده مع الحضرة الطاهرة، وجعل دون ذلك أوحد المحقّقين، فأورده مع الجناب الكريم ودونه أوحد النّاسكين، فأورده مع الجناب العالي.(6/109)
وقد جعل في «عرف التعريف» أعلاها لهم شيخ شيوخ العارفين،
وأورده مع الحضرة الطاهرة، وجعل دون ذلك أوحد المحقّقين، فأورده مع الجناب الكريم ودونه أوحد النّاسكين، فأورده مع الجناب العالي.
قلت: وليس وضع هذه الألقاب على الترتيب في العلوّ والهبوط راجعا إلى مجرّد التّشهّي من غير تقصّ لعلوّ أو هبوط يدلّ عليه جوهر اللفظ، بل لا بدّ أن يكون لتقدّم كلّ لقب منها على الآخر ورفعته عليه في الرّتبة سبب يقتضيه اللفظ وتوجبه دلالته الظاهرة أو الخفيّة. وما وقع فيها مما يخالف ذلك فلعدم تأمّل الواضع لذلك، أو وقوعه من بعض المدّعين الظانّين أن القلم في ذلك مطلق العنان، يتصرّف في وضعه كيف شاء من غير نظر إلى ما يوجب تقديما ولا تأخيرا. ومما يوضّح ذلك ويبيّنه أنك إذا اعتبرت الألقاب المضافة إلى الإسلام المتقدّمة الذكر في أرباب السيوف مثلا، رأيت أعلاها ركن الإسلام والمسلمين، على ما هو مذكور في «التعريف» وغيره من سائر دساتير المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله وأعلاها على ما ذكره في «التثقيف» معزّ الإسلام والمسلمين، ودون ذلك في الرتبة عزّ الإسلام والمسلمين، ودونه مجد الإسلام والمسلمين، ودونه مجد الإسلام فقط من غير عطف، على ما تقدّم ذكره.
أمّا كون ركن الإسلام والمسلمين أعلى من عز الإسلام والمسلمين، فلأنّ ركن الشيء في اللغة جانبه الأقوى، وقد قال الأصوليّون (1): إن الرّكن ما كان داخل الماهيّة، وحينئذ فيكون ركن الشيء بعضا منه بخلاف العزّ فإنه معنى من المعاني خارج عنه، وما كان بعضا للشيء كان أخصّ به مما هو خارج عنه.
وأما وجه إبدالهم ركن الإسلام والمسلمين بمعزّ الإسلام والمسلمين فلأن في الرّكن معنى العزّ والقوّة، وقد فسر قوله تعالى حكاية عن لوط عليه السّلام:
{أَوْ آوِي إِلى ََ رُكْنٍ شَدِيدٍ} (2) بالعزّ والمنعة، فجعل المعزّ لهذا الاعتبار في
__________
(1) الأصوليون: جمع أصوليّ، وهو العالم المتعمّق في أصول العلوم أو المتمسّك بالأصول.
(2) سورة هود 11، الآية 80.(6/110)
الألقاب قائما مقام الركن.
وأمّا كون عزّ الإسلام والمسلمين أعلى من مجد الإسلام والمسلمين فلأن العزّ أجدى في النّفع من المجد، فقد تقدّم أنّ ابن السكّيت (1) قال: إن المجد لا يكون إلا بشرف الآباء، ولا نزاع في أن العزّ في تعارف الملوك أكثر جدوى وأوفر نفعا في تحصيل المقاصد. وقد ذكر أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» أن الكتّاب في الزمن القديم كانوا يجعلون الدّعاء بالعزّ عقب الدعاء بطول البقاء، فإنه يكون بالعز مصونا عاليا آمنا غنيّا.
وأمّا كون مجد الإسلام والمسلمين أعلى من مجد الإسلام، فلأنّ الشيء كلّما تعدّى فعله إلى غيره كان أرفع رتبة، ومجد الإسلام والمسلمين يتعدّى إلى شيئين، وهما الإسلام والمسلمين، ومجد الإسلام لا يتعدّى إلا إلى شيء واحد وهو الإسلام. فلذلك (2) إذا اعتبرت الألقاب المضافة إلى أمير المؤمنين، رأيت أعلاها في أرباب السيوف قسيم أمير المؤمنين، ودونه خليل أمير المؤمنين، ودونه عضد أمير المؤمنين ودونه سيف أمير المؤمنين، ودونه حسام أمير المؤمنين.
أمّا كون قسيم أمير المؤمنين أعلى من خليل أمير المؤمنين، فلأنّ القسيم بمعنى المقاسم، والمراد أنه قاسم أمير المؤمنين الملك وساهمه في الأمر فصارا فيه مشتركين، وخليل أمير المؤمنين مأخوذ من الخلّة بضم الخاء، وهي الصّداقة، وفرق بين من يقاسم الخليفة فيصير عديله في الأمر، وبين من يكون خليله وصاحبه. على أنه قد تقدّم أنّ الملوك قد أربت (3) بأنفسها عن هذا اللقب لاستبدادهم بالملك واستيلائهم عليه.
وأمّا كون خليل أمير المؤمنين أعلى من عضد أمير المؤمنين فلأن العضد
__________
(1) تقدّم ذلك ص 30من هذا الجزء مع الحاشية رقم 1من نفس الصفحة.
(2) كذا في الأصول، والأظهر «وكذلك» حاشية الطبعة الأميرية.
(3) لعله «ربأت» بأنفسها، أي ترفّعت، حاشية الطبعة الأميرية.(6/111)
ليس المراد منه العضو الحقيقيّ الذي هو بين الكتف والمرفق، وإنما استعير للناصر وكأنه ينصره بنفسه كما ينصره عضده، ومثل هذا الوصف لا يكون إلا للأتباع، بخلاف الخليل والصّديق فإنه لا تكاد رتبته عند الشخص تنحطّ عن رتبة نفسه.
وأمّا كون عضد أمير المؤمنين أعلى من سيف أمير المؤمنين، فلأن العضد وإن قصد به الناصر فإنه منقول عن العضو للناصر كما تقدّم وعضو الإنسان عنده في العزّة وقوّة النّصر فوق سيفه في ذلك.
وأمّا كون سيف أمير المؤمنين أعلى من حسام أمير المؤمنين وإن كان الحسام متضمّنا لوصف القطع الذي هو المقصود الأعظم من السيف من حيث إنه مأخوذ من الحسم، وهو القطع فلأن السيف مأخوذ من ساف إذا هلك كما صرح به الشيخ «جمال الدين بن هشام» في شرح قصيدة كعب بن زهير، ولا شكّ أن معنى الإهلاك أبلغ من معنى القطع لأن القطع قد يقع في بعض البدن مما لا يتضمّن الإهلاك، وهذا مما يجب التنبّه له فإنه ربما توهّم أن الحسام أبلغ من السيف لتضمّن وصف القطع كما تقدّم.
وبالجملة فلا سبيل إلى استيعاب جميع ما يرد من هذا الباب بالتوجيه لأن ذلك يؤدّي إلى الإسهاب والملل. والقول الجامع في ذلك أنه ينظر إلى الألفاظ الواقعة في الألقاب وما تقتضيه من أصناف المدح، وما تنتهي إليه رتبتها فيه من أعلى الدرجات أو أوسطها أو أدناها فيرتبها على هذا الترتيب، ويوجّهها بما يظهر له من التوجيه على نحو ما تقدّم. كما إذا اعتبرت رتبة الجلال والجمال فإنك تجد الجلال أعلى رتبة لأن معنى الجلال العظمة، ومعنى الجمال الحسن، ولا نزاع في أن العظمة أبلغ وأعلى موقعا من الحسن. وكما إذا اعتبرت الضّياء والبهاء، فإن الضّياء يكون أبلغ لأن الضياء معناه النّور الذاتيّ، وهو متعدّي النفع عامّ الفضيلة، والبهاء معناه الحسن، وهو قاصر على صاحبه.
وفيما ذكر إرشاد إلى ما لم يذكر.(6/112)
القسم الثاني (مما تتفاوت فيه مراتب الألقاب ما يقع التفاوت فيه بالتقديم والتأخير، وهو نوعان)
النوع الأوّل (الألقاب المفردة، وهي على ستة أنماط)
النّمط الأوّل (الألقاب التي تلي الألقاب الأصول)
وهي التي تلي المقام والمقرّ والجناب والمجلس، كالأشرف والشريف والكريم والعالي والسامي. فالأشرف يلي المقام والمقرّ، فيقال: المقام الأشرف، والمقرّ الأشرف، والشريف يلي المقام والمقرّ والجناب، فيقال:
المقام الشريف، والمقرّ الشريف، والجناب الشريف. والكريم يلي المقرّ والجناب، فيقال: المقرّ الكريم، والجناب الكريم. والعالي يلي المقام والمقرّ والجناب والمجلس، فيقال: المقام العالي، والمقرّ العالي، والجناب العالي، والمجلس العالي. والسامي يلي المجلس خاصّة، فيقال: المجلس السّامي.
والعالي يلي الأشرف والشريف والكريم، فيقال: الأشرف العالي، والشريف العالي، والكريم العالي.
النمط الثاني (ما يلي العالي أو السامي من الألقاب)
وهو اللقب الذي يميّز نوع المكتوب له، كالأميريّ لأرباب السيوف، والصاحبيّ للوزراء من أرباب الأقلام، والقضائيّ والقاضويّ لسائر أرباب الأقلام، والشّيخيّ للصوفيّة وأهل الصّلاح، والصّدريّ للتّجّار ومن في معناهم، مثل أن يقال: المقرّ الكريم العالي [الأميريّ] (1) والجناب العالي الصاحبيّ، أو
__________
(1) الزيادة من ضوء الصبح ص 367.(6/113)
الجناب العالي القاضويّ، أو المجلس العالي، أو المجلس السامي الشّيخيّ، أو المجلس السامي الصّدريّ، وما أشبه ذلك. والمعنى في وضع هذه الألقاب في هذا الموضع أن يدلّ أوّل لقب يذكر بعد اللقب الأصل وتابعه على الوظيفة كما تدلّ براعة الاستهلال على صورة الحال في المكاتبة أو الولاية أو غيرهما، وربما كان المحلّ مما يقتضي التلقيب بالمولويّ فيقدّم لقب المولويّ على لقب الوظيفة، مثل أن يقال: المقرّ الشريف العالي المولويّ الأميريّ، فإن كان اللقب الأصل مضافا لمجلس الأمير أو مجلس القاضي أو مجلس الشيخ أو مجلس الصّدر، قام المضاف إليه مقام لقب الوظيفة فيقوم الأمير من مجلس الأمير مقام الأميريّ، والقاضي من مجلس القاضي مقام القضائيّ، والشيخ من مجلس الشيخ مقام الشّيخيّ، والصّدر من مجلس الصدر مقام الصّدريّ. ثم لا ينعت بعد ذلك في هذه الحالة إلّا بالأجلّ، ويؤتى بعده بما يناسبه من الألقاب.
النمط الثالث (ما يلي لقب الوظيفة (1))
وهو الكبير أو الكبيريّ، فيؤتى به تلو اللقب الدالّ على الوظيفة، مثل أن يقال: المقرّ العالي الأميريّ الكبيريّ، أو الجناب العالي القضائيّ الكبيريّ، أو المجلس الساميّ الكبيريّ إذا كان بالياء، أو الكبير إذا كان بغير الياء.
النمط الرابع (ما يقع قبل لقب التعريف الذي هو الفلانيّ أو فلان الدّين)
وهو اللقب الدالّ على الوظيفة دلالة خاصّة، كالكافليّ والكفيليّ للنوّاب، والوزيريّ للوزراء، والحاكميّ للقضاة. فإن كان المكتوب له نائب سلطنة كتب له قبل الفلاني الكافليّ أو الكفيليّ بحسب ما يقتضيه الحال، وإن كان حاكما
__________
(1) في ضوء الصبح ص 368: «الرابع ما يلي لقب الوظيفة، وهو: الكبيري، وما في معناه، فيقال:
الأميري الكبيري وما أشبه ذلك».(6/114)
كتب الحاكميّ. قال في «التثقيف»: وإن كان وزيرا كتب في آخر ألقابه الوزيريّ. والذي ذكره في «عرف التعريف» أن الوزيريّ يلي لقب الوظيفة، فإذا كان الوزير من أرباب السيوف كتب الأميريّ الوزيريّ وإن كان من أرباب الأقلام كتب الصاحبيّ الوزيريّ. وما ذكره في «التثقيف» متّجه فيما إذا كان الوزير صاحب قلم، فإن التعريف في الوظيفة يعرف أولا من قوله الصاحبيّ. وما ذكره في «التعريف» ظاهر فيما إذا كان الوزير من أرباب السيوف، فإنه يتعين تقديم الوزيريّ فيذكر بعد الأميريّ ليدل من الابتداء على الوظيفة، إذ مطلق الإمرة لا يدلّ على وزارة ولا عدمها، فلو أخّر إلى آخر الألقاب لما عرف أنها ألقاب وزير إلى حين ذكر هذا اللقب، وإنما رتّب هذا الترتيب ليدلّ باللقب الذي هو أوّل الألقاب بعد العالي أو السامي على حال صاحب تلك الألقاب هل هو من أرباب السيوف أو الأقلام أو غير ذلك، وباللقب الذي هو آخر الألقاب المفردة على وظيفته الخاصّة به.
النمط الخامس (ما يقع فصلا بين الألقاب المفردة والمركّبة)
وهو لقب التعريف كالفلانيّ وفلان الدين، فقد جعلوه فاصلا بينهما.
النمط السادس (ما ليس له موضع مخصوص من الألقاب المفردة)
وهو ما بين اللقب الذي يقع به التمييز بين الأميريّ ونحوه، وبين اللقب الذي قبل لقب التعريف كالعالميّ والعادليّ ونحوهما، فالقلم في ذلك مطلق العنان بالتقديم والتأخير على ما يقتضيه الحال بحسب ما يراه الكاتب.(6/115)
النوع الثاني (مما تتفاوت فيه مراتب الألقاب بالتقديم والتأخير، الألقاب المركبة المعبّر عنها بالنّعوت، وهي على ثلاثة أنماط)
النمط الأوّل (ما يلي لقب التعريف الذي هو الفلانيّ أو فلان الدين)
وهو ما يضاف إلى الإسلام مثل ركن الإسلام والمسلمين وعزّ الإسلام والمسلمين وما أشبه ذلك، فقد اصطلحوا على أن يكون ذلك أوّل الألقاب المركّبة، وتوجيهه ظاهر لأن المضاف يشرف بشرف المضاف إليه، ولا أشرف عند أهل الإسلام من الإسلام فوجب تقديم ما يضاف إليه على غيره.
النمط الثاني (ما يقع في آخر الألقاب المركّبة)
ويختلف الحال فيه باختلاف حال المكتوب له، فإن كان ممن يكتب له المجلس السامي بغير ياء فما دونه جعل آخر الألقاب فيه ما يضاف إلى الملوك والسلاطين، مثل أن يقال: صفوة الملوك والسلاطين، أو اختيار الملوك والسلاطين وما أشبه ذلك. وإن كان ممن يكتب له الساميّ بالياء فما فوقه جعل آخر الألقاب فيه ما يضاف إلى أمير المؤمنين، مثل عضد أمير المؤمنين، ووليّ أمير المؤمنين، وخالصة أمير المؤمنين، وما أشبه ذلك على ما تقتضيه رتبة المكتوب له. والمعنى فيه أنّ حسن الاختتام بالإضافة إلى الملوك والسلاطين الذين هم ثاني رتبة الخلافة.
النمط الثالث (ما بين أوّل الألقاب المركّبة وبين آخرها)
فقد اصطلحوا على أن يكون المقدّم منها مما يقتضي تقديم المكتوب له على أبناء جنسه، مثل: سيّد الأمراء في العالمين، وسيّد العلماء والحكّام في
العالمين، وما أشبه ذلك، ثم في حقّ كل أحد من أرباب الأقلام والسيوف بحسب ما يقتضيه حاله على نحو ما تقدّم في الكلام على ما تتفاوت رتبه بالعلوّ والهبوط.(6/116)
فقد اصطلحوا على أن يكون المقدّم منها مما يقتضي تقديم المكتوب له على أبناء جنسه، مثل: سيّد الأمراء في العالمين، وسيّد العلماء والحكّام في
العالمين، وما أشبه ذلك، ثم في حقّ كل أحد من أرباب الأقلام والسيوف بحسب ما يقتضيه حاله على نحو ما تقدّم في الكلام على ما تتفاوت رتبه بالعلوّ والهبوط.
الجملة الثامنة (في بيان محل اللّقب المضاف إلى الملك ولقب التعريف الخاصّ به الواقع تلو اللقب الملوكيّ، مثل الملكيّ الناصريّ الزّينيّ وما أشبه ذلك وله ثلاثة أحوال)
الحالة الأولى أن يكون ذلك في ألقاب السلطان نفسه
، كما يقع في التقاليد والمناشير ونحوهما، فموضعه بعد رسم بالأمر الشريف، أو خرج الأمر الشريف، مثل أن يكتب رسم بالأمر الشريف العالي المولويّ السلطانيّ الملكيّ الناصريّ الزّينيّ، أو فلذلك رسم بالأمر الشريف الفلانيّ، أو خرج الأمر الشريف العالي المولويّ السلطانيّ الملكيّ الفلانيّ الفلانيّ، وما أشبه ذلك.
الحالة الثانية أن يكون اللقب المضاف إلى الملك في ألقاب المكتوب له
، كما لو كتب في تقليد أو نحوه. ومحلّه بعد ذكر اسم المكتوب له بعد الألقاب، مثل أن يقال بعد انتهاء الألقاب: فلان الظاهريّ أو الناصريّ ونحو ذلك، ولا يقال له: الملكيّ حينئذ.
الحالة الثالثة أن يكون في ألقاب المكتوب عنه
كما يكتب في أوّل المكاتبات الملكيّ الفلانيّ، وقد اصطلحوا على أن يكتب ذلك تحت جرّة البسملة على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.(6/117)
الجملة التاسعة (في ترتيب جملة الألقاب الفروع على الألقاب الأصول على قدر طبقاتها
، وهي قسمان)
القسم الأوّل (الألقاب الإسلاميّة)
واعلم أن ترتيب الألقاب تارة يكون في السّلطانيّات، وتارة يكون في الإخوانيّات وما يكتب عن النّواب. وقد كانوا في الأيّام الناصريّة «محمد بن قلاوون» يستعملون في الإخوانيّات وما يكتب عن النّواب النّعوت المركّبة كما في السّلطانيات، لا يفرق بينهما إلا ما في الإخوانيات وما في معناها من الألقاب التي لا تصلح للسلطانيات، كالمولويّ والسيّديّ والمخدوميّ ونحوها. أما الآن فقد وقع الاقتصار فيها على المفردات دون المركّبات، وصارت المركّبات مختصة بالسلطانيّات.
ثم الألقاب الإسلامية الفروع المرتّبة على الألقاب الأصول على سبعة أضرب:
الضرب الأوّل (الألقاب المتعلّقة بالخلافة وما يلتحق بها، ومبناها على الاختصار وهي ثلاثة أنواع)
النوع الأوّل (ألقاب الخلفاء، وهي صنفان)
الصنف الأوّل أن تكون لنفس الخليفة
، فكان يقال فيها في الزمن القديم «عبد الله فلان أمير المؤمنين» [فإن كان اسم الخليفة عبد الله كالمأمون كرّر الاسم مرتين: مرة للاسم العلم ومرة للقب الخلافة، فيقال: «عبد الله عبد الله
أمير المؤمنين»] (1) ثم زيد فيها الكنية بعد ذلك، فقيل «عبد الله فلان أبو فلان أمير المؤمنين» ثم زيد لفظ الإمام فقيل «عبد الله فلان أبو فلان [الإمام] (2) الفلانيّ بلقب الخلافة مثل المتوكل على الله ونحوه أمير المؤمنين» ثم زيد ووليّه بعد عبد الله، فقيل: «عبد الله ووليّه فلان أبو فلان الإمام الفلانيّ أمير المؤمنين» وهو ما استقرّ عليه الحال آخرا.(6/118)
، فكان يقال فيها في الزمن القديم «عبد الله فلان أمير المؤمنين» [فإن كان اسم الخليفة عبد الله كالمأمون كرّر الاسم مرتين: مرة للاسم العلم ومرة للقب الخلافة، فيقال: «عبد الله عبد الله
أمير المؤمنين»] (1) ثم زيد فيها الكنية بعد ذلك، فقيل «عبد الله فلان أبو فلان أمير المؤمنين» ثم زيد لفظ الإمام فقيل «عبد الله فلان أبو فلان [الإمام] (2) الفلانيّ بلقب الخلافة مثل المتوكل على الله ونحوه أمير المؤمنين» ثم زيد ووليّه بعد عبد الله، فقيل: «عبد الله ووليّه فلان أبو فلان الإمام الفلانيّ أمير المؤمنين» وهو ما استقرّ عليه الحال آخرا.
الصنف الثاني أن تكون الألقاب للدّيوان في مكاتبة أو غيرها
. والذي اصطلح عليه أن يقال «الدّيوان العزيز المولويّ السيّديّ. النّبويّ الإماميّ الفلانيّ» بلقب الخلافة.
النوع الثاني (ألقاب ولاة العهد بالخلافة)
وهي «الجانب الشريف، المولويّ السيّديّ، النّبويّ، الفلانيّ» بلقبه المنسوب إلى الخلافة. وربما قيل فيه الجناب بدل الجانب، وبقيّة الألقاب على ما تقدّم.
النوع الثالث (ألقاب إمام الزيدية باليمن)
وهي «الجناب الكريم، العالي، السيّديّ، الإماميّ، الشّريفيّ، النّسيبيّ، الحسيبيّ، الفلانيّ» بلقب التعريف «سليل الأطهار، جلال الإسلام، سيف الإمام، بقيّة البيت النبويّ، فخر الحسب العلويّ، مؤيّد أمور الدين، خليفة الأئمة، رأس العلياء، صالح الأولياء، علم الهداة، زعيم المؤمنين، ذخر المسلمين، منجد الملوك والسلاطين».
__________
(1) الزيادة عن ضوء الصبح للمؤلف (ج 1ص 369).
(2) الزيادة عن ضوء الصبح للمؤلف (ج 1ص 369).(6/119)
الضرب الثاني (الألقاب الملوكية، وهي نوعان)
النوع الأوّل (الألقاب التي اصطلح عليها للسلطان بالدّيار المصرية على ما الحال مستقرّ عليه، وقد ذكر فيها في التعريف مذهبين)
المذهب الأوّل أن يقال «السّلطان السيّد الأجلّ الملك الفلانيّ العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيّد المظفّر المنصور الشاهنشاه فلان الدنيا والدّين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، وارث الملك، ملك العرب والعجم والتّرك، ظلّ الله في أرضه، القائم بسنّته وفرضه، إسكندر الزمان، مملّك أصحاب المنابر والأسرّة والتّيجان، واهب الأقاليم والأمصار، مبيد الطّغاة والبغاة والكفّار، حامي الحرمين الشريفين والقبلتين، جامع كلمة الإيمان، لواء العدل والإحسان، سيّد ملوك الزمان، أبو فلان فلان، ابن السلطان الشهيد الملك الفلاني، والد الملوك والسلاطين، أبي فلان فلان».
أما في «التثقيف» فإنه ذكر ذلك بزيادة وتغيير، وتقديم وتأخير فقال:
«السلطان الأعظم، المالك الملك الأشرف السيد الأجلّ العالم العادل المؤيّد المجاهد المرابط المثاغر المظفّر الشاهنشاه ناصر الدّنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، منصف المظلومين من الظالمين، وارث الملك، سلطان العرب والعجم والترك، فاتح الأقطار، مانح الممالك والأمصار، إسكندر الزمان، مولي الإحسان، جامع كلمة الإيمان، مملّك أصحاب المنابر والتّخوت والتّيجان، ملك البحرين، مسلّك سبل القبلتين، خادم الحرمين الشريفين، ظلّ الله في أرضه، القائم بسنّته وفرضه، سلطان البسيطة، مؤمّن الأرض المحيطة، سيد الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين، أبو فلان فلان بن فلان». وذكر أن الغالب أن تحذف الشاهنشاه، لأن معناها ملك
الأملاك، وقد تقدّم النهي عن التسمّي بذلك. ثم قال: والواجب أن يكون بدل وليّ أمير المؤمنين، قسيم أمير المؤمنين.(6/120)
«السلطان الأعظم، المالك الملك الأشرف السيد الأجلّ العالم العادل المؤيّد المجاهد المرابط المثاغر المظفّر الشاهنشاه ناصر الدّنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، منصف المظلومين من الظالمين، وارث الملك، سلطان العرب والعجم والترك، فاتح الأقطار، مانح الممالك والأمصار، إسكندر الزمان، مولي الإحسان، جامع كلمة الإيمان، مملّك أصحاب المنابر والتّخوت والتّيجان، ملك البحرين، مسلّك سبل القبلتين، خادم الحرمين الشريفين، ظلّ الله في أرضه، القائم بسنّته وفرضه، سلطان البسيطة، مؤمّن الأرض المحيطة، سيد الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين، أبو فلان فلان بن فلان». وذكر أن الغالب أن تحذف الشاهنشاه، لأن معناها ملك
الأملاك، وقد تقدّم النهي عن التسمّي بذلك. ثم قال: والواجب أن يكون بدل وليّ أمير المؤمنين، قسيم أمير المؤمنين.
المذهب الثاني أن يكتب المقام الشريف أو الكريم أو العالي مجرّدا عنهما، ويقتصر على المفردة دون المركّبة، مثل أن يكتب «المقام الشريف العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ، أبو فلان فلان». قال في «التعريف»: وإلى هذا ذهب المتأخرون من الكتّاب ثم قال: وأنا على الأوّل أعمل.
النوع الثاني (الألقاب التي يكتب بها عن السلطان لغيره من الملوك، وهي على ثلاثة أصناف)
الصنف الأوّل (ألقاب ولاة العهد بالسّلطنة)
«وهي المقام العالي، العالميّ، العادليّ، الملكيّ، الفلانيّ، الفلانيّ بلقب الملك واللقب المتعارف». قال في «التثقيف»: فإن كان أخا للسلطان زيد فيه الأخويّ، أو ولدا زيد فيه الولديّ.
الصنف الثاني (ألقاب الملوك المستقلّين بصغار البلدان)
كما كان صاحب حماة في الدولة الناصرية، محمد (1) بن قلاوون، وكان
__________
(1) هو السلطان الملك الناصر ابن السلطان الملك المنصور. كان ملكا عظيما دانت له البلاد وفي مقدمتها مصر والشام. توفي سنة 741هـ. أنظر فوات الوفيات (ج 4ص 3635)، والدرر الكامنة (ج 4ص 144)، والنجوم الزاهرة (ج 8ص 41، 115) و (ج 9ص 3)، والأعلام (ج 7ص 11).(6/121)
يكتب له: «المقام الشريف العالي السّلطانيّ الملكيّ الفلانيّ، بلقب الملك».
وربما كتب له قبل لقب الملك «الأصيليّ» لعراقته في الملك.
الصنف الثالث (ألقاب المكتوب إليهم من الملوك عن الأبواب السلطانية، وهي نمطان)
النمط الأوّل (ما يصدّر بالألقاب المذكّرة. وهي على أربع طبقات)
الطبقة الأولى ما يصدّر بالمقام
. وأعلاها «المقام الأشرف» كألقاب صاحب الهند، وهي: «المقام الأشرف العالي المولويّ السلطانيّ الأعظميّ الشاهنشاهيّ العالميّ العادليّ المجاهديّ المثاغريّ المظفّريّ المؤيّديّ المنصوريّ إسكندر الزمان، سلطان الأوان، منبع الكرم والإحسان، المعفّي آل ساسان، وبقايا فراسياب وخاقان، ملك البسيطة، سلطان الإسلام، غياث الأنام، أوحد الملوك والسلاطين».
ودونه «المقام الشريف» كألقاب الشيخ حسن الكبير صاحب بغداد كان، وهي: «المقام الشريف العالي الكبيريّ السلطانيّ العالميّ العادليّ المجاهديّ المؤيّديّ المرابطيّ المنصوريّ الملكيّ الفلانيّ بلقبي الملك والتعارف.
ودونه «المقام العالي» كألقاب القان ببلاد أزبك فيما ذكره في «التثقيف» وهي: «المقام العالي السلطانيّ الكبيريّ الملكيّ الأكرميّ الفلانيّ بلقب التعريف فلان الدّنيا والدين مؤيّد الغزاة والمجاهدين قاتل الكفرة والمشركين، وليّ أمير المؤمنين». وكألقاب صاحب المغرب فيما ذكره في «التعريف» وهي: «المقام العالي السلطانيّ السيد الأجلّ العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيّد المظفّر المنصور على أعداء الله أمير المسلمين، قائد الموحّدين، مجهّز الغزاة والمجاهدين، مجنّد الجنود، عاقد
البنود، ماليء صدور البراري والبحار، مزعزع أسرّة الكفّار، مؤيّد السنّة، معزّ الملّة، شرف الملوك والسلاطين، بقيّة السلف الكريم، والنّسب الصّميم، ربيب الملك القديم، أبو فلان فلان».(6/122)
ودونه «المقام العالي» كألقاب القان ببلاد أزبك فيما ذكره في «التثقيف» وهي: «المقام العالي السلطانيّ الكبيريّ الملكيّ الأكرميّ الفلانيّ بلقب التعريف فلان الدّنيا والدين مؤيّد الغزاة والمجاهدين قاتل الكفرة والمشركين، وليّ أمير المؤمنين». وكألقاب صاحب المغرب فيما ذكره في «التعريف» وهي: «المقام العالي السلطانيّ السيد الأجلّ العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيّد المظفّر المنصور على أعداء الله أمير المسلمين، قائد الموحّدين، مجهّز الغزاة والمجاهدين، مجنّد الجنود، عاقد
البنود، ماليء صدور البراري والبحار، مزعزع أسرّة الكفّار، مؤيّد السنّة، معزّ الملّة، شرف الملوك والسلاطين، بقيّة السلف الكريم، والنّسب الصّميم، ربيب الملك القديم، أبو فلان فلان».
الطبقة الثانية ما يصدّر بالمقرّ
، وأعلاها فيما رأيت «المقرّ الكريم» كألقاب صاحب هراة (1) فيما ذكره في «التعريف» وهي: «المقرّ الكريم» العالي العالميّ العادليّ المجاهديّ المؤيّديّ المرابطيّ المثاغريّ الأوحديّ الفلانيّ، شرف الملوك والسلاطين، خليل أمير المؤمنين». وكألقاب صاحب كرمينان [من بلاد الروم] (2) فيما ذكره في «التثقيف» وهي: «المقرّ الكريم العالي الملكيّ الأجلّيّ العالميّ [العادليّ] (3) المجاهديّ المؤيّديّ المرابطيّ المثاغريّ المظفّريّ المنصوريّ الفلانيّ، عزّ الإسلام والمسلمين، فخر الملوك والسلاطين، نصير الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش مقدّم العساكر ظهير أمير المؤمنين».
ودونه «المقر العالي» كألقاب صاحب مالّي من بلاد التّكرور (4) فيما ذكره في «التعريف»، وهي: «المقرّ العالي السلطانيّ الجليل الكبير العالم العادل المجاهد المؤيّد الأوحد عزّ الإسلام، شرف ملوك الأنام، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، جمال الملوك والسلاطين سيف الخلافة، ظهير الإمامة، عضد أمير المؤمنين».
الطبقة الثالثة ما يصدّر بالجناب
. وأعلاها «الجناب الكريم» كألقاب ملك التّكرور فيما ذكره في «التثقيف» أنه استقرّ عليه الحال، وهي: «الجناب
__________
(1) هراة، بالفتح: مدينة عظيمة مشهورة من أمهات مدن خراسان فيها بساتين كثيرة ومياه غزيرة وخيرات كثيرة. وهراة أيضا مدينة بفارس قرب إصطخر كثيرة البساتين والخيرات. معجم الأدباء (ج 5ص 397396).
(2) الزيادة من ضوء الصبح للمؤلف (ج 1ص 370).
(3) الزيادة من ضوء الصبح للمؤلف (ج 1ص 370).
(4) تكرور: بلاد تنسب إلى قبيل من السودان في أقصى جنوب المغرب، وأهلها أشبه الناس بالزنوج. معجم البلدان (ج 2ص 38).(6/123)
الكريم، العالي الملك الجليل العالم العادل المجاهد المؤيّد المثاغر المرابط العابد الخاشع الناسك الأوحد فلان، ذخر الإسلام». وكألقاب ملكي البرنو والكانم (1) فيما ذكره في «التعريف» وهي: «الجناب الكريم العالي الملك الجليل الكبير العالم العادل الغازي المجاهد الهمام الأوحد المظفّر المنصور عزّ الإسلام». ثم بقيّة الألقاب من نسبة ألقاب ملك التّكرور.
الطبقة الرابعة ألقاب المجلس
. وأعلاها «المجلس العالي» كألقاب صاحب حصن كيفا (2) فيما ذكره في «التعريف» وهو: «المجلس العالي الملكيّ الفلانيّ الأجلّيّ العالميّ العادليّ المجاهديّ المؤيّديّ المرابطيّ المثاغريّ الأوحديّ الأصيليّ الفلاني بلقب التعريف عزّ الإسلام والمسلمين، بقيّة الملوك والسلاطين، نصير الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، شرف الدول، ذخر الممالك، خليل أمير المؤمنين أو عضد أمير المؤمنين» على مخالفة فيه فيما أورده في «التثقيف» تأتي في المكاتبة إليه.
ودونه المجلس الساميّ بالياء كألقاب صاحب أرزن (3)، وهي «المجلس الساميّ الملكيّ الفلانيّ بلقب الملك الأصيليّ الكبيريّ العالميّ المجاهديّ المؤيّديّ المرابطيّ الأوحديّ الفلاني بلقب التعريف عزّ الإسلام، شرف الملوك في الأنام، بقيّة السلاطين، نصرة الغزاة والمجاهدين، وليّ أمير المؤمنين».
ودونه المجلس بغير ياء في ألقابه كألقاب صاحب دنقلة (4) إذا كان
__________
(1) كانم، بكسر النون: من بلاد البربر بأقصى المغرب في بلاد السودان. معجم البلدان (ج 4 ص 432).
(2) حصن كيفا، ويقال كيبا: بلدة وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر من ديار بكر، وهي لصاحب آمد من ولد داود بن سقمان بن أرتق. معجم البلدان (ج 2ص 265).
(3) أرزن، بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الزاي: مدينة مشهورة من أعمر نواحي إرمينية ولها قلعة حصينة. وأرزن أيضا: موضع بأرض فارس قرب شيراز. وأرزن الروم بلدة أخرى، من بلاد أرمينية، أهلها أرمن. معجم البلدان (ج 1ص 151150).
(4) دنقلة ودمقلة، بضم أوله وسكون ثانيه وضم القاف، أو بفتح أوله وثالثه أيضا. مدينة كبيرة في بلاد النوبة. معجم البلدان (ج 2ص 471470).(6/124)
مسلما، فيما ذكره في «التعريف» وهي: «المجلس الكبير الغازي المجاهد المؤيّد الأوحد العضد، مجد الإسلام، زين الأنام، فخر المجاهدين، عمدة الملوك والسلاطين» ولم يذكر فيه السامي ولا لقبا مضافا إلى الملك، وهو الملكيّ: إلا أنهم أوردوه في عدّة الملوك.
قلت وأكثر هذه الألقاب يؤتى فيها بالألقاب المختصّة بالملك، إما في المفردة كالملكيّ الفلانيّ، وإما في المركّبة مثل «بقيّة الملوك والسلاطين» ونحو ذلك، لتدلّ على أن المكتوب له ملك فيمتاز عن غيره. وربما أتي فيها بالألقاب الإماريّة دون الملوكية لوقوع اصطلاح أهل تلك المملكة على ذلك.
كما يكتب في ألقاب صاحب تونس «أمير المؤمنين» لادّعائه الخلافة، وفي ألقاب صاحب فاس «أمير المسلمين» اتباعا ليوسف (1) بن تاشفين صاحبها في القديم، إذ كان أوّل من تلقب بذلك خضوعا عن أن يتلقّب بأمير المؤمنين، لاختصاصه بالخلافة كما سيأتي الكلام عليه في المكاتبة إليه إن شاء الله تعالى.
النمط الثاني (ما يصدّر بالألقاب المؤنّثة، وهي الحضرة)
ويختلف الحال فيها باختلاف الممالك فألقاب القان بمملكة إيران على ما كان عليه الحال في أيام السلطان أبي سعيد وما قبله «الحضرة، الشريفة، العالية، السلطانيّة، الأعظميّة، الشاهنشاهيّة، الأوحدية، القانيّة، الفلانية».
قال في «التعريف»: ولا يخلط فيها الملكية لهوانها لديهم وإن كان صاحب «التثقيف» قد أثبت فيها الملكية أيضا على ما سيأتي في الكلام على المكاتبة
__________
(1) هو أبو يعقوب يوسف بن تاشفين اللمتوني، كان شجاعا عادلا مقداما، ملك المغرب والأندلس واختط بالمغرب مدينة مراكش. وكان لا يعرف اللسان العربي لكنه كان يجيد فهم المقاصد. هو أول من تسمّى بأمير المسلمين. توفي سنة خمسمائة للهجرة. أنظر وفيات الأعيان (ج 7 ص 130112) والبيان المغرب (ج 4ص 2821) وصفحات متفرقة من الكتاب المذكور.(6/125)
إليه في موضعه إن شاء الله تعالى. وألقاب صاحب تونس فيما ذكره في «التثقيف» «الحضرة، العلية، السّنيّة، السّريّة، المظفّرية، الميمونة، المنصورة، المصونة، حضرة الأمير العالم» إلى آخر الألقاب المذكورة.
الضرب الثالث (من الألقاب الإسلامية الألقاب العامّة لسائر الطوائف مما يكتب به عن الأبواب [السلطانية] (1)، وهي ثمانية أنواع)
النوع الأوّل (ألقاب أرباب السيوف من أهل المملكة وغيرهم: من الأمراء والعربان والأكراد والتّركمان. وهي على خمس درجات)
الدرجة الأولى (درجة المقرّ، وفيها ثلاث مراتب)
المرتبة الأولى مرتبة المقرّ الشريف
، وهو مختصّ في عرف الزمان بما يكتب عن نوّاب السلطنة.
وصورتها على ما أورده في «عرف التعريف»: «المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الزّعيميّ، المقدّميّ، الغوثيّ، الغياثيّ، المرابطيّ، المثاغريّ، الظّهيريّ، المالكيّ، المخدوميّ، الفلاني عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، عون الأمة، غياث الملّة، ممهّد الدّول، مشيّد الممالك، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين».
المرتبة الثانية مرتبة المقرّ الكريم
، وهي مستعملة في السّلطانيات وما
__________
(1) الزيادة من ضوء الصبح للمؤلف (ج 1ص 372) أنظر أيضا حاشية الطبعة الأميرية.(6/126)
يكتب عن النّوّاب.
فأما في السّلطانيات فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في الألقاب المستقرّة للنائب الكافل ونائب الشام: «المقرّ الكريم، العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الزّعيميّ، الغوثيّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، العابديّ، الناسكيّ، الأتابكيّ، الكفيليّ، الفلانيّ معزّ الإسلام والمسلمين، سيّد أمراء العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، ممهّد الدّول، مشيّد الممالك، عماد الملّة، عون الأمّة، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين».
وأما فيما يكتب عن النّواب فقد ذكر في «التعريف» أنّ ألقابها من نسبة ما تقدّم في ألقاب المقرّ الشريف.
وصورتها على ما أورده شهاب الدين الفارقي في دستوره عن نائب الشام:
«المقرّ الكريم، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الممهّديّ، الغوثيّ، المقدّميّ، الذّخريّ، الغياثيّ، الفلاني عزّ الإسلام والمسلمين، سيد الأمراء في العالمين، زعيم جيوش الموحّدين، مقدّم العساكر المجاهدين، ذخر الدولة، بهاء الملّة، ممهّد المملكة، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده الصّلاح الصّفديّ (1) في دستوره عن نائب الشام أيضا: «المقرّ الكريم، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ،
__________
(1) هو خليل بن أيبك، الأديب المؤرخ، الكثير التصانيف كالوافي بالوفيات وتوشيع التوشيح توفي في دمشق سنة 764هـ. أنظر الدرر الكامنة (ج 2ص 87) والأعلام (ج 2ص 316315).(6/127)
العادليّ، المؤيّديّ، المجاهديّ، الذّخريّ، العضديّ، النّصيريّ، المقدّميّ، الغوثيّ، الغياثيّ، الفلانيّ، ركن الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، غياث الملّة، كهف الأمّة، ذخر الملوك والسلاطين». ثم قال: وإن كان المكتوب إليه نائب سلطنة زيد في ألقابه «الممهّديّ، المشيّديّ، الزّعيميّ، المدبّريّ، الكافليّ، الفلانيّ».
وصورتها على ما أورده غيره: «المقرّ الكريم، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، الغوثيّ، الغياثيّ، الذّخريّ، الزّعيميّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، جمال الدولة، ذخر الملّة، زين المملكة، عين السلطنة، سفير الأمة، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين».
وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير عن نائب حلب: «المقرّ الكريم، العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الذّخريّ، المشيّديّ، الزّعيميّ، الظّهيريّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، عون الأمّة، ظهير الملوك والسلاطين».
المرتبة الثالثة مرتبة المقرّ العالي
. وقد ذكر في «عرف التعريف» أن ألقابها من نسبة ما تقدّم في المقرّ الشريف. وذكر الصّلاح الصّفديّ في دستوره عن نائب الشام في ألقابه ما تقدّم له في ألقاب المقرّ الكريم ثم قال: إلا أنه لا يقال فيه الذّخريّ.
وصورتها على ما رأيته في توقيع نقيب الأشراف بحلب عن النائب بها:
«المقرّ العالي، الأميريّ، الكبيريّ، النّقيبيّ، الشّريفيّ، الحسيبيّ، النّسيبيّ، العريقيّ، الأصيليّ، الفاضليّ، العلّاميّ، الحجّيّ، القدويّ، الناسكيّ، الزاهديّ، العابديّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، جلال العلماء العاملين، جمال الفضلاء البارعين، حجّة الأمراء الحاكمين، زين العترة
الطاهرة، شرف الأسرة الزاهرة، حجّة العصابة الهاشمية، قدوة الطائفة العلويّة، نخبة الفرقة الناجية الحسينية، شرف أولي المراتب، نقيب أولي المناقب، ملاذ الطّلّاب الراغبين، بركة الملوك والسلاطين».(6/128)
«المقرّ العالي، الأميريّ، الكبيريّ، النّقيبيّ، الشّريفيّ، الحسيبيّ، النّسيبيّ، العريقيّ، الأصيليّ، الفاضليّ، العلّاميّ، الحجّيّ، القدويّ، الناسكيّ، الزاهديّ، العابديّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، جلال العلماء العاملين، جمال الفضلاء البارعين، حجّة الأمراء الحاكمين، زين العترة
الطاهرة، شرف الأسرة الزاهرة، حجّة العصابة الهاشمية، قدوة الطائفة العلويّة، نخبة الفرقة الناجية الحسينية، شرف أولي المراتب، نقيب أولي المناقب، ملاذ الطّلّاب الراغبين، بركة الملوك والسلاطين».
الدرجة الثانية (درجة الجناب، وفيها ثلاث مراتب)
المرتبة الأولى مرتبة الجناب الشريف
، وليست مستعملة في السلطانيات، وهي مستعملة فيما يكتب عن النّواب.
وصورتها على ما أورده في «عرف التعريف»: «الجناب الشريف العالي، المولويّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الممهّديّ، الذّخريّ، الأوحديّ، العونيّ، الظّهيريّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء المقدّمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، عماد الملة، عون الأمّة، ذخر الملّة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين».
المرتبة الثانية مرتبة الجناب الكريم
، وهي مستعملة في السّلطانيات وما يكتب عن النّواب.
فأما في السلطانيات فصورتها على ما أورده في «التعريف» في ألقاب النائب الكافل في الزّمن المتقدّم: «الجناب الكريم العالي، الأميريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الزّعيميّ، الذّخريّ، المقدّميّ، العونيّ، الغياثيّ، المرابطيّ، المثاغريّ، المظفّريّ، المنصوريّ، الأتابكيّ ركن الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، أتابك الجيوش، مقدّم العساكر، زعيم الجنود، عاقد البنود، ذخر الموحّدين، ناصر الغزاة والمجاهدين، غياث الأمّة، عون الملّة، مشيّد الدّول، كافل الممالك، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب النائب الكافل أيضا على ما كان الحال عليه أوّلا: «الجناب الكريم العالي، الأميريّ، الكبيريّ،
العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الزّعيميّ، العونيّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، الكافليّ، الفلانيّ مؤيّد الإسلام والمسلمين، سيّد أمراء العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، مقدّم العساكر، ممهّد الدول، مشيّد الممالك، عماد الملّة، عون الأمّة، كافل السلطنة، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين».(6/129)
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب النائب الكافل أيضا على ما كان الحال عليه أوّلا: «الجناب الكريم العالي، الأميريّ، الكبيريّ،
العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الزّعيميّ، العونيّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، الكافليّ، الفلانيّ مؤيّد الإسلام والمسلمين، سيّد أمراء العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، مقدّم العساكر، ممهّد الدول، مشيّد الممالك، عماد الملّة، عون الأمّة، كافل السلطنة، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في «التعريف» في ألقاب نائب الشام على ما كان الحال عليه أوّلا: «الجناب الكريم العالي، الأميريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الممهّديّ، المشيّديّ، العونيّ، الغياثيّ، الذّخريّ، الزّعيميّ، المقدّميّ، الظّهيريّ، الكافليّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، عون الأمّة، غياث الملّة، ممهّد الدول، مشيّد الممالك، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في المكاتبة لنائب الشام على ما كان عليه الحال أيضا: «الجناب الكريم العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الزّعيميّ، العونيّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، الكافليّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، مقدّم العساكر، ممهّد الدول، مشيّد الممالك، عماد الملّة، عون الأمّة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في المكاتبة إلى أحد الأمراء الألوس بمملكة إيران في دولة السلطان أبي سعيد: «الجناب الكريم العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الزّعيميّ، العونيّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، النّوينيّ، الفلانيّ عون الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، ممهّد الدّول، عماد الملّة، عون الأمّة، كافي الدولة
القانيّة، كافل المملكة الشرقية، أمير التّوامين، أمير الألوس، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين».(6/130)
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في المكاتبة إلى أحد الأمراء الألوس بمملكة إيران في دولة السلطان أبي سعيد: «الجناب الكريم العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الزّعيميّ، العونيّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، الممهّديّ، المشيّديّ، النّوينيّ، الفلانيّ عون الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، ممهّد الدّول، عماد الملّة، عون الأمّة، كافي الدولة
القانيّة، كافل المملكة الشرقية، أمير التّوامين، أمير الألوس، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب ابن المظفّر اليزدي:
«الجناب الكريم العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، العونيّ، الزّعيميّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، الغياثيّ، المثاغريّ، المرابطيّ، النّوينيّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، مقدّم العساكر، ممهّد الدول، مشيّد الممالك، عماد الملّة، عون الأمّة، حاكم أمور ولاة الزمان، موضّح قوانين العدل والإحسان، اعتضاد صناديد الأوان، مستنيب ملوك العجم، مستخدم أرباب الطّبل والعلم، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين».
وأمّا فيما يكتب عن النواب وما كان يكتب به في الإخوانيات في الزمن المتقدّم، فقد ذكر في «عرف التعريف» أن ألقابه من نسبة ما تقدم في ألقاب الجناب الشريف.
وصورتها على ما أورده القاضي شهاب الدين الفارقيّ في دستوره عن نائب الشام: «الجناب الكريم العالي، المولويّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، العضديّ، النّصيريّ، المؤيّديّ، المقدّميّ، الذّخريّ، الفلانيّ مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، ظهير الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما أورده الصّلاح الصفديّ في دستوره عن نائب الشام:
«الجناب الكريم العالي، المولويّ، الأميريّ، العالميّ، العادليّ، العونيّ، الغياثيّ، الظّهيريّ، المقدّميّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، ظهير الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما أورده الصّلاح الصفدي في دستوره عن نائب الشام:(6/131)
«الجناب الكريم العالي، المولويّ، الأميريّ، العالميّ، العادليّ، العونيّ، الغياثيّ، الظّهيريّ، المقدّميّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، ظهير الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما أورده الصّلاح الصفدي في دستوره عن نائب الشام:
«الجناب الكريم العالي، المولويّ، الأميريّ، العالميّ، العادليّ، العونيّ، الغياثيّ، الظّهيريّ، المقدّميّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، ناصر الغزاة والمجاهدين، ظهير الملوك والسلاطين».
المرتبة الثالثة مرتبة الجناب العالي
، وهي مستعملة في السلطانيات وما يكتب عن النواب وما كان في الإخوانيّات قديما.
فأمّا في السلطانيات فلها رتبتان:
الرتبة الأولى مع الدعاء بمضاعفة النعمة
. وصورتها على ما أورده في «التعريف» في ألقاب نائب حلب على ما كان الحال عليه أوّلا: «الجناب العالي، الأميريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، الممهّديّ، المشيّديّ، العونيّ، الذّخريّ، الزّعيميّ، المقدّميّ، الظّهيريّ، المرابطيّ، المثاغريّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، سيد الأمراء في العالمين، نصير الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، عماد الأمّة، ذخر الدولة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب نائب طرابلس ومن في رتبته: «الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، العونيّ، الزّعيميّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظّهيريّ، الكافليّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد أمراء العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم جيوش الموحّدين، مقدّم العساكر، ممهّد الدّول، مشيّد الممالك، عماد الملّة، عون الأمّة، ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب قطلوبغا إيناق أحد أمراء الألوس ببلاد أزبك: «الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، العونيّ، الزعيميّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظهيريّ، النّوينيّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، كهف الملّة، ذخر الدولة،
ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين».(6/132)
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب قطلوبغا إيناق أحد أمراء الألوس ببلاد أزبك: «الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، العونيّ، الزعيميّ، الممهّديّ، المشيّديّ، الظهيريّ، النّوينيّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، كهف الملّة، ذخر الدولة،
ظهير الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين».
الرتبة الثانية مع الدعاء بدوام النعمة.
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب مقدّم العسكر بغزّة ومن في رتبته: «الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الأوحديّ، النّصيريّ، العونيّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظّهيريّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، كهف الملّة، ذخر الدّولة، عماد المملكة، ظهير الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب مماي، أحد الحكّام ببلاد أزبك كان: «الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الذّخريّ، النّصيريّ، الهماميّ، المقدّميّ، النّوينيّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، ذخر الدولة، عضد الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين».
وأمّا ما يكتب عن النواب وما كان يكتب في الإخوانيات قديما، فقد ذكر في «عرف التعريف» أن ألقابه من نسبة ما تقدّم في ألقاب الجناب الشريف.
وصورتها على ما أورده الصّلاح الصفديّ في دستوره عن نائب الشام في الرتبة الأولى منها: «الجناب العالي، الأميريّ، الأجليّ، الكبيريّ، المؤيّديّ، المجاهديّ، العونيّ، المقدّميّ، الاسفهسلاريّ، الظّهيريّ، الفلانيّ مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء المقدّمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما أورده في «التذكرة الآمديّة» عن نائب الشام أيضا في الرتبة الثانية من هذه المرتبة: «الجناب العاليّ، الأميريّ، الكبيريّ، العضديّ، الذّخريّ، النّصيريّ، المؤيّديّ، المقدّميّ، الظّهيريّ، الفلانيّ، مجد الإسلام
والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، ظهير الملوك والسلاطين».(6/133)
وصورتها على ما أورده في «التذكرة الآمديّة» عن نائب الشام أيضا في الرتبة الثانية من هذه المرتبة: «الجناب العاليّ، الأميريّ، الكبيريّ، العضديّ، الذّخريّ، النّصيريّ، المؤيّديّ، المقدّميّ، الظّهيريّ، الفلانيّ، مجد الإسلام
والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، ظهير الملوك والسلاطين».
الدرجة الثالثة (درجة المجلس وفيها ثلاث مراتب)
المرتبة الأولى (مرتبة المجلس العالي)
وهي مستعملة في السلطانيات وما يكتب عن النواب وما كان يكتب في الإخوانيات قديما.
فأما في السلطانيات فلها رتبتان:
الرتبة الأولى مع الدعاء للمجلس.
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب نائب الكرك: «المجلس العاليّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، المقدّمي، الأوحديّ، النّصريّ، الهماميّ، الظّهيريّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، كهف الملّة، ذخر الدولة، ظهير الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» أيضا في ألقاب وزير القان ببلاد أزبك: «المجلس العاليّ الأميريّ، الكبيريّ، الذّخريّ، الأوحديّ، الأكمليّ، المتصرّفيّ، العونيّ، الوزيريّ، الفلانيّ مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء والوزراء في العالمين، جمال المتصرّفين، أوحد الأولياء المقرّبين، ذخر الدولة، مشير الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» أيضا في ألقاب حافظ أخي علي باشاه: «المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الأوحديّ، النّصيريّ، العونيّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظّهيريّ،
النّوينيّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، كهف الملّة، عماد الأمّة، ظهير الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين».(6/134)
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» أيضا في ألقاب حافظ أخي علي باشاه: «المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الأوحديّ، النّصيريّ، العونيّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظّهيريّ،
النّوينيّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدّم العساكر، كهف الملّة، عماد الأمّة، ظهير الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب أمير مكة المشرفة:
«المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الشريفيّ، الحسيبيّ، النّسيبيّ، العالميّ، المجاهديّ، المقدّميّ، الأوحديّ، النّصيريّ، العونيّ، الهماميّ، الظّهيريّ، الأصيليّ، العريقيّ، الشّهابيّ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء الأشراف في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، كهف الملّة، عون الأمّة، فخر السّلالة الزاهرة، زين العترة الطاهرة، بهاء العصابة العلوية، جمال الطائفة الهاشمية، ظهير الملوك والسلاطين، نسيب أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب أمير آل فضل من عرب الشام: «المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الأوحديّ، النّصيريّ، العونيّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظهيريّ، الأصيليّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء العربان في العالمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، كهف الملّة، ذخر الدولة، عماد العرب، ظهير الملوك والسلاطين، حسام أمير المؤمنين».
الرتبة الثانية المجلس العالي مع صدرت.
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب نائب الرّحبة ومن في رتبته: «المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العضديّ، الذّخريّ، النّصيريّ، الأوحديّ، المؤيّديّ، العونيّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظهيريّ، الفلانيّ مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء المقدّمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، ذخر الدولة، كهف الملّة، ظهير الملوك والسلاطين.
وأما فيما يكتب عن النّواب وما كان يكتب في الإخوانيّات أوّلا، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف»: «المجلس العالي، الأميريّ، الأسفهسلاريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، النّصيريّ، الظّهيريّ، الفلانيّ مجد الإسلام والمسلمين، زين الأمراء المقدّمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين».(6/135)
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب نائب الرّحبة ومن في رتبته: «المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العضديّ، الذّخريّ، النّصيريّ، الأوحديّ، المؤيّديّ، العونيّ، الهماميّ، المقدّميّ، الظهيريّ، الفلانيّ مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء المقدّمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، مقدّم العساكر، ذخر الدولة، كهف الملّة، ظهير الملوك والسلاطين.
وأما فيما يكتب عن النّواب وما كان يكتب في الإخوانيّات أوّلا، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف»: «المجلس العالي، الأميريّ، الأسفهسلاريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، النّصيريّ، الظّهيريّ، الفلانيّ مجد الإسلام والمسلمين، زين الأمراء المقدّمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما أورده الصلاح الصّفديّ في دستوره عن نائب الشام:
المجلس العالي، الأميريّ، الأجليّ، الكبيريّ، المؤيّديّ، المجاهديّ، الاسفهسلاريّ، العونيّ، الظّهيريّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء المقدّمين، نصرة الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين.
وصورتها على ما أورده في «التذكرة الآمديّة» عن نائب الشام:
«المجلس العالي، الأميريّ، الكبيريّ، العضديّ، النّصيريّ، المؤيّديّ، المجاهديّ، الذّخريّ مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء المقدّمين، ذخر الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين».
المرتبة الثانية (مرتبة المجلس الساميّ بالياء)
وهو مستعمل في السلطانيات وغيرها.
فأما في السلطانيات، فصورتها على ما ذكره المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في بعض دساتيره في توقيع نقيب الأشراف: «المجلس الساميّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الشريفيّ، الحسيبيّ، النّسيبيّ، الذّخريّ، النّصيريّ، الأوحديّ، الأصيليّ عزّ الإسلام، زين الأنام، نسيب الإمام، شرف الأمراء، نقيب النّقباء، جمال العترة الطاهرة، جلال الأسرة الزاهرة، ذخر الغزاة والمجاهدين، ظهير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب الكشّاف بالوجهين القبليّ والبحريّ بالديار المصرية: «المجلس الساميّ، الأميريّ، الكبيريّ، الذّخريّ، النّصيريّ، الأوحديّ، المؤيّديّ، الفلانيّ مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الأمراء، أوحد المجاهدين، عضد الملوك والسلاطين».(6/136)
فأما في السلطانيات، فصورتها على ما ذكره المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في بعض دساتيره في توقيع نقيب الأشراف: «المجلس الساميّ، الأميريّ، الكبيريّ، العالميّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، الشريفيّ، الحسيبيّ، النّسيبيّ، الذّخريّ، النّصيريّ، الأوحديّ، الأصيليّ عزّ الإسلام، زين الأنام، نسيب الإمام، شرف الأمراء، نقيب النّقباء، جمال العترة الطاهرة، جلال الأسرة الزاهرة، ذخر الغزاة والمجاهدين، ظهير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب الكشّاف بالوجهين القبليّ والبحريّ بالديار المصرية: «المجلس الساميّ، الأميريّ، الكبيريّ، الذّخريّ، النّصيريّ، الأوحديّ، المؤيّديّ، الفلانيّ مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الأمراء، أوحد المجاهدين، عضد الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما رأيته في بعض المراسيم لأمير آل (1) مرا من عرب الشام: «المجلس الساميّ، الأميريّ، الكبيريّ، المجاهديّ، المؤيّديّ، العضديّ، الذّخريّ، النّصيريّ، الأوحديّ، الأصيليّ، العريقيّ مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الأمراء، زين القبائل، فخر العشائر، ملاذ العرب، عضد الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب وزير الشيخ أويس ببغداد: «المجلس الساميّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، الأوحديّ، المقدّميّ، المنتخبيّ، الفلانيّ مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الرؤساء، أوحد الأعيان، صفوة الملوك والسلاطين».
وصورتها في ألقاب أمراء العرب: «المجلس الساميّ، الأميريّ، الكبيريّ، الذّخريّ، المؤيّديّ، الفلانيّ مجد الإسلام، بهاء الأنام، زين القبائل، فخر العشائر، عماد الملوك والسلاطين».
وأما فيما يكتب عن النّواب ونحوهم، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف»: «المجلس الساميّ، الأميريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، المؤيّديّ، العضديّ، النّصيريّ، الأوحديّ، الهماميّ، الفلانيّ مجد الإسلام، زين الأمراء في الأنام ذخر الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين».
__________
(1) ذكرهم القلقشندي في كتابه «قلائد الجمان» ص 79وقال: «آل مرا، بكسر الميم وهم: بنو مرا بن ربيعة».(6/137)
وصورتها على ما أورده شهاب الدين الفارقيّ في دستوره عن نائب الشام:
«المجلس الساميّ، الأميريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العضديّ، النّصيريّ، المؤيّديّ، الفلانيّ مجد الإسلام، جمال الأمراء، نصرة الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما أورده الصّلاح الصّفديّ في دستوره عن نائب الشام أيضا: «المجلس الساميّ، الأميريّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، المؤيّديّ، المجاهديّ، العضديّ، النّصيريّ، الهماميّ، الفلانيّ مجد الإسلام، شرف الأمراء، نصرة الغزاة، عمدة الملوك والسلاطين».
المرتبة الثالثة (مرتبة المجلس السامى بغير ياء)
وهي مستعملة في السلطانيّات وغيرها.
فأما في السّلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب الولاة الطّبخاناه بالوجهين القبليّ والبحريّ: المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المؤيّد، الأوحد، المرتضى فلان الدين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، فخر الأمراء، زين المجاهدين، عمدة الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما رأيته في بعض نسخ التّواقيع: ترتيب الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي (1): «المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، الحسيب، النّسيب، الطاهر، الكامل، العالم، العامل، الفاضل، الزاهد، الورع، الزّكيّ، التقيّ، فلان الدين، جلال الإسلام، شرف السادة الأشراف، فخر العترة الطاهرة، زين السّلالة الزاهرة، نقيب نقباء الشّرفاء، مجد العصبة
__________
(1) هو محمود بن سلمان بن فهد، الإمام العلّامة البارع البليغ الكاتب الحافظ، أبو الثناء الحلبي الدمشقي الحنبلي. ولد بدمشق سنة 644هـ، وتوفي سنة 725هـ. أنظر وفيات الأعيان (ج 4 ص 9682).(6/138)
العلويّة، جمال العصبة الفاطميّة، صدر الأئمة العلماء، مجتبى الدولة، بهاء الملّة، خالصة الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما في ألقاب النائب بالينبع: «المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، المجاهد، المؤيّد، الشريف، الحسيب، النّسيب، مجد الإسلام، بهاء الأنام، زين العترة، فخر الأسرة، جمال الذّرّية، فخر الشجرة الزّكيّة، عمدة الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب أكابر عربان آل فضل من عرب الشام: «المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المؤيّد، الأوحد، الأصيل فلان الدين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، فخر القبائل، زين العشائر، عماد الملوك والسلاطين».
وأما فيما يكتب عن النّواب ومن في معناهم، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف»: «المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المؤيّد فلان الدين، مجد الإسلام، زين الأمراء، فخر الأنام، ذخر الغزاة والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما أورده في «التذكرة الآمديّة» عن نائب الشام:
«المجلس السامي، الأمير، الأجلّ، الكبير، المؤيّد، المجاهد، العضد، النّصير، فلان الدين، مجد الأمراء، شرف الخواصّ، زين الغزاة، عدّة الملوك والسلاطين».
الدرجة الرابعة (درجة مجلس الأمير)
وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها على مرتبة واحدة.
فأما في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب
الولاة العشرات بالوجهين القبليّ والبحريّ: «مجلس الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المؤيّد، الأوحد، المرتضى فلان الدين، مجد الأمراء، زين المجاهدين، عدّة الملوك والسلاطين».(6/139)
فأما في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب
الولاة العشرات بالوجهين القبليّ والبحريّ: «مجلس الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المؤيّد، الأوحد، المرتضى فلان الدين، مجد الأمراء، زين المجاهدين، عدّة الملوك والسلاطين».
وأما فيما يكتب عن النّوّاب ومن في معناهم، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف»: «مجلس الأمير، الأجلّ، الكبير، الغازي، المجاهد، المرتضى، فلان الدين، فخر الأمراء، زين المجاهدين، عمدة الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما أورده الفارقيّ في دستوره عن نائب الشام: «مجلس الأمير، الأجلّ، الكبير، الأخصّ، الأكمل، الغازي، المجاهد، المرتضي، المختار، فلان الدين، مجد الأمراء، زين الغزاة، عدّة الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما أورده في «التذكرة الآمديّة»: «مجلس الأمير، الأجلّ، الكبير، المؤيّد، المجاهد، الأعزّ، الأخصّ، الأكمل، المجتبى، المختار فلان الدين، مجد الأمراء، زين الغزاة، عدّة الملوك والسلاطين».
الدرجة الخامسة (درجة الأمير مجرّدا عن مضاف إليه)
وأكثر ما يأتي ذلك في الولايات أو فيمن يكتب بسببه كتاب وما أشبه ذلك.
وصورتها في السلطانيات: «الأمير الأجلّ» وربما زيد على ذلك فقيل:
«الكبير الغازي».
وصورتها في غير السّلطانيات على ما أورده في «التذكرة الآمديّة»:
«الأمير، الأجلّ، الأخصّ، الأكمل».(6/140)
النوع الثاني (من الألقاب الإسلامية الألقاب الدّيوانية، وهي أيضا على خمس درجات)
الدرجة الأولى (درجة المقرّ)
وليست مستعملة في السلطانيات جملة لأنه لا يكتب لأحد من هذا النوع عن السلطان بالمقرّ، وهي مستعملة فيما يكتب عن النّوّاب ومن في معناهم، ولها ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى مرتبة المقرّ الشريف
، وصورتها على ما أورده في «عرف التعريف» في ألقاب الوزراء من أرباب الأقلام،: «المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، الصاحبيّ، الوزيريّ، المنفّذيّ، العالميّ، الممهّديّ، المشيّديّ، العونيّ، الغياثيّ، المالكيّ، المخدوميّ، الفلانيّ صلاح الإسلام والمسلمين، سيّد الوزراء في العالمين، رئيس الأصحاب، قوام الأمّة، نظام الملّة، مدبّر الدولة، ذخر الممالك، ظهير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في «عرف التعريف» أيضا في ألقاب غير الوزراء من الكتّاب: «المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، القضائيّ، السّيّديّ، العالميّ، العادليّ، الممهّديّ، المشيّديّ، العونيّ، الغياثيّ، المالكيّ، المخدوميّ، الفلانيّ، صلاح الإسلام والمسلمين، سيّد الرؤساء في العالمين، رئيس الأصحاب، قوام الأمّة، نظام الملّة، زين الدولة، ذخر الممالك، ظهير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين».
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير عن نائب الشام في ألقاب بعض كتّاب السّرّ العلماء: «المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، العلّاميّ، الأكمليّ، الأفضليّ، المفيديّ،
الفريديّ، القدويّ، المحقّقيّ، المسلّكيّ، الأصيليّ، العريقيّ، المدبّريّ، المشيريّ، اليمينيّ، السّفيريّ، المالكيّ، المخدوميّ، الشيخيّ، العلّاميّ، ضياء الإسلام والمسلمين، سيّد العلماء والرؤساء والمشايخ في العالمين، رئيس الأصحاب، فخر الكتّاب، حسنة الأيّام، بقيّة السّلف الكرام، صدر مصر والشام، لسان السلطنة، سفير المملكة، شيخ شيوخ العارفين، جامع طرق الواصفين، صدر المدرّسين، مشير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين».(6/141)
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير عن نائب الشام في ألقاب بعض كتّاب السّرّ العلماء: «المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، العلّاميّ، الأكمليّ، الأفضليّ، المفيديّ،
الفريديّ، القدويّ، المحقّقيّ، المسلّكيّ، الأصيليّ، العريقيّ، المدبّريّ، المشيريّ، اليمينيّ، السّفيريّ، المالكيّ، المخدوميّ، الشيخيّ، العلّاميّ، ضياء الإسلام والمسلمين، سيّد العلماء والرؤساء والمشايخ في العالمين، رئيس الأصحاب، فخر الكتّاب، حسنة الأيّام، بقيّة السّلف الكرام، صدر مصر والشام، لسان السلطنة، سفير المملكة، شيخ شيوخ العارفين، جامع طرق الواصفين، صدر المدرّسين، مشير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين».
المرتبة الثانية مرتبة المقرّ الكريم
. قال في «عرف التعريف»: والألقاب فيها من نسبة ما تقدّم في ألقاب المقرّ الشريف.
وصورتها على ما أورده الصّلاح الصّفديّ في دستوره عن نائب الشام:
«المقرّ الكريم، العالي، المولويّ، القضائيّ، العالميّ، القواميّ، النّظاميّ، المدبّريّ، المشيريّ، الملاذيّ، الفلانيّ جلال الإسلام والمسلمين، سيّد الأكابر في العالمين، عون الأمّة، ذخر الملّة، مدبّر الدّول، جمال الممالك، حسنة الوجود، خالصة الملوك والسلاطين».
المرتبة الثالثة مرتبة المقرّ العالي
. وقد جعلها في «عرف التعريف» من نسبة ما تقدّم من ألقاب المقرّ الشريف أيضا.
وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير عن نائب الشام فيما كتب به للقاضي شرف الدين عبد الوهاب بن أبي الطيب كاتب السرّ بالشام: «المقرّ العالي، المولويّ، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، البارعيّ، الأوحديّ، الماجديّ، القواميّ، النّظاميّ، المفوّهيّ، الرئيسيّ، الأثيريّ، الأثيليّ، الأصيليّ، العريقيّ، الفلانيّ عزّ الإسلام والمسلمين، شرف الرؤساء في العالمين، أوحد الفضلاء الماجدين، حجّة المنتشئين، صدر الرؤساء، رأس الصدور، عين الأعيان، خالصة الملوك والسلاطين».(6/142)
الدرجة الثانية (درجة الجناب، وفيها ثلاث مراتب)
المرتبة الأولى مرتبة الجناب الشريف
، وهي مستعملة (1) في غير السلطان دون السّلطانيات، قال في «عرف التعريف»: وهي من نسبة الألقاب المتقدّمة في المقرّ الشريف.
المرتبة الثانية مرتبة الجناب الكريم
. وجعلها في «عرف التعريف» من نسبة ما تقدّم في المقرّ الشريف.
وصورتها على ما أورده الصّلاح الصّفديّ في دستوره عن نائب الشام:
«الجناب الكريم العالي، المولويّ، القضائيّ، العالميّ، الأوحديّ، الرئيسيّ، الأجلّيّ، الأثيريّ، البارعيّ، الماجديّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الرؤساء في العالمين، جمال الأكابر، فخر الأعيان، أوحد الكتّاب، خالصة الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير عن نائب الشام في توقيع باسم شهاب الدين بن أبي الطيب بكتابة الدّست (2) بالشام: «الجناب الكريم، العالي، المولويّ، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، البارعيّ، الكامليّ، الماجديّ، القواميّ، النّظاميّ، الرئيسيّ، الأصيليّ، العريقيّ، الأوحديّ، الفلانيّ، جلال الإسلام والمسلمين، أوحد الرؤساء في العالمين، تاج الفضلاء المنتشئين، جهبذ الحذّاق المتصرّفين، سلالة الأتقياء العارفين، خالصة الملوك والسلاطين».
__________
(1) عبارة ضوء الصبح للمؤلف (ج 1ص 180): «وهي مختصة بما يكتب عن النوّاب دون السلطانيات». وهي أوضح. أنظر أيضا حاشية الطبعة الأميرية.
(2) كتابه الدست: من وظائف ديوان الانشاء، والتسمية نسبة إلى دست السلطان، وهو مرتبة جلوسه لجلوس الكتّاب للكتابة بين يديه. أنظر صبح الأعشى (ج 1ص 13، 137).(6/143)
المرتبة الثالثة مرتبة الجناب العالي
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
فأما في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب الوزارة بالديار المصرية: «الجناب العالي، الصاحبيّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، الأوحديّ، الأكمليّ، القواميّ، النّظاميّ، الأثيريّ، البليغيّ، المنفّذيّ، المسدّديّ، المتصرّفيّ، الممهّديّ، العونيّ، المدبّريّ، المشيريّ، الوزيريّ، الفلانيّ، صلاح الإسلام والمسلمين، سيّد الوزراء في العالمين، رئيس الكبراء، كبير الرؤساء، أوحد الأصحاب، ملاذ الكتّاب، قوام الدّول، نظام الملك، مفيد المناجح، معتمد المصالح، مرتّب الجيوش، عماد الملّة، عون الأمّة، مشير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين».
وأما في غير السلطانيات، فصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير عن نائب الشام في ألقاب كاتب دست بالشام: «الجناب العالي، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الأكمليّ، البارعيّ، الأوحديّ، القواميّ، النظاميّ، المفوّهيّ، الرئيسيّ، الماجديّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الرؤساء في العالمين، أوحد الفضلاء الماجدين، قدوة البلغاء، جمال الكتّاب، زين المنتشئين، خالصة الملوك والسلاطين».
الدرجة الثالثة (درجة المجلس، وفيها ثلاث مراتب)
المرتبة الأولى مرتبة المجلس العالي
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
فأما في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب كاتب السرّ بالأبواب السلطانية: «المجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، العلّاميّ، الأفضليّ، الاكمليّ، البليغيّ، المسدّديّ،
المنفّذيّ، المشيّديّ، العونيّ، المشيريّ، اليمينيّ، السّفيريّ، الأصيليّ، العريقيّ، الفلانيّ، صلاح الإسلام والمسلمين، سيّد الرؤساء في العالمين، قدوة العلماء العاملين، جمال البلغاء، أوحد الفضلاء، جلال الأصحاب، كهف الكتّاب، يمين المملكة، لسان السّلطنة، سفير الأمّة، سليل الأكابر، مشير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين».(6/144)
فأما في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب كاتب السرّ بالأبواب السلطانية: «المجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، العلّاميّ، الأفضليّ، الاكمليّ، البليغيّ، المسدّديّ،
المنفّذيّ، المشيّديّ، العونيّ، المشيريّ، اليمينيّ، السّفيريّ، الأصيليّ، العريقيّ، الفلانيّ، صلاح الإسلام والمسلمين، سيّد الرؤساء في العالمين، قدوة العلماء العاملين، جمال البلغاء، أوحد الفضلاء، جلال الأصحاب، كهف الكتّاب، يمين المملكة، لسان السّلطنة، سفير الأمّة، سليل الأكابر، مشير الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب ناظر الخواصّ الشريفة:
«المجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الأوحديّ، الأكمليّ، الرئيسيّ، البليغيّ، البارعيّ، القواميّ، النّظاميّ، الماجديّ، الأميريّ، المنفّذيّ، المسدّديّ، المتصرّفيّ، الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، سيّد الرؤساء في العالمين، قوام المصالح، نظام المناجح، جلال الأكابر، قدوة الكتّاب، رئيس الأصحاب، عماد الملّة، صفوة الدولة، خالصة الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في ألقاب وزير دمشق إذا صرّح له بالوزارة:
«المجلس العالي، الصاحبيّ، الوزيريّ، الأصيليّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، المؤيّديّ، الأوحديّ، القواميّ، النظاميّ، الماجديّ، الأثيريّ، المشيريّ، الفلانيّ صلاح الإسلام والمسلمين، سيّد الوزراء في العالمين، رئيس الكبراء، كبير الرّؤساء، بقيّة الأصحاب، ملاذ الكتّاب، عماد الملّة، خالصة الدولة، مشير الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين».
