ومنها: الشّقراء وهي التي في رأسها نقط بياض. قال أبو عبيدة (1)
ويونس (2): ويقال لذكر العقاب الغرن بفتح الغين والراء المهملة ويقال: إن ذكور العقبان من طير آخر لطاف الجرم لا تساوي شيئا، تعلب بها الصّبيان.
والعقاب من أسرع الطير طيرانا فقد حكي أن عقابا حملت كفّ عبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد المسمّى بيعسوب قريش المقتول يوم الجمل بالكوفة فألقتها بمكة فأخذت فوجد بها حلقة فعرف أنها كفه وأرّخ ذلك الوقت فتبيّن أنها ألقتها يوم الجمل الذي قتل فيه.
وأوّل من صادها أهل المغرب فلما نظرت الرّوم إلى شدّة أمرها وإفراط سلاحها قال حكماؤهم: هذا لا يفي خيره بشرّه.
وصفة الوثيق النجيب منها: وثاقة الخلق، وثبوت الأركان، وحمرة اللون، وغؤور العين بالحماليق وأن تكون صقعاء (3)، عجزاء (4) لا سيما ما كان منها من أرض سرت (5) أو جبال المغرب. وهي تصيد الظّباء والثّعالب والأرانب، وقد تصيد حمر الوحش وطريق صيدها إيّاها أنها إذا نظرت حمار الوحش رمت بنفسها في الماء حتّى يبتلّ جناحاها ثم تخرج فتقع على التراب فتحمل منه ومن الرمل ما يعلق بهما، ثم تطير طيرانا ثقيلا حتّى تقع على هامته فتصفّق على عينيه بجناحيها فيمتلئان ترابا من ذلك التراب الذي علق بجناحيها، فلا تستطيع المسير بعد ذلك فيدركها القانص فيأخذها، وربما كسرت الآدميّ.
__________
(1) هو معمر بن المثنّى، أبو عبيدة النحوي: من أئمة العلم بالأدب واللغة. توفي سنة 209هـ.
(الأعلام 7/ 272).
(2) المقصود يونس بن حبيب النحوي المتوفى سنة 182هـ، كان إمام نحاة البصرة في عصره.
(الأعلام: 8/ 261).
(3) أي: بيضاء أعلى الرأس (اللسان: 8/ 202).
(4) هي العقاب التي بمؤخرها بياض أولون مخالف. وقيل: هي التي في ذنبها نقص، وقيل: هي التي في ذنبها ريشة بيضاء أو ريشتان. (اللسان: 5/ 371).
(5) مدينة على ساحل البحر الرومي بين برقة وطرابلس. (معجم البلدان: 3/ 206).(2/59)
ومما يحكى في ذلك: أن قيصر ملك الرّوم أهدى إلى كسرى ملك الفرس عقابا، وكتب إليه: إنها تعمل أكثر من عمل الصّقور فأمر بها كسرى فأرسلت على ظبي فاقتنصته، فأعجبه ما رأى منها فانصرف وجوّعها ليصيد بها فوثبت على صبيّ له فقتله فقال كسرى: إن قيصر قد جعل بيننا وبينه دما ثائرا بغير جيش، ثم إن كسرى أهدى إلى قيصر نمرا وكتب إليه: أن قد بعثت إليك فهدا يقتل الظباء وأمثالها من الوحش، وكتم ما صنعت العقاب، فأعجب قيصر حسن النمر ووافق صفته ما وصف من الفهد، وغفل عنه فافترس بعض فتيانه فقال: صادنا كسرى.
ومن شأنها: أنها لا تطلب شيئا من الوحش الذي تصيده وهي لا تقرب إنسانا أبدا خوفا من أن يطلب صيدها، ولا تزال مرقبة (1) على مرقب عال فإذا رأت بعض سباع الطير قد صاد شيئا انقضّت عليه، فإذا أبصرها هرب وترك الصيد لها فإن جاعت لم يمتنع عليها الذئب في صيدها، وربما اغتالت البزاة فقتلتها.
ومن خصائصها: أنها أشدّ إخفاء لفراخها من سائر الطير.
قال غطريف بن قدامة الغساني صاحب صيد هشام بن عبد الملك: وأوّل من لعب بالعقاب أهل المغرب فلما عرفوا أسرارها نفّذوها إلى ملك الروم فاستدعى جميع حكمائه فقال لهم: انظروا في قوّة هذا الطير وعظم سلاحه، كيف تجب تربيته، وتعرّفوا أسراره في صيده وتعليمه، وكيف ينبغي أن يكون؟ فأجابوا جميعا:
بأن هذا الطائر دون سائر أجناسه كالأسد في سائر الوحوش، وكما أن الأسد ملك كذلك هذا ملك بين سائر سباع الطير. وعند العداوة والغضب كلّ الأجناس عنده من سائر الحيوان على اختلاف أنواعه واحد لقوّة غضبه وشدّة بأسه، فهو لا يستعظم الآدميّ ولا غيره من الحيوان.
الضرب الثاني «الزّمّج»
بضم الزاي وفتح الميم المشدّدة ثم جيم والعامّة تبدل الزاي جيما والجيم زايا، وهو طائر معروف تصيد به الملوك الوحش،
__________
(1) لعلها: «مرتقبة».(2/60)
وأهل البيزرة (1) يعدّونه من خفاف الطير الجوارح، إلا أنهم يصفونه بالغدر وقلّة الإلف لكثافة طبعه وكونه لا يقبل التعليم إلا بعد بطء.
ومن عادته أنه يصيد على وجه الأرض وأحسن صفاته أن يكون أحمر اللون.
وقال الليث (2): الزّمّج طائر دون العقاب حمرته غالبة، والعجم تسميه دوبرا دران، ومعناه أنه إن عجز عن الصيد أعانه عليه أخوه.
القسم الثاني من الجوارح «البزاة» وهي ما اصفرّت عينه، وهي على خمسة أضرب:
الأوّل «البازي»
المختص في زماننا باسم البازي وفي ضبطه ثلاث لغات أفصحها بازي بكسر الزاي وتخفيف الياء في الآخر، والثاني باز بغير ياء في آخره، والثالث بازيّ باثبات الياء وتشديدها حكاها ابن سيده (3) ويقال في التثنية:
بازيان، وفي الجمع: بواز وبزاة، ولفظه مشتق من البزوان، وهو الوثب. وهو خفيف الجناح، سريع الطّيران، وهو من أشرف الطّيور الجوارح وأحرصها على طلب صيده.
ففي أخبار نصر بن سيّار (4) أن بعض كبراء الدّهاقين (5) غدا عليه
__________
(1) البيزرة علم يبحث فيه عن أحوال الجوارح من حيث حفظ صحتها وإزالة مرضها ومعرفة العلامات الدالة على قوتها في الصيد وضعفها فيه. (كشف الظنون: 265).
(2) هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن: إمام أهل مصر في عصره حديثا وفقها. ولد بقلقشنده سنة 94هـ وتوفي بالقاهرة سنة 175هـ. (صبح الأعشى: 3/ 399).
(3) هو علي بن إسماعيل: إمام اللغة وآدابها. توفي سنة 458هـ. (الأعلام: 4/ 263).
(4) أمير من الدهاة الشجعان. ولي إمرة خراسان سنة 120هـ. من قبل هشام بن عبد الملك. وتوفي بساوة سنة 131هـ. (الأعلام: 8/ 23).
(5) جمع: دهقان، بكسر الدال وضمها. وهي كلمة فارسية معرّبة معناها: التاجر. (اللسان:
10/ 107).(2/61)
بطبرستان (1) ومعه منديل فيه شي ملفّف، فكشف عنه بين يديه فإذا فيه شلوباز (2)
ودرّاجة، فأطلقه عليها فأحسّت به وكنت قد أمرت بإحراق قصب قد أفسد أرضا لي فتحاملت الدّرّاجة حتّى اقتحمت النّار هاربة من البازي، واشتدّ طلبه لها وحرصه عليها فلم تردّه النار عنها واقتحمها في أثرها، فأسرعت فيهما، فأدركهما وقد احترقا، فأحضرهما إلى الأمير ليراهما فيرى بهما ثمرة إفراط الحرص وإفراط الجبن، وهو من أشدّ الحيوان كبرا وأضيقها خلقا.
قال القزوينيّ: ولا يكون إلا أنثى، وذكرها نوع آخر من حدأة (3) أو شاهين (4) أو غيرهما ولذلك تختلف أشكالها. والبازي قليل الصبر على العطش، ومأواه مساقط الشجر.
ومن فضيلته: أن الصيد فيه طبيعة لأنه يؤخذ من وكره فرخا من غير أن يكون يصيد مع أبويه، فيصيد ابتداء وقريحة من غير تضرية، بخلاف الصقر فإنه إذا أخذ قبل أن يتصيد مع أبويه لم ينجب ولم يصد، وإذا كان قد لحق أبويه وصاد معهما ثم عوّد أكثر مما يوجد عنده في تلك الحال وجرّيء على ما هو أكبر من الظباء اعتاد ذلك ومهر فيه.
قال صاحب «المصايد والمطارد»: وعدد ريش جناح البازي عشرون ريشة: أربع قوادم، وأربع مناكب، وأربع أباهر، وأربع كلّى، وأربع خواف، ويقال: سبع قوادم وسبع خواف، وسائره لغب (5). والخوافي أخفّ من القوادم.
__________
(1) هكذا ضبطها في معجم البلدان: 4/ 13. أما في معجم ما استعجم: 3/ 887: «طبرستان» بفتح أوله وثانيه وإسكان الراء المهملة وفتح السين المهملة. وهي مدينة معروفة من بلاد خراسان.
(2) جمعها: أشلاء. وأشلاء الصيد هي أعضاؤه. والشلوهنا بمعنى ولد الباز. يقال: بنو فلان أشلاء من بني فلان أي: بقايا فيهم. (اللسان: 14/ 442).
(3) طائر جارح قريب الصقر والعقاب، تحوم في دوائر ولا تحرّك جناحيها إلا قليلا. (الموسوعة العربية الميسرة: 692).
(4) وتجمع على شواهين وشياهين. (الوسيط: 498).
(5) الريش اللغب، بتسكين الغين وفتحها هو الريش الفاسد. (اللسان: 1/ 742).(2/62)
والمستحب من صفاته: صغر المنسر، والرأس، وغلظ العنق، وسعة اللحيين، ودائرتي الأذنين والشّدقين، وسعة الحدقة، وطول القوادم، وقصر الخوافي والذّنب، وشدّة اللحم، وعرض ما بين المنكبين والزّور، وسعة الحوصلاء، وسعة ما ينتقل إليه طعمه، وعرض المخالب، ورزانة المحمل، وغلظ خطوط الصدر، وذكاء القلب، والتشمير، وكثرة الأكل، وتتابع النّهش، وسرعة الاستمراء، وشدّة الانتفاض، وضخامة السّلاح، وبعد الذّرق (1). وأن تراه كأنه مقعيا إذا استقبلته على يد حامله، تشبيها بالغراب الأبقع.
قال صاحب «المصايد والمطارد»: والمختار من ألوانها الأحمر الأكثر سوادا، الغليظ خطوط الصدر، والأشهب الشديد الشهبة، الشّبيه بالأبيض، والأصفر المدبّج الظهر، قال: وسواد لسانه أدلّ على نجابته.
والبازي يصيد الكلب، والأرنب، والغزال، والكركيّ وما في معناه، والدّرّاج والحجل، وسائر الحمام، والبطّ، وسائر طيور الماء.
ومن محاسن البازي: عدم الإباق (2)، فإنه إن صاد بقي على فريسته، وإن لم يصد وقف مكانه فلا يحتاج إلى كدّ ولا تعب ولا طرد خيل.
وأوّل من صاده من الملوك قسطنطين ملك الروم وذلك أنه مر يوما بلحف جبل فرأى بازيا يطير ثم نزل على شجرة كثيرة الأغصان كبيرة الشوك، فأعجبته صورته، وراقه حسن لباسه فأمر بأن يصاد له جملة من البزاة فصيدت له وحملت إليه فارتبطها في مجلسه، فعرض لبعضها في بعض الأيام أيم (3) فوثب عليه فقتله، فقال هذا ملك يغضبه ما يغضب الملوك فنصب له بين يديه كندرة (4)، وكان هناك ثعلب داجن، وهو الذي يربّى في البيوت، فوثب عليه فما أفلت إلا جريحا، فقال:
__________
(1) أي: الخرء (اللسان: 10/ 108).
(2) الإباق في الأصل هو هرب العبد من سيّده، وتستعمل هنا مجازا. (اللسان: 10/ 3).
(3) الأيم والأين: الحيّة. (اللسان: 12/ 40).
(4) كندرة البازي هي مجثمه الذي يهيّأ له من خشب أو مدر وهو لفظ دخيل. (اللسان: 5/ 153).(2/63)
هذا ملك جبّار لا يحتمل ضيما، ثم مرّ به طائر فكسره ونهش منه فقال: هذا ملك نوعه لما جاع أخذ طعامه بسلطان وقدرة، فحمله على يده وصاد به.
الثاني «الزّرّق»
بضم الزاي المعجمة وتشديد الراء المهملة المفتوحة وقاف في الآخر وهو ذكر البازي.
قال في «المصايد والمطارد»: وهو يصيد ما يصيد البازي من دقّ الطير ولا ينتهي إلى صيد الكركيّ.
الثالث «الفقيمي»
(1) وهو باز قضيف (2) قليل الصيد ذاهل النفس.
الرابع «الباشق»
بكسر الشين وفتحها فارسي معرّب وهو طائر لطيف وصفاته المحمودة كصفات البازي المحمودة وأفضلها أثقلها وزنا.
قال في «المصايد والمطارد»: وهو يصيد العصافير وما قاربها. وقال في حياة الحيوان (3): إنه يصيد أفخر ما يصيده البازي، وهو الدّرّاج والحمام والورشان (4)، وإذا قوي على صيده لا يتركه إلا أن يتلف أحدهما.
الخامس «البيدق»
وهو دون الباشق، وصيده العصافير.
القسم الثالث من الجوارح «الصقور» وهي السّود العيون من الجوارح وهي ضربان:
الضرب الأول: «الشّواهين»
(واحدها شاهين) وهي صنفان الأوّل:
__________
(1) في «حياة الحيوان»: «العقصى» ولم نجدهما في معاجم اللغة.
(2) الدقيق. العظم القليل اللحم. والجمع: قضفاء وقضاف. (اللسان: 9/ 284).
(3) للشيخ كمال الدين محمد بن عيسى الدميري الشافعي المتوفى سنة 808هـ. (كشف الظنون:
696).
(4) طائر من الفصيلة الحمامية أكبر قليلا من الحمامة المعروفة يستوطن أوروبا ويهاجر في جماعات إلى العراق والشام. وفي المثل: «بعلّة الورشان يؤكل رطب المشان». يضرب لمن يظهر شيئا والمراد منه شيء آخر. جمعه ورشان ووراشين. (الوسيط: 1025).(2/64)
المشتهر باسم الشاهين، وقد ذكر العلماء بالجوارح: أن الشّواهين هي أسرع الجوارح كلها وأشجعها وأخفّها وأحسنها تقلبا، وإقبالا، وإدبارا، وأشدّها ضراوة على الصيد إلا أنهم عابوها بالإباق وما يعتريها من شدّة الحرص، حتّى إنها ربما ضربت نفسها على الغلظ من الأرض فماتت، وهي أصلب عظاما من غيرها من سائر الجوارح ويقال: إن صدرها عصب مجدول ملحم، ولذلك تجدها تضرب بصدرها ثم تعلق بكفها، وهم يحمدون منها ما قرنص (1) داجنا دون ما قرنص وحشيّا.
ومن كلام بعضهم: الشاهين كاسمه يعني كالميزان المسمّى بالشاهين فإنها لا تحمل أيسر حال من الشبع ولا أيسر حال من الجوع بل حالها معتدل كاعتدال الميزان ويقال: إن الحمام يخافها أكثر مما يخاف غيرها من الصقور.
ثم المختار من صفاتها فيما ذكره صاحب «المصايد والمطارد»: الأحمر اللون إذا كان عظيم الهامة، واسع العينين حادّهما، سائل السّفعتين (2)، تامّ المنسر، طويل العنق، رحب الصدر، ممتليء الزّور، عريض الوسط، جليل الفخذين، قصير الساقين، قريب العقدة من القفا، طويل الجناحين، قصير الذّنب، سبط الكف، غليظ دائرة الخصر، قليل الريش ليّنه، تام الخوافي، ممتليء العكوة (3)، رقيق الذّنب، إذا صلب عليه جناحيه لم يفضل عنهما شيء من ذنبه.
قال صاحب «المصايد والمطارد»: وأهل الاسكندرية يزعمون أن السود منها هي المحمودة، وأن السواد هو أصل لونها وإنما انقلبت إلى لون البراري فحالت قال: والحمر منها تكون في الأرياف والمواضع السّهلة والشّهب في الجبال والبراري، ثم قال: ولا يصيد منها الكركيّ والحبرج إلا البحريّة.
__________
(1) يقال: قرنص البازيّ أي اقتناه للصيد. وحكيت: قرنس، بالسين، مبنيا للفاعل. (اللسان: 7/ 73 والقاموس: 2/ 324).
(2) السّفعة هو السواد المشرب حمرة. ويقال: سفع الطائر ضريبته أي لطمها بجناحه. (اللسان:
8/ 157والقاموس: 3/ 40).
(3) أصل الذنب. وفيه لغتان: بفتح العين وضمّها (اللسان: 15/ 82).(2/65)
وأوّل من صادها فيما يقال قسطنطين ملك الروم أيضا، وذلك أنه رأى شاهينا محلّقا على طير الماء يصطاده فأعجبه ما عاين من فراهته وسرعة طيرانه وحسن صيده فإنه رآه يحلّق في طيرانه حتّى يلحق بعنان الجوّ ثم يعود في طرفة عين فيضرب طير الماء فيأخذه قناصا، فقال: ينبغي أن يصاد هذا الطائر ويعلّم، فإن كان قابلا للتعليم ظهر منه أعجوبة في أمر الصيد، فأمر بصيده وتعليمه، فصيد وعلم وحمله على يده.
قال في «المصايد والمطارد» وإنه كان من رتبة ملوك الروم أنه إذا ركب سارت الشواهين حائمة على رأس الملك حتّى ينزل فتقع حوله إلى أن ركب بها ملك منهم، وسار وهي على رأسه، فطار طائر فانقضّ بعض تلك الشواهين عليه فاقتنصه، وأعجب الملك به فضرّاها على الصيد وصاد بها.
وقال ابن عفير (1): كانت ملوك العرب إذا ركبت في مواكبها طيّروا الشواهين فوق رؤوسهم، وكان ذلك عندهم هو الرتبة العظيمة.
الثاني من الشواهين: الأنيوه، قال في «المصايد والمطارد»: وهو دون الشاهين في القوة، وله سرعة لا تزيد على صيد العصافير.
الضرب الثاني: من الصقور ما عدا الشواهين وهي أصناف
:الأول «السّنقر»
قال في «التعريف»: وهو أشرف الجوارح وإن كان لا ذكر له في القديم. قال: والسّناقر تجلب من البحر الشاميّ مغالى في أثمانها ثم قال: وكان الواحد منها يبلغ ألف دينار، ثم نزل عن تلك الرتبة، وانحط عن تلك الهضبة.
الثاني المخصوص في زماننا باسم «الصّقر»
، ويجمع على أصقر
__________
(1) لعله: عبد الله بن عفير الذي يروي عنه الكندي في كتابه: ولاة مصر، وتاريخ مولده ووفاته مجهول. أو هو ابن عفير المتوفى سنة 226هـ، وهو غير الأول. (ولاه مصر: ص 19).(2/66)
وصقور وصقورة، قال في «التعريف»: والعرب تسمي هذا النوع الحرّ ويقال له: الأكدر، والأجدل.
قال في «المصايد والمطارد»: ويقال لها: بغال الطير، لأنها أصبر على الأذى، وأحمل لغليظ الغذاء، وأحسن إلفا، وأشدّ إقداما على جلّة الطير، ومزاجه أبرد من البازي والشاهين.
وبسبب ذلك يضرّى على الغزال والأرنب ولا يضرّى على الطير لأنه يفوته، وهو أهدى من البازي نفسا، وأسرع استئناسا بالناس، وأكثرها قنعا، وأبرد مزاجا، لا يشرب ماء وإن أقام دهرا ونوعه يوصف بالبخر ونتن الفم، ومسكنه المغائر والكهوف وصدوع الجبال دون رؤوس الأشجار وأعالي الجبال.
والعرب تحمد من الصّقور ما قرنص وحشيّا، وتذم ما قرنص داجنا، وتقول:
إنه يتبلد ولا يكاد يفلح. وهي تصيد الكركيّ وما في معناه، والبطّ وسائر طير الماء.
والصقور من أثبت الجوارح جنانا في الطيران، وأحرصها في اتباع الصيد، حتّى يحكى أن بعض ملوك مصر أرسل صقرا على كركيّ صبيحة يوم الجمعة بمصر، فبينما الناس يصلّون الجمعة بدمشق إذ وقع هو والكركيّ بالجامع الأمويّ بدمشق، فأخذ فوجد فيه لوح السلطان فعرف به فكتب نائب الشام إلى السلطان يخبره وأرسله إليه هو وصيده.
قال في «المصايد والمطارد»: ومن ألوان الصقر كونه أحمر، وأبغث (1)، وأحوى (2)، وأبيض، وأخرج (3)، وهو الذي فيه نقط بيض. قال: ويستحب في الصقر أن يكون أحمر اللون، عظيم الهامة، واسع العينين، تام المنسر، طويل العنق، رحب الصّدر، ممتلىء الزّور، عريض الوسط، جليل الفخذين، قصير
__________
(1) البغث والبغثة: بياض يضرب إلى الخضرة (اللسان: 2/ 118).
(2) الحوّة: سواد إلى الخضرة. وقيل: حمرة تضرب إلى السواد (اللسان: 14/ 206).
(3) الخرج: سواد وبياض. (اللسان: 2/ 252).(2/67)
الساقين، قريب القعدة من القفا، طويل الجناحين، قصير الذّنب، سبط الكف، غليظ الأصابع فيروزجها، أسود اللسان. قال: وتجمع هذه الصفات الفراهة والوثاقة والسرعة.
قال أدهم بن محرز (1): وأوّل من لعب بالصقر الحارث بن معاوية بن كندة (2)
الكنديّ، خرج يوما إلى الصيد فرأى صيّادين قد نصبوا شباكا عدّة، فوقع فيها عصافير عدّة، فحين رآها صقر من الجوّ انقضّ عليها يطلبها، فأمر الحارث بنصب الشباك للصقور فنصبت لها فاصطاد منها جملة. ويقال: إن صيد الصقر غير طبيعيّ له وإنما يستفيد ذلك بالتعليم، بدليل أنّ فراخ الباز إذا أخذت من العشّ وعلّمت اصطادت أجود صيد لأن صيدها طبيعيّ، بخلاف الصقر فإنه إذا أخذ من الوكر ثم كبر فإنه لا يصطاد غير طعمه فلذلك ينهى عن تربية الصقر.
الثالث «الكونج»
قال في حياة الحيوان: نسبته من الصقور كنسبة الزّرّق إلى البازي إلا أنه أحرّ منه، ولذلك كان أخفّ جناحا وأقلّ بخرا. قال: ويصيد أشياء من طير الماء ويعجز عن الغزال لصغره.
الرابع «الكوهيّة»
وهي موشّاة بالبياض والسواد يخالط لونها صفرة.
وقال في «التعريف»: وتجلب من البحر.
الخامس «السقاوة»
وهي قريبة الشكل من الصقر.
السادس «اليؤيؤ»
بضم الياء المثناة تحت وهمزة بعدها وضم الثانية وهمزة بعدها أيضا.
قال في «المصايد والمطارد»: وتسميه أهل مصر والشام «الجلم»،
__________
(1) شاء مقلّ، من أمراء الجند من أهل حمص. شهد صفين مع معاوية وكان من قواد الحجاج بن يوسف. توفي نحو مئة للهجرة. (الأعلام 1/ 282).
(2) ملك جاهلي كان له السلطان في اليمامة والبحرين. من ذريته: الكندي الفيلسوف والأشعث بن قيس الصحابي. (الأعلام: 2/ 157).(2/68)
وبهذا سماه في «التعريف» وهو طائر صغير أسود اللون يضرب للزّرقة، وهي مع صغرها يجتمع الاثنان منها على الكركيّ فيصيدانه، وسمّوه الجلم أخذا من الجلم وهو المقصّ تشبيها به لأن له سرعة كسرعة المقصّ في قطعه ومزاجه بالنسبة إلى الباشق بارد رطب لأنه أصبر نفسا منه، وأثقل حركة. وهو يشرب الماء شربا ضروريا كما يشربه الباشق ومزاجه بالنسبة إلى الصقر حارّ يابس ولذلك هو أشجع منه. ويقال: إن أوّل من ضرّاه على الصيد واصطاد به بهرام جور (1) أحد ملوك الفرس وذلك أنه رأى يؤيؤا يطارد قنبرة، ويراوغها، ويرتفع معها ثم لم يتركها حتّى صادها فأمر بتأديبه والصيد به.
الصنف الثاني الطير الجليل
وهو المعبر عنه بطير الواجب، وبه تعتني رماة البندق ونحوها، وتفتخر بإصابته وصرعه، ويحتاج إليه في الرسائل الصيدية، وفي كتابة قدم البندق ونحوها. وهو أربعة عشر طائرا وهي على ضربين:
الضرب الأوّل «طيور الشتاء»
وهي التي يكثر وجدانها فيه، وهي عشرة طيور:
الأوّل «الكركيّ»
وهو طائر أغبر، طويل الساقين، في قدر الإوزّة، ويجمع على كراكيّ وفي طبعه خور يحمله على التحارس، حتّى إنه إذا اجتمع جماعة من الكراكيّ لا بدّ لها من حارس يحرسها بالنّوبة بينها. ومن شأن الذي يحرس منها أن يهتف بصوت خفيّ كأنه ينذر بأنه حارس، فإذا قضى نوبته، قام واحد ممن كان نائما يحرس مكانه حتّى يقضي كلّ منها نوبته من الحراسة، ولا تطير متفرقة بل صفّا واحدا، يقدمها واحد منها كالرئيس لها وهي تتبعه، يكون ذلك حينا ثم يخلفه آخر منها مقدّما حتّى يصير الذي كان مقدّما مؤخّرا وفي طبعها
__________
(1) هو بهرام الخامس بن يزد جرد الأول ربّاه العرب في الحيرة وأدّبه المنذر الأول ابن النعمان. ولقب «كور» أي حمار الوحش لقوته ومهارته. (دائرة المعارف الإسلامية: 8/ 251).(2/69)
التناصر والتعاضد. ومن خاصتها أن أنثاها لا تقعد للسفاد بل يسفدها وهي قائمة، ويكون سفاده سريعا كالعصفور.
وذكر جميع بن عمير التميمي أن الكراكيّ تبيض في السماء، ولا تقع فراخها وكذبه المحدّثون في ذلك وإن كان قد روى عنه أهل السنن.
قال القزويني في عجائب المخلوقات: والكركيّ لا يمشي على الأرض إلا بإحدى رجليه ويعلّق الأخرى، وإن وضعها وضعا خفيفا مخافة أن تخسف به الأرض.
قال في «المصايد والمطارد»: وهو من أبعد الطير صوتا يسمع على أميال.
قال: وإذا تقدّم مجيئها في الفصل استدلّ بذلك على قوّة الشتاء. ويقال: إن الكراكيّ تأتي إلى مصر من بلاد التّرك. وفي طلبه وصيده تتغالى ملوك مصر تغاليا لا يدرك حدّه، وتنفق في ذلك الأموال الجمّة التي لا نهاية لها، وكان لهم من علوّ الشأن بذلك ما لا يكون لغيرهم. وأكله حلال بلا نزاع.
الثاني «الإوزّ»
بكسر الهمزة وفتح الواو واحدته إوزّة وجمعوه على إوزّون، والمراد هنا الإوز المعروف بالتركيّ، وهو: طير في قدر الإوز البلديّ أبيض اللون. وله تبختر في مشيته كالحجل. وهو من جملة طير الماء مقطوع بحل أكله.
الثالث «اللّغلغ»
(1) وهو دون الإوز في المقدار، لونه كلون الإوز الحبشي إلى السواد، أبيض الجفن، أصفر العين، ويعرف في مصر بالعراقي، ويأتي إليها في مباديء طلوع زرعها في زمن إتيان الكراكيّ إليها ومن شأنها أن يتقدّمها واحد منها كالدليل لها، ثم قد تكون صفّا واحدا ممتدّا كالحبل، ودليلها في وسطها متقدّم عليها بعض التقدّم وقد يصفّ خلفه صفين ممتدّين يلقيانه في زاوية حادّة حتى يصير كأنه حرف جيم بلا عراقة، متساوية الطرفين ومن خاصتها
__________
(1) أو اللّقلق.(2/70)
أنها إذا كبرت حدث في بياض بطونها وصدورها نقط سود، والفرخ منها لا يعتريه ذلك.
الرابع «الحبرج»
بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة وضم الراء المهملة وجيم في الآخر وهو الحبارى.
قال في «المصايد والمطارد»: ويقع على الذكر والأنثى ويجمع على حباريات وذكر غيره أنّ واحده وجمعه سواء، وبعضهم يقول: إنّ الحبرج هو ذكر الحبارى.
قال في «المصايد والمطارد»: وهو طائر في قدر الديك كثير الرّيش، ويقال لها: دجاجة البرّ.
قال في حياة الحيوان: وهي طائر طويل العنق، رماديّ اللون، في منقاره بعض طول يقال لذكر الحبارى: الخرب بفتح الخاء المعجمة وسكون (1) الراء المهملة وباء موحدة في الآخر ويجمع على خراب وأخراب وخربان.
ومن خاصته: أنّ الجارح إذا اعتنقها أرسلت عليه ذرقا حاصلا معها متى أحبت أرسلته فيه حدّة تمعّط ريشه، ولذلك يقال: سلاحها سلاحها.
قال في حياة الحيوان: وهي من أشدّ الطير طيرانا، وأبعدها شوطا، فإنها تصاد بالبصرة فيوجد في حواصلها الحبة الخضراء التي شجرها البطم، ومنابتها تخوم بلاد الشام، وإذا نتف ريشها وأبطأ نباته ماتت كمدا قال: وهي من أكثر الطير جهدا في تحصل الرزق، ومع ذلك تموت جوعا بهذا السبب.
قال في «المصايد والمطارد»: وهي مما يعاف لأنها تأكل كلّ شيء حتّى الخنافس وقال في حياة الحيوان: حكمها الحلّ لأنها من الطيبات واستشهد له بحديث الترمذي (2) من رواية سفينة (3) مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «أكلت مع
__________
(1) لعله: وفتح الراء. (انظر: اللسان: 1/ 349والقاموس: 1/ 62).
(2) هو أبو عيسى بن سورة بن موسى السّلمي الترمذي: من أئمة علماء الحديث وحفاظه. مات بترمذ سنة 279هـ. (الأعلام: 6/ 322).
(3) هو لقب له، واسمه: مهران. وهذا قول الأكثرين. وقيل اسمه غير ذلك، وكنيته: أبو عبد الرحمن وقيل غير ذلك. لقبه رسول الله: «سفينة». روى البخاري في تاريخه أنه بقي إلى زمن الحجاج.
(تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 225).(2/71)
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حبارى» ويقال لولدها: اليحبور، وربما قيل له: نهار، كما يقال لولد الكروان: ليل.
الخامس «التّمّ»
بفتح التاء وتشديد الميم وهو طائر في قدر الإوز أبيض اللون، طويل العنق، أحمر المنقار، وهو أعظم طيور الواجب وأرفعها قدرا.
السادس «الصوغ»
بضم الصاد (1) المهملة وغين معجمة في الآخر وهو طائر مختلط اللون من السواد والبياض، أحمر الصدر، وأكثر ميله إلى الخضرة والأشجار.
السابع «العنّاز»
بضم العين المهملة وتشديد النون وزاي معجمة في الآخر وهو طائر أسود اللون، أبيض الصدر، أحمر الرجلين والمنقار.
الثامن «العقاب»
وقد تقدّم ذكره في الكلام على الجوارح حيث هو معدود منها ومن طير الواجب ومما يتعلق بهذا المكان أنها منها: الأسود، والخوخية، والسّفع (2)، والأبيض، والأشقر ومنها ما يأوي الجبال، وما يأوي الصحاري، وما يأوي الغياض، وما يأوي حول المدن.
وقد تقدّم ذكر الخلاف في أن ذكرها من جنسها أو من جنس آخر في الكلام على الجوارح. وحكمها تحريم الأكل لأنها من ذوات المخلب من الطير، واختلف في قتلها هل هو مستحبّ أم لا؟ فجزم الرافعيّ والنوويّ من أصحابنا الشافعية في الحج باستحباب قتلها. وجزم النوويّ في شرح المهذب بأنها من القسم الذي لا يستحب قتله ولا يكره، وهو ما يجتمع فيه نفع ومضرة وبه جزم
__________
(1) في اللسان: 3/ 249والقاموس: 1/ 318 «الصّرد» بفتح الصاد والراء.
(2) الأسود المشرب حمرة. (اللسان: 8/ 156).(2/72)
القاضي أبو الطيب (1) رحمه الله.
التاسع «النسر»
بفتح النون ويجمع في القلة على أنسر وفي الكثرة على نسور، وسمّي نسرا لأنه ينسر (2) الشيء ويبتلعه.
والنّسر ذو منسر وليس بذي مخلب وإنما له أظفار حداد المخالب، وهو يسفد كما يسفد الديك. وزعم قوم أن الأنثى منه تبيض من نظر الذكر إليها وهي لا تحضن بيضها، وإنما تبيض في الأماكن العالية الظاهرة للشمس فيقوم حرّ الشمس للبيض مقام الحضن.
والنسر حادّ البصريرى الجيفة من أربعمائة فرسخ، وكذلك حاسّة شمه في الغاية ويقال: إنه إذا شم الرائحة الطيبة مات لوقته وهو أشدّ الطير طيرانا وأقواها جناحا حتّى يقال: إنه يطير ما بين المشرق والمغرب في يوم واحد وإذا وقع على جيفة وعليها عقبان تأخرت ولم تأكل ما دام يأكل منها، وكل الجوارح تخافه، وهو في غاية الشّره والنّهم في الأكل، إذا وقع على جيفة وامتلأ منها لم يستطع الطيران حتّى يثب وثبات يرفع بها نفسه طبقة في الهواء حتى يدخل تحت الريح وربما صاده الضعيف من الناس في هذه الحالة. والأنثى منه تخاف على بيضها وفراخها الخفّاش فتفرش في أوكارها ورق الدّلب لتنفر منه الخفّاش وهو من أشدّ الطير حزنا على فراق إلفه، حتى إذا فارق أحدهما الآخر مات حزنا.
وهو من أطول الطير أعمارا حتّى يقال: إنه يعمّر ألف سنة وحكمه تحريم أكله لأنه يأكل الجيف.
العاشر «الأنيسة»
قال في حياة الحيوان: بذلك تسميه الرّماة وإنما اسمه الأنيس.
__________
(1) هو القاضي أبو الطيب، طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري. من أكابر فقهاء الشافعية. توفي سنة 450هـ. وهو ابن مائة وسنتين. (تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 247وطبقات الشافعية: 150).
(2) أي يكشط. (اللسان: 5/ 204).(2/73)
قال: وهو طائر حادّ البصر، يشبه صوته صوت الجمل، ومأواه قرب الأنهار والأماكن الكثيرة المياه الملتفة الأشجار وله لون حسن، وتدبير في معاشه.
وقال (1) أرسطو: إنه يتولد من الشّقرّاق (2) والغراب، وذلك بيّن في لونه.
ويقال: إنه يحب الأنس، ويقبل الأدب والتربية، في صفيره وقرقرته أعاجيب، حتّى إنه ربما أفصح بالأصوات كالقمريّ وغذاؤه الفاكهة واللحم وغير ذلك.
ومن شأنه ألفة الغياض. وحكمه الحل لأنه طيب غير مستخبث. فإن صح تولده من الشّقراق والغراب فينبغي تحريمه.
والأنيسة ذات ألوان مختلفة، بدنها يميل إلى الغبرة، وعنقها يشتمل على خضرة وزرقة ويقال: إنها أشرف طيور الواجب وأعزّها وجودا.
الضرب الثاني: «طيور الصيف»
وهي التي يكثر وجودها فيه، وهي أربعة أطيار:
الأوّل «الكي»
(3) بضم الكاف: وهو طير أغبر اللون إلى البياض، أحمر المنقار والحوصلة، رجلاه تضربان إلى السواد.
الثاني «الغرنوق»
بكسر الغين المعجمة وفتح النون ويقال فيه غرنيق بضم الغين وفتح النون ويجمع على غرانيق.
قال الجوهري: وهو طائر أبيض من طير الماء طويل العنق، وتبعه الزمخشريّ على ذلك. وقال أبو خيرة (4): وسمي غرنيقا لبياضه.
__________
(1) لأرسطو كتاب: «طبائع الحيوان» ويشمل أعضاء الحيوان وتناسله وتاريخه، ترجمة يحيى بن البطريك. (دائرة المعارف الإسلامية: 2/ 591).
(2) طائر صغير قدر الهدهد مرقط بخضرة وحمرة وبياض. ويقال له: الأخيل، والعرب تتشاءم به فيقال:
أشأم من الأخيل وأشأم من الشّقرّاق. وذلك أنه يقع على ظهر البعير الدبر فيختزل ظهره. (الوسيط:
489 - وجمهرة الأمثال: 1/ 559والمستقصى: 1/ 179).
(3) لم نعثر على هذا الاسم.
(4) واسمه: نهشل بن زيد الأعرابي البدوي. له كتاب «الحشرات» وتاريخ وفاته غير معروف.
(الفرست: 68وهدية العارفين: 2/ 499).(2/74)
وقال صاحب «المصايد والمطارد»: الغرنيق كركيّ إلا أنه أخضر طويل المنقار، وقيل: لونه كلون الكركيّ إلا أنه أسود الصدر والرأس، وله ذؤابتان في رأسه. وقال: ومن خصائصها أن ريشها في شبيبتها يكون رماديّا، فإذا كبرت اسودّ وليس ذلك في سائر الطير، فإن الريش لا يحوّل بياضه إلى السواد بل يحوّل سواده إلى البياض كما في الغربان والعصافير والخطاطيف.
الثالث «المرزم»
وهو طير أبيض في أطراف ريشه حمرة، طويل الرجلين والعنق وهو حلال الأكل.
الرابع «الشّبيطر»
بضم الشين المعجمة وفتح الموحدة والطاء المهملة ويسمّى: اللّقلق أيضا، ويعرف بالبلارح وكنيته عند أهل العراق: أبو خديج، وهو طائر أبيض، أسود طرفي الجناحين، ورجلاه ومنقاره حمر وهو يأكل الحيّات ولكنه يوصف بالفطنة والذكاء.
وفي حله عند الشافعية وجهان أصحهما في شرح المهذّب (1) والورضة (2):
الحرمة، وإن كان من طير الماء.
وسيأتي الكلام على ما يحمل من هذه الطيور الأربعة عشر بأعناقه وما يحمل منها بأسيافه فيما يتعلق بمصطلح الرماة في الكلام على كتابة قدم البندق في موضعه إن شاء الله تعالى. وطيور الواجب كلّها حلال إلا النسر والعقاب.
__________
(1) للإمام محيي الدين النووي المتوفى سنة 676هـ. وقد شرح فيه: «المهذب في الفروع» للإمام إبراهيم بن محمد الشيرازي المتوفى سنة 476هـ. (كشف الظنون: 1912).
(2) «الروضة في الفروع» أو «روضة الطالبين وعمدة المتقين» للإمام النووي أيضا. (المرجع السابق:
929).(2/75)
الصنف الثالث ما عدا الطير الجليل مما يصاد بالجوارح وغيرها، وهو على ضربين:
الضرب الأوّل ما يحل أكله
وهو أنواع كثيرة لا يأخذه الحصر، ونحن نقتصر على ذكر المشهور من أنواعه.
فمنها «النّعام»
وهو اسم جنس، الواحدة نعامة وهو طائر معروف، مركّب من صورتي جمل وطائر، ولذلك تسميه الترك: دواقش بمعنى طير جمل، وتسميه الفرس: اشتر مرك، ومعناه جمل وطائر. وتجمع النعامة على نعامات، ويسمى ذكرها: الظّليم.
ومن المتكلمين على طبائع الحيوان من لم يجعلها طيرا وإن كانت تبيض لعدم طيرانها ومن الناس من يظنّ أنها متولدة من جمل وطير ولم يصح ذلك.
ومساكنها الرمل، وتضع بيضها سطرا مستطيلا بحيث لو مدّ عليها خيط لم تخرج واحدة منها عن الأخرى، ثم تعطي كلّ بيضة منها نصيبها من الحضن، لأنها لا تستطيع ضم جميع البيض تحتها، وإذا خرجت للطّعم فوجدت بيض نعامة أخرى حضنته ونسيت بيضها، فربما حضنت هذه بيض هذه، وربما حضنت هذه بيض هذه، ولذلك توصف في الطير بالحمق، ويقال إنها تقسم بيضها أثلاثا:
فمنه ما تحضنه، ومنه ما تجعله غذاء لها، ومنه ما تفتحه وتجعله في الهواء حتّى يتولد فيه الدود فتغذّي به أفراخها إذا خرجت.
وليس للنعام حاسّة سمع ولكنه قويّ الشم، يستغني بشمّه عن سماعه حتى يقال: إنه يشمّ رائحة القانص من بعد.
والعرب تقول: إن النعامة ذهبت تطلب قرنين فقطعوا أذنيها. وهو لا يشرب ماء، وإن طال عليه الأمد، ولذلك يسكن البراريّ التي لا ماء فيها. وأكثر ما يكون عدوها إذا استقبلت الريح.
ومن خصائصها أنها تبتلع العظم الصّلب والحجر والحديد فتذيبه معدتها
حتّى تدفعه كالماء، وتبتلع الجمر فيطفئه جوفها، وإذا رأت في أذن صغير لؤلؤة أو حلقة اختطفتها. وحكمه حلّ أكله إجماعا. ومن خاصته أن مرارته سمّ وحيّ (1).(2/76)
ومن خصائصها أنها تبتلع العظم الصّلب والحجر والحديد فتذيبه معدتها
حتّى تدفعه كالماء، وتبتلع الجمر فيطفئه جوفها، وإذا رأت في أذن صغير لؤلؤة أو حلقة اختطفتها. وحكمه حلّ أكله إجماعا. ومن خاصته أن مرارته سمّ وحيّ (1).
ومنها «الإوزّ»
بكسر الهمزة وفتح الواو وهو اسم جنس واحده إوزة، وجمعوه على إوزّون، وهو مما يحبّ السّباحة في البحر، وإذا خرج فرخه من البيضة سبح في الحال، وإذا حضنت الأنثى قام الذكر يحرسها لا يفارقها، ويخرج فرخها في دون الشهر من البيضة. وهو من الطيبات، وغذاؤه جيد إلا أنه بطيء الهضم.
ومنها «البطّ»
وهو من طيور الماء، واحده بطّة للذكر والأنثى وليس بعربيّ، وهو عند العرب من جملة الإوز.
ومنها «القرلّى»
بكسر القاف ويسمّى: ملاعب ظله. وهو طائر صغير الجرم من طيور الماء، سريع الاختطاف، لا يزال مرفرفا على وجه الماء على جانب كطيران الحدأة، يهوي بإحدى عينيه إلى قعر الماء طمعا، ويرفع الأخرى حذرا فإن أبصر في الماء ما يستقلّ بحمله من السمك أو غيره انقضّ عليه كالسهم المرسل فأخرجه من قعر الماء، وإن أبصر في الجوّ جارحا مرّ في الأرض. وبه يضرب المثل في الإقبال على الخير والإدبار عن الشرّ، فيقال: «كأنه قرلّى، إن رأى خيرا تدلّى، أو رأى شرّا تولّى».
ومنها «الغطّاس»
ويقال له: الغوّاص، وهو طائر أسود نحو الإوزّة، يغوص في الماء فيستخرج السمك فيأكله. ووهم فيه في حياة الحيوان فجعله:
القرلّى.
ومنها «الدجاج»
بفتح الدال المهملة وكسرها وضمها حكاه ابن معن الدّمشقي (2) وابن مالك (3) وغيرهما، وأفصحها الفتح وأضعفها الضم والواحدة
__________
(1) أي: سريع. يقال: موت وحيّ (اللسان: 15/ 382).
(2) لعله القاسم بن معن بن عبد الرحيم، المعروف بالمسعودي، من حفاظ الحديث. كان عالما بالعربية والأخبار والأنساب والأدب. توفي سنة 175هـ. (الأعلام: 5/ 186).
(3) هو محمد بن عبد الله، ابن مالك الطائي الجياني: أحد الأئمة في علوم العربية. توفي بدمشق سنة 672هـ. وهو صاحب الألفية (الأعلام: 6/ 233).(2/77)
دجاجة، والذكر والأنثى فيه سواء.
قال ابن سيده: وسميت دجاجة لإقبالها وإدبارها، يقال: دجّ القوم إذا مشوا بتقارب خطو، وقيل: إذا أقبلوا وأدبروا. والفرخ يخرج من البيضة بالحضن، وتارة بالصنعة والتدفئة بالنار، وإذا خرج الفرخ من البيضة خرج كاسيا ظريفا سريع الحركة، يدعى فيجيب، ثم كلما مرّت عليه الأيام حمق ونقص حسنه. ومما يعرف به الذكر من الأنثى في حالة الصغر أن يعلق الفرخ بمنقاره فإن اضطرب فهو ذكر، وإلا فهو أنثى.
والدجاج يبيض في جميع السنة، وربما باضت الدجاجة في اليوم مرتين، ويتم خلق البيض في عشرة أيام، وتخرج لينة القشر فإذا أصابها الهواء تصلّبت.
وتشتمل البيضة على بياض وصفرة ويسمى: المحّ ومن البياض يتخلق الولد والصفرة غذاء له في البيضة يتغذاه من سرّته، وربما كان للبيضة بياضان، ويتخلق من كل بياض فرخ، فإذا كبرت الدجاجة لم يبق لبيضها محّ وحينئذ فلا يخلق منه فرخ. ثم الدجاج من الطيور الدواجن في البيوت.
وقد ورد في سنن ابن ماجه (1) من رواية أبي هريرة رضي الله عنه: أمر الأغنياء باتخاذ الغنم وأمر الفقراء باتخاذ الدجاج. قال عبد اللطيف البغداديّ: أمر كل قوم من الكسب بحسب مقدرتهم.
ومن عجيب أمر الدجاجة أنها تمرّ بها سائر السباع فلا تحاماها، فإذا مرّ بها ابن آوى وهي على سطح رمت نفسها إليه، وهي توصف بقلة النوم وسرعة الانتباه ويقال: إن ذلك لخوفها وخور طباعها.
ومن الدجاج نوع يقال له: الحبشيّ أرقط اللون، متوحش وربما ألف
__________
(1) هو أبو عبد الله، محمد بن يزيد بن ماجة القزويني المتوفى سنة 273هـ. أحد الائمة في علم الحديث. (الأعلام: 7/ 144).(2/78)
البيوت. والحكم في الجميع الحل.
ومنها «الديك»
وهو ذكر الدجاج، ويجمع على ديكة وديوك، وهو أبله الطبيعة حتّى إنه إذا سقط من حائط لم يكن له هداية ترشده إلى دار أهله، ومع ذلك فقد خصه الله تعالى بمعرفة الأوقات حتّى رجح الرافعيّ من مذهب الشافعيّ رضي الله عنه اعتماد الديك المجرّب وفاقا للمتولّي (1) والقاضي حسين (2).
ومن عجيب أمره أنه يقسّط أوقات الليل تقسيطا لا يخلّ فيه بشيء طال الليل أم قصر. ولكن قد ورد في معجم الطبرانيّ (3) وغيره: إنّ لله سبحانه وتعالى ديكا أبيض، جناحاه موشّيان بالزّبرجد والياقوت واللّؤلؤ، له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب، رأسه تحت العرش، وقوائمه في الهواء، يؤذّن كلّ سحر فيسمع تلك الصيحة أهل السموات وأهل الأرض إلا الثقلين: الجنّ والإنس، فعند ذلك تجيبه ديوك الأرض وحينئذ فيكون الديك في ذلك تابعا. وقد ورد عدّة أحاديث في النهي عن سبّ الديك، ومدح الديك الأبيض، والحثّ على اتخاذه.
ومن حميد خصال الديك: أنه يسوّي بين دجاجه، ولا يؤثر واحدة على الأخرى. ويقال: إنه يبيض في السنة بيضة ويفرق بين بيضته وبيضة الدجاجة أن بيضته أصغر من بيضة الدجاجة، وهي مدوّرة لا تحديد في رأسيها.
ومنها «القطا»
بفتح القاف وهو طائر معروف واحده قطاة ويجمع على قطوات وقطيات، وأكثر ما يبيض ثلاث بيضات، ويسمّى قطا لحكاية صوته، لأنه يصيح «قطا قطا» ولذلك تصفها العرب بالصدق.
__________
(1) هو عبد الرحمن بن مأمون النيسابوري المتوفى سنة 478هـ: فقيه مناظر عالم بالأصول.
(الأعلام: 3/ 323).
(2) هو الإمام أبو علي، الحسين بن محمد المروزي المتوفى سنة 462هـ: من كبار الشافعية. (طبقات الشافعية: 163وتهذيب الاسماء: 1/ 164).
(3) هو سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي المتوفى سنة 360هـ: من كبار المحدثين. (الأعلام: 3/ 121وكشف الظنون: 1737).(2/79)
قال الجوهريّ: وهو معدود من الحمام، وبه قال ابن قتيبة، وعليه جرى الرافعيّ في الحج والأطعمة قال الشيخ محب الدين الطبريّ (1): والمشهور خلافه.
ثم القطا نوعان: كدريّ وجونيّ، وزاد الجوهريّ نوعا ثالثا وهو الغطاط، فالكدريّ: غبر اللون، رقش البطون والظهور، صفر الحلوق، قصار الأذناب.
والجونيّ: سود بطون الأجنحة والقوادم، وظهرها أغبر أرقط، تعلوه صفرة، وهي أكبر جرما من الكدريّ، تعدل كلّ جونيّة كدريّتين، والكدرية تفصح باسمها في صياحها، والجونيّة لا تفصح بل تقرقر بصوت في حلقها.
ومن خاصتها أنها لا تسير إلا جماعة. ومن طبعها أنها تبيض في القفر على مسافة بعيدة من الماء وتطلب الماء من مسافة عشرين ليلة وفوقها ودونها وتخرج من أفاحيصها (2) في طلب الماء عند طلوع الفجر فتقطع إلى حين طلوع الشمس مسيرة سبع مراحل، فترد الماء فتشرب ثم تقيم على الماء ساعتين أو ثلاثا ثم تعود إلى الماء ثانية. والجونية تخرج إلى الماء قبل الكدريّة، وهي توصف بالهداية فتأتي أفاحيصها ليلا ونهارا فلا تضلّ عنها، وتوصف بحسن المشي وبقلة النوم.
ومنها «الكروان»
بفتح الكاف والراء وهو طائر في قدر الدجاجة، طويل الرجلين، حسن الصوت، لا ينام الليل، ويجمع على كروان بكسر الكاف والأنثى: كروانة.
ومنها «الحجل»
بفتح الحاء المهملة والجيم وهو طائر على قدر الحمام كالقطا، أحمر المنقار والرجلين ويسمّى: دجاج البر ويقع على الذكر والأنثى وقد يقال له: القبج أيضا بفتح القاف وسكون الموحدة وجيم في
__________
(1) هو أحمد بن عبد الله بن محبّ الطبري: حافظ، فقيه شافعي. توفي بمكة سنة 694هـ. (الأعلام:
1/ 159).
(2) مفردها: أفحوص، وهو مجثم القطاة لأنها تفحصه. (اللسان: 7/ 63).(2/80)
الآخر يقال للذكر والأنثى منه: قبجة، ويسمّى الذكر منه: اليعقوب. والقبج (1)
بفتح القاف والموحدة وجيم في الآخر ويقال في الأنثى منه: حجلة، وهو صنفان: نجديّ وتهاميّ، فالنجديّ أحمر الرجلين، والتهاميّ فيه بياض وخضرة ومن شأنه أنه يأتي إلى مصر عند هيجان زرعها ويصيح صياحا حسنا، تقول العامّة:
إنه يقول في صياحه: «طاب دقيق السّبل». ومن شأن الأنثى منه إذا لم تلقح أنها تتمرغ في التراب وتصبه على أصول ريشها فتلقح ويقال: إنها تلقح بسماع صوت الذكر، وبريح يهبّ من قبله وإذا باضت ميز الذكر الذكور منها فحضنها، وتحضن الأنثى الإناث، وكذلك في التربية. وفرخها يخرج كاسيا بزغب الريش كما في الدّجاج.
وفي «المصايد والمطارد» (2): أن القبج كثير السّفاد، وأنه إذا اشتغلت عنه الأنثى ورأى بيضها كسره.
قال التوحيدي (3): ويعيش الحجل عشر سنين ويعمل عشّين، يجلس الذكر في واحد والأنثى في واحد، وهو من أشدّ الطيور غيرة على أنثاه حتّى إن الذكرين ربما قتل أحدهما الآخر بسبب الأنثى، فمن غلب منهما دانت له.
ومن طبعه أنه يأتي عشّ غيره فيأخذ بيضه ويحضنه، فإذا طارت الفراخ لحقت بأمهاتها التي باضتها وفيه من قوّة الطيران ما يظنه من لم يحقّقه عند طيرانه أنه حجر رمي بمقلاع لسرعته.
ومنها «القمريّ»
بضم القاف وسكون الميم وهو طائر معروف حسن الصوت، ويجمع على قماريّ غير مصروف. قال في «المحكم» (4): ويجمع
__________
(1) هذا معطوف على القبج الأول إشارة إلى لغة أخرى وليس معطوفا على اليعقوب كما قد يتوهم.
