مفصول، فيكتب نحو جاء فلان بن فلان، أو فلانة بنة فلان بغير ألف في ابن وابنة. ولا فرق في ذلك بين أن يكون العلمان اسمين، نحو هذا أحمد بن عمر أو كنيتين، نحو: هذا أبو بكر بن أبى عبد الله، أو لقبين، نحو: هذا نبت بن بطة، أو اسما وكنية، نحو: هذا زيد بن أبي قحافة، أو لقبا واسما، نحو: هذا أنف الناقة بن زيد، أو كنية ولقبا، نحو: هذا أبو الحارث بن نبت، أو لقبا وكنية، نحو:
هذا بدر الدين بن أبي بكر.
فهذه سبع صور تسقط فيها الألف من ابن ولا تسقط فيما عداها، فلو قلت هذا زيد ابنك، وابن أخيك، وابن عمك، ونحو ذلك، مما ليس صفة (1) بين علمين، أثبتّ فيه الألف، وكذلك إذا كان خبرا كقولك: أظنّ زيدا ابن عمرو، وكأنّ بكرا ابن خالد، وإن زيدا ابن عمرو، فتثبت الألف في الجميع. ومنه في القرآن الكريم: {وَقََالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللََّهِ وَقََالَتِ النَّصََارى ََ الْمَسِيحُ ابْنُ اللََّهِ} (2)
كتبتا في المصحف بالألف، فلو ثنيت الابن، ألحقت فيه الألف صفة كان أو خبرا، فتكتب: قال عبد الله، وزيد ابنا محمد كذا وكذا وأظنّ عبد الله وزيدا ابني محمد فعلا كذا بالألف. وكذلك إذا ذكرت ابنا بغير اسم، فتكتب: جاء ابن عبد الله بالألف أيضا وحكم ابنة مؤنثا في جميع ما ذكر حكم الابن، تقول: جاءت هند بنة قيس، فتحذف الألف، وشرط الأستاذ أبو الحسن بن عصفور أن يكون مذكّرا فلا تسقط من ابنة.
ونقل احمد بن يحيى عن أصحاب الكسائيّ: أنه متى كان منسوبا إلى اسم أبيه أو أمّه أو كنية أبيه وأمّه وكان نعتا، حذفوا الألف فلم يجزه في غير الاسم والكنية في الأب والأم. قال: وأما الكسائيّ فقال: إذا أضفت إلى اسم أبيه أو كنية أبيه، وكانت الكنية معروفا بها كما يعرف باسمه، جاز الحذف، لأن القياس عنده الإثبات
__________
(1) في الأصل «مما ليس له صيغة» وفي الضوء «مما ليس بين علمين» والسياق يقتضي ما أثبتناه.
(هامش الطبعة الأميرية 3/ 192).
(2) سورة التوبة / 30.(3/192)
والحذف استعمالا، فإذا عدى الاستعمال، يرجع إلى الأصل.
وحكى ابن جنّي (1) عن متأخري الكتّاب، أنهم لا يحذفون الألف مع الكنية، تقدّمت أو تأخرت قال: وهو مردود عند العلماء على قياس مذاهبهم.
والألف تحذف من الخط في كل موضع يحذف منه التنوين وهو حذف مع الكنى.
الرابع تحذف من كل معرّف بالألف واللام إذا دخلت عليه لام الابتداء،
نحو: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى ََ} (2) أو لام الجرّ، نحو للدّار ألف ساكن غيرك، وقياسها الإثبات كما أثبتوها في لابنك قائم، ولأبيك مال وسبب حذفها التباسها بلا النافية.
وذهب بعضهم: إلى أنها لا تحذف مع لام الابتداء فرقا بينها وبين الجارّة ولم يحذفوها من نحو: مررت بالرجل والله أعلم.
الحرف الثاني اللام، وتحذف في مواضع
(منها) تحذف من الذي للزومها، فكأنها ليست منفصلة، وكذلك تحذف من جمعه وهو الذين لأنه يشبه مفرده في لزوم البناء، ولفظ الواحد كأنه باق فيه، ولم يحذفوه من المثنّى كما في قوله تعالى: {رَبَّنََا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلََّانََا} (3) فكتبوه بلامين فرقا بينه وبين الجمع. وإنما اختصت التثنية بالإثبات، لأنها أسبق من الجمع، واللبس إنما حصل بالجمع.
(ومنها) تحذف من الّتي للزومها كما تقدّم، ومن تثنيتها وهي الّتان
__________
(1) هو أبو الفتح، عثمان بن جني الموصلي: من أئمة الأدب والنحو، وله شعر. ولد بالموصل وتوفي ببغداد سنة 392هـ. من مؤلفاته «الخصائص» في اللغة و «اللمع» في النحو، وغيرها.
(الأعلام 4/ 204).
(2) سورة الضحى / 4.
(3) سورة فصّلت / 29.(3/193)
وجمعها: وهي ألّاتي لأنهما لا يلتبسان بخلاف تثنية الذي وحروفه.
وقال أحمد بن يحيى: كتبوا اللاتي (الّتي) واللائي (الّئي) وأسقطوا لاما من أوّلها وألفا من آخرها. قال: وهذا للاستعمال لأنه يقل في الكلام مثله، ويدل عليه ما قبله وما بعده، ولو كتب على لفظه كان أولى.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيّان رحمه الله: والذي عهدناه من الكتّاب أنه لا تحذف الألف لئلا يلتبس بالمفرد.
(ومنها) تحذف من الليل والليلة على أجود الوجهين، فيكتبان بلام واحدة على هذه الصورة: «الّيل والّيلة»: لأنّ فيه اتباع المصحف، وأجاز بعضهم كتابته بلامين. قال أبو حيّان: وهو القياس.
(ومنها) تحذف من [اللّعب] (1) ونحوه، مما دخل عليه لام الجرّ فيكتب بلامين وإن كان في اللفظ ثلاث لامات.
(ومنها) قال أحمد بن يحيى: يكتب الّطيف بلام واحدة، لانه قد عرف فحذف، وهذا بخلاف اللهو واللّعب، واللّعبة، واللاعبين، واللّغو واللّؤلؤ، واللّات، واللهم، واللهب، واللّوامة، فإنها لا تحذف منها اللام.
قال ابن قتيبة: وكل اسم كان أوّله لاما ثم أدخلت عليه لام التعريف، كتبته بلامين، نحو: اللهم، واللبن، واللحم، واللجام، وما أشبه ذلك، وإن كانوا قد اختلفوا في الليل والليلة لموافقة المصحف كما تقدم.
الحرف الثالث النون، وتحذف في مواضع
(منها) تحذف من عن إذا وصلت بمن أو بما، فتكتب عمّن وعمّا وعمّ.
(ومنها) تحذف من من الجارّة إذا وصلت بمن أو ما، فتكتب ممّن وممّا.
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق.(3/194)
(ومنها) تحذف من إن إذا وصلت بلم، فتكتب إلّم.
(ومنها) تحذف من أن المفتوحة إذا وصلت بلا، فتكتب ألّا.
الحرف الرابع الواو، وتحذف في مواضع
(منها) تحذف لأمن اللبس، مثل ما كتبوا من قوله تعالى: {يَدْعُ الدََّاعِ} (1). {وَيَمْحُ اللََّهُ الْبََاطِلَ} (2) بغير واو في يدعو ويمحو، لأن ذكر الداع في الأوّل، وذكر الله تعالى في الثاني يمنع أن يكون الفاعل جماعة فلا يحصل اللبس، بخلاف قولك لا تضربوا الرجل، فإنه لو حذف لالتبس الجمع فيه بالواحد.
(ومنها) تحذف مما توالى فيه واوان في كلمة واحدة، مثل: داوود، وطاووس، ورؤوس، ويستوون، ويلوون، وأووا إلى الكهف، ويسوّوا، وتبوّووا، وجاؤوا، وباؤوا، وأساؤوا، ويؤوده، ويؤوس، وفادرؤوا، ومبرّؤون، فيكتب بواو واحدة.
وكتب بعضهم طاووس ونحوه بواوين على الأصل، والقياس الاقتصار على واو واحدة كراهة اجتماع المثلين.
واستثنى ابن عصفور من ذلك موضعا، وهو ألا يؤدّي إلى اللبس، نحو:
قؤول وصؤول على وزن فعول فإنه يلتبس بقول وصول، واختاره أحمد بن يحيى.
(ومنها) تحذف مما توالى فيه ثلاث واوات في كلمتين ككلمة، مثل:
ليسوؤوا، وينوؤون، فتكتب ليسوءوا، وينوءون، بواوين فقط، ويكتب لوّوا،
__________
(1) سورة القمر / 6.
(2) سورة الشورى / 24.(3/195)
واجتووا، والتووا، بواوين، لأنه لو حذفت إحدى الواوين لالتبس الجمع بالمفرد.
ووقع في المصحف كتابة يستوون، ويلوون، بواو واحدة، وذلك لأن في يستوون ونحوه اجتمع واوان وضمة، فناسب الحذف، وفي لوّوا رؤوسهم ونحوه انفتح ما قبل الواو فناسب الإثبات.
(ومنها) تحذف للجزم كما في قولك: لم يغد، فتحذف الواو علامة للجزم والله سبحانه وتعالى أعلم.
الحرف الخامس الياء، وتحذف في مواضع
(منها) للجزم كما في قولك: لم يقض، فتحذف الياء من آخره علامة للجزم.
(ومنها) تحذف لمراعاة الفواصل، نحو قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذََا يَسْرِ} (1) بغير ياء في آخرها لمراعاة ما قبله من قوله: {وَالْفَجْرِ} (2).
(ومنها) تحذف فيما توالى فيه ياءان أو ثلاثة، فتكتب النّبييّن، وخاسئين، وخاطئين، وإسرائيل، وما أشبه ذلك بياءين فقط، وإن كان في اللفظ ثلاث ياءات.
(ومنها) تحذف لأمن اللبس، فتكتب قارءين جمع قاريء بياء واحدة، فرقا بينها وبين قارئين تثنية قاريء فإنها تكتب بياءين.
(ومنها) تحذف مدّة ضمير (3) الغائب مثل قولك: ضربه، فتكتبه بغير واو، وإن كنت تلفظ به لأنك إذا وقفت حذفتها ووقفت على الهاء ساكنة، وكذلك مدّة
__________
(1) سورة الفجر / 4.
(2) من سورة الفجر الكلمة الأولى.
(3) تعلق هذا بالحرف الرابع اكثر منه بالخامس.(3/196)
ضمير الغائبين، مثل قولك: ضربهم في لغة من وصل الميم، وكذلك حذفوها إذا وليت الكاف، نحو: ضربكم زيد ولكم في لغة من وصل الميم بواو وبياء، لأنه إذا وقف حذف الصلة والله أعلم.
النوع الثالث ما يغيّر بالبدل
والحروف التي يدخلها البدل ثلاثة أحرف: الألف، والواو، والياء والألف والياء أكثرهما تعاقبا.
فتنوب الياء عن الألف في ثلاثة محالّ:
المحل الأوّل الاسم، وهو ثلاثة أحوال
الحال الأوّل أن تكون الألف فيه رابعة فصاعدا
، نحو: المعزى، والمستدعى، والحبلى، والمرضى، والملهى، والمدعى، والمشترى، ومقلى، ومثنى، وكذلك أعمى، وأعشى، وأظمى، وأقنى، وأدنى، وأعلى، ومعافى، ومنادى، وما أشبه ذلك، فتكتب الألف في جميع ذلك ياء سواء كان منقلبا عن واو أو منقلبا عن ياء، لأنك إذا ثنيته ثنيته بالياء ومن ثم كتبت يا ويلتى، ويا حسرتى، ويا أسفى، بالياء إشعارا بأنها مما تمال أو تقلبها عند التثنية ياء، إلا فيما قبلها ياء نحو:
الدّنيا، والعليا، والقصيا، وهديا، ومعيا، ومحيا، وعام حيا ورؤيا، وسقيا، فإنك لا تكتب الألف فيها ياء كراهة أن تجتمع ياءان في الخط. نعم يغتفر ذلك في نحو:
يحيى وريّى علمين، للفرق بين يحيى علما وبينه فعلا وبين ريّى علما وبينه وصفا وكان البدل في العلم دون الوصف والفعل لأن الفعل والصفة أثقل.
قال ابن قتيبة: وأحسبهم اتبعوا في يحيى رسم المصحف.
فلو كان مهموزا (1)، نحو: مستقرأ ومستنبئا، أو قبل آخره ياء نحو: خطايا،
__________
(1) كذا، وهو ليس مما نحن بصدده.(3/197)
وزوايا، وركايا، والحوايا، والحيا، وما أشبهه كتب بالألف.
الحال الثاني أن تكون الألف فيه ثالثة
، فإن كانت مبدلة عن ياء، نحو:
فتى، ورحى، وسوى، والهدى، والمدى للغاية، والهوى لهوى النفس، وندى الأرض، وندى الجود، وحفى الدابة، والكرى: النوم، والقذى، والأذى، والخنى: فحش القول، والضّنى: المرض، والرّدى: الهلاك، والطّوى: الجوع، والأسى: الحزن، والعمى: في القلب والعين، والجنى: جنى الثمرة، والصّدى:
العطش والشّرى: في الجسد، والضّوى: الهزال، والثرى: التراب النّديّ، والجوى: داء في الجوف، والسّرى: [سير] (1) الليل، والسّلى: سلى الناقة، ومنى: المكان المعروف، والمدى (2) الغاية، والصّدى: اسم طائر يقال إنه ذكر البوم، والنّسى: عرق في الفخذ، وطوى: واد، والوغى: الحرب، والوحى:
العجل، والورى: الخلق، والذّرى: الناحية وأنا في ذرى فلان، والمعى واحد الأمعاه، والحجى والنّهى: العقل، والحشى واحد الأحشاء، وما أشبه ذلك كتب بالياء.
وإن كانت منقلبة عن واو، نحو عصا، ومنا للقدر، ورجا لجانب البئر، والقنا في الأنف، والرّما والقرا للظهر، والعشا في العين، والقفا: قفا الإنسان، والصّغا: ميلك للرجل، ووطا جمع وطاة، و [لها جمع] (3) لهاة، والفلا جمع فلاة، كتب بالألف.
وتفترق الواو من الياء فيه بطرق أقربها التثنية تقول في الأوّل: فتيان، ورحيان، وسويان.
قال ابن قييبة: فلو ورد عليك اسم قد ثنّي بالواو والياء عملت على الأكثر
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2) تقدّم ذكره فهو مكرّر.
(3) الزيادة عن «ضوء الصبح».(3/198)
الأعمّ. وذلك نحو رحى، فإن من العرب من يقول: رحوت الرّحاء، ومنهم من يقول: رحيت، قال: وكتبها بالياء أحبّ إليّ لأنها اللغة العالية.
وكذلك الرّضا، من العرب من يقول في تثنيته: رضيان، ومنهم من يقول رضوان، قال: وكتابته بالألف أحبّ إليّ، لأن الواو فيه أكثر، وهو من الرضوان.
وكذلك الحكم في متى، لأنها لو سمّي بها وثنّي، لقلت متيان، فيعلم أنه من ذوات الياء. وتقول في الثاني: عصوان ومنوان ورجوان، فيعلم أنه من ذوات الواو. فإذا أشكل عليك شيء فلم تعلم أهو من ذوات الواو [أو من ذوات الياء] (1)؟ نحو خسا بالخاء المعجمة والسين المهملة، كتبته بالألف لأنه هو الأصل.
ومنهم من يكتب الباب كلّه بالألف على الأصل وهو أسهل للكتّاب، وعلى تقدير كتبها بالياء، فلو كان منوّنا فالمختار عندهم أنها تكتب بالياء أيضا، وهو قياس المبرّد، وقياس المازني أن يكتب بألف إذ هي ألف التنوين عنده في جميع الأحوال.
وقاس سيبويه (2) المنصوب (3) بالألف لأنه للتنوين فقط.
قال ابن قتيبة: وتعتبر المصادر بأن يرجع فيها إلى المؤنث، فما كان في المؤنث بالياء كتبته بالياء، نحو: العمى، والظّمى، لأنك تقول: عمياء وظمياء، وما كان المؤنث فيه بالواو كتبته بالألف، نحو العشا في العين، والعثا وهو كثرة شعر الوجه، والقنا في الأنف، لأنك تقول: عشواء، وقنواء، وعثواء.
قال: وكل جمع ليس بين جمعه وبين واحده في الهجاء إلا الهاء من المقصور، نحو الحصى، والقطا، والنّوى، فما كان جمعه بالواو كتبته بالألف، وما كان جمعه بالياء كتبته بالياء.
__________
(1) الزيادة عن ضوء الصبح.
(2) هو عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء: إمام النحاة وأول من بسط علم النحو في كتابه «الكتاب». توفي بالأهواز سنة 180هـ. وقيل وفاته وقبره بشيراز. (الأعلام 5/ 81).
(3) لعله: «المنصوب فقط فقال يكتب بالألف الخ.(3/199)
وكتبت لدى بالياء لانقلابها ياء في لديك.
وأما كلا، فالصحيح من مذهب البصريين أنها تكتب بالألف، لأن ألفه عن واو، ومن زعم أنها عن ياء كالمعى، كتبها بالياء. وأجاز الكوفيون كتبها بالياء وهو خطأ على مذهبهم، لأن الألف عندهم للتثنية، وألف التثنية لا يجوز أن تكتب ياء لئلا يلتبس المرفوع بغيره. وقياس كلتا عند البصريين أن تكتب ياء، وشذ كتابتها بالألف.
قال ابن قتيبة: والذي أستحبّه أن تكتب كلا وكلتا في حال الرفع بالألف، وفي حالتي الجرّ والنصب بالياء، فإذا قلت: أتاني كلا الرجلين أو كلتا المرأتين، كتبته بالألف، وإذا قلت: رأيت كلي الرجلين أو كلتي المرأتين كتبته بالياء، لأن العرب قد فرقت بينهما في اللفظ (1) فقالوا: رأيت الرجلين كليهما، ومررت بالرجلين كليهما، ومررت بالمرأتين كلتيهما، وقالوا: جاءني الرجلان كلاهما، والمرأتان كلتاهما.
وتترى إن لم تنوّن فألفها للتأنيث، وإن نوّنت فهي للإلحاق وقياسها أن تكتب بالياء. ومن زعم أنه فعل، فألفه بدل التنوين كألف صبرا، فهو قياسه.
ووقع في كلام ابن البادس أن تترى في الخط بياء، وهو خلاف المعروف.
تنبيه
لو اتصل الاسم الذي يكتب بالياء بضمير متصل، نحو: رحاك، وقفاك، وملهاك، ومرعاك، فقيل يكتب بالياء كحال عدم اتصالها، فيكتب على هذه الصورة: رحيك، وقفيك، وملهيك، ومرعيك.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيّان رحمه الله: واختيار أصحابنا فيه بالألف إذا
__________
(1) أي مع المكنى
.
اتصل به ضمير خفض أو ضمير نصب، سواء كان ثلاثيّا أم أزيد، إلا إحدى خاصة فإنها تكتب بالياء حال اتصالها بضمير الخفض، نحو من إحديهما كحالها دون الاتصال.(3/200)
اتصل به ضمير خفض أو ضمير نصب، سواء كان ثلاثيّا أم أزيد، إلا إحدى خاصة فإنها تكتب بالياء حال اتصالها بضمير الخفض، نحو من إحديهما كحالها دون الاتصال.
واختلفوا إذا اتصلت بتاء تأنيث تنقلب هاء في الوقف، فذهب البصريون إلى كتابتها ألفا، نحو الحصاة، واختار الكوفيون كتابتها بالياء نحو الحصية.
الحال الثالث أن تكون الألف فيه ثانية
، نحو ما وذا إذا كانا اسمين، فيكتب بالألف على صورة النطق به.
المحل الثاني الفعل، وله حالان
الحال الأوّل أن تكون الألف فيه رابعة فصاعدا
، نحو: أعطى، واستعلى، وتداعى، وتعادى، واستدنى، وما أشبهه، فتكتبه كلّه بالياء إلا أن يكون مهموزا، نحو: أخطأ، وأنبأ، وتخاطأ، واستنبأ، فإنه يكتب بالألف، وكذلك إذا كان قبل آخره ياء، نحو: استحيا، وتحايا، وأعيا، وتعايا، واستعيا، وما أشبهه، فإنك تكتبه بالألف.
ووقع في بعض المصاحف: {نَخْشى ََ أَنْ تُصِيبَنََا دََائِرَةٌ} (1) بالألف في آخر نخشى، وفي بعض المصاحف بالياء.
الحال الثاني أن تكون الألف ثالثة
، فتردّه إلى نفسك، فإن ظهرت فيه الواو فاكتبه بالألف، نحو قولك: عدا، ودعا، ومحا، وغزا، وسلا، وعلا من العلوّ، لأنك تقول: عدوت، ودعوت، ومحوت، وغزوت، وسلوت، وعلوت. وشذّ زكى، فكتب بالياء وإن كان من ذوات الواو، لأنه من زكى يزكو، إلا أن العرب يميلون الأفعال ذوات الواو، وإن ظهرت فيه الياء فاكتبه بالياء، نحو قولك: قضى،
__________
(1) سورة المائدة / 52.(3/201)
ومشى، وسعى، وعسى، لأنك تقول: قضيت، ومشيت، وسعيت، وعسيت، ويجوز كتابته بالألف أيضا.
تنبيه
لو اتصل بالفعل ضمير متصل، نحو: رماه، وجزاه، ورعاه، فقيل يكتب على حاله بالياء، فيكتب على هذه الصورة: رمية، وجزية، ورعية، والصحيح كتابته بالألف.
قال ابن قتيبة: وكل ما لحقته الزيادة من الفعل لم تنظر إلى أصله، وكتبته كله بالياء، فتكتب أعزى فلان فلانا، وأدنى فلان فلانا، وألهى فلان فلانا، بالياء، وهو من غزوت، ودنوت، ولهوت، لأنك تقول فيه: أغزيت، وأدنيت، وألهيت.
وكذلك تكتب يغزى، ويدنى، ويلهى، على البناء لما لم يسمّ فاعله بالياء، لأنك تقول في تثنيته: يغزيان، ويدنيان، ويدعيان.
المحل الثالث بعض الحروف
واعلم أن الحرف الذي في آخره ألف في اللفظ إنما يكتب ألفا على صورة لفظه، نحو: ما، ولا، وألا، وما أشبهها، واستثنوا من ذلك أربع صور فكتبوها بالياء:
إحداها بلى، قال بعض النحاة: لإمالتها، وقال سيبويه: لأنه إذا سمي بها وثنيت قيل بليان كما يقال في متى متيان.
الثانية إلى، وكتبت بالياء، لأنها تردّ إلى الياء في قولهم: إليك.
الثالثة على، وكتبت بالياء لأنها تردّ إلى الياء أيضا في قولهم: عليك.
قال ابن قتيبة: وكان القياس فيها وفي إلى أن تكتبا بالألف لعدم جواز الإمالة فيهما.(3/202)
الثالثة على، وكتبت بالياء لأنها تردّ إلى الياء أيضا في قولهم: عليك.
قال ابن قتيبة: وكان القياس فيها وفي إلى أن تكتبا بالألف لعدم جواز الإمالة فيهما.
الرابعة حتّى، وكتبت بالياء حملا على إلى، لكونهما بمعنى الانتهاء والغاية، ولأنه قد روي فيها الإمالة عن بعض العرب فروعي حكمها.
تنبيه
لو وليت ما الاستفهامية حتّى، أو إلى، أو على، كتبن بالألف على هذه الصورة: حتّام، وإلام، وعلام، لأنها شديدة الاتصال بما الاستفهامية بدليل أن ما بعدها لا يوقف عليه إلا بذكرها معه، فكأنّ الألف وقعت وسطا فصارت كحال ما كتب بالياء إذا اتصل بضمير خفض أو ضمير نصب، فإنه يكتب بالألف.
قال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله: فإن وصل في حتّام وإلى الهاء الحائرة، فلك أن تجريها على الاتصال ولا تعتدّ بها، ولك أن تعتدّ بها وترجع الألف في حتّى، وإلى، وعلى، إلى أصلها، فتكتب بالياء يعنى على هذه الصورة حتى مه، وإلى مه، وعلى مه.
فائدة
قد يكتب بالياء ما هو من ذوات الألف للمجاورة كما في قوله تعالى:
{وَالضُّحى ََ وَاللَّيْلِ إِذََا سَجى ََ مََا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمََا قَلى ََ} (1) فإن الضّحى ونحوه قياسه عند البصريين أن يكتب بالألف لأنه من ذوات الواو، ولكنه كتب بالياء لمجاورة سجى، وسجى وإن كان من ذوات الواو أيضا، كتب بالياء لمجاورة قلى الذي هو من ذوات الياء، فسجى مجاور، والضحى مجاور المجاور.
وأما الواو فقد نابت عن الألف في مواضع من رسم المصحف الكريم، وهي: الصلاة، والزكاة، والحياة، والنجاة، ومشكاة، ومناة، فتكتب على هذه
__________
(1) سورة الضحى / 21.(3/203)
الصورة: الصلوة، والزكوة، والحيوة، والنجوة، ومنوة، ومشكوة. فمنهم من كتبها كذلك في غير المصحف أيضا اتباعا للسّلف في ذلك ومنهم من كتبها بالألف وهو القياس، ووجه بأن رسم المصحف متبع في القرآن خاصة، ولا يكتب شيء من نظائر ذلك إلا بالألف: كالقناة، والقطاة، اقتصارا على ما ورد به الرسم السلفيّ.
قال ابن قتيبة: وقال بعض أهل الإعراب: إنهم كتبوا هذه الكلمات بالواو على لغات الأعراب، وكانوا يميلون في اللفظ بها إلى الواو شيئا. وقيل: بل كتبت على الأصل، إذ الأصل فيها واو، لأنك إذا جمعت قلت: صلوات، وزكوات، وحيوات، وإنما قلبت ألفا، لما انفتحت وانفتح ما قبلها.
قال: ولولا اعتياد الناس لذلك في هذه الأحرف الثلاثة، أي الصلاة والزكاة، والحياة، لكان من أحب الأشياء إليّ أن تكتب كلها بالألف. وجمعوا في الربابين العوض والعوض منه، فكتبوه بواو وألف بعدها على هذه الصورة:
الربوا. وفي بعض المصاحف: {وَمََا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً} (1) بألف بغير واو، وما سواه فلا خلاف فيه.
تنبيه
لو اتصل بشيء مما أبدلت ألفه واوا ضمير، نحو صلاتهم، وزكاتهم، وحياتك، ونجاته، ومشكاته، ورباه، كتبت بالألف دون الواو والله أعلم.
القسم الثاني ما ليس له صورة تخصه
وهو الهمزة، إذ تقع على الألف والواو والياء، وعلى غير صورة ولها ثلاثة أحوال:
__________
(1) سورة الروم / 3.(3/204)
الحال الأوّل أن تكون في أوّل الكلمة
فتكتب ألفا بأيّ حركة تحركت، من فتحة مثل: أحمد، وأيوب، وأحد أو ضمة نحو: أخذ، وأكرم، وأوحي، وأولئك أو كسرة نحو: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحق، وإثمد، وإبل، وإذ، وإلى، وإلّا، وإمّا، سواء في ذلك همزة القطع مثل: أكرم، وهمزة الوصل مثل: اتخذ، والهمزة الأصلية مثل: امريء، والهمزة الزائدة مثل: إشاح، وذلك لأن الهمزة المبتدأة لا تخفف أصلا من حيث إن التخفيف يقرّبها من الساكن، والساكن لا يقع أوّلا، فجعلت لذلك على صورة واحدة، واختصت الألف بذلك دون الياء والواو حيث شاركت الهمزة في المخرج، وفارقت أختيها في الخفّة، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الهمزة مبتدأة كما في الصور المذكورة، أو تقدّمها لفظ آخر، نحو: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيََاتِيَ} (1) وفبأيّ، وأفأنت، وبأنه، وكأنه وكأين، وبإيمان، ولإيلاف، ولبإمام، وسأترك، ولأقطّعن، ومررت بأحمد، وجئت لأكرمك، واكتحلت بالإثمد، إلا فيما شذّ من ذلك، نحو هؤلاء، وابنؤمّ ولئن، ولئلّا، ويومئذ، وحينئذ، وما أشبهها، فإنه كان القياس أن تكتب الهمزة فيها ألفا لأنها وقعت أوّلا، لكنهم خالفوا فكتبوا همزة هؤلاء، وابنؤمّ بالواو، وإن كانت في الحقيقة مبتدأة بدليل أن ها حرف تنبيه وهو منفصل عن اسم الإشارة. وكذلك ابن اسم أضيف إلى الأم، لكنهم شبهوها بهمزة لؤم، فكتبوها بالواو، وراعوا في ذلك كثرة لزوم هاء الإشارة، وعدم انفكاك ابنؤم الواقع في القرآن، فكأنها صارت همزة متوسطة. وكتبوا همزة لئن، ولئلا، وحينئذ، ويومئذ، وما أشبهها ياء وإن كانت أوّل كلمة، وكان القياس أن تكتب بالألف، أما لئن، فلأن أصلها لأن بلام ألف ونون، وأما لئلّا، فلأن أصلها لأن، بلام ألف ونون منفصلة من لا، بدليل أنهم إذا لم يجيئوا بعدها بلا، كتبوها لأن، نحو جئت لأن تقرأ، لكنهم جعلوا اللام مع أن كالشيء الواحد. وكذلك حينئذ، ويومئذ، فإن الأصل أن يفصل الظرف المضاف للجملة التي بقي منها إذ المنوّنة
__________
(1) سورة الأعراف / 146.(3/205)
تنوين العوض وأن يكتب بالألف، لكن جعل الظرف مع إذ كالشيء الواحد، فوصل بإذ، وجعلت صورة الألف ياء كما جعلوها في يئس. وكذلك الحكم في كل ظرف أضيف إلى ما ذكر، سواء المفرد، كالأمثلة المذكورة، والجمع نحو أزمانئذ. وسيأتي الكلام على ما يتعلق من ذلك في الفصل والوصل إن شاء الله تعالى.
الحال الثاني أن تكون متوسطة ولها حالتان
الأولى أن تكون ساكنة
، فلا يكون ما قبلها إلا متحرّكا وتكتب بحركة ما قبلها. فإن كان ما قبلها مفتوحا، كتبت ألفا نحو: رأس، وكأس، وبأس، ويأس، وضأن، وشأن، ودأب، وتأمر، وتأكل. وإن كان ما قبلها مضموما، كتبت واوا، نحو: مؤمن، ونؤمن، وتؤوي، وتؤتي، ومؤتي، ويؤفك، وما أشبهها. وإن كان ما قبلها مكسورا، كتبت ياء، نحو: بئر، وذئب، وبئس، وأنبئهم، ونبئنا، وجئت، وجئنا، وشئت، وشئنا، ولملئت، وما أشبهها.
الثانية أن تكون الهمزة متحركة والنظر فيها باعتبارين:
الاعتبار الأوّل أن يكون ما قبلها ساكنا
، وحينئذ فلا يخلو، إما أن يكون حرفا من حروف العلة (وهي الألف والواو والياء) أو حرفا صحيحا. فإن كان الساكن الذي قبلها حرف علة نظر إن كان حرف العلة ألفا، فإن كانت حركة الهمزة فتحة، فلا تثبت للهمزة صورة نحو: ساءل، وأبناءنا، وأبناءكم، ونساءنا، ونساءكم، وجاءنا، وجاءكم، (وساءل، فاعل من السؤال) وما أشبهه. وإن كانت ضمة تثبت لها صورة الواو نحو: التّساؤل، وآباؤكم، وأبناؤكم، وأولياؤكم، وبآبائنا (1)، وشبه ذلك وإن كان حرف العلة واوا أو ياء، فإما أن تكونا زائدتين للمدّ، أو تكون الياء للتصغير أو أصليتين أو ملحقتين بالأصل. فإن كانتا زائدتين للمدّ نحو: خطيئة، ومقروءة، وهنيئا، مريئا، أو ياه تصغير نحو: أفيئس تصغير
__________
(1) كذا في الأصل وليس هذا موضعها كما هو واضح.(3/206)
أفؤس جمع فاس، فلا صورة للهمزة. وإن كانتا أصليتين نحو: سوءة، وهيئة، أو ملحقتين بالأصل نحو: جيل (وهو الضّبع)، وحوءبة (وهو الدلو العظيم)، والحوءب (اسم موضع)، والسّموءل (اسم رجل)، فإنك تحذفها وتنقل حركتها إلى الساكن قبلها فتقول: سوّة، وهية، وجيل، وحوبة، وحوب وسمول.
ولا صورة للهمزة حينئذ في تحقيقها ولا في حذفها. وإن كان الساكن الذي قبلها حرفا صحيحا نحو: المرأة، والكمأة، ويسأم، ويسئم، ويلؤم ونحو ذلك، فتنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها وتحذف الهمزة. والأحسن الأقيس ألا تثبت لها صورة في الخط لا في التحقيق ولا في الحذف والنقل.
ومنهم من يجعل صورتها الألف على كل حال، فيكتبها على هذه الصورة:
المرأة والكمأة، ويسأم، ويسإم، ويلأم، وهو أقل استعمالا. وقد كتب منه حرف في القرآن بالألف، وهو قوله تعالى: يسألون عن أنبائكم (1).
ومنهم من يجعل صورتها على حسب حركتها، فيكتب المرأة، والكمأة، ويسأم، بالألف، ويكتب يسئم بالياء، ويكتب يلؤم بالواو. واستثنى بعضهم من ذلك ما إذا كان بعدها حرف علة نحو: سئول، ومشئوم فلم يجعل لها صورة أصلا، وإذا كان مثل: رءوس يكتب بواو واحدة فلا صورة لها. وكذلك الموءودة في قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ} (2) على ما كتبت في المصحف بواو واحدة لا يجعل لها صورة.
الاعتبار الثاني أن يكون ما قبلها متحرّكا
فينظر إن كانت مفتوحة مفتوحا ما قبلها، كتبت ألفا نحو: سأل، ورأيت، ورأوك، وبدأكم، وأنشأكم، وقرأه، وليقرأه، وشبه ذلك، إلا إن كان بعدها ألف فلا صورة لها نحو: مئال ومئاب.
وذهب بعضهم إلى أنها تصوّر ألفا فتكتب بألفين. وإن كانت مفتوحة مكسورا ما قبلها نحو: خاطئة، وناشئة: وليبطئنّ، وموطئا، وخاسئا، وينشئكم، وشانئك،
__________
(1) سورة الاحزاب / 30.
(2) سورة التكوير / 8.(3/207)
صوّرت بمجانس ما قبلها (وهو الكسرة) فتصوّر ياء. وإن كانت مفتوحة، مضموما ما قبلها نحو: الفؤاد، والسؤال، ويؤدّه إليك، ويؤلف، ومؤجّلا، ومؤذّن، وهزؤا، وشبهه، صوّرتها بمجانس ما قبلها. وإن كانت مضمومة، مضموما ما قبلها، نحو: نؤم، كصبر جمع صبور، أو مضمومة، مفتوحا ما قبلها نحو: لؤم، كتبت بالواو في الحالتين، إلا إن كان بعدها في الصورتين (1) واو نحو: رءوس، ونئوم وإن كانت مضمومة، مكسورا ما قبلها نحو: يستهزءون، وأنبئكم، ولا ينبّئك، وسنقرئك، كتبت بواو على مذهب سيبويه، وياء وواو بعدها على مذهب الأخفش (2).
الحال الثالث أن تكون الهمزة آخرا، ولها حالتان أيضا
[الحالة] الأولى أن يكون ما قبلها ساكنا، والنظر فيها باعتبارين
الاعتبار الأوّل أن يكون ما قبلها صحيحا
، فتحذف الهمزة وتلقى حركتها على ما قبلها ولا صورة لها في الخط نحو: جزء، وخبء، ودفء، والمرء، وملء.
سواء في ذلك حالة الرفع والنصب والجرّ. وقيل: إن كان ما قبل الساكن مفتوحا، فلا صورة لها، وإن كان مضموما، فصورتها الواو، وإن كان مكسورا، فصورتها الياء مطلقا. وقيل: إن كان مضموما أو مكسورا فعلى حسب حركة الهمزة، فيكتب الجزء والدفء، بالواو في الرفع وبالألف في النصب وبالياء في الجرّ. وإن كان شيء من ذلك منصوبا منوّنا فيكتب بألف واحدة، وهي البدل من التنوين. وقيل:
يكتب بألفين، إحداهما صورة الهمزة، والأخرى صورة البدل من التنوين.
الاعتبار الثاني أن يكون ما قبلها معتلّا
، فينظر إن كان حرف العلة زائدا
__________
(1) أي: فلا صورة لها.
(2) لم يورد أمثلة على صورها على مذهبي سيبويه والأخفش.(3/208)
للمدّ، فلا صورة لها نحو نبيء، ووضوء وسماء، والسّوء، والمسيء، وقرّاء، وشاء (1)، ويشاء، والماء، وجاء، إلا إن كان منوّنا منصوبا، فيكتبه البصريون بألفين، والكوفيون وبعض البصريين بواحدة، وهذا إذا كان حرف العلة ألفا نحو: سماء، الألف الواحدة حرف العلة، والأخرى البدل من التنوين. فإن اتصل ما قبله ألف بضمير مخاطب أو غائب، فتصوّر الهمزة واوا رفعا نحو: هذا سماؤك، وياء جرّا نحو: نظرت إلى سمائك، وألفا واحدة هي ألف المدّ نصبا نحو: رأيت سماءك. أما إذا كان حرف العلة ياء أو واوا نحو: رأيت وضوءا، فيكتب بألف واحدة. وإن كان حرف العلة غير زائد للمدّ، فلا صورة للهمزة في الخط.
الحالة الثانية أن يكون ما قبل الهمزة متحرّكا
فتكتب صورة الهمزة على حسب الحركة قبلها. فإن كانت الحركة فتحة، رسمت ألفا نحو: بدأ، وأنشأ «ومن سبإ بنبإ» (2) والملأ، ويستهزأ، على البناء للمفعول، وينشأ كذلك، ورأيت امرأ وما أشبهه. وإن كانت كسرة رسمت ياء نحو: قريء، واستهزيء، ولكل امريء، ومن شاطيء، ويستهزيء، على البناء للفاعل، وبريء ومررت بامريء. وإن كانت ضمة، رسمت واوا نحو: امرؤ، واللؤلؤ، وما أشبه ذلك، إلا في مثل النبأ إذا كان منصوبا منوّنا فقيل: يكتب بألفين نحو: سمعت نبأا، وقيل: بواحدة وهو الأولى. وإن اتصل بها ضمير، فعلى حسب الحركة قبلها كحالها إذا لم يتصل بها ضمير. وقيل: إن كان ما قبلها مفتوحا فبألف، نحو: لن يقرأ، إلا أن تكون هي مضمومة فبواو، إن قلنا بالتسهيل بين الهمزة والواو، وبالياء إن قلنا بإبدالها ياء، وقيل: إن انضم ما قبلها أو انكسر،
__________
(1) هذا اللفظ والثلاثة بعده ليس فيها مدّ زائد، ولعلّ في النقل تصحيفا ما.
(2) سورة النمل / من الآية 22.(3/209)
فكما قبل الاتصال بالضمير، فتجعل صورتها على حسب الحركة قبلها. وإن انفتح ما قبلها وانفتحت فبالألف، نحو: لن يقرأ، وكذلك إذا انفتح ما قبلها وسكنت نحو: لم يقرأ، ولم ينبّأ، واقرأ، وإن نشأ وما أشبهه. وإن انفتح ما قبلها وانضمت فبالواو، نحو: يقرؤ، وقيل: بالواو والألف كما كتبوا في المصحف:
{قُلْ مََا يَعْبَؤُا} (1) و {نَبَأُ الْخَصْمِ} (2) و {يَبْدَؤُا الْخَلْقَ} * (3) {أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا} (4) بواو وألف في الجميع. أو انكسرت فبالياء، نحو: من المقريء، وقيل بها وبألف كما كتبوا في المصحف: {مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} بألف وياء.
تنبيه
قد تقدّم في الحذف أن همزة الوصل تحذف في بعض مواضع وتثبت فيما عداها. فحيث ثبتت، كتبت بحسب حالها إذا ابتدىء بها. فإن كانت يبتدأ بها مضمومة، كتب ما يليها واوا إن كانت همزة أو واوا مبدلة منها، نحو: اؤتمن فلان، وقلت لك أؤمر فلانا بكذا وإن كانت يبتدأ بها مكسورة، كتب ما يليها ياء إن كانت همزة أو ياء مبدلة منها، نحو: ائذن لي يا زيد، ائت القوم، ائت عليهم كذلك وإن كان النطق بها واوا بضم ما قبلها، نحو: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} (5) تكتبه ياء على الهمزة في الابتداء بها ويستنثى فاء افعل من نحو يوجل مثل يوسن فإنها تكتب واوا بعد الواو والفاء كما في قولك فاوجل، واوجل، يكتبان بإثبات ألف الوصل والواو بعدها، ولم يكتبوها على ابتداء الهمزة. أما بعد غير الواو والفاء، فإنها تكتب بحسب الابتداء بها، نحو: قلت لها ايجلي، أو ثم ايجلي، وقلت لكم ايجلوا، فإنك تلفظ به واوا وتكتبه ياء للانفصال وإن كانت
__________
(1) سورة الفرقان / من الآية 77.
(2) سورة ص / من الآية 21.
(3) سورة يونس / من الآية 4.
(4) سورة الزخرف / من الآية 18.
(5) سورة التوبة / 49.(3/210)
قبلها كسرة كانت ياء لفظا وخطّا، نحو: قلت لك ايجلي، وكذلك إذا ابتديء بهمزة الوصل، نحو: ايجلي يا هند.
واعلم أنه إذا وقعت همزة استفهام وبعدها همزة قطع صوّرت همزة القطع بعدها بمجانس حركتها. فإن كانت الحركة فتحة كتبت ألفا، نحو: أأسجد، وإن كانت الحركة ضمة كتبت واوا، نحو: أؤنزل، وإن كانت الحركة كسرة كتبت ياء، نحو: أئنّك لأنها إذا خفّفت بالبدل كان إبدال المفتوحة ألفا، وإبدال المضمومة واوا، وإبدال المكسورة ياء. وقد تحذف المفتوحة خطّا فتكتب بألف واحدة، نحو: أسجد كما في رسم المصحف.
واختلف في الساقطة من الهمزتين والحالة هذه، فقيل الثانية، وهو قول أحمد بن يحيى، وقيل الأولى وهو قول الكسائي.
فلو كانت ثلاث ألفات في اللفظ، نحو قوله تعالى: {أَآلِهَتُنََا خَيْرٌ} (1) فقال أحمد بن يحيى: تكتب بواحدة.
واختلف في الثابتة، فذهب الفراء وثعلب وابن كيسان (2) إلى أنها الاستفهامية لأنها حرف معنى. وحكى الفراء عن الكسائى: أنها الأصلية، وحكاه ابن السيد (3) عن غير الكسائي وحكي عنه أنها ألف الجمع.
وقد تكتب غير المفتوحة ألفا، نحو قوله: أإنّك، لأن الألف هي الأصل، والهمزة حرف زائد لمعنى كالواو والفاء فلا يعتدّ به، لكنه قليل والله أعلم.
__________
(1) سورة الزخرف / من الآية 58.
(2) هو محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو الحسن المعروف بابن كيسان: عالم بالعربية نحوا ولغة. أخذ عن المبرّد وثعلب. توفي سنة 299هـ. (الأعلام 5/ 308).
(3) هو عبد الله بن محمد بن السيد، أبو محمد: من العلماء باللغة والأدب. ولد ونشأ في بطليوس في الأندلس، وانتقل إلى بلنسية وسكنها وتوفي بها سنة 521هـ. (الأعلام 4/ 123).(3/211)
الجملة الثانية في حالة التركيب والفصل والوصل
واعلم أن الأصل فصل الكلمة من الكلمة، لأن كل كلمة تدل على معنى غير معنى الكلمة الأخرى، فكما أن المعنيين متميزان فكذلك اللفظ المعبّر عنهما يكون متميزا. وكذلك الخط النائب عن اللفظ يكون متميزا بفصله عن غيره.
ويستثنى من ذلك مواضع كتبت على خلاف الأصل:
(منها) أن تكون الكلمتان كشيء واحد وذلك في أربعة مواضع:
الموضع الأوّل أن تكون الكلمتان قد ركّبتا تركيب مزج
، مثل: بعلبك، ليدل على أن التركيب الذي يعتبر (1) فيه وصل الكلمة بالأخرى هو تركيب المزج، وهو أن يتحد مدلول اللفظين، بخلاف ما إذا ركبتا تركيب إسناد، نحو: زيد قائم، أو تركيب إضافة، نحو: غلام زيد، أو تركيب بناء لم يتحد فيه مدلول اللفظين، نحو: خمسة عشر، وصباح مساء، وبين بين، وحيص بيص، فإن هذا كله يكتب مفصولا لا تخلط فيه كلمة بأخرى.
الموضع الثاني أن تكون إحدى الكلمتين لا يبتدأ بها في اللفظ
، نحو الضمائر البارزة المتصلة، ونون التوكيد، وعلامة التأنيث والتثنية والجمع في لغة أكلوني البراغيث، وغير ذلك مما لا يمكن أن يبتدأ به، فكل هذا يكتب متصلا وإن كان من كلمتين.
الموضع الثالث أن تكون إحدى الكلمتين لا يوقف عليها
، وذلك ما كان نحو باء الجرّ، وفاء العطف، ولام التأكيد، وفاء الجزاء، فإن هذه الحروف لا يوقف عليها، فلما امتزجت في اللفظ امتزجت في الخط فتكتب متصلة، وإن كانت في الحقيقة كلمتين.
الموضع الرابع أن تكون الكلمة مع الأخرى كشيء واحد
في حال ما
__________
(1) لعله: يغتفر.(3/212)
فاستصحب لها الاتصال غالبا، مثل: بعلبك، إذا أعرب إعراب المضاف والمضاف إليه، فإن هذا الإعراب يقتضي أن تفصل إحدى الكلمتين من الأخرى، لأن الإعراب قد فصلهما. أما إذا أعرب إعراب ما لا ينصرف فلا يصح فيه الفصل أصلا، لأنّ اللفظ الثاني منتهى الاسم، فهو مفرد في المعنى وفي اللفظ.
وكتبوا لئلّا مهموزة وغير مهموزة بالياء (وكان القياس أن تكتب بالألف) كما تكتب لأن إذا كانت اللام مكسورة بالألف فكذلك إذا زيدت عليها لا، إلا أن الناس اتبعوا رسم المصحف، وكذلك لئن فعلت كذا تكتبه بالياء اتباعا للمصحف، وإن كان القياس أن يكتب بالألف. وسيأتي الكلام على وصل لا بإن فيما بعد إن شاء الله تعالى.
(ومنها) توصل من الجارّة وهي المكسورة الميم بما بعدها بعد حذف النون منها على ما تقدّم في موضعين:
الموضع الأوّل توصل بمن المفتوحة الميم مطلقا، سواء كانت موصولة، نحو: أخذت الدرهم ممّن أخذته منه، أو موصوفة كما في المثال المذكور فإنها فيه تحتمل المعنيين جميعا، أو استفهامية، نحو: ممّن أنت؟ أو شرطية، نحو: ممّن تأخذ درهما آخذ منه، وإنما وصلت بها لأجل اشتباههما خطاّ إذ لو كتبتا من من لكانتا مشتبهتين في الصورة، فأدغمت نون من في ميم من ونزّلت منزلة المدغم في الكلمة الواحدة، فلم يجعل له صورة بل حذف مع كتبه متصلا، وقد تقدّم الكلام على ذلك في الحذف. هذا هو المشهور الراجح.
وقال الأستاذ ابن عصفور: إن كانت من استفهامية، كتبت مفصولة على قياس ما هو من المدغمات على حرفين.
الموضع الثاني توصل بعد حذف النون أيضا بما، إذا كانت موصولة، نحو: عجبت مما عجبت منه، أو استفهامية، نحو: ممّ هذا الثوب؟ أو زائدة كما
في قوله تعالى: {مِمََّا خَطِيئََاتِهِمْ أُغْرِقُوا} (1). أما إذا كانت شرطية، نحو: من ما تأخذ آخذ، أو موصوفة، نحو: أكلت من ما أكلت منه، فإن القياس يقتضي أن تكون مفصولة.(3/213)
الموضع الثاني توصل بعد حذف النون أيضا بما، إذا كانت موصولة، نحو: عجبت مما عجبت منه، أو استفهامية، نحو: ممّ هذا الثوب؟ أو زائدة كما
في قوله تعالى: {مِمََّا خَطِيئََاتِهِمْ أُغْرِقُوا} (1). أما إذا كانت شرطية، نحو: من ما تأخذ آخذ، أو موصوفة، نحو: أكلت من ما أكلت منه، فإن القياس يقتضي أن تكون مفصولة.
وقال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور: إذا كانت ما غير استفهامية، كتبت من معها، وقضيته أنها لا تكتب متصلة إلا في حالة الاستفهام فقط، وتكتب منفصلة فيما عداها.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيّان رحمه الله: والأوّل أصح لأنّ علة الوصل في ممن مفقودة في مما، وهي التباس اللفظين خطّا.
(ومنها) توصل عن بما بعدها بعد حذف النون منها على ما تقدّم، في موضعين:
الموضع الأوّل توصل بمن الموصولة غالبا، نحو: رويت عمّن رويت عنه، ويجوز فصلها، فتفصل عن من من وتثبت النون في عن، وأما من غير الموصولة، فالقياس فصلها، فتكتب في الاستفهام عن من تسأل؟ وفي الشرط، عن من ترض أرض عنه، فتفصل عن من من على ما مرّ.
وزعم ابن قتيبة أن عن من تكتب موصولة بكل حال، سواء الموصولة وغيرها كما تكتب عمّ وعما موصولة من أجل الإدغام. وزعم غيره أنه لا يؤثر الإدغام في ذلك لأنهما كلمتان إلا في نحو: عما قليل، لزيادتها.
الموضع الثاني توصل بما الاستفهامية، كما في قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسََاءَلُونَ} (2) وتحذف الألف من ما على ما تقدّم في الحذف.
__________
(1) اللفظ في الآية الكريمة: «خطيئاتهم» وليس «خطاياهم». ونص الآية: {مِمََّا خَطِيئََاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نََاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللََّهِ أَنْصََاراً} ولعلها قراءة ثانية. سورة نوح / 25.
(2) سورة النبأ / 1.(3/214)
(ومنها) توصل مع بما إذا كانت زائدة، وتقطع إذا كانت موصولة، قاله ابن قتيبة.
(ومنها) توصل في بمن في موضعين:
الموضع الأوّل توصل بمن الاستفهامية دائما، نحو قولك: فيمن تفكر؟
ولكن لا تحذف الياء منها كما حذفت النون من عن ومن، إذ لا إدغام هنا.
الموضع الثاني توصل بما إذا كانت موصولة في الغالب، نحو: فكّرت فيما فكّرت فيه، ولا تسقط الياء على ما مرّ. ويجوز في هذه الحالة فصلها، فتفصل «في» عن «ما». وتكتب على هذه الصورة «في ما». وكذلك توصل بما إذا كانت استفهامية، نحو قوله تعالى: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرََاهََا} (1) ولا تحذف ياؤها كما تقدّم.
أما مع إذا اتصلت بما أو بمن، فإنها تكتب منفصلة. قاله ابن قتيبة.
قال بعض النحاة: أظنّ سبب ذلك قلة الاستعمال، وإلا فما الفرق بين مع وبين في. قال: وقد يمكن أن يفرق بينهما في الاسمية، فإن في لا تكون إلا حرفا، ومع إن تحرّكت كانت اسما، وإن سكنت، فخلاف والأصح الاسمية، وأيضا فإنها تنفصل مما بعدها.
(ومنها) توصل الحروف النواصب للاسم، الروافع للخبر، إذا دخلت على ما الزائدة نحو: إنما وكأنما وليتما، فتكتب إنّ وكأنّ وليت متصلات بما، نحو: إنما فعلت كذا، وإنما كلّمت أخاك، وإنما أنا أخوك، وكأنما وجهه قمر، وليتما هذا الشيء لي، ونحو ذلك. فإن كانت ما موصولة، كتبت مفصولة، نحو:
إنّ ما قلت لحقّ، وكأنّ ما حدّثت صحيح، وليت ما لك لي. على أنه قد جاء في القرآن كثير من ذلك متصلا. وزعم بعضهم أنه لم يأت في القرآن مفصولا إلا قوله تعالى في الأنعام: {إِنَّ مََا تُوعَدُونَ لَآتٍ} (2). وقد كتبوا في المصحف:
__________
(1) سورة النازعات / 43.
(2) سورة الأنعام / 134.(3/215)
{إِنَّمََا تُوعَدُونَ لَوََاقِعٌ} (1) في الطور وغيره متصلا، وكذلك: {إِنَّمََا صَنَعُوا كَيْدُ سََاحِرٍ} (2). مع رفع كيد ونصبه، وإن كانت ما موصولة في الموضعين.
(ومنها) توصل قلّ بما إذا دخلت عليها، نحو: قلّما أتيتك مائة مرة.
(ومنها) توصل إن الشرطية بلا إذا دخلت عليها بعد حذف النون، نحو:
{إِلََّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ} (3).
(ومنها) توصل إن الشرطية بما إذا جاءت بعدها بعد حذف النون، نحو:
{وَإِمََّا تَخََافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيََانَةً} (4). وإنما حذفت النون في هذه وما قبلها لإدغامها كما في مما وعّما ونحوه.
(ومنها) توصل أين بما، نحو: {أَيْنَ مََا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللََّهُ}. لأن ما إذا دخلت على أين صارت جازمة إذ تقول: أين تكون أكون، فترفع النون، فإذا دخلت عليها ما، قلت: أينما تكن أكن فجزمت، فصارت أين وما كأنها كلمة واحدة. فإن كانت ما موصولة، فصلت نحو: أين ما اشتريت، تريد أين الذي اشتريت.
ولم يصلوا متى بما بل كتبوها منفصلة عنها، إذ لو وصلت للزم قلب الياء ألفا كما في ختام، فتكتب متام فيتعذّر إدراكها.
(ومنها) توصل حيث أيضا بما، نحو: {وَحَيْثُ مََا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} * (5). كما تقدّم في أين.
(ومنها) توصل كل بما المصدرية، إذا دخلت عليها، نحو: كلّما جئتني
__________
(1) سورة المرسلات / 7.
(2) سورة طه / 69.
(3) سورة الأنفال / 73.
(4) سورة الأنفال / 58.
(5) سورة البقرة / 144.(3/216)
أحسنت إليك. فإن كانت نكرة منعوتة كتبت مفصولة، نحو: كلّ ما تفعل حسن، وكلّ ما كان منك حسن.
قال ابن قتيبة: وكلّ من مقطوعة على كل حال ومكان.
(ومنها) توصل هل بلا، وتحذف إحدى اللامين على هذه الصورة (هلّا فعلت) وتقطعها من بل، فتكتب (بل لا تفعل).
قال ابن قتيبة: والفرق بينهما أنّ لا إذا دخلت على هل تغير معناها، فكأنها معها كلمة واحدة وإذا دخلت على بل لم تغير المعنى تقول: بل تفعل، وبل لا تفعل، كما تقول: كي تفعل، وكي لا تفعل.
(ومنها) توصل بين بما الزائدة، نحو: بينما أنا جالس، وبينما أنا أمشي.
(ومنها) توصل أيّ بما إذا كانت ما زائدة كما في قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلََا عُدْوََانَ عَلَيَّ} (1) وكما تقول: أيّما الرجلين لقيت فأكرم. فإن كانت ما موصولة قطعت فتكتب أيّ ما تراه أوفق، أيّ ما عندك أفضل، مقطوعة.
(ومنها) يوصل يوم وحين بإذ من قولك يومئذ وحينئذ، وكان القياس الفصل، على ما تقدّم في الهمزة.
(ومنها) توصل لئن ولئلّا وإن كان كل منهما كلمتين، إذ الأصل لإن ولأنّ لا وقد تقدّم بيان كتابتها بالياء دون الألف، لكونهم جعلوه مع ما بعده كالشيء الواحد.
(ومنها) توصل أن المفتوحة بلا إذا دخلت عليها بعد حذف النون على أحد الأقوال فتكتب على هذه الصورة (ألّا) (والثاني): تفصل منها وتثبت النون، فتكتب على هذه الصورة: (أن لا يقوم). و (الثالث): يفصّل بين أن تكون مخفّفة عن الثقيلة، فتكتب مفصولة نحو: علمت أن لا يقوم زيد، وعلمت أن لا ضرر
__________
(1) سورة القصص / 28.(3/217)
عندك، التقدير أنه لا يقوم وأنه لا ضرر عندك ولذلك ثبتت في قوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنْ لََا مَلْجَأَ مِنَ اللََّهِ إِلََّا إِلَيْهِ} (1) أو ناصبة للفعل (2) فتقدّر كتبها متصلة على اللفظ وتحذفها في الخط، نحو: يعجبني ألّا تقوم، وهو قول الأخفش وابن قتيبة واختيار ابن السيّد. (والرابع): التفصيل بين أن تدغم بغنّة، فتكتب منفصلة، أو بغير غنّة فينوى الاتصال وتحذف خطّا، ويروى عن الخليل، واستحسنه بعض الشيوخ:
وقد وقع في القرآن مواضع متصلة ومواضع منفصلة فيجب اتباعها اقتداء بالسلف. وقد وقع في المصحف وصل مواضع القياس فصلها، فجب وصلها في المصحف اتباعا لرسمه، وتوصل في غيره في الغالب أو في بعض الأحوال.
(ومنها) وصلت بئس بما في موضعين:
أحدهما {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} (3) في البقرة.
والثاني {بِئْسَمََا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي} (4) في الأعراف.
(ومنها) وصلت نعم بما للإدغام. وحكى ابن قتيبة فيه الفصل والوصل.
(ومنها) وصلت إن بلم مع حذف النون للإدغام في قوله تعالى: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} (5) في هود، بخلاف التي في القصص (6) فإنها كتبت مفصولة بإثبات النون.
(ومنها) وصلت أن بلن مع حذف النون للإدغام في سورة الكهف في قوله:
{أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً} (7).
__________
(1) سورة التوبة / 118.
(2) المقصود «لا» الناصبة
(3) سورة البقرة / 90.
(4) سورة الأعراف / 150.
(5) سورة هود / 14.
(6) {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمََا يَتَّبِعُونَ أَهْوََاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوََاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللََّهِ إِنَّ اللََّهَ لََا يَهْدِي الْقَوْمَ الظََّالِمِينَ}. القصص / 50.
(7) سورة الكهف / 48.(3/218)
(ومنها) وصلت أم بمن في نحو قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قََانِتٌ} (1).
قال محمد بن عيسى: (2) كل ما في القرآن من ذكر أم فهو موصول إلا أربعة مواضع:
في النساء: {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} (3). وفي التوبة: {أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيََانَهُ} (4) وفي الصّافّات: {أَمْ مَنْ خَلَقْنََا} (5) وفي فصّلت: {أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً} (6).
(ومنها) وصلت كي بلا في نحو: كيلا ولكيلا في أربعة مواضع في المصحف: {لِكَيْلََا تَحْزَنُوا عَلى ََ مََا فََاتَكُمْ} (7) في آل عمران. و {لِكَيْ لََا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً} (8) في الحج. و {لِكَيْلََا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} (9) في الأحزاب. و {لِكَيْلََا تَأْسَوْا} (10) في الحديد وما عداها فهو مقطوع كما في أوّل الأحزاب.
ووجه ابن قتيبة في المقطوع بأنك تقول: أتيتك كي تفعل وكي لا تفعل، كما تقول: حتّى تفعل وحتّى لا تفعل فيختلف المعنى بالنفى والإثبات فيه.
__________
(1) سورة الزمر / 9.
(2) محمد بن عيسى بن إبراهيم بن رزين، أبو عبد الله التيمي الأصبهاني: إمام في القراءات، عالم بالعربية. من كتبه: «الجامع» في القراءات، وكتاب في رسم القرآن. توفي سنة 253هـ.
(الأعلام 6/ 322).
(3) سورة النساء / 109.
(4) سورة التوبة / 109.
(5) سورة الصافات / 11.
(6) سورة فصلت / 41.
(7) سورة آل عمران / 153.
(8) سورة الحج / 5.
(9) سورة الأحزاب / 50.
(10) سورة الحديد / 23.(3/219)
الفصل الخامس من الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يكتب بالظاء، مع بيان ما يقع الاشتباه فيه مما يكتب بالضاد (1)
وإنما خصت الظاء بالذكر دون الضاد لقلّة وقوع الظاء وكثرة وقوع الضاد (2) وخصّ ما يكتب بالظاء بالذكر دون ما يكتب بالذال المعجمة، لأن الدال والذال في صورة الكتابة واحد، فلا يظهر خطأ الكاتب فيه، بخلاف الظاء والضاد، فإن شكلهما مختلف فيظهر خطأ الكاتب وعواره فيه فلذلك وقعت العناية بالتنبيه على ما يكتب بالظاء دون ما يكتب بالذال المعجمة.
وقد أوردته على حروف المعجم ليقرب تناوله.
حرف الألف
فيه أظلّه الشيء: إذا غشيه أما أضلّه من الضّلال إذا ضلّ دابته إذا ندّت (3)، فبالضاد.
__________
(1) لكل من الصاحب بن عباد المتوفى سنة 395هـ ومحمد بن نشوان الحميري المتوفى سنة 610هـ.
رسالة تحمل اسم: «الفرق بين الضاد والظاء». (راجع ترجمتهما الكاملة في الأعلام 1/ 316 و 7/ 123).
(2) ذكر الصاحب بن عباد في مقدمة رسالته: «إذ كانا حرفين قد اعتاص معرفتهما على عامة الكتاب لتقارب اجناسهما في المسامع، وإشكال أصل تأسيس كل واحد منهما».
وقال ابن نشوان: «وعلى هذا اكثر كتاب الزمن، ذو والهزال منهم كذوي السمن والذي أوقعهم في ذلك فساد السنتهم بالنطق بهما في مخرج متفق، والجهل بالتفرقة بينهما في المنطق، وقلة معرفتهم بلغة العرب، وتضييعهم لحظّهم من علم الأدب». (الفرق بين الضاد والظاء:
المقدمة / ج وص 3).
(3) في اللسان: ندّ البعير أي شرد. (اللسان 3/ 419).(3/220)
حرف الباء
فيه بهظه الأمر: إذا أتبعه. وفيه، البظر، وهو اللّحمة المتدلّية من فرج المرأة، التي تقطع بالختان (1).
حرف التاء المثناة فوق
فيه التّقريظ، وهو المدح والتّلمّظ، وهو تحريك الشفتين بعد الأكل لابتلاع ما حصل بين الأسنان.
حرف الجيم
فيه الجوّاظ، وهو الجافي المتكبّر، أو الأكول، والجحوظ، وهو نتوّ العين وندورها ومنه أبو عثمان الجاحظ (2)، وجحظة البرمكيّ (3).
حرف الحاء المهملة
فيه الحفظ، وهو ضدّ النّسيان، والحفيظة، وهي الموجدة والحظّ، وهو الغنى والنصيب، ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (4). وقوله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} * (5). وأما الحضّ بمعنى الحث فإنه بالضاد (6). ومنه قوله تعالى:
__________
(1) أورد الصاحب في حرف الباء: البيظ والبيض. مثال: «البيظ: بيض الإنسان، والبيظ: بيض النمل والبيض: بيض الطائر، والبيض: الزبيب الأبيض». أما الدميري، في حياة الحيوان: 2/ 366فقال: «والبيض كله بالضاد المعجمة الساقطة إلا بيظ النمل فإنه بالظاء المشالة». (الفرق بين الضاد والظاء. ص 22، 23).
(2) هو عمرو بن بحر بن محبوب، الشهير بالجاحظ: كبير أئمة الأدب ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة. وفاته في البصرة سنة 255هـ. (الأعلام 5/ 74).
(3) هو أحمد بن جعفر بن موسى بن الوزير يحيى بن خالد بن برمك: نديم أديب مغن. لقبه ابن المعتز بجحظة لنتوء في عينيه. توفي سنة 324هـ. (الأعلام 1/ 107).
(4) سورة القصص / 79.
(5) سورة النساء / 11.
(6) الملاحظ أن القلقشندي لم يعتمد دائما في أمثلته المقارنة بين الضاد والظاء كما فعل على الدوام الصاحب بن عباد في رسالته المذكورة سابقا. ولعل اسلوب الصاحب اكثر إفادة في هذا المجال.
كما استوقفنا عدم إشارته إلى رسالتي الصاحب وابن نشوان في نفس الموضوع.(3/221)
{وَلََا يَحُضُّ عَلى ََ طَعََامِ الْمِسْكِينِ} * (1). والحظوة، وهي الرفعة والحظر، وهو المنع، ومنه قوله تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هََؤُلََاءِ وَهَؤُلََاءِ مِنْ عَطََاءِ رَبِّكَ وَمََا كََانَ عَطََاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} (2). وقوله: {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} (3). وفي معناه الحظير، وهو المحوّط من قصب ونحوه. امّا الحضور خلاف الغيبة فإنه بالضاد والحنظل، وهو النّبات المرّ المعروف.
حرف الشين المعجمة
فيه الشّظيّة، وهي القطعة من الشيء والشّظاظ، وهي عيدان لطاف يجمع بها العدلان والشّظف، وهو خشونة العيش والشّواظ، وهو لهب النار، ومنه قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمََا شُوََاظٌ مِنْ نََارٍ وَنُحََاسٌ} (4). والشّيظم، وهو الفرس الطويل الظهر والشّناظي، وهي أطراف الجبال.
حرف الظاء المعجمة
فيه الظّنّ، بمعنى التخمين والشّكّ والظّنّة، وهي التّهمة أما الضّنّ بمعنى البخل فإنه بالضاد، وعلى المعنيين قريء قوله تعالى: {وَمََا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} (5) بالضاد والظاء، لاتّجاه المعنيين في النبيّ صلّى الله عليه وسلم إذ ليس ببخيل ولا متّهم، وفيه ظلّ يفعل كذا: إذا فعله نهارا، ومنه قوله تعالى: {فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ} (6). وقوله: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} (7)، وقوله: {وَانْظُرْ إِلى ََ إِلََهِكَ الَّذِي}
__________
(1) سورة الحاقة / 34.
(2) سورة الإسراء / 20.
(3) سورة القمر / 31.
(4) سورة الرحمن / 35.
(5) سورة التكوير / 24.
(6) سورة الحجر / 14.
(7) سورة الواقعة / 65.(3/222)
{ظَلْتَ عَلَيْهِ عََاكِفاً} (1).
أما ضلّ من الضلال، خلاف الهدى، وضلّ الشيء: إذا ضاع، فبالضاد وفيه الظّلّ، خلاف الحرّ حيثما وقع وما يشتقّ منه والظّلم وما يتشّعب منه، والظّلام وما يتفرّع منه، والظّلم (بفتح الظاء) وهو ماء الأسنان والظّليم، وهو ذكر النّعام والظّبي: واحد الظّباء والظّبية الأنثى منه، والظّبية: حياء الناقة والظّبة، وهو حدّ السيف والظّرف، وهو الوعاء الحسن، والظّعن، وهو السّفر (2). ومنه قوله تعالى:
{يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقََامَتِكُمْ} (3). والظّراب، وهي الهضاب (4). أما الضّراب مصدر ضاربته فإنه بالضاد، والظّعينة، وهي المرأة والظّلف، وهو للبقر والغنم كالحافر للخيل، والظّلف (5)، وهو نزاهة النفس، والظّفر، واحد الأظفار، والظّفر، وهو النصر. أما ضفر الشعّر ونحوه فبالضاد، والظّئر، وهي المرضعة والظّهر، وهو العضو المعروف. أما الضّهر، وهو صخرة في الجبل يخالف لونها لونه فإنه بالضاد والظّهير، وهو المعين والظّهيرة، وهي وسط النهار والظّمأ، وهو العطش والظّرار جمع ظرّ، وهو الغليظ من الأرض. أما الضّرير بمعنى الأعمى
__________
(1) سورة طه / 91.
(2) وهو أيضا القبّة التي تحمل فيها الظعينة. وذكر لها ابن عباد معنى لم نعثر عليه في المعاجم التي بين أيدينا وهو: خرقة الحيض. (الفرق بين الضاد والظاء ص 20).
(3) سورة النحل / 80.
(4) وقال ابن عباد: الظّرب وجمعه ظراب وهو حجر نابت الأصل في أرض أو جبل، ناتيء الطرف محدّد.
قال الشاعر:
إن جنبي عن الفراش لنابي ... كتجافي الأسرّ فوق الظّراب
والأسرّ هو بعير في سرّته داء. وقد نسبه صاحب لسان العرب إلى معد يكرب. (لسان العرب 1/ 569والفرق بين الضاد والظاء 23).
(5) في اللسان: الظّلف، باللام الساكنة، وهو كفّ الطمع عما لا يحل ولا يجمل. وقد قال الشاعر:
وقد أظلف النفس عن مطمع ... إذا ما تهافت ذبّانه
وأورده ابن عباد على النحو التالي:
لقد أظلف النفس عن مطعم (اللسان 9/ 231والفرق بين الضاد والظاء 34).(3/223)
فبالضاد، والظّربان، وهي دويبّة منتنة الريح، والظّلع (1)، وهو الغمز يقال: ناقة ظالع إذا غمزت في المشي. أما الضّلع (2) واحد الأضلاع فإنه يكتب بالضاد، ومنه قولهم: فرس ضليع (3).
حرف العين المهملة
فيه العظم، وهو معروف والعظمة، وهي الكبرياء، وما تصرّف منها، وعظّه الدهر وعظّته الحرب (4). أما العضّ بالأسنان فبالضاد، والعظل (5)، وهو الشدّة، ومنه تعاظل الجراد والكلاب في السّفاد (6). وأما العضل بمعنى المنع فإنه
__________
(1) في اللسان: ظلع أي عرج وغمز في مشيه. ومنه: الظّلع، باللام الساكنة. والظّلع، باللام المفتوحة، هو الميل والاعوجاج. وفي المثل: «إرق على ظلعك أن يهاضا». وفي جمهرة الأمثال:
» إرق على ظلعك واقدر بذرعك»، أي تكلّف ما تطيق. (اللسان 8/ 243وجمهرة الأمثال 1/ 117).
(2) في اللسان: الضّلع، باللام الساكنة قبلها ضاد مشددة مكسورة: واحد الأضلاع. (اللسان 8/ 225).
(3) يقال: فرس ضليع أي قوي الضلوع، وفرس مضلع أي ضعيف الضلوع. (الفرق بين الضاد والظاء ص 7).
(4) قال الصاحب بن عبّاد:
يقال: ورد عليّ أمر عظّني يعني عضّني، لأن العضّ لا يكون إلا بالنواجذ والأنياب، والعظّ: لكل أمر مثل الحرب والشدّة من الدهر، وأنشد:
بصير في الكريهة والعظاظ
وأما قول أبي الشّيص:
أبقى الزمان به ندوب عضاض ... ورمى سواد قرونه ببياض
فإنه احتاج إلى القافية، وليس شعره حجة.
وأما قول الفرزدق:
وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتا أو مجلّفا
فإنه يروى بالظاء على أصله، وبالضاد على حدّ الاستعارة، وحكمه ما ذكرناه. (لسان العرب 7/ 447وتاج العروس 5/ 251والفرق بين الضاد والظاء 54).
(5) كذا، بالظاء المشالة وفي اللسان (مادة ع ض ل): «وأصل العضل المنع والشدّة»، أي بالضاد الساقطة ولم يذكره بهذا المعنى في مادة (ع ظ ل).
(6) السّفاد: كناية عن الجماع. وجراد عظلى وذباب متعاظل: إذا عاظلت وركب بعضها بعضا.
قال الشاعر:
كلاب تعاظل سود الفقاح ... لم تحم شيئا ولم تصطد
والبيت ورد في لسان العرب وتاج العروس من دون نسبة لقائل. (لسان العرب 11/ 456، وتاج العروس 8/ 24والفرق بين الضاد والظاء 6).(3/224)
بالضاد، ومنه قوله تعالى: {فَلََا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوََاجَهُنَّ} (1)، وكذلك قولهم: أعضل الأمر إذا صعب، ومنه الداء العضال وسوق عكاظ، وهو سوق كان يقام للعرب في الجاهلية، وأصل العكظ الحبس (2).
حرف الغين المعجمة
فيه الغيظ بمعنى الحنق وما تفرّع عنه، أما غاض الماء بمعنى غار، والغيضة، وهي منبت الشجر في الماء فبالضاد، والغلظ وما تصرف منه.
حرف الفاء
فيه الفظاظة، وهي القسوة ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ} (3) أما انفضاض الجمع فبالضاد، ومنه قوله تعالى: {لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (4). وكذلك افتضاض البكر والكتاب والفظيع، وهو الشنيع وفاظ الرجل إذا مات. أما فيض الإناء والدمع بمعنى السّيلان فبالضاد، ومن ثمّ جاز أن يكتب فاظت نفسه بالظاء على معنى ماتت نفسه، ويجوز أن يكتب بالضاد على معنى سالت نفسه.
__________
(1) سورة البقرة / 232.
(2) في اللسان: عكظه أي عركه وقهره.
وقال الصاحب بن عباد: عكظته بالخصومة عكظا: إذا دعكته، ولذلك سمّي سوق عكاظ، لأنهم كانوا يتعاكظون بالخصومة والتفاخر والأشعار. (اللسان 7/ 447والفرق بين الضاد والظاء ص 26).
(3) سورة آل عمران / من الآية 159.
(4) نفس الآية.(3/225)
حرف القاف
فيه القيظ، وهو صميم الحرّ وما تصرّف منه. أما القيض الذي هو القشر الأعلى من البيض فبالضاد، وكذلك قيّض الله له كذا، أي أتاحه له، والقرظ، وهو ثمرة شجرة السّنط التي يدبغ بها الجلد (1). أما القرض بمعنى القطع فبالضاد، ومنه قرض المال.
حرف الكاف
فيه الكظم (2)، وهو كتم الحزن، والكظّ، وهو شدّة الحرب، وكاظمة، وهو اسم مكان بالبحرين.
حرف اللام
فيه لظى: اسم جهنّم، واللّظّ (3)، وهو اللزوم، ومنه «ألظّوا بياذا الجلال والإكرام» (4) أي الزموا هذا الاسم في الدعاء والمناجاة به، واللّحظ، وهو النظر بمؤخر العين واللّمظ، وهو بياض الجحفلة السّفلى من الفرس، ومنه قيل: فرس ألمظ واللّفظ، وهو معروف وما تصرف من جميع ذلك.
__________
(1) في اللسان: القرظ شجر يدبغ به، وقيل: هو ورق السّلم يدبغ به الأدم.
والسّلمة أو السّلم: شجرة ذات شوك يدبغ بورقها وقشرها، ويسمى ورقها القرظ، لها زهرة صفراء فيها حبة خضراء طيبة الريح تؤكل في الشتاء وهي في الصيف تخضرّ. (اللسان 7/ 454 و 12/ 296).
(2) والكظم، بالظاء المحركة مخرج النفس، وناقة كظوم: إذا لم تجتر، والكظامة: حبل يشدّ به خرطوم البعير، وسير يوصل وتر القوس العربية، والكظيمة: القناة التي تحفر تحت الأرض.
(انظر: الفرق بين الضاد والظاء ص 30، 31).
(3) ويقال: رجل لظّ كظّ أي عسر متشدّد. وفي الحديث: «ألظّوا بياذا الجلال والإكرام» أي داوموا بالسؤال بها. ورد الحديث بهذا النص في النهاية: 4/ 58وقال ابن الأثير بأن معناه: الزموه واثبتوا عليه وأكثروا من قوله والتلفظ به. كما ورد أيضا في أساس البلاغة: 409ولسان العرب 7/ 459.
وفي نظيره من الضاد: دليل لضلاض أي كثير التلفّت. (يراجع أيضا: الفرق بين الضاد والظاء ص 13).
(4) ويقال: رجل لظّ كظّ أي عسر متشدّد. وفي الحديث: «ألظّوا بياذا الجلال والإكرام» أي داوموا بالسؤال بها. ورد الحديث بهذا النص في النهاية: 4/ 58وقال ابن الأثير بأن معناه: الزموه واثبتوا عليه وأكثروا من قوله والتلفظ به. كما ورد أيضا في أساس البلاغة: 409ولسان العرب 7/ 459.
وفي نظيره من الضاد: دليل لضلاض أي كثير التلفّت. (يراجع أيضا: الفرق بين الضاد والظاء ص 13).(3/226)
حرف النون
فيه النّظم وما تصرف منه، والنّظر بالعين وما تصرف منه، والنّظير وهو المثل. أما النّضارة بمعنى البهجة فبالضاد، ومنه قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاضِرَةٌ} (1). ومنه اشتقاق بني النّضير، وفي معناه النّضار اسم الذهب والنّظافة، وهي خلاف القذارة.
حرف الواو
فيه الوظيف: ما فوق الرّسغ من ذوات الحافر والوظيفة، وأصلها الطعام الراتب ثم استعملت فيما هو أعمّ من ذلك.
حرف الياء
اليقظة، وهي خلاف النوم.
__________
(1) سورة القيامة / 22.(3/227)
المقالة الثانية في المسالك والممالك وفيها أربعة أبواب
الباب الأوّل في ذكر الأرض على سبيل الإجمال وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول
(في معرفة شكل الأرض، وإحاطة البحر بها، وبيان جهاتها الأربع، وما اشتملت عليه من الأقاليم الطبيعية
، وبيان موقع الأقاليم العرفية من الأقاليم الطبيعية، وذكر حدودها الجامعة لها، ومعرفة طريق استخراج جهة كل بلد، وفيه طرفان).
الطّرف الأوّل في شكل الأرض، وإحاطة البحر بها
أما شكل الأرض فقد تقرّر في علم الهيئة أن الأرض كريّة الشّكل والماء محيط بها من جميع جهاتها إلا ما اقتضته العناية الإلهيّة من كشف أعلاها لوقوع العمارة فيه وقيل هي مسطّحة الشّكل وقيل كالتّرس وقيل كالطّبل، والتحقيق الأوّل وبكل حال فالماء محيط بها من جميع جهاتها كما تقدّم.
قال في «تقويم البلدان» (1): وأحواله معلومة في بعض المواضع دون بعض فمن المعلوم الحال الجانب الغربيّ ويسمّى بحر أوقيانوس (2) (بهمزة
__________
(1) هو السلطان عماد الدين صاحب حماه، وستأتي ترجمته في هامش الصفحة 231من هذا الكتاب.
والفقرة التالية تناسب الكلام على البحار وقد ذكرها هناك.
(2) وهو البحر المحيط، ويسمى أيضا بحر أقيانوس المحيط، أو اقيانوس فحسب: وهو عند اليونان البحر المحيط، وقد سماه البعض البحر الأخضر، وروي أنه يحيط بالعالم المعمور من كل جانب، أو على الأقل من ثلاثة جوانب: الغربي والشمالي والشرقي (المسعودي: التنبيه، ص 26) ذلك أن الحد الجنوبي للعالم المعمور كان هو خط الاستواء. وفي رواية كعب الأحبار التي رواها القزويني في عجائب الأخبار 1/ 104: أنه كان يحيط بالأرض سبعة بحار، آخرها يحيط بالبحار الأخرى. وقد انعقد الإجماع على أن البحار الكبرى كانت تتصل اتصالا مباشرا بالبحر المحيط باستثناءات قليلة نخص منها: بحر الخزر على أنه وإن كان البحر المحيط هو الذي يحيط بالأرض، إلا أنه كثيرا ما يدل على المحيط الأطلسي فحسب. ويتفق الكتاب العرب على أن البحر المحيط يتعذّر مرور السفن فيه (على ما رواه ياقوت عن الكندي)، على أنه من المحقق أن السفن الإسلامية أبحرت في المحيط الأطلسي (راجع دائرة المعارف الإسلامية 6/ 306، 307، 308. ومعجم البلدان 1/ 21).(3/228)
مضمومة بعدها واو ساكنة ثم قاف مكسورة ثم ياء مثناة تحت مفتوحة ثم ألف بعدها نون ثم واو ثم سين مهملة). ثم للأرض أربع جهات:
الأولى المشرق
سميت بذلك لشروق الشمس منها ويقال لها الشّرق أيضا.
الثانية المغرب
سميت بذلك لغروب الشمس فيها ويقال لها الغرب أيضا.
الثالثة الشّمال
(بفتح الشين) وهي التي إذا استقبلت المشرق كانت على شمالك ويقال لها الشام أيضا، لأن الشام كانت في جهة الشّمال عن بلاد العرب فسميت الجهة به وأهل مصر يسمون هذه الجهة: البحريّة، لكونها جهة البحر الروميّ (1)، أو تسمية لها باسم الريح التي تهبّ منها، فقد سبق أنهم يسمّون الرّيح التي تهبّ من الشمال البحرية، لأنها يسار بها في البحر كيف كان.
الرابعة الجنوب
(بفتح الجيم) وهي التي إذا استقبلت المشرق كانت على جانبك الأيمن ولم يسمّ بالأيمن كما سمّي مقابله بالشّمال، لأنه لما ذكر الشّمال لم
__________
(1) أي البحر اليوناني أو البحر المتوسط، وكلا الاسمين كانا يستعملان من تاريخ مبكر للدلالة بخاصة على شرقي المتوسط، حيث كان من المحتمل مصادفة الأساطيل البيزنطية. ولما اتسعت الفتوحات الإسلامية أطلق هذان الاسمان على البحر المتوسط بأسره. وكان البحر المتوسط يسمى أيضا البحر الشامي أو بحر الشام وبحر الروم. (دائرة المعارف الإسلامية: 6/ 279).(3/229)
يبق إلا الجانب الأيمن فاستغني عن ذكره وأهل مصر يسمون هذه الجهة:
القبلية (1)، لوقوعها في جهة قبلتهم ولذلك يبدأون بها في التحديد، وإن كان الأصل الابتداء بالمشرق لأن منه مبدأ حركة الفلك (2).
ثم كرة الأرض يقسمها خطّ في وسطها بنصفين: نصف جنوبيّ، ونصف شماليّ ويسمّى هذا الخط الاستواء، لاستواء الليل والنهار عنده في جميع فصول السنة، ويقاطعه خطّ آخر يقسمها بنصفين: نصف شرقيّ ونصف غربيّ وتصير الأرض به أربعة أرباع، ويسمى هذا الخط خطّ نصف النهار لمسامتة الشمس له في نصف النهار، وكلّ من هذين الخطين مقسوم بمائة وثمانين درجة، كل درجة ستون دقيقة، وسيأتي تقدير ذلك بالأميال والفراسخ والمراحل والبرد في الكلام على بعد ما بين البلدان فيما بعد إن شاء الله تعالى.
واعلم أن كلّ ما بعد عن أقصى العمارة في المغرب إلى جهة المشرق يعبّر عنه عند علماء الهيئة والميقات بالطّول (3) وقد اختلف في ابتداء ذلك: فالقدماء ابتدأوه من جزائر بالبحر المحيط تعرف بالخالدات (4)، يأتي الكلام عليها في جملة جزائر البحر المحيط، والمحقّقون على ابتداء ذلك من ساحل البحر المحيط
__________
(1) قال في معجم البلدان عن القضاعي: «أرض مصر تنقسم قسمين، فمن ذلك صعيدها وهو يلي مهبّ الجنوب منها، وأسفل أرضها وهو يلي مهب الشمال منها». (معجم البلدان: 5/ 139).
(2) يقول الدكتور محمد محمود الصياد: «وهكذا يمضي القلقشندي باحثا دقيقا عن علل الأسماء وأسبابها في عبارة واحدة ومنطق سليم فيسهم في تكوين فرع من فروع الجغرافية لم تهتم به أوروبا إلا في العصر الحديث، ويسمى بالإنكليزية:. وقد أهملنا نحن الجغرافيين العرب هذا الجانب من الدراسة ونسينا أن أجدادنا كانوا من أول من عني به، فقد نشأت الجغرافية العربية لغوية في أول أمرها، ولم يلتفت إلى هذه الناحية في العصر الحديث سوى رجل ليس من أصحاب الجغرافية وهو المرحوم محمد رمزي صاحب «القاموس الجغرافي للبلاد المصرية».
(راجع القلقشندي وكتابه صبح الأعشى. ص 211).
(3) جاء في معجم البلدان: «معنى قولنا طوله (أي البلد) أي بعده عن أقصى العمارة، لأن ما يستعمل من هذه الصناعة أنما هو مستنبط من آراء اليونانيين وهم ابتدأوا العمارة من أقرب نهاية العمارة إليهم وهي الغربية. فطول البلد، على ذا، هو بعده عن المغرب، إلا أن في هذه النهاية بينهم أختلافا، فإن بعضهم يبتديء بالطول من ساحل بحر أوقيانوس الغربي، وهو البحر المحيط، وبعضهم يبتديء به من سمت الجزائر الواغلة في البحر المحيط قريبا من مائتي فرسخ، تسمى جزائر السعادات، والجزائر الخالدات، وهي بحيال بلاد المغرب: (معجم البلدان: 1/ 139) وفي العصر الحديث، بناء على اتفاق دولي، اعتمد الخط الذي يمر بقرب «غرينتش» قرب لندن باعتباره الخط الأول للطول أو خط الصفر، ويسمى أيضا الخط الأساسي وتقاس الخطوط الأخرى شرقا وغربا بالنسبة إليه. ويقابل خط غرينتش وعلى 180درجة شرقا أو غربا خط آخر يدعى خط الزوال.
وعلى هذا فإن المسافة بين خطين للعرض تتراوح بين 111كلم عند خط الاستواء إلى صفر عند القطبين. (أطلس العالم مكتبة لبنان ص 10ومعجم البلدان 1/ 39والجغرافيا في الصفوف الثانوية، مؤسسة بدران: 5049).
(4) جاء في معجم البلدان: «معنى قولنا طوله (أي البلد) أي بعده عن أقصى العمارة، لأن ما يستعمل من هذه الصناعة أنما هو مستنبط من آراء اليونانيين وهم ابتدأوا العمارة من أقرب نهاية العمارة إليهم وهي الغربية. فطول البلد، على ذا، هو بعده عن المغرب، إلا أن في هذه النهاية بينهم أختلافا، فإن بعضهم يبتديء بالطول من ساحل بحر أوقيانوس الغربي، وهو البحر المحيط، وبعضهم يبتديء به من سمت الجزائر الواغلة في البحر المحيط قريبا من مائتي فرسخ، تسمى جزائر السعادات، والجزائر الخالدات، وهي بحيال بلاد المغرب: (معجم البلدان: 1/ 139) وفي العصر الحديث، بناء على اتفاق دولي، اعتمد الخط الذي يمر بقرب «غرينتش» قرب لندن باعتباره الخط الأول للطول أو خط الصفر، ويسمى أيضا الخط الأساسي وتقاس الخطوط الأخرى شرقا وغربا بالنسبة إليه. ويقابل خط غرينتش وعلى 180درجة شرقا أو غربا خط آخر يدعى خط الزوال.
وعلى هذا فإن المسافة بين خطين للعرض تتراوح بين 111كلم عند خط الاستواء إلى صفر عند القطبين. (أطلس العالم مكتبة لبنان ص 10ومعجم البلدان 1/ 39والجغرافيا في الصفوف الثانوية، مؤسسة بدران: 5049).(3/230)
الغربيّ الذي هو أقصى العمارة الآن، وبينهما عشر درج (1)، ونهاية العمارة في المشرق موضع يقال له كندر (2) ومنتصف ما بين الابتداء والنهاية الشرقية يسمّى قبّة أرين، ويعبّر عنه بقبة الأرض وهي على بعد ربع الدّور من المبدإ الغربيّ، ويختلف الحال فيه باختلاف الابتداء من الجزائر الخالدات أو من الساحل. وما بعد عن خط الاستواء المقدّم ذكره يعبّر عنه بالعرض فإن كان في جهة الجنوب فالعرض جنوبيّ، وإن كان (3) في جهة الشمال فالعرض شماليّ. ويعتبر الطّول والعرض في الأمكنة من البلدان وغيرها بالدّرج والدقائق على ما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ثم النّصف الجنوبيّ من الأرض لا عمارة فيه إلا فيما قارب خطّ الاستواء في بعض بلاد الزّنج والحبشة، وما والى ذلك مما لا يزيد عرضه على ثلاث درج فيما أورده السلطان عماد الدين (4) صاحب حماه في «تقويم البلدان» أو ستّ عشرة
__________
(1) أي عشر درجات. وفي معجم البلدان: الدرجة قدر ما تقطعه الشمس في يوم وليلة من الفلك، وفي مساحة الأرض خمسة وعشرون فرسخا. وتنقسم الدرجة إلى ستين دقيقة، والدقيقة إلى ستين ثانية، والثانية إلى ستين ثالثة، وترقى كذلك. (معجم البلدان 1/ 39).
(2) موضعان: أحدهما قرية من نواحي نيسابور، والثاني قرية قريبة من قزوين. (معجم البلدان 4/ 482).
(3) أما ياقوت فيقول: «عرض البلد هو بعده الأقصى عن خط الاستواء نحو الشمال، لأن البلد والعمارة في هذه الناحية». وكلام القلقشندي أكثر دقة وصحّة. (معجم البلدان 1/ 39).
(4) هو إسماعيل بن علي بن محمود، الملك المؤيد، صاحب حماه، ويعرف بأبي الفداء: مؤرخ جغرافي، قرأ التاريخ والأدب وأصول الدين والفلسفة والطب. توفي سنة 732. وكتابه «تقويم البلدان» مجلدان، ترجمه إلى الفرنسية المستشرق رينو. (الأعلام 1/ 319وفوات الوفيات 1/ 183).(3/231)
درجة وخمس وعشرين دقيقة فيما ذكره إسحاق الحارثيّ وغيره. وأكثر المعمور إنما هو في النصف الشّماليّ والعمارة فيه فيما بين خطّ الاستواء إلى نهاية ستّ وستين درجة ونصف درجة في العرض وما وراء ذلك إلى نهاية الشّمال خراب لا عمارة فيه، وغالب العمارة واقع بينما يجاوز عرضه عشر درج إلى حدود الخمسين درجة، وما وراء ذلك في جهة الجنوب إلى خط الاستواء، وفي جهة الشّمال إلى حدّ العمارة غالبه جبال وقفار وغالب العمارة في الطّول من ساحل البحر المحيط الغربيّ إلى تسعين درجة فما دونها.
الطّرف الثاني فيما اشتملت عليه الأرض من الأقاليم الطبيعية
قد قسّم الحكماء المعمور إلى سبعة أقاليم ممتدّة من المغرب إلى المشرق في عروض قليلة تتشابه أحوال البقاع في كل إقليم منها، ثم اختلفوا في ترتيبها بحسب العرض، فقوم جعلوا ابتداء الأول منها خطّ الاستواء، وآخر السابع منتهى العمارة في الشمال وهو ستّ وستون درجة على ما تقدّم (1).
قال في «تقويم البلدان»: والذي عليه المحقّقون أن ابتداء الإقليم الأول حيث العرض اثنتا عشرة درجة وثلثا درجة، وما وراء ذلك إلى خط الاستواء خارج
__________
(1) ذهب جغرافيو العرب إلى أنّ العامر من الأرض هو ربعها، أي 64درجة فوق خط الاستواء. والدرجة في اصطلاحهم 25فرسخا، والفرسخ 12000ذراع، والذراع 124إصبعا، والإصبع 6حبات شعير ملصقة بطون بعضها لظهور بعض. فالربع العامر يبلغ بهذا الحساب 1600فرسخ فوق خط الاستواء، وغير العامر بعد ذلك خلاء. وقد عللوا خلاء الأرباع الثلاثة الباقية بأن بعضها واقع إلى أقصى الشمال فلا عمارة فيه لشدة البرد والجمود، والبعض الآخر إلى جنوب خط الاستواء فلا عمارة فيه كذلك لشدة الحرّ وعدم الرطوبة التي هي مصدر الحياة للحيوان والنبات. (دائرة المعارف الإسلامية 4/ 136).(3/232)
عن الإقليم الأول في جهة الجنوب، وآخر الإقليم السابع حيث العرض خمسون درجة وثلث درجة، وما وراء ذلك إلى نهاية العمران في الشّمال خارج عن الإقليم السابع إلى الشمال فيكون من العمران ما لم يدخل في الأقاليم السبعة، وعليه وقع الترتيب في هذا الكتاب (1).
الإقليم الأول مبدؤه حيث العرض اثنتا عشرة درجة وثلثا درجة
كما هو مذهب المحققين على ما تقدم، ووسطه حيث العرض ستّ عشرة درجة ونصف وثمن درجة، وآخره حيث العرض عشرون درجة وربع وثمن درجة، فتكون سعته سبع درجات وثلثي درجة وثمن درجة (2).
الإقليم الثاني مبدؤه حيث العرض عشرون درجة وربع وثمن درجة،
ووسطه حيث العرض أربع وعشرون درجة وثلثا درجة، وآخره حيث العرض سبع وعشرون درجة ونصف درجة، فتكون سعته بالتقريب سبع درج وثلاث دقائق (3).
__________
(1) وقد رتّب «الإدريسي» كتابه «تقويم البلدان» وفقا لترتيب الأقاليم. وكانت القاعدة لتعيين حدود إقليم ما هي مدة أطول يوم فيه. أما «أبو الفداء» فقد ذهب إلى أن الشطر العامر من الأرض كان واقعا فعلا بين درجتي 10و 50من العرض الشمالي، وأن مدة أطول نهار تزداد في كل إقليم من الأقاليم السبعة بحسب وضعها من الجنوب إلى الشمال بقدر 30درجة. (دائرة المعارف الإسلامية 4/ 134، 135).
(2) من المشرق يبتديء من أقصى بلاد الصين ويمر على سواحل البحر في جنوبي بلاد السند ثم يقطع البحر إلى جزيرة العرب وأرض اليمن ويقطع بحر القلزم إلى بلاد الحبشة ويقطع نيل مصر وينتهي إلى بحر المغرب فوقع وسطه قريبا من أرض صنعاء وحضر موت، ووقع طرفه الذي يلي الجنوب قريبا من أرض عدن، ووقع طرفه الذي يلي الشمال بتهامة قريبا من مكة. ويكون أطول نهار فيه 12 ساعة و 4/ 3. ومساحته: أربعة آلاف ألف وثلاثمائة وعشرون ألف ميل وثمانمائة وسبعة وسبعون ميلا وإحدى وعشرون دقيقة. (معجم البلدان: 1/ 29ودائرة المعارف الإسلامية: 4/ 135).
(3) ويبتديء في المشرق فيمر على بلاد الصين وبلاد الهند وعلى شماليها جبال قامرون وكنوج والسند ويمر بملتقى البحر الأخضر وبحر البصرة ويقطع جزيرة العرب في أرض نجد وتهامة والبحرين ثم يقطع بحر القلزم ونيل مصر إلى أرض المغرب. وأطول نهار فيه: 13ساعة و 4/ 1. ومساحته:
ثلاثة آلاف ألف وستمائة ألف وتسعون ألف ميل وثلاثمائة وأربعون ميلا وأربع وخمسون دقيقة.
(المرجع السابق).(3/233)
الإقليم الثالث مبدؤه حيث العرض سبع وعشرون درجة ونصف درجة،
ووسطه حيث العرض ثلاثون درجة وثلثا درجة، وآخره حيث العرض ثلاث وثلاثون درجة ونصف وثمن درجة بالتقريب [فتكون سعته ست درجات وثمن درجة بالتقريب (1)] (2).
الإقليم الرابع مبدؤه حيث العرض ثلاث وثلاثون درجة ونصف وثمن درجة
ووسطه حيث العرض ست وثلاثون درجة وخمس وسدس درجة وآخره حيث العرض تسع وثلاثون درجة إلا عشرا، فتكون سعته خمس درجات وسبع عشرة دقيقة بالتقريب (3).
الإقليم الخامس مبدؤه حيث العرض تسع وثلاثون درجة
ووسطه حيث العرض إحدى وأربعون درجة وآخره حيث العرض ثلاث وأربعون درجة وربع وثمن درجة فتكون سعته أربع درجات وربع وثمن وعشر درجة بالتقريب (4).
الإقليم السادس مبدؤه حيث العرض ثلاث وأربعون درجة وربع وثمن درجة
ووسطه حيث العرض خمس وأربعون درجة وعشر درجة وآخره حيث
__________
(1) الزيادة عن «تقويم البلدان» و «ضوء الصبح».
(2) وهو يبتديء من المشرق فيمر على شمالي بلاد الصين ثم الهند ثم السند ثم كابل وكرمان وساجستان وفارس والأهواز والعراقين والشام ومصر والإسكندرية. مساحته ثلاثمائة ألف ألف وستة آلاف وأربعمائة وثمانية وخمسون ميلا وتسع وعشرون دقيقة. وأطول نهار فيه: 13ساعة و 4/ 3.
(معجم البلدان: 1/ 30ودائرة المعارف الإسلامية 4/ 135).
(3) ويبتديء من أرض الصين والتّبّت ويمر على جبال كشمير وهراة وبلخ وطخارستان إلى البحر المحيط على الزقاق بين الأندلس وبلاد المغرب. وأطول نهار فيه 14ساعة و 4/ 1.
ومساحته ألف ألف وأربعمائة ألف وثلاثة وسبعون ألفا واثنان وسبعون ميلا واثنتان وعشرون دقيقة.
(المرجع السابق).
(4) ويبتديء من أرض الترك المشرقين ويأجوج المسدودين ويمر على أجناس الترك المعروفين بقبائلهم إلى كاشغر إلى باب الأبواب وميافارقين وأرمينية إلى بلاد الأندلس وينتهي إلى البحر المحيط. ومساحته ألف ألف وثمانية وأربعون ألفا وخمسمائة وأربعة وثمانون ميلا واثنتا عشرة دقيقة. وأطول نهار فيه: 14ساعة و 4/ 3. (المرجع السابق).(3/234)
العرض سبع وأربعون درجة وخمس درجة فتكون سعته ثلاث درجات ونصف وثمن وخمس درجة (1).
الإقليم السابع مبدؤه حيث العرض سبع وأربعون درجة وخمس درجة
ووسطه حيث العرض ثمان وأربعون درجة ونصف وربع وثمن درجة وآخره حيث العرض خمسون درجة وثلث درجة فتكون سعته ثلاث درجات وثمان دقائق (2).
وأما أطوال هذه الأقاليم فإنها تختلف في الطّول والقصر باعتبار القرب من خط الاستواء والبعد عنه فكلّما قرب الإقليم من خط الاستواء كان أكثر طولا من الذي يليه: ضرورة أن أوسع الكرة وسطها وما بعده من الجانبين يقصر شيئا فشيئا.
فطول الإقليم الأول من ابتدائه من ساحل البحر المحيط الغربيّ إلى ساحل البحر المحيط الشرقيّ فيما ذكره في «تقويم البلدان» مائة واثنتان وسبعون درجة وسبع وعشرون دقيقة (3).
وطول الإقليم الثاني مائة وأربع وستون درجة وعشرون دقيقة.
وطول الإقليم الثالث مائة وأربع وخمسون درجة وخمسون دقيقة.
__________
(1) ويبتديء من مساكن ترك المشرق، من قاني وقون ويمر على القسطنطينية وأرض الفرنجة وشمالي الأندلس حتى ينتهي إلى بحر المغرب. ومساحته ألف ألف ميل وستة وأربعون ألف ميل وسبعمائة وواحد وعشرون ميلا وكذا دقيقة. وأطول نهار فيه: 15ساعة و 4/ 1. (المرجع السابق).
(2) وليس فيه كثير العمران، انما هو في المشرق غياض وجبال يأوي اليها فرق من الترك كالمستوحشين ويمر على جبال باشغرد وحدود البجناكية وبلدي سرار وبلغار والروس والصقالية والبلغرية وينتهي إلى البحر المحيط. ومساحته: ألف ألف ميل ومائتا ألف ميل وأربعة وعشرون ألف ميل وثمانمائة وأربعة وعشرون ميلا وتسع وأربعون دقيقة. وأطول نهار فيه: 15ساعة و 4/ 3، (المرجع السابق).
(3) أي 3252فرسخا، باعتبار أن الدرجة الواحدة تعادل 18فرسخا و 9/ 8، حسب تقويم البيروني.
وأطوال الأقاليم التي ستمر في هذه الصفحة مطابقة لما ذكر في دائرة المعارف الإسلامية: 4/ 135 وما بعدها.(3/235)
وطول الإقليم الرابع مائة وأربع وأربعون درجة وسبع عشرة دقيقة.
وطول الإقليم الخامس مائة وخمس وثلاثون درجة واثنتان وعشرون دقيقة.
وطول الإقليم السادس مائة وست وعشرون درجة وسبع وعشرون دقيقة.
وطول الإقليم السابع مائة وتسع عشرة درجة وثلاث وعشرون دقيقة.(3/236)
الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة الثانية
في البحار التي بتكرر ذكرها بذكر البلدان في التعريف بها والسّفر إليها وفيه طرفان:
الطرف الأول في البحر المحيط (1)
وهو المستدير بالقدر المكشوف من الأرض. وأحواله معلومة في بعض المواضع دون بعض.
فمن المعلوم الحال منه الجانب الغربيّ، ويسمّى بحر أوقيانوس، وفيه الجزائر الخالدات المتقدّم ذكرها في الكلام على الأطوال.
ويأخذ في الامتداد من سواحل بلاد المغرب الأقصى من زقاق سبتة الذي بين الأندلس وبرّ العدوة إلى جهة الجنوب حتى يتجاوز صحراء لمتونة، وهي بادية البربر بين طرف بلاد المغرب من الجنوب وبين طرف بلاد السودان من الشّمال، ثم يمتدّ جنوبا على أرض خراب غير مسكونة ولا مسلوكة حتّى يتجاوز خط الاستواء المتقدّم ذكره إلى الجنوب.
__________
(1) راجع هامش الصفحة 228.(3/237)
قال الشريف الإدريسي (1): وماؤه هناك ثخين غليظ شديد الملوحة، لا يعيش فيه حيوان، ولا يسلك فيه مركب.
ثم يعطف إلى جهة الشرق وراء جبال القمر التي منها منابع نيل مصر الآتي ذكرها، فيصير البحر المذكور جنوبيّا عن الأرض، ويمتدّ شرقا على أراض خراب وراء بلاد الزنج، ثم يمتدّ شرقا وشمالا حتى يتصل ببحر الصين والهند، ثم يأخذ مشرّقا حتى يسامت نهاية الأرض الشرقية المكشوفة، وهناك بلاد الصين، ثم ينعطف في شرق الصين إلى جهة الشّمال ويصير في جهة الشرق عن الأرض، ويمتدّ شمالا على شرقي بلاد الصين حتّى يتجاوز حدّ الصين، ويسامت سدّ يأجوج ومأجوج (2)، ثم ينعطف ويستدير على أرض غير معلومة الأحوال، ويمتد مغرّبا ويصير في جهة الشمال عن الأرض، ويسامت بلاد الروس ويتجاوزها ثم ينعطف غربا وجنوبا ويستدير على الأرض ويصير في جهة الغرب منها، ويمتدّ على سواحل أمم مختلفة من الكفّار حتّى يسامت بلاد رومية من غربها، ثم يمتدّ جنوبا ويتجاوز بلاد رومية ويسامت البلاد التي بينها وبين الأندلس، ويتجاوزها إلى سواحل الأندلس ويمتدّ على غربي الأندلس جنوبا حتى يجاوزه وينتهي إلى زقاق سبتة الذي وقعت البداءة منه.
__________
(1) هو محمد بن محمد بن عبد الله بن أدريس، أبو عبد الله: مؤرخ من أكابر العلماء بالجغرافية، من أدارسة المغرب الأقصى. توفي سنة 560هـ. ويلقب أيضا بالقرطبي، نسبة إلى قرطبة التي تعلم فيها. وللإدريسي كتابان هامان يعتبران أعظم مصنفات العصور الوسطى في الجغرافيا وهما:
«كتاب رجار» نسبة إلى الملك النوماندي روجر الثاني وهذا الكتاب يعرف أيضا باسم «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» والكتاب الثاني: «روضة الأنس ونزهة النفس» أو «كتاب الممالك والمسالك». (راجع الأعلام 7/ 24ودائرة المعارف الإسلامية: 2/ 488).
(2) أورد ياقوت أخبارا عديدة حول سدّ يأجوج ومأجوج، غير أنه ذكر في نهاية روايته: «قد كتبت من خبر السدّ ما وجدته في الكتب ولست أقطع بصحة ما أوردته لاختلاف الروايات فيه، والله أعلم بصحته. وعلى كل حال فليس في صحه أمر السدّ ريب وقد جاء ذكره في الكتاب العزيز». (معجم البلدان: 3/ 197حتى 200).(3/238)
الطّرف الثاني في البحار المنبثة في أقطار الأرض، ونواحي الممالك، وما بها من الجزائر المشهورة، وهي على ضربين
الضرب الأول الخارج من البحر المحيط وما يتصل به والمشهور منه ثلاثة أبحر
البحر الأول الخارج من البحر المحيط الغربي إلى جهة الشرق
وهو (بحر الروم) (1) وأضيف إلى الروم لسكنى أممهم عليه من شماليّه، ويعبّر عنه بالبحر الروميّ أيضا، وقد يعبّر عنه بالبحر الشاميّ، لوقوع سواحل الشام عليه من شرقيه ومخرجه من المحيط من بحر أقيانوس المتقدم ذكره بين الأندلس وبرّ العدوة من بلاد المغرب، ويسمّى هناك بحر الزّقاق، وربما قيل زقاق سبتة، لمجاورته لها على ما سيأتي وهو هناك في غاية الضيق.
قال الشريف الإدريسيّ: والثابت في الكتب القديمة أن سعته عشرة أميال ولكنه اتسع بعد ذلك.
قال ابن سعيد (2): وهو في زماننا ثمانية عشر ميلا.
قال في «الروض المعطار» (3): ويذكر أنه كان عليه قنطرة عظيمة بين
__________
(1) راجع هامش الصفحة 229.
(2) هو علي بن موسى بن محمد بن عبد الملك، المعروف بابن سعيد المغربي، المتوفي سنة 685هـ.
مؤرخ أندلسي، من الشعراء العلماء بالأدب. له في الجغرافية: «وصف الكون» و «بسط الأرض». وذكر صاحب «فوات الوفيات» انه توفي سنة 673هـ. والأرجح ما ذكرناه أعلاه عن صاحب «الأعلام»، كما رجّح ذلك الدكتور إحسان عباس في هامش «فوات الوفيات» إذ أن ابن رشد كان قد ترجم لابن سعيد في رحلته وذكر أنه لقيه بتونس، وهذا يجعل وفاته متأخرة عن التاريخ الذي ذكره مؤلف «فوات الوفيات». (الأعلام 5/ 26وفوات الوفيات: 3/ 103و 104).
(3) «الروض المعطار في أخبار الأقطار» لمحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحميري المتوفي سنة 900هـ. وقد ذكر الدكتور محمد محمود الصياد في دراسته حول «صبح الأعشى»:
نظرة جغرافي في صبح الأعشى: إنّ أهم ما يلاحظ على القلقشندي أنه كاتب أمين، ينسب كل منقولاته إلى أصحابها لا يدّعي منها شيئا لنفسه. وهو عادة يذكر الكتب مقرونة بأسماء مؤلفيها ولكنه قد يخرج عن هذه القاعدة أحيانا فيكتفي بذكر اسم الكتاب أو اسم المؤلف وربما كانت هذه الكتب مشهورة على عهده فاعتقد أن اسم الكتاب يغني عن اسم مؤلفه وبالعكس. ومن هذه الكتب التي لم يذكر أسماء مؤلفيها: الروض المعطار، والقانون، وتاريخ النيل وغيرها.
وللمقريزي المتوفى سنة 845هـ. كتاب اختصر فيه «الروض المعطار» وأسماه: «جني الأزهار من الروض المعطار في عجائب الأقطار». (القلقشندي وكتابه صبح الأعشى ص 208، 209 وفهرسة المخطوط العربي: ص 77وكشف الظنون: ص 920).(3/239)
الأندلس وساحل طنجة من بر العدوة، مبنيّة بالحجارة، لا يعلم لها نظير في معمور الأرض، يمرّ عليها الناس والدوابّ من جانب إلى جانب، وأن البحر قبل الفتح الإسلاميّ بمائة سنة طمى (1) فأغرق القنطرة وربما ظهرت لأهل المراكب تحت الماء. قال: والناس يقولون إنه لا بدّ من ظهورها قبل فناء الدنيا.
ويبتديء هذا البحر من أول بحر الزّقاق المقدّم ذكره، ويمتدّ على (سواحل الغرب) إلى حدود الديار المصريّة فيمرّ على مدينة (طنجة) (2) حيث الطول ثمان درج، والعرض خمس وثلاثون درجة ونصف ثم يعطف جنوبا وشرقا إلى مدينة (سلا) (3).
ثم يمتدّ شرقا وشمالا إلى مدينة (سبتة) (4) ويمتد كذلك حتّى يسامت مدينة (فاس) (5) قاعدة الغرب الأقصى على بعد منه ثم يمتد إلى حدود مدينة (تلمسان) (6) قاعدة الغرب الأوسط ثم يأخذ شرقا بميلة إلى الشمال حتّى يصير عند (الجزائر) فرضة بجاية، ويمرّ حتّى يسامت (بجاية) (7).
__________
(1) طمى البحر أي علا. (القاموس 4/ 359).
(2) طنجه، سلا، سبته وتلمسان: مدن على ساحل المغرب. وفي «معجم البلدان»: تلمسان:
مدينتان متجاورتان مسوّرتان بينهما رمية حجر، إحداهما قديمة والأخرى حديثة، والأخيرة تسمى «تافرزت». (معجم البلدان 2/ 44، 3/ 182و 231، 4/ 43).
(3) طنجه، سلا، سبته وتلمسان: مدن على ساحل المغرب. وفي «معجم البلدان»: تلمسان:
مدينتان متجاورتان مسوّرتان بينهما رمية حجر، إحداهما قديمة والأخرى حديثة، والأخيرة تسمى «تافرزت». (معجم البلدان 2/ 44، 3/ 182و 231، 4/ 43).
(4) طنجه، سلا، سبته وتلمسان: مدن على ساحل المغرب. وفي «معجم البلدان»: تلمسان:
مدينتان متجاورتان مسوّرتان بينهما رمية حجر، إحداهما قديمة والأخرى حديثة، والأخيرة تسمى «تافرزت». (معجم البلدان 2/ 44، 3/ 182و 231، 4/ 43).
(5) طنجه، سلا، سبته وتلمسان: مدن على ساحل المغرب. وفي «معجم البلدان»: تلمسان:
مدينتان متجاورتان مسوّرتان بينهما رمية حجر، إحداهما قديمة والأخرى حديثة، والأخيرة تسمى «تافرزت». (معجم البلدان 2/ 44، 3/ 182و 231، 4/ 43).
(6) طنجه، سلا، سبته وتلمسان: مدن على ساحل المغرب. وفي «معجم البلدان»: تلمسان:
مدينتان متجاورتان مسوّرتان بينهما رمية حجر، إحداهما قديمة والأخرى حديثة، والأخيرة تسمى «تافرزت». (معجم البلدان 2/ 44، 3/ 182و 231، 4/ 43).
(7) بالكسر وتخفيف الجيم: مدينة على ساحل البحر بين إفريقيا والمغرب، وهي في لحف جبل شاهق وفي قبلتها جبال كانت قاعدة ملك بني حمّاد، وهي مفتقرة إلى جميع البلاد لا يخصّها من المنافع شيء، إنما هي دار مملكة، تركب منها السفن وتسافر إلى جميع الجهات. (معجم البلدان 1/ 339).(3/240)
ثم يمتدّ حتى يجاوز مدينة (موسى الخرز) (1) الذي به مغاص المرجان شرقيّ قسنطينة (2): آخر مملكة بجاية من الشرق، ثم يتجاوز مملكة بجاية إلى أول حدود إفريقية، ويمرّ في سمت وسط المشرق حتّى يقابل مدينة (تونس) قاعدة إفريقية من شماليها، ويدخل منه خور (3) إلى تونس المذكورة.
ثم يمتدّ بعد أن يتجاوز تونس نحو تسعين ميلا شرقا نصّا، ثم يعطف جنوبا حتّى يصير له دخلة كبيرة في الجنوب، وفي فم هذه الدخلة حيث يعطف البحر عن الشرق إلى الجنوب جزيرة (قوصرة) (4) مقابلة لجزيرة صقلية.
ثم يمتدّ في الجنوب إلى قريب من مدينة (سوسة) (5) ثم يشرق إلى سوسة المذكورة ثم يأخذ شرقا وجنوبا إلى مدينة (المهديّة) (6) ثم يمر شرقا وجنوبا حتى يتجاوز مدينة (صفاقس) (7)، ويمتدّ حتى يجاوز جزيرة (جربة) (8) ثم يعطف شمالا ويصير للبر الجنوبي دخلة في البحر، ويمتدّ شرقا وشمالا حتى يبلغ مدينة (طرابلس) وهي آخر مدن إفريقية ثم يمتدّ شرقا حتّى يجاوز حدود إفريقية عند طول إحدى وأربعين درجة، ثم يمتدّ شمالا على سواحل
__________
(1) موضع معمور على ساحل إفريقية بينه وبين «بونة» ثلاثة أيام. (معجم البلدان 5/ 106).
(2) في «معجم البلدان»: 4/ 349: قسنطينيّة: وهي مدينة وقلعة يقال لها: قسنطينيّة الهواء.
(3) في اللسان: الخور هو مصب الماء في البحر. وفي معجم البلدان: الخور، هو عند عرب السواحل كالخليج يند من البحر، وأصله: «هور» فعرّب. وفي المصطلح الحديث: الخور هو المنخفض من الأرض بين النشزين، واللفظ الإفرنجي «» اصطلاح اسباني يقابل كلمة «خور» بالعربية. (اللسان 4/ 263ومعجم البلدان 2/ 400والمعجم الجغرافي: ص 38).
(4) جزيرة في بحر الروم بين المهدية وجزيرة صقلية. (معجم البلدان 4/ 413).
(5) من مدن المغرب بأفريقية على ساحل المتوسط. وصفاقس يقال لها أيضا سفاقس، بالسين المهملة المفتوحة، حسب ضبط ياقوت، بينها وبين المهدية ثلاثة أيام، وبين سوسة يومان. (معجم البلدان 3/ 223).
(6) من مدن المغرب بأفريقية على ساحل المتوسط. وصفاقس يقال لها أيضا سفاقس، بالسين المهملة المفتوحة، حسب ضبط ياقوت، بينها وبين المهدية ثلاثة أيام، وبين سوسة يومان. (معجم البلدان 3/ 223).
(7) من مدن المغرب بأفريقية على ساحل المتوسط. وصفاقس يقال لها أيضا سفاقس، بالسين المهملة المفتوحة، حسب ضبط ياقوت، بينها وبين المهدية ثلاثة أيام، وبين سوسة يومان. (معجم البلدان 3/ 223).
(8) فيها لغتان: جربة، بكسر الجيم، وجربة، بفتحها: وهي جزيرة بالمغرب، قرب قابس يسكنها البربر. (معجم البلدان 2/ 118).(3/241)
(برقة) (1) الآتي ذكرها في جملة نواحي الديار المصرية إلى (طلميثا) (2) ثم ينعطف إلى جهة الشمال، ويكون للبّر في البحر دخلة إلى (رأس أوثان) وهو جبل داخل في البحر، ثم يشرق من رأس أوثان (إلى رأس تنبي) وهو جبل في البحر قبالة رأس أوثان من جهة الشرق ثم يعطف إلى الجنوب ويمتدّ جنوبا حتّى يسامت (عقبة برقة) وهي أول حدود الديار المصرية، على ما يأتي ذكره في تحديدها.
ثم يمتدّ على سواحل مصر، ويمرّ شرقا وجنوبا إلى مدينة (الإسكندرية) من قواعد الديار المصرية.
ثم يأخذ شرقا إلى عند مصبّ فرقة النيل الشرقية، ويأخذ مشرّقا إلى (رشيد) [عند مصب فرقة النيل الغربية، ويمتدّ كذلك إلى مدينة (دمياط) عند مصب فرقة النيل الشرقية، ويأخذ شرقا إلى الطينة (3)] ثم إلى (الفرما) (4) ثم إلى (العريش) ثم إلى (رفح) وهي منزلة في طرف رمل الديار المصرية من جهة الشام على مرحلة من غزّة، حيث الطّول نحوستّ وخمسين درجة ونصف والعرض اثنتان وثلاثون درجة ومن هنا ينقطع تشريقه.
__________
(1) برقة: اسم صقع كبير يشتمل على مدن وقرى بين الإسكندرية وأفريقيا. و «أفريقيا» حسب تعريف ياقوت: هو اسم لبلاد واسعة ومملكة كبيرة قبالة جزيرة صقلية وينتهي آخرها إلى قبالة جزيرة الأندلس. ويبدو أن المقصود بأفريقية هو شمالي أفريقيا بالمصطلح الحديث. (معجم البلدان:
1/ 388و 228).
(2) من أعمال النستراوية بمصر. وقال ابن دقماق: «واكثرها الآن خرابا، ليس بها إلا القليل من العرب». (الانتصار لواسطة عقد الأمصار: 5/ 115).
(3) من كور الوجه البحري في مصر بين «الفرما» و «تنيس». والزيادة عن الضوء. (المرجع السابق 5/ 42ومعجم البلدان 4/ 56).
(4) من أعمال القليوبية وهي بلدة بالرمل بالقرب من «قطية» و «الطينة».
قال ابن دقماق: كانت عامرة الى أن أغار عليها الأفرنج سنة 545هـ فأحرقوها. وقال في معجم البلدان: وهو اسم أعجمي، أحسبه يونانيا. (الانتصار لواسطة عقد الأمصار: 5/ 53ومعجم البلدان: 4/ 255).(3/242)
ثم ينعطف ويأخذ شمالا على (سواحل الشام) الآتي ذكرها في الكلام على المملكة الشامية فيمتدّ إلى مدينة (غزّة)، ثم إلى (عسقلان)، ثم إلى (يافا) ميناء الرملة من أعمال الصّفقة (1) الساحلية من دمشق ثم إلى (قيساريّة) (بفتح القاف) وهي مدينة خراب تعدّ من جند فلسطين، كانت من أمّهات المدن، ثم إلى (عثليث) (2) من أعمال صفد، ثم إلى (عكّا) من أعمالها، ثم إلى (صور) من أعمالها، ثم إلى (بيروت) من أعمال الصفقة الشمالية من دمشق، ثم إلى (جبيل) وهي مدينة قديمة خراب، ثم إلى (أنفة) من أعمال طرابلس، ثم إلى مدينة (طرابلس) (3)، ثم إلى (أنطرطوس) (4) من أعمالها، ثم إلى (بلنياس) (5) من أعمالها، ثم إلى (جبلة) من أعمالها، ثم إلى (اللّاذقيّة) من أعمالها، ثم إلى (السّويدية) ميناء أنطاكية من أعمال حلب، ثم يأخذ البحر غربا بشمال (إياس)، مدينة الفتوحات الجاهانية (6)، ثم إلى (المصّيصة) ثم إلى (أذنة) ثم إلى (طرسوس) ثم يتمد شمالا بغرب حتى يجاوز حدود بلاد الأرمن، ويمتدّ على سواحل بلاد الروم التي هي الآن بيد التركمان الآتي ذكرها في مكاتبات ملوكهم إلى (الكرك) (بضم الكاف وسكون الراء المهملة) وهي بلدة بساحل بلاد المسلمين هي الآن بيد صاحب قبرس، ثم يمرّ شمالا إلى (العلايا)، ويقابلها من البرّ الآخر (دمياط) من
__________
(1) في القاموس: الصّفق هو الموضع والناحية. وفي مقاييس اللغة: يقال لكل مكان منبسط.
(القاموس: 3/ 262ومعجم مقاييس اللغة: 3/ 291).
(2) ويقال لها اليوم: عتليت، بالتاء المثناة.
(3) وهي طرابلس الشام، شمالي الساحل اللبناني.
(4) وهي آخر أعمال دمشق من البلاد الساحلية وأول أعمال حمص. (معجم البلدان: 1/ 270).
(5) في القاموس: بلنياس، بكسر الباء واللام. (القاموس: 2/ 209).
(6) نسبة إلى «جهان شاه»، مظفّر الدين، ثالث سلاطين أسرة «قرة قوينلو»: حكم أذربيجان وفتح أصفهان وفارس وساحل عمان. (الموسوعة العربية الميسرة: 654ودائرة المعارف الإسلامية:
12/ 441).(3/243)
سواحل الديار المصرية تقريبا، ثم يمرّ إلى (أنطالية) (1) ثم إلى (بلاط) (2)، ثم إلى (طنفزلو) (3)، ثم إلى (إياس لوق) (4)، ثم إلى (مغنيسيا) (5)، ثم إلى مدينة (ابزو) وهي بلدة على فم الخليج القسطنطيني من الشرق، وبها يعرف الخليج فيقال فم ابزو، ويقابلها من البر الآخر غربيّ مدينة الإسكندرية، فيما بينها وبين برقة، ثم يجاوز الخليج المذكور، ويمتدّ مغرّبا بميلة إلى الجنوب على سواحل الروم والفرنجة، فيمرّ على بلاد المرا، وهي مملكة أولها فم الخليج القسطنطيني المتقدّم ذكره من جانبه الغربيّ. كانت في الأيام الناصرية (ابن قلاوون) مشتركة بين صاحب القسطنطينية وبين طائفة الكيتلان (6) من الفرنج، وقد فتحها الآن ابن عثمان (7) واستملكها من الروم.
__________
(1) وهي «أضاليا» وبالإنكليزية «ستاليا» و «أطّاليا» عند الأقدمين: عاصمة سنجق في ولاية قونية، وهي أحد موانيء البحر المتوسط على الخليج المسمى باسمها. (دائرة المعارف الإسلامية:
5/ 93).
(2) هي قرية «البلاط» في آسيا الصغرى وهي عين بلدة: «ملطية» السلجوقية. وفي معجم البلدان:
«البلاط» اسم لعدة مواضع، ومنها «البلاط»: موضع بالقسطنطينية. (دائرة المعارف الإسلامية 7/ 521. ومعجم البلدان: 1/ 477).
(3) في الجزء الخامس من الصبح / ص 341: «طنغزلو» بضم الطاء المهملة وسكون النون وضم الغين المعجمة وسكون الزاي المعجمة وضم اللام والواو في الآخر. وهي مدينة متوسطة في البلاد المعروفة ببلاد الروم ما بين شرقي الخليج القسطنطيني وأرمينية.
(4) حسب دائرة المعارف الإسلامية: «أيا سلوق» و «أيا سلوغ» و «أيا ثلوغ»، نقلا عن اليونانية: «أكيوس ثيولوغوس» أي يوحنا الرسول الذي عاش ومات هناك. ويشار إلى البلدة في المصادر الغربية في القرون الوسطى باسم «ألتولوكو»، أما منذ العام 1914فتعرف باسم «سلجوق». وهي بلدة صغيرة تقع على الشاطيء الغربي للأناضول في موضع «أفسوس» القديمة ولا يزال الجغرافيون العرب يشيرون إليها باسم «أفسوس» أو «أوفسوس»: وقد وصفها ابن بطوطة الذي زارها عام 733هـ. (دائرة المعارف الإسلامية: 5/ 262261).
(5) بكسر السين، حسب ضبط القلقشندي في الصفحة 344من الجزء الخامس. وهي مدينة في أواسط البلاد المعروفة ببلاد الروم ما بين شرقي خليج القسطنطينية وأرمينية.
(6) ويسميهم في موضع آخر من الكتاب: «القتيلان». والكيتلان نسبة إلى «كاتالونيا» وهي منطقة شمالي اسبانيا، عاصمتها التاريخية برشلونة ومن مدنها الأخرى: جيرونة وليريدا وتراجونا.
(صبح الأعشى 5/ 409والموسوعة العربية الميسرة: 1387).
(7) وهو صاحب برسا أو برصا من بلاد الروم، كما يقول القلقشندي (الصبح 4/ 436و 8/ 223).(3/244)
ثم يأخذ بين الغرب والجنوب حتى يجاوز بلاد (الملفجوط) (1) وهم جنس من الروم لهم لسان ينفردون به. ويقابلها من البر الآخر شرقيّ برقة، ثم يمتدّ في الغرب إلى بلاد إقليرنس، ثم إلى بلاد الباسليسة، وهي امرأة ملكت هذه البلاد بعد السبعمائة فعرفت بها.
ويقابلها من البر الآخر أوساط برقة. وبآخر هذه المملكة من جهة الغرب (جون البنادقة) (2) وهو خليج يخرج من بحر الروم هذا ويمتدّ غربا بشمال حتّى يصير طرفه غربيّ رومية، وعلى طرفه مدينة (البندقية) ومن فمه إلى منتهاه نحو سبعمائة ميل، ثم يجاوز فم الخور المذكور إلى مملكة بولية (3)، وأولها فم خور البنادقة من الجانب الغربيّ. ويقابلها من البحر الآخر (طلميثا) فرضة برقة المتقدّمة الذكر، ثم يمتد في الغرب إلى بلاد (قلفرية) من جملة مملكة بولية المتقدّمة الذكر.
ويقابلها من البر الآخر بلاد أطرابلس (4) من بلاد إفريقية، ثم يمتد إلى ساحل (رومية)، المدينة المعظمة المشهورة.
ويقابلها من البر الآخر شرقيّ تونس من إفريقية. ثم ينقطع تغريبه ويأخذ جنوبا حتّى يجاوز سواحل بلاد رومية المذكورة إلى بلاد التّسقان (5)، وهم جنس من الفرنج وبلادهم معروفة بنبات الزّعفران.
ويقابلها من البر الآخر مدينة تونس: قاعدة إفريقية المتقدّمة الذكر، ويمتدّ في الجنوب إلى بلاد (بيزة) وهي بلدة على الركن الشماليّ من جزيرة الأندلس إليها ينسب الفرنج البيازنة والحديد البيزانيّ.
__________
(1) وبلادهم من أعمال قسنطينية على ساحل بحر الروم. (الصبح: 5/ 409).
(2) ويطلق الإدريسي على جون البنادقة اسم: البنادقي وخليج البنادقيين.
(3) قال في الروض المعطار: 116 «بولية مدينة على البحر الشمالي، وهو بحر لا يركبه أحد لغلظ جوهر مائه وظلمته وتكاثف الهواء عليه.
(4) وهي طرابلس الغرب في ليبيا. (الروض المعطار 389ومعجم ما استعجم / 176).
(5) بلاد توسكانة في إيطاليا.(3/245)
ويقابلها من البرّ الآخر (مرسى الخرز) آخر مملكة بجاية من الشرق على ما تقدّم ذكره. ثم يمتدّ إلى بلاد (جنوة) الآتي ذكرها في الكلام على البلاد الشمالية، ثم يأخذ غربا إلى جبل البرت، وهو الجبل الفاصل بين جزيرة الأندلس وبين الأرض الكبيرة ذات الأمم المختلفة، ثم ينقطع تغريبه ويعطف مشرّقا ويدخل الركن الشرقيّ من الأندلس فيه ويمتدّ في الشرق، ويستدير على الركن المذكور، ثم يعطف غربا ويمتد على (سواحل الأندلس) إلى مدينة (برشلونة) إلى مدينة (طرطوشة) (1).
قال في «الروض المعطار»: ويقابلها من البر الآخر مدينة بجاية.
قال في (تقويم البلدان): وعرض البحر بينهما ثلاثة مجار، ثم يمتدّ كذلك بين الغرب والجنوب إلى مدينة بلنسية (2)، ثم يعطف غربا إلى دانية (3) ثم يمتدّ غربا بجنوب إلى مدينة مالقة (4) ثم يمرّ إلى الجزيرة، وهي مقابلة لساحل سبتة وطنجة حيث وقع الابتداء.
وسيأتي الكلام على ضبط ما لم يضبط من البلاد على ساحل هذا البحر بالحروف مع ذكر صفاتها عند التعرّض لذكرها في الكتاب في مواضعها إن شاء الله تعالى.
وطول هذا البحر من البحر المحيط إلى ساحل الشام فيما يذكر ألف فرسخ ومائة وسبعون فرسخا، وغاية عرضه في بعض الأماكن ستمائة ميل.
__________
(1) في «صفة جزيرة الأندلس» طرطوشة، بضم الطاء وفي الاسبانية. وبين بلنسية وطرطوشه مائة وعشرون ميلا. (صفة جزيرة الأندلس: 124والروض المعطار 391).
(2) في شرق الأندلس. وهي مدينة سهلية، عامرة القطر كثيرة التجارات، وبها أسواق وحطّ وإقلاع.
وبينها وبين البحر ثلاثة أميال. (صفة جزيرة الأندلس: 47والروض المعطار: 97).
(3) بالإسبانية:. مدينة بشرق الأندلس لها ربض عامر وعليها سور حصين. وسورها من ناحية المشرق في داخل البحر قد بني بهندسة وحكمة. (صفة جزيرة الأندلس: 76والروض المعطار:
231).
(4) وهي، عليها سور صخر والبحر في قبليها. (الروض المعطار: 517).(3/246)
وأما ما يتصل بالبحر الروميّ المتقدّم الذكر فبحر نيطش (1) (بنون مكسورة وياء مثناة تحت ساكنة وطاء مهملة مكسورة وشين معجمة في الآخر) وهو المعروف في زماننا ببحر القرم، لتركّب بلاد القرم على ساحله، ويعرف أيضا بالبحر الأرمنيّ، لتركّب بعض بلاد أرمينية على بعض سواحله، وربما قيل فيه البحر الأسود، وهو متصل ببحر الروم المذكور من شماليه ويتركب عليه من آخره (بحر ما نيطش) (2) بزيادة لفظ «ما» في أوّله وباقي الضبط على ما تقدّم وهو المعروف في زماننا ببحر الأزق، لتركّب بلاد الأزق (3) على ساحله الشرقيّ وليس وراءه بحر متصل به، ولذلك يعبر عنه بعضهم ببحيرة ما نيطش، وهو يصبّ في بحر نيطش، وبحر نيطش يصب في بحر الروم ولذلك تسرع المراكب في سيرها من القرم إلى بحر الروم، وتبطىء في سيرها من بحر الروم إلى القرم لاستقبالها جريان الماء.
وأوّل بحر نيطش المذكور مما يلي بحر الروم. (الخليج القسطنطيني) المتقدّم ذكره في تحديد بحر الروم، وهو خليج ضيق للغاية بحيث يرى الإنسان صاحبه من البر الآخر.
قال ابن سعيد: وطول هذا الخليج نحو خمسين ميلا.
وذكر في «تقويم البلدان» عن بعض المسافرين أن طوله سبعون ميلا واتصاله بالبحر الروميّ من جانبه الشمالي، ويمتدّ شمالا (على سواحل بلاد الروم) من البر الشرقيّ منه إلى (قلعة الجرون)، وهي قلعة خراب على ساحل هذا الخليج مقابل القسطنطينية، ويمتدّ من الجرون شمالا بميلة يسيرة إلى الشرق إلى مدينة كربى على خليج القسطنطينية على القرب من الجرون المذكورة، ثم
__________
(1) أخذ جغرافيو العرب الاسمين اليونانيين وينتس ومايوتس (أي بحر أزوف) ورسموهما بنطس ومايطس ثم نطقهما العرب وكتبوهما منذ وقت متقدم: نيطش وما نيطش.
(دائرة المعارف الإسلامية: 6/ 271).
(2) أخذ جغرافيو العرب الاسمين اليونانيين وينتس ومايوتس (أي بحر أزوف) ورسموهما بنطس ومايطس ثم نطقهما العرب وكتبوهما منذ وقت متقدم: نيطش وما نيطش.
(دائرة المعارف الإسلامية: 6/ 271).
(3) المقصود بلاد الروس نسبة إلى مدينة «أزق» أو آزوف وهي مدينة بالغرب من مصب نهر الدون.
استولى القوزاق عليها سنة 1637م وذبحوا جميع مسلميها. (دائرة المعارف الإسلامية:
3/ 176).(3/247)
يمتدّ شرقا بشمال إلى مدينة (كترو) وهي آخر مدن القسطنطينية التي على هذا الساحل، ثم يمتدّ إلى مدينة (كينولي) وهي بلدة على الخليج القسطنطيني، ثم يأخذ بين الشّمال والغرب، ويكون للبرّ دخلة في البحر إلى جهة الغرب، وعلى طرف هذه الدّخلة فرضة (سنوب) من سواحل الروم الآتي ذكرها في مكاتبات ملوك الكفر ثم يأخذ في الاتساع الى مدينة (سامسون) وهي بلدة من سواحل بلاد الروم، ثم يأخذ مشرّقا إلى مدينة (طرابزون) وهي فرضة للروم بهذا الساحل، ثم يمتدّ شمالا بميلة إلى مدينة (سخوم) وهي مدينة على ثلاثة أيام عن طرابزون شرقا بشمال وبينها وبين بلاد الكرج (1) يوم واحد، ويقال إنها من بلاد الكرج، ثم يمتدّ شرقا بشمال إلى مدينة (أبخاس) وهي مدينة في جبل على ساحل البحر على القرب من سخوم، ثم يتضايق البحر مغرّبا ويضيق من البر الآخر حتى يتقارب البرّان ويصير الماء بينهما مثل الخليج، وهو مصب بحر مانيطش في بحر نيطش وعلى جانب هذا الخليج مدينة (الطامان) من سواحل الروم، وهي حدّ بلاد الروم، من مملكة بركة المشتملة على القرم، ودشت (2) القبجاق، والسراي، وخوارزم على ما سيأتي بيانه في مكاتبات القانات، ثم يأخذ في الاتساع شرقا وشمالا وغربا ويصير كالبركة، ويمتدّ على سواحل الأزق الآتي ذكرها في مكاتبات حاكمها إلى مدينة (الشقراق) وهي أوّل بلاد الأزق، ومنها ينتهي تشريقه ثم يعطف إلى الشّمال ويأخذ إلى مدينة (الأزق) ثم يستدير من الأزق حتّى يصير إلى الغرب، وينتهي إلى الخليج الذي بين بحر نيطش وبحر ما نيطش المتقدّم ذكره.
وهناك مدينة الكرش من بلاد الأزق، مقابل مدينة الطّامان المتقدّمة الذكر
__________
(1) من بلاد فارس. واسمها بالفارسية: «كره». ومن نهاوند إلى مدينة الكرج مرحلتان. (معجم البلدان: 4/ 146والروض المعطار: 491).
(2) الدشت: صحارى في جهة الشمال من إقليم خوارزم، وتضاف إلى القبجاق وهم جنس من الترك يسكنون هذه الصحارى. (الصبح: 4/ 456).(3/248)
من البر الآخر، ثم يمرّ جنوبا ويمتدّ على سواحل القرم الآتية الذكر في مكاتبة حاكمها، فيمرّ إلى مدينة (الكفا) فرضة القرم.
ويقابلها من البر الآخر مدينة (طرابزون) (1) المتقدّمة الذكر ثم يمتدّ كذلك إلى مدينة صوداق، وهي فرضة ببلاد القرم أيضا.
ويقابلها من البرّ الآخر مدينة (سامسون) المتقدّمة الذكر، ثم يأخذ في الانضمام جنوبا ويعطف مشرّقا بحيث يكون للبر دخلة في البحر، ويمتدّ على سواحل بلاد البلغار إلى مدينة (صاري كرمان) من بلاد البلغار، وبينها وبين صلغات مدينة (القرم) خمسة أيام.
ويقابلها من البر الآخر مدينة (سنوب) المتقدّمة الذكر، ثم يأخذ في الاتساع غربا بميلة إلى الجنوب ويمتدّ كذلك إلى مدينة (أقجا كرمان) من بلاد البلغار، ثم يأخذ جنوبا ويمتدّ على (سواحل بلاد القسطنطينيّة) إلى بلدة صقجى، وعندها يصب نهر طنا (بطاء مهملة مضمومة بعدها نون وألف) وهو نهر عظيم بقدر مجموع دجلة والفرات، ثم يتضايق ويأخذ شرقا حتّى ينتهي إلى أوّل الخليج القسطنطينيّ المتقدّم ذكره ثم يأخذ جنوبا ويتقارب البرّان ويمتدّ كذلك إلى مقابل مدينة كربى المتقدّمة الذكر، ثم يمتدّ كذلك إلى مدينة (القسطنطينيّة) قاعدة ملك الروم الآتي ذكرها في مكاتبة ملكها.
ويقابلها من البر الآخر قلعة الجرون المتقدّمة الذكر، ثم يمتدّ حتّى يصبّ في بحر الروم حيث وقع الابتداء. وسيأتي الكلام على ضبط ما لم يضبط من البلاد التي على ساحل هذا البحر المتقدّمة الذكر مع ذكر صفاتها عند الكلام على مكاتبات ملوكها وحكّامها إن شاء الله تعالى.
__________
(1) شمال شرق تركيا، بأرمينية التركية. وهي: ترابيزوس القديمة التي أنشئت في القرن الثامن قبل الميلاد وأدمجت في الأمبراطورية الرومانية في القرن الأول وازدهرت في العصر البيزنطي حتى بلغت القمة إبان امبراطورية طرابزون. (الموسوعة العربية الميسرة: 1156).(3/249)
وببحر نيطش المتقدّم ذكره على القرب من الخليج القسطنطينيّ جزيرة (مرمرا) الآتي ذكرها عند الكلام على مكاتبة ملكها في جملة ملوك الكفر إن شاء الله.
البحر الثاني الخارج من المحيط الشرقيّ إلى جهة الغرب
وهو بحر يخرج عند أقصى بلاد الصّين الشرقية الجنوبية مما يلي خط الاستواء حيث لا عرض، وقيل: على عرض ثلاث عشرة درجة في الجنوب، ويمتدّ غربا بشمال على (سواحل بلاد الصّين) الجنوبية، ثم على المفاوز التي بين الصّين والهند حتّى ينتهي إلى (جبال قامرون) الفاصلة بين الصّين والهند (1).
قال ابن سعيد: ومدينة الملك بها في شرقيها، ثم يجاوز (جبال قامرون) المذكورة ويمتدّ على سواحل بلاد (الهند) من الجنوب، ويمرّ على (سفالة الهند) وهي سوفارة، ويمتدّ حتّى ينتهي إلى آخر الهند، ثم يمتدّ على مفازة السّند الفاصلة بينه وبين البحر، ويمرّ حتّى ينتهي إلى فم بحر فارس الخارج من هذا البحر إلى جهة الشّمال (2) على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
ويجاوزه إلى بلاد اليمن فيمرّ على (ساحل مهرة): أوّل بلاد اليمن ويمتدّ من شماليها على سواحل اليمن من جنوبيه حتّى ينتهي إلى مدينة (عدن) فرضة اليمن، ثم يمرّ من عدن إلى الشّمال بميلة إلى الغرب نحو مجرا حتّى ينتهي إلى (باب المندب) وهو فرضة بين جبلين، ويخرج منه ويمدّ غربا (3) بميلة إلى
__________
(1) ويسمى إلى هنا: بحر الصين، الذي تقسمه فرموزا إلى بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي.
(الموسوعة العربية الميسرة: 329).
(2) ويسمى إلى هنا: البحر العربي، وهو يشغل الجزء الشمالي الغربي من المحيط الهندي. ولهذا البحر ذراعان رئيسيان هما خليج عدن وخليج عمان وامتداده الخليج العربي (المرجع السابق).
(3) هنا يبدأ البحر الأحمر الذي يمتد لمسافة 2400كلم بين أفريقيا وآسيا ويتفرع في أقصاه الشمالي إلى ذراعين هما خليج العقبة وخليج السويس، وبينهما تقع شبه جزيرة سيناء. (الموسوعة العربية الميسرة: 328).(3/250)
الشّمال اثنى عشر ميلا، ثم يعطف شمالا ويمتدّ على سواحل اليمن الغربية إلى (علافقة) فرضة مدينة (زبيد) ثم يمتدّ شمالا أيضا إلى مدينة (حلي) من أطراف اليمن من جهة الحجاز، وهي المعروفة بحلي ابن يعقوب، ثم يمتد شمالا على (ساحل الحجاز) إلى (جدّة) فرضة على بحر القلزم، ثم يمتد شمالا إلى (الجحفة) ميقات الإحرام لأهل مصر (1) ثم يمتدّ شمالا بميلة إلى الغرب حتّى يتصل بساحل (ينبع) ثم يأخذ بين الغرب والشّمال حتّى يجاوز (مدين) الآتي ذكرها في كور مصر القديمة ويمتد شمالا بجنوب حتّى يقارب (أيلة) (2) الآتي ذكرها في كور مصر القديمة أيضا ثم يعطف إلى الجنوب حتّى يجاوز أيلة المذكورة الى مكان يعرف (برأس أبي محمد) ويكون للبرّ دخلة في البحر في جهة الجنوب، ثم يعطف شمالا حتّى ينتهي إلى فرضة (الطّور) وهي مكان حطّ وإقلاع لمراكب الديار المصرية، وما يصل إليها من اليمن وغيرها ويمرّ في الشّمال حتى يصل الى فرضة (السّويس) وهي مكان حطّ وإقلاع للديار المصرية أيضا، وعنده ينتهي بر العرب ببحر القلزم ويبتديء بر العجم.
وهناك يقرب هذا البحر من بحر الروم على ما تقدّم ذكره في الكلام على أصل هذا البحر.
ثم من السّويس يعطف إلى الجنوب على ساحل مصر، ويمتدّ موازيا لبلاد الصعيد حتّى ينتهي إلى مدينة (القلزم) التي ينسب إليها هذا البحر الآتي ذكرها في الكلام على كور مصر القديمة، ويقابلها من بر الحجاز أيلة ثم يأخذ عن القلزم جنوبا بميلة إلى الشرق حتّى يسامت فرضة الطّور المتقدّم ذكرها، وتصير فرضة
__________
(1) والجحفة أيضا ميقات أهل الشام والمغرب. وبين الجحفة وعسفان غدير خمّ وهو الذي دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن ينقل وبأ المدينة إلى مهيعة لما استوبأ المهاجرون المدينة. (الروض المعطار: 156).
(2) في طريق مكة من مصر، وهي أول حدّ الحجاز يجتمع بها حاج مصر والمغرب. (الروض المعطار:
70).(3/251)
الطّور بين أيلة والقلزم غربيّ الدخلة المتقدّم ذكرها ثم يمتدّ كذلك حتّى ينتهي إلى (القصير)، فرضة قوص ثم يتسع في جهتي الجنوب والشرق حتّى يكون اتساعه تسعين ميلا، وتسمّى تلك القطعة المتسعة بركة الغرندل، وهي التي أغرق الله تعالى فيها فرعون ثم يأخذ جنوبا بميلة يسيرة إلى الغرب إلى (عيذاب) فرضة قوص أيضا. ويقابلها من برّ الحجاز جدّة، فرضة مكة المشرّفة، ثم يمتدّ في سمت الجنوب على (سواحل بلاد السودان) حتّى يصير عند (سواكن) من بلاد البجاة (1) ثم يمتدّ كذلك حتّى يحيط (بجزيرة دهلك) وهي جزيرة قريبة من ساحل هذا البحر الغربيّ، وأهلها من الحبشة المسلمين. ويقابلها من البرّ الآخر جنوبيّ حلي ابن يعقوب من بلاد اليمن، ويمتدّ حتى يصل إلى رأس (جبل المندب) المتقدّم ذكره.
وهناك يضيق البحر حتّى يرى الرجل صاحبه من البرّ الآخر. ويقال: إنه بقدر رميتي سهم، وترى جبال عدن من جبال المندب في وقت الصحو، ثم يتجاوز باب المندب ويأخذ شرقا وجنوبا، ويتسع قليلا قليلا ويمرّ على بقية سواحل الحبشة حتّى يمرّ بمدينة (زيلع) من بلاد الحبشة المسلمين.
ويقابلها عدن من برّ اليمن، وهي عن عدن في الغرب بميلة إلى الجنوب ثم يمرّ إلى مدينة مقدشو (2) ثم يمتدّ كذلك حتّى ينتهي إلى (خليج بربرا) الخارج من بحر الهند في جانبه الجنوبيّ على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
ويتجاوز فم هذا الخليج ويمتدّ على (سواحل بلاد الزّنج) حتّى ينتهي إلى آخرها، ثم يمتدّ على (سواحل بلاد الواق واق) (3) على أماكن مجهولة حتّى ينتهي
__________
(1) المقصود جنوبي السودان. وفي معجم البلدان: 3/ 276 «أهل سواكن بجاه سود نصارى»
(2) في تقويم البلدان، بكسر الدال وفي معجم البلدان، بفتح الدال فهما لغتان.
(3) في الروض المعطار: ص 602 «أرض الواق واق متصلة بأرض سفالة، وفيها مدينتان حقيرتان، وساكنها قليل لضيق عيشها وتكدر رزقها. وأهلها سودان قباح الوجوه مشوهو الخلقة، وكلامهم نوع من الصفير، وهم عراة لا يستترون بشيء».(3/252)
إلى مبدئه من البحر المحيط الشرقيّ. على أنه في تقويم البلدان لم يتعرّض لساحل هذا البحر الجنوبيّ فيما هو شرقيّ باب المندب لعدم تحققه.
واعلم أن هذا البحر يسمّى في كل مكان باسم ما يسامته من البلدان، أو باسم بعض البلدان التي عليه، فيسمّى فيما يقابل بلاد الصّين: بحر الصّين، وفيما يقابل بلاد الهند إلى ما جاورها إلى بلاد اليمن شرقيّ باب المندب: بحر الهند، وفيما دون باب المندب إلى غايته في الشمال والغرب: بحر القلزم نسبة إلى مدينة القلزم المتقدّمة الذكر في ساحل الديار المصرية.
قال في «تقويم البلدان»: وطول هذا البحر من طرف بلاد الصّين الشرقيّ إلى القلزم ألفان وسبعمائة وثمانية وأربعون فرسخا بالتقريب، ومقتضى كلام ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» أن طوله أربعة آلاف وتسعمائة وستة وستون فرسخا وثلثان، فإنه قد ذكر أن طول بحر الصين والهند إلى باب المندب أربعة آلاف وخمسمائة فرسخ، ثم ذكر أن طول بحر القلزم ألف وأربع مائة ميل، وهي أربعمائة وستة وستون فرسخا وثلثان وبين الكلامين بون.
وكلام صاحب تقويم البلدان أقرب إلى الصواب، فإنه استخرجه من تضريب الدّرج واستخراج أميالها وفراسخها. وبآخر بحر القلزم من الذراع الآخذ إلى جهة السّويس على ميل من مدينة القلزم موضع يعرف (بذنب التّمساح) يتقارب بحر القلزم وبحر الروم فيما بينه وبين الفرما حتى يكون بينهما نحو سبعين ميلا فيما ذكره ابن سعيد.
قال في «الروض المعطار»: وكان بعض الملوك قد حفره (1) ليوصل ما بين
__________
(1) وفكرة ربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر بقناة فكرة قديمة. ففي القرن التاسع عشر قبل الميلاد حفرت قناة تربط النيل ببحيرة التمساح وكانت إذ ذاك الطرف الشمالي للبحر الأحمر (سيزوستريس) وحينما تراجع البحر الأحمر حاول (نخاو) 593609ق. م أن يطهر القناة ويمدّها للتتصل بالبحر المتراجع ولكن غزو الفرس لمصر لم يمهله فأتمّ العمل (دارا) الفارسي من بعده وتراجع خليج السويس قليلا فاضطر بطلميوس الثاني إلى مدّ القناة من جديد. وأعاد الأمبراطور الروماني (تراجان) تطهيرها حوالي سنة 200ق. م. وعند فتح العرب مصر كانت القناة قد ردمت.
(الموسوعة العربية الميسرة: ص 1400).(3/253)
القلزم وبحر الروم فلم يتأت له ذلك لارتفاع القلزم وانخفاض بحر الروم، والله تعالى قد جعل بينهما حاجزا كما ذكر تعالى في كتابه. قال: ولما لم يتأت له ذلك احتفر خليجا آخر مما يلي بلاد تنّيس ودمياط وجرى الماء فيه من بحر الروم إلى موضع يعرف بقيعان (؟).
فكانت المراكب تدخل من بحر الروم إلى هذه القرية وتدخل من بحر القلزم إلى ذنب التمساح فيقرب ما في كل بحر إلى الآخر، ثم ارتدم ذلك على طول الدهر.
وقد ذكر ابن سعيد أن عمرو بن العاص كان قد أراد أن يخرق بينهما من عند ذنب التمساح المتقدّم ذكره فنهاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: إذن يتخطّف الروم الحجّاج.
وذكر صاحب «الروض المعطار» أن الرشيد همّ أن يوصل ما بين هذين البحرين من أصل مصبّ النيل من بحر بلاد الحبشة وأقاصي صعيد مصر فلم يتأت له قسمة ماء النيل، فرام ذلك مما يلي بلاد الفرما فقال له يحيى بن خالد: إن تمّ هذا تتخطّف الناس من المسجد الحرام ومكة، واحتجّ عليه بمنع عمر بن الخطاب عمرو بن العاص من ذلك، فأمسك عنه.
ويتفرّع من البحر الهنديّ بحران عظيمان مشهوران، وهما (بحر فارس (1)، والخليج البربريّ (2)).
فأما بحر فارس، فهو بحر ينبعث من بحر الهند المتقدّم ذكره من شماليّه، ويمتدّ شمالا بميلة إلى الغرب غربيّ (مفازة السّند) الفاصلة بينه وبين بحر الهند،
__________
(1) وهو خليج عمان، كما يعرف اليوم.
(2) والمقصود خليج عدن.(3/254)
ثم على غربيّ بلاد السند، ثم على أرض (مكران) من نواحي الهند، ويخرج منه من آخر مكران خور (1) يمتدّ شرقا وجنوبا على ساحل مكران والسّند حتّى يصير السند غربيّه، ثم ينعطف آخره على (ساحل بلاد كرمان) من شماليها حتّى يعود إلى أصل بحر فارس، فيمتدّ شمالا حتّى ينتهي إلى مدينة (هرموز) وينتهي إلى آخر كرمان فيخرج منه خور يمتدّ على ساحل كرمان من شماليها، ثم يرجع من آخره على ساحل بلاد فارس من جنوبيها حتى يتصل بأصل بحر فارس، ويمتدّ شمالا ثم يعطف ويمتدّ مغرّبا الى (حصن ابن عمارة) من بلاد فارس وقيل من بلاد كرمان، وهو اليوم خراب ثم يمتدّ مغرّبا في جبال منقطعة ومفاوز إلى مدينة (سيراف) ثم يمتدّ كذلك إلى (سيف البحر) بكسر السين، وهو ساحل من سواحل فارس، فيه مزارع وقرى مجتمعة، ثم يمتدّ إلى (جنّابة) من بلاد فارس، ثم يمتدّ إلى (سينيز) من بلاد فارس، وقيل من الأهواز، ثم يمتدّ إلى مدينة (مهروبان) من سواحل خوزستان، وقيل من سواحل فارس، وهي فرضة (أرّجان) وما والاها، ثم يمتدّ مغرّبا بميلة يسيرة نحو الشّمال إلى مدينة (عبّادان) من أواخر بلاد العراق من الشرق على القرب من البصرة عند مصبّ دجلة في هذا البحر ثم ينعطف ويمتدّ جنوبا إلى (كاظمة) وهي جون على ساحل البحرين مما يلي البصرة على مسيرة يومين منها ثم يمتد إلى (القطيف) من بلاد البحرين ثم يمتدّ كذلك إلى مدينة (عمان) فرضة بلاد البحرين، وإليها تنتهي مراكب السند والهند والزّنج ويخرج على القرب منها عن يمين المقلع من ساحلها في جهة الغرب بحر ببلاد (الشّحر) من اليمن أيضا، وإليها ينسب العنبر الشّحريّ الطّيّب كما تقدّم ذكره في النوع الخامس فيما يحتاج إليه من نفيس الطيب ثم يمرّ على سواحل (مهرة) من شرقيّ بلاد اليمن حتّى ينتهي إلى مبدئه من بحر الهند.
__________
(1) بالإسبانية: وهو المنخفض من الأرض بين النشزين. واللفظ الإفرنجي اصطلاح اسباني مقابل كلمة «خور» العربية (المعجم الجغرافي ص 38).(3/255)
قال في «تقويم البلدان»: وبفم هذا البحر ثلاثة أجبل يخشاها المسافرون يقال لأحدها كسير، والثاني عوير، والثالث ليس فيه خير (1).
قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات»: وطول هذا البحر أربعمائة فرسخ وأربعون فرسخا، وعمقه ثمانون باعا.
وأما الخليج البربري، فهو ينبعث من بحر الهند المتقدّم ذكره في جنوبي جبل المندب المتقدّم الذكر، ويمتد في جنوبي بلاد الحبشة، ويأخذ غربا حتّى ينتهي إلى مدينة بربرا (بباءين موحدتين مفتوحتين وراءين مهملتين الأولى منهما ساكنة) وهي قاعدة الزّغاوة من السّودان، حيث الطول ثمان وستون درجة، والعرض ست درج ونصف.
قال في «تقويم البلدان»: وطوله من المشرق الى المغرب نحو خمسمائة ميل.
قال الشريف الإدريسيّ: وموجه كالجبال الشواهق ولكنه لا ينكسر، قال:
يركب فيه الى جزيرة قنبلو، ويقال قنبلة، وهي جزيرة للزّنج في هذا البحر.
قال في «القانون» (2): وطولها اثنتان وخمسون درجة، وعرضها في الجنوب ثلاث درج.
قال الإدريسيّ: وأهلها مسلمون.
البحر الثالث الخارج من المحيط الشمالي، المعروف ببحر برديل
(بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وكسر الدال المهملة وسكون
__________
(1) وفي معجم البلدان: 4/ 461 «كسير وعوير تصغير كسر وعور: وهما جبلان عظيمان مشرفان على أقصى بحر عمان، صعبة المسلك وعرة المقصد صعبة المنجى فلذلك سميت بهذا الاسم. يقولون كسير وعوير وثالث ليس فيه خير.
(2) كتاب «القانون المسعودي» لأبى الريحان البيروني المتوفى سنة 440هـ. (الأعلام: 5/ 314).(3/256)
الياء المثناة تحت ولام في الآخر).
قال ابن سعيد: ويقال له بحر برطانية (1) أيضا، وهو بحر يخرج من شماليّ الأندلس ويأخذ شرقا إلى خلف جبل الأبواب الفاصل بين الأندلس والأرض الكبيرة (2)، ويقرب طرفه الشرقي (3) حتّى يبقي بينه وبين بحر الروم المتقدّم ذكره أربعون ميلا، وهناك مدينة (برديل) (4) التي يضاف البحر إليها.
الضرب الثاني من البحار المنبثّة في أقطار الأرض ما ليس له اتصال بالبحر المحيط
وهو بحر الخزر (5) (بفتح الخاء والزاي المعجمتين، وراء مهملة في الآخر).
ويسمّى بحر جرجان لوقوع مدينة جرجان على ساحله، وبحر طبرستان لوقوع ناحية طبرستان على ساحله أيضا، وهذا البحر بحر ملح منفرد عن البحار لا اتصال له بغيره البتة.
قال ابن حوقل: وهو مظلم القعر، ويقال: إنه متصل ببحر نيطش من تحت الأرض.
__________
(1) نسبة إلى جزيرة برطانية، وهي جزيرة توازي حد الأندلس الأقصى، ويتصل حدها ببلد الصقالبة.
وبجوف برطانية في البحر المحيط الجزائر المعروفة بجزائر أرطاوس يسكن المجوس الأردمانيون (النورمانديون) في بعض منها. (الروض المعطار: 89).
(2) هي فرنسا.
(3) ويتشكل هنا خليج «بسكاي» أو خليج غاسكونية.
(4) مدينة «بوردو» على خليج غاسكونية.
(5) وهو التسمية العربية الشائعة لبحر قزوين. وكان يسمى أيضا البحر الخزري والبحر الخراساني وبحر جرجان وبحر طبرستان ونحوها، وهي أسماء محلية كثيرا ما كانت تطلق على البحر كله. (دائرة المعارف الإسلامية: 7/ 276275).(3/257)
قال المسعوديّ: وهو غلط لا أصل له، ولم أدر من أين أخذه قائله، أمن طريق الحسّ، أم من طريق الاستدلال والقياس.
قال الشريف الإدريسيّ: وهو مدوّر الشكل إلى الطّول، وقيل مثلث الشكل كالقلع، وعلى ساحله الجنوبيّ بلاد الجيل والدّيلم، وعلى جانبه الشرقيّ بلاد جرجان والمفازة التي بين جرجان وخوارزم، وعلى جانبه الشّمالي بلاد التّرك والخزر وجبال سياه كوه، وعلى جانبه الغربيّ بلاد إيلاق (1) وجبال الفتيق، وابتداؤه من جهة الغرب عند مدينة (باب الحديد) المعروف بباب الأبواب من بلاد أرّان (2)، حيث الطول ست وستون درجة والعرض نحو إحدى وأربعين درجة على القرب من دربند شروان (3)، ثم يمتدّ جنوبا من باب الحديد أحدا وخمسين فرسخا، وهناك مصب نهر الكرّفيه، ثم يمتدّ مشرقا بانحراف إلى الجنوب ستة عشر فرسخا، فيمرّ على أراضي موقان من عمل أردبيل من أذربيجان، ثم يمتدّ جنوبا وشرقا حتّى تبلغ غايته في الجنوب حيث العرض سبع وثلاثون درجة قبالة مدينة (آمل) قصبة طبرستان ثم ينعطف ويمتدّ شرقا حتّى يجاوز بلاد الجيل إلى مدينة آبسكون، وهي فرضة جرجان، ثم يمتدّ إلى نهايته في الشرق حيث الطول ثمانون درجة والعرض نحو أربعين عند مدينة جرجان وهي في الشرق منه قريبة من ساحله ثم ينعطف ويمتدّ شمالا وغربا حتّى يبلغ نهايته في الشمال حيث العرض نحو خمسين درجة، والطول تسع وسبعون درجة وفي شماليّه وغربيّه يصبّ نهر إتل (4) الذي عليه مدينة السراي قاعدة مملكة أزبك الآتي ذكرها في مكاتبة قانهم إن شاء الله تعالى.
قال في «تقويم البلدان»: وليس في هذا البحر جزيرة مسكونة.
__________
(1) من بلاد خراسان. (الروض المعطار: 71).
(2) بتشديد الراء، وهو اسم لبلاد واسعة وبلاد كثيرة. وبين أذربيجان وأرّان نهر يقال له الرس كل ما جاوره من ناحية المغرب والشمال فهو من أرّان، وما كان من جهة المشرق فهو من أذربيجان. وأرّان من أصقاع إرمينية. (معجم البلدان: 1/ 136).
(3) هي نفسها باب الحديد أو باب الأبواب (معجم البلدان).
(4) إتل، على وزن إبل نهر ببلاد الروس باسم قرية هناك. (معجم البلدان: 1/ 87).(3/258)
الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة الثانية في كيفية استخراج جهات البلدان والأبعاد الواقعة بينها، وفيه طرفان
الطرف الأوّل في كيفية استخراج جهات البلدان
إذا كنت في بلد وأردت أن تعرف جهة بلد آخر عن البلد الذي أنت فيه، فالذي أطلقه كثير من المصنّفين أنك تعرف طول (1) البلد الذي أنت فيه وعرضه (2)، وطول البلد الآخر وعرضه، وتقابل بين الطولين وبين العرضين، فإن كان ذلك البلد أعرض من بلدك مع مساواته له في الطول، فهو عنك في جهة الجنوب، وإن كان أطول من بلدك مع مساواته له في العرض، فهو عنك في جهة الشرق. وإن كان أقلّ طولا مع مساواته في العرض، فهو عنك في جهة الغرب. وإن كان أطول وأعرض من بلدك، فهو عنك بين الشرق والشّمال. وإن كان أقلّ طولا وعرضا، فهو عنك بين المغرب والجنوب. وإن كان أقلّ طولا وأكثر عرضا، فهو عنك بين الجنوب والشّمال. وإن كان أكثر طولا وأقل عرضا، فهو عنك بين الشرق والجنوب.
والذي ذكره المحققون من علماء الهيئة أن البلد إذا كان أطول من بلدك مع مساواته له في العرض، يكون عنك في جهة الشرق بميلة إلى الشّمال. وإذا كان
__________
(1) المقصود موقعه من خطوط الطول.
(2) المقصود موقعه من خطوط العرض.(3/259)
أقلّ طولا مع مساواته له في العرض، يكون في جهة الغرب بميلة إلى الشّمال أيضا. وإذا كان أقلّ طولا وعرضا، يكون بين المغرب والجنوب على ما تقدّم، إلا أن يقلّ الفصل بينهما بأن يكون أقل من درجة، فإنه يحتمل أن يكون كذلك وأن يكون على وسط المغرب، وإذا كان أقلّ طولا وأكثر عرضا، فإنه يكون بين المشرق والمغرب على ما تقدّم، إلا أن يقلّ الفصل بينهما فيحتمل أن يكون كذلك وأن يكون على وسط المشرق.
الطرف الثاني في معرفة الأبعاد الواقعة بين البلدان
قد تقدّم أن الأطوال والعروض في الأمكنة والبلدان تعتبر بالدّرج والدقائق وأن الدّرجة مقسومة بستين دقيقة، ثم الذي حققه القدماء كبطليموس (1) صاحب المجسطي وغيره تقدير الدرجة بستة وستين ميلا وثلثي ميل، وبه أخذ أكثر المتأخرين وعليه العمل. وما وقع لأصحاب الرّصد المأمونيّ مما يخالف ذلك بنقص عشر درج مما لا تعويل عليه.
وقد نقل علاء الدين بن الشاطر من المتأخرين في «زيجه» (2) عن القدماء أنهم قدروا الدرجة بالتقريب بعشرين فرسخا، وبستين ميلا (3)، وبمائتي ألف وأربعين ألف ذراع، وبخمسة برد، وبمسير يومين.
وقدّر الشافعيّ رضي الله عنه ذلك بسير يومين بالأيام المعتدلة دون لياليهما، وقدّر السير بالسير المعتدل وتقدير الدرجة كما بين الفسطاط ودمياط، فإنّ عرض
__________
(1) وهو بطليموس القلوذي. وكتابه المجسطى من أوائل ما ترجم العرب في الجغرافية عن اليونانية على عهد المأمون. ويذكر فيه المؤلف القواعد التي يتوسل بها في إثبات الأوضاع الفلكية والأرضية بأدلّتها التفصيلية. (كشف الظنون: 1594).
(2) وهو المعروف «بزيج ابن الشاطر» الأنصاري الدمشقي الفلكي المتوفى سنة 777هـ. اختصره شمس الدين الحلبي وسماه «الدر الفاخر». (كشف الظنون: 966).
(3) الدرجة بتقدير البيروني: 18و 9/ 8فرسخا.(3/260)
دمياط يزيد على عرض الفسطاط بدرجة وكسر يسير على ما سيأتي ذكره.
فإذا أردت أن تعرف كم بين البلد الذي أنت فيه وبين بلد آخر الخط المستقيم، فلك حالتان:
الحالة الأولى أن يكون ذلك البلد على سمت بلدك الذي أنت فيه في الطول أو العرض
، فانظر كم درجة بينهما بالزيادة والنقص فاضربه في ست وستين، وهو ما لكل درجة من الأميال، فما خرج من الضرب فهو بعد ما بينهما من الأميال على الخط المستقيم، فاعتبره بما شئت من المراحل والفراسخ والبرد على ما تقدّم بيانه.
الحالة الثانية ألّا يكون ذلك البلد على سمت بلدك الذي أنت فيه،
فطريقك أن تقابل بين عرض بلدك وطوله، وبين عرض البلد الآخر وطوله، وتنظر كم فضل ما بين الطولين وبين العرضين، وهو ما يزيده أحد الطولين أو أحد العرضين على الآخر فتضرب كلّا من فضل الطولين وفضل العرضين في مثله، وتجمع الحاصل من الضربين فما كان خذ جذره، وهو القدر الذي إذا ضربته في مثله حصل عنه ذلك العدد، فما بلغ مقدار ما بين بلدك والبلد الآخر من الدرج، فاضربه في ست وستين وثلثين على ما تقدّم، فما بلغ فهو أميال، فاعتبره بما شئت من المراحل والفراسخ والبرد على ما تقدّم.
مثال ذلك أن الفسطاط طوله خمس وخمسون درجة، وعرضه ثلاثون درجة ودمشق طولها ستون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة ونصف درجة، ففضل ما بين طوليهما خمس درج، وفضل ما بين عرضيهما ثلاث درج ونصف درجة، فتضرب فضل ما بين الطولين، وهو خمس درج في مثله يبلغ خمسا وعشرين، وتضرب فضل ما بين العرضين، وهو ثلاث ونصف فى مثله يبلغ اثني عشر وربعا، فتجمع ما حصل من الضّربين، وهو خمس وعشرون واثنا عشر وربع ويكون سبعا وثلاثين وربعا فخذ جذرها يكن ستاّ ونصف سدس تقريبا، وهو ما بين الفسطاط ودمشق من الدّرج، فاضربه في ست وستين وثلثين، وهي ما
للدرجة الواحدة من الأميال يكن أربعمائة وخمسة أميال وثلث سدس ميل، فإذا اعتبرت كل أربعة وعشرين ميلا بمرحلة على ما تقدّم، كانت سبع عشرة مرحلة تقريبا، وهو القدر الذي بين الفسطاط ودمشق على الخط المستقيم.(3/261)
مثال ذلك أن الفسطاط طوله خمس وخمسون درجة، وعرضه ثلاثون درجة ودمشق طولها ستون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة ونصف درجة، ففضل ما بين طوليهما خمس درج، وفضل ما بين عرضيهما ثلاث درج ونصف درجة، فتضرب فضل ما بين الطولين، وهو خمس درج في مثله يبلغ خمسا وعشرين، وتضرب فضل ما بين العرضين، وهو ثلاث ونصف فى مثله يبلغ اثني عشر وربعا، فتجمع ما حصل من الضّربين، وهو خمس وعشرون واثنا عشر وربع ويكون سبعا وثلاثين وربعا فخذ جذرها يكن ستاّ ونصف سدس تقريبا، وهو ما بين الفسطاط ودمشق من الدّرج، فاضربه في ست وستين وثلثين، وهي ما
للدرجة الواحدة من الأميال يكن أربعمائة وخمسة أميال وثلث سدس ميل، فإذا اعتبرت كل أربعة وعشرين ميلا بمرحلة على ما تقدّم، كانت سبع عشرة مرحلة تقريبا، وهو القدر الذي بين الفسطاط ودمشق على الخط المستقيم.
أما الطرق المسلوكة إلى البلدان على التعاريج بسبب البحار والجبال والأودية وغيرها، فإنها تقتضي الزيادة على ذلك.
وقد ذكر أبو الرّيحان البيرونيّ في كتابه «القانون»: أن زيادة التعاريج على الاستواء يكون بقدر الخمس تقريبا. فإذا كان بين البلدين أربعون ميلا على الخط المستقيم، كانت بحسب سير السائر خمسين ميلا.
قلت: وفيه نظر لطول بعض التعاريج على بعض في الزيادة بالبحار والجبال عن الخط المستقيم على ما هو مشاهد في الأسفار، اللهم إلا أن يريد الغالب كما تقدّم بين الفسطاط ودمشق، فقد مرّ أن بينهما على الخط المستقيم سبع عشرة مرحلة بالتقريب، فإذا أضيف إليها مثل خمسها، وهو ثلاثة وخمسان، كانت عشرين مرحلة، وهو القدر المعتاد في سيرها بالسير المعتدل.
واعلم أن طول البلدان وعروضها قد وقع في الكتب المصنفة فيها ككتاب «الأطوال» المنسوب للفرس، و «رسم المعمور» (1)، المترجم للمأمون من اللغة اليونانية، «والزيجات» وغير ذلك اختلاف كثير وتباين فاحش. وممن صرح بذكر ذلك أبو الريحان البيروني في كتابه «القانون» فقال عند ذكرها: ولم يتهيأ لي تصحيح جميعها، وقد صححت ما أمكن منها.
قال في «تقويم البلدان»: إلا أن معرفة ذلك بالتقريب خير من الجهل بالكلية.
__________
(1) جاء في كشف الظنون: «رسم البلاد من المعمور» للخوارزمي. دون زيادة.(3/262)
الباب الثاني من المقالة الثانية في ذكر الخلافة (1) ومن وليها من الخلفاء، ومقرّاتهم في القديم والحديث،
وما انطوت عليه الخلافة من الممالك في القديم، وما كانت عليه من الترتيب، وما هي عليه الآن، وفيه فصلان
الفصل الأوّل في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء
: من خلفاء بني أميّة بالشام، وخلفاء بنى العبّاس بالعراق، وخلفاء الفاطميّين بمصر، وخلفاء بني أميّة بالأندلس أما الخلافة، فسيأتي في المقالة الخامسة في الكلام على الولايات أن المراد بها خلافة النبيّ صلّى الله عليه وسلم بعده في أمته، ولذلك كان يقال لأبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه: خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأن الراجح أنه لا يجوز أن يقال في الخليفة خليفة الله إلى تمام القول فيما سيأتي ذكره هناك، إن شاء الله تعالى.
وأما من وليها من الخلفاء، فعلى أربع طبقات:
__________
(1) يقول الدكتور محمد محمود الصياد: قد يعترض البعض على القلقشندي في تخصيصه الباب الثاني من المقالة لذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء ومقرّاتهم ويرى أنه أقحم على المقالة إقحاما، والواقع أن في هذا ظلما للقلقشندي ومنهجه، فالرجل في نظرنا لم يقصد أن يتحدث عن الخلافة كخلافة، وإنما قصد أن يتحدث عن «الجغرافية السياسة» للدولة الإسلامية ولو أن جغرافيّا أراد أن يرسم خريطة لحدود الدولة الإسلامية وتطورها على العصور لما وجد مصدرا يتصف بالإيجاز الواضح بعينه في رسم خريطته أفضل من الباب الذي كتبه القلقشندي عن الخلافة.
(القلقشندي وكتابه صبح الأعشى: ص 204).(3/263)
الطبقة الأولى الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم
وأوّلهم: «أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه» بويع بالخلافة في اليوم الذي مات فيه النبي صلّى الله عليه وسلم، على ما سيأتي ذكره في الكلام على البيعات من المقالة الخامسة إن شاء الله تعالى.
وبقي حتّى توفّي لتسع ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة ودفن مع النبي صلّى الله عليه وسلم، في حجرة عائشة رضي الله عنها.
وبويع بعده «عمر بن الخطاب رضي الله عنه» في اليوم الذي مات فيه أبو بكر رضي الله عنه بعد أن عهد له بالخلافة، وتوفّي يوم السبت سلخ (1) ذي الحجة الحرام سنة ثلاث وعشرين بطعنة أبي لؤلؤة: غلام المغيرة بن شعبة (2)، ودفن مع النبيّ صلّى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه.
وفي أيامه فتحت الأمصار: ففتحت دمشق على يد خالد بن الوليد وأبي عبيدة ابن الجرّاح، وتبعها في الفتح سائر بلاد الشام ففتحت بيسان وطبريّة، وقيساريّة، وفلسطين، وعسقلان، وبعلبكّ، وحمص، وحلب، وقنّسرين، وانطاكيّة وسار إلى بيت المقدس في خلال ذلك، ففتحه صلحا (3).
__________
(1) سلخ الشهر هو آخره. (القاموس 1/ 270).
(2) المغيرة بن شعبة هو أحد دهاة العرب وقادتهم وولاتهم. أسلم سنة 5هـ وشهد الحديبية واليمامة وفتوح الشام وغيرها. ولاه عمر بن الخطاب على البصرة، وعزله ثم ولّاه الكوفة. وغلام المغيرة، أبو لؤلؤة اسمه فيررز، فارسي، طعن مع عمر ثلاثة عشر رجلا توفي منهم سبعة، ثم قتل نفسه.
(الأعلام 7/ 277وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 13).
(3) وقد كتب عمر لأهل أيليا (أي بيت المقدس) كتابا بالأمان بدأه هكذا: «بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل أيليا من الأمان: أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها (نص الكتاب في الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة: ص 487، 488).(3/264)
وفتح من بلاد الجزيرة الفراتية: الرّقّة، وحرّان، والموصل، ونصيبين، وآمد، والرّها.
وفتح من العراق: القادسيّة، والمدائن، على يد سعد بن أبي وقّاص، وزال ملك الفرس، وانهزم ملكهم يزدجرد إلى فرغانة من بلاد التّرك (1).
وفتحت أيضا كور دجلة، والأبلّة (2)، على يد عتبة بن غزوان (3).
وفتحت كور الأهواز على يد أبي موسى الأشعري (4).
وفتحت نهاوند، وإصطخر، وأصبهان، وتستر، والسّوس، وأذربيجان، وبعض أعمال خراسان.
وفتحت مصر، والإسكندريّة، وأنطابلس (5)، وهي برقة، وطرابلس الغرب، على يد عمرو بن العاص.
وبويع بالخلافة بعده «عثمان بن عفّان رضي الله عنه» لثلاث بقين من المحرّم سنة أربع وعشرين وقتل بالمدينة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة
__________
(1) يزدجرد بن شهريار، وقد جاء بعد بوران بنت كسرى التي ملكت سنة 14هـ. بعد انتصار المسلمين في القادسية آخر سنة 16هـ، مضوا إلى المدائن فاقتتلوا مع أهلها، فلما فتحها المسلمون هرب يزدجرد مع أساورته إلى حلوان ثم إلى أصبهان وهرب من أصبهان إلى إصطخر ثم إلى خراسان حيث قتله «ماهويه» مرزبانها. (فتوح البلدان: 356وما بعدها).
(2) وهي البصرة، وكانت تسمى أيضا أرض الهند. وقد فتحت عنوة أما باقي كور دجلة ما بين الفهرج إلى الفرات فقد فتحت صلحا. (فتوح البلدان: 477والأعلام: 4/ 201).
(3) وهو صحابي قديم الإسلام هاجر إلى الحبشة وشهد بدرا ثم القادسية. ولاه عمر البصرة وتوفي سنة 17هـ. (الأعلام 4/ 201).
(4) كان المغيرة بن شعبة قد غزا سوق الأهواز في ولايته حين شخص عتبة بن غزوان من البصرة في آخر سنة 15هـ أو أول سنة 16هـ، فقاتله البير واز دهقانها، ثم صالحه على مال. ثم إنه نكث فغزاها أبو موسى الأشعري حين ولاه عمر البصرة بعد المغيرة، وافتتحها سنة 17هـ ثم أكمل بعد ذلك وفتح باقي كور الأهواز. (فتوح البلدان: 531).
(5) وقد سار إليها عمرو بن العاص بعد ما فتح الإسكندرية وافتتحها صلحا وألزم أهلها الجزية وكان ذلك سنة 21هـ. (معجم البلدان: 1/ 389وفتوح البلدان: 314).(3/265)
سنة خمس وثلاثين، وقيل يوم الأضحى، وقيل غير ذلك.
وبويع بالخلافة بعده «عليّ كرّم الله وجهه» يوم قتل عثمان، وقتل لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة أربعين من الهجرة بالعراق، ودفن بالنّجف على الصحيح المشهور.
وبويع بالخلافة لابنه «الحسن» بالكوفة من العراق يوم قتل أبيه، وسلم الأمر لمعاوية لخمس بقين من ربيع الأوّل سنة إحدى وأربعين، وقيل في ربيع الآخر، وقيل في جمادى الأولى، ولحق بالمدينة فأقام بها إلى توفي بها في ربيع الأوّل سنة تسع وأربعين، وقيل ست وخمسين.
الطبقة الثانية خلفاء بني أمية
أوّلهم: «معاوية بن أبي سفيان» كان أميرا على الشام في خلافة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، واستمر بها إلى أن سلّم الحسن إليه الأمر، فاستقلّ بالخلافة وبقي حتّى توفّي بدمشق مستهلّ رجب الفرد سنة ستين من الهجرة، وقيل في النصف من رجب، وهو أوّل من رتب أمور الملك في الإسلام (1).
وقام بالأمر بعده ابنه «يزيد» بالعهد من أبيه، وبويع له بعد وفاته في رجب سنة ستين، وتوفي لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة أربع وستين.
وقام بالأمر بعده ابنه «معاوية» وبويع له بالخلافة في النصف من شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين، فأقام بالخلافة أربعين يوما، وقيل ثلاثة أشهر، وقيل عشرين يوما (2).
__________
(1) ومعاوية أول من جعل دمشق مقرّ الخلافة. وهو أول من اتخذ المقاصير لوقايته وأول من اتخذ الحرس والحجاب في الإسلام، وأول من نصب المحراب في المسجد. وكان عمر بن الخطاب إذا نظر إليه يقول: هذا كسرى العرب. (الأعلام 7/ 262).
(2) وقد مات معاوية بن يزيد شابا وهو ابن ثلاث وعشرين سنة. (الأعلام 7/ 263).(3/266)
وقام بالأمر بعده «مروان بن الحكم» وبويع له بالخلافة بالجابية (1) في رجب سنة أربع وستين، ثم جدّدت له البيعة في ذي القعدة من السنة المذكورة وتوفّي بالطاعون بدمشق في شهر رمضان سنة خمس وستين.
وقام بالأمر بعده ابنه «عبد الملك» بالعهد من أبيه، وبويع له بالخلافة في الثالث من شهر رمضان المذكور، وتوفي بدمشق منتصف شوّال سنة ست وثمانين.
وقام بالأمر بعده ابنه «الوليد» بالعهد من أبيه، وبويع له بالخلافة يوم موت أبيه، وتوفي بدمشق في منتصف جمادى الآخرة سنة ست وتسعين.
وقام بالأمر بعده أخوه «سليمان بن عبد الملك» وبويع له يوم موت أخيه الوليد، وكان أبوه قد عهد أن يكون هو الخليفة بعد أخيه الوليد، وتوفي بدابق (2)
لعشر خلون من صفر سنة تسع وتسعين.
وقام بالأمر بعده ابن عمه «عمر بن عبد العزيز» بعهده له وبويع له بالخلافة يوم موته وتوفيّ بخناصرة (3) لخمس وقيل لستّ بقين من رجب سنة إحدى ومائة.
وقام بالأمر بعده «يزيد بن عبد الملك بن مروان» بعهد من أخيه سليمان أن يكون له الأمر من بعد عمر بن عبد العزيز، وقيل: بعهد من أبيه أن يكون له الأمر بعد أخيه سليمان، ولكنه سلم لابن عمه عمر وبويع له يوم موت عمر، وتوفي بجولان (4) لخمس بقين من شعبان سنة خمس ومائة.
__________
(1) كان مروان بن الحكم قد رحل إلى الجابية في شمالي حوران بعد اعتزال معاوية بن يزيد الخلافة وهناك دعا إلى نفسه فبايعه أهل الأردن ثم دخل الشام. وعن وفاته يقال إنه مات بالطاعون، وقيل غطته زوجته «أم خالد» بوسادة وهو نائم فقتلته. (الأعلام 7/ 207).
(2) دابق قرية قرب حلب من أعمال عزاز، بينها وبين حلب أربعة فراسخ. (معجم البلدان 2/ 416).
(3) بليدة من أعمال حلب تحاذي قنسرين نحو البادية (معجم البلدان 2/ 390).
(4) قرية، وقيل جبل من نواحي دمشق ثم من عمل حوران. ويقال للجبل: حارث الجولان. (معجم البلدان: 2/ 188).(3/267)
وقام بالأمر بعده أخوه «هشام بن عبد الملك» بعهد من أخيه يزيد، بويع له بالخلافة في يوم موته، وتوفي بالرّصافة (1) لستّ خلون من ربيع الأوّل سنة خمس وعشرين ومائة.
وقام بالأمر بعده «الوليد بن يزيد بن عبد الملك» بويع له بالخلافة لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة، وقيل لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين (2).
وقام بالأمر بعده ابنه «يزيد» المعروف بالناقص سمي بذلك لنقصه الجند ما كان زادهم يزيد بويع له بالخلافة يوم قتل الوليد، وتوفي بدمشق لعشر بقين من ذي الحجة من السنة المذكورة.
وقام بالأمر بعده أخوه «إبراهيم بن الوليد» بويع له بالخلافة بعد وفاة أخيه في ذي الحجة المذكور، فمكث أربعة أشهر، وقيل أربعين يوما ثم خلع نفسه.
وقام بالأمر بعده «مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الجعدي» (3) بتسليم إبراهيم بن الوليد الأمر إليه وفي أيامه ظهرت دعوة بني العبّاس، وقصدته جيوشهم فهرب إلى مصر، فأدرك وقتل بقرية يقال لها بوصير من الفيّوم، وبزواله زالت دولة بني أمية.
الطبقة الثالثة خلفاء بني العبّاس بالعراق
وأوّل من قام بالأمر منهم بعد خلفاء بني أميّة «السّفّاح» وهو أبو العبّاس عبد
__________
(1) وتسمى رصافة هشام بن عبد الملك، في غربي الرقّة. وقد بناها هشام لما وقع الطاعون بالشام وكان يسكنها في الصيف. (معجم البلدان 3/ 47).
(2) وكان الوليد بن يزيد بن عبد الملك يعاب بالانهماك في اللهو وسماع الغناء. قتله عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك وحمل رأسه إلى دمشق. (الأعلام 8/ 123).
(3) دعا الناس وهو بأرمينية إلى البيعة فبايعوه فيها. ويقال له مروان الحمار أو حمار الجزيرة لجرأته وصبره في الحروب. (الأعلام 8/ 123).(3/268)
الله بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن العباس، عمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم بويع له بالخلافة بالكوفة لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وتوفي بالأنبار (1) لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة.
وقام بالأمر بعده أخوه «المنصور» أبو جعفر عبد الله بويع له بالخلافة يوم موت أخيه السّفّاح، وتوفي بطريق مكة وهو محرم بالحج سنة ثمان وخمسين ومائة، ودفن بالحجون (2).
وقام بالأمر بعده ابنه «المهديّ» أبو عبد الله محمد بويع له بالخلافة يوم مات أبوه بطريق مكة وهو يومئذ ببغداد، وتوفي (3) بماسبذان في المحرّم سنة تسع وستين ومائة.
وقام بالأمر بعده ابنه «الهادي» (4) أبو محمد موسى بويع له بعد أبيه يوم موته وهو غائب، فسار إلى بغداد ودخلها بعد عشرين يوما، وتوفي لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة سبعين ومائة.
وقام بالأمر بعده «الرشيد» أبو محمد هرون بن المهديّ بويع له بالخلافة ليلة مات أخوه الهادي، وتوفي (5) ليلة السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة.
وقام بالأمر بعده ابنه «الأمين» أبو عبد الله محمد، ويقال أبو موسى،
__________
(1) مدينة قرب بلخ. (معجم البلدان 1/ 257).
(2) جبل بأعلى مكة، عنده مدافن أهلها. (معجم البلدان: 2/ 225).
(3) مات صريعا على دابته في الصيد، وقيل مسموما. (الأعلام 6/ 221).
(4) كان مقيما بجرجان يحارب أهل طبرستان بعسكر أبيه، فأقام أخوه الرشيد بيعته. واستبدت أمه «الخيزران» بالأمر. ثم أراد خلع أخيه هارون الرشيد من ولاية العهد وجعلها لابنه جعفر فلم تر أمه ذلك فزجرها فأمرت جواريها أن يقتلنه فخنقنه ودفن في بستانه بعيسى آباذ. ومدة خلافته سنة وثلاثة أشهر. (الأعلام 7/ 327).
(5) توفي الرشيد في «سناباذ» من قرى طوس، وبها قبره. (الأعلام: 8/ 62).(3/269)
ويقال أبو العبّاس، بالعهد من أبيه هرون الرشيد وبويع له صبيحة الليلة التي توفي فيها أبوه الرشيد، وقتل لخمس بقين من المحرّم سنة ثمان وتسعين ومائة (1).
ثم قام بالأمر بعده أخوه «المأمون» أبو العباس، ويقال أبو جعفر عبد الله، بالعهد له من أبيه الرشيد أن يكون له الأمر بعد أخيه الأمين، وبويع له بالخلافة يوم قتل أخيه الأمين ببغداد وهو غائب وبويع له البيعة العامة لخمس بقين من المحرّم سنة ثمان وتسعين ومائة، وتوفي بأرض الروم (2) لليلة بقيت من رجب، وقيل لثمان خلون منه سنة ثماني عشرة ومائتين، ودفن بطرسوس.
وقام بالأمر بعده أخوه «المعتصم بالله» أبو إسحاق محمد بن هرون الرشيد بويع له بالخلافة يوم موت أخيه المأمون وهو يومئذ بطرسوس، فسار إلى بغداد، فدخلها مستهل رمضان سنة ثماني عشرة ومائتين، وتوفي بسامرّا (3) لثماني عشرة ليلة مضت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين.
وقام بالأمر بعده ابنه «الواثق بالله» أبو جعفر هرون بويع له بالخلافة يوم موت أبيه، وتوفّي بسرّ من رأى لستّ بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.
__________
(1) ولد في رصافة بغداد سنة 170هـ. بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه بعهد منه، فولى أخاه المأمون خراسان وأطرافها، وكان المأمون ولي العهد من بعده، فلما كانت سنة 195هـ أعلن الأمين خلع المأمون من ولاية العهد فنادى المأمون بخلع الأمين في خراسان وتسمى بأمير المؤمنين.
(والمعروف أن أم الأمين كانت عربية وأم المأمون فارسية). وجهّز الأمين وزيره ابن ماهان لحربه، وجهز المأمون طاهر بن الحسين، فانهزم جيش الأمين ثم حاصر طاهر بن الحسين بغداد حصارا طويلا انتهى بقتل الأمين: قتل بالسيف وكان الذي ضرب عنقه مولى لطاهر بأمره. (الأعلام 7/ 127).
(2) كان المأمون قد توجه غازيا إلى أرض الروم، فلما وصل إلى البدندون مرض فأوصى بالخلافة إلى أخيه المعتصم. ثم توفي بالبدنون فحمله ابنه العباس إلى طرسوس ودفنه بها في دار خاقان خادم أبيه. (فوات الوفيات 2/ 238).
(3) فيها لغات عدّة: سامرّاء، وسامرّا، وسرّ من رأ، وسرّ من را، وسرّ من راى: مدينة بين بغداد وتكريت على شرق دجلة وقد بناها المعتصم سنة 221هـ. (معجم البلدان 3/ 173).(3/270)
وقام بالأمر بعده أخوه «المتوكل على الله» أبو الفضل جعفر، بويع له بالخلافة يوم موت أخيه الواثق، وقتل (1) لثلاث خلون من شوّال سنة سبع وأربعين ومائتين.
وقام بالأمر بعده ابنه «المستنصر بالله» (2) أبو جعفر محمد بويع له بالخلافة صبيحة قتل أبيه المتوكل، وتوفي بسامرّا لثلاث خلون من ربيع الآخر، وقيل لخمس خلون من ربيع الأوّل سنة ثمان وأربعين ومائتين.
وقام بالأمر بعده «المستعين بالله» أبو العباس أحمد بن المعتصم بالله المتقدّم ذكره بويع له بالخلافة في اليوم الثاني من موت المستنصر، وخلع نفسه لأربع خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين، وجهّز إلى واسط، فقتل بها (3) في آخر رمضان من السنة المذكورة.