وصورتها على ما أورده في ألقابه إذا لم يصرّح له بالوزارة، بل كان ناظر النّظّار بالمملكة الشامية: «المجلس العالي، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأوحديّ، الرئيسيّ، الأثيريّ، القواميّ، النّظاميّ، المنفّذيّ، المتصرفيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، أوحد الفضلاء، جلال الكبراء، حجّة الكتّاب، صفوة الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين».
وأما في غير السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التذكرة الآمديّة» في بعض التواقيع من ترتيب المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله بكتابة الدّست بالشام: «المجلس العالي، القضائيّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، الرئيسيّ، العالميّ، العامليّ، البارعيّ، الأوحديّ، الماجديّ، الأثيريّ، الأثيليّ، الأفضليّ، الأصيليّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الرؤساء، أوحد الكبراء، صدر الأعيان، جمال الكتّاب، جلال الحسّاب، صفوة الدولة، خالصة الملوك والسلاطين».(6/145)
وصورتها على ما أورده في ألقابه إذا لم يصرّح له بالوزارة، بل كان ناظر النّظّار بالمملكة الشامية: «المجلس العالي، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأوحديّ، الرئيسيّ، الأثيريّ، القواميّ، النّظاميّ، المنفّذيّ، المتصرفيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، أوحد الفضلاء، جلال الكبراء، حجّة الكتّاب، صفوة الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين».
وأما في غير السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التذكرة الآمديّة» في بعض التواقيع من ترتيب المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله بكتابة الدّست بالشام: «المجلس العالي، القضائيّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، الرئيسيّ، العالميّ، العامليّ، البارعيّ، الأوحديّ، الماجديّ، الأثيريّ، الأثيليّ، الأفضليّ، الأصيليّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الرؤساء، أوحد الكبراء، صدر الأعيان، جمال الكتّاب، جلال الحسّاب، صفوة الدولة، خالصة الملوك والسلاطين».
المرتبة الثانية مرتبة المجلس الساميّ بالياء
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
فأما في السلطانيات فلم يذكر صورتها في «التثقيف».
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير: «المجلس الساميّ، القضائيّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الكافليّ، الرئيسيّ، الأوحديّ، الأصيليّ، الأثيريّ، البليغيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، شرف الرؤساء، فخر الأنام، زين البلغاء، جمال الفضلاء، أوحد الكتّاب، فخر الحسّاب، صفوة الملوك والسلاطين».
وأما في غير السلطانيات فصورتها على ما رأيته في «التذكرة الآمديّة» في توقيع بكتابة (1) الدّرج عن نائب الشام: «المجلس الساميّ، القضائيّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، البليغيّ، الأصيليّ، الرئيسيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، شرف الرؤساء، أوحد الكتّاب، جمال
__________
(1) كتّاب الدرج هم الطبقة الثانية من موظفي ديوان الإنشاء، ويأتي كاتب الدرج في مرتبته بعد كاتب الدست. وكتّاب الدرج هم الذين يكتبون ما يوقّع به كاتب السر أو كاتب الدست، ويجوز أن يطلق عليهم كتاب الإنشاء. أنظر هذا المؤلّف (ج 5ص 465464).(6/146)
البلغاء، مرتضى الملوك والسلاطين».
المرتبة الثالثة مرتبة المجلس السامي بغير ياء
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
فأما في السلطانيات، فلم يذكر لها صورة في «التثقيف» أيضا.
وصورتها على ما رأيته في «التذكرة الآمديّة» في توقيع شريف بكتابة الدّرج: المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الكبير، الصدر، الرئيس، الأوحد، البارع، الكامل، الأصيل، الفاضل فلان الدين، جمال الإسلام بهاء الأنام، شرف الأكابر، زين الرؤساء، أوحد الفضلاء، زين الكتّاب، صفوة الملوك والسلاطين».
وأما في غير السلطانيات، فصورتها على ما رأيته في «التذكرة الآمديّة» في توقيع كريم عن نائب الشام بكتابة الدّرج بالشام، ترتيب مؤلّف «التذكرة» المذكورة: «المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الكبير، الفاضل، البارع، الكامل، الأوحد، الرئيس، الأثير، فلان الدين، مجد الإسلام، شرف الصّدور، أوحد الفضلاء، زين الكتّاب، جمال الحسّاب، صفوة الملوك والسلاطين».
الدرجة الرابعة (درجة مجلس القاضي، وهي مستعملة في السلطانيّات وغيرها)
فأما في السلطانيات، فلم يورد لها في «التثقيف» أيضا صورة.
وصورتها على ما يقتضيه عرف الدّيوان: «مجلس القاضي، الأجلّ، الكبير، الفاضل، الأوحد، الأثير، الرئيس، البليغ، العريق، الأصيل فلان الدين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، شرف الرؤساء».
وأما في غير السلطانيات، فعلى نحو ذلك.(6/147)
الدرجة الخامسة (درجة القاضي، وهي مستعملة في السلطانيات [وغيرها])
(1)
وصورتها فيهما: «القاضي الأجل» وربما زيد في تعظيمه فقيل: «الكبير الصدر الرئيس» ونحو ذلك.
النوع الثالث (من الألقاب الإسلامية ألقاب أرباب الوظائف الدّينية، وهي على خمس درجات أيضا)
الدرجة الأولى (درجة المقرّ)
وهي مختصّة بغير السلطانيات، لأنه لا يكتب لأحد من أهل هذا النوع عن السلطان بالمقرّ أيضا، بل قال في «عرف التعريف»: إنه لا يكتب به لأحد من هذا النوع في غير السلطانيات أيضا ولكنّي رأيته مستعملا فيما يكتب عن النّواب بالممالك. وهي على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى مرتبة المقرّ الشريف
. وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير في توقيع عن نائب الشام للقاضي جمال الدين إبراهيم بن العديم ببعض الأنظار والتداريس بالشام:
«المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العادليّ، الأصيليّ، العريقيّ، القواميّ، النّظاميّ، الإماميّ، العلّاميّ، القدويّ، المفيديّ، الشيخيّ، الصاحبيّ، الحاكميّ، المحسنيّ، الفلانيّ جمال الإسلام والمسلمين، سيّد الفضلاء العاملين، قدوة العلماء في العالمين، لسان المتكلّمين، برهان المناظرين، صدر المدرّسين، جلال الطالبين، بقيّة السلف الكرام الدّارجين، بركة الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين».
__________
(1) الزيادة من كتاب ضوء الصبح للمؤلف (ج 1ص 372) أنظر أيضا حاشية الطبعة الأميرية.(6/148)
المرتبة الثانية مرتبة المقرّ الكريم.
وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير عن نائب الشام في توقيع ببعض الوظائف الدّينيّة بدمشق: «المقرّ الكريم العالي، المولويّ، القضائيّ، الصاحبيّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، العلّاميّ، المفيديّ، الفريديّ، البليغيّ، الأوحديّ، المحقّقيّ، القواميّ، النّظاميّ، العريقيّ، الحاكميّ، المحسنيّ، الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، جلال العلماء العاملين، أوحد المتكلّمين، أكمل البلغاء في العالمين، قدوة المحقّقين، بركة الملوك والسلاطين».
المرتبة الثالثة مرتبة المقرّ العالي.
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير عن نائب حلب بتدريس بها:
«المقرّ العالي، المولويّ، الشيخيّ، الكبيريّ، الإماميّ، العالميّ، العلّاميّ، المفيديّ، القدويّ، الفريديّ، المحقّقيّ، القواميّ، النّظاميّ، الحاكميّ، الفلانيّ علاء الإسلام والمسلمين، أوحد الفضلاء العارفين، رحلة (1)
الطالبين، نخبة المحقّقين، جمال العلماء في العالمين، خالصة الملوك والسلاطين».
الدرجة الثانية (درجة الجناب)
وقد جعلها في «عرف التعريف» أعلى ما يكتب لهذا النوع، وهي على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى مرتبة الجناب الشريف
، وهي مختصة بغير السلطانيات.
وصورتها على ما أورده في «عرف التعريف» «الجناب الشريف العالي،
__________
(1) الرحلة بضم الراء: من ألقاب أكابر العلماء والمحدّثين والرحلة في اللغة: ما يرحل إليه، لقّب العالم والمحدّث بذلك لأنه في حيّز أن يرحل إليه للأخذ عنه. أنظر ص 13من هذا الجزء.(6/149)
المولويّ، القضائيّ، السيديّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، العلّاميّ، الكامليّ، الأصيليّ، الأوحديّ، المفيديّ، القدويّ، الفريديّ، الحجّيّ، المجتهديّ، الفلانيّ، حجّة الإسلام، أو ضياء الإسلام، شرف الأنام، أثير الإمام، صدر الشام، سيّد العلماء والحكّام، أو أوحد العلماء الأعلام، بقيّة السلف الكرام، شيخ المذاهب، مجلّي الغياهب، قدوة الفرق، رئيس الأصحاب، مفتي السّنّة، مؤيّد الملّة، شمس الشريعة، سيف النّظر، مفيد الطالبين، لسان المتكلّمين، وليّ أمير المؤمنين».
فإن كان حاكما قيل قبل الفلانيّ «الحاكمي» وقبل وليّ أمير المؤمنين «حكم الملوك والسلاطين».
المرتبة الثانية مرتبة الجناب الكريم
، وهي مختصّة بغير السلطانيات أيضا.
وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير الشامية في توقيع القاضي جمال الدين بن أبي جرادة الحنفيّ ببعض الوظائف الدينية: «الجناب الكريم العالي، المولويّ، القضائيّ، الكبيريّ، الصاحبيّ، الإماميّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، الأريبيّ، اللّبيبيّ، الأصيليّ، العريقيّ، القواميّ، النظاميّ، الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، أوحد الفضلاء في العالمين، أكمل نجباء الأبناء العالمين، خالصة الملوك والسلاطين».
المرتبة الثالثة مرتبة الجناب العالي
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
فأما في السلطانيات، فصورتها على ما استقرّ عليه الحال في ألقاب قاضي القضاة الشافعي بالديار المصرية: «الجناب العالي، القاضويّ، الشيخيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأفضليّ، الأكمليّ، الأوحديّ، البليغيّ، الفريديّ، المفيديّ، النّجيديّ، القدويّ، الحجّيّ، المحقّقيّ، الورعيّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، الإماميّ، العلّاميّ، الأصيليّ، العريقيّ، الحاكميّ،
الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، شرف العلماء العاملين، أوحد الفضلاء المفيدين، قدوة البلغاء، حجّة الأمّة، عمدة المحقّقين، فخر المدرسين، مفتي المسلمين، جلال الحكّام، بركة الدولة صدر مصر والشام، معزّ السنّة، مؤيّد الملّة، شمس الشريعة، رئيس الأصحاب، لسان المتكلمين، حكم الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين».(6/150)
فأما في السلطانيات، فصورتها على ما استقرّ عليه الحال في ألقاب قاضي القضاة الشافعي بالديار المصرية: «الجناب العالي، القاضويّ، الشيخيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأفضليّ، الأكمليّ، الأوحديّ، البليغيّ، الفريديّ، المفيديّ، النّجيديّ، القدويّ، الحجّيّ، المحقّقيّ، الورعيّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، الإماميّ، العلّاميّ، الأصيليّ، العريقيّ، الحاكميّ،
الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، شرف العلماء العاملين، أوحد الفضلاء المفيدين، قدوة البلغاء، حجّة الأمّة، عمدة المحقّقين، فخر المدرسين، مفتي المسلمين، جلال الحكّام، بركة الدولة صدر مصر والشام، معزّ السنّة، مؤيّد الملّة، شمس الشريعة، رئيس الأصحاب، لسان المتكلمين، حكم الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين».
وأما في غير السلطانيات، فصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير في توقيع عن نائب الشام ببعض الوظائف الدينية لبعض العلماء: «الجناب العالي، الشيخيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، الأوحديّ، الماجديّ، القواميّ، النّظاميّ، الفلانيّ ضياء الإسلام والمسلمين، أوحد الفضلاء العارفين، جلال الأئمة في العالمين، خالصة الملوك والسلاطين».
الدرجة الثالثة (درجة المجلس وفيها ثلاث مراتب)
المرتبة الأولى مرتبة المجلس العالي
، وهي مستعملة في السّلطانيات وغيرها.
فأمّا في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب القضاة الثلاثة بالديار المصرية غير الشافعي: «المجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأفضليّ، الأكمليّ، الأوحديّ، البليغيّ، الفريديّ، المفيديّ، النّجيديّ، القدويّ، الحجّيّ، المحقّقيّ، الإماميّ، الأصيليّ، العريقيّ، الحاكميّ، الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، سيّد العلماء العاملين، أوحد الفضلاء المفيدين، قدوة البلغاء، حجّة الأمّة، عمدة المحدّثين، فخر المدرّسين، مفتي المسلمين، جلال الحكّام، حكم الملوك والسلاطين».
وأما في غير السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف»:(6/151)
فأمّا في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب القضاة الثلاثة بالديار المصرية غير الشافعي: «المجلس العالي، القاضويّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، الأفضليّ، الأكمليّ، الأوحديّ، البليغيّ، الفريديّ، المفيديّ، النّجيديّ، القدويّ، الحجّيّ، المحقّقيّ، الإماميّ، الأصيليّ، العريقيّ، الحاكميّ، الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، سيّد العلماء العاملين، أوحد الفضلاء المفيدين، قدوة البلغاء، حجّة الأمّة، عمدة المحدّثين، فخر المدرّسين، مفتي المسلمين، جلال الحكّام، حكم الملوك والسلاطين».
وأما في غير السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف»:
«المجلس العالي، القضائيّ، الأجلّيّ، الإماميّ، الصّدريّ، الرّئيسيّ، الفقيهيّ، العالميّ، العلّاميّ، الكامليّ، الأوحديّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، فخر الأنام، تاج العلماء والحكّام أو شرف العلماء والحكّام جمال الأمّة، أوحد الأئمة، صدر المدرّسين، خالصة الملوك والسلاطين».
المرتبة الثانية مرتبة المجلس الساميّ بالياء
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
فأمّا في السلطانيات، فلم يذكر لها في «التثقيف» صورة.
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع: «المجلس الساميّ، القضائيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الأوحديّ، الرئيسيّ، المفيديّ، البليغيّ، القدويّ، الأثيريّ، مجد الإسلام والمسلمين جمال العلماء العاملين، أوحد الفضلاء، صدر المدرّسين، عمدة المفتين، خالصة الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما رأيته في بعض تواقيع بعض الخطباء «المجلس الساميّ، القضائيّ، الشّيخيّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، العابديّ، الزاهديّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، الخطيبيّ، الفلانيّ، ضياء الإسلام والمسلمين، أوحد الخطباء في العالمين، جمال الأئمة الفصحاء البارعين، لسان البيان، ترجمان الزمان، بركة الملوك والسلاطين».
وأمّا في غير السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف»:
«المجلس الساميّ، القضائيّ، الأجليّ، الإماميّ، الصّدريّ، الفقيهيّ، العالميّ، الكامليّ، الفاضليّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، بهاء الأنام، جمال العلماء، أوحد الفضلاء، شرف النّبلاء، صفوة الملوك والسلاطين».
المرتبة الثالثة مرتبة المجلس السامي بغير ياء
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
فأما في السلطانيات فلم يذكر لها صورة في «التثقيف».(6/152)
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
فأما في السلطانيات فلم يذكر لها صورة في «التثقيف».
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع: «المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الكبير، الصدر، الرئيس، العالم، الفاضل، الكامل، فلان الدين، مجد الصدور، زين الأعيان، مرتضى الملوك والسلاطين».
وأمّا في غير السلطانيات، فصورتها على ما ذكره في «عرف التعريف»:
«المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الكبير، العالم، الفاضل، الكامل، الأوحد، الأثير، البارع فلان الدين، مجد الإسلام، بهاء الأنام، فخر الصدور، جمال الأعيان، مرتضى الدولة، صفوة الملوك والسلاطين».
الدرجة الرابعة (درجة مجلس القاضي، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها)
فأمّا في السلطانيات فلم يذكر لها صورة في «التثقيف».
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع: «مجلس القاضي، الأجلّ الكبير، العالم، الفاضل، الأوحد، الكامل، الصدر، الرئيس مجد الإسلام بهاء الأنام، زين الأعيان، فخر الصدور، مرتضى الملوك والسلاطين».
وأمّا في غير السلطانيات فعلى نحو من ذلك.
الدرجة الخامسة (درجة القاضي، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها)
وصورتها فيهما: «القاضي، الأجلّ» وربما زيد في التعظيم نحو «الكبير الصدر الرئيس» ونحو ذلك.(6/153)
النوع الرابع (من الألقاب الإسلامية ألقاب مشايخ الصوفيّة وأهل الصّلاح، وهي على خمس درجات)
الدرجة الأولى (درجة المقرّ، وليس لها استعمال في السلطانيات وفي غير السلطانيات لها ثلاث مراتب)
المرتبة الأولى مرتبة المقرّ الشّريف.
وصورتها: «المقرّ الشريف، العالي، المولويّ، الشّيخيّ، السّيديّ، الإماميّ، العالميّ، الكافليّ، الفاضليّ، الورعيّ، الزاهديّ، العابديّ، الناسكيّ، السالكيّ، الخاشعيّ، المسلّكيّ، المحقّقيّ، المدقّقيّ، الفلانيّ، صلاح الإسلام والمسلمين، جمال الأصفياء العاملين، خالصة الأنام، صفوة الأتقياء، قطب العبّاد، الملك على الحقيقة، والمالك لأزمّة الطريقة، بقيّة السّلف، قدوة الخلف، مفيد الطالبين، أوحد المحقّقين، ركن الملوك والسلاطين، وليّ أمير المؤمنين».
وقد تقدّم أنّ الأحسن في اللقب المضاف إلى السلاطين هنا «بركة الملوك والسّلاطين».
المرتبة الثانية مرتبة المقرّ الكريم
، وألقابها من نسبة الألقاب المتقدّمة.
المرتبة الثالثة مرتبة المقرّ العالي
، وألقابها نحو ذلك.
الدرجة الثانية (درجة الجناب، وفيها ثلاث مراتب)
المرتبة الأولى مرتبة الجناب الشريف
، وهي مختصّة بغير السلطانيات.
وصورتها: «الجناب الشريف، العالي، المولويّ، الشيخيّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، الكافليّ، الفاضليّ، الزاهديّ، العابديّ، الخاشعيّ،
الناسكيّ، الورعيّ، جلال الإسلام، سيف الإمام، قطب الزّهّاد، علم العبّاد، أوحد الناسكين، فرد السالكين، بركة الملوك والسلاطين».(6/154)
وصورتها: «الجناب الشريف، العالي، المولويّ، الشيخيّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، الكافليّ، الفاضليّ، الزاهديّ، العابديّ، الخاشعيّ،
الناسكيّ، الورعيّ، جلال الإسلام، سيف الإمام، قطب الزّهّاد، علم العبّاد، أوحد الناسكين، فرد السالكين، بركة الملوك والسلاطين».
المرتبة الثانية مرتبة الجناب الكريم
، وهي مختصة بغير السلطانيات أيضا.
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع عن نائب الشام: «الجناب الكريم، العالي، الشيخيّ، العالميّ، العامليّ، العلّاميّ، الأوحديّ، القدويّ، العابديّ، الناسكيّ، الخاشعيّ، المسلّكيّ، المربّيّ، الربانيّ، الأصيليّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، حسنة الأيام، قدوة الزّهاد، ملاذ العبّاد، جمال الورعين، مربّي المريدين، أوحد المسلّكين، خلف الأولياء، بركة الملوك والسلاطين».
المرتبة الثالثة مرتبة الجناب العالي
، وهي مختصّة بغير السلطانيات.
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع عن نائب الشام: «الجناب العالي، الشيخيّ، العالميّ، العامليّ، الأوحديّ، العابديّ، الناسكيّ، الورعيّ، الزاهديّ، الخاشعيّ، المسلّكيّ، الأصيليّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، بهاء الأنام، قدوة العبّاد، جمال الزّهّاد، أوحد المسلّكين، بركة الملوك والسلاطين».
الدرجة الثالثة (درجة المجلس، وفيها ثلاث مراتب)
المرتبة الأولى مرتبة المجلس العالي
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
فأمّا في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب شيخ الشّيوخ بخانقاه سرياقوس: «المجلس العالي، الشيخيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، السالكيّ، الأوحديّ، الزاهديّ، العابديّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، المفيديّ، القدويّ، الإماميّ، النّظاميّ، الملاذيّ، جلال الإسلام
والمسلمين، شرف الصلحاء في العالمين، شيخ شيوخ الإسلام، أوحد العلماء في الأنام، قدوة السالكين، بركة الملوك والسلاطين».(6/155)
فأمّا في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب شيخ الشّيوخ بخانقاه سرياقوس: «المجلس العالي، الشيخيّ، الكبيريّ، العالميّ، العامليّ، السالكيّ، الأوحديّ، الزاهديّ، العابديّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، المفيديّ، القدويّ، الإماميّ، النّظاميّ، الملاذيّ، جلال الإسلام
والمسلمين، شرف الصلحاء في العالمين، شيخ شيوخ الإسلام، أوحد العلماء في الأنام، قدوة السالكين، بركة الملوك والسلاطين».
وأمّا في غير السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «عرف التعريف»:
«المجلس العالي، الشيخيّ، الأجلّيّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، الزاهديّ، العابديّ، الورعيّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، القدويّ، الفلانيّ، خيرة الإسلام، شرف الأنام، زين العبّاد، نور الزّهّاد، ذخر الطالبين، كنز التّقى، ملجأ المريدين، بركة الملوك والسلاطين».
المرتبة الثانية مرتبة المجلس الساميّ بالياء
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
أمّا في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب الشيخ شمس الدين الطّوطي ممّن كان يكتب إليه قديما: «المجلس الساميّ، الشيخيّ، الأجلّيّ، العالميّ، العامليّ، الكامليّ، الفاضليّ، الزاهديّ، الورعيّ، العابديّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، القدويّ، الأوحديّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، ضياء الأنام، بقيّة السلف الكرام، فخر الصّلحاء، أوحد الكبراء، زين الزّهّاد، عماد العبّاد، قدوة المتورّعين، ذخر الدّول، ركن الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع الشريفة: «المجلس الساميّ، الشيخيّ، الكبيريّ، الأوحديّ، الأكمليّ، العابديّ، الخاشعيّ، الناسكيّ جمال الإسلام، زين الأنام، صفوة الصلحاء، فخر العبّاد، بركة الملوك والسلاطين».
وأمّا في غير السلطانيات، فصورتها على ما ذكره المقرّ الشّهابي بن فضل الله في بعض التواقيع عن نائب الشام: «المجلس الساميّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، الخاشعيّ، الورعيّ، الناسكيّ، السالكيّ، العارفيّ، القدويّ،
البليغيّ، الأصيليّ، الشيخيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، شرف العلماء، قدوة الفضلاء، فخر الصّلحاء، جمال النّسّاك، قدوة السّلّاك، أوحد العارفين، بركة الملوك والسلاطين».(6/156)
وأمّا في غير السلطانيات، فصورتها على ما ذكره المقرّ الشّهابي بن فضل الله في بعض التواقيع عن نائب الشام: «المجلس الساميّ، الإماميّ، العالميّ، العامليّ، الخاشعيّ، الورعيّ، الناسكيّ، السالكيّ، العارفيّ، القدويّ،
البليغيّ، الأصيليّ، الشيخيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، شرف العلماء، قدوة الفضلاء، فخر الصّلحاء، جمال النّسّاك، قدوة السّلّاك، أوحد العارفين، بركة الملوك والسلاطين».
المرتبة الثالثة مرتبة المجلس السامي بغير ياء
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
فأما في السلطانيات فلم يورد لها صورة في «التثقيف».
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع الشريفة: «المجلس السامي، الشيخ، الصالح، الزاهد، العابد، الورع، الخاشع، الناسك، السالك، فلان الدين مجد الصلحاء، زين المشايخ، قدوة السالكين، بركة الملوك والسلاطين».
وأمّا في غير السلطانيات، فصورتها على نحو من ذلك.
الدرجة الرابعة (درجة مجلس الشيخ)
وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
ولم يورد لها صورة في «التثقيف». وصورتها على ما في بعض الدّساتير:
«مجلس الشيخ، الصالح، الزاهد، العابد، الناسك، السالك، فلان الدين، مجد الصّلحاء، زين المشايخ، بركة الملوك والسلاطين».
الدرجة الخامسة (درجة الشيخ)
وهي «الشيخ، الصالح، الورع، الزاهد» ونحو ذلك.(6/157)
النوع الخامس (ألقاب التّجّار الخواجكيّة، والمستعمل فيه أربع درجات)
الدرجة الأولى (درجة الجناب)
ولم أر فيها غير مرتبة الجناب العالي فيما عدا السلطانيّات.
وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير الشاميّة فيما كتب به لبعض الخواجكيّة، «الجناب العالي، الصّدريّ، الكبيريّ، المحترميّ، المؤتمنيّ، الأوحديّ، الأكمليّ، الرئيسيّ، العارفيّ، المقرّبيّ، الخواجكيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأكابر في العالمين، أوحد الأمناء المقرّبين، صدر الرؤساء، رأس الصّدور، عين الأعيان، كبير الخواجكيّة، ثقة الدولة، مؤتمن الملوك والسلاطين». فإن اتفق أن يكتب لأحد من الخواجكيّة بأعلى من الجناب العالي، كتب له من نظير هذه الألقاب وأعلى منها.
الدرجة الثانية (درجة المجلس، وفيها ثلاث مراتب)
المرتبة الأولى مرتبة المجلس العالي
، وهي مختصة بغير السلطانيات.
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير الشاميّة: «المجلس العالي، الصدريّ، الرئيسيّ، الكبيريّ، المحترميّ، المؤتمنيّ، الأوحديّ، الأكمليّ، المقرّبيّ، الخواجكيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، شرف الأكابر، أوحد الأمناء، صدر الرؤساء، زين الأعيان، ثقة الدولة، مؤتمن الملوك والسلاطين».
المرتبة الثانية مرتبة المجلس الساميّ بالياء
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
فأمّا في السلطانيات، فصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب خواجا عسّاف بن مسافر، ونظام الدّين الإسعرديّ: المجلس الساميّ،
الصّدريّ، الكبيريّ، الكامليّ، الماجديّ، الأوحديّ، المقرّبيّ، المنتخبيّ، الأمينيّ، الأثيريّ، الخواجكيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، زين الأنام، شرف الرؤساء، أوحد الكبراء، تاج الأمناء، فخر الأعيان، مقرّب الحضرتين، مؤتمن الدّول، صفوة الملوك والسلاطين».(6/158)
فأمّا في السلطانيات، فصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب خواجا عسّاف بن مسافر، ونظام الدّين الإسعرديّ: المجلس الساميّ،
الصّدريّ، الكبيريّ، الكامليّ، الماجديّ، الأوحديّ، المقرّبيّ، المنتخبيّ، الأمينيّ، الأثيريّ، الخواجكيّ، الفلانيّ، مجد الإسلام، زين الأنام، شرف الرؤساء، أوحد الكبراء، تاج الأمناء، فخر الأعيان، مقرّب الحضرتين، مؤتمن الدّول، صفوة الملوك والسلاطين».
وأمّا في غير السلطانيات، فصورتها على نحو من ذلك.
المرتبة الثالثة مرتبة المجلس السامي بغير ياء
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
فأمّا في السلطانيات، فصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب بعض الخواجكيّة: «المجلس السامي، الصدر، الأجلّ، الكبير، الكامل، الماجد، الأوحد، المقرّب، المنتخب، الأمين، الأثير، الخواجا فلان الدين، مجد الرؤساء، زين الأكابر، مجد الصّدور، جمال الأعيان، مقرّب الدولة، صفوة الملوك والسلاطين».
وأمّا في غير السلطانيات فعلى نحو من ذلك.
الدرجة الثالثة (درجة مجلس الصّدر، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها)
فأمّا في السلطانيات، فصورتها على ما ذكره في «التثقيف»: «مجلس الصدر، الأجلّ، الكبير، المحترم، المقرّب، الأوحد، فلان الدين».
وأمّا في غير السلطانيات، فلا تخرج عن ذلك.(6/159)
الدرجة الرابعة (درجة الصّدر، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها)
فأمّا في السلطانيات فصورتها على ما أشار إليه في «التثقيف»: «الصّدر الأجلّ، الكبير، المحترم، المقرّب، الأوحد، فلان الدين».
وأمّا في غير السلطانيات، فلا تبعد من ذلك.
النوع السادس (من الألقاب الإسلامية ألقاب أرباب الصناعات الرئيسيّة، كرياسة الطب، ورياسة الكحّالين (1)، ورياسة الجرائحية، ونحو ذلك، والمستعمل فيه درجتان)
الدرجة الأولى (درجة المجلس، وفيها ثلاث مراتب)
المرتبة الأولى مرتبة المجلس العالي
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
فأمّا في السلطانيات، فكألقاب رئيس الأطبّاء، وهي «المجلس العالي، [القضائيّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، الأوحديّ، الفلانيّ، جمال الإسلام والمسلمين، سيّد الرؤساء في العالمين، أوحد الفضلاء المقرّبين، خاصّة الملوك والسلاطين» (2)].
__________
(1) الكحّالون هم الذين يفصدون الأكحل، والأكحل عرق في اليد يفصد. وقال ابن سيده: يقال له النسا في الفخذ، وفي الظهر الأبهر، وقيل عرق في وسط الذراع يكثر فصده. لسان العرب (كحل) وقد يعني بالكحالين هنا أطباء العيون.
(2) بياض في الأصل، وقد نقلنا هذه العبارة من ضوء الصبح للمؤلف (ج 1ص 180) أنظر أيضا حاشية الطبعة الأميرية.(6/160)
وأمّا في غير السلطانيات فعلى نحو من ذلك.
المرتبة الثانية مرتبة المجلس الساميّ
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
فأمّا في السلطانيات، فصورتها: «المجلس الساميّ، الصدريّ، الأجليّ، الكبيريّ، الرئيسيّ، الفلانيّ».
وأمّا في غير السلطانيات فعلى نحو منه.
المرتبة الثالثة مرتبة المجلس السامي بغير ياء
، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها.
فأما في السلطانيات، فصورتها: «المجلس الساميّ، الصدر، الأجلّ، الكبير، الرئيس، المحترم».
وأما في غير السلطانيات، فعلى نحو ذلك.
الدرجة الثانية (درجة الصّدر، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها)
وصورتها فيهما: «الصدر الأجلّ» فإن زيد في تعظيمه، قيل: «الكبير المحترم».
النوع السابع (من الألقاب الإسلامية ألقاب الحاشية السلطانية، كمهتاريّة البيوت، ومهندس العمائر، ورئيس الحرّاقة ونحوهم، وفيه درجتان)
الدرجة الأولى (درجة مجلس الصّدر، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها)(6/161)
فأما في السلطانيات، فصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب المهندس والرئيس: «مجلس الصّدر، الأجلّ، الكبير، المحترم، المؤتمن، فلان الدين». وفي ألقاب مهتاريّة البيوت: من مهتار الشّراب خاناه، والطّشت خاناه، والفراش خاناه، وإخوان سلار ونحوهم،: «مجلس الصّدر، الأجلّ، الكبير، المحترم، المؤتمن، الحاج فلان».
وأما في غير السلطانيات، فكذلك أو أزيد.
الدرجة الثانية (درجة الصّدر، وهي مستعملة في السلطانيات وغيرها)
وصورتها فيهما: «الصّدر الأجلّ» فإن زيد في رعايته قيل بعد ذلك:
«الكبير المحترم».
النوع الثامن (من الألقاب الإسلامية ألقاب النساء، وفيه درجتان)
الدرجة الأولى (درجة الجهة، وفيها مرتبتان)
المرتبة الأولى مرتبة الجهة الشريفة
، وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب إلى (1) بنت الملك الناصر محمد بن قلاوون عن والدتها:
«الجهة الشريفة، العالية المحجّبة، المصونة، الولديّة، العصميّة، عصمة الدين، جلال النساء، شرف الخواتين، سليلة الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» أيضا في المكاتبة إلى أم آنوك،
__________
(1) سقط لفظ «إلى» من ضوء الصبح للمؤلف وهي أوضح. حاشية الطبعة الأميرية.(6/162)
زوجة السلطان الملك (1) الناصر عنه: «الجهة الشريفة العالية المعظّمة، المحجّبة، المصونة، الكبرى، خوند خاتون جلال النساء في العالمين، قرينة الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما ذكره في المكاتبة إلى أخت السلطان الملك الناصر حسن عنه: «الجهة الشريفة، العالية، المكرّمة، المحجّبة، المصونة، الكبرى الخاتون، جلال النساء في العالمين، جميلة المحجّبات، جليلة المصونات، كريمة الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما ذكره في ألقاب الستّ حدق: «الجهة الشريفة، العالية الكبيريّة، المحجّبيّة، المصونيّة، الحاجّيّة، الوالديّة جلال النساء في العالمين، بركة الدولة، والدة الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير في ألقاب والدة الأشرف (2)
شعبان بن حسين: «الجهة الشريفة العالية، الكبرى، المعظّمة، المحجّبة، العصميّ، الخاتونيّ، جلال النساء في العالمين، سيّدة الخواتين، جميلة المحجّبات، جليلة المصونات، والدة الملوك والسلاطين».
المرتبة الثانية مرتبة الجهة الكريمة.
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب دلشاه، زوج الشيخ حسن الكبير ببغداد: الجهة الكريمة، المحجّبة المصونة، العصميّة، الخاتونيّة، المعظّمة، سيدة الخواتين، زينة النّساء في العالمين، جميلة المحجّبات، جليلة المصونات، قرينة نوين الملوك والسلاطين.
__________
(1) هو محمد بن قلاوون، وقد تقدم الحديث عنه في الحاشية رقم 1من ص 121من هذا الجزء.
(2) هو الأشرف الثاني شعبان بن حسين ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون، أبو المعالي، ناصر الدين، من ملوك الدولة القلاوونية بمصر والشام. ولي السلطنة سنة 764هـ، وقتل خنقا سنة 778هـ. انظر الدرر الكامنة (ج 2ص 190)، والبداية والنهاية (ج 14ص 324302)، والأعلام (ج 3ص 164163).(6/163)
الدرجة الثانية (درجة الدار
، وهي على نحو المرتبتين المتقدّمتين في الألقاب السابقة)
الدرجة الثالثة (درجة الستارة
، وهي لا تكاد تخرج عما تقدّم من المرتبتين المتقدّمتين)
القسم الثاني (من الألقاب المرتّبة ألقاب أهل الكفر، وهي على ثلاثة أضرب)
الضرب الأوّل (ألقاب متدينتهم، وهي نوعان)
النوع الأوّل (ألقاب بطاركة النصارى)
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب الباب برومية:
«الباب، الجليل، القدّيس، الرّوحانيّ، الخاشع، العامل، بابا رومية عظيم الملّة المسيحيّة، قدوة الطوائف العيسويّة، مملّك ملوك النصرانية، حافظ البحار والخلجان، ملاذ البطاركة والأساقفة والقسوس والرّهبان، تالي الإنجيل، معرّف طائفته التحريم والتحليل، صديق الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب البطريرك بالديار المصرية: «البطريرك الجليل، القدّيس، الخاشع، قدوة النصرانية». ثم قال:
ومن نسبة ذلك.
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع له: «الحضرة السامية، الشيخ، الرئيس، المبجّل، المكرّم، الكافي، المعزّز، المفخّر، القدّيس، شمس الرياسة، عماد بني المعمودية، كنز الطائفة الصّليبيّة، اختيار الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير الشاميّة عن نائب الشام للبطريرك
بها: «البطريرك، المحتشم، المبجّل، العارف، الحبر، فلان، العالم بأمور دينه، المعلّم لأهل ملّته، ذخر الملّة المسيحية، كنز الطائفة العيسوية، المشكور بعقله عند الملوك والسلاطين».(6/164)
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير الشاميّة عن نائب الشام للبطريرك
بها: «البطريرك، المحتشم، المبجّل، العارف، الحبر، فلان، العالم بأمور دينه، المعلّم لأهل ملّته، ذخر الملّة المسيحية، كنز الطائفة العيسوية، المشكور بعقله عند الملوك والسلاطين».
النوع الثاني (ألقاب رؤساء اليهود)
وصورتها على ما رأيته في بعض التواقيع لرئيس اليهود بالشام من إنشاء القاضي محيي الدين بن (1) الزكي في سنة ست وعشرين وستمائة: «الرئيس، الأوحد، الأعزّ، الأخصّ، الكبير، شرف الطائفة الإسرائيلية فلان».
الضرب الثاني (ألقاب ملوكهم وتختصّ بالنصارى، وهو نمطان)
النمط الأوّل (الألقاب المذكّرة، وهي على ثلاثة أنواع)
النوع الأوّل (ما يصدّر بالألف واللام، وهي على خمس مراتب)
المرتبة الأولى مرتبة الحضرة العالية.
وصورتها على ما أورده في «التعريف» في ألقاب ملك الحبشة:
«الحضرة العالية، حضرة الملك الجليل، الهمام، الضّرغام، الأسد، الغضنفر، الخطير، الباسل، السّميدع (2) العالم في ملّته، العادل في
__________
(1) هو يوسف بن يحيى بن محمد بن زكيّ الدين علي القرشي الدمشقي، أبو الفضل، آخر القضاة من بني الزكيّ، من فقهاء الشافعية، ولي القضاء بدمشق سنة 682هـ إلى أن توفي سنة 685هـ انظر الأعلام (ج 8ص 257).
(2) السميدع، بالفتح: الكريم السيّد، وقيل الشجاع. والذئب يقال له سميدع لسرعته. لسان العرب (سمدع).(6/165)
مملكته، المنصف لرعيّته، المتّبع لما يجب في أقضيته، عزّ الأمّة النصرانية، ناصر الملّة المسيحية، ركن الأمّة العيسويّة، عماد بني المعمودية، حافظ البلاد الجنوبية، متّبع الحواريّين، والأحبار السّريانيّين، والبطاركة القدّيسين، معظّم كنيسة صهيون، أوحد ملوك اليعقوبية، صديق الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما أورده في «التعريف» أيضا في ألقاب صاحب القسطنطينيّة: «الحضرة العالية، المكرّمة، حضرة الملك الجليل، الخطير، الهمام، الأسد، الغضنفر، الباسل، الضّرغام، المعرق، الأصيل، الممجّد، الأثيل، البلالاوس، الرّيد أرغون، ضابط الممالك الرّوميّة، جامع البلاد الساحلية، وارث القياصرة القدماء، محيي طرق الفلاسفة والحكماء، العالم بأمور دينه، العادل في ممالكه، معزّ النّصرانيّة، مؤيّد المسيحية، أوحد ملوك العيسوية، مخوّل التّخوت والتّيجان، حامي البحار والخلجان، ملك ملوك السّريان، عماد بني المعموديّة، رضي الباب بابا رومية، ثقة الأصدقاء، صديق المسلمين، أسوة الملوك والسلاطين فلان».
المرتبة الثانية مرتبة الحضرة العليّة.
وصورتها على ما أورده في «التعريف» في ألقاب ملك الكرج (1): «الحضرة العليّة، حضرة الملك الجليل، الهمام، الباسل، الضّرغام، السّميدع، الكرّار، الغضنفر، المتخّت، المتوّج العالم في ملّته، العادل في رعيّته، بقيّة الملوك الإغريقيّة، سلطان الكرج، ذخر ملوك البحار والخلج، حامي حمى الفرسان، وارث آبائه في الأسرة والتّيجان، سياج بلاد الرّوم وإيران، سليل اليونان، خلاصة ملوك السّريان، بقية أبناء التّخوت والتّيجان، معزّ النصرانية،
__________
(1) الكرج: بضم الكاف وسكون الراء: جيل من الناس نصارى، من بني إيران بن أشوذ بن سام، وإلى إيران هذا تنسب مملكة إيران التي كان بها ملوك الفرس. كانوا يسكنون في جبال القبق وبلد السرير فقويت شوكتهم حتى ملكوا مدينة تفليس، ولهم ولاية تنسب إليهم وملك ولغة. انظر معجم البلدان (ج 4ص 446) وقلائد الجمان ص 31.(6/166)
مؤيّد العيسويّة، مسيح الأبطال المسيحيّة، معظّم البيت المقدّس بعقد النية، عماد بني المعموديّة، ظهير الباب بابارومية، موادّ المسلمين، خالصة الأصدقاء المقرّبين، صديق الملوك والسلاطين».
المرتبة الثالثة مرتبة الحضرة السامية.
وصورتها على ما أورده في «التعريف» في ألقاب الأدفونش صاحب طليطلة وإشبيلية من الأندلس: «الحضرة السامية، الملك الجليل، الهمام، الأسد، الباسل، الضّرغام، الغضنفر بقيّة سلف قيصر، حامي حماة بني الأصفر، الممنّع السلوك، وارث لذريق (1) وذراريّ الملوك فارس البرّ والبحر، ملك طليطلة وما يليها من البلاد الأندلسية، بطل النصرانية، عماد بني المعموديّة، حامل راية المسيحيّة، وارث التّيجان، شبيه مريحنّا المعمدان، محبّ المسلمين، صديق الملوك والسلاطين».
المرتبة الرابعة مرتبة الحضرة المكرّمة.
وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير الشامية في ألقاب صاحب قبرس: «الحضرة المكرّمة، حضرة الملك الجليل، البطل، الباسل، الهمام، السميدع الضّرغام، الغضنفر، القمقام مؤيّد الملّة المسيحية، عماد بني المعموديّة، ذخر الملّة النّصرانية، حامي الجزائر القبرسيه، موادّ المسلمين، صديق الملوك والسلاطين، الملك فلان».
المرتبة الخامسة مرتبة الحضرة الموقّرة.
وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب الأدفونش المقدّم ذكره:
«الحضرة الموقّرة، الملك الجليل، المكرم، المبجّل، الخطير، البطل، الباسل، الهمام، الضّرغام، الرّيد أرغون نصر النصرانية، فخر الأمّة العيسوية.
ذخر الملّة المسيحية، حامي الثّغور، متملّك السواحل والبحور، عماد بني
__________
(1) أي بالاسبانية.(6/167)
المعمودية، ظهير بابا رومية، ملاذ الفرسان، جمال التّخوت والتّيجان، صديق الملوك والسلاطين».
النوع الثاني (ما يصدّر بحضرة مع الإضافة)
وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب صاحب القسطنطينيّة:
«حضرة الملك، الجليل، المكرّم، المبجّل، الأسد، الخطير، البطل، الباسل، الهمام، الضّرغام، فلان العالم في ملّته، العادل في أهل مملكته، عزّ الأمّة المسيحية، كنز الطائفة الصّليبيّة، جمال بني المعمودية، صمصام الملوك اليونانيّة، حسام المملكة المالوصية، صاحب أمصار الرّوس والعلّان، معزّ اعتقاد الكرج والسّريان، وارث الأسرّة والتّيجان، الحاكم على الثّغور والبحور والخلجان، الدّوقس الأنجالوس الكمينيوس البالالوغس، صديق الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب ملك الكرج: «حضرة الملك الجليل، المكرّم، الخطير، الباسل، القمقام (1)، القدّيس، الرّوحانيّ، فلان، عزّ الأمّة المسيحية، كنز الطائفة الصليبية، فخر دين النّصرانية، ملك الجبال والكرج والجرجان، صديق الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما رأيته في بعض الدساتير في ألقاب ملك الكرج أيضا:
«حضرة الملك الجليل، العالم في ملّته، العادل في مملكته المتوّج من الله فلان سيد ملوك النّصرانية، أكبر زعماء الملّة المسيحية، ضابط الممالك الكرجية، (2) خليل الملوك والسلاطين».
__________
(1) القمقام، بفتح القاف الأولى السيّد الكثير العطاء.
(2) بياض بالأصول بقدر كلمة. حاشية الطبعة الأميرية.(6/168)
وصورتها على ما ذكره في «التعريف» في ألقاب متملّك سيس (1) قبل فتحها: «حضرة الملك الجليل، البطل، الباسل، الهمام، السّميدع، الضّرغام، الغضنفر فلان، فخر الملّة المسيحية، ذخر الأمّة النصرانية، عماد بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب متملّك سيس المذكور أيضا: «حضرة الملك الجليل، المكرّم، المبجّل، المعزّز، الهمام، الباسل، فلان، عزّ دين النصرانية، كبير الطائفة الصّليبية، عماد بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» أيضا في ألقاب صاحب البندقيّة:
«حضرة الدّوك الجليل، المكرّم، الخطير، الباسل، الموقّر، المفخّم، فلان، فخر الملّة المسيحة، جمال الطائفة الصليبيّة، دوك البندقيّة والمانسية، فلان، زين بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب ملك السّرب والبلغار:
«حضرة الملك الجليل، المكرّم، المبجّل، الهمام، الضّرغام، الباسل، الدّوقس، الأنجالوس، الكمينيوس، فلان، عماد النصرانية، مالك السّرب والبلغار، فخر الأمّة العيسويّة، ذخر الملّة المسيحية، فارس البحور، حامي الحصون والثّغور».
وصورتها على ما أورده في ألقاب ملك مونفراد: «حضرة الملك الجليل، المكرّم، البطل، الهمام، الأسد، الضّرغام، فلان، مجد النصرانية، فخر
__________
(1) سيس: بلاد تفصل بين حلب والروم من جهة الساحل وتجاور مدينة المصيّصة الواقعة على ساحل بحر الشام، كما تجاور طرسوس، وفيات الأعيان (ج 1ص 127) و (ج 4ص 62) و (ج 7 ص 168) وذكرها ياقوت باسم «سيسيّة» قال: عامة أهلها يقولون: «سيس» وأضاف: وهي من أعظم مدن الثغور الشامية يبين أنطاكية وطرسوس، وبها مسكن ابن ليون سلطان تلك النواحي الأرمني. معجم البلدان (ج 3ص 298297).(6/169)
العيسوية، عماد بني المعموديّة، جمال الطائفتين الرّومية والفرنجيّة، ملك منفراد، وارث التاج، معزّ الباب».
وصورتها على ما أورده في ألقاب لدوك البندقيّة غير ما تقدّم: «حضرة المحتشم، الجليل، المبجّل، الموقّر، المكرّم، المفخّم، الباسل، الضّرغام، فلان، عزّ الملّة المسيحية، جمال الطائفة العيسويّة، ذخر الملة الصّليبيّة، صديق الملوك والسلاطين».
النوع الثالث (ما يصدّر بالملك وما في معناه)
وصورته على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب ملك الحبشة: «الملك الجليل، المكرّم، الخطير، الأسد، الضّرغام، الباسل، فلان، العالم في ملّته، العادل في مملكته، حطّي ملك أمحرا، أكبر ملوك الحبشان، نجاشيّ عصره، سند الملّة المسيحيّة، عضد دين النصرانية، عماد بني المعمودية، صديق الملوك والسلاطين».
وصورتها على ما ذكر في «التثقيف» في ألقاب دوك البندقية غير ما تقدّم: «الدّوك الجليل، المكرّم، المبجّل، الموقّر، البطل، الهمام، الضّرغام، الغضنفر، الخطير، مجد الملّة النصرانيّة، فخر العيسويّة، عماد بني المعمودية، معزّ بابا رومية، صديق الملوك والسلاطين فلان».
النمط الثاني (من ألقاب ملوك الكفر [الألقاب المؤنّثة])
وصورتها على ما أورده في «التثقيف» في ألقاب صاحبة بابل (1):
__________
(1) بابل، بكسر الباء الثانية: اسم ناحية منها الكوفة والحلّة، ينسب إليها السحر والخمر قيل: إنّ أول من سكنها هو نوح عليه السّلام، وهو أول من عمرها، وكان قد نزلها بعقب الطوفان، فسار هو ومن خرج معه من السفينة إليها لطلب الدفء، فأقاموا بها وتناسلوا فيها، وملكوا عليهم ملوكا، وابتنوا بها المدائن، فلم تزل مملكتهم قائمة إلى أن قتل «دارا» آخر ملوكهم. وقيل: لم تزل عامرة حتى كان الاسكندر، وهو الذي خرّبها. أنظر معجم البلدان (ج 1ص 310309).(6/170)
«الملكة الجليلة، المكرّمة، المبجّلة، الموقّرة، المفخّمة، المعزّزة، فلانة، العالمة في ملّتها، العادلة في مملكتها، كبيرة دين النّصرانية، نصيرة الملّة العيسويّة، حامية الثغور، صديقة الملوك والسلاطين».
الضرب الثالث (ألقاب نوّاب ملوكهم وكناصلتهم ومن في معنى ذلك. وهو على نوعين)
النوع الأوّل (ألقاب النّوّاب)
وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب النائب بالأبواب:
«النائب الجليل، المبجّل، الموقّر، القدّيس، الرّوحانيّ» والنّعوت من نسبة ألقاب متملّك سيس.
وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب صاحب دنقلة (1):
«النائب الجليل، المبجّل، الموقّر، الأسد، الباسل، فلان، مجد الملّة المسيحية، كبير الطائفة الصّليبيّة، غرس الملوك والسلاطين».
النوع الثاني (ألقاب الكناصلة)
وصورتها على ما ذكره في «التثقيف» في ألقاب الكنصل بانكفا (2)
كألقاب متملّك سيس (3) المنقولة عن التثقيف فيما تقدّم.
__________
(1) دنقلة ودمقلة، بضم أوله وسكون ثانيه وضم القاف، أو بفتح أوله وثالثه: مدينة كبيرة في بلاد النوبة. معجم البلدان (ج 2ص 470، 478).
(2) كذا في الأصول بدون نقط. حاشية الطبعة الأميرية.
(3) تقدم الحديث عن سيس في الحاشية رقم 1من صفحة 169.(6/171)
وصورتها على ما أشار إليه في «التثقيف» في ألقاب المطران نائب الباب بالابقية (1) وهي قبرس نحو ما تقدّم في ألقاب البطرك بالديار المصرية.
قال: ويزاد عليه «المطران فلان» ويقال في نعوته «ناصح الملوك والسّلاطين».
وصورتها على ما رأيته في بعض الدّساتير الشامية في ألقاب إبراهيم كري، أحد كتّاب الفرنج عن نائب دمشق: «المحتشم، الكبير، المخوّل، الأسد، الهمام، الغضنفر، موادّ المسلمين، متّبع الحواريّين، جمال العيسويّة، أوحد بني المعمودية، صاحب الملوك والسلاطين».
قلت: قد تبيّن مما تقدّم من الألقاب والنّعوت الإسلاميّة وألقاب أهل الكفر ونعوتهم أنها ليست واقفة عند حدّ، بل هي راجعة إلى اصطلاح الكتّاب واختيارهم في زيادة الألقاب ونقصها، والإتيان بلقب دون لقب، مع رعاية المناسبة لكلّ مقام وما يحتمله من الألقاب، إلا أن لذلك (أصولا يرجع إليها) وقوانين يوقف عندها، إذا اعتمدها الكاتب ومشى على نهجها ونسج على منوالها، أصاب سواء الثّغرة من الصّناعة، وطبّق المفصل بالمفصل في الإتيان بالمقصد، ومتى أهملها وفرّط في مراعاتها ضلّ سواء السبيل، وخرج عن جادّة الصواب: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللََّهُ فَمََا لَهُ مِنْ هََادٍ} * (2).
الأصل الأوّل
أن يقف على ما رتّبه البلغاء من أرباب الصنعة من الألقاب والنّعوت لكلّ صنف من ذوي الألقاب والنعوت، لأهل الإسلام وأهل الكفر.
ويجري ذلك منه مجرى الحفظ والاستحضار، ليسهل عليه إيراده في موضعه، ولا يشذّ عنه شيء منها عند الاحتياج إليه. وقد تقدّم من ذلك جملة مستكثرة يهتدى بنجمها، ويستضاء في ظلمة اللّبس بضوئها.
الأصل الثاني
أن يعرف ما هو من الألقاب والنّعوت حقيقيّ لصاحب
__________
(1) كذا في الأصول بدون نقط. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) سورة الرعد 13، الآية 33.(6/172)
اللّقب الذي يستعمله فيه، كالعالميّ لأهل العلم، والعابديّ لأهل الصّلاح، والعادليّ للحكّام من أرباب السيوف وغيرهم وما هو منها مجازيّ، كالعالميّ لأرباب السّيوف والكتّاب حيث لا اتصاف لصاحب اللّقب بالعلم، والأصيليّ لمن ليس له آباء في الرّياسة ولا عراقة في النّسب، ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى.
الأصل الثالث
أن يعرف الألقاب الخاصّة ببعض دون بعض، كالشّريفيّ، والحسيبيّ، والنّسيبيّ، للأشراف أولاد فاطمة رضي الله عنها، والكافليّ لنائب السلطنة أو وزير كبير، والنّوينيّ لأمير التّوامين بالشرق، والمدبّريّ للوزير ونحوه من ناظر الخاص ومن في معناه، والمشيريّ لمن يؤخذ رأيه من أكابر أرباب السيوف والأقلام، والسّفيريّ للحاجب والدّوادار وكاتب السرّ، واليمينيّ للدّوادار وكاتب السرّ، والعريقيّ لذي العراقة في النسب، والأصيليّ لمن له ثلاثة آباء في الرياسة.
وكذلك النعوت كوالد الملوك والسلاطين لمن يكون له أولاد من الملوك، وولد الملوك والسلاطين لأولاد الملوك، وعضد الملوك والسلاطين للأمراء ونحوهم، وكافل الممالك للنائب الكافل، وسفير الدولة ولسان المملكة للدّوادار وكاتب السرّ، ويمين الملوك والسلاطين لهما أيضا، ووالدة الملوك والسلاطين لمن يكون من أولادها ملك، وكريمة الملوك والسلاطين لمن يكون من إخوتها سلطان، وقرينة الملوك والسلاطين لمن تكون زوجة ملك، وصديق الملوك والسلاطين، أو موادّ الملوك والسلاطين لملوك الكفر، وقرين الملوك والسلاطين لنّوابهم، ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى، فيوقع كلّ لقب أو نعت منها في موضعه ولا يجاوزه إلى غيره. وأنت إذا تأمّلت ما سلف من ترتيب الألقاب والنّعوت على الأصول المتقدّمة، ظهر لك منها ما تستعين به على ترتيبها وإيقاعها مواقعها.
الأصل الرابع
أن يعرف الألقاب والنّعوت الرفيعة المقدار، فيلحقها بما يناسبها من الألقاب الأصول كإلحاق العالميّ والعادليّ وممهّد الدّول ومشيّد
الممالك وما شاكل ذلك بالمقرّ والجناب الكريم ونحو ذلك. ويعرف الألقاب النازلة، فيخرج منها ما يجرّده عن الياء ويلحقه بالسامي بغير الياء فما دونه كالعضد والذّخر وما أشبه ذلك.(6/173)
أن يعرف الألقاب والنّعوت الرفيعة المقدار، فيلحقها بما يناسبها من الألقاب الأصول كإلحاق العالميّ والعادليّ وممهّد الدّول ومشيّد
الممالك وما شاكل ذلك بالمقرّ والجناب الكريم ونحو ذلك. ويعرف الألقاب النازلة، فيخرج منها ما يجرّده عن الياء ويلحقه بالسامي بغير الياء فما دونه كالعضد والذّخر وما أشبه ذلك.
الأصل الخامس
أن يعرف مراتب الألقاب في التقديم والتأخير، مثل أن يعلم أن الشريف والكريم يليان المقرّ والجناب، والعالي يليهما ثم العالي يلي المقرّ والجناب والمجلس، والسامي يلي المجلس حيث لا يليه العالي. وأن النعت المضاف إلى أمير المؤمنين مثل عضد أمير المؤمنين، وسيف أمير المؤمنين، وحسام أمير المؤمنين، يكون آخر النّعوت. وأن المضاف إلى الملوك والسلاطين مثل عضد الملوك والسلاطين، وظهير الملوك والسلاطين، يكون قبله المضاف إلى أمير المؤمنين إن كان في رتبة يثبت فيها ما يضاف إلى أمير المؤمنين، وإلا يكون المضاف إلى الملوك والسلاطين هو آخر الألقاب. وأن يعلم أن لقب التّعريف، وهو الفلانيّ أو فلان الدين يكون واسطة بين الألقاب والنعوت، فاصلا بينهما. وأن لقب الوظيفة كالكافليّ والحاكميّ وما أشبههما يكون قبل لقب التعريف غالبا على ما تقدّم بيانه فيضع هذه الألقاب في مواضعها ولا يخرجها عنها، بخلاف ما يجوز فيه التقديم والتأخير من الألقاب والنّعوت.
الجملة العاشرة (في ذكر ألقاب تقع على أشياء متفرّقة قد جرت في عرف الكتّاب، وهي على ضربين)
الضرب الأوّل (فيما يجري من ذلك مجرى التفاؤل، ويختلف باختلاف الأحوال والوقائع، ويتنوع إلى أنواع)
النوع الأول (ما يوصف بالنّصر، كالجيوش والعساكر والقلاع والبريد ونحو ذلك)
فيقال في الجيوش والعساكر: «الجيوش المنصورة، والعساكر
المنصورة» ويقال في القلاع المنصورة «وقلعة دمشق المنصورة وقلعة حلب المنصورة» ونحو ذلك، وكذلك يقال «القلاع المنصورة» على الجمع تفاؤلا بحصول النّصر لها ويقال في البريد: «البريد المنصور» على ما اصطلح عليه كتّاب الزمان، على أن في وصف البريد بالمنصور نظرا لأنه إنما وضع ليوصّل الأخبار ونحو ذلك، وكان الأحسن أن يوصف بالسّعيد ونحوه اللهم إلا أن يراد أنه ربما وصل به خبر النصر على العدوّ، وهو من أهم المهمات، وكأنه وصف بأشرف متعلّقاته.(6/174)
فيقال في الجيوش والعساكر: «الجيوش المنصورة، والعساكر
المنصورة» ويقال في القلاع المنصورة «وقلعة دمشق المنصورة وقلعة حلب المنصورة» ونحو ذلك، وكذلك يقال «القلاع المنصورة» على الجمع تفاؤلا بحصول النّصر لها ويقال في البريد: «البريد المنصور» على ما اصطلح عليه كتّاب الزمان، على أن في وصف البريد بالمنصور نظرا لأنه إنما وضع ليوصّل الأخبار ونحو ذلك، وكان الأحسن أن يوصف بالسّعيد ونحوه اللهم إلا أن يراد أنه ربما وصل به خبر النصر على العدوّ، وهو من أهم المهمات، وكأنه وصف بأشرف متعلّقاته.
النوع الثاني (ما يوصف بالحراسة، كالمدن والثّغور (1))
فيقال في المدن «مصر المحروسة» و «القاهرة المحروسة» و «دمشق المحروسة» و «حلب المحروسة» ونحو ذلك. ويقال في الثغور «الثّغر المحروس» و «ثغر الإسكندريّة المحروس» و «ثغر رشيد المحروس» و «ثغر دمياط المحروس» و «ثغر أسوان المحروس» ونحو ذلك تفاؤلا بوقوع الحراسة لها. على أنه لو وصفت القلاع أيضا بالحراسة فقيل «القلعة المحروسة» و «القلاع المحروسة» ونحو ذلك لكان له وجه ظاهر.
وبكل حال فكلّ ما كان محلّ خوف مما ينبغي حراسته والاحتفاظ به، حسن وصفه بالحراسة. وقد رأيت من يذكر ضابطا لذلك في البلاد: وهو أن كل مدينة مسوّرة يقال فيها محروسة وإلا فلا، وهو بعيد، والظاهر ما قدّمنا ذكره.
النوع الثالث (ما يوصف بالعمارة، كالدواوين)
وهي المواضع التي يجلس فيها الكتّاب على ما تقدّم بيانه في مقدّمة الكتاب وغير ذلك. فيقال: «الدّيوان المعمور» و «الدّواوين المعمورة» تفاؤلا بأنها لا تزال معمورة بالكتّاب، أو بدوام عزّ صاحبها وبقاء دولته.
__________
(1) الثغور: ج ثغر، وهو موضع المخافة من فروج البلدان.(6/175)
النوع الرابع (ما يوصف بالسّعادة، كالدواوين أيضا)
فيقال: «الدّيوان السعيد» و «الدّواوين السعيدة» تفاؤلا بدوام سعادتها بدوام سعادة صاحبها.
النوع الخامس (ما يوصف بالقبول)
كالضّحايا المقبولة تفاؤلا بأنّ الله تعالى يتقبّلها، وهو في الحقيقة بمعنى الدعاء، كأنه يقال تقبّلها الله تعالى.
النوع السادس (ما يوصف بالبرّ، كالصّدقة والأحباس)
فيقال في الأحباس: «الأحباس المبرورة» وفي الصّدقة «الصدقة المبرورة» تفاؤلا بأنها تكون جارية مجرى البرّ الذي يلحق به الثواب. وكتّاب الجيش ونحوهم يستعملون ذلك في وصف الرّزقة أيضا، وهي القطعة من الأرض ترصد لمصالح المسجد أو الرّباط أو الشخص المعيّن. فيقولون:
«الرّزقة المبرورة» لجريانها مجرى الصدقة.
النوع السابع (ما يوصف بالخذلان، كالعدوّ ونحوه)
فيقال: «العدوّ المخذول» على الإجمال و «فلان المخذول» بالتصريح باسمه «وأهل الكفر المخذولون» ونحو ذلك تفاؤلا بأنّ الله تعالى يوقع بالعدوّ الخذلان ويرميه به.(6/176)
الضرب الثاني (ما يجري من ذلك مجرى التشريف ويختلف أيضا باختلاف الأحوال، ويتنوّع أنواعا)
النوع الأوّل (ما يوصف بالعزّ، كالكتاب بمعنى القرآن)
فيقال فيه: «الكتاب العزيز» ومن ثمّ يقولون في قاريء القرآن: «من حملة كتاب الله العزيز» وربما وصف بذلك الدّيوان أيضا، كما يقال في ديوان الخلافة: «الدّيوان العزيز» على ما تقدّم ذكره في الكلام على الألقاب.
النوع الثاني (ما يوصف بالشريف، كالمصحف والعلم)
فيقال في المصحف: «المصحف الشريف» وفي العلم «العلم الشريف» ولذلك يقولون «فلان من طلبة العلم الشريف» ونحو ذلك، وكذا في الأماكن الرفيعة، كمكّة والمدينة النبويّة والقدس. فيقال: «مكّة المشرّفة» و «المدينة الشريفة» و «القدس الشريف» والحرم الشريف تارة لحرم مكّة وتارة لحرم المدينة. فإذا جمعا قيل: «الحرمان الشّريفان» وربما أطلق، في عرف الكتّاب، الحرمان على القدس الشريف ومقام الخليل عليه السّلام، وهو مراد المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في كتابه «التعريف» في قسم الوصايا بناظر الحرمين الشريفين دون حرم مكة والمدينة المشرّفتين. وقد اصطلح كتّاب الزمان على أن وصفوا أكثر ما يضاف إلى السلطان بالشريف، فيقولون فيما يصدر عن السلطان من عهد وتقليد وتوقيع ومرسوم ومثال وتذكرة: «عهد شريف» و «تقليد شريف» و «توقيع شريف» و «مرسوم شريف» و «مثال شريف» و «تذكرة شريفة» ونحو ذلك.(6/177)
النوع الثالث (ما يوصف بالكريم، كالقرآن)
فيقال: «القرآن الكريم» والأصل فيه قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} (1)
وقد اصطلح كتّاب الزمان على أن جعلوه دون الشريف في الوصف، فوصفوا به ما يصدر عمّن دون السلطان من أكابر الدولة من النّواب والأمراء والوزراء: من توقيع ومرسوم ومثال وتذكرة ونحو ذلك. فيقولون: «توقيع كريم» و «مرسوم كريم» و «مثال كريم» و «تذكرة كريمة». وقد توصف به المكاتبة أيضا فيقال:
«إنّ مكاتبته الكريمة وردت» ونحو ذلك، وقد ورد في التنزيل: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتََابٌ كَرِيمٌ} (2) على أنه قد تقدّم أنه كان ينبغي أن يكون أرفع رتبة من الشريف لورود التنزيل بوصف القرآن به.
النوع الرابع (ما يوصف بالعلوّ، وهو في معنى الكرم في اصطلاحهم)
فيقال: «توقيع عال» و «مرسوم عال» ونحو ذلك، وقد يوصف به الرأي فيقال: «الرأي العالي»، وقد يوصف به أمر السلطان أيضا من ذي الرّتبة الرفيعة، مثل كتابة الوزير على المراسيم الشريفة ونحوها «أمتثل الأمر العالي».
النوع الخامس (ما يوصف بالسعادة)
ك «الرأي السّعيد» و «الآراء السعيدة» وربما وصف بذلك الدّيوان فقيل:
«الدّيوان السعيد» ونحو ذلك.
__________
(1) سورة الواقعة 56، الآية 77.
(2) سورة النمل 27، الآية 29.(6/178)
النوع السادس (ما يوصف بالبركة، كالكعب)
فيقال: «كعب مبارك» وقد يوصف به المنزل فيقال: «منزل مبارك» وقد يوصف به الأمر لمن دون العالي، فيقال: «يتقدّم أمره المبارك» وكذلك المكاتبة، فيقال: «إن مكاتبته المباركة وردت» ونحو ذلك.(6/179)
الباب الثاني من المقالة الثالثة (في مقادير قطع الورق، وما يناسب كلّ مقدار منها من الأقلام، ومقادير البياض في أوّل الدّرج (1) وحاشيته، وبعد ما بين السطور في الكتابات، وفيه فصلان)
الفصل الأوّل (في مقادير قطع الورق، وفيه طرفان)
الطرف الأوّل (في مقادير قطع الورق في الزّمن القديم)
قد ذكر محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدواة» أن الخلفاء لم تزل تستعمل القراطيس امتيازا لها على غيرها من عهد معاوية بن أبي سفيان.
وذاك أنه يكتب للخلفاء في قرطاس من ثلثي طومار (2)، وإلى الأمراء من نصف طومار، وإلى العمّال والكتّاب من ثلث، وإلى التّجّار وأشباههم من ربع، وإلى الحسّاب والمسّاح من سدس. فهذه مقادير لقطع الورق في القديم، وهي الثلثان والنصف والثلث والربع والسّدس. ومنها استخرجت المقادير الآتي ذكرها. ثم المراد بالطّومار الورقة الكاملة، وهي المعبّر عنها في زماننا بالفرخة،
__________
(1) الدرج: الذي يكتب فيه، يقال: أنفذته في درج الكتاب أي في طيّه. وعن كتّاب الدرج انظر الحاشية رقم 1من ص 146.
(2) الطومار: الصحيفة، والجمع طوامير.(6/180)
والظاهر أنه أراد القطع البغداديّ لأنه الذي يحتمل هذه المقادير، بخلاف الشاميّ، لا سيما وبغداد إذ ذاك دار الخلافة، فلا يحسن أن يقدّر بغير ورقها مع اشتماله على كمال المحاسن. وقد تقدّم في الكلام على آلات الكتابة في المقالة الأولى بيان الخلاف في أوّل من صنع الورق.
الطرف الثاني (في بيان مقادير قطع الورق المستعمل في زماننا، وفيه ثلاث جمل)
الجملة الأولى (في مقادير الورق المستعمل بديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بالديار المصرية، وهي تسعة مقادير)
المقدار الأول قطع البغداديّ الكامل
، وعرض درجه عرض البغداديّ بكماله، وهو ذراع واحد بذراع القماش المصريّ وطول كلّ وصل من الدّرج المذكور ذراع ونصف بالذراع المذكور. وفيه كان تكتب عهود الخلفاء وبيعاتهم. وفيه تكتب الآن عهود أكابر الملوك، والمكاتبات إلى الطبقة العليا من الملوك، كأكابر القانات من ملوك الشّرق.
المقدار الثاني قطع البغداديّ الناقص
، وعرض درجه دون عرض البغداديّ الكامل بأربعة أصابع مطبوقة. وفيه يكتب للطبقة الثانية من الملوك، وربما كتب فيه [للطبقة العليا (1)] لإعواز البغداديّ الكامل.
المقدار الثالث قطع الثلثين من الورق المصريّ
، والمراد به ثلثا الطّومار من كامل المنصوريّ، وعرض درجه ثلثا ذراع بذراع القماش المصريّ أيضا. وفيه تكتب مناشير الأمراء المقدّمين، وتقاليد النّواب الكبار والوزراء وأكابر القضاة ومن في معناهم. ولم تجر العادة بكتابة مكاتبة عن الأبواب السلطانية فيه.
__________
(1) الزيادة من كتاب ضوء الصبح للمؤلف (ج 1ص 180) وانظر أيضا حاشية الطبعة الأميرية.(6/181)
المقدار الرابع قطع النصف
، والمراد به قطع النّصف من الطّومار المنصوريّ وعرض درجه نصف ذراع بالذراع المذكور. وفيه تكتب مناشير الأمراء الطّبلخاناه، ومراسيم الطبقة الثانية من النّواب، والمكاتبات إلى الطبقة الثانية من الملوك.
المقدار الخامس قطع الثلث
. والمراد به ثلث القطع المنصوريّ وعرض درجة ثلث ذراع بالذراع المذكور. وفيه تكتب مناشير أمراء العشرات، ومراسيم صغار النّواب، والمكاتبات إلى الطبقة الرابعة من الملوك.
المقدار السادس القطع المعروف بالمنصوريّ
، وعرضه تقدير ربع ذراع بالذراع المذكور. وفيه تكتب مناشير المماليك السلطانية ومقدّمي الحلقة، ومناشير عشرات التّركمان ببعض الممالك الشامية، وبعض التواقيع وما في معنى ذلك.
المقدار السابع القطع الصغير
، ويقال فيه قطع العادة، وعرض درجه تقدير سدس ذراع بالذراع المذكور. وفيه تكتب عامة المكاتبات لأهل المملكة وحكّامها، وبعض التواقيع والمراسيم الصّغار، والمكاتبات إلى حكّام البلاد بالممالك، وما يجري هذا المجرى. وقد كان هذا القطع والذي قبله في أوّل الدّولة التركية، طول كلّ وصل منه شبران وأربعة أصابع مطبوقة فما حول ذلك.
المقدار الثامن قطع الشاميّ الكامل
، وعرض درجه عرض الطّومار (1)
الشاميّ في طوله. وهو قليل الاستعمال بالدّيوان، إلا أنه ربما كتب فيه بعض المكاتبات، كما كتب فيه عن الأشرف شعبان (2) بن حسين لوالدته حين سافرت
__________
(1) الطومار: الصحيفة، والجمع طوامير.
(2) هو الأشرف الثاني شعبان بن حسين ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون، أبو المعالي، ناصر الدين، من ملوك الدولة القلاوونية بمصر والشام. ولي السلطنة سنة 764هـ، وقتل خنقا سنة 778هـ. انظر الدرر الكامنة (ج 2ص 190)، والبداية والنهاية (ج 14ص 324302) والاعلام (ج 3ص 164163).(6/182)
إلى الحجاز الشريف.
المقدار التاسع القطع الصغير
، وهو في عرض ثلاثة أصابع مطبوقة من الورق المعروف بورق الطّير، وهو صنف من الورق الشاميّ رقيق للغاية، وفيه تكتب ملطفات الكتب وبطائق الحمام.
الجملة الثانية (في مقادير الورق المستعملة بدواوين الإنشاء بالممالك الشامية: دمشق، وحلب، وطرابلس، وحماة، وصفد، والكرك. في المكاتبات والولايات الصادرة عن النّواب بالممالك، وهي لا تخرج عن أربعة مقادير)
المقدار الأوّل قطع الشاميّ الكامل
، وهو الذي يكون عرضه عرض الطّومار الشاميّ الكامل في طوله على ما تقدّم فيه. وفيه يكتب عن النّواب لأعلى الطبقات من أرباب التّواقيع والمراسيم ليس إلّا.
المقدار الثاني قطع نصف الحمويّ
، وعرض درجه عرض نصف الطّومار الحمويّ، وطوله بطول الطّومار. وفيه يكتب للطبقة الثانية من أرباب التواقيع والمراسيم الصادرة عن النّواب.
المقدار الثالث قطع العادة من الشاميّ
، وعرض درجه سدس ذراع بذراع القماش المصريّ في طول الطّومار أو دونه. وفيه يكتب للطبقة الثالثة من أرباب التواقيع والمراسيم الصادرة عن النّواب وعامّة المكاتبات الصادرة عن النّوّاب إلى السلطان فمن دونه من أهل المملكة وغيرهم، إلا أن نائب الشام ونائب الكرك قد جرت عادتهما بصدور المكاتبات عنهما في الورق الأحمر دون غيرهما من النّواب.
المقدار الرابع قطع ورق الطير
المقدّم ذكره في آخر المقادير المستعملة بالأبواب السلطانية بالديار المصرية. وفيه تكتب الملطّفات والبطائق على ما تقدّم.
قلت: هذه مقادير قطع الورق بالديار المصرية والبلاد الشاميّة. أما غير مملكة الديار المصرية من الممالك، فالحال فيها يختلف في مقادير الورق المستعمل بدواوينها. فأمّا بلاد المشرق فعلى نحو المقادير المتقدّمة. وأما بلاد المغرب والسّودان وبلاد الفرنج، فعادة كتابتهم في طومار واحد، يزيد طوله على عرضه قليلا، ما بين صغير وكبير بحسب ما يقتضيه حال المكتوب.(6/183)
المقدّم ذكره في آخر المقادير المستعملة بالأبواب السلطانية بالديار المصرية. وفيه تكتب الملطّفات والبطائق على ما تقدّم.