(2) انظر الحاشية: 2ص: 39.
(3) هو علي بن محمد بن العباس، أبو حيّان التوحيدي نعته ياقوت بشيخ الصوفية وفيلسوف الأدباء.
توفي نحو 400هـ. (الأعلام: 4/ 326).
(4) «المحكم والمحيط الأعظم» كتاب في اللغة لأبي الحسن علي بن إسماعيل المعروف بابن سيدة المتوفى سنة 458هـ. (كشف الظنون: 1616).(2/81)
على قمر أيضا والأنثى منه قمريّة، ويقال للذكر منه: الورشان بفتح الواو والراء المهملة والشين المعجمة ويقال له أيضا: ساق حرّ. قال البطليوسيّ (1): وسمّي ساق حرّ، حكاية لصوته كأنه يقول ذلك، ويكنى: أبا الأخضر، وأبا عمران، وأبا الناجية.
قال ابن السمعانيّ (2): والقمريّ منسوب إلى القمر، وهي بلدة تشبه الجصّ لبياضها قال: وأظنها بمصر. وقال ابن سيده القمريّ طير صغير، وعدّه في «المحكم» من الحمام. ويقال: إن الهوامّ تهرب من صوت القماريّ.
قال القزويني: ومن خاصية القماريّ أنها إذا ماتت ذكورها لم تتزاوج إناثها. والورشان الذي هو ذكر القمريّ يوصف بالحنوّ على أولاده حتّى إنه ربما قتل نفسه إذا رآها في يد القانص.
قال عطاء: وهو يقول في صياحه:
لدوا للموت وابنو للخراب
ومنه نوع أسود حجازيّ يقال له: النوى، شجيّ الصوت جدّا.
ومنها «الفاختة»
بالفاء والخاء المعجمة والتاء المثناة والجمع الفواخت بفتح الفاء وكسر الخاء وهي طائر من ذوات الأطواق، حجازية في قدر الحمام، حسنة الصوت، ويقال: إنّ الحيّات تهرب من صوتها، حتّى يحكى أنّ الحيّات كثرت بأرض، فشكا أهلها ذلك إلى بعض الحكماء، فأمرهم بنقل الفواخت إليها فانقطعت الحيّات عنها. وفي طبعها الأنس بالناس وتعيش في
__________
(1) هو عبد الله بن محمد بن السيّد: من العلماء باللغة والأدب. ولد ونشأ في بطليوس بالأندلس وتوفي في بلنسية سنة 521هـ. (الأعلام: 4/ 123).
(2) هو عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني المروزي: مؤرخ، رحالة من حفاظ الحديث. من كتبه: «الأنساب» وهو المعروف بصاحب الأنساب. توفي بمرو سنة 562هـ.
(الأعلام: 4/ 55).(2/82)
الدّور، إلا أن العرب تسمها بالكذب، فإن صوتها عندهم تقول فيه: هذا أوان الرّطب، وهي تقول ذلك والنخل لم يطلع بعد ولذلك تقول العرب في أمثالهم:
«أكذب من فاختة».
ومنها «الدّبسيّ»
بضم الدال وهو طائر صغير منسوب إلى دبس الرّطب بكسر الدال وذلك أنهم يغيّرون في النسب فيقولون في النسبة إلى الدّهر: دهريّ ونحو ذلك، وهو ضرب من الحمام. ثم هو أصناف: مصريّ، وحجازيّ، وعراقيّ وكلها متقاربة، لكن أفخرها المصريّ، ولونه الدّكنة، وقيل:
هو ذكر اليمام. وفي طبع الدّبسيّ ألا يرى ساقطا على وجه الأرض، بل في الشتاء له مشتىّ، وفي الصيف له مصيف، لا يعرف له وكر.
ومنها «الشّفنين»
بفتح الشين (1) المعجمة وسكون الفاء ونون مكسورة بعدها ياء مثناة تحت ثم نون وهو الذي تسميه العامّة بمصر: اليمام، وهو دون الحمام في المقدار، ولونه الحمرة مع كمودة، وفي صوته ترجيع وتحزين. ومن شأنها أنها تحسن أصواتها إذا اختلطت. ومن طبعه أنه إذا فقد أنثاه لم يزل أعزب إلى أن يموت، وكذلك الأنثى إذا فقدت ذكرها وفيه ألفة للبيوت، وعنده احتراس.
ومنها «الدرّاج»
بفتح الدال (2) وكنيته أبو الحجّاج وأبو خطّار وهو طائر ظاهر جناحيه أغبر وباطنهما أسود، على خلقة القطا إلا أنه ألطف. وهو يطلق على الذكر والأنثى. والجاحظ يعدّه من جنس الحمام لأنه يجمع بيضه تحت جناحه كما يفعل الحمام. والناس يعبّرون عن صوته بأنه يقول: «بالشّكر تدوم النّعم».
ويقال: إنه طائر مبارك، وهو كثير النتاج، يبشر بقدوم الربيع وهو يصلح بهبوب الشّمال، وصفاء الهواء، ويسوء حاله بهبوب الجنوب حتّى لا يقدر على الطيران.
__________
(1) الذي في حياة الحيوان أنه بالكسر.
(2) في القاموس: 1/ 195 «ضبطه بضم الدال» أما الذي بالفتح فهو القنفذ.(2/83)
ومنها «العصفور»
بضم العين وحكى ابن رشيق (1) في كتاب «الغرائب»: فتحها، والأنثى: عصفورة، وكنيته: أبو الصّفو، وأبو محرز، وأبو مزاحم، وأبو يعقوب.
قال حمزة (2): سمّي عصفورا لأنه عصى وفرّ وهو أنواع كثيرة، وأشهرها المعروف بالدّوريّ ووكره العمران تحت السقوف خوفا من الجوارح فإذا خلت مدينة من أهلها ذهبت العصافير منها وهو كثير السّفاد حتّى إنه ربما سفد في الساعة الواحدة مائة مرة، ولفرخه تدرّب على الطيران حتّى إنه يدعى فيجيب. قال الجاحظ: بلغني أنه يرجع من فرسخ.
ومنها «الشّحرور»
بفتح الشين (3) المعجمة وسكون الحاء المهملة وهو طائر أسود فويق العصفور له صوت شجيّ ويكون بأرض الشّأم كثيرا.
ومنها «الهزار»
بفتح الهاء والزاي المعجمة طائر نحو العصفور له صوت حسن ويسمّى العندليب أيضا، ويجمع على عنادل.
ومنها «البلبل»
بضم الموحدتين وسكون اللام الأولى والثانية (4) وهو طائر أسود فوق العصفور، والحجري منه فوق ذلك ويقال له: النّغر بضم النون وفتح الغين المعجمة وراء مهملة في الآخر والكعيث بضم الكاف وفتح العين المهملة ومثناة فوقية في الآخر والجميل بضم الجيم وقد ثبت في الصحيحين من رواية أنس رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ لأمّي فطيم يقال له: عمير، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا جاءنا قال:
__________
(1) هو الحسن بن رشيق القيرواني: أديب، ناقد باحث. توفي سنة 463هـ. أشهر كتبه «العمدة» في صناعة الشعر ونقده (الأعلام: 2/ 191).
(2) لعله: حمزة بن الحسن الأصفهاني: المؤرخ الأديب. خاض في كل نوع من أنواع العلم. توفي سنة 360هـ. (الأعلام: 2/ 277).
(3) ضبطه في القاموس بالضم.
(4) لعلّ هذا اللفظ من زيادة الناسخ.(2/84)
«يا أبا عمير ما فعل النّغير؟» لنغر كان يلعب به.
ومنها «السّمانى»
بضم السين المهملة وفتح النون ولا تشدّد ميمه وهو طائر معروف فوق العصفور ويجمع على سمانيات، وهو من الطيور التي لا يعرف من أين تأتي، بل يأتي في البحر الملح يغوص بأحد جناحيه في الماء ويقيم الآخر كالقلع للسفينة فتدفعه الريح حتّى يأتي الساحل وكثيرا ما يوجد ببلاد السواحل، وله صوت حسن. ومن شأنه أنه يسكت في الشتاء فإذا أقبل الربيع صاح.
ومنها «الحسّون»
وتسميه أهل الجزيرة والشأم وحلب وتوابعها: زقيقية، وهو طائر فطن، ويسميه الأندلسيّون: أبو الحسن، والمصريون: أبو زقاية، وربما أبدلوا الزاي منه سينا، وهو عصفور ذو ألوان: حمرة وصفرة وبياض وسواد وزرقة وخضرة، وهو قابل للتعليم، يعلّم أخذ الشيء كالفلس ونحوه من يد الإنسان على البعد والإتيان به لصاحبه.
ومنها «أبو براقش»
بكسر القاف وبالشين المعجمة وهو طائر كالعصفور يتلون ألوانا، وبه يضرب المثل في التلوّن.
ومنها «الزاغ»
بزاي وغين معجمتين بينهما ألف وهو ضرب من الغربان صغير أخضر اللون لطيف الشكل حسن المنظر، وقد يكون أحمر المنقار والرجلين، وهو الذي يقال له: غراب الزيتون، سمّي بذلك لأنه يأكل الزيتون.
ومنها «الغداف»
بضم الغين المعجمة وبالدال المهملة والفاء في آخره وهو غراب الغيط (1)، ويجمع على غدفان بكسر الغين.
قال ابن فارس: هو الغراب الضخم. وقال العبدريّ: هو غراب صغير أسود، لونه كلون الرّماد. وقد قال النوويّ في الروضة بتحريمه وإن كان الرافعيّ
__________
(1) الذي في القاموس: «غراب القيظ».(2/85)
قد جزم بحلّه ورجحه صاحب المهمات (1).
ومنها «غراب الزرع»
وهو غراب أسود المنقار. وفيه وجه بالتحريم.
الضرب الثاني ما يحرم أكله
وهو أنواع كثيرة أيضا:
منها «الطاوس»
ويجمع على طواويس وهو طائر في نحو مقدار الإوزّة حسن اللون، والذكر منه غاية في الحسن له في رأسه رياش خضر قاتمة كالشربوش (2)، وفي ذنبه ريش أخضر طويل في أحسن منظر، وليس الأنثى شيء من ذلك وهو في الطير كالفرس في الدواب عزّا وحسنا وفي طبعه الزّهو بنفسه والخيلاء والإعجاب بريشه والأنثى منه تبيض بعد ثلاث سنين من عمرها، وفي هذا الحدّ يكمل ريش الذكر ويتم لونه. وبيضه مرة واحدة في السنة، ويكون بيضه من اثنتي عشرة بيضة إلى ما حولها، ولا يبيض متتابعا. وسفاده في أيام الربيع. وفي الخريف يلقي ريشه كما يلقي الشجر ورقه حينئذ فإذا بدا طلوع أوراق الأشجار طلع ريشه. وهو كثير العبث بالأنثى إذا حضنت وربما كسر بيضها ولذلك يحضن بيضه تحت الدّجاج لكن لا تقوى الدجاجة على حضن أكثر من بيضتين منها، وتتعاهد الدجاجة بالطّعمة والسقية وهي راقدة عليه، كيلا تقوم عنه فيفسد بالهواء، إلا أن ما تحضنه الدجاجة يكون ناقص الجثة عما تحضنه أنثاه وليس له من الحسن والبهجة ما لذلك ومدّة حضنه ثلاثون يوما وفرخه يخرج من البيضة كالفرّوج كاسيا بالريش يلقط الحب للحال.
ومنها «السّمندل»
بفتح السين المهملة والميم وسكون النون وبفتح
__________
(1) «المهمات على الروضة» في الفروع للشيخ جمال الدين عبد الرحيم بن حسن الإسنوي المتوفى سنة 772هـ. (كشف الظنون: 1914).
(2) أو الشربش، وهو هدب الثوب، مولّد. (القاموس: 2/ 287).(2/86)
الدال المهملة ولام في الآخر وقال الجوهريّ: السّندل بغير ميم. وقال ابن خلّكان (1): السّمند بغير لام وهو طائر يكون بأرض الصّين والهند ومن خاصته أنه لا تؤثر النار فيه حتّى يقال: إنه يبيض ويفرخ فيها ويستلذ بمكثه فيها. ويتخذ من ريشه مناديل ونحوها، فإذا اتسخت ألقيت في النار، فتأكل النار وسخها ولا تتأثر هي في نفسها.
قال ابن خلّكان في ترجمة يعقوب بن صابر المنجنيقي (2): رأيت منه قطعة ثخينة منسوجة على هيئة حزام الدابة في طوله وعرضه، فألقيت في النار فما أثّرت فيها، فغمس أحد جوانبها في الزيت وجعل في النار فاشتعل وبقي زمانا طويلا ثم أطفيء، وهو على حاله لم يتغير. قال: ورأيت بخط عبد اللطيف البغدادي: أنه أهدي للظاهر ابن السلطان صلاح الدين صاحب حلب قطعة منه عرض ذراع في طول ذراعين، فغمست في الزيت وقربت من النار فاشتعلت حتّى فني الزيت، ثم عادت بيضاء كما كانت. وبعضهم يقول: إنه وحش كالثعلب وإن ذلك يعمل من وبره.
ومنها «الببّغاء»
بباءين مفتوحتين، الأولى منهما مخففة والثانية مشدّدة وغين معجمة بعدها ثم ألف وهو المعبر عنه بالدّرّة بدال مهملة مضمومة وقال ابن السمعاني في الأنساب: هي بإسكان الباء الثانية، وهي طائر أخضر اللون في قدر الحمام يحاكي ما يسمعه من اللفظ ثم هي على ضربين: هندي وهي أكبر جثّة ومنقارها أحمر، ونوبي وهي دونها ومنقارها أسود ويقال: إن منها نوعا أبيض ويذكر أنه أهدي لمعز الدولة ابن بويه (3) ببّغاء بيضاء اللون سوداء المنقار
__________
(1) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم البرمكي الإربلي: المؤرخ والأديب صاحب «وفيات الأعيان». توفي سنة 681هـ. (الأعلام: 1/ 220).
(2) لقب بالمنجنيقي لأنه كان متفوقا بصناعة المنجنيق. صنّف كتابا أسماه: «عمدة المسالك في سياسة الممالك» يتضمن أحوال الحرب والفروسية. توفي في بغداد سنة 626هـ. (الأعلام: 8/ 199).
(3) هو أحمد بن بويه بن فناخسرو بن تمام، من سلالة سابور الساساني، توفي سنة 356هـ. (الأعلام:
1/ 105).(2/87)
والرجلين، على رأسها ذؤابة فستقيّة. وهي طائر دمث الأخلاق، ثاقب الفهم، له قوّة على حكاية الأصوات وقبول التلقين تتخذه الملوك والأكابر لينمّ بما يسمع.
ومن شأنه أنه يتناول طعمه برجله كما يتناوله الإنسان بيده والهنديّ منه أقرب إلى التعليم من النوبيّ.
ومنها «أبو زريق»
بزاي مضمومة ثم راء مهملة وفي آخره قاف ويقال له: القيق بكسر القاف والزّرياب بزاي معجمة مكسورة ثم راء مهملة ساكنة ثم ياء مثناة تحت، وبعد الألف باء موحدة وهو طائر ألوف للناس يقبل التعليم، سريع الإدراك لما يعلّم وقد يزيد على الببّغاء إذا أنجب، بل إذا تعلم جاء بالحروف مبيّنة حتّى يظن سامعه أنه إنسان، بخلاف الببغاء فإنها لا تفصح كلّ الإفصاح.
ومن غريب ما يحكى في أمره ما حكاه صاحب «منطق الطير» (1): أن رجلا خرج من بغداد ومعه أربعمائة درهم، لا يملك غيرها، فوجد في طريقه عدّة من فراخه فاشتراها بما معه، ثم رجع إلى بغداد فعلقها في أقفاص في حانوته، فهبت عليها ريح باردة فماتت كلّها إلا واحدا كان أضعفها وأصغرها، فثقل ذلك عليه وبات ليلته تلك يبتهل إلى الله تعالى بالدعاء وينادي: يا غياث المستغيثين أغثني! فلما أصبح إذا ذلك الفرخ الذي بقي يصيح بلسان فصيح: يا غياث المستغيثين أغثني فاجتمع الناس عليه يسمعون صوته فاجتازت جارية للخليفة فاشترته منه بألف درهم.
ومنها «الهدهد»
بضم الهاءين وإسكان الدال المهملة بينهما وهو طائر معروف ذو خطوط موشيّة وألوان، ويجمع على هداهد (2). ويذكر عنه أنه يرى الماء من باطن الأرض كما يراه الإنسان في باطن الزجاج قوّة ركبها الله تعالى فيه
__________
(1) لشهاب الدين أحمد بن يحيى بن أبي حجلة التلمساني المتوفى سنة 777هـ. (كشف الظنون:
1864).
(2) ويجمع أيضا على هداهيد. (اللسان: 3/ 434).(2/88)
ولذلك عني به سليمان عليه السلام مع صغره كما قاله البيهقي (1) في «شعب الإيمان» ويقال: إنه كان دليلا لسليمان عليه السلام على الماء وقصته مع سليمان مذكورة في التنزيل (2).
وقد ذكر الزمخشري أن سبب تخلفه عن سليمان أنه رأى هدهدا آخر، فحكى له عظيم ملك سليمان فحكى له ذلك الهدهد عظيم ملك بلقيس باليمن فذهب ليكشف الخبر فلم يرجع إلا بعد العصر فلما عاد إليه توعّده، فأرخى رأسه وجناحيه تواضعا بين يديه، وقال: يا نبيّ الله، اذكر وقوفك بين يدي الله! فارتعد سليمان وعفا عنه.
ومنها «الخطّاف»
بضم الخاء المعجمة ويجمع على خطاطيف وهو طائر في قدر العصفور، أسود، وباطن جناحيه إلى الحمرة والناس يسمونه عصفور الجنة لأنه يعرض عن أقواتهم ويقتات البعوض والذّباب. ومن شأنه السكنى في البيوت المعمورة بالناس في أفاحيص يبنيها من الطين ويختار منها السّقوف والأماكن التي لا يصل إليه فيها أحد.
وقد ذكر الثعلبي (3) في تفسيره في سورة النمل: أن سبب قرب الخطاطيف من الناس أن الله تعالى لما أهبط آدم إلى الأرض، استوحش فآنسه الله تعالى بالخطّاف وألزمه البيوت فهو لا يفارق بني آدم أنسا لهم. والخفّاش يعاديه، فلذلك إذا أفرخ جعل في عشّه قضبان الكرفس (4) لينفّر الخفّاش عنها.
ومن عادته أنه لا يفرخ في عشّ عتيق حتى يطيّنه بطين جديد، ولا يلقي شيئا
__________
(1) هو أحمد بن الحسين بن علي البيهقي: من أئمة الحديث، توفي سنة 458هـ. وكتابه المذكور هو:
«الجامع المصنف في شعب الإيمان». (الاعلام: 1/ 116وكشف الظنون: 1047).
(2) سورة النمل / 20: «وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد».
(3) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي المتوفى سنة 427هـ. مفسّر له: الكشف والبيان في تفسير القرآن، يعرف بتفسير الثعلبي. (الأعلام: 1/ 121).
(4) عشب ثنائي الحول من الفصيلة الخيمية، ثمرته جافة منشقة تنقسم إلى ثمرتين. (الوسيط: 783).(2/89)
من ذرقه في عشه بل يلقيه إلى ما شاء. وإذا سمع حس الرعد يكاد يموت. ويوجد في عشّه حجر اليرقان وهو حجر صغير فيه خطوط بين الحمرة والسواد إذا علق على من به اليرقان أو شرب من سحالته بريء وإنما يأتي بهذا الحجر إذا أصاب فراخه اليرقان ولذلك يحتال بعض الناس بلطخ فراخه بالزعفران ليظن أن اليرقان قد أصابها فيأتي إليها بهذا الحجر فيؤخذ منه.
ومن الخطاطيف نوع آخر ألطف قدرا من هذا، يسكن شطوط الأنهار وجوانب المياه. وعدّوا من أنواعه أيضا الذي يسميه أهل مصر: الخضيري وهو طائر أخضر دون الببّغاء في المقدار لا يزال طائرا وهو يصيح يقتات الفراش والذباب.
ومنها «الصرد»
بضم الصاد وفتح المهملة ودال مهملة في الآخر ويجمع على صردان. قال ابن قتيبة: وسمي صردا، حكاية لصوته، ويسمّى:
الواق بكسر القاف وكنيته: أبو كثير وهو طائر فوق العصفور، نصفه أبيض ونصفه أسود، ضخم الرأس، ضخم المنقار والبراثن لا يرى إلا في شعفة (1) أو شجرة بحيث لا يقدر عليه أحد وله صفير مختلف.
ومن شأنه أنه يصيد العصافير وما في معناها فيصفّر لكل طير يريد صيده بلغته، يدعوه إلى التقرّب منه فيثب عليه فيأكله. والعرب تتشاءم به وتنفر من صياحه. وهو مما وردت الشريعة بالنهي عن قتله.
ومنها «العقعق»
بعينين مهملتين مفتوحتين بينهما قاف ساكنة وربما قيل فيه: القعقع على القلب.
قال الجاحظ: سمي بذلك لأنه يعقّ فراخه فيتركهم أياما بلا طعم. ويقال لصوته: العقعقة وهو طائر على قدر الحمامة في شكل الغراب وجناحاه أكبر من جناحي الحمامة ذو لونين: أبيض وأسود، طويل الذّنب.
__________
(1) شعفة كل شيء أعلاه. (اللسان: 9/ 177).(2/90)
ومن شأنه أنه لا يأوي تحت سقف ولا يستظل به، بل يهييّء وكره في المواضع المشرفة وفي طبعه الزنا والخيانة ويوصف بالسرقة والخبث. وإذا رأى حليّا أو عقدا اختطفه والعرب تضرب به المثل (1) في جميع ذلك. وإذا باضت الأنثى منه أخفت بيضها بورق الدّلب خوفا عليه من الخفّاش، فإنه متى قرب من البيض مذر وتغير من ساعته. ويقال: إنه يخبأ قوته كما يخبؤه الإنسان والنملة إلا أنه ينسى ما يخبؤه. وبعضهم يعدّه في جملة الغربان. وفيه وجه عندنا بحل أكله.
ومنها «الشّقراق»
بفتح الشين المعجمة وسكون القاف وألف بين الراء المهملة والقاف الثانية ويجوز فيه كسر الشين أيضا، وربما قلبوه فقالوا:
الشّرقاق ويسمّى: الأخيل أيضا وهو طائر صغير بقدر الحمام أخضر مشبع الخضرة، حسن المنظر في أجنحته سواد. والعرب تتشاءم به.
وفي طبعه الشّره حتّى إنه يسرق فراخ غيره. وعدّه الجاحظ نوعا من الغربان ويكثر ببلاد الشام والروم وخراسان ولا يزال متباعدا من الإنس، يألف الرّوابي ورؤوس الجبال إلا أنه يحضن بيضه في عوالي العمران التي لا تنالها الأيدي.
وعشّه شديد البنيان، وله مشتى ومصيف.
قال الجاحظ: وهو كثير الاستغاثة، إذا مر به طائر ضربه بجناحه وصاح كأنه هو المضروب. وفيه وجه بحلّ أكله.
ومنها «الغراب الأبقع»
قال الجوهريّ: وهو الذي فيه بياض وسواد، ويسمّى: غراب البين أيضا قال صاحب «المجالسة» (2): سمي بذلك لأنه بان عن نوح عليه السلام حين أرسله لينظر الماء فذهب ولم يرجع قال ابن قتيبة:
وجعل فاسقا لأجل ذلك. ويسمّى: الأعور، إمّا لانه يغمض إحدى عينيه لقوّة بصره، وإما لصفاء عينيه وحدّة بصره من باب الأضداد.
__________
(1) يقال: «أسرق من العقعق» (المستقص: 1/ 166).
(2) لأحمد بن مروان الدينوري المالكي المتوفى سنة 310هـ. (كشف الظنون: 1591).(2/91)
ومن طبعه الخيانة والسرقة والعرب تتشاءم به وتكره صوته وقد سبق القول على ذلك في أوابد العرب من هذه المقالة.
ومن طبع الغراب الاستتار عند السّفاد وأنه يسفدها مواجهة ملقاة على ظهرها والأنثى تبيض أربع بيضات وخمسا وإذا خرجت الفراخ من البيض نفر عنها الأبوان لبشاعة منظرها حينئذ، فتغتذي من البعوض والذباب الكائن في عشّها حتّى ينبت ريشها فيعود الأبوان إليها وعلى الأنثى الحضن وعلى الذكر أن يأتيها بالطّعم. وفيه حذر شديد وتناصر، حتّى إنه إذا صاح الغراب مستنصرا اجتمع إليه عدّة من الغربان.
ومنها «الغراب الأسود الكبير»
وهو الجبليّ. وفيه وجه بحله.
ومنها «الحدأة»
بكسر الحاء، والهمز الطائر المعروف، ويجمع على حدإ وحدءان. ومن ألوانها السّود والرّمد. وهي لا تصيد بل تخطف.
ومن طبعها أنها تصفّ في الطيران وليس ذلك لشيء من الكواسر غيرها.
وزعم ابن وحشية (1) وابن زهر (2): أن الحدأة والعقاب يتبدّلان، فتصير الحدأة عقابا والعقاب حدأة. وربما قيل: الغراب بدل العقاب. ويقال: إنها تصير سنة ذكرا وسنة أنثى. ويقال: إنها أحسن الطير مجاورة لما جاورها من الطير حتّى لو ماتت جوعا لا تعدو على فرخ جارتها.
وفي طبعها أنها إنما تختطف ممن تختطف منه من يده اليمنى دون اليسرى حتّى يقال: إنها عسراء. وقد ثبت في الصحيحين حل قتلها في الحل والحرم.
ومنها «الرّخمة»
بفتح الراء المهملة والخاء المعجمة وكنيتها: أم
__________
(1) هو أبو بكر أحمد (أو محمد) بن علي الكلداني (أو النبطي) يعرف بمؤلفاته العديدة التي ذكرها صاحب الفهرست. عاش في النصف الأخير من القرن الثاني للهجرة. (دائرة المعارف:
1/ 413).
(2) هو عبد الملك بن زهر الأيادي: طبيب أندلسي من أهل أشبيلية توفي سنة 557هـ. (الأعلام:
4/ 158).(2/92)
جعران، وأمّ رسالة، وأمّ عجيبة، وأم قيس، وأم كثير (1). ويقال لها: الأنوق بفتح الهمزة وهي طائر أبقع ببياض وسواد، فوق الحدأة في المقدار تأكل الجيف.
وهي معدودة في بغاث الطير. وهي تسكن رؤوس الجبال العالية وأبعدها من أماكن أعدائه ولذلك تضرب العرب المثل ببيضه فيقولون: «أعزّ من بيض الأنوق» والأنثى لا تمكن من نفسها غير ذكرها وتبيض بيضة واحدة وربما باضت بيضتين.
ومنها «البومة»
بضم الباء الموحدة وفتح الميم للذكر والأنثى وهو طائر من طير الليل في قدر الإوزّة، لها وجه مستدير بالريش النابت حوله، يشبه وجه الآدميّ، في صفرة عينين وتوقّدهما. ويقال للذكر منها: الصّدى والضّوع بضم الضاد المعجمة والفيّاد بالفاء وتشديد المثناة تحت ويقال للأنثى:
الهامة. وكنية الأنثى: أمّ الخراب، وأمّ الصّبيان ولها في الليل قوّة سلطان لا يحتملها شيء من الطير تدخل على كل طائر في وكره في الليل فتخرجه منه وتأكل فراخه وبيضه، ولا تنام الليل والطير بجملته يعاديها من أجل ذلك فإذا رأوها (2)
في النهار قتلوها ونتفوا ريشها ومن ثم يجعلها الصيّادون في شباكهم ليقع عليها الطير فيقتنصونها فهي لا تظهر بالنهار لذلك.
ونقل المسعوديّ (3) في مروج الذهب عن الجاحظ أنها إنما تمتنع من ظهورها في النهار خوفا من أن تصاب بالعين لحسنها وجمالها، لأنها تصوّر في نفسها أنها أحسن الحيوان. ومن طبعها سكنى الخراب دون العامر.
ومن غريب ما يحكى ما ذكره الطرطوشي (4) في «سراج الملوك»: أن عبد
__________
(1) الذي في حياة الحيوان: «أم كبير».
(2) عبارة حياة الحيوان: «فإذا رآها الطير قتلنها ونتفن ريشها» وهي أصوب.
(3) هو المؤرخ البحاثة علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن المسعودي المتوفى سنة 346هـ.
(الأعلام: 4/ 277).
(4) هو محمد بن الوليد القرشي الفهري الأندلسي، ويقال له ابن أبي رندقة: أديب من فقهاء المالكية الحفاظ، ينسب إلى طرطوشة بشرق الأندلس. توفي بالاسكندرية سنة 520هـ. (الأعلام:
7/ 133).(2/93)
الملك بن مروان أرق ليلة فاستدعى نميرا يحدّثه، فكان مما حدّثه أن قال: يا أمير المؤمنين كان بالبصرة بومة وبالموصل بومة، فخطبت بومة الموصل إلى بومة البصرة بنتها لابنها فقالت بومة البصرة: لا أفعل حتّى تجعلي في صداقها مائة ضيعة خراب فقالت بومة الموصل: لا أقدر على ذلك الآن ولكن إن دام والينا سلّمه الله علينا سنة واحدة فعلت فاستيقظ لها وجلس للمظالم.
ومنها «البؤة»
بضم الباء وفتح (1) الهمزة قال الجوهري: وهو طائر يشبه البومة إلا أنه أصغر منها. وذكر ابن قتيبة في أدب الكاتب نحوه، ويقال له البوهة أيضا وهي من طير الليل أيضا. ولا يخفى أنها التي يسمّيها الناس في زماننا المصّاصة ويزعمون أنها تنزل على الأطفال فتمصّ أنوفهم.
ومنها «الخفّاش»
بضم الخاء المعجمة وتشديد الفاء وبالشين المعجمة، ويجمع على خفافيش وهو طائر غريب الشّكل والوصف لا ريش عليه وأجنحته جلدة لا صقة بيديه، وقيل لا صقة بجنبه. وسمي خفّاشا لأنه لا يبصر نهارا، وبه سمي الرجل: أخفش والعامّة تسميه الوطواط، وقيل: الخفّاش الصغير، والوطواط الكبير، ويقال: إن الوطواط هو الخطّاف لا الخفّاش. وليس هو من الطير في شيء، فإن له أسنانا وخصيتين، ويحيض ويضحك كما يضحك الإنسان، ويبول كما تبول ذوات الأربع، ويرضع ولده من ثديه.
ولما كان لا يبصر نهارا التمس وقتا يكون بين الظلمة والضوء وهو قريب غروب الشمس، لأنه وقت هيجان البعوض، فالبعوض يخرج في ذلك الوقت يطلب قوته من دماء الحيوان والخفّاش يخرج لطلب الطّعم فيقع طالب رزق على طالب رزق. ويقال: إنه هو الذي خلقه المسيح عليه السلام من الطين، ونفخ فيه فكان طيرا بإذن الله. قال بعض المفسرين: ومن أجل ذلك كان مباينا لغيره من
__________
(1) لم يهمزه أحد في اللغويين بل ذكروه في باب الهاء وقد رسم في الصحاح بالواو وكذا في القاموس وقال بالضم. (حاشية الطبعة الأميرية، ص 87).(2/94)
الطيور، ولذلك سائر الطيور مبغضة له وتسطو عليه فما كان منها يأكل اللحم أكله، وما كان منها لا يأكل اللحم قتله وهو شديد الطّيران، سريع التقلب يقتات البعوض والذباب وبعض الفواكه. وهو موصوف بطول العمر حتّى يقال: إنه أطول عمرا من النّسر وتلد الأنثى ما بين ثلاثة أفراخ وسبعة، وكثيرا ما يسفد وهو طائر في الهواء. وهو يحمل ولده معه إذا طار تحت جناحه، وربما قبض عليه بفيه حنوّا عليه، وربما أرضعت الأنثى ولدها وهي طائرة. وفي طباعه أنه متى أصابه ورق الدلب خدر ولم يطر. وقد ورد النهي عن قتله.
فإذا عرف الكاتب أحوال الطير وخواصّها، تصرف فيها بحسب ما يحتاج إليه في نظمه ونثره، كما في قول الشاعر:
وإذا السعادة لا حظتك عيونها ... نم، فالمخاوف كلّهنّ أمان
واصطد بها العنقاء فهي حبائل ... واقتد بها الجوزاء فهي عنان
إشارة إلى عظم العنقاء وعدم القدرة على مقاومتها ومع ذلك تنقاد بالسعد. وكما في قول أبي الفتح كشاجم (1)، مخاطبا لولده يطلب البرّ منه:
اتّخذ فيّ خلّة في الكراكي ... أتّخذ فيك خلّة الوطواط
أنا إن لم تبرّني في عناء ... فببرّي ترجو جواز السراط
يشير إلى ما تقدّم من أنّ في طبع الكركي برّ والديه إذا كبرا، كما أن في طبع الوطواط برّ أولاده بحيث يحملها معه إلى حيث توجه وكما في قول الشاعر:
مثل النهار يزيد إبصار الورى ... نورا ويعمي أعين الخفّاش
إشارة إلى أن الخفّاش لا يبصر نهارا، بخلاف سائر أرباب الأبصار وكما قيل في وصف شارد عن القتال:
__________
(1) راجع حاشية: 2ص: 39.(2/95)
وهم تركوه (1) أسلح من حبارى ... رأى صقرا، وأشرد من نعام
يريد ما تقدّم مما يعرض للحبارى من إرسالها سلحها على الجارح عند اقتناصه لها وأنّ النعام في غاية ما يكون في البرية من الشّراد والنّفار، ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى.
الصنف الرابع الحمام
وقد اختلف في الحمام في أصل اللغة فنقل الأزهريّ (2) عن الشافعيّ رضي الله عنه أن الحمام يطلق على كل ما عبّ وهدر وإن تفرقت أسماؤه، فيدخل فيه الحمام، واليمام، والدّباسيّ، والقماري، والفواخت وغيرها. وذهب الأصمعيّ (3)
إلى أن الحمام يطلق على كل ذات طوق كالفواخت والقماريّ وأشباهها. ونقل أبو عبيد عن الكسائيّ (4) سماعا منه أن الحمام هو الذي لا يألف البيوت، وأن اليمام هو الذي يألف البيوت لكن الذي غلب عليه إطلاق الحمام هذا النوع المخصوص المعروف.
ثم هو على قسمين:
أحدهما ما ليس له اهتداء في الطيران من المسافة البعيدة.
والثاني ما له اهتداء، ويعرف بالحمام الهدي وهو المراد هنا، وقد اعتنى الناس بشأنه في القديم والحديث، واهتم بأمره الخلفاء كالمهديّ ثالث خلفاء بني
__________
(1) ورد هذا البيت في حياة الحيوان هكذا:
«وهم تركوك رأت»
(2) هو محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي: أحد الأئمة في اللغة والأدب. توفي سنة 370هـ.
(الأعلام: 5/ 311).
(3) هو عبد الملك بن قريب الباهلي: راوية العرب وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان. توفي بالبصرة سنة 216هـ. (الأعلام: 4/ 162).
(4) هو علي بن حمزة بن عبد الله الكوفي: الإمام في اللغة والنحو والقراءة. توفي سنة 189هـ.
(الأعلام: 4/ 283).(2/96)
العباس، والواثق، والناصر وتنافس فيه رؤساء الناس بالعراق، لا سيما بالبصرة.
فقد ذكر صاحب «الروض المعطار» (1): أنهم تنافسوا في اقتنائه، ولهجوا بذكره، وبالغوا في أثمانه حتّى بلغ ثمن الطائر الفاره منها سبعمائة دينار، ويقال:
إنه بلغ ثمن طائر منها جاء من خليج القسطنطينية ألف دينار، وكانت تباع بيضة الطائر المشهور بالفراهة بعشرين دينارا. وإنه كان عندهم دفاتر بأنساب الحمام كأنساب العرب. وإنه كان لا يمتنع الرجل الجليل ولا الفقيه ولا العدل من اتخاذ الحمام والمنافسة فيه والإخبار عنها، والوصف لأثرها والنعت لمشهورها، حتّى وجه أهل البصرة إلى بكار بن قتيبة البكراني (2)، قاضي مصر وكان في فضله وعقله ودينه وورعه ما لم يكن عليه قاض بحمامات لهم مع ثقات، وكتبوا إليه يسألونه أن يتولّى إرسالها بنفسه، وكان الحمام عندهم متجرا من المتاجر لا يرون بذلك بأسا.
وذكر المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في «التعريف»: أن الحمام أوّل ما نشأ يعني في الديار المصرية والبلاد الشامية من الموصل وأنّ أوّل من اعتنى به من الملوك ونقله من الموصل: الشهيد نور الدين بن زنكي صاحب الشام رحمه الله في سنة خمس وستين وخمسمائة. وحافظ عليه الخلفاء الفاطميون بمصر، وبالغوا حتّى أفردوا له ديوانا وجرائد بأنساب الحمام. وقد اعتنى بعض المصنفين بأمره حتّى صنّف فيه أبو الحسن بن ملاعب القوّاس البغداديّ كتابا للناصر لدين الله العباسي، ذكر فيه أسماء أعضاء الطائر، ورياشه، والوشوم التي توشم في كل عضو، وألوان
__________
(1) «الروض المعطار في أخبار الأقطار» لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحميري. وقد ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون أن وفاة الحميري كانت سنة 900هـ. وهو خطأ واضح إذ إن وفاة القلقشندي كانت سنة 821هـ. والروض المعطار من مصادره الأساسية. ولعل حاجي خليفة قد اطلع على نسخة من الروض عليها تاريخ سنة 900هـ فظنها سنة وفاته. (كشف الظنون: 920وراجع أيضا مقدمة الروض المعطار لمحققه الدكتور إحسان عباس).
(2) قاض فقيه محدّث ولي القضاء في مصر للمتوكل العباسي سنة 246هـ. سجن بعهد أحمد بن طولون ومات في سجنه سنة 270هـ. (الأعلام: 2/ 60).(2/97)
الطيور، وما يستحسن من صفاتها، وكيفية إفراخها، وبعض المسافات التي أرسلت منها، وذكر شيء من نوادرها وحكاياتها وما يجري مجرى ذلك.
وذكر في «التعريف»: أن القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر (1) صنف فيها كتابا سمّاه «تمائم الحمائم» ويتعلق الغرض منها بأمور.
الأمر الأوّل ذكر ألوانها
قال أبو الحسن القوّاس: وقد أكثر الناس من ذكر ألوانها ويرجع القصد فيها إلى ذكر ألوان ستة:
اللون الأوّل «البياض»
ومنه الأبيض الصافي، والأشقر وهو ما كان يعلوه حمرة فإن كان الغالب في شقرته البياض قيل: فضّيّ، فإن زاد قيل: أشقر.
اللون الثاني «الخضرة»
إن كانت خضرته مشبعة إلى السواد قيل:
أخضر مسنّي، فإن كان دون ذلك قيل: نبتيّ الخضرة، فإن كان دون ذلك قيل:
صافي الخضرة فإن تكدّرت خضرته بأن لم يكن صافي الخضرة قيل: أسمر.
اللون الثالث «الصّفرة»
وهي عبارة عن أن تكون خضرته تميل إلى البياض فإن كان صافيا قيل: أصفر قرطاسيّ.
اللون الرابع «الحمرة»
إذا كان شديد الحمرة قيل: عنّابيّ فإن كان دون ذلك قيل: خمري فإن كان دون ذلك قيل: خلوقيّ فإن كانت حمرته تضرب إلى الخضرة قيل: أكفأ فإن كانت حمرته تضرب إلى البياض قيل: أحمر صدقيّ.
اللون الخامس «السواد»
إذا كان شديد السواد لا بياض فيه قيل: أسود
__________
(1) هو القاضي الأديب المؤرخ عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان السعدي المتوفى في مصر سنة 692 هـ. (الأعلام: 4/ 92).(2/98)
مطبق فإن كان لون سواده ناقصا قيل: أسود أخلس فإن كان سواده يضرب إلى الخضرة قيل: أسود رماديّ فإن كان في سواده مائية قيل: أسود برّاق، فإن كان ساقاه أيضا أسودين قيل: أسود حالك، وأسود زنجيّ.
اللون السادس «النّمري»
وهو أن يكون في الطائر نقط يخالف بعضها بعضا ويختلف الحال فيه باختلاف كبر النّقط وصغرها، فتارة يقال: مدنّر، وتارة يقال: ملمّع، وتارة يقول: أبرش، وتارة يقال: موشّح، وتارة يقال: أبقع، وتارة يقال: أبلق، وتارة يقال: دباسيّ، وتارة يقال: مدرّع، إلى غير ذلك مما لا يستوفى كثرة. ثم إن كان الطائر أكحل العينين وحول عينيه حمرة قيل: فقيع، فإن كان أصفر العين قيل: أصفر زرنيخي فإن كان أبيض العنق قيل: هلاليّ، وهو أحسنها، والأصفر العين بعده فإن كانت العين بيضاء وفيها حمرة قيل: رمّاني العين.
الأمر الثاني في عدد ريش الجناحين والذنب المعتدّ به وأسمائها
أما الجناحان فإن فيهما عشرين ريشة، في كل جناح منهما عشر ريشات، الأولى منها وهي التي في طرف الجناح تسمّى: الصمة والثانية وهي التي بعدها تسمّى: المضافة الرئيسية والثالثة وهي التي بعدها تسمّى: الواسطية والرابعة وهي التي بعدها تسمّى: المضافة والخامسة وهي التي بعدها تسمّى: المنظفة والسادسة وهي التي بعدها تسمّى: المنحدرة والسابعة وهي التي بعدها تسمّى:
الناقصة والثامنة وهي التي بعدها تسمّى: المؤنسة والتاسعة وهي التي بعدها تسمّى: الزّاملة، والعاشرة وهي التي بعدها تسمّى: المعينة.
وبعضهم يسمّي الأولى: الصغيرة، والثانية: الرقيقة، والثالثة: الموفية، والرابعة: الباحلة، والخامسة: الحيرة، والسادسة: الصرافة، والسابعة: ممسكة الرمي، والثامنة والتاسعة: الحافظتين، والعاشرة: الملكة.
وربما كان في كل جناح إحدى عشرة ريشة، فيسمّى الطائر حينئذ: أعلم.
ولهذه الريشات العشر عشر ريشات مع كل واحدة منها رادفة، وهي الريش الصّغار التي تغطّي قصب الجناح من ظاهره ولكل ريشة من هذه الريشات العشر ريشة صغيرة تغطي قصبتها لكل واحدة منها اسم يخصها.(2/99)
وربما كان في كل جناح إحدى عشرة ريشة، فيسمّى الطائر حينئذ: أعلم.
ولهذه الريشات العشر عشر ريشات مع كل واحدة منها رادفة، وهي الريش الصّغار التي تغطّي قصب الجناح من ظاهره ولكل ريشة من هذه الريشات العشر ريشة صغيرة تغطي قصبتها لكل واحدة منها اسم يخصها.
ومن ريش الجناح أيضا: الخوافي، وهي الريش المستقر مع العشر ريشات الطّوال المنقلب برؤوسه إلى مؤخّر الجناح وهي تسع ريشات، الأولى منها تسمّى: الحدقة، والثانية: الرّتمة، والثالثة: الغرّة، والرابعة: الحز، والخامسة: الجائزة، والسادسة: المسلّمة، والسابعة: الملازمة، والثامنة:
الشعثة، والتاسعة: اللامعة وبعضهم يسمّي الأولى: بنت الملكة، والثانية:
الإبرة، والثالثة: المقشعرّة، والرابعة: الصافية، والخامسة: المصفية، والسادسة: المصفرة، والسابعة: الزرقاء، والثامنة: السوداء، والتاسعة:
المزرقّة، وعدّ فيها عاشرة تسمّى: المخضرّة ولكل ريشة من الريشات التّسع ريشة صغيرة تغطي قصبتها لها اسم يخصها أيضا.
وبعد الخوافي: الغفار، ولكل ريشة من الغفار ريشة صغيرة من باطنها تغطّي قصبتها.
ومن ريش الجناحين: المقوّمات، وهي ثلاث ريشات في طرف الجناح، تسمّى: الزوائد ومن فوقها ثلاث ريشات صغار تغطي قصبتها، تسمّى:
الغواشي، وأصلها مع أصل (1) أيضا.
وأما الذّنب، فالمعتبر فيه اثنتا عشرة ريشة من كل جانب: منه ست ريشات تسمّى الأولى منها: الغزالة، والثانية: العروس، والثالثة: الباشقة، والرابعة:
الباقية، والخامسة: المجاورة، والسادسة: العمود، ومن الجانب الآخر كذلك،
__________
(1) لعله: «مع أصل الزوائد أيضا» كما يفيده المقام.(2/100)
الأمر الثالث الفرق بين الذكر والأنثى
وقد ذكروا بينهما فروقا منها أن الأنثى إذا تمشت قدّمت الرّجل اليسرى، والذكر يقدّم الرّجل اليمنى، ومنها أن يرى الذكر مقتدرا في الأرض مستشيطا، والأنثى بالضدّ من ذلك ومنها أن ريش الذكر أعرض وأطول وأحسن استواء من الأنثى، ومنها أن مذبح الذكر يكون عريضا ومذبح الأنثى دقيقا ومنها أن يكون وجه الذكر عريض الخدّ والأنثى بالضدّ من ذلك ومنها أنّ الأنثى إذا طارت فتحت جناحيها والذكر إذا طار أخرج عشريه (1).
الأمر الرابع في بيان صفة الطائر الفاره
قال أبو الحسن القوّاس: علامته أن يكون رأسه مكعبا، وعينه معتدلة، غير ناتئة ولا غائرة، ولا فاترة، ولا قلقة منزعجة، وأن يكون منقاره غليظا قصيرا، وأن يكون وسط المنخرين مكلثم القرطمتين (2) أهرت (3) الشّدقين، واسع الصدر، نقيّ الريش، طويل الفخذين، قصير الساقين، غليظ الأصابع، شثن (4) البراثن، طويل القوادم من غير إفراط.
ويستحب فيه قصر الذنب ودقّته، واجتماع ريشه من غير تفرّق وأن يكون ظهره معتدلا وإلى القصر أقرب وأن يكون جؤجؤه، وهو جانب الصدر، طويلا ممتدّا وعنقه طويلا منتصبا وريش قوامه وخوافيه مبنيّا متطابقا بعضه مع بعض من غير تفرّق ولا تمعّط وأن يكون شديد اللحم مكتنزا، غير رخو ولا رهل.
__________
(1) قوادم ريشه. (اللسان: 4/ 574).
(2) المكلثم المستدير الكثير اللحم. والقرطمتان هما الهنيتان اللتان على جانبي أنف الحمامة.
(اللسان: 12/ 476، 525).
(3) من الهرت وهو سعة الشدق. (اللسان: 2/ 103).
(4) غليظ. (اللسان: 13/ 232).(2/101)
ويستحب فيه أيضا أن يكون قليل الرّعدة عند الفزع، سريع اللّقط للحب خفيف الحركة والنّهوض والنزول من غير طيش ولا اختلاط وأن يكون ظهره مسطّحا لا أحدب ولا أوقص (1) ويستحب فيه إذا وقف أن ينصب صدره، ويرفع عنقه، ويفتح ما بين فخذيه شبه البازي.
ومن علامة فراهته أنه إذا طال عليه الطّيران وأراد النزول على سطحه (2) ألا يدلّي رجليه حتّى يقع صدره على سطحه لأنه إذا دلّى ساقيه كان عيبا عظيما، يقولون: قد انحلت سراويله بمعنى أنه قد أدّى جميع ما عنده من القوّة والطاقة، ويكره فيه دقة المغرز، وطول الذّنب، وتفرّق الريش.
الأمر الخامس الفراسة في الطائر من حال صغره قبل الطيران
قالوا من علامة الطائر الفاره في صغره: أن يكون حديد النظر، شديد الحذر، خفيف اللحم، قليل الريش، سريع النّهضة، كثير التّلفّت في الجوّ، ممتدّ العظم، مستويا، لطيف الذّنب، خارج العنق، قصير الساقين، طويل الفخذين، محجّلا، مذيل المنقار، مدوّر القراطم، مضاعف المحاجر، يلزم موضعا واحدا من صغره، إلى ازدواجه، فإذا ازدوج على السّطح يكون حريصا على طائرته، حسن الأخلاق معها لا يطردها طرد الكلاب ولا يغتال غيلة الذئاب، قليل الذّرق كثير الدهن، مدلّا بنفسه، كأنه يعلم أنه فاره. فإن كان فيه بعض هذه الخصال كانت فراهته على قدر ما فيه من ذلك.
قال أبو الحسن الكاتب: ومن علامة شهامة الفرخ أن تكون فيه الحركة وهو تحت أبيه وأمه، وكلما جمعته لتضمّه تحتها، خرج من تحتها ويعتلق للخروج وأن يكون ريش رأسه كأن فيه جلحا (3) وريش جسده وجناحه مستطيلا عند نبعه من
__________
(1) من الوقص، بالتحريك وهو القصر في العنق أو في الظهر. (اللسان: 7/ 106).
(2) لعل الجار ومجروره من زيادة الناسخ.
(3) الجلح ذهاب الشعر من مقدم الرأس (اللسان: 2/ 424).(2/102)
جسده، وأن يطول ريشه حتّى يغطّي ظهره ولا ينتشر إلا بعد ذلك وأن يكون من جؤجؤ الصدر إلى مغرزه أقصر من بطنه إلى رأس براثنه.
وفي الحمام طائر يقال له: الأندم، وصفته أن يكون أسود المنقار ليس فيه بياض، ورأس منقاره وأصله سواء، لا تحديد في رأسه عريض القراطم غليظ الشّدقين، منتشر المنخرين، جهوريّ الصوت، غائر العين قال أبو الحسن القوّاس: ولا تكون هذه الصفة إلا في الطائر الفاره الأصيل، الكريم الأب والأم.
الأمر السادس بيان الزمان والمكان اللائقين بالإفراخ
أما الزمان فأصلح أوقات التأليف: أيلول، وتشرين الأول، وتشرين الثاني، وآذار، ونيسان، وأيار، فإذا وقع الإفراخ في شيء من هذه الأوقات كانت الفراخ أقوياء نجباء، أذكياء، ونهوا عن الإفراخ في كانون الأول، وكانون الثاني، وشباط، وآب، وتموز، وحزيران، فإن الذي يفرخ فيه لا يزال ناقص البدن، قليل الفطنة، يلقي ريشه في السنة مرتين فيضعف.
وأما المكان فقد حكي عن إقليمن الهندي: أن أولى ما أفرخ الحمام بالسّطوح. وذلك أنّ الفرخ يخرج من القشر فيلقى خشونة الهواء وحرّ الموضع فيصير له عادة ثم لا ينهض حتّى يعرف وطنه وينقلب إليه أبوه وأمه بالزّقّ والعلف فيعرف السّطح حقّ المعرفة، وينتقل خلفهما فيعلمانه الصّعود والهبوط، وربما أخذه إلى الرّعي بالصحراء فلا يكمل حتّى يصير شهما عارفا بأمور الطيران بخلاف ما إذا أفرخ بالسّفل فإنه يتربّى جسده على برودة الفيء ولين الهواء، فإذا كمل وترقّى الى السطح لقيه خشونة الهواء وقوة الحرّ، فيحدث له الحرّ الجامد بفؤاده الكباد والدّقّ (1).
__________
(1) كل شيء دقّ وصغر (اللسان: 10/ 101).(2/103)
الأمر السابع في مسافة الطيران
قد تقدّم أنّ طائرا طار من الخليج القسطنطينيّ إلى البصرة، وأن الحمام كان يرسل من مصر إلى البصرة أيضا.
وذكر ابن سعيد (1) في كتابه «جنى المحل وجنى النحل»: أنّ العزيز ثاني خلفاء الفاطميين بمصر ذكر لوزيره يعقوب بن كلس (2) أنه ما رأى القراصية البعلبكية، وأنه يحب أن يراها، وكان بدمشق حمام من مصر وبمصر حمام من الشام، فكتب الوزير بطاقة يأمر فيها من بدمشق أن يجمع ما بها من الحمام المصريّ ويعلق في كل طائر حبّات من القراصية البعلبكية وترسل ففعل ذلك فلم يمض النهار إلا وعنده قدر كثير من القراصية، فطلع بها إلى العزيز من يومه وذكر أيضا في كتابه «المغرب في أخبار المغرب»: أن الوزير اليازوري (3) المغربي وزير المستنصر الفاطمي وجّه الحمام من مدينة تونس من إفريقية من بلاد المغرب إلى مصر فجاء إلى مصر.
وقد ذكر أبو الحسن القوّاس في كتابه في الحمام: أنّ حماما طار من عبّادان (4) إلى الكوفة، وأن حماما طار من التّرناوذ إلى الأبلّة (5) ونحو ذلك. وسيأتي
__________
(1) هو علي بن موسى بن محمد، ابن سعيد المغربي: مؤرخ أندلسي من الشعراء الأدباء توفي سنة 685هـ. (الأعلام: 5/ 26).
(2) تولى الوزارة للعزيز الفاطمي من سنة 367هـ. إلى سنة 380هـ. كان يهوديا ثم أسلم. توفي سنة 380هـ. (الوزارة والوزراء: 241).
(3) من أشهر وزراء الأقلام في العصر الفاطمي. تولى الوزارة للمستنصر من سنة 442إلى سنة 450 هـ. وهو فلسطيني الأصل من قرية «يازور» قبض عليه المستنصر بوشاية وقتله سنة 450هـ.
(الوزارة والوزراء: 257).
(4) بالعراق قرب البصرة، بينهما اثنا عشر فرسخا. (الروض المعطار: 407ومعجم البلدان:
4/ 75).