وقام بالأمر بعده «المعتزّ بالله» أبو عبد الله محمد، وقيل أبو الزبير بن المتوكل على الله المتقدّم ذكره بويع له ببغداد حين خلع المستعين نفسه، وبايعه المستعين فيمن بايع، وخلع لثلاث بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين، ثم قتل (4) بعد ذلك.
__________
(1) اغتيل المتوكل بسامراء بإغراء ابنه المنتصر. (الأعلام 2/ 127).
(2) حسب صاحب الأعلام، عن ابن الأثير والطبري واليعقوبي والمسعودي والأغاني وفوات الوفيات:
المنتصر بالله. في أيامه قويت سلطة الغلمان فحرضوه على خلع أخويه المعتز والمؤيد من ولاية العهد فخلعهما. وكان أول من عدا على أبيه من بني العباس، ولم تطل مدة خلافته إذ بلغت ستة أشهر وأيام. وقيل مات مسموما بمبضع طبيب في سامراء. (الأعلام 6/ 70).
(3) كان المتحكم في الدولة على عهده «أوتامش» التركي ورجاله، فثارت عصبة من الموالي على أوتامش بموافقة المستعين فقتلوه سنة 249هـ. وفي زمن المستعين قامت ثورات في الأردن وحمص والمعرّة والمدينة والروذان، فانتقل إلى بغداد فغضب القواد وطالبوا بعودته إلى سامراء فامتنع فنادوا بخلعه واتصلوا بالمعتز وكان سجينا بسامراء فأطلقوه وبايعوه وزحف لقتال المستعين ببغداد فخلع المستعين نفسه واستسلم للمعتز لقاء مال معلوم يدفع إليه ورحل إلى واسط بأمه وأهله فأقام عشرة أشهر ونقله المعتز إلى القاطول فسلم فيها إلى حاجب يدعى سعيد بن صالح فضربه حتى مات. (الأعلام 1/ 204).
(4) كانت أيامه أيام فتن وشغب. عذّبه قواده حتى مات بسرّ من رأى سنة 255هـ. (الأعلام 6/ 70).(3/271)
وقام بالأمر بعده «المهتدي بالله» أبو عبد الله، ويقال أبو جعفر محمد بن الواثق بالله المتقدّم ذكره بويع له بالخلافة بعد ليلتين من خلع المعتز بالله، وقتل (1) لأربع عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، وكان يقال هو في بني العباس مثل عمر بن عبد العزيز في بني أميّة (2).
وقام بالأمر بعده «المعتمد على الله» أبو العباس، ويقال أبو جعفر أحمد ابن جعفر المتوكل المتقدّم ذكره بويع له بالخلافة يوم قتل المهتدي بالله، وتوفي (3) لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين.
وقام بالأمر بعده «المعتضد بالله» (4) أبو العباس أحمد بن الموفق، طلحة ابن جعفر المتوكل بويع له بالخلافة يوم قتل المعتمد على الله، وتوفي ببغداد لسبع وقيل لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين.
وقام بالأمر بعده ابنه «المكتفي بالله» أبو محمد علي بويع له بالخلافة يوم موت أبيه المعتضد وهو غائب بالرّقّة، وكتب إليه بذلك فأخذ البيعة على من عنده وسار إلى بغداد، فدخلها لثمان خلون من جمادى الأولى من سنته، وتوفي ببغداد
__________
(1) انقضّ عليه الترك ببغداد فخرج لقتالهم فأصيب بطعنة والسيف بيده ومات على أثرها. (الأعلام 7/ 128).
(2) كان المهتدي بالله ورعا متعبدا عادلا قويا في أمر الله، بطلا شجاعا ولكنه لم يجد ناصرا ولا معينا على الخير. وكان يفطر في رمضان على خبز وملح وزيت وخلّ، ويقول: فكرت أنه كان في بني أمية عمر ابن عبد العزيز، وكان من التقلل والتقشف على ما بلغنا، فغرت على بني هاشم وأخذت نفسي بذلك. (فوات الوفيات: 4/ 50، 51).
(3) مات مسموما، وقيل رمي في رصاص مذاب. وكانت أيامه مضطربة كثيرة العزل والتولية بتدبير الموالي وغلبتهم عليه. (الأعلام: 1/ 106).
(4) وكان شجاعا ذا عزم، مهيبا عند أصحابه يتقون سطوته ويكفون عن الظلم خوفا منه. وفي المؤرخين من يقول: قامت الدولة بأبي العباس وجددت بأبي العباس، أي المعتضد بالله. وقال ابن تغري بردي: المعتضد آخر خليفة عقد ناموس الخلافة، وأخذ أمر الخلافة بعده بالإدبار. (الأعلام:
1/ 140).(3/272)
لثلاث عشرة ليلة، وقيل لثنتي عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين.
وقام بالأمر بعده أخوه «المقتدر بالله» أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله المتقدم ذكره، وخلع (1) لعشر بقين من ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين.
وبويع «المرتضى بالله» أبو محمد عبد الله بن المعتز، فأقام يوما وليلة ثم اضطرب عليه الأمر فاختفى، وعاد الأمر إلى المقتدر (2) فظفر بابن المعتز فصادره، ثم أخرج من دار السلطان ميّتا لليلتين خلتا من ربيع الآخر من السنة المذكورة، ثم خلع المقتدر بالله نفسه (3) وبويع بالخلافة أخوه القاهر بالله أبو منصور محمد بن المعتضد فأقام يومين، ثم عاد الأمر (4) إلى المقتدر بالله وبقي حتّى قتل لثلاث خلون من شوال سنة عشرين وثلاثمائة.
وقام بالأمر بعده أخوه «القاهر بالله» المتقدّم ذكره، لليلتين بقيتا من شوال سنة عشرين وثلاثمائة، ثم خلع وسملت عيناه لستّ خلون من جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة (5).
__________
(1) يلاحظ الدكتور حسن إبراهيم حسن في «تاريخ الإسلام» أن اضطراب الأوضاع على المقتدر وتنحيته عن الحكم وعودته ثلاث مرات يعود إلى إسراف الخليفة وعزله الوزراء والقبض عليهم وتدخل النساء في أمور الدولة لصغر سنه وانصرافه إلى اللهو. ثم ينقل عن صاحب الفخري قوله:
«واعلم أن دولة المقتدر كانت دولة ذات تخليط كثير لصغر سنه، ولاستيلاء أمه ونسائه وخدمه عليه، فكانت دولته تدور أمورها على تدبير النساء والخدم وهو مشغول بلذاته، فخربت الدنيا في أيامه وخلت بيوت الأموال واختلفت الكلمة، فخلع ثم أعيد ثم قتل».
ولا غر وفقد أصبح الأمر والنهي بيد أمه، وكانت تسمى «السيدة» وبلغ من ازدياد نفوذها أنها كانت إذا غضبت هي أو قهرمانتها من أحد الوزراء كان مصيره العزل لا محالة. وقد اتسعت سلطة «السيدة» إلى حد أنها استطاعت أن تعيّن قهرمانتها «ثومال» صاحبة للمظالم. وأدى تدخل النساء في أمور الدولة إلى ضعفها وحرمانها من وزرائها الأكفاء واستهتار العامة بها. (تاريخ الإسلام: 3/ 21وما بعدها).
(2) يلاحظ الدكتور حسن إبراهيم حسن في «تاريخ الإسلام» أن اضطراب الأوضاع على المقتدر وتنحيته عن الحكم وعودته ثلاث مرات يعود إلى إسراف الخليفة وعزله الوزراء والقبض عليهم وتدخل النساء في أمور الدولة لصغر سنه وانصرافه إلى اللهو. ثم ينقل عن صاحب الفخري قوله:
«واعلم أن دولة المقتدر كانت دولة ذات تخليط كثير لصغر سنه، ولاستيلاء أمه ونسائه وخدمه عليه، فكانت دولته تدور أمورها على تدبير النساء والخدم وهو مشغول بلذاته، فخربت الدنيا في أيامه وخلت بيوت الأموال واختلفت الكلمة، فخلع ثم أعيد ثم قتل».
ولا غر وفقد أصبح الأمر والنهي بيد أمه، وكانت تسمى «السيدة» وبلغ من ازدياد نفوذها أنها كانت إذا غضبت هي أو قهرمانتها من أحد الوزراء كان مصيره العزل لا محالة. وقد اتسعت سلطة «السيدة» إلى حد أنها استطاعت أن تعيّن قهرمانتها «ثومال» صاحبة للمظالم. وأدى تدخل النساء في أمور الدولة إلى ضعفها وحرمانها من وزرائها الأكفاء واستهتار العامة بها. (تاريخ الإسلام: 3/ 21وما بعدها).
(3) يلاحظ الدكتور حسن إبراهيم حسن في «تاريخ الإسلام» أن اضطراب الأوضاع على المقتدر وتنحيته عن الحكم وعودته ثلاث مرات يعود إلى إسراف الخليفة وعزله الوزراء والقبض عليهم وتدخل النساء في أمور الدولة لصغر سنه وانصرافه إلى اللهو. ثم ينقل عن صاحب الفخري قوله:
«واعلم أن دولة المقتدر كانت دولة ذات تخليط كثير لصغر سنه، ولاستيلاء أمه ونسائه وخدمه عليه، فكانت دولته تدور أمورها على تدبير النساء والخدم وهو مشغول بلذاته، فخربت الدنيا في أيامه وخلت بيوت الأموال واختلفت الكلمة، فخلع ثم أعيد ثم قتل».
ولا غر وفقد أصبح الأمر والنهي بيد أمه، وكانت تسمى «السيدة» وبلغ من ازدياد نفوذها أنها كانت إذا غضبت هي أو قهرمانتها من أحد الوزراء كان مصيره العزل لا محالة. وقد اتسعت سلطة «السيدة» إلى حد أنها استطاعت أن تعيّن قهرمانتها «ثومال» صاحبة للمظالم. وأدى تدخل النساء في أمور الدولة إلى ضعفها وحرمانها من وزرائها الأكفاء واستهتار العامة بها. (تاريخ الإسلام: 3/ 21وما بعدها).
(4) يلاحظ الدكتور حسن إبراهيم حسن في «تاريخ الإسلام» أن اضطراب الأوضاع على المقتدر وتنحيته عن الحكم وعودته ثلاث مرات يعود إلى إسراف الخليفة وعزله الوزراء والقبض عليهم وتدخل النساء في أمور الدولة لصغر سنه وانصرافه إلى اللهو. ثم ينقل عن صاحب الفخري قوله:
«واعلم أن دولة المقتدر كانت دولة ذات تخليط كثير لصغر سنه، ولاستيلاء أمه ونسائه وخدمه عليه، فكانت دولته تدور أمورها على تدبير النساء والخدم وهو مشغول بلذاته، فخربت الدنيا في أيامه وخلت بيوت الأموال واختلفت الكلمة، فخلع ثم أعيد ثم قتل».
ولا غر وفقد أصبح الأمر والنهي بيد أمه، وكانت تسمى «السيدة» وبلغ من ازدياد نفوذها أنها كانت إذا غضبت هي أو قهرمانتها من أحد الوزراء كان مصيره العزل لا محالة. وقد اتسعت سلطة «السيدة» إلى حد أنها استطاعت أن تعيّن قهرمانتها «ثومال» صاحبة للمظالم. وأدى تدخل النساء في أمور الدولة إلى ضعفها وحرمانها من وزرائها الأكفاء واستهتار العامة بها. (تاريخ الإسلام: 3/ 21وما بعدها).
(5) وتوفي القاهر بالله في بغداد سنة 339هـ، وذلك بعد أن هاج الجند وخلعوه وسملوا عينيه وحبسوه ثم أطلقوه. (المصدر السابق).(3/273)
وقام بالأمر بعده ابن أخيه «الراضي بالله» أبو العباس أحمد بن المقتدر بالله المتقدّم ذكره، وتوفي لست عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة تسع وعشرين وثلاثمائة.
وقام بالأمر بعده أخوه «المتقي بالله» أبو إسحاق إبراهيم بن المقتدر بالله المتقدّم ذكره بويع له بالخلافة لعشر بقين من ربيع الأول سنة تسع وعشرين وثلاثمائة. وخلع وسملت عيناه (1) لعشر بقين من صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة.
وقام بالأمر بعده ابن عمه «المستكفي بالله» أبو القاسم (2) عبد الله بن المكتفي بالله المتقدّم ذكره بويع له بالخلافة يوم خلع المتقي بالله بمشاركته له، ثم خلع (3) وسملت عيناه في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة.
وقام بالأمر بعده ابن عمه «المطيع لله» أبو القاسم، ويقال أبو العباس الفضل بن المقتدر بالله المتقدّم ذكره، بويع له بالخلافة يوم خلع المستكفي، وخلع نفسه منها للعجز بالمرض في الثالث عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وستين وثلاثمائة (4).
وولي الخلافة بعده ابنه «الطائع لله» أبو بكر عبد الكريم بويع له بالخلافة يوم خلع أبيه المطيع لله، وقبض عليه لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة فخلع نفسه (5).
__________
(1) سجنه الأمير «توزون بن شيرزاد» التركي بعد أن سمل عينيه. وقد ظل المتقي مسجونا خمسا وعشرين سنة إلى أن مات سنة 357هـ. (تاريخ الإسلام: 3/ 32، 34والأعلام: 1/ 35).
(2) كذا في العقد الفريد: 3/ 57والنجوم الزاهرة 3/ 273. وفي حياة الحيوان 1/ 115: «أبو العباس».
(3) سمل عينيه معز الدولة بن بويه الذي كان قد استولى على الأمور في عهده. وقد سجن المستكفي إلى أن مات سنة 334هـ. (الأعلام: 4/ 104).
(4) وتوفي سنة 364هـ. (فوات الوفيات: 3/ 182).
(5) خلعه بهاء الدولة ابن عضد الدولة بإشارة الأمراء ومعونتهم وسملوا عينيه. ولما جلس القادر في الخلافة أسكنه معه في زاوية من قصره رقّة له. وتوفي الطائع سنة 393هـ. (فوات الوفيات:
2/ 275، 276).(3/274)
وقام بالأمر بعده «القادر بالله» أبو العباس أحمد بن إسحاق بويع له بالخلافة يوم خلع الطائع، وكان غائبا بالبطائح فأحضر، وجددت له البيعة ببغداد في شهر رمضان من السنة المذكورة، وتوفي حادي عشر ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة.
وقام بالأمر بعده ابنه «القائم بأمر الله» أبو جعفر عبد الله بالعهد من أبيه، وجدّدت له البيعة بعد موت أبيه، توفي ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة.
وقام بالأمر بعده ابن ابنه «المقتدي بأمر الله» عبد الله [بن] (1) ذخيرة الدّين محمد بن القائم بأمر الله المتقدّم ذكره، وتوفي فجأة في الخامس والعشرين من المحرّم سنة سبع وثمانين وأربعمائة.
وقام بالأمر بعده ابنه «المستظهر بالله» أبو العباس أحمد بويع له بالخلافة بعد وفاة أبيه، وتوفي سادس عشر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
وقام بالأمر بعده ابنه «المسترشد بالله» أبو منصور الفضل بويع له بالخلافة بعد وفاة أبيه المستظهر، وقتل في قتال الباطنية (2) سابع عشر ذي القعدة سنة تسع وعشرين وخمسمائة.
وقام بالأمر بعده ابنه «الراشد بالله» أبو جعفر المنصور، بالعهد من أبيه،
__________
(1) الزيادة عن (فوات الوفيات: 2/ 219).
(2) وكان قد خرج للإصلاح بين السلجوقية واختلاف الأجناد، وكان معه جمع كثير من الأتراك فغدر أكثرهم به ولحقوا بالسلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه، ثم التقى الجمعان فلم يلبثوا إلا قليلا وانهزموا عن المسترشد وقبض على المسترشد وعلى خواصه، وحملوا إلى قلعة بقرب همذان وحبسوا بها، وكان ذلك في شهر رمضان وبقي إلى النصف من ذي القعدة، وحمل مع مسعود إلى المراغة وأنزل بناحية من العسكر، فدخل عليه جماعة من الباطنية من خلف الخيمة وتعلقوا به وضربوه بالسكاكين فقتل. (فوات الوفيات: 3/ 181).(3/275)
وجدّدت له البيعة يوم قتله، وخلع (1) في منتصف ذي القعدة سنة ثلاثين وخمسمائة.
وقام بالأمر بعده «المقتفي لأمر الله» أبو عبد الله محمد بن المستظهر المتقدّم ذكره بويع بالخلافة يوم خلع الراشد بالله، وتوفي ثاني ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمسمائة.
وقام بالأمر بعده ابنه «المستنجد بالله» أبو المظفّر يوسف بويع له بالخلافة يوم وفاة أبيه المقتفي، وتوفي تاسع ربيع الآخر سنة ست وستين وخمسمائة.
وقام بالأمر بعد ابنه «المستضيء بالله» أبو محمد الحسن بويع له بالخلافة يوم وفاة أبيه المستنجد من أقاربه بيعة خاصة، وفي عشره (2) بيعة عامة، وتوفي ثاني ذي القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة.
وقام بالأمر بعده ابنه «الناصر لدين الله» أبو العباس أحمد بويع له بالخلافة يوم موت أبيه المستضيء، وتوفي أول شوّال سنة اثنتين وعشرين وستمائة.
وقام بالأمر بعده ابنه «الظاهر بأمر الله» أبو نصر محمد بويع له بالخلافة يوم موت أبيه الناصر، وتوفي رابع عشر رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة.
وقام بالأمر بعد ابنه «المستنصر بالله» أبو جعفر المنصور بويع له بالخلافة يوم موت أبيه الظاهر، وتوفي لعشر خلون من جمادى الأولى سنة أربعين وستمائة.
وقام بالأمر بعده ابنه «المستعصم بالله» أبو أحمد عبد الله بويع له
__________
(1) خلعه السلطان مسعود وبايع عمه الإمام المتقي وعمره أربعون سنة. وخرج الراشد بالله إلى نواحى أصبهان فقتله الفراشون بالسكاكين في «خركاته» سنة 532هـ. (فوات الوفيات: 4/ 169).
(2) أي عاشر ربيع الآخر التالي للبيعة الخاصة الواقعة في التاسع.(3/276)
بالخلافة يوم موت أبيه المستنصر بالله، وقتله هولاكو (1) ملك التّتار في العشرين من المحرّم سنة ست وخمسين وستمائة. وبقتله انقرضت الخلافة العباسية من بغداد (2) وهو الثامن والثلاثون من خلفاء بني العباس ببغداد إذا عدّت خلافة ابن المعتز، وحسبت خلافة القاهر أولا وثانيا خلافة واحدة.
الطبقة الرابعة خلفاء بني العبّاس بالديار المصرية من بقايا بني العبّاس
وأول من قام بأمر الخلافة بها «المستنصر بالله» أبو القاسم أحمد بن الظاهر بالله (3) أبي نصر محمد المتقدّم ذكره، وذلك أنه لما قتل التتر المستعصم المتقدّم ذكره، وبقيت الخلافة شاغرة نحوا من ثلاث سنين ونصف ثم قدم جماعة من عرب الحجاز إلى مصر في رجب سنة تسع وخمسين وستمائة أيام الظاهر بيبرس (4)، ومعهم المستنصر المذكور، وذكروا أنه خرج من دار الخلافة ببغداد لمّا ملكها التّتر، فعقد الملك الظاهر له مجلسا حضره جماعة من العلماء، منهم الشيخ عز الدّين بن عبد السلام (5) شيخ الشافعية، وقاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز
__________
(1) ذكر ابن شاكر الكتبي أنهم اختلفوا كيف كان قتله فقيل إن هولاكو أمر بخنقه وقيل رفس إلى أن مات وقيل غرق وقيل لفّ في بساط وخنق. (فوات الوفيات: 2/ 231).
(2) وبهذا تكون الخلافة العباسية في بغداد قد استمرت من سنة 132هـ إلى سنة 656هـ. (فوات الوفيات: 2/ 231).
(3) الظاهر بأمر الله، كما مرّ معنا.
(4) مولده بأرض القبجاق. وأسر فبيع في سيواس ثم نقل إلى حلب ومنها إلى القاهرة فاشتراه الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار، وبقي عنده، فلما قبض عليه الملك الصالح نجم الدين أيوب أخذ بيبرس فجعله في خاصة خدمه ثم أعتقه. ولم تزل همته تصعد به حتى كان أتابك العساكر بمصر في أيام الملك قطز، وقاتل معه التتار في فلسطين. ثم اتفق مع أمراء الجيش على قتل قطز فقتلوه وتولى بيبرس سلطنة مصر والشام سنة 658هـ. وله الوقائع الهائلة مع التتار والصليبيّين وله الفتوحات العظيمة، منها بلاد النوبة ودنقلة ولم تفتح قبله مع كثرة غزو الخلفاء والسلاطين لها. توفي سنة 676هـ. (الأعلام: 2/ 79).
(5) الملقب بسلطان العلماء. ولد في دمشق سنة 577هـ. قرأ الفقه على ابن عساكر والأصول على الشيخ الآمدي. توفي بالقاهرة سنة 660هـ. (طبقات الشافعية: ص 223222).(3/277)
الشافعي (1) وهو يومئذ قاضي الديار المصرية بمفرده، وشهد أولئك العرب بنسبه، ثم شهد جماعة من الشهود على شهادتهم بحكم الاستفاضة، وأثبت ابن بنت الأعز نسبه، ثم بايعه الملك الظاهر بالخلافة وأهل الحلّ والعقد، واهتم الملك الظاهر بأمره، واستخدم له عسكرا عظيما، وتوجه الملك الظاهر إلى الشام وهو صحبته فجهّزه من هناك بعسكره إلى بغداد طمعا أن يستولي عليها وينتزعها من التتار، فخرج إليه التتار قبل أن يصل بغداد فقتلوه، وقتلوا غالب عسكره في العشر الأول من المحرم سنة ستين وستمائة، فكانت خلافته دون السنة وهو أوّل خليفة لقب بلقب خليفة قبله، وكانوا قبل ذلك يلقبون بألقاب مرتجلة.
وقام بالأمر بعده «الحاكم بأمر الله» أبو العباس أحمد بن حسين بن أبي بكر ابن الامير أبي علي القبّي ابن الأمير حسن بن الراشد بالله أبي جعفر المنصور المتقدّم ذكره في الخلفاء ببغداد. قدم مصر سنة تسع وخمسين وستمائة، وهو ابن خمس عشرة سنة في سلطنة الظاهر بيبرس، وقيل إن الظاهر بعث من أحضره إليه من بغداد، وجلس له مجلسا عامّا أثبت فيه نسبه، وبايعه بالخلافة في سنة ست وستين وستمائة، وأشركه معه في الدعاء في الخطبة على المنابر، إلا أنه منعه التصرف والدخول والخروج. ولم يزل كذلك إلى أن ولي السلطنة الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون، فأسكنه بالكبش بخط الجامع الطولوني (2)، فكان يخطب أيام الجمعة في جامع القلعة ويصلي، ولم يطلق تصرفه إلى أن تسلطن المنصور لاجين (3)، فأباح له التصرف حيث شاء وأركبه معه في الميادين وتوفي
__________
(1) هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع، أحد أجداد الشافعي، ويعرف أحمد هذا بابن بنت الشافعي. كان أبوه من فقهاء أصحاب الشافعي فتزوج بابنة الشافعي «زينب» فولد له أحمد المذكور. (طبقات الشافعية: ص 40).
(2) الخطّ هو موضع الحيّ والطريق والشارع. وذكر ابن دقماق: «أن العمارة متصلة بجامع أحمد بن طولون إلى حدرة إلى قميحة وإلى الكبش وإلى المشهد النفيسي وإلى الصليبة وإلى سوق الجمال وإلى القبة الصفراء. (الانتصار لواسطة عقد الأمصار: 4/ 124والقاموس: 2/ 371).
(3) هو لاجين، حسام الدين، ابن عبد الله المنصوري من ملوك دولة المماليك البحرية بمصر والشام، ويسمى «الروك» الحسامي. كان مملوكا للمنصور قلاوون وإليه نسبته. تقدّم إلى أن ولي نيابة السلطنة في أيام العادل «كتبغا» ثم خلع العادل وولي السلطنة سنة 695هـ. قتله بعض مماليك الأشرف خليل في قصره سنة 698هـ. (الأعلام: 5/ 238).(3/278)
في شهور سنة إحدى وسبعمائة.
وقام بالأمر بعده ابنه «المستكفي بالله» أبو الربيع سليمان بالعهد من أبيه الحاكم، وبويع له بالخلافة يوم موت أبيه، واستقرّ على ما كان عليه أبوه من الركوب والنزول وركوب الميادين مع السلطان إلى أن أعيد السلطان الملك الناصر محمد ابن قلاوون (1) إلى السلطنة المرّة الثانية بعد خلع الملك المظفر بيبرس الجاشنكير (2) في شهور سنة تسع وسبعمائة، فحصل عند السلطان منه وحشة، فجهزه إلى قوص (3) ليقيم بها، وبقي بقوص حتّى توفي في سنة أربعين وسبعمائة.
وولي الخلافة بعده ابنه «المستعصم بالله» أبو العباس أحمد بعهد من أبيه المستكفي بأربعين شاهدا بمدينة قوص، ودعي له على المنابر في العشر الأخير من شوال سنة أربعين وسبعمائة.
ثم خلعه الناصر محمد بن قلاوون، وبايع بالخلافة «الواثق بالله» أبا إسحاق إبراهيم بن الحاكم بأمر الله المتقدّم ذكره، وأمر بأن يدعي له على المنابر، وتحمل له راية الخلافة، فجرى الأمر على ذلك. وكان قد هم بمبايعته بعد موت المستكفي فلم يتم له. فلما توفي الملك الناصر في العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، أعيد المستعصم بالله أحمد المتقدّم ذكره إلى الخلافة
__________
(1) مرت ترجمته في هامش الصفحة 54من هذا الجزء.
(2) هو الملك المظفر بيبرس الجاشنكير المنصوري، ركن الدين: من سلاطين المماليك بمصر والشام. كان من مماليك المنصور قلاوون ونسبته إليه. وقد تولى السلطنة بعد أن خلع الناصر محمد ابن قلاوون نفسه. وما لبث أن شب الخلاف بينه وبين الناصر سنة 708هـ. وانتهى أمره بأن استسلم للناصر الذي خنقه بوتر طوق به عنقه. وكان ذلك سنة 709هـ. (الأعلام: 2/ 79).
(3) مدينة كبيرة، قصبة صعيد مصر. بينها وبين الفسطاط اثنا عشر يوما. وهي مدينة قديمة بناها أحد ملوك مصر بعد الطوفان، وهو الملك السادس. (معجم البلدان: 4/ 413. والانتصار لواسطة عقد الأمصار: 5/ 28).(3/279)
بعد خلع الواثق إبراهيم، وبقي حتّى توفي رابع شعبان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.
ثم ولي الخلافة بعده أخوه «المعتضد بالله» أبو الفتح أبو بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان سابع عشر شعبان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وتوفي عاشر جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة.
وولي الخلافة بعده ابنه «المتوكل على الله» أبو عبد الله محمد بن المعتضد بالله المتقدّم ذكره بالعهد من أبيه المعتضد، واستقرّ له الأمر بعد وفاة أبيه يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وبقي حتّى خلعه الأمير أيبك (1) أتابك (2) العساكر في سلطنة الملك المنصور (3) عليّ بن الأشرف شعبان بن حسين.
وولي الخلافة مكانه «المستعصم بالله» أبو يحيى زكريا بن الواثق إبراهيم المتقدّم ذكره، فأقام في الخلافة دون ثلاثة أشهر. ثم أعيد المتوكل على الله محمد ابن أبي بكر إلى الخلافة ثانيا في أواخر المحرّم أو أوائل صفر سنة تسع وسبعين وسبعمائة، واستمر حتّى قبض عليه الظاهر برقوق (4) واعتقله بقلعة الجبل (5) في
__________
(1) حسب الأعلام: «أينبك» البدري. وهو من مماليك الملك المنصور علي بن شعبان. وقد قام بتدبير شؤون المملكه إلى أن أسره باقي المماليك بعد نزاع على السلطة (الأعلام: 4/ 293).
(2) أتابك العساكر، لقب يطلق على أمير أمراء الجيش. والأتابك في الاصطلاح: مربي الأمير ومدبر المملكة. واللفظ من الكلمتين التركيتين: «أتا» بمعنى الأب والشيخ والمحترم لسنه و «بك» بمعنى الأمير. وقد ورد هذا الاصطلاح بالطاء (أطابك) في صبح الأعشى 4/ 18والنجوم الزاهرة:
7/ 184. (تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل: ص 12وهامش نزهة النفوس والأبدان:
1/ 35).
(3) تمت له البيعة بعد مقتل أبيه سنة 778هـ. وقام مماليكه بتدبير الشؤون. وتوفي الملك المنصور سنة 783هـ بعد إصابته بوباء انتشر بمصر، وكان في الثانية عشرة من عمره. (الأعلام: 4/ 293).
(4) هو برقوق بن أنص أو أنس العثماني، أول من ملك مصر من الشراكسة. انتزع السلطنة من آخر بني قلاوون، الصالح أمير حاج سنة 784هـ. وتلقب بالملك الظاهر وانقادت إليه مصر والشام.
توفي بالقاهرة سنة 801هـ. (الأعلام: 2/ 48).
(5) ذكر المقريزي في خططه: 2/ 188، أنه كان فيها سجن كبير يدعى «خزانة شمائل» تنسب إلى علم الدين بن شمائل والي القاهرة زمن الكامل محمد بن العادل أبي بكر، وكانت مخصصة لذوي الجرائم الكبرى، وقد حبس بها المؤيد شيخ فنذر إن أخرجه الله منها وولاه سلطنة مصر ليجعلنها مسجدا فكان الأمر كما تمنى، فهدمها في سنة 818هـ. وبنى مكانها جامعا. (هامش نزهة النفوس والأبدان 1/ 72).(3/280)
مستهلّ شهر رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة.
وولّى الخلافة مكانه «الواثق بالله» (1) أبو حفص عمر بن الواثق بالله إبراهيم المتقدم ذكره، فبقي حتّى توفي في العشر الأول من شوال سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، فأعاد الظاهر برقوق المستعصم بالله زكريا المتقدم ذكره ثانيا إلى الخلافة، والمتوكل على الله في الاعتقال والناس لا يرون في كل ذلك الخليفة غيره.
ثم عنّ للملك الظاهر برقوق بعد ذلك فأطلق المتوكّل على الله من الاعتقال، وأكرمه وأحسن إليه في ثاني جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وبقي في الخلافة حتى توفي سابع عشري شهر رجب الفرد سنة ثمان وثمانمائة.
وولي الخلافة بعده ابنه «أبو الفضل العباس ولقّب المستعين بالله» وبقي في الخلافة على سنن من تقدّمه من الخلفاء العبّاسيين بالديار المصرية من قصور أمره على العهد إلى السلطان والدعاء له على المنابر قبل السلطان إلى أن قبض على الناصر فرج بن برقوق (2) بالشام في الثاني عشر من ربيع الأوّل من سنة خمس عشرة
__________
(1) ذكر الخطيب الصيرفي أن السلطان برقوق كان قد أمر بقتل الواثق بالله، إبراهيم بن الحاكم بأمر الله، ولكنه عدل عن رأيه بعد تدخل الأمراء وشفاعتهم، ولكنه سجنه في قلعة القاهرة في «خزانة شمائل». وبادر السلطان فطلب زكريا وعمر ابني إبراهيم لينظر فيمن يوليه الخلافة منهما، فوقع الاختيار على عمر فولي الخلافة ولقب الواثق بالله. (نزهة النفوس والأبدان: 1/ 71، 72).
(2) جاء في نزهة النفوس للخطيب الصيرفي: «ولما كانت ليلة الثالث عشر من صفر نزل الناصر فرج من قلعة دمشق بعد عشاء الآخرة وهو حامل ولده إلى دار السعادة، فاستقبله الأمير شيخ وتعانقا وتباكيا. ومن العجيب أن الناصر رحل من الريدانية يوم الثالث عشر من ذي الحجة، وانكسر عند اللجون يوم الثالث عشر من المحرم ومسك ليلة الثالث عشر من صفر. ولما كانت ليلة السابع عشر ليلة السبت قضى الله أمره فيه وبقي مقتولا مرميّا على حصير، وعليه لبد عتيق ملون والناس ينظرون إليه. (نزهة النفوس والأبدان: 2/ 309).(3/281)
وثمانمائة، فاستقلّ بالأمر واستبدّبه، وأجمع له أمر الخلافة: من ضرب اسمه على السّكّة (1) في الدّنانير والدراهم والدعاء له على المنابر بمفرده، والعلامة (2) على التقاليد والتواقيع والمكاتبات وغيرها، وفوّض أمر تدبير دولته للأمير «شيخ» (3)
وكتب له تفويض في ورق، عرضه ذراع ونصف بذراع البز، يزيد عما كان يكتب فيه للسلاطين نصف ذراع بقلم مختصر الطومار.
وكان المتولي لأمر كتابته المقرّ الشمسيّ محمد العمري عين أعيان كتّاب الدّست (4) الشريف بالأبواب الشريفة (5) السلطانية، ونائب كاتب السر (6). وسيأتي
__________
(1) السّكّة هي الحديدة التي تطبع عليها الدراهم، ولذلك سميت الدراهم المضروبة سكة. وعرف المقريزي لفظ السكة «الدينار والدرهم المضروبين سمي كل منهما سكة لأنه طبع بالحديدة المعلمة ويقال لها السكة، وكل مسمار عند العرب سكة. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى:
182).
(2) العلامة هي ما يكتبه السلطان بخطه على صورة اصطلاحية. وكان لكل سلطان علامة وتوقيع.
(التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 253).
(3) هو الملك المؤيد شيخ بن عبد الله المحمودي الظاهري، من ملوك الجراكسة بمصر والشام. أصله من مماليك الظاهر برقوق. جعل مقدم ألف في دولة الناصر فرج بن برقوق فنائبا لطرابلس ونائبا في الشام. اشترك في العصيان ضد الناصر فرج إلى أن قتل هذا الأخير، فتولى السلطنة العباس بن محمد سنة 815هـ وجعله أتابكا للعسكر ومدبرا للمملكة وعاد معه إلى مصر. ولم يلبث شيخ أن خلع العباس (المستعين بالله) وتولى السلطنة في السنة نفسها. توفي سنة 824هـ. (الأعلام:
3/ 182ونزهة النفوس والأبدان: 2/ 311).
(4) من موظفي ديوان الإنشاء. وهم الذين يجلسون مع كاتب السر بمجلس السلطان بدار العدل ويقرأون القصص عليه ويوقعون عليها كما يوقع كاتب السرّ. وسموا كتاب الدست إضافة إلى دست السلطان وهو مرتبة جلوسه لجلوسهم للكتابة بين يديه. وكانوا في أوائل الدولة التركية في الأيام الظاهرية بيبرس ثلاثة كتاب. ثم زادوا بعد ذلك قليلا إلى أن صاروا في أواخر الدولة الأشرفية شعبان ابن حسين عشرة أو نحوها، ثم تزايدوا بعد ذلك خصوصا في سلطنة الظاهر برقوق وابنه الناصر فرج حتى جاوزوا العشرين. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 281).
(5) هي مقام السلطان وتصدر عنها المراسيم والمكاتبات أو هيئة ديوان السلطان. وفيها كتاب الدست وكتاب الدرج، وهم الذين يكتبون الولايات والمكاتبات ونحوها مما يكتب عن الأبواب الشريفة.
(التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 13).
(6) والعامة تقول كاتم السرّ لأنه يكتم سرّ الملك ويوقع على القصص بدار العدل وغيرها ويجلس على يسار السلطان بدار العدل لخلاص المظالم. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 282).(3/282)
ذلك في الكلام على التواقيع في المقالة الخامسة إن شاء الله تعالى.
وأما مقرّات الخلفاء، فهي أربع مقرّات:
المقرّة الأولى المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام
كانت مقرّة الخلفاء الراشدين إلى حين انقراضهم وذلك أن مبدأ النبوة كان بمكة ثم هاجر النبيّ صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأقام بها حتّى توفّي في الثالث (1) عشر من ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة من الهجرة.
ثم كان بعده في الخلافة أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليّ، ثم الحسن إلى حين سلّم الأمر لمعاوية، وإنما كان مقام عليّ والحسن بالعراق زمن القتال بينهما وبين معاوية.
المقرّة الثانية الشأم وهي دار خلفاء بني أميّة إلى حين انقراضهم
قد تقدّم أن معاوية كان أميرا على الشأم قبل الخلافة، ثم استقل بالأمر حين سلّم إليه الحسن، وبقي في الشام هو ومن بعده إلى حين انقراض خلافتهم، فقتل مروان بن محمد على ما تقدّم ذكره. وكانت دار إقامتهم دمشق، وإن نزلوا غيرها فليس لإقامة.
__________
(1) المشهور أن وفاته يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول وهو ما أثبته صاحب «تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 23وصاحب الأعلام: 6/ 219. ولكن يبدو أن القلقشندي اعتمد رواية العقد الفريد: 2/ 248طبع بولاق.(3/283)
المقرّة الثالثة العراق وهي دار خلفاء بني العباس
وكان أوّل مبايعة السّفّاح به بالكوفة على ما تقدّم، ثم بنى بعد ذلك بالأنبار مدينة وسماها الهاشمية (1) ونزلها. فلما ولي أخوه أبو جعفر المنصور الخلافة بعده بنى بغداد وسكنها وصارت منزلا لخلفاء بني العباس بعده إلى حين انقراض الخلافة منها بقتل التتر المستعصم آخر خلفائهم بها.
المقرّة الرابعة الديار المصرية وهي دار الخلافة الآن
وقد تقدّم سبب انتقال الخلافة إليها بعد انقراضها من بغداد في الكلام على من ولي الخلافة من الخلفاء، فأغنى عن إعادته هنا.
وقد تقدّم أن الحاكم بأمر الله ثاني خلفائهم بمصر أسكنه الأشرف خليل بن قلاوون بالكبش بخط الجامع الطّولونيّ (2). أما الآن فاستقرّت دار الخلافة بخطّ المشهد النفيسيّ (3) بين مصر والقاهرة، ولا أخلى الله هذه المملكة من آثار النبوّة.
__________
(1) لما ولي السفاح الخلافة نزل بقصر ابن هبيرة واستتم بناءه وجعله مدينة وسماها «الهاشمية»، فكان الناس ينسبونها إلى ابن هبيرة على العادة، فقال: «ما أرى ذكر ابن هبيرة يسقط عنها» فرفضها وبنى حيالها مدينة سماها الهاشمية ونزلها ثم اختار نزول الأنبار فبنى مدينتها المعروفة، فلما توفي دفن بها. واستخلف المنصور فنزلها أيضا واستتم بناء ما كان بقي فيها وزاد عليها ما أراد ثم تحول عنها فبنى مدينة بغداد وسماها مدينة السلام. (معجم البلدان: 5/ 389).
(2) هذا الجامع عمره أحمد بن طولون في سنة 259هـ وأنفق في عمارته مائة وعشرين ألف دينار. وكان السبب في عمارته أن أهل مصر شكوا إلى أحمد بن طولون ضيق المسجد الجامع يوم الجمعة من كثرة جنده وسودانه فأمر بعمارة هذا المسجد على جبل يشكر بن جديلة من لخم وعلى طرفه الكبش، وقيل مناظر الكبش المطلة على بركة الفيل. (الانتصار لواسطة عقد الأمصار: 4/ 122).
(3) وفيه الجامع الناصري الذي أمر ببنائه الملك الناصر، محمد بن المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي سنة 714هـ. وقد حضر أول خطبة فيه المستكفي بالله. (المرجع السابق: 4/ 124).(3/284)
الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الثانية فيما انطوت عليه الخلافة من الممالك في القديم، وما كانت عليه من الترتيب، وما هي عليه الآن
أما ما انطوت عليه من الممالك، فاعلم أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قد فتح مكة وما حول المدينة من القرى كخيبر ونحوها.
وفتح خالد بصرى من الشام في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وهي أوّل فتح فتح بالشام، ثم كانت الفتوح الكثيرة في خلافة عمر رضي الله عنه، ففتح بلاد الشام، وكور دجلة والأبلّة، وكور الأهواز، وإصطخر، وأصبهان، والسّوس، وأذربيجان، والرّي، وجرجان، وقزوين، وزنجان، وبعض أعمال خراسان، وكذلك فتحت مصر، وبرقة، وطرابلس الغرب.
ثم فتح في خلافة عثمان رضي الله عنه: كرمان، وسجستان، ونيسابور، وفارس، وطبرستان، وهراة، وبقية أعمال خراسان. وفتحت أرمينية، وحرّان، وكذلك فتحت إفريقية، والأندلس، وسد الإسلام ما بين المشرق والمغرب، وكانت الأموال تجبى من هذه الأقطار النائية والأمصار الشاسعة، فتحمل إلى الخليفة، وتوضع في بيت المال بعد تكفية الجيوش وما يجب صرفه من بيت المال. ولم يزل الأمر على ذلك إلى أثناء خلافة بني العباس، ما عدا الأندلس فإن بقايا خلفاء بني أمية استولوا عليه حتّى يقال: إن الرشيد كان يستلقى على ظهره وينظر إلى السحابة مارّة يقول: «اذهبي إلى حيث شئت يأتني خراجك» ثم اضطرب أمر الخلافة بعد ذلك وتقاصر شأنها واستبدّ أكثر أهل الأعمال بعمله من خلافة الراضي على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب الخلافة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وأما ترتيب الخلافة، فله حالتان:(3/285)
ثم فتح في خلافة عثمان رضي الله عنه: كرمان، وسجستان، ونيسابور، وفارس، وطبرستان، وهراة، وبقية أعمال خراسان. وفتحت أرمينية، وحرّان، وكذلك فتحت إفريقية، والأندلس، وسد الإسلام ما بين المشرق والمغرب، وكانت الأموال تجبى من هذه الأقطار النائية والأمصار الشاسعة، فتحمل إلى الخليفة، وتوضع في بيت المال بعد تكفية الجيوش وما يجب صرفه من بيت المال. ولم يزل الأمر على ذلك إلى أثناء خلافة بني العباس، ما عدا الأندلس فإن بقايا خلفاء بني أمية استولوا عليه حتّى يقال: إن الرشيد كان يستلقى على ظهره وينظر إلى السحابة مارّة يقول: «اذهبي إلى حيث شئت يأتني خراجك» ثم اضطرب أمر الخلافة بعد ذلك وتقاصر شأنها واستبدّ أكثر أهل الأعمال بعمله من خلافة الراضي على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب الخلافة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وأما ترتيب الخلافة، فله حالتان:
الحالة الأولى ما كان عليه الحال في الزمن القديم
اعلم أن الخلافة لابتداء الأمر كانت جارية على ما ألف من سيرة النبيّ صلّى الله عليه وسلم:
من خشونة العيش، والقرب من الناس، واطّراح الخيلاء، وأحوال الملوك، مع ما فتح الله تعالى على خلفاء السلف من الأقاليم، وجبى إليهم من الأموال التي لم يفز عظماء الملوك بجزء من أجزائها. وناهيك أنهم فتحوا عدّة من الممالك العظيمة التي كانت يضرب بها المثل في عظم قدرها، وارتفاع شأن ملوكها، من ممالك المشرق والمغرب، حتّى ذكر عظماء الملوك عند بعض السلف فقال: «إنما الملك الذي يأكل الشعير ويعسّ (1) على رجليه بالليل ماشيا وقد فتحت له مشارق الأرض ومغاربها» يريد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن سلّم الحسن رضي الله عنه الأمر لمعاوية وإلى ذلك الإشارة بقوله صلّى الله عليه وسلم:
«الخلافة في أمّتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك» فكان آخر الثلاثين خلافة الحسن.
فلما سلّم الحسن رضي الله عنه لمعاوية بعد وقوع الاختلاف وتباين الآراء، اقتضى الحال في زمانه إقامة شعار الملك، وإظهار أبهة الخلافة، فأخذ في ترتيب أمور الخلافة على نظام الملك لما في ذلك من إرهاب العدو وإخافته.
بل كان ذلك شأنه وهو أمير بالشأم قبل أن يلي الخلافة، حتّى حكى صاحب «العقد» وغيره أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدم الشأم في خلافته، وهو راكب على حمار، ومعه عبد الرحمن بن عوف، ومعاوية أمير على
__________
(1) يعسّ عسسا وعسّا أي يطوف بالليل. وكان عمر بن الخطاب يعسّ بالمدينة يحرس الناس ويكشف أهل الريبة. (اللسان: 6/ 139).(3/286)
الشام، فخرج معاوية لملاقاته في موكب عظيم، فلقيه في طريقه في خفّ (1) من القوم فلم يشعر به وتعدّاه طالبا له ثم عرّف ذلك فيما بعد، فرجع وسلّم على أمير المؤمنين عمر، ومشى إلى جانبه، فلم يلتفت إليه وطال به ذلك، فقال له عبد الرحمن بن عوف: أتعبت الرجل يا أمير المؤمنين، فالتفت إليه حينئذ، وقال: أنت صاحب الموكب الآن مع ما يبلغني من وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنا بأرض يكثر فيها جواسيس العدوّ فأحتاج أن أظهر لهم من أبّهة الملك والسلطان ما يزعهم (2)، فإن أمرتني به، ائتمرت، وإن نهيتني عنه، انتهيت فقال: إن كان ما قلت حقّا، فإنّه لرأي أديب، وإن كان غير حق، فإنه لخدعة أريب، لا آمرك ولا أنهاك فقال عبد الرحمن: لحسن يا أمير المؤمنين، ما صدر به هذا الفتى عما أوردته فيه فقال: لحسن مصادره وموارده جشّمناه ما جشمناه.
فلما صارت الخلافة إليه، زاد في حسن الترتيب وإظهار الأبّهة، وأخذ الخلفاء بعده في مضاعفة ذلك والاحتفال به حتّى أمست الخلافة في أغي (3) ما يكون من ترتيب الملك، وفاقت في ذلك الأكاسرة والقياصرة، بل اضمحلّ في جانب الخلافة سائر الممالك العظام، وانطوى في ضمنها ممالك المشارق والمغارب، خصوصا في أوائل الدولة العباسية في زمن الرشيد ومن والاه.
حتّى يحكى أن صاحب عمّوريّة من ملوك الروم كانت عنده شريفة مأسورة في خلافة المعتصم فعذّبها، فصاحت وامعتصماه! فقال لها: لا يأتي المعتصم لخلاصك إلا على أبلق (4). فبلغ ذلك المعتصم، فنادى في عسكره بركوب الخيل البلق، وخرج وفي مقدّمة عسكره أربعة آلاف أبلق، وأتى عمّوريّة فحاصرها
__________
(1) الخفّ أي الجماعة القليلة (القاموس: 3/ 140).
(2) أي يردعهم. من وزع يزع فهو وازع.
(3) أي في منتهى الترتيب وهي مشتقة من لفظ «الغاية» وليس «الغواية». (اللسان: 15/ 142).
(4) هو الفرس السبّاق. وهو الأسود والأبيض. (القاموس: 3/ 222).(3/287)
وخلص الشريفة، وقال: اشهدي لي عند جدّك المصطفي صلّى الله عليه وسلم أني جئت لخلاصك، وفي مقدّمة عسكري أربعة آلاف أبلق.
وقد حكى ابن الأثير في تاريخه: أنه لما وصلت رسل ملك الروم إلى بغداد في سنة خمس وثلاثمائة في خلافة المقتدر، رتّب من العسكر في دار الخلافة مائة وستون ألفا ما بين راكب وراجل، ووقف بين يدي الخليفة سبعمائة حاجب، وسبعة آلاف خادم خصيّ: أربعة آلاف بيض وثلاثة آلاف سود، ووقف الغلمان المجريّة الذين هم بمثابة مماليك الطباق (1) الآن بالباب، بتمام الزينة والمناطق (2) المحلّاة، وزينت دار الخلافة بأنواع الأسلحة، وغرائب الزينة، وغشّيت جدرانها بالستور، وفرشت أرضها بالبسط، وكان عدّة البسط اثنين وعشرين ألف بساط، وعدّة الستور المعلقة ثمانية وثلاثين ألف ستر، منها اثنا عشر ألف ستر من الديباج المذهب (3) وكان من جملة الزينة شجرة من الذهب والفضة بأغصانها وأوراقها، وطيور الذهب والفضة على أغصانها، وأغصانها تتمايل بحركات موضوعة، والطيور تصفّر بحركات مرتبة، وألقيت المراكب والدبادب (4) في دجلة
__________
(1) ويسمون أيضا «المماليك الكتابية» وهم هؤلاء الذين كانوا يدخلون الطباق ويسكنونها. والطباق أو الأطباق هي الأماكن التي يسكنها المماليك الذين يشتريهم السلطان أو حتى الأمراء، وهي المدارس العسكرية. وكان هؤلاء المماليك يتعلمون فيها الكتابة أيضا ولذلك سموا بالكتابية. وكان نظام التعليم في الطباق أن يوضع المملوك الصغير فيه مع أترابه ومن نفس جنسه، فمثلا الأرمني والجركسي يكونان معا، وكذلك الخطا والقبجاق فهما من جنس واحد. وكان يتعلم المملوك الخط والقرآن والشرع، فإذا ما كبر تعلم فنون الحرب من فروسية وضرب السيف ورمي السهام والنشاب.
وكانوا يقومون بمباريات الفروسية في ميادين خصصت لذلك، وكان يشهد السلطان هذه المباريات. (راجع: التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: ص 227، 330عن «نظم دولة سلاطين المماليك»: 1/ 15و «بدائع الزهور»: 1/ 266و «خطط المقريزي»: 3/ 346، 347، 348).
(2) ومفردها: منطقة، وهي حزام يشدّ على الوسط، ويعبر عنها «بالحياصة» ويلبسها الملك للأمراء عند إلباسهم الخلع. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 333).
(3) أي المنقوش عليه بالذهب. ويقال أيضا: المذهّب، بفتح الذال المعجمة وتشديد الهاء المفتوحة.
(القاموس: 1/ 193).
(4) الدبادب هي الطبول، ومفردها: الدبداب. وصاحب الطبل كاب يسمى: الدبندار. ولفظ «دار» الملحق بمثل هذه المصطلحات فهو كلمة فارسية تعني: الصاحب أو القيّم. (القاموس: 1/ 67 والتعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 132وتأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل: 98).(3/288)
بأحسن زينة. وكان هناك مائة سبع مع مائة سبّاع، إلى غير ذلك من الأحوال الملوكية التي يطول شرحها.
هذا مع تقهقر الخلافة وانحطاط رتبتها يومئذ. ولم تزل الخلافة قائمة على ترتيب واحد في النفقة والجرايات والمطابخ وإقامة العساكر إلى آخر أيام الراضي بالله.
فلما ولي المتّقي لله، تقاصر أمر الخلافة وتناقص، وقنع الخلفاء من الخلافة بالدعاء على المنابر وضرب اسمهم على الدنانير والدراهم، وربما خطب الواحد منهم بنفسه، ومع ذلك فكان الخليفة هو الذي يولّي أرباب الوظائف من القضاة وغيرهم، وتكتب عنه العهود والتقاليد وغيرها لا يشاركه في ذلك سلطان.
وأما شعار الخلافة:
فمنها «الخاتم»: والأصل فيه ما ثبت في الصحيح «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قيل له: إن الملوك لا يقرأون كتابا غير مختوم فاتّخذ خاتما من ورق، وجعل نقشه محمد رسول الله» فلما توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لبسه أبو بكر بعده ثم لبسه عمر بعد أبي بكر، ثم لبسه عثمان بعد عمر، فوقع منه في بئر فلم يقدر عليه.
واتخذ الخلفاء بعد ذلك خواتيم، لكل خاتم نقش يخصه، وبقي الأمر على ذلك إلى انقراض الخلافة من بغداد.
ومنها «البردة» (1) وهي بردة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان الخليفة يلبسها في المواكب.
__________
(1) وهي قطعة من الصوف كانت تستعمل منذ العصر الجاهلي، تتخذ عباءة بالنهار وغطاء بالليل.
واشتهرت بصفة خاصة بردة النبي التي وهبها لكعب بن زهير. وقد تنقّلت هذه البردة ووصلت إلى خلفاء بني العباس واحتفظوا بها ضمن نفائسهم إلى أن احتل المغول مدينة بغداد، فأمر هولاكو بإحراقها. ولكن يقال إن بردة النبي الحقيقية لم تحرق ولا تزال موجودة في الآستانة. (دائرة المعارف الإسلامية: 7/ 30).(3/289)
قال ابن الأثير: (1) وهي شملة مخطّطة، وقيل كساء أسود مربّع فيه صغر وقد اختلف في وصولها إلى الخلفاء.
فحكى الماورديّ (2) في الأحكام السلطانية عن أبان بن تغلب (3) أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان وهبها لكعب بن زهير حين امتدحه بقصيدته التي أوّلها: «بانت سعاد» (4)
فاشتراها منه معاوية. والذي ذكره غيره أن كعبا لم يسمح ببيعها لمعاوية، وقال: لم أكن لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا. فلما مات كعب اشتراها معاوية من ورثته بعشرة آلاف درهم.
وحكى الماوردي أيضا عن حمزة بن ربيعة أن هذه البردة كان النبيّ صلى الله عليه وسلم أعطاها لأهل أيلة (5) أمانا لهم، فأخذها منهم عبد الله بن خالد بن أبي أوفى وهو عامل من قبل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة وبعث بها إليه، وكانت في
__________
(1) هو ابن الأثير المؤرخ، علي بن محمد المتوفى سنة 630هـ. (الأعلام: 4/ 331).
(2) هو أبو الحسن الماوردي، علي بن محمد بن حبيب: من كبار الشافعية أقضى قضاة عصره. من العلماء والباحثين. ولد بالبصرة وانتقل إلى بغداد وولي القضاء في بلدان كثيرة ثم جعل «أقضى القضاة» في أيام القائم بأمر الله العباسي. وكان يميل إلى مذهب الاعتزال. توفي ببغداد سنة 450هـ. (الأعلام 4/ 327وطبقات الشافعية: 151).
(3) هو أبان بن تغلب الربعي، أبو سعد الكوفي. تابعي. قال أحمد ويحيى وأبو حاتم والنسائي: ثقة.
مات سنة 240هـ وقيل سنة 241هـ. (ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم: 2/ 31).
(4) وهي قصيدة من البحر البسيط، عدد أبياتها سبعة وخمسون بيتا مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متّيم إثرها لم يفد مكبول
(شرح القصيدة وحكاية البردة تجدها في كتاب: شرح قصيدة كعب بن زهير لجمال الدين محمد بن هشام الأنصاري).
(5) هي مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام. وقيل هي آخر الحجاز وأول الشام. كانت مدينة لليهود. وقد قدم يوحنّة بن رؤبة على النبي صلى الله عليه وسلم من أيلة وهو في تبوك فصالحه على الجزية وقرّر على كل حالم بأرضه في السنة دينارا واحدا فبلغ ذلك ثلاثمائة دينار، واشترط عليهم قرى من مرّ بهم من المسلمين وكتب لهم كتابا أن يحفظوا ويمنعوا، فكان عمر بن عبد العزيز لا يزيد على أهل أيلة عن الثلاثمائة دينار شيئا. ويقال إن النبي وهب يوحنّه برده يومئذ (معجم البلدان: 1/ 292).(3/290)
خزانته حتّى أخذت بعد قتله. وقيل اشتراها أبو العبّاس السفّاح، أوّل خلفاء بني العبّاس بثلاثمائة دينار.
ومنها «القضيب»: وهو عود كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يأخذه بيده.
قال الماورديّ: وهو من تركة النبيّ صلى الله عليه وسلم التي هي صدقة.
قلت: وكان القضيب والبردة المتقدّما الذكر عند خلفاء بني العبّاس ببغداد إلى أن انتزعهما السلطان سنجر السّلجوقيّ (1) من المسترشد بالله، ثم أعادهما إلى المقتفي عند ولايته في سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. والذي يظهر أنها بقيت عندهم إلى انقضاء الخلافة من بغداد سنة ست وخمسين وستمائة فإن مقدار ما بينهما مائة وإحدى وعشرون سنة، وهي مدة قريبة بالنسبة إلى ما تقدم من مدتهما.
ومنها «ثياب الخلافة»: وقد ذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة (2) في تاريخه في الكلام على ترجمة الملك السعيد إسماعيل أحد ملوك بني أيوب باليمن أنه كان به هوج فادّعى أنه من بني أمية ولبس ثياب الخلافة، ثم قال: وكان طول الكم يومئذ عشرين شبرا، فيحتمل أنه أراد زمن بني أمية، وأنه أراد زمن بني أيوب.
ومنها «اللون» في الأعلام والخلع ونحوها.
وكان شعار بني أمية من الألوان الخضرة، فقد حكى صاحب حماة عن الملك السعيد إسماعيل المتقدم ذكره: أنه حين ادّعى الخلافة وأنه من بني أميّة لبس الخضرة وهذا صريح في أنه شعارهم.
__________
(1) هو سنجر بن ملكشاه السلجوقي، ملك خراسان وما إليها. وكان من أكابر السلاطين السلجوقيين بالشرق. وقيل إن البردة خطفت هي والقضيب أيام المسترشد في العراق، ولكن السلطان سنجر أعادهما في سنة 535هـ. (في التراث العربي لمصطفى جواد ص 16والتعريف بمصطلحات صبح الأعشى: ص 61عن: الزينة في المصطلحات الإسلامية العربية لأبي حاتم الرازي. ص 53).
(2) هو الملك المؤيد، صاحب حماة: سبقت ترجمته.(3/291)
أما بنو العباس فشعارهم السّواد وقد اختلف في سبب اختيارهم السّواد فذكر القاضي الماورديّ في كتابه «الحاوي الكبير» في الفقه: أن السبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم حنين ويوم الفتح عقد لعمه العبّاس رضي الله عنه راية سوداء.
وحكى أبو هلال العسكريّ (1) في كتابه «الأوائل»: أن سبب ذلك أن مروان ابن محمد آخر خلفاء بني أميّة حين أراد قتل إبراهيم بن محمد العبّاسيّ أوّل القائمين من بني العبّاس بطلب الخلافة قال لشيعته: لا يهولنكم قتلي، فإذا تمكنتم من أمركم فاستخلفوا عليكم أبا العبّاس يعني السّفّاح فلما قتله مروان، لبس شيعته عليه السّواد، فلزمهم ذلك وصار شعارا لهم.
ومن غريب ما وقع مما يتعلق بذلك ما حكاه ابن سعيد في «المغرب» (2) أن الظافر الفاطميّ (3) أحد خلفاء مصر لما قتله وزيره عباس، بعث نساء الخليفة شعورهن طيّ الكتب إلى الصالح طلائع بن رزيك (4)، وهو يومئذ وال بمنية بني خصيب (5)، فحضر إليهم وقد رفع تلك الشعور على الرماح، وأقام الرايات السود
__________
(1) هو الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري، أبو هلال: عالم بالأدب، له شعر. نسبته إلى «عسكر مكرم» من كور الأهواز. توفي سنة 395هـ. وله: «التلخيص» في اللغة، «وجمهرة الأمثال» و «كتاب الصناعتين» و «شرح الحماسة» وغيرها. (الأعلام: 2/ 196).
(2) هو علي بن موسى المغربي، وكتابه: «المغرب في حلى المغرب» وقد سبق التعريف به في هامش الصفحة 239من هذا الجزء. يراجع أيضا: الأعلام: 5/ 26).
(3) هو إسماعيل بن عبد المجيد الحافظ ابن محمد المستنصر ابن الظاهر ابن الحاكم بأمر الله العلوي الفاطمي: كان كثير اللهو ولوعا باستماع الأغاني، وفي أيامه أخذت عسقلان فظهر الخلل في الدولة. قتل سنة 549هـ. (الأعلام 1/ 318).
(4) وزير يعد من الملوك. أصله من الشيعة الإمامية في العراق. ولي وزارة الخليفة الفائز الفاطمي سنة 549هـ. واستقل بأمور الدولة ونعت بالملك الصالح فارس المسلمين، نصير الدين. توفي سنة 556هـ. (الأعلام: 3/ 228).
(5) وتعرف بمنية ابن الخصيب، ومنية أبي خصيب، نسبة إلى الخصيب بن عبد الحميد صاحب خراج مصر في عهد الخليفة هارون الرشيد العباسي وهي المعروفة اليوم ب «المنيا» عاصمة الإقليم المعروف باسمها. (هامش الطبعة الأميرية من الصبح 3/ 271والانتصار لواسطة عقد الأمصار:
5/ 21، 22).(3/292)
إظهارا للحرب على الظافر، ودخل القاهرة على ذلك، فكان ذلك من الفأل العجيب، وهو أن مصر انتقلت إلى بني العباس بعد خمسة عشرة سنة، ورفعت راياتهم السّود بها.
وأما تولية الملوك عن الخلفاء، فكان الحال فيه مختلفا باعتبار السلطان بحضرة الخلافة وغيره، فإن كان الذي يوليه الخليفة هو السلطان الذي بحضرة الخلافة، كبني بويه وبني سلجوق وغيرهم، فقد حكى ابن الأثير وغيره أن السلطان طغرلبك بن ميكائيل السّلجوقيّ لما تقلد السلطنة عن «القائم بأمر الله» (1)
في سنة تسع وأربعين وأربعمائة، جلس له الخليفة على كرسيّ ارتفاعه عن الأرض نحو سبعة أذرع، وعليه البردة، ودخل عليه طغرلبك في جماعة، وأعيان بغداد حاضرون، فقبّل طغرلبك الأرض ويد الخليفة، ثم جلس على كرسيّ نصب له، ثم قال رئيس الرؤساء وزير الخليفة عن لسان الخليفة: «إن أمير المؤمنين قد ولّاك جميع ما ولّاه الله تعالى من بلاده، وردّ إليك أمر عباده، فاتق الله فيما ولّاك، واعرف نعمته عليك» ثم خلع على طغرلبك سبع جبّات سود بزيق واحد (2)، وعمامة سوداء، وطوّق بطوق من ذهب، وسوّر بسوارين من ذهب وأعطى سيفا بغلاف من ذهب، ولقبه الخليفة، وقريء عهده عليه فقبل الأرض ويد الخليفة ثانيا وانصرف، وقد جهّز له فرس من إصطبلات الخليفة بمركب من ذهب مقندس فركب وانصرف إلى داره، وبعث إلى الخليفة خمسين ألف دينار، وخمسين مملوكا من
__________
(1) هو القائم بأمر الله بن القادر بالله، بويع بالخلافة سنة 422هـ وتوفي سنة 467هـ وفي أيامه انقرضت دولة الديلم من بغداد وقامت دولة السلجوقية. وكان آخرهم الملك الرحيم من ولد عضد الدولة.
دخل عليه بغداد طغرلبك السلجوقي، وهو أول السلجوقية، فقبض عليه، فتوسط له القائم بأمر الله وطلب من طغرلبك إطلاقه ففعل. وقد تسلّط بنو بويه على الحكم من سنة 334هـ إلى 447هـ.
أما السلاجقة أو الأتابكة فقد أفل نجمهم بموت السلطان مسعود سنة 547هـ. (فوات الوفيات:
2/ 157وتاريخ الإسلام: 3/ 37إلى 41و 4/ 60).
(2) الزيق: ما أحاط بالعنق من القميص. (القاموس: 3/ 251).(3/293)
الترك بخيولهم وسلاحهم مع ثياب وغيرها. ولعل هذا كان ترتيبهم في لبس جميع ملوك الحضرة (1).
وإن كان الذي يوليه الخليفة من ملوك النواحي البعيدة عن حضرة الخليفة كملوك مصر إذ ذاك ونحوهم، جهز له التشريف من بغداد صحبة رسول من جهة الخليفة، وهو جبّة أطلس أسود بطراز مذهب وطوق من ذهب يجعل في عنقه، وسواران من ذهب يجعلان في يده، وسيف قرابه ملبّس بالذهب، وفرس بمركب من ذهب، وعلم أسود مكتوب عليه بالبياض اسم الخليفة ينشر على رأسه، كما كان يبعث إلى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ثم أخيه العادل. فإذا وصل ذلك إلى سلطان تلك الناحية، لبس الخلعة والعمامة، وتقلد السيف وركب الفرس وسار في موكبه حتى يصل إلى محل ملكه. وربما جهز مع خلعة السلطان خلع أخرى لولده أو وزيره أو أحد من أقاربه بحسب ما يقتضيه الحال حينئذ.
وآخر من وصلت إليه الخلعة والطوق والتقليد من ملوك بني أيوب من بغداد الناصر يوسف بن العزيز بن السلطان صلاح الدين عن المستعصم في سنة خمس وخمسين وستمائة.
وأما الوظائف المعتبرة عندهم، فعلى ضربين:
__________
(1) وهم الوزراء الذين كان يفوّضهم الخلفاء. وإذا كان لقب «الحضرة» قد استعمل للتعبير عن الخليفة منذ ظهوره وكان يتصف «بالحضرة الشريفة» تارة و «بالحضرة المطهرة» تارة أخرى إلا أنه استعمل مجردا من الصفات للإشارة إلى بني بويه. ثم استعمله السلاجقة. ولم يقتصر استعماله على الخلفاء والملوك من المسلمين بل تعداهم إلى بعض الملوك من المسيحيين. وفي العصر الأيوبي تدهورت قيمة اللقب، فيقرر ابن شيت أنه خوطب به من هم دون الوزراء في المرتبة. وفي عصر المماليك استعمل اللقب في حالات متعددة فأجاز كتاب ديوان الإنشاء أن يطلق لقب الحضرة على بعض ملوك الدول الإسلامية الأخرى حين المكاتبة إليهم من ديوان الإنشاء. ثم استعمل اللقب لملوك النصارى بإضافة أداة التعريف إليه أو مجردا عن أداة التعريف مع الإضافة. هذا وقد استعمل لقب «الحضرة» في بعض الألقاب المضافة إلى مثنى، مثل «عميد الحضرتين» وهكذا (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 106، 107عن: الألقاب الإسلامية للدكتور حسن الباشا: 264260).(3/294)
الضرب الأوّل وظائف أرباب السيوف وهي عدّة وظائف
منها «الوزارة» (1) في بعض الأوقات دون بعض.
وقد ذكر القضاعيّ (2) وغيره أن أوّل من لقّب بالوزارة في الإسلام، أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال (3) وزير أبي العبّاس السّفّاح أوّل خلفاء بني العبّاس، ولم يكن ذلك قبله، ثم جرى الأمر على ذلك في اتخاذ الخلفاء الوزراء إلى
__________
(1) لقد أجمع المؤرخون على أن أول وزير في الدولة العباسية هو حفص بن سليمان أبو سلمة الخلال الذي كان يعرف بوزير آل محمد والذي سرعان ما قتل بتحريض من الخليفة السفاح في رجب 132هـ. ولكن الذي لا شك فيه أن الوزارة حتى ذلك الوقت لم تكن قد استقرت نظمها بعد وأن لقب الوزراة الذي اقترن بأبي سلمة، يقصد به أنه المدبر السياسي للحركة الهاشمية بل إن أبا سلمة عمل من جهته على جعل الخلافة في ولد علي لا لآل العباس، وكان هذا سببا في قتله بعد أشهر قلائل. فأبو سلمة لم يكن إذن متوليا لوظيفة خاصة يجري لها قوانين ونظم بها دواوين، بل كان رأسا مفكرا لحركة ثورية لم تستقر الأوضاع لها بعد، فلما استقرت أوضاعها تخلصت منه سريعا. ولكن مع ذلك يمكن القول أن ظهور فكرة الوزراة واشتراك الفرس في السلطان الجديد، ثم ظهور وزراء أقوياء فيما بعد مثل البرامكة وبنو سهل أدى بمرور الزمن إلى تكون نظام الوزارة الحقيقي وإلى رسوخه كأساس للإدارة العباسية. وبعد قتل أبي سلمة لم يتسمّ أحد ممن جاء بعده وزيرا تطيرا مما حدث له، فخالد بن برمك برغم مكانته الكبيرة كان يعمل عمل الوزراء ولا يسمى وزيرا كما أن أبا أيوب المورياني الذي سحر أبا جعفر المنصور لم يطلق على نفسه لقب الوزير بل «كاتب الخليفة». بل إنه لم ينج أحد من وزراء السفاح أو المنصور من القتل إلا خالد بن برمك.
ولم تتحدد وظيفة الوزير وسلطانه إلا مع خلافة المهدي 158هـ 169هـ. وفي الدولة الفاطمية كانت الوزارة تارة في أرباب السيوف وتارة في أرباب الأقلام. وكانت تارة تعلو فتكون وزراة تفويض كما في أيام القلقشندي وتارة تصغر فيعبر عنها حينئذ بالوساطة. وأول من خوطب بالوزارة يعقوب بن كلس وزير العزيز، وأول وزرائهم من عظماء أرباب السيوف بدر الجمالي وزير المستنصر وآخرهم صلاح الدين بن يوسف بن أيوب. (الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي: 14وما بعدها صبح الأعشى: 3/ 479478).
(2) هو المؤرخ المصري أبو عبد الله بن سلامة بن جعفر القضاعي المتوفى سنة 457هـ. كان شافعي المذهب ولاه الفاطميون كتابة الإنشاء كما أوفدوه لهم سفيرا إلى القسطنطينية 447هـ. كان استاذ مدرسة في رواية التاريخ أخذ عنه السعدي صاحب «خطط مصر» والحميدي والبغدادي صاحب «تاريخ بغداد». (الأعلام: 6/ 146والحياة الفكرية والأدبية بمصر من الفتح العربي إلى آخر الدولة الفاطمية).
(3) لقد أجمع المؤرخون على أن أول وزير في الدولة العباسية هو حفص بن سليمان أبو سلمة الخلال الذي كان يعرف بوزير آل محمد والذي سرعان ما قتل بتحريض من الخليفة السفاح في رجب 132هـ. ولكن الذي لا شك فيه أن الوزارة حتى ذلك الوقت لم تكن قد استقرت نظمها بعد وأن لقب الوزراة الذي اقترن بأبي سلمة، يقصد به أنه المدبر السياسي للحركة الهاشمية بل إن أبا سلمة عمل من جهته على جعل الخلافة في ولد علي لا لآل العباس، وكان هذا سببا في قتله بعد أشهر قلائل. فأبو سلمة لم يكن إذن متوليا لوظيفة خاصة يجري لها قوانين ونظم بها دواوين، بل كان رأسا مفكرا لحركة ثورية لم تستقر الأوضاع لها بعد، فلما استقرت أوضاعها تخلصت منه سريعا. ولكن مع ذلك يمكن القول أن ظهور فكرة الوزراة واشتراك الفرس في السلطان الجديد، ثم ظهور وزراء أقوياء فيما بعد مثل البرامكة وبنو سهل أدى بمرور الزمن إلى تكون نظام الوزارة الحقيقي وإلى رسوخه كأساس للإدارة العباسية. وبعد قتل أبي سلمة لم يتسمّ أحد ممن جاء بعده وزيرا تطيرا مما حدث له، فخالد بن برمك برغم مكانته الكبيرة كان يعمل عمل الوزراء ولا يسمى وزيرا كما أن أبا أيوب المورياني الذي سحر أبا جعفر المنصور لم يطلق على نفسه لقب الوزير بل «كاتب الخليفة». بل إنه لم ينج أحد من وزراء السفاح أو المنصور من القتل إلا خالد بن برمك.
ولم تتحدد وظيفة الوزير وسلطانه إلا مع خلافة المهدي 158هـ 169هـ. وفي الدولة الفاطمية كانت الوزارة تارة في أرباب السيوف وتارة في أرباب الأقلام. وكانت تارة تعلو فتكون وزراة تفويض كما في أيام القلقشندي وتارة تصغر فيعبر عنها حينئذ بالوساطة. وأول من خوطب بالوزارة يعقوب بن كلس وزير العزيز، وأول وزرائهم من عظماء أرباب السيوف بدر الجمالي وزير المستنصر وآخرهم صلاح الدين بن يوسف بن أيوب. (الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي: 14وما بعدها صبح الأعشى: 3/ 479478).(3/295)
انقراض الخلافة ببغداد بقتل التتار المستعصم في سنة ست وخمسين وستمائة، ووزيره يومئذ مؤيد الدين بن العلقميّ، وقتله (1) هولاكو ملك التتار بعد قتل المستعصم لممالأته على المستعصم مع التتار، وهو آخر وزراء الخلافة ببغداد.
ومنها «الحجابة»
(2): وكان موضوعها عندهم حفظ باب الخليفة والاستئذان للداخلين عليه، لا التّصدي للحكم في المظالم كما هو الآن.
وقد ذكر القضاعيّ في «تاريخ الخلائف» (3) ما يقتضي أن الخلفاء لم تزل تتخذ الحجّاب من لدن الصّدّيق رضي الله عنه فمن بعده، خلا الحسن بن عليّ فإنه لم يكن له حاجب.
__________
(1) كان ابن العلقمي قد ارتقى إلى رتبة الوزارة سنة 642هـ فوليها أربعة عشر عاما. وفي رواية أكثر المؤرخين أنه مالأ هولاكو على غزو بغداد. وهناك روايات تقول إن مؤيد الدين أهين على أيدي التتر بعد دخولهم ومات غمّا في قلة وذلّة. وفي دائرة المعارف الإسلامية: «بعد استيلاء التتار على بغداد أوكلوا إلى ابن العلقمي أمر إدارتها وتوفي بعد أشهر قلائل في جمادى الأول عام 655هـ.
(الأعلام: 5/ 321ودائرة المعارف الإسلامية: 1: 352).
(2) ذكر ابن خلدون أن «هذا اللقب كان مخصوصا في الدولة الأموية والعباسية بمن يحجب السلطان عن العامة. وأما في الدولة الأموية في الأندلس فكانت الحجابة لمن يحجب السلطان عن الخاصة والعامة ثم لم يكن في دول المغرب وأفريقية ذكر لهذا الاسم للبداوة التي كانت فيهم وربما يوجد في دولة العبيديين بمصر عند استعظامها وحضارتها إلا أنه قليل. وفي دولة الموحدين لم يكن اسم الحاجب معروفا. وأما بنو حفص بأفريقية فقد كانت الرياسة في دولتهم أولا لوزير الرأي والمشورة، ثم لما اتسع ملك السلطان وكثر المرتزقون بداره احتاج إلى قهرمان خاص يجري أموره من رزق وعطاء وكسوة ونفقة وغيرها ثم ما لبث هذا القهرمان أن أصبح حاجبا بين السلطان وبين أهل الرتب كلهم. أما دولة زناتة بالمغرب، وأعظمها دولة بني مرين، فلا أثر لاسم الحاجب عندهم. وأما باب السلطان وحجبه عن العامة فهي رتبة عندهم ويسمى صاحبها بالمزوار ومعناه المقدم على الجنادرة المتصرفين بباب السلطان، ووظيفته خطيرة فكأنها وزارة صغرى. وأما دولة بني عبد الواد فلا أثر عندهم لشيء من هذا الألقاب ولا تمييز الخطط لبداوة دولتهم وقصورها. وأما أهل الأندلس لهذا العهد فالمخصوص عندهم بالحسبان وتنفيذ خاص السلطان وسائر الأمور المالية يسمونه الوكيل. وأما دولة الترك بمصر، فاسم الحاجب عندهم موضوع لحاكم من أهل الشوكة وهم الترك.
وللحجاب الحكم فقط في طبقات العامة والجند عند الترافع إليهم وإجبار من أبى الانقياد للحكم» (مقدمة ابن خلدون: ص 426، 427، 428، 429، 430).
(3) أو «تواريخ الخلفاء».(3/296)
ومنها «ولاية المظالم»
(1): وموضوعها قود المتظالمين إلى التناصف بالرّهبة، وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة، كما قاله الماورديّ في «الأحكام السلطانية» وهي شبيهة بالحجوبية (2) الآن في هذا المعنى وكانت عندهم من أعلى الوظائف وأرفعها رتبة لا يتولّاها إلا ذوو الأقدار الجليلة، والأخطار الحفيلة.
ومنها «النّقابة على ذوي الأنساب»
(3): كالطالبيين والعباسيين ومن في معناهم، كما في نقابة الأشراف الآن بالديار المصرية وأعمالها وكانت لديهم من وظائف أرباب السيوف، ولذلك استصحب هذا المعنى في نقيب الأشراف الآن، فيكتب في ألقابه الأميريّ، وإن كان من أرباب الأقلام على ما سيأتي ذلك في كتابة
__________
(1) النظر في المظالم هو نوع من القضاء يرمي إلى منع الظلم، فهو أشبه بقضاء الاستئناف في عصرنا الحديث. ولذا فحكم المظالم ليس بحسب الشرع كما في القضاء العادي، وإنما بالأولى إجراءات تتبع لإصلاح أمر حتى ولو لم تكن على حكم الشرع. وقد بلغت السياسة في قضاء المظالم أوجها في عهد المماليك بحكم أنهم طبقة عسكرية متعسفة، وهي ما اصطلح على تسميته في وقتهم «بالسياسة الشرعية» لربطها إلى حكم الشرع وجعلها نافذة الحكم كالشرع. وهذا النوع من القضاء أخذه المسلمون في الأصل عن الساسانيين وإن كان أول من مارسه رسميّا هم الأمويون.
كذلك يروي المقريزي أن حكام مصر الإسلامية منذ ابن طولون دأبوا على القيام به. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: ص 350).
(2) وظيفة من الدولة الأيوبية، وعمل صاحبها أن ينصف بين الأمراء والجند، تارة بنفسه وتارة بمراجعة النائب إذا وجد، وعليه أن يحجب السلطان عن الرعية فلا يدخل إليه إلا من يريد السلطان رؤيته ولا سيما في مجلسه أو حتى في موكبه ليبلغه رغبة الرعية. وكان في أيام الناصر محمد بن قلاوون ثلاثة حجّاب، أحدهم حاجب الحجاب، ورتبته كما كانت في عصر الأيوبيين مقدّم ألف، وهي الرتبة الثانية من النائب. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: ص 102عن: صبح الأعشى:
4/ 19، 185. «وزبدة كشف الممالك: 114لخليل الظاهري وبدائع الزهور لابن أياس:
2/ 141).
(3) كانت توجد في مصر والبلدان التابعة لها ويتولاها أحد شيوخ هذه الطائفة، ويكون جليل القدر وله النظر في أمورهم ومنع من يدخل فيهم من الأدعياء وإذا تشكك في أحد طلب منه شجرة نسبه.
وعليه أن يعود مرضاهم ويمشي في جنائزهم ويسعى في حوائجهم ويأخذ على يد المعتدي منهم ويمنعهم من الاعتداء ولا يقطع أمرا من الأمور المتعلقة بهم إلا بموافقة مشايخهم ونحو ذلك. وهي وظيفة شريفة ومرتبة نفيسة. ولنقيب الطالبيين الاهتمام بأولاد علي بن أبي طالب من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 351).(3/297)
توقيعه إن شاء الله تعالى.
الضرب الثاني وظائف أرباب الأقلام، وهي نوعان: دينية وديوانية
فأما الديوانية
فأجلّها
«الوزارة»
إذا كان الوزير صاحب قلم. وقد مرّ القول في ابتداء وزارة الخلفاء وانتهائها في الكلام على وزارة أرباب السيوف في الضرب الأوّل.
وأما الدينية
فمنها «القضاء»
(1) وكانت ولاية القضاء عن الخليفة تارة تكون عامّة لبغداد وأعمالها، وتارة قاصرة على بغداد أو أحد جانبيها.
ومنها «الحسبة»
(2) وأمرها معروف.
ومنها «ولاية (3) الأوقاف»
والنظر عليها.
ومنها «الولاية على المساجد»
والنظر في أمر الصلاة.
__________
(1) يقول ابن خلدون: «أما القضاء فهو من الوظائف الداخلة تحت الخلافة لأنه منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسما للتداعي وقطعا للتنازع، إلا أنه بالأحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنة، فكان لذلك من وظائف الخلافة ومندرجا في عمومها. وكان الخلفاء في صدر الإسلام يباشرونه بأنفسهم ولا يجعلون القضاء إلى من سواهم. وأول من دفعه إلى غيره وفوضه فيه عمر رضي الله عنه فولى أبا الدرداء منه بالمدينة وولى شريحا بالبصرة وولى أبا موسى الاشعري بالكوفة وكتب له في ذلك الكتاب المشهور الذي تدور عليه أحكام القضاة وهي مستوفاة فيه». (مقدمة ابن خلدون: ص 390).
(2) وهي وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين يعين لذلك من يراه أهلا له، فيتعين فرضه عليه، ويتخذ الأعوان على ذلك ويبحث عن المنكرات ويعزّر ويؤدب على قدرها ويحمل الناس على المصالح العامة في المدينة ويعتبر كثير من المؤرخين أن أول محتسب في الإسلام كان عمر بن الخطاب. (راجع: مقدمة ابن خلدون:
ص 398 «والنظم الإسلامية»: ص 328لصبحي الصالح).
(3) من أهم معاني الولاية في الاصطلاح هو ما نطلق عليه اليوم «الوظيفة» وقواعد الولاية في الإسلام هي ما نسميه اليوم «قانون الموظفين». (راجع: نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي لظافر القاسمي: ص 475وما بعدها).(3/298)
ومن الوظائف الخارجة عن حضرة الخلافة لأرباب السيوف الإمارة على الجهاد، والإمارة على الحج وغيرها.
ومن الوظائف الخارجة عن الحضرة لأرباب الأقلام ولاية قضاء النواحي، والحسبة بها إلى غير ذلك من ولايات زعماء الذمة وغيرهم.
الحالة الثانية
ما صار إليه الأمر بعد انتقال الخلافة إلى الديار المصرية عند استيلاء التتار على بغداد لما بايع الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ في سنة تسع وخمسين وستمائة «المستنصر بن الظاهر» أوّل الخلفاء بمصر على ما تقدم ذكره وكتب له عهد عنه بالسلطنة من إنشاء القاضي محي الدين بن عبد الظاهر، (1) وعمل له السلطان الدّهاليز (2) وآلات الخلافة ورتب له الجمدارية (3)، واستخدم له عسكرا عظيما وجهزه إلى بغداد للاستيلاء عليها فقتله التتار على ما تقدّم.
__________
(1) هو عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان بن عبد الظاهر بن نجدة الجذامي المصري: الكاتب الناظم النائر، شيخ أهل الترسل ومن سلك الطريق الفاضلية في إنشائه. كان بارع الكتابة في قلم الرقاع ذا طريقة غريبة حلوة، وكان ذا مروّة وعصبية. توفي سنة 692هـ بالقاهرة. له كتب كثيرة منها:
«الروضة البهية الزاهرة في خطط المعزية القاهرة» نقل عنه المقريزي كثيرا في خططه، و «سيرة الظاهر بيبرس» و «تشريف الأيام والعصور» في سيرة المنصور قلاوون وغير ذلك. (فوات الوفيات: 2/ 179والأعلام: 4/ 98).
(2) الدهليز هو الخيمة التي ترافق السلطان في الحرب. كما وكانت تقام دهاليز كبيرة، أي خيم، للسلاطين في الصيد والتنزه. و «دهاليز السلطان» أيضا كان يسكنها المماليك البحرية وكانوا كالحرس. وأول من رتبهم وسماهم بهذا الاسم السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب.
(التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: ص 138).
(3) الجمدار موظف يتصدى لإلباس السلطان أو الأمير ثيابه. وهي كلمة فارسية مركبة من لفظين أحدهما «جاما» ومعناه الثوب والثاني: «دار» أي ممسك. وأصل الكلمة: جامادار. وكانت تستعمل في العصرين السلجوقي والمملوكي، ويقابلها في العصر العثماني لفظ «الجوخدار» وهو موظف غير عسكري يناط به النظر في شؤون ملابس السلطان. (تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل: 71والتعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 90).(3/299)
ثم لما بايع الظاهر (1) أيضا الإمام «الحاكم بأمر الله» ثاني خلفائهم أيضا في سنة تسع وخمسين وستمائة على ما تقدّم ذكره، بقي مدّة، ثم أشركه معه في الدّعاء في الخطبة على المنابر في سنة ست وستين وستمائة، إلا أنه منعه من التصرف والدخول والخروج. ولم يزل كذلك إلى أن ولي السلطنة الملك الأشرف «خليل ابن المنصور قلاوون» فأطلق سبيله، وأسكنه في الكبش على القرب من الجامع الطّولونيّ وكان يخطب أيام الجمع بجامع القلعة إلى أن ولي السلطنة الملك المنصور حسام الدّين لاجين، فأباح له التصرف والركوب إلى حيث شاء وبقي الأمر على ذلك إلى أن ولي الخلافة «المستعصم بالله» أبو العباس أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان المرّة الثانية بعد موت الملك الناصر محمد بن قلاوون، ففوّض إليه السلطان نظر المشهد النفيسيّ (2) واستقرّ بأيدي الخلفاء إلى الآن.
والذي استقرّ عليه حال الخلفاء بالديار المصرية أن الخليفة يفوّض الأمور العامة إلى السلطان، ويكتب له عنه عهد بالسلطنة ويدعى له قبل السلطان على المنابر إلا في مصلّى السلطان خاصة في جامع مصلاه بقلعة الجبل المحروسة، ويستبد السلطان بما عدا ذلك: من الولاية والعزل وإقطاع الإقطاعات حتى للخليفة نفسه، ويستأثر بالكتابة في جميع ذلك.
قلت: ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن قبض على السلطان الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق بالشام في أوائل سنة خمس عشرة وثمانمائة على ما تقدّم ذكره، فاستقل الإمام «المستعين بالله» خليفة العصر بأمر الخلافة: من الكتابة على العهود ومناشير الإقطاعات، والتقاليد، والتواقيع، والمكاتبات وغيرها، وأفرد
__________
(1) الظاهر بيبرس.
(2) وفيه الجامع الناصري. والمشهد النفيسي من القاهرة، يتصل بالكبش والصليبية. (الانتصار لواسطة عقد الأمصار: 4/ 124).(3/300)
بالدعاء على المنابر، وضرب اسمه على الدنانير والدراهم والطرز (1) على ما تقدّم ذكره في الكلام على ترتيب الخلفاء، وهيئته في لبسه عند ركوبه المدينة في المواكب أو غيرها.
فعمامته مدوّرة لطيفة عليها رفرف من خلفه تقدير نصف ذراع في ثلث ذراع مرسل من أعلى عمامته إلى أسفلها، وفوق ثيابه كاملية (2) ضيقة الكمّ مفرّجة الذيل من خلف وتحتها قباء ضيق الكمّ.
أما تقليده السلطان السلطنة، فالذي رأيته في بعض التواريخ في عهد الإمام الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد بن أبي الربيع سليمان، إلى السلطان الملك المنصور أبي بكر بن الملك الناصر محمد بن قلاوون بعد مبايعة الحاكم المذكور عند موت أبيه في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة: أنه طلع القضاة والأمراء إلى القلعة واجتمعوا بدار العدل، وجلس الخليفة على الدرجة الثالثة من التخت، وعليه خلعة خضراء، وعلى رأسه طرحة سوداء مرقومة بالبياض، وخرج السلطان من القصر إلى الإيوان من باب السرّ على العادة، فقام له الخليفة والقضاة والأمراء، وجاء السلطان فجلس على الدرجة الأولى من التخت دون الخليفة، ثم قام الخليفة فقرأ: {إِنَّ اللََّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسََانِ} (3) إلى آخر الآية، وأوصى السلطان بالرفق بالرعية، وإقامة الحق، وإظهار شعائر الإسلام ونصرة الدّين ثم قال: «فوّضت إليك جميع أمر المسلمين، وقلّدتك ما تقلدته من أمور الدين». ثم قرأ: {إِنَّ الَّذِينَ يُبََايِعُونَكَ إِنَّمََا يُبََايِعُونَ اللََّهَ} (4) إلى آخر الآية، ثم أتي الخليفة بخلعة سوداء وعمامة
__________
(1) المقصود «الثياب الأميرية» أو السلطانية. والطراز كان يتولاه الأعيان من المستخدمين من أرباب الأقلام وله اختصاص بالخليفة دون كافة المستخدمين ومقامه بدمياط وتنيس، ومن عنده تحمل الاستعمالات إلى خزانة الكسوة. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 229ومقدمة ابن خلدون: 471)
(2) نوع من الثياب كالجبّة يلبس فوق الثياب.
(3) سورة النحل / 90.
(4) سورة الفتح / 1810.(3/301)
سوداء مرقومة الطرف بالبياض، فألبسها السلطان وقلّده سيفه، ثم أتي بالعهد المكتوب عن الخليفة للسلطان فقرأه القاضي علاء الدين بن فضل الله (1) كاتب السر إلى آخره، فلما فرغ من قراءته، تناوله الخليفة فكتب عليه ما صورته فوّضت إليه ذلك وكتب أحمد بن عم محمد صلى الله عليه وسلم وكتب القضاة الأربعة شهادتهم بالتولية، ثم أتي بالسماط على العادة.
وأخبرني من حضر تقليد السلطان الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق عن الإمام المتوكل على الله أبي الفتح محمد المشار إليه فيما تقدّم: أنه حضر الخليفة وشيخ الإسلام سراج الدين البلقينيّ (2)، والقضاة (3) الأربعة وأهل العلم، وأمراء الدولة إلى مقعد بالإصطبلات السلطانية يعرف بالحرّاقة، وجلس الخليفة في صدر المكان على مقعد مفروش له، ثم أتى السلطان وهو يومئذ حدث، فجلس بين يديه، وسأله شيخ الإسلام عن بلوغه الحلم فأجاب بالبلوغ، فخطب الخليفة خطبة، ثم خاطب السلطان بتفويض الأمر إليه على نحو ما تقدّم ذكره، ثم أتي الخليفة بخلعة سوداء وعمامة سوداء مرقومة فوقها طرحة سوداء مرقومة، ثم جلس الخليفة في مكانه الذي كان جالسا فيه، ونصب للسلطان كرسيّ إلى جانب مقعد الخليفة فجلس عليه، وجلس الأمراء والقضاة حوله على قدر منازلهم، وقد استقرت جائزة تقليد السلطنة للخليفة ألف دينار مع قماش سكندري.
__________
(1) سبق التعريف به في هامش الصفحة 42من هذا الجزء.
(2) هو عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكناني، العسقلاني الأصل ثم البلقيني المصري الشافعي:
مجتهد حافظ للحديث، من العلماء بالدين. ولد في بلقينة من غريبة مصر وتعلم بالقاهرة، وولي قضاء الشام سنة 769هـ وتوفي بالقاهرة سنة 805هـ. له مصنفات عدة في فقه الشافعية. (الأعلام:
5/ 46).
(3) القضاة الأربعة في ذلك الوقت هم: القاضي الشافعي صدر الدين محمد المناوي، والقاضي الحنفي جمال الدين يوسف الملطي، والقاضي المالكي ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون، والقاضي الحنبلي، برهان الدين إبراهيم بن نصر الله العسقلاني. (هامش الطبعة الأميرية من الصبح:
3/ 277).(3/302)
أما حضوره بمجلس السلطان في عامة الأيّام، عند حضوره إلى السلطان لسلام أو مهمّ أو غير ذلك، فقد أخبرني بعض جماعة الخليفة أن الإمام المتوكل المتقدّم ذكره كان إذا حضر إلى مجلس السلطان الظاهر، قام له، وربما مشى إليه خطوات وجلس على طرف المقعد وأجلس الخليفة إلى جانبه.(3/303)
الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر مملكة الدّيار المصرية ومضافاتها، وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأوّل في مملكة الدّيار المصرية ومضافاتها، وفيه طرفان
الطرف الأوّل في الدّيار المصرية، وفيه اثنا عشر مقصدا
المقصد الأوّل في فضلها ومحاسنها
أما فضلها فقد ورد في الكتاب والسنة ما يشهد لها بالفضيلة، ويقضي لها بالفخر، قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كََانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشََارِقَ الْأَرْضِ وَمَغََارِبَهَا الَّتِي بََارَكْنََا فِيهََا} (1) يريد بالقوم بني إسرائيل، وبالأرض أرض مصر ووصفها بالبركة إما بمعنى الفضل كما في قوله تعالى: {سُبْحََانَ الَّذِي أَسْرى ََ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرََامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بََارَكْنََا حَوْلَهُ} (2). وإما من الخصب وسعة الرزق بدليل قوله تعالى مخبرا عن قوم فرعون: فأخرجناهم {مِنْ جَنََّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقََامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كََانُوا فِيهََا فََاكِهِينَ} (3). وقال جل
__________
(1) سورة الأعراف / 137.
(2) سورة الإسراء / 1.
(3) سورة الدخان / 27.(3/304)
وعز: {وَأَوْحَيْنََا إِلى ََ مُوسى ََ وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءََا لِقَوْمِكُمََا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} (1) فأمر بالعبادة في بيوتها إشارة إلى شرف أرضها ورفعة قدرها.
وقد ذكر الله تعالى اسمها في غير موضع من كتابه العزيز في ضمن قصص الأنبياء عليهم السلام، فقال تعالى إخبارا عن يوسف عليه السلام: {وَقََالَ الَّذِي اشْتَرََاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوََاهُ} (2) وفي موضع آخر: {وَقََالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شََاءَ اللََّهُ آمِنِينَ} (3) وقال حكاية عن فرعون لعنه الله: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهََذِهِ الْأَنْهََارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} (4) وفي معناه قوله تعالى خطابا لبني إسرائيل: {اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مََا سَأَلْتُمْ} (5) على قراءة الحسن (6) والأعمش (7) مصر غير مصروف.
قال القضاعيّ: وكذلك قراءة من قرأ {اهْبِطُوا مِصْراً} مصروفا بناء على أن مصر مذكر سمي به مذكرا فلم يمنع الصرف فيه، والتصريح بذكرها دون غيرها من الأقاليم دليل الشرف والفضل.
وقد ورد أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال (8): «إنّكم ستفتحون بلادا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لأهلها نسبا وصهرا» أراد بالنسب هاجر أم إسماعيل عليه السلام، وكان بعض ملوك مصر قد وهبها لزوجته سارة وأراد بالصّهر مارية أمّ إبراهيم، ولد النبيّ صلى الله عليه وسلم، كان المقوقس قد أهداها للنبيّ صلى الله عليه وسلم في جملة هديته.
__________
(1) سورة يونس / 87.
(2) سورة يوسف / 21.
(3) سورة يوسف / 99.
(4) سورة الزخرف / 51.
(5) سورة البقرة / 61.
(6) الحسن البصري إمام أهل البصرة المتوفى سنة 110هـ. والأعمش هو سليمان بن مهران الأسدي بالولاء: تابعي من علماء القرآن والحديث. توفي سنة 148هـ. (الأعلام: 2/ 226و 3/ 135).
(7) الحسن البصري إمام أهل البصرة المتوفى سنة 110هـ. والأعمش هو سليمان بن مهران الأسدي بالولاء: تابعي من علماء القرآن والحديث. توفي سنة 148هـ. (الأعلام: 2/ 226و 3/ 135).
(8) هذا الحديث نسبه صاحب لسان العرب إلى أبي ذرّ الغفاري (اللسان: 7/ 375).(3/305)
ويروى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فتح الله عليكم مصر فاتّخذوا بها جندا كثيفا، فذاك خير جند الأرض، قيل: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: لأنهم في رباط إلى يوم القيامة».
وعن أبي هريرة (1) رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مصر أطيب الأرضين ترابا وعجمها أكرم العجم نصابا» (2).
ويقال في التوراة: «مصر خزائن الله، فمن أرادها بسوء قصمه الله».
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه «ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة».
ومن كلام كعب الأحبار (3): «مصر بلد معافى من الفتن، فمن أرادها بسوء كبّه الله على وجهه».
ووصفها الكنديّ (4) فقال: «جبلها مقدس، ونيلها مبارك، وبها الطّور الذي كلّم الله تعالى عليه موسى عليه السلام».
قال كعب الأحبار: «كلم الله تعالى موسى من الطور إلى طوى» وفي التوراة «واد مقدّس أفيح» (5) يريد وادي موسى عليه السلام.
ودخلها جماعة من الأنبياء عليهم السلام، منهم إبراهيم ويعقوب، ويوسف، وإخوته عليهم السلام.
__________
(1) اسمه عبد شمس ثم عبد الرحمن: الصحابي المحدث الشهير المتوفى 57أو 58أو 59هـ. (دائرة المعارف الإسلامية: 2/ 26).
(2) أي أكرمهم أصلا ومرجعا. (المعجم الوسيط: 925).
(3) هو كعب بن ماتع بن ذي هجن الحميري. كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود في اليمن، وأسلم في زمن أبي بكر. تابعي محدّث اتفق على توثيقه. توفي في حمص سنة 32هـ عن مئة وأربع سنين.
(الأعلام: 5/ 222وتهذيب الأسماء واللغات: 2/ 68).
(4) هو محمد بن يوسف بن يعقوب: مؤرخ. كان من أعلم الناس بتاريخ مصر. وله علم بالحديث والأنساب. وهو غير يعقوب الكندي الفيلسوف. من كتبه: «الولاة والقضاة» توفي بعد سنة 355 هـ. (الأعلام: 7/ 148).
(5) أي واسع (القاموس: 1/ 249).(3/306)
ونقل في «الروض المعطار» عن الجاحظ أن عيسى بن مريم عليه السلام ولد بها بكورة (1) أهناس الآتي ذكرها في كور مصر المقدّسة، وأن نخلة مريم كانت بأهناس قائمة إلى زمانه. وذكر أيضا أن موسى عليه السلام ولد بها بمدينة أسكر شرقيّ النيل، وهي الآن قرية من الأعمال الإطفيحية الآتي ذكرها في أعمال الدّيار المصرية.
وبها سجن يوسف عليه السلام بمدينة بوصير الخراب (2) من الأعمال الجيزية على القرب من البدرشين (3).
قال القضاعيّ: أجمع أهل المعرفة من أهل مصر على صحة هذا المكان، وأن الوحي كان ينزل عليه به، وسطحه معروف بإجابة الدّعاء.
سأل كافور الإخشيديّ (4) الإمام أبا بكر بن الحدّاد (5) الفقيه الشافعي عن موضع يستجاب فيه الدّعاء فأشار عليه بالدّعاء على سطح هذا السجن.
__________
(1) الذي أجمعت عليه كتب الدين والتاريخ أنه ولد بقرية بيت لحم ببلاد فلسطين وليس بمصر. وفي «الانتصار»: «أهناس: أسم لموضعين بمصر. أحدهما أهناس الصغرى في كورة البهنسا والثانية أهناس المدينة من كور الصعيد الأدنى (وهي المقصودة هنا) يقال لقصبتها أهناس المدينة، وهي على غربي النيل ليست بعيدة عن الفسطاط. وذكر بعضهم ولادة المسيح فيها، وأن النخلة المذكورة في القرآن المجيد موجودة هناك» (انظر: معجم البلدان: 1/ 284والانتصار لواسطة عقد الأمصار. 4/ 128).
(2) وسماها ياقوت «بوصير السّدر» وهي بليدة في كورة الجيزة (معجم البلدان: 1/ 510).
(3) في «الانتصار»: «البدرشين أم عيسى» وهي مدينة «منف» وقيل انها كانت قبل الطوفان، وكان اسمها «مزنة» وأنها أول مدينة عمرت بأرض مصر بعد الطوفان. وفيها مسجد موسى عليه السلام.
(الانتصار لواسطة عقد الأمصار: 4/ 130).
(4) هو كافور بن عبد الله الإخشيدي، أبو المسك: كان عبدا حبشيا اشتراه الإخشيدي ملك مصر سنة 312هـ. فنسب اليه وأعتقه ملك مصر سنة 355هـ. وتوفي بالقاهرة سنة 357هـ. وقيل حمل تابوته الى القدس فدفن فيها. (الأعلام: 5/ 216).
(5) هو أبو بكر، محمد بن أحمد، الكناني المصري. كان إماما مدققا في العلوم سيما في الفقه. تولى القضاء بمصر والتدريس. توفي سنة 344هـ. وهو في طريقه إلى الحج، ثم دفن بسفح المقطم.
(طبقات الشافعية: ص 70).(3/307)
قال القضاعيّ: وعلى القرب منه مسجد موسى عليه السلام، وهو مسجد مبارك.
وبسفح المقطّم بالقرافة الصغرى (1) قبر (يهوذا وروبيل) من إخوة يوسف عليه السلام.
وقد روي أنه دخلها من الصحابة رضوان الله عليهم ما يزيد على مائة رجل، ودفن بقرافتها جماعة (2) منهم فيما ذكره ابن عبد الحكم (3) عن ابن لهيعة (4)
خمسة نفر، وهم: عمرو بن العاص، وعبد الله بن حذافة، وأبو بصرة الغفاريّ، وعقبة بن عامر الجهنيّ، وعبد الله بن الحارث الزبيديّ وهو آخرهم موتا (5).
قال القضاعي: وذكر غير ابن لهيعة أن مسلمة بن مخلّد الأنصاري (6) أيضا مات بها، وهو أميرها.
أما محاسنها، فلا شك أن مصر مع ما اشتملت عليه من الفضائل، وحفّت به
__________
(1) مدفن مشهور في البلاد المصرية يسكنه الناس ويعمرونه. وهي إحدى عجائب الدنيا بما تحوي عليه من مشاهد الأنبياء وأهل البيت والصحابة والتابعين والعلماء والزهاد والأولياء، ويذكر أن فيها قبر النبي صالح عليه السلام، ومشهد آسية امرأة فرعون، وفيها روضات بديعة عجيبة البنيان وكلّ بها قومة يسكنونها ويحفظونها. وكلها مساجد مبنية ومشاهد معمورة يأوي اليها الغرباء والصلحاء والفقراء. (الروض المعطار: ص 460ومعجم البلدان: 4/ 317و 5/ 176).
(2) مدفن مشهور في البلاد المصرية يسكنه الناس ويعمرونه. وهي إحدى عجائب الدنيا بما تحوي عليه من مشاهد الأنبياء وأهل البيت والصحابة والتابعين والعلماء والزهاد والأولياء، ويذكر أن فيها قبر النبي صالح عليه السلام، ومشهد آسية امرأة فرعون، وفيها روضات بديعة عجيبة البنيان وكلّ بها قومة يسكنونها ويحفظونها. وكلها مساجد مبنية ومشاهد معمورة يأوي اليها الغرباء والصلحاء والفقراء. (الروض المعطار: ص 460ومعجم البلدان: 4/ 317و 5/ 176).
(3) عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم: مؤرخ من أهل العلم بالحديث. مصري المولد والوفاة. توفي سنة 257هـ. (الأعلام: 3/ 313).
(4) هو عبد الله بن لهيعة بن فرغان الحضري المصري، المتوفى سنة 174هـ.: قاضي الديار المصرية وعالمها ومحدثها في عصره. (الأعلام: 4/ 115).
(5) أورد صاحب «الأعلام» تواريخ وفاتهم بحسب ترتيبهم على النحو التالي: 43هـ.، 33هـ، 50 هـ، 58هـ، 86هـ.
(6) وقيل مات في المدينة. وكان قد تولى مصر سنة 47هـ. من قبل معاوية وتوفي سنة 62هـ.
(الأعلام: 7/ 224).(3/308)
من المآثر أعظم الأقاليم خطرا، وأجلّها قدرا، وأفخمها مملكة، وأطيبها تربة، وأخفّها ماء وأخصبها زرعا، وأحسنها ثمارا، وأعدلها هواءا، وألطفها ساكنا.
ولذلك ترى الناس يرحلون إليها وفودا، ويفدون عليها من كل ناحية، وقلّ أن يخرج منها من دخلها، أو يرحل عنها من ولجها مع ما اشتملت عليه من حسن المنظر، وبهجة الرّونق لا سيما في زمن الربيع، وما يبدو بها من الزروع التي تملأ العين وسامة وحسنا، وتروق صورة ومعنى.
قال المسعوديّ (1): وصف الحكماء مصر فقالوا: ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء، وثلاثة أشهر مسكة سوداء، وثلاثة أشهر زمرّدة خضراء، وثلاثة أشهر سبيكة حمراء.
فاللؤلؤة البيضاء، زمان النيل، والمسكة السوداء، زمان نضوب الماء عن أرضها والزّمرّدة الخضراء، زمان طلوع زروعها، والسّبيكة الحمراء، زمان هيج الزرع واكتهاله.
وقد قيل: لو ضرب بينها وبين غيرها من البلاد سور، لغني أهلها بها عما سواها ولما احتاجوا إلى غيرها من البلاد، وناهيك ما أخبر الله تعالى به عن فرعون مع عتوّه وتجبّره وادعائه الربوبية بافتخاره بملكها بقوله: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهََذِهِ الْأَنْهََارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلََا تُبْصِرُونَ} (2).
قال ابن الأثير (3) في «عجائب المخلوقات» (4): وهي إقليم العجائب،
__________
(1) هو علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن المسعودي، من ذريّة عبد الله بن مسعود: مؤرخ رحالة بحاثة من أهل بغداد. أقام بمصر وتوفي فيها سنة 346هـ. أشهر تصانيفه «مروج الذهب» (الأعلام:
4/ 277).
(2) سورة الزخرف / 51.
(3) في كشف الظنون: ص 1127: «عجائب المخلوقات لزكريا بن محمد بن محمود الكوفي القزويني وابن الأثير الجزري المتوفى سنة 630هـ. سماه تحفة العجائب» ولعل القلقشندي قد أخطأ في نسبة هذا الكتاب.
(4) في كشف الظنون: ص 1127: «عجائب المخلوقات لزكريا بن محمد بن محمود الكوفي القزويني وابن الأثير الجزري المتوفى سنة 630هـ. سماه تحفة العجائب» ولعل القلقشندي قد أخطأ في نسبة هذا الكتاب.(3/309)
ومعدن الغرائب كان أهلها أهل ملك عظيم، وعز قديم وإقليمها أحسن الأقاليم منظرا، وأوسعها خيرا وفيها من الكنوز العظيمة، ما لا يدخله الإحصاء، حتّى يقال إنه ما فيها موضع إلا وفيه كنز.
قلت: أما ما ذكره أحمد بن يعقوب الكاتب (1) في كتابه في «المسالك والممالك» (2) من ذمّه مصر بقوله: هي بين بحر رطب عفن كثير البخارات الرديئة، يولد الأدواء ويفسد الغذاء، وبين جبل وبرّ يابس صلد، لشدّة يبسه لا تنبت فيه خضراء، ولا تتفجر فيه عين ماء فكلام متعصّب خرق الإجماع، وأتى من سخيف القول بما تنفر عنه القلوب وتمجّه الأسماع وكفى به نقيصة أن ذمّ النيل الذي شهد العقل والنقل بتفضيله، وغضّ من المقطّم الذي وردت الآثار بتشريفه.
المقصد الثاني في ذكر خواصها وعجائبها، وما بها من الآثار القديمة
أما خواصّها، فمن أعظمها خطرا معدن الزّمرّد (3) الذي لا نظير له في سائر أقطار الأرض، وهو في مغارة في جبل على ثمانية أيام من مدينة قوص، يوجد عروقا خضرا في تطابيق حجر أبيض، وأفضله الذّبابيّ وهو أقل من القليل، بل لا يكاد يوجد.
ولم يزل هذا المعدن يستخرج منه الزّمرّد إلى أثناء الدولة الناصرية
__________
(1) وجدت: «المسالك والممالك» لحسين بن أحمد بن يعقوب الهمداني المعروف بابن الحائك المتوفى سنة 334هـ. (ذيل كشف الظنون: 4/ 473).
(2) وجدت: «المسالك والممالك» لحسين بن أحمد بن يعقوب الهمداني المعروف بابن الحائك المتوفى سنة 334هـ. (ذيل كشف الظنون: 4/ 473).
(3) الزمرّد ضرب من معدن «البريل» أخضر اللون يوجد في صخور الرخام والشست الميكائي. وأشهر مناجمه في جنوب مصر. وقد اكتشف المصريون القدماء هذه المناجم واستغلوها استغلالا كبيرا ولكنها اختفت بعد ذلك آجالا طويلة حتى أعيد كشفها في القرن الحالي. (الموسوعة العربية الميسرة: ص 946).(3/310)
«محمد بن قلاوون» فأهمل أمره وترك.
قال في «مسالك الأبصار» (1): وجميع ملوك الأرض وأهل الآفاق تستمدّ منه. وقد مرّ القول عليه في جملة الأحجار الملوكية في أواخر المقالة الأولى.
وأعظم خطرا منه وأرفع شأنا البلسان الذي تسميه العامّة البلسم (2)، وهو نبات يزرع ببقعة مخصوصة بأرض المطريّة من ضواحي القاهرة على القرب من عين شمس، ويسقى من بئر مخصوصة هناك، يقال إن المسيح عليه السلام اغتسل بها حين قدمت به أمّه إلى مصر، والنصارى تزعم أنه حفرها بعقبه وهو طفل حين وضعته أمّه هناك.
ومن خاصتها أن البلسان لا يعيش إلا بمائها ولا يوجد في بقعة من بقاع الأرض غير هذه البقعة.
قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات»: وطول هذه الأرض ميل في ميل، وشأنه أنه يفصد (3) في شهر كيهك (4) من شهور القبط، ويجمع ما يسيل من دهنه ويصفى ويطبخ ويحمل إلى خزانة السلطان، ثم ينقل منه قدر معلوم إلى قلاع
__________
(1) لابن فضل الله العمري.
(2) هو «راتينج» أي من شعبة الجوامد غير البلورية، ومنها الراتينجات الطبيعية التي تستخرج من إفرازات الأشجار وقال في معجم البلدان: رأيت شجر البلسان وهو يشبه شجر الحنّاء والرمان أول ما ينشأ، ولها قوم يجرحونها ويستقطرون ماءها في آنية لطيفة من زجاج. وليس في الدنيا موضع ينبت فيه البلسان ويستحكم دهنه إلا بمصر فقط. (الموسوعة العربية الميسرة: 850396ومعجم البلدان: 5/ 149).
(3) فصد العرق أي شقّه. (المعجم الوسيط: 690).
(4) التقويم القبطي يتبع النظام المصري القديم. فقد قسم المصريون القدماء السنة إلى 12شهرا كل منها ثلاثون يوما يليها خمسة أيام ثم يوم كبيس كل أربع سنوات. وشهر «كيهك» هو الرابع في التقويم القبطي. وشهور السنة عندهم هي: توت، بابه، هاتور، كيهك، طوبة، أمشير، برمهات، برمودة، بشنس، بؤونة، أبيب، مسرى وكل منها ثلاثون يوما يليها خمسة أو ستة أيام تسمى بالنسيء. (الموسوعة العربية الميسرة: ص 539).(3/311)
الشام والبيمارستان (1) ليستعمل في بعض الأدوية وملوك النصارى من الحبشة والروم والفرنج يستهدونه من صاحب مصر ويهادونه بسببه، لما يعتقدونه فيه من أثر المسيح عليه السلام في البئر، وله عليهم بذلك اليد الطّولى والمنّة العظمى، لا يساويه عندهم ذهب ولا جوهر.
قال في «مسالك الأبصار»: والنصارى كافّة تعتقد فيه ما تعتقد، وترى أنه لا يتم تنصّر نصرانيّ حتّى يوضع شيء من هذا الدهن في ماء المعمودية عند تغطيسه فيها.
وبها معدن النّطرون (2)، وهو منها في مكانين:
أحدهما بركة النّطرون (3) التي بالجبل الغربي غربيّ عمل البحيرة (4) الآتي ذكره في جملة أعمالها المستقرّة، وهي من أعظم المعادن وأكثرها متحصّلا على حقارة النطرون وقلة ثمنه.
قال في «التعريف» (5): لا يعرف في الدنيا بركة صغيرة يستغلّ منها نظيرها، فإنها نحو مائة فدّان تغل نحو مائة ألف دينار.
__________
(1) وتختصر في كثير من الأحوال فيقال «مارستان» وهي مأخوذة من الكلمة الفارسية «بيمار» بمعنى «مريض» و «أستان» بمعنى «مكان» وتدل على المستشفى. والبيمارستان في الاصطلاح الحديث يطلق بخاصة على مكان يأوي المجانين. وينسب إلى الوليد بن عبد الملك فضل بناء أول بيمارستان في الإسلام. وكانت إقامة أول بيمارستان حقيقي في الإسلام ثمرة للأثر الذي أحدثته المدرسة الطبية والمستشفى اللذان كانا قائمين في جنديسابور من أعمال خوزستان. (دائرة المعارف الإسلامية: 9/ 5554).
(2) قال ابن مماتى: هو من المعادن التي توجد بأرض مصر، يستخرج من الطرانة الواقعة غربي النيل، وهو أجود أصنافه. ويستخرج أيضا من الفاقوسية، ومنه الأحمر والأخضر وهو الأكثر استعمالا.
(التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: ص 347).
(3) بالقرب من «الطرانة» من الأعمال البحرية. قال في «الانتصار» هي إحدى عجائب الدنيا. (الانتصار لواسطة عقد الأمصار: 5/ 43).
(4) من أعمال الوجه البحري. (الانتصار: 5/ 43).
(5) «التعريف بالمصطلح الشريف» لابن فضل الله العمري.(3/312)
والثاني مكان بالخطّارة من الشرقية، ولا يبلغ في الجودة مبلغ البركة الأولى، ولا يبلغ في المتحصّل قريبا من ذلك.
وبها أيضا معدن الشّبّ (1) على القرب من أسوان، وهو من المعادن الكثيرة المتحصّل أيضا إلى غير ذلك من الخواصّ.
وبها معدن النّفط على ساحل بحر القلزم، يسيل دهنه من أعلى جبل قليلا قليلا وينزل إلى أسفله فيتحصل في دبار قد وضعها له الأوّلون، وتأتي العرب فتحمله إلى خزائن السلاح السلطانية.
وأما عجائبها فكثيرة:
(منها) جبل الطير (2) شرقيّ النيل، مقابل منية أبي خصيب، فيه صدع يأتي إليه جنس البواقير من الطير، وهو المعروف بالبحّ في يوم من السنة فيضعون مناقيرهم في ذلك الصدع واحدا بعد واحد حتى يتعلق منها واحد في ذلك الصدع فيتركونه ويذهبون (3).
قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات»: قال أبو بكر الموصلي: سمعت من أعيان تلك البلاد أنه إذا كان العام مخصبا، يقبض على طائرين، وإن كان متوسطا، يقبض على طائر واحد، وإن كان جدبا، لم يقبض على شيء.
__________
(1) هو كبريتات مزدوجة متبلورة من «كاتيون» وهو ذرّة أو أصل موجب الكهربية أحادي الكفاءة وآخر ثلاثي الكفاءة مع 24جزيئا من ماء التبلور. وتطلق كلمة «الشب» على شب البوتاسيوم والألومينيوم الذي يستعمل مروّقا للماء وقابضا للبشرة ومثبتا للألوان في الصناعة. (الموسوعة العربية الميسرة:
ص 1072).
(2) جبل الطير بصعيد مصر قرب «انصنا» في شرقي النيل. وفي رأس هذا الجبل كنيسة «الكف» فيها رهبان يقولون إن عيسى عليه السلام أقام فيها وأثر كفه بها. ويسمى جبل الطير بذلك لأن صنفا من الطير أبيض يقال له «بوقير» يجيء في كل عام في وقت معلوم فبعكف على هذا الجبل وفي سفحه كوّة يدخل كل طير رأسه فيها ثم يخرجه ويلقي نفسه في النيل. (معجم البلدان: 2/ 103102).
(3) جبل الطير بصعيد مصر قرب «انصنا» في شرقي النيل. وفي رأس هذا الجبل كنيسة «الكف» فيها رهبان يقولون إن عيسى عليه السلام أقام فيها وأثر كفه بها. ويسمى جبل الطير بذلك لأن صنفا من الطير أبيض يقال له «بوقير» يجيء في كل عام في وقت معلوم فبعكف على هذا الجبل وفي سفحه كوّة يدخل كل طير رأسه فيها ثم يخرجه ويلقي نفسه في النيل. (معجم البلدان: 2/ 103102).(3/313)
(ومنها) مكان بالجبل الشرقيّ عن النيل، على القرب من أنصنا (1) به تلال رمل إذا صعد إلى أعلاها وكسح الرمل إلى أسافلها سمعت له أصوات كالرعد، يسمع من البر الغربيّ من النيل.
وقد أخبرني بعض أهل تلك البلاد أنه إذا كان الذي صعد على ذلك المكان جنبا أو كانوا جماعة فيهم جنب، لم يسمع شيء من تلك الأصوات لو كسح الرمل.
(ومنها) مكان بالجبل المذكور على القرب من إخميم به تلال رمل إذا كسحها الإنسان من أعلى إلى أسفل، عادت إلى ما كانت عليه وارتفع الرمل من أسفلها إلى أعلاها.
قال في «الروض المعطار»: وعلى النيل جبل يراه أهل تلك الناحية من انتضى سيفه وأولجه فيه وقبض على مقبضه بيديه جميعا، اضطرب السيف في يديه وارتعد فلا يقدر على إمساكه ولو كان أشدّ الناس وإذا حدّ بحجارة هذا الجبل سكّين أو سيف لا يؤثر فيه حديد أبدا، وجذب الإبر والمسالّ أشدّ جذبا من المغناطيس، ولا يبطل فعلها بالثوم كما يبطل المغناطيس، أما الحجر نفسه فإنه لا يجذب.
قال القضاعيّ: وبجبل زماخير الساحرة (2) يقال إن فيه خلقة من الجبل ظاهرة مشرفة على النيل لا يصل إليها أحد يلوح فيها خط مخلوق «باسمك اللهم». وعلى القرب من الطّور عين ماء في أجمة رمل ينبع الماء من وسطها فوّارات لطيفة وينبسط ماؤها حولها نحو الذراع، ثم يغوص في الرمل فلا يظهر له
__________
(1) بالفتح ثم السكون وكسر الصاد المهملة: مدينة أزلية من نواحي الصعيد على شرقي النيل. (معجم البلدان: 1/ 265).
(2) ويعتقد القلقشندي أنه جبل الساحرة المطل على النيل مقابل المراغات من عمل إخميم (الصبح 3/ 340).(3/314)
أثر، ولا يعرف أحد إلى أين يذهب، وهي على ذلك مدى الدهور والأيام لا ينقطع نبعها، ولا يجتمع ماؤها في مكان يدركه البصر وعجائبها أكثر من أن تذكر.
المقصد الثالث في ذكر نيلها ومبدئه وانتهائه، وزيادته ونقصه وما تنتهي إليه زيادته، وما تصل إليه في النقص، وقاعدته
أمّا ابتداؤه وانتهاؤه، فاعلم أن ابتداءه من أوّل الخراب الذي هو جنوبي خط الاستواء المقدّم ذكره، ولذلك عسر (1) الوقوف على حقيقة خبره.
وقد ذكر الحكماء أنه ينحدر من جبل القمر، إما (بفتح القاف والميم كما هو المشهور، وإما بضم وسكون الميم) كما نقله في «تقويم البلدان» (2) عن ضبط ياقوت (3) في «المشترك» وابن سعيد في «معجمه».
قال في «رسم المعمور» (4): وطرفه الغربي عند طول [ست وأربعين] ونصف وعرض إحدى عشرة ونصف في الجنوب، وطرفه الشرقي حيث الطول إحدى وستون درجة ونصف والعرض بحاله. قال في الرسم: ولونه أحمر. وذكر الطوسيّ (5) أنهم شاهدوه على بعد، ولونه أبيض لما غلب عليه من الثلج. واعترضه
__________
(1) للنيل مجموعتان من المنابع: بحيرات الهضبة الاستوائية وهي فكتوريا وألبرت وأدوارد، ومياه هضبة الحبشة، وتلتقي مياه المنبعين عند الخرطوم. يحمل الأول اسم النيل الأبيض والآخر النيل الأزرق.
وقد اكتشف جيمس بروس بحيرة تانا، منبع النيل الأزرق، سنة 1770م واكتشف «سبيك» بحيرة فكتوريا سنة 1858م. (الموسوعة العربية الميسرة: 18701869).
(2) للمؤيد صاحب حماة، سبق التعريف به
(3) هو ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي: مؤرخ ثقة من أئمة الجغرافيين ومن العلماء باللغة والأدب.
توفي سنة 626هـ. من كتبه: «معجم البلدان» و «إرشاد الأريب» ويعرف بمعجم الأدباء و «المشترك وضعا والمفترق صقعا». (الأعلام: 8/ 131).
(4) وهو كتاب «رسم المعمور من البلاد» للعلامة محمد بن موسى بن شاكر الخوارزمي احد الإخوة الثلاثة المعروفين ببني موسى المتوفى سنة 259هـ. وقد طبع من هذا الكتاب الجزء الخاص بأفريقية. (الأعلام: 7/ 116).
(5) هو نصير الدين الطوسي: فيلسوف علامة بالأرصاد والمجسطي والرياضيات. علت منزلته عند هولاكو. ولد بطوس قرب نيسابور سنة 597هـ وتوفي سنة 672هـ. (الأعلام 7/ 30).(3/315)
في «تقويم البلدان» بأن عرض إحدى عشرة في غاية الحرارة لا سيّما في الجنوب لحضيض الشمس.
قال بطليموس (1): والنيل ينحدر من الجبل المذكور من عشرة مسيلات، بين كل مسيلين منها درجة في الطول المقدّم بيانه، والغربيّ منها وهو الأوّل، عند طلوع ثمان وأربعين درجة، والثاني عند طلوع تسع وأربعين، وعلى ذلك حتّى يكون العاشر منها عند طلوع سبع وخمسين، كل مسيل منها نهر، ثم تجتمع العشرة وتصب في بطيحتين (2) كلّ خمسة منها تصب في بطيحة، ثم يخرج من كل واحدة من البطيحتين أربعة أنهار، ثم تتفرّع إلى ستة أنهار، وتسير الستة في جهة الشمال حتّى تصب في بحيرة مدوّرة عند خط الاستواء تعرف ببحيرة كوري، فيفترق النيل منها ثلاث فرق، ففرقة تأخذ شرقا وتذهب إلى مقدشو (3) من بلاد الحبشة المسلمين على ساحل البحر الهنديّ مقابل بلاد اليمن. وفرقة تأخذ غربا وتذهب إلى التّكرور (4) وغانة من مملكة مالي من بلاد السّودان، وتمرّ حتى تصب في البحر المحيط الغربيّ عند جزيرة أوليل (5) وتسمّى نيل السودان وفرقة تأخذ شمالا وهي نيل مصر فيمر في الشّمال على بلاد زغاوة (6)، وهي أوّل ما يلقى من
__________
(1) في دائرة المعارف: بطلميوس، وهو الرسم الذي يكاد يكون الأوحد في الاستعمال للاسم اللاتيني الإغريقي () وهو عالم فلك ورياضة وجغرافية وفيزياء ومؤرخ. توفي بعد سنة 161 م. اعتبرت أعماله في الفلك والجغرافية مرجعا أساسيا حتى أيام كوبر نيكوس. (دائرة المعارف الإسلامية: 7/ 319والموسوعة العربية الميسرة: 381).
(2) البطيحة مسيل واسع فيه دقاق الحصى. (القاموس: 1/ 287).
(3) وهي عاصمة جمهورية الصومال اليوم.
(4) بلاد تنسب إلى قبيل من السودان في أقصى جنوب المغرب. (معجم البلدان 2/ 38والروض المعطار: ص 134).
(5) قال ابن حوقل: أوليل على سمت أوذغست من بلاد المغرب، وهو على نحو البحر وآخر العمارة.
(معجم البلدان: 1/ 283).
(6) قال ياقوت: وزغاوة مملكة عظيمة من ممالك السودان، في حد المشرق منها مملكة النوبة بأعلى صعيد مصر. (معجم البلدان 3/ 142و 5/ 309).(3/316)
بلاد السودان.
ثم يمرّ على بلاد النّوبة حتّى ينتهي إلى مدينتها دنقلة (1) الآتي ذكرها في الكلام على ممالك السّودان.
ثم يمرّ شمالا بميلة إلى الغرب إلى طول إحدى وخمسين، وعرض سبع عشرة على حاله.
ثم يمرّ مغرّبا بميلة قليلة إلى الشّمال إلى طول اثنتين وثلاثين، وعرض تسع عشرة.
ثم يرجع مشرّقا إلى طول إحدى وخمسين.
ثم يمرّ في الشمال إلى الجنادل، وهو الجبل الذي ينحدر عليه النيل بين منتهى مراكب النّوبة في انحدارها ومراكب مصر في صعودها، حيث الطول ست وخمسون درجة، والعرض اثنتان وعشرون درجة.
ثم يمرّ شمالا إلى مدينة أسوان الآتي ذكرها في أعمال الدّيار المصرية على القرب من الجنادل المقدّمة الذكر.
ويمرّ شمالا بميلة إلى الغرب إلى طول ثلاث وخمسين، وعرض أربع وعشرين ثم يشرق الى طول خمس وخمسين.
ثم يأخذ في الشمال حتى ينتهي إلى مدينة الفسطاط الآتي ذكرها في قواعد مصر المستقرّة.
ويمتدّ في جهة الشّمال أيضا حتّى يصير بالقرب من قرية تسمّى شطّنوف (2)
من قرى مصر، من عمل منوف فيفترق بفرقتين: فرقة شرقية وفرقة غربية. فأما
__________
(1) وتسمى أيضا «دمقلة»، غزاها عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة 31هـ في خلافة عثمان. (معجم البلدان: 2/ 470).
(2) من كورة الغربية، بينها وبين القاهرة مسيرة يوم واحد. (معجم البلدان 3/ 345).(3/317)
الفرقة الشرقية، فتمرّ في الشّمال حتّى تأتي على قرية تسمّى المنصورة من عمل المرتاحية (1)، فتتشعب شعبتين، وتمرّ الغربية منهما وهي العظمى إلى دمياط من شرقيها، وتصب في بحر الروم حيث الطول ثلاث وخمسون درجة وخمسون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون وخمس وعشرون دقيقة وتمر الشرقية منهما على أشموم طناح (2)، من غربيها حتّى تجاوز بلاد المنزلة (3)، وتصب في بحيرة شرقيّ دمياط حتّى بحيرة تنّيس حيث الطول أربع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة.
وأما الفرقة الغربية، فتمر من شطّنوف المقدّم ذكرها حتّى تأتي بالقرب من قرية تسمى بأبي نشّابة (4) من عمل البحيرة فتتشعب شعبتين، الغربية منهما وهي العظمى تأخذ شمالا بين عمل البحيرة من شرقيها وبين جزيرة بني نصر (5) من غربيها، والشرقية تأخذ شمالا أيضا بين جزيرة بني نصر من شرقيها، وبين عمل الغربية من غربيها. ويسمّى هذا البحر بحر أبيار (6)، ويمر حتّى يلتقي مع الفرقة الغربية عند قرية تسمّى الفرستق من الغربية بالقرب من مدينة أبيار المنسوب إليها البحر المقدّم ذكره، ويصير شعبة واحدة ويمرّ حتّى يصب في البحر الروميّ غربي قرية تسمّى رشيد (7) حيث الطول ثلاث وخمسون، والعرض إحدى وثلاثون.
__________
(1) من كور مصر البحرية. بلدة أنشأها الملك الكامل ابن الملك العادل، بين دمياط والقاهرة.
(معجم البلدان: 5/ 212).
(2) وتعرف أيضا بأشموم الرمان، وهي قصبة كورة الدقهلية. (الانتصار: 5/ 68).
(3) وهي البلاد التي تحيط ببحيرة المنزلة شمالي شرقي مصر. ومن أشهر مدنها «تنّيس». (الموسوعة العربية الميسرة: 1753).
(4) ومساحتها 967فدانا. (الانتصار: 5/ 103).
(5) كورة ذات قرى كثيرة في نواحي مصر الشرقية (معجم البلدان: 2/ 139).
(6) أبيار اسم قرية بجزيرة بني نصر، بين القاهرة والإسكندرية (معجم البلدان: 1/ 85).
(7) عاصمة مركز رشيد بمحافظة البحيرة. تأسّست في القرن التاسع الميلادي، واشتهرت بعد أن عثر فيها على حجر معروف باسم «حجر رشيد» يحمل نصّا مكتوبا بثلاث لغات هي الهير وغليفية والديموطيقية واليونانية. وكان العثور عليه إيذانا بفك رموز اللغة الهير وغليفية. (الموسوعة العربية الميسرة: 869).(3/318)
ومن هذه الفرقة يتفرّع خليج صغير يدخل إلى بحيرة نستروه (1) الآتي ذكرها في جملة البحيرات، ويتفرع من كل فرقة من هذه الفرق وما يليها من أعلى النيل خلجان يأتي ذكر المشهور منها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وأما زيادته ونقصه، فقد اختلف في مدد زيادته، فنقل المسعوديّ عن العرب أنه يستمد من الأنهار والعيون. ولذلك تغيض الأنهار والعيون عند زيادته. وإذا غاض زادت ويؤيده ما روى القضاعيّ بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: «إنّ نيل مصر سيّد الأنهار، سخر الله له كلّ نهر بين المشرق والمغرب أن يمدّه فأمدّته الأنهار بمائها، وفجّر الله له الأرض عيونا فانتهى جريه إلى ما أراد الله فأوحى الله إلى كل منها أن يرجع إلى عنصره».
ويقال عن أهل الهند: زيادته ونقصه بالسيول، ويعرف ذلك بتوالي الأنواء وكثرة الأمطار، وركود السحاب.
وقالت القبط: زيادته من عيون في شاطئه رآها من سافر ولحق بأعاليه ويؤيده ما رواه القضاعي بسنده إلى يزيد بن أبي حبيب (2) «أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال لكعب الأحبار أسألك بالله! هل تجد لهذا النيل في كتاب الله عز وجل خبرا؟ قال: إي والله! إن الله عز وجل يوحي إليه في كل عام مرتين، يوحي إليه عند خروجه فيقول إن الله يأمرك أن تجري، فيجري ما كتب الله له، ثم يوحي إليه بعد ذلك فيقول: يا نيل إن الله يأمرك أن تنزل، فينزل». ولا شك أن جميع الأقوال المتقدّمة فرع لهذا القول، وهو أصل لجميعها.
وبكل حال فإنه يبدأ بالزيادة في الخامس من بؤنه (3) من شهور القبط. وفي
__________
(1) جزيرة بين دمياط والإسكندرية. وقد حذف ياقوت منها الهاء فجاءت «نسترو». (معجم البلدان:
5/ 284).
(2) هو يزيد بن سويد المصري، أبو رجاء: مفتي أهل مصر في صدر الإسلام وأول من أظهر علوم الدين والفقه بها توفي سنة 128هـ. (ذكر اسماء التابعين: 1/ 415والأعلام: 8/ 183).
(3) هو الشهر العاشر من شهور القبط.(3/319)
ليلة الثاني عشر منه يوزن الطّين، ويعتبر به زيادة النيل بما أجرى الله تعالى العادة به، بأن يوزن من الطين الجافّ الذي يعلوه ماء النيل زنة ستة عشر درهما (1) على التحرير، ويرفع في ورقة أو نحوها ويوضع في صندوق أو غير ذلك، ثم يوزن عند طلوع الشمس فمهما زاد اعتبرت زيادته كل حبة خروب بزيادة ذراع (2) على الستة عشر درهما.
وفي السادس والعشرين منه يؤخذ قاع البحر وتقاس عليه قاعدة المقياس التي تبنى عليها الزيادة.
وفي السابع والعشرين ينادى عليه بالزيادة، ويحسب كل ذراع ثمانية وعشرين أصبعا إلى أن يكمل اثني عشر ذراعا، فيحسب كل ذراع أربعا وعشرين أصبعا، فإذا وفّى ستة عشر ذراعا، وهو المعبر عنه بماء السلطان، كسر خليج القاهرة، وهو يوم مشهود، وموسم معدود، ليس له نظير في الدنيا وفيه تكتب البشارات بوفاء النيل إلى سائر أقطار المملكة، وتسير بها البرد (3)، ويكون وفاؤه في الغالب في مسرى (4) من شهور القبط، وفيها جلّ زيادته.
__________
(1) حدّد ابن خلدون الدرهم في مقدمته فقال: «إن الدرهم الشرعي هو الذي تزن العشرة منه سبعة مثاقيل من الذهب، والأوقية منه أربعون درهما، وهو على هذا سبعة أعشار الدينار. ووزن المثقال من الذهب اثنتان وسبعون حبة من الشعير فالدرهم الذي هو سبعة أعشاره خمسون حبة وخمسا حبة». وقد قدّر الدرهم ب 17، 3غرامات (مقدمة ابن خلدون: 465. والنظم الإسلامية: 420).
(2) يقول الماوردي: وأما الأذرع فالأذرع سبع، أقصرها القاضية ثم اليوسفية ثم السوداء ثم الهاشمية الصغرى وهي البلالية ثم الهاشمية الكبرى وهي الزيادية ثم العمرية ثم الميزانية. ويقول القلقشندي: «وذراع اليدست قبضات بقبضة انسان معتدل كل قبضة أربعة أصابع بالخنصر والبنصر والوسطى والسبابة وكل أصبع ست شعيرات معتدلات». ولعل الذراع التي قصدها القلقشندي هي الذراع السوداء. أما الذراع الهاشمية الكبرى فتساوي ثماني قبضات أي 2، 46سم وهي الذراع المستعملة في كتب الفقهاء. (النظم الإسلامية: 412وما بعدها. وصبح الأعشى 3/ 517).
(3) جمع برديّ وهو الرسول. (القاموس: 1/ 287).
(4) الشهر الأخير من شهور القبط.(3/320)
وفي النيروز (1)، وهو أول يوم من توت (2) يكثر قطع الخلجان والتّرع عليه، وربما اضطرب لذلك ثم عاد.
وفي عيد الصليب، وهو السابع عشر من توت المذكور يقطع عليه غالب بقية التّرع.
وقد حكى القضاعيّ عن ابن عفير (3) وغيره عن القبط المتقدّمين أنه إذا كان الماء في اثني عشر يوما من مسرى اثني عشر ذراعا، فهي سنة ماء، وإلا فالماء ناقص، وإذا تمّ الماء ستة عشر ذراعا قبل النيروز فالماء يتم، ثم غالب وفائه يكون في النصف الأول من مسرى، وربما وفى في النصف الثاني منها، وقد يتأخر عن ذلك.
وفي الثامن من بابه (4) يكون نهاية زيادته.
ورأيت في «تاريخ النيل» (5) أنه تأخر وفاؤه في سنة ثمان وسبعمائة إلى تاسع عشر بابه فوفى ستة عشر ذراعا، وزاد أصبعين بعد ذلك في يومين: كل يوم أصبع بعد أن استسقى الناس أربع مرات، وهذا مما لم نسمع بمثله في دهر من الدهور.
وقد جرت عادته أنه من حين ابتداء النداء بزيادته في السابع والعشرين من بؤنه إلى آخر أبيب (6) تكون زيادته خفيفة ما بين أصبعين فما حولهما إلى نحو
__________
(1) هو عيد رأس السنة الزراعية المصرية (القبطية) ويقع في أول شهر توت القبطي الموافق 11سبتمبر أيلول. (الموسوعة العربية الميسرة: 852).
(2) هو الشهر الأول من شهور القبط.
(3) هو سعيد بن كثير المتوفى سنة 226هـ. وهو راوية ومؤرخ، أخذ عنه محمد بن يوسف الكندي.
(4) الشهر الثاني من الشهور القبطية.
(5) وجدت كتابين في تاريخ النيل: الأول للتيفاشي المتوفى سنة 651هـ. وهو «سجع الهديل في أخبار النيل» والثاني لابن الدريهم الموصلي المتوفى سنة 762هـ. وهو: «الإنصاف بالدليل في أوصاف النيل» ولم أعثر على اسم «تاريخ النيل» (كشف الظنون: 182و 979).
(6) هو الشهر الحادي عشر من الشهور القبطية.(3/321)
العشرة، وربما زاد على ذلك. فإذا دخلت مسرى، اشتدّت زيادته وقويت، فيزيد العشرة فما فوقها، وربما زاد دون ذلك. وأعظم ما تكون زيادته على القرب من الوفاء حتّى ربما بلغ سبعين أصبعا.
ومن العجيب أنه يزيد في يوم الوفاء سبعين أصبعا مثلا، ثم يزيد في صبيحة يوم الوفاء أصبعين فما حولهما، ويتم على ذلك. وله في آخر بابه زيادة قليلة يعبر عنها بصبّة بابه لما ينصبّ إلى النيل من ماء الأملاق (1).
وقد ذكر عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم (2) وغيره: أنه لما فتح المسلمون مصر أتى أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل شهر بؤنة، فقالوا: أيّها الأمير إن لنيلنا هذا سنّة لا يجري إلا بها، وهو أنه إذا كان اثنا عشر من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من أبويها فأرضيناهما فيها، وزيناها بأفضل الزينة، وألقيناها فيه. فقال: هذا مما لا يكون في الإسلام، فأقاموا أبيب ومسرى وهو لا يزيد قليلا ولا كثيرا، فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعرّفه ذلك، فكتب إليه أن أصبت، وكتب رقعة إلى النيل فيها:
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر.
أما بعد، فإن كنت تجري من قبلك، فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهّار الذي يجريك، فنسأل الله أن يجريك.
وبعث بها إليه، فألقاها في النيل، وقد تهيأ أهل مصر للخروج منها، فأصبحوا يوم الصليب، وقد بلغ في ذلك اليوم ستة عشر ذراعا.
__________
(1) الملق جمع ملقة وهي الأرض المستوية ومعناها أيضا الصفاة الملساء. ولعل المقصود الماء الشحيح من المسيلات الصغيرة على جانبي النيل. (اللسان: 10/ 349).
(2) أقدم من وصلت الينا مؤلفاته من مؤرخي مصر الإسلامية وكان أبوه عبد الله المتوفى سنة 214هـ.
ضليعا في الحديث والفقه وانتهت إليه رئاسة الطائفة المالكية في مصر. وتوفي عبد الرحمن، المعروف عامة بابن عبد الحكم، في الفسطاط سنة 257هـ. وأهم تصانيفه: «فتوح مصر والمغرب» في سبعة أجزاء. (دائرة المعارف الإسلامية: 1/ 235والأعلام: 3/ 313).(3/322)
ويروى أنه وقع مثل ذلك في زمن موسى عليه السلام، وهو أن موسى عليه السلام دعا على آل فرعون، فحبس الله عنهم النيل حتّى أرادوا الجلاء، فرغبوا إلى موسى فدعا لهم بإجراء النيل رجاء أن يؤمنوا، فأصبحوا وقد أجراه الله في تلك الليلة ستة عشر ذراعا.
ورأيت في «تاريخ النيل» المتقدّم ذكره: أنه في زمن المستنصر (1) أحد خلفاء الفاطميين بمصر مكث النيل سنتين لم يطلع، وطلع في السنة الثالثة وأقام إلى الخامسة لم ينزل، ثم نزل في وقته ونضب الماء عن الأرض، فلم يوجد من يزرعها لقلة الناس ثم طلع في السنة السادسة وأقام حتّى فرغت السابعة، ولم يبق إلا صبابة (2) من الناس، ولم يبق في الأقاليم ما يمشي على أربع غير حمار يركبه الخليفة المستنصر، وأنه وفّى ست عشرة ذراعا (3) في ليلة واحدة بعد أن كان يخاض من برّ إلى برّ وأقل ما انتهى إليه قاع النيل في النقص ذراع واحد وعشرة أصابع، ووقع ذلك من سنة الهجرة وإلى آخر الثمانمائة مرتين فقط: المرّة الأولى في سنة خمس وستين ومائة من الهجرة. وبلغ النيل فيها أربع عشرة ذراعا وأربعة عشر أصبعا. والمرة الثانية في سنة خمس وثمانين وأربعمائة. وبلغ فيها سبع عشرة ذراعا وخمسة أصابع.
وقد وقع مثل ذلك في زماننا، في سنة ست وثمانمائة. وأغي ما انتهى إليه القاع في الزيادة مما رأيته مسطورا إلى آخر سنة خمس وعشرين وسبعمائة تسعة أذرع. وسمعت بعض الناس يقول إنه في سنة خمس وستين وسبعمائة كان القاع اثنتي عشرة ذراعا.
__________
(1) هو معدّ (المستنصر بالله) بن علي (الظاهر لإعزاز دين الله) ابن الحاكم بأمر الله. بويع له وهو طفل سنة 427هـ. ثم تغلبت أمه على الدولة فكانت تصطنع الوزراء وتوليهم. توفي بمصر سنة 487 هـ. (الأعلام: 7/ 266).
(2) الصبابة هي الجماعة القليلة من الناس. (القاموس: 1/ 94).
(3) الذراع والاصبع يذكران ويؤنثان، وقد جريا في كلام المؤلف تارة بالتذكير وأخرى بالتأنيث، وكل صحيح.(3/323)
وأقل ما بلغ النقص في نهاية الزيادة اثنا عشر ذراعا وأصبعان، وذلك في سنة أربع وعشرين وأربعمائة، وأغي ما كان ينتهي إليه في الزمن المتقدّم ثمانية عشر ذراعا حتّى تعجب الناس من نيل بلغ تسع عشرة ذراعا في زمن عمر بن عبد العزيز، ثم انتهى في المائة السابعة إلى أن صار يجاوز العشرين في بعض الأحيان.
ومن العجيب أنه في سنة تسع وسبعين وثلاثمائة كان القاع على تسع أذرع، ولم يوف بل بلغ خمس عشرة ذراعا وخمس أصابع وفي سنين كثيرة كان القاع فيها دون الذراعين، وجاوز الوفاء إلى ثماني عشرة ذراعا فما دونها. ولا عبرة بقول المسعوديّ في «مروج الذهب» إن أقل ما يكون القاع ثلاثة أذرع، وإنه في مثل تلك السنة يكون متقاصرا، فقد تقدّم ما يخالف ذلك {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مََا يَشََاءُ وَيَخْتََارُ مََا كََانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} (1).
قلت: وقد جرت عادة صاحب المقياس، أنه يعتبر قياسه زمن الزيادة في كل يوم وقت العصر، ثم ينادي عليه من الغد بتلك الزيادة أصابع من غير تصريح بذرع إلا أنه يكتب في كل يوم رقاعا لأعيان الدولة من أرباب السيوف والأقلام، كأرباب الوظائف من الأمراء، وقضاة القضاة (2) من المذاهب الأربعة، وكاتب السرّ وناظر
__________
(1) سورة القصص / 68.
(2) وجدت وظيفة قاضي القضاة في أيام الحكم الفاطمي، وفي عهد العزيز ثاني الخلفاء الفاطميين في مصر، وكان مقرّه في القاهرة. وكان قبل الفاطميين تابعا لبغداد، وكان تعيينه في أيام الفاطميين من الإسماعيلية. وفي عهد الوزير أحمد بن الأفضل عين لكل مذهب قاضي قضاة، فكان قاضي قضاة شافعي وآخر مالكي وثالث إسماعيلي ورابع من الإمامية ولما تولى صلاح الدين الأيوبي الوزارة للعاضد، آخر خلفاء الفاطمية، اكتفى بقاضي قضاة واحدة من الشافعية، وظل ذلك إلى عصر المماليك. وفي عصر السلطان بيبرس عين أربعة قاضي قضاة: للشافعية وللحنفية وللمالكية وللحنبلية، وكل منهم مستقل عن الآخر. وكان قاضي القضاة في عهد الفاطميين يعينه الخليفة. وفي عهد الأيوبيين كان تعيينه من قبل السلطان، وكذلك في عهد المماليك. وكان قاضي القضاة ينظر في قضايا متنوعة بدون تفرقة أي كان هناك نظام توحيد القضاء، فينظر القضايا الجنائية والمدنية والشرعية. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 266. عن صبح الأعشى 4/ 36و 41 والمقريزي، الخطط: 3/ 340والكندي، الولاة والقضاة: 589ونظم الفاطميين للدكتور عبد المنعم ماجد 1/ 141).(3/324)
الخاص (1) وناظر الجيش (2)، والمحتسب (3)، ومن في معناهم فيذكر زيادته في ذلك اليوم من الشهر العربيّ وموافقه من القبطيّ من الأصابع وما صار إليه من الأذرع ويذكر بعد ذلك ما كانت زيادته في العام الماضي في ذلك اليوم من الأصابع وما صار إليه من الأذرع والبعادة بينهما بزيادة أو نقص، ولا يطلع على ذلك عوامّ الناس ورعاعهم فإذا وفّى ستة عشر ذراعا صرح في المناداة في كل يوم بما زاد من الأصابع، وما صار إليه من الأذرع، ويصير ذلك مشاعا عند كل أحد.
وأما مقاييسه، فقد ذكر إبراهيم بن وصيف شاه في كتاب (4) «العجائب» أن أول من وضع مقياسا للنيل (خصليم) السابع من ملوك مصر بعد الطوفان: صنع بركة لطيفة وركب عليها صورتي عقاب من نحاس: ذكر وأنثى، يجتمع عندها
__________
(1) هو الذي ينظر في خاص أموال السلطان. (صبح الأعشى: 5/ 465).
(2) كان جيش المماليك في وقت السلم أو في وقت الحرب يتطلب من الدولة الإشراف عليه فكان يقوم بذلك ديوان في القلعة يعمل فيه أرباب الأقلام بحكم أن العمل فيه من الوظائف الديوانية وإن كان الإشراف عليه يكون غالبا للعلماء فكان هذا الديوان يسمى ديوان الجيش أو الجيوش ووظيفته تسمى نظارة أو نظر الجيش ومن يقوم به يسمى ناظر الجيش، يعاونه عدد من الكتاب. وكان ناظر الجيش يعين بتكليف ووصية. وكان أساس عمل ديوان الجيش هو تسجيل أسماء الجنود وأعدادها ونفقاتها وكان قيدهم عادة تحت أسماء أمرائهم وهم القواد بحيث أن أي جندي لا يستطيع أن ينقل من قيده مع أمير إلى أمير آخر. ويذكر المؤرخون أن الأمير لا يأكل إلا وجميع جنوده معه.
(التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 342عن: صبح الأعشى: 11/ 323وخطط المقريزي:
1/ 141ونظم الفاطميين 1/ 138).
(3) من وجوه العدول وأعيانهم. وكان من شأنه أنه إذا خلع عليه قرىء سجله بمصر والقاهرة على المنبر. ويده مطلقة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قاعدة الحسبة ويتحدث في أمر المكاييل والموازين ولا يحال بينه وبين مصلحة إذا رآها. هذا وقد أفاض المقريزي في الكلام على الحسبة والمحتسب، وكان هو نفسه قد تولى هذا الأمر. (صبح الأعشى: 3/ 483و 4/ 37و 5/ 451وخطط المقريزي: 1/ 463).
(4) مؤرخ، توفي سنة 596هـ. وكتابه: «عجائب الدنيا» موجود في المتحف البريطاني، ثلاثة أجزاء.
وله: «جواهر البحور ووقائع الدهور» في أخبار الديار المصرية. (الأعلام: 1/ 78).(3/325)
كهنتهم وعلماؤهم في يوم مخصوص من السنة، ويتكلمون بكلام فيصفّر أحد العقابين. فإن صفّر الذكر استبشروا بزيادة النيل، وإن صفّرت الأنثى استشعروا عدم زيادته فهيّأوا ما يحتاجون إليه من الطعام لتلك السنة.
قال المسعودي: وقد سمعت جماعة من أهل الخبرة يقولون: إن يوسف عليه السلام حين بنى الأهرام اتخذ مقياسا لمعرفة زيادة النيل ونقصانه.
قال القضاعيّ: وذلك بمدينة منف (1) وقيل: إن النيل كان يقاس بأرض يقال لها علوة (2) إلى أن بني مقياس منف، وأن القبط كانت تقيس عليه إلى أن بطل.
قلت: وموضع المقياس بمنف إلى الآن معروف على القرب من الأهراء اليوسفية من جهة البلدة المعروفة بالبدرشين، وقيل كانوا يقيسونه بالرّصاصة (3).
قال المسعوديّ: ووضعت دلوكة العجوز ملكة مصر بعد فرعون مقياسا بأنصنا صغير الأذرع، ووضعت مقياسا آخر بإخميم، ووضعت الرّوم مقياسا بقصر الشّمع (4).
قال القضاعيّ: وكان المقياس قبل الفتح بقيساريّة الأكسية بالفسطاط إلى أن ابتنى المسلمون أبنيتهم بين الحصن والبحر ثم جاء الإسلام وفتحت مصر والمقياس بمنف.
__________
(1) من أقدم عواصم الدنيا وثانية عواصم المملكة المصرية القديمة ينسبون بناءها إلى «مينا» وكانت يومئذ تعرف بالقلعة البيضاء. وعلى أطرافها الشمالية من شرقي النيل ضرب عمرو بن العاص فسطاطه حين دخل المسلمون مصر. نزلت بها المحن تباعا فلم يبق منها إلّا أطلال من مختلف العصور حول قرية «ميت رهينة». (الموسوعة العربية الميسرة: 17621761).
(2) مدينة في بلاد النوبة على ضفة النيل أسفل من مدينة «دمقله» وقد كتبت في «الروض المعطار»: غلوة خطأ. (الروض المعطار: 428وتعليق المحقق الدكتور إحسان عباس).
(3) وهي حجارة لازقة بحوالي العين الجارية (القاموس: 2/ 316).
(4) ويسمى أيضا قصر الروم وهو قصر كان في موضع الفسطاط من مصر قبل أسلمتها.
(معجم البلدان: 4/ 357والانتصار: 4/ 49).(3/326)
كان النيل يقاس بمنف ويدخل القيّاس إلى الفسطاط فينادي به، ثم بنى عمرو بن العاص مقياسا بأسوان، ثم بنى مقياسا بدندرة (1)، ثم بنى في أيام معاوية مقياسا بأنصنا.
فلما ولي عبد العزيز بن مروان (2) مصر، بنى مقياسا صغير الأذرع بحلوان من ضواحي الفسطاط ثم لما ولي أسامة بن زيد التّنوخي بنى مقياسا في جزيرة الصّناعة المعروفة الآن بالروضة بأمر سليمان بن عبد الملك أحد خلفاء بني أميّة سنة سبع وتسعين من الهجرة، وهو أكبرها ذرعا ثم بنى المتوكّل (3) مقياسا أسفل الأرض بالجزيرة المذكورة في سنة سبع وأربعين ومائتين في ولاية يزيد بن عبد الله (4) على مصر، وهو المعمول عليه إلى زماننا هذا.
وكانت النصارى تتولّى قياسه فعزلهم المتوكل عنه ورتّب فيه أبا الردّاد عبد الله بن عبد السلام بن أبي الردّاد المؤدّب (5)، وكان رجلا صالحا، فاستقرّ قياسه في بنيه إلى الآن ثم أصلحه أحمد بن طولون في سنة تسع وخمسين ومائتين.
ثم كل ذراع يعتبر بثمانية وعشرين أصبعا إلى تمام اثنتي عشرة ذراعا، ثم
__________
(1) ويقال أيضا: «أندراى» وهي بليد على غربي النيل من نواحي الصعيد دون «قوص». (معجم البلدان: 2/ 478477).
(2) ولي مصر لأبيه مروان بن الحكم استقلالا سنة 65هـ. توفي في حلوان سنة 85هـ. (الأعلام:
4/ 28).
(3) كذا في ياقوت والمقريزي والنجوم الزاهرة. وفي الأصل: «المأمون» وهو خطأ. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 294).
(4) كذا في المقريزي والنجوم الزاهرة. وفي الأصل: «يزيد بن عبد الملك» وهو خطأ. (المصدر السابق).
(5) مهندس، لقبه المقريزي بالمعلم، من أهل البصرة وتولى فيها قياس «المقياس الكبير» المعروف بالجديد الذي بناه المتوكل بالروضة سنة 247246هـ. إلى أن توفي سنة 266هـ. قال أحمد تيمور باشا: ثم بقي في أيدي أولاده على توالي الأجيال الى اليوم، لم يخرج منهم، إلا في فترة قصيرة، ويعرفون الآن ببني الصوّاف. (الأعلام: 4/ 98).(3/327)
يكون كل ذراع أربعة وعشرين أصبعا، فلما أرادوا وضعه على ستة عشر ذراعا، وزعوا الذراعين الزائدين، وهما ثمانية وأربعون أصبعا على اثني عشر ذراعا لكل ذراع منها أربعة أصابع، فصار كل ذراع ثمانية وعشرين أصبعا، وبقي الزائد على ذلك كل ذراع أربعة وعشرون أصبعا.
قال القضاعي: وكان سبب ذلك فيما ذكره الحسن (1) بن محمد بن عبد المنعم في رسالة له أن المسلمين لما فتحوا مصر عرض على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يلقاه أهلها من الغلاء عند وقوف النيل في حدّ المقياس لهم فضلا عن تقاصره، ويدعوهم ذلك إلى الاحتكار، والاحتكار يدعوهم إلى زيادة الأسعار، فكتب عمر إلى عمرو بن العاص يسأله عن حقيقة ذلك، فأجابه: إني وجدت ما تروى به مصر حتّى لا يقحط أهلها أربع عشرة ذراعا، والحد الذي يروى منه سائرها حتّى يفضل عن حاجتهم ويبقى عندهم قوت سنة أخرى ست عشرة ذراعا، والنهايتان المخوفتان في الزيادة والنقصان، في الظمأ والاستبحار (2)، اثنتا عشرة ذراعا في النقصان وثماني عشرة ذراعا في الزيادة. فاستشار عمر رضي الله عنه عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه في ذلك، فأشار بأن يكتب إليه أن يبني مقياسا، وأن يفضّ ذراعين على اثنتي عشرة ذراعا، ويبقي ما بعدهما على الأصل.
قال القضاعيّ: وفي هذا نظر في وقتنا لزيادة فساد الأنهار، وانتقاض الأحوال، وشاهد ذلك أن المقاييس القديمة الصعيدية من أولها إلى آخرها أربعة وعشرون أصبعا كل ذراع بغير زيادة على ذلك.
قال المسعوديّ: فإذا تم النيل خمس عشرة ذراعا، ودخل في ست عشرة، كان فيه صلاح لبعض الناس ولا يستسقى فيه، وكان فيه نقص من خراج السلطان.
وإذا انتهت الزيادة إلى ستة عشر ذراعا، ففيه تمام خراج السلطان وأخصب الناس،
__________
(1) كذا في خطط المقريزي: 1/ 58والنجوم الزاهرة 2/ 312وفي الأصل: «الحسين».
(2) أي طوفان الماء بأن تصير اليابسة بحرا أو جزءا من البحر. (القاموس: 1/ 382).(3/328)
وفيه ظمأ ربع البلد، وهو ضارّ للبهائم لعدم المرعى.
قال: وأتم الزيادات العامة النافعة للبلد كله سبع عشرة ذراعا، وذلك كفافها وريّ جميع أرضها. وإذا زاد على السبع عشرة ذراعا وبلغ ثماني عشرة، استبحر من مصر الربع، وفي ذلك ضرر لبعض الضيّاع. قال: وذلك أكثر الزيادات.
قلت: هذا ما كان عليه الحال في زمانه وما قبله وكان الحال جاريا على ما ذكره في غالب السنين إلى ما بعد السبعمائة.
أما في زماننا، فقد علت الأرض مما يرسب عليها من الطين المحمول مع الماء في كل سنة وضعفت الجسور، وصار النيل بحكمة الله تعالى إلى ثلاثة أقسام: متقاصرة وهي ست عشرة ذراعا فما حولها ومتوسطة وهي سبع عشرة ذراعا إلى ثمان عشرة ذراعا فما حولها وعالية وهي ما فوق ثمان عشرة، وربما زادت على العشرين.
المقصد الرابع في ذكر خلجانها (1)
وخلجانها القديمة ستة خلج:
الخليج الأول المنهى
وهو الخليج الذي حفره «يوسف الصدّيق عليه السلام» ومخرجه بالقرب من دروة سربام (2)، من عمل الأشمونين الآتي ذكرها، وهي المعروفة بدروة
__________
(1) الخليج هنا بمعنى مجرى فرعي للنهر متفرع عن مجراه الرئيسي. (راجع اللسان: مادة خ ل ج 2/ 257).
(2) قال ابن دقماق: دروة «سرمام» وهي دروة الشريف، مساحتها خمسة آلاف وثلاثمائة وستة وستون فدانا وثلثي فدان وهي الآن جارية في إقطاع المقر الركين بيبرس ابن أخت المقام الشريف الظاهري برقوق. (الانتصار: 5/ 19).(3/329)
الشّريف، ويأخذ شمالا إلى مدينة البهنسى، ثم إلى قرية اللاهون (1) من عمل البهنسى، ويمرّ في الجبل حتّى يجاوزه إلى إقليم الفيّوم، ويمرّ بمدينته وينبثّ في نواحيه.
وهذا النهر من غرائب أنهار الدنيا تجفّ فوّهته في أيام نقص النيل، وباقيه يجري في موضع ويجف في آخر إلى إقليم الفيّوم، فيجري شتاء وصيفا من أعين تتفجر منه ولا يحتاج إلى حفر قطّ.
ويقال: إن «يوسف عليه السلام» حفره بالوحي ومياهه منقسمة على استحقاق مقدّر، كما في دمشق من البلاد الشامية.
وقال في «الروض المعطار»: وكانت مقاسمه بحجر اللّاهون على القرب من القرية المنسوبة إليه المتقدّمة الذكر. قال: وهو من عجائب الدنيا، وهو شاذروان بين قبتين من أحكم صنعة، مدرّج على ستين درجة، فيها فوّارات في أعلاها وفي وسطها وفي أسفلها، يسقي الأعلى الأرض العليا، والأوسط الأرض الوسطى، والاسفل الأرض السّفلى بوزن وقدر معلوم.
قال: ويقال إن يوسف عليه السلام عمله بالوحي، وإنّ ملك مصر يومئذ لما عاينه قال هذا من ملكوت السماء.
ويقال إنه عمل من الفضّة والنّحاس والرخام.
قلت: قد ذهبت معالم هذا اللاهون وبقي بعض بنائه ونقلت المقاسم الى مكان آخر بالفيوم تسقى الآن الأراضي على حكمها.
__________
(1) في «الروض المعطار»: اللهون قرية من قرى الفيوم في البلاد المصرية. وفي «الانتصار»: مساحتها ألف وستمائة وستون فدانا. وفي معجم البلدان: بلد بصعيد مصر به مسجد يوسف الصدّيق والسّكر الذي بناه لردّ الماء الى الفيوم. (الروض المعطار: 512ومعجم البلدان: 5/ 9والانتصار:
5/ 54).(3/330)
ومن غرائب أمره أن به التماسيح التي لا تحصى كثرة، ولم يشتهر في زمن من الأزمان أنها آذت أحدا قطّ.
الخليج الثاني خليج القاهرة الذي يكسر سدّه يوم وفاء النيل
حفره عمرو بن العاص وهو أمير مصر، في خلافة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
قال القضاعيّ: أمر بحفره عام الرّمادة (1) في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وساقه إلى بحر القلزم، فلم يتم عليه الحول حتّى جرت فيه السفن وحمل فيها الزاد والأطعمة إلى مكّة والمدينة، ونفع الله بذلك أهل الحجاز.
وذكر الكنديّ في كتاب «الجند العربي» أن حفره كان سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وفرغ منه في ستة أشهر، وجرت فيه السفن ووصلت إلى الحجاز في الشهر السابع.
قال الكنديّ: ولم يزل يحمل فيه الطعام حتّى حمل فيه عمر بن العزيز، ثم أضاعته الولاة فترك وغلب عليه الرمل، وصار منتهاه إلى ذنب التّمساح من ناحية الطّور والقلزم (2).
__________
(1) كان ذلك في سنة 18هـ. وقال في اللسان: سميّ بذلك لأن الناس والأموال هلكوا فيه كثيرا. وقيل:
هو لجدب تتابع فصير الأرض والشجر مثل لون الرماد، والأول أجود. وفي حديث عمر أنه أخر الصدقة عام الرمادة وكانت سنة جدب وقحط في عهده فلم يأخذها منهم تخفيفا عنهم. (اللسان:
3/ 186والمعجم الوسيط: 372).
(2) وزاد ابن دقماق، عن الكندي: وفي أيام ولايته على مصر، بنى عليها عبد العزيز بن مروان قنطرة في سنة تسع وستين وهي التي في طرف الفسطاط بالحمراء القصوى، وكتب عليها اسمه ثم زاد فيها «تكين» أمير مصر في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة ورفع سمكها ثم زاد فيها الإخشيد في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، ثم عمرت في أيام العزيز بالله» (الانتصار: 4/ 120).(3/331)
وذكر ابن قديد: أن أبا جعفر المنصور أمر بسده حين خرج عليه محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ليقطع عنه الطعام.
ولم يكن عليه قنطرة إلى أن بنى عليه عبد العزيز بن مروان قنطرة في سنة تسع [وستين] (1).
وقد ذكر (2) المسعودي في «مروج الذهب» أنه انقطع جريان هذا الخليج عن الإسكندرية إلى سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة لردم جميعها وصار شرب أهلها من الآبار.
قال ابن عبد الظاهر: وليس لها أثر في هذا الزمان. قال: وإنما بنى السلطان الملك الصالح أيوب ابن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب هاتين القنطرتين الموجودتين الآن على بستان الخشاب وباب الخرق (3)، يعني قنطرة السدّ وقنطرة باب الخرق في سنة نيف وأربعين وستمائة.
وذكر في موضع آخر من خططه أن القنطرة التي عليه خارج باب القنطرة بناها القائد جوهر (4) سنة ستين وثلاثمائة وقنطرة اللؤلؤة وهي التي كانت بالقرب من ميدان القمح، وبعضها باق إلى الآن من بناء الفاطميين أيضا واللؤلؤة التي تنسب هذه القنطرة إليها منظرة (5) على برّ الخليج القبليّ، بناها الظاهر لإعزاز دين
__________
(1) الزيادة عن المقريزي (2/ 146) والانتصار (4/ 120).
(2) يبدو أن هذه الفقرة ليست في موضعها الصحيح هنا، وإنما موضعها في الكلام على خليج الإسكندرية، وقد ذكرها المؤلف في الصفحة 335.
(3) كان بستان الخشاب الى جانب بستان المحلى إلى جانب قنطرة السد من البر الغربي. أما باب الخرق فهو خارج خطة كتامة من خطط القاهرة. (انظر الانتصار: 4/ 121و 5/ 37).
(4) هو جوهر بن عبد الله الرومي، من موالي المعز العبيدي. أرسله المعزّ من القيروان إلى مصر بعد موت كافور الإخشيدي فدخلها سنة 358هـ. وهو الذي بنى القاهرة بأمر من المعز وسماها «المنصورية» حتى قدم المعز فسماها القاهرة. توفي سنة 381هـ. (الأعلام: 2/ 148).
(5) المنظرة موضع في مكان مرتفع فيه رقيب ينظر العدو. والمنظرة أيضا مكان من البيت يعد لاستقبال الزائرين. (البستان: 5/ 217والمعجم الوسيط: 93).(3/332)
الله الفاطميّ (1)، كانت مستنزها لخلفاء الفاطميين ينزلون فيها في أيام النيل ويقيمون بها إلى آخر النيل.
قلت: أما باقي القناطر التي على هذا الخليج: كقنطرة عمر شاه، وقنطرة سنقر، وقنطرة أمير حسين، فكلها مستحدثة في الدولة التركية، وغالبها في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون.
قال ابن أبي المنصور في «تاريخه»: وأوّل من رتب حفره على الناس المأمون بن البطائحي (2)، وكذلك البساتين في دولة الأفضل (3)، وجعل عليه واليا بمفرده.
الخليج الثالث خليج السّردوس
ويقال السّردوسي بزيادة ياء في آخره، وهو الذي حفره هامان لفرعون.
قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات»: ويقال: إنه لما حفره سأله أهل البلاد أن يجريه إليهم على أن يجعلوا له على ذلك مالا، فتحصّل له من ذلك مائة ألف دينار فحملها إلى فرعون، فقال: ويحك! إنه ينبغي للسيد أن يعطف على عبيده ولا ينظر إلى ما في أيديهم، وأمر بردّ المال إلى أربابه.
__________
(1) ابن الحاكم بأمر الله. ولي بعد وفاة أبيه سنة 411هـ. بعهد منه. توفي بالقاهرة سنة 427هـ.
(الأعلام 5/ 25).
(2) هو أبو عبد الله محمد بن فاتك البطائحي. استوزره الآمر بأحكام الله الفاطمي بعد أن قتل وزيره الأفضل، ولكن المأمون كان شديد الوطأة على الخليفة فقبض عليه سنة 519هـ. واستصفى أمواله ثم قتله. وقد استطاع المأمون أن يقبض على الحكم مدة أربع سنوات. (الأعلام 7/ 297والوزارة والوزراء في العصر الفاطمي ص 312).
(3) هو أحمد بن بدر الجمالي، أبو القاسم شاهنشاه الملقب بالملك الأفضل. خلف أباه في إمارة الجيوش المصرية، وكان أرمني الأصل. وطد دعائم الملك للآمر بأحكام الله العبيدي ودبر شؤون دولته. نقم عليه الآمر فدس له من قتله على مقربة من داره بالقاهرة سنة 515هـ. وقد استطاع القبض على الحكم مدة ثماني وعشرين سنة ونصف. (الأعلام: 1/ 103والوزارة والوزراء في العصر الفاطمي ص 312).(3/333)
قال (1): وكان هذا الخليج أحد نزهات الدنيا يسار فيه يوما بين بساتين مشتبكة وأشجار ملتفّة وفواكه دانية.
قلت: أما الآن فقد ذهب ذلك، وبطل الخليج وعوّض عنه ببحر أبي المنجا (2) الآتي ذكره.
الخليج الرابع خليج الإسكندرية
وهو خليج مخرجه من الفرقة الغربية من النيل عند قرية تسمّى العطف (3)
تقابل فوّة (4)، مدينة المزاحمتين، ويميل غربا حتّى يتصل بجدران الإسكندرية، وتدخل منه قناة تحت الأرض إلى داخلها، ويتشعب منها شعب كثيرة تدخل دورها، وتخرج من دار إلى أخرى، ويخالط آبارها فيحلو ماؤها وتملأ منها صهار يجها حينئذ فتمكث من السنة إلى السنة.
وكانت فوّهة هذا الخليج فيما تقدم جنوبي فوّهته الآن عند قرية تسمّى الظاهرية (5) من عمل البحيرة، وكان يمرّ على دمنهور مدينة البحيرة، ثم نقل إلى مكانه الآن ويقال إن أرضه في القديم كانت مفروشة بالبلاط.
__________
(1) هذه الفقرة موجودة بحرفيتها في «الانتصار». ولم يذكر ابن دقماق مرجعه في الحديث عن خليج السردوس. (الانتصار: 5/ 47).
(2) هذا البحر احتفره الملك الأفضل شاهنشاه.
(3) وهي من كفور قرية البسقنون من الأعمال الإطفيحية. (الانتصار: 5/ 3).
(4) بليدة على شاطىء النيل قرب رشيد، بينها وبين البحر نحو خمسة فراسخ أو ستة. (معجم البلدان:
4/ 280).
(5) في معجم البلدان: الظاهرية، قريتان بمصر منسوبتان الى الظاهر لإعزاز دين الله بن الحاكم، إحداهما من كورة الغربية والأخرى من كورة الجيزة. وفي «الانتصار» ذكر ثلاث قرى تحمل اسم الظاهرية: الأولى من الأعمال القليوبية والثانية من الأعمال الدقهلية والمرتاحية الثالثة وهي المقصودة في نص القلقشندي وهي بالوجه الغربي من ثغر الإسكندرية. (معجم البلدان: 4/ 57 والانتصار: 5/ 55و 70و 126).(3/334)
قال في «تقويم البلدان»: وهو من أحسن المنتزهات لأنه مخضرّ الجانبين بالبساتين وفيه يقول ظافر الحدّاد (1) الشاعر السكندريّ:
صو عشيّة أهدت لعينك منظرا ... جاء السّرور به لقلبك وافدا
روض كمخضرّ العذار وجدول ... نقشت عليه يد الشّمال مباردا
والنّخل كالغيد الحسان تزيّنت ... ولبسن من أثمارهنّ قلائدا
وقد ذكر المسعوديّ في «مروج الذهب»: أنه انقطع جريان هذا الخليج عن الإسكندرية إلى سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة لردم جميعها، وصار شرب أهلها من الآبار.
الخليج الخامس خليج سخا (2)
ويقال إن الذي حفره برصا: أحد ملوك مصر بعد الطوفان.
الخليج السادس خليج دمياط
ولم أقف على تفاصيل أحواله (3).
__________
(1) هو ظافر بن القاسم بن منصور الجذامي، أبو نصر الحداد. توفي سنة 529هـ. (الأعلام:
3/ 236).
(2) «سخا» قصبة كورة مصر الغربية، ومساحة المدينة 1946فدانا، وفي الأصل «منجا» وهو خطأ.
وخليج «سخا» من الخلجان الفرعونية القديمة وهو مذكور ضمنها في الجزء الأول من النجوم الزاهرة ص 56. (معجم البلدان: 3/ 196والانتصار 5/ 91وهامش الطبعة الأميرية: 3/ 301).
(3) موقعه الحالي هو الجزء الشمالي من فرع دمياط الحالي المعروف بفرع النيل الشرقي في المساحة ما بين سمنود ودمياط. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 301).(3/335)
[بحر أبي المنجا] أما بحر أبي المنجا، فإنه وإن عظم شأنه مستحدث، حفره الأفضل (1) بن أمير الجيوش وزير المستعلي بالله الفاطميّ.
قال ابن أبي المنصور في «تاريخه»: وكان سبب حفره أن البلاد الشرقية كانت جارية في ديوان الخلافة، وكان معظمها لا يروى في أكثر السنين ولا يصل الماء إليها إلا من خليج السّردوس المتقدّم ذكره، أو من غيره من الأماكن البعيدة.
وكان يشارف العمل يهوديّ اسمه أبو المنجا، فرغب أهل البلاد إليه في فتح ترعة يصل الماء منها إليهم في ابتدائه فرفع الأمر إلى الأفضل، فركب في النيل في ابتدائه في مركب ورمى بحزم من البوص (2) في النيل وجعل يتبعها بمركبه إلى أن رماها النيل إلى فم ذلك البحر فحفر من هناك، وابتدأ حفره يوم الثلاثاء السادس من شعبان سنة ست وخمسمائة، وأقام الحفر فيه سنتين وغرم فيه مال كثير. وكان في كل سنة تظهر فائدته، ويتضاعف ارتفاع البلاد التي تحته، وغلب عليه إضافته إلى أبي المنجا لتكلمه فيه. فلما عرض على الأفضل ما صرف عليه استعظمه وقال:
غرمنا عليه هذا المال العظيم والاسم لأبي المنجا، فسماه البحر الأفضليّ فلم يتم له ذلك ولم يعرف إلا بأبي المنجا، ثم سطى (3) بأبي المنجا المذكور بعد ذلك ونفي إلى الإسكندرية. ولما ولي المأمون بن البطائحي الوزارة تحدّث معه الأمراء في أن يتخذ لفتحه يوما كفتح خليج القاهرة، فابتنى عند سدّه منظرة متسعة ينزل فيها عند فتحه (4).
__________
(1) وقد شغل منصب الوزارة مدة 28سنة ونصف، من بداية خلافة المستعلي وأواخر خلافة المستنصر حتى سنة 515هـ. آخر رمضان من خلافة الآمر الذي قتله واستوزر مكانه المأمون البطائحي.
(الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي: ملحق رقم 3).
(2) البوص نبات من نباتات المستنقعات من الفصيلة النجيلية على هيئة القصب والغار. (المعجم الوسيط: 76).
(3) سطى به أي قهره بالبطش. (القاموس: 4/ 344).
(4) حول تفاصيل هذه الرواية انظر: الانتصار: 5/ 46و 47.(3/336)
قلت: وكانت فيه معدّية (1) يعدّى فيها بين قليوب وبيسوس، وكان يحصل للناس بها مشقة عظيمة لكثرة المارّين، فعمر عليها الظاهر بيبرس رحمه الله قنطرة عظيمة بحجر صلد، من غرائب البناء، تمرّ عليها الناس والدواب، فحصل للناس بها الارتفاق العظيم، وهي باقية على جدّتها إلى زماننا.
وكان سدّه يقطع في عيد الصليب في سابع عشر توت، ثم استقر الحال على أن يقطع يوم النّوروز، في أوّل يوم من توت حرصا على ريّ البلاد.
وأما بقية خلج الديار المصرية المستحدثة وترعها بالوجهين: القبليّ والبحري، فأكثر من أن تحصر، ولكل منها زمن معروف يقطع فيه.
المقصد الخامس في ذكر بحيرات الديار المصرية، وهي أربع بحيرات
الأولى منها «بحيرة الفيّوم»
(2) ويعبّر عنها بالبركة، وهي بحيرة حلوة (3)
بالقرب من الفيوم بين الشمال والغرب عنه، على نحو نصف يوم، يصب فيها فضلات مائه المنصب إليه من خليجه المنهى المتقدّم ذكره، وليس لها مصرف تنصرف إليه لإحاطة الجبل بها، ولذلك غلبت على كثير من قرى الفيّوم وعلا ماؤها على أرضها.
قال في «تقويم البلدان»: وطولها شرقا بغرب نحو يوم، وبها أسماك كثيرة تتحصل من صيدها جملة كثيرة من المال وبها من آجام القصب والطّرفاء (4)
والبرديّ (5) ما يتحصل منه المال الكثير.
__________
(1) المعدّية هي الجسر.
(2) جاء في «القلقشندي وكتابه صبح الأعشى» ص 214في دراسة للدكتور محمد محمود الصياد ما يلي: «ولعل مما يدعو إلى العجب أن يتحدث القلقشندي عن بحيرة الفيوم، وهي بركة قارون فيذكر أنها بحيرة حلوة مع أنها اكثر بحيرات مصر ملوحة. ولا نعرف كيف سبق القلم بالقلقشندي إلى هذا الحكم ولكنها هفوة تغتفر هي وغيرها، بجانب حسناته الكثر، والحسنات يذهبن بالسيئات».
(3) جاء في «القلقشندي وكتابه صبح الأعشى» ص 214في دراسة للدكتور محمد محمود الصياد ما يلي: «ولعل مما يدعو إلى العجب أن يتحدث القلقشندي عن بحيرة الفيوم، وهي بركة قارون فيذكر أنها بحيرة حلوة مع أنها اكثر بحيرات مصر ملوحة. ولا نعرف كيف سبق القلم بالقلقشندي إلى هذا الحكم ولكنها هفوة تغتفر هي وغيرها، بجانب حسناته الكثر، والحسنات يذهبن بالسيئات».
(4) جنس من النبات من الفصيلة الطرفاوية ومنه «الأثل» (المعجم الوسيط: 555).
(5) نبات مائي من الفصيلة السعدية تسمو ساقه الهوائية إلى نحو متر أو أكثر وينمو بكثرة في منطقة المستنقعات بأعالي النيل وقد صنع منه المصريون القدماء ورق البرديّ المعروف. (المعجم الوسيط: 48).(3/337)
الثانية «بحيرة بوقير»
(بضم الباء الموحّدة وسكون الواو وكسر القاف وسكون الياء المثناة تحت وراء مهملة في الآخر) وهي بحيرة ماء ملح يخرج من البحر الرومي بين الإسكندرية ورشيد، ولها خليج صغير مشتق من خليج الإسكندرية المتقدّم ذكره، يأتيها ماء النيل منه عند زيادته وبها من صيد السمك ما يتحصل منه المال الكثير، وفيها من أنواع الطير كلّ غريب، وبجوانبها الملّاحات الكثيرة التي يحمل منها الملح إلى بلاد الفرنج وغيرها.
قلت: وقد وقع للسلطان عماد الدين صاحب حماة، رحمه الله، وهم فجعل هذه البحيرة هي بحيرة نستروه الآتي ذكرها على أن هذه البحيرة قد انقطع مددها من البحر الملح في زماننا بواسطة غلبة الرمل على أشتونها (1) الموصل إليها الماء من بحر الروم فجفّت وصارت سبخة (2) طويلة عريضة ومات ما كان يصاد منها من السمك البوريّ، وما يتحصل منها من الملح المنعقد بسواحلها، وعاد على الإسكندرية بواسطة ذلك ضرر كبير لأنه كان الغالب على أهلها أكل السمك ويحصل لهم بالملح رفق (3) كبير.
الثالثة «بحيرة نستروه»
(بفتح النون وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة فوق وضم الراء المهملة وسكون الواو وهاء في الآخر) وهي بحيرة ماء ملح أيضا بالقرب من البرلّس في آخر بلاد الأعمال الغربية الآتي ذكرها، متسعة الأرجاء إذا توسطها المركب لا ترى جوانبها لعظمها، لبعد مركزها عن البر، وبالقرب منها قرية تسمّى نستروه، وهي التي تضاف إليها، وداخلها قرية أخرى تسمّى سنجار لا
__________
(1) لم نعثر على هذا اللفظ في المعاجم التي بين أيدينا. ولعل المقصود هو «الأستون» بمعنى القناة والماسورة. فيقال: «أستون» البندقية أي ماسورتها. (معجم عبد النور المفصّل: 1/ 154).
(2) الأرض السبخة (بفتح السين وتسكين الباء) هي الأرض ذات النزّ والملح (القاموس: 1/ 270).
(3) أي يتأتّى لهم نفع كبير. (اللسان: 10/ 118).(3/338)
زرع فيهما ولا نفع، وليس بهما غير صيد السمك، وهي الغاية القصوى فيما يتحصل من المال.
قال صاحب حماة: يبلغ متحصل صيد سمكها في كل سنة فوق عشرين ألف دينار مصرية، وليس يساويها بحيرة من البحيرات في ذلك.
قلت: وأخبرني بعض مباشريها أنها في زماننا قد تميز متحصلها عن ذلك نحو مثله للاجتهاد في الصيد، وكثرة الضبط وارتفاع السعر.
الرابعة «بحيرة تنّيس»
قال السمعانيّ (بكسر التاء المثناة فوق والنون المشدّدة المكسورة ثم ياء مثناة تحت وسين مهملة في الآخر) وهي بحيرة متصلة بالبحر الروميّ أيضا بآخر عمل الدقهلية والمرتاحية الآتي ذكره، وفيها مصبّ بحر أشموم المنفرق من الفرقة الشرقية من النيل، ولذلك يعذب ماؤها في أيام زيادة النيل، وبوسطها تنّيس الآتي ذكرها في الكلام على الكور القديمة.
قال صاحب «الروض المعطار»: طمى عليها البحر قبل الفتح الإسلامي بمائة سنة فغرّقها وصارت بحيرة، ويتصل بهذه البحيرة من جهة الغرب «بحيرة دمياط» وهما في الحقيقة كالبحيرة الواحدة (1).
المقصد السادس في ذكر جبالها
اعلم أن وادي مصر يكتنفه جبلان شرقا وغربا، يبتدئان من الجنادل المتقدمة الذكر فوق أسوان آخذين من جهة الشّمال على تقارب بينهما بحيث يرى كل منهما من الآخر والنيل مارّ بين جنبتيهما.
__________
(1) وزاد صاحب الروض المعطار: «ويقال إن بحيرة تنيس بها كانت الجنتان المذكورتان في القرآن الكريم. وهذه البحيرة قليلة العمق يسار فيها بالمعادي وتلتقي فيها السفينتان هذه صاعدة وهذه نازلة». (الروض المعطار: ص 137).(3/339)
فأما الشرقيّ منهما فيمرّ بين النيل وبحر القلزم المتقدّم الذكر حتّى يجاوز الفسطاط فينعطف ويأخذ شرقا حتّى يأتي على آخر بحر القلزم من الشّمال، يرتفع في موضع وينخفض في آخر وفي أوائل هذا الجبل من جهة الجنوب على القرب من مدينة قوص (معدن الزّمرّد) المتقدّم ذكره في خواص الدّيار المصرية، في مغارة طويلة في قطعة جبل عالية، تسمّى قرشنده ليس هناك أعلى منها، وعلى القرب من ذلك (مقطع الرّخام) الملوّن من الأبيض والسّمّاقي وسائر الألوان المستحسنة التي لا تساوى حسنا.
ويسمّى الجبل المطلّ منه على النيل مقابل المراغات من عمل إخميم «جبل الساحرة» وأظنه جبل زماخير الساحرة المتقدّمة الذكر في عجائب الدّيار المصرية.
ويسمّى الجبل المطل منه على النيل مقابل مدينة منفلوط «جبل أبي فيدة» بفاء وياء مثناة تحت.
ويسمّى الجبل المطل منه على النيل مقابل منية بني خصيب من الأشمونين.
«جبل الطيلمون» ويعرف الآن بجبل الطّير وقد تقدّم ذكره في جملة عجائب الديار المصرية.
ويسمّى ما سامت الفسطاط والقرافة منه «المقطّم» (1) وربما أطلق المقطّم على جميع المقطّم (2) وقد اختلف (3) في سبب تسميته بذلك، فقيل سمي باسم مقطّم الكاهن كان مقيما فيه لعمل الكيميا.
وقال أبو عبد الله اليمني (4): سمي بالمقطّم بن مصر بن بيصر، وكان عبدا
__________
(1) جبل المقطم يمتد من أسوان وبلاد الحبشة على شاطيء النيل الشرقي حتى يكون منعطفه طرف القاهرة، ويسمى في كل موضع باسم. (معجم البلدان: 5/ 176).
(2) لعل المقصود جميع اقسام المقطم التي يسمى كل قسم فيها باسم كما ورد في معجم البلدان أعلاه.
(3) والروايات التي يذكرها القلقشندي فيما يلي هذا حول أسباب تسمية المقطم تجدها في معجم البلدان: 5/ 176والروض المعطار: ص 557.
(4) هو محمد بن الحسين بن عمير اليمني، أبو عبد الله: أديب، كان مقيما بمصر. توفي سنة 400هـ.
(الأعلام: 6/ 98).(3/340)
صالحا انفرد فيه لعبادة الله تعالى.
وذكر الكندي في كتاب «فضائل مصر» ما يوافق ذلك: وهو أن عمرو بن العاص رضي الله عنه سار في سفح المقطّم ومعه المقوقس، فقال له عمرو: ما بال جبلكم هذا أقرع ليس عليه نبات كجبال الشام؟ فلو شققنا في أسفله نهرا من النيل وغرسناه نخلا فقال المقوقس: وجدنا في الكتب أنه كان أكثر البلاد أشجارا ونبتا وفاكهة، وكان ينزله المقطّم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، فلما كانت الليلة التي كلم الله تعالى فيها موسى عليه السلام، أوحى الله تعالى إلى الجبال: إني مكلّم نبيّا من أنبيائي على جبل منك، فسمت الجبال كلّها وتشامخت إلا جبل بيت المقدس فإنه هبط وتصاغر، فأوحى الله تعالى إليه: لم فعلت ذلك؟
وهو به أخبر، فقال: إعظاما وإجلالا لك يا رب! فأمر الله تعالى الجبال أن يحيّوه كل جبل مما عليه من النبت، فجاد له المقطّم بكل ما عليه من النبت حتّى بقي كما ترى، فأوحى الله تعالى إليه إني معوضك على فعلك بشجر الجنة أو غرس الجنة (1).
وأنكر القضاعي وغيره أن يكون لمصر ولد اسمه المقطم، وجعلوه مأخوذا من القطم وهو القطع، لكونه منقطع (2) الشجر والنبات.
قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات»: وفيه كنوز عظيمة، وهياكل كثيرة، وعجائب غريبة. ولملوك مصر فيه من الجواهر والذهب والفضة والأواني، والآلات النفيسة، والتماثيل العجيبة، وتراب الصنعة ما يخرج عن حدّ الإحصاء.
قال في «الروض المعطار»: وإذا دبّرت تربته حصل منها ذهب صالح.
ويلي المقطّم من جهة الشّمال «اليحاميم» (3) وهي الجبال المتفرقة المطلة
__________
(1) وفي ياقوت: 5/ 176رواية أخرى عن ابن العاص والمقوقس نقلها عن عبد الرحمن بن عبد الحكم.
(2) وهو الرأي الذي اعتمده ياقوت في معجم البلدان: 5/ 176.
(3) في الروض المعطار: «اليحموم جبل بالجزيرة قريب من الثرثار» وقد ذكر ياقوت في مادة «اليحموم» ثلاثة مواضع بهذا الاسم ولم يذكر أن بقرب الثرثار جبلا يقال له اليحموم. والظاهر أن صاحب الروض المعطار قد قاس «اليحموم» على «الحشاك» في قول الأخطل:
أمست إلى جانب الحشّاك جيفته ... ورأسه دونه اليحموم والصدر.
والحشاك إلى جانب الثرثار: معجم البكري ص 450 (الروض المعطار: ص 617وتعليق المحقق).(3/341)
على القاهرة من جانبها الشرقي وجبّانتها.
قال القضاعي: وقيل لها اليحاميم لاختلاف ألوانها، واليحموم في كلام العرب: الأسود المظلم، ولعله يريد الجبل الأحمر وما والاه.
وفي شرقيّ المقطّم على بحر القلزم «طور سينا» (1) الذي كلّم الله تعالى موسى عليه السلام عليه، وهو جبل مرتفع للغاية، داخل في البحر.
قال الأزهري (2): وسمي الطّور بطور بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام.
قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات»: ومن خاصّته أنه كيفما كسر، ظهر فيه صورة شجر العليق، وقد بني هناك دير بأعلى الجبل، وغرس بواديه بساتين وأشجار.
وأما الغربيّ منهما، فإنه يبتديء من الجنادل أيضا ويمرّ في الشّمال فيما بين
__________
(1) هو جبل بيت المقدس، ممتد ما بين مصر وأيله. وهو الذي نودي منه موسى، قال تعالى: «ولما كنت بجانب الطور إذ نادينا» وهو طور سيناء، قال سبحانه: {«وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنََاءَ تَنْبُتُ»}. وفي آية أخرى «طور سينين»: «والتين والزيتون وطور سينين» وقال قتادة وعكرمة: معناه: حسن. قالا:
وهي لغة الجبش، ويقولون للشيء الحسن: سينا سينا. (معجم ما استعجم ص 897) انظر أيضا:
الروض المعطار: 398ومعجم البلدان: 4/ 48.
(2) هو محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي المتوفى سنة 370هـ. احد الأئمة في اللغة والأدب. مولده ووفاته في هراة بخراسان. من كتبه: تهذيب اللغة وغريب الألفاظ التي استعملها الفقهاء وتفسير القرآن. (الأعلام: 5/ 311).(3/342)
بلاد الصعيد والصحراء، ثم فيما بين بلاد الصعيد والواحات، ثم فيما بين بلاد الصعيد والفيّوم حتّى ينتهي إلى مقابل الفسطاط. وهناك موقع الهرمين العظيمين المقدّم ذكرهما على القرب من بوصير ثم ينعطف ويأخذ غربا بشمال فيما بين بلاد ريف الوجه البحري والبرّيّة حتى يجاوز بركة النّطرون، ويمضي إلى قريب من الإسكندرية.
ويسمّى فيما سامت الواحات «جبل جالوت» نسبة إلى جالوت البربري (1).
ويتصل به من جنوبي الواحات «جبل الازورد» قيل إن به معدن لازورد، وإنه امتنع استخراجه لانقطاع العمارة هناك.