قلت: هذه مقادير قطع الورق بالديار المصرية والبلاد الشاميّة. أما غير مملكة الديار المصرية من الممالك، فالحال فيها يختلف في مقادير الورق المستعمل بدواوينها. فأمّا بلاد المشرق فعلى نحو المقادير المتقدّمة. وأما بلاد المغرب والسّودان وبلاد الفرنج، فعادة كتابتهم في طومار واحد، يزيد طوله على عرضه قليلا، ما بين صغير وكبير بحسب ما يقتضيه حال المكتوب.
الجملة الثالثة (في مقادير قطع الورق الذي تجري فيه مكاتبات أعيان الدّولة من الأمراء والوزراء وغيرهم بالديار المصرية والبلاد الشامية)
وهو قطع العادة من البلديّ بالديار المصرية، ومن الشامي بالبلاد الشامية.(6/184)
الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الثالثة (في بيان ما يناسب كلّ مقدار من مقادير قطع الورق المتقدّمة الذكر من الأقلام، ومقادير البياض الواقع في أعلى الدّرج وحاشيته، وبعد ما بين السّطور في الكتابة. وفيه طرفان)
الطرف الأوّل (فيما يناسب كلّ مقدار منها من قطع الورق من الأقلام)
قد ذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في كتابه «التعريف» في آخر القسم الثاني ما يناسب كلّ مقدار من مقادير الورق المستعملة بديوان الإنشاء بالديار المصرية من أقلام الخطّ المنسوب فقال: إن لقطع البغداديّ قلم مختصر الطّومار، ولقطع الثلثين قلم الثلث الثقيل، ولقطع النّصف قلم الثلث الخفيف، ولقطع الثلث قلم التوقيعات، ولقطع العادة قلم الرّقاع. ومن ذلك يعلم ما يناسب كلّ قطع من مقادير القطع المستعملة بدواوين الإنشاء بالممالك الشامية.
فيناسب الشاميّ الكامل قلم التوقيعات، لأنه في مقدار قطع الثّلث البلديّ أو قريب منه. ويناسب نصف الحمويّ والعادة من الشاميّ قلم الرّقاع لأنهما في معنى القطع المنصوريّ والعادة بالديار المصرية. أما قلم (1) الجناح لكتابة بطائق
__________
(1) عبارة ضوء الصبح للمؤلف (ج 1ص 416415): «ويناسب قطع الحمويّ والعادة من الشامي قلم الرقاع لأنهما في معنى العادة، ويناسب ورق الطير الذي تكتب فيه البطائق والمطلقات قلم الغبار ولذلك يسميه بعض الكتاب قلم الجناح الخ» حاشية الطبعة الأميرية.(6/185)
الحمام به. وأما ما كان يكتب به الخلفاء أسماءهم في الزمن القديم وبه يكتب الملوك أسماءهم الآن، فقلم الطّومار، وهو القلم الجليل الذي لا قلم فوقه. وقد تقدّم الكلام على هذه الأقلام في بيان ما يحتاج إليه الكاتب في أواخر المقالة الأولى.
الطرف الثاني (في مقادير البياض الواقع في أوّل الدّرج، وحاشيته وبعد ما بين السّطور في الكتابة)
أما مقدار البياض قبل البسملة، فيختلف في السلطانيات باختلاف قطع الورق، فكلّما عظم قطع الورق، كان البياض فيه أكثر فقطع البغداديّ يترك فيه ستة أوصال بياضا، وتكتب البسملة في أوّل السابع، وقطع الثلثين يترك فيه خمسة أوصال، وقطع النصف يترك فيه أربعة أوصال، وقطع الثلث يترك فيه ثلاثة أوصال، وقطع المنصوريّ والعادة تارة يترك فيه ثلاثة أوصال، وتارة يترك فيه وصلان، بحسب ما يقتضيه الحال. وقطع الشاميّ الكامل في معنى قطع الثلث، وقطع نصف الحمويّ والعادة من الشاميّ في معنى القطع المنصوريّ والعادة في البلديّ. وربما اجتهد الكاتب في زيادة بعض الأوصال ونقصانها بحسب ما تقتضيه الحال. وفي المكاتبات الصادرة عن سائر أرباب الدولة مصرا وشاما يترك في جميعها قبل البسملة وصل واحد فقط. وفي كتابة الأدنى إلى الأعلى يترك بعض وصل.
وأما حاشية الكتاب، فبحسب اجتهاد الكاتب فيه في السّعة والضّيق. وقد رأيت بعض الكتّاب المعتبرين يقدّر حاشية الكتاب بالرّبع من عرض الدّرج، وهو اعتبار حسن لا يكاد يخرج عن القانون.
وأما بعد ما بين السطور، فيختلف باختلاف حال المكتوب واختلاف قطع
الورق ففي السلطانيات كلّها على اختلاف قطع الورق فيها (1) تكتب البسملة في أوّل الفصل بعد ما يترك من أوصال البياض في أعلى الدّرج بحسب ما تقتضيه الحال، ثم يكتب تحت البسملة سطر ملاصق لها بحسب ما يقتضيه وضع القلم المكتوب به في القرب والبعد، بحسب الدّقّة والغلظ ثم يكتب السطر الثاني في آخر الوصل الذي كتبت البسملة في أوّله، بحيث يبقى من الوصل ثلاثة أصابع مطبوقة أو نحوها في القطع الكبير، وقدر إصبعين في القطع الصغير، وما بينهما بحسبه.(6/186)
وأما بعد ما بين السطور، فيختلف باختلاف حال المكتوب واختلاف قطع
الورق ففي السلطانيات كلّها على اختلاف قطع الورق فيها (1) تكتب البسملة في أوّل الفصل بعد ما يترك من أوصال البياض في أعلى الدّرج بحسب ما تقتضيه الحال، ثم يكتب تحت البسملة سطر ملاصق لها بحسب ما يقتضيه وضع القلم المكتوب به في القرب والبعد، بحسب الدّقّة والغلظ ثم يكتب السطر الثاني في آخر الوصل الذي كتبت البسملة في أوّله، بحيث يبقى من الوصل ثلاثة أصابع مطبوقة أو نحوها في القطع الكبير، وقدر إصبعين في القطع الصغير، وما بينهما بحسبه.
وقد قدّر صاحب «موادّ البيان» البياض الباقي بين السطر (2) الأوّل والثاني أيضا. وهذا إنما يقارب في القطع الكبير. وقد ذكر ابن شيث في «معالم الكتابة» وكان في آخر الدولة الأيّوبية فيما أظنّ أنّ مقدار ما بين كلّ سطرين يكون ثلاثة أصابع أو أربعة أصابع. والذي جرت به عادة الكتّاب في زماننا أنه يكون في قطع العادة والمنصوريّ في كلّ وصل من أوصال (3) الزمان ثلاثة أسطر، وفيما عداه سطران. وربما وقع التفاوت في القطع الصغير بحسب الحال حتّى يكون في التواقيع التي على ظهور القصص ونحوها بين كلّ سطرين بعد بيت العلامة قدر إصبعين وربما تواصلت الأسطر كما في الملطفات ونحوها.
أمّا ما يكتب عن النّواب من الولايات والمكاتبات من سائر أعيان الدولة، فدون السلطانيات في مقدار خلوّ موضع العلامة، وهو ما بين قدر خمس أصابع مطبوقة ونحوها وقدر [بعد] (4) السطور فيما بعد بيت العلامة من قدر إصبعين إلى ما دونهما.
__________
(1) «فيها»: زيادة يجب أن تحذف.
(2) عبارة ضوء الصبح للمؤلف (ج 1ص 416) نقلا عن «مواد البيان»: «بين السطر الأول والثاني بقدر شبر».
(3) لعلّه: «من أوصاله» أي العادة أو المنصوري. أنظر كتاب ضوء الصبح للمؤلف (ج 1ص 417) وانظر حاشية الطبعة الأميرية.
(4) الزيادة تقتضيها الحاجة.(6/187)
الباب الثالث من المقالة الثالثة (في بيان المستندات، وكتابة الملخّصات، وكيفيّة التعيين، وفيه فصلان)
الفصل الأوّل (في بيان المستندات، وهي التوقيع على القصص وما يجري مجراه، وما يحتاج فيه إلى كتابة المستندات، وهو على ضربين)
الضرب الأوّل (السّلطانيات، وهي صنفان)
الصنف الأوّل (ما يصدر عن متولّي ديوان الإنشاء، كولايات النّوّاب والقضاة وغيرهما من أرباب الوظائف، والتواقيع التي تكتب في المسامحات والإطلاقات، ومكاتبات البريد الخاصّة بالأشغال السلطانية، وأوراق الطريق وما يجري مجرى ذلك)
وجميعها معدوقة (1) بنظر صاحب ديوان الإنشاء. فما كان منها جليل الخطر كولايات النّوّاب والقضاة وأكابر أرباب الوظائف والمكاتبات المتعلّقة
__________
(1) في الأصل: «معدوقة» بالدال المهملة، والمعنى غير مناسب. يقال: عذقه الى كذا: نسبه، وعذق فلانا بشرّ: رماه ووسمه به، ومعدوقة هنا بمعنى منوطة، أي جميعها منوطة بنظر صاحب ديوان الإنشاء.(6/188)
بمهمّات السلطنة، فلا بدّ من مخاطبة صاحب ديوان الإنشاء فيها واعتماد ما يبرز به أمره. وما كان منها حقيرا بالنسبة إلى مخاطبة السلطان فيه استقلّ فيه بما يقتضيه رأيه.
ثم من ذلك ما يكتب به صاحب الديوان رقاعا (1) لطيفة بخطه ويعيّنها على الكاتب الذي يكتبها وتدفع إليه لتخلّد عنده شاهدا له، كالولايات والمسامحات والإطلاقات والمكاتبات المتعلّقة بأمور المملكة ونحو ذلك. ومن ذلك ما يبرز به أمر صاحب الديوان مشافهة فيكتبه من غير شاهد عنده، وذلك في الأمور التي لا درك فيها على الكاتب، كتقاليد النّوّاب وبعض المكاتبات، إذ لا تهمة تلحق كاتب الإنشاء في مثل ولاية نائب كبير أو قاض حفيل لأن مثل ذلك لا يخفى على السلطان، فأشبه خطاب صاحب الديوان فيها الكاتب خطاب السلطان صاحب الديوان حيث لا شاهد عليه إلا الله تعالى، بخلاف الأمور التي يلحق كاتبها الدّرك، فإنه لا بدّ في كتابتها من تخليد شاهد. وكان الواجب أن لا يكتب حقير ولا جليل إلا بشاهد من صاحب الديوان، فإن الأمور تتراكم وتكثر، والإنسان معرّض للنسيان، وربما عرض إنكار بسبب ما يكتبه الكاتب ونسيه صاحب الديوان فيكون الكاتب قد عرّض نفسه لأمر عظيم. ولا يقاس الكاتب على صاحب الديوان في عدم أخذه شاهدا بخطّ السلطان، فإن صاحب الديوان هو المتصرّف حقيقة، والسلطان وكلّ جميع أمور المملكة إليه، فلا يتّهم في شيء منها، بخلاف الكاتب.
وقد ذكر أبو الفضل الصّوريّ في «تذكرته» أن المكتوب من الديوان إن كان مكاتبة فالواجب أن يكون عنوانها بخط متولّي الديوان، وإن كان منشورا فالواجب أن يكون التاريخ بخطّه ليدلّ على أنه وقف على المكتوب وأمضى حكمه ورضيه، ويكون ذلك قد قام مقام كتابة اسمه فيه. ثم قال: وقد كان
__________
(1) الرقاع، بكسر الراء: جمع رقعة، وهي القطعة من الورق التي تكتب.(6/189)
الرسم بالعراق وفيه الكتّاب الأفاضل أن يكتب الكتّاب ما يكتبون ثم يقولون في آخره: «وكتب فلان بن فلان» باسم متولّي ديوان الرسائل. وما ذكره عن أهل العراق قد ذكر نحوه أبو جعفر النّحاس في «صناعة الكتّاب» إلا أنه قد جعل بدل اسم متولّي الديوان اسم الوزير [فقال] ويكتب في آخر الكتاب «وكتب فلان بن فلان» باسم الوزير واسم أبيه. وقد رأيت نسخا عدّة من سجلّات الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية مستشهدا فيها باسم الوزير على النّهج المذكور. على أنه كان الواجب أن يكون الاستشهاد في آخر كل كتاب باسم كتابه الذي يكتبه ليعلم من كتبه، فإن الخطوط كثيرة التشابه، لا سيما وقد كثر كتّاب الإنشاء في زماننا وخرجوا عن الحدّ، حتّى أنه لم يعرف بعضهم بعضا فضلا عن أن يعرف خطّه. وقد كان كتّاب النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، إذا سجّلوا عنه سجلّا أو نحوه كتب الكاتب في آخره «وكتب فلان بن فلان». وهذه الرّقعة التي كتبها النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، لتميم (1) الداريّ بإقطاع قرى من قرى الشام موجودة بأيدي التميميّين إلى الآن مستشهدا فيها بخطّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه. وإنما عدلوا عن اسم الكاتب نفسه إلى اسم متولّي الديوان أو الوزير استصغار للكاتب أن يستشهد للكتاب باسمه فيما يكتب به عن الخليفة. قال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل»: وقد قالوا إن أوّل من كتب في آخر الكتاب «وكتب فلان بن فلان» أبيّ (2) بن كعب رضي الله عنه.
__________
(1) هو تميم بن أوس بن خارجة بن عديّ بن عبد الدار بن هانيء بن حبيب بن نمارة بن لخم.
كان صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أسلم سنة 9هـ، وكانت وفاته في سنة 40هـ. انظر جمهرة انساب العرب ص 422، وقلائد الجمان ص 71، وتهذيب تاريخ ابن عساكر (ج 3ص 344) والأعلام (ج 2 ص 8887).
(2) هو أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد، من بني النجار، من الخزرج صحابيّ أنصاري. كان قبل الاسلام حبرا من أحبار اليهود. توفي سنة 21هـ. الأعلام (ج 1ص 82).(6/190)
الصّنف الثاني (ما يصدر عن غير صاحب ديوان الإنشاء، كالأمور التي يكتب بها من الدواوين السلطانية غير ديوان الإنشاء وتلتمس الكتب من ديوان الإنشاء على مقتضاها، كالمكاتبات الخاصّة بتعلّقات شيء من الدواوين المذكورة، وبعض التواقيع التي أصلها من ديوان الوزارة)
وينحصر ذلك في أربعة دواوين:
الديوان الأوّل ديوان الوزارة
: وهو أعظمها خطرا، وأجلّها قدرا.
وقد جرت العادة أنه إذا دعت الضرورة إلى كتابة كتاب من ديوان الإنشاء يتعلّق بديوان الوزارة أن تكتب به قائمة من ديوان الوزارة في ورقة ديوانيّة بما مثاله: «رسم بالأمر الشريف شرّفه الله تعالى وعظّمه أن يكتب مثال شريف إلى فلان الفلاني بكذا وكذا». وكيفية وضع هذه القائمة أن يكون السطر الأوّل في رأس الورقة من الوجه الأوّل منها، وآخره «شرّفه الله تعالى وعظّمه» وبينه وبين السطر الثاني قدر إصبعين معترضين بياضا، وباقي السطور مسترسلة متقاربة بقلم الرقاع ويكتب الوزير في البياض الذي بين السطر الأوّل والثاني بقلم الثلث ما مثاله: «يكتب». ويوجّه بالقائمة إلى ديوان الإنشاء صحبة مدير من ديوان الوزارة أو غيره، فيكتب على حاشيتها يكتب بذلك، ويعيّنها على بعض كتّاب الإنشاء فيكتب مثالا بما فيها، ويخلّد القائمة عنده شاهدا له، وربما خلّدت بديوان الإنشاء في جملة ما يخلّد في الأضابير (1) شاهدا لديوان الإنشاء، والأوّل هو الأليق.
وإن كان الذي يكتب من ديوان الوزارة توقيعا بإطلاق أو نحوه مما أصله من ديوان الوزارة، كتب الوزير على حاشية قصة صاحبه ما مثاله «يكتب بذلك، أو
__________
(1) الأضابير: ج إضبارة وأضبارة، وهي الحزمة من الصحف.(6/191)
يوقّع بذلك» وتبعث إلى ديوان الإنشاء فيكتب عليها صاحب ديوان الإنشاء بالتعيين. ثم إن كان التوقيع ملصقا بقصة فذاك، وإلا خلّد الكاتب القصة شاهدا عنده على ذلك وربما كتب بالإطلاقات من ديوان الوزارة مربّعات بخطّ مستوفي الصّحبة.
الديوان الثاني ديوان الخاصّ
: وهو في كتابة الأمثلة الشريفة على ما مرّ من كتابة القائمة ليخرج المثال على نظيرها، على ما تقدّم في ديوان الوزارة فتكتب القائمة على لحكم المتقدّم من غير فرق، ويكتب ناظر الخاص عليها نظير كتابة الوزير السابقة، ويوجّه إلى ديوان الإنشاء فيكتب عليها بالتعيين كما تقدّم، ويخلّد الكاتب القائمة عنده شاهدا له، أو تخلّد بديوان الإنشاء على ما تقدّم في ديوان الوزارة. ولا يكتب من ديوان الخاصّ تواقيع بإطلاقات ونحوها بل تكتب بها مراسيم مربّعة في ورق شاميّ بخطّ مباشري ديوان الخاصّ.
الديوان الثالث ديوان الإستدّرايّة
: وحكمه في ذلك حكم ديوان الخاصّ من غير فرق، ويكتب الإستدّار عليها كما يكتب الوزير وناظر الخاص، ويبعث بها إلى ديوان الإنشاء، فيجري الحكم فيها على ما تقدّم في الديوانين المذكورين.
الديوان الرابع ديوان الجيش
: والذي يرد إلى ديوان الإنشاء منه ابتداء هي المربّعات التي تكتب بالإقطاعات لتخرج المناشير على نظيرها.
وصورتها أن يكتب في نصف فرخة مكسورة في القطع البلديّ بعد البسملة الشريفة ما مثاله «المرسوم بالأمر العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ، الفلانيّ، أعلاه الله تعالى وشرّفه، وأنفذه وصرّفه أو أعلاه الله تعالى وأسماه، وشرّفه وأمضاه، أن يقطع باسم فلان الفلاني أحد الأمراء المقدّمين، أو الطبلخانات، أو العشرات، أو الخمسات بالمكان الفلاني أو
أحد المماليك السلطانية، أو مقدّمي الحلقة، أو أجناد الحلقة، بالمكان الفلانيّ المرسوم استقراره في أمراء العشرات، أو الطّبلخانات، أو المقدّمين، أو نحو ذلك ما رسم له به الآن من الإقطاع». فإن كان أميرا قيل بعد ذلك: «لخاصّته ولمن يستخدمه من الأجناد الجياد للخدمة الشريفة، والبرك التام، والعدّة الكاملة، بمقتضى المثال الشريف، أو الخطّ العالي الكافليّ أو بمقتضى الإشهاد المشمول بالخطّ الشريف، أو الخط الكافليّ على نظير ما تقدّم» أو «بمقتضى المربّعة المكتتبة من المملكة الفلانية المشمولة بالخط الشريف» إن كان أصله مربّعة من بعض الممالك وما أشبه ذلك. فإن كان أميرا ذكرت عدّته على ما سيأتي في الكلام على المناشير في المقالة الخامسة. ثم يقال: «حسب الأمر الشريف» ويكمل التاريخ «والحمد لله، والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» ويبعث بها إلى ديوان الإنشاء فيكتب عليها صاحب الديوان بالتعيين على بعض كتّاب الإنشاء، فيكتبها ويخلّد المربعة شاهدا عنده.(6/192)
وصورتها أن يكتب في نصف فرخة مكسورة في القطع البلديّ بعد البسملة الشريفة ما مثاله «المرسوم بالأمر العالي، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ، الفلانيّ، أعلاه الله تعالى وشرّفه، وأنفذه وصرّفه أو أعلاه الله تعالى وأسماه، وشرّفه وأمضاه، أن يقطع باسم فلان الفلاني أحد الأمراء المقدّمين، أو الطبلخانات، أو العشرات، أو الخمسات بالمكان الفلاني أو
أحد المماليك السلطانية، أو مقدّمي الحلقة، أو أجناد الحلقة، بالمكان الفلانيّ المرسوم استقراره في أمراء العشرات، أو الطّبلخانات، أو المقدّمين، أو نحو ذلك ما رسم له به الآن من الإقطاع». فإن كان أميرا قيل بعد ذلك: «لخاصّته ولمن يستخدمه من الأجناد الجياد للخدمة الشريفة، والبرك التام، والعدّة الكاملة، بمقتضى المثال الشريف، أو الخطّ العالي الكافليّ أو بمقتضى الإشهاد المشمول بالخطّ الشريف، أو الخط الكافليّ على نظير ما تقدّم» أو «بمقتضى المربّعة المكتتبة من المملكة الفلانية المشمولة بالخط الشريف» إن كان أصله مربّعة من بعض الممالك وما أشبه ذلك. فإن كان أميرا ذكرت عدّته على ما سيأتي في الكلام على المناشير في المقالة الخامسة. ثم يقال: «حسب الأمر الشريف» ويكمل التاريخ «والحمد لله، والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم» ويبعث بها إلى ديوان الإنشاء فيكتب عليها صاحب الديوان بالتعيين على بعض كتّاب الإنشاء، فيكتبها ويخلّد المربعة شاهدا عنده.
الضرب الثاني (ما يتعلق بالكتب في المظالم، والنظر فيه من وجهين)
الوجه الأوّل (فيما يتعلّق بالقصص)
وهي ترفع إلى ولاة الأمور بحكاية صورة الحال المتعلّق بتلك الحاجة، وسمّيت قصصا على سبيل المجاز، من حيث إن القصّة اسم للمحكيّ في الورقة لا لنفس الورقة. وربما سمّيت في الزمن القديم رقاعا لصغر حجمها، أخذا من الرّقعة في الثوب.
ثم الذي يجب في هذه القصص الإيجاز والاختصار مع تبليغ الغرض المطلوب والقرب من فهم المخاطب، فإنها متى كانت خارجة عن الحدّ في الطول، أدّت إلى الإضجار والسّآمة المنفّرين للرؤساء. وربما كان في ذلك حرمان الطالب ودفعه عن حاجته، إما للإعراض عنها استثقالا، وإما لعدم فهم
المقصود منها لطولها واختلاط بعض مقاصدها ببعض. وأما كونها مبلّغة للغرض المطلوب وفهم المخاطب، فلأنها إذا كانت بصدد الاختصار المجحف والتعقيد، نبا عنها فهم الرئيس ومجّها سمعه، فإما أن يعرض عنها فيفوت على صاحبها المطلوب، وإما أن يسأل غيره عن معناها فيكون سببا لتنزّله عن عزّ الرياسة إلى ذلّ السؤال، وكلاهما غير مستحسن.(6/193)
ثم الذي يجب في هذه القصص الإيجاز والاختصار مع تبليغ الغرض المطلوب والقرب من فهم المخاطب، فإنها متى كانت خارجة عن الحدّ في الطول، أدّت إلى الإضجار والسّآمة المنفّرين للرؤساء. وربما كان في ذلك حرمان الطالب ودفعه عن حاجته، إما للإعراض عنها استثقالا، وإما لعدم فهم
المقصود منها لطولها واختلاط بعض مقاصدها ببعض. وأما كونها مبلّغة للغرض المطلوب وفهم المخاطب، فلأنها إذا كانت بصدد الاختصار المجحف والتعقيد، نبا عنها فهم الرئيس ومجّها سمعه، فإما أن يعرض عنها فيفوت على صاحبها المطلوب، وإما أن يسأل غيره عن معناها فيكون سببا لتنزّله عن عزّ الرياسة إلى ذلّ السؤال، وكلاهما غير مستحسن.
وقد جرت العادة في مثل ذلك أن يخلّى من أوّل الورقة قليلا، ويجعل لها هامش بحسب عرضها، ويبتدأ فيها بالبسملة ثم يكتب تحت أوّل البسملة:
«المملوك فلان يقبّل الأرض، وينهي كذا وكذا» إلى آخر إنهائه، ثم يقال:
«وسؤاله كذا وكذا» فإن كان السؤال لغير للسلطان قال: «وسؤاله من الصّدقات الشريفة كذا وكذا» وإن كان السؤال لغير السلطان قال: «وسؤاله من الصّدقات العميمة كذا وكذا». ثم إن كان المسؤول كتابا فإن كان عن السلطان قال:
وسؤاله مثال شريف بكذا وكذا، وإن كان عن غير السلطان قال: «مثال كريم بكذا وكذا» ثم يقول إن شاء الله تعالى، ويحمد الله تعالى ويصلّي على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويحسبل (1). وربما كتب «المملوك فلان» بحاشية القصّة، خارجا عن سمت (2) البسملة. وربما أبدل لفظ المملوك بلفظ الفقير إلى الله تعالى.
ويقال حينئذ بدل «يقبّل الأرض» «يبتهل إلى الله تعالى بالأدعية الصالحة» أو «يواصل بالأدعية الصالحة» ونحو ذلك.
وقد جرت العادة في كتابة القصص أن صاحبها إن كان أميرا ونحوه كتب تحت البسملة «الملكيّ الفلانيّ» بلقب سلطانه، مخليا بياضا من جانبيها. على أنه قد تصدّى لكتابة القصص من لا يفرّق بين حسنها وقبيحها، ولا ينظر في دلالتها، ولا يراعي مدلولها. وذلك كسنّة الزمان في أكثر أحواله.
قلت: وقد جرت عادة أكثر الناس في القصص أنه إذا فرغ الكاتب من
__________
(1) أي يقول: حسبي الله.
(2) السمت: الطريق.(6/194)
كتابة القصّة يقطع قليلا من زاويتها اليمنى من الجهة السّفلى، مستندين في ذلك إلى كراهة التّربيع.
ومن غريب ما يحكى في ذلك أن بعض الوزراء قال يوما بمجلس
(1) وأنا ولّيت الوزارة رابع ربيع الأوّل سنة أربع وأربعين وأربعمائة فقال له بعض جلسائه: إن تفاءلت أنت به فقد تطيّرنا نحن به. ولا شكّ أن مستندهم في ذلك التشاؤم بالتربيع في القرآن النّجوميّ، ولا يعوّل عليه. وقد ورد أنّ حوض النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، في القيامة زواياه على التربيع، ولولا أن التربيع أحسن الأشكال لما وضع عليه حوض النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
الوجه الثاني (فيما يتعلق بالنّظر في المظالم، وما يكتب على القصص، وما ينشأ عنها من المساءلات وغيرها)
وهو أمر مهمّ، به يقع إنصاف المظلوم من الظالم، وخلاص المحقّ من المبطل، ونصرة الضعيف على القويّ، وإقامة قوانين العدل في المملكة. وقد نبّه أبو الفضل الصّوري في «تذكرته» على جلالة هذا القدر وخطره، ثم قال:
ومن المعلوم أن أكثر المتظلّمين يصلون من أطراف المملكة ونواحيها، وفيهم الحرم والمنقطعات والأيتام والصّعاليك، وكلّ من يفد منهم معتقد أنه يصير إلى من ينصره ويكشف ظلامته (2) ويعديه على خصمه. فيجب أن يتلقّى كلّ منهم بالتّرحاب واللّطف، ويندب لهم من يحفظ رقاعهم ويتنجّز التوقيع فيها من غير التماس رشوة ولا فائدة منهم، وأن تكون التوقيعات لهم شافية في معانيها، مستوعبة لكشف ظلاماتهم، مؤذنة بإنجاح طلباتهم.
قال أبو هلال العسكري في كتابه «الأوائل»: كان المهديّ يجلس للمظالم
__________
(1) بياض في الأصول بقدر كلمتين. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) الظلامة: ما تظلّمه الرجل.(6/195)
وتدخل القصص إليه، فارتشى بعض أصحابه بتقديم بعضها، فاتخذ بيتا له شبّاك حديد على الطريق تطرح فيه القصص، وكان يدخله وحده فيأخذ ما يقع بيده من القصص أوّلا فأوّلا فينظر فيه لئلّا يقدّم بعضها على بعض.
قال: وقدم عليه رجل فتظلّم فأنصفه فاستخفّه الفرح حتّى غشي عليه، فلمّا أفاق قال: ما حسبت أني أعيش حتى أرى هذا العدل فلما رأيته داخلني من السرور ما زال معه عقلي فقال له المهديّ: كان الواجب أن ننصفك في بلدك، وكان قد صرف في نفقة طريقه عشرين دينارا فأمر له بخمسين دينارا وتحلّل منه.
قال أبو الفضل الصّوريّ: ومهما كان من الرّقاع يحتاج إلى العرض على السلطان، عرضه عليه، وأحسن السّفارة والتلطّف فيه، ووقّع بما يؤمر به، فقد تحدث في هذه الرقاع الأمور المهمّة التي تنتفع بها الدولة، وتستضرّ بتأخير النظر فيها، ويفهم من طيّ هذه الرقاع من جور بعض الولاة والمستخدمين ما توجب السياسة صرفهم عمّا ولّوه منها. ومهما كان منها مما يشكّ السلطان في صحته، ندب من يثق به للكشف مع رافعه، فإن صحّ قوله أنصف من خصمه، وإن بان تمحّله قوبل بما يردع أمثاله عن الكذب والتمرّد، ويعلم الولاة والمشارفون وسائر المستخدمين أنّ السلطان متفرّغ للنظر في قصص الناس وشكاويهم، وقد نصب لذلك من يتفرّغ له ويطالعه بالمهمّ منه فيكفّ أيديهم عن الظلم، ويحذرون سود عاقبة فعلهم، ويقلّ المتظلّمون قولا واحدا، وتحسن سمعة الدولة بذلك فيكون لها به الجمال الكبير.
قلت: والذي يرفع من القصص في معنى ذلك في زماننا على ستة أنواع.
النوع الأوّل منها (ما يرفع إلى السلطان في آحاد الأيّام)
وقد جرت العادة فيه أن يقرأ على السلطان: فما أمضاه منه كتب على ظهر
القصّة ما مثاله «يكتب» ثم تحمل إلى كاتب السر فيعيّنها على بعض كتّاب الإنشاء، فيكتب بمقتضاها ويخلّدها عنده شاهدا له.(6/196)
وقد جرت العادة فيه أن يقرأ على السلطان: فما أمضاه منه كتب على ظهر
القصّة ما مثاله «يكتب» ثم تحمل إلى كاتب السر فيعيّنها على بعض كتّاب الإنشاء، فيكتب بمقتضاها ويخلّدها عنده شاهدا له.
النوع الثاني (ما يرفع لصاحب ديوان الإنشاء)
وقد جرت العادة في ذلك أنّ رافع القصّة والمحتاج إلى الأمثلة الشريفة السلطانية في مهمّاته ومتعلّقاته إن كان من الأعيان والمعتبرين كأحد من الأمراء أو المماليك السلطانية وأكابر أرباب الأقلام، بعث بقصّته لديوان الإنشاء، فيقف عليها صاحب ديوان الإنشاء ويتأمّلها وينظر ما تضمّنته، فإن كان مما يحتاج فيه إلى مخاطبة السلطان ومؤامرته، أخذها ليقرأها عليه عند حضوره بين يديه، ويمتثل ما يأمر به فيها، فيكتب بمقتضاه، سواء طابق سؤال السائل أم لا، ويعيّنها على كاتب من كتّاب الإنشاء، فيكتب بمقتضاها ويخلّد القصة شاهدا عنده. وهذه المثالات ورقها من ديوان الإنشاء من المرتّب السلطاني، وإن كان رافع القصة من غير المعتبرين كآحاد الناس، دفع القصة إلى مدير من مدراء ديوان الإنشاء فيجعل عليها علامة له، ويجمع كلّ مدير ما معه من القصص، وترفع إلى صاحب ديوان الإنشاء، فما كان منها غير سائغ للكتابة عليه قطعه أو ردّه وما كان منها سائغا كتب عليه وعيّنه. وربما استشكل بعضها فأخّره ليقرأه على السلطان وينظر ما يأمر به فيه فيعتمده. وإذا عيّنها على كاتب من كتّاب الإنشاء كتب بمقتضاها وخلّد القصّة عنده شاهدا.
النوع الثالث (ما يرفع من القصص بدار العدل عند جلوس السلطان للحكم في المواكب)
وقد جرت العادة في ذلك أنه إذا ترتّب مجلس السلطان على ما تقدّم في ترتيب المملكة أن القصص تفرّق على كاتب السرّ ومن حضر من كتّاب
الدّست (1)، فيقرأ كاتب السرّ منها ما عنّ له قراءته ثم يقرأ الذي يليه من كتّاب الدّست، ثم الذي يليه إلى آخرهم، ويشير السلطان برأسه أو يده بإمضاء ما شاء منها فيكتب كاتب السرّ أو كاتب الدّست على تلك القصّة بما فيه خلاص قلمه، ثم تحمل إلى ديوان الإنشاء فيعيّنها على من يشاء من كتّاب الإنشاء فيكتبها، ويخلّد تلك القصص عنده شاهدا.(6/197)
وقد جرت العادة في ذلك أنه إذا ترتّب مجلس السلطان على ما تقدّم في ترتيب المملكة أن القصص تفرّق على كاتب السرّ ومن حضر من كتّاب
الدّست (1)، فيقرأ كاتب السرّ منها ما عنّ له قراءته ثم يقرأ الذي يليه من كتّاب الدّست، ثم الذي يليه إلى آخرهم، ويشير السلطان برأسه أو يده بإمضاء ما شاء منها فيكتب كاتب السرّ أو كاتب الدّست على تلك القصّة بما فيه خلاص قلمه، ثم تحمل إلى ديوان الإنشاء فيعيّنها على من يشاء من كتّاب الإنشاء فيكتبها، ويخلّد تلك القصص عنده شاهدا.
النوع الرابع (ما يرفع منها للنائب الكافل، إذا كان ثمّ نائب)
وقد جرت العادة أن النائب يكون عنده كاتب من كتّاب الدّست يجلس بين يديه لقراءة القصص عليه، وتنفيذ ما يكتب عنه. فإذا رفعت القصة إلى النائب الكافل قرأها عليه كاتب الدّست وامتثل أمره فيها، وأصلح في القصّة ما يجب إصلاحه، وضرب على ما يجب الضرب عليه، وزاد بين سطوره ما تقتضيه الزيادة ثم تدفع القصة إلى النائب الكافل، فيكتب على حاشيتها في الوسط آخذا من جهة أسفلها إلى جهة أعلاها بقلم مختصر الطّومار (2) ما مثاله «يكتب» ثم تحمل بعد ذلك إلى كاتب السر فيعيّنها على بعض كتّاب الإنشاء فيكتبها.
النوع الخامس (ما يرفع من القصص إلى الأتابك إذا كان في الدولة أتابك عسكر، وهو الأمير الكبير)
وغالب ما يكون ذلك إذا كان السلطان طفلا أو نحو ذلك. وقد جرت العادة أن يكون عند الأتابك كاتب من كتّاب الدّست أيضا، فإذا رفعت القصة إلى الأتابك، وإن (3) كان الأمر فيها واضحا كخلاص حقّ أو نحوه، كتب كاتب الدّست
__________
(1) عن كتابة الدست انظر الحاشية رقم 2من ص 143من هذا الجزء.
(2) الطومار: الصحيفة، والجمع طوامير.
(3) في الأصل: «فإن».(6/198)
على حاشيتها ما تقتضيه الحال في ذلك من غير قراءتها على الأتابك. وإن كان الأمر فيها غير واضح كما إذا كان الأمر راجعا إلى منازعة خصمين ونحو ذلك، قرأها على الأتابك وامتثل أمره فيها، وكتب عليها ما برز به مرسومه. وفي كلتا الحالتين جرت العادة في زماننا [أنه يعمد] إلى أشهر حرف في اسم الأتابك فيرقمه في آخر ما يكتبه أو تحته كما كان يكتب عن برقوق قبل السلطنة (ق) وعن إيتمش (ش) وعن نوروز (ن) ونحو ذلك.
النوع السادس (ما يرفع منها للدّوادار لتعلّق عنه الرسالة عن السلطان به)
واعلم أن العادة كانت جارية في الزمن المتقدّم أن السلطان إذا أمر بكتابة شيء على لسان أحد من الدّواداريّة، حمل بريديّ من البريديّة الرسالة لذلك عن ذلك الدّوادار إلى كاتب السرّ فيسمع كلام البريديّ ويكتب على القصّة إن كانت، أو ورقة مفردة ما مثاله: «حضرت رسالة على لسان فلان البريديّ بكذا وكذا» ويعيّنه على من يكتبه من كتّاب الإنشاء. ولم يزل الأمر على ذلك إلى الدولة الناصرية «محمد (1) بن قلاوون» فأفرد المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله صاحب ديوان الإنشاء كاتبا من كتّاب الإنشاء لتعليق الرسالة فصار يكتب ما كان كاتب السرّ يكتبه من ذلك على القصص أو الورقة المفردة ثم ترفع إلى كاتب السرّ فيكتب عليها بالأمر بكتابتها ويعيّنها على من يكتب بمقتضاها، وتخلّد القصة أو الورقة التي علّقت فيها الرسالة عنده شاهدا له. واستمرّ ذلك إلى مباشرة القاضي فتح الدين بن شاس أحد كتّاب الدّست عند الدّوادار والدّوادار يومئذ الأمير يونس النّوروزي، فأذن له كاتب السرّ في تعليق الرسالة عن الأمير يونس الدّوادار على ظهور القصص وغيرها ففعل. وكان يكتب على حواشي
__________
(1) هو السلطان الملك الناصر ابن السلطان الملك المنصور كان ملكا عظيما دانت له البلاد وفي مقدمتها مصر والشام توفي سنة 741هـ. أنظر فوات الوفيات (ج 4ص 3635)، والدرر الكامنة (ج 4ص 144)، والنجوم الزاهرة (ج 8ص 41، 115) و (ج 9ص 3)، والاعلام (ج 7ص 11).(6/199)
القصص في وسط القصّة آخذا من جهة اليمين إلى جهة اليسار بميلة إلى الأعلى بقلم دقيق متلاصق الأسطر ما مثاله: «رسم برسالة الجناب العالي الأميري الكبيريّ الشّرفيّ يونس الدّوادار الظاهريّ ضاعف الله تعالى نعمته أن يكتب مثال شريف بكذا أو توقيع شريف بكذا» وما أشبه ذلك، ويؤرخه بيوم الكتابة، ثم تحمل إلى كاتب السرّ فيكتب عليها بالأمر بالكتابة، ويعيّنها على كاتب من كتّاب الإنشاء، فيكتب بمقتضاها ويخلّدها شاهدا عنده، وجرى الأمر على ذلك بعده إلى آخر وقت.
قلت: وقد كان في الدولة الفاطميّة كاتب مفرد لتعليق الرسالة عن الخليفة، يسمّى صاحب القلم الدقيق، يعلّق ما تبرز به أوامر الخليفة في الرّقاع وحواشي القصص، وتحمل إلى ديوان الوزارة، فيعتمدها الوزير، ويبرز أمره إلى ديوان الإنشاء باعتمادها وكتابة ما فيها، على ما تقدّم ذكره في ترتيب الخلافة الفاطمية بالديار المصرية في المقالة الثانية.(6/200)
الفصل الثاني (في التعيين وكيفية كتابة صاحب ديوان الإنشاء على الرّقاع والقصص، وتعيينها على كتّاب الإنشاء)
الطرف الاول
ويختلف الحال في ذلك باختلاف حال الكاتب المعيّن عليه وحال الرّقعة المعيّنة. فأما اختلافه باختلاف حال من يعيّن عليه. فإنه إن كان المعيّن عليه كاتبا من كتّاب الدّست، كتب له كاتب السرّ في التعيين: «المولى القاضي، فلان الدين، أعزّه الله تعالى» وربما رفع قدره على ذلك فيكتب له: «المولى، الأخ، القاضي، فلان الدين أعزّه الله تعالى». وإن كان من كتّاب الدّرج: فإن كان كبيرا كتب له: «المولى فلان الدين». وإن كان صغيرا، كتب له: «الولد فلان الدين» وربما وقع التمييز لبعض كتّاب الدّست أو كتّاب الدّرج للتقدّم بالفضل فكتب له: «المولى، الشيخ فلان الدين» أو «الشيخ فلان الدين» تارة مع الدعاء وتارة دونه.
وأمّا اختلافه باختلاف حال المكتوب الذي يعيّن، فإنه إن كان قصّة بظاهرها خط السلطان «يكتب» فموضع كتابة التعيين تحت خط السلطان بظاهر القصّة، ولا كتابة له عليها غير ذلك.
وإن كان رقعة جميعها بخط كاتب السرّ، فإنه يكتب فيها «يكتب بكذا وكذا» ثم يكتب التعيين بأوّل ذيلها.
وإن كان قصة رفعت إلى كاتب السرّ، فإنه يكتب على حاشيتها في أعاليها آخذا من جهة أسفل القصة إلى أعلاها ما مثاله: «يكتب بذلك» أو «يكتب بكذا
وكذا» ثم يكتب التعيين بحاشيتها أسفل ذلك في عرض الحاشية مميلا للكتابة إلى جهة الأعلى قليلا.(6/201)
وإن كان قصة رفعت إلى كاتب السرّ، فإنه يكتب على حاشيتها في أعاليها آخذا من جهة أسفل القصة إلى أعلاها ما مثاله: «يكتب بذلك» أو «يكتب بكذا
وكذا» ثم يكتب التعيين بحاشيتها أسفل ذلك في عرض الحاشية مميلا للكتابة إلى جهة الأعلى قليلا.
وإن كان قصة عليها خطّ النائب الكافل، فإنه يكتب عليها بالتعيين ليس إلّا، وموضع التعيين فيها بحاشية القصّة أسفل خط النائب.
وإن كان قصة قد كتب بهامشها مرسوم الأتابك أو علّق بحاشيتها رسالة الدّوادار، كتب في جهة أعلى القصة: «يكتب بذلك» وعلى القرب منه التعيين.
وإنما يكتب هنا في جهة أعلى القصة وفيما عليه خطّ النائب الكافل في جهة أسفلها لأنّ التعليق الذي على الهامش فيما علّق عن مرسوم الأتابك أو رسالة الدّوادار بخط كاتب الدّست الذي في خدمته، بخلاف ما عليه خطّ النائب بنفسه.
وإن كان الذي يقع فيه التعيين قائمة من ديوان الوزارة، أو ديوان الخاصّ أو ديوان الإستدّار، كتب بهامش القائمة من أعلاها مقابل كتابة المتحدّث على ذلك الديوان ما مثاله: «يكتب بذلك» ثم يكتب التعيين تحته على القرب منه.
وإن كان الذي يقع فيه التعيين مربعّة إقطاع من ديوان الجيش، كتب بالتعيين في آخرها مقابل التاريخ من الجهة اليمنى، ولا كتابة له عليها غير ذلك.
قلت: وقد جرت عادة كتّاب السرّ في زماننا أنه يكتب على القصص ونحوها، «يكتب بذلك» أو «يكتب بكذا وكذا» على ما تقدّم بيانه بغير لام في أوّله. وكذلك الوزير وناظر الخاصّ والإستدّار يكتبون بغير لام في الأوّل. أما القضاة في الإذن بكتابة المحاضر ونحو ذلك فإنهم يكتبون «ليكتب» بإثبات اللام في أوّله، وهذه اللام تسمى لام الأمر وقد صرّح الإمام أبو (1) جعفر النحاس في
__________
(1) هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي المعروف بالنحّاس، إذ أهل مصر يقولون لمن يعمل الأواني الصفريّة النحّاس. هو نحوي مصري، رحل إلى بغداد وأخذ النحو عن الأخفش الأصغر والمبرّد والزجّاج ونفطويه ثم عاد إلى مصر وصنّف كتبا كثيرة توفي بمصر سنة 338 هـ، وقيل: 337هـ، أنظر وفيات الأعيان (ج 1ص 10099) وبغية الوعاة ص 157.(6/202)
«صناعة الكتّاب» أنه لا يجوز حذفها. وعلى ذلك ورد لفظ القرآن الكريم كما في قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1). وقوله: {ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مََا يَغِيظُ} (2) ونحو ذلك.
وحكى جمال الدين بن هشام في المغني (3) [وقد تحذف اللام في الشعر ويبقى عملها كقوله (طويل):
فلا تستطل منّي بقائي ومدّتي ... ولكن يكن للخير منك نصيب!
وقوله (وافر):
محمّد، تفد نفسك كلّ نفس ... إذا ما خفت من شيء تبالا!] (4)
الطّرف الثاني (5)
(في كتابة الملخّصات والإجابة عنها من الدواوين السلطانية)
قد تقدّم في الكلام على ما ينظر فيه صاحب الديوان أنه لما كان صاحب ديوان الإنشاء يضيق زمنه عن استيعاب حال الكتب الواردة من المملكة لوفورها واتّساع الدولة وكثرة المكاتبين، ناسب أن يتّخذ كاتبا يتصفّح الكتب الواردة ويتأملها، ويلخّص مقاصدها قال أبو الفضل الصّوري في «تذكرته»: والرسم في ذلك أنّ الكاتب الذي يقيمه صاحب الديوان يتسلّم الكتب الواردة ويخرج معانيها على ظهورها، ملخّصا الألفاظ الكثيرة في اللفظ، غير مخلّ بشيء من
__________
(1) سورة الحج 22، الآية 29.
(2) سورة الحج، الآية 15.
(3) أي حكى جواز حذف اللام.
(4) ما بين القوسين بياض في الأصول، وقد نقلناه من مغني اللبيب (ج 1ص 224) والشاعر هنا يخاطب ابنه لما تمنّى موته. أي ليكن ولتفد، والتبال: الوبال، أبدلت الواو المفتوحة تاء مثل تقوى. هكذا قال ابن هشام في مغني اللبيب ص 225. أنظر حاشية الطبعة الأميرية.
(5) لم يتقدم له تقسيم بالأطراف في هذا الباب، ولم يذكر الأول حتى يكون هذا ثانيا له. انظر حاشية الطبعة الأميرية.(6/203)
المعنى ولا محرّف له، مسقطا فضول القول وحشوه، كالدعاء والتصدير والألفاظ المتردّدة.
قال: ويخرج أيضا ما يختصّ بديوان الخراج (1)، من الأمور التي ترد ضمن الكتب في معنى الخراج في أوراق يعيّن فيها الكتب التي وصلت فيها وتاريخها والجهة التي وردت منها، وينصّها على هيئتها، ويوجّهها إلى ديوان الخراج، فيجاب عنها منه، ويستدعي من متولّي ديوان الخراج الجواب عنها ثم يعرض جميع ذلك على الملك، ويستخرج أمره بإمضاء المكاتبة به أو بغيره.
فإن كان بخطّ مخالف للعربيّ، كالرّوميّ والفرنجيّ والأرمنيّ وغيرها، أحضر من يعرف ذلك الخطّ ممن يوثق به ليترجمه في ظهره، فإن كان ذلك المترجم يحسن الخطّ العربيّ، كتب بخطه في ظهر الكتاب ما مثاله «يقول فلان: إني حضرت إلى ديوان الإنشاء وتسلّمت الرّقعة أو الكتاب الذي هذا الخط بظاهره، وسئلت عن تفسيره فذكرت أنه كذا وكذا» ويسرده إلى آخره «وبذلك أشهدت على نفسي» ويشهد عليه شاهدان: «هذا الذي ذكره بلا زيادة ولا نقص».
وإن كان الكتاب مشحونا بالكلام بطنا وظهرا، نقله بخطه بالقلم الذي هو مكتوب به، وترجمه على ظاهره بخطّه بالعربيّ. وإن لم يحسن الكتابة بالعربيّ، كتب عنه الكاتب بمحضر من الشاهدين وأشهد عليه ليهاب أو يحجم فيما يقول، أو يغيّره أو ينقصه لأن أكثر من يترجم على مذهب صاحب الخط، فربما كتم عنه أوداجى فيه. فإذا خوّف بالإشهاد عليه وخشي أنّ غيره قد يقرأه على غير الوجه الذي أشهد به على نفسه ربما أدّى الأمانة فيه، فإذا لخّصت المكاتبة بظاهرها، سلّمت إلى متولّي الديوان ليقابل ظاهرها بباطنها فإن وجده أخلّ فيها بشيء، أضافه بخطه وأنكر عليه إهماله ليتنبّه في المستقبل. فإن لم يكن فيها خلل عرضه على الملك واعتمد أمره فيه، وكتب تحت كل فصل منها ما يجب أن يكون
__________
(1) الخراج، بالفتح: الضريبة والجزية ومال الفيء.(6/204)
جوابا عنه على أحسن الوجوه وأفضلها ثم يسلّمها إلى من يكتب الجواب عنها ممن يعرف اضطلاعه بذلك، ثم يقابل الجواب بالتخريج وما وقّع به تحته فإن وجد فيها خللا سدّه، أو مهملا ذكره، أو سهوا أصلحه. وإن رآها قد كتبت على أفضل الوجوه وأسدّها، لم يفوّت فيها معنى ولم يزد إلا لفظا ينمّق به كتابه ويؤكّد به قوله، عرضها (1) على الملك حينئذ ليعلّم، ثم استدعى من يتولّى الإلصاق فألصقها بحضرته، وجعل على كلّ منها بطاقة يشير فيها إلى مضمونها لئلّا يسأل عن ذلك بعد إلصاقها فلا يعلم ما هو ثم يسلّمها إلى من يتولّى تنفيذها إلى حيث أهّلت له وتسلّم النسخ الملخّصة إلى من يؤهّله لحفظها وترتيبها.
قلت: قد تبيّن بما تقدّم من كلام أبي الفضل الصّوريّ [ما كان عليه الحال في زمنه] والذي عليه حال الديوان في زماننا فيما يتعلق بذلك أن الكتب الواردة إلى الأبواب السلطانية من أهل المملكة وغيرها من سائر الممالك يتلقّاها أكبر الدّواداريّة، وهو مقدّم ألف على ما تقدّم ذكره في الكلام على ترتيب الدّيار المصرية ويحضر القاصد المحضر للكتاب من بريديّ أو غيره، ثم يناوله للسلطان فيفضّ ختامه، وكاتب السرّ جالس بين يديه، فيدفعه السلطان إليه فيقرأه عليه ويستصحبه معه إلى الديوان فإن كان الكتاب عربيّا دفعه كاتب السرّ إلى نائبه أو من يخصّه بذلك ليلخّص معناه، فينعم النظر فيه، ويستوفي فصوله، ويلخّص مقاصدها، ويكتب لكلّ ديوان من الدواوين التي يرفع إليها متعلّق ذلك الكتاب ملخّصا بالفصول المتعلّقة به في ورقة مفردة، ليجاوب عليها متولّي ذلك الديوان بما رسم له من الجواب عنها.
واعلم أن الذي تكتب له الملخّصات في زماننا من الدواوين السلطانية خمسة دواوين، وهي: ديوان الإنشاء، وديوان الوزارة، وديوان الجيش، وديوان الخاصّ، وديوان الإستدّاريّة، وهو الديوان المفرد.
__________
(1) في الأصول: «ثم عرضها» والظاهر أنها زيادة من قلم الناسخ. حاشية الطبعة الأميرية.(6/205)
والطريق إلى كتابة الملخّصات أن يحذف ما في صدر الكتب من الحشو على ما تقدّم في كلام أبي الفضل الصّوري، ثم يعمد إلى مقاصد الكتاب فيستوفي فصوله ويتصوّرها بذهنه، ثم ينظر في متعلّقات تلك الفصول، ويكتب لكل ديوان من الدواوين المتقدّمة ملخّصا بما يتعلق به من الفصول في فصل واحد أو أكثر، بحسب ما تقتضيه قلّة الكلام وكثرته.
وكيفية كتابته أن يترك من رأس الوصل قدر ثلاثة أصابع بياضا، ثم قدر إصبعين بياضا عن يمينه، وقدر إصبعين بياضا عن يساره ويكتب في صدره ما مثاله: «ذكر فلان في مكاتبته الواردة على يد فلان المؤرّخة بكذا وكذا» يمدّ لفظ «ذكر» بين جانبي الوصل، ويكتب باقي الكلام تحتها في أوّل الوصل إلى آخره في العرض من غير خلوّ بياض «أنه اتفق من الأمر ما هو كذا وكذا» أو «أنه سأل في كذا وكذا». ثم يخلّي بياضا قدر أربعة أصابع مثلا ويكتب في وسط الدّرج بخلوّ بياض من الجانبين، «وذكر» على نحو ما تقدّم ثم يكتب باقي الكلام من أوّل الوصل إلى آخره، ويفعل ذلك بكل فصل في الكتاب يتعلّق بذلك الديوان المختص بذلك الملخّص ويكتب في آخر كل فصل «وقد عرض على المسامع الشريفة» و «مهما برزت به المراسيم الشريفة كان العمل بمقتضاه» ونحو ذلك.
ثم إن كان الملخّص لديوان الإنشاء، كتب بأعلى الوصل من ظاهره من الجانب الأيسر منه ما مثاله «ديوان الإنشاء». وإن كان لديوان الجيش كتب هناك ما مثاله «ديوان الجيش». وكذا ديوان الخاصّ وسائر الدواوين المتقدّمة الذكر.
فإذا كملت الملخّصات، وقف عليها كاتب السرّ فما كان منها متعلّقا بديوان الإنشاء عرضه على السلطان واستمطر جوابه عنه، فيكتب مقابله في الملخص «يكتب بذلك» أو «يكتب بكذا وكذا» أو «رسم بذلك» أو «رسم بكذا وكذا». وما كان منها متعلّقا بديوان الوزارة بعث به إلى الوزير وما كان منها متعلقا بديوان الجيش بعث به إلى ناظر الجيش وما كان منها متعلقا بديوان الخاص بعث به إلى ناظر الخاصّ: ليقرأ كلّ منهم ملخّصه على السلطان وينظر ما يأمر به فيه، فما كان كتب به بجانب الفصل الذي كتب به في الملخّص «أمضي ذلك» أو «لم
يمض» أو «رسم بكذا وكذا» ونحو ذلك، وسائر الدواوين على هذا النمط.(6/206)
فإذا كملت الملخّصات، وقف عليها كاتب السرّ فما كان منها متعلّقا بديوان الإنشاء عرضه على السلطان واستمطر جوابه عنه، فيكتب مقابله في الملخص «يكتب بذلك» أو «يكتب بكذا وكذا» أو «رسم بذلك» أو «رسم بكذا وكذا». وما كان منها متعلّقا بديوان الوزارة بعث به إلى الوزير وما كان منها متعلقا بديوان الجيش بعث به إلى ناظر الجيش وما كان منها متعلقا بديوان الخاص بعث به إلى ناظر الخاصّ: ليقرأ كلّ منهم ملخّصه على السلطان وينظر ما يأمر به فيه، فما كان كتب به بجانب الفصل الذي كتب به في الملخّص «أمضي ذلك» أو «لم
يمض» أو «رسم بكذا وكذا» ونحو ذلك، وسائر الدواوين على هذا النمط.
وإن كان الكتّاب غير عربيّ فإن كان بالتركية المغلية ونحوها كالكتب الواردة عن بعض القانات من ملوك الشّرق فإنه يتولى ترجمتها من يوثق به من أخصّاء الدولة، من الأمراء أو الخاصكيّة ونحوهم، ممن يعرف ذلك اللسان ثم يقرأ ترجمته على السلطان، ويعتمد ما يأمر به في جوابه ليكتب به. وإن كان بالرومية أو الفرنجية ونحوهما من اللغات المختلفة، ترجم على نحو ما تقدّم، وكتب ملخّصه وقريء على السلطان والتمس جوابه، وكتب كاتب السرّ على الملخّص بما رسم فيه.(6/207)
الباب الرابع من المقالة الثالثة (في الفواتح والخواتم واللّواحق، وفيه فصلان)
الفصل الأوّل (في الفواتح، وفيه ستة أطراف)
الطّرف الأوّل (في البسملة، وفيه ثلاث جمل)
الجملة الأولى (في أصل الافتتاح بها)
كانت قريش قبل البعثة تكتب في أوّل كتبها «باسمك اللهم» والسبب في كتابتهم ذلك ما ذكره المسعوديّ في «مروج الذهب» عن جماعة من أهل المعرفة بأيّام الناس وأخبار من سلف، كابن دأب، والهيثم بن عديّ، وأبي مخنف لوط ابن يحيى، ومحمد بن السائب الكلبيّ، أن أميّة بن أبي الصّلت (1) الثّقفيّ خرج إلى
__________
(1) هو شاعر جاهلي عاقل، كان قد علم أن نبيّا يبعث من العرب، وكان يقول أشعارا على آراء أهل الديانة يذكر فيها خلق السموات والأرض والشمس والقمر والملائكة ويذكر الأنبياء والبعث والجنة والنار، ويعظم الله عزّ وجلّ ويوحّده، من ذلك قوله (منسوخ) الحمد لله لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما
وكان أول من كتب «باسمك اللهم» إلى أن جاء الله عزّ وجلّ بالإسلام فرفع ذلك وكتب «بسم الله الرحمن الرحيم» أنظر مروج الذهب (ج 1ص 7067)، وطبقات الشعراء ص 100 102، والشعر والشعراء (ج 1ص 372369) والأغاني (ج 4ص 137123).(6/208)
الشأم في نفر من ثقيف وقريش في عير لهم (1)، فلما قفلوا راجعين [نزلوا منزلا واجتمعوا لعشائهم، إذ] (2) أقبلت حيّة صغيرة حتّى دنت منهم فحصبها (3)
بعضهم بحجر في وجهها فرجعت، فشدّوا سفرتهم، ثم قاموا فشدّوا على إبلهم وارتحلوا من منزلهم، فلما برزوا من المنزل (4)، أشرفت عليهم عجوز من كثيب رمل متوكّئة على عصا (5)، فقالت: ما منعكم أن تطعموا رحيبة (6)، اليتيمة الصغيرة التي باتت لطعامكم عليلة، قالوا: وما (7) أنت؟ قالت أمّ العوام، أرملت (8) منذ أعوام أما وربّ العباد، لتفرّقنّ (9) في البلاد، ثم ضربت بعصاها الأرض وأثارت بها الرمل، وقالت: أطيلي إيابهم، وفرّقي ركابهم! فوثبت الإبل كأنّ على ذروة كلّ منها شيطانا، ما يملكون منها شيئا حتّى افترقت في الوادي، فجمعوها من آخر النهار إلى غدوة، فلما أناخوا الرّواحل طلعت عليهم العجوز وفعلت كما فعلت أوّلا وعادت لمقالها الأوّل، فخرجت الإبل كما خرجت في اليوم الأوّل، فجمعوها من غد. فلما أنا خوها ليرحلوها، فعلت العجوز مثل فعلها في اليوم الأوّل والثاني فنفرت الإبل وأمسوا في ليلة مقمرة ويئسوا من ظهورهم فقالوا لأميّة بن أبي الصّلت: أين ما كنت تخبرنا به عن نفسك وعلمك؟
__________
(1) في الأصول «وغيرهم» وهو تصحيف، والتصحيح عن المسعوديّ في مروج الذهب (ج 1ص 68) أنظر حاشية الطبعة الأميرية.
(2) الزيادة عن مروج الذهب (ج 1ص 68) ليتضح الكلام. انظر حاشية الطبعة الأميرية.
(3) حصبها بعضهم بحجر: أي رماها بحجر.
(4) في مروج الذهب: «فلما نزلوا عن المنزل أشرفت».
(5) في مروج الذهب (ج 1ص 68): «على عصا لها».
(6) في نفس المصدر والصفحة: «ما منعكم أن تطعموا رحيمة، الجارية اليتيمة، التي جاءتكم عشية؟» وفي الأغاني (ج 4ص 129): «ما منعكم أن تطعموا رحيمة الجارية اليتيمة التي جاءتكم عشية؟
قالوا.».
(7) في مروج الذهب: «ومن أنت»؟
(8) في نفس المصدر والصفحة: «أوتمت» أي أصابها اليتم. وأرملت: أصبحت أرمل.
(9) في نفس المصدر والصفحة: «لتفترقن» وهكذا ورد كل النص في مروج الذهب ولكن باختلاف يسير عما هنا.(6/209)
[فقال: اذهبوا أنتم في طلب الإبل ودعوني] (1). فتوجّه إلى الكثيب الذي كانت تأتي منه العجوز حتّى هبط من ثنيّته (2) الأخرى، ثم صعد كثيبا آخر حتّى هبط منه ثم رفعت له كنيسة فيها قناديل ورجل معترض مضطجع على بابها، وإذا رجل جالس أبيض الرأس واللحية. قال أميّة: فلمّا وقفت قال لي: [إنك لمتبوع.
قلت أجل. قال: فمن أين يأتيك صاحبك؟ قلت: من أذني اليسرى. قال: فبأيّ الثّياب يأمرك؟ قلت: بالسّواد. قال: هذا خطيب الجنّ، كدت ولم تفعل، ولكن صاحب هذا الأمر يكلّمه في أذنه اليمنى، وأحبّ الثياب إليه البياض. فلما جاء بك وما (3)]. حاجتك؟ فحدّثته حديث العجوز. فقال (4): هي امرأة يهوديّة هلك زوجها منذ أعوام، وإنها لن تزال تفعل بكم ذلك حتّى تهلككم إن استطاعت قال أميّة: قلت فما الحيلة قال: اجمعوا ظهركم فإذا جاءتكم وفعلت ما كانت تفعل، فقولوا سبعا من فوق وسبعا من أسفل «باسمك اللهمّ» فإنها لن تضرّكم.
فرجع أميّة إلى أصحابه فأخبرهم بما قيل له وجاءتهم العجوز ففعلت كما كانت تفعل فقالوا سبعا من فوق وسبعا من أسفل باسمك اللهمّ فلم تضرّهم. فلما رأت الإبل لا تتحرّك، قالت: قد علّمكم صاحبكم، ليبيّضنّ الله أعلاه وليسوّدنّ أسفله. وساروا فلما أدركهم الصبح، نظروا إلى أميّة قد برص في غرّته (5)
ورقبته وصدره واسودّ أسفله. فلما قدموا مكة ذكروا هذا الحديث، فكتبت (6)
قريش في أوّل كتبها «باسمك اللهمّ» فكان أوّل ما كتبها أهل مكة وجاء الإسلام والأمر على ذلك.
__________
(1) الزيادة عن الأغاني (ج 4ص 130).
(2) أي من ناحية أخرى.
(3) الزيادة عن مروج الذهب (ج 1ص 7069).
(4) في مروج الذهب: «قال: صدقت، وليست بصادقة، وهي امرأة».
(5) في مروج الذهب (ج 1ص 70) والأغاني (ج 4ص 130): «عذاريه».
(6) في مروج الذهب: «وكان أمية أول من كتب باسمك اللهمّ» إلى أن جاء الله عزّ وجلّ بالاسلام فرد ذلك، وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم.(6/210)
قال إبراهيم بن محمد الشيبانيّ: ولم تزل الكتب تفتتح «باسمك اللهم» حتّى نزل قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمََانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} (1)
فاستفتح بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصارت سنّة بعده. وروى محمد بن سعد في طبقاته، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كات يكتب كما تكتب قريش «باسمك اللهمّ» حتّى نزل عليه {وَقََالَ ارْكَبُوا فِيهََا بِسْمِ اللََّهِ مَجْرََاهََا وَمُرْسََاهََا} (2). فكتب باسم الله، حتّى نزل {قُلِ ادْعُوا اللََّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمََنَ} (3). فكتب «بسم الله الرحمن» حتّى نزل {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمََانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} (4) فكتب «بسم الله الرحمن الرحيم». وذكر في «موادّ البيان» نحوه.
وعن سفيان الثوريّ أنه كان يكره للرجل أن يكتب شيئا حتّى يكتب «بسم الله الرحمن الرحيم». وعن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يكره أن يكتب كتابا أو غيره حتّى يبدأ ب «بسم الله الرحمن الرحيم». وعن سعيد بن جبير أنه كان يقول: لا يصلح كتاب إلا أن يكون أوّله «بسم الله الرحمن الرحيم».
وهذه الأحاديث والآثار كلّها ظاهرة في استحباب الابتداء بالبسملة فيما يكتب به من أصناف المكاتبات والولايات وغيرها، وعلى ذلك مصطلح كتّاب الإنشاء في القديم والحديث، إلا أنهم قد اصطلحوا على حذفها من أوائل التّواقيع والمراسيم الصّغار، كالتي على ظهور القصص ونحوها، وكأنهم أخذوا ذلك من مفهوم ما رواه أبو داود وابن ماجة في سننهما وأبو عوانة الأسفرايينيّ في مسنده عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع» يعني ناقص البركة، وما يكتب في التواقيع والمراسيم الصغار ليس من الأمور المهمّة فناسب ترك البسملة في أوّلها
__________
(1) سورة النمل 27، الآية 30.
(2) سورة هود 11، الآية 41.
(3) سورة الاسراء 17، الآية 110.
(4) سورة النمل، الآية 30.(6/211)
لكن قد ذكر محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدواة» أنّ أهل العلم كرهوا حذف البسملة من التواقيع والسّراحات وذمّوه. وقد كان القاضي علاء الدّين الكركيّ كاتب السرّ في الدولة الظاهرية «برقوق» في أوّل سلطنته الثانية أمر بأن يكتب في أوّلها بسملة بقلم دقيق، ثم بطل ذلك بعد موته وبقي الأمر على ما كان عليه أوّلا. ثم قد اختلف في كتابتها أمام الشّعر، فذهب سعيد بن المسيّب والزّهريّ إلى منع ذلك. وذهب سعيد بن جبير وإبراهيم النّخعيّ إلى جوازه.
ويروى مثله عن ابن عباس، رضي الله عنه، قال أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» ورأيت عليّ بن سليمان يميل إليه. قال محمد بن عمر المدائنيّ: ولا بأس إن يكن (1) بين الشّعر وبينها كلام، مثل أنشدني فلان الفلانيّ وشبه ذلك، فأما أن يصله بها فلا يجوز.
الجملة الثانية (في الحثّ على تحسينها في الكتابة وما يجب من ترتيبها في الوضع)
أما الحثّ على تحسينها في الكتابة، فينبغي للكتاب أن يبالغ في تحسينها في الكتابة ما استطاع تعظيما لله تعالى. فقد روي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من كتب بسم الله الرحمن الرحيم فحسّنه أحسن الله إليه». وعن واصل مولى أبي عيينة قال: سمعت حمّادا يقول: كانوا يحبّون أن تحسّن بسم الله الرحمن الرحيم.
وأما ما يجب من ترتيبها، فأوّل ما يجب من ذلك إطالة الباء لتدلّ على الألف المحذوفة منها لكثرة الاستعمال، ثم إثبات السين بأسنانها الثلاث، غير مرسل لها إرسالا كما يفعله بعض الكتّاب، فقد كره ذلك أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب، رضي الله عنه، وزيد بن ثابت والحسن وابن سيرين، حتّى يروى أن عمر رضي الله عنه ضرب كاتبا على حذف السين منها فقيل له: فيم ضربك
__________
(1) في الأصول: «أن يكون» ولكن يأباه المعنى وبقية الكلام. حاشية الطبعة الأميرية.(6/212)
عمر» فقال: في سين، فجرى مثلا. ويروى أن غلاما لعمر بن عبد العزيز كتب إليه من مصر كتابا ولم يجعل لبسم الله الرحمن الرحيم سينا، فكتب إليه عمر يأمره بالقدوم عليه، فلما قدم قال: اجعل لبسم الله الرحمن الرحيم سينا وانصرف إلى مصر. وكذلك لا يمدّ الباء قبل السين ثم يكتب السين بعد المدّة كما يفعله بعض كتّاب المغاربة، فقد روى محمد بن عمر المدائنيّ من حديث شعيب بن [أبي] الأشعث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فلا يمدّها قبل السين. يعني الباء» وعن ليث عن مجاهد يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم نحوه. ويروى مثله عن ابن عمر، وابن سيرين. وعن عبد العزيز ابن عبد الله وعبد الله بن دينار وغيرهما أن العلماء كانوا يكرهون ذلك وينهون عنه أشدّ النهي حتّى روي عن الضحّاك بن مزاحم أنه قال: وددت أنّي لو رأيت الأيدي تقطع فيه. نعم يستحبّ المدّبين السين والميم كما هو عادة كتّاب المصريين وأهل المشرق. وكذلك استحسنوا مدّ الحاء من الرحمن قبل الميم وقالوا: إنه من حسن البيان، حتّى يروى أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عمّاله إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم فليمدّ الرحمن. وهذا مما يتعاطاه كتّاب المغرب دون كتّاب مصر وأهل المشرق. أما غير ذلك من وجوه التحسين فيأتي الكلام (1) عليه في الكلام على الخط إن شاء الله تعالى.
الجملة الثالثة (في بيان موضعها من المكتوب ويتعلّق به أمران)
الأمر الأوّل (تقدّمها في الكتابة)
فيجب تقديمها في أوّل الكلام المقصود، من مكاتبة أو ولاية أو منشور إقطاع أو
__________
(1) مضى الكلام على الخط في أوائل الجزء الثالث من هذا الكتاب وبيّن المؤلف هناك أوضاع البسملة وكيفية كتابتها أوضح بيان ولعله سها هنا وجلّ من لا يسهو. أنظر حاشية الطبعة الأميرية.(6/213)
غير ذلك، تبرّكا بالابتداء بها وتيمّنا بذكرها، وعملا بالأخبار والآثار المتقدمة في الجملة الأولى. على أنه قد اختلف في معنى قوله تعالى حكاية عن بلقيس حين ألقي إليها كتاب سليمان عليه السّلام: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتََابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمََانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ أَلََّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} (1):
فذهب بعض المفسرين إلى أن قوله {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمََانَ} من كلام بلقيس، وإنها حكت الكتاب بقولها: {وَإِنَّهُ بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} إلى آخر الآية، فيكون ابتداء الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم، ويكون ذلك احتجاجا على وجوب تقديمها. وذهب آخرون إلى أن قوله {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمََانَ} بداية كتاب سليمان، فيكون سليمان عليه السّلام، قد بدأ في كتابه باسمه. فإن قيل كيف ساغ على ذلك تقديم اسمه على اسم الله تعالى في الذّكر مع أنّ الأنبياء عليهم السّلام أشدّ الناس أدبا مع الله تعالى؟ فالجواب ما قيل: إنه كان عادة ملوك الكفر أنه إذا ورد عليهم كتاب بما يكرهون ربما مزّقوا أعلاه أو تفلوا (2) فيه، فجعل سليمان عليه السّلام اسمه تقيّة لاسم الله تعالى فذكره أوّلا. ومن هنا اصطلح الكتّاب في الكتب الصادرة عن ملوك الإسلام إلى ملوك الكفر بكتابة ألقاب الملك المكتوب عنه في وصل فوق البسملة، تأسّيا بسليمان عليه السّلام.
أما ما يكتب في طرّة الولايات من العهود والتقاليد وغيرها، فإنه في الحقيقة جزء من المكتوب، فلا يوصف بأنه شيء مقدّم على البسملة. وأما الطغراة (3) التي كانت توضع في مناشير الإقطاعات في وصل بين وصل الطّرّة والبسملة فيها ألقاب السلطان على ما سيأتي في الكلام على كتابة المناشير في موضعه إن شاء الله تعالى، فإنها كتابة أجنبيّة مكتوبة بخطّ غير الكاتب فلم تنسب
__________
(1) سورة النمل 27، الآيات 29و 30و 31.
(2) تفلوا فيه: بصقوا فيه.
(3) الذي في كتب اللغة «الطغراء» بالهمزة وهي علامة ترسم على مناشير السلطان ومسكوكاته يدرج فيها اسمه واسم والده مع لقبه وذلك على هيئة مخصوصة.(6/214)
في الحقيقة إلى التقديم. على أن ذلك قد بطل في زماننا. وهاتان المسألتان المتعلّقتان بالطّغراة المكتوبة في المناشير ومكاتبات أهل الكفر مما سأل عنه الشيخ جمال الدين بن نباتة في رسالته التي كتبها إلى كتّاب ديوان الإنشاء بالشام، في مباشرة الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ، حين بلغه أن بعضهم وقع فيه.
الأمر الثاني (إفرادها في الكتابة)
قال محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدواة»: ينبغي للكاتب أن يفرد البسملة في سطر وحدها، تبجيلا لاسم الله تعالى وإعظاما وتوقيرا له ثم ساق بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «نهى أن يكتب في سطر بسم الله الرحمن الرحيم غيرها». وعلى هذه الطريقة جرى كتّاب الإنشاء في مكاتبتهم وسائر ما يصدر عنهم. أما النّسّاخ وكتّاب الوثائق فربما كتبوا بعدها في سطرها «الحمد لله» أو «الصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ونحو ذلك.
وكذلك يكتب القضاة «الحمدلة» في علامات الثّبوت في المكاتيب الشرعيّة.