(5) الأبلّة بلدة على شاطيء دجلة، «والترناوذ» من قرى بخارى في بلاد فارس. (معجم البلدان: 1/ 77 و 2/ 27).(2/104)
الكلام على أبراج الحمام بالديار المصرية في المقالة العاشرة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
النوع الخامس ما يحتاج إلى وصفه من نفائس الأحجار
ويحتاج الكاتب إليه من وجهين: أحدهما من حيث مخالطة الملوك، فلا بدّ أن يكون عارفا بصفات الجواهر وأثمانها والنّفيس منها وخواصّها، لأنه ربما جرى ذكر شيء من ذلك بحضرة ملكه، فتكون مشاركته فيه زيادة في رفعة محله، وعلوّ مقداره، وهذا هو الذي عوّل عليه صاحب «موادّ البيان» (1) في احتياج الكاتب إلى ذلك.
والثاني: أن يحتاج إلى وصف شيء من ذلك مع هدية تصدر عن ملكه أو هدية تصل إليه، مع ما يحتاج إليه من ذلك لمعرفة التشبيهات والاستعارات التي هي عمود البلاغة فمن لم يكن عارفا بأوصاف الأحجار، ونفائس الجواهر، لا يحسن التعبير عنها، ألا ترى إلى تشبيهات ابن المعتز (2) ووصفه للجواهر كيف تقع في نهاية الحسن وغاية الكمال لمعرفته بالمشاهدة فهو يقول عن علم، ويتكلم عن معرفة «وليس الخبر كالمعاينة» وقد اعتنى الناس بالتصنيف في الأحجار في القديم والحديث.
فممن صنف فيه في القديم من حكماء الفلاسفة: أرسطوطاليس (3)
وبلينوس (4)، وياقوس الأنطاكي.
__________
(1) لعلي بن محمد بن خلف، الكاتب النيرماني المتوفى سنة 414هـ. (فوات الوفيات: 3/ 74).
(2) هو الشاعر المبدع عبد الله بن محمد المعتز بالله، خليفة يوم وليلة توفي سنة 296هـ. (الأعلام:
4/ 118).
(3) له كتاب: «الأحجار» ذكر فيه خاصية ستماية ونيف حجر. (كشف الظنون: 1385).
(4) كان «سيلفستردي ساسي» أول من قال بأن هذا الاسم يدل على «أبولونيوس». وفي الإسلام عرف شخصان بهذا الاسم: الرياضي المشهور «أبولونيوس» المنسوب إلى «برغة» (حوالي سنة 200 ق. م) والثاني حكيم تقوم شخصيته على الرواية الإغريقية عن «أبولونيوس» المنسوب الى «طيانة» (القرن الأول الميلادي) وهذا الأخير ليس هو المقصود في نص القلقشندي. (دائرة المعارف الإسلامية: 8/ 114).(2/105)
وممن صنّف فيه من الإسلاميين: أحمد بن أبي خالد المعروف بابن الجزار (1)، ويعقوب بن إسحاق الكندي وغيرهما، وأحسن مصنّف فيه مصنّف أبي العباس أحمد بن يوسف التّيفاشيّ (2).
والذي يتعلق الغرض منه بذلك اثنا عشر صنفا:
الصنف الأول اللؤلؤ
وهو يتكوّن في باطن الصّدف، وهو حيوان من حيوان البحر الملح له جلد عظميّ كالحلزون، ويغوص عليه الغوّاصون فيستخرجونه من قعر البحر، ويصعدون به فيستخرجونه منه. وله مغاصات كثيرة، إلا أن مظانّ النفيس منه بسرنديب من الهند، وبكيش (3)، وعمان، والبحرين من أرض فارس، وأفخره لؤلؤ جزيرة خارك، بين كيش والبحرين.
أمّا ما يوجد منه ببحر القلزم وسائر بحار الحجاز فرديء ولو كانت الدّرّة منه في نهاية الكبر لأنه لا يكون لها طائل ثمن. وجيّد اللؤلؤ في الجملة هو الشّفّاف الشديد البياض، الكبير الجرم، الكثير الوزن، المستدير الشكل، الذي لا تضريس فيه، ولا تفرطح، ولا اعوجاج. ومن عيوبه أن يكون في الحبة تفرطح، أو اعوجاج، أو يلصق بها قشر أو دودة، أو تكون مجوّفة غير مصمته، أو يكون ثقبها متسعا.
__________
(1) طبيب مؤرخ توفي سنة 369هـ. وذكر بروكلمان أنه توفي في حدود سنة 395هـ. (الأعلام: 1/ 85 وتاريخ الأدب العربي: 4/ 296).
(2) عالم بالحجارة الكريمة، غزير العلم والأدب. توفي بالقاهرة سنة 651هـ. من كتبه: «أزهار الأفكار في جواهر الأحجار» (الأعلام: 1/ 273).
(3) «كيش» وهو تعجيم «قيس»: جزيرة من أعمال فارس. (معجم البلدان: 4/ 497).(2/106)
ثم من مصطلح الجوهريين أنه إذا اجتمع في الدرّة أوصاف الجودة، فما زاد على وزن درهمين ولو حبة يسمّى درّا فإن نقصت عن الدرهمين ولو حبة سمّيت حبّة لؤلؤ وإذا كانت زنتها أكثر من درهمين وفيها عيب من العيوب فإنها تسمّى حبّة أيضا ولا عبرة بوزنها مع عدم اجتماع أوصاف الجودة فيها. وتسمّى الحبة المستديرة الشكل عند الجوهريين: الفأرة، وفي عرف العامّة: المدحرجة. ومن طبع الجوهر أنه يتكون قشورا رقاقا طبقة على طبقة حتّى لو لم يكن كذلك فليس على أصل الخلقة بل مصنوع.
ومن خواصه أنه إذا سحق وسقي مع سمن البقر نفع من السّموم.
وقال أرسطوطاليس: من وقف على حل اللؤلؤ من كباره وصغاره حتّى يصير ماء رجراجا ثم طلى به البرص أذهبه. وقيمة الدرّة التي زنتها درهمان وحبة مثلا أو وحبتان، مع اجتماع شرائط الجودة فيها، سبعمائة دينار فإن كان اثنتان على هذه الصفة كانت قيمتهما ألفي دينار، كل واحدة ألف دينار لاتفاقهما في النظم والتي زنتها مثقال وهي بصفة الجودة قيمتها ثلاثمائة دينار، فإن كان اثنتان زنتهما مثقال وهما بهذه الصفة على شكل واحد لا تفريق بينهما في الشكل والصورة، كانت قيمتهما أكثر من سبعمائة دينار.
وقد ذكر ابن الطوير في تاريخ الدّولة الفاطمية: أنه كان عند خلفائهم درّة تسمّى اليتيمة زنتها سبعة دراهم تجعل على جبهة الخليفة بين عينيه عند ركوبه في المواكب العظام على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب دولتهم في المسالك والممالك إن شاء الله تعالى.
ويضرّه جميع الأدهان، والحموضات بأسرها لا سيما الليمون، ووهج النار، والعرق، وذفر الرائحة، والاحتكاك بالأشياء الخشنة ويجلوه ماء حماض الأترج، إلا أنه إذا أثجّ (1) عليه به قشره ونقص وزنه، فإن كانت صفرته من أصل تكوّنه في البحر فلا سبيل إلى جلائها.
__________
(1) من: «الثّجّ» وهو الصبّ الكثير والسيلان. (اللسان: 2/ 221).(2/107)
الصنف الثاني الياقوت
قال بلينوس: وهو حجر ذهبيّ، وهو حصى يتكوّن بجزيرة خلف سرنديب من بلاد الهند بنحو أربعين فرسخا، دورها نحو ستين فرسخا في مثلها، وفيها جبل عظيم يقال له جبل الرّاهون، تحدر منه الرياح والسيول الياقوت فيلتقط، والياقوت حصباؤه وهو الجبل الذي أهبط الله تعالى عليه آدم عليه السلام فإذا لم تحدر السيول منه شيئا عمد أهل ذلك الموضع إلى حيوان فذبحوه وسلخوا جلده وقطّعوه قطعا كبارا وتركوه في سفح ذلك الجبل فيختطفه نسور تأوي إلى ذلك الجبل فتصعد باللحم إلى أعلاه فيلصق بها الياقوت ثم تأخذه النسور وتنزل به إلى أسفل فيسقط منه ما علق به من الياقوت فإذا أخذ كان لونه مظلما ثم يشف بملاقاة الشمس ويظهر لونه على أيّ لون كان.
ثم هو على أربعة أضرب:
الضرب الأوّل «الأحمر»
ومنه البهرمان ولونه كلون العصفر (1) الشديد الحمرة الناصع في القوّة الذي لا يشوب حمرته شائبة ويسمّى: الرّمّانيّ لمشابهته حبّ الرّمان الرائق الحب وهو أعلى أصناف الياقوت وأفضلها وأغلاها ثمنا.
ومنه: الخيريّ وهو شبيه بلون الخيريّ (2) وهو المنثور ويتفاضل في قوّة الصبغ وضعفه حتى يقرب من البياض.
ومنه الورديّ: وهو كلون الورد ويتفاضل في شدّة الصبغ وضعفه حتّى يقرب من البياض.
__________
(1) نبات صيفي من الفصيلة المركبة، يستعمل زهره تابلا ويستخرج منه صبغ أحمر يصبغ به الحرير ونحوه. (الوسيط: 605).
(2) نبات له زهر، وغلب على أصفره لأنه الذي يستخرج دهنه، ويدخل في الأدوية. ويقال للخزامى:
خيري البرّ، لأنه أزكى نبات البادية. (الوسيط: 264).(2/108)
وأردأ ألوانه الورديّ الذي يضرب إلى البياض، والسّمّاقي الذي يضرب إلى السّواد.
الضرب الثاني «الأصفر»
وأعلاه الجلّناريّ وهو أشدّه صفرة، وأكثره شعاعا ومائية ودونه الخلوقيّ، وهو أقلّ صفرة منه ودونه الرقيق وهو قليل الصفرة كثير الماء ساطع الشّعاع. وأردأ الأصفر ما نقص لونه ومال إلى البياض.
الضرب الثالث «الأبيض»
ومنه المهانيّ: وهو أشدّها وأكثرها ماء وأقواها شعاعا ومنه الذكر وهو أثقل من المهانيّ وأقلّ شعاعا وأصلب حجرا وهو أدون أصناف الياقوت وأقلها ثمنا. وأجود الياقوت الأحمر البهرمانيّ والرمانيّ والورديّ النيّر المشرق اللون الشّفّاف الذي لا ينفذه البصر بسرعة. وعيوبه الشّعرة وهي شبه تشقيق يرى فيه، والسوس وهو خروق توجد فيه باطنة ويعلوها شيء من ترابية المعدن.
ومن أردأ صفاته قبح الشكل.
ومن خواصّ الياقوت: أنه يقطع كل الحجارة كما يقطعها الماس وليس يقطعه هو على أيّ لون كان غير الماس.
ومن خواصه أيضا: أنه لا ينحكّ على خشب العشر الذي تجلى به جميع الأحجار بل طريق جلائه أن يكسّر الجزع (1) اليماني ويحرق حتّى يصير كالنّورة (2) ثم يسحق بالماء حتّى يصير كأنه الغراء ثم يحك على وجه صفيحة من نحاس حجر الياقوت، فينجلي ويصير من أشدّ الجواهر صقالة.
ومن خواصه: أنه ليس لشيء من الأحجار المشفّة شعاع مثله، وأنه أثقل من سائر الأحجار المساوية له في المقدار، وأنه يصبر على النار فلا يتكلّس بها كما يتكلس غيره من الحجارة النفيسة وإذا خرج من النار برد بسرعة حتّى إنّ الإنسان
__________
(1) ضرب من العقيق يعرف بخطوط متوازية مستديرة مختلفة الألوان (الوسيط: 121).
(2) حجر الكلس وأخلاط من أملاح الكلسيوم والباريون، تستعمل لإزالة الشعر (الوسيط: 962).(2/109)
يضعه في فيه عقب إخراجه من النار فلا يتأثر به إلا أن لون غير الأحمر منه كالصفرة وغيرها يتحوّل إلى البياض أمّا الحمرة فإنها تقوى بالنار، بل إذا كان في الفص نكتة حمراء، فإنها تتّسع بالنار وتنبسط في الحجر بخلاف النكتة السوداء فيه، فإنها تنقص بالنار، فما ذهبت حمرته بالنار فليس بياقوت، بل ياقوت أبيض مصبوغ أو حجر يشبه الياقوت.
ومن منافعه ما ذكره أرسطاطاليس: أن التختم به يمنع صاحبه أن يصيبه الطاعون إذا ظهر في بلد هو فيه، وأنه يعظم لابسه في عيون الناس، ويسهل عليه قضاء الحوائج، وتتيسر له أسباب المعاش، ويقوّي قلبه ويشجعه، وأن الصاعقة لا تقع على من تختم به. وإذا وضع تحت اللسان، قطع العطش. وامتحانه أن يحكّ به ما يشبهه من الأحجار، فإنه يجرحها بأسرها ولا تؤثر هي فيه.
قال التيفاشيّ: وقيمة الأحمر الخالص على ما جرى عليه العرف بمصر والعراق أن الحجر إذا كان زنته نصف درهم كانت قيمته ستة مثاقيل من الذهب الخالص والحجر الذي زنته درهم قيمته ستة عشر دينارا والحجر الذي زنته مثقال قيمته بدينارين القيراط والحجر الذي زنته مثقال وثلث قيمته ثلاثة دنانير القيراط إلى ثلاثة ونصف ويزيد ذلك بحسب زيادة لونه ومائيته وكبر جرمه، حتّى ربما بلغ ما زنته مثقال من جيّده مائة مثقال من الذهب إذا كان بهرمانا نهاية في الصّبغ والمائية والشعاع، قد نقص منه بالحك كثير من جرمه وقيمة الأصفر منه زنة كل درهم بدينارين وقيمة الأزرق والماهانيّ كل درهم بأربعة دنانير وقيمة الأبيض على النصف من الأصفر. ويختلف ذلك كله بالزيادة والنقص في الصّبغ والمائية مع القرب من المعدن والبعد عنه.
وقد ذكر ابن الطوير في ترتيب مملكة الفاطميين: أنه كان عندهم حجر ياقوت أحمر في صورة هلال زنته أحد عشر مثقالا يعرف بالحافر، يجعل على جبين الخليفة بين عينيه مع الدّرّة المتقدّمة الذكر عند ركوبه.(2/110)
الصنف الثالث البلخش
قال في مسالك الأبصار (1): ويسمّى اللّعل.
قال بلينوس: وانعقاده في الأصل ليكون ياقوتا إلا أنه أبعده عن الياقوتية علل من اليبس والرطوبة وغيرهما، وكذلك سائر الأحجار الحمر. ومعدن البلخش الذي يتكوّن فيه بنواحي بلخشان. والعجم تقول: بذخشان بذال معجمة وهي من بلاد الترك تتاخم الصين (2).
قال التيفاشي: وأخبرني من رأى معدنه من التّجار أنه وجد منه في المعدن حجرا وفي باطنه ما لم يكمل طبخه وانعقاده بعد، والحجر مجتمع عليه وهو على ثلاثة أضرب: أحمر معقرب، وأخضر زبرجديّ، وأصفر والأحمر أجوده.
قال التيفاشي: وليس لجميعه شيء من خواص الياقوت ومنافعه وإنما فضيلته تشبهه به في الصّبغ والمائية والشعاع لا غير. قال: وقيمته في الجملة غالبا على النصف من قيمة الياقوت الجيد.
قال في مسالك الأبصار: وهو لا يؤخذ من معدنه إلا بتعب كثير وإنفاق زائد، وقد لا يوجد بعد التعب والإنفاق، ولهذا عز وجوده، وغلت قيمته، وكثر طالبه، والتفتت الأعناق إلى التحلي به. قال: وأنفس قطعة وصلت إلى بلادنا من البلخش قطعة وصلت مع تاجر في أيام العادل كتبغا (3) وأحضرت إليه وهو بدمشق، وكانت قطعة جليلة مثلثة على هيئة المشط العوديّ، وهي في نهاية الحسن وغاية الجودة، زنتها خمسون درهما، كاد المجلس يضيء منها، فأحضر الصاحب نجم
__________
(1) «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» لشهاب الدين أحمد بن يحيى المعروف بابن فضل الله العمري المتوفى سنة 749هـ. (كشف الظنون: 1662).
(2) في معجم البلدان: 1/ 360 «إنها في أعلا طخارستان المتاخمة لبلاد الترك».
(3) هو كتبغا بن عبد الله المنصوري، الملقب بالملك العادل من ملوك المماليك البحرية في مصر والشام. توفي بحماة سنة 702هـ. (الأعلام: 5/ 219).(2/111)
الدين الحنفيّ الجوهريّ وسأله عن قيمتها، فقال له نجم الدين الجوهريّ: إنما يعرف قيمتها من رأى مثلها، وأنا وأنت والسلطان ومن حضر لم نر مثلها فكيف نعرف قيمتها؟ فأعجب بكلامه، وصالح عليها صاحبها.
الصنف الرابع عين الهرّ
قال التيفاشي: وهو في معنى الياقوت إلا أن الأعراض المقتصرة به أقعدته عن الياقوتية، ولذلك إنما يوجد في معدن الياقوت المتقدّم ذكره، وتخرجه الرياح والسيول كما تخرج الياقوت على ما تقدّم، قال: ولم أجده في كتب الأحجار، وكأنه محدث الظهور بأيدي الناس، والغالب على لونه البياض بإشراق عظيم ومائية رقيقة شفافة، إلا أنه ترى في باطنه نكتة على قدر ناظر الهر الحامل للنور المتحرك في فصّ مقلته، وعلى لونه على السواد وإذا تحرّك الفصّ إلى جهة، تحركت تلك النكتة بخلاف جهته فإن مال إلى جهة اليمين، مالت النكتة إلى جهة اليسار وبالعكس، وكذلك الأعلى والأسفل وإن كسر الحجر أو قطع على أقلّ جزء، ظهرت تلك النكتة في كل جزء من أجزائه، ولذلك يسمّى: عين الهر.
وأجوده ما اشتدّ بياض أبيضه وشفيفه، وكثرت مائية النكتة التي فيه مع سرعة حركتها وظهور نورها وإشراقها ولا يخفى أن حسن الشكل وكبر الجرم يزيدان في قيمته كسائر الأحجار.
قال التيفاشي: والمشهور من منافعه عند الجمهور أنه يحفظ حامله من أعين السوء. ونقل عن بعض ثقات الجوهريّين: أنه يجمع سائر الخواصّ التي في الياقوت البهرمانيّ في منافعه، ويزيد عليه بألا ينقص مال حامله ولا تعتريه الآفات، وأنه إذا كان في يد رجل وحضر مصافّ حرب وهزم حزبه فألقى نفسه بين القتلى رآه كل من يمرّ به من أعدائه كأنه مقتول متشحط في دمه، وأن ثمنه بالهند مع قرب معدنه أغلى من ثمنه ببلاد المغرب بكثير، لعلمهم بخواصه وقيمته تختلف بحسب الرغبة فيه وإذا وقع ببلاد المغرب بيع المثقال منه بخمسة دنانير، ويزيد
على ذلك بحسب الغرض.(2/112)
قال التيفاشي: والمشهور من منافعه عند الجمهور أنه يحفظ حامله من أعين السوء. ونقل عن بعض ثقات الجوهريّين: أنه يجمع سائر الخواصّ التي في الياقوت البهرمانيّ في منافعه، ويزيد عليه بألا ينقص مال حامله ولا تعتريه الآفات، وأنه إذا كان في يد رجل وحضر مصافّ حرب وهزم حزبه فألقى نفسه بين القتلى رآه كل من يمرّ به من أعدائه كأنه مقتول متشحط في دمه، وأن ثمنه بالهند مع قرب معدنه أغلى من ثمنه ببلاد المغرب بكثير، لعلمهم بخواصه وقيمته تختلف بحسب الرغبة فيه وإذا وقع ببلاد المغرب بيع المثقال منه بخمسة دنانير، ويزيد
على ذلك بحسب الغرض.
وذكر التيفاشي عن بعض التجار أن حجرا منه بيع في المعبر من بلاد الهند بمائة وخمسين دينارا، وأنه بيع منه حجر ببلاد الفرس بسبعمائة دينار.
الصنف الخامس الماس
قال بلينوس في كتاب الأحجار: وابتدأ في معدنه لينعقد ذهبا، فأبعدته العوارض عن ذلك وهو يتكوّن في معدن الياقوت المقدّم ذكره، وتخرجه الرياح والسيول من معدنه كما تخرج الياقوت وهو ضربان: أحدهما أبيض شديد البياض يشبه البلّور يسمّى البلّوريّ لذلك والثاني يخالط بياضه صفرة فيصير كلون الزّجاج الفرعوني، ويعبر عنه: بالزيتي.
قال الكنديّ: والذي عاينته من هذا الحجر ما بين الخردلة إلى الجوزة ولم أر أعظم من ذلك.
ومن خواصه: أنه يقطع كل حجر يمرّ عليه وإذا وضع على سندال (1) حديد ودقّ بالمطرقة لم ينكسر، وغاص في وجه السندال والمطرقة وكسرهما، ولا يلتصق بشيء من الأجساد إلا هشم ويمحو النقوش التي في الأحجار كلّها وإنما يكسر بأحد طريقين: أحدهما أن يجعل داخل شيء من الشمع ويدخل في أنبوب قصب وينقر بمطرقة أو غيرها برفق بحيث لا يباشر جسمه الحديد، فينكسر حينئذ أو يجعل في أسربّ وهو الرّصاص ويفعل به ذلك فيكسر أيضا.
ومن خواصه: أن الذباب يشتهي أكله فما سقطت منه قطعة صغيرة إلا سقط عليها الذباب وابتلعها أو طار بها ومتى ابتلع منه الإنسان قطعة، ولو أصغر ما يكون حرقت أمعاءه وقتلته على الفور.
قال أرسطوطاليس: وبينه وبين الذهب محبة يتشبّث به حيث كان.
ومن خاصته: أن كلّ قطعة تؤخذ منه تكون ذات زوايا قائمة الرأس: ستّ
__________
(1) أي: السندان.(2/113)
زوايا وثمان زوايا وأكثر، وأقله: ثلاث زوايا، وإذا كسر لا ينكسر إلا مثلّثا، وبه يثقب الدرّ والياقوت والزّمرّد وغيرها من جميع ما لا يعمل فيه الحديد من الأحجار كما يثقب الحديد الخشب، بأن يركّب في رأس منقار حديد منه قطعة بقدر ما يراد من سعة الثّقب وضيقه ثم يثقب به، فيثقب بسرعة.
ومن منفعته فيما ذكره أرسطوطاليس: أن من كان به الحصاة الحادثة في المثانة في مجرى البول إذا أخذ حبة من هذا الحجر وألصقها في مرود (1) نحاس بمصطكى (2) إلصاقا محكما ثم أدخل المرود إلى الحصاة فإنها تثقبها.
قال أحمد بن أبي خالد (3): وبذلك عالجت وصيفا الخادم من حصاة أصابته وامتنع من الشق عليها بالحديد.
وقال ابن بوسطر: وإذا علّق على البطن من الخارج نفع من المغس (4)
الشديد، ومن فساد المعدة. وقيمته الوسطى فيما ذكره التيفاشي أنّ زنة قيراط منه بدينارين. ونقل عن الكنديّ: أن أغلى ما شاهد منه ببغداد المثقال بثمانين دينارا، وأرخص ما شاهد منه ببغداد أيضا المثقال بخمسة عشر دينارا وأنه إذا بدرت منه قطعة كبيرة تصلح لفصّ قدر نصف مثقال يضاعف ثمنها على ما هو قدر الخردلة أو الفلفلة ثلاثة أضعاف وأربعة وخمسة.
الصنف السادس الزّمرّد
يقال بالذال المعجمة والمهملة قال بلينوس: والزّمرّد ابتدأ لينعقد ياقوتا، وكان لونه أحمر إلا أنه لشدّة تكاثف الحمرة بعضها على بعض عرض له
__________
(1) المفصل والوتد. (الوسيط: 382).
(2) وهو شجر من فصيلة البطميات، ينبت في سواحل الشام وبعض الجبال المنخفضة ويستخرج منه علك معروف. ويقال له عند العامة: المستكا. (الوسيط: 873).
(3) هو نفسه ابن الجزار: انظر صفحة: 106.
(4) وفيه لغتان: مغس ومغص.(2/114)
السواد، وامتزجت الحمرة والسواد فصار لونه أخضر. ومعدنه الذي يتكوّن فيه في التخوم بين بلاد مصر والسودان خلف أسوان من بلاد الديار المصرية، يوجد في جبل هناك ممتدّ كالجسر فيه معادن.
قال في مسالك الأبصار: وبينه وبين قوص (1) ثمانية أيام بالسير المعتدل، ولا عمارة عنده ولا حوله ولا قريبا منه، والماء عنده على مسيرة نصف يوم أو أكثر في موضع يعرف بغدير أعين. فمنه ما يوجد قطعا صغارا كالحصى منبثة في تراب المعدن وهي الفصوص، وربما أصيب العرق منه متصلا فيقطع وهو القصب، وهو أجوده.
قال في مسالك الأبصار: وتلك العروق منبثة في حجر أبيض تستخرج منه بقطع الحجر. قال التيفاشي: ويوجد على بعضه تربة كالكحل الشديد السواد، وهو أشدّه خضرة وأكثره ماء. وقد ذكر المؤيد صاحب حماه في تاريخه: أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب رحمه الله لما استولى على قصر الفاطميين بعد موت العاضد (2)، وجد فيه قصبة من زمرّد طولها أربعة أذرع أو نحوها. وهو على ثلاثة أضرب:
الأوّل «الذّبابي»
وهو شديد الخضرة، لا يشوب خضرته شيء آخر من الألوان من صفرة ولا سواد ولا غيرهما، حسن الصّبغ، جيد المائية، شديد الشّعاع، ويسمّى: ذبابيّا، لمشابهة لونه في الخضرة لون كبار الذّباب الأخضر الربيعيّ وهو من أحسن الألوان خضرة وبصيصا.
قال في مسالك الأبصار: وهو أقلّ من القليل بل لا يكاد يوجد.
الثاني «الرّيحانيّ»
وهو مفتوح اللون، شبيه بلون ورق الرّيحان.
الثالث «السّلقيّ»
وخضرته أشبه شيء بلون السّلق.
__________
(1) مدينة كبيرة قصبة صعيد مصر، بينها وبين الفسطاط اثنا عشر يوما. (معجم البلدان: 4/ 413).
(2) آخر ملوك الدولة الفاطمية بمصر والمغرب. وفي أيامه قوي السلطان صلاح الدين وتولى وزارته وتصرف في شؤون الملك. مات العاضد مريضا سنة 567هـ. (الأعلام: 4/ 147).(2/115)
الرابع «الصابونيّ»
ولونه كلون الصابون الأخضر.
قال في «مسالك الأبصار»: وإذا استخرج الزّمرّد من المعدن جعل في زيت الكتّان ثم لفّ في قطن وصرّ في خرقة كتّان ونحوها ولم يزل العمل في هذا المعدن إلى أثناء الدّولة الناصرية محمد بن قلاوون فترك لكثرة كلفته.
وأفضل أنواعه وأشرفها: الذبابيّ، ويزداد حسنه بكبر الجرم واستواء القصبة، وعدم الاعوجاج فيها. ومن عيوب الذبابيّ: اختلاف الصّبغ بحيث يكون موضع منه مخالفا للموضع الآخر، وعدم الاستواء في الشكل، والتشعير، وهو شبه شقوق خفية إلا أنه لا يكاد يخلو منه، والرّخاوة، وخفة الوزن، وشدة الملاسة والصّقال والنّعومة، وزيادة الخضرة والمائية إذا ركب على البطانة، وهو ينحل بالنار ويتكلس فيها ولا يثبت ثبات الياقوت.
ومن خاصّيّة الذبابيّ التي امتاز بها عن سائر الأحجار: أن الأفاعيّ إذا نظرت إليه ووقع بصرها عليه انفقأت عيونها قال التيفاشي: وقد جربت ذلك في قطعة زمرّد ذبابيّ خالص فحصّلت أفعى وجعلتها في طشت وألصقته بشمع في رأس سهم وقرّبته من عينها فسمعت قعقعة خفية كما في قتل صؤابة (1)، فنظرت إلى عينيها فإذا هما قد برزتا على وجهها وضعفت حركتها وبهذه الخاصّة يمتحن الزّمرّد الخالص من غيره كما يمتحن الياقوت بالصّبر على النار.
ومن منافعه: أن من أدمن نظره أذهب عن بصره الكلال ومن تختم به دفع عنه داء الصّرع إذا كان قد لبسه قبل ذلك ومن أجل ذلك كانت الملوك تعلقه على أولادها وإذا كان في موضع لم تقر به ذوات السموم وإذا سحل منه وزن ثمان شعيرات وسقيته شارب السمّ قبل أن يعمل السم فيه، خلصته منه وإذا تختم به نفث الدم أو إسهاله منع من ذلك وإذا علّق على المعدة من خارج نفع من وجعها وشرب حكاكته ينفع من الجذام.
__________
(1) وهي بيضة القمل. جمعها: صؤاب وصئبان. (الوسيط: 504).(2/116)
وقيمة الذبابيّ الخالص في الحجر الذي زنته درهم: أربعة دنانير القيراط، ويتضاعف بحسب كبره، وينقص بحسب صغره إلا أنه لا ينقص بالصّغر نقص غيره من الأحجار، لوجود خاصيته في الكبير والصغير والمعوجّ والمستقيم. أما بقية أصناف الزّمرّد فإنه لا يعتدّ بها لعدم المنافع الموجودة في الذبابيّ.
الصنف السابع الزّبرجد
وهو حجر أخضر يتكوّن في معدن الزّمرّد ولذلك يظنه كثير من الناس نوعا منه إلا أنه أقلّ وجودا من الزّمرّد.
قال التّيفاشيّ: أما في هذا الزمان فإنه لا يوجد في المعدن أصلا، وإنما الموجود منه بأيدي الناس فصوص تستخرج بالنبش من الآثار القديمة بالإسكندرية وذكر أنه رأى منه فصّا في يد رجل أخبره أنه استخرجه من هنا لك، زنته درهم، لا يكاد البصر يقلع عنه لرقة مائه وحسن صفائه.
وأجوده: الأخضر المعتدل الخضرة، الحسن المائية، الرقيق المستشفّ، الذي ينفذه البصر بسرعة، ودونه الأخضر المفتوح اللون وليس فيه شيء من خواص الزّمرّد إلا أن إدمان النظر إليه يجلو البصر. وقيمة خالصه نصف درهم بدينار.
الصنف الثامن الفيروذج
وهو حجر نحاسيّ يتكون في معادن النّحاس من الأبخرة الصاعدة منها، إلا أنه لا يوجد في جميع معادن النّحاس، ومعدنه الذي يوجد فيه بنيسابور، ومنه يجلب إلى سائر البلدان، ومنه نوع آخر يوجد في نشاور (1) إلا أن النيسابوري خير منه.
__________
(1) هي نفسها نيسابور. قال ياقوت: «والعامة يسمونها «نشاوور» وهي مدينة عظيمة» (معجم البلدان:
5/ 331).(2/117)
وهو ضربان: بسحاقيّ (1) وخلنجيّ والخالص منه العتيق هو البسحاقيّ.
وأجوده: الأزرق الصافي اللون، المشرق الصفاء، الشديد الصّقالة، المستوي الصّبغ وأكثر ما يكون فصوصا وذكر الكنديّ أنه رأى منه حجرا زنته أوقية ونصف.
ومن خاصته: أنه يصفو بصفاء الجوّ ويكدر بكدرته وإذا مسه الدّهن أذهب حسنه وغيّر لونه والعرق يطفىء لونه، والمسك إذا باشره أفسده وأذهب حسنه وإذا وضع الفصّ الجيد منه إلى جانب ما هو دونه في الجودة أذهب بهجته وإذا وضع إلى جانب الدّهنج (2) غلب الدهنج على لونه فأذهب بهجته، ولو كان الفصّ الفيروزج في غاية الحسن والجودة.
ومن منافعه: أنه يجلو «البصر بالنظر إليه وإذا سحق وشرب نفع من لدغ العقارب. وقيمته تختلف باختلاف الجودة اختلافا كثيرا، فربما كان الفصّان منه زنتهما واحدة وثمن أحدهما دينار وثمن الآخر درهم.
وبالجملة: فالخلنجيّ الجيد على النصف من البسحاقي الجيد.
قال التيفاشيّ: وأهل المغرب أكثر الناس له طلبا وأشدّهم في ثمنه مغالاة، وربّما بلغوا بالفصّ منه عشرة دنانير مغربية، ويحرصون على التختم به، وربما زعموا أنه يدخل في أعمال الكيمياء.
الصنف التاسع الدّهنج
وقد ذكر أرسطوطاليس: أنه أيضا حجر نحاسيّ يتكوّن في معادن النحاس يرتفع من أبخرتها وينعقد، لكنه لا يوجد في جميع معادن كرمان وسجستان من بلاد
__________
(1) في مفردات ابن البيطار: «سنجابي» ولعل ما في الأصل تصحيف. (حاشية الطبعة الأميرية 2/ 111).
(2) انظر الصفحة التالية.(2/118)
فارس. قال: ومنه ما يؤتى به من غار بني سليم من برية المغرب، في مواضع أخرى كثيرة.
وأجود أنواعه أربعة: وهي الإفرنديّ (1)، والهنديّ، والكرمانيّ، والكركيّ وأجوده في الجملة الأخضر المشبع الخضرة، الشبيه اللون بالزّمرّد، معرّق بخضرة حسنة، فيه أهلّة، وعيون بعضها من بعض حسان، وأن يكون صلبا أملس يقبل الصّقالة.
ومن خاصته في نفسه: أن فيه رخاوة بحيث أنه إذا صنع منه آنية أو نصب للسكاكين ومرت عليه أعداد سنين، ذهب نوره لرخاوته وانحل، ولذلك إذا حكّ انحك سريعا، وإذا خرط خرزا أو أواني أو غير ذلك كان في خرطه سهولة، وإذا نقع في الزيت اشتدت خضرته وحسن، فإن غفل عنه حتّى يطول لبثه في الزيت مال إلى السواد.
ومن منافعه: أنه إذا مسح به على مواضع لدغ العقرب سكنه بعض السكون، وإذا سحق منه شيء وأذيب بالخل ودلك به موضع القوبة (2) الحادثة من المرّة (3) السوداء أذهبها.
ومن عجيب خواصّه أنه إذا سقي من سحالته شارب سمّ نفعه بعض النفع وإن شرب منه من لم يشرب سمّا كان سمّا مفرطا ينفّط (4) الأمعاء، ويلهب البدن،
__________
(1) ورد في الصفحة التالية: «الأفريدي». ولعل المقصود الإفرنسي.
(2) القوبة أو القوباء: داء في الجسد يتقشر منه الجلد وينجرد منه الشعر. (اللسان: 1/ 693والوسيط:
765).
(3) أي المزاج السوداوي. وكان القدماء يعتقدون أن المزاج ينشأ عن أن يتغلب في الجسم أحد العناصر الأربعة وهي: الدم والصفراء والسوداء والبلغم ومن ثم كانوا يقولون بأربعة أمزجة هي: الدموي والصفراوي والسوداوي والبلغمي. أما المحدثون من علماء النفس فيوافقون القدماء على أن الأمزجة ترجع إلى مؤثرات جثمانية ولكنهم يخالفون في عدد الأمزجة وأسمائها (راجع:
المعجم الوسيط: 866).
(4) أي: يحرق، من النفط.(2/119)
ويحدث فيه سمّا (1) لا يبرأ سريعا، لا سيما إذا حكّ بحديدة، ومن أمسكه في فيه ومصه أضرّ به. وقيمته أن الأفريديّ (2) الخالص منه كل مثقال بمثقالين من الذهب، ويوجد منه فصوص وغيرها. وقد ذكر يعقوب بن إسحاق الكنديّ: أنه رأى منه صحفة تسع ثلاثين رطلا.
الصنف العاشر البلّور
قال بلينوس: وهو حجر بورقيّ (3) وأصله اليوقوتية (4) إلا أنه قعدت به أعراض عن بلوغ رتبة الياقوت وقد اختلف أصحابنا الشافعية رحمهم الله في نفاسته على وجهين: أصحهما أنه من الجوهر النفيس كالياقوت ونحوه والثاني أنه ليس بنفيس لأن نفاسته في صنعته لا في جوهره.
ويوجد بأماكن، منها برّية العرب من أرض الحجاز وهو أجوده، ومنه ما يؤتى به من الصين وهو دونه، ومنه ما يكون ببلاد الفرنجة وهو في غاية الجودة ومنه معادن توجد بأرمينية تميل إلى الصفرة الزجاجية.
وقد ذكر التيفاشيّ: أنه ظهر في زمنه معدن منه بالقرب من مرّاكش من المغرب الأقصى إلا أن فيه تشعيرا، وكثر عندهم حتّى فرش منه لملك المغرب مجلس كبير، أرضا وحيطانا، ونقل عن بعض التّجّار: أن بالقرب من غزنة من بلاد الهند على مسيرة ثلاثة عشر يوما منها بينها وبين كاشغر جبلين من بلور خالص مطلّين على واد بينهما، وأنه يقطع في الليل لتأثير شعاعه إذا طلعت عليه الشمس بالنهار في الأعين.
__________
(1) في مفردات ابن البيطار: «بترا» وهي أوضح.
(2) وردت في الصفحة السابقة «الإفرندي».
(3) البورق ملح متبلور من الصوديوم والبورون والأوكسجين يستخدم في صنع الزجاج وتزجيج الخزف.
(الموسوعة العربية الميسرة: 430).
(4) وردت عدة مرات «الياقوتية» ولعلها المقصودة.(2/120)
وأجوده: أصفاه وأنقاه وأشفّه وأبيضه وأسلمه من التشعير فإن كان مع ذلك كبير الجرم آنية أو غيرها كان غاية في نوعه.
وقد ذكر الكندي: أن في البلور قطعا تخرج كل قطعة منه من المعدن أكبر من مائة منّ (1). ونقل التيفاشيّ: أنه كان بقصر شهاب الدين الغوري صاحب غزة (2) أربع خواب للماء كلّ خابية تسع ثلاث روايا ماء على محامل من بلور، كل محمل ما بين ثلاثة قناطير إلى أربعة وذكر أيضا أنه رأى منه صورة ديك مخروط من صنعة الفرنج إذا صبّ فيه الشراب ظهر لونه في أظفار الديك.
ومن خاصّته: ما ذكره أوفرسطس الحكيم أنه يذوب بالنار كما يذوب الزجاج، ويقبل الصّبغ.
ومن خاصته أيضا: أنه إذا استقبل به الشمس ووجه موضع الشعاع الذي يخرج منه إلى خرقة سوداء احترقت وظهر فيها النار.
ومن منافعه: أن من تختم به أو علقه عليه لم ير منام سوء. وقيمته تختلف بحسب كبر آنيته وصغرها وإحكام صنعتها.
قال التيفاشي: وبالجملة فالقطعة التي تحمل (3) منه رطلا إذا كانت شديدة الصّفاء سالمة من التشعير، تساوي عشرة دنانير مصرية.
الصنف الحادي عشر المرجان
وهو حجر أحمر في صورة الأحجار المتشعبة الأغصان ومعدنه الذي
__________
(1) المنّ: معيار قديم قدره رطلان بغداديان. والرطل عندهم أثنتا عشر أوقية بأواقيهم. (الوسيط:
889).
(2) في فوات الوفيات: «الملك شهاب الدين الغوري، «صاحب غزنة» وغزنة مدينة عظيمة في طرف خراسان. (فوات الوفيات: 1/ 66ومعجم البلدان: 4/ 201).
(3) مراده: تزن. وهو هنا يستعمل بعض لغات العامة على عادته.(2/121)
يتكوّن فيه بموضع من بحر القلزم بساحل إفريقيّة، يعرف بمرسى الخرز، ينبت بقاعه كما ينبت النبات، وتعمل له شباك (1) قوية مثقّلة بالرّصاص، وتدار عليه حتّى يلتفّ فيها، ويجذب جذبا عنيفا فيطلع فيها المرجان. وربما وجد ببعض بلاد الفرنجة إلا أن الأكبر والأكثر والأحسن بمرسى الخرز ومنه يجلب إلى بلاد المشرق.
ولأهل الهند فيه رغبة عظيمة وإذا استخرج حك على مسنّ الماء ويجلى بالسّنباذج (2) المعجون بالماء على رخامة فيظهر لونه ويحسن ويثقب بالفولاذ أو الحديد المسقى.
وأجوده ما عظم جرمه، واستوت قصباته، واشتدت حمرته، وسلم من التسويس وهو خروق توجد في باطنه حتّى ربما كان منه شيء خاو كالعظم وأردؤه: ما مال منه إلى البياض أو كثرت عقده وكان فيه تشطيب، ولا سبيل إلى سلامته من العقد لوجود التشعب فيه فإن اتفق أن تقع منه قطعة مصمتة مستوية لا عقد فيها ولا تشطيب كانت في نهاية الجودة.
وقد يوجد منه قطع كبار فتحمل إلى صاحب إفريقيّة فيعمل له منها دويّ وأنصبة سكاكين.
قال التيفاشيّ: رأيت منها محبرة طول شبر ونصف، في عرض ثلاث أصابع، وارتفاع مثلها بغطائها، في غاية الحمرة وصفاء اللون. وقد ذكر ابن الطوير في تاريخ الدّولة الفاطمية بالديار المصرية وترتيبها: أنه كان لخلفاء الفاطميين دواة من المرجان تحمل مع الخليفة إذا ركب في المواكب العظام أمام راكب على فرس، كما سيأتي ذكره في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية فيما بعد إن شاء الله تعالى.
__________
(1) ذكر ياقوت طريقة أخرى لاستخراج المرجان. راجع معجم البلدان: 5/ 106.
(2) حجر يجلو به الصيقلي السيوف، وتجلى به الأسنان. (القاموس: 1/ 202).(2/122)
ومن خاصته في نفسه: أنه إذا ألقي في الخل لان وابيضّ، وان طال مكثه فيه انحلّ، وإذا اتخذ منه خاتم أو غيره ولبّس جميعه بالشمع ثم نقش في الشمع بإبرة بحيث ينكشف جرم المرجان وجعل في خل الخمر الحاذق يوما وليلة أو يومين وليلتين ثم أخرج وأزيل عنه الشمع ظهرت الكتابة فيه حفرا بتأثير الخل فيه، وبقية الخاتم على حاله لم يتغير.
قال التيفاشيّ: وقد جر بنا ذلك مرارا. ومتى ألقي في الدهن ظهرت حمرته وأشرق لونها.
ومن منافعه فيما ذكره الإسكندر (1): أنه إذا علق على المصروع أو من به النّقرس (2) نفعه وإن أحرق واستنّ به زاد في بياض الأسنان وقلع الحفر منها وقوّى اللّثّة وطريق إحراقه أن يجعل في كوز فخار ويطيّن رأسه ويوضع في تنّور ليلة. وإذا سحق وشربه من به عسر البول نفعه ذلك ويحلل أورام الطحال بشربه وإذا علق على المعدة نفع من جميع عللها كما في الزّمرّد وإذا أحرق على ما تقدّم وشرب منه ثلاثة دوانق مع دانق (3) ونصف صمغ عربيّ ببياض البيض وشرب بماء بارد نفع من نفث الدم.
قال التيفاشيّ: وقيمته بإفريقية غشيما الرطل المصريّ من خمسة دنانير إلى سبعة مغربية، وهي بقدر دينارين إلى ما يقار بهما من الذهب المصري،
__________
(1) لعل المقصود الإسكندر الأفروديسي، نسبة إلى أفروديسيا بآسيا الصغرى. وهو فيلسوف يوناني من أكبر شراح أرسطو. علم الفلسفة بأثينا بين سنتي 198و 211للميلاد. (الموسوعة العربية الميسرة: 151).
(2) داء يتميز بحدوث نوبات حادة من التهاب المفاصل ويقترن بازدياد كمية حمض البوليك في الدم وسببه غير معروف. (المرجع السابق: 1844).
(3) في الفارسية: «دانه» ومعناها: «حبة» استعمله العرب في الجاهلية للدلالة على وزن قدره ثمان حبات من الشعير تقريبا. ثم استعمل في العصر الإسلامي وزنا ثقله عشر حبات من الشعير. والدانق كما حسبه صبحي الصالح يساوي 495، 0غراما. (الموسوعة العربية الميسرة: 778والنظم الإسلامية: 428).(2/123)
وبالإسكندرية على ضعفي ذلك وثلاثة أضعافه، ومن الإسكندرية يحمل إلى سائر البلاد ويختلف سعره بحسب قرب البلاد وبعدها، وقلّته، وكثرته، وصغره، وجودته، ورداءته، وحسن صنعته.
الصنف الثاني عشر البادزهر الحيوانيّ
وهو حجر خفيف هشّ. وأصل تكوّنه في الحيوان المعروف بالأيّل بتخوم الصين وإن هذا الحيوان هناك يأكل الحيات، قد اعتاد ذلك غذاء له، فيحدث عن ذلك وجود هذا الحجر منه على ما سيأتي بيانه وقد اختلف الناس في أيّ موضع يكون من هذا الحيوان، فقيل: إنه يتكوّن في مآقي عينيه من الدموع التي تسقط من عينيه عند أكل الحيات، ويتربّى الحجر حتّى يكبر فيحتكّ فيسقط عنه وقيل: يكون في قلبه فيصاد لأجله ويذبح ويستخرج منه وقيل: في مرارته.
قال أرسطاطاليس: وله ألوان كثيرة منها: الأصفر والأغبر المشرب بالحمرة والمشرب بالبياض. وأعظم ما يوجد منه من مثقال (1) إلى ثلاثة مثاقيل.
وأجوده: الخالص الأصفر الخفيف الهشّ، ويستدلّ على خلوصه بكونه ذا طبقات رقاق متراكبة كما في اللؤلؤ، وبه نقط خفية سود، وأن يكون أبيض المحكّ مرّ المذاق.
قال التيفاشيّ: وكثيرا ما يغشّ فتصنع حجارة صغار مطبقة من أشياء مجموعة تشبه شكل البادزهر الحيوانيّ، ولكنها تتميّز عن البادزهر الحقيقيّ بأن المصنوع أغبر كمد اللون ساذج غير منقط والبادزهر الحقيقيّ الخالص: أصفر أو أغبر بصفرة فيه نقط صغار كالنّمش، وطبقاته أرقّ من طبقات المصنوع بكثير، وهو أحسن من المصنوع وأهش ومحكّه أبيض.
__________
(1) ويساوي اثنتين وسبعين حبّة من الشعير المعتدل. ووزن الحبة الواحدة: 059، 0غراما. (النظم الإسلامية: 427).(2/124)
ومن خاصته في نفسه: أن احتكاكه بالأجسام الخشنة يخشّنه ويغيّر لونه وسائر صفاته حتّى لا يكاد يعرف. وقد ذكر التيفاشي: أنه كان معه حجر منه، فجعله مع ذهب في كيس وسافر به فاحتك بالذهب فتغير لونه ونقص وزنه حتّى ظنّ أنه غيّر عليه وأنه ربطه بعد ذلك في خرقة وتركه أياما فعاد في الصفة إلى ما كان، إلا أنه بقي على نقص ما ذهب منه.
ومن منافعه: دفع السموم القاتلة وغير القاتلة، حارّة كانت أو باردة، من حيوان كانت أو من نبات، وأنه ينفع من عضّ الهوامّ ونهشها ولدغها، وليس في جميع الأحجار ما يقوم مقامه في دفع السموم. وقد قيل: إن معنى لفظ بادزهر:
النافي للسم فإذا شرب منه المسموم من ثلاث شعيرات إلى اثنتي عشرة شعيرة مسحوقة أو مسحولة أو محكوكة على المبرد بزيت الزيتون أو بالماء أخرج السم من جسد بالعرق، وخلصه من الموت. وإذا سحق وذرّ على موضع النهشة جذب السم إلى خارج وأبطل فعله.
قال ابن جمع (1): وإن حكّ منه على مسنّ في كل يوم وزن نصف دانق وسقيته الصحيح على طريق الاستعداد والاحتياط قاوم السموم القتّالة ولم تخش له غائلة ولا إثارة خلط. ومن تختم منه بوزن اثنتي عشرة شعيرة في فصّ خاتم ثم وضع ذلك الفص على موضع اللدغة من العقارب وسائر الهوامّ ذوات السموم نفع منها نفعا بيّنا، وان وضع على فم الملدوغ أو من سقي سمّا نفعه.
قلت: هذه هي الأحجار النفيسة الملوكية التي تلتفت الملوك اليها وتعتني بشأنها، أما غيرها من الأحجار كالبنفش، والعقيق، والجزع (2)، والمغناطيس،
__________
(1) لعله: «ابن جميع» وهو أبو العشائر الإسرائيلي: الطبيب المصري المتوفى سنة 594هـ. (الأعلام:
8/ 72).
(2) ضرب من العقيق يعرف بخطوط متوازية مستديرة مختلفة الألوان. (الوسيط: 121).(2/125)
واليشم (1)، والسبج (2)، واللّازورد، وغيرها مما ذكره المصنفون في الأحجار فلا اعتداد به ولا نظر إليه ولذلك أهملت ذكره.
النوع السادس نفيس الطيب
ويحتاج الكاتب إلى وصفه عند وصوله في هديّة وما يجري مجرى ذلك والمعتبر منه أربعة أصناف:
الصنف الأوّل المسك
وهو أجلّها. قال محمد بن أحمد التميميّ المقدسي في كتابه «طيب العروس» (3): وأصل المسك من دابة ذات أربع، أشبه شيء بالظبي الصغير قيل: لها قرن واحد، وقيل: قرنان، غير أن له نابين رقيقين أبيضين في فكه الأسفل خارجين من فيه، قائمين في وجهه كالخنزير.
قال بعص أهل المعرفة بالمسك: وهو فضل دمويّ يجتمع من جسمها إلى سرتها، بمنزلة المواد التي تنصبّ إلى الأعضاء في كل سنة في وقت معلوم، فيقع الورم في سرّتها ويجتمع إليها دم غليظ أسود فيشتدّ وجعها حتّى تمسك عن الرّعي وورود المياه حتّى يسقط عنها.
ثم قيل: إن تلك الظباء تصاد وتذبح وتؤخذ سررها بما عليها من الشعر،
__________
(1) اليشم، بسكون الشين، مصطلح عام يشمل مجموعة من المعادن الصلدة التي تتدرج ألوانها من الأبيض إلى الأخضر الداكن. (الوسيط: 1065).
(2) السبج، بفتح الباء، خرز أسود. (الوسيط: 412).
(3) في كشف الظنون: «حبيب العروس وريحان النفوس» للمقدسي التميمي المتوفى في حدود سنة 370هـ. (كشف الظنون: 3/ 392).(2/126)
والمسك فيها دم عبيط (1) وهي النوافج فإن كانت النافجة (2) كثيرة الدم اكتفي بما فيها، وإن كانت واسعة قليلة الدم زيد فيها من غيرها، ويصب فيها الرصاص المذاب وتحاط بالخوص وتعلق في حلق مستراح أربعين يوما، ثم تخرج وتعلق في موضع آخر حتّى يتكامل جفافها وتشتد رائحتها، ثم تصيّر النوافج في مزاود صغار وتخيطها التّجّار وتحملها، وقيل: إنه يبنى لهذه الظباء حين يعرض لها هذا العارض بناء كالمنارة في طول عظم الذراع لتأتي الظباء فتحك سررها بذلك البناء فتسقط النوافج، حتّى إنه يوجد في تلك المراغة ألوف من النوافج ما بين رطب وجامد.
ثم قيل: إن هذه الظباء توجد بمفازات بين الصين وبين التّبّت (3) والصّغد (4)
من بلاد الترك وإن أهل التّبّت يلتقطون ما قرب إليهم، وقد قيل: إن المسك يحمل إلى التّبّت من أرض بينها وبين التّبّت مسيرة شهرين.
وبالجملة فإنه تختلف أسماء أنواعه باختلاف الأماكن التي ينسب إليها إما باعتبار أصل وجوده فيها، وإما باعتبار مصيره إليها.
وأجوده في الجملة: ما طاب مرعى ظبيه ومرعى ظبيه ومرعى ظبائه النبات الذي يتخذ منه الطيب كالسنبل ونحوه ولا يخفى أن بعض نبات الطيب أطيب رائحة من بعض، حتّى يقال إن منه ما رائحته كرائحة المسك. وقيل أجوده: ما كمل في الظبي قبل بينونته عنه.
__________
(1) الدم العبيط: الطريّ. (اللسان: 7/ 342).
(2) وعاء المسك معرّب. وهو أيضا مؤخر الضلوع. (اللسان: 2/ 382والقاموس: 1/ 217).
(3) أو التيبت: جنوبي الصين. وقال «برتولد» يظهر أن جغرافيّي العرب قد فهموا بوجه عام أن التّبت هي بلاد التّبت الصغرى أو بلتستان. وفي إشارات العرب عن «التّبت» الكثير من الأساطير. (دائرة المعارف الإسلامية: 9/ 169).
(4) في معجم البلدان: 3/ 409 «كورة عجيبة قصبتها سمرقند، وقيل: هما صغدان، صغد سمرقند وصغد بخارى.» وقال في الروض المعطار: 362 «الصغد بين بخارى وسمرقند، وهم رهط من الترك».(2/127)
وقال أحمد بن يعقوب: وأجود المسك في الرائحة والنظر ما كان تفّاحيّا تشبه رائحته رائحة التفاح اللّبنانيّ، وكان لونه يغلب عليه الصّفرة، ومقاديره وسطا بين الجلال والرّقاق، ثم ما هو أشدّ سوادا منه إلا أنه يقاربه في الرأي والمنظر، ثم ما هو أشدّ سوادا منه، وهو أدناه، قدرا وقيمة. قال وبلغني عن تجّار الهند: أن من المسك صنفين آخرين يتّخذان من نبات أرض: أحدهما لا يفسد بطول المكث، والثاني يفسد بطول المكث والمشهور منه عشرة أصناف.