المقصد السابع في ذكر زروعها، ورياحينها، وفواكهها، وأصناف المطعوم بها
أما زروعها
فيزرع فيها من أنواع الحبوب المقتاتة وغيرها كالبرّ، والشعير، والذّرة، والأرز، والباقلّى، والحمّص، والعدس، والبسلّا (2)، والجلبان (3)، واللّوبيا، والسمسم، والقرطم (4)، والخشخاش (5)، والخروع،
__________
(1) هو «جليات» الوارد ذكره في الكتاب المقدس وقد رفعت الرواية الإسلامية من شأنه بعض الشيء، وذلك انها لم تكتف بقصة حربه المشهورة مع داوود بل جمعت حول اسمه اخبارا أخرى من اصحاحات متعددة تتصل بحروب بني اسرائيل مع أهل مدين والفلسطينيين. أما القرآن فيذكر في إيجاز كيف عدا جالوت على طالوت (شاوول) وكيف قتله داوود سورة البقرة، الآيتان 250، 252 (دائرة المعارف الإسلامية: 10/ 417).
(2) أي البازلّاء: من الفصيلة البقلية زرعها قدماء المصريين (الموسوعة العربية الميسرة: 310).
(3) عشب حولي من الفصيلة القرنية تؤكل بذوره (المعجم الوسيط: 128).
(4) نبات حولي من الفصيلة المركبة وهو من المحاصيل المصرية القديمة تستخرج منه صبغة القرطامين. (الموسوعة العربية الميسرة: 1376).
(5) نباتات حولية أو ثنائية الحول أو معمرة، تزرع لزهورها اللامعة القصيرة العمر. ويستخلص من بعض أنواعها الأفيون. (الموسوعة العربية الميسرة: 757).(3/343)
والسّلجم (1)، وبزر الكتّان، والبرسيم (2)، وغير ذلك.
وبها قصب السّكّر في غاية الكثرة، والبطّيخ، والقثّاء على اختلاف أنواعها، والملوخيّا، والقلقاس، واللّفت، والباذنجان، والدّبّاء (3)، والهليون، والقنّبيط، وأنواع البقول المختلفة، كالثّوم، والبصل، والكرّاث، والفجل وغيرها وعامة زرع حبوبها على النيل عند نزوله عن أرضها من أثناء بابه من شهور القبط إلى أثناء طوبه منها بحسب ما يقتضيه حال الزرع. وربما زرع فيها على السواقي والدواليب (4) وأكثر ما يكون ذلك في بلاد الصّعيد خصوصا في سني الجدب ويزرع في الفيوم في غير زمن النيل على نهره المنهى المتقدّم ذكره في جملة الأنهار. ولا زرع فيها على المطر إلا القليل النادر بأطراف البحيرة مما لا عبرة به على قلة المطر بها بل فقده بصعيدها.
وأما رياحينها
ففيها الآس، والورد، والبنفسج، والنّرجس، والياسمين، والنّسرين، والبان، واللّينوفر، وأزهار المحمضات، والرّيحان الفارسيّ على اختلاف أنواعه، والمنثور فيها بقلة، وإنما كثر بالإسكندرية، إلى غير ذلك من بقايا الأنواع التي يشق استيعابها.
وأما فواكهها
ففيها الرّطب، والعنب، والتّين، والرّمّان، والخوخ، والمشمش، والقراصيا، والبرقوق، والتّفّاح، والكمّثرى، والسّفرجل بقلّة، واللّوز
__________
(1) يشبه الكرنب واللفت يزرع علفا للماشية ويستخلص من بذوره زيت يصلح للأكل. (الموسوعة العربية الميسرة: 995).
(2) يطلق على عدد من الأنواع النباتية تبلغ ثلاثمائة نوع، وتتبع الفصيلة القرنية. والبرسيم المصري من أقدم الحاصلات المصرية وجدت كمية من بذوره بإحدى مقابر الدولة الوسطى (2000ق. م) بالفيوم والبرسيم محصول العلف الرئيسي بمصر وعامل أساسي في المحافظة على خصوبة التربة المصرية (الموسوعة العربية الميسرة: 348).
(3) وهو القرع (المعجم الوسيط: 268).
(4) وهي الآلة التي تديرها الدابة ليستقي بها النواعير. (المعجم الوسيط: 305).(3/344)
الأخضر، والنّبق (1)، والتّوت، والفرصاد (2)، والموز، ولا يوجد فيها الجوز، والفستق، والبندق، والإجّاص إلّا مجلوبا بعد جفافه، وإن زرع بأرضها شيء من ذلك، لم يفلح والزيتون فيها بقلّة، ولا يستخرج منه زيت البتة وإنما يؤكل ملحا (3).
وفيها من المحمضات: الأترجّ (4)، والحمّاض، والكباد (5)، والنّارنج (6)، واللّيمون، على اختلاف أنواعها.
وأما أصناف المطعوم
ففيها ما يستطاب من الألبان، والأجبان، والعسل، الذي لا يساوى حسنا، ولا يشبهه غيره من سائر الأعسال، والسّكّر الكثير: من المكرّر، والتبع، والوسط، والنبات. ومنها يجلب إلى أكثر البلاد. قال في «مسالك الأبصار»: وقد نسي به ما كان يذكر من سكّر الأهواز.
وبها من أنواع الحلوى والأشربة المتخذ ذلك من السّكّر، والأشربة الفائقة ما لا يوجد في غيرها من الأقاليم.
وبها من لحم الضأن، والبقر، والمعز، ما لا يعادله غيره في قطر من الأقطار لطافة ولذّة.
قلت: ومن محاسنها أن فاكهتها لا يدوم نوع منها في جميع السنة فيملّ، بل يأتي كل نوع منها في وقت دون وقت، فتتشوّف النفوس إلى طلبه، ويكون لقدومه بهجة. ولا يعترض ذلك بدوام أكل الجنة، فإن الجنة أكلها لا يملّ بخلاف
__________
(1) ويقال لها: النّبق بتسكين الباء، وهي ثمرة السّدر أو العنّاب. (الموسوعة العربية الميسرة: 1821).
(2) اسم يطلق على التوت (المعجم الوسيط: 682).
(3) أي مملّحا بالملح. (اللسان: 2/ 599).
(4) ويسمى تفاح ميديا أو تفاح فارس، من الفصيلة الساذابية التي تضم الحمضيات. (الموسوعة العربية الميسرة: 49).
(5) من نوع الأترجّ لا يؤكل ثمره بل يصنع منه ربّ. (المعجم الوسيط: 772).
(6) نوع من البرتقال ولكنه مرّ الطعم وزهره يصنع منه ماء الزهر. (الموسوعة العربية الميسرة: 1815).(3/345)
مآكل الدنيا. ولأهل الرفاهيّة بذلك فرحة، وتتغالى فيه في ابتدائه مع أنه يجتمع في الحين الواحد من الفواكه والرياحين ما لا يحتاج معه في زمنه إلى غيره.
قال المهذّب بن ممّاتي (1) في «قوانين الدواوين»: بعثت غلاما لي ليحضر من فكّاهى القاهرة ما وجد بها من أنواع الفاكهة والرياحين فأحضر لي منها الورد، والنّرجس، والبنفسج، والياسمين، والمنثور، والمرسين، والرّيحان، والطّلح، والبلح والجمّار (2) والخيار، والبطّيخ الأخضر، والباقلّى، والتّفّاح، والفقّوس، والأترجّ، والنّارنج، والأشباه (3)، واللّيمون، والتّمر هندي الأخضر، والعنب، والحصرم.
وقال بعض الجوّالين في الآفاق: طفت أكثر المعمور من الأرض فلم أر مثل ما بمصر من ماء طوبه (4)، ولبن أمشير، وخرّوب برمهات، وورد برموده، ونبق بشنس، وتين بؤنة، وعسل أبيب، وعنب مسرى، ورطب توت، ورمّان بابه، وموز هتور، وسمك كيهك.
المقصد الثامن في ذكر مواشيها، ووحوشها، وطيورها
أما مواشيها
فمنها الإبل المستجادة، والبقر العظيمات القدود، والأغنام المستطابة اللحوم، والخيول المسوّمة، والبغال النفيسة، والحمر الفارهة مما ليس له نظير في إقليم من الأقاليم، ولا مصر من الأمصار.
وأما وحوشها
ففي براريّها: الغزلان، والنّعام، والأرانب، والثّعالب،
__________
(1) هو أسعد (أبو المكارم) بن مهذّب (الملقب بالخطير أبي سعيد) ابن مينا بن زكريا، ابن مماتى: وزير أديب كان ناظر الدواوين في الديار المصرية. مولده بمصر ووفاته بحلب سنة 606هـ.
(الأعلام: 1/ 302).
(2) هو قلب أو لبّ النخل، واحدته جمّارة. (المعجم الوسيط: 134).
(3) وجدت: الشبا وهو الطحلب، والشبّ النحاس وجمعها أشباه.
(4) طوبة وأمشير الخ هي الشهور القبطية. راجع صفحة 311هامش / 4.(3/346)
والضّباع، والذّئاب، وغير ذلك. ويجلب إلى سلطانها الفيلة، والزّرافات، وغيرها من الوحوش من البلاد القاصية، والسّباع من بلاد الشام من مملكته لتكون في إصطبلاته زينة لمملكته.
وأما طيورها
ففيها من الطيور الدّواجن في البيوت: الدّجاج، والإوزّ، والحمام ومن الطيور البرّيّة: الصّقر، والعقاب، والنّسر، والكرّكيّ (1)، واللّغلغ (2)، والإوزّ التّركي، والمرزم (3)، والبجع، والبلشون (4)، والحبرج (5)، والحجل، والكروان، والسّماني، والبلبل، وسائر أنواع العصافير، والأنواع المختلفة من طيور الماء. ويجلب إلى سلطانها سائر أنواع الجوارح الصائدة على اختلاف أجناسها من أقاصي البلدان، ويقع التغالي في أثمانها للغاية القصوى على ما يأتي ذكره في الكلام على أوصافها إن شاء الله تعالى.
المقصد التاسع في ذكر حدودها
قد اضطربت عبارات المصنّفين في المسالك والممالك في تحديدها،
حدّها الشّماليّ
والذي عليه الجمهور أن حدّها الشّماليّ، وهو المعبّر عنه عند المصريين بالبحري، يبتديء مما بين الزعقة ورفح عند حدّها من الشام والبحر شماله، ويمتدّ غربا على ساحل البحر المذكور حيث الشجرتان عند الشجرة التي يعلق فيها
__________
(1) طائر كبير أغبر اللون طويل العنق والرجلين أبتر الذنب. يزور مصر في الربيع والخريف ويباشر رقصا إيقاعيا عند التزاوج. (المعجم الوسيط: 784).
(2) أو اللقلق: من الطيور القواطع، طويل الساقين والعنق والمنقار. (المعجم الوسيط: 835).
(3) وجدت: المرزة: طير من الجوارح تشمل أنواعا تصيد الجرذان وأفراخ الطيور. (المنهل: 147 ومعجم عبد النور: 1701).
(4) اسم مصري قديم يطلق على عدد من الطيور كبيرة الحجم. والبلشون الرمادي هو مالك الحزين.
(الموسوعة العربية الميسرة: 397).
(5) أو الحبارى: طائر طويل العنق رمادي اللون على شكل الأوزة (المعجم الوسيط: 151).(3/347)
العوامّ الخرق وتقول هذه مفاتيح الرمل، عند الكثب المجنبة عن البحر الروميّ، إلى رفح ثم إلى العريش آخذا على الجفار (1)، إلى الفرما، إلى الطينة، إلى دمياط، إلى ساحل رشيد، إلى الإسكندرية، وهي آخر العمارة بهذا الحدّ. ثم يأخذ على اللينونة، على العميدين، إلى برقة، إلى العقبة الفاصلة بين الديار المصرية وإفريقيّة على ما تقدّم ذكره في الكلام على سواحل البحر الروميّ.
وحدّها الغربي
يبتديء من ساحل البحر الروميّ حيث العقبة، ويمتدّ جنوبا، وأرض إفريقيّة غربيه، على ظاهر الفيّوم والواحات حتّى يقع على صحراء الحبشة على ثمان مراحل من أسوان.
وحدّها الجنوبيّ
وهو المعبر عنه عند المصريين بالقبليّ، يبتديء من آخر هذا الحدّ بصحراء الحبشة ويمتدّ شرقا، وبلاد الروم من بلاد البرّيّة جنوبيّه حتّى يأتي إلى أسوان، ثم يمتدّ من أسوان شرقا حتّى ينتهي إلى بحر القلزم مقابل أسوان على خمس عشرة مرحلة منها.
وحدّها الشرقي
يبتديء من آخر هذا الحدّ ويمتدّ شمالا وبحر القلزم شرقيّه، إلى عيذاب، إلى القصير (2)، إلى القلزم، إلى السّويس، ثم يأخذ شرقا عن بركة الغرندل التي أغرق الله تعالى فيها فرعون من بحر القلزم إلى تيه بني إسرائيل ثم يعطف شمالا ويمرّ على أطراف الشام حتّى ينحطّ على ما بين الزعقة ورفح ساحل البحر الروميّ حيث وقعت البداءة.
وعلى هذا التحديد جرى السلطان عماد الدين صاحب حماة في «تقويم البلدان» والمقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف» إلا أنه في «تقويم البلدان»
__________
(1) وهي أرض من مسيرة سبعة أيام بين فلسطين ومصر، وبها رفح من جهة الشام وآخرها الخشبي متصلة برمال تيه بني اسرائيل. وسميت الجفار لكثرة الجفار أي الآبار بأرضها. (معجم البلدان:
2/ 145).
(2) بينها وبين عيذاب ثمانية أيام، وبينها وبين قوص خمسة أيام. وفي القصير مرفأ سفن اليمن. (معجم البلدان: 4/ 367).(3/348)
جعل ابتداء الحدّ الشماليّ نفس رفح، ونهاية الحدّ الغربيّ حدود بلاد النّوبة وفي «التعريف» جعل ابتداء الحدّ الشمالي ما بين الزعقة ورفح، ونهاية الحدّ الغربي صحراء بلاد الحبشة على ما تقدم في التحديد، والأمر في ذلك قريب.
وخالف في ذلك القضاعيّ فجعل ابتداء الحدّ الشّماليّ من العريش، وليس فيه بعد عن رفح بل في الآثار ما يدل عليه، كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. وجعل الحدّ الجنوبيّ يقطع بحر القلزم وينتهي إلى ساحل الحجاز بالحوراء (1): أحد منازل طريق الحجاز من مصر والحدّ الشرقيّ يمتدّ على ساحل البحر الشرقيّ إلى مدين، إلى أيلة، إلى تيه بني إسرائيل (2)، إلى العريش. فأدخل بحر القلزم من حدّ الحوراء إلى نهايته في الشّمال، وما على ساحله من برّ الحجاز مما يسامت العريش كأيلة ومدين ونحوها في أرض مصر.
قلت: وفيه نظر، والظاهر ما تقدّم لأن البر الشرقيّ من القلزم معدود من ساحل الحجاز من جملة جزيرة العرب، وهي ناحية على انفرادها وكأن الذي حمل القضاعيّ على ذلك مسامتة هذا الساحل لحدّها بساحل البحر الروميّ على ما تقدّم.
واعلم أن جميع المحدّدين لها وإن اختلفت عباراتهم في ابتداء الحدّ الشّمالي الفاصل بينها وبين الشام، هل هو من العريش أو من رفح، أو بين الزعقة ورفح، متفقون على أن ابتداء الحدّ حيث الشجرتان (3)، وكأنهما شجرتان قديمتان حدّد في الأصل بهما.
__________
(1) قال ياقوت عن القضاعي: الحوراء كورة من كور مصر القبلية في آخر حدودها من جهة الحجاز، وهي على البحر في شرقي القلزم. (معجم البلدان 2/ 316وانظر أيضا: معجم ما استعجم:
474).
(2) وهو الموضع الذي ضلّ فيه موسى بن عمران عليه السلام وقومه. وهي أرض بين أيلة ومصر وبحر القلزم وجبال الشراة من أرض الشام. (معجم البلدان: 2/ 69والروض المعطار: 147).
(3) قال ياقوت: هما شجرتان كانتا بين رفح والعريش. (معجم البلدان: 5/ 137).(3/349)
قال في «التعريف»: وما إخال الآن بقاء الشجرتين، وإنما هو موضع الشجرة التي تعلّق فيها العوامّ الخرق، ويقولون هذه مفاتيح الرمل عند الكثب المجنبة عن البحر الروميّ قريبا من الزّعقة.
قال: فأما الأشجار التي بالمكان المعروف الآن بالخرّوبة (1)، ويعرف قديما بالعشّ، فهي وإن عظمت محدثة من زمن من حدّد الأقاليم، وليست في موضع ما ذكروه.
ثم لها طول وعرض، فطولها ما بين جهتي الشّمال والجنوب، وعرضها ما بين جهتي المشرق والمغرب. وقد قيل: إن طولها مسيرة شهر وعرضها مسيرة شهر.
وذكر القضاعي أن ما بين العريش إلى برقة أربعون ليلة.
المقصد العاشر في ابتداء عمارتها، وتسميتها مصر، وتفرّع الأقاليم التي حولها عنها:
أما ابتداء عمارتها
فقد ذكر المؤرّخون أنها عمرت مرتين:
المرّة الأولى قبل الطّوفان
وأوّل من عمرها قبل الطوفان نقراووس بن مصريم بن براجيل (2) بن رزائيل بن غرباب بن آدم عليه السلام، نزلها في سبعين رجلا من بني غرباب جبابرة، فعمرها. وهو الذي هندس نيلها وحفره حتّى أجراه ووجه إلى البرية جماعة هندسوه وأصلحوه، وبنى المدن وأثار المعادن، وعمل الطلسمات (3).
__________
(1) كذا في الضوء والتعريف. وفي الأصل: «بالسرديّة». وفي معجم البلدان: الخرّوبة: حصن بسواحل بحر الشام مشرف على عكا. (هامش الطبعة الأميرية 3/ 312) ومعجم البلدان: 2/ 362.
(2) لم تتفق الكتب على هذه الأسماء بل كل كتاب يخالف الآخر (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 313).
(3) قال ابن خلدون: «وصاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب وأسرار الأعداد وخواص الموجودات وأوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر» (مقدمة ابن خلدون: 923وما بعدها).(3/350)
المرّة الثانية بعد الطّوفان
، وأوّل من عمرها بعد الطوفان مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، قدم إليها هو وأبوه بيصر في ثلاثين رجلا من قومه حين قسم نوح الأرض بين بنيه، فنزلوا بسفح المقطّم، ونقروا فيه منازل كبيرة نزلوا بها ثم ابتنوا مدينة منف وسكنوها على ما يأتي ذكره في الكلام على قواعد مصر القديمة إن شاء الله تعالى.
قال ابن لهيعة: وكان نوح عليه السلام قد دعا لمصر أن يسكنه الله تعالى الأرض الطيّبة المباركة التي هي أمن البلاد وغوث العباد، ونهرها أفضل الأنهار، ويجعل له فيها أفضل البركات، ويسخّر له الأرض ولولده ويذلّلها لهم، ويقوّيهم عليها. فسأله عنها فوصفها له، وأخبره بها.
وأما تسميتها مصر
فقيل: إن نقراووس بن مصريم أوّل ملوكها قبل الطوفان حين عمرها سماها باسم أبيه مصريم تبركا، وإن مصر بن بيصر إنما سمّي باسمه. وأكثر المؤرّخين على أنها سميت بمصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام. وعلى الوجهين تكون علما منقولا عن اسم رجل.
وقال الجاحظ في رسالة له في مدح مصر: إنما سميت مصر [بمصر] (1)
لمصير الناس إليها.
قلت: ويجوز أن تكون سميت مصر لكونها حدّا فاصلا بين بلاد المشرق والمغرب، إذ المصر (2) في أصل لغة العرب اسم للحدّ بين الأرضين كما قاله القضاعي، ومنه قول أهل هجر (3): اشتريت الدار بمصورها، أي بحدودها.
__________
(1) الزيادة عن خطط المقريزي: 1/ 22.
(2) في اللسان: المصر هو الحدّ في كل شيء، وقيل: المصر الحدّ في الأرض خاصة. وفي القاموس:
المصر هو الحاجز بين الشيئين والحدّ بين الأرضين. (اللسان: 5/ 176والقاموس: 2/ 139).
(3) مدينة في البحرين. وقيل: ناحية البحرين كلها هجر. (معجم البلدان: 5/ 393).(3/351)
قال القضاعيّ: وكيف ما (1) أما إن أريد بالمصر البلد العظيم فإنه ينصرف ويجمع على أمصار.
وأما تفرّع الأقاليم التي حولها عنها
فعن ابن لهيعه أنه لما استقرّ مصر بن بيصر بهذه البلاد هو وأبوه بيصر وإخوته: فارق، وماح، وياح وكثر أولادهم، قال له إخوته: قد علمت أنك أكبرنا وأفضلنا، وأن هذه الأرض أسكنك إياها جدّك نوح، ونحن نضيّق عليك أرضك، ونحن نطلب إليك بالبركة التي جعلك فيها جدّك نوح أن تبارك لنا في أرض نلحق بها ونسكنها، وتكون لنا ولأولادنا، فقال:
نعم عليكم بأقرب البلاد إليّ، لا تباعدوا منيّ، فإن لي في بلادي هذه مسيرة شهر من أربعة وجوه أحوزها لنفسي، وتكون لي ولولدي وأولادهم. فحاز مصر لنفسه ما بين الشجرتين اللتين بالعريش إلى أسوان طولا، ومن برقة إلى أيلة عرضا. وحاز فارق لنفسه ما بين برقة إلى إفريقيّة، فكان ولده الأفارقة، وبذلك سميت (2)
إفريقيّة، وذلك مسيرة شهر. وحاز ماح ما بين الشجرتين من منتهى حدّ مصر إلى الجزيرة، مسيرة شهر، وهو أبو نبط الشام. وحاز ياح ما وراء الجزيرة كلها من البحر إلى الشرق مسيرة شهر، فهو أبو نبط العراق.
وقد قال القضاعي بعد ذكر حدود مصر الأربعة: وما كان بعد هذا من
__________
(1) كذا في الأصل بدون بياض، وهو غير مستقيم، ولعله: وكيفما كان فإنها لا تنصرف. أما إن الخ.
(هامش الطبعة الأميرية: 3/ 314).
(2) لفظ أفريقية ليس إلا تحريفا للفظ اللاتيني أفريكا الذي أطلقه الرومان أول الأمر على الإقليم الذي نظموا شئونه بعد تخريبهم قرطاجنة، وعند ذاك شملت هذه التسمية بلاد البربر ثم أطلقت آخر الأمر على جميع القارة. وقد أطلق العرب هذا الاسم على الجزء الشرقي من بلاد البربر، أما الجزء الغربي فاحتفظ باسم المغرب. ومع ذلك فقد ذكر لهذا الاسم عدة اشتقاقات متوهمة، فيروي البكري أن بعضهم يقول إن هذا الاسم معناه «ملكة السماء» ويقول البعض الآخر إنه مشتق من افريقس بن أبرهة الرائش الذي قاد حملة على بلاد البربر وابتنى مدينة أفريقية، ويذهب آخرون إلى أن هذا الاسم اشتق من أفريق، وهو ابن إبراهيم من زوجته الثانية «قطورا» أو «قنطوراء»، أو اشتق من «فارق» بن مصرايم. ويرجع ابن خلدون هذا اللفظ إلى افريقس بن قيس بن صيفي أحد ملوك اليمن. (دائرة المعارف الإسلامية: 3/ 581وما بعدها).(3/352)
الجانب الغربي فهو من فتوح أهل مصر وثغورهم من برقة إلى الأندلس.
قلت: وذلك أن المسلمين بعد فتح مصر توجهت طائفة (1) منهم إلى إفريقيّة ففتحتها، ثم توجهت طائفة من إفريقيّة إلى الأندلس ففتحته (2) على ما سيأتي ذكره في الكلام على مكاتبات ملوك الغرب إن شاء الله تعالى.
المقصد الحادي عشر في ذكر قواعدها القديمة، والمباني العظيمة الباقية على ممرّ الأزمان، والقواعد المستقرّة، وما فيها من الأبنية الحسنة
وقواعدها القديمة على ضربين:
الضرب الأوّل ما قبل الطوفان
والمعروف لها إذ ذاك قاعدتان:
القاعدة الأولى مدينة «أمسوس»
وهي أوّل مدينة بنيت بالديار المصرية قبل الطوفان، بناها نقراووس بن مصريم بن براجيل بن رزائيل بن غرباب بن آدم عليه
__________
(1) جاء في فتوح البلدان: «وكان والي مصر والمغرب عبد الله بن سعد بن أبي سرح قد أصاب من أطراف أفريقية، وكان عثمان بن عفان متوقفا عن غزوها، ثم إنه عزم على ذلك بعد أن استشار فيه وكتب إلى عبد الله سنة 27هـ ويقال في سنة 28هـ أو 29هـ يأمره بغزوها وأمدّه بجيش عظيم، ففتحها عبد الله وصالح «بطريق» افريقيا على ألفي دينار وخمسمائة ألف دينار». (فتوح البلدان: 317، 318).
(2) وقد غزاها طارق بن زياد، عامل موسى بن نصير، وفتحها سنة 92هـ. (فتوح البلدان: 323).
وبعض المؤرخين الغربيين يعتقدون أن الأخبار التي وردت حول حملة طارق بن زياد وافتتاح بلاد الأندلس بالغزو وتجييش الجيوش إنما هي أخبار غير صحيحة ومبالغ فيها، إذ أن بلاد الأندلس، حسب رأيهم، إنما افتتحت سلما لأن أهالي تلك البلاد قد استقبلوا الإسلام والمسلمين بالترحاب نتيجة عاملين أساسيين: ظلم ملوك الأندلس وفساد أنظمتهم من جهة، ومن جهة ثانية دور المسيحية الآريوسية التي كانت تقترب كثيرا، في فهمها لطبيعة المسيح، من النظرة الإسلامية. (أنظر في (ذلك: (:،،).(3/353)
السلام، أوّل ملوك مصر قبل الطوفان، وموضعها خارج الإسكندرية تحت البحر الرومي كما ذكره بعض المؤرّخين، وشقّ لها نهرا يتّصل بها من النيل.
القاعدة الثانية مدينة «برسان»
وهي مدينة بناها نقراووس المتقدّم ذكره لابنه مصرايم وأسكنه فيها، ولم أقف على مكانها.
الضرب الثاني قواعدها فيما بعد الطوفان
والمشهور منها ثلاث قواعد:
القاعدة الأولى مدينة «منف»
قال في «تقويم البلدان»: (بكسر الميم وسكون النون وفاء في الآخر) والجاري على الألسنة منف (بفتح الميم) وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة.
قال في «الأطوال» (1): طولها ثلاث وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة وعشرون دقيقة، وهي أوّل مدينة بنيت بمصر بعد الطوفان، بناها مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام حين نزل مصر.
قال في «الروض المعطار»: وأصلها بالسريانية مافه، ومعناها بالعربية ثلاثون وذلك أن مصر حين نزلها كان في ثلاثين رجلا من أهل بيته، فسماها بعددهم.
قال ابن الأنباري في كتابه «الزاهر» (2): وهي على اثني عشر ميلا من الفسطاط.
قلت: ومنف هذه في جنوبي الفسطاط على القرب من البلدة المعروفة
__________
(1) وهو كتاب قديم منسوب إلى الفرس، كما جاء في صبح الأعشى: 3/ 249. وفي كشف الظنون:
ص 1393 «الأطوال والعروض. وغالب ما ذكره في هذا الكتاب غير صحيح».
(2) شرحه واختصره الزجاجي المتوفى سنة 340هـ. واختصره أيضا ابن يوسف القرطبي المتوفى بعد 450هـ. (كشف 947).(3/354)
بالبدرشين من عمل الجيزة، وهي المعروفة بمصر القديمة، وقد خربت وصارت كيمانا (1)، وبها آثار بنيان من الحجر الكذّان (2) يوجد تحت الردم، على القرب من أحجار الأهرام في العظمة والمقدار، وبوسطها آثار برباة (3) بها صنمان عظيمان من حجر صوّان أبيض، طول كل صنم منهما نحو عشرين ذراعا، وهما مطروحان على الأرض، وقد غطّى الطين أسفلهما.
وكان على القرب منهما بيت عظيم من حجر أخضر، قطعة واحدة: جوانبه الأربعة وأرضه وسقفه، ولم يزل على ذلك إلى الدولة الناصرية حسن بن الناصر محمد بن قلاوون، وأراد الأمير شيخو أتابك العساكر نقله إلى القاهرة صحيحا فعولج فانكسر فأمر بأن تنحت منه أعتاب فنحتت وجعل منها أعتاب خانقاه (4)
وجامعه بصليبة الجامع الطولوني وشرقي هذه المدينة معالم سور مبني بالحجر الكذّان النحيت فصوصا صغارا بالطين والجير الذي قد علمت، لونه لون الحجر.
ويقال: إنه سور الأهراء التي بناها يوسف عليه السلام لادخار الحنطة في سنبلها.
ويذكر بعض أهل البلاد أنه يوجد بعض السّنبل الذي أخبر به يوسف عليه السلام تحت تلك الأرض إلى الآن. وأنه في المقدار فوق مقدار الحنطة المتعارفة بقليل.
__________
(1) الكيمان جمع كوم وهو الموضع المرتفع المشرف كالتل. (المعجم الوسيط: 805).
(2) مفردها كذّانة وهي الحجارة الرخوة وربما كانت نخرة. (اللسان: 13/ 357).
(3) برباة أو بربا: وهو اسم أطلقه المصريون على جميع المعابد والآثار القديمة وهذا القول الذي قال به ابن جبير يؤيده ياقوت إذ يقول: «بربا كلمة قبطية، وهي اسم للبناء المحكم القديم الذي كان يقام في الأيام الوبنية وكان يستعمل موضعا للسحر. ويستعمل سفروس الأشمونيني المؤرخ النصراني لبطارقة الإسكندرية كلمة بربا بمعنى محدد ووثيق وهو المعبد الوثني تمييزا له من العمائر المقامة للعبادة المسيحية. والكلمة العربية «بربا» هي رواية في رسم الكلمة القبطية «بربيه» أي المعبد واستعمالها اكسبها الجمع الفصيح أي «برابي». (دائرة المعارف الإسلامية: 6/ 564).
(4) كلمة فارسية معناها «بيت»، وأصلها «خونقاه» أي الموضع الذي يأكل فيه الملك.
(المقريزي، الخطط: 2/ 414).(3/355)
وفي شماليّ هذه المدينة بلدة صغيرة تعرف بالعزيزية، يقال إنها كانت منزلة العزيز وزير الملك، وهناك مكان على القرب منها يعرف بزليخا، وفي غربيّها إلى الشّمال في سفح جبل مصر الغربيّ سجن يوسف عليه السلام، وإلى جانبه مسجد موسى عليه السلام، وعلى القرب من السّور المقدّم ذكره مسجد يعقوب عليه السلام.
ويقال: إن النيل كان تحت هذا السّور، وهناك مكان يعرف بالمقياس إلى الآن.
القاعدة الثانية مدينة «الإسكندرية»
نسبة إلى الإسكندر بن فيلبس المقدوني ملك اليونان المقدّم ذكره.
وقد ذكر القضاعي: أنه كان بها عدة عجائب، من أعجبها المنارة (1)، وهي منارة مبنية بالحجر والرصاص ارتفاعها في الهواء ثلاثمائة ذراع كل ذراع ثلاثة أشبار، وقيل أربعمائة ذراع، وقيل مائة وثمانون ذراعا، وقيل بالحجر (2) لغلبة الجير فيه، وعلى رأسها مرآة من أخلاط يرى فيها من حضر إليها على بعد وتهتدي بها المراكب السائرة إلى الإسكندرية إذ برها منخفض لا جبال فيها، تحرق بشعاعها ما أرادوا إحراقه من المراكب الواصلة، احتال عليها النصارى في أوائل الإسلام في خلافة الوليد بن عبد الملك الأمويّ فكسروها (3)، وتداعى هدم المنارة شيئا فشيئا إلى أوساط المائة الثامنة فاستؤصلت وبقي أثرها.
__________
(1) وهي المنارة الكبيرة التي بناها بطليموس سوتر في الشمال الغربي من جزيرة فاروس، ويعدها الجميع إحدى عجائب الدنيا، وقد بقيت قائمة بعد الفتح العربي بعده قرون وأطلق عليها كتاب العرب اسم «المنارة» أو «المنار». وقد تقوضت تماما مع مرور الزمن إذ لم يكن قد بقي منها شيء في العام 882هـ، وفي ذلك العام شيّد «قايتباي» على أنقاضها قلعة المنارة. (دائرة المعارف الإسلامية: 3/ 324ومعجم البلدان: 1/ 188).
(2) لعله: وقيل بالجير لغلبة الجير فيه الخ.
(3) جاء في معجم البلدان: 1/ 186أن الذي أمر بكسرها ملك لهم يقال له سينان.(3/356)
(ومنها) الملعب الذي كانوا يجتمعون فيه في يوم من السنة ثم يرمون بكرة فلا تقع في حجر أحد إلا ملك مصر وإن حضر فيه ألف ألف من الناس كان كل منهم ناظرا في وجه صاحبه، وإن قريء كتاب، سمعوه جميعا، أو أتي بنوع من اللعب رأوه عن آخرهم لا يتظالمون فيه بأكثر من مراتب العلية والسّفلة.
وكان من غريب هذا الملعب أن عمرو بن العاص رضي الله عنه حضر فيه في الجاهلية في يوم لعب الكرة فوقعت الكرة في حجره، وهم لا يعرفونه، فتعجب القوم منه وقالوا: ما رأينا هذه الكرة كذبت قطّ إلا هذه المرة، فاتفق أن ملكها في الإسلام. و (عمود السّواري) (1) الذي بظاهر الإسكندرية الآن أحد عمد هذا الملعب، وهو عمود عظيم يرمي الرجل القويّ السهم عن قوس قويّ فلا يبلغ رأسه.
(ومنها) عمودا الإعياء، وهما عمودان ملقيان وراء كل منهما جبل حصباؤه كصبر (2) الجمار يقبل العييّ بسبع حصيات حتّى يستلقي على أحدهما، ثم يرمي وراءه بالسبع ويقوم ولا يلتفت، ويمضي لطلبته فلا يحسّ بشيء من تعبه.
(ومنها) القبة الخضراء (3)، وهي قبة ملبسة نحاسا كأنه ذهب إبريز لا يبليه القدم ولا تخلقه الدهور.
(ومنها) المسلّتان (4)، وهما جبلان (5) قائمان على سرطانات نحاس في
__________
(1) وهو عمود بومبي أو دقلديانوس، وهو لا يزال قائما في مكانه. (دائرة المعارف الإسلامية:
3/ 325).
(2) صبر جمع صبارة وهي قطعة من حديد أو حجارة. (القاموس: 2/ 69).
(3) وقد تحدث الكثير من المصنفين عن هذه القبة الرائعة كما تحدثوا عن تمثال ضخم من النحاس كان يقوم على صخرة ناتئة في البحر عرفه العرب باسم «شراحيل» طول قدمه طول الرجل الممدد بطول قامته، وقد أذيب هذا التمثال أيام الوليد. (دائرة المعارف الإسلامية: 3/ 326).
(4) لعلهما مسلتا كليوباترة المعروفتان وقد نقلتا في العصر الحديث إحداهما إلى لندن والأخرى إلى أمريكا. (دائرة المعارف الإسلامية 3/ 326).
(5) لعله: هيكلان، أو بناءان.(3/357)
أركانهما كل ركن على سرطان، فلو أراد مريد أن يدخل تحتها شيئا إلى الجانب الآخر لفعل.
قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات»: وهاتان المسلّتان إحداهما في الركن الشرقي من البلد، والثانية ببعض البلد، وهما عمودان مربّعان من حجر أحمر، وعرض قواعدهما من الجهات الأربع أربعون شبرا، طول كل واحدة منهما خمس قامات، وأعلاها مستدقّ، وعرض (1) قاعدتهما من الجهات الأربع أربعون شبرا. ويقال: إن عليهما مكتوب بالسريانية: «أنا يعمر بن شدّاد، بنيت هذه المدينة وأردت أن أجعل فيها من الآثار المعجزة، والعجائب الباهرة، فأرسلت البتون بن مرة العاديّ ومقدام بن يعمر بن أبي رغال الثمودي إلى جبل بريم الأحمر، فاقتطعوا منه حجرين وحملاهما على أعناقهما، فانكسرت ضلع البتون، فوددت أن أهل مملكتي كانوا فداء له، فأقامهما القطن بن حازم (2) المؤتفكي في يوم السعادة».
وقد قيل فيها: إنها إرم ذات العماد، ولم تزل عامرة إلى الفتح الإسلامي، فلما فتحها (3) عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
«أما بعد. فإني فتحت مدينة لا أصف ما فيها، غير أني أصبت فيها أربعة آلاف بنية، وأربعة آلاف حمّام، وأربعون ألف يهودي عليهم الجزية، وأربعمائة ملهى للملوك» (4). ويقال: إنه وجد فيها أربعة آلاف بقّال يبيعون البقل،
__________
(1) تكرار مع السطر الذي قبله.
(2) في معجم البلدان: قطن بن جارود (1/ 185).
(3) وقد سار اليها عمرو بن العاص سنة 21هـ ثم فتحها بعد حصار دام ثلاثة أشهر وصالح أهلها على الجزية، ولكن ملك الروم قسطنطين بن هرقل بعث اليها سنة 25هـ جيشا له فقتل فيها من المسلمين من قتل وهرب من استطاع الهرب ثم عاد عمرو بن العاص في نفس السنة ففتحها عنوة.
وفي بعض الروايات أن عمرا فتحها سنة 20هـ. (فتوح البلدان: 309، 310، 311جمهرة رسائل العرب: 1/ 188عن حسن المحاضرة: 1/ 53والمقريزي: 1/ 165).
(4) وقد جرت بعد فتح الإسكندرية مراسلات كثيرة بين عمرو بن العاص وعمر بن الخطاب تجد نصوصها في «جمهرة رسائل العرب»: 1/ 188وما بعدها.(3/358)
وكان فيها من الروم يومئذ مائة ألف من أهل القوّة لحقوا بأرض الروم في المراكب وكان من بقي ستمائة ألف سوى النساء والصبيان.
قلت: وقد ذهب جلّ ذلك وزال أكثره، ولم يبق من عجائبها ظاهرا إلا عمود السّواري، وهو عمود عظيم من حجر صوّان خارج المدينة لا يكاد يكون له نظير في الدنيا، ويقال: إنه كان قبلها مدينة في مكانها تسمّى رقودة (1) بناها مصر بن بيصر بن حام بن نوح المتقدّم ذكره حين بنى مدينة منف، وعلى منوالها نسج الإسكندر مدينته.
القاعدة الثالثة «قصر الشّمع»
الذي هو داخل مدينة الفسطاط الآن، وهو المعبر عنه في كتب الفتوح بالحصن، بناه كسرجوس الفارسي أحد نواب ملك الفرس عند استيلائهم على مصر بعد غلبة بخت نصّر الآتي ذكره في الكلام على ملوكها.
قال القضاعيّ: ولم يكمله وإنما كمله الروم، بعد ذلك (2) التي فتحت مصر وهي مقرّة الملوك بها. وقد قيل: إن المقوقس كان يقيم بالإسكندرية أربعة أشهر من السنة، وبمدينة منف أربعة أشهر، وبقصر الشمع أربعة أشهر.
واعلم أنه قد كان بالديار المصرية مستقرّات أخرى عظام كانت قواعد
__________
(1) كذا في المقريزي: 1/ 145ونهاية الأرب للنويري (ج 12من النسخة الفتوغرافية) وفي الأصل «رقورة» (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 319).
(2) في خطط المقريزي تجد السياق التالي: «وقال القضاعي: ذكر الحصن المعروف بقصر الشمع، يقال: إن فارس لما ظهرت على الروم وملكت عليها الشام وملكت مصر بدأت ببناء هذا القصر وبنت فيه هيكلا لبيت النار ولم يتم بناؤه على أيديهم إلى أن ظهرت الروم عليهم فتممت بناءه وحصنته ولم تزل فيه إلى حين الفتح» ومحلها بياض بالأصل. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 320 وخطط المقريزي: 1/ 287)(3/359)
لبعض ملوكها في بعض الأزمان، ومدن دون ذلك يأتي الكلام على جميعها بعد ذكر الكور القديمة والأعمال المستقرّة إن شاء الله تعالى.
وأما المباني العظيمة الباقية على ممرّ الأزمان
فاعلم أن ملوك مصر الأقدمين كان لهم من العناية بالبناء ما ليس لغيرهم، وكانوا يتفاخرون بذلك لإخباره على طول الزمن بعظمة ملكهم واقتدارهم على ما لم يبلغه غيرهم. ومن أعظم أبنيتهم (الأهرام) (1) وهي قبور اتخذوها في غاية الوثاقة حفظا لأجسامهم، وكان لهم بها العناية التامة، وابتنوا منها عدة بالجبل الغربي من النيل، بعضها مقابل الفسطاط، وبعضها ببوصير السّدر وسقّارة ودهشور من الأعمال الجيزية، وبعضها بميدوم من البهنساوية وأعظمها خطرا وأجلّها قدرا الهرمان المقابلان للفسطاط (2)، يقال إن طول عمود كل هرم منهما ثلاثمائة وسبعة عشر ذراعا (3)، تحيط بها أربعة سطوح متساوية الأضلاع، طول كل ضلع منها أربعمائة وستون ذراعا.
قال أبو الصلت: ليس على وجه الأرض بناء باليد حجر على حجر بهذا المقدار.
ويقال: إن لها أبوابا في أزج (4) في الأرض طول كل درج مائة وخمسون ذراعا. وباب الهرم الشرقي من الجهة البحرية، وباب الهرم الغربي من الناحية الغربية. والصابئة (5) تحجّ هذين الهرمين ويقولون: إن أحدهما قبر إدريس عليه السلام، والآخر قبر ابنه صابىء الذي إليه ينتسبون.
__________
(1) الغالب أن هذه التسمية «الهرم» أطلقها العرب إشارة إلى قدمه. وقد بني الهرم أول الأمر 3000 ق م مدرّجا من طبقات ست، ثم أخرجوه كاملا أيام «سنفرو». (الموسوعة العربية الميسرة:
1895).
(2) هما هرم خوفو ثاني فراعنة الأسرة الرابعة المتوفى سنة 2560ق. م وهرم خفرع رابع فراعنة الأسرة الرابعة المتوفى سنة 2525ق. م. (الموسوعة العربية الميسرة: 761، 768).
(3) وارتفاع هرم خوفو يساوي 138مترا. (أنظر: 1625،).
(4) بناء مستطيل مقوس السقف. (المعجم الوسيط: 15).
(5) اللفظة آرامية الأصل تدل على التطهير والتعميد، وتطلق على فرقتين: الأولى جماعة المندائيين، أتباع يوحنا المعمدان والثانية صابئة حرّان الذين عاشوا زمنا في كنف الإسلام. ورد ذكرهم في القرآن ثلاث مرات بجانب اليهود والنصاري مما يؤذن بإنهم من أهل الكتاب عني بهم المؤرخون الإسلاميون وخاصة الشهرستاني في «الملل والنحل» والدمشقي في «نخبة الدهر في عجائب البحر» ويعدون بين الروحانيين الذين يقولون بوسائط بين الله والعالم، لهم طقوس ثابتة ويتطهرون بالماء إذا لمسوا جسدا، ويحرمون الختان كما يحرمون الطلاق إلا بأمر من القاضي، ويمنعون تعدد الزوجات. عاشوا متفرقين في شمالي العراق، ومركزهم الرئيسي «حرّان» ولغتهم السريانية. منهم ثابت بن قرّة وابنه سنان وأبو إسحاق بن هلال الوزير وابن وحشيّة. (الموسوعة العربية الميسرة: ص 1112).(3/360)
وقد اختلف في بانيها فأكثر المؤرخين على أن بانيها سوريد (1) بن سهلوق أحد ملوك مصر قبل الطوفان، الآتي ذكره في الكلام على ملوكها فيما بعد إن شاء الله تعالى، جعلها قبورا لأجسادهم، وكنوزا لأموالهم، حين أخبره منجّموه وكهنته بما دلهم عليه الرّصد النجوميّ من حدوث حادثة تعمّ الأرض ورجحه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وقال: لو بنيت الأهرام بعد الطوفان، لكان علمها عند الناس.
وذكر ابن عفير عن أشياخه أن بانيها جيّاد بن مياد بن شمر بن شدّاد بن عاد ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام. قال: ولم تزل مشايخ مصر يقولون: إن الذي بناها شدّاد بن عاد، وذهب المسعودي وغيره إلى أنه بناها يوسف عليه السلام.
وقال ابن شبرمة: بنتها العمالقة حين ملكوا مصر. وبالجملة فهما من أعظم الآثار وأقدمها وأجلّ المباني وأدومها ولله القائل:
انظر إلى الهرمين واسمع منهما ... ما يرويان عن الزّمان الغابر
لو ينطقان لخبّرانا بالّذي ... صنع الزمان بأوّل وبآخر
__________
(1) الثابت الآن تاريخيا بعد الاستكشافات وقراءة الحروف الهير وغليفية أن باني الهرم الكبير هو الملك خوفو، وباني الهرم الثاني الملك خفرع، وباني الهرم الثالث الملك منقرع. واستكشف العالم الأثري الجليل سليم حسن بك هرما رابعا بجوارها. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 321).(3/361)
وكيفما كان فمآلهما إلى الخراب، شأن الدنيا ومبانيها.
وقد كان المأمون، أحد خلفاء بني العباس، حين دخل إلى مصر في سنة ست عشرة ومائتين قصد هدمهما فلم يقدر، فأعمل الحيلة في فتح طاقة في أحدهما يتوصل منها إلى مزلقان (1)، يصعد في أعلاه إلى قاعة بأعلى الهرم، بها ناووس (2) من حجر، وينزل في أسفله إلى بئر تحت الأرض لم يعلم ما فيها.
ويقال: إنه وجد في أعلاه مالا فاعتبره فإذا هو قدر المال الذي صرفه من غير زيادة ولا نقص (3) وقد أخذ الآن في قطع حجارتهما الظاهرة لاتخاذ البلاط منها، فإن طال الزمان يوشك أن يخربا كغيرهما من المباني.
ولله المتنبي حيث يقول:
أين الذي الهرمان من بنيانه؟ ... ما قومه؟ ما يومه؟ ما المصرع؟
تتخلّف الآثار عن أصحابها ... دهرا، ويدركها الفناء فتتبع
قال إبراهيم بن وصيف شاه في كتاب «العجائب»: وقد قيل إن هوجيب أحد ملوك مصر قبل الطوفان أيضا بنى الهرم الكبير الذي بدهشور (4) والثاني بناه قفطريم، بن قفط، بن قبطيم، بن مصر، بن بيصر، بن حام، بن نوح عليه السلام بعد الطّوفان.
قال القضاعيّ: أما الهرم الذي بدير أبي هرميس (5)، وهو الهرم المدرّج، يعني الذي شماليّ أهرام دهشور فإنه قبر قرياس، وهو فارس أهل مصر، كان يعدّ
__________
(1) طريق منحدر الجانبين. (المعجم الوسيط: 398).
(2) تابوت حجري كان يضع الأقدمون فيه أجساد موتاهم التي لا يريدون إحراقها. (
) 925. (.
(3) وفي ياقوت أن المأمون أمر بنقبها وليس هدمها. (معجم البلدان: 5/ 402).
(4) قرية كبيرة غربي النيل من أعمال الجيزة. (معجم البلدان: 2/ 492).
(5) حسب ياقوت: «دير هرمس» بكسر الهاء أو ضمها مع كسر الميم في الحالتين. والهرم المدرّج بني قبرا «لزوسر» أول ملوك الأسرة الثالثة مساحته مع ملحقاته 450م 270م. (معجم البلدان: 2/ 540والموسوعة العربية الميسرة: ص 1895).(3/362)
فيهم بألف فارس، فلما مات جزع عليه ملكه وبنى له هذا الهرم فدفنه فيه.
قال: وقبر الملك نفسه الهرم الكبير من الأهرام التي غربيّ دير أبي هرميس، وعلى بابه لوح من الحجر الكذّان طوله ذراع في ذراع مكتوب بالخط البرباويّ (1).
ومن عظيم بنيانهم أيضا ولطيف حكمهم (البرابي) (2) وهي بيوت عبادة كانت لهم، زبروا (3) فيها حكمهم، ورقموا تواريخ ملوكهم، وصوّروا فيها صور الأمم التي حولهم. فمتى قصدتهم أمة من الأمم، أوقعوا بصورهم المصوّرة من النّكال ما أرادوا، فيصيب تلك الأمة على البعد ما أوقعوه بتلك الصور، إلى غير ذلك من الحكم التي أودعوها والطّلّسمات التي وضعوها بجدرانها.
ويقال: إن أوّل من بنى البرابي بمصر دلوكة العجوز، التي ملكت مصر بعد فرعون لعنه الله!.
قال في «مسالك الأبصار»: وقد أخبرني الحكيم شمس الدين محمد بن سعد الدمشقيّ (4) أنه رآها وتأملها، فوجدها مشتملة على جميع أشكال الفلك، وأن الذي ظهر له أنه لم يعملها حكيم واحد بل تولّى عليها قوم بعد قوم حتّى تكاملت في دور، وهو ثلاثون ألف سنة، لأن مثل هذه الأعمال لا تعمل إلا بالأرصاد ولا يكمل رصد المجموع في أقل من هذه المدّة.
قلت: ويجوز أن يكون الرّصد حصل على الوجه المذكور، وزبر ورقم في الكتب، فلما بنى الثاني هذه البرابي، نقل منها ما زبر فى الكتب من ذلك الزمن المتقدّم.
__________
(1) هو الخط الهير وغليفي.
(2) انظر الصفحة: 355. (هامش 3).
(3) أي كتبوا فيها. (اللسان: 4/ 315).
(4) كاتب أديب، استوزره الملك الصالح إسماعيل، توفي بدمشق سنة 650هـ. (الأعلام:
6/ 137).(3/363)
واعلم أن أكثر البرابي بالوجه القبليّ من الديار المصرية، وبالوجه البحري القليل منها، وقد استولى الخراب على جميعها، وذهبت معالمها ولم يبق إلا آثارها، والذي وقفت عليه في التواريخ، ووقفت على آثار غالبه ورسومه سبع براب:
(منها) بربا سمنّود (1) كانت بظاهر سمنّود من الأعمال الغربية بالوجه البحريّ. قال الكنديّ: رأيتها وقد خزّن فيها بعض عمّالها قرضا (2) فرأيت الجمل إذا دنا من بابها بحمله وأراد أن يدخلها، سقط كل دبيب (3) في القرظ (4) فلا يدخل منها شيء إلى البربا.
قال القضاعي: ثم خربت عند الخمسين وثلاثمائة.
(ومنها) بربا تميّ (5) بالمرتاحية من الوجه البحري على القرب من مدينة تميّ الخراب، وعامة أهل تلك الناحية يقولون بربا عاد، وهي باقية بجدرانها، وسقوفها من أعظم الحجارة العظيمة، إلى الآن باقية، وبأعلى بابها قطعة مبنية بالطوب الآجرّ والجصّ، وداخلها أحواض عظيمة من الصوّان غريبة الشأن.
(ومنها) بربا إخميم (6)، وهي بربا بظاهر مدينة إخميم من الوجه القبليّ كانت من أعظم البرابي وأحسنها صنعة وأكبرها حكمة، ولم تزل عامرة إلى أوساط
__________
(1) قال صاحب الانتصار أن الذي عمرها هو سمنّود بن أسنوة بن لاود الساحر. وسمنّود تقع على ضفاف النيل، جهة دمياط. (الانتصار: 5/ 91ومعجم البلدان: 3/ 254).
(2) القارض هي الزرع القليل وأوعية الخمر والجرار الكبيرة والقرظ هو ورق السّلم أو ثمر السنط.
وقد ورد اللفظ في معجم البلدان: «القرط»، وهو نبات عشبي حولي من الفصيلة القرنية يماثل البرسيم. (القاموس: 2/ 354واللسان: 7/ 454376والمعجم الوسيط 727ومعجم البلدان:
3/ 254).
(3) الدبيب هو كل ما يدبّ على الأرض ولعل المقصود هو الحشرات الدّابة. (اللسان: 1/ 370 والمعجم الوسيط: 268).
(4) القارض هي الزرع القليل وأوعية الخمر والجرار الكبيرة والقرظ هو ورق السّلم أو ثمر السنط.
وقد ورد اللفظ في معجم البلدان: «القرط»، وهو نبات عشبي حولي من الفصيلة القرنية يماثل البرسيم. (القاموس: 2/ 354واللسان: 7/ 454376والمعجم الوسيط 727ومعجم البلدان:
3/ 254).
(5) تميّ كورة بحرف مصر يقال لها كورة «تتا» وتميّ وهما كورة واحدة. (معجم البلدان: 2/ 46).
(6) وذكر ياقوت أن في إخميم برابي كثيرة. (معجم البلدان: 1/ 124)(3/364)
المائة الثامنة، فأخذ في هدمها والعمارة بأحجارها خطيب إخميم، ولم يبق إلا آثارها، وبعض جدرانها قائمة إلى الآن.
(ومنها) بربا دندرة (1) من الأعمال القوصية.
قال القضاعي: وهي بربا عجيبة فيها مائة وثمانون كوّة تدخل الشمس في كل يوم في كوّة منها، ثم تكرّ راجعة إلى الموضع الذي بدأت منه، وهي الآن خراب لم يبق إلا آثارها.
(ومنها) بربا الأقصر (2): وكانت بربا عظيمة فهدمت أيضا، ولم يبق منها إلا آثارها.
ومن بقايا الآثار بها صنم عظيم من حجر صوّان أملس، قائم على باب ضريح الشيخ أبي الحجاج الأقصريّ (3) على حاله إلى الآن، ومر عليه زمن الشيخ وهو على ذلك، ولعله إنما أراد ببقائه التنبيه على ضعف عقول عبدة الأصنام لكونهم يعبدون حجرا مثل هذا.
(ومنها) بربا أرمنت (4)، وهي بربا صغيرة قد ذهبت معالمها، ولم يبق بها إلا عمد صوّان قائمة من غير شيء محمول عليها.
(ومنها) بربا إسنا (5)، وهي متوسطة القدر بين الكبر والصغر، وقد بقي منها
__________
(1) ويقال أيضا: «أندرا» وفيها برابي كثيرة. (معجم البلدان: 2/ 478).
(2) الأقصر مدينة على شاطيء شرقي النيل بالصعيد الأعلى فوق قوص، ذات قصور ولذلك سميت «الأقصر». (معجم البلدان: 1/ 237).
(3) هو يوسف بن عبد الرحيم المهدوي الأقصري، أبو الحجاج: من كبار الصوفية في عصره، توفي سنة 642هـ. وقبره معروف إلى الآن. (الأعلام: 8/ 238).
(4) أرمنت كورة بصعيد مصر، بينها وبين قوص مرحلتان ومنها إلى أسوان مرحلتان. (معجم البلدان:
1/ 159).
(5) إسنا مدينة بأقصى الصعيد. (معجم البلدان: 1/ 189).(3/365)
قطعة جيدة جعلت شونة (1) للغلال، وأهل إسنا يذكرون أن الفأر لا يدخلها، وإن دخلها مات.
ومن الآثار العجيبة بمصر أيضا مسلّتان بعين شمس على القرب من المطريّة من ضواحي القاهرة من حجر صوّان أحمر محدّدتا الرأسين. ذكر القضاعي: أن الشمس تطلع على الجنوبية منهما في أقصر يوم في السنة، وعلى الشّمالية في أطول يوم في السنة، وتتردّد فيما بينهما في بقية السنة. وذكر أنه كان عليهما صومعتان (2) من نحاس، إذا كان زمن زيادة النيل تقاطر الماء من أعلاهما إلى أسفلهما، فينبت حولهما العوسج، وما في معناه من الحشيش.
ومن العجائب حائط العجوز، وهو حائط من لبن، بنتها دلوكة ملكة مصر بعد فرعون، من العريش إلى أسوان، دائرة على أراضي مصر من شرقيّها وغربيّها في لحف جبليها وجعلت بين كل ثلاثة أميال محرسا، وشقّت خليجا من النيل إلى جانبها، وآثارها باقية إلى الآن بالجانب الشرقي والجانب الغربي.
المقصد الثاني عشر في ذكر قواعدها المستقرّة وهي ثلاث قواعد، قد تقاربت واختلطت حتّى صارت كالقاعدة الواحدة.
القاعدة الأولى مدينة الفسطاط
(بفاء مضمومة وسين مهملة ساكنة وطاء مهملة مفتوحة بعدها ألف ثم طاء ثانية في الآخر). ويقال فيه فسطاط بإبدال الطاء الأولى تاء وفسّاط. قال الجوهري:
__________
(1) الشونة عبارة عن مخزن تدعو الحاجة إليه لخزن الغلال والأخشاب والأتبان، وهي بخلاف الأهراء التي تستعمل فقط لخزن الغلال. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: ص 52و 308).
(2) الصومعة بيت العبادة عند النصارى ومكان يتعبد فيه الناسك والصومعة أيضا بناء لخزن الحبوب.
(المعجم الوسيط: 523).(3/366)
وكسر الفاء لغة فيهن وهي المدينة المعروفة بين العامة بمصر واسمها القديم باب أليون (1).
قال أبو السعادات بن الأثير (2) في نهايته: (بفتح الهمزة وسكون اللام وضم الياء المثناة تحت وسكون الواو ونون في الآخر).
قال القضاعي: وهو اسمها بلغة الرّوم والسّودان ولذلك يعرف القصر الذي بالشرق بباب أليون، وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة.
قال في «كتاب الأطوال»: وطولها ثلاث وخمسون درجة، وعرضها ثلاثون درجة وعشر دقائق.
وقال في «القانون» (3): طولها أربع وخمسون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها تسع وعشرون درجة وخمس وخمسون دقيقة.
وقال ابن سعيد: طولها ثلاث وخمسون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها تسع وعشرون درجة وخمس وخمسون دقيقة.
وقال في «رسم المعمور»: طولها أربع وخمسون درجة وأربعون دقيقة والذي عليه عمل أهل زماننا في وضع الآلات وغيرها طول خمس وخمسين درجة، وعرض ثلاثين.
__________
(1) وفي ياقوت: «بابليون» الباء الثانية مكسورة واللام ساكنة، وقد ذكرها أيضا في «أليون». وفي دائرة المعارف الإسلامية: «بابليون وتسمى أيضا «بابيلون»: اسم مدينة في مصر كانت موجودة في القرون الوسطى على مقربة من موقع القاهرة الحديثة ويقول كازانوفا أن هذا الاسم هو الصيغة اليونانية للاسم المصري القديم: «بي هابي ن أون» «». وقد اتسع مدلول هذا الاسم فأطلقوه للدلالة على جميع المدن الممتدة من قصر الشمع إلى الفسطاط فالقاهرة فالمطرية بعين شمس. (معجم البلدان: 1/ 311و 248ودائرة المعارف الإسلامية:
5/ 554553).
(2) هو المبارك بن محمد بن محمد، مجد الدين: المحدث اللغوي الأصولي. توفي سنة 606هـ.
وكتابه «النهاية» في غريب الحديث. (الأعلام: 5/ 272).
(3) «القانون المسعودي» لأبي الريحان البيروني المتوفى سنة 440هـ. (الأعلام: 5/ 314).(3/367)
واختلف في سبب (1) تسميتها بالفسطاط، فقال ابن قتيبة: إن كل مدينة تسمّى فسطاطا ولذلك سميت مصر الفسطاط.
وقال الزّمخشريّ: الفسطاط اسم لضرب من الأبنية، في القدر دون السّرادق (2) والذي عليه الجمهور أنه يسمّى بذلك لمكان فسطاط عمرو بن العاص رضي الله عنه يعني خيمته، وذلك أن عمر لما فتح الحصن المعروف بقصر الشمع في سنة إحدى وعشرين من الهجرة واستولى عليه ضرب فسطاطه على القرب منه، فلما قصد التوجه إلى الإسكندرية لفتحها، أمر بنزع فسطاطه للرحيل، فإذا بحمام قد أفرخ فيه فقال: لقد تحرّم منا بحرم، وأمر بإقرار الفسطاط مكانه، وأوصى على الحمام، وسار إلى الإسكندرية ففتحها، ثم عاد إلى فسطاطه ونزل به ونزل الناس حوله، وابتنى داره الصغرى التي هي على القرب من الجامع العتيق مكان فسطاطه وأخذ الناس في الاختطاط حوله فتنافست القبائل في المواضع والاختطاط، فولّى عمرو على الخطط معاوية بن حديج التّجيبيّ، وشريك بن سميّ الغطيفيّ، وعمرو بن قحزم الخولانيّ، وحيويل بن ناشرة المعافري، ففصلوا بين القبائل وأنزلوا الناس منازلهم (3)، فاختطّوا (4) الخطط (5) وبنوا الدور والمساجد، وعرفت كل خطة بالقبيلة أو الجماعة التي اختطتها أو بصاحبها الذي اختطها.
فأما الخطط والآدر التي عرفت بالقبائل والجماعات:
(فمنها) خطّة أهل الراية، وهم جماعة من قريش، والأنصار، وخزاعة، وأسلم، وغفار، ومزينة، وأشجع، وجهينة، وثقيف، ودوس، وعبس بن
__________
(1) انظر أيضا: الانتصار لواسطة عقد الأمصار: 4/ 2.
(2) هو كل ما أحاط بالشيء من حائط أو مضرب، وهو الفسطاط يجتمع فيه الناس لعرس أو مأتم وغيرهما. (المعجم الوسيط: 426).
(3) وذلك في سنة إحدى وعشرين. (الانتصار: 4/ 3).
(4) الخطّ والخطّة هي الأرض تنزل من غير أن ينزلها نازل قبل ذلك. واختط فلان خطة إذا تحجّر موضعا وخط عليه بجدار. (اللسان: 7/ 288).
(5) الخطّ والخطّة هي الأرض تنزل من غير أن ينزلها نازل قبل ذلك. واختط فلان خطة إذا تحجّر موضعا وخط عليه بجدار. (اللسان: 7/ 288).(3/368)
بغيض، وجرش من بني كنانة، وليث بن بكر (1) لم يكن لكل منهم من العدد ما ينفرد به بدعوة من الديوان فجعل لهم عمرو بن العاص راية لم ينسبها إلى أحد، وقال: يكون وقوفكم تحتها، فكانت لهم كالنسب الجامع، وكان ديوانهم عليها فعرفوا بأهل الراية، وانفردوا بخطّة وحدهم، وخطّتهم من أعظم الخطط وأوسعها.
(ومنها) خطّة مهرة، وهم بنو مهرة بن حيدان بن عمرو بن إلحاف بن قضاعة ابن مالك بن حمير، من قبائل اليمن.
(ومنها) خطّة تجيب، وهم بنو عديّ وسعد ابني الأشرس بن شبيب بن السّكن بن الأشرس بن كندة وتجيب اسم أمهما عرفت القبيلة بها.
(ومنها) خطط لخم، وهي ثلاث: الأولى، بنو لخم (2) بن عديّ (3) بن مرّة بن أدد، ومن خالطهم من جذام (4). والثانية، بنو عبد ربه بن عمرو بن الحارث بن وائل بن راشدة بن لخم. والثالثة، بنو راشدة بن أذبّ بن (5) جزيلة بن لخم.
(ومنها) خطط اللّفيف، وهم جماعة من القبائل تسارعوا إلى مراكب الرّوم حين بلغ عمرا قدومهم الإسكندرية عند فتحها، فقال لهم عمرو (6)، وقد استكثرهم: إنكم لكما قال الله: {فَإِذََا جََاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنََا بِكُمْ لَفِيفاً} (7)
فسمّوا اللّفيف من يومئذ.
__________
(1) ذكرهم ابن دقماق على نفس الترتيب ثم زاد «العتقاء». (الانتصار: 4/ 3).
(2) في معجم قبائل العرب: «لخم هو مالك بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد: بطن عظيم من القحطانية. وقد نزل قوم منهم بمنطقة بيت المقدس فدعيت باسمهم، وتسميها العامة اليوم «بيت لحم». (معجم قبائل العرب: 3/ 1011).
(3) وهم بنو جذام بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد. (معجم قبائل العرب: 1/ 174).
(4) كذا في ابن دقماق أيضا، وفي خطط المقريزي: «بنورية» ولعله تصحيف.
(5) وفي «نهاية الأرب» للنويري: أذبّ بن حجر بن جزيلة بن لخم. (معجم قبائل العرب:
1/ 3).
(6) في خطط المقريزي والانتصار: فقال لهم «عمرو بن جمالة».
(7) سورة الإسراء / 104.(3/369)
(ومنها) خطط أهل الظاهر، وهم جماعة من القبائل قفلوا من الإسكندرية بعد قفول عمرو بن العاص، فوجدوا الناس قد أخذوا منازلهم، فتحاكموا إلى معاوية بن حديج الذي جعله عمرو على الخطط، فقال لهم: إني أرى لكم أن تظهروا على هذه القبائل فتتخذوا لكم منازل، فسميت منازلهم الظاهر (1).
(ومنها) خطط غافق (2)، وهم بنو غافق بن الحارث (3) بن عكّ بن عدثان بن عبد الله بن الأزد.
(ومنها) خطط الصّدف (بفتح الصاد وكسر الدال المهملتين). وهم بنو مالك ابن سهل بن عمرو بن حمير من قبائل اليمن، وقيل بنو مالك بن مرقّع بن كندة، سمّي الصّدف لأنه صدف بوجهه عن قومه حين أتاهم سيل العرم.
(ومنها) خطط خولان، وهم بنو خولان بن عمرو بن (4) مالك بن زيد بن عريب.
(ومنها) خطط الفارسيين (5)، وهم بقايا جند باذان، عامل كسرى ملك الفرس على اليمن.
(ومنها) خطط مذحج، وهم بنو مالك (6) بن مرّة بن أدد بن زيد بن كهلان بن عبد الله.
__________
(1) قال ابن دقماق: «وكانت القبائل التي نزلت الظاهر هم العتقاء وهم جماع من القبائل كانوا يقطعون الطريق على من يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فبعث اليهم فأتي بهم أسرى، فأعتقهم. (الانتصار:
4/ 4).
(2) في الانتصار: الغفق هو الهجوم على الشيء فجأه.
(3) في معجم قبائل العرب: 3/ 875 «بنو غافق بن الشاهد بن عكّ».
(4) في نسب خولان تجد اختلافا كبيرا بين الروايات المتعددة لكل من ياقوت وابن دريد والزبيري وغيرهم. (راجع معجم قبائل العرب: 1/ 365وما بعدها).
(5) وهم قوم استندوا بخطة خولان، وقد أسلم هؤلاء الفارسيون بالشام ورغبوا في الجهاد فنفروا مع عمرو بن العاص إلى مصر فاختطوا بها خطتهم. (الانتصار: 4/ 4).
(6) في معجم قبائل العرب: 3/ 1062 «مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان».(3/370)
(ومنها) خطّة يحصب، وهم بنو يحصب بن (1) مالك بن أسلم بن زيد بن غوث بن حمير.
(ومنها) خطّة رعين، وهم بنو رعين بن زيد بن سهل بن يعفر بن مرّة بن أدد.
(ومنها) خطّة بني الكلاع، وهو الكلاع بن شرحبيل بن سعد بن حمير.
(ومنها) خطّة المعافر، وهم بنو المعافر بن يعفر (2) بن مرّة بن أدد.
(ومنها) خطط سبإ وهم بنو مالك بن زيد بن (3) وليعة بن معبد بن سبإ.
(ومنها) خطّة بني وائل، وهو وائل بن زيد مناة بن أفصى بن إياس بن حرام ابن جذام بن عديّ.
(ومنها) خطّة القبض، وهم بنو القبض بن مرثد.
(ومنها) خطط الحمراوات، وهي ثلاث (4)، سميت بذلك لنزول الروم (5)
بها، وهم حمر الألوان:
الأولى الحمراء الدّنيا، وبها خطة بليّ، وهم بنو بليّ بن عمرو بن إلحاف بن قضاعة إلا من كان منهم في أهل الراية، وخطّة ثراد من الأزد، وخطة فهم، وهم بنو فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان، وخطة بني بحر بن سوادة من الأزد (6).
الثانية الحمراء الوسطى، وبها خطة بني نبه، وهم قوم من الروم حضروا
__________
(1) في المرجع السابق: 3/ 1260 «بنو يحصب بن دهمان بن عامر بن حمير».
(2) في المرجع السابق: 3/ 1115 «يعفر بن مالك بن الحارث بن مرّة بن أدد».
(3) في المرجع السابق: 3/ 1030 «زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان».
(4) ذكر ابن دقماق خطتين باسم «خطة الروم» بالقاهرة وهما منسوبتان إلى الروم الذين قدموا مع المعز لدين الله. (الانتصار: 5/ 37).
(5) ذكر ابن دقماق خطتين باسم «خطة الروم» بالقاهرة وهما منسوبتان إلى الروم الذين قدموا مع المعز لدين الله. (الانتصار: 5/ 37).
(6) ويقال: بحر بن عمرو من لخم ويقال من غسّان. (نهاية الأرب للقلقشندي: ص 166165).(3/371)
الفتح وخطّة هذيل، وهم بنو هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر وخطّة بني سلامان (1) من الأزد.
الثالثة الحمراء القصوى، وهي خطة بني الأزرق من الرّوم وحضر الفتح منهم أربعمائة رجل، وخطّة بني يشكر بن جزيلة (2) من لخم، وإليهم ينسب جبل يشكر الذي بني عليه جامع أحمد بن طولون الآتي ذكره مع جوامع الفسطاط إن شاء الله تعالى.
(ومنها) خطط حضر موت، وهم بنو حضر موت بن عمرو بن قيس بن معاوية بن حمير إلى غير ذلك من الخطط (3) التي درست قبل الاهتمام بالتأليف في الخطط.
واعلم أنه كان في خلال هذه الخطط دور جماعة كثيرة من الصحابة رضوان الله عليهم ممن حضر الفتح.
(منها) دار عمرو بن العاص (4)، ودار الزّبير بن العوام (5)، ودار قيس بن سعد بن عباد الأنصاري (6)، ودار مسلمة بن مخلّد الأنصاري (7)، ودار عبد
__________
(1) وهم بنو سلامان بن مفرج بن مالك بن زهران. (معجم قبائل العرب: 2/ 513).
(2) في الانتصار: يشكر بن جديلة، بالدال المهملة (الانتصار: 4/ 122).
(3) وقد زاد ابن دقماق: خطة غطيف بن مراد وخطة وعلان بن قرن بن ناجية بن مراد وخطة الرجبة وخطة السلف. (الانتصار: 4/ 4).
(4) وتسمى دار عمرو الكبرى، وهي في شرقي المسجد الجامع، وقد اصطفاها محمد بن أبي بكر وكانت أول دار اصطفيت بمصر. (الانتصار: 4/ 7).
(5) بسوق «وردان» وكانت غربي دار عمرو الصغرى ثم تحول عنها الزبير إلى التي في سوق وردان على أثر خلاف بين غلمانه وغلمان عمرو بن العاص. (المرجع السابق).
(6) وهي الدار المعروفة «بالشرطة» وتعرف أيضا «بدار الفلفل». (المرجع السابق).
(7) المعروفة بدار «الرمل» وهي منسوبة لرملة بنت معاوية وذكر الكندي أنها كانت منسوبة لمسلمة ابن مخلد الأنصاري وعقبة بن عامر الجهني وأبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ولي معاوية سألهم فيها فدفعوها اليه وعوضهم عنها. (المرجع السابق).(3/372)
الرحمن بن عديس البلويّ (1)، ودار وهب بن عمير بن وهب بن خلف الجمحي، ودار نافع بن عبد القيس بن لقيط الفهري، ودار سعد بن أبي وقّاص (2)، ودار عقبة بن عامر الجهنيّ (3)، ودار القاسم وعمرو ابني قيس بن عمرو، ودار عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامريّ، ودار مسعود بن الأسود بن عبد شمس بن حرام البلويّ، ودار المستورد بن شداد الفهريّ، ودار حييّ بن حرام اللّيثيّ، (وفي صحبته خلاف)، ودار الحارث بن مالك اللّيثي المعروف بابن البرصاء، ودار بشر بن أرطاة العامريّ، ودار أبي ثعلبة الخشني، ودار إياس بن البكير الليثيّ، ودار معمر بن عبد الله بن نضلة القرشيّ العدويّ، ودار أبي الدّرداء الأنصاريّ، ودار يعقوب القبطيّ (4) رسول المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مارية: أم ولده إبراهيم وأختها شيرين، ودار مهاجر مولى أم سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم، ودار علبة بن زيد الأنصاريّ، ودار محمد بن مسلمة الأنصاريّ، ودار أبي الأسود مسروح بن سندر الخصيّ (5)، ودار عبد الله بن عمر (6) بن الخطّاب، ودار خارجة بن حذافة بن غانم العدويّ (7)، ودار عقبة بن الحارث (8)، ودار عبد الله بن حذافة السهميّ (9)، ودار محمية بن جزء الزّبيديّ، ودار المطّلب بن أبي
__________
(1) وتسمى «الدار البيضا» ويقال كانت موقفا لخيل المسلمين على باب المسجد حتى قدم مروان بن الحكم مصر سنة 65هـ فبناها لنفسه. (المرجع السابق).
(2) وهي الخراب والدكاكين التي بشارع الموقف. (المرجع السابق).
(3) وهي نفسها دار الرمل المنسوبة لرملة بنت معاوية.
(4) وهي الدار العظمى المعروفة بيحيى بن بكير. (المرجع السابق).
(5) كذا في المقريزي: 2/ 137. وهو مولى زنباع بن روح بن سلامة الجذامي يكنى أبا الأسود، له صحبة، قدم مصر بعد الفتح بكتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالوصاة فأقطع منية الإصبع بن عبد العزيز، وفي الأصل «مسروح بن سدر الحصني». (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 330).
(6) وتسمى دار البركة، كانت في يد عبد الله بن عمر حتى استوهبها منه معاوية فوهبها له. (الانتصار:
4/ 6).
(7) وتسمى دار «القند» وهي غربي دار البركة السابقة الذكر. وخارجة هذا كان على شرطة عمرو بن العاص، وقتل في الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه. (المرجع السابق).
(8) وتسمى دار أبي سروعة. (المرجع السابق).
(9) وتسمى دار اسرائيل، وقد صارت هذه الدار بيد ورثته فاشتراها عتبة بن أبي سفيان. (المرجع السابق).(3/373)
وداعة السّهميّ، ودار هبيب بن معقل الغفاريّ، وبه يعرف وادي هبيب بالقرب من الإسكندرية، ودار عبد الله بن السائب المخزوميّ، ودار جبر القبطيّ رسول المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودار يزيد بن زياد الأسلميّ، ودار عبد الله بن ريّان الأسلميّ (1)، (وفي صحبته خلاف)، ودار أبي عميرة رشيد بن مالك المزنيّ، ودار سباع بن عرفطة الغفاريّ (2)، ودار نضلة بن الحارث الغفاريّ، ودار الحارث بن أسد الخزاعيّ (وفي صحبته خلاف)، ودار عبد الله بن هشام بن زهرة (3) من ولد تميم بن مرّة، ودار خارجة (4) بن حذافة بن غانم العدويّ، وهو أوّل من ابتنى غرفة بالفسطاط، فكوتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أمرها فكتب إلى عمرو بن العاص: أن ادخل غرفة خارجة وانصب فيها سريرا، وأقم عليه رجلا ليس بالطويل ولا بالقصير، فإن اطّلع من كواها فاهدمها، ففعل عمرو فلم يبلغ الكوى فأقرّها، ودار محمد بن حاطب الجمحي (5)، ودار رفاعة الدّوسيّ، ودار فضالة بن عبيد الأنصاريّ، ودار المطلب (6) بن أبي وداعة السهميّ. إلى غير ذلك من الدور التي أغفلت ذكرها أصحاب الخطط (7).
قلت: وكان أمراء مصر القائمون مقام ملوكها الآن ينزلون بالفسطاط، ولم يكن لهم في ابتداء الأمر مقرّة معيّنة، ولا دار للإمارة مخصوصة. فنزل عمرو بن
__________
(1) وهي الدار الجديدة التي انشأها مسعود الوزيري. (المرجع السابق).
(2) وهي دار طلحة الميثاني وتعرف أيضا بدار البير، وكان عبد العزيز بن مروان قد اشتراها ووهبها لأحد أخواله. (المرجع السابق).
(3) وهي الدار المعروفة بالزعلمان، وهي بين الزقاقين المعروف أحدهما بزقاق خزاعة والآخر بزقاق بني الأشجّ. (المرجع السابق).
(4) تقدم ذكره فهو مكرّر.
(5) وهي دار فرج التي تقابل مسجده، وتوفي محمد بن حاطب سنة 74هـ وصارت الدار إلى ولده ومواليه، وكانت في ايديهم إلى آخر أيام بني مروان. (الانتصار: 4/ 8).
(6) سبق ذكرها فهي مكررة.
(7) وقد ذكر ابن دقماق عددا كبيرا من الدور لم يأت عليها القلقشندي. (راجع الانتصار: 4/ من الصفحة 5إلى 12).(3/374)
العاص أوّل أمرائها بداره على القرب من الجامع، ولم يزل كلّ أمير بعده ينزل بالدار التي يكون بها سكنه إلى آخر الدولة الأمويّة، وكان عبد العزيز بن مروان، وهو أمير مصر في خلافة أخيه عبد الملك بن مروان قد بنى دارا عظيمة بالفسطاط سنة سبع وستين من الهجرة وسماها دار الذهب، وجعل لها قبّة مذهبة إذا طلعت عليها الشمس لا يستطيع الناظر التأمل فيها خوفا على بصره، وكانت تعرف بالمدينة لسعتها وعظمها وكان عبد العزيز ينزلها، ثم نزلها بنوه بعده، فلما هرب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة إلى مصر، نزل هذه الدار فلما رهقه القوم، أمر بإحراقها، فلامه في ذلك بعض بني عبد العزيز بن مروان فقال: إن أبق، أبنها لبنة من ذهب ولبنة من فضّة، وإلا فما تصاب به في نفسك أعظم، ولا يتمتع بها عدوّك من بعدك.
فلما غلب بنو العبّاس على بني أميّة وهرب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة إلى الديار المصرية، وتبعه عليّ بن صالح بن عليّ الهاشميّ إلى أن أدركه بمصر وقتله (1) واستقر أميرا على مصر في خلافة السّفّاح أوّل خلفاء بني العباس، ابتنى دارا للإمارة ونزلها، وصارت منزلة للأمراء بعده إلى أن ولي (2) أحمد بن طولون الديار المصرية فنزل بها في أوّل أمره، ثم اختطّ بعد ذلك قصره المعروف بالميدان فيما بين قلعة الجبل الآن والمشهد النّفيسي وما يلي ذلك في سنة ست وخمسين ومائتين، وكان له عدّة أبواب: بعضها عند المشهد النفيسيّ، وبعضها (3)
عند جامعه الآتي ذكره، واختطّ الناس حوله واقتطع كل أحد قطيعة ابتنى بها، فكان يقال: قطيعة هارون بن خمارويه، وقطيعة السّودان، وقطيعة الفرّاشين، فعرف ذلك المكان بالقطائع، وتزايدت العمارة حتّى اتّصلت بالفسطاط، وصار الكلّ بلدا واحدا، ونزل أحمد بن طولون بقصره المذكور، وكذلك بنوه بعده، وأهملت
__________
(1) في الأعلام: 7/ 209 «قتله عامر أو عمرو بن إسماعيل المرادي الجرجاني».
(2) ولي مصر سنة 254هـ. (الأعلام: 1/ 140).
(3) وهو باب الصلاة أو باب السباع الذي يحاذي الجامع المنسوب إليه. (الانتصار: 4/ 121).(3/375)
دار الإمارة التي ابتناها عليّ بن صالح بالفسطاط، واستقرّ الأمر على ذلك بعده أيام ابنه خمارويه (1) وولديه جيش وهارون، وزادت العمارة بالقطائع في أيامهما، وكثرت الناس فيها حتّى قتل هارون بن خمارويه بعد قتل أبيه وأخيه، وسار محمد بن سليمان (2) الكاتب بالعساكر من العراق من قبل المستكفي بالله، ووصل إلى مصر في سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وقد ولّى الطّولونيّة عليهم ربيعة بن أحمد بن طولون، فتسلم البلد منه وخرّب القطائع وهدم القصر وقلع أساسه، وخرب موضعه حتّى لم يبق له أثر.
وكان بدر الخفيفي غلام أحمد بن طولون قد بنى دارا عظيمة بالفسطاط عند المصلّى القديمة، وقيل اشتراها له أحمد بن طولون، ثم سخط عليه أحمد فنكبه، وسكنها بعده طاهر بن خمارويه ثم سكنها بعده الحمامي غلام أحمد بن طولون.
فلما هدم محمد بن سليمان الكاتب قصر بني طولون بالقطائع، سكن هذه الدار، ثم سكنها عيسى النّوشريّ (3) أمير مصر بعده، واستقرّت منزلة للأمراء إلى أن ولي الإخشيد (4) مصر فزاد فيها وعظّمها، وعمل لها ميدانا وجعل له بابا من حديد، وذلك في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، ولم تزل منزلة للأمراء إلى أن غلبت الخلفاء الفاطميون الإخشيديّة على مصر وبنى القائد جوهر القاهرة والقصر فنقل باب هذه الدار إلى القاهرة، وصار القصر منزلة لهم على ما سيأتي ذكره في الكلام على خطط القاهرة إن شاء الله تعالى.
__________
(1) كانت ولاية خمارويه على مصر إلى أن قتل اثنتي عشرة سنة وثمانية عشر يوما وكان اسمه «خمار»، فلما كانت سنة ثلاث وسبعين ورد كتاب من العراق بالزيادة في اسمه «ويه» فسمي «خمارويه».
(الانتصار: 4/ 67).
(2) ويلقب بالأستاذ عراقي المولد. ولي الكتابة للؤلؤ غلام أحمد بن طولون في مصر. قتل في معركة على باب الريّ سنة 304هـ. (الأعلام: 6/ 149).
(3) هو عيسى بن محمد النوشري، من ولاة الدولة العباسية، ولّاه المكتفي بالله إمارة مصر سنة 292هـ.
وتوفي فيها سنة 297هـ. (الأعلام: 5/ 107).
(4) هو محمد بن طغج بن جفّ، مؤسس الدولة الإخشيدية بمصر والشام، تركي الأصل من أبناء المماليك. توفي بدمشق سنة 334هـ. (الأعلام: 6/ 174).(3/376)
وصار الفسطاط في كل وقت تتزايد عمارته حتّى صار في غاية العمارة ونهاية الحسن، به الآدر الأنيقة، والمساجد القائمة، والحمامات الباهية، والقياسر الزاهية، والمستنزهات الرائقة، ورحل الناس إليه من سائر الأقطار، وقصدوه من جميع الجهات، وغصّ بسكّانه، وضاق فضاؤه الرحيب عن قطّانه، حتّى حكى صاحب «إيقاظ المتغفّل» (1) عن بعض سكّان الفسطاط أنه دخل حمّاما من بناء الروم في أيام خمارويه بن طولون في سنة سبع وثلاثمائة فلم يجد فيها صانعا يخدمه، وكان فيها سبعون صانعا قلّ منهم من معه ثلاثة نفر يغسلهم، وأنه دخل بعدها حمّاما ثم حمّاما فلم يجد من يخدمه إلا في الحمّام الرابعة (2)، وكان الذي خدمه معه ثان (3).
وحكى في موضع آخر عمن يثق به عن أبيه أنه شاهد من مسجد الوكرة (4)
بالفسطاط إلى جامع ابن طولون قصبة سوق متصلة، فعدّ ما بها من مقاعد الحمّص المصلوق (5) فكانت ثلاثمائة وتسعين مقعدا غير الحوانيت وما بها.
وحكى أيضا عمن أخبره أنه عدّ الأسطال النّحاس المؤبدة في البكر لاستقاء الماء في الطاقات المطلّة على النيل، فكانت ستة عشر ألف سطل. قال: وبلغ أجرة مقعد يكرى عند البيمارستان الطولونيّ (6) بالفسطاط في كل يوم اثني عشر درهما.
__________
(1) هذا الكتاب لتاج الدين، محمد عبد الوهاب المعروف بابن المتوّج الزبيري المتوفى سنة 730هـ.
بيّن فيه أحوال مصر وخططها إلى سنة 725هـ. (كشف الظنون 214).
(2) الحمام يذكر ويؤنث. (اللسان 12/ 154).
(3) وقد عدد ابن دقماق في الانتصار: 4/ 104الحمامات التي كانت موجودة بمصر وضواحيها.
(4) الذي في الخطط للمقريزي عن «ايقاظ المتغفّل» أيضا: «مسجد عبد الله» ولعله يسمى بذلك أيضا. وفي الانتصار: 5/ 42 «مسجد الوكزة».
(5) فيها لغتان: بالسين أو بالصاد. (اللسان: 10/ 160و 206).
(6) ويعرف «بالأعلى»، انشأه أحمد بن طولون سنة 259هـ. وقيل سنة 261هـ. وذكر أن مبلغ ما أنفق عليه ستون ألف دينار، ولم يكن قبل ذلك بمصر مارستان وقد شرط ابن طولون أن لا يعالج فيه جندي ولا مملوك، وكان يشارفه بنفسه، ويركب إليه يوما في كل أسبوع. (الانتصار: 4/ 99).(3/377)
وذكر ابن حوقل (1) أنه كان بالفسطاط في زمانه دار تعرف بدار ابن عبد العزيز بالموقف (2) يصبّ لمن فيها من السكان في كل يوم أربعمائة راوية ماء، وفيها خمسة مساجد وحمّامان وفرنان.
قلت: ولم يزل الفسطاط زاهي البنيان، باهي السّكّان إلى أن كانت دولة الفاطميين بالديار المصرية، وعمرت القاهرة على ما سيأتي ذكره فتقهقر حاله وتناقص، وأخذ الناس في الانتقال عنه إلى القاهرة وما حولها، فخلا من أكثر سكّانه، وتتابع الخراب في بنيانه، إلى أن غلب (3) الفرنج على أطراف الديار المصرية في أيام العاضد، آخر خلفاء الفاطميين، ووزيره يومئذ شاور السعديّ (4)، فخاف على الفسطاط أن يملكه الفرنج ويتحصنوا به، فأضرم في مساكنه النار فأحرقها فتزايد الخراب فيه وكثر الخلق.
ولم يزل الأمر على ذلك في تقهقر أمره إلى أن كانت دولة الظاهر بيبرس أحد ملوك التّرك بالديار المصرية، فصرف الناس همتهم إلى هدم ما خلا من أخطاطه
__________
(1) هو محمد بن حوقل البغدادي الموصلي رحالة من علماء البلدان. توفي بعد 367هـ. (الأعلام:
6/ 111).
(2) كان فضاء لأم عبد الله بنت مسلمة بن مخلد الأنصاري فتصدقت به على المسلمين، فكان موقفا تباع فيه الدواب. (الانتصار: 4/ 34).
(3) في تلك الفترة كان الصليبيون، أمراء مملكة بيت المقدس، قد استطاعوا أن يأخذوا الجزية من عدد من الوزراء الفاطميين لقاء عدم غزوهم مصر. كما أن حدّة الصراع بين الوزراء الفاطميين على السلطة دفعت عددا منهم إلى الاستقواء، بالصليبيين، ومن هؤلاء الوزراء: شاور السعدي وضرغام.
هذا التهديد الصليبي دفع نور الدين زنكي إلى التفكير جدّيّا بالتدخل في شؤون مصر حتى لا تقع فريسة بأيدي الفرنج، فأرسل شيركوه الذي استطاع الاستيلاء على بلبيس والبلاد الشرقية ولكن قوات الصليبيّين وقوات شاور وحاصرت شيركوه في بلبيس ثلاثة أشهر حتى اضطروا لفك الحصار والاسراع إلى بلادهم عندما علموا باستيلاء نور الدين على حارم ومسيره إلى بانياس للاستيلاء عليها. وتكرر استنجاد شاور بالصليبيين إلى أن كانت سنة 564هـ حيث استطاع أن يدخل مصر ويؤمن لنور الدين ضم مصر والشام في جبهة واحدة كانت فيما بعد الأساس الصلب لطرد الصليبيين من بلادنا. هذا وقد اضطر شير كوه لقتل شاور حتى يأمن ما عهد من خيانته. (راجع الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي من 230إلى 234. والأعلام: 4/ 147و 3/ 154).
(4) في تلك الفترة كان الصليبيون، أمراء مملكة بيت المقدس، قد استطاعوا أن يأخذوا الجزية من عدد من الوزراء الفاطميين لقاء عدم غزوهم مصر. كما أن حدّة الصراع بين الوزراء الفاطميين على السلطة دفعت عددا منهم إلى الاستقواء، بالصليبيين، ومن هؤلاء الوزراء: شاور السعدي وضرغام.
هذا التهديد الصليبي دفع نور الدين زنكي إلى التفكير جدّيّا بالتدخل في شؤون مصر حتى لا تقع فريسة بأيدي الفرنج، فأرسل شيركوه الذي استطاع الاستيلاء على بلبيس والبلاد الشرقية ولكن قوات الصليبيّين وقوات شاور وحاصرت شيركوه في بلبيس ثلاثة أشهر حتى اضطروا لفك الحصار والاسراع إلى بلادهم عندما علموا باستيلاء نور الدين على حارم ومسيره إلى بانياس للاستيلاء عليها. وتكرر استنجاد شاور بالصليبيين إلى أن كانت سنة 564هـ حيث استطاع أن يدخل مصر ويؤمن لنور الدين ضم مصر والشام في جبهة واحدة كانت فيما بعد الأساس الصلب لطرد الصليبيين من بلادنا. هذا وقد اضطر شير كوه لقتل شاور حتى يأمن ما عهد من خيانته. (راجع الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي من 230إلى 234. والأعلام: 4/ 147و 3/ 154).(3/378)
والبناء بنقضه بساحل النيل بالفسطاط والقاهرة، وتزايد الهدم فيه واستمرّ إلى الآن، حتّى لم يبق من عمارته إلا ما بساحل النيل، وما جاوره إلى ما يلي الجامع العتيق وما دانى ذلك، ودثرت أكثر الخطط القديمة وعفا رسمها، واضمحلّ ما بقي منها وتغيرت معالمه.
وإذا نظرت إلى خطط الكنديّ والقضاعي والشريف النّسّابة، عرفت ما كان الفسطاط عليه من العمارة وما صار إليه الآن وإنما أجرينا ذكر بعض الخطط المتقدّمة، حفظا لأسمائها وتنبيها على ما كانت عليه، إلا أن في ساحله المطلّ على النيل الآن وما جاور ذلك المباني الحسنة، والدور العظيمة، والقصور العالية، التي تبهج الناظر، وتسرّ الخاطر.
وكان أكثر بنيانه بالآجرّ المحكوك والجبس والجير من أوثق بناء وأمكنه، وآثاره الباقية تشهد له بذلك، وقد صار ما خرب منه ودثر كيمانا كالجبال العظيمة، وهجر غالبها وترك، وسكن في بعضها رعاع الناس ممن لا يعبأ به في جوانب منها لا تعدّ في العامر.
ومن كيمانه المشهورة التي ذكرها القضاعيّ: كوم الجارح، وكوم دينار (1)، وكوم السمكة (2)، وكوم الزينة (3)، وكوم الترمس وزاد صاحب «إيقاظ المتغفل» كوم بني وائل، وكوم ابن غراب، وكوم الشقاق، وكوم المشانيق (4).
ويقابل الفسطاط من الجهة البحرية جزيرة الصّناعة المعروفة الآن بالرّوضة (5)، كانت صناعة العمائر (6) أوّلا بها فنسبت إليها.
__________
(1) هذا الكوم عرف بالشيخ دينار، وهو مدفون فيه. (الانتصار: 4/ 5).
(2) وقد قيل انه سمي بذلك لأن سمكة عظيمة حملت من البحر وطرحت هناك. (الانتصار: 4/ 53).
(3) سمي بذلك لأنه كان يجعل عليه زينة في الأعياد. (المرجع السابق).
(4) عرف بالمشانيق لأن أرباب الجرائم كانوا يشنقون في موضعه قبل أن يعمر. (المرجع السابق).
(5) وقد أسهب ابن دقماق في وصف هذه الجزيرة والكلام على جميع معالمها (أنظر الانتصار: من ص 109الى ص 120).
(6) مفردها عمارة، وهي كل شيء على الرأس من عمامة وقلنسوة ونحوهما. (المعجم الوسيط:
2/ 627).(3/379)
قال الكندي: وكان بناؤها في سنة أربع وخمسين ثم غلب عليها اسم الروضة لحسنها ونضارتها وإطافة الماء بها، وما بها من البساتين والقصور، وهي جزيرة قديمة كانت موجودة في زمن الروم. وكان بها حصن عليه سور وأبراج، وبين الفسطاط وبينها جسر ممتدّ من المراكب على وجه النيل كما في جسر بغداد على الدجلة ولم يزل قائما إلى أن قدم المأمون مصر فأحدث عليه جسرا من خشب تمر عليه المارة وترجع، وبعد خروج المأمون من مصر هبّت ريح عاصفة في الليل فقطعت الجسر القديم، وصدمت بسفنه الجسر المحدث فذهبا جميعا، ثم أعيد الجسر المحدث وبطل القديم.
وقد ذكر القضاعيّ: أنه كان موجودا إلى زمنه، وكان في الدولة الفاطمية، ثم جدّد الحصن المذكور أحمد بن طولون أمير مصر في خلافة المعتمد في سنة ثلاث ومائتين، ثم استهدم بعد ذلك بتأثير النيل في أبراجه ومرور الزمان عليه، ثم بنى الصالح نجم الدين أيوب قلعة مكانه في سنة ثمان وثلاثين وستمائة (1)، وبقيت حتّى هدمها المعز أيبك التركماني أوّل ملوك الترك. وعمر من نقضها مدرسته المعزّية برحبة الخروب، واتخذ الناس مكانها أملاكا، وهي على ذلك إلى زماننا، ولم يبق بها إلا بعض أبراج اتخذها الناس أملاكا وعمروا عليها بيوتا. فلما ملك الظاهر بيبرس، همّ بإعادتها فلم يتفق له ذلك وبقيت على حالها.
قلت: وكانت أرفة (2) النيل التي بين جزيرة الصناعة وبين الفسطاط هي أقوى الفرقتين والتي بين الجزيرة والجيزة هي الضعيفة، ثم انعكس الأمر إلى أن صار ما بين الجزيرة والفسطاط يجف ولا يعلوه الماء إلا في زيادة النيل، ويبدو بين آخر الفسطاط وهذه الجزيرة على فوّهة خليج القاهرة. [ويوجد في أوّل
__________
(1) حسب ابن دقماق: سنة 646هـ. (الانتصار: 4/ 110).
(2) في الأصل «أزمة» وهو تصحيف. والأزمة بالراء المهملة: الحدّ والمسناة، والمراد بها هنا الفرقة.
(هامش الطبعة الأميرية: 3/ 335).(3/380)
الخليج] (1) حيث السدّ الذي يفتح عند وفاء النيل مكان كالجزيرة، يعرف بمنشأة المهراني كان كوما يحرق فيه الآجرّ يعرف بالكوم الأحمر، عدّه القضاعي في جملة كيمان الفسطاط.
قال صاحب «إيقاظ المتغفل»: وأوّل من ابتدأ فيه العمارة بلبان المهراني (2)
في الدولة الظاهرية بيبرس فنسبت المنشأة إليه.
ويلي الفسطاط من غربيّه بركة تعرف ببركة الحبش (3)، وهي أرض مزدرعة، قال القضاعيّ: كانت تعرف ببركة المعافر وحمير، وكان في شرقيها جنّات تعرف بالحبش فنسبت إليها. وذكر ابن يونس (4) في تاريخه: أن تلك الجنات تعرف بقتادة بن قيس بن حبشي الصدفي، وهو ممن شهد فتح مصر.
قلت: وهي الآن موقوفة على الأشراف من ولد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقفها عليهم الصالح طلائع بن رزيك وزير الفائز والعاضد من الخلفاء الفاطميين.
ويليه من قبليّه حيث القرافة المكان المعروف بالخندق، كان قد احتفره عبد الرحمن بن عيينة خندقا في سنة خمس وستين من الهجرة عند مسير مروان بن الحكم إلى مصر، فعرف بذلك.
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2) وهو الأمير سيف الدين بلبان المهراني الذي سكنها وعمر بها دارا ومسجدا أمام الدار. وكان الفقيه نبيه الدين الخضري يؤمّ فيه. (الانتصار: 4/ 119).
(3) لما زار ياقوت الحموي مصر سنة 610هـ رأى بركة الحبش وقال عنها «إنها ليست بركة بالتعريف المقصود وإنما هي علم لأرض زراعية تروى بماء النيل عند فيضانه السنوي وهي من أجلّ منتزهات مصر». وهذه البركة موقعها اليوم منطقة الأراضي الزراعية التابعة لزمام قرية دير الطين، وجزء عظيم من الأراضي الزراعية التابعة لزمام قرية البساتين. (هامش الطبعة الأميرية:
3/ 336).
(4) هو عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي: مؤرخ محدّث له تاريخان: أحدهما كبير في «أخبار مصر ورجالها» والثاني صغير في «ذكر الغرباء الواردين على مصر». توفي سنة 347هـ.
(الأعلام: 3/ 294).(3/381)
وأما جوامعه فستة:
الأول الجامع العتيق المعروف بجامع عمرو (1)
وذلك أن عمرا لما بني داره الصغرى مكان فسطاطه على ما تقدّم ذكره، اختط الجامع المذكور في خطّة أهل الراية المتقدّمة الذكر.
قال القضاعيّ: وكان جنانا فيما ذكر الليث بن سعد (2). قال: وكان الذي حاز موضعه قيسبة بن كلثوم التّجيبيّ أحد بني سوم، فنزله في حصار الحصن المعروف بقصر الشّمع، فلما رجع عمرو من الإسكندرية، سأل قيسبة فيه ليجعله مسجدا فسلمه إليه، وقال: تصدّقت به على المسلمين، واختط له خطّة مع قومه في بني سوم في تجيب (3) فبني في سنة إحدى وعشرين، وكان طوله خمسين ذراعا في عرض ثلاثين ذراعا، ويقال: إنه وقف على قبلته ثمانون رجلا من الصحابة رضوان الله عليهم: منهم الزّبير بن العوّام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصّامت، وأبو الدّرداء، وأبو ذرّ الغفاريّ، وأبو بصرة الغفاريّ وغيرهم ولم يكن له يومئذ محراب مجوّف بل عمد قائمة بصدر الجدار، وكان له بابان يقابلان دار عمرو بن العاص، وبابان في بحريّه، وبابان في غربيّه، وطوله من قبليّه إلى بحريّه (4) مثل
__________
(1) وهو المسجد المشهور «بتاج الجوامع». وقد أسهب ابن دقماق في وصفه والكلام عليه (الانتصار 4/ من 59إلى 74). وفي العهد الفاطمي كان هذا الجامع إلى جانب الأزهر مصدر نور وعرفان وكانت حلقات العلم تعقد في هذا الجامع في مختلف فروع الثقافة المعروفة. وقال المقريزي أنه كان يدرّس فيه، الى جانب الفقه المالكي والشافعي، الفقه الشيعي وذلك في عصر الفاطميين.
(الحياة العقلية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام: ص 1211).
(2) وهو إمام أهل مصر في عصره حديثا وفقها. ولد بقلقشندة سنة 94هـ. وتوفي بالقاهرة سنة 175هـ.
(الأعلام: 5/ 248).
(3) خطة تجيب في الفسطاط. وتجيب: بطن من كندة وهو: أشرس بن شبيب بن السكون بن كندة.
(معجم البلدان: 2/ 16والانتصار: 3/ 4ومعجم قبائل العرب: 1/ 116).
(4) في الانتصار: «وكان طوله من القبلة الى الغرب مثل طول دار عمرو».(3/382)
طول دار عمرو، وبينه وبين دار عمرو سبعة أذرع. ولما فرغ من بنائه، اتخذ عمرو بن العاص له منبرا يخطب عليه، فكتب إليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعزم عليه في كسره، ويقول: أما يكفيك أن تقوم قائما والمسلمون جلوس تحت عقبيك؟ فكسره. ويقال: إنه أعاده إليه بعد وفاة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
وقيل إن زكريا بن مرقيا (1) ملك النّوبة أهدى لعبد الله بن أبي سرح العامريّ في إمارته على مصر منبرا (2) فجعله في الجامع ثم زاد فيه مسلمة بن مخلّد الأنصاري (3) في سنة ثلاث وخمسين من الهجرة، وهو يومئذ أمير مصر من قبل معاوية بن أبي سفيان زيادة من بحريّه، وزخرفه وهو أول من صلّى على الموتى داخل الجامع (4)، وتوالت فيه الزيادات والتجديدات إلى زماننا. وأول من رتب فيه قراءة المصحف عبد العزيز بن مروان (5) في إمارته في سنة ست وسبعين، ورفع عبد الله بن عبد الملك سقفه في سنة تسع وثمانين بعد أن كان مطأطأ، ثم جعل فيه المحراب المجوّف قرّة بن شريك العبسيّ اتّباعا لعمر بن عبد العزيز في
__________
(1) في الانتصار: 4/ 62 «ابن مرقنل».
(2) وكان قرّة بن شريك العبسي والي مصر من قبل الوليد بن عبد الملك قد هدم المسجد سنة 92هـ بأمر الوليد وابتدأ في إعادة بنائه في السنة نفسها وفرغ منه سنة 93هـ ونصب المنبر الجديد سنة 94هـ.
ونزع المنبر الذي كان في المسجد الذي قيل عنه أنه منبر عبد العزيز بن مروان، وهو المنبر الذي أشار القلقشندي الى أن زكريا بن مرقنى قد أهداه الى عبد الله بن سعد بن أبي سرح. (الانتصار:
4/ 63).
(3) ولي مصر في أيام معاوية سنة 47هـ وتوفي بها سنة 62هـ. (المرجع السابق).
(4) ذكر في الانتصار أن مسلمة نقض ما كان عمرو بن العاص بناه وزاد فيه من شرقيه وجعل له أربع صوامع في أركانه الأربعة، وأمر ببناء المنار في جميع المساجد خلا مسجدي تجيب وخولان، وأمر بكتابة اسمه على المنار وأمر مؤذني الجامع أن يؤذنوا الفجر إذا مرّ نصف الليل، وأمر ألا يضرب بناقوس عند أذان الفجر. (المرجع السابق).
(5) ذكر في الانتصار أن عبد العزيز زاد فيه من ناحية الغرب. وذكر أبو عمرو الكندي في كتاب الأمراء، أنه زاد فيه من جوانبه كلها. (المرجع السابق).(3/383)
محراب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وأحدث فيه المقصورة تبعا لمعاوية حيث فعل ذلك بالشأم.
وفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة أمر موسى بن نصير اللخميّ وهو أمير (1) مصر باتخاذ المنابر في جميع جوامع قرى مصر. وأول من نصب اللوح الأخضر فيه عبد الله بن طاهر (2)، وهو أمير مصر في سنة اثنتي عشرة ومائتين ثم احترق الرّواق الذي فيه اللوح الأخضر في ولاية خمارويه بن أحمد بن طولون، فعمره (3)
خمارويه في سنة خمس وسبعين ومائتين. ثم جدّد اللوح «الظاهر بيبرس» في سنة ست وستين وستمائة. ثم جدّد اللوح الأخضر برهان الدين المحلّي التاجر في سلطنة «الظاهر برقوق» في أواخرها (4).
وقد وصف صاحب «إيقاظ المتغفل» الجامع على ما كان في زمانه في حدود ثلاث عشرة وسبعمائة فقال: إن ذرعه ثمانية وعشرون ألفا بذراع العمل (5)، مقدّمه ثمانية آلاف ذراع وتسعمائة ذراع وخمسون ذراعا، ومؤخّره ثمانية آلاف ذراع وتسعمائة وخمسون ذراعا، وصحنه خمسة آلاف ذراع، جانبه الشرقيّ ألفا ذراع وخمسمائة ذراع وخمسون ذراعا، وجانبه الغربيّ كذلك وأبوابه ثلاثة عشر بابا لكل باب منها اسم يخصّه في جانبه القبلي باب واحد (6)، وبه أربعة وعشرون
__________
(1) من قبل مروان بن محمد.
(2) تولى مصر من قبل المأمون سنة 211هـ. وقد أدخل على الجامع زيادات كثيرة فصلها ابن دقماق في الانتصار: 4/ 65.
(3) وقد احترق الجامع ليلة الجمعة التاسع من صفر سنة 275هـ. واحترق رواق اللوح الأخضر المذكور، فأمر خمارويه بعمارته على يد أحمد بن محمد العجيفي فوضع لوحا أخضر آخر مكان اللوح المحترق، وأعيد الرواق على ما كان عليه. (الانتصار: 4/ 6766).
(4) وقد طرأت على الجامع زيادات عديدة فصلها ابن دقماق في الانتصار من صفحة 62الى 74من الجزء الرابع.
(5) ذراع العمل المحرّر على القصبة الحاكمية. (الانتصار: 4/ 59).
(6) وهو المشهور بباب «الزيزلخته» الذي يدخل منه الخطيب. وأضاف في الانتصار: 4/ 59 «وفي جداره البحري ثلاثة أبواب، وفي جداره الشرقي خمسة أبواب، وفي جداره الغربي أربعة أبواب» وقد فصل ابن دقماق أماكن هذه الأبواب تفصيلا وافيا.(3/384)
رواقا، سبعة في مقدمه، وسبعة في مؤخّره، وخمسة في شرقيه، وخمسة في غربيّه وفيه ثلاثمائة عمود وثمانية وستون (1) عمودا، بعضها منفرد وبعضها مضاف مع غيره وبصدره ثلاثة محاريب: المحراب الكبير المجاور للمنبر، والمحراب الأوسط، ومحراب الخمس وفيه خمس صوامع (2): إحداها في ركنه القبليّ مما يلي الغربي، وهي الغرفة، والثانية في ركنه القبلي مما يلي الشرقيّ، وهي المنارة الكبرى، والثالثة في ركنه البحريّ مما يلي الشرقيّ، وتعرف بالجديدة والرابعة فيما بين هذه المنارة والمنارة الآتي ذكرها، وتعرف بالسعيدة والخامسة في الركن البحريّ مما يلي الغربي (3) مقابل باب السطح، وتعرف بالمستجدّة.
وهو على هذه الصفة إلى الآن لكنه قد استهدم رواق اللوح الأخضر والرواقات التي داخله، فأمر السلطان الملك الظاهر ببنيانها، فعلقت جدره على الخشب، فاخترمته (4) المنية قبل الشروع في البناء، وأخذ القاضي برهان الدين المحلّي تاجر الخاص في عمارة ذلك، فهدم رواق اللوح الأخضر وما داخله، وجدّد اللوح الذي كان قد نصبه الظاهر بيبرس، وعمر الرواقات المستهدمة أنفس عمارة وأحسنها.
قلت: ومما يجب التنبيه عليه أنه قد تقدّم أنه وقف على إقامة محراب هذا الجامع ثمانون رجلا من الصحابة، وحينئذ فيلحق بمحاريب البصرة والكوفة على الوجه الصائر إليه بعض أصحابنا الشافعية في أنه لا يجتهد في التيامن والتياسر (5)
في محاريبهما كما نبه عليه الشيخ تقيّ الدين السبكي (6) في شرح منهاج النوويّ في
__________
(1) جاء في الانتصار، نقلا عن نفس مصدر القلقشندي: «وفيه ثلاثمائة عمود وثمانية وسبعون عمودا». (المرجع السابق).
(2) حسب ابن دقماق: الصوامع هي نفسها المآذن. (المرجع السابق).
(3) في المرجع السابق: «مما يلي الشرقي».
(4) أي أخذته المنيّة. (القاموس: 4/ 105).
(5) أي الأخذ في جهة اليمين والأخذ في جهة اليسار.
(6) هو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمّام السبكي الأنصاري الخزرجي: شيخ الإسلام في عصره وأحد الحفاظ المفسرين المناظرين، وهو والد التاج السبكي صاحب «الطبقات». توفي سنة 756 هـ. وكتابه المذكور هو: «الابتهاج في شرح المنهاج». (الأعلام: 4/ 302).(3/385)
الفقه، لكن قد ذكر القضاعي في خططه عن الليث بن سعد وابن لهيعة أنهما كانا يتيامنان في صلاتهما فيه، وأن محرابه كان مشرقا جدّا، وأن قرّة بن شريك حين هدمه وبناه، تيامن به قليلا.
وقد حكى الشيخ تقيّ الدين السبكي في شرح المنهاج أيضا عن بعض علماء الميقات: أنه أخبره أن فيه الآن انحرافا قليلا. قال: ولعله من تغيير البناء، وقد سألت بعض علماء هذا الشأن عن ذلك، فأخبرني عن الشيخ تقيّ الدين أبي الطاهر رأس علماء الميقات في زماننا أنه كان يقول: من الدلالة على صحة عملنا في استخراج القبلة موافقته لمحراب الجامع العتيق.
الثاني الجامع الطّولوني (1)
بناه أحمد بن طولون في سنة (2) تسع وخمسين ومائتين على الجبل المعروف بجبل يشكر.
قال القضاعيّ: وينسب إلى يشكر بن جزيلة (3) من لخم، كان خطّة لهم.
قال ابن عبد الظاهر: وهو جبل مبارك معروف بإجابة الدعاء فيه.
__________
(1) كان الجامع الطولوني منار هدى وعرفان منذ إنشائه ولكن أطفئت مصابيحه طوال عهد الحروب الصليبية، بل قبل أن تشب تلك الحروب بزمن مديد، ذلك أن الغلاء الذي اجتاح مصر في عهد المستنصر بالله (427هـ 487) خرّب قطائع ابن طولون بأسرها ولم يبق ثمة ساكن حول الجامع. وتوالت الأيام على ذلك وتشعّث الجامع وخرب أكثره وصار أخيرا مأوى للمغاربة القادمين الى الحج ينزلون فيه بأباعرهم ومتاعهم عند ما ينزلون بمصر. وطالت على المسجد الأيام وظل خرابا الى سنة 696هـ إذ أمر بتجديده المنصور لاجين ورتّب فيه دروسا لإلقاء الفقه على المذاهب الأربعة، ودرسا لتفسير القرآن الكريم، ودرسا للحديث ودرسا للطب ودرسا للقراءات ودرسا للميقات. (الحياة العقلية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام: ص 17).
(2) وقد اختلف المؤرخون في تحديد السنة التي بني فيها الجامع. (راجع الانتصار: 4/ 122).
(3) كذا في معجم قبائل العرب. وفي الانتصار: «يشكر بن جديلة» بالدال المهملة.(3/386)
قال: ويقال: إن الله تعالى كلم موسى عليه السلام عليه. ويقال: إن ابن طولون أنفق على هذا الجامع مائة ألف دينار وعشرين ألفا من كنز وجده. ويقال:
إنه لما فرغ من بنائه أمر بتسمع ما يقوله الناس فيه من العيوب، فسمع رجل يقول:
محرابه صغير، وآخر يقول: ليس فيه عمود، وآخر يقول: ليس فيه ميضأة، فقال:
أما المحراب، فإني رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد خطه لي، فأصبحت فرأيت النّمل قد أطافت بالمكان الذي خطه لي. وأما العمد، فإني بنيته من مال حلال، وهو الكنز الذي وجدته فما كنت لأشوبه بغيره، والعمد لا تكون إلا من مسجد أو كنيسة فنزهته عن ذلك. وأما الميضأة، فأردت تطهيره من النجاسات، وها أنا أبنيها خلفه، ثم أمر ببنائها على القرب.
ويحكى أنه كان لا يبعث بشيء قط، وأنه أخذ يوما درج ورق أبيض وأخرجه ومده كالحلزون، ثم استيقظ لنفسه وظن أنه فطن له، فأمر بعمارة المنارة على تلك الهيئة، وعلى نظير العشاري الذي على رأسها عمل العشاري على رأس قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه. ولما فرغ من بناء الجامع رأى في منامه كأن نارا نزلت من السماء فأحرقت الجامع دون ما حوله فقصّ (1) رؤياه على عابر فقال له: بشراك قبوله، فإن الأمم الخالية كانوا إذا قرّبوا قربانا فتقبّل، نزلت نار من السماء فأكلته، كما في قصة هابيل وقابيل ورأى مرة أخرى كأن الحق سبحانه وتعالى تجلّى على ما حول الجامع فعبره له عابر بأنه يخرب ما حول الجامع ويبقي هو، بدليل قوله تعالى: {فَلَمََّا تَجَلََّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (2) وكان الأمر كذلك، فهدمت (3)
منازل بني طولون في نكبتهم ولم يبق منها إلا الجامع.
__________
(1) في الأصل «فعبّر» وقد استبدلها محقق الطبعة الأميرية بهذا اللفظ عن نص المقريزي. ونحن لا نرى حاجة لتغييرها إذ هي من الألفاظ المستعملة في ذلك العصر.
(2) سورة الأعراف / 143.
(3) راجع الصفحة السابقة، هامش (1).(3/387)
الثالث جامع راشدة (1)
بناه الحاكم بأمر الله الفاطميّ جنوبيّ الفسطاط، على القرب من الرصد (2)، وأدخله في وقفه مع الجامع الأزهر وجامع المقس (3).
قال في «إيقاظ المتغفل»: ليس هو بجامع راشدة حقيقة، وإنما جامع راشدة كان بالقرب منه، وهو جامع قديم بنته قبيلة يقال لها راشدة (4) عند الفتح الإسلامي، فلما بنى الحاكم هذا سمي باسمه. قال: وقد أدركت بعضه ومحرابه، وكان فيه شجر كثير من شجر المقل (5).
الرابع جامع الرصد
بناه الأمير عز الدين أيبك الأفرم (6) أمير جاندار (7) الصالحيّ النجميّ في
__________
(1) أو الجامع الحاكمي، وهو بين دير الطين والفسطاط. وقال صاحب «إيقاظ المتغفل»: أمر الحاكم بعمارته سنة 393هـ. (الانتصار: 4/ 78) وفي «الحياة العقلية»: جامع الحاكم، أسسه العزيز بالله ثم أكمله الحاكم بأمر الله، وتمت عمارته سنة 393هـ. وبرغم أن الخليفة الفاطمي كان يلقي فيه خطبة الجمعة مرّة وفي الأزهر مرّة وفي جامع عمرو مرّة، لم يستطع جامع الحاكم منافسة صاحبيه في حمل مصباح الثقافة ونشرها وبعد انقضاء عصر الحروب الصليبية عاد جامع الحاكم واحتل مكانة علمية بارزة. (الحياة العقلية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام: ص 18).
(2) جاء في الانتصار: 4/ 58 «أمر الحاكم ببناء المسجد عند بقية بناء القصر المعروف ب «ليون» وأن يعمل فوقه رصد للكواكب وذلك سنة 403هـ.
(3) لعله جامع «المقياس» الذي عمّره الأفضل بن أمير الجيوش، وقد هدمه السلطان الملك المؤيد سنة 824هـ ثم وسّعه وعمره أحسن مما كان. (الانتصار: 4/ 116115).
(4) راشدة بن مالك، بطن من لخم من القحطانية. (معجم قبائل العرب: 2/ 413).
(5) شجر يشبه النخل (المعجم الوسيط: 881).
(6) أول ملوك الدولة التركية بعد بني أيوب.
(7) الجاندارية: فئة من مماليك السلطان أو الأمير ومثلها الخاصكية، وهي مركبة من لفظين فارسيين، أحدهما «جان» ومعناه سلاح، والثاني «دار» ومعناه: ممسك. ووظيفة أمير جاندار السلطان أن صاحبها يستأذن على دخول الأمراء للخدمة ويدخل أمامهم الى الديوان. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: ص 82. وانظر في «الخاصكية» تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل:
ص 81).(3/388)
شهور سنة ثلاث وستين وستمائة، عمر منظرته المعروفة به هناك، وعمر رباطا (1)
بجانبه قرّر فيه عددا تنعقد به الجمعة مقيمين فيه ليلا ونهارا.
الخامس جامع الشعيبية (2) بظاهر مصر أيضا
بناه الأمير عز الدين الأفرم المذكور في سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وسكنه الشيخ شمس الدين بن اللبان الفقيه الشافعيّ الصوفيّ فعرف به الآن.
السادس الجامع الجديد (3)
بناه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون بالقرب من موردة الحلفاء (4)، وبدأ بعمارته في التاسع من المحرّم في سنة إحدى عشر (5) وسبعمائة، وانتهت عمارته في ثامن صفر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وخطب به قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعي (6)، وصلّى فيه الجمعة في التاسع (7) من الشهر المذكور، ورتب فيه صوفية يحضرونه بعد العصر كما في الخوانق (8)، وهو من
__________
(1) الرباط هو ملجأ الفقراء من الصوفية. وفي الانتصار: 4/ 78 «الجامع بالرصد عمره الأمير عز الدين أبيك الأفرم، وذلك أنه لما عمر المنظرة هناك وعمر بجوارها رباطا للفقراء وهم عدة تنعقد بهم الجمعة، وقرر إقامتهم فيه ليلا ونهارا، وقرر كفايتهم».
(2) جاء في الانتصار: 4/ 78 «الجامع بجسر الشعيبية، بناه عز الدين أيبك لما كثرت الخلائق في خطه، فقصد أن يعمل خطبة في مسجد الجلالة الذي ببركة الشقاف بظاهر الفسطاط فمنعه الفقيه مؤتمن الملك الحارث بن مسكين، فحصل عنده بسبب ردّه ضيق في صدره فأشار عليه الصاحب تاج الدين بعمارة هذا الجامع في هذه البقعة لقربه منه ولاجتماعهما فيه.
(3) وهو المعروف بالجامع الناصري بظاهر مصر الفسطاط. وقد ذكر ابن دقماق صفاته ومساحته وأعمدته الخ.
(4) في الأصل «موردة الخلفاء» وهو تحريف. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 342).
(5) عشرة.
(6) هو محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة. توفي بمصر سنة 733هـ. (الأعلام: 5/ 297).
(7) في الانتصار: 4/ 76 «في الثامن من الشهر المذكور».
(8) جمع خانقاه: فارسية معناها: بيت وأصلها: خونقاه، أي الموضع الذي يأكل فيه الملك.
(مصطلحات صبح الأعشى: 115، عن المقريزي: 2/ 414).(3/389)
أحسن الجوامع وأنزهها بقعة خصوصا في أيام زيادة النيل.
وأما مساجد الخمس
فكانت على العدد (1) الذي لا يحصى لكثرتها، وخطط القضاعي شاهدة بذلك.
وقد رأيت في بعض التواريخ أن الفناء وقع في أيام كافور الإخشيدي حتى لم يجدوا من يقبل الزكاة، فأتوا بها إلى كافور فلم يقبلها، وقال: ابنوا بها المساجد واتخذوا لها الأوقاف، فكان ذلك سبب زيادة الكثرة فيها، ولكنها الآن قد خربت بخراب الفسطاط ودثرت ولم يبق إلا آثار القليل منها.
وأما المدارس
(2) فكان المتقدّمون يجلسون للعلم بالجامع العتيق وأول من أحدث المدارس بالفسطاط بنو أيوب، فعمر السلطان صلاح الدين رحمه الله مدرستين:
إحداهما مدرسة المالكية
(3)، المعروفة بالقمحية في المحرم سنة ست وستين وخمسمائة، وسميت بالقمحية لأن معلومها يصرف للمدرسين والطلبة قحما.
__________
(1) وقد عدد ابن دقماق هذه المساجد في الانتصار من صفحة 59الى صفحة 92.
(2) كان المسجد للمسلمين مكان صلاتهم وعبادتهم ويأوون اليه لتلقي القرآن وعلومه، والحديث وفنونه وعلوم اللسان. أما المدارس فمما حدث في الإسلام ولم تكن تعرف في زمن الصحابة والتابعين، وإنما حدث إنشاؤها بعد القرن الرابع الهجري. ونقصد بالمدارس تلك الدور المنظمة التي يأوي اليها طلاب العلم وتدرّ عليهم فيها الأرزاق ويتولى التدريس لهم وتثقيفهم فئة صالحة من المدرسين والعلماء يوسّع عليهم في الرزق ويختارون بحسب شروط الواقف ممن يحسنون القيام بالغرض الذي ندبوا له ويجازون بما تعلموا من ضروب المعارف الإلهية والبشرية. وكانت هيئة المدارس في الجملة لا تختلف عن هيئة المساجد. (راجع الحياة العقلية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام ص 30وما بعدها).
(3) وقد زالت هذه المدرسة، ومحلها اليوم أرض فضاء في الجهة الشرقية من جامع عمرو بمصر القديمة بجوار أقمان الجير والفواخير. (الحياة العقلية: هامش ص 44).(3/390)
قال العماد الكاتب (1): وكانت قبل ذلك سوقا يباع فيه الغزل (2).
والثانية المدرسة المعروفة (3) بابن زين التجار
، وكانت سجنا يسجن فيه فبناها السلطان صلاح الدين مدرسة ووقفها (4) على الشافعية، ووقف عليها الصاغة المجاورة لها ثم عمر الملك المظفر تقيّ الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب بالمكان المعروف بمنازل العز بالقرب من باب القنطرة قبلي الفسطاط مدرسة (5) ووقف عليها أوقافا من جملتها جزيرة الصّناعة المعروفة بالرّوضة.
ثم بنى السلطان الملك المعزّ أيبك التركماني أول ملوك الترك مدرسته المعزية برحبة الخرّوب في شهور سنة أربع وخمسين وستمائة.
وعمر الصاحب شرف الدين بن الفائزي مدرسته الفائزية قبل وزارته في شهور سنة سبع وثلاثين وستمائة.
وعمر الصاحب بهاء الدين بن حنّا المدرسة الصاحبية بزقاق القناديل بعد (6)
ذلك.
وأما الخوانق والرّبط
فلم (7) تعهد بالفسطاط، غير أن الصاحب بهاء الدين
__________
(1) هو محمد بن محمد، عماد الدين الكاتب الأصفهاني: مؤرخ عالم بالأدب. توفي سنة 597هـ.
(الأعلام 7/ 26).
(2) وهو القطن حين يغزل. (القاموس: 4/ 24).
(3) وهي المعروفة بالمدرسة الشريفية، بجانب جامع مصر في شرقيه. (الانتصار: 4/ 93).
(4) كما أنشأ صلاح الدين بالقاهرة أيضا المدرسة الناصرية والمدرسة الصلاحية ووقفهما على الشافعية (الحياة العقلية: 42، 43).
(5) وهي المدرسة التقوية المعروفة بمنازل العز. (الانتصار: 4/ 93).
(6) في الانتصار: سنة 654هـ. وفي الحياة العقلية: ص 44 «أنشأ هذه المدرسة وزير الملك العادل صفي الدين بن شكر ووقفها على المالكية. ويشغل مكان هذه المدرسة اليوم منزلان متجاوران أحدهما رقم 81، بشارع الوزير الصاحب والآخر رقم 141زقاق سعادة شارع درب سعادة.
هذا وقد ذكر ابن دقماق عددا من المدارس الأخرى (الانتصار: 4/ 92الى 98).
(7) ذكر ابن دقماق: الخانقاه الناصرية داخل الجامع الناصري، كما ذكر عددا من الربط. (الانتصار:
4/ 102101).(3/391)
ابن حنّا عمر رباط الآثار الشريفة النبوية بظاهر قبليّ الفسطاط واشترى الآثار الشريفة وهي ميل (1) من نحاس، وملقط من حديد، وقطعة من العنزة (2)، وقطعة من القصعة بجملة مال وأثبتها بالاستفاضة وجعلها بهذا الرباط للزيارة.
وأما البيمارستان
(3) فأول من أنشأه بالفسطاط أحمد بن طولون في سنة تسع وخمسين ومائتين (4) وأنفق عليه ستين ألف دينار.
قال القضاعيّ: ولم يكن قبله بيمارستان بمصر، وشرط ألا يعالج فيه جنديّ ولا مملوك.
القاعدة الثانية القاهرة
(بألف ولام لازمين في أولها وقاف مفتوحة بعدها ألف ثم هاء مكسورة وراء مهملة مفتوحة ثم هاء في الآخر) ويقال فيها القاهرة المعزّيّة نسبة إلى المعزّ الفاطميّ الذي بنيت له، وربما قيل المعزية القاهرة، سميت بذلك تفاؤلا، وهي المدينة العظمى التي ليس لها نظير في الآفاق، ولا يسمع بمثلها في مصر من الأمصار.
بناها القائد جوهر المعزيّ لمولاه المعزّ لدين الله أبي تميم معدّ بن المنصور أبي الطاهر إسماعيل بن القائم أبي القاسم محمد بن المهديّ بالله أبي محمد عبيد الله الفاطميّ في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، عند وصوله إلى الديار المصرية
__________
(1) الميل: ما يجعل به الكحل في العين. (المعجم الوسيط: 894).
(2) أطول من العصا وأقصر من الرمح، في أسفلها زجّ كزج الرمح يتوكأ عليها الشيخ الكبير.
(المعجم الوسيط: 631).
(3) كان مستشفى ومدرسة لتعليم الطب في نفس الوقت. (راجع دائرة المعارف الإسلامية:
9/ 54).
(4) وقيل سنة 261هـ. وكان يعرف بالأعلى. (الانتصار: 4/ 99).(3/392)
من المغرب، واستيلائه عليها، وموقعها شمالي الفسطاط المتقدّم ذكره على القرب منه.
قال في «الروض المعطار»: وبينهما ثلاثة أميال. وكأنه يريد ما كان عليه الحال في ابتداء عمارة القاهرة وهو ما بين سور الفسطاط وسور القاهرة.
أما الآن فقد انتشرت الأبنية واتصلت العمارة حتى كادت المدينتان تتصلان أو اتصلتا.
قال القاضي محي الدين بن عبد الله الظاهر في خطط القاهرة: والذي استقرّ عليه الحال أن حدّ القاهرة من السبع سقايات إلى مشهد السيدة رقيّة عرضا، وكان قبل ذلك من المجنونة.
قال ابن سعيد: وكان مكانها قبل العمارة بستانا لبني (1) طولون على القرب من منازلهم المعروفة بالقطائع. وكيفما كان، فطولها وعرضها في معنى طول الفسطاط وعرضه أو أكثر عرضا بقليل، وكان ابتداء عمارتها أنّ أمر إفريقيّة وغيرها من بلاد المغرب كان قد أفضى إلى المعزّ المذكور، وقوي طمعه في مصر بعد موت كافور الإخشيدي وهي يومئذ والشأم والحجاز بيد أحمد بن علي بن الإخشيد أستاذ كافور وهو صبيّ لم يبلغ الحلم، والمتكلم في المملكة أهل دولته، والحسين بن عبد الله في الشأم كالنائب أو الشريك له، يدعى له بعده على المنابر.
وكانت مصر قد ضعف عسكرها لما دهمها من الغلاء والوباء، فجهز المعزّ قائده جوهر. المتقدّم ذكره، فبرز جوهر إلى مدينة رقّادة (2) من بلاد إفريقيّة في أكثر من مائة ألف وما يزيد على ألف صندوق من المال، وخرج المعزّ لتشييعه، فقال للمشايخ الذين معه: «والله لو خرج جوهر هذا وحده لفتح مصر، وليدخلنها
__________
(1) في الانتصار: 5/ 35. «نزل جوهر عند بستان الإخشيد، وهو موضع القاهرة، وهو المعروف ببستان كافور».
(2) بينها وبين القيروان أربعة أيام. (معجم البلدان: 3/ 55).(3/393)
بالأردية من غير حرب، ولينزلن في خرابات ابن طولون، ويبني مدينة تسمّى القاهرة تقهر الدنيا» وكان للمعز غلام ببرقة اسمه أفلح، فكتب إليه المعزّ أن يترجّل لجوهر إذا عبر عليه ويقبل يديه، فبذل مائة ألف دينار على أن يعفى من ذلك، فأبى المعزّ إلا ذلك، فترجّل من مكانه وقبّل يديه، وسار جوهر حتّى دخل مصر وتسلمها لسبع عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، ونزل في مناخه من سفره موضع القاهرة الآن ليلا، واختط القصر في بنائه وعمارة القاهرة، واختط الناس حوله.
فأما القصر
وكان له تسعة أبواب
فإنه اختطه في الليلة التي أناخ فيها قبل أن يصبح، فلما أصبح رأى فيه ازورارات غير معتدلة فلم يعجبه، ثم قال: قد حفر في ليلة مباركة وساعة سعيدة، فتركه على حاله وتمادي في بنيانه حتّى أكمله.
ومكانه الآن المدرسة الصالحية بين القصرين إلى رحبة الأيدمريّ طولا، ومن السبع خوخ إلى رحبة باب العيد عرضا، والحدّ الجامع لذلك أن تجعل باب المدرسة الصالحية على يسارك وتمضي إلى السبع خوخ، ثم إلى مشهد الحسين، ثم إلى رحبة الأيدمري، ثم إلى الركن المخلّق، ثم إلى بين القصرين حتّى تأتي إلى باب المدرسة الصالحية من حيث ابتدأت فما كان على يسارك في جميع دورتك فهو موضع القصر.
وكان له تسعة أبواب بعضها أصلي وبعضها مستحدث:
أحدها باب الذهب
(1)، ويقال إنه كان مكان المدرسة الظاهرية الآن.
الثاني باب البحر
، ويقال إن مكانه باب قصر بشتاك (2). قال ابن عبد الظاهر
__________
(1) وهو باب القصر الأعظم. وكان يقابل باب القصر الغربي. (الانتصار: 5/ 37).
(2) ذكر المقريزي أنه قبالة المدرسة الكاملية. وموضعه اليوم مدخل حارة بيت القاضي تجاه جامع الملك الكامل بشارع بين القصرين. وفي الأصل «يشبك». (هامش الطبعة الأميرية:
3/ 346).(3/394)
وهو من بناء الحاكم.
الثالث باب الزّهومة
، ومكانه قاعة شيخ الحنابلة بالمدرسة الصالحية، وكانت الصاغة مطبخا للقصر، وكانوا يدخلون بالطعام إلى القصر من ذلك الباب فسمي باب الزهومة لذلك، والزّهومة: الذّفر.
الرابع باب التربة
ويقال إن مكانه بين باب الزّهومة المتقدّم الذكر ومشهد الحسين.
الخامس باب الدّيلم
، وهو باب مشهد الحسين.
السادس باب قصر الشوك
، ومكانه بالموضع المعروف بقصر الشوك على القرب من رحبة الأيدمريّ.
السابع باب العيد
، وهو باب البيمارستان العتيق، سمي بذلك لأن الخليفة كان يخرج منه لصلاة العيد، وإليه تنسب رحبة باب العيد.
الثامن باب الزّمرّد
، وهو إلى جانب باب العيد المتقدّم ذكره.
التاسع باب الريح
، وقد ذكر ابن الطّويّر أنه كان في ركن القصر الذي يقابل سور دار سعيد السعداء التي هي الخانقاه الآن.
ثم استجد المأمون بن البطائحي وزير الآمر تحت القوس الذي بين باب الذهب وباب البحر ثلاث مناظر، وسمى إحداها الزاهرة، والثانية الفاخرة، والثالثة الناضرة. وكان «الآمر» يجلس فيها لعرض العساكر في عيد الغدير، والوزير واقف في قوس باب الذهب، وكان مكان السيوفيين الآن سلسلة ممتدّة إلى ما يقابلها تعلق في كل يوم من وقت الظهر حتى لا يجوز تحت القصر راكب، ولذلك يعرف هذا المكان بدرب السلسلة.
ومما هو داخل في حدود القصر «مشهد الحسين».
وسبب بنائه أن رأس الإمام الحسين عليه السلام كانت بعسقلان، فخشي الصالح طلائع بن رزّيك عليها من الفرنج فبني جامعه خارج باب زويلة، وقصد
نقل الرأس إليه فغلبه الفائز على ذلك، وأمر بابتناء هذا المشهد، ونقل الرأس إليه في سنة تسع وأربعين وخمسمائة.(3/395)
وسبب بنائه أن رأس الإمام الحسين عليه السلام كانت بعسقلان، فخشي الصالح طلائع بن رزّيك عليها من الفرنج فبني جامعه خارج باب زويلة، وقصد
نقل الرأس إليه فغلبه الفائز على ذلك، وأمر بابتناء هذا المشهد، ونقل الرأس إليه في سنة تسع وأربعين وخمسمائة.
ومن غريب ما اتفق من بركة هذه (1) الرأس الشريفة ما حكاه القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب حتى استولى على هذا القصر بعد موت العاضد، آخر خلفاء الفاطميين بمصر، قبض على خادم من خدّام القصر وحلق رأسه وشدّ عليها طاسا داخله خنافس فلم يتأثر بها، فسأله السلطان صلاح الدين عن ذلك وما السر فيه، فأخبر أنه حين أحضرت الرأس الشريفة إلى المشهد حملها على رأسه، فخلّى عنه السلطان وأحسن إليه.
وكان بجوار القصر قصر صغير يعرف بالقصر النافعيّ من جهة السبع خوخ فيه عجائز الفاطميين.
قلت: ولم يزل هذا القصر منزلة الخلفاء الفاطميين من لدن المعزّ أوّل خلفائهم بمصر وإلى آخر أيام العاضد آخر خلفائهم، وكان الوزراء ينزلون بدار الوزارة التي ابتناها أمير الجيوش بدر الجمالي داخل باب النصر مكان الخانقاه الركنية بيبرس الآن. فلما ولي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب الوزارة عن العاضد بعد عمه أسد الدين شير كوه، نزل بدار الوزارة المذكورة، وبقي بها حتّى مات العاضد فتحوّل إلى القصر وسكنه ثم سكنه بعده أخوه العادل أبو بكر. فلما ملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر انتقل منه إلى قلعة الجبل على ما سيأتي ذكره في الكلام على القلعة إن شاء الله تعالى. وصارت دار الوزارة المتقدّمة الذكر منزلا للرسل الواردين من الممالك إلى أن عمر مكانها السلطان الملك المظفر بيبرس الجاشنكير الخانقاه المعروفة به، وخلا القصر من حينئذ من ساكنيه، وأهمل أمره فخرب.
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: قال لي بوّاب لباب الزّهومة اسمه
__________
(1) الرأس في اللغة مذكّر. وربما أنثه مجاراة للغة العامة.(3/396)
مرهف في سنة ثلاثين وستمائة: كان لي على هذا الباب المدّة الطويلة ما رأيته دخل فيه حطب ولا رمي منه تراب. قال: وهذا أحد أسباب خرابه لوقود أخشابه وتكويم ترابه ثم أخذ الناس بعد ذلك في تملكه واستحكاره، وعمرت فيه المدارس والآدر، فبنى السلطان الملك الصالح «نجم الدين أيوب» فيه مدرسته الصالحية، ثم بنى «الظاهر بيبرس» فيه مدرسته الظاهرية، وبنى فيه بشتاك أحد أمراء الدولة الناصرية محمد بن قلاوون فيه قصره المعروف به، وجعلت دار الضرب في وسطه، ولم يبق من آثاره إلا البيمارستان العتيق، فإنه كان قاعة بناها العزيز بالله بن المعزّ الفاطمي على ما سيأتي ذكره.
وكذلك القبة التي على رأس السالك من هذا البيمارستان إلى رحبة باب العيد، وبعض جدر لا يعتدّ بها قد دخلت في جملة الأملاك.
وأما (أبواب القاهرة وأسوارها) فإن القائد جوهرا حين اختطّها جعل لها أربعة أبواب: بابين متقاربين، وبابين متباعدين. فالمتقاربان (باب زويلة) نسبة إلى زويلة: قبيلة من قبائل البربر الواصلين مع جوهر من المغرب، ولذلك يقع في عبارة الموثّقين وغيرهم بابا زويلة وأحد هذين البابين القوس الموجود الآن المجاور للمسجد المعروف بسام بن نوح عليه السلام. والثاني كان موضع الحوانيت التي يباع فيها الجبن على يسرة القوس المتقدّم ذكره يدخل منه إلى المحمودية. وكان سبب إبطاله وسدّه أن المعزّ الذي بنيت له القاهرة لما دخلها عند وصوله من المغرب، دخل من القوس الموجود الآن هناك فازدحم الناس فيه وتجنبوا الدخول من الباب الآخر، واشتهر بين الناس أن من دخل منه لم تقض له حاجة، فرفض وسدّ وجعل زقاق جنوبيّه يتوصل منه إلى المحمودية، وزقاق شماليّه يتوصل منه إلى الأنماطيين وما يليها.
والبابان المتباعدان هما القوس الذي داخل باب الفتوح خارج حارة بهاء الدين وقوس آخر كان على حياله داخل باب النصر بالقرب من وكالة قيسون الآن،
فهدم ثم ابتنى أمير الجيوش بدر الجمالي المتقدّم ذكره في سنة ثمانين وأربعمائة سورا من لبن دائرا على القاهرة، وبعضه باق إلى زماننا بخط سوق الغنم داخل الباب المحروق ثم ابتنى (1) الأفضل بن أمير الجيوش باب زويلة، وباب النصر، وباب الفتوح الموجودين الآن فيما ذكره القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في خططه، إلا أنه ذكر في مواضع أخر منها أن باب زويلة بناه (2) العزيز بالله وأكمله بدر الجمالي، وهو من أعظم الأبواب وأشمخها، وليس له باشورة (3) على الأبواب، وفيه يقول علي بن محمد النيلي:(3/397)
والبابان المتباعدان هما القوس الذي داخل باب الفتوح خارج حارة بهاء الدين وقوس آخر كان على حياله داخل باب النصر بالقرب من وكالة قيسون الآن،
فهدم ثم ابتنى أمير الجيوش بدر الجمالي المتقدّم ذكره في سنة ثمانين وأربعمائة سورا من لبن دائرا على القاهرة، وبعضه باق إلى زماننا بخط سوق الغنم داخل الباب المحروق ثم ابتنى (1) الأفضل بن أمير الجيوش باب زويلة، وباب النصر، وباب الفتوح الموجودين الآن فيما ذكره القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في خططه، إلا أنه ذكر في مواضع أخر منها أن باب زويلة بناه (2) العزيز بالله وأكمله بدر الجمالي، وهو من أعظم الأبواب وأشمخها، وليس له باشورة (3) على الأبواب، وفيه يقول علي بن محمد النيلي:
يا صاح لو أبصرت باب زويلة ... لعلمت قدر محلّه بنيانا
باب تأزّر بالمجرّة وارتدى الشّعرى ... (4) ولاث برأسه كيوانا
لو أنّ فرعونا رآه لم يرد ... صرحا ولا أوصى به هامانا
قال ابن عبد الظاهر: (وباب سعادة) ربما ينسب إلى سعادة بن حيان غلام المعزّ، وكان قد ورد من عنده في جيش إلى جوهر وولي الرملة بعد ذلك.
قال: (وباب القنطرة) منسوب إلى القنطرة التي أمامه، وهي من بناء القائد جوهر بناها عند خوفه من القرامطة ليجوز عليها إلى المقس. والقوس الذي بالشارع الأعظم خارج باب زويلة على رأس المنجبية عند الطيوريين الآن كان بابا بناه الحاكم بأمر الله خارج القاهرة، وكان يعرف بالباب الجديد.
__________
(1) جاء في هامش نزهة النفوس والأبدان: 1/ 56 «هو أحد بابين متجاورين للقاهرة من جهتها القبلية، وقد بنى أمير الجيوش بدر الجمالي باب زويلة الكبير وإن كان المقريزي في خططه: 1/ 280يقول إن ابن عبد الظاهر ذكر في كتابه «خطط القاهرة» أن الذي بناه هو العزيز بالله نزار بن المعز. ويرى المقريزي أن ابن عبد الظاهر أخطأ في نسبة هذا البناء إلى العزيز بالله في قوله: «ومن تأمل الأسطر التي كتبت في أعلاه من خارجه فإنه يجد فيها اسم أمير الجيوش والخليفة المنتصر وتاريخ بنائه».
(2) جاء في هامش نزهة النفوس والأبدان: 1/ 56 «هو أحد بابين متجاورين للقاهرة من جهتها القبلية، وقد بنى أمير الجيوش بدر الجمالي باب زويلة الكبير وإن كان المقريزي في خططه: 1/ 280يقول إن ابن عبد الظاهر ذكر في كتابه «خطط القاهرة» أن الذي بناه هو العزيز بالله نزار بن المعز. ويرى المقريزي أن ابن عبد الظاهر أخطأ في نسبة هذا البناء إلى العزيز بالله في قوله: «ومن تأمل الأسطر التي كتبت في أعلاه من خارجه فإنه يجد فيها اسم أمير الجيوش والخليفة المنتصر وتاريخ بنائه».
(3) الباشورة هي أن يكون أمام كل باب أو خلفه بناء ذو عطف حتى لا تهجم عليه العساكر وقت الحصار ويتعذر سوق الخيل ودخولها جملة. (المؤرخ ابن تغري بردي: ص 161).
(4) كوكب منير يطلع عند شدّة الحر. وفي التنزيل العزيز: «وإنه هو ربّ الشّعرى». (المعجم الوسيط: 484).(3/398)
(وباب الخوخة) الذي على القرب من قنطرة الموسكي أظنه من بناء الفاطميين أيضا. ولما ملك السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» الديار المصرية انتدب لعمارة أسوار القاهرة ومصر في سنة تسع وستين وخمسمائة الطواشي بهاء الدين قراقوش الأسدي الرومي على كثرة من أسرى الفرنج عندهم يومئذ، بنى سورا دائرا عليها وعلى قلعة الجبل والفسطاط، ولم يزل البناء به حتّى توفي السلطان صلاح الدين رحمه الله وهو الموجود الآن وجعل فيها عدّة أبواب:
منها: باب البحر، وباب الشعرية، وباب البرقية، والباب المحروق وابتنى برجين عظيمين أحدهما بالمقس على القرب من جامع باب البحر، وهو الذي هدمه الصاحب شمس الدين المقسيّ وزير الأشرف شعبان بن حسين على رأس السبعين والسبعمائة، وأدخله في حقوق الجامع المذكور حين جدّد بناءه والثاني بباب القنطرة جنوبي الفسطاط.
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: وقياس هذا السور من أوّله إلى آخره تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة وذراعان بالهاشميّ، من ذلك من باب البحر إلى البرج بالكوم الأحمر (1)، يعني رأس منشأة المهراني المتقدّم ذكرها في الكلام على خطط الفسطاط عند فوّهة خليج القاهرة عشرة آلاف ذراع ومن الكوم الأحمر المذكور إلى قلعة الجبل من جهة مسجد سعد الدولة سبعة آلاف ذراع ومائتا ذراع ومن مسجد سعد الدولة المذكور إلى باب البحر ثمانية آلاف ذراع وثلاثمائة واثنان وتسعون ذراعا، ودائرة القلعة ثلاثة آلاف ذراع ومائة وعشرة أذرع.
__________
(1) جاء في «الخطط التوفيقية»: «وفي سنة 566هـ في زمن صلاح الدين شرع في عمل سور واحد يحبط بالقاهره ومصر والقلعة وبناه من الحجارة وجعل خلفه خندقا ومات قبل أن يكمل. وكان طول ما بناه نحو اثنين وعشرين ألف متر. وبقي الأمر على ذلك إلى سنة 1213هـ عند استيلاء الفرنساوية على الديار المصرية فقاسوا المدينة فوجدوه أربعة وعشرين ألف متر وبه أحد وسبعون بابا منها ما هو داخل البلد في السور القديم ومنها ما هو في السور المحيط بها. (الخطط التوفيقية الجديدة لمصر والقاهرة: ص 206الجزء الأول).(3/399)
واقتصر السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه على ذرع السّور من غير تفصيل ولم يتعرّض للذراعين الزائدين.
قلت: وهذا السور قد دثر أكثره، وتغيرت معالم غالبه، للصوق عمائر الأملاك به حتّى إنه لا يتميز في غالب الأماكن من الأملاك، وسقط ما بين باب البحر إلى الكوم الأحمر حتّى لم يبق له أثر. على أن ما هو داخل سور القاهرة الأوّل من الأماكن أرضه سبخة وماؤه زعاق (1).
قال ابن عبد الظاهر: ولذلك عتب المعزّ عند وصوله إلى الديار المصرية ودخوله القاهرة على جوهر لكونه لم يعمرها مكان المقس على القرب من باب البحر أو جنوبي الفسطاط على القرب من الرصد لتكون قريبة من النيل، عذبة مياه الآبار.
واعلم أن خطط القاهرة قد اتسعت وزادت العمارة حولها، وصار ما هو خارج سورها أضعاف ما هو داخله. ثم منها ما هو منسوب إلى دولة الفاطميين ومنها ما هو منسوب إلى من تقدّمهم من الملوك، إما لدروس اسمه الأوّل وغلبة اسمه الثاني عليه، وإما لاستحداثه بعد أن لم يكن ومنها ما هو مجهول لانقطاع شهرته بطول الأيام ومرور الليالي. وإنما يقع التعرّض هنا للأماكن الظاهرة الشّهرة، الدائرة على الألسنة دون غيرها وأنا أذكرها على ترتيب الأماكن لا على ترتيب القدم والحدوث.
أما خططها المشهورة داخل السور
: (فمنها) «حارة بهاء الدين»
داخل باب الفتوح، وتعرف بالطواشي بهاء الدين قراقوش باني سور القاهرة المتقدّم ذكره، وكانت في دولة الفاطميين تعرف
__________
(1) الماء المرّ الغليظ، لا يطاق شربه (القاموس 3/ 249).(3/400)
ببين الحارتين ثم اختطها قوم في الدولة الفاطمية يعرفون بالرّيحانية والعزيزية فعرفت بهم. فلما سكنها بهاء الدين قراقوش المذكور، اشتهرت به ونسي ما قبل ذلك.
(ومنها) «حارة برجوان»
وتعرف ببرجوان الخادم، كان خادم القصور في أيام العزيز بالله من المعزّ ثاني خلفاء الفاطميين بمصر، ووصّاه على ابنه الحاكم فعظم شأنه، ثم قتله الحاكم بعد ذلك. ويقال إنه خلف في تركته ألف سراويل بألف تكة حرير.
وبهذه الحارة كانت دار المظفر ابن أمير الجيوش بدر الجمالي.
(ومنها) «خط الكافوريّ»
كان بستانا لكافور الإخشيديّ، وبنيت القاهرة وهو بستان، وبقي إلى سنة إحدى وخمسين وستمائة، فاختطته طائفة البحرية والعزيزية إصطبلات، وأزيلت أشجاره وبقيت نسبته إلى كافور على ما كانت عليه.
(ومنها) «خط الخرنشف»
(1) كان ميدانا للخلفاء الفاطميين، وكان لهم سرداب تحت الأرض إليه من باب القصر يمرون فيه إلى الميدان المذكور راكبين، ثم جعل مصرفا للماء لما بنيت المدرسة الصالحية، ثم بنى به الغزّ بعد الستمائة إصطبلات بالخرنشف وسكنوها فسمي بذلك.
(ومنها) «درب شمس الدولة»
على القرب من باب الزّهومة، وكان في الدولة الفاطمية يعرف بحارة الأمراء، وبها كانت دار الوزير عباس وزير الظافر، وبها المدرسة المسرورية بناها مسرور الخادم، وكان أحد خدّام القصر في الدولة الفاطمية وبقي إلى الدولة الأيوبية، واختص بالسلطان صلاح الدين وتقدّم عنده،
__________
(1) في المقريزي: «الخرشنف»، وفسره بأنه المتجمد من وقود الحمامات بعد إحراقها، وهي تسمية عرفية.(3/401)
ثم سكنها شمس الدولة توران شاه بن أيوب أخو السلطان صلاح الدين يوسف، وعمر بها دربا فعرف به ونسب إليه.
(ومنها) «حارة زويلة»
وتنسب إلى زويلة: قبيلة من البربر الواصلين صحبة (1) القائد جوهر على ما تقدّم ذكره في الكلام على باب زويلة، وهي حارة عظيمة متشعبة.
(ومنها) «الجودرية»
وتعرف بطائفة يقال لهم الجودريّة من الدولة الفاطمية نسبة إلى جودر خادم عبيد الله المهدي أبي الخلفاء الفاطميين، اختطوها وسكنوها حين بنى جوهر القاهرة، ثم سكنها اليهود بعد ذلك إلى أن بلغ الحاكم الفاطميّ أنهم يهزأون بالمسلمين ويقعون في حق الإسلام، فسدّ عليهم أبوابهم وأحرقهم ليلا، وسكنوا بعد ذلك حارة زويلة المتقدّمة الذكر.
(ومنها) «الوزيرية»
وتعرف بالوزير أبي الفرج يعقوب بن كلّس وزير المعز بالله الفاطمي، وكان يهوديّ الأصل يخدم في الدولة الإخشيدية، ثم هرب إلى المعزّ الفاطميّ بالمغرب لمال لزمه، فلقي عسكر المعز مع جوهر فرجع معه، وعظمت مكانته عند المعزّ حتّى استوزره، وكانت داره مكان مدرسة الصاحب صفيّ الدين بن شكر، وزير العادل أبي بكر بن أيوب، المعروفة بالصاحبية بسويقة الصاحب، وكانت قبل ذلك تعرف بدار الديباج.
(ومنها) «المحموديّة»
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: ولعلها منسوبة إلى الطائفة المعروفة بالمحمودية القادمة في أيام العزيز بالله الفاطميّ إلى مصر.
(ومنها) «حارة الروم»
داخل بابي زويلة، اختطها الرّوم الواصلون صحبة جوهر القائد حين بنائه القاهرة فعرفت بهم ونسبت إليهم إلى الآن.
(ومنها) «الباطلية»
قال ابن عبد الظاهر: تعرف بقوم أتوا المعزّ باني
__________
(1) في الانتصار: 5/ 37 «قدموا مع المعز لدين الله».(3/402)
القاهرة وقد قسم العطاء في الناس فلم يعطهم شيئا، فقالوا: نحن على باطل؟
فسميت الباطلية.
(ومنها) «حارة الدّيلم»
وتعرف بالديلم الواصلين صحبة أفتكين المعزّي غلام المعز بن بويه الديلميّ، وكان قد تغلب على الشام أيام المعزّ الفاطميّ وقاتل القائد جوهرا واستنصر بالقرامطة، وخرج إليهم العزيز بالله فأسره في الرملة وقدم به إلى القاهرة فأجزل له العطاء، وأنزله هو وأصحابه بهذه الخطّة.
وبها كانت دار الصالح طلائع بن رزّيك باني الجامع الصالحيّ خارج باب زويلة، وكان يسكنها قبل الوزارة وخوخته بها معروفة إلى الآن بخوخة الصالح.
(ومنها) «حارة كتامة»
على القرب من الجامع الأزهر بجوار الباطلية، وتعرف بقبيلة كتامة من البربر الواصلين صحبة جوهر من الغرب.
(ومنها) «إصطبل الطارمة»
بظاهر مشهد الحسين، كان إصطبلا للقصر، وبهذا الخط كانت دار الفطرة (1) التي يعمل فيها فطرة العيد، بناها المأمون بن البطائحي وزير الآمر، وكانت الفطرة قبل ذلك تعمل أبواب القصر، وسيأتي الكلام على الفطرة مستوفى في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية فيما بعد إن شاء الله تعالى.
(ومنها) «حارة الصالحية»
قبليّ مشهد الحسين، كانت طائفة من غلمان الصالح طلائع بن رزّيك قد سكنوها فعرفت بهم ونسبت إليهم.
(ومنها) «البرقية»
قال ابن عبد الظاهر: اختطها قوم من أهل برقة قدموا صحبة جوهر فعرفت بهم. ورأيت بخطّ بعض الفضلاء بحاشية خطط ابن عبد الظاهر أن الصالح طلائع بن رزّيك لما قتل عباسا وزير الظافر وتقلد الوزارة عن
__________
(1) بنيت دار الفطرة في العصر الفاطمي وخصصت لعمل ما يحمل إلى الناس في العيد من الكعك، ومكانها في أيامنا هذه بجوار الباب الأخضر بالمشهد الحسيني. وكان العمل في دار الفطرة يبدأ في النصف الثاني من رجب ليلا ونهارا، وكان يصنع فيه ألوان مختلفة من الكعك، وكان يقوم بصنعها مائة عامل ويفرقونه على الخاصة والعامة قبل العيد بيوم واحد. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: ص 130).(3/403)
الآمر، أقام جماعة من الأمراء يقال لهم البرقية عونا له وأسكنهم هذه الخطّة فنسبت إليهم.
(ومنها) «قصر الشوك»
على القرب من رحبة الأيدمري، قال ابن عبد الظاهر: كان قبل عمارة القاهرة منزلة لبني عذرة تعرف بقصر الشوك.
(ومنها) [«خزانة البنود»
(1)] وكانت خزانة السلاح في الدولة الفاطمية، ثم جعلت سجنا في الأيام المستنصرية، ثم احتكرت بعد ذلك وجعلت آدرا.
(ومنها) «رحبة باب العيد»
تنسب إلى باب العيد: أحد أبواب القصر المسمى بباب العيد المقدّم ذكره.
(ومنها) «درب ملوخيّة»
ينسب لملوخيّة صاحب ركاب الحاكم، وبه مدرسة القاضي الفاضل وزير السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وبه كانت داره.
(ومنها) «العطوف»
وأصل اسمها العطوفية: نسبة إلى عطوف خادم الحاكم.
(ومنها) «الجوّانية»
قال ابن عبد الظاهر: وهي صفة لمحذوف، وأصلها حارة الرّوم الجوّانية، وذلك أن الرّوم الواصلين صحبة جوهر اختطوا حارة الروم المتقدّمة الذكر وهذه الحارة، وكان الناس يقولون: حارة الروم الجوّانية فثقل ذلك عليهم، فأطلقوا على هذه الجوّانية وقصروا اسم حارة الروم على تلك.
__________
(1) كانت هذه الخزانة من منشآت الدولة الفاطمية، بناها الخليفة الظاهر بين قصر الشوك وباب العيد لخزن أنواع البنود من الرايات والأعلام عدا أنواع السلاح والآلات الحربية. وكان فيها ثلاثة آلاف صانع مبرزين في مختلف أنواع الصنائع وبها مدرسة لتعليم مماليك الدولة أنواع العلوم وفنون الحرب، ثم احترقت تلك الخزانة بما فيها سنة 461هـ. وجعلت بعد هذا الحريق حبسا للأمراء والوزراء والأعيان إلى أن زالت الدولة الفاطمية. كما اتخذها ملوك بني أيوب سجنا تعتقل فيه الأمراء والمماليك ثم جعلوها منازل للأسرى من الفرنج المأسورين من البلاد الشامية. (المرجع السابق:
ص 117).(3/404)
قال: والورّاقون إلى هذا الوقت يقولون حارة الروم السفلى، وحارة الروم العليا المعروفة بالجوّانية، ثم قال: ويقال إنها منسوبة إلى الأشراف الجوّانيين الذين منهم الشريف الجوّاني النّسّابة.
وأما خططها المشهورة خارج السور:
(فمنها) «الحسينيّة»
كانت في الأيام الفاطمية ثماني حارات خارج باب الفتوح أوّلها: الحارة المعروفة بحارة بهاء الدين المتقدّم ذكرها، وهي حارة حامد، والمنشأة الكبرى، والحارة الكبيرة، والمنشأة الصغيرة، وحارة عبيد الشراء، والحارة الوسطى، وسوق الكبير بمصر، والوزيرية، وكان يسكنها الطائفة المعروفة بالوزيرية والريحانية من الأرمن والعجمان وعبيد الشراء.
قال ابن عبد الظاهر: وكان بها من الأرمن قريب من سبعة آلاف نفس، ثم سكنها جماعة من الأشراف الحسينيين قدموا في أيام الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب من الحجاز إلى مصر، فنزلوا بهذه الأمكنة واستوطنوها فسميت (1)
بهم، ثم سكنها الأجناد بعد ذلك وبنوا بها الأبنية العظيمة والآدر الضخمة.
قال ابن عبد الظاهر: هي أعظم حارات الأجناد.
قلت: وذلك بحسب ما كان الحال عليه في زمانه، ولكنها قد خربت في زماننا هذا، وانتقل الأجناد إلى الأماكن القريبة من القلعة بصليبة الجامع الطولوني ونحوها.
وبنى بهاء الدين قراقوش خانا للسبيل تنزله المارّة وأبناء السبيل فعرف خطه به.
__________
(1) ذكر المقريزي أنها عرفت بطائفة من عبيد الشراء في أيام الحاكم يقال لهم الحسينية واعترض على ابن عبد الظاهر في هذه النسبة بقوله «هذا وهم فإنه تقدم أن من جملة الطوائف في الأيام الحاكمية الطائفة الحسينية». (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 355).(3/405)
(ومنها) «الخندق»
خارج الحسينية بالخندق كان عنده خندق احتفره العزيز بالله الفاطمي، وكان المعزّ قد أسكن المغاربة هناك في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة حين تبسطوا في القرافة والقاهرة وأخرجوا الناس من منازلهم، وأمر مناديا ينادي لهم كل ليلة: من بات منهم في المدينة استحقّ العقوبة.
(ومنها) «أرض الطّبّالة»
(1) منسوبة لامرأة مغنية اسمها نشب (2)، وقيل طرب، كانت مغنية للمستنصر الفاطميّ واسمه معدّ.
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: ولما ورد الخبر عليه بأنه خطب له ببغداد في نوبة (3) البساسيري قريب السنة غنته نشب هذه:
يا بني العبّاس صدّوا ... قد ولي الأمر معدّ
ملككم كان معارا ... والعواري تستردّ
فوهبها هذه الأرض في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة فحكرت وبنيت آدرا فعرفت بها. قال: وكانت من ملح القاهرة وبهجتها وفيها يقول ابن سعيد المغربي مجانسا بين القرط الذي ترعاه الدوابّ والقرط الذي يكون في الأذن:
__________
(1) قال المقريزي في خططه: 2/ 125 «هذه الأرض على جانب الخليج الغربي بجوار المقس (والمقصود خط المقس) قال «وكانت من أحسن منتزهات القاهرة وهبها الخليفة المستنصر بالله أبو تميم معدّ الفاطمي إلى مغنيته المسماة «نسب» الطبالة فعرفت بها».
وهذه الأرض موقعها اليوم منطقة السكن التي تحد من الشمال والغرب بشارع الظاهر ومن الجنوب بشارع الفجالة وسكة الفجالة ومن الشرق بشارع الخليج المصري. (هامش الطبعة الأميرية:
3/ 356).
(2) في المقريزي: 2/ 125 «نسب» بالسين المهملة. وهي أمرأة مترجلة كانت تقف تحت قصر المستنصر في المواسم والأعياد وتسير أيام الموكب وحولها طائفتها وهي تضرب الطبل.
(3) لهذا اللفظ معان اصطلاحية كثيرة، والمقصود هنا النوبة عند المغنين، وهي اسم لآلات الطرب إذا أخذت معا، وربما أطلقت على المطر بين بها إذا اجتمعوا، ويقال لهم النوبتجية عند الأتراك.
(التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: ص 353).(3/406)
سقى الله أرضا كلّما زرت روضها ... كساها وحلّاها بزينته القرط
تجلّت عروسا والمياه عقودها ... وفي كلّ قطر من جوانبها قرط
(ومنها) «خط باب القنطرة»
قال ابن عبد الظاهر: ذكر لي علم الدين بن ممّاتي أنه في كتب الأملاك القديمة يسمّى بالمرتاحية.
(ومنها) «المقس»
(1) قال القضاعي في «خططه»: كانت ضيعة تعرف بأمّ دنين وكان العاشر الذي يأخذ المكس يقعد بها لاستخراج المال، فقيل المكس بالكاف ثم أبدلت الكاف في الألسنة قافا.
قال ابن عبد الظاهر: ومن الناس من يقول فيه المقسم لأن قسمة الغنائم في الفتوح كانت فيه. قال: ولم أر ذلك مسطورا، وكانت الدكة من نواحيه بستانا إذا ركب الخليفة من الخليج يوم الكسر أتى إليه في البر الغربي من الخليج في مركبة ويدخله بمفرده فيسقي منه فرسه، ثم يخرج إلى قصره على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية، إن شاء الله تعالى.
قال ابن عبد الظاهر: والدكة الآن آدر وحارات شهرتها تغني عن وصفها فسبحان من لا يتغير.
قلت: وقد خرب أكثر تلك الآدر والحارات حتّى لم يبق منها إلا الرسوم، وبعضها باق يسكنه آحاد الناس.
(ومنها) «ميدان القمح»
كان قديما بستانا سلطانيّا يسمّى بالمقسيّ يدخل الماء إليه من الخليج المعروف بالخليج الذكر الذي بناه كافور الإخشيدي، ثم أمر الظاهر الفاطميّ بنقل أنشابه (2) وحفره وجعله بركة قدّام اللؤلؤة، وأبقى الخليج
__________
(1) كان المقس في عهد الدولة الفاطمية مقصورا على قرية المقس التي كانت واقعة في المنطقة التي يقع فيها اليوم جامع أولاد عنان لغاية شارع قنطرة الدكّة ويدخل فيها مدخل شارع إبراهيم باشا، شارع نوبار سابقا، والمباني التي على جانبيه لغاية الدرب الإبراهيمي. (هامش الطبعة الأميرية:
3/ 357).
(2) النشب نوع من الشجر يصلح للقسيّ. (القاموس 1/ 137).(3/407)
المذكور مسلطا على البركة ليستنقع الماء فيها. فلما ضعف أمر الخلافة الفاطمية، وهجرت رسومها القديمة في التفرج في اللؤلؤة وغيرها، بنت السّودان المعروفون بالطائفة الفرحية الساكنون بالمقس عند ضيقه عليهم قبالة اللؤلؤة حارة سميت حارة اللّصوص بسبب تعدّيهم فيها مع غيرهم، ثم تنقلت بها الحال حتّى صار على ما هو عليه الآن.
(ومنها) «بر ابن التبان»
غربيّ خليج القاهرة، وينسب إلى ابن التبان رئيس حرّاقة (1) الخلافة الفاطمية، وكان الآمر الفاطميّ قد أمر بالعمارة قبالة الخرق غربيّ الخليج، فأوّل من عمر به ابن التّبّان المذكور، أنشأ به مسجدا وبستانا ودارا فعرفت الخطّة به إلى الآن.
(ومنها) «خط اللوق»
وهو خط قديم متسع ينتهي إلى الميدان المعدّ لركوب السلطان عند وفاء النيل، قد عمر بالأبنية وسكنه رعاع الناس وأوباشهم والمكان المعروف الآن بباب اللّوق جزء منه.
(ومنها) «بركة الفيل»
(2) وهي بركة عظيمة متّسعة جنوبيّ سور القاهرة عليها الأبنية العظيمة المستديرة بها.
قال ابن عبد الظاهر: وتنسب إلى رجل من أصحاب ابن طولون يعرف بالفيل وما أحسن قول ابن سعيد المغربيّ:
أنظر إلى بركة الفيل التي اكتنفت ... بها المناظر كالأهداب للبصر
__________
(1) جمعها حراريق وحرارق: وهي نوع من السفن الحربية الخفيفة كانت تستخدم لحمل الأسلحة النارية كالنار الإغريقية. وكان بها مرام تلقى منها النيران على العدو. وكان في مصر نوع آخر من الحراقات استخدم في النيل لحمل الأمراء ورجال الدولة في الاستعراضات البحرية والحفلات الرسمية. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: ص 104).
(2) تمتد من بستان الحبانية إلى بستان سيف الإسلام إلى تحت الكبش إلى الجسر الأعظم إلى بركة مارون وحدرة ابن قميحة. وكان في الزمن القديم من عادات السلطان أن يركب فيها بالليل ويسرج أصحاب المناظر على قدر هممهم وقدرتهم فيكون لذلك منظر عجيب. (الانتصار: 5/ 45).(3/408)
كأنّما هي والأبصار ترمقها ... كواكب قد أداروها على القمر
(ومنها) «خط الجامع الطولوني»
من الصليبة وما والاها، وقد تقدّم في الكلام على خطط الفسطاط أن هذه الأرض كانت منازل لأحمد بن طولون وعسكره، والجبل الذي في جانبها البحريّ يعرف بجبل يشكر، وعليه بناء الجامع الطولوني المذكور، واستحدث الملك الصالح نجم الدين أيوب رحمه الله عليه قصورا جاءت في نهاية الحسن والإتقان، وهي المعروفة بالكبش، ولم يزل يسكنها أكابر الأمراء إلى أن خرّبها العوامّ في وقعة الجلبان قبل السبعين والسبعمائة، وهي على ذلك إلى الآن، وقد شرع الناس الآن في استحكار أماكنها للعمارة فيها في حدود سنة ثمانمائة.
(ومنها) «خط حارة المصامدة»
وتنسب لطائفة المصامدة من البربر الذين قدموا مع المعزّ من المغرب، وكان المقدّم عليهم عبد الله المصموديّ، وكان المأمون بن البطائحيّ وزير الآمر قد قدّمه ونوّه بذكره، وسلم إليه أبوابه للمبيت عليها، وأضاف إليه جماعة من أصحابه.
(ومنها) «الهلالية»
قال ابن عبد الظاهر: أظنها الحارة التي بناها المأمون بن البطائحيّ خارج الباب الجديد الذي بناه الحاكم بالشارع على يسرة الخارج منه للمصامدة لما قدّمهم ونوّه بذكرهم، وحذر أن يبني بينها وبين بركة الفيل حتّى صارت هذه الحارة مشرفة على شاطيء بركة الفيل إلى بعض أيام الحافظ.
(ومنها) «المنتجبية»
قال ابن عبد الظاهر: بلغني أنها منسوبة لشخص في الدولة الفاطمية يعرف بمنتجب الدولة.
(ومنها) «اليانسيّة»
قال ابن عبد الظاهر: أظنها منسوبة ليانس وزير الحافظ، وكان يلقب بأمير الجيوش سيف الإسلام، ويعرف بيانس الفاصد لأنه فصد حسن ابن الحافظ، وتركه محلول الفصادة حتّى مات.
قال: وكان في الدولة من اسمه يانس العزيزي، واليانسيّة: جماعة كانوا في زمن العزيز بالله، ومنهم يانس الصقلّي، ونسبة هذه الحارة محتملة لأن تكون لكل منهم، وقد ذكر ابن عبد الظاهر عدة حارات كانت للجند خارج باب زويلة غير ما لعله ذكره سردا، منها ما هو مشهور معروف، وهو حارة حلب، والحبانية، ومنها ما ليس كذلك وهو الشوبك، والمأمونية، والحارة الكبيرة، والمنصورة الصغيرة، وحارة أبي بكر.(3/409)
قال ابن عبد الظاهر: أظنها منسوبة ليانس وزير الحافظ، وكان يلقب بأمير الجيوش سيف الإسلام، ويعرف بيانس الفاصد لأنه فصد حسن ابن الحافظ، وتركه محلول الفصادة حتّى مات.
قال: وكان في الدولة من اسمه يانس العزيزي، واليانسيّة: جماعة كانوا في زمن العزيز بالله، ومنهم يانس الصقلّي، ونسبة هذه الحارة محتملة لأن تكون لكل منهم، وقد ذكر ابن عبد الظاهر عدة حارات كانت للجند خارج باب زويلة غير ما لعله ذكره سردا، منها ما هو مشهور معروف، وهو حارة حلب، والحبانية، ومنها ما ليس كذلك وهو الشوبك، والمأمونية، والحارة الكبيرة، والمنصورة الصغيرة، وحارة أبي بكر.
وأما جوامعها
فأقدمها
الجامع الأول
«الجامع الأزهر»
(1) بناه القائد جوهر بعد دخول مولاه المعزّ إلى القاهرة وإقامته بها، وفرغ من بنائه وجمّعت فيه الجمعة في شهر رمضان لسبع خلون من سنة إحدى وستين وثلاثمائة، ثم جدّد العزيز بن المعزّ فيه أشياء وعمر به أماكن وهو أوّل جامع عمر بالقاهرة.
قال صاحب «نهاية الأرب»: وجدّده العزيز بن المعزّ، ولما عمر الحاكم جامعه نقل الخطبة إليه وبقي الجامع الأزهر شاغرا، ثم أعيدت إليه الخطبة وصلي فيه الجمعة في ثامن شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وستمائة في سلطنة الظاهر بيبرس، وتزايد أمره حتّى صار أرفع الجوامع بالقاهرة قدرا.
__________
(1) ونسبته إلى الزهراء بنت رسول الله، وقد سميت مقصورة المسجد باسمها. وقد كتب جوهر بدائر القبة نقشا تاريخه عام 360هـ تجد نصه في المقريزي، وقد اختفى ذلك النقش منذ ذلك التاريخ، وربما محاه الأيوبيون الذين حاولوا محو كل أثر للفاطميين الشيعة كما أن صلاح الدين منع الخطبة فيه.
وقد أعيد الاعتبار إلى الأزهر في عهد الظاهر بيبرس الذي تبرع له وأصلحه وأقام فيه منبرا وأعاد خطبة الجمعة إليه يوم الجمعة 18ربيع الثاني سنة 665هـ. ومنذ ذلك الحين زادت مكانة الأزهر العلمية وذاع صيته وأصبح يقصده الناس من كل فجّ، وكانت تدرس فيه مختلف العلوم. (دائرة المعارف الإسلامية: 3/ 183وما بعدها والحياة العقلية: ص 14، 15، 16).(3/410)
قال ابن عبد الظاهر: وسمعت جماعة يقولون إن به طلسما لا يسكنه عصفور (1).
الجامع الثاني الجامع الحاكمي
بناه الحاكم الفاطميّ على القرب من باب الفتوح وباب النصر، وفرغ من بنائه في سنة ست وتسعين وثلاثمائة، وكان حين بنائه خارج القاهرة إذ كان بناؤه قبل بناء باب الفتوح وباب النصر الموجودين الآن، وكان هو خارج القوسين اللذين هما باب الفتوح وباب النصر الأوّلان.
ثم قال: وفي سيرة العزيز أنه اختط أساسه في العاشر من رمضان سنة تسع وسبعين وثلاثمائة، وفي سيرة الحاكم أنه ابتدأه بعض الوزراء وأتمه الحاكم وعلى البدنة (2) المجاورة لباب الفتوح أنها بنيت في زمن المستنصر في أيام أمير الجيوش سنة ثمانين وأربعمائة، ثم استولى عليها من ملكها والزيادة التي إلى جانبه بناها الظاهر بن الحاكم ولم يكملها، ثم ثبت في الدولة الصالحية نجم الدين أيوب أنها من الجامع وأن بها محرابا، فانتزعت ممن هي معه وأضيفت للجامع، وبني بها ما هو موجود الآن في الأيام المعزية أيبك التّركمانيّ ولم تسقف.
الجامع الثالث الجامع الأقمر (3)
بناه الآمر الفاطميّ بوساطة وزيره المأمون بن البطائحي وكمل بناؤه في
__________
(1) يروى أنه كان هناك صور طيور منقوشة على رأس ثلاثة أعمدة حتى لا يسكنه طير ولا يفرّخ به.
(المرجع السابق: دائرة المعارف).
(2) ثوب من الحرير مرقوم بالذهب يلبسه الخليفة الفاطمي يوم ركوبه لفتح الخليج، ولا يلبسه غير ذلك اليوم. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 61).
(3) وكان مركزا لتدريس الفقه الشافعي والنحو. ولا يزال هذا الجامع قائم الشعائر إلى اليوم بشارع النحاسين بقسم الجمالية بالقاهرة. (الحياة العقلية في عصر الحروب الصليبية: ص 19).(3/411)
سنة تسع عشرة وخمسمائة ويذكر أن اسم الآمر والمأمون عليه.
قلت: ولم يكن به خطبة إلى أن جدّد الأمير يلبغا السالمي، أحد أمراء الظاهر برقوق عمارته في سنة إحدى وثمانمائة ورتّب فيه خطبة.
الجامع الرابع الجامع بالمقس بباب البحر
، وهو المعروف بالجامع الأنور بناه الحاكم الفاطميّ أيضا في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة.
الجامع الخامس الجامع الظافريّ، وهو المعروف الآن بجامع الفكّاهين (1)
بناه الظفر الفاطميّ داخل بابي زويلة في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وكان زريبة للكباش، وسبب بنائه جامعا أن خادما كان في مشترف (2) على الزريبة فرأي ذبّاحا وقد أخذ رأسين من الغنم فذبح أحدهما ورمى سكّينه وذهب لقضاء حاجة له، فأتى رأس الغنم الآخر فأخذ السكين بفمه ورماها في البالوعة، وجاء الذّبّاح فلم يجد السكّين، فاستصرخ الخادم وخلصه منه، فرفعت القصة إلى أهل القصر فأمروا بعمارته.
الجامع السادس الجامع الصالحي
بناه الصالح طلائع بن رزّيك وزير الفائز والعاضد من الفاطميين خارج باب زويلة، بقصد نقل رأس الحسين عليه السلام من عسقلان إليه، عند خوف هجوم الفرنج عليها، فلما فرغ منه لم يمكّنه الفائز من ذلك، وابتنى له المشهد المعروف بمشهد الحسين بجوار القصر، ونقله إليه في سنة تسع وأربعين وخمسمائة وبنى
__________
(1) ويسمى الجامع الأفخر، وهو موجود إلى اليوم باسم جامع الفاكهاني بشارع العقّادين عند تلاقيه بشارع الشرابية بالقاهرة. وذكره المقريزي باسم جامع الفاكهيين. (المرجع السابق).
(2) أي في مكان مرتفع مشرف على الزريبة.(3/412)
به صهريجا وجعل له ساقية تنقل الماء إليه من الخليج أيام النيل على القرب من باب الخرق. ولم يكن به خطبة، وأوّل ما أقيمت الجمعة فيه في الأيام المعزّيّة أيبك التّركمانيّ في سنة اثنتين وخمسين وستمائة، وخطب به أصيل الدين أبو بكر الإسعرديّ ثم كثرت عمارة الجوامع بالقاهرة في الدولة التركية خصوصا في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون وما بعدها، فعمر بها من الجوامع ما لا يكاد يحصى كثرة: كجامع المارديني، وجامع قوصون خارج باب زويلة وغيرهما من الجوامع، وأقميت الجمعة في كثير من المدارس والمساجد الصّغار المتفرّقة في الأخطاط لكثرة الناس وضيق الجوامع عنهم.
وأما مدارسها
فكانت في الدولة الفاطمية وما قبلها قليلة الوجود بل تكاد أن تكون معدومة، غير أنه كان بجوار القصر دار تعرف «بدار العلم» (1) خلف خان مسرور، كان داعي الشيعة (2) يجلس فيها، ويجتمع إليه من التلامذة من يتكلم في العلوم المتعلقة بمذهبهم، وجعل الحاكم لها جزءا من أوقافه التي وقفها على الجامع الأزهر وجامع المقس وجامع راشدة ثم أبطل الأفضل بن أمير الجيوش هذه الدار لاجتماع الناس فيها والخوض في المذاهب خوفا من الاجتماع على
__________
(1) أنشأها الحاكم بأمر الله بجوار القصر الغربي الصغير سنة 395هـ، وفي يوم السبت العاشر من جمادى الآخرة فتحت تلك الدار. وعيّن لها طائفة من الفقهاء والقراء والنحويين ورجال الحديث والأدب وعلماء الطب والهيئة والرياضة والمنطق والفلسفة وأجريت عليهم الأرزاق الواسعة، وهيئت الدار بمكتبة ضخمة نقلت إليها الكتب من خزائن القصر الملكي ويبدو أن الغرض الذي أنشئت له دار العلم (أو دار الحكمة) إنما هو نشر تعاليم الشيعة في الناس بطريقة علمية منظمة، فالمجالس التي كانت تعقد للدعوة الشيعية في قصر الخلافة كانت تسمى مجالس الحكمة وتستطيع أن تطلق على تلك الدار دار الدعوة. وإذا كان الحاكم بأمر الله في أول نشأتها قد سمح بدراسة مذهب أهل السنة فإنه لم يلبث طويلا حتى أبعد مذهب أهل السنة وخلصت دار الحكمة للشيعة ومذهبهم
(الحياة العقلية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام: ص 2827).
(2) أنشأها الحاكم بأمر الله بجوار القصر الغربي الصغير سنة 395هـ، وفي يوم السبت العاشر من جمادى الآخرة فتحت تلك الدار. وعيّن لها طائفة من الفقهاء والقراء والنحويين ورجال الحديث والأدب وعلماء الطب والهيئة والرياضة والمنطق والفلسفة وأجريت عليهم الأرزاق الواسعة، وهيئت الدار بمكتبة ضخمة نقلت إليها الكتب من خزائن القصر الملكي ويبدو أن الغرض الذي أنشئت له دار العلم (أو دار الحكمة) إنما هو نشر تعاليم الشيعة في الناس بطريقة علمية منظمة، فالمجالس التي كانت تعقد للدعوة الشيعية في قصر الخلافة كانت تسمى مجالس الحكمة وتستطيع أن تطلق على تلك الدار دار الدعوة. وإذا كان الحاكم بأمر الله في أول نشأتها قد سمح بدراسة مذهب أهل السنة فإنه لم يلبث طويلا حتى أبعد مذهب أهل السنة وخلصت دار الحكمة للشيعة ومذهبهم
(الحياة العقلية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام: ص 2827).(3/413)
المذهب النّزاريّ ثم أعادها لآمر بواسطة خدام القصر بشرط أن يكون متولّيها رجلا ديّنا والداعي هو الناظر فيها، ويقام فيها متصدّرون برسم قراءة القرآن.
وقد ذكر المسبحيّ (1) في تاريخه: أن الوزير أبا الفرج يعقوب بن كلّس (2)
سأل العزيز بالله في حمله رزق جماعة من العلماء، وأطلق لكل منهم كفايته من الرزق، وبنى لهم دارا بجانب الجامع الأزهر، فإذا كان يوم الجمعة حلقوا بالجامع بعد الصلاة وتكلموا في الفقه، وأبو يعقوب قاضي الخندق رئيس الحلقة والملقي عليهم إلى وقت العصر، وكانوا سبعة وثلاثين نفرا.
ثم جاءت الدولة الأيوبية فكانت الفاتحة لباب الخير، والغارسة لشجرة الفضل، فابتنى الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر (3) (دار الحديث الكاملية) (4) بين القصرين في سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وقرّر بها مذاهب الأئمة الأربعة وخطبة، وبقي إلى جانبها خراب حتّى بني آدرا في الأيام المعزّيّة
__________
(1) هو محمد بن عبيد الله بن أحمد المسبّحي، عز الملك، أمير مؤرخ عالم بالأدب. له كتاب كبير في «تاريخ المغاربة ومصر». توفي بمصر سنة 420هـ. (الأعلام: 6/ 259).
(2) وهو أول وزراء الدولة الفاطمية. كان فقيها أديبا وشاعرا. ألف كتابا في الفقه الإسماعيلي، وكتابا في الأديان وكتابا في آداب رسول الله، ولعل أشهر كتبه كتابه في مختصر الفقه المعروف بالرسالة الوزيرية. توفي سنة 380هـ. (الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي: ص 103، 104والأعلام:
8/ 202).
(3) وهو الذي أتمّ بناء قلعة الجبل وأنشأ بها الدور السلطانية في أثناء نيابته عن أبيه سنة 604هـ. وكان أول من انتقل من دار الوزارة من الملوك وسكن بالقلعة. وقد عمّر القبة المعروفة على قبر الإمام الشافعي. توفي سنة 635هـ. «ودار الحديث الكاملية» التي أنشأها كانت ثاني دار أقيمت للحديث بعد الدار التي بناها نور الدين محمود في دمشق، ووقفها على المشتغلين بالحديث النبوي ثم من بعدهم على الشافعية، وبنى فيها منازل للطلاب وللمدرسين وجعل لها خزانة كتب. وأول من تولى مشيخة هذه الدار أبو الخطاب عمر بن دحية مؤلف كتاب «نهاية السول» وحفظ لنا السيوطي في كتابه حسن المحاضرة ثبتا فيمن تولوا مشيخة هذه الدار، ولا تزال هذه المدرسة موجودة إلى اليوم بشارع بين القصرين بجوار جامع السلطان برقوق. وتعرف هذه المدرسة اليوم باسم «جامع الكامل». (الخطط التوفيقية: 1/ 74والحياة العقلية: 52، 53).
(4) وهو الذي أتمّ بناء قلعة الجبل وأنشأ بها الدور السلطانية في أثناء نيابته عن أبيه سنة 604هـ. وكان أول من انتقل من دار الوزارة من الملوك وسكن بالقلعة. وقد عمّر القبة المعروفة على قبر الإمام الشافعي. توفي سنة 635هـ. «ودار الحديث الكاملية» التي أنشأها كانت ثاني دار أقيمت للحديث بعد الدار التي بناها نور الدين محمود في دمشق، ووقفها على المشتغلين بالحديث النبوي ثم من بعدهم على الشافعية، وبنى فيها منازل للطلاب وللمدرسين وجعل لها خزانة كتب. وأول من تولى مشيخة هذه الدار أبو الخطاب عمر بن دحية مؤلف كتاب «نهاية السول» وحفظ لنا السيوطي في كتابه حسن المحاضرة ثبتا فيمن تولوا مشيخة هذه الدار، ولا تزال هذه المدرسة موجودة إلى اليوم بشارع بين القصرين بجوار جامع السلطان برقوق. وتعرف هذه المدرسة اليوم باسم «جامع الكامل». (الخطط التوفيقية: 1/ 74والحياة العقلية: 52، 53).(3/414)
أيبك التّركمانيّ في سني خمسين وستمائة، ووقف على المدرسة المذكورة، وبنى من بنى من أكابر دولتهم مدارس لم تبلغ شأو هذه، وشتّان بين الملوك وغيرهم.
ثم جاءت الدولة التركية فأربت على ذلك وزادت عليه، فابتنى الظاهر بيبرس (المدرسة الظاهرية) (1) بين القصرين بجوار المدرسة الصالحية، ثم ابتنى المنصور قلاوون (المدرسة المنصورية) (2) من داخل بيمارستانه الآتي ذكره وجعل قبالتها تربة سنية.
ثم ابتنى الناصر محمد بن قلاوون (المدرسة الناصرية) بجوار البيمارستان المذكور.
ثم ابتنى الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون (مدرسته العظمى) (3)
تحت القلعة، وهي التي لم يسبق إلى مثلها، ولا سمع في مصر من الأمصار بنظيرها، ويقال إن إيوانها يزيد في القدر على إيوان كسرى بأذرع.
__________
(1) تمّ بناؤها سنة 662هـ، وكانت مكوّنة من أواوين أربعة خصص الأيوان القبلي للشافعية والبحري للحنفية والشرقي لدراسة الحديث والغربي للقراءات السبع، وجعل بها خزانة كتب كبيرة وبنى بجانبها ميتما لتعليم أيتام المسلمين كتاب الله تعالى وقرر لهم الخبز والكسوة، كما أنشأ بها مساكن للطلبة والأساتذة. وكان أول من عين في المدرسة لتدريس فقه الشافعي محمد بن الحسين بن رزين المتوفى سنة 680هـ. وتعرف هذه المدرسة اليوم بجامع «الشيخ مطهر» بأول شارع الخردجية على يسار الداخل إليه من جهة شارع السكة الجديدة. (الحياة العقلية: 45، 46، 47).
(2) وقد أتمها مع البيمارستان والقبة سنة 648هـ. وكان يلقى بهذه المدرسة إلى جانب الدروس الدينية درس في الطب، كان الطلبة يتلقونه نظريا في المدرسة وعمليا في المستشفى بجانبها. وتقع أماكن هذه المنشآت اليوم بشارع المعز لدين الله، بين القصرين سابقا، بالقاهرة. (الحياة العقلية: 49، 50).
(3) وهي المدرسة المعروفة الآن «بجامع السلطان حسن» بين الرميلة وحدرة البقر. وقد تولى السلطنة مرتين الأولى سنة 748هـ بعد أخيه الملك الناصر بدر الدين ثم قام عليه الأمراء سنة 752هـ وسجنوه بالقلعة، وعاد إلى السلطنة سنة 755هـ بعد خلع أخيه الملك الصالح صلاح الدين فأقام في الملك ست سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام إلى أن قام عليه مملوكه الأمير يلبغا فقتله سنة 762هـ. (الخطط التوفيقية: 1/ 101إلى 105).(3/415)
ثم ابتنى ابن أخيه الأشرف شعبان بن حسين (المدرسة الأشرفية) (1)
بالصّوّة تحت القلعة ومات ولم يكملها، ثم هدمها الناصر فرج بن الظاهر برقوق لتسلطها على القلعة في سنة أربع عشرة وثمانمائة، ونقل أحجارها إلى عمارة القاعات التي أنشأها بالحوش بقلعة الجبل ولم تعهد مدرسة قصدت بالهدم قبلها.
ثم ابتنى الظاهر برقوق (مدرسته الظاهرية) بين القصرين بجوار المدرسة الكاملية فجاءت في نهاية الحسن والعظمة، وجعل فيها خطبة، وقرر فيها صوفية على عادة الخوانق ودروسا للأئمة، وتغالى (2) في ضخامة البناء ونظم الشعراء فيها، فكان مما أتى به بعضهم من أبيات:
وبعض خدّامه طوعا لخدمته ... يدعو الصّخور فتأتيه على عجل
وتواردوا كلهم على هذا المعنى، فاقترح عليّ بعض الأكابر نظم شيء من هذا المعنى فنظمت أبياتا جاء منها:
وبالخليليّ قد راجت عماراتها ... في سرعة بنيت من غير ما مهل
كم أظهرت عجبا أسواط حكمته ... وكم غدت مثلا ناهيك من مثل
وكم صخور تخال الجنّ تنقلها ... فإنّها بالوحا (3) تأتي وبالعجل
وفي خلال ذلك ابتنى أكابر الأمراء وغيرهم من المدارس ما ملأ الأخطاط وشحنها.
__________
(1) بعد هدمها من قبل فرج بن برقوق انشيء محلها المارستان المؤيدي في أيام السلطان المؤيد شيخ. وقد تولى السلطان شعبان الملك سنة 764هـ، ثم خنقه مماليكه سنة 778هـ. (الخطط التوفيقية: 1/ 106، 107، 108).
(2) في الأصل: «فتعانى فيها» والسياق يقتضي ما أثبتناه.
(3) الوحى والعجل معنى واحد (القاموس المحيط: 1018).(3/416)
وأما الخوانق والرّبط
فمما لم يعهد بالديار المصرية قبل الدولة الأيوبية، وكان المبتكر لها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله، فابتنى (الخانقاه الصلاحية) المعروفة بسعيد السعداء، وسعيد السعداء لقب لخادم للمستنصر الفاطميّ اسمه قنبر كانت الدار له، ثم صارت آخر الأيام سكن الصالح طلائع بن رزّيك، ولما ولي الوزارة فتح من دار الوزارة إليها سردابا تحت الأرض، وسكنها شاور السعدي وزير العاضد ثم ولده الكامل. فلما ملك السلطان صلاح الدين جعلها خانقاه، ووقف عليها قيساريّة الشّرب داخل القاهرة، وبستان الحبّانية بزقاق البركة.
وأما مساجد الصلوات الخمس
فأكثر من أن تحصى وأعزّ من أن تستقصى، بكل خط منها مسجد أو مساجد لكل منها إمام راتب ومصلّون.
وأما البيمارستان
فقال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: بلغني أن البيمارستان كان أوّلا بالقشّاشين، يعني المكان المعروف الآن بالخرّاطين على القرب من الجامع الأزهر، وهناك كانت دار الضرب بناها المأمون بن البطائحي وزير الآمر قبالة البيمارستان المذكور، وقرر دور الضرب بالإسكندرية وقوص وصور وعسقلان ثم لما ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب الديار المصرية واستولى على القصر، كان في القصر قاعة بناها العزيز بن المعزّ في سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، فجعلها السلطان صلاح الدين بيمارستانا، وهو البيمارستان العتيق الذي داخل القصر، وهو باق على هيئته إلى الآن، ويقال إن فيها طلسما لا يدخلها نمل، وإن ذلك هو السبب الموجب لجعلها بيمارستانا.