الطرف الثاني (في الحمدلة)
لما كان الحمد مطلوبا في أوائل الأمور طلبا للتيمّن والتبرّك، عملا بما رواه الراوون لحديث البسملة المتقدّم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ أمر ذي بال لايبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم» (1) اصطلح الكتّاب على الابتداء به في الكثير مما يكتبونه من المكاتبات والولايات وغيرهما مما له شأن وبال، كمكاتبات أكثر الملوك من قانات الشّرق، وكلّ ما تضمّن نعمة من المكاتبات ونحو ذلك، وكالبيعات والعهود والتقاليد على رأي من يرى افتتاحها
__________
(1) الأجذم: المقطوع، وهنا بمعنى الناقص.(6/215)
بالخطب، وغير ذلك مما يأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. بل ربما كرّروا الحمد المرّات المتعددة إلى السّبع في الخطبة الواحدة، على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى، وأتوا بالحمد لله بعد البسملة تأسّيا بكتاب الله تعالى، من حيث أن البسملة آية من الفاتحة كما هو مذهب الشافعيّ (1) رضي الله عنه، أو فاتحة لها وإن لم تكن منها كما هو مذهب غيره. أما سائر المكاتبات والولايات المفتتحة بغير الحمد، فإنما حذف منها الحمد استصغارا لشأنها، إذ كان الابتداء بالحمد إنما يكون في أمر له بال كما دل عليه الحديث المتقدّم، وسيأتي الكلام على كل شيء من ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
قال في «الصناعتين»: وإنما افتتح الكلام بالحمد لأن النفوس تتشوّف للثناء على الله تعالى، والافتتاح بما تتشوّف النفوس إليه مطلوب. وربما أتى الكتّاب بالحمد بعد البعديّة فكتبوا: أما بعد حمد الله، أو «أما بعد فالحمد لله» فأما الصيغة الأولى فالحمد مقدّم فيها معنى وإن لم يذكر لفظا لأن قوله أما بعد حمد الله يقتضي تقدّم حمد الله، وأما الصيغة الثانية فإنها تقتضي تقدّم شيء على الحمد، ولا شك أنّ المقدّم هنا هو البسملة على ما سيأتي في الكلام على أما بعد فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ثم قد يستعمل الحمد بصيغة الفعل كقولهم في المكاتبات: فإني أحمد إليك الله. وقد اختلف في أيّ الصيغتين أبلغ صيغة الحمد لله، أو صيغة أحمد الله، فذهب المحقّقون إلى أن صيغة الحمد لله أبلغ، لما فيها من معنى الاستغراق والثبوت والاستمرار على ما هو مقرّر في علم المعاني. وذهب ذاهبون
__________
(1) هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي القرشي، نشأ في مكة وتلقى فيها العلم وحفظ القرآن مع موطا مالك بن أنس. توفي بمصر سنة 204هـ. ويتلخص مذهبه في إيثار العودة إلى نصوص القرآن والسنّة، إلى جانب أخذه بفتاوى الصحابة لاثبات بعض الأحكام. أنظر وفيات الأعيان (ج 4ص 169163)، والفهرست لابن النديم ص 263. وتاريخ بغداد (ج 2ص 7356) وتذكرة الحفاظ (ج 1ص 329)، وتهذيب التهذيب (ج 9ص 25).(6/216)
إلى أن صيغة أحمد الله أبلغ لأن القائل «الحمد لله» حاك لكون الحمد لله، بخلاف القائل «أحمد الله» فإنه حامد بنفسه، ولذلك يؤتى بالتحميد ثانيا في الخطب بصيغة الفعل.
وله في الاستعمال ثلاث صيغ:
الصيغة الأولى
«يحمده أمير المؤمنين» فيما إذا كان ذلك صادرا عن الخليفة في مكاتبة أو غيرها.
الصيغة الثانية
«نحمده» إما بنون الجمع الحقيقية كما إذا كان ذلك صادرا عن (1) مثل أن يؤتى بذلك في بيعة لخليفة أو نحوها، أو بنون الجمع للتعظيم كما إذا كان ذلك صادرا عن السلطان نحو ما يقع في خطب التقاليد والتواقيع في زماننا.
الصيغة الثالثة
«أحمده» بلفظ الإفراد، كما إذا كان ذلك صادرا عن واحد فقط حيث لا تعظيم له.
الطرف الثالث (في التشهد في الخطب)
قد جرت عادة المتأخّرين بالإتيان بالتشهّد بعد التحميد في الخطب ويكون تابعا لصيغة التحميد، فإن كان قد قيل يحمده أمير المؤمنين، قيل بعده:
ويشهد وإن كان قد قيل نحمده، قيل بعده: ونشهد وإن كان بعد أما بعد حمد الله، قيل والشهادة له بالجرّ عطفا على حمد. على أن الخطب الموجودة في مكاتبات المتقدّمين لا تشهّد فيها. ومستند المتأخّرين في ذلك ما رواه أبو داود والترمذي وصحّحه البيهقي أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ خطبة ليس فيها تشهّد فهي كاليد الجذماء».
__________
(1) بياض في الأصول ولعله «عن متعددين» حاشية الطبعة الأميرية.(6/217)
الطرف الرابع (في الصلاة والسّلام على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله وصحبه في أوائل الكتب)
لا نزاع في أن الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مطلوبة في الجملة، وناهيك في ذلك قوله تعالى في محكم التنزيل: {إِنَّ اللََّهَ وَمَلََائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (1) والأحاديث الواردة في الحثّ على ذلك أكثر من أن تحصر، فناسب أن تكون في أوائل الكتب، تيمّنا وتبرّكا. وقد جاء في تفسير قوله تعالى: {وَرَفَعْنََا لَكَ ذِكْرَكَ} (2) أن المعنى ما ذكرت إلا وذكرت معي. فإذا أتي بالحمد في أوّل كتاب، ناسب أن يؤتى بالصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أوّله، إتيانا بذكره بعد ذكر الله تعالى. وقد روي من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صلّى عليّ في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب». قال الشيخ عماد الدين في تفسيره: إلا أنه ضعيف، ضعّفه المحدّثون. قال محمد بن عمر المدائنيّ في «كتاب القلم والدواة»: وقد رأينا بعض الكتّاب لا يرى الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الكتب، فباءوا بأعظم الوزر مع ما فاتهم من الثواب.
وأمّا السّلام عليه صلّى الله عليه وسلّم بعد التصلية، فقد قال الشيخ محيي الدين النوويّ في كتابه «الأذكار»: وإذا صلّى على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فليجمع بين الصلاة والتسليم ولا يقتصر على أحدهما فلا يقال صلّى الله عليه فقط، ولا عليه السلام فقط. قال الشيخ عماد الدين بن كثير: وهذا منتزع من قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ وَمَلََائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية (3).
وأما الصلاة على الآل والصحب بعد الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقد نقل
__________
(1) سورة الأحزاب 33، الآية 56.
(2) سورة الانشراح 94، الآية 4.
(3) أو الآية التي سبق ورودها في هذه الصفحة من هذا الكتاب.(6/218)
الشيخ عماد الدين بن كثير في تفسيره الإجماع على جواز الصلاة على غير الأنبياء عليهم السّلام بطريق التبعيّة، مثل أن يقال: اللهمّ صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريّته ونحو ذلك. ثم قال: وعلى هذا يخرج ما يكتبونه من قولهم: وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه فلا نزاع فيه، وإنما الخلاف في جواز إفراد غير الأنبياء عليهم السّلام بالصلاة: فأجازه قوم محتجّين بنحو قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} (1) وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى». ومنعه آخرون احتجاجا بأن الصلاة صارت شعارا للأنبياء عليهم السّلام فلا يلحق بهم غيرهم، فلا يقال: أبو بكر صلّى الله عليه وسلّم وإن كان المعنى صحيحا، كما لا يقال: محمد عزّ وجلّ، وإن كان عزيزا جليلا.
ثم الصحيح من مذهب الشافعيّ، رضي الله عنه، أن ذلك لا يجوز في غير التبعية. وحكى النوويّ في «الأذكار» فيه قولا بأنه كراهة تحريم، وقولا بأنه كراهة تنزيه، وقولا بأنه خلاف الأولى، ورجّح كونه كراهة تنزيه، لأنه شعار أهل البدع (2).
وأما السّلام على غير الأنبياء فحكى النوويّ عن أبي محمد الجوينيّ منعه في الغائب من حيّ وميّت وأنه لا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: عليّ عليه السّلام، بخلاف الحاضر فإنه يخاطب به.
إذا علمت ذلك فالصلاة وتوابعها في أوائل الكتب قد تكون بعد التحميد في الخطبة كما في الولايات [والمكاتبات] المفتتحة بالخطب من البيعات والعهود والتقاليد والتفاويض والتّواقيع والمراسيم وغيرها، وكما في الكتب المفتتحة بالخطب. وقد تكون في صدور المكاتبات المفتتحة بغير الخطب، كما كان يكتب في القديم في صدور المكاتبات «وأسأله أن يصلّي على محمد
__________
(1) سورة التوبة 9، الآية 103.
(2) البدع: ج بدعة، وهي زيادة في الدين أو نقصان منه، وقيل: ما أحدث وخالف كتابا أو سنّة.(6/219)
عبده ورسوله» وهو مما أحدثه الرشيد في المكاتبات. قال في «ذخيرة الكتّاب»: وكان ذلك من أجلّ مناقبه. وكان الخلفاء الفاطميون بمصر يقولون عن لسان الخليفة: ويسأله أن يصلّي على جدّه محمد، ويخصون الصلاة بعده بأمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه على طريقة الشّيعة.
الطرف الخامس (في السّلام في أوّل الكتب)
إنما جعل السّلام في ابتداء الكتب وصدورها لأنه تحية الإسلام المطلوبة لتأليف القلوب، فكما أنه يفتتح به الكلام طلبا للتأليف كذلك تفتتح به المكاتبات وتصدّر طلبا للتأليف، إذ يقول صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبّئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم! أفشوا السّلام بينكم». قال في «الصناعتين»: وتقول في أوّل كتابك:
«سلام عليك» وفي آخره «والسّلام عليك «والمعنى فيه أن الأوّل نكرة إذ لم يتقدّم له ذكر والثاني معرفة يشار به إلى السّلام الأوّل على حدّ قوله تعالى:
{كَمََا أَرْسَلْنََا إِلى ََ فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى ََ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} (1) فأتى في الأوّل بتنكير الرسول وفي الثاني بتعريفه. وكذلك قال تعالى في سورة مريم في قصة يحيى عليه السّلام: {وَسَلََامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} [2]
لعدم تقدّم ذكر السّلام ثم قال بعد ذلك في قصّة عيسى عليه السّلام:
{وَالسَّلََامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} (3) وإلى ذلك يشير أحمد بن يوسف بقوله: اكتب في أوّل كتابك سلام عليك واجعله تحية، وفي آخره «والسّلام عليك» واجعله وداعا. وذلك أن سلام التحية يكون ابتداء فيكون نكرة، وسلام الوداع يكون انتهاء فيكون معرفة لرجوعه إلى الأوّل. وقد
__________
(1) سورة المزّمّل 73، الآيتان 15و 16.
(2) سورة مريم 19، الآية 15.
(3) سورة مريم، الآية 33.(6/220)
كره بعض العلماء أن يقال في الإبتداء: عليك السّلام، احتجاجا بما روي عن أبي مكعت الأسديّ أنه قال «أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنشدته»: (متقارب) يقول أبو مكعت صادقا: ... عليك السّلام أبا القاسم!
فقال: يا أبا مكعت عليك السّلام تحيّة الموتى». وجعل ابن حاجب النّعمان من ذلك قول عبدة (1) بن الطّبيب: (طويل) عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحّما (2)
قال ابن حاجب النعمان: ويكتب السّلام بإسقاط الألف في صدر الكتاب وعجزه. قال أبو جعفر النحاس: وقولهم في أوّل الكتاب سلام عليك، بالرفع ويجوز فيه النصب والاختيار الرفع وإن كان النّحاة قد قالوا: إنّ ما كان مشتقّا من فعل فالاختيار فيه النصب نحو قولك سقيا لك لأن معنى السّلام في الرفع أعمّ، إذ ليس يريد أفعل فعلا، فيكون المعنى تحية عليك بنصب تحية. وقيل: سلام عليك بمعنى سلام لك. وسيأتي الكلام على إتباع السّلام الرحمة في الكلام على الخواتم فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الطّرف السادس (في أما بعد)
اعلم أن «أما بعد» تستعمل في صدور المكاتبات والولايات وربما استعملت في ابتدائها. وهي مركّبة من لفظين أحدهما «أما» والثاني «بعد». فأما «أما» فحرف شرط و «بعد» ظرف زمان إذا أفرد بني على الضم، قال تعالى:
__________
(1) هو من بني عبشمس بن كعب بن مناة بن تميم. أنظر ترجمته في الشعر والشعراء (ج 2ص 613)، والأغاني (ج 18ص 163).
(2) البيت من أبيات قالها في رثاء قيس بن عاصم السعدي التميمي المتوفى نحو 20هـ أنظر الأبيات في الشعر والشعراء (ج 2ص 614) وحماسة ابي تمام بشرح التبريزي (ج 2ص 145).(6/221)
{لِلََّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} (1) وأجاز الفرّاء أما بعدا بالنصب والتنوين، وأما بعد بالرفع والتنوين. وأجاز هشام أما بعد بفتح الدال ومنعه النحاس وقال: إنه غير معروف.
ثم «أمّا» تقع في كلام العرب لتوكيد الخبر، والفاء لازمة لها لتصل ما بعدها بالحرف الملاصق لما قبلها، فتقول أما بعد أطال الله بقاءك! فإنّي قد نظرت في الأمر الذي ذكرته. ويجوز أمّا بعد فأطال الله بقاءك إني نظرت في ذلك، فتثبت الفاء في أطال وإن كان معترضا لقربه من أما، ويجوز أما بعد فأطال الله بقاءك فإنّي نظرت، ويجوز أما بعد ثمّ أطال الله بقاءك فإنّي نظرت حكى ذلك كلّه النحاس، ثم قال: وأجودها الأوّل وهو اختيار النحويين. قال: وأجود منه أما بعد فإني نظرت أطال الله بقاءك. فإن أضيفت بعد إلى ما بعدها فتحت فتقول أما بعد حمد الله ونحو ذلك. قال في «ذخيرة الكتاب» وإذا كانت بعد البسملة فمعناه أما بعد قولنا «بسم الله الرحمن الرحيم» فقد كان كذا وكذا.
وقد اختلف في أوّل من قال أما بعد: فقيل داود عليه السلام، وبه فسّر فصل الخطاب في قوله تعالى: {وَآتَيْنََاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطََابِ} [2] على أحد الأقوال، وقيل أوّل من قالها كعب بن لؤيّ جدّ النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقيل أوّل من قالها قسّ بن (3) ساعدة الإياديّ. قال سيبويه: ومعناها مهما يكن من شيء.
__________
(1) سورة الرّوم 30، الآية 4.
(2) سورة ص 38، الآية 20.
(3) هو أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم في الجاهلية، يقال: إنه أول من قال في كلامه «أمّا بعد» طالت حياته وأدركه النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل النبوّة. توفي نحو 23ق. هـ أنظر البيان والتبيين (ج 1ص 27)، والأغاني (ج 15ص 192)، وشرح المقامات الحريرية للشر يشي (ج 2ص 251)، والأعلام (ج 5 ص 196).(6/222)
الفصل الثاني (في الخواتم واللّواحق، وفيه سبعة أطراف)
الطرف الأوّل (في الاستثناء بالمشيئة، بأن يكتب إن شاء الله تعالى، وفيه جملتان)
الجملة الأولى (في الحثّ على كتابة إن شاء الله تعالى)
اعلم أنه يستحبّ للكاتب عند انتهاء ما يكتبه، من مكاتبة أو ولاية أو غيرهما أن يكتب «إن شاء الله تعالى» تبرّكا ورغبة في نجاح مقصد الكتاب، فقد ورد الحثّ على التعليق بمشيئة الله تعالى والنّدب إليه قال تعالى: {وَلََا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فََاعِلٌ ذََلِكَ غَداً إِلََّا أَنْ يَشََاءَ اللََّهُ} (1). وذمّ قوما [على ترك الاستثناء] (2) فقال: {إِنََّا بَلَوْنََاهُمْ كَمََا بَلَوْنََا أَصْحََابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهََا مُصْبِحِينَ وَلََا يَسْتَثْنُونَ فَطََافَ عَلَيْهََا طََائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نََائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} (3) إلى آخر القصّة. قال أصحاب السّير: كان باليمن رجل له جنّة يأخذ منها قوت سنته ويتصدّق بالباقي، وكان يترك للمساكين ما أخطأ المنجل من الزّرع أو القطّاف من العنب والنّخل وما بقي على البساط الذي يبسط تحت النّخلة، فلمّا مات شحّ بنوه على المساكين بما كان يتركه أبوهم وحلفوا على قطعها في الغلس (4) كيلا يدركهم الفقراء فأصابتها نار في الليل فاحترقت
__________
(1) سورة الكهف 18، الآيتان 23و 24.
(2) الزيادة عن كتاب الضوء للمؤلف، حاشية الطبعة الأميرية.
(3) سورة القلم 68، الآيات 17، 18، 19، 20.
(4) الغلس: ظلمة آخر الليل.(6/223)
وأصبحت كالصّريم يعني الليل المظلم. قال المفسرون: والمراد بقوله: {وَلََا يَسْتَثْنُونَ} أنهم لم يقولوا إن شاء الله تعالى. قال الزمخشريّ: وسمّي استثناء وإن كان بمعنى الشرط لأنه يؤدّي مؤدّى الاستثناء من حيث أن معنى قولك لأخرجنّ إن شاء الله ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد.
واعلم أن الاستثناء لا يدخل على ماض، فلا يقال: ما فعلت ذلك إن شاء الله، وإنما يدخل على مستقبل فتقول لا أفعل ذلك إن شاء الله، على حدّ قوله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللََّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيََا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرََامَ إِنْ شََاءَ اللََّهُ آمِنِينَ} [1]. وكذلك كلّ ما فيه معنى الاستقبال، كما قال تعالى حكاية عن يوسف عليه السّلام: {وَقََالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شََاءَ اللََّهُ آمِنِينَ} (2) ونحو ذلك.
أما ما ورد من ذلك بلفظ المضيّ مثل قول القائل لزوجته أنت طالق إن شاء الله فإنه وإن لم يكن مستقبلا لفظا، فإنه مستقبل معنى، إذ معناه الإنشاء وإلا لما وقع به الطلاق. إذا علمت ذلك، فلفظ «إن شاء الله تعالى» في آخر المكاتبة أو الولاية ونحوهما يكون معلّقا بآخر المكتوب مما يناسب ذلك، كتعلّقها بالتأييد من قوله والله تعالى يؤيّده بمنّه وكرمه إن شاء الله تعالى، ونحو ذلك.
الجملة الثانية (في محل كتابتها وصورة وضعها في الدّرج)
لا نزاع في أنها أوّل خاتمة تكتب من خواتم المكتوب، فمحلّها من الدّرج أسفل المكتوب، في وسط الوصل، مكتنفة ببياض عن يمينها وشمالها، وبينها وبين السّطر الآخر من المكتوب كما بين سطرين أو دونه.
وقد جرت عادة الكتّاب في كتابتها بأنها إن كانت بقلم الرّقاع كما في
__________
(1) سورة الفتح 48، الآية 27.
(2) سورة يوسف 12، الآية 99.(6/224)
القطع الصغير، كتبت معلّقة مسلسلة على هذه الصورة الله تعالى أو ما قاربها، وإن كانت بقلم جليل كالثلث ونحوه، كتبت واضحة مبينّة، والغالب فيها أن تكون على هذه الصورة ان شالله تعالى. قال جمال الدّين بن شيث في «معالم الكتابة»: ولا يضيف الكاتب إليها شيئا في سطرها، بل تكون مفردة في سطر واحد.
الطّرف الثاني (في التاريخ، وفيه ثماني (1) جمل)
الجملة الأولى (في معناه)
وقد اختلف في أصل لفظه فذهب قوم إلى أنه عربيّ، وأن معناه نهاية الشيء وآخره، يقال فلان تاريخ قومه إذا انتهى إليه شرفهم، وعليه يدلّ كلام صاحب «موادّ البيان» وابن حاجب النعمان في «ذخيرة الكتّاب» ونقل الشيخ علاء الدين بن الشاطر في «زيجه» عن بعض أهل اللّغة أن معناه التأخير فيكون مقلوبا منه. وذهب آخرون إلى أنه فارسيّ، وأن أصله «ماه زور» فعرّب مورخ، ثم جعل اسمه التاريخ، وإليه يرجع كلام السلطان عماد الدين صاحب حماة رحمه الله في تاريخه، ويقال منه أرّخت وورّخت بالهمزة والواو لغتان، ولذلك قالوا في مصدره تأريخ وتوريخ، كما يقال تأكيد وتوكيد. قال في «ذخيرة الكتّاب»: «أرّخت» لغة قيس، و «ورّخت» لغة تميم. قال أبو هلال العسكريّ في كتاب «الأوائل»: ولا تكاد «ورّخت» تستعمل اليوم، وكأنّ الكتّاب كانوا قد رفضوا هذه اللغة في زمانه وإلا فهي لغة مستعملة إلى الآن، إلا أنها لما غلبت في ألسنة العوامّ ابتذلت. قال الشيخ «أثير الدين أبو حيان» في شرح التسهيل: والتاريخ هو عدد الليالي والأيام بالنظر إلى ما مضى من السنة أو الشهر
__________
(1) في الأصل «ثمان جمل»، وهو خطأ.(6/225)
وإلى ما تبقّى منهما، قال في «موادّ البيان»: وهو محقّق للخبر، دالّ على قرب عهد الكتاب وبعده.
الجملة الثانية (في وجه الاحتياج إليه)
قال محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدواة»: أجمعت العلماء والحكماء والأدباء والكتّاب والحسّاب على كتابة التاريخ في جميع المكتتبات.
قال صاحب (1) «نهاية الأرب»: ولا غنية عنه، لأن التاريخ يستدلّ به على بعد مسافة الكتاب وقربها، وتحقيق الأخبار على ما هي عليه. وقد قال بعض أئمة الحديث: لما استعملوا الكذب استعملنا لهم التاريخ. وقد اصطلح الكتّاب على أنهم يؤرّخون المكاتبات والولايات ونحوها مما يصدر عن الملوك والنّواب والأمراء والوزراء وقضاة القضاة ومن ضاهاهم، بخلاف المكاتبات الصادرة عن آحاد الناس، فإنه لم تجر العادة فيها بكتابة تاريخ.
الجملة الثالثة (في بيان أصول التواريخ)
وهو على قسمين
قال القضاعيّ في «عيون المعارف في تاريخ الخلائف»: كانت الأمم السالفة تؤرّخ بالحوادث العظام وبملك الملوك، فكان التاريخ بهبوط آدم عليه السّلام، ثم بمبعث نوح، ثم بالطّوفان، ثم بنار إبراهيم عليه السّلام.
ثم تفرق بنو أبراهيم فأرّخ بنو إسحاق بنار إبراهيم إلى يوسف ومن يوسف إلى مبعث موسى عليه السّلام ومن موسى إلى ملك سليمان عليه السّلام. ثم بما كان من الكوائن. ومنهم من أرّخ بوفاة يعقوب عليه السّلام، ثم
__________
(1) هو أحمد بن عبد الوهاب التيمي البكري، شهاب الدين النويري، عالم بحّاث غزير الاطلاع، له نظم يسير ونثر جيد، ويكفيه أنه مصنف نهاية الأرب في فنون الأدب. توفي في القاهرة سنة 733 هـ. انظر البداية والنهاية (ج 14ص 164).(6/226)
بخروج موسى من مصر ببني إسرائيل، ثم بخراب بيت المقدس.
وأما بنو إسماعيل، فأرّحوا ببناء الكعبة، ولم يزالوا يؤرّخون بذلك حتّى تفرّقت بنو معدّ، وكان كلّما خرج قوم من تهامة (1) أرّخوا بخروجهم. ثم أرّخوا بيوم (2) الفجار، ثم بعام الفيل (3).
وكان بنو معدّ بن عدنان يؤرّخون بغلبة جرهم العماليق وإخراجهم إيّاهم من الحرم. ثم أرّخوا بأيّام الحروب: كحرب بني وائل، وحرب (4) البسوس، وحرب (5) داحس.
__________
(1) تهامة، بكسر التاء: من اليمن، تساير البحر، سميت بذلك لشدة حرّها وركود ريحها، وهو من التهم وهو شدة الحر، ويقال: سميت بذلك لتغير هوائها. معجم البلدان (ج 2ص 6463).
(2) المقصود على الأرجح يوم الفجار الثاني الذي كان بعد الفيل بعشرين سنة، وبعد موت عبد المطلب باثنتي عشرة سنة، إذ لم يكن في أيام العرب أشهر منه، ولا أعظم. كان الظفر فيه لقريش وكنانة على قيس. سمّي الفجار لما استحلّ الحيّان كنانة وقيس فيه من المحارم، ويقال: سمّت قريش هذه الحرب فجارا لأنها كانت في الأشهر الحرم، فلما قاتلوا فيها قالوا: قد فجرنا، فسمّيت فجارا. أما الفجار الأول، فلم يكن فيه كثير أمر ليذكر، وكان بين قريش ومن معها من كنانة كلها وبين قيس عيلان. أنظر الكامل في التاريخ (ج 1ص 595588)، والعقد الفريد (ج 4ص 1716) ولسان العرب مادة (فجر).
(3) عام الفيل هو العام الذي ولد فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم. أنظر هذا الجزء ص 231و 233.
(4) هاجت حرب البسوس بين بكر وتغلب أربعين سنة حتى ضرب بها العرب المثل في الشؤم، فقالت:
«أشأم من البسوس» والبسوس هي بنت منقذ التيمية خالة جساس بن مرّة الشيباني. أنظر مجمع الأمثال للميداني (ج 1ص 376374) تحت رقم 2028. ولسان العرب مادة (بسس).
(5) هاجت حرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان أربعين سنة. وداحس اسم فرس معروف مشهور لقيس بن زهير بن جذيمة العبسي، والغبراء فرس حذيفة بن بدر الفزاري، وكان حذيفة قد راهن قيسا على السباق بينه وبين فرسه الغبراء ثم أجرياهما. وكان حذيفة قد أقام زهير بن عمر الفزاري في كمين على طريقهما حتى إذا سبق داحس ينفّره لتسبق الغبراء، وكان كذلك، فوقع الخلاف بين الحيين ثم انتشب بينهم القتال. وقتل خلق كثير من الفريقين، فصار داحس مثلا في الشؤم، يقال:
أشأم من داحس». ونسبت الحرب إليه فقيل: حرب داحس. أنظر الكامل في التاريخ (ج 1 ص 583566) ولسان العرب مادة (دحس) ومجمع الأمثال للميداني (ج 1ص 380379) تحت رقم 2033.(6/227)
وكانت حمير وكهلان يؤرّخون بملوكهم التّبابعة، وبنار ضرار (1)، وهي نار ظهرت ببعض خراب اليمن، وبسيل (2) العرم، ثم أرّخوا بظهور الحبشة على اليمين.
وأما اليونان والرّوم (3)، فكانوا يؤرّخون بملك بختنصّر ثم أرّخوا بملك دقلطيانوس القبطيّ.
وأما الفرس فكانوا يؤرّخون بآدم عليه السّلام، ثم أرّخوا بقتل دارا وظهور الإسكندر عليه، ثم بملك يزدجرد (4). والذي ذكره السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه في دائرة اتصال التواريخ القديمة بالهجرة عشرون تاريخا، ذكر ما بينها وبين الهجرة من السنين، إلا أنه لم يراع الترتيب في بعضها، وأهمل منها تاريخ يزدجرد لوقوعه بعد الهجرة.
وبالجملة فالتواريخ على قسمين:
القسم الأوّل (ما قبل الهجرة، وقد أوردت منه تسعة عشر تاريخا)
الأوّل من هبوط آدم عليه السّلام
. وقد اختلف فيما بينه وبين الهجرة
__________
(1) أي نار ضارّة، يقال: ضرّه ضرارا بفتح الضاد وكسرها. روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: «لا ضرر في الإسلام». ومعنى قوله: «لا ضرر» أي لا يضرّ الرجل أخاه، وهو ضد النفع، وقوله: «ولا ضرار» أي لا يضارّ كلّ واحد منهما صاحبه، لسان العرب مادة (ضرر).
(2) العرم: السيل الذي لا يطاق، أو هو ما يمسك الماء من بناء وغيره إلى وقت حاجته. وعلى هذا يكون سيل العرم من باب إضافة الشيء إلى نفسه لاختلاف اللفظين. ومنه قوله تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنََا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} سورة سبأ 34، الآية 16. والمعنى: أعرضوا عن شكر الله وكفروا، فأرسلنا عليهم سيل واديهم الممسوك فأغرق أموالهم. انظر تفسير الجلالين، ولسان العرب مادة (عرم).
(3) ذكر المسعودي في مروج الذهب (ج 2ص 210) أن تاريخ الروم والسريانيين يبدأ من أول السنة من ملك الاسكندر، وكان أولها يوم الاثنين.
(4) ذكر المسعودي في مروج الذهب (ج 2ص 210) أن تاريخ الفرس يبدأ من أول السنة التي ملك فيها يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز وكان أولها يوم الثلاثاء.(6/228)
اختلافا فاحشا فمقتضى ما في التوراة اليونانيّة على اختيار المؤرّخين أنّ بينهما ستة آلاف سنة ومائتين وستّ عشرة سنة (1)، وعلى اختيار المنجّمين أنّ بينهما خمسة آلاف وسبعمائة (2) وتسعا وستين سنة.
ومقتضى ما في التوراة السامريّة على اختيار المؤرّخين خمسة آلاف ومائة وسبع وثلاثون سنة، وعلى اختيار المنجّمين ينقص عن ذلك.
ومقتضى ما في التوراة العبرانيّة، على اختيار المؤرّخين أن بينهما أربعة آلاف وسبعمائة وإحدى وأربعين سنة، وعلى اختيار المنجّمين ينقص مائتين وتسعا وأربعين (3) سنة.
الثاني من الطّوفان
. وبينه وبين الهجرة ثلاثة آلاف وتسعمائة وأربع وتسعون (4) سنة على اختيار المؤرّخين، وعلى اختيار المنجّمين ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وعشرون سنة وثلاثمائة (5) وستة أيامّ.
الثالث من تبلبل الألسن
. وبينه وبين الهجرة على اختيار المؤرّخين ثلاثة آلاف وثلاثمائة وأربع وستون (6) سنة، وعلى اختيار المنجّمين ينقص عن ذلك مائتين وتسعا وأربعين سنة.
الرابع من مولد إبراهيم عليه السّلام
. وبينه وبين الهجرة على اختيار المؤرّخين ألفان وثمانمائة وثلاث وتسعون سنة، وعلى اختيار المنجّمين ينقص عن ذلك مائتين وتسعا وأربعين سنة.
__________
(1) هكذا في مختصر أبي الفداء (ج 2ص 25).
(2) في الكامل في التاريخ لابن الأثير (ج 1ص 14) خمسة آلاف سنة وتسعمائة واثنتين وتسعين سنة وشهرا. وفي مختصر أبي الفداء: خمسة آلاف وتسعمائة وسبع وستون سنة.
(3) هكذا في مختصر أبي الفداء، وفي تاريخ ابن الأثير أربعة آلاف سنة وستمائة واثنتان وأربعون سنة.
(4) في مختصر أبي الفداء: وأربع وسبعون سنة.
(5) في مختصر أبي الفداء: وخمس وعشرون سنة فقط.
(6) في مختصر أبي الفداء: ثلاثة آلاف وثلاثمائة وأربع سنين.(6/229)
الخامس من بناء إبراهيم الكعبة
. وبينه وبين الهجرة ألفان وسبعمائة وثلاث وسبعون (1) سنة.
السادس من وفاة موسى عليه السّلام
. وبينه وبين الهجرة على اختيار المؤرّخين ألفان وثلاثمائة وثمان وأربعون سنة.
السابع من عمارة سليمان عليه السّلام بيت المقدس
. وبينه وبين الهجرة ألف وثمانمائة وستّون سنة (2).
الثامن من ابتداء ملك بختنصّر
. وبينه وبين الهجرة ألف وثلاثمائة وتسع وستون سنة. قال صاحب حماة: بلا خلاف.
التاسع من تخريب بختنصّر بيت المقدس
. وبينه وبين الهجرة ألف وثلاثمائة وخمسون سنة.
العاشر من ملك فيلبس أبي الإسكندر
. وبينه وبين الهجرة تسعمائة وخمس (3) وأربعون سنة ومائة وسبعة عشر يوما.
الحادي عشر من غلبة الإسكندر على ملك فارس وقتل دارا ملك الفرس
. وبينه وبين الهجرة تسعمائة واثنتان (4) وثلاثون سنة ومائتان وتسعون يوما.
الثاني عشر من مولد المسيح عليه السّلام
. وبينه وبين الهجرة ستّمائة وإحدى وثلاثون سنة.
الثالث عشر من ملك أرديالونص
(5). وبينه وبين الهجرة خمسمائة وتسع
__________
(1) في مختصر أبي الفداء (ج 2ص 25): ألفان وسبعمائة ونحو ثلاث وتسعين سنة.
(2) في المصدر السابق: «ألف وثمانمائة وقريب سنتين».
(3) في المصدر السابق ص 26: «تسعمائة وسبع وعشرون سنة».
(4) في المصدر السابق: «تسعمائة وأربع وثلاثون سنة».
(5) في مختصر أبي الفداء: «أذريانس».(6/230)
وستون (1) سنة.
الرابع عشر من ملك أردشير (2) أوّل ملوك الأكاسرة من الفرس
. وبينه وبين الهجرة أربعمائة واثنتان وعشرون سنة.
الخامس عشر من خراب بيت المقدس المرّة الثانية
، وبينه وبين الهجرة ثلاثمائة (3) وستّ وأربعون سنة.
السادس عشر من ملك دقلطيانوس (4)، آخر عبدة الأصنام من ملوك الروم على القبط
. وبينه وبين الهجرة ثلاثمائة (5) وسبع وثلاثون سنة وأحد وعشرون يوما.
السابع عشر من غلبة أغشطش ملك الروم على قلوبطرا ملكة اليونان ومصر
. وبينه وبين الهجرة مائتان (6) وخمسون سنة ومائتان وستة وأربعون يوما.
الثامن عشر من عام الفيل
، وهو العام الذي ولد فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم. وبينه وبين الهجرة ثلاث وخمسون سنة وشهران وثمانية أيام.
التاسع عشر من مبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم
. وبينه وبين الهجرة ثلاث (7) عشرة سنة وشهران وثمانية أيام.
__________
(1) في المصدر السابق: «خمسمائة وسبع سنين».
(2) هو أردشير بن بابك.
(3) في نفس المصدر: «خمسمائة وثمان وخمسون سنة، وكان لمضي أربعين سنة من رفع المسيح عليه السّلام وهو تاريخ تشتّت اليهود إلى الآن».
(4) في المصدر السابق: «دوقلطيانس».
(5) في المصدر السابق: «ثلاثمائة وتسع وثلاثون سنة».
(6) في نفس المصدر: «ستمائة واثنتان وخمسون سنة» وهو أشبه بالصواب لأن غلبة أغشطش على قلوبطرا كان قبل مولد المسيح بإحدى وعشرين سنة.
(7) في الأصل: «ثلاث وعشرون سنة وشهر وثمانية أيام»، وهذا تحريف، والتصحيح من كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير (ج 2ص 108107) ومختصر أبي الفداء. أنظر أيضا حاشية الطبعة الأميرية.(6/231)
القسم الثاني (ما بعد الهجرة)
وفيه تاريخ واحد، وهو من هلاك يزدجرد آخر ملوك الفرس. وكان بعد الهجرة بعشر سنين وثمانية وسبعين يوما.
الجملة الرابعة (في أصل وضع التاريخ الإسلاميّ وبنائه على الهجرة دون غيرها)
وقد اختلف في أصل ذلك، فحكى أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» عن محمد بن جرير، أنه روى بسنده إلى ابن شهاب أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا قدم المدينة وقدمها في شهر ربيع الأوّل أمر بالتاريخ. وعلى هذا فيكون ابتداء التاريخ في عام الهجرة. قال النحاس: والمعروف عند العلماء أن ابتداء التاريخ بالهجرة كان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثم اختلف في السبب الموجب لذلك، فذكر النحاس أن السبب فيه أن عامل عمر بن الخطاب رضى الله عنه باليمن قدم عليه فقال: أما تؤرّخون كتبكم؟ فاتخذوا التاريخ. ووافقه على ذلك صاحب «موادّ البيان». وذكر أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» أن السبب فيه أن أبا موسى الأشعريّ كتب إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه: إنه يأتينا من قبل أمير المؤمنين كتب لا ندري على أيّها نعمل قد قرأنا [كتابا منها] (1) محلّه شعبان، فما ندري في أيّ الشّعبانين ألماضي أو الآتي، فأحدث عمر التاريخ. وتبعه على ذلك ابن حاجب النعمان في «ذخيرة الكتّاب». وذكر صاحب حماة في تاريخه، أنه رفع إلى عمر رضي الله عنه صكّ محلّه شعبان فقال: أيّ شعبان، لا ندري ألذي نحن فيه أم الذي هو آت، ثم جمع وجوه الصحابة وقال: إنّ الأموال قد كثرت، وما
__________
(1) بياض بالأصول والتصحيح من كتاب ضوء الصبح للمؤلف. نفس حاشية الطبعة الأميرية.(6/232)
قسمناه منها غير مؤقّت فكيف التوصّل إلى ما يضبط به ذلك؟ فقالوا: يجب أن نعرف ذلك من أمور الفرس، فاستحضر الهرمزان (1) وسأله فقال: إن لنا حسابا نسمّيه (ماه زور) ومعناه حساب الشّهور والأيام فعمل عمر التاريخ.
الجملة الخامسة (في بيان صورة ابتدائهم وضع التاريخ من الهجرة)
قال في «ذخيرة الكتّاب»: لما أراد عمر التأريخ، جمع الناس للمشورة، فقال بعضهم: نؤرّخ بمبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال بعضهم: بل بوفاته وقال بعضهم: بل بهجرته من مكة إلى المدينة لأنها أوّل ظهور الإسلام وقوّته.
فصوّبه عمر واجتمع رأيه عليه وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد ولد في عام الفيل المقدّم ذكره في التواريخ القديمة. قال في «ذخيرة الكتّاب»: وكان وقوع ذلك في اليوم الثاني عشر من شباط سنة ثمانمائة واثنتين وثمانين لذي القرنين. وبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على رأس أربعين سنة من ولادته، وأقام بمكة بعد النبوّة عشر (2)
سنين ثم هاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأوّل بعد عشر من النبوّة، وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة منه.
ثم بعد اتفاقهم على التأريخ من الهجرة اختلفوا في الشهر الذي تقع البداءة (3) به، فأشار بعضهم بالبداءة برمضان لشرفه وعظمه فقال عمر بل بالمحرّم لأنه منصرف الناس من حجّهم، فرجعوا (4) القهقرى ثمانية وستين يوما، وهي القدر الذي مضى من أوّل المحرّم [إلى ذلك الوقت] (5) واستقر تاريخ الإسلام من الهجرة.
__________
(1) الهرمزان، بضم أوله وسكون ثانيه وضم ثالثه: الهرمز والهارموز أي الكبير من ملوك العجم.
(2) ينظر ذلك مع ما تقدم من أن بين المبعث والهجرة ثلاث عشرة سنة. حاشية الطبعة الأميرية.
(3) البداءة، بضم الباء: أول الحال والنشأة والبدء.
(4) أي رجعوا إلى خلف، والقهقرى ضرب من الرجوع.
(5) الزيادة من كتاب ضوء الصبح للمؤلف، حاشية الطبعة الأميرية.(6/233)
قال القضاعي في «عيون المعارف»: وكان ذلك في سنة تسع عشرة أو ثماني عشرة من الهجرة.
قلت: واستقرّت تواريخ الأمم على أربعة تواريخ، ابتداء بعضها مقدّم على ابتداء بعض.
أوّلها غلبة الإسكندر على الفرس. وعليه تاريخ السّريان والرّوم إلى زماننا.
والثاني ملك دقلطيانوس ملك الروم على القبط. وعليه تاريخ القبط إلى زماننا.
والثالث الهجرة النبوّية على صاحبها أفضل الصلاة والسّلام. وعليها مدار التاريخ الإسلاميّ.
والرابع هلاك يزدجرد آخر ملوك الفرس. وبه تؤرّخ الفرس إلى زماننا، وقد تقدّم بيان بعد ما بين تاريخ كلّ من غلبة الإسكندر وملك دقلطيانوس وبين الهجرة في القبلية، وبعد ما بين تاريخ يزدجرد وبين الهجرة في البعدية في الكلام على أصول التواريخ، مع ما سبق في المقالة الأولى في بيان ما يحتاج إليه الكاتب من ذكر مقدار سنة كلّ منها وعددها من الأيام، وسيأتي الكلام على استخراج بعضها من بعض فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الجملة السادسة (في كيفيّة تقييد التاريخ في الكتابة بزمن معيّن، وهو ضربان)
الضرب الأوّل (التاريخ العربيّ)
ومداره الليالي دون الأيام لأن سني العرب قمريّة، والقمر أوّل ما يظهر للأبصار هلالا في الليل، فتكون الليالي بهذا الاعتبار سابقة للأيّام، إذ اليوم عندهم عبارة عن النهار، وهو إما من طلوع الفجر على ما ورد به الشرع في
الصوم ونحوه، وإما من طلوع الشمس على رأي المنجّمين. قال أبو إسحاق الزجاجيّ في كتابه «الجمل»: وإنما حمل على الليالي دون الأيام لأن أوّل الشهر ليله، فلو حمل على الأيام سقطت منه ليلة. قال الشيخ أثير الدين أبو حيّان في «شرح التسهيل»: واستغني بالليالي عن الأيام للعلم أن مع كلّ ليلة يوما، فإذا مضى عدد من الليالي مضى مثله من الأيام، فيجوز أن يستغنى بذكر أحدهما عن الآخر. وقد ذكر جمال الدين عبد الرحيم بن شيث في كتابه «معالم الكتابة»، أن كتب السلطان والأعيان تؤرّخ بالليالي، والكتب من الأدنى إلى الأعلى تؤرّخ بالأيام. ولم أعلم من أين أخذ ذلك ولا ما مستنده فيه.(6/234)
ومداره الليالي دون الأيام لأن سني العرب قمريّة، والقمر أوّل ما يظهر للأبصار هلالا في الليل، فتكون الليالي بهذا الاعتبار سابقة للأيّام، إذ اليوم عندهم عبارة عن النهار، وهو إما من طلوع الفجر على ما ورد به الشرع في
الصوم ونحوه، وإما من طلوع الشمس على رأي المنجّمين. قال أبو إسحاق الزجاجيّ في كتابه «الجمل»: وإنما حمل على الليالي دون الأيام لأن أوّل الشهر ليله، فلو حمل على الأيام سقطت منه ليلة. قال الشيخ أثير الدين أبو حيّان في «شرح التسهيل»: واستغني بالليالي عن الأيام للعلم أن مع كلّ ليلة يوما، فإذا مضى عدد من الليالي مضى مثله من الأيام، فيجوز أن يستغنى بذكر أحدهما عن الآخر. وقد ذكر جمال الدين عبد الرحيم بن شيث في كتابه «معالم الكتابة»، أن كتب السلطان والأعيان تؤرّخ بالليالي، والكتب من الأدنى إلى الأعلى تؤرّخ بالأيام. ولم أعلم من أين أخذ ذلك ولا ما مستنده فيه.
إذا علم ذلك فلكتابة التاريخ ثلاثة اعتبارات:
الاعتبار الأوّل (أن يؤرّخ ببعض ليالي الشهر، وله ستّ حالات)
الحالة الأولى (أن تقع الكتابة في الليلة الأولى من الشهر، أو في اليوم الأوّل منه)
فإن كانت الكتابة في الليلة الأولى منه فقد ذكر أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتاب» أنه يكتب «كتب غرّة شهر كذا، أو [أوّل] (1) ليلة من كذا، أو مستهلّ شهر كذا، أو مهلّ شهر كذا». وحكى الشيخ أثير الدين أبو حيّان مثل ذلك عن بعضهم، وزاد أنه يكتب أيضا «كتب أوّل شهر كذا».
قال النحاس: لا يجوز حينئذ لليلة خلت ولا مضت لأنهم في الليلة بعد.
قال في «ذخيرة الكتّاب»: وربما كتب بعض الكتّاب ليلة الاستهلال «لليلة [تخلو] (2)».
__________
(1) الزيادة من كتاب ضوء الصبح للمؤلف. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) بياض بالأصول. والتصحيح عن كتاب ضوء الصبح، حاشية الطبعة الأميرية.(6/235)
وإن كانت الكتابة في اليوم الأوّل، وهو النهار الذي يلي الليلة الأولى من الشهر، كتب «ليلة خلت أو مضت من شهر كذا». قال النحاس: ويجوز «كتب لغرّة الشهر أو لأوّل يوم من الشهر» ومنع أن يقال حينئذ: أوّل ليلة من شهر كذا، أو مستهلّ شهر كذا، أو مهلّ شهر كذا، موجّها لذلك بأن الاستهلال إنما يقع في الليل. وتبعه على ذلك ابن حاجب النعمان في «ذخيرة الكتّاب» وصاحب «موادّ البيان» وبه جزم الشيخ جمال الدين بن هشام في ورقاته في الوراقة.
وكلام ابن مالك في التسهيل يوهم جواز ذلك فإنه قد قال: فيقال أوّل الشهر، كتب لأوّل ليلة منه، أو لغرّته أو مهلّه أو مستهلّه. وأوّل الشهر أعمّ من اليوم والليلة بل هو إلى الليلة أقرب لأن الليلة سابقة بالأوّلية.
قال الشيخ أثير الدين: ومفتتح الشهر أوّل يوم منه. ومقتضى كلامه أنه يؤرّخ بالمفتتح في اليوم الأوّل من الشهر دون الليلة وفيه نظر، بل الظاهر جواز استعماله فيهما، بل الليلة بالمفتتح أولى لسبقها اليوم كما تقدّم، أللهم إلا أن يراعى فيه موافقة المفتتح لليوم في التذكير دون الليلة لتأنيثها. قال في «موادّ البيان»: والعرب تسمّي أوّل ليلة من الشهر النّحيرة، ولكن لا تستعمله الكتّاب في التواريخ.
الحالة الثانية (أن تقع الكتابة فيما بعد مضيّ اليوم الأوّل من الشهر إلى آخر العشر)
فإن كان قد مضى منه ليلتان، كتب «لليلتين خلتا من شهر كذا، أو لليلتين مضتا منه» قال في «ذخيرة الكتّاب»: ولا يكتب ليوم خلا ولا ليومين خلوا لأن ذكر الليالي في باب التأريخ أغلب، كما تقول ليلة السبت وليلة الأحد، فتضيف الليلة إلى اليوم لأنها أسبق، ولا تضيف اليوم إلى الليلة.
وحكى الشيخ أثير الدين أبو حيّان أنه إذا مضى من الشهر يوم كتب «ليوم مضى» وإذا مضى يومان كتب «ليومين مضيا». والتحقيق في ذلك أنه يختلف الحال فيه باختلاف الكتابة في الليل والنهار فإن كتب في الليلة الثانية، ناسب
أن يكتب «ليوم خلا من شهر كذا» لأنه إن كتب لليلتين خلتا فهو في الليلة الثانية بعد، وإن كتب لليلة خلت لم يظهر الفرق بينه وبين الكتابة في اليوم الأوّل من الشهر. وإن كتب في اليوم الثاني من الشهر، ناسب أن يكتب لليلتين خلتا أو مضتا. وإن كان قد مضى من الشهر ثلاث ليال، كتب لثلاث خلون أو مضين من شهر كذا، أو لثلاث ليال خلون أو مضين. ويجوز فيه لثلاث خلت أو لثلاث ليال خلت على قلّة وكذا في الباقي إلى العشر فتقول: لعشر خلون أو مضين، أو لعشر ليال خلون أو مضين، أو لعشر، أو لعشر ليال خلت أو مضت على اللغة القليلة.(6/236)
وحكى الشيخ أثير الدين أبو حيّان أنه إذا مضى من الشهر يوم كتب «ليوم مضى» وإذا مضى يومان كتب «ليومين مضيا». والتحقيق في ذلك أنه يختلف الحال فيه باختلاف الكتابة في الليل والنهار فإن كتب في الليلة الثانية، ناسب
أن يكتب «ليوم خلا من شهر كذا» لأنه إن كتب لليلتين خلتا فهو في الليلة الثانية بعد، وإن كتب لليلة خلت لم يظهر الفرق بينه وبين الكتابة في اليوم الأوّل من الشهر. وإن كتب في اليوم الثاني من الشهر، ناسب أن يكتب لليلتين خلتا أو مضتا. وإن كان قد مضى من الشهر ثلاث ليال، كتب لثلاث خلون أو مضين من شهر كذا، أو لثلاث ليال خلون أو مضين. ويجوز فيه لثلاث خلت أو لثلاث ليال خلت على قلّة وكذا في الباقي إلى العشر فتقول: لعشر خلون أو مضين، أو لعشر ليال خلون أو مضين، أو لعشر، أو لعشر ليال خلت أو مضت على اللغة القليلة.
الحالة الثالثة (أن تقع الكتابة فيما بعد العشر إلى النصف)
فيكتب لأحدى عشرة خلت أو مضت من شهر كذا. أو لإحدى عشرة ليلة خلت أو مضت، ويجوز فيه لإحدى عشرة خلون أو لإحدى عشرة ليلة خلون على قلة. وكذا في الباقي إلى النصف من الشهر. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: فإن صرّح بالمميز وكان مذكّرا، أعيد الضمير عليه فيقال: لأحد عشر يوما خلا أو مضى ونحو ذلك.
الحالة الرابعة (أن تقع الكتابة في الخامس عشر من الشهر)
فيكتب: «كتب لنصف شهر كذا». قال النحاس: وأجازوا لخمس عشرة ليلة خلت أو مضت. وكلام ابن مالك في «التسهيل» يشير إلى جواز لخمس عشرة ليلة خلت أو مضت [أو بقيت] (1) على رأي من يجوّز التاريخ بالباقي.
ولو حذف ذكر الليلة فقال: لخمس عشرة خلت أو مضت أو بقيت صحّ. قال في «التسهيل» والتاريخ بالنصف أجود.
__________
(1) الزيادة لازمة ليصح الكلام، حاشية الطبعة الأميرية.(6/237)
الحالة الخامسة (أن تقع الكتابة فيما بعد النصف من الشهر إلى الليلة الأخيرة منه)
وفيه لأهل الصناعة مذهبان:
المذهب الأوّل
أن يؤرّخ بالماضي من الشهر كما في قبل النصف، فيقال: لستّ عشرة خلت أو مضت، أو لستّ عشرة ليلة خلت أو مضت. وكذا إلى العشرين فيقال: لعشرين خلت أو مضت، أو لعشرين ليلة خلت أو مضت، وكذا في البواقي إلى آخر التاسع والعشرين، فيكون التاريخ في جميع الشهر من أوّله إلى آخره بالماضي دون الباقي فرارا من المجهول إلى المحقّق، وهو مذهب الفقهاء لأنه لا يعرف هل الشهر تامّ أو ناقص. قال النحاس: ورأيت عليّ بن سليمان يختاره. قال في «ذخيرة الكتّاب»: وهو أثبت وحجّته أقوى.
ثم لا شكّ أنّ من يرى التاريخ باليوم يجوّز لستة عشر خلا أو مضى من شهر كذا، وكذا فيما بعده.
المذهب الثاني
أن يؤرّخ بما بقي من الشهر. وللمؤرّخين فيه طريقان:
الطريق الأوّل
أن يجزم بالتاريخ بالباقي فيكتب لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر كذا، ثم لثلاث عشرة ليلة بقيت، وهكذا إلى الليلة الأخيرة من الشهر فيكتب لليلة بقيت، وهو مذهب الكتّاب. قال النحاس: ورأيت بعض العلماء وأهل النظر يصوّبونه، لأنهم إنما يكتبون ذلك على أن الشهر تامّ، وقد عرف معناه وأن كاتبه وقارئه إنما يريد إذا كان الشهر تامّا فلا يحتاج إلى التلفّظ به. قال محمد بن عمر المدائنى: واحتجّوا لذلك بأن معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، حين كتب عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لابن الحضرميّ كتب في آخر الكتاب: «وكتب معاوية بن أبي سفيان لثلاث ليال بقين من ذي القعدة (1) بعد فتح مكة سنة
__________
(1) ذو القعدة: هو الشهر الحادي عشر من السنة القمرية، يقع بين شوّال، وذي الحجة، وعدد أيامه ثلاثون يوما، سمّي بذلك لأن العرب كانوا يقعدون فيه عن الغزو وطلب الكلأ، والجمع ذوات القعدة، وذوات القعدات، والتثنية ذوا القعدة وذوا القعدتين.(6/238)
ثمان» ثم قرأه عثمان بن عفّان، رضي الله عنه، والناس حوله. قال النحاس:
وقد وقع مثل ذلك في كلام النّبوّة. فقد ورد في الحديث أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال في ليلة القدر: «التمسوها في العشر الأواخر لسابعة تبقى أو لخامسة تبقى». وهذا الحديث الذي استشهد به النحاس ثابت في الصحيح فلا نزاع في العمل به.
الطريق الثاني
أن يعلّق التاريخ بالباقي على شرط، فيكتب لأربع عشرة إن بقيت، أو لأربع عشرة ليلة إن بقيت، وعلى ذلك في الباقي، فرارا من إطلاق التاريخ بما لا يعلم تمامه أو نقصه وتعليقا له على حكم التمام وكأنه يقول:
لأربع عشرة ليلة بقيت من الشهر إن كان تماما. ومن يرى التاريخ بالأيام يجوّز لأربعة عشر يوما تبقى من شهر كذا، وكذا في الجميع.
الحالة السادسة (أن تقع الكتابة في الليلة الأخيرة من الشهر أو في اليوم الأخير منه)
فإن كان في الليلة الأخيرة منه كتب «لآخر ليلة من شهر كذا، أو في سلخ شهر كذا، أو في انسلاخه». وإن كان في اليوم الآخر منه كتب «لآخر يوم من شهر كذا، أو في سلخه أو انسلاخه أيضا». ولم يختلفوا هنا في جواز التاريخ باليوم. قال ابن حاجب النعمان: وذلك أن الشهر يبتديء بابتداء اللّيالي وينقضي بانقضاء النهار. وذكر صاحب «موادّ البيان» أن الذي كان كتّاب مصر يستعملونه بالديار المصرية أن يجعل شهر ثلاثين يوما وشهر تسعة وعشرين، وهذا جنوح منهم إلى الاعتبار النّجوميّ، ولا معوّل على ذلك في الشريعة.
قلت: وكتّاب زماننا قد أهملوا النظر في ذلك جملة وعوّلوا على التاريخ بالأيّام، واقفين عند حدّ اليوم الذي ينتهي إليه العدد من الشهر عند الكتابة فيكتبون في اليوم الأوّل: كتب في مستهلّ شهر كذا، ثم في ثاني شهر كذا أو ثالثه إلى العشر ثم في حادي عشرة وثاني عشرة إلى العشرين، ثم في العشرين من شهر كذا، أو الحادي والعشرين، والثاني والعشرين إلى التاسع والعشرين.
وفي اليوم الأخير من الشهر يكتبون في سلخ شهر كذا لا يعرفون غير ذلك.
ثم مما يستحسن في التاريخ أنه إذا وقعت الكتابة في يوم مشهور كأيام المواسم أرّخ به، مع قطع النظر عن عدد ما مضى من الشهر أو بقي منه.(6/239)
وفي اليوم الأخير من الشهر يكتبون في سلخ شهر كذا لا يعرفون غير ذلك.
ثم مما يستحسن في التاريخ أنه إذا وقعت الكتابة في يوم مشهور كأيام المواسم أرّخ به، مع قطع النظر عن عدد ما مضى من الشهر أو بقي منه.
فيكتب في اليوم الأوّل من شوّال «كتب في يوم عيد الفطر» وفي تاسع ذي الحجّة «كتب في يوم عرفة» وفي عاشره «كتب في يوم عيد النّحر، أو في يوم عيد الأضحى» وفي حادي عشر «كتب في يوم القرّ» بفتح القاف، سمي بذلك لأن الناس يستقرّون فيه بمنى (1)، وفي ثاني عشره «كتب في يوم النّفر الأوّل» لأن الحجيج ينفرون فيه من منى، وفي ثالث عشره «كتب في يوم النّفر الثاني».
الاعتبار الثاني (أن يؤرّخ بجملة من أيام الشهر)
فإن أرّخ بعشر من الشهر، بناه على التأنيث، فيكتب «كتب في العشر الأولى، أو في العشر الأوّل بضم الهمزة وفتح الواو، جمع أوّلة (2). أو كتب في العشر الوسطى أو في العشر الوسط بضم الواو وفتح السين، جمع وسطى، أو كتب في العشر الأخرى أو في العشر الأخر بضم الهمزة وفتح الخاء، جمع آخرة. قال الشيخ أثير الدين أبو حيّان: ولا يكتب العشر الأوّل ولا الأوسط ولا الآخر. وقال بعض النحويين: يكتب «وكتب في العشر الآخرة أو الأواخر» ولا يكتب الأخرى ولا الأخر لئلا يلتبس بالآخر بمعنى الثاني أو الأخر بمعنى الثواني. وقد تقدّم في الكلام على أيام الشهر أن العرب تسمّي ليالي الشهر كلّ ثلاث منها باسم، وقد تقدّم ذكر أسمائها هناك. فإذا وقعت الكتابة في ثلاث
__________
(1) منى: بكسر الميم، تصرف ولا تصرف، وهي بليدة على ثلاثة أميال من مكة، ما بين جمرة العقبة ووادي محسر، تعمّر أيام الموسم وتخلو بقية السنة إلّا ممن يحفظها، وعلى رأس منى من نحو مكة عقبة ترمى عليها الجمرة يوم النحر، سميت بذلك لأن الكبش مني بها أي ذبح. معجم البلدان (ج 5 ص 198) وتهذيب الأسماء واللغات (ق 2ج 1ص 158157).
(2) الصواب «جمع أولى» حاشية الطبعة الأميرية.(6/240)
منها، كالغرر، وهي الثلاث الأولى من الشهر، والدّآدي، وهي الثلاث الأخيرة منه، كان للكاتب أن يؤرّخ بها كما يؤرّخ بعشر من الأعشار الثلاث، بل الثلاث أقرب لمعرفة التاريخ في العشر. وقد أشار إلى ذلك الشيخ أثير الدين في «شرح التسهيل» فقال: وإن أرّخ بالثلاث الأخيرة من الشهر كتب الدّآدي. وإذا كان في السنّة أيام مشهورة، أرّخ (1) بها كالأيام المعلومات، وهي العشر الأول من ذي الحجّة، والأيام المعدودات، وهي أيام التشريق على ما تقدّم ذكره في موضعه، كان للكاتب أن يؤرّخ بها.
الاعتبار الثالث (أن يؤرّخ بأجزاء اليوم أو الليلة)
وأكثر ما يحتاج الكاتب إلى ذلك في تاريخ بطائق الحمام، وقد سبق في الكلام على الأيام أنّ كلّ واحد من الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة زمانيّة، تطول بطول أحدهما وتقصر بقصره، ولكلّ ساعة منها اسم يخصّها، كالشّروق، وهو أوّل ساعات النهار، والغروب، وهو آخر ساعاته، والشّفق، وهو أوّل ساعات الليل، والصّباح، وهو آخر ساعاته. فينبغي للكاتب إذا كتب بطاقة من بطائق الحمام أن يكتب الساعة التي كتبت فيها من ساعات النهار، أما ساعات الليل فلا يتأتّى فيها ذلك، لأن الحمام لا يسرّح في الليل، اللهم إلا أن تدعو الضرورة إلى التاريخ بساعة من ساعات الليل في بعض المكاتبات فيؤرخ بها.
قلت: وهذا الترتيب قد تركه كتّاب زماننا، وصاروا يؤرّخون بالساعات المشهورة عندهم، كالاولى من النهار، أو الثانية، أو وقت الظهر، أو وقت العصر، ونحو ذلك.
__________
(1) عبارة كتاب ضوء الصبح للمؤلف (ج 1ص 401) «ولا نزاع في أنه يجوز التاريخ بالأيام المشهورة في السنة كالأيام المعلومات الخ»، وهي أوضح. حاشية الطبعة الأميرية.(6/241)
الضرب الثاني (التاريخ العجميّ)
ومداره الأيام دون الليالي لأن سنتهم مع اختلافها في الشهور ومبادئها ومقاطعها شمسيّة، والشمس محلّ ظهورها النهار دون الليل، فلذلك أرّخوا بالأيام. قال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل»: قال أحمد بن يحيى البلاذريّ: حضرت مجلس المتوكّل، وإبراهيم بن العبّاس يقرأ الكتاب الذي أنشأه في تأخير النّوروز (1)، والمتوكّل يتعجّب من حسن عبارته ولطف معانيه والجماعة تشهد له بذلك، فدخلتني نفاسة (2) فقلت: يا أمير المؤمنين، في هذا الكتاب خطأ! فأعادوا النظر، وقالوا: ما نراه فما هو؟ قلت: أرّخ السنة الفارسيّة بالليالي، والعجم تؤرّخ بالأيام، واليوم عندهم أربع وعشرون ساعة تشتمل على الليل والنهار، وهو جزء من ثلاثين جزءا من الشهر والعرب تؤرّخ بالليالي لأن سنيهم وشهورهم قمريّة، وابتداء الهلال بالليل قال: فشهدوا بصحّة ما قلته، واعترف به إبراهيم. وقال: ليس هذا من علمي.
قلت: وأكثر ما يحتاج إلى ذلك في تحويل السّنين ونقل النّيروز عند دوران السنين، كما في كتاب إبراهيم بن العباس المقدّم ذكره، وكذلك في كتابة الهدن (3) فسيأتي أنه يجمع فيها بين التاريخ العربيّ والعجميّ جميعا، ويجب فيه تقديم العربيّ على العجميّ، مثل أن يكتب «كتب لعشر خلون من المحرّم سنة ثمانمائة، موافقا للعاشر من توت من شهور القبط» أو العاشر من تشرين الأوّل من شهور السريان، أو العاشر من ينير من شهور الروم، أو العاشر من أفرودين ماه، من شهور الفرس ونحو ذلك.
__________
(1) النوروز: أصله بالفارسية نيع روز، وتفسيره جديد يوم، وهو عند الفرس أول يوم من أيام السنة الشمسية.
(2) النفاسة، بالفتح: الحسد يقال: نفس عليك فلان ينفس نفسا ونفاسة أي حسدك.
(3) الهدن: ج هدنة، وهي المصالحة أو الصلح.(6/242)
الجملة السابعة (في تقييد التاريخ بالسنة)
قد علمت أن فائدة التاريخ إنما تتحقّق بذكر السنة بعد اليوم والشّهر، وإلا فلا يعلم من أيّ السنين. فإذا كتب يوم كذا من شهر كذا كتب بعد ذلك، سنة كذا، سواء كان التاريخ عربيّا أو عجميّا، أو مركّبا منهما، مثل أن يكتب سنة كذا من الهجرة الموافق لكذا من سني الرّوم أو سني الفرس.
ثم للكاتب في كتابة تاريخ السنة مصطلحان.
المصطلح الأوّل أن يكتب «سنة كذا» فيحتاج إلى حذف الهاء من العدد، على قاعدة حذفها من عدد المؤنّث، مثل أن يكتب سنة ستّ وثمانمائة ونحو ذلك، وعلى هذا اصطلح كتّاب الديار المصرية وبلاد المشرق.
المصطلح الثاني أن يكتب «عام كذا» فيحتاج إلى إثبات الهاء في العدد على قاعدة إثباتها في عدد المذكّر، مثل أن يكتب «عام ستّة وثمانمائة» وعلى نحو ذلك يجري كتّاب الغرب غالبا، لما يقال: إن العام يختصّ بالخصب، والسنة تختص بالمحل على ما تقدّم ذكره في الكلام على السّنين فيما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى.
الجملة الثامنة (في معرفة بعض التواريخ من بعض)
قد ذكر في «موادّ البيان» أن من جملة أدب الكاتب العلم بتواريخ سني العالم واستخراج بعضها من بعض في كل وقت من أوقات اليوم الذي هو فيه من كل شهر وسنة من سني الأمم. وقد تقدّم أيضا أن المستعمل من التواريخ في زماننا بين الأمم أربعة تواريخ، بعضها أقدم من بعض.
أوّلها تاريخ غلبة الإسكندر
، وهو التاريخ الذي تؤرّخ به السّريان والروم والفرنجة ومن في معناهم إلى الآن، وهو بعد الطّوفان فيما حرّره الشيخ علاء
الدين بن الشاطر في «زيجه» بثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وثلاثين سنة وثلاثمائة وعشرين يوما.(6/243)
، وهو التاريخ الذي تؤرّخ به السّريان والروم والفرنجة ومن في معناهم إلى الآن، وهو بعد الطّوفان فيما حرّره الشيخ علاء
الدين بن الشاطر في «زيجه» بثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وثلاثين سنة وثلاثمائة وعشرين يوما.
الثاني التاريخ من ملك دقلطيانوس
، وهو الذي يؤرّخ به القبط الى الآن، وربما عبّروا عنه بتاريخ الشّهداء، إشارة إلى تسميتهم الذين قتلهم دقلطيانوس من القبط شهداء وهو بعد غلبة الإسكندر بخمسمائة وأربع وتسعين سنة وثلاثمائة واثنين وثلاثين يوما.
الثالث التاريخ من الهجرة
، وعليه تاريخ الإسلام. وهي بعد ملك دقلطيانوس بثلاثمائة وست وثلاثين سنة وثلاثمائة وأحد وعشرين يوما.
الرابع التاريخ من هلاك يزدجرد آخر ملوك الفرس
. وقد تقدّم أنه بعد الهجرة بعشر سنين وثمانية وسبعين يوما.
فأما التاريخ السّريانيّ والروميّ وهو الذي مبدأه من غلبة الإسكندر فقد تقدّم أن شهور السّريانيين اثنا عشر شهرا وهي: تشرين الأول تشرين الثاني كانون الأول كانون الثاني شباط أذار نيسان أيّار حزيران تمّوز آب أيلول. منها سبعة أشهر كلّ شهر منها أحد وثلاثون يوما، وهي: تشرين الأوّل، وكانون الأوّل، وكانون الثاني، وأذار، وأيّار، وتمّوز، وآب، وأربعة أشهر كل شهر منها ثلاثون يوما، وهي: تشرين الثاني، ونيسان، وحزيران، وأيلول. ومنها واحد ثمانية وعشرون يوما: وهو شباط، فتكون أيام سنيه ثلاثمائة وخمسة وستين يوما، ويضاف إليه ربع يوم مراعاة للسنة الشمسيّة، فتصير ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم ينقص جزءا يسيرا. ومن أجل ذلك يعدّون ثلاث سنين بسائط يكون (1) شباط فيها تسعة وعشرين يوما لإضافة ربع اليوم في السنين الأربع
__________
(1) كذا في الأصول ويظهر أن فيه سقطا من الناسخ والأصل «يعدون ثلاث سنين بسائط، وسنة كبيسة يكون الخ كما يؤخذ من نظيره في التاريخ القبطي. ص 254من هذا الجزء. انظر حاشية الطبعة الأميرية.(6/244)
إليه، وتكون السنة فيها ثلاثمائة وستة وستين يوما.
وقد تقدّم أيضا أن شهور السنة الرّومية تضاهي شهور السنة السّريانية في عدد الأيام، بل هي هي، إلا أن الرّوم يسمّون أشهر هم بأسماء غير أسماء شهور السّريان، ويكون أوّل شهورهم موافقا لكانون الثاني، وهو الشهر الرابع من شهور السّريان، ويكون آخر شهورهم موافقا لكانون الأوّل.
وأسماء شهورهم: ينيّر، فبراير، مارس، إبريل، مايه، يونيه، يوليه، أغشت، شتنبر، أكتوبر، نونمبر، دجنبر. ولا فرق في شيء منها سوى اختلاف الأسماء وابتداء رأس السنة، وحينئذ فيكون الكلّ فيها في التاريخ واحدا.
وأما التاريخ القبطيّ، وهو الذي مبدأه من ملك دقلطيانوس، فقد تقدّم أن شهور السنة القبطية اثنا عشر شهرا وهي: توت، بابه، هتور، كيهك، طوبه، أمشير، برمهات، برموده، بشنس، بؤونة، أبيب، مسرى. وكل شهر منها ثلاثون يوما من غير اختلاف، ثم بعد مسرى خمسة أيام يسمّونها أيام النسيء، فتكون أيام سنتهم ثلاثمائة وخمسة وستين يوما، وتزيد بعد ذلك ربع يوم في كل سنة كما في التاريخ الروميّ، وقد اصطلحوا على أن يعدّوا منها ثلاث سنين بسائط، كلّ سنة منها ثلاثمائة وخمسة وستون يوما لا زيادة فيها، والرابعة كبيسة تكون أيام النسيء فيها ستة أيام وزيادة ربع يوم وتصير أيّام تلك السنة ثلاثمائة وستة وستين يوما، على نحو ما تقدّم في السّريانيّ والرّوميّ.
وأما التاريخ العربيّ: وهو الذي مبدأه الهجرة، فقد تقدّم في الكلام على الشهور في المقالة الأولى أن شهور سنة العرب اثنا عشر شهرا. وهي: المحرّم، صفر، ربيع الأول، ربيع الآخر، جمادى الأولى، جمادى الآخرة، رجب، شعبان، رمضان، شوّال، ذو القعدة، ذو الحجّة. وأنها قمرية مدارها رؤية الهلال، إلا
أن المنجّمين اعتمدوا فيها على الحساب دون الرؤية لتصحيح حساب التواريخ ونحوها، وجعلوا فيها شهرا تامّا عدده ثلاثون يوما، وشهرا ناقصا عدده تسعة وعشرون يوما، على ترتيب شهور السنة، فالمحرّم عندهم تامّ، وصفر ناقص، وربيع الأوّل تامّ، وربيع الآخر ناقص، وجمادى الأولى تامّ، وجمادى الآخرة ناقص، ورجب تام، وشعبان ناقص، ورمضان تام، وشوّال ناقص، وذو القعدة تامّ، وذو الحجّة ناقص. فيكون من السنة ستة أشهر تامة وستة أشهر ناقصة، وتكون السنة حينئذ ثلاثمائة يوم وأربعة وخمسين يوما ويلحقها بعد ذلك كسر في كل سنة، وهو خمس يوم وسدس يوم، فتصير السنة ثلاثمائة يوم وأربعة وخمسين يوما وخمس يوم وسدس يوم (1) مفرّقة في ثلاثين سنة ويجعلون الكبيسة سنة بعد سنة ثم سنة بعد سنتين، ثم سنة بعد سنة، وعلى هذا الترتيب إلى آخر الثلاثين، فتكون الكبائس هي: الثانية، والخامسة، والسابعة، والعاشرة، والثالثة عشرة، والخامسة عشرة، والثامنة عشرة، والحادية والعشرين، والرابعة والعشرين، والسادسة والعشرين، والتاسعة والعشرين. فتكون كل سنة منها ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوما، ويجعل الزائد فيها في ذي الحجة، فيكون فيها ثلاثين يوما وباقي سني الثلاثين بسائط، كلّ سنة منها ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما، وذو الحجة فيها تسعة وعشرون يوما، بناء على الأصل في أن يكون شهر تامّا وشهر ناقصا.(6/245)
وأما التاريخ العربيّ: وهو الذي مبدأه الهجرة، فقد تقدّم في الكلام على الشهور في المقالة الأولى أن شهور سنة العرب اثنا عشر شهرا. وهي: المحرّم، صفر، ربيع الأول، ربيع الآخر، جمادى الأولى، جمادى الآخرة، رجب، شعبان، رمضان، شوّال، ذو القعدة، ذو الحجّة. وأنها قمرية مدارها رؤية الهلال، إلا
أن المنجّمين اعتمدوا فيها على الحساب دون الرؤية لتصحيح حساب التواريخ ونحوها، وجعلوا فيها شهرا تامّا عدده ثلاثون يوما، وشهرا ناقصا عدده تسعة وعشرون يوما، على ترتيب شهور السنة، فالمحرّم عندهم تامّ، وصفر ناقص، وربيع الأوّل تامّ، وربيع الآخر ناقص، وجمادى الأولى تامّ، وجمادى الآخرة ناقص، ورجب تام، وشعبان ناقص، ورمضان تام، وشوّال ناقص، وذو القعدة تامّ، وذو الحجّة ناقص. فيكون من السنة ستة أشهر تامة وستة أشهر ناقصة، وتكون السنة حينئذ ثلاثمائة يوم وأربعة وخمسين يوما ويلحقها بعد ذلك كسر في كل سنة، وهو خمس يوم وسدس يوم، فتصير السنة ثلاثمائة يوم وأربعة وخمسين يوما وخمس يوم وسدس يوم (1) مفرّقة في ثلاثين سنة ويجعلون الكبيسة سنة بعد سنة ثم سنة بعد سنتين، ثم سنة بعد سنة، وعلى هذا الترتيب إلى آخر الثلاثين، فتكون الكبائس هي: الثانية، والخامسة، والسابعة، والعاشرة، والثالثة عشرة، والخامسة عشرة، والثامنة عشرة، والحادية والعشرين، والرابعة والعشرين، والسادسة والعشرين، والتاسعة والعشرين. فتكون كل سنة منها ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوما، ويجعل الزائد فيها في ذي الحجة، فيكون فيها ثلاثين يوما وباقي سني الثلاثين بسائط، كلّ سنة منها ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما، وذو الحجة فيها تسعة وعشرون يوما، بناء على الأصل في أن يكون شهر تامّا وشهر ناقصا.
وأما التاريخ الفارسيّ: وهو الذي مبدأه من هلاك يزدجرد، فقد تقدّم في الكلام على الشهور أن سني الفرس اثنا عشر شهرا كلّ شهر منها ثلاثون يوما.
__________
(1) كذا في الأصول وعبارة كتاب ضوء الصبح (ج 1ص 156): «ويجتمع من هذا الخمس والسدس يوم في كل ثلاث سنين فتصير السنة ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوما ويبقى من ذلك بعد اليوم الذي اجتمع شيء فيجتمع منه ومن خمس اليوم وسدسه في السنة السادسة يوم واحد وكذلك إلى أن يبقى الكسر أحد عشر يوما عند تمام ثلاثين سنة وتسمى تلك السنين كبائس العرب» وهي أوضح. انظر حاشية الطبعة الأميرية.(6/246)
وهي: أفرودين ماه، أرديهشتماه، حردادماه، تير ماه، ترد ماه، شهريرماه، مهر ماه، أبان ماه، أدرماه، ذي ماه، بهمن ماه، اسفندار ماه. وبين أبان ماه وأدر ماه خمسة أيام تسمّى المسترقة بمثابة أيام النسيء في آخر سنة القبط وبمقتضى ذلك تكون سنتهم ثلاثمائة وخمسة وستين يوما، وليس فيها زيادة ولا نقص. فلا بدّ من معرفة هذه الأصول لاستخراج تواريخ بعض السنين المذكورة من بعض.
ثم مما يجب تعرّفه بعد ذلك أن تعلم أن التاريخ السّريانيّ والروميّ سنونه سريانية أو رومية على ما تقدّم، فيعتبر فيها ما يعتبر في السنين السّريانية والروميّة من عدد الأيام والكبائس، والتاريخ القبطيّ سنونه قبطية فيعتبر فيها ما يعتبر في السنين القبطيّة من الأيام والكبائس، والتاريخ العربيّ سنونه عربية فيكون على ما تقدّم في السّنين العربية من عدد الأيام والكبائس، والتاريخ الفارسيّ سنونه فارسيّة فيعتبر فيها ما يعتبر في السنين الفارسية من عدد الأيام، ولا كبيسة فيها.