ونحن نوردها على ترتيبها في الفضل مقدّما منها في الذكر الأفضل فالأفضل على ما رتّبه أحمد:
الأوّل: التّبّتي
وهو ما حمله التّجار من التّبّت إلى خراسان على الظهر لطيب مرعاه وحمله في البر دون البحر.
الثاني: الصّغديّ
وهو ما حمل من الصّغد من بلاد التّرك على الظهر إلى خراسان.
الثالث: الصّينيّ
وإنما نقصت رتبته لأن مرعاه في الطّيب دون مرعى التّبّتيّ، ولما يلحقه من عفونة هواء البحر بطول مكثه فيه. وأفضل الصينيّ: ما يؤتى به من خانفو (1) وهي مدينة الصين العظمى، وبها ترسو مراكب تجار المسلمين، ومنها يحمل في البحر إلى بحر فارس فإذا قرب من بلد الأبلّة ارتفعت رائحته وإذا خرج من المركب جادت رائحته وذهبت عنه رائحة البحر.
الرابع: الهندي
وهو ما يحمل من التّبّت إلى الهند ثم يحمل إلى الدّبيل (2)
ثم يحمل في البحر إلى سيراف (3) من بلاد العجم، وعمان من البحرين، وعدن
__________
(1) في حاشية الروض المعطار: ص 210: وردت في مروج الذهب باسم: «خانقو» بالقاف المثناة، ويرجّح بعضهم أنها «كنتون».
(2) من مدن الشام، كما جاء في معجم البلدان ومعجم ما استعجم. وقد وهم في الروض المعطار فقال انها مدينة بالسند على ساحل البحر، فخلط بينها وبين «الديبل» بضم الباء وهي مدينة على ساحل بحر الهند.
(3) مدينة على ساحل بحر فارس، كانت قديما فرضة الهند. (معجم البلدان: 3/ 294).(2/128)
من اليمن، وغيرها من النواحي وسبب انحطاط رتبته عن الصينيّ وإن كان من جنس التّبّتى مع أنه أقرب مسافة من الصينيّ ما ذكره المسعوديّ: أنه إذا حمل إلى الهند أخذه كفرة الهند فلطّخوه على أصنامهم من العام إلى العام ثم يبدّلونه بغيره ويبيعه سدنة الأصنام، فبطول مكثه على الأصنام تضعف رائحته على أن محمد بن العباس قد فضّل الهنديّ على الصيني لقرب مسافة حمله في البحر.
الخامس: القنباري
ويؤتى به من بلد تسمّى قنبار بين الصين والتّبّت.
قال أحمد بن يعقوب: وهو مسك جيد إلا أنه دون التبتي في القيمة، والجوهر، واللون، والرائحة. قال: وربما غالطوا به فنسبوه إلى التبتي.
السادس: الطّغرغزيّ
وهو مسك رزين يضرب إلى السّواد، يؤتى به من أرض الترك الطغرغز (1) وهم التتر وهو بطيء السحق، ولا يسلم من الخشونة إلا أنهم ربما غالطوا به أيضا.
السابع: القصاري
ويؤتى به من بلد يقال لها القصار بين الهند والصين.
قال ابن يعقوب: وقد يلحق بالصينيّ إلا أنه دونه في الجوهر والرائحة والقيمة.
الثامن: الجزيري
وهو مسك أصفر حسن الرائحة، يشابه التبّتيّ إلا أن فيه زعارة (2).
التاسع: الجبليّ
وهو مسك يؤتى به من السّند من أرض الموليان، وهو كبير النوافج حسن اللّون إلا أنه ضعيف الرائحة.
__________
(1) هم شعب تركي وهذا الاسم ينطق ويرسم على وجوه مختلفة، منها «الطغزغز» بزائين معجمتين ويتفق ما ذكره العرب عن مواطنهم مع الروايات الصينية ما ذكره المسلمون المتأخرون عن «الأويغور». وفي المصادر الصينية أن «الأويغور» تسع قبائل. والرأي الذي يأخذ به كثير من العلماء هو أن العرب قد أطلقوا كلمة «ظغزغز» على «الأويغور» دون غيرهم. (راجع دائرة المعارف الإسلامية: 9/ 386وما بعدها).
(2) في المعاجم التي بين أيدينا يأتي هذا اللفظ بمعنى شراسة الخلق.(2/129)
العاشر: العصماري
وهو أضعف أصناف المسك كلها وأدناها قيمة، يخرج من النافجة التي زنتها أوقية زنة درهم واحد من المسك.
قلت: أمّا المسك الداريّ فإنه منسوب إلى دارين، وهي جزيرة في بحر فارس معدودة من بلاد البحرين ترسو إليها مراكب تجّار الهند، ويحمل منها إلى الأقطار، وليست بمعدن للمسك.
الصنف الثاني العنبر
قال محمد بن أحمد التميمي: والأصل الصحيح فيه أنه ينبع من صخور وعيون في الأرض، يجتمع في قرار البحر، فإذا تكاثف اجتذبته الدّهانة التي هي فيه على اقتطافه من موضعه الذي تعلّق به، وطفا على وجه الماء وهو حارّ ذائب فتقطّعه الريح وأمواج البحر قطعا كبارا وصغارا فترمي به الريح إلى السواحل، لا يستطيع أحد أن يدنو منه لشدّة حره وفورانه، فإذا أقام أياما وضربه الهواء جمد، فيجمعه أهل السواحل.
قال أحمد بن يعقوب: وربما ابتلعته سمكة عظيمة يقال لها: أكيال، وهو فائر فلا يستقرّ في جوفها حتّى تموت فتطفو ويطرحها البحر إلى الساحل فيشقّ جوفها ويستخرج منها ويسمّى: العنبر السّمكيّ، والعنبر المبلوع.
قال التميمي: وهو في لونه شبيه بالنار، رديء في الطيب للسّهوكة (1) التي يكتسبها من السمك. قال: وربما طرح البحر القطعة العنبر فيبصرها طائر أسود كالخطّاف فيرفرف عليها بجناحيه، فإذا سقط عليها ليختطف بمنقاره منها تعلّق منقاره ومخاليبه بها فيموت ويبلى ويبقى منقاره ومخاليبه فيها، ويعرف: بالعنبر المناقيريّ.
__________
(1) السّهك والسّهكه هي قبح رائحة اللحم إذا خنز، وريح كريهة تجدها في الإنسان إذا عرق ولعل الصيغة هنا من استعمالات العامة. (راجع اللسان: 10/ 445).(2/130)
قال التميمي: ولأهل سواحل البحر التي يوجد بها العنبر نجب يركبونها مؤدّبة تعرف العنبر، يسيرون عليها في ليالي القمر على شاطىء البحر، فإذا رأت العنبر وقد نام راكبها أو غفل بركت بصاحبها حتّى ينزل عنها فيأخذه.
قال التميمي: وألوان العنبر مختلفة، منها: الأبيض، وهو الأشهب، والأزرق، والرّمادي، والجزازي، وهو الأبرش، والصفايح وهو الأحمر وهما أدنى العنبر قدرا. قال: وأفضل العنبر وأجوده ما جمع قوّة رائحة وذكاء بغير زعارة.
قال أحمد بن يعقوب: وأنواع العنبر كثيرة، وأصنافه مختلفة، ومعادنه متباينة، وهو يتفاضل بمعادنه وبجوهره والذي وقفت على ذكره منه ستة أضرب:
الأوّل: الشّحريّ
وهو ما يقذفه بحر الهند إلى ساحل الشّحر من أرض اليمن. قال: وهو أجود أنواع العنبر، وأرفعه، وأفضله وأحسنه لونا، وأصفاه جوهرا وأغلاه قيمة.
الثاني: الزّنجيّ
وهو ما يقذفه بحر البربر الآخذ من بحر الهند في جهة الجنوب إلى سواحل الزّنج وما والاها.
قال التميمي: وزعم الحسين بن يزيد السيرافيّ أنه أجود العنبر وأفضله، ويؤتى به منها إلى عدن، ولونه البياض.
الثالث: السلاهطي
قال التميمي: وأجوده الأزرق الدّسم الكثير الدّهن، وهو الذي يستعمل في الغوالي.
الرابع: القاقلّيّ
وهو ما يؤتى به من بحر قاقلّة من بلاد الهند إلى عدن من بلاد اليمن، وهو أشهب جيد الريح، حسن المنظر خفيف، وفيه يبس يسير، وهو دون السلاهطي لا يصلح للغوالي إلا عن ضرورة وهو صالح للذرائر والمكلّسات.
الخامس: الهندي
وهو ما يؤتى به من سواحل الهند الداخلة، ويحمل إلى البصرة وغيرها ومنه نوع يؤتى به من الهند يسمّى: الكرك بالوس، يأتون به إلى
قرب عمان تشتريه منهم أصحاب المراكب.(2/131)
وهو ما يؤتى به من سواحل الهند الداخلة، ويحمل إلى البصرة وغيرها ومنه نوع يؤتى به من الهند يسمّى: الكرك بالوس، يأتون به إلى
قرب عمان تشتريه منهم أصحاب المراكب.
السادس: المغربيّ
وهو ما يؤتى به من بحر الأندلس فتحمله التّجار إلى مصر وهو أردأ الأنواع كلّها، وهو شبيه في لونه بالعنبر الشّحريّ. قال التميمي: ويغالط به فيه.
قال التميمي: ومن العنبر صنف يعرف بالنّدّ ونقل عن جماعة من أهل المعرفة أن دابة تخرج من البحر شبيهة ببقر الوحش فتلقيه من دبرها فيؤخذ وهو ليّن يمتدّ، فما كان منه عذب الرائحة حسن الجوهر فهو أفضله وأجوده. قال: وهو أصناف: أحدها الشّحريّ وهو أسود فيه صفرة، يخضب اليد إذا لمس، ورائحته كرائحة العنبر اليابس، إلا أنه لا بقاء له على النار، وإنما يستعمل في الغوالي إذا عزّ العنبر السلاهطي. ومنه: الزّنجيّ وهو نظير الشّحريّ في المنظر ودونه في الرائحة وهو أسود بغير صفرة. ومنه: الخمريّ وهو يخضب اليد وأصول الشعر خضبا جيدا، ولا ينفع في الطيب.
قلت: أمّا المعروف في زماننا بالعنبر مما يلبسه (1) النساء فإنما يقال له:
النّد، وفيه جزء من العنبر، قال في نهاية الأرب (2): وهو على ثلاثة أضرب:
الأوّل: المثلّث وهو أجودها وأعطرها، وهو يركّب من ثلاثة أجزاء: جزء من العنبر الطيّب، وجزء من العود الهنديّ الطيب، وجزء من المسك الطيّب.
الثاني وهو دونه أن يجعل فيه من العنبر الخام الطّيب عشرة مثاقيل، ومن النّدّ العتيق الجيد عشرة مثاقيل، ومن العود الجيد عشرون مثقالا.
الثالث وهو أدناها أن يؤخذ لكل عشرة مثاقيل من الخام عشرة مثاقيل من النّدّ العتيق وثلاثون مثقالا من العود، ومن المسك ما أحب.
__________
(1) مراده باللبس: الاستعمال.
(2) «نهاية الأرب في فنون الأدب» للنويري المتوفى سنة 732هـ. (كشف الظنون: 1985).(2/132)
الصنف الثالث العود
قال التميميّ: أخبرني أبي عن جماعة من أهل المعرفة أنه شجر عظام تنبت ببلاد الهند، فمنه ما يجلب من أرض قشمير (1) الداخلة من أرض سرنديب، ومن قمار (2)، وما اتّصل بتلك النواحي وأنه لا تصير له رائحة إلا بعد أن يعتق ويقشّر فإذا قشر وجفف حمل إلى النواحي حينئذ.
قال: وأخبرني بعض العلماء به أنه لا يكون إلا من قلب الشجرة، بخلاف ما قارب القشر كما في الآبنوس والعنّاب ونحوهما من الأشجار التي داخلها فيه دهانة، وما في خارجها خشب أبيض وأنه يقطع ويقلع ظاهره من الخشب الأبيض، ويدفن في التراب سنين حتّى تأكل الأرض ما داخله من الخشب ويبقى العود لا تؤثر فيه الأرض.
وحكى محمد بن العباس: أنه يكون في أودية بين جبال شاهقة، لا وصول لأحد إليها لصعوبة مسلكها، فيتكسر بعض أشجاره أو يتعفّن بكثرة السيول لممرّ الأزمان، فتأكل الأرض ما فيه من الخشب ويبقى صميم العود وخالصه فتجرّه السيول وتخرجه من الأودية إلى البحر فتقذفه الأمواج إلى السواحل، فيلتقطه أهل السواحل ويجمعونه فيبيعونه.
ويقال: إنه يأتي به قوم في المراكب إلى ساحل الهند فيقفون على البعد بحيث لا ترى أشخاصهم، ثم يطلعون ليلا فيضعونه بفرضة تلك البلاد، ويخرج أهل البلد نهارا فيضعون بإزائه بضائع ويتركونها إلى الليل، فيأتي أصحاب العود فمن أعجبه ما بإزاء متاعه أخذه وإلا تركه، فيزيدونه حتّى يعجبه فيأخذه، كما
__________
(1) وهي: كشمير.
(2) قال في معجم البلدان: «قمار أو قامرون: موضع في بلاد الهند، يعرف منه العود النهاية في الجودة».(2/133)
يحكى في السّمّور وغيره في ساكني أقصى الشّمال.
وأجود العود ما كان صلبا، رزينا، ظاهر الرّطوبة، كثير المائية والدّهنية، الذي له صبر على النار، وغليان، وبقاء في الثياب.
أمّا اللون فأفضله: الأسود، والأزرق الذي لا بياض فيه، ثم منهم من يفضل الأسود على الأزرق، ومنهم من يفضل الأزرق على الأسود.
وهو على ثمانية عشر ضربا:
الأوّل: المندليّ
نسبة إلى معدنه، وهو مكان يقال له: المندل من بلاد الهند.
قال محمد بن العباس الخشيكي: وهو أرفع أنواع العود وأفضلها وأجودها وأبقاها على النار وأعبقها بالثياب على أن التّجّار لم تكن تجلبه في الجاهلية وإلى آخر الدولة الأمويّة، ولا ترغب في حمله للمرارة في رائحته إلى أن دخل الحسين (1) بن برمك الى بلاد الهند هاربا من بني أمية، ورأى العود المندليّ فاستجاده ورغّب التجار في حمله فلما غلب بنو العباس على بني أمية، وحضر بنو برمك إليهم وقرّبوهم دخل الحسين بن برمك يوما على المنصور فرآه يتبخّر بالعود القماريّ، فأعلمه أن عنده ما هو أطيب منه، فأمره بإحضاره فأحضره إليه فاستحسنه، وأمر أن يكتب إلى الهند بحمل الكثير منه، فاشتهر بين الناس وعز من يومئذ، واحتمل ما فيه من مرارة الرائحة وزعارتها، لأنها تقتل القمل وتمنع من تكوّنه في الثياب.
الثاني: القامرونيّ
وهو ما يجلب من القامرون وهو مكان مرتفع من الهند. وقيل القامرون: اسم لشجر من العود وهو أغلى العود ثمنا وأرفعه قدرا.
قال التميميّ: وهو قليل لا يكاد يجلب إلا في بعض الحين، وهو عود رطب
__________
(1) هكذا بالأصل.(2/134)
جدّا، شديد سواد اللون، رزين (1)، كثير الماء.
وذكر الحسين بن يزيد السيرافيّ: أنه ربما ختم عليه فانطبع وقبل الختم للينه. قال: ويكون فيه ما قيمة المنّ منه مائتا دينار.
الثالث: السّمندوريّ
وهو ما يجلب من بلاد سمندور وهي بلد سفالة الهند، ويسمّى لطيب رائحته: ريحان العود، وبعضه يفضل بعضا. قال التميمي:
وتكون القطعة الضخمة منه منّا واحدا.
الرابع: القماريّ
وهو ما يجلب من قمار، وهي أرض سفالة الهند، وبعضه يفضل بعضا أيضا، وتكون القطعة منه نصف رطل إلى ما دون ذلك.
الخامس: القاقلّيّ
وهو ما يجلب من جزائر بحر قاقلّة، وهو عود حسن اللون، شديد الصّلابة دسم، فيه ريحانيّة خمرة، وله بقاء في الثياب، إلا أن قتاره (2)
ربما تغير على النار فينبغي ألا يستقصى إلى آخره.
السادس: الصّنفيّ
وهو ما يجلب من بلد يقال لها الصّنف ببلاد الصين، وهو من أحلى (3) الأعواد وأبقاها في الثياب.
قال التميمي: ومنهم من يفضله على القاقلّيّ ويرى أنه أطيب وأعبق وآمن من القتار، وربما قدّموه على القماريّ أيضا. قالوا: وأجود الصّنفيّ الأسود الكثير الماء، وتكون القطعة منه منّا وأكثر وأقلّ. ويقال: إن شجره أعظم من شجر الهنديّ والقماريّ.
السابع: الصندفوري
وهو ما يجلب من بلاد الصندفور من بلاد الصين وهو دون الصّنفيّ، ويقال: إنه صنف منه ولذلك كانت قيمته لاحقة بقيمته، وفيه
__________
(1) الرزين هو الثقيل من كل شيء (الوسيط: 343).
(2) القتار: دخان ذو رائحة خاصة ينبعث من البخور أو العظم المحروق أو الطبيخ أو الشواء. (الوسيط:
714).
(3) في ياقوت: 3/ 431 «وهو من أردأ العود لا فرق بينه وبين الخشب إلا اليسير».(2/135)
حسن لون وحلاوة رائحة، ورزانة، وصلابة، إلا أنه ليس بالقطع الكبار.
الثامن: الصّينيّ
ويؤتى به من الصّين، وهو عود حسن اللون، أوّل رائحته تشاكل رائحة الهنديّ إلا أن قتاره غير محمود وتكون القطعة منه نصف رطل وأكثر وأقلّ.
التاسع: القطعي
وهو عود رطب حلو طيب الرائحة، وهو نوع من الصّينيّ.
العاشر: القسور
وهو عود رطب حلو طيّب الرائحة وهو أعذب رائحة من القطعيّ إلا أنه دونه في القيمة.
الحادي عشر: الكلهي
وهو عود رطب يمضغ، وفيه زعارة، وشدّة مرارة للدّهانة التي فيه وهو من أعبق الأعواد في الثياب وأبقاها.
الثاني عشر: العولاتي
وهو عود يجلب من جزيرة العولات بنواحي قمار من أرض الهند.
الثالث عشر: اللوقيني
وهو ما يجلب من لوقين وهي طرف من أطراف الهند، وله خمرة (1) في الثياب إلا أنه دون هذه الأعواد في الرائحة والقيمة.
الرابع عشر: المانطائي
وهو ما يجلب من جزيرة مانطاء وقيمته مثل قيمة اللوقيني، وهو خفيف ليس بالحسن اللون.
قال أحمد بن العباس: وهو قطع كبار ملس لا عقد فيها، إلا أن رائحته ليست بطيبة وإنما يصلح للأدوية.
الخامس عشر: القندغلي
ويؤتى به من ناحية كله (2) وهي ساحل الزنج وهو يشبه القماري إلا أنه لا طيب لرائحته.
__________
(1) الخمرة: الرائحة الطيبة. (الوسيط: 255).
(2) في معجم البلدان: 4/ 478 «كلوة» بكسر الكاف. أما «كله» فقال إنها فرضة بالهند.(2/136)
السادس عشر: السمولي
وهو عود حسن المنظر، فيه خمرة وله بقاء في الثياب.
السابع عشر: الرانجيّ
وهو عود يشبه قرون الثيران، لا ذكاء له، ولا بقاء في الثياب.
الثامن عشر: المحرّم
سمى بذلك لأنه قد وقع بالبصرة فشكّ الناس في أمره، فحرّمه السلطان ومنعه فسمّي المحرّم، وهو من أدنى أصناف العود.
وجعل بعضهم بين الصّنفيّ والقاقلّيّ صنفا يقال له: العطلي، يؤتى به من الصّين، وهو عود صلب خفيف حسن المنظر إلا أنه قليل الصبر على النار. وقد ذكر أحمد بن العباس بعد ذلك أصنافا من العود ليست بذات طائل.
منها: الأفليق وهو عود يؤتى به من أرض الصّين، يكون في العظم مثل الخشب الرانجي الغلاظ يباع المنّ منه بدينار وأقل وأكثر والعود الطيب الريح في قشوره، وداخله خشب خفيف مثل الخلاف (1)، وإذا وضع على الجمر وجد له في أوّله رائحة حلوة طيبة فإذا أخذت النار منه ظهرت منه رائحة رديئة كرائحة الشعر.
الصنف الرابع الصّندل
وهو خشب شجر يؤتى به من سفالة الهند وهو على سبعة أضرب:
الأوّل: المقاصيري
وهو الأصفر، الدّسم، الرّزين، الذي كأنه مسح بالزّعفران الذّكي الرائحة.
واختلف في سبب تسميته بالمقاصيريّ فقيل: نسبة إلى بلد تسمّى:
مقاصير وقيل: إن بعض خلفاء بني العباس اتخذ لبعض أمهات أولاده ومحاظيّه
__________
(1) شجر الصفصاف.(2/137)
مقاصير منه، وهو شجر عظام يقطع رطبا، وأجوده ما اصفرّ لونه وذكت رائحته ولم يكن فيه زعارة.
قال التميمي: وهو يدخل في طيب النساء الرطب واليابس، وفي البرمكيات، والمثلثات، والذّرائر ويتخذ منه قلائد، ويدخل في الأدوية ويقال: إن صاحب اليمن الآن يعمل له منه الأسرّة، وإنه يأمر بقطع ما يحمل منه من اليمن إلى غيرها من البلاد قطعا صغارا حتّى لا يكون منها ما يعمل سريرا لغيره من الملوك.
الثاني: الأبيض منه الطيب الريح
وهو من جنس المقاصيري المتقدّم ذكره لا يخالفه في شيء إلا في البياض ويقال: إنّ المقاصيري هو باطن الخشب وهذا الأبيض ظاهره.
الثالث: الجوزي
وهو صلب العود أبيض، يضرب لونه إلى السّمرة، ويؤتى به من موضع يقال له: الجوز (1)، وهو طيب الرائحة إلا أنه أضعف رائحة من الذي قبله.
الرابع: الساوس ويقال: الكاوس
وهو صندل أصفر طيب الرائحة إلا أنّ في رائحته زعارة ويستعمل في الذرائر، والمثلثات، في الطيب والبخورات.
الخامس: يضرب لونه إلى الحمرة
وهو على نحو من الذي قبله.
السادس: صندل (2) جعد الشعرة
لا بساطة فيه إذا شقق بل يكون فيه تجعيد كما في خشب الزيتون وهو أذكى أصناف الصندل إلا أنه لا يستعمل في شيء سور البخورات والمثلثات.
__________
(1) في القاموس: 2/ 176 «الجوز: جبال لبني «صاهلة» وجبال الجوز من أودية تهامة».
(2) اسم لنباتات ورد في الإنجيل أنها مرهم عطري مخضرّ وهناك السنبل الهندي الذي تستعمل جذوره العطرية في الطب، والسنبل الخزام، وهو من الأبصال ويحمل نورة عطرية سبلية وحيدة تكتظ بالأزهار في الربيع. (الموسوعة العربية الميسّرة: 1018).(2/138)
السابع: أحمر اللون
وهو خشب حسن اللون، ثقيل الوزن لا رائحة له، إلا أنه تتخذ منه المنجورات والمخروطات كالدّويّ وقطع الشّطرنج ونحوها مع ما يدخل فيه من الأعمال الطيبة.
قلت: هذا ما يحتاج الكاتب إلى وصفه من أصناف الطيب النفيسة مما يهدى أو يرد هدية، ويجري ذكره في مكاتبات الملوك، أما ما عدا ذلك من أصناف الطيب كالسّنبل والقرنفل، والكافور، فليس من هذا القبيل.
النوع السابع ما يحتاج إلى وصفه من الآلات، وهي أصناف:
الصنف الأوّل الآلات الملوكية
ويحتاج الكاتب إلى وصفها عند وصف المواكب الحفيلة التي يركب فيها السلطان، وهي عدّة آلات:
منها: الخاتم بفتح التاء وكسرها وحكى فيه ابن قتيبة والجوهريّ وغيرهما خيتام وخاتام وهو ما يجعل في الإصبع من الحليّ، وهو مأخوذ من الختم، وهو الطبع سمي بذلك لأنه يختم بنقشه على الكتب الصادرة عن الملوك. وسيأتي في الكلام على ختم الكتب: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أراد أن يكتب إلى بعض ملوك الأعاجم فقيل له: إنهم لا يقرأون كتابا غير مختوم، فاتخذ خاتما (1)
من ورق (2) وجعل نقشه «محمد رسول الله» واقتدى به في ذلك الخلفاء بعده ثم توسعوا فيه إلى أن جعلوا للكتب طابعا مخصوصا وأفردوا له ديوانا سموه «ديوان
__________
(1) قال ابن خلدون نقلا عن البخاري. «ثم تختّم لهذا الخاتم أبو بكر وعمر وعثمان، ثم سقط من يد عثمان في بئر «أريس» فصنع عثمان خاتما آخر على مثله. (المقدمة: 468).
(2) الورق، بكسر الراء: الفضة.(2/139)
الخاتم» (1) واقتفى الملوك أثرهم في ذلك، ثم غلب بمملكتنا وما ناهزها الاكتفاء في المكاتبات باللّصاق (2)، وصار اسم الخاتم مقصورا على ما يجعل في الإصبع خاصة سواء كان فيه نقش أم لا وصارت الملوك إنما تلبس الخواتم بفصوص الجواهر من اليواقيت ونحوها تجمّلا، وربما بعثت بها في تأمين الخائف علامة للرضا عليه والصفح عما جناه واقترفه.
ومنها: المنديل بكسر الميم وهو منديل يجعل في المنطقة المشدودة في الوسط مع الصولق (3) وغيره ثم جرى اصطلاح الملوك على البعث به في الأمانات كما تقدم في الخاتم.
والمنديل: آلة قديمة للملوك فقد حكي أنه كان للأفضل بن أمير الجيوش أحد وزراء الفاطميين مائة بدلة مغلقة على أوتاد من ذهب، على كل بدلة منها منديل من لونها ولم يكن المنديل من آلات الخلافة بل إنما كان من آلاتها البردة (4) على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى.
ومنها: التّخت، ويقال له: السرير وهو ما يجلس عليه الملوك في المواكب، ولم يزل من رسوم الملوك قديما وحديثا، رفعة لمكان الملك في الجلوس عن غيره حتّى لا يساويه غيره من جلسائه وقد أخبر تعالى في كتابه العزيز
__________
(1) أول من اتخذه عثمان بن عفان لختم الكتب. ويقال إن أول من اتخذه معاوية بن أبي سفيان حين كتب لرجل بمئة ألف درهم فأصلحها مئتين. ويقال أيضا إن أول من اتخذه عمر بن الخطاب.
(مصطلحات الصبح: 145).
(2) قال ابن خلدون: «والحزم للكتب يكون إما بدسّ الورق، كما في عرف كتاب المغرب، وإما بلصق رأس الصحيفة على ما تنطوي عليه من الكتاب، كما في عرف أهل المشرق. وقد يجعل على مكان الدسّ أو الإلصاق علامة يؤمن معها من فتحه والإطلاع على ما فيه» (المقدمة: 470).
(3) جمعها: صوالق. الصولق عبارة عن حقيبة كبيرة يعلّقها المملوك في الجانب الأيمن من حياصته التي يشدها على وسطه ويثبّت فيها منديل. (مصطلحات الصبح: 224).
(4) المقصود بردة النبي صلّى الله عليه وسلّم (راجع حاشية الصفحة: 269من الجزء الثالث).(2/140)
أنه كان لسليمان عليه السلام كرسي بقوله: {وَأَلْقَيْنََا عَلى ََ كُرْسِيِّهِ جَسَداً} (1) ورأيت في بعض التواريخ أنه كان له كرسيّ من عاج مغشّى بالذهب.
ثم هذه الأسرّة تختلف باختلاف حال الملوك، فتارة تكون من أبنية رخام ونحوه، وتارة تكون من خشب، وتارة من فرش محشوّة متراكبة، وقد حكي أنه كان لملوك الفرس سرير من ذهب يجلسون عليه، وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو أمير مصر يجلس مع قومه على الأرض غير مرتفع عليهم (2)، ويأتيه المقوقس ومعه سرير من ذهب، يحمل معه على الأيدي، فيجلس عليه فلا يمنعه عمرو من ذلك، إجراء له على عادته في الملك فيما قيل، لما عقده له من الذمّة واتخذه معه من العهد.
ومنها: المظلّة، واسمها بالفارسية: الجنز بنون بين الجيم والزاي المعجمة ويعبر عنها العامّة الآن بالقبّة والطّبر، وهي قبة من حرير أصفر، تحمل على رأس الملك، على رأس رمح بيد أمير يكون راكبا بحذاء الملك، يظلّه بها حالة الركوب من الشمس في المواكب العظام، وسيأتي ذكرها في الكلام على ترتيب المملكة في الدولة الفاطمية. وهذه الدولة في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى.
ومنها: الرّقبة، وهي لباس لرقبة فرس السلطان من حرير أصفر، قد طرّزت بالذهب الزّركش حتّى غلب عليها وصار الحرير غير مرئيّ فيها، تشدّ على رقبة فرس الملك في المواكب العظام لتكون مضاهية لما يركب به من الكنبوش (3)
الزركش المغطّي لظهر الفرس وكفله.
__________
(1) سورة: ص / 34.
(2) قال ابن خلدون: «إن الدول لا تأخذ بالسرير إلا بعد الاستفحال والترف، شأن الأبهة كلها وأما في أول الدولة عند البداوة فلا يتشوّفون إليه وأول من اتخذه في الإسلام معاوية بن أبي سفيان».
(المقدمة: 461).
(3) انظر صفحة: 144من هذا الجزء.(2/141)
ومنها: الغاشية، وهي غاشية سرج من أديم مخروزة بالذهب، يظنها الناظر كلّها ذهبا، ويلقيها على يديه يمينا وشمالا.
ومنها: الچفتاه (1) وهي فرسان أشهبان قريبا الشبه، برقبتين من زركش، وعدّة تضاهي عدّة مركوب السلطان، كأنهما معدّان لأن يركبهما السلطان، يعلوهما مملو كان من المماليك السلطانية قريبي الشبه أيضا، على رأس كل منهما قبّعة من زركش مشابه للآخر.
ومنها: المنطقة بكسر الميم وهي ما يشدّ في الوسط، وعنها يعبّر أهل زماننا بالحياصة وهي من الآلالات القديمة فقد روي: أن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه كان له منطقة. وهذه الآلة قد ذكرها في «التعريف» في الآلالات الملوكية، على أن ملوك الزمان لم تجر لهم عادة بشدّ منطقة وإنما يلبسها الملك للأمراء عند إلباسهم الخلع والتشاريف وهي تختلف بحسب اختلاف الرتب، فمنها ما يكون من ذهب مرصّع بالفصوص، ومنها ما ليس كذلك.
ومنها: الأعلام وهي الرايات التي تحمل خلف السلطان عند ركوبه، وهي من شعار الملك القديمة وقد ورد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يعقد لأمراء سراياه الرايات عند بعثها ثم قد يعبّر عن بعضها بالعصائب جمع عصابة، وهي الألوية، أخذا من عصابة الرأس، لأن الراية تعصب رأس الرمح من أعلاه وقد يعبر عنها بالسّناجق جمع سنجق، والسّنجق باللغة التركية معناه الطعن سميت الراية بذلك لأنها تكون في أعلى الرمح والرمح هو آلة الطعن يسمّى بذلك مجازا.
ومنها: الطّبول ويقال لها: الدّبادب، والبوقات، والزمر المعروف بالصهان الذي يضرب به عشيّة كل ليلة بباب الملك وخلفه إذا ركب في المواكب ونحوها، وهي المعبر عنها بالطّبلخاناه، وهي من شعار الملك القديم.
__________
(1) چفت: كلمة تركية مأخوذة من الكلمة الفارسية: چفت ومعناها الزوج أو الاثنان. (دائرة المعارف الإسلامية: 12/ 160).(2/142)
وقد ذكر في «مسالك الأبصار»: أن الطبل في بلاد المغرب يختص ضربه بالسلطان دون غيره من كل أحد كما سيأتي ذكره في الكلام على مملكة المغرب في المسالك والممالك إن شاء الله تعالى.
والسر فيها إرهاب العدوّ وتخذيله كما كتب (1) به أرسطو في كتاب «السياسة» للإسكندر، أو تقوية النفوس وتشجيعها على الحرب كما قاله (2)
الغزالي رحمه الله في «الإحياء» (3)، وكلما كثرت أعدادها كان أفخم لشأن الملك وأبلغ في رفعة شأنه. وقد حكي أن دبادب الإسكندر كانت أربعين حملا.
قلت: وقد ذكر في «التعريف» من جملة الآلات الملوكية الدواة، والقلم، والمرملة (4) ولا يخفى أنها بآلات الكتّاب أليق وإن كان السلطان لا يستغني عنها، وسيأتي الكلام عليها في الكلام على آلات الكتابة من هذه المقالة إن شاء الله تعالى.
الصنف الثاني آلات الركوب وهي عدّة آلات
منها: السرج وهو ما يقعد فيه الراكب على ظهر الفرس وأشكال قوالبه مختلفة، ثم من السرج ما يكون مغشّى بالذهب، وهو مما يصلح للملوك.
ومنها: ما يكون مغشّى بالفضة البيضاء، وكل منها قد يكون منقوشا وقد يكون غير منقوش، ومنها ما يكون بأطراف فضة، ومنها ما يكون ساذجا (5).
ومنها: اللّجام وهو الذي يكون في فكّ الفرس يمنعه من الجماح وقوالبه
__________
(1) قال ابن خلدون: «ما ذكره أرسطو صحيح ببعض الاعتبارات وأما الحق في ذلك فهو أن النفس عند سماع النغم والأصوات يدركها الفرح والطرب بلا شك فيصيب مزاج الروح نشوة يستسهل بها الصعب وهذا موجود حتى في الحيوانات العجم» (المقدمة: 457).
(2) قال ابن خلدون: «ما ذكره أرسطو صحيح ببعض الاعتبارات وأما الحق في ذلك فهو أن النفس عند سماع النغم والأصوات يدركها الفرح والطرب بلا شك فيصيب مزاج الروح نشوة يستسهل بها الصعب وهذا موجود حتى في الحيوانات العجم» (المقدمة: 457).
(3) إحياء علوم الدين».
(4) ما يوضع به الرمل لتجفف به الكتابة.
(5) الساذج هو الخالص غير المشوب وغير المنقوش (الوسيط: 424).(2/143)
أيضا مختلفة، ثم منها ما يكون مطليّا بالذهب، ومنها ما يكون مطليّا بالفضة، ومنها ما يكون ساذجا، ومنها ما يكون رأسه وجنباه محلّى بالفضة، ومنها ما يكون غير محلّى.
ومنها: الكنبوش وهو ما يستر به مؤخر ظهر الفرس وكفله وهو تارة يكون من الذهب الزركش، وتارة يكون من المخايش، وهي الفضة الملبّسة بالذهب، وتارة يكون من الصوف المرقوم وبه يركب القضاة وأهل العلم.
ومنها: العباءة بالمدّ وهي التي تقوم مقام الكنبوش.
ومنها: المهماز وهو آلة من حديد تكون في رجل الفارس، فوق كعبه، فوق الخف وما في معناه، ومؤخره إصبع محدّد الرأس إذا أصاب جانب الفرس تحرّكت وأسرعت في المشي أو جدّت في العدو، وهو تارة يكون من ذهب محض، وتارة يكون من فضّة، وتارة يكون من حديد مطليّ بالذهب أو الفضة وقد اعتاد القضاة والعلماء في زماننا تركه.
ومنها: الكور وهو ما يقعد فيه الراكب في ظهر النجيب وهو (1) الهجين والعرب تسميه: الرّحل ثم قد يكون مقدّمه ومؤخره مغشّى بالذهب أو الفضة، وقد يكون غير مغشّى.
ومنها: الزّمام وهو ما يقاد به النّجيب، ويضبطه به الراكب كما يضبط الفارس الفرس بالعنان.
ومنها: الرّكاب وهو ما تجعل فيه الرّجل عند الركوب، وكانت العرب تعتاده من الجلد والخشب، ثم عدل عن ذلك إلى الحديد.
قال أبو هلال العسكريّ (2) في كتابه «الأوائل» (3): وأوّل من اتخذه من
__________
(1) في معاجم اللغة: النجيب والهجين يفيدان معنيين مختلفين أو على طرفي نقيض.
(2) هو الحسن بن عبد الله، أبو هلال العسكري، المتوفى سنة 395هـ. وهو عالم بالأدب وله شعر.
(كشف الظنون: 199).
(3) والأوائل مصطلح يدل دلالة خاصة على فرع صغير من التأليف الإسلامي يمت بصلة للأدب والتاريخ والدين، وبين المسلمين انفسهم لا يعرّف الأوائل بأنه علم قائم بذاته إلا حاجي خليفة الذي عاش في القرن العاشر الهجري. (انظر دائرة المعارف الإسلامية: 5/ 165وكشف الظنون: 199).(2/144)
الحديد المهلّب بن أبي صفرة (1) وكانت ركب العرب من خشب فكان الفارس يصكّ الراكب (2) بركابه فيوهن مرفقه.
ومنها: السّوط وهو ما يكون بيد الراكب يضرب به الفرس أو النجيب، وأهل زماننا يعبرون عنه بالمقرعة لأنه يقرع به المركوب إذا تقاعس وهو بدل من القضيب الذي كان للخلفاء على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب الخلافة في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى.
الصنف الثالث آلات السفر، وهي عدّة آلات
منها: المحفّة بكسر الميم وهي محمل على أعلاه قبّة، وله أربعة سواعد: ساعدان أمامها وساعدان خلفها، تكون مغطاة بالجوخ تارة وبالحرير أخرى، تحمل على بغلين أو بعيرين يكون أحدهما في مقدّمتها والآخر في مؤخرتها إذا ركب فيها الراكب صار كأنه قاعد على سرير، لا يلحقه انزعاج وقد جرت عادة الملوك والأكابر باستصحابها في السفر خشية ما يعرض من المرض.
ومنها: المحمل بكسر الميم الأولى وفتح الثانية (3) وهو آلة كالمحفّة إلا أنه يحمل على أعلى ظهر الجمل بخلاف المحفّة فإنها تحمل بين جملين أو بغلين.
ومنها: الفوانيس جمع فانوس وهي آلة كريّة ذات أضلاع من حديد، مغشّاة بخرقة من رقيق الكتّان الصافي البياض، يتخذ للاستضاءة بغرز الشمعة في
__________
(1) والي البصرة لمصعب بن الزبير. قضى على الأزارقة من الخوارج بعد حرب دامت تسعة عشر عاما، ثم ولاه عبد الملك بن مروان خراسان. توفي سنة 83هـ. (الأعلام: 7/ 315).
(2) لعله: المركوب.
(3) ضبطه في القاموس: 3/ 372: كمجلس ولعل ما في الأصل لغة ثانية لكونه آلة.(2/145)
أسفل باطنه فيشفّ عن ضوئها، ومن شأنها أن يحمل منها اثنان امام السلطان أو الأمير في السفر في الليل.
ومنها: المشاعل، جمع مشعل، وهي آلة من حديد كالقفص مفتوح الأعلى، وفي أسفله خرقة لطيفة، توقد فيه النار بالحطب فيبسط ضوءه يحمل أمام السلطان ونحوه في السفر ليلا أيضا.
ومنها: الخيام، جمع خيمة ويقال لها: الفسطاط والقبّة أيضا وهي بيوت تتخذ من خرق القطن الغليظ ونحوه، تحمل في السفر لوقاية الحرّ والبرد وكانت العرب تتخذها من الأديم، وقد امتنّ الله تعالى عليهم بذلك في قوله تعالى:
{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعََامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهََا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقََامَتِكُمْ} (1).
والملوك (2) تتناهى في سعتها وتتباهى بكبرها. وسيأتي في الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية أنه كان لبعض خلفائهم خيمة تسمّى: القاتول، سميت بذلك لأن فرّاشا من الفرّاشين وقع من أعلى عمودها فمات لطوله.
ومنها: الخركاه، وهي بيت من خشب مصنوع على هيئة مخصوصة ويغشّى بالجوخ ونحوه، تحمل في السفر لتكون في الخيمة للمبيت في الشتاء لوقاية البرد.
ومنها: القدور، جمع قدر، وهي الآلة التي يطبخ فيها وتكون من نحاس غالبا، وربما كانت من برام.
والملوك تتباهى بكثرتها وعظمها، لأنها من دلائل كرم الملك وكثرة رجاله، وقد أخبر الله تعالى عن سليمان عليه السلام بعظيم قدر ما كانت الجن تعمله له من
__________
(1) سورة النحل / 80.
(2) قال ابن خلدون أن الفسطاط بالمغرب كان مختصا بالسلطان لا يكون لغيره أما في المشرق فيتخذه كل أمير وإن كان دون السلطان. (المقدمة: 475).(2/146)
القدور بقوله: {يَعْمَلُونَ لَهُ مََا يَشََاءُ مِنْ مَحََارِيبَ وَتَمََاثِيلَ وَجِفََانٍ كَالْجَوََابِ وَقُدُورٍ رََاسِيََاتٍ} (1).
ومنها: الأثافيّ وهي الآلة المثلثة التي تعلّق عليها القدر عند الطبخ، وتكون من حديد.
ومنها: النار التي يوقد بها للطبخ ونحوه، وقد تقدّم في الكلام على نيران العرب ذكر نار القرى وهي نار كانت ترفع ليلا ليراها الضيف فيهتدي بها إلى الحيّ.
ومنها: الجفان، جمع جفنة، وهي الآنية التي يوضع فيها الطعام وقد تقدّم في الكلام على القدور أنها مما كانت الجن تعمله لسليمان عليه السلام أيضا. وقد كانت العرب تفتخر بكبر الجفان لدلالتها على الكرم، وفي ذلك يقول الأعشى في مدح المحلّق (2) ليلة بات عليه:
نفى الذّام عن آل المحلّق جفنة ... كجابية الشّيخ العراقيّ تفهق (3)
قيل: أراد بالشيخ العراقيّ كسرى، فشبه جفنته بجفنته.
ومنها: حياض الماء وهي حياض من جلد تحمل في السفر ليبقى الماء فيها لسقي الدّوابّ ونحوها، وكبر قدرها دليل على رفعة قدر صاحبها وفخامته لدلالتها على كثرة دوابه، واتساع عسكره.
__________
(1) سورة: سبأ / 12.
(2) هو المحلّق بن حنتم بن شداد الكلابي العامري وسماه صاحب القاموس: عبد العزّى بن حنتم، وقال: لقب بالمحلق لشجّة في وجهه كانت كالحلقة. (الأعلام: 5/ 292).
(3) الفهق هو الامتلاء. وقد ورد الشطر الأول في اللسان: «تروح على آل المحلق جفنة» وفي الأعلام: «نفى الذمّ عن رهط المحلق جفنة»(2/147)
الصنف الرابع آلات السلاح وهي عدّة آلات
منها: السّيف وهو معروف. وسيأتي في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة أنه مأخوذ من قولهم: ساف إذا هلك لأنه به يقع الهلك.
واعلم أن السيف إن كان من حديد ذكر وهو المعبّر عنه بالفولاذ قيل:
سيف فولاذ، وإن كان من حديد أنثى وهو المعبر عنه في زماننا بالحديد قيل:
سيف أنيث فإن كان متنه من حديد أنثى وحدّاه من حديد ذكركما في سيوف الفرنجة، قيل: سيف مذكّر. ويقال: إن الصاعقة إذا نزلت إلى الأرض وردّت (1)
صارت حديدا، وربما حفر عليها وأخرجت فطبعت سيوفا، فتجيء في غاية الحسن والمضاء. ثم إن كان عريض الصّفيح قيل له: صفيحة وإن كان محدقا (2)
لطيفا قيل له: قضيب فإن كان قصيرا قيل: أبتر فإن كان قصره بحيث يحمل تحت الثياب ويشتمل عليه قيل: مشمل بكسر الميم فإن كان له حدّ وجانبه الآخر جافّ قيل فيه: صمصامة وبهذا كان يوصف سيف عمرو بن معدي كرب فارس العرب، فإن كان فيه حزوز مستطيلة (3) قيل فيه: فقارات وبذلك سمي سيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذا الفقار» (4) يروى أنه كان فيه سبع عشرة فقارة.
ثم تارة ينسب السيف إلى الموضع الذي طبع فيه، فيقال فيما طبع بالهند:
هنديّ ومهنّد، وفيما طبع باليمن: يمان، وفيما طبع بالمشارف وهي قرّى من قرى العرب قريبة من ريف العراق قيل له: مشرفيّ فإن كان من المعدن المسمّى بقساس وهو معدن موصوف بجودة الحديد قيل له: قساسيّ.
__________
(1) هكذا بالأصل، ولعلها مصحفة عن: «بردت».
(2) لعله: «مدقق».
(3) كذا بالأصل، وصوابه: «مطمئنة» كما في اللسان: 5/ 63والقاموس: 2/ 115.
(4) كان للعاص بن منبّه الذي قتل يوم «بدر» كافرا، فصار إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم صار إلى علي بن أبي طالب.
(القاموس: 2/ 155).(2/148)
وتارة ينسب السيف إلى صاحبه كالسيف السّريجيّ نسبه إلى قين (1) من قيون العرب اسمه: سريج، معروف عندهم بحسن الصنعة. ويوصف السيف بالحسام وهو القاطع أخذا من الحسم، وهو القطع، وبالصارم وهو الذي لا ينبو عن الضّريبة.
والناس يبالغون في تحلية السّيوف فتارة ترصّع بالجواهر، وتارة يحلّونها بالذهب، وتارة يحلونها بالفضة، وإن كان الاعتبار إنما هو بالسيف لا بالحلية.
ومنها: الرّمح: وهو آلة الطعن. والرماح ضربان:
أحدهما: متّخذ من القنا، وهو قصب مسدود الداخل، ينبت ببلاد الهند يقال للواحدة منه: قناة، ويقال لمفاصلها: أنابيب، ولعقدها: كعوب فإن كان قد نشأ في نباته مستقيما بحيث لا يحتاج إلى تثقيف قيل له: الصّعدة بفتح الصاد وسكون العين المهملتين وان احتاج إلى تقويم مقوّم قيل له: مثقّف.
ويوصف القنا: بالخطّيّ بفتح الخاء المعجمة نسبة إلى الخطّ وهي بلدة بالبحرين تجلب إليها الرّماح من الهند، وتنقل منها إلى بلاد العرب، وليست تنبت القنا كما توهّمه ابن أصبغ (2) في أرجوزته المذهبة.
الثاني: ما يتّخذ من الخشب كالزان ونحوه، ويسمّى: الذابل بالذال المعجمة وكسر الموحدة.
ويقال للحديد الذي في أعلى الرّمح: السّنان، وللذي في أسفله: الزّجّ والعقب. ويوصف الرّمح: بالأسمر، لأن لون القنا السّمرة، وبالعسّال وهو الذي يضطرب في هزّه، وباللّدن وهو الليّن، وبالسّمهريّ، نسبة إلى بلدة يقال لها سمهرة من بلاد الحبشة، وقيل إلى السّمهرة وهي الصّلابة.
__________
(1) القين هو الحدّاد (اللسان: 13/ 350).
(2) هو محمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ: قاض متفنن في العلوم. مات بمراكش سنة 620هـ. له:
«المذهبة في الحلى والشياث» و «تنبيه الحكام» (الأعلام: 6/ 323).(2/149)
ومنها: الطّبر وهو باللغة الفارسية الفأس، ولذلك يسمى السّكّر الصّلب:
بالطّبرزذ يعني الذي يكسر بالفأس. وإلى الطّبر تنسب الطّبر داريّة وهم الذين يحملون الأطبار حول السلطان على ما سيأتي ذكره في الكلام على ترتيب المملكة في المسالك والممالك إن شاء الله تعالى.
ومنها: السّكّين، وسيأتي ذكرها في آلات الدّواة في الكلام على آلات الكتابة، وإنما سميت سكّينا لأنها تسكّن حركة الحيوان وتسمّى: المدية أيضا لأنها تقطع مدى الأجل. وهذه الاشتقاقات أولى بآلة الحرب من آلة الكتابة.
وحاصل الأمر أن السكين تختلف أحوالها بحسب الحاجة اليها، فتكون لكل شيء بحسب ما يناسبه.
ومنها: القوس، وهي مؤنثة. والقسيّ على ضربين:
أحدهما: العربية، وهي التي من خشب فقط، ثم إن كانت من عود واحد قيل لها: قضيب، وان كانت من فلقين قيل لها: فلق.
الثاني: الفارسية وهي التي تركّب من أجزاء من الخشب والقرن والعقب والغراء ولأجزائها أسماء يخص كلّ جزء منها اسم فموضع إمساك الرامي من القوس يسمى: المقبص ومجرى السهم فوق قبض الرامي يسمى: كبد القوس وما يعطف من القوس يسمى: سية القوس، وما فوق المقبض من القوس، وهو ما على يمين الرامي يسمى: رأس القوس وما أسفله وهو ما على يسار الرامي يسمّى: رجل القوس.
ومنها: النّشاب والنّبل فالنّبل ما يرمى به عن القسيّ العربية والنّشاب ما يرمى به عن القسيّ الفارسيّة، حكاه الأزهري (1).
ومجرى الوتر من السّهم يسمّى: الفوق حديده يسمّى: النّصل والريش يسمّى: القذذ والسهم قبل تركيب الريش يسمّى: القدح بكسر القاف وسكون الدال المهملة.
__________
(1) انظر الحاشية الثانية من الصفحة: 96.(2/150)
ومنها: الكنانة، ويقال لها. الجعبة وهي بكسر الكاف، وهي ظرف السهام، وتكون تارة من جلد وتارة من خشب.
ومنها: الدّبّوس، ويسمّى: العامود وهو آلة من حديد ذات أضلاع ينتفع بها في قتال لا بس البيضة ومن في معناه ويقال إن خالد بن الوليد رضي الله عنه به كان يقاتل.
ومنها: العصا وهي آلة من خشب تفيد في القتال نحو إفادة الدبّوس.
ومنها: البيضة وهي آلة من حديد توضع على الرأس لوقاية الضرب ونحوه، وليس فيه ما يرسل على القفا والآذان وربما كان ذلك من زرد.
ومنها: المغفر بكسر الميم وهو كالبيضة إلا أن فيه أطرافا مسدولة على قفا اللابس وأذنيه، وربما جعل منها وقاية لأنفه أيضا، وقد تكون من زرد أيضا.
ومنها: الدّرع وهو جبّة من الزّرد المنسوج يلبسها المقاتل لوقاية السيوف والسهام وهي تذكر وتؤنث، وقد أخبر الله تعالى عن داود عليه السلام أنه ألين له الحديد فكان يعمل منه الدروع بقوله تعالى: {وَأَلَنََّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سََابِغََاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} (1). وقوله: {وَعَلَّمْنََاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} (2) ولذلك تنسب الدروع الفائقة إلى نسج داود عليه السلام.
ومن الدروع ما يقال لها: السّلوقيّة، نسبة إلى سلوق قرية من قرى اليمن وربما قيل: دروع حطوميّة (3) بضم الحاء المهملة نسبة لحطوم (4) رجل من عبد القيس.
واعلم أن لبس العرب في الحرب كان الزرد، أما الآن فقد غلب عمل
__________
(1) سورة: سبأ / 11.
(2) سورة: الأنبياء / 80.
(3) لعل زيادة الواو من تحريف الناسخ. والصواب: «حطمية» نسبة إلى حطم (انظر اللسان:
12/ 140والقاموس: 4/ 99).
(4) لعل زيادة الواو من تحريف الناسخ. والصواب: «حطمية» نسبة إلى حطم (انظر اللسان:
12/ 140والقاموس: 4/ 99).(2/151)
القرقلات (1) من الصفائح المتخذة من الحديد المتواصل بعضها ببعض.
ومنها: التّرس وهو الآلة التي يتقى بها الضرب والرمي عن الوجه ونحوه، وتسمى: الجنّة أيضا، بضم الجيم، أخذا من الاجتنان وهو الاختفاء وربما قيل لها:
الحجفة بفتح الحاء المهملة والجيم ثم هي تارة تكون من خشب، وتارة تكون من حديد، وتارة تكون من عيدان مضموم بعضها إلى بعض بخيط القطن ونحوه فإن كانت من جلد قيل لها: درقة بفتح الدال والراء المهملتين.
الصنف الخامس آلات الحصار وهي عدة آلات
منها: المنجنيق بفتح الميم وسكون النون وفتح الجيم وكسر النون الثانية وسكون الياء وقاف في الآخر وحكى ابن الجواليقي (2) فيه كسر الميم، وحكي فيه منجنوق بالواو ومنجميق بإبدال النون الثانية ميما وهو أسم أعجميّ، فإن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة عربية، ويجمع على مجانيق ومناجيق.
قال الجوهريّ: وأصله «من جي نيك» وتفسيره بالعربية: ما أجودني. قال ابن خلكان: تفسير من وتفسير جي: ايش، وتفسير نيك: جيد.
قال ابن قتيبة في كتابه «المعارف» وأبو هلال العسكريّ في «الأوائل»: وهو آلة من خشب لها دفّتان قائمتان بينهما سهم طويل رأسه ثقيل وذنبه خفيف، وفيه تجعل كفّة المنجنيق التي يجعل فيها الحجر، يجذب حتى ترفع أسافله على أعاليه، ثم يرسل فيرتفع ذنبه الذي فيه الكفّة فيخرج الحجر منه فما أصاب شيئا إلا أهلكه.
__________
(1) نوع من الدروع تتخذ من صفائح الحديد وتغشّى بالديباج الأحمر والأصفر، وقد تكون مبطنة.
(التعريف بمصطلحات الصبح: 272).