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: ولقد سألت المباشرين
بالبيمارستان المذكور عن ذلك في سنة سبع وخمسين و [ستما] (1) ئة فقالوا صحيح.(3/417)
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: ولقد سألت المباشرين
بالبيمارستان المذكور عن ذلك في سنة سبع وخمسين و [ستما] (1) ئة فقالوا صحيح.
ثم ابتنى السلطان الملك «المنصور قلاوون» رحمه الله دار ستّ الملك أخت الحاكم، المعروفة «بالدار القطبية» بيمارستانا في سنة ثلاث وثمانين وستمائة بمباشرة الأمير علم الدين الشجاعيّ، وجعل من داخله المدرسة المنصورية والتربة المتقدّم ذكرهما، فبقّى معالم بعض الدار على ما هو عليه، وغيّر بعضها. وهو من المعروف العظيم الذي ليس له نظير في الدنيا، ونظره رتبة سنية يتولاه الوزراء ومن في معناهم.
قال في «مسالك الأبصار»: وهو الجليل المقدار، الجليل الآثار، الجميل الإيثار، العظيم بنائه، وكثرة أوقافه، وسعة إنفاقه، وتنوع الأطباء والكحّالين والجرائحية فيه (2).
قلت: ولم تزل القاهرة في كل وقت تتزايد عمارتها، وتتجدّد معالمها، خصوصا بعد خراب الفسطاط، وانتقال أهله إليها على ما تقدّم ذكره حتّى صارت على ما هي عليه في زماننا: من القصور العليّة، والدور الضخمة، والمنازل الرحيبة، والأسواق الممتدّة، والمناظر النزهة، والجوامع البهجة، والمدارس
__________
(1) زيادة يقتضيها المقام لأن ابن عبد الظاهر كان موجودا في هذا الوقت.
(2) وأول من بنى البيمارستان (المارستان) بمصر أحمد بن طولون سنة 261هـ وجعله في القطائع وصرف عليه ستين ألف دينار وحبس عليه عدة دور يقوم ريعها بنفقته. فلما كانت الدولة الإخشيدية بنى كافور الإخشيدي في مدينة مصر سنة 346هـ مارستانا. ولما استولى الفاطميون بنوا بالقاهرة مارستانا. وفي سنة 577هـ في زمن صلاح الدين يوسف بن أيوب، أمر بفتح مارستان للمرضى والضعفاء. وفي سنة 680هـ في زمن السلاطين الجراكسة بني المارستان المنصوري. وفي سنة 821هـ عمل المؤيد شيخ مارستانا تحت القلعة، محل مدرسة الأشرف شعبان. ومن ابتداء القرن التاسع الهجري أهمل أمر المارستانات. (الخطط التوفيقية: 1/ 240، 241).(3/418)
الرائقة، والخوانق الفاخرة، مما لم يسمع بمثله في قطر من الأقطار، ولا عهد نظيره في مصر من الأمصار. وغالب مبانيها بالآجرّ وجوامعها ومدارسها وبيوت رؤسائها مبنية بالحجر المنحوت، مفروشة الأرض بالرخام، مؤزّرة الحيطان به، وغالب أعاليها من أخشاب النخل والقصب المحكم الصنعة وكلها أو أكثرها مبيّضة الجدر بالكلس الناصع البياض، ولأهلها القوّة العظيمة في تعلية بعض المساكن على بعض حتّى إن الدار تكون من طبقتين إلى أربع طبقات (1) بعضها على بعض، في كل طبقة مساكن كاملة بمنافعها ومرافقها، وأسطحة مقطعة بأعلاها بهندسة محكمة، وصناعة عجيبة.
قال في «مسالك الأبصار»: لا يرى مثل صنّاع مصر في هذا الباب، وبظاهرها البساتين الحسان، والمناظر النّزهة، والآدر المطلّة على النيل، والخلجان الممتدّة منه ومن مدّه وبها المستنزهات المستطابة، خصوصا زمن الربيع لغدرانها الممتدّة من مقطعات النيل وما حولها من الزروع المختلفة وأزهارها المائسة التي تسرّ الناظر وتبهج الخاطر.
قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات»: وأجمع المسافرون برّا وبحرا أنه لم يكن أحسن منها منظرا، ولا أكثر ناسا، وإليها يجلب ما في سائر أقاليم الأرض من كل شيء غريب وزيّ عجيب وملكها ملك عظيم، كثير الجيوش،
__________
(1) وقد كان بعض الأبنية يصل إلى سبع طبقات فأكثر وذلك قبل أيام القلقشندي بكثير، فقد ساح في مصر بعد بناء القاهرة بخمسين عاما عالم من الفرس يعرف «بالناصري خسرو» ووصف القاهرة والفسطاط، فقال في رحلته المعروفة «بسفرنامه»: إن الفسطاط تظهر من بعد كالحبل وفيها منازل من سبع طبقات فأكثر، وسبعة جوامع كبار. قال: ولو وصفت ما فيها من آثار السعادة والثروة لكذّبني الفرس وإن القاهرة قلّ أن يوجد لها شبيه في الدنيا وقد حسبت فيها عشرين ألف دكان جميعها ملك السلطان وأغلبها مؤجر بعشرة دنانير، والحمامات والوكائل وغيرها من المباني لا يحصى عددا والكل ملك السلطان، لأنه كان ممنوعا في القاهرة التملك لغيره ومتى نظرت إلى سراي السلطان وسط القاهرة من بعد تراها كأنها جبل لكثرة المباني وعلوها. وأما من دخل البلد فلا يمكنه نظرها بسبب علوّ الأسوار (الخطط التوفيقية: 1/ 40).(3/419)
حسن الزّيّ لا يماثله في زيّه ملك من ملوك الأرض وأهلها في رفاهية عيش وطيب مأكل ومشرب ونساؤه في غاية الجمال والظّرف.
قال في «مسالك الأبصار»: أخبرني غير واحد ممن رأى المدن الكبار أنه لم ير مدينة اجتمع فيها من الخلق ما اجتمع في القاهرة.
قال: وسألت الصدر مجد الدين إسماعيل عن بغداد وتوريز (1) هل يجمعان خلقا مثل مصر؟ فقال: في مصر خلق قدر من في جميع البلاد.
قال في «التعريف»: (والقاهرة اليوم أمّ الممالك، وحاضرة البلاد، وهي في وقتنا دار الخلافة، وكرسيّ الملك، ومنبع الحكماء، ومحطّ الرحال، ويتبعها كل شرق وغرب خلا الهند فإنه نائي المكان، بعيد المدى، يقع لنا من أخباره ما نكبره، ونسمع من حديثه ما لا نألفه.
قال: وكان يخلق لنا أن نجعل كل النطق بالقاهرة دائرة، وإنما نفردها بما اشتملت عليه حدود الديار المصرية، ثم ندير بأمّ كل مملكة نطاقها، ثم إليها مرجع الكل وإلى بحرها مصب تلك الخلج).
قال في «مسالك الأبصار»: إلا أن أرضها سبخة، ولذلك يعجل الفساد إلى مبانيها.
وذكر القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر نحو ذلك وأن المعزّ لام القائد جوهرا على بنائها في هذا الموضع، وترك جانب النيل عند المقس أو جنوبيّ الفسطاط حيث الرصد الآن.
__________
(1) هي نفسها «تبريز» بكسر التاء، أشهر مدن أذربيجان (معجم البلدان: 2/ 13والروض المعطار:
130 - و 143).(3/420)
القاعدة الثالثة القلعة
(بفتح القاف) ويعبر عنها بقلعة الجبل، وهي مقرّة السلطان الآن ودار مملكته.
بناها الطواشي بهاء الدين قراقوش المتقدّم ذكره للملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله، وموقعها بين ظاهر القاهرة والجبل المقطّم والفسطاط، وما يليه من القرافة المتصلة بعمارة القاهرة والقرافة (1) وطولها وعرضها على ما تقدم في الفسطاط أيضا، وهي على نشز (2) مرتفع من تقاطيع الجبل المقطّم، ترتفع في موضع وتنخفض في آخر.
وكان موضعها قبل أن تبنى، مساجد من بناء الفاطميين (3): منها مسجد رديني الذي هو بين آدر الحريم السلطانية.
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: قال لي والدي رحمه الله: عرض عليّ الملك الكامل إمامته، فامتنعت لكونه بين آدر الحريم. ولم يسكنها (4)
السلطان صلاح الدين رحمه الله، ويقال: إن ابنه الملك العزيز سكنها مدّة في حياة أبيه، ثم انتقل منها إلى دار الوزارة.
__________
(1) لعله زائد أو سهو.
(2) هو المكان المرتفع (المعجم الوسيط: 922).
(3) شرع الأمير بهاء الدين قراقوش الأسدي في بناء القلعة، وبنى سور القاهرة في سنة 572هـ وهدم ما هنا لك من المساجد وأزال القبور وهدم الأهرام الصغار التي كانت بالجيزة تجاه مصر، وكانت كثيرة العدد، ونقل حجارتها وبنى بها السور والقلعة، وبنى قناطر الجيزة لأجل سهولة نقل تلك الأحجار عليها. ويقال إن قراقوش استعمل في بناء القلعة والسور خمسين ألف أسير. (الخطط التوفيقية:
1/ 69).
(4) أراد صلاح الدين أن تكون القلعة له معقلا وحصنا يعتصم به من أعدائه، فإنه كان يحذر من شيعة الفاطمية ولكنه مات قبل أن يتم ذلك، فأهمل العمل إلى أن كانت سلطنة الملك الكامل محمد ابن العادل أبي بكر بن أيوب، فأتمّها. (المرجع السابق).(3/421)
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: قال لي والدي رحمه الله: كنا نطلع إليها قبل أن تسكن في ليالي الجمع نبيت متفرّجين كما نبيت في جواسق (1)
الجبل والقرافة.
وأول من سكنها الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب انتقل إليها من قصر الفاطميين سنة أربع وستمائة، واستقرّت بعده سكنا للسلاطين إلى الآن.
ومن غريب ما يحكى أن السلطان صلاح الدين رحمه الله طلع إليها ومعه أخوه العادل أبو بكر، فقال السلطان لأخيه العادل: هذه القلعة بنيت لأولادك، فثقل ذلك على العادل وعرف السلطان صلاح الدين ذلك منه، فقال: لم تفهم عني إنما أردت أني أنا نجيب فلا يكون لي أولاد نجباء، وأنت غير نجيب فتكون أولادك نجباء فسرّي عنه، وكان الأمر كما قال السلطان صلاح الدين، وبقيت خالية حتّى ملك العادل مصر والشام، فاستناب ولده الملك الكامل محمدا في الديار المصرية فسكنها.
وذكر في «مسالك الأبصار» أن أول من سكنها العادل أبو بكر، ولما سكنها الكامل المذكور، احتفل بأمرها واهتم بعمارتها وعمر بها أبراجا، منها البرج الأحمر وغيره.
وفي أواخر سنة اثنتين وثمانين وستمائة عمر بها السلطان الملك المنصور قلاوون برجا عظيما على جانب باب السر الكبير، وبنى عليه مشترفات حسنة البنيان، بهجة الرخام، رائقة الزّخرفة. وسكنها في صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة.
ثم عمر بها السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ثلاثة أماكن، كملت بها معانيها، واستحق بها القلعة على بانيها:
__________
(1) الجوسق: القصر الصغير والحصن. (المعجم الوسيط: 147).(3/422)
أحدها القصر الأبلق (1) الذي يجلس به السلطان في عامة أيامه، ويدخل عليه فيه أمراؤه وخواصّه، وقد استجدّ به السلطان الملك الأشرف «شعبان بن حسين» رحمه الله في جانبه مقعدا بإزاء الإسطبلات السلطانية جاء في نهاية من الحسن والبهجة.
والثاني الإيوان الكبير الذي يجلس فيه السلطان في أيام المواكب للخدمة العامة وإقامة العدل في الرعية.
والثالث جامع الخطبة الذي يصلي فيه السلطان الجمعة، وستأتي صفة هذه الأماكن كلها.
وهذه القلعة ذات سور وأبراج، فسيحة الأفنية، كثيرة العمائرة، ولها ثلاثة أبواب يدخل منها إليها:
أحدها من جهة القرافة والجبل المقطّم، وهو أقل أبوابها سالكا وأعزّها استطراقا.
والثاني باب السر. ويختص الدخول والخروج منه بأكابر الأمراء وخواصّ الدولة: كالوزير وكاتب السر ونحوهما، يتوصل إليه من الصوّة (2)، وهي بقية النّشر الذي بنيت عليه القلعة من جهة القاهرة، بتعريج يمشي فيه مع جانب جدارها البحري حتّى ينتهي إليه بحيث يكون مدخله منه مقابل الإيوان الكبير الذي يجلس فيه السلطان أيام المواكب، وهذا الباب لا يزال مغلقا حتى ينتهي إليه من يستحق الدخول أو الخروج منه فيفتح له ثم يغلق.
والثالث وهو بابها الأعظم الذي يدخل منه باقي الأمراء وسائر الناس، يتوصل إليه من أعلى الصوّة المتقدّم ذكرها، يرقى إليه في درج متناسبة حتّى يكون
__________
(1) وقد صرف على بنائه خمسمائة ألف ألف درهم، وكان ذلك القصر مشرفا على الرميلة وقرا ميدان، وكان بداخله ثلاثة قصور. (الخطط التوفيقية: 1/ 93).
(2) والجمع: صوى وأصواء. وهي ما ارتفع من الأرض. (المعجم الوسيط: 530).(3/423)
مدخله في أول الجانب الشرقيّ من القلعة ويتوصل منه إلى ساحة مستطيلة ينتهي منها إلى دركاه (1) جليلة يجلس بها الأمراء حتّى يؤذن لهم بالدخول وفي قبليّ هذه الدركاه (دار النيابة) (2) وهي التي يجلس بها النائب الكافل (3) للحكم إذا كان ثمّ نائب، و (قاعة الصاحب) (4) وهي التي يجلس بها الوزير وكتّاب الدولة، و (ديوان الإنشاء) وهو الذي يجلس فيه كاتب السر وكتّاب ديوانه، وكذلك (ديوان الجيش) وسائر الدواوين السلطانية.
وبصدر هذه الدّركاه باب يقال له «باب القلّة» يدخل منه إلى دهاليز فسيحة، على يسرة الداخل منها باب يتوصل منه إلى جامع الخطبة المتقدّم (5)
ذكره وهو من أعظم الجوامع، وأحسنها وأبهجها نظرا، وأكثرها زخرفة، متسع الأرجاء، مرتفع البناء، مفروش الأرض بالرخام الفائق، مبطّن السّقوف بالذهب في وسطه قبة يليها مقصورة يصلّي فيها السلطان الجمعة، مستورة هي والرواقات المشتملة عليها بشبابيك من حديد محكمة الصنعة، يحفّ بصحنه رواقات من جميع جهاته ويتوصل من ظاهر هذا الجامع إلى باب الستارة، ودور الحريم السلطانية.
__________
(1) لفظ فارسي معناه: الساحة أو الحوش أو الفناء المؤدي إلى بناء كبير مثل قصر السلطان أو قلعة الجبل، والجمع: دركاوات. (مصطلحات صبح الأعشى: 135).
(2) بناها السلطان قلاوون سنة 687هـ لنائب السلطنة وكانت بالدركاه في الميدان الذي تحت القلعة.
وكان فيها شباك يجلس فيه النائب للمتظلمين. وكان يوجد أيضا بالإسكندرية دار نيابة.
(مصطلحات صبح الأعشى: 131).
(3) وهو الذي يحكم في كل ما يحكم فيه السلطان، ويعلم في التقاليد والتواقيع والمناشير وغير ذلك مما هو من هذا النوع. ولنائب السلطنة أن يستخدم الجند من غير مشاورة السلطان ويعين أرباب الوظائف الجليلة كالوزارة وكتابة السر، وقلّ ألّا يجاب في ما يعينه، وهو سلطان مختصر، بل هو السلطان الثاني. (مصطلحات صبح الأعشى: 345).
(4) وتسمى «المجلس العالي» أو «دار الوزارة». وهي بجوار الدواوين التي يشرف عليها.
(مصطلحات صبح الأعشى: 301).
(5) وهو أيضا «الجامع الحاكمي» وقد تقدم أن العزيز اختط أساسه سنة 379هـ وفي «الخطط التوفيقية»: سنة 380هـ. (الخطط التوفيقية: 46).(3/424)
وبصدر الدهاليز المتقدّمة الذكر مصطبة يجلس عليها مقدّم المماليك (1)، وعندها مدخل باب السر المتقدّم ذكره، وفي مجنبة ذلك ممرّ يدخل منه إلى ساحة يواجه الداخل إليها باب الإيوان الكبير المتقدّم ذكره، وهو إيوان عظيم عديم النظير، مرتفع الابنية، واسع الأفنية، عظيم العمد، عليه شبابيك من حديد عظيمة الشأن محكمة الصنعة وبصدره سرير الملك، وهو منبر من رخام مرتفع، يجلس عليه السلطان في أيام المواكب العظام لقدوم رسل الملوك ونحو ذلك.
ويتامن عن هذا الإيوان إلى ساحة لطيفة بها باب القصر الأبلق المتقدّم ذكره، وبنواحيها مصاطب يجلس عليها خواصّ الأمراء قبل دخولهم إلى الخدمة ويدخل من باب القصر إلى دهاليز عظيمة الشأن، نبيهة القدر، يتوصّل منها إلى القصر المذكور، وهو قصر عظيم البناء، شاهق في الهواء، به إيوانان في جهتي الشّمال والجنوب، أعظمهما الشّماليّ، يطلّ منهما على الإصطبلات السلطانية، ويمتدّ النظر منهما إلى سوق الخيل والقاهرة والفسطاط وحواضرها، إلى مجرى النيل، وما يلي ذلك من بلاد الجيزة والجبل وما والى ذلك وبصدره منبر من رخام كالذي في الإيوان الكبير يجلس عليه السلطان أحيانا في وقت الخدمة على ما يأتي ذكره.
والإيوان الثاني وهو القبليّ خاص بخروج السلطان وخواصّه منه، من باب السر إلى الإيوان الكبير خارج القصر للجلوس فيه أيام المواكب العامّة، ويدخل من القصر المتقدّم ذكره إلى ثلاثة قصور جوّانية: واحد منها مسامت لأرض القصر الكبير، واثنان مرفوعان، يصعد إليهما بدرج في جميعها شبابيك من حديد تشرف على ما يشرف عليه القصر، ويدخل من القصور الجوّانية إلى دور الحريم وأبواب الستور السلطانية وهذه القصور جميعها ظاهرها بالحجر الأسود
__________
(1) وهو الذي يقوم بالإشراف على تعليم مماليك السلطان والأمراء في الطباق التي هي أشبه بالمدارس الحربية. ورتبة مقدم المماليك إمرة الطبلخانة. وكان له نائب وتحت يده جملة معلمين غالبيتهم من خدام الطباق. (مصطلحات صبح الأعشى: 322).(3/425)
والأصفر، وداخلها مؤزّر بالرخام والفصّ المذهب المشجر بالصّدف وأنواع الملونات، والسقوف المبطّنة بالذهب واللّازورد تخرق لضوء (1) في جدرانها بطاقات من الزجاج القبرسيّ الملوّن كقطع الجوهر المؤلفة في العقود، وجميع أرضها مفروشة بالرخام المنقول من أقطار الأرض مما لا يوجد مثله.
قال في «مسالك الأبصار»: فأما الآدر السلطانية فعلى ما صح عندي خبره أنها ذوات بساتين وأشجار ومناخات للحيوانات البديعة والأبقار والأغنام والطيور الدّواجن.
وخارج هذه القصور طباق واسعة للماليك السلطانية، ودور عظام لخواص الأمراء من مقدّمي الألوف، ومن عظم قدره من امراء الطّبلخاناه والعشرات، ومن خرج عن حكم الخاصكية إلى حكم البرانيين.
وبها بيوت ومساكن لكثير من الناس، وسوق للمآكل ويباع بها النّفيس من السلاح والقماش مع الدّلالين يطوفون به.
وبهذه القلعة مع ارتفاع أرضها وكونها مبنية على جبل بئر ماء (2) معين منقوبة في الحجر، احتفرها بهاء الدين قراقوش المتقدّم ذكره حين بناء القلعة، وهي من أعجب الآبار، بأسفلها سواق تدور فيها الأبقار، وتنقل الماء في وسطها، وبوسطها سواق تدور فيها الأبقار أيضا وتنقل الماء إلى أعلاها ولها طريق إلى
__________
(1) في المقريزي: «وقد موّهت باللازورد والنور يخرق في جدرانها».
(2) وهي البئر المعروفة بالحلزون من عمل قراقوش في أيام صلاح الدين. وذكر القاضي ناصر الدين شافع بن علي في كتاب عجائب البنيان: أنه ينزل الى هذه البئر بدرج نحو ثلاثمئة درجة، والمشاهد أنه ينزل اليها بمزلقان، ولم يكن هناك درج.
وبئر يوسف المذكورة عبارة عن بئرين فوق بعضهما، والماء بعد طلوعه من البئر الأسفل ينصب في البئر الثانية والمستعمل في نقله سواقي القواديس. وارتفاع البئر الأعلى من ابتداء أرض القلعة إلى قاعها خمسون مترا وثلاثة أعشار المتر وعمق البئر الأسفل أربعون مترا وثلاثة أعشار المتر.
وجميعه نقر في الحجر. (الخطط التوفيقية: 1/ 70).(3/426)
الماء ينزل البقر فيه إلى معينها في مجاز، وجميع ذلك نحت في الحجر ليس فيه بناء.
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: وسمعت من يحكي من المشايخ أنها لما نقرت، جاء ماؤها عذبا فأراد قراقوش أو نوّابه الزيادة في مائها فوسع نقرا في الجبل، فخرجت منه عين مالحة غيرت عذوبتها. ويقال: إن أرضها تسامت أرض بركة الفيل وهذه البئر ينتفع بها أهل القلعة فيما عدا الشرب من سائر أنواع الاستعمالات. أما شربهم فمن الماء العذب المنقول إليها من النيل بالرّوايا (1)
على ظهور الجمال والبغال مع ما ينساق إلى السلطان ودور أكابر الأمراء المجاورين للسلطان من ماء النيل في المجاري، بالسواقي النّقّالات والدواليب التي تديرها الأبقار وتنقل الماء من مقرّ إلى آخر حتّى ينتهي إلى القلعة، ويدخل إلى القصور والآدر في ارتفاع نحو خمسمائة ذراع.
وقد استجدّ السلطان الملك الظاهر برقوق بهذه القلعة صهريجا عظيما يملأ في كل سنة زمن النيل من الماء المنقول إلى القلعة من السواقي النّقّالات، ورتب عليه سبيلا بالدّركاه التي بها دار النيابة يسقى فيه الماء وحصل به للناس رفق عظيم.
وتحت مشترف هذه القلعة مما يلي القصور السلطانية ميدان عظيم يحول بين الإصطبلات السلطانية وسوق الخيل، ممرّج بالنجيل الأخضر، فسيح المدى، يسافر النظر في أرجائه، به أنواع من الوحوش المستحسنة المنظر، وتربط به الخواصّ من الخيول السلطانية للتفسح وفيه يصلي السلطان العيدين على ما سيأتي ذكره وفيه تعرض الخيول السلطانية في أوقات الإطلاقات ووصول التقادم والمشترى، وربما أطعم فيه الجوارح السلطانية وإذا أراد السلطان النزول إليه خرج من باب إيوان القصر وركب من درج تليه إلى إصطبل الخيول الخاص، ثم
__________
(1) جمع: «راوية»، وهي الوعاء الذي يكون فيه الماء ويسمى: المزادة ويحمل على ظهر البعير.
(اللسان: 14/ 346).(3/427)
نزل إليه راكبا وخواصّ الأمراء في خدمته مشاة، ثم يعود إلى القصر كذلك.
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في «خططه»: وكان هذا الميدان وما حوله يعرف قديما بالميدان، وبه قصر أحمد بن طولون وداره التي يسكنها، والأماكن المعروفة بالقطائع حوله على ما تقدّم ذكره في خطط الفسطاط، ولم يزل كذلك حتّى بنى الملك الكامل بن العادل بن أيوب هذا الميدان تحت القلعة حين سكنها، وأجرى السواقي النّقالات من النيل إليه، وعمر إلى جانبه ثلاث برك تملأ لسقيه ثم تعطل في أيامه مدّة، ثم اهتم به الملك العادل ولده، ثم اهتم به الصالح نجم الدين أيوب اهتماما عظيما، وجدّد له ساقية أخرى، وغرس في جوانبه أشجارا فصار في نهاية الحسن. فلما توفّي الصالح تلاشى حاله إلى أن هدم في سنة خمسين وستمائة، أو سنة إحدى وخمسين في الأيام المعزّيّة أيبك التركماني، وهدمت السواقي والقناطر وعفت آثارها، وبقي كذلك حتّى عمره (1)
السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون رحمه الله، فأحسن عمارته ورصّفه أبدع ترصيف، وهو على ذلك إلى الآن.
أما الميدان السلطانيّ الذي بخطّ اللوق، وهو الذي يركب إليه السلطان عند وفاء النيل للعب الكرة، فبناه الملك الصالح نجم الدين أيوب، وجعل به المناظر الحسنة ونصب الطّوارق على بابه كما تنصب على باب القلاع وغيرها، ولم تزل الطوارق منصوبة عليه إلى ما بعد السبعمائة وسيأتي الكلام على كيفية الركوب إليه في المواكب في الكلام على ترتيب المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
والقلعة التي بالرّوضة تقدم الكلام عليها [في الكلام] (2) على خطط الفسطاط.
__________
(1) في سنة 741هـ اهتم الملك الناصر بسوق الماء الى القلعة لأجل سقي الأشجار وملء الفساقي ولأجل مراحات الغنم والبقر، فطلب المهندسين والبنائين ونزل معهم وسار في طول القناطر التي تحمل الماء من النيل إلى القلعة حتى انتهى إلى الساحل فأمر بحفر بئر أخرى وإعمال القناطر لينقل عليها الماء حتى تتصل بالقناطر العتيقة فيجتمع الماء من البئرين ويصير ماء واحدا يجري إلى القلعة فعمل ذلك. (الخطط التوفيقية: 1/ 95وما بعدها).
(2) زيادة يقتضيها السياق.(3/428)
ومما يتصل بهذه القواعد الثلاث ويلتحق بها «القرافة» التي هي مدفن أمواتها، وهي تربة عظيمة ممتدّة في سفح المقطّم، موقعها بين المقطم والفسطاط وبعض القاهرة، تمتدّ من قلعة الجبل المتقدّم ذكرها آخذة في جهة الجنوب إلى بركة الحبش وما حولها. وكان سبب جعلها مقبرة ما رواه ابن الحكم عن الليث بن سعد: أن المقوقس سأل عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار، فتعجب عمرو من ذلك، وكتب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك، فكتب إليه عمر: أن سله لم أعطاك به ما أعطاك وهي لا تزرع ولا يستنبط بها ماء ولا ينتفع بها فسأله، فقال: إنا لنجد صفتها في الكتب أن فيها غراس الجنة، فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك، فكتب إليه عمر: «إنّي لا أرى غرس الجنة إلا للمؤمنين فاقبر بها من مات قبلك من المسلمين ولا تبعها بشيء» فقال المقوقس لعمر: ما على ذا عاهدتنا، فقطع لهم قطعة تدفن فيها النصارى، وهي التي على القرب من بركة الحبش، وكان أول من قبر بسفح المقطم من المسلمين رجلا من المعافر اسمه عامر، فقيل عمرت.
ويروى أن عيسى عليه السلام مرّ على سفح المقطم في سياحة ومعه أمّه، فقال: «يا أمّاه! هذه مقبرة أمّة محمد صلى الله عليه وسلم». وفيها ضرائح الأنبياء عليهم السلام كإخوة يوسف وغيرهم. وبها قبر آسية امرأة فرعون، ومشاهد جماعة من أهل البيت والصحابة والتابعين والعلماء والزّهّاد والأولياء.
وقد بنى الناس بها الأبنية الرائقة، والمناظر البهجة، والقصور البديعة، يسرح الناظر في أرجائها، ويبتهج الخاطر برؤيتها وبها الجوامع والمساجد والزوايا والرّبط والخوانق، وهي في الحقيقة مدينة عظيمة إلا أنها قليلة الساكن (1).
__________
(1) قال في الخطط التوفيقية: «ودفن الموتى الآن في خمسة محلات خارج البلد وهي: قرافة السيدة نفيسة، وقرافة الإمام الشافعي وبها مدفن الفامليا، وقرافة باب الوزير، وقرافة المجاورين وقايتباي، وقرافة باب النصر. وامتنع الدفن داخل البلد. وقد بطلت عدة مقابر وهي: مقبرة القاصد، ومقبرة الأزبكية ومقبرة الرويعي، ومقبرة السيدة زينب، ومقبرة زين العابدين، ومقبرة السبتية ببولاق.
(الخطط التوفيقية: 1/ 46، 47).(3/429)
الفصل الثاني من المقالة الثانية في ذكر كور الديار المصرية وهي على ضربين
الضرب الأول في ذكر كورها القديمة
وقد جعلها القضاعيّ في «خططه» ثلاثة أحياز، وتشتمل على خمس وخمسين كورة، إلا أنه ذكرها سردا غير مبنيّة ولا مرتّبة، وقد أوردتها هنا مبيّنة مرتبة، ونبهت على ما هو مستمرّ منها على حكمه، وما تغيّر حكمه بإضافته إلى غيره من الأعمال المستمرة مع بقاء أسمائه، وما درس اسمه ونسي، أو تغير ولم تعلم له حقيقة.
الحيّز الأول أعلى الأرض، وهو الصعيد
والمراد ما هو من كورها جنوبيّ الفسطاط إلى نهايته في الجنوب، وسمي صعيدا لأن أرضه كلّما ولجت في الجنوب، أخذت في الصّعود والارتفاع.
وقد ذكر القضاعيّ فيه عشرين كورة:
الأولى (كورة الفيوم)
وهي كورة باقية مستمرة الحكم إلى الآن، وسيأتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الثانية (كورة منف)
(1) ومنف هي مدينة مصر القديمة المتقدّمة الذكر،
__________
(1) وهي البدرشين أم عيسى. وكانت منف هي مصر القديمة، فلما فتح عمرو بن العاص مصر خربها وبنى مدينة الفسطاط. (الانتصار: 4/ 130).(3/430)
التي بناها مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام. وقد تقدّم أنها على اثني عشر ميلا من الفسطاط في جنوبيّه على القرب من البلدة المعروفة الآن بالبدرشين.
الثالثة (كورة وسيم)
ووسيم بفتح الواو وكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وميم في الآخر، بلدة من عمل الجيزة معروفة والثابت في الدواوين أو سيم بزيادة ألف في أولها وسكون الواو (1).
الرابعة (كورة الشرقية)
وكأن المراد بها عمل إطفيح الآن إذ هو شرقيّ النيل وليس بالوجه القبليّ عمل مستقلّ شرقيّ النيل سواه.
الخامسة (كورة دلاص وبوصير)
أما دلاص فبدال مهملة مفتوحة ولام ألف ثم صاد مهملة قال في «الروض المعطار»: كانت مدينة عظيمة بها عجائب الأبنية وبها كان مجتمع سحرة مصر. وأما بوصير فالمراد هنا بوصير قوريدس التي قتل بها مروان الحمار، آخر خلفاء بني أميّة، ودلاص وبوصير هذه كلاهما الآن من عمل البهنسى، وسيأتي ذكره في الأعمال المستقرّة.
قال في «الروض المعطار»: قال الجاحظ: بها ولد عيسى بن مريم عليه السلام. وذكر أن نخلة مريم كانت قائمة بها إلى زمانه.
قلت: والمعروف أن مولد عيسى عليه السلام كان بالقدس من أرض الشام على ما سيأتي ذكره في الكلام على الإيمان في أواخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
السادسة (كورة أهناس)
وأهناس بفتح الهمزة، وسكون الهاء وفتح النون وألف وسين مهملة في الآخر، وتعرف بأهناس المدينة، كانت مدينة في القديم، وهي الآن من جملة عمل البهنسى الآتي ذكره في الأعمال المستقرّة.
__________
(1) وفي ذلك يقول شهاب الدين بن فضل الله العمري:
ما مثل مصر في زمان ربيعها ... لصفاء ماء واعتلال نسيم
تالله ما تحوي البلاد نظيرها ... لما نظرت الى جمال وسيم
(الانتصار: 4/ 131).(3/431)
السابعة (كورة القيس)
والقيس بفتح القاف وسكون الياء المثناة تحت وسين مهملة في الآخر، كانت مدينة في القديم، وهي الآن قرية معدودة من عمل البهنسى أيضا.
الثامنة (كورة البهنسى)
وهي ذات عمل مستقرّ، وسيأتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرّة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
التاسعة (كورة طحا وجير (1) شنودة)
. أما طحا فبفتح الطاء والحاء المهملتين وألف في الآخر، كانت في القديم مدينة ذات عمل، ولذلك تعرف بطحا المدينة، وهي الآن من عمل الأشمونين الآتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرّة، وإليها ينسب أبو جعفر الطّحاويّ إمام الحنيفة ومحدّثهم.
وأما جير (2) شنودة، فمن الأسماء التي درست ولم تعلم حقيقتها.
العاشرة (كورة بويط)
قال ابن خلكان: بويط بضم الباء الموحدة وفتح الواو وسكون الياء المثناة تحت وطاء مهملة في الآخر. وقال في «تقويم البلدان» بهمزة مفتوحة في أوّله وباء ساكنة، وهو اسم واقع على بلدتين بالديار المصرية:
إحداهما بعمل البهنسى في لحف الجبل على طريق المارّة، وإليها ينسب أبو يعقوب البويطي: أحد رواة الجديد عن الإمام الشافعيّ رضي الله عنه. والثانية من عمل سيوط وتعرف ببويط البتينة، وإليها ينسب شرق بويط والظاهر أنها المرادة هنا.
الحادية عشرة (كورة الأشمونين وأنصنا وشطب)
. أما مدينة الأشمونين، فذات عمل مستقرّ، وسيأتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرّة فيما بعد أن شاء الله تعالى.
__________
(1) كذا في ياقوت. وفي الانتصار: 4/ 128 «حيز» بالحاء المهملة والزاي المعجمة. وفي الأصل:
«حير» بالراء المهملة.
(2) كذا في ياقوت. وفي الانتصار: 4/ 128 «حيز» بالحاء المهملة والزاي المعجمة. وفي الأصل:
«حير» بالراء المهملة.(3/432)
وأما (أنصنا) فقال في «تقويم البلدان»: هي بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الصاد المهملة وفتح النون وألف في الآخر، وهي مدينة قديمة خراب في البر الشرقي من النيل قبالة الأشمونين.
وقد ذكر ابن هشام في السيرة: أن ماريّة القبطية التي أهداها المقوقس النبيّ صلى الله عليه وسلم من كورتها من قرية يقال لها حفن، وأنصنا الآن من جملة عمل الأشمونين.
وأما (شطب) فبضم الشين المعجمة وسكون الطاء المهملة، وباء موحدة في الآخر، وهي مدينة قديمة بنيت في زمن شدّاد بن عديم أحد ملوك مصر بعد الطوفان قد خربت وعمر عليها قرية صغيرة سميت باسمها، وهي الآن من جملة عمل سيوط الآتي ذكره في الأعمال المستقرّة.
الثانية عشرة (كورة سيوط)
وهي مستقرّ الحكم وسيأتي ذكرها في الأعمال المستقرّة.
الرابعة عشرة (كورة قهقوه)
وهي من الأسماء التي درست ونسيت ولم أعلم بالصعيد بلدة تسمى الآن بهذا الاسم (1).
الخامسة عشرة (كورة إخميم والدّير وأبشاية)
أما كورة إخميم، فمن الكور المستمرّة الحكم، وسيأتي الكلام عليها في الكور المستقرّة.
وأما (الدير) فيجوز أن يكون المراد به الدّير والبلّاص (2)، وهي بلدة في شرقيّ النيل شماليّ قنا، هي الآن من عمل قوص الآتية الذكر.
__________
(1) كذلك اكتفى صاحب الانتصار بذكر اسمها فقط.
(2) وهذا لا يتفق مع الحقيقة. والصواب أن الدير وأبشاية المذكورتين مع إخميم هنا هما بلدتان من كورة إخميم الأولى منهما وهي الدير، لا زالت تعرف باسم نجع الدير تحت سفح الجبل الغربي تجاه مدينة سوهاج وبها الدير الأبيض وهو دير الأنبا بشاي بأراضي ناحية أولاد عزاز بمركز سوهاج.
وأما أبشاية فهي البلدة التي تعرف اليوم باسم: المنشاة بمركز جرجا بمديرية جرجا، ولا علاقة لهاتين البلدتين بالدير والبلاص اللتين بمركز قنا. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 379).(3/433)
وأما (أبشاية) فمن الأسماء التي جهلت.
السادسة عشرة (كورة هو ودندرة وقنا)
أما هو، فبضم الهاء وسكون الواو، وهي مدينة صغيرة على ساحل البر الغربيّ الجنوبيّ من النيل، ويضاف إليها في الدواوين الكوم الأحمر، فيقال هو والكوم الأحمر.
وأما (دندرة) فبفتح الدال المهملة وسكون النون وفتح الدال الثانية والراء المهملة وهاء في الآخر، وهي مدينة قديمة خراب على الساحل الغربيّ الجنوبي من النيل في شرقيّ هو، وبها كانت (1) البرباة العظيمة المتقدّم ذكرها في عجائب الديار المصرية.
وأما (قنا) فبكسر القاف وفتح النون وألف في الآخر، وهي مدينة شرقيّ النيل، وبها ضريح السيد الجليل عبد الرحيم القنائي (2)، المعروف بالبركة وإجابة الدعاء عنده وهذه البلاد الثلاث الآن من جملة عمل قوص الآتي ذكره في الكلام على الأعمال المستقرّة.
السابعة عشرة (كورة قفط والأقصر)
. أما قفط، فبكسر القاف وسكون الفاء وطاء مهملة في الآخر، كانت مدينة قديمة بالبر الشرقي من النيل جنوبي قنا المتقدّمة الذكر، بناها قفط بن قبطيم بن (3) مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام أحد ملوك مصر بعد الطوفان، فخربت وبقيت آثارها وعمرت على القرب منها مدينة صغيرة سميت باسمها.
__________
(1) لا تزال قائمة الى اليوم.
(2) من كبار النسّاك، مغربي الأصل. ولد في إحدى قرى «سبته» وأقام بمكة سبع سنين واستقر في «قنا» وتوفي بها سنة 592هـ. وقبره فيها. وقال صاحب «الأعلام»: «وأخبرني أحد علماء «قنا» أن للسيد القنائي موسما سننويا من أول شعبان الى منتصفه يتبارى فيه ما لا يقل عن ثلاثين شاعرا في إلقاء قصائدهم عند ضريحه. (الأعلام: 3/ 343).
(3) في ياقوت: «قفط بن مصر ثم قال: وأصله في كلامهم: قفطيم ومصريم». ولكن الذي في المقريزي نحو ما في الأصل.(3/434)
وأما (الأقصر) فبضم الهمزة وسكون القاف وضم الصاد المهملة وراء مهملة في الآخر، وتسمّى الأقصرين أيضا على التثنية، وهي مدينة خراب بالبر الشرقي من النيل، قد عمر على القرب منها قرية سميت باسمها، وبها ضريح السيد الجليل أبو الحجّاج الأقصري (1)، وكانت بها بربارة عظيمة فخربت (2)، واعلم أن بين قفط والأقصر مدينة قوص، وقد ذكر القضاعيّ كورتها في جملة الكور، فكيف يستقيم أن تذكر قفط والأقصر كورة واحدة!
الثامنة عشرة (كورة قوص)
وهي مستمرّة الحكم، وسيأتي الكلام عليها في جملة الأعمال المستقرّة إن شاء الله تعالى.
التاسعة عشرة (كورة أسنا وأرمنت)
أما أسنا، فبفتح (3) الهمزة وسكون السين المهملة وفتح النون وألف في الآخر، وهي مدينة حسنة بالبر الغربيّ من النّيل، ويقال: إنه لم يسلم من تخريب بخت نصّر من مد (4) الديار المصرية سواها، وذلك أن أهلها هربوا منه إلى الجبل بالقرب منها فتبعهم وقتلهم هناك وترك البلد على حالها.
وأما (أرمنت) فبفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الميم وسكون النون وتاء مثناة فوق في الآخر، وهي مدينة صغيرة بالبرّ الغربيّ الشّماليّ من النيل بينها وبين أسنا مرحلة، وكلاهما الآن من عمل قوص، وقد جرى على الألسنة
__________
(1) هو يوسف بن عبد الرحيم، من كبار الصوفية في عصره. وقبره بالأقصر معروف الى الآن. وهو من أهل الرواية والعلم. له منظومة في التوحيد. توفي سنة 642هـ.
قال الأدفوي: «لكن جهّال اتباعه أطنبوا في أمره وادعوا أن له معراجا عرج به الى السماء في ليلة النصف من شعبان، واتخذوه في الصعيد في كل سنة كالعيد والشيخ بعيد عن ذلك كله وله من المناقب ما يكفيه». (الأعلام: 8/ 238).
(2) لا تزال بقاياها قائمة الى اليوم. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 380).
(3) ضبطه ياقوت بكسر الهمزة (معجم البلدان 1/ 189).
(4) المعروف أن «بختنصر» لم يدخل مصر. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 380).(3/435)
الجمع بينهما في اللفظ فيقال: أسنا وأرمنت، وكان ذلك لكثرة اجتماعهما في إقطاع واحد.
العشرون (كورة أسوان)
وسيأتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرّة مع الأعمال القوصية إن شاء الله تعالى.
الحيّز الثاني أسفل الأرض
وقد ذكر القضاعيّ: أنها ثلاث وثلاثون كورة في أربع نواح:
الناحية الأولى كور الحوف الشرقيّ، وبها ثمان كور
الأولى (كورة عين شمس)
وعين شمس مدينة قديمة خراب على القرب من المطريّة من ضواحي القاهرة الآتي ذكرها في الأعمال المستقرّة.
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: رأيت على حاشية بعض كتب التواريخ أن ملكها كان عظيم الشأن، وعاش إلى زمن يوسف عليه السلام وتزوّج ابنته.
الثانية (كورة أتريب)
وأتريب مدينة خراب على القرب من بنها العسل من أعمال الشرقية الآتي ذكرها في الأعمال المستقرّة، بناها أتريب بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام.
الثالثة (كورة نتا (1) وتميّ)
أمانتا، فلا يعرف بالحوف الآن بلدة اسمها نتا، وإنما نتا بعمل الغربية، وسيأتي ذكرها مع بوصير هناك.
وأمّا (تميّ) فبضم التاء المثناة فوق وفتح الميم وياء مثناة تحت في آخرها،
__________
(1) في الأصل: «بنا». (المرجع السابق).(3/436)
وهي مدينة خراب بعمل المرتاحيّة، بها آثار عظام رأيت فيها أبوابا من حجر صوّان قطعة واحدة، ارتفاعها نحو عشرة أذرع قائمة على قاعدة من صوّان أيضا.
الرابعة (كورة بسطة)
وبسطة بفتح الباء الموحدة وسكون السين وفتح الطاء المهملتين وهاء في الآخر، وهي مدينة خراب تعرف الآن بتلّ بسطة من عمل الشرقية.
الخامسة (كورة طرابية)
(1) وهي من الأسماء التي درست ولم تعرف.
السادسة (كورة فربيط)
(2) وهي من المجهول أيضا.
السابعة (كورة صان وإبليل)
(3) وهي من المجهول.
الثامنة (كورة الفرما والعريش)
. أما الفرما، فقال في «تقويم البلدان»: هي بفاء وراء مهملة وميم مفتوحات ثم ألف، وهي بلدة خراب على شاطيء بحر الروم، على بعد يوم من قطية. قال ابن حوقل: وبها قبر جالينوس الحكيم.
وأما (العريش) فبفتح العين المهملة وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة تحت وشين معجمة في الآخر قال في «الروض المعطار»: كانت مدينة ذات جامعين مفترقي البناء، وثمار وفواكه.
قال في «تقويم البلدان»: وهي الآن منزلة على شطّ بحر الرّوم، وبها آثار قديمة من الرّخام وغيره.
__________
(1) كذلك في الانتصار: 5/ 42. ولم يتكلم عليها أو على سابقتها.
(2) هذه الكورة تعرف اليوم باسم «هربيط» إحدى قرى مركز كفر صقر بمديرية الشرقية. وفي الأصل «قربيط» بالقاف المثناة وفي الانتصار: 5/ 42: «فرنيط» بالفاء الموحدة والنون. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 382).
(3) «صان» هذه لا تزال موجودة باسم «صان الحجر» إحدى قرى مركز فاقوس بمديرية الشرقية.
وأما «إبليل» فقد خربت وكانت بالقرب منها. (المرجع السابق).(3/437)
قال في «الروض المعطار»: وكان بينها وبين قبرس (1) طريق مسلوكة في البر.
الناحية الثانية بطن الريف
وأصل الرّيف في لغة العرب موضع الزّرع والشجر، إلا أنه غلب بالديار المصرية على أسفل الأرض منها وفيها سبع كور:
الأولى (كورة بنا وبوصير)
أمّا بنا، فبفتح الباء الموحدة والنون وألف في الآخر. وبوصير تقدّم ضبطها في الكلام على بوصير المعروفة بمصر يوسف بالجيزيّة عند ذكر قواعد مصر القديمة، وبنا وبوصير هذه كلاهما من عمل الغربية الاتي ذكره في الأعمال المستقرّة.
الثانية (كورة سمنّود)
وسمنود بفتح السين المهملة وضم النون المشدّدة والواو ودال مهملة في الآخر وهي مدينة صغيرة من الأعمال الغربية، كان لها عمل مستقرّ في أوّل الأمر ثم أضيفت إلى عمل الغربية.
الثالثة (كورة نوسا)
ونوسا بفتح النون والواو والسين المهملة (2) في الآخر، وهي الآن قرية من قرى المرتاحية.
الرابعة (كورة الأوسيّة)
وهي من الأسماء التي درست وجهلت.
الخامسة (كورة البجوم)
بالباء الموحدة والجيم، وهي من الأسماء المندرسة أيضا، ولا يعرف مكان بالديار المصرية اسمه البجوم إلا أرض بأسفل
__________
(1) جاء في هامش الطبعة الأميرية: «في الأصل «قدس» وهو خطأ. وعبارة الروض المعطار:
وكان بين العريش وقبرس طريق مسلوكة في تنيس، وبينهما اليوم سير طويل في البحر
(لروض المعطار: ص 138).
(2) لعله: وألف في الآخر كما هو ظاهر.(3/438)
عمل البحيرة على القرب من الإسكندرية صارت مستنقعا للمياه المنصرفة عن البحيرة.
السادسة (كورة دقهلة)
ودقهلة بفتح الدال المهملة والقاف وسكون الهاء وفتح اللام وهاء في الآخر، وهي مدينة قديمة بالجزيرة بين فرقة النيل المارّة إلى دمياط والفرقة التي تصب ببحيرة تنّيس، وإليها ينسب عمل الدقهلية، وهي الآن قرية من عمل أشموم الآتي ذكرها في الأعمال المستقرّة، وإن كان العمل في الأصل منسوبا إليها.
السابعة (كورة تنّيس ودمياط)
أمّا تنيس، فقال في اللّباب: هي بكسر المثناة فوق والنون المشدّدة وسكون الياء المثناة تحت وسين مهملة في الآخر، والجاري على الألسنة فتح التاء كانت مدينة عظيمة فطمى عليها الماء قبل الفتح الإسلامي بمائة سنة، فأغرق ما حولها وصارت بحيرة وسيأتي الكلام عليها في الكلام على بحيرتها، وهي الآن قرية صغيرة بوسط البحيرة والماء محيط بها.
قال في «الروض المعطار»: وكانت تربتها من أطيب التّرب، وبها تحاك الثياب النفيسة التي ليس لها نظير في الدنيا، وقد قيل: إن الجنتين اللتين أخبر الله تعالى عنهما في سورة الكهف بقوله: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنََا لِأَحَدِهِمََا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنََابٍ} (1) الآية، كانتا بتنيس.
وأمّا دمياط، فسيأتي ذكرها في الكلام على الأعمال المستقرّة ان شاء الله تعالى.
الناحية الثالثة الجزيرة بين فرقتي النيل الشرقية والغربية، وفيها خمس كور:
الأولى (كورة دمسيس (2) ومنوف)
أمّا دمسيس، فبفتح الدال المهملة
__________
(1) سورة الكهف / 32.
(2) دمسيس زالت، ومحلها يعرف اليوم باسم: «كفر شبرا اليمن» من توابع «شبرا اليمن» بمركز «زفتى» بمديرية الغربية. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 384).(3/439)
وسكون الميم وكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وسين مهملة في الآخر، وهي الآن بلدة من عمل الغربية.
وأمّا منوف (1) فمن الأسماء التي نسيت وجهلت.
الثانية (كورة طوّة منوف)
وهي من الأسماء التي جهلت ولا يعلم بالديار المصرية الآن بلدة اسمها طوّة غير بلدين بالوجه القبليّ إحداهما بالأشمونين، والثانية بالبهنساوية.
الثالثة (كورة سخا وتيدة والفرّاجون)
. أما سخا، فبفتح السين المهملة والخاء المعجمة وألف في آخرها، وهي بلد حسنة كانت ذات عمل، ثم استقرت من عمل الغربية الآن.
وأما تيدة، فبفتح التاء المثناة فوق وسكون الياء المثناة تحت وفتح الدال المهملة وهاء في آخرها، وهي الآن قرية من قرى الغربية.
وأما الفرّاجون، فبالألف واللام في أوّلها، ثم فاء مفتوحة وراء مهملة مشدّدة بعدها ألف وجيم مضمومة وواو ساكنة ونون في الآخر وهي بلدة مضافة إلى تيدة، فيقال: تيدة والفرّاجون.
الرابعة (كورة نقيزة (2) وديصا)
وهما من الأسماء التي نسيت وجهلت.
الخامسة (كورة البشرود)
وهي من الأسماء التي جهلت (3).
__________
(1) «منوف» هي التي تعرف اليوم باسم «محلة منوف» إحدى قرى مركز طنطا بمديرية الغربية.
(المرجع السابق).
(2) في الأصل «بقيرة» وهو تحريف. وفي ياقوت: «نقيزة»: من كور أسفل الأرض ثم من بطن الريف بأرض مصر. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 385ومعجم البلدان: 5/ 301).
(3) في ياقوت: من كور بطن الريف المصري. (معجم البلدان: 1/ 428).(3/440)
الناحية الرابعة الحوف الغربيّ وفيها إحدى عشرة كورة:
الأولى (كورة صا)
وصا بصاد مهملة مفتوحة وألف في الآخر، وهي مدينة خراب شرقيّ الفرقة الغربية من النيل، بناها صا بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، أحد ملوك مصر بعد الطوفان، وبها الآن آثار عظيمة، وقد عمرت بالقرب منها قرية سميت باسمها، وكأن عملها كان من البرّ الغربيّ.
الثانية (كورة شباس)
وشباس بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة وألف ثم سين مهملة اسم لثلاث بلاد من عمل الغربية الآن، وهي شباس الملح وشباس أنبارة، وشباس سنقر، وتعرف بشباس الشهداء، وكأنّ المراد الثالثة فإنها أعظمها.
الثالثة (كورة البذقون)
وهي من الأسماء التي درست وجهلت.
الرابعة (كورة الخيس والشّراك)
أما الخيس فلا تعرف بالبحيرة الآن بلدة تسمّى الخيس، وإنما الخيس بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء وسين مهملة في الآخر، بلدة من عمل الشرقية.
وأما الشّراك فبكسر الشين المعجمة المشدّدة وفتح الراء المهملة وألف ثم كاف، وهي بلدة من عمل البحيرة.
الخامسة (كورة خربتا)
بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة وكسر الباء الموحدة وفتح التاء المثناة فوق وهي قرية معروفة من عمل البحيرة، ومنها سار من سار من المصريين لقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه.
السادسة (كورة قرطسا ومصيل)
. أما قرطسا فبفتح القاف وسكون الراء المهملة وفتح الطاء والسين المهملتين وألف في الآخر، وهي قرية من عمل البحيرة الآن، وأما مصيل، فمن الأسماء التي جهلت.
السابعة (كورة المليدس) وهي من الأسماء التي جهلت.(3/441)
أما قرطسا فبفتح القاف وسكون الراء المهملة وفتح الطاء والسين المهملتين وألف في الآخر، وهي قرية من عمل البحيرة الآن، وأما مصيل، فمن الأسماء التي جهلت.
السابعة (كورة المليدس) وهي من الأسماء التي جهلت.
الثامنة (كورة إجنا (1) ورشيد والبحيرة)
أما إجنا، فمن الأسماء التي جهلت ولا يعرف بالبحيرة بلد اسمها إجنا، وإنما أخنويه من عمل الغربية، والعامّة تقول إخنا (2).
وأما رشيد، بفتح الراء المهملة وكسر الشين المعجمة وسكون الياء المثناة تحت ودال مهملة في الآخر، فبلدة عند مصبّ الفرقة الغربية التي يقع الاعتناء بحفظها.
وفي ذلك نظر لاعتباره الغربية ورشيد من سواحل البحيرة، وبينهما بعد يبعد معه أن يجتمعا في كورة واحدة.
وأما البحيرة، فالظاهر أنه يريد بحيرة بوقير المتقدّم ذكرها في الكلام على القواعد القديمة، ويأتي بقية الكلام عليها في الأعمال المستقرّة إن شاء الله تعالى.
العاشرة (3) (كورة مريوط)
ومريوط بفتح الميم وسكون الراء المهملة وضم الياء المثناة تحت وسكون الواو وطاء مهملة في الآخر، وهي ناحية غربيّ الاسكندرية داخلة الآن في عملها بها الأشجار والبساتين، وفواكهها تحمل للإسكندرية.
الحادية عشرة (كورة لوبية ومراقية) أما لوبية فبلام وواو وباء موحدة ثم
__________
(1) في الأصل «إخنا» بالخاء الموحدة من فوق، وهو صحيح. وقد أوردها محقق الطبعة الأميرية بالجيم لإثبات رواية الصبح ورواية ياقوت الذي يقول في كلامه على «إخنا»: «ووجدته في غير نسخة من كتاب فتوح مصر بالجيم، وأحفيت في السؤال عنه بمصر فلم أجد من يعرفه إلا بالخاء.
وقال القضاعي وهو يعدد كور الحوف الغربي: وكورة «إخنا» ورشيد والبحيرة وجميع ذلك قرب الإسكندرية. (راجع هامش الطبعة الأميرية 3/ 386ومعجم البلدان: 1/ 124).
(2) في ياقوت: «والعامة تقول: إخنو». (المرجع السابق).
(3) سقطت التاسعة من قلم الناسخ وهي كورة «البتنون». وقد ذكرها ابن دقماق في الانتصار:
5/ 43.(3/442)
ياء مثناة تحت وهاء في الآخر قال في «الروض المعطار»: وهي كورة من كور مصر الغربية، متصلة بالإسكندرية. قال: وقد قيل: إن الاسكندر كان منها.
وأما مراقية، فبميم وراء مهملة وألف وقاف وياء مثناة تحت وهاء في الآخر.
وقد ذكر القضاعي في تحديد الديار المصرية ما يقتضي أنهما بجوار برقة، فقال إن الذي يقع عليه اسم مصر من العريش إلى لوبية ومراقية، ثم قال: وفي آخر أرض مراقية تلقى أرض انطابلس، وهي برقة، والظاهر أن لوبية غربيّ مريوط، ومراقية غربي لوبية، وهي آخر أرض الديار المصرية من جهة الغرب.
الحيّز الثالث كور القبلة، وفيها خمس كور:
الأولى (كورة الطّور وفاران)
. أما الطّور فضبطه معروف. قال في المشترك: والطور في اللغة العبرانية اسم لكل جبل، ثم صار علما لجبال بعينها، منها: جبل طور زيتا بلفظ الزيت، وهو اسم لجبل برأس عين من بلاد الجزيرة (1)، وجبل بالقدس، وجبل مطلّ على طبريّة، وطور هارون بالقدس، وطور سينا، وهو المراد هنا، وهو جبل داخل في بحر القلزم على رأسه دير عظيم، وفي واديه بساتين وأشجار، وهو على مرحلة من فرضة الطور المتقدّمة الذكر في تحديد بحر القلزم، وكأنها سميت باسمه لقربها منه. قال ابن الأنباريّ في «كتابه الزاهر»: وسمى الطّور بطور بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
وأما فاران، فبفاء مفتوحة بعدها ألف ثم راء مهملة بعدها ألف ثانية ثم نون، قال في «الروض المعطار»: وهي مدينة صغيرة من بر الحجاز على جون على
__________
(1) عند قنطرة الخابور، على رأسه شجر زيتون عذيّ يسقيه المطر، ولذلك سمي طور زيتا.
(معجم ما استعجم: 403ومعجم البلدان: 4/ 48).(3/443)
البحر. قال: ولجبال فاران ذكر في التوراة (1).
الثانية (كورة راية والقلزم)
. أما راية فمن الأسماء التي جهلت، وقد ذكرها ابن سعيد مقرونة بالقلزم فقال: وراية والقلزم من كور مصر.
وأما القلزم، فقال في المشترك: هو بضم القاف وسكون اللام وضم الزاي المعجمة ثم ميم في الآخر، وهي مدينة قديمة على ساحل بحر القلزم وإليها ينسب البحر المذكور.
قال في «القانون»: وطولها ست وخمسون درجة وثلاثون دقيقة وعرضها ثمان وعشرون درجة وعشرون دقيقة، وعلى القرب منها غرق فرعون.
الثالثة (كورة أيلة وحيّزها، ومدين وحيّزها، والعونيد وحيّزها، والحوراء وحيّزها).
أما أيلة، فقال في «تقويم البلدان»: وهي بفتح الهمزة وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام وهاء في الآخر، قال: وهي كانت مدينة صغيرة خرابا على ساحل بحر القلزم.
قال في «القانون»: طولها ست وخمسون درجة وأربعون دقيقة.
قال في «تقويم البلدان»: وبها زرع يسير، وهي مدينة اليهود الذين جعل منهم القردة والخنازير، وعليها طريق حجّاج مصر. قال: وهي في زماننا برج وبه وال من مصر وليس بها مزدرع، وكان بها قلعة البحر فبطلت ونقل الوالي إلى البرج.
وأما مدين، فضبطها معروف وهي في الأصل اسم لقبيلة شعيب عليه السلام وكانوا مقيمين بها فسميت البلد بهم، وهي مدينة خراب على بحر القلزم
__________
(1) في معجم البلدان: «وفي التوراة: جاء الله من سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من فاران». (معجم البلدان: 4/ 225. والروض المعطار: 433).(3/444)
محاذية لتبوك من بلاد الشام على نحّوست مراحل منها، وعدّها في «الروض المعطار» من بلاد الشام، وبها البئر التي استقى منها موسى عليه السلام لبنات شعيب وسقى غنمهنّ.
قال ابن سعيد: وسعة البحر عندها نحو مجرى.
وأما العونيد، فبعين مهملة وواو وياء مثناة تحت ونون ودال. قال في «الروض المعطار»: وهي مدينة قريبة من نصف الطريق بين جدّة والقلزم. قال:
وعلى القرب منها مرسى صنا، ينحدر الماء بها عن أثر قدم من أوسط الأقدام بينة الكعب والأخمص والأصابع لم يعفها الزمان، ولا تنمحي بمرور الماء عليها.
وأما الحوراء، فبحاء مهملة مفتوحة بعدها واو ساكنة وراء مهملة مفتوحة ثم ألف في الآخر. قال في «الروض المعطار» (1): وهي مدينة على ساحل وادي القرى بها مسجد جامع، وبها ثمانية آبار عذبة، وبها ثمار ونخل وأهلها عرب من جهينة وبليّ.
قلت: والمعروف في زماننا أن الحوراء منزلة بطريق حجّاج مصر، ولعلها على القرب منها.
الرابعة كورة بدا
(2) يعقوب وشعيب، ولم أعلم حقيقة مكانهما.
قلت: ذكر القضاعي أيلة ومدين وما والاهما مما على ساحل بحر القلزم من بر الحجاز في أعمال مصر جريا على ما قدّمه من إدخال ذلك في تحديد الديار المصرية، على أنه قد أهمل من جملة الديار المصرية حيّزين آخرين:
__________
(1) تكلم عنها في باب «الحوراء» ثم أعاد نفس الكلام في باب «الجوزاء» خطأ. (الروض المعطار: 183و 205).
(2) في ياقوت: «بدا» بالفتح والقصر: واد بالقرب من أيلة من ساحل البحر، وقيل بوادي القرى، وقيل بوادي عذرة قرب الشام. وعن شعيب قال: أسم موضع جاء في الأخبار. (معجم البلدان: 1/ 356 و 3/ 350).(3/445)
الحيّز الرابع
الحيّز الأوّل بلاد ألواح
إذ هي داخلة في حدود الديار المصرية على ما حدّده هو وغيره.
قال في «اللّباب»: (1) وهي بفتح الهمزة وسكون اللام وفتح الواو وفي آخره حاء مهملة، وقال في «المشترك» (2): واح بغير ألف ولام ويجمع على واحات، وهي ناحية غربيّ بلاد الصعيد منقطعة عنه خلف الجبل الغربيّ من جبلي مصر المتقدّم ذكرهما.
قال في «مسالك الأبصار»: وهي بين مصر والإسكندرية والصعيد والنّوبة والحبشة. قال في «تقويم البلدان» (3): والبراري محيطة بها من جميع جهاتها، وهي بينها كالجزيرة، بين رمال ومفاوز.
قال البكريّ: وهو إقليم مستقلّ غير مفتقر إلى سواه قال في «الروض المعطار»: وهي آخر بلاد الإسلام، وبينها وبين بلاد النّوبة ستّ مراحل. قال:
وفي هذه الأرض (4) شبّية وزاجيّة وعيون حامضة الطعوم، ولكل نوع منها منفعة وخاصة، وبها العيون الجارية، والبساتين، والثمار، والتمر الكثير وبها مدن كثيرة مسوّرة وغير مسوّرة.
قال في «المشترك»: وهي ثلاث كور: واح الأولى، وواح الوسطى، وواح القصوى.
__________
(1) للسمعاني.
(2) لياقوت الحموي.
(3) للمؤيد صاحب حماه.
(4) في الروض المعطار: «وفي هذه الأرض أرض شبّية وزاجية». والأرض الشبية هي الأرض المالحة، من الشبّ وهو الملح المتبلور (كبريتات الألمينيوم والبوتاسيوم). والأرض الزاجية هي التي تحتوي على الزاج وهو من نوع الكبريتات أيضا، وهو على ثلاثة أنواع: الأبيض والأخضر والأزرق. (المعجم الوسيط: ص 470واللسان: 1/ 483والموسوعة العربية الميسرة:
ص 916).(3/446)
قلت:
والأولى منها مقابل الأعمال البهنساوية
، وهي أعمرها وأكثرها ثمرة، ومنها يجلب التمر والزبيب الكثير، وتعرف بواح البهنسى وبألواح الخاصّ.
والثانية مقابل شماليّ الأعمال الأسيوطية
، وتعرف بألواح الداخلة، وهي تلو ألواح الأولى في العمارة بها مدن مشهورة، منها السلمون والهنداو والقلمون والقصير وغيرها.
والثالثة مقابل جنوبيّ ألواح الثانية
، وتعرف بألواح الخارجة وبين ريف الصعيد وبين جميعها عرض جبل مصر الغربي، ومسيرته ثلاث مراحل فما دونها بحسب اختلاف الأماكن والطرق.
قال في «التعريف»: وهي جارية في إقطاع أمراء مصر، وهم يولّون عليها من قبلهم. قال: ومغلّها كأنه مصالحة لعدم التمكن من استغلاله أسوة بقية ديار مصر، لوقوعه منقطعا في البلاد النائية والقفار النازحة.
قال في «مسالك الأبصار»: ولا تعدّ في الولايات ولا الأعمال، ولا يحكم عليها من قبل السلطان (1).
الحيز الخامس
الحيّز الثاني برقة
بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح القاف وهاء في الآخر. قال في «تقويم البلدان»: وهي من الإقليم الثالث. قال في «كتاب الأطوال»: وطولها اثنتان وأربعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة.
__________
(1) وقال في معجم البلدان: 5/ 342 «الواح الأول وراء الجبل الغربي أوله مقابل الفيوم ممتد الى أسوان وهو أكبر الواحات. وبعدها جبل آخر ممتد كامتداد الذي قبله وراءه كورة أخرى يقال لها:
واح الثانية، وخلفها جبل ممتد كامتداد الذي قبله وراءه كورة أخرى يقال لها: واح الثالثة، ويقال لها أيضا: «سنترية».(3/447)
وهي أرض متّسعة الأرجاء، مديدة الفضاء، وهي من أزكى الأراضي دوابّ، وأمراها مرعى.
قال في «مسالك الأبصار»: أخبرني بعض من رآها أنها شبيهة بأطراف الشام وجبال نابلس في منابت أشجارها وكيفية أرضها وما هي عليه، وأنها لو عمرت بالسكان وتأهلت بالزّرّاع، كانت إقليما كبيرا يقارب نصف الشأم، قال: وبها الماشية والسائمة الكثيرة: من الإبل والغنم والخيل، وخيلها من أقوى الخيل وأصلبها حوافر، وصورها بين العراب (1) والبراذين، وقد جمعت بين حسن العراب وكمال تخاطيطها، وصلابة البراذين وثباتها على الوعور، وهي إلى محاسن العراب أقرب، ولكنها لا تبلغ شأو خيل البحرين والحجاز وفحولها أنجب من إناثها. قال: وكذلك بها المدن المبنية، والقصور العلية، والآثار الدالة على ما كانت عليه من الجلالة.
قال ابن سعيد: وهي سلطنة طويلة، وإن لم يكن لها استقلال لاستيلاء العرب عليها، وهي إلى إفريقيّة أقرب منها إلى مصر. قال: وكان سريرها في القديم بمدينة (طبرقة) (2). وذكر صاحب «الروض المعطار»: أن قاعدتها كانت مدينة (أنطابلس)، وقد تقدّم من كلام القضاعيّ في تحديد الديار المصرية في آخر الحدّ الشمالي ما يوافقه.
قال في «مسالك الأبصار»: ومن مدنها طلميثا. قلت: والتحقيق أن برقة قسمان: قسم محسوب من الديار المصرية، وهو ما دون العقبة الكبرى إلى الشرق، وقسم محسوب من إفريقيّة، وهو ما فوق العقبة المذكورة إلى الغرب، وهذه المدن الثلاث مما يلي جهة المغرب، والقسمان كلاهما اليوم بيد العرب
__________
(1) العراب هي العربية الأصلية، والبراذين ما كانت قريبة الى البغال. والخيل العراب خلاف البراذين.
والإبل العراب خلاف البخاتي. (المعجم الوسيط: 591).
(2) طبرقة بين درنة وباجة من البلاد الافريقية. (الروض المعطار: 386).(3/448)
أصحاب الماشية. قال في «مسالك الأبصار»: وربما زرع بعضهم في بعض أرضها فأنجب، ولكنهم أهل بادية لا عناية لهم بعمارة ولا زرع. قال: وأمرها إلى صاحب مصر يقطعها بالمناشير تارة لبعض الأمراء وتارة للعرب يأخذون عدادها، وكأنه يريد القسم الذي هو من مصر (1).
الضرب الثاني من كور الديار المصرية نواحيها وأعمالها المستقرّة، ولها وجهان:
الوجه الأوّل القبليّ
وهو المعبر عنه بالصعيد وقد تقدّم بيانه في الكلام على الكور القديمة، وبه تسعة أعمال:
العمل الأوّل الجيزيّة
. وهو أقربها إلى الفسطاط والقاهرة، ومقرّ ولايته مدينة الجيزة (بكسر الجيم وإسكان الياء المثناة تحت وفتح الزاى المعجمة وبعدها هاء) وموقعها في الإقليم موقع الفسطاط، وطولهما وعرضهما واحد وإليها ينسب الربيع الجيزيّ (2) راوي الأمّ عن الشافعيّ رضي الله عنه.
قال في «الروض المعطار»: ويقال إن بها قبر كعب الأحبار، وهي مدينة لطيفة على ضفّة النيل الغربية مقابل جزيرة المقياس المتقدّمة الذكر والنيل بينهما، وبعض هذا العمل يأخذ في جهة الشّمال إلى الوجه البحريّ الآتي ذكره.
__________
(1) وقال صاحب الانتصار: «إقليم برقة هو حدّ مصر من المغرب. وكان في قديم الزمان مدن كثيرة عامرة». (الانتصار: 5/ 14).
(2) هو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي بالولاء المصري. كان مؤذنا. توفي سنة 270هـ بمصر. (الأعلام: 3/ 14).(3/449)
قال في «الروض المعطار»: والجيزة اختطها عمرو بن العاص رضي الله عنه (1).
العمل الثاني الإطفيحيّة
. وهو شرقيّ النيل في جنوب الفسطاط، مصاقب بركة الحبش وبساتين الوزير. ومقرّ ولايته مدينة «إطفيح» (بكسر الهمزة وإسكان الطاء المهملة والفاء والياء والحاء المهملة) وربما قلبت الطاء تاء مثناة فوق، وهي مدينة لطيفة في البر الشرقيّ، وموقعها في الإقليم الثالث، ولم يتحرّر لي (2) طولها وعرضها، وعملها ما بين المقطم والنيل آخذا عنها جنوبا وشمالا، وليس لعملها كبير ذكر.
العمل الثالث البهنساويّة
. وهو مما يلي عمل الجيزة من الجهة الجنوبية، ومقرّ ولايته مدينة البهنسى. قال في «المشترك»: (بفتح الباء وسكون الهاء وفتح النون وسين مهملة مفتوحة وألف مقصورة) وهي مدينة لطيفة قديمة بالصعيد الأدنى بالبر الغربيّ من النيل تحت الجبل بطوق المزدرع مركبة على ضفّة بحر الفيوم.
وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة.
قال في «الأطوال»: طولها إحدى وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثمان وعشرون درجة.
العمل الرابع الفيّوميّة
. وهو مصاقب لعمل البهنسى من غربيه، وبينهما منقطع رمل. وهو من أعظم الأعمال وأحسنها عمارة، كثير البساتين، غزير الفواكه، دارّ الأرزاق. ويقال إنه كان مصل (3) مياه الديار المصرية فاستخرجه
__________
(1) بنيت سنة 21هـ، وقيل فرغ منها سنة 22هـ. وفي سبب بنائها رواية طويلة ذكرها في الانتصار.
(الانتصار: 4/ 126125).
(2) مساحتها سبعة وأربعون فدانا وربع وسدس وثمن. وهي جارية في الديوان الشريف السلطاني.
(الانتصار: 4/ 133).
(3) كذا في الأصل بدون نقط، ولعله مصحّف عن «ممصل» أي مكان المصل والرشح. وفي خطط المقريزي: «وقد كان مغيض ماء النيل» وفي تقويم البلدان: «كان في وهدة وقد سبق اليه نهر من رشح ماء النيل» وفي المسعودي «وكان مصفاة». (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 393).(3/450)
يوسف عليه السلام وجعله ثلاثمائة وستين قرية لتمير (1) كلّ قرية منها بلد مصر يوما من أيام السنة.
قلت: وأما الآن فقد نقصت عدّة قراه بسبب ما عراها من ركوب ماء البركة التي هي مصل (2) مياهه، المتقدّم ذكرها في جملة بحيرات الديار المصرية، وركوب مائها على أكثر القرى المجاورة لها، ولولا ما هو شامل له من بركة الصدّيق عليه السلام، لكانت قد غطّت جميع بلاده، إذ المياه تنصبّ إليها شتاء وصيفا على ممرّ الدهور وتعاقب الأيام، وليس لها مصرف تتصرف منه ضرورة إحاطة الجبال بها من الجهات التي هي بصدد أن تصرف منها، ولقد اجتهد بعض حكّام الزمان على أن يتحيل في عمل مصرف يقطع في الجبل لتتصرف منه مياهها فلم يجد إلى ذلك سبيلا. ولو كان ذلك في حيّز الإمكان، لفعله يوسف عليه السلام.
قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات»: ويقال إنه على جميع الفيّوم سور دائر، ومقرّ ولايته (مدينة الفيّوم) وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة.
قال في «القانون»: وطولها أربع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثمان وعشرون درجة وعشرون دقيقة.
وقال في «تقويم البلدان»: القياس أن طولها ثلاث وخمسون درجة، وعرضها تسع وعشرون درجة، وهي مدينة حسنة على ضفّة البحر المنهى (3) حسنة الأبنية، زاهية المعالم. وبها الجوامع والرّبط والمدارس، وهي راكبة على الخليج المنهى من جانبيه، وهو مخترق وسطها. قال في «العزيزي» (4): وبين الفيّوم
__________
(1) يقال: مار أهله ميرا، أي أعدّ لهم الميرة، وهي الطعام يجمع للسفر ونحوه. (المعجم الوسيط:
893).
(2) راجع الصفحة السابقة، حاشية رقم (3).
(3) وهو خليج المنهى الذي احتفره يوسف عليه السلام من أعلا أشمون الى اللاهون بقصد جلب المياه إلى الفيّوم. (انظر رواية ياقوت في معجم البلدان: 4/ 286).
(4) العزيزي للمهلبي.(3/451)
والفسطاط ثمانية وأربعون ميلا.
العمل الخامس عمل الأشمونين والطحاوية
. وهو مضاقب لعمل البهنسي من جنوبيه، وهو عمل واسع كثير الزرع، واسع الفضاء، متقارب القرى. ومقرّ الولاية به (مدينة الأشمونين) (1) بضم الألف وسكون الشين المعجمة وضم الميم وسكون الواو في الآخر نون. وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة على ما ذكره في «تقويم البلدان» والإقليم الثاني على ما يقتضيه كلام المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «مسالك الأبصار» حيث جعل آخر الإقليم الثاني دهروط من البهنساوية.
قال في «القانون»: طولها ست وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها ست وعشرون درجة وهي مدينة لطيفة بالبر الغربيّ من النيل، كانت في الأصل مدينة قديمة بناها أشمون (2) بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، ثم خربت ودثرت وبنيت هذه المدينة على القرب منها. وكان هذا العمل فيما تقدّم عملين: أحدهما عمل الأشمونين هذا، والثاني عمل طحا المدينة (بفتح الطاء والحاء المهملتين وألف في الآخر) وقد تقدّم ذكرها في الأعمال القديمة، ثم أضيفا وجعلا عملا واحدا.
العمل السادس المنفلوطيّة
(3). وهو مصاقب لعمل الأشمونين من جنوبيه، وهو من أخصّ خاصّ السلطان الجاري في ديوان وزارته، ومنه يحمل
__________
(1) في معجم البلدان: «أشمون، وأهل مصر يقولون الأشمونين» وهي مدينة في صعيد مصر بين النيل وبحر يوسف، على خط عرض 27درجة و 47دقيقة شمالا تقريبا. وهذه الناحية التي ليس لها الآن شأن البتّة كانت فيما مضى من أهم مدن مصر. والاسم أشمونين (بصيغة المثنى) يطابق الاسم المصري القديم: «خمونو» والاسم القبطي «شمون». وأطلق اليونان والرومان عليها اسم:
«هرموبوليس ماجنا». (معجم البلدان: 1/ 200ودائرة المعارف الإسلامية: 3/ 441).
(2) في معجم البلدان: 1/ 200 «أشمن بن مصر بن بيصر».
(3) وقد ذكر صاحب الانتصار كورها وعددها سبعة عشر. (الانتصار: 5/ 22).(3/452)
أكثر الغلال إلى الأهراء السلطانية (1) بالفسطاط. ومقرّ ولايته (مدينة منفلوط). قال في «تقويم البلدان»: (بفتح الميم وسكون النون وفتح الفاء وضم اللام ثم واو وطاء مهملة في الآخر). وموقعها الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة فيما ذكره في «تقويم البلدان» ومن أواخر الإقليم الثاني على ما يقتضيه كلام «مسالك الأبصار».
قال في «كتاب الأطوال»: وطولها اثنتان وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها سبع وعشرون درجة وأربعون دقيقة. وهي مدينة لطيفة بالبرّ الغربيّ من النيل بالقرب من شطّه.
العمل السابع الأسيوطيّة
(2) وهو عمل جليل، ومقرّ الولاية به (مدينة أسيوط) (3) بضم (4) الألف وسكون السين وضم المثناة تحت وفي آخرها طاء مهملة. هكذا ضبطه السمعاني (5) في «كتاب الأنساب»: وذكرها «في الروض المعطار» في حرف الهمزة، ووقعت في شعر ابن الساعاتي (6) بغير ألف في قوله:
لله يوم في سيوط وليلة ... عمر الزّمان بمثلها لا يغلط
__________
(1) هي الأماكن التي تخزن بها الغلال والأتبان الخاصة بالسلطان احتياطا للطواريء الاقتصادية، وكانت لا تفتح إلا عند الضرورة. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: ص 52).
(2) في الانتصار: «الأعمال السيوطية». بحذف الألف، وكذلك مدينة «سيوط». وهي اليوم أكبر مدن الصعيد وأهمها من الناحية التجارية. وكانت مدينة أسيوط أو سيوط أو «ليكوبوليس» كما يقول اليونان مدينة هامة منذ القدم، كما كانت قصبة ولاية تعرف باسمها وظلت في العهد الإسلامي أهم مدن الكورة. وأسيوط (بفتح الهمزة) هو الاسم الدارج للاسم العربي الفصيح «أسيوط» بضم الهمزة، وكلاهما تعريب للكلمة القبطية «سيوت». وكان يطلق عليها في القرون الوسطى «سيوط» بفتح السين أو ضمّها، ولكن منذ عهد القلقشندي أصبح النطق الشائع: أسيوط، بفتح الهمزة. (دائرة المعارف الإسلامية: 3/ 402والانتصار: 5/ 22).
(3) في الانتصار: «الأعمال السيوطية». بحذف الألف، وكذلك مدينة «سيوط». وهي اليوم أكبر مدن الصعيد وأهمها من الناحية التجارية. وكانت مدينة أسيوط أو سيوط أو «ليكوبوليس» كما يقول اليونان مدينة هامة منذ القدم، كما كانت قصبة ولاية تعرف باسمها وظلت في العهد الإسلامي أهم مدن الكورة. وأسيوط (بفتح الهمزة) هو الاسم الدارج للاسم العربي الفصيح «أسيوط» بضم الهمزة، وكلاهما تعريب للكلمة القبطية «سيوت». وكان يطلق عليها في القرون الوسطى «سيوط» بفتح السين أو ضمّها، ولكن منذ عهد القلقشندي أصبح النطق الشائع: أسيوط، بفتح الهمزة. (دائرة المعارف الإسلامية: 3/ 402والانتصار: 5/ 22).
(4) ضبطها في القاموس: 2/ 380هكذا. وضبطها ياقوت بالفتح، في معجم البلدان: 1/ 193.
(5) هو عبد الكريم بن محمد: مؤرخ رحالة من حفاظ الحديث. ولد بمرو سنة 506هـ وتوفي بها سنة 562هـ. (الأعلام 4/ 55).
(6) هو علي بن محمد بن رستم بن هردوز. توفي سنة 604هـ. (الأعلام: 4/ 330).(3/453)
بتنا بها، والبدر في غلوائه ... وله بجنح الليل فرع أشمط (1)
والطّير تقرأ، والغدير صحيفة ... والرّيح تكتب (2)، والغمام ينقّط
وإثبات الألف فيها هو الجاري على ألسنة العامة بالديار المصرية، والثابت في الدواوين حذفها. موقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة.
قال في «الأطوال»: وطولها إحدى وخمسون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها أثنتان وعشرون درجة وعشر دقائق. وهي مدينة حسنة في البر الغربي من النيل على مرحلة من منفلوط، وبها مساجد ومدارس وأسواق وقياسر وحمّامات (3).
العمل الثامن (الإخميميّة)
. وهو مصاقب لعمل أسيوط من جنوبيّه، وهو عمل ليس بالكبير، وبلاده أكثرها بالبر الغربي عن النيل، وحاضرته (مدينة إخميم). قال في «تقويم البلدان»: (بكسر (4) الألف وسكون الخاء المعجمة والمثناة تحت بين الميمين، والأولى منهما مكسورة) وموقعها في أواخر الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة.
قال في «الأطوال»: وطولها إحدى (5) وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ست (6) وعشرون درجة. وهي مدينة لطيفة بالبر الشرقي عن النيل على مرحلتين من أسيوط، وبها كانت البرابي العظام المتقدّمة الذكر، ويقال إن ذا
__________
(1) الشعر الأشمط ما اختلط سواده ببياضه. (المعجم الوسيط: 494).
(2) في الانتصار: 5/ 23: «يكتب».
(3) وفي الانتصار، عدد أعمالها سبعة وثلاثون بما فيها أسيوط المدينة. (الانتصار: 5/ 22).
(4) ضبطها في معجم البلدان: 1/ 123بالكسر، وكذلك في معجم ما استعجم: 1/ 125، ولم يحركها في الانتصار: 5/ 25ولا في الروض المعطار: 15. وفي دائرة المعارف الإسلامية: 2/ 451:
أخميم، بالفتح، كانت تعرف عند قدماء المصريين باسم «أبو» أو «خنتى مين» ومنها اشتق اسمها القبطي «شمين». وكان اليونان يطلقون عليها: «رخمّس» أو «بانوبوليس».
(5) في ياقوت: 1/ 123: «طولها 54درجة وعرضها 24درجة».
(6) في ياقوت: 1/ 123: «طولها 54درجة وعرضها 24درجة».(3/454)
النّون (1) المصريّ العابد الزاهد منها، وولايتها مضافة إلى قوص (2).
العمل التاسع القوصيّة
(3). وهو مصاقب لعمل أسيوط من جنوبه، وهو عمل متسع الفضاء بعيد ما بين القرى، ينتهي آخره إلى أسوان، آخر الديار المصرية في البرّ الشرقيّ والغربيّ، وهي بلاد الثّمر، ومنها يجلب إلى سائر البلاد المصرية، ومقرّ ولايته (مدينة قوص). قال في «المشترك»: (بضم القاف وسكون الواو، وفي الآخر صاد مهملة) وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة.
قال ابن سعيد: طولها سبع وخمسون درجة، وعرضها ست وعشرون درجة (4) وهي مدينة جليلة في البر الشرقيّ عن النيل، ذات ديار فائقة، ورباع أنيقة، ومدارس وربط وحمّامات، يسكنها العلماء والتّجار وذوو الأموال، وبها البساتين والحدائق المستحسنة إلا أنها شديدة الحرّ، كثيرة العقارب، حتّى إنه يقيّض لها من يدور في الليل في شوارعها بالمسارج لقتلها، ويقاربها في الكثرة أيضا سامّ أبرص (5).
قال المقر الشهابيّ بن فضل الله في «مسالك الأبصار»: أخبرني عز الدين حسن بن أبي المجد الصّفديّ أنه عدّ في يوم صائف على حائط الجامع بها سبعين سامّ أبرص على صفّ واحد. ومما يدخل في عملها مما له ولاية مستقلة مدينة أسوان قال السمعاني: (بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وفتح الواو وبعدها ألف
__________
(1) هو ثوبان بن إبراهيم الإخميمي، أحد الزهاد العباد المشهورين. توفي بمصر سنة 245هـ.
(الأعلام: 2/ 102).
(2) وعدد الأعمال الإخميمية أربعة وثلاثون، عدا المدينة إخميم. (الانتصار: 5/ 25وما بعدها).
(3) وعدد الأعمال القوصية خمسة وأربعون، عدا المدينة قوص. (الانتصار: 5/ 28وما بعدها).
(4) وقال في معجم البلدان: 4/ 413: «طولها من جهة المغرب خمس وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها أربعة وعشرون درجة وثلاثون دقيقة».
(5) السام الأبرص، ضرب من الوزغ. وتجمع على:
برصة وأبارص دون سام. (المعجم الوسيط: 451).(3/455)
ونون) وخالف ابن خلّكان (1) في «تاريخه» فضبطه بضم (2) الهمزة، وغلّط السمعانيّ في فتحها. وهي مدينة في أوائل الحدّ الجنوبيّ من الديار المصرية وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة.
قال في «الأطوال»: طولها اثنتان وخمسون درجة، وعرضها اثنتان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة.
قال في «القانون»: طولها سبع وخمسون درجة، وعرضها اثنتان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة (3). وهي في البر الشرقيّ من النيل، ذات نخيل وحدائق، وهي من قوص على نحو خمس مراحل.
قال في «التعريف»: وواليها وإن كان من قبل السلطان فإنه نائب لوالي قوص.
قلت: أما الآن، فقد صار لها وال مستقلّ بنفسه لا حكم لوالي قوص عليه، وسيأتي الكلام عليها في مراكز البريد ويأتي الكلام على ولايتها في جملة الولايات بالديار المصرية إن شاء الله تعالى.
الوجه الثاني البحريّ
وهو كل ما سفل عن القاهرة إلى البحر الرومي حيث مصبّ النيل. وإنما سمى بحريّا لأن منتهاه البحر الروميّ، ولا يلزم من ذلك تسمية الجانب الشرقي من الديار المصرية بحريّا لأن نهايته إلى بحر القلزم، لأن انتهاءه إليه ليس حقيقيّا لانقطاع بحر القلزم عن بلاد الديار المصرية بالجبال والبراري المقفرة، بخلاف
__________
(1) هو أحمد بن محمد بن ابراهيم البرمكي الإربللي، أبو العباس المؤرخ الحجة. ولد في إربل سنة 608هـ وتوفي في دمشق سنة 681هـ. (الأعلام: 1/ 220)
(2) كذلك في معجم البلدان: 1/ 191.
(3) كذلك في المصدر السابق.(3/456)
بحر الروم فإنه متصل بالبلاد مجاور لها فناسب النسبة إليه.
قلت: وقد وقع للمقرّ الشهابي بن فضل الله في «التعريف» في بلاده وأعماله من الوهم ما لا يليق بمصريّ على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
وهذا الوجه هو أرطب الوجهين وأقلّهما حرّا، وأكثرهما فاكهة وأحسنهما مدنا ويشتمل على ثلاث شعب تحوي سبعة أعمال (1).
الشعبة الأولى شرقيّ الفرقة الشرقية من النيل وفيها أربعة أعمال:
العمل الأوّل الضواحي
: جمع ضاحية، وهي في أصل اللغة البارزة للشمس (2)، وكأنها سميت بذلك لبروز قراها للشمس، بخلاف المدينة لغلبة الكنّ بها، وهو ما يجاور القاهرة من جهة الشّمال من القرى (3)، وولايتها مضافة إلى ولاية القاهرة وداخلة في حكمها، وليست منفردة بمقرّ ولاية غيرها.
العمل الثاني القليوبيّة
(4). وهو مصاقب للضواحي من شماليها مما يلي جهة النيل، وهو عمل جليل، حسن القرى، كثير البساتين، غزير الفواكه. ومقرّ الولاية (5) به (مدينة قليوب) بفتح القاف وإسكان اللام وضم المثناة تحت وسكون الواو وباء موحدة في آخرها وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها، غير أنها من القاهرة في جهة الشّمال على نحو فرسخ ونصف من القاهرة.
__________
(1) وكور الوجه البحري ثلاث وثلاثون كورة كما في الانتصار: 5/ 42.
(2) في اللسان: 14/ 477، وفي معجم البلدان: 3/ 449: «ضاحية كل شيء هي ناحيته البارزة».
(3) وعدتهم إحدى وثلاثون بلدة كما في الانتصار: 5/ 43.
(4) وفيها خمسة وخمسون بلدا. (الانتصار: 5/ 47).
(5) كانت قليوب عاصمة محافظة القليوبية حتى سنة 1850م ثم أصبحت عاصمتها «بنها».
(الموسوعة العربية الميسرة: 1393).(3/457)
قلت: ومن بلادها بلدتنا (قلقشنده) وهي بلدة حسنة المنظر، غزيرة الفواكه، وإليها ينسب الليث بن سعد (1) الإمام الكبير، وقد ذكر ابن يونس في «تاريخه»: أنه ولد بها. قال: وأهل بيته يذكرون أن أصله من فارس، وليس لما يقولونه ثبات عندنا.
قال ابن خلّكان: (بفتح القاف وسكون اللام وفتح القاف الثانية والشين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة وبعدها هاء ساكنة) وهكذا هي مكتوبة في دواوين الديار المصرية، وأبدل ياقوت في «معجم البلدان» (2) اللام راء، وهو الجاري على ألسنة العامّة، وعليه جرى القضاعيّ فيما رأيته مكتوبا في «خططه»: قال ابن خلكان: وهي على ثلاثة فراسخ من القاهرة [وهي بلدة حسنة المنظر، كثيرة البساتين، غزيرة الفواكه وإليها ينسب الليث بن سعد الإمام الكبير.
قال ابن يونس في «تاريخه»: ولد بها، ثم قال: وأهل بيته يذكرون أن أصله من فارس وليس لما يقولونه ثبات عندنا. وذكر] (3).
وقال القضاعي في «خططه» في الكلام على دار الليث بالفسطاط: وكان له دار بقرقشندة بالرّيف، بناها فهدمها ابن رفاعة (4) أمير مصر عنادا له، وكان ابن عمه، فبناها الليث ثانيا فهدمها، فلما كانت الثالثة، أتاه آت في منامه فقال له يا ليث: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوََارِثِينَ} (5) فأصبح وقد أفلج ابن رفاعة فأوصى إليه ومات بعد ثلاث.
وبقي اللّيث حتّى توفي في منتصف شعبان سنة خمس وسبعين ومائة، وصلّى عليه موسى بن عيسى الهاشمي أمير مصر للرشيد.
__________
(1) سيأتي ذكره فيما بعد.
(2) معجم البلدان: 4/ 327.
(3) ما بين المربعين تقدّم بلفظه في هذه الصفحة فهو مكرر.
(4) هو عبد الملك بن رفاعة بن خالد الفهمي، ولي إمارة مصر سنة 96هـ وتوفي سنة 109هـ.
(الأعلام: 4/ 158).
(5) سورة القصص / 5.(3/458)
وترجم له ابن خلكان بالأصبهانيّ، ثم قال في آخر ترجمته: ويقال إنه من قلقشندة.
قلت: وما قاله ابن يونس أثبت، ويجب الرجوع إليه لأمرين: أحدهما أنه مصريّ وأهل البلد أخبر بحال أهل بلدهم من غيرهم. والثاني أنه قريب من زمن الليث فهو به أدرى، إذ يجوز أن يكون أصله من أصبهان، ثم نزل آباؤه قلقشندة المذكورة وولد بها وسكنها، فنسب إليها كما وقع في كثير من النّسب وإعادة داره بها بعد هدمها ثلاث مرات على ما تقدّم ذكره في كلام القضاعي دليل اعتنائه بشأنها وميله إليها، وحينئذ فلا منافاة بين النسبتين.
وذكر في «الروض المعطار» (1) أنه كان له ضيعة على القرب من رشيد من بلاد الديار المصرية، يدخل عليه منها في كل سنة خمسون ألف دينار لم تجب عليه فيها زكاة.
العمل الثالث الشرقية
(2). وهو مصاقب للضواحي من شماليها مما يلي جهة المقطّم، والقليوبية من جهة الشمال أيضا، وهو من أعظم الأعمال وأوسعها.
إلا أن البساتين فيه قليلة بل تكاد أن تكون معدومة، لاتصاله بالسّباخ وبداوة غالب أهله، وآخر العمران فيها من جهة الشّمال الصّالحيّة، وما وراء ذلك منقطع رمال على ما تقدّم ذكره في المنقطع عنها من جهة الشرق، ومقرّ ولايته مدينة بلبيس.
قال في «تقويم البلدان»: (بكسر الباء الموحدّة وسكون اللام وفتح الباء (3) الموحدّة وسكون المثناة تحت ثم سين مهملة). كذا ذكره، والجاري على الألسنة ضم الباء
__________
(1) الروض المعطار: ص 273.
(2) وقد عدد في الانتصار الأعمال الشرقية على مدار سبع عشرة صفحة. (الانتصار: 5/ 51وما بعدها).
(3) قال في القاموس: 2/ 209 «بلبيس» بضم الباء، كغرنيق، وقد يفتح أوله. وضبطه ياقوت في معجم البلدان: 1/ 479بكسر البائين وسكون اللام. وقال في معجم ما استعجم: 1/ 272 «بفتح أوله وإسكان ثانيه».(3/459)
في أوّلها، وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة (1).
قال في «تقويم البلدان»: والقياس أن يكون طولها أربعا وخمسين درجة وثلاثين دقيقة، وعرضها ثلاثين درجة وعشر دقائق. وهي مدينة متوسطة بها المساجد والمدارس والأسواق (2)، وهي محطّ رحال الدرب الشامي. وفي الركن الشمالي الجنوبيّ من هذا العمل (بنها) (3). قال النوويّ في شرح مسلم: بكسر الباء والمعروف فتحها، وهي البلدة التي أهدى المقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم من عسلها (4) وفي آخره من جهة الشرق (قطيا) بفتح القاف وسكون الطاء المهملة وفتح الياء المثناة تحت وألف في الآخر. كذا وقع في «التعريف» و «مسالك الأبصار». وفي «تقويم البلدان»: إبدال الألف في آخره بهاء، وهي قرية بالرمل المعروف بالجفار على طريق الشأم على القرب من ساحل البحر الروميّ.
قال في «التعريف»: وقد جعلت لأخذ الموجبات، وحفظ الطّرقات، وأمرها مهمّ، ومنها يطالع بكل صادر ووارد.
العمل الرابع (الدّقهليّة والمرتاحية)
(5). وهو مصاقب لعمل الشرقية من جهة الشّمال، وأواخره تنتهي إلى السّباخ وإلى بحيرة تنّيس المتصلة بالطينة من طريق الشام، ومقرّ الولاية به (مدينة أشموم) بضم الهمزة وإسكان الشين المعجمة
__________
(1) قال المتنبي في بلبيس:
جزى عربا أمست ببلبيس ربّها ... بمسعاتها تقرر بذاك عيونها
(معجم ما استعجم: 1/ 272ومعجم البلدان: 1/ 489).
(2) وزاد في الانتصار: 5/ 51 «وهي مسوّرة».
(3) في دائرة المعارف الإسلامية: «بنها» بفتح الباء، كانت في القرون الوسطى جزءا من عمل الشرقية وهي الآن عاصمة محافظة القليوبية، واسمها العربي رسم للكلمة القبطية: «ينهو»، وعرفت أيضا باسم «بنها العسل» وقال الإدريسي «منية العسل». (دائرة المعارف الإسلامية: 8/ 208 والانتصار: 5/ 58).
(4) في دائرة المعارف الإسلامية: «بنها» بفتح الباء، كانت في القرون الوسطى جزءا من عمل الشرقية وهي الآن عاصمة محافظة القليوبية، واسمها العربي رسم للكلمة القبطية: «ينهو»، وعرفت أيضا باسم «بنها العسل» وقال الإدريسي «منية العسل». (دائرة المعارف الإسلامية: 8/ 208 والانتصار: 5/ 58).
(5) وقد بلغ في الانتصار عدد أعمالها وقراها ومدنها مائتين وتسعة وعشرين. (الانتصار: 5/ 68وما بعدها).(3/460)
وبعدها ميم ثم واو وميم ثانية، كما ضبطه في «تقويم البلدان» ونقله عن خط ياقوت في «المشترك» والذي في «اللّباب» إبدال الميم في آخرها بنون، وعزاه في «تقويم البلدان» للعامة (1).
قال في «تقويم البلدان»: والقياس أن طولها أربع وخمسون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وأربع وخمسون دقيقة. وهي مدينة صغيرة على ضفّة الفرقة التي تذهب إلى بحيرة تنّيس من فرقة النيل الشرقية من الجهة (2) وبآخر هذا العمل (مدينة دمياط) (3) بكسر الدال المهملة وسكون الميم وياء مثناة من تحت وألف وطاء، قال في «الأطوال»: طولها ثلاث وخمسون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة.
وقال ابن سعيد: طولها أربع وخمسون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، وهي واقعة في الإقليم الثالث وهي مدينة حسنة عند مصبّ الفرقة الشرقية من النيل في بحر الروم، ذات أسواق وحمّامات، وكان عليها أسوار من عمارة المتوكل: أحد خلفاء بني العبّاس، فلما تسلطت عليها الفرنج وملكتها مرّة بعد مرّة (4) خرّبت المسلمون أسوارها في سنة ثمان وأربعين وستمائة خوفا من استيلائهم عليها، وهي على ذلك إلى الآن، ولها ولاية خاصّة بها.
__________
(1) قال في معجم البلدان: 1/ 200 «وهي أشموم طنّاح» وقال في الانتصار: 5/ 68 «تعرف بأشموم طناح وأشموم الرمان، وهي قصبة كورة الدقهلية وقصبة البشمور أيضا».
(2) لعله: من الجهة الشرقية.
(3) ذكرت في التوراة باسم «كفتور» وعرفت في العصر اليوناني باسم «تامياتس» وفي العصر القبطي باسم «تاميات». (الموسوعة العربية الميسرة: 803).
(4) استولى عليها الروم سنة 1219م 1221م بقيادة «جان دي برنيي» ملك بيت المقدس، وسنة 12501249م بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا. (الموسوعة العربية الميسرة 803. وانظر أيضا مراحل استيلاء الإفرنج عليها في معجم البلدان 2/ 473والانتصار: 5/ 80).(3/461)
الشّعبة الثانية غربيّ فرقة النيل الغربية وفيها عملان:
العمل الأوّل عمل البحيرة
. وهو مما يلي عمل الجيزة المقدّم ذكره من الجهة البحرية، وهو عمل واسع، كثير (1) القرى، فسيح الأرضين. ومقرّ ولايته (مدينة دمنهور) (2) بفتح الدال المهملة والميم وسكون النون وضم الهاء وسكون الواو وفي آخرها راء مهملة وتعرف بدمنهور الوحش. وهي مدينة متوسطة ذات مساجد ومدارس وأسواق وحمامات. وموقعها في الإقليم الثالث، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها، غير أنها على نحو مرحلة من الإسكندرية بين الشرق والجنوب فليعتبر طولها وعرضها منها بالتقريب.
قلت: ويدخل في هذا العمل حوف رمسيس والكفور الشاسعة.
العمل الثاني عمل المزاحمتين
. وهو ما جاور خليج الإسكندريّة من جهة الشمال إلى البحر الروميّ وبعضه بالبر الشرقيّ من النيل، وحاضرته (مدينة فوّة) (3). قال في «تقويم البلدان»: بضم الفاء وتشديد الواو، وهي مدينة متوسطة بالبر الشرقيّ من فرقة النيل الغربية يقابلها جزيرة لها تعرف بجزيرة الذهب ذات بساتين وأشجار ومنظر رائق، وليس بها ولاية، وإنما يكون بها شاد (4) للخاص، يتحدّث في كثير من أمور الولاية، وهي في الحقيقة كإخميم مع قوص.
ويلي هذين العملين غربا بشمال (مدينة الإسكندريّة) بكسر الهمزة
__________
(1) وعدّها في الانتصار: 5/ 101وما بعدها.
(2) وهي عاصمة الإقليم منذ عهد الفراعنة. كان اسمها في العصر اليوناني «هرموبوليس عارفا» وفي العصر القبطي: «تمنهور» ومنه اسمها العربي الحالي. (الموسوعة العربية الميسرة: 803).
(3) قال في معجم البلدان: 4/ 280 «فوّة» بليدة على شاطيء النيل قرب رشيد، بينها وبين البحر نحو خمسة فراسخ أو ستة».
(4) من الشدّ، وهي ترادف كلمة تفتيش، ويسمى متولي هذه الوظيفة «الشادّ» مضافا اليها جهة الاختصاص. والشاد الخاص عادته طبلخانة أو عشرة. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى:
193، 194).(3/462)
وسكون السين المهملة وفتح الكاف وسكون النون وفتح الدال وكسر الراء المهملتين وتشديد الياء المثناة تحت المفتوحة وهاء في الآخر وموقعها في الإقليم الثالث.
قال في كتاب «الأطوال»: طولها إحدى وخمسون درجة وأربع وخمسون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة وثمان وخمسون دقيقة، وقد تقدّم القول على أصل عمارتها في الكلام على قواعد الديار المصرية قبل الإسلام.
وهي الآن بالنسبة إلى ما تشهد به التواريخ من بنائها (1) القديم جزء من كلّ، وهي مع ذلك مدينة رائقة المنظر، حسنة الترصيف، مبنية بالحجر والكلس، مبيّضة البيوت ظاهرا وباطنا كأنها حمامة بيضاء، ذات شوارع مشرعة، كلّ خط قائم بذاته كأنها رقعة الشّطرنج، يستدير بها سوران منيعان، يدور عليهما من خارجهما خندق في جوانب البلد المتصلة بالبر، ويتصل البحر بظاهرها من الجانب الغربيّ مما يلي الشّمال إلى المشرق حيث دار النيابة وبهما أبراج حصينة عليها الستائر المسترة والمجانيق المنصوبة.
قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات»: ويقال إن منارها كان في وسط البلد وإن المدينة كانت سبع محجّات، وإنما أكلها البحر، ولم يبق إلا محجّة واحدة، وهي المدينة الباقية الآن وصار مكان المنار منها على مسيرة ميل. قال:
ويقال إن مساجدها أحصيت في وقت من الأوقات فكانت عشرين ألف مسجد وبها الجوامع والمساجد، والمدارس، والخوانق، والرّبط، والزوايا، والحمّامات والدّيار الجليلة، والأسواق الممتدّة. وفيها ينسج القماش الفائق الذي ليس له نظير في الدنيا، وإليها تهوي ركائب التجار في البر والبحر، وتمير من قماشها
__________
(1) شيّد هذه المدينة الإسكندر الأكبر عام 332ق. م. استولى عليها المسلمون عام 21هـ. وقد اضمحلت هذه المدينة في عهد العرب ولم تعد الى الانتعاش إلا في أواخر العهد الماضي. (دائرة المعارف الإسلامية 3/ 324وما بعدها).(3/463)
جميع أقطار الأرض، وهي فرضة بلاد المغرب، والأندلس، وجزائر الفرنج، وبلاد الروم، والشام وشرب أهلها من ماء النيل، من صهاريج تملأ من الخليج الواصل إلى داخل دورها، واستعمال الماء لعامة الأمر من آبارها، وبجنبات تلك الآبار والصهاريج بالوعات تصرف منها مياه الأمطار ونحوها وبها البساتين الأنيقة، والمستنزهات الفائقة، ولهم بها القصور والجواسق (1) الدقيقة البناء، المحكمة الجدر والأبواب، وبها من الفواكه والثمار ما يفوق فواكه غيرها من الديار المصرية حسنا مع رخص الثمن وليس بها مزارع ولا لها عمل واسع، وإن كان متحصّلها يعدل أعمالا: من واصل البحر وغيره وهي أجلّ ثغور الديار المصرية، لا يزال أهلها على يقظة من أمور البحر والاحتراز من العدوّ الطارق وبها عسكر مستخدم لحفظها.
قال في «مسالك الأبصار»: وليس بالديار المصرية مدينة حاكمها موسوم بنيابة السلطنة (2) سواها.
قلت: وهذا فيما تقدّم حين كانت النيابة بها صغيرة في معنى ولاية. أما من حين طرقها العدوّ المخذول من الفرنج في سنة سبع وستين وسبعمائة واجناح أهلها وقتل وسبى، فإنها استقرت من حينئذ نيابة كبرى تضاهي نيابة طرابلس وحماة وما في معناهما، وهي على ذلك إلى الآن وسيأتي الكلام على نيابتها في الكلام على ترتيب المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
__________
(1) جمع جوسق وهو الحصن معرّب وأصله «كوشك» بالفارسية. والجوسق هو القصر أيضا.
(اللسان: 10/ 35).
(2) كانت الأمبراطورية المملوكية تنقسم الى جملة أقاليم، كل منها يسمى مملكة ولذلك كانت تسمى بمجموعها بالممالك الإسلامية. وقد قسمت الشام الى ممالك وإن عرفت أيضا بالنيابات، وهي ست نيابات. وكان الذين يعينون في هذه النيابات أو الممالك يعرفون «بنواب السلطنة».
(التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 344).(3/464)
الشّعبة الثالثة ما بين فرقتي النيل الشرقية والغربية، وهو جزيرتان:
الجزيرة الاولى
جانبها الشرقي يمتدّ في طول فرقة النيل الشرقية إلى مصبه في البحر الملح حيث دمياط بالقرب منها، وجانبها الغربي يمتدّ في طول فرقة النيل الغربية إلى تجاه أبي نشّابة من عمل الجيزة فينشأ بحر أبيار المتقدّم ذكره، ويمتدّ في طولها إلى قرية الفرستق خارج الجزيرة من الغرب فيتصل بفرقة النيل التي تفرّع منها على ما تقدّم، ويمتدّ في طولها إلى مصبه في البحر الملح حيث رشيد.
وتشتمل هذه الجزيرة على عملين:
العمل الأول المنوفية
(1). وأوّله من الجنوب من القرية المعروفة بشطّنوف على أوّل الفرقة الغربية من النيل ومقرّ ولايته (مدينة منوف) بضم الميم (2)
والنون وسكون الواو وفاء في الآخر وهي مدينة إسلامية بنيت بدلا من مدينة قديمة كانت هناك قد خربت الآن وبقيت آثارها كيمانا، وولايتها من أنفس الولايات، وقد أضيف إليها عمل أبيار، وهو جزيرة بني نصر الآتي ذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى، وهي مدينة حسنة ذات أسواق ومساجد، ومسجد جليل للخطبة، وحمّام، وخانات.
قلت: وربما غلط فيها بعض الناس فظن أنها منف المتقدّمة الذكر في الكلام على قواعد مصر القديمة، وبينهما بعد كثير، إذ منف المتقدّمة الذكر جنوبي الفسطاط على اثني عشر ميلا منه كما تقدّم ذكره، وهذه شماليّ الفسطاط والقاهرة في أسفل الأرض.
العمل الثاني الغربيّة
. وهو مصاقب للمنوفية من جهة الشمال، ويمتدّ إلى
__________
(1) وهي الآن محافظة، وعاصمتها «شبين الكوم». وكانت «منوف» عاصمتها حتى سنة 1826م.
(الموسوعة العربية الميسرة: 1763).
(2) ضبطها ياقوت والقاموس بالفتح، وتبعناهما في كثير من المواضع.(3/465)
البحر الملح بين مصبي النيل إلا ما هو من عمل المزاحمتين على فرقة النيل الغربية من الشرق وهو عمل جليل القدر، عظيم الخطر، به البلاد الحسنة، والقرى الزاهية، والبساتين المتراكبة وغير ذلك وفي آخره مما يلي بحر الروم موقع ثغر البرلّس (1).
ويندرج فيه ثلاث أعمال أخر كانت قديمة، وهي القويسنيّة، والسّمنّودية، والدّنجاوية (2)، ومقرّ ولايته (مدينة المحلّة) (3). قال في «المشترك»: بفتح الميم والحاء المهملة وتشديد اللام ثم هاء في الآخر وتعرف بالمحلّة الكبرى، وقد غلب عليها اسم المحلة حتّى صار لا يفهم عند الإطلاق إلا هي.
قلت: ووقع في «التعريف» التعبير عنها بمحلّة المرحوم وهو وهم، وإنما هي قرية من قراها.
قال في «المشترك»: ويقال لها محلة الدّقلا (بفتح الدّال المهملة والقاف) وهي مدينة عظيمة الشأن، جليلة المقدار، رائقة المنظر، حسنة البناء، كثيرة المساكن، ذات جوامع، ومدارس، وأسواق، وحمّامات وهي تعادل قوص من الوجه القبليّ في جلالة قدرها، ورياسة أهلها، ويفرق بينهما بما يفرق به بين الوجه القبلي والوجه البحري من الرطوبة واليبوسة.
__________
(1) عرف اسم «برلّس» منذ القدم أو «برلّس» بوجه أدق وفقا لرواية ياقوت وابن بطوطة. كما نجد في اللغة القبطية اسم «برلّو» أو «تبّاراليا» وفي اليونانية «كارالوف» وهو يطلق على أسقفية قديمة تسمى «نكدولس» أو. وذكر الكندي البرلّس في كلامه عن الحصون التي على تخوم مصر، ولا توجد اليوم مدينة بهذا الاسم. ولعل القرى الصغيرة عند نهاية اللسان الممتد على طول شاطئها الشمالي الى الشرق من منفذها هي بقايا تلك المدينة القديمة. ويطلق اسم البرلّس في الوقت الحاضر على جميع الأراضي التي في الشمال الشرقي لبحيرة البرلس. وكانت هذه البحيرة في العصور الوسطى تعرف باسم «نستروة». (دائرة المعارف الإسلامية: 7/ 109وما بعدها).
(2) وأضاف في الانتصار: 5/ 82: «السخاويّة، الطمريسيّة، الطندتاوية والسنهوريّة».
(3) وكانت عاصمة الغربية حتى سنة 1836ثم انتقلت العاصمة الى طنطا. (الموسوعة العربية الميسرة: 1657).(3/466)
الجزيرة الثانية
ما بين بحر أبيار المتقدّم ذكره وبين الفرقة الغربية من النيل، وتعرف بجزيرة بني نصر وهي عمل واحد (1)، وحاضرته (مدينة أبيار) بفتح الهمزة كما قاله في «الروض المعطار» (2) وإسكان الباء الموحدة وفتح المثناة تحت وبعدها ألف ثم راء مهملة وهي مدينة لطيفة حسنة المنظر يعمل فيها القماش الفائق من المحررات وغيرها، وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة ولم يتحرّر لي طولها ولا عرضها، وهي مضافة إلى ولاية منوف، وليس بها الآن ولاية مستقلة.
__________
(1) وقد فصلهما ابن دقماق في الانتصار: 5/ 99.
(2) وكذلك في معجم البلدان: 1/ 85.(3/467)
الفصل الثالث فيمن ملك الديار المصرية، جاهلية وإسلاما
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في «تاريخه»: وكانت أهل مصر أهل ملك عظيم في الدهور الخالية والأزمان السالفة، ما بين قبطيّ ويونانيّ وعمليقيّ (1)، وأكثرهم القبط. قال: وأكثر من تملّك مصر الغرباء.
وهم على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى من ملكها قبل الطّوفان، وقلّ من تعرّض له من المؤرّخين
قد تقدّم في الكلام على ابتداء عمارة مصر أن أوّل من عمرها قبل الطوفان نقراووس بن (2) مصريم بن براجيل بن رزائيل بن غرباب بن آدم عليه السلام، ومعنى نقراووس بالسريانية ملك قومه، وهو الذي عمر مدينة أمسوس أوّل قواعد مصر المتقدّم ذكرها ثم ملكها بعده ابنه نقراووس الثاني مائة وسبع سنين ثم ملكها بعده أخوه مصرام بن نقراووس الأوّل ثم ملكها بعده عنقام الكاهن ولم تطل مدّة ملكه ويقال إنّ إدريس عليه السلام رفع في زمانه ثم ملكها بعده ابنه غرناق ثم ملك بعده رجل من بني نقراووس اسمه لو جيم ثم ملك بعده رجل اسمه خصليم، وهو أوّل من عمل المقياس للنيل على ما تقدّم ذكره ثم ملك بعده ابنه هرصال، ومعناه بالسريانية خادم الزّهرة، وهي مدينة شرق النيل، وعمل
__________
(1) نسبة الى العمالقة أو الهكسوس ويقال لهم أيضا: الملوك الرعاة.
(2) أختلف المؤرخون كثيرا حول هذه الاسماء بخصوص ضبطها وترتيبها.(3/468)
سربا (1) تحت النيل إليها، وهو أوّل من عمل ذلك وأقام في الملك مائة وأربعا وثلاثين سنة، ويقال إن نوحا عليه السلام ولد في زمانه ثم ملك بعده ابنه بدرسان ثم ملك بعده أخوه شمرود، وكان طوله فيما يقال عشرين ذراعا ثم ملك بعده فرسيدون بن بدرسان المتقدّم ذكره مائة وستين سنة ثم ملك بعده ابنه شرناق مائة وثلاث سنين ثم ملك بعده ابنه سهلوق مائة وتسع سنين ثم ملك بعده ابنه سوريدين، وهو الذي بنى الأهرام العظام بمصر على ما تقدّم ذكره في الكلام على عجائب مصر وخواصّها ثم ملك بعده ابنه هرجيب نيّفا وسبعين سنة، وهو الذي بنى الهرم الأوّل من أهرام دهشور ثم ملك بعده ابنه مناوش ثلاثا وسبعين سنة ثم ملك بعده ابنه أقروس أربعا وستين سنة وفي أيامه حصل القحط العظيم، وسلطت الوحوش والتماسيح على الناس، وأعقمت الأرحام حتّى يقال إن الملك تزوّج ثلاثمائة امرأة يبغي الولد فلم يولد له، وذلك مقدّمة الطوفان ثم ملك بعده رجل من أهل بيت الملك اسمه أرمالينوس ثم ملك بعده ابن عمه فرعان، وهو أوّل من لقب بلقب الفراعنة (2)، وكان قد كتب إلى ملك بابل يشير عليه بقتل نوح عليه السلام، وفي زمنه كان الطوفان وهلك فيمن هلك.
المرتبة الثانية من ملكها بعد الطوفان إلى حين الفتح الإسلاميّ
وللمؤرّخين في ذلك خلف كثير، وقد جمعت بين كلام التواريخ التي وقفت عليها في ذلك، وهم على طبقات:
__________
(1) وهو حفير تحت الأرض لا منفذ له، والقناة الجوفاء التي يدخل منها الماء الحائط، والجمع:
أسراب. (المعجم الوسيط: 425).
(2) كلمة «فرعون» منحوتة من اللفظين المصريين: (پر عو) أي البيت الأعظم، وكانت نعتا للقصر الملكي منذ أيام الدولة القديمة، ثم أصبحت علما على ملوك مصر منذ الألف الأولى قبل الميلاد.
وترددت هذه الكلمة في سفر الخروج بالتوراة وفي القرآن. (الموسوعة العربية الميسرة: 1290).(3/469)
الطبقة الأوّلى ملوكها من القبط (1)
قد تقدّم في الكلام على ابتداء عمارتها أن أوّل من عمرها بعد الطوفان بيصر ابن حام بن نوح عليه السلام، وكان بيصر قد كبر سنه وضعف، فأقام يسيرا ثم مات، فدفن في موضع دير أبي هرميس غربيّ الأهرام. قال القضاعي: ويقال إنها أوّل مقبرة دفن فيها بأرض مصر وملك بعده ابنه مصر فعمر وطالت مدّة ملكه، وعمرت البلاد في أيامه وكثر خيرها، ثم مات وملك بعده ابنه (قبطيم)، وإليه ينسب القبط، ويقال إنه أدرك بلبلة الألسن التي كانت بعد نوح عليه السلام، وهي ريح خرجت عليهم ففرّقت بينهم وصار كل منهم يتكلم بلغة غير لغة الآخر، وخرج منها باللغة القبطيّة (2) ثم ملك بعده ابنه (قفط)، وهو الذي بنى مدينة قفط (3)
بالصعيد الأعلى وسماها باسمه، وآثارها باقية (4) إلى الآن ثم ملك بعده أخوه (أشمن)، وهو الذي بنى مدينة الأشمونين المتقدّم ذكرها بالوجه القبليّ، وطالت مدّته حتّى نقل أنه بقي ثمانمائة سنة، وقيل ثمانمائة وثلاثين ثم ملك بعده أخوه (أتريب)، وهو الذي بنى مدينة أتريب المتقدّمة الذكر بالوجه البحريّ من الديار المصرية ثم ملك بعده أخوه (صا)، وهو الذي بنى مدينة صا (5) المتقدّم ذكرها بالوجه البحريّ أيضا ثم ملك بعده (قفطريم) بن قفط، ويقال: إنه الذي وضع أساس الأهرام الدهشورية غير الهرم الأوّل الذي بناه هرجيب المتقدّم ذكره قبل
__________
(1) كلمة يونانية الأصل معناها: سكان مصر، والأقباط من سلالة قدماء المصريين، ويقصد بهم اليوم المسيحيون المصريون. (المرجع السابق: ص 1369).
(2) هي تطّور في اللغة المصرية القديمة وكانت تستعمل في عهود المسيحية الأولى، وهي من اللغات السامية وقد انقرضت الآن. (الموسوعة العربية الميسرة: 1369و 1558).
(3) الاسم تصحيف للفظ الفرعوني لمدينة «قبطيو». لم يبق من آثارها الفرعونية شيء يذكر. (الموسوعة العربية الميسرة: 1390).
(4) الاسم تصحيف للفظ الفرعوني لمدينة «قبطيو». لم يبق من آثارها الفرعونية شيء يذكر. (الموسوعة العربية الميسرة: 1390).
(5) أو «صا الحجر» وسماها الإغريق: «سايس» لم يبق من آثارها اليوم غير خرائب. (المرجع السابق: 1111).(3/470)
الطّوفان، وهو الذي بني مدينة دندرى (1) بالصعيد الأعلى، وآثارها باقية إلى الآن ثم ملك بعده ابنه (بودشير)، وهو الذي أصلح جنبتي النيل بهندسته ثم ملك بعده ابنه (عديم) ثم ملك بعده ابنه (شدات)، وهو الذي تمم الأهرام الدهشورية التي وضع أساسها قفطريم المتقدّم ذكره. ويقال: إن مدينة شطب (2)
التي بالقرب من مدينة أسيوط بنيت في أيامه، وآثارها باقية إلى الآن، وهو أوّل من ولع بالصيد واتخذ الجوارح والكلاب السّلوقية (3)، وعمل البيطرة من ملوك مصر، ومات عن أربعمائة وأربعين سنة ثم ملك بعده ابنه (منقاوش)، ويقال: إنه أوّل من عمل له الحمّام بمصر ثم ملك بعده ابنه (مناوش) وطالت مدّته في الملك حتّى بقي فيما يقال ثمانمائة سنة، وقيل ثمانمائة وثلاثين سنة ثم ملك بعده (منقاوش) بن أشمن نيفا وأربعين سنة، وقيل ستين سنة، وهو أوّل من عمل له الميدان بمصر، وأوّل (4) من بنى البيمارستان لعلاج المرضى، وفي أيامه بنيت مدينة سنتريه بالواحات ثم ملك بعده ابنه (مرقوره) نيفا وثلاثين سنة، وفي كتب القبط أنه أوّل من ذلل السباع وركبها ثم ملك بعده (بلاطس) خمسا وعشرين سنة ثم ملكت بعده بنت من بنات أتريب خمسا وثلاثين سنة، وهي أوّل من ملك مصر من النساء ثم ملك بعدها أخوها (قليمون) تسعين سنة، وفي أيامه بنيت مدينة دمياط على اسم غلام له كانت أمه ساحرة له، وفي أيامه بنيت أيضا مدينة
__________
(1) أو «دندرة» وسماها الإغريق: «تنتيربس» تصحيفا لاسمها المصري: «أيونه أن نترة» بمعنى رواق المعبودة أو معبدها. كانت عاصمة الإقليم السادس من أقاليم الصعيد. عثر في خرائبها على كثير من الآثار الهامة. (المرجع السابق: 804).
(2) ما زالت إلى اليوم تحمل اسمها القبطي. كانت عاصمة الإقليم الحادي عشر من أقاليم الصعيد (المرجع السابق: 1084).
(3) وهي من كلاب الصيد التي تتبع فريستها بالرؤية وليس بالشم. (المرجع السابق: 1470).
(4) وقال المقريزي: خطط: 2/ 405إن أول مستشفى هي التي أقامها «مناقيوس» وهو ملك أسطوري من ملوك مصر، أو أبقراط الذي أقام في حديقة داره (اكسنودوقيون) ومعناها مأوى للغرباء. وقد ذكر ابن أبي أصيبعة في عيون الأنباء طبعة ميلر 1/ 2726أن سند هذا القول هو الكتاب الثالث من مصنف جالينوس «في أخلاق النفس». وينسب إلى الوليد بن عبد الملك فضل بناء أول بيمارستان في الإسلام. (راجع أيضا: دائرة المعارف الإسلامية: 9/ 54).(3/471)
تنّيس ثم ملك بعده ابنه (فرسون) مائتين وستين سنة ثم ملك بعده ثلاثة ملوك أو أربعة لم يعين اسمهم ثم ملك بعدهم (مرقونس) الكاهن ثلاثا وسبعين سنة ثم ملك بعده ابنه (أيساد) خمسا وسبعين سنة ثم ملك بعده ابنه (صا) وأكثر القبط تزعم أنه أخوه، نيفا وثلاثين سنة ثم ملك بعده ابنه (تدارس)، وهو الذي حفر خليج سخا المتقدّم ذكره في خلجان مصر القديمة ثم ملك بعده ابنه (ماليق)، ويقال: إنه خالف دين آبائه في عبادة الأصنام، ودان بدين التوحيد (1).
ولما أحس بالموت، صنع له ناووسا وكنز معه كنوزا عظيمة، وكتب عليها أنه لا يستخرجها إلا أمة النبيّ الذي يبعث في آخر الزمان ثم ملك بعده ابنه (حريا)، وفي بعض التواريخ حرايا خمسا وسبعين سنة ثم ملك بعده ابنه (كلكن)، وفي بعض التواريخ كلكي نحوا من مائة سنة، وهو أوّل من أظهر علم الكيمياء بمصر، وكان قبل ذلك مكتوما، وفي زمنه كان النّمروذ (2) بأرض بابل من العراق ثم ملك بعده أخوه (ماليا) ثم ملك بعده (حربيا) بن ماليق ثم ملك بعده (طوطيس) بن ماليا، وفي بعض التواريخ طوليس سبعين سنة، وفي بعض التواريخ أنه ملك بعد أبيه ماليا والقبط تزعم أن الفراعنة سبعة هو أوّلهم، وهو الذي أهدى هاجر لإبراهيم عليه السلام، ثم ملكت بعده أخته (حوريا)، وهي التي بنى لها جيرون المؤتفكيّ صاحب الشام مدينة الإسكندريّة حين خطبها على أحد الأقوال في عمارتها ليجعلها مهرا لها، ثم احتالت عليه فسمّته هو وجميع عسكره في خلع فماتوا ثم ملكت بعدها بنت عمها (زلفى) ويقال دلفة بنت مأموم ثم ملك بعدها (أيمين) الأتريبيّ، وهو آخر ملوك القبط من هذه الطبقة.
والذي ذكره القضاعيّ وغيره أنه ملكها بعد وفاة بيصر ابنه مصر، ثم قفط بن مصر،
__________
(1) المعروف تاريخيا أن اخناتون، عاشر فراعنة الأسرة الثامنة عشرة هو أول من نادى بوحدانية الله من الفراعنة.
(2) نمرود بن كنعان بن قوش، ورد ذكره في سفر التكوين وأشار اليه القرآن أيضا في قصة إبراهيم دون ذكر اسمه. (الموسوعة العربية الميسرة: 1847).(3/472)
ثم أخوه أشمن، ثم أخوه أتريب، ثم أخوه صا، ثم ابنه تدراس، ثم ابنه ماليق، ثم ابنه حريا، ثم ابنه كلكن، ثم أخوه ماليا، ثم حربيا، ثم طوطيس بن ماليا، ثم ابنته حوريا، وهي أوّل من ملكها من النساء، ثم ابنة عمها زلفى، ومنها انتزعتها العمالقة الآتي ذكرهم.
الطبقة الثانية ملوكها من العماليق (1) ملوك الشام
أوّل من ملكها منهم (الوليد) بن دومع العمليقي، وقال السهيليّ (2): الوليد ابن عمرو بن أراشة، اقتلعها من أيمين: آخر ملوك القبط المتقدّم ذكره، وهو الفرعون الثاني عند القبط، وقيل هو أوّل من سمي بفرعون، وقام في الملك مائة وعشرين سنة ثم ملك بعده ابنه (الرّيّان) مائة وعشرين سنة، والقبط تسميه نهراوس، وهو الفرعون الثالث عند القبط، ونزل مدينة عين شمس، وكانت الملوك قبله تنزل مدينة منف، وفي أيامه وصل يوسف عليه السلام إلى مصر، وكان من أمره ما قصه الله تعالى في كتابه. ويقال إنه آمن بيوسف عليه السلام ثم ملك بعده ابنه (دارم) ويقال دريوس، وهو الفرعون الرابع عند القبط، وفي أيامه توفّي (3) يوسف عليه السلام، وفي أيامه ظهر بمصر معدن فضة على ثلاثة أيام في النيل ثم ملك بعده ابنه (معدان) ويقال معاديوس، وهو الفرعون الخامس عند القبط، إحدى وثلاثين سنة ثم ملك بعده ابنه (أقسامس) وهو الفرعون السادس عند القبط، وبعضهم يزعم أن منارة الإسكندريّة بنيت في زمنه،
__________
(1) وهم قدماء العرب. فتحوا مصر باسم الشاسو (البدو أو الرعاة) ويسميهم اليونان «الهكسوس».
وأصل لفظ العمالقة مجهول. والغالب أنه منحوت من أسم قبيلة عربية كان البابليون يطلقون عليها اسم «ماليق» أو «مالوق» وأضاف اليها اليهود لفظ «عم» بمعنى الشعب. (المرجع السابق:
1235).
(2) سبق التعريف به في هوامش الصفحة 13من هذا الجزء.
(3) قال في بدائع الزهور عن الكسائي: «بين مولد موسى ووفاة يوسف زيادة عن خمسمائة سنة» (بدائع الزهور: 171).(3/473)
وأهل الأثر يسمونه كاسم، وربما قالوا كامس، ثم ملك بعده ابنس (لاطس) ثم ملك بعده رجل اسمه (ظلما) كان من عمّاله فخرج عليه فقتله وملك مكانه، وهو الفرعون السابع عند القبط، وهو فرعون موسى.
قال المسعوديّ: وهو الوليد بن مصعب الموجود في كتب الأثر، والوليد بن مصعب هو فرعون موسى، وهو الوليد بن مصعب بن عمرو بن معاوية بن أراشة، يجتمع مع الوليد بن دومع في أراشة، وهو آخر من ملك مصر من العمالقة، وبعضهم يقول ظلما بن قومس من ولد أشمون أحد ملوك القبط المتقدّم ذكرهم وعلى هذا فيكون فرعون موسى من القبط، وهو أحد الأقوال فيه، وهو الذي يعوّل عليه القبط، ويوردونه في كتبهم، وآخرون يجعلونه من لخم من الشأم، والظاهر الأوّل، وهو أوّل من عرّف العرفاء على الناس، وفي زمنه حفر خليج سردوس المتقدّم ذكره في خلجان النيل، ويقال: إنه عاش دهرا طويلا لم يمرض ولم يشك وجعا إلى أن أهلكه الله تعالى بالغرق (1).
الطبقة الثالثة ملوكها من القبط بعد العمالقة
أوّل من ملكها منهم بعد فرعون (دلوكة) وطالت مدّتها في الملك حتّى عرفت بالعجوز، وإليها ينسب حائط العجوز المبنيّ بالطوب اللّبن المستدير على بلاد مصر في لحف الجبلين: الشرقيّ والغربيّ، وأثره باق بالوجه القبليّ إلى الآن، ويقال إنها التي بنت البرابي بمصر، ثم ملك بعدها رجل من أبناء أكابر القبط اسمه (دركون) بن بطلوس، ويقال دركوس بن ملوطس ثم ملك بعده رجل اسمه (تودس) ثم ملك بعده ابنه (لقاش) نحوا من خمسين سنة ثم ملك بعده (مرينا) بن لقاش نحوا من عشرين سنة ثم ملك بعده ابنه (بلطوس) ويقال
__________
(1) وقع اختلاف فيما بأيدينا من الكتب في أسماء الملوك وترتيبهم في هذا والذي بعده، فعولنا على الأصل.(3/474)
بلوطس بن مياكيل أربعين سنة ثم ملك بعده (مالوس) ويقال فالوس بن توطيس عشر سنين ثم ملك بعده مياكيل. قال المسعوديّ: وهو فرعون الأعرج الذي غزا بني إسرائيل وخرّب بيت المقدس ثم ملك بعده (نوله) وهو الذي غزا رحبعم ابن سليمان عليه السلام بالشام، وقيل إن الذي غزا رحبعم كان اسمه شيشاق. قال السلطان عماد الدين صاحب حماة: وهو الأصح. قال: ثم لم يشتهر بعد شيشاق المذكور غير فرعون الأعرج، وهو الذي غزاه بختنصّر وصلبه، والذي ذكره المسعوديّ أنه ملك بعد مياكيل المتقدّم ذكره (مرنيوس) ثم ملك بعده ابنه (بغاش) ثمانين سنة ثم ملك بعده ابنه (قومس) عشرين سنة ثم ملك بعده ابنه كاييل.
قال المسعوديّ: وهو الذي غزاه بختنصر وصلبه وخرب مصر، وبقيت مصر أربعين سنة خرابا.
الطبقة الرابعة ملوكها من الفرس
أوّل من ملكها في جملة مملكة الفرس (بهراسف) بواسطة أن بختنصّر كان نائبا له ومن حين استولى عليها بختنصّر، توالت عليها الولاة من جهته، وهو ببابل سبعا وخمسين سنة وشهرا كما ذكر صاحب حماة إلى أن مات، فولي بعده ابنه (أولات) سنة واحدة ثم أوليها بعده أخوه (بلطشاش) بن بختنصّر، ثم استقرّت مصر والشام بأيدي نوّاب الفرس عن ملوكهم.
فلما مات بهراسف، ملك بعده (كيبستاسف) ثم ملك بعده ابنه (أردشير) (1) بهمن بن اسفيديار بن كيبستاسف، وأنبسطت يده حتّى ملك الأقاليم السبعة ثم ملك بعده ابنه (دارا) (2)، وفي زمنه ملك الإسكندر بن
__________
(1) بالفارسية: «أرتخشترى» وباليونانية: «أركزرزاس». (دائرة المعارف الإسلامية: 2/ 547).
(2) وهو داريوس الثالث. سقطت امبراطوريته بعد أن هزم الإسكندر جيوشه عند «أسوس» سنة 333ق.
م. (الموسوعة العربية الميسرة: 773).(3/475)
فيلبس على اليونان فقصده، فلما قرب منه قتله جماعة من قومه، ولحقوا بالإسكندر، وهو آخر من ملك مصر من الفرس، ولم أقف على تفصيل نوّاب الفرس بمصر إلا أنه كان منهم (كسرجوس) الفارسيّ، وهو الذي بنى قصر الشّمع بالفسطاط على ما تقدّم ذكره، وبعده (طحارست) الطويل، وفي أيامه كان بقراط الحكيم.
الطبقة الخامسة ملوكها من اليونان
أوّل من ملكها منهم (الإسكندر بن فيلبس) حين غلب (1) دارا ملك الفرس على ملكه واستولى على ما كان بيده، وكان مقرّ ملكه مقدونية من بلاد الروم القديمة، وانحاز له ملك العراق، والشام، ومصر، وبلاد العرب. فلما مات تفرّقت ممالكه بين الملوك، فملك مصر ونواحي الغرب البطالسة (2) من ملوك اليونان، كان كلّ منهم يلقب بطليموس.
فأوّل من ملكها منهم (بطليموس المنطيقي) (3) عشرين سنة، ويقال:
إنه أوّل من لعب بالبزاة وضرّاها (4) ثم ملك بعده (بطليموس محبّ أخيه) (5) أربعين سنة، وقيل ثمانا وثلاثين سنة، وهو الذي نقل التّوراة من العبرانيّة إلى اليونانية وفي أيامه ظهرت عبادة التماثيل والأصنام. ثم ملك بعده (بطليموس الصّائغ) (6) خمسا، وقيل ستا وعشرين سنة ثم ملك بعده
__________
(1) وذلك سنة 333ق. م.
(2) أو البطالمة.
(3) وهو بطليموس الأول الملقّب بالمنقذ. أقيم عقب وفاة الإسكندر سنة 323ق. م. واليا على مصر، وكان من قوّاده. وقد حكمت أسرته «البطالمة» مصر من سنة 323ق. م. إلى سنة 30ق. م.
(الموسوعة العربية الميسرة: 379).
(4) بالغ في إضرائها. من الضرارة. (المعجم الوسيط: 539).
(5) في الموسوعة العربية الميسّرة: 379: «بطليموس الثاني محب أخته» لقب بذلك لأنه تزوج أخته.
(6) ويلقب «ببطليموس الخير» وخلف آباه بطليموس الثاني. (المرجع السابق).(3/476)
(بطليموس محبّ أبيه) (1) سبع عشرة سنة ثم ملك بعده (بطليموس صاحب علم الفلك) (2) أربعا وعشرين سنة، وهو الذي ألف كتاب المجسطي ثم ملك بعده (بطليموس محبّ أمه) (3) سبعا وعشرين سنة ثم ملك بعده (بطليموس الصائغ الثاني) (4) ثم ملك بعده (5) (بطليموس المخلص) ست عشرة سنة، وقيل سبع عشرة ثم ملك بعده (بطليموس الإسكندراني) تسع سنين، وقيل اثنتي عشرة سنة ثم ملك بعده (بطليموس اسكندروس) ثلاث سنين ثم ملك بعده (بطليموس محبّ أخيه) الثاني ثمان سنين ثم ملك بعده (بطليموس دوتيسوس) ثم ملكت بعده ابنته (قلوبطرا) (6) اثنتين وعشرين سنة، وبزوالها انقرض ملك اليونان عن مصر وزال.
__________
(1) حكم مصر من سنة 221ق. م. إلى 203ق. م. ألّه نفسه وزوجه وقرن عبادتهما بعبادة أسلافهما والإسكندر، وحول هذه العبادة إلى عبادة أسريّة. (المرجع السابق).
(2) في المرجع السابق: الذي خلف بطليموس الرابع هو ابنه بطليموس الخامس الملقب بالظاهر الكريم. وقد أنكر المسعودي في كتابه «التنبيه» القول بأن بطليموس الفلكي هو أحد ملوك مصر في العهد اليوناني المتأخر. (دائرة المعارف الإسلامية: 7/ 319).
(3) حكم بعد بطليموس الخامس من سنة 180ق. م إلى سنة 145ق. م. وأمه كليو باترا الأولى، وقد تولت الوصاية عليه في بداية حكمه. (الموسوعة العربية الميسرة: ص 380).
(4) وهو ابن بطليموس السادس. ويلقب «بالمحب لأبيه الجديد» (المرجع السابق).
(5) في الموسوعة العربية الميسرة: جاء بعد بطليموس السابع كل من: بطليموس الثامن الملقب بالخير الثاني وهو ابن الخامس وشقيق السادس وعم وكذلك خال السابع. تولى عرش مصر مرتين الأولى سنة 170ق. م والثانية سنة 164ق. م. وبعده بطليموس التاسع الملقب بالمنقذ الثاني وهو ابن الثامن وتولى عرش مصر مرتين: الأولى من 116إلى 107ق. م والثانية من 88إلى 81 ق. م. وخلفه بطليموس العاشر، وهو بطليموس اسكندر الأول، ابن بطليموس الثامن من 107 إلى 101ق. م ويتهمه المؤرخون القدماء بقتل أمه كليو باترا الثالثة. وخلفه ابنه بطليموس العاشر الذي قتله الإسكندريون سنة 80ق. م وخلفه بطليموس الثاني عشر الملقب بالزمار سنة 80ق. م وهو ابن التاسع، وكان ولعا بلعب المزمار. ثم تولى العرش ابنه بطليموس الثالث عشر وكان في العاشرة من عمره فحكم من سنة 51ق. م إلى سنة 47ق. م. وجاء بعده بطليموس الرابع عشر وهو ابن الثاني عشر الأصغر فحكم من 47إلى 44ق. م. ثم حكم أخوه وهو بطليموس الخامس عشر الملقب بقيصرون بمشاركة أمه كليوباتره السابعة. وقد حكم حتى سنة 30ق. م وبه زال حكم البطالسة.
(6) وهي كليوباترا السابعة، راجع الملاحظة السابقة.(3/477)
الطبقة السادسة ملوكها من الروم
أوّل من ملكها منهم (أغشطش). يقال بشينين معجمتين ومهملتين، ولقبه قيصر، وهو أوّل من تلقب به، ثم صار علما على ملوك الروم.
قصد قلوبطرا المتقدم ذكرها، فلما أحسّت بقربه منها، عمدت إلى مجلسها فجعلت فيه الرياحين والمشموم، وأعملت الفكر في تحصيل حية إذا نهشت الإنسان مات لحينه ولم يتغير حاله، فقربت يدها منها حتّى ألقت سمّها في يدها، وانسابت الحية في الرياحين، وجاء أغشطش فوضع يده في الرياحين فنهشته الحية، فبقي يوما ومات بعد أن ملك الروم ثلاثا وأربعين سنة، وفي أيامه ولد المسيح عليه السلام ثم ملك بعده الروم ومصر (طيباريوس) (1) ويقال طبريوس، ويقال طبريس اثنتين وعشرين سنة. قال المسعودي: وفي زمنه رفع المسيح عليه السلام قال: ولما مات أغشطش، اختلف الروم وتحزبوا وتنازعوا في الملك مائتين وثمانيا وتسعين سنة، لا نظام لهم، ولا ملك يجمعهم ثم ملكهم (عانيوس). قال صاحب حماة: وكان رفع المسيح في زمنه، وهو مخالف لما تقدّم من كلام المسعودي ثم ملك بعده (قلديوس) أربع عشرة سنة ثم ملك بعده (نارون) (2) ثلاث عشرة سنة، وهو الذي قتل بطرس وبولص الحواريّين برومية وصلبهما ثم ملك بعده (ساسانوس) عشر سنين ثم ملك بعده (طيطوس) سبع عشرة سنة ثم ملك بعده (دومطيتوش) ويقال أديطانش خمس عشرة سنة، وكان على عبادة الأصنام فتتبع اليهود والنصارى وقتلهم ثم
__________
(1) ويقال أيضا: تيبريوس. وهو ابن زوجة أغسطس التي تدعي: «ليفيادر وسيلا» وأبوه تيباريوس كلاوديوس نيرون. (الموسوعة العربية الميسرة: ص 567).
(2) في المسعودي «فلوريوس» ولعلها تصحيف من «قلوديوس». وهو المعروف «بنيرون» الذي أحرق روما واتهم المسيحيين بهذا الحريق ثم بدأ اضطهاده لهم، وأعاد بناء روما على نمط فخم جميل.
(المرجع السابق: 1866).(3/478)
ملك بعده (أدريانوس) ستا وثلاثين سنة فأصابته علة الجذام (1) فسار إلى مصر يطلب طبّا لذلك فلم يظفر به ومات بعلّته ثم ملك بعده (ايطيثيوس) ويقال أبطاوليس ثلاثا وعشرين سنة، وهو الذي بنى بيت المقدس بعد تخريبه الثانية وسماه إيليا (2)، ومعناه بيت الرب، وهو أوّل من سماه بذلك ثم ملك بعده (مرقوس) ويقال قومودوس سبع عشرة سنة ثم ملك بعده (قومودوس) ثلاث عشرة سنة، وكان دين النصارى قد ظهر في أيامه وفي زمنه كان جالينوس الحكيم، ثم ملك بعده (قوطنجوس) ستة أشهر ثم ملك بعده (سيوارس) ثماني عشرة سنة ثم ملك بعده (ايطيثيوس الثاني) أربع سنين، ثم ملك بعده (اسكندروس) ثلاث عشرة سنة ثم ملك بعده (بكسمينوس) ثلاث سنين ثم ملك بعده (خورديانوس) ست سنين ثم ملك بعده (دقيانوس) وقيل دقيوس سنة واحدة، فقتل النصارى وأعاد عبادة الأصنام، ومنه هرب الفتية أصحاب الكهف، وكان من أمرهم ما قص الله تعالى في كتابه العزيز ثم ملك بعده (غاليوس) ثلاث سنين ثم ملك بعده (علينوس) و (ولديانوس) اشتركا في الملك، وقيل إن ولديانوس انفرد بالملك بعد ذلك وأقام فيه خمس عشرة سنة ثم ملك بعده (قلوديوس) سنة واحدة ثم ملك بعده (اردياس) ويقال أردليانوس ست سنين ثم ملك بعده (قروقوس) سبع سنين ثم ملك بعده (ياروس) وشركته سنتين ثم ملك بعده (دقلطيانوس) إحدى وعشرين سنة، وهو آخر عبدة الأصنام من ملوك الروم، وبمهلكه تؤرخ النصارى إلى اليوم، وعصي عليه أهل مصر، فسار إليهم من رومية، وقتل منهم خلقا عظيما، وهم الذين يعبر عنهم النصارى الآن بالشهداء.
__________
(1) مرض معد مزمن، وهو نوعان: درني وعصبي الأول يتميز بظهور درنات على الجسم وبخاصة على الوجه، والثاني بظهور بقع على سطح الجلد. وطريقة العدوى به غير معروفة. (الموسوعة العربية الميسرة: ص 616).
(2) قال في معجم ما استعجم: 1/ 217: «وفيها ثلاث لغات: مدّ آخره وقصره: أيلياء وإيليا وقصر أولها: إلياء.(3/479)
ثم ملك بعده قسطنطين (1) المظفر إحدى وثلاثين سنة فسار من رومية إلى قسطنطينيّة وبنى سورها واستقرت دار ملكهم، وأظهر دين النصرانية وحمل الناس عليه ثم ملك بعده ابنه قسطنطين فشيّد دين النصرانية وبنى الكنائس الكثيرة ثم ملك بعده إليانوس، ويقال إليانس سنة واحدة، وهو ابن أخي قسطنطين المتقدّم ذكره، فرفض دين النصرانية ورجع إلى عبادة الأصنام، وبموته خرج الملك عن بني قسطنطين ثم ملك بعده بطريق من بطارقة الروم اسمه بوثيانوس، ويقال سيوتيانوس سنة واحدة فأعاد دين النصرانية، ومنع عبادة الأصنام ثم ملك بعده قالنطيانوس أربع عشرة سنة ثم ملك بعده خرطيانوس ثلاث سنين ثم ملك بعده باردوسيوس الكبير تسعا وأربعين سنة ثم ملك بعده ادقاديوس بقسطنطينيّة وشريكه أويوريوس برومية ثلاث عشرة سنة ثم ملك بعدهما مرقيانوس سبع سنين، وهو الذي بنى دير مارون (2) بحمص ثم ملك بعده واليطيس سنة واحدة ثم ملك بعده لاون الكبير سبع عشرة سنة ثم ملك بعده زيتون ثمان عشرة سنة ثم ملك بعده اسطيسوس سبعا وعشرين سنة، وهو الذي عمر أسوار مدينة حماة ثم ملك بعده بوسيطيتنوس تسع سنين ثم ملك بعده بوسيطيتنوس الثاني ثمانيا وثلاثين سنة ثم ملك بعده طبريوس ثلاث سنين ثم ملك بعده طبريوس الثاني أربع سنين ثم ملك بعده ماريقوس ثمان سنين ثم ملك بعده ماريقوس الثاني، ويقال مرقوس اثنتي عشرة سنة ثم ملك بعده قوقاس ثمان سنين ثم ملك بعده هرقل واسمه بالرومية أوقليس، وهو الذي كتب (3) إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم، يدعوه إلى الإسلام، وكانت الهجرة النبوية في السنة الثانية عشرة من ملكه.
__________
(1) وهو قسطنطين الأول ابن قسطانش الأول والقديسة هيلانة. نودي به امبراطورا سنة 306م وتوفي سنة 337م. وكان لأمه تأثير كبير في ميله إلى المسيحية فأصدر سنة 313م منشور «ميلان» الذي أقر التسامح مع المسيحية ودعا سنة 325م إلى مجمع «نيقية» المشهور، وبهذا أوجد فكرة المجامع الدينية. (الموسوعة العربية الميسرة: 1379).
(2) ويقال له أيضا: دير مرّان. (راجع الروض المعطار: ص 250. ومعجم ما استعجم 2/ 602 ومعجم البلدان: 2/ 533).
(3) وهذا نص كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم: «بسم الله الرحمن الرحيم.
من محمد، عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتّبع الهدى. أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيّين. و «يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون». (الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة ص: 109).(3/480)
قال المسعوديّ: وفي تواريخ أصحاب السير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هاجر وملك الروم قيصر بن قوق (1) (ثم ملك الروم بعده) قيصر بن قيصر، وذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وهو الذي حاربه أمراء الإسلام بالشام واقتلعوا الشام منه.
والذي ذكره في «التعريف» في مكاتبة الأذفونش (2) صاحب طليطلة من ملوك الفرنج بالأندلس أن هرقل الذي هاجر النبيّ صلى الله عليه وسلم في زمنه وكتب إليه لم يكن الملك نفسه، وإنما كان متسلم الشام لقيصر، وقيصر بالقسطنطينيّة لم يرم، وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما كتب لهرقل لأنه كان مجاورا لجزيرة العرب من الشام، وعظيم بصرى كان عاملا له، ويظهر أن قيصر الأخير الذي ذكره هو الذي كان المقوقس عاملا له على مصر. ويقال: إن المقوقس تقبّل مصر من هرقل بتسعة عشر ألف ألف دينار.
واعلم أنه كان الحال يقتضي أن نذكر نوّاب من تقدّم من ملوك الروم واليونان والفرس على مصر، ولكن أصحاب التواريخ لم تعتن بأمر ذلك، فتعذر العلم به. وإذا ذكر الأصل، استغني به عن الفرع.
وذكر القضاعيّ: أنه بعد عمارة مصر من خراب بختنصّر (3) ظهرت الروم
__________
(1) وإليه تنسب الدنانير القوقية. (القاموس 3/ 289).
(2) وهو تعريب لاسم «ألفونس».
(3) وهو «نبوشادنزر» ولي عرش بابل من 605إلى 562ق. م. وغزا بيت المقدس مرتين وخرّبها مرتين، وما أن انتهى من حصاره الأول حتى أغار على مصر. ويخلط المؤرخون العرب في اسم بختنصر بين «نابونصرّ» وبين «نبوشادنزر» المذكور أعلاه. (دائرة المعارف الإسلامية: 6/ 377).(3/481)
وفارس على سائر الملوك التي وسط الأرض فقاتلت الروم أهل مصر ثلاث سنين إلى أن صالحوهم على شيء في كل عام، على أن يكونوا في ذمتهم ويمنعوهم من ملوك فارس، ثم ظهرت فارس على الروم وغلبوهم على الشأم وألحّوا على مصر بالقتال، ثم استقرّ الحال على خراج مصر أن يكون بين فارس والروم في كل عام، وأقاموا على ذلك تسع سنين ثم غلبت الروم فارس وأخرجوهم من الشأم وصار ما صولحت عليه أهل مصر كله خالصا للروم، وجاء الإسلام والأمر على ذلك.
المرتبة الثالثة من وليها في الإسلام: من بداية الأمر إلى زماننا، وهم على ضربين:
الضرب الأول فيمن وليها نيابة، وهو الصدر الأول، وهم على ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى عمّال الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم
قد تقدّم أنها لم تزل بيد الروم والمقوقس عامل عليها إلى خلافة عمر رضي الله عنه، ولم تزل كذلك إلى أن فتحها عمرو بن العاص والزّبير بن العوّام (1) في سنة عشرين من الهجرة، وقيل سنة تسع عشرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووليها (عمرو بن العاص) من قبل عمر، وهو أول من وليها في الإسلام، وبقي عليها إلى سنة خمس وعشرين وبنى الجامع العتيق بالفسطاط ثم وليها عن عثمان بن عفان رضي الله عنه (أبو يحيى العامري (2)) فمكث فيها
__________
(1) كذا في فتح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم والنجوم الزاهرة 1/ 4و 8وتاريخ أبي الفداء. وكان على رأس جيش مقداره اثنا عشر ألفا؟ وهو أول من ارتقى سور المدينة وتبعه الناس. وفي الأصل: «عبد الله بن الزبير» وهو أيضا ممن شهدوا فتح مصر. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 419).
(2) هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح.(3/482)
إحدى عشرة سنة، وتوفي سنة ست (1) وثلاثين ثم (2) وليها عن عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه (قيس بن سعد) الخزرجيّ في أول سنة سبع وثلاثين ثم وليها عنه (مالك بن الحارث النخعيّ) المعروف بالأشتر في وسط سنة سبع وثلاثين، وكتب له عنه عهدا يأتي ذكره في الكلام على العهود إن شاء الله تعالى، فسمّ ومات قبل (3) دخوله إلى مصر ثم وليها عنه (محمد بن أبي بكر الصدّيق) رضي الله عنه في آخر سنة سبع وثلاثين فمكث دون السنة ثم وليها عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه (عمرو بن العاص ثانيا) سنة ثمان وثلاثين خمس سنين، وتوفي بها سنة ثلاث وأربعين ثم (4) وليها عنه (عقبة بن عامر الجهنيّ) في سنة أربع وأربعين فمكث فيها ثلاث سنين وكسرا ثم وليها عنه (مسلمة بن مخلّد الخزرجيّ) سنة سبع وأربعين فمكث فيها خمس عشرة سنة.
الطبقة الثانية عمّال خلفاء بني أميّة بالشام
لما أفضت الخلافة بعد معاوية إلى ابنه يزيد، وليها عنه (سعيد بن يزيد بن علقمة الأزديّ) في سنة اثنتين وستين، فمكث فيها سنتين وكسرا ثم
__________
(1) حسب الزركلي: وفاته سنة 37هـ. (الأعلام: 4/ 88).
(2) حين تكلم الناس بالطعن على عثمان وفد عليه عبد الله بن سعد واستخلف على مصر عقبة بن عامر الجهني، ولكن محمد بن أبي حذيفة وثب على عقبة في شوال سنة 35هـ فأخرجه من الفسطاط ودعا إلى خلع عثمان. وكان ذلك قبل ولاية قيس بن سعد من قبل علي بن أبي طالب. (ولاه مصر: ص 37وما بعدها).
(3) لما ولّى علي الأشتر على مصر حرّض معاوية الجايستار، وهو من أهل الخراج وقيل كان دهقان القلزم، فلقي الأشتر في القلزم وسقاه شربة من عسل جعل فيها سمّا. ولما بلّغ علي خبر موته صاح:
«لليدين وللفم» ولما بلغ معاوية قال: «إن لله جندا من العسل». (دائرة المعارف الإسلامية:
3/ 411).
(4) في «ولاه مصر»: «وليها بعد ولاية عمرو بن العاص الثانية عتبة بن أبي سفيان من قبل أخيه معاوية سنة 43هـ. وكانت ولايته عليها سنة وشهرا استخلف بعده عقبة بن عامر الجهني.(3/483)
وليها عنه (1) (عبد الرحمن الفهريّ) في سنة أربع وستين، وأقرّه على الولاية بعد يزيد ابنه معاوية ثم مروان بن الحكم (2)، فمكث فيها اثنتين وعشرين (3) سنة ثم وليها عن عبد الملك بن مروان (عبد الله بن عبد الملك بن مروان) في أول سنة ست وثمانين، فمكث فيها خمس سنين ثم وليها عنه (قرّة بن شريك) (4) في سنة تسعين، وأقره عليها الوليد بن عبد الملك بعده، فمكث فيها سبع سنين، ثم وليها عن (5) سليمان بن عبد الملك (عبد الملك بن رفاعة) في سنة سبع وتسعين، فمكث فيها ثلاث سنين وكسرا ثم وليها عن عمر بن عبد العزيز (أيوب بن شرحبيل الأصبحي) آخر سنة (6) تسع وتسعين، فمكث فيها سنتين وستة أشهر ثم كانت خلافة يزيد بن عبد الملك فوليها عنه ([بشر (7) بن] صفوان الكلبيّ) سنة إحدى ومائة، فمكث فيها سنتين وستة أشهر أيضا ثم (8)
وليها عن هشام بن عبد الملك (محمد بن عبد الملك) أخو هشام في سنة خمس
__________
(1) قال الكندي: «بعد وفاة يزيد بن معاوية سنة 64هـ. دعا عبد الله بن الزبير لنفسه وبعث بعبد الرحمن ابن جحدم الفهري إلى مصر فوثب على سعيد بن يزيد. ثم وليها عبد الرحمن من قبل عبد الله بن الزبير في نفس السنة. ولما بويع مروان بن الحكم سار إلى مصر فأجمع ابن جحدم على حربه ومنعه، ولكن مروان دخلها في جمادى الأولى سنة 65هـ. فكانت مدة مقام الفهري عليها تسعة أشهر. ثم جعل مروان ولاية مصر لابنه عبد العزيز سنة 65هـ. وبقي فيها عشرين سنة ونيف ويبدو أن القلقشندي قد خلط بين ولايتي الفهري وعبد العزيز بن مروان فنسب المدة التي قضاها الثاني إلى الأول. (راجع. ولاة مصر: ص 63وما بعدها).
(2) قال الكندي: «بعد وفاة يزيد بن معاوية سنة 64هـ. دعا عبد الله بن الزبير لنفسه وبعث بعبد الرحمن ابن جحدم الفهري إلى مصر فوثب على سعيد بن يزيد. ثم وليها عبد الرحمن من قبل عبد الله بن الزبير في نفس السنة. ولما بويع مروان بن الحكم سار إلى مصر فأجمع ابن جحدم على حربه ومنعه، ولكن مروان دخلها في جمادى الأولى سنة 65هـ. فكانت مدة مقام الفهري عليها تسعة أشهر. ثم جعل مروان ولاية مصر لابنه عبد العزيز سنة 65هـ. وبقي فيها عشرين سنة ونيف ويبدو أن القلقشندي قد خلط بين ولايتي الفهري وعبد العزيز بن مروان فنسب المدة التي قضاها الثاني إلى الأول. (راجع. ولاة مصر: ص 63وما بعدها).
(3) قال الكندي: «بعد وفاة يزيد بن معاوية سنة 64هـ. دعا عبد الله بن الزبير لنفسه وبعث بعبد الرحمن ابن جحدم الفهري إلى مصر فوثب على سعيد بن يزيد. ثم وليها عبد الرحمن من قبل عبد الله بن الزبير في نفس السنة. ولما بويع مروان بن الحكم سار إلى مصر فأجمع ابن جحدم على حربه ومنعه، ولكن مروان دخلها في جمادى الأولى سنة 65هـ. فكانت مدة مقام الفهري عليها تسعة أشهر. ثم جعل مروان ولاية مصر لابنه عبد العزيز سنة 65هـ. وبقي فيها عشرين سنة ونيف ويبدو أن القلقشندي قد خلط بين ولايتي الفهري وعبد العزيز بن مروان فنسب المدة التي قضاها الثاني إلى الأول. (راجع. ولاة مصر: ص 63وما بعدها).
(4) كان جبارا صلبا مخوفا. تعاقد نحو مئة من الشراة في الإسكندرية على قتله فعلم بهم فقتلهم جميعا.
استمر في الإمارة بمصر إلى أن مات سنة 96هـ. (ولاة مصر: ص 84والأعلام: 5/ 194).
(5) في ولاة مصر: «ولّاه الوليد بن عبد الملك على شرطه في مصر، ولما استخلف سليمان أقرّه على صلاتها» (المرجع السابق: ص 87).
(6) في الأعلام: 2/ 38، عن النجوم الزاهرة: 1/ 237والولاة والقضاة: 67 «توّلاها أول سنة 98هـ» وفي «ولاة مصر» ص 89: «تولاها في ربيع الأول سنة 99هـ.».
(7) الزيادة عن تاريخ مصر لابن عبد الحكم وتاريخ مصر وولاتها للكندي والنجوم الزاهرة: 1/ 244 وخطط المقريزي. (هامش الطبعة الأميرية 3/ 420).
(8) قال في «ولاة مصر» ص 93: «ثم وليها حنظلة بن صفوان باستخلاف أخيه بشر له عليها، فأقرّه يزيد ابن عبد الملك». وهي ولايته الأولى.(3/484)
ومائة، فمكث فيها أشهرا ثم وليها عنه (عبد الله بن يوسف الثقفيّ) في ذي الحجة سنة خمس ومائة، فمكث فيها أربع سنين وستة أشهر ثم (1) وليها عنه (عبد الملك [بن رفاعة ثانيا]) (2) في سنة تسع ومائة وعزل فيها ثم وليها عنه (الوليد) أخو عبد الملك [بن رفاعة] (3) في سنة تسع المذكورة، فمكث فيها عشر سنين وكسرا، وتوفّي سنة تسع عشرة ومائة ثم وليها عنه (عبد الرحمن الفهري (4)) ثانيا (5) في آخر سنة تسع عشرة ومائة، فأقام بها سبعة أشهر، ثم وليها عنه (حنظلة) بن صفوان ثانيا (6) في سنة عشرين ومائة، فمكث فيها سنين وكسرا وعزل ثم (7) وليها عن مروان بن محمد الجعديّ فوليها عنه ([حسان بن] (8)
عتابة (9) التّجيبي) سنة سبع وعشرين ومائة، فمكث فيها خمس (10) سنين أو دونها ثم وليها عنه (حفص بن الوليد) (11) سنة ثمان وعشرين ومائة، فمكث فيها ثلاث (12) سنين وستة أشهر ثم وليها عنه (الفزاريّ) (13) سنة أحدى وثلاثين ومائة،
__________
(1) في «ولاة مصر» ص 96: «ثم وليها حفص بن الوليد من قبل هشام بن عبد الملك».
(2) الزيادة عن تاريخ مصر وولاتها للكندي، والنجوم الزاهرة وخطط المقريزي.
(3) الزيادة عن تاريخ مصر وولاتها للكندي، والنجوم الزاهرة وخطط المقريزي.
(4) في «ولاة مصر» ص 101: «عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي» وهو غير عبد الرحمن الفهري المذكور سابقا وبالتالي يكون لفظ «ثانيا» في غير محلّه.
(5) في «ولاة مصر» ص 101: «عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي» وهو غير عبد الرحمن الفهري المذكور سابقا وبالتالي يكون لفظ «ثانيا» في غير محلّه.
(6) لم يذكر أن حنظلة كان أميرا على مصر فيما سبق. (راجع هامش 6في الصفحة السابقة).
(7) في «ولاة مصر» ص: 104: «ثم وليها حفص بن الوليد باستخلاف حنظلة على الصلاة، فأقرّه هشام عليها». وهي ولايته الثانية بعد الأولى التي لم يذكرها القلقشندي. والملاحظة أن عبارة «عن مروان ابن محمد الجعدي» غير مستقيمة في سياق الجملة. والأرجح أن جملة: «ثم كانت خلافة مروان بن محمد الجعدي» قد سقطت من قلم الناسخ.
(8) الزيادة من قبل مصحح الطبعة الأميرية عن تاريخ مصر وولاتها للكندي والنجوم الزاهرة 1/ 300 وخطط المقريزي.
وفي «ولاة مصر»: «حسان بن عتاهية». وقد ضبط محقق طبعة «ولاة مصر» الاسم عن نفس المصادر المشار إليها في الطبعة الأميرية، بالإضافة إلى «حسن المحاضرة». وحسب الكندي في ولاة مصر فإن ولاية حسان، لم تتجاوز ستة عشر يوما.
(9) الزيادة من قبل مصحح الطبعة الأميرية عن تاريخ مصر وولاتها للكندي والنجوم الزاهرة 1/ 300 وخطط المقريزي.
وفي «ولاة مصر»: «حسان بن عتاهية». وقد ضبط محقق طبعة «ولاة مصر» الاسم عن نفس المصادر المشار إليها في الطبعة الأميرية، بالإضافة إلى «حسن المحاضرة». وحسب الكندي في ولاة مصر فإن ولاية حسان، لم تتجاوز ستة عشر يوما.
(10) الزيادة من قبل مصحح الطبعة الأميرية عن تاريخ مصر وولاتها للكندي والنجوم الزاهرة 1/ 300 وخطط المقريزي.
وفي «ولاة مصر»: «حسان بن عتاهية». وقد ضبط محقق طبعة «ولاة مصر» الاسم عن نفس المصادر المشار إليها في الطبعة الأميرية، بالإضافة إلى «حسن المحاضرة». وحسب الكندي في ولاة مصر فإن ولاية حسان، لم تتجاوز ستة عشر يوما.
(11) وهي ولايته الثالثة، وليها كرها ثم عزله مروان بن محمد سنة 128هـ. وبالتالي فإن ولايته هذه لم تتجاوز السنة على أبعد تقدير. (ولاة مصر: ص 109و 110).
(12) وهو المغيرة بن عبيد الله. وقد ذكر الكندي في ولاة مصر أن الحوثرة بن سهيل الباهلي (الذي أغفل ذكره القلقشندي) كان قد وليها عن مروان بن محمد قبل الفزاري وذلك سنة 128هـ. وبقي فيها حتى سنة 131هـ وهي سنة ولاية الفزاري. (المرجع السابق: ص 110وما بعدها).
(13) وهو المغيرة بن عبيد الله. وقد ذكر الكندي في ولاة مصر أن الحوثرة بن سهيل الباهلي (الذي أغفل ذكره القلقشندي) كان قد وليها عن مروان بن محمد قبل الفزاري وذلك سنة 128هـ. وبقي فيها حتى سنة 131هـ وهي سنة ولاية الفزاري. (المرجع السابق: ص 110وما بعدها).(3/485)
فمكث فيها سنة واحدة ثم وليها عنه (عبد الملك بن مروان) مولى لخم سنة إحدى (1) وثلاثين ومائة، وهو آخر من وليها عن بني أمية.
الطبقة الثالثة عمّال خلفاء بني العبّاس بالعراق
أول من وليها في الدولة العباسية عن أبي العبّاس السفّاح: أوّل خلفائهم، (صالح بن عليّ) بن عبد الله بن عباس سنة ثلاث وثلاثين ومائة، فمكث فيها أشهرا قلائل ثم وليها عنه (عبد الملك) (2) مولى بني أسد آخر سنة ثلاث وثلاثين ومائة، فمكث فيها ثلاث سنين ثم وليها عنه (صالح بن عليّ) ثانيا في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة. ثم وليها عن أبي جعفر المنصور (عبد الملك) سنة تسع وثلاثين ومائة، فمكث فيها ثلاث سنين ثم وليها عنه (النّقيب التميميّ) (3) سنة إحدى وأربعين ومائة، فمكث فيها سنتين (4) ثم وليها عنه (حميد الطائيّ: (5) سنة ثلاث وأربعين ومائة، فمكث فيها سنة واحدة ثم وليها عنه (يزيد المهلّبيّ) (6) سنة أربع وأربعين ومائة، فمكث فيها تسع سنين ثم وليها عنه (عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية) سنة اثنتين وخمسين ومائة، فمكث فيها سنتين وستة أشهر ثم وليها عنه (محمد بن عبد الرحمن بن معاوية) سنة أربع وخمسين ومائة، فمكث فيها سنة واحدة ثم وليها عنه (موسى بن علي اللخميّ)
__________
(1) في ولاة مصر ص: 116: «سنة 132هـ في جمادى الآخرة».
(2) وهو عبد الملك بن يزيد، مولى هناءة من الأزد. (المرجع السابق ص: 123).
(3) وهو موسى بن كعب من تميم ولم يكمل السنة، كما جاء في «ولاة مصر» ووليها بعده محمد بن الأشعث الخزاعي الذي بقي فيها حتى ولاية حميد الطائي. ويبدو أن القلقشندي أغفل ذكر ابن الأشعث وضمّ مدة ولايته إلى النقيب التميمي.
(4) وهو موسى بن كعب من تميم ولم يكمل السنة، كما جاء في «ولاة مصر» ووليها بعده محمد بن الأشعث الخزاعي الذي بقي فيها حتى ولاية حميد الطائي. ويبدو أن القلقشندي أغفل ذكر ابن الأشعث وضمّ مدة ولايته إلى النقيب التميمي.
(5) وهو حميد بن قحطبة الطائي.
(6) هو يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلّب بن أبي صفرة. وفي ولايته ظهرت دعوة بني حسن بن علي بمصر وتكلم بها الناس وبايع كثير منهم لعلي بن محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن، وهو أول علوي قدم مصر. (ولاة مصر: 133).(3/486)
في سنة خمس وخمسين ومائة، فمكث فيها سنتين وستة أشهر.
ثو وليها عن المهدي (عيسى الجمحيّ) (1) سنة إحدى وستين ومائة، فمكث فيها سنة واحدة ثم وليها عنه (واضح) (2) مولى المنصور في سنة اثنتين وستين ومائة ثم وليها عنه (زيد بن منصور) (3) الحميري في وسط سنة اثنتين وستين ومائة ثم وليها عنه (يحيى أبو صالح) (4) في ذي الحجة من السنة المذكورة ثم وليها عنه (سالم بن سوادة التميميّ) سنة أربع وستين ومائة ثم وليها عنه (إبراهيم العباسيّ) (5) في سنة خمس وستين ومائة ثم وليها عنه (معين الدين ختهم) (6) في سنة ست (7) وستين ومائة.
ثم وليها عن الهادي (أسامة بن عمرو العامري) (8) في سنة ثمان وستين ومائة، ثم وليها عنه (الفضل بن صالح العباسيّ) في سنة تسع وستين ومائة ثم وليها عنه (على بن سليمان العباسيّ) آخر السنة المذكورة.
ثم وليها عن الرشيد (موسى العباسي) (9) في سنة اثنتين وسبعين ومائة ثم (10) وليها عنه (محمد بن زهير) الأزدي سنة ثلاث وسبعين ومائة ثم وليها عنه
__________
(1) كذا في تاريخ مصر وولاتها للكندي والنجوم الزاهرة 2/ 37والخطط: 1/ 307وحسن المحاضرة 2/ 10. وفي الأصل: «اللخمي».
(2) كذا في المراجع السابقة، وفي الأصل: «أصبح».
(3) في المراجع السابقة، و «ولاة مصر» ص 144: «وليها بعد واضح منصور بن يزيد بن منصور الرعيني سنة 162هـ. وبقي في ولايته شهرين وثلاثة أيام.
(4) هو يحيى بن داوود الخرسي الشهير بابن ممدود. (ولاة مصر: 144).
(5) وهو إبراهيم بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس.
(6) في «ولاة مصر» ص: 148: «موسى بن مصعب الخثعمي في ذي الحجة سنة 167هـ.».
(7) في «ولاة مصر» ص: 148: «موسى بن مصعب الخثعمي في ذي الحجة سنة 167هـ.».
(8) في «ولاة مصر» ص: 151: «عسّامة بن عمرو المعافري» وكذلك في خطط المقريزي 1/ 308 والنجوم الزاهرة 2/ 57ولم يذكره في حسن المحاضرة.
(9) هو موسى بن عيسى بن موسى العباسي. وكانت ولايته على مصر سنة واحدة وخمسة أشهر ونصفا.
(ولاة مصر: ص 155، 156).
(10) في «ولاة مصر» ص 156وكذلك في المقريزي 1/ 308والنجوم الزاهرة 2/ 71وحسن المحاضرة 2/ 10: «بعد موسى العباس، وليها مسلمة بن يحيى البجلي عن الرشيد وذلك سنة 172هـ» وقد أغفل القلقشندي ذكره.(3/487)
داود بن يزيد المهلبي سنة أربع وسبعين ومائة ثم وليها عنه (موسى بن عيسى العباسي) (1) سنة خمس وسبعين ومائة ومات بها ثم وليها عنه (عبد الله بن المسيب الضبيّ) (2) في أول سنة سبع وسبعين ومائة ثم (3) وليها عنه (هرثمة بن أعين) سنة ثمان وسبعين ومائة ثم وليها عنه (عبد الملك العباسيّ) في سلخ ذي الحجة من السنة المذكورة ثم وليها عنه (عبيد الله بن المهديّ العباسيّ) في سنة تسع وسبعين ومائة ثم وليها عنه (موسى بن عيسى) (4) التّنوخيّ في آخر سنة ثمانين ومائة، ثم وليها عنه (عبيد الله بن المهديّ) ثانيا سنة إحدى وثمانين ومائة ثم وليها عنه (إسماعيل بن صالح) في آخر السنة المذكورة ثم وليها عنه (إسماعيل بن عيسى بن موسى) (5) سنة اثنتين وثمانين ومائة ثم وليها عنه (الليث البيورديّ) في آخر السنة المذكورة ثم وليها عنه (أحمد بن إسماعيل) في آخر سنة تسع (6) وثمانين ومائة ثم وليها عنه (عبد الله بن محمد العباسيّ) المعروف بابن زينب في سنة تسعين (7) ومائة ثم وليها (8) عنه (مالك بن دلهم الكلبيّ) سنة اثنتين وتسعين ومائة ثم وليها عنه أو عن الأمين (الحسين بن
__________
(1) هو نفسه موسى العباسي المذكور أعلاه، وهي ولايته الثانية.
(2) في «ولاة مصر»: «وليها قبله إبراهيم بن صالح العباسي في ولايته الثانية.
(3) في «ولاة مصر» ص: 160والمقريزي: 1/ 309والنجوم الزاهرة 2/ 87وحسن المحاضرة 2/ 11: «وليها إسحاق بن سليمان قبل هرثمة بن أعين وذلك في مستهل رجب سنة 177هـ».
(4) وهي ولايته الثالثة.
(5) كذا في تاريخ مصر وولاتها للكندي والنجوم الزاهرة وخطط المقريزي وتاريخ الطبري وولاة مصر.
وفي الأصل: «سمية بن عيسى بن إسماعيل» (راجع هامش الطبعة الأميرية: 3/ 422).
(6) في ولاة مصر: ص 167: «سنة سبع وثمانين ومائة».
(7) في «ولاة مصر»: ص 168: «وليها عبد الله بن محمد العباسي فاستخلف عليها لهيعة بن عيسى الحضرمي إلى يوم السبت للنصف من شوال سنة 189هـ. ثم صرف عنها سنة 190هـ.».
(8) في «ولاة مصر» ص 198، كما في المقريزي 1/ 309والنجوم الزاهرة 2/ 134وحسن المحاضرة:
2/ 11: «وليها الحسين بن جميل» وذلك قبل مالك بن دلهم المذكور.(3/488)
الحجاج) (1) سنة ثلاث وتسعين ومائة.
ثم وليها عن الأمين (حاتم بن هرثمة بن أعين) سنة خمس وتسعين ومائة ثم وليها عنه (عباد أبو نصر) (2) مولى كندة سنة ست وتسعين ومائة، ثم وليها عنه أو عن المأمون (المطّلب بن عبد الله الخزاعي) سنة ثمان وتسعين ومائة.
ثم وليها عن المأمون (العباس بن موسى) سنة ثمان وتسعين ومائة ثم وليها عنه (المطلب بن عبد الله) ثانيا في سنة تسع وتسعين ومائة ثم وليها عنه (السريّ بن الحكم) في سنة مائتين ثم وليها عنه (سليمان بن غالب) في سنة إحدى ومائتين ثم وليها (3) عنه (أبو نصر محمد بن السريّ) في سنة خمس ومائتين ثم وليها عنه (عبيد الله) (4) في سنة ست ومائتين ثم وليها عنه (عبد الله بن طاهر) مولى خزاعة في سنة عشر ومائتين وهو أول من جلب البطّيخ الخراسانيّ المعروف بالعبدليّ من خراسان إلى مصر فنسب إليه ثم وليها عنه (عيسى الجلّوديّ) في سنة ثلاث عشرة ومائتين ثم وليها عنه (عمرو (5) بن الوليد التميميّ) في سنة أربع عشرة ومائتين ثم وليها عنه (عيسى الجلّوديّ) ثانيا في آخر السنة المذكورة ثم وليها عنه (عبدويه بن جبلة) في سنة خمس عشرة ومائتين ثم وليها عنه (عيسى بن منصور) مولى بني نصر في سنة ستّ عشرة ومائتين.
__________
(1) «في ولاة مصر»: «الحسن بن التختاخ».
(2) هو عباد بن محمد بن حيّان. وذكر الكندي في ولاة مصر أن جابر بن الأشعث الطائي وليها قبل عباد هذا وبعد حاتم بن هرثمة.
(3) في «ولاة مصر» ص 191: بعد سليمان بن غالب وقبل أبي نصر محمد بن السّريّ، وليها السّري بن الحكم في ولاية ثانية.
(4) عبيد الله بن السّريّ. (المرجع السابق).
(5) في ولاة مصر: ص: 209والمقريزي 1/ 311والنجوم الزاهرة 2/ 207وحسن المحاضرة 2/ 12:
«عمير بن الوليد».(3/489)
وفي هذه السنة دخل المأمون مصر وفتح الهرم.
ثم وليها عن المعتصم بالله (1) المسعوديّ في أول سنة تسع عشرة ومائتين ثم وليها عنه (المظفّر بن كيدر) في وسط السنة المذكورة أشهرا قلائل ثم وليها عنه (موسى بن أبي العباس) (2) في آخر السنة المذكورة ثم وليها عنه (مالك (3) بن كيدر) في سنة أربع وعشرين ومائتين ثم وليها عنه (عليّ بن يحيى) في سنة ست وعشرين ومائتين.
ثم وليها عن الواثق بالله (عيسى بن منصور الجلّودي) ثانيا (4) في سنة تسع وعشرين ومائتين ثم (5) وليها عن المتوكل (6) (عليّ بن يحيى) ثانيا في سنة أربع وثلاثين ومائتين ثم وليها عنه (إسحاق الختليّ) في سنة خمس وثلاثين ومائتين ثم وليها عنه (7) (خزاعة) (8) في سنة ست وثلاثين ومائتين، ثم وليها عنه (9)
(عنبسة (10) الضّبيّ) في سنة ثمان وثلاثين ومائتين ثم وليها عنه (يزيد بن عبد الله) في سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وأقرّه عليها بعده المنتصر بالله، ثم المستعين بالله.
ثم وليها عن المستعين (11) بالله (مزاحم بن خاقان) في سنة ثلاث وخمسين
__________
(1) بياض في الأصل. والذي في «ولاة مصر» ص 217: «ثم وليها كيدر، نصر بن عبد الله» من قبل المأمون.
(2) كذا في «ولاة مصر» والنجوم الزاهرة 2/ 231والمقريزي. وفي الأصل: «أبو العباس الحمقي».
(3) كذا في المراجع السابقة. وفي الأصل: «مبارك».
(4) كذا في المراجع السابقة: وفي الأصل: «ثالثا.».
(5) في «ولاة مصر» ص 222: جاء بعد عيسى بن منصور الجلّودي هرثمة بن النضر الجبلي ثم حاتم بن هرثمة بن النضر ثم وليها علي بن يحيى المذكور، في ولايته الثانية.
(6) كذا في «ولاة مصر». وفي الأصل: «عن الواثق» (راجع هامش الطبعة الأميرية: 3/ 424).
(7) في «ولاة مصر» ص 225: «ثم وليها عن المنتصر خوط عبد الواحد بن يحيى».
(8) في «ولاة مصر» ص 225: «ثم وليها عن المنتصر خوط عبد الواحد بن يحيى».
(9) في «ولاة مصر» ص 225: «ثم وليها عن المنتصر خوط عبد الواحد بن يحيى».
(10) في «ولاة مصر» ص 226: «وليها عن المنتصر» وفي الأصل: «عقبة الضبي». (راجع أيضا هامش الطبعة الأميرية: 3/ 424).
(11) في «ولاة مصر» ص 234: «وليها عن المعتز»(3/490)
ومائتين ثم وليها عنه (أحمد بن مزاحم) في سنة أربع وخمسين ومائتين وأقرّه عليها المهتدي بالله (1).
الضرب الثاني من وليها ملكا، وهم على أربع طبقات:
الطبقة الأولى من وليها عن بني العبّاس قبل دولة الفاطميين
وأوّلهم: (أحمد بن طولون) وليها عن (2) عن المعتمد في سنة ست وستين (3) ومائتين، وعمر بها جامعه المتقدّم ذكره في خطط الفسطاط وفي أيامه عظمت نيابة مصر وشمخت إلى الملك وهو أول من جلب المماليك الترك إلى الديار المصرية واستخدمهم في عسكرها.
وأقرّه المعتضد (4) بالله بعد المعتمد، وبقي بها حتى مات (5)، فوليها عن المعتضد (6) (خمارويه بن أحمد بن طولون) في أول سنة اثنتين وثمانين (7)
__________
(1) ثم استخلف أحمد بن مزاحم «أزجور» التركي. وبقي فيها إلى ذي القعدة سنة 254هـ. (ولاة مصر: ص 238237).
(2) في «ولاة مصر»: ص 239وما بعدها: «وليها أحمد بن طولون أول مرة من قبل المعتز وذلك سنة 254هـ. ثم خلع المعتز سنة 255هـ. وبويع المهتدي بن الواثق الذي أقر أحمد بن طولون على ولايته. وتوفي المهتدي سنة 256هـ فبويع بعده المعتمد بن المتوكل، فأقر أحمد بن طولون عليها».
(3) في «ولاة مصر»: ص 239وما بعدها: «وليها أحمد بن طولون أول مرة من قبل المعتز وذلك سنة 254هـ. ثم خلع المعتز سنة 255هـ. وبويع المهتدي بن الواثق الذي أقر أحمد بن طولون على ولايته. وتوفي المهتدي سنة 256هـ فبويع بعده المعتمد بن المتوكل، فأقر أحمد بن طولون عليها».
(4) كانت وفاة أحمد بن طولون سنة 270هـ. وقد جاء المعتضد بالله بعد المعتمد المتوفى سنة 279 هـ. فلا يعقل أن يكون المعتضد قد أقر أحمد بن طولون.
(5) وقد خلف ابن طولون في خزائنه عشرة آلاف ألف دينار، وسبعة آلاف مملوك وأربعة وعشرين ألف غلام وسبعة آلاف رأس من الخيل الميدانية وستة آلاف رأس من البغال والحمير. ومن الدواب لخاصته ثلاثمائة ومن مراكبه الجياد مائة، وكان ما يدخل إلى خزائنه في كل سنة بعد مصاريفه ألف ألف دينار (المؤرخ ابن تغري بردي: مجموعة ابحاث. ص 42).
(6) جاء خمارويه مباشرة بعد وفاة والده أحمد بن طولون أي سنة 270هـ. وقد أقرّه على ولاية مصر والشام المعتمد العباسي. واستمر خمارويه في ولاية مصر إلى سنة 282هـ. عند ما قتله جنده في شهر ذي القعدة وقد ذكر في النجوم الزاهرة: 3/ 5251 «وكتب الموفق أخو الخليفة المعتمد لخمارويه بولايته على مصر والشام جميعه والثغور ثلاثين سنة، وقدم بالكتاب بعض خدام الموفق الى الشام في رجب وعرّفه الخادم أن الكتاب كتبه الخليفة المعتمد وأخوه الموفق وابنه بأيديهم تعظيما لخمارويه». (راجع ولاة مصر: ص 258والمؤرخ ابن تغري بردي: مجموعة أبحاث ص 46وهامش الطبعة الأميرية: 3/ 425).
(7) جاء خمارويه مباشرة بعد وفاة والده أحمد بن طولون أي سنة 270هـ. وقد أقرّه على ولاية مصر والشام المعتمد العباسي. واستمر خمارويه في ولاية مصر إلى سنة 282هـ. عند ما قتله جنده في شهر ذي القعدة وقد ذكر في النجوم الزاهرة: 3/ 5251 «وكتب الموفق أخو الخليفة المعتمد لخمارويه بولايته على مصر والشام جميعه والثغور ثلاثين سنة، وقدم بالكتاب بعض خدام الموفق الى الشام في رجب وعرّفه الخادم أن الكتاب كتبه الخليفة المعتمد وأخوه الموفق وابنه بأيديهم تعظيما لخمارويه». (راجع ولاة مصر: ص 258والمؤرخ ابن تغري بردي: مجموعة أبحاث ص 46وهامش الطبعة الأميرية: 3/ 425).(3/491)
ومائتين، وقتله جنده في السنة المذكورة ثم وليها عنه (جيش بن خمارويه) في سنة ثلاث (1) وثمانين ومائتين وقتله (2) جنده في السنة المذكورة ثم وليها عنه (هارون بن خمارويه) في آخر سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وقتل في سنة اثنتين وتسعين.
ثم وليها عن المكتفي بالله (شيبان بن أحمد بن طولون) في سنة اثنتين وتسعين ومائتين فبقي اثني عشر يوما وعزل (3) ثم وليها عنه (محمد بن سليمان الواثقي) في آخر سنة اثنتين وتسعين ومائتين، ثم وليها عنه أو عن المقتدر بالله (عيسى النّوشريّ) في سنة خمس (4) وتسعين ومائتين.
ثم وليها عن المقتدر بالله (أبو منصور تكين) في سنة سبع وتسعين ومائتين وعزل ثم وليها عنه (أبو الحسن (5)) في سنة ثلاث وثلاثمائة وعزل، ثم وليها عنه (أبو منصور تكين) ثانيا سنة سبع وثلاثمائة وعزل ثم وليها عنه (هلال) (6) سنة تسع وثلاثمائة ثم وليها عنه (أحمد بن كيغلغ) في سنة إحدى عشرة وثلاثمائة ثم
__________
(1) في «ولاة مصر» ص 265 «سنة اثنتين وثمانين».
(2) قال الكندي في «ولاة مصر» ص 266أنه خلع سنة 283هـ. ثم سجن ومات بعد أيام. أما ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة فيذكر ثلاث روايات مختلفة عن موته. (راجع ابن تغري بردي: مجموعة أبحاث. ص 5049).
(3) وبذلك سقطت الدولة الطولونية في مصر والشام وعادت إمارة مصر إلى سلطة بغداد عمليا عند ما دخل محمد بن سليمان الواثقي الفسطاط فاتحا ودعا على المنبر لأمير المؤمنين المكتفي بالله.
(المرجع السابق. ص 54وولاة مصر ص 271).
(4) في «ولاة مصر» ص 278والمقريزي 1/ 327والنجوم الزاهرة: 3/ 144وحسن المحاضرة 2/ 12 «سنة اثنتين وتسعين ومئتين».
(5) ويسمى: ذكا الأعور (المرجع السابق).
(6) وهو هلال بن بدر (ولاة مصر: 296).(3/492)
وليها عنه (أبو منصور تكين) ثالث مرة في السنة المذكورة.
ثم وليها عن القاهر بالله (محمد بن طغج) في سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. ثم وليها عنه (أحمد بن كيغلغ) ثانيا في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.
وأقره عليها المكتفي ثم المستكفي بالله بعده.
ثم وليها عن المطيع لله (أبو القاسم الإخشيد) (1) في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، ثم وليها عنه (علي بن الإخشيد) سنة تسع وثلاثين (2) وثلاثمائة ثم وليها عنه (كافور الإخشيدي) الخادم في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وكان يحب العلماء والفقهاء، ويكرمهم، ويتعاهدهم بالنّفقات، ويكثر الصدقات حتّى استغنى الناس في أيامه، ولم يجد أرباب الأموال من يقبل منهم الزكاة فرفعوا أمر ذلك إليه فأمرهم أن يبتنوا بها المساجد ويتخذوا لها الأوقاف ففعلوا ثم وليها عنه (أحمد بن علي الإخشيد) في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، وهو آخر من وليها من العمّال عن خلفاء بني العباس بالعراق.
الطبقة الثانية من وليها من الخلفاء الفاطميين المعروفين بالعبيدييّن
أول من وليها منهم (المعزّ لدين الله أبو تميم معدّ بن تميم بن إسماعيل بن محمد بن عبيد الله المهديّ) وإليه ينسبون، جهز إليها قائده جوهرا، من بلاد المغرب إلى الديار المصرية ففتحها في شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة على ما تقدّم في الكلام على قواعد الديار المصرية وانقطعت الخطبة العباسية منها ورحل المعزّ من المغرب إلى مصر فوصل إليها ودخل قصره بالقاهرة في سابع رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وصارت مصر والمغرب مملكة واحدة، وبلاد المغرب نيابة من مصر. وتوفّي ثالث ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاثمائة.
__________
(1) بين ولاية الإخشيد وولاية أحمد بن كيغلغ الثانية كان هنا لك على التوالي: محمد بن تكين ثم أحمد بن كيغلغ في ولاية ثالثة ثم محمد بن طغج في ولاية ثانية. (ولاة مصر: ص 301إلى 310).
(2) في جميع المراجع السابقة: «سنة تسع وأربعين وثلاثمائة).(3/493)
ثم ولي بعده ابنه (العزيز بالله أبو المنصور) يوم وفاة أبيه، وإليه ينسب الجامع العزيزيّ بمدينة بلبيس، وتوفّي بالحمّام في بلبيس ثامن رمضان المعظّم قدره سنة ست وثمانين وثلاثمائة.
ثم ولي بعده ابنه (الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور) ليلة وفاة أبيه، وبنى الجامع الحاكميّ في سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وهو يومئذ خارج سور القاهرة، وفارق مصر وخرج إلى الجبل المقطم فوجدت ثيابه مزرّرة الأطواق وفيها آثار السكاكين ولا جثّة فيها، وذلك في سلخ شوّال سنة إحدى عشرة وأربعمائة ولم يشكّ في قتله. والدّرزيّة من المبتدعة يعتقدون أنه حيّ وأنه سيرجع ويعود على ما سيأتي في الكلام على أيمانهم وتحليفهم إن شاء الله تعالى.
ثم ولي بعده ابنه (الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن عليّ) وبقي حتّى توفي في شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة.
ثم ولي بعده ابنه (المستنصر بالله أبو تميم معدّ) بعد وفاة أبيه. وفي أيامه جدّد سور القاهرة الكبير في سنة ثمانين وأربعمائة. وتوفي في ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة. وفي أيامه كان الغلاء الذي لم يعهد مثله، مكث سبع سنين حتّى خربت مصر، ولم يبق بها إلا صبابة من الناس على ما تقدّم في سياقة الكلام على زيادة النيل.
ثم ولي بعده ابنه (المستعلي بالله) أبو القاسم أحمد يوم وفاة أبيه. وتوفّي لسبع عشرة ليلة خلت من صفر سنة خمس وتسعين وأربعمائة.
ثم ولي بعده (الآمر بأحكام الله أبو عليّ المنصور) في يوم وفاة المستعلي، وقتل بجزيرة مصر في الثالث من ذي القعدة سنة خمس (1) وعشرين وخمسمائة.
ثم ولي بعده ابن عمه (الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد الحميد بن الآمر
__________
(1) في الأعلام: 7/ 297وفي الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي: 312كانت وفاته سنة 524هـ.
وذلك أن بعض الباطنية (الفداوية) اعترضوه وهو مار على جسر الروضة فضربوه بسيوفهم فمات بعد ساعات. ولا عقب له.(3/494)
أبي القاسم محمد) يوم وفاة الآمر. وتوفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة.
ثم ولي بعده (الظافر بأمر الله إسماعيل) رابع جمادى الآخرة سنة أربعين (1) وخمسمائة.
ثم ولي بعده ابنه (الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى) صبيحة وفاة أبيه.
وتوفي في سابع عشر شهر رجب الفرد سنة خمس وخمسين وخمسمائة.
ثم ولي بعده (ابنه العاضد لدين الله أبو محمد عبد الله بن يوسف) يوم وفاة الفائز. وتوفّي يوم عاشوراء سنة أربع (2) وستين وخمسمائة بعد أن قطع السلطان صلاح الدين خطبته بالديار المصرية وخطب للخلفاء العبّاسيين ببغداد قبل موته، وهو آخر من ولي منهم.