إذا علمت ذلك فإذا أردت استخراج بعض هذه التواريخ من بعض، فانظر التاريخ المعلوم عندها عندك، كالتاريخ العربيّ مثلا عند الإسلاميين فاجعل السنين التامّة من التاريخ المعلوم أيّاما، وزد عليها ما مضى من السنة المكسورة من الشهور والأيام إلى اليوم الذي تريد أن تعلم موافقته لمثله من التاريخ المجهول، ثم انظر، فإن كان التاريخ المعلوم أقدم من التاريخ المجهول، فانقص من أيام التاريخ المعلوم ما بين التاريخين من الأيام فما بقي فهو أيام التاريخ المجهول، وإن كان التاريخ المجهول أقدم، فزد ما بين التاريخين من الأيام فما بقي فهو أيام التاريخ المعلوم، فما بلغ فهو أيام التاريخ المجهول. فإذا علمت أيام التاريخ المجهول بزيادة ما بين التاريخين على أيام التاريخ المعلوم أو نقصانها منه على ما تقدّم، فاجعل ما حصل معك من أيام التاريخ
المجهول الذي تريد استخراجه، فما كان فهو السّنون التامّة للتاريخ الذي تريد استخراجه، فإن بقي شيء من الأيام بعد السنين التامّة، فخذ منها لكل شهر عدد أيامه، وما بقي من الأيام دون شهر فهو الماضي من أيام الشهر الذي يلي ذلك.(6/247)
إذا علمت ذلك فإذا أردت استخراج بعض هذه التواريخ من بعض، فانظر التاريخ المعلوم عندها عندك، كالتاريخ العربيّ مثلا عند الإسلاميين فاجعل السنين التامّة من التاريخ المعلوم أيّاما، وزد عليها ما مضى من السنة المكسورة من الشهور والأيام إلى اليوم الذي تريد أن تعلم موافقته لمثله من التاريخ المجهول، ثم انظر، فإن كان التاريخ المعلوم أقدم من التاريخ المجهول، فانقص من أيام التاريخ المعلوم ما بين التاريخين من الأيام فما بقي فهو أيام التاريخ المجهول، وإن كان التاريخ المجهول أقدم، فزد ما بين التاريخين من الأيام فما بقي فهو أيام التاريخ المعلوم، فما بلغ فهو أيام التاريخ المجهول. فإذا علمت أيام التاريخ المجهول بزيادة ما بين التاريخين على أيام التاريخ المعلوم أو نقصانها منه على ما تقدّم، فاجعل ما حصل معك من أيام التاريخ
المجهول الذي تريد استخراجه، فما كان فهو السّنون التامّة للتاريخ الذي تريد استخراجه، فإن بقي شيء من الأيام بعد السنين التامّة، فخذ منها لكل شهر عدد أيامه، وما بقي من الأيام دون شهر فهو الماضي من أيام الشهر الذي يلي ذلك.
مثال ذلك إذا أردت أن تستخرج التاريخ السّريانيّ أو الروميّ الموافق لآخر سنة ثمانمائة من الهجرة، فقد تقدّم لك أن التاريخ السريانيّ والروميّ مبدأه من غلبة الإسكندر على الفرس، وهو قبل الهجرة بتسعمائة سنة واثنتين وثلاثين سنة ومائتين (1) وسبعة وثمانين يوما، وذلك ثلاثمائة ألف يوم وأربعون ألف يوم وسبعمائة يوم، فاحفظ ذلك، ثم ابسط الماضي من سني الهجرة وهو ثمانمائة سنة أياما، بأن تضرب الثمانمائة في عشرة آلاف وستمائة وأحد وثلاثين يوما، وهي بسط السنة العربية من حين كسرها الزائد على أيامها، وهو خمس يوم وسدس يوم، يكون ثمانية آلاف ألف وخمسمائة ألف وأربعة آلاف وثمانمائة فاقسمه على ثلاثين وهي مخرج الكسر الذي هو الخمس والسدس، يخرج بالقسمة مائتا ألف وثلاثة وثمانون ألفا وأربعمائة وثلاثة وتسعون، وهو عدد أيام الثمانمائة سنة، فأضفه على ما بين غلبة الإسكندر والهجرة من الأيام، وهو ثلاثمائة ألف وأربعون ألفا وسبعمائة يوم، ويكون الجميع ستّمائة ألف وأربعة وعشرين ألفا ومائة وثلاثة وتسعين، فاجعل تلك الأيام سنين سريانية، بأن تضرب تلك الأيام في أربعة، يحصل منها ألفا ألف وأربعمائة ألف وستة وتسعون ألفا وسبعمائة واثنان وسبعون يوما فاقسمه على ألف وأربعمائة وأحد وستين، يخرج بالقسمة ألف وسبعمائة وثمانية، وهي سنون تامّة ويفضل بعد ذلك ألف وثلاثمائة وأربعة وثمانون، فاقسمها على أربعة، يخرج ثلاثمائة وستة وأربعون يوما، يكون ذلك أحد عشر شهرا، من أوّل تشرين الأوّل وأحد عشر يوما من الشهر الثاني عشر من الشهور السريانية وهو أيلول فيكون آخر يوم من سنة
__________
(1) قال المؤلف ص 230من هذا الجزء: «وبينه وبين الهجرة تسعمائة واثنتان وثلاثون سنة ومائتان وتسعون يوما».(6/248)
ثمانمائة هجرية موافقا لليوم الحادي عشر من أيلول سنة ألف وسبعمائة وتسع من السريانية.
وإن أردت أن تستخرج التاريخ القبطيّ لآخر سنة ثمانمائة، فقد تقدّم أن التاريخ القبطيّ ابتداؤه من ملك دقلطيانوس على القبط، وهو قبل الهجرة بثلاثمائة وسبع وثلاثين سنة وثلاثمائة وعشرين يوما، وجملة أيامه مائة ألف يوم وثلاثة وعشرون ألف يوم وأربعمائة يوم وتسعة أيام، فأضف أيام الماضي من سني الهجرة، وهو مائتا ألف وثلاثة وثمانون ألفا وأربعمائة وثلاثة وتسعون على ما تقدّم في التاريخ السريانيّ [على ما قبل الهجرة] (1) وهو مائة ألف وثلاثة وعشرون ألفا وأربعمائة وتسعة أيام، يكون المجموع أربعمائة ألف وستّة آلاف وتسعمائة يوم ويومين فاجعله سنين قبطية، بأن تضرب ذلك في أربعة عدد مخرج كسر السنة القبطية، وهو الربع الزائد على الخمسة وستين، يكون ألف ألف وستمائة ألف وسبعة وعشرين ألفا وستمائة وثمانية فاقسمه على ألف وأربعمائة وأحد وستين، يخرج بالقسمة ألف ومائة وأربعة عشر، وهو عدد السنين القبطية التامة، ويبقى بعد ذلك أربعة وخمسون فاقسمه على الأربعة المذكورة يخرج بالقسمة أربعة عشر، وهي أيام من الشهر الأوّل من السنة القبطية الناقصة، فيكون آخر يوم من سنة ثمانمائة للهجرة موافقا لرابع عشر شهر توت سنة ألف ومائة وخمس عشرة من السنين القبطية.
وإن أردت أن تستخرج التاريخ الفارسيّ لآخر سنة الثمانمائة المذكورة، فقد تقدّم أن ابتداء التاريخ الفارسيّ بعد الهجرة بعشر سنين وثمانين يوما، وجملة أيامه ثلاثة آلاف يوم وستّمائة يوم وأربعة وعشرون يوما فأسقطها من الحاصل من أيام النّسيء (2) الماضي من الهجرة آلى آخر الثمانمائة، يكون الباقي بعد ذلك مائتي ألف وتسعة وسبعين ألفا وثمانمائة وتسعة وستين يوما
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) كذا في الأصول ولعله السنين الماضية من الهجرة. حاشية الطبعة الأميرية.(6/249)
فاقسمها على ثلاثمائة وخمسة وستين، يخرج لك سبعمائة وستة وستون سنة، وهو عدد السنين الفارسية التامة ويفضل بعد ذلك مائتان وتسعة وسبعون يوما، فخذ لكل شهر عدد أيامه، وهو ثلاثون يوما ويبقى تسعة أيام، منها خمسة أيام في نظير الخمسة الأيام الزائدة في آخر أبان ماه المعروفة بالمسترقة، يبقى أربعة أيام من شهر ذي ماه، وهو الشهر العاشر من شهورهم، فيكون آخر يوم من ثمانمائة من الهجرة موافقا لليوم الرابع من ذي ماه من شهور الفرس سنة سبعمائة وسبع وستين.
فلو فرض أنه مضى من سنة إحدى وثمانمائة ستة أشهر مثلا، فاجعل الأشهر شهرا تامّا وشهرا ناقصا على ما تقدّم، تكون أيامها مائة وسبعة وسبعين يوما فأضفها على أيام الثمانمائة وافعل فيها ما تقدّم ذكره، لا يتغير العمل في شيء من ذلك.
مثال ذلك: إذا أردت استخراج التاريخ السّريانيّ في آخر جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانمائة، فأضف مائة وسبعة وسبعين، وهي أيام ستة أشهر على أيام الثمانمائة، وهي مائتا ألف وثلاثة وثمانون ألفا وأربعمائة وثلاثة وتسعون، يكون المجموع مائتي ألف وثلاثة وثمانين ألفا وستمائة وستين يوما، فأضف إليه ما بين الهجرة والتاريخ السّريانيّ، وهو ثلاثمائة ألف وأربعون ألفا وسبعمائة، يحصل من ذلك ستمائة ألف وأربعة وعشرون ألفا وثلاثمائة وسبعون فاضربه في أربعة يخرج ألف وستّمائة وتسعة، ويفضل من الأيام مائة وثمانية وخمسون يوما، تكون سابع أذار من شهور السريان، فيكون آخر يوم من جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانمائة موافقا للسابع من شهر أذار سنة ألف وسبعمائة وعشر من سني السريان.
قلت: وفي كتب الزّيجات وغيرها طرق مختلفة لاستخراج التواريخ، وجداول موضوعة لا يحتملها هذا الكتاب فليراجعها من احتاج إلى زيادة على ذلك.(6/250)
الجملة الثامنة (في موضع كتابة التاريخ من الكتاب، وصورة وضعه في الكتابة)
أمّا موضعه من الكتاب، فقال محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدّواة»: رسموا تاريخ الكتب في آخرها، وجعلته العامّة في صدورها.
والتحقيق في ذلك ما ذكره صاحب «موادّ البيان» وغيره أن الكتب التي تؤرّخ على ضربين:
الضرب الأوّل الكتب السلطانية، ولها حالان
:الحالة الأولى
أن يكون الكتاب في أمر تتشوّف النّفوس إلى معرفة اليوم الذي وقع ذلك الأمر فيه، كالحوادث العظام، والفتوحات والمواسم ونحوها، فيؤرّخ الكتاب في صدره، مثل أن يكتب في صدر الكتاب «كتاب أمير المؤمنين إليك، أو كتابنا إليك يوم كذا من سنة كذا» كما كان يكتب في الزمن المتقدّم في مثل ذلك.
الحالة الثانية
أن يكون الكتاب في أمر لا تتشوّف النفوس إلى معرفة اليوم الذي يقع ذلك الأمر فيه، فيؤرّخ الكتاب في آخره.
الضرب الثاني كتب الأتباع إلى الرؤساء
. والرسم فيها أن تؤرّخ في صدورها. قال في «موادّ البيان»: وذلك مثل أن يقال: كتب العبد من مقرّ خدمته يوم كذا.
قلت: والذي استقرّ عليه حال كتّاب الزمان كتابة التاريخ في آخر الكتاب بكل حال، سواء كان المكتوب ولاية أو مكاتبة أو غير ذلك ولعلّ الولايات وما في معناها لم يقع الاختلاف في كتابتها في آخر المكتوب في زمن من الأزمان.
وأمّا صورة وضع التاريخ في الكتابة، فقد اصطلح الكتّاب على أن جعلوا التاريخ بعد كتابة إن شاء الله تعالى في سطرين، فيكتبون «كتب في كذا من
شهر كذا» في سطر، ثم يكتبون «سنة كذا» في سطر تحته وفي الكتب عن قضاة القضاة يجعل كتّابهم جميع التاريخ في سطر واحد.(6/251)
وأمّا صورة وضع التاريخ في الكتابة، فقد اصطلح الكتّاب على أن جعلوا التاريخ بعد كتابة إن شاء الله تعالى في سطرين، فيكتبون «كتب في كذا من
شهر كذا» في سطر، ثم يكتبون «سنة كذا» في سطر تحته وفي الكتب عن قضاة القضاة يجعل كتّابهم جميع التاريخ في سطر واحد.
الطّرف الثالث (في المستندات، وفيه جملتان)
الجملة الأولى (في صورة ما يكتب، وهو على ضربين)
الضرب الأوّل (أن يضاف إلى مرسوم السلطان، وله خمس حالات)
الحالة الأولى أن يكون بتلقّي كاتب السرّ
، إما بما يأمر به السلطان عند قراءته القصة عليه، أو بما يكتبه كاتب السر ويمضيه من نفسه، كما في خلاص الحقوق ونحوها فيكتب فيه «حسب المرسوم الشريف» في سطر واحد لا غير.
الحالة الثانية أن يكون بتلقّي كاتب السرّ
أو أحد من كتّاب الدّست (1)
بدار العدل، عند جلوس السلطان في المواكب بالإيوان وقراءة كاتب السرّ وكتّاب الدّست قصص المظالم ونحوها عليه. فيكتب فيه «حسب المرسوم الشريف من دار العدل الشريف» سطرين أحدهما تحت الآخر، ويكون في السطر الأوّل «حسب المرسوم الشريف» والباقي في السطر الثاني.
الحالة الثالثة أن يكون برسالة الدّوادار
. فيكتب فيه «حسب المرسوم الشريف» سطرا واحدا، ثم يكتب تحته «برسالة الجناب العالي الأميريّ الدّوادار، الفلانيّ» باللقب المضاف إلى الملك كالناصريّ ونحوه «ضاعف الله تعالى نعمته» ويكون آخر السطر الأوّل «الأميريّ الفلانيّ».
__________
(1) حول كتابه الدست، راجع الحاشية رقم 2من ص 143من هذا الجزء.(6/252)
الحالة الرابعة أن يكون من ديوان الخاص
. فيكتب فيه «حسب المرسوم الشريف من ديوان الخاص الشريف» ويكون «حسب المرسوم الشريف» سطرا، وباقي الكلام سطرا.
الحالة الخامسة أن يكون بخط السلطان بظاهر قصّة
. فيكتب «حسب المرسوم الشريف بالخطّ الشريف» سطرين، ويكون «حسب المرسوم الشريف» سطرا على ما تقدّم، وما بعده سطرا.
قلت: ومما يجب التنبّه له أنّ لفظ حسب الواقع في المستندات منقول اللغة فيه بفتح السين كما تقول: فعلت ذلك حسب أمرك، ولا يجوز تسكينها بحال كما أطبق عليه علماء اللغة، إلا ما حكاه الجوهريّ في «صحاحه» من جواز تسكينها في ضرورة الشعر، على أن جلّ كتّاب الزمان يغلطون في ذلك فلا ينطقون بها إلا ساكنة السين، وربما ضبطوه كذلك في الكتابة.
الضرب الثاني (أن يجعل مستنده الإشارة، وله ثلاث حالات)
الحالة الأولى أن يكون بإشارة النائب الكافل
، فيكتب «بالإشارة العالية الأميرية الكبيرية الكافلية، كافل الممالك الشريفة الإسلامية، أعلاها الله تعالى!» سطرين، ويكون آخر السطر الأوّل الكافلية الفلانية.
الحالة الثانية أن يكون بإشارة الوزير
، فيكتب «بالإشارة العالية الوزيرية الفلانية، مدبّر الممالك الشريفة أعلاها الله تعالى!» سطرين، ويكون آخر السطر الأوّل الوزيرية الفلانية.
الحالة الثالثة أن يكون بإشارة الإستدّار
، فيكتب «بالإشارة العالية الأميريّة الكبيرية الفلانية، إستدّار العالية، أعلاها الله تعالى!» سطرين، ويكون آخر السطر الأوّل الكبيرية الفلانية. وقد تقدّم في الكلام على الألقاب ما جرى عليه الكتّاب في لفظ إستدّار من التحريف، واستعملوه بلفظ إستادار، أو استاد
الدار، وتجب موافقتهم عليه وإن كان خطأ جريا على المصطلح.(6/253)
، فيكتب «بالإشارة العالية الأميريّة الكبيرية الفلانية، إستدّار العالية، أعلاها الله تعالى!» سطرين، ويكون آخر السطر الأوّل الكبيرية الفلانية. وقد تقدّم في الكلام على الألقاب ما جرى عليه الكتّاب في لفظ إستدّار من التحريف، واستعملوه بلفظ إستادار، أو استاد
الدار، وتجب موافقتهم عليه وإن كان خطأ جريا على المصطلح.
الجملة الثانية (في موضع كتابة المستند)
وقد اصطلح الكتّاب على أن يكتب المستند في الغالب بعد التاريخ، ويكون الظرف أو الجارّ والمجرور فيه متعلّقا من التاريخ بلفظ كتب، وكأنه يقول: كتب في تاريخ كذا، حسب الأمر الشريف، أو بالإشارة الفلانية. وربما كتب بحاشية المكتوب في المراسيم الصّغار التي تكتب على ظهور القصص ونحوها، وكذلك أوراق الطّريق وموضع كتابته يقابل بين السطرين الأوّلين آخذا من جهة الأسفل إلى جهة الأعلى بحيث يكون آخر كتابة المستند مسامتا للسطر الأوّل، فإن كان «حسب المرسوم الشريف» فقط، كتبه سطرا واحدا، وإن كان «من دار العدل» كتب «حسب المرسوم الشريف» سطرا، و «من دار العدل الشريف» سطرا تحته، وكذلك إن كان «من ديوان الخاص» كما يكتب في أسفل الكتاب. وإن كان برسالة الدوادار، فقد جرت العادة أن يكتب «حسب المرسوم الشريف» في أسفل الكتاب تحت التاريخ سطرا واحدا، ويكتب «برسالة الجناب العالي، الأميريّ، الكبيريّ، الفلانيّ، الدّوادار، الفلانيّ ضاعف الله تعالى نعمته!» بالهامش في المحل المتقدّم، سطرين كما كان يكتب بآخر الكتاب. وإن كان المستند الإشارة كتب جميعه بحاشية الكتاب في المحل المقدّم ذكره سطرين على ما تقدّم بيانه.
الطرف الرابع (في الحمدلة في آخر الكتاب، وفيه جملتان)
الجملة الأولى (في الأصل في كتابتها)
والأصل في ذلك أنّ الله سبحانه كما جعل الحمد مفتاحا للأمور تيمّنا
بالافتتاح به، جعله ختاما لها تيمّنا بالاختتام به، قال تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (1) وقال جلّت قدرته: {دَعْوََاهُمْ فِيهََا سُبْحََانَكَ اللََّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهََا سَلََامٌ وَآخِرُ دَعْوََاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (2). وكان النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، إذا رجع من السفر قال: «آئبون تائبون لربّنا حامدون». قال السهيليّ: ومن ثمّ سمّي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (أحمد) إشارة إلى أنه خاتم الأنبياء وآخر المرسلين.(6/254)
والأصل في ذلك أنّ الله سبحانه كما جعل الحمد مفتاحا للأمور تيمّنا
بالافتتاح به، جعله ختاما لها تيمّنا بالاختتام به، قال تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (1) وقال جلّت قدرته: {دَعْوََاهُمْ فِيهََا سُبْحََانَكَ اللََّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهََا سَلََامٌ وَآخِرُ دَعْوََاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (2). وكان النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، إذا رجع من السفر قال: «آئبون تائبون لربّنا حامدون». قال السهيليّ: ومن ثمّ سمّي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (أحمد) إشارة إلى أنه خاتم الأنبياء وآخر المرسلين.
ولما كان الأمر كذلك، اصطلح الكتّاب على اختتام الكتب بالحمد تبرّكا.
قال ابن شيث في «معالم الكتابة»: ولا يختم بالحمد لله في التواقيع في المظالم وربما ختم بها في تواقيع الإطلاقات. وقد اصطلح كتّاب الزمان على حذفها من آخر ما لا تكتب في أوّله البسملة، كالتواقيع الصّغار ونحوها، على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. وكأنهم يشيرون بذلك إلى أنّ مثل ذلك لا يهتمّ بشأنه، فكما حذفوا البسملة من أوّلها حذفوا الحمدلة من آخرها إشارة إلى عدم الاهتمام بها كما حذفت من أوّل الكلام الذي لا يهتمّ به لأجل ذلك على ما تقدّم بيانه.
الجملة الثانية (في بيان ما يكتب وصورة وضعه في الكتابة)
أمّا ما يكتب، فقد اصطلحوا على أن يكتبوا في حمدلة آخر الكتاب «الحمد لله وحده» وربما كتبوا: «الحمد لله ربّ العالمين». على أنهم لو أطبقوا على كتابتها لكان أولى. فقد ذكر النوويّ في كتابه «الأذكار» أنها أفضل صيغ الحمد ومن أجل ذلك افتتحت بها فاتحة الكتاب التي هي أمّ القرآن.
__________
(1) سورة الزمر 39، الآية 75.
(2) سورة يونس 10، الآية 10.(6/255)
وأما وضعها في الكتابة، فقد اصطلحوا على أن جعلوها بعد كتابة المستند عن يمنة الدّرج (1)، على بعد قدر ما بين إن شاء الله تعالى والسطر الآخر من المكتوب. قال في «معالم الكتابة» وقد تحتمل الخروج عن سمت السّطور.
الطرف الخامس (في الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في آخر الكتاب، وما يلتحق بذلك، وفيه جملتان)
الجملة الأولى (في أصل إثباتها في آخر الكتب)
والأصل في ذلك مع ما تقدّم في الكلام على الصلاة على النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، في أوّل الكتب في الكلام على الفواتح أنه كما ذكرت في أوائل الكتب تبرّكا، كذلك ذكرت في آخرها تبرّكا. وقد قال تعالى في حقّه صلّى الله عليه وسلّم: {وَرَفَعْنََا لَكَ ذِكْرَكَ} [2] فإنّ معناه ما ذكرت إلا ذكرت معي، ولما اختتمت الكتب بالحمد لله، ناسب أن يقرن الحمد بالصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، جمعا بين ذكره وذكر الله تعالى.
وقد ذكر ابن هشام في «سيرته» أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كتب في آخر عهده لعمرو بن حزم حين وجّهه إلى اليمن «صلّى الله على محمد».
ثم الكلام في الجمع بين الصلاة والسّلام، والصلاة على الآل والصّحب بعده صلّى الله عليه وسلّم في آخر الكتاب على ما مرّ في الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم في أوّل (3) الكتاب.
قلت: فلو كتب كتاب لسلطان أو غيره من المسلمين إلى أحد من أهل الكفر، فهل يؤتى بالصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما يؤتى بها في الكتاب إلى المسلم
__________
(1) عن كتابة الدرج، راجع الحاشية رقم 1من ص 146من هذا الجزء.
(2) سورة الانشراح 94، الآية 4.
(3) في الأصول: «آخر» وهو خطأ من الناسخ، وعبارة ضوء الصبح أوضح، حاشية الطبعة الأميرية.(6/256)
إرغاما للكافر بالصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أو لا يؤتى بها صيانة لاسمه صلّى الله عليه وسلّم عن حصوله في يد كافر، كما يمنع من السّفر بالمصحف إلى بلاد الكفر؟ لم أر من تعرّض له، والظاهر أنه يؤتى بها إرغاما للكافر، ومواجهة له بما يكره.
وقد حكى أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل» أن عبد الملك بن مروان، حين أحدث كتابة سورة الإخلاص وذكر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، على الدّنانير والدّراهم، كتب إليه ملك الروم: إنكم قد أحدثتم في طواميركم (1) شيئا من ذكر نبيّكم، فاتركوه وإلا أتاكم في دنانيرنا ذكر ما تكرهون فعظم ذلك في صدر عبد الملك، فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية يستشيره في ذلك، وكان أديبا عالما فقال له خالد: فرّخ روعك (2) يا أمير المؤمنين، حرّم دنانيرهم واضرب للناس سككا فيها ذكر الله تعالى وذكر رسوله صلّى الله عليه وسلّم ولا تعفهم مما يكرهون في الطّوامير، ففعل.
الجملة الثانية (في بيان ما يكتب في التصلية في آخر الكتب، وصورة وضعه في الكتابة)
أما صورة ما يكتب، فقد اصطلح الكتّاب على أن يكتبوا في التصلية في آخر الكتاب بعد «الحمد لله وحده» ما صورته «وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه». وهي صيغة مستحسنة للإتيان بالصلاة فيها بصيغة الجمع، والجمع بين الصلاة والسّلام، وإتباع الصلاة والسّلام عليه صلّى الله عليه وسلّم، بالصلاة والسّلام على الآل والصّحب. وربما أتى بعض الكتّاب بالصلاة بلفظ الإفراد، فيكتب وصلاته.
واعلم أن الصلاة يجوز كتابتها بالألف على هذه الصورة «الصّلاة» ويجوز كتابتها بالواو على هذه الصورة «الصّلوة» إلا أن محلّ ذلك ما إذا لم
__________
(1) الطوامير: ج طامور، وهو الصحيفة.
(2) أي سكّن اضطرابك ولا تخف، راجع حاشية الطبعة الأميرية.(6/257)
تضف إلى ضمير نحو صلاته وصلاتك. فإن أضيفت إلى الضمير تعيّنت كتابتها بالألف دون الواو، وربما غلط فيها بعض الكتّاب فكتبها بالواو.
وأما موضعها في الكتابة، فقد اصطلحوا على أن يكتبوا ذلك تلو «الحمد لله وحده»، يفصل بياض بينهما لتكون الحمدلة في أوّل السطر، والتصلية في آخره.
الطرف السادس (في الحسبلة في آخر الكتاب، وفيه جملتان)
الجملة الأولى (في أصل كتابتها)
والأصل في ذلك ما دلّ عليه قوله تعالى: {الَّذِينَ قََالَ لَهُمُ النََّاسُ إِنَّ النََّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزََادَهُمْ إِيمََاناً وَقََالُوا حَسْبُنَا اللََّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللََّهِ وَفَضْلٍ} (1) فجعل قولهم: حسبنا الله ونعم الوكيل سببا لحسن المنقلب والصّون عن السوء. وقد قيل: من قال حسبنا الله ونعم الوكيل لم يخب في قصده.
الجملة الثانية (في بيان ما يكتب في ذلك، وكيفيّة وضعه في الكتابة)
أما ما يكتب، فقد اصطلح الكتّاب على أن يكتبوا «حسبنا الله ونعم الوكيل» بلفظ الجمع، على أن المتكلم يتكلّم بلسانه ولسان غيره من الأمّة، لا أنّ الجمع للتعظيم لأنه ليس بلائق بالمقام. وكان بعض الكتّاب يستحبّ أن يكتب «حسبي الله» بلفظ الوحدة فرارا من اللّبس في لفظ الجمع بين التّعظيم
__________
(1) سورة آل عمران 3، الآيتان 173و 174.(6/258)
والجمع الحقيقيّ. وقد أشار في «صناعة الكتّاب» إلى بعض ذلك. قال ابن شيث في «معالم الكتابة»: وقد يتأدّب الأدنى مع الأعلى، فيأتي بالآية على نصّها فيقول: {وَقََالُوا حَسْبُنَا اللََّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [1] فرارا من نون الجمع التي هي للعظمة. قال: وقد يقال في مكانها: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللََّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (2)
ثم قال: فأما الأعلى إذا كتب للأدنى فلا يخرج عن «حسبنا الله ونعم الوكيل».
ثم بعض الكتّاب قد يكتب مع الحسبلة واوا بأن يكتب: وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا معنى للواو هنا، إذ لا علاقة بين الحسبلة وما قبلها حتّى يسوغ العطف عليه، فالواجب حذفها كما نبّه عليه الشيخ جمال الدين بن هشام في «ورقاته في الوراقة».
وأما موضع وضعها في الكتابة، فقد اصطلحوا على أن يكتبوها سطرا واحدا بعد سطر الحمدلة والتصلية، ويكون بينهما في البعد قدر ما بين إن شاء الله تعالى وبين السطر الآخر من البياض. قال ابن شيث: وموضعها ثلث السطر من الجانب الأيمن إلى حيث ينتهي.
واعلم أن الكتّاب قد اصطلحوا على أن يكتبوا تحت الحسبلة صورة حاء لطيفة منكبة على هذه الصورة «حر» ولا معنى لها، إذا هي في الأصل إشارة إلى الحسبلة نفسها، وكأنّ بعض الكتّاب كان يكتفي بها عن الحسبلة، ثم التبس ذلك على بعض الكتّاب فأثبتها مع الحسبلة على ظنّ أن فيها قدرا زائدا عليها ويحتمل أنها إنما وضعت في الأصل لسدّ البياض كما يكتب بعض الدّوائر لسدّ البياض أو الفصل بين الكلامين وغير ذلك.
__________
(1) سورة آل عمران 3، الآية 173.
(2) سورة الطلاق 65، الآية 3.(6/259)
الطرف السابع (في اللّواحق، وفيه جملتان)
الجملة الأولى (في التتريب، ويتعلّق به أمران)
الأمر الأوّل (في النّدب إلى التتريب)
لا نزاع في أن تتريب الكتاب بعد الفراغ منه بإلقاء الرّمل ونحوه عليه مطلوب، وفيه معنيان:
المعنى الأول التبرّك طلبا لنجح القصد
فقد روى محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدواة» بسنده عن إسماعيل بن محمد بن وهب عن هشام بن خالد وهو أبو مروان الأزديّ، عن بقيّة بن الوليد، عن عطاء، عن ابن جريج، عن ابن عباس عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ترّبوا (1) الكتاب ونحّوه من أسفله فإنه أعظم للبركة وأنجح للحاجة». وفي حديث «إذا كتب أحدكم كتابا فليترّبه فإنّه مبارك وهو أنجح لحاجته».
ومن كلام أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضى الله عنه: ترّبوا (2) الكتاب تنجحوا. ويؤيد ذلك ما روي أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كتب كتابين إلى أهل قريتين فترّب أحدهما ولم يترّب الآخر، فأسلمت القرية التي ترّب كتابها. وهذا المعنى موجود في المكاتبات والولايات وغيرهما لطلب البركة والنّجاح في جميع ذلك.
وقد حكي أنّ أبا دهمان مرض مرضا أشفى فيه، فأوصى وأملى وصيته
__________
(1) أي لطّخوه بالتراب، وفي الحديث: أتربوا الكتاب فإنه أنجح للحاجة» لسان العرب مادة (ترب) يقال: ترّبت الكتاب وترّبت القرطاس فأنا أترّبه.
(2) رواية لسان العرب ومحيط المحيط مادة (ترب): «وفي الحديث: أتربوا الكتاب فإنه أنجح للحاجة».(6/260)
على ابنه، فكتبها وأتربها فقال: نعم ترّبها فإنه أنجح للحاجة. ولا فرق في ذلك بين أن يكون المكتوب قد جفّ أم لا لأن القصد إنما هو النّجح والبركة.
المعنى الثاني التجفيف
لما كتبه بطرح التّراب عليه كي لا ينمحي بما يصيبه قبل الجفاف، وهذا المعنى أضعف من الأوّل، ومقتضاه أنه إذا جفّ الكتاب لا يترّب، وعليه عمل كتّاب الزمان. ومن هنا يضعون التراب على آخر الكتاب من حيث أنه أقرب عهدا بالكتابة فيحتاج إلى التجفيف، بخلاف أوّل الكتاب فإنه يكون قد جفّ عند نهاية الكتاب غالبا، لا سيما في الزمن الحارّ، أو مع طول الكتاب وامتداد زمن كتابته. على أن صاحب «مواد البيان» وغيره من قدماء الكتّاب قد صرّحوا بأنه يستحبّ وضع التّراب أوّلا على البسملة، ثم يمرّه الكاتب منها على سائر المكتوب ليعمّ الكتاب بركة البسملة. ولقائل أن يقول إن التتريب من آخر الكتاب إلى أعلاه لا يخلو أيضا من بركة لملامسة التراب أوّلا الحمدلة والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والحسبلة. وربما بلغ بالتراب من أسفل الكتاب إلى البسملة ثم أعاده فيجمع فيه بين البركتين.
الأمر الثاني (فيما يترّب به الكتاب)
وقد اصطلح كتاب الزمان على التتريب بالرّمل الأحمر. أما تخصيصهم التتريب بالرمل فلأنه لا غبار فيه يعلق بالكتاب فيذهب بهجة الورق. وأما اختيارهم الأحمر دون غيره فلأنه أبهج إذا لصق بالكتاب، قال محمد بن عمر المدائنيّ: وكرهوا ونهوا عن تراب الحيطان، ومالوا إلى النّشارة والأشنان (1).
قال: وبلغنا أن بعض الأئمة من أهل العلم كان يترّب الحديث بالصّندل ويقول:
لا أطرح على حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، التراب. وكان حيوة بن شريح يخرج إلى
__________
(1) الإشنان، بضم الهمزة وكسرها: الحرض، وهو أنواع ألطفها الأبيض ويسمّى بخرء العصافير، والأخضر ويسمّى بالغاسول، وكلاهما جلاء منقّ، وهي كلمة يونانية.(6/261)
الصّحراء فيأخذ الطّين الأسود فيدقّه وينخله فيترّب به. وقد صرّح الرافعيّ وغيره من أصحابنا الشافعية أنه يحرم التتريب من جدار الغير، ومعناه ظاهر لما فيه من الاغتصاب والاعتداء. وقد سبق في المقالة الأولى في الكلام على الخط ذكر أنواع الرمل، وأن من أحسنه رملا يؤتى به من صحراء ماردين (1)، فيه شذور صفر كشذور الذهب، يلقى في الرمل الأحمر فيترّب به الأمراء والوزراء ومن في معناهم.
الجملة الثانية (في نظر الكاتب في الكتاب وتأمّله بعد الفراغ منه)
قد نصّوا على أنه إذا فرغ الكاتب من كتابة الكتاب ينبغي له أن يتأمّله من أوّله إلى آخره ويتتّبع ألفاظه ويتأمّل معانيه ويصلح منها ما لعلّه وهم فيه الفكر أو سبق إليه القلم ليسلم من قدح القادح وطعن الطاعن. وقد تقدّم في مقدّمة الكتاب أن صاحب الديوان لا يكتفي بنظر الكاتب في ذلك، بل يكله إلى نظر كاتب كامل ينصبه لذلك، ثم يتأمّله هو بنفسه بعد ذلك ليتنقّح الكتاب ويتهذّب.
__________
(1) ماردين، بكسر الراء والدال: قلعة مشهورة مشرفة على نصيبين، وقدّامها ربض عظيم فيه أسواق كثيرة ومدارس. وقد ذكرها جرير بقوله (بسيط).
يا خزر تغلب إنّ اللؤم حالفكم ... ما دام في ماردين الزيت يعتصر
انظر معجم البلدان (ج 5ص 39).(6/262)
المقالة الرابعة (في المكاتبات، وفيها بابان)
الباب الأوّل (في أمور كلّية في المكاتبات، وفيه فصلان)
الفصل الأوّل (في مقدّمات المكاتبات، وفيه ثلاثة أطراف)
الطرف الأوّل (في أصول يعتمدها الكاتب في المكاتبات)
ويتعلّق المقصود منها بعشرة أصول (1):
الأصل الأوّل (أن يأتي الكاتب في أوّل المكاتبة بحسن الافتتاح المطلوب في سائر أنواع الكلام، من نثر ونظم مما يوجب التحسين ليكون داعية لاستماع ما بعده، على ما تقدّم بيانه في الكلام على علوم البلاغة في المقالة الأولى)
ويرجع حسن الافتتاح في المكاتبات إلى معنيين.
المعنى الأوّل أن يكون الحسن فيه راجعا إلى المبتدإ به
. إما بالافتتاح بالحمد لله كما في بعض المكاتبات لأن النّفوس تتشوّف إلى الثناء على الله تعالى، أو بالسلام الذي جعله الشارع مفتتح الخطاب أو نحو ذلك. وإما بالافتتاح بما فيه تعظيم المكتوب إليه، من تقبيل الأرض أو اليد أو الدّعاء له أو غير ذلك، فإنّ أمر المكاتبات مبنيّ على التملّق واستجلاب الخواطر وتألّف
__________
(1) المعدود اثنا عشر أصلا كما ستقف عليه. حاشية الطبعة الأميرية.(6/263)
القلوب، إلى غير ذلك مما يجري هذا المجرى، على ما يقتضيه اصطلاح كلّ زمن في الابتداآت.
المعنى الثاني أن يكون الحسن فيه راجعا إلى ما يوجب التحسين. من سهولة اللفظ، وصحة السبك، ووضوح المعنى، وتجنّب الحشو، وغير ذلك من موجبات التحسين كما كتب الأستاذ أبو الفضل بن العميد عن ركن الدولة بن بويه، إلى من عصى عليه، مفتتحا كتابه بقوله: «كتابي إليك، وأنا متردّد بين طمع فيك وإياس منك، وإقبال عليك وإعراض عنك فإنك تدلّ بسالف خدم أيسرها يوجب رعاية، ويقتضي محافظة وعناية ثم تشفعها بحادث غلول وخيانة، وتتبعها بألف خلاف ومعصية، أدنى ذلك يحبط أعمالك، ويسقط كل ما يرعى لك».
وكما كتب أبو حفص (1) بن برد الاندلسيّ عن ملكه إلى من عصى عليه ثم عاد إلى الطاعة كتابا افتتحه بقوله: «أما بعد فإن الغلبة لنا والظّهور عليك جلبابك إلينا على قدمك، دون عهد ولا عقد يمنعان من إراقة دمك. ولكنّا لما (2) وهب الله تعالى لنا من الإشراف على سرائر الرياسة، والحفظ لشرائع السّياسة تأمّلنا من ساس جهتك قبلنا، فوجدنا يد سياسته خرقاء، وعين خدامته (3) عوراء، وقدم مداراته شلّاء، لأنه مال عن ترغيبك فلم ترجه، وعن ترهيبك فلم تخشه فأدّتك حائجتك إلى طلاب المطاعم (4) الدّنيّة، وقلّة مهابتك إلى التّهالك على
__________
(1) هو ابن برد الأصغر، وقد ترجم له ابن بسام في الذخيرة (ق 1م 1ص 535486) وأورد له جملة من نظمه ونثره، ومن بين نثره الفصل المذكور أعلاه، وترجم له الحميدي في جذوة المقتبس ص 115فقال: ابن برد مليح الشعر بليغ الكتابة، من أهل بيت ورياسة، له رسالة في السيف والقلم والمفاخرة بينهما، وهو أول من سبق إلى القول في ذلك بالأندلس وأضاف: لقد رأيته بالمرية بعد الأربعين وأربعماية. أنظر ترجمته أيضا في بغية الملتمس ص 165164، والأعلام (ج 1 ص 213).
(2) في الذخيرة (ق 1م 1ص 499): «بما».
(3) في المصدر السابق: «حزامته».
(4) في المصدر السابق: «الطعم».(6/264)
المعاصي الوبيّة (1)» ونحو ذلك من الافتتاحات البهجة، والابتداآت الرائقة، مما ستقف على الكثير منه في خلال هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
الأصل الثاني (أن يأتي في ابتداء المكاتبة ببراعة الاستهلال المطلوبة في كلّ فنّ من فنون الكلام)
بأن يأتي في صدر المكاتبة بما يدلّ على عجزها فإن كان الكتاب بفتح، أتى في أوّله بما يدلّ على التهنئة، أو بتعزية أتى في أوّله بما يدلّ على التعزية، أو في غير ذلك من المعاني أتى في أوّله بما يدلّ عليه ليعلم من مبدإ الكتاب ما المراد منه. كما يحكى أن عمرو بن مسعدة كاتب المأمون أمر كاتبه أن يكتب إلى الخليفة كتابا يعرّفه فيه أن بقرة ولدت عجلا وجهه وجه إنسان، فكتب: «أمّا بعد حمد الله خالق الأنام، في بطون الأنعام». وفضلاء الكتّاب وأئمتهم يعتنون بذلك كلّ الاعتناء، ويرون تركه إخلالا بالصنعة، ونقصا في الكتابة، حتّى أن الوزير ضياء الدين بن الأثير في المثل السائر قد عاب أبا إسحاق الصابي على جلالة قدره في الكتابة، واعترافه له بالتقدّم في الصناعة، بكتاب كتبه بفتح بغداد وهزيمة التّرك فقال في أوّله:
«الحمد لله ربّ العالمين، الملك الحقّ المبين الوحيد الفريد، العليّ المجيد الذي لا يوصف إلا بسلب الصّفات، ولا ينعت إلا برفع النّعوت الأزليّ بلا ابتداء، الأبديّ بلا انتهاء، القديم لا منذ أمد محدود، الدائم لا إلى أجل معدود، الفاعل لا من مادّة امتدّها، الصانع لا بآلة استعملها، الذي لا تدركه الأعين بألحاظها، ولا تحدّه الألسن بألفاظها، ولا تخلقه العصور بمرورها، ولا تهزمه الدّهور بكرورها، ولا تجاريه أقدام النّظراء والأشكال، ولا تزاجمه مناكب القرناء والأمثال، بل هو الصّمد الذي لا كفء له، والفرد الذي
__________
(1) أنظر هذا الفصل في الذخيرة (ق 1م 1ص 500499).(6/265)
لا توءم معه، والحيّ الذي لا تخترمه المنون، والقيّوم الذي لا تشغله الشّؤون، والقدير الذي لا تؤوده المعضلات، والخبير الذي لا تعييه المشكلات» ثم قال:
إن هذه التحميدة لا تناسب الكتاب الذي افتتحه بها، ولكنها تصلح أن توضع في صدر مصنّف من مصنّفات أصول الدين ككتاب «الشامل» للجويني، أو كتاب «الاقتصاد» للغزاليّ، وما جرى مجراهما. فأما أن توضع في أوّل كتاب فتح فلا.
واعلم أن براعة الاستهلال في المكاتبات قد تقع مع الابتداء بالتحميد، كما في كتاب عمرو بن مسعدة المتقدّم ذكره، وكما كتب إبو إسحاق الصابي عن الطائع إلى بعض ولاة الأطراف، عند زوال الوحشة بينه وبين الأمراء، ووقوع الصّلح والاتفاق: «أمّا بعد، فالحمد لله ناظم الشّمل، بعد شتاته، وواصل الحبل، بعد بتاته وجابر الوهن إذا انثلم، وكاشف الخطب إذا أظلم».
وقد تقع مع الابتداء بالتقبيل كما كتبت (1) إلى بعض الرّؤساء بثغر الإسكندرية، ملوّحا إلى التعبير عنه بالثّغر، وعن الرّيح التي تهبّ عليه من جانب البحر بالملثم (2)، وعن مستنزه من مستنزهاته بالرمل، وعن المساكن التي به بالقصور (3)، مع قربه من البحر، ومناسبة ذكر النّسيم بالثّغر بما صورته: يقبّل أرض ثغر قد رقّ ملثمه، وراق مبسمه باثّا لشكر يعترف الرّمل بالقصور عن حدّه، وتقف أمواج البحر المحيط دون عدّه».
وقد تقع مع الابتداء بالدعاء، وتكون براعة الاستهلال في الدعاء المعطوف على المبتدإ به، بأن يكون الدّعاء مناسبا للحالة المكتوب فيها، كما
__________
(1) أي كما كتب القلقشندي.
(2) أي الريح التي تهب عليه من جهة البحر تسمّى بالملثم.
(3) عبارة كتاب ضوء الصبح للمؤلف: «ويلوّح بذكر مستنزه لهم على البحر يسمّى بالرمل ومساكن لهم في ذلك المستنزه تسمى القصور» وهي أوضح، حاشية الطبعة الأميرية.(6/266)
نبّه عليه صاحب «المثل السائر» وغيره، وسيأتي الكلام على أمثلة ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ثم من المكاتبات ما يعسر معه الإتيان ببراعة الاستهلال (1) فيما يلي ذلك من الكلام في مقدّمة المكاتبة قبل الخوض في المقصود ولا يهملها جملة. على أن الشيخ شهاب الدين محمودا الحلبيّ، رحمه الله، قد ذكر في كتابه «حسن التوسل» أنه إن عسر عليه براعة الاستهلال، أتى بما يقارب المعنى. وبكل حال فإذا أتى ببراعة استهلال في أوّل مكاتبته استصحبها إلى الفراغ من الخطبة إن كان الكتاب مفتتحا بخطبة، وإلّا استصحبها إلى الفراغ من مقدّمة الكتاب الآتي بيانها.
الأصل الثالث (أن يأتي في المكاتبة المشتملة على المقاصد الجليلة بمقدّمة يصدّر بها تأسيسا لما يأتي به في مكاتبته)
مثل أن يأتي في صدور كتب الحثّ على الجهاد بذكر افتراضه على الأمّة، وما وعد الله تعالى به من نصر أوليائه، وخذلان أعدائه، وإعزاز الموحّدين، وقمع الملحدين. وفي صدور كتب الفتح بإنجاز وعد الله الذي وعده أهل الطاعة من النّصر والظّفر، وإظهار دينه على الدّين كلّه. وفي صدور كتب جباية الخراج (2)، يصدّر بحاجة قيام الملك وأسّ السلطنة إلى الاستعانة بما يستخرج من حقوق السلطان في عمارة الثّغور، وتحصين الأعمال، وتقوية الرّجال، ونحو ذلك مما يجري على هذا النمط مما سيأتي بيانه في مقاصد المكاتبات في الكلام على الابتداآت والجوابات فيما بعد إن شاء الله تعالى.
فقد قيل: إنه لا يحسن بالكاتب أن يخلي كلامه وإن كان وجيزا من مقدّمة يفتتحه بها وإن وقعت في حرفين أو ثلاثة، ليوفّي التأليف حقّه. قال في
__________
(1) لعله الاستهلال في البداءة فيأتي بها فيما يلي ذلك الخ. كما هو ظاهر من بقية الكلام. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) الخراج: الضريبة والجزية ومال الفيء.(6/267)
«موادّ البيان»: وعلى هذا السبيل جرت سنّة الكتّاب في جميع الكتب كالفتوح، والتّهاني، والتّعازي، والتّهادي، والاستخبار، والاستبطاء، والإحماد، والإذمام، وغيرها ليكون ذلك بساطا لما يريد القول فيه، وحجّة يستظهر بها السلطان لأن كلّ كلام لا بدّ له من فرش يفرش قبله: ليكون منه بمنزلة الأساس من البنيان.
قال: ويرجع في هذه المقدّمات إلى معرفة الكاتب ما يستحقّه كلّ نوع من أنواع الكلام من المقدّمات التي تشاكلها. ثم قال: والطريق إلى إصابة المرمى في هذه المقدّمات أن تجعل مشتملة على ما بعدها من المقاصد والأغراض، وأن يوضع للأمر الخاصّ مقدّمة خاصّة، وللأمر العامّ مقدّمة عامّة، ولا يطوّل في موضع الاقتصار، ولا يقصّر في موضع الإيجاز، ولا يجعل أغراضها بعيدة المأخذ، معتاصة (1) على المتصفّح وذلك أن الكاتب ربّما قصد إظهار القدرة على الكلام والتّصرّف في وجوه المنطق، فخرج إلى الإملال والإضجار الذي تتبرّم منه النّفوس، ولاسيما نفوس الملوك وذوي الأخطار الجليلة.
أما الأمور التي لا تشتمل على المقاصد الجليلة، كرقاع التّحف والهدايا ونحوهما. فقد ذكر في «موادّ البيان» أنه لا يجعل لها مقدّمة تكون أمامها، فإنّ ذلك غير جائز ولا واقع موقعه. قال: ألا ترى أنهم استحسنوا قول بعضهم في صدر رقعة مقترنة بتحفة في يوم مهرجان أو نحوه: «هذا يوم جرت فيه العادة، بأن تهدي فيه العبيد إلى السادة» واستظرفوا الكاتب لإيجازه وتقريب المأخذ.
الأصل الرابع (أن يعرف الفرق بين الألفاظ المستعملة في المكاتبات فيضعها في مواضعها)
قال في «ذخيرة الكتّاب»: يجب على الكاتب الرئيس أن يعرف مرتبة
__________
(1) أي صعبة يقال: عوص الكلام يعوص: صعب.(6/268)
الألفاظ ومواقعها ليرتّبها ويفرق بينها فرقا يقفه على الواجب وينتهي به إلى الصواب، فيخاطب كلّا في مكاتبته بما يستحقّه من الخطاب فإنه قبيح به أن يكون خطابه أوّلا خطاب الرئيس للمرؤوس، ويتبع ذلك بخطاب المرؤوس للرئيس، أو يبدأ بخطاب المرؤوس للرئيس ثم يتبعه بخطاب الرّئيس للمرؤوس.
قال: ومتى استمرّ الكاتب على هذه المخالفة من الألفاظ والمناقضة، نقصت المعاني، ورذلت الألفاظ، وسقطت المقاصد، وكان الكاتب قد أخلّ من الصّناعة بمعظمها، وترك من البلاغة غاية محكمها. بل يجب أن يبدأ بخطاب رئيس أو نظير أو مرؤوس، ويكون ما يتخلل مكاتبته من الألفاظ على اتساق إلى آخرها واطّراد من غير مخالفة بينها ولا مضادّة ولا مناقضة.
فمن ذلك الفرق بين أصدرنا هذه المكاتبة أو أصدرناها، وبين أصدرت، وبين صدرت. فأصدرناها أعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه للتصريح فيها بالضمير العائد على الرئيس التي صدرت المكاتبة عنه، إذ الشيء يشرف بشرف متعلّقه. ويلي ذلك في الرتبة أصدرت، لاقتضائها إصدارا في الجملة، والإصدار لا بدّ له من مصدر، وذلك المصدر هو الرئيس الصادرة عنه في الحقيقة. وإنما كانت دون الأولى للتصريح بالضمير هناك دون هنا. ودون ذلك في الرتبة صدرت لاقتضاء الحال صدورها بنفسها دون دلالة على المصدر أصلا.
ومن ذلك الفرق بين «ونبدي لعلمه» وبين «ونوضّح لعلمه»: فنبدي لعلمه أعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه لأن الإبداء يرجع في المعنى إلى إظهار شيء خفيّ، والإيضاح يرجع إلى بيان مشكل، وحصول الإشكال المحتاج إلى الإيضاح ربما دلّ على بعد فهم المخاطب عن المقصود، بخلاف إظهار الخفيّ فإنه لا ينتهي إلى هذا الحدّ.
ومن ذلك الفرق بين «علمه الكريم» وبين «علمه المبارك» فالكريم
أعلى من المبارك لأن في الكريم عراقة أصل وشرف قد توجد في المبارك وقد تتخلف عنه.(6/269)
ومن ذلك الفرق بين «علمه الكريم» وبين «علمه المبارك» فالكريم
أعلى من المبارك لأن في الكريم عراقة أصل وشرف قد توجد في المبارك وقد تتخلف عنه.
ومن ذلك الفرق بين «ومرسومنا لفلان بكذا» وبين «والمرسوم له بكذا» فمرسومنا أعلى بالنسبة إلى المكتوب عنه لاشتماله على نون الجمع المقتضية للتعظيم، ولذلك اختصّت بالملوك دون غيرهم بخلاف والمرسوم له بكذا فإنه عار عن ذلك.
ومن ذلك الفرق بين «والمسؤول» وبين «والمستمدّ»: فإن المسؤول أعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه (1)، فإن المسؤول يتضمّن نوع ذلّة بخلاف الاستمداد فإنه لا يستلزم ذلك.
ومن ذلك الفرق بين «بلغنا» وبين «أنهي إلى علمنا» وبين «اتصل بنا». فاتصل بنا أعلى من أنهي إلى علمنا، لما في معنى الاتصال من التلاصق، بخلاف الإنهاء وأنهي إلى علمنا أعلى من بلغنا لأن البلوغ قد يكون على لسان آحاد الناس.
ومن ذلك الفرق بين «أنهى فلان كذا» وبين «عرّفنا كذا»: فعرّفنا أعلى بالنسبة إلى رافع الخبر، لأن في التعريف مزيّة قرب من الرئيس، بخلاف الإنهاء فإنه لا يقتضي ذلك.
ومن ذلك الفرق بين «وردت مكاتبته» وبين «وردت علينا مكاتبته» فوردت علينا أعلى بالنسبة إلى صاحب المكاتبة الواردة لتخصيصها بالورود على الرئيس بخلاف الورود المطلق.
ومن ذلك الفرق بين «عرضت علينا مكاتبتك» وبين «وقفنا على مكاتبتك» فوقفنا أعلى بالنسبة إلى صاحب المكاتبة لأن الوقوف عليها يكون بنفسه،
__________
(1) في الأصول «عنه» والتصحيح من كتاب ضوء الصبح للمؤلف. حاشية الطبعة الأميرية.(6/270)
والعرض يكون من غيره.
ومن ذلك الفرق بين «وشكرت الله تعالى على سلامته» وبين «وتوالى شكري لله تعالى» فتوالى شكري أعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه لما فيه من معنى التكرار ومزيد الشكر المعدوق بالاحتفال.
ومن ذلك الفرق بين «ورغبت إلى الله تعالى» وبين «وضرعت إلى الله تعالى» فضرعت أعلى من رغبت لما في الضّراعة من مزيد التأكيد في الطّلب، بخلاف الرّغبة فإنها لا تبلغ هذا المبلغ.
ومن ذلك الفرق بين «وقابلت أمره بالطاعة» وبين «وامتثلت أمره بالطاعة» فامتثلت أمره أعلى من قابلت أمره لما في الامتثال من معنى الإذعان والانقياد، بخلاف المقابلة.
ومن ذلك الفرق بين «وشفعت له» وبين «وسألت فيه» فالسؤال أعلى في حق المسؤول من الشّفاعة لما (1) في الشفاعة من رفعة المقام المؤدّي إلى قبول الشفاعة.
ومن ذلك الفرق بين «وخاطبت فلانا في أمره» وبين «وتحدّثت في أمره» فتحدّثت أشدّ في تواضع المتكلّم من خاطبت لأن الخطاب من الألفاظ الخاصة التي لا يتعاطاها كلّ أحد بخلاف التحدّث.
ومن ذلك الفرق بين «تشريفي بكذا» وبين «إسعافي بكذا» [وبين «إتحافي بكذا»] (2) فالإسعاف أعلى رتبة من التشريف لما فيه من دعوى الحاجة والفاقة إلى المطلوب، بخلاف التشريف، وإتحافي دون تشريفي لأن
__________
(1) عبارة كتاب ضوء الصبح هي: «لما في السؤال من معنى الذلة وما في الشفاعة من معنى الشرف».
وهي أوضح. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) الزيادة من كتاب ضوء الصبح للمؤلف، وهي ساقطة من قلم الناسخ بدليل بقية الكلام. حاشية الطبعة الأميرية.(6/271)
الإتحاف قد لا يقتضي تشريفا.
ومن ذلك الفرق بين قوله: «نزل عنده» وبين قوله: «نزل بساحته» فالساحة أعلى لما فيها من معنى الفسحة والاتساع.
ومن ذلك الفرق بين «فيحيط علمه بذلك» وبين «فيعلم ذلك» فيحيط علمه أعلى من يعلم ذلك لأن في قوله «فيحيط علمه بذلك» نسبته إلى سعة العلم لما فيه من معنى الإحاطة بخلاف «فيعلم ذلك».
الأصل الخامس (أن يعرف مواقع الدّعاء في المكاتبات، فيدعو بكل دعاء في موضعه)
ويتعلق النظر فيه بستة أوجه:
الأوّل أن يعرف مراتب الدّعاء ليوقعها في مواقعها
، ويوردها في مواردها، ويتأتّى ذلك في عدّة أدعية.
(منها) الدّعاء بإطالة البقاء، والدّعاء بإطالة العمر فالدعاء بإطالة البقاء أرفع من الدّعاء بإطالة العمر وذلك أن البقاء لا يدلّ على مدّة تنقضي لأنه ضدّ الفناء، والعمر يدلّ على مدّة تنقضي ولذلك يوصف الله تعالى بالبقاء ولا يوصف بالعمر. قال في «موادّ البيان»: ومن هنا جعل الدعاء بإطالة البقاء أوّل مراتب الدعاء وخصّ بالخلفاء، وجعل ما يليه لمن دونهم، ويتلوه الدعاء بالمدّ في العمر، فيكون دون الدعاء بالإطالة لأن الوصف بطول الزمان أبلغ من الوصف بالمدّ فيه من حيث إن المدّ قابل للمدّة الطويلة والمدّة القصيرة ولذلك صارت مرتبة الطّول أقرب إلى مرتبة البقاء من مرتبة المدّ.
(ومنها) الدعاء بدوام النّعمة، والدعاء بمضاعفتها فالدعاء بالمضاعفة أعلى لأن الدوام غايته استصحاب ما هو عليه، والمضاعفة مقتضية للزيادة على ذلك.
(ومنها) الدعاء بعزّ الأنصار، وبعزّ النّصر، وبعزّ النّصرة. وقد اصطلح
كتّاب الزمان على أن جعلوا أعلاها الدعاء بعز الأنصار لأن عزّ أنصاره عزّ له بالضرورة مع ما فيه من تعظيم القدر ورفعة الشأن إذ الأنصار لا تكون إلا لملك عظيم أو أمير كبير. والدعاء بعزّ النصر أعلى من الدعاء بعزّ النّصرة لما في الأوّل من معنى التذكير وهو أرفع رتبة من التأنيث. على أنه لو جعل الدعاء بعز النصر أعلى من الدعاء بعز الأنصار، لكان له وجه لما في عزّ النصر من الغناء عن عزّ الأنصار.(6/272)
(ومنها) الدعاء بعزّ الأنصار، وبعزّ النّصر، وبعزّ النّصرة. وقد اصطلح
كتّاب الزمان على أن جعلوا أعلاها الدعاء بعز الأنصار لأن عزّ أنصاره عزّ له بالضرورة مع ما فيه من تعظيم القدر ورفعة الشأن إذ الأنصار لا تكون إلا لملك عظيم أو أمير كبير. والدعاء بعزّ النصر أعلى من الدعاء بعزّ النّصرة لما في الأوّل من معنى التذكير وهو أرفع رتبة من التأنيث. على أنه لو جعل الدعاء بعز النصر أعلى من الدعاء بعز الأنصار، لكان له وجه لما في عزّ النصر من الغناء عن عزّ الأنصار.
(ومنها) الدّعاء بعزّ الأحكام، والدعاء بتأييد الأحكام فالدعاء بعزّ الأحكام أعلى لأن المراد بالتأييد التقوية، فقد توجد القوّة ولا عزّ معها.
وينبغي للكاتب أن يحترز في تنزيل كلّ أحد من المكتوب إليهم منزلته في الدعاء، فلا ينقص أحدا عن حقّه، ولا يزيده فوق حقّه، فقد قال في «موادّ البيان»: إن الملوك تسمح ببدرات المال ولا تسمح بالدّعوة الواحدة.
الثاني أن يعرف ما يناسب كلّ واحد من أرباب المناصب الجليلة من الدعاء فيخصّه به
. فيأتي بالدعاء في المكاتبة للملوك بإطالة البقاء، ودوام السلطان، وخلود الملك، وما أشبه ذلك.
ويأتي في المكاتبة إلى الأمراء بالدعاء بعزّ الأنصار، وعزّ النّصر، ومضاعفة النّعمة، ومداومتها وما شاكل ذلك. على أن ابن شيث قد ذكر في «معالم الكتابة» أن الدعاء بعزّ النّصر ومضاعفة الاقتدار كان في الدولة الأيوبية مما يختصّ بالسلطان دون غيره.
ويأتي في المكاتبات للوزراء من أرباب الأقلام ومن في معناهم بالدعاء بسبوغ النّعماء، وتخليد السّعادة، ودوام المجد، وما يضاهي ذلك.
ويأتي في المكاتبات للقضاة والحكّام بالدعاء بعزّ الأحكام، وتأييد الأحكام وما يطابق ذلك.
ويأتي في المكاتبة إلى التّجّار بالدعاء بمزيد الإقبال، وخلود السعادة وشبه ذلك.(6/273)
ويأتي في المكاتبات للقضاة والحكّام بالدعاء بعزّ الأحكام، وتأييد الأحكام وما يطابق ذلك.
ويأتي في المكاتبة إلى التّجّار بالدعاء بمزيد الإقبال، وخلود السعادة وشبه ذلك.
ويأتي في المكاتبة في الإخوانيّات ومكاتبات النّظراء من الدعاء بما يقتضيه الحال بينهم من الودّ والإدلال، بحسب ما يراه الكاتب ويؤدّي إليه اجتهاده. قال في «موادّ البيان»: وقد كانوا يختارون في الدعاء للأدباء، أبقاك الله، وأكرمك الله. وفي الدعاء للابن والحرمة «أبقاك الله» و «أمتع بك».
أمّا أهل الكفر فقد اصطلحوا على الدعاء لهم بطول البقاء وما في معناه. أمّا جواز أصل الدعاء لهم فلما روي أنّ النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، استسقى فسقاه يهوديّ، فقال له: جمّلك الله، فما رؤي الشيب في وجهه حتّى مات، فدلّ على جواز الدعاء للكافر بما لا ضرر فيه على المسلمين ما لم تنضمّ إليه قوّة ونحو ذلك، بل ربما كان في طول بقائه حمل جزية أو غنيمة أو ثواب جهاد ونحو ذلك. وقد حكى أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتّاب» أن الشافعيّ، رضي الله عنه، قال لنصرانيّ: أعزّك الله! فعوتب في ذلك، فقال (1)
واعلم أنه يجب مع ذلك أن يعرف مرتبة المكتوب إليه من الدعاء، فيدعو بعزّ الأنصار لواحد، ويدعو بعزّ النصر لمن دونه لأن عزّ الأنصار مستلزم لعزّ النصر. على أنه لو قيل: إنّ عزّ النصر أعلى لكونه دعاء لنفس الشيء بخلاف الدعاء بعزّ الأنصار فإنه دعاء لشيء خارجيّ لكان له وجه. ويدعو بعز النّصرة لمن دون من يدعى له بعز النصر لأن النصر مذكّر ورتبة التذكير أعلى من رتبة التأنيث. ويدعو بدوام النعمة لواحد ويدعو بمضاعفة النّعمة لمن دونه (2) لأن
__________
(1) بياض في الأصول بقدر كلمتين ولم يورده في كتاب ضوء الصبح ولعل الشافعيّ استدل بالحديث السابق. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) صوابه «لمن فوقه» كما هو مقتضى التعليل بعد وكما يؤخذ من عبارة الضوء ص 423. حاشية الطبعة الأميرية.(6/274)
الصيغة تقتضي مزيدا على القدر الحاصل، بخلاف الدّوام فإنه يقتضي استصحاب القدر الحاصل فقط، وعلى هذا النهج. قال في «معالم (1)
الكتابة»: ولا يكتب عن السلطان إلى أحد ممن في ممالكه بلا زال، ولا برح، بل يختصّ ذلك بملك مثله. قال: ولا حرج في الكتابة بذلك عن السلطان إلى ولده إذا كان نائبا عنه في الملك. قال: وكذلك لا يدعو الأعلى للأدنى بلا زال، ولا برح.
قلت: والذي استقرّ عليه الحال الكتابة عن السلطان بذلك لأكابر النّوّاب، ويكتب به أكابر الدّولة بعضهم إلى بعض.
الثالث أن يعرف ما يناسب كلّ حالة من حالات المكاتبات
، فيأتي لكل حالة بما يناسبها من الدّعاء. قال في «موادّ البيان»: يبغي أن تكون الأدعية دالّة على مقاصد الكتاب فإن كان في الهناء كان بما راجت معرفته، وإن كان في العزاء كانت مشتقّة من وصفه، وكذلك سائر فنون المكاتبات، فإنه متى خرج الدعاء عن المناسبة وباين المقصود، خرج عن جادّة الصناعة وتوجّه اللوم على الكاتب، لا سيّما إذا أتى بما يضادّ المراد. كما حكى أبو هلال العسكريّ في «الصناعتين» أن بعضهم كتب إلى محبوبته: عصمنا الله وإيّاك مما يكره. فكتبت إليه: يا غليظ الطّبع، إن استجيب لك لم نلتق أبدا.
ويختلف الحال في ذلك باختلاف حال المكاتبات فتارة تكون باعتبار الشيء المكتوب بسببه. كما يكتب في معنى البشارة بجلوس الملك على تخت الملك: لا زال أمره! وأمتعه من البشائر بما يتوضّح على جبين الصّباح بشره، وما يترجّح على ميزان الكواكب قدره، وما ينفسح من أوقات أمن لا يختلف فيها زيده وعمره.
وكما يكتب في البشرى بفتح: ولا زالت آيات النصر تتلى عليه من
__________
(1) الكتاب لابن شيث.(6/275)
صحف البشائر، ونفائس الظّفر تجلى على سرّه في أسعد طائر، وفواتح الفتح تزهى به الأسرّة وتزهو بنوره المنابر.
وكما يكتب في التهنئة بعافية، ولا برح في برد الصحة رافلا (1)
بعزمه وحزمه كافلا، والإقبال لجنابه العالي بالهناء بعافيته واصلا.
وتارة تكون باعتبار حال المكتوب إليه التي هو بصددها.
كما يكتب لمن خرج إلى الغزو: وحفّه بلطفه فلا يخيب، وهيّأ له النصر والفتح القريب، وجعل على يديه دمار الكفّار حتّى لا يبقى لهم بشدّة بأسه من السلامة نصيب.
وكما يكتب إلى من خرج إلى الصّيد: وأمتعه بصيوده، وجعل الأقدار من جنوده، وأراه من مصارع أعدائه بسيوفه ورماحه ما يراه من مصارع صيده ببزاته (2) وفهوده.
وكما يكتب لمن خرج في سفر: وقضى بقرب رجعته، وجعله كالهلال في مسيره سبب رفعته، وسكّن بقدومه أشواق أوليائه وأهل محبّته.
وكما يكتب لمن خرج لتخضير (3) البلاد: وألبس البلاد بقدومه أخضر الأثواب، وأحلّه أشرف محلّ وأخصب جناب.
وتارة تكون باعتبار وظيفة المكتوب إليه التي هو قائم بها.
كما يكتب إلى كافل المملكة: ولا زالت كفاية كفالته تزيد على الآمال، وتتقرّب إلى الله تعالى بصالح الأعمال، وتكفل ما بين أقصى الجنوب وأقصى الشّمال.
__________
(1) بياض في الأصول بقدر كلمة ولعله «ولا زال الزمان» حاشية الطبعة الأميرية.
(2) البزاة: ج باز، وهو ضرب من الصقور، وهو أشدّ الجوارح تكبّرا وأضيقها خلقا ويوجد بأرض الترك، ويؤخذ للصيد.
(3) خضّرة: جعله أخضر.(6/276)
وكما يكتب إلى قاض: وفصل بين الخصوم بأحكامه المسدّدة، وأقضيته التي بها قواعد الإسلام ممهّدة، وأبنية الشرع المطهّر وأركانه مشيّدة.
وكما يكتب إلى متصوّف: وأعاد من بركات تهجّداته، وأنار الليالي بصالح دعواته.
وتارة تكون باعتبار بلد المكتوب إليه وناحيته.
كما يكتب إلى نائب الشام: ولا زال النّصر حلية أيّامه وشامة شامه، وغمامة ما يحلّق على بلده المخصب من غمامه.
وكما يكتب إلى نائب حلب في زمن الحروب: ولا زال يعدّ ليوم تشيب فيه الولدان، ويصدّ دونه كلّ محارب بين الشّهباء (1) والميدان، ويعمّ حلب من حلى أيامه ما لا يفقد معه إلا اسم ابن حمدان، ونحو ذلك مما ينخرط في هذا السلك.
وتارة تكون باعتبار اسم المكتوب إليه أو لقبه.
كما يكتب إلى من لقبه سيف الدين: ولا زال سيفه في رقاب أعدائه مغمدا، وحدّه يذر كلّ ملحدا ملحدا.
وكما يكتب إلى من لقبه عزّ الدين: ولا زال عزّه دائما، والزمان في خدمته قائما، وطرف الدهر عن مراقبة سعادته نائما.
وكما يكتب إلى من لقبه شمس الدين: ولا زالت شمس سعادته مشرقة، وأغصان فضله بالعوارف مورقة، وعيون طوارق الغير عنه في كلّ زمن مطرقة.
وكما يكتب إلى من لقبه ناصر الدين: ونصر عزائمه، وشكر مكارمه، ووفّر من الحسنات مغانمه. إلى غير ذلك من الأمور التي ستقف على الكثير منها في
__________
(1) الشهباء: لقب مدينة حلب لبياض حجارتها. والميدان اسم مكان، وقد يقصد بها محلة ببغداد.
معجم البلدان (ج 5ص 242241).(6/277)
الكلام على مقاصد المكاتبات إن شاء الله تعالى.
الرابع أن يعرف مواضع الدعاء على المكتوب إليه
، ومن الذي يصرّح بذلك في المكاتبة إليه. وقد ذكر ابن شيث في «معالم الكتابة» أن الدّعاء على الأعداء في صدور الكتب كان من عوائد مكاتبة الأدنى إلى الأعلى، مثل:
وقصم، وأذلّ، وقهر، وخضد (1). وكذلك المماثل والمقارب فأما من الأعلى إلى الأدنى فلم يكن ذلك معروفا عند المتقدّمين، لا سيما إذا كان الكتاب عن السلطان. ثم قال: ولكن قد أفلت الحبل في ذلك الآن [إلى أن] قال: ولا يقال للأدنى غير كبت عدوّه، أو ضدّه، أو حسوده خاصة.
ومنها (2) أن يعرف ما كرهه الكتّاب من الدعاء فيتجنبه. وهو على ضربين:
الضرب الأوّل (ما كرهوه في المكاتبة إلى كل أحد)
قال في «موادّ البيان»: كانت عادتهم جارية أن يتجنّبوا من الأدعية مالا محصول له، كقولهم: جعلني الله فداك، وقدّمني إلى السّوء دونك لما في ذلك من التصنّع والملق الذي لا يرضاه السلطان لأن نفس الداعي لا تسمح باستجابته. ويؤيّد ما ذكره ما كتب به ابن عبد كان إلى بعض أصدقائه: جعلت فداك على الصحة والحقيقة، لا على مجرى المكاتبة ومذهب العادة. قال في «موادّ البيان»: وإنما يحسن ذلك من الخواصّ الذين يتحقّقون أن بقاءهم معذوق (3) ببقاء رؤسائهم، وثبات نعمهم مقرون بثبات أيام سلاطينهم لأنه يصدر عن عقائد مستحكمة من بذل الأنفس دونهم. وما ذهب إليه من كراهة ذلك قد نقل
__________
(1) يقال: خضد العود: كسره أو ثناه من غير كسر، وخضد الشيء: قطعه.
(2) عدّها في كتابه ضوء الصبح مرتبة خامسة، وهو أنسب. حاشية الطبعة الأميرية.
(3) في الأصل: «معدوق» بالدال المهملة، والأصح بالذال المعجمة، والمراد: منوط.(6/278)
في «صناعة الكتّاب» مثله عن مالك (1) بن أنس، واحتجّ له بما روي عن الزبير رضي الله عنه أنه قال للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «جعلت فداك فقال له أما تركت أعرابيّتك بعد!» على أن بعضهم قد أجاز ذلك احتجاجا بقوله، صلّى الله عليه وسلّم لسعد بن مالك يوم أحد (2): «ارم فداك أبي وأمّي» وبما روي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: «ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟ قال نعم جعلني الله فداك!» ولم ينكر عليه، ونحو ذلك وفي معنى ذلك كلّ ما يجري هذا المجرى ونحوه.
الضرب الثاني (ما تختصّ كراهته بالبعض دون البعض، وهو نوعان)
النوع الأوّل ما يختص بالرجال
، فمن ذلك ما ذكره في «موادّ البيان» أنهم كانوا لا يستحسنون الدعاء بالإمتاع نحو «أمتع الله بك» و «أمتعني الله بك» في حق الإخوان. ومما يحكى في ذلك أن محمد بن عبد الملك الزّيات، كتب إلى عبد الله بن طاهر في كتاب: وأمتع بك فكتب إليه عبد الله بن طاهر [منسرح] أحلت عمّا عهدت من أدبك؟ ... أم نلت ملكا فتهت في كتبك؟
أتعبت كفّيك في مكاتبتي ... حسبك مما (3) يزيد في تعبك!
إنّ جفاء (4) كتاب ذي مقة ... يكون في صدره: «وأمتع بك».
__________
(1) هو إمام أهل المدينة وكان واسع العلم بالحديث، ألّف كتابه الضخم «الموطّا» (السهل الواضح) في الحديث والفقه خلال أربعين سنة ولقي من العباسيين كل ضروب التعذيب. توفي في المدينة سنة 179هـ.
(2) هو اليوم الذي كانت فيه الوقعة الفظيعة التي قتل فيها حمزة عمّ النبي، صلّى الله عليه وسلّم وسبعون من المسلمين، وشجّ وجه النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وكلمت شفته، وذلك لسنتين وتسعة أشهر وسبعة أيام من مهاجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو في سنة ثلاث. وأحد بضم أوله وثانيه، جبل بينه وبين المدينة قرابة ميل في شماليها أنظر معجم البلدان: (ج 1ص 109).
(3) في العقد الفريد (ج 4ص 182): «حسبك ما قد لقيت».
(4) في المصدر السابق: «أكان حقّا كتاب».(6/279)
فأجابه محمد بن عبد الملك الزيّات معتذرا بقوله [منسرح] كيف أخون الإخاء يا أملي؟ ... وكلّ شيء أنال من سببك!
إن يك جهل أتاك من قبلي، ... فعد بفضل عليّ من أدبك (1).