(2) هو موهوب بن أحمد بن محمد: عالم بالأدب واللغة. توفي ببغداد سنة 540هـ. (الأعلام:
7/ 335).(2/152)
وأوّل من وضع المنجنيق: جذيمة الأبرش ملك الحيرة على العرب. وذكر الواحديّ (1) في تفسير سورة الأنبياء: أن الكفارّ لما أضرموا النار لإحراق إبراهيم عليه السلام ولم يقدروا على القرب من النار ليلقوه فيها، فجاءهم اللّعين إبليس فعلمهم وضع المنجنيق فعملوه وألقوه فيه فقذفوا به في النار، فكان أول منجنيق عمل.
ومما يلتحق بالمنجنيق: الزيارت، وهي اللّوالب والحبال التي يجذب بها المنجنيق حتى ينحط أعلاه ليرمى به الحجر.
ومنها: السّهام الخطاية (2) وهي سهام عظام يرمى بها عن قسيّ عظام توتر بلوالب يجرّ بها ويرمى عنها فتكاد تخرق الحجر.
ومنها: مكاحل البارود وهي المدافع التي يرمى عنها بالنّفط وحالها مختلف: فبعضها يرمى عنه بأسهم عظام تكاد تخرق الحجر، وبعضها يرمى عنه ببندق من حديد من زنة عشرة أرطال بالمصريّ إلى ما يزيد على مائة رطل وقد رأيت بالإسكندريّة في الدّولة الأشرفية شعبان بن حسين، في نيابة الأمير صلاح الدين بن عرّام رحمه الله بها مدفعا قد صنع من نحاس ورصاص وقيّد بأطراف الحديد رمي عنه من الميدان ببندقة من حديد عظيمة محماة، فوقعت في بحر السلسلة خارج باب البحر وهي مسافة بعيدة.
ومنها قوارير النّفط وهي قدور ونحوها يجعل فيها النّفط ويرمى بها على الحصون والقلاع للإحراق على أن القوارير في اللغة اسم للزّجاج وإنما استعيرت في آلات النّفط مجازا.
ومنها الستائر وهي آلات الوقاية من الطوارق وما في معناها مما يستر به
__________
(1) هو علي بن أحمد بن محمد، أبو الحسن الواحدي: مفسر عالم بالأدب. نعته الذهبي بإمام علماء التأويل توفي سنة 468هـ. (الأعلام: 4/ 255).
(2) لعله مصحف عن: «الخاطية».(2/153)
على الأسوار والسفن التي يقع فيها القتال ونحو ذلك.
الصنف السادس آلات الصيد، وهي عدّة آلات
منها قوس البندق ويسمّى الجلاهق قوس يتّخذ من القنا ويلّف عليه الحرير ويغرّى وفي وسط وتره قطعة دائرة تسمّى الجوزة توضع فيها البندقة عند الرّمي.
ومنها الجراوة وهي آلة من جلد يجعل فيها البندق الطين الذي يرمى به عن القوس المقدّم ذكره.
ومنها الشّباك وهي آلة تتخذ تعقد من خيطان وتنصب لاقتناص الصيد، وكذلك تطرح في الماء فيصاد بها السمك.
ومنها الزّبطانة (1) وهي آلة من خشب مستطيلة كالرمح مجوّفة الداخل يجعل الصائد بندقة من طين صغيرة في فيه، وينفخ بها فيها فتخرج منها بحدّة فتصيب الطير فترميه وهي كثيرة الإصابة.
ومنها الفخّ وهو آلة مقوّسة لها دفّتان تفتحان قسرا، وتعلّقان في طرف شظاة ونحوها، إذا أصابها الصيد انطبقت عليه.
ومنها الصّنانير، جمع صنّارة وهي حديدة معقّفة محدّدة الرأس يصاد بها السمك.
الصنف السابع آلات المعاملة وهي عدّة آلات
منها الميزان، وهو أحد الآلات التي يقع بها تقدير المقدّرات، فالموازين قديمة الوضع قال تعالى: {وَالسَّمََاءَ رَفَعَهََا وَوَضَعَ الْمِيزََانَ أَلََّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزََانِ}
__________
(1) في الأصل: «الزبر بطانة» والتصحيح عن القاموس.(2/154)
{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلََا تُخْسِرُوا الْمِيزََانَ} (1) وأمر شعيب عليه السلام قومه بإقامة القسط بالوزن كما أخبر تعالى عنه بقوله: {وَزِنُوا بِالْقِسْطََاسِ الْمُسْتَقِيمِ} * (2).
قال أبو هلال العسكريّ: وأوّل من اتخذ الموازين من الحديد عبد الله بن عامر (3). قال: وأوّل من وضع الأوزان سمير اليهوديّ، وذلك أن الحجّاج ضرب الدراهم بأمر عبد الملك بن مروان ونهى أن يضربها أحد غيره، فضربها سمير، فأمر الحجاج بقتله لاجترائه عليه. فقال سمير: أنا أدلّك على ما هو خير للمسلمين من قتلي، فوضع الأوزان: وزن ألف وخمسمائة إلى وزن ربع قيراط، وجعلها حديدا فعفا عنه.
وكان الناس قبل ذلك إنما يأخذون الدرهم الوازن فيزنون به غيره، وأكثرها يؤخذ عددا.
ومنها: الذراع، مؤنثة، وهي إحدى الآلات التي تقدّر بها المقادير أيضا، بها تقدّر الأرضون، ويقاس البزّ (4) وما في معناه ولم يزل الناس قديما وحديثا يتعاملون بها على اختلافها وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى:
{فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهََا سَبْعُونَ ذِرََاعاً فَاسْلُكُوهُ} (5). وقد ذكر الماوردي (6) في الأحكام السلطانية سبع أذرع:
إحداها العمريّة وهي الذراع التي قدّرها أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه لمسح سواد العراق. قال موسى بن طلحة: (7) وطولها ذراع وقبضة
__________
(1) سورة الرحمن / 987.
(2) سورة الشعراء / 182.
(3) أمير فاتح، ولي البصرة أيام عثمان ففتح بلادا كثيرة. توفي بمكة سنة 59هـ. (الأعلام: 4/ 94).
(4) البزّ هو الثياب، وقيل: متاع البيت من الثياب. (اللسان: 5/ 311).
(5) سورة الحاقة / 32.
(6) سبق التعريف به في حاشية الصفحة الثالثة من هذا الجزء.
(7) تابعي ثقة، من أجلاء المسلمين. توفي سنة 103هـ. (أسماء التابعين: 1/ 350).(2/155)
وإبهام. قال الحكم بن عتيبة: (1) عمد عمر رضي الله عنه إلى أطولها ذراعا وأقصرها ذراعا، فجمع منها ثلاثة وأخذ الثّلث منها وزاد عليها قبضة وإبهاما قائمة، ثم ختم في طرفها بالرّصاص، وبعث بذلك إلى حذيفة (2) وعثمان بن حنيف (3)
فمسحا بها السّواد.
الثانية الهاشمية، (4) وتسمى الزّياديّة.
قال: وهي أربع وعشرون إصبعا، كل إصبع سبع شعيرات معتدلات معترضات ظهرا لبطن، كل شعيرة عرض سبع شعرات من شعر البرذون وهذه الذراع التي يعتمدها الفقهاء في الشرعيات، وبها قدروا البريد المعتبر في مسافة قصر الصلاة وغيرها، وربما عبّروا عنها بذراع الملك وسميت بالهاشمية لأن أبا جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس اعتبرها وعمل بمقتضاها في المساحة وتبعه سائر خلفائهم على ذلك وبنو العباس من بني هاشم، فنسبت إلى بني هاشم مباينة لمن تقدّمهم من خلفاء بني أميّة.
قال الماورديّ: وتسمّى الزّياديّة، لأن زيادا مسح بها السّواد أيضا.
الثالثة البلاليّة وهي أنقص من الهاشمية المقدّم ذكرها ثلاثة أرباع عشرها وإنما سميت البلاليّة لأن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري هو الذي وضعها، وذكر أنها ذراع جدّه أبي موسى.
الرابعة السّوداء وهي دون البلالية بإصبعين وثلثي أصبع وأوّل من وضعها الرشيد، قدّرها بذراع خادم أسود كان قائما على رأسه.
__________
(1) فقيه تابعي ثقة، توفي سنة 113هـ، وقيل: 115هـ. (أسماء التابعين: 1/ 109).
(2) هو حذيفة بن حسل بن جابر العبسي: صحابي، من الولاة الفاتحين. توفي بالمدائن سنة 36هـ.
(الأعلام: 2/ 171).
(3) من الصحابة الولاة. ولّاه عمر السواد، ثم ولّاه على البصرة. توفي في خلافة معاوية. (الأعلام:
4/ 205).
(4) وتسمى: الهاشمية الكبرى لتمييزها عن الذراع الهاشمية الصغرى، وهي البلالية الآتي ذكرها.(2/156)
قال الماوردي: وهي التي يتعامل بها الناس في ذرع البزّ والتجارة والأبنية وقياس نيل مصر.
الخامسة اليوسفيّة وهي دون الذراع السوداء بثلثي إصبع وأوّل من وضعها أبو يوسف (1) صاحب أبي حنيفة.
قال الماورديّ: وبها يذرع القضاة الدّور ببغداد.
السادسة القصبة (2) وهي أنقص من الذراع السوداء بإصبع وثلثي إصبع، وأوّل من وضعها ابن أبي ليلى القاضي (3).
قال الماوردي: وبها يتعامل أهل كلواذى (4).
السابعة المهرانية قال الماوردي: وهي بالذراع السوداء ذراعان وثلثا ذراع، وأوّل من وضعها المأمون وهي التي يتعامل بها في حفر الأنهار ونحوها.
ومنها: المقصّ بكسر الميم وهو الآلة المعروفة، وينتفع به في أمور مختلفة.
الصنف الثامن آلات اللّعب وهي عدّة آلات
منها: النّرد بفتح النون وسكون الراء المهملة وهو من حكم الفرس، وضعه أردشير بن بابك أوّل طبقة الأكاسرة من ملوكهم، ولذلك قيل له: نردشير وضعه مثالا للدنيا وأهلها، فرتب الرقعة اثني عشر بيتا بعدد شهور السنة،
__________
(1) هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري: أول من نشر مذهب أبي حنيفة. مات سنة 182هـ. (الأعلام:
8/ 193).
(2) وتسمى أيضا: ذراع الدّر والقاضية. (النظم الإسلامية: 412).
(3) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: فقيه من أصحاب الرأي. مات بالكوفة سنة 148هـ
(الأعلام: 6/ 189).
(4) مدينة تتصل بها عمارة بغداد شرقا. وقال ياقوت: هي الآن خراب، أثرها باق. (معجم البلدان:
4/ 477والروض: 493).(2/157)
والمهارك ثلاثين قطعة بعدد أيام الشهر وجعل الفصوص بمثابة الافلاك، ورميها مثل تقلّبها ودورانها، والنّقط فيها بعدد الكواكب السيارة، كلّ وجهين منها سبعة:
وهي الشش ويقابله اليكّ، والبنج ويقابله الدو، والجهار ويقابله الثا وجعل ما يأتي به اللاعب من النقوش كالقضاء والقدر، تارة له وتارة عليه، وهو يصرف المهارك على ما جاءت به النقوش، إلا أنه إذا كان عنده حسن نظر عرف كيف يتالي، وكيف يتحيل على الغلب وقهر خصمه، مع الوقوف عند ما حكمت به الفصوص كما هو مذهب الأشاعرة، لكن قد وردت الشريعة بذمّه، قال صلّى الله عليه وسلّم: «من لعب بالنّردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير» وفي رواية: «ملعون من لعب بالنّردشير». وفي تحريمه عند أصحابنا الشافعية وجهان: أصحهما التحريم، والثاني الكراهة. وإذا قلنا: حرام، فالأصح أنه صغيرة، وقيل: كبيرة.
ومنها: الشّطرنج بفتح (1) الشين المعجمة أو السين المهملة لغتان، والأولى منهما أفصح وهو فارسيّ معرّب، وأصله بالفارسية شش رنك، ومعناه ستة ألوان وهي: الشاه والمراد بها الملك والفرزان، والفيل، والفرس، والرّخّ، والبيدق.
ثم الشّطرنج من أوضاع حكماء الهند وحكمهم. وضعه صصه بن داهر الهندي لبلهيب ملك الهند مساواة لأردشير بن بابك في وضعه النرد، وعرضه على حكماء زمانه فقضوا بتفضيله ثم عرضه على الملك وعرّفه أمره، فقال: احتكم عليّ، فتمنّى عليه عدد تضعيف بيوته من قمحة إلى نهاية البيوت، فاستصغر همته وأنكر عليه مواجهته بطلب نزر يسير، فقال: هذه طلبتي، فأمر له بذلك، فحسبه أرباب دواوينه فقالوا للملك: إنه لم يكن عندنا ما يقارب القليل من ذلك، فأنكر ذلك فأوضحوه له بالبرهان، فكان إعجابه بالأمر الثاني أكثر من الأوّل.
قال ابن خلّكان: ولقد كان في نفسي من هذه المبالغة شيء حتّى اجتمع بي
__________
(1) الذي في القاموس: 1/ 203أنه بكسر الشين ولا يفتح أوله. وفي اللسان: 2/ 308أن الكسر فيه أجود ليكون من باب: «جردحل».(2/158)
بعض حسّاب الإسكندرية، فأوضح لي ذلك وبيّنه وذلك أنه ذكر أنه ضاعف الأعداد إلى البيت السادس عشر، فأثبت فيه اثنين وثلاثين ألفا وسبعمائة وثمانية وستين حبة، وقال: تجعل هذه الجملة مقدار قدح، ثم ضاعف السابع عشر إلى البيت العشرين فكان فيه ويبة ثم أنتقل من الويبات إلى الأردب، ولم يزل يضعّفها حتّى انتهى في البيت الأربعين إلى مائة ألف إردب وأربعة وسبعين ألف إردب وسبعمائة واثنين وستين إردبا وثلثي إردب، وقال: هذا المقدار شونة، ثم ضاعف الشّون إلى بيت الخمسين فكانت الجملة ألفا وأربعة وعشرين شونة، وقال: هذا المقدار مدينة، ثم إنه ضاعف ذلك البيت إلى الرابع والستين، وهو نهايتها فكانت الجملة ست عشرة ألف مدينة وثلاثمائة وأربعا وثمانين مدينة، وقال: تعلم أنه ليس في الدنيا مدن أكثر من هذا العدد.
قال الصلاح الصّفدي (1) في شرح اللامية: وآخر ما اقتضاه تضعيف رقعة الشّطرنج ثمانية عشر ألف ألف ست مرات، وأربعمائة وستة وأربعون ألفا خمس مرات، وسبعمائة وأربعة وأربعون ألفا أربع مرات، وثلاثة وسبعون ألفا ثلاث مرات، وسبعمائة وتسعة آلاف مرتين، وخمسمائة وأحد وخمسون ألفا، وستمائة وخمس عشرة حبة عددا.
قال الشيخ شمس الدين الأنصاري: إذا جمع هذا العدد هرما واحدا مكعّبا، كان طوله ستين ميلا، وعرضه كذلك، وارتفاعه كذلك بالميل الذي هو أربعة آلاف ذراع.
واللعب بالشّطرنج مباح وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازيّ رحمه الله في «المهذب» (2): أن سعيد بن جبير الإمام الكبير التابعي المشهور كان يلعب
__________
(1) هو خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي: أديب مؤرخ توفي سنة 764هـ. له: «الغيث المسجم في شرح لامية العجم» «والوافي بالوفيات» (الأعلام: 2/ 315).
(2) «المهذب في الفروع» للإمام أبي إسحاق، إبراهيم بن محمد الشيرازي الشافعي المتوفى سنة 476 هـ. (كشف الظنون: 1912).(2/159)
الشّطرنج عن استدبار. وممن يضرب به المثل في لعب الشّطرنج الصّولي، وهو أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن صول تكين الكاتب (1). ويقال: إن المأمون كان لا يجيد لعب الشّطرنج، فكان يقول: عجبا مني كيف أدبّر ملك الأرض من الشرق إلى الغرب ولا أحسن تدبير رقعة ذراعين في ذراعين. ثم في حلّه عند أصحابنا الشافعية ثلاثة أوجه أصحها أنه مكروه، والثاني أنه مباح، والثالث حرام فإن اقترن به رهن من الجانبين أو أحدهما فإنه محرم بلا نزاع.
الصنف التاسع آلات الطرب وهي عدّة آلات
منها العود، وهو آلة من خشب مخرقة، له عنق ورأسه ممال إلى خلفه، وهو آلة قديمة وتسميه العرب المزهر بكسر الميم وهو أفخر آلات الطرب وأرفعها قدرا وأطيبها سماعا، حتّى يقال إنه قيل له: هل يسمع أحسن منك؟ فقال: لا، وأمال رأسه إلى خلفه فهي ممالة لأجل ذلك.
ومنها الحنك قال في «التعريف»: وهو آلة محدثة طيبة النّغمة، لذيذ السماع يقارب العود في حسنه، وشكله مباين لشكل العود، ورأسه ممال إلى أسفل، يقال إنه قيل له: هل يسمع أحسن منك؟ فقال: نعم، يريد العود.
ومنها الرّباب بفتح الراء وهي آلة مجوّفة مركب عليها خصلة لطيفة من شعر ممرّ عليها بقوس وتره من شعر فيسمع لها حسّ طيّب وأكثر من يعانيها العرب.
ومن أنواعها نوع يعبر عنه بالكمنجة لطيف القدر في تدوير، أطيب حسّا وأشجى من الرّباب.
ومنها الدّفّ بضم الدال وهو معروف، ثم إن كان بغير صنوج وهي
__________
(1) المتوفى سنة 335هـ.(2/160)
المعبر عنها في زمننا بالصراصير حلّ سماعه، أو بصنوج فالأصح كذلك.
ومنها الشّبّابة بفتح الشين وهي الآلة المتخذة من القصب المجوّف، ويقال لها: اليراع أيضا، تسمية لها باسم ما اتخذت منه، وهو اليراع يعني القصب وربما عبّر عنها بالمزمار العراقيّ، وتصحيح مذهب الشافعي رضي الله عنه يختلف فيها، فالرافعي رحمه الله يجيز سماعها والنّوويّ يمنع من ذلك.
الصنف العاشر المسكرات وآلاتها وهي عدة أشياء
منها الخمر وهي ما اتخذ من عصير العنب خاصة، وهي محرّمة بنصّ القرآن. قال تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصََابُ وَالْأَزْلََامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطََانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (1) وأبو حنيفة يبيحها للتداوي والعطش، ولم تبح عند الشافعية إلا لإساغة لقمة المغصوص خاصة، وشاربها يحدّ بالاتفاق وحكم بنجاستها تغليظا في الزجر عنها وأباح أبو حنيفة المثلّث: وهو ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، وقال بطهارته، وجرى عند أصحابنا الشافعية وجه بالطهارة.
أما المتخذ من الزبيب والتمر وما شاكله فإنما يقال له نبيذ وقد ذهب الشافعيّ رضي الله عنه إلى القول بتنجيسه والحدّ بشر به وإن لم ينته منه إلى قدر يحصل منه سكر. ومنع أبو حنيفة الحدّ في القدر الذي لا يسكر.
ثم للخمر أسماء كثيرة باعتبار أحوال، فتسمّى الخمر لانها تخمّر العقل أي تغطّيه، والحميّا لأنها تحمي الجسد، والعقار لأنها تعاقر الدّنّ أي تطول مدّتها فيه إلى غير ذلك من الأسماء التي تكاد تجاوز مائة.
ومنها الإبريق، وهو الإناء الذي يصبّ منه والإبريق في أصل اللغة ما له خرطوم يصبّ منه.
__________
(1) سورة المائدة / 90.(2/161)
ومنها القدح، وهو إناء من زجاج ونحوه يصبّ فيه من الإبريق المقدّم ذكره.
ومنها الكأس وهو القدح بعد امتلائه، ولا يسمّى كأسا إذا كان فارغا بل قدحا كما تقدّم.
ومنها الكوب بالباء الموحدة وهو الذي لا عروة له يمسك بها، أما إذا كانت له عروة فإنه يقال له كوز بالزاى المعجمة.
قلت: والعجب ممن يذهب طيّباته في حياته الدّنيا، ويفوز بما وصفه المرارة وطبعه إزالة العقل الذي به تدرك اللذة، ويفوت النعيم المقيم في دار البقاء! فقد ورد «أن من شرب الخمر في الدّنيا لم يطعمها في الآخرة».
قال العلماء: إذا رآها، لا يشتهيها ولم تطلبها نفسه، وقد وصف الله تعالى حال خمر الجنة بقوله: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدََانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوََابٍ وَأَبََارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لََا يُصَدَّعُونَ عَنْهََا وَلََا يُنْزِفُونَ} (1) وأتبع ذلك بكمال النعمة في قوله:
{وَفََاكِهَةٍ مِمََّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمََّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثََالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزََاءً بِمََا كََانُوا يَعْمَلُونَ لََا يَسْمَعُونَ فِيهََا لَغْواً وَلََا تَأْثِيماً إِلََّا قِيلًا سَلََاماً سَلََاماً} (2).
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة! فلا تحرمنا خير ما عندك بشرّ ما عندنا.
ومنها: الحشيشة التي يأكلها سفلة الناس وأراذلهم، وتسميها الأطباء بالشّهدانج، وعبر عنها ابن البيطار في مفرداته بالقنّب الهنديّ، وهي مذمومة شرعا، مضرة طبعا، تفسد المزاج، وتؤثر فيه الجفاف وغلبة السوداء، وتفسد الذهن، وتورث مساءة الأخلاق، وتحطّ قدر متعاطيها عند الناس إلى غير ذلك من الصفات الذميمة المتكاثرة. وكلام القاضي حسين يدل على أنه لا يحدّ متعاطيها وإن فسّق، فإنه قال: وغير الخمر مثل البنج وجوز ماثل والأفيون لا يحدّ متعاطيه بحال بل إن تعمّد تناوله فسّق به، وإن تناوله غلطا أو للتداوي لم يفسّق وقد
__________
(1) سورة الواقعة / 191817.
(2) سورة الواقعة / من 20إلى 26.(2/162)
أفرد ابن القسطلاني (1) الحشيشة بتصنيف سماه «تكرمة المعيشة، في ذمّ الحشيشة» ذكر الكثير من معانيها ومساوي متعاطيها، أعاذنا الله تعالى من ذلك.
النوع الثامن مما يحتاج إلى وصفه الأفلاك والكواكب، وفيه مقصدان:
المقصد الأوّل في بيان ما يقع عليه اسم الفلك وعدد أكره (2)، وما بين كل كرتين وحركة الأفلاك في اليوم والليلة
أما ما يقع عله اسم الفلك فالمراد بالأفلاك السموات. قال صاحب «مناهج الفكر» (3): تواطأت الأمم على تسمية أجرام السموات أفلاكا، وقال ابن قتيبة في «أدب الكاتب»: الفلك مدار النجوم الذي يضمها، واحتج بقوله تعالى بعد ذكر النجوم: «وكلّ في فلك يسبحون» (4) قال: وسمّي فلكا لاستدارته، ومنه قيل: فلكة المغزل لاستدارتها.
وأما شكل الفلك وهيئته، فقد اختلف علماء الهيئة في ذلك: فذكر الأكثرون منهم أنها كريّة لا مسطّحة، لأن أسرع الأشياء حركة السموات وأسرع الأشكال حركة الكرة لأنها لا تثبت على مكان من الأمكنة إلا بأصغر أجزائها.
وأما عدد أكره فقد ذكر الجمهور من علماء الهيئة أن الفلك عبارة عن تسع
__________
(1) هو محمد بن أحمد بن علي القيسي الشاطبي التوزري القسطلاني: عالم بالحديث ورجاله. توفي سنة 686هـ. وكتابه، كما ورد في كشف الظنون: 471هو «تكريم المعيشة في تحريم الحشيشة».
(2) في القاموس: الأكرة لغية في الكرة. وقد جمعها المؤلف على هذه اللغة. وفي اللسان أن: أكرا:
جمع كرة، مقلوب اللام إلى موضع الفاء.
(3) «مناهج الفكر ومناهج العبر» للشيخ جمال الدين، محمد بن إبراهيم الوطواط الكتبي المتوفى سنة 718هـ. (كشف الظنون: 1846).
(4) سورة الأنبياء / 33.(2/163)
أكر متسقة، ملتفة بعضها فوق بعض التفاف طبقات البصلة، بحيث يماسّ محدّب كلّ كرة سفلى مقعر كرة أخرى عليا إذ لا خلاء بينهما عندهم. قالوا:
وأقرب هذه الأكر إلى الأرض كرة القمر، ثم كرة عطارد، ثم كرة الزّهرة، ثم كرة الشّمس، ثم كرة المرّيخ، ثم كرة المشتري، ثم كرة زحل، ثم كرة الكواكب الثابتة، ثم كرة الفلك الأطلس وسمّي بالأطلس لأنه لا كواكب فيه، ثم الفلك المحيط، ويسمّى فلك الكل، وفلك الأفلاك، والفلك الأعلى، والفلك الأعظم، وحكى النومحسي (1) في «كتاب الآراء والديانات» أن بعض القدماء ذهب إلى أن كرة الشمس أعلى من سائر كرات الكواكب، وبعدها كرة القمر، وبعدها كرة الكواكب المتحيرة (2)، ثم كرة الكواكب الثابتة. والمتفلسفون من الإسلاميين لما حكمت عليهم نصوص الكتاب والسنة بالاقتصار على ذكر سبع سموات، زعموا أن الفلك الثامن من الأفلاك التسعة هو الكرسيّ، والفلك التاسع هو العرش. وذهب بعض القدماء من علماء الهيئة إلى أن فوق الكرة التاسعة كرة عاشرة هي المحرّكة لسائر الأكر. وذهب آخرون إلى أن وراء نهاية الأجرام السماوية خلاء لا نهاية له، وذهب بعض الفلاسفة إلى أن وراءها عالم الصورة، ثم عالم النفس، ثم عالم السياسة، ثم عالم العلّة الأولى، ويعنون به الباري تعالى عن الجهة.
والصابئة (3) يسمون هذه العوالم أفلاكا.
وأما ما بين كل كرتين، فذهب أهل الهيئة (4) إلى أنها متراصّة لا خلاء بينها،
__________
(1) أهمله في الأصل ولم نعثر عليه بعد البحث.
(2) قسم العرب الكواكب من حيث حركاتها إلى: ثابتة ومتحركة ومتحيرة. (مقدمة ابن خلدون: 907).
(3) اللفظة آرامية الأصل تدل على التطهير والتعميد وتطلق على فرقتين: الأولى جماعة المندائيين أتباع يوحنا المعمدان والثانية صابئة حرّان الذين عاشوا زمنا في كنف الإسلام. ورد ذكرهم في القرآن بجانب اليهود والنصارى مما يؤذن أنهم من أهل الكتاب. ويعدون من الروحانيين الذين يقولون بوسائط بين الله والعالم. انقرضوا في القرن الحادي عشر الميلادي بعد استيلاء الفاطميين على حرّان. (الموسوعة العربية الميسرة: 1112).
(4) الهيئة علم ينظر في حركات الكواكب ويستدل بكيفيات تلك الحركات على أشكال وأوضاع للأفلاك لزمت عنها هذه الحركات. (مقدمة ابن خلدون: 905).(2/164)
لكن قد ورد الشرع بما يخالف ذلك، فأطبق القصّاص من أهل الأثر على أن بين كلّ سماء وسماء خمسمائة سنة، وفي سنن التّرمذي أن «بين كل سماء وسماء واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة».
وأما حركة الأفلاك اليومية، فإن الفلك الأطلس المقدّم ذكره يتحرّك بما في ضمنه في اليوم والليلة حركة واحدة دوريّة على قطبين مائلين يسمّيان قطبي العالم، أحدهما (1) عظمى تقطع هذا الفلك نصفين تسمّى دائرة معدّل النهار، لأن الشمس متى حلّت بها اعتدل النهار في سائر الأقطار، وتقاطع هذه الدائرة دائرة أخرى متوهّمة تقسم هذا الفلك نصفين على نقطتين متقابلتين، يصير نصفها في شماليّ معدّل النهار ونصفها الآخر في جنوبيّه، ويسمّى منطقة البروج، وهذه الدائرة ترسمها الشمس بحركتها الخاصة في السنة الشمسية، ومن ثمّ قسمت اثني عشر قسما ويسمّى كلّ قسم منها برجا.
المقصد الثاني في ذكر الكواكب ومحلها من الأفلاك (2) وهي على ضربين
الضرب الأوّل الكواكب السبعة السيّارة
وهي زحل، والمشتري، والمرّيخ، والشّمس، والزّهرة، وعطارد، والقمر. ويتعلق القول بها من جهة مراتبها، واشتقاق أسمائها، ومقادير أبعادها من الأرض، وقدر محطّ كل كوكب منها.
__________
(1) في المواعظ للمقريزي: «ويقسم الفلك خط من دائرة تقسمه نصفين وتسمى هذه الدائرة دائرة معدل النهار» فلعل في عبارة الأصل سقطا من الناسخ.
(2) وهو علم الأزياج. وهو صناعة حسابية على قوانين عددية في ما يخص كل كوكب عن طريق حركته وما أدّى اليه برهان الهيئة في وصفه من سرعة وبطء واستقامة وغير ذلك، يعرف به مواضع الكواكب في أفلاكها. (مقدمة ابن خلدون: 907).(2/165)
فأما القمر، فمأخوذ من القمرة وهي البياض، سمي بذلك لبياضه وقد تقدّم أنّ فلكه أقرب الأفلاك إلى الأرض وهو المعبر عنه بالسماء الدّنيا، ودوره ألف ومائة وخمسة وثمانون ميلا، وهو جزء من تسعة وثلاثين جزءا من الأرض وبعده عن الأرض مائة ألف وسبعة آلاف وخمسمائة وتسعون ميلا (1). وهو يسمّى هلالا الليلة الأولى والثانية والثالثة، ثم هو قمر إلى آخر الشهر. ويسمّى في ليلة أربع عشرة: بالبدر، قيل لمبادرته الشمس (2) قبل الغروب، وقيل: لتمامه وامتلائه، كما قيل لعشرة آلاف: بدرة لأنها تمام العدد ومنتهاه. ويستسرّ ليلة في آخر الشهر وربما استسرّ ليلتين فلا يرى، بمعنى أنه يختفي فلا يرى، ويسمّى هذا الاختفاء السّرار.
وأما عطارد فمعناه النافذ في الأمور، ولذلك سمي الكاتب، وهو في الفلك الثاني بعد فلك القمر، ودور قرصه سبعمائة وعشرون ميلا، وهو جزء من اثنين وعشرين جزءا من الأرض وبعد ما بينه وبين الأرض مائتا ألف وخمسة آلاف وثمانمائة ميل.
وأما الزّهرة فمأخوذة من الزاهر وهو الأبيض، سميت بذلك لبياضها، وهي في الفلك الثالث من القمر، ودور قرصها ستة آلاف وسبعة وأربعون ميلا وهي جزء من ستة وثلاثين جزءا من الأرض وبعدها عن الأرض خمسمائة ألف وخمسة وثلاثون ألفا وستمائة وأربعة عشر ميلا.
وأما الشمس فسميت بذلك لشبهها بالشمسة وهي الواسطة التي في المخنقة، لأن الشمس واسطة بين ثلاثة كواكب سفليّة، وهي القمر وعطارد والزّهرة، وبين ثلاثة علويّة، وهي المرّيخ والمشتري وزحل، وذلك أنها في الفلك الرابع من القمر ودور قرصها مائة ألف وثمانمائة وثمانون ميلا، وهي مثل الأرض
__________
(1) قدّر الميل قديما بأربعة آلاف ذراع، وهو الميل الهاشمي. والميل برّي وبحري. ويقدر الآن الميل البري بما يساوي 1609من الأمتار، والبحري بما يساوي 1852مترا (الوسيط: 894).
(2) أي بطلوعه قبل غروب الشمس.(2/166)
مائة وستّ وستون مرة وربع وثمن مرة، وبعدها عن الأرض ثلاثة آلاف وخمسة آلاف واثنان وتسعون ألفا ومائة وثلاثة وأربعون ميلا.
وأما المرّيخ فمأخوذ من المرخ، وهو شجر تحتكّ أغصانه فتوري النار، فسمّي بذلك لشبهه بالنار في احمراره، وقيل: المرّيخ في اللغة هو السهم الذي لا ريش له، والسهم الذي لا ريش له يلتوي في سيره، فسميّ النجم المذكور بذلك لكثرة التوائه في سيره وهو في الفلك الخامس من القمر وهو مثل الأرض مرّة ونصفا، وبعده عن الأرض ثلاثة آلاف وتسعمائة ألف واثنا عشر ألفا وثمانمائة وستة وستون ميلا.
وأما المشتري فسمّي بذلك لحسنه كأنه اشترى الحسن لنفسه، وقيل: لأنه نجم الشّراء والبيع عندهم، وهو في الفلك السادس من القمر، ودور قرصه أحد وتسعون ألفا وتسعمائة وتسعة وسبعون ميلا، وهو مثل الأرض خمس وسبعون مرة ونصف وثمن مرّة وبعده عن الأرض ثمانية وعشرون ألف ألف وأربعمائة ألف وثمانية وستون ألفا ومائتا ميل.
وأما زحل فمأخوذ من زحل إذا أبطأ، سمي بذلك لبطئه في سيره وقد فسّر به بعض المفسرين قوله تعالى: {النَّجْمُ الثََّاقِبُ} (1) ودور قرصه تسعون ألفا وسبعمائة وتسعة عشر ميلا، وبعده عن الأرض ستة وأربعون ألف ألف ومائتا ألف وسبعمائة وسبعة وسبعون ميلا وأهل المغرب يسمون زحل المقاتل، ويسمون المّريخ الأحمر، ويسمّون عطارد الكاتب.
والفرس يسمون الكواكب السبعة بأسماء بلغتهم، فيسمون زحل كيوان، والمشتري تير، والمرّيخ بهرام، والشمس مهر، والزّهرة أناهيد، وعطارد هرمس، والقمر ماه.
واعلم أن لكلّ من هذه الكواكب السبعة حركتين:
إحداهما قسريّة وهي حركته بحركة فلك الكل في اليوم والليلة حركة تامة،
__________
(1) سورة الطارق / 3.(2/167)
وتسمّى الحركة السريعة.
والثانية حركة ذاتية يتحرّك فيها هو بنفسه من المغرب إلى المشرق وتسمّى الحركة البطيئة.
ويخلف الحال فيها بالسير باختلاف الكواكب، فلكل واحد منها سير يخصّه وهذه الحركة في القمر أبين لسرعة سيره، إذ يقطع الفلك بالسير من المغرب إلى المشرق في كل ثمانية وعشرين يوما مرة. وقد مثّل القدماء من الحكماء للحركتين المذكورتين بمثالين:
أحدهما بحركة السفينة براكبها إلى جهة جريان الماء وتحرك الراكب فيها إلى خلاف تلك الجهة.
والثاني تحرّك نملة تدبّ على دولاب إلى ذات الشّمال، والدّولاب يدور إلى ذات اليمين.
الضرب الثاني الكواكب الثابتة
وهي الكواكب التي في الفلك الثامن على رأي علماء الهيئة، وسميت ثابتة لأنها ثابتة بمكانها من الفلك لا تتحرك من المغرب إلى المشرق، كما تتحرك السبعة السيارة، إلا حركة يسيرة جدّا، وإنما تتحرك بحسب حركة فلك الكل بها من المشرق إلى المغرب في اليوم والليلة والذي يحتاج إلى ذكره منها الكواكب المشهورة مما تتعرّف به الأزمنة على ما تقدّم ذكره، أو ما يدخل تحت الوصف والتشبيه.
وهي ثلاثة أصناف:
الصّنف الأوّل نجوم البروج التي تنتقل فيها الشمس في فصول السنة
وهي اثنتا عشرة صورة في اثني عشر برجا، بعضها من منازل القمر،
وبعضها من صور أخرى جنوبية وشمالية، وبعضها من كواكب متفرقة لا تنسب إلى صورة.(2/168)
وهي اثنتا عشرة صورة في اثني عشر برجا، بعضها من منازل القمر،
وبعضها من صور أخرى جنوبية وشمالية، وبعضها من كواكب متفرقة لا تنسب إلى صورة.
الأوّل الحمل وهو الكبش
، وهو صورة كبش على خط وسط السماء مقدّمه في المغرب ومؤخره للمشرق، وأوّل ما يطلع منه فمه وهو الكوكب الجنوبي المنفرد من الكوكبين الشّماليين من مفصل اليد من الشّرطين (1)، وعلى قرنيه الكوكبان الجنوبيان المقتربان من الشّرطين، وعلى عينه اليمنى الكوكب الشّماليّ المضيء من الشّرطين، وعلى عينه اليسرى كوكب خفيّ بقرب الشّماليّ من الشّرطين، وعلى لحييه آخر مثله، وعلى مفصل يده الكوكبان الشّماليان اللذان على عقب الرّجل اليسرى من الثريا، وهو الذي يقال له البطين (2)، ويده وساقاه ممتدان إلى الشّمال، وكأنه إنما يظهر منه يد واحدة ورجل واحدة، والثريا (3) على طرف أليته.
الثاني الثّور
، وهو صورة ثور على خط السماء، مقدّمه إلى المشرق ومؤخره إلى المغرب، وظهره إلى الشمال، ويداه ورجلاه إلى الجنوب، وعلى مؤخره أربعة كواكب تسمّى القطع أي هي موضع ذنبه المقطوع، والدّبران (4)
وجهه، وركن الدّبران فمه، والكوكب المضيء الذي في الدّبران عينه، وكوكبان خارجان عن الدّبران فردة قرنه، وقرنه الآخر كوكب متباعد عن الدبران نفسه إلى الشّمال، وليس وجهه مستويا ولكنه شبيه بالمقطوع الذي جعل خدّه على رأس عنقه ويداه منحطتان إلى الجنوب، ويظهر منه رجل واحدة ويدان، وذنبه أبتر، والثريا خارجة عنه إلى الشّمال وكذلك اللّطخة، وهي ثلاثة أنجم تشبه الثريا بين الثريا والدّبران (5) وليستا من صورته.
__________
(1) انظر صفحة 173من هذا الجزء.
(2) انظر صفحة 174من هذا الجزء.
(3) انظر صفحة 174من هذا الجزء.
(4) انظر صفحة 174من هذا الجزء.
(5) انظر صفحة 174من هذا الجزء.(2/169)
الثالث التّوأم
: وهو المعبّر عنه في ألسنة الناس بالجوزاء. قال الحسين بن يونس الحاسب في كتابه في «هيئة الصّور الفلكية»: والناس مخطئون في ذلك وإنما الجوزاء هي الصورة المعروفة بالجبّار في الصور الجنوبية، وقدم التوأم الأيمن بعض كواكب الجبّار التي على تاجه. قال: والتوأم على خط وسط السماء جسدان ملتصقان برأسين، يظهر لكل واحد منهما يد واحدة ورجل واحدة، والرأسان في جهة المشرق، ورجلاهما في جهة المغرب، والذراع الشاميّ هو الرأسان، ويده اليمنى وهي التي في جهة الشّمال هي الذراع اليماني، والمضيء من الذّراع اليمانيّ يسمّى الشّعرى الغميصاء (1)، ويده اليسرى ممتدّة إلى التوابع.
الرابع السّرطان
: وهو صورة سرطان على وسط السماء، رأسه إلى الشّمال ومؤخره إلى الجنوب والنّثرة (2) على صدره وعيناه كوكبان خفيّان تحت النثرة يدعيان بالحمارين وزباناه (3) كوكبان فيهما خفاء، وأحدهما أضوأ من الآخر، يكونان شماليين من التوأم، ومؤخّره كفّ الأسد.
الخامس الأسد
، في وسط السماء، فمه مفتوح إلى النّثرة، وعلى رأسه كواكب مضيئة، والطّرف (4) على عنقه، والجبهة (5) على صدره، وقلبه (6) الكوكب الجنوبي المضيء من النّثرة وهو عظيم النور، وكاهله كواكب خفية خارجة عن الطّرف والجبهة إلى الشّمال، والخراتان (7) خاصرته، والصّرفة (8) ذنبه، وكفّه المتقدّمة في آخر السّرطان، وكفه الأخرى بعد هذه الكف إلى المشرق، ورجله
__________
(1) انظر صفحة 182من هذا الجزء.
(2) انظر صفحة 176من هذا الجزء.
(3) أي قرناه. من زبانى العقرب أي قرنها. (الوسيط: 388).
(4) انظر صفحة 176من هذا الجزء.
(5) انظر صفحة 176من هذا الجزء.
(6) انظر صفحة 176من هذا الجزء.
(7) انظر صفحة 176من هذا الجزء.
(8) انظر صفحة 178من هذا الجزء.(2/170)
الأولى تخرج من الكوكب القبليّ من الخراتين إلى الجنوب، والأخرى تحت هذه للمشرق، وكبده كوكب يتوسط مع الجبهة شماليّ منها، وسائر فقاراته إلى المشرق.
السادس العذراء في وسط السماء
. قال حسين بن يونس: والعرب تسميها السّنبلة وهو خطأ، وإنما هي حاملة السنبلة، ورأسها في الشّمال بميلة إلى المغرب ورجلاها في الجنوب وهي مستقبلة المشرق وظهرها إلى المغرب.
قال: ورأسها كواكب صغار مستديرة كاستدارة رأس الإنسان تكون جنوبية من كوكبي الخراتين، ومنكباها أربعة كواكب تحت هذه إلى الشرق، وجناحها الأيمن ستة كواكب كهيئة الجناح.
السابع الميزان
، وهو صورة ميزان، كفّتاها (1) إلى جهة المشرق وقبّها (2) إلى جهة المغرب، والسماك الأعزل (3) على قبّها من الجهة اليمنى ومقابله كوكب آخر على قبّها من الجهة الشّمالية، وكوكب آخر خارج من وسطها إلى المغرب على علاقتها، وهو على قصبة السّنبلة وكوكبان من الغفر (4) على محامله مع كواكب أخر وزبانيا العقرب كفّتاه.
الثامن العقرب
، وهو صورة عقرب على وسط السماء، رأسه في المغرب، وذنبه في المشرق، وإحدى رجليه في الجنوب، والأخرى في الشّمال، والغفر (5)
على رأسه، والزّبانيان اللذان هما كفّتا الميزان زبانياه، وعيناه كوكبان خفيان فيما بينهما وبين الإكليل (6) والإكليل على صدره، والقلب (7) هو قلبه، ونياط (8) القلب
__________
(1) في المصباح، الميزان مذكر ولعل تأنيث المؤلف له باعتبار أنه صورة.
(2) القبّ هو الخشبة المثقوبة التي تدور في المحور، أو الثقب يجري فيه المحور. (اللسان:
1/ 658).
(3) انظر صفحة 177من هذا الجزء.
(4) انظر صفحة 178من هذا الجزء.
(5) انظر صفحة 178من هذا الجزء.
(6) انظر صفحة 178من هذا الجزء.
(7) انظر صفحة 178من هذا الجزء.
(8) انظر صفحة 178من هذا الجزء.(2/171)
كوكبان خفيان والقلب في وسطهما، وهو خارج عنهما إلى الشّمال، والشّولة (1)
ذنبه، والكواكب التي على طرفها جبهته، وإبرته لطخة مستطيلة فيما بين الشّولة والنّعائم (2) الصادرة ففيه من منازل القمر خمس منازل، وهي الغفر، والزّبانيان (3)، والإكليل (4)، والقلب (5)، والشّولة (6) وأظهر ما تكون صورة العقرب وهو على الأنف عند الغروب، ففيه من منازل القمر ثلاث منازل: الإكليل والقلب والشولة.
التاسع القوس
، ويسمّى الرامي، ونجوم هذا البرج نصفه شبه فرس، وهو مؤخّره إلى جهة المغرب، ونصفه وجه إنسان تقوس وهو في جهة المشرق، ورأسه في الشّمال ورجلاه في الجنوب، والنّعائم الواردة على وسطه، وهو على الجسد الذي يشبه بدن القوس، وذنبه يشبه لطخة مستطيلة مع كوكب صغير تحتها والكواكب رعبان (7) أي النعائم، والبلدة (8) على مقبض القوس ويده اليمنى قابضة على رأس السهم، وهي كواكب تكون تحت لطخة صغيرة قريبة منها.
العاشر الجدي
: وهو صورة جدي مستلق على ظهره، مقدّمه في المغرب، ومؤخّره في المشرق، وظهره للجنوب ويداه ورجلاه إلى الشّمال، وهو شبيه بالمنقلب إلى القوس، وقرناه إلى بطنه، وفمه إلى القوس، وليس له إلا يد واحدة، والكوكب الشّمالي من سعد الذابح (9) أحد قرنيه، والجنوبيّ منه قرنه الآخر، وكوكب آخر خفيّ (10) تحت سهم القوس غربيّ سعد الذابح فمه، وعلى كتفيه سعد بلع، (11) وعلى وركه سعد السّعود (12)، والمضيء من سعد السعود حقّ وركه، وشق الحوت الجنوبيّ على ظهره، وطرف يده ثلاثة كواكب مضيئة بقرب اللامح فيها خفاء، وطرف رجله الكوكب المسمّى رأس الدّلو.
الحادي عشر الدّلو
، وهو صورة رجل قائم بيده دلو رأسه إلى الشّمال
__________
(1) انظر صفحة 178من هذا الجزء.
(2) انظر صفحة 179من هذا الجزء.
(3) انظر صفحة 178من هذا الجزء.
(4) انظر صفحة 178من هذا الجزء.
(5) انظر صفحة 178من هذا الجزء.
(6) كذا بالأصل ولم نهتد إلى إيضاحه.
(7) انظر صفحة 180من هذا الجزء.
(8) انظر صفحة 179من هذا الجزء.
(9) انظر صفحة 179من هذا الجزء.
(10) انظر صفحة 179من هذا الجزء.
(11) انظر صفحة 179من هذا الجزء.
(12) انظر صفحة 180من هذا الجزء.(2/172)
ورجلاه إلى الجنوب، وظهره إلى المشرق، ووجهه إلى المغرب، والكواكب التي تسمّى الخباء من سعد الأخبية (1) رأسه، ويده اليسرى من فوق رأسه حتّى تنزل إلى الدّلو الذي عن يمينه، وسعد الأخبية مرفقه الأيسر، وبطنه يسمّى الجرّة، ودلوه أربعة سعود من السّعود السبعة (2) التي ليست من منازل القمر، هي سعد ناشرة، وسعد الملك، وسعد البهام وسعد الماتح (3) وكل سعد منها كوكبان، وعلى رجله اليسرى كوكب عظيم النور، وعلى رجله اليمنى كوكب أبيض يقرب في العظم من الذي قبله، والفرع المقدّم خارج عن صورته إلى الشّمال.
الثاني عشر الحوت
: وهو صورة سمكتين إحداهما المنزلة التي تسميها أصحاب المنازل بطن الحوت وهي شمالية، والثانية جنوبية عنها وهي أطول منها وأخفى الكواكب والكواكب السبعة السيارة ترسم الجنوبية منهما بمسيرهن، وشقّ السمكة الجنوبية ثلاثة من السّعود السبعة التي من غير منازل القمر هي سعد الهمام وسعد البارع وسعد الماطر، (4)، وليس الفرغ المؤخّر (5) في جسم الحوت بل خارج عنه إلى الشّمال والمغرب.
الصنف الثاني نجوم منازل القمر التي ينتقل فيها القمر من أوّل الشهر إلى الثامن والعشرين منه
وهي ثمان وعشرون منزلة يداخل أكثرها صور البروج الاثني عشر المتقدّمة.
الأولى الشّرطان
، والشّرطان تثنية شرط، وهو العلامة، كأنه سمي بذلك لكونه علامة على طلوع الفجر عند طلوعه، وتسمىّ أيضا النّطح والناطح لأنها عند أصحاب الصور قرنا الحمل، وهما كوكبان نيّران بينهما قاب قوسين، أحدهما في
__________
(1) انظر ص: 180من هذا الجزء.
(2) ذكر في الصفحة 183أن جملة السعود هي عشرة، منها ستة ليست من منازل القمر، وكذلك أيضا في اللسان: 3/ 213والقاموس: 1/ 312حيث لم يذكر «سعد الماتح».
(3) ذكر في الصفحة 183أن جملة السعود هي عشرة، منها ستة ليست من منازل القمر، وكذلك أيضا في اللسان: 3/ 213والقاموس: 1/ 312حيث لم يذكر «سعد الماتح».
(4) ورد في الصفحة 183: «سعد مطر» وكذلك في اللسان: 3/ 213والقاموس: 1/ 312.
(5) انظر ص: 180من هذا الجزء.(2/173)
الشّمال والآخر في الجنوب إلى الجانب الجنوبيّ، ومنها كوكب ألطف منه يعدّ معه أحيانا ولذلك يسمّي بعضهم هذه المنزلة الأشراط على الجمع لا على التثنية، وهذه الثلاثة الكواكب إذا ظهرت في المشرق ظهرت كأنها مقلوبة منكّسة، وواحد منها أحمر مضيء وتحته آخر خفيّ، والثالث في الشّمال وهو أحمر مضيء.
الثانية البطين
، تصغير بطن، وإنما صغّر فرقا بينه وبين بطن الحوت الآتي ذكره في جملة المنازل، والبطين ثلاثة كواكب مثل أثافيّ القدر: وهي الشكل المثلّث الذي ينصب عليه القدر عند الطبخ، وهي على القرب منها في موضع بطن الحمل من الصورة، وواحد منها مضيء واثنان خفيان، والخفيان يطلعان قبل المضيء.
الثالثة الثّريّا
، ويسمّى النجم علما عليها، وبه فسر قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذََا هَوى ََ} (1) وهي ستة أنجم صغار يظنها الناظرين سبعة أنجم، وهي في شكل مثلث متساوي الساقين، وبين نجومها نجوم صغار جدّا كالرشاش، ومطلعها إلى الشمال عن مطلع الشّرطين والبطين، وأوّل ما يطلع منها ويغيب هو الجانب العريض دون الأفخاذ منها، وهي عند أصحاب الصور بالقرب من محل ذنب الثور المقطوع. قال ابن يونس: وليست من صورة الثور، وبعضهم يسميها ألية الحمل لقربها منه.
الرابعة الدّبران
، ويسمّى تالي النجم لكونه يطلع تلو الثريّا، وربما سمّي حادي النجم لذلك، ويسمّى أيضا المجدح وعين الثور وهذه المنزلة سبعة أنجم تشبه شكل الدال، واحد منها مضيء أحمر عظيم النّور، واسم الدّبران واقع عليه في الأصل ثم غلب عليه وعلى باقي المنزلة. وهذه الكواكب السبعة عند أصحاب الصور هي رأس الثّور، وأوّل ما يطلع منه طرف الدال، ويكون رميها إلى الجنوب وفتحها إلى الشّمال، والكوكب الأحمر المضيء هو آخر ما يطلع منها، والعرب
__________
(1) سورة النجم / 1.(2/174)
تقول للكوكبين القريبين منه: كلباه، والباقي غنمه، وربما قالوا: قلاصه (1)، ويقولون في خرافاتهم: إن الدّبران خطب الثريّا إلى القمر فقالت: ما أصنع بسبروت (2)؟ فساق إليها الكواكب المسماة بالقلاص مهرا فهربت منه فهو يطلبها أبدا، ولا يزال تابعا لها، ومن ثمّ قالوا في أمثالهم: «أوفى من الحادي (3) وأغدر من الثريّا».
الخامسة الهقعة
، سميت بذلك تشبيها بدائرة تكون في عنق الفرس، وقد مر القول عليها في الكلام على أوصاف الخيل وهي ثلاثة كواكب محابية صغار تسمّى الأثافيّ، وهي على أعلى القدم اليسرى من التوأم المعبر عنه بالجوزاء.
السادسة الهنعة
، وهي خمسة أنجم على شكل الصّولجان، أربعة منها على خط مستقيم، الثالث منها يسمّى قوس الجوزاء، والخامس منعطف الى جهة الجنوب مقدار شبر في رأى العين، وسميت هنعة لأنعطافها أخذا من قولهم:
هنعت الشيء إذا عطفته، وبعضهم يسميها التحية (4)، وهي عند أصحاب الصّور خلاف لأحد التوأمين المعبر عنهما بالجوزاء، ويقال: الهنعة قوس، الجوزاء يرمى بها ذراع الأسد، وقائل ذلك يزعم أنها ثمانية أنجم في صورة قوس، من مقبضها النجمان اللذان يقال لهما: الهنعة، وبعضهم يقول: إن الهنعة كوكبان مقترنان، الشّماليّ منهما أضوؤهما، وحذاءهما ثلاثة كواكب تسمّى التّحايي ربّما عدل القمر فنزل بها.
السابعة الذّراع
: وهي كوكبان: أحدهما نيّر والآخر مظلم، بينهما قدر سوط
__________
(1) القلاص جمع قلوص: وهي الفتيّة المجتمعة الخلق من الإبل. والقلوص أيضا ولد النعام وفرخ الحبارى. وتجمع أيضا على: قلائص. (الوسيط: 755).
(2) السّبروت لغة: الغلام الأمرد جمعها: سباريت وسبار (القاموس: 1/ 155).
(3) المراد بالحادي: الدبران، كما تقدم في كلامه وكما يشير إليه قول الشاعر: «كما وفى بقلاص النجم حاديها».
(4) الذي في القاموس واللسان: مادة «هـ ن ع» أنها «تحياة» وجمعها: تحاتى.(2/175)
في رأي العين، وفيما بينهما كواكب صغار تسميها العرب الأظفار، وسميت هذه المنزلة بالذراع لأنها عندهم ذراع الأسد وللأسد ذراعان، مقبوضة، وفيها ينزل القمر وهي جنوبية وسميت مقبوضة لأن الأخرى أرفع منها في السماء، ولهذا سميت مبسوطة، وهي مثلها في الصورة، وأصحاب الصور يجعلون هذه الذراع في صورة الكلب الأصغر، وربما عدل القمر عن المقبوضة فنزل بها.