الطبقة الثالثة ملوك بني أيّوب
وهم وإن كانوا يدينون بطاعة خلفاء بني العبّاس فهم ملوك مستقلّون وفي دولتهم زاد ارتفاع قدر مصر وملكها.
أوّل من ملك مصر منهم الملك الناصر (صلاح الدين يوسف بن أيّوب) كان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام رحمه الله قد جهّزه صحبة عمه أسد الدين شيركوه إلى الديار المصرية حين استغاث به أهل مصر في زمن العاضد الفاطميّ المتقدّم ذكره لغلبة الفرنج عليهم ثلاث مرّات انتهى الحال في آخرها إلى أنّ السلطان صلاح الدين وثب على شاور وزير العاضد المذكور فقتله وتقلد عمّه أسد الدين شيركوه الوزارة مكانه عن العاضد، وكتب له بذلك عهد من إنشاء القاضي الفاضل، فأقام فيها مدّة قريبة ومات، ففوّض العاضد الوزارة مكانه للسلطان صلاح الدين وكتب له عهد من إنشاء القاضي الفاضل أيضا، وبقي في الوزارة حتّى ضعف العاضد وطال ضعفه فقطع السلطان صلاح
__________
(1) الواضح أن ولايته بدأت سنة 544هـ. وقد قتل غيلة في القاهرة سنة 549هـ. (الأعلام 1/ 319).
(2) في الأعلام: 4/ 147 «في مولده خلاف. غير أن وفاته ثابتة في سنة 567هـ».(3/495)
الدين الخطبة للعاضد، وخطب للخليفة العباسيّ ببغداد بأمر الملك العادل صاحب الشام، ثم مات العاضد عن قريب فاستقلّ السلطان صلاح الدين بالسلطنة بمصر وقوي جأشه، وثبتت في الدولة قدمه. وتوفي بدمشق في سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وكانت مدّة ملكه بالديار المصرية أربعا وعشرين سنة وملكه الشام تسع عشرة سنة، ثم ملك بعده مصر ابنه (الملك العزيز) وملك معها دمشق وسلّمها إلى عمه العادل أبي بكر في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وتفرّقت بقية الممالك الشامية بيد بني عمه من بني أيوب (1) ملك مصر والشام جميعا في ربيع الأول سنة ست وتسعين وخمسمائة وتوفي بدمشق سنة خمس عشرة وستمائة.
ثم ملك بعده ابنه (الملك الكامل) عقيب وفاة أبيه المذكور، وهو أوّل من سكن قلعة الجبل بعد قصر الفاطميين بالقاهرة على ما تقدّم ذكره في الكلام على القلعة، واستمرّ في ذلك عشرين سنة، وفتح حرّان وديار بكر، وكان الفرنج قد استعادوا بعض ما فتحه السلطان صلاح الدين من ساحل الشام وكتب الهدنة بينه وبين الفرنج في سنة ست وعشرين وستمائة على أن يكون بأيدي الفرنج القلاع والنواحي التي ملكوها بعد فتح السلطان صلاح الدين، وهي جبلة (2)، وبيروت وصيدا، وقلعة الشقيف (3)، وقلعة تبنين (4)، وقلعة هواين (5)، وإسكندرية وقلعة صفد، وقلعة الطور (6) واللجون (7)، وقلعة كوكب (8) ومجدل (9) يافا، ولدّ،
__________
(1) الظاهر أن جزءا من هذه الفقرة قد سقط سهوا إذ أن الكلام يجري على المنصور بن العزيز الذي تولى الملك بعد موت أبيه سنة 595هـ (حسب الأعلام والخطط التوفيقية، بخلاف ما يذكره القلقشندي) وتوفي سنة 615هـ. (الخطط التوفيقية: 1/ 73والأعلام: 6/ 261) وفي تاريخ وفاته خلاف. إذ ذكر الزركلي عن مراجعه أن وفاته كانت سنة 620هـ.
(2) قلعة مشهورة بساحل الشام من أعمال حلب قرب اللاذقية. (معجم البلدان: 2/ 105).
(3) قلعة مشهورة بساحل الشام من أعمال حلب قرب اللاذقية. (معجم البلدان: 2/ 105).
(4) الشقيق وتبنين قلعتان في جنوبي لبنان، الأولى في بنت جبيل والثانية في قضاء النبطية.
(5) لم نعثر على هواين في المعاجم التي بين أيدينا، ولعلها «هونين» التي قال عنها ياقوت إنها من جبال عاملة في لبنان مطلة على مصر (كذا). والصحيح انها من جبال عاملة أو شمالي فلسطين وتطل على الأراضي الفلسطينية. وهي اليوم تحت الاحتال الإسرائيلي.
(6) الطور اسم جبل بعينه مطل على طبريا الأردن. واللجون بلد بالأردن بينه وبين طبريا عشرون ميلا، وقلعة كوكب على الجبل المطل على مدينة طبريا. (معجم البلدان: 4/ 47، 494و 5/ 13).
(7) الطور اسم جبل بعينه مطل على طبريا الأردن. واللجون بلد بالأردن بينه وبين طبريا عشرون ميلا، وقلعة كوكب على الجبل المطل على مدينة طبريا. (معجم البلدان: 4/ 47، 494و 5/ 13).
(8) الطور اسم جبل بعينه مطل على طبريا الأردن. واللجون بلد بالأردن بينه وبين طبريا عشرون ميلا، وقلعة كوكب على الجبل المطل على مدينة طبريا. (معجم البلدان: 4/ 47، 494و 5/ 13).
(9) سيذكر في الجزء الرابع: «مجد البابا».(3/496)
والرملة، وعسقلان، وبيت جبريل، والقدس وأعمال ذلك ومضافاته. وبنى مدرسته الكاملية بين القصرين المعروفة بدار الحديث، وتوفي بدمشق سنة خمس وثلاثين وستمائة.
ثم ملك بعده ابنه (الملك العادل أبو بكر) وقبض عليه في العشر الأوسط من ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة.
ثم ملك بعده أخوه الملك الصالح (نجم الدين أيوب) بن الكامل في أوائل سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
ثم ملك بعده ابنه الملك المعظم (توران شاه) وهو الذي كسر الفرنج على المنصورة في المحرّم سنة ثمان وأربعين وستمائة، وقتل في الثامن والعشرين من المحرّم المذكور.
ثم ملكت بعده أمّ خليل (شجرة الدّرّ) (1) في صفر سنة ثمان وأربعين وستمائة، فأقامت ثمانية أشهر، ولم يملك مصر في الإسلام امرأة غيرها.
ثم ملك بعدها الأشرف (موسى بن الناصر يوسف بن المسعود بن الكامل بن العادل أبي بكر بن أيوب) في شوال سنة ثمان وأربعين وستمائة وخلع نفسه وهو آخر الملوك الأيوبية بالديار المصرية.
الطبقة الرابعة ملوك التّرك خلّد الله تعالى دولتهم
أوّل من ملكها منهم (الملك المعزّ أيبك التركماني) بعد خلع الأشرف
__________
(1) وهي شجرة الدر الصالحية الملقبة بعصمة الدين. أصلها من جواري الملك الصالح نجم الدين أيوب، اشتراها في أيام أبيه وحظيت عنده وولدت له ابنه خليلا فأعتقها وتزوجها. وكانت كما يقول ابن إياس ذات عقل وحزم، كاتبة قارئة تزوجت بوزيرها عز الدين ونزلت له عن السلطنة واحتفظت بالسيطرة عليه. ثم أراد أن يتزوج عليها فقتلته. ثم قتلتها زوجته «أم علي» وجواريها.
(الأعلام: 3/ 158).(3/497)
موسى، آخر ملوك الأيوبية في شوّال سنة ثمان وأربعين وستمائة وجمع له بين مصر والشام، واستمرّ الجمع بينهما إلى الآن (1)، وبنى المدرسة المعزّية برحبة الخروب بالفسطاط، وتزوّج بأمّ خليل المقدّم ذكرها، وقتل بحمّام القلعة في سنة أربع وخمسين وستمائة.
ثم ملك بعده ابنه (الملك المنصور عليّ) عقيب وفاة والده المذكور.
وقتلت أمّ خليل المذكورة، ورميت من سور القلعة، وقبض (2) على المظفّر سنة سبع وخمسين وستمائة. ثم ملك بعده الملك (المظفر قطز) وكان المصافّ بينه وبين التتار على عين جالوت بعد ان استولوا على جميع الشام في رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة، وكسرهم أشدّ كسرة واستقلع الشام منهم، وبقي حتّى قتل (3)
في منصرفه بطريق الشام وهو عائد منه بالقرب من قصير الصالحية على أثر ذلك في السنة المذكورة.
ثم ملك بعده الملك (الظاهر بيبرس) البندقداريّ في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة، وأخذ في جهاد الفرنج واستعادة ما ارتجعوه من فتوح السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وغير ذلك ففتح البيرة في سنة تسع وخمسين وستمائة والكرك في سنة إحدى وستين، وحمص في آخر سنة اثنتين وستين وستمائة، وقيساريّة وأرسوف في سنة ثلاث وستين، وصفد في سنة أربع وستين، ويافا والشّقيف، وأنطاكية في سنة ست وستين، وحصن الأكراد وعكّا وصافيتا في سنة تسع وستين، وكسر التّتار على البيرة بعد أن عدى الفرات خوضا بعساكره في
__________
(1) بدأ القلقشندي في تأليف كتابه صبح الأعشى حوالي سنة 805هـ وانتهى منه في شوال سنة 814هـ.
(القلقشندي وكتابه صبح الأعشى: ص 16).
(2) لعلّ المقصود: «وقبض عليه المظفر» إذ المعروف أن المظفر قطز كان مدبرا لأمر الملك المنصور علي ثم خلعه واستقل بالسلطنة بعد سنتين من ملك المنصور علي. (راجع الخطط التوفيقية: 1/ 81).
(3) قتله الظاهر بيبرس البندقداري الصالحي بمنزلة الصالحية من مديرية الشرقية. وقد كان مقامه في السلطة سنة واحدة إلا أياما. (المرجع السابق).(3/498)
سنة إحدى وسبعين وفتح قلاعا من بلاد سيس (1) في سنة ثلاث وسبعين ودخل بلاد الروم، وجلس على كرسي بني سلجوق بقيساريّة الروم، ورجع إلى دمشق في آخر سنة خمس وسبعين، وتوفّي بدمشق في المحرّم سنة ست وسبعين وستمائة، وبنى مدرسته الظاهرية بين القصرين.
وملك بعده ابنه (الملك السعيد بركة) في صفر سنة ست وسبعين وستمائة، وخلع وسيّر إلى الكرك.
وملك بعده أخوه (الملك العادل سلامش) في ربيع الأوّل سنة ثمان وسبعين وستمائة، وبقي أربعة أشهر ثم خلع.
وملك بعده (الملك المنصور قلاوون الصالحيّ) الشهير بالألفيّ في رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة، وسمّي الألفيّ لأن آقسنقر الكامليّ كان قد اشتراه بألف دينار وفتح حصن المرقب بالشأم في تاسع عشر ربيع الأوّل سنة أربع وثمانين وستمائة وفتح طرابلس في ربيع الأوّل سنة ثمان وثمانين وستمائة وهو الذي بنى البيمارستان المنصوريّ والمدرسة المنصورية والقبّة اللتين داخل البيمارستان بين القصرين. وتوفّي بظاهر القاهرة المحروسة، وهو قاصد الغزو في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة ودفن بتربته بالقبة المنصورية داخل البيمارستان المتقدّم ذكره.
وملك بعده ابنه (الملك الأشرف خليل) صبيحة وفاة أبيه وأخذ في الغزو ففتح عكّا وصور، وصيدا، وبيروت، وعثليث، والساحل جميعه واقتلعه من الفرنج في رجب سنة تسعين وستمائة. وقتل في متصيّده بالبحيرة في العشر الأوسط من المحرّم سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وهو الذي عمر المدرسة الأشرفية بالقرب من المشهد النفيسيّ.
ثم ملك بعده (الملك المعظم بيدرا (2) وخلع من يومه.
وملك بعده (الملك الناصر محمد بن قلاوون) في صفر سنة ثلاث
__________
(1) في معجم البلدان: 3/ 297: سيسيّة، وعامة أهلها يقولون «سيس»: بلد بين انطاكية وطرسوس.
(2) ولقب بالملك القاهر.(3/499)
وتسعين وستمائة، وهي سلطنته الأولى. وخلع (1) بعد ذلك وبعث به إلى الكرك فحبس بها.
وملك بعده (الملك العادل كتبغا) عقب خلعه، ووقع في أيامه غلاء شديد وفناء عظيم (2) ثم خلع في صفر سنة ست وتسعين وستمائة، وتولّى بعد ذلك نيابة صرخد ثم حماة، وبقي حتّى توفي بعد ذلك وهو الذي ابتدأ عمارة المدرسة المعروفة بالناصرية بين القصرين وأكمل بناءها الناصر محمد بن قلاوون فنسبت إليه.
وملك بعده (الملك المنصور حسام الدين لاچين) في الخامس والعشرين من صفر المذكور، فجدّد الجامع الطّولونيّ وعمل الروك (3) الحساميّ في رجب الفرد سنة سبع وتسعين وستمائة، وقتل في الحادي عشر من شوال من السنة المذكورة (4)، وبقي الأمر شورى مدّة يسيرة، ثم حضر الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك وأعيد إلى السلطنة في حادي عشر شوال من السنة المذكورة (5).
وملك بعده (الملك المظفر بيبرس الجاشنكير) في الثالث والعشرين من شوّال المذكور وخلع (6) في التاسع والعشرين من شهر رمضان سنة تسع وسبعمائة،
__________
(1) وذلك في بداية سنة 694هـ. وكان عمره تسع سنوات فلم يستطع الإمساك بالسلطة وغلبه كتبغا.
(الخطط التوفيقية: 1/ 88).
(2) قال في الخطط التوفيقية: 1/ 89: «فحصل للناس في زمنه ما لا يوصف من الشر لأن مدّ النيل في أيامه قصر واشتد الغلاء المفرط حتى أكل الناس الجيف، وبلغ ثمن الإردبّ من القمح مئة وسبعين درهما نقرة، عبارة عن ثمانية مثاقيل ونصف مثقال من الذهب، وأكلت الكلاب والحمير والخيل والبغال وحصل الوباء بشدة عظيمة حتى طرحت الموتى في الطرق».
(3) الروك الحسامي، نسبة إلى السلطان حسام الدين لاجين. والروك في الأصل معناه مسح الأرض الزراعية في بلد من البلاد لتقدير الخراج المستحق عليها لبيت المال. وهو المعبر عنه الآن بفك الزمام. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: ص 64).
(4) في الخطط التوفيقية والمقريزي: «سنة 698هـ».
(5) في الخطط التوفيقية والمقريزي: «سنة 698هـ».
(6) كان الناصر محمد بن قلاوون قد دخل مصر واستولى على سلطنتها، فبعث من قبض على المظفر بقرب غزة وأحضره مقيدا بالحديد وقتله في ذي القعدة سنة 709هـ. (الخطط التوفيقية: ص 92).(3/500)
وهو الذي عمر الخانقاه الرّكنيّة بيبرس داخل باب النصر مكان دار الوزارة بالدولة الفاطمية، وجدّد الجامع الحاكمي.
وملك بعده (الملك الناصر محمد بن قلاوون) في مستهل شوّال من السنة المذكورة، وهي سلطنته الثالثة. وفيها طالت مدّته وقوي ملكه، وعمل الروك الناصريّ في سنة ست عشرة وسبعمائة، وبنى مدرسته الناصرية بين القصرين، وبقي حتّى توفي في العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ودفن بتربة والده.
ثم ملك بعده ابنه الملك المنصور أبو بكر عقب وفاة والده، وخلع تاسع عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة.
ثم ملك بعده أخوه (الملك الأشرف كجك) بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع أخيه المنصور المذكور وخلع في التاسع والعشرين من شهر رجب من السنة المذكورة.
ثم ملك بعده أخوه (الملك الناصر أحمد) بن الناصر محمد بن قلاوون بعد أن أحضر من الكرك، واستمرّ في السلطنة حتّى خلع نفسه في أوائل المحرّم سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة.
ثم ملك بعده أخوه (الملك الصالح إسماعيل) بن الناصر محمد بن قلاوون في العشرين من المحرّم المذكور، وبقي حتّى توفي في رابع ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة.
وملك بعده (1) أخوه (الملك المظفّر حاجّي) (2) بن الناصر محمد بن
__________
(1) سقط من قلم الناسخ: الكامل سيف الدين شعبان الذي تولى بعد أخيه الصالح إسماعيل ومكث سنة واحدة وشهرا ثم خلع كما تشير اليه بقية العبارة. (الخطط التوفيقية: ص 101).
(2) سمي «حاجي» لأن ولادته كانت بطريق الحجاز سنة 732هـ. وكان قبيح السيرة بالغ القسوة (المرجع السابق).(3/501)
قلاوون يوم خلع أخيه الكامل شعبان، وبقي حتّى خلع في ثاني عشر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وقتل من يومه.
ثم ملك بعده أخوه (الملك الناصر حسن) بن الناصر محمد بن قلاوون في رابع عشر شهر رمضان المذكور، وخلع في التاسع والعشرين من جمادى الآخر سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة.
ثم ملك بعده أخوه (الملك الصالح صالح) بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع أخيه الناصر حسن، وبقي حتّى خلع في ثاني شوّال سنة خمس وخمسين وسبعمائة.
ثم ملك بعده أخوه (الملك الناصر حسن) المتقدّم ذكره مرة ثانية يوم خلع أخيه الصالح صالح، وبقي حتّى خلع وقتل (1) في عاشر جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وسبعمائة وبنى مدرسته المعظمة تحت القلعة التي ليس لها نظير في الدنيا، وفي أيامه ضربت الفلوس الجدد على ما سيأتي ذكره، وهو آخر من ملك من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون لصلبه.
وملك بعده ابن أخيه (الملك المنصور محمد) بن المظفر حاجّي بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع عمه الناصر حسن، وبقي حتّى خلع (2) في خامس عشر شعبان سنة أربع وستين وسبعمائة.
وملك بعده ابن عمه (الملك الأشرف شعبان) بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون يوم خلع المنصور المتقدّم ذكره وهو طفل، وبقي حتّى كمل سلطانه وبنى مدرسته (3) بأعلى الصوّة تحت القلعة ولم يتمها، وحج فخرج عليه
__________
(1) قتله مملوكه «يلبغا» (المرجع السابق).
(2) خلعه الأمير «يلبغا العمري». وتوفي المنصور سنة 781هـ. (الخطط التوفيقية: 1/ 106).
(3) المعروفة بالمدرسة الأشرفية. وقد هدمت في سلطنة فرج بن برقوق ثم أنشيء في محلها المارستان المؤيدي في أيام السلطان المؤيد شيخ، ولم يبق منها إلا باب واحد عند تكيّة الأعجام في جهة الرميلة إلى الآن. (المرجع السابق. ص 108).(3/502)
مماليكه في عقبة أيلة ففرّ منهم وعاد إلى القاهرة فقبض عليه وقتل في ثالث ذي القعدة الحرام سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، وفي أيامه فتحت مدينة سيس واقتلعت من الأرمن على ما سيأتي ذكره في الكلام على أعمال حلب.
وملك بعده ابنه (الملك المنصور عليّ) يوم خلع أبيه وهو طفل، فبقي حتّى توفي في الثالث والعشرين من صفر سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة.
وملك بعده أخوه (الملك الصالح حاجّي) بن شعبان بن حسين يوم وفاة أخيه، وبقي حتّى خلع في العشر الأوسط من رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة (1).
وملك بعده (الملك الظاهر برقوق) (2) فعظم أمره، وارتفع صيته وشاع ذكره في الممالك وهابته الملوك وهادته، وساس الملك أحسن سياسة، وبقي حتّى خلع وبعث به إلى السجن (3) بالكرك في شهر رجب أو جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
وملك بعده (الملك المنصور حاجّي) بن شعبان، وهو الملقب أوّلا
__________
(1) وبذلك انتهت دولة المماليك البحرية التي بدأت بسلطنة عز الدين أيبك، وبدأت دولة المماليك الجركسية مع الظاهر برقوق. وكان من تولى السلطنة من ذرية الناصر اثني عشر أقاموا فيها ثلاثا وأربعين سنة، مع العلم أن الناصر محمد بن قلاوون أقام فيها وحده أربعا وأربعين سنة. (المرجع السابق: ص 79و 111).
(2) وهو جركسي الجنس، جلب إلى القاهرة فاشتراه الأمير يلبغا الخاصكي وأعتقه فلما قتل يلبغا في زمن الملك الأشرف أخرج برقوق إلى الكرك وسجن بها عدة سنين، ثم أطلق فمضى إلى الشام وخدم عند الأمير منجك نائب الشام ثم استقر بعدئذ مع باقي المماليك اليلبغاوية في خدمة على وحاجي ولدي الملك الأشرف وصار من الأمراء المعدودين إلى أن تسلطن بعد خلع حاجي كما تقدم. وكان قد سمي برقوقا لجحوظ في عينيه. (المرجع السابق).
(3) في نزهة النفوس والأبدان: 1/ 209وما بعدها أن الظاهر برقوق لم يسجن بل اختفى وتوارى بناء على نصيحة من يلبغا الناصري. والظاهر أن سجنه بالكرك الذي يشير إليه القلقشندي كان قبل تسلطنه كما أشرنا في الهامش السابق.(3/503)
بالصالح حاجّي وهي سلطنته الثانية، وبقي (1) حتّى عاد الملك الظاهر برقوق المتقدّم ذكره في سنة [اثنتين] (2) وتسعين وسبعمائة فزاد في التيه وضخامة الملك، وبلغ شأوا لم يبلغه غيره من غالب متقدّمي الملوك، وبقي حتّى توفي في منتصف شوّال المبارك سنة إحدى وثمانمائة.
وملك بعده ابنه (الناصر فرج) وسنّه إحدى عشرة سنة بعهد من أبيه، وقام بتدبير أمره أمراء دولته، فبقي حتّى تغير عليه بعض مماليكه وبعض أمرائه، وحضر المماليك بالقلعة، فنزل منها مختفيا على حين غفلة في السادس والعشرين من ربيع الأول سنة ثمان وثمانمائة، ولم يعلم لابتداء أمره أين توجه.
ثم ملك بعده أخوه (الملك المنصور عبد العزيز) في التاريخ المذكور.
ثم ظهر أن السلطان الملك الناصر فرجا كان مختفيا (3) في بعض أماكن القاهرة، فركب في ليلة السادس من شهر جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانمائة، ومعه جماعة من الأمراء ومماليكه، وخرج الأمراء للقيام بنصرة أخيه عبد العزيز فطلع عليهم السلطان فرج ومن معه، فولّوا هاربين، وطلع السلطان الملك الناصر القلعة في صبيحة النهار المذكور واستقرّ على عادته، وبقي في السلطنة حتّى توجه إلى الشأم لقتال الأمير شيخ والأمير نوروز نائبي دمشق وحلب، ومعه (4) الإمام (المستعين (5) بالله أبو الفضل العباس) بن المتوكل محمد خليفة العصر، ودخل
__________
(1) حول ظروف عودة حاجي إلى السلطنة ثم خلعه راجع الخطط التوفيقية: 1/ 112والنزهة: 1/ 214 وما بعدها.
(2) الزيادة عن المقريزي والنزهة.
(3) راجع الصفحة السابقة. هامش رقم: 3.
(4) يفهم من هذا النص أن المستعين بالله كان برفقة الناصر فرج، غير أن صاحب الخطط التوفيقية يقول:
«ورفع الأمير شيخ المحمودي لواء العصيان بالشام والتفّ عليه كثير من الناس وكان معهم الخليفة المستعين بالله العباسي والقضاة الأربعة، فتوجه إليه السلطان الناصر فرج بجيش جرار» ص: 116.
(5) كذا في الخطط التوفيقية. وفي نزهة النفوس: «المعتصم بالله بن المتوكل محمد» 2/ 302وما بعدها.(3/504)
دمشق وحصر بقلعتها حتّى قبض عليه في ثاني عشر (1) ربيع الأوّل سنة خمس (2)
عشرة وثمانمائة، واستبدّ الإمام المستعين بالله بالأمر من غير سلطان، ورجع إليه ما كان يتعاطاه السلطان من العلامة على المكاتبات والتقاليد والتواقيع والمناشير وغيرها، وأفرد اسمه في السكة على الدنانير والدراهم، وأفرد بالدعاء في الخطبة على المنابر ثم عاد إلى الديار المصرية في أوائل ربيع الآخر من السنة المذكورة، وسكن الآدر السلطانية بالقلعة، وقام بتدبير دولته الأمير شيخ المقدّم ذكره وسكن الإصطبلات السلطانية بالقلعة وفوّض إليه الإمام المستعين بالله ما وراء سرير الخلافة، وكتب له تفويض بذلك في قطع كبير، عرضه ذراع ونصف بزيادة نصف ذراع عما يكتب به للسلاطين إلا أنه لم يصرح له فيه بسلطنة ولا إمارة، بل كتب له بدل الأميري الآمري بإسقاط الياء على ما سيأتي ذكره في الكلام على عهود الملوك إن شاء الله تعالى (3).
__________
(1) في النزهة: 2/ 309 «مسك ليلة الثالث عشر من صفر وقتل ليلة السابع عشر منه» وفي الخطط التوفيقية: 1/ 117 «قتل السلطان فرج سنة 814».
(2) في النزهة: 2/ 309 «مسك ليلة الثالث عشر من صفر وقتل ليلة السابع عشر منه» وفي الخطط التوفيقية: 1/ 117 «قتل السلطان فرج سنة 814».
(3) وكان آخر ملوك الجراكسة بمصر هو الملك الأشرف طومان باي الجركسي الذي جاء بعد عمه قانصوه الغوري سنة 922هـ. وكانت مدة حكمهم 121سنة. (راجع الخطط التوفيقية: 1/ 131وما بعدها).(3/505)
الفصل الرابع من الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر ترتيب أحوال الديار المصرية، وفيه ثلاثة أطراف
الطرف الأول في ذكر معاملاتها، وفيه ثلاثة أركان
الركن الأوّل الأثمان، وهي على ثلاثة أنواع
النوع الأوّل الدنانير المسكوكة مما يضرب بالديار المصرية، أو يأتي إليها من المسكوك في غيرها من الممالك، وهي ضربان
الضرب الأوّل ما يتعامل به وزنا كالذهب المصريّ وما في معناه
والعبرة في وزنها بالمثاقيل، وضابطها أن كلّ سبعة مثاقيل زنتها عشرة دراهم من الدراهم الآتي ذكرها، والمثقال معتبر بأربعة (1) وعشرين قيراطا (2)، وقدر بثنتين وسبعين حبّة شعير (3) من الشعير الوسط باتفاق العلماء، خلافا لابن حزم فإنه قدّره بأربع وثمانين حبة، على أن المثقال لم يتغير وزنه في جاهلية ولا إسلام.
__________
(1) جاء في النظم الإسلامية لصبحي الصالح، ص: 427و 428: «وقد عثر علماء الآثار على نقود عديدة من العصور الإسلامية تبيّن من وزنها أن الدينار بوزن عبد الملك هو 25، 4 غرامات. وما دام الدينار هو المثقال فهذا هو إذن وزن المثقال بالغرامات. وعلى ذلك يكون مقدار الحبة 59، 0غرام، بتقسيم 72حبة على وزن المثقال. ومادام المثقال عشرين قيراطا فمقدار القيراط إذا 2125، 0غرام».
(2) جاء في النظم الإسلامية لصبحي الصالح، ص: 427و 428: «وقد عثر علماء الآثار على نقود عديدة من العصور الإسلامية تبيّن من وزنها أن الدينار بوزن عبد الملك هو 25، 4 غرامات. وما دام الدينار هو المثقال فهذا هو إذن وزن المثقال بالغرامات. وعلى ذلك يكون مقدار الحبة 59، 0غرام، بتقسيم 72حبة على وزن المثقال. ومادام المثقال عشرين قيراطا فمقدار القيراط إذا 2125، 0غرام».
(3) جاء في النظم الإسلامية لصبحي الصالح، ص: 427و 428: «وقد عثر علماء الآثار على نقود عديدة من العصور الإسلامية تبيّن من وزنها أن الدينار بوزن عبد الملك هو 25، 4 غرامات. وما دام الدينار هو المثقال فهذا هو إذن وزن المثقال بالغرامات. وعلى ذلك يكون مقدار الحبة 59، 0غرام، بتقسيم 72حبة على وزن المثقال. ومادام المثقال عشرين قيراطا فمقدار القيراط إذا 2125، 0غرام».(3/506)
قلت: وقد كان الأمير صلاح الدين بن عرام في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين بعد السبعين والسبعمائة ضرب بالإسكندريّة وهو نائب السلطنة بها يومئذ، دنانير زنة كل دينار منها مثقال على أحد الوجهين منه «محمد رسول الله» وعلى الوجه الآخر «ضرب بالإسكندريّة في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين عز نصره» ثم أمسك عن ذلك فلم تكثر هذه الدنانير ولم تشتهر ثم ضرب الأمير يلبغا السالميّ أستادار (1) العالية في الدولة الناصرية فرج بن برقوق دنانير زنة كل واحد منها مثقال، في وسط سكته دائرة فيها مكتوب «فرج» وربما كان منها ما زنته مثقال ونصف أو مثقالان، وربما كان نصف مثقال أو ربع مثقال. إلا أن الغالب فيها نقص أوزانها، وكأنهم جعلوا نقصها في نظير كلفة ضربها.
الضرب الثاني ما يتعامل به معادّة
وهي دنانير يؤتى بها من البلاد الإفرنجة (2) والروم، معلومة الأوزان، كلّ دينار منها معتبر بتسعة عشر قيراطا ونصف قيراط من المصريّ، واعتباره بصنج
__________
(1) الأستادار من أمراء المئين يشرف على الواردات الخاصة بالسلطان المملوكي، ويشرف على كل من بالقصر من خدم المطبخ والشرابخاناه والغلمان وهو الذي يسلمهم رواتبهم وكل ما يحتاجون اليه لعملهم أو لأنفسهم، ويدخل الجاشنكير في جملة هؤلاء الخدم من حيث خضوعه ماليا للاستادار مع أن الجاشنيكير من أمراء الألوف. والأستادار هو المسؤول عن فتح باب القصر وإغلاقه. وكان في القصر أربعة من الأستادارية أكبرهم أمير مائة، والثلاثة الباقون من امراء الطبلخانات.
هذا وقد اعترض الدكتور أحمد السعيد سليمان على طريقة القلقشندي في تأصيل كلمة «أستادار» وأورد الآراء المختلفة في ذلك. (راجع تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل: ص 13وما بعدها والتعريف بمصطلحات صبح الأعشى: ص 28).
(2) عندما يتحدث القلقشندي عن اللاتين الغربيين يطلق عليهم بصفة عامة الفرنج أو طائفة الافرنج، كما يطلق على عناصرهم وأجناسهم المختلفة عبارة أمم الإفرنج أو ممالك الإفرنج. وهذا يعني أن مفهوم هذه الكلمة عنده ينسحب على جميع أهل الغرب اللاتيني بما في ذلك الجاليات التجارية الإيطالية. (راجع: القلقشندي وكتابه صبح الأعشى: ص 180).(3/507)
الفضّة المصرية كل دينار زنة درهم وحبتي خرّوب يرجح قليلا، وهذه الدنانير مشخّصة على أحد وجهيها صورة الملك الذي تضرب في زمنه، وعلى الوجه الآخر صورتا بطرس وبوليس الحواريين اللذين بعث بهما المسيح عليه السلام إلى رومية، ويعبر عنها بالإفرنتيّة جمع إفرنتيّ، وأصله إفرنسيّ بسين مهملة بدل التاء المثناة فوق نسبة إلى إفرنسة: مدينة من مدنهم، وربما قيل فيها إفرنجة، وإليها تنسب طائفة الفرنج، وهي مقرّة الفرنسيس ملكهم، ويعبر عنه (1) أيضا بالدوكات. وهذا الاسم في الحقيقة لا يطلق عليه إلا إذا كان ضرب البندقيّة من الفرنجة، وذلك أن الملك اسمه عندهم دوك (2)، وكأن الألف والتاء في الآخر قائمان مقام ياء النسب.
قلت: ثم ضرب الناصر فرج بن برقوق دنانير على زنة الدنانير الإفرنتية المتقدّمة الذكر في أحد الوجهين «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وفي الآخر اسم السلطان، وفي وسطه سفط مستطيل بين خطين، وعرفت بالناصرية وكثر وجدانها، وصار بها أكثر المعاملات. إلا أنهم ينقصونها في الأثمان عن الدنانير الإفرنتية عشرة دراهم.
ثم ضرب على نظيرها «الإمام المستعين بالله أبو الفضل (3) العباس» حين استبدّ بالأمر بعد الناصر فرج، ولم يتغير فيها غير السّكة، باعتبار انتقالها من
__________
(1) أي عن الدينار من تلك الدنانير.
(2) وفي موضع آخر يقول: وكل من ملك منهم يسمونه «دوك» بالكاف المشوبة بالجيم فيقال دوك البندقية، وهذا اللقب جار على ملوكهم إلى آخر الوقت. (الصبح: 5/ 485) ولكن القلقشندي يعود فيناقض نفسه عندما يذكر أن الدوك غير الملك (الصبح: 8/ 48) وهذا غير صحيح، فالمعروف أن الدوق عندهم بمثابة الملك. وفي مواضع أخرى يسميه «دوقس البنادقة» أو «دوج البندقية» (الصبح: 5/ 401و 8/ 47) أما تعريفه في ديوان الإنشاء بمصر فهو «صاحب البندقية» (الصبح: 8/ 47).
(3) كذا في النجوم الزاهرة في حوادث سنة 814هـ. وحياة الحيوان، وفي مروج الذهب: «أبو العباس» كما سبق للمؤلف في الخلفاء العباسيين (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 438).(3/508)
اسم السلطان إلى اسم أمير المؤمنين.
ثم صرف الذهب بالديار المصرية لا يثبت على حالة بل يعلو تارة ويهبط أخرى بحسب ما تقتضيه الحال، وغالب ما كان عليه صرف الدينار المصريّ فيما أدركناه في التسعين والسبعمائة وما حولها عشرون درهما، والإفرنتيّ سبعة عشر درهما وما قارب ذلك. أما الآن فقد زاد وخرج عن الحدّ خصوصا في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وإن كان في الدولة الظاهرية بيبرس قد بلغ المصريّ ثمانية وعشرين درهما ونصفا فيما رأيته في بعض التواريخ.
أما الدينار الجيشيّ، فمسمّى لا حقيقة، وإنما يستعمله أهل ديوان الجيش في عبرة الإقطاعات بأن يجعلوا لكل إقطاع عبرة دنانير معينة من قليل أو كثير، وربما أخليت بعض الإقطاعات من العبرة. على أنه لا طائل تحتها ولا فائدة في تعيينها، فربما كان متحصّل مائة دينار في إقطاع أكثر من متحصّل مائتي دينار فأكثر في إقطاع آخر. على أن صاحب «قوانين الدواوين» قد ذكر الدينار الجيشي في إقطاعات على طبقات مختلفة في عبرة الإقطاعات، فالأجناد من التّرك والأكراد والتركمان دينارهم دينار كامل، والكتانية والعساقلة ومن يجري مجراهم دينارهم نصف دينار، والعربان في الغالب دينارهم ثمن دينار، وفي عرف الناس ثلاثة عشر درهما وثلث، وكأنه على ما كان عليه الحال من قيمة الذهب عند ترتيب الجيش في الزمن القديم، فإن صرف الذهب في الزمن الأول كان قريبا من هذا المعنى، ولذلك جعلت الدية عند من قدّرها بالنّقد من الفقهاء ألف دينار واثني عشر ألف درهم، فيكون عن كل دينار اثنا عشر درهما، وهو صرفه يومئذ.
النوع الثاني الدراهم النّقرة
وأصل موضوعها أن يكون ثلثاها من فضة وثلثها من نحاس، وتطبع بدور الضرب بالسّكة السلطانية على نحو ما تقدّم في الدنانير، ويكون منها دراهم
صحاح وقراضات مكسرة على ما سيأتي ذكره في الكلام على دار الضرب فيما بعد إن شاء الله تعالى.(3/509)
وأصل موضوعها أن يكون ثلثاها من فضة وثلثها من نحاس، وتطبع بدور الضرب بالسّكة السلطانية على نحو ما تقدّم في الدنانير، ويكون منها دراهم
صحاح وقراضات مكسرة على ما سيأتي ذكره في الكلام على دار الضرب فيما بعد إن شاء الله تعالى.
والعبرة في وزنها بالدرهم وهو معتبر بأربعة وعشرين قيراطا وقدّر بستّ عشرة حبة من حب الخروب، فتكون كل خرّوبتين ثمن درهم، وهي أربع حبات من حب البرّ المعتدل والدرهم من الدينار نصفه وخمسه، وإن شئت قلت سبعة أعشاره فيكون كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم.
أما الدراهم السّوداء، فأسماء على غير مسمّيات كالدنانير الجيشية، وكل درهم منها معتبر في العرف بثلث درهم نقرة، وبالإسكندرية دراهم سوداء يأتي الكلام عليها في معاملة الإسكندريّة إن شاء الله تعالى.
النوع الثالث الفلوس (1)، وهي صنفان: مطبوع بالسكة، وغير مطبوع
فأما المطبوع فكان في الزمن الأول إلى أواخر الدولة الناصرية حسن بن محمد بن قلاوون فلوس لطاف، يعتبر كل ثمانية وأربعين فلسا منها بدرهم من النّقرة على اختلاف السكة فيها، ثم أحدث في سنة تسع وخمسين وسبعمائة في سلطنة حسن أيضا فلوس شهرت بالجدد جمع جديد، زنة كل فلس منها مثقال، وكل فلس منها قيراط من الدرهم، مطبوعة بالسكة السلطانية على ما سيأتي ذكره في الكلام على دار الضرب إن شاء الله تعالى، فجاءت في نهاية الحسن، وبطل ما عداه من الفلوس، وهي أكثر ما يتعامل به أهل زماننا. إلا أنها فسد قانونها في تنقيصها في الوزن عن المثقال حتّى صار فيها ما هو دون الدرهم، وصار تكوينها غير مستدير، وكانت توزن بالقبّان كلّ مائة وثمانية عشر رطلا بالمصريّ بمبلغ
__________
(1) مفردها «فلس» وهي لفظة يونانية معرّبة. وقد أخذته اليونانية قبلا من اللاتينية، ومعناه كيس النقود.
وكذلك يقال عن الدراهم، فقد أخذها العرب عن الفارسية وهو يوناني الأصل. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 263).(3/510)
خمسمائة درهم، ثم أخذت في التناقص لصغر الفلوس ونقص أوزانها حتّى صار كل مائة وأحد عشر رطلا بمبلغ خمسمائة.
قلت: ثم استقرّ الحال فيها [على ذلك] (1) على أنه لو جعل كل أوقية فما دونها بدرهم، لكان حسنا باعتبار غلوّ النّحاس وقلة الواصل منه إلى الديار المصرية، وحمل التجار الفلوس المضروبة من الديار المصرية إلى الحجاز واليمن وغيرهما من الأقاليم متجرا، ويوشك إن دام هذا تنفد الفلوس من الديار المصرية، ولا يوجد ما يتعامل به الناس.
وأما غير المطبوعة فنحاس مكسر من الأحمر والأصفر، ويعبر عنها بالعتق وكانت في الزمن الأول كل زنة رطل منها بالمصريّ بدرهمين من النّقرة، فلما عملت الفلوس الجدد المتقدمة الذكر، استقرّ كل رطل منها بدرهم ونصف، وهي على ذلك إلى الآن.
قلت: ثم نفدت هذه الفلوس من الديار المصرية لغلوّ النحاس، وصار مهما وجد من النحاس المكسور خلط بالفلوس الجدد وراج معها على مثل وزنها.
الركن الثاني في المثمنات، وهي على ثلاثة أنواع
النوع الأول الموزونات
ورطلها (2) الذي يعتبر بوزنه في حاضرتها من القاهرة والفسطاط وما قاربهما الرطل المصريّ، وهو مائة وأربعة وأربعون درهما، وأوقيته اثنا عشر درهما، وعنه
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2) اختلف وزن الرطل بمختلف البيئات والعصور. والمشهور هو الرطل العراقي أو البغدادي ووزنه يساوي 128و 7/ 4درهما حسب ما ذكره علي مبارك في كتابه «الميزان في الأقيسة والأوزان».
(راجع النظم الإسلامية: 418و 419).(3/511)
يتفرّع القنطار المصريّ، وهو مائة رطل وتعتبر أوزان الطيب بها بالمنّ (1)، وهو مائتان وستون درهما، وأواقيّة ست وعشرون أوقيّة، فتكون أوقيته عشرة دراهم.
النوع الثاني المكيلات من الحبوب ونحوها
واعلم أن بمصر أقداحا مختلفة المقادير أيضا كالأرطال بحسبه (2)، ولكل ناحية منها قدح مخصوص بحسب إردبّها، والمستعمل منها بالحاضرة القدح المصريّ، وهو قدح صغير تقديره بالوزن من الحبّ المعتدل مائتان واثنان وثلاثون درهما، وقدّره الشيخ تقيّ الدين بن رزين في الكلام على صاع (3) الفطرة باثنين وثلاثين ألف حبة وسبعمائة واثنتين وستين حبة، وكل ستة عشر قدحا تسمّى ويبة، وكل ستة وتسعين قدحا تسمّى إردبّا (4) وبنواحيها بالوجهين القبليّ والبحريّ أرادبّ متفاوتة يبلغ مقدار الإردبّ في بعضها إحدى عشرة ويبة (5) بالمصريّ فأكثر.
النوع الثالث المقيسات، وهي الأراضي والأقمشة فأما الأراضي فصنفان
الصنف الأول أرض الزراعة
وقد اصطلح أهلها على قياسها بقصبة (6) تعرف بالحاكمية، كأنها حرّرت في زمن الحاكم بأمر الله الفاطميّ فنسبت إليه، وطولها ستة أذرع بالهاشميّ (7) كما ذكره
__________
(1) وقدره رطلان بغداديان. (المعجم الوسيط: 889).
(2) لعله: بحسب إردبّها أو هي زائدة من قلم الناسخ.
(3) قال في النظم الإسلامية: «الصاع يساوي: 2751غراما أو 75، 2ليترا، والإردبّ يضم أربعة وعشرين صاعا أو ست ويبات» ص 420و 421.
(4) قال في النظم الإسلامية: «الصاع يساوي: 2751غراما أو 75، 2ليترا، والإردبّ يضم أربعة وعشرين صاعا أو ست ويبات» ص 420و 421.
(5) قال في النظم الإسلامية: «الصاع يساوي: 2751غراما أو 75، 2ليترا، والإردبّ يضم أربعة وعشرين صاعا أو ست ويبات» ص 420و 421.
(6) طول الذراع الهاشمية: 6، 61سم والقصبة الهاشمية: 6، 369سم. (النظم الإسلامية: ص 416).
(7) طول الذراع الهاشمية: 6، 61سم والقصبة الهاشمية: 6، 369سم. (النظم الإسلامية: ص 416).(3/512)
أبو القاسم الزجاجيّ (1) في «شرح مقدّمة أدب الكاتب» وخمسة أذرع بالنجاريّ كما ذكره ابن ممّاتي في «قوانين الدواوين» وثمانية أذرع بذراع اليد كما ذكره غيرهما.
وذراع اليد ست قبضات بقبضة إنسان معتدل كلّ قبضة أربعة أصابع بالخنصر والبنصر والوسطى والسّبّابة، كل إصبع ست شعيرات معترضات ظهرا لبطن على ما تقدّم في الكلام على الأميال. وقد تقدّر القصبة بباعين (2) من رجل معتدل وربما وقع القياس في بعض بلاد الوجه البحريّ منها بقصبة تعرف بالسّند فاويّة أطول من الحاكمية بقليل، نسبة إلى بلد تسمّى سندفا بالقرب من مدينة المحلّة، ثم كل أربعمائة قصبة في التكسير يعبر عنها بفدّان، وهو أربعة وعشرون قيراطا، كل قيراط ستّ عشرة قصبة في التكسير.
الصنف الثاني أرض البنيان من الدّور وغيرها
وقد اصطلحوا على قياسها بذراع يعرف بذراع العمل طوله ثلاثة أشبار بشبر رجل معتدل، ولعله الذراع الذي كان يقاس به أرض السّواد بالعراق (3)، فقد ذكر الزجاجيّ أنه ذراع وثلث بذراع اليد، وكان ابتداء وضع الذراع لقياس الأرضين أن زياد ابن أبيه حين ولّاه معاوية العراق وأراد قياس السّواد، جمع ثلاثة رجال: رجلا من طوال القوم ورجلا من قصارهم ورجلا متوسطا بين ذلك وأخذ طول ذراع كل منهم، فجمع ذلك وأخذ ثلثه، فجعله ذراعا لقياس الأرضين، وهو المعروف بالذراع الزّياديّ لوقوع تقديره بأمر زياد، ولم يزل ذلك حتّى صارت الخلافة لبني العباس فاتخذوا ذراعا مخالفا لذلك كأنه أطول منه، فسمّي بالهاشمي لوقوعه في خلافة بني العباس، ضرورة كونهم من بني هاشم.
__________
(1) هو عبد الرحيم بن إسحق النهاوندي الزجّاجي، شيخ العربية في عصره. توفي سنة 337هـ.
(الأعلام: 3/ 299).
(2) الباع، وجمعه أبواع، وهو قدر مدّ اليدين. (القاموس: 3/ 8).
(3) قال في النظم الإسلامية نقلا عن الماوردي: «وأما الذراع اليوسفية بها تذرع القضاة الدور بمدينة السلام» ص 412.(3/513)
وأما الأقمشة فإنها تقاس بالقاهرة بذراع طوله ذراع بذراع اليد وأربع أصابع مطبوقة، ويزيد عليه ذراع القماش بالفسطاط بعض الشيء، وربما زاد في بعض نواحي الديار المصرية أيضا نحو ذلك. ولغير القماش من الأصناف أيضا كالحصر وغيرها ذراع يخصه (1).
الركن الثالث في الأسعار
وقد ذكر المقرّ الشهابي بن فضل الله في «مسالك الأبصار» جملة من الأسعار في زمانه فقال: وأوسط أسعارها في غالب الأوقات أن يكون الإردبّ القمح بخمسة عشر درهما، والشعير بعشرة، وبقية الحبوب على هذا الأنموذج والأرز يبلغ فوق ذلك واللحم أقل سعره الرّطل بنصف درهم، وفي الغالب أكثر من ذلك والدّجاج يختلف سعره بحسب حاله، فجيّده الطائر منه بدرهمين إلى ثلاثة، والدّون منه بدرهم واحد والسّكّر الرطل بدرهم ونصف، وربما زاد، والمكرّر منه بدرهمين ونصف.
قلت: وهذه الأسعار التي ذكرها قد أدركنا غالبها وبقيت إلى ما بعد الثمانين والسبعمائة فغلت الأسعار وتزايدت في كل صنف من ذلك وغيره، وصار المثل إلى ثلاثة أمثاله وأربعة أمثاله، فلا حول ولا قوّة إلا بالله ذي المنن الجسيمة القادر على إعادة ذلك على ما كان عليه أو دونه {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مََا قَنَطُوا} (2).
__________
(1) وقد أورد الماوردي سبعة أنواع من الأذرع وهي: القاضية (وهي أقصرها) ثم اليوسفية ثم السوداء ثم الهاشمية الصغرى وهي البلالية، ثم الهاشمية الكبرى وهي الزيادية، ثم العمرية ثم الميزانية.
(النظم الإسلامية: ص 412).
(2) سورة الشورى / 28.(3/514)
الطرف الثاني في ذكر جسورها الحابسة لمياه النيل على أرض بلادها إلى حين استحقاق الزّراعة وأصناف أرضها
وما يختص بكل صنف من أرضها من الأسماء الدائرة بين كتّابها ومزارعها وبيان أصناف مزدرعاتها وأحوال زرعها
فأمّا جسورها فعلى صنفين:
الصّنف الأوّل الجسور (1) السلطانية
وهي الجسور العامّة الجامعة للبلاد الكثيرة التي تعمر في كل سنة في الديوان السلطاني بالوجهين: القبليّ والبحريّ، ولها جراريف ومحاريث وأبقار مرتّبة على غالب البلدان بكل عمل من أعمالها. وقد جرت العادة أن يجهز لكل عمل في كل سنة أمير بسبب عمارة جسوره، ويعبر عنه بكاشف الجسور بالعمل الفلالي، ويعرّف بذلك في تعريف مكاتبته عن الأبواب الشريفة، وربما أضيف كشف جسور عمل من الأعمال إلى متولّي جريه، ويقال في تعريفه: والي فلانة وكاشف الجسور بها، إذا كانت المكاتبة بسبب شيء يتعلق بالجسور ولهذه الجسور كاتب منفرد بها مقرّر في ديوانه ما على كل بلد من الجراريف والأبقار، وتكتب التذاكير السلطانية لكاشف كل عمل في الورق الشامي المربّع، ويشملها العلامة الشريفة السلطانية بالاسم الشريف، وللجسور خولة (2) ومهندسون لكل عمل يقومون في خدمة الكاشف في عمارة الجسور إلى أن تنتهي عمارتها.
__________
(1) هي الطرق المرتفعة على جانبي النيل وفروعه وترعه لحفظ البلاد من أخطار الفيضان وتستعمل لأغراض الريّ. (التعريف بمصطلحات الصبح: ص 85).
(2) الخولي هو رئيس العمال، عادة في المزرعة. (المعجم الوسيط: 263).(3/515)
الصنف الثاني الجسور البلدية
وهي الخاصة ببلد دون بلد، ويتولّى عمارتها المقطعون بالبلاد: من الأمراء والأجناد وغيرهم، من أموال البلاد الجارية في إقطاعهم ولها ضرائب مقرّرة في كل سنة.
قال ابن ممّاتي في «قوانين الدواوين»: والفرق بين السلطانية والبلدية أن السلطانية جارية مجرى سور المدينة الذي يجب على السلطان الاهتمام بعمارته والنظر في مصلحته وكفاية العامة أمر الفكرة فيه، والبلدية جارية مجرى الآدر والمساكن التي داخل السور، كلّ صاحب دار منها ينظر في مصلحتها ويلتزم تدبير أمره فيها. قال: وقد جرت عادة الديوان أن المقطع المنفصل إذا أنفق شيئا من إقطاعه في إقامة جسر لعمارة السنة التي انتقل الخير عنه لها، استعيد له نظير منفقه من المقطع الثاني وكذلك كل ما أنفقه من مال سنته في عمارة سنة غيره كان له استعادة نظيره.
قلت: وقد أهمل الاهتمام بأمر الجسور في زماننا، وترك عمارة أكثر الجسور البلدية، واقتصر في عمارة الجسور السلطانية على الشيء اليسير الذي لا يحصل به كبير نفع، ولولا ما منّ الله تعالى به على العباد من كثير الزيادة في النيل من حيث إنه صار يجاوز تسعة عشر ذراعا فما فوقها إلى ما جاوز العشرين، لفات ريّ أكثر البلاد وتعطلت زراعتها {فَضْلًا مِنَ اللََّهِ وَنِعْمَةً} (1) وإلا فقد كان النيل في الغالب يقف على سبع عشرة ذراعا فما حولها، بل قد تقدّم من كلام المسعودي أنه إذا جاء النيل ثماني عشرة ذراعا، استبحر من أراضيها الثلث.
وأما أنواع أرضها
وما يختص بكل نوع من الأسماء، فإنها تختلف
__________
(1) سورة الحجرات / 8.(3/516)
باختلاف الزراعة وعدمها، وبسبب ذلك تتفاوت الرّغبة فيها وتختلف قيمتها باختلاف قيمة ما يزرع فيها، وقد عدّ منها ابن ممّاتي ثلاثة عشر نوعا:
النوع الأوّل الباق
، قال ابن ممّاتي: وهو أثر القرط والقطاني والمقاثيء (1). قال: وهو خير الأرضين وأغلاها قيمة وأوفاها سعرا وقطيعة، لأنها تصلح لزراعة القمح والكتّان.
قلت: والمعروف في زماننا أن الباق أثر القرط والفول خاصة. أما المقاثيء فإن أثرها يسمّى البرش، وسيأتي ذكره فيما بعد.
النوع الثاني ريّ الشّراقي
، قال ابن ممّاتي: وهو يتبع الباق في الجودة، ويلحق به في القطيعة، لأن الأرض قد ظمئت في السنة الماضية واشتدّت حاجتها إلى الماء، فلما رويت حصل لها من الريّ بمقدار ما حصل لها من الظمإ، وكانت أيضا مستريحة فزرعها ينجب.
النوع الثالث البروبية
، وأهل زماننا يقولون البرايب، قال ابن ممّاتي: وهو أثر القمح والشعير، قال: وهو دون الباق لأن الأرض تضعف بزراعة هذين الصّنفين. فمتى زرع أحدهما على الآخر لم تنجب كنجابة الباق وسعرها دون سعره، ويجب أن تزرع قرطا وقطاني ومقاثيء لتستريح الأرض وتصير باقا في السنة الآتية (2).
النوع الرابع البقماهة
، بضم الباء الموحدة وسكون القاف وهو أثر الكتّان. قال ابن مماتي: ومتى زرع فيه القمح لم ينجب، وجاء رقيق الحب أسود اللون.
__________
(1) القرط: نبات عشبي حولي يشبه البرسيم. والقطاني ما يدّخر في البيت ويطبخ مثل العدس والفول.
والمقاثي من القثاء وهو اسم جنس لما يسمى بمصر الخيار والعجور والفقوس. (المعجم الوسيط:
749727715).
(2) وهو ما يعرف «بالدورة الزراعية».(3/517)
النوع الخامس الشتونية
، وأهل زماننا يقولون الشتاني، وهو أثر ما روي وبار في السنة الماضية قال ابن مماتي: وقطيعته دون قطيعة الشراقيّ.
النوع السادس شوشمس
(1) السلايح قال ابن مماتي: وهو عبارة عما روي وبار فحرث وعطّل، وهو يجري مجرى الباق وريّ الشراقي، ويجيء ناجب الزرع.
النوع السابع البرش
(2) النقاء قال: وهو عبارة عن كل أرض خلت من أثر ما زرع فيها للسنة الماضية، لا شاغل لها عن قبول ما تودعه (3) من أصناف المزروعات (4).
النوع الثامن الوسّخ المزروع
قال: وهو عبارة عن كل أرض لم يستحكم وسخها، ولم يقدر المزارعون على استكمال إزالته منها فحرثوها وزرعوها وطلع زرعها مختلطا بوسخها.
النوع التاسع الوسّخ الغالب
، وهو عبارة عن كل أرض حصل فيها من النبات الذي شغلها عن قبول الزراعة ما غلب المزارعين عليها، ومنعهم بكثرته عن الزراعة فيها، وهي تباع مراعي للبهائم.
النوع العاشر الخرس
(5)، وهو عبارة عن فساد الأرض بما استحكم فيها
__________
(1) كذا في قوانين الدواوين. وفي الأصل «شق شمس» (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 447).
(2) في قوانين الدواوين: ص 38، هما نوعان مختلفان فذكر البرش وقال: «هو حرث الأرض على ما تقدّم حرثها بعد ما كان فيها زراعة أيضا، ويعبر به عن أثر المقات، وبالجملة فإنه عبارة عن الأرض المحروثة وهو من أجودها للزراعة» ثم ذكر النقا وعرفه بما نقله عنه القلقشندي هنا. (المرجع السابق).
(3) كذا في قوانين الدواوين. وفي الأصل: «نوعه» (المرجع السابق).
(4) كذا في قوانين الدواوين. وفي الأصل: «المزدرعات».
(5) وهي الأرض التي تسمى علميا بالأرض القلويّة. ولا يزال وصف الخرس مستعملا للدلالة عليها في الريف المصري. ويطلقون عليها أيضا أسماء محلية مختلفة منها: القرموط والجعليص والزليق واللقن (الموسوعة العربية الميسرة: ص 120والقلقشندي وكتابه صبح الأعشى: ص 214).(3/518)
من موانع قبول الزرع، وهو أشدّ من الوسخ الغالب في التنقية والإصلاح، وهي مرعى الدوابّ.
النوع الحادي عشر الشراقي
، وهو عبارة عما لم يصل إليه الماء لقصور النيل وعلوّ الأرض، أو سدّ طريق الماء عنه.
النوع الثاني عشر المستبحر
، وهو عبارة عن أرض واطئة إذا حصل الماء فيها لا يجد مصرفا له عنها فيمضي زمن المزارعة قبل زواله بالنّضوب. قال ابن ممّاتي: وربما انتفع به من ازدرع الأرض بالاستقاء منه بالسواقي لما زرعه في العلوّ.
النوع الثالث عشر السباخ
، وهو أرض غلب عليها الملح فملحت حتّى لم ينتفع (1) بها في زراعة الحبوب، وهي أردى الأرضيين. قال ابن مماتي: وربما زرع فيما لم يستحكم منها الهليون والباذنجان، وربما قطع منها ما بسبح به الكتّان، ويزرع فيها القصب الفارسيّ فينجب (2).
الطرف الثالث في وجوه أموالها الدّيوانية، وهي على ضربين: شرعيّ وغير شرعيّ
الضرب الأوّل الشرعيّ وهو على سبعة أنواع
النوع الأوّل المال الخراجيّ، وهو ما يؤخذ عن أجرة الأرضين وله حالان
الحال الأول ما كان عليه الأمر في الزمن المتقدّم
، وقد أورد ابن ممّاتي في «قوانين الدواوين» ما يقتضي أنه كان على كلّ صنف من أصناف المزروعات
__________
(1) أصبحت الأراضي السبخة أو الملحة مع التقدم العلمي من أسهل أنواع الأراضي استصلاحا.
(2) الملاحظ أن التصنيف الذي قدمه القلقشندي للأراضي الزراعية لا يقوم على الخصائص الطبيعية للتربة وإنما أساسه في المقام الأول مبلغ تمتعها بمياه النيل والغلّة التي سبق زرعها فيها.(3/519)
قطيعة مقرّرة في الديوان السلطانيّ لا يختلف أمرها، فذكر أن قطيعة القمح كانت إلى آخر سنة سبع وستين وخمسمائة عن كل فدّان ثلاثة أرادبّ ثم انه تقرّر عند المساحة في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة إردبان ونصف إردب. ثم قال: ومن ذلك ما يباع بعين، ومنه يزرع مشاطرة قال: وقطيعة (1) الشّعير كذلك وقطيعة الفول عن كل فدّان من ثلاثة أرادبّ إلى أردبين ونصف وقطيعة الجلبان والحمّص والعدس عن كل فدّان إردبان ونصف وقطيعة الكتّان تختلف باختلاف البلاد. ثم قال: وهي على آخر ما تقرّر في الديوان عن كل فدّان ثلاثة دنانير إلى ما دونها وقطيعة القرط بالديوان عن كل فدّان دينار واحد، وفيما بين الناس مختلف وقطيعة الثّوم والبصل عن كل فدّان ديناران، وقطيعة التّرمس عن كل فدّان دينار واحد وربع، وقطيعة الكمّون والكراويا والسّلجم الصيفي عن كل فدّان دينار واحد. قال: وكان قبل ذلك دينارين، وقطيعة البطّيخ الأخضر والأصفر واللّوبياء عن كل فدّان ثلاثة دنانير، وقطيعة السّمسم عن كل فدان دينار واحد، وقطيعة القطن كذلك، وقطيعة قصب السّكّر عن كل فدّان ان كان رأسا (2) خمسة دنانير، وان كان خلفة (3) ديناران وخمسة قراريط، وقطيعة القلقاس عن كل فدّان ثلاثة دنانير، وقطيعة النّيلة عن كل فدّان ثلاثة دنانير وقطيعة الفجل عن كل فدّان دينار واحد، وقطيعة اللّفت كذلك وقطيعة الخسّ عن كل فدّان ديناران، وقطيعة الكرنب كذلك. قال:
والقطيعة المستقرّة عن خراج الشّجر والكرم تختلف باختلاف سنينه. ثم قال: وهو يدرك في السنة الرابعة ويترتب على كل فدّان ثلاثة دنانير، وقطيعة القصب الفارسيّ عن كل فدّان ثلاثة دنانير.
الحال الثاني ما الأمر عليه في زماننا
، والحال فيه مختلف باختلاف البلاد.
فالوجه القبليّ الذي هو الصعيد أكثر خراجه غلال من قمح وشعير وحمّص وفول وعدس وبسلة وجلبان ويعبّر في عرف الدواوين، عما عدا القمح والشعير
__________
(1) يقال اقتطع طائفة من الشيء أي أخذها. والقطيعة ما اقتطعه منه. (خطط المقريزي: 1/ 95).
(2) الزرعة الأولى تسمى رأسا والزرعة الثانية خلفة. (أنظر اللسان: 9/ 86).
(3) الزرعة الأولى تسمى رأسا والزرعة الثانية خلفة. (أنظر اللسان: 9/ 86).(3/520)
والحمّص بالحبوب، ثم الغالب أن يؤخذ عن خراج كل فدّان من الأصناف المذكورة ما بين إردبين إلى ثلاثة بكيل تلك الناحية، وربما زاد أو نقص عن ذلك، وفي الغالب يؤخذ مع كل إردب درهم أو درهمان أو ثلاثة، ونحو ذلك بحسب قطائع البلاد وضرائبها في الزيادة والنقص في الأرادب والدراهم وربما كان الخراج في بعض هذه البلاد دراهم، وما بار من أرض كل بلد يباع ما ثبت فيه من المرعى مناجزة (1)، وربما أخذ فيه العداد (2) على حسب عرف البلاد.
والوجه البحري غالب خراج بلاده دراهم وليس فيه ما خراج بلاده غلة إلا القليل على العكس من الوجه القبلي.
ثم الذي كان عليه الحال إلى نحو التسعين والسبعمائة في غالب البلاد أن يؤجر أثر الباق كلّ فدّان بأربعين درهما فما حولها والبرايب كلّ فدّان بثلاثين درهما فما حولها، ثم غلا السعر بعد ذلك حتّى جاوز الباق المائة والبرايب الثمانين، وبلغ البرش نحو المائتين وذلك عند غلوّ الغلال وارتفاع سعرها.
قلت: ثم تزايد الحال في ذلك بعد الثمانمائة إلى ما بعد العشر والثمانمائة حتّى صار يؤخذ في الباق عن كل فدّان نحو الأربعمائة درهم، وربما زادت الأرض الطيبة حتّى بلغت ستمائة درهم، وفي البرايب ونحوه دون ذلك بالنسبة ثم إنه إذا كان المقرّر في خراج بلد من بلاد الديار المصرية غلالا وأعوز صنف من الأصناف أن يؤخذ البدل عنها من صنف آخر من الغلّة.
وقد ذكر في «قوانين الدواوين» أن قاعدة البدل أن يؤخذ عن القمح بدل كل إردب من الشعير إردبان، ومن الفول إردب واحد ونصف، ومن الحمّص إردب، ومن الجلبان إردبّ ونصف، والشعير يؤخذ عن كل إردب منه نصف إردب
__________
(1) الناجز هو الحاضر المعجّل. يقال: بعته ناجزا بناجز أي يدا بيد وعاجلا بعاجل. (المعجم الوسيط:
903).
(2) مراده بالعداد المواشي الراعية من الإبل والبقر والغنم.(3/521)
من القمح أو ثلثا إردب من الفول أو نصف إردب من الحمّص أو ثلثا إردب من الجلبان، وفي الفول يؤخذ عن كل إردب منه ثلث إردب من القمح أو [إردب و] (1)
نصف إردب من الشعير أو ثلثي (2) إردب من الحمّص أو إردب من الجلبان، وفي الحمّص يؤخذ عن كل إردب منه إردب من القمح أو إردبان من الشعير أو إردب ونصف من الفول أو إردب ونصف من الجلبان، وفي الجلبان يؤخذ عن كل إردب منه ثلثي (3) إردب من القمح أو إردب ونصف من الشعير أو إردب من الفول أو ثلثي (4) إردب من الحمّص ثم قال: والسّمسم والسّلجم والكتّان ما رأيت لها بدلا، والاحتياط في جميع ذلك الرجوع إلى سعره الحاضر، فإنه أسلم طريقة وأحسن عاقبة.
واعلم أن بلاد الديار المصرية بالوجهين: القبلي والبحري بجملتها جارية في الدواوين السلطانية وإقطاعات الأمراء وغيرهم من سائر الجند إلا النزر اليسير مما يجري في وقف من سلف من ملوك الديار المصرية ونحوهم على الجوامع والمدارس والخوانق ونحوها مما لا يعتدّ به لقلته.
والجاري في الدواوين على ضربين:
الضرب الأوّل ما هو داخل في الدواوين السلطانية، وهو الآن على أربعة أصناف:
الصنف الأوّل ما هو جار في ديوان الوزارة (5) وأعظمه خطرا وأرفعه قدرا جهتان:
إحداهما عمل الجيزية
المتقدّم ذكره في أعمال الديار المصرية ولها
__________
(1) الزيادة عن «قوانين الدواوين». (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 451).
(2) كذا في قوانين الدواوين. وفي الأصل: «ثلث». (المرجع السابق). وكان الأجدر به استبدالها «بثلثا» على الرفع.
(3) كذا في قوانين الدواوين. وفي الأصل: «ثلث». (المرجع السابق). وكان الأجدر به استبدالها «بثلثا» على الرفع.
(4) كذا في قوانين الدواوين. وفي الأصل: «ثلث». (المرجع السابق). وكان الأجدر به استبدالها «بثلثا» على الرفع.
(5) وهو الديوان الذي كان يتولاه الوزير بنفسه.(3/522)
مباشرون بمفردها من ديوان الوزارة ما بين ناظر (1) ومستوف (2) وشهود (3)
وصيرفيّ (4) وغيرهم، وغالب خراجه مبلغ دراهم تحمل إلى بيت المال فتثبت فيه وتصرف منه في جملة مصارف بيت المال، وربما حمل من بعضها الغلّة اليسيرة من القمح وغيره للأهراء السلطانية بالفسطاط ومن أرضها تفرد الإطلاقات، ويبذر فيها البرسيم لربيع الخيول بالإصطبلات السلطانية والأمراء والمماليك السلطانية.
الثانية عمل منفلوط
، وله مباشرون كما تقدّم في الجيزيّة بل هي أرفع قدرا وأكثر متحصّلا، وغالب خراجه غلال: من قمح وفول وشعير، وغلالها تحمل إلى الأهراء السلطانية بالفسطاط ويصرف منها في جملة مصارف الأهراء على الطواحين السلطانية والمناخات وغير ذلك، وربما حمل منها المبلغ اليسير إلى بيت المال فيثبت فيه ويصرف منه على ما تقدّم في الأعمال الجيزية، وما عدا هاتين الجهتين من البلاد الجارية في ديوان الوزارة مفرّقة في الأعمال بالوجهين: القبلي والبحري، وهي في الوجه القبلي أكثر، ولكنها قد تناقصت في هذا الزمن حتّى لم يبق فيها إلا بعض بلاد بالوجه القبلي.
الصنف الثاني ما هو جار في ديوان الخاص
وهو الديوان الذي أحدثه السلطان «الملك الناصر محمد بن قلاوون» حين أبطل الوزارة على ما سيأتي ذكره، وأعظم بلاده وأرفعها قدرا مدينة الإسكندريّة فإنها في الغالب مضافة إليه وبها مباشرون من ناظر ومستوف
__________
(1) وهو من ينظر في الأموال وينفذ تصرفاتها ويرفع اليها حسابها لينظر فيه ويتأمله فيمضي ما يمضي ويرد ما يردّ. وهو المسؤول الأول عن كل ما يجري في الديوان. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 341).
(2) عمل المستوفي ضبط الديوان التابع له والتنبيه على ما فيه مصلحته من استخراج أمواله ونحو ذلك.
وسمي لأهميته باسم قطب الديوان. (المرجع السابق: ص 310).
(3) الشاهد هو الذي يشهد بمتعلقات الديوان المستخدم به نفيا وإثباتا. (المرجع السابق: 191).
(4) هو الذي يتولى قبض المال وصرفه بمعاونة الصيارفة. (المرجع السابق: 224).(3/523)
وشادّين (1) وغيرهم، وربما أخّرت عنه في جهات أخرى جارية فيه، ويليها تروجة وفوّة ونستروه، ومال جميعها يحمل إلى خزانة الخاص الآتي ذكرها تحت نظر ناظر الخاصّ الآتي ذكره.
الصنف الثالث ما هو جار في الديوان المفرد (2)
وهو ديوان أحدثه «الظاهر برقوق» في سلطنته، وأفرد له بلادا، وأقام له مباشرين وجعل الحديث فيه لأستاذ داره (3) الكبير، ورتّب عليه نفقة مماليكه من جامكيات (4) وعليف (5) وكسوة وغير ذلك.
قلت: وليس هو المخترع لهذا الاسم بل رأيت في ولايات الدولة الفاطمية بالديار المصرية ما يدل على أنه كان للخليفة ديوان يسمى: «الديوان المفرد».
الصنف الرابع ما هو جار في ديوان الأملاك
وهو ديوان أحدثه «الظاهر برقوق» المتقدّم ذكره، وأفرد له بلادا سماها أملاكا، وأقام لها أستاذ دار ومباشرين بمفردها، وهذا الديوان خاص بالسلطان ليس عليه مرتب نفقة ولا كلفة.
__________
(1) جمع شادّ. وكانت مهمته مرافقة الوزير والتفتيش على مالية الدواوين وموظفيها. وعادته إمرة عشرة.
(التعريف بمصطلحات الصبح: 191).
(2) استحدث هذا الديوان في عهد الفاطميين. (المرجع السابق: ص 149).
(3) ويقال أستادار. والأستادار الكبير هو أمير مائة. (تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي: ص 15).
(4) من الفارسية: جامة بمعنى اللباس. والجامكية في الاصطلاح الجراية الشهرية تعطى من غلّة الوقف. فهي من ناحية أجر ومن ناحية منحة. (المرجع السابق: ص 59).
(5) العلوفة والعليف: عربية الأصل، مرادفة «للمواجب» وهي الرواتب تدفع للمماليك. وعند الإنكشارية كانت تدفع كل ثلاثة أشهر هجرية. (المرجع السابق: 152و 197).(3/524)
الضرب الثاني ما هو جار في الإقطاعات
وهو جلّ البلاد بالوجهين القبليّ والبحريّ، والبلاد النفيسة الكثيرة المتحصّل في الغالب تقطع للأمراء على قدر درجاتهم، فمنهم من يجتمع له نحو العشر بلاد إلى البلد الواحدة، وما دون ذلك من البلدان يقطع للمماليك السلطانية يشترك الاثنان فما فوقهما في البلدة الواحدة في الغالب، وربما انفرد الواحد منهم بالبلد الواحد. وما دون ذلك يكون لأجناد الحلقة (1) تجتمع الجماعة منهم في البلد الواحد بحسب مقداره وحال مقطعيه، وفي معنى أجناد الحلقة المقطعون من العربان بالبحيرة والشرقية من أرباب الأدراك (2) وملتزمي خيل البريد وغيرهم.
ثم اعلم أن لبلاد الديار المصرية حالين:
الحال الأوّل
أن تنجّز إجارة طين البلد بقدر معين لا يزيد ولا ينقص وطلب الخراج على حكمها.
الحال الثاني
أن تكون البلاد مما جرت العادة بمساحة أرضها لسعة طينها واختلاف الريّ فيه بالكثرة والقلة في السنين وقد جرت العادة في ذلك أنّ كاتب خراج الناحية يطلب خولة القانون بذلك البلد وتوريخ الأحواض على المزارعين بفدن مقدّرة، وتكتب بها أوراق تسمّى أوراق المسجل، وتحمل نسختها إلى ديوان صاحب الإقطاع فتخلد فيه، فإذا طلع الزرع خرج من باب صاحب الإقطاع مباشرون، فيمسحون أرض تلك البلد في كل قبالة بأسماء المزارعين، ويكتب
__________
(1) هي فئة من الجيوش النظامية مكونة من محترفي الجندية من مماليك السلاطين السابقين وأولادهم.
وهي أقرب الفئات الى نظام الجيش الثابت في العصور الحديثة. (التعريف بمصطلحات الصبح:
ص 16).
(2) هم الجند أو الخفراء الذين يكلفون بحراسة الدرك. والدرك هو مكان معين وحراسته بالتناوب.
(المرجع السابق: ص 20).(3/525)
أصل ذلك في أوراق تسمّى الفنداق (1)، ثم تجمع القبائل (2) بأوراق تسمّى تأريج (3)
القبائل، ثم تجمع أسماء المزارعين بأوراق تسمّى تأريج (4) الأسماء، ويقابل بين ما اشتملت عليه أوراق المسجل وما اشتملت عليه مساحته، وفي الغالب يزيد عن أوراق المسجل، ويجمع ذلك وتنظم به أوراق تسمّى المكلّفة (5)، ويكتب عليها الشهود وحاكم العمل، وتحمل لديوان المقطع نسخا.
النوع الثاني ما يتحصّل مما يستخرج من المعادن
وقد تقدّم في الكلام على خواصّ الديار المصرية أن الموجود الآن بها ثلاثة معادن:
الأول «معدن الزّمرّد»
على القرب من مدينة قوص، ولم يزل مستمرّ الاستخراج إلى أواخر الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون»، ثم أهمل لقلّة ما يتحصّل منه مع كثرة الكلف وبقي مهملا إلى الآن. وقد ذكر في «مسالك الأبصار»: أنه كان له مباشرون وأمناء من جهة السلطان يتولّون استخراجه وتحصيله، ولهم جوامك (6) على ذلك. ومهما تحصل منه حمل إلى الخزائن السلطانية فيباع ما يباع، ويبقّى ما يصلح للخزائن الملوكية.
__________
(1) الفنداق هو الذي تكتب فيه المساحات حال قياسها. (المرجع السابق: 263).
(2) جمع قبالة، بفتح القاف، وهي الأرض التي يقبلها أصحابها أي يضمنونها بمبلغ من المال يؤدونه عنها في كل سنة. (المرجع السابق: 268).
(3) التأريج هو الأوراق التي يبسطها مباشر المساحة بما في السجلات ويختمها بما انتهت اليه المساحة، كما في نهاية الأرب للنويري 8/ 250. وفي الأصل: «تاريخ» وهو تحريف. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 454).
(4) التأريج هو الأوراق التي يبسطها مباشر المساحة بما في السجلات ويختمها بما انتهت اليه المساحة، كما في نهاية الأرب للنويري 8/ 250. وفي الأصل: «تاريخ» وهو تحريف. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 454).
(5) بعد نمو الزرع وإثباته في أوراق مربوطة تضم جميع هذه الأوراق وتجمع ثم تنظم وتكتب بها أوراق هامة تسمى «المكلفة» تسلم لديوان المقطع نسخ منها. وهذا من عمل مستوفي الصحبة.
(التعريف بمصطلحات الصبح: 325).
(6) انظر: جامكيات. ص 524هامش: 4(3/526)
الثاني «معدن الشّبّ»
(بالباء الموحدة في آخره) قال في «قوانين الدواوين»: ويحتاج إليه في أشياء كثيرة، أهمّها صبغ الأحمر، وللرّوم فيه من الرغبة بمقدار ما يجدون من الفائدة، وهو عندهم مما لا بدّ منه ولا مندوحة عنه ومعادنه بأماكن من بلاد الصعيد والواحات على ما تقدّم في الكلام على خواصّ الديار المصرية.
قال: وعاد الديوان أن ينفق في تحصيل كل قنطار (1) منه باللّيثي ثلاثين درهما، وربما كان دون ذلك، وتهبط به العرب [من معدنه] (2) إلى ساحل قوص، وساحل إخميم، وساحل أسيوط، وإلى البهنسى إن كان الإتيان به من الواحات، ثم يحمل من هذه السواحل إلى الإسكندريّة ولا يعتدّ للمباشرين فيه إلا بما يصح فيها عند الاعتبار. قال ابن مماتي: وأكثر ما يباع منه في المتجر بالإسكندرية خمسة آلاف قنطار بالجروي، وبيع منه في بعض السنين ثلاثة عشر ألف قنطار. وسعره من خمسة دنانير إلى خمسة دنانير وربع وسدس كلّ قنطار.
قال: أما القاهرة، فأكثر ما يباع فيها في كل سنة ثمانون قنطارا كل قنطار بسبعة دنانير ونصف ثم قال: وليس لأحد أن يبيعه، ولا يشتريه سوى الديوان السلطاني، ومتى وجد مع أحد شيء من صنفه استهلك. قلت: وقد تغير غالب حكم ذلك.
الثالث «معدن النّطرون»
(3) وقد تقدّم في الكلام على خواص الديار المصرية أن النّطرون يوجد في معدنين: أحدهما بعمل البحيرة مقابل بلدة تسمّى
__________
(1) القنطار مختلف المقدار عند الناس. وهو بمصر في زماننا: 928، 44كلغ. (المعجم الوسيط:
762).
(2) الزيادة عن قوانين الدواوين. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 455) وعبارة المقريزي: «وكانت العربان تحضره من معادنه الى ساحل إخميم وسيوط والبهنسا». (خطط المقريزي:
1/ 109).
(3) وهو كربونات الصوديوم الطبيعي المتبلور. (معجم عبد النور المفصل: 2/ 1894).(3/527)
الطرّانة على مسيرة يوم منها، وتقدّم في كلام صاحب «التعريف» أنه لا يعلم في الدنيا بقعة صغيرة يستغلّ منها أكثر مما يستغلّ منها، فإنها نحو مائة فدّان تغل نحو مائة ألف دينار كل سنة. والمعدن الثاني بالفاقوسية على القرب من الخطارة، ويعرف بالخطاريّ، وهو غير لاحق في الجودة بالأوّل.
قال في «نهاية الأرب»: وأوّل من احتجر النّطرون أحمد بن محمد بن مدبّر (1) نائب مصر قبل أحمد بن طولون، وكان قبل ذلك مباحا. قال في «قوانين الدواوين»: وهو في طور محدود لا يتصرف فيه غير المستخدمين من جهة الديوان، والنفقة على كل قنطار منه درهمان، وثمن كل قنطار منه بمصر والإسكندرية لضيق الحاجة إليه سبعون درهما، قال: والعادة المستقرّة أنه متى أنفق من الديوان في العربان عن أجرة حمولة عشرة آلاف قنطار، ألزموا بحمل خمسة عشر ألف قنطار، حسابا عن كل قنطار قنطار ونصف. ثم قال: وأكثره مصروف في نفقة الغزاة.
قلت: أما في زماننا فقد تضاعفت قيمة النّطرون وغلا سعره لاحتجار السلطان له، وأفرط حتّى خرج عن الحدّ، حتّى إنه ربما بلغ القنطار منه مبلغ ثلاثمائة درهم أو نحوها. وقد كان على النّطرون مرتّبون من كتّاب دست وكتّاب درج وأطباء وكحالين (2) وغيرهم وجماعة من أرباب الصدقات يستأدون ذلك، وينفقون على حمولته إلى ساحل النيل بالبلدة المعروفة بالطّرّانة المتقدّمة الذكر، ويبيعونه على من يرغب فيه ليتوجه به في المراكب إلى الوجه القبليّ، ولم يكن لأحد أن يبيع شيئا بالوجه البحريّ جملة، ثم بطل ذلك في أواخر الدولة الظاهرية برقوق، وصار النطرون بجملته خالصا للسلطان جاريا في الديوان المفرد تحت نظر أستاذ دار، يحمل إلى الإسكندرية والقاهرة فيخزن في شون ثم يباع منها،
__________
(1) قال المقريزي: «وهو أول من أحدث مالا سوى مال الخراج بمصر، لما ولي خراج مصر بعد سنة 250هـ. وكان من دهاة الناس وشياطين الكتاب». (خطط المقريزي: 1/ 103).
(2) أطباء العيون.(3/528)
وعليه مباشرون يحضرون الواصل والمبيع، ويعملون الحسبانات بذلك، وتميّز بذلك متحصّله للغاية القصوى.
النوع الثالث الزكاة (1)
قد تقرّر في كتب الفقه أن من وجبت عليه زكاة كان مخيرا بين أن يدفعها إلى الإمام أو نائبه، وبين أن يفرّقها بنفسه. والذي عليه العمل في زماننا بالديار المصرية أن أرباب الزكوات المؤدّين لها يفرّقونها بأنفسهم، ولم يبق منها ما يؤخذ على صورة الزكاة إلا شيئين:
أحدهما ما يؤخذ من التجار وغيرهم
على ما يدخلون به إلى البلد من ذهب أو فضة، فإنهم يأخذون على كل مائتي درهم خمسة دراهم، ثم إذا اشترى بها شيئا وخرج به وعاد بنظير المبلغ الأوّل لا يؤخذ منه شيء عليه حتّى يجاوز سنة. إلا أنهم انتقصوا سنة ذلك فجعلوها عشرة أشهر، وخصّوه بما إذا لم يزد في المدّة المذكورة على أربع مرار، فإن زاد عليها استأنفوا له المدّة، ثم إنه إذا كان بالبلد متجر لأحد من تجار الكارم (2) من بهار ونحوه وحال عليه الحول بالبلد، أخذوا عليه الزكاة أيضا. ومجرى ذلك جميعه مجرى سائر متحصّل الإسكندرية في المباشرة وغيرها.
الثاني ما يؤخذ من العداد من مواشي أهل برقة من الغنم والإبل
عند وصولهم إلى عمل البحيرة بسبب المرعى، وفي الغالب يقطع لبعض الأمراء، ويخرج قصّادهم لأخذه.
__________
(1) قال المقريزي: 1/ 108 «أما الزكاة فإن السلطان صلاح الدين أول من جباها بمصر».
(2) الكارمية: فئة من التجار كانت بيدهم تجارة البهار من الفلفل والقرنفل ونحوهما مما يجلب من الهند عن طريق ثغور اليمن، وكان معظمهم في الأصل من بلاد الكانم الإسلامية التي تقع بين بحر الغزال وبحيرة تشاد بالسودان الغربي فنسبوا الى أصلهم الجغرافي بعد تحريفه الى الكارم. (التعريف بمصطلحات الصبح: ص 73).(3/529)
النوع الرابع الجوالي (1)
وهي ما يؤخذ من أهل الذّمّة عن الجزية المقرّرة على رقابهم في كل سنة، وهي على قسمين: ما في حاضرة الديار المصرية من الفسطاط والقاهرة، وما هو خارج عن ذلك. فأما ما بحاضرة الديار المصرية، فإن لهذه الجهة بها ناظرا يولّى من جهة السلطان بتوقيع شريف، ويتبعه مباشرون من شادّ وعامل وشهود، وتحت يده حاشر لليهود وحاشر (2) للنصارى يعرف أرباب الأسماء الواردة في الديوان ومن ينضم إليهم ممن يبلغ في كل عام من الصّبيان، ويعبّر عنهم بالنّشو ومن يقدم إلى الحاضرة من البلاد الخارجة عنها، ويعبّر عنهم بالطارىء، ومن يهتدي أو يموت ممن اسمه وارد الديوان. ويملي على كتّاب الديوان ما يتجدّد من ذلك.
قال في «قوانين الدواوين»: إن الجزية كانت في زمانه على ثلاث طبقات: عليا، وهي أربعة دنانير وسدس عن كل رأس في كل سنة، ووسطى وهي ديناران وقيراطان، وسفلى وهي دينار واحد وثلث وربع دينار وحبتان من دينار، وإنه أضيف إلى جزية كل شخص درهمان وربع عن رسم الشادّ والمباشرين. ثم قال: وقد كانت العادة جارية باستخراجها في أوّل المحرّم من كل سنة، ثم صارت تستخرج في أيام من ذي الحجة. قلت: أما الآن فقد نقصت حتّى صار أعلاها خمسة وعشرين درهما، وأدناها عشرة دراهم، ولكنها صارت تستأدى معجّلة في شهر رمضان، ثم ما يتحصّل منها يحمل منه قدر معين في كل سنة لبيت المال،
__________
(1) جمع جالية وتطلق على أهل الذمة. وقد قيل لهم ذلك لأن عمر بن الخطاب أجلاهم عن جزيرة العرب، ثم لزم هذا الاسم كل من لزمته الجزية من أهل الذمة وإن لم يجلوا من أوطانهم. وقال المقريزي: «أما في زماننا هذا فإن الجوالي قلّت جدا لكثرة إظهار النصارى للإسلام في الحوادث التي مرّت بهم». (التعريف بمصطلحات الصبح: 94وخطط المقريزي: 1/ 107).
(2) موظف من اليهود أو النصارى يعاون الناظر في جباية الضربية من أهل طائفته لمعرفته بأحوالهم.
(التعريف بمصطلحات الصبح: ص 97).(3/530)
وباقي ذلك عليه مرتبون من القضاة وأهل العلم والديانة يوزّع عليهم على قدر المتحصّل.
وأما ما هو خارج عن حاضرة الديار المصرية من سائر بلدانها فإن جزية أهل الذمة في كل بلد تكون لمقطع تلك البلد من أمير أو غيره تجري مجرى مال ذلك الإقطاع، وإن كانت تلك البلد جارية في بعض الدواوين السلطانية، كان ما يتحصّل من الجزية من جهل الذمة بها جاريا في ذلك الديوان.
النوع الخامس ما يؤخذ من تجّار الكفّار الواصلين في البحر إلى الديار المصرية
واعلم أن المقرّر في الشرع أخذ العشر من بضائعهم التي يقدمون بها من دار الحرب إلى بلاد الإسلام إذا شرط ذلك عليهم. والمفتى به في مذهب الشافعيّ رضي الله عنه أن للإمام أن يزيد في المأخوذ عن العشر وأن ينقص عنه إلى نصف العشر للحاجة إلى الازدياد من جلب البضاعة إلى بلاد المسلمين، وأن يرفع ذلك عنهم رأسا إذا رأى فيه المصلحة. وكيفما كان الأخذ فلا يزيد فيه على مرّة من كل قادم بالتجارة في كل سنة، حتّى لو رجع إلى بلاد الكفر ثم عاد بالتجارة في سنته لا يؤخذ منه شيء إلا أن يقع التراضي على ذلك ثم الذي ترد إليه تجّار الكفار من بلاد الديار المصرية ثغر الإسكندرية. وثغر دمياط المحروستين، تأتي إليهما مراكب الفرنج والرّوم بالبضائع فتبيع فيهما أو تمتار منهما ما تحتاج إليه من البضائع، وقد تقرّر الحال على أن يؤخذ منهم الخمس وهو ضعف العشر عن كل ما يصل بهم في كل مرة، وربما زاد ما يؤخذ منهم على الخمس أيضا» (1).
قال ابن مماتي في «قوانين الدواوين»: وربما بلغ قيمة ما يستخرج عما قيمته مائة دينار ما يناهز خمسة وثلاثين دينارا، وربما انحط عن العشرين دينارا.
قال: ويطلق على كليهما خمس، قال: ومن الروم من يستأدى منه العشر، إلا أنه
__________
(1) وسيأتي الكلام على المكوس في الضرب الثاني من الأموال الديوانية.(3/531)
لما كان الخمس أكثر، كانت النسبة إليه أشهر. ولذلك ضرائب مستقرّة في الدواوين وأوضاع معروفة.
النوع السادس المواريث الحشرية (1)
وهي مال من يموت وليس له وارث خاص: بقرابة أو نكاح أو ولاء، أو الباقي بعد الفرض من مال من يموت وله وارث ذو فرض لا يستغرق جميع المال ولا عاصب له (2).
وهذه الجهة أيضا على قسمين: ما في حاضرة الديار المصرية، وما هو خارج عنها.
فأمّا ما بحاضرة الديار المصرية فإن لهذه الجهة ناظرا يولّى من قبل السلطان بتوقيع شريف ومعه مباشرون من شادّ وكاتب ومشارف وشهود، وهي مضافة إلى ما تحت نظر الوزارة من سائر المباشرات، ومتحصّلها يحمل إلى بيت المال، وربما كان عليها مرتّبون من أرباب جوامك وغيرهم، وقد جرت عادة هذا الديوان أنّ كاتبه في كل يوم يكتب تعريفا بمن يموت بمصر والقاهرة من حشريّ أو أهلي وتفصيله من رجال ونساء وصغار ويهود ونصارى، وتكتب منه نسخ لديوان الوزارة،
__________
(1) قال المقريزي في الخطط: 1/ 111 «وأما المواريث فإنها في الدولة الفاطمية لم تكن كما هي اليوم من أجل أن مذهبهم بتوريث ذوي الأرحام وأن البنت إذا انفردت استحقت المال بأجمعه. فلما انقضت أيامهم واستولت الأيوبية ثم الدولة التركية صار من جملة أموال السلطان مال المواريث الحشرية وهي التي يستحقها بيت المال».
(2) قال الكفوي في «الكليات»: 3/ 183 «العصبة كل من ليست له فريضة مسماة في الميراث وانما يأخذ ما يبقى بعد أرباب الفرائض فهو عصبة والجمع عصبات وهم لغة: ذكور يتصلون بأب.
وشرعا أربعة أصناف».
وقد جعلهم الجرجاني في التعريفات ثلاثة أصناف: عصبة بنفسه وعصبة بغيره وعصبة مع غيره.
(راجع التعريفات: ص 150).(3/532)
ولنظر الدواوين ومستوفي الدولة، ويسدّ من وقت العصر، فمن أطلق بعد العصر، أضيف إلى النهار القابل.
وأما ما هو خارج عن حاضرة الديار المصرية، فلها مباشرون يحصّلونها ويحملون ما يتحصّل منها إلى الديوان السلطانيّ.
النوع السابع ما يتحصّل من باب الضرب بالقاهرة
والذي يضرب فيها ثلاثة أصناف:
الصنف الأوّل الذهب
وأصله مما يجلب إلى الديار المصرية من التّبر من بلاد التّكرور وغيرها مع ما يجتمع إليه من الذهب. قال في «قوانين الدواوين»: وطريق العمل فيها أن يسبك ما يجتمع من أصناف الذهب المختلفة حتّى يصير ماء واحدا، ثم يقلب قضبانا ويقطع من أطرافها قطع بمباشرة النائب في الحكم، ويحرّر بالوزن ويسبك سبيكة واحدة، ثم يؤخذ من بعضها أربعة مثاقيل ويضاف إليها من الذهب الحائف المسبوك بدار الضرب أربعة مثاقيل، ويعمل كل منها أربع ورقات وتجمع الثمان ورقات في قدح فخار بعد تحرير وزنها. ويوقد عليها في الأتّون ليلة، ثم تخرج الورقات وتمسح ويعبّر الفرع (1) على الأصل، فإن تساوى الوزن وأجازه النائب في الحكم، ضرب دنانير، وإن نقص أعيد إلى أن يتساوى ويصح التعليق فيضرب حينئذ دنانير.
قال ابن الطّويّر في الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية بالديار المصرية في سياقه الكلام على وظيفة قضاء القضاة: وسبب خلوص الذهب بالديار المصرية ما
__________
(1) كذا في قوانين الدواوين. وفي الأصل: «القدح» وهو تحريف. (هامش الطبعة الأميرية:
3/ 461).(3/533)
حكى أن أحمد بن طولون صاحب مصر كان له إلمام بمدينة عين شمس الخراب على القرب من المطريّة من ضواحي القاهرة، حيث ينبت البلسان، وأن يد فرسه ساخت بها يوما في أرض صلدة، فأمر بحفر ذلك المكان فوجد فيه خمسة نواويس فكشفها فوجد في الأوسط منها ميتا مصبّرا في عسل، وعلى صدره لوح لطيف من ذهب فيه كتابة لا تعرف، والنواويس الأربعة مملوءة بسبائك الذهب، فنقل ذلك الذهب ولم يجد من يقرأ ما في اللوح، فدلّ على راهب شيخ بدير العربة بالصعيد له معرفة بخط الأوّلين، فأمر بإحضاره فأخبره بضعفه عن الحركة، فوجّه باللوح إليه، فلما وقف عليه قال: إن هذا يقول: أنا أكبر الملوك وذهبي أخلص الذهب. فلما بلغ ذلك أحمد بن طولون، قال: قبح الله من يكون هذا الكافر أكبر منه أو ذهبه أخلص من ذهبه، فشدّد في العيار في دور الضرب، وكان يحضر ما يعلّق من الذهب ويختم بنفسه فبقي الأمر على ما قرّره في ذلك من التشديد في العيار. وكانت دار الضرب في الدولة الفاطمية لا يتولاها إلا قاضي القضاة تعظيما لشأنها، وتكتب في عهده في جملة ما يضاف إلى وظيفة القضاء، ويقيم لمباشرة ذلك من يختاره من نوّاب الحكم، وبقي الأمر على ذلك زمنا بعد الدولة الفاطمية أيضا. أما في زماننا، فنظرها موكول لناظر الخاصّ الذي استحدثه «الملك الناصر محمد بن قلاوون» عند تعطيله الوزارة على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
والسّكّة السلطانية (1) بالديار المصرية فيما هو مشاهد من الدنانير أن يكتب على أحد الوجهين: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره الكافرون) (2) وعلى الوجه الآخر اسم السلطان الذي ضرب في زمنه وتاريخ سنة ضربه.
__________
(1) قال المقريزي: خطط 1/ 110: «وأما دار الضرب فكان بالقاهرة واحدة وبالإسكندرية واحدة وبقوص واحدة. ولا يتولى عيار دار الضرب إلا قاضي القضاة أو من يستخلفه، ثم رذلت في زمننا حتى صار يليها مسالمة فسقة اليهود المصرّين على الفسق مع ادعائهم الإسلام».
(2) ليس هذه العبارة نظم آية كما قد يتوهّم.(3/534)
الصنف الثاني الفضّة النّقرة
وقد ذكر ابن ممّاتي في «قوانين الدواوين» في عيارها أنه يؤخذ ثلاثمائة درهم فضة فتضاف إلى سبعمائة درهم من النحاس الأحمر، ويسبك ذلك حتّى يصير ماء واحدا فيقلب قضبانا ويقطع من أطرافها خمسة عشر درهما، ثم تسبك، فإن خلص منها أربعة دراهم فضة ونصف حسابا عن كل عشرة دراهم ثلاثة دراهم، وإلا أعيدت إلى أن تصح. وكأن هذا ما كان الأمر عليه في زمانه، والذي ذكره المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «مسالك الأبصار»: أن عيارها الثلثان من فضّة والثلث من نحاس، وهذا هو الذي عليه قاعدة العيار الصحيح كما كان في أيام الظاهر بيبرس وما والاها، وربما زاد عيار النحاس في زماننا على الثلث شيئا يسيرا بحيث يظهره النّقد، ولكنه يروج في جملة الفضة، وربما حصل التوقف فيه إذا كان بمفرده.
قلت: أما بعد الثمانمائة فقد قلّت الفضة، وبطل ضرب الدراهم بالديار المصرية إلا في القليل النادر لاستهلاكها في السروج والآنية ونحوها، وانقطاع واصلها إلى الديار المصرية من بلاد الفرنج وغيرها، ومن ثمّ عزّ وجود الدراهم في المعاملة بل لم تكد توجد. ثم حدث بالشأم ضرب دراهم رديئة فيها الثلث فما دونه فضة والباقي نحاس أحمر، وطريقة ضربها أن تقطع القضبان قطعا صغارا كما تقدم في الدنانير، ثم ترصع إلا أن الدنانير لا تكون إلا صحاحا مستديرة والفضة ربما كان فيها القراضات الصغار المتفاوتة المقادير فيما دون الدرهم إلى ربع درهم وما حوله وصورة السكة على الفضة كما في الذهب من غير فرق.
الصنف الثالث الفلوس المتخذة من النحاس الأحمر
وقد تقدّم أنه كان في الزمن الأوّل فلوس صغار كل ثمانية وأربعين فلسا منها معتبرة بدرهم من النّقرة إلى سنة تسع وخمسين وسبعمائة في سلطنة الناصر حسن
ابن محمد بن قلاوون الثانية، فأحدثت فلوس عبّر عنها بالجدد زنة كل فلس منها مثقال، وهو قيراط من أربعة وعشرين قيراطا من الدرهم، ثم تناقص مقدارها حتّى كادت تفسد وهي على ذلك. وطريق عملها: أن يسبك النّحاس الأحمر حتّى يصير كالماء، ثم يخرج فيضرب قضبانا، ثم يقطّع قطعا صغارا، ثم ترصع وتسك بالسكة السلطانية وسكتها أن يكتب على أحد الوجهين اسم السلطان ولقبه ونسبه، وعلى الآخر اسم بلد ضربه وتاريخ السنة التي ضرب فيها.(3/535)
وقد تقدّم أنه كان في الزمن الأوّل فلوس صغار كل ثمانية وأربعين فلسا منها معتبرة بدرهم من النّقرة إلى سنة تسع وخمسين وسبعمائة في سلطنة الناصر حسن
ابن محمد بن قلاوون الثانية، فأحدثت فلوس عبّر عنها بالجدد زنة كل فلس منها مثقال، وهو قيراط من أربعة وعشرين قيراطا من الدرهم، ثم تناقص مقدارها حتّى كادت تفسد وهي على ذلك. وطريق عملها: أن يسبك النّحاس الأحمر حتّى يصير كالماء، ثم يخرج فيضرب قضبانا، ثم يقطّع قطعا صغارا، ثم ترصع وتسك بالسكة السلطانية وسكتها أن يكتب على أحد الوجهين اسم السلطان ولقبه ونسبه، وعلى الآخر اسم بلد ضربه وتاريخ السنة التي ضرب فيها.
الضرب الثاني من الأموال الديوانية بالديار المصرية غير الشرعي، وهو المكوس، وهي على نوعين
النوع الأوّل ما يختص بالديوان السلطاني وهو صنفان
الصنف الأوّل ما يؤخذ على الواصل المجلوب، وأكثره متحصّلا جهتان
الجهة الأولى ما يؤخذ على واصل التجار الكارمية من البضائع في بحر القلزم من جهة الحجاز واليمن وما والاهما، وذلك بأربعة سواحل بالبحر المذكور
الساحل الأوّل «عيذاب»
وقد كان أكثر السواحد واصلا لرغبة رؤساء المراكب في التعدية من جدّة إليه، وإن كانت باحته متسعة لغزارة الماء وأمن اللّحاق بالشعب الذي ينبت في قعر هذا البحر، ومن هذا الساحل يتوصل إلى قوص بالبضائع ومن قوص إلى فندق الكارم بالفسطاط في بحر النيل.
الساحل الثاني «القصير»
وهو في جهة الشمال عن عيذاب، وكان يصل إليه بعض المراكب لقربه من قوص وبعد عيذاب منها وتحمل البضائع منه إلى
قوص ثم من قوص إلى فندق الكارم بالفسطاط على ما تقدّم، وإن لم يبلغ في كثرة الواصل حدّ عيذاب.(3/536)
وهو في جهة الشمال عن عيذاب، وكان يصل إليه بعض المراكب لقربه من قوص وبعد عيذاب منها وتحمل البضائع منه إلى
قوص ثم من قوص إلى فندق الكارم بالفسطاط على ما تقدّم، وإن لم يبلغ في كثرة الواصل حدّ عيذاب.
الساحل الثالث «الطّور»
وهو ساحل في جانب الرأس الداخل في بحر القلزم بين عقبة أيلة وبين بر الديار المصرية، وقد كان هذا الساحل كثير الواصل في الزمن المتقدّم، لرغبة بعض رؤساء المراكب في السير إليه، لقرب المراكب فيه من برّ الحجاز حتّى لا يغيب البر عن المسافر فيه وكثرة المراسي في بره، متى تغير البحر على صاحب المركب وجد مرساة يدخل إليها، ثم ترك قصد هذا الساحل والسفر منه بعد انقراض بني بدير العباسية التجار، ورغب المسافرون عن السفر فيه لما فيه من الشعب الذي يخشى على المراكب بسببه، ولذلك لا يسافر فيه إلا نهارا، وبقي على ذلك إلى حدود سنة ثمانين وسبعمائة، فعمر فيه الأمير صلاح الدين (1) بن عرّام رحمه الله، وهو يومئذ حاجب الحجّاب (2) بالديار المصرية مركبا وسفّرها، ثم أتبعها بمركب آخر فجسر الناس على السفر فيه وعمروا المراكب فيه، ووصلت إليه مراكب اليمن بالبضائع، ورفضت عيذاب والقصير، وحصل بواسطة ذلك حمل الغلال إلى الحجاز، وغزرت فوائد التجار في حمل الحنطة إليه.
الساحل الرابع «السّويس»
على القرب من مدينة القلزم الخراب بساحل الديار المصرية. وهو أقرب السواحل إلى القاهرة والفسطاط إلا أن الدخول إليه نادر، والعمدة على ساحل الطّور كما تقدّم.
__________
(1) هو الأمير صلاح الدين خليل بن عرّام. كان واسع الاطلاع في التاريخ والأدب وله مصنفات مفيدة وتاريخ كبير ومعرفة تامة بالأمور السياسية. قتل بالقاهرة سنة 782هـ. (هامش الطبعة الأميرية:
3/ 465).
(2) وظيفة حاجب الحجّاب في العصر المملوكي أن صاحبها ينصف بين الأمراء والجند، تارة بنفسه وتارة بمراجعة النائب إن كان. وإليه تقديم من يعرض ومن يرد وعرض الجند وما ناسب ذلك. (الصبح:
4/ 19و 5/ 449).(3/537)
قلت: وهذه السواحل على حدّ واحد في أخذ المرتّب السلطاني، وقد ذكر في «قوانين الدواوين»: أن واصل عيذاب كان استقرّ فيه الزكاة. أما الذي عليه الحال في زماننا، فإنه يؤخذ من بضائع التجار العشر مع لواحق أخرى تكاد أن تكون نحو المرتب السلطاني أيضا.
واعلم أنه قد تصل البضائع للتجار المسلمين إلى ساحل الإسكندرية ودمياط المتقدّم ذكرهما، فيؤخذ منها المرتّب السلطاني على ما توجبه الضرائب.
الجهة الثانية ما يؤخذ على واصل التجار بقطيا (1) في طريق الشام إلى الديار المصرية
وعليها يرد سائر التجار الواصلين في البر من الشام والعراق وما والاهما، وهي أكثر الجهات متحصّلا وأشدّها على التجار تضييقا وعندهم ضرائب مقرّرة لكل نوع يؤخذ عن نظيرها.
الصنف الثاني ما يؤخذ بحاضرة الديار المصرية: بالفسطاط والقاهرة
وهو جهات كثيرة، يقال إنها تبلغ اثنتين وسبعين جهة (2) منها ما يكثر متحصّله ومنها ما يقلّ، ثم بعضها ما يتحصّل من قليل وكثير، وبعضها له ضمان (3)
بمقدار معين لكل جهة، يطلب بذلك المقدار إن زادت الجهة فله وإن نقصت فعليه.
قلت: وقد عمت البلوى بهذه المكوس، وخرجت في التزيّد عن الحدّ، ودخلت الشبهة في أموال الكثير من الناس بسببها. وقد كان السلطان صلاح الدين
__________
(1) في معجم البلدان: 4/ 378 «قطية».
(2) أحصى المقريزي مداخيلها بالتفصيل. (خطط: 1/ 104).
(3) لعله ضامن.(3/538)
يوسف بن أيوب رحمه الله في سلطنته قد رفع (1) هذه المكوس ومحا آثارها، وعوّضه الله عنها بما حازه من الغنائم وفتحه من البلاد والأقاليم، وربما وقع الإلهام من الله تعالى لبعض ملوك المملكة برفع المظلمة الحاصلة منها. ومن أعظم ذلك خطرا وأرفعه أجرا ما فعله السلطان الملك الأشرف «شعبان بن حسين» ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون تغمده الله تعالى برحمته من بطلان مكوس الملاهي (2) والقراريط على الأملاك المبيعة.
النوع الثاني ما لا اختصاص له بالديوان السلطانيّ
وهي المكوس المتفرقة ببلاد الديار المصرية فتكون تابعة للإقطاع إن كانت تلك البلد جارية في ديوان من الدواوين السلطانية فمتحصّلها لذلك الديوان، أو جارية في إقطاع بعض الأمراء ونحوهم فمتحصّلها لصاحب الإقطاع، ويعبّر عنها في الدواوين بالهلالي (3) كما يعبّر عما يؤخذ من أجرة الأرضين بالخراجيّ.
المقصد الثالث (4)
في ترتيب المملكة، ولها ثلاث حالات:
الحالة الأولى
ما كانت عليه في زمن عمّال الخلفاء من حين الفتح
__________
(1) ولما ولي السلطان الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين أعاد المكوس وزاد في شناعتها. (خطط المقريزي: 1/ 105).
(2) قال المقريزي: خطط: 1/ 107 «أما ضمان الأغاني (مكوس الملاهي) فكان بلاء عظيما وهو عبارة عن أخذ مال من النساء البغايا فلو خرجت أجل امرأة في مصر تريد البغاء حتى نزلت اسمها عند الضامنة وقامت بما يلزمها لما قدر أكبر أهل مصر على منعها من عمل الفاحشة وأما ضمان القراريط فإنه كان يؤخذ من كل من باع ملكا عن كل ألف درهم عشرون درهما».
(3) المال الهلالي هو عبارة عما يستأدى مشاهرة مقابل المال الخراجي الذي يؤخذ مسانهة. (خطط المقريزي: 1/ 103و 107).
(4) لم يسبق له التعبير بالمقصد الأول والثاني ولم يجمل كعادته، فلعل هذا من بعض النسّاخ. وقد وقع في هذا الجزء شيء من هذا القبيل فاقتضى التنبيه.(3/539)
إلى آخر الدولة الإخشيدية (1) ولم يتحرر لي ترتيبها، والظاهر أنه لم يزل نوّابها وأمراؤها حينئذ على هيئة العرب إلى أن وليها أحمد بن طولون وبنوه وأحدثوا فيها ترتيب الملك. على أنه كان أكثر عسكره من السودان، حتّى يقال إنه كان في عسكره اثنا عشر ألف أسود، وتبعتهم الدولة الإخشيدية على ذلك إلى آخر دولتهم.
الحالة الثانية
من أحوال الديار المصرية ما كانت عليه في زمن الخلفاء الفاطميين وينحصر المقصود من ترتيب مملكتهم في سبع (2) جمل.
الجملة الأولى في الآلات الملوكية المختصة بالمواكب العظام
وهي على أصناف متعدّدة:
منها «التاج» (3). وكان ينعت عندهم بالتاج الشريف، ويعرف بشدّة الوقار.
وهو تاج يركب به الخليفة في المواكب العظام، وفيه جوهرة عظيمة تعرف باليتيمة زنتها سبعة دراهم ولا يقوّم عليها لنفاستها وحولها جواهر أخرى دونها يلبس الخليفة هذا التاج في المواكب العظام مكان العمامة.
ومنها «قضيب الملك». وهو عود طول شبر ونصف، ملبّس بالذهب المرصّع بالدرّ والجوهر، يكون بيد الخليفة في المواكب العظام.
ومنها «السيف الخاص». الذي يحمل مع الخليفة في المواكب. يقال إنه كان من صاعقة وقعت وحصل الظّفر بها فعمل منها هذا السيف، وحليته من ذهب
__________
(1) أسس الدولة الإخشيدية محمد بن طغج سنة 326هـ وكان آخر ملوكها أبو الفوارس أحمد بن علي سنة 357هـ وهذا الاسم (الإخشيد) كان لقبا لأمراء فرغانة القدماء الذين يزعم الإخشيديون أنهم من نسلهم. ويقال إن معناه ملك الملوك، ويذكر آخرون أن معناه: عبد. (دائرة المعارف الإسلامية: 2/ 422421).
(2) في الأصل: «ثلاث». وقد أثبت سبع جمل.
(3) هو الإكليل الذي يوضع على الرأس.(3/540)
مرصعة بالجواهر، وهو في خريطة مرقومة بالذهب لا يظهر إلا رأسه، وله أمير من أعظم الأمراء يحمله عند ركوب الخليفة في الموكب.
ومنها «الدواة». وهي دواة متخذة من الذهب وحليتها مصنوعة من المرجان على صلابته ومناعته، تلف في منديل شرب (1) أبيض [مذهب] (2)، ويحملها شخص من الأستاذين (3) في الموكب أمام الخليفة تكون بينه وبين السرج، ثم جعل حملها لعدل من العدول المعتبرين.
ومنها «الرمح». وهو رمح لطيف في غلاف منظوم باللؤلؤ وله سنان مختصر بحلية الذهب وله شخص مختص بحمله.
ومنها «الدّرقة» (4). وهي درقة كبيرة بكوابج (5) من ذهب يقولون إنها درقة حمزة عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعليها غشاء من حرير ويحملها في الموكب أمير من أكابر الأمراء، له عندهم جلالة.
ومنها «الحافر». وهي قطعة ياقوت أحمر في شكل الهلال، زنتها أحد عشر مثقالا، ليس لها نظير في الدنيا، تخاط خياطة حسنة على خرقة من حرير، وبدائرها قضب زمرد ذبابيّ (6) عظيم الشأن، تجعل في وجه فرس الخليفة عند ركوبه في المواكب.
__________
(1) نوع من القماش الشفاف تدخله خيوط حريرية أو مذهبة. (التعريف بمصطلحات الصبح:
197).
(2) الزيادة عن المقريزي: 1/ 449والنجوم الزاهرة: 4/ 87.
(3) ليس لهذا اللفظ علاقة بكلمة «أستاذ» والمقصود بالأستاذين فئة من خواص الخليفة الفاطمي، وكان لهم في الدولة الفاطمية مكانة جليلة. (التعريف بمصطلحات الصبح: 29).
(4) هي الترس من جلد ليس له خشب ولا عقب. (المعجم الوسيط: 281).
(5) في النجوم الزاهرة والمقريزي: «بكوامخ». ولعل الأصوب: «بكوابش»، من كبش أي تناول، والمقصود حيث يمسك بالترس.
(6) سمي بالذبابي لقرب لونه من لون الذباب الكبير المائل الى الخضرة.(3/541)
ومنها «المظلّة» التي تحمل على رأس الخليفة عند ركوبه. وهي قبّة على هيئة خيمة على رأس عمود كالمظلّة التي يركب بها السلطان الآن. وكانت اثني عشر شوزكا عرض سفل كل شوزك شبر، وطوله ثلاثة أذرع وثلث، وآخره من أعلاه دقيق للغاية بحيث يجتمع الاثنا عشر شوزكا في رأس عمود بدائرة، وعمودها قنطارية (1) من الزّان ملبّسة بأنابيب الذهب، وفي آخر أنبوبة ثلثي رأس العمود فلكة (2) بارزة مقدار عرض إبهام تشدّ آخر الشوازك (3) في حلقة من ذهب، وتنزل في رأس الرمح. ولها عندهم مكانة جليلة لعلوّها رأس الخليفة، وحاملها من أكبر الأمراء.
قال ابن الطوير: وكان من شرطها عندهم أن تكون على لون الثياب التي يلبسها الخليفة في ذلك الموكب، لا تخالف ذلك.
ومنها «الأعلام». وأعلاها اللواءان المعروفان بلواءي الحمد، وهما رمحان طويلان ملبّسان بأنابيب من ذهب إلى حدّ أسنّتهما، وبأعلاهما رايتان من الحرير الأبيض المرقوم بالذهب، ملفوفتان على الرمحين غير منشورتين، يخرجان لخروج المظلة إلى أميرين معدّين لحملها، ودونهما رمحان برؤوسهما أهلّة من ذهب صامت، في كل واحد منهما سبع من ديباج أحمر وأصفر، وفي فمه طارة مستديرة يدخل فيها الرمح فيفتحان فيظهر شكلهما، يحملهما فارسان من صبيان الخاصّ، ووراءهما رايات لطاف ملوّنة من الحرير المرقوم ومكتوب عليها: {نَصْرٌ مِنَ اللََّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} (4) طول كلّ راية منها ذراعان في عرض ذراع ونصف، في كل
__________
(1) نوع من الأسلحة في خزانة السلاح وتكون مدهونة ومذهبة. (التعريف بمصطلحات الصبح:
277).
(2) كذا في النجوم الزاهرة: 4/ 84وفي الأصل: «ملك» وهو تحريف. والفلكة قطعة مستديرة من الخشب ونحوه تجعل في أعلا العمود. وغالبا ما تستعمل في المغزل. (المعجم الوسيط:
201).
(3) لعلها قطع القماش المجموعة إلى بعضها والتي تؤلف سطح المظلة.
(4) سورة الصف / 13.(3/542)
واحدة ثلاث طرازات على رماح من القنا، عدّتها أبدا إحدى وعشرون راية يحملها أحد وعشرون فارسا من صبيان الخليفة وحاملها أبدا راكب بغلة.
ومنها «المذبّتان» وهما مذبّتان عظيمتان كالنخلتين ملويتان محمولتان عند رأس فرس الخليفة في الركوب.
ومنها «السلاح» الذي يحمله الركابية (1) حول الخليفة. وهو صماصم (2)
مصقولة، ودبابيس ملبّسة بالكيمخت (3) الأحمر والأسود، ورؤوسها مدوّرة، ولتوت (4) حديد كذلك ورؤوسها [مستطيلة وآلات يقال لها المستوفيات] (5) وهي عمد حديد طول ذراعين مربعات الأشكال بمقابض مدوّرة بعدّة معلومة من كل صنف، وستّمائة حربة بأسنة مصقولة، تحتها جلب (6) الفضة وثلاثمائة درقة بكوابج فضة يحمل ذلك في الموكب ثلاثمائة عبد أسود كل عبد حربتان ودرقة واحدة وستون رمحا طول كل واحد منها سبع أذرع، برأسها طلعة وعقبها من حديد يحملها قوم يقال لهم «السريرية» يفتلونها بأيديهم اليمنى فتلا متدارك الدوران ومائة درقة لطيفة ومائة سيف بيد مائة رجل، كل رجل درقة وسيف يسيرون رجّالة في الموكب وعشرة سيوف في خرائط ديباج أحمر وأصفر بشراريب يقال لها سيوف الدم، تكون في أعقاب الموكب برسم ضرب الأعناق إذا أراد الخليفة قتل أحد. وذلك كله خارج عما يخرج من خزانة التجمل برسم الوزير وأكابر الأمراء وأرباب الرتب وأزمّة (7) العساكر لتجملهم في الموكب، وهي نحو أربعمائة راية
__________
(1) موكب السلطان.
(2) جمع صمصامة وصمصام وهو السيف الصارم لا ينثني. (المعجم الوسيط 523).
(3) ضرب من الجلود المدبوغة. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 470).
(4) جمع لتّ وهو القدّوم والفأس العظيمة. وهي فارسية معربة. (التعريف بمصطلحات الصبح:
292).
(5) الزيادة عن النجوم الزاهرة: 4/ 79.
(6) جمع جلبة وهي من السكين قطعة تضم النصاب على الحديدة. (القاموس: 2/ 49).
(7) من الزمّ أي تقديم الشخص على أقارب الخليفة الفاطمي واحتسابه من أقاربه. (التعريف بمصطلحات الصبح: 171).(3/543)
مرقومة الأطراف، وبأعلاها رمامين الفضة المذهبة، وعدة من العمّاريّات (1)، وهي شبه الكنجاوات ملبسة بالحرير الأحمر والأصفر والقرمزيّ وغير ذلك، وعليها كوابج (2) الفضة المذهبة، لكل أمير من أصحاب القضب منها عمّاريّة، ويختص لواءان على رمحين منقوشين بالذهب غير منشورين يكونان أمامه في الموكب الى غير ذلك من الآلات التي يطول ذكرها، ويعسر استيعابها.
ومنها «النّقّارات» (3). وكانت على عشرين بغلا، على كل بغل ثلاث مثل نقارات الكوسات (4) بغير كوسات، تسير في الموكب اثنتين اثنتين ولها حسّ حسن.
ومنها «الخيام والفساطيط» وكان من أعظم خيمهم خيمة تعرف بالقاتول، طول عمودها سبعون ذراعا، بأعلاه سفرة (5) فضة تسع راوية (6) ماء، وسعتها ما يزيد على فدانين في التدوير، وسميت بالقاتول لأن فرّاشا (7) سقط من أعلاها فمات.
قلت: ولعمري إن هذه لأثرة عظيمة تدل على عظيم مملكة وقوّة قدرة، وأنّى
__________
(1) جمع عمّارية وهي الهودج يجلس فيه. (التعريف بمصطلحات الصبح: 250).
(2) راجع ص 541هامش (5).
(3) واحدتها نقّارة: من الآلات الملكية مختصة بالمواكب العظيمة بمصر وكانت تحمل في ركاب السلاطين الى الحرب فتستخدم في إصدار الأوامر وفي الإيذان ببدء القتال. (التعريف بمصطلحات الصبح: 352).
(4) وهي صنوج من نحاس شبه الترس الصغير يدق بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص ويتولى ذلك «الكوسى». (المرجع السابق: 290).
(5) سفرة بضم السين: ما يحمل فيه طعام المسافر. (المعجم الوسيط: 433).
(6) هي المزادة فيها الماء. (المعجم الوسيط: 384).
(7) الفرّاش هو الذي يقوم بخدمة الخليفة الفاطمي وخدمة قصوره وتنظيفها خارجا وداخلا. ويكون في حراسة أبواب القصر ليلا إذا أغلقت الأبواب. ولكل فراش في الشهر ثلاثون دينارا أو ما يقرب من ذلك. (التعريف بمصطلحات الصبح: 261).(3/544)
يتأتي مثل هذه الخيمة لملك من الملوك وإن جلّ قدره وعظم شأنه.
الجملة الثانية في حواصل الخليفة، وهي على خمسة أنواع
النوع الأوّل الخزائن، وهي ثمان (1) خزائن:
الأولى «خزانة الكتب»
. وكانت من أجل الخزائن وأعظمها شأنا عندهم، وكان فيها من المصاحف الشريفة المكتوبة بالخطوط المنسوبة الفائقة عدّة كثيرة، ومن الكتب ما يزيد على مائة ألف مجلد، مشتملة على أنواع العلوم مما يدهش الناظر ويحيره، وربما اجتمع من المصنّف الواحد فيها عشر نسخ فما دونها (2)، وكان فيها من الدّروج المكتتبة بالخطوط المنسوبة كخط ابن مقلة وابن البوّاب، ومن جرى مجراهما.
الثانية «خزانة الكسوة»
وهي في الحقيقة خزانتان،
إحداهما الخزانة الظاهرة
، وهي المعبر عنها في زماننا بالخزانة الكبرى على ما كانت عليه أوّلا، والمعبر عنها بخزانة الخاصّ على ما استقرّ عليه الحال آخرا، وكان فيها من الحواصل من الديباج الملوّن على اختلاف ضروبها، والشرب الخاص الدّبيقيّ (3)
__________
(1) وقد زاد المقريزي على هذا الخزائن: الدرق والخيم ودار التعبية ودار أفتكين ودار الفطرة ودار العلم وخزانة الجوهر والطيب. وقد فصّل ما يخرج عن هذه الخزائن تفصيلا وافيا. (خطط المقريزي:
1/ 408وما بعدها).
(2) الأنسب: فما فوقها. فقد قال المقريزي عن المسبّحي: ذكر عند العزيز بالله كتاب العين للخليل بن أحمد فأمر خزّان دفاتره فأخرجوا من خزانته نيفا وثلاثين نسخة من كتاب العين كما أخرجوا من الخزانة ما ينيف عن عشرين نسخة من تاريخ الطبري وأخرج من الخزانة مائة نسخة من كتاب الجمهرة لابن دريد. (خطط المقريزي: 1/ 408).
(3) نوع من الأقمشة الحريرية المزركشة التي كانت تصنع في دبيق، وهي بلدة بمصر قديمة زالت، وكانت واقعة على بحيرة المنزلة بالقرب من تنيس. (التعريف بمصطلحات الصبح: 133).(3/545)
والسّقلاطون (1)، وغير ذلك من أنواع القماش الفاخرة ما يدل على عظم المملكة، وإليها يحمل ما يعمل بدار الطّراز (2) بتنّيس ودمياط والإسكندريّة من مستعملات الخاص، وفيها يفصّل ما يؤمر به من لباس الخليفة، وما يحتاج إليه من الخلع والتشاريف وغير ذلك.
الثانية معدّة للباس الخليفة خاصة
، وهي المعبر عنها في زماننا بالطشت خاناه، وإليها ينقل القماش المفصّل بالخزانة الأولى من قماش الخليفة وغيره.
الثالثة «خزانة الشراب»
. وهي المعبر عنها في زماننا بالشراب خاناه، وكان فيها من أنواع الأشربة والمعاجين النفيسة والمربيات الفاخرة وأصناف الأدوية والعطريّات الفائقة التي لا توجد إلا فيها وفيها من الآلات النفيسة والآنية الصّينيّ من الزبادي (3) والصّحون والبرانيّ (4) والأزيار (5) ما لا يقدر عليه غير الملوك.
الرابعة «خزانة الطّعم»
. وهي المعبّر عنها في زماننا بالحوائج خاناه، وكانت تحتوي على عدّة أصناف من جميع أصناف القلويّات من الفستق وغيره والسّكّر والقند (6) والأعسال على أصنافها والزيت والشّمع وغير ذلك، ومنها يخرج راتب المطابخ خاصّا وعامّا، وينفق لأرباب الخدم وأصحاب التوقيعات في
__________
(1) نوع من الملابس الحريرية الفاخرة ملونة بالألوان القرمزية وغيرها. وهو اسم بلد بالروم تصنع فيه تلك الملابس وتنسب اليه. وكانت تصنع أيضا ببغداد وتبريز. (المرجع السابق: 181).
(2) دار الطراز ينسج بها جميع أنواع الأقمشة التي تعمل بتنيس ودمياط والإسكندرية. (المرجع السابق: 129).
(3) جمع زبديّة وهو وعاء من الخزف المحروق المطلي بالميناء يخثر فيه اللبن. (المعجم الوسيط:
388).
(4) مفردها برنيّة، وهي وعاء من الفخار ضيق الفوهة أملس من الداخل والخارج يحفظ به العسل والمسلى والجبن. (التعريف بمصطلحات الصبح: 62).
(5) جمع زير وهو الحبّ يوضع فيه الماء. والحبّ هو الجرّة الكبيرة. (المعجم الوسيط: 407ومعجم عبد النور المفصل: 1/ 710).
(6) وهو عسل قصب السكر إذا جمد. معرّب عن كند. (المعجم الوسيط: 762والقاموس 1/ 342).(3/546)
كل شهر، ولا يحتاج إلى غيرها إلا في اللحم والخضر.
الخامسة «خزانة السّروج»
. وهي المعبّر عنها في زماننا بالرّكاب خاناه، وكانت قاعة كبيرة بالقصر، بها السروج واللّجم من الذهب والفضّة، وسائر آلات الخيل مما يختص بالخليفة ثم منها ما هو قريب من الخاص، ومنها ما هو وسط برسم من هو من أرباب الرّتب العالية، ومنها ما هو دون برسم من هو برسم العواري أيام المواكب لأرباب الخدم.
السادسة «خزانة الفرش»
. وهي المعبّر عنها في زماننا بالفراش خاناه وكان موضعها بالقصر بالقرب من دار الملك وكان الخليفة يحضر إليها من غير جلوس ويطوف فيها، ويسأل عن أحوالها، ويأمر بإدامة عمل الاحتياجات وحملها إليها (1).
السابعة «خزانة السلاح»
. وهي المعبّر عنها في زماننا بالسلاح خاناه، فيها من أنواع السلاح المختلفة ما لا نظير له: من الزّرديّات المغشّاة بالديباج المحكمة الصّنعة المحلّاة بالفضة، والجواشن (2) المذهبة، والخوذ المحلّاة بالذهب والفضة، والسيوف العربيات والقلجوريّة، والرّماح القنا والقنطاريات المدهونة والمذهبة، والأسنّة العظيمة والقسيّ المخبورة المنسوبة إلى أفاضل الصّنّاع، وقسيّ الرجل والركاب، وقسيّ اللولب التي تبلغ زنة نصله خمسة أرطال بالمصري، والنّبل الذي يرمى به عن القسيّ العربية في المجاري المصنوعة لذلك.
قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: كان يصرف فيها في كل سنة سبعون ألف دينار إلى ثمانين ألف دينار.
__________
(1) وزاد المقريزي: «ويعطى مستخدمها خمسة عشر دينارا». (الخطط: 1/ 417).
(2) جمع جوشن، وهو مثل الزرد يلبس على الظهر. والفرق بينه وبين الزرد أن الزرد يكون من حلقة واحدة فقط، والجوشن يكون حلقة حلقة يتداخل فيها صفائح رقيقة من التنك. (هامش الطبعة الأميرية: 3/ 473).(3/547)
الثامنة «خزانة التجمّل»
(1). وهي خزانة فيها أنواع من السلاح يخرج منها للوزير والأمراء في المواكب الألوية والقضب الفضة والعمّاريّات وغيرها. قال ابن الطوير: هي من حقوق خزائن السلاح.
وأما «خزائن المال» فكان فيها من الأموال والجواهر النفيسة، والذخائر العظيمة، والأقمشة الفاخرة ما لا تحصره الأقلام.
وناهيك أن المستنصر لما وقع الغلاء العظيم بمصر، أخرج من خزانته في سنة اثنتين وستين وأربعمائة ذخائر تسعها للإعانة على قيام أمر المملكة والجند، فكان مما أخرجه ثمانون ألف قطعة بلّور كبار، وسبعون ألف قطعة من الدّيباج، وعشرون ألف سيف محلّى. ولما استولى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على القصر بعد وفاة العاضد، آخر خلفائهم، وجد فيه من الأعلاق الثمينة والتّحف ما يخرج عن حدّ الإحصاء، من جملته الحافر الياقوت المقدّم ذكره. ويقال إنه وجد فيه قضيب زمرّد يزيد على قامة الرجل على ما تقدّم ذكره في الكلام على الأحجار الملوكية في أثناء المقالة الأولى، ووجد فيه أيضا الهرم العنبر الذي عمله الأمين زنته ألف رطل بالمصريّ.
النوع الثاني حواصل المواشي المعبر عنها عند كتّاب زماننا بالكراع (2) وهي حاصلان:
الأوّل «الإصطبلات»
. وهي حواصل الخيول والبغال وما في معناها، قال ابن الطوير: وكان لهم إصطبلان (3). قال: وكان للخليفة برسم الخاصّ في كل
__________
(1) ذكرها المقريزي باسم خزانة البنود. (خطط: 1/ 423).
(2) الكراع: وجمعها أكرع وأكارع وهي أقدام الخراف والأبقار. وتأتي بمعنى الخيول. والكراع أيضا اسم يجمع الخيل والسلاح. واستعمالها هنا نوع من الاصطلاح الشعبي بأسلوب الكناية. (راجع المعجم الوسيط: 783ومعجم عبد النور: 2/ 1545).
(3) وعبارة المقريزي عن ابن الطوير «وكان لهم اصطبلان أحدهما يعرف بالطارمة يقابل قصر الشوك والآخر بحارة زويلة يعرف بالجميزة». ثم أضاف المقريزي اصطبلا ثالثا باسم اصطبل الحجرية.
كانت به خيول الصبيان الحجرية، وهي إحدى طوائف العساكر في زمن الفاطميين. (خطط المقريزي 1/ 444و 461).(3/548)
إصطبل ما يقرب من الألف رأس، النصف من ذلك برسم الخاصّ، والنصف برسم العواري في المواكب لأرباب الرّتب والمستخدمين، وكان لكل ثلاثة أرؤس منها سائس واحد، لكل واحد منها شدّاد برسم تسييرها، وبكل من الإصطبلين رائض كأمير آخور (1). ومن غريب ما يحكى أن أحدا من خلفاء الفاطميين لم يركب حصانا أدهم قطّ، ولا يرون إضافته إلى دوابّهم بالإصطبلات.
الثاني «المناخات»
(2). وهي حواصل (3) الجمال، وكان لهم من الجمال الكثيرة بالمناخات وعددها الفائقة ما يقصر عند الحدّ.
النوع الثالث حواصل الغلال وشون الأتبان
أما الغلال
فكانت لهم الأهراء في عدّة أماكن: بالقاهرة، وبالفسطاط، والمقسم ومنها تصرف الإطلاقات لأرباب الرواتب والخدم والصدقات وأرباب الجوامع والمساجد والجرايات والطواحين السلطانية، وجرايات رجال الأسطول وغير ذلك، وربما طال زمن الغلال فيها حتّى تقطع بالمساحي (4).
وأما شون الأتبان
فكان بطريق الفسطاط شونتان عظيمتان مملوءتان بالتبن معبأتان تعبئة المراكب كالجبلين الشاهقين، وينفق منها للإصطبلات والمواشي
__________
(1) أمير آخور: وظيفة يتحدّث متوليها على اصطبل السلطان أو الأمير ويتولى أمر ما فيه من الخيل والإبل وغيرها مما هو داخل في حكم الإصطبلات. وأهم العاملين في الاصطبلات هو المسؤول عن الأعلاف والمسمى «بالسلاخور». (التعريف بمصطلحات الصبح: 47وتأصيل ما ورد من الدخيل: ص 11).
(2) وهي الأمكنة التي تناخ فيها الجمال. والحواصل جمع حاصل وهو المخزن. (التعريف بمصطلحات الصبح: 331والمعجم الوسيط: 179).
(3) وهي الأمكنة التي تناخ فيها الجمال. والحواصل جمع حاصل وهو المخزن. (التعريف بمصطلحات الصبح: 331والمعجم الوسيط: 179).
(4) جمع مسحاة وهي أداة القشر والجرف. (المعجم الوسيط: 421).(3/549)
الديوانية وعوامل بساتين الملك، وكانت ضريبة كل شليف (1) عندهم ثلاثمائة وستين رطلا.
النوع الرابع حواصل البضاعة
قال ابن الطوير: وكان فيها ما لا يحصره إلا القلم من الأخشاب والحديد والطواحين النجدية والغشيمة، وآلات الأساطيل من القنّب والكتّان، والمنجنيقات والصّنّاع الكثيرة من الفرنج وغيرهم من أهل كل صنعة، وكانت الصناعة أوّلا بالجزيرة المعروفة الآن بالرّوضة، ولذلك كانت تعرف بينهم بجزيرة الصّناعة قاله القضاعيّ.
النوع الخامس ما في معنى الحواصل، لوقوع الصرف والتفرقة منه، وهو الطواحين، والمطبخ (2)، ودار الفطرة (3)
فأما الطواحين
فإنها كانت معلقة، مداراتها أسفل وطواحينها فوق كما في السواقي حتّى لا يقارب الدقيق زبل الدوابّ الدائرة لاختصاصه بالخليفة.
وأما المطبخ
فقد تقدّم في الكلام على خطط القاهرة، وكان يدخل بالطعام
__________
(1) الشليف من التبن هو الحمل. (التعريف بمصطلحات الصبح: 208).
(2) كان يشرف عليه أمير من الأمراء يسمى استادار الصحبة، والطبّاخ الأكبر بين الطباخين كان يسمى «الخوانسلار» والصبيان الذين يعملون في المطبخ يسمون «مرقدارية». (التعريف بمصطلحات الصبح: 313).
(3) أغفل المؤلف الكلام على دار الفطرة، وكانت خارج القصر قبالة الديلم ومشهد الحسين. بناها العزيز بالله وقرر فيها ما يعمل مما يحمل من الفطرة (وهي الجوز واللوز والبندق والفستق والزبيب) إلى الناس في عيد شوّال وكان مصروفها في كل سنة عشرة آلاف دينار. ومحلها اليوم الدور الواقعة في أول شارع فريد على يمين الداخل فيه من جهة الميدان القبلي لجامع سيدنا الحسين تجاه بوابة شارع الباب الأخضر. (راجع خطط المقريزي: 1/ 425والنجوم الزاهرة 4/ 122طبع دار الكتب المصرية وهامش الطبعة الأميرية: 3/ 476).(3/550)
منه إلى القصر من باب الزّهومة مكان قاعة الحنابلة من المدرسة الصالحية الآن على ما تقدّم في خطط القاهرة. قال ابن الطوير: ولم يكن لهم أسمطة عامّة في سوى العيدين وشهر رمضان.
الجملة الثالثة في ذكر جيوش الدولة الفاطمية، وبيان مراتب أرباب السيوف وهم على ثلاثة أصناف:
الصنف الأوّل الأمراء وهم على ثلاث مراتب
المرتبة الأولى مرتبة الأمراء المطوّقين
. وهم الذين يخلع عليهم بأطواق الذهب في أعناقهم، وكأنهم بمثابة الأمراء مقدّمي الألوف في زماننا.
المرتبة الثانية مرتبة أرباب القضب
، وهم الذين يركبون في المواكب بالقضب الفضّة التي يخرجها لهم الخليفة من خزانة التجمل تكون بأيديهم، وهم بمثابة الطبلخاناه في زماننا.
المرتبة الثالثة أدوان الأمراء ممن لم يؤهّل لحمل القضب
. وهم بمثابة أمراء العشرات والخمسات في زماننا.
الصنف الثاني خواص الخليفة، وهم على ثلاثة أنواع:
النوع الأوّل الأستاذون
وهم المعروفون الآن بالخدّام وبالطواشيّة، وكان لهم في دولتهم المكانة الجليلة، ومنهم كان أرباب الوظائف الخاصة بالخليفة، وأجلهم المحنّكون، وهم الذين يدوّرون عمائمهم على أحناكهم كما تفعل العرب والمغاربة الآن،
وهم أقربهم إليه وأخصهم به، وكانت عدّتهم تزيد على ألف. قال ابن الطوير:(3/551)
وهم المعروفون الآن بالخدّام وبالطواشيّة، وكان لهم في دولتهم المكانة الجليلة، ومنهم كان أرباب الوظائف الخاصة بالخليفة، وأجلهم المحنّكون، وهم الذين يدوّرون عمائمهم على أحناكهم كما تفعل العرب والمغاربة الآن،
وهم أقربهم إليه وأخصهم به، وكانت عدّتهم تزيد على ألف. قال ابن الطوير:
وكان من طريقتهم أنه متى ترشح أستاذ منهم للحنك وحنك (1)، حمل إليه كل أستاذ من المحنّكين بدلة كاملة من ثيابه وسيفا وفرسا فيصبح لاحقا بهم، وفي يده مثل ما في أيديهم.
النوع الثاني صبيان الخاص
وهم جماعة من أخصاء الخليفة نحو خمسمائة نفر منهم أمراء وغيرهم، ومقامهم مقام المعروفين بالخاصكية (2) في زماننا.
النوع الثالث صبيان الحجر
وهم جماعة من الشّباب يناهزون خمسة آلاف نفر مقيمون في حجر منفردة لكل حجرة منها اسم يخصها، يضاهون مماليك الطباق السلطانية الآن المعبر عنهم بالكتانية إلا أن عدّتهم كاملة وعللهم مزاحة، ومتى طلبوا لمهمّ لم يجدوا عائقا، وللصّبيان منهم حجرة منفردة يتسلمها بعض الأستاذين وكانت حجرتهم بمعزل عن القصر داخل باب النصر مكان الخانقاه الركنية بيبرس الآن.
الصنف الثالث طوائف الأجناد
وكانوا عدّة كثيرة، تنسب كلّ طائفة منهم إلى من بقي من بقايا خليفة من
__________
(1) لعله للتحنّك وتحنّك، لأنه الموجود في اللغة: تحنّك الرجل إذا أدار العمامة من تحت حنكه.
(القاموس 3/ 310).
(2) الخاصكية هم الذين يلازمون السلطان في خلواته ويسوقون الحمل الشريف ويجهزون في المهمات الشريفة ومتعينون للإمرة، والمقربون في المملكة. كان عدتهم في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون أربعين خاصكيا ثم ازدادوا على ذلك حتى صاروا في أيام الملك الأشرف برسباي نحو ألف خاصكي. (تأصيل ما ورد من الدخيل: ص 81وما بعدها).(3/552)
الخلفاء الماضين منهم، كالحافظية والآمرية من بقايا الحافظ والآمر، أو إلى من بقي من بقايا وزير من الوزراء الماضين كالجيوشية والأفضلية من بقايا أمير الجيوش بدر الجماليّ وولده الأفضل، أو إلى من هي منتسبة إليه في الوقت الحاضر كالوزيرية أو غير ذلك من القبائل والأجناس كالأتراك والأكراد والغز والدّيلم والمصامدة، أو من المستصنعين كالروم والفرنج والصّقالبة، أو من السّودان من عبيد الشراء، أو العتقاء وغيرهم من الطوائف، ولكل طائفة منهم قوّاد ومقدّمون يحكمون عليهم.
الجملة الرابعة في ذكر أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية، وهم على قسمين:
القسم الأوّل ما بحضرة الخليفة، وهم أربعة أصناف
الصنف الأوّل أرباب الوظائف من أرباب السيوف، وهم نوعان:
النوع الأوّل وظائف عامّة الجند، وهي تسع وظائف:
الوظيفة الأولى «الوزارة»
وهي أرفع وظائفهم وأعلاها رتبة. واعلم أن الوزارة في الدولة الفاطمية كانت تارة تكون في أرباب السّيوف، وتارة في أرباب الأقلام، وفي كلا الجانبين تارة تعلو فتكون وزارة تفويض تضاهي السلطنة الآن أو قريبا منها، ويعبر عنها حينئذ بالوزارة وتارة تنحطّ فتكون دون ذلك، ويعبر عنها حينئذ بالوساطة.
قال في «نهاية الأرب» (1): وأوّل من خوطب منهم بالوزارة يعقوب بن كلّس
__________
(1) «نهاية الأرب في فنون الأدب» تاريخ كبير في ثلاثين مجلدا لشهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري الكندي المتوفى سنة 732هـ. (كشف الظنون: 1985).(3/553)
وزير العزيز، وأوّل وزارتهم من عظماء أرباب السيوف بدر الجماليّ وزير المستنصر، وآخرهم صلاح الدين يوسف بن أيوب، ومنها استقل بالسلطنة على ما تقدّم.
الوظيفة الثانية وظيفة «صاحب الباب»
وهي ثاني رتبة الوزارة. قال ابن الطوير: وكان يقال لها الوزارة الصغرى، وصاحبها في المعنى يقرب من النائب الكافل في زماننا، وهو الذي ينظر في المظالم إذا لم يكن وزير صاحب سيف، فإن كان ثمّ وزير صاحب سيف، كان هو الذي يجلس للمظالم بنفسه، وصاحب الباب من جملة من يقف في خدمته.
الوظيفة الثالثة «الاسفهلارية»
(1). قال ابن الطوير: وصاحبها زمام كلّ زمام، وإليه أمر الأجناد والتحدّث فيهم، وفي خدمته وخدمة صاحب الباب تقف الحجّاب على اختلاف طبقاتهم.
الوظيفة الرابعة «حمل المظلّة»
في المواسم العظام: كركوب رأس العام ونحوه. وهي من الوظائف العظام، وصاحبها يسمّى حامل المظلة، وهو أمير جليل، وله عندهم التقدّم والرفعة، لحمل ما يعلو رأس الخليفة.
الوظيفة الخامسة «حمل سيف الخليفة»
في المواكب التي تحمل فيها المظلة، ويعبر عن صاحبها بحامل السيف.
الوظيفة السادسة «حمل رمح الخليفة»
في المواكب التي تحمل فيها المظلة. وهو رمح صغير يحمل مع الخليفة في المواكب، وصاحبها يعبر عنه بحامل الرمح.
الوظيفة السابعة «حمل السّلاح»
حول الخليفة في المواكب. وأصحاب هذه الوظيفة يعبر عنهم لزيهم بالركابية وبصبيان الركاب الخاص أيضا، وهم الذين
__________
(1) من «اسفهسلار». وهي كلمة أعجمية معناها قيادة الجيش. (التعريف بمصطلحات الصبح:
32).(3/554)
يعبر عنهم في زماننا بالسّلاح دارية والطّبردارية (1)، وكانت عدّتهم تزيد على ألفي رجل، ولهم اثنا عشر مقدّما، وهم أصحاب ركاب الخليفة، ولهم نقباء موكّلون بمعرفتهم، والأكابر من هؤلاء الرّكابيّة تندب في الأشغال السلطانية، وإذا دخلوا عملا كان لهم فيه الصّيت المرتفع.
الوظيفة الثامنة «ولاية (2) القاهرة»
. وكان لصاحبها عندهم الرتبة الجليلة والحرمة الوافرة، وله مكان في الموكب يسير فيه.
الوظيفة التاسعة «ولاية مصر»
. وهي دون ولاية القاهرة في الرتبة كما هي الآن، إلا أن مصر كانت إذ ذاك عامرة آهلة، فكان مقدارها أرفع مما هي عليه في زماننا.
النوع الثاني وظائف خواصّ الخليفة من الأستادين وهي عدة وظائف وهي على ضربين:
الضرب الأوّل ما يختص بالأستاذين المحنّكين، وهي تسع وظائف:
الأولى «شدّ التاج»
. وموضوعها أن صاحبها يتولّى شدّ تاج الخليفة الذي يلبسه في المواكب العظيمة بمثابة اللّفّاف في زماننا، وله ميزة على غيره بلمسه التاج الذي يعلو رأس الخليفة، وكان لشدّه عندهم ترتيب خاص لا يعرفه كل أحد، يأتي به في هيئة مستطيلة، ويكون شده بمنديل من لون لبس الخليفة، ويعبّر عن هذه الشدّة بشدّة الوقار كما تقدّم.
__________
(1) وهي مركبة من لفظين فارسيين: طبر ومعناه الفأس ودار بمعنى ممسك. أي ممسك الفأس.
(التعريف بمصطلحات الصبح: 228).
(2) الولاية في التقسيم الإداري بمعنى مديرية أو محافظة في اصطلاحنا المعاصر. وكانت مصر زمن القلقشندي مقسمة الى أربع عشرة ولاية في الوجهين البحري والقبلي. (المرجع السابق:
362).(3/555)
الثانية وظيفة «صاحب المجلس»
. وهو الذي يتولّى أمر المجلس الذي يجلس فيه الخليفة الجلوس العامّ في الموكب، ويخرج إلى الوزير والأمراء بعد جلوس الخليفة على سرير الملك يعلمهم بذلك، وينعت (بأمين الملك)، وهو بمثابة أمير خازندار في زماننا.
الثالثة وظيفة «صاحب الرسالة»
. وهو الذي يخرج برسالة الخليفة إلى الوزير وغيره.
الرابعة وظيفة «زمام القصور»
(1). وهو بمثابة زمام الدّور في زماننا.
الخامسة وظيفة «صاحب بيت المال»
(2). وهو بمثابة الخازندار في زماننا.
السادسة وظيفة «صاحب الدفتر»
(3) المعروف بدفتر المجلس. وهو المتحدّث على الدواوين الجامعة لأمور الخلافة.
السابعة وظيفة «حامل الدواة»
. وهي دواة الخليفة المتقدّم ذكرها، وصاحب هذه الوظيفة يحمل الدواة المذكورة قدّامه على السّرج ويسير بها في المواكب.
الثامنة وظيفة «زمّ الأقارب»
. وصاحبها يحكم على طائفة الأشراف الذين هم أقارب الخليفة وكلمته نافذة فيهم.
__________
(1) من: «الزّمّ»، وهو تقديم الشخص على أقارب الخليفة الفاطمي واحتسابه من أقاربه. وزمام القصر هو الذي يتولى إدارة خدام القصر والإشراف على أعمالهم. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 173171).
(2) المراد بكتابة الأموال كل ما رجع من صناعة الكتابة الى تحصيل المال وصرفه وما يجري مجرى ذلك ككتابة بيت المال والخزائن السلطانية وما يدخلها من أموال الخراج وما يجري مجراه من النفقات.
(المرجع السابق: 213).
(3) كان لصاحب الدفتر مائة دينار شهريا كما سيأتي وهو يعتبر من حاشية الخليفة.(3/556)
التاسعة «زمّ الرجال»
. وهو الذي يتولى أمر طعام الخليفة كأستادار الصحبة.
الضرب الثاني ما يكون من غير المحنّكين، ومن مشهوره وظيفتان:
الوظيفة
الأولى «نقابة الطالبيّين»
. وهي بمثابة نقابة الأشراف الآن، ولا يكون إلا من شيوخ هذه الطائفة وأجلّهم قدرا وله النظر في أمورهم، ومنع من يدخل فيهم من الأدعياء وإذا ارتاب بأحد أخذه بإثبات نسبه. وعليه أن يعود مرضاهم، ويمشي في جنائزهم، ويسعى في حوائجهم، ويأخذ على يد المتعدّي منهم، ويمنعه من الاعتداء، ولا يقطع أمرا من الأمور المتعلقة بهم إلا بموافقة مشايخهم ونحو ذلك.
الوظيفة الثانية «زم الرجال»
. وصاحبها يتحدّث على طوائف الرجال والأجناد كزمّ صبيان الحجر، وزمّ الطائفة الآمرية والطائفة الحافظية، وزمّ السودان وغير ذلك وهو بمثابة مقدّم المماليك في زماننا.
الصنف الثاني من أرباب الوظائف بحضرة الخليفة أرباب الأقلام، وهم على ثلاثة أنواع:
النوع الأول أرباب الوظائف الدينية، والمشهور منهم ستة:
الأول «قاضي القضاة»
. وهو عندهم من أجلّ أرباب الوظائف وأعلاهم شأنا وأرفعهم قدرا. قال ابن الطوير: ولا يتقدّم عليه أحد أو يحتمي عليه، وله النظر في الأحكام الشرعية ودور الضّرب وضبط عيارها، وربما جمع قضاء الديار المصرية وأجناد الشأم وبلاد المغرب لقاض واحد وكتب له به عهد واحد كما سيأتي في الكلام على الولايات إن شاء الله تعالى.
ثم إن كان الوزير صاحب سيف، كان تقليده من قبله نيابة عنه، وإن لم
يكن، كان تقليده من الخليفة.(3/557)
ثم إن كان الوزير صاحب سيف، كان تقليده من قبله نيابة عنه، وإن لم
يكن، كان تقليده من الخليفة.
ويقدّم له من إصطبلات الخليفة بغلة شهباء يركبها دائما، وهو مختص بهذا اللون من البغال دون أرباب الدولة، ويخرج له من خزانة السروج مركب ثقيل وسرج برادفتين من الفضة، وفي المواسم الأطواق، وتخلع عليه الخلع المذهبة وكان من مصطلحهم أنه لا يعدّل شاهدا إلا بأمر الخليفة، ولا يحضر إملاكا ولا جنازة إلا بإذن، وإذا كان ثمّ وزير لا يخاطب بقاضي القضاة لأن ذلك من نعوت الوزير، ويجلس يوم الاثنين والخميس بالقصر أول النهار للسلام على الخليفة، ويوم السبت والثلاثاء يجلس بزيادة الجامع العتيق بمصر، وله طرحة ومسند للجلوس وكرسيّ توضع عليه دواته. وإذا جلس بالمجلس، جلس الشهود حواليه يمنة ويسرة على مراتبهم في تقدّم تعديلهم. قال ابن الطوير: حتى يجلس الشابّ المتقدّم التعديل أعلى من الشيخ المتأخر التعديل، وبين يديه أربعة موقعون اثنان مقابل اثنين، وببابه خمسة حجّاب: اثنان بين يديه واثنان على باب المقصورة وواحد ينفذ الخصوم. ولا يقوم لأحد وهو في مجلس الحكم البتّة.
الثاني «داعي الدّعاة»
(1). وكان عندهم يلي قاضي القضاة في الرتبة ويتزيّا بزيه في اللباس وغيره. وموضوعه عندهم أنه يقرأ عليه مذاهب أهل البيت بدار تعرف بدار العلم، ويأخذ العهد على من ينتقل إلى مذهبهم.
الثالث «المحتسب»
. وكان عندهم من وجوه العدول وأعيانهم، وكان من شأنه أنه إذا خلع عليه قريء سجلّه بمصر والقاهرة على المنبر ويده مطلقة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قاعدة الحسبة ولا يحال بينه وبين مصلحة أرادها ويتقدّم إلى الولاة بالشدّ منه، ويقيم النوّاب عنه بالقاهرة ومصر
__________
(1) وتجمع أحيانا وظيفتا قاضي القضاة وداعي الدعاة لدى رجل واحد. (خطط المقريزي:
1/ 403).(3/558)
وجميع الأعمال كنوّاب الحكم ويجلس بجامعي القاهرة ومصر يوما بيوم، وباقي أمره على ما الحال عليه الآن.
قلت: ورأيت في بعض سجلاتهم إضافة الحسبة بمصر والقاهرة إلى صاحبي الشّرطة بهما أحيانا.
الرابع «وكالة بيت المال»
. وكانت هذه الوكالة لا تسند إلا لذوي الهيبة من شيوخ العدول، ويفوّض إليه عن الخليفة بيع ما يرى بيعه من كل صنف يملك ويجوز التصرف فيه شرعا، وعتق المماليك، وتزويج الإماء، وتضمين ما يقتضي الضمان، وابتياع ما يرى ابتياعه، وإنشاء ما يرى إنشاءه من البناء والمراكب وغير ذلك مما يحتاج إليه في التصرف عن الخليفة.
الخامس «النائب»
. والمراد نائب صاحب الباب المتقدّم ذكره المعبّر عنه في زماننا بالمهمندار (1). قال ابن الطوير: ويعبّر عن هذه النيابة بالنيابة الشريفة. قال وهي رتبة جليلة، يتولاها أعيان العدول وأرباب الأقلام وصاحبها ينوب عن صاحب الباب في تلقّي الرّسل الواردين على الخليفة على مسافة وقفة نوّاب الباب في خدمته، وينزل كلّا منهم في المكان اللائق به، ويرتّب لهم ما يحتاجون إليه، ولا يمكّن أحدا من الاجتماع بهم، ويتولّى افتقادهم، ويذكّر صاحب الباب بهم، ويسعى في نجاز أمرهم، وهو الذي يسلّم بهم على الخليفة أو الوزير ويتقدّمهم ويستأذن عليهم، ويدخل الرسول وصاحب الباب قابض على يده اليمنى، والنائب قابض على يده اليسرى فيحفظ ما يقولون وما يقال لهم، ويجتهد في انفصالهم على أحسن الوجوه، وإذا غاب أقام عنه نائبا إلى أن يعود.
ومن شريطته أنه لا يتناول من أحد من الرسل تقدمة ولا طرفة إلا بإذن.
__________
(1) هذا اللفظ مركب من لفظين فارسيين: أحدهما: مهمن، بفتح الميمين، ومعناه الضيف والثاني:
دار ومعناه ممسك. والمعنى إجمالا: القائم على أمره. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى:
334).(3/559)
قال ابن الطوير: وهو المسمّى الآن بالمهمندار، وسيأتي في الكلام على ترتيب المملكة المستقّر أن المهمندار الآن من أصحاب السيوف، وكأنّ ذلك لموافقة الدولة في اللسان والهيئة.
السادس «القرّاء»
. وكان لهم قرّاء يقرأون بحضرة الخليفة في مجالسه وركوبه في المواكب وغير ذلك، وكان يقال لهم «قرّاء الحضرة» يزيدون في العدّة على عشرة نفر، وكانوا يأتون في قراءتهم في المجالس ومواكب الركوب بآيات مناسبة للحال بأدنى ملابسة، قد ألفوا ذلك وصار سهل الاستحضار عليهم، وكان ذلك يقع منهم موقع الاستحسان عند الخليفة والحاضرين، حتّى إنه يحكى أن بعض الخلفاء غضب على أمير فأمر باعتقاله، فقرأ قاريء الحضرة: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجََاهِلِينَ} (1) فاستحسن ذلك وأطلقه إلا أنهم كانوا ربما آتوا بآيات إذا روعي قصدهم فيها، أخرجت القرآن عن معناه: كما يحكى أنه لما استوزر المستنصر بدر الجماليّ قرأ قارئهم: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللََّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} (2) ولما استوزر الحافظ رضوان قرأ قارئهم: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوََانٍ} (3) إلى غير ذلك من الوقائع.
النوع الثاني من أرباب الأقلام أصحاب الوظائف الديوانية، وهي على أربعة (4) أضرب:
الضرب الأول الوزارة إذا كان الوزير صاحب قلم
اعلم أن أكثر وزرائهم في ابتداء دولتهم إلى أثناء خلافة المستنصر كانوا من
__________
(1) سورة الأعراف / 199.
(2) سورة آل عمران / 123.
(3) سورة التوبة / 21.
(4) في الأصل: «ثلاثة». وقد أثبتنا المعدود.(3/560)
أرباب الأقلام: تارة وزارة تامة وتارة وساطة (1)، وهي رتبة دون الوزارة وممن اشتهر من وزرائهم أرباب الأقلام فيما ذكره ابن الطوير: يعقوب بن كلّس (2) وزير العزيز، والحسن بن عبد الله اليازوريّ (3) وزير المستنصر، وأبو سعيد التّستري (4)، والجرجراني (5)، وابن أبي كدينة (6)، وأبو الطاهر أحمد بن بابشاذ (7)
صاحب المقدّمة في النحو، ووزير الوزراء علي بن فلاح (8)، والمغربيّ وزير
__________
(1) وهي وظيفة يدل معناها على أن القائم بها وسيط بين الخليفة ورعاياه. وقد ظهرت هذه الوظيفة في عهد الحاكم بأمر الله عند ما رغب أن يستبد بالسلطة، فأبدل منصب الوزارة بوظيفة الوساطة. وأول من أسندت اليه الوساطة ابن عمّار. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 360).
(2) تولى الوزارة من سنة 367هـ الى 373هـ. لقبه العزيز بالوزير الأجلّ. (الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي: 30524164).
(3) الأرجح أنه: الحسن بن علي اليازوري. تولى الوزارة من سنة 442هـ الى سنة 450هـ. وقد كان قبل توليه الوزارة قاضيا للقضاة وداعيا للدعاة. لقّب ب «الوزير الأجلّ، الأوحد المكين، سيد الوزراء، تاج الأصفياء، علم المجد، خالصة أمير المؤمنين» بالإضافة الى داعي الدعاة وقاضي القضاة. ثم زيد في نعوته: الناصر للدين، غياث المسلمين. (المرجع السابق: 30766).
(4) هو الحسن بن إبراهيم التستري. دامت وزارته شهرا واحدا وأياما. (المرجع السابق: 309).
(5) جاء في حاشية الطبعة الأميرية 3/ 485: «كذا في كتاب «الإشارة الى من نال الوزارة» لابن الصيرفي ومعجم البلدان لياقوت، نسبة الى جرجرايات، بلد من أعمال النهروان الأسفل بين واسط وبغداد. وفي الأصل: «الجرجاني» وهو تحريف».
وفي: الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي: «الجرجرائي». وقد تولى الوزارة في خلافة المستنصر الفاطمي اثنان باسم الجرجرائي: الأول علي بن أحمد الجرجرائي والثاني الحسين بن عماد الدولة الجرجرائي، تولاها مرتين: سنة 439هـ وسنة 456هـ. (الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي: 309307).
(6) وهو: مجلي بن أسد بن كدينة. تولى الوزارة أربع عشرة مرّة، جميعها في عهد المستنصر. في المرة الأولى بتاريخ شعبان 455هـ والأخيرة في ربيع الأول سنة 466هـ. (المرجع السابق:
ص 308الى 311).
(7) في كشف الظنون: ص 1804 «ابن بابشاذ، أبو الحسن طاهر بن أحمد النحوي المتوفى سنة 469».
(8) هو علي بن جعفر بن فلاح. تولى الوزارة في شوال سنة 406هـ واستمر فيها ثلاث سنوات.
(المرجع السابق: 306).(3/561)
المستنصر (1)، وهو آخر من وزّر لهم من أصحاب الأقلام، وعليه قدّم أمير الجيوش بدر الجماليّ (2) فوزّر للمستنصر على ما تقدّم ذكره وربما تخلل تلك المدّة الأولى في الوساطة أرباب السيوف، كبرجوان (3) الخادم، وقائد القوّاد الحسين بن جوهر (4)، وثقة ثقات السيف والقلم عليّ بن صالح (5) كلهم في أيام الحاكم. وربما ولي الوساطة بعض النصارى، كعيسى بن نسطورس (6) في أيام العزيز، ومنصور بن عبدون (7) الملقب بالكافي، وزرعة بن نسطورس (8) الملقب بالشافي كلاهما في أيام الحاكم. وربما كان الأمر شورى في أهل المروادني (9)
وكان من زيّ وزرائهم أصحاب الأقلام أنهم يلبسون المناديل الطبقيات بالأحناك تحت حلوقهم كالعدول، وينفردون بلبس الدراريع مشقوقة من النحر إلى أسفل الصدر بأزرار وعرى وهذه علامة الوزارة ومنهم من تكون أزراره من ذهب مشبك، ومنهم من تكون أزراره من لؤلؤ، وعادته أن تحمل له الدواة المحلاة بالذهب من خزانة الخليفة ويقف بين يديه الحجّاب، وأمره نافذ في أرباب السيوف من الأجناد وفي أرباب الأقلام.
__________
(1) هو محمد بن جعفر بن الحسين المغربي، وكان يلقب بالكامل تولى الوزارة مرتين في عهد المستنصر سنة 450هـ و 461هـ. (المرجع السابق: ص 31130866).
(2) لقب بدر الجمالي بألقاب كثيرة، وقد تولى الوزارة في جمادى الأولى سنة 466هـ. (المرجع السابق: ص 67).
(3) هو أبو الفتوح برجوان. تولى الوزارة في شعبان سنة 387هـ. (المرجع السابق: ص 305).
(4) تولى الوزارة للحاكم في جمادى الأولى سنة 390هـ. (المرجع السابق).
(5) في الوزارة والوزراء عن المقريزي: «صالح بن علي الروزباري» تولى الوزارة للحاكم في شعبان سنة 398هـ، وقد اختص بلقب «ثقة ثقات السيف والقلم». (الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي: 24665).
(6) تولى الوزارة في رمضان سنة 383هـ. (المرجع السابق: 305).
(7) تولى الوزارة للحاكم في صفر سنة 400هـ. (المرجع السابق: 306).
(8) تولّي الوزارة للحاكم في محرّم سنة 401هـ (المرجع السابق).
(9) كذا في الأصل مضببا عليه إشارة التوقف. ولعله: المروءات. (حاشية الطبعة الأميرية 3/ 486).(3/562)
الضرب الثاني ديوان الإنشاء، وكان يتعلق به عندهم ثلاث وظائف:
الأولى «صحابة ديوان الإنشاء والمكاتبات»
وكان لا يتولّاه إلا أجل كتاب البلاغة، ويخاطب بالأجلّ وكان يقال له عندهم كاتب الدّست الشريف، وإليه تسلّم المكاتبات الواردة مختومة فيعرضها على الخليفة من يده، وهو الذي يأمر بتنزيلها والإجابة عنها ويستشيره الخليفة في أكثر أموره ولا يحجب عنه متى قصد المثول بين يديه، وربما بات عنده الليالي، ولا سبيل إلى أن يدخل إلى ديوانه ولا يجتمع بكتّابه أحد إلا خواصّ الخليفة. وله حاجب من أمراء الشّيوخ، وله مرتبة عظيمة للجلوس عليها بالمخادّ والمسند، ودواته من أخصّ الدّويّ وأحسنها إلا أنه ليس لها كرسيّ توضع عليه كدواة قاضي القضاة، ويحملها له أستاذ من الأستاذين المختصين بالخليفة إذا أتى إلى حضرته (1).
الثانية «التوقيع بالقلم الدقيق في المظالم»
وهي رتبة جليلة تلي رتبة صاحب ديوان الإنشاء والمكاتبات، يكون صاحبها جليسا للخليفة في أكثر أيام الاسبوع في خلوته، يذاكره ما يحتاج إليه من كتاب الله تعالى أو أخبار الأنبياء والخلفاء الماضين، ويقرأ عليه ملح السّير، ويكرر عليه ذكر مكارم الأخلاق، ويقوّي يده في تجويد الخط وغير ذلك. وصحبته للجلوس دواة محلّاة، فإذا فرغ من المجالسة ألقى في الدواة كاغدة فيها عشرة دنانير، وقرطاس فيه ثلاثة مثاقيل ندّ مثلّث خاصّ ليتبخر به عند دخوله على الخليفة ثاني دفعة. وإذا جلس الوزير صاحب السيف للمظالم، كان إلى جانبه يوقّع بما يأمر به في المظالم. وله موضع من حقوق ديوان المكاتبات لا يدخل إليه أحد إلا بإذن، وفرّاش لتقديم القصص ويرفع إليه هناك قصص المظالم ليوقّع عليها بما يقتضيه الحال كما يفعل كاتب السر الآن.
__________
(1) وزاد المقريزي على ما تقدّم: «وكان جارية مائة وعشرين دينارا في الشهر». (خطط المقريزي:
1/ 402).(3/563)
الثالثة «التوقيع بالقلم الجليل»
وكان يسمّى عندهم الخدمة الصغيرة لجلالتها، ولصاحبها الطّرّاحة والمسند في مجلسه بغير حاجب. وموضوعها الكتابة بتنفيذ ما يوقّع به صاحب القلم الدقيق، وبسطه. وصاحب القلم الدقيق في المعنى ككاتب السر أو كاتب الدّست في زماننا، وصاحب القلم الجليل ككاتب الدّرج.
فإذا رفعت قصص المظالم، حملت إلى صاحب القلم الدقيق فيوقّع عليها بما يقتضيه الحال بأمر الخليفة أو أمر الوزير أو من نفسه، ثم تحمل إلى الموقّع بالقلم الجليل لبسط ما أشار إليه صاحب القلم الدقيق، ثم تحمل في خريطة إلى الخليفة فيوقّع عليها، ثم تخرج في خريطتها إلى الحاجب فيقف على باب القصر، ويسلّم كلّ توقيع لصاحبه. أمّا توقيع الخليفة بيده على القصص، فإنه إن كان ثمّ وزير صاحب سيف وقّع الخليفة على القصة بخطه: «وزيرنا السيد الأجل (ونعته بالمعروف به) أمتعنا الله تعالى ببقائه يتقدّم بكذا وكذا إن شاء الله تعالى» ويحمل إلى الوزير فإن كان يحسن الكتابة، كتب تحت خط الخليفة: «أمتثل أمر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه» وإن كان لا يحسن الكتابة، كتب أمتثل فقط وإن لم يكن وزير صاحب سيف: فإن أراد الخليفة نجاز الأمر لوقته، وقّع في الجانب الأيمن من القصة «يوقّع بذلك» فتخرج إلى صاحب ديوان المجلس فيوقّع عليها بالقلم الجليل ويخلى موضع العلامة (1)، ثم تعاد إلى الخليفة فيكتب في موضع العلامة (يعتمد) وتثبت في الدواوين بعد ذلك. وإن كان يوقع في مساحة أو تسويغ أو تحبيس، كتبت لرافعها بذلك «وقد أمضينا ذلك» وإن أراد علم حقيقة القصة، وقّع على جانب القصة «ليخرج الحال في ذلك» وتحمل إلى الكاتب فيكتب الحال وتعاد إلى الخليفة فيفعل فيها ما أراد من توقيع ومنع، والله أعلم.
__________
(1) وكانت علامتهم أبدا: «الحمد لله رب العالمين». (خطط المقريزي: 1/ 403).(3/564)
الضرب الثالث ديوان الجيش والرواتب، وهو على ثلاثة أقسام:
الأول «ديوان الجيش»
. ولا يكون صاحبه إلا مسلما، وله الرتبة الجليلة والمكانة الرفيعة وبين يديه حاجب، وإليه عرض الأجناد وخيولهم، وذكر حلاهم وشيات خيولهم. وكان من شرط هذا الديوان عندهم ألا يثبت لأحد من الأجناد إلا الفرس الجيد من ذكور الخيل وإناثها دون البغال والبراذين، وليس له تغيير أحد من الأجناد ولا شيء من إقطاعهم إلا بمرسوم. وبين يدي صاحب هذا الديوان نقباء الأمراء، يعرّفونه أحوال الأجناد من الحياة والموت والغيبة والحضور وغير ذلك، على ما الحال عليه الآن. وكان قد فسح للأجناد في المقايضة بالإقطاعات لما لهم في ذلك من المصالح كما هو اليوم، بتوقيعات من صاحب ديوان المجلس من غير علامة ولم يكن لأمير من أمرائهم بلد كاملة، وإن علا قدره إلا في النادر. ومن هذا الديوان كان يعمل أوراق أرباب الجرايات، وله خازنان برسم رفع الشواهد.
الثاني «ديوان الرواتب»
. وكان يشتمل على اسم كل مرتزق في الدولة وجار وجراية (1) وفيه كاتب أصيل بطرّاحة ونحو عشرة معينين (2)، والتعريفات واردة عليه من كل عمل باستمرار من هو مستمرّ ومباشرة من استجدّ وموت من مات، وفيه عدّة عروض يأتي ذكرها في الكلام على إجراء الأرزاق والعطاء.
الثالث «ديوان الإقطاع»
. وكان مختصّا عندهم بما هو مقطع للأجناد، وليس للمباشرين فيه تنزيل حلية جنديّ ولا شية دابته، وكان يقال لإقطاعات العربان في أطراف البلاد وغيرها الاعتداد، وهي دون عبرة الأجناد.
__________
(1) في المقريزي: 1/ 401: «وجار وجارية».
(2) في المرجع السابق: «وفيه من المعينين والمبيضين نحو عشرة أنفس».(3/565)
الضرب الرابع نظر الدواوين
وصاحب هذه الوظيفة هو رأس الكل، وله الولاية والعزل، وإليه عرض الأرزاق في أوقات معروفة على الخليفة والوزير، وله الجلوس بالمرتبة والمسند، وبين يديه حاجب من أمراء الدولة وتخرج له الدواة من خزانة الخليفة بغير كرسيّ، وإليه طلب الأموال واستخراجها والمحاسبة عليها، ولا يعترض فيما يقصده من أحد من الدولة. قال ابن الطوير: ولم ير في هذا الوظيفة نصرانيّ إلا الأحرم (1).
الثانية (2) «ديوان التحقيق»
. وموضوعه المقابلة على الدواوين، وكان لا يتولاه إلا كاتب خبير، وله الخلع ومرتبة يجلس عليها وحاجب بين يديه، ويفتقر إليه في كثير من الأوقات، ويلحق برأس الدواوين المتقدّم ذكره.
الثالثة «ديوان المجلس»
. قال ابن الطوير: وهو أصل الدواوين قديما، وفيه معالم (3) الدولة بأجمعها، وفيه عدّة كتّاب، وعنده (4) معين أو معينان، وصاحب هذا الديوان هو المتحدّث في الإقطاعات، ويخلع عليه وينشأ له سجلّ بذلك لا حق بديوان النظر، وله دواة تخرج له من خزانة الخليفة وحاجب يقف بين يديه، وكان يتولاه عندهم أحد كتّاب الدولة ممن يكون مترشحا لأن يكون رأس الدواوين، ويسمى استيماره (5) دفتر المجلس، وهو متضمن للعطاء والظاهر من الرسوم التي تقرّر في غرّة السنة والضحايا، وما ينفق في دار الفطرة في عيد الفطر،
__________
(1) في المرجع السابق: «ولم ير فيه نصراني إلا الأحزم (بالزاي) ولم يتوصل اليه إلا بالضمان».
(2) لم يتقدم له تقسيم ولم يذكر أولى لتكون هذه ثانية. والذي يفهم من المقام أنها وظائف، وأن وظيفة نظر الدواوين أولى، ونظر ديوان التحقيق ثانية.
(3) عبارة المقريزي: خطط 1/ 397: «علوم».
(4) المقصود لكل كاتب. وعبارة المقريزي: «ولكل واحد مجلس مفرد وعنده معين الخ».
(المرجع السابق).
(5) من لفظ «استيمارة» الفارسي. وما زلنا نعرفها حتى اليوم. وهي ورقة رسمية يثبت عليها كل مبلغ معتمد للصرف كمرتبات موظفي الدولة. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 30).(3/566)
وفي فتح الخليج والأسمطة المستعملة في رمضان وغيره، وسائر المآكل والمشارب والتشريفات، وما يطلق من الأهراء من الغلّات، وما لأولاد الخليفة وأقاربه وأرباب الرواتب على اختلاف الطبقات من المرتّب، وما يرد من الملوك من الهدايا والتحف، وما يبعث به إليه من الملاطفات، ومقادير صلات الرسل الواردين بالمكاتبات، وما يخرج من الاكفان لمن يموت من الحريم، وضبط ما ينفق في الدولة من المهمّات ليعلم ما بين السنة والأخرى من التفاوت وغير ذلك من الأمور المهمة. وهذا الديوان في زماننا قد تفرق إلى عدّة دواوين كالوزارة ونظر الخاص والجيش وغيرها.
الرابعة «ديوان خزائن الكسوة»
. وكان لها عندهم رتبة عظيمة في المباشرات. وقد تقدّم ذكر حواصلها في جملة الخزائن فيما سبق.
الخامسة «الطّراز»
. وكان يتولاه الأعيان من المستخدمين، من أرباب الأقلام، وله اختصاص بالخليفة دون كافة المستخدمين، ومقامه بدمياط وتنّيس وغيرهما من مواضع الاستعمالات، ومن عنده تحمل المستعملات إلى خزانة الكسوة المقدّمة الذكر.
السادسة «الخدمة في ديوان الأحباس»
قال ابن الطوير: وهي أوكد الدواوين مباشرة ولا يخدم فيها إلا أعيان كتّاب المسلمين من الشهود المعدّلين، وفيها عدّة مدراء بسبب أرباب الرواتب، وكان فيه كاتبان ومعينان لنظم الاستيمارات، ويورد في استيماره كل ما في الرقاع والرواتب، وما يجبى له من جهات كلّ من الوجهين القبليّ والبحريّ.
السابعة «الخدمة بديوان الرواتب»
. وفيه مرتّبات الوزير فمن دونه إلى الضوّي (1) قال ابن الطوير: بلغ في بعض السنين ما يزيد على مائة ألف دينار ونحوا من مائتي ألف، ومن القمح والشعير عشرة آلاف إردب، وكان استيمار الرواتب يعرض في كل سنة على الخليفة فيزيد من يزيد، وينقص من ينقص، وإنه عرض
__________
(1) أي الى أقلّ العمّال. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 146).(3/567)
سنة على المستنصر بالله فلم يعترض أحدا من المرتّبين بنقص، ووقّع على ظاهر الاستيمار بخطه «الفقر مرّ المذاق، والحاجة تذلّ الأعناق، وحراسة النّعم بإدرار الأرزاق، فليجروا على رسومهم في الإطلاق، ما عندكم ينفد، وما عند الله باق» وأمر وليّ الدولة ابن خيران (1) كاتب الإنشاء بإمضاء ذلك.
الثامنة «الخدمة في ديوان الصعيد»
من الصعيد الأعلى والصعيد الأدنى.
وكان فيه عدة كتّاب فروع، والاستيفاء مقسوم بينهم، وعليهم عمل التذاكر بطلب ما تأخر من الحساب. وصاحب هذا الديوان يترجمها بخطه، ويحملها إلى صاحب الديوان الكبير فيوقّع عليها بالاسترفاع، ويندب لها من الحجّاب أو غيرهم من يراه، وله مياومة يأخذها من المستخدمين مدّة بقائه عندهم ويحضرها نسخا للدّواوين الأصول.
التاسعة «الخدمة في ديوان أسفل الأرض»
. وهو الوجه البحريّ خلا الثّغور، وحكمه فيما تقدّم من الكتّاب وما يلزم كلّا منهم حكم ديوان الصعيد المتقدّم الذكر من غير فرق.
العاشرة «الخدمة في ديوان الثّغور»
. وهي الإسكندرية ودمياط ونستروه والبرلّس والفرما، وحكمه حكم ما تقدّم من ديوان الصعيد وأسفل الأرض.
الحادية عشرة «الخدمة في الجوالي والمواريث الحشرية»
. قال ابن الطوير: كان لا يتولاه إلا عدل، وفيه جماعة من الكتّاب على ما تقدّم في غيره من الدواوين أيضا.
الثانية عشرة «الخدمة في ديواني الخراجيّ والهلاليّ»
وتجري فيه الرباع والمكوس وعليه حوالات أكثر المرتزقين.
الثالثة عشرة «الخدمة في ديوان الكراع»
. وفيه معاملة الإصطبلات،
__________
(1) هو أحمد بن علي بن خيران. ولي ديوان الإنشاء للظاهر ثم للمستنصر. توفي سنة 431هـ.
(الأعلام: 1/ 172).(3/568)
وما فيها من الدوابّ الخاص وغيرها والبغال والجمال ودوابّ المرمّة (1) المرصدة للعمائر ورباع الديوان، وعدد ذلك وآلاته، وعلوفات ذلك مع ما ينضم إليه من علوفة الفيلة والزّراريف (2) والوحوش وراتب من يخدمها. وكان في هذا الديوان كاتبا أصل ومستوفي ومعينان.
الرابعة عشرة «الخدمة في ديوان الجهاد»
. ويقال له ديوان العمائر، وكان محله بالصّناعة (3) بمصر، وفيه إنشاء المراكب للأسطول وحمل الغلال السلطانية والأحطاب وغيرها، ومنه ينفق على رؤساء المراكب ورجالها، وإذا لم يف ارتفاقه بما يحتاج إليه استدعي له من بيت المال بما يكفيه.
الصنف الثالث من أرباب الوظائف أصحاب الوظائف الصناعية
وأعظمها وظائف الأطباء، وكان للخليفة طبيب يعرف بطبيب الخاصّ يجلس على باب دار الخليفة كلّ يوم، ويجلس على الدكك التي بالقاعة المعروفة بقاعة الذهب بالقصر دونه أربعة أطباء أو ثلاثة فيخرج الأستاذون فيستدعون منهم من يجدونه للدخول على المرضى بالقصر لجهات الأقارب والخواص فيكتب لهم رقاعا على خزانة الشراب فيأخذون ما فيها، وتبقى الرقاع عند مباشريها شاهدا لهم. ولكل منهم الجاري والراتب على قدره.
الصنف الرابع الشعراء
وكانوا جماعة كثيرة من أهل ديوان الإنشاء وغيره، وكان منهم أهل سنّة لا
__________
(1) رمّت الشاة الحشيش أي أخذته بشفتيها. والرمّة: الحبل يقلّد البعير. (اللسان: 12/ 252 253).
(2) لم نعثر على هذا الجمع في كتب اللغة، ولعله جارى العامة في تعبيراتهم.
(3) المراد بها: دار الصناعة التي كانت تنشأ بها المراكب الحربية والأساطيل بمصر القديمة بالساحل القديم.(3/569)
يغلون في المديح وشيعة يغلون فيه. فمن أحسن مدح فيهم لسنّيّ قول عمارة (1)
اليمنى رحمه الله:
أفاعليهم في الجود أفعال سنّة ... وإن خالفوني في اعتقاد التّشيّع
ومن الذي وقعت فيه المغالاة قول بعضهم (2):
هذا أمير المؤمنين بمجلس ... أبصرت فيه الوحي والتّنزيلا
وإذا تمثّل راكبا في موكب ... عانيت تحت ركابه جبريلا
قلت: وهذه المغالاة من المغالاة الفاحشة التي لا يجوز الإقدام عليها لسنيّ ولا متشيّع، وإنما هي من اقتحام الشعراء البوائق (3).
القسم الثاني من أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية ما هو خارج عن حضرة الخلافة، وهو صنفان:
الصنف الأوّل النّوّاب والولاة
واعلم أن مملكتهم كانت قد [انحصرت] في ثلاث ممالك فيها نوّابهم وولاتهم: المملكة الأولى «الديار المصرية» وهي التي كانت قد استقرّت قاعدة ملكهم، ومحطّ رحالهم، وكان بها أربع ولايات:
الأولى «ولاية قوص»
وكانت هي أعظم ولايات الديار المصرية، وواليها يحكم على جميع بلاد الصعيد، وربما ولّي بالأشمونين ونحوها من يكون دونه.
__________
(1) هو عمارة بن علي المذحجي اليمني: مؤرخ ثقة وشاعر فقيه أديب. توفي سنة 569هـ. (الأعلام:
5/ 37).
(2) هذان البيتان من قصيدة لابن هانيء. (حاشية الطبعة الأميرية 3/ 493).
(3) جمع بائقة، وهو الداهية. (المعجم الوسيط: 77).(3/570)
الثانية «ولاية الشّرقية»
وكانت دون ولاية قوص في الرتبة، وكان متوليها يحكم على عمل بلبيس وعمل قليوب وعمل أشموم.
الثالثة «ولاية الغربية»
وكانت دون ولاية الشرقية في المرتبة، وكان متوليها يحكم على عمل المحلّة، وعمل منوف، وعمل أبيار.
الرابعة «ولاية الإسكندريّة»
وهي دون الغربية في الرتبة، وكان متوليها يحكم على أعمال البحيرة بأجمعها.
قال ابن الطوير: وهؤلاء الأربعة كان يخلع عليهم من خزانة الكسوة بالبدنة، وهو النوع الذي يلبسه الخليفة في يوم فتح الخليج (1).
قلت: لعل هذه الولايات الأربع ولايات الولاة التي تدخل تحت حكمها الولايات الصّغار، أو تكون هي التي استقرّ عليه الحال في آخر دولتهم، وإلا فقد رأيت في تذكرة أبي الفضل الصوريّ، أحد كتّاب الإنشاء في أيام القاضي الفاضل سجلات كثيرة لولاة الوجهين القبليّ والبحريّ (2).
الجملة الخامسة من ترتيب مملكتهم، في هيئة الخليفة في مواكبه وقصوره وهي على ثلاثة أضرب
الضرب الأوّل جلوسه في المواكب، وله ثلاثة جلوسات:
الجلوس الأوّل جلوسه في المجلس العامّ أيام المواكب
واعلم أن جلوس الخليفة أوّلا كان بالإيوان الكبير الذي كان بالقصر على
__________
(1) انظر ص 592من هذا الجزء.
(2) لم يذكر بقية الممالك الثلاث اقتصارا على المقصود. وسيأتي ذكر البقية في الجزء الرابع.(3/571)
سرير الملك الذي كان بصدره إلى آخر أيام المستعلي (1). فلما ولي ابنه الآمر الخلافة بعده، نقل الجلوس من الإيوان الكبير إلى القاعة المعروفة بقاعة الذهب بالقصر أيضا، وصار يجلس من مجالسها على سرير الملك به، وجعل الإيوان الكبير خزانة للسلاح، ولم يتعرّض لإزالة سرير الملك منه حتّى جاءت الدولة الأيوبية، وهو باق، وكان جلوس الخليفة في هذه الحالة لا يتعدّى يومي الاثنين والخميس، وليس ذلك على الدوام بل على التقرير بحسب ما يقتضيه الحال. فإذا أراد الجلوس فإن كان في الشتاء علّق المجلس الذي يجلس فيه بستور الديباج، وفرش بالبسط الحرير وإن كان في الصيف، علق بالستور الدّبيقية وفرش بطبريّ طبرستان المذهب الفائق، وهيئت المرتبة المعدّة لجلوسه على سرير الملك بصدر المجلس، وغشّي السرير بالقرقوبيّ (2)، ثم يستدعى الوزير من داره بصاحب الرسالة على حصان رهوان (3) في أسرع حركة على خلاف الحركة المعتادة، فيركب الوزير في هيئته وجماعته وبين يديه الأمراء، فإذا وصل إلى باب القصر ترجّل الأمراء، وهو راكب إلى أوّل باب باب من الدّهاليز الطّوال عند دهليز يعرف بدهليز العمود، ويمشي وبين يديه أكابر الأمراء إلى مقطع الوزارة بقاعة الذهب، فإذا تهيأ جلوس الخليفة، استدعى الوزير من مقطع الوزارة إلى باب المجلس الذي فيه الخليفة وهو مغلق، وعلى بابه ستر معلّق، فيقف زمام القصر عن يمين باب المجلس وزمام بيت المال عن يساره، والوزير واقف أمام باب المجلس وحواليه الأمراء المطوّقون (4) وأرباب الخدم الجليلة، وفي خلال القوم قرّاء الحضرة ويضع صاحب المجلس الدواة مكانها من المرتبة أمام الخليفة، ثم
__________
(1) خلافته من سنة 487هـ الى سنة 495هـ.
(2) القماش القرقوبي نسبة الى «كسكر» وهي بين الكوفة والبصرة. (معجم البلدان: 4/ 461 والقاموس: 1/ 120).
(3) يقال: جاءت الخيل رهوا: أي متتابعة لينة. (المعجم الوسيط: 379).
(4) كانوا في العهد الفاطمي يخلع عليهم بأطواق من الذهب في أعناقهم. وكانوا بمثابة الأمراء مقدّمي الألوف زمن المماليك. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 44).(3/572)
يخرج كم من أكمامه يعرف بفرد الكم ويشير إلى زمام القصر وزمام بيت المال الواقفين بباب المجلس، فيرفع كل منهما جانب الستر فيظهر الخليفة جالسا على سرير الملك مستقبل القول بوجهه، ويستفتح القرّاء بالقرآن، ويدخل الوزير المجلس ويسلم بعد دخوله، ثم يقبّل يدي الخليفة ورجليه، ويتأخر مقدار ثلاثة أذرع ويقف ساعة زمانية، ثم تخرج له مخدّة عن الجانب الأيمن من الخليفة ويؤمر بالجلوس إليها، ويقف الأمراء في أماكنهم المقرّرة لهم، فصاحب الباب واسفهسلار من جانبي الباب يمينا ويسارا، ويليهم من خارجه ملاصقا للعتبة زمام الآمرية والحافظية وباقي الأمراء على مراتبهم إلى آخر الرواق، وهو إفريز عال عن أرض القاعة، ثم أرباب القضب (1) والعماريّات يمنة ويسرة كذلك، ثم الأماثل والأعيان من الأجناد المترشحين للتقدمة، ويقف مستندا بالقدر الذي يقابل باب المجلس نوّاب الباب والحجاب، فإذا انتظم الأمر على ذلك، فأوّل ماثل للخدمة بالسلام قاضي القضاة والشهود المعروفون بالاستخدام فيجيز صاحب الباب القاضي دون من معه فيسلم على الخليفة بأدب الخلافة، بأن يرفع يده اليمنى ويشير بالمسبحة، ويقول بصوت مسموع: «السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته» يتخصص بهذا الكلام دون غيره من أهل السلام، ثم يسلم بالأشراف الأقارب زمامهم، وبالأشراف الطالبيين نقيبهم، فتمضي عليهم كذلك ساعتان زمانيتان أو ثلاث، ثم يسلم عليه من خلع عليه بقوص أو الشرقية أو الغربية أو الإسكندرية، ويشرّفون بتقبيل العتبة، وإذا دعت حاجة الوزير إلى مخاطبة الخليفة في أمر، قام من مكانه وقرّب منه منحنيا على سيفه، ويخاطبه مرة أو مرتين أو ثلاثا، ثم يأمر الحاضرون بالانصراف فينصرفون، ويكون آخرهم خروجا الوزير بعد تقبيل يد الخليفة ورجله. فإذا خرج إلى الدهليز الذي ترجل فيه، ركب
__________
(1) هذه التسمية من العصر الفاطمي. وهم الذين كانوا يركبون في المواكب ويحملون في أيديهم قضبا من المعدن أو من الفضة يتميزون بها على غيرهم من القواد. وهم بمثابة أمراء الطبلخانة في العصر المملوكي. (المرجع السابق: 23).(3/573)
منه إلى داره، وفي خدمته من حضر في خدمته إلى القصر، ويدخل الخليفة إلى سكنه مع خواصّ الأستاذين، ثم يغلق باب المجلس ويرخى الستر إلى أن يحتاج إلى حضور موكب آخر فيكون الأمر كذلك.
الجلوس الثاني جلوسه للقاضي والشهود في ليالي الوقود (1) الأربع من كل سنة
وهي: ليلة أوّل رجب، وليلة نصفه، وليلة أوّل شعبان، وليلة نصفه.
إذا مضى النصف من جمادى الآخرة حمل إلى القاضي من حواصل الخليفة ستون شمعة، زنة كل شمعة منها سدس قنطار بالمصري ليركب بها في أوّل ليلة من شهر رجب فإذا كان أوّل ليلة منه جلس الخليفة في منظرة عالية كانت عند باب الزّمرّد من أبواب القصر المتقدّم ذكره، وبين يديه شمع يوقد في العلوّ يتبيّن شخصه على إرتفاعه. ويركب القاضي من داره بعد صلاة المغرب وبين يديه الشمع المحمول إليه من خزانة الخليفة موقودا، من كل جانب ثلاثون شمعة، وبين الصّفّين مؤذنو الجوامع، يعلنون بذكر الله تعالى، ويدعون للخليفة والوزير بترتيب مقرّر محفوظ ويحجبه ثلاثة من نوّاب الباب، وعشرة من حجّاب الخليفة، خارجا عن حجّاب الحكم المستقرّين وهم خمسة في زيّ الأمراء وفي ركابه القرّاء يقرأون القرآن، والشهود وراءه على ترتيب جلوسهم بمجلس الحكم الأقدم فالأقدم وحول كل منهم ثلاث شمعات أو شمعتان أو شمعة واحدة إلى بين القصرين في جمع عظيم حتى يأتي باب الزّمرّد من أبواب القصر، فيجلسون في رحبة تحت المنظرة التي فيها الخليفة، ويحضر بين يديه بسمت ووقار وتشوّف لانتظار ظهور الخليفة، فيفتح الخليفة إحدى طاقات المنظرة فيظهر منها رأسه
__________
(1) قال المقريزي عن الفاكهي أن عمر بن الخطاب كان يصيح في أهل مكة ويقول: يا أهل مكة أوقدوا ليلة هلال المحرم، فأوضحوا فجاجكم لحاج بيت الله واحرسوهم ليلة هلال المحرّم. وفي ولاية عبد الله بن محمد بن داوود على مكة أمر الناس أن يوقدوا ليلة هلال رجب فيحرسوا عمار أهل اليمن. (خطط المقريزي: 1/ 466).(3/574)
ووجهه وعلى رأسه عدة من خواص الأستاذين من المحنّكين وغيرهم، فيفتح بعض الأستاذين طاقة أخرى فيخرج منها رأسه ويده اليمنى، ويشير بكمه قائلا: «أمير المؤمنين يردّ عليكم السلام» فيسلم بقاضي القضاة أوّلا بنعوته، وبصاحب الباب بعده كذلك، وبالجماعة الباقية جملة من غير تعيين أحد ويستفتح قرّاء الحضرة بالقراءة وهم قيام في الصّدر، ظهورهم إلى حائط المنظرة ووجوههم للحاضرين.
ثم يتقدّم خطيب الجامع الأنور (وهو الذي بباب البحر) فيخطب كما يخطب فوق المنبر، وينبه على فضيلة ذلك الشهر، وأن ذلك الركوب علامته ثم يختم كلامه بالدعاء للخليفة ثم يتقدّم خطيب الجامع الأزهر فيخطب كذلك ثم يتقدّم خطيب جامع الحاكم فيخطب كذلك، والقرّاء في خلال تلك الخطب يقرأون، فإذا انتهت خطابة الخطباء، أخرج الأستاذ الأوّل يده من تلك الطاقة فيرد على الجماعة السلام ثم تغلق الطاقاتان وينفضّ الناس، ثم يركب القاضي والشهود إلى دار الوزير فيجلس لهم ليسلموا عليه، ويخطب الخطباء الثلاثة عنده بأخّف من مقام الخليفة ويدعون له، ثم ينصرفون ويذهب القاضي والشهود صحبته إلى مصر، ووالي القاهرة في خدمته، ويمرّ بجامع ابن طولون فيصلّي فيه ويخرج منه فيجد والي مصر في تلقّيه فيمضي في خدمته، ويمرّ على المشاهد فيتبرك بها، ويمضي إلى الجامع العتيق ويدخل من باب الزيادة التي يحكم فيها فيصلى في الجامع ركعتين، ويوقد له التنّور (1) الفضة الذي بالجامع، وهو تنّور عظيم حسن التكوين، فيه نحو ألف وخمسمائة براقة، وبسفله نحو مائة قنديل ثم يخرج من الجامع فإن كان ساكنا بمصر استقرّ بها، وإن كان ساكنا بالقاهرة انتظره والي القاهرة في مكانه حتّى يعود من مصر فيذهب في خدمته إلى داره.