على أن في كراهة الدعاء للإخوان بذلك نظرا فسيأتي في الكلام على ترتيب المكاتبات على سبيل الإجمال أن أمّ حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم [قالت]: اللهم أمتعني بزوجي رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية في حديث طويل يأتي ذكره هناك إن شاء الله تعالى.
أما الدعاء بالإمتاع للأتباع، فقد أجازه جماعة من محقّقي الكتّاب، محتجّين على ذلك بأنّه، صلّى الله عليه وسلّم دعا لأبي اليسر: كعب بن عبيد (2) الله بقوله «اللهمّ أمتعنا به». قال ابن عفير: فكان آخر أهل بدر وفاة، مات سنة خمس وخمسين من الهجرة.
النوع الثاني ما يختصّ بالنساء
. فقد ذكر «أبو جعفر النحاس» أنه لا يقال في مكاتبتهنّ «وأدام كرامتك» ولا «وأتمّ نعمته عليك» ولكن لديك، ولا «فضله عندك» ولا «وأدام سعادتك». أما منع الدعاء لهنّ بالكرامة، فلما حكى محمد بن عمر المدائني أن بعض عمال زبيدة كتب إليها كتابا بسبب ضياع لها فوقّعت له على ظهر كتابه: أردت أن تدعو لنا فدعوت علينا، فأصلح خطأك في كتابك وإلّا صرفناك عن جميع أعمالك! فأدركه القلق، وجعل يتصفّح الكتاب ويعرضه على الكتّاب فلا يجد فيه شيئا، إلى أن عرضه على بعض أهل المعرفة فقال: إنما
__________
(1) في المصدر السابق: «علي من حسبك».
(2) الذي في تاج العروس للزبيدي مادة (يسر): كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو». وسوف يرد اسمه كما هنا ص 322من هذا الجزء. أنظر حاشية الطبعة الأميرية.(6/280)
كرهت دعاءك في صدر كتابك بقولك: وأدام كرامتك لأنّ كرامة النساء دفنهنّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دفن البنات من المكرمات» فغير ذلك الحرف من كتابه وأعاده إليها فوقّعت له على ظهره أحسنت ولا تعد وأما كراهة «وأتمّ نعمته عليك» وإبدال ذلك بلفظ و «أتم نعمته لديك»، فكأنه لما يلمح فيه من ذكر العلوّ على النساء. وأما منع «وأتمّ فضله عندك»، أو «وأتم سعادتك» فيحتاج إلى تأمل.
الخامس أن يتجنب الخلاف في الدعاء في فصول الكتاب
، ولا يوالي بين دعوتين منه [متفقين]. فأما الخلاف في الدعاء، فقال أبو جعفر النحاس:
هو مثل أن يقول: أطال الله بقاء سيّدي بلفظ الغيبة، ثم يقول بعد ذلك:
وبلّغك أملك بلفظ الخطاب. وأما الموالاة بين (1) دعوتين ولا يأتي بهما متفقتين، فقال في «موادّ البيان»: هو مثل «حرس الله الأمير أعزّه الله» ثم يقول في الفصل الذي بعده: أعزّه الله تعالى، وما أشبه ذلك.
السادس أن يتجنب وقوع اللّبس في الدعاء
. فإذا ذكر الرئيس مع عدوّه مثلا، لم يدع للرئيس حينئذ، فإنه لو ذهب يقول وقد كان من عدوّ سيّدي أبقاه الله كذا، لاحتمل عود الدعاء إلى الرئيس وإلى عدوّه فيقع اللّبس. أما إذا ذكر الرئيس وحده كما إذا قال: وقد كنت عرّفت سيّدي أبقاه الله كذا، فإنه لا التباس.
الأصل السادس (أن يعرف ما يناسب المكتوب إليه من الألقاب فيعطيه حقّه منها) ويتعلق الغرض من ذلك بثلاثة أمور.
أحدها أن يعرف ما يناسب من الألقاب الأصول
المتقدّمة الذكر في
__________
(1) عبارة ضوء الصبح ص 426هكذا «وأما موالاة دعوتين متفقتين فمثل أن يقول أعزه الله تعالى ثم يقول في الفصل الذي بعده أعزه الله تعالى». وهي أوضح. حاشية الطبعة الأميرية.(6/281)
المقالة الثالثة عند الكلام على الألقاب المصطلح عليها بحسب ذلك الزمان، كالمقام، والمقرّ، والجناب، والمجلس في زماننا فيعطي كلّ أحد من المكتوب إليهم ما يليق به من ذلك فيجعل المقام لأكابر الملوك، والمقرّ لمن دونهم من الملوك، وللرّتبة العليا من أهل المملكة. والجناب للرتبة الثالثة من الملوك والرّتبة الثانية من أهل الدّولة. والمجلس للرتبة الرابعة من الملوك والرتبة الثالثة من أهل الدولة. ومجلس الأمير لمن دون ذلك من أهل الدولة على المصطلح المستقرّ عليه الحال.
الثاني أن يعرف ما يناسب كلّ لقب من الألقاب الأصول من الألقاب والنّعوت التابعة لذلك
، فيتبع كلّ واحد من الأصول بما يناسبه من الفروع.
الثالث أن يعرف مقدار المكتوب إليه
، فيوفّيه قسطه من الألقاب في الكثرة والقلّة بحسب ما يجري عليه الاصطلاح. فقد ذكر في «معالم الكتابة» أن السلطان لا يكثر في المكاتبة إليه من نعوته، بل يقتصر على الأشياء التي تكون فيه مثل العالم العادل. أما غير ذلك فيقع باللقبين المشهورين وهما نعته المفرد، ونعته المضاف إلى الدّين. وأنه في الكتابة عن السلطان كلّما زيد في النّعوت كان أمير لأنها على سبيل التشريف من السلطان، ويجعل المضاف إلى الدين متوسّطا بين الألقاب لا في أوّلها.
الأصل السابع (أن يراعي مقاصد المكاتبات، فيأتي لكل مقصد بما يناسبه) ومدار ذلك على أمرين:
الأمر الأوّل أن يأتي مع كل كلمة بما يليق بها
، ويتخير لكل لفظة ما يشاكلها. قال ابن عبد ربه (1): وليكن ما تختم به فصولك في موضع ذكر البلوى بمثل: نسأل الله رفع المحذور، وصرف المكروه، وأشباه ذلك. وفي موضع
__________
(1) ورد قوله هذا في العقد الفريد (ج 4ص 184) باختلاف يسير في بعض الكلمات.(6/282)
ذكر المصيبة: إنّا لله وإنا إليه راجعون. وفي موضع ذكر النّعمة: الحمد لله خالصا، والشّكر لله واجبا، وما شاكل ذلك. قال في «موادّ البيان»: وإذا ذكر البلوى شفعها بالاستعانة بالله تعالى والرّجوع إليه فيها، وردّ الأمر إلى حوله وقوّته. قال ابن عبد ربه (1): فإن هذه المواضع مما يتعيّن على الكاتب أن يتفقّدها ويتحفّظ فيها، فإن الكاتب إنما يصير كاتبا بأن يضع كلّ معنى في موضعه، ويعلّق كلّ لفظ على طبقه في المعنى.
ومما يلتحق بذلك أيضا أنه إذا ذكر الرئيس في أثناء المكاتبة، دعا له، مثل أن يقول عند ذكر السلطان: خلّد الله ملكه. وعند ذكر الأمير الكبير: عزّ نصره، أو: أعزّ الله تعالى أنصاره. وعند ذكر الحاكم: أيّد الله تعالى أحكامه، وما أشبه ذلك مما يجري هذا المجرى.
الأمر الثاني أن يتخطّى التصريح إلى التلويح
والإشارة إذا ألجأته الحال إلى المكاتبة بما لا يجوز كشفه وإظهاره على صراحته، مما في ذكره على نصّه هتك ستر، أو في حكايته اطّراح مهابة السلطان، وإسماعه ما يلزم منه إخلال الأدب في حقه كما لو أطلق عدوّه لسانه فيه بلفظ قبيح يسوءه سماعه. قال في «موادّ البيان»: فيحتاج المنشيء إلى استعمال التّورية (2) في هذه المواضع، والتلطّف في العبارة عن هذه المعاني، وإبرازها في صورة تقتضي توفية حقّ السلطان في التوقير والإجلال والإعظام، والتنزيه عن المخاطبة بما لا يجوز إمراره على سمعه، وإيصال المعنى إليه من غير خيانة في طيّ ما لا غنى به عن علمه. قال: وهذا مما لا يستقلّ به إلا المبرّز في الصناعة، المتصرّف في تأليف الكلام.
الأصل الثامن (أن يعرف مقدار فهم كل طبقة من المخاطبين في المكاتبات من اللسان فيخاطب كلّ أحد بما يناسبه من اللفظ، وما يصل إليه فهمه من الخطاب).
__________
(1) ورد قوله في العقد الفريد (ج 4ص 184) باختلاف يسير عما هنا.
(2) التورية من المحسّنات المعنوية، وهي أن يطلق لفظ مفرد له معنيان أحدهما قريب غير مقصود والآخر بعيد مقصود، فيراد البعيد منهما ويورّى عنه بالقريب.(6/283)
قال أبو هلال العسكري في كتابه «الصناعتين»: أوّل ما ينبغي أن تستعمل في كتابك مكاتبة كل فريق على مقدار طبقتهم في الكلام وقوّتهم في المنطق. قال:
والشاهد على ذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا أراد أن يكتب إلى أهل فارس، كتب إليهم بما يمكنهم ترجمته فكتب إليهم: «من محمد رسول الله إلى كسرى أبرويز عظيم فارس، سلام على من اتّبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وأدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافّة {لِيُنْذِرَ مَنْ كََانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكََافِرِينَ} (1)
فأسلم تسلم، وإن أبيت فإثم المجوس عليك» فسهّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الألفاظ غاية التسهيل حتّى لا يخفى منها شيء على من له أدنى معرفة بالعربيّة.
ولما أراد (2) أن يكتب إلى قوم من العرب، فخّم اللفظ لما عرف من قوّتهم على فهمه، وعادتهم بسماع مثله فكتب لوائل (3) بن حجر الحضرميّ:
«من محمد رسول الله إلى الأقيال (4) العباهلة (5) من أهل (6) حضر موت بإقامة الصلاة وإيتاء الزّكاة. على التّيعة (7) الشاة، والتّيمة (8) لصاحبها، وفي السّيوب (9) الخمس، لا خلاط (10) ولا وراط (11) ولا شناق (12) ولا شغار (13)، ومن
__________
(1) سورة يس 36، الآية 70.
(2) أي أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(3) وائل بن حجر الحضرمي القحطاني من أقيال حضر موت، وكان أبوه من ملوكهم، استعمله النبي صلّى الله عليه وسلّم على أقيال من حضر موت وأعطاه كتابا للأقيال والعباهلة، وأقطعه أرضا. توفي نحو 50هـ، أنظر جمهرة أنساب العرب ص 460، وقلائد الجمان للقلقشندي ص 38، والأعلام (ج 8ص 106).
(4) الأقيال: ج قيل، وهو الملك.
(5) العباهلة: الملوك المقرّون على ملكهم فلم يزالوا عنه.
(6) في قلائد الجمان للقلقشندي ص 38: «من أرض» بدل «من أهل».
(7) التيعة: اسم لأدنى ما يجب فيه الزكاة من الحيوان كالخمس من الإبل والأربعين من الغنم. لسان العرب مادة (تيع).
(8) التيمة: الشاة الزائدة على الأربعين حتى تبلغ الفريضة الأخرى.
(9) السيوب: ج سيب، وهو المال المدفون.
(10) الخلاط، بكسر الخاء المخالطة، أي أن يخلط إبله بإبل غيره ليمنع حق الله فيها.
(11) الوراط، بكسر الواو، وهو أن يقول أحدهم: عند فلان صدقة، وليست عنده.
(12) الشناق، بكسر الشين: خلط الرجل إبله أو غنمه بإبل غيره وغنمه ليبطل الصدقة.
(13) الشغار بكسر الشين: نكاح كان في الجاهلية كانوا يتبادلون فيه أختا بأخ أو بنتا ببنت دون مهر.(6/284)
أجبى (1) فقد أربى، وكلّ مسكر حرام».
وقد ذكر العسكريّ أيضا في باب الإطناب ما يحسن أن يكون شاهدا لذلك من القرآن الكريم فقال: قد رأينا أنّ الله تعالى إذا خاطب العرب والأعراب، أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحي كما في قوله تعالى خطابا لأهل مكة {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللََّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبََاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبََابُ شَيْئاً لََا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطََّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} (2) وقوله: {إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلََهٍ بِمََا خَلَقَ وَلَعَلََا بَعْضُهُمْ عَلى ََ بَعْضٍ} (3) وقوله: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (4) في أشباه كثيرة لذلك. وإذا خاطب بني إسرائيل أو حكى عنهم، جعل الكلام مبسوطا، كما في سورة طه وأشباهها، حتّى إنه قلّما تجد قصّة لبني إسرائيل في القرآن إلا مطوّلة مشروحة ومكررة في مواضع معادة، لبعد فهمهم، وتأخّر معرفتهم.
قال في «موادّ البيان»: فيجب على الكاتب أن يتنقّل في استعمال الألفاظ على حسب ما تقتضيه رتب الخطاب والمخاطبين، وتوجبه الأحوال المتغايرة، والأوقات المختلفة ليكون كلامه مشاكلا لكلّ منها، فإنّ أحكام الكلام تتغيّر بحكم تغيّر الأزمنة والأمكنة ومنازل المخاطبين والمكاتبين.
قال: ولتحرّي الصّدر الأوّل من الكتّاب إيقاع المناسبة بين كتبهم وبين الأشياء المتقدّمة الذكر استعمل كتّاب الدولة الأمويّة من الألفاظ العربية الفحلة، والمتينة الجزلة، ما لم تستعمل مثله الدولة العباسيّة لأن كتّاب الدولة الأمويّة
__________
(1) أجبى: باع الزرع قبل أن يبدو صلاحه.
(2) سورة الحج 22، الآية 73.
(3) سورة المؤمنون 23، الآية 91.
(4) سورة ق 50، الآية 37.(6/285)
قصدوا ما شاكل زمانهم الذي استفاضت فيه علوم العرب ولغاتها، حتّى عدّت في جملة الفضائل التي يثابر على اقتنائها، والأمكنة التي نزلها ملوكهم من بلاد العرب، والرجال الذين كانت الكتب تصدر إليهم وهم أهل الفصاحة واللّسن والخطابة والشّعر.
أما زمان بني العباس، فإن الهمم تقاصرت عمّا كانت مقبلة على تطلّبه فيما تقدّم من العلوم المقدّم ذكرها، وشغلت بغيرها من علوم الدين ونزل ملوكهم ديار العراق وما يجاورها من بلاد فارس، وليس استفاضة لغة العرب فيها كاستفاضتها في أرض الحجاز والشام. ومن المعلوم أن القوم الذين كانوا يكاتبون عنهم لا يجارون تلك الطبقة في الفصاحة والمعرفة بدلالات الكلام فانتقل كتّابها من اللفظ المتين الجزل، إلى اللفظ الرّقيق السّهل، وكذلك انتقل متأخّر والكتّاب عن ألفاظ المتقدّمين إلى ما هو أعذب منها وأخفّ، للمعنى المتقدّم ذكره.
قال: وحينئذ ينبغي للكاتب أن يراعى هذه الأحوال، ويوقع المشاكلة بين ما يكتبه وبينها، فإذا احتاج إلى إصدار كتاب إلى ناحية من النواحي، فلينظر في أحوال قاطنيها فإن كانوا من الأدباء البلغاء العارفين بنظم الكلام وتأليفه، فليودع كتابه الألفاظ الجزلة، التي إذا حلّيت بها المعاني زادتها فخامة في القلوب، وجلالة في الصّدور، وإن كانوا ممن لا يفرّق بين خاص الكلام وعامّه، فليضمّن كتابه الألفاظ التي يتساوى سامعوها في إدراك معانيها، فإنه متى عدل عن ذلك ضاع كلامه، ولم يصل معنى ما كتب فيه إلى من كاتبه لأن الكلام البليغ إنما هو موضوع بإزاء أفهام البلغاء والفصحاء، فأما العوامّ والحشوة (1)، فإنما يصل إلى أفهامهم الكلام العاطل من حلى النّظم، العاري من كسوة التأليف، فيجب على الكاتب أن يستعمل في مخاطبة من هذه صورته أدنى رتب البلاغة وأقربها من أفهام العامة والأمم الأعجميّة إذا كتب إليهم.
ثم قال: فأما الكتب المعتدّة عن السلطان، فإنّ منها كتب الفتوحات
__________
(1) الحشوة من الناس: رذالهم، يقال: هو من حشوة بني فلان أي من رذالهم.(6/286)
والسلامات ونحوها، وهي محتملة للألفاظ الفصيحة الجزلة، والإطالة القاضية بإشباع المعنى، ووصوله إلى أفهام كافّة سامعيه من الخاص والعام، ومنها كتب الخراج وجبايته وأمور المعاملات والحساب، وهي لا تحتمل اللفظ الفصيح، ولا الكلام الوجيز لأنها مبنيّة على تمثيل ما يعمل عليه، وإفهام من لا يصل المعنى إلى فهمه إلا بالبيان الشافي في العبارة. ومنها مخاطبته السلطان عن نفسه، فيجب فيها مخاطبته على قدر مكانه من الخدمة من الألفاظ المتوسّطة، ولا يجوز أن يستعمل فيها الفصيحة التي لا تحتمل من تابع في حقّ متبوع لما فيه من تعاطي التفاصح على سلطانه، وهو غير جائز في أدب الملوك، وكذلك لا يجوز فيه تعاطي الألفاظ المبتذلة الدائرة بين السّوقة لما في ذلك من الوضع من السلطان بمقابلته إيّاه بما لا يشبه رتبته.
وأما الكتب الإخوانيّات النافذة في التّهاني والتّعازي، فإنها تحتمل الألفاظ الغريبة القويّة الأخذ بمجامع القلوب، الواقعة أحسن المواقع من النّفوس لأنها مبنيّة على تحسين اللفظ، وتزيين النظم وإظهار البلاغة فيها مستحسن واقع موقعه.
قلت: والذي تراعى الفصاحة والبلاغة فيه من المكاتبات عن الأبواب السلطانية في زماننا مكاتبات ملوك المغرب كصاحب تونس، وصاحب تلمسان، وصاحب فاس، وصاحب غرناطة من الأندلس، وكذلك القانات العظام من ملوك المشرق ومن يجري هذا المجرى، ممن تشتمل بلاده على العلماء بالبلاغة وصناعة الكتابة. ويظهر ذلك بالاستخبار عن بلادهم، وبالاطّلاع على كتبهم الصادرة عن ملوكهم إلى الأبواب السلطانية، بخلاف من لا عناية له بذلك كحكّام أصاغر البلدان وأصحاب اللّغات العجمية من الرّوم والفرنج والسّودان ومن في معناهم فإنه يجب خطابهم بالألفاظ الواضحة، إلا أن يكون في بعض بلادهم من يتعاطى البلاغة من الكتّاب ووردت كتبهم على نهجها فإنه ينبغي مكاتبتهم على سنن البلغاء.(6/287)
الأصل التاسع (أن يراعي رتبة المكتوب عنه والمكتوب إليه في الخطاب، فيعبّر عن كل واحد منهما في كلّ مكاتبة بما يليق به، ويخاطب المكتوب إليه بما يقتضيه مقامه)
فأما المكتوب عنه، فيختلف الحال فيه باختلاف منصبه ورتبته.
فإن كان المكتوب عن خليفة، فقد جرت عادة من تقدّم من الكتّاب بالتعبير عنه في الكتب الصادرة عن أبواب الخلافة بأمير المؤمنين، مثل أن يقال: فجرى أمر أمير المؤمنين في كذا على كذا وكذا، وأوعز أمير المؤمنين إلى فلان بكذا، واقتضى رأي أمير المؤمنين كذا، وخرج أمر أمير المؤمنين بكذا، وتقدّم أمر أمير المؤمنين إلى فلان بكذا، وما شاكل ذلك. وربما عبّر عنه بالسلطان، مثل أن يقال في حقّ المخالفين: وحاربوا عساكر السلطان، أو ومنعوا خراج السلطان وما أشبه ذلك، يريدون الخليفة، على ما ستقف عليه في الكتب التي نوردها في المكاتبات عن الخلفاء فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وقال ابن شيث في «معالم الكتابة»: ويخاطب بالمواقف المقدّسة الشريفة، والعتبات العالية، ومقرّ الرحمة، ومحلّ الشرف. وذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» نحوه، فقال: ويخاطب بالديوان العزيز، والمقام الأشرف، والجانب الأعلى أو الشريف، وبأمير المؤمنين، مجرّدة عن سيّدنا ومولانا ومرّة غير مجرّدة، مع مراعاة المناسبة، والتسديد والمقاربة. قال: وسبب الخطاب بالديوان العزيز الخضعان عن مخاطبة الخليفة نفسه، وتنزيل الخطاب منزلة من يخاطب نفس الديوان، والمعنيّ به ديوان الإنشاء، إذ الكتب وأنواع المخاطبات إليه واردة وعنه صادرة.
وقد سبق في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة نقلا عن ابن حاجب النعمان في «ذخيرة الكتاب» إنكار هذه الاستعارات والمخترعات (1)، وسيأتي في
__________
(1) في الأصول: «والخوارع» وهو تعبير عرفيّ. حاشية الطبعة الأميرية.(6/288)
المكاتبة إلى الخلفاء ذكر ترتيبها إن شاء الله تعالى.
وإن كان المكتوب عنه ملكا، فقد جرت العادة أن يعبّر عنه بنون الجمع للتعظيم فيقال: فعلنا كذا، وأمرنا بكذا، واقتضت آراؤنا الشريفة كذا، وبرزت مراسيمنا بكذا، ومرسومنا إلى فلان أن يتقدّم بكذا، أو يتقدم أمره بكذا، وما أشبه ذلك. وذلك أن ملوك الغرب كانوا يجرون على ذلك في مخاطباتهم، فجرت الملوك على سننهم في ذلك. وفي معنى الملوك في ذلك سائر الرؤساء، من الأمراء، والوزراء، والعلماء، والكتّاب، ونحوهم من ذوي الأقدار العلية، والأخطار الجليلة، والمراتب السنيّة في الدّين والدنيا، ممّن يصلح أن يكون آمرا وناهيا، إذا كتبوا إلى أتباعهم ومأموريهم، إذ كانت هذه النون مما يختصّ بذوي التعظيم دون غيرهم. وشاهد ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: {حَتََّى إِذََا جََاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قََالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} (1) فدعاه دعاء المفرد لعدم المشاركة له في ذلك الاسم، وسأله سؤال الجمع لمكان العظمة، إلى غير ذلك من الآيات الواردة مورد الاختصاص له كما في قوله تعالى: {إِنََّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهََا} (2) وقوله: {إِنََّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى ََ} [3] وقوله: {نَحْنُ الْوََارِثُونَ} [4] وغير ذلك من الآيات. قال في «معالم الكتابة»: وقد أخذ كتّاب المغرب بهذا مع ولاة أمورهم في الجمع بالميم فخاطبوا الواحد مخاطبة الجمع مثل: أنتم، وفعلتم، وأمرتم، وما أشبه ذلك.
قلت: والأمر في ذلك عندهم مستمرّ إلى الآن. قال ابن شيث: وهو غير ما صوّر به عند غيرهم.
__________
(1) سورة المؤمنون 23، الآية 99. والآية في القرآن الكريم هي: {حَتََّى إِذََا جََاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قََالَ رَبِّ ارْجِعُونِ}.
(2) سورة مريم 19، الآية 40.
(3) سورة يس 36، الآية 12.
(4) سورة الحجر 15، الآية 23.(6/289)
وإن كان المكتوب عنه مرؤوسا بالنسبة إلى المكتوب إليه كالتابع ومن في معناه، فقال في «موادّ البيان»: ينبغي أن يتحفّظ في شأن الكتب النافذة عنه من الإتيان بنون العظمة وغيرها من الألفاظ التي فيها تعظيم شأن المكتوب عنه مثل أن يقول: أمرت بكذا، أو نهيت عن كذا، أو أوعزت بكذا، أو تقدّم أمري إلى فلان بكذا، أو أنهي إليّ كذا، أو خرج أمري بكذا، وما في معنى ذلك مما لا يخاطب به الأتباع رؤساءهم، بل يعدل عن مثل هذه الألفاظ إلى ما يؤدّي إلى معناها مما لا عظمة فيه، مثل أن يقول: وجدت صواب الرأي كذا ففعلته، ورأيت السياسة تقتضي كذا فأمضيته، وما أشبه ذلك، إن كان عرف الكتّاب على الخطاب بالتاء، وإلا قال: وجد المملوك صواب الرأي كذا ففعله، ورأى السياسة تقتضي كذا فأمضاه، وما يجري هذا المجرى.
وأما المكتوب إليه، فقال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الصناعتين»:
ينبغي أن يعرف قدر المكتوب إليه من الرؤساء، والنّظراء، والعلماء، والوكلاء ليفرّق بين من يكتب إليه «أنا أفعل كذا» ومن يكتب إليه «نحن نفعل كذا» (فأنا) من كلام الأشباه والإخوان، (ونحن) من كلام الملوك ويفرّق بين من يكتب إليه «فإن رأيت أن تفعل كذا» وبين من يكتب إليه: (فرأيك). قال في «موادّ البيان»: وذلك إنّ قولهم فإن رأيت أن تفعل كذا لفظ النّظراء والمساوين، بخلاف فرأيك، فإنه لا يكتبه إلا جليل معظّم لتضمنها معنى الأمر والتقدير فر رأيك، بخلاف فإن رأيت، فإنه لا أمر فيه، إذ يقال: فإن رأيت أن تفعل كذا فافعله. على أنّ الأخفش قد أنكر هذا على الكتّاب لأن أقل الناس يقول للسلطان: انظر في أمري، ولفظه لفظ الأمر ومعناه السؤال. وذكر مثله في «صناعة الكتّاب» عن النحويين. قال في «موادّ البيان»: وحجّة الكتّاب أن المشافهة تحتمل ما لا تحتمله المكاتبة لأن المشافهة حاضر يحضر الإنسان لا يمكنه تقييده وترتيبه، والمكاتبة بخلاف ذلك، فلا عذر لصاحبها في الإخلال بالأدب. قال ابن شيث: وقد اصطلحوا على أن يكتب في أواخر الكتب:
«وللآراء العالية فضل السموّ والقدرة إن شاء الله تعالى». ودون ذلك: «وللرأي السامي حكمه» ودونه: «والرأي أعلى». ودونه: «والرأي موفّق» وموفّقا بالرفع والنصب. ودونه: «ورأيه» للمجلس: «ورأيها» للحضرة. قال: وربما قالوا: «فإن رأى مولانا أن يكون كذا وكذا أمر به أو فعل» إلا أنها لا تقوم مقام قوله: والرأي أعلى. فأما لمن دونه فمحتمل. وذكر أنه كان مصطلحهم أن يقال في آخر كتب السلطان: «فاعلم ذلك واعمل به إن شاء الله تعالى». وإن أعيان أصحاب الأقلام كانوا يكتبونه إلى من دونهم.(6/290)
ينبغي أن يعرف قدر المكتوب إليه من الرؤساء، والنّظراء، والعلماء، والوكلاء ليفرّق بين من يكتب إليه «أنا أفعل كذا» ومن يكتب إليه «نحن نفعل كذا» (فأنا) من كلام الأشباه والإخوان، (ونحن) من كلام الملوك ويفرّق بين من يكتب إليه «فإن رأيت أن تفعل كذا» وبين من يكتب إليه: (فرأيك). قال في «موادّ البيان»: وذلك إنّ قولهم فإن رأيت أن تفعل كذا لفظ النّظراء والمساوين، بخلاف فرأيك، فإنه لا يكتبه إلا جليل معظّم لتضمنها معنى الأمر والتقدير فر رأيك، بخلاف فإن رأيت، فإنه لا أمر فيه، إذ يقال: فإن رأيت أن تفعل كذا فافعله. على أنّ الأخفش قد أنكر هذا على الكتّاب لأن أقل الناس يقول للسلطان: انظر في أمري، ولفظه لفظ الأمر ومعناه السؤال. وذكر مثله في «صناعة الكتّاب» عن النحويين. قال في «موادّ البيان»: وحجّة الكتّاب أن المشافهة تحتمل ما لا تحتمله المكاتبة لأن المشافهة حاضر يحضر الإنسان لا يمكنه تقييده وترتيبه، والمكاتبة بخلاف ذلك، فلا عذر لصاحبها في الإخلال بالأدب. قال ابن شيث: وقد اصطلحوا على أن يكتب في أواخر الكتب:
«وللآراء العالية فضل السموّ والقدرة إن شاء الله تعالى». ودون ذلك: «وللرأي السامي حكمه» ودونه: «والرأي أعلى». ودونه: «والرأي موفّق» وموفّقا بالرفع والنصب. ودونه: «ورأيه» للمجلس: «ورأيها» للحضرة. قال: وربما قالوا: «فإن رأى مولانا أن يكون كذا وكذا أمر به أو فعل» إلا أنها لا تقوم مقام قوله: والرأي أعلى. فأما لمن دونه فمحتمل. وذكر أنه كان مصطلحهم أن يقال في آخر كتب السلطان: «فاعلم ذلك واعمل به إن شاء الله تعالى». وإن أعيان أصحاب الأقلام كانوا يكتبونه إلى من دونهم.
قلت: والذي استقرّ عليه الحال أن يكتب في مثل ذلك: «وللآراء العالية مزيد العلوّ» وأن تختم الكتابة للأكابر بمثل: «فنحيط علمه بذلك» ولمن دونهم: «فنحيط بذلك علما» وللأصاغر: «فليعلم ذلك ويعتمده» ونحو ذلك.
قال محمد بن إبراهيم الشيبانيّ: إن احتجت إلى مخاطبة الملوك والوزراء والعلماء والكتّاب والأدباء والخطباء وأوساط الناس وسوقتهم، فخاطب كلّا منهم على قدر أبّهته وجلالته وعلوّه وارتفاعه وفطنته وانتباهه. ولكل طبقة من هذه الطّبقات معان ومذاهب يجب عليك أن ترعاها في مراسلتك إيّاهم في كتبك وتزن كلامك في مخاطبتهم بميزانه، وتعطيه قسمته، وتوفيّه نصيبه، فإنه متى أهملت ذلك وأضعته، لم آمن عليك أن تعدل بهم عن طريقتهم، وتسلك بهم غير مسلكهم، وتجري شعاع بلاغتك في غير مجراه، وتنظم جوهر كلامك في غير سلكه، فلا تعتدّ بالمعنى الجزل ما لم تكسه لفظا مختلفا على قدر المكتوب إليه فإنّ إلباسك المعنى وإن صح إذا أشرب (1) لفظا لم تجربه عادة المكتوب إليه تهجين للمعنى، وإخلال لقدر المكتوب إليه، وظلم يلحقه، ونقص مما يجب له، كما أنّ في اتباع متعارفهم، وما انتشرت به عادتهم، وجرت به سنّتهم، قطعا لعذرهم، وخروجا عن حقّهم، وبلوغا إلى غاية مرادهم،
__________
(1) هذا الشرط غير موجود في كتاب ضوء الصبح للمؤلف. انظر حاشية الطبعة الأميرية.(6/291)
وإسقاطا لحجّة أدبهم. قال ابن عبد ربه: فامتثل هذه المذاهب وأجر عليها القوم (1).
قال في «موادّ البيان»: وذلك أن المعاني التي يكتب فيها وإن كان كلّ منها جنسا بعينه، كالتهنئة والتّعزية والاعتذار والعتاب والاستظهار ونحو ذلك، فإنه لا يجوز أن يخرج المعنى لكلّ مخاطب على صيغة واحدة من اللفظ، بل ينبغي أن يخرج في الصيغة المشاكلة للمخاطب، اللائقة بقدره ورتبته. ألا ترى أنك لو خاطبت سلطانا أو وزيرا بالتعزية عن مصيبة من مصائب الدنيا، لما جاز أن تبني الكلام على وعظه وتبصيره وإرشاده وتذكيره وحضّه على الأخذ بحظّ من الصبر، ومجانبة الجزع، وتلقّي الحادثات بالتسليم والرّضا وإنما الصواب أن تبني الخطاب على أنه أعلى شانا، وأرفع مكانا، وأصحّ حزما، وأرجح حلما، من أن يعزّى بخلاف المتأخّر في الرتبة، فإنه إنما يعزّى تنبيها وتذكيرا، وهداية وتبصيرا، ويعرّف الواجب في تلقّي السّرّاء بالشّكر، والضّرّاء بالصبر، ونحو ذلك.
وكذلك إذا كاتبت رئيسا في معنى الاستزادة والشّكوى، لا يجوز أن تأتي بمعناهما في ألفاظهما الخاصّة، بل يجب أن تعدل عن [ألفاظ] الشكوى إلى ألفاظ الشّكر، وعن ألفاظ الاستزادة إلى ألفاظ الاستعطاف والسّؤال في النّظر، لتكون قد رتّبت كلامك في رتبته، وأخرجت معناك مخرج من يستدعي الزيادة لا من يشكو التقصير.
قال ابن شيث في «معالم الكتابة»: ولا يخاطب السلطان في خلال الكتابة إليه بسيّدنا مكان مولانا، فإن «سيدنا» كأنها خصّصت بأرباب المراتب
__________
(1) عبارة العقد الفريد (ج 4ص 184) هي: «وأجر على هذه القواعد، وتحفّظ في صدور كتبك وفصولها وخواتمها، وضع كل معنى في موضع يليق به وتخير لكل لفظة معنى يشاكلها».(6/292)
الدينية والدّيوانية، «ومولانا» تخصّ السلطان وحده، وإن كان من نعوت السلطان السيّد الأجلّ.
قال: على أن ذلك مخالف لمذهب المغاربة فإنهم يعبّرون عن ولاة أمورهم بالسادة، ويعبّرون عن صاحب الأمر بسيّدنا، وكأن هذا كان في زمانه، وإلا فالمعروف عند أهل المغرب والأندلس الآن التعبير عن السلطان بالمولى، يقول أحدهم مولانا فلان. وأهل مصر الآن يطلقون السادة على أولاد الملوك.
وكذلك لو وقع واقع للسلطان فنصحته لم يجز أن تورد ذلك مورد التنبيه على ما أغفله، والإيقاظ لما أهمله، والتعريف من الصواب لما جهله لأن ذلك من القبيح الذي لا يحتمله الرؤساء من الأتباع، ولكن تبني الخطاب على أنّ السلطان أعلى وأجلّ رأيا، وأصحّ فكرا، وأكثر إحاطة بصدور الأمور وأعجازها، وأن آراء خدمه جزء من رأيه، وأنهم إنما يتفرّسون مخايل الإصابة بما وقفوا عليه من سلوك مذهبه، والتأدّب بأدبه، والارتياض بسياسته، والتنقّل في خدمته، وإنّ مما يفرضونه في حكم الإشفاق والاهتمام، وما يسبغ عليهم من الإنعام، المطالعة بما يجري في أوهامهم، ويحدث في أفكارهم، من الأمور التي يتخيّلون أنّ في العمل بها مصلحة للدولة، وعمارة للمملكة، ليتصفّحه بأصالة رأيه التي هي أوفر وأثبت. فإن استصوبه أمضاه، وإن رأى خلافه ألغاه، وكان الرأي الأعلى ما يراه إلى غير ذلك مما يجرى هذا المجرى.
قال ابن شيث في «معالم الكتابة»: ولا يقارن الكاتب السلطان في تكرار المواضع التي يقع الالتباس فيها بين الكاتب والمكتوب إليه لأن هاء الضمير تعود عليهما معا لما تقدّم من ذكرهما، وإن كان في القرينة ما يدلّ على ذلك بعد الفكرة وإذا ابتدأ معهم بالمملوك لا يقال بعد ذلك العبد ولا الخادم، وإن كان ذلك جائزا مع غير السلطان.
قال: ولا بأس بتكرار الإشارة إلى السلطان في المواضع التي يجمل فيها الاشتراك بينه وبين المكتوب إليه، مثل أن يقال: وكان قد ذكر كذا وكذا،
والضمير في كان يصلح لهما معا، فلا بدّ هنا من ذكر المملوك، إن كان الالتباس من جهة الكاتب، أو مولانا إن كانت الإشارة إلى السلطان.(6/293)
قال: ولا بأس بتكرار الإشارة إلى السلطان في المواضع التي يجمل فيها الاشتراك بينه وبين المكتوب إليه، مثل أن يقال: وكان قد ذكر كذا وكذا،
والضمير في كان يصلح لهما معا، فلا بدّ هنا من ذكر المملوك، إن كان الالتباس من جهة الكاتب، أو مولانا إن كانت الإشارة إلى السلطان.
الأصل العاشر (أن يراعي مواقع آيات القرآن والسّجع في الكتب، وذكر أبيات الشعر في المكاتبات)
أما آيات القرآن الكريم، فقد ذكر ابن شيث في «معالم الكتابة» أنها في صدر الكتب، قد يذكرها الأدنى للأعلى في معنى ما يكتب به، مثل قوله تعالى:
{فَلَمََّا أَنْ جََاءَ الْبَشِيرُ أَلْقََاهُ عَلى ََ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً} [1] وقوله تعالى: {وَقََالُوا الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنََا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [2] إلى غير ذلك من الآيات المناسبة للوقائع وإن كانت في أثناء الكتب، فقد استشهد بها جماعة من الكتّاب في خلال كتبهم مما رأيته.
وأما السجع، فقد ذكر ابن شيث: أنه لا يفرق فيه بين كتاب الأعلى للأدنى وبالعكس، وأنه بما يكتب عن السلطان أليق لكن قد ذكر بعض المتأخّرين أن الكتابة بالسّجع نقص في حق المكتوب إليه، وقضيّته أنه لا يكتب به إلا من الأعلى للأدنى، إلا أن الذي جرى عليه مصطلح كتّاب الزمان تخصيصه ببعض الكتب دون بعض من الجانبين.
وأما الشعر فيورده حيث يحسن إيراده، ويمنعه حيث يحسن منعه، فليس كلّ مكاتبة يحسن فيها إيراد الشعر، بل يختلف الحال في ذلك بحسب المكتوب
__________
(1) سورة يوسف 12، الآية 96.
(2) سورة فاطر 35، الآية 34. والحزن بالفتح: الهمّ وخلاف السرور، والجمع أحزان.(6/294)
عنه والمكتوب إليه. فأما المكاتبات الصادرة عن الملوك والصادرة إليهم، فقد ذكر في «موادّ البيان» أنه لا يتمثل فيها بشيء من الشعر، إجلالا لهم عن شوب العبارة عن عزائم أوامرهم ونواهيهم والأخبار المرفوعة إليهم، بما يخالف نمطها ووضعها، ولأن الشعر صناعة مغايرة لصناعة الترسّل، وإدخال بعض صنائع الكلام في بعض غير مستحسن.
قلت: الذي ذكره عبد الرحيم بن شيث في كتابه «معالم الكتابة ومواضع الإصابة» أنه [يتمثّل] بالشعر في المكاتبات الصادرة عن الملوك دون غيرهم، وهو معارض لما ذكره في «موادّ البيان». وكأنه في موادّ البيان يريد الكتب النافذة عن الملوك إلى من دونهم، أو ممّن دونهم إليهم. أما الملوك والخلفاء إذا كتبوا إلى من ضاهاهم في أبّهة الملك وقاربهم في علوّ الرتبة، فإنه لا يمنع التمثّل بأبيات الشعر فيها، تطريزا للنثر بالنّظم، وجمعا بين جنسي الكلام اللذين هما خلاصة مقاصده. وما زالت الخلفاء والملوك السالفة يخلّلون كتبهم الصادرة عنهم إلى نظرائهم في علوّ الرتبة بالأبيات الرقيقة الألفاظ، البديعة المعاني، للاستشهاد على الوقائع المكتوب بسببها، كما كتب أمير المؤمنين «عثمان بن عفّان» رضي الله عنه حين تمالأ عليه القوم واجتمعوا على قتله إلى عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: (طويل) فإن كنت مأكولا، فكن خير آكل ... وإلّا فأدركني ولمّا أمزّق (1)! وكما كتب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه! إلى معاوية بن أبي سفيان، في جواب كتاب له حين جرى بينهما التنازع في الخلافة، فقال في أثناء كتابه: وزعمت أنّي لكلّ الخلفاء حسدت، وعلى كلّهم بغيت فإن يك ذلك كذلك فليست الجناية عليك، فيكون العذر إليك: (طويل)
__________
(1) البيت من أبيات للممزّق العبدي قالها لعمرو بن هند وتمثّل بها عثمان بن عفان في كتابه إلى علي بن أبي طالب يوم الدار، وقد وردت جميعها في العقد الفريد (ج 2ص 164163) وورد وحده في العقد الفريد (ج 4ص 310).(6/295)
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
وعلى ذلك جرى كثير من خلفاء الدولتين الأموية والعبّاسية، كما حكى العسكريّ في «الأوائل» أن أهل حمص وثبوا بعاملها فأخرجوه، ثم وثبوا بعده بعامل آخر، فأمر المتوكّل إبراهيم بن (1) العباس أن يكتب إليهم كتابا يحذّرهم فيه ويختصر، فكتب.
أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين يرى من حقّ الله تعالى عليه فيما قوّم (2) به من أود أو عدّل به من زيغ، أو لمّ به من شعث، ثلاثا يقدّم بعضهن أمام بعض، فأولاهن ما يستظهر به من عظة وحجّة، ثم ما يشفعه به من تحذير وتنبيه، ثم التي لا ينفع حسم الداء غيرها: (طويل) أناة فإن لم تغن عقّب بعدها ... وعيد، فإن لم يجد أجدت عزائمه!
وممن كان يكثر التمثّل بالشعر في المكاتبات من خلفاء بني العباس وتصدر إليه المكاتبات كذلك «الناصر لدين الله» حتّى يحكى أن الملك الأفضل، عليّ ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب دمشق حين تعصّب عليه أخوه الملك العزيز عثمان وعمّه الملك العادل أبو بكر، كتب إلى الناصر لدين الله يستجيشه عليهما كتابا يشير فيه إلى ما تعتقده الشّيعة من أنّ الحقّ في الخلافة كان لعليّ، وأن أبا بكر وعثمان رضي الله عنهما، تقدّما عليه، إذ كان الناصر يميل إلى التشيّع، وكتب فيه: (بسيط) مولاي، إنّ أبا بكر وصاحبه ... عثمان قد غصبا بالسّيف حقّ علي!
__________
(1) هو أبو إسحاق الصولي الشاعر المشهور وكاتب العراق في عصره. أصله من خراسان. ونشأ في بغداد، فكان كاتبا للمعتصم والواثق والمتوكل. له ديوان رسائل وديوان شعر. توفي سنة 243هـ.
أنظر تاريخ بغداد (ج 6ص 118117) تحت رقم 3147، ومعجم الادباء (ج 1ص 261) ووفيات الأعيان (ج 1ص 4744) ومروج الذهب (ج 4ص 125122).
(2) في الأصول: «في من يقوم به الخ» والتصحيح من «أدب اللغة» للشيخ أحمد السكندري. حاشية الطبعة الأميرية.(6/296)
فانظر إلى حظّ هذا الاسم كيف لقي ... من الأواخر ما لاقى من الأول!
فكتب إليه الناصر الجواب عن ذلك، وكتب فيه: (كامل) وافى كتابك يا ابن يوسف ناطقا ... بالحقّ يخبر أنّ أصلك طاهر!
غصبوا عليّا حقّه إذ لم يكن ... بعد النّبيّ له بيثرب ناصر!
فاصبر فإنّ على الإله حسابهم ... وابشر فناصرك الإمام الناصر!
وعلى ذلك جرى الملوك القائمون على خلفاء بني العباس في مكاتباتهم أيضا. كما كتب أبو إسحاق الصابي عن معزّ الدولة بن بويه، إلى عدّة الدولة أبي تغلب كتابا يذكر له فيه خلاف قريبين له، لم يمكنه مساعدة أحدهما على الآخر، واستشهد فيه بقول المتلمس (1): (طويل) وما كنت إلا مثل قاطع كفّه ... بكفّ له أخرى فأصبح أجذما!
فلمّا استقاد الكفّ، بالكفّ، لم يجد ... له دركا في أن تبينا فأحجما (2)
وعلى هذا النّهج جرى الحال في الدّولة الأيّوبية بالديار المصرية. كما كتب القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين «يوسف بن أيّوب» إلى ديوان الخلافة ببغداد، عند قتل ابن رئيس الرّؤساء وزير الخليفة كتابا ليسلّي الخليفة عنه، وكان ممن أساء السيرة وأكثر الفتك، متمثّلا بالبيتين المقولين في أبي حفص الخلّال، وزير أبي العبّاس السّفّاح، وكان يعرف بوزير آل محمد: (كامل) إنّ المكاره قد تسرّ، وربّما ... كان السّرور بما كرهت جديرا!
__________
(1) هو جرير بن عبد المسيح من بني ضبيعة شاعر جاهلي وخال طرفة بن العبد، كان ينادم عمرو بن هند ملك الحيرة، ثم هجاه فأراد عمرو قتله ففرّ إلى الشام حيث لحق بملوكها بني جفنة. توفي نحو 50ق هـ. أنظر الشعر والشعراء (ج 1ص 401399) ومعجم الشعراء ص 71، وخزانة الأدب للبغدادي (ج 3ص 73).
(2) ورد البيتان، ضمن خمسة أبيات، في الشعر والشعراء (ج 1ص 113) وجاء فيه: «فلما استفاد» بالفاء.(6/297)
إنّ الوزير وزير آل محمّد ... أودى، فمن يشناك كان وزيرا
وكما كتب القاضي «محيي الدين بن عبد الظاهر» عن «المنصور قلاوون» إلى صاحب اليمن في جواب تعزية أرسلها إليه في ولده الملك الصالح، مع تعريضه في أمر له بأن الحروب مما يشغل عن المصائب في الأولاد، مستشهدا فيه بقوله: (وافر) إذا اعتاد الفتى خوض المنايا ... فأهون ما تمرّ به الوحول!
وكما كتب صاحبنا الشيخ علاء الدين البيري، رحمه الله، عن «الظاهر برقوق» صاحب الديار المصرية، جوابا لصاحب تونس من بلاد المغرب، واستشهد فيه لبلاغة الكتاب الوارد عنه بقوله: (خفيف) وكلام كدمع صبّ (1) غريب ... رقّ حتّى الهواء يكثف عنده!
راق لفظا، ورقّ معنى، فأضحى ... كلّ سحر من البلاغة عبده!
وعلى ذلك جرت ملوك المغرب من بني مرين وغيرهم. كما كتب بعض كتّاب السلطان أبي «الحسن المرينيّ» عنه إلى السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» صاحب الديار المصرية كتابا يخبره في خلاله أنّ صاحب بجاية (2) خرج عن طاعته فغزاه، وأوقع به وبجيوشه ما قمعه، مستشهدا فيه بقوله:
(سريع) إن عادت العقرب، عدنا لها ... وكانت النّعل لها حاضره
إلى غير ذلك من المكاتبات الملوكية التي لا تحصى كثرة. بل ربما وقع التمثيل بالشّعر في المكاتبات عن الخلفاء والملوك إلى من دونهم وبالعكس.
__________
(1) الصبّ: العاشق المشتاق.
(2) بجاية، بكسر الباء وتخفيف الجيم: مدينة على ساحل البحر بين إفريقية والمغرب، كان أول من اختطّها الناصر بن علناس ابن زيري ابن بلكين، في حدود سنة 457هـ وكانت قديما ميناء فقط ثم بنيت المدينة، وتسمّى الناصرية أيضا باسم بانيها. معجم البلدان (ج 1ص 339).(6/298)
كما حكى العسكريّ في «الأوائل» أن رافعا رفع كتابا إلى الرّشيد، وكتب في أسفله: (طويل) إذا جئت عارا أو رضيت بذلّة، ... فنفسي على نفسي من الكلب أهون!
فكتب إليه الرشيد كتابا وكتب في أسفله: (طويل) ورفعك نفسا طالبا فوق قدرها ... يسوق لك الحتف المعجّل والذّلّا
وبالجملة فمذاهب الناس في التمثّل بالشّعر في المكاتبات الملوكيّة مختلفة، ومقاصدهم متباينة بحسب الأغراض ولذلك أورد الشيخ جمال الدين بن نباتة هذه المسألة في جملة أسؤولته، التي سأل عنها كتّاب الإنشاء بدمشق، مخاطبا بها الشيخ شهاب الدين محمودا الحلبيّ، وهو يومئذ صاحب ديوان الإنشاء بها فقال: ومن كره الاستشهاد في مكاتبة الملوك بالأشعار؟ وكيف تركها على ما فيها من الآثار؟
أما المكاتبات الإخوانيات الواقعة بالتّهاني، والتّعازي، والتّزاور، والتّهادي، والمداعبة، وسائر أنواع الرّقاع في فنون المكاتبات، فقد قال في «موادّ البيان»: إنه يجوز أن تودع أبيات الشعر على سبيل التمثّل وعلى سبيل الاختراع، محتجّا بأن الصّدر الأوّل كانوا يستعملون ذلك في هذه المواضع. وهذا الذي ذكره لا خفاء فيه، وكتب الرسائل المدوّنة من كلام المتقدّمين والمتأخّرين من كتّاب المشرق والمغرب شاهدة بذلك، ناطقة باستعمال الشعر في المكاتبات، وأثنائها ونهاياتها، ما بين البيت والبيتين فأكثر، حتّى القصائد الطّوال. وأكثر ما يقع من ذلك البيت المفرد والبيتان فما حول ذلك. كما استشهد القاضي الفاضل في بعض مكاتباته في الشوق بقوله: (طويل) ومن عجبي أنّي أحنّ إليهم، ... وأسأل عنهم من أرى وهم معي!
وتطلبهم عيني وهم في سوادها ... ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي!
وكما كتب أيضا لبعض إخوانه في جواب كتاب: (طويل)
وكم قلت حقّا: ليتني كنت عنده! ... وما قلت إجلالا له: ليته عندي!
وكما كتب في وصف كتاب ورد عليه مستشهدا بقوله: (كامل) وحسبته والطّرف معقود به ... وجه الحبيب بدا لوجه محبّه!
وكما كتب في كتاب تعزية بصديق مستشهدا فيه بقوله: (طويل) وذاك الّذي لا يبرح الدّهر رزؤه (1)، ... ولا ذكره ما أرزمت أمّ حائل.(6/299)
أما المكاتبات الإخوانيات الواقعة بالتّهاني، والتّعازي، والتّزاور، والتّهادي، والمداعبة، وسائر أنواع الرّقاع في فنون المكاتبات، فقد قال في «موادّ البيان»: إنه يجوز أن تودع أبيات الشعر على سبيل التمثّل وعلى سبيل الاختراع، محتجّا بأن الصّدر الأوّل كانوا يستعملون ذلك في هذه المواضع. وهذا الذي ذكره لا خفاء فيه، وكتب الرسائل المدوّنة من كلام المتقدّمين والمتأخّرين من كتّاب المشرق والمغرب شاهدة بذلك، ناطقة باستعمال الشعر في المكاتبات، وأثنائها ونهاياتها، ما بين البيت والبيتين فأكثر، حتّى القصائد الطّوال. وأكثر ما يقع من ذلك البيت المفرد والبيتان فما حول ذلك. كما استشهد القاضي الفاضل في بعض مكاتباته في الشوق بقوله: (طويل) ومن عجبي أنّي أحنّ إليهم، ... وأسأل عنهم من أرى وهم معي!
وتطلبهم عيني وهم في سوادها ... ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي!
وكما كتب أيضا لبعض إخوانه في جواب كتاب: (طويل)
وكم قلت حقّا: ليتني كنت عنده! ... وما قلت إجلالا له: ليته عندي!
وكما كتب في وصف كتاب ورد عليه مستشهدا بقوله: (كامل) وحسبته والطّرف معقود به ... وجه الحبيب بدا لوجه محبّه!
وكما كتب في كتاب تعزية بصديق مستشهدا فيه بقوله: (طويل) وذاك الّذي لا يبرح الدّهر رزؤه (1)، ... ولا ذكره ما أرزمت أمّ حائل.
إلى غير ذلك من المكاتبات التي لا يأخذها حصر، ولا تدخل تحت حدّ، مما ستقف على الكثير منه في الكلام على مقاصد المكاتبات، إن شاء الله تعالى.
الأصل الحادي عشر (أن يأتي في مكاتبته بحسن الاختتام)
ويرجع إلى معنيين، كما في حسن الافتتاح المقدّم ذكره.
المعنى الأوّل أن يكون الحسن فيه راجعا إلى المعنى المختتم به
، إما بمعاطاة الأدب من المرؤوس إلى الرئيس ونحو ذلك، وإما بما يقتضي التعزير والتوقير من الرئيس إلى المرؤوس، كالاختتام بالدعاء ونحو ذلك، مما يقع في مصطلح كل زمن.
المعنى الثاني أن يكون الحسن فيه راجعا إلى ما يوجب التحسين من سهولة اللفظ
، وحسن السّبك، ووضوح المعنى، وتجنّب الحشو، وغير ذلك من موجبات التحسين كما كتب الصاحب بن عبّاد في آخر رسالة له: «لئن حنثت (2) فيما حلفت، فلا خطوت لتحصيل مجد، ولا نهضت لاقتناء حمد، ولا سعيت إلى مقام فخر، ولا حرصت على علوّ ذكر». قال أبو هلال
__________
(1) الرزء: المصيبة أو العظيمة منها، والجمع أرزاء.
(2) أي لم أبرّ فيما حلفت، أي لم أصدق في ذلك يقال: حيث في يمينه: نقيض برّ فيها.(6/300)
العسكري: فهذه اليمين، لو سمعها عامر بن الظّرب، لقال هي اليمين الغموس لا القسم باللات والعزّى (1) ومناة الثالثة الأخرى، ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى.
قلت: واعتبار هذه الأصول [الأحد عشر] (2) بعد ما تقدّم اعتباره في الكلام على صنعة إنشاء الكلام وترتيبه في المقالة الأولى، من أنه لا يستعمل في كلامه ما أتت به آيات القرآن الكريم، من الاختصار، والحذف، ومخاطبة الخاصّ بمخاطبة العامّ، ومخاطبة العامّ بمخاطبة الخاصّ، ولا ما يختصّ بالشّعر من صرف ما لا ينصرف، وحذف ما لا يحذف، وقصر الممدود، ومدّ المقصور، والتقديم والتأخير، والإضمار في موضع الإظهار، وتصغير الاسم في موضع التعظيم، مثل دويهية، وما شاكل ذلك مما تقدّم التنبيه عليه في موضعه، فلا بدّ من اعتباره هنا.
الأصل الثاني عشر (أن يعرف مقادير قطع الورق، وسعة الطّرّة والهامش، وسعة بيت العلامة ومقدار ما بين السّطور وما يترك في آخر الكتاب)
أما مقدار قطع الورق، فقد تقدّم في المقالة الثالثة أنه يختلف باختلاف المكتوب إليهم عن السلطان، فكلّما عظم قدر المكتوب إليه، عظم مقدار قطع الورق وربما روعي في ذلك قدر المكتوب عنه والمكتوب إليه جميعا.
__________
(1) اللات: صنم من أصنام العرب، كان بالطائف لثقيف، مبنيا على صخرة. هدمه خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما. والعزّى صنم، وهو عبارة عن شجرة كانت بنخلة، عندها وثن، يعبدها غطفان وكانت قريش تعظّمها. فقطع خالد بن الوليد الشجرة وهدم البيت وكسر الوثن.
ومناة: صنم كان بسيف البحر، تعبده الأنصار. انظر جمهرة انساب العرب ص 492491.
(2) في الأصل «العشرة». حاشية الطبعة الأميرية.(6/301)
وأما طول الطّرّة (1) في أعلى الكتاب، فقد ذكر في «معالم الكتابة» أنها تطوّل فيما إذا كان الكتاب من الأعلى إلى الأدنى، وتكون متوسطة من الأتباع، وسيأتي أنّ المصطلح عليه في زماننا أن المكاتبات الصادرة عن السلطان تكون الطرّة فيها ما بين ثلاثة أوصال إلى وصلين، ومن النّواب ومن في معناهم تكون وصلا واحدا.
وأما مقدار سعة الهامش فقد سمعت بعض فضلاء الكتّاب يذكر أن الضابط فيه أن يكون ثلث عرض الدّرج المكتوب فيه.
وأما بيت العلامة فقد تقدّم أنه يكون مقدار نحو شبر في كتب السلطان، أما في غيره حيث كانت العلامة تحت البسملة فتكون نحو ثلاثة أصابع أو أربعة.
وأما سعة ما بين السطور فقد تقدّم أنها تكون بمقدار نصف بيت العلامة.
وذكر ابن شيث أنها ثلاثة أصابع أو أربعة.
وأما [ما يترك في] آخر الكتاب فقد ذكر ابن شيث أنه لا يترك في آخر المكاتبة شيئا.
وأما الخطّ فإنه كلّما غلظ القلم واتسعت السطور كان أنقص في رتبة
__________
(1) طرة الكتاب: طرفه.(6/302)
المكتوب إليه وقد ذكر في «معالم الكتابة» أنّ الكتب الصادرة إلى السلطان لا يكون بين سطورها أكثر من إصبعين.
الطّرف الثاني (في بيان مقادير المكاتبات وما يناسبها من البسط والإيجاز، وما يلائم كلّ مكاتبة منها من المعاني)
ولتعلم أن المكاتبات على ثلاثة أقسام:
القسم الأوّل (ما يكتب عن السلطان أو من في معناه من الرؤساء إلى الأتباع، وهي على ضربين)
الضرب الأوّل (ما يعمل فيه على الإيجاز والاختصار)
وقد استحسنوا الإيجاز في خمسة مواضع:
أحدها أن يكون المكتوب عن السلطان في أوقات الحروب إلى نوّاب الملك
. قال في «حسن التوسل»: فيجب أن يتوخّى الإيجاز والألفاظ البليغة الدالة على القصد، من غير تطويل ولا بسط يضيع المقصد ويفصل الكلام بعضه من بعض. ولا يعمد في ذلك إلى تهويل لأمر العدوّ يضعف القلوب، ولا تهوين لأمره بحيث يحصل به الاغترار.
الثاني أن يكون ما يكتب به عن السلطان خبرا يريد التورية به عنه
وستر حقيقته، كإعلامهم بالحوادث الحادثة على الملوك، والنوائب الملمّة بالدولة من هزيمة جيش، أو تغيير رسم، أو إحداثه، أو تكليف الرعيّة ما لا يسهل عليها تكليفه وما أشبه ذلك. قال في «موادّ البيان»: فيجب أن يقصد في ذلك الاختصار والإيجاز، ويعدل عن استعمال الألفاظ الخاصّة بالمعنى إلى غيرها مما يحتمل التأويل، ولا تنفر الأسماع عنه، ولا تراع القلوب به، من غير أن يحتمل كذبا
صراحا (1) فإنه لا شيء أقبح بالسلطان، ولا أغمص لشأنه وقدره من أن يضمّن كتابه ما ينكشف للعامّة بطلانه. قال: وينبغي للكاتب أن يتخلّص من هذا الباب التخلّص الجيّد الذي يزيّن به الأثر، من غير تصريح بكذب، وأن يخرج الباطل في صورة الحق، ويعرّض سلطانه في ذلك للإحماد والتقريظ من حيث يستحقّ التأنيب والإذمام، فإن هذه سبيل البلاغة، وطريقة فضلاء الصّناعة لأن الأمر الظاهر الحسن المجمع على فضله لا يحتاج في التعبير عن حسنه إلى كدّ الخاطر، وإتعاب الفكر، إذ الألكن (2) لا يعجز عن التعبير عنه فضلا عن اللّسن (3)، وإنما الفضل في تحسين ما ليس بحسن، وتصحيح ما ليس بصحيح، بضروب من التمويه والتخييل، وإقامة المعاذير، والعلل المعفّية على الإساءة والتقصير، من حيث لا يلحق كذب صريح ولا زور مطلق. ولضيق هذا المقام وصعوبة مرتقاه، أورده الشيخ جمال الدين بن نباتة في جملة مسائله التي سأل عنها كتّاب الإنشاء بدمشق فقال: وما الذي يكتب عن المهزوم إلى من هزمه؟.(6/303)
وستر حقيقته، كإعلامهم بالحوادث الحادثة على الملوك، والنوائب الملمّة بالدولة من هزيمة جيش، أو تغيير رسم، أو إحداثه، أو تكليف الرعيّة ما لا يسهل عليها تكليفه وما أشبه ذلك. قال في «موادّ البيان»: فيجب أن يقصد في ذلك الاختصار والإيجاز، ويعدل عن استعمال الألفاظ الخاصّة بالمعنى إلى غيرها مما يحتمل التأويل، ولا تنفر الأسماع عنه، ولا تراع القلوب به، من غير أن يحتمل كذبا
صراحا (1) فإنه لا شيء أقبح بالسلطان، ولا أغمص لشأنه وقدره من أن يضمّن كتابه ما ينكشف للعامّة بطلانه. قال: وينبغي للكاتب أن يتخلّص من هذا الباب التخلّص الجيّد الذي يزيّن به الأثر، من غير تصريح بكذب، وأن يخرج الباطل في صورة الحق، ويعرّض سلطانه في ذلك للإحماد والتقريظ من حيث يستحقّ التأنيب والإذمام، فإن هذه سبيل البلاغة، وطريقة فضلاء الصّناعة لأن الأمر الظاهر الحسن المجمع على فضله لا يحتاج في التعبير عن حسنه إلى كدّ الخاطر، وإتعاب الفكر، إذ الألكن (2) لا يعجز عن التعبير عنه فضلا عن اللّسن (3)، وإنما الفضل في تحسين ما ليس بحسن، وتصحيح ما ليس بصحيح، بضروب من التمويه والتخييل، وإقامة المعاذير، والعلل المعفّية على الإساءة والتقصير، من حيث لا يلحق كذب صريح ولا زور مطلق. ولضيق هذا المقام وصعوبة مرتقاه، أورده الشيخ جمال الدين بن نباتة في جملة مسائله التي سأل عنها كتّاب الإنشاء بدمشق فقال: وما الذي يكتب عن المهزوم إلى من هزمه؟.
الثالث أن يكون المكتوب به عن السلطان أمرا أو نهيا
. قال في «موادّ البيان»: فحكمها حكم التوقيعات الوجيزة الجامعة للمعاني، الجازمة بالأمر أو النهي، اللهم إلا أن يكون الأمر أو النهي مما يحتاج إلى رسوم ومثل يعمل عليها، فيحتاج إلى الإطالة والتكرير، بحسب ما يؤمر به وينهى عنه دون الحذف والإيجاز.
الرابع أن تكون الكتب المكتوبة عن السلطان باستخراج الخراج
وجباية الأموال وتدبير الأعمال. قال في «موادّ البيان»: فسبيلها أن ينصّ فيها على ما رآه السلطان ودبّره، ثم يختتم بفصل مقصور على التوكيد في امتثال أمره
__________
(1) الكذب الصراح: الكذب الخالص.
(2) الألكن: من عيّ وثقل لسانه أو من لا يقيم العربية من عجمة في لسانه، والجمع لكن.
(3) اللسن: الفصيح البليغ، والجمع لسن.(6/304)
وإنفاذه ولا يقتصر على ما تقدّم، إيجابا للحجّة، وتضييقا للعذر، وحسما لأسباب الاعتذار.
الخامس أن يكون ما يكتب به عن السلطان إحمادا أو إذماما
، أو وعدا أو وعيدا أو استقصارا أو عذلا أو توبيخا. قال في «موادّ البيان»: فيجب أن يشبع الكلام ويمدّ القول، بحسب ما يقتضيه أمر المكتوب إليه، في الإساءة والإحسان، والاجتهاد والتقصير، لينشرح صدر المشمّر المحسن، وينبسط أمله ورجاؤه ويرتدع المقصّر المسيء، ويرتجع عما يذمّ منه، ويتلافى ما فرّط فيه.
الضرب الثاني (ما يعمل فيه على البسط والإطناب)
وقد استحسنوا البسط في موضعين:
أحدهما أن يكون ما يكتب به السلطان خبرا يريد تقرير صورته في نفوس العامة
، كالإخبار بالفتوحات المتجدّدة في إعلاء الدّين والسلطان. قال في «موادّ البيان»: فيجب أن يشبع القول فيها، ويبني على الإسهاب والإطناب وتكثير الألفاظ المترادفة، ليعرفوا قدر النّعمة الحادثة، وتزيد بصائرهم في الطاعة، ويعلو موضع سلطانهم من عناية الله تعالى به، فتقوى قلوب أوليائه، وتضعف قلوب أعدائه لأنه لو كتب كتابا في فتح جليل ليقرأ في المحافل والمشاهد العامّة على رؤوس الأشهاد بين العامّة ومن يراد تفخيم السلطان في نفسه على صورة الاختصار، لأوقع كلامه في غير رتبته، ودلّ ذلك على جهله. وقد أوضح الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ، رحمه الله، هذا المقام في كتابه «حسن التوسل» فقال: وإذا كتب في التهاني بالفتوح فليس إلا بسط الكلام والإطناب في شكر نعمة الله تعالى، والتبرّي من الحول والقوّة إلا به، ووصف ما أعطى من النصر، وذكر ما منح من الثبات، وتعظيم ما يسّر من الفتح ثم وصف ما بعد ذلك من عزم، وإقدام، وصبر، وجلد، عن الملك وعن جيشه مما حسن وصفه ولاق ذكره، وراق التوسّع فيه، وعذب بسط الكلام معه. قال: ثم كلّما اتسع
مجال الكلام في ذكر الواقعة ووصفها، كان أحسن وأدلّ على السّلامة، وأدعى لسرور المكتوب إليه، وأحسن لتوقّع المنّة عنده، وأشهى إلى سمعه، وأشفى لغليل شوقه إلى معرفة الحال. قال: ولا بأس بتهويل أمر العدوّ، ووصف جمعه وإقدامه، فإنّ في تصغير أمره تحقيرا للظّفر به.(6/305)
، كالإخبار بالفتوحات المتجدّدة في إعلاء الدّين والسلطان. قال في «موادّ البيان»: فيجب أن يشبع القول فيها، ويبني على الإسهاب والإطناب وتكثير الألفاظ المترادفة، ليعرفوا قدر النّعمة الحادثة، وتزيد بصائرهم في الطاعة، ويعلو موضع سلطانهم من عناية الله تعالى به، فتقوى قلوب أوليائه، وتضعف قلوب أعدائه لأنه لو كتب كتابا في فتح جليل ليقرأ في المحافل والمشاهد العامّة على رؤوس الأشهاد بين العامّة ومن يراد تفخيم السلطان في نفسه على صورة الاختصار، لأوقع كلامه في غير رتبته، ودلّ ذلك على جهله. وقد أوضح الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ، رحمه الله، هذا المقام في كتابه «حسن التوسل» فقال: وإذا كتب في التهاني بالفتوح فليس إلا بسط الكلام والإطناب في شكر نعمة الله تعالى، والتبرّي من الحول والقوّة إلا به، ووصف ما أعطى من النصر، وذكر ما منح من الثبات، وتعظيم ما يسّر من الفتح ثم وصف ما بعد ذلك من عزم، وإقدام، وصبر، وجلد، عن الملك وعن جيشه مما حسن وصفه ولاق ذكره، وراق التوسّع فيه، وعذب بسط الكلام معه. قال: ثم كلّما اتسع
مجال الكلام في ذكر الواقعة ووصفها، كان أحسن وأدلّ على السّلامة، وأدعى لسرور المكتوب إليه، وأحسن لتوقّع المنّة عنده، وأشهى إلى سمعه، وأشفى لغليل شوقه إلى معرفة الحال. قال: ولا بأس بتهويل أمر العدوّ، ووصف جمعه وإقدامه، فإنّ في تصغير أمره تحقيرا للظّفر به.
قال في «موادّ البيان»: ولا يحتجّ للإيجاز في كتب الفتوح بما كتب به كاتب المهلّب (1) بن أبي صفرة إلى الحجّاج في فتح الأزارقة، على ارتفاع خطره، وطول زمانه، وعظم صيته، من سلوكه فيه مسلك الاختصار حيث كتب فيه:
«الحمد لله الذي كفى بالإسلام فقد ما سواه، وجعل الحمد متصلا بنعماه وقضى أن لا ينقطع المزيد من فضله، حتّى ينقطع الشّكر من خلقه. ثم إنّا كنّا وعدوّنا على حالين مختلفين، نرى منهم ما يسرّنا أكثر مما يسوءنا، ويرون منا ما يسوءهم أكثر مما يسرّهم فلم يزل ذلك دأبنا ودأبهم، ينصرنا الله ويخذلهم، ويمحّصنا ويمحقهم حتّى بلغ الكتاب بناديهم أجله {فَقُطِعَ دََابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (2).
فإنه إنما حسن في موضعه لمخاطبة السّلطان به، ولغرض كانت المكاتبة فيه. قال: فإن كتب مثل هذا الكتاب عن السلطان في مثل هذا الفتح أو ما يقاربه ليورد على العامّة، ويقرّر في نفوسهم به قدر النعمة، لم يحسن موقعه،
__________
(1) هو أبو سعيد ظالم بن سراق بن صبح بن الأزد، البصري. كان يكنى ببنت له اسمها صفرة، وكان أميرا بطاشا جوادا من أشجع الناس، ولي إمارة البصرة لمصعب بن الزبير فحماها من الخوارج، وكانت له معهم وقائع مشهورة بالأهواز. ثم ولّاه عبد الملك بن مروان ولاية خراسان فقدمها سنة 79هـ. ومات فيها سنة 82هـ. وقيل: 83هـ. انظر أخباره في مروج الذهب (ج 3ص 152، 207) والكامل في اللغة (ج 2ص 138، 228، 252، 268، 288)، ووفيات الأعيان (ج 5 ص 359350)، وصفحات متفرقة من العقد الفريد، والأعلام (ج 7ص 315).
(2) سورة الانعام 6، الآية 45.(6/306)
وخرج عن شرط البلاغة بوضعه إيّاه في غير موضعه، وذكر العسكريّ نحو ذلك في «الصناعتين».
ثم قال في «حسن (1) التوسل»: وإن كان المكتوب إليه ملكا صاحب مملكة بمفرده، تعيّن أن يكون البسط أكثر، والإطناب والتهويل أبلغ، والشرح أتمّ. ثم قال: وإن اضطرّ أن يكتب مثل ذلك إلى ملك غير مسلم لكنّه غير محارب، فالحكم في ذلك أن يذكر من أسباب المودّة ما يقتضي المشاركة في المسارّ، وأنّ أمر هذا العدوّ مع كثرته أخذ بأطراف الأنامل، وآل أمره إلى ما آل.
ويعظّم ذكر ما جرى عليه من القتل والأسر، ويقول: إن تلك عوائد نصر الله تعالى لنا، وانتقامه ممّن عادانا.
وإن كان المكتوب إليه متّهما بممالأة العدوّ، كتب إليه بما يدل على التّقريع والتهكّم والتهديد في معرض الإخبار.
الثاني أن يكون ما يكتب به عن السلطان في أوقات حركات العدوّ إلى أهل الثّغور
، يعلمهم بالحركة للقاء عدوّهم قال في «حسن (2) التوسل»: فيجب أن يبسط القول في وصف العزائم، وقوّة الهمم، وشدّة الحميّة للدّين، وكثرة العساكر والجيوش وسرعة الحركة، وطيّ المراحل، ومعاجلة العدوّ، وتخييل أسباب النّصر، والوثوق بعوائد الله تعالى في الظّفر، وتقوية القلوب منهم، وبسط آمالهم، وحثّهم على التيقّظ، وحفظ ما بأيديهم، وما أشبه ذلك. ويبرز ذلك في أمثل كلام وأجلّه وأمكنه، وأقربه من القوّة والبسالة، وأبعده من اللّين والرقّة. ويبالغ في وصف الإنابة إلى الله تعالى واستنزال نصره وتأييده، والرّجوع إليه في تثبيت الأقدام، والاعتصام به في الصبر، والاستعانة به على العدوّ، والرغبة إليه في خذلانهم وزلزلة أقدامهم وجعل الدائرة عليهم، دون التصريح ببطلان حركتهم، ورجاء تأخّرهم، وانتظار العرضيّات في ضعفهم، لما في ذلك
__________
(1) الكتاب لشهاب الدين محمود الحلبي.
(2) الكتاب لشهاب الدين محمود الحلبي.(6/307)
من إيهام الضّعف عن لقائهم، واستشعار الوهم والخوف منهم.
القسم الثاني (ما يكتب به عن الأتباع إلى السلطان والطّبقة العليا من الرؤساء، وهو على ضربين)
الضرب الأوّل (ما يعمل فيه على الإيجاز والاختصار)
وقد استحبّوا الإيجاز في ثلاثة مواضع:
أحدها أن يكون ما يكتب به من باب الشكر على نعمة يسبغها سلطانه عليه
، وعارفة يسديها إليه. قال في «موادّ البيان»: فسبيله أن لا يبنيها على الإسهاب وتجاوز الحدّ، بل يبنيها على اللّفظ الوجيز، الجامع لمعاني الشّكر، المشتمل على أساليب الاعتراف والاعتداد، فإنّ إطناب الأصاغر في شكر الرؤساء داخل في باب الإضجار والإبرام، ولا سيّما إذا رجعوا إلى خصوصيّة وتقدّم خدمة. وكذلك لا يكثر من الثناء عليه لأن ذلك من باب الملق الذي لا يليق إلا بالأباعد الذين لم يتقدّم لهم من المواتّ (1) والحرم (2) ما يدلّ على صحّة عقائدهم، ولم يضف عليهم من النّعم ما يوجب خلوص نيّاتهم. أما إذا كان المثني أجنبيّا متكسّبا بالتقريظ والثناء، فإنه لا يقبح به الإيغال والإغراق فيهما. قال: وكذلك لا ينبغي للخاصة الإكثار من الدعاء، وتكريره في صدور الكتب عندما يجري ذكر الرئيس، فإنّ في ذلك مشقّة وكلفة يستثقلها الملوك.
والحكم فيما يستعمل من ذلك في الكتب شبيه بما يستعمل شفاها منه. ويقبح من خادم السلطان أن يشغل سمعه في مخاطبته إياه بكثرة الدعاء وتكريره.