الثامنة النّثرة
، وهي لطخة كقطعة سحاب يجعلها أصحاب الصّور على صدر السّرطان وسميت نثرة لأن إلى جانبها نجمين صغيرين هما عند العرب على منخري الأسد، وتسميهما الحمارين، وقيل إنها لما كانت أمام جبهة الأسد شبهت بشيء نثره من أنفه، ويقال إنها فم الأسد ومنخراه، وتسمّى اللهاة أيضا وتشبّه بالمعلف.
التاسعة الطّرف
، وهي كوكبان خفيان مقترنان بين يدي الجبهة، سميا بذلك لموقعهما موقع عيني الأسد، وقدّامهما ستة كواكب صغار تسميها العرب الأشفار، أثنان منها في نسق الطّرف، والأربعة البواقي بين يديه.
العاشرة الجبهة
، ثلاثة كواكب نيرة قد عدل أوسطها إلى الشرق، فهي لذلك على شكل مثلّث مستطيل القاعدة قصير الساقين، وإلى الجنوب عنها نجم أحمر مضيء جدّا يسمّى قلب الأسد يرسمه المنجمون في الاسطرلاب (1)، وأصحاب الصور يجعلون الجبهة على كتف الأسد.
الحادية عشرة الخراتان
، وتسمّى الزّبرة وعرف الأسد والزبرتين، وهما كوكبان نيّران بينهما في رأي العين مقدار ذراعين، وهما معترضان ما بين المشرق
__________
(1) أو: الإصطرلاب، بالصاد وضم الطاء، وهي يونانية الأصل من «استرلابوس» أطلقت على عدة آلات فلكية تنحصر في ثلاثة انواع رئيسية بحسب ما إذا كانت تمثل مسقط الكره السماوية على سطح مستو أو مسقط هذا المسقط على خط مستقيم أو الكره بذاتها بلا أي مسقط ما. (دائرة المعارف الإسلامية: 3/ 300).(2/176)
والمغرب، يمتدّان عند التوسط مع خط الاستواء، وسميا الخراتين تشبيها بثقبين في السماء، ومنه خرت الإبرة، وتحت هذين النجمين تسعة أنجم صغار. وسميت الزّبرة لشعر يكون فوق ظهر الأسد مما يلي خاصرته، وعدّوا الجميع أحد عشر كوكبا، منها نجمان هما الخراتان والتسعة الشعر.
الثانية عشرة الصّرفة
، وهي كوكب نيّر، وهو عند أصحاب الصور قنب الأسد، والقنب: وعاء القضيب، وبالقرب من هذا الكوكب سبعة أنجم صغار طمس ملاصقة له، وسمّي هذا الكوكب بالصّرفة لانصراف الحرّ عند طلوعه مع الفجر من المشرق، وانصراف البرد إذا غرب مع الشمس ويقال الصّرفة ناب الدّهر لأنّها تفترّ عن فصل الزمانين، ويشكّل مع الخراتين مثلّثا له زاوية قائمة وإحدى ساقيه أطول من الأخرى وفي قاعدته قصر.
الثالثة عشرة العوّاء
، وهي خمسة كواكب نيّرة على شكل (1) لام، وكان اعتبر ابتداؤها من الشّمال وعطفها من جهة الجنوب، لكن المصطف منها أربعة والمنعطف واحد، ويقال لها أيضا وركا الأسد، وتشبهها العرب بكلاب تعوي خلف الأسد لأنها وراءه، ولذلك سميت العوّا، وأصحاب الصور يجعلونها في السّنبلة على صدرها.
الرابعة عشرة السّماك
، وهو السّماك الأعزل: وهو كوكب نيّر يميل لونه إلى الزّرقة، وسمي سماكا لكونه قريبا من سمت الرأس، وسمت الرأس أعلى ما يكون من الفلك، وسمته العرب الأعزل لأنه يطلع إلى جانبه نجم مضيء يسمونه السّماك الرامح لكوكب صغير بين يديه، والأعزل لا شيء بين يديه ففرق بينهما، وأحدهما جنونيّ، وهو المنزلة، وأصحاب الصّور يثبتون السماكين: الأعزل والرامح في صورة العذراء، وهي السنبلة، والعرب تجعلهما ساقي الأسد، وربما عدل القمر فنزل بعجز الأسد، وهو أربعة كواكب بين يدي السّماك الأعزل يقال لها عرش
__________
(1) في اللسان: 15/ 110 «كأنها كتابة ألف ويقال كأنها نون».(2/177)
السّماك، وتسمّى أيضا الخباء، والأحمال، والغراب وهذه المنزلة حدّ ما بين المنازل اليمانية والمنازل الشامية، فما كان أسفل من مطلعه فهو يماني وهو شق الجنوب، وما كان فوقه فهو شامي وهو شقّ الشّمال.
الخامسة عشرة الغفر
، ثلاثة كواكب خفية على خطّ فيه تقويس، وسميت بذلك لخفائها، مأخوذة من المغفرة التي تستر الذّنب وتخفيه يوم القيامة، ومنه المغفر الذي فوق الرأس، وقيل لأنها زبانى العقرب، وقيل مأخوذة من الغفرة وهي الشعر الذي في طرف ذنب الأسد، وأصحاب الصور يجعلونها بين ساقي الأسد.
السادسة عشرة الزّبانان
، وهما كوكبان نيّران هما عند العرب يد العقرب يترس بهما: أي يدفع عن نفسه، وأصحاب الصّور يجعلونهما كفّتي الميزان، وبينهما في رأي العين قدر قامة الرجل.
السابعة عشرة الإكليل
، وهو ثلاثة كواكب مجتمعة في خفاء الغفر، مصطفّة معترضة، بين كل كوكب وكوكب منها قدر ذراع في رأي العين، سميت بذلك لأنها فوق جبهة العقرب كالتاج، وهي عند أصحاب الصّور على عمود الميزان.
الثامنة عشرة القلب
، وهو كوكب أحمر نيّر مضطرب قريب من الجبهة بين كوكبين خفيين تسميهما العرب نياطي القلب أي علاقتيه، وسمّته أصحاب الصّور قلبا لوقوعه موضع القلب من صورة العقرب، والقلوب أربعة هذا أحدها، والثاني قلب السمكة، والثالث قلب الثور، والرابع قلب الأسد. وحيث ذكر القلب على الإطلاق دون إضافة فالمراد قلب العقرب هذا.
التاسعة عشرة الشّولة
، وهي كواكب متقاطرة على تقويس في برج العقرب أشبه شيء بذنب العقرب إذا شالته، ولذلك سميت الشّولة، وفي الشولة كوكبان خفيّان ملتصقان يظهران كأنهما كوكب واحد مشقوق يسميان الإبرة والحمة، وخلفهما نجم صغير لا يزايلهما يقال له التابع. وقال قوم: إنما ينزل القمر الشّولة على المحاذاة ولا ينحط إليها لأنها منحدرة عن طريقه، وربما نزل بالسفار فيما بين القلب والشّولة، وهي ستة كواكب بيض منعطفة.(2/178)
العشرون النّعائم
، وكواكبها ثمانية، منها أربعة يمانية نيّرة تشكل مربّعا فيه أطراف تسمى الواردة وهي المنزلة، وسميت واردة: لأنها لما كانت قريبة من المجرّة شبهت بنعام وردت نهرا، والأربعة الأخرى تسمّى النعائم الصادرة، لأنها لما كانت بعيدة من المجرّة شبهت بنعام وردت ثم صدرت، والواردة التي هي المنزلة عند أصحاب الصّور واقعة في يد الرامي الذي يجذب بها القوس.
الحادية والعشرون البلدة
، وهي فرجة في السماء مستديرة شبه الرّقعة ليس فيها كواكب، والبلدة في كلام العرب الفرجة من الأرض، ويقال لصدر الإنسان:
البلدة، لأنها قطعة مستطيلة، ويدل عليها ستة كواكب مستديرة صغار خفية تشبه القوس، وبعضهم يسميها الأدحيّ لأن بالقرب منها كواكب تسميها العرب البيض لقربها من النعائم، وربما عدل القمر فنزل بالأدحيّ، وأصحاب الصور يجعلون البلدة على جبهة الرامي.
الثانية والعشرون سعد الذّابح
، وهو كوكبان صغيران بينهما في رأي العين أقلّ من قدر ذراع، أحدهما مرتفع في ناحية الشّمال والآخر منخفض في ناحية الجنوب، سمي سعدا لا نهمال الأمطار في أيام طلوعه، وسمي ذابحا لقوّة البرد في إبّان طلوعه فتموت المواشي ببرده، وقيل سمي ذابحا لأن بالقرب من نجمه الشّماليّ نجما صغيرا كأنه ملتصق به، تقول العرب: هو شاته التي تذبح، ولذلك جعلوا الذابح صفة لسعد بخلاف سائر السعود، فإنها يضاف إليها ما بعدها كما قاله الزجاج (1) في مقدمة أدب الكاتب (2) وأصحاب الصّور يثبتون هذا السعد في موضع قرني الجدي من الصورة.
الثالثة والعشرون سعد بلع
، وهو نجمان أيضا يشبهان سعدا الذابح في
__________
(1) هو عبد الرحمن بن إسحاق النهاوندي الزجّاجي: شيخ العربية في عصره. توفي سنة 337هـ.
(الأعلام: 3/ 299).
(2) لأبي محمد، عبد الله بن مسلم، المعروف بابن قتيبة النحوي المتوفى سنة 270هـ. وقد شرحه الزجاج المذكور (كشف الظنون: 48والأعلام: 3/ 299).(2/179)
المسافة التي بينهما، لكن أحد الكوكبين خفيّ وهو الذي بلعه، وهذا السعد عند أصحاب الصّور على كعب ساكب الماء القريب من صورة الدّلو، وسمي بلع لأنه في أيام طلوعه تغيض الأنهار وتزيد الآبار، فكأن الأرض ابتلعت ماءها، وقيل لأنه يطلع في الوقت الذي قيل فيه «يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي» (1) زمن نوح (عليه السلام).
الرابعة والعشرون سعد السّعود
، وعدّته كوكبان أيضا على ما تقدّم في السعدين من البعد، وقيل هو ثلاثة كواكب أحدها نيّر والآخران دونه في النور وأصحاب الصّور يثبتونه على صدر ساكب الماء القريب من صورة الدّلو، وربما قصر القمر فنزل سعد ناشرة، وهو أسفل من سعد السعود، ويسمّي أصحاب الصور نجميه بالمحبّين، وهما في مؤخر الجدي، ومنهم من يثبت سعد السعود نجما واحدا.
الخامسة والعشرون سعد الأخبية
، والناس مختلفون فيه، فمنهم من يقول:
إنه كوكب واحد حوله ثلاثة كواكب مثلثة تشبه رجل بطّة والكوكب هو السعد والثلاثة الخباء، ومنهم من يجعل الكوكب الذي في وسط الثلاثة عمود الخباء، وهو عند أصحاب الصّور على الكتف الشرقية من جسد ساكب الماء، وسمي سعد الأخبية لخروج المخبّات فيه من الثمار والحشرات، وكانت العرب تتبرك به لاخضرار العود فيه.
السادسة والعشرون الفرغ المقدم
، ويقال فيه مقدّم الدّلو والفرغ الأوّل والفرغ الأعلى وعرقوة الدّلو العليا، وهو كوكبان نيّران بينهما في رأى العين نحو من خمسة أذرع وأصحاب الصّور يزعمون أن الشّماليّ منهما على متن الفرس.
السابعة والعشرون الفرغ المؤخّر
، ويقال له مؤخر الدّلو السفلي، وهو كوكبان يشبهان ما تقدّم، أحدهما شماليّ والآخر جنوبيّ، وهما عند أصحاب
__________
(1) سورة هود / 44.(2/180)
الصّور على مؤخر الفرس، وربما قصر القمر فنزل في الكرب الذي في وسط العراقي، وربما نزل ببلدة (1) الثعلب.
الثامنة والعشرون الحوت
، وهو آخر المنازل، ويقال لها السّمكة، وتسمى الرّشاء أيضا، وهي ثمانية عشر كوكبا تشكل شكل سمكة رأسها في جهة الشّمال وذنبها في جهة الجنوب، وفي الشرقّي منها كوكب نيّر يسمى سرّة الحوت، وبطن الحوت، وبطن السمكة، وقلب السمكة، وربما عدل القمر فنزل بالسمكة الصّغرى، وهي من السمكة الكبرى في الشّمال مثل صورتها إلا أنها أعرض منها وأقصر، وأصحاب الصّور يجعلون الكوكب النّيّر من الحوت في حدّ المرأة المسلسلة، ورأسها هو الشّمالي من الفرع المؤخّر.
الصنف الثالث من النجوم الثوابت ما ليس داخلا في شيء من البروج ومنازل القمر مما هو مشهور.
مما ذكرته العرب في شعرها وشبهت به وضربت به الأمثال وهي عدّة نجوم:
منها بنات نعش، وهي سبعة أنجم على القرب من القطب الشّماليّ، منها أربعة في صورة نعش وثلاثة أمامه مستطيلة وهي المعبّر عنها بالبنات، وتعرف هذه ببنات نعش الكبرى، وبالقرب منها سبعة أنجم على شكلها.
ومنها الجدي الذي تعرف به القبلة، وهو نجم صغير على القرب من القطب الشّماليّ يستدلّ به على موضع القطب، ويقال له جدي بنات نعش الصغرى.
ومنها الفرقدان، وهما كوكبان متقاربان معدودان في بنات نعش.
ومنها السّها، وهو كوكب خفيّ في بنات نعش الكبرى، والناس يمتحنون به أبصارهم لخفائه.
__________
(1) انظر الصفحة 179من هذا الجزء.(2/181)
ومنها السّماك الرامح، وهو غير الأعزل المقدّم ذكره في منازل القمر، سمي رامحا لكوكب يقدمه، تقول العرب: هو رمحه بخلاف الأعزل فإنه الذي لا رمح معه.
ومنها النّسر الواقع، وهو ثلاثة أنجم كأنها أثافي، سمي الواقع لأنهم يجعلون اثنين منه جناحيه ويقولون: قد ضمهما إليه كأنه طائر وقع.
ومنها النّسر الطائر، سمي بذلك لأنهم يجعلون اثنين منه جناحيه ويقولون:
قد بسطهما كأنه طائر، والعامّة تسميه الميزان.
ومنها الكفّ الخضيب، وهو كف الثّريّا المبسوطة، ولها كف أخرى يقال لها الجذماء، وهي أسفل من الشّرطين.
ومنها العيّوق، وهو في طرف المجّرة الأيمن، وعلى أثره ثلاثة كواكب بيّنة يقال لها الأقلام، وهي من مواقع العيّوق.
ومنها سهيل، وهو كوكب أحمر منفرد عن الكواكب، ولقربه من الأفق كأنه أبدا يضطرب، وهو من الكواكب اليمانية، قال ابن قتيبة: ومطلعه عن يسار مستقبل قبلة العراق. قال: وهو يرى في جميع أرض العرب، ولا يرى في شيء من بلاد أرمينية.
ومنها الشّعريان: العبور، وكانت تعبد في الجاهلية بقوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى ََ} (1) وهي في الجوزاء، والشّعرى الغميصاء، ومع كل واحدة منهما كوكب يقال له المرزم.
ومنها سعد ناشرة، وسعد الملك، وسعد البهام، وسعد الهمام، وسعد البارع، وسعد مطر، وكل سعد منها كوكبان، بين كل كوكبين في رأي العين قدر ذراع فهي متناسقة، وهذه السعود الستة غير السعود الأربعة المتقدّمة في منازل
__________
(1) سورة النجم / 49.(2/182)
القمر تكون جملة السعود عشرة (1).
فإذا عرف الكاتب أحوال الأفلاك والكواكب وأسماءها وصفاتها، عرف كيف يصفها عند احتياجه إلى وصفها، وكيف يعبّر عنها عند جريان ذكرها كما قال بعضهم يمدح بعض الرؤساء:
لا زلت تبقى وترقى للعلا أبدا ... ما دام للسبعة الأفلاك أحكام
مهر وماه وكيوان وتير معا ... وهرمس وأناهيد وبهرام
مشيرا بذلك إلى ذكر الأفلاك السبعة، وما لها من الكواكب السبعة السيارة بالأسماء الفارسية المقدّم ذكرها.
وكما قال الطّغرائي (2) في لامية العجم:
وإن علاني من دوني فلا عجب ... لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل
مشيرا إلى كون فلك زحل أعلى من فلك الشمس لما تقدّم أنها في الرابع، وهو في السابع.
وكما قال بعضهم يصف خضرة السماء وما لها من الكواكب:
كأنّ سماءنا والشّهب فيها ... وأصغرها لأكبرها مزاحم
بساط زمرّد نثرت عليه ... دنانير يخالطها دراهم
وكما قال ذو الرّمة (3) وقد ذكر الثريّا:
__________
(1) في الصفحة 172و 173عدّ أحد عشر سعدا. وأغفل هنا «سعد الماتح».
(2) هو الحسين بن علي بن محمد: شاعر من الوزراء الكتاب. اتهم بالإلحاد والزندقة فقتله السلطان محمود أخو السلطان مسعود بن محمد السلجوقي سنة 513هـ. (الأعلام: 2/ 246).
(3) هو غيلان بن عقبة بن بهيش، وإنما سمي ذا الرمة بقوله في الوتد:
لم يبق منها أبد الأبيد ... غير ثلاث ماثلات سود
وغير مرضوخ القفا موتود ... أشعث باقي رمّة التقليد
(الشعر والشعراء: 265).(2/183)
يدفّ على آثارها دبرانها ... فلا هو مسبوق ولا هو يلحق
بعشرين من صغرى النجوم كأنها ... وإيّاه في الخضراء لو كان ينطق
قلاص حداها راكب متعمّم ... إلى الماء من جوز التّنوفة مطلق
مشيرا إلى ما تقدّم من خطبة الدّبران الثريّا وهربها منه وإمهاره إياها بالقلائص، هي النجوم التي حولها.
وكما قال أبو الفرج الببّغا (1) ذاكرا حال مختف يرجى له الظهور:
ستخلص من هذا السّرار وأيّما ... هلال توارى في السّرار فما خلص
مشيرا بذلك إلى حالة تواري القمر حالة السّرار ثم خلوصه عند إهلاله.
النوع التاسع مما يحتاج الكاتب إلى وصفه العلويّات مما بين السماء والأرض، وهي على أصناف
الصنف الأوّل الريح
وهي مؤنثة، يقال هبّت الريح تهبّ هبوبا، وتجمع على رياح، وقد دل الاستقراء على أنها حيث وردت في القرآن الكريم في معرض العذاب، كانت بلفظ الإفراد، وحيث وردت في معرض الرحمة كانت بلفظ الجمع. قال تعالى في جانب العذاب: فأرسلنا عليهم الرّيح العقيم (2) وقال: {إِنََّا أَرْسَلْنََا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} (3) وقال في جانب الرحمة: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيََاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ}
__________
(1) هو عبد الواحد بن نصر بن محمد المخزومي: شاعر مشهور وكاتب مترسل توفي سنة 398هـ.
(الأعلام: 4/ 177).
(2) نص الآية: 41من الذاريات «وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم».
(3) سورة القمر / 19.(2/184)
{رَحْمَتِهِ} (1) وقال جلّت قدرته: {اللََّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيََاحَ فَتُثِيرُ سَحََاباً} (2) إلى غير ذلك من الآيات. ومن ثمّ كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا اشتدّت الريح قال: «اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» وقد ورد القرآن الكريم بأن الله تعالى هو الذي يرسلها، قال تعالى: {اللََّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيََاحَ فَتُثِيرُ سَحََاباً} (3).
وذهبت الفلاسفة إلى أنها تحدث عن الطبيعة، وأن سبب ذلك دخان يرتفع من الأرض فيضربه البرد في ارتفاعه فيتنكّس ويتحامل على الهواء ويحرّكه الهواء بشدّة فيحصل الريح.
وأصول الرياح أربعة:
الأولى «الصّبا»: وهي التي تأتي من المشرق، وتسمّى القبول أيضا، لأنها في مقابلة مستقبل المشرق.
قال في صناعة الكتّاب (4): وأهل مصر يسمونها الشرقية، لأنها تأتي من مشرق الشمس، وهي التي نصر بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب كما أخبر صلّى الله عليه وسلّم بقوله:
«نصرت بالصّبا».
الثانية «الدّبور»: ومهبّها من مغرب الشمس إلى حدّ القطب الجنوبيّ، وسميت الدّبور لأن مستقبل المشرق يستدبرها، وتسمّى الغربية لهبوبها من جهة المغرب، وبها هلكت عاد كما أخبر عليه السلام بقوله: «وأهلكت عاد بالدّبور».
الثالثة «الشّمال»: ويقال فيها شمال وشمأل وشامل وشأمل مهموزا وغير مهموز ومهبّها من حدّ القطب الشماليّ إلى مغرب الشمس، وسميت شمالا لأنها على شمال من استقبل المشرق.
__________
(1) سورة الأعراف / 57.
(2) سورة الروم / 48.
(3) سورة الروم / 48.
(4) لأبي جعفر النحاس المتوفى سنة 338هـ. (الأعلام: 1/ 208).(2/185)
قال في صناعة الكتّاب: وتسمى البحرية لأنها يسار بها في البحر على كل حال.
الرابعة «الجنوبية»: ومهبّها من حدّ القطب الأسفل إلى مطلع الشمس وتسمّى بالديار المصرية: القبليّة، لأنها تأتي من القبلة فيها، وتسمّى بها أيضا المريسيّة لأن في الجهة القبلية بلاد المريس (1)، وهم ضرب من السّودان، وهي أردأ الرياح عند أهل مصر. وقال النحاس (2): وكل ريح جاءت من مهبّي ريحين تسمّى النّكباء، سميت بذلك لأنها نكبت عن مهابّ هذه الرياح وعدلت عنها.
قال في «فقه اللغة» (3): وإذا جاءت بنفس ضعيف وروح فهي النسيم، وإن ابتدأت بشدّة قيل لها: النافجة فإن حركت الأغصان تحريكا شديدا وقلعت الأشجار قيل: زعزع فإن جاءت بالحصباء قيل: حاصبة فإذا هبّت من الأرض كالعمود نحو السماء قيل لها: إعصار. وقد ورد بها القرآن في قوله تعالى:
{فَأَصََابَهََا إِعْصََارٌ فِيهِ نََارٌ} (4) والعامّة تسميها: الزّوبعة، ويزعمون أن الشيطان هو الذي يثيرها، ومن ثمّ سماها الترك نعيم بك يعني الشيطان فإذا كانت باردة، فهي: الصّرصر. وقد وقع ذكرها في قوله تعالى: {إِنََّا أَرْسَلْنََا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} (5)، فإذا لم تلقح شجرا ولم تحمل مطرا، فهي العقيم. وقد قال تعالى في قصة عاد: {إِذْ أَرْسَلْنََا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} (6) كانت لا مطر فيها.
الصنف الثاني السحاب
وهو الأجرام التي تحمل المطر بين السماء والأرض ينشئها الله سبحانه
__________
(1) في معجم البلدان: 5/ 118: «المريسة» وهي جزيرة في بلاد النوبة، كبيرة يجلب منها الرقيق.
(2) انظر الصفحة السابقة، الحاشية 3.
(3) لعبد الملك بن محمد بن إسماعيل، أبي منصور الثعالبي المتوفى سنة 429هـ. ولابن فارس القزويني كتاب يحمل نفس الاسم. (كشف الظنون: 1288والأعلام: 4/ 163).
(4) سورة البقرة / 266.
(5) سورة القمر / 19.
(6) سورة الذاريات / 41.(2/186)
وتعالى كما أخبر بقوله: {وَيُنْشِئُ السَّحََابَ الثِّقََالَ} (1) ويسوقها إلى حيث يشاء، كما ثبت في الصحيح أنّ رجلا سمع صوتا من سحابة: اسق حديقة فلان.
وذهب الحكماء إلى أنه بخار متصاعد من الأرض مرتفع من الطبقة الحارّة إلى الطبقة الباردة فيثقل ويتكاثف وينعقد فيصير سحابا.
قال الثعالبيّ في «فقه اللغة»: وأوّل ما ينشأ يقال له: النّشء فإذا انسحب في الهواء، قيل له: سحاب فإذا تغيرت به السماء، قيل له: غمام، فإن سمع صوت رعده من بعيد قيل فيه: عقر فإذا أظل، قيل: عارض.
وقد أخبر تعالى عن قوم عاد بقوله: {فَلَمََّا رَأَوْهُ عََارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قََالُوا هََذََا عََارِضٌ مُمْطِرُنََا} (2) فإن كان بحيث إذا رؤي ظنّ أنّ فيه مطرا قيل له:
مخيّلة فإن كان السحاب أبيض قيل له: مزن فإذا هراق ما فيه قيل: جهام، وقيل الجهام: هو الذي لا مطر فيه.
وقد أولع أهل النظم والنثر بوصفه وتشبيهه.
الصنف الثالث الرعد
وهو صوت هائل يسمع من السحاب، وقد اختلف في حقيقته فروي أنه صوت ملك يزجر به السحاب، وقيل غير ذلك والنصيرية من الشّيعة يزعمون أنه صوت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه حيث زعموا أنّ مسكنه السحاب وذهبت الفلاسفة إلى أنه دخان يتصاعد من الأرض ويرتفع حتّى يتصل بالسحاب ويدخل في تضاعيفه ويبرد فيصير ريحا في وسط الغيم، فيتحرّك فيه بشدّة فيحصل منه صوت الرعد، ويقال منه: رعدت السماء فإذا زاد صوتها،
__________
(1) سورة الرعد / 12.
(2) سورة الأحقاف / 24.(2/187)
قيل: ارتجست فإذا زاد قيل: أرزمت ودوّت فإذا اشتدّ قيل: قصفت وقعقعت فإذا بلغ النهاية قيل: جلجلت وهدهدت.
الصنف الرابع البرق
وهو ضوء يرى من جوانب السحاب، وقد اختلف فيه أيضا فروي أنّ الرعد صوت ملك يزجر به السحاب وأنّ البرق ضحكه والنصيرية من الشّيعة يزعمون أنه ضحك أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه أيضا، والفلاسفة يقولون: إنه دخان يرتفع من الأرض حتّى يتصل بالسحاب كما تقدّم في الرعد، ثم تقوى حركته فيشتعل من حرارة الحركة الهواء والدخان فيصير نارا مضيئة وهو البرق ويقال:
ومض البرق إذا لمع لمعانا قويّا، وأومض إذا لمع لمعانا خفيّا فإن أطمع في المطر ثم ظهر أن لا مطر فيه قيل: خلّب.
الصنف الخامس المطر
وهو الماء الذي يخلقه الله تعالى في السحاب ويسوقه إلى حيث يشاء، وقد ذهب الحكماء إلى أنه بخار يتصاعد من الأرض أيضا فيه أو في حرارة الشمس أو فيهما (1) فيجتمع، وربما أعانت الريح على جمعه بأن تسوق البعض إلى البعض حتّى يتلاحق فإذا انتهى إلى الطبقة الباردة تكاثف وصار ماء وتقاطر كالبخار الذي يتصاعد من القدر وينتهي إلى غطاء القدر، وعند أدنى برودة ينعقد قطرات.
ثم للمطر زمان يكثر فيه، وزمان يقلّ فيه وقد رتب العرب ذلك على أنواء الكواكب التي هي منازل القمر، وجعلوا لكل منها نوءا ينسب إليه.
قال أبو حنيفة الدّينوريّ (2) «في كتاب الأنواء الكبير»: كانت العرب تقول: لا بد
__________
(1) كذا بالأصل. ولعل الصواب: من الأرض أيضا أو من حرارة الشمس أو منهما».
(2) هو أحمد بن داوود المتوفى سنة 282هـ.: مهندس مؤرخ نباتي قال عنه أبو حيان التوحيدي: جمع بين حكمة الفلاسفة وبيان العرب». (الأعلام: 1/ 123وكشف الظنون: 1399).(2/188)
نوء كوكب من أن يكون فيه مطر، أو ريح، أو غيم، أو حر، أو برد، ينسبون ما كان فيه من ذلك إليه وقد اختلف في معنى النّوء فذهب ذاهبون إلى أنّ النّوء في اللغة:
النّهوض وذهب الفرّاء (1) إلى أنه: السّقوط والميلان وذهب آخرون إلى أنه يطلق على النهوض والسقوط جميعا، على أنهم متفقون أنّ العرب كانت ترى الأمر للسقوط دون الطلوع، فمن ذهب إلى أن المراد بالنّوء: السقوط، يجريه على بابه، ومن ذهب إلى أنّ المراد بالنوء: النهوض، يقول: إنما سمي نوءا لطلوع الكوكب لا لسقوط الساقط، ومنهم من يطلق النّوء على السقوط وإن كان موضوعه في اللغة النهوض من باب التفاؤل، كما يقال للديغ (2): سليم، وللمهلكة: مفازة، على أنّ بعضهم قد ذهب إلى أنّ الكوكب ينوء بمعنى ينهض ثم يسقط، فإذا سقط فقد مضى نوؤه ودخل نوء الكوكب الذي بعده.
قال أبو حنيفة الدّينوري: وهو التأويل المشهور الذي لا ينازع فيه لأنّ الكوكب إذا سقط النجم الذي بين يديه أطلّ هو على السّقوط، وكان أشبه حالا بحال الناهض. وقد عدّها أبو حنيفة ثمانية وعشرين نوءا بعدد منازل القمر المتقدّمة الذكر، وذكر أن بعضها أجهر وأشهر من بعض.
الأوّل «نوء الشّرطين»، وهو ثلاث ليال، وأثره محمود عندهم.
الثاني «نوء البطين»، وهو ثلاث ليال، وليس بمذكور عندهم ولا محمود.
قال ابن الأعرابي (3): يقال إنه ما ناء البطين والدّبران أو أحدهما فكان له نظر، إلا كاد ذلك العام يكون جدبا.
__________
(1) هو يحيى بن زياد المعروف بالفراء: إمام الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة والأدب. توفي سنة 207 هـ. (الأعلام: 8/ 145).
(2) الدّيغ: الذي عمّه المرض. (اللسان: 8/ 425).
(3) هو محمد بن زياد، الراوية النسّابة العالم باللغة. مات بسامراء سنة 231هـ. (الأعلام:
6/ 131).(2/189)
الثالث «نوء الثريّا»، وهو خمس ليال وقيل سبع وأثره محمود عندهم مشهور.
الرابع «نوء الدّبران»، وهو ثلاث ليال وقيل ليلة وليس بمحمود عندهم، ولم يسمع في أشعارهم له ذكر.
الخامس «نوء الهقعة»، وهو ست ليال، ولا يذكرون نوءها إلا بنوء الجوزاء التي الهقعة رأسها، والجوزاء مذكورة النوء مشهورة.
السادس «نوء الهنعة»، وهو ثلاث ليال لا يكاد ينفرد عن نوء الجوزاء.
السابع «نوء الذّراع المقبوضة» وهي خمس ليال وقال ابن كناسة (1):
ثلاث ليال، وهو أوّل أنواء الأسد، وأثره محمود عندهم موصوف وربما نسب إلى المرزم، وهو أحد كوكبي الذراع المذكورة، وربما نسب إلى الشّعرى الغميصاء، وهو كوكبها الآخر الذي هو أنور من المرزم وقد ذكر العرب مع الذراع المقبوضة الذراع المبسوطة فتجمعهما معا في النوء، وهما لا ينوءان معا، بل ولا يطلعان معا، لكن لكثرة صحبة إحداهما للأخرى في الذكر واجتماعهما في اسم واحد مع تجاورهما وكونهما عضوي صورة واحدة، وهي صورة الأسد.
الثامن «نوء النّثرة»، وهو سبع ليال، وله عندهم ذكر مشهور.
التاسع «نوء الطّرفة»، وهو ست ليال، ولم يسمع به مفردا لغلبة الجبهة الآتية الذكر عليه.
العاشر «نوء الجبهة»، وهو سبع ليال، وذكره مشهور لديهم.
الحادي عشر «نوء الزّبرة»، ونوءها أربع ليال، وقلما تنفرد لغلبة الجبهة عليها أيضا.
الثاني عشر «نوء الصّرفة»، وهو ثلاث ليال، ولا يكاد يوجد لها ذكر عندهم في أشعارهم.
__________
(1) هو محمد بن عبد الله المازني الأسدي: من شعراء الدولة العباسية كان عالما بالعربية وأيام الناس.
توفي سنة 207هـ. (الأعلام: 6/ 221).(2/190)
الثالث عشر «نوء العوّاء»، وهو ليلة واحدة، وليس من الأنواء المشهورة.
الرابع عشر «نوء السّماك الأعزل»، وهو أربع ليال، وله ذكر مشهور، وكثيرا ما يذكر معه السّماك الرامح، وليس له نوء معه، ولكنهما متقاربان في الطلوع، وحينئذ فإفراد السّماك الرامح بالنوء خطأ.
الخامس عشر «نوء الغفر»، وهو ثلاث ليال، وقيل ليلة، وما بينه وبين نوء الهنعة المتقدّمة الذكر من أنواء الأسد، وهي ثمانية أنواء: أوّلها الذراع، وآخرها نوء السماك وليس له في السماء نظير في كثرة الأنواء.
السادس عشر «نوء الزّبانى»، وهو ثلاث ليال.
السابع عشر «نوء الإكليل»، وهو أربع ليال.
الثامن عشر «نوء القلب»، وهو ليلة واحدة، وليس بمحمود.
التاسع عشر «نوء الشّولة»، وهو ثلاث ليال، وقلما يذكر.
العشرون «نوء النعائم»، وهو ليلة واحدة، وليس له ذكر.
الحادي والعشرون «نوء البلدة»، وهو ثلاث ليال، وقيل ليلة.
الثاني والعشرون «نوء سعد الذابح»، وهو ليلة واحدة.
الثالث والعشرون «نوء سعد بلغ»، وهو ليلة واحدة.
الرابع والعشرون «نوء سعد السعود»، وهو ليلة، وليس بمحمود، ولا مذكور.
الخامس والعشرون «نوء سعد الأخبية»، وهو ليلة واحدة.
السادس والعشرون «نوء الفرغ المقدّم»، وهو أربع ليال، وله ذكر مشهور.
السابع والعشرون «نوء الفرغ المؤخر»، وهو أربع ليال، وله ذكر أيضا.
الثامن والعشرون «نوء الحوت»، وهو ليلة واحدة، وليس بالمذكور من
حيث إنه يغلب عليه ما قبله وما بعده فلا يذكر.(2/191)
الثامن والعشرون «نوء الحوت»، وهو ليلة واحدة، وليس بالمذكور من
حيث إنه يغلب عليه ما قبله وما بعده فلا يذكر.
قال أبو حنيفة الدّينوريّ: والأيام في هذه الأنواء تابعة لليالي لتقدّم الليل عليها، قال: وإنما جعلوا لهذه النجوم أنواء موقوتة وإن لم تكن جميع فصول السنة مظنّة الأمطار، لأنه ليس منها وقت إلا وقد يكون فيه مطر.
وقال ابن قتيبة: أوّل المطر الوسميّ، سمي بذلك لأنه يسم الأرض بالنبات، ثم الربيع، ثم الصيف، ثم الحميم.
قال الثعالبيّ عن أبي عمرو: إقبال الشتاء الخريف، ثم الوسميّ، ثم الربيع، ثم الصيف، ثم الحميم.
الصنف السادس الثلج
وهو شيء ينزل من الهواء كالقطن المندوف فيقع على الجبال وعلى سطح الأرض فتذيب الشمس منه ما لا قته شدّة حرارتها، ويبقى في أماكن مخصوصة من أعالي الجبال بالأمكنة الباردة جميع السنة وقد ذكر الحكماء أنه بخار يتصاعد من الأرض إلى الهواء كما يتصاعد المطر فيصيبه برد شديد قبل أن ينعقد قطرات فيتساقط أجزاء لطيفة، ثم ينعقد بالأرض إذا نزل إليها ويوصف بشدّة البرد وشدّة البياض، وسيأتي الكلام على ما ينقل منه من الشأم إلى ملوك الديار المصرية في خاتمة الكتاب إن شاء الله تعالى.
الصنف السابع البرد بفتح الراء
وهو حب يسقط من الجوّ وقد ذكر الحكماء أنه بخار يتصاعد من الأرض أيضا ويرتفع في الهواء فلا تدركه البرودة حتّى يجتمع قطرات، ثم تدركه حرارة من الجوانب فتنهزم برودتها إلى مواطنها فتنعقد وحبّ هذا البرد متفاوت المقادير، منه ما هو قدر الحمّص فما دونه، ومنه ما هو فوق ذلك ويذكر أنه يقع منه ما هو
بقدر بيض الحمام والدّجاج.(2/192)
وهو حب يسقط من الجوّ وقد ذكر الحكماء أنه بخار يتصاعد من الأرض أيضا ويرتفع في الهواء فلا تدركه البرودة حتّى يجتمع قطرات، ثم تدركه حرارة من الجوانب فتنهزم برودتها إلى مواطنها فتنعقد وحبّ هذا البرد متفاوت المقادير، منه ما هو قدر الحمّص فما دونه، ومنه ما هو فوق ذلك ويذكر أنه يقع منه ما هو
بقدر بيض الحمام والدّجاج.
قال الحكماء: ولا يتصوّر وقوعه إلا في الخريف والربيع ويوصف بما يوصف به الثلج من شدّة البرد وشدّة البياض، ويشبّه به أسنان الإنسان الناصعة البياض.
الصنف الثامن قوس قزح
وهو قوس يظهر في الجوّ من حمرة وخضرة وقد ورد النهي عن تسميته قوس قزح، وتسميته قوس الله، لأن قزح اسم للشيطان.
قال الحكماء: والسبب فيه أن الهواء إذا صار رطبا بالمطر مع أدنى صقالة صار كالمرآة، والمحاذي له إذا كان الشمس في قفاه يرى الشمس في الهواء كما يرى في الشمس المرآة، ويشتبك ذلك الضوء بالبخار الرطب فيتولد منه هذا القوس.
قال الحكماء: ويكون له ثلاثة ألوان، يعنون حمرة بين خضرتين أو خضرة بين حمرتين، وربما لا يكون اللون المتوسط، ويكون مرتفعا ارتفاعا قريبا من الأرض فإن كان قبل الزوال رؤي ذلك القوس في المغرب، وإن كان بعد الزوال رؤي في المشرق، وإن كانت الشمس في وسط السماء، فلا يمكن أن يرى إلا قوسا صغيرا في الشتاء إن اتفق.
وفيه تشبيهات للشعراء يأتي ذكرها في آخر المقالة العاشرة إن شاء الله تعالى.
الصنف التاسع الهالة
وهي الدائرة التي تكون حول القمر. قال الحكماء: والسبب فيها أن الهواء المتوسط بين البصر وبين القمر صقيل رطب، فيرى القمر في جزء منه، وهو
الجزء الذي لو كان فيه مرآة لرؤي القمر فيها، ثم الشيء الذي يرى في مرآة من موضع لو كانت فيه مراء كثيرة محيطة بالبصر، وكانت موضوعة على تلك النسبة فيرى الشيء في كل واحدة من المرائي، فإذا تواصلت المرائي رؤي في الكل، فترى حينئذ دائرة.(2/193)
وهي الدائرة التي تكون حول القمر. قال الحكماء: والسبب فيها أن الهواء المتوسط بين البصر وبين القمر صقيل رطب، فيرى القمر في جزء منه، وهو
الجزء الذي لو كان فيه مرآة لرؤي القمر فيها، ثم الشيء الذي يرى في مرآة من موضع لو كانت فيه مراء كثيرة محيطة بالبصر، وكانت موضوعة على تلك النسبة فيرى الشيء في كل واحدة من المرائي، فإذا تواصلت المرائي رؤي في الكل، فترى حينئذ دائرة.
ولأهل النظم والنثر فيها وصف وتشبيه.
الصنف العاشر الحرّ
وسلطانه أواخر فصل الربيع وأوائل فصل الصيف، والسبب فيه مسامتة الشمس للرؤوس، فتشتد ثاثرة في الهواء وجرم الأرض، لا سيما الحجاز وما في معناه.
وأهل النظم والنثر مولعون بوصف شدّة حره.
الصنف الحادي عشر البرد
وسلطانه أواخر فصل الخريف وأوائل فصل الشتاء.
وأهل النظم والنثر مكثرون من ذكره ووصفه، حتّى إنه ربما أفرد بعض الناس ما قيل فيه وفي وصفه بالتصنيف.
الصنف الثاني عشر الهباء
وهو الذي يحصل من ضوء الشمس عند مقابلتها كوّة يدخل منها الضوء، فيكون شبه عمود ممتدّ من الكوّة إلى حيث يقع ضوء الشمس من الأرض، وفيه أجزاء لطيفة متفاوتة تحسّ بالنظر دون اللمس وقد شبه الله تعالى به أعمال الكفّار في القيامة فقال جل من قائل: {وَقَدِمْنََا إِلى ََ مََا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنََاهُ هَبََاءً
مَنْثُوراً} (1) ومن الناس من يزعم أن الواحدة من أجزائه هي المراد بالذّرّة المذكورة في القرآن بقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (2).(2/194)
وهو الذي يحصل من ضوء الشمس عند مقابلتها كوّة يدخل منها الضوء، فيكون شبه عمود ممتدّ من الكوّة إلى حيث يقع ضوء الشمس من الأرض، وفيه أجزاء لطيفة متفاوتة تحسّ بالنظر دون اللمس وقد شبه الله تعالى به أعمال الكفّار في القيامة فقال جل من قائل: {وَقَدِمْنََا إِلى ََ مََا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنََاهُ هَبََاءً
مَنْثُوراً} (1) ومن الناس من يزعم أن الواحدة من أجزائه هي المراد بالذّرّة المذكورة في القرآن بقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقََالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (2).
ولأهل النظم والنثر أيضا فيه الوصف والتشبيه.
النوع العاشر مما يحتاج الكاتب إلى وصفه الأجسام الأرضية، وهي على أصناف
الصنف الأوّل الجبال، والأودية، والقفار
فأما «الجبال» فهي أوتاد الأرض، أرسى الله تعالى بها الأرض حيث مادت لمّا دحاها الله تعالى على الماء. وقد روي أن الكعبة كانت رابية حمراء طافية على وجه الماء قبل أن يدحو الله الأرض، وأن الأرض منها دحيت، فلما مادت وأرسيت بالجبال كان أوّل جبل أرسي منها جبل أبي قبيس بمكة المشرّفة، فلذلك هو أقرب الجبال من الكعبة مكانا. وقد نقل أن قاف جبل محيط بالدنيا (3) عنه تتفرّع جميع جبال الأرض، والله أعلم بحقيقة ذلك. وتوصف الجبال بالعظمة في القدر والعلوّ وصعوبة المسلك، وما يجري مجرى ذلك.
وأما «الأودية» فهي وهاد في خلال الجبال جعلها الله تعالى مجاري للسيل ونبات الزرع ومدارج الطّرق وغير ذلك. وتوصف بالاتساع وبعد المسافة والعمق، وربما وصفت بخلاف ذلك.
وأما «القفار» فهي: البراري المتسعة الأرجاء الخالية من الساكن. وتوصف
__________
(1) سورة الفرقان / 23.
(2) سورة الزلزلة / 87.
(3) قال الإمام النووي أن الواحدي نقل هذا القول عن أكثر المفسرين. (تهذيب الأسماء واللغات:
4/ 108).(2/195)
بالسّعة وبعد السمافة وقلة الماء والإيحاش وصعوبة المسلك، وما يجري مجرى ذلك.
الصنف الثاني المياه الأرضية وهي على ضربين
الضرب الأوّل الماء الملح
ووقع في لغة الإمام الشافعيّ رضي الله عنه الماء المالح وهو أحد العناصر الأربعة، وسيأتي في الكلام على الأرض في المقالة الثانية أنه محيط بالأرض من جميع جهاتها إلا ما اقتضته الحكمة الإلهية لعمارة الدنيا من كشف بعض ظاهرها الأعلى، وأنه تفرّعت منه بحار منبثّة في جهات الأرض لتجري السفن فيها بما ينفع الناس.
وقد ذكر الحكماء أن في الماء الملح كثافة لا توجد في الماء العذب، ومن أجل ذلك لا ترسب فيه الأشياء الثقيلة كما ترسب في الماء العذب، حتّى يقال: أن السفن التي تغرق في البحر الملح لا تبلغ أرضه بخلاف التي تغرق في الأنهار فإنها تنزل إلى قعرها، وشاهد ذلك أنك إذا طرحت في الماء العذب بيضة دجاجة ونحوها غرقت فيه، فإذا أذبت في ذلك الماء ملحا بحيث يغلب على الماء وطرحت فيه البيضة عامت، وقد اختلف في الماء الملح هل هو كذلك من أصل الخلقة أو عرضت له الملوحة بسبب مالاقاه من سبخ الأرض على مذهبين. ومن خصائص البحر الملح أنه في غاية الصّفاء حتّى إنه يرى ما في قعره على القرب من شطّه.
ويوصف البحر بالسّعة والطول والعرض وكثرة العجائب حتّى يقال في المثل:
«حدّث عن البحر ولا حرج».
الضرب الثاني الماء العذب
قالت الحكماء: والسبب فيه أن الأبخرة تتصاعد من قعر الأرض فتدخل في
الجبال وتحتبس فيها ولا تزال تتكامل ويتحصل منها مياه عظيمة فتنبعث لكثرتها.(2/196)
قالت الحكماء: والسبب فيه أن الأبخرة تتصاعد من قعر الأرض فتدخل في
الجبال وتحتبس فيها ولا تزال تتكامل ويتحصل منها مياه عظيمة فتنبعث لكثرتها.
وهو على ثلاثة أنماط:
النّمط الأوّل «ماء الأنهار»
، وهي ما بين صغار وكبار وقريبة المدى وبعيدته وقد وردت الأخبار بأن أفضلها خمسة أنهار، وهي: سيحون (1)، وجيحون (2)، والدّجلة، والفرات، ونيل مصر، والنيل أفضل الخمسة وأعذبها وأخفّها ماء على ما سيأتي ذكره في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى. وفي الأنهار الكبار تسير السفن.
النمط الثاني «العيون»
، وهي مياه تنبع من الأرض وتعلو إلى سطح الأرض ثم تسرح في قنيّ (3) قد حفرت لها، وهي منبثة في كثير من الأقطار.
النمط الثالث «البئار»
(4)، وهي حفائر تحفر حتّى ينبع الماء من أسفلها ويرتفع فيها ارتفاعا لا يبلغ أعلاها. وقد اختلف في الماء الذي نبع من الأرض هل هو الذي نزل من السماء أو غيره، فذهب ذاهبون إلى أنه هو الذي نزل من السماء محتجين لذلك بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنََا مِنَ السَّمََاءِ مََاءً بِقَدَرٍ} (5) الآية. وذهب آخرون إلى أن الذي نبع من الأرض غير الذي نزل من السماء محتجين بقوله تعالى: {فَفَتَحْنََا أَبْوََابَ السَّمََاءِ بِمََاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً} (6) ويوصف الماء للاستحسان بالعذوبة، والصفاء، والرقة، والخفّة، وشدّة البرد وفي معناه الشّبم، ويشبّه في شدّة البرد بالزّلال وهو ما يتربّى داخل الثّلج في تجاويف توجد فيه فيكون من أشدّ الماء بردا،
__________
(1) وهو نهر سرداريا، وسيحون اسمه العربي. طوله حوالي 2090كلم. يتكون في جمهورية «أوزبك» السوفياتية ويصب في بحر «آرال». (الموسوعة العربية الميسرة: 977).
(2) ومن أسمائه أيضا: آموداريا. واسمه القديم: أكسوس. طوله 2523كلم ويصب في بحر آرال.
(دائرة المعارف الإسلامية: 13/ 100والموسوعة: 228).
(3) مفردها: قناة وجمعها: قنوات وقنا أما «قني» فهي جمع الجمع. (اللسان: 15/ 204).
(4) مفردها: بئر والجمع: أبآر وآبار أما «بئار» فهي جمع التكثير. (اللسان: 4/ 37).
(5) سورة المؤمنون / 18.
(6) سورة القمر / 1211.(2/197)
الصنف الثالث النبات وفيه ثلاثة مقاصد
المقصد الأوّل في أصل النبات
قد ذكر المسعوديّ في مروج الذهب: أنّ آدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض خرج من الجنة ومعه ثلاثون قصيبا مودعة أصناف الثمر، منها عشرة لها قشر وهي الجوز، واللّوز، والجلّوز (1)، والفستق، والبلّوط، والشاه بلّوط (2)، والصّنوبر، والنّارنج، والرّمّان، والخشخاش ومنها عشرة لثمرها نوى وهي الزّيتون، والرّطب، والمشمش، والخوخ، والإجّاص، والغبيراء (3)، والنّبق (4)، والعنّاب، والمخّيطى (5)، والزّعرور ومنها عشرة ليس لها قشر ولا نوى وهي التّفّاح، والسّفرجل، والكمّثري، والعنب، والتّين، والأترجّ، والخرنوب، والتّوت، والقثّاء، والبطّيخ.
المقصد الثاني فيما تختص به أرض دون أرض من أنواع النبات
إعلم أن النبات منه ما يوجد في كثير من الآفاق، ومنه ما يختصّ ببعض الأماكن دون بعض، وقد حكى أبو بكر بن وحشيّة في كتاب الفلاحة النبطيّة: أن
__________
(1) وهو البندق: (الوسيط: 129).
(2) ويسمى أيضا: القسطل وهو شجر من الفصيلة البلوطية له ثمر كثير النشاء، يؤكل مشويّا ويعرف في مصر بأبي فروة. (الوسيط: 501و 734).
(3) جنس نبات شجري من الفصيلة الوردية، فيه أنواع حرجية وأخرى تزرع للتزيين أو لثمارها.
(الوسيط: 643).
(4) شجرة من الفصيلة السدرية قليلة الارتفاع أغصانها ملس بيض اللون تحمل أوراقا ملسا، وثمرتها حلوة تؤكل. (الوسيط: 898).
(5) في القاموس: 2/ 399 «المخاطة كثمامة وجمّيز» فلعل فيه لغة ثالثة. وهي شجرة من الفصيلة المخاطية لها ثمر مخاطيّ لها ثمر مخاطيّ يستعمل اليوم في صنع دبق الطيور.(2/198)
ببلاد سجلماسة من جنوبي بلاد المغرب الأقصى شجرة ترتفع نصف قامة أو أرجح، ورقها كورق الغار، إذا عمل منها إكليل ولبسه الرجل على رأسه ومشى أو عدا أو عمل عملا لم ينم ما دام ذلك الإكليل على رأسه، ولا يناله من ضرر السّهر وضعف القوّة ما ينال من سهر وعمل.
وفي بلاد إفرنجة (1) شجرة إذا قعد الإنسان تحتها نصف ساعة مات، وإن مسّها ماسّ أو قطع منها غصنا أو ورقة أو هزّها مات.
قلت: ومما يختصّ بأرض دون أرض البلسان وهو: شجرة لطيفة على نحو ذراع تتفرع فروعا، لا تنبت في سائر الدنيا إلا في الديار المصرية بموضع مخصوص من بلدة يقال لها المطرية، على القرب من مدينة عين شمس، وتسقى من بئر هناك ويقال: إنه اغتسل فيها المسيح عليه السلام، ولذلك النصارى يعظمون البلسان ويتبرّكون به.
المقصد الثالث في ذكر أصناف النبات التي أولع الكتّاب والشعراء بوصفها وتشبيهها، وهي على أضرب
الضرب الأوّل ما له ساق
وهو الشجر، وأكثر ما أولع أهل النظم والنثر بثمارها أو نورها في الوصف والتشبيه نثرا ونظما، كاللّوز، والفستق، والجلّوز وهو البندق، والشاة بلّوط وهو القصطل، والصّنوبر، والرّمّان، والجلّنار، والإجّاص، والقراصيا، والزّعرور
__________
(1) عند ما يتحدث القلقشندي عن اللاتين الغربيين يطلق عليهم بصفة عامة: الفرنج أو طائفة الإفرنج كما يطلق على عناصرهم المختلفة عبارة أمم الفرنج أو ممالك الفرنج. وفرنسا هي إفرنجة والمسيحيون الأسبان هم إفرنج أسبانيا الخ وهذا يعني أن مفهوم كلمة «الفرنج» عنده ينسحب على جميع أهل الغرب اللاتيين. (راجع القلقشندي وكتابه صبح الأعشى: ص 180).(2/199)
والخوخ، والمشمش، والعنّاب، والنّبق، والعنب، والتّين، والتّوت، والتّفّاح، والسّفرجل، والكمّثري، واللّفّاح (1)، والخرّوب، والأترجّ، والنارنج، واللّيمون، والطّلع (2)، والبلح، والبسر (3)، والتمر، والرّانج وهو جوز الهند والتّجّار يسمّونه النارجيل. وربما وقع الوصف والتشبيه لبعض أصول الشجر، كالنخل والكرم وغيرها.
الضرب الثاني ما ليس له ساق
وقد أولعوا بالوصف والتشبيه منه، فمن ذلك: الزرع من البرّ والشعير ونحوهما، ويتبع ذلك نور الباقلاء، وكذلك الخشخاش، والكتّان، والبطّيخ الهندي وهو الأخضر، والخراساني وهو العبدلي نسبة إلى عبد الله بن طاهر (4)، فإنه أوّل من نقله من خراسان إلى مصر، والبطّيخ الصيني وهو الأصفر، والرسنيتو وهو المعروف باللّفّاح، والقثّاء، والخيار، والباذنجان، والسّلجم وهو اللّفت، والجزر، والثّوم، والبصل، والكرّاث، والرّيباس، والهليون، والنّعناع، وغير ذلك.
الضرب الثالث الفواكه المشمومة
والذي أولع بوصفه وتشبيهه منه الورد على اختلاف ألوانه: من أحمر، وأبيض، وأصفر، وأزرق، وأسود والنّسرين، والبان، والخلاف (5) والنّيلوفر،
__________
(1) نبت عشبي معمر سام طبي، من الفصيلة الباذنجانية. ويسمى البيروح. ينبت في بعض أنحاء الشام.