وكذلك يركب في ليلة الخامس عشر من رجب إلا أنه بعد صلاته في جامع
__________
(1) في المقريزي، خطط: 2/ 250عن المسيحي في تاريخه أنه في سنة 403هـ أنزل الى الجامع العتيق بتنّور من فضة عمله الحاكم بأمر الله برسم الجامع فيه مائة ألف درهم فضة، فاجتمع الناس وعلق بالجامع بعد أن قلعت عتبتا الباب حتى أدخل به.(3/575)
مصر يتوجه إلى القرافة فيصلّي في جامعها ثم يركب في أوّل شعبان كذلك، ثم في نصفه كذلك.
الجلوس الثالث جلوسه في مولد النبي صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من شهر ربيع الأوّل
وكان عادتهم فيه أن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطارا من السّكّر الفائق حلوى من طرائف الأصناف، وتعبّى في ثلاثمائة صينية نحاس. فإذا كان ليلة ذلك المولد، تفرّق في أرباب الرسوم: كقاضي القضاة، وداعي الدعاة، وقرّاء الحضرة، والخطباء، والمتصدّرين بالجوامع القاهرة ومصر، وقومة المشاهد وغيرهم ممن له اسم ثابت بالديوان، ويجلس الخليفة في منظرة قريبة من الأرض مقابل الدار القطبيّة المتقدّمة الذكر (وهي البيمارستان المنصوريّ الآن) ثم يركب القاضي بعد العصر ومعه الشهود إلى الجامع الأزهر ومعهم أرباب تفرقة الصواني المتقدّمة الذكر، فيجلسون في الجامع مقدار قراءة الختمة الكريمة، وتسدّ الطريق تحت القصر من جهة السّيوفيين وسويقة أمير الجيوش، ويكنس ما بين ذلك ويرشّ بالماء رشّا، ويرشّ تحت المنظرة بالرمل الأصفر. ويقف صاحب الباب ووالي القاهرة على رأس الطّرق لمنع المارّة، ثم يستدعي القاضي ومن معه فيحضرون ويترجّلون على القرب من المنظرة ويجتمعون تحتها وهم متشوّفون لانتظار ظهور الخليفة، فيفتح إحدى طاقات المنظرة فيظهر منها وجهه، ثم يخرج أحد الاستاذين المحنّكين يده ويشير بكمه بأن الخليفة يردّ عليكم السلام، ويقرأ القرّاء ويخطب الخطباء كما تقدّم في ليالي الوقود فإذا انتهت خطابة الخطباء أخرج الأستاذ يده مشيرا بردّ. السلام كما تقدّم، ثم تغلق الطاقتان وينصرف الناس إلى بيوتهم، وكذلك شأنهم في مولد عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه الخاص في أوقات معلومة عندهم من السنة.(3/576)
الضرب الثاني ركوبه في المواكب، وهو على نوعين
النوع الأوّل ركوبه في المواكب العظام، وهي ستة مواكب
الموكب الأوّل ركوب أوّل العام
وكان من شأنهم فيه أنه إذا كان العشر الآخر من ذي الحجة من السنة، وقع الاهتمام بإخراج ما يحتاج إليه في المواكب من حواصل الخليفة، فيخرج من خزائن السلاح ما يحمله الرّكابية وغيرهم حول الخليفة كالصّماصم، والدّبابيس، واللّتوت، وعمد الحديد، والسيوف، والدّرق، والرماح، والألوية، والأعلام.
ومن خزانة التجمل برسم الوزير والأمراء وأرباب الخدم الألوية والقضب، والعماريات، وغير ذلك مما تقدّم ذكره. ومن الإصطبلات مائة فرس مسوّمة برسم ركوب الخليفة وما بجنبه. ويخرج من خزانة السروج مائة سرج بالذهب والفضة مرصّع بعضها بالجواهر بمراكب من ذهب، وفي أعناق الخيل أطواق الذهب وقلائد العنبر، وفي أرجل أكثرها خلاخل الذهب والفضة مسطحة، قيمة كل فرس وما عليها من العدّة ألف دينار، يدفع للوزير منها عشرة بعدّتها برسم ركوبه وركوب أخصّائه، وتسلّم إلى المناخات أغشية العماريات لتحمل على الجمال، إلى غير ذلك من الآلات المستعملة في المواكب مما تقدّم ذكره في الكلام على الخزائن، ويبعث إلى أرباب الخدم من الإصطبلات بخيول عادية ليركبوها في الموكب. فإذا كان يوم التاسع والعشرين من ذي الحجة، استدعى الخليفة الوزير من داره على الرسم المعتاد في الإسراع، فإذا عاد صاحب الرسالة من استدعاء الوزير، خرج الخليفة من مكانه راكبا في القصر، فينزل في السدلّى (1)، بدهليز باب الملك
__________
(1) في اللسان: 11/ 333 «السّدلّى» على فعلّى، معرب وأصله بالفارسية: «سهدلة» كأنه ثلاثة بيوت في بيت كالحاريّ بكمين.(3/577)
الذي فيه الشباك، وعليه ستر من ظاهره، فيقف من جانبه الأيمن زمام القصر، ومن جانبه الأيسر صاحب بيت المال ويركب الوزير من داره وبين يديه الأمراء، فإذا وصل إلى باب القصر ترجّل الأمراء وهو راكب، ويدخل من باب العيد، ولا يزال راكبا إلى أوّل باب من الدهاليز الطّوال، فينزل ويمشي فيها وحواليه حاشية ومن يرابّه (1) من أولاده وأقاربه. فإذا وصل إلى الشّبّاك، وجد تحته كرسيّا كبيرا من حديد فيجلس عليه ورجلاه تطأ الأرض، فإذا جلس، رفع كلّ من زمام القصر وصاحب بيت المال الستر من جانبه فيرى الخليفة جالسا على مرتبة عظيمة، فيقف ويسلم ويخدم بيده في الأرض ثلاث مرّات، ثم يؤمر بالجلوس على كرسيه فيجلس.
ويستفتح القرّاء بقراءة آيات لائقة بذلك المكان مقدار نصف ساعة ثم يسلم الأمراء، ويشرع في عرض خيول الخاص المقدّم ذكرها واحدة واحدة إلى آخرها.
فإذا تكمل عرضها، قرأ القرّاء ما يناسب ختم ذلك المجلس. فإذا فرغوا أرخى الستر وقام الوزير فدخل عليه فقبل يديه ورجليه، ثم ينصرف عنه فيركب من مكان نزوله ويخرج الأمراء معه إلى خارج فيمضون معه إلى داره ركبانا ومشاة على حسب مراتبهم. فإذا صلّى الخليفة الظهر، جلس لعرض خزانة الكسوة الخاص وتعيين ما يلبس في ذلك الموكب ولباسه فيه، فيعين منديلا لشدّ التاج وبدلة من هذا النوع، والجوهرة الثمينة وما معها من الجواهر المتقدّمة الذكر لشدّ التاج وتشدّ مظلّة تشبه تلك البذلة، وتلف في منديل دبيقيّ فلا يكشفها إلا حاملها عند ركوب الخليفة، ثم يشدّ لواءي الحمد المتقدّمي الذكر. فإذا كان أوّل يوم من العام، بكّر أرباب الرّتب من ذوي السيوف والأقلام فلا يصبح الصبح إلا وهم بين القصرين منتظرين ركوب الخليفة (وهو يومئذ فضاء واسع خال من البناء) ويبكر الأمراء إلى دار الوزير ليركبوا معه، فيخرج من داره ويركب إلى القصر من غير استدعاء وأمامه ما شرّفه به الخليفة من الألوية والأعلام، والأمراء بين يديه ركبانا ومشاة، وأولاده وإخوته قدّامه، وكل منهم مرخى الذؤابة بلا حنك، وهو في هيئة عظيمة
__________
(1) الرابّ هو الكافل وهو زوج أم اليتيم، وهو اسم فاعل من ربّه. (اللسان: 1/ 405).(3/578)
من الثياب الفاخرة والمنديل والحنك متقلدا بالسيف الذهب. فإذا وصل إلى باب القصر، ترجّل الأمراء ودخل هو راكبا إلى محل نزوله بدهليز القصر المعروف بدهليز العمود فيترجّل هناك ويمشي في بقية الدهاليز حتّى يصل إلى مقطع الوزارة بقاعة الذهب هو وأولاده وإخوته وخواصّ حاشيته، ويجلس الأمراء بالقاعة على دكك معدّة لهم، ويدخل فرس الخليفة إلى باب المجلس الذي هو فيه، وعلى باب المجلس كرسيّ يركب من عليه. فإذا استوت الدابة إلى ذلك الكرسيّ، أخرجت المظلة إلى حاملها فيكشفها مما هي ملفوفة فيه ويتسلمها بإعانة أربعة معدّين لخدمتها فيركزها في آلة من حديد تشبه القرن المصطحب مشدودة في ركاب حاملها الأيمن بقوّة، ويمسك العمود بحاجز فوق يده ثم يخرج السيف فيتسلمه حامله، فإذا تسلمه أرخى ذؤابته فلا تزال مرخاة ما دام حاملا له، ثم تخرج الدواة فيتسلمها حاملها ويجعلها قدّامه بينه وبين السرج، ثم يخرج الوزير عن المقطع وينضم إليه الأمراء ويقفون إلى جانب فرس الخليفة، ويرفع صاحب المجلس الستر فيخرج من كان عند الخليفة للخدمة من الأستاذين، ويخرج الخليفة في أثرهم في ثيابه المختصة بذلك اليوم وعلى رأسه التاج الشريف والدرّة اليتيمة على جبهته، وهو محنّك مرخيّ الذؤابة مما يلي جانبه الأيسر متقلد بالسيف العربيّ وقضيب الملك بيده، ويسلم على الوزير قوم مرتّبون لذلك، ثم على القاضي وعلى الأمراء بعدهما، ثم يخرج الأمراء وبعدهم الوزير فيركب ويقف قبالة باب القصر، ويخرج الخليفة راكبا وفرسه ماشية على بسط خشية أن تزلق على الرخام والأستاذون حوله. فإذا قارب الباب وظهر وجهه، ضرب رجل ببوق لطيف معوجّ الرأس متّخذ من الذهب يقال له الغريبة مخالف لصوت الأبواق، فتضرب البوقات في المواكب، وتنشر المظلة، ويخرج الخليفة من باب القصر فيقف وقفة يسيرة بمقدار ركوب الأستاذين المحنكين وغيرهم من أرباب الرتب الذين كانوا في الخدمة بالقاعة، ثم يسير الخليفة في الموكب وصاحب المظلة على يساره، وهو يحرص ألّا يزول ظلها عن الخليفة، ثم يكتنف الخليفة مقدّمو صبيان الركاب،
اثنان منهم في شكيمتي لجام (1) فرسه، واثنان في عنق الفرس من الجانبين، واثنان في ركابه من الجانبين أيضا، والأيمن منهما هو صاحب المقرعة (2) الذي يناولها للخليفة ويتناولها منه، وهو الذي يؤدي عن الخليفة مدّة ركوبه الأوامر والنواهي، واللواءان المعروفان بلواءي الحمد (3) عن جانبيه، والمذبّتان عند رأس فرس الخليفة، والركابية (4) يمينه وشماله نحو ألف رجل مقلد والسيوف مشدود والأوساط بالمناديل والسلاح، وهم من جانبي الخليفة كالجناحين المادّين، بينهما فرجة لوجه الفرس ليس فيها أحد، وبالقرب من رأسها الصقلبيان الحاملان للمذبتين، وهما مرفوعتان كالنخلتين (5). (ويترتب الموكب): أجناد الأمراء وأولادهم وأخلاط العسكر أمام الموكب وأدوان الأمراء يلونهم، وبعدهم أرباب القضب الفضة من الأمراء، ثم أرباب الأطواق منهم، ثم الأستاذون المحنكون، ثم أهل الوزير المتقدّم ذكرهم، ثم الحاملان للواءي الحمد من الجانبين، ثم حامل الدواة وحامل السيف بعده، وهما من الجانب الأيسر، وكل واحد ممن تقدّم ذكره بين عشرة إلى عشرين من أصحابه، ثم الخليفة بين الركابية، وهو سائر على تؤدة ورفق، وفي أوائل العسكر ومتقدّميه والي القاهرة ذاهبا وعائدا لفسح الطرقات وتسيير من يقف، وفي وسط العسكر اسفهسلار يحث الأجناد على الحركة ويزجر المتازحمين والمعترضين في العسكر ذاهبا وعائدا، وفي زمرة الخليفة صاحب الباب لترتيب العسكر وحراسة طرقات الخليفة ذاهبا وعائدا، يلقى صاحب الباب اسفهسلار، واسفهسلار يلقى والي القاهرة، وفي يد كل منهم دبّوس، وخلف الخليفة جماعة من الركابية لحفظ أعقابه، ثم عشرة يحملون عشرة سيوف في(3/579)
من الثياب الفاخرة والمنديل والحنك متقلدا بالسيف الذهب. فإذا وصل إلى باب القصر، ترجّل الأمراء ودخل هو راكبا إلى محل نزوله بدهليز القصر المعروف بدهليز العمود فيترجّل هناك ويمشي في بقية الدهاليز حتّى يصل إلى مقطع الوزارة بقاعة الذهب هو وأولاده وإخوته وخواصّ حاشيته، ويجلس الأمراء بالقاعة على دكك معدّة لهم، ويدخل فرس الخليفة إلى باب المجلس الذي هو فيه، وعلى باب المجلس كرسيّ يركب من عليه. فإذا استوت الدابة إلى ذلك الكرسيّ، أخرجت المظلة إلى حاملها فيكشفها مما هي ملفوفة فيه ويتسلمها بإعانة أربعة معدّين لخدمتها فيركزها في آلة من حديد تشبه القرن المصطحب مشدودة في ركاب حاملها الأيمن بقوّة، ويمسك العمود بحاجز فوق يده ثم يخرج السيف فيتسلمه حامله، فإذا تسلمه أرخى ذؤابته فلا تزال مرخاة ما دام حاملا له، ثم تخرج الدواة فيتسلمها حاملها ويجعلها قدّامه بينه وبين السرج، ثم يخرج الوزير عن المقطع وينضم إليه الأمراء ويقفون إلى جانب فرس الخليفة، ويرفع صاحب المجلس الستر فيخرج من كان عند الخليفة للخدمة من الأستاذين، ويخرج الخليفة في أثرهم في ثيابه المختصة بذلك اليوم وعلى رأسه التاج الشريف والدرّة اليتيمة على جبهته، وهو محنّك مرخيّ الذؤابة مما يلي جانبه الأيسر متقلد بالسيف العربيّ وقضيب الملك بيده، ويسلم على الوزير قوم مرتّبون لذلك، ثم على القاضي وعلى الأمراء بعدهما، ثم يخرج الأمراء وبعدهم الوزير فيركب ويقف قبالة باب القصر، ويخرج الخليفة راكبا وفرسه ماشية على بسط خشية أن تزلق على الرخام والأستاذون حوله. فإذا قارب الباب وظهر وجهه، ضرب رجل ببوق لطيف معوجّ الرأس متّخذ من الذهب يقال له الغريبة مخالف لصوت الأبواق، فتضرب البوقات في المواكب، وتنشر المظلة، ويخرج الخليفة من باب القصر فيقف وقفة يسيرة بمقدار ركوب الأستاذين المحنكين وغيرهم من أرباب الرتب الذين كانوا في الخدمة بالقاعة، ثم يسير الخليفة في الموكب وصاحب المظلة على يساره، وهو يحرص ألّا يزول ظلها عن الخليفة، ثم يكتنف الخليفة مقدّمو صبيان الركاب،
اثنان منهم في شكيمتي لجام (1) فرسه، واثنان في عنق الفرس من الجانبين، واثنان في ركابه من الجانبين أيضا، والأيمن منهما هو صاحب المقرعة (2) الذي يناولها للخليفة ويتناولها منه، وهو الذي يؤدي عن الخليفة مدّة ركوبه الأوامر والنواهي، واللواءان المعروفان بلواءي الحمد (3) عن جانبيه، والمذبّتان عند رأس فرس الخليفة، والركابية (4) يمينه وشماله نحو ألف رجل مقلد والسيوف مشدود والأوساط بالمناديل والسلاح، وهم من جانبي الخليفة كالجناحين المادّين، بينهما فرجة لوجه الفرس ليس فيها أحد، وبالقرب من رأسها الصقلبيان الحاملان للمذبتين، وهما مرفوعتان كالنخلتين (5). (ويترتب الموكب): أجناد الأمراء وأولادهم وأخلاط العسكر أمام الموكب وأدوان الأمراء يلونهم، وبعدهم أرباب القضب الفضة من الأمراء، ثم أرباب الأطواق منهم، ثم الأستاذون المحنكون، ثم أهل الوزير المتقدّم ذكرهم، ثم الحاملان للواءي الحمد من الجانبين، ثم حامل الدواة وحامل السيف بعده، وهما من الجانب الأيسر، وكل واحد ممن تقدّم ذكره بين عشرة إلى عشرين من أصحابه، ثم الخليفة بين الركابية، وهو سائر على تؤدة ورفق، وفي أوائل العسكر ومتقدّميه والي القاهرة ذاهبا وعائدا لفسح الطرقات وتسيير من يقف، وفي وسط العسكر اسفهسلار يحث الأجناد على الحركة ويزجر المتازحمين والمعترضين في العسكر ذاهبا وعائدا، وفي زمرة الخليفة صاحب الباب لترتيب العسكر وحراسة طرقات الخليفة ذاهبا وعائدا، يلقى صاحب الباب اسفهسلار، واسفهسلار يلقى والي القاهرة، وفي يد كل منهم دبّوس، وخلف الخليفة جماعة من الركابية لحفظ أعقابه، ثم عشرة يحملون عشرة سيوف في
__________
(1) الشكيمة هي الحديدة المعترضة في فم الفرس من اللجام. (المعجم الوسيط: 491).
(2) خشبة يضرب بها، وجريدة معقوفة الرأس. (المعجم الوسيط: 729).
(3) وهما رمحان طويلان ملبّسان بمثل أنابيب عمود المظلة الى حدّ نصفهما. وهما من الحرير الأبيض المرقوم بالذهب وغير منشورين بل ملفوفين على جسم الرمحين. (خطط المقريزي: 1/ 448).
(4) وهم صبيان الركاب المذكورون آنفا.
(5) وأضاف المقريزي: خطط 1/ 449 «لما يسقط من طائر وغيره».(3/580)
خرائط ديباج أحمر وأصفر يقال لها سيوف الدم برسم ضرب الأعناق، وبعدهم الحاملون للسلاح الصغير المتقدّم الذكر ووراءه الوزير في هيئة عظيمة، وفي ركابه نحو خمسمائة رجل ممن يختاره لنفسه من أصحابه (1)، وقوم يقال لهم صبيان الزّرد من أقوياء الأجناد من جانبيه بفرجة لطيفة أمامه دون فرجة الخليفة مجتهدا ألّا يغيب الخليفة عن نظره، وخلفه الطّبول والصّنوج والصفافير في عدّة كثيرة تدوي من أصواتها الدنيا، ووراء ذلك حامل الرمح المقدّم ذكره والدرقة المنسوبة إلى حمزة (2)، ثم رجال الأساطيل مشاة ومعهم القسيّ العربية، وتسمّى قسيّ الرّجل والركاب، ما يزيد على خمسمائة رجل ثم طوائف الرجال من المصامدة، ثم الريحانية والجيوشية، ثم الفرنجية، ثم الوزيرية (3): زمرة بعد زمرة في عدة وافرة تزيد على أربعة آلاف ثم أصحاب الرايات والسبعين، ثم طوائف العساكر: من الآمرية والحافظية والحجرية الكبار والحجريّة الصّغار والأفضلية والجيوشية، ثم الأتراك المصطنعون، ثم الديلم، ثم الأكراد، ثم الغزّ المصطنعة وغيرهم ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس.
قال ابن الطوير: وهذا كله بعض من كلّ. وإذا ترتب الموكب على ذلك، سار من باب القصر الذي خرج منه بين القصرين، يسير بموكبة حتّى يخرج من باب النصر ويصل إلى حوض كان هناك يعرف بعزّ الملك على القرب من باب
__________
(1) يفهم من نص المقريزي أن هؤلاء القوم هم أنفسهم صبيان الزّرد التابعين للوزير والذين أشار الى عددهم بنحو خمسمائة رجل والأمر مختلف في جملة القلقشندي. أما عبارة المقريزي: 1/ 450 فهي: «ثم يأتي الوزير في هيبة وفي ركابه من أصحابه قوم يقال لهم صبيان الزرد من أقوياء الأجناد يختارهم لنفسه ما مقداره خمسمائة رجل».
(2) في المقريزي: 1/ 450 «ثم يأتي حامل الرمح المقدّم ذكره، ودرقته حمراء».
(3) أنشأ ابن كلّس الفرقة الوزيرية. وهو أول من أنشأ فرقة من الجيش تنسب الى الوزراء ولم يذكر المؤرخون جنسية أفراد هذه الطائفة وربما كان نواة هذه الفرقة الغلمان الذين أهداهم اليه العزيز بعد أن أطلق ابن كلس من الاعتقال سنة 374هـ. وقد اصبحت طوائف الجند الفاطميين على الأيام تتألف من عدّة عناصر، كما كانت هناك فرق تنسب الى الخلفاء وأخرى الى الوزراء، كالفرق التي ذكرها أعلاه. (راجع الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي: ص 172).(3/581)
النصر، ثم ينعطف على يساره طالبا باب الفتوح، وربما عطف عند خروجه من باب النصر على يساره، وسار بجانب السّور حتّى يأتي باب الفتوح فيدخل منه.
وكيفما كان فإنه يدخل منه، ويسير الموكب حتّى ينتهي بين القصرين فيقف العسكر هناك على ما كان عليه عند الركاب ويترجّل الأمراء. فإذا انتهى الخليفة إلى الجامع الأقمر وقف هناك في جماعته وينفرج الموكب للوزير فيتحرّك مسرعا ليصير أمام الخليفة. فإذا مرّ بالخليفة، سكع (1) له سكعة ظاهرة، فيشير الخليفة بالسلام عليه إشارة خفيفة، وهذه أعظم كرامة تصدر من الخليفة، ولا تكون إلا للوزير صاحب السيف. فإذا جاوز الوزير الخليفة، سبقه إلى باب القصر ودخل راكبا على عادته والأمراء أمامه مشاة إلى الموضع الذي ركب منه بدهليز العمود المقدّم ذكره، فيترجل هناك ويقف هو والأمراء لانتظار الخليفة. فإذا انتهى الخليفة إلى باب القصر، ترجل الأستاذون المحنّكون ودخل الخليفة القصر وهو راكب والأستاذون محدقون به. فإذا انتهى إلى الوزير، مشى الوزير أمام وجه فرسه إلى الكرسيّ الذي ركب من عليه فيخدمه الوزير والأمراء، وينصرفون ويدخل الخليفة إلى دوره.
فإذا خرج الوزير إلى مكان ترجّله ركب، والأمراء بين يديه، وأقاربه حواليه إلى خارج باب القصر، فيركب منهم من يستحق الركوب، ويمشي من يستحق المشي، ويسيرون في خدمته إلى داره، فيدخل راكبا وينزل على كرسيّ فيخدمه الجماعة وينصرفون، وقد رأى الناس من حسن الموكب ما أبهجهم وراق خواطرهم، ويتفرّق الناس إلى أماكنهم فيجدون الخليفة قد أرسل إليهم الغرّة:
وهي دنانير رباعية ودراهم خفاف مدوّرة، ويكون الخليفة قد أمر بضربها في العشر الأخير من ذي الحجة برسم التفرقة في هذا اليوم، لكل واحد من الوزير والأمراء وأرباب المراتب من حملة السيوف والأقلام قدر مخصوص من ذلك، فيقبلونها على سبيل التبرك من الخليفة، ويكتب إلى البلاد والأعمال مخلّقات بالبشائر بركوب أوّل العام كما يكتب بوفاء النيل وركوب الميدان الآن.
__________
(1) سكع أي مشى مشيا متعسفا لا يدري أين يأخذ في بلاد الله. (القاموس: 3/ 40).(3/582)
الموكب الثاني ركوب أول شهر مضان
وهو قائم عند الشيعة مقام رؤية الهلال، والأمر في العرض واللباس والآلات والركوب والموكب وترتيبه والطرق المسلوكة على ما تقدّم في أوّل العام من غير فرق، ويكتب فيه المخلّقات بالبشائر كما يكتب في أوّل العام.
الموكب الثالث ركوبه في أيام الجمع الثلاث من شهر رمضان
وهي الجمعة الثانية [والثالثة] (1) والرابعة، وذلك أنه إذا ركب إلى الجامع الأنور بباب البحر، بكّر صاحب بيت المال إلى الجامع بالفرش المختص بالخليفة محمولا على أيدي أكابر الفرّاشين ملفوفا في العراضي الدبيقية (2)، فيفرش في المحراب ثلاث طرّاحات إمّا شاميات، وإمّا دبيقي أبيض، منقوشة بالحمرة، وتفرش واحدة فوق واحدة، ويعلّق ستران يمنة ويسرة، في الستر الأيمن مكتوب برقم حرير أحمر سورة الفاتحة وسورة الجمعة، وفي الستر الأيسر سورة الفاتحة وسورة المنافقين كتابة واضحة مضبوطة، ويصعد قاضي القضاة المنبر، وفي يده مدخنة لطيفة خيزران يحضرها إليه صاحب بيت المال وفيها ندّ (3) مثلّث لا يشم مثله إلا هناك، فيبخر ذروة المنبر التي عليها القنا كالقبة لجلوس الخليفة للخطابة ثلاث دفعات، ويركب الخليفة في هيئة ما تقدّم في أوّل العام وأوّل رمضان: من المظلّة والآلات، ولباسه فيه الثياب البياض غير المذهبة توقيرا للصلاة، والمنديل والطيلسان المقوّرة. وحول ركابه خارج الركابية قرّاء الحضرة من الجانبين يرفعون أصواتهم بالقراءة نوبة بعد نوبة من حين ركوبه من القصر إلى حين دخوله قاعة الخطابة، فيدخل من باب الخطابة فيجلس فيها، وإن احتاج إلى تجديد وضوء
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2) نوع من القماش.
(3) ضرب من النبات يتبخر بعوده (المعجم الوسيط: 910).(3/583)
فعل، وتحفظ المقصورة من خارجها بترتيب أصحاب الباب واسفهسلار وصبيان الخاصّ، وغيرهم ممن يجري مجراهم من أوّلها إلى آخرها، وكذلك من داخلها من باب خروجه إلى المنبر. فإذا أذّن للجمعة دخل إليه قاضي القضاة، فقال:
«السلام على أمير المؤمنين الشريف القاضي الخطيب ورحمة الله وبركاته، الصلاة يرحمك الله» فيخرج ماشيا وحواليه الأستاذون المحنّكون والوزير وراءه، ومن يليهم من الأمراء من صبيان الخاص، وبأيديهم الأسلحة حتّى ينتهي إلى المنبر فيصعد حتّى يصل إلى الذّروة تحت القبة المبخّرة، والوزير على باب المنبر ووجهه إليه. فإذا استوى جالسا أشار إلى الوزير بالصعود فيصعد إلى أن يصل إليه، فيقبّل يديه ورجليه بحيث يراه الناس، ثم يزرّ عليه تلك القبة وتصير كالهودج، ثم ينزل مستقبلا للخليفة ويقف ضابطا للمنبر فإن لم يكن وزير صاحب سيف، كان الذي يزرّ عليه قاضي القضاة، ويقف صاحب الباب ضابطا للمنبر، فيخطب خطبة قصيرة من سفط يأتي إليه من ديوان الإنشاء، ويقرأ فيها آية من القرآن الكريم، ثم يصلي فيها على أبيه وجده يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ويعظ الناس وعظا بليغا قليل اللفظ، ويذكر من سلف من آبائه حتّى يصل إلى نفسه فيقول: «اللهم وأنا عبدك وابن عبديك لا أملك لنفسي ضرّا ولا نفعا» ويتوسل بدعوات فخمة تليق به، ويدعو للوزير إن كان ثمّ وزير وللجيوش بالنصر والتآلف، وللعساكر بالظّفر، وعلى الكافرين والمخالفين بالهلاك والقهر، ثم يختم بقوله اذكروا الله يذكركم (1) فيطلع إليه من زرّ عليه فيفكّ ذلك التزرير عنه، وينزل القهقرى، فيدخل المحراب ويقف على تلك الطراحات إماما والوزير وقاضي القضاة صفّا، ومن ورائهما الأستاذون المحنكون والأمراء المطوّقون وأرباب الرّتب من أصحاب السيوف والأقلام والمؤذّنون وقوف وظهورهم لحائط المقصورة، والجامع مشحون بالعالم للصلاة وراءه فيقرأ في الركعة الأولى ما هو مكتوب في الستر الأيمن، وفي الثانية ما في الستر الأيسر. فإذا
__________
(1) نص الآية 152من سورة البقرة: «فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون».(3/584)
سمّع الخليفة، سمّع القاضي المؤذنين، فيسمّع المؤذّنون الناس. فإذا فرغ خرج (1) الناس وركبوا أوّلا فأوّلا وعاد إلى القصر والوزير وراءه حتّى يأتي إلى القصر، والطبول والبوقات تضرب ذهابا وإيابا.
فإذا كانت الجمعة الثالثة من الشهر، ركب إلى الجامع الأزهر كذلك وفعل كما فعل في الجمعة الأولى، لا يختلف في ذلك غير الجامع.
فإذا كانت الجمعة الرابعة منه، ركب إلى الجامع العتيق بمصر ويزيّن له أهل القاهرة من باب القصر إلى الجامع الطّولوني، ويزين له أهل مصر من الجامع الطولوني إلى الجامع العتيق، وقد ندب الواليان بالبلدين من يحفظ الناس والزينة ويركب من باب القصر ويسير في الشارع الأعظم بمصر، يمشي في شارع واحد بين العمارة إلى الجامع العتيق بمصر فيفعل كما فعل في الجامعين الأوّلين من غير مخالفة. فإذا قضى الصلاة، عاد إلى القاهرة من طريقه تلك إلى أن يصل إلى قصره، وفي خلال ذلك كلّه لا يمرّ بمسجد إلا أعطى أهله دينارا على كثرة المساجد في طريقه.
الموكب الرابع ركوبه لصلاة عيدي الفطر والأضحى
أما عيد الفطر
فيقع الاهتمام بركوبه في العشر الأخير من رمضان، وتعبّى أهبة المواكب على ما تقدّم في أوّل العام وغيره، وكان خارج باب النصر مصلّى على ربوة وجميعها مبنيّ بالحجر، ولها سور دائر عليها وقلعة على بابها، وفي صدرها قبّة كبيرة في صدرها محراب، والمنبر إلى جانب القبة وسط المصلّى مكشوفا تحت السماء، ارتفاعه ثلاثون درجة وعرضه ثلاثة أذرع، وفي أعلاه مصطبة. فإذا كمل رمضان، وهو عندهم ثلاثون يوما من غير نقص، فإذا كان اليوم الأوّل من شوّال، سار صاحب بيت المال إلى المصلّى خارج باب النصر، وفرش
__________
(1) لعله: «خرج وخرج الناس الخ».(3/585)
الطراحات بمحراب المصلّى، كما تقدّم في الجوامع في أيام الجمع، ويعلق سترين يمنة ويسرة، في الأيمن الفاتحة وسبّح اسم ربّك الأعلى، وفي الأيسر الفاتحة، وهل أتاك حديث الغاشية، ويركز في جانبي المصلّى لواءين مشدودين على رمحين ملبسين بأنابيب الفضة، وهما منشوران مرخيان، ويوضع على ذروة المنبر طرّاحة من شاميات أو دبيقي، ويفرش باقيه بستر من بياض، على مقداره في تقاطيع درجه مضبوطة لا تتغيّر بالمشي وغيره، ويجعل في أعلاه لواءان مرقومان بالذهب يمنة ويسرة، ثم سار الوزير من داره إلى قصر الخليفة على عادته المتقدّمة الذكر، ويركب الخليفة بهيئة المواكب العظيمة على ما تقدّم في أوّل العام: من المظلّة والتاج وغير ذلك من الآلات، ويكون لباسه في هذا اليوم الثياب البيض الموشّحة المجومة (1)، وهي أجلّ لباسه ومظلته كذلك، ويخرج من باب العيد على عادته في ركوب المواكب إلا أن العساكر في هذا اليوم من الأمراء والأجناد والركبان والمشاة تكون أكثر من غيره، وينتظم القوم له صفّين من باب القصر إلى المصلّى، ويركب الخليفة إلى المصلّى فيدخل من شرقيّها إلى مكان يستريح فيه دقيقة، ثم يخرج محفوظا بحاشيته كما في صلاة الجمع المتقدّمة الذكر فيصير إلى المحراب، والوزير والقاضي وراءه كما تقدّم، فيصلي صلاة العيد بالتكبيرات المسنونة، ويقرأ في الركعة الأولى ما في الستر الذي على يمينه، وفي الثانية ما في الستر الذي على يساره. فإذا فرغ وسلم، صعد المنبر لخطابة العيد، فإذا انتهى إلى ذروة المنبر، جلس على تلك الطرّاحة بحيث يراه الناس، ويقف أسفل المنبر الوزير، وقاضي القضاة، وصاحب الباب واسفهسلار، وصاحب السيف، وصاحب الرسالة (2)، وزمام القصر، وصاحب دفتر المجلس، وصاحب المظلّة، وزمام الأشراف الأقارب، وصاحب بيت المال، وحامل الرمح، ونقيب الأشراف
__________
(1) من: الجام أي اللجين. والقصود: المفضّضة. (اللسان: 12/ 112).
(2) هو الذي يخرج برسالة الخليفة الى الوزير وغيره. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى:
215).(3/586)
الطالبيين. ووجه الوزير إليه [فيشير إليه فيصعد ويقرب وقوفه منه ويكون وجهه موازيا رجليه] (1) فيقبلهما بحيث يراه الناس، ثم يقوم فيقف على يمنة الخليفة.
فإذا وقف أشار إلى قاضي القضاة بالصعود فيصعد إلى سابع درجة، ثم يتطلع إليه منتظرا ما يقول، فيشير إليه فيخرج من كمّه درجا قد أحضر إليه في أمسه من ديوان الإنشاء بعد عرضه على الخليفة والوزير، فيعلن بقراءة مضمونة [ويقول] (2) بعد البسملة: [ثبت بمن] (3) شرّف بصعود [5] (4) المنبر الشريف في يوم كذا، وهو عيد الفطر من سنة كذا من عند أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين بعد صعود السيد الأجل» (يذكر نعوت الوزير المقررة والدعاء له) ثم ذكر من يشرّفه الخليفة بصعود المنبر من أولاد الوزير (5)، ثم ذكر القاضي ولكنه يكون هو القاريء للثّبت فلا يسعه ذكر نعوته فيقول: المملوك فلان بن فلان ونحو ذلك، ثم الواقفين على باب المنبر ممن تقدّم ذكره بنعوتهم واحدا واحدا، وكلما ذكر واحدا استدعاه وطلع المنبر، كل منهم يعرف مقامه في المنبر يمنة ويسرة. فإذا لم يبق أحد ممن أطلع إلى المنبر، أشار الوزير إليهم فأخذ كل من هو في جانب بيده نصيبا من اللواء الذي بجانبه فيستتر الخليفة ويستترون، وينادي في الناس بالإنصات، فيخطب الخليفة خطبة بليغة مناسبة لذلك المقام، يقرؤها من السّفط (6) الذي يحضر إليه مسطّرا من ديوان الإنشاء كما جمع رمضان المتقدّمة الذكر. فإذا فرغ من الخطبة، ألقى كلّ من في يده شيء من اللواء خارج المنبر، فينكشفون وينزلون القهقرى أوّلا بأوّل الأقرب فالأقرب. فإذا خلا المنبر للخليفة، هبط ودخل المكان الذي خرج منه، فيلبث قليلا ثم يركب في هيئته التي أتى فيها إلى المصلّى، ويعود في طريقه التي أتى
__________
(1) الزيادة عن المقريزي: خطط 1/ 455.
(2) الزيادة عن المقريزي: خطط 1/ 455.
(3) الزيادة عن المقريزي: خطط 1/ 455.
(4) الزيادة عن المقريزي: خطط 1/ 455.
(5) وأضاف المقريزي: خطط: 1/ 455 «وإخوته».
(6) في اللسان والقاموس والمعجم الوسيط: السّفط: وعاء للطيب وللفاكهة والقشر على جلد السمك.
وهذا المعنى لا يناسب المقام. وجملة المقريزي: خطط 1/ 456 «يخطب الخليفة من المسطور» وهي أنسب في المقام.(3/587)
منها. فإذا قرب من القصر، تقدّمه الوزير على العادة، ثم يدخل من باب العيد الذي خرج منه، فيجلس في الشّبّاك الذي في الإيوان الكبير، وقد مدّ منه إلى فسقية (1) في وسط الإيوان مقدار عشرين قصبة سماط فيه من الخشكنان (2)
والبستندود (3)، وغير ذلك مما يعمل في العيد مثل الجبل الشاهق، كل قطعة ما بين ربع قنطار إلى رطل واحد، فيأكل من يأكل وينقل من ينقل لا حجر عليه ولا مانع دونه، ثم يقوم من الإيوان فيركب إلى قاعة الذهب فيجد سرير الملك قد نصب، ووضع له مائدة من فضة، ومدّ السماط تحت السرير فيترجل عن السرير، ويجلس على المائدة، ويستدعي الوزير فيجلس معه، ويجلس الأمراء على السّماط ولا يزال كذلك حتّى يستهدم (4) السّماط قريب صلاة الظهر ثم يقوم وينصرف الوزير إلى داره والأمراء في خدمته فيمدّ لهم سماطا يأكلون منه وينصرفون.
وأما عيد الأضحى
فإنه إذا دخل ذو الحجة وقع الاهتمام بركوبه. فإذا كان يوم العيد، ركب الخليفة على ما تقدم في عيد الفطر من الزّيّ والترتيب والركوب إلى المصلّى، ويكون لباس الخليفة فيه الاحمر الموشح، ومظلّته كذلك، ويخرج إلى المصلّى خارج باب النصر ويخطب، ثم يعود إلى القصر كما في عيد الفطر من غير زيادة ولا نقص ثم بعد دخوله إلى القصر يخرج من باب الفرج، وهو باب القصر الذي كان مسامتا لدار سعيد السّعداء (5) التي هي الخانقاة الآن، فيجد
__________
(1) حوض من الرخام ونحوه مستدير غالبا تمجّ الماء فيه نافورة. ويكون أيضا في القصور والميادين.
(المعجم الوسيط: 689).
(2) ويعرف في مصر «بالخشتنان» وهو نوع من الحلوى مصنوع من الرقاق على شكل حلقة مجوّفة يملأ وسطها باللوز أو بالفستق. (حاشية الطبعة الأميرية: 3/ 510).
(3) في الأصل: «البسندود» وكذلك في المقريزي: 1/ 456. وفي حاشية الطبعة الأميرية: 3/ 510 «البستندود أصله بالفارسية «بشنده» طعام فارسي مصنوع من دقيق وبلح.
(4) أي يرفع.
(5) في المقريزي: 2/ 415 «سعيد السعداء وهو الأستاذ قنبر ويقال عنبر، وذكر ابن ميسر أن اسمه بيان ولقبه سعيد السعداء، أحد الأستاذين المحنكين. قتل سنة 544هـ».(3/588)
الوزير راكبا على الباب المذكور، فيترجّل الوزير، ويمشي في خدمته إلى المنحر (1)، وهو خارج الباب المذكور. وكان إذ ذاك الفضاء واسعا لابناء فيه، وهناك مصطبة مفروشة فيطلع عليها الخليفة والوزير وقاضي القضاة والأستاذون المحنّكون وأكابر الدولة، ويكون قد سبق إلى المنحر أحد وثلاثون فصيلا وناقة للأضحية، وبيده حربة، وقاضي القضاة ممسك بأصل سنانها، وتقدم إليه الأضحية رأسا رأسا فيجعل القاضي السنان في نحر النحيرة ويطعن به الخليفة في لبّتها (2)، فتخرّ بين يديه حتّى يأتي على الجميع، ثم يسيّر رسوم الأضحية إلى أرباب الرسوم المقررة، وفي اليوم الثاني يساق إلى المنحر سبعة وعشرون رأسا، ويركب الخليفة فيفعل بها كذلك، وفي اليوم الثالث يساق إليه ثلاث وعشرون رأسا فيفعل بها كذلك. فإذا انقضى ذلك في اليوم الثالث وعاد الخليفة إلى القصر خلع على الوزير ثيابه الحمر التي كانت عليه يوم العيد، ومنديلا بغير اليتيمة والعقد المنظوم بالجوهر، ويركب الوزير بالخلعة من القصر، ويشق القاهرة بالشارع سالكا إلى الخليج فيسير عليه حتّى يدخل من باب القنطرة إلى دار الوزارة، وبذلك انفصال العيد. ثم أول نحيرة تنحر تقدّد وتسيّر إلى داعي اليمن فيفرّقها على المعتقدين من وزن نصف درهم إلى وزن ربع درهم، وباقي ذلك يفرّق على أرباب الرسوم في أطباق للبركة، وأكثره يفرّقه قاضي القضاة وداعي الدّعاة على الطلبة بدار العدل والمتصدّرين بجوامع القاهرة، وفي اليوم الأول يمدّ السماط بقاعة الذهب على ما تقدّم في عيد الفطر من غير فرق.
__________
(1) المنحر وهو الموضع الذي اتخذه الخلفاء لنحر الأضاحي في عيدي الأضحى والغدير. وكان موضع المنحر أرض فضاء بالدرب الأصفر، ومحله اليوم مجموعة المباني الواقعة غرب جامع سعيد السعداء بين شارعي الدرب الأصفر والتمبكشية بقسم الجمالية. (حاشية الطبعة الأميرية:
3/ 511).
(2) أي منحرها جمعها لبّات ولباب. (اللسان: 1/ 733).(3/589)
الموكب الخامس ركوبه لتخليق المقياس عند وفاء النيل
قد تقدّم عند ذكر النيل في الكلام على الديار المصرية ابتداء زيادة النيل ووفاؤه وانتهاؤه، وذكر المناداة عليه على ما الأمر مستقرّ عليه. إلا أنه في زمن هؤلاء الخلفاء لم يكن ينادى عليه قبل الوفاء، وإنما يؤخذ قاعه وتكتب به رقعة للخليفة والوزير، ثم ينزل بديوان الرسائل في مسير معدّ له في الديوان، ويستمر الحال على ذلك في كل يوم ترفع رقعة إلى ديوان الإنشاء بالزيادة لا يطّلع عليها غير الخليفة والوزير، وأمره مكتوم إلى أن يبقى من ذراع الوفاء (وهو السادس عشر) أصبع أو أصبعان، فيؤمر بأن يبيت في جامع المقياس تلك الليلة قرّاء الحضرة والمتصدرون بالجوامع بالقاهرة ومصر ومن يجري مجراهم لختم القرآن الكريم في تلك الليلة هناك، ويمدّ لهم السماط بالأطعمة الفاخرة، وتوقد عليهم الشموع إلى الصبح. فإذا أصبح الصبح وأذن الله تعالى بوفاء النيل في تلك الليلة، طلعت رقعة ابن أبي الردّاد إلى الخليفة، فتحضر إليه بالقصر، فيركب الخليفة في هيئة عظيمة من الثياب الفاخرة والموكب العظيم، إلا أنه لا يلبس التاج الذي فيه اليتيمة، ولا يخلّي المظلة على رأسه في ذلك اليوم ويركب الوزير وراءه في الجمع العظيم على ترتيب الموكب ويخرج من القصر شاقّا القاهرة إلى باب زويلة فيخرج منه، ويسلك الشارع إلى أن يجاوز البستان المعروف بعباس عند رأس الصّليبة بالقرب من الخانقاه الشيخونية الآن، فيعطف سالكا على الجامع الطولونيّ والجسر الأعظم حتّى يأتي مصر، ويدخل من الصناعة، وهي يومئذ في غاية العمارة، وبها دهليز ممتد بمصاطب مفروشة بالحصر العبداني مؤزّر بها، ويخرج من بابها شاقّا مصر حتّى يأتي المنظرة المعروفة برواق الملك على القرب من باب القنطرة، فيدخلها من الباب المواجه له والوزير معه ماشيا إلى المكان المعدّ له، ويكون العشاريّ (1) الخاصّ المعبر عنه الآن بالحرّاقة واقفا هناك
__________
(1) جمعها عشاريات، وهي المراكب التي تسير في النيل وكانت تستخدم في حمل غلات الدولة وغيرها. وقد كان لبعض الأمراء عشاريات يركبونها في نزهتهم في النيل وخاصة عند الاحتفال بكسر الخليج. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى: 245).(3/590)
بشاطيء النيل، وقد حمل إليه من القصر بيت مثمن من العاج والآبنوس كل جانب منه ثلاثة أذرع، وطوله قامة رجل تام، فيركب في العشاريّ المذكور وعليه قبة من خشب محكم الصنعة، وهو وقبّته ملبّس صفائح الفضة المذهبة، ثم يخرج الخليفة من دار الملك المذكور ومعه من الاستاذين المحنّكين من يختاره من ثلاثة إلى أربعة، ثم يطلع خواصّ الخليفة إلى العشاريّ والوزير ومعه من خواصّه اثنان أو ثلاثة لا غير، فيجلس الوزير في رواق بظاهر البيت المذكور، بفوانيس من خشب مخروط مدهونة مذهبة، بستور مسدلة عليه، ويسير العشاريّ من باب المنظرة إلى باب المقياس العالي على الدّرج، فيطلع من العشاريّ، ويدخل إلى الفسقية التي فيها المقياس، والوزير والأستاذون المحنكون بين يديه، فيصلّي هو والوزير كلّ منهما ركعتين بمفرده، ثم يؤتى بالزّعفران والمسك فيديفه في إناء بيده بآلة معه، ويتناوله صاحب بيت المال فيناوله لابن أبي الرّداد، فيلقي نفسه في الفسقية بثيابه فيتعلق في العمود برجليه ويده اليسرى ويخلّقه بيده اليمنى، وقرّاء الحضرة من الجانب الآخر يقرأون القرآن ثم يخرج على فوره راكبا في العشاري المذكور، ثم يعود إلى دار الملك، ويركب منها عائدا إلى القاهرة وتارة ينحدر في العشاريّ إلى المقس، ويتبعه الموكب فيسير من هناك إلى القاهرة. ويكون في البحر ذلك اليوم نحو ألف مركب مشحونة بالناس للتفرّج وإظهار الفرح. فإذا كان اليوم الثاني من التخليق أتى ابن أبي الردّاد إلى الإيوان الكبير الذي فيه الشّبّاك بالقصر فيجد خلعة مذهبة بطيلسان مقوّر، ويدفع إليه خمسة أكياس في كل كيس خمسمائة درهم مهيأة له، فيلبس الخلعة، ويخرج من باب العيد المتقدّم ذكره في أبواب القصر، وقد هييء له خمسة بغال على ظهورها الأحمال المزيّنة بالحليّ، على ظهر كل منها راكب وبيده أحد الأكياس الخمسة المتقدّمة الذكر ظاهر في يده، وأقاربه وبنو عمه يحجبونه وأصدقاؤه حوله، وأمامه حملان من النّقّارات
السلطانية، والأبواق تضرب أمامه، والطبل وراءه مثل الأمراء فيشق بين القصرين، وكلما مر على باب من أبواب القصر يدخل منه الخليفة أو يخرج، نزل فقبّله، ويخرج من باب زويلة في الشارع الأعظم حتّى يأتي مصر فيشقّ وسطها ويمرّ بالجامع العتيق، ويجاوزه إلى شاطىء النيل فيعدّي إلى المقياس بخلعته وما معه من الأكياس، فيأخذ من الأكياس قدرا مقرّرا له، ويفرّق باقي ذلك على أرباب الرسوم الجارية من قديم الزمان من بني عمه وغيرهم.(3/591)
بشاطيء النيل، وقد حمل إليه من القصر بيت مثمن من العاج والآبنوس كل جانب منه ثلاثة أذرع، وطوله قامة رجل تام، فيركب في العشاريّ المذكور وعليه قبة من خشب محكم الصنعة، وهو وقبّته ملبّس صفائح الفضة المذهبة، ثم يخرج الخليفة من دار الملك المذكور ومعه من الاستاذين المحنّكين من يختاره من ثلاثة إلى أربعة، ثم يطلع خواصّ الخليفة إلى العشاريّ والوزير ومعه من خواصّه اثنان أو ثلاثة لا غير، فيجلس الوزير في رواق بظاهر البيت المذكور، بفوانيس من خشب مخروط مدهونة مذهبة، بستور مسدلة عليه، ويسير العشاريّ من باب المنظرة إلى باب المقياس العالي على الدّرج، فيطلع من العشاريّ، ويدخل إلى الفسقية التي فيها المقياس، والوزير والأستاذون المحنكون بين يديه، فيصلّي هو والوزير كلّ منهما ركعتين بمفرده، ثم يؤتى بالزّعفران والمسك فيديفه في إناء بيده بآلة معه، ويتناوله صاحب بيت المال فيناوله لابن أبي الرّداد، فيلقي نفسه في الفسقية بثيابه فيتعلق في العمود برجليه ويده اليسرى ويخلّقه بيده اليمنى، وقرّاء الحضرة من الجانب الآخر يقرأون القرآن ثم يخرج على فوره راكبا في العشاري المذكور، ثم يعود إلى دار الملك، ويركب منها عائدا إلى القاهرة وتارة ينحدر في العشاريّ إلى المقس، ويتبعه الموكب فيسير من هناك إلى القاهرة. ويكون في البحر ذلك اليوم نحو ألف مركب مشحونة بالناس للتفرّج وإظهار الفرح. فإذا كان اليوم الثاني من التخليق أتى ابن أبي الردّاد إلى الإيوان الكبير الذي فيه الشّبّاك بالقصر فيجد خلعة مذهبة بطيلسان مقوّر، ويدفع إليه خمسة أكياس في كل كيس خمسمائة درهم مهيأة له، فيلبس الخلعة، ويخرج من باب العيد المتقدّم ذكره في أبواب القصر، وقد هييء له خمسة بغال على ظهورها الأحمال المزيّنة بالحليّ، على ظهر كل منها راكب وبيده أحد الأكياس الخمسة المتقدّمة الذكر ظاهر في يده، وأقاربه وبنو عمه يحجبونه وأصدقاؤه حوله، وأمامه حملان من النّقّارات
السلطانية، والأبواق تضرب أمامه، والطبل وراءه مثل الأمراء فيشق بين القصرين، وكلما مر على باب من أبواب القصر يدخل منه الخليفة أو يخرج، نزل فقبّله، ويخرج من باب زويلة في الشارع الأعظم حتّى يأتي مصر فيشقّ وسطها ويمرّ بالجامع العتيق، ويجاوزه إلى شاطىء النيل فيعدّي إلى المقياس بخلعته وما معه من الأكياس، فيأخذ من الأكياس قدرا مقرّرا له، ويفرّق باقي ذلك على أرباب الرسوم الجارية من قديم الزمان من بني عمه وغيرهم.
الموكب السادس ركوبه لفتح الخليج
وهو في اليوم الثالث أو الرابع من يوم التخليق المتقدّم ذكره، وليس كما في زماننا من فتحه في يوم التخليق وكان يقع الاهتمام عندهم بركوب هذا اليوم من حين يأخذ النيل في الزيادة، وتعمل في بيت المال موائد من التماثيل المختلفة:
من الغزلان، والسباع، والفيلة، والزّراريف عدّة وافرة، منها ما هو ملبّس بالعنبر، وما هو ملبّس بالصندل (1)، مفسرة الأعين والأعضاء بالذهب، وكذلك يعمل أشكال التّفّاح والأترجّ وغير ذلك، وتخرج الخيمة العظيمة المعروفة بالقاتول المتقدّمة الذكر فتنصب للخليفة في برّ الخليج الغربيّ على حافته عند منظرة يقال لها السكّرة على القرب من فم الخليج، ويلفّ عمود الخيمة بديباج أحمر أو أبيض أو أصفر من أعلاه إلى أسفله، وينصب فيها سرير الملك مستندا إليه ويغشّى بقرقوبي، وعرانيسه (2) ذهب ظاهرة، ويوضع عليه مرتبة عظيمة من الفرش للخليفة ويضرب لأرباب الرّتب من الأمراء بحريّ هذه الخيمة خيم كثيرة على قدر مراتبهم في المقدار والقرب من خيمة الخليفة ثم يركب الخليفة على عادته في المواكب العظيمة بالمظلّة وتوابعها من السيف والرمح والألوية والدواة وسائر الآلات، ويزاد
__________
(1) الصندل: شجر خشبه طيب الرائحة، يظهر طيبه بالدّلك أو بالإحراق. (المعجم الوسيط: 525).
(2) العرناس: أنف الجبل، وقضيب أو شظية من خشب ونحوه والمراد الأطراف النافرة من السرير (المعجم الوسيط: 597).(3/592)
فيه أربعون بوقا: عشرة من الذهب وثلاثون من الفضة، يكون المنفّرون بها ركبانا، والمنفّرون بالأبواق النّحاس مشاة، ومن الطبول العظام عشرة طبول. فإذا كان يوم الركوب، حضر الوزير من دار الوزارة راكبا في هيئة عظيمة، ويركب حينئذ إلى باب القصر الذي يخرج منه الخليفة، ويخرج الخليفة من باب القصر راكبا والأستاذون المحنّكون مشاة حوله، وعليه ثوب يسمّى البدنة حرير مرقوم بذهب، لا يلبسه غير ذلك اليوم، والمظلة بنسبته فيركب الأستاذون المحنّكون ويسير الموكب على الترتيب المتقدّم في ركوب أول العام سائرا في الطريق التي ذهب فيها للتخليق حتى يأتي الجامع الطولوني ويكون قاضي القضاة وأعيان الشهود جلوسا ببابه من هذه الجهة، فيقف لهم الخليفة وقفة لطيفة، ويسلم على القاضي، فيتقدّم القاضي ويقبّل رجله التي من جانبه، ويأتي الشهود أمام وجه فرس الخليفة، ويقفون بمقدار أربعة أذرع عن الخليفة فيسلم عليهم، ثم يركبون ويسير الموكب حتّى يأتي ساحل الخليج، فيسير حتّى يقارب الخليفة الخيمة، فيتقدّمه الوزير على العادة، فيترجل على باب الخيمة، ويجلس على المرتبة الموضوعة له فوقه (1)
ويحيط به الأستاذون المحنكون والأمراء المطوّقون بعدهم ويوضع للوزير كرسيّه الجاري به العادة على ما تقدّم في جلوسه في القصر، فيجلس ورجلاه يحكّان الأرض، ويقف أرباب الرّتب صفّين من سرير الملك إلى باب الخيمة، وقرّاء الحضرة يقرأون القرآن ساعة زمانية. فإذا فرغوا من القراءة، استأذن صاحب الباب على حضور الشعراء للخدمة، فيؤذن لهم فيتقدّمون واحدا بعد واحد على مقدار منازلهم المقرّرة لهم، وينشد كلّ منهم ما وقع له نظمه مما يناسب الحال. فإذا فرغ أتى غيره وأنشد ما نظمه إلى أن يفرغ إنشادهم، والحاضرون ينتقدون على كل شاعر ما يقوله، ويحسّنون منه ما حسن ويوهّون منه وما هى. فإذا انقضى هذا المجلس، قام الخليفة عن السرير فركب إلى المنظرة المعروفة بالسكّرة بقرب الخيمة والوزير بين يديه، وقد فرشت بالفرش المعدّة لها، فيجلس الخليفة بمكان
__________
(1) أي فوق السرير المتقدم وصفه.(3/593)
معدّ له منها، ويجلس الوزير بمكان منها بمفرده، ويجلس القاضي والشهود في الخيمة البيضاء الدبيقية، فيطلّ منها أستاذ من الأستاذين المحنكين فيشير بفتح السدّ فيفتح بالمعاول، وتضرب الطبول والأبواق من البّرين، وفي أثناء ذلك يصل السّماط من القصر صحبة صاحب المائدة القائم مقام أستاذ دار الصحبة الآن، وعدّتها مائة شدّة في الطيافير الواسعة في القواوير (1) الحرير، وفوقها الطرّاحات النفيسة، وريح المسك والأفاويه تفوح منها، فتوضع في خيمة وسيعة معدّة لذلك ويحمل منها للوزير وأولاده ما جرت به عادتهم، ثم لقاضي القضاة والشهود، ثم إلى الأمراء على قدر مراتبهم: على أنواع الموائد من التماثيل المقدّمة الذكر خلا القاضي والشهود، فإنه لا يكون في موائدهم تماثيل. فإذا اعتدل الماء في الخليج دخلت فيه العشاريات اللطاف ووراءها العشاريات الكبار، وهي سبعة: الذهبيّ المختص بالخليفة، وهو الذي يركب فيه يوم التخليق، والفضّيّ، والأحمر، والأصفر، والأخضر، واللّازورديّ، والصّقلّي، وهو عشاريّ أنشأه نجّار من صقلّية على الإنشاء المعتاد فنسب إليه، وعليها الستور الدبيقي الملونة، وفي أعناقها الأهلة وقلائد العنبر والخرز الأزرق، وتسير حتّى ترسو على بر المنظرة التي فيها الخليفة. فإذا صلّى الخليفة العصر، ركب لابسا غير الثياب التي كانت عليه في أول النهار، ومظلّته مناسبة لثيابه التي لبسها، وباقي الموكب على حاله، ويسير في البر الغربيّ من الخليج شاقّا للبساتين حتّى يصل إلى باب القنطرة فيعطف على يمينه ويسير إلى القصر، والوزير تابعه على الرسم المعتاد، فيدخل الخليفة قصره، ويمرّ الوزير إلى داره على عادته في مثل ذلك اليوم.
وذكر القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: أنه إذا ركب من المنظرة المعروفة بالسكرة، سار في بر الخليج الغربيّ على ما تقدم ذكره حتّى يأتي بستان
__________
(1) عبارة المقريزي: 1/ 479 «عليها القوّارات الحرير».(3/594)
الدكة (1)، وقد علّقت دهاليزه بالزينة فيدخله وحده ويسقي منه فرسه، ثم يخرج حتّى يقف على الرعنة (2) المعروفة بخليج الدار، ويدخل من باب القنطرة ويسير إلى قصره.
النوع الثاني من مواكبهم المواكب المختصرة في أثناء السنة
وهي أربعة أيام أو خمسة فيما بين أول العام ورمضان ولا يتعدّى ذلك يومي السبت والثلاثاء. فإذا عزم على الركوب في يوم من هذه الأيام، قدّم تفرقة السلاح على الركابية على ما تقدم ذكره في أول العام، وأكثر ما يكون ركوبه إلى مصر، فيركب والوزير وراءه على أخصر من النظام المتقدّم له في المواكب العظام وأقلّ جمعا، ولبسه في هذه الأيام الثياب المذهبة من البياض والملون ومنديل من نسبة ذلك مشدودة بشدّة غير شدّات غيره، وذوائبه مرخاة تقرب من جانبه الأيسر، وهو مقلد بالسيف العربي المجوهر بغير حنك ولا مظلة، ويخرج شاقّا القاهرة في الشارع الأعظم حتّى يجاوز الجامع الطولوني على المشاهد (3) إلى الجامع العتيق.
فإذا وصل إلى بابه، وجد الخطيب قد وقف على مصطبة بجانبه فيها محراب، مفروشة بحصير وعليها سجادة معلقة، وفي يده المصحف الكريم المنسوب خطه إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، فيناوله المصحف من يده فيقبله ويتبرك به ويأمر له بعطاء يفرّق على أهل الجامع.
الضرب الثالث من هيئة الخليفة هيئته في قصوره
قال ابن الطوير: كان له ثياب يلبسها في الدور أكمامها على النصف من
__________
(1) كان بمنظرة الدكّة التي زالت بزوال الدولة الفاطمية. (خطط المقريزي: 1/ 479).
(2) عبارة المقريزي: 1/ 480 «ويسير الى أن يقف على الترعة».
(3) يريد بالمشاهد الأماكن التي كان الناس ولا يزالون يتبركون بزيارتها كمشهد زين العابدين ومشهد السيدة نفيسة ومشهد السيدة أم كلثوم رضوان الله عليهم. (حاشية الطبعة الأميرية: 3/ 517).(3/595)
أكمام ثيابه التي يلبسها في المواكب، وكان من شأنه أنه لا ينصرف من مكان إلى مكان في القصر في ليل أو نهار إلا وهو راكب، ولا يقتصر في القصر على ركوب الخيل بل يركب البغال والحمير الإناث لما تدعوه الضرورة إليه من الجواز في السراديب القصيرة والطلوع على الزلاقات إلى أعلى المناظر والمساكن، وله في الليل نسوة برسم شدّ ما يحتاج إلى ركوبه من البغال والحمير، وفي كل محلة من محلات القصر فسقيّة مملوءة بالماء خيفة من حدوث حريق في الليل، ويبيت خارج القصر في كل ليلة خمسون فارسا للحراسة. فإذا أذّن بالعشاء الآخرة داخل قاعة الذهب وصلّى الإمام الراتب فيها بالمقيمين من الأستاذين وغيرهم، ووقف على باب القصر أمير يقال له سنان الدولة مقام أمير جاندار الآن فإذا علم بفراغ الصلاة تضرب البوقية من الطبول والبوقات وتوابعها على طريق مستحسنة ساعة زمانية، ثم يخرج أستاذ برسم هذه الخدمة فيقول: «أمير المؤمنين يرد على سنان الدولة السلام» فيغرز سنان الدولة حربة على الباب ثم يرفعها بيده، فإذا رفعها أغلق الباب، ودار حول حول القصر سبع دورات. فإذا انتهى ذلك جعل على الباب البوّابين والفرّاشين وأوى المؤذّنون إلى خزائن لهم هناك وترمى السلسلة عند المضيق، آخر بين القصرين عند السيوفيين فينقطع المارّ من ذلك المكان إلى أن تضرب البوقية سحرا قرب الفجر فترفع السلسلة ويجوز الناس من هناك.
الجملة السادسة في اهتمامهم بالأساطيل وحفظ الثغور واعتنائهم بأمر الجهاد، وسيرهم في رعاياهم، واستمالة قلوب مخالفيهم
أما اهتمامهم بالأساطيل وحفظ الثغور
واعتناؤهم بأمر الجهاد، فكان ذلك من أهم أمورهم، وأجلّ ما وقع الاعتناء به عندهم. وكانت اساطيلهم (1) مرتبة بجميع بلادهم الساحلية كالإسكندرية ودمياط من الديار المصرية، وعسقلان وعكّا
__________
(1) كانت قوة الأسطول في زمن المعزّ كبيرة إذ يذكر المقريزي أن المعز أنشأ في صناعة المقس ستمائة مركب لم ير مثلها في البحر على ميناء.(3/596)
وصور وغيرها من سواحل الشام، حين كانت بأيديهم، قبل أن يغلبهم عليها الفرنج وكانت جريدة قوّادهم تزيد على خمسة آلاف مقاتل مدونة، وجوامكهم في كل شهر من عشرين دينارا إلى خمسة عشر دينارا إلى عشرة إلى ثمانية إلى دينارين، وعلى الأسطول أمير كبير من أعيان الأمراء وأقواهم جأشا، وكان أسطولهم يومئذ يزيد على خمسة وسبعين شينيّا وعشر مسطحات وعشر حمالات (1)، وعمارة المراكب متواصلة بالصناعة لا تنقطع. فإذا أراد الخليفة تجهيزها للغزو، جلس للنفقة بنفسه حتى يكملها، ثم يخرج مع الوزير إلى ساحل النيل بالمقسم، فيجلس في منظرة كانت بجامع باب البحر والوزير معه للموادعة (2)، ويأتي القوّاد بالمراكب إلى تحت المنظرة، وهي مزينة بالأسلحة والمنجنيقات واللعب منصوبة في بعضها، فتسيّر بالمجاديف ذهابا وعودا كما يفعل حالة القتال، ثم يحضر إلى بين يدي الخليفة المقدّم والريّس فيوصيهما ويدعو لهما بالسلامة، وتنحدر المراكب إلى دمياط وتخرج إلى البحر الملح فيكون لها في بلاد العدوّ الصّيت والسّمعة. فإذا غنموا مركبا اصطفى الخليفة لنفسه السبي الذي فيه من رجال أو نساء أو أطفال، وكذلك السلاح، وما عدا ذلك يكون للغانمين لا يساهمون فيه.
وكان لهم أيضا أسطول بعيذاب يتلقّى به الكارم (3) فيما بين عيذاب وسواكن، وما حولها خوفا على مراكب الكارم من قوم كانوا بجزائر بحر القلزم هناك يعترضون المراكب، فيحميهم الأسطول منهم، وكان عدّة هذا الأسطول خمسة مراكب، ثم صارت إلى ثلاث، وكان والي قوص هو المتولّي لأمر هذا الأسطول، وربما تولاه أمير من الباب، ويحمل إليه من خزائن السلاح ما يكفيه.
وأما سيرهم في رعيتهم
واستمالة قلوب مخالفيهم، فكان لهم الإقبال على من يفد عليهم من أهل الأقاليم جلّ أو دقّ، ويقابلون كل أحد بما يليق به من
__________
(1) الشينية والمسطحة والحمّالة: سفن حربية. (صبح الأعشى: 2/ 519).
(2) أي التوديع وقد جرى فيه وفي كثير غيره على اصطلاحات العامة.
(3) وهم تجار البهار والفلفل ونحوهما كما سبق ورأينا.(3/597)
الإكرام، ويعوّضون أرباب الهدايا بأضعافها. وكانوا يتألّفون أهل السّنّة والجماعة ويمكنونهم من إظهار شعائرهم على اختلاف مذاهبهم، ولا يمنعون من إقامة صلاة التراويح في الجوامع والمساجد على مخالفة معتقدهم في ذلك (1) بذكر الصحابة رضوان الله عليهم، ومذاهب مالك والشافعي وأحمد ظاهرة الشّعار في مملكتهم، بخلاف مذهب أبي حنيفة، ويراعون مذهب مالك، ومن سألهم الحكم به أجابوه، وكان من شأن الخليفة أنه لا يكتب في علامته إلا «الحمد لله رب العالمين» ولا يخاطب أحدا في مكاتبته إلا بالكاف حتّى الوزير صاحب السيف، وإنما المكاتبات عن الوزير هي التي تتفاوت مراتبها، ولا يخاطب عنهم أحد إلا بنعت مقرّر له ودعاء معروف به، ويراعون من يموت في خدمتهم في عقبه، وإن كان له مرتب نقلوه إلى ذرّيته من رجال أو نساء.
الجملة السابعة في إجراء الأرزاق والعطاء لأرباب الخدم بدولتهم وما يتصل بذلك من الطعمة
أمّا إجراء الأرزاق والعطاء
فقد تقدّم أن ديوان الجيوش كان عندهم على ثلاثة أقسام: قسم يختص بالعرض وتحلية الأجناد وشيات دوابّهم، وقسم يختص بضبط إقطاعات الأجناد، وقسم يختص بمعرفة ما لكل مرتزق في الدولة من راتب وجار وجراية، ولكل من الثلاثة كتّاب يختصون بخدمته. والقسم الثالث هو المقصود هنا وكان راتبهم فيه بالدنانير الجيشية وكان يشتمل على ثمانية أقسام:
الأوّل فيه راتب الوزير وأولاده وحاشيته.
فراتب الوزير في كل شهر خمسة آلاف دينار، ومن يليه من ولد أو أخ من ثلاثمائة دينار إلى مائتي دينار، ولم يقرّر لولد وزير خمسمائة دينار سوى
__________
(1) بياض بالأصل بقدر كلمة.(3/598)
الكامل (1) بن شاور، ثم حواشيه (2) من خمسمائة دينار، إلى أربعمائة دينار، إلى ثلاثمائة دينار خارجا عن الإقطاعات (3).
الثاني فيه حواشي الخليفة.
فأوّلهم الأستاذون المحنكون على رتبهم. فزمام القصر، وصاحب بيت المال، وحامل الرسالة، وصاحب الدفتر، وشادّ التاج، وزمام الأشراف الأقارب، وصاحب المجلس، لكل واحد منهم في الشهر مائة دينار، ثمّ من دونهم من تسعين دينارا إلى عشرة دنانير على تفاوت الرّتب. وفي هذا طبيبا الخاص، ولكل واحد منهما في الشهر خمسون دينارا، ولمن دونهما من الأطباء المقيمين بالقصر لكل واحد عشرة دنانير.
الثالث فيه أرباب الرّتب بحضرة الخليفة.
فأوّل مسطور فيه كاتب الدّست وهو المعبّر عنه الآن بكاتب السرّ وله في الشهر مائة وخمسون دينارا، ولكل واحد من كتّابه ثلاثون دينارا ثم الموقّع بالقلم الدقيق، وله مائة دينار، ثم صاحب الباب، وله مائة وعشرون دينارا ثم حامل السيف وحامل الرمح، ولكل منهما سبعون دينارا، وبقيّة الأزمّة على العساكر والسودان من خمسين دينارا، إلى أربعين دينارا، إلى ثلاثين.
الرابع فيه قاضي القضاة
، وله في الشهر مائة دينار، وداعي الدّعاة وله مثله وقرّاء الحضرة، ولكل منهم عشرون دينارا، إلى خمسة عشر دينارا، إلى عشرة.
__________
(1) هو شجاع بن شاور المنعوت بالكامل. (خطط المقريزي: 1/ 401).
(2) عبارة المقريزي: «ثم حواشيهم».
(3) والملاحظ أن مرتب الوزير الفاطمي مثل راتب زميله العباسي ويظهر أن هذا المرتّب كان ينقص في بعض الفترات، فإن المأمون البطائحي كان يتقاضى مرتبا من بيت المال ثلاثة آلاف دينار. ونلاحظ أيضا الفرق الكبير بين راتب الوزير وغيره من الموظفين إذا علمنا أن راتب قاضي القضاة وداعي الدعاة على علوّ مكانتهما مائة دينار في الشهر. (راجع الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي:
82).(3/599)
الخامس فيه أرباب الدواوين ومن يجري مجراهم.
فأوّلهم متولّي ديوان النظر، وله في الشهر سبعون دينارا، ثم متولي ديوان التحقيق، وله خمسون دينارا، ثم متولي ديوان المجلس، وله أربعون دينارا، ثم متولي ديوان الجيوش، وله أربعون دينارا، ثم صاحب دفتر المجلس، وله خمسة وثلاثون دينارا، ثم الموقّع بالقلم الجليل القائم مقام كاتب الدّرج الآن، وله ثلاثون دينارا. ولكل معين عشرة دنانير، إلى سبعة، إلى خمسة.
السادس فيه المستخدمون بالقاهرة ومصر في خدمة واليهما
، ولكل واحد منهما خمسون دينارا، وللحماة بالأهراء والمناخات والجوالي والبساتين والأملاك وغيرها لكل منهم ما يقوم به من عشرين دينارا، إلى خمسة عشر، إلى عشرة، إلى خمسة.
السابع فيه عدّة الفرّاشين برسم خدمة الخليفة
والقصور وتنظيفها خارجا وداخلا ونصب الستائر المحتاج إليها والمناظر الخارجة عن القصر، ولكل منهم في الشهر ثلاثون دينارا فما حولها ثم من يليهم من الرشّاشين داخل القصر وخارجه وهم نحو ثلاثمائة رجل، ولكل منهم من عشر دنانير إلى خمسة.
الثامن فيه الركابية (1) ومقدّموهم
، ولكل من مقدّميهم في الشهر خمسون دينارا وللركابية من خمسة عشر دينارا إلى عشرة إلى خمسة.
وأما الطّعمة فعلى ضربين:
الضرب الأوّل الأسمطة التي تمدّ في شهر رمضان والعيدين
أما شهر رمضان
فإن الخليفة كان يرتّب بقاعة الذهب بالقصر (2) سماطا في
__________
(1) وكانت عدتهم تزيد على ألفي رجل. (خطط المقريزي: 1/ 402).
(2) القصر الكبير في الجهة الشرقية من القاهرة، ولذلك يسمى القصر الكبير الشرقي أو القصر المعزّي، إذ أمر ببنائه المعزّ لدين الله. (خطط المقريزي: 1/ 384).(3/600)
كل ليلة من استقبال الرابع منه، وإلى آخر السادس والعشرين منه، ويستدعي الأمراء لحضوره في كل ليلة بالنّوبة، يحضر منهم في كل ليلة قوم كي لا يحرمهم الإفطار في بيوتهم طول الشهر، ولا يكلّف قاضي القضاة الحضور سوى ليالي الجمع توقيرا له، ولا يحضر الخليفة هذا السّماط، ويحضر الوزير فيجلس على رأس السماط، فإن غاب قام ولده أو أخوه مقامه، فإن لم يحضر أحد منهم، كان صاحب الباب عوضه. وكان هذا السّماط من أعظم الأسمطة وأحسنها، ويمدّ من صدر القاعة إلى مقدار ثلثيها بأصناف المأكولات والأطعمة الفاخرة، ويخرجون من هنا لك بعد العشاء الآخرة بساعة أو ساعتين، ويفرّق فضل السماط كلّ ليلة، ويتهاداه أرباب الرسوم حتّى يصل إلى أكثر الناس، وإذا حضر الوزير بعث الخليفة إليه من طعامه الذي يأكل منه تشريفا له، وربما خصه بشيء من سحوره.
وأما سماط العيدين
فإنه يمدّ في عيد الفطر وعيد الأضحى تحت سرير الملك بقاعة الذهب المذكورة أمام المجلس الذي يجلس فيه الخليفة الجلوس العامّ أيام المواكب، وتنصب على الكرسيّ مائدة من فضة تعرف بالمدوّرة، وعليها من الأواني الذهبيات والصينيّ الحاوية للأطعمة الفاخرة ما لا يليق إلا بالملوك، وينصب السّماط العامّ تحت السرير من خشب مدهون في طول القاعة في عرض عشرة أذرع، وتفرش فوقه الأزهار المشمومة، ويرصّ الخبز على جوانبه كل شابورة (1) ثلاثة أرطال من نقيّ الدقيق ويعمر داخل السماط على طوله بأحد وعشرين طبقا عظاما، في كل طبق أحد وعشرون خروفا من الشّويّ، وفي كل واحد منها ثلاثمائة وخمسون طيرا من الدّجاج والفراريج وأفراخ الحمام، ويعبّى مستطيلا في العلوّ حتّى يكون كقامة الرجل الطويل، ويسوّر بتشاريح الحلواء اليابسة على اختلاف ألوانها، ويسدّ خلل تلك الأطباق على السماط نحو من
__________
(1) عبارة المقريزي: 1/ 387 «ويرصّ الخبز على حافتيه سواميذ كل واحد ثلاثة أرطال».(3/601)
خمسمائة صحن من الصحون (1) الخزفية المترعة بالألوان الفائقة، وفي كل منها سبع دجاجات من الحلواء المائعة والأطعمة الفاخرة ويعمل بدار الفطرة الآتي ذكرها قصران من حلوى زنة كل منها سبعة عشر قنطارا في أحسن شكل، عليها صور الحيوان المختلفة، ويحملان إلى القاعة فيوضعان في طرفي السماط. ويأتي الخليفة راكبا فيترجّل على السرير الذي قد نصبت عليه المائدة الفضة، ويجلس على المائدة وعلى رأسه أربعة من كبار الأستاذين المحنكين، ثم يستدعي الوزير وحده فيطلع ويجلس على يمينه بالقرب من باب السرير، ويشير إلى الأمراء المطوّقين فمن دونهم من الأمراء، فيجلسون على السّماط على قدر مراتبهم فيأكلون وقرّاء الحضرة في خلال ذلك يقرأون القرآن، ويبقى السماط ممدودا إلى قريب من صلاة الظهر حتّى يستهلك جميع ما عليه أكلا وحملا، وتفرقة على أرباب الرسوم.
الضرب لثاني فيما كان يعمل بدار الفطرة (2) في عيد الفطر
وكان لهم بها الاهتمام العظيم. وقد ذكر ابن عبد الظاهر أصنافها فقال:
كانت ألف حملة دقيق، وأربعمائة (3) قنطار سكّر، وستة قناطير فستق، وأربعمائة وثلاثين إردب زبيب، وخمسة عشر قنطارا عسل نحل، وثلاثة قناطير خل وإردبين سمسم وإردبين أنيسون (4) وخمسين رطلا ماء ورد، وخمس نوافج (5) مسك، وكافور قديم عشرة مثاقيل، وزعفران مطحون مائة وخمسون درهما، وزيت برسم الوقود ثلاثون قنطارا. في أصناف أخرى يطول ذكرها. قال ابن الطوير:
__________
(1) عبارة المقريزي: «من الصحون الخزفية التي في كل واحد منها سبع دجاجات وهي مترعة».
(2) راجع الحاشية رقم 3ص 550من هذا الجزء.
(3) في المقريزي: «سبعمائة».
(4) اليانسون.
(5) جمع نافجة وهي وعاء المسك (معرّب). (القاموس: 1/ 217).(3/602)
ويندب لها مائة صانع من الحلاويين، ومائة فرّاش برسم تفرقة الطوافير على أصحاب الرسوم خارجا عمن هو مرتّب فيها، ويحضرها الخليفة والوزير معه فيجلس الخليفة على سريره فيها، ويجلس الوزير على كرسي له، في النصف الأخير من رمضان، وقد صار ما لها من المستعملات كالجبال الرواسي، فتفرّق الحلوى من ربع قنطار إلى عشرة أرطال إلى رطل واحد، والخشكنان من مائة حبة إلى خمس وسبعين حبة، إلى ثلاث وثلاثين، إلى خمس وعشرين، إلى عشرين، ويفرّق على السودان على يد مقدّمهم بالأفراد من تسعة أفراد إلى سبعة إلى خمسة، إلى ثلاثة، كل طائفة على مقدارها (1) بسماط يوم الفطر ما يمدّ في الإيوان الكبير قبل مدّ سماط الطعام بقاعة الذهب. وقد وقع في كلام ابن الطوير خلف في وقته، فذكر في موضع من كتابه أن ذلك يكون قبل ركوب الخليفة لصلاة العيد، وذكر في موضع آخر أن ذلك يكون بعد حضوره من الصلاة.
الجملة الثامن في جلوس الوزير للمظالم إذا كان صاحب سيف، وترتيب جلوسه
الطرف الثامن (2)
في جلوس الوزير للمظالم إذا كان صاحب سيف، وترتيب جلوسه يجلس الوزير في صدر المكان، وقاضي القضاة مقابله، وعن جانبيه شاهدان من المعتبرين، وكاتب الوزير بالقلم الدقيق، ويليه صاحب ديوان المال، وبين يديه صاحب الباب واسفهسلار، وبين أيديهما النوّاب والحجّاب على طبقاتهم. وذلك يومان في الاسبوع.
وقد رثاهم عمارة اليمنيّ بعد انقراضهم واستيلاء السلطان صلاح الدين بن أيوب على المملكة بقصيدة وصف فيها مملكتهم، وعدّ مواكبهم، وحكى مكارمهم، وجلّى محاسنهم، وهي:
رميت يا دهر كفّ المجد بالشّلل ... وجيده بعد حسن الحلي بالعطل
__________
(1) بياض بالأصل. ولعله: وقد كان سماط يوم الفطر يمدّ الخ.
(2) لم يتقدم في هذا الفصل تقسيم بالأطراف.(3/603)
سعيت في منهج الرّأي العثور فإن ... قدرت من عثرات الدّهر فاستقل
جدعت مارنك (1) الأقنى فأنفك لا ... ينفكّ ما بين أمر الشين (2) والخجل
هدمت قاعدة المعروف عن عجل ... شقيت، مهلا أما تمشي على مهل
لهفي ولهف بني الآمال قاطبة ... على فجيعتها في أكرم الدّول
قدمت مصر فأولتني خلائفها ... من المكارم ما أربى على أملي (3)
قوم عرفت لهم (4) كسب الألوف ومن ... كمالها أنها جاءت ولم أسل
وكنت من وزراء الدّست حيث (5) سما ... رأس الحصان بهاديه على الكفل
ونلت من عظماء الجيش تكرمة (6) ... وخلّة حرست من عارض الخلل
يا عاذلي في هوى أبناء فاطمة ... لك الملامة إن قصّرت في عذلي
بالله! زر ساحة القصرين وابك معي ... عليهما لا على صفّين والجمل!
وقل لأهليهما: والله ما التحمت ... فيكم جروحي ولا قرحي بمندمل
ماذا ترى (7) كانت الإفرنج فاعلة ... في نسل آل أمير المؤمنين علي
[هل كان في الأمر شيء غير قسمة ما ... ملكتمو بين حكم السّبي والنّفل] (8)
وقد حصلتم عليها واسم جدّكم ... محمد وأبوكم خير منتعل (9)
مررت بالقصر والأركان خالية ... من الوفود، وكانت قبلة القبل
__________
(1) المارن هو الأنف أو طرفه أو ما لان منه. (القاموس: 4/ 273).
(2) في المقريزي: 1/ 495: «قرع السنّ» والتصويبات الأخرى في هذه الصفحة أخذناها عن نفس المرجع.
(3) «على الأمل».
(4) «بهم».
(5) «حين».
(6) «مكرمة».
(7) «عسى».
(8) الزيادة عن المقريزي. والنّفل ما يحصل للإنسان قبل الغنيمة من جملة الغنيمة. ولغة اسم للزيادة ولهذا سميت الغنيمة نفلا لأنه زيادة على ما هو المقصود من شرعية الجهاد. (الكلّيات: 3/ 306 والتعريفات: 245).
(9) في المقريزي: «خير منتقل».(3/604)
فملت عنها بوجه خوف منتقد ... من الأعادي، ووجه الودّ لم يمل
أسبلت من أسفي دمعي غداة خلت ... رحابكم وغدت مهجورة السّبل
أبكي على مأثرات (1) من مكارمكم ... حال الزّمان عليها وهي لم تحل
(دار الضّيافة) كانت أنس وافدكم ... واليوم أوحش من رسم ومن طلل
و (فطرة الصّوم) إذ أضحت مكارمكم ... تشكو من الدّهر حيفا غير محتمل
و (كسوة الناس) في الفصلين قد درست ... ورثّ منها جديد عندهم وبلي
وموسم كان في (يوم الخليج) لكم ... يأتي تجمّلكم فيه على الجمل
و (أوّل العام) و (العيدين) كم لكم ... فيهنّ من وبل جود ليس بالوشل (2)
والأرض تهتزّ في (يوم الغدير) كما ... يهتز ما بين قصريكم من الأسل
والخيل تعرض في وشي وفي شية ... مثل العرائس في حلي وفي حلل
وما حملتم قرى الأضياف من سعة الأطباق ... إلا على الأكتاف والعجل
وما خصصتم ببرّ أهل مملكة (3) ... حتّى عممتم به الأقصى من الملل
كانت رواتبكم للوافدين وللضيف ... المقيم والطّارى (4) من الرّسل
ثم (الطّراز) بتنّيس الذي عظمت ... منه الصّلات لأهل الأرض والدّول
وللجوامع من أخماسكم (5) نعم ... ممن تصدّر في علم وفي عمل
وربّما عادت الدّنيا فمعقلها ... منكم وأضحت بكم محلولة العقل
والله! لا فاز يوم الحشر مبغضكم ... ولا نجا من عذاب النّار (6) غير ولي
ولا سقي الماء من حرّ ومن ظمأ ... من كفّ خير البرايا خاتم الرّسل
[ولا رأى جنة الله التي خلقت ... من خان عهد الإمام العاضد بن علي (7)]
__________
(1) «ما تراءت».
(2) الوشل هو القليل. (القاموس: 4/ 65).
(3) «ملّتكم».
(4) «وللطاري».
(5) «من إحسانكم».
(6) «الله».
(7) الزيادة عن المقريزي.(3/605)
أئمّتي وهداتي والذخيرة لي ... إذا ارتهنت بما قدّمت من عمل
والله (1) لم نوفهم في المدح حقّهم ... لأنّ فضلهم كالوابل الهطل
ولو تضاعفت الأقوال واستبقت (2) ... ما كنت فيهم بحمد الله بالخجل
باب النّجاة هم دنيا وآخرة ... وحبّهم فهو أصل الدّين والعمل
نور الدّجى ومصابيح الهدى وهم ... من نور خالص نور الله لم يغل (3)
والله لا (4) زلت عن حبّي لهم أبدا ... ما أخّر الله لي في مدّة الأجل
قلت: وعمارة هذا لم يكن على معتقد الشّيعة بل فقيها شافعيا، قدم مصر برسالة عن القاسم بن هاشم بن أبي فليتة أمير مكة إلى الفائز أحد خلفائهم في سنة خمسين وخمسمائة في وزارة الصالح طلائع بن رزّيك، فأحسنوا له وبالغوا في بره، فأقام عندهم وتألف بهم، وأتى فيهم من المدح بما بهر العقول، ولم يزل مواليا هم حتّى زالت دولتهم واستولى (5) السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله، فرثاهم بهذه القصيدة، فكانت آخر أسباب حتفه، فصلب فيمن صلب بين القصرين من أتباع الدولة الفاطمية.
تم الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع وأوّله «الحالة الثالثة من أحوال المملكة، ما عليه ترتيب المملكة من ابتداء الدولة الأيوبية وإلى زماننا»
__________
(1) «تالله».
(2) «واتسعت».
(3) أصل هذا البيت في خطط المقريزي بيتان:
نور الدجى ومصابيح الهدى ... ومحلّ الغيث إن ونت الأنواء في المحل
أئمة خلقوا نورا فنورهم ... من نور خالص نور الله لم يغل
(4) «ما».
(5) ووضع صلاح الدين يده لا على ثروة البلاد فحسب بل صادر ما وجده في قصور الخلفاء من تحف وجواهر وسلاح فكان كما يقول المقريزي: «ما لا يفي به ملك الأكاسرة ولا يتصوره الخواطر الحاضرة ولا يشتمل على مثله الممالك العامرة ولا يقدر على حسابه إلا من يقدر على حساب الخلق في الآخرة». (الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي: ص 93).(3/606)
مصادر تحقيق وحواشي الجزء الثالث من صبح الأعشى
1 «ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم» تأليف أبي الحسن الدارقطني مؤسسة الكتب الثقافية بيروت تحقيق بوران الضناوي وكمال يوسف الحوت 2 «أطلس العالم» 3 «الأعلام» قاموس تراجم تأليف خير الدين الزركلي دار العلم للملايين الطبعة الخامسة 1980 4 «الانتصار لواسطة عقد الأمصار» تأليف ابن دقماق تحقيق لجنة إحياء التراث العربي منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت 5 «بدائع الزهور في وقائع الدهور» تأليف ابن أياس الحنفي دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1982 6 «بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب» تأليف محمود شكري الآلوسي البغدادي شرح وتصحيح وضبط محمد بهجه الأثري دار الكتب العلمية بيروت 7 «تاريخ الإسلام» تأليف حسن إبراهيم حسن دار إحياء التراث العربي الطبعة السابعة 1964 8 «تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل» تأليف أحمد السعيد سليمان دار المعارف مصر 9 «التعريف بمصطلحات صبح الأعشى» تأليف محمد قنديل البقلي الهيئة المصرية للكتاب 1984 10 «تهذيب الأسماء واللغات» تأليف محي الدين بن شرف النووي دار الكتب العلمية بيروت 11 «الجغرافيا في الصفوف الثانوية» 12 «جمهرة الأمثال» تأليف أبي هلال العسكري تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش المؤسسة العربية الحديثة الطبعة الأولى 1964 13 «جمهرة رسائل العرب» في عصور
1 - العربية الزاهرة تأليف أحمد زكي صفوت المكتبة العلمية بيوت.(3/607)
1 «ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم» تأليف أبي الحسن الدارقطني مؤسسة الكتب الثقافية بيروت تحقيق بوران الضناوي وكمال يوسف الحوت 2 «أطلس العالم» 3 «الأعلام» قاموس تراجم تأليف خير الدين الزركلي دار العلم للملايين الطبعة الخامسة 1980 4 «الانتصار لواسطة عقد الأمصار» تأليف ابن دقماق تحقيق لجنة إحياء التراث العربي منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت 5 «بدائع الزهور في وقائع الدهور» تأليف ابن أياس الحنفي دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1982 6 «بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب» تأليف محمود شكري الآلوسي البغدادي شرح وتصحيح وضبط محمد بهجه الأثري دار الكتب العلمية بيروت 7 «تاريخ الإسلام» تأليف حسن إبراهيم حسن دار إحياء التراث العربي الطبعة السابعة 1964 8 «تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل» تأليف أحمد السعيد سليمان دار المعارف مصر 9 «التعريف بمصطلحات صبح الأعشى» تأليف محمد قنديل البقلي الهيئة المصرية للكتاب 1984 10 «تهذيب الأسماء واللغات» تأليف محي الدين بن شرف النووي دار الكتب العلمية بيروت 11 «الجغرافيا في الصفوف الثانوية» 12 «جمهرة الأمثال» تأليف أبي هلال العسكري تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش المؤسسة العربية الحديثة الطبعة الأولى 1964 13 «جمهرة رسائل العرب» في عصور
1 - العربية الزاهرة تأليف أحمد زكي صفوت المكتبة العلمية بيوت.
14 «الحياة العقلية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام» تأليف أحمد أحمد بدوي دار نهضة مصر للطبع والنشر 15 «الحياة الفكرية والأدبية بمصر من الفتح العربي حتى آخر الدولة الفاطمية» تأليف محمد كامل حسين مكتبة النهضة المصرية.
16 «الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة» تأليف علي باشا مبارك الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1980 17 «الخطط المقريزية» منشورات دار صادر بيروت 18 «الخط العربي وتطوره في العصور العباسية في العراق» تأليف سهيلة ياسين الجبّوري المكتبة الأهلية بغداد 1962 19 «الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جنّي» تأليف حسام سعيد النعيمي منشورات وزارة الثقافة والإعلام العراقية 20 «دائرة المعارف الإسلامية» تأليف مجموعة من المستشرقين أعداد وتحرير: إبراهيم زكي خورشيد أحمد الشنتناوي عبد الحميد يونس منشورات كتاب الشعب القاهرة 21 «الروض المعطار في خبر الأقطار» تأليف محمد بن عبد المنعم الحميري تحقيق إحسان عباس مكتبة لبنان الطبعة الثانية 1984 22 «شرح قصيدة كعب بن زهير» تأليف محمد بن هشام الأنصاري تحقيق محمد حسن أبو ناجي منشورات مؤسسة علوم القرآن الطبعة الثانية 1982 23 «صبح الأعشى في صناعته الإنشا» للقلقشندي الطبعة الأميرية 24 «صفة جزيرة الأندلس» منتخبة من كتاب الروض المعطار عني بتصحيحها وتعليق حواشيها: ليفي بروفنسال مطبعة لجنة التأليف والنشر والترجمة بمصر 25 «الشعر والشعراء أو طبقات الشعراء» تأليف ابن قتيبة الدينوري تحقيق مفيد قميحة دار الكتب العلمية بيروت 26 «طبقات الشافعية» تأليف أبي بكر الحسيني تحقيق عادل نويهض دار الآفاق الجديدة بيروت الطبعة الثالثة 1982 27 «فتوح البلدان» للبلاذري تحقيق عبد الله أنيس الطباع وعمر أنيس الطباع دار النشر للجامعيين 1957 28 «الفرق بين الضاد والظاء» تأليف الصاحب بن عباد تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين منشورات مكتبة النهضة والمكتبة العلمية بغداد الطبعة الأولى 1958 28 «فهرسة المخطوط العربي»
تأليف ميري عبودي فتوحي منشورات وزارة الإعلام والثقافة العراقية 1980 30 «الفهرست» لابن النديم دار المعرفة بيروت 31 «فوات الوفيات» تأليف محمد بن شاكر الكتبي تحقيق إحسان عباس دار صادر بيروت 32 «في التراث العربي» صدر منه الجزء الأول فقط تأليف مصطفى جواد تحقيق محمد جليل شلش وعبد الحميد العلوجي منشورات وزارة الإعلام العراقية 1975 33 «القاموس المحيط» للفيروز آبادي المؤسسة العربية للطبعة والنشر 34 «قضايا لغوية في ضوء القراءات القرآنية» تأليف صبحي الصالح منشورات كلية الآداب في الجامعة اللبنانية 35 «القلقشندي وكتابه صبح الأعشى» تأليف نخبة من الأساتذة منشورات وزارة الثقافة المصرية 36 «كتاب التعريفات» للجرجاني دار الكتب العلمية بيروت 1983 37 «كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون» لحاجي خليفة مع الذيول لإسماعيل باشا البغدادي منشورات دار الفكر 38 «الكلّيات» لأبي البقاء أيوب بن موسى الكفوي منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي دمشق الطبعة الثانية 1982 39 «لسان العرب» لابن منظور منشورات دار صادر 40 «معجم الألفاظ والأعلام القرآنية» تأليف محمد إسماعيل إبراهيم دار الفكر العربي الطبعة الثانية 41 «معجم البلدان» لياقوت الحموي دار إحياء التراث العربي بيروت 42 «المعجم الجغرافي» تأليف محمد محمود الصياد منشورات مجمع اللغة العربية بمصر 43 «معجم الشعراء للمرزباني ومعه «المؤتلف والمختلف» للآمدي.(3/608)
16 «الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة» تأليف علي باشا مبارك الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1980 17 «الخطط المقريزية» منشورات دار صادر بيروت 18 «الخط العربي وتطوره في العصور العباسية في العراق» تأليف سهيلة ياسين الجبّوري المكتبة الأهلية بغداد 1962 19 «الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جنّي» تأليف حسام سعيد النعيمي منشورات وزارة الثقافة والإعلام العراقية 20 «دائرة المعارف الإسلامية» تأليف مجموعة من المستشرقين أعداد وتحرير: إبراهيم زكي خورشيد أحمد الشنتناوي عبد الحميد يونس منشورات كتاب الشعب القاهرة 21 «الروض المعطار في خبر الأقطار» تأليف محمد بن عبد المنعم الحميري تحقيق إحسان عباس مكتبة لبنان الطبعة الثانية 1984 22 «شرح قصيدة كعب بن زهير» تأليف محمد بن هشام الأنصاري تحقيق محمد حسن أبو ناجي منشورات مؤسسة علوم القرآن الطبعة الثانية 1982 23 «صبح الأعشى في صناعته الإنشا» للقلقشندي الطبعة الأميرية 24 «صفة جزيرة الأندلس» منتخبة من كتاب الروض المعطار عني بتصحيحها وتعليق حواشيها: ليفي بروفنسال مطبعة لجنة التأليف والنشر والترجمة بمصر 25 «الشعر والشعراء أو طبقات الشعراء» تأليف ابن قتيبة الدينوري تحقيق مفيد قميحة دار الكتب العلمية بيروت 26 «طبقات الشافعية» تأليف أبي بكر الحسيني تحقيق عادل نويهض دار الآفاق الجديدة بيروت الطبعة الثالثة 1982 27 «فتوح البلدان» للبلاذري تحقيق عبد الله أنيس الطباع وعمر أنيس الطباع دار النشر للجامعيين 1957 28 «الفرق بين الضاد والظاء» تأليف الصاحب بن عباد تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين منشورات مكتبة النهضة والمكتبة العلمية بغداد الطبعة الأولى 1958 28 «فهرسة المخطوط العربي»
تأليف ميري عبودي فتوحي منشورات وزارة الإعلام والثقافة العراقية 1980 30 «الفهرست» لابن النديم دار المعرفة بيروت 31 «فوات الوفيات» تأليف محمد بن شاكر الكتبي تحقيق إحسان عباس دار صادر بيروت 32 «في التراث العربي» صدر منه الجزء الأول فقط تأليف مصطفى جواد تحقيق محمد جليل شلش وعبد الحميد العلوجي منشورات وزارة الإعلام العراقية 1975 33 «القاموس المحيط» للفيروز آبادي المؤسسة العربية للطبعة والنشر 34 «قضايا لغوية في ضوء القراءات القرآنية» تأليف صبحي الصالح منشورات كلية الآداب في الجامعة اللبنانية 35 «القلقشندي وكتابه صبح الأعشى» تأليف نخبة من الأساتذة منشورات وزارة الثقافة المصرية 36 «كتاب التعريفات» للجرجاني دار الكتب العلمية بيروت 1983 37 «كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون» لحاجي خليفة مع الذيول لإسماعيل باشا البغدادي منشورات دار الفكر 38 «الكلّيات» لأبي البقاء أيوب بن موسى الكفوي منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي دمشق الطبعة الثانية 1982 39 «لسان العرب» لابن منظور منشورات دار صادر 40 «معجم الألفاظ والأعلام القرآنية» تأليف محمد إسماعيل إبراهيم دار الفكر العربي الطبعة الثانية 41 «معجم البلدان» لياقوت الحموي دار إحياء التراث العربي بيروت 42 «المعجم الجغرافي» تأليف محمد محمود الصياد منشورات مجمع اللغة العربية بمصر 43 «معجم الشعراء للمرزباني ومعه «المؤتلف والمختلف» للآمدي.
تصحيح وتعليق: د. ف. كرنسكو دار الكتب العلمية بيروت.
44 «معجم عبد النور المفصل» تأليف جبور عبد النور دار العلم للملايين الطبعة الأولى 1983 45 «معجم قبائل العرب» تأليف عمر رضا كحالة مؤسسة الرسالة بيروت 46 «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع» للبكري تحقيق مصطفى السقّا منشورات عالم الكتب بيروت الطبعة الثالثة 1983 47 «معجم مقاييس اللغة» لأحمد بن فارس تحقيق عبد السلام محمد هارون منشورات دار الفكر 1979 48 «معجم المؤلفين»
تأليف عمر رضا كحالة مكتبة المثنّى بيروت ودار إحياء التراث العربي 49 «المعجم الوسيط» إخراج: إبراهيم أنيس عبد الحليم منتصر عطية الصوالحي محمد خلف الله أحمد صادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة الطبعة الثانية.(3/609)
44 «معجم عبد النور المفصل» تأليف جبور عبد النور دار العلم للملايين الطبعة الأولى 1983 45 «معجم قبائل العرب» تأليف عمر رضا كحالة مؤسسة الرسالة بيروت 46 «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع» للبكري تحقيق مصطفى السقّا منشورات عالم الكتب بيروت الطبعة الثالثة 1983 47 «معجم مقاييس اللغة» لأحمد بن فارس تحقيق عبد السلام محمد هارون منشورات دار الفكر 1979 48 «معجم المؤلفين»
تأليف عمر رضا كحالة مكتبة المثنّى بيروت ودار إحياء التراث العربي 49 «المعجم الوسيط» إخراج: إبراهيم أنيس عبد الحليم منتصر عطية الصوالحي محمد خلف الله أحمد صادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة الطبعة الثانية.
50 «مقدمة ابن خلدون» منشورات مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني الطبعة الثانية 1979 51 «المنهل» قاموس فرنسي عربى تأليف جبور عبد النور وسهيل إدريس دار العلم للملايين ودار الآداب 1983 52 «المؤرخ ابن تغري بردي» تأليف مجموعة من الأساتذة منشورات وزارة الثقافة المصرية 53 «الموسوعة العربية الميسرة» بإشراف محمد شفيق غربال دار الشعب، ومؤسسة فرنكلين للطباعة والنشر 1965 54 «نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان» للخطيب الصيرفي تحقيق حسين حبشي منشورات وزارة الثقافة العراقية 1971 55 «نشأة الخط العربي وتطوره» تأليف محمود شكر الجبّوري مكتبة الشرق الجديد بغداد 1974 56 «نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي» تأليف ظافر القاسمي دار الثقافة الطبعة الثالثة 1980 58 «النظم الإسلامية» تأليف صبحي الصالح دار العلم للملايين بيروت الطبعة الثانية 1968 58 «نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب» للقلقشندي دار الكتب العلمية بيروت 59 «الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة» جمعها محمد حميد الله دار النفائس الطبعة الخامسة 1985 60 «الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي» تأليف محمد حمدي المناوي دار المعارف بمصر 61 «ولاة مصر» لمحمد بن يوسف الكندي تحقيق حسين نصار دار صادر بيروت 62 «ياقوت المستعصمي» تأليف صلاح الدين المنجد دار الكتاب الجديد بيروت 63 «» 1980.
64»: «(3/610)
فهرس الجزء الثالث من كتاب صبح الأعشى
الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الأولى في الكلام على نفس الخط وفيه ثمانية أطراف 3 الطرف الأوّل في فضيلة الخط 3 الطرف الثاني في بيان حقيقة الخط 6 الطرف الثالث في وضع الخط وفيه جملتان 7 الجملة الأولى في بيان المقصود من وضعه، والموازنة بينه وبين اللفظ 7 الجملة الثانية في أصل وضعه وفيه مسلكان 9 المسلك الأوّل في وضع مطلق الحروف 9 المسلك الثاني في وضع حروف العربية 10 الطرف الرابع في عدد الحروف وجهة ابتدائها وكيفية ترتيبها وفيه خمس جمل 20 الجملة الأولى في مطلق الحروف في جميع اللغات 20 الجملة الثالثة في حروف العربية 21 الجملة الثالثة في بيان جهة ابتداءات الحروف 23 الجملة الرابعة في كيفية ترتيب الحروف 23 الجملة الخامسة في كيفية صور الحروف العربية وتداخل أشكالها 24 الطرف الخامس في تحسين الخط وفيه جملتان 25 الجملة الأولى في الحث على تحسين الخط 25 الجملة الثانية في الطريق إلى تحسين الخط 27
الطرف السادس في قواعد تتعلق بالكتابة لا يستغني الكاتب المجيد عن معرفتها، وفيه جملتان 28 الجملة الأولى في هندسة الحروف، ومعرفة اعتبار صحتها 28 الجملة الثانية في معرفة ما يقع به ابتداء الحروف وانتهاؤها من نقطة أو شظية أو غير ذلك. أما الابتداء فعلى ثلاثة أضرب 39 الضرب الأوّل ما يبتدأ بنقطة 39 الضرب الثاني ما يبتدأ بشظية 39 الضرب الثالث ما يبتدأ بجلفة 40 الضرب الأوّل [من ضروب الاختتام] ما يختم بقطة القلم 40 الضرب الثاني ما يختم بشظية 40 الضرب الثالث ما يرسل في ختمه إرسالا 40 الطرف السابع في مقدّمات تتعلق بأوضاع الخط وقوانين الكتابة وفيه ثلاث جمل 41 الجملة الأولى في كيفية إمساك القلم عند الكتابة، ووضعه على الورق 41 الجملة الثانية في كيفية الاستمداد ووضع القلم على الدرج 42 الجملة الثالثة في وضع القلم على الأذن حال الكتابة عند التفكر 43 الطرف الثامن في ذكر قوانين يعتمدها الكاتب في الخط وفيه ست جمل 44 الجملة الأولى في كيفية حركة اليد بالقلم في الكتابة 44 الجملة الثانية في تناسب الحروف ومقاديرها في كل قلم 45 الجملة الثالثة فيما يجب اعتماده لكل ناحية من نواحي القلم 49 الجملة الرابعة في الترويس 50 الجملة الخامسة فيما يطمس من الحروف ويفتح 50 الجملة السادسة في ذكر الأقلام المستعملة في ديوان الإنشاء في زمان المؤلف 51 القلم الأوّل قلم الطومار 54
القلم الثاني قلم مختصر الطومار 61 القلم الثالث قلم الثلث وهو على نوعين 64 النوع الأوّل الثلث الثقيل، وصوره مفرده ومركبة 64 الألف على ضربين: مفردة ومركبة الضرب الأوّل المفردة 64 الضرب الثاني المركب مع غيره من الحروف 65 الصورة الثانية صورة الباء، وهي على ضربين 66 الضرب الأوّل المفردة 66 وأما المركبة فعلى نوعين: متوسطة ومتطرفة 67 الصورة الثالثة صورة الجيم وما شاكلها 68 الصورة الرابعة صورة الدال وأختها وهي على ضربين 72 الضرب الأوّل المفردة 72 الضرب الثاني المركبة 72 الصورة الخامسة صورة الراء وأختها، وهي على ضربين 74 الضرب الأوّل المفردة 74 الضرب الثاني المركبة 75 الصورة السادسة صورة السين 76 الصورة السابعة صورة الصاد 77 الصورة الثامنة صورة الطاء وأختها 78 الصورة التاسعة صورة العين وأختها 80 الصورة العاشرة صورة الفاء 84 الصورة الحادية عشرة صورة القاف 85 الصورة الثانية عشرة صورة الكاف 85 الصورة الثالثة عشرة صورة اللام وهي على ضربين 87 الضرب الأول المفردة 87
الضرب الثاني المركبة 87 الصورة الرابعة عشرة صورة الميم، وهي على خمسة أضرب 88 الضرب الأوّل المحققة 88 الضرب الثاني المعلقة 89 الضرب الثالث المسبلة 90 الضرب الرابع المبسوطة 91 الضرب الخامس المفتولة 91 الصورة الخامسة عشرة صورة النون 91 الصورة السادسة عشرة صورة الهاء وهي على ضربين 93 الضرب الأول المفردة 93 الضرب الثاني المركبة 94 الصورة السابعة عشرة صورة الواو 98 الصورة الثامنة عشرة صورة اللام ألف 99 الصورة التاسعة عشرة صورة الياء وهي على ضربين 101 الضرب الأول المفردة 101 الضرب الثاني المركبة 102 النوع الثاني قلم الثلث الخفيف 103 القلم الرابع قلم التوقيع 104 القلم الخامس قلم الرقاع 116 القلم السادس قلم الغبار 125 الجملة السابعة في كتابة البسملة وفيها مهيعان 127 المهيع الأوّل في ذكر قواعد جامعة للبسملة في جميع الأقلام 127 المعيع الثاني في بيان صورة البسملة في كل قلم من الأقلام التي تستعمل في ديوان الإنشاء 128 الجملة الثامنة في وجوه تجويد الكتابة وتحسينها وهي على ضربين 137
الضرب الأول حسن التشكيل 137 الضرب الثاني حسن الوضع 137 الكلمة الأصلية اسما كانت أو حرفا أو فعلا، لا تخرج عن أربعة أصناف 139 الصنف الأوّل الثنائية 139 الصنف الثاني الثلاثية 139 الصنف الثالث الرباعية 140 الصنف الرابع الخماسية 140 مراعاة فواصل الكلام 143 حسن التدبير في قطع الكلام ووصله في أواخر السطور وأوائلها 144 الفصل المستقبح في آخر السطر وأوّل الذي يليه صنفان 144 الصنف الأوّل فصل بعض حروف الكلمة الواحدة عن بعض وتفريقها في السطر والذي يليه 145 الصنف الثاني فصل الكلمة التامة(3/611)
الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الأولى في الكلام على نفس الخط وفيه ثمانية أطراف 3 الطرف الأوّل في فضيلة الخط 3 الطرف الثاني في بيان حقيقة الخط 6 الطرف الثالث في وضع الخط وفيه جملتان 7 الجملة الأولى في بيان المقصود من وضعه، والموازنة بينه وبين اللفظ 7 الجملة الثانية في أصل وضعه وفيه مسلكان 9 المسلك الأوّل في وضع مطلق الحروف 9 المسلك الثاني في وضع حروف العربية 10 الطرف الرابع في عدد الحروف وجهة ابتدائها وكيفية ترتيبها وفيه خمس جمل 20 الجملة الأولى في مطلق الحروف في جميع اللغات 20 الجملة الثالثة في حروف العربية 21 الجملة الثالثة في بيان جهة ابتداءات الحروف 23 الجملة الرابعة في كيفية ترتيب الحروف 23 الجملة الخامسة في كيفية صور الحروف العربية وتداخل أشكالها 24 الطرف الخامس في تحسين الخط وفيه جملتان 25 الجملة الأولى في الحث على تحسين الخط 25 الجملة الثانية في الطريق إلى تحسين الخط 27
الطرف السادس في قواعد تتعلق بالكتابة لا يستغني الكاتب المجيد عن معرفتها، وفيه جملتان 28 الجملة الأولى في هندسة الحروف، ومعرفة اعتبار صحتها 28 الجملة الثانية في معرفة ما يقع به ابتداء الحروف وانتهاؤها من نقطة أو شظية أو غير ذلك. أما الابتداء فعلى ثلاثة أضرب 39 الضرب الأوّل ما يبتدأ بنقطة 39 الضرب الثاني ما يبتدأ بشظية 39 الضرب الثالث ما يبتدأ بجلفة 40 الضرب الأوّل [من ضروب الاختتام] ما يختم بقطة القلم 40 الضرب الثاني ما يختم بشظية 40 الضرب الثالث ما يرسل في ختمه إرسالا 40 الطرف السابع في مقدّمات تتعلق بأوضاع الخط وقوانين الكتابة وفيه ثلاث جمل 41 الجملة الأولى في كيفية إمساك القلم عند الكتابة، ووضعه على الورق 41 الجملة الثانية في كيفية الاستمداد ووضع القلم على الدرج 42 الجملة الثالثة في وضع القلم على الأذن حال الكتابة عند التفكر 43 الطرف الثامن في ذكر قوانين يعتمدها الكاتب في الخط وفيه ست جمل 44 الجملة الأولى في كيفية حركة اليد بالقلم في الكتابة 44 الجملة الثانية في تناسب الحروف ومقاديرها في كل قلم 45 الجملة الثالثة فيما يجب اعتماده لكل ناحية من نواحي القلم 49 الجملة الرابعة في الترويس 50 الجملة الخامسة فيما يطمس من الحروف ويفتح 50 الجملة السادسة في ذكر الأقلام المستعملة في ديوان الإنشاء في زمان المؤلف 51 القلم الأوّل قلم الطومار 54
القلم الثاني قلم مختصر الطومار 61 القلم الثالث قلم الثلث وهو على نوعين 64 النوع الأوّل الثلث الثقيل، وصوره مفرده ومركبة 64 الألف على ضربين: مفردة ومركبة الضرب الأوّل المفردة 64 الضرب الثاني المركب مع غيره من الحروف 65 الصورة الثانية صورة الباء، وهي على ضربين 66 الضرب الأوّل المفردة 66 وأما المركبة فعلى نوعين: متوسطة ومتطرفة 67 الصورة الثالثة صورة الجيم وما شاكلها 68 الصورة الرابعة صورة الدال وأختها وهي على ضربين 72 الضرب الأوّل المفردة 72 الضرب الثاني المركبة 72 الصورة الخامسة صورة الراء وأختها، وهي على ضربين 74 الضرب الأوّل المفردة 74 الضرب الثاني المركبة 75 الصورة السادسة صورة السين 76 الصورة السابعة صورة الصاد 77 الصورة الثامنة صورة الطاء وأختها 78 الصورة التاسعة صورة العين وأختها 80 الصورة العاشرة صورة الفاء 84 الصورة الحادية عشرة صورة القاف 85 الصورة الثانية عشرة صورة الكاف 85 الصورة الثالثة عشرة صورة اللام وهي على ضربين 87 الضرب الأول المفردة 87
الضرب الثاني المركبة 87 الصورة الرابعة عشرة صورة الميم، وهي على خمسة أضرب 88 الضرب الأوّل المحققة 88 الضرب الثاني المعلقة 89 الضرب الثالث المسبلة 90 الضرب الرابع المبسوطة 91 الضرب الخامس المفتولة 91 الصورة الخامسة عشرة صورة النون 91 الصورة السادسة عشرة صورة الهاء وهي على ضربين 93 الضرب الأول المفردة 93 الضرب الثاني المركبة 94 الصورة السابعة عشرة صورة الواو 98 الصورة الثامنة عشرة صورة اللام ألف 99 الصورة التاسعة عشرة صورة الياء وهي على ضربين 101 الضرب الأول المفردة 101 الضرب الثاني المركبة 102 النوع الثاني قلم الثلث الخفيف 103 القلم الرابع قلم التوقيع 104 القلم الخامس قلم الرقاع 116 القلم السادس قلم الغبار 125 الجملة السابعة في كتابة البسملة وفيها مهيعان 127 المهيع الأوّل في ذكر قواعد جامعة للبسملة في جميع الأقلام 127 المعيع الثاني في بيان صورة البسملة في كل قلم من الأقلام التي تستعمل في ديوان الإنشاء 128 الجملة الثامنة في وجوه تجويد الكتابة وتحسينها وهي على ضربين 137
الضرب الأول حسن التشكيل 137 الضرب الثاني حسن الوضع 137 الكلمة الأصلية اسما كانت أو حرفا أو فعلا، لا تخرج عن أربعة أصناف 139 الصنف الأوّل الثنائية 139 الصنف الثاني الثلاثية 139 الصنف الثالث الرباعية 140 الصنف الرابع الخماسية 140 مراعاة فواصل الكلام 143 حسن التدبير في قطع الكلام ووصله في أواخر السطور وأوائلها 144 الفصل المستقبح في آخر السطر وأوّل الذي يليه صنفان 144 الصنف الأوّل فصل بعض حروف الكلمة الواحدة عن بعض وتفريقها في السطر والذي يليه 145 الصنف الثاني فصل الكلمة التامة(3/612)
الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الأولى في الكلام على نفس الخط وفيه ثمانية أطراف 3 الطرف الأوّل في فضيلة الخط 3 الطرف الثاني في بيان حقيقة الخط 6 الطرف الثالث في وضع الخط وفيه جملتان 7 الجملة الأولى في بيان المقصود من وضعه، والموازنة بينه وبين اللفظ 7 الجملة الثانية في أصل وضعه وفيه مسلكان 9 المسلك الأوّل في وضع مطلق الحروف 9 المسلك الثاني في وضع حروف العربية 10 الطرف الرابع في عدد الحروف وجهة ابتدائها وكيفية ترتيبها وفيه خمس جمل 20 الجملة الأولى في مطلق الحروف في جميع اللغات 20 الجملة الثالثة في حروف العربية 21 الجملة الثالثة في بيان جهة ابتداءات الحروف 23 الجملة الرابعة في كيفية ترتيب الحروف 23 الجملة الخامسة في كيفية صور الحروف العربية وتداخل أشكالها 24 الطرف الخامس في تحسين الخط وفيه جملتان 25 الجملة الأولى في الحث على تحسين الخط 25 الجملة الثانية في الطريق إلى تحسين الخط 27
الطرف السادس في قواعد تتعلق بالكتابة لا يستغني الكاتب المجيد عن معرفتها، وفيه جملتان 28 الجملة الأولى في هندسة الحروف، ومعرفة اعتبار صحتها 28 الجملة الثانية في معرفة ما يقع به ابتداء الحروف وانتهاؤها من نقطة أو شظية أو غير ذلك. أما الابتداء فعلى ثلاثة أضرب 39 الضرب الأوّل ما يبتدأ بنقطة 39 الضرب الثاني ما يبتدأ بشظية 39 الضرب الثالث ما يبتدأ بجلفة 40 الضرب الأوّل [من ضروب الاختتام] ما يختم بقطة القلم 40 الضرب الثاني ما يختم بشظية 40 الضرب الثالث ما يرسل في ختمه إرسالا 40 الطرف السابع في مقدّمات تتعلق بأوضاع الخط وقوانين الكتابة وفيه ثلاث جمل 41 الجملة الأولى في كيفية إمساك القلم عند الكتابة، ووضعه على الورق 41 الجملة الثانية في كيفية الاستمداد ووضع القلم على الدرج 42 الجملة الثالثة في وضع القلم على الأذن حال الكتابة عند التفكر 43 الطرف الثامن في ذكر قوانين يعتمدها الكاتب في الخط وفيه ست جمل 44 الجملة الأولى في كيفية حركة اليد بالقلم في الكتابة 44 الجملة الثانية في تناسب الحروف ومقاديرها في كل قلم 45 الجملة الثالثة فيما يجب اعتماده لكل ناحية من نواحي القلم 49 الجملة الرابعة في الترويس 50 الجملة الخامسة فيما يطمس من الحروف ويفتح 50 الجملة السادسة في ذكر الأقلام المستعملة في ديوان الإنشاء في زمان المؤلف 51 القلم الأوّل قلم الطومار 54
القلم الثاني قلم مختصر الطومار 61 القلم الثالث قلم الثلث وهو على نوعين 64 النوع الأوّل الثلث الثقيل، وصوره مفرده ومركبة 64 الألف على ضربين: مفردة ومركبة الضرب الأوّل المفردة 64 الضرب الثاني المركب مع غيره من الحروف 65 الصورة الثانية صورة الباء، وهي على ضربين 66 الضرب الأوّل المفردة 66 وأما المركبة فعلى نوعين: متوسطة ومتطرفة 67 الصورة الثالثة صورة الجيم وما شاكلها 68 الصورة الرابعة صورة الدال وأختها وهي على ضربين 72 الضرب الأوّل المفردة 72 الضرب الثاني المركبة 72 الصورة الخامسة صورة الراء وأختها، وهي على ضربين 74 الضرب الأوّل المفردة 74 الضرب الثاني المركبة 75 الصورة السادسة صورة السين 76 الصورة السابعة صورة الصاد 77 الصورة الثامنة صورة الطاء وأختها 78 الصورة التاسعة صورة العين وأختها 80 الصورة العاشرة صورة الفاء 84 الصورة الحادية عشرة صورة القاف 85 الصورة الثانية عشرة صورة الكاف 85 الصورة الثالثة عشرة صورة اللام وهي على ضربين 87 الضرب الأول المفردة 87
الضرب الثاني المركبة 87 الصورة الرابعة عشرة صورة الميم، وهي على خمسة أضرب 88 الضرب الأوّل المحققة 88 الضرب الثاني المعلقة 89 الضرب الثالث المسبلة 90 الضرب الرابع المبسوطة 91 الضرب الخامس المفتولة 91 الصورة الخامسة عشرة صورة النون 91 الصورة السادسة عشرة صورة الهاء وهي على ضربين 93 الضرب الأول المفردة 93 الضرب الثاني المركبة 94 الصورة السابعة عشرة صورة الواو 98 الصورة الثامنة عشرة صورة اللام ألف 99 الصورة التاسعة عشرة صورة الياء وهي على ضربين 101 الضرب الأول المفردة 101 الضرب الثاني المركبة 102 النوع الثاني قلم الثلث الخفيف 103 القلم الرابع قلم التوقيع 104 القلم الخامس قلم الرقاع 116 القلم السادس قلم الغبار 125 الجملة السابعة في كتابة البسملة وفيها مهيعان 127 المهيع الأوّل في ذكر قواعد جامعة للبسملة في جميع الأقلام 127 المعيع الثاني في بيان صورة البسملة في كل قلم من الأقلام التي تستعمل في ديوان الإنشاء 128 الجملة الثامنة في وجوه تجويد الكتابة وتحسينها وهي على ضربين 137
الضرب الأول حسن التشكيل 137 الضرب الثاني حسن الوضع 137 الكلمة الأصلية اسما كانت أو حرفا أو فعلا، لا تخرج عن أربعة أصناف 139 الصنف الأوّل الثنائية 139 الصنف الثاني الثلاثية 139 الصنف الثالث الرباعية 140 الصنف الرابع الخماسية 140 مراعاة فواصل الكلام 143 حسن التدبير في قطع الكلام ووصله في أواخر السطور وأوائلها 144 الفصل المستقبح في آخر السطر وأوّل الذي يليه صنفان 144 الصنف الأوّل فصل بعض حروف الكلمة الواحدة عن بعض وتفريقها في السطر والذي يليه 145 الصنف الثاني فصل الكلمة التامة(3/613)
الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الأولى في الكلام على نفس الخط وفيه ثمانية أطراف 3 الطرف الأوّل في فضيلة الخط 3 الطرف الثاني في بيان حقيقة الخط 6 الطرف الثالث في وضع الخط وفيه جملتان 7 الجملة الأولى في بيان المقصود من وضعه، والموازنة بينه وبين اللفظ 7 الجملة الثانية في أصل وضعه وفيه مسلكان 9 المسلك الأوّل في وضع مطلق الحروف 9 المسلك الثاني في وضع حروف العربية 10 الطرف الرابع في عدد الحروف وجهة ابتدائها وكيفية ترتيبها وفيه خمس جمل 20 الجملة الأولى في مطلق الحروف في جميع اللغات 20 الجملة الثالثة في حروف العربية 21 الجملة الثالثة في بيان جهة ابتداءات الحروف 23 الجملة الرابعة في كيفية ترتيب الحروف 23 الجملة الخامسة في كيفية صور الحروف العربية وتداخل أشكالها 24 الطرف الخامس في تحسين الخط وفيه جملتان 25 الجملة الأولى في الحث على تحسين الخط 25 الجملة الثانية في الطريق إلى تحسين الخط 27
الطرف السادس في قواعد تتعلق بالكتابة لا يستغني الكاتب المجيد عن معرفتها، وفيه جملتان 28 الجملة الأولى في هندسة الحروف، ومعرفة اعتبار صحتها 28 الجملة الثانية في معرفة ما يقع به ابتداء الحروف وانتهاؤها من نقطة أو شظية أو غير ذلك. أما الابتداء فعلى ثلاثة أضرب 39 الضرب الأوّل ما يبتدأ بنقطة 39 الضرب الثاني ما يبتدأ بشظية 39 الضرب الثالث ما يبتدأ بجلفة 40 الضرب الأوّل [من ضروب الاختتام] ما يختم بقطة القلم 40 الضرب الثاني ما يختم بشظية 40 الضرب الثالث ما يرسل في ختمه إرسالا 40 الطرف السابع في مقدّمات تتعلق بأوضاع الخط وقوانين الكتابة وفيه ثلاث جمل 41 الجملة الأولى في كيفية إمساك القلم عند الكتابة، ووضعه على الورق 41 الجملة الثانية في كيفية الاستمداد ووضع القلم على الدرج 42 الجملة الثالثة في وضع القلم على الأذن حال الكتابة عند التفكر 43 الطرف الثامن في ذكر قوانين يعتمدها الكاتب في الخط وفيه ست جمل 44 الجملة الأولى في كيفية حركة اليد بالقلم في الكتابة 44 الجملة الثانية في تناسب الحروف ومقاديرها في كل قلم 45 الجملة الثالثة فيما يجب اعتماده لكل ناحية من نواحي القلم 49 الجملة الرابعة في الترويس 50 الجملة الخامسة فيما يطمس من الحروف ويفتح 50 الجملة السادسة في ذكر الأقلام المستعملة في ديوان الإنشاء في زمان المؤلف 51 القلم الأوّل قلم الطومار 54
القلم الثاني قلم مختصر الطومار 61 القلم الثالث قلم الثلث وهو على نوعين 64 النوع الأوّل الثلث الثقيل، وصوره مفرده ومركبة 64 الألف على ضربين: مفردة ومركبة الضرب الأوّل المفردة 64 الضرب الثاني المركب مع غيره من الحروف 65 الصورة الثانية صورة الباء، وهي على ضربين 66 الضرب الأوّل المفردة 66 وأما المركبة فعلى نوعين: متوسطة ومتطرفة 67 الصورة الثالثة صورة الجيم وما شاكلها 68 الصورة الرابعة صورة الدال وأختها وهي على ضربين 72 الضرب الأوّل المفردة 72 الضرب الثاني المركبة 72 الصورة الخامسة صورة الراء وأختها، وهي على ضربين 74 الضرب الأوّل المفردة 74 الضرب الثاني المركبة 75 الصورة السادسة صورة السين 76 الصورة السابعة صورة الصاد 77 الصورة الثامنة صورة الطاء وأختها 78 الصورة التاسعة صورة العين وأختها 80 الصورة العاشرة صورة الفاء 84 الصورة الحادية عشرة صورة القاف 85 الصورة الثانية عشرة صورة الكاف 85 الصورة الثالثة عشرة صورة اللام وهي على ضربين 87 الضرب الأول المفردة 87
الضرب الثاني المركبة 87 الصورة الرابعة عشرة صورة الميم، وهي على خمسة أضرب 88 الضرب الأوّل المحققة 88 الضرب الثاني المعلقة 89 الضرب الثالث المسبلة 90 الضرب الرابع المبسوطة 91 الضرب الخامس المفتولة 91 الصورة الخامسة عشرة صورة النون 91 الصورة السادسة عشرة صورة الهاء وهي على ضربين 93 الضرب الأول المفردة 93 الضرب الثاني المركبة 94 الصورة السابعة عشرة صورة الواو 98 الصورة الثامنة عشرة صورة اللام ألف 99 الصورة التاسعة عشرة صورة الياء وهي على ضربين 101 الضرب الأول المفردة 101 الضرب الثاني المركبة 102 النوع الثاني قلم الثلث الخفيف 103 القلم الرابع قلم التوقيع 104 القلم الخامس قلم الرقاع 116 القلم السادس قلم الغبار 125 الجملة السابعة في كتابة البسملة وفيها مهيعان 127 المهيع الأوّل في ذكر قواعد جامعة للبسملة في جميع الأقلام 127 المعيع الثاني في بيان صورة البسملة في كل قلم من الأقلام التي تستعمل في ديوان الإنشاء 128 الجملة الثامنة في وجوه تجويد الكتابة وتحسينها وهي على ضربين 137
الضرب الأول حسن التشكيل 137 الضرب الثاني حسن الوضع 137 الكلمة الأصلية اسما كانت أو حرفا أو فعلا، لا تخرج عن أربعة أصناف 139 الصنف الأوّل الثنائية 139 الصنف الثاني الثلاثية 139 الصنف الثالث الرباعية 140 الصنف الرابع الخماسية 140 مراعاة فواصل الكلام 143 حسن التدبير في قطع الكلام ووصله في أواخر السطور وأوائلها 144 الفصل المستقبح في آخر السطر وأوّل الذي يليه صنفان 144 الصنف الأوّل فصل بعض حروف الكلمة الواحدة عن بعض وتفريقها في السطر والذي يليه 145 الصنف الثاني فصل الكلمة التامة(3/614)
الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الأولى في الكلام على نفس الخط وفيه ثمانية أطراف 3 الطرف الأوّل في فضيلة الخط 3 الطرف الثاني في بيان حقيقة الخط 6 الطرف الثالث في وضع الخط وفيه جملتان 7 الجملة الأولى في بيان المقصود من وضعه، والموازنة بينه وبين اللفظ 7 الجملة الثانية في أصل وضعه وفيه مسلكان 9 المسلك الأوّل في وضع مطلق الحروف 9 المسلك الثاني في وضع حروف العربية 10 الطرف الرابع في عدد الحروف وجهة ابتدائها وكيفية ترتيبها وفيه خمس جمل 20 الجملة الأولى في مطلق الحروف في جميع اللغات 20 الجملة الثالثة في حروف العربية 21 الجملة الثالثة في بيان جهة ابتداءات الحروف 23 الجملة الرابعة في كيفية ترتيب الحروف 23 الجملة الخامسة في كيفية صور الحروف العربية وتداخل أشكالها 24 الطرف الخامس في تحسين الخط وفيه جملتان 25 الجملة الأولى في الحث على تحسين الخط 25 الجملة الثانية في الطريق إلى تحسين الخط 27
الطرف السادس في قواعد تتعلق بالكتابة لا يستغني الكاتب المجيد عن معرفتها، وفيه جملتان 28 الجملة الأولى في هندسة الحروف، ومعرفة اعتبار صحتها 28 الجملة الثانية في معرفة ما يقع به ابتداء الحروف وانتهاؤها من نقطة أو شظية أو غير ذلك. أما الابتداء فعلى ثلاثة أضرب 39 الضرب الأوّل ما يبتدأ بنقطة 39 الضرب الثاني ما يبتدأ بشظية 39 الضرب الثالث ما يبتدأ بجلفة 40 الضرب الأوّل [من ضروب الاختتام] ما يختم بقطة القلم 40 الضرب الثاني ما يختم بشظية 40 الضرب الثالث ما يرسل في ختمه إرسالا 40 الطرف السابع في مقدّمات تتعلق بأوضاع الخط وقوانين الكتابة وفيه ثلاث جمل 41 الجملة الأولى في كيفية إمساك القلم عند الكتابة، ووضعه على الورق 41 الجملة الثانية في كيفية الاستمداد ووضع القلم على الدرج 42 الجملة الثالثة في وضع القلم على الأذن حال الكتابة عند التفكر 43 الطرف الثامن في ذكر قوانين يعتمدها الكاتب في الخط وفيه ست جمل 44 الجملة الأولى في كيفية حركة اليد بالقلم في الكتابة 44 الجملة الثانية في تناسب الحروف ومقاديرها في كل قلم 45 الجملة الثالثة فيما يجب اعتماده لكل ناحية من نواحي القلم 49 الجملة الرابعة في الترويس 50 الجملة الخامسة فيما يطمس من الحروف ويفتح 50 الجملة السادسة في ذكر الأقلام المستعملة في ديوان الإنشاء في زمان المؤلف 51 القلم الأوّل قلم الطومار 54
القلم الثاني قلم مختصر الطومار 61 القلم الثالث قلم الثلث وهو على نوعين 64 النوع الأوّل الثلث الثقيل، وصوره مفرده ومركبة 64 الألف على ضربين: مفردة ومركبة الضرب الأوّل المفردة 64 الضرب الثاني المركب مع غيره من الحروف 65 الصورة الثانية صورة الباء، وهي على ضربين 66 الضرب الأوّل المفردة 66 وأما المركبة فعلى نوعين: متوسطة ومتطرفة 67 الصورة الثالثة صورة الجيم وما شاكلها 68 الصورة الرابعة صورة الدال وأختها وهي على ضربين 72 الضرب الأوّل المفردة 72 الضرب الثاني المركبة 72 الصورة الخامسة صورة الراء وأختها، وهي على ضربين 74 الضرب الأوّل المفردة 74 الضرب الثاني المركبة 75 الصورة السادسة صورة السين 76 الصورة السابعة صورة الصاد 77 الصورة الثامنة صورة الطاء وأختها 78 الصورة التاسعة صورة العين وأختها 80 الصورة العاشرة صورة الفاء 84 الصورة الحادية عشرة صورة القاف 85 الصورة الثانية عشرة صورة الكاف 85 الصورة الثالثة عشرة صورة اللام وهي على ضربين 87 الضرب الأول المفردة 87
الضرب الثاني المركبة 87 الصورة الرابعة عشرة صورة الميم، وهي على خمسة أضرب 88 الضرب الأوّل المحققة 88 الضرب الثاني المعلقة 89 الضرب الثالث المسبلة 90 الضرب الرابع المبسوطة 91 الضرب الخامس المفتولة 91 الصورة الخامسة عشرة صورة النون 91 الصورة السادسة عشرة صورة الهاء وهي على ضربين 93 الضرب الأول المفردة 93 الضرب الثاني المركبة 94 الصورة السابعة عشرة صورة الواو 98 الصورة الثامنة عشرة صورة اللام ألف 99 الصورة التاسعة عشرة صورة الياء وهي على ضربين 101 الضرب الأول المفردة 101 الضرب الثاني المركبة 102 النوع الثاني قلم الثلث الخفيف 103 القلم الرابع قلم التوقيع 104 القلم الخامس قلم الرقاع 116 القلم السادس قلم الغبار 125 الجملة السابعة في كتابة البسملة وفيها مهيعان 127 المهيع الأوّل في ذكر قواعد جامعة للبسملة في جميع الأقلام 127 المعيع الثاني في بيان صورة البسملة في كل قلم من الأقلام التي تستعمل في ديوان الإنشاء 128 الجملة الثامنة في وجوه تجويد الكتابة وتحسينها وهي على ضربين 137
الضرب الأول حسن التشكيل 137 الضرب الثاني حسن الوضع 137 الكلمة الأصلية اسما كانت أو حرفا أو فعلا، لا تخرج عن أربعة أصناف 139 الصنف الأوّل الثنائية 139 الصنف الثاني الثلاثية 139 الصنف الثالث الرباعية 140 الصنف الرابع الخماسية 140 مراعاة فواصل الكلام 143 حسن التدبير في قطع الكلام ووصله في أواخر السطور وأوائلها 144 الفصل المستقبح في آخر السطر وأوّل الذي يليه صنفان 144 الصنف الأوّل فصل بعض حروف الكلمة الواحدة عن بعض وتفريقها في السطر والذي يليه 145 الصنف الثاني فصل الكلمة التامة
وصلتها 146 الفصل الثالث من الباب الثاني من المقالة الأولى في لواحق الخط وفيه مقصدان 147 المقصد الأوّل في النقط وفيه أربع جمل 147 الجملة الأولى في مسيس الحاجة إليه 147 الجملة الثانية في ذكر أوّل من وضع النقط 149 الجملة الثالثة في بيان صورة النقط وكيفية وضعه 150 الجملة الرابعة فيما يختص بكل حرف من النقط وما لا نقط له 150 المقصد الثاني في الشكل وفيه خمس جمل 154 الجملة الأولى في اشتقاقه ومعناه 154 الجملة الثانية في أوّل من وضع الشكل 154 الجملة الثالثة في الترغيب في الشكل والترهيب عنه 156 الجملة الخامسة فيما ينشأ عنه الشكل ويترتب عليه 158 الجملة الخامسة في صور الشكل ومحال وضعه على طريقة المتقدّمين
والمتأخرين 159 الأولى علامة السكون 160 الثانية علامة الفتح 161 الثالثة علامة الضم 161 الرابعة علامة الكسر 162 الخامسة علامة التشديد 162 السادسة علامة الهمزة 163 السابعة علامة الصلة في ألفات الوصل 165 الفصل الرابع من الباب الثاني من المقالة الأولى في الهجاء وفيه مقصدان 168 المقصد الأوّل في مصطلحه الخاص وهو على ضربين 168 الضرب الأوّل المصطلح الرسميّ 168 الضرب الثاني المصطلح العروضيّ 168 المقصد الثاني في المصطلح العام وفيه جملتان 169 الجملة الأولى في الإفراد والحذف والإثبات والإبدال 169 المكتوب على المصطلح المعروف على قسمين 170 القسم الأول ما له صورة تخصه من الحروف وهو على ضربين 170 الضرب الأوّل ما هو على أصله المعتبر فيه في ذوات الحروف وعددها الخ 170 اللفظ الذي يكتب على نوعين 173 النوع الأوّل أن يكون أسما لحرف من حروف الهجاء 173 النوع الثاني ألا يكون اسما لحرف من حروف المعجم 174 الضرب الثاني ما تغير عن أصله وهو على ثلاثة أنواع 175 النوع الأوّل ما تغير بالزيادة 175 النوع الثاني ما يغير بالنقص 180
النوع الثالث ما يغير بالبدل 197 القسم الثاني ما ليس له صورة تخصه، وهو الهمزة ولها ثلاثة أحوال 204 الحال الأوّل أن تكون في أوّل الكلمة 205 الحال الثاني أن تكون متوسطة ولها حالتان 206 الحال الثالث أن تكون الهمزة آخرا ولها حالتان 208 الجملة الثانية في حالة التركيب والفصل والوصل 212 الفصل الخامس من الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يكتب بالظاء مع بيان ما يقع الاشتباه فيه مما يكتب بالضاد 220 المقالة الثانية في المسالك والممالك وفيها أربعة أبواب 228 الباب الأوّل في ذكر الأرض على سبيل الإجمال وفيه ثلاثة فصول 228 الفصل الأوّل في معرفة شكل الأرض وإحاطة البحر بها الخ وفيه طرفان 228 الطرف الأوّل في شكل الأرض وإحاطة البحر بها 228 الطرف الثاني فيما اشتملت عليه الأرض من الأقاليم الطبيعية 232 الفصل الثاني في البحار التي يتكرر ذكرها بذكر البلدان وفيه طرفان 237 الطرف الأوّل في البحر المحيط 237 الطرف الثاني في البحار المنبثّة في أقطار الأرض وهي على ضربين 239 الضرب الأوّل الخارج من البحر المحيط وما يتصل به 239 الضرب الثاني من البحار المنبثة في أقطار الأرض، ما ليس له اتصال بالبحر المحيط 257 الفصل الثالث في كيفية استخراج جهات البلدان والأبعاد الواقعة بينها، وفيه طرفان 259 الطرف الأوّل في كيفية استخراج جهات البلدان 259
الطرف الثاني في معرفة الأبعاد الواقعة بين البلدان 260 الباب الثاني في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء، ومقرّاتهم في القديم والحديث الخ وفيه فصلان 263 الفصل الأوّل في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء وهم على أربع طبقات 263 الطبقة الأولى الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم 264 الطبقة الثانية خلفاء بني أمية 266 الطبقة الثالثة خلفاء بني العباس بالعراق 268 الطبقة الرابعة خلفاء بني العباس بالديار المصرية 277 وأما مقرّات الخلفاء، فهي أربع مقرّات:(3/615)
وصلتها 146 الفصل الثالث من الباب الثاني من المقالة الأولى في لواحق الخط وفيه مقصدان 147 المقصد الأوّل في النقط وفيه أربع جمل 147 الجملة الأولى في مسيس الحاجة إليه 147 الجملة الثانية في ذكر أوّل من وضع النقط 149 الجملة الثالثة في بيان صورة النقط وكيفية وضعه 150 الجملة الرابعة فيما يختص بكل حرف من النقط وما لا نقط له 150 المقصد الثاني في الشكل وفيه خمس جمل 154 الجملة الأولى في اشتقاقه ومعناه 154 الجملة الثانية في أوّل من وضع الشكل 154 الجملة الثالثة في الترغيب في الشكل والترهيب عنه 156 الجملة الخامسة فيما ينشأ عنه الشكل ويترتب عليه 158 الجملة الخامسة في صور الشكل ومحال وضعه على طريقة المتقدّمين
والمتأخرين 159 الأولى علامة السكون 160 الثانية علامة الفتح 161 الثالثة علامة الضم 161 الرابعة علامة الكسر 162 الخامسة علامة التشديد 162 السادسة علامة الهمزة 163 السابعة علامة الصلة في ألفات الوصل 165 الفصل الرابع من الباب الثاني من المقالة الأولى في الهجاء وفيه مقصدان 168 المقصد الأوّل في مصطلحه الخاص وهو على ضربين 168 الضرب الأوّل المصطلح الرسميّ 168 الضرب الثاني المصطلح العروضيّ 168 المقصد الثاني في المصطلح العام وفيه جملتان 169 الجملة الأولى في الإفراد والحذف والإثبات والإبدال 169 المكتوب على المصطلح المعروف على قسمين 170 القسم الأول ما له صورة تخصه من الحروف وهو على ضربين 170 الضرب الأوّل ما هو على أصله المعتبر فيه في ذوات الحروف وعددها الخ 170 اللفظ الذي يكتب على نوعين 173 النوع الأوّل أن يكون أسما لحرف من حروف الهجاء 173 النوع الثاني ألا يكون اسما لحرف من حروف المعجم 174 الضرب الثاني ما تغير عن أصله وهو على ثلاثة أنواع 175 النوع الأوّل ما تغير بالزيادة 175 النوع الثاني ما يغير بالنقص 180
النوع الثالث ما يغير بالبدل 197 القسم الثاني ما ليس له صورة تخصه، وهو الهمزة ولها ثلاثة أحوال 204 الحال الأوّل أن تكون في أوّل الكلمة 205 الحال الثاني أن تكون متوسطة ولها حالتان 206 الحال الثالث أن تكون الهمزة آخرا ولها حالتان 208 الجملة الثانية في حالة التركيب والفصل والوصل 212 الفصل الخامس من الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يكتب بالظاء مع بيان ما يقع الاشتباه فيه مما يكتب بالضاد 220 المقالة الثانية في المسالك والممالك وفيها أربعة أبواب 228 الباب الأوّل في ذكر الأرض على سبيل الإجمال وفيه ثلاثة فصول 228 الفصل الأوّل في معرفة شكل الأرض وإحاطة البحر بها الخ وفيه طرفان 228 الطرف الأوّل في شكل الأرض وإحاطة البحر بها 228 الطرف الثاني فيما اشتملت عليه الأرض من الأقاليم الطبيعية 232 الفصل الثاني في البحار التي يتكرر ذكرها بذكر البلدان وفيه طرفان 237 الطرف الأوّل في البحر المحيط 237 الطرف الثاني في البحار المنبثّة في أقطار الأرض وهي على ضربين 239 الضرب الأوّل الخارج من البحر المحيط وما يتصل به 239 الضرب الثاني من البحار المنبثة في أقطار الأرض، ما ليس له اتصال بالبحر المحيط 257 الفصل الثالث في كيفية استخراج جهات البلدان والأبعاد الواقعة بينها، وفيه طرفان 259 الطرف الأوّل في كيفية استخراج جهات البلدان 259
الطرف الثاني في معرفة الأبعاد الواقعة بين البلدان 260 الباب الثاني في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء، ومقرّاتهم في القديم والحديث الخ وفيه فصلان 263 الفصل الأوّل في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء وهم على أربع طبقات 263 الطبقة الأولى الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم 264 الطبقة الثانية خلفاء بني أمية 266 الطبقة الثالثة خلفاء بني العباس بالعراق 268 الطبقة الرابعة خلفاء بني العباس بالديار المصرية 277 وأما مقرّات الخلفاء، فهي أربع مقرّات:(3/616)
وصلتها 146 الفصل الثالث من الباب الثاني من المقالة الأولى في لواحق الخط وفيه مقصدان 147 المقصد الأوّل في النقط وفيه أربع جمل 147 الجملة الأولى في مسيس الحاجة إليه 147 الجملة الثانية في ذكر أوّل من وضع النقط 149 الجملة الثالثة في بيان صورة النقط وكيفية وضعه 150 الجملة الرابعة فيما يختص بكل حرف من النقط وما لا نقط له 150 المقصد الثاني في الشكل وفيه خمس جمل 154 الجملة الأولى في اشتقاقه ومعناه 154 الجملة الثانية في أوّل من وضع الشكل 154 الجملة الثالثة في الترغيب في الشكل والترهيب عنه 156 الجملة الخامسة فيما ينشأ عنه الشكل ويترتب عليه 158 الجملة الخامسة في صور الشكل ومحال وضعه على طريقة المتقدّمين
والمتأخرين 159 الأولى علامة السكون 160 الثانية علامة الفتح 161 الثالثة علامة الضم 161 الرابعة علامة الكسر 162 الخامسة علامة التشديد 162 السادسة علامة الهمزة 163 السابعة علامة الصلة في ألفات الوصل 165 الفصل الرابع من الباب الثاني من المقالة الأولى في الهجاء وفيه مقصدان 168 المقصد الأوّل في مصطلحه الخاص وهو على ضربين 168 الضرب الأوّل المصطلح الرسميّ 168 الضرب الثاني المصطلح العروضيّ 168 المقصد الثاني في المصطلح العام وفيه جملتان 169 الجملة الأولى في الإفراد والحذف والإثبات والإبدال 169 المكتوب على المصطلح المعروف على قسمين 170 القسم الأول ما له صورة تخصه من الحروف وهو على ضربين 170 الضرب الأوّل ما هو على أصله المعتبر فيه في ذوات الحروف وعددها الخ 170 اللفظ الذي يكتب على نوعين 173 النوع الأوّل أن يكون أسما لحرف من حروف الهجاء 173 النوع الثاني ألا يكون اسما لحرف من حروف المعجم 174 الضرب الثاني ما تغير عن أصله وهو على ثلاثة أنواع 175 النوع الأوّل ما تغير بالزيادة 175 النوع الثاني ما يغير بالنقص 180
النوع الثالث ما يغير بالبدل 197 القسم الثاني ما ليس له صورة تخصه، وهو الهمزة ولها ثلاثة أحوال 204 الحال الأوّل أن تكون في أوّل الكلمة 205 الحال الثاني أن تكون متوسطة ولها حالتان 206 الحال الثالث أن تكون الهمزة آخرا ولها حالتان 208 الجملة الثانية في حالة التركيب والفصل والوصل 212 الفصل الخامس من الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يكتب بالظاء مع بيان ما يقع الاشتباه فيه مما يكتب بالضاد 220 المقالة الثانية في المسالك والممالك وفيها أربعة أبواب 228 الباب الأوّل في ذكر الأرض على سبيل الإجمال وفيه ثلاثة فصول 228 الفصل الأوّل في معرفة شكل الأرض وإحاطة البحر بها الخ وفيه طرفان 228 الطرف الأوّل في شكل الأرض وإحاطة البحر بها 228 الطرف الثاني فيما اشتملت عليه الأرض من الأقاليم الطبيعية 232 الفصل الثاني في البحار التي يتكرر ذكرها بذكر البلدان وفيه طرفان 237 الطرف الأوّل في البحر المحيط 237 الطرف الثاني في البحار المنبثّة في أقطار الأرض وهي على ضربين 239 الضرب الأوّل الخارج من البحر المحيط وما يتصل به 239 الضرب الثاني من البحار المنبثة في أقطار الأرض، ما ليس له اتصال بالبحر المحيط 257 الفصل الثالث في كيفية استخراج جهات البلدان والأبعاد الواقعة بينها، وفيه طرفان 259 الطرف الأوّل في كيفية استخراج جهات البلدان 259
الطرف الثاني في معرفة الأبعاد الواقعة بين البلدان 260 الباب الثاني في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء، ومقرّاتهم في القديم والحديث الخ وفيه فصلان 263 الفصل الأوّل في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء وهم على أربع طبقات 263 الطبقة الأولى الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم 264 الطبقة الثانية خلفاء بني أمية 266 الطبقة الثالثة خلفاء بني العباس بالعراق 268 الطبقة الرابعة خلفاء بني العباس بالديار المصرية 277 وأما مقرّات الخلفاء، فهي أربع مقرّات:(3/617)
وصلتها 146 الفصل الثالث من الباب الثاني من المقالة الأولى في لواحق الخط وفيه مقصدان 147 المقصد الأوّل في النقط وفيه أربع جمل 147 الجملة الأولى في مسيس الحاجة إليه 147 الجملة الثانية في ذكر أوّل من وضع النقط 149 الجملة الثالثة في بيان صورة النقط وكيفية وضعه 150 الجملة الرابعة فيما يختص بكل حرف من النقط وما لا نقط له 150 المقصد الثاني في الشكل وفيه خمس جمل 154 الجملة الأولى في اشتقاقه ومعناه 154 الجملة الثانية في أوّل من وضع الشكل 154 الجملة الثالثة في الترغيب في الشكل والترهيب عنه 156 الجملة الخامسة فيما ينشأ عنه الشكل ويترتب عليه 158 الجملة الخامسة في صور الشكل ومحال وضعه على طريقة المتقدّمين
والمتأخرين 159 الأولى علامة السكون 160 الثانية علامة الفتح 161 الثالثة علامة الضم 161 الرابعة علامة الكسر 162 الخامسة علامة التشديد 162 السادسة علامة الهمزة 163 السابعة علامة الصلة في ألفات الوصل 165 الفصل الرابع من الباب الثاني من المقالة الأولى في الهجاء وفيه مقصدان 168 المقصد الأوّل في مصطلحه الخاص وهو على ضربين 168 الضرب الأوّل المصطلح الرسميّ 168 الضرب الثاني المصطلح العروضيّ 168 المقصد الثاني في المصطلح العام وفيه جملتان 169 الجملة الأولى في الإفراد والحذف والإثبات والإبدال 169 المكتوب على المصطلح المعروف على قسمين 170 القسم الأول ما له صورة تخصه من الحروف وهو على ضربين 170 الضرب الأوّل ما هو على أصله المعتبر فيه في ذوات الحروف وعددها الخ 170 اللفظ الذي يكتب على نوعين 173 النوع الأوّل أن يكون أسما لحرف من حروف الهجاء 173 النوع الثاني ألا يكون اسما لحرف من حروف المعجم 174 الضرب الثاني ما تغير عن أصله وهو على ثلاثة أنواع 175 النوع الأوّل ما تغير بالزيادة 175 النوع الثاني ما يغير بالنقص 180
النوع الثالث ما يغير بالبدل 197 القسم الثاني ما ليس له صورة تخصه، وهو الهمزة ولها ثلاثة أحوال 204 الحال الأوّل أن تكون في أوّل الكلمة 205 الحال الثاني أن تكون متوسطة ولها حالتان 206 الحال الثالث أن تكون الهمزة آخرا ولها حالتان 208 الجملة الثانية في حالة التركيب والفصل والوصل 212 الفصل الخامس من الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يكتب بالظاء مع بيان ما يقع الاشتباه فيه مما يكتب بالضاد 220 المقالة الثانية في المسالك والممالك وفيها أربعة أبواب 228 الباب الأوّل في ذكر الأرض على سبيل الإجمال وفيه ثلاثة فصول 228 الفصل الأوّل في معرفة شكل الأرض وإحاطة البحر بها الخ وفيه طرفان 228 الطرف الأوّل في شكل الأرض وإحاطة البحر بها 228 الطرف الثاني فيما اشتملت عليه الأرض من الأقاليم الطبيعية 232 الفصل الثاني في البحار التي يتكرر ذكرها بذكر البلدان وفيه طرفان 237 الطرف الأوّل في البحر المحيط 237 الطرف الثاني في البحار المنبثّة في أقطار الأرض وهي على ضربين 239 الضرب الأوّل الخارج من البحر المحيط وما يتصل به 239 الضرب الثاني من البحار المنبثة في أقطار الأرض، ما ليس له اتصال بالبحر المحيط 257 الفصل الثالث في كيفية استخراج جهات البلدان والأبعاد الواقعة بينها، وفيه طرفان 259 الطرف الأوّل في كيفية استخراج جهات البلدان 259
الطرف الثاني في معرفة الأبعاد الواقعة بين البلدان 260 الباب الثاني في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء، ومقرّاتهم في القديم والحديث الخ وفيه فصلان 263 الفصل الأوّل في ذكر الخلافة ومن وليها من الخلفاء وهم على أربع طبقات 263 الطبقة الأولى الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم 264 الطبقة الثانية خلفاء بني أمية 266 الطبقة الثالثة خلفاء بني العباس بالعراق 268 الطبقة الرابعة خلفاء بني العباس بالديار المصرية 277 وأما مقرّات الخلفاء، فهي أربع مقرّات:
المقرّة الأولى المدينة النبوية 283 المقرّة الثانية الشام 283 المقرّة الثالثة العراق 284 المقرّة الرابعة الديار المصرية 284 الفصل الثاني فيما انطوت عليه الخلافة من الممالك في القديم، وما كانت عليه من الترتيب، وما هي عليه الآن ولها حالتان 285 الحالة الأولى ما كان عليه الحال في الزمن القديم 286 شعار الخلافة 289 الوظائف المعتبرة عندهم على ضربين 294 الضرب الأوّل وظائف أرباب السيوف 295 الضرب الثاني وظائف أرباب الأقلام 298 الحالة الثانية ما صار إليه الأمر بعد انتقال الخلافة إلى الديار المصرية 299 الباب الثالث في ذكر مملكة الديار الصمرية، وفيه ثلاثة فصول 304 الفصل الأوّل في مملكة الديار المصرية ومضافاتها، وفيه طرفان 304 الطرف الأوّل في الديار المصرية وفيه اثنا عشر مقصدا 304
المقصد الأوّل في فضلها ومحاسنها 304 المقصد الثاني في ذكر خواصها وعجائبها، وما بها من الآثار القديمة 310 المقصد الثالث في ذكر نيلها ومبدئه وانتهائه وزيادته ونقصه الخ 315 المقصد الرابع في ذكر خلجانها وهي ستة 329 الخليج الأوّل المنهى 329 الخليج الثاني خليج القاهرة 331 الخليج الثالث خليج السردوس 333 الخليج الرابع الإسكندرية 334 الخليج الخامس خليج سخا 335 الخليج السادس خليج دمياط 335 المقصد الخامس في ذكر بحيرات الديار المصرية وهي أربع بحيرات 337 المقصد السادس في ذكر جبالها 339 المقصد السابع في ذكر زروعها ورياحينها وفواكهها وأصناف المطعوم بها 343 المقصد الثامن في ذكر مواشيها ووحوشها وطيورها 346 المقصد التاسع في ذكر حدودها 347 المقصد العاشر في ابتداء عمارتها، وتسميتها مصر وتفرّع الأقاليم التي حولها عنها 350 المقصد الحادي عشر في ذكر قواعدها القديمة والمباني العظيمة الباقية الخ وقواعدها القديمة على ضربين 353 الضرب الأوّل ما قبل الطوفان 353 الضرب الثاني قواعدها فيما بعد الطوفان 353 الضرب الثاني عشر في ذكر قواعدها المستقرّة وهي ثلاث 366 القاعدة الأولى مدينة الفسطاط 366 (جوامعها) 382 القاعدة الثانية القاهرة 392
(جوامعها) 410 القاعدة الثالثة القلعة 421 الفصل الثاني في ذكر كور الديار المصرية وهي على ضربين 430 الضرب الأوّل في ذكر كورها القديمة وهي ثلاثة أحياز 430 الحيز الأوّل أعلى الأرض وهو الصعيد 430 الحيز الثاني أسفل الأرض وهو أربع نواح 436 الناحية الأولى كور الحوف الشرقي وبها ثمان كور 436 الناحية الثانية بطن الريف، وفيها سبع كور 438 الناحية الثالثة الجزيرة بين فرقتي النيل الشرقية والغربية وفيها خمس كور 439 الناحية الرابعة الحوف الغربي وفيها إحدى عشرة كورة 441 الحيز الثالث كور القبلة وفيها خمس كور 443 الحيز الأوّل [مما لم يذكره القضاعي] بلاد الواح 446 الحيز الثاني برقة 447 الضرب الثاني من كور الديار المصرية نواحيها وأعمالها المستقرّة ولها وجهان 449 الوجه الأوّل القبلي 449 الوجه الثاني البحري ويشتمل على ثلاث شعب 456 الشعبة الأولى شرقي الفرقة الشرقية من النيل وفيها أربعة أعمال 457 الشعبة الثانية غربي فرقة النيل الغربية وفيها عملان 462 الشعبة الثالثة ما بين فرقتي النيل الشرقية والغربية وهو جزيرتان 465 الفصل الثالث فيمن ملك الديار المصرية جاهلية وإسلاما، وهم على ثلاث مراتب 468 المرتبة الأولى من ملكها قبل الطوفان 468 المرتبة الثانية من ملكها بعد الطوفان إلى حين الفتح الاسلامي
وهم على طبقات 469 الطبقة الأولى ملوكها من القبط 470 الطبقة الثانية ملوكها من العماليق ملوك الشام 473 الطبقة الثالثة ملوكها من القبط بعد العمالقة 474 الطبقة الرابعة ملوكها من الفرس 475 الطبقة الخامسة ملوكها من اليونان 476 المرتبة الثالثة من وليها في الإسلام من بداية الأمر إلى زمن المؤلف وهم على ضربين 482 الضرب الأوّل فيمن وليها نيابة، وهو الصدر الأوّل وهم على ثلاث طبقات 482 الطبقة الأولى عمال الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم 482 الطبقة الثانية عمال خلفاء بني أمية بالشام 483 الطبقة الثالثة عمال خلفاء بني العباس بالعراق 486 الضرب الثاني من وليها ملكا وهم على أربع طبقات 490 الطبقة الأولى من وليها عن بني العباس قبل دولة الفاطميين 490 الطبقة الثانية من وليها من الخلفاء الفاطميين 493 الطبقة الثالثة ملوك بني أيوب 495 الطبقة الرابعة ملوك الترك 497 الفصل الرابع في ذكر ترتيب أحوال الديار المصرية، وفيه ثلاثة أطراف 506 الطرف الأوّل في ذكر معاملاتها وفيه ثلاثة أركان 506 الركن الأوّل الأثمان وهي على ثلاثة أنواع 506 النوع الأوّل الدنانير المسكوكة وهي ضربان 506 الضرب الأوّل ما يتعامل به وزنا 506 الضرب الثاني ما يتعامل به معادّة 507
النوع الثاني الدراهم النقرة 509 النوع الثالث الفلوس 510 الركن الثاني في المثمنات وهي على ثلاثة أنواع 511 النوع الأوّل الموزونات 511 النوع الثاني المكيلات 512 النوع الثالث المقيسات وهي الأراضي والأقمشة 512 أما الأراضي فصنفان:(3/618)
المقرّة الأولى المدينة النبوية 283 المقرّة الثانية الشام 283 المقرّة الثالثة العراق 284 المقرّة الرابعة الديار المصرية 284 الفصل الثاني فيما انطوت عليه الخلافة من الممالك في القديم، وما كانت عليه من الترتيب، وما هي عليه الآن ولها حالتان 285 الحالة الأولى ما كان عليه الحال في الزمن القديم 286 شعار الخلافة 289 الوظائف المعتبرة عندهم على ضربين 294 الضرب الأوّل وظائف أرباب السيوف 295 الضرب الثاني وظائف أرباب الأقلام 298 الحالة الثانية ما صار إليه الأمر بعد انتقال الخلافة إلى الديار المصرية 299 الباب الثالث في ذكر مملكة الديار الصمرية، وفيه ثلاثة فصول 304 الفصل الأوّل في مملكة الديار المصرية ومضافاتها، وفيه طرفان 304 الطرف الأوّل في الديار المصرية وفيه اثنا عشر مقصدا 304
المقصد الأوّل في فضلها ومحاسنها 304 المقصد الثاني في ذكر خواصها وعجائبها، وما بها من الآثار القديمة 310 المقصد الثالث في ذكر نيلها ومبدئه وانتهائه وزيادته ونقصه الخ 315 المقصد الرابع في ذكر خلجانها وهي ستة 329 الخليج الأوّل المنهى 329 الخليج الثاني خليج القاهرة 331 الخليج الثالث خليج السردوس 333 الخليج الرابع الإسكندرية 334 الخليج الخامس خليج سخا 335 الخليج السادس خليج دمياط 335 المقصد الخامس في ذكر بحيرات الديار المصرية وهي أربع بحيرات 337 المقصد السادس في ذكر جبالها 339 المقصد السابع في ذكر زروعها ورياحينها وفواكهها وأصناف المطعوم بها 343 المقصد الثامن في ذكر مواشيها ووحوشها وطيورها 346 المقصد التاسع في ذكر حدودها 347 المقصد العاشر في ابتداء عمارتها، وتسميتها مصر وتفرّع الأقاليم التي حولها عنها 350 المقصد الحادي عشر في ذكر قواعدها القديمة والمباني العظيمة الباقية الخ وقواعدها القديمة على ضربين 353 الضرب الأوّل ما قبل الطوفان 353 الضرب الثاني قواعدها فيما بعد الطوفان 353 الضرب الثاني عشر في ذكر قواعدها المستقرّة وهي ثلاث 366 القاعدة الأولى مدينة الفسطاط 366 (جوامعها) 382 القاعدة الثانية القاهرة 392
(جوامعها) 410 القاعدة الثالثة القلعة 421 الفصل الثاني في ذكر كور الديار المصرية وهي على ضربين 430 الضرب الأوّل في ذكر كورها القديمة وهي ثلاثة أحياز 430 الحيز الأوّل أعلى الأرض وهو الصعيد 430 الحيز الثاني أسفل الأرض وهو أربع نواح 436 الناحية الأولى كور الحوف الشرقي وبها ثمان كور 436 الناحية الثانية بطن الريف، وفيها سبع كور 438 الناحية الثالثة الجزيرة بين فرقتي النيل الشرقية والغربية وفيها خمس كور 439 الناحية الرابعة الحوف الغربي وفيها إحدى عشرة كورة 441 الحيز الثالث كور القبلة وفيها خمس كور 443 الحيز الأوّل [مما لم يذكره القضاعي] بلاد الواح 446 الحيز الثاني برقة 447 الضرب الثاني من كور الديار المصرية نواحيها وأعمالها المستقرّة ولها وجهان 449 الوجه الأوّل القبلي 449 الوجه الثاني البحري ويشتمل على ثلاث شعب 456 الشعبة الأولى شرقي الفرقة الشرقية من النيل وفيها أربعة أعمال 457 الشعبة الثانية غربي فرقة النيل الغربية وفيها عملان 462 الشعبة الثالثة ما بين فرقتي النيل الشرقية والغربية وهو جزيرتان 465 الفصل الثالث فيمن ملك الديار المصرية جاهلية وإسلاما، وهم على ثلاث مراتب 468 المرتبة الأولى من ملكها قبل الطوفان 468 المرتبة الثانية من ملكها بعد الطوفان إلى حين الفتح الاسلامي
وهم على طبقات 469 الطبقة الأولى ملوكها من القبط 470 الطبقة الثانية ملوكها من العماليق ملوك الشام 473 الطبقة الثالثة ملوكها من القبط بعد العمالقة 474 الطبقة الرابعة ملوكها من الفرس 475 الطبقة الخامسة ملوكها من اليونان 476 المرتبة الثالثة من وليها في الإسلام من بداية الأمر إلى زمن المؤلف وهم على ضربين 482 الضرب الأوّل فيمن وليها نيابة، وهو الصدر الأوّل وهم على ثلاث طبقات 482 الطبقة الأولى عمال الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم 482 الطبقة الثانية عمال خلفاء بني أمية بالشام 483 الطبقة الثالثة عمال خلفاء بني العباس بالعراق 486 الضرب الثاني من وليها ملكا وهم على أربع طبقات 490 الطبقة الأولى من وليها عن بني العباس قبل دولة الفاطميين 490 الطبقة الثانية من وليها من الخلفاء الفاطميين 493 الطبقة الثالثة ملوك بني أيوب 495 الطبقة الرابعة ملوك الترك 497 الفصل الرابع في ذكر ترتيب أحوال الديار المصرية، وفيه ثلاثة أطراف 506 الطرف الأوّل في ذكر معاملاتها وفيه ثلاثة أركان 506 الركن الأوّل الأثمان وهي على ثلاثة أنواع 506 النوع الأوّل الدنانير المسكوكة وهي ضربان 506 الضرب الأوّل ما يتعامل به وزنا 506 الضرب الثاني ما يتعامل به معادّة 507
النوع الثاني الدراهم النقرة 509 النوع الثالث الفلوس 510 الركن الثاني في المثمنات وهي على ثلاثة أنواع 511 النوع الأوّل الموزونات 511 النوع الثاني المكيلات 512 النوع الثالث المقيسات وهي الأراضي والأقمشة 512 أما الأراضي فصنفان:(3/619)
المقرّة الأولى المدينة النبوية 283 المقرّة الثانية الشام 283 المقرّة الثالثة العراق 284 المقرّة الرابعة الديار المصرية 284 الفصل الثاني فيما انطوت عليه الخلافة من الممالك في القديم، وما كانت عليه من الترتيب، وما هي عليه الآن ولها حالتان 285 الحالة الأولى ما كان عليه الحال في الزمن القديم 286 شعار الخلافة 289 الوظائف المعتبرة عندهم على ضربين 294 الضرب الأوّل وظائف أرباب السيوف 295 الضرب الثاني وظائف أرباب الأقلام 298 الحالة الثانية ما صار إليه الأمر بعد انتقال الخلافة إلى الديار المصرية 299 الباب الثالث في ذكر مملكة الديار الصمرية، وفيه ثلاثة فصول 304 الفصل الأوّل في مملكة الديار المصرية ومضافاتها، وفيه طرفان 304 الطرف الأوّل في الديار المصرية وفيه اثنا عشر مقصدا 304
المقصد الأوّل في فضلها ومحاسنها 304 المقصد الثاني في ذكر خواصها وعجائبها، وما بها من الآثار القديمة 310 المقصد الثالث في ذكر نيلها ومبدئه وانتهائه وزيادته ونقصه الخ 315 المقصد الرابع في ذكر خلجانها وهي ستة 329 الخليج الأوّل المنهى 329 الخليج الثاني خليج القاهرة 331 الخليج الثالث خليج السردوس 333 الخليج الرابع الإسكندرية 334 الخليج الخامس خليج سخا 335 الخليج السادس خليج دمياط 335 المقصد الخامس في ذكر بحيرات الديار المصرية وهي أربع بحيرات 337 المقصد السادس في ذكر جبالها 339 المقصد السابع في ذكر زروعها ورياحينها وفواكهها وأصناف المطعوم بها 343 المقصد الثامن في ذكر مواشيها ووحوشها وطيورها 346 المقصد التاسع في ذكر حدودها 347 المقصد العاشر في ابتداء عمارتها، وتسميتها مصر وتفرّع الأقاليم التي حولها عنها 350 المقصد الحادي عشر في ذكر قواعدها القديمة والمباني العظيمة الباقية الخ وقواعدها القديمة على ضربين 353 الضرب الأوّل ما قبل الطوفان 353 الضرب الثاني قواعدها فيما بعد الطوفان 353 الضرب الثاني عشر في ذكر قواعدها المستقرّة وهي ثلاث 366 القاعدة الأولى مدينة الفسطاط 366 (جوامعها) 382 القاعدة الثانية القاهرة 392
(جوامعها) 410 القاعدة الثالثة القلعة 421 الفصل الثاني في ذكر كور الديار المصرية وهي على ضربين 430 الضرب الأوّل في ذكر كورها القديمة وهي ثلاثة أحياز 430 الحيز الأوّل أعلى الأرض وهو الصعيد 430 الحيز الثاني أسفل الأرض وهو أربع نواح 436 الناحية الأولى كور الحوف الشرقي وبها ثمان كور 436 الناحية الثانية بطن الريف، وفيها سبع كور 438 الناحية الثالثة الجزيرة بين فرقتي النيل الشرقية والغربية وفيها خمس كور 439 الناحية الرابعة الحوف الغربي وفيها إحدى عشرة كورة 441 الحيز الثالث كور القبلة وفيها خمس كور 443 الحيز الأوّل [مما لم يذكره القضاعي] بلاد الواح 446 الحيز الثاني برقة 447 الضرب الثاني من كور الديار المصرية نواحيها وأعمالها المستقرّة ولها وجهان 449 الوجه الأوّل القبلي 449 الوجه الثاني البحري ويشتمل على ثلاث شعب 456 الشعبة الأولى شرقي الفرقة الشرقية من النيل وفيها أربعة أعمال 457 الشعبة الثانية غربي فرقة النيل الغربية وفيها عملان 462 الشعبة الثالثة ما بين فرقتي النيل الشرقية والغربية وهو جزيرتان 465 الفصل الثالث فيمن ملك الديار المصرية جاهلية وإسلاما، وهم على ثلاث مراتب 468 المرتبة الأولى من ملكها قبل الطوفان 468 المرتبة الثانية من ملكها بعد الطوفان إلى حين الفتح الاسلامي
وهم على طبقات 469 الطبقة الأولى ملوكها من القبط 470 الطبقة الثانية ملوكها من العماليق ملوك الشام 473 الطبقة الثالثة ملوكها من القبط بعد العمالقة 474 الطبقة الرابعة ملوكها من الفرس 475 الطبقة الخامسة ملوكها من اليونان 476 المرتبة الثالثة من وليها في الإسلام من بداية الأمر إلى زمن المؤلف وهم على ضربين 482 الضرب الأوّل فيمن وليها نيابة، وهو الصدر الأوّل وهم على ثلاث طبقات 482 الطبقة الأولى عمال الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم 482 الطبقة الثانية عمال خلفاء بني أمية بالشام 483 الطبقة الثالثة عمال خلفاء بني العباس بالعراق 486 الضرب الثاني من وليها ملكا وهم على أربع طبقات 490 الطبقة الأولى من وليها عن بني العباس قبل دولة الفاطميين 490 الطبقة الثانية من وليها من الخلفاء الفاطميين 493 الطبقة الثالثة ملوك بني أيوب 495 الطبقة الرابعة ملوك الترك 497 الفصل الرابع في ذكر ترتيب أحوال الديار المصرية، وفيه ثلاثة أطراف 506 الطرف الأوّل في ذكر معاملاتها وفيه ثلاثة أركان 506 الركن الأوّل الأثمان وهي على ثلاثة أنواع 506 النوع الأوّل الدنانير المسكوكة وهي ضربان 506 الضرب الأوّل ما يتعامل به وزنا 506 الضرب الثاني ما يتعامل به معادّة 507
النوع الثاني الدراهم النقرة 509 النوع الثالث الفلوس 510 الركن الثاني في المثمنات وهي على ثلاثة أنواع 511 النوع الأوّل الموزونات 511 النوع الثاني المكيلات 512 النوع الثالث المقيسات وهي الأراضي والأقمشة 512 أما الأراضي فصنفان:(3/620)
المقرّة الأولى المدينة النبوية 283 المقرّة الثانية الشام 283 المقرّة الثالثة العراق 284 المقرّة الرابعة الديار المصرية 284 الفصل الثاني فيما انطوت عليه الخلافة من الممالك في القديم، وما كانت عليه من الترتيب، وما هي عليه الآن ولها حالتان 285 الحالة الأولى ما كان عليه الحال في الزمن القديم 286 شعار الخلافة 289 الوظائف المعتبرة عندهم على ضربين 294 الضرب الأوّل وظائف أرباب السيوف 295 الضرب الثاني وظائف أرباب الأقلام 298 الحالة الثانية ما صار إليه الأمر بعد انتقال الخلافة إلى الديار المصرية 299 الباب الثالث في ذكر مملكة الديار الصمرية، وفيه ثلاثة فصول 304 الفصل الأوّل في مملكة الديار المصرية ومضافاتها، وفيه طرفان 304 الطرف الأوّل في الديار المصرية وفيه اثنا عشر مقصدا 304
المقصد الأوّل في فضلها ومحاسنها 304 المقصد الثاني في ذكر خواصها وعجائبها، وما بها من الآثار القديمة 310 المقصد الثالث في ذكر نيلها ومبدئه وانتهائه وزيادته ونقصه الخ 315 المقصد الرابع في ذكر خلجانها وهي ستة 329 الخليج الأوّل المنهى 329 الخليج الثاني خليج القاهرة 331 الخليج الثالث خليج السردوس 333 الخليج الرابع الإسكندرية 334 الخليج الخامس خليج سخا 335 الخليج السادس خليج دمياط 335 المقصد الخامس في ذكر بحيرات الديار المصرية وهي أربع بحيرات 337 المقصد السادس في ذكر جبالها 339 المقصد السابع في ذكر زروعها ورياحينها وفواكهها وأصناف المطعوم بها 343 المقصد الثامن في ذكر مواشيها ووحوشها وطيورها 346 المقصد التاسع في ذكر حدودها 347 المقصد العاشر في ابتداء عمارتها، وتسميتها مصر وتفرّع الأقاليم التي حولها عنها 350 المقصد الحادي عشر في ذكر قواعدها القديمة والمباني العظيمة الباقية الخ وقواعدها القديمة على ضربين 353 الضرب الأوّل ما قبل الطوفان 353 الضرب الثاني قواعدها فيما بعد الطوفان 353 الضرب الثاني عشر في ذكر قواعدها المستقرّة وهي ثلاث 366 القاعدة الأولى مدينة الفسطاط 366 (جوامعها) 382 القاعدة الثانية القاهرة 392
(جوامعها) 410 القاعدة الثالثة القلعة 421 الفصل الثاني في ذكر كور الديار المصرية وهي على ضربين 430 الضرب الأوّل في ذكر كورها القديمة وهي ثلاثة أحياز 430 الحيز الأوّل أعلى الأرض وهو الصعيد 430 الحيز الثاني أسفل الأرض وهو أربع نواح 436 الناحية الأولى كور الحوف الشرقي وبها ثمان كور 436 الناحية الثانية بطن الريف، وفيها سبع كور 438 الناحية الثالثة الجزيرة بين فرقتي النيل الشرقية والغربية وفيها خمس كور 439 الناحية الرابعة الحوف الغربي وفيها إحدى عشرة كورة 441 الحيز الثالث كور القبلة وفيها خمس كور 443 الحيز الأوّل [مما لم يذكره القضاعي] بلاد الواح 446 الحيز الثاني برقة 447 الضرب الثاني من كور الديار المصرية نواحيها وأعمالها المستقرّة ولها وجهان 449 الوجه الأوّل القبلي 449 الوجه الثاني البحري ويشتمل على ثلاث شعب 456 الشعبة الأولى شرقي الفرقة الشرقية من النيل وفيها أربعة أعمال 457 الشعبة الثانية غربي فرقة النيل الغربية وفيها عملان 462 الشعبة الثالثة ما بين فرقتي النيل الشرقية والغربية وهو جزيرتان 465 الفصل الثالث فيمن ملك الديار المصرية جاهلية وإسلاما، وهم على ثلاث مراتب 468 المرتبة الأولى من ملكها قبل الطوفان 468 المرتبة الثانية من ملكها بعد الطوفان إلى حين الفتح الاسلامي
وهم على طبقات 469 الطبقة الأولى ملوكها من القبط 470 الطبقة الثانية ملوكها من العماليق ملوك الشام 473 الطبقة الثالثة ملوكها من القبط بعد العمالقة 474 الطبقة الرابعة ملوكها من الفرس 475 الطبقة الخامسة ملوكها من اليونان 476 المرتبة الثالثة من وليها في الإسلام من بداية الأمر إلى زمن المؤلف وهم على ضربين 482 الضرب الأوّل فيمن وليها نيابة، وهو الصدر الأوّل وهم على ثلاث طبقات 482 الطبقة الأولى عمال الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم 482 الطبقة الثانية عمال خلفاء بني أمية بالشام 483 الطبقة الثالثة عمال خلفاء بني العباس بالعراق 486 الضرب الثاني من وليها ملكا وهم على أربع طبقات 490 الطبقة الأولى من وليها عن بني العباس قبل دولة الفاطميين 490 الطبقة الثانية من وليها من الخلفاء الفاطميين 493 الطبقة الثالثة ملوك بني أيوب 495 الطبقة الرابعة ملوك الترك 497 الفصل الرابع في ذكر ترتيب أحوال الديار المصرية، وفيه ثلاثة أطراف 506 الطرف الأوّل في ذكر معاملاتها وفيه ثلاثة أركان 506 الركن الأوّل الأثمان وهي على ثلاثة أنواع 506 النوع الأوّل الدنانير المسكوكة وهي ضربان 506 الضرب الأوّل ما يتعامل به وزنا 506 الضرب الثاني ما يتعامل به معادّة 507
النوع الثاني الدراهم النقرة 509 النوع الثالث الفلوس 510 الركن الثاني في المثمنات وهي على ثلاثة أنواع 511 النوع الأوّل الموزونات 511 النوع الثاني المكيلات 512 النوع الثالث المقيسات وهي الأراضي والأقمشة 512 أما الأراضي فصنفان:(3/621)
المقرّة الأولى المدينة النبوية 283 المقرّة الثانية الشام 283 المقرّة الثالثة العراق 284 المقرّة الرابعة الديار المصرية 284 الفصل الثاني فيما انطوت عليه الخلافة من الممالك في القديم، وما كانت عليه من الترتيب، وما هي عليه الآن ولها حالتان 285 الحالة الأولى ما كان عليه الحال في الزمن القديم 286 شعار الخلافة 289 الوظائف المعتبرة عندهم على ضربين 294 الضرب الأوّل وظائف أرباب السيوف 295 الضرب الثاني وظائف أرباب الأقلام 298 الحالة الثانية ما صار إليه الأمر بعد انتقال الخلافة إلى الديار المصرية 299 الباب الثالث في ذكر مملكة الديار الصمرية، وفيه ثلاثة فصول 304 الفصل الأوّل في مملكة الديار المصرية ومضافاتها، وفيه طرفان 304 الطرف الأوّل في الديار المصرية وفيه اثنا عشر مقصدا 304
المقصد الأوّل في فضلها ومحاسنها 304 المقصد الثاني في ذكر خواصها وعجائبها، وما بها من الآثار القديمة 310 المقصد الثالث في ذكر نيلها ومبدئه وانتهائه وزيادته ونقصه الخ 315 المقصد الرابع في ذكر خلجانها وهي ستة 329 الخليج الأوّل المنهى 329 الخليج الثاني خليج القاهرة 331 الخليج الثالث خليج السردوس 333 الخليج الرابع الإسكندرية 334 الخليج الخامس خليج سخا 335 الخليج السادس خليج دمياط 335 المقصد الخامس في ذكر بحيرات الديار المصرية وهي أربع بحيرات 337 المقصد السادس في ذكر جبالها 339 المقصد السابع في ذكر زروعها ورياحينها وفواكهها وأصناف المطعوم بها 343 المقصد الثامن في ذكر مواشيها ووحوشها وطيورها 346 المقصد التاسع في ذكر حدودها 347 المقصد العاشر في ابتداء عمارتها، وتسميتها مصر وتفرّع الأقاليم التي حولها عنها 350 المقصد الحادي عشر في ذكر قواعدها القديمة والمباني العظيمة الباقية الخ وقواعدها القديمة على ضربين 353 الضرب الأوّل ما قبل الطوفان 353 الضرب الثاني قواعدها فيما بعد الطوفان 353 الضرب الثاني عشر في ذكر قواعدها المستقرّة وهي ثلاث 366 القاعدة الأولى مدينة الفسطاط 366 (جوامعها) 382 القاعدة الثانية القاهرة 392
(جوامعها) 410 القاعدة الثالثة القلعة 421 الفصل الثاني في ذكر كور الديار المصرية وهي على ضربين 430 الضرب الأوّل في ذكر كورها القديمة وهي ثلاثة أحياز 430 الحيز الأوّل أعلى الأرض وهو الصعيد 430 الحيز الثاني أسفل الأرض وهو أربع نواح 436 الناحية الأولى كور الحوف الشرقي وبها ثمان كور 436 الناحية الثانية بطن الريف، وفيها سبع كور 438 الناحية الثالثة الجزيرة بين فرقتي النيل الشرقية والغربية وفيها خمس كور 439 الناحية الرابعة الحوف الغربي وفيها إحدى عشرة كورة 441 الحيز الثالث كور القبلة وفيها خمس كور 443 الحيز الأوّل [مما لم يذكره القضاعي] بلاد الواح 446 الحيز الثاني برقة 447 الضرب الثاني من كور الديار المصرية نواحيها وأعمالها المستقرّة ولها وجهان 449 الوجه الأوّل القبلي 449 الوجه الثاني البحري ويشتمل على ثلاث شعب 456 الشعبة الأولى شرقي الفرقة الشرقية من النيل وفيها أربعة أعمال 457 الشعبة الثانية غربي فرقة النيل الغربية وفيها عملان 462 الشعبة الثالثة ما بين فرقتي النيل الشرقية والغربية وهو جزيرتان 465 الفصل الثالث فيمن ملك الديار المصرية جاهلية وإسلاما، وهم على ثلاث مراتب 468 المرتبة الأولى من ملكها قبل الطوفان 468 المرتبة الثانية من ملكها بعد الطوفان إلى حين الفتح الاسلامي
وهم على طبقات 469 الطبقة الأولى ملوكها من القبط 470 الطبقة الثانية ملوكها من العماليق ملوك الشام 473 الطبقة الثالثة ملوكها من القبط بعد العمالقة 474 الطبقة الرابعة ملوكها من الفرس 475 الطبقة الخامسة ملوكها من اليونان 476 المرتبة الثالثة من وليها في الإسلام من بداية الأمر إلى زمن المؤلف وهم على ضربين 482 الضرب الأوّل فيمن وليها نيابة، وهو الصدر الأوّل وهم على ثلاث طبقات 482 الطبقة الأولى عمال الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم 482 الطبقة الثانية عمال خلفاء بني أمية بالشام 483 الطبقة الثالثة عمال خلفاء بني العباس بالعراق 486 الضرب الثاني من وليها ملكا وهم على أربع طبقات 490 الطبقة الأولى من وليها عن بني العباس قبل دولة الفاطميين 490 الطبقة الثانية من وليها من الخلفاء الفاطميين 493 الطبقة الثالثة ملوك بني أيوب 495 الطبقة الرابعة ملوك الترك 497 الفصل الرابع في ذكر ترتيب أحوال الديار المصرية، وفيه ثلاثة أطراف 506 الطرف الأوّل في ذكر معاملاتها وفيه ثلاثة أركان 506 الركن الأوّل الأثمان وهي على ثلاثة أنواع 506 النوع الأوّل الدنانير المسكوكة وهي ضربان 506 الضرب الأوّل ما يتعامل به وزنا 506 الضرب الثاني ما يتعامل به معادّة 507
النوع الثاني الدراهم النقرة 509 النوع الثالث الفلوس 510 الركن الثاني في المثمنات وهي على ثلاثة أنواع 511 النوع الأوّل الموزونات 511 النوع الثاني المكيلات 512 النوع الثالث المقيسات وهي الأراضي والأقمشة 512 أما الأراضي فصنفان:
الصنف الأوّل أرض الزراعة 512 الصنف الثاني أرض البنيان 513 الركن الثالث في الأسعار 514 الطرف الثاني في ذكر جسورها وأصناف أرضها وما يختص بكل صنف الخ 515 أما جسورها فعلى صنفين:
الصنف الأوّل الجسور السلطانية 515 الصنف الثاني الجسور البلدية 516 الطرف الثالث في وچوه أموالها الديوانية وهي على ضربين 519 الضرب الأوّل الشرعي، وهو على سبعة أنواع 519 النوع الأوّل المال الخراجي 519 والجاري في الدواوين منه على ضربين:
الضرب الأوّل ما هو داخل في الدواوين السلطانية، وهو الآن (زمن المؤلف) على أربعة أصناف 522 الصنف الأول ما هو جار في ديوان الوزارة 522 الصنف الثاني ما هو جار في ديوان الخاص 523 الصنف الثالث ما هو جار في الديوان المفرد 524 الصنف الرابع ما هو جار في ديوان الأملاك 524
الضرب الثاني ما هو جار في الإقطاعات 525 النوع الثاني ما يتحصل مما يستخرج من المعادن 526 النوع الثالث الزكاة 529 النوع الرابع الجوالي 530 النوع الخامس ما يؤخذ من تجار الكفار الواصلين في البحر إلى الديار المصرية 531 النوع السادس المواريث الحشرية 532 النوع السابع ما يتحصل من دار الضرب بالقاهرة، والذي يضرب فيها ثلاثة أصناف 533 الصنف الأوّل الذهب 533 الصنف الثاني الفضة النقرة 535 الصنف الثالث الفلوس المتخذة من النحاس الأحمر 535 الضرب الثاني من الأموال الديوانية بالديار المصرية غير الشرعي، وهو المكوس وهي على نوعين 536 النوع الأوّل ما يختص بالديوان السلطاني، وهو صنفان 536 الصنف الأوّل ما يؤخذ على الواصل المجلوب وأكثره متحصلا جهتان 536 الجهة الأولى ما يؤخذ على واصل التجار الكارمية من البضائع في بحر القلزم من جهة الحجاز واليمن وما والاهما 536 الجهة الثانية ما يؤخذ على واصل التجار بقطيا في طريق الشام 538 الصنف الثاني ما يؤخذ بحاضرة الديار المصرية بالفسطاط والقاهرة 538 النوع الثاني ما لا اختصاص له بالديوان السلطاني 539 في ترتيب المملكة ولها ثلاث حالات 539 الحالة الأولى ما كانت عليه من حين الفتح إلى آخر الدولة الاخشيدية 539 الحالة الثانية ما كانت عليه في زمن الخلفاء الفاطميين، وتنحصر في ثلاث جمل 539
الجملة الأولى في الآلات الملوكية المختصة بالمواكب العظام 540 الجملة الثانية في حواصل الخليفة وهي على خمسة أنواع 545 النوع الأوّل الخزائن 545 النوع الثاني حواصل المواشي 548 النوع الثالث حواصل الغلال وشون الأتبان 549 النوع الرابع حواصل البضاعة 550 النوع الخامس ما في معنى الحواصل 550 الجملة الثالثة في ذكر جيوش الدولة الفاطمية وبيان مراتب أرباب السيوف وهم على ثلاثة أصناف 551 الصنف الأوّل الأمراء 551 الصنف الثاني خواص الخليفة وهم على ثلاثة أنواع 551 النوع الأوّل الأستاذون 551 النوع الثاني صبيان الخاص 552 النوع الثالث صبيان الحجر 552 الصنف الثالث طوائف الأجناد 552 الجملة الرابعة في ذكر أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية، وهم على قسمين 553 القسم الأوّل ما بحضرة الخليفة، وهم أربعة أصناف 553 الصنف الأوّل أرباب الوظائف من أرباب السيوف وهم نوعان 553 النوع الأوّل وظائف عامة الجند 553 النوع الثاني وظائف خواص الخليفة من الأستاذين، وهي على ضربين 555 الضرب الأوّل ما يختص بالأستاذين المحنكين 555 الضرب الثاني ما يكون من غير المحنكين 557 الصنف الثاني من أرباب الوظائف بحضرة الخليفة أرباب الأقلام وهم على ثلاثة أنواع 557
النوع الأوّل أرباب الوظائف الدينية 557 النوع الثاني من أرباب الأقلام أصحاب الوظائف الدينية، وهي على أربعة أضرب 560 الضرب الأوّل الوزارة إذا كان الوزير صاحب قلم 560 الضرب الثاني ديوان الإنشاء 563 الضرب الثالث ديوان الجيش والرواتب 565 الضرب الرابع نظر الدواوين 566 الصنف الثالث من أرباب الوظائف أصحاب الوظائف الصناعية 569 الصنف الرابع الشعراء 569 القسم الثاني من أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية ما هو خارج عن حضرة الخلافة وهو صنفان 570 الصنف الأوّل النوّاب والولاة 570 الجملة الخامسة من ترتيب مملكتهم في هيئة الخليفة في مواكبه وقصوره وهي على ثلاثة أضرب 571 الضرب الأوّل جلوسه في المواكب وله ثلاثة جلوسات 571 الجلوس الأوّل جلوسه في المجلس العام أيام المواكب 571 الجلوس الثاني جلوسه للقاضي والشهود في ليالي الوقود الأربع من كل سنة 574 الجلوس الثالث جلوسه في مولد النبي صلى الله عليه وسلم 576 الضرب الثاني ركوبه في المواكب وهو على نوعين 577 النوع الأوّل ركوبه في المواكب العظام، وهي ستة مواكب 577 الموكب الأوّل ركوب أوّل العام 577 الموكب الثاني ركوب أوّل شهر رمضان 583 الموكب الثالث ركوبه في أيام الجمع الثلاث من شهر رمضان 583 الموكب الرابع ركوبه لصلاة عيدي الفطر والأضحى 585
الموكب الخامس ركوبه لتخلق المقياس عند وفاء النيل 590 الموكب السادس ركوبه لفتح الخليج 592 النوع الثاني من مواكبهم المواكب المختصرة في أثناء السنة 595 الضرب الثالث من هيئة الخليفة هيئته في قصوره 595 الجملة السادسة في اهتمامهم بالأساطيل، وحفظ الثغور، واعتنائهم بأمر الجهاد، وسيرهم في رعاياهم، واستمالة قلوب مخالفيهم 596 الجملة السابعة في إجراء الأرزاق والعطاء لأرباب الخدم بدولتهم وما يتصل بذلك من الطعمة 598 وأما الطعمة فعلى ضربين 600 الضرب الأوّل الأسمطة التي تمدّ في شهر رمضان والعيدين 600 الضرب الثاني فيما كان يعمل بدار الفطرة في عيد الفطر 602 في جلوس الوزير للمظالم الخ 603(3/622)
الضرب الأوّل ما هو داخل في الدواوين السلطانية، وهو الآن (زمن المؤلف) على أربعة أصناف 522 الصنف الأول ما هو جار في ديوان الوزارة 522 الصنف الثاني ما هو جار في ديوان الخاص 523 الصنف الثالث ما هو جار في الديوان المفرد 524 الصنف الرابع ما هو جار في ديوان الأملاك 524
الضرب الثاني ما هو جار في الإقطاعات 525 النوع الثاني ما يتحصل مما يستخرج من المعادن 526 النوع الثالث الزكاة 529 النوع الرابع الجوالي 530 النوع الخامس ما يؤخذ من تجار الكفار الواصلين في البحر إلى الديار المصرية 531 النوع السادس المواريث الحشرية 532 النوع السابع ما يتحصل من دار الضرب بالقاهرة، والذي يضرب فيها ثلاثة أصناف 533 الصنف الأوّل الذهب 533 الصنف الثاني الفضة النقرة 535 الصنف الثالث الفلوس المتخذة من النحاس الأحمر 535 الضرب الثاني من الأموال الديوانية بالديار المصرية غير الشرعي، وهو المكوس وهي على نوعين 536 النوع الأوّل ما يختص بالديوان السلطاني، وهو صنفان 536 الصنف الأوّل ما يؤخذ على الواصل المجلوب وأكثره متحصلا جهتان 536 الجهة الأولى ما يؤخذ على واصل التجار الكارمية من البضائع في بحر القلزم من جهة الحجاز واليمن وما والاهما 536 الجهة الثانية ما يؤخذ على واصل التجار بقطيا في طريق الشام 538 الصنف الثاني ما يؤخذ بحاضرة الديار المصرية بالفسطاط والقاهرة 538 النوع الثاني ما لا اختصاص له بالديوان السلطاني 539 في ترتيب المملكة ولها ثلاث حالات 539 الحالة الأولى ما كانت عليه من حين الفتح إلى آخر الدولة الاخشيدية 539 الحالة الثانية ما كانت عليه في زمن الخلفاء الفاطميين، وتنحصر في ثلاث جمل 539
الجملة الأولى في الآلات الملوكية المختصة بالمواكب العظام 540 الجملة الثانية في حواصل الخليفة وهي على خمسة أنواع 545 النوع الأوّل الخزائن 545 النوع الثاني حواصل المواشي 548 النوع الثالث حواصل الغلال وشون الأتبان 549 النوع الرابع حواصل البضاعة 550 النوع الخامس ما في معنى الحواصل 550 الجملة الثالثة في ذكر جيوش الدولة الفاطمية وبيان مراتب أرباب السيوف وهم على ثلاثة أصناف 551 الصنف الأوّل الأمراء 551 الصنف الثاني خواص الخليفة وهم على ثلاثة أنواع 551 النوع الأوّل الأستاذون 551 النوع الثاني صبيان الخاص 552 النوع الثالث صبيان الحجر 552 الصنف الثالث طوائف الأجناد 552 الجملة الرابعة في ذكر أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية، وهم على قسمين 553 القسم الأوّل ما بحضرة الخليفة، وهم أربعة أصناف 553 الصنف الأوّل أرباب الوظائف من أرباب السيوف وهم نوعان 553 النوع الأوّل وظائف عامة الجند 553 النوع الثاني وظائف خواص الخليفة من الأستاذين، وهي على ضربين 555 الضرب الأوّل ما يختص بالأستاذين المحنكين 555 الضرب الثاني ما يكون من غير المحنكين 557 الصنف الثاني من أرباب الوظائف بحضرة الخليفة أرباب الأقلام وهم على ثلاثة أنواع 557
النوع الأوّل أرباب الوظائف الدينية 557 النوع الثاني من أرباب الأقلام أصحاب الوظائف الدينية، وهي على أربعة أضرب 560 الضرب الأوّل الوزارة إذا كان الوزير صاحب قلم 560 الضرب الثاني ديوان الإنشاء 563 الضرب الثالث ديوان الجيش والرواتب 565 الضرب الرابع نظر الدواوين 566 الصنف الثالث من أرباب الوظائف أصحاب الوظائف الصناعية 569 الصنف الرابع الشعراء 569 القسم الثاني من أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية ما هو خارج عن حضرة الخلافة وهو صنفان 570 الصنف الأوّل النوّاب والولاة 570 الجملة الخامسة من ترتيب مملكتهم في هيئة الخليفة في مواكبه وقصوره وهي على ثلاثة أضرب 571 الضرب الأوّل جلوسه في المواكب وله ثلاثة جلوسات 571 الجلوس الأوّل جلوسه في المجلس العام أيام المواكب 571 الجلوس الثاني جلوسه للقاضي والشهود في ليالي الوقود الأربع من كل سنة 574 الجلوس الثالث جلوسه في مولد النبي صلى الله عليه وسلم 576 الضرب الثاني ركوبه في المواكب وهو على نوعين 577 النوع الأوّل ركوبه في المواكب العظام، وهي ستة مواكب 577 الموكب الأوّل ركوب أوّل العام 577 الموكب الثاني ركوب أوّل شهر رمضان 583 الموكب الثالث ركوبه في أيام الجمع الثلاث من شهر رمضان 583 الموكب الرابع ركوبه لصلاة عيدي الفطر والأضحى 585
الموكب الخامس ركوبه لتخلق المقياس عند وفاء النيل 590 الموكب السادس ركوبه لفتح الخليج 592 النوع الثاني من مواكبهم المواكب المختصرة في أثناء السنة 595 الضرب الثالث من هيئة الخليفة هيئته في قصوره 595 الجملة السادسة في اهتمامهم بالأساطيل، وحفظ الثغور، واعتنائهم بأمر الجهاد، وسيرهم في رعاياهم، واستمالة قلوب مخالفيهم 596 الجملة السابعة في إجراء الأرزاق والعطاء لأرباب الخدم بدولتهم وما يتصل بذلك من الطعمة 598 وأما الطعمة فعلى ضربين 600 الضرب الأوّل الأسمطة التي تمدّ في شهر رمضان والعيدين 600 الضرب الثاني فيما كان يعمل بدار الفطرة في عيد الفطر 602 في جلوس الوزير للمظالم الخ 603(3/623)
الضرب الأوّل ما هو داخل في الدواوين السلطانية، وهو الآن (زمن المؤلف) على أربعة أصناف 522 الصنف الأول ما هو جار في ديوان الوزارة 522 الصنف الثاني ما هو جار في ديوان الخاص 523 الصنف الثالث ما هو جار في الديوان المفرد 524 الصنف الرابع ما هو جار في ديوان الأملاك 524
الضرب الثاني ما هو جار في الإقطاعات 525 النوع الثاني ما يتحصل مما يستخرج من المعادن 526 النوع الثالث الزكاة 529 النوع الرابع الجوالي 530 النوع الخامس ما يؤخذ من تجار الكفار الواصلين في البحر إلى الديار المصرية 531 النوع السادس المواريث الحشرية 532 النوع السابع ما يتحصل من دار الضرب بالقاهرة، والذي يضرب فيها ثلاثة أصناف 533 الصنف الأوّل الذهب 533 الصنف الثاني الفضة النقرة 535 الصنف الثالث الفلوس المتخذة من النحاس الأحمر 535 الضرب الثاني من الأموال الديوانية بالديار المصرية غير الشرعي، وهو المكوس وهي على نوعين 536 النوع الأوّل ما يختص بالديوان السلطاني، وهو صنفان 536 الصنف الأوّل ما يؤخذ على الواصل المجلوب وأكثره متحصلا جهتان 536 الجهة الأولى ما يؤخذ على واصل التجار الكارمية من البضائع في بحر القلزم من جهة الحجاز واليمن وما والاهما 536 الجهة الثانية ما يؤخذ على واصل التجار بقطيا في طريق الشام 538 الصنف الثاني ما يؤخذ بحاضرة الديار المصرية بالفسطاط والقاهرة 538 النوع الثاني ما لا اختصاص له بالديوان السلطاني 539 في ترتيب المملكة ولها ثلاث حالات 539 الحالة الأولى ما كانت عليه من حين الفتح إلى آخر الدولة الاخشيدية 539 الحالة الثانية ما كانت عليه في زمن الخلفاء الفاطميين، وتنحصر في ثلاث جمل 539
الجملة الأولى في الآلات الملوكية المختصة بالمواكب العظام 540 الجملة الثانية في حواصل الخليفة وهي على خمسة أنواع 545 النوع الأوّل الخزائن 545 النوع الثاني حواصل المواشي 548 النوع الثالث حواصل الغلال وشون الأتبان 549 النوع الرابع حواصل البضاعة 550 النوع الخامس ما في معنى الحواصل 550 الجملة الثالثة في ذكر جيوش الدولة الفاطمية وبيان مراتب أرباب السيوف وهم على ثلاثة أصناف 551 الصنف الأوّل الأمراء 551 الصنف الثاني خواص الخليفة وهم على ثلاثة أنواع 551 النوع الأوّل الأستاذون 551 النوع الثاني صبيان الخاص 552 النوع الثالث صبيان الحجر 552 الصنف الثالث طوائف الأجناد 552 الجملة الرابعة في ذكر أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية، وهم على قسمين 553 القسم الأوّل ما بحضرة الخليفة، وهم أربعة أصناف 553 الصنف الأوّل أرباب الوظائف من أرباب السيوف وهم نوعان 553 النوع الأوّل وظائف عامة الجند 553 النوع الثاني وظائف خواص الخليفة من الأستاذين، وهي على ضربين 555 الضرب الأوّل ما يختص بالأستاذين المحنكين 555 الضرب الثاني ما يكون من غير المحنكين 557 الصنف الثاني من أرباب الوظائف بحضرة الخليفة أرباب الأقلام وهم على ثلاثة أنواع 557
النوع الأوّل أرباب الوظائف الدينية 557 النوع الثاني من أرباب الأقلام أصحاب الوظائف الدينية، وهي على أربعة أضرب 560 الضرب الأوّل الوزارة إذا كان الوزير صاحب قلم 560 الضرب الثاني ديوان الإنشاء 563 الضرب الثالث ديوان الجيش والرواتب 565 الضرب الرابع نظر الدواوين 566 الصنف الثالث من أرباب الوظائف أصحاب الوظائف الصناعية 569 الصنف الرابع الشعراء 569 القسم الثاني من أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية ما هو خارج عن حضرة الخلافة وهو صنفان 570 الصنف الأوّل النوّاب والولاة 570 الجملة الخامسة من ترتيب مملكتهم في هيئة الخليفة في مواكبه وقصوره وهي على ثلاثة أضرب 571 الضرب الأوّل جلوسه في المواكب وله ثلاثة جلوسات 571 الجلوس الأوّل جلوسه في المجلس العام أيام المواكب 571 الجلوس الثاني جلوسه للقاضي والشهود في ليالي الوقود الأربع من كل سنة 574 الجلوس الثالث جلوسه في مولد النبي صلى الله عليه وسلم 576 الضرب الثاني ركوبه في المواكب وهو على نوعين 577 النوع الأوّل ركوبه في المواكب العظام، وهي ستة مواكب 577 الموكب الأوّل ركوب أوّل العام 577 الموكب الثاني ركوب أوّل شهر رمضان 583 الموكب الثالث ركوبه في أيام الجمع الثلاث من شهر رمضان 583 الموكب الرابع ركوبه لصلاة عيدي الفطر والأضحى 585
الموكب الخامس ركوبه لتخلق المقياس عند وفاء النيل 590 الموكب السادس ركوبه لفتح الخليج 592 النوع الثاني من مواكبهم المواكب المختصرة في أثناء السنة 595 الضرب الثالث من هيئة الخليفة هيئته في قصوره 595 الجملة السادسة في اهتمامهم بالأساطيل، وحفظ الثغور، واعتنائهم بأمر الجهاد، وسيرهم في رعاياهم، واستمالة قلوب مخالفيهم 596 الجملة السابعة في إجراء الأرزاق والعطاء لأرباب الخدم بدولتهم وما يتصل بذلك من الطعمة 598 وأما الطعمة فعلى ضربين 600 الضرب الأوّل الأسمطة التي تمدّ في شهر رمضان والعيدين 600 الضرب الثاني فيما كان يعمل بدار الفطرة في عيد الفطر 602 في جلوس الوزير للمظالم الخ 603(3/624)
الضرب الأوّل ما هو داخل في الدواوين السلطانية، وهو الآن (زمن المؤلف) على أربعة أصناف 522 الصنف الأول ما هو جار في ديوان الوزارة 522 الصنف الثاني ما هو جار في ديوان الخاص 523 الصنف الثالث ما هو جار في الديوان المفرد 524 الصنف الرابع ما هو جار في ديوان الأملاك 524
الضرب الثاني ما هو جار في الإقطاعات 525 النوع الثاني ما يتحصل مما يستخرج من المعادن 526 النوع الثالث الزكاة 529 النوع الرابع الجوالي 530 النوع الخامس ما يؤخذ من تجار الكفار الواصلين في البحر إلى الديار المصرية 531 النوع السادس المواريث الحشرية 532 النوع السابع ما يتحصل من دار الضرب بالقاهرة، والذي يضرب فيها ثلاثة أصناف 533 الصنف الأوّل الذهب 533 الصنف الثاني الفضة النقرة 535 الصنف الثالث الفلوس المتخذة من النحاس الأحمر 535 الضرب الثاني من الأموال الديوانية بالديار المصرية غير الشرعي، وهو المكوس وهي على نوعين 536 النوع الأوّل ما يختص بالديوان السلطاني، وهو صنفان 536 الصنف الأوّل ما يؤخذ على الواصل المجلوب وأكثره متحصلا جهتان 536 الجهة الأولى ما يؤخذ على واصل التجار الكارمية من البضائع في بحر القلزم من جهة الحجاز واليمن وما والاهما 536 الجهة الثانية ما يؤخذ على واصل التجار بقطيا في طريق الشام 538 الصنف الثاني ما يؤخذ بحاضرة الديار المصرية بالفسطاط والقاهرة 538 النوع الثاني ما لا اختصاص له بالديوان السلطاني 539 في ترتيب المملكة ولها ثلاث حالات 539 الحالة الأولى ما كانت عليه من حين الفتح إلى آخر الدولة الاخشيدية 539 الحالة الثانية ما كانت عليه في زمن الخلفاء الفاطميين، وتنحصر في ثلاث جمل 539
الجملة الأولى في الآلات الملوكية المختصة بالمواكب العظام 540 الجملة الثانية في حواصل الخليفة وهي على خمسة أنواع 545 النوع الأوّل الخزائن 545 النوع الثاني حواصل المواشي 548 النوع الثالث حواصل الغلال وشون الأتبان 549 النوع الرابع حواصل البضاعة 550 النوع الخامس ما في معنى الحواصل 550 الجملة الثالثة في ذكر جيوش الدولة الفاطمية وبيان مراتب أرباب السيوف وهم على ثلاثة أصناف 551 الصنف الأوّل الأمراء 551 الصنف الثاني خواص الخليفة وهم على ثلاثة أنواع 551 النوع الأوّل الأستاذون 551 النوع الثاني صبيان الخاص 552 النوع الثالث صبيان الحجر 552 الصنف الثالث طوائف الأجناد 552 الجملة الرابعة في ذكر أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية، وهم على قسمين 553 القسم الأوّل ما بحضرة الخليفة، وهم أربعة أصناف 553 الصنف الأوّل أرباب الوظائف من أرباب السيوف وهم نوعان 553 النوع الأوّل وظائف عامة الجند 553 النوع الثاني وظائف خواص الخليفة من الأستاذين، وهي على ضربين 555 الضرب الأوّل ما يختص بالأستاذين المحنكين 555 الضرب الثاني ما يكون من غير المحنكين 557 الصنف الثاني من أرباب الوظائف بحضرة الخليفة أرباب الأقلام وهم على ثلاثة أنواع 557
النوع الأوّل أرباب الوظائف الدينية 557 النوع الثاني من أرباب الأقلام أصحاب الوظائف الدينية، وهي على أربعة أضرب 560 الضرب الأوّل الوزارة إذا كان الوزير صاحب قلم 560 الضرب الثاني ديوان الإنشاء 563 الضرب الثالث ديوان الجيش والرواتب 565 الضرب الرابع نظر الدواوين 566 الصنف الثالث من أرباب الوظائف أصحاب الوظائف الصناعية 569 الصنف الرابع الشعراء 569 القسم الثاني من أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية ما هو خارج عن حضرة الخلافة وهو صنفان 570 الصنف الأوّل النوّاب والولاة 570 الجملة الخامسة من ترتيب مملكتهم في هيئة الخليفة في مواكبه وقصوره وهي على ثلاثة أضرب 571 الضرب الأوّل جلوسه في المواكب وله ثلاثة جلوسات 571 الجلوس الأوّل جلوسه في المجلس العام أيام المواكب 571 الجلوس الثاني جلوسه للقاضي والشهود في ليالي الوقود الأربع من كل سنة 574 الجلوس الثالث جلوسه في مولد النبي صلى الله عليه وسلم 576 الضرب الثاني ركوبه في المواكب وهو على نوعين 577 النوع الأوّل ركوبه في المواكب العظام، وهي ستة مواكب 577 الموكب الأوّل ركوب أوّل العام 577 الموكب الثاني ركوب أوّل شهر رمضان 583 الموكب الثالث ركوبه في أيام الجمع الثلاث من شهر رمضان 583 الموكب الرابع ركوبه لصلاة عيدي الفطر والأضحى 585
الموكب الخامس ركوبه لتخلق المقياس عند وفاء النيل 590 الموكب السادس ركوبه لفتح الخليج 592 النوع الثاني من مواكبهم المواكب المختصرة في أثناء السنة 595 الضرب الثالث من هيئة الخليفة هيئته في قصوره 595 الجملة السادسة في اهتمامهم بالأساطيل، وحفظ الثغور، واعتنائهم بأمر الجهاد، وسيرهم في رعاياهم، واستمالة قلوب مخالفيهم 596 الجملة السابعة في إجراء الأرزاق والعطاء لأرباب الخدم بدولتهم وما يتصل بذلك من الطعمة 598 وأما الطعمة فعلى ضربين 600 الضرب الأوّل الأسمطة التي تمدّ في شهر رمضان والعيدين 600 الضرب الثاني فيما كان يعمل بدار الفطرة في عيد الفطر 602 في جلوس الوزير للمظالم الخ 603(3/625)
الضرب الأوّل ما هو داخل في الدواوين السلطانية، وهو الآن (زمن المؤلف) على أربعة أصناف 522 الصنف الأول ما هو جار في ديوان الوزارة 522 الصنف الثاني ما هو جار في ديوان الخاص 523 الصنف الثالث ما هو جار في الديوان المفرد 524 الصنف الرابع ما هو جار في ديوان الأملاك 524
الضرب الثاني ما هو جار في الإقطاعات 525 النوع الثاني ما يتحصل مما يستخرج من المعادن 526 النوع الثالث الزكاة 529 النوع الرابع الجوالي 530 النوع الخامس ما يؤخذ من تجار الكفار الواصلين في البحر إلى الديار المصرية 531 النوع السادس المواريث الحشرية 532 النوع السابع ما يتحصل من دار الضرب بالقاهرة، والذي يضرب فيها ثلاثة أصناف 533 الصنف الأوّل الذهب 533 الصنف الثاني الفضة النقرة 535 الصنف الثالث الفلوس المتخذة من النحاس الأحمر 535 الضرب الثاني من الأموال الديوانية بالديار المصرية غير الشرعي، وهو المكوس وهي على نوعين 536 النوع الأوّل ما يختص بالديوان السلطاني، وهو صنفان 536 الصنف الأوّل ما يؤخذ على الواصل المجلوب وأكثره متحصلا جهتان 536 الجهة الأولى ما يؤخذ على واصل التجار الكارمية من البضائع في بحر القلزم من جهة الحجاز واليمن وما والاهما 536 الجهة الثانية ما يؤخذ على واصل التجار بقطيا في طريق الشام 538 الصنف الثاني ما يؤخذ بحاضرة الديار المصرية بالفسطاط والقاهرة 538 النوع الثاني ما لا اختصاص له بالديوان السلطاني 539 في ترتيب المملكة ولها ثلاث حالات 539 الحالة الأولى ما كانت عليه من حين الفتح إلى آخر الدولة الاخشيدية 539 الحالة الثانية ما كانت عليه في زمن الخلفاء الفاطميين، وتنحصر في ثلاث جمل 539
الجملة الأولى في الآلات الملوكية المختصة بالمواكب العظام 540 الجملة الثانية في حواصل الخليفة وهي على خمسة أنواع 545 النوع الأوّل الخزائن 545 النوع الثاني حواصل المواشي 548 النوع الثالث حواصل الغلال وشون الأتبان 549 النوع الرابع حواصل البضاعة 550 النوع الخامس ما في معنى الحواصل 550 الجملة الثالثة في ذكر جيوش الدولة الفاطمية وبيان مراتب أرباب السيوف وهم على ثلاثة أصناف 551 الصنف الأوّل الأمراء 551 الصنف الثاني خواص الخليفة وهم على ثلاثة أنواع 551 النوع الأوّل الأستاذون 551 النوع الثاني صبيان الخاص 552 النوع الثالث صبيان الحجر 552 الصنف الثالث طوائف الأجناد 552 الجملة الرابعة في ذكر أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية، وهم على قسمين 553 القسم الأوّل ما بحضرة الخليفة، وهم أربعة أصناف 553 الصنف الأوّل أرباب الوظائف من أرباب السيوف وهم نوعان 553 النوع الأوّل وظائف عامة الجند 553 النوع الثاني وظائف خواص الخليفة من الأستاذين، وهي على ضربين 555 الضرب الأوّل ما يختص بالأستاذين المحنكين 555 الضرب الثاني ما يكون من غير المحنكين 557 الصنف الثاني من أرباب الوظائف بحضرة الخليفة أرباب الأقلام وهم على ثلاثة أنواع 557
النوع الأوّل أرباب الوظائف الدينية 557 النوع الثاني من أرباب الأقلام أصحاب الوظائف الدينية، وهي على أربعة أضرب 560 الضرب الأوّل الوزارة إذا كان الوزير صاحب قلم 560 الضرب الثاني ديوان الإنشاء 563 الضرب الثالث ديوان الجيش والرواتب 565 الضرب الرابع نظر الدواوين 566 الصنف الثالث من أرباب الوظائف أصحاب الوظائف الصناعية 569 الصنف الرابع الشعراء 569 القسم الثاني من أرباب الوظائف بالدولة الفاطمية ما هو خارج عن حضرة الخلافة وهو صنفان 570 الصنف الأوّل النوّاب والولاة 570 الجملة الخامسة من ترتيب مملكتهم في هيئة الخليفة في مواكبه وقصوره وهي على ثلاثة أضرب 571 الضرب الأوّل جلوسه في المواكب وله ثلاثة جلوسات 571 الجلوس الأوّل جلوسه في المجلس العام أيام المواكب 571 الجلوس الثاني جلوسه للقاضي والشهود في ليالي الوقود الأربع من كل سنة 574 الجلوس الثالث جلوسه في مولد النبي صلى الله عليه وسلم 576 الضرب الثاني ركوبه في المواكب وهو على نوعين 577 النوع الأوّل ركوبه في المواكب العظام، وهي ستة مواكب 577 الموكب الأوّل ركوب أوّل العام 577 الموكب الثاني ركوب أوّل شهر رمضان 583 الموكب الثالث ركوبه في أيام الجمع الثلاث من شهر رمضان 583 الموكب الرابع ركوبه لصلاة عيدي الفطر والأضحى 585
الموكب الخامس ركوبه لتخلق المقياس عند وفاء النيل 590 الموكب السادس ركوبه لفتح الخليج 592 النوع الثاني من مواكبهم المواكب المختصرة في أثناء السنة 595 الضرب الثالث من هيئة الخليفة هيئته في قصوره 595 الجملة السادسة في اهتمامهم بالأساطيل، وحفظ الثغور، واعتنائهم بأمر الجهاد، وسيرهم في رعاياهم، واستمالة قلوب مخالفيهم 596 الجملة السابعة في إجراء الأرزاق والعطاء لأرباب الخدم بدولتهم وما يتصل بذلك من الطعمة 598 وأما الطعمة فعلى ضربين 600 الضرب الأوّل الأسمطة التي تمدّ في شهر رمضان والعيدين 600 الضرب الثاني فيما كان يعمل بدار الفطرة في عيد الفطر 602 في جلوس الوزير للمظالم الخ 603(3/626)
الجزء الرابع
{بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}
صلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
تتمة المقالة الثانية
تتمة الباب الثالث
تتمة الفصل الأول
الحالة الثالثة من أحوال المملكة، ما عليه ترتيب المملكة من ابتداء الدولة الأيوبية وإلى زماننا
واعلم أن الدولة الأيوبية لما طرأت على الدولة الفاطمية وخلفتها في الديار المصرية، خالفتها في كثير من ترتيب المملكة، وغيّرت غالب معالمها (1)، وجرت على ما كانت عليه الدولة الأتابكية عماد الدين زنكي بالموصل، ثم ولده الملك العادل نور الدين محمود بالشام وما معه وكان من شأنهم أنهم يلبسون الكلوتات (2) الصّفر على رؤوسهم مكشوفة بغير عمائم، وذوائب شعورهم مرخاة
__________
(1) بعد تولي صلاح الدين الوزارة سنة 564هـ أخذ بزمام الأحكام وإدارة الأمور وأخذ يدبّر في إزالة الدولة الفاطمية والتمهيد للدولة الكردية والخلافة العباسية. ولما كانت سنة 566هـ أبطل المكوس من ديار مصر وهدم دار المعونة وعمرها مدرسة للشافعية وعزل قضاة الشيعة وأبطل الخطبة من الجامع الأزهر وأقرها بالجامع الحاكمي. وأخذ دور الأمراء وإقطاعاتهم فوهبها لأصحابه. وفي أول جمعة من المحرم سنة 567هـ كتب صلاح الدين نهاية المذهب الإسماعيلي في مصر إذ قطعت الخطبة للعاضد وخطب للخليفة العباسي وأبطل من الأذان «حي على خير العمل» وأزال شعار الدولة. وبعدها بأيام قليلة مات العاضد. وبموته طويت صفحة الدولة الفاطمية. (راجع الخطط التوفيقية: 1/ 63وما بعدها والوزارة والوزراء: ص 291).