الثاني أن يكون ما يكتب به التابع إلى السلطان
ونحوه في سؤال حسن
__________
(1) المواتّ، بفتح الميم والواو وكسر التاء المشددة: ج مائة بفتح الميم والتاء المشددة وهي الحرمة.
(2) الحرم: ج حرمة، وهي الذمّة، وما وجب القيام به من حقوق الله تعالى.(6/308)
النظر وشكوى الفقر والخصاصة (1). قال في «موادّ البيان»: فيبني القول على الإيجاز ويمزج الشكوى بالشّكر والاعتداد بالآلاء (2)، والرغبة في مضاعفة الإحسان والزيادة في البرّ، والإلحاق بالطّبقة الرابعة في إيلاء العوارف، فإن ذلك أعطف لقلب الرئيس، وأدعى إلى بلوغ الغرض. ولا يكثر شكوى الحال ورثاثتها، واستيلاء الخصاصة والفقر عليه، فإن ذلك يجمع إلى الإضجار والإبرام شكاية الرئيس بسوء حال مرؤسه، وقلة ظهور نعمته عليه، وذلك مما يكرهه الرؤساء ويذمّونه.
الثالث أن يكون ما يكتب به التابع إلى المتبوع من باب التنصّل
والاعتذار عن شيء قرف به عند رئيسه. قال في «موادّ البيان»: فسبيله أن يبني كلامه على الاختصار، ويعدل عن الإسهاب والإطناب، ويقصد إلى النّكت التي تزيل ما عرض عنده من الشّبهة في أمره، وتمحو الموجدة السابقة إلى ضمير رئيسه. ولا يصرّح ببراءة الساحة عن الإساءة والتقصير، فإنّ ذلك مما يكرهه الرؤساء من أتباعهم لأن عادتهم جارية بإيثار اعتراف الخدم بالتقصير والتّفريط، والإقرار بالمقروف به ليكون لهم في العفو عند الإقرار موضع منّة مستأنفة تستدعي شكرا، وعارفة مستجدّة تقتضي نشرا. أما إذا أقام التابع الحجة على براءته مما قرف به، فلا موضع للإحسان إليه في إقراره على منزلته والرضا عنه، بل يكون ذلك قدرا واجبا له، إن منعه إيّاه ظلمه وتعدّى عليه.
الضرب الثاني (ما يعمل فيه على البسط والإطناب)
وقد استحبّوا البسط هنا في موضع واحد وهو ما إذا كان ما يكتب به
__________
(1) الخصاصة، بالفتح: ضيق الحال والحاجة: قال الله تعالى {وَلَوْ كََانَ بِهِمْ خَصََاصَةٌ}. سورة الحشر 59، الآية 9.
(2) الآلاء: النعم، مفردها ألى بالفتح، وإلى بكسر الهمزة.(6/309)
التابع إلى السلطان واقعا في باب الإخبار بأحوال ما ينظر فيه من الأعمال، وما يجري على يديه من المهمّات. قال في «موادّ البيان»: فسبيله أن يوفّي حقّه في الشرح والبيان، ويسلك فيه طريقة يجمع فيها بين إيضاح الأغراض من غير هذر يضجر ويملّ، ولا اختصار يقصّر ويخلّ، وأن يقصد إلى استعمال الألفاظ السّهلة التي تصل معانيها إلى الأفهام من غير كلفة، ويتجنب ما يقع فيه تعقيد وتوعير أو إبهام، إلا أن يعرض له في المكاتبة ما يحتاج إلى التّورية والكناية كما تقدّم فيما إذا أطلق عدوّ لسانه في السلطان فإنه يحتاج إلى الكناية عنه على ما مرّ.
القسم الثالث (ما يكتب به إلى الأكفاء (1) والنّظراء، والطبقة الثانية من الرؤساء)
قال في «موادّ البيان»: وسبيل مكاتبتهم أن يؤتى فيها باللفظ المساوي للمعنى من غير إيجاز ولا إطناب لأنها رتبة متوسطة بين الرّتبتين المتقدّمتين.
ولا يخفى أنّ ما ذكره إنما هو عند الوقوف مع حقائق المكاتبات. أما الإخوانيّات المطلقة، فإنها تكون في الطّول والقصر بحسب ما بين الصديقين من المودّة والقرب، وما يعلمه كلّ واحد منهما من خلق الآخر، وما توجبه دالّته عليه.
وسيأتي في مقاصد المكاتبات من أمثلة الأقسام الثلاثة ما يوضّح مقاصدها ويقرّب مآخذها إن شاء الله تعالى.
الطّرف الثالث (في أمور تختص بالأجوبة، وفيه جملتان)
الجملة الأولى (في بيان أيّ الأمرين من الابتداء والجواب أعلى رتبة وأبلغ في صناعة الكتابة)
وقد اختلف الكتّاب في ذلك، فذهب أكثر البلغاء إلى أن الكتب الجوابيّة
__________
(1) الأكفاء: ج كفؤ وهو المثل.(6/310)
أتعب مطلبا وأصعب مرتفى من الكتب الابتدائية، وأن فيها تظهر مهارة الكاتب وحذقه، لا سيما إذا كان الخطاب محتملا (1) للاعتذار والاعتلال عن امتثال الأوامر والنواهي، والتّورية عن نصوص الأحوال، والإعراض عن ظواهرها، قائدا إلى استعمال المغالطة، موجبا للانفصال عن الاحتجاج والإلزام، ونحو ذلك مما يؤدّي إلى الخلاص من المكاره.
واحتجّوا لترجيح ذلك بوجوه.
منها أن المبتديء محكّم في كتابه، يبتديء بألفاظه كيف شاء، ويقطعها حيث يشاء، ويتصرّف في التقديم والتأخير، والحذف والإثبات والإيجاز والإسهاب ويبني على أساس يؤسسه لنفسه، والمجيب ليس له تقديم ولا تأخير، وإنما هو تابع لغرض المبتديء، بان على أساسه.
ومنها أنّ المجيب إذا كان جوابه محتملا للإشباع والتوسّع مضطرّ إلى اقتصاص ألفاظ المبتديء واتّباعها للإجابة عنها، وذلك يؤدّي إلى تصفّح كلام المبتديء والمجيب ويصل ما بين الكلامين، لأن الكلامين يتقابلان فلا تخفى رتبتهما والفاضل منهما من الرّذل، وهذا مرفوع عن المبتديء.
ومنها أن تأليف الكلام وانتظامه واتّساقه والتئامه يقدر منها المبتديء على ما لا يقدر عليه المجيب لأن الجواب يفصّل أجزاء الكلام ويبدّد نظامه ويقسّمه أقساما، لمكان الحاجة إلى استئناف القول من الفصل بعد الفصل بقول وأمّا كذا وأمّا كذا، فظهور الصورة المستحسنة، في المتصل أكثر من ظهورها في المنفصل.
أما إذا كان الجواب مقتضبا مبنيّا على امتثال مأمور، أو انتهاء عن منهيّ عنه، فإنه سهل المرام، قريب المتناول لأنه إنما يشتمل على ذكر وصول الكتاب والعمل بما فيه.
__________
(1) أي حاملا ومشتملا. حاشية الطبعة الأميرية.(6/311)
وذهب صاحب «موادّ البيان» إلى أنّ الابتداء والجواب في ذلك على حدّ واحد، وإن (1) كان الكاتب قد يجيد في الابتداء ولا يجيد في الجواب وبالعكس محتجّا لذلك بأن كلّا من المبتديء والمجيب ممتاح (2) من جودة الغريزة، محتاج من البلاغة والصّناعة إلى ما يحتاج إليه الآخر، لأن الكاتب يكون تارة مبتدئا وتارة مجيبا، وليست الإجابة بصناعة على حيالها، ولا البداية بصناعة على حيالها، بل هما كالنوعين للجنس، ولا منع من أن يكون الكاتب ماهرا في نوع دون نوع.
قال: والكاتب لا يكون في الأمر الأعمّ كاتبا عن نفسه وإنما يكون كاتبا عن آمر يأمره بالكتابة في أغراضه ويسلّمها إليه منثورة، فيحتاج إلى نظمها وضمّها وإبرازها في صورة محيطة بجميع الأغراض من غير إخلال بشيء منها، فعلى المبتديء من المشقّة في إيراد أغراض المكتوب عنه في الصّورة الجامعة لها مع نظمها في سلك البلاغة مثل ما على المجيب من المشقّة في توفية فصول كتاب المبتديء حقّها من الإجابة والتصرّف على أوضاع ترتيبها، بل كلفة المجيب قريبة، لأنه يستنبط من نفس معاني كتاب المبتديء للمعاني التي يجيب بها، لأن الجواب لا يخلو من أن يكون يوافق الابتداء أو يناقضه، فإن وافقه فالأمر سهل، وإن ناقضه فإنّ كل نقيض قائم في الوهم على مقابلة نقيضه، إلا أنه أتعب على كل حال من الموافق، ولا شكّ أن الجواب بتجزئته قد خفّ تحمّله، إذ ليس من يجمع خاطره على الفصل الواحد حتّى يخرج عن جوابه كمن يجمع خاطره على الكتاب كلّه، ثم قال: وليس القصد مما ذكرناه مناقضة مشايخ صناعتنا (3)، ولكن القصد تعريف الحق الذي يجب اعتقاده والعمل عليه.
__________
(1) الظاهر أن «كان» زائدة والأصل: «وإنّ الكاتب قد يجيد» الخ كما يفيده المعنى وآخر العبارة.
حاشية الطبعة الأميرية.
(2) يقال: امتاح الماء إذا استقاه من أعلى البئر، وامتاحه الحرّ والعمل عرّقه.
(3) في الأصول «مشاج هنا عبثا» وهو تصحيف فظيع من الناسخ والتصحيح من كتاب ضوء الصبح للمؤلف. حاشية الطبعة الأميرية.(6/312)
الجملة الثانية (في بيان ترتيب الأجوبة)
واعلم أن للجواب حالتين:
الحالة الأولى أن يكون الجواب من الرئيس إلى المرؤوس عما كتب به الرئيس إليه
، فالذي ذكره في «موادّ البيان» أن للرئيس أن يبني حكاية كتاب مرؤوسه إليه في جوابه على الاختصار، ويجمع معانيه في ألفاظ وجيزة، محيطة بما وراءها كأن يقول: وصل كتابك في معنى كذا وفهمناه.
الحالة الثانية أن يكون الجواب من المرؤوس إلى الرئيس عما كتب به الرئيس إليه
، قال في «موادّ البيان»: والواجب في هذه الحالة أن يحكي فصول كتاب رئيسه على نصّها ويقصّها على وجهها من غير إخلال بشيء منها، إعظاما لقدر الرئيس وإجلالا لخطابه. قال: وليس للمجيب إن مرّ في كتاب الرئيس بلفظة واقعة في غير موضعها أن يبدلها بغيرها، لما في ذلك من الإشارة إلى أن هذا أصحّ من كتاب رئيسه في ألفاظه ومعانيه. قال: ولا يجوز الخروج عن حكاية لفظ رئيسه في كتابه بحال، اللهم إلا أن يكون الكتاب الوارد على المجيب في معنى الشكر والتّقريظ من رئيسه له والثناء عليه في قيامه بالخدمة، فإنه لا يجوز أن يأتي به على نصه لأنه يصير بذلك مادحا نفسه، ومدح الإنسان نفسه غير سائغ، ولا يجوز أن يهمل ذكره جملة لأنه يكون قد أخلّ بما يجب من شكره له على تشريف رتبته بإحماده له والثّناء عليه، بل الواجب أن يوقع تلك الصفة على جملة تجعل نفسه بعضا منها، مثل أن يقول: «فأما ما وصفه من اعتداده بخادمه في جملة من نهض بحقوق خدمته، وقام بفرض طاعته، فأهلّه لما يرفع الأقدار من إحماده وثنائه، ويعلي الأخطار من شكره ودعائه» وما يضاهي هذا من العبارة التي تشتمل على معاني ألفاظ رئيسه، فإنه إذا قصد هذا السبيل في حكاية كتاب رئيسه في هذا المعنى، فقد جمع بين البلاغة والإتيان على معاني ألفاظ رئيسه والأدب في ترك التفخيم لنفسه بإضافته لها إلى جملة الخاصّة دون إيقاع المدح عليها فقط.
قلت: هذا هو الترتيب الذي يجب اعتماده في الأجوبة، فلا يجوز الخروج عنه إلى غيره، على أن كتّاب زماننا قد اطّرحوا النظر في ذلك جملة، وصاروا يكتبون الأجوبة بحسب التشهّي فمنهم من يحكي الكتاب الذي يقع الجواب عنه بنصه مطلقا، سواء كان من رئيس أو مرؤوس وبالعكس، مع قطع النظر عما وراء ذلك. فتنبه لهذه الجملة فإنها دقيقة جليلة.(6/313)
، قال في «موادّ البيان»: والواجب في هذه الحالة أن يحكي فصول كتاب رئيسه على نصّها ويقصّها على وجهها من غير إخلال بشيء منها، إعظاما لقدر الرئيس وإجلالا لخطابه. قال: وليس للمجيب إن مرّ في كتاب الرئيس بلفظة واقعة في غير موضعها أن يبدلها بغيرها، لما في ذلك من الإشارة إلى أن هذا أصحّ من كتاب رئيسه في ألفاظه ومعانيه. قال: ولا يجوز الخروج عن حكاية لفظ رئيسه في كتابه بحال، اللهم إلا أن يكون الكتاب الوارد على المجيب في معنى الشكر والتّقريظ من رئيسه له والثناء عليه في قيامه بالخدمة، فإنه لا يجوز أن يأتي به على نصه لأنه يصير بذلك مادحا نفسه، ومدح الإنسان نفسه غير سائغ، ولا يجوز أن يهمل ذكره جملة لأنه يكون قد أخلّ بما يجب من شكره له على تشريف رتبته بإحماده له والثّناء عليه، بل الواجب أن يوقع تلك الصفة على جملة تجعل نفسه بعضا منها، مثل أن يقول: «فأما ما وصفه من اعتداده بخادمه في جملة من نهض بحقوق خدمته، وقام بفرض طاعته، فأهلّه لما يرفع الأقدار من إحماده وثنائه، ويعلي الأخطار من شكره ودعائه» وما يضاهي هذا من العبارة التي تشتمل على معاني ألفاظ رئيسه، فإنه إذا قصد هذا السبيل في حكاية كتاب رئيسه في هذا المعنى، فقد جمع بين البلاغة والإتيان على معاني ألفاظ رئيسه والأدب في ترك التفخيم لنفسه بإضافته لها إلى جملة الخاصّة دون إيقاع المدح عليها فقط.
قلت: هذا هو الترتيب الذي يجب اعتماده في الأجوبة، فلا يجوز الخروج عنه إلى غيره، على أن كتّاب زماننا قد اطّرحوا النظر في ذلك جملة، وصاروا يكتبون الأجوبة بحسب التشهّي فمنهم من يحكي الكتاب الذي يقع الجواب عنه بنصه مطلقا، سواء كان من رئيس أو مرؤوس وبالعكس، مع قطع النظر عما وراء ذلك. فتنبه لهذه الجملة فإنها دقيقة جليلة.(6/314)
الفصل الثاني من الباب الأوّل من المقالة الرابعة (في ذكر أصول المكاتبات وترتيبها، وبيان لواحقها ولوازمها. وفيه طرفان)
الطرف الأوّل (في ذكر أصولها وترتيبها. وفيه جملتان)
الجملة الأولى (في المكاتبات إلى أهل الإسلام)
واعلم أنّ المكاتبات الدائرة بين المسلمين من صدر الإسلام وإلى زماننا لا يأخذها حدّ ولا تدخل تحت حصر.
والمشهور استعماله منها في دواوين الإنشاء على اختلاف الأزمان خمسة عشر أسلوبا.
الأسلوب الأوّل (أن تفتتح الكتب بلفظ «من فلان إلى فلان»)
قال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الأوائل»: وأوّل من كتب بذلك قسّ (1)
ابن ساعدة الإياديّ، وعلى ذلك كانت مكاتبات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والسلف من الصحابة
__________
(1) قسّ بن ساعدة الإيادي من أياد بن أد بن معدّ، وكان حكيم العرب، ومن كبار خطبائهم في الجاهلية. وكان مقرّا بالبعث، وهو الذي يقول: من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. وقد ضرب العرب بحكمته وعقله الأمثال. يقال: إنه أول من قال في كلامه: «أما بعد» توفي نحو 23ق هـ. أنظر مروج الذهب (ج 1ص 6665)، والبيان والتبيين (ج 1ص 27) والأغاني (ج 15ص 192)، وشرح المقامات الحريرية للشريشي (ج 2ص 251)، والأعلام (ج 5ص 196).(6/315)
والتابعين رضوان الله عليهم. فكان النبي، صلّى الله عليه وسلّم يكتب: «من محمد رسول الله إلى فلان». ثم كتب أبو بكر الصدّيق، رضي الله عنه، في خلافته: «من أبي بكر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم». ثم كتب عمر بعده: «من عمر بن الخطاب خليفة خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى فلان». فلما لقّب بأمير المؤمنين زاد في ذلك لفظ «عبد الله» قبل عمر، ولقب «أمير المؤمنين»، بعده فكان يكتب: «من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى فلان». ولم يزل الأمر على ذلك إلى خلافة هارون الرشيد، فأمر أن يزاد في صدور الكتب بعد «فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلّي على جدّه (1) محمد عبده ورسوله». فجرى الأمر على ذلك في زمنه وما بعده، قال أبو هلال العسكريّ في «الأوائل»: وكان ذلك من أجلّ مناقبه. قال صاحب «ذخيرة الكتّاب»: وكان الرشيد قد قال ليحيى بن خالد: إني قد عزمت على أن يكون في كتبي: «من عبد الله هارون الإمام أمير المؤمنين عبد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» فقال له يحيى: قد عرف الله نيّتك في هذا يا أمير المؤمنين! [وأجزل] لك الأجر والتعبد إنما هو لله وحده لا لغيره قال: فأكتب «من هارون مولى محمد رسول الله» فقال: إن المولى ربما كان في كلام العرب ابن العمّ، وجزى الله أمير المؤمنين خيرا عن هذه النية وهذا الفكر.
الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بلفظ «لفلان من فلان» أو «إلى فلان من فلان» وبقية الصّدر، والتخلص ب «أما بعد» أو غيرها، والاختتام بالسلام وغيره على ما تقدّم في الأسلوب الأوّل)
وقد اختلف العلماء في جواز الابتداء في المكاتبة باسم المكتوب إليه فذهب جماعة من العلماء إلى جواز ذلك، محتجّين بأن الصّحابة رضي الله
__________
(1) لعله «جدي» وسقط لفظ جدّه من عبارة كتاب ضوء الصبح وهي أوضح وأصرح. حاشية الطبعة الأميرية.(6/316)
عنهم، وبعض الملوك كانوا يكتبون إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كذلك. كما كتب إليه خالد ابن الوليد والنجاشيّ (1) والمقوقس (2)، في إحدى الروايات، على ما سيأتي ذكره في المكاتبات إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وقد روي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا كتب أحدكم فليبدأ بنفسه، إلّا إلى والد أو والدة أو إمام يخاف عقوبته». وعن نافع قال: كانت لابن عمر إلى معاوية حاجة، فقال له ولده: إبدأ به في الكتاب، فلم يزالوا به حتّى كتب: «بسم الله الرحمن الرحيم، إلى معاوية من عبد الله بن عمر». وعن الأوزاعيّ (3) أنه كان يكتب إلى عمر بن عبد العزيز فيبدأ به فلا ينكر ذلك. وعن سعيد بن عبد العزيز قال: كتب عمر (يعني ابن عبد العزيز) إلى الحجّاج، فبدأ بالحجّاج قبل نفسه فقيل له في ذلك فقال: «بدأت به لأحقن دم رجل من المسلمين. قال سعيد:
فحقن له دمه. وعن بكر بن عبد الله أنه كتب إلى عامل في حاجة، فكتب:
«بسم الله الرحمن الرحيم، إلى فلان من بكر» فقيل له: أتبدأ باسمه؟ فقال:
وما عليّ أن أرضي صاحبي وتقضى حاجة أخي المسلم؟ قال في «صناعة الكتّاب»: وعلى ذلك جرى التعارف في المكاتبة إلى الإمام.
وذهب قوم إلى كراهة ذلك لأنه مأخوذ عن ملوك العجم. قال ميمون بن مهران: كان العجم يبدأون بملوكهم إذا كتبوا إليهم. وقد روي عن العلاء بن الحضرميّ أنه كتب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فبدأ بنفسه. وعن الربيع بن أنس قال: ما كان أحد أعظم حرمة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان أصحابه يكتبون إليه يبدأون بأنفسهم. وعلى ذلك جرى (4) في «نهاية الأرب» فقال: كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمراء
__________
(1) النجاشي هنا هو ملك الحبشة.
(2) هو المقوقس النصراني صاحب الإسكندرية كما في جمهرة أنساب العرب ص 1615.
(3) هو عبد الرحمن بن عمر الأوزاعي، إمام الشام، وبسبب مجاهدته للبيزنطيين اقتصر مذهبه على التشريعات الحربية الجهادية توفي في بيروت سنة 157هـ. وما يزال مقامه في بيروت يزار حتى يومنا هذا.
(4) هو أحمد بن عبد الوهاب التيمي البكري، شهاب الدين النويري، عالم بحّاث غزير الاطّلاع له نظم يسير ونثر جيد، ويكفيه أنه مصنف «نهاية الأرب في فنون الأدب» توفي في القاهرة سنة 733هـ.
أنظر البداية والنهاية (ج 14ص 164).(6/317)
جيوشه يكتبون إليه كما يكتب إليهم، يبدأون بأنفسهم. وعن ميمون بن مهران أنه قال: كان ابن عمر إذا كتب إلى أبيه كتب «من عبد الله بن عمر إلى عمر بن الخطّاب». وعن يحيى بن سعيد القطّان قال: قلت لسفيان الثوري: أكتب إلى أمير المؤمنين يعني المهديّ، قال: إن كتبت إليه بدأت بنفسي قلت: فلا تكتب إليه إذن. وهذه الأقوال كلها جانحة إلى ترجيح بداءة المكتوب عنه بنفسه. قال أبو جعفر النحاس: وهذا عند أكثر الناس هو الإجماع الصحيح، لأنه هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم.
ولتعلم أن الذاهبين إلى جواز الابتداء باسم المكتوب إليه اختلفوا فذهب قوم إلى أنه إنما يكتب «إلى فلان من فلان» كما تقدم في كتاب ابن عمر إلى معاوية، ولا يكتب «لفلان من فلان». واستشهد لذلك بما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: يكتب الرجل «من فلان إلى فلان» ولا يكتب لفلان وبما روي عن هشيم عن المغيرة عن إبراهيم أنه قال: كانوا يكرهون أن يكتبوا «بسم الله الرحمن الرحيم لفلان من فلان». لكن قد روي أن رجلا كتب عند ابن عمر «بسم الله الرحمن الرحيم لفلان من فلان» فقال ابن عمر: مه! فإنّ اسم الله هو له إذن. ومقتضى ذلك أن الكراهة إنما هي لإيهام أن البسملة للمكتوب إليه، لا للابتداء باسم المكتوب إليه.
وذهبت طائفة إلى جواز أن يكتب ««لفلان من فلان» واحتجّ لذلك بما روي عن مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار أنّ ابن عمر كتب إلى عبد الملك ابن مروان: «بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، لعبد الملك أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر» وهو ظاهر، فقد كانت مكاتبة خالد بن الوليد والنّجاشيّ والمقوقس «لمحمد رسول الله» على ما سيأتي ذكره. وعلى ذلك (1) كانت
__________
(1) في الأصل: «وعلى كل حال» وهو سبق قلم كما هو ظاهر. حاشية الطبعة الأميرية.(6/318)
المكاتبة للخلفاء فكان يكتب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، من عمّاله وغيرهم «لعبد الله عمر أمير المؤمنين» وعلى ذلك جرى الحال في المكاتبة إلى سائر الخلفاء بعده على ما ستقف عليه في مواضعه إن شاء الله تعالى.
الأسلوب الثالث (أن يفتتح الكتاب بلفظ أما بعد)
وعليه ورد بعض المكاتبات الصادرة عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وعن الخلفاء من الصحابة فمن بعدهم في صدر الإسلام على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وكانوا بعد حدوث الدعاء في المكاتبات يتبعونها بالدعاء بطول البقاء غالبا، فيقال: «أما بعد، أطال الله بقاءك» ونحو ذلك ثم أضرب بعض الكتّاب بعد ذلك. قال أبو هلال العسكري في كتابه «الصناعتين»: وكان الناس فيما مضى يستعملون في أوائل فصول الرسائل «أما بعد» وقد تركها جماعة من الكتّاب فلا يكادون يستعملونها. قال: وأظنّهم ألمّوا بقول ابن (1) القرّيّة وقد سأله الحجاج عما ينكره من خطابته فقال: إنك تكثر الرّذ، وتشير باليد، وتستعين بأمّا بعد. فتحاموها لهذه الجهة. ثم قال: فإن استعملتها اتّباعا للسلف ورغبة فيما جاء فيها من التأويل أنها فصل الخطاب، فهو حسن وإن تركتها توخّيا لمطابقة أهل عصرك، وكراهة للخروج عما أصّلوه لم تكن ضائرا. أما الآن فقد ترك الابتداء في الكتب بأما بعد حتّى لا يكاد يعوّل عليها في الابتداء كاتب من كتّاب الزمان، ولا يفتتح بها مكاتبة. نعم يؤتى بها في أثناء بعض
__________
(1) هو أيوب بن زيد بن قيس بن زرارة الهلالي، المعروف بابن القرّية، والقرّيّة جدته، وهي خماعة بنت جشم بن ربيعة بن زيد مناة وقيل: القرّيّة أمه. كان أعرابيا أميّا معدودا من جملة خطباء العرب المشهورين بالفصاحة والبلاغة. اتّصل بالحجّاج فأوفده على عبد الملك بن مروان. قتله الحجاج سنة 84هـ. وقال المسعودي: قتله سنة 82هـ لخروجه مع ابن الأشعث. أنظر مروج الذهب (ج 3 ص 169)، وجمهرة أنساب العرب ص (302301) ووفيات الأعيان (ج 1ص 255250) وتاريخ ابن الأثير (ج 4ص 498) والأعلام (ج 2ص 37).(6/319)
المكاتبات على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وقد تقدم الكلام على معناها وأوّل من قالها في الكلام على الفواتح في المقالة الثالثة، وكتّاب المغاربة ربما افتتحوا مكاتباتهم بلفظ وبعد.
الأسلوب الرابع (أن تفتتح المكاتبة بخطبة مفتتحة بالحمد لله)
وأصل هذه المكاتبة مختلس من الأسلوب الأوّل من قولهم: فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. ثم جاء عبد (1) الحميد بن يحيى كاتب مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أميّة، فأطال التحميدات في صدور الكتب مع الإتيان بأما بعد، وتبعه الكتّاب على ذلك، ثم توسّعوا فيه حتّى كرّروا الحمد المرّات في الكتاب الواحد، لا سيما في أماكن النّعم الحادثة، كالفتوحات ونحوها ثم توسّع بعض الكتّاب في ذلك حتّى جعل الحمد لله افتتاحا، واستمرّ ذلك إلى الآن. وعلى ذلك بعض المكاتبات السلطانية في زماننا، على ما ستقف على ذلك جميعه في مواضعه إن شاء الله تعالى.
ولا خفاء في أنّ الحمد أفضل الافتتاحات، وأعلى مراتب الابتداآت، وإن لم يقع الابتداء به في صدر الإسلام، فهو من المبتدعات المستحسنة. وحيث افتتحت المكاتبة بالحمد لله كان التخلّص منها إلى المقصود «بأما بعد» وربما وقع التخلّص بغير ذلك، ويكون الاختتام فيها تارة بالسلام، وتارة بالدّعاء، وتارة بغير ذلك. قال ابن شيث في «معالم الكتابة»: والتحميد في أوّل الكتب لا
__________
(1) هو عبد الحميد بن يحيى بن سعد مولى بني عامر، الكاتب البليغ المشهور، ضرب به المثل في البلاغة، حتى قيل: فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بابن العميد. كان إماما في الكتابة في كل فن من العلم والأدب. وهو من أهل الشام، وأول من أطال الرسائل واستعمل التحميدات في فصول الكتب. كان كاتب مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية، وقتل معه سنة 132هـ بقرية يقال لها بوصير من أعمال الفيوم بالديار المصرية. وفيات الأعيان (ج 3ص 232228) والأعلام (ج 3 ص 290289).(6/320)
يكون إلا في الكتب المكتوبة عن السلطان. قال: وغاية عظمة الكاتب أن يكرّر التحميد ثانية وثالثة في الكتاب، ثم يذكر الشهادتين والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
قلت: والتكرار في الحمد يكون بحسب مقدار النعمة المكتوب بسببها من فتح ونحوه.
الأسلوب الخامس (أن تفتتح الكتاب بلفظ «كتابي إليك» أو «كتابنا إليك من موضع كذا، أو في وقت كذا والأمر على كذا» وتشرح القضية وتختم المكاتبة «بكتابنا إليك» بنحو قولك: «فإن رأيت أن تفعل كذا فعلت» والمكاتبة «بكتابي إليك» بنحو قولك: «فرأيك في كذا» وما يجري هذا المجرى)
والأصل في هذه المكاتبة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان يكتب في بعض المكاتبات الصادرة عنه: «هذا كتاب من محمد رسول الله إلى فلان، أو إلى الجماعة الفلانيين». فلما كان أيام بني بويه في أثناء الدولة العباسية، استخرج كتّابها من هذا المعنى الابتداء «بكتابي إليك» إذا كانت المكاتبة إلى النظير ومن في معناه، والابتداء «بكتابنا إليك» إذا كانت المكاتبة عمّن له رتبة نون العظمة من الملوك ونحوهم وكانوا يتبعون ذلك بالدعاء بطول البقاء نحو «كتابي اليك أطال الله بقاءك» أو «كتابنا إليك أطال الله بقاءك». وربما عبر «بهذه (1) الخدمة» وما أشبه ذلك ويكون التخلّص فيه إلى المقصد بواو الحال، مثل أن يقال: «كتابي إليك والأمر على كذا وكذا» ونحو ذلك وربما وقع التخلّص بخلاف ذلك. ويكون الاختتام فيه تارة بالسلام وتارة بالدعاء، وتارة بغير ذلك. وكتّاب المغرب عدلوا عن لفظ الاسم في كتابي إلى لفظ الفعل. مثل أن يقال: «كتبنا إليك» أو «كتبت
__________
(1) أي عبر بدل كتابي إليك مثلا بقوله «هذه الخدمة إليك» كما يؤخذ مما يأتي في الأسلوب الحادي عشر. حاشية الطبعة الأميرية.(6/321)
إليك والأمر على كذا، أو من موضع كذا».
الاسلوب السادس (أن تقع المكاتبة بلفظ «كتب» بصيغة الفعل)
وهذه المكاتبة كان يكتب بها عن الوزراء ومن في معناهم إلى الخلفاء.
فيكتب الوزير ونحوه: «كتب عبد أمير المؤمنين» أو «كتب العبد من محلّ خدمته بمكان كذا، والأمر على كذا وكذا». وعلى نحو من ذلك يجري كتّاب المغاربة في الكثير من كتبهم، مثل «إنا كتبنا إليكم من محلّ كذا» أو «كتبت إليك من محلّ كذا» وما أشبه ذلك. وهذه في الأصل مأخوذة من الأسلوب الذي قبل.
الأسلوب السابع (أن يقع الافتتاح بالدعاء)
والأصل في ذلك ما حكاه أبو جعفر النحاس: إنّ معاوية بن أبي سفيان كتب إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، عند جريان الخلاف ووقوع الحرب بينهما: «أما بعد عافانا الله وإيّاك من السّوء». ثم زاد الناس في الدعاء بعد ذلك.
وقد اختلف في جواز المكاتبة بالدّعاء في الجملة فذهب ذاهبون إلى جواز ذلك كما يجوز الدّعاء في غير المكاتبة، سواء تضمّن الدعاء معنى الدّوام والبقاء أم لا. وهو الذي رجّحه محمد بن عمر المدائنيّ في كتاب «القلم والدواة» وإليه يميل كلام غيره أيضا، وحكاه النحاس عن أبي جعفر أحمد بن سلامة، وكلامه يميل إلى ترجيحه. أمّا ما يتضمن معنى الدّوام والبقاء، فلما روي أنّ النبي، صلّى الله عليه وسلّم، قال لأبي اليسر كعب (1) ابن عليّة: «اللهم أمتعنا به» قال النحاس: وذلك دليل الجواز، بل حكي عن بعضهم أنّ الدعاء بطول البقاء
__________
(1) سبق في صفحة 280من هذا الجزء كعب بن عبيد الله والذي في تاج العروس مادة (يسر) أنه كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو فلعل «علية» اسم أمه. حاشية الطبعة الأميرية.(6/322)
أكمل الدعاء وأفخمه لأنّ كل نعمة لا ينتفع بها إلا مع طول البقاء. ثم قال:
والمعنى في الدّعاء في المكاتبات التودّد والتحبّب وقد أمر صلّى الله عليه وسلّم المسلمين أن يكونوا إخوانا، ومن أخوّتهم ودّ بعضهم بعضا. وكذلك القول بما يؤكّد الأخوّة بينهم والمودّة من بعضهم لبعض، وإذا قال له ذلك، كان قد بلغ من قلبه نهاية مبلغ مثله منه، ويكون من قال ذلك قد علم من قلبه في شأنه ما يكون من قلب مثله. وقد قال الشيخ محيي الدين النوويّ: من قال لصاحبه حفظا لمودّة:
«أدام الله لك النّعم» ونحو ذلك فلا بأس به.
وأمّا ما لم يتضمن معنى الدوام والبقاء، كالعزّ والكرامة، فقد روي عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من رأى منكم مقتل حمزة؟
فقلت: أعزّك الله! أنا رأيته». وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل جرير بن عبد الله على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فضنّ الناس بمجالسهم فلم يوسّع له أحد، فرمى له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببردته (1) وقال: اجلس عليها يا جرير، فتلقّاها بوجهه ونحره فقبّلها ثم ردّها على ظهره وقال: أكرمك الله يا رسول الله كما أكرمتني» فقد دعا له صلّى الله عليه وسلّم كعب بن مالك بالعز، وجرير بن عبد الله بالكرامة ولم ينكر ذلك على واحد منهما.
وذهب آخرون إلى أنه لا تجوز المكاتبة بالدّعاء، سواء تضمّن معنى الدوام والبقاء أم لا لأنه خلاف ما وردت به السنة وجرى عليه اصطلاح السّلف.
وفصّل بعضهم فقال: «إن كان الدعاء مما لا يتضمّن معنى الدوام والبقاء نحو «أكرمك الله بطاعته» و «تولّاك بحفظه» و «أسعدك بمعرفته» و «أعزّك بنصره» جاز لحديثي كعب بن مالك وجرير بن عبد الله المتقدّمين. وإن كان مما
__________
(1) البردة: ثوب مخطط أو كساء أسود من الصوف يلتحف به والجمع برد.(6/323)
يتضمّن معنى الدوام والبقاء، نحو «أطال الله بقاءك» و «نسأ أجلك» و «أمتع بك» وما أشبه ذلك، لم تجز المكاتبة به.
واحتجّ لذلك بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه «أنّ أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: اللهمّ، أمتعني بزوجي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لقد دعوت لآجال مضروبة، وأرزاق مقسومة لا يتقدّم منها شيء قبل أجله ولا يتأخّر بعد أجله، ولو سألت الله أن يقيك عذاب النار لكان خيرا لك». وبما روي أن الزّبير بن العوّام، رضي الله عنه، قال للنّبي صلّى الله عليه وسلّم: «جعلني الله فداك» فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أما تركت أعرابيّتك بعد»؟ فقد أنكر صلّى الله عليه وسلّم على أمّ حبيبة والزبير الدعاء بما فيه طول البقاء. وإذا امتنع ذلك في مطلق الدعاء، امتنع في المكاتبة من باب أولى لمخالفة طرقها التي وردت بها السنة. قال حمّاد بن سلمة: كانت مكاتبة المسلمين «من فلان إلى فلان، أما بعد، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلّي على محمد عبده وآل محمد» حتّى أحدث الزنادقة لعنهم الله هذه المكاتبة التي أوّلها «أطال الله بقاءك».
وعن إسماعيل بن إسحاق أنّ أوّل من كتب «أطال الله بقاءك» الزنادقة. وقد قال الإمام الرافعيّ وغيره من أئمة أصحابنا الشافعية: إن الدعاء بالطّليقة وهي أطال الله بقاءك لا أصل له في الشرع. قال الشيخ محيي الدين النوويّ: وقد نصّ السلف على كراهته. ونقل النحاس عن بعضهم أنه استحبّ تقييده بالإضافة إلى شيء آخر، مثل أن يكتب «أطال الله بقاءك في طاعته وكرامته» أو «أطال الله بقاءك في أسرّ عيش وأنعم بال» وما أشبه ذلك.
واعلم أنّ الناس قد اختلفوا في صورة الابتداء بالدعاء فالأوّلون لابتداع الدّعاء في المكاتبات كانوا يفتتحون بطول البقاء للخلفاء وغيرهم ثم توسّعت الطبقة الثانية من الكتّاب في المكاتبة فافتتحوا بالدعاء للخلفاء والملوك بخلود الملك، ودوام الأيام، ودوام السّلطان وخلوده، وما في معنى ذلك
ولمن دونهم بعد النّصر والنّصرة والأنصار بدوام النّعمة وخلود السّعادة ومدّ الظّل وإسباغ الظّلال، وغير ذلك مما يأتي ذكره في الكلام على مصطلح كل طبقة فيما بعد إن شاء الله تعالى.(6/324)
واعلم أنّ الناس قد اختلفوا في صورة الابتداء بالدعاء فالأوّلون لابتداع الدّعاء في المكاتبات كانوا يفتتحون بطول البقاء للخلفاء وغيرهم ثم توسّعت الطبقة الثانية من الكتّاب في المكاتبة فافتتحوا بالدعاء للخلفاء والملوك بخلود الملك، ودوام الأيام، ودوام السّلطان وخلوده، وما في معنى ذلك
ولمن دونهم بعد النّصر والنّصرة والأنصار بدوام النّعمة وخلود السّعادة ومدّ الظّل وإسباغ الظّلال، وغير ذلك مما يأتي ذكره في الكلام على مصطلح كل طبقة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ثم للكتّاب في الخطاب (1) بالدّعاء مذهبان:
أحدهما أن يقع الدعاء بلفظ الخطاب، نحو «أطال الله بقاءك، وأعزّك الله، وأكرمك الله، وأدام كرامتك وسعادتك» وما أشبه ذلك.
والثاني أن يقع بلفظ الدعاء للغائب مثل: «أطال الله بقاء أمير المؤمنين» و «أطال الله بقاء سيّدي» و «أطال الله بقاء مولانا» أو «أعز الله أنصار المقام أو المقرّ» أو «ضاعف الله تعالى نعمة الجناب» أو «أدام الله نعمة الجناب أو المجلس» وما أشبه ذلك.
قال في «صناعة الكتّاب»: وهو أجلّ الدعاء فيما اصطلحوا عليه. قال:
ورأيت عليّ بن سليمان ينكر ذلك ويقول: الدعاء للغائب جهل باللّغة، ونحن ندعو الله عزّ وجلّ بالمخاطبة.
الأسلوب الثامن (أن يفتتح الكتاب بالسلام)
ويقع التخلّص إلى المقصود بلفظ «ونبدي لعلمه» أو نحو ذلك ويقع الاختتام فيه بالسلام أيضا، وهو منتزع من قولهم في صدر المكاتبة في الأسلوب الأوّل: سلام عليك فإنّي أحمد إليك الله، تصرّف الكتّاب فيه فجعلوا السّلام في ابتداء المكاتبة، وصاروا يبتدئونها بنحو سلام الله ورحمته وبركاته». وقد كانوا يبتدئون المكاتبة إلى الخلفاء ببغداد في الدولة الأيّوبية بالديار المصرية بالسلام في بعض الأحيان، وعلى ذلك استقرّت المكاتبة عن الخليفة الآن. وبه يفتتح
__________
(1) كذا في الأصول ولعله في الإتيان بالدعاء الخ. حاشية الطبعة الأميرية.(6/325)
بعض المكاتبات إلى مشايخ الصّوفيّة، على ما سيأتي في الكلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
قال في «صناعة الكتّاب»: وإنما قدّموا السّلام على الرحمة لتصرّفه لأنه من أسماء الله تعالى أو جمع سلامة. قال في «موادّ البيان»: أو اسم للجنّة كما في قوله تعالى: {لَهُمْ دََارُ السَّلََامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (1) ثم عقّب ذلك بأن قال:
والسّلام في هذا الموضع من السّلامة، وتقديم السلامة التي تكون في الدنيا أولى من تقديم الرحمة التي تكون في الآخرة.
الأسلوب التاسع (أن يفتتح الكتاب بيقبّل الأرض)
ويتخلص إلى المقصود بلفظ «وينهي» ويقع الاختتام ب «طالع» أو «أنهى» وهذه المكاتبة مما هو موجود في بعض مكاتبات القاضي الفاضل، ولم أرها فيما قبله وكأنهم لما استعملوا في صدور المكاتبات إلى الخلفاء المكاتبة بيقبّل الأرض والعتبات ونحو ذلك، استنبطوا منه ابتداء مكاتبة وجعلوها لمكاتبة الرّؤساء من السلطان ومن في معناه بالنّسبة إلى المرؤوس. والأصل في ذلك أن تحيّة الملوك والرّؤساء والأكابر في الأمم الخالية كانت بالسّجود، كما يحيّي المسلمون بعضهم بعضا بالسلام. وقد قال قتادة في قوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف عليهم السّلام: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً} [2]: كانت تحيّة الناس يومئذ سجود بعضهم لبعض، وعليه حمل قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنََا لِلْمَلََائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا} [3] * على أحد التفاسير، وهو المرجّح عند الإمام فخر الدين وغيره من المفسّرين. قال الشيخ عماد الدين بن كثير رحمه الله في تفسيره: وكان ذلك
__________
(1) سورة الأنعام 6، الآية 127. ودار السّلام هي الجنة.
(2) سورة يوسف 12، الآية 100.
(3) سورة البقرة 2، الآية 34.(6/326)
مشروعا في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملّتنا. قال معاذ «يا رسول الله! إنّي قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم فأنت يا رسول الله أحقّ أن يسجد لك. فقال: [لا] (1) لو كنت آمرا بشرا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لبعلها من عظم حقّه عليها». وعن صهيب: «أن معاذا [لما] (2)
قدم من اليمن سجد للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال يا معاذ، ما هذا؟ قال: إن اليهود تسجد لعظمائها وعلمائها، ورأيت النصارى تسجد لقسّيسيها وبطارقتها، قلت ما هذا؟
قالوا: تحيّة الأنبياء فقال عليه السّلام: كذبوا على أنبيائهم». وعن سفيان الثوريّ عن سماك بن هانيء قال: دخل الجاثليق (3) على عليّ بن أبي طالب، فأراد أن يسجد له، فقال له عليّ: اسجد لله ولا تسجد لي.
فلما وردت شريعة الإسلام بنسخ التحيّة بالسجود وغلب ملوك العجم على الأقطار، استصحبوا ما كان عليه الأمر في الأمم الخالية، وعبّروا عنه بتقبيل الأرض فرارا من اسم السّجود ولورود الشريعة بالنهي عنه واستمر ذلك تحية الملوك إلى الآن، فاستعار الكتّاب ذلك ونقلوه من الفعل إلى اللّفظ، فاستعملوه في مكاتباتهم إلى الخلفاء والملوك ثم توسّعوا في ذلك فكاتبوا به كلّ من له عظمة بالنسبة إلى المكتوب عنه، ورتّبوه مراتب على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى. ولا خفاء فيما في هذه المكاتبة من الكراهة.
الأسلوب العاشر (أن يفتتح الكتاب «بيقبّل اليد» وما في معناها من الباسط والباسطة)
ويقع التخلّص منه إلى المقصود بما يقع به التخلص في الأسلوب الذي
__________
(1) الزيادة عن تفسير ابن كثير. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) الزيادة عن مفاتيح الغيب للفخر الرازي، حاشية الطبعة الأميرية.
(3) الجثليق والجاثليق: رئيس الأساقفة عند الكلدانيين يكون تحت يد بطريق أنطاكية، معرب كاثوليكوس باليونانية، والجمع جثالقة.(6/327)
قبله من الانتهاء (1) ويختم بالدعاء ونحوه.
والأصل في هذه المكاتبة أنّ يقبّل اليد وما في معناها مما يؤذن بالتعظيم، والتبجيل والتكريم، وعلوّ القدر وزيادة الرفعة، مع أنه ليس بممنوع في الشريعة.
فقد ثبت في الصحيحين في حديث الإفك: «أنه لما أنزل الله تعالى براءة أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قال لها أبوها: قومي إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقبّلي يده». ولم يكن الصدّيق، رضي الله عنه، ليأمرها بما هو ممنوع في الشريعة.
وقد نصّ الفقهاء رحمهم الله على أنه يجوز تقبيل يد العالم والرجل الصالح ونحوهما، فاستعار الكتّاب ذلك ونقلوه من الفعل إلى الكتابة أيضا، كما فعلوا في تقبيل الأرض، ورتّبوه مراتب على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. على أنّ بعض الكتّاب قد جعل «يقبّل القدم» رتبة بين «يقبّل الأرض» و «يقبّل اليد» وما في معناها، وهو ظاهر لكنه لم يشتهر في عرف الكتّاب.
الأسلوب الحادي عشر (أن يفتتح الكتاب بلفظ «صدرت المكاتبة»)
ويتخلص فيها إلى المقصود بلفظ «وتوضّح لعلمه» أو «موضّحة لعلمه» وما أشبه ذلك. ويقع الاختتام فيها بمثل «والله الموفّق» ونحو ذلك. وربما قيل فيها: «أصدرت هذه المكاتبة» أو «أصدرناها».
وأصل هذه المكاتبة أنه كان يكتب في الدّولة السّلجوقيّة ببغداد، والدولة الأيّوبيّة بالديار المصرية «صدرت هذه الخدمة» أو «أصدرت هذه الخدمة».
وربما كتب «صدرت هذه الجملة» فعدل عنه كتّاب الزمان بالديار المصرية ومن قاربهم إلى التعبير بقولهم: «صدرت هذه المكاتبة». على أن كتّاب الزمان بالديار المصرية إنما أخذوها من صدور المكاتبات المفتتحة بالدعاء مثل «أعزّ الله أنصار المقرّ»، حيث يقال في تصديرها «أصدرناها» ومثل «ضاعف الله
__________
(1) في الأصل: «الإنهاء».(6/328)
نعمة الجناب» و «أدام الله نعمة الجناب أو المجلس» وما أشبه ذلك. حيث يقال في تصديرها: «صدرت هذه المكاتبة» فجعلوا الصّدور ابتداء.
الأسلوب الثاني عشر (أن يفتتح الكتاب بلفظ «هذه المكاتبة»)
ويتخلص منها إلى المقصود بنحو ما وقع التخلّص به في الأسلوب الذي قبله، ويقع الاختتام بمثل ما وقع به اختتامه.
وهذه المكاتبة مأخوذة في الأصل من ابتدائهم في الأسلوب الخامس بلفظ: «كتابي إليك» وما في معناه، على أن كتّاب الزمان إنما أخذوا ذلك من المكاتبة التي قبلها، فجعلوا بعض الصّدر فيها ابتداء، كما جعلوا جميع الصّدر ابتداء في الأسلوب الذي قبلها.
الأسلوب الثالث عشر (أن يفتتح الكتاب بالإعلام)
كما يكتب كتّاب الزمان: «يعلم فلان أنّ الأمر كذا وكذا» والاختتام فيها بمثل الأسلوبين اللذين قبلها ولا تخلّص فيها لأن الافتتاح فيها موصّل إلى المقصود. على أن الصواب إثبات اللام في أوّلها، بأن يقال: «ليعلم فلان» لأن لام الأمر لا يجوز حذفها على ما تقرّر في آخر المقالة الثالثة. وعلى ذلك كتب غازان أحد ملوك بني جنكزخان ببغداد وما معها إلى الملك الناصر «محمد بن قلاوون» صاحب الديار المصرية، وكتب الجواب عن الملك الناصر إليه كذلك، على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
الأسلوب الرابع عشر (أن يفتتح الكتاب بلفظ «يخدم»)
مثل «يخدم الجناب» أو «يخدم المجلس» وما أشبه ذلك. ويكون
التخلّص منها بمثل: «وينهي» أو «ويبدي» ونحو ذلك، ويقع الاختتام فيها بالدعاء.(6/329)
مثل «يخدم الجناب» أو «يخدم المجلس» وما أشبه ذلك. ويكون
التخلّص منها بمثل: «وينهي» أو «ويبدي» ونحو ذلك، ويقع الاختتام فيها بالدعاء.
وهذه المكاتبة كانت مستعملة في مكاتبات الفاضل بقلّة، وتداولها الكتّاب بعد ذلك إلى أن صارت مستعملة بين الكتّاب في المكاتبات الدائرة بين أهل الدّولة في زماننا ثم رفضت بعد ذلك وتركت حتّى لم يستعملها منهم إلا القليل النادر.
الأسلوب الخامس عشر (أن يفتتح الكتاب بلفظ الخلافة أو المقام الذي شأنه كذا، أو الإمارة التي شأنها كذا)
مثل: «خلافة فلان» أو «مقام فلان» أو «إمارة فلان» وما أشبه ذلك.
ثم يقع التخلّص في ذلك بمثل: «معظّم مقامها يخصّها بسلام صفته كذا ويبدي لعلمها كذا» وما أشبه ذلك. ويقع الاختتام فيها بالسلام، وهذا الأسلوب مما اختص به كتّاب المغرب لا سيما المتأخرّون منهم، على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
قلت: ووراء هذه الأساليب أساليب أخرى لكتّاب أهل الشّرق والغرب بالديار المصرية في الأزمنة المتقدّمة، لا يأخذها حصر، ولا تدخل تحت حدّ، وأكثر ما تكون في الإخوانيات، وسيأتي ذكر الكثير من أنواعها في مواضعه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الجملة الثانية (في المكاتبات إلى أهل الكفر وللكتّاب فيه أسلوبان)
الأسلوب الأوّل (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «من فلان إلى فلان»)
وعلى ذلك كتب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إلى أهل الكفر، وكان يكتب في
مكاتباته صلّى الله عليه وسلّم: «السّلام على من اتّبع الهدى» بدل «والسّلام» ويتخلّص فيها بأمّا بعد تارة، وبغيرها أخرى وعلى ذلك جرى الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم، وخلفاء بني أميّة، وخلفاء بني العبّاس ببغداد، ومن شاركهم في الأمر من ملوك بني بويه وبين سلجوق ومن في معناهم. وتختتم هذه المكاتبة تارة بلفظ «والسّلام على من اتبع الهدى» إن لم يذكر السّلام في الأوّل، وتارة بغير ذلك.(6/330)
وعلى ذلك كتب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إلى أهل الكفر، وكان يكتب في
مكاتباته صلّى الله عليه وسلّم: «السّلام على من اتّبع الهدى» بدل «والسّلام» ويتخلّص فيها بأمّا بعد تارة، وبغيرها أخرى وعلى ذلك جرى الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم، وخلفاء بني أميّة، وخلفاء بني العبّاس ببغداد، ومن شاركهم في الأمر من ملوك بني بويه وبين سلجوق ومن في معناهم. وتختتم هذه المكاتبة تارة بلفظ «والسّلام على من اتبع الهدى» إن لم يذكر السّلام في الأوّل، وتارة بغير ذلك.
الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بالدعاء)
كما يكتب كتّاب الزمان «أطال الله بقاء الحضرة الفلانية: حضرة الملك الفلاني» أو «أطال الله بقاء الملك الفلاني» وما أشبه ذلك. وقد تقدّم الخلاف في أصل جواز المكاتبة بالدّعاء، وما قيل في الدعاء بطول البقاء وما في معناه، من الكراهة، وأنّ جماعة من العلماء والكتّاب أجازوه.
فإن قيل: على تقدير جواز ذلك في حقّ المسلم، فكيف يجوز في حقّ الكافر؟ فالجواب أنه قد ورد «أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، استسقى فسقاه يهوديّ، فقال له:
جمّلك الله، فما رؤي الشّيب في وجهه حتّى مات» فقد دعا صلّى الله عليه وسلّم ليهوديّ بالجمال، وقد لا يكون في طول بقائه على الإسلام ضرر، بل قد يكون فيه نفع، كحمل جزية ونحوه، وإنما يمنع الدعاء له بالعزّ والنّصر وما في معنى ذلك.
تنبيه اعلم أن الأجوبة قد تفتتح بما تفتتح به الابتداءات من الأساليب المتقدّمة، ثم يؤتى بالأجوبة في أثنائها مثل أن يقال: «وقد وصل كتاب المجلس أو الجناب» أو «وردت مكاتبته» أو «عرضت مكاتبته على أمير المؤمنين، أو على المسامع الشريفة» وما أشبه ذلك. وقد يجعل الجواب ابتداء، فيفتتح الكتاب بنحو: «عرضت مكاتبتك على أمير المؤمنين» مثلا كما كان يكتب في الزمن المتقدّم، أو «عرضت المكاتبة الواصلة من جهة المجلس أو الجناب الفلانيّ على المسامع الشريفة» أو «وردت مكاتبته» أو «وصلت مكاتبته»
ونحو ذلك، ويؤتى على ما تضمّنته المكاتبة وما اقتضاه الجواب عنه ثم يؤتى في الاختتام بنظير ما يؤتى به في المكاتبة المبتدأة.(6/331)
تنبيه اعلم أن الأجوبة قد تفتتح بما تفتتح به الابتداءات من الأساليب المتقدّمة، ثم يؤتى بالأجوبة في أثنائها مثل أن يقال: «وقد وصل كتاب المجلس أو الجناب» أو «وردت مكاتبته» أو «عرضت مكاتبته على أمير المؤمنين، أو على المسامع الشريفة» وما أشبه ذلك. وقد يجعل الجواب ابتداء، فيفتتح الكتاب بنحو: «عرضت مكاتبتك على أمير المؤمنين» مثلا كما كان يكتب في الزمن المتقدّم، أو «عرضت المكاتبة الواصلة من جهة المجلس أو الجناب الفلانيّ على المسامع الشريفة» أو «وردت مكاتبته» أو «وصلت مكاتبته»
ونحو ذلك، ويؤتى على ما تضمّنته المكاتبة وما اقتضاه الجواب عنه ثم يؤتى في الاختتام بنظير ما يؤتى به في المكاتبة المبتدأة.
الطرف الثاني (في ذكر لواحق المكاتبات ولوازمها، وفيه ستّ جمل)
الجملة الأولى (في التّرجمة عن المكتوب عنه)
أما الترجمة عن السلطان، فقد ذكر ابن شيث أنّ مصطلح الدولة الأيوبيّة أن يكتب لأرباب خدمته العلامة فإنها أليق به معهم. فإن أراد تمييز أحد منهم، كتب له بخطه شيئا مكان العلامة. وأنّ ترجمته للفقهاء والقضاة وذوي التنسّك «أخوه» و «ولده». وذكر أن الأحسن أن يقال في «ولده» «محل ولده» لقوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبََائِهِمْ} (1) أما «أخوه» فلا حرج عليه فيه: لقوله تعالى:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [2] وقوله: {فَإِخْوََانُكُمْ فِي الدِّينِ} [3] * وذكر أنه يترجم لهؤلاء من وليّ الأمر أيضا: «المعترف ببركته» و «المتبرّك بدعائه» و «المرتهن بمودّته». وذكر أنّ الفقهاء والقضاة وذوي التنسّك يترجمون عن أنفسهم ب «الخادم» ودون ذلك «خادمه».
قال: وربما ترفّعوا عن الترجمة بهذه اللفظة مطلقا فقالوا: «الخادم بالدّعاء الصالح» أو «الخادم بدعائه». قال: وأهل الورع خاصة يترجمون ب «الفقير إلى رحمة الله». وربما راعوا المترجم له مثل أن يكون وليّ الأمر، فيقول: «العبد الفقير إلى رحمة الله» ويعني أنه عبد الله، ويحصل بذلك المقصود من الأدب مع السلطان. ومنهم من يكتب: «الدّاعي لدولته»
__________
(1) سورة الأحزاب 33، الآية 5.
(2) سورة الحجرات 49، الآية 10.
(3) سورة الأحزاب 33، الآية 5.(6/332)
و «المبتهل بدعائه الصالح لأيّامه» و «المواظب على خدمته بالدعاء» وأمثال ذلك. قال: وأكثر الناس يرى الترجمة لولده، فإن ترجم له لم يسمّ اسمه لأنه ليس له والدان، ولا أقل من أن يكون بينه وبين من يكتب بوالده غير الأب هذا الفرق فأما أن يقول: «والده فلان بن فلان» بحيث يذكر اسم أبيه فقبيح. ثم قد كانوا في الزمن الأوّل يكتفون بذكر اسم المكتوب عنه في صدر الكتاب وعنوانه، نحو: «من فلان إلى فلان» ثم أحدث الكتّاب في أيام بني بويه وما بعدها تراجم رتّبوها، بعضها أرفع من بعض.
وقد ذكر في «ذخيرة الكتّاب» لذلك مراتب في الصّدور والعنوان بعضها أعلى من بعض، فجعل أعلاها بالنسبة إلى المكتوب عنه أن يكتب اسمه، ودونه «صديقه» ودونه «محبّه» ودونه «شاكره» ودونه «المعتدّ به» ودونه «أخوه» ودونه «وليّه» ودونه «عبده» ودونه «خادمه» ودونه «عبده وخادمه» ودونه «العبد» ودونه «العبد الخادم» ودونه «الصّنيعة (1)» ودونه «مملوكه» ودونه «المملوك» ودونه «المملوك الصّنيعة». وهو الأعلى بالنسبة إلى المكتوب إليه. ثم قال: ويتفرّع من هذه الأصول فروع كثيرة لا تحصر مما يختاره الكتّاب ويقترحونه ويبتكرونه، ويكاتبون به أصدقاءهم وأودّاءهم (2) حسب ما تقتضيه مودّاتهم وتوجبه مصافاتهم، كصفيّ مودّته، والمفتخر بمحبته، والمعتمد على أخوّته، وعبد مودّته، وخادم مجده، وشاكر أياديه، وحامد تفضّله، والمعتدّ بتطوّله وما يجري هذا المجرى مما هو أوسع من أن يجمع وأكثر من أن يحصر ولكنه أكثر ما يكون بين النّظراء والأقران.
ورتّب عبد الرحيم بن شيث في «معالم الكتابة» ترتيبا آخر، فذكر أن الترجمة إلى ديوان الخلافة من ذوي الولايات كلّهم «العبد» ومن الملوك كلّهم
__________
(1) الصنيعة: المصطنع، يقال: هو صنيعتي أي الذي اصطنعته لنفسي ورتّبته وخرّجته واختصصته بالصنع الجميل.
(2) الأودّاء: ج وديد، وهو المحبّ بمعنى فاعل.(6/333)
«الخادم» وأن الترجمة إلى الملوك من الأجناد كلّهم «المملوك» مع النسبة إلى أشهر ألقاب الملك، كالناصريّ للناصر، والعادليّ للعادل، وما جرى مجرى ذلك. ودون المملوك في الخضوع: «عبده، وخادمه» ودونه «العبد» مفردة.
ودونه «مملوكه» ودونه «العبد الخادم» لأن الثاني كأنه ناسخ للأوّل، ودونه «الخادم» ودونه «عبده» ودونه «خادمه» ودونه «عبده وأخوه» ودونه «أخوه» ودونه «شاكر تفضّله» ودونه «شاكر إحسانه» ودونه «شاكر مودّته» ودونه «وليّه وصفيّه» ودونه «محبّه ووادّه وشاكره». ودونه الاسم، ودونه العلامة.
ثم قال: أما «أصغر المماليك» وما يجري مجراها، فلا يليق من الأجانب. ورأيت في دستور صغير في المكاتبات يعزى للمقرّ الشهابيّ بن فضل الله، أنّ أكبر الآداب في اسم المكتوب عنه بالنسبة إلى المكتوب إليه «المملوك» ثم «المملوك الرّقّ» ثم «المملوك الأصغر» ثم «المملوك المحبّ» ثم «المملوك الدّاعي» ثم «مملوكه ومحبه» ثم «الخادم» ثم «خادمه» ثم «أخوه» ثم «محبّه» ثم «شاكره» ثم «الفقير إلى الله تعالى». ولا يخفى ما في بعض هذه التراجم من التخالف بين ما ذكره وما تقدّم ذكره عن «ذخيرة الكتّاب».
والذي استقرّ عليه الحال في زماننا في ترجمة العلامة بالقلم الشريف السلطاني «أخوه» ثم «والده» ثم الاسم وفي حق غيره «المملوك» ثم الاسم.
وربما كتب بعضهم «العبد» بدل الاسم تواضعا، على أنهم قد اختلفوا في جواز التّرجمة بالعبد والمملوك، فذهب بعضهم إلى منع ذلك، محتجّا بما روي أن النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يقولنّ أحدكم عبدي ولا أمتي (1)، كلّكم عبيد الله وكلّ نسائكم إماء الله ولكن غلامي وجاريتي». والذي عليه العمل جواز ذلك احتجاجا بقوله تعالى: {ضَرَبَ اللََّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لََا يَقْدِرُ عَلى ََ شَيْءٍ} [2]
والاستدلال به لا يخلو من نزاع، وقضاة القضاة يكتبون «الدّاعي».
__________
(1) الأمة، بالفتح: المملوكة، والجمع أموات وإماء.
(2) سورة النحل 16، الآية 75.(6/334)
الجملة الثانية (في العنوان، وفيه سبع لغات)
حكاها صاحب «ذخيرة الكتّاب». واقتصر في «صناعة الكتّاب» على ذكر بعضها: إحداها عنوان بضم العين وواو بعد النون. والثانية عنيان بضم العين وياء تحتية بعد النّون. والثالثة عنيان بكسر العين. والرابعة علوان بضم العين ولام بدل النون. والخامسة علوان بفتحها. والسادسة علوان بكسرها.
والسابعة عليان بالكسر مع إبدال الواوياء ويجمع عنوان على عناوين، وعلوان على علاوين. ويقال: عنونت الكتاب عنونة وعلونته علونة، وعنّنته بنونين الأولى منهما مشدّدة تعنينا، وعنّيته بنون مشدّدة بعدها ياء تعنية، وعنوته أعنوه عنوا بفتح العين وسكون النون، وعنوّا بضمّهما وتشديد الواو.
واختلف في اشتقاقه فمن قال عنوان، جعله مأخوذا من العنوان بمعنى الأثر لأن عنوان الكتاب [أثر بيان] (1) ممن هو وإلى من هو. قال النحاس:
وأكثر الكتّاب لا يعرف غير هذا واحتجّوا لذلك بقول الشاعر يذكر قتل أمير المؤمنين «عثمان بن عفّان» رضي الله عنه: (بسيط) ضحّوا بأشمط عنوان السّجود به ... يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا
وزعم بعضهم أن العنوان مأخوذ من قول العرب: عنت الأرض تعنو إذا أخرجت النبات، وأعناها المطر إذا أظهر نباتها. قال النحاس: فيكون عنوان على هذا فعلانا ينصرف في النّكرة ولا ينصرف في المعرفة. وقيل هو مأخوذ من عنّ يعنّ، إذا عرض وبدا. قال النحاس: فعلى هذا ينصرف في النّكرة والمعرفة لأنه فعلال.
ومن قال: علوان، أبدل من النون لاما، كما في صيدلانيّ وصيدنانيّ
__________
(1) الزيادة من ضوء الصبح للمؤلف ص 441. حاشية الطبعة الأميرية.(6/335)
فيكون الاشتقاق واحدا. وقيل علوان مشتقّ من العلانية لأنه خطّ ظاهر على الكتاب.
ومن قال: عنيان وعنيان، جعله من عنيت فلانا بكذا إذا قصدته. قال في «موادّ البيان»: والعنوان كالعلامة، وهو دالّ على مرتبة المكتوب إليه من المكتوب عنه. والأصل (1) فيه الإخبار عن اسمهما حتّى لا يكون الكتاب مجهولا، والمراد أنه يكتب فيه «من فلان إلى فلان» أو «لفلان من فلان» قال:
ولم يزالوا يكاتبون بأسمائهم إلى أن ولي عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، الخلافة ولقّب بأمير المؤمنين، فكتب: «من عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب». ثم وقع الاصطلاح على العنونة للرّؤساء والنّظراء والمرؤوسين والأتباع بالأسماء ثم تغيّر هذا الرسم أيضا.
وكان المأمون يكتب في أوّل عنوانات كتبه: بسم الله الرحمن الرحيم، فكانت تكتب قبل اسم المكتوب إليه والمكتوب عنه. وقد ذكر أبو جعفر النحاس أن ذلك بقي إلى زمانه، وكان بعد الثلاثمائة. قال في «موادّ البيان»: ثم بطل بعد ذلك. قال: والأصل فيه أن يبتدأ باسم المكتوب عنه ثم باسم المكتوب إليه وهو الترتيب الذي تشهد به العقول لأن نفوذ الكتاب من المكتوب عنه إلى المكتوب إليه كنشء الشيء وخروجه من ابتداء إلى نهاية. فابتداؤه من المكتوب عنه، وانتهاؤه إلى المكتوب إليه ولفظ «من» يتقدّم لفظ «إلى» بالطبع لأن حرف «من» ينبيء عن منشإ الشيء، و «إلى» حرف يخبر عن النهاية التي عندها قرار الشيء، والابتداآت في الأشياء قبل النّهايات.
قال: وعلى هذا كانت كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن سلف من الأمم الماضية ثم عرض للناس رأي في تغيير هذا الرّسم إلى غيره، ففرّقوا بين مراتب المكاتبين من الرؤساء والعظماء والخدم والأتباع بتقديم اسم المكتوب
__________
(1) عبارة ضوء الصبح والمعنى فيه وهو مراده بما هنا. حاشية الطبعة الأميرية.(6/336)
إليه إذا قصدوا إعظامه وإجلاله وتأخير اسم المكتوب عنه، ورأوا أنه الصواب الصحيح. على أن كتّاب زماننا يقتصرون في أكثر عنواناتهم على ذكر المكتوب إليه دون المكتوب عنه ولا يذكرون المكتوب عنه إلا في مكاتبات خاصّة قليلة.
قال في «صناعة الكتّاب»: ولا يتكنّى المكتوب عنه على نظيره، بل يتسمّى له ولمن فوقه، ثم يقول: المعروف بأبي فلان. وإن كانت كنيته أشهر من اسمه واسم أبيه، جاز أن يكتب كنيته (1) بغير ألف ويجريها مجرى الأسم. قال النحاس: وإن كان الكتاب إلى اثنين أحدهما أكبر من الآخر، فيقدّم الأكبر، وكذلك لو كان لى ثلاثة. قال أبو جعفر النحاس: وقد استحسن جماعة أن يصغّر اسم المكتوب عنه على عنوانات الكتب، ورأوا أن ذلك تواضع. وما ذكره هو المستعمل في المكاتبات الجاري عليه حكم الدواوين إلى زماننا. والأصل في ذلك ما ذكره النحاس أن الحجاج بن يوسف، كتب إلى عبد الملك بن مروان وهو خليفة، في طومار (2): «لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين» ثم كتب في طرّته بقلم ضئيل: من الحجّاج بن يوسف، فجرى الكتّاب على أسلوبه فيما بعد.
قال في «معالم الكتابة»: ولا يكثر النعوت ولا الدّعاء على العنوان للسلطان ولا للكبراء، أما من الأعلى (3) إلى الأدنى فحسن. وقد تقدم في مقدّمة الكتاب أن صاحب ديوان الإنشاء هو الذي يعنون الكتب السلطانية، وأنها كانت لا تعنون قبل كتابة السلطان عليها علامته. والذي استقرّ عليه الحال في كتب السلطان وما في معناها من المشتملة على الألقاب أن تكتب الألقاب في العنوان، ويدعى فيها بدعوة واحدة وهي المفتتح بها المكاتبة.
__________
(1) عبارة ضوء الصبح: «جاز أن يكتب كنيته ويجريها الخ»، وهي واضحة. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) الطومار، بضم الطاء وسكون الميم: الصحيفة والجمع طوامير.
(3) لأن ذلك يؤذن بتشريف المكتوب إليه كما تقدم. حاشية الطبعة الأميرية.(6/337)
الجملة الثالثة (في طيّ الكتاب وختمه)
أما طيّه فمعروف، وهو أن يلفّ بعضه على بعض لفّا خاصّا. والطّيّ في اللغة خلاف النّشر ويقال: طوى الكتاب يطويه طيّا، ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمََاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} (1). والترتيب في ذلك أن تكون الكتابة إلى داخل الكتاب لأن المقصود صون المكتوب فيه.
ثم للناس في صورة الطيّ طريقتان:
الطريقة الأولى أن يكون لفّه مدوّرا كأنبوبة الرّمح
، وهي طريقة كتّاب الشرق من قديم الزمان وإلى الآن.
والطريقة الثانية أن يكون طيّه مبسوطا في قدر عرض أربعة أصابع مطبوقة
، وعلى ذلك كان الحال جاريا في الدولة الأيّوبية بالديار المصريّة. فقد ذكر عبد الرحيم بن شيث (2) من كتّاب دولتهم، أنّ طيّ الكتب السلطانية يكون عرض أربعة أصابع، وكذلك من العلية إلى من دونهم، أما الكتاب من الأدنى إلى الأعلى فلا يتجاوز به عرض إصبعين، وهذا ظاهر في أنّ الطّيّ يكون عريضا لا مدوّرا، وهي طريقة أهل المغرب والرّوم والفرنج.
وأما ختمه، فالختم مصدر ختم، يقال: ختم الكتاب يختمه ختما، ومعناه الطّبع، ومنه قوله تعالى: {خَتَمَ اللََّهُ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ وَعَلى ََ سَمْعِهِمْ} (3) والمراد شدّ رأس الكتاب والطبع عليه بالخاتم، حتّى لا يطّلع أحد على ما في باطنه حتّى يفضّه المكتوب إليه، على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وهو أمر
__________
(1) سورة الأنبياء 21، الآية 104.
(2) تقدمت ترجمته في الصحيفة 4من هذا الجزء من صبح الأعشى، الحاشية رقم 1.
(3) سورة البقرة 2، الآية 7.(6/338)
مطلوب مرغّب فيه، فمن كلام عمر رضي الله عنه: «طينة خير من ظنّة» يعني أنّ ختم الكتاب بطينة خير من ظنّة تقع في الكتاب بالنظر فيه أو زيادة أو نقص، والظّنّة التّهمة. ومن كلام غيره: «اختم تسلم». ومن كلام غيره: «إن طيّنت وإلّا وقعت» يعني إن طيّنت الكتاب وإلا وقعت في المحذور. ويقال: إنّ في ختم الكتاب تعظيما للمكتوب إليه. قال بزرجمهر أحد ملوك الفرس: من لم يختم كتابا فقد استخفّ بصاحبه، وجهّل في رأيه. وقد قيل: إن أوّل من ختم الكتاب سليمان عليه السّلام وقد فسّر قوله تعالى حكاية عن بلقيس: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتََابٌ كَرِيمٌ} (1) بأنه مختوم. وعلى نهجه في ذلك جرت ملوك العجم. قال في «موادّ البيان»: ولم تزل كتب العرب منشورة حتى كتب عمرو (2) بن هند الصحيفة إلى المتلمّس (3)، فقرأها ولم يوصّلها، فختمت العرب الكتب من حينئذ. وقد ورد في الحديث «أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أراد أن يكتب إلى بعض العجم فقيل له: يا رسول الله، إنهم لا يقرأون كتابا غير مختوم، فأمر أن يتّخذ له خاتم حديد، فوضعه في إصبعه، فأتاه جبريل عليه السّلام فقال له: انبذه من
__________
(1) سورة النمل 27، الآية 29.
(2) هو عمرو بن المنذر اللخمي، ملك الحيرة في الجاهلية. عرف بنسبته إلى أمه هند بنت الحارث بن عمرو الكندي. لقّب بالمحرّق الثاني. ملك بعد أبيه المنذر واشتهر في وقائع كثيرة مع الروم والغسانيين. وهو قاتل طرفة بن العبد الشاعر، كان شديد البأس كثير الفتك، هابته العرب هيبة شديدة. ملك ثلاثا وخمسين سنة، وقيل خمسة عشر عاما. قتله عمرو بن كلثوم نحو 45ق هـ.
أنظر تاريخ ابن خلدون (ج 3ص 566)، ومجمع الأمثال للميداني (ج 1ص 401399) تحت المثل «صحيفة المتلمس» رقم 2113، والأعلام (ج 5ص 8786).