(الوسيط: 832).
(2) غلاف يشبه الكوز ينفتح عن حبّ منضود فيه مادة إخصاب النخلة. وهو أيضا ما يبدو من ثمرة النخلة أول ظهورها.
(3) ثمر النخل قبل أن يرطب. (الوسيط: 56).
(4) أمير خراسان ومن أشهر الولاة في العصر العباسي. توفي بنيسابور سنة 230هـ. (الأعلام:
4/ 93).
(5) وهو الصفصاف.(2/200)
والبنفسج، والنّرجس، والياسمين، والآس، والزّعفران، والرّيحان.
الضرب الرابع الأزهار
والذي وقع الولوع بوصفه وتشبيهه من ذلك الخيريّ وهو المنثور من أصفر أو أزرق، والسّوسن، والآذريون وهو ورد أصفر له ريح، والخزم وهو الخزامى، والشّقيق (1)، ويسمّى: الشقاق، ويقال له: شقائق النّعمان، لأن النّعمان بن المنذر حمى ظهر الكوفة وبه هذا النبات فعرف به، والبهار وهو نور أحمر، والأقحوان، وغير ذلك.
الضرب الخامس الرياض
وهي الأماكن المشتملة على الأشجار، والأزهار، والمياه الجارية ونحو ذلك. وقد اتفق جوّابو الأرض على أن منتزهات (2) الأرض أربعة مواضع وهي:
سغد سمرقند (3)، وشعب بوّان (4)، ونهر الأبلّة (5)، وغوطة (6) دمشق.
وقد أكثر الشعراء في وصف الرياض وولع الكتّاب بمثل ذلك.
__________
(1) لعله: والشقيقة. ففي اللسان: 10/ 181أن الشقائق لا واحد له أو واحدته شقيقة، وعلل لذلك.
(2) كذا بالأصل. وفي كتب اللغة: «متنزهات» بتقديم التاء على النون.
(3) وهي ناحية كثيرة المياه نضرة الأشجار، فيها قرى كثيرة بين بخارى وسمرقند، وربما قيلت بالصاد.
(معجم البلدان: 3/ 222).
(4) بأرض فارس بين أرّجان والنوبندجان. (معجم البلدان: 1/ 503).
(5) الأبلّة: بلدة على شاطىء دجلة. (معجم البلدان: 1/ 77).
(6) من: الغائط، وهو المطمئن من الأرض. والغوطة مجتمع النبات. وغوطة دمشق هي الكورة التي فيها دمشق. (معجم البلدان: 4/ 219).(2/201)
الطرف الثالث من الباب الأوّل من المقالة الأولى في صنعة الكلام، ومعرفة كيفية إنشائه، ونظمه، وتأليفه، وفيه مقصدان
المقصد الأوّل [في الأصول التي يبنى الكلام عليها وهي سبعة أصول]
الأصل الأوّل [المعرفة بالمعاني، والنظر فيه من وجهين]
الوجه الأوّل [في شرف المعاني، وفضلها]
إعلم أن المعاني من الألفاظ بمنزلة الأبدان من الثّياب، فالألفاظ تابعة، والمعاني متبوعة، وطلب تحسين الألفاظ إنما هو لتحسين المعاني، بل المعاني أرواح الألفاظ وغايتها التي لأجلها وضعت، وعليها بنيت فاحتياج صاحب البلاغة إلى إصابة المعنى أشدّ من احتياجه إلى تحسين اللفظ، لأنه إذا كان المعنى صوابا واللفظ منحطّا ساقطا عن أسلوب الفصاحة كان الكلام كالإنسان المشوّه الصورة مع وجود الرّوح فيه، وإذا كان المعنى خطأ كان الكلام بمنزلة الإنسان الميّت الذي لا روح فيه ولو كان على أحسن الصّور وأجملها.
قال الوزير ضياء الدين بن الأثير في «المثل السائر» (1): ومما رأيته من المدّعين لهذا الفن الذين حصلوا منه على القشور، وقصروا معرفتهم على الألفاظ المسجوعة الغثّة، التي لا حاصل وراءها، أنهم إذا أنكرت هذه الحالة عليهم وقيل لهم: إنّ الكلام المسجوع ليس عبارة عن تواطؤ الفقر على حرف واحد فقط، إذ لو كان عبارة عن هذا وحده لأمكن أكثر الناس أن يأتوا به من غير كلفة، وإنما هو أمر وراء هذا، وله شروط متعدّدة، فإذا سمعوا ذلك أنكروه لخلوّهم عن معرفته،
__________
(1) «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» لابن الأثير الجزري المتوفى سنة 637هـ.(2/202)
وإذا أنكر عليهم الاقتصار على الألفاظ المسجوعة، وهدوا إلى طريق المعاني، يقولون: لنا أسوة بالعرب الذين هم أرباب الفصاحة فإنهم إنما اعتنوا بالألفاظ، ولم يعتنوا بالمعاني إعتناءهم بالألفاظ. فلم يكفهم جهلهم فيما أرتكبوه حتّى ادّعوا الأسوة بالعرب فيه فصارت جهالتهم جهالتين. قال: ولم يعلموا أن العرب، وإن كانت تعتني بالألفاظ فتصلحها وتهذّبها فإن المعاني أقوى عندها، وأكرم عليها، وأشرف قدرا في نفوسها.
ولما كانت الألفاظ عنوان المعاني وطريقها إلى إظهار أغراضها أصلحوها، وزيّنوها وبالغوا في تحسينها، ليكون ذلك أوقع لها في النفس، وأذهب بها في الدّلالة على القصد. ألا ترى أن الكلام إذا كان مسجوعا لذّ لسامعه فحفظه، وإذا لم يكن مسجوعا لم يأنس به أنسه في حالة السجع فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظهم وحسنوها ورقّقوا حواشيها وصقلوا أطرافها، فلا تظنّ أن العناية أذ ذاك إنما هي بالألفاظ فقط، بل هي خدمة منهم للمعاني، فصار ذلك كإبراز صورة الحسناء في الحلل الموشّاة والأثواب المحبّرة، فإنا قد نجد من المعاني الفاخرة ما شوّه من حسنه بذاذة لفظه وسوء العبارة عنه.
قال أبو هلال العسكري رحمه الله: ومن عرف ترتيب المعاني واستعمل الألفاظ على وجوهها بلغة من اللّغات ثم انتقل إلى لغة أخرى تهيأ له فيها من صنعة الكلام ما تهيأ له في الأولى. ألا ترى أن عبد الحميد الكاتب استخرج أمثلة الكتابة التي رسمها لمن بعده من اللسان الفارسيّ، وحوّلها إلى اللسان العربيّ. فلا يكمل لصناعة الكلام إلا من تكمّل لإصابة المعنى وتصحيح اللفظ والمعرفة بوجوه الاستعمال.
قال في «المثل الثائر»: واعلم أن المعاني الخطابية قد حصرت أصولها، وأول من تكلم في ذلك حكماء اليونان غير أن الحصر كليّ لا جزئيّ، ومحال أن تحصر جزئيات المعاني وما يتفرّع عليها من التفريعات التي لا نهاية لها، لا جرم أن ذلك الحصر لا يستفيد بمعرفته صاحب هذا العلم، ولا يفتقر إليه فإن البدويّ
الباديّ راعي الإبل ما كان يمرّ شيء من ذلك بفهمه، ولا يخطر بباله، ومع هذا فإنه كان يأتي بالسّحر الحلال إن قال شعرا أو تكلم نثرا.(2/203)
قال في «المثل الثائر»: واعلم أن المعاني الخطابية قد حصرت أصولها، وأول من تكلم في ذلك حكماء اليونان غير أن الحصر كليّ لا جزئيّ، ومحال أن تحصر جزئيات المعاني وما يتفرّع عليها من التفريعات التي لا نهاية لها، لا جرم أن ذلك الحصر لا يستفيد بمعرفته صاحب هذا العلم، ولا يفتقر إليه فإن البدويّ
الباديّ راعي الإبل ما كان يمرّ شيء من ذلك بفهمه، ولا يخطر بباله، ومع هذا فإنه كان يأتي بالسّحر الحلال إن قال شعرا أو تكلم نثرا.
قال: ولقد فاوضني بعض المتفلسفين في هذا، وانساق الكلام إلى شيء ذكره لأبي عليّ بن سينا في الخطابة والشّعر، وذكر ضربا من ضروب الشعر اليوناني يقال له اللوغاذيا، وقام فأحضر كتاب الشفاء لأبي عليّ ووقفني على ما ذكره، فلما وقفت عليه استجهلته، فإنه طوّل فيه وعرّض كأنه يخاطب بعض اليونان، وكل هذا الذي ذكره لغو لا يستفيد به صاحب الكلام العربيّ شيئا، ثم مع هذا جميعه فإن معوّل القوم فيما يذكر من الكلام الخطابيّ أنه يورد على مقدّمتين ونتيجة (1)، وهذا مما لم يخطر لأبي عليّ بن سينا ببال فيما صاغه من شعر أو كلام مسجوع عمله، وعند إفاضته في صوغ مصاغه لم تخطر المقدّمتان والنتيجة له ببال، ولو أنه فكّر أوّلا في المقدّمتين والنتيجة، ثم أتى بنظم أو نثر بعد ذلك، لما أتى بشيء ينتفع به، ولطال الخطب عليه.
قال: بل إن اليونان أنفسهم لما نظموا ما نظموه من أشعارهم، لم ينظموه في وقت نظمه وعندهم فكرة في مقدمتين ولا نتيجة، وإنما هذه أوضاع توضع وتطول بها مصنّفات كتبهم في الخطابة والشعر، وهي كما يقال:
قعاقع ليس لها طائل ... كأنّها شعر الأبيوردي (2)
__________
(1) وهو ما يسمى في المنطق الأرسطي «بالقياس الاقتراني الحملي» وهو قول يتكون من مقدمة كبرى ومقدمة صغرى ونتيجة تلزم بالضرورة عنهما.
(2) قال صاحب الأعلام إنه شاعر عالي الطبقة. وهو محمد بن أحمد القرشي الأموي المتوفى 507هـ.
ونسبته إلى «أبيورد» بخراسان. (الأعلام: 5/ 316).(2/204)
الوجه الثاني في تحقيق المعاني ومعرفة صوابها من خطئها، وحسنها من قبحها.
وقد قسم صاحب الصناعتين (1) المعاني على خمسة أصناف
الصنف الأوّل ما كان من المعاني مستقيما حسنا
، كقولك رأيت زيدا وهو أعلى الأنواع الخمسة وأشرفها قال في «الصناعتين»: والمعنى الصحيح الثابت ينادي على نفسه بالصحة، ولا يحوج إلى التكلّف لصحته حتّى يوجد المعنى فيه خطيبا.
فأما المعنى المستقيم الجزل من النظم، فمن الوعظ قول النّمر بن تولب (2)
يذم طول الحياة:
يودّ الفتى طول السّلامة والغنى ... فكيف ترى طول السلامة يفعل (3)
يكاد (4) الفتى بعد اعتدال وصحّة ... ينوء إذا رام القيام ويحمل
وقول أبي العتاهية في الوعظ بزوال العز والنعمة بالموت:
وكانت في حياتك لي عظات ... وأنت اليوم أوعظ منك حيّا!
وفي وصف الأيام قول أبي تمّام:
على أنها الأيّام قد صرن كلّها ... عجائب حتّى ليس فيها عجائب
ومن المدح قول أمية بن أبي الصّلت:
عطاؤك (5) زين لأمريء إن حبوته ... بسيب وما كلّ العطاء يزين
__________
(1) كتاب صناعتي النظم والنثر أو كتاب الصناعتين لأبي هلال الحسن بن عبد الله العسكري المتوفى سنة 395هـ. (كشف الظنون: 1082).
(2) كان شاعرا جوادا، ويسمى الكيّس لحسن شعره. أدرك الإسلام فأسلم. (الشعر والشعراء: 141).
(3) في الصناعتين: 44: «تفعل».
(4) في الصناعتين: 44: «يرد».
(5) المخاطب الممدوح هنا هو عبد الله بن جدعان. (كتاب الصناعتين: 48).(2/205)
وليس بشين لأمريء بذل وجهه ... إليك كما بعض السّؤال يشين
وقول أبي تمام:
يستعذبون مناياهم كأنّهم ... لا ييأسون من الدّنيا إذا قتلوا
وقول الآخر:
هم الألى وهبوا للمجد أنفسهم ... فما يبالون ما نالوا إذا حمدوا
ومن الفخر قول معن بن أوس (1).
لعمرك ما أهديت (2) كفّي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي!
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي!
وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة ... من الدّهر إلا قد أصابت فتى قبلي!
ولست بماش ما حييت لمنكر ... من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي!
ولا مؤثر (3) نفسي على ذي قرابة ... وأوثر ضيفي ما أقام، على أهلي!
وقول الآخر:
ولست بنظّار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر
وقول الشنفرى (4):
أطيل مطال (5) الجوع حتّى أميته ... وأضرب عنه القلب صفحا فيذهل
ولولا اجتناب العار لم يلف مشرب ... يعاش به إلا لديّ ومأكل
__________
(1) شاعر من الفحول، من مخضرمي الجاهلية والإسلام. وهو صاحب «لامية العجم» التي أولها:
لعمري ما أدري وإني لأوجل ... على أيّنا تعدو المنية أوّل.
(معجم الشعراء: 399والأعلام: 7/ 273).
(2) في الصناعتين: 61 «ما أهويت».
(3) في نفس المرجع: «ولا مؤثرا».
(4) هو عمرو بن مالك الأزدي القحطاني: من فحول الطبقة الثانية. وهو من الشعراء الصعاليك.
(الأعلام: 5/ 85).
(5) من: المطل وهو التسويف (اللسان: 11/ 624).(2/206)
ومن الغزل قول جرير:
إن العيون التي في طرفها حور (1) ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللّبّ حتّى لا حراك به (2) ... وهنّ أضعف خلق الله أركانا
وقول النظام (3):
توهّمه طرفي فآلم خدّه ... فصار مكان الوهم من نظري أثر
وصافحه قلبي فآلم كفّه ... فمن صفح قلبي في أنامله حفر
ومرّ بفكري خاطرا فجرحته ... ولم أر خلقا قطّ يجرحه الفكر
ومن التشبيب قول القائل:
ومن عجب أنّي أحنّ إليهم ... وأسأل عنهم من أرى وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها ... ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
وقول الآخر:
إن لم أزر ربعكم سعيا على حدقي ... فإنّ ودّي منسوب إلى الملق
تبّت يدي إن ثنتني عن زيارتكم ... بيض الصّفاح ولو سدّت بها طرقي
ومن الحكمة قول المتنبي:
والظّلم من شيم النّفوس فإن تجد ... ذا عفّة فلعلّة لا يظلم
وقول الآخر:
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأيّ الناس تصفو مشاربه؟
__________
(1) في الصناعتين: 10: «مرض».
(2) في الديوان: «حتى لا صراع به».
(3) هو إبراهيم بن سيار بن هانيء البصري: من أئمة المعتزلة توفي سنة 231هـ. (الأعلام: 1/ 43).(2/207)
وقول الآخر (1):
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرّجال المهذّب؟
ومن الهجو قول الطّرمّاح (2) في تميم:
تميم بطرق اللّؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت سبل المكارم ضلّت
وقول الآخر (3):
لو اطّلع الغراب على تميم ... وما فيها من السّوءات شابا
إلى غير ذلك من معاني الشعر الحسنة البهيجة الرائقة.
ومما ينخرط في هذا السلك من النثر ما يحكى أن أعرابيا وقف على عبد الملك بن مروان برملة اللّوى (4) فقال: رحم الله امرأ لم تمجّ أذناه كلامي، وقدّم معاذه من سوء مقامي، فإن البلاد مجدبة، والحال مسغبة، والحياء زاجر، يمنع من كلامكم، والفقر عاذر، يدعو إلى إخباركم، والدعاء إحدى الصدقتين، فرحم الله امرأ أمر بمير، أو دعا بخير.
ومعاني القاضي الفاضل (5) هي التي ترقص لها القلوب، وتطرب لها الألباب، ويهجم قبولها على النفوس من غير حاجب ولا بوّاب فمن ذلك قوله:
«يا بني أيّوب، لو ملكتم الدهر لا متطيتم لياليه أداهم، وقلّدتم أيامه صوارم، وأفنيتم شموسه وأقماره في الهبات دنانير ودراهم وأيّامكم أعراس وما ثمّ
__________
(1) هو النابغة الذبياني.
(2) هو الطرمّاح بن حكيم بن الحكم: شاعر إسلامي فحل توفي نحو 125هـ (الأعلام: 3/ 225).
(3) البيت من شعر العباس بن يزيد الكندي يهاجي جريرا وقبله:
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا
(4) واد من أودية بني سليم (معجم البلدان: 5/ 23).
(5) هو عبد الرحيم بن علي بن سعيد اللخمي: وزير من أئمة الكتاب. توفي بالقاهرة سنة 596هـ.
(الأعلام: 3/ 346).(2/208)
فيها على الأموال مآتم، والجود في أيديكم خاتم، ونفس حاتم في نقش ذلك الخاتم».
فهذا هو السّحر الحلال، والمعاني التي تخضع لها شمّ الجبال، ولا يقال فيه قيل ولا قال.
الصنف الثاني ما كان مستقيما قبيحا كقولك قد زيدا رأيت
قال في «الصناعتين»: وإنما قبح لأنك أفسدت نظام اللفظ بالتقديم والتأخير. وهذا النوع يسميه علماء المعاني: التعقيد. وسماه ابن الأثير في «المثل السائر» المعاظلة (1) المعنوية، وهو تقديم ما الأولى به التأخير، كتقديم الصفة أو ما يتعلّق بها على الموصوف، وتقديم الصّلة على الموصول ونحو ذلك وهو من المذموم المرفوض عند أهل الصنعة، لأن المعنى يختلّ به ويضطرب. قال في «المثل السائر»: وهو ضدّ الفصاحة، لأن الفصاحة هي الظّهور والبيان، وهذا عار عن هذا الوصف فمن ذلك قول بعضهم:
فأصبحت بعد خطّ بهجتها ... كأن قفرا رسومها قلما
يريد فأصبحت بعد بهجتها قفرا كأنّ قلما خط رسومها فقدم خبر كأنّ وهو خطّ عليها فجاء مختلّا مضطربا، وأقبح منه وأكثر اختلالا قول الفرزدق:
إلى ملك ما أمّه من محارب ... أبوه، ولا كانت كليب تصاهره
يريد إلى ملك أبوه ما أمّه من محارب، والمعنى ما أم أبيه من محارب، يمدحه بذلك ذمّا لمحارب. وكذلك قوله، يمدح خال (2) هشام بن عبد الملك:
__________
(1) وأصل هذه الكلمة من قولهم: «تعاظلت الجرادتان إذا ركبت إحداهما الأخرى. وعاظل الرجل المرأة إذا ركبها» (كتاب الصناعتين: 168).
(2) وهو هشام بن إسماعيل (المرجع السابق).(2/209)
وما مثله في الناس إلا مملّكا ... أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه
يريد وما مثله في الناس حيّ يقاربه إلا مملّكا أبو أمه أبوه وهو خاله، فلما استعمل فيه التقديم والتأخير في غير موضعه جاء مشوّها رثّا كما تراه. قال الوزير «ضياء الدين بن الأثير»: وقد استعمل الفرزدق من التعاظل كثيرا كأنه يقصد ذلك ويتعمّده لأن مثله لا يجيء إلا متكلّفا مقصودا، وإلا فإذا ترك مؤلف الكلام نفسه تجري على سجيّتها وطبعها في الاسترسال لم يعرض له شيء من هذا التعقيد ألا ترى أن المقصود من الكلام معدوم في هذا النوع، إذ المقصود من الكلام إنما هو الإيضاح والإبانة وإفهام المعنى فإذا ذهب هذا الوصف المقصود من الكلام ذهب المراد به. ولا فرق عند ذلك بينه وبين غيره من اللغات كالفارسية والرومية وغيرهما.
الصنف الثالث ما كان مستقيما ولكنه كذب كقولك حملت الجبل، وشربت ماء البحر، وما أشبه ذلك
واعلم أن المعاني المستعملة في الشعر والكتابة أكثرها جار على هذا الأسلوب خصوصا المعاني الشعريّة، فإنه مقدّمات تخييلية توجب في النفس انقباضا وانبساطا على ما هو مقرّر في علم المنطق. وقد قال في «الصناعتين»:
إن أكثر الشعر مبني على الكذب والاستحالة من الصفات الممتنعة، والنعوت الخارجة عن العادة، والألفاظ الكاذبة: من قذف المحصنات، وشهادة الزّور، وقول البهتان، ولا سيما الشعر الجاهليّ الذي هو أقوى الشعر وأفحله. قال: وليس يراد منه إلا حسن اللفظ وجودة المعنى فهذا الذي سوّغ استعمال الكذب وغيره مما جرى ذكره فيه. وقيل لبعض الفلاسفة: فلان يكذب في شعره، فقال: يراد من الشاعر حسن الكلام، والصدق يراد من الأنبياء عليهم السلام.
قال الشيخ زكي الدين بن أبي الأصبع رحمه الله في كتابه «تحرير
التحبير» (1): وأنا أقول قد اختلف في المبالغة، فقوم يرون إن أجود الشعر أكذبه، وخير الكلام ما بولغ فيه، ويحتجّون بما جرى للنابغة الذبيانيّ مع حسان بن ثابت رضي الله عنه في استدراك النابغة عليه تلك المواقع الحجية في قوله:(2/210)
قال الشيخ زكي الدين بن أبي الأصبع رحمه الله في كتابه «تحرير
التحبير» (1): وأنا أقول قد اختلف في المبالغة، فقوم يرون إن أجود الشعر أكذبه، وخير الكلام ما بولغ فيه، ويحتجّون بما جرى للنابغة الذبيانيّ مع حسان بن ثابت رضي الله عنه في استدراك النابغة عليه تلك المواقع الحجية في قوله:
لنا الجفنات (2) الغرّ يلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فإن النابغة إنما عاب على حسان ترك المبالغة والقصة مشهورة. قال:
والصواب مع حسان وإن روي عنه انقطاعه في يد النابغة وقوم يرون المبالغة من عيوب الكلام، ولا يرون محاسنه إلا ما خرج مخرج الصدق، وجاء على منهج الحق ويزعمون أن المبالغة من ضعف المتكلم وعجزه عن أن يخترع معنى، أو يفرّع معنى من معنى أو يحلي كلامه شيئا من البديع، أو ينتخب ألفاظا موصوفة بصفات الحسن، ويجيد تركيبها، فإذا عجز عن ذلك كله عدل إلى المبالغة يسدّ بها خلله ويتم نقصه لما فيها من التهويل على السامع، ويدّعون أنها ربما أحالت المعاني فأخرجتها عن حدّ الإمكان إلى حدّ الامتناع. قال: وعندي أن هذين المذهبين مردودان، أما الأوّل فلقول صاحبه إن خير الكلام ما بولغ فيه، وهذا قول من لا نظر له، لأنا نرى كثيرا من الكلام والأشعار جاريا على الصدق المحض خارجا مخرج البحث، وهو في غاية الجودة، ونهاية الحسن، وتمام القوّة وكيف لا والمبالغة ضرب واحد من المحاسن، والمحاسن لا تحصر ضروبها فكيف يقال: إن هذا الضرب على انفراده يفضل سائر ضروب المحاسن على كثرتها! وهذا شعر زهير والحطيئة وحسان، ومن كان مذهبه توخّي الصدق في شعره غالبا، ليس فوق أشعارهم غاية لمترقّ، ألا ترى إلى قول زهير:
ومهما يكن عند امرىء من خليقة ... وإن حالها تخفى على الناس تعلم
__________
(1) لأبي محمد، عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر العدواني المصري المعروف بابن أبي الأصبع المتوفى سنة 654هـ. (ذيل كشف الظنون: 3/ 231).
(2) جمع جفنة، وهي القصعة (القاموس: 4/ 211).(2/211)
وإلى قول طرفة:
لعمرك إنّ الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطّول (1) المرخى وثنياه في اليد
وإلى قوله:
ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
وإلى قوله الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
فإنك تجد هذه الأشعار في الطبقة العليا من البلاغة، وإن خلت من المبالغة والذي يدل على أن مذهب أكثر الفحول ترجيح الصّدق في أشعارهم على الكذب ما روي عن الحرورية امرأة عمران بن حطّان قاضي الصّفريّة من الخوارج أنها قالت له يوما: أنت أعطيت الله تعالى عهدا ألّا تكذب في شعرك، فكيف قلت:
فهناك مجزأة (2) بن ثور ... كان أشجع من أسامه (3)؟
فقال: يا هذه، إن هذا الرجل فتح مدينة وحده وما سمعت بأسد فتح مدينة قط، وهذا حسان يقول:
وإنما الشعر لبّ المرء يعرضه ... على المجالس، إن كيسا وإن حمقا
وإنّ أشعر بيت أنت قائله ... بيت يقال إذا أنشدته صدقا
على أن هؤلاء الفحول وإن رجّحوا هذا المذهب لا يكرهون ضدّه، ولا يجحدون فضله، وقلّما تخلو بعض أشعارهم منه إلا أن توخّي الصدق كان الغالب
__________
(1) الطّول: حبل طويل تشدّ به قائمة الدابة. (اللسان: 11/ 413).
(2) صحابي شجاع، فتح مدينة «تستر». قتل سنة 20هـ عند سور مدينة تستر التي دخلها أصحابه.
(الأعلام: 5/ 279).
(3) أسامة: من أسماء الأسد. وأسامة بن زيد بن حارثة الصحابي المشهور.(2/212)
عليهم، وكانوا يكثرون منه، ومن أكثر من شيء عرف به، كما أن النابغة ومن تابعه على مذهبه لا يكرهون ضدّ المبالغة، وإلا فكلّ احتجاج جاء به على النّعمان في الاعتذار جار مجرى الحقيقة كقوله:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب
فعائب الكلام الحسن بترك المبالغة فقط مخطيء، وعائب المبالغة على الإطلاق غير مصيب، وخير الأمور أوساطها.
والتحقيق أن المبالغة إذا لم تخرج عن حدّ الإمكان، ولم تجر مجرى الكذب المحض، فإنها لا تذمّ بحال، كقول قيس بن الخطيم (1):
طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشّعاع أضاءها
ملكت بها كفّي فأنهرت (2) فتقها ... يرى قائم من دونها من (3) وراءها
فإن ذلك من جيد المبالغة، إذ لم يكن خارجا مخرج الاستحالة مع كونه قد بلغ النهاية في وصف الطعنة، وكذلك قول أبي تمّام:
تكاد تنتقل الأرواح لو تركت ... من الجسوم إليها حين تنتقل
فإنه لم يقنع بصحيح المبالغة وقربها من الوقوع فضلا عن الجواز بتقديم كاد، حتّى قال: لو تركت، قال: وهذا أصح بيت سمعته في المبالغة وأحسنه وعلى حدّه ورد قول شاعر الحماسة، وقد بالغ في مدح ممدوحه فقال:
رهنت يدي بالعجز عن شكر برّه ... وما فوق شكري للشّكور مزيد
ولو كان مما يستطاع استطعته ... ولكنّ ما لا يستطاع شديد
__________
(1) شاعر الأوس وأحد صناديدها في الجاهلية. أدرك الإسلام وقتل قبل أن يدخل فيه. (معجم الشعراء:
112).
(2) أنهر الطعنة أي: وسّعها (اللسان: 5/ 237).
(3) في اللسان: 5/ 237وفي معجم الشعراء: 112: «ما».(2/213)
فإن هذا الشاعر ألقى بيده وأظهر عجزه، واعترف بقصوره عن شكر برّ هذا الممدوح، وفطن أنه لو اقتصر على ذلك، لاحتمل أن يقال له: عجزك عن شكره لا يدل على كثرة برّه لاحتمال أن يكون لضعف مادّتك عن الشكر، إذ لا يلزم من عجز الإنسان عن شيء تعظيم ذلك الشيء، ولا بدّ لاحتمال أن يكون العجز لضعف الانسان، فاحترز عن ذلك بقوله:
وما فوق شكري للشّكور مزيد
ثم تمم المعنى بأن قال للشّكور للمبالغة في الشكر، فإن شكورا معدول عن شاكر للمبالغة كما تقدّم، ثم أظهر عذره في عجزه بأن قال في البيت الذي يليه:
ولو كان مما يستطاع استطعته
ثم ذيّل هذا المعنى بإخراج بقية البيت مخرج المثل السائر ليكثر دورانه على الألسنة فيحصل تجديد مدح الممدوح كل حين، والتنويه بذكره في كل زمان، حيث قال:
ولكنّ ما لا يستطاع شديد
أما إذا خرجت المبالغة عن حدّ الإمكان، وجرت مجرى الكذب المحض، فإنها مذمومة في الشرع وإن كان الشعراء يستبيحون مثل ذلك ولا يتحاشون الوقوع فيه. وقد أخبر تعالى عنهم بالكذب بقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وََادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مََا لََا يَفْعَلُونَ} (1) وفي قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل (2)
إشارة لذلك أيضا.
__________
(1) الشعراء 226225.
(2) وعجزه: وكل نعيم لا محالة زائل.(2/214)
فمن المبالغة في الشعر المنتهية إلى حدّ الكذب قول (1) البحتري:
ولو قست يوما حجلها بحقابها ... لكانا سواء لا بل الحجل أوسع (2)
وصفها برقّة الخصر وغلظ الساق حتّى جعل حجلها الذي يدور على ساقها أوسع من حقابها الذي يدور على خصرها وأبلغ منه قول الآخر (3):
من الهيف لو أنّ الخلاخيل (4) صيّرت ... لها وشحا جالت عليها الخلاخل
فجعل الخلخال يجول في بدنها، ولكنه ليس من المدح في شيء لأن الخلخال لو صار وشاحا للمرأة لكانت في غاية الدّمامة حتّى تصير في خلقة الجرو (5) والهرّ.
وأبلغ منه قول الآخر:
ورحب صدر لو انّ الأرض واسعة ... كوسعه لم يضق عن أهله بلد
فجعل صدره في السّعة والرّحب أوسع من الأرض، ونحوه قول الآخر (6):
ويوم كطول الدّهر في عرض مثله ... ووجدي من هذا وهاذاك أطول
إلا أنه استعمل العرض في غير موضعه إذ الدهر يوصف بالطول لا بالعرض، وهو قد جعل له طولا وعرضا ويقرب منه قول أبي الطّيّب:
كفى بجسمي نحولا أنّني رجل ... لولا مخاطبتي إيّاك لم أبن (7)
__________
(1) نسب أبو هلال العسكري هذا البيت إلى النمّري.
(2) الحجل، بفتح الحاء وكسرها، هو الخلخال. والحقاب: شيء تعلق به المرأة الحلي وتشده في وسطها.
(3) القائل أبو تمام.
(4) في «الصناعتين»: 126: «الخلاخل».
(5) الجر وهو ولد الكلب والسباع.
(6) البيت لأبي تمام (كتاب الصناعتين: 133).
(7) المشهور في الرواية: «لم ترني».(2/215)
فجعل كلامه هو الذي يدل عليه من شدّة النّحول.
قال الشيخ زكيّ الدين بن أبي الأصبع: ومما يجري به التمثيل في باب المبالغة قول بعض العرب يذم إنسانا بقوله: فلان تكون له الحاجة فيغضب قبل أن يطلبها، وتكون إليه فيردّها قبل أن يفهمها. وقول بعض بلغاء الكتّاب: إن من النعمة على المثني عليك ألّا يخلو من مساعد ولا يخشى من معاند، ولا تلحقه نقيصة المكذّب، ولا يكرهه عوز الأوصاف بالتطلب، ولا ينتهي من القول إلى منتهى إلا وجد بعده مقتضى ووراءه منحى. وسيأتي من المبالغة في أوصاف الخيل والسلاح، وغيرها في قسم الأوصاف من ذلك ما فيه مقنع إن شاء الله تعالى.
الصنف الرابع ما كان محالا، وهو ما لا يمكن كونه البتة، كقولك آتيك أمس، وأتيتك غدا، وما أشبه ذلك
قال في «الصناعتين»: فإن اتصل الكذب بمحال صار كذبا محالا، كقولك: رأيت قاعدا قائما، ومررت بيقظان نائم، فإنه كذب للإخبار بخلاف الواقع، ومحال لعدم إمكان الجمع بين النقيضين، وقد تقدّم في النوع الثالث أن أكثر الشعر مبني على الكذب، والاستحالة من الصفات الممتنعة والنعوت الخارجة عن العادة، وذلك في الكذب مما لا نزاع في كثرته في الشعر كما تقدّم.
أما المحال فإنه قليل الوقوع، نادر في النظم والنثر، معدود من المعايب، محكوم عليه بالردّ.
فمن ذلك قول عبد الرحمن بن عبد القسّ:
وإنّي (1) إذا ما الموت حلّ بنفسها ... يزال بنفسي قبل ذاك فأقبر
قال العسكريّ: هذا من المحال الذي لا وجه له، قال: وهو شبيه بقول
__________
(1) في الصناعتين: 102: «إني».(2/216)
القائل: إذا دخل زيد الدار، دخل عمرو قبله، ثم قال: وهذا عين المحال الممتنع الذي لا يجوز، يريد أنه قد توقف كل من الأمرين على الآخر لأنه لا يوجد إلا به فيلزم الدّور، وهو محال فيحكم فيه بالبطلان وقطع الدّور.
ومما يلتحق بالمحال وينخرط في سلكه تناقض المعاني واضطرابها.
فمن ذلك قول المسيّب بن علس (1) في وصف ناقة:
فتسلّ حاجتها إذا هي أعرضت ... بخميصة سرح اليدين وساع (2)
فكأنّ قنطرة بموضع كورها ... ملساء بين غوامض الأنساع (3)
وإذا أطفت بها أطفت بكلكل (4) ... بيض الفرائص (5) مجفر (6) الأضلاع
قال في «الصناعتين»: وهذا من المتناقض لأنه قال بخميصة، ثم قال موضع كورها قنطرة، وهي مجفرة الأضلاع، فكيف تكون خميصة وهذه صفتها! وقريب منه قول الحطيئة:
حرج يلاوذ بالكناس كأنّه ... متطوّف حتّى الصباح يدور
حتّى إذا ما الصّبح شقّ عموده ... وعلاه أسطع من سناه (7) منير
وحصى الكثيب بصفحتيه كأنّه ... خبث الحديد أطارهنّ الكير
__________
(1) من شعراء بكر بن وائل المعدودين، وخال الأعشى. لم يدرك الإسلام. (الشعر والشعراء: 70).
(2) الخميصة هي الجائعة الضامرة البطن. والسّرح من الإبل: السريعة المشي.
(3) الكور هو الرحل. والشطر الثاني من هذا البيت كما ورد في الصناعتين: «وتمدّثني جديلها بشراع» أما رواية «الشعر والشعراء»: 70:
وكأنّ غاربها رباوة مخرم
وتمدّ ثني جديلها بشراع
(4) الكلكل هو الصدر من كل شيء.
(5) في الصناعتين: 100: «نبض الفرائض».
(6) المجفر: العظيم الجنبين من كل شيء (اللسان: 4/ 143).
(7) في الصناعتين: «لا يردّ».(2/217)
زعم أنه لم يزل يطوف حتّى أصبح وأشرف على الكثيب، فمن أين صار الحصى بصفحتيه! وقول المرقّش الأصغر (1):
صحا قلبه عنها على أن ذكرة ... إذا خطرت دارت به الأرض قائما (2)
وكيف صحا عنها من إذا ذكرت دارت به الأرض!
الصنف الخامس ما كان غلطا، وهو أن تريد الكلام بشيء فيسبق لسانك إلى خلافه، كقولك: ضربني زيد وأنت تريد ضربت زيدا
قال في «الصناعتين»: فإن تعمدت ذلك، صار كذبا، وهذا النوع أكثر وقوعا من الذي قبله، قال: وقد وقع فيه الفحول من الشعراء.
وأصناف الغلط في المعاني كثيرة، فمن ذلك الغلط في الأوصاف، وهي على وجوه: منها وصف الشيء بخلاف ما هو عليه وذكره بما ينافيه.
فمن غريب هذا النوع قول الراعي (3) في وصف المسك:
يكسو المفارق واللّبّات ذا أرج ... من قصب معتلف الكافور درّاج
__________
(1) شاعر جاهلي مجيد، اختلفوا في اسمه فقال بعضهم هو عمرو بن حرملة وقال آخرون هو ربيعة بن سفيان. ويقال إنه أخو المرقش الأكبر، ويقال إنه ابن أخيه وهو عم طرفة بن العبد. (الشعر والشعراء: 91والأعلام: 3/ 6).
(2) رواية الشعر والشعراء: 91، لهذا البيت:
صحا قلبه عنها خلا أن روعه إذا ذكرت دارت به الأرض قائما
(3) هو حصين بن معاوية وكان سيدا وإنما قيل له الراعي لأنه كان يصف راعي الإبل في شعره.
ويقال إن اسمه عبيد بن حصين. هجاه جرير هجاء مرا. توفي سنة 90هـ. (الشعر والشعراء: 201 والأعلام: 4/ 188).(2/218)
فجعل المسك من قصب الظّبي، وهو معاه، وجعل الظّبي يعتلف الكافور فيتولد منه المسك، وهذا من طرائف الغلط. وقريب منه قول زهير يصف الضّفادع:
يخرجن من شربات ماؤها طحل ... على الجذوع تخاف (1) الغمّ والغرقا (2)
ظن أن الضفادع يخرجن من الماء مخافة الغرق، ونشوؤها فيه. وقريب منه قول ذي الرّمّة:
إذا انجابت الظّلماء أضحت رؤوسها ... عليهن من جهد الكرى وهي ضلّع (3)
فوصف الرءوس بالضّلع قال ابن أبي فروة (4): ما أغفلت هذا، ولقد قلت لذي الرمة: ما علمت أحدا أضلع الرؤوس غيرك، قال: أجل.
قال في «الصناعتين»: ومما لم يسمع مثله قط قول عديّ بن زيد (5) في الخمر:
والمشرف الهيدب (6) يسعى بها ... أخضر مطموثا بماء الحريص (7)
__________
(1) في اللسان والصناعتين والشعر والشعراء: «يخفن».
(2) الشربات: جمع شربة، وهي حوض صغير يتخذ حول أصل النخلة فيرويها. وماء طحل أي كدر.
ويريد بالجذوع جذوع النخل. قال ابن قتيبة الدينوري: الضفادع لا تخرج من الماء مخافة الغم والغرق، وإنما ذلك لانهن يبضن في الشطوط. (انظر اللسان: 1/ 490و 11/ 399والشعر والشعراء: 57).
(3) في «الصناعتين»: 95والشعر والشعراء: 267: «ظلّع» وظلّع وضلع جمع ظالع وضالع وهو المائل أو المتأخر.
(4) هو الربيع بن يونس من موالي بني العباس: وزير من العقلاء الموصوفين بالحزم. توفي سنة 169 هـ. (الأعلام: 3/ 15).
(5) من دهاة الجاهليين. كان قرويا من أهل الحيرة فصيحا يحسن الفارسية والعربية والرمي بالنشاب.
وهو أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى. وشى به أعداء له لدى النعمان بن المنذر فسجنه وقتله في سجنه نحو 35قبل الهجرة. (الأعلام: 4/ 220).
(6) الهيدب: سحاب يقرب من الأرض كأنه متدل يكاد يمسكه من قام براحته. (اللسان: 1/ 780).
(7) رواية الشعر والشعراء: 99، لهذا البيت:
والمشرف الهندي نسقى به
أخضر مطموثا بماء الخريص.
قال الأصمعي: وصف الخمرة بالخضرة ولم يعلم أحد وصفها بذلك.(2/219)
فوصف الخمر بالخضرة، والحريص: السحابة تحرص وجه الأرض أي تقشرها، ومنه سميت إحدى الشّجاج في الرأس الحارصة لأنها تشق الجلد.
ومنها وصف الشيء على خلاف المعهود والعادة المعروفة.
فمن ذلك قول المرّار (1):
وخال على خدّيك يبدو كأنه ... سنا البدر في دعجاء باد دجونها
والمعروف أن الخيلان سود أو سمر، والخدود الحسان إنما هي البيض، فأتى هذا الشاعر بقلب المعنى ومثله قول الآخر:
كأنّما الخيلان في وجهه ... كواكب أحدقن بالبدر
قال أبو هلال العسكريّ: ويمكن أن يحتجّ لهذا الشاعر بأن يقال: تشبيه الخيلان بالكواكب من جهة الاستدارة لا من جهة اللون.
ومن ذلك قول امريء القيس في وصف الفرس أيضا:
وللسوط ألهوب وللساق درّة ... وللزّجر منه وقع أخرج مهذب (2)
قال أبو هلال العسكريّ: فلو وصف أخسّ حمار وأضعفه، ما زاد على ذلك وقول القائل (3):
__________
(1) هو المّرار بن سعيد بن حبيب الفقعسي، من شعراء الدولة الأموية. مجهول تاريخ الوفاة. كان يهاجي المساور بن هند. (الأعلام: 7/ 199).
(2) الألهوب: شدّة الجري. والدّرة: شدة الدفع. والأخرج: الظليم. والمهذب: المسرع في العدو.
ورواية اللسان للبيت:
فللسان ألهوب وللسوط درّة
وللزجر منه وقع أهوج منعب
(3) هو ابن المعتزّ (كتاب الصناعتين: 86).(2/220)
صببنا عليها ظالمين سياطنا ... فطارت بها أيد سراع وأرجل
فجعل ضربها بالسوط من باب الظلم لأنها لا تحوجه إلى ذلك ومن ذلك قول امريء القيس:
وأركب في الرّوع خيفانة ... كسا وجهها سعف منتشر
شبه ناصية الفرس بسعف النخلة لطولها، وإذا غطّى الشعر عين الفرس لم يكن كريما.
ومثله قول طرفة يصف ذنب البعير:
كأنّ جناحي مضرحيّ تكنّفا ... حفافيه، شكّافي العسيب بمسرد (1)
فجعل ذنبه كثيفا، طويلا عريضا وإنما توصف النجائب بخفة الذّنب ورقّة الشعر.
ومنها أن يجري في مقاصد المعاني على خلاف المألوف المعروف، وذلك قول جنادة (2):
من حبها أتمنّى أن يلاقيني ... من نحو بلدتها ناع فينعاها
لكي يكون فراق لا لقاء له ... وتضمر النفس يأسا ثم تسلاها
فإذا تمنّى المحب للحبيب الموت فماذا عسى أن يتمنّى البغيض لبغيضه وقول الآخر:
ولقد هممت بقتلها من حبّها ... كيما تكون خصيمتي في المحشر
فذكر أن شدّة الحبّ حملته على قتل محبوبته حتّى تخاصمه في الحشر لطلب حقها، وشدّة الحب لا تحمل إلا على الإكرام والبرّ، على أنها قد تكون
__________
(1) المضرحيّ: الصقر الطويل الجناح، حفافيه: جانبيه، العسيب: عظم الذنب، المسرد: المثقب.
واستشهد له في اللسان بالشطر الثاني من البيت. (مادة سرد).
(2) في حاشية كتاب الصناعتين: ص 82: «هذان البيتان منسوبان في الموشح والأمالي إلى نجبة بن جنادة».(2/221)
تكرهه، فتترك حقّها له حتّى لا يطول وقوفها معه للخصام وقول نصيب (1):
فإن تصلي أصلك وإن تعودي ... بهجر بعد ذاك فلا أبالي (2)
والعاشق يلاطف قلب محبوبه ولا يحاجّه، ويلاينه ولا يلاجّه (3).
الأصل الثاني من صناعة إنشاء الكلام النظر في الألفاظ والنظر فيها من وجهين
الوجه الأوّل في فضل الألفاظ وشرفها
قد تقدّم في الكلام على المعاني أن الألفاظ من المعاني بمنزلة الثياب من الأبدان، فالوجه الصبيح يزداد حسنا بالحلل الفاخرة والملابس البهيّة، والقبيح يزول عنه بعض القبح، كما أن الحسن ينقص حسنه برثاثة ثيابه وعدم بهجة ملبوسه، والقبيح يزداد قبحا إلى قبحه. فالألفاظ ظواهر المعاني، تحسن بحسنها، وتقبح بقبحها وقد قال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الصناعتين»: ليس الشأن في إيراد المعاني، لأن المعاني يعرفها العربيّ والعجميّ والقرويّ والبدويّ وإنما هو في جودة اللفظ، وصفائه، وحسنه وبهائه، ونزاهته ونقائه، وكثرة طلاوته ومائه، مع صحة السّبك والتركيب، والخلوّ من أود (4) النظم والتأليف.
قال: وليس يطلب من المعنى إلا أن يكون صوابا، ولا يقنع من اللفظ بذلك حتّى يكون على ما تقدّم من نعوته ثم قال: ومن الدليل على أن مدار البلاغة
__________
(1) هو نصيب بن رباح: شاعر فحل مقدم في النسيب والمدح. كان عبدا أسود، أنشد أبياتا بين يديّ عبد العزيز بن مروان فاشتراه وأعتقه. توفي سنة 108هـ. (الأعلام: 8/ 31والشعر والشعراء: 197).
(2) رواية الصناعتين: 121:
وإن تعودي ... لهجر بعد وصلك لا أبالي
(3) عبارة العسكري: «وذلك أن التجلّد من العاشق مذموم» (كتاب الصناعتين: 121).
(4) أود: عوج. (اللسان: 3/ 75).(2/222)
تحسين اللفظ، أنّ الخطب الرائعة، والأشعار الرائقة، ما عملت لإفهام المعاني فقط، لأن الرديء من الألفاظ يقوم مقام الجيد منها في الإفهام، وإنما يدل حسن الكلام وإحكام صنعته، ورونق ألفاظه، وجودة مقاطعه، وبديع مباديه، وغريب مبانيه، على فضل قائله، وفهم منشئه وأكثر هذه الأوصاف ترجع إلى الألفاظ دون المعاني، وتوخّي صواب المعاني أحسن من توخّي هذه الأمور في الألفاظ فلهذا يتأنّق الكاتب في الرسالة، والخطيب في الخطبة، والشاعر في القصيدة، ويبالغون في تجويدها، ويغلون في ترتيبها، ليدلّوا على براعتهم، وحذقهم بصناعتهم ولو كان الأمر في المعاني لطرحوا أكثر ذلك فربحوا كدّا كثيرا، وأسقطوا عن أنفسهم تعبا طويلا وأيضا فإن الكلام إذا كان لفظه حلوا عذبا، وسلسا سهلا، ومعناه وسطا، دخل في جملة الجيّد، وجرى مع الرائع النادر كقول الشاعر:
ولما قضينا من منى كلّ حاجة ... ومسّح بالأركان من هو ماسح
وشدّت على حدب المهارى رحالنا ... ولم (1) ينظر الغادي الذي هو رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطيّ الأباطح
وليس تحت هذه الألفاظ كثير معنى، وهي رائقة معجبة، وإنما هي: ولما قضينا الحجّ، ومسّحنا بالأركان، وشدّت رحالنا على مهازيل الإبل، ولم ينتظر بعضنا بعضا، جعلنا نتحدّث وتسير بنا الإبل في بطون الأودية وإذا كان المعنى صوابا واللفظ باردا فاترا كان مستهجنا ملفوظا، ومذموما مردودا، كقول أبي العتاهية في أبي عثمان سعيد بن وهب (2).
مات والله سعيد بن وهب ... رحم الله سعيد بن وهب
يا أبا عثمان أبكيت عيني ... يا أبا عثمان أوجعت قلبي
__________
(1) في الشعر والشعراء: 14 «ولا».
(2) شاعر اشتهر بالخلاعة والمجون. تاب في كبره وتنسك وحجّ ماشيا. مات ببغداد سنة 208هـ.
(الأعلام: 3/ 104).(2/223)
الوجه الثاني الألفاظ المفردة، وبيان ما ينبغي استعماله منها، وما يجب تركه
إعلم أن الذي ينبغي أن يستعمل في النظم والنثر من الألفاظ هو الرائق البهج الذي تقبله النفس، ويميل إليه الطبع، وهو الفصيح من الألفاظ دون غيره.
والفصيح في أصل اللغة هو الظاهر البيّن، يقال: أفصح الصبح إذا ظهر وبان ضوؤه، وأفصح اللبن إذا تجلت عنه رغوته وطهر، وأفصح الأعجميّ وفصح إذا أبان بعد أن لم يكن يبين، وأفصح الرجل عما في نفسه إذا أظهره.
قال في «المثل السائر»: وأهل البيان يقفون عند هذا التفسير، ولا يكشفون عن السر فيه. قال: وبهذا القول لا تتبين حقيقة الفصاحة، لأنه يلزم أنه إذا لم يكن اللفظ ظاهرا بيّنا لم يكن فصيحا جيّدا، ثم إذا ظهر وتبين صار فصيحا على أنه قد يكون اللفظ ظاهرا لزيد ولا يكون ظاهرا لعمرو، فيكون فصيحا عند واحد دون آخر، وليس كذلك بل الفصيح ما لم يختلف في فصاحته، لأنه إذا تحقق حدّ الفصاحة وعرف ما هي لم يبق في اللفظ المختص بها خلاف وأيضا فإنه لو جيء بلفظ قبيح ينبو عنه السمع، وهو مع ذلك ظاهر بيّن، فينبغي أن يكون فصيحا، وليس كذلك لأن الفصاحة وصف حسن اللفظ لا وصف قبحه.
قال: وتحقيق القول في ذلك أن يقال: الكلام الفصيح هو الظاهر البيّن، والظاهر البين أن تكون ألفاظه مفهومة لا يحتاج في فهمها إلى استخراج من كتب لغة وإنما كانت بهذه الصفة لأنها تكون مألوفة الاستعمال بين أرباب النظم والنثر، دائرة في كلامهم وإنما كانت مألوفة الاستعمال دائرة في الكلام دون غيرها من الألفاظ لمكان حسنها، وذلك أن أرباب النظم والنثر غربلوا اللّغة باعتبار ألفاظها، وسبروا وقسّموا فاختاروا الحسن من الألفاظ فاستعملوه، ونفوا القبيح منها فلم يستعملوه فحسن الألفاظ سبب استعمالها دون غيرها، واستعمالها دون غيرها سبب ظهورها وبيانها فالفصيح إذا من الألفاظ هو الحسن. ثم قال:
والمرجع في تحسين الألفاظ وقبحها إلى حاسة السمع، فما يستلذه السمع منها
ويميل إليه هو الحسن، وما يكرهه وينفر عنه هو القبيح، بدليل أن السمع يستلذ صوت البلبل من الطير وصوت الشّحرور ويميل إليهما، ويكره صوت الغراب وينفر عنه، وكذلك يكره نهيق الحمار ولا يجد ذلك في صهيل الفرس والألفاظ جارية هذا المجرى فإنه لا خلاف في أن لفظة المزنة والدّيمة يستلذهما السمع، ولفظة البعاق (1) قبيحة يكرهما السمع، والألفاظ الثلاثة من صفة المطر ومعناها واحد وأنت ترى لفظتي المزنة والدّيمة وما جرى مجراهما مألوفة الاستعمال، وترى لفظ البعاق وما جرى مجراه متروكا لا يستعمل، وإن استعمل فإنما يستعمله جاهل بحقيقة الفصاحة أو من ذوقه غير سليم، لا جرم أنه ذم وقدح فيه، ولم يلتفت إليه، وإن كان عربيّا محضا من الجاهلية الأقدمين فإن حقيقة الشيء إذا علمت وجب الوقوف عندها ولم يعرّج على ما خرج عنها.(2/224)
والمرجع في تحسين الألفاظ وقبحها إلى حاسة السمع، فما يستلذه السمع منها
ويميل إليه هو الحسن، وما يكرهه وينفر عنه هو القبيح، بدليل أن السمع يستلذ صوت البلبل من الطير وصوت الشّحرور ويميل إليهما، ويكره صوت الغراب وينفر عنه، وكذلك يكره نهيق الحمار ولا يجد ذلك في صهيل الفرس والألفاظ جارية هذا المجرى فإنه لا خلاف في أن لفظة المزنة والدّيمة يستلذهما السمع، ولفظة البعاق (1) قبيحة يكرهما السمع، والألفاظ الثلاثة من صفة المطر ومعناها واحد وأنت ترى لفظتي المزنة والدّيمة وما جرى مجراهما مألوفة الاستعمال، وترى لفظ البعاق وما جرى مجراه متروكا لا يستعمل، وإن استعمل فإنما يستعمله جاهل بحقيقة الفصاحة أو من ذوقه غير سليم، لا جرم أنه ذم وقدح فيه، ولم يلتفت إليه، وإن كان عربيّا محضا من الجاهلية الأقدمين فإن حقيقة الشيء إذا علمت وجب الوقوف عندها ولم يعرّج على ما خرج عنها.
إذا علمت ذلك فلا يوصف اللفظ المفرد بالحسن حتّى يتصف بأربع صفات:
الصفة الأولى ألّا يكون غريبا وهو ما ليس مأنوس الاستعمال ولا ظاهر المعنى.
ويسمّى: الوحشيّ أيضا، نسبة إلى الوحش لنفاره وعدم تأنّسه وتألّفه، وربما قلب فقيل: الحوشي، نسبة إلى الحوش (2)، وهو النّفار.
قال الجوهريّ: وزعم قوم أن الحوش بلاد الجنّ وراء رمل يبرين (3) لا يسكنها أحد من الناس، فالغريب والوحشيّ والحوشيّ كله بمعنى.
__________
(1) البعاق: شدّة الصوت (اللسان: 10/ 22).
(2) كذا في ضوء الصبح أيضا، وفيه تساهل لأن النفار معنى «لا نحاش» لا «لحاش» (انظر القاموس:
2/ 181).