(2) الكلوتات جمع كلوتة وهي غطاء للرأس وتسمى أيضا كلفة وكلفتاه وكلفته. يقول البعض إنها من أصل لاتيني ويقول آخرون إنها معربة عن الفارسية. (مصطلحات الصبح: ص 288).(4/3)
تحتها سواء في ذلك المماليك والأمراء وغيرهم، حتّى يحكى عن الملك المعظم عيسى بن العادل أبي بكر صاحب دمشق في اطّراح التكلّف: أنه كان يلبس الكلوتة الصفراء بلا شاش، ويخترق الأسواق من غير أن يطرّق بين يديه كغيره من الملوك، وكان سيف الدين غازي بن عماد الدين زنكي حين ملك الموصل بعد أبيه أحدث حمل السّنجق (1) على رأسه، فتبعه الملوك على ذلك وألزم الأجناد أن يشدّوا السيوف في أوساطهم، ويجعلوا الدّبابيس تحت ركبهم عند الركوب كما حكاه السلطان عماد الدين (2) صاحب حماة في تاريخه.
فلما ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله الديار المصرية، جرى على هذا المنهج أو ما قاربه، وجاءت الدولة التركية (3)، وقد تنقحت المملكة وترتّبت، فأخذت في الزيادة في تحسين الترتيب وتنضيد الملك وقيام أبّهته، ونقلت عن كل مملكة أحسن ما فيها، فسلكت سبيله ونسجت على منواله حتّى تهذّبت وترتبت أحسن ترتيب، وفاقت سائر الممالك، وفخر ملكها على سائر الملوك.
ولم يزل السلطان والجند يلبسون الكلوتة الصفراء بغير عمامة إلى أن ولي السلطان «الملك الأشرف خليل» (4) بن السلطان الملك الناصر محمد بن
__________
(1) لفظ تركي يطلق في الأصل على الرمح، والجمع سناجق وهي رايات صفر صغار يحملها السنجقدار. وكانت العادة أن يركب السلطان في المواكب زمن السلم بالسناجق فقط. أما مواكب الحرب فكان سير السلطان فيها بالأعلام ومنها السناجق، ثم راية عظيمة من حرير أصفر مطرزة بالذهب عليها ألقابه واسمه وتسمى العصابة ثم راية أخرى عظيمة في رأسها خصلة من الشعر تسمى الجاليش أو الشالش أو الجتر. (مصطلحات الصبح: ص 186ومقدمة ابن خلدون:
ص 460).
(2) هو الملك المؤيد، إسماعيل بن علي بن محمود: مؤرخ جغرافي، له «تقويم البلدان». ولد ونشأ بدمشق ثم رحل إلى مصر فاتصل بالملك الناصر المملوكي الذي أقامه سلطانا مستقلّا على حماه. وتوفي بها سنة 732هـ. (الأعلام: 1/ 319).
(3) سنة 648هـ. وأول من تسلطن منهم عز الدين أيبك الجاشنكير.
(4) سنة 689هـ.(4/4)
قلاوون السلطنة، فأحدث الشاش عليها فجاءت في نهاية من الحسن، وصاروا يلبسونها فوق الذّوائب الشعر المرخاة على ما كان عليه الأمر أوّلا إلى أن حجّ السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سلطنته الثالثة (1)، فحلق رأسه وحلق الناس رؤوسهم، واستداموا حلق رؤوسهم وتركت ذوائب الشعر إلى الآن.
ويتعلق القول من ذلك بعشرة مقاصد.
المقصد الأوّل في ذكر رسوم الملك وآلاته وهو أنواع كثيرة، بعضها عامّ في الملوك أو أكثرهم، وبعضها خاصّ بهذه المملكة
منها: (سرير الملك) ويقال له تخت (2) الملك. وهو من الأمور العامة للملوك، وقد تقدّم أن أوّل من اتخذ مرتبة للجلوس عليها في الإسلام معاوية رضي الله عنه حين بدّن (3)، ثم تنافس الخلفاء والملوك بعده في الإسلام في ذلك حتّى اتخذوا الأسرّة، وكانت أسرّة خلفاء بني العبّاس ببغداد يبلغ علوّها نحو سبعة أذرع. وهو في هذه المملكة منبر من رخام بصدر إيوان السلطان الذي يجلس فيه، وهو على هيئة منابر الجوامع إلا أنه مستند إلى الحائط، وهذا المنبر يجلس عليه السلطان في يوم مهمّ كقدوم رسل عليه ونحو ذلك وفي سائر الأيام يجلس على كرسيّ من خشب مغشى بالحرير، إذا أرخى رجليه كادتا أن تلحقا الأرض، وفي داخل قصوره يجلس على كرسيّ صغير من حديد يحمل معه إلى حيث يجلس.
ومنها: (المقصورة) للصلاة في الجامع. وقد تقدّم في الكلام على ترتيب الخلافة أن أوّل من اتخذها في الإسلام معاوية، وقد صارت سنّة لملوك الإسلام بعد ذلك تمييزا للسلطان عن غيره من الرعية، وهي في هذه المملكة
__________
(1) سنة 709هـ في أول شوّال عاد إلى السلطنة للمرة الثالثة.
(2) التخت في الفهلوية ومعناها العرش والسرير وكل ما ارتفع عن الأرض للجلوس أو النوم.
(تأصيل الدخيل: ص 51ومقدمة ابن خلدون 461).
(3) فيها معنيان: بدن وأسنّ وضعف. (الوسيط: 44).(4/5)
مقصورة بجامع قلعة الجبل (1) على القرب من المنبر متّخذة من شباك حديد محكمة الصنعة، يصلّي فيها السلطان ومن معه من أخصاء خاصكيته (2) يوم الجمعة.
ومنها: (نقش اسم السلطان) على ما ينسج ويرقم من الكسوة والطّرز المتخذة من الحرير أو الذهب بلون مخالف للون القماش أو الطرز لتصير الثياب والطّرز السلطانية مميّزة عن غيرها، تنويها بقدر لابسها: من السلطان أو من يشرّفه بلبسها عند ولاية وظيفة أو إنعام أو غير ذلك. ولذلك دار مفردة بعمله بالإسكندريّة تعرف بدار الطّراز، وعلى ذلك كانت خلفاء الدولتين: بني أميّة وبني العباس حين كانت الخلافة قائمة.
ومنها: (الغاشية). وهي غاشية سرج من أديم مخروزة بالذهب، يخالها الناظر جميعها مصنوعة من الذهب، تحمل بين يديه عند الركوب في المواكب الحفلة كالميادين والأعياد ونحوها، يحملها الرّكاب داريّة (3)، رافعا لها على يديه يلفتها يمينا وشمالا، وهي من خواص هذه المملكة.
ومنها: (المظلّة). ويعبر عنها بالچتر (4) (بجيم مكسورة، قد تبدل شينا معجمة، وتاء مثناة فوق) وهي قبّة من حرير أصفر مزركش بالذهب على
__________
(1) بناها صلاح الدين لتكون له معقلا وحصنا. أما الجامع فيها فقد أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة 718هـ. (الخطط التوفيقية: 1/ 69وخطط المقريزي: 2/ 325).
(2) هم الذين يلازمون السلطان في خلواته ويسوقون المحمل الشريف ويتعينون بكوامل الكفال ويجهزون في المهمات الشريفة والمقربون في المملكة. ويقول دوزي: إن كلمة «خاصكي» مكونة من الكلمة العربية: خاص، أضيفت إليها الكاف، وهي علامة التصغير في الفارسية، ثم الحقت بها ياء الإفراد الفارسية أيضا. وذكر دوزي أن دي ساسي وفرايتاج أخطا حين ظنا أن الخاصكي غلام من خدم الملك. (تأصيل الدخيل: ص 8281).
(3) لفظ: «دار» فارسي ومعناه الصاحب أو القيم. والركاب داريّة هو صاحب الركاب.
(4) وهي في الدولة التركية في المشرق، على زمن ابن خلدون، بمعنى الراية العظيمة. (راجع ص 4 حاشية رقم 1).(4/6)
أعلاها طائر من فضّة مطليّة بالذهب، تحمل على رأسه في العيدين. وهي من بقايا الدولة الفاطمية، وقد تقدّم الكلام عليها مبسوطا في الكلام على ترتيب مملكتهم.
ومنها: (الرّقبة). وهي رقبة من أطلس أصفر مزركشة بالذهب بحيث لا يرى الأطلس لتراكم الذهب عليها تجعل على رقبة الفرس في العيدين والميادين من تحت أذني الفرس إلى نهاية عرفه وهي من خواصّ هذه المملكة.
ومنها: (الجفتة) وهما اثنان من أوشاقية (1) إصطبله قريبان في السنّ، عليهما قباءان أصفران من حرير بطراز من زركش، وعلى رأسيهما قبّعتان من زركش، وتحتهما فرسان أشهبان برقبتين وعدّة، نظير ما السلطان راكب به كأنهما معدّان لأن يركبهما يركبان أمامه في أوقات مخصوصة كالركوب للعب الكرة في الميدان الكبير ونحو ذلك، وهما من خواصّ هذه المملكة.
ومنها: (الأعلام). وهي عدّة رايات، منها راية عظيمة من حرير أصفر مطرّزة بالذهب، عليها ألقاب السلطان واسمه، وتسمّى العصابة وراية عظيمة في رأسها حصلة من الشعر تسمّى الچاليش ورايات صفر صغار تسمّى السّناجق.
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه: وأوّل من حمل السنجق على رأسه من الملوك في ركوبه غازي بن زنكي، وهو أخو السلطان نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشأم.
ومنها: (الطبلخاناه). وهي طبول متعدّدة معها أبواق وزمر (2) تختلف أصواتها على إيقاع مخصوص، تدقّ في كل ليلة بالقلعة بعد صلاة المغرب، وتكون صحبة الطلب في الاسفار والحروب، وهي من الآلات العامّة لجميع
__________
(1) واحدها: «أوشاقي» أو «أوجاقي» وهو الذي يتولى ركوب الخيل للتسيير والرياضة (الصبح:
5/ 454).
(2) صيغة الجمع هنا غير صحيحة، ولعله استعمل صيغة العامّة على ما يقع له في بعض الأحيان.
والجمع الصحيح: زمامير وزمّارات ومزامير. (الوسيط: 399والقاموس: 2/ 41واللسان:
4/ 327).(4/7)
الملوك. ويقال إن الإسكندر كان معه أربعون حملا طبلخاناه، وقد كتب أرسطو في «كتاب السياسة» الذي كتبه للإسكندر أن السرّ في ذلك إرهاب العدوّ في الحرب. والذي ذهب إليه بعض المحققين أن السرّ في ذلك أن في أصواتها تهييجا للنفس عند الحرب وتقوية الجأش كما تنفعل الإبل بالحداء ونحو ذلك.
ومنها: (الكوسات) وهي صنوجات من نحاس شبه التّرس الصغير، يدقّ بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص، ومع ذلك طبول وشبّابة، يدق بها مرتين في القلعة في كل ليلة، ويدار بها في جوانبها مرة بعد العشاء الآخرة، ومرة قبل التسبيح على الموادن (1)، وتسمّى الدّورة بذلك في القلعة، وكذلك إذا كان السلطان في السفر تدور حول خيامه.
ومنها: (الخيام والفساطيط) في الأسفار. ولهذا السلطان من ذلك المدد الكبير، تتخذ له الخيام العظيمة الشأن المختلفة المقادير والصنعة من القطن الشاميّ الملوّن بالأبيض والأحمر والأزرق وغيرها، وكذلك من الجوخ المختلف الألوان مما يدهش بحسنه العقول: لينوب مناب قصورهم في الإقامة، وسيأتي ذكر أمور أخرى من آلات الملك سوى ما تقدّم منفردة في أماكنها إن شاء الله تعالى.
المقصد الثاني في حواصل السلطان، وهي على أربعة أنواع (2).
النوع الأوّل الحواصل المعبّر عنها بالبيوت
وذلك أنهم يضيفون كل واحد منها إلى لفظ خاناه كالطشت خاناه، والشراب خاناه ونحوهما وخاناه لفظ فارسيّ معناه البيت، والمعنى بيت كذا إلا أنهم
__________
(1) صوابه: «المآذن».
(2) لم يذكر التنويع وانما قسّم الحواصل الى البيوت الثمانية ثم أتبعها بالمقصد الثالث. ولعل هذا التنويع من الناسخ. فالقلقشندي لم يذكره في الضوء. (حاشية الصفحة 9من الطبعة الأميرية).(4/8)
يؤخرون المضاف عن المضاف إليه على عادة العجم في ذلك، وهي ثمانية بيوت:
الأوّل (الشّراب خاناه). ومعناه بيت الشراب، وتشتمل على أنواع الأشربة المرصدة لخاصّ السلطان، والمشروب الخاص من السكر والأقسما (1)
وغير ذلك، وفيها يكون السكر المخصوص بالمشروب، وبها الأواني النفيسة من الصّينيّ الفاخر من اللازورديّ وغيره مما تساوي السّكرّجة (2) الواحدة اللطيفة منه ألف درهم فما حوله. ووظيفة الشادّ (3) بها تكون لأمير من أكابر أمراء المئين الخاصكية المؤتمنين، ولها مهتار (4) يعرف بمهتار الشراب خاناه متسلم لحواصلها، له مكانة علية، وتحت يده غلمان عنده برسم الخدمة، يطلق على كل منهم شراب دار، وسيأتي في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة معنى الإضافة إلى الدار في ذلك ونحوه.
الثاني (الطّشت خاناه). ومعناه بيت الطشت، سميت بذلك لأنّ فيها يكون الطّشت الذي تغسل فيه الأيدي والطّشت الذي يغسل فيه القماش، وقد غلب عليهم استعمال لفظ الطشت بشين معجمة مع كسر الطاء، وصوابه بالسين المهملة مع فتح الطاء، وأصله طسّ بسين مشدّدة فأبدلت من إحدى السينين تاء
__________
(1) من معاني القسم: الماء (الوسيط: 735والقاموس: 4/ 166).
(2) السّكرّجة: إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم. وكل ما يوضع فيه الكوامخ ونحوها على المائدة حول الأطعمة للتشهي والهضم. (الوسيط: 439).
(3) الشاد صاحب وظيفة تسمى: الشدّ، وتضاف إلى مجالات متعددة ومعناها: المتكلم في هذا المجال. فيقال: شدّ الدواوين وشدّ العمائر وشدّ العمائر وشدّ الشرابخاناه. (أنظر الصفحة 23من هذا الجزء).
(4) قال القلقشندي: «مه بكسر الميم معناه بالفارسية الكبير، و «تار» بمعنى أفعل التفضيل فيكون معنى المهتار الأكبر» وأضاف الدكتور أحمد السعيد سليمان: «هذا التأصيل الذي ذكره القلقشندي صحيح وإن كانت الألف في تار زائدة لأن «تر» بغير ألف هي التي تؤدي معنى أفعل التفضيل».
وهو لقب واقع على كبير كل طائفة من غلمان البيوت كمهتار الطشت خاناه ومهتار الركاب خاناه.
(راجع: الصبح: 5/ 470وتأصيل الدخيل: 187).(4/9)
للاستثقال. فإذا جمع أو صغّر، ردّت السين إلى أصلها، فيقال في الجمع طساس وطسوس، وفي التصغير طسيس. قال الجوهريّ: ويقال فيه أيضا طسّة، ويجمع على طسّات، والناس الآن يقولون طاسة ويجمعونه على طاسات، ويجعلون الطّست اسما لنوع خاص، والطاسة اسما لنوع خاص.
وفي الطّشت خاناه يكون ما يلبسه السلطان من الكلوتة والأقبية (1) وسائر الثياب والسيف والخفّ والسّرموزة (2) وغير ذلك.
وفيها يكون ما يجلس عليه السلطان من المقاعد والمخادّ والسّجّادات التي يصلّي عليها وما شاكل ذلك، ولها أيضا مهتار من كبار المهتارية، يعرف بمهتار الطّشت خاناه، وتحت يديه عدّة غلمان بعضهم يعرفون بالطشت دارية، وبعضهم يعرف بالرختوانية (3). وله التحدّث في تفرقة اللحم على المماليك السلطانية من الحوائج خاناه وإقامة قبّاض اللحم، ويطلق على كلّ من غلمان الطشت خاناه وقباض اللحم بابا، وهي لفظة رومية بمعنى الأب، أطلقوها على مهتار الطّشت خاناه تعظيما له، غلبت على من عداه، ولغلمانها دربة بترتيب الأحمال التي تحمل على ظهور البغال للزينة في المواكب العظيمة ونحوها، يأتون فيها من بديع الصّنعة والتعاليق الغربية بكل عجيب، وهم يتباهون بذلك، ويسامي بعضهم بعضا فيه.
الثالث (الفراش خاناه). ومعناها بيت الفراش، وتشتمل على أنواع الفرش من البسط والخيام ولها مهتار يعرف بمهتار الفراش خاناه، وتحت يده جماعة من الغلمان مستكثرة مرصدون للخدمة فيها في السفر والحضر يعبر عنهم
__________
(1) جمع: قباء وهو ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص ويتمنطق عليه. (الوسيط: 713).
(2) ويقال لها: السّرموجة وهي البابوج ينتعل داخل البيت وبالفرنسية:. (أنظر: عبد النور: 1035والمنهل: 735).
(3) من: الرخت، فارسية. ولها معان كثيرة منها: متاع البيت من أثاث ورياش والمتاع الحاضر من ثياب الأمراء والسلاطين وقماشهم، وكان الخدم المنوطون بحفظ الأثاث والعناية به في القصور المملوكية يعرفون بالرختوانية ومفردها الرختوان. (الصبح 5/ 471وتأصيل الدخيل: 113).(4/10)
بالفرّاشين، وهم من أمهر الغلمان وأنهضهم، ولهم دربة عظيمة في نصب الخيام حتّى إن الواحد منهم ربما أقام الخيمة العظيمة ونصبها وحده بغير معاون له في ذلك، ولهم معرفة تامّة بشدّ الأحمال التي تحمل في المواكب على ظهور البغال، يبلغ الحمل منها نحو خمسة عشر ذراعا.
الرابع (السّلاح خاناه). ومعناها بيت السلاح، وربما قيل الزّردخاناه ومعناها بيت الزّرد لما فيها من الدروع الزّرد وتشتمل على أنواع السلاح: من السيوف، والقسيّ العربية، والنّشّاب، والرماح، والدروع المتخذة من الزرد الماتع (1)، والقرقلات (2) المتخذة من صفائح الحديد المغشّاة بالديباج الأحمر والأصفر، وغير ذلك من الأطبار (3) وسائر أنواع السلاح، ويقلّ بها قسيّ الرّجل والرّكاب لعدم معاناتها بالديار المصرية، وإنما تكثر بالثغور كالإسكندريّة وغيرها، وفي كل سنة يحمل إليها ما يعمل بخزائن السلاح من الأسلحة، يجعل على رؤوس الحمّالين ويزفّ إلى القلعة ويكون يوما مشهودا، وفي هذه السلاح خاناه من الصّنّاع المقيمين بها لإصلاح العدد وتجديد المستعملات جماعة كبيرة، ويسمّى صانع ذلك الزردكاش، وهي لفظة عجمية وكأن (4) معناها صانع الزرد، ولها غلمان أخرى وفرّاشون بسبب خدمة القماش وافتقاده.
الخامس (الرّكاب خاناه). ومعناها بيت الركاب، وتشتمل على عدد
__________
(1) الماتع: الجيد البالغ الجودة من كل شيء. (الوسيط: 852).
(2) نوع من الدروع.
(3) جمع طبر، وهو لفظ فارسي معناه: الفأس.
(4) والزردكاش يقال له أيضا: الجبة جي من التركية «جبة» أي الدرع المكون من أكثر من جزء. وقد وسّع الإنكشارية معنى الجبة، جي فأطلقوها على صناع الأسلحة والذخائر والقائمين على حفظها وإصلاحها، وكان في جيشهم قسم يعرف بسلاح الجبة جيّة يصنع الأسلحة والذخائر ويحملها إلى الجيوش في القلاع ويستردها بعد المعارك ويصلح ما يحتاج منها إلى إصلاح. وقد ألغي هذا السلاح من الجيش الإنكشاري سنة 1241هـ. (تأصيل الدخيل: 65).(4/11)
الخيل من السروج، واللجم، والكنابيش (1)، وعبي (2) المراكيب، والعبي الإصطبليات، والأجلال، والمخالي وغير ذلك من الأصناف التي يطول ذكرها وفيها من السّروج المغشّاة بالذهب والفضة المطلية والساذجة والكنابيش المتخذة من الذهب المزركش المزهّرة بالريش، وغير المزهرة، والعبي المتّخذة من الحرير وصوف السهك (3)، وغير ذلك من نفائس العدد والمراكيب ما يحير العقول ويدهش البصر، مما لا يقدر على مثله إلا عظماء الملوك. ولها مهتار متسلم لحواصلها يعبر عنه بمهتار الركاب خاناه، وتحت يده رجال لمعاضدته على ذلك.
السادس (الحوائج خاناه). ومعناها بيت الحوائج، وليست على هيئة البيوت المتقدّمة مشتملة على حاصل معيّن، وإنما لها جهة تحت يد الوزير منها يصرف اللّحم الراتب (4) للمطبخ السلطانيّ والدور السلطانية ورواتب الأمراء والمماليك السلطانية وسائر الجند والمتعمّمين، وغيرهم من أرباب الرواتب الذين تملأ أسماؤهم الدفاتر، وكذلك توابل الطعام للمطبخ السلطانيّ والدور السلطانية، ومن له توابل مرتّبة من الأمراء وغيرهم، والزيت للوقود، والحبوب، وغير ذلك من الأصناف المتعدّدة ولها مباشرون منفردون بها يضبطون أسماء أرباب المستحقّات ومقادير استحقاقهم، وهي من أوسع جهات الصرف حتّى إن ثمن اللحم وحده يبلغ ثلاثين ألف درهم في كل يوم خارجا عما عداه من الأصناف، وربما زاد على ذلك.
السابع (المطبخ). وهو الذي يطبخ فيه طعام السلطان الراتب في الغداء والعشاء والطاريء في الليل والنهار والأسمطة التي تمدّ بالإيوان الكبير بدار العدل
__________
(1) جمع كنبوش. وهي البرذعة تجعل تحت سرج الفرس. والكنبوش، بفتح الكاف، اللثام الذي يستعمله أهل المغرب لتغطية الوجه من الذقن الى الخيشوم اتقاء لبرودة هواء الصباح ورطوبته.
(مصطلحات الصبح: 289).
(2) لعله استعملها كصيغة جمع لعباءة أو عباء، وهي لفظ مستعمل بالعامية.
(3) لم نعثر على حيوان بهذا الإسم، ولعله مصحف عن السمند.
(4) أي اللحم المقرّر بشكل دائم وثابت.(4/12)
في أيام المواكب، ويحمل إليه اللّحم والتوابل وسائر الأصناف من الحوائج خاناه المتقدّمة الذكر بقدر معلوم مرتب يستهلك فيه في كل يوم قناطير مقنطرة من اللحم والدّجاج والإوزّ والأطعمة الفاخرة وله أمير من الأمراء يحكم عليه يسمّى أستادار الصحبة (1) وتحت يده آخر يعبر عنه بالمشرف وله طبّاخ كبير معتبر يعبر عنه باسباسلار (2).
الثامن (الطبلخاناه). ومعناه بيت الطبل، ويشتمل على الطبول والأبواق وتوابعها من الآلات ويحكم على ذلك أمير من أمراء العشرات يعرف بأمير علم، يقف عليها عند ضربها في كل ليلة، ويتولّى أمرها في السّفر ولها مهتار متسلم لحواصلها يعرف بمهتار الطبلخاناه وله رجال تحت يده ما بين دبندار: وهو الذي يضرب على الطبل، ومنفّر وهو الذي يضرب بالبوق، وكوسيّ، وهو الذي يضرب بالصنوج النحاس بعضها على بعض وغير أولئك من الصّنّاع.
__________
(1) وهو يقابل وظيفة «زم الرجال» الذي كان يتولى أمر طعام الخليفة في العصر الفاطمي. (راجع الصبح: 3/ 481).
(2) اسباسلار تحريف عامي للفظ: اسفهسلار ومعناه في الأصل مقدّم العسكر. وهو مركب من لفظين:
أولهما فارسي وهو «أسفه» ومعناه المقدم، والثاني تركي ومعناه العسكر. (الصبح: 3/ 483 و 6/ 87).(4/13)
المقصد الثالث في ذكر أعيان المملكة وأرباب المناصب الذين بهم انتظام المملكة وقيام الملك، وهم على أربعة أضرب
الضرب الأوّل أرباب السيوف والنظر فيهم من وجهين
الوجه الأوّل مراتبهم على سبيل الإجمال وهي على نوعين
النوع الأوّل الأمراء وهم على أربع طبقات
الطبقة الأولى أمراء المئين مقدّمو الألوف، وعدّة كل منهم مائة فارس.
قال في «مسالك الأبصار» (1): وربما زاد الواحد منهم العشرة والعشرين وله التّقدمة على ألف فارس ممن دونه من الأمراء، وهذه الطبقة هي أعلى مراتب الأمراء على تقارب درجاتهم، ومنهم يكون أكابر أرباب الوظائف والنوّاب. ثم الذي كان استقرّ عليه قاعدة المملكة في الروك (2) الناصري محمد بن قلاوون، وما بعده إلى آخر الدولة الأشرفية شعبان بن حسين، أن يكون بالديار المصرية أربعة وعشرون مقدّما، ولما استجدّ في الدولة الظاهرية الديوان المفرد لخاص السلطان وأفرد له عدّة كثيرة من المماليك السلطانية والمستخدمين، نقصت عدّة المقدّمين عما كانت عليه، وصارت دائرة بين الثمانية عشر والعشرين مقدّما بما في ذلك من نائب الإسكندريّة ونائبي الوجهين: القبليّ والبحريّ.
__________
(1) لابن فضل الله العمري.
(2) الروك في كتب المؤرخين مصدر الفعل الثلاثي (راك) ومعناه في الأصل مسح الأراضي الزراعية في بلد من البلدان لتقدير الخراج المستحق عليها لبيت المال. وقد حدث أول روك لأراضي مصر في العصر المتأخر في عهد السلطان حسام الدين لاجين ويسمى الروك الحسامي وتلاه الروك الناصري. (مصطلحات الصبح: 165).(4/14)
الطبقة الثانية أمراء الطبلخاناه، وعدّة كل منهم في الغالب أربعون فارسا.
قال في «مسالك الأبصار»: وقد يزيد بعضهم على ذلك إلى سبعين فارسا، بل ذكر في «التعريف» (1) في أواخر المكاتبات أنه يكون للواحد منهم ثمانون فارسا. قال في «مسالك الأبصار»: ولا تكون الطبلخاناه لأقل من أربعين، وهذه الطبقة لا ضابط لعدّة أمرائها بل تتفاوت بالزيادة والنقص لأنه مهما فرقت إمرة الطبلخاناه فجعلت إمرتي عشرين أو أربع عشرات، أو ضم بعض العشرات ونحوها إلى بعض وجعلت (2) طبلخاناه، ومن أمراء الطبلخاناه تكون الرتبة الثانية من أرباب الوظائف والكشّاف بالأعمال، وأكابر الولاة.
الطبقة الثالثة أمراء العشرات، وعدّة كل منهم عشرة فوارس. قال في «مسالك الأبصار»: وربما كان فيهم من له عشرون فارسا ولا يعدّ إلا في أمراء العشرات، وهذه الطبقة أيضا لا ضابط لعدد أمرائها بل تزيد وتنقص كما تقدّم في الكلام على أمراء الطبلخاناه، ومن هذه الطبقة يكون صغار الولاة ونحوهم من أرباب الوظائف.
الطبقة الرابعة أمراء الخمسات. وهم أقل من القليل خصوصا بالديار المصرية، وأكثر ما يقع ذلك في أولاد الأمراء المندرجين بالوفاة رعاية لسلفهم، وهم في الحقيقة كأكابر الأجناد.
النوع الثاني الأجناد وهم على طبقتين
الطبقة الأولى المماليك السلطانية (3). وهم أعظم الاجناد شأنا، وأرفعهم
__________
(1) لابن فضل الله العمري.
(2) لعل الواو زائدة.
(3) المماليك السلطانية كانوا فرقة واحدة مؤلفة من عدة فئات هي: الخاصكية والمشتروات والسيفية والقرانيص. فالخاصكية أقربهم الى السلطان يليهم المشتروات أو الأجلاب ثم القرانيص الذين هم مماليك السلاطين القدامى ثم السيفية التي عاشت بدون أمل وهدف وهم مماليك الأمراء الذين قتلوا أو توفوا أو سجنوا وأسقطت عنهم الإمارة. (الدولة المملوكية: ص 22وما بعدها).(4/15)
قدرا وأشدّهم إلى السلطان قربا، وأوفرهم إقطاعا ومنهم تؤمّر الأمراء رتبة بعد رتبة، وهم في العدّة بحسب ما يؤثره السلطان من الكثرة والقلة، وقد كان لهم في زمن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ثم في أيام السلطان الملك الظاهر برقوق العدد (1) الجمّ والمدد الوافر لطول مدّة ملكهما واعتنائهما بجلب المماليك ومشتراها.
الطبقة الثانية أجناد الحلقة (2). وهم عدد (3) جمّ وخلق كثير، وربما دخل فيهم من ليس بصفة الجند من المتعمّمين وغيرهم، بواسطة النزول عن الإقطاعات، وقد جرت عادة ديوان الجيش عدم الجمع على الجند كي لا يحاط بعدّته ويطلع إليه. قال في «مسالك الأبصار»: ولكل أربعين نفسا منهم مقدّم منهم، ليس له عليهم حكم إلا إذا خرج العسكر كانت مواقفهم معه، وترتيبهم في موقفهم إليه. ومن الأجناد طائفة ثالثة يقال لهم البحرية يبيتون بالقلعة وحول دهاليز السلطان في السفر كالحرس، وأول من رتبهم وسماهم بهذا الاسم السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب.
__________
(1) كان عدّة الجيوش في الديار المصرية في عهد الناصر محمد بن قلاوون أربعة وعشرين ألف فارس.
وقد بلغ عدد مقدمي الحلقة والأجناد أحد عشر ألفا ومائة وستة وسبعون فارسا. (المقريزي:
2/ 215وما بعدها).
(2) هناك اختلاف على مصدر كلمة حلقة. فكاترمير يقول إن الجيش المملوكي سمي بأجناد الحلقة لأنه كان يحيط بالسلطان وبولياك يعتبر أن الاسم جاء من نظام الفروسية التركي بحيث أن الأجناد كانوا يحيطون بالأعداء والمهم أن أجناد الحلقة كانوا يعتبرون قلب الجيش المملوكي.
والواضح أن أجناد الحلقة تألفوا من بعض السيفية والقرانيص وأولاد السلاطين بالإضافة الى بعض المتعممين والعرب والأكراد. وفي وقت متأخر من العصر المملوكي برزت فئة ثالثة من المماليك هي مماليك الأمراء وأصبحت أساسية في الجيش المملوكي (المرجع السابق: ص 56وما بعدها).
ولكمال الصليبي في كتابه: منطلق تاريخ لبنان ص 119تعريف مختلف تماما لأجناد الحلقة وطبيعة تكوينهم ودورهم إذ يقول: «وجند الحلقة في عرف دولة المماليك هم رديف من الفرسان الأحرار أي من غير المماليك تنتقيهم الدولة من بين العناصر المحلية في مختلف المناطق للمساعدة في الحفاظ عليها» وبذلك هم تكوين مشابه «للمليشيا» في عصرنا الحديث.
(3) كان عدّة الجيوش في الديار المصرية في عهد الناصر محمد بن قلاوون أربعة وعشرين ألف فارس.
وقد بلغ عدد مقدمي الحلقة والأجناد أحد عشر ألفا ومائة وستة وسبعون فارسا. (المقريزي:
2/ 215وما بعدها).(4/16)
الوجه الثاني في ذكر أرباب الوظائف من أرباب السيوف المتقدّم ذكرهم وهم على نوعين
النوع الأول من هو بحضرة السلطان، وهي خمسة وعشرون وظيفة
الأولى النّيابة. ويعبر عن صاحبها بالنائب الكافل، وكافل الممالك الإسلامية (1). قال في «التعريف»: وهو يحكم في كل ما يحكم فيه السلطان ويعلّم في التقاليد والتواقيع والمناشير، وغير ذلك مما هو من هذا النوع على كل ما يعلّم عليه السلطان وسائر النوّاب لا يعلم الرجل منهم إلا على ما يتعلّق بخاصة نيابته. قال: وهذه رتبة لا يخفى ما فيها من التمييز. قال في «مسالك الأبصار»:
وجميع نواب الممالك تكاتبه فيما تكاتب فيه السلطان ويراجعونه فيه كما يراجع السلطان، ويستخدم الجند من غير مشاورة السلطان، ويعيّن (2) أرباب الوظائف الجليلة كالوزارة وكتابة السر، وقل أن لا يجاب فيمن يعيّنه وهو سلطان مختصر بل هو السلطان الثاني. وعادته أن يركب بالعسكر في أيام المواكب وينزل الجميع في خدمته. فإذا مثل في حضرة السلطان، وقف في ركن الإيوان. فإذا انقضت الخدمة، خرج إلى دار النيابة بالقلعة والامراء معه ويجلس جلوسا عاما للناس، ويحضره أرباب الوظائف، ويقف قدّامه الحجّاب، وتقرأ عليه القصص، ثم يمدّ السماط للأمراء كما يمدّ لهم السلطان فيأكلون وينصرفون. وإذا كانت النيابة قائمة على هذه الصورة، لم يكن السلطان يتصدّى لقراءة القصص، وسماع الشّكاوى
__________
(1) وقد سمي بذلك لتمييزه عن نواب السلطان بالممالك الشامية وذلك إبانة عن عظيم محله.
(المقريزي: 2/ 215).
(2) وجملة المقريزي تخالف المعنى هنا، إذ يقول: «وهو الذى يستخدم الجند ويرتب في الوظائف إلا ما كان منها جليلا كالوزارة والقضاء وكتابة السر والجيش. فإنه يعرض على السلطان من يصلح وكان قلّ أن لا يجاب في شيء يعينه». ولعل هذا المعنى قد سقط من قلم الناسخ.
(المقريزي: 2/ 215).(4/17)
بنفسه، ويأمر في ذلك بما يرى من كتابة مثال ونحوه، ولكنه لا يستبدّ بما يكتب من الأبواب السلطانية بنفسه بل يكتب بإشارته وينبه على ذلك، وتشمله العلامة الشريفة بعد ذلك.
أما ديوان الجيش فإنه لا يكون له خدمة إلا عنده ولا اجتماع إلا به، ولا اجتماع لهم بالسلطان في أمر من الأمور، وما كان من الأمور المعضلة التي لا بدّ من إحاطة علم السلطان بها فإنه يعلمه بها تارة بنفسه وتارة بمن يرسله إليه. هذا آخر كلامه في «المسالك» غير أن هذا النائب تارة ينصّب وتارة يعطّل جيد المملكة منه، وعلى هذا كان الحال في الأيام الناصرية ابن قلاوون تارة وتارة وكذا الحال في زماننا. وإذا كان منتصبا، اختصّ بإخراج بعض الإقطاعات دون بعض، ويكون صاحب ديوان الجيش هو الملازم له وناظر الجيش ملازم السلطان.
قال في «التعريف»: أما نائب الغيبة: وهو الذي يترك (1) إذا غاب السلطان والنائب الكافل، وليس إلا لإخماد الثوائر وخلاص الحقوق، فحكمه في رسم الكتابة إليه رسم مثله من الأمراء.
الثانية الأتابكيّة. ويعبر عن صاحبها بأتابك العساكر. قال السلطان عماد الدين في «تاريخه»: وأصله أطابك ومعناه الوليد الأمير، وأول من لقب بذلك نظام الدولة وزير ملكشاه بن ألب أرسلان السّلجوقيّ حين فوّض إليه ملكشاه تدبير المملكة سنة خمس وستين وأربعمائة، ولقبه بألقاب منها هذا وقيل أطابك معناه أمير أب، والمراد أبو الأمراء (2)، وهو أكبر الأمراء المقدّمين بعد النائب الكافل، وليس له وظيفة ترجع إلى حكم وأمر ونهي، وغايته رفعة المحلّ وعلوّ المقام.
الثالثة وظيفة رأس نوبة. وموضوعها الحكم على المماليك السلطانية
__________
(1) مراده: يترك وشأنه في الحكم.
(2) وهو التأصيل الصحيح لمصطلح أتابك التركي، كما يرى أحمد السعيد سليمان في (تأصيل الدخيل ص 12).(4/18)
والأخذ على أيديهم، وقد جرت العادة أن يكونوا أربعة أمراء: واحد مقدّم ألف وثلاثة طبلخاناه (1).
الرابعة إمرة مجلس. وموضوعها (2) وهو يتحدّث على الأطباء والكحّالين (3)، ومن شاكلهم، ولا يكون إلا واحدا.
الخامسة إمرة سلاح. وأصل موضوعها حمل السلاح للسلطان في المجامع الجامعة، وصاحبها هو المقدّم على السّلاح دارية من المماليك السلطانية والمتحدث في السلاح خاناه السلطانية، وما يستعمل لها ويقدّم إليها، ولا يكون إلا واحدا من الأمراء المقدمين (4).
السادسة إمرة أخورية (5). وموضوعها التحدّث على إصطبل السلطان وخيوله، وعادتها مقدّم ألف يكون متحدّثا فيها حديثا عاما، وهو الذي يكون ساكنا بإصطبل السلطان، ودونه ثلاثة من أمراء الطبلخاناه. أما أمراء العشرات والجند، فغير محصورين.
السابعة الدّواداريّة (6). قال في «مسالك الأبصار»: وموضوعها تبليغ الرسائل عن السلطان وإبلاغ عامة الأمور، وتقديم القصص إليه، والمشاورة على من يحضر إلى الباب الشريف وتقديم البريد، هو وأمير جاندار وكاتب السر، ويأخذ الخط على عامة المناشير والتواقيع والكتب. وإذا خرج عن السلطان بكتابة
__________
(1) ولا تكون الطبلخاناه لأقل من أمرة أربعين، ويمكن أن يزيد العدد إلى السبعين. (المقريزي 2/ 215).
(2) بياض بالأصل، ولعله: وموضوعها تولّي أمور مجلس السلطان.
(3) أطباء العيون.
(4) أمراء المئين.
(5) من الفارسية: آخور بمعنى المعلف أو المذود ثم اطلقت على الإصطبل. وكان للبريد أمير هو أمير آخور البريد يعنى بدواب حمل البريد. (تأصيل الدخيل: ص 11).
(6) الدوادار والدواتدار والدويتدار والدوالدار، من الكلمة العربية: دواة من اللاحقة الفارسية: دار بمعنى الصاحب والقيم أي صاحب الدواة. (تأصيل الدخيل: 109).(4/19)
شيء بمرسوم، حمل رسالته وعينت فيما يكتب، وسيأتي بيان ذلك فيما يكتب بالرسائل في الكلام على قوانين ديوان الإنشاء إن شاء الله تعالى.
وفي هذه الوظيفة عدة من الأمراء والجند، وقد كانت في أيام الناصر محمد ابن قلاوون وما تلاها ليس فيها أمير مقدّم ألف، ثم آل الأمر إلى أن صار الأعلى منهم مقدّم ألف، ونائبه طبلخاناه. وأول من استقرّ في وظيفة الدّوادارية من الأمراء الألوف طغيتمر النجميّ في الدولة الناصرية حسن (1)، ثم صار غالب من يليها ألوف، وربما كان طبلخاناه أحيانا.
الثامنة الحجوبية (2). قال في «مسالك الأبصار»: وموضوعها أن صاحبها ينصف بين الأمراء والجند تارة بنفسه وتارة بمراجعة النائب إن كان، وإليه تقديم من يعرض ومن يردّ، وعرض الجند وما ناسب ذلك والذي جرت به العادة خمسة حجّاب، اثنان من مقدّمي الألوف: وهما حاجب الحجّاب (3) هو المشار إليه من الباب الشريف، والقائم مقام النائب في كثير من الأمور. واعلم أن هذا الاسم أول ما حدث في الدولة الأمويّة في خلافة عبد الملك بن مروان، وكان موضوعها إذ ذاك حجب السلطان عن العامة، ويغلق بابه دونهم أو يفتحه لهم على قدره في مواقيته، ثم تبعهم بنو العبّاس على ذلك. وقد ذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة: أنه كان للمقتدر سبعمائة حاجب. هذا وكانت الخلافة قد أخذت في الضعف، وهو خلاف موضوعها الآن، وفيها بممالك المغرب معان أخرى يأتي ذكرها عند الكلام على ممالكها إن شاء الله تعالى.
التاسعة إمرة جاندار. وموضوعها أن صاحبها يستأذن على دخول الأمراء للخدمة ويدخل أمامهم إلى الديوان. قال في «مسالك الأبصار»: ويقدّم البريد
__________
(1) هو الملك الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون. تولى السلطنة أول مرّة سنة 748هـ وعزل ثم تولاها ثانية سنة 755هـ. (الخطط التوفيقية: 1/ 101وما بعدها).
(2) يسميها المقريزي: «الحجبة».
(3) في الكلام سقط ظاهر. ولعل الأصل: حاجب الحجّاب ونائبه، وحاجب الحجاب هو الخ.(4/20)
مع الدوادار وكاتب السر. قال: وصاحبها كالمتسلم للباب، وله به البرددارية وطوائف الركابية والخازندارية. وإذا أراد السلطان تعزير أحد أو قتله كان ذلك على يد صاحب هذه الوظيفة وهو المتسلم للزّردخاناه التي هي أرفع قدرا في الاعتقالات، ولا تطول مدة المعتقل بها، بل إما يعجل بتخلية سبيله أو إتلاف نفسه وصاحب هذه الوظيفة هو الذي يطوف بالزّفّة حول السلطان في سفره، وقد جرت العادة أن يكون فيها أميران: مقدّم ألف، وطبلخاناه، والمشار إليه هو المقدّم (1).
العاشرة الاستادريّة. قال في «مسالك الأبصار»: وموضوعها التحدّث في أمر بيوت السلطان كلها من المطابخ والشّراب خاناه والحاشية والغلمان وهو الذي يمشي بطلب السلطان، ويحكم في غلمانه وباب داره، وإليه أمر الجاشنكيرية، وإن كان كبيرهم نظيره في الإمرة من ذوي المئين، وله حديث مطلق وتصرف تامّ في استدعاء ما يحتاجه كلّ من في بيت السلطان من النفقات والكساوي (2) وما يجري مجرى ذلك للمماليك وغيرهم. وقد جرت العادة أن يكونوا أربعة: واحد مقدّم ألف وثلاثة طبلخاناه، وربما نقصوا عن ذلك.
الحادية عشرة الجاشنكيريّة. وموضوعها التحدّث في أمر السّماط مع الأستادار على ما تقدّمت الإشارة إليه، ويقف على السّماط مع أستادار الصحبة، وأكبرهم يكون من الأمراء المقدّمين.
الثانية عشرة الخازندارية. وموضوعها التحدّث في خزائن الأموال السلطانية من نقد وقماش وغير ذلك، وكانت عادتها طبلخاناه، ثم استقرّت تقدمة ألف، ويطالبه في حساب ذلك ناظر الخاصّ الآتي ذكره.
__________
(1) وأضاف المقريزي الى الطوائف المذكورة التي كان يتسلمها أمير جاندار طائفة الحرامانية.
(المقريزي: 2/ 222).
(2) جمع الكسوة: كسا وكساء. والصيغة أعلاه على اصطلاح العامة. (الوسيط: 788).(4/21)
الثالثة عشرة شدّ الشراب خاناه. وموضوعها التحدّث في أمر الشراب خاناه السلطانية وما عمل إليها من السّكّر والمشروب والفواكه وغير ذلك، وتارة يكون مقدّما، وتارة يكون طبلخاناه.
الرابعة عشرة أستادارية الصحبة. وموضوعها التحدّث على المطبخ السلطانيّ والإشراف على الطعام والمشي أمامه والوقوف على السّماط والعادة أن يكون صاحبها أمير عشرة.
الخامسة عشرة تقدمة المماليك. وموضوعها التحدّث على المماليك السلطانية والحكم فيهم، ولا يكون صاحبها إلا من الخدّام، والعادة أن تكون إمرة طبلخاناه، وله نائب أمير عشرة.
السادسة عشرة زمامية (1) الدور السلطانية. وصاحبها من أكبر الخدّام، وهو المعبر عنه بالزّمام، وعادته أن يكون أمير طبلخاناه.
السابعة عشرة نقابة الجيوش. قال في «مسالك الأبصار»: وهي موضوعة لتحلية الجند في عرضهم، ومعه يمشي النّقباء. وإذا طلب السلطان أو النائب أو الحاجب أميرا أو غيره، أحضره. قال: وهو كأحد الحجّاب الصغار، وله التطلب بالحراسة في الموكب والسفر (2).
الثامنة عشرة المهمندارية (3). وموضوعها تلقّي الرسل الواردين وأمراء العربان وغيرهم ممن يرد من أهل المملكة وغيرها.
__________
(1) الزمّ هو تقديم الشخص على أقارب الخليفة واحتسابه من أقاربه. وهو لفظ من العصر الفاطمي.
والزمام دار لقب على الذي يتحدث على باب ستارة السلطان من الخدم الخصيان وهو مركب من لفظين فارسيين: أحدهما زنان بفتح الزاي ومعناه النساء والثاني دار ومعناه الممسك والمعنى عامة الموكل بحفظ الحريم. إلا أن العامة والخاصة قلبوا النونين فيه بميمين ظنا أن الدار على معناها العربي والزمام بمعنى القائد. (مصطلحات الصبح: 172).
(2) وأضاف المقريزي في الخطط: 2/ 223: «ثم انحطت اليوم هذه الرتبة وصار نقيب الجيش عبارة عن كبير من النقباء المعدّين لترويع خلق الله تعالى وأخذ أموالهم بالباطل».
(3) «مهمن» بالفارسية معناها الضيف.(4/22)
التاسعة عشرة شدّ الدواوين. وموضوعها أن يكون صاحبها رفيقا للوزير متحدّثا في استخلاص الأموال، وما في معنى ذلك وعادتها إمرة عشرة.
العشرون إمرة طبر (1). وموضوعها أن يكون صاحبها حاملا الطّبر في المواكب، ويحكم على من دونه من الطّبردارية، وعادتها إمرة عشرة أيضا.
الحادية والعشرون إمرة علم. وموضوعها أن يكون صاحبها متحدّثا على الطبلخاناه السلطانية وأهلها، متصرفا في أمرها وعادتها إمرة عشرة.
الثانية والعشرون إمرة شكار. وموضوعها أن يكون صاحبها متحدّثا في الجوارح السلطانية من الطّيور وغيرها والصّيود السلطانية وأحواش الطيور وغيرها وهي إمرة عشرة.
الثالثة والعشرون حراسة الطير. وموضوعها أن يكون صاحبها متحدّثا على حراسة الطيور من الكراكيّ التي هي بصدد أن يصيدها السلطان في الأماكن التي تنزل بها الطيور من المزارع وغيرها وهي إمرة عشرة.
الرابعة والعشرون شدّ العمائر. وموضوعها أن يكون صاحبها متكلما في العمائر السلطانية مما يختار السلطان إحداثه أو تجديده من القصور والمنازل والأسوار وهي إمرة عشرة.
الخامسة والعشرون الولاية. والولاة بالحاضرة على صنفين:
الصنف الأوّل ولاة الشّرطة، المعروفون في الديار المصرية بولاة الحرب وهم ثلاثة، بالقاهرة، والفسطاط المعروف بمصر، والقرافة
فأما والي القاهرة، فيحكم في القاهرة وضواحيها، وهو أكبر الثلاثة وأعلاهم رتبة وعادته إمرة طبلخاناه.
__________
(1) الطبر هو الفأس بالفارسية.(4/23)
وأما والي الفسطاط، فيحكم في خاصّة مصر على نظير ما يحكم والي القاهرة في بلده وعادته إمرة عشرة.
وأما والي القرافة، فيحكم في القرافة التي هي تربة هاتين المدينتين بمراجعة والي مصر وعادته إمرة عشرة. وقد أضيفت الآن القرافة إلى مصر، وصارت ولاية واحدة وجعلت إمرة طبلخاناه ولكنها لا تبلغ شأو القاهرة.
الصنف الثاني ولاة القلعة، وهم اثنان
أحدهما والي القلعة، وهو أمير طبلخاناه، وله التحدّث على باب القلعة الكبير (1) الذي منه طلوع عامّة العسكر ونزولهم في الفتح والغلق ونحو ذلك.
الثاني والي باب القلة (2)، وهو أمير عشرة، وله التحدّث على الباب المذكور وأهله كما لوالي القلعة التحدّث على الباب الكبير المتقدّم ذكره.
النوع الثاني ما هو خارج عن الحضرة السلطانية، وهم على ثلاث طبقات
الطبقة الأولى نوّاب السلطنة
والذي بمصر الآن ثلاث نيابات، جميعها مستحدثة عن قرب.
الأولى نيابة الإسكندرية. وهي نيابة جليلة تضاهي نيابة طرابلس وحماة وصفد من المملكة الشامية الآتي ذكرها، وبها كرسيّ سلطنة ونمجاه (3) سلطانية
__________
(1) وهو باب قلعة الجبل الأعظم المواجه للقاهرة ويقال له الباب المدرّج. (المقريزي: 2/ 204).
(2) عرف بالقلة من أجل أنه كان هناك قلّة بناها الظاهر بيبرس وهدمها المنصور قلاوون سنة 685هـ.
(المقريزي: 2/ 212).
(3) بالفارسية: نيمجه من: نيم بمعنى نصف و «جه» وهي علامة تصغير، فمعناها الحرفي: النّصيف، وهي في الفارسية اسم لنوع من السيوف ولبندقية قصيرة واستعملها العرب بمعنى السيف فقط.
(تأصيل الدخيل: 191).(4/24)
توضع على الكرسيّ، ونائبها من الأمراء المقدّمين يركب في المواكب بالشبّابة (1)
السلطانية، ومعه أجناد الحلقة المرتّبون بها، ويخرج في موكبه إلى ظاهر الإسكندريّة خارج باب البحر، ويجتمع إليه الأمراء المسيّرون بها هناك، ثم يعود وهم معه إلى دار النيابة، ويمدّ السماط السلطانيّ، ويأكل عليه الأمراء والأجناد، ويحضره القضاة، وتقرأ القصص على عادة النيابات ثم ينصرفون.
وكان ابتداء ترتيب هذه النيابة في سنة سبع وستين وسبعمائة في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين حين طرق العدوّ (2) المخذول من الفرنج الإسكندرية وفتكوا بأهلها وقتلوا منهم الخلق العظيم ونهبوا الأموال الجمّة، وكانت قبل ذلك ولاية تعدّ في جملة الولايات، وكان لواليها الرتبة الجليلة والمكانة العلية من أكابر أمراء الطبلخاناه.
الثانية نيابة الوجه القبليّ. وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية برقوق، وهو في رتبة نيابة الوجه البحريّ بل أعظم خطرا منه، ومقرّ نيابته مدينة أسيوط (3)
المتقدّم ذكرها، وحكمه على جميع بلاد الوجه القبليّ بأسرها، وهي في الترتيب على ما تقدّم من نيابة الوجه البحريّ، وكانت قبل ذلك كاشفا يطلق عليه والي الولاة كما كان في الوجه البحريّ.
الثالثة نيابة الوجه البحريّ. وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية أيضا، ونائبها من الأمراء المقدّمين، وهو في رتبة مقدّم العسكر بغزّة الآتي ذكرها، ومقرّ نائبها دمنهور مدينة البحيرة المتقدّم ذكرها وليست على قاعدة النيابات بل هي في الحقيقة ولاية حرب كبيرة، وقد كان القائم بها قبل ذلك كاشفا يطلق عليه والي الولاة ولم يكن له مقرّة خاصة.
__________
(1) مزمار من قصب.
(2) المقصود حملة بطرس الأول لوسنيان حاكم قبرص اللاتيني حين هاجم الإسكندرية سنة 767هـ.
وقد عاصر القلقشندي هذه الحملة التي تعتبر من أواخر الحملات الصليبية. (القلقشندي وكتابه:
ص 148).
(3) في معجم البلدان: بفتح الألف. وفي الانتصار بحذف الألف أي: سيوط.(4/25)
الطبقة الثانية الكشّاف (1)
قد تقدّم أنه قبل النيابة بالوجهين القبليّ والبحريّ كان بهما كاشفان، ولما استقرّت النيابة بهما جعل للوجه البحريّ كاشف من أمراء الطبلخاناه على العادة المتقدّمة، يتحدّث في بلاده ما عدا عمل البحيرة لقربه من نائب الوجه البحريّ، وجعل كاشف آخر من رتبته لعمل الفيّوم (2) وعطّل من الوالي، وأضيف إليه عمل البهنسى (3) أيضا وسائر الوجه القبليّ أمره راجع إلى نائبه المتقدّم ذكره.
الطبقة الثالثة الولاة بالوجهين: القبليّ والبحريّ وقد تقدّم ذكر أعمالهما. ومراتب الولاة بهما لا تخرج عن مرتبتين.
المرتبة الأولى أمراء الطبلخاناه وهي سبع (4) ولايات بالوجهين: القبليّ والبحريّ
فأما الوجه القبليّ ففيه أربع ولاة من هذه الرتبة.
الأوّل والي البهنسى، وهي أقرب ولاة الطبلخاناه بهذا الوجه الآن إلى القاهرة.
الثاني والي الأشمونين.
الثالث والي قوص وإخميم، وهو أعظم ولاة الوجه القبليّ حتّى إنه يركب في المواكب بالشّبّابة السلطانية أسوة النوّاب بالممالك.
__________
(1) جمع كاشف وهو المشرف على أحوال الأراضي والجسور ولذلك سمي: كاشف الجسور أو كاشف التراب. والكاشف أيضا هو جابي الضرائب. (مصطلحات الصبح: 283ومنطلق تاريخ لبنان:
158).
(2) الفيوم ولاية غربية بينها وبين الفسطاط أربعة أيام. (البلدان: 4/ 286والروض المعطار: 445).
(3) مدينة بصعيد مصر بينها وبين مصر سبعة أيام. (الروض المعطار: 117).
(4) لعله: ثمان ولايات كما يظهر من عدّ الولاة بالوجهين.(4/26)
الرابع والي أسوان، وهو محدث في الدولة الظاهرية برقوق، وكانت قبل ذلك مضافة إلى والي قوص، وكانت ولاية الفيّوم طبلخاناه استقرت كشفا على ما تقدّم.
أما أسيوط، فلم يكن بها ولاية لكونها كانت مستقرّ والي الولاة بالوجه القبليّ، ثم صارت مستقرّ النائب به، وسيأتي بيان ما كان ولاية طبلخاناه، ثم نقل إلى العشرات.
وأما الوجه البحريّ ففيه أربعة ولاة من هذه الرتبة:
الأوّل والي الشرقية وهو والي بلبيس.
الثاني والي منوف.
الثالث والي الغربية، وهو والي المحلة، ورتبته في الوجه البحريّ في رفعة القدر تضاهي رتبة والي قوص في الوجه القبليّ.
الرابع والي البحيرة، وهو والي دمنهور. وقد تقدّم أن الإسكندرية قبل أن تستقرّ نيابة كان بها وال من أمراء الطبلخاناه.
المرتبة الثانية من الولاة أمراء العشرات، وهي سبعة ولاة بالوجهين
فأما الوجه القبليّ ففيه ثلاثة ولاة:
الأوّل والي الجيزة، وقد كان قبل ذلك طبلخاناه، ثم نقل إلى العشرات.
الثاني والي إطفيح، ولم يزل عشرة.
الثالث والي منفلوط، وهو وإن كان الآن أمير عشرين فقد تقدّم أن من دون الأربعين معدود في العشرات. على أنها كانت قبل ذلك ولاية طبلخاناه وحطّت عن ذلك.
وقد كان بعيذاب في الأيام الناصرية وال أمير عشرة يولّى من قبل السلطان
ويراجع والي قوص في الأمور المهمة.(4/27)
وقد كان بعيذاب في الأيام الناصرية وال أمير عشرة يولّى من قبل السلطان
ويراجع والي قوص في الأمور المهمة.
وأما الوجه البحريّ، ففيه أربعة ولاة من هذه الرتبة.
الأوّل والي قليوب، ولم تزل ولايتها إمرة عشرة.
الثاني والي أشموم، ولم تزل عشرة أيضا.
الثالث والي دمياط.
الرابع والي قطيا، وكان قبل ذلك طبلخاناه.
الضرب الثاني من أعيان المملكة وأرباب المناصب حملة الأقلام، وهم على نوعين
النوع الأوّل أرباب الوظائف الدّيوانية، وهي كثيرة للغاية لا يسع استيفاؤها والمعتبر منها مما يجب الاقتصار عليه تسع وظائف (1)
الأولى الوزارة. وهي أجلّ الوظائف وأرفعها رتبة في الحقيقة لو لم تخرج عن موضوعها ويعدل بها عن قاعدتها. قال في «مسالك الأبصار»: وربها ثاني السلطان لو أنصف وعرف حقّه، لكنها لما حدثت عليها النيابة تأخرت وقعد بها مكانها حتّى صار المتحدّث فيها كناظر المال لا يتعدّى الحديث فيه، ولا يتسع له في التصرف مجال، ولا تمتدّ يده في الولاية والعزل لتطلّع السلطان إلى الإحاطة بجزئيّات الأحوال. قال: وقد صار يليها أناس من أرباب السيوف والأقلام بأرزاق على قدر الإنفاق، وقطيعتها أشهر من أن تذكر.
قال: وكان هذا السلطان (يعني الناصر محمد بن قلاوون رحمه الله) قد أبطلها، وصار ما كان يتحدّث فيه الوزير منقسما إلى ثلاثة: ناظر المال، ومعه شادّ الدواوين لتحصيل المال وصرف النفقات، وناظر الخاص لتدبير الأمور العامّة وتعيين المباشرين، وكاتب السر للتوقيع في دار العدل مما كان يوقّع فيه الوزير
__________
(1) أوصلها في العدّ الى ست وعشرين ومراده أن المهم منها تسع، وإن كان قد ذكر أكثر.(4/28)
مشاورة واستقلالا. قلت: ولما عادت الوزارة بعد ذلك، صارت إلى ما كانت عليه من الاقتصار على التحدّث في المال، وبقيت كتابة السر على ما صارت إليه من التوقيع على القصص بدار العدل وغيرها. ثم إن كان الوزير صاحب قلم (1)، فهو المستقلّ بمباشرة الوظيفة نظرا وتنفيذا ومحاسبة على الأموال، وإن كان صاحب سيف، كان مقتصرا على النظر والتنفيذ، وكان أمر الحساب في الأموال راجعا إلى ناظر الدولة معه.
ثم لوظيفة الوزارة أتباع كثيرة أجلها نظر الدولة واستيفاء الصّحبة واستيفاء الدولة.
فأما نظر الدولة: وهو المعبر عنه في مصطلح الدواوين المعمورة بالصّحبة الشريفة فموضوعها أن صاحبها يتحدّث مع الوزير في كل ما يتحدّث فيه ويشاركه في الكتابة في كل ما يكتب فيه، ويوقع في كل ما يوقّع فيه الوزير تبعا له. وإن كان الوزير صاحب سيف، كان ناظر الدولة هو المتحدّث في أمر الحسبانات، وما يتعلق بها والوزير مقتصر على النظر والتنفيذ.
وأما استيفاء الصحبة فهي وظيفة جليلة رفيعة القدر. قال في «مسالك الأبصار»: وصاحبها يتحدّث في جميع المملكة مصرا وشاما، ويكتب مراسيم يعلّم عليها السلطان، تارة تكون بما يعمل في البلاد، وتارة بإطلاقات (2)، وتارة باستخدامات كبار في صغار الأعمال، وما يجري مجراه.
قال: وهذا الديوان هو أرفع دواوين الأموال، وفيه تثبت التواقيع والمراسيم السلطانية، وكلّ من دواوين الأموال فهو فرع هذا الديوان وإليه يرجع حسابه وتتناهى أسبابه.
__________
(1) كان يقال له في هذه الحال: «الصاحب»، بخلاف ما إذا كان من أرباب السيوف فإنه لا يقال له الصاحب. (المقريزي: 2/ 223).
(2) جمع إطلاق ومعناه إما تقرير عدل لما قرّره أحد الملوك السالفة أو ابتداء في معروف أو زيادة في إحسان على ما كان مقررا. ومن معانيها أيضا قطعة أرض تمنح وتعفى من جميع الضرائب.
(مصطلحات الصبح: ص 36).(4/29)
وأما استيفاء الدولة فهي وظيفة رئيسية، وعلى متوليها مدار أمور الدولة في الضبط والتحرير ومعرفة أصول الأموال ووجوه مصارفها، ويكون فيها مستوفيان فأكثر.
الوظيفة الثانية كتابة السر. قال في «مسالك الأبصار»: وموضوعها قراءة الكتب الواردة على السلطان وكتابة أجوبتها وأخذ خطّ السلطان عليها وتسفيرها، وتصريف المراسيم ورودا وصدرا، والجلوس لقراءة القصص بدار العدل والتوقيع عليها. وقد تقدّم في الكلام على الوزارة أنه صار يوقّع فيما كان يوقع عليه بقلم الوزارة مع مراجعة السلطان فيما يحتاج إلى المراجعة فيه، في أمور أخرى من التحدّث في أمر البريد وتصريف البريدية والقصّاد، ومشاركة الدّوادار في أكثر الأمور السلطانية مما تقدّم ذكره مفصلا. وبديوانه كتّاب الدّست: وهو الذين يجلسون معه في دار العدل ويقرأون القصص على السلطان ويوقّعون عليها بأمر السلطان، وكتّاب الدّرج: وهم الذين يكتبون الولايات والمكاتبات ونحوها مما يكتب عن الأبواب الشريفة (1)، وربما شاركهم كتّاب الدست في ذلك.
الوظيفة الثالثة نظر الخاصّ. وهي وظيفة محدثة (2)، أحدثها السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» رحمه الله حين أبطل الوزارة على ما تقدّم ذكره، وأصل موضوعها التحدّث فيما هو خاصّ بمال السلطان. قال في «مسالك الأبصار»: وقد صار كالوزير لقربه من السلطان وتصرّفه، وصار إليه تدبير جملة الأمور وتعيين المباشرين يعني في زمن تعطيل الوزارة. قال: وصاحب هذه الوظيفة لا يقدر على الاستقلال بأمر إلا بمراجعة السلطان. ولناظر الخاصّ أتباع من كتّاب ديوان الخاصّ كمستوفي الخاص، وناظر خزانة الخاص ونحو ذلك مما لا يسع استيعابه.
__________
(1) هي مقام السلطان وتصدر عنها المراسيم والمكاتبات أو هيئة ديوان السلطان. (المرجع السابق:
ص 13).
(2) في المقريزي: «هذه الوظيفة وإن كان لها ذكر قديم من عهد الخلفاء الفاطميين فإن متوليها لم يبلغ من جلالة القدر ما بلغ اليه في الدولة التركية». (المقريزي: 2/ 227).(4/30)
الوظيفة الرابعة نظر الجيش. وموضوعها التحدّث في أمر الإقطاعات بمصر والشأم والكتابة بالكشف عنها ومشاورة السلطان عليها وأخذ خطّه وهي وظيفة جليلة رفيعة المقدار، وديوانها أوّل ديوان وضع في الإسلام بعد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في خلافة عمر. قال الزّهريّ (1): قال سعيد بن المسيب (2): وذلك في سنة عشرين من الهجرة، وسيأتي الكلام على ما يتعلق بها في الكلام على كتابة المناشير في المقالة السادسة إن شاء الله تعالى. ولناظر الجيش أتباع بديوانه يولّون عن السلطان، كصاحب ديوان الجيش وكتّابه وشهوده، وكذلك صاحب ديوان المماليك، وكاتب المماليك وشهود المماليك. فإن المماليك السلطانية فرع من الجيش ونظرهم راجع إلى ناظر الجيش.
الوظيفة الخامسة نظر الدواوين المعمورة والصحبة الشريفة. وهو المعبر عنه بناظر الدولة (3). وموضوعها التحدّث في كل ما يتحدّث فيه الوزير، وكلّ ما كتب فيه الوزير كتب فيه هو، يكتب فيه بمثل ما رسم به.
الوظيفة السادسة نظر الخزانة. قال في «مسالك الأبصار»: وكانت أوّلا كبيرة الوضع لأنها مستودع أموال المملكة، فلما استحدثت وظيفة الخاص، صغر أمر الخزانة، وسميت بالخزانة الكبرى، وهو اسم فوق مسماه. قال: ولم يكن بها الآن إلا خلع تخلع منها أو ما يحضر إليها ويصرف أوّلا فأوّلا، وفي الغالب يكون ناظرها من القضاة أو من يلتحق بهم، ولناظر الخزانة أتباع يولّون عن السلطان كصاحب ديوان الخزانة.
الوظيفة السابعة نظر البيوت والحاشية. وهو نظر جليل، وكلّ ما يتحدّث
__________
(1) هو محمد بن مسلم الزهري، أحد الأئمة الأعلام وعالم الحجاز والشام. توفي سنة 125هـ.
(أسماء التابعين: 1/ 313).
(2) كان من سادات التابعين فقها وورعا. توفي سنة 93هـ. (المرجع السابق: 1/ 147).
(3) في المقريزي: 2/ 224: «هذه الوظيفة يقال لمتوليها ناظر النظار ويقال له ناظر المال وهو يعرف اليوم بناظر الدولة وتلي رتبته رتبة الوزارة.(4/31)
فيه الأستادار له فيه مشاركة في التحدّث فيه، وقد تقدّم تفصيل حال وظيفة الأستادارية.
الوظيفة الثامنة نظر بيت المال. وموضوعها حمل حمول المملكة إلى بيت المال والتصرف فيه تارة قبضا وصرفا وتارة بالتسويغ محضرا وصرفا. قال في «مسالك الأبصار»: ولا يليها إلا ذو العدالة البارزة من أهل العلم والديانة (1).
الوظيفة التاسعة نظر الإصطبلات السلطانية (2). وموضوعها مباشرة إصطبلات السلطان والتحدّث في أنواع الخيول والبغال والدواب والجمال السلطانية، وعليفها وعدّتها، وما لها من الاستعمالات والإطلاقات، وكل ما يبتاع لها أو يباع منها، وأرزاق المستخدمين بها ونحو ذلك.
الوظيفة العاشرة نظر دار الضيافة والأسواق. وموضوعها التحدّث في أمر ما يتحصّل من سوق الخيل والرقيق ونحوهما، وصرف ذلك في كلفة من يرد إلى الأبواب السلطانية من رسل الملوك ونحوهم، وصرف مرتبات مقررة لأناس في كل شهر والتحدّث فيها ولاية وعزلا وتنفيذا راجع إلى الدّوادار وللوزير المشاركة معه في المتحصّل في شيء مخصوص.
الوظيفة الحادية عشرة نظر خزائن السلاح. وموضوعها التحدّث على كل ما يستعمل من السلاح السلطانيّ، وعادته أن يجمع ما يتحصّل من عمل كل سنة ويجهّز في يوم معين، ويحمل على رؤوس الحمّالين إلى خزائن السلاح بالقلعة المحروسة، ويخلع عليه وعلى رفقته من المباشرين.
الوظيفة الثانية عشرة نظر الأملاك السلطانية. وموضوعها التحدّث على الأملاك الخاصّة بالسلطان من ضياع ورباع وغير ذلك.
__________
(1) وأضاف المقريزي: 2/ 224 «ثم تلاشى المال وبيت المال وذهب الاسم والمسمى، ولا يدرى ناظر بيت المال من هو.
(2) أول من استجدها الملك الناصر محمد بن قلاوون.(4/32)
الوظيفة الثالثة عشرة نظر البهار والكارميّ (1). وموضوعها التحدّث على واصل التجار الكارميّة (2) من اليمن من أصناف البهار وأنواع المتجر، وهي وظيفة جليلة تارة تضاف إلى الوزارة وتجعل تبعا لها، وتارة تضاف إلى الخاص وتجعل تبعا لها، وتارة تنفرد عنهما بحسب ما يراه السلطان.
الوظيفة الرابعة عشرة نظر الأهراء (3) بمصر بالصناعة. وهي شونة الغلال السلطانية التي يتكلم عليها الوزير، وموضوعها التحدّث فيما يصل إليها من النواحي من الغلال وغيرها، وما يصرف منها على الإصطبلات الشريفة والمناخات السلطانية وغير ذلك.
الوظيفة الخامسة عشرة نظر المواريث الحشريّة (4). وموضوعها التحدّث على ديوان المواريث الحشرية ممن يموت ولا وارث له، أو وله وارث لا يستغرق ميراثه، مع التحدّث في إطلاق جميع الموتى من المسلمين وغيرهم.
الوظيفة السادسة عشرة نظر الطواحين السلطانية (5) بمصر بالصناعة أيضا.
وهو مغلق عظيم فيه عشرة حجارة يخرج منها في كل يوم نحو خمسين تليسا (6).
__________
(1) التجار الكارمية فئة من التجار كان بيدهم تجارة البهار مما يجلب من الهند عن طريق ثغور اليمن فعرف ذلك بهم. وكان معظمهم في الأصل من بلاد الكانم الاسلامية التي تقع بين بحر الغزال وبحيرة تشاد في السودان الغربي فنسبوا الى أصلهم الجغرافي بعد تحريفه الى الكارم، ثم أطلق ذلك اللفظ على جميع من مارس تلك التجارة بمصر. (مصطلحات الصبح ص 73).
(2) التجار الكارمية فئة من التجار كان بيدهم تجارة البهار مما يجلب من الهند عن طريق ثغور اليمن فعرف ذلك بهم. وكان معظمهم في الأصل من بلاد الكانم الاسلامية التي تقع بين بحر الغزال وبحيرة تشاد في السودان الغربي فنسبوا الى أصلهم الجغرافي بعد تحريفه الى الكارم، ثم أطلق ذلك اللفظ على جميع من مارس تلك التجارة بمصر. (مصطلحات الصبح ص 73).
(3) الأهراء جمع هري. وهي الأماكن التي تخزن بها الغلال والأتبان الخاصة بالسلطان احتياطا للطواريء الاقتصادية وكانت لا تفتح إلا عند الضرورة. (مصطلحات الصبح: 52والوسيط:
983).
(4) أما المواريث فإنها في الدولة الفاطمية لم تكن كما هي في الدولة الأيوبية والدولة التركية من أجل أن المذهب الفاطمي الإسماعيلي يورّث ذوي الأرحام وأن البنت إذا انفردت استحقت المال بأجمعه، فلما انقضت أيامهم واستولت الأيوبية ثم الدولة التركية صار من جملة أموال السلطان مال المواريث الحشرية وهي التي يستحقها بيت المال عند عدم وجود الوارث (المقريزي: 1/ 111).
(5) لطحن الغلال الخاصة بأكل السلطان ومن في القلعة.
(6) التلّيسة وعاء يسوّى من الخوص. وهي شبه العيبة التي تكون عند العصارين. ولم أجد استعمالا لها بالمذكر فيكون الأصوب: نحو خمسين تلّيسة. (القاموس: 2/ 210واللسان: 6/ 33).(4/33)
الوظيفة السابعة عشرة نظر الحاصلات. وهو المعبّر عنه بنظر الجهات وموضوعه التحدّث في أموال جهات الوزارة من متحصّل ومصروف أو حمل لبيت المال وغيره.
الوظيفة الثامنة عشرة نظر المرتجعات (1). وموضوعها التحدّث على ما يرتجع ممن يموت من الأمراء ونحو ذلك، وقد رفضت هذه الوظيفة وتعطّلت ولايتها في الغالب وصار أمر المرتجع موقوفا على مستوفي المرتجع، وهو الذي يحكم في القضايا الديوانية ويفصلها على مصطلح الديوان، وهو المعبر عنه بديوان السلطان.
الوظيفة التاسعة عشرة نظر الجيزة. وموضوعها التحدّث على ما يتحصّل من عمل الجيزيّة التي هي خاص السلطان، وهي فرع من فروع الدواوين.
الوظيفة العشرون نظر الوجه القبليّ. وموضوعها التحدّث على بلاد الصعيد بأسرها مما يتحصّل فيها من ميراث وغيره.
الوظيفة الحادية والعشرون نظر الوجه البحريّ. وموضوعها كموضوع نظر الوجه القبليّ المتقدّم ذكره.
الوظيفة الثانية والعشرون صحابة ديوان الجيش (2). وموضوعها التحدّث في كل ما يتحدّث فيه ناظر الجيش من أمر الإقطاعات.
__________
(1) وقد خصص المماليك إدارة خاصة لاسترجاع الإقطاعات عرفت بديوان المرتجع. ومن مهام مستوفي المرتجع استرجاع الإقطاعات التي يتخلى عنها أصحابها إما لوفاتهم أو لحصولهم على إقطاع جديد. وهذه الأملاك المرتجعة كان يقوم على إدارتها ديوان الذخيرة ريثما يقطعها السلطان مجددا.
(راجع: الدولة المملوكية: ص 123وما بعدها).
(2) كان ديوان الجيش أهم وأكبر الإدارات المالية الإقطاعية في العصر المملوكي. وكانت مراقبة مردود الإقطاع تتم كل ثلاث سنوات مرّة. ولم تكن الزيادة عن قيمة مردود الإقطاع المطلوب تسجل بحيث لم يكن الإقطاعيون يضطرون إلى إخفاء مداخيل إقطاعاتهم الصحيحة. الدولة المملوكية: 122 123).(4/34)
الوظيفة الثالثة والعشرون صحابة ديوان البيمارستان (1). وموضوعها التحدّث في كل ما يتحدّث فيه ناظر البيمارستان.
الوظيفة الرابعة والعشرون صحابة ديوان الأحباس (2). وصاحبها يكتب في كل ما يكتب فيه ناظر الأحباس إلا أنها بطلت.
الوظيفة الخامسة والعشرون استيفاء الصحبة (3).
استيفاء الدولة (4)
النوع الثاني أرباب الوظائف الدينية، وهم صنفان
الصنف الأول من له مجلس بالحضرة السلطانية بدار العدل الشريف، وهو منحصر في خمس وظائف
الوظيفة الأولى قضاء القضاة. وموضوعها التحدّث في الأحكام الشرعية وتنفيذ قضاياها، والقيام بالأوامر الشرعية، والفصل بين الخصوم، ونصب النوّاب للتحدّث فيما عسر عليه مباشرته بنفسه وهي أرفع الوظائف الدينية وأعلاها قدرا وأجلّها رتبة.
واعلم أن الأمر في الزمن الأول كان قاصرا على قاض واحد بالديار المصرية من أيّ مذهب كان، بل كان في الدولة الفاطمية قاض واحد بالديار
__________
(1) أو المارستان وهو المستشفى وكان أيضا بمثابة كلية لتدريس الطب.
(2) وهي إدارة تعنى بشؤون أملاك الأوقاف. وأراضي الأحباس كانت تزداد تدريجيا حتى بلغت في أواسط القرن الرابع عشر الميلادي مئة وثلاثين ألف فدان، وكثيرا ما كان يصادرها السلطان لصالح الأمراء. وفي سنة 1358م صودرت أراضي الأحباس التي كانت موزعة على الأديرة والكنائس والتي بلغت مساحتها خمسة وعشرين ألف فدان. (المرجع السابق: ص 124).
(3) سبق الكلام عليها في الصفحة: 29من هذا الجزء، فلا سقط كما قد يتوهم.
(4) سبق الكلام عليها في الصفحة: 29من هذا الجزء، فلا سقط كما قد يتوهم.(4/35)
المصرية، وأجناد (1) الشام، وبلاد المغرب، مضاف إليه التحدّث في أمر الصلاة ودور الضرب وغير ذلك على ما ستقف عليه في تقاليد بعض قضاتهم في الكلام على تقاليد القضاة إن شاء الله تعالى، ثم استقرّ الحال في الأيّام الظاهرية بيبرس في سنة ثلاث (2) وستين وستمائة على أربعة قضاة من مذاهب الأئمة الأربعة: الشافعيّ ومالك وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم، وكان السبب في ذلك فيما ذكره صاحب «نهاية الأرب» (3) أن قضاء القضاة بالديار المصرية كان يومئذ بيد القاضي تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز (4) بمفرده وكان الأمير جمال الدين ايدغدي أحد أمراء السلطان الملك الظاهر المتقدّم ذكره يعانده في أموره، ويغضّ منه عند السلطان، لتثبّته في الأمور وتوقفه في الأحكام. فبينما السلطان ذات يوم جالس بدار العدل إذ رفعت إليه قصة بسبب مكان باعه القاضي بدر الدين السنجاريّ، ثم ادّعي ذرّيته بعد وفاته أنه موقوف، فأخذ الأمير ايدغدي يغضّ من القضاة بحضرة السلطان، فسكت السلطان لذلك، ثم قال للقاضي تاج الدين: ما الحكم في ذلك؟ قال: إذا ثبتت الوقفية يستعاد الثمن من تركة البائع، قال: فإن عجزت التركة عن ذلك، قال: يوقف على حاله، فامتعض لها السلطان وسكت، ثم جرى في المجلس ذكر أمور أخرى توقف القاضي في تمشيتها، وكان آخر الأمر أن الأمير ايدغدي حسّن للسلطان نصب أربعة قضاة من المذاهب الأربعة ففعل، وأقرّ القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز في قضاء الشافعية، وولّي الشيخ شهاب
__________
(1) ما أن انتهى المسلمون من فتوح الشام حتى بادروا الى تقسيمها الى أربع مقاطعات سميت بالأجناد وهي جند حمص وجند دمشق وجند الأردن وجند فلسطين، ثم فصل جند قنسرين عن حمص عام 680م ليشمل البلاد المتاخمة لبلاد الروم في الشمال. (منطلق: 35).
(2) في الخطط التوفيقية: 1/ 84 «سنة 666هـ».
(3) «نهاية الأرب في فنون الأدب» تاريخ كبير في ثلاثين مجلدا لشهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري المتوفى سنة 722هـ. (كشف الظنون: 1985).
(4) هو أحمد بن محمد بن عبد الله المعروف بابن بنت الشافعي أو بنت الأعز. اختلف في كنيته فقيل:
أبو محمد وفي بعض النسخ أبو عبد الرحمن وتاريخ وفاته غير محدد. (طبقات الشافعية: 40 وتهذيب الاسماء: 2/ 296وفوات الوفيات: 2/ 279).(4/36)
الدين أبو حفص عمر بن عبد الله بن صالح السبكيّ قضاء المالكية، والقاضي بدر الدين بن سلمان قضاء الحنفية، والقاضي شمس الدين محمد ابن الشيخ عماد الدين إبراهيم القدسيّ قضاء الحنابلة، وجعل لهم الأربعة أن يولّوا النوّاب بأعمال الديار المصرية، وأفرد القاضي تاج الدين بالنظر في مال الأيتام والأوقاف، وكتب له بذلك تقليد من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر أوله «الحمد لله مجرّد سيف الحق على من اعتدى». ثم كل من الأربعة له التحدّث فيما يقتضيه مذهبه بالقاهرة والفسطاط، ونصب النوّاب، وإجلاس الشهود، ويستقلّ الشافعيّ منهم بتولية النوّاب بنواحي الوجهين القبليّ والبحريّ لا يشاركه فيه غيره.
الوظيفة الثانية قضاء العسكر. وهي وظيفة جليلة قديمة كانت في زمن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وكان قاضي عسكره بهاء الدين بن (1) وموضوعها أن صاحبها يحضر بدار العدل مع القضاة المتقدّم ذكرهم، ويسافر مع السلطان إذا سافر وهم ثلاثة نفر: شافعيّ، وحنفيّ، ومالكيّ، وليس للحنابلة منهم حظ، وجلوسهم في دار العدل دون القضاة الأربعة المتقدّمي الذكر على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الوظيفة الثالثة إفتاء دار العدل. وموضوعها على نحو ما تقدّم في قضاء العسكر، وبها أربعة نفر، من كل مذهب واحد، وجلوسهم دون قضاة العسكر على ما يأتي ذكره.
الوظيفة الرابعة وكالة بيت المال. وهي وظيفة عظيمة الشأن رفيعة القدر، وموضوعها التحدّث فيما يتعلق بمبيعات بيت المال ومشترياته من أراض وآدر وغير ذلك، والمعاقدة على ذلك وما يجري هذا المجرى. قال في «مسالك
__________
(1) بياض بالأصل. ولعل الساقط: «شداد» فقد قال عبد اللطيف بن يوسف البغدادي في سيرة نفسه:
«ثم إني توجهت لزيارة القدس ثم إلى صلاح الدين بظاهر عكّا فاجتمعت ببهاء الدين بن شداد قاضي العسكر يومئذ» وبهاء الدين هو يوسف بن رافع بن تميم: مؤرخ من كبار القضاة توفي سنة 632هـ. (راجع مصطفى جواد: 196والأعلام: 8/ 230).(4/37)
الأبصار»: ولا يليها إلا أهل العلم والديانة، ومجلسه بدار العدل: تارة يكون دون المحتسب، وتارة فوقه بحسب رفعة قدر كل منهما في نفسه.
الوظيفة الخامسة الحسبة. وهي وظيفة جليلة رفيعة الشأن، وموضوعها التحدّث في الأمر والنهي، والتحدّث على المعايش والصنائع، والأخذ على يد الخارج عن طريق الصلاح في معيشته وصناعته. وبالحضرة السلطانية محتسبان:
أحدهما بالقاهرة، وهو أعظمهما قدرا وأرفعهما شأنا وله التصرف بالحكم والتولية بالوجه البحري بكماله خلا الإسكندريّة، فإن لها محتسبا يخصها، والثاني بالفسطاط ومرتبته منحطة عن الأول وله التحدّث والتولية بالوجه القبليّ بكماله، والذي يجلس منهما بدار العدل في أيام المواكب محتسب القاهرة فقط دون محتسب مصر ومحلّ جلوسه دون وكيل بيت المال، وربما جلس أعلى منه إذا كان أرفع منه بعلم أو نحوه.
الصنف الثاني من أرباب الوظائف الدينية من لا مجلس له بالحضرة السلطانية
وهذه الوظائف لا حصر لعددها على التفصيل، ولا سبيل إلى استيفاء ذكرها على تفاوت المراتب فوجب الاقتصار على ذكر المهمّ منها.
ثم هذه الوظائف منها ما هو مختصّ بشخص واحد، ومنها ما هو عامّ في أشخاص.
فأما التي هي مختصة بشخص واحد.
فمنها (نقابة الأشراف) وهي وظيفة شريفة، ومرتبة نفيسة موضوعها التحدّث على ولد عليّ بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم المراد بالأشراف، في الفحص عن أنسابهم والتحدّث في أقاربهم والأخذ على يد المتعدّي منهم ونحو ذلك، وكان يعبّر عنها في زمن الخلفاء المتقدّمين بنقابة الطالبيّين.
ومنها (مشيخة الشيوخ) والمراد بها مشيخة الخانقاه (1) التي أنشأها الملك الناصر محمد بن قلاوون بسرياقوس من ضواحي القاهرة.(4/38)
فمنها (نقابة الأشراف) وهي وظيفة شريفة، ومرتبة نفيسة موضوعها التحدّث على ولد عليّ بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه من فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم المراد بالأشراف، في الفحص عن أنسابهم والتحدّث في أقاربهم والأخذ على يد المتعدّي منهم ونحو ذلك، وكان يعبّر عنها في زمن الخلفاء المتقدّمين بنقابة الطالبيّين.
ومنها (مشيخة الشيوخ) والمراد بها مشيخة الخانقاه (1) التي أنشأها الملك الناصر محمد بن قلاوون بسرياقوس من ضواحي القاهرة.
أما مشيخة الخانقاه الصلاحية بالقاهرة المعروفة بسعيد السعداء، فإنها وإن قدم زمنها وعظم قدرها دون تلك في المشيخة.
ومنها (نظر الأحباس المبرورة) وهي وظيفة عالية المقدار، وموضوعها أن صاحبها يتحدّث في رزق الجوامع والمساجد والرّبط والزوايا والمدارس من الأرضين المفردة لذلك من نواحي الديار المصرية خاصة، وما هو من ذلك على سبيل البرّ والصدقة لأناس معيّنين، وأصل هذه الوظيفة أن اللّيث بن سعد (2) رحمه الله اشترى أراضي من بيت المال في نواح من البلدان وحبّسها على وجوه البرّ، وهي المسماة بديوان الأحباس بوجوه العين، ثم أضيف إلى ذلك الرّباع والدور المعروفة بالفسطاط وغيره، ثم أضيف إليها رزق الخطابات (3)، ثم كثرت الرّزق من الأرضين في الدولة الظاهرية بيبرس بواسطة الصاحب بهاء الدين بن حنا وأخذت في الزيادة إلى زماننا وهي تارة يتحدّث فيها السلطان بنفسه، وتارة النائب، وفي غالب الوقت يتحدّث فيها الدّوادار الكبير على ما استقرّ عليه الحال آخرا.
ومنها (نظر البيمارستان) والمراد البيمارستان المنصوريّ الذي أنشأه المنصور قلاوون بين القصرين، وكان دارا لستّ الملك أخت الحاكم الفاطميّ فغيّر معالمه وزاد فيه، وليس له نظير في الدنيا في برّه ومعروفه وهي من أجلّ
__________
(1) خانقاه أو خانكاه، جمع خوانك وهي كلمة فارسية معناها البيت، وقيل أصلها: خونقاه أي الموضع الذي يأكل فيه الملك. والخوانك حدثت في الإسلام في حدود سنة 400هـ وجعلت لتخلى الصوفية فيها لعبادة الله تعالى. (المقريزي: 2/ 414).
(2) الإمام المصري. قال ابن سعد: كان قد اشتغل بالفتوى في زمانه وكان ثقة كثير الحديث. توفي سنة 175هـ. (أسماء التابعين: 1/ 307).
(3) هي المرتبات الجارية والمفروضة لعمال نقل البريد وعلف خيولهم. (مصطلحات الصبح:
ص 158).(4/39)
الوظائف وأعلاها وعادة النظر فيه من أصحاب السيوف لأكبر الأمراء بالديار المصرية.
وأما التي هي عامّة في أشخاص.
فمنها (الخطابة) وهي في الحقيقة أجلّ الوظائف وأعلاها رتبة، إذ كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يفعلها بنفسه، ثم فعلها الخلفاء الراشدون فمن بعدهم، وهي على كثرة الجوامع بالديار المصرية بحيث إنها لا تحصى كثرة لا يتعلق منها بولاية السلطان إلا القليل النادر: كجامع القلعة إلا إذا كان مفردا عن القضاء ونحو ذلك مما لا ناظر له خاصّ.
ومنها (التداريس) (1) وهي على اختلاف أنواعها من الفقه والحديث والتفسير والنحو واللغة وغير ذلك لا يولّي السلطان فيها إلا فيما يعظم خطره ويرتفع شأنه مما لا ناظر له خاصّ كالمدرسة الصلاحية (2) بجوار تربة الإمام الشافعي رضي الله عنه، والزاوية الصلاحية (3) بالجامع العتيق بالفسطاط، وهي المعروفة بالخشابية، والمدرسة المنصورية (4) بالبيمارستان المنصوريّ المتقدّم ذكره بين القصرين ودرس الجامع الطولوني (5) ونحو ذلك.
__________
(1) أي وظيفة التدريس.
(2) انشأها صلاح الدين الأيوبي. ولعله أراد من إنشائها أن يحيي ذكر الشافعي وأن يكون انبعاث مذهبه قريبا منه حيث يرقد. وقد أصبحت بعد أن تم بناؤها سنة 572هـ أعظم مدرسة في العالم الإسلامي كله فكانت لذلك تدعى: تاج المدارس. ويقوم مكانها اليوم مسجد الإمام الشافعي الذي عمره الأمير عبد الرحمن كتخدا. (الحياة العقلية بمصر والشام: ص 43).
(3) وتعرف أيضا بزاوية الإمام الشافعي. يقال إنه درّس بها فعرفت به. (الانتصار: 4/ 100 والمقريزي: 2/ 255).
(4) أتمّ بناءها المنصور قلاوون سنة 648هـ مع البيمارستان والقبة. وقد بقي إلى الآن من هذه المدرسة الإيوان الشرقي وما فيه من الزخارف الجميلة، ثم محرابها البديع. (الحياة العقلية: ص 49 50).
(5) انشأه أحمد بن طولون سنة 263هـ. وكان منار هدى وعرفان منذ إنشائه ولكن أطفئت مصابيحه طول عهد الحروب الصليبية. وخرب أكثر الجامع وظل خرابا الى سنة 696هـ عندما تسلطن المنصور لاجين فأمر بتجديده ورتب فيه دروسا لإلقاء الفقه على المذاهب الأربعة ودرسا لتفسير القرآن الكريم ودرسا للحديث ودرسا للطب ودرسا للقراءات ودرسا للميقات. (الحياة العقلية:
ص 17والمقريزي: 2/ 265).(4/40)
المقصد الرابع في زيّ أعيان المملكة من أرباب المناصب السلطانية بالديار المصرية في لبسهم وركوبهم، وهم أربع طوائف
الطائفة الأولى أرباب السّيوف، وزيّهم راجع إلى أمرين
الأمر الأول (لبسهم). ويختلف الحال فيه باعتبار مواضع اللّبس من البدن.
فأما ما به تغطية رؤوسهم، فقد تقدّم أنهم كانوا في الدولة الأيوبية يلبسون كلّوتات صفر بغير عمائم، وكانت لهم ذوائب شعر يرسلونها خلفهم. فلما كانت الدولة الأشرفية «خليل بن قلاوون» رحمه الله، غير لونها من الصّفرة إلى الحمرة وأمر بالعمائم من فوقها، وبقيت كذلك حتّى حجّ الملك الناصر «محمد بن قلاوون» رحمه الله في أواخر دولته فحلق رأسه فحلق الجميع رؤوسهم، واستمرّوا على الحلق إلى الآن، وكانت عمامتهم صغيرة فزيد في قدرها في الدولة الأشرفية «شعبان بن حسين» فحسنت هيئتها وجادت، وهي على ذلك إلى زماننا.
وأما ثياب أبدانهم فيلبسون الأقبية التتريّة والتكلاوات فوقها ثم القباء الإسلاميّ فوق ذلك، يشدّ عليه السيف من جهة اليسار والصولق (1) والكزلك من جهة اليمين.
قال السلطان عماد الدين صاحب حماة في «تاريخه»: وأول من أمر بذلك غازي بن زنكي أخو العادل نور الدين الشهيد حين ملك الموصل بعد أبيه، ثم
__________
(1) الصولق عبارة عن حقيبة كبيرة يعلقها المملوك في الجانب الأيمن من حياصته التي يشدّها على وسطه ويثبت فيها منديل. (مصطلحات الصبح: 224).(4/41)
الأمراء والمقدّمون وأعيان الجند تلبس فوقه أقبية قصيرة الأكمام أقصر من القباء التحتانيّ بلا تفاوت كبير في قصر الكمّ وطوله، مع سعة الكم القصير وضيق الأكمام الطويلة.
ثم إن كان زمن الصيف كان جميع القماش من الفوقانيّ وغيره أبيض من النصافي ونحوه، وتشدّ فوق القباء الإسلاميّ المنطقة، وهي الحياصة (1)، ومعظم مناطقهم من الفضة المطلية بالذهب، وربما جعلت من الذهب، وقد ترصّع باليشم (2). قال في «مسالك الأبصار»: ولا ترصّع بالجواهر إلا في خلع السلطان لأكابر أمراء المئين.
وإن كان زمن الشتاء كانت فوقانياتهم ملوّنة من الصوف النفيس والحرير الفائق، تحتها فراء السّنجاب الغض. ويلبس أكابر الأمراء السّمّور، والوشق (3)، والقاقم (4) والفنك (5)، ويجعل في المنطقة منديلا لطيفا مسدلا على الصولق، ومعظمهم يلبس المطرّز على الكمّين من الزركش أو الحرير الأسود المرقوم. قال في «مسالك»: ولا يلبس المطرّز إلا من له إقطاع في الحلقة، أما من هو بعد بالجامكية (6)، فلا يتعاطى ذلك.
__________
(1) وفي زمن الناصر محمد وصلت قيمة الحياصة الى ثلاثمائة دينار عبارة عن مائة وخمسين جنيها في زماننا وعملت من خالص الذهب، وكثيرا ما كانت ترصع بالجواهر، وكان السلطان يفرق منها كل سنة عددا وافرا. والحياصة هي الحزام أو المنطقة، وهي في الأصل السير الذي يشد به حزام سرج الحصان. (الخطط التوفيقية: ص 138).
(2) اليشم مصطلح عام يشتمل مجموعة من المعادن الصلدة التي تتدرج ألوانها من الأبيض تقريبا الى الأخضر الأدكن وتتكون من سليكات الكلسيوم والمغنسيوم غير المتبلورة. (الوسيط: 1065).
(3) حيوان ثديي لاحم من فصيلة القط، قصير الذيل، فراؤه سميك وثير أسود به علامات بيج أو رمادية.
(الموسوعة العربية 1953).
(4) القاقم أو القاقوم أنواع من بنات عرس وفرائها. (المرجع السابق: 1362).
(5) حيوان ثديي لاحم من فصيلة الكلب. يستوطن شمال أفريقيا وسيناء وبلاد العرب ويتميز بأذنيه الكبيرتين ويسمى أيضا كلب الصحراء. (المرجع السابق: 1324).
(6) من الفارسية: جامه بمعنى اللباس، ومعناها اللغوي كما يرى دوزي هو مصروفات دولاب الملابس. والجامكية في الاصطلاح هي الجراية الشهرية تعطى من غلّة الوقف، فهي من ناحية أجر ومن ناحية منحة، تجمع على جامكيات وجوامك وجماكي. (تأصيل الدخيل: 59ومصطلحات الصبح: 82).(4/42)
وأما ما يجعل في أرجلهم، فإن كان في الصيف لبسوا الخفاف البيض العلوية، وإن كان في الشتاء لبسوا الخفاف الصفر من الأديم الطائفيّ، ويشدّون المهاميز المسقّطة بالفضة في القدم على الخف. قال في «مسالك الأبصار»: ولا يكفّت (1) مهمازه بالذهب إلا من له إقطاع في الحلقة على ما تقدّم في لبس المطرّز.
الأمر الثاني (ركوبهم). أما ما يركبون، فالخيل المسوّمة النفيسة الأثمان خصوصا الأمراء ومن يلحق بشأوهم، ولا يركبون البغال بحال بل تركبها غلمانهم خلفهم بالقماش النفيس والهيئة الحسنة والقوالب المحلّاة بالفضة، وربما غشّي جميعها بالفضة بل ربما غشّي جميعها بالذهب للسلطان وأعيان الأمراء، ومعها العبي السابلة الملوّنة من الصوف الفائق، وربما جعلت من الحرير لأعيانهم، وقد يتخذ بدلها الكنابيش بالحواشي المخايش (2)، وربما كانت زركشا للسلطان والأمراء، وتحلّى لجمهم وتسقّط بالفضة بحسب اختيار صاحبها، ويجعل الدّبّوس في حلقة متصلة بالسرج تحت ركبته اليمنى. قال صاحب حماة: وأول من أمرهم بذلك غازي بن زنكي حين أمرهم بشدّ السيوف في أوساطهم على ما تقدّم ذكره.
قال في «مسالك الأبصار»: وعلى الجملة فزيّهم ظريف وعددهم فائقة نفيسة.
الطائفة الثانية أرباب الوظائف الدينية من القضاة وسائر العلماء، وزيّهم راجع أيضا إلى أمرين
الأمر الأول (ملبوسهم) ويختلف ذلك باختلاف مراتبهم، فالقضاة والعلماء منهم يلبسون العمائم من الشاشات الكبار للغاية، ثم منهم من يرسل بين
__________
(1) كفّت الشيء وإليه: ضمّه. ويقال: كفّت الدرع بالسيف أي علّقها به فضمها إليه. (الوسيط:
791).
(2) المغطّاة بالذهب. وخيّشه أي غطاه بالذهب وحشوه غشّى. (الوسيط: 265).(4/43)
كتفيه ذؤابة تلحق قربوس (1) سرجه إذا ركب، ومنهم من يجعل عوض الذّؤابة الطيلسان الفائق، ويلبس فوق ثيابه دلقا (2) متسع الأكمام طويلها مفتوحا فوق كتفيه بغير تفريج، سابلا على قدميه. ويتميز قضاة القضاة الشافعيّ والحنفيّ بلبس طرحة تستر عمامته وتنسدل على ظهره، وكان قبل ذلك مختصّا بالشافعيّ ومن دون هذه منهم تكون عمامته ألطف، ويلبس بدل الدلق فرجيّة مفرجة من قدّامه من أعلاها إلى أسفلها مزرّرة بالأزرار، وليس فيهم من يلبس الحرير، ولا ما غلب فيه الحرير وإن كان شتاء كان الفوقاني من ملبوسهم من الصوف الأبيض المطليّ، ولا يلبسون الملوّن إلا في بيوتهم، وربما لبسه بعضهم من الصوف في الطرقات، ويلبسون الخفاف من الأديم الطائفيّ بغير مهاميز.
الأمر الثاني (مركوبهم). أما أعيان هذه الطائفة من القضاة ونحوهم فيركبون البغال النفيسة المساوية في الأثمان لمسوّمات الخيول، بلجم ثقال وسروج مدهونة غير محلّاة بشيء من الفضة، ويجعلون حول السرج قرقشينا من جوخ. قال في «مسالك الأبصار»: وهو شبيه بثوب السرج مختصر منه، ويجعلون بدل العبي الكنابيش من الصوف المرقوم محاذية لكفل البغلة، ويمتاز قضاة القضاة بأن يجعل بدل ذلك الزناريّ من الجوخ، وهو شبيه بالعباءة مستدير من وراء الكفل ولا يعلوه بردعة ولا قوش، وربما ركبوا بالكنابيش (3). وأما من دون هؤلاء من هذه الطائفة فربما ركبوا الخيول بالكنابيش والعبي.
الطائفة الثالثة مشايخ الصوفية
وهم مضاهون لطائفة العلماء في لبس الدلق إلا أنه يكون غير سابل، ولا
__________
(1) هو حنو السّرج، وهما قربوسان، والجمع قرابيس. (الوسيط: 723).
(2) لباس يلبسه العلماء والقضاة والصوفية، ويكون من الصوف غالبا، وهو شعارهم. (مصطلحات الصبح: 138).
(3) راجع الحاشية رقم 1في الصفحة 12من هذا الجزء.(4/44)
طويل الكمّ ويرخون ذؤابة لطيفة على الأذن اليسرى لا تكاد تلحق الكتف، ويركبون البغال بالكنابيش على نحو ما تقدّم.
الطائفة الرابعة أرباب الوظائف الديوانية
أما أعيانهم كالوزراء ومن ضاهاهم، فيلبسون الفراجي المضاهية لفراجي العلماء المتقدّمة الذكر، وربما لبسوا الجباب المفرجة من ورائها. وقد ذكر في «مسالك الأبصار»: أن أكابرهم كانوا يجعلون في أكمامهم بادهنجات (1)
مفتوحة، وقد صار ذلك الآن قاصرا على ما يلبسونه من التشاريف. ومن دون هؤلاء يلبسون الفرجيات المفرجة من ورائها على ما تقدّم.
وأما ركوبهم فيضاهي ركوب الجند أو يقاربه. قال في «مسالك الأبصار»:
وتجمّل هذه الطائفة بمصر أكمل مما هم بالشام في زيّهم وملبوسهم،، إلا ما يحكى عن قبط مصر في بيوتهم من اتساع الأحوال والنفقات، حتّى إن الواحد منهم يكون في ديوانه بأدنى اللباس ويأكل أدنى المآكل، ويركب الحمار، حتّى إذا صار في بيته انتقل من حال إلى حال وخرج من عدم إلى وجود، قال: ولقد تبالغ الناس فيما تحكي من ذلك عنهم.
المقصد الخامس في هيئة السلطان في ترتيب الملك، وله ثلاث (2) هيئات
الهيئة الأولى هيئته في جلوسه بدار العدل لخلاص المظالم
عادة هذا السلطان إذا كان بالقلعة في غير شهر رمضان أن يجلس بكرة يوم
__________
(1) أو باذاهناجات. من الفارسية: باذ وآهنج أي ساحب الهواء أو مدخله، وهي نافذة أو فتحة للتهوية.
(تأصيل الدخيل: ص 35).
(2) الصواب: سبع، كما سنرى.(4/45)
الاثنين بإيوانه الكبير المسمّى بدار العدل المتقدّم ذكره مع ذكر القلعة في الكلام على حاضرة الديار المصرية ويكون جلوسه على الكرسيّ الذي هو موضوع تحت سرير الملك. قال في «مسالك الأبصار»: ويجلس على يمينه قضاة القضاة من المذاهب الأربعة، ثم وكيل بيت المال، ثم الناظر في الحسبة.
ويجلس على يساره كاتب السّر، وقدّامه ناظر الجيش وجماعة الموقّعين تكملة حلقة دائرة. قال: وإن كان الوزير من أرباب الأقلام، كان بينه وبين كاتب السر، وإن كان من أرباب السيوف، كان واقفا على بعد مع بقية أرباب الوظائف. وكذلك إن كان ثمّ نائب وقف مع أرباب الوظائف. ويقف من وراء السلطان مماليك صغار عن يمينه ويساره من السلاح دارية والجمدارية والخاصكية ويجلس على بعد بقدر خمسة عشر ذراعا عن يمنته ويسرته ذو والسنّ من أكابر أمراء المئين، وهم أمراء المشورة ويليهم من أسفل منهم أكابر الأمراء، وأرباب الوظائف وقوف، وباقي الأمراء وقوف من وراء المشورة ويقف خلف هذه الحلقة المحيطة بالسلطان الحجّاب والدّوادارية لإحضار قصص أرباب الضرورات وإحضار المساكين، وتقرأ عليه القصص فما احتاج فيه إلى مراجعة القضاة راجعهم فيه، وما كان متعلقا بالعسكر تحدّث فيه مع الحاجب وناظر الجيش، ويأمر في البقية بما يراه.
قلت: وقد استقرّ الحال على أن يكون عن يمينه قاضيان من القضاة الأربعة: وهما الشافعيّ والمالكيّ، وعن يساره قاضيان وهما الحنفيّ ثم الحنبليّ ويلي القاضي المالكيّ من الجانب الأيمن قضاة العسكر الثلاثة المتقدّم ذكرهم الشافعيّ ثم الحنفيّ ثم المالكي ويليهم مفتو دار العدل على هذا الترتيب ويليهم وكيل بيت المال ثم الناظر في الحسبة بالقاهرة، وربما جلس المحتسب فوق وكيل بيت المال إذا علا قدره عليه بعلم أو رياسة. وكل هؤلاء صفّ واحد عن يمين السلطان مستدبرين جدار صدر الإيوان مستقبلين بابه، والقاضيان الحنفيّ والحنبليّ كذلك من الجانب الأيسر، والوزير إن كان من أرباب الأقلام إلى جانب الكرسيّ من الجانب الأيسر بانحراف، وكاتب السرّ يليه، وتستدير
الحلقة حتّى يصير الجالس بها مستدبرا باب الإيوان على ما تقدّمت الإشارة إليه في كلام «مسالك الأبصار».(4/46)
قلت: وقد استقرّ الحال على أن يكون عن يمينه قاضيان من القضاة الأربعة: وهما الشافعيّ والمالكيّ، وعن يساره قاضيان وهما الحنفيّ ثم الحنبليّ ويلي القاضي المالكيّ من الجانب الأيمن قضاة العسكر الثلاثة المتقدّم ذكرهم الشافعيّ ثم الحنفيّ ثم المالكي ويليهم مفتو دار العدل على هذا الترتيب ويليهم وكيل بيت المال ثم الناظر في الحسبة بالقاهرة، وربما جلس المحتسب فوق وكيل بيت المال إذا علا قدره عليه بعلم أو رياسة. وكل هؤلاء صفّ واحد عن يمين السلطان مستدبرين جدار صدر الإيوان مستقبلين بابه، والقاضيان الحنفيّ والحنبليّ كذلك من الجانب الأيسر، والوزير إن كان من أرباب الأقلام إلى جانب الكرسيّ من الجانب الأيسر بانحراف، وكاتب السرّ يليه، وتستدير
الحلقة حتّى يصير الجالس بها مستدبرا باب الإيوان على ما تقدّمت الإشارة إليه في كلام «مسالك الأبصار».
الهيئة الثانية هيئته في بقيّة الأيام
عادته فيما عدا الاثنين والخميس من الأيام أن يخرج من قصوره الجوّانية المتقدّم ذكرها إلى قصره الكبير المشرف على إصطبلاته، ثم تارة يجلس على تخت الملك الذي بصدره، وتارة يجلس على الأرض، ويقف الأمراء حوله على ما تقدّم في الجلوس في الإيوان، خلا أمراء المشورة والغرباء منه فليس لهم عادة بحضور هذا المجلس إلا من دعت الحاجة إلى حضوره، ثم يقوم في الثالثة من النهار فيدخل إلى قصوره الجوّانية لمصالح ملكه، ويعبر عليه خاصته من أرباب الوظائف كالوزير، وكاتب السر، وناظر الخاص، وناظر الجيش في الأشغال المتعلقة به على ما تدعو الحاجة إليه.
الهيئة الثالثة هيئته في صلاة الجمعة والعيدين
أما صلاة الجمعة فإن عادته أن يخرج إلى الجامع المجاور لقصره المتقدّم ذكره من القصر، ومعه خاصة أمرائه، فيدخل من أقرب أبواب الجامع للقصر، ويصلّي في مقصورة في الجامع عن يمين المحراب خاصة، ويصلّي عنده فيها أكابر خاصته، ويجيء بقية الأمراء: خاصّتهم وعامّتهم فيصلون خارج المقصورة عن يمينها ويسارها على مراتبهم، فإذا فرغ من الصلاة دخل إلى دور حريمه وذهب الأمراء كلّ أحد إلى مكانه.
وأما صلاة العيدين، فعادته أن يركب من باب قصره وينزل من منفذة من الإصطبل إلى الميدان الملاصق له، وقد ضرب له فيه دهليز على أكمل ما يكون من الهيئة، ويحضر خطيب جامع القلعة إلى الميدان فيصلي به العيد ويخطب فإذا فرغ من سماع الخطبة ركب وخرج من باب الميدان والأمراء والمماليك
يمشون حوله، وعلى رأسه العصائب السلطانية، والغاشية محمولة أمامه، والچتر وهو المظلة محمول على رأسه مع أحد أكابر الأمراء المقدّمين وهو راكب فرسا إلى جانبه، والأوشاقيّان الجفتة المتقدّم ذكرهما راكبان أمامه، وخلفه الجنائب، وعلى رأسه (1) العصائب السّلطانية، وأرباب الوظائف من السلاح دارية كلّهم خلفه، والطّبردارية أمامه مشاة بأيديهم الأطبار، ويطلع من باب الإصطبل ويطلع إلى الإيوان الكبير المقدّم ذكره، ويمدّ السماط ويخلع على حامل الچتر، وأمير سلاح، والأستادار، والجاشنكير، وجماعة من أرباب الوظائف ممن لهم خدمة في مهمّ العيد كنوّاب أستادار، وصغار الجاشنكيرية (2)، وناظر البيوت ونحوهم.(4/47)
وأما صلاة العيدين، فعادته أن يركب من باب قصره وينزل من منفذة من الإصطبل إلى الميدان الملاصق له، وقد ضرب له فيه دهليز على أكمل ما يكون من الهيئة، ويحضر خطيب جامع القلعة إلى الميدان فيصلي به العيد ويخطب فإذا فرغ من سماع الخطبة ركب وخرج من باب الميدان والأمراء والمماليك
يمشون حوله، وعلى رأسه العصائب السلطانية، والغاشية محمولة أمامه، والچتر وهو المظلة محمول على رأسه مع أحد أكابر الأمراء المقدّمين وهو راكب فرسا إلى جانبه، والأوشاقيّان الجفتة المتقدّم ذكرهما راكبان أمامه، وخلفه الجنائب، وعلى رأسه (1) العصائب السّلطانية، وأرباب الوظائف من السلاح دارية كلّهم خلفه، والطّبردارية أمامه مشاة بأيديهم الأطبار، ويطلع من باب الإصطبل ويطلع إلى الإيوان الكبير المقدّم ذكره، ويمدّ السماط ويخلع على حامل الچتر، وأمير سلاح، والأستادار، والجاشنكير، وجماعة من أرباب الوظائف ممن لهم خدمة في مهمّ العيد كنوّاب أستادار، وصغار الجاشنكيرية (2)، وناظر البيوت ونحوهم.
الهيئة الرابعة هيئته للعب الكرة بالميدان الأكبر
عادته أن يركب لذلك بعد وفاء النيل ثلاثة مواكب متوالية في كل سبت ينزل من قصره أوّل النهار من باب الإصطبل، وهو راكب على الهيئة المذكورة في العيد ما عدا الچتر فإنه لا يحمل على رأسه، وتحمل الغاشية (3) أمامه في أوّل الطريق وآخره، ويصير إلى الميدان فينزل في قصوره، وينزل الأمراء منازلهم على قدر طبقاتهم، ثم يركب للعب الكرة بعد صلاة الظهر والأمراء معه، ثم ينزل فيستريح، ويستمرّ الأمراء في لعب الكرة إلى أذان العصر، فيصلي العصر ويركب على الهيئة التي كان عليها في أوّل النهار ويطلع إلى قصره.
الهيئة الخامسة هيئته في الركوب لكسر الخليج عند وفاء النيل
واعلم أن السلطان قد يركب لكسر الخليج، ولم تجر العادة بركوبه فيه بمظلة ولا رقبة فرس، ولا غاشپة، ولا ما في معنى ذلك مما تقدّم ذكره في ركوب
__________
(1) هذه الجملة مكرّرة، وعدم ذكرها أولى.
(2) راجع صفحة: 21من هذا الجزء.
(3) راجع ص: 6من هذا الجزء.(4/48)
الميدان والعيدين، بل يقتصر على السناجق، والطّبردارية، والجاويشية (1) ونحو ذلك ويركب من القلعة عند طلوع صاحب المقياس بالوفاء في أيّ وقت كان، ويتوجه إلى المقياس فيدخله من بابه ويمدّ هناك سماطا يأكل منه من معه من الأمراء والمماليك، ثم يذاب زعفران في إناء ويتناوله صاحب المقياس ويسبح في فسقيّة (2) المقياس حتّى يأتي العمود والإناء الزعفران بيده فيخلّق (3) العمود، ثم يعود ويخلّق جوانب الفسقية وتكون حرّاقة السلطان قد زيّنت بأنواع الزينة، وكذلك حراريق (4) الأمراء، وقد فتح شبّاك المقياس المطلّ على النيل من جهة الفسطاط وعلّق عليه ستر، فيؤتى بحرّاقة السلطان إلى ذلك الشباك فينزل منه ويسبح وحراريق الأمراء حوله وقد شحن البحر بمراكب المتفرّجين، ويسيرون خلف الحراريق حتّى يدخل إلى فم الخليج، وحراقة السلطان العظمى المعروفة بالذّهبيّة وحراريق الأمراء يلعب بها في وسط امتدادها، ويرمى بمدافع النّفط على مقدامها، ويسير السلطان في حراقته الصغيرة حتّى يأتي السدّ فيقطع بحضوره، ويركب وينصرف إلى القلعة.
الهيئة السادسة هيئته في أسفاره
ولم تجر العادة فيها بإظهار ما تقدّم من الزينة في موكب العيد والميدان، بل يركب في عدّة كبيرة من الأمراء: الأكابر والأصاغر، والخواصّ، والغرباء،
__________
(1) من الجاويش، وهي كلمة تركية مشتقة من المقطع التركي: جاو الذي يدل على معنى الصياح والنداء. ويقول البعض أن أصلها مغولي. أما المعاجم التركية فتذكر أن أصلها فارسي. والجاويش في كل هذه اللغات منصب عسكري. (تأصيل الدخيل: 6059).
(2) حوض من الرخام ونحوه، مستدير غالبا تمج الماء فيه نافورة ويكون في القصور والحدائق والميادين. والجمع: فساقي. (الوسيط: 689).
(3) خلّقه أي ملّسه وسوّاه. (الوسيط: 252).
(4) جمع حرّاقة وهي نوع من السفن الحربية الخفيفة كانت تستخدم لحمل الأسلحة النارية. وكأن الأمراء يستخدمون الحراريق في النيل للاستعراضات البحرية والحفلات الرسميه. (مصطلحات الصبح: 104).(4/49)
وخواصّ مماليكه. ولا يركب في السّير برقبة ولا عصائب، ولا تتبعه جنائب، ويقصد في الغالب تأخير النزول إلى الليل. فإذا دخل الليل حملت أمامه فوانيس كثيرة ومشاعل، فإذا قارب مخيّمه، تلقّي بالشموع المركبة في الشمعدانات المكفّتة، وصاحت الجاويشية بين يديه، وترجل الناس كافة إلا حملة السلاح والأوشاقية وراءه، ومشت الطبردارية حوله حتّى يدخل الدهليز الأوّل من مخيّمه فينزل ويدخل إلى الشقة، وهي خيمة مستديرة متسعة، ثم منها إلى شقة مختصرة، ثم إلى لاجوق (1). وبدائر كل خيمة من جميع جوانبها من داخلها سور خركاه (2) من خشب، وفي صدر اللاجوق قصر صغير من خشب ينصب للمبيت فيه، وينصب بإزاء الشقة حمّام بقدور من رصاص وحوض على هيئة الحمامات بالمدن إلا أنه مختصر. فإذا نام طافت به المماليك دائرة وطاف بالجميع الحرس، وتدور الزّفّة حول الدهليز في كل ليلة مرتين: عند نومه وعند استيقاظه من النوم، ويطوف مع الزّفّة أمير من أكابر الأمراء وحوله الفوانيس والمشاعل، ويبيت على باب الدهليز أرباب الوظائف من النقباء وغيرهم. فإذا دخل إلى المدينة، ركب على هيئة ركوبه لصلاة العيد بالمظلة وغيرها، هذا ما يتعلق بخاصته.
أما موكبه الذي يسير فيه جمهور مماليكه، فشعاره أن يكون معهم مقدّم المماليك والأستادار، وأمامهم الخزائن (3) والجنائب (4) والهجن، ويكون بصحبته في السفر من كل ما تدعو الحاجة إليه من الأطباء والكحّالين والجرائحية وأنواع
__________
(1) لعلها خيمة خاصة بمبيت السلطان.
(2) الجمع: خركاوات، وهي كالبيت تصنع من الخشب على هيئة مخصوصة تغشى بالجوخ ونحوه وتحمل في السفر لتكون في الخيمة لتقي المعسكر من البرد. (مصطلحات الصبح: 117).
(3) خزائن الخليفة هي التي يحتفظ فيها بدواة الخليفة محلاة بالذهب وفيها الشمع الذي يحمل إليه موقدا عند ركوبه في ليالي الوقود الأربع ويكون في كل جانب ثلاثون شمعة. (مصطلحات الصبح:
120).
(4) جمع: جنب وهي الخيول التي كانت تسير وراء السلطان في الحروب لاحتمال الحاجة اليها.
(المرجع السابق: ص 92).(4/50)
الأدوية والأشربة والعقاقير وما يجري مجرى ذلك، يصرف ذلك لمن يعرض له مرض بالطريق.
الهيئة السابعة النوم
وقد جرت العادة أنه يبيت عنده خواصّ مماليكه من الأمراء وأرباب الوظائف من الجمدارية وغيرهم، يسهرون بالنّوبة بقسمة بينهم على بناكيم الرمل (1)، كلما انقضت نوبة قوم أيقظوا أصحاب النوبة الذين يلونهم، ويتعانى كل منهم ما يشاغله عن النوم فقوم يقرأون في المصاحف، وقوم يلعبون بالشّطرنج والأكل (2)
وغير ذلك.
المقصد السادس في عادته في إجراء الأرزاق وهو على ضربين
الضرب الأوّل الجاري المستمرّ وهو على نوعين
النوع الأوّل الإقطاعات
والإقطاعات في هذه المملكة تجري على الأمراء والجند، وعامّة إقطاعاتهم بلاد وأراض يستغلّها مقطعها ويتصرف فيها كيف شاء، وربما كان فيها نقد يتناوله من جهات وهو القليل، وتختلف باختلاف حال أربابها.
فأما الأمراء بالديار المصرية فقد ذكر في «مسالك الأبصار» أنّ أكابر الأمراء
__________
(1) الساعات الرملية. ويقال: علم البنكامات. ولفظ بنكام فارسي معرّب أصله: بنكان. (الوسيط:
ص 71وكشف الظنون: 255).
(2) لعلها: وقوم يتشاغلون بالأكل.(4/51)
يبلغ إقطاع الواحد منهم مائتي ألف دينار جيشية (1)، وربما زاد على ذلك.
ويتناقص باعتبار انحطاط الرتبة إلى ثمانين ألف دينار وما حولها، ويبلغ إقطاع الواحد من أمراء الطبلخاناه ثلاثين ألف دينار فأكثر، وينقص إلى ثلاثة وعشرين ألف دينار ويبلغ إقطاع الواحد من أمراء العشرات تسعة آلاف دينار إلى ما دون ذلك ويبلغ إقطاع الواحد من مقدّمي الحلقة إلى ألف وخمسمائة دينار، وكذلك أعيان جند الحلقة إلى مائتين وخمسين دينارا.
وأما إقطاعات الشام فلا تقارب هذا المقدار بل تكون بقدر الثلثين في جميع ما تقدم، خلا أكابر المقدّمين بالديار المصرية، فليس بالشام من يبلغ شأوهم إلا نائب الشام فإنه يقاربهم في ذلك. قال في «مسالك الأبصار»: وليس للنوّاب في الممالك مدخل في تأمير أمير عوض أمير بل إذا مات أمير صغير أو كبير طولع به السلطان فأمّر مكانه من أراد ممن في خدمته، ويخرجه إلى مكان الخدمة، وأما من كان في مكان الخدمة أو ينقل إليه من بلد آخر فعلى ما يراه في ذلك.
أما جند الحلقة، فمن مات منهم استخدم النائب عوضه، وكتب بذلك رقعة في ديوان جيش تلك المملكة، ويجهّز مع بريديّ إلى الأبواب السلطانية فيقابل عليها من ديوان الجيش بالحضرة، ثم إن أمضاها السلطان كتب عليها (يكتب) ويكتب بها مربعة (2) من ديوان الجيش، ويكتب عليها منشور.
ولجميع الأمراء بحضرة السلطان الرواتب الجارية في كل يوم: من اللحم، والتّوابل، والخبز، والعليق، والزيت ولأعيانهم الكسوة والشّمع وكذلك
__________
(1) يقول القلقشندي عن الدينار الجيشي أنه مسمى لا حقيقة، وإنما يستعمله أهل ديوان الجيش في عبرة الاقطاعات، فكان هذا الدينار يساوي دينارا ذهبيا كاملا بالنسبة للأجناد والأكراد والتركمان. ولقبائل العربان ومن يجري مجراهم فدينارهم نصف دينار. (انظر الصبح: 3/ 438ومصطلحات الصبح:
140).
(2) صورة المربعة أن يكتب في ورقة مربعة يجعل أعلا ظاهر الورقة الأولى منها بياضا ويكتب في ذيلها معترضا آخذا من جهة أسفل المربعة الى أعلاها أسطرا قصيرة على فدر عرض ثلاثة أصابع ما صورته: «مثال شريف الخ». (راجع الصبح: 13/ 155).(4/52)
المماليك السلطانية وذوو الوظائف من الجند مع تفاوت مقادير ذلك بحسب مراتبهم وخصوصيّتهم عند السلطان وقربهم إليه. قال في «مسالك الأبصار»:
وإذا نشأ لأحد الأمراء ولد، أطلق له دنانير وخبز ولحم وعليق إلى أن يتأهل للإقطاع في جملة الحلقة، ثم منهم من ينقل إلى العشرة أو الطبلخاناه على حسب الحظوظ والأرزاق.
النوع الثاني رزق أرباب الأقلام
وهو مبلغ يصرف إليهم مشاهرة. قال في «مسالك الأبصار»: وأكبرهم كالوزير له في الشهر مائتان وخمسون دينارا جيشية، ومن الرواتب والغلّة ما إذا بسط وثمن كان نظير ذلك، ثم دون ذلك ودون دونه، ولأعيانهم الرواتب الجارية: من اللحم، والخبز، والعليق، والشّمع، والسّكّر، والكسوة ونحو ذلك، إلى غير ذلك مما هو جار على العلماء وأهل الصلاح من الرواتب والأراضي المؤبدة، وما يجري مجراها مما يتوارثه الخلف عن السلف مما لا يوجد بمملكة من الممالك، ولا مصر من الأمصار.
الضرب الثاني الإنعام وما يجري مجراه: مما يقع في وقت دون وقت وهو على خمسة أنواع
النوع الأوّل الخلع والتّشاريف (1)
قال في «المسالك»: ولصاحب مصر في ذلك اليد الطّولى حتّى بقي بابه سوقا ينفق فيه كل مجلوب، ويحضر الناس إليه من كل قطر حتّى كاد ذلك ينهك
__________
(1) هي الملابس الخاصة التي ينعم بها عليهم.(4/53)
المملكة ويودي بمتحصّلاتها عن آخرها. قال: وغالب هذا مما قرّره هذا السلطان، ولقد أتعب من يجيء بعده من كثرة الإحسان.
وهي على ثلاثة أصناف:
الصنف الأوّل تشاريف أرباب السيوف
وهي على طبقات، أعلاها ما هو مختص بالأمراء المقدّمين من النوّاب وغيرهم فوقانيّ أطلس أحمر بطرز زركش مفرّى بسنجاب، بدائرة سجف من ظاهره مع غشاء قندس، وتحته قباء أطلس أصفر، وكلوتة زركش بكلاليب ذهب، وشاش رفيع موصول به طرفان من حرير أبيض، مرقومان بألقاب السلطان مع نقوش باهرة من الحرير الملوّن، ومنطقة ذهب مركّبة على حاشية حرير تشدّ في وسطه ويختلف حال المنطقة بحسب المراتب. فأعلاها أن يعمل من عمدها [بواكير] (1) وسطا ومحبسين، مرصّعة بالبلخش (2) والزّمرّد واللّؤلؤ، ثم ما كان ببيكارية واحدة من غير ترصيع، فإن كان التشريف لتقليد ولاية مفخّمة، زيد سيفا محاّى بذهب وفرسا مسرجا ملجما بكنبوش زركش وربما زيد أكابر النوّاب كنائب الشام تركيبة زركش على الفوقاني، وشاش حرير سكندريّ مموّج بالذهب. ويعرف ذلك بالمتمر. وعلى ذلك كان شاش صاحب حماة، ويكون عوض كنبوشه زناريّ أطلس أحمر ودون ذلك من التشاريف أقبية طرد وحش من عمل الإسكندرية ومصر والشام، مجوّخ:
جاخات مكتوبة بألقاب السلطان، وجاخات صور وحوش أو طيور صغار، وجاخات ملوّنة مموّجة بقصب مذهب، يفصل بين جاخاته نقوش، يركب على القباء طراز زركش، وعليه السنجاب والقندس كما تقدّم، وتحته قباء من الطرح السكندريّ المفرج، وكلوتة زركش بكلاليب وشاش كما تقدّم، وحياصة ذهب تارة
__________
(1) الزيادة عن حاشية الطبعة الأميرية: 4/ 52.
(2) الياقوت الأحمر. (عبد النور: 421).(4/54)
تكون ببيكارية وتارة لا تكون، وهذه لأصاغر أمراء المئين ومن يلحق بهم، وكذلك أصحاب الوظائف المختصة بذلك كالجوكندار (1) والولاة ومن يجري مجراهم (2).
ثم للتشاريف أماكن:
منها إذا ولي أمير أو صاحب منصب وظيفة فإنه يلبس تشريفا يناسب ولايته التي وليها على حسب ما تقتضيه الرتبة علوّا وهبوطا.
ومنها عيد الفطر، يخلع فيه على جميع أرباب الوظائف: من الأمراء وأرباب الأقلام كالأستادار والدّوادار وأمير سلاح والوزير وكاتب السر وناظر الخاص وناظر الجيش ونحوهم، كلّ منهم بما يناسبه.
قال في «مسالك الأبصار»: ومن عادة السلطان أن يعدّ لكل عيد خلعة على أنها لملبوسه من نسبة خلع أكابر المئين فلم يلبسها، ولكن يختص بها بعض أكابر المئين يخلعها عليه.
ومنها الميادين، يخلع فيها على أكابر الأمراء كل ميدان يختص بأمير أو أكثر يلبس فيه خلعة من المفرّج المذهب.
ومنها دوران المحمل (3) في شوّال، يخلع فيه على أرباب الوظائف بالمحمل كالقاضي والناظر والمحتسب والشاهد والمقدّمين والأدلة وناظر الكسوة ومباشريها ومن في معناهم.
__________
(1) لقب على الذي يحمل الجو كان مع السلطان في لعب الكرة. وهو مركب من لفظتين فارسيتين إحداهما: جو كان وهو المحجن الذي تضرب به الكرة ويعبر عنه بالصولجان، ودار معناها ممسك.
(مصطلحات الصبح: 94).
(2) لم يذكر في الأصل الصنف الثاني والثالث وهما تشاريف الوزراء والكتاب وتشاريف القضاة والعلماء وقد تكلم عليهما في الضوء. (حاشية الطبعة الأميرية: 4/ 53).
(3) انظر صفحة 59من هذا الجزء.(4/55)
النوع الثاني الخيول
قد جرت عادة صاحب مصر أن ينعم على أمرائه بالخيول مرتين في كل سنة:
المرة الأولى عند خروجه إلى مرابط خيوله على القرط (1) في أواخر ربيعها، فينعم على الأخصّاء من أمرائه بما يختاره من الخيول على قدر مراتبهم، وتكون خيول المقدّمين منهم مسرجة ملجمة بكنابيش من زركش، وخيول أمراء الطبلخانات عريا من غير قماش. المرة الثانية عند لعبه الكرة بالميدان، وتكون خيول المقدّمين والطبلخانات مسرجة ملجمة بفضة يسيرة بلا كنابيش وكذلك يرسل إلى نوّاب الممالك الشامية كل أحد بحسبه، وليس لأمراء العشرات في ذلك حظ إلا ما يتفقدهم به على سبيل الإنعام.
قال المقرّ الشهابيّ بن فضل الله: ولخاصة المقرّبين من الأمراء المقدّمين والطبلخانات زيادات كثيرة في ذلك بحيث يصل بعضهم إلى فرس في كل سنة وله أوقات أخرى يفرّق فيها الخيل على مماليكه وربما أعطى بعض مقدّمي الحلقة وكلّ من مات له فرس من ممالكيه دفع إليه عوضه، وربما أنعم بالخيول على ذوي السّنّ من أكابر الأمراء عند الخروج إلى الصيد ونحوه.
ولخيول الأمراء في كل سنة إطلاقات أراض بالأعمال الجيزية لزرع القرط لخيولهم من غير خراج وللمماليك السلطانية البرسيم المزدرع على قدر مراتبهم، وما يدفع إليهم من القرط يكون بدلا من عليق الشعير المرتّب لهم في غير زمن الربيع عوضا عن كل عليقة نصف فدّان من القرط القائم على أصله في مدّة ثلاثة أشهر.
النوع الثالث الكسوة والحوائص
قد جرت عادة السلطان أنه ينعم على ممالكيه وخواصّ أهل المناصب من
__________
(1) نبات عشبي حولي يشبه البرسيم. (الوسيط: 727).(4/56)
حملة الأقلام في كل سنة بكسوة في الشتاء وكسوة في الصيف على قدر مراتبهم، ومن عاداته أنه إذا ركب للعب الكرة بالميدان فرّق حوائص (1) من ذهب على بعض الأمراء المقدّمين، يفرّق في كل موكب ميدان على أميرين بالنّوبة حتّى يأتي على آخرهم في ثلاث سنين أو أربع بحسب ما تقع نوبته في ذلك. قال في «المسالك»: أما أمراء الشأم فلا حظّ لهم من الإنعام في أكثر من قباء واحد يلبس في وقت الشتاء إلا من تعرّض لقصد السلطان فإنه ينعم عليه بما يقتضيه حاله.
النوع الرابع الإنعام والأوقاف
وأكثر الأوقات لا ضابط لعطائه إنما يكون بحسب مزية المنعم عليه عند السلطان وقربه منه. قال في «مسالك الأبصار»: ولخاصة الأمراء المقدّمين أنواع من الإنعامات كالعقار والأبنية الضّخمة التي ربما أنفق على بعضها فوق مائة ألف دينار، وكساوي القماش المنوّع، وفي أسفارهم في وقت خروجهم إلى الصيد وغيره العلوفات والأموال.
النوع الخامس المأكول والمشروب
أعظم أسمطة هذا السلطان تكون بالإيوان الكبير أيام المواكب. إذا خرجت القضاة وسائر أرباب الأقلام من الخدمة، مدّ السماط بالإيوان الكبير من أوّله إلى آخره بأنواع الأطعمة المنوّعة الفاخرة، ويجلس السلطان على رأس الخوان والأمراء يمنة ويسرة على قدر مراتبهم من القرب من السلطان، فيأكلون أكلا خفيفا ثم يقومون، ويجلس من دونهم طائفة بعد طائفة، ثم يرفع الخوان. وأما في بقية الأيام فيمدّ الخوان في طرفي النهار لعامّة الأمراء خلا البرّانيين فإنه لا يحضره منهم
__________
(1) جمع: حياصة. (راجع الحاشية: 1ص 42).(4/57)
إلا القليل النادر.
ففي أوّل النهار يمدّ سماط أوّل لا يأكل منه السلطان شيئا، ثم سماط ثان بعده قد يأكل منه السلطان وقد لا يأكل، ثم سماط ثالث بعده يسمى الطاريء، ومنه مأكول السلطان.
وفي أخريات النهار يمدّ سماطان الأوّل والثاني المسمى بالخاص، ثم إن استدعي بطاريء حضر، وإلا فبحسب ما يؤمر به، وفي كل هذه الأسمطة يسقى بعدها المشروب من الأقسما السكّرية عقب الأكل. وأما في الليل فيبيت بالقرب من مبيته أطباق من أنواع المآكل المختلفة والمشروب الفائق ليتشاغل أصحاب النّوب بالمأكول والمشروب عن النوم. قال في «مسالك الأبصار»: ولكل ذي إمرة بمصر من خواص السلطان عليه السكر والحلوى في شهر رمضان، والضّحية على مقادير رتبهم.
المقصد السابع في اختصاص صاحب هذه المملكة بأماكن داخلة في نطاق مملكته، يمتاز بها على ملوك الأرض من المسلمين وغيرهم
منها الكعبة المعظمة داخلة في نطاق هذه المملكة، واختصاصه بكسوتها ودوران المحمل في كل سنة.
أما كسوة الكعبة، فإنها كانت في الزمن الأوّل مختصّة بالخلفاء، وكانت خلفاء بني العبّاس يجهزونها من بغداد في كل سنة، ثم صارت إلى ملوك الديار المصرية يجهزونها في كل سنة، واستقرّت على ذلك إلى الآن. ولا عبرة بما وقع من استبداد بعض ملوك اليمن في بعض الأعصار بذلك في بعض السنين، وهذه الكسوة تنسج بالقاهرة المحروسة بمشهد الحسين من الحرير الأسود مطرّزة بكتابة بيضاء في نفس النسج، فيها: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنََّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} (1) الآية.
__________
(1) سورة آل عمران / 96.(4/58)
ثم في آخر الدولة الظاهرية برقوق استقرّت الكتابة صفراء مشعّرة بالذهب. ولهذه الكسوة ناظر مستقلّ بها، ولها وقف أرض بيسوس من ضواحي القاهرة يصرف منها على استعمالها.
وأما دوران المحمل، فقد جرت العادة أنه يدور في السنة مرتين: المرّة الأولى في شهر رجب بعد النصف منه، يحمل وينادى لأصحاب الحوانيت التي في طريق دورانه بتزيين حوانيتهم قبل ذلك بثلاثة أيام، ويكون دورانه في يوم الاثنين أو الخميس لا يتعدّاهما، ويحمل المحمل على جمل وهو في هيئة لطيفة من خركاه وعليه غشاء من حرير أطلس أصفر، وبأعلاه قبّة من فضة مطلية ويبيت في ليلة دورانه داخل باب النصر بالقرب من باب جامع الحاكم، ويحمل بعد الصبح على الجمل المذكور ويسير إلى تحت القلعة، فيركب أمامه الوزير والقضاة الأربعة والمحتسب والشهود وناظر الكسوة وغيرهم، ويركب جماعة من المماليك السلطانية الرمّاحة ملبسين المصفّات (1) الحديد المغشّاة بالحرير الملوّن، وخيولهم ملبسة البركستوانات (2) والوجوه الفولاذ كما في القتال، وبأيديهم الرماح، عليها الشطفات السلطانية فيلعبون تحت القلعة كما في حالة الحرب، ومنهم جماعة صغار بيد كل منهم رمحان يديرهما في يده وهو واقف على ظهر الفرس، وربما كان وقوفه في نعل من خشب على ذباب سيفين من كل جهة وهو يفعل كذلك ويهيئوا من أزيار النفط وغيرها جملة مستكثرة، ويطلق تحت القلعة في خلال ذلك، ثم يذهب إلى الفسطاط فيمرّ في وسطه، ثم يعود إلى تحت القلعة ويفعل كما في الأوّل إلّا أنه أقل من ذلك ثم يحمل من (3) من جامع الحاكم ويوضع في مكان هناك إلى شوّال وفي خلال ذلك كله الطبلخانات والكوسات السلطانية تضرب خلفه، ويخلع فيه على جماعة مستكثرة وكذلك يفعل في نصف شوّال إلا
__________
(1) تلبس على الصدر لحمايته من طعن الرماح.
(2) تجوز فيه ثلاث لغات: بركصطوان وبركستوان وبركشتوان. وأصله بالفارسية: بركشتبان أي حافظ لحم الصدر. (مصطفى جواد: ص 345).
(3) لعله: الى جامع الخ.(4/59)
أنه يرجع من تحت القلعة إلى باب النصر ويخرج إلى الرّيدانيّة للسفر ولا يتوجه إلى الفسطاط.
المقصد الثامن في انتهاء الأخبار إليه، وهو على ثلاثة أنواع
النوع الأوّل أخبار الملوك الواردة عليه مكاتبات منهم
وقد جرت العادة أنه إذا وصل رسول من ملك من الملوك إلى أطراف مملكته كاتب نائب تلك الجهة السلطان عرّفه بوفوده، واستأذنه في إشخاصه إليه، فتبرز المراسيم السلطانية بحضوره فيحضر. فإذا وقع الشّعور بحضوره فإن كان مرسله ذا مكانة عظيمة من الملوك: كأحد القانات من ملوك الشرق، خرج بعض أكابر الأمراء كالنائب وحاجب الحجّاب ونحوهما للقائه، وأنزل بقصور السلطان بالميدان الذي يلعب فيه بالكرة، وهو أعلى منازل الرسل. وإن كان دون ذلك تلقاه المهمندار واستأذن عليه الدّوادار وأنزله دار الضيافة أو ببعض الأماكن على قدر رتبته، ثم يرتقب يوم موكب فيجلس السلطان بإيوانه، وتحضر أعيان المملكة الذين شأنهم الحضور من أرباب السيوف والأقلام، ويحضر ذلك الرسول وصحبته الكتاب الوارد معه، فيقبّل الأرض ويتناول الدوادار الكتاب منه فيمسحه بوجه الرسول، ثم يدفعه إلى السلطان فيفضّه ويدفعه إلى كاتب السر فيقرؤه على السلطان ويأمر فيه أمره.
النوع الثاني الأخبار التي ترد عليه من جهة نوّابه
عادة هذا السلطان أن يطالعه نوّابه في مملكته بكل ما يتجدّد عندهم من مهمّات الأمور أو ما قاربها، وتؤخذ أوامره وتعود أجوبته عليهم من ديوان الإنشاء بما يراه في ذلك، أو يبتدئهم هو بما يقتضيه رأيه، وينفّذ على البرد أو أجنحة
الحمام الرسائليّ على ما يأتي ذكره في المقالة الثالثة من الكتاب إن شاء الله تعالى.(4/60)
عادة هذا السلطان أن يطالعه نوّابه في مملكته بكل ما يتجدّد عندهم من مهمّات الأمور أو ما قاربها، وتؤخذ أوامره وتعود أجوبته عليهم من ديوان الإنشاء بما يراه في ذلك، أو يبتدئهم هو بما يقتضيه رأيه، وينفّذ على البرد أو أجنحة
الحمام الرسائليّ على ما يأتي ذكره في المقالة الثالثة من الكتاب إن شاء الله تعالى.
وقد جرت العادة أنه إذا ورد بريد من بلد من بلاد المملكة أو عاد المجهّز من الأبواب الشريفة بجواب، أحضره أمير جاندار والدوادار وكاتب السر بين يدي السلطان فيقبّل الأرض، ثم يأخذ الدوادار الكتاب فيمسحه بوجه البريديّ، ثم يناوله للسلطان فيفضّه ويجلس كاتب السر فيقرؤه عليه ويأمر بأمره.
وأما بطائق الحمام، فإنه إذا وقع طائر من الحمام الرسائليّ ببطاقة أخذها البرّاج وأتى بها الدّوادار، فيقطع الدوادار البطاقة عن الحمام بيده، ثم يحملها إلى السلطان ويحضر كاتب السرّ فيقرؤها كما تقدّم.
النوع الثالث أخبار حاضرته
جرت العادة أن والي الشّرطة يستعلم متجدّدات ولاياته من قتل أو حريق كبير أو نحو ذلك في كل يوم من نوّابه، ثم تكتب مطالعة جامعة بذلك وتحمل إلى السلطان صبيحة كل يوم فيقف عليها. قال في «مسالك الأبصار»: وأما ما يقع للناس في أحوال أنفسهم فلا.
المقصد التاسع في هيئة الأمراء بالديار المصرية وترتيب إمرتهم
واعلم أن كل أمير من أمراء المئين أو الطبلخانات سلطان مختصر في غالب أحواله، ولكل منهم بيوت خدمة كبيوت خدمة السلطان من الطّشت خاناه، والفراش خاناه، والرّكاب خاناه، والزّردخاناه، والمطبخ، والطبلخاناه، خلا الحوائج خاناه فإنها مختصة بالسلطان، ولكل واحد من هذه البيوت مهتار متسلم حاصله، وتحت يده رجال وغلمان لكل منهم وظيفة تخصه، وكذلك لكل منهم الحواصل من إصطبلات الخيول ومناخات الجمال وشون الغلال وله من أجناده
أستادار، ورأس نوبة (1)، ودوادار، وأمير مجلس، وجمدارية، وأمير اخور، وأستادار صحبة، ومشرف. وتوصف البيوت في دواوين الأمراء بالكريمة، فيقال البيوت الكريمة كما يقال في بيوت السلطان البيوت الشريفة، وكذلك كل فرد منها فيقال: الطّشت خاناه الكريمة والفراش خاناه الكريمة، وكذا في الباقي ويوصف الإصطبل بالسعيد فيقال: الإصطبل السعيد، وكذلك المناخ وتوصف الشّون بالمعمورة فيقال للشّونة المعمورة. قال في «مسالك الأبصار»: ومن رسم الأمراء أن يركب الأمير منهم حيث ركب وخلفه جنيب (2) مسرج ملجم، وربما ركب الأمير من أكابرهم بجنيبين سواء في ذلك الحاضرة والبرّ. قال: ويكون لكل منهم طلب مشتمل على أكثر مماليكه، وقدّامهم خزانة محمولة للطبلخاناه على جمل واحد، يجرّه راكب على جمل آخر، والألف على جملين وربما زاد بعضهم على ذلك. وأمام الخزانة عدّة جنائب تجرّ على أيدي مماليك ركّاب خيل وهجن، وركّابه من العرب على هجن، وأمامهم الهجن بأكوارها مجنوبة، للطبلخاناه قطار واحد وهو أربعة، ومركوب الهجّان والألف قطاران وربما زاد بعضهم. قال: وعدد الجنائب في كثرتها وقلتها إلى رأي الأمير وسعة نفسه، والجنائب المذكورة منها ما هو مسرج ملجم، ومنها ما هو بعباءة لا غير. انتهى كلامه.(4/61)
واعلم أن كل أمير من أمراء المئين أو الطبلخانات سلطان مختصر في غالب أحواله، ولكل منهم بيوت خدمة كبيوت خدمة السلطان من الطّشت خاناه، والفراش خاناه، والرّكاب خاناه، والزّردخاناه، والمطبخ، والطبلخاناه، خلا الحوائج خاناه فإنها مختصة بالسلطان، ولكل واحد من هذه البيوت مهتار متسلم حاصله، وتحت يده رجال وغلمان لكل منهم وظيفة تخصه، وكذلك لكل منهم الحواصل من إصطبلات الخيول ومناخات الجمال وشون الغلال وله من أجناده
أستادار، ورأس نوبة (1)، ودوادار، وأمير مجلس، وجمدارية، وأمير اخور، وأستادار صحبة، ومشرف. وتوصف البيوت في دواوين الأمراء بالكريمة، فيقال البيوت الكريمة كما يقال في بيوت السلطان البيوت الشريفة، وكذلك كل فرد منها فيقال: الطّشت خاناه الكريمة والفراش خاناه الكريمة، وكذا في الباقي ويوصف الإصطبل بالسعيد فيقال: الإصطبل السعيد، وكذلك المناخ وتوصف الشّون بالمعمورة فيقال للشّونة المعمورة. قال في «مسالك الأبصار»: ومن رسم الأمراء أن يركب الأمير منهم حيث ركب وخلفه جنيب (2) مسرج ملجم، وربما ركب الأمير من أكابرهم بجنيبين سواء في ذلك الحاضرة والبرّ. قال: ويكون لكل منهم طلب مشتمل على أكثر مماليكه، وقدّامهم خزانة محمولة للطبلخاناه على جمل واحد، يجرّه راكب على جمل آخر، والألف على جملين وربما زاد بعضهم على ذلك. وأمام الخزانة عدّة جنائب تجرّ على أيدي مماليك ركّاب خيل وهجن، وركّابه من العرب على هجن، وأمامهم الهجن بأكوارها مجنوبة، للطبلخاناه قطار واحد وهو أربعة، ومركوب الهجّان والألف قطاران وربما زاد بعضهم. قال: وعدد الجنائب في كثرتها وقلتها إلى رأي الأمير وسعة نفسه، والجنائب المذكورة منها ما هو مسرج ملجم، ومنها ما هو بعباءة لا غير. انتهى كلامه.
ومن عادتهم أيضا أن الأمير إذا ركب يكون أكابر أجناده من أرباب الوظائف: كرأس نوبة والدّوادار، وأمير مجلس، ومشاة الخدمة أمامه وكلّ من كان منهم أكبر كان إليه أقرب وتكون الجمدارية من مماليكه الصّغار خلفه وأميراخوره خلف الجميع، ومعه الجنائب والأوشاقية على قاعدة السلطان في ذلك.
ومن عادة أكابر مجالس بيوتهم أنه ينصب للأمير بشتميخ (3) خلف ظهره من
__________
(1) راجع صفحة: 18من هذا الجزء.
(2) وجمعها: جنائب كما سبق في الصفحة: 50.
(3) وهو المسند يوضع خلف الظهر. من الفارسية: بشت ومعناها الظهر. (تأصيل الدخيل:
ص 39).(4/62)
الجوخ الأحمر المزهر بالجوخ الملوّن، برنك (1) ذلك الأمير وطراز فيه ألقابه، ويجلس على مقعد مسندا ظهره إلى البشتميخ، وربما جلس أكابرهم على مدوّرة من جلد ورجلاه على الأرض، وتكون الناس في مجلسه في القرب إليه على حسب مراتبهم.
ومن عادة كل أمير من كبير أو صغير أن يكون له رنك يخصه ما بين هناب أو دواة أو بقجة أو فرنسيسية ونحو ذلك، بشطفه واحدة أو شطفتين، بألوان مختلفة، كل أمير بحسب ما يختاره ويؤثره من ذلك، ويجعل ذلك دهانا على أبواب بيوتهم والأماكن المنسوبة إليهم كمطابخ السّكّر، وشون الغلال، والأملاك والمراكب وغير ذلك، وعلى قماش خيولهم من جوخ ملوّن مقصوص، ثم على قماش جمالهم من خيوط صوف ملوّنة تنقش على العبي والبلاسات ونحوها، وربما جعلت على السيوف والأقواس والبركصطوانات (2) للخيل وغيرها.
ومن عوائد أمراء العسكر بالحضرة السلطانية أنهم يركبون في يومي الاثنين والخميس في المواكب منضمين على نائب السلطنة الكافل (3) إن كان، وإلا فعلى حاجب الحجّاب، ويسيرون تحت القلعة مرّات، ثم يقفون بسوق الخيل وتعرض عليهم خيول المناداة، وربما نودي على كثير من آلات الخيل والخيم والخركاوات والأسلحة. قال في «مسالك الأبصار»: وقد ينادى على كثير من العقارات، ثم يطلعون إلى الخدمة السلطانية على ما تقدّم.
ومن قاعدة هذه المملكة أن أجناد الأمراء كافة تعرض بديوان الجيوش السلطانية وتثبت أسماؤهم مفصّلة فيه، وكانوا فيما تقدّم يحلون بالديوان. أما
__________
(1) وجمعه: رنوك. لفظ فارسي معناه اللون. وقد استعمل في مصطلح المؤرخين بمعنى الشعار الذي يتخذه الأمير عند تأمير السلطان له علامة على وظيفة الإمارة التي يعين عليها. (مصطلحات الصبح: 163).
(2) راجع صفحة: 59حاشية رقم: 2.
(3) راجع صفحة: 17من هذا الجزء.(4/63)
الآن، فقد ترك ما هنالك واكتفي بأوراق تكتب من دواوين الأمراء بأسماء أجناده وتخلّد بديوان الجيوش، ثم كلما مات واحد منهم أو فصل من الخدمة عرض بديوان الجيش واحد مكانه يعبر فيه عرض من ديوان ذلك الأمير.
ومن عادتهم أن من مات من الأمراء والجند قبل استكمال سنة خدمته حوسب في مستحق إقطاعه على مقدار مدّته، وكتب له بذلك محاسبة من ديوان الجيوش، ويكون ما يتحصّل من المغل شركة بين المستقرّ وبين الميت أو المنفصل على حسب استحقاق القراريط، كل شهر من السنة بقيراطين.
ومن عادة الأمراء أنه إذا مر السلطان في متصيّداته بإقطاع أمير كبير، قدّم له من الإوزّ والدّجاج وقصب السكر والشعير ما تسمو إليه همة مثله فيقبله منه، ثم ينعم عليه بخلعة كاملة يلبسها، وربما أمر لبعضهم بشيء من المال فيقبضه.
المقصد العاشر في ولاة الأمور من أرباب السيوف بأعمال الديار المصرية، وهم على أربع طبقات
الطبقة الأولى النّواب، والمستقرّ بها ثلاث نيابات
الأولى نيابة الإسكندريّة: وهي نيابة جليلة، نائبها من الأمراء المقدّمين يضاهي في الرتبة نيابة طرابلس وما في معناها أو يقاربها، وبها حاجب أمير عشرة، وحاجب جنديّ، ووال للمدينة، وأجناد حلقة عدّتهم مائتا نفر، يعبر عنهم بأجناد المائتين، وبها قاضي قضاة مالكيّ، وقاض حنفيّ مستحدث، وربما كان بها قاض شافعيّ، والمالكيّ أكبر الكل بها، وهو المتحدّث في أموال الأيتام والأوقاف. على أنه ربما ولي قضاء قضاتها في الزمن الماضي شافعيّ، وبها موقّع يعبر عنه في البلد بكاتب السر، وناظر متحدّث في الأموال الديوانية، ومعه مستوف، وتحت يده كتّاب وشهود وبها محتسب وليس بها قضاة عسكر ولا مفتو دار عدل ووكيل بيت المال بها نائب عن نائب بيت المال بالقاهرة، وتركّز بها أمراء المقدّمين والطبلخانات في غير الزمن الذي يمتنع سير المراكب الحربية في البحر بشدّة
الريح منها، ووال للتركيز يسمّى الحاجب. وقد مرّ القول على معاملتها، وذكر أحوالها في الكلام على قواعد الديار المصرية المستقرة فأغنى عن إعادته هنا.(4/64)
الأولى نيابة الإسكندريّة: وهي نيابة جليلة، نائبها من الأمراء المقدّمين يضاهي في الرتبة نيابة طرابلس وما في معناها أو يقاربها، وبها حاجب أمير عشرة، وحاجب جنديّ، ووال للمدينة، وأجناد حلقة عدّتهم مائتا نفر، يعبر عنهم بأجناد المائتين، وبها قاضي قضاة مالكيّ، وقاض حنفيّ مستحدث، وربما كان بها قاض شافعيّ، والمالكيّ أكبر الكل بها، وهو المتحدّث في أموال الأيتام والأوقاف. على أنه ربما ولي قضاء قضاتها في الزمن الماضي شافعيّ، وبها موقّع يعبر عنه في البلد بكاتب السر، وناظر متحدّث في الأموال الديوانية، ومعه مستوف، وتحت يده كتّاب وشهود وبها محتسب وليس بها قضاة عسكر ولا مفتو دار عدل ووكيل بيت المال بها نائب عن نائب بيت المال بالقاهرة، وتركّز بها أمراء المقدّمين والطبلخانات في غير الزمن الذي يمتنع سير المراكب الحربية في البحر بشدّة
الريح منها، ووال للتركيز يسمّى الحاجب. وقد مرّ القول على معاملتها، وذكر أحوالها في الكلام على قواعد الديار المصرية المستقرة فأغنى عن إعادته هنا.
وهذه النيابة مع جلالة قدرها ورفعة محلّها ليس لها عمل يحكم فيه نائبها ولا قاضيها ومحتسبها، بل حكمهم قاصر على المدينة وظواهرها لا يتعدّى ذلك، بخلاف غيرها من سائر نيابات المملكة وبها كرسيّ سلطنة بدار النيابة وعادة الخدمة السلطانية بها في أيام المواكب أن يركب نائب السلطنة من دار النيابة وفي خدمته مماليكه وأجناد المائتين المتقدّم ذكرهم، ويخرج من دار النيابة عند طلوع الشمس، ويسير في موكبه والشّبّابة السلطانية بين يديه حتّى يخرج من باب البحر، ويخرج الأمراء المركّزون على حدتهم أيضا، ويجتمعون في الموكب ويسيرون خارج باب البحر ساعة ثم يعودون، ويتوجه النائب إلى دار النيابة في مماليكه وأجناد المائتين، وقد فارقه الأمراء المركّزون وتوجه كلّ منهم إلى منزله. فإذا صار إلى دار النيابة: فإن كان في ذلك الموكب سماط، وضع الكرسيّ في صدر الإيوان مغشّى بالأطلس الأصفر ووضع عليه سيف نمجاة سلطانية ومدّ السماط تحته وأكل مماليك النائب وأجناد المائتين وجلس النائب بجنبة من الإيوان والشباك مطلّ على مينا البلد، ويجلس القاضي المالكيّ عن يمينه، والقاضي الحنفيّ عن يساره، والناظر تحته، والموقّع بين يديه، ورؤوس البلد على قدر منازلهم، وترفع القصص فيقرؤها الموقّع على النائب فيفصلها بحضرة القضاة ثم ينصرف الموكب.
قلت: وهذه النيابة مستحدثة، وكان ابتداء ترتيبها في سنة سبع وستين وسبعمائة في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين حين طرقها الفرنج وفتكوا بأهلها وقتلوا ونهبوا وأسروا، وكانت قبل ذلك ولاية تعدّ في جملة الولايات الطبلخاناه، وكان لواليها الرتبة الجليلة والمكانة العلية.
الثانية نيابة الوجه البحريّ. وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية برقوق، ونائبها من الأمراء المقدّمين، وهو في رتبة مقدّم العسكر بغزّة الآتي ذكره في المماليك الشامية، ومقرّ نيابتها مدينة دمنهور بالبحيرة، وحكمه على جميع بلاد
الوجه البحريّ المتقدّم ذكرها في الكلام على أعمال الديار المصرية المستقرة خلا الإسكندريّة، وليست على قاعدة النيابات في ركوب المواكب وما في معناها بل نائبها في الحقيقة كاشف كبير (1)، وليس فيها من رسوم النيابة سوى لبس التشريف وكتابة التقليد والمكاتبة بما يكاتب به مثل نائبها من النوّاب، وقد كان القائم بها في الزمن الأول قبل استقرارها نيابة يعبر عنه بوالي الولاة.(4/65)
الثانية نيابة الوجه البحريّ. وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية برقوق، ونائبها من الأمراء المقدّمين، وهو في رتبة مقدّم العسكر بغزّة الآتي ذكره في المماليك الشامية، ومقرّ نيابتها مدينة دمنهور بالبحيرة، وحكمه على جميع بلاد
الوجه البحريّ المتقدّم ذكرها في الكلام على أعمال الديار المصرية المستقرة خلا الإسكندريّة، وليست على قاعدة النيابات في ركوب المواكب وما في معناها بل نائبها في الحقيقة كاشف كبير (1)، وليس فيها من رسوم النيابة سوى لبس التشريف وكتابة التقليد والمكاتبة بما يكاتب به مثل نائبها من النوّاب، وقد كان القائم بها في الزمن الأول قبل استقرارها نيابة يعبر عنه بوالي الولاة.
الثالثة نيابة الوجه القبليّ. وهي مما استحدث في الدولة الظاهرية برقوق أيضا، وكان مقرّ نائبها مدينة أسيوط، وحكمه على جميع بلاد الوجه القبليّ، وهي في الترتيب والرتبة على ما تقدّم من نيابة الوجه البحريّ، غير أنها أعظم خطرا في النفوس وكان القائم بها قبل ذلك يسمّى والي الولاة كما تقدّم في الوجه البحريّ.
الطبقة الثانية الكشّاف
قد تقدّم أنه قبل استحداث النيابة بالوجهين القبليّ والبحريّ كان بهما كاشفان يعبّر عن كل منهما بوالي الولاة، ولما استقرّا نيابتين جعل للوجه البحريّ كاشف من أمراء الطبلخاناه على العادة المتقدّمة، وهو في الحقيقة تحت أمر نائب الوجه البحريّ، ومقرّته منية غمر من الشرقية، وجعل كاشف آخر للبهنساوية والفيّوم، وعطّل الفيّوم من الوالي، وباقي الوجه القبليّ أمره راجع إلى نائبه وللجيزية كاشف يتحدث في جسورها وسائر متعلّقاتها، ولا يتعدّى أمره إلى غيرها من النواحي.
الطبقة الثالثة الولاة بالوجهين القبليّ والبحريّ
وقد تقدّم ذكر أعمالها ومراتب الولاة بهما لا تخرج عن مرتبتين:
__________
(1) أي مشرف على أحوال الأراضي والجسور. (راجع ص: 26).(4/66)
المرتبة الأولى الولاة من أمراء الطبلخاناه. وهي سبع (1) ولايات بالوجهين القبليّ والبحريّ على ما استقرّ عليه الحال.
فأما الوجه القبليّ ففيه أربع ولايات من هذه الرتبة: وهي ولاية البهنسى، وولاية الأشمونين، وولاية قوص، وهي أعظمها حتّى إن واليها كان يركب بالشبّابة أسوة النوّاب بالممالك، وولاية أسوان: وهي مستحدثة في الدولة الظاهرية برقوق، وكانت قبل ذلك مضافة إلى والي قوص يجعل فيها نائبا من تحت يده، وكانت ولاية الفيّوم طبلخاناه، ثم استقرّت كشفا على ما تقدّم.
أما أسيوط، فلم يكن بها وال لكونها مقرّ نائب الوجه القبليّ ومقرّ والي الولاة من قبله، وسيأتي ما كان ولاية طبلخاناه من الوجه القبليّ ثم نقل.
وأما الوجه البحريّ ففيه أربع ولايات من هذه الرتبة، وهي ولاية الشرقية، ومقرّ واليها بلبيس وولاية المنوفية ومقرّ واليها مدينة منوف وولاية الغربية، ومقرّ واليها المحلة الكبرى وهي تضاهي ولاية قوص من الوجه القبليّ إلا أن واليها لم يركب بالشبابة قط وولاية البحيرة، ومقرّ واليها مدينة دمنهور، وربما عطلت ولايتها لكونها مقرّة النائب، وقد تقدّم أن ولاية النائب قبل أن تستقرّ نيابة كانت ولاية طبلخاناه.
المرتبة الثانية من الولاة أمراء العشرات. وهي سبع ولايات بالوجهين:
فأما القبليّ ففيه من هذه الرتبة ثلاث ولايات: ولاية الجيزة، وكانت قبل ذلك طبلخاناه وولاية إطفيح ولم تزل عشرة وولاية منفلوط وولايتها عشرون، وكانت قبل ذلك ولاية طبلخاناه، وقد كان بعيذاب في الأيام الناصرية ابن قلاوون وما بعدها وال أمير عشرة يولّى من قبل السلطان ويراجع والي قوص في الأمور المهمة.
وأما الوجه البحريّ، ففيه أربع ولايات من هذه الرتبة، ولاية منوف، وولاية
__________
(1) عدّ ثمان ولايات.(4/67)
أشموم، وولاية دمياط، وولاية قطيا، وكانت قبل ذلك طبلخاناه.
الطبقة الرابعة أمراء العربان بنواحي الديار المصرية
قد تقدّم في الكلام على ما يحتاج إليه الكاتب في المقالة الأولى ذكر أصول أنساب العرب، وانقسامهم إلى قحطانيّة وهم العاربة، وإلى عدنانيّة وهم المستعربة، وبيان رجوع كل بطن من بطون العرب الموجودين الآن بالديار المصرية وغيرها إلى قبيلتهم التي إليها ينتسبون، وبيان من بوجهي الديار المصرية القبليّ والبحريّ من القبائل، وأفخاذ كل قبيلة المتشعّبة منها. والمقصود بيان أمراء العربان بالوجهين المذكورين في القديم والحديث.
فأما الوجه القبليّ، فقد ذكر الحمداني (1) أن الإمرة كانت بالوجه القبليّ في ثلاثة أعمال:
العمل الأول عمل قوص، وكانت الإمرة به في بيتين من بليّ (2) من قضاعة بن حمير بن سبإ من القحطانيّة.
الأول بنو شاد المعروفون ببني شادي (3). وكانت منازلهم بالقصر الخراب المعروف بقصر بني شادي بالأعمال القوصيّة، وتقدّم هناك أنه قيل إنهم من بني أميّة بن عبد شمس من قريش.
__________
(1) هو بدر الدين أبو المحاسن يوسف بن أبي المعالي بن زمّاخ المعروف بابن سيف الدولة الحمداني المهمندار. وقد أخذ عنه القلقشندي وابن فضل الله العمري أكثر معلوماتهم عن الأعراب وبطونهم ومناطق انتشارهم. وقد عاصر الحمداني أواخر الدولة الأيوبية وأوائل الدولة المملوكية. ولد سنة 602هـ وكان عام 680هـ ما يزال حيّا. (مسالك الأبصار: ص 7017).
(2) تنتسب هذه القبيلة الى بلي بن عمرو بن الحافي بن قضاعة. وتنقسم بليّ اليوم الى ثلاث قبائل: بليّ الحجازية، بلي مصر وبلي بير السبع. أما بلي مصر فكانت منازلها على عهد المقريزي في سوهاي شمالا الى غرب قمولة جنوبا. أما في سنة 1883م فقد كانت تنتشر في قنا جرجا، القليوبية والشرقية من الديار المصرية. (معجم قبائل العرب: 1/ 107106104).
(3) بطن من بلي من القحطانية. (المرجع السابق: 2/ 573).(4/68)
الثاني العجالة. وهم بنو العجيل بن الذئب منهم أيضا، وكانوا معهم هناك.
العمل الثاني عمل الأشمونين. وكانت الإمرة به في بني ثعلب من السّلاطنة، وهم أولاد أبي جحيش من الحيادرة من ولد إسماعيل بن جعفر الصادق، من عقب الحسين السّبط ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، وكانت منازلهم بدروت سربام (1)، وغلب عليها الشريف حصن الدين بن ثعلب فعرفت بدروت الشّريف من يومئذ، واستولى عليها وعلى بلاد الصعيد. وقد تقدم أنه كان في آخر الدولة الأيوبية. فلما ولي المعزّ أيبك التّركمانيّ: أول ملوك الترك بالديار المصرية السلطنة، أنف من سلطته وسمت نفسه إلى السلطنة فجهز إليه المعز جيوشا، فجرت بينهم حروب لم يظفروا به فيها، وبقي على ذلك إلى أن كانت دولة الظاهر بيبرس، فنصب له حبائل الحيل وصاده بها وشنقه بالإسكندريّة.
العمل الثالث البهنسى، وكانت الإمرة فيه في بيتين:
الأول أولاد زعازع. (بضم الزاي) من بني جديدي من بني بلار من لواثة (2) من البربر أو من قيس عيلان على الخلاف السابق عند ذكر نسبهم في المقالة الأولى. قال الحمدانيّ: وهم أشهر من في الصعيد.
الثاني أولاد قريش. قال الحمدانيّ: وهم أمراء بني زيد، ومساكنهم نويرة دلاص.
قال: وكان قريش هذا عبدا صالحا كثير الصدقة، ومن أولاده سعد الملك المشهور بنوه هناك.