(3) هو جرير بن عبد المسيح، من بني ضبيعة، شاعر جاهلي من أهل البحرين. وهو خال طرفة بن العبد، كان ينادم عمرو بن هند ملك الحيرة، ثم هجاه، فأراد عمرو قتله ففرّ إلى الشام ولحق ملوكها آل جفنة. وفي الأمثال: أشأم من «صحيفة المتلمس» والصحيفة عبارة عن كتاب حمله المتلمس من عمرو بن هند الى عامله بالبحرين، وفيه الأمر بقتله، وكان المتلمس قد مرّ بنهر الحيرة على غلمان يلعبون، فأعطى كتابه بعض الغلمان فقرأه عليه فإذا فيه السوأة، فألقى كتابه في الماء وقال لطرفة: أطعني وألق كتابك، فأبى طرفة ومضى بكتابه، ومضى المتلمس حتى لحق بملوك بني جفنة بالشام. ومضى طرفة بكتابه إلى العامل فقتله. أنظر مجمع الأمثال للميداني (ج 1 ص 401399) تحت المثل «صحيفة المتلمّس» رقم 2113، والشعر والشعراء (ج 1 ص 116112) وطبقات ابن سلام ص 3938، وخزانة الأدب للبغدادي (ج 3ص 73)، ومعاهد التنصيص (ج 2ص 312) ومعجم الشعراء للمرزباني ص 71، والأعلام (ج 2ص 119).(6/339)
إصبعك، فنبذه وأمر أن يتّخذ له خاتم نحاس فوضعه في إصبعه فأتاه جبريل عليه السّلام فقال: انبذه من إصبعك فنبذه، ثم أمر أن يتّخذ له خاتم، فاتّخذ له خاتم من فضة فختم به، وكتب إلى من أراد أن يكتب من الأعاجم ونقش عليه «محمد رسول الله» ثلاثة أسطر وكان الخاتم في يد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، حتّى قبضه الله تعالى ثم تختّم به أبو بكر رضي الله عنه حتّى قبض ثم تختّم به عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتّى قتل ثم تختّم به عثمان رضي الله عنه، فبينما هو ذات يوم على بئر أريس من بئار المدينة، إذ عبث بالخاتم فسقط من يده، فنزح كلّ ما كان في البئر من الماء فلم يوجد فلما يئس منه أمر أن يصاغ له خاتم مثله وينقش عليه «محمد رسول الله» ففعل ذلك وتختّم به. هكذا أورده صاحب «ذخيرة الكتاب» وبعضه في الصحيح. وقيل: إن نقش الخاتم الذي اتخذه كان «آمنت بالّذي خلق فسوّى». وقيل: كان نقشه «لتصبرنّ أو لتندمنّ».
ثم كان لكلّ من الخلفاء بعد عثمان رضي الله عنه خاتم يختم به، عليه نقش مخصوص فكان نقش خاتم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه «الملك لله الواحد القهّار» ونقش خاتم ابنه الحسن «لا إله إلا الله الملك الحقّ المبين» ونقش خاتم معاوية بن أبي سفيان «لكلّ عمل ثواب» وقيل:
«لا قوّة إلّا بالله» ونقش خاتم يزيد بن معاوية «ربّنا الله» ونقش خاتم معاوية بن يزيد «الدّنيا غرور» (1) ونقش خاتم مروان ابن الحكم «الله ثقتي ورجائي» ونقش خاتم عبد الملك ابن مروان، «آمنت بالله مخلصا» ونقش خاتم الوليد بن عبد الملك «يا وليد، إنّك ميّت ومحاسب!» ونقش خاتم عمر بن عبد العزيز «عمر بن عبد العزيز يؤمن بالله» ونقش خاتم يزيد بن عبد الملك «قني (2)
__________
(1) الغرور، بفتح الغين وضم الراء وسكون الواو: الدنيا، وتوصف به فيقال: دنيا غرور، وفي الأصل غرور، بالضم.
(2) أمر وقى وهنا دعاء الى الله سبحانه أن يقيه السيئات.(6/340)
السّيّئات (1) يا عزيز» ونقش خاتم هشام بن عبد الملك «الحكم للحكم الحكيم» ونقش خاتم الوليد بن يزيد «يا وليد احذر الموت» ونقش خاتم يزيد بن الوليد «يا يزيد قم بالحق» ونقش خاتم إبراهيم بن الوليد «توكّلت على الحيّ القيّوم» ونقش خاتم مروان بن محمد «اذكر الله يا غافل».
وكان نقش خاتم السّفّاح، أوّل خلفاء بني العبّاس «الله ثقة عبد الله» ونقش خاتم المهديّ (2) «حسبي الله» ونقش خاتم الرّشيد «العظمة والقدرة لله». وقيل: «كن من الله على حذر» ونقش خاتم الأمين «محمد واثق بالله» ونقش خاتم المأمون «سل الله يعطيك» ونقش خاتم المعتصم «الله ثقة أبي إسحاق بن الرشيد وبه يؤمن» ونقش خاتم الواثق «الله ثقة الواثق» ونقش خاتم المتوكّل «على الحيّ اتّكالي» ونقش خاتم المنتصر «يؤتى الحذر من مأمنه» ونقش خاتم المستعين «في الاعتبار غناء عن الاختبار» ونقش خاتم المعتز «الحمد لله ربّ كلّ شيء وخالق كلّ شيء» ونقش خاتم المهتدي «من تعدّى الحقّ ضاقت مذاهبه» ونقش خاتم المعتمد «السّعيد من وعظ بغيره» ونقش خاتم المعتضد «الاضطرار يزيل الاختيار» ونقش خاتم المكتفي «بالله عليّ بن أحمد يثق» ونقش خاتم المقتدر بالله «الحمد لله الذي ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء» ونقش خاتم القاهر «محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ونقش خاتم المتّقي «المتّقي لله» كلقبه للخلافة، ونقش خاتم المستكفي «المستكفي بالله يثق» ولم أقف على نقش خاتم أحد من الخلفاء غير هؤلاء.
واعلم أنه كان للختم في أيام الخلفاء ديوان مفرد يعبّر عنه بديوان الخاتم.
وقد اختلف في أوّل من اتّخذ ديوان الخاتم فروى محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدواة» بسنده إلى ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: لم يكن أبو
__________
(1) قيل إن نقش خاتمه: «فني الشباب يا يزيد». أنظر الأعلام (ج 8ص 185).
(2) لم يذكر نقش خاتمي المنصور والهادي. حاشية الطبعة الأميرية.(6/341)
بكر ولا عمر يلبسون (1) خواتم ولا يطبعون كتابا، حتّى كتب زياد بن أبي سفيان إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنك تكتب إلينا بأشياء ليست لها طوابع فاتخذ عند ذلك عمر طابعا يطبع به، وخزم (2) الكتاب ولم يكن قبل يخزم.
ومقتضى ذلك أن يكون أوّل من اتخذ الختم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويكون لبسه خاتم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لغير الختم. وذكر الطبريّ في تاريخه: أن أوّل من اتخذ ذلك معاوية بن أبي سفيان في خلافته، وذلك أنه أمر لعمرو بن الزبير بمائة ألف من عند زياد، ففتح الكتاب وجعل المائة مائتين فلما رفع زياد حسابه أنكر ذلك معاوية، وطلب عمرا فحسبه حتّى قضاها عنه أخوه عبد الله بن الزّبير واتخذ معاوية حينئذ ديوان الختم، وخزم الكتاب ولم يكن قبل يخزم. قال القاضي وليّ الدين بن خلدون في تاريخه: «وديوان الختم عبارة عن الكتّاب القائمين على إنفاذ كتب السلطان. قال: وهذا الخاتم خاصّ بديوان الرسائل، وكان ذلك للوزير في أيام الدولة العباسية. ويشهد لذلك قول الرشيد ليحيى بن خالد لما أراد أن يستوزر جعفرا، ويستبدل به من الفضل أخيه: إني أحوّل الخاتم من يميني إلى شمالي، فكنى بالخاتم عن الوزارة، لانضمام ديوان الرسائل إلى الوزير إذ ذاك. ثم اختلف العرف بعد ذلك، فصار ليس إليه الرسائل في الدولة.
ثم للختم ثلاث صور:
الصورة الأولى أن يلصق رأس الكتاب بنوع من أنواع اللّصاق، كالكثيراء (3) المدافة (4) بالماء، والنّشا المطبوخ ونحو ذلك. وهذا هو المستعمل بالديار المصرية وبلاد المشرق من قديم الزمان وهلمّ جرّا إلى زماننا والمستعمل بالدواوين هو النّشادون غيره، لنصاعة بياضه وشدّة لصاقه. قال في «موادّ
__________
(1) استعمل صيغة الجمع للتعظيم أو أراد به ما فوق الواحد. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) تحدث المؤلف عن خزم الكتاب ص 343من هذا الجزء فانظره.
(3) الكثيراء: رطوبة تخرج من أصل شجرة تكون بجبال بيروت ولبنان.
(4) المدافة: المبلولة أو المخلوطة بماء يقال: داف الدواء يدوفه: خلطه وبلّه بماء ونحوه.(6/342)
البيان»: ويجب أن يكون اللّصاق خفيفا كالدّهن لئلا يتكرّس ويكثف في جانب الورق. وقد كانت عادتهم في بلاد المشرق أيام الخلفاء أن يختم بخاتم الخليفة، بأن يغمس في طين معدّ لذلك أحمر الصبغ، ويختم به على طرفي اللّصاق، ليقوم مقام علامة الخليفة. وكان هذا الطين يجلب إليهم من سيراف (1)
من بلاد فارس، وكأنّه مخصوص بها وعلى نهج الخلفاء جرى الملوك حينئذ.
والذي استقرّ عليه الحال الآن بالديار المصرية ونحوها من البلاد الشرقية الاقتصار على مجرّد اللّصاق اكتفاء بما فيه من الضبط وظهور فضّه إن فضّ.
وهذه المسألة مما سأله الشيخ جمال الدين بن نباتة كتّاب ديوان الإنشاء بدمشق مخاطبا به للشيخ جمال الدين محمود الحلبي فقال: ومن ختم الكتاب بالطين وربطه؟ ومن غيّر الطين إلى النّشا وضبطه؟. وقد سبق الكلام في النّشا وسائر أنواع اللّصاق في الكلام على آلات الدواة في المقالة الأولى.
الصورة الثانية أن يخزم الكتاب من وسطه بالأشفار حتّى تنفذ في بعض طيّات الكتاب ثم تخرج من وجه الورق أيضا، ويدخل فيه دسرة (2) من الورق كالسّير الصغير ويقطّ طرف الدسرة ثم يلصق على ذلك بشمع أحمر ثم يختم عليه بخاتم يظهر نقشه فيه، ويسمّى هذا النوع من الختم الخزم بالخاء والزاي المعجمتين أخذا من خزم البعير، وهو أن يثقب أنفه ويجعل فيه خيط أو نحوه
ولعل هذه الطريقة من الختم هي التي كان عليها الحال حين أحدث الختم في صدر الإسلام، ويدل على ذلك قول ابن عمر رضي الله عنه في رواية (3) الطبريّ
__________
(1) سيراف، بكسر أوله: مدينة جليلة على ساحل بحر فارس، كانت قديما فرضة الهند، وقيل: كانت قصبة كورة أردشير من أعمال فارس. بينها وبين البصرة سبعة أيام. معجم البلدان (ج 3ص 294 295).
(2) مراد المؤلف بالدسرة الدسار أي المسمار أو الخيط من الليف. حاشية الطبعة الأميرية.
(3) الذي تقدم عن الطبري أن أوّل من اتخذ الختم والخزم معاوية وأما رواية ابن عمر التي تفيد أن أوّل من اتخذ الختم والخزم عمر فقد رواها محمد بن عمر المدائني، ففي الكلام سهو واشتباه.
حاشية الطبعة الأميرية.(6/343)
المتقدّمة: وخزم الكتاب ولم يكن قبل يخزم. وعلى هذا الآن أهل المغرب والرّوم والفرنج ومن في معناهم.
الصورة الثالثة أن يلفّ على الكتاب بعد طيّه قصاصة من الورق كالسّير في عرض رأس الخنصر، وتلف على الكتاب ثم يلصق رأسها ويكون ذلك في الرّقاع الصغيرة المتردّدة بين الإخوان، وتسمّى القصاصة التي يلصق بها سحاءة بفتح السين وبالمدّ، وتقال بكسر السين أيضا، وربما قيل سحاية ويقال فيه:
سحوت الكتاب أسحوه سحوا، وسحّيته بالتشديد أسحّيه تسحية فهو مسحوّ ومسحيّ ومسحّى والأمر من سحوت الكتاب أسح، ومن سحّيته بالتشديد سحّ، وأصله من السّحو وهو القشر. يقال: سحوت اللحم عن العظم إذا قشرته.
الجملة الرابعة (في حمل الكتاب وتأديته)
وهو من جملة الأمانات الداخلة في عموم قوله تعالى: {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمََانََاتِ إِلى ََ أَهْلِهََا} (1). وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: من أعظم الأمانة أداء الكتاب إلى أهله. قال محمد بن عمر المدائني:
حمل الكتاب أمانة، وترك إيصاله خيانة. وقد روي أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من بلّغ كتاب غاز في سبيل الله إلى أهله أو كتاب أهله إليه، كان له بكلّ حرف عتق رقبة وأعطاه الله كتابه بيمينه وكتب له براءة من النار». وقد نطق القرآن الكريم بتأدية الهدهد كتاب سليمان عليه السّلام إلى بلقيس، حيث قال حكاية عن سليمان: {اذْهَبْ بِكِتََابِي هََذََا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} (2) إلى أن قال: {قََالَتْ يََا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتََابٌ كَرِيمٌ} (3).
__________
(1) سورة النساء 4، الآية 58.
(2) سورة النمل 27، الآية 28.
(3) سورة النمل 27، الآية 29.(6/344)
وقد وردت الأحاديث بأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كان يبعث كتبه مع رسله إلى الملوك، فبعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى أبرويز ملك الفرس وبعث دحية الكلبيّ إلى قيصر ملك الروم وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر وبعث عمرو بن أميّة الضّمريّ إلى الضّحّاك (1) ملك الحبشة وبعث شجاع بن وهب الأسديّ إلى الحارث بن أبي شمر الغسّاني وبعث سليط بن عمرو إلى هوذة بن عليّ صاحب اليمامة وبعث العلاء بن الحضرميّ إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين وبعث عمرو بن العاص إلى عبد (2) وجيفر ابني الجلندى ملكي عمان. قال ابن الجوزيّ: وبعث جرير بن عبد الله البجليّ إلى ذي الكلاع الحميريّ.
واعلم أنه يجب أن يكون حامل الكتاب المؤدّى له عن الملك ونحوه وافر العقل، شديد الشّكيمة في الجواب، طلق اللسان في المحاورة، فإنه لسان ملكه، وترجمان مرسله، وربما سأله المكتوب إليه عن شيء أو أورد عليه اعتراضا فيكون بصدد إجابته. وقد قيل: إنّه يستدلّ على عقل الرجل بكتابه ورسوله. ومن غريب ما يروى في ذلك ما ذكره ابن عبد الحكم، أن النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، لما بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب مصر، وبلّغه كتاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال له: ما منعه أن يدعو عليّ فيسلّط عليّ؟ قال له حاطب: ما منع عيسى أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل ويفعل؟ فوجم ساعة ثم استعادها، فأعادها عليه حاطب، فسكت. ويروى أنه حين سأله عن أمر النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، في حرب قومه، وذكر له أنّ الحرب تكون بينهم سجالا، تارة له وتارة عليه، قال له المقوقس: النّبيّ يغلب! فقال له حاطب: فالإله يصلب! يشير بذلك إلى ما تزعمه النصارى من أن المسيح عليه السّلام صلب مع دعواهم فيه أنه إله.
وذكر السّهيليّ أن دحية الكلبيّ حين دخل على قيصر بكتاب النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم،
__________
(1) في ضوء الصبح للمؤلف: «النجاشي». حاشية الطبعة الأميرية.
(2) في القاموس المحيط: «عبد الله». حاشية الطبعة الأميرية.(6/345)
قال له دحية: هل تعلم أكان المسيح يصلّي؟ قال نعم، قال: فإنّي أدعوك إلى من كان المسيح يصلّي له، وأدعوك إلى من دبّر خلق السموات والأرض والمسيح في بطن أمه. فألزمه من صلاة المسيح أنه عبد لله تعالى، وضمّن ذلك بيتا من أبيات له فقال: (متقارب) فقرّرته بصلاة المسيح ... وكانت من الجوهر الأحمر!
ويحكى أن بعض ملوك الرّوم كتب إلى خليفة زمانه يطلب منه من يناظر علماء النّصرانية عنده فإن قطعهم أسلموا فوجّه إليه بالقاضي أبي بكر بن الطيّب المالكيّ، وكان من أئمة علماء زمانه فلما حضر المجلس واجتمع لديه علماء النصارى، قال له بعضهم: إنّ معتقدكم أنّ الأنبياء عليهم السّلام معصومون في الفراش، وقد رميت عائشة بما رميت به. فإن كان ما رميت به حقّا، كان ناقضا لأصلكم الذي أصّلتموه في عصمة الأنبياء في الفراش، وإن كان غير حقّ كان مؤثّرا في إيمان من وقع منه. فقال القاضي أبو بكر: إمرأتان حصينتان رميتا بالفرية (1)، إحدهما لها زوج ولا ولد لها، والأخرى لها ولد ولا زوج لها يشير بالأولى إلى عائشة رضي الله عنها، وبالثانية إلى مريم عليها السّلام، فسجدوا له على عادة تحيّتهم في ذلك، إلى غير ذلك من الوقائع التي لا تحصى كثرة.
فإذا كان الرسول متمكّنا من عقله، عالما بما يأتي وما يذر، كفى ملكه مؤونة غيبته، وأجاب عن كل ما يسأل عنه وإذا كان بخلاف ذلك انعكست القضيّة، ورجع على مرسله بالوبال. ثم إن اقتضى رأي الملك زيادة في الرسالة على الرسول الواحد فعل ليتعاونا على ما فيه المصلحة، ويتشاورا فيما يفعلان، فقد ذكر السهيليّ أن جبرا مولى أبي ذرّ الغفاريّ كان رسولا مع حاطب ابن أبي بلتعة إلى المقوقس. وإن اقتضى الحال إرسال أكثر من اثنين أيضا فعل، فقد ذكر ابن الجوزيّ أن أبا بكر الصدّيق، رضي الله عنه، في خلافته
__________
(1) الفرية: الكذب والقذف، والجمع فرى.(6/346)
بعث إلى قيصر ثلاثة رسل، وهم: هشام بن العاص، ونعيم بن عبد الله، ورجل آخر.
ومما يجب التنبيه عليه أنه يحرم على حامل الكتاب النظر فيه، والاطّلاع على ما تضمّنه. قال محمد بن عمر المدائني: في فضّ الكتاب إثم وسوء أدب، وساق بسنده إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من اطّلع في كتاب أخيه بغير إذنه، أطلعه طلعة في النار».
الجملة الخامسة (في فضّ الكتاب وقراءته)
أما فضّه فالمراد فكّ ختمه وفتحه والفضّ في أصل اللغة الكسر والتفريق ومن الأوّل ما ثبت في الصحيح من قول القائلة لابن عمّها في قصّة الثلاثة الذين دعوا الله بأحبّ أعمالهم: «إتقّ الله ولا تفضّ الخاتم إلا بحقّه» تريد إزالة بكارتها. ومن الثاني {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لََا تُنْفِقُوا عَلى ََ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللََّهِ حَتََّى يَنْفَضُّوا} [1]. وقد تقدّم في الكلام على ترتيب المملكة في المقالة الثانية أن الرسول أو البريديّ الواصل إلى باب السلطان يقدّمه الدّوادار إلى السلطان، ثم يتناول الكتاب منه ويمسح به وجه من حضر على يده، ثم يدفعه إلى السلطان فيفضّ ختامه، ثم يتناوله الدّوادار من السلطان ويدفعه إلى كاتب السر، فيقرأه على السلطان.
واعلم أنّ لفضّ الكتاب حالتين:
الحالة الأولى أن يكون مختوما باللّصاق بالنّشا على طريقة المشارقة وأهل الديار المصرية
، فيشقّ ظاهره على القرب من محلّ اللّصاق بسكّين ثم يفتح.
__________
(1) سورة المنافقون 63، الآية 7.(6/347)
الحالة الثانية أن يكون مخزوما مسمّرا بدسرة (1) من الورق على عادة المغاربة
ومن جرى مجراهم، فيرفع الختم الملصق عليه من الشّمع، وتقلع الدّسرة ويفتح الكتاب.
وأما قراءة الكتب فإنه يجب أن يكون من يقرأ الكتب على الملوك ومن في معناهم ماهرا في القراءة، فصيح اللسان في النّطق، رقيق حاشية اللّسان في حسن الإيراد، قويّ الملكة في استخراج الخطوط المختلفة، سريع الفهم في حسن الإيراد، قويّ المملكة في استخراج الخطوط المختلفة، سريع الفهم في إدراك المعاني الخفيّة وأن تكون قراءته على رئيسه من سلطان أو غيره بحسب ما يؤثر ملكه أو أميره سماعه من السّرعة والبطء، وأن يكون ذلك بصوت غير خفيّ بحيث يعسر سماعه، ولا مرتفع بحيث يعدّ صاحبه خارجا عن أدب المخاطبة للأكابر، وأن يقرّب لمن يقرأ عليه فهم المقاصد التي اعتاصت عليه إذا سأله عنها، أو غلب على ظنه أنها لم تصل إلى فهمه، بحسن إيراد، وتلطيف عبارة يحسن موقعها في النفوس ويجمل وقعها في الأذهان.
الجملة السادسة (في كراهة طرح الكتاب بعد تخزيقة: وهو فضّه، وحفظه بعد ذلك في الإضبارة (2))
أما كراهة طرحه فقد قال محمد بن عمر المدائني في كتاب «القلم والدواة»: كرهوا تخزيق الرسائل ورميها في الطّرق والمزابل، خوفا على اسم الله تعالى أن يداس، أو تلحقه النجاسة والأدناس. قال: وفي رفع ما طرح من
__________
(1) المراد بالدسرة الدسار أي المسمار أو الخيط من الليف. أنظر الحاشية رقم 2من ص 343من هذا الجزء.
(2) الإضبارة عبارة عن ورقة تلفّ على جملة من الكتب قد جمعت في داخلها ويلصق طرفها بالنشا.
أنظر القاعدة في الإضبارة صحيفة 349من هذا الجزء.(6/348)
الكتاب أعظم الرغائب وأجلّ الثواب وساق بسنده إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من كتاب يلقى ببقعة من الأرض فيه اسم من أسماء الله إلّا بعث الله إليه سبعين ألف ملك يحفّونه بأجنحتهم ويقدّسونه، حتّى يبعث الله إليه وليّا من أوليائه فيرفعه من الأرض. ومن رفع كتابا من الأرض فيه اسم من أسماء الله تعالى، رفع الله اسمه في علّيّين وخفّف عن والديه العذاب وإن كانا مشركين». ويروى: «من رفع قرطاسا من الأرض فيه مكتوب «بسم الله الرحمن الرحيم» إجلالا له أن يداس، أدخله الله الجنة وشفّعه في عشرين من أهل بيته كلّهم قد وجب له النار».
وأما حفظه في الإضبارة فهو أمر مطلوب، والإضبارة عبارة عن ورقة تلفّ على جملة من الكتب قد جمعت في داخلها ويلصق طرفها بالنّشا. والقاعدة فيها أن تلوى الكسرة من أسفلها، وإن طال بعضها في طيّه وقصر بعض جعل التفاوت في الطّول والقصر من أعلاها. قال في «صناعة الكتّاب»: ومعناها الجمع لأنها يجمع بعضها إلى بعض. ومنه قيل: تضبّر القوم إذا تجمّعوا، ورجل مضبّر الخلق أي مجتمعه، وناقة مضبّرة ومضبورة، وضبر الفرس إذا جمع قوائمه ووثب. ويقال للإضبارة أيضا إضامة (1) بكسر الهمزة وتشديد الميم لضم بعضها إلى بعض، والمعنى فيها صيانة الكتب وحفظها عن الضّياع. وقد جرت عادة كتّاب ديوان الإنشاء بالديار المصرية أن يجعل لكل شهر إضبارة تجمع فيها الكتب الواردة على أبواب السلطان من أهل المملكة وغيرهم، ويكتب عليها «شهر كذا». وقد سبق القول في مقدّمة الكتاب أن الديوان كان له في زمن الفاطميين كاتب يكتب الكتب الواصلة ويبسط عليها جرائد، كما يكتب
__________
(1) الذي في أمهات اللغة بهذا المعنى في مادة ض م م «إضمامة» أي بكسر الهمزة وتخفيف الميمين بينهما ألف فتنبه. حاشية الطبعة الأميرية.(6/349)
الكتب الصادرة عن الأبواب السلطانية ويبسط عليها جرائد وأن ذلك بطل في زماننا وصار الأمر قاصرا فيها على حفظ الكتب في الإضبارات متى احتيج إلى الكشف عن كتاب منها، أخذ بالحدس أنه ورد في السنة الفلانية، وتكشف إضباراتها واحدة بعد واحدة حتّى يقع العثور عليه، ولا خفاء فيما في ذلك من المشقّة، بخلاف ما إذا كان لها جرائد مبسوطة، فإنه يسهل الكشف منها، ويستدلّ بتاريخه على إضبارته فتخرج ويقع الكشف منها، ولكن أهمل ذلك في جملة ما أهمل.(6/350)
الباب الثاني من المقالة الرابعة (في مصطلحات المكاتبات الدائرة بين كتّاب أهل الشرق والغرب والديار المصرية في كل زمن من صدر الإسلام وهلمّ جرّا إلى زماننا، وفيه ستة فصول)
الفصل الأوّل (في الكتب الصادرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفيه ثلاثة أطراف)
الطرف الأوّل (في ذكر ترتيب كتبه صلّى الله عليه وسلّم في الرسائل على سبيل الإجمال)
كان صلّى الله عليه وسلّم يفتتح أكثر كتبه بلفظ «من محمد رسول الله إلى فلان» وربما افتتحها بلفظ «أما بعد» وربما افتتحها بلفظ «هذا كتاب» وربما افتتحها بلفظ «سلم أنت».
وكان يصرّح في الغالب باسم المكتوب إليه في أوّل المكاتبات، وربما اكتفى بشهرته (1). فإن كان المكتوب إليه ملكا كتب بعد ذكره اسمه «عظيم القوم الفلانيين» وربما كتب «ملك القوم الفلانيين» وربما كتب «صاحب مملكة كذا».
وكان يعبّر عن نفسه صلّى الله عليه وسلّم في أثناء كتبه بلفظ الإفراد. مثل: «أنا» و «لي»
__________
(1) أي بما اشتهر به كالقيصر ونحوه. حاشية الطبعة الأميرية.(6/351)
و «جاءني» و «وفد عليّ» وما أشبه ذلك، وربما أتى بلفظ الجمع مثل «بلغنا» و «جاءنا» ونحو ذلك.
وكان يخاطب المكتوب إليه عند الإفراد بكاف الخطاب. مثل: «لك» و «عليك» وتاء المخاطب. مثل: «أنت قلت كذا وفعلت كذا». وعند التثنية بلفظها مثل: «أنتما» و «لكما» و «عليكما». وعند الجمع بلفظه. مثل: «أنتم» و «لكم» و «عليكم» وما أشبه ذلك.
وكان يأتي في صدور كتبه بالسلام. فيقول في خطاب المسلم «سلام عليك» وربما قال: «السّلام على من آمن بالله ورسوله» وفي خطاب الكافر:
«سلام على من اتّبع الهدى» وربما أسقط السّلام من صدر الكتاب.
وكان يأتي في صدور الكتب بالتحميد بعد السّلام. فيقول: «فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو» وربما تركه، وقد يأتي بعد التحميد بالتشهّد وقد لا يأتي به.
وكان يتخلّص من صدر الكتاب إلى المقصود تارة بأما بعد وتارة بغيرها.
وكان يختم كتبه بالسلام تارة، فيقول في خطاب المسلم: «والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته» وربما اقتصر على السلام. ويقول في خطاب الكافر: «والسّلام على من اتّبع الهدى» وربما أسقط السّلام من آخر كتبه.
أما عنونة كتبه، صلّى الله عليه وسلّم، فلم أقف فيها على نصّ صريح، والذي يظهر أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يعنون كتبه بلفظ: «من محمد رسول الله إلى فلان» على نحو ما في الصّدر، وتكون كتابته «من محمد رسول الله» عن يمين الكتاب، و «إلى فلان» عن يساره، وعليه يدلّ ما تقدّم من كلام صاحب «موادّ البيان» في الأصل الثاني عشر من أصول المكاتبات حيث ذكر في الكلام على العنوان أن الأصل أن يبتدأ باسم المكتوب عنه ويثنّى باسم المكتوب إليه، ثم قال: وعلى هذا كانت كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.(6/352)
الطرف الثاني (في كتبه صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل الإسلام، وهو على ثلاثة أساليب)
الأسلوب الأوّل (أن يفتتح الكتاب بلفظ «من محمد رسول الله إلى فلان»)
فمن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى خالد بن الوليد، في جواب كتابه إليه صلّى الله عليه وسلّم بإسلام بني الحارث وهو على ما ذكره ابن إسحاق في سيرته:
«من محمد رسول الله إلى خالد بن الوليد:
سلام عليك، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو. أما بعد فإنّ كتابك جاءني مع رسولك، يخبرني أنّ بني الحارث قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام، وشهدوا أن لا إله إلّا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن قد هداهم الله بهداه، فبشّرهم وأنذرهم، وأقبل وليقبل معك وفدهم، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته».
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين من جهة الفرس، في جواب كتابه إليه صلّى الله عليه وسلّم. ونسخته على ما ذكره السّهيليّ في «الروض الأنف»:
«من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى.
سلام عليك، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو، وأشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد فإنّي أذكّرك الله عزّ وجلّ، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطع رسلي ويتّبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإنّ رسلي قد أثنوا عليك خيرا، وإني قد شفّعتك في
قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذّنوب فاقبل لهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك، ومن أقام على مجوسيّته فعليه الجزية».(6/353)
سلام عليك، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو، وأشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا عبده ورسوله. أما بعد فإنّي أذكّرك الله عزّ وجلّ، فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطع رسلي ويتّبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإنّ رسلي قد أثنوا عليك خيرا، وإني قد شفّعتك في
قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذّنوب فاقبل لهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك، ومن أقام على مجوسيّته فعليه الجزية».
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى فروة بن عمرو الجذاميّ. ونسخته على ما ذكره ابن الجوزي في «كتاب الوفاء»:
«من محمد رسول الله إلى فروة بن عمرو.
أما بعد، فقد قدم علينا رسولك، وبلّغ ما أرسلت به، وخبّر عمّا قبلكم خيرا، وأتانا بإسلامك وأنّ الله هداك بهداه».
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى طهفة النّهدي وقومه. ونسخته فيما حكاه ابن الأثير في «المثل السائر»:
«من محمد رسول الله إلى بني نهد.
السّلام على من آمن بالله ورسوله. لكم يا بني نهد في الوظيفة الفريضة (1)، ولكم الفارض (2) والفريش (3)، وذو العنان الرّكوب والفلوّ الضّبيس (4)، لا يمنع سرحكم (5)، ولا يعضد طلحكم (6)، ولا يحس (7) درّكم ما لم تضمروا
__________
(1) الفريضة: ما فرض في السائمة من الصدقة، أي عليكم في كل نصاب من أنصبة الزكاة ما فرض فيه لا يزاد عليها ولا ينقص منها.
(2) الفارض: المسن من الإبل.
(3) الفريش: الناقة الحديثة النتاج كالنفساء من النساء.
(4) الفلوّ الضبيس: المهر العسر الذي لم يرض.
(5) السرح، بفتح فسكون: الماشية، والمراد أنها لا تصرف عن مرعى تريده.
(6) يعضد: يقطع. والطلح: شجر.
(7) في المثل السائر ص 162وفي مفتاح الأفكار ص 38: «ولا يمنع درّكم ولا يؤكل أكلكم ما لم تضمروا».(6/354)
الإماق (1)، وتأكلوا الرّباق (2). من أقرّ [بما في هذا الكتاب (3)] فله [من رسول الله (4)] الوفاء بالعهد والذّمّة، ومن أبي فعليه الرّبوة (5)».
وهذا الكتاب مما يحتاج إلى شرح غريبه ليفهم. «فالوظيفة» النّصاب في الزكاة وأصله الشيء الراتب. «والفريضة» الهرمة المسنّة، والمراد أنها لا تؤخذ منهم في الزكاة بل تكون لهم. «والفريش» بالفاء والشين المعجمة ما انبسط من النبات وفرش على وجه الأرض ولم يقم على ساق، وقد يطلق على الفرس إذا حمل عليها بعد النّتاج أيضا. «وذو العنان الرّكوب» الفرس الذّلول، «والفلوّ» المهر الصغير وقيل الفطيم من جميع أولاد الحافر. «والضّبيس» بالضاد المعجمة والباء الموحدة والسين المهملة العسر الصّعب الذي لم يرض. «والسّرح» السارحة، وهي المواشي، والمعنى أنها لا تمنع من المرعى. والعضد القطع.
والطلح شجر عظام من شجر العضاه. والدّرّ اللبن، والمراد ذوات الدّرّ من المواشي، أراد أنها لا تحشر إلى المصدّق وتمنع المرعى إلى أن تجتمع الماشية ثم تعدّ لما في ذلك من الإضرار. و «الإماق» مخفّف، من أمأق الرجل إذا صار ذا مأقة، وهي الحميّة والأنفة، وقيل مأخوذ من الموق وهو الحمق، والمراد إضمار النّكث والغدر أو إضمار الكفر. و «الرّباق» بالراء المهملة والباء الموحدة والقاف جمع ربقة، وهي في الأصل اسم لعروة تجعل في الحبل وتكون في
__________
(1) الإماق: مصدر أمأق الرجل إذا صار ذا حمية وأنفة والمراد هنا: ما لم تضمروا في أنفسكم الغدر بالعهود ونكث المواثيق، فأطلق السبب وأراد المسبب.
(2) الرباق، بكسر الراء: ج ربقة، وأصل الربقة عروة من حبل تجعل في عنق البهيمة أو في يدها تمسكها، وقد شبه ما يلزم الأعناق من العهد بالرباق، واستعار الأكل لنقض العهد، فإن البهيمة اذا أكلت وبقتها خلصت من الشدّ.
(3) الزيادة من المثل السائر، وهي غير موجودة في مفتاح الأفكار. انظر حاشية الطبعة الأميرية.
(4) الزيادة من المثل السائر، وهي غير موجودة في مفتاح الأفكار. انظر حاشية الطبعة الأميرية.
(5) أي من امتنع عن الزكاة، وتقاعد عن أدائها وجب عليه الزيادة، كعقوبة له.(6/355)
عنق البهيمة أو يدها تمسكها، والمراد هنا نقض العهد واستعار الأكل لذلك لأن البهيمة إذا أكلت الرّبقة خلصت من الشدّ. و «الرّبوة» بكسر الراء الزيادة، والمراد هنا الزيادة في الفريضة الواجبة عليه كالعقوبة له.
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى أكيدر دومة فيما ذكره أبو عبيدة، وهو:
«من محمد رسول الله لأكيدر دومة حين أجاب إلى الإسلام، وخلع الأنداد والأصنام، مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها: إنّ لنا الضاحية من الضّحل والبور والمعامي وأغفال الأرض والحلقة والسّلاح والحافر والحصن.
ولكم الضّامنة من النّخل. والمعين من المعمور، لا تعدل سارحتكم، ولا تعدّ فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقّها، عليكم بذلك عهد الله والميثاق».
وهذا الكتاب أيضا مما يحتاج إلى معرفة غريبه: فالأنداد جمع ندّ بكسر النون وهو ضدّ الشيء الذي يخالفه في أموره، وينادّه أي يخالفه، والمراد ما كانوا يتخذونه آلهة من دون الله تعالى. والأصنام جمع صنم: وهو ما اتّخذ إلها من دون الله، وقيل: ما كان له جسم أو صورة، فإن لم يكن له جسم ولا صورة فهو وثن. والأكناف بالنون جمع كنف بالتحريك وهو الجانب والناحية.
والضاحية بالضاد المعجمة والحاء المهملة الناحية البارزة التي لا حائل دونها، والمراد هنا أطراف الأرض والضّحل بفتح الضاد المعجمة وسكون الحاء المهملة القليل من الماء، وقيل الماء القريب من المكان، وبالتحريك مكان الضّحل. والبور الأرض التي لم تزرع، وهو بالفتح مصدر وصف به، وبالضم جمع بوار، وهو الأرض الخراب التي لم تزرع. والمعامي المجهولة من الأرض التي ليس فيها أثر عمارة، واحدها معمّى. وأغفال الأرض بالغين المعجمة والفاء الأرض التي ليس فيها أثر يعرف كأنها مغفول عنها. والحلقة بسكون اللام
السّلاح عامّا، وقيل الدّروع خاصّا، والسلاح ما أعدّ للحرب من آلة الحديد مما يقاتل به، والسّيف وحده يسمّى سلاحا. والضامنة من النخل بالضاد المعجمة والنون ما كان داخلا في العمارة من النخيل وتضمّنته أمصارهم وقراهم، وقيل سميت ضامنة لأن أربابها ضمنوا عمارتها وحفظها، فهي ذات ضمان كعيشة راضية بمعنى ذات رضا. والمعين من المعمور الماء الذي ينبع من العين في العامر من الأرض. وقوله: لا تعدل سارحتكم بالذال (1) المعجمة، أي لا تصرف ماشيتكم وتمال عن الرّعي ولا تمنع. وقوله: ولا تعدّ فاردتكم أي لا تضمّ إلى غيرها وتحشر إلى الصدقة حتّى تعدّ مع غيرها وتحسب. والفاردة الزائدة على الفريضة.(6/356)
والضاحية بالضاد المعجمة والحاء المهملة الناحية البارزة التي لا حائل دونها، والمراد هنا أطراف الأرض والضّحل بفتح الضاد المعجمة وسكون الحاء المهملة القليل من الماء، وقيل الماء القريب من المكان، وبالتحريك مكان الضّحل. والبور الأرض التي لم تزرع، وهو بالفتح مصدر وصف به، وبالضم جمع بوار، وهو الأرض الخراب التي لم تزرع. والمعامي المجهولة من الأرض التي ليس فيها أثر عمارة، واحدها معمّى. وأغفال الأرض بالغين المعجمة والفاء الأرض التي ليس فيها أثر يعرف كأنها مغفول عنها. والحلقة بسكون اللام
السّلاح عامّا، وقيل الدّروع خاصّا، والسلاح ما أعدّ للحرب من آلة الحديد مما يقاتل به، والسّيف وحده يسمّى سلاحا. والضامنة من النخل بالضاد المعجمة والنون ما كان داخلا في العمارة من النخيل وتضمّنته أمصارهم وقراهم، وقيل سميت ضامنة لأن أربابها ضمنوا عمارتها وحفظها، فهي ذات ضمان كعيشة راضية بمعنى ذات رضا. والمعين من المعمور الماء الذي ينبع من العين في العامر من الأرض. وقوله: لا تعدل سارحتكم بالذال (1) المعجمة، أي لا تصرف ماشيتكم وتمال عن الرّعي ولا تمنع. وقوله: ولا تعدّ فاردتكم أي لا تضمّ إلى غيرها وتحشر إلى الصدقة حتّى تعدّ مع غيرها وتحسب. والفاردة الزائدة على الفريضة.
وقوله: ولا يحظر عليكم النّبات بالظاء المعجمة، أي لا تمنعون من الزّرع والمرعى حيث شئتم، والحظر المنع.
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى وائل (2) بن حجر وأهل حضر موت، وهو:
«من محمد رسول الله إلى الأقيال (3) العباهلة (4) من أهل (5) حضر موت، بإقامة الصّلاة، وإيتاء الزكاة. على التّيعة (6) الشاة، والتّيمة (7) لصاحبها، وفي
__________
(1) صوابه بالدال المهملة كما يفيده المعنى وقد أورده صاحب اللسان في مادة (ع د ل) بالدال المهملة فانظره. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) هو من أقيال حضر موت وكان أبوه من ملوكهم. واستعمله النبي صلّى الله عليه وسلّم على أقيال من حضر موت، وأعطاه كتابا للأقيال والعباهلة، وأقطعه أرضا، توفي نحو 50هـ. أنظر جمهرة انساب العرب ص 460، وقلائد الجمان للقلقشندي ص 38، والأعلام (ج 8ص 106).
(3) الأقيال: ج قيل، وهو الملك.
(4) العباهلة: الملوك المقرّون على ملكهم فلم يزالوا عنه.
(5) في قلائد الجمان للقلقشندي ص 38: «من أرض حضر موت».
(6) التيعة: اسم لأدنى ما يجب فيه الزكاة من الحيوان كالخمس من الابل والأربعين من الغنم. لسان العرب مادة (تيع).
(7) التيمة: الشاة الزائدة على الأربعين حتى تبلغ الفريضة الأخرى.(6/357)
السّيوب (1) الخمس، لا خلاط (2) ولا وراط (3) ولا شناق (4) ولا شغار (5)، ومن أجبى (6) فقد أربى وكلّ مسكر حرام» (7).
وذكر القاضي عياض في «الشّفاء» أن كتابه لهم: «إلى الأقيال العباهلة، والأرواع المشابيب. وفي التّيعة شاة، لا مقورّة الألياط، ولا ضناك، وأنطوا الثّبجة، وفي السّيوب الخمس، ومن زنى مم بكر فاصقعوه مائة واستوفضوه عاما، ومن زنى مم ثيّب فضرّجوه بالأضاميم، ولا توصيم في الدّين، ولا غمّة في فرائض الله تعالى، وكل مسكر حرام، ووائل بن حجر يترفّل على الأقيال» (8).
وهذا الكتاب في معنى ما تقدّم من الاحتياج إلى شرح غريبه. الأقيال بالقاف والياء المثناة تحت جمع قيل: وهو الملك. والعباهلة الذين أقرّوا على ملكهم لا يزالون عنه وحضر موت بلدة في اليمن في أقصاها، وقيل هي أحد مخالفيها.
والتّيعة بالمثناة من فوق ثم المثناة من تحت والعين المهملة اسم لأدنى ما تجب فيه الزكاة من الحيوان، كالخمس من الإبل والأربعين من الغنم. قال ابن الأثير:
وكأنها الجملة التي للسّعاة عليها سبيل من تاع يتيع إذا ذهب إليه. والتّيمة بالكسر الشاة الزائدة على الأربعين حتّى تبلغ الفريضة الأخرى، وقيل هي الشاة التي تكون لصاحبها في منزله يحلبها وليست بسائمة، وهي بمعنى الدّاجن. والسّيوب الرّكاز أخذا من السّيب وهو العطاء، قاله أبو عبيدة وقيل هي عروق الذهب والفضّة التي تسيب في المعدن بمعنى تتلوّن وتظهر. وقال الزمخشريّ: هي
__________
(1) السيوب: ج سيب وهو المال المدفون.
(2) الخلاط: المخالطة، أي أن يخلط إبله بإبل غيره ليمنع حقّ الله فيها.
(3) الوراط: هو أن يقول أحدهم: عند فلان صدقة، وليست عنده.
(4) الشناق: خلط الرجل إبله أو غنمه بإبل غيره وغنمه ليبطل الصدقة.
(5) الشغار: نكاح كان في الجاهلية، كانوا يتبادلون فيه أختا بأخت أو بنتا ببنت دون مهر.
(6) أجبى: باع الزرع قبل أن يبدو صلاحه.
(7) سبق وتقدم هذا القول في صحيفة 285من هذا الجزء.
(8) أنظر شرح قول عياض ص 359من هذا الجزء.(6/358)
جمع سيب، يريد به المال المدفون في الجاهلية أو المعدن لأنه من فضل الله تعالى لمن أصابه. والخلاط بالكسر مصدر خالط، يقال: خالطه يخالطه خلاطا ومخالطة، والمراد أن يخلط الرجل إبله بإبل غيره أو بقره أو غنمه ليمنع حقّ الله تعالى منها، ويبخس المصدّق فيما يجب له. والوراط بالكسر أيضا أن تجعل الغنم في وهدة من الأرض لتخفى على المصدّق، مأخوذ [من الورطة] وهي الهوّة من الأرض. والشّناق بكسر الشين المشاركة في الشّنق بفتح النون، وهو ما بين الفريضتين من كلّ ما تجب فيه الزكاة، وهو ما زاد من الإبل على الخمس إلى التّسع، وما زاد على العشر إلى أربع عشرة، والمراد أن لا تؤخذ الزيادة على الفريضة. قال ابن الأثير: ويجوز أن يكون معناه المشاركة في الشّنق والشّنقين، وهو بمعنى الخلاط المتقدّم ذكره، لكن حمله على الأوّل أولى، لتعدّد المعنى. والشّغار بكسر الشين وبالغين المعجمة نكاح معروف في الجاهلية، وهو أن يزوّج الرجل ابنته أو أخته على أن يزوّجه بنته أو أخته، ويكون بضع كلّ منهما صداقا للأخرى. والأرواع جمع رائع: وهم الحسان الوجوه من الناس.
وقيل: الذين يروعون الناس أي يفزعونهم بشدّة الهيبة. قال ابن الأثير: والأوّل أوجه. وقوله: ومن أجبى هو بالجيم والباء الموحدة: وهو بيع الزّرع قبل بدوّ صلاحه. وقيل هو أن يغيّب إبله عن المصدّق أخذا من أجبأته إذا واريته. وقيل هو أن يبيع من الرجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل معلوم ثم يشتريها منه بالنقد بأقلّ من الثمن الذي باعها به ومعنى أربى وقع في الربا. والمشابيب السادة الرؤوس الزّهر الألوان الحسان المناظر واحدها مشبوب. والمقورّة الألياط المسترخية الجلود لهزالها والاقورار الاسترخاء في الجلود. والألياط جمع ليط:
وهو قشر العود، شبّه به الجلد لالتزاقه باللحم. والضّناك بالكسر الكثير اللحم، ويقال الذكر والأنثى فيه سواء، والمراد أنه لا تؤخذ المفرطة في السّمن كما لا تؤخذ الهزيلة. وقوله: وأنطوا هو بلغة أهل اليمن بمعنى أعطوا، خاطبهم صلّى الله عليه وسلّم بلغتهم. والثّبجة بثاء مثلثة بعدها باء موحدة ثم جيم هي الوسط من المال التي ليست من خياره ولا رذالته، أخذا من ثبجة الناقة وهو ما بين الكاهل إلى الظهر.
وقوله مم بكر جرى فيه على لغة أهل اليمن حيث يبدلون لام التعريف ميما. قال ابن الأثير: وعلى هذا فتكون راء بكر مكسورة من غير تنوين لأن أصله من البكر، فلما أبدلت الألف واللام ميما بقيت الحركة بحالها، ويكون قد استعمل البكر موضع الأبكار. قال: والأشبه أن تكون بكر منوّنة، وقد أبدلت نون من ميما لأن النون الساكنة إذا كان بعدها باء قلبت في اللفظ ميما نحو عنبر ومنبر، ويكون التقدير ومن زنى من بكر. وقوله فاصقعوه هو بالصاد المهملة والقاف أي اضربوه، وأصل الصّقع الضرب على الرأس، وقيل الضرب ببطن الكف.(6/359)
وهو قشر العود، شبّه به الجلد لالتزاقه باللحم. والضّناك بالكسر الكثير اللحم، ويقال الذكر والأنثى فيه سواء، والمراد أنه لا تؤخذ المفرطة في السّمن كما لا تؤخذ الهزيلة. وقوله: وأنطوا هو بلغة أهل اليمن بمعنى أعطوا، خاطبهم صلّى الله عليه وسلّم بلغتهم. والثّبجة بثاء مثلثة بعدها باء موحدة ثم جيم هي الوسط من المال التي ليست من خياره ولا رذالته، أخذا من ثبجة الناقة وهو ما بين الكاهل إلى الظهر.
وقوله مم بكر جرى فيه على لغة أهل اليمن حيث يبدلون لام التعريف ميما. قال ابن الأثير: وعلى هذا فتكون راء بكر مكسورة من غير تنوين لأن أصله من البكر، فلما أبدلت الألف واللام ميما بقيت الحركة بحالها، ويكون قد استعمل البكر موضع الأبكار. قال: والأشبه أن تكون بكر منوّنة، وقد أبدلت نون من ميما لأن النون الساكنة إذا كان بعدها باء قلبت في اللفظ ميما نحو عنبر ومنبر، ويكون التقدير ومن زنى من بكر. وقوله فاصقعوه هو بالصاد المهملة والقاف أي اضربوه، وأصل الصّقع الضرب على الرأس، وقيل الضرب ببطن الكف.
وقوله: واستوفضوه هو بالفاء والضاد المعجمة أي انفوه، أخذا من قولهم:
استوفضت الإبل إذا تفرّقت [في رعيها] وقوله: فضرّجوه بالضاد المعجمة والجيم أي أدموه بالضرب، ويطلق الضّرج على الشّق أيضا. والأضاميم بالضاد المعجمة الحجارة واحدها إضمامة، والمراد ارجموه بالحجارة. والتوصيم بالصاد المهملة الفترة والتّواني، أي لا تفتروا في إقامة الحدود ولا تتوانوا فيها.
وقوله: ولا غمّة في فرائض الله أصل الغمّة السّتر، أي لا تستر فرائض الله ولا تخفى، بل تظهر ويجهر بها وتعلن. وقوله: يترفّل أي يسود ويترأس، استعارة من ترفيل الثوب وهو إسباغه وإرساله والأقيال الملوك وقد تقدّم الكلام عليه.
الأسلوب الثاني (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «هذا كتاب» ويذكر المقصد فيما بعد، وهو قليل الوقوع في المكاتبات)
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم لقبيلة همدان من اليمن، فيما ذكره ابن هشام وهو:
«هذا كتاب من محمد رسول الله لمخلاف خارف وأهل جناب الهضب وحقاف الرّمل، مع وافدها ذي المشعار، (1) لمالك (2) بن نمط ولمن أسلم من قومه، على أنّ
__________
(1) كذا في الامهات اللغوية أيضا وفي شرح الزرقاني على المواهب (ج 4ص 39) أنه ذو المشغار بالمعجمتين أو المهملتين. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) في المواهب مالك بدون لام الجر وأعربه الشارح بدلا مما قبله. حاشية الطبعة الأميرية.(6/360)
لهم فراعها ووهاطها [وعزازها] ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، يأكلون علافها، ويرعون عافيها، لكم بذلك عهد الله وذمام رسوله، وشاهدكم المهاجرون والأنصار» (1).
وذكر القاضي عياض في «الشفاء» أن في كتابه إليهم: «إنّ لكم فراعها ووهاطها وعزازها، تأكلون علافها وترعون عفاءها، (2) لنا من دفئهم وصرامهم ما سلّموا بالميثاق والأمانة، ولهم من الصّدقة الثّلب والناب والفصيل والفارض والداجن والكبش الحوريّ، وعليهم فيها الصّالغ والقارح».
وهذا من نسبة ما تقدّم مما يحتاج إلى شرح غريبه: فالفراع بالكسر (3) جمع فرعة، وهو ما ارتفع من الأرض. والوهاط جمع وهطة، وهي ما اطمأنّ من الأرض. والعلاف بالكسر جمع علف كجبل وجبال، والمراد ما تعتلفه الدوابّ من نبات الأرض. والعزاز ما صلب من الأرض واشتدّ وخشن، ويكون ذلك في أطرافها. والعفاء العافي وهو ما ليس لأحد فيه ملك، من قولهم: عفا الأثر إذا درس. والدفء نتاج الإبل وما ينتفع به منها، سمّي دفئا لأنه يتخذ من أوبارها ما يستدفأ به، والمراد هنا الإبل والغنم. والصّرام النخل، وأصله قطع الثمرة.
والثّلب من ذكور الإبل الذي هرم وتكسّرت أسنانه. والناب المسنّة من إناثها.
والفصيل من أولاد الإبل الذي فصل عن أمه من الرّضاع. والفارض المسنّ من الإبل، والمراد أنه لا يؤخذ منهم في الزكاة. والداجن الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم والكبش الحوريّ منسوب إلى الحور، وهي جلود تتّخذ من جلود الضأن، وقيل: هو ما دبغ من الجلود بغير القرظ (4). والصالغ بالصاد المهملة
__________
(1) أنظر تفسير قول الرسول في هذه الصفحة.
(2) ضبطه صاحب اللسان بالقصر وضبطه الزرقاني وملا علي قاري بالمد. حاشية الطبعة الأميرية.
(3) في الأصول: «بالفتح» وهو سبق قلم الناسخ. حاشية الطبعة الأميرية.
(4) القرظ، بالفتح، حبّ السلم أو ورقة أو ثمر السنط، ويعتصر منه الأقاقيا، وهي مما يتداوى به عند الأطباء.(6/361)
والغين المعجمة، وهو من البقر والغنم الذي كمل وانتهى، ويكون ذلك في السنة السادسة، ويقال: بالسين بدل الصاد. والقارح الفرس الذي دخل في السنة الخامسة.
الأسلوب الثالث (أن تفتتح المكاتبة بلفظ «سلّم أنت»)
فمن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى المنذر بن ساوى. وهو فيما ذكره أبو عبيد في «كتاب الأموال»: «سلّم أنت، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.
أمّا بعد، فإنّ من صلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم له ذمّة الله وذمّة الرسول فمن أحبّ ذلك من المجوس فإنّه آمن، ومن أبي فإنّ عليه الجزية».
الطرف الثالث (في كتبه صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل الكفر للدّعاية إلى الإسلام، وهو على ثلاثة أساليب)
الأسلوب الأوّل (أن يفتتح الكتاب بلفظ «من محمد رسول الله إلى فلان» كما في الأسلوب الأوّل من كتبه إلى أهل الإسلام)
فمن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل: وهو قيصر، وقيل نائبه بالشام.
وهو على ما ثبت في الصحيحين: «من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى.
أما بعد، فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، فإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين، ويأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتّخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون.
وذكر أبو عبيد في «كتاب الأموال»: أنّ كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى هرقل كان فيه:(6/362)
أما بعد، فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، فإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين، ويأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتّخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون.
وذكر أبو عبيد في «كتاب الأموال»: أنّ كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى هرقل كان فيه:
«من محمد رسول الله إلى صاحب الروم إنّي أدعوك إلى الإسلام:
فإن أسلمت فلك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، وإن لم تدخل في الإسلام فأعط الجزية، فإنّ الله تعالى يقول: {قََاتِلُوا الَّذِينَ لََا يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَلََا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلََا يُحَرِّمُونَ مََا حَرَّمَ اللََّهُ وَرَسُولُهُ وَلََا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتََابَ حَتََّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صََاغِرُونَ} (1) وإلا فلا تحل بين الفلّاحين وبين الإسلام أن يدخلوا فيه أو يعطوا الجزية».
قال أبو عبيد: وأراد بالفلّاحين أهل مملكته لأن العجم عند العرب كلّهم فلّاحون لأنهم أهل زرع وحرث.
وفي مسند البزّار أنه صلّى الله عليه وسلّم، كتب إليه: «من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الرّوم».
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى كسرى أبرويز (2)، ملك الفرس فيما ذكره ابن الجوزيّ، وهو:
«من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس.
سلام على من اتّبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وأدعوك بدعاية الله عزّ
__________
(1) سورة التوبة 9، الآية 29.
(2) هو أبرويز بن هرمز بن كسرى أنو شروان بن قباذ، بن فيروز بن يزدجرد. جمهرة أنساب العرب ص 511.(6/363)
وجلّ فإنّي أنا رسول الله إلى الناس كافّة، لأنذر من كان حيّا ويحقّ القول على الكافرين، وأسلم تسلم فإن تولّيت فإنّ إثم المجوس عليك».
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى المقوقس صاحب مصر. وهو فيما ذكره ابن عبد الحكم:
«من محمد رسول الله إلى المقوقس (1) عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى.
أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، فأسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، فإن تولّيت فعليك إثم القبط. يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتّخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون».
وذكر الواقديّ أن كتابه إليه كان بخطّ أبي بكر الصّديق رضي الله عنه، وأن فيه:
من محمد رسول الله إلى صاحب مصر.
أما بعد، فإنّ الله أرسلني رسولا وأنزل عليّ قرآنا، وأمرني بالإعذار والإنذار ومقاتلة الكفّار حتّى يدينوا بديني ويدخل الناس في ملّتي، وقد دعوتك إلى الإقرار بوحدانيّته، فإن فعلت سعدت، وإن أبيت شقيت، والسّلام».
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى النّجاشيّ ملك الحبشة. وهو فيما ذكره ابن إسحاق:
«من محمد رسول الله إلى النجاشيّ ملك الحبشة، إني أحمد إليك الله الملك القدّوس السّلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم البتول.
__________
(1) هو المقوقس النصراني صاحب الاسكندرية كما في جمهرة أنساب العرب ص 1615.(6/364)
الطّيّبة الحصينة، حملته من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده. وإنّي أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، وأن تتّبعني وتؤمن بالّذي جاءني، فإنّي رسول الله، وإنّي أدعوك وجنودك إلى الله عزّ وجلّ، وقد بلّغت ونصحت، فاقبلوا نصحي. وقد بعثت إليكم ابن عمّي جعفرا ومعه نفر من المسلمين، والسّلام على من اتّبع الهدى».
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى هوذة (1) بن عليّ، صاحب اليمامة، وكان نصرانيّا.
وهو فيما ذكره السهيليّ.
«من محمد رسول الله إلى هوذة بن عليّ.
سلام على من اتّبع الهدى. واعلم أنّ ديني سيظهر إلى منتهى الخفّ والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك».
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى نصارى نجران. وهو فيما ذكره صاحب «الهدي المحمّديّ»:
بسم الله الرحمن الرحيم، إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
أما بعد، فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب الإسلام (2).
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى جيفر وعبد ابني الجلندى ملكي عمان.
وهو: «من محمد رسول الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي، سلام على من اتّبع الهدى.
__________
(1) هو بفتح الهاء كما في الصحاح، ونقل الدميري ضمّها، والواو ساكنة على كل حال. حاشية الطبعة الأميرية.
(2) كذا في الأصول وفي «مفتاح الأفكار» بحرب والسّلام. حاشية الطبعة الأميرية.(6/365)
أما بعد، فإنّي أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإنّي رسول الله إلى الناس كافّة لأنذر من كان حيّا ويحقّ القول على الكافرين، وإنّكما إن أقررتما بالإسلام ولّيتكما، وإن أبيتما أن تقرّا بالإسلام فإنّ ملككما زائل عنكما، وخيلي تحلّ بساحتكما، وتظهر نبوّتي في ملككما. وكتب أبيّ بن كعب».
وفي رواية ذكرها أبو عبيد في «كتاب الأموال» أنه كتب إليهما:
«من محمد رسول الله لعباد الله أسيد بن ملوك عمان، وأسيد عمان: من كان منهم بالبحرين، إنهم إن آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا حقّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ونسكوا نسك المسلمين، فإنّهم آمنون، وإنّ لهم ما أسلموا عليه، غير أنّ مال بيت النار ثنيا لله ورسوله، وإنّ عشور التّمر صدقة، ونصف عشور الحبّ، وإنّ للمسلمين نصرهم ونصحهم، وإنّ لهم على المسلمين مثل ذلك، وإنّ لهم أرحاء يطحنون بها».
قال أبو عبيد: وبعضهم يرويه لعباد الله الأسبيين اسما أعجميّا نسبهم إليه. قال: وإنما سمّوا بذلك لأنهم نسبوا إلى عبادة فرس، وهو بالفارسية أسب فنسبوا إليه، وهم قوم من الفرس وفي رواية من العرب.
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، إلى مسيلمة (1) الكذّاب في جواب كتابه إليه صلّى الله عليه وسلّم، أنه إن جعل له الأمر بعده آمن به.
__________
(1) هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي. ولد ونشأ باليمامة، وتلقب في الجاهلية بالرحمن. وفي الأمثال «أكذب من مسيلمة». توفي النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل القضاء على فتنته، ولمّا انتظم الأمر لأبي بكر، انتدب قائده خالد بن الوليد لمحاربته، فكان أن ظفر خالد به وقتله سنة 12هـ. انظر السيرة النبوية لابن هشام (ج 3ص 74)، وفتوح البلدان للبلاذري ص 10094والكامل في التاريخ لابن الأثير (ج 2ص 300298).(6/366)
وهو: «من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذّاب: السّلام على من اتّبع الهدى، أما بعد، فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين (1).
الأسلوب الثاني (أن يفتتح الكتاب بلفظ «أما بعد» وهو أقلّ وقوعا مما قبله)
فمن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل نجران، ودينهم النصرانية.
وهو فيما ذكره ابن الجوزيّ:
«بسم الله الرحمن الرحيم، إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
أما بعد، فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب الإسلام» (2).
الأسلوب الثالث (أن يفتتح الكتاب بلفظ «هذا كتاب»)
فمن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم، مع رفاعة بن زيد إلى قومه. وهو فيما ذكره ابن إسحاق:
«هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد، إني بعثته إلى قومه عامّة ومن دخل فيهم، يدعوهم إلى الله وإلى رسوله، فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله، ومن أدبر فله أمان شهرين».
قلت: وقد كتب صلّى الله عليه وسلّم، إلى جماعة غير من تقدّم، لم أقف على صورة ما
__________
(1) ورد كتاب الرسول لمسيلمة في الكامل في التاريخ لابن الأثير (ج 2ص 300) باختلاف يسير عما هنا.
(2) كذا في الأصول والمناسب لما تقدم له في اختتام الكتب ما في «مفتاح الأفكار» وهي «بحرب والسّلام» حاشية الطبعة الأميرية.(6/367)
كتب إليهم، كجبلة (1) بن الأيهم الغسّانيّ، وذي الكلاع الحميريّ وغيرهم، وستأتي كتبه صلّى الله عليه وسلّم في معنى الولايات والإقطاعات والهدن والأمانات في مواضعها إن شاء الله تعالى.
__________
(1) جبلة بن الأيهم من آل جفنة بن مزيقيا، وهو آخر ملوك الغساسنة بالشام. استفحل ملكه. ولما افتتح المسلمون الشام أسلم جبلة وهاجر إلى المدينة فأحسن عمر بن الخطاب نزوله وأكرم وفادته ثم عاد عن إسلامه بعد أن لطم رجلا من المسلمين من فزارة، واتصل بقيصر ولم يزل بالقسطنطينية حتى مات سنة عشرين من الهجرة. انظر ابن خلدون (ج 3ص 587585). وفتوح البلدان للبلاذري ص 142141، ومقامات الشريشي (ج 2ص 83) وخزانة البغدادي (ج 2ص 242) ونهاية الارب للنويري (ج 15ص 311) وفيه أن مدة آل جفنة في الشام ستماية وست عشرة سنة، تداول الملك منهم فيها سبعة وثلاثون ملكا.(6/368)
الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الرابعة (في الكتب الصادرة عن الخلفاء، وهي على قسمين)
القسم الأوّل (المكاتبات إلى أهل الإسلام، وفيه تسعة أطراف)
الطّرف الأوّل (في الكتب الصادرة عن الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم، وفيه جملتان)
الجملة الأولى (في المكاتبات الصادرة عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه)
وكانت تفتتح بلفظ: «من أبي بكر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى فلان» وباقي الكتاب من نسبة كتب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من التصدير بالسلام والتّحميد، والتّخلّص بأما بعد، والاختتام بالسلام وما يجري هذا المجرى، مع لزوم الخطاب بالكاف وتاء المخاطب للواحد، وبالتثنية للاثنين، والجمع للجماعة. وعنونتها «من أبي بكر خليفة رسول الله» في الجانب الأيمن ثم «إلى فلان الفلانيّ» في الجانب الأيسر على ما يقتضيه الترتيب المتقدّم.
وهذه نسخة كتابه رضي الله عنه إلى أهل الرّدة حين ارتدّوا عن الإسلام بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
وهو على ما ذكره صاحب «نهاية الأرب»:
«من أبي (1) بكر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى من بلغه كتابي هذا من عامّة وخاصّة، أقام على الإسلام (2) أو رجع عنه، سلام على من اتّبع الهدى، ولم يرجع بعد الهدى إلى الضّلالة والعمى فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله، وأقرّ (3) بما جاء به [وأكفّر من أبى وأجاهده (4)].(6/369)
وهو على ما ذكره صاحب «نهاية الأرب»:
«من أبي (1) بكر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى من بلغه كتابي هذا من عامّة وخاصّة، أقام على الإسلام (2) أو رجع عنه، سلام على من اتّبع الهدى، ولم يرجع بعد الهدى إلى الضّلالة والعمى فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله، وأقرّ (3) بما جاء به [وأكفّر من أبى وأجاهده (4)].
أما بعد، فإن الله أرسل محمدا بالحقّ من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، لينذر من كان حيّا ويحقّ القول على الكافرين، يهدي (5) الله للحقّ من أجاب إليه، وضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بإذنه من أدبر عنه حتّى صار إلى الإسلام طوعا وكرها، ثم توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد نفّذ لأمر الله، ونصح لأمّته، وقضى الذي عليه، وكان الله قد بيّن له ذلك ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزله (6)، فقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [7]
وقال: {وَمََا جَعَلْنََا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخََالِدُونَ} [8] وقال للمؤمنين: {وَمََا مُحَمَّدٌ إِلََّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مََاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى ََ أَعْقََابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى ََ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللََّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللََّهُ الشََّاكِرِينَ} [9] فمن كان يعبد محمدا فإنّ محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله وحده لا شريك له فإنّ الله بالمرصاد، حيّ قيّوم لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم،
__________
(1) في تاريخ ابن خلدون (ج 4ص 868): «هذا عهد من أبي بكر» وقد ورد كتاب أبي بكر في المصدر المذكور باختلاف يسير عما هنا.
(2) في تاريخ الطبري (ج 4ص 1881) حوادث سنة 11هـ: «على إسلامه».
(3) في المصدر نفسه: «نقرّ».
(4) الزيادة من تاريخ ابن خلدون وفي تاريخ الطبري: «ونكفّر من أبى ونجاهده».
(5) في تاريخ الطبري ص 1882: «فهدى الله بالحق».
(6) في المصدر السابق: «أنزل».
(7) سورة الزمر 39، الآية 30.
(8) سورة الأنبياء 21، الآية 34.
(9) سورة آل عمران 3، الآية 144.(6/370)
حافظ لأمره، منتقم من عدوّه بحزبه (1)، وإنّي أوصيكم بتقوى الله وحظّكم ونصيبكم من الله، وما جاء به نبيّكم، وأن تهتدوا بهديه (2)، وأن تعتصموا بدين الله، فإنّ من لم يهد الله ضلّ (3)، وكلّ من لم يعافه مبتلى، وكلّ من لم ينصره (4)
مخذول. فمن هداه الله كان مهديّا (5)، ومن أضلّه كان ضالّا: {مَنْ يَهْدِ اللََّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً} [6] ولم يقبل منه في الدنيا عمل حتّى يقرّ به، ولم يقبل له في الآخرة صرف ولا عدل.
وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقرّ بالإسلام وعمل به اغترارا بالله وجهالة بأمره، وإجابة للشّيطان، وقال الله جلّ ثناؤه: {وَإِذْ قُلْنََا لِلْمَلََائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلََّا إِبْلِيسَ كََانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيََاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظََّالِمِينَ بَدَلًا} (7). وقال جلّ ذكره: {إِنَّ الشَّيْطََانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمََا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحََابِ السَّعِيرِ} (8) وإنّي أنفذت (9) إليكم فلانا في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته أن لا يقاتل أحدا ولا يقتله حتّى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقرّ وكفّ وعمل صالحا، قبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أمرته (10) أن يقاتله على ذلك، ولا يبقى على أحد منهم قدر عليه (11)،
__________
(1) في تاريخ الطبري: «يجزيه».
(2) في تاريخ الطبري: «بهداه».
(3) في تاريخ الطبري: «ضالّ».
(4) في المصدر نفسه: «يعنه الله».
(5) في تاريخ الطبري: «مهتديا».
(6) سورة الكهف 18، الآية 17.
(7) سورة الكهف الآية 50.
(8) سورة فاطر 35، الآية 6.
(9) في تاريخ ابن خلدون (ج 4ص 868) وتاريخ الطبري: «بعثت» بدل «أنفذت».
(10) في تاريخ الطبري: «أمرت».
(11) في تاريخ ابن خلدون: «ثم لا يبقي على أحد منهم قدر عليه فمن اتّبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله»، وهكذا فإن نص ابن خلدون أوجز من نص القلقشندي.(6/371)
وأن يحرّقهم بالنّيران (1)، ويقتلهم كلّ قتلة، ويسبي النساء والذّراريّ، ولا يقبل من أحد إلا الإسلام فمن آمن فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله. وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كلّ مجمع لكم، والداعية (2) الأذان، فإن (3) أذّن المسلمون فأذّنوا كفّوا عنهم، وإن لم يؤذّنوا [عاجلوهم، وإن أذّنوا (4)] سلوهم ما عليهم، فإن أبوا عاجلوهم، وإن أقرّوا قبل منهم وحملهم على ما ينبغي لهم.
الجملة الثانية (في المكاتبات الصادرة عن بقيّة الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم)
وهي على أسلوبين:
الأسلوب الأوّل (أن يفتتح الكتاب بلفظ «من فلان إلى فلان»)
يقال إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لما صارت الخلافة إليه بعد أبي بكر، كان يكتب في كتبه: «من عمر بن الخطاب خليفة خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى فلان» فلما تلقّب بأمير المؤمنين على ما تقدّم في المقالة الثالثة، أثبت هذا اللّقب في كتبه، وزاد في ابتدائها لفظ «عبد الله» قبل اسمه، ليكون اسمه نعتا له، فكان يكتب: «من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى فلان» وباقي الكتاب على ما مرّ في كتب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والصدّيق بعده في التصدير والتعبير عن نفسه بلفظ الإفراد، مثل أنا ولي وعليّ، وعن المكتوب له بكاف الخطاب، مثل لك وعليك، وتاء المخاطب، مثل قلت وفعلت، وتبعه الخلفاء على ذلك. وعنونتها «من عبد الله فلان أمير المؤمنين»
__________
(1) في تاريخ الطبري: «بالنار».
(2) في تاريخ ابن خلدون: «والداعية للأذان».
(3) في المصدر السابق: «فإذا» بدل «فإن».
(4) الزيادة من رواية الطبري ورواية ابن خلدون: «وإن لم يؤذّنوا فاسألوهم بما عليهم».(6/372)
في الجانب الأيمن، ثم «إلى فلان الفلاني» في الجانب الأيسر كما تقدّم ترتيبه.
فمن ذلك ما كتب به أمير المؤمنين عمر، رضي الله عنه، إلى عمرو بن العاص وهو يومئذ أمير مصر، وهو:
«من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص، سلام عليك.
أمّا بعد، فقد بلغني أنّه فشت لك فاشية من خيل وإبل وبقر وعبيد، وعهدي بك قبل ذلك ولا مال لك، فاكتب إليّ من أين أصل هذا المال».
ومن ذلك ما كتب به معاوية بن أبي سفيان في خلافته إلى ابنه يزيد، وقد بلغه مقارفته اللذات، وانهماكه على الشّهوات، وهو:
«من معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين إلى يزيد بن معاوية.
أمّا بعد، فقد أدّت ألسنة التصريح إلى أذن العناية بك ما فجع الأمل فيك، وباعد الرّجاء منك إذ ملأت العيون بهجة، والقلوب هيبة وترامت إليك آمال الرّاغبين، وهمم المتنافسين وشحّت بك فتيان قريش وكهول أهلك، فما يسوغ لهم ذكرك إلا على الجرّة المهوّعة (1)، والكظّ الجشء (2). اقتحمت البوائق (3)، وانقدت للمعاير، واعتضتها من سموّ الفضل، ورفيع القدر فليتك يزيد إذ كنت لم تكن. سررت يافعا ناشئا، وأثكلت كهلا ضالعا، فواحزناه عليك يزيد! ويا حرّ صدر المثكل بك! ما أشمت فتيان بني هاشم! وأذلّ فتيان بني عبد
__________
(1) الجرّة: ما يفيض به البعير فيأكله ثانية، واللقمة يتعلّل بها البعير الى وقت علفه. والمهوّعة: من هوّعه، يقال: هوّعه ما أكل: قيّاه إيّاه وجاع الرجل يهوع: قاء من غير تكلّف.
(2) الكظّ هنا بمعنى الأكل يقال: كظّه الطعام: ملأه حتى لا يطيق النفس، والجشء: الكثير.
(3) البوائق: ج بائقة، وهي الداهية، وفي الحديث: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) أي ظلمه وشرّه وغائلته.(6/373)
شمس! عند تفاوض المفاخر ودراسة المناقب! فمن لصلاح ما أفسدت، ورتق (1) ما فتقت؟ هيهات خمشت الدّربة وجه التصبّر بك، وأبت الجناية إلا تحدّرا على الألسن، وحلاوة على المناطق! ما أربح فائدة نالوها، وفرصة انتهزوها! انتبه يزيد للّفظة، وشاور الفكرة، ولا تكن إلى سمعك أسرع من معناها إلى عقلك. واعلم أنّ الذي وطّأك وسوسة الشّيطان، وزخرفة السّلطان، مما حسن عندك قبحه، واحلولى عندك مرّه، أمر شركك فيه السّواد ونافسكه الأعبد، لا لأثرة تدّعيها أو حبتها لك الإمرة، وأضعت بها من قدرك، فأمكنت بها من نفسك، فكأنك شانيء (2) نفسك، فمن لهذا كله؟
اعلم يا يزيد، أنك طريد الموت وأسير الحياة، بلغنى أنك اتخذت المصانع والمجالس للملاهي والمزامير كما قال تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصََانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} (3) وأجهرت الفاحشة حتّى اتخذت سريرتها عندك جهرا.
اعلم يا يزيد، أن أوّل ما سلبكه السّكر معرفة مواطن الشّكر لله على نعمه المتظاهرة، وآلائه المتواترة، وهي الجرحة العظمى، والفجعة الكبرى، ترك الصّلوات المفروضات في أوقاتها، وهو من أعظم ما يحدث من آفاتها، ثم استحسان العيوب، وركوب الذّنوب، وإظهار العورة، وإباحة السّرّ. فلا تأمن نفسك على سرّك، ولا تعقد على فعلك. فما خير لذة تعقب الندم، وتعفّي الكرم؟ وقد توقّف أمير المؤمنين بين شطرين من أمرك، لما يتوقّعه من غلبة الآفة واستهلاك الشّهوة. فكن الحاكم على نفسك، واجعل المحكوم عليه ذهنك ترشد إن شاء الله تعالى. وليبلغ أمير المؤمنين ما يردّ شاردا من نومه، فقد أصبح
__________
(1) الرّتق هنا بمعنى الاصلاح يقال: رتق الشيء: سدّه ضدّ فتقه، ورتق الفتق: أصلحه.
(2) أي كأنك مبغض نفسك يقال: شنأه: أبغضه.
(3) سورة الشعراء 26، الآيتان 129128. والريع: المكان المرتفع. والآية هنا العلم يكون علما للمارّة، والمصانع: ج مصنع، وهو كالحوض يجمع فيه ماء المطر.(6/374)