__________
(1) في الانتصار: 5/ 19 «دروة سرمام».
(2) في معجم قبائل العرب: «لواتة» بالتاء المثناة. واللواتيون من أعراب الفيوم بمصر وفروعهم: بنو هاني وبنو سليمان وبنو منكنيت. (معجم قبائل العرب: 3/ 1017).(4/69)
وذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف»: أن الإمرة بالوجه القبليّ في زمانه (وهو سلطنة الناصر محمد بن قلاوون وما وليها) كانت لناصر الدين عمر بن فضل، ولم يذكر مقرّته ولا من أيّ العرب هو، وذكر أيضا أن إمرة فيما فوق أسوان كانت في عرب يقال لهم الحدارية (1) في سميرة بن مالك. قال: وهو ذو عدد جمّ وشوكة منكية، يغزو الحبشة وأمم السودان ويأتي بالنهاب والسبايا، وله أثر محمود وفضل مأثور، وفد على السلطان (2) فأكرم مثواه، وعقد له لواء وشرّف بالتّشريف، وقلّد، وكتب إلى ولاة الوجه القبليّ عن آخرهم وسائر العربان بمساعدته ومعاضدته والركوب للغزو معه متى أراد، وكتب له منشور بما يفتحه من البلاد، وتقليد بإمرة عربان القبلة مما يلي قوص إلى حيث تصل غايته، وتركز رايته.
قلت: أما في زماننا فمذ وجّهت عرب هوّارة (3) وجوهها من عمل البحيرة إلى الوجه القبليّ ونزلت به انتشرت في أرجائه انتشار الجراد، وبسطت يدها من الأعمال البهنساوية إلى منتهاه حيث أسوان وما والاها، وأذعنت لهم سائر العربان بالوجه القبليّ قاطبة، وانحازوا إليهم وصاروا طوع قيادهم.
والإمرة الآن فيهم في بيتين:
الأول بنو عمر: محمد وإخوته. ومنازلهم بجرجا ومنشأة إخميم، وأمرهم نافذ إلى أسوان من القبلة وإلى آخر بلاد الأشمونين من بحري.
الثاني أولاد غريب. وبيدهم بلاد البهنسى، ومنازلهم دهروط وما حولها.
__________
(1) الحداربة، بالباء الموحدة، بطن من العرب بسواكنا من بلاد البجاة. وسواكنا بلد مشهور على سواحل بحر الجار قرب عيذاب. (معجم قبائل العرب: 1/ 249).
(2) المقصود: السلطان الناصر محمد بن قلاوون.
(3) في معجم قبائل العرب: 3/ 1230 «الهوارة ينتسبون الى عرب الحجاز» وفي نهاية الأرب للقلقشندي: ص 390نقلا عن الحمداني «هم من البربر، وفي العبر: بعضهم يزعم أنهم من عرب اليمن».(4/70)
وأما الوجه البحريّ، فقد ذكر الحمدانيّ أن الإمرة فيهم في خمسة أعمال:
العمل الأول الشرقيّة. قال: والإمرة فيها في قبيلتين.
الأولى ثعلبة (1)، وذكر أن الإمرة كانت فيهم في شقير بن جرجي من المصافحة من بني زريق، وفي عمر بن نفيلة من العليميين (2).
الثانية جذام (3): وقد ذكر أن الإمرة كانت فيهم في خمسة بيوت.
الأول بيت أبي رشد بن حبشي، بن نجم، بن إبراهيم من العقيليّين: بني عقيل بن قرّة، بن موهوب، بن عبيد، بن مالك، بن سويد، من بني زيد بن حرام، بن جذام أمّر بالبوق والعلم.
الثاني طريف بن مكنون (4)، من بني الوليد، بن سويد المقدّم ذكره، وإلى طريف هذا ينسب بنو طريف من بلاد الشرقية. قال الحمدانيّ: وكان من أكرم العرب، كان في مضيفته أيام الغلاء اثنا عشر ألفا تأكل عنده، وكان يهشم الثريد في المراكب. قال: ومن بنيه فضل بن سمح بن كمّونة، وإبراهيم بن عالي أمّر كل منهما بالبوق والعلم.
الثالث بيت أولاد منازل من ولد الوليد المذكور، كان منهم معبد بن مبارك، أمّر بالبوق والعلم.
الرابع بيت نميّ بن خثعم من بني مالك، بن هلبا بن مالك بن سويد، أقطع خثعم بن نميّ المذكور وأمّر، واقتنى عددا من المماليك الأتراك والروم
__________
(1) المقصود: ثعلبة طيّ. (معجم قبائل العرب: 1/ 145و 3/ 1103).
(2) أيضا بطن من بني زريق من ثعلبة طيّ من القحطانية. (المرجع السابق: 2/ 820).
(3) وجذام أول من سكن مصر من العرب حين جاؤا في الفتح مع عمرو بن العاص واقتطعوا فيها بلادا.
وكان بالإسكندرية من جذام أقوام ذوو عدد وأهل شجاعة وإقدام وكانوا يسكنون الحوف شرقي الدلتا في سنة 803هـ. وكانوا ولخم أكبر أنداد قيس في هذه المنطقة. (معجم قبائل العرب:
1/ 174).
(4) في الجزء الأول: ص 332: «ابن بكتوت».(4/71)
وغيرهم، وبلغ من الملك الصالح أيوب منزلة، ثم حصل عند الملك المعز أيبك التّركماني على الدرجة الرفيعة، وقدّمه على عرب الديار المصرية، ولم يزل على ذلك حتّى قتله غلمانه، فجعل المعز ابنيه: سلمى ودغش عوضه، فكانا له نعم الخلف، ثم قدم دغش دمشق فأمّره الملك الناصر صاحب دمشق يومئذ من بني أيوب ببوق وعلم، وأمّر الملك أيبك أخاه سلمى كذلك.
الخامس بيت مفرّج بن سالم بن راضي من هلبا بعجة، ابن زيد، بن سويد، بن بعجة، من بني زيد بن حرام بن جذام، أمره المعزّ أيبك التركماني بالبوق والعلم. وذلك أنه حين أراد المعزّ تأمير سلمى بن خثعم المقدّم ذكره امتنع أن يؤمّر حتى يؤمّر مفرّج بن غانم (1) فأمّر.
العمل الثاني المنوفية. والأمرة فيها لأولاد نصير الدين من لواتة، ولكن إمرتهم في معنى مشيخة العرب.
العمل الثالث الغربية. والامرة فيه في أولاد يوسف من الخزاعلة من سنبس من طيّء من كهلان من القحطانية، ومقرّتهم مدينة سخا من الغربية.
العمل الرابع البحيرة. وقد ذكر في «التعريف»: أن الإمرة في الدولة الناصرية ابن قلاوون كانت لخالد بن أبي سليمان وفائد بن مقدم. قال في «مسالك الأبصار»: وكانا أميرين سيدين جليلين ذوي كرم وإفضال وشجاعة وثبات رأي وإقدام.
العمل الخامس برقة. قال في «التعريف»: ولم يبق من أمراء العرب ببرقة يعني في زمانه إلا جعفر بن عمر، وكان لا يزال بين طاعة وعصيان، ومخاشنة وليان، والجيوش في كل وقت تمدّ اليه، وقلّ أن تظفر منه بطائل أو رجعت منه بمغنم، وإن أصابته نوبة من الدهر. قال: وآخر أمره أن ركب طريق الواح حتى خرج من الفيّوم وطرق باب السلطان لائذا بالعفو، ووصل ولم يسبق به خبر، ولم
__________
(1) لعله: سالم.(4/72)
يعلم السلطان به حتى أستأذن له عليه وهو في جملة الوقوف بالباب، فأكرم أتمّ الكرامة وشرّف بأجلّ التشاريف، وأقام مدّة في قرى الإحسان وإحسان القرى وأهله لا يعلمون ما جرى، ولا يعلمون أين يمّم ولا أيّ جهة نحا، حتى أتتهم وافدات البشائر وجاءت منه. فقال له السلطان: لم لا أعلمت أهلك بقصدك إلينا؟
قال: خفت أن يقولوا: يفتك بك السلطان فأتثبّط، فاستحسن قوله، وأفاض عليه طوله، ثم أعيد إلى أهله، فانقلب بنعمة من الله لم يمسسه سوء ولا رثى له صاحب ولا شمت به عدوّ.
قلت: والإمرة اليوم في برقة في عمر بن عريف، وهو رجل ديّن وكان أبوه [عريف ذا دين متين رأيته] (1) في الإسكندرية بعد الثمانين والسبعمائة، واجتمعت به فوجدت آثار الخير ظاهرة عليه.
__________
(1) ترك له في الأصل بياضا وأخذناه عن الضوء للمؤلف. (حاشية الطبعة الأميرية: 4/ 72).(4/73)
الفصل الثاني من المقالة الثانية في المملكة الشامية، وما يتصل بها: من بلاد الأرمن والروم وبلاد الجزيرة بين الفرات والدّجلة مما هو مضاف إلى هذه المملكة، وفيه أربعة أطراف
الطرف الأول في فضل الشام وخواصّه وعجائبه وفيه مقصدان
المقصد الأول في فضل الشام
أعظم شاهد لذلك ما أخرجه الترمذيّ (1) من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: «كنّا يوما عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نؤلّف القرآن من الرّقاع. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: طوبى لأهل الشام. فقلت: لم ذاك يا رسول الله؟ قال: لأن الملائكة باسطة أجنحتها عليه». هذا وقد بعث به الكثير من الأنبياء عليهم السلام، وفيه ضرائحهم الشريفة، والمسجد الأقصى الذي هو أحد المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرّحال، وهو أول القبلتين وبه ينزل المسيح عليه السلام بمنارة جامع دمشق، وبه يقتل الدجّال بمدينة لدّ (2). وفي الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله بارك فيما
__________
(1) هو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي البوغي الترمذي: من أئمة علماء الحديث وحفاظه، من أهل ترمذ على نهر جيحون. تتلمذ للبخاري وشاركه في بعض شيوخه. توفي سنة 279هـ. (الأعلام: 6/ 322).
(2) من مدن فلسطين بالشام. وفي حديث مسلم أن الله تعالى يبعث عيسى عليه السلام فيطلب الدجال حتى يدرجه بباب لدّ فيقتله. (الروض المعطار: ص 510).(4/74)
بين العريش إلى الفرات وخصّ فلسطين بالتقديس».
المقصد الثاني في خواصّه وعجائبه
أما خواصّه فإنّ به الأماكن التي تعظّمها الأمم على اختلاف عقائدهم كالصّخرة التي هي قبلة اليهود، والقمامة (1) التي يحجّها النصارى من سائر أقطار الأرض، وطور نابلس (2) الذي تحجّه السامرة وبمدينة صور كنيسة تعتقد طائفة من النصارى أنه لا يصح تمليك ملوكهم إلا منها، على ما سيأتي ذكره في الكلام على أعمال صفد إن شاء تعالى، وغير ذلك مما تنقاد به الأمم إلى صاحب هذه المملكة وتذعن لمسالمته.
وأما عجائبه فكثيرة.
منها: (حمّة طبريّة) المشهورة: وهي عين تنبع ماء شديد الحرارة يكاد يسلق البيضة، يقصدها المتردّدون للاستشفاء بالاغتسال فيها. قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» (3): وليس فيها حمّام يوقد فيه النار إلا الحمّام الصغير.
ومنها: (قبّة العقارب) بمدينة حمص. وهي قبّة بالقرب من مسجدها الجامع، إذا أخذ شيء من تراب حمص وجبل بالماء وألصق بداخل تلك القبّة وترك حتّى يجفّ ويسقط بنفسه من غير أن يلقيها (4) أحد ثم أخذت ووضع منها
__________
(1) في الروض المعطار: 472 «اسم للموضع الذي يزعم الزاعمون أن فيه مقبرة عيسى عليه السلام وهي كنيسة معظمة تعرف بكنيسة قمامة بمدينة بيت المقدس، وهي الكنيسة المحجوج اليها من بلاد الروم».
(2) من مدن الشام وهي مدينة السامرية وبها البئر التي حفرها يعقوب عليه السلام وبها حبس عيسى عليه السلام وطلب من المرأة السامرية الماء ليشرب وعليه الآن كنيسة حسنة. ويزعم أهل بيت المقدس أن السامرية لا يوجد أحدهم إلا بهذه المدينة. (الروض المعطار: 571).
(3) في كشف الظنون: 2/ 1127 «عجائب المخلوقات لزكريا بن محمد بن محمود الكوفي القزويني. وابن الأثير الجزري المتوفى سنة 630هـ سماه: تحفة العجائب».
(4) الصواب التذكير نظرا للتذكير السابق.(4/75)
شيء في بيت لم يدخله عقرب، أو في قماش لم يقربه، وإن ذرّ على عقرب منه شيء أخذها مثل السّكر فربما زاد عليها فقتلها، بل قيل إن ذلك لا يختصّ بالقبة بل عامّة أرض البلد كذلك حتّى لا يدخلها عقرب إلا مات، بل لا يقرب ثيابا ولا أمتعة عليها غبارها، وإلى ذلك أشار القاضي الفاضل (1) في البشرى بفتوحها بقوله:
«ودبّت إليها عقارب المجانيق فخالفت عادة حمص في العقارب، ورميت الحجارة بالحجارة فوقعت العداوة المعروفة بين الأقارب».
ومنها: (عين فوّارة) داخل البحر الملح على القرب من ساحل مدينة طرابلس على قدر رمية حجر عن البئر، تنبع ماء عذبا يطفو على وجه الماء قدر ذراع أو أكثر يتبين عند سكون الريح.
ومنها: (وادي الفوّار) وهو واد بالقرب من حصن الأكراد من عمل طرابلس غربا عنه بشمال على الطريق السالكة. قال في «مسالك الأبصار»:
وهي صفة بئر قائمة في الأرض، وفي سفل الأرض سرداب ممتدّ إلى الشّمال يفور في كل أسبوع يوما واحدا لا غير، فتسقى به أرض ومزدرعات، وينزل عليه التّركمان ويردونه ويسمع له قبل فورانه دويّ كالرعد، وهو في بقية الأيام يابس لا ماء فيه. قال: وذكر لي من دخل السّرداب أن في نهايته نهرا كبيرا آخذا من الغرب إلى الشرق تحت الأرض له جريان قويّ، وبه موج وريح عاصف، لا يعرف إلى أين يجري ولا من أيّ جهة يأتي.
ومنها: (حمّام القدموس) (2) من قلاع الدعوة من عمل طرابلس يخرج منها (3) أنواع كثيرة من الحيات تظهر من أنابيب مائها وتدخل في ثياب داخلها، ولم يشتهر أنها أضرّت أحدا قطّ على ممرّ الدّهور وتطاول الأزمنة، حكاه
__________
(1) هو عبد الرحيم بن علي المعروف بالقاضي الفاضل: وزير من أئمة الكتاب. كان من وزراء السلطان صلاح الدين ومن مقربيه. توفي سنة 596هـ. (الأعلام: 3/ 346).
(2) قلعة بالقرب من الخوابي. وسيأتي ذكرها في الصفحة 152من هذا الجزء.
(3) أنث باعتبار القلعة.(4/76)
في «مسالك الأبصار».
ومنها: (صدع) في سور الخوابي (1) من قلاع الدعوة من عمل طرابلس أيضا. إذا لدغ أحد بحيّة فأتى إلى ذلك الموضع فشاهده بعينه أو أرسل رسوله فشاهده، سلم من تلك اللّدغة، ولم يضره السّمّ. إلى غير ذلك من العجائب الظاهرة والمندرسة بمرور الزمان عليها.
قال ابن الأثير: وبقرى حلب قرية تسمّى براق، يقال إن بها معبدا يقصده أصحاب الأمراض ويبيتون به. فإما أن يرى المريض في منامه من يقول له استعمل كذا وكذا فيبرأ، أو يمسح عليه بيده فيبرأ. قال في تاريخه: وبقرية مبرون من قرى صفد مغارة يظهر فيها الماء في يوم من السنة تجتمع إليه اليهود في ذلك اليوم، ويجلبون منه الماء إلى البلاد البعيدة وبوادي دلسه من عملها عين تعرف بعين الجن تفور لحظة كالنهر ثم تغور حتّى لا يبقى فيها ماء، ثم تفور كذلك ليلا ونهارا وبقرية بكوزا من قرى صفد عنب داخل العنبة عنبة أخرى وبقرية عدشيب من قراها بلّوط يؤخذ الواحد منه من الشجرة فيوجد حضنها حجر وبقرية عياض تراب الجير إذا عمل منه كوز وسقي فيه الكسير من آدميّ أو غيره، جبر عظمه وبالناصرة من أعمالها كنيسة بها عمود إذا اجتمع عنده جماعة وعملوا سماعا عرق العمود حتّى يظهر عرقه.
الطّرف الثاني في حدوده، وابتداء عمارته، وتسميته شاما وفيه مقصدان
المقصد الأوّل في حدوده
وقد اختلف في تحديده، فذكر في «التعريف» أن حدّه من القبلة إلى البرّ المقفر: تيه بني إسرائيل وبرّ الحجاز والسّماوة إلى مرمى الفرات بالعراق. قال:
__________
(1) سيأتي ذكرها في الصفحة: 152من هذا الجزء.(4/77)
وهذه المحادّات كلّها من جزيرة العرب.
وحدّه من الشرق طرف السّماوة والفرات.
وحدّه من الشّمال البحر الروميّ (1).
وحدّه من الغرب حدّ مصر المتقدّم ذكره، وذكر في «تقويم البلدان»:
أن حدّه من الجنوب من أوّل رفح التي في أوّل الجفار بين مصر والشام إلى حدود تيه بني إسرائيل إلى ما بين الشّوبك وأيلة من البلقاء وحدّه من الشرق من البلقاء إلى مشاريق صرخد، آخذا على أطراف الغوطة، إلى سلمية، إلى مشاريق حلب، إلى بالس وحدّه من الشمال من بالس مع الفرات إلى قلعة نجم، إلى البيرة، إلى سميساط إلى حصن منصور، إلى بهسنى، إلى مرعش، إلى بلاد سيس، إلى طرسوس، إلى بحر الروم وحدّه من الغرب من طرسوس المذكورة آخذا على ساحل البحر الروميّ إلى رفح المتقدّمة الذكر حيث وقع الابتداء.
قلت: والخلف بينهما في شيئين:
أحدهما أنه في «التعريف» جعل حدّه الشّماليّ إلى البحر الروميّ، وحدّه الغربيّ حدّ مصر المتقدّم ذكره، وفي «تقويم البلدان» جعل حدّه الشماليّ البلاد التي بين الفرات والبحر الروميّ، وحدّه الغربيّ البحر الروميّ من طرسوس إلى رفح فيدخل حدّ مصر الذي حدّ به الجانب الغربيّ في «التعريف» في هذا الحدّ، وكأن الموقع لهما في ذلك أن البحر الروميّ عن الشام غربا بشمال، فجنح كل منهما إلى جهة.
الثاني أنه في «تقويم البلدان» أدخل بلاد الأرمن المتصلة بآخر بلاد حلب من الشمال في حدود الشام، وفي «التعريف» أخرجها وهو التحقيق. وقد صرّح بذلك في «التعريف» فيما بعد فقال بعد أن أفرد الفتوحات الجاهانيّة التي هي أوّل بلاد الأرمن من جهة حلب بالذكر: «وأتيت بها ههنا إذ لم يكن لها تعلّق
__________
(1) الصحيح: بلاد الروم وليس البحر الرومي. إذ ان البحر الرومي وهو الأبيض المتوسط يحدّ بلاد الشام من الغرب.(4/78)
بمملكة تذكر فيها، وليست من الشامات في شيء وإنما هي من بلاد الأرمن المسماة قديما ببلاد العواصم والثّغور»، وسيأتي الكلام على بلاد الأرمن بمفردها في جملة أعمال حلب في الكلام على قواعد المملكة الشامية إن شاء الله تعالى.
على أن ما ذكره من التحديد في «التعريف» و «تقويم البلدان» لا يخلو عن تساهل، فقد قال في «التعريف» بعد ذكر الحدود التي أوردها: وهذه الحدود هي الجامعة على ما يحتاج إليه، وإذا فصّلت تحتاج إلى زيادة إيضاح.
وقال في «تقويم البلدان» بعد ذكر الحدود التي أوردها أيضا: وبعض هذه الحدود قد تقع شرقيّة عن بعض الشام وهي بعينها جنوبيّة عن بعض آخر، مثل البلقاء فإنها جنوبية عن حلب وما على سمتها، وشرقيّة عن مثل غزّة وما على سمتها فليعلم العذر في ذلك (1).
قال ابن حوقل (2): وطول الشام من ملطية إلى رفح (3) خمس وعشرون مرحلة (4). فمن ملطية إلى منبج أربع مراحل، ومن منبج إلى حلب مرحلتان، ومن حلب إلى حمص خمس مراحل، ومن حمص إلى دمشق خمس مراحل، ومن دمشق إلى طبريّة أربع مراحل، ومن طبريّة إلى الرملة ثلاث مراحل، ومن الرملة إلى رفح مرحلتان.
__________
(1) وفي معجم البلدان: 3/ 311فقد عين حدود الشام على النحو التالي: «وأما حدّها فمن الفرات الى العريش المتاخم للديار المصرية وأما عرضها فمن جبلي طييء من نحو القبلة الى بحر الروم
وطولها من الفرات الى العريش نحو شهر وعرضها نحو عشرين يوما». (راجع أيضا الروض المعطار: 335).
(2) هو محمد بن حوقل البغدادي الموصلي: رحالة من علماء البلدان. له: المسالك والممالك. توفي بعد سنة 367هـ. (الأعلام: 6/ 111).
(3) من ملطية في وسط تركيا بأرمينيا عند سفح جبال طورس الى رفح على حدود مصر الشرقية بشبه جزيرة سيناء.
(4) المرحلة هي المسافة يقطعها السائر في نحو يوم. (الوسيط 335).(4/79)
قال التيفاشيّ في «سرور النفس» (1): وطوله أكثر من شهر. قال ابن حوقل: وأعرض ما فيه طرفاه. فأحد طرفيه من الفرات من جسر منبج على منبج على قورس في حدّ قنّسرين ثم على العواصم في حدّ إنطاكية، ثم يقع على جبل اللّكام، ثم على المصّيصة، ثم على أذنة، ثم على طرسوس، وذلك نحو عشر مراحل وهذا هو السّمت المستقيم. والطرف الآخر يأخذ في البحر من حدّ يافا من جند فلسطين حتّى ينتهي إلى الرملة إلى بيت المقدس، ثم إلى أريحا، ثم إلى زغر، ثم إلى جبل الشّراة إلى أن يأتي إلى معان، وتقدير ذلك ستّ مراحل. ثم قال:
أما ما بين هذين الطرفين من الشام فلا يكاد بين الأردنّ ودمشق وحمص يزيد على أكثر من ثلاثة أيام، لأن من دمشق إلى طرابلس على بحر الروم غربا يوما وإلى أقصى الغوطة شرقا حتّى يتصل بالبادية يوما، ومن حمص إلى أنطرطوس على بحر الروم غربا يومين، ومن حمص إلى سلمية على البادية شرقا يوما، ومن طبريّة من جند الأردنّ إلى صور على البحر الروميّ غربا يوما، ومنها إلى أريحا على حدود بني فزارة شرقا يوما.
المقصد الثاني في ابتداء عمارته وتسميته شاما وما يلتحق بذلك
أما إبتداء عمارته، فقد روى الحافظ بن عساكر (2) في تاريخ الشام عن هشام
__________
(1) في كشف الظنون: 2/ 990: «سرور النفس بمدارك الحواس الخمس للتيفاشي المتوفى سنة 651 هـ. وذكر صاحب قاموس الأطباء أنه شمس الدين محمد بن أبي العز، ابن منظور صاحب لسان العرب وذكر أنه رآه بخطه «والأرجح أن ابن منظور قد اختصره على ما نعهده في ابن منظور من ولع في اختصار المصنفات. وقد ذكر صاحب الأعلام: 1/ 273 «للتيفاشي كتاب اسمه: فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب، موسوعة كبيرة اختصرها صاحب لسان العرب».
(2) هو علي بن الحسن بن هبة الله، ابن عساكر الدمشقي: المؤرخ الحافظ الرحالة. كان محدّث الديار الشامية ورفيق السمعاني صاحب الأنساب في رحلاته. توفي في دمشق سنة 571هـ. (الأعلام:
4/ 273).(4/80)
ابن محمد عن أبيه: أن نوحا عليه السلام لما قسم الأرض بين بنيه لحق قوم من بني كنعان بن حام بن نوح عليه السلام بالشام فسميت الشام، حين تشاءموا إليها، يعني من أرض بابل كما جاء في الرواية الأخرى. قال: فكانت الشأم يقال لها لذلك أرض كنعان: وجاء بنو إسرائيل فأجلوهم عنها، وبقيت الشام لبني إسرائيل إلى أن غلب عليه الروم وانتزعوه منهم فأجلوهم إلى العراق إلا قليلا منهم، ثم جاء العرب فغلبوا على الشام (يعني في الفتح الإسلاميّ) ثم الشأم مهموز مقصور.
قال النّوويّ (1) في «تهذيب الأسماء واللغات» وغيره: ويجوز فيه فتح الشين والمدّ. قال: وهي ضعيفة وإن كانت مشهورة قال الجوهريّ: ويجوز فيه التذكير والتأنيث. قال النوويّ: والمشهور التذكير. وقد اختلف في سبب تسميته شاما فقيل لتشاؤم بني كنعان إليه كما تقدّم في كلام ابن عساكر، وقيل سمي بسام بن نوح لأنه نزل به، واسمه بالسريانية شام بشين معجمة، والعرب تنقلها إلى السين المهملة. وقيل لأن أرضه مختلفة الألوان بالحمرة والسّواد والبياض فسمّي شاما لذلك كما يسمّى الخال في بدن الإنسان شامة. وقيل سميت شاما لأنها عن شمال الكعبة، والشام لغة في الشمال. قال أبو بكر بن محمد (2): ويجوز فيه وجهان، أحدهما أن يكون من اليد الشؤمى وهي اليسرى، والثاني أن يكون فعلا من الشّؤم (3).
__________
(1) هو العلامة الفقيه الحافظ أبو زكريا محيي الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676هـ.
(2) الأنباري. وهو القاسم بن محمد بن بشار الأنباري: علامة بالأدب والأخبار. توفي سنة 304هـ.
(الأعلام: 5/ 181).
(3) وقال في الروض المعطار: 335 «سمي شاما لشامات هناك حمر وسود، ولم يدخلها سام بن نوح قط. وقيل إن الناس لما تفرقت لغاتهم ببابل تيامن بعضهم يمين الشمس وتشاءم بعضهم شمالها، فسميت بهذا الاسم». وقد توسّع ياقوت في ذكر الروايات حول تسمية الشام فانظره في معجم البلدان: 3/ 311وما بعدها.(4/81)
الطّرف الثالث في أنهاره وبحيراته وجباله المشهورة وزروعه وفواكهه ورياحينه ومواشيه، ووحوشه وطيوره وفيه ستة مقاصد
المقصد الأوّل في ذكر الأنهار العظام بالشام وما هو مضاف إليه مما يتكرر ذكره بذكر البلدان، وهي أربعة (1) أنهار
الأوّل نهر الفرات وهو أعظمها، وقد تقدّم في الكلام على النيل أنه شقيقه في الخروج من الجنّة. وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) قال: «لا تقوم الساعة حتّى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كلّ رجل منهم لعلّي أنا الذي أنجو به» وأوّل ابتدائه من شماليّ مدينة (أرزن الرّوم) (2) وشرقيّها، وهي آخر بلاد الروم من جهة الشرق حيث الطول أربع وستون درجة والعرض اثنتان وأربعون درجة ونصف، ثم يأخذ إلى قرب (ملطية) ثم يأخذ إلى (سميساط) (3) ثم يأخذ مشرقا ويتجاوز (قلعة الروم) من شماليّها وشرقيها، ثم يسير إلى (البيرة) من جنوبيها، ثم يمرّ مشرقا حتّى يجاوز بالس، ثم قلعة جعبر ويتجاوزها إلى الرّقّة، ثم يسير مشرّقا ويتجاوز الرّحبة من شماليّها ويسير إلى عنّة، ثم يمتدّ إلى هيت، ويمتدّ حتّى يجاوز مخرج (نهر كوثى) الآتي ذكره، فينقسم قسمين ويمرّ أحدهما: وهو الجنوبيّ إلى (الكوفة) ويتجاوزها، ويصبّ في بطائح العراق، ويمرّ الآخر: وهو أعظمها بإزاء (قصر ابن هبيرة) ويعرف هذا القسم بنهر سورا (بضم السين المهملة وآخره ألف يمدّ ويقصر) وهي قرية على النهر نسب إليها،
__________
(1) الصواب ستة أنهار كما يتضح مما سيأتي.
(2) مدينة بينها وبين ميافارقين سبعة فراسخ. ويستمد الفرات مياهه من منابع عديدة تقع شرقي تركيا يزيد ارتفاعها على ثلاثة آلاف متر. (الروض المعطار: 26والموسوعة العربية: 1278).
(3) في بعض الروايات: «شمشاط» (الروض المعطار: 439).(4/82)
ويتجاوز قصر ابن هبيرة ويسير جنوبا إلى (مدينة بابل) القديمة، ويتفرّع منه بعد أن يجاوز بابل عدة أنهر، ويمرّ عموده إلى (مدينة النيل) (1) ويجاوزها حتّى يصب في دجلة ويسمّى من بعد مجاوزة النيل (نهر الصّراة). وعلى الفرات أنهار تصبّ فيه وأنهار تخرج منه ليس بنا حاجة إلى تفصيلها.
الثاني نهر حماة: ويسمّى العاصي (2) لأن غالب الأنهر تسقي الأرض بغير دواليب ولا نواعير بل تركب البلاد بأنفسها، ونهر حماة لا يسقي إلا بنواعير تنزع الماء منه، ويسمّى أيضا النهر المقلوب: لجريه من الجنوب إلى الشمال، وغالب الأنهر إنما تجري من الشمال إلى الجنوب، واسمه القديم نهر الأرنط (3)، وأوّله نهر صغير من ضيعة قريبة من بعلبكّ في الشمال عنها على نحو مرحلة، تسمّى الرأس (4)، ويمتدّ من الرأس شمالا حتّى يصل إلى مكان يسمّى قائم الهرمل بين قرية جوسية والرأس، ويمرّ في واد هناك وينبع من هناك أكثر ماء النهر من موضع يسمّى مغارة الراهب، ويمتدّ شمالا حتّى يتجاوز (جوسية) ويمتدّ حتّى يصب في (بحيرة قدس) (5) غربيّ حمص، ويخرج من البحيرة ويتجاوز حمص إلى الرّستن، ويمتدّ إلى حماة، ثم إلى شيزر، ثم إلى بحيرة أفامية، ثم يخرج من بحيرة أفامية، ويمرّ على دركوش، ويمتدّ إلى جسر الحديد، وذلك جميعه شرقيّ جبل اللّكام. فإذا وصل إلى جسر الحديد انقطع الجبل المذكور هناك، ويستدير النهر المذكور ويرجع ويسير جنوبا بغرب ويمرّ على سور أنطاكية، ويسير كذلك مغرّبا بجنوب حتّى يصب في بحر الروم عند السّويديّة (6).
ويصب في العاصي عدّة أنهر:
__________
(1) في العراق بين الكوفة وواسط. (الروض المعطار: 586).
(2) ويسمى أيضا نهر أنطاكية. (الروض المعطار: 405).
(3) في ياقوت: «اسمه قرب أنطاكية: الأرند». (معجم البلدان: 4/ 67).
(4) وهي قرية اللبوة.
(5) اعتبر ياقوت أن مخرجه من هنا (البلدان: 4/ 67).
(6) مدينة فرضة انطاكية على البحر المتوسط. (الروض المعطار: 330).(4/83)
منها: نهر منبعه من تحت أفامية (1) يسير مغرّبا حتّى يصل إلى بحيرة أفامية ويختلط بالعاصي.
ومنها: نهر في شمال أفامية على نحو ميلين يعرف بالنهر الكبير يسير مدى قريبا ويصب في بحيرة أفامية، ويخرج منها مع العاصي.
ومنها: النهر الأسود، يجري من الشمال ويمرّ تحت دربساك ويمتدّ حتّى يصبّ في بحيرة أنطاكية ويخرج منها ويصب في العاصي.
ومنها: نهر يغرا بفتح الياء المثناة تحت وسكون الغين المعجمة وفتح الراء المهملة ثم ألف مقصورة بلدة هناك يمرّ عليها ويصب في النهر الأسود المذكور.
ومنها: عفرين بكسر العين المهملة وسكون الفاء وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة تحت ونون في الآخر وهو نهر يأتي من بلاد الروم ويمرّ على الرّاوندان إلى الجومة ويمرّ في الجومة إلى العمق ويختلط بالنهر الأسود.
الثالث نهر الأردنّ. والأردنّ بضم الهمزة وسكون الراء المهملة وضم الدال المهملة أيضا وتشديد النون. كذا ضبطه السمعانيّ في «اللّباب» (2) قال:
وهي بلدة من بلاد الغور من الشام نسب إليها النهر ويسمى الشريعة أيضا، وأصله من أنهار تصب من جبل الثلج إلى بحيرة بانياس، ثم يخرج من البحيرة المذكورة ويصب في بحيرة طبريّة، ويمتدّ جنوبا، وهناك يصب في اليرموك بين بحيرة طبريّة المذكورة وبين القصير، ويمتدّ في وسط الغور جنوبا حتّى يجاوز بيسان، ويمتدّ في الجنوب كذلك إلى أريحا، ولا يزال يمتدّ في الجنوب حتّى يصب في بحيرة زغر
__________
(1) تقع على مسيرة خمسة وعشرين ميلا شمالي غرب حماة وتسمى الآن قلعة المضيق. (دائرة المعارف: 3/ 576).
(2) أما السمعاني (عبد الكريم بن محمد المروزي المتوفى سنة 562هـ) فقد سمى كتابه:
«الأنساب». هذا وقد اختصره ابن الأثير الجزري وسماه: «اللباب» ثم لخصه السيوطي وسماه:
«لب اللباب» ثم لخصه أيضا القاضي قطب الدين بن محمد الخيضري الشافعي وسماه:
«الاكتساب». (كشف الظنون: 1/ 179، والأعلام: 4/ 55).(4/84)
وهي البحيرة المنتنة المعروفة ببحيرة لوط.
الرابع نهر العوجاء بفتح العين المهملة وسكون الواو وفتح الجيم وبعدها ألف ويسمّى نهر أبي فطرس (بضم الفاء وبالطاء والراء والسين المهملات) وهو نهر شماليّ مدينة الرملة من فلسطين باثني عشر ميلا، ومنبعه من تحت جبل الخليل عليه السلام مقابل قلعة خراب هناك تسمّى مجد اليابا (1)، ويجري هذا النهر من الشرق إلى الغرب، ويصب في بحر الروم جنوبيّ غابة أرسوف، ومن منبعه إلى مصبه دون مسافة يوم. قال في «العزيزي»: وما التقى عليه جيشان إلا غلب الغربيّ وانهزم الشرقيّ وسيأتي الكلام على أنهار دمشق في الكلام على حاضرتها إن شاء الله تعالى إذ لا يتعدّاها إلى غيرها من البلاد.
الخامس نهر جيحان (2). بفتح الجيم وسكون الياء المثناة تحت وفتح الحاء المهملة وبعد الألف نون وتسميه العامّة جهان بجيم وهاء مفتوحتين وألف ثم نون، وربما زادوا ألفا بعد الجيم فقالوا جاهان (3)، وإليه تنسب الفتوحات الجاهانية (4) الآتي ذكرها. قال: في «رسم المعمور» (5): وأوّله عند طول ستين درجة وعرض أربعين درجة، وهو نهر يقارب الفرات في الكبر، ويمرّ بسيس، ويسير من الشّمال إلى الجنوب بين جبال في حدود الروم حتّى يبلغ المصيّصة من شماليّها حيث الطول تسع وخمسون وكسر والعرض ست وثلاثون درجة، وعرض (6) خمس عشرة وجريانه عندها من المشرق إلى المغرب، ويتجاوز
__________
(1) في معجم البلدان: 5/ 57 «مجدليابه».
(2) وكتب أيضا في الأزمنة المتأخرة: جاهان، ولعل ذلك كان وفقا للنطق الأرمني، وهو الاسم العربي الذي يطلق على وهو النهر الشرقي من النهرين اللذين يخترقان سهول كيليكية. وينبع من نبع فياض غير بعيد من البستان. وقد تغير المصب الرئيسي لهذا النهر كثيرا خلال القرون المتعاقبة بسبب تراكم الغرين في دلتاه وهو يصب اليوم في خليج إلى الغرب من أياس. وفي عهد المماليك خلع اسمه على البلاد التي انتزعها الناصر محمد بن قلاوون من دولة كيليكية الأرمنية والتي عرفت باسم الفتوحات الجاهانية. (دائرة المعارف: 13/ 99).
(3) وكتب أيضا في الأزمنة المتأخرة: جاهان، ولعل ذلك كان وفقا للنطق الأرمني، وهو الاسم العربي الذي يطلق على وهو النهر الشرقي من النهرين اللذين يخترقان سهول كيليكية. وينبع من نبع فياض غير بعيد من البستان. وقد تغير المصب الرئيسي لهذا النهر كثيرا خلال القرون المتعاقبة بسبب تراكم الغرين في دلتاه وهو يصب اليوم في خليج إلى الغرب من أياس. وفي عهد المماليك خلع اسمه على البلاد التي انتزعها الناصر محمد بن قلاوون من دولة كيليكية الأرمنية والتي عرفت باسم الفتوحات الجاهانية. (دائرة المعارف: 13/ 99).
(4) وكتب أيضا في الأزمنة المتأخرة: جاهان، ولعل ذلك كان وفقا للنطق الأرمني، وهو الاسم العربي الذي يطلق على وهو النهر الشرقي من النهرين اللذين يخترقان سهول كيليكية. وينبع من نبع فياض غير بعيد من البستان. وقد تغير المصب الرئيسي لهذا النهر كثيرا خلال القرون المتعاقبة بسبب تراكم الغرين في دلتاه وهو يصب اليوم في خليج إلى الغرب من أياس. وفي عهد المماليك خلع اسمه على البلاد التي انتزعها الناصر محمد بن قلاوون من دولة كيليكية الأرمنية والتي عرفت باسم الفتوحات الجاهانية. (دائرة المعارف: 13/ 99).
(5) «رسم المعمور من البلاد» للخوارزمي.
(6) في تقويم أبي الفداء: «وخمس عشرة دقيقة».(4/85)
المصّيصة ويصبّ بالقرب منها في بحر الروم.
السادس نهر سيحان. بفتح السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الحاء المهملة وبعدها ألف ثم نون. قال في «رسم المعمور»: وأوّله عند طول ثمان وخمسين، وعرض أربع وأربعين ويمرّ ببلاد الروم إلى الجنوب عند مجرى جيحان المتقدّم ذكره، ويسير حتّى يمرّ ببلاد الأرمن، ويمرّ على سور أذنة من شرقيها حيث الطول تسع وخمسون بغير كسر، والعرض ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، ويتجاوز أذنة ويلتقي مع جيحان المتقدّم ذكره ويصيران نهرا واحدا، ويصبّان في بحر الروم بين آياس وطرسوس على ما تقدّم ذكره.
المقصد الثاني في ذكر بحيراته، وهي ثمان بحيرات
الأولى بحيرة طبريّة. قال الزجاجي (1): سميت طبريّة بطباري ملك من ملوك الروم، وهي في أول الغور، يدخل إليها نهر الشريعة المنصبّ في بحيرة بانياس الآتي ذكرها، ودورها نحو مسيرة يومين، ووسطها حيث الطول ثمان وخمسون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون، وهي قرعاء، ليس بها قصب نابت.
وطبريّة مدينة خراب على شاطيء البحيرة المذكورة من جانبها الغربيّ، قال العثماني (2) في «تاريخ صفد»: ويقال إن قبر سليمان بن داود عليهما السلام بهذه البحيرة.
الثانية بحيرة زغر وتعرف ببحيرة سدوم وبحيرة لوط، وهي بحيرة منتنة ليس لها سمك ولا يأوي إليها طير، وفيها مصب نهر الأردنّ المسمّى بالشريعة عند
__________
(1) هو يوسف بن عبد الله الزجاجي الجرجاني المتوفى سنة 415هـ. أديب لغوي محدّث. له: عمدة الكتاب واشتقاق الأسماء. (الأعلام: 8/ 239).
(2) هو القاضي شمس الدين العثماني قاضي صفد. قال في كشف الظنون: «قال ابن حجر: لا ينبغي أن يعتمد على نقله لغفلة فيه». (كشف الظنون: 1/ 297).(4/86)
نهايته، ويغيض الماء فيها ولا يخرج منها شيء من الأنهار، وهي في آخر الغور من جهة الجنوب، ودورها فوق مسيرة يومين، ووسطها حيث الطول تسع وخمسون درجة والعرض إحدى وثلاثون.
الثالثة بحيرة بانياس. وهي بحيرة بالقرب من بانياس من مقابلة دمشق تصبّ فيها عدّة أنهار من جبل هناك، ويخرج منها نهر الشريعة ويصبّ في بحيرة البريّة المتقدّم ذكرها، وبها غابة قصب.
الرابعة بحيرة البقاع. وهي مستنقع ماء في جهة الغرب عن بعلبك على مسيرة يوم منها. بها هيش (1) وغابات قصب.
الخامسة بحيرة دمشق. وهي بحيرية في شرقيّ غوطة دمشق بميلة يسيرة إلى الشمال يصب إليها فضلة نهر بردى وغيره، وتتسع في أيام الشتاء وتضيق في أيام الصيف، وبها غابات قصب، وفيها أماكن تحمي من العدوّ.
السادسة بحيرة قدس. بفتح القاف والدال وفي آخرها سين مهملة.
وهي بحيرة في أرض مستوية، عن حمص في جهة الغرب على بعض يوم منها، وطولها من الشمال إلى الجنوب نحو ثلث مرحلة وفي طرفها الشمالي سدّ ممتدّ في طولها مبنيّ بالحجر من بناء الأوائل ينسب بناؤه إلى الإسكندر طوله شرقا وغربا ألف ومائتان وسبعة وثمانون ذراعا، وعرضه ثمانية عشر ذراعا ونصف ذراع، وعلى وسط السدّ برجان من حجر أسود.
السابعة بحيرة أفامية. وهي عدّة بطائح في الغرب بميلة إلى الشمال عن أفامية بين غابات من القصب، يصب فيها النهر العاصي من جهة الجنوب. وبها بحيرتان جنوبية وشمالية يصاد فيهما السمك، فالجنوبية منهما بحيرة أفامية المذكورة، وسعتها بالتقريب نحو نصف فرسخ، وقعرها قريب قامة، وأرضها
__________
(1) يطلق على ما يشبه الحشائش والحجنة والبوط من نباتات المستنقعات من الفصيلة السعدية. وتصنع منها الحصر والمقاعد القش. (الموسوعة العربية: 1928).(4/87)
موحلة لا يقدر الإنسان على الوقوف فيها، وبوسطها جمم قصب وبرديّ وحولها القصب والصّفصاف، وبها من أنواع الطير مالا يحصى كثرة، وينبت بها في زمن الربيع اللّينوفر الأصفر حتّى يستر الماء عن آخره بورقه وزهره. والبحيرة الشمالية من عمل حصن برزوية بقدر بحيرة أفامية أربع مرات، ووسطها مكشوف، وينبت اللّينوفر بجانبيها الجنوبيّ والشماليّ وبينها وبين بحيرة أفامية المذكورة زقاق تسير فيه المراكب من إحداهما إلى الأخرى. قال في «تقويم البلدان»: ويعتبر طول هذه البطائح وعرضها بأفامية.
الثامنة بحيرة أنطاكية. وهي بحيرة بين أنطاكية وبغراس وحارم في أرض تعرف بالعمق (بفتح العين المهملة وسكون الميم) من معاملة حلب شماليّ أنطاكية على مسيرة يومين من حلب في جهة الغرب عنها. وفيها مصبّ نهر عفرين والنهر الأسود ونهر يغرا المتقدّم ذكرها، ودورها نحو مسيرة يوم، وآجام القصب محيطة بها وفيها من الطير والسمك نحو ما تقدّم ذكره في بحيرة أفامية. قال في «تقويم البلدان»: وطولها طول أنطاكية تقريبا، وعرضها أكثر من عرضها بدقائق.
المقصد الثالث في ذكر جباله المشهورة التي يتعلق بها كثير من المقاصد وهي عدة أجبل
منها: (جبل الثّلج) بالثاء المثلثة والجيم، وما يتصل به. قال في «تقويم البلدان»: والطرف الجنوبيّ لهذا الجبل بالقرب من صفد. قال في «رسم المعمور» حيث الطول تسع وخمسون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة. قال: في «تقويم البلدان»: ثم يمتدّ إلى الشمال ويتجاوز دمشق. فإذا صار في شماليّها، سمّي جبل (سنير) ويسمى جانبه المطل على دمشق جبل (قاسيون) ويتجاوز دمشق ويمرّ غربيّ بعلبكّ، ويسمى الجبل المقابل لبعلبك جبل (لبنان) بلام (1) مكسورة وباء موحدة ساكنة ونون مفتوحة
__________
(1) ضبطه ياقوت والبكري بضم اللام. (البلدان: 5/ 11والبكري: 1150).(4/88)
بعدها ألف ونون ثانية وإذا تجاوز بعلبكّ وصار شرقيّ طرابلس سمي جبل (عكّار) بعين مهملة مفتوحة وكاف مشدّدة وراء مهملة في الآخر إضافة إلى حصن بأعلاه يسمى عكّارا، ثم يمرّ شمالا ويتجاوز طرابلس إلى حصن الأكراد من عمل طرابلس، ويسامت حمص من غربيها على مسيرة يوم ويمتدّ حتى يجاوز سمت حماة، ثم سمت شيزر، ثم سمت أفامية، ويسمّى قبالة هذه البلاد جبل (اللّكام) (1) بضم اللام. قال في «رسم المعمور»: وجبل اللّكام يمتدّ إلى أن يصير بينه وبين جبل شحشبو، اتساعه نصف يوم حتى يتجاوز صهيون والشّغر وبكاس والقصير وينتهي إلى أنطاكية فينقطع هناك ويصير قبالة جبال الأرمن.
قال في «تقويم البلدان»: ويقابل جبل اللّكام المذكور عند مسامتته لأفامية المتقدّمة الذكر جبل آخر من شرقيه، يسمّى جبل (شحشبو) بشين معجمة مفتوحة وحاء مهملة ساكنة وشين ثانية مفتوحة بعدها باء موحدة مضمومة ثم واو إضافة إلى قرية هناك تسمّى بذلك، ويمرّ من الجنوب إلى الشّمال على غربيّ المعرّة وسرمين وحلب، ثم يأخذ غربا ويتصل بجبال الروم.
ومنها: (جبل عاملة) وهو جبل ممتدّ في شرقيّ ساحل بحر الروم وجنوبيّة، حتّى يقرب من مدينة صور، وعليه شقيف أرنون (2)، نزله بنو عاملة بن سبإ من عرب اليمن عند تفرّقهم بسيل العرم فعرف بهم.
ومنها: (جبل عوف) وهو جبل بالقرب من عجلون. كان ينزله قوم من بني عوف من جرم قضاعة فعرف بهم، وكانوا عصاة لا يدخلون تحت طاعة حتّى بنى عليهم أسامة أحد أمراء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب قلعة عجلون فدخلوا تحت الطاعة على ما سيأتي ذكره.
ومنها: (جبل الصّلت) إضافة إلى مدينة الصّلت الآتي ذكرها في أعمال
__________
(1) ويسمى أيضا: جبل أمانوس وألماطاغ (دائرة المعارف: 4/ 365وما بعدها).
(2) وهي قلعة حصينة في جنوب لبنان قرب بلدة النبطية. ويعرف هذا الحصن أيضا باسم «قلعة بوفور» وهو الاسم الذي أطلقه عليه الفرنجة في زمانهم. (منطلق تاريخ لبنان: 132).(4/89)
دمشق. وهو جبل في شرقيّ جبل عوف وشماليّه، كان أهله عصاة حتى بنى عليهم المعظّم عيسى بن العادل حصن الصّلت فدخلوا في الطاعة.
المقصد الرابع في ذكر زروعه وفواكهه ورياحينه
أما زروعه فغالبها على المطر. قال في «مسالك الأبصار»: ومنها ما هو على سقي الأنهار وهو قليل، وفيه من الحبوب من كل ما يوجد في مصر من البرّ والشعير والذرة والأرزّ والباقلّا والبسلّة والجلبان، واللّوبياء والحلبة، والسّمسم والقرطم، ولا يوجد فيه الكتان والبرسيم، وبه من أنواع البطّيخ والقثّاء ما يستطاب ويستحسن، وكذلك غيرها من المزدرعات كالقلقاس والملوخيّا والباذنجان واللّفت والجزر والهليون والقنّبيط والرّجلة (1) والبقلة اليمانية، وغير ذلك من أنواع الخضروات المأكولة وقصب السّكّر في أغواره إلا أنه لم يبلغ في الكثرة حدّ مصر.
وأما فواكهه، ففيه من كل ما يوجد في مصر كالتين والعنب والرّمّان والقراصيا والبرقوق والمشمش والخوخ وهو المسمّى بالدّراقن والتوت والفرصاد، ويكثر بها (2) التّفّاح والكمّثرى والسّفرجل مع كونها أكثر أنواعا وأبهج منظرا، ويزيد عليه فواكه أخر لا توجد بمصر، وربما وجد بعضها في مصر على الندور الذي لا يعتدّ به كالجوز والبندق والإجّاص والعنّاب والزّعرور، والزّيتون فيه الغاية في الكثرة، ومنه يعتصر الزيت وينقل إلى أكثر البلدان وغير ذلك، وبأغوارها أنواع المحمّضات كالأترجّ (3) واللّيمون والكبّاد (4) والنّارنج ولكنه لا يبلغ
__________
(1) وتسمى البقلة الحمقاء والفرفحين. تؤكل أوراقها، وتنمو حشيشا في الحدائق والحقول مع بعض المحاصيل.
(2) أي بالشام. وأنث باعتبار البلاد. وقوله: ويزيد عليه أي على مصر.
(3) ويسمى أيضا: تفاح ميديا أو تفاح فارس، من الفصيلة السذبية التي تضم الحمضيات الأخرى.
(الموسوعة العربية: 49).
(4) من فصيلة الأترج من الحمضيات غير أنه لا يؤكل بل يصنع منه المربّى. (عبد النور: 1532 والمنهل: 176).(4/90)
في ذلك حدّ مصر، وكذلك الموز ولا يوجد البلح والرّطب فيه أصلا. قال في «مسالك الأبصار»: وفيه فواكه تأتي في الخريف وتبقى إلى الربيع كالسّفرجل والتّفّاح والعنب.
وأما رياحينه، ففيه كلّ ما في مصر من الآس والورد والنّرجس والبنفسج والياسمين والنّسرين، ويزيد على مصر في ذلك خصوصا الورد حتى إنه يستقطر منه ماء الورد وينقل منه إلى سائر البلدان. قال في «مسالك الأبصار»: وقد نسي به ما كان يذكر من ماء ورد جور ونصيبين.
المقصد الخامس في ذكر مواشيه ووحوشه وطيوره
أما مواشيه ففيه جميع ما تقدّم من مواشي مصر من الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير، إلا أن أبقاره لا تبلغ في العظم مبلغ أبقار مصر، وأغنامه لا تبلغ في طيبة اللحم مبلغ أغنامها، وحميرة لم تبلغ في الفراهة مبلغ حميرها.
وأما وحوشه، ففيه الغزلان والأرانب والأسود وكثير من أنواع الوحوش المختلفة مما لا يوجد مثله في مصر.
وأما طيوره، ففيه الإوزّ والدّجاج والحمام وأنواع طيور الماء المختلفة الأنواع. قال في «مسالك الأبصار»: ولا تكون الفراريج فيها إلا بحضانة ولا تنجع فيها المعامل التي تعمل لإخراج الفراريج في مصر. قال: ويذكر أن رجلا من أهل مصر عمل فيها معملا في حاضرة العقيبة فصعد له العمل فيه في الصيف دون الخريف.
المقصد السادس في ذكر النفيس من مطعوماتها
فيها العسل بقدر متوسط، ويعمل فيها السّكّر الوسط والمكرر، والشراب
موجود فيها دون مصر، وأكثر حلواها من العسل والمنّ (1).(4/91)
فيها العسل بقدر متوسط، ويعمل فيها السّكّر الوسط والمكرر، والشراب
موجود فيها دون مصر، وأكثر حلواها من العسل والمنّ (1).
الطّرف الرابع في ذكر جهاته وكوره القديمة وقواعده المستقرّة وأعمالها، وفيه مقصدان
المقصد الأول في ذكر جهاته وكوره القديمة
قد قسّم المتقدّمون الشام إلى خمسة أجناد جمع جند بضم الجيم وإسكان النون ودال مهملة في الآخر كما ضبطه الجوهريّ وغيره.
الأول (جند فلسطين) وفلسطين بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين وكسر الطاء المهملتين وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر. قال الزجاجيّ:
سميت بفلسطين بن كلثوم من ولد فلان بن نوح، بلدة كانت قديما نسبت الكورة إليها. قال ابن حوقل: وهو أول الأجناد الخمسة من جهة الغرب من رفح إلى حدّ اللّجّون، وعرضه من يافا إلى أريحا نحو يومين. قال ابن الأثير: هي كورة كبيرة تشتمل على بلاد المقدس وغزّة وعسقلان. قال ابن حوقل: وهي أرخى بلاد الشام.
الثاني (جند الأردنّ) والأردنّ بلدة قديمة من بلاد الغور نسبت الكورة إليها، وقد مرّ ضبطها في الكلام على نهر الأردنّ عند ذكر الأنهار، وقد نسبت الكورة إليها كما نسب إليها النهر المتقدّم ذكره. قال ابن حوقل: وديار قوم لوط والبحيرة المنتنة وزغر إلى بيسان وإلى طبريّة تسمّى الغور: لأنه بين جبلين، وسائر بلاد الشام مرتفعة عليه. قال: وبعضها من الأردنّ وبعضها من فلسطين.
الثالث (جند دمشق) وسيأتي الكلام عليها في قواعد الشام المستقرّة.
الرابع (جند حمص) وسيأتي الكلام عليها في الصفقة الشرقية من
__________
(1) المنّ مادة صمغية حلوة تفرزها بعض الأشجار كالأثل. (الوسيط: 888).(4/92)
صفقات دمشق.
الخامس (جند قنّسرين). قال في «اللّباب»: بكسر القاف وفتح النون المشددة وسكون السين وكسر الراء المهملتين ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ونون في الآخر. قال الزجاجيّ: وقد روي أنها سميت برجل من قيس (1) يقال له ميسرة، نزلها فمرّ به رجل فقال له: ما أشبه هذا الموضع بقنّ سيرين (2)! فبني منه اسم للمكان فقيل: قنّسرين. وقيل: دعا أبو عبيدة ميسرة بن مسروق القيسيّ (3) فوجهه في ألف فارس في أثر العدوّ فمرّ على قنّسرين فجعل ينظر إليها فقال: ما هذه؟
فسمّيت له بالرومية. فقال: والله كأنها قنّسرين. قال: وهذا يدل على أن قنّسرين اسم مكان آخر عرفه ميسرة فشبّه به هذا فسميت به.
قال ابن الأنباريّ: وفي إعرابها قولان:
أحدهما أنها تجري مجرى قولك الزيدون فتجعلها في الرفع بالواو فيقول هذه قنّسرون وفي الخفض والنصب بالياء فتقول مررت بقنّسرين ودخلت قنسرين.
القول الثاني أن تجعلها بالياء على كل حال وتجعل الإعراب في النون ولا تصرفها.
وهي قاعدة من قواعد الشأم القديمة على القرب من حلب كان الجند ينزلها في ابتداء الإسلام، ثم ضعفت بحلب وخربت وصارت قرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على حلب إن شاء الله تعالى.
قال ابن الأثير: وكل جند منها عرضه من ناحية الفرات إلى ناحية فلسطين، وطوله من الشرق إلى البحر، وحكاه في «التعريف» على وجه آخر فقال: للناس
__________
(1) في معجم البلدان: «برجل من عبس» قال: سمّيت قنسرين لأن ميسرة بن مسروق العبسي مر عليها فلما نظر إليها قال: ما هذه؟ فسميت له بالرومية، فقال: والله لكأنها قنّ نسر فسميت قنّسرين.
(البلدان: 4/ 403).
(2) في معجم البلدان: «برجل من عبس» قال: سمّيت قنسرين لأن ميسرة بن مسروق العبسي مر عليها فلما نظر إليها قال: ما هذه؟ فسميت له بالرومية، فقال: والله لكأنها قنّ نسر فسميت قنّسرين.
(البلدان: 4/ 403).
(3) في معجم البلدان: «برجل من عبس» قال: سمّيت قنسرين لأن ميسرة بن مسروق العبسي مر عليها فلما نظر إليها قال: ما هذه؟ فسميت له بالرومية، فقال: والله لكأنها قنّ نسر فسميت قنّسرين.
(البلدان: 4/ 403).(4/93)
في الشأم أقوال، فمنهم من لا يجعله إلا شاما واحدا [ومنهم من يجعله شامات، فيجعلون بلاد فلسطين والأرض المقدّسة إلى الأردنّ شاما] (1) ويقولون الشام الأعلى ويجعلون دمشق وبلادها من الأردنّ إلى الجبال المعروفة بالطّوال شاما، ويقع على قرية النّبك وما هو على خطها ويجعلون سوريّا: وهي حمص وبلادها إلى رحبة مالك بن طوق شاما، ويجعلون حماة وشيزر من مضافاتها. وثمّ من يجعل منها حماة دون شيزر ويجعلون قنّسرين وبلادها وحلب مما يدخل في هذا إلى جبال الروم وبلاد العواصم والثّغور وهي بلاد سيس شاما. ثم قال: أما عكّا وطرابلس وكل ما هو على ساحل البحر فكلّ ما قابل منه شيئا من الشامات حسب منه. قال: ونبهنا على ذلك كله ليعرف. ثم قال: أما ما هو في زماننا وعليه قانون ديواننا فإنه إذا قال سلطاننا بلاد الشام ونائب الشام لا يريد به إلا دمشق ونائبها.
وسيأتي الكلام على حدود ولايته في الكلام على نيابة دمشق إن شاء الله تعالى.
المقصد الثاني في ذكر قواعده المستقرّة وأعمالها، وهي ستّ قواعد، كلّ قاعدة منها تعدّ مملكة بل كانت كلّ قاعدة منها مملكة مستقلة بسلطان في زمن بني أيوب
القاعدة الأولى دمشق وفيها جملتان
الجملة الأولى في حاضرتها
وهي بكسر الدال المهملة وفتح الميم وسكون الشين المعجمة وقاف في الآخر. وتسمى أيضا جلّق بجيم مكسورة ولام مشدّدة مفتوحة وقاف في الآخر.
وبذلك ذكرها حسّان بن ثابت رضي الله عنه في مدحه لبني غسّان: ملوك العرب بالشأم بقوله:
__________
(1) الزيادة عن ضوء الصبح للمؤلف ليستقيم الكلام. (حاشية الطبعة الأميرية: 4/ 90).(4/94)
لله درّ عصابة نادمتهم ... يوما بجلّق في الزّمان الأوّل
وحكى في «الروض المعطار» تسميتها جيرون بفتح الجيم وسكون الياء المثناة تحت وضم الراء المهملة وسكون الواو ونون في الآخر وسماها في موضع آخر العذراء بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح الراء المهملة وألف بعدها وموقعها في أواخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» (1): وطولها ستون درجة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة.
وقد اختلف في بانيها: فقيل بناها نوح عليه السلام وذلك أنه لما نزل من السفينة أشرف فرأى تلّ حراف (2) بين نهري حراف وديصاف (3)، فأتاه فبنى حراف، ثم سار فبنى دمشق، ثم رجع إلى بابل فبناها. وقيل بناها جيرون بن سعد بن عاد، وبه سميت جيرون. ويقال إن جيرون وبريدا كانا أخوين وهما ابنا سعد بن لقمان بن عاد، وبهما يعرف باب جيرون وباب البريد من أبوابها. وقيل بناها العازر: غلام إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام، وكان حبشيّا وهبه له نمرود بن كنعان حين خرج إبراهيم من النار، وكان اسمه دمشق فسماها باسمه.
وفي «كتاب فضائل الفرس» لأبي عبيد (4) أن بيوراسب ملك الفرس بناها. وقيل إن الذي بناها ذو القرنين عند فراغه من السدّ ووكّل بعمارتها غلاما له اسمه دمشقش وسكنها دمشقش ومات فيها فسميت به. وهي مدينة عظيمة البناء ذات سور (5) شاهق ولها سبعة (6) أبواب: باب كيسان، وباب شرقيّ، وباب توما،
__________
(1) القانون المسعودي لأبي الريحان محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي المتوفى سنة 430هـ.
(كشف الظنون: 1314).
(2) كذا في الضوء أيضا ولم نعثر على هذين الاسمين. (حاشية الطبعة الأميرية: 4/ 92).
(3) كذا في الضوء أيضا ولم نعثر على هذين الاسمين. (حاشية الطبعة الأميرية: 4/ 92).
(4) في الفهرست: ص 79 «أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي المتوفى سنة 210أو 211هـ.
(5) في الروض المعطار: ص 237 «ولها سور تراب».
(6) في الروض المعطار: «أربعة أبواب» وهي: باب الجابية وباب توما وباب الغوطة وباب الفراديس وهو باب كيسان. وقد جعل صاحب الروض المعطار باب توما جنوبيّا وهو شمالي عند ابن عساكر.
وعند ابن عساكر أيضا فإن باب كيسان هو غير باب الفراديس ويضيف: وهو الآن مسدود.
(المرجع السابق وحاشية الصفحة 238).(4/95)
وباب الصغير، وباب الجابية، وباب الفراديس، والباب المسدود.
وروى الحافظ بن عساكر عن أبي القاسم تمّام بن محمد (1): أن بانيها جعل كل باب من هذه لكوكب من الكواكب السبعة، وصوّر عليه صورته، فجعل باب كيسان لزحل، وباب شرقيّ للشمس، وباب توما للزّهرة، وباب الصغير للمشتري، وباب الجابية للمرّيخ، وباب الفراديس لعطارد، والباب المسدود للقمر. وعلى كل حال فهي مدينة حسنة الترتيب، جليلة الأبنية، ذات حواجز بنيت من جهاتها الأربع وغوطتها أحد مستنزهات الدنيا العجيبة المفضلة على سائر مستنزهات الأرض، وكذلك الرّبوة وهي كهف في فم واديها الغربيّ، عنده تنقسم مياهها، يقال إن به مهد عيسى عليه السلام. وبها الجوامع والمدارس، والخوانق والرّبط والزوايا والأسواق المرتبة والديار الجليلة المذهبة السّقف المفروشة بالرخام المنوّع، ذات البرك والماء الجاري. وربما جرى الماء في الدار الواحدة في أماكن منها والماء محكّم عليها من جميع نواحيها بإتقان محكم وهي في وطاءة مستوية من الأرض بارزة عن الوادي المنحطّ عن منتهى ذيل الجبل، مكشوفة الجوانب لممر الهواء إلا من الشّمال فإنه محجوب بجبل قاسيون، وبذلك تعاب وتنسب إلى الوخامة. قال في «مسالك الأبصار»: ولولا جبلها الغربيّ (2) الملبّس بالثلوج صيفا وشتاء، لكان أمرها في ذلك أشدّ، وحال سكّانها أشقّ ولكنه درياق (3) ذلك السم، ودواء ذلك الداء. وهي مستديرة به من جميع نواحيه. قال في «مسالك الأبصار»: وغالب بنائها بالحجر ودورها أصغر مقادير من دور مصر لكنها أكثر زخرفة منها وإن كان الرخام بها أقل، وإنما هو أحسن أنواعا. قال:
وعناية أهلها بالمباني كثيرة، ولهم في بساتينهم منها ما تفوق به وتحسن بأوضاعه وإن كانت حلب أجلّ بناء لعنايتهم بالحجر، فدمشق أزين وأكثر رونقا لتحكم الماء على مدينتها وتسليطه على جميع نواحيها، ويستعمل في عماراتها خشب
__________
(1) من حفاظ الحديث، مغربي الأصل، توفي سنة 414هـ (الأعلام: 2/ 87).
(2) المقصود جبل الشيخ.
(3) يقال: الدرياق والترياق، وهو ما يمنع امتصاص السمّ. (الوسيط: 85).(4/96)
الحور بالحاء والراء المهملتين بدلا من خشب النخل إلا أنه لا يغشّى بالبياض ويكتفى بحسن ظاهره. وأشرف دورها ما قرب، وأجلّ حاضرتها ما هو في جانبيها:
الغربيّ والشّماليّ.
فأما جانبها الغربيّ ففيه قلعتها وهي قلعة حسنة مرجلة على الأرض، تحيط بها وبالمدينة جميعها أسوار عالية، يحيط بها خندق يطوف الماء منه بالقلعة. وإذا دعت الحاجة إليه أطلق على جميع الخندق المحيط بالمدينة فيعمها وتحت القلعة ساحة فسيحة بها سوق الخيل، على جانب واد ينتهي فيه مما يلي القلعة إلى شرفين محيطين به في جهتي القبلة والشّمال، في ذيل كل منهما ميدان ممرّج بالنجيل الأخضر، والوادي يشق بينهما. وفي الميدان القبليّ منهما القصر الأبلق وهو قصر عظيم مبنيّ من أسفله إلى أعلاه بالحجر الأسود والأصفر بتأليف غريب، وإحكام عجيب بناه الظاهر بيبرس البندقداريّ في سلطنته، وعلى مثاله بنى الناصر محمد بن قلاوون القصر الأبلق بقلعة الجبل بمصر، وأمام هذا القصر دركاه (1) يدخل منها إلى دهليز القصر، وهو دهليز فسيح يشتمل على قاعات ملوكية مفروشة بالرّخام الملون البديع الحسن، مؤزّر بالرخام المفصل بالصّدف والفصّ المذهب إلى سجف السقوف، وبالدار الكبرى به إيوانان متقابلان تطل شبابيك شرقيهما على الميدان الأخضر، وغربيهما على شاطىء واد أخضر يجري فيه نهر، وله رفارف عالية تناغي السّحب، تشرف من جهاتها الأربع على جميع المدينة والغوطة.
والوادي كامل المنافع بالبيوت الملوكية والإصطبلات السلطانية والحمّام وغير ذلك من سائر ما يحتاج إليه وبالدركاه التي أمام القصر المتقدّم ذكرها جسر معقود على جانب الوادي يتوصّل منه إلى إيوان برانيّ يطلّ منه على الميدان القبليّ، استجدّه أقوش الأفرم في نيابته في الأيام الناصرية ابن قلاوون، وتجاه باب القصر
__________
(1) لفظ فارسي معناه الساحة أو الفناء أو الحوش المؤدي إلى بناء كبير مثل القصر والقلعة. ويجمع على دركاوات. (مصطلحات الصبح: ص 135).(4/97)
باب يتوصّل من رحبته إلى الميدان الشماليّ وعلى الشرفين المتقدّم ذكرهما أبنية جليلة من بيوت ومناظر ومساجد ومدارس وربط وخوانق وزوايا وحمّامات ممتدة على جانبين ممتدّين طول الوادي.
ولهذه القلعة نائب بمفردها غير نائب بمفردها غير نائب دمشق يحفظها للسلطان ولا يمكّن أحدا من طلوعها من النائب أو غيره. وإذا دخل السلطان دمشق نزل بها. وبها تخت ملك لغيرها من ديار الملك.
وأما جانبها الشّماليّ ويسمّى العقيبة، فهو مدينة مستقلة بذاتها ذات أبنية جليلة وعمائر ضخمة، يسكنها كثير من الأمراء والجند، وبإزاء المدينة في سفح جبل قاسيون مدينة (الصالحية): وهي مدينة ممتدّة في سفح الجبل بإزاء المدينة في طول مدى يشرف على دمشق وغوطتها، ذات بيوت (1) ومدارس وربط وأسواق وبيوت جليلة، وبأعاليها مع ذيل الجبل مقابر دمشق العامّة، ولكل من دمشق والصالحية البساتين الأنيقة بتسلسل جداولها وتغنّي دوحاتها، وبتمايل أغصانها وتغرّد أطيارها، وفي بساتين النّزهة بها العمائر الضّخمة، والجواسق (2) العليّة، والبرك العميقة، والبحيرات الممتدّة، تتقابل بها الأواوين والمجالس، وتحفّ بها الغراس والنصوب المطرّزة بالسّر والملتفّ، والحور الممشوق القدّ والرياحين المتأرجة الطيب، والفواكه الجنيّة، والثمرات الشّهيّة، والأشياء البديعة، التي تغني شهرتها عن الوصف، ويقوم الإيجاز فيها مقام الإطناب.
ومسقى دمشق وبساتينها من نهر يسمّى بردى بفتح الباء الموحدة والراء والدال المهملتين وبآخره ألف. أصل مخرجه من عينين: البعيدة منهما دون قرية تسمّى الزّبدانيّ، ودونها عين بقرية تسمّى الفيجة، بذيل جبل يخرج الماء من صدع في نهاية سفله قد عقد على مخرج الماء منه عقد روميّ البناء، ثم ترفده منابع في مجرى النهر ثم يقسم النهر على سبعة أنهر: أربعة غربية: وهي نهر داريّا،
__________
(1) لعله ذات مساجد.
(2) جمع: جوسق وهو القصر الصغير، والقلعة أيضا. (الوسيط: 147).(4/98)
ونهر المزّة، ونهر القنوات، ونهر باناس. واثنان شرقية وهما نهر يزيد، ونهر ثورا ونهر بردى ممتدّ بينهما.
فأما نهر باناس ونهر القنوات، فهما نهرا المدينة حاكمان عليها ومسلّطان على ديارها، يدخل نهر باناس القلعة، ثم ينقسم قسمين: قسم للجامع وقسم للقلعة، ثم ينقسم كلّ قسم منهما على أقسام كثيرة ويتفرّق في المدينة بأصابع مقدّرة معلومة، وكذلك ينقسم نهر القنوات في المدينة، ولا مدخل له في القلعة ولا الجامع، ويجري في قنيّ مدفونة في الأرض إلى أن يصل إلى مستحقاتها بالدور والأماكن على حسب التقسيم، ثم تنصبّ فضلات الماء والبرك ومجاري الميضآت (1) إلى قنيّ معقودة تحت الأرض، ثم تجتمع وتتنهّر (2) وتخرج إلى ظاهر المدينة لسقي البساتين.
وأما نهر يزيد، فإنه يجري في ذيل الصالحية المتقدّم ذكرها ويشقّ في بعض عمارتها.
وأما بقية الأنهار، فإنها تتصرف إلى البساتين والغيطان لسقيها، وعليها القصور والبنيان خصوصا ثورا فإنه نيل دمشق، عليه جلّ مبانيها وبه أكثر تنزهات أهلها، من يخاله يراه زمرّدة خضراء، لالتفاف الأشجار عليه من الجانبين (3).
وبها (جامع بني أميّة) وهو جامع عظيم، بناه الوليد بن عبد الملك بن مروان في سنة ثمان وثمانين من الهجرة، وأنفق فيه أموالا جمّة حتّى يقال إنه أنفق فيه أربعمائة صندوق في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار، وإنه اجتمع في ترخيمه اثنا عشر ألف مرخّم. قال في «الروض المعطار»: وذرعه في الطول من المشرق إلى المغرب مائتا خطوة وهي ثلاثمائة ذراع، وعرضه من القبلة إلى الشمال مائة خطوة وخمس وثلاثون خطوة وهي مائتا ذراع، وقد زخرف بأنواع الزّخرفة من
__________
(1) جمع: ميضأة وهي الموضع يتوضّأ فيه (الوسيط: 1038).
(2) أي تصير نهرا.
(3) ويصب بردى في بحيرة العتيبة الواقعة بشرقي دمشق وطوله 84كلم. (الموسوعة العربية: 346).(4/99)
الفصوص المذهبة والمرمر المصقول، وتحت نسره عمودان مجزّعان (1) بالحمرة لم ير مثلهما، يقال إن الوليد اشتراهما بألف وخمسمائة دينار، وفي المحراب عمودان صغيران يقال إنهما كانا في عرش بلقيس، وعند منارته الشرقية حجر يقال إنه قطعة من الحجر الذي ضربه موسى عليه السلام فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا.
وقد ورد أن المسيح عليه السلام ينزل على المنارة الشرقية منه، ويقال إن القبّة التي فيها المحراب لم تزل معبدا لابتداء عمارتها وإلى آخر وقت. بناها الصابئة متعبّدا لهم، ثم صارت إلى اليونانيين فكانوا يعظّمون فيها دينهم، ثم انتقل إلى اليهود فقتل يحيى بن زكريا عليه السلام، ونصب رأسه على باب جيرون من أبوابه فأصابته بركته، ثم صار إلى النصارى فجعلتها كنيسة، ثم افتتح المسلمون دمشق فاتخذوه جامعها، وعلق رأس الحسين عليه السلام عند قتله في المكان الذي علق عليه رأس يحيى بن زكريا إلى أن جدّده الوليد، ويقال إن رأس يحيى عليه السلام، مدفون به، وبه مصحف عثمان الذي وجّه به إلى الشام.
قال في «الروض المعطار»: ويقال إن أول من وضع جداره الأول هود عليه السلام. وقد ورد في أثر أنه يعبد الله تعالى فيه بعد خراب الدنيا أربعين سنة.
الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها وما يدخل تحت حكم الولايات
وقد ذكر في «التعريف» أن ولايتها من لدن العريش: حدّ مصر إلى آخر سلمية مما هو شرق بشمال وإلى الرّحبة مما هو شرق بجنوب. قال: وقد أضيف إليها في زمن سلطاننا بلاد جعبر (2)، وكان من حقها أن تكون مع حلب. وحينئذ فتكون ولايتها مشتملة على الشام الأعلى المتقدّم ذكره وما يليه وما يلي ما يليه،
__________
(1) من: الجزع وهو ضرب من العقيق يعرف بخطوط متوازية مستديرة مختلفة الألوان. (الوسيط:
121).
(2) وقد تغير نظام جعبر الإداري في عهد المماليك إذ ألحقت بدمشق فترة من الزمن ثم بحلب فيما بعد.
(دائرة المعارف: 12/ 45).(4/100)
وبعض الشام الأدنى، وليس يخرج عنه من ذلك إلا حماة وما خرج مع صفد وطرابلس والكرك. قال: ويكون في نيابة نائبها نيابة غزّة ونيابة حمص وبعض شيء مما يقتضي الحقّ أن يكون مع حلب.
وتشتمل على برّ وأربع صفقات (1):
فأما البرّ فالمراد به ضواحيها. قال في «التعريف»: وحدّها من القبلة قرية الخيارة المجاورة للكسوة وما هو على سمتها طولا، ومن الشرق الجبال الطّوال إلى النّبك وما على سمتها من القرى آخذا على عسّان (2) وما حولها من القرى إلى الزّبدانيّ، ومن الغرب ما هو من الزّبدانيّ إلى قرى القران المسامتة للخيارة المقدّم ذكرها. قال: ويدخل في ذلك مرج دمشق وغوطتها.
وأما صفقاتها، فأربع صفقات:
الصفقة الأولى الساحلية والجبلية
وهي الصّفقة الغربية عن دمشق. قال في «مسالك الأبصار»: وهي عبارة عن بلاد غزّة وما جاورها سهلا ووعرا.
قال في «التعريف»: وهذه الصفقة هي الشام الأعلى، ينتقص منه ما هو من نهر الأردن إلى حدّ قاقون (3). ثم هذه الصفقة لها جهتان:
__________
(1) كانت مملكة دمشق كبرى الممالك الشامية وأوسعها رقعة. وقد قسمها المماليك لهذا السبب إلى أربع مناطق إدارية عرفت بالصفقات. (منطلق تاريخ لبنان: ص 131).
(2) في الأصل والضوء باللام. والتصحيح عن ياقوت.
(3) في ياقوت: حصن بفلسطين قرب الرملة. (معجم البلدان: 4/ 299).(4/101)
الجهة الأولى الساحلية وهي التي بساحل بحر الروم المتقدّم ذكره، وتشتمل على أربعة أعمال
الأول (عمل غزّة) بفتح الغين المعجمة وتشديد الزاي المعجمة أيضا وفي آخرها هاء وهي مدينة من جند فلسطين، في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» (1): طولها ست وخمسون درجة وعشر دقائق، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة. وقال ابن سعيد (2): طولها سبع وخمسون درجة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة، وهي على طرف الرمل بين مصر والشأم آخذة بين البر والبحر بجانبيها، مبنية على نشز عال على نحو ميل من البحر الروميّ، متوسطة في العظم، ذات جوامع، ومدارس، وزوايا، وبيمارستان، وأسواق صحيحة الهواء وشرب أهلها من الآبار وبها أمكنة يجتمع بها المطر إلا أنه يستثقل في الشرب فيعدل منه إلى الآبار لخفّة مائها وبساحلها البساتين الكثيرة، وأجلّ فاكهتها العنب والتّين وبها بعض النخيل، وبرّها ممتد إلى تيه بني إسرائيل من قبليها، وهو موضع زرع وماشية إلا أن أهل برّها عشران (3) بعضهم أعداء بعض، ولولا خوف سطوة السلطنة لما أغمد سيف الفتنة بينهم ولا جتاحوا المدينة ومن فيها.
قلت: والحال فيها مختلف: فأكثر الأحيان هي تقدمة عسكر مضافة إلى دمشق، يأتمر مقدّم العسكر فيها بأمر نائب السلطنة القائم بدمشق، ولا يمضي أمرا دون مراجعته وإن كانت ولايته من الأبواب السلطانية، وتارة تكون نيابة مستقلّة
__________
(1) كتاب الأطوال والعروض: مؤلفه مجهول. وقال في كشف الظنون: وغالب ما ذكره غير صحيح.
وفيه غلط كثير كما ذكره أبو الريحان في القانون. (كشف الظنون: 2/ 1393).
(2) هو علي بن موسى بن محمد بن عبد الملك بن سعيد المغربي: مؤرخ أندلسي من الشعراء العلماء بالأدب. توفي سنة 685هـ. (الأعلام: 5/ 26).
(3) كذا في الأصل مضبوطا. ولعل المقصود: عشارات جمع عشارة وهي القطعة من كل شيء. ويقال:
صار القوم عشارات أي متفرقين في كل مكان. (الوسيط: 602).(4/102)
وتضاف إليها الصفقة الساحلية بكمالها فيكون لها حكم النيابات.
الثاني (عمل الرّملة). بفتح الراء المهملة وسكون الميم وفتح اللام وفي آخرها هاء وهي مدينة من جند الأردنّ، موقعها في الإقليم الثالث. قال في «الأطوال»: طولها ست وخمسون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وعشر دقائق. وقال في «القانون»: طولها ست وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. وقال في «تقويم البلدان»: القياس أن طولها ست وخمسون درجة وست وعشرون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلاث وعشرون دقيقة.
وهي مدينة إسلامية بناها سليمان بن عبد الملك في خلافة أبيه عبد الملك.
قال في «الروض المعطار»: وسميت الرّملة لغلبة الرمل عليها. وقال في «مسالك الأبصار»: سميت بامرأة اسمها رملة، وجدها سليمان بن عبد الملك هناك في بيت شعر حين نزل مكانها يرتاد بناءها، فأكرمته وأحسنت نزله، فسألها عن اسمها فقالت رملة، فبنى البلد وسماها باسمها. قال في «العزيزي» (1):
وهي قصبة فلسطين، وهي في سهل من الأرض، وبينها وبين القدس مسيرة يوم.
قال في «الروض المعطار»: وبينها وبين نابلس يوم، وبينها وبين قيساريّة مرحلة، وكان عبد الملك قد أجرى إليها قناة ضعيفة للشرب منها، وأكثر شربهم الآن من الآبار ومن صهاريج يجتمع فيها ماء المطر، وهي مقرّة الكاشف بتلك الناحية.
وميناها مدينة يافا بفتح المثناة من تحت وألف وفاء ثم ألف في الآخر وهي مدينة صغيرة بالساحل، وهي في الغرب عن الرملة وبينهما ستة أميال.
الثالث (عمل لدّ) بضم اللام وتشديد الدال المهملة وهي بلدة من
__________
(1) وهو كتاب «المسالك والممالك» المشهور بالعزيزي للحسين بن أحمد المهلبي المتوفى سنة 380هـ. ألفه للعزيز بالله الفاطمي صاحب مصر ونسبه إليه. (كشف الظنون: 2/ 1665).(4/103)
جند فلسطين واقعة في الإقليم الثالث شرقا بشمال عن الرملة، وبينهما ثلاثة فراسخ، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها، غير أنها نحو الرّملة في ذلك: لقربها منها أو أطول وأعرض بقليل. وهي مدينة قديمة كانت هي قصبة فلسطين في الزمن الأول إلى أن بنيت الرّملة فتحوّل الناس إليها وتركوا لدّا، وقد ثبت في الصحيح أن المسيح عليه السلام يقتل الدّجّال ببابها.
الرابع (عمل قاقون) بفتح القاف وبعدها ألف ثم قاف ثانية مضمومة وهي مدينة لطيفة غير مسوّرة، بها جامع وحمّام وقلعة لطيفة، وشربها من ماء الآبار، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها، إلا أن بينها وبين لدّ مسيرة يوم فلتعتبر بها بالتقريب.
الجهة الثانية الجبليّة، وبها ثلاثة أعمال
الأول (عمل القدس). والقدس بضم القاف والدال لفظ غلب على مدينة بيت المقدس بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال المهملة وهو المسجد الأقصى، وأصل التقديس التطهير، والمراد المطهّر من الأدناس. وهي مدينة من جند فلسطين واقعة في الإقليم الثالث. قال في «الأطوال»: طولها ست وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة.
قال في «تقويم البلدان»: والقياس أن طولها سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة. وهي مبنية على جبل مستدير، وعرة المسلك وبناؤها بالحجر والكلس وغالب حجرها أسود وشرب أهلها من ماء المطر المجتمع بصهاريج المسجد الأقصى وعين تجري إليها عن بعد، وكذلك عين سلوان وليس ماؤها بالكثير، وكان بها آثار قلعة قديمة خربت فجدّدها الناصر «محمد بن قلاوون» في سنة ستّ عشرة وسبعمائة، وليس بها حصانة، وكانت المدينة كلّها قد غلب عليها الخراب من حين استيلاء الفرنج عليها، ثم تراجع أمرها للعمارة، وصارت في نهاية الحسن، بها المدارس والرّبط والحمّامات
والأسواق وغيرها. والمسجد الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرحال، وهو القبلة الأولى.(4/104)
قال في «تقويم البلدان»: والقياس أن طولها سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة. وهي مبنية على جبل مستدير، وعرة المسلك وبناؤها بالحجر والكلس وغالب حجرها أسود وشرب أهلها من ماء المطر المجتمع بصهاريج المسجد الأقصى وعين تجري إليها عن بعد، وكذلك عين سلوان وليس ماؤها بالكثير، وكان بها آثار قلعة قديمة خربت فجدّدها الناصر «محمد بن قلاوون» في سنة ستّ عشرة وسبعمائة، وليس بها حصانة، وكانت المدينة كلّها قد غلب عليها الخراب من حين استيلاء الفرنج عليها، ثم تراجع أمرها للعمارة، وصارت في نهاية الحسن، بها المدارس والرّبط والحمّامات
والأسواق وغيرها. والمسجد الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرحال، وهو القبلة الأولى.
قال في «الروض المعطار»: وأول من بنى بيت المقدس وأري موضعه يعقوب عليه السلام، وقيل داود. والذي ذكره في «تقويم البلدان» أن الذي بناه سليمان بن داود عليهما السلام وبقي حتّى خرّبه بختنصّر، فبناه بعض ملوك الفرس وبقي حتّى خرّبه طيطوس ملك الروم، ثم بقي ورمّم وبقي حتّى تنصر قسطنطين ملك الروم وأمّه هيلانة وبنت أمّه قمامة على القبر الذي يزعم النصارى أن المسيح عليه السلام دفن فيه، وخرّبت البناء الذي كان على الصخرة وجعلتها مطرحا لقمامات البلد عنادا لليهود وبقي الأمر على ذلك حتّى فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه القدس فدلّ على الصخرة فنظّف مكانها وبنى مسجدا، وبقي حتّى ولي الوليد بن عبد الملك الخلافة فبناه على ما هو عليه الآن، على أن المسجد الأقصى على الحقيقة جميع ما هو داخل السور، وعلى القرب من المسجد الصخرة التي ربط النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بها البراق ليلة الإسراء، وهي حجر مرتفع مثل الدكة ارتفاعها من الأرض نحو قامة، وتحتها بيت طوله بسطة في مثلها، ينزل إليها بسلّم وعليها قبة عالية، بناها الوليد بن عبد الملك حين بنى المسجد الأقصى.
قال المهلّبي في كتابه «العزيزي»: ولما بناها الوليد بنى هناك عدّة قباب وسمّى كل واحد منها باسم: وهي قبّة المعراج، وقبة الميزان، وقبّة السّلسلة، وقبة المحشر.
قال في «مسالك الأبصار»: وإلى الصخرة المتقدّمة الذكر قبلة اليهود الآن، وإليها حجّهم. وبه القمامة التي تحجها النصارى من أقطار الأرض، وبيت لحم الذي هو من أجلّ أماكن الزيارة عندهم، وكان به كنيسة للروم يقال إن بها قبر حنّة أمّ مريم بنت عمران عليها السلام ثم صارت في الإسلام دار علم. فلما ملك الفرنج القدس في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة أعادوها كنيسة، فلما فتح السلطان
صلاح الدين القدس بنى بها مدرسة. وكان اسمها في الزمن الأول إيليا. والأرض المقدّسة مشتملة على بيت المقدس وما حوله، إلى نهر الأردنّ المسمّى بالشريعة، إلى مدينة الرّملة طولا، ومن البحر الشاميّ إلى مدائن لوط عليه السلام، وغالبها جبال وأودية إلا ما هو في جنباتها.(4/105)
قال في «مسالك الأبصار»: وإلى الصخرة المتقدّمة الذكر قبلة اليهود الآن، وإليها حجّهم. وبه القمامة التي تحجها النصارى من أقطار الأرض، وبيت لحم الذي هو من أجلّ أماكن الزيارة عندهم، وكان به كنيسة للروم يقال إن بها قبر حنّة أمّ مريم بنت عمران عليها السلام ثم صارت في الإسلام دار علم. فلما ملك الفرنج القدس في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة أعادوها كنيسة، فلما فتح السلطان
صلاح الدين القدس بنى بها مدرسة. وكان اسمها في الزمن الأول إيليا. والأرض المقدّسة مشتملة على بيت المقدس وما حوله، إلى نهر الأردنّ المسمّى بالشريعة، إلى مدينة الرّملة طولا، ومن البحر الشاميّ إلى مدائن لوط عليه السلام، وغالبها جبال وأودية إلا ما هو في جنباتها.
الثاني (عمل بلد الخليل عليه السلام). واسمها بيت حبرون بإضافة بيت واحد البيوت إلى حبرون (بحاء مفتوحة وباء موحدة ساكنة وراء مهملة مضمومة بعدها واو ساكنة ونون) كذا ضبطه في «تقويم البلدان». وفي كلام صاحب «الروض المعطار» ما يدل على إبدال (1) الحاء بجيم والباء الموحدة بمثناة تحت، فإنه ذكرها في حرف الجيم في سياقة الكلام على تسمية دمشق جيرون. وهي بلدة من جند فلسطين في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة، طولها في بعض الأزياج ست وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وبها قبر (2) إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام ونسائهم، وهي إحدى القرى التي أقطعها (3)
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لتميم الداريّ كما سيأتي ذكره في الكلام على المناشير إن شاء الله تعالى.
الثالث (عمل نابلس) بفتح النون وألف وضم الباء الموحدة واللام
__________
(1) في الحقيقة ليس هناك إبدال، ولكن صاحب الروض المعطار ارتكب خطأ عندما جعل قبر إبراهيم الخليل في «جيرون» وهي دمشق. وفي ياقوت: «حبرون: اسم القرية التي فيها قبر إبراهيم الخليل عليه السلام وقد غلب على اسمها الخليل ويقال لها أيضا: حبرى. (الروض المعطار:
186، والبلدان: 2/ 199، والبكري: 408).
(2) وقد وصف ناصر خسرو في كتابه «سفرنامة» قبر الخليل عليه السلام فقال: والمشهد يتكون من بناء ذي أربع حوائط من الحجر المصقول طوله ثمانون ذراعا وعرضه أربعون وارتفاعه عشرون وثخانة حوائطه ذراعان، وبه مقصورة، ومحراب، وبالمقصورة محاريب جميلة بها قبران رأسهما للقبلة: الأيمن قبر إسحاق بن إبراهيم والآخر قبر زوجه عليها السلام، وبينهما عشرة أذرع
الخ. (سفرنامة: 727170).
(3) انظر نص الكتاب في ياقوت: 2/ 212.(4/106)
وسين مهملة في آخرها مدينة من جند الأردنّ من الإقليم الثالث. قال في «كتاب الأطوال»: طولها سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة.
وقال في «تقويم البلدان»: القياس أن طولها ست وخمسون درجة وأربع وعشرون دقيقة، وعرضها على ما تقدّم. قال في «مسالك الأبصار»: وهي مدينة يحتاج إليها ولا تحتاج إلى غيرها. قال ابن حوقل: وليس بفلسطين بلدة فيها ماء جار سواها، وباقي ذلك شرب أهله من المطر وزرعهم عليه، وبها البئر التي حفرها يعقوب عليه السلام وهي مدينة السامرة، وكانت السامرة في الزمن المتقدّم لا توجد إلا بها وبها الجبل الذي يحج إليه السامرة، وسيأتي الكلام على الموجب لتعظيمه عندهم عند الكلام على تحليفهم في باب الأيمان إن شاء الله تعالى.
الصفقة الثانية القبلية
سميت بذلك لأنها قبليّ دمشق. قال في «مسالك الأبصار»: وتشتمل على بلاد حوران والغور وما مع ذلك. قال في «التعريف»: وحدّها من القبلة جبال الغور القبلية المجاورة لمرج بني عامر، ومن الشرق البرّيّة ومن الشّمال حدود ولاية برّ دمشق القبليّ ومن الغرب الأغوار إلى بلاد الشّقيف (1). قال: والأغوار كلّها داخلة في هذه الصفقة خلا ما يختص بالكرك.
وتشتمل هذه الصفقة على عشرة أعمال:
الأول (عمل بيسان) بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وفتح السين المهملة وألف ونون مدينة من جند الأردنّ من الإقليم الثالث. قال في «الأطوال»: طولها ثمان وخمسون درجة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وقال في «تقويم البلدان»: القياس أن طولها سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وسبع وعشرون دقيقة. وهي
__________
(1) بلاد الشقيف من جبال عاملة.(4/107)
مدينة صغيرة بلا سور، ذات بساتين وأشجار وأنهار وأعين، كثيرة الخصب واسعة الرزق، ولها عين تشقّ المدينة، وهي على الجانب الغربيّ من الغور.
قال في «التعريف»: وهي مدينة الغور، وبها مقرّ الولاية. قال في «مسالك الأبصار»: ولها قليعة من بناء الفرنج. قال في «الروض المعطار»:
ويقال إن طالوت قتل جالوت هنالك.
الثاني (عمل بانياس) بباء موحدة وألف ونون وياء مثناة تحت وألف ثم سين مهملة مدينة من جند دمشق واقعة في الإقليم الثالث. قال في «تقويم البلدان»: طولها ثمان وخمسون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة. قال:
وهي على مرحلة ونصف من دمشق من جهة الغرب بميلة إلى الجنوب. قال في «العزيزي»: وهي في لحف جبل الثلج، وهو مطلّ عليها والثلج على رأسه كالعمامة لا يعدم منه شتاء ولا صيفا. قال في «مسالك الأبصار»: وهي مدينة الجولان، وبها قلعة الصّبيبة (بضم الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الباء الموحدة وهاء في الآخر). قال في «التعريف»:
وهي من أجلّ القلاع وأمنعها.
الثالث (عمل الشّعرا) بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة وفتح الراء المهملة وبعدها ألف وهي عن بانياس المتقدّمة الذكر شرق بجنوب، وطوله ما بين بانياس إلى جبل الثلج. قال في «التعريف»: والولاية بها تكون تارة بقرية حان (بالحاء المهملة) وتارة بقرية القنيطرة تصغير قنطرة، ولم يتحرّر لي طولهما وعرضهما فلتعتبرا بما قاربهما من الأعمال.
الرابع (عمل نوى) (1) بفتح النون والواو وألف في الآخر وهي بلدة صغيرة، عن دمشق في جهة الغرب إلى الجنوب على نحو مرحلة، وهي مدينة قديمة من أعمال دمشق، بها قبر أيوب النبيّ عليه السلام، وإليها ينسب الشيخ
__________
(1) في الأعلام: «نوا: من قرى حوران بسوريا، ومنها الشيخ يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحزامي الحوراني النووي الشافعي المتوفى سنة 676هـ.(4/108)
محيي الدين النوويّ (1) الشافعيّ رحمه الله، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها فلتعتبر بما قاربها أيضا، وهي عن يمين الشّعرا المتقدّم ذكرها شرق بجنوب أيضا.
الخامس (عمل أذرعات) بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وفتح (2) الراء والعين المهملتين وألف ثم تاء مثناة من فوق في الآخر قال في «الروض المعطار»: ويجوز فيها الصرف وعدمه. قال: والتاء في الحالين مكسورة. وقال الخليل بن أحمد: من كسر الألف لم يصرف (3) وهذا صريح في حكاية كسر الألف في أوّلها. ويقال لها يذرعات بياء مثناة تحت بدل الألف وهي مدينة من أعمال دمشق من الإقليم الثالث. قال في «كتاب الأطوال»: طولها ستون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة وهي مدينة البثنيّة، وبينها وبين الصّنمين ثمانية عشر ميلا. قال في «التعريف»: وبها ولاية الحاكم على مجموع الصّفقة، وقد كان قديما بغيرها.
السادس (عمل عجلون) بفتح العين وسكون الجيم وضم اللام وسكون الواو ونون في آخره قلعة من جند الأردنّ في الإقليم الثالث، طولها ثمان وخمسون درجة وعشر دقائق، وعرضها ثلاثون درجة وعشر دقائق. مبنية على جبل يعرف بجبل عوف المتقدّم ذكره في جبال الشام المشهورة تشرف على الغور. وهي محدثة البناء بناها عزّ الدين أسامة بن منقذ: أحد أكابر أمراء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة ثمانين وخمسمائة. قال في «مسالك الأبصار»: وكان مكانها [ديربه] راهب اسمه عجلون فسميت به. قال في «التعريف»: وهو حصن جليل على صغره، وله حصانة ومنعة منيعة. ومدينة هذه القلعة الباعونة (بفتح الباء الموحدة وألف بعدها ثم عين مضمومة وواو ساكنة ونون مفتوحة وفي آخرها هاء) وهي على شوط فرس من عجلون. قال في «المسالك»: وكان مكانها دير أيضا به راهب اسمه باعونة فسميت المدينة به، وهما شرقيّ بيسان
__________
(1) في ياقوت والبكري: بكسر الراء.
(2) وزاد: «ومن فتح الألف صرفها».
(3) وزاد: «ومن فتح الألف صرفها».(4/109)
المتقدّم ذكرها.
السابع (عمل البلقاء). قال في «الروض المعطار»: سميت بالبلقاء ابن سورية من بني عمّان (1) بن لوط، وهو الذي بناها. قال في «تقويم البلدان»:
وهي إحدى كور الشّراة وهي عن أريحا في جهة الشرق على مرحلة، ومدينة هذا العمل حسبان (بضم الحاء وإسكان السين المهملتين وفتح الباء وبعدها ألف ونون) وهي بلدة صغيرة ولها واد وأشجار وأرحية وبساتين وزروع.
قال في «مسالك الأبصار»: ومن هذا العمل (الصّلت) وهي بألف ولام لازمين في أوله وفتح الصاد المهملة المشدّدة وسكون اللام وبعدها تاء مثناة بلدة لطيفة من جند الأردنّ في جبل الغور الشرقيّ في جنوب عجلون على مرحلة منها، وبها قلعة بناها المعظم عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب، وتحت القلعة عين واسعة يجري ماؤها حتّى يدخل البلد، وهي بلدة عامرة آهلة ذات بساتين وفواكه. قلت: وكلامه في «التعريف» قد يخالف كلامه في «مسالك الأبصار» في جعل الصّلت من عمل حسبان، فإنه قال: وأولها من جهة القبلة البلقاء ومدينتها حسبان، ثم الصّلت، ثم عجلون وعجلون عمل مستقلّ كما تقدّم، ومقتضاه أن يكون الصّلت أيضا عملا مستقلّا. وكذا رأيته في «التذكرة الآمدية» نقلا عن شهاب الدين بن الفارقيّ أحد كتّاب الإنشاء بدمشق في الدولة الناصرية ابن قلاوون وأخبرني بعض كتّاب الإنشاء أن المستقرّ الصّلت فقط والبلقاء مضافة إليها، وعليه يدل كلام القاضي تقيّ الدين بن ناظر الجيش في «التثقيف» (2) فإنه قال: وممن كتب إليه من الولاة بالممالك الشامية في قديم الزمان ولعله في الأيام الشهيدية والي الصّلت والبلقاء فيما نقل عن خط المرحوم نصر الدين بن النشائي كاتب الدست الشريف.
__________
(1) في الأصل: عبيد. والتصحيح والضبط عن ياقوت في معجم البلدان: 1/ 489وعبارته: «لأن بالق من بني عمّان بن لوط عمرها».
(2) «تثقيف التعريف بالمصطلح الشريف» لأحمد بن محمد المصري كاتب الدرج الشريفة الناصرية (ذيل كشف الظنون: 3/ 226).(4/110)
الثامن (عمل صرخد) بفتح الصاد وإسكان الراء المهملتين وفتح الخاء المعجمة ودال مهملة في آخره بلدة صغيرة ذات بساتين وكروم وليس بها ماء سوى ما يجتمع من ماء المطر في الصهاريج والبرك. قال ابن سعيد: وليس وراء عملها من جهة الجنوب وإلى الشرق إلا البرّيّة، ومنها تسلك طريق تعرف بالرصيف إلى العراق يصل المسافرون منها إلى بغداد في نحو عشرة أيام. قال في «التعريف»: وبها قلعة وكان بها ملك من المماليك المعظمية. قال في «مسالك الأبصار»: وهي محدثة البناء بدئت قبل نور الدين الشهيد بقليل، ولما وصلت عساكر هولاكو ملك التتار إلى الشأم هدموا شرفاتها وبعض جدرانها فجدّدها الظاهر بيبرس، وهي على ذلك إلى الآن.
التاسع (عمل بصرى) بضم الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة وألف في الآخر هكذا هو مقيد بالشكل في كتب اللغة والحديث والمسالك والممالك وجار على الألسنة، ووقع في «تقويم البلدان» ضبطه بفتح (1) أوله فلا أدري أهو سبق قلم أو غلط من النسخة أو أخذه من كلام غيره، وهي مدينة بحوران من أعمال دمشق واقعة في الإقليم الثالث. قال في «كتاب الأطوال» و «القانون»: طولها تسع وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في «مسالك الأبصار»: وهي مدينة حوران السفلى، بل حوران كلها (2)، بل الصفقة جميعها وكلامه في «التعريف» يوافقه، وهي مدينة أزليّة مبنية بالحجارة السود، ولها قلعة ذات بناء متين شبيه ببناء قلعة دمشق. قال في «التعريف»: وكانت دار ملك لبني أيوب، وقد ثبت في الصحيح من حديث الخندق أنه صلّى الله عليه وسلّم قال «ثم ضربت الضربة الثالثة فلاحت لي منها قصور بصرى كأنها أنياب الكلاب» وهي التي وجد النبي صلّى الله عليه وسلّم بها بحيرا الراهب وآمن به حين قدم تاجرا لخديجة بنت خويلد قبل البعثة، وقبر بحيرا هناك
__________
(1) الذي في «تقويم البلدان» طبع باريس سنة 1840م ضبطه بضم الباء الموحدة كما هو المشهور، فلعلّ نسخة التقويم كانت كذلك فأصلحها المصحح ولم ينبه.
(2) في معجم البلدان: «بصرى بالشام من أعمال دمشق وهي قصبة كورة حوران».(4/111)
مشهور يزار، وقد تقدّم الكلام عليها فأغنى عن إعادته هنا.
العاشر (عمل زرع) بضم الزاي المعجمة وفتح الراء المهملة وعين مهملة في الآخر وهي بلدة من بلاد حوران لها عمل مستقلّ، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها. قال في «التعريف»: وقد يتصل عمل بصرى بأذرعات لوقوع زرع متشاملة.
الصفقة الثالثة الشمالية
سميت بذلك لأنها عن شمال دمشق. قال في «مسالك الأبصار»: وهي ساحليّة وجبليّة. قال في «التعريف»: وحدّها من القبلة حدّ ولاية دمشق الشماليّ وبعض الغربيّ وحدّها من الشرق قرية جوسية التي بين القرية المعروفة بالقصب من عمل حمص وبين القرية المعروفة بالفيجة من عمل بعلبكّ وحدّها من الشمال مرج الأسل المستقل عن قائم الهرمل حيث يمدّ العاصي بطرابلس، وكل ما تشامل عن جبل لبنان إلى البحر وحدّها من المغرب ما هو على سمت البحر منحدرا عن صور إلى حدّ ولاية برّ دمشق القبليّ والغربيّ.
وتشتمل هذه الصفقة على خمسة أعمال:
الأول (عمل بعلبكّ) بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وفتح اللام والباء الموحدة الثانية وفي آخرها كاف هكذا ضبطه في «تقويم البلدان» والجاري على ألسنة الناس فتح العين وإسكان اللام. قال في «الروض المعطار»: وكان لأهلها صنم يدعى بعلا، فالبعل اسم للصنم، وبكّ اسم الموضع فسميت (1) بعلبك لذلك. قال: وإليهم بعث النبيّ إلياس عليه السلام،
__________
(1) تدل التسمية اليونانية «هليوبوليس» على أن تلك المدينة كانت مقرّا لعبادة إله من آلهة الشمس كما أن التسمية العربية «بقاع العزيز» لها نفس الدلالة، لأن لفظة العزيز تدل على معبود متصل بإله الشمس الذي كان يعبد في شمال الشام وأواسطها: (دائرة المعارف: 7/ 358).(4/112)
وكأنه يشير بذلك إلى ما قصه الله تعالى في سورة الصافّات بقوله: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخََالِقِينَ} (1) وكان فتحها في سنة أربع عشرة من الهجرة وهي مدينة من أعمال دمشق واقعة في الإقليم الرابع طولها ستون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وهي مدينة شماليّ دمشق، جليلة البناء، نبيهة الشان، قديمة البنيان، يقال إنها من بناء سليمان عليه السلام. قال في «مسالك الأبصار»: وهي مختصرة من دمشق في كمال محاسنها وحسن بنائها وترتيبها بها المساجد والمدارس والرّبط والخوانق والزوايا والبيمارستان والأسواق الحسنة، والماء جار في ديارها وأسواقها، وفيها يعمل الدهان الفائق من الماعون وغيره ويحمل منها إلى غالب البلدان مع كونها واسعة الرزق رخيصة السّعر، وكانت دار ملك قديم، ومن عشّها درج «نجم الدين أيوب» والد الملوك الأيوبية رحمه الله، وبها قلعة حصينة جليلة المقدار من أجلّ البنيان وأعظمه، وهي مرجلة على وجه الأرض كقلعة دمشق. قال في «التعريف»: بل إنما بنيت قلعة دمشق على مثالها، وهيهات لا تعدّ من أمثالها! وأين قلعة دمشق منها وحجارتها تلك الجبال الثوابت، وعمدها تلك الصخور النوابت.
قد يبعد الشّيء من شيء يشابهه ... إنّ السّماء نظير الماء في الزّرق
وبهذه القلعة من عمارة من نزل بها من الملوك الأيوبية آثار ملوكية جليلة، ويستدير بالمدينة والقلعة جميعا سور عظيم البناء مبنيّ بالحجارة العظيمة المقدار الشديدة الصّلابة، ويحف بذلك غوطة عظيمة أنيقة ذات بساتين مشتبكة الأشجار بها الثمار الفائقة، والفواكه المختلفة. وبظاهرها عين (2) ماء متسعة الدائر ماؤها في غاية الصفاء بين مروج وبساتين، يمتدّ منها نهر يتكسّر على الحصباء في خلال تلك المروج إلى أن يدخل المدينة، وينقسم في بيوتها وجهاتها. وعلى البعد منها عين أخرى تعرف بعين اللحوج (؟) في طرف بساتينها، منها فرع إلى الجانب
__________
(1) الصافات / 125.
(2) هو نبع رأس العين الكبير الذي ينبثق عند سطح سلسلة جبال لبنان الشرقية.(4/113)
الشماليّ من المدينة، ويصب في قناة هناك ويدخل منه إلى القلعة، وبخارجها جبل لبنان المعروف بعشّ الأولياء.
الثاني (عمل البقاع البعلبكّيّ) يوصف البقاع بكسر الباء الموحدة وفتح القاف وبعدها ألف ثم عين مهملة بالبعلبكيّ، نسبة إلى بعلبك لقربه منها.
قال في «التعريف»: وليس له مقر ولاية.
الثالث (عمل البقاع العزيزيّ) يوصف البقاع بالعزيزيّ نسبة إلى العزيز عكس الذليل، وكأنه نسبة (1) إلى الملك العزيز ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله. قال في «التعريف»: ومقرّ الولاية به كرك نوح عليه السلام. قال: وهاتان الولايتان الآن منفصلتان عن بعلبكّ، وهما مجموعتان لوال جليل مفرد بذاته.
الرابع (عمل بيروت) بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وضم الراء المهملة وواو وتاء مثناة من فوق في آخرها وهي مدينة من الإقليم الثالث بساحل دمشق. قال في «كتاب الأطوال»: طولها ثمان وخمسون درجة وخمس وخمسون دقيقة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. وهي مدينة جليلة على ضفّة البحر الروميّ، عليها سوران من حجارة وفيه كان ينزل الأوزاعيّ الفقيه المشهور، وبها جبل فيه معدن حديد، ولها غيضة من أشجار الصّنوبر سعتها اثنا عشر ميلا في التكسير، تتصل إلى تحت لبنان المقدّم ذكره. قال في «تقويم البلدان»: وشرب أهلها من قناة تجري إليها. وقال في «مسالك الأبصار»: شرب أهلها من الآبار. قال ابن سعيد: وهي فرضة دمشق ولها مينا جليلة، وفي شماليها على الساحل مدينة جبيل (2) تصغير جبل. قال في «الروض
__________
(1) في دائرة المعارف الإسلامية: 7/ 358 «البقاع العزيز» أو العزيزي نسبة إلى العزيز وهو معبود متصل بإله الشمس، وقد نسبت تلك الهضبة إليه لا إلى أحد أبناء صلاح الدين».
(2) وتقوم في موقع «بيبلوس» القديمة أو «كبل» في التوراة، التي كانت مركزا بحريا وتجاريا ودينيا في آن. ويقول الرحالة ناصر خسرو الذي مر بها سنة 438هـ إنها مدينة مثلثة الشكل تحيطها أسوار مرتفعة، على حين أن السهل الذي يدور بها في سفح جبل لبنان كان مغطى بالنخيل. (دائرة المعارف: 11/ 97).(4/114)
المعطار»: بينهما ثمانية عشر ميلا. قال في «العزيزي»: وبينها وبين بعلبكّ على عقبة المغيثة ستة وثلاثون ميلا.
الخامس (عمل صيدا) بفتح الصاد المهملة وسكون المثناة تحت وفتح الدال المهملة وألف مقصورة في الآخر وهي مدينة بساحل البحر الروميّ، واقعة في الإقليم الثالث، ذات حصن حصين. قال ابن القطاميّ سميت بصيدون ابن صدقا بن كنعان بن حام بن نوح عليه السلام، وهو أول من عمرها وسكنها.
وقال في «الروض المعطار»: سميت بامرأة. وشرب أهلها من ماء يجري إليهم من قناة. قال في «العزيزيّ»: وبينها وبين دمشق ستة وثلاثون ميلا. قال في «مسالك الأبصار»: وكورتها كثيرة الأشجار، غزيرة الأنهار. قال في «الروض المعطار»: وبها سمك صغار له أيد وأرجل صغار إذا جفّف وسحق وشرب بالماء، أنعظ إنعاظا شديدا. قال في «المسالك»: وهي ولاية جليلة واسعة العمل ممتدّة القرى، تشتمل على نيف وستمائة ضيعة (1).
الصفقة الرابعة الشرقية وهي على ضربين
الضرب الأول ما هو داخل في حدود الشام، وهو غربيّ الفرات
قال في «التعريف»: وحدّها من القبلة قرية القصب المجاورة لقرية
__________
(1) وقد وصفها ناصر خسرو في القرن الخامس الهجري ومما قاله: «وبها قلعة حجرية محكمة ولها ثلاث بوابات. وفيها مسجد جمعة جميل وقد فرش كله بالحصير المنقوش. وفي صيدا سوق جميل نظيف وقد ظننت حين رأيته أنه زيّن خاصة لمقدم السلطان فلما سألت قيل لي هكذا عادة هذه المدينة دائما. وفيها حدائق وأشجار منسقة حتى لتقول إن سلطانا هاويا غرسها». (سفرنامة:
ص 49).(4/115)
جوسية المقدّم ذكرها، آخذا على النّبك إلى القريتين وحدّها من الشرق السّماوة إلى الفرات وينتهي إلى مدينة سلمية إلى الرّستن وحدّها من الغرب نهر الأرنط وهو العاصي، وتشتمل على خمسة أعمال أيضا:
الأول (عمل حمص) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وصاد مهملة في الآخر. قال في «الروض المعطار»: ولا يجوز فيها الصرف كما يجوز في هند لأن هذا اسم أعجميّ. قال: وسميت برجل من العماليق اسمه حمص هو أول من بناها. قال الزجاجيّ: هو حمص بن المهر بن حاف (1) بن مكنف، وقيل برجل من عاملة هو أول من نزلها، واسمها القديم سوريا (بسين مهملة مضمومة وواو ساكنة وراء مهملة مكسورة وياء مثناة تحت مفتوحة وألف في الآخر). وبه كانت تسميها (2) الروم، وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «تقويم البلدان»: والقياس أن طولها إحدى وستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، وهي مدينة جليلة، وقاعدة من قواعد الشام العظام. قال في «التعريف»: وكانت دار ملك للبيت الأسديّ يعني أسد الدين شير كوه عمّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب. قال: ولم يزل لملكها في الدولة الأيوبية سطوة تخاف وبأس يخشى، وهي في وطاءة من الأرض ممتدّة على القرب من النهر العاصي، ومنه شرب أهلها، ولها منه ماء مرفوع يجري إلى دار النيابة بها وبعض مواضع بها. قال في «مسالك الأبصار»: وبها القلعة المصفحة وليست بالمنيعة، ويحيط بها وبالبلد سور حصين هو أمنع من القلعة. قال في «العزيزيّ»: وهي من أصحّ بلاد الشام هواء، وبوسطها بحيرة صافية الماء، ينقل السمك إليها من الفرات حتّى يتولد فيها، والطير مبثوث في نواحيها. قال ابن حوقل: وليس بها عقارب ولا حيّات. وقد تقدّم في الكلام على خواصّ الشام وعجائبها أن بها قبّة بالقرب من جامعها إذا ألصق بها طين من طينها وترك حتّى
__________
(1) في معجم البلدان: 2/ 302 «ابن جان».
(2) اسمها القديم: «أميسا».(4/116)
يسقط بنفسه ووضع في بيت أو ثياب لم يقربها عقرب، وإن ذرّ منه على العقرب شيء أخذه مثل السّكر وربما قتله ولها من برّ بعلبكّ أنواع الفواكه وغيرها وقماشها يقارب قماش الإسكندريّة في الجودة والحسن، وإن لم يبلغ شأوه في ذلك. قال في «الروض المعطار»: ويقال إن بقراط الحكيم منها. وإن أهلها أول من ابتدع الحساب وبها قبر خالد بن الوليد رضي الله عنه، ومقامه مشهور بها يزار.
الثاني (عمل مصياف) بكسر الميم وسكون الصاد وهي بلدة جليلة، ولها قلعة حصينة في لحف جبل اللّكام الشرقيّ عن حماة وطرابلس، في جهة الشّمال عن بارين على مسافة فرسخ، وفي جهة الغرب عن حماة على مسيرة يوم، وبها أنهر صغار من أعين، وبها البساتين والأشجار. وهي قاعدة قلاع الدعوة الآتي ذكرها في أعمال طرابلس ودار ملكها، وكانت أولا مضافة إلى طرابلس ثم أفردت عنها وأضيفت إلى دمشق.
الثالث (عمل قارا) بقاف مفتوحة بعدها ألف ثم راء مهملة وألف ثانية. هكذا هو مكتوب في «التعريف» وغيره وهو الجاري على الألسنة. ورأيتها مكتوبة في «تقويم البلدان» بهاء (1) في الآخر بدل الألف الأخيرة. وهي قرية كبيرة قبليّ حمص، بينها وبين دمشق على نحو منتصف الطريق، تنزلها قوافل السفارة، وبينها وبين حمص مرحلة ونصف، وبينها وبين دمشق مرحلتان، وغالب (2) أهلها نصارى.
الرابع (عمل سلميّة) بفتح السين المهملة واللام وكسر (3) الميم وياء مثناة تحت مشدّدة (4) مفتوحة وهاء في الآخر وهي بلدة من عمل حمص من الإقليم الرابع. قال في «الأطوال»: طولها إحدى وستون درجة وعشرون دقيقة،
__________
(1) كذلك في معجم البلدان: 4/ 295. وأضاف وأهلها كلهم نصارى.
(2) كذلك في معجم البلدان: 4/ 295. وأضاف وأهلها كلهم نصارى.
(3) في معجم البكري: 750 «بكسر الميم ثم ياء مثناة مخففة» وفي معجم البلدان: 3/ 240 «بسكون الميم ثم ياء مثناة مخففة» وكذا في القاموس للفيروز ابادي.
(4) في معجم البكري: 750 «بكسر الميم ثم ياء مثناة مخففة» وفي معجم البلدان: 3/ 240 «بسكون الميم ثم ياء مثناة مخففة» وكذا في القاموس للفيروز ابادي.(4/117)
وعرضها أربع وثلاثون درجة. قال في «تقويم البلدان»: والقياس أن يكون العرض أربعا وثلاثين ونصفا. قال أحمد الكاتب (1): بناها عبد الله بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس بن عبد المطّلب وأسكن بها ولده. وهي بلدة على طرف البادية نزهة خصبة كثيرة المياه والشجر، ومياهها من قنيّ. قال في «الروض المعطار»: وبينها وبين حمص مرحلة.
الخامس (عمل تدمر) بفتح التاء المثناة فوق وسكون الدال المهملة وضم الميم وراء مهملة في الآخر كذا ضبطه السمعانيّ في «الأنساب»:
والجاري على ألسنة الناس ضم أولها. قال في «التعريف»: وهي بين القريتين والرّحبة، وهي معدودة من جزيرة العرب واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال»: طولها اثنتان وستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة. قال صاحب حماة: وهي من أعمال حمص من شرقيها، وغالب أرضها سباخ وبها نخيل وزيتون وبها آثار عظيمة أزليّة من الأعمدة والصخور، ولها سور وقلعة.
قال في «الروض المعطار»: وهي في الأصل مدينة قديمة بنتها الجنّ لسليمان عليه السلام، ولها حصون لا ترام. قال: وسميت تدمر بتدمر بنت حسّان ابن أذينة، وفيها قبرها. وإنما سكنها سليمان عليه السلام بعدها. قال في «العزيزيّ»: وبينها وبين دمشق تسعة وخمسون ميلا، وبينها وبين الرّحبة مائة ميل وميلان. قال صاحب حماة: وهي عن حمص على ثلاث مراحل.
__________
(1) لعله أحمد بن محمد بن ثوابة بن يونس الكاتب المتوفى سنة 277هـ. (هدية العارفين:
5/ 51).(4/118)
الضرب الثاني من هذه الصفقة ما هو من بلاد الجزيرة، بين الفرات والدجلة على القرب من الفرات
وهو مدينة الرّحبة. قال في «اللّباب»: بفتح الراء والحاء (1) المهملتين والباء الموحدة وهاء في الآخر وهي مدينة على الفرات بين الرّقّة وعانة، واقعة في الإقليم الرابع. قال في «تقويم البلدان»: والقياس أن طولها أربع وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ستّ وثلاثون درجة، وتعرف برحبة مالك بن طوق، وهو قائد من قوّاد هارون الرشيد، قيل إنه أول من عمرها فنسبت إليه. قال السلطان عماد الدين صاحب حماة: وقد خربت الرّحبة المذكورة وصارت قرية، وبها آثار المدينة من المآذن الشواهق وغيرها، واستحدث شير كوه بن محمد بن شير كوه بن شادي صاحب حمص من جنويها الرحبة الجديدة على نحو فرسخ من الفرات، وهي بلدة صغيرة ولها قلعة على تلّ تراب، وشرب أهلها من قناة من نهر سعيد، الخارج من الفرات. قال: وهي اليوم محطّ القوافل من الفرات والشام، وهي أحد الثغور الإسلامية في زماننا.
قال في «التعريف»: وبها قلعة نيابة، وفيها بحرية وخيّالة وكشّافة وطوائف من المستخدمين، ولم تزل إمرتها طبلخاناه، بمرسوم شريف من الأبواب الشريفة من الأيام الناصرية ابن قلاوون إلى الآن.
تنبيه قال في «التعريف»: ومما أضيف إلى دمشق في زمن سلطاننا يعني الناصر بن قلاوون بلاد جعبر. قال: وحقها أن تكون مع حلب، وهي مستمرّة على ذلك إلى زماننا، وسيأتي الكلام عليها في الأعمال الحلبية إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر القاضي تقيّ الدين بن ناظر الجيش في كتابه «التثقيف»: أنه كان قد استقرّ بتدمر وسلميّة والسّخنة والقريتين نوّاب، واستقر الحال على أن مكاتبة كل
__________
(1) ضبطها ياقوت: 3/ 34بإسكان الحاء.(4/119)
منهم إن كان مقدّما نظير النائب بالرّحبة، يعني «صدرت» و «العالي» وإن كان طبلخاناه فالاسم «والسامي» بالياء.
القاعدة الثانية من قواعد البلاد الشامية حلب، وفيها جملتان
الجملة الاولى في حاضرتها
قال في «اللّباب»: هي بفتح الحاء المهملة واللام وباء موحدة في الآخر وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال»: وطولها اثنتان وستون درجة وعشر دقائق، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة.
واختلف في سبب تسميتها حلب على قولين حكاهما صاحب «الروض المعطار»: أحدهما أنه كان مكان قلعتها ربوة، وكان إبراهيم الخليل عليه السلام يأوي إليها ويحلب غنمه ويتصدّق بلبنها فسميت حلب بذلك. والثاني أنها سميت برجل من العماليق اسمه حلب. قال الزجاجيّ: حلب بن المهر من ولد جان (1) بن مكنّف.
قال في «مسالك الأبصار»: وهي مدينة عظيمة من قواعد الشام القديمة وهي في وطاءة حمراء ممتدّة، مبنية بالحجر الأصفر الذي ليس له نظير في الآفاق وبها المساكن الفائقة، والمنازل الأنيقة، والأسواق الواسعة، والقياسر الحسنة، والحمامات البهجة، ذات جوامع ومساجد ومدارس وخوانق وزوايا وغير ذلك من سائر وجوه البر، وبها بيمارستان حسن لعلاج المرضى. قال في «مسالك الأبصار»: ولها نهران: أحدهما يعرف بنهر قويق، وهو نهرها القديم، والثاني يعرف بنهر الساجور، وهو نهر مستحدث، ساقه إليها السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» في سلطنته وحكمه عليها.
__________
(1) في الأصل «خان» وفي الضوء «حاف» والتصحيح من معجم البلدان.(4/120)
وقد ذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة: أن الملك الظاهر غازي بن العادل «أبي بكر بن أيوب» ساق إليها نهرا في سنة خمس وستمائة، ولعله نهر قويق المذكور. قال في «مسالك الأبصار»: ويجري إلى داخلها فرع ماء يتشعّب في دورها ومساكنها ولكنه لا يبلّ صداها ولا يشفي غلّتها، وبها الصهاريج المملوءة من ماء المطر، ومنها شرب أهلها ويدخل إليها الثلج من بلادها، وليس لأهلها إليه كثير التفات لبرد هوائهم وقرب اعتدال صيفهم وشتائهم وبها الفواكه الكثيرة وأكثرها مجلوب إليها من نواحيها لقلّة البساتين بها وبظاهرها المروج الفيح والبرّ الممتدّ حاضرة وبادية وبها عسكر كثيف وأمم من طوائف العرب والأكراد والتّركمان.
قال في «اللباب»: وكان الجند في ابتداء الاسلام ينزلون قنّسرين، وهي المدينة التي تنسب الكورة إليها على ما تقدّم ذكره ولم يكن لحلب معها ذكر.
قال ابن سعيد: ثم ضعفت بقوة حلب عليها، وهي الآن قرية صغيرة.
قال في «مسالك الأبصار»: وكانت حلب قد عظمت في أيام بني حمدان، وتاهت بهم شرفا على كيوان. جاءت الدولة الأتابكية فزادت فخارا، واتخذت لها من بروج السماء منطقة وأسوارا ولم تزل على هذا يشار إليها بالتعظيم، ويأبى أهلها في الفضل عليها لدمشق التسليم حتّى نزل هولاكو بحوافر خيله فهدمت أسوارها وخربت حواضرها، ولم تزل خالية من الأسوار، عريّة من الأبواب، إلى أن كانت فتنة منطاش (1) في سلطنة الظاهر برقوق والنائب بها من قبله الأمير كمشبغا، فجدّد أسوارها، ورتب أبوابها، وهي سبعة أبواب: باب قنّسرين من
__________
(1) قال في نزهة النفوس: 1/ 158 «وفي ثامن عشره أي رمضان سنة 789هـ حضر البريد مخبرا بأن نائب ملطية: تمربغا الأفضلي منطاش خامر على السلطنة وطاوعه على ذلك القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس، وانضم إليهما نائب البيرة ويلبغا المنجكي وعدة من المماليك الأشرفية
وفي العاشر من رمضان سنة 794هـ ورد البريد مخبرا بأن أهل حلب تقاتلوا مع منطاش قتالا عظيما وأنهم كسروه وفر منهزما حتى عدّى الفرات».(4/121)
القبلة، وباب المقام (1) من القبلة أيضا، وباب النّيرب (2) من الشرق، وباب الأربعين من الشرق أيضا، وباب النصر (3) من بحريّها، وباب الجنان من غربيها، وباب أنطاكية من غربيها أيضا وهي الآن في غاية ما يكون من العمارة وحسن الرونق والبهجة، ولعلها قد فاقت أيام بني حمدان ولم يزل نائبها من أكابر الأمراء المتقدّمين من الدولة الناصرية فما قبلها إلى الآن، وقد زادت رتبته عما كان عليه في الأيام الناصرية وهي ثانية دمشق في الرتبة ومعاملاتها على ما تقدّم في دمشق من الدراهم والدنانير والفلوس وصنجة الذهب والفضة. غير أن الفلوس الجدد (4)
لم ترج بها بعد، ورطلها سبعمائة وعشرون درهما بالصّنجة الشامية (5)، كلّ أوقية ستون درهما، ومعاملاتها معتبرة بالمكّوك (6)، ولا تعرف فيها الغرارة (7)، ولا في شيء من أعمالها وتختلف بلادها في المكّوك اختلافا متباينا في الزيادة والنقص.
قال في «مسالك الأبصار»: والمعدّل فيها أن يكون كل مكّوكين ونصف غرارة وما بين ذلك وكل ذلك تقريبا.
قلت: وأخبرني بعض أهلها أن المكّوك بنفس مدينة حلب معتبر بسبع
__________
(1) في معجم البلدان: «باب السرّ» وفي الروض المعطار: «باب الفراديس».
(2) في معجم البلدان: «باب العراق» وفي الروض المعطار: «الباب الشرقي».
(3) في معجم البلدان والروض المعطار: «باب اليهود، وكان الملك الناصر جدد عمارته وسماه باب النصر».
(4) أحدثت سنة 759هـ في سلطنة الناصر حسن بن محمد بن قلاوون وزنة كل فلس منها مثقال وكل فلس منها قيراط من الدرهم مطبوعة بالسكة السلطانية، ثم تناقص مقدارها حتى كادت تفسد. وسكّتها أن يكتب على أحد الوجهين اسم السلطان ولقبه ونسبه وعلى الآخر بلد ضربه وتاريخ السنة التي ضرب فيها. (مصطلحات الصبح: 263).
(5) وأواقيه اثنتا عشرة أوقية كما سيأتي له في حلب في موضع آخر.
(6) جمعه: مكاكيك، وهو مكيال للحبوب يسع صاعا ونصفا. (مصطلحات الصبح: 325).
(7) وعاء من الخيش ونحوه يوضع فيه القمح ونحوه، وهو أكبر من الجوالق. الجمع: غرائر. وجاء في نزهة النفوس في حوادث سنة 827: «زادت أسعار الحبوب في سائر البلاد الشامية ووصلت الغرارة الشامية، وهي ثلاثة أرادب بالمصري، أكثر من عشرين دينارا. وكان السبب لغلو هذه الحبوب في هذه البلاد ظهور الفأر المتجاوز عن الحد». (الوسيط: 648ونزهة النفوس: 3/ 71).(4/122)
ويبات (1) بالكيل المصريّ، والذراع القماش ذراع وسدس بذراع القماش القاهريّ، ويزيد على ذراع دمشق بقيراطين، وقياس دور أرضها بذراع العمل المعروف بالديار المصرية.
الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها
قال في «مسالك الأبصار»: هي أوسع الشام بلادا، متصلة ببلاد سيس والرّوم وديار بكر وبرّيّة العراق. قال في «التعريف»: ويحدّها من القبلة المعرّة وما وقع على سمتها إلى الدّمنة الخراب والسلسلة الرومية ومجرى القناة القديمة الواقع ذلك بين الحيار (يعني بكسر الحاء المهملة والياء المثناة تحت وألف وراء مهملة) والقرية المعروفة بقبّة ملاعب ويحدّها من الشرق [البر] حيث يحدّ بردى آخذا على جبل الثلج، ثم الجلّاب على أطراف بالس إلى الفرات دائرة بحدّها. قال: وبهذا التقسيم تكون بلاد جعبر داخلة في حدودها ويحدّها من الشّمال بلاد الروم مما وراء بهسنى وبلاد الأرمن على البحر الشاميّ.
ثم أعمالها على ثلاثة أقسام:
القسم الأول ما هو داخل في حدود بلاد الممالك الشامية، ولها برّ وأعمال
فأما برّها فهو ضواحيها على ما تقدّم في دمشق، وهو كالعمل المنفرد بنفسه.
وأما أعمالها، فقد ذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في كتابيه «التعريف» و «مسالك الأبصار» بها ستة (2) عشر عملا على أكثرها (3)، وربما انفرد أحد الكتابين عن الآخر بالبعض دون البعض.
__________
(1) الويبة مكيال للحبوب سعته سدس الإردبّ. (مصطلحات الصبح: 362).
(2) المعدود ستة وعشرون.
(3) لعله: اتفقا على أكثرها.(4/123)
الأول (عمل قلعة المسلمين) المسماة في القديم بقلعة الروم وهي قلعة من جند قنّسرين في البرّ الغربيّ الجنوبي من الفرات، في جهة الغرب الشماليّ عن حلب على نحو خمس مراحل منها، وفي الغرب عن البيرة على نحو مرحلة، والفرات بذيلها. وموقعها في الإقليم الرابع. قال بعض أصحاب الأزياج (1): وطولها اثنتان وستون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي من القلاع الحصينة التي لا ترام ولا تدرك، ولها ربض (2) وبساتين، ويمرّ بها نهر يعرف بمرزبان يصب في الفرات. قال في «التعريف»: وكان بها خليفة الأرمن ولا يزال بها طاغوت الكفر، فقصدها الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون فنزل عليها، ولم يزل بها حتّى فتحها، وسماها قلعة المسلمين. قال: وهي من جلائل القلاع.
الثاني (عمل الكختا) بفتح الكاف وسكون الخاء المعجمة وفتح التاء المثناة فوق ثم ألف في الآخر، والألف واللام فيه غير لازمتين هي قلعة في أقاصي الشأم من جهة الشّمال بشرق من حلب، على نحو خمس مراحل منها وموقعها في الإقليم الرابع. قال بعض أصحاب الأزياج: طولها إحدى وستون درجة وعشر دقائق، وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي قلعة عالية البناء لا ترام حصانة، ولها بساتين ونهر، وملطية عنها في جهة الغرب على مسيرة يومين وكركر منها في جهة الشرق، وكانت أحد ثغور الإسلام في وجوه التتار عند قيامهم. قال في «التعريف»: وهي ذات عمل متسع، وعسكر تطوّع مجتمع.
الثالث (عمل كركر) بفتح الكاف وسكون الراء المهملة ثم كاف مفتوحة ثانية بعدها راء مهملة ثانية أيضا وهي قلعة من أقاصي الشأم في الشّمال
__________
(1) «قال النظام النيسابوري: الزّيج معرّب، وهي مسطارة البنائين التي يقال لها القانون باليونانية، وقيل خيط البنّاء، وقال الأصمعي: لا أدري أعربي هو أم معرّب. فكما أنه يقوّم البناء به كذلك الزيج يقوّم به الكواكب ويعدلها». (حاشية كشف الظنون: 964).
(2) الربض: ما حول المدينة، والجمع: أرباض. (الوسيط: 323).(4/124)
عن حلب على نحو خمس مراحل أيضا، وفي الغرب من الكختا المتقدّمة الذكر على نحو يوم منها وموقعها في الإقليم الرابع. قال في بعض الأزياج: طولها إحدى وستون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة.
قال في «تقويم البلدان»: وهي قلعة حصينة شاهقة في الهواء يرى الفرات منها كالجدول الصغير، وهو منها في جهة الشرق وكانت من أعظم الثغور في زمان التّتار.
الرابع (عمل بهسنى) بفتح الباء الموحدة والهاء وسكون السين المهملة ثم نون وألف وهي قلعة في شماليّ حلب على نحو أربع مراحل منها، وموقعها في الإقليم الرابع. قال في بعض الأزياج: طولها إحدى وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال في «تقويم البلدان»: وهي قلعة حصينة مرتفعة لا ترام حصانة، بها بساتين ونهر صغير وأسواق ورستاق (1) متسع، وبها مسجد جامع. ثم قال: وهي بلدة واسعة، كثيرة الخير والخصب وهي في الغرب والشّمال عن عينتاب وبينهما نحو مسيرة يومين، وبينها وبين سيس نحو ستة أيام. قال في «التعريف»: وهي الثغر المتاخم لبلاد الدّروب (2)، والمشتعل في جمرة الحروب وبها عسكر من التّركمان والأكراد. ولا يزال لهم آثار في الجهاد. قال: ولنائبها مكانة جليلة، وإن كان لا يلتحق بنائب البيرة.
الخامس (عمل عينتاب) بفتح العين وسكون الياء المثناة تحت والنون وفتح التاء المثناة فوق ثم ألف وباء موحدة وهي مدينة من جند قنّسرين شماليّ حلب على نحو مرحلتين منها وموقعها في الإقليم الرابع. قال في بعض
__________
(1) لفظ فارسي معناه القرية أو محلة العسكر أو البلد التجاري، ومنه الكلمة العربية: الرزداق، وجمعها رزداقات ورزاديق. (مصطلحات الصبح: 159).
(2) أي بلاد ممرات طوروس. (راجع دائرة المعارف الإسلامية: 7/ 514).(4/125)
الأزياج: طولها اثنتان وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وهي مدينة حسنة، واسعة الأرجاء، كثيرة المياه والبساتين، ذات أسواق جليلة مقصودة للتجار والمسافرين وبها قلعة حصينة منقوبة في الصخر.
وهي عن حلب في الشّمال على نحو ثلاث مراحل منها، وعن قلعة الرّوم في الجنوب على نحو ثلاث مراحل أيضا، وعن بهسنى في جهة الشرق والجنوب على نحو ثلاث مراحل.
السادس (عمل الرّاوندان) بألف ولام لازمتين وراء مهملة بعدها ألف ثم واو مفتوحة ونون ساكنة ودال مهملة ثم ألف ونون وهي قلعة من جند قنّسرين واقعة في الإقليم الرابع طولها اثنتان وستون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة.
وهي قلعة حصينة على جبل مرتفع أبيض، ذات أعين وبساتين وفواكه، وواد حسن ونهرها من تحتها نهر عفرين المتقدّم ذكره آخذا من الشّمال إلى الجنوب، وهي في الغرب والشّمال عن حلب، وبينهما نحو مرحلتين، وفي الشمال عن حارم.
السابع (عمل الدّربساك) بفتح الدال المهملة وسكون الراء المهملة وفتح الباء الموحدة والسين المهملة ثم ألف وكاف، والألف واللام فيه غير لازمتين وهي قلعة من جند قنّسرين واقعة في الإقليم الرابع شماليّ حلب على نحو ثلاث مراحل أو أربع منها. قال في «تقويم البلدان»: والقياس أن يكون طولها إحدى وستين درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة. وهي قلعة حصينة ذات أعين وبساتين، وبها مسجد جامع، ولها من شرقيّها مروج متسعة، حسنة المنظر، كثيرة العشب، يمرّ بها النهر الأسود المتقدّم ذكره.
الثامن (عمل بغراس) بفتح الباء الموحدة وسكون الغين المعجمة وراء مهملة وألف ثم سين مهملة كذا ضبطه السمعانيّ في «الأنساب» ووقع في «التعريف» و «مسالك الأبصار» بالصاد المهملة بدل السين. والجاري على ألسنة الناس ضم أوله وهي قلعة من جند قنّسرين، واقعة في الإقليم الرابع شماليّ حلب على نحو أربع مراحل منها. قال في «تقويم البلدان»: والقياس أن طولها
ستون درجة وخمس وخمسون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وثلاث وخمسون دقيقة، وهي في الجبل المطلّ على عمق حارم. قال ابن حوقل: وكان بها دار ضيافة لزبيدة. قال في «تقويم البلدان»: وهي ذات أعين وبساتين وأشجار، وبينها وبين الدّربساك نحو بعض مرحلة، وهي في جهة الجنوب عن الدّربساك. قال في «العزيزيّ»: وبينها وبين أنطاكية اثنا عشر ميلا، وبينها وبين إسكندرونة كذلك، وبينها وبين حارم نحو مرحلتين. وبغراس في الجنوب عن دربساك وبينهما بعض مرحلة، وحارم في جهة الشرق عنها. قال في «التعريف»: وكانت هي الثّغر في بحر الأرمن حتّى استضيفت الفتوحات الجاهانية (1). قال: وبها رصص وهي عضو من أعضائها وجزء من أجزائها.(4/126)
الثامن (عمل بغراس) بفتح الباء الموحدة وسكون الغين المعجمة وراء مهملة وألف ثم سين مهملة كذا ضبطه السمعانيّ في «الأنساب» ووقع في «التعريف» و «مسالك الأبصار» بالصاد المهملة بدل السين. والجاري على ألسنة الناس ضم أوله وهي قلعة من جند قنّسرين، واقعة في الإقليم الرابع شماليّ حلب على نحو أربع مراحل منها. قال في «تقويم البلدان»: والقياس أن طولها
ستون درجة وخمس وخمسون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وثلاث وخمسون دقيقة، وهي في الجبل المطلّ على عمق حارم. قال ابن حوقل: وكان بها دار ضيافة لزبيدة. قال في «تقويم البلدان»: وهي ذات أعين وبساتين وأشجار، وبينها وبين الدّربساك نحو بعض مرحلة، وهي في جهة الجنوب عن الدّربساك. قال في «العزيزيّ»: وبينها وبين أنطاكية اثنا عشر ميلا، وبينها وبين إسكندرونة كذلك، وبينها وبين حارم نحو مرحلتين. وبغراس في الجنوب عن دربساك وبينهما بعض مرحلة، وحارم في جهة الشرق عنها. قال في «التعريف»: وكانت هي الثّغر في بحر الأرمن حتّى استضيفت الفتوحات الجاهانية (1). قال: وبها رصص وهي عضو من أعضائها وجزء من أجزائها.
ورصص المذكورة براء مهملة مضمومة وصادين مهملتين الصاد الأولى مفتوحة، وهي بلدة على الساحل، وقد مر ذكرها في الكلام على بحر الروم على سواحل الأرمن.
التاسع (عمل القصير) تصغير قصر. قال في «مسالك الأبصار»:
وهي قلعة غربيّ حلب على نحو أربع مراحل منها. قال في «التعريف»: وهي لأنطاكية ولم يتحرّر لي طولها وعرضها.
العاشر (عمل الشّغر وبكاس) اسمان لقلعتين بينهما رمية سهم.
فالشّغر بضم الشين وسكون الغين المعجمتين ثم راء مهملة.
وبكاس بفتح الباء الموحدة والكاف ثم ألف وسين مهملة في الآخر.
وهما من جند قنّسرين، وموقعهما في الإقليم الرابع. قال في بعض الأزياج:
طولهما إحدى وستون درجة، وعرضهما خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة، وهما مبنيان على جبل مستطيل، وتحتهما نهر يجري، وبهما بساتين وأشجار وفواكه كثيرة، ولهما رستاق ومسجد جامع. قال في «تقويم البلدان»: وهما في
__________
(1) وهي البلاد التي انتزعها الناصر محمد بن قلاوون من دولة كيليكية الأرمنية والتي عرفت باسم الفتوحات الجاهانية. (راجع الحاشية الثانية من الصفحة: 85).(4/127)
الجنوب عن أنطاكية وبينهما الجبال.
الحادي عشر (عمل شيزر) بفتح الشين المعجمة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الزاي المعجمة وفي آخرها راء مهملة. وهي مدينة من جند حمص غربيّ حلب على نحو ثلاث مراحل منها، واقعة في الإقليم الرابع. قال في «تقويم البلدان»: القياس أن طولها إحدى وستون درجة وعشر دقائق، وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي مدينة ذات أشجار وبساتين وفواكه كثيرة وأكثرها الرمّان، ولها ذكر في شعر (1) امرىء القيس مع حماة. قال «في العزيزيّ»: وبينها وبين حماة تسعة أميال، وبينها وبين حمص ثلاثة وثلاثون ميلا، وبينها وبين أنطاكية ستة وثلاثون ميلا.
الثاني عشر (عمل حجر شغلان) بلفظ حجر واحد الحجارة وإضافته إلى شغلان (بضم الشين وسكون الغين المعجمتين ثم لام ألف ونون). وهي قلعة شماليّ حلب على نحو ثلاث مراحل منها. قال في «مسالك الأبصار»: وهي بالقرب من بغراس في جهة الشّمال على مسافة قريبة جدّا، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها ولكنها تعتبر ببغراس المتقدّمة الذكر لقربها منها وهي الآن خراب.
الثالث عشر (عمل قلعة أبي قبيس) بهمزة مفتوحة وباء موحدة مكسورة بعدهما ياء ساكنة ثم قاف مضمومة وباء موحدة مفتوحة وياء مثناة تحت ساكنة ثم سين مهملة في الآخر وهي قلعة حصينة غربيّ حلب مما يلي الساحل، على نحو ثلاث مراحل قصيرة من حلب، كذا أخبرني به بعض أهل البلاد، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها، وسيأتي في الكلام على ترتيب المملكة أنها استقرّت ولاية، وربما أضيفت إلى غيرها.
الرابع عشر (عمل قلعة حارم) بحاء مهملة مفتوحة وألف ثم راء مهملة
__________
(1) قال امرؤ القيس:
تقطع أسباب اللبانة والهوى ... عشية جاوزنا حماة وشيزرا
(البلدان: 3/ 383).(4/128)
مكسورة وميم في الآخر. قال في «تقويم البلدان»: والقياس أن طولها ستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي قلعة حصينة في جهة الغرب من حلب على نحو مرحلتين منها، ذات بساتين وأشجار، وبها نهر صغير وبينها وبين أنطاكية مرحلة وربضها بلد صغير. قال ابن سعيد:
وقد خصّت بالرّمّان الذي يرى باطنه من ظاهره مع عدم العجم وكثرة الماء.
الخامس عشر (عمل كفر طاب) بفتح الكاف وسكون الفاء وراء مهملة ثم طاء مهملة بعدها ألف وباء موحدة على إضافة كفر إلى طاب. هذا هو الجاري على الألسنة وهو الصواب، وأصله من الكفر بمعنى التغطية، والمراد مكان الزرع والحرث لتغطية الحبّ بالزراعة كما في قوله تعالى: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفََّارَ نَبََاتُهُ} (1) يريد الزّرّاع، ووقع في كلام صاحب حماة بفتح (2) الفاء وهو وهم.
وظاهر كلام صاحب «الروض المعطار» أن طاب في معنى الصفة لكفر فإنه قال: وسمي بذلك لأن حوله أرض كريمة. قال: وأرضه صحيحة الهواء ومن سكنها لا يكاد يمرض، وقيل إنه منسوب إلى رجل اسمه طاب وهي بلدة صغيرة من جند حمص غربيّ حلب، على نحو ثلاث مراحل منها، واقعة في الإقليم الرابع. قال في «كتاب الأطوال»: طولها إحدى وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. وقال في «تقويم البلدان»: القياس أن طولها إحدى وستون درجة وخمس عشرة دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وهي على الطريق بين المعرّة وشيزر. قال في «العزيزي»: وبينها وبين المعرّة وشيزر اثنا عشر ميلا.
السادس عشر (عمل فامية) بفتح الفاء وألف بعدها ثم ميم مكسورة
__________
(1) الحديد / 20.
(2) وكذا في معجم البلدان بضبط القلم.(4/129)
وياء مثناة تحت وهاء في الآخر. قال في «المشترك» (1): ويقال لها أفامية بهمزة في أولها يعني مفتوحة. وهي مدينة من أعمال شيزر، غربيّ حلب، على نحو أربع مراحل منها واقعة في الإقليم الرابع. قال في «تقويم البلدان»: والقياس أن طولها إحدى وستون درجة وثلاث دقائق، وعرضها خمس وثلاثون درجة. قال في «العزيزيّ»: وكورة فامية لها مدينة كانت عظيمة قديمة، على نشز من الأرض، ولها بحيرة حلوة يشقّها النهر المقلوب (2).
السابع عشر (عمل سرمين) بفتح السين وسكون الراء المهملتين وكسر الميم ثم ياء مثناة تحت ساكنة ونون بعدها. وهي مدينة في الغرب من حلب على نحو مرحلتين صغيرتين منها، واقعة في الإقليم الرابع. قال في «كتاب الأطوال»: طولها إحدى وستون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. وهي مدينة غير مسوّرة وبها أسواق ومسجد جامع وشرب أهلها من الماء المجتمع في الصهاريج من الأمطار، وهي كثيرة الخصب، وبها الكثير من شجر التين والزيتون، وهي في جهة الجنوب عن حلب على مسيرة يوم منها وعملها متسع.
ومن مضافاتها مدينة الفوعة (بضم الفاء وفتح العين المهملة). وهي مدينة على القرب من سرمين في الغرب منها، وتسمّى هذه الولاية الغربيّات (بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وكسر الباء الموحدة وفتح الياء المثناة تحت المشددة وألف ثم تاء مثناة فوق في الآخر). قال في «التعريف»: وهي أجلّ ولايات حلب.
الثامن عشر (عمل الجبّول) بفتح الجيم وضم الباء الموحدة المشدّدة ثم واو ساكنة ولام في الآخر وهي بلدة شرقيّ حلب على نحو مرحلة كبيرة منها،
__________
(1) «المشترك وضعا والمختلف صقعا» لأبي عبد الله ياقوت الرومي الحموي المتوفى سنة 626هـ.
(كشف الظنون: 1691).
(2) وهو العاصي.(4/130)
وهي بالقرب من الفرات، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها. قال في «تقويم البلدان»: ومنها ينقل الملح إلى سائر أعمال حلب وقد أخبرني بعض أهلها أن أصل هذا الملح نهر يصل إليها يعرف بنهر الذّهب فيبقى ماء فيما يمرّ عليه من البلدان حتّى ينتهي إليها فينعقد ملحا لوقته.
التاسع عشر عمل (جبل سمعان) وضبطه معروف. وهي في جهة الشّمال من حلب على [يوم] (1) منها، ولم يتحرّر لي طولها وعرضها.
العشرون (عمل عزاز) بفتح العين المهملة والزاي المعجمة وألف ثم زاي ثانية مكسورة كذا ضبطه في «اللباب» والجاري على الألسنة أعزاز بهمزة مفتوحة في أولها وسكون العين والزاي الأخيرة في الوقف وهي بلدة شماليّ حلب بشرق على نحو مرحلة منها. قال في «كتاب الأطوال»: وطولها إحدى وستون درجة وخمس وخمسون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة. وهي في شماليّ حلب بميلة إلى الغرب. قال ابن سعيد: ولأعزاز جهات في نهاية الحسن والطّيبة والخصب، وهي من أنزه الأماكن.
الحادي والعشرون (عمل تلّ باشر) بفتح التاء المثناة فوق وتشديد اللام ثم فتح الباء الموحدة وألف بعدها شين معجمة مكسورة وراء مهملة في الآخر وهي حصن شماليّ حلب على مرحلتين منها بالقرب من عينتاب المتقدّم ذكرها. قال ابن سعيد: وهي ذات مياه وبساتين.
الثاني والعشرون (عمل منبج) بفتح الميم وسكون النون وفتح الباء (2) الموحدة وفي آخرها جيم كذا ضبطه ابن الأثير في «اللباب»: وهي بلدة من جند قنّسرين شرقيّ حلب على نحو مرحلتين منها واقعة في الإقليم الرابع. قال
__________
(1) في الأصل: ساعة، وأبدل في الهامش بلفظ «يوم». (حاشية الطبعة الأميرية: 4/ 126).
(2) ضبطه في القاموس كمجلس، أي بكسر اللام. وكذلك في معجم البلدان. (القاموس: 1/ 216 والبلدان: 5/ 205).(4/131)
في «تقويم البلدان»: والقياس أن طولها اثنتان وستون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال ابن سعيد: بناها (1) بعض الأكاسرة الذين غلبوا على الشأم وسمّاها منبه فعرّبت منبج، وكان بها بيت نار للفرس، وهي كثيرة القنيّ السارحة والبساتين، وغالب شجرها التوت، وأكثرها خراب.
الثالث والعشرون (عمل تيزين) بكسر التاء المثناة فوق وسكون الياء المثناة تحت وكسر الزاي المعجمة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر وهي بليدة صغيرة من أعمال حلب في جهة الغرب على نحو مرحلة منها.
الرابع والعشرون (عمل الباب وبزاعا). وضبط الباب معروف، وبزاعا بضم الباء الموحدة وفتح الزاي المعجمة وألف بعدها عين مهملة وألف مقصورة في الآخر. كذا ضبطه في «تقويم البلدان»: والجاري على الألسنة إبدال الألف في آخره بهاء. وهما بلدتان متقاربتان، من جند قنّسرين على مرحلة من حلب في الجهة الشمالية الشرقية في الإقليم الرابع. قال في «تقويم البلدان»: والقياس أن طولها اثنتان وستون درجة وعشر دقائق، والعرض خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة.
أما الباب: فبليدة صغيرة. قال في «تقويم البلدان»: بها مشهد به قبر عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه، وبها أسواق وحمام ومسجد جامع، وبها البساتين الكثيرة والنزه.
وأما بزاعا فضيعة من أعمال الباب.
الخامس والعشرون (عمل دركوش) بفتح الدال وسكون الراء
__________
(1) في معجم البلدان: 5/ 205 «بناها كسرى لما غلب على الشام وسماها: من به أي: أنا أجود» وأضاف ياقوت: ويجوز اشتقاقه في العربية من أشياء. يقال: نبج الرجل ينبج إذا قعد في النبجة وهي الأكمة. ويقال: نبج الكلب ينبج (بالجيم) مثل نبح ينبح، معنى ووزنا(4/132)
المهملتين وضم الكاف وسكون الواو وشين معجمة في الآخر وهي بلدة على النهر العاصي غربيّ حلب على نحو ثلاث مراحل منها، وأكثر زرع أرضها العنب.
أخبرني بعض أهل تلك البلاد أن حبّة العنب بها ربما بلغت في الوزن عشرة دراهم، وبها قلعة عاصية استولى هولاكو على قلاع الشام ما عداها فإنه لم يصل إليها.
السادس والعشرون (عمل أنطاكية). قال في «اللباب»: بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الطاء المهملة. قال في «تقويم البلدان»: ثم ألف وكاف مكسورة ثم ياء مثناة تحت وهاء في الآخر. قال ابن الجواليقيّ (1) في «المعرّب»:
وياؤها مشدّدة. وخالف في «الروض المعطار»: فذكر أنها مخففة الياء وهي مدينة عظيمة غربيّ حلب بشمال يسير على نحو مرحلتين منها. قال في «تقويم البلدان»: وهي قاعدة بلاد العواصم (2). قال في «تقويم البلدان»: والقياس أن طولها ستون درجة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي مدينة عظيمة قديمة، على ساحل بحر الروم، بناها (3) بطليموس الثاني من ملوك اليونان وقيل بناها ملك يقال له أنطاكين فعرفت به، ولها سور عظيم من صخر ليس له نظير في الدنيا. قال في «العزيزيّ»: مساحة دوره اثنا عشر (4) ميلا. قال في «الروض المعطار»: عدد شرفاته أربع وعشرون ألفا، وعدد أبراجه مائة وستة وثلاثون (5)
__________
(1) هو أبو منصور، موهوب بن أبي طاهر أحمد الجواليقي البغدادي المتوفى سنة 460هـ. وكتاب «المعرّب» لم يصنّف أكبر منه في موضوعه، ويقال له: «المعربات». (كشف الظنون:
1739).
(2) انظر الصفحة التالية.
(3) في دائرة المعارف الإسلامية: 5/ 86وما بعدها:
«الذي بنى انطاكية هو سلوق الأول سنة 300ق. م. مكان مستعمرتين قليلتي الشأن قديمتين لليونان، وكانت مقرّا لحكام يحبون الفن ومركزا هامّا للتجارة، فلم تلبث أن أصبحت حاضرة لسوريا وصارت بعد ذلك أهم مدن الأمبراطورية الرومانية بعد رومية والاسكندرية كما تعد حاضرة الولايات الآسيوية قاطبة. ويبدأ انحطاطها التدريجي منذ قيام امبراطورية الساسانيين».
(4) في المرجع السابق: «ويربو طول أسوار انطاكية على ستة عشر ميلا وقد تسرّب البلى إلى هذه الأسوار منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، إذ أبيح لأهل انطاكية أن يأخذوا منها ما يعيدون به بناء ديارهم التي هدمها زلزال عام 1872م.
وكانت تعلو أسوارها أبراج ضخمة للدفاع يبعد الواحد منها عن الآخر سبعين خطوة ويقال ان عددها كان يبلغ الستين والثلاث مائة».
(5) في المرجع السابق: «ويربو طول أسوار انطاكية على ستة عشر ميلا وقد تسرّب البلى إلى هذه الأسوار منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، إذ أبيح لأهل انطاكية أن يأخذوا منها ما يعيدون به بناء ديارهم التي هدمها زلزال عام 1872م.
وكانت تعلو أسوارها أبراج ضخمة للدفاع يبعد الواحد منها عن الآخر سبعين خطوة ويقال ان عددها كان يبلغ الستين والثلاث مائة».(4/133)
برجا. قال ابن حوقل: وهي أنزه بلاد الشام بعد دمشق، ويمرّ بظاهرها العاصي والنهر الأسود مجموعين، وتجري مياههما في دورها ومساكنها ومسجدها الجامع، وماؤها يستحجر في مجاريه حتّى لا يؤثر فيه الحديد، وشربه يحدث رياح القولنج (1)، والسلاح بها يسرع إليه الصّدأ ويذهب ريح الطّيب بالمكث فيها، وهي أحد كراسيّ بطاركة النصارى، ولها عندهم قدر عظيم. وقد قيل في قوله تعالى: {وَجََاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى ََ قََالَ يََا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (2)
إنها أنطاكية وان ذلك الرجل «حبيب النّجّار» وقبره بها مشهور يزار. قلت:
وحينئذ فتصير ولايتها (3) المذكورة في «التعريف» و «مسالك الأبصار»: اثنتي عشرة ولاية.
ومينا أنطاكية المذكورة (السّويديّة) بضم السين المشدّدة وفتح الواو وسكون الياء المثناة تحت وكسر الدال المهملة وفتح الياء المثناة تحت المشدّدة وهاء في الآخر. قال في «تقويم البلدان»: وموضعها حيث الطول ستون درجة وخمس وأربعون دقيقة. وعندها مصبّ النهر العاصي، وهناك ينعطف البحر الروميّ ويأخذ غربا بشمال على سواحل بلاد الأرمن.
القسم الثاني من الأعمال الحلبية البلاد المتصلة بذيل البلاد المتقدّم ذكرها في الأعمال الحلبية من الشّمال، وهي المعروفة ببلاد الأرمن
قال في «التعريف» في مكاتبة متملك سيس: وهذه البلاد منها بلاد تسمى العواصم، ومنها بلاد كانت تسمى قديما بالثّغور، سميت بذلك لمثاغرتها الروم،
__________
(1) مرض معوي مؤلم يصعب معه خروج البراز والريح وسببه التهاب القولون. (الوسيط: 767).
(2) ياسين / 20.
(3) لعله: ولاياتها.(4/134)
وإلى مثل ذلك أشار في «تقويم البلدان» أيضا.
فالعواصم (بفتح العين المهملة والواو وكسر الصاد المهملة وميم في الآخر). قال ابن حوقل: وهي اسم للناحية وليست موضعا بعينه يسمّى العواصم. قال: وقصبتها أنطاكية. قال: وعدّ ابن خرداذبه (1) العواصم فكثّرها وجعل منها كورة منبج، وكورة تيزين وبالس ورصافة هشام، وكورة جومة وكذا شيزر وأفامية، وإقليم معرّة النّعمان، وإقليم صوران، وإقليم تلّ باشر وكفر طاب، وإقليم سلميّة، وإقليم جوسية، وإقليم لبنان إلى أن بلغ إقليم قسطل بين حمص ودمشق.
قلت: وأول من سماها بذلك الرشيد هارون حين بنى بها مدينة طرسوس الآتي ذكرها في سنة سبعين ومائة، والذي يظهر أنها سميت بذلك لعصمتها ما دونها من بلاد الإسلام من العدو، إذ كانت متاخمة لبلاد الكفر، واقعة في نحر العدو، وعساكر المسلمين حافظة لها.
والثّغور جمع ثغر (بفتح الثاء المثلثة وسكون الغين المعجمة وفي آخره راء مهملة). قال في «المشترك» وهو اسم لكل موضع يكون في وجه العدو قال:
وثغور الشام كانت أذنة وطرسوس وما معهما فاستولى عليها الأرمن.
وذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه: أن الرشيد في سنة سبعين ومائة عزل الثغور كلّها من الجزيرة وقنّسرين وجعلها حيّزا واحدا وسماها العواصم.
قلت: ومقتضى ذلك أن تكون الثغور والعواصم اسما على مسمّى واحد، وعليه ينطبق كلام المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف». وقد حدّد في «التعريف» هذه البلاد بجملتها فقال: وحدّها من القبلة وانحراف للجنوب بلاد
__________
(1) هو عبيد الله بن أحمد بن خرداذبه: مؤرخ جغرافي، فارسي الأصل. أشهر تصانيفه: المسالك والممالك. توفي نحو 280هـ. (الأعلام: 4/ 190).(4/135)
بغراس وما يليها وحدّها من الشرق جبال الدّربندات وحدّها من الشمال بلاد ابن قرمان وحدّها من الغرب سواحل الروم المفضية إلى العلايا وأنطاليا (1).
وسيأتي الكلام على أصل استيلاء الأرمن على هذه البلاد وانتزاعها منهم وعودها إلى الإسلام في الكلام على مكاتبة متملك سيس، على ما كان عليه الأمر قبل عودتها إلى الإسلام في مكاتبات ملوك الكفر إن شاء الله تعالى.
ويشتمل على عدّة نيابات، بعضها ذكره في «التعريف» وبعضها استجدّ بعد ذلك، وهي على ضربين أيضا:
الضرب الأول الأعمال الكبار وهي صفقتان: ساحلية وجبلية
فأما الجبلية، فثلاثة أعمال:
الأول (عمل ملطيّة) بفتح الميم (2) واللام وكسر الطاء المهملة وبعدها ياء مثناة تحت مشدّدة مفتوحة وهاء في الآخر. وهي مدينة شماليّ حلب بميلة إلى الشرق على نحو سبع مراحل منها. قال ابن سعيد: وهي قاعدة بلاد الثّغور، وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال»: وطولها إحدى وستون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة، ووافقه في «القانون» على الطول وجعل العرض ثمانيا وثلاثين درجة وقد عدّها ابن حوقل من جملة بلاد الشام وقال إنها من قرى بلاد الروم على مرحلة. قال صاحب حماة: والأليق عدّها من بلاد الروم. ثم قال: وعدّها بعضهم من الثّغور الجزرية. قال في «الروض المعطار»: وكانت قديمة فخربتها الروم، فبناها أبو جعفر المنصور يعني ثاني
__________
(1) وقد وردت هذه الصيغة في ابن بطوطه: 2/ 258وعند الجغرافيين العرب أيضا. والصيغة التركية:
أضالية. وفي اليونانية: أتّاليا. وفي المصادر الغربية في القرون الوسطى: ستاليا. وهي بلدة وميناء على ساحل الأناضول الجنوبي. (دائرة المعارف: 5/ 94).
(2) ضبطها ياقوت: 5/ 192بفتحتين ثم سكون ثم ياء مخففة. ثم قال: كسر الطاء وتشديد الياء من قول العامة.(4/136)
خلفاء بين العبّاس في سنة تسع وثمانين (1) ومائة، وجعل عليها سورا محكما وهي بلدة ذات أشجار وفواكه وأنهار، وهي مسوّرة في بسيط من الأرض والجبال محتفة بها من بعد، ولها نهر صغير يمرّ بسورها، ولها قنيّ تدخلها وتجري في دورها إلا أنها شديدة البرد وهي في شماليّ الجبل الدائر الذي بسيس في غربيّه في الجنوب عن سيواس، وبينهما نحو ثلاث مراحل، وفي الغرب عن كختا وبينهما نحو مرحلتين. وقد ذكر في «تقويم البلدان»: أنها فتحت في سنة خمس عشرة وسبعمائة.
الثاني (عمل درندة) بفتح الدال والراء المهملتين وسكون النون وفتح الدال الثانية وهاء في الآخر وهي مدينة في جهة الغرب عن ملطيّة على نحو مرحلة، ذات بساتين وأنهار وعيون ماء تجري، وبينها وبين حلب نحو عشرة أيام.
الثالث (عمل دبركي) بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وكسر الكاف وياء مثناة تحت في الآخر. وقد يقال دوركي بإبدال الباء واوا. وهي مدينة في جهة الشمال والغرب من حلب، على نحو عشر مراحل منها، بها بساتين وأشجار، وبينها وبين حلب نحو اثني عشر يوما.
وأما الساحلية، فإن بها خمسة أعمال:
الأول (آياس) بفتح الهمزة الممدودة والياء المثناة تحت ثم ألف وسين مهملة في الآخر. وهي مدينة من بلاد الأرمن على ساحل البحر، وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «الزيج» (2): طولها تسع وخمسون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة، وهي فرضة تلك البلاد، وبينها وبين بغراس المتقدّم ذكرها مرحلتان. قال في «التعريف»: وقد جعلت نيابة جليلة نحو حمص، وجعل أمرها إلى نائب الشام، ثم جعلت إلى نائب حلب، وهي المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية إضافة إلى نهر جاهان المجاور لها، وهو جيحان المتقدّم ذكره وكانت
__________
(1) لعله مصحف عن: ثلاثين، فإن المنصور تولى الخلافة سنة 136هـ، وتوفي سنة 158هـ. ونقل ياقوت أنه أرسل من يبني ملطية سنة 140هـ.
(2) زيج ابن الشاطر الأنصاري الدمشقي الفلكي المتوفى سنة 777هـ. اختصره شمس الدين الحلبي وصححه الشيخ شهاب الدين أحمد بن غلام الله بن أحمد الحاسب. (كشف الظنون: 965).(4/137)
استعادتها من الأرمن في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، ولذلك قال في «التعريف»: والعهد بفتحها قريب.
الثاني (عمل طرسوس) بفتح الطاء والراء المهملتين جميعا وضم السين المهملة وسكون الواو ثم سين ثانية هكذا ضبطه في «اللباب» والجاري على الألسنة سكون (1) رائها، وهي مدينة من بلاد الأرمن على ساحل بحر الروم شمالا بغرب عن حلب، وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «تقويم البلدان»:
القياس أن طولها ثمان وخمسون درجة وأربعون (2) دقيقة، وعرضها ستّ وثلاثون درجة وخمسون (3) دقيقة. قال في «الروض المعطار»: وهي مدينة مسوّرة، بناها الرشيد في سنة سبعين ومائة وأكملها في سنة اثنتين وسبعين ولها خمسة أبواب:
باب الجهاد، وباب الصّفصاف، وباب الشام، وباب البحر، والباب المسدود.
والنهر يشق في وسطها وعليه قنطرتان داخل البلد. قال ابن حوقل: وهي في غاية الخصب، وبينها وبين حدّ الروم جبال هي الحاجز بين الروم والمسلمين، وبها دفن المأمون بن الرشيد، وكانت استعادتها من الأرمن في الدولة الناصرية حسن بن محمد بن قلاوون.
الثالث (عمل أدنة) بهمزة ودال مهملة (4) ونون مفتوحات وهاء في الآخر. وهي مدينة من بلاد الأرمن واقعة في الإقليم الرابع. قال في بعض الأزياج: طولها تسع وخمسون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال أحمد بن يعقوب (5) الكاتب في كتابه «المسالك والممالك»: وهي
__________
(1) قال ياقوت: 4/ 28 «لا يجوز سكون الراء إلا في ضرورة الشعر، لأن فعلول ليس من أبنية الروم، إذ أن طرسوس كلمة أعجمية رومية».
(2) في المرجع السابق: طولها ثمان وخمسون درجة ونصف وعرضها ست وثلاثون درجة وربع.
(3) في المرجع السابق: طولها ثمان وخمسون درجة ونصف وعرضها ست وثلاثون درجة وربع.
(4) في معجم البلدان والقاموس: أذنة، بالذال المعجمة، وفي دائرة المعارف الإسلامية: 3/ 530:
«أطنة وتكتب بالعربية أذنة، وأدنة وأدانه وآطنه في الأزمنة المتأخرة مدينة في جنوبي الأناضول».
(5) هو أبو محمد، حسين بن أحمد بن يعقوب الهمداني المعروف بابن الحائك المتوفى سنة 334هـ.
واسم كتابه الكامل: «المسالك والممالك في عجائب اليمن وجزيرة العرب». (ذيل كشف الظنون: 4/ 473).(4/138)
من بناء الرشيد. قال ابن حوقل: وهي مدينة حصينة عامرة، وبينها وبين طرسوس ثمانية عشر ميلا.
الرابع (عمل سرفند كار) بكسر السين وسكون الراء المهملتين وفتح الفاء وسكون النون وفتح الدال المهملة والكاف ثم ألف وراء مهملة هكذا ضبطه صاحب حماة، ثم قال: وقد يجعل موضع الفاء واوا فيقال سروندكار والموجود في الدساتير إسفندكار بهمزة في الأول وسقوط الراء الأوّلة وهي قلعة من بلاد الأرمن واقعة في الإقليم الرابع. قال في «الزيج»: طولها ستون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال في «تقويم البلدان»: وهي قلعة حصينة في واد على صخر، وبعض جوانبها ليس له سور للاستغناء عنه بالصخر، وهي على القرب من نهر جيحان من البر الجنوبيّ، في الشرق عن تل حمدون على نحو أربعة أميال.
الخامس (عمل سيس) بكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت ثم سين مهملة ثانية هذا هو المعروف في زماننا، ووقع في كلام الصاحب كمال الدين بن العديم (1) أن اسمها سيسة باثبات هاء في آخرها، وكلامه في «العزيزيّ» يوافقه. وهي قاعدة بلاد الأرمن وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «الزيج»: طولها ستون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة. وهي بلدة كبيرة ذات بساتين وأشجار، ولها قلعة حصينة عليها ثلاثة أسوار على جبل مستطيل، بناها بعض خدّام الرشيد وهو الذي سماها. قال ابن سعيد: وكانت قاعدة الثغور الشّمالية. قال في «العزيزيّ»: وبينها وبين المصّيصة أربعة وعشرون ميلا، وكانت استعادتها من الأرمن في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين. قلت: وقد كانت سيس في أعقاب الفتح نيابة مستقلة، ثم صارت تقدمة عسكر مضافة إلى حلب كما يقع في غزّة في كونها تارة تكون نيابة مستقلة، وتارة تقدمة عسكر مضافة
__________
(1) هو عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي: مؤرخ محدّث من الكتاب. توفي سنة 660 هـ. (الأعلام: 5/ 40).(4/139)
إلى دمشق على ما تقدّم ذكره.
الضرب الثاني من (1) الأعمال الصّغار بلاد الأرمن
وهي ثلاثة عشر عملا لثلاث عشرة قلعة، لم تجر العادة بمكاتبة أحد من نوّابها عن الأبواب السلطانية، ذكر بعضها في «التعريف» وبعضها في «التثقيف» وبعضها في غيرهما من الدساتير.
الأول (عمل قلعة باري كروك) بفتح الباء الموحدة وألف بعدها راء مهملة مكسورة ثم ياء ساكنة ثم كاف مفتوحة وراء مهملة وواو ساكنة ثم كاف في الآخر. وهي قلعة على رأس جبل بالقرب من طرسوس في الشّمال، على نحو نصف مرحلة قال في «التثقيف»: استجدّت في سنة ستين وسبعمائة. قلت:
افتتحها بيدمر الخوارزميّ نائب سيس في سلطنة الناصر محمد بن قلاوون.
الثاني (عمل كاورّا) بفتح الكاف وبعدها ألف وواو وراء مفتوحة مشدّدة وألف في الآخر. وهي قلعة في الشمال عن آياس على جبل مطلّ على البحر الروميّ على نحو ساعة. قال في «التثقيف»: استجدّت سنة تسع وستين وسبعمائة.
الثالث (عمل كولاك) بفتح الكاف وسكون الواو ولام ألف بعدها كاف ثانية. وهي قلعة مدوّرة على رأس جبل في الشمال عن طرسوس على نحو مرحلة يسكنها طائفة من التّركمان.
الرابع (عمل كرزال) بكاف مكسورة وراء مهملة ساكنة وزاي معجمة مفتوحة وبعدها ألف ثم لام. وهي قلعة صغيرة على رأس جبل بالقرب من كولاك المتقدّم ذكرها على نحو مرحلة. قال في «التثقيف»: استجدّت في سنة نيّف وسبعين وسبعمائة.
__________
(1) لعله: الأعمال الصغار من بلاد الخ.(4/140)
الخامس (عمل كومي) (1) بضم الكاف وسكون الواو وكسر الميم وياء مثناة تحت في الآخر.
السادس (عمل تلّ حمدون) بفتح التاء المثناة فوق وتشديد اللام وفتح الحاء المهملة وإسكان الميم وضم الدال المهملة وسكون الواو ونون في الآخر.
وهي قلعة ببلاد الأرمن، وموقعها في الإقليم الرابع. قال ابن سعيد: طولها تسع وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة. قال صاحب حماة: كانت قبل أن يخرّبها المسلمون قلعة حصينة حسنة البناء على تلّ عال، ولها سور مانع وربض وبساتين ونهر يجري، وعلى القرب من جيحان في جهة الجنوب على نصف مرحلة، وبينها وبين آياس نحو مرحلة، وبينها وبين سيس نحو مرحلتين.
السابع (عمل الهارونيّتين) بفتح الهاء وألف بعدها ثم راء مهملة مضمومة ونون مكسورة بعدها ياء مثناة تحت مشدّدة مفتوحة ثم تاء مثناة فوق بعدها ألف (2) ونون. قال في «التعريف»: وهما حصنان بناهما هارون الرشيد. وقال في «المشترك»: الهارونيّة مدينة صغيرة اختطها هارون الرشيد بالثّغور في طرف جبل اللّكام. وقال في «العزيزيّ»: الهارونية آخر حدود الثغور الشامية مما يتصل بالحدود الجزرية، وبينها وبين الكنيسة السّوداء (3) اثنا عشر ميلا. قال في «كتاب الأطوال»: وطولها ستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة.
الثامن (عمل قلعة نجمة) بفتح النون وسكون الجيم وفتح الميم وهاء (4)
__________
(1) كومي، اليوم، جمهورية اشتراكية سوفياتية مستقلة ذاتيا، شمال شرق روسيا الأوروبية. قاعدتها:
سيكتيفكار. (الموسوعة العربية: 1516).
(2) أي: أو ياء ونون تبعا لعوامل الإعراب.
(3) سميت السوداء لأنها بنيت بحجارة سود، بنتها الروم قديما وبها حصن منيع قديم أخرب فيما أخرب منها ثم أمر الرشيد ببنائها وإعادتها إلى ما كانت عليه. (البلدان: 4/ 485).
(4) في معجم البلدان: 4/ 391 «قلعة النجم، بلفظ النجم من الكواكب».(4/141)
في الآخر. وهي قلعة على القرب من الفرات بينها وبين جسر منبج خمسة وعشرون ميلا. قال في «تقويم البلدان»: وهذه القلعة في السحاب. قال: وكان يقال لذلك المكان حصن منبج فصارت تعرف بقلعة نجمة. ثم قال: وهي من بناء السلطان محمود بن زنكي. قلت: وفي «التعريف» ما يقتضي أنها من جملة بناء المأمون.
التاسع (عمل قلعة حميمص). وهي قلعة خراب صغيرة بالقرب من نهر جيحان.
العاشر (عمل قلعة لؤلؤة) وهي قلعة شماليّ كولاك استعادها ابن عثمان.
الحادي عشر (عمل قلعة تامرون) شماليّ طرسوس، بيد عيسى بن ألاس البرسقي التركماني.
الثاني عشر (عمل سنياط كلا) شماليّ طرسوس. كانت داخل المملكة استولى عليها ابن قرمان في أيام المنصور بن الأشرف شعبان.
الثالث عشر (عمل بلسلوص) غربيّ طرسوس على ساحل البحر، بيد حسن بن قوسي البرسقي التركماني.
القسم الثالث من الأعمال الحلبية البلاد المجاورة للفرات من شرقيّة من بلاد الجزيرة الواقعة بين الفرات ودجلة وهي ثلاثة أعمال
الأول (عمل البيرة) بكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الراء المهملة وألف (1) في الآخر. وهي قلعة في البر الشرقيّ في الشّمال عن الفرات، في الشرق عن قلعة الروم المتقدّم ذكرها على نحو مرحلة والفرات بينهما.
__________
(1) لعله: وهاء في الآخر. وهي غير: إلبيرة التي ببلاد الأندلس، فإن تلك الهمزة فيها أصلية على وزن:
إخريطة وكبريته.(4/142)
وقد عدّها في «تقويم البلدان» من جند قنّسرين من أعمال الشام، وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في بعض الأزياج: طولها اثنتان وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وهي قلعة ذات ارتفاع وحصينة لا ترام. قال في «تقويم البلدان»: ولها سوق وعمل. قال ابن سعيد: وقلعتها على صخرة. قال في «التعريف»: ولها منعة وعسكر.
الثاني (عمل قلعة جعبر) بفتح الجيم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة وراء مهملة في الآخر. وهي قلعة من ديار بكر في البر الشرقيّ الشماليّ من الفرات أيضا، وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «الأطوال»:
طولها اثنتان وستون درجة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال القاضي جمال الدين بن واصل (1): وكانت هذه القلعة تعرف قديما بالدّوسريّة نسبة إلى دوسر: عبد النعمان بن المنذر، وهو الذي بناها أوّلا لما جعله النعمان على أفواه الشأم، ثم تملّكها سابق الدين جعبر القشيريّ في أيام الملوك السّلجوقية فعرفت به، ثم انتزعها منه السلطان ملكشاه السلجوقيّ. قال صاحب حماة: وهي في زماننا خراب ليس بها ديار. قلت: وذلك في أثناء الدولة الناصرية محمد بن قلاوون، ثم عمرت بعد ذلك في آخر الدولة الناصرية أو بعدها بقليل وقد أشار إلى ذلك في «التعريف» حين تعرّض لذكرها في آخر مضافات الشأم قبل ذكر حلب بقوله: وهي مجدّدة البنيان، مستجدّة الآن، لأنها جدّدت منذ سنوات، بعد أن طال عليها الأمد، وأخنى عليها الذي أخنى على لبد (2) وكان قد ذكر قبل ذلك في الكلام على تقاسيم الشأم أنها مضافة إلى دمشق ثم قال: وحقّها أن تكون مع
__________
(1) هو محمد بن سالم بن نصر الله بن سالم بن واصل: مؤرخ، عالم بالمنطق والهندسة، من فقهاء الشافعية. توفي في حماة سنة 697هـ. (الأعلام: 6/ 133).
(2) أي درست وانتهت. قال النابغة:
أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا
أخنى عليها الذي أخنى على لبد
ولبد اسم آخر نسور لقمان بن عاد. (اللسان: 3/ 385وما بعدها).(4/143)
حلب، وقد صارت الآن من مضافات حلب.
الثالث (عمل الرّها) بضم الراء المهملة وفتح الهاء وألف في الآخر.
وهي مدينة من ديار مضر في البر الشرقيّ الشماليّ عن الفرات، وموقعها في الإقليم الرابع بالقرب من قلعة الروم. قال في «الأطوال»: طولها اثنتان وستون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة. قال في «العزيزيّ»: وهي مدينة عظيمة رومية، فيها آثار عجيبة. قال في «الروض المعطار»: وهي مدينة ذات عيون كثيرة تجري منها الأنهار، وبها البساتين والأشجار الكثيرة، وعليها سور من حجارة، ولها أربعة أبواب: باب حرّان، والباب الكبير، وباب سبع، وباب الماء.
قال: وليس في بلاد الجزيرة أحسن منتزهات منها ولا أكثر فواكه والفرات منها في ناحية الغرب على مسيرة يومين، وفي ناحية الشّمال على مسيرة يوم. قال في «تقويم البلدان»: وكان بها كنيسة عظيمة، وفيها أكثر من ثلاثمائة دير للنصارى.
قال: وهي اليوم خراب يعني في أثناء الدولة الناصرية، ثم عمرت بعد ذلك. قلت:
وهي اليوم عامرة آهلة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
القاعدة الثالثة من قواعد المملكة الشامية حماة
وقد ذكرها في «مسالك الأبصار» بعد دمشق وهو أليق لقربها منها، ولكنه قد ذكرها في «التعريف» بعد حلب فتبعته على ذلك وفيها جملتان:
الجملة الاولى في حاضرتها
وهي بفتح الحاء المهملة والميم وألف ثم هاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الرابع بين حمص وقنّسرين. قال في «تقويم البلدان»: وطولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة وهي مدينة قديمة أزليّة. قال في «تقويم البلدان»: ولها ذكر في التوراة،
وهي على ضفّة العاصي مكينة البناء، ولها سور جليل، وبيوت ملوكها وشرفاتها مطلة على النهر العاصي وبها القصور الملوكية، والدور الأنيقة والجوامع والمساجد والمدارس والرّبط والزوايا والأسواق التي لا تعدم نوعا من الأنواع وبها قلعة مبنية بالحجارة الملونة وغالب مبانيها العلية، وآثار الخير والبرّ الباقية فيها من فواضل نعم الدولة الأيوبية وبها نواعير مركّبة على العاصي، تدور بجريان الماء، وترفع الماء إلى الدّور السلطانية ودور الأمراء والأكابر والبساتين وفي بساتينها الغراس الفائق والثمار الغريبة ولم يكن لها في القديم نباهة ذكر، وكان الصّيت لحمص دونها، ثم تنبه ذكرها في الدولة الأتابكية زنكي فلما آلت إلى ملوك بني أيوب مصّروها (1) بالأبنية العظيمة، والقصور الفائقة، والمساكن الفاخرة، وتأمير الأمراء، وتجنيد الأجناد فيها وعظّموا أسواقها وزادوا في غراسها، وجلبوا إليها من أرباب الصنائع كلّ من فاق في فنّه إلى أن كملت محاسنها، وصارت معدودة من أمهات البلاد وأحاسن الممالك وهي في غاية رفاهة العيش إلا أنها شديدة الحرّ محجوبة الهواء، ويعرض لها في الخريف تغير تنسب به إلى الوخامة، ولا يبقى بها الثلج إلى الصيف كما يبقى في بقية الشام، وإنما يجلب إليها مما يجاورها وحولها مروج فيح ممتدّة يكثر فيها مصايد الطير والوحش وليس بالممالك الشامية بعد دمشق لها نظير، ولا يدانيها في لطف ذاتها من مجاورتها قريب ولا بعيد. قال في «الروض المعطار»: وبينها وبين حمص أربعون ميلا، ولم تزل بأيدي بقايا الملوك الأيوبية من جهة صاحب مصر، يقيم ملوكهم فيها ملكا بعد ملك إلى أن كان بها منهم آخر الأيام الناصرية محمد بن قلاوون المتقدّم ذكره، واستقرّ فيها بالأمير (2) طغيتمر الحمويّ: أحد مقدّمي الألوف بالديار المصرية نائبا واستمرت بأيدي النوّاب يليها مقدّم ألف بعد مقدّم ألف إلى الآن.(4/144)
وهي بفتح الحاء المهملة والميم وألف ثم هاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الرابع بين حمص وقنّسرين. قال في «تقويم البلدان»: وطولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة وهي مدينة قديمة أزليّة. قال في «تقويم البلدان»: ولها ذكر في التوراة،
وهي على ضفّة العاصي مكينة البناء، ولها سور جليل، وبيوت ملوكها وشرفاتها مطلة على النهر العاصي وبها القصور الملوكية، والدور الأنيقة والجوامع والمساجد والمدارس والرّبط والزوايا والأسواق التي لا تعدم نوعا من الأنواع وبها قلعة مبنية بالحجارة الملونة وغالب مبانيها العلية، وآثار الخير والبرّ الباقية فيها من فواضل نعم الدولة الأيوبية وبها نواعير مركّبة على العاصي، تدور بجريان الماء، وترفع الماء إلى الدّور السلطانية ودور الأمراء والأكابر والبساتين وفي بساتينها الغراس الفائق والثمار الغريبة ولم يكن لها في القديم نباهة ذكر، وكان الصّيت لحمص دونها، ثم تنبه ذكرها في الدولة الأتابكية زنكي فلما آلت إلى ملوك بني أيوب مصّروها (1) بالأبنية العظيمة، والقصور الفائقة، والمساكن الفاخرة، وتأمير الأمراء، وتجنيد الأجناد فيها وعظّموا أسواقها وزادوا في غراسها، وجلبوا إليها من أرباب الصنائع كلّ من فاق في فنّه إلى أن كملت محاسنها، وصارت معدودة من أمهات البلاد وأحاسن الممالك وهي في غاية رفاهة العيش إلا أنها شديدة الحرّ محجوبة الهواء، ويعرض لها في الخريف تغير تنسب به إلى الوخامة، ولا يبقى بها الثلج إلى الصيف كما يبقى في بقية الشام، وإنما يجلب إليها مما يجاورها وحولها مروج فيح ممتدّة يكثر فيها مصايد الطير والوحش وليس بالممالك الشامية بعد دمشق لها نظير، ولا يدانيها في لطف ذاتها من مجاورتها قريب ولا بعيد. قال في «الروض المعطار»: وبينها وبين حمص أربعون ميلا، ولم تزل بأيدي بقايا الملوك الأيوبية من جهة صاحب مصر، يقيم ملوكهم فيها ملكا بعد ملك إلى أن كان بها منهم آخر الأيام الناصرية محمد بن قلاوون المتقدّم ذكره، واستقرّ فيها بالأمير (2) طغيتمر الحمويّ: أحد مقدّمي الألوف بالديار المصرية نائبا واستمرت بأيدي النوّاب يليها مقدّم ألف بعد مقدّم ألف إلى الآن.
__________
(1) أي: بنوها (الوسيط: 873).
(2) لعل الباء من زيادة الناسخ، أي: كان بها منهم في تلك الأيام واستقرّ فيها الأمير الخ.(4/145)
الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها
قال في «التعريف»: وحدّها من القبلة مدينة الرّستن وماسامتها آخذا بين سلمية وقبة ملاعب، إلى حيث مجرّ النهر (1) والآثار القديمة وحدّها من الشرق البرّ آخذا على سلمية إلى ما استفل عن قبّة ملاعب وحدّها من الشمال آخر حدّ المعرّة من العرابا (2)، وحدّها من الغرب مضافات مصياف وقلاع الدعوة وليس بها نوّاب قلاع البتة ولها ثلاثة أعمال:
الأول (عمل برّها) وهو ظاهرها وما حولها كما تقدّم في دمشق وحلب.
الثاني (عمل بارين) بفتح الباء الموحدة وألف بعدها وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر وهي بلدة على مرحلة من حماة في الغرب عنها بميلة يسيرة إلى الجنوب وموقعها في الإقليم الرابع. قال في «تقويم البلدان»: والقياس أن طولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة (3)
الثالث (عمل المعرّة) بفتح الميم والعين المهملة ثم راء مهملة مشدّدة مفتوحة وهاء في الآخر وهي مدينة من جند حمص واقعة في الإقليم الرابع. قال في «كتاب الأطوال»: طولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة. وقال في «تقويم البلدان»: القياس أن طولها إحدى وستون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس
__________
(1) المقصود: نهر العاصي.
(2) كذا في الأصل بإهمال النقط. وفي الضوء: «من الغرب» (حاشية الصفحة 41من الجزء الرابع، الطبعة الأميرية).
(3) لم يتكلم على العرض كعادته ولعله سقط من قلم الناسخ. ويستفاد من «التقويم» أن عرضها أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة.(4/146)
وأربعون دقيقة، وتعرف بمعرّة النّعمان. قال البلاذريّ (1): إضافة (2) إلى النّعمان بن بشير الأنصاريّ رضي الله عنه. قال في «العزيزيّ»: وهي مدينة جليلة عامرة كثيرة الفواكه والثّمار والخصب، وشرب أهلها من الآبار. قال في «الروض المعطار»: ولها سبعة أبواب: باب حلب، والباب الكبير، وباب شيث، وباب الجنان، وباب حمص، وباب كذا (3). قال: ويذكر أن قبر شيث بن آدم عليه السلام عند الباب المنسوب إليه فيها، وداخلها قبر يوشع بن نون عليه السلام، وعلى ميل منها دير سمعان الذي به قبر عمر بن عبد العزيز. قال السمعانيّ: والنسبة إليها معرنميّ. قال: وبالشام بلدة أخرى تسمّى معرّة نسرين بالنون والسين المهملة، والنسبة إليها معرنسيّ. قال صاحب حماة: والمشهور في الثانية أنها معرّة مصرين (4) بميم وصاد مهملة.
القاعدة الرابعة من قواعد المملكة الشامية أطرابلس وفيها جملتان
الجملة الأولى في حاضرتها
وهي بفتح الهمزة وسكون الطاء وفتح الراء المهملتين ثم ألف وباء موحدة ولام مضمومتين وسين مهملة في الآخر. قال السمعانيّ: وقد تسقط الألف منها فرقا بينها وبين أطرابلس التي في الغرب، وأنكر ياقوت في «المشترك» سقوطها وعاب على المتنبي حذفها منها في بعض شعره. قال في «الروض المعطار»:
__________
(1) هو أحمد بن يحيى بن جابر بن داوود البلاذري: مؤرخ جغرافي نسّابة. توفي سنة 279هـ.
(الأعلام: 1/ 267).
(2) قال في معجم البلدان: 5/ 156 «وهذا في رأيي سبب ضعيف لا تسمى بمثله مدينة. والذي أظنه أنها مسماة بالنعمان وهو الملقب بالساطع بن عديّ بن غطفان».
(3) هكذا نص الروض المعطار ص: 555.
(4) كذلك في معجم البلدان: 5/ 155.(4/147)
ومعنى أطرابلس فيما قيل ثلاث مدن، وقيل مدينة الناس (1). وهي مدينة من سواحل حمص واقعة في الإقليم الرابع. قال في «كتاب الأطوال»: طولها تسع وخمسون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وكانت في الأصل من بناء الروم فلما فتحها المسلمون في سنة ثمان وثمانين وستمائة في الأيام الأشرفية «خليل بن قلاوون» رحمه الله، خرّبوها وعمروا مدينة على نحو ميل منها وسمّوها باسمها، وهي الموجودة الآن ولما بنيت هذه المدينة الجديدة كانت وخيمة البقعة، ذميمة السكن. فلما طالت مدّة سكنها وكثر بها الناس والدوابّ وصرّفت المياة الآسنة التي كانت حولها وعملت بساتين، ونصبت بها النصوب والغروس، خفّ ثقلها وقل وخمها.
قال في «مسالك الأبصار»: ولما ولي نيابتها أستدمر الكرجيّ كان لا ينفك عن كونه وخما فشكا ذلك إلى سليمان بن داود المتطبب، فأشار عليه أن يستكثر فيها من الإبل وسائر الدوابّ ففعل فخفّ وخمها. قال: وقد سألت عن علة ذلك الكثير من الاطباء فلم يجيبوا فيه بشيء.
قلت: لا خفاء أن المعنى في الإبل ما أشار به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أمر العرنيّين (2)
حين استوخموا المدينة «أنهم يقيمون في إبل الصّدقة ويشربون من ألبانها وأبوالها ففعلوا ذلك فصحّوا» فكأن ذلك من خاصة الإبل. ولعل التأثير في ذلك للإبل خاصة دون سائر الدواب. وهي الآن مدينة متمدّنة كثيرة الزحام وبها مساجد، ومدارس، وزوايا، وبيمارستان، وأسواق جليلة، وحمامات حسان وجميع بنائها بالحجر والكلس مبيضا ظاهرا وباطنا، وغوطتها محيطة بها، وتحيط بغوطتها مزدرعاتها وهي بديعة المشترف ولها نهر يحكم على ديارها وطباقها
__________
(1) في حاشية الصفحة 389من الروض المعطار: «الاستبصار: إياس. البكري: أناس. ولعل الصواب: أياس، احتفاظا بالشكل القديم للإسم.
(2) في اللسان: 13/ 281: «العرن داء يأخذ الدابة في آخر رجلها كالسّجح من الجلد يذهب الشعر.
وأعرن الرجل إذا تشققت سيقانه» ثم قال: ورهط من العرنيين مثال الجهنيين ارتدوا فقتلهم النبي.(4/148)