(3) قال في معجم البلدان: 5/ 427 «يبرين: رمل لا تدرك أطرافه عن يمين مطلع الشمس من حجر اليمامة» وقال السكري: «يبرين بأعلى بلاد بني سعد» وفي «كتاب نصر»: يبرين من أصقاع البحرين وهناك الرمل الموصوف بالكثرة.(2/225)
ثم الغريب على ضربين:
الضرب الأوّل ما يعاب استعماله مطلقا، وهو ما يحتاج في فهمه إلى بحث وتنقيب، وكشف من كتب اللغة كقول ابن جحدر.
حلفت بما أرقلت حوله ... همرجلة خلقها شيظم
وما شبرقت من تنوفيّة ... بها من وحى الجن زيز يزم (1)
فالإرقال: ضرب من السير وهو نوع من الخبب، يقال منه: أرقلت الناقة ترقل إرقالا، والهمرجلة: الناقة السريعة، وقال أبو زيد: الهمرجلة: الناقة النّجيبة الراحلة. والشّيظم: الشديد الطويل، وهو من صفات الإبل والخيل والأنثى شيظمة. والشّبرقة: القطع، يقال: شبرقت الثوب أشبرقه شبرقة إذا قطعته، وشبرقت الطريق إذا قطعتها. والتّنوفة: المفازة، ويقال فيها: تنوفيّة أيضا. والوحى هنا. الصوت الخفيّ، يقال: سمعت وحاة الرعد، وهو صوته الممتدّ الخفي.
وقوله زيز يزم: حكاية لأصوات الجن إذا قالت: زي زي وحاصله أنه يقول:
حلفت هذه الحلفة بما سارت هذه الناقة الشديدة السير العظيمة الخلق، وما قطعت من مفازة لا يسمع فيها إلا أصوات الجنّ وهذا مما لا يوقف على معناه إلا بكدّ وتعب في كشفه وتتبّعه من كتب اللغة.
الضرب الثاني ما يحتاج إلى تدقيق النظر في التصريف وتخريج اللفظ على وجه بعد، كلفظ مسرّج من قول العجاج (2).
ومقلة وحاجبا مزجّجا ... وفاحما ومرسنا مسرّجا
فالمقلة: شحمة العين. والحاجب معروف. والمزجج: المقوّس مع طول ودقّة في طرفه. والفاحم: الشّعر الأسود الذي لونه كلون الفحم. والمرسن:
__________
(1) في الصناعتين: 8 «زيزيم».
(2) هو عبد الله بن رؤبة التميمي. سمي العجاج بقوله: «حتى يصبح عندها من عجعجا» وهو أول من رفع الرجز وشبهه بالقصيد. توفي نحو سنة 90هـ. (الشعر والشعراء: 295والأعلام: 4/ 86).(2/226)
الأنف وصفه بكونه مسرّجا إما أنه كالسيف السّريجيّ في الدّقّة والاستواء، والسّريجيّ نسبة إلى قين يسمّى سريجا تنسب إليه السّيوف وإما أنه كالسّراج في البريق واللّمعان، أو من قولهم سرّج الله وجهه إذا بهّجه وحسّنه. فهذا ومثله مما لا يقف على معناه إلا من عرف التصريف وأتقنه.
إذا تقرر ذلك فاعلم أن اللفظ يختلف في الغرابة وعدمها باختلاف النّسب والإضافات فقد يكون اللفظ مألوفا متداول الاستعمال عند كل قوم في كل زمن، وقد يكون غريبا متوحّشا في زمن دون زمن، وقد يكون غريبا متوحشا عند قوم، مستعملا مألوفا عند آخرين.
وهو أربعة أصناف:
الصنف الأوّل المألوف المتداول الاستعمال عند كل قوم في كل زمن
وهو ما تداول استعماله الأوّل والآخر من الزمان القديم وإلى زماننا: كالسماء والأرض، والليل والنهار، والحرّ والبرد، وما أشبه ذلك وهو أحسن الألفاظ وأعذبها، وأعلاها درجة، وأغلاها قيمة إذ أحسن اللفظ ما كان مألوفا متداولا كما تقدّم وهذا لا يقع عليه اسم الوحشيّ بحال.
قال في «المثل السائر»: وأنت إذا نظرت إلى كتاب الله العزيز الذي هو أفصح الكلام وجدته سهلا سلسا، وما تضمنه من الكلمات الغريبة يسير جدّا.
هذا وقد أنزل في زمن العرب العرباء، وألفاظه كلّها من أسهل الألفاظ وأقربها استعمالا وكفى بالقرآن الكريم قدوة. وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنزل في التّوراة ولا في الإنجيل مثل أمّ القرآن وهي السّبع المثاني» يريد فاتحة الكتاب. وإذا نظرت إلى ما اشتملت عليه من الألفاظ وجدتها سهلة قريبة يفهمها كل أحد حتى صبيان المكاتب وعوامّ السّوقة وإن لم يفهموا ما تحتها من أسرار الفصاحة والبلاغة، فإن أحسن الكلام ما عرف الخاصة فضله، وفهم العامّة معناه وهكذا فلتكن الألفاظ المستعملة في سهولة فهمها وقرب متناولها والمقتدي بألفاظ
القرآن يكتفي بها عن غيرها من جميع الألفاظ المنثورة والمنظومة وقد كانت العرب الأول في الزمن القديم تتحاشى اللفظ الغريب في نظمها ونثرها، وتميل إلى السهل وتستعذبه ويكفي من ذلك كلام قبيصة بن نعيم لما قدم على امريء القيس في أشياخ بني أسد يسألونه العفو عن دم أبيه، فقال له: «إنك في المحلّ والقدر من المعرفة بتصرّف الدّهر وما تحدثه أيّامه، وتنتقل به أحواله، بحيث لا تحتاج إلا تذكير من واعظ، ولا تبصير من مجرّب ولك من سودد منصبك، وشرف أعراقك، وكرم أصلك في العرب محتد يحتمل ما حمّل عليه من إقالة العثرة ورجوع عن الهفوة ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلا رجعت إليك فوجدت عندك من فضيلة الرأي، وبصيرة الفهم، وكرم الصّفح، ما يطوّل رغباتها، ويستغرق طلباتها، وقد كان الذي كان من الخطب الجليل، الذي عمّت رزيّته نزارا واليمن، ولم تخصص بذلك كندة دوننا للشرف البارع الذي كان لحجر ولو كان يفدى هالك بالأنفس الباقية بعده لما بخلت كرائمنا بها على مثله، ولكنه مضى به سبيل لا يرجع أخراه على أولاه، ولا يلحق أقصاه أدناه فأحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال ثلاث: إما أن اخترت من بني أسد أشرفها بيتا، وأعلاها في بناء المكرمات صوتا، فقدناه إليك بنسعة (1) تذهب مع شفرات حسامك بباقي قصرته (2) فنقول: رجل امتحن بهالك عزيز فلم يستلّ سخيمته (3) إلا تمكينه من الانتقام أو فداء بما يروح على بني أسد من نعمها، فهي ألوف تجاوز الحسبة، فكان ذلك فداء رجعت به القضب (4) إلى أجفانها، لم يرددها تسليط الإحن على البرآء وإما أن وادعتنا إلى أن تضع الحوامل فتسدل الأزر وتعقد الخمر فوق الرايات».(2/227)
هذا وقد أنزل في زمن العرب العرباء، وألفاظه كلّها من أسهل الألفاظ وأقربها استعمالا وكفى بالقرآن الكريم قدوة. وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنزل في التّوراة ولا في الإنجيل مثل أمّ القرآن وهي السّبع المثاني» يريد فاتحة الكتاب. وإذا نظرت إلى ما اشتملت عليه من الألفاظ وجدتها سهلة قريبة يفهمها كل أحد حتى صبيان المكاتب وعوامّ السّوقة وإن لم يفهموا ما تحتها من أسرار الفصاحة والبلاغة، فإن أحسن الكلام ما عرف الخاصة فضله، وفهم العامّة معناه وهكذا فلتكن الألفاظ المستعملة في سهولة فهمها وقرب متناولها والمقتدي بألفاظ
القرآن يكتفي بها عن غيرها من جميع الألفاظ المنثورة والمنظومة وقد كانت العرب الأول في الزمن القديم تتحاشى اللفظ الغريب في نظمها ونثرها، وتميل إلى السهل وتستعذبه ويكفي من ذلك كلام قبيصة بن نعيم لما قدم على امريء القيس في أشياخ بني أسد يسألونه العفو عن دم أبيه، فقال له: «إنك في المحلّ والقدر من المعرفة بتصرّف الدّهر وما تحدثه أيّامه، وتنتقل به أحواله، بحيث لا تحتاج إلا تذكير من واعظ، ولا تبصير من مجرّب ولك من سودد منصبك، وشرف أعراقك، وكرم أصلك في العرب محتد يحتمل ما حمّل عليه من إقالة العثرة ورجوع عن الهفوة ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلا رجعت إليك فوجدت عندك من فضيلة الرأي، وبصيرة الفهم، وكرم الصّفح، ما يطوّل رغباتها، ويستغرق طلباتها، وقد كان الذي كان من الخطب الجليل، الذي عمّت رزيّته نزارا واليمن، ولم تخصص بذلك كندة دوننا للشرف البارع الذي كان لحجر ولو كان يفدى هالك بالأنفس الباقية بعده لما بخلت كرائمنا بها على مثله، ولكنه مضى به سبيل لا يرجع أخراه على أولاه، ولا يلحق أقصاه أدناه فأحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال ثلاث: إما أن اخترت من بني أسد أشرفها بيتا، وأعلاها في بناء المكرمات صوتا، فقدناه إليك بنسعة (1) تذهب مع شفرات حسامك بباقي قصرته (2) فنقول: رجل امتحن بهالك عزيز فلم يستلّ سخيمته (3) إلا تمكينه من الانتقام أو فداء بما يروح على بني أسد من نعمها، فهي ألوف تجاوز الحسبة، فكان ذلك فداء رجعت به القضب (4) إلى أجفانها، لم يرددها تسليط الإحن على البرآء وإما أن وادعتنا إلى أن تضع الحوامل فتسدل الأزر وتعقد الخمر فوق الرايات».
فبكى امرؤ القيس ساعة، ثم رفع رأسه فقال:
__________
(1) النّسع: سير عريض تشدّ به الرحال. والقطعة منه: نسعة (اللسان: 8/ 352).
(2) القصرة: أصل العنق: (اللسان: 5/ 101).
(3) السخيمة: الحقد والضغينة (اللسان: 12/ 282).
(4) مفردها: قضيب، وهو اللطيف من السيوف. (اللسان: 1/ 679).(2/228)
«لقد علمت العرب أنه لا كفء لحجر في دم، وأني لن أعتاض به جملا ولا ناقة، فأكتسب به سبّة الأبد، وفتّ العضد، وأما النّظرة فقد أوجبتها الأجنّة في بطون أمهاتها، ولن أكون لعطبها سببا، وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك، تحمل في القلوب حنقا، وفوق الأسنّة علقا:
إذا جالت الحرب في مأزق ... تصافح فيه المنايا النّفوسا
أتقيمون أم تنصرفون؟ قالوا: بل ننصرف بأسوإ الاختيار وأبلى الاجترار، بمكروه وأذيّة، وحرب وبليّة.
ثم نهضوا عنه وقبيصة يتمثل:
لعلّك أن تستوخم الورد إن غدت ... كتائبنا في مأزق الحرب تمطر
فقال امرؤ القيس: لا والله! ولكن أستعذبه، فرويدا ينفرج لك دجاها عن فرسان كندة وكتائب حمير، ولقد كان ذكر غير هذا بي أولى إذ كنت نازلا بربعي، ولكنك قلت فأوجبت.
فقال قبيصة: ما يتوقّع فوق قدر المعاتبة والإعتاب، فقال إمرؤ القيس: هو ذاك (1).
قال في «المثل السائر»: فلينظر إلى هذا الكلام من الرجلين: قبيصة وامرىء القيس، حتّى يدع المتعمّقون تعمّقهم في استعمال الوحشي من الألفاظ فإن هذا الكلام قد كان في الزمن القديم قبل الإسلام بما شاء الله، وكذلك هو كلام كل فصيح من العرب مشهور، وما عداه فليس بشيء. قال: وهذا المشار إليه هاهنا هو من جزل كلامهم، وهو على ما تراه من السّلاسة والعذوبة وإذا تصفّحت أشعارهم أيضا وجدت الوحشي من الألفاظ قليلا بالنسبة إلى المسلسل في الفم
__________
(1) انظر مقال قبيصة ورد امريء القيس عليه باختلاف يسير في بعض المواضع في «جمهرة خطب العرب»: 1/ 34».(2/229)
والسمع وعلى هذا المنهج في الجزالة والسّهولة يجري من النظم قول امرىء القيس:
فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال
ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل ... وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي
فانظر إلى هذين البيتين ليس فيهما لفظة غريبة، ولا كره مع ما فيهما من الجزالة وكذلك أبيات السّموأل المشهورة وهي:
إذا المرء لم يدنس من اللّؤم عرضه ... فكلّ رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النّفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثّناء سبيل
تعيّرنا أنّا قليل عديدنا ... فقلت لها إنّ الكرام قليل
وما ضرّنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل
يقرّب حبّ الموت آجالا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول
وما مات منّا سيّد في فراشه ... ولا طلّ منّا حيث كان قتيل
وأسيافنا في كلّ غرب ومشرق ... بها من قراع الدّارعين فلول
معوّدة ألّا تسلّ نصالها ... فتغمد حتّى يستباح قبيل
فإذا نظرت ما تضمنته هذه الأبيات من الجزالة، خلتها زبرا من الحديد مع ما هي عليه من السّهولة والعذوبة، وأنها غير فظّة ولا غليظة. وقد ورد للعرب في جانب الرّقة من الأشعار ما يكاد تذوب لرقّته القلوب، كقول عروة بن أذينة: (1).
إن التي زعمت فؤادك ملّها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها
بيضاء باكرها النّعيم فصاغها ... بلباقة فأدقّها وأجلّها
حجبت تحيتها فقلت لصاحبي ... ما كان أكثرها لنا وأقلها!
وإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الضمير إلى الفؤاد فسلّها
__________
(1) شاعر غزل مقدم من أهل المدينة. وهو معدود من الفقهاء والمحدثين أيضا. وفاته نحو 130هـ.
(الأعلام: 4/ 227والشعر والشعراء: 289).(2/230)
وقول يزيد بن الطّثريّة (1) في محبوبته من بني جرم:
بنفسي من لو مرّ برد بنانه ... على كبدي كانت شفاء أنامله
وإذا كان هذا قول ساكن الفلاة، لا يرى إلا شيحة أو قيصومة (2)، ولا يأكل إلا ضبّا أو يربوعا، فما بال قوم سكنوا الحضر، ووجدوا رقّة العيش، يتعاطون وحشيّ الألفاظ وشظف العبارات! ولا يخلد إلى ذلك إلا جاهل بأسرار الفصاحة، أو عاجز عن سلوك طريقها، فإن كلّ أحد ممن حصل على نبذة من علم الأدب يمكنه أن يأتي بالوحشيّ من الكلام، إما بأن يلتقطه من كتب اللغة، أو يتلقفه من أربابها. وأما الفصيح المتّصف بصفة الملاحة، فإنه لا يقدر عليه، ولو قدر عليه لما علم أين يضع يده في تأليفه وسبكه.
قال: وإن مارى في ذلك ممار فلينظر إلى أشعار علماء الأدب ممن كان يشار إليه حتّى يعلم صحة ذلك، فإن ابن دريد (3) قد قيل إنه أشعر علماء الأدب، وإذا نظرت إلى شعره وجدته بالنسبة إلى شعر الشعراء المجيدين منحطّا، مع أن أولئك الشعراء لم يعرفوا من علم الأدب عشر معشار ما علمه وأين شعره من شعر العباس ابن الأحنف (4)! وهو من أوائل الشعراء المحدثين، وشعره كمرّ نسيم على عذبات أغصان، أو كلؤلؤات طلّ على طرر ريحان وليس فيه لفظة واحدة غريبة يحتاج إلى استخراجها من كتاب من كتب اللغة، كقوله:
وإنّي ليرضيني قليل نوالكم ... وإن كنت لا أرضى لكم بقليل
بحرمة ما قد كان بيني وبينكم ... من الودّ إلا عدتمو بجميل
وقوله في محبوبته فوز:
__________
(1) هو يزيد بن سلمة بن سمرة بن الطثّرية: من شعراء بني أمية. نسبته إلى أمه من بني طثر. قتله بنو حنيفة سنة 126هـ. (الأعلام: 8/ 183).
(2) القيصوم: من رياحين البر، طيب الرائحة. (اللسان: 12/ 486).
(3) هو محمد بن الحسن بن دريد الأزدي: من أئمة اللغة والأدب. توفي سنة 321هـ. (الأعلام:
6/ 80).
(4) شاعر غزل رقيق. اقتصر شعره على الغزل: توفي سنة 192هـ. (اعلام: 3/ 259).(2/231)
يا فوز يا منية عبّاس ... قلبي يفدّي قلبك القاسي
أسأت إذ أحسنت ظنّي بكم ... والحزم سوء الظنّ بالناس
يقلقني شوقي فآتيكم ... والقلب مملوء من الياس
وهل أعذب من هذه الأبيات، وأعلق بالخاطر، وأسرى في السمع؟ ولمثلها تسهر راقدات الأجفان، وعن مثلها تتأخر السوابق عند الرّهان، ومن الذي يستطيع أن يسلك هذه الطريق التي هي سهلة وعرة، قريبة بعيدة؟. وقد كان أبو العتاهية أيضا في غرّة الدولة العباسية، وشعر العرب إذ ذاك موجود كثيرا، وإذا تأملت شعره وجدته كالماء الجاري، رقّة ألفاظ، ولطافة سبك، وليس بركيك ولا واه، وانظر إلى قصيدته التي يمدح بها المهديّ ويشبب بجاريته عتب وهي:
ألا ما لسيّدتي مالها ... تدلّ فأحمل إدلالها
ألا إن جارية للإمام ... قد أسكن الحسن سربالها
لقد أتعب الله قلبي بها ... وأتعب في اللّوم عذّالها
كأنّ بعينيّ في حيث ما ... سلكت من الأرض تمثالها
فلما وصل إلى المديح قال من جملته:
أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرّر أذيالها
فلم تك تصلح إلّا له ... ولم يك يصلح إلّا لها
ولو رامها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها
ولو لم تطعه نيات القلوب ... لما قبل الله أعمالها
فهذه الأبيات من أرقّ الشعر غزلا ومديحا، وقد أذعن لمديحها الشعراء من أهل العصر، وهي على ما ترى من السّلاسة واللّطافة على أقصى الغايات، حتّى قال بشّار عند سماع المهديّ لها من أبي العتاهية: «انظروا إلى أمير المؤمنين هل طار عن أعواده؟» يريد هل زال عن سريره طربا بهذا المديح. وعلى هذا الأسلوب كان أبو نواس في السهولة والسّلاسة والرّقّة، ولذلك قدّم على شعراء عصره مع ما فيه من فحول الشعراء ومفلقيهم كمسلم بن الوليد وغيره، وذلك لرقة شعره
وسهولته، كقوله في محبوبته جنان:(2/232)
أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرّر أذيالها
فلم تك تصلح إلّا له ... ولم يك يصلح إلّا لها
ولو رامها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها
ولو لم تطعه نيات القلوب ... لما قبل الله أعمالها
فهذه الأبيات من أرقّ الشعر غزلا ومديحا، وقد أذعن لمديحها الشعراء من أهل العصر، وهي على ما ترى من السّلاسة واللّطافة على أقصى الغايات، حتّى قال بشّار عند سماع المهديّ لها من أبي العتاهية: «انظروا إلى أمير المؤمنين هل طار عن أعواده؟» يريد هل زال عن سريره طربا بهذا المديح. وعلى هذا الأسلوب كان أبو نواس في السهولة والسّلاسة والرّقّة، ولذلك قدّم على شعراء عصره مع ما فيه من فحول الشعراء ومفلقيهم كمسلم بن الوليد وغيره، وذلك لرقة شعره
وسهولته، كقوله في محبوبته جنان:
ألم تر أنّني أفنيت عمري ... بمطلبها ومطلبها عسير
فلّما لم أجد سببا إليها ... يقرّبني وأعيتني الأمور
حججت وقلت قد حجّت جنان ... فيجمعني وإيّاها المسير
فانظر إلى هذه الأبيات ليس فيها لفظة منغلقة، وكذلك سائر شعره وكان هو وأبو العتاهية كأنما ينفقان من كيس واحد. ومن لطيف ما يحكى في توافق طريقتهما واتحاد مأخذهما أن أبا نواس جلس يوما إلى بعض التّجّار ببغداد هو وجماعة من الشعراء، فاستسقى أبو نواس ماء فلما شرب قال:
عذب الماء وطابا
ثم قال: أجيزوه! فأخذ أولئك الشعراء يتردّدون في إجازته، وإذا هم بأبى العتاهية مجتازا فقال: ما شأنكم مجتمعين؟ فقالوا كيت وكيت وقد قال أبو نواس:
عذب الماء وطابا
فقال أبو العتاهية مجيزا له:
حبّذا الماء شرابا
فعجبوا لقوله على الفور من غير تلبث، فهذا هو الكلام السهل الممتنع تراه يطمعك أن تأتي مثله، فإذا حاولت مماثلته راغ عنك كما يروغ الثعلب، وهكذا ينبغي أن يكون من خاض في كتابة أو شعر، فإن خير الكلام ما دخل الأذن بغير إذن.
ومن النثر قول سعيد بن حميد: (1) وأنا من لا يحاجّك عن نفسه، ولا يغالطك عن جرمه، ولا يستدعي برّك إلا من طريقته، ولا يستعطفك إلا بالإقرار
__________
(1) كاتب مترسل من الشعراء، قلدّه المستعين العباسي ديوان رسائله. توفي نحو 250هـ. (الأعلام:
3/ 93).(2/233)
بالذّنب، ولا يستميلك إلا بالاعتراف بالجرم، نبت بي عنك غرّة الحداثة، وردّتني إليك الحنكة، وباعدتني منك الثقة بالأيّام، وقادتني إليك الضّرورة، فإن رأيت أن تستقبل الصنيعة بقبول العذر، وتجدّد النعمة باطّراح الحقد، فإنّ قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة وإن أيام القدرة وإن طالت قصيرة، والمتعة بها وإن كثرت قليلة، فعلت إن شاء الله تعالى.
فانظر إلى قوة هذا الكلام في سهولته، وقرب مأخذه مع بعد تناوله والإتيان بمشاكله. وأجزل منه مع السهولة قول الشّعبيّ (1) للحجّاج، وأراد قتله لخروجه عليه مع ابن الأشعث (2): أجدب بنا الجناب، وأحزن بنا المنزل، فاستحلسنا (3)
الحذر، واكتحلنا السهر، وأصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء» فعفا عنه (4).
قال صاحب «الصناعتين»: وقد غلب الجهل على قوم فصاروا يستجيدون الكلام إذا لم يقفوا على معناه إلا بكدّ، ويستفصحونه إذا وجدوا ألفاظه كزّة (5)
غليظة، وجاسية (6) مريبة، ويستحقرون الكلام إذا رأوه سلسا عذبا، وسهلا حلوا
__________
(1) هو أبو عمرو، عامر بن شراحيل الشعبي: كوفي تابعي جليل القدر وافر العلم. توفي سنة 109هـ.
(أسماء التابعين: 1/ 267).
(2) عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث: أمير من القادة الشجعان سيره الحجاج بجيش لغزو بلاد «رتبيل» ملك الترك فيما وراء سجستان، فغزا بعض أطرافها وأخذ منها حصونا وغنائم، وكتب إلى الحجاج يخبره بذلك وأنه ترك التوغل في بلاد «رتبيل» إلى أن يختبر مداخلها ومخارجها فاتهمه الحجاج بالضعف والعجز. فاتفق عبد الرحمن مع من معه على خلع الحجاج وإخراجه من أرض العراق وتوجه لقتال الحجاج فدارت بينهما معارك ظفر فيها عبد الرحمن أول الأمر، ثم جرت بينهما موقعة دير الجماجم التي انتهت بخروج ابن الأشعث من الكوفة، وتراجع إلى «رتبيل» الذي حماه مدة ثم قتله سنة 85هـ. وبعث برأسه إلى الحجاج. (انظر خبر ابن الأشعث وخطبه في جنده في جمهرة خطب العرب: 2/ 340وما بعدها).
(3) أي لم يفارقنا الحذر.
(4) انظر مقالة الحجاج للشعبي وردّ الشعبي عليه في «جمهرة خطب العرب: 2/ 344».
(5) غير منبسطة (لسان: 5/ 400).
(6) مترددة (لسان: 6/ 43).(2/234)
ولم يعلموا أن السهل أمنع جانبا، وأعزّ مطلبا، وهو أحسن موقعا، وأعذب مستمعا ولهذا قيل: «أجود الكلام السّهل الممتنع» وكان المفضّل يختار من الشعر ما يقلّ تداول الرواة له، ويكثر الغريب فيه. قال العسكري: وهذا خطأ في الاختيار، لأن الغريب لم يكثر في كلام إلا أفسده، وفيه دلالة على الاستكراه والتكلف.
ووصف الفضل بن سهل (1) عمرو بن مسعدة (2) فقال: هو أبلغ الناس، ومن بلاغته أن كل أحد يظن أنه يكتب مثل كتبه، فإذا رامها، تعذرت عليه.
وقال (3) العباس بن ميمون: قلت للسيد (4): ألا تستعمل الغريب في شعرك؟
فقال: ذلك عيّ في زماني، وتكلّف مني لو قلته، وقد رزقت طبعا واتساعا في الكلام، فأنا أقول ما يعرفه الصغير والكبير، ولا يحتاج إلى تفسير، ثم أنشدني:
أيا ربّ إنّي لم أرد بالذي به ... مدحت عليّا غير وجهك فارحم
قال في «الصناعتين»: فهذا كلام عاقل يضع الكلام موضعه، ويستعمله في إبّانه.
ومن كلام بعض الأوائل: تلخيص المعاني رفق، والتشادق في غير أهل نقص، والنظر في وجوه الناس عيّ، ومس اللّحية هلك، والاستعانة بالغريب عجز، والخروج عما بني عليه الكلام إسهاب فأجود الكلام ما كان جزلا سهلا، لا ينغلق معناه، ولا يستبهم مغزاه، ولا يكون مكدودا مستكرها، ومتوعرا متقعّرا، ويكون بريئا من الغثاثة، عاريا من الرّثاثة فالكلام إذا كان لفظه غثّا، ومعرضه
__________
(1) وزير المأمون العباسي وصاحب تدبيره: كان يلقب بذي الوزارتين. قتله جماعة سنة 202هـ. بينما كان في الحمام. (اعلام: 5/ 149).
(2) وزير المأمون وأحد الكتاب البلغاء. توفي سنة 217هـ. (اعلام: 5/ 86).
(3) رواية العسكري في الصناعتين: 67: «وأخبرنا أبو أحمد عن الصولي عن الغلابي عن طائع، وهو العباس بن ميمون، عن غلمان بن ميثم قال: قيل للسيد الخ».
(4) هو السيد الحميري، إسماعيل بن محمد: شاعر إمامي متقدم توفي سنة 173هـ. (أعلام:
1/ 322).(2/235)
رثّا، كان مردودا ولو احتوى على أجلّ معنى وأنبله، وأرفعه وأفضله. قال في «المثل السائر»: أما البداوة والعنجهيّة، فتلك أمة قد خلت، ومع أنها قد خلت وكانت في زمن العرب العاربة فإنها قد عيبت على مستعملها في ذلك الوقت، فكيف الآن وقد غلب على الناس رقة الحضر.
الصنف الثاني الغريب المتوحش عند كل قوم في كل زمن
وهو ما لم يكن متداول الأستعمال في الزمن الأوّل ولا ما بعده، بل كان مرفوضا عند العرب كما هو مرفوض عند غيرهم، ويسمّى الوحشيّ الغليظ، والعكر، والمتوعّر وهو على ثلاثة أضرب:
الضرب الأوّل ما يعاب استعماله في النظم والنثر جميعا
قال في «المثل السائر»: والناس في قبح استعماله سواء، لا يختلف فيه عربيّ باد، ولا قرويّ متحضّر. قال: وليس وراءه في القبح درجة أخرى، ولا يستعمله إلا أجهل الناس ممن لم يخطر بباله شيء من معرفة هذا الفنّ أصلا، وهو ما مجّه سمعك، ونبا عنه لسانك وثقل عليك النطق به على أنه قد وقع منه ألفاظ لبعض الشعراء المفلقين من العرب والمحدثين. فمن ذلك لفظ الجحيش (1)
في قول تأبط شرّا (2) من أبيات الحماسة:
يظلّ بموماة (3) ويمسى بغيرها ... جحيشا ويعروري ظهور المسالك
فإن لفظه جحيش من الألفاظ المنكرة القبيحة.
__________
(1) الجحيش: المتنحيّ عن الناس (لسان: 6/ 270).
(2) هو ثابت بن عمسل: من شعراء الجاهلية الصعاليك (الشعر والشعراء: 143).
(3) الموماة: المفازة الواسعة الملساء. (لسان: 12/ 566).(2/236)
قال في «المثل السائر»: ويالله العجب! أليس أنها بمعنى فريد؟ وفريد لفظة حسنة رائقة، لو وضعت في هذا البيت موضع جحيش لما اختل شيء من وزنه، فتأبط شرّا ملوم من وجهين: أحدهما استعماله القبيح، والثاني أنه كانت له مندوحة عن استعماله فلم يعدل عنها وأقبح من ذلك لفظ اطلخمّ في قول أبي تمّام:
قد قلت لما اطلخمّ الأمر وانبعثت ... عشواء تالية غبسا دهاريسا (1)
فإن لفظة اطلخمّ من الألفاظ المنكرة التي جمعت الوصفين القبيحين: من أنها غريبة، وأنها غليظة في السمع، كريهة على الذّوق، وكذلك لفظة دهاريس في آخر البيت المذكور.
وعلى حدّ ذلك ورد لفظ جيدر في قوله من أبيات في وصف فرس:
نعم متاع الدّنيا حباك به ... أروع لا جيدر ولا جبس (2)
فلفظة جيدر وحشية غليظة وأغلظ منها لفظة جفخت في قول أبي الطّيّب المتنبي:
جفخت وهم لا يجفخون بها بهم ... شيم على الحسب الأغرّ دلائل
فإن لفظة جفخ مرّة الطعم، وإذا مرّت على السمع اقشعرّ منها، وكان له مندوحة عن استعمالها، فإن جفخت بمعنى فخرت وهما في وزن واحد، فلو أتى بلفظ فخرت ويفخرون مكان جفخت ويجفخون لاستقام وزن البيت وحظي في استعماله بالأحسن، فهو في ذلك كتأبّط شرّا في لفظة جحيش في توجه الملامة عليه من وجهين.
__________
(1) إطلخمّ، أظلم وتراكم غبس: مفردها أغبس أي أغبر، من الغبسه والغبس وهو لون الرماد الدهاريس: واحدها دهرس ودهرس وهو الداهية.
(2) الأروع: الرجل الكريم ذو الجسم والجهارة والفضل، وقيل هو الجميل الذي لا يروعك حسنه، الجيدر: القصير، وقد يقال: جيدرة على المبالغة الجبس: الرديء الدنيء الجبان.(2/237)
قال في «المثل السائر»: وما أعلم كيف يذهب هذا وأمثاله على هؤلاء الفحول من الشعراء! هذا ما أورده ابن الأثير من هذا النوع، ويشبه أن يكون منه لفظ الحقلّد في قول زهير:
تقيّ نقيّ لم يكثّر غنيمة ... بنهكة ذي قربى ولا بحقلّد
والحقلّد: السيء الخلق (1).
قال في «الصناعتين»: وقد أخذ الرّواة على زهير في لفظة الحقلّد فاستبشعوها، وقالوا: ليس في لفظ زهير أنكر منها، وكذلك لفظ الجرشّى في قول أبي الطّيّب في مدح سيف الدولة بن حمدان واسمه عليّ:
مبارك الاسم أغرّ اللّقب ... كريم الجرشّى شريف النّسب
فلفظ الجرشّى مما يكرهه السمع، وينبوعنه اللسان، والجرشّى بمعنى النّفس، فجعل اسمه مباركا، ولقبه أغرّ، ونفسه كريمة، ونسبه شريفا، وذلك أنه كان يسمّى عليّا وهو اسم مبارك لموافقة أسم امير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه، ويلقب سيف الدولة وهو لقب أعرابي مشهور، وأغرّ أخذا من غرّة الفرس لأنها أشهر ما فيها، ووصفه بكرم النفس إما باعتبار الحسب والعراقة، وإما باعتبار بذل المال وكثرة العطاء، وأشار إلى شرف نسبه باعتبار عراقته في بيت الملك وعراقة حسبه.
الضرب الثاني ما يعاب استعماله في النثر دون النظم
وهذا الضرب مما ذكر صاحب المثل السائر أنه استخرجه بفكره، ولم يجد فيه قولا لغيره. قال: وهذا ينكره من يسمعه حتّى ينتهي إلى ما أوردته من الأمثلة،
__________
(1) في القاموس: «الحقلّد في قول زهير: «الإثم» ومثله في اللسان.(2/238)
ولربما أنكره بعد ذلك إما عنادا وإما جهلا لعدم الذوق السليم عنده، ثم ذكر منه امثلة، منها لفظ شرنبثة (1) من قول الفرزدق:
ولولا حياء زدت رأسك شجّة ... إذا سبرت ظلّت جوانبها تغلى
شرنبثة شمطاء من يرما بها ... يشبه ولو بين الخماسيّ والطّفل
قال: فلفظة شرنبثة من الألفاظ الغريبة التي يسوغ استعمالها في الشعر، وهي ها هنا غير مستكرهة، إلا أنها لو وردت في كلام منثور من كتاب أو خطبة، لعيبت على مستعملها.
ومنها لفظة مشمخرّ (2) الواردة في أبيات بشر في وصفه لقاءه الأسد حيث قال:
وأطلقت المهنّد عن (3) يميني ... فقدّ له من الأضلاع عشرا
فخرّ مضرّجا بدم كأنّي ... هدمت به بناء مشمخرّا
وكذلك في قول البحتريّ في قصيدته التي يصف فيها إيوان كسرى:
مشمخرّ تعلو له شرفات ... رفعت في رؤوس رضوى وقدس
فإن لفظة مشمخرّ لا يحسن استعمالها في الخطب والمكاتبات، ولا بأس بها في الشعر وقد وردت في خطب الشيخ الخطيب ابن نباتة (4) كقوله في خطبة يذكر فيها أهوال يوم القيامة: اقمطرّ (5) وبالها، واشمخرّ نكالها، فما طابت ولا ساغت.
ومنها لفظة الكنهور (6) من أوصاف السحاب كقول أبي الطّيّب:
__________
(1) الشّرنبثة: الشديدة القبح وقيل الغليظة الكفين والرجلين. (اللسان: 2/ 160).
(2) المشمخرّ: الجبل العالي (اللسان: 4/ 429).
(3) في مقامات بديع الزمان الهمذاني بتعليق الشيخ محمد عبده: «وأطلقت المهندّ من الخ».
(4) هو عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة الفارقي. توفي بحلب سنة 374هـ. (الأعلام:
3/ 347).
(5) يقال: اقمطرّ عليه الشيء أي تزاحم. واقمطرّ للشرّ أي تهيأ. (اللسان: 5/ 116).
(6) الكنهور من السحاب هو المتراكب الثخين. (اللسان: 5/ 153).(2/239)
يا ليت باكية شجاني دمعها ... نظرت إليك كما نظرت فتعذرا
وترى الفضيلة لا تردّ فضيلة ... الشّمس تشرق والسّحاب كنهورا
فلفظة الكنهور لا تعاب نظما، وتعاب نثرا.
ومنها لفظة العرمس، وهو اسم الناقة الشديدة فإن هذه اللفظة يسوغ استعمالها في الشعر ولا يعاب مستعملها كقول المتنبي:
ومهمه جبته على قدمي ... تعجز عنه العرامس الذّلل
فإنه جمع هذه اللفظة ولا بأس بها، ولو استعملت في الكلام المنثور من الخطب لما طابت ولا ساغت وقد جاءت موحّدة في شعر أبي تمام في قوله:
هي العرمس الوجناء وابن ملمّة ... وجاش على ما يحدث الدهر خافض
ومنها لفظة الشّدنيّة في قول أبي تمام أيضا.
يا موضع الشّدنيّة الوجناء
وهي ضرب من النّوق فإن الشدنيّة لا تعاب شعرا وتعاب لو وردت في كتابة أو خطبة. هذا ما أورده في «المثل السائر» لهذا الضرب من الأمثلة.
ثم قال: وهكذا يجري الحكم في أمثال هذه الألفاظ وعلى هذا فاعلم أن كل ما يسوغ استعماله في الكلام المنثور يسوغ استعماله في الكلام المنظوم، وليس كل ما يسوغ استعماله في الكلام المنظوم يسوغ استعماله في الكلام المنثور. قال: وذلك شيء استنبطته واطلعت عليه لكثرة ممارستي هذا الفن، ولأنّ الذوق الذي عندي دلّني عليه، فمن شاء أن يقلّدني فيه، وإلا فليدمن النظر حتّى يطّلع على ما اطلعت عليه، والأذهان في مثل هذا المقام تتفاوت. على أن الشيخ سعد الدين التفتازاني (1) رحمه الله قد تابعه على ذلك في شرح التلخيص (2)، فلا
__________
(1) هو مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني: من أئمة العربية والبيان والمنطق. توفي بسمرقند سنة 793 هـ. (الأعلام: 7/ 219).
(2) شرح فيه «تلخيص المفتاح» في المعاني والبيان للإمام جلال الدين القزويني المتوفى سنة 739هـ.
(كشف الظنون: 474).(2/240)
أعلم أقلده في ذلك أم ذوقه أدّاه إليه؟.
الضرب الثالث ما يعاب استعماله بصيغة دون صيغة
قال في «المثل السائر»: وهذا الضرب من هذه الصناعة بمنزلة عليّة، ومكانة شريفة، وجلّ الأسرار اللفظية منوط به. قال: وقد لقيت جماعة من مدّعي فن الفصاحة وفاوضتهم وفاوضوني، وسألتهم وسألوني، فما وجدت أحدا منهم يتقن معرفة هذا الموضع كما ينبغي وقد استخرجت فيه أشياء لم أسبق إليها فإن اللفظة الواحدة قد تنتقل من هيئة إلى هيئة، أو من صفة إلى صفة، فتنتقل من القبح إلى الحسن وبالعكس فيصير القبيح حسنا، والحسن قبيحا، والمرجع في ذلك إلى الذوق الصحيح والطبع السليم وقد نبّه منه على تسعة أنماط:
النمط الأوّل
ما يترجح فيه الاسم في الاستعمال على الفعل، وذلك في مثل لفظ خود، فإنها عبارة عن المرأة الناعمة، فإذا نقلت إلى صيغة الفعل، قيل خوّد على وزن فعّل بتشديد العين، ومعناها أسرع. يقال: خوّد البعير إذا أسرع في مشيه، فهي على صيغة الاسم حسنة رائقة، قد وردت في النظم والنثر كثيرا، وإذا جاءت على صيغة الفعل لم تكن حسنة، كقول أبي تمّام:
وإلى بني عبد الكريم تواهقت ... رتك النّعام رأى الطريق (1) فخوّدا (2)
إلا أن لفظة خوّد قد استعملت على غير هذا الوجه في بعض المواضع فزال عنها بعض القبح وإن لم تلحق بدرجة الرائق الحسن، كقول بعض شعراء الحماسة:
__________
(1) في «المثل السائر»: الظلام. وكذا في ديوان أبي تمام.
(2) تواهقت: تبارت في السير وهي مادة أعناقها. الرّتك: المشي في اهتزاز، ونادرا ما تقال في غير الإبل. خوّد: أسرع في سيره.(2/241)
أقول لنفسي حين خوّد رألها: ... رويدك (1) لما تشفقي حين مشفق
رويدك (2) حتّى تنظري عمّا تنجلي ... عماية هذا العارض المتألّق
والرّأل: النعام (3)، والمراد أن نفسه فرّت وفزعت، شبه بإسراع النعام في فراره وفزعه، فلما أورد ذلك على سبيل المجاز زال بعض القبح.
قال: وهذا يدركه الذوق الصحيح، فهي في بيت أبي تمّام قبيحة سمجة، وهاهنا بين بين، ويقاس على ذلك أشباهه ونظائره.
النمط الثاني
ما يترجح فيه فعل الأمر والمستقبل في الاستعمال على الفعل الماضي وذلك في مثل لفظة ودع، وهي فعل ماض ثلاثيّ لا ثقل بها على اللسان، ومع ذلك فإنها لا تستعمل على صيغتها الماضية إلا جاءت غير مستحسنة، فإذا استعملت على صيغة الأمر أو الاستقبال جاءت حسنة بهجة رائقة أما على صيغة الأمر فكما في قوله تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} * (4) ولم ترد في القرآن الكريم إلا على هذه الصيغة وأما على صيغة الاستقبال فكقول النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد واصل في شهر رمضان فواصل معه قوم، فقال: «لو مدّ لنا الشّهر لواصلنا وصالا يدع له المتعمّقون تعمّقهم». وقد استعملها أبو الطّيّب على هذا الوجه في قوله:
تشقّكم بقناها كلّ سلهمة (5) ... والضّرب يأخذ منكم فوق ما يدع
فجاءت في كلامه بهجة رائقة، وأما الماضي من هذه اللفظة فلم يستعمل إلا شاذا ولا حسن له، كقول أبي العتاهية:
أثروا فلم يدخلوا قبورهم ... شيئا من الثّروة التي جمعوا
وكان ما قدّموا لأنفسهم ... أعظم نفعا من الذي ودعوا
__________
(1) في الحماسة: «مكانك».
(2) في الحماسة: «مكانك».
(3) في اللسان: الرّأل: ولد النعام.
(4) الأنعام / 91. وكان عليه أن يمثّل بقوله تعالى: «ودع أذاهم».
(5) السّلهمة: القناة الطويلة الضامرة. (القاموس: 4/ 133).(2/242)
فلم تقع في كلامه من الحسن موقعا، ولا أصابت من الطّلاوة غرضا وهذه لفظة واحدة لم يتغير شيء من أحوالها سوى أنها نقلت من صيغة إلى صيغة، وكذلك لفظة وذر، فإنها لا تستعمل ماضية، وتستعمل على صيغة الأمر كقوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} (1) وتستعمل مستقبلة أيضا كقوله تعالى:
{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمََا أَدْرََاكَ مََا سَقَرُ لََا تُبْقِي وَلََا تَذَرُ} (2) ولم ترد في القرآن الكريم إلا على هاتين الصيغتين، وكذلك في غير القرآن الكريم من فصيح الكلام، أما في حالة المضيّ، فإنها أقبح من لفظة ودع، وقد استعملت ماضية مع شذوذ، وهذه لم تستعمل أصلا.
النمط الثالث
ما يترجح فيه الإفراد في الاستعمال على التثنية، وذلك في مثل لفظ الأخدع (3)، فإنها يحسن استعمالها في حالة الإفراد دون التثنية فممّا وردت فيه مفردة فجاءت حسنة رائقة، قول الصّمّة بن عبد الله (4) من شعراء الحماسة:
تلفّتّ نحو الحيّ حتّى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتا (5) وأخدعا
ومما ورد فيه لفظ التثنية فجاء ثقيلا مستكرها قول أبي تمّام:
يا دهر قوّم من أخدعيك فقد ... أضججت هذا الأنام من خرقك
هكذا ذكره في المثل السائر، ثم قال: وليس لذلك سبب إلا أنها جاءت موحدة في أحدهما فحسنت، وجاءت مثناة في الآخر فقبحت.
النمط الرابع
ما يترجح فيه الإفراد في الاستعمال على الجمع، وذلك
__________
(1) الحجر / 3.
(2) المدثر / 282726.
(3) الأخدع: عرق في موضع المحجمتين، وهما أخدعان (اللسان: 8/ 66).
(4) شاعر غزل بدوي من شعراء العصر الأموي. مات نحو سنة 95هـ. (الاعلام: 3/ 209).
(5) اللّيت: صفحة العنق (اللسان: 2/ 87).(2/243)
كلفظة الأرض، فإنها لم ترد في القرآن الكريم إلا مفردة، سواء أفردت بالذكر عن السماء كما في قوله تعالى: {وَاللََّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبََاتاً} (1) أو قرنت بالسماء مفردة كما في قوله تعالى: {وَيُمْسِكُ السَّمََاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلََّا بِإِذْنِهِ} (2) أو مجموعة كما في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلََّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ} (3) ولو كان استعمالها بلفظ الجمع مستحسنا لكان هذا الموضع وشبهه به أليق لمقابلة الجمع في السموات، ولما أراد أن يأتي بها مجموعة قال: {اللََّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمََاوََاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} (4) وكذلك لفظة البقعة، وكذلك لفظة طيف في ذكر طيف الخيال، فإنها تجمع على طيوف، وهي في حالة الإفراد من أرقّ الألفاظ وألطفها، فإذا جمعت زالت عنها تلك الطّلاوة، وفارقتها تلك البهجة، ولذلك وردت في القرآن الكريم بلفظ الإفراد، قال تعالى: إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طيف (5) من الشّيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون (6). ولم تزل الشعراء في القديم والحديث يستعملونه بلفظ الإفراد فيقع أحسن موقع، ولم يلمّوا باستعماله مجموعا.
قال في «المثل السائر»: ويالله العجب، من هذه اللفظة ومن أختها عدّة ووزنا، وهي صيف! فإنها تستعمل مفردة ومجموعة، وكلاهما في الاستعمال حسن رائق، قال: وهذا مما لا يعلم السرّ فيه، والذوق السليم هو الحاكم في الفرق بين هاتين اللفظتين وما يجري مجراهما. وكذلك يجري الحكم في جميع المصادر، فإنها في حالة الإفراد أحسن منها في حالة الجمع وقد جاء منها بعض ألفاظ مجموعة فجاءت غثّة مستكرهة كما في قول عنترة:
__________
(1) نوح / 17.
(2) الحج / 65.
(3) الأنعام / 1.
(4) الطلاق / 12.
(5) هذه إحدى القراءتين، والقراءة الثانية: طائف.
(6) الأعراف / 201.(2/244)
فإن يبرأ فلم أنفث عليه ... وإن يفقد فحقّ له الفقود
فالفقود جمع مصدر من قولنا: فقد يفقد فقدا، وليس له من الرّونق والطّلاوة ما لمفرده، وهو لفظ فقد، وإن كان جائزا من جهة العربية.
النمط الخامس
ما يترجّح فيه الجمع في الاستعمال على الإفراد كلفظة اللّبّ الذي هو العقل، فإن استعمالها بصيغة الجمع في غاية الحسن والبهجة والطّلاوة، وقد ورد بهذه الصيغة في غير موضع من القرآن الكريم، كقوله تعالى: {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبََابِ} (1) وقوله: {وَمََا يَذَّكَّرُ إِلََّا أُولُوا الْأَلْبََابِ} * (2) إلى غير ذلك من الآيات الوارد فيها ذلك بصيغة الجمع، أما في حالة الإفراد فإنها قليلة الاستعمال مع أنها لفظة ثلاثية خفيفة على النطق، بعيدة المخارج، ليست بمستثقلة ولا مكروهة.
قال في «المثل السائر»: وإذا تأملت القرآن الكريم ودققت النظر في رموزه وأسراره وجدت هذه اللفظة قد روعي فيها الجمع دون الإفراد، فإن أضيفت أو أضيف إليها حسن استعمالها، وساغ في طريق الفصاحة إيرادها. أما إضافتها فكقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذكر النساء: «ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الحازم من إحداكنّ يا معشر النّساء» وأما الإضافة إليها فكقول جرير:
إنّ العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللّب حتّى لا حراك به ... وهنّ أضعف خلق الله أركانا
قال في «المثل السائر»: فإن عريت هذه اللفظة عن الجمع والإضافة لم تأت حسنة. قال: ولا تجد دليلا على ذلك إلا مجرّد الذوق السليم وكذلك لفظة كوب فإنها لم ترد في القرآن الكريم إلا مجموعة، وهي وإن لم تكن مستقبحة في حالة الإفراد فإن الجمع فيها أحسن. وانظر إلى ما عليها من الطّلاوة والمائية في
__________
(1) ص / 29.
(2) البقرة / 269.(2/245)
قوله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدََانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوََابٍ وَأَبََارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} (1) وعلى هذا النحو لفظ رجا بالقصر، ومعناه الجانب، فإنها قد وردت في القرآن بلفظ الجمع في قوله تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلى ََ أَرْجََائِهََا} (2) أي جوانبها، ولم تستعمل مفردة: لأن الجمع يكسبها من الحسن ما لم يوجد لها حالة الإفراد، فإن أضيفت حالة الإفراد كرجا البئر ونحوه حسنت كما في حالة الجمع.
قال في «المثل السائر»: وليس كذلك لفظ الصّوف والأصواف، وإن كان لم يرد في القرآن الكريم إلا مجموعا حيث قال تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعََامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهََا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقََامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوََافِهََا وَأَوْبََارِهََا وَأَشْعََارِهََا أَثََاثاً وَمَتََاعاً إِلى ََ حِينٍ} (3) لأن لفظ الصوف مستحسن في حالة الإفراد كما في حالة الجمع. قال: وإنما قبح ذكره في قول أبي تمّام:
كانوا برود زمانهم فتصدّعوا ... فكأنّما لبس الزمان الصّوفا
لأنها جاءت مجازية في نسبتها إلى الزمان. قال: وعلى هذا النّهج وردت لفظة حبر وأحبار فإنها مجموعة أحسن منها مفردة، ولم ترد في القرآن الكريم إلا مجموعة.
النمط السادس
ما يترجّح فيه بعض الجموع في الاستعمال على بعض كما في جمع صائب من قولك: سهم صائب، فإنه يقال في الجمع سهام صوائب وصائبات وصيّب بالتشديد، وهذه الجموع كلها حسنة، رائقة، معجبة، دائرة على ألسنة أرباب النثر والنظم، ويقال في جمعه أيضا صيب على وزن كتب، وهو جمع قبيح، مرفوض الاستعمال، ثقيل على النطق، جاف عن السمع، وقد استعمله أبو نواس في شعره حيث قال:
__________
(1) الواقعة / 1817.
(2) الحاقة / 17.
(3) النحل / 80.(2/246)
ما أحلّ الله ما صنعت ... عينه تلك العشية بي
قتلت إنسانها كبدي ... بسهام للردى صيب
فجاءت غثّة كريهة نابية عن السمع، نافرة عن اللسان وكذلك الجمع في قيد، فإنه يجمع على قيود، وهو جمع سائغ القبول، شائع الاستعمال ويقال في جمعه أيضا: أقياد، وهو من الجموع المستكرهة الخارجة عن الاستعمال، وقد ورد في قول عويف (1) القوافي من أبيات الحماسة:
ذهب الرّقاد فما يحسّ رقاد ... مما شجاك ونامت العوّاد
لما أتاني من عيينة أنه ... أمست عليه تظاهر الأقياد
فلم يحسن ولم يرق، وكذلك القول في جمع قبّة، فإنه يجمع على قباب وهو جمع حسن دائر على ألسنة الفصحاء من أهل النظم والنثر، ويجمع أيضا على قبب، وليس بمستحسن، وإن كان هو في الكراهة دون أقياد في جمع قيد وقد استعمله ابن محكان التّميميّ (2) في قوله:
ماذا ترين أندنيهم لأرحلنا ... في جانب البيت أم نبني لهم قببا؟
فلم يحسن كحسن قباب بل جاءت كريهة مستشنعة وأعجب ما في هذا الباب أن الجمع قد يكون متفقا في لفظة واحدة إلا أنها مختلفة المعنى، فيختلف الاستعمال في الجمع باختلاف المعاني، حتى لو جيء بجمع في مكان جمع لم يحسن استعماله وإن كان جائزا من جهة العربية كلفظ العين، فإنها تطلق من جملة مدلولاتها على العين الباصرة، والعين من الناس، وهو النّبيه منهم، والعين الباصرة تجمع على عيون، والعين من الناس تجمع على أعيان، وقد شذ هذا
__________
(1) هو عوف، ويقال له: عويف، بن معاوية بن عقبة. سمّي عويف القوافي ببيت قاله. توفي نحو سنة 100هـ. (الأعلام: 5/ 97).
(2) هو مرّة بن محكان الربيعي السعدي التميمي: شاعر مقلّ، قتله صاحب شرط مصعب بن الزبير سنة 70هـ. (الأعلام: 7/ 206).(2/247)
الموضع على المتنبي في قوله:
والقوم في أعيانهم خزر (1) ... والخيل في أعيانها قبل (2)
فجمع العين الباصرة على أعيان في الموضعين.
قال في «المثل السائر»: وكأنّ الذوق يأبى ذلك ولا يجد له على اللسان حلاوة وإن كان جائزا وأعجب من ذلك كله أنك ترى وزنا واحدا من الألفاظ، فتارة تجد مفرده حسنا، وتارة تجد جمعه حسنا، وتارة تجدهما جميعا حسنين.
فما مفرده أحسن من جمعه حبرور، وهو فرخ الحبارى، فإنه يجمع على حبارير ومفرده أحسن من جمعه، وكذلك طنبور وطنابير، وعرقوب وعراقيب، وما أشبه ذلك.
ومما جمعه أحسن من مفرده بهلول وبهاليل، ولهموم ولهاميم، وهذا ضد الأوّل. ومما مفرده حسن وجمعه حسن جمهور وجماهير، وعرجون (3) وعراجين وما أشبه ذلك.
النمط السابع
ما يترجح فيه أحد صور الوزن الواحد باختلافه بالحركة والسكون كلفظ الثلث والربع إلى العشر، فإنها في حالة سكون الوسط كلها حسنة سائغة الاستعمال، فإذا تحرّكت أوساطها فقلت: ثلث، وربع، وخمس، وكذلك إلى عشر، فإن الحسن من ذلك جميعه ثلاثة وهي الثّلث، والخمس، والسّدس، أما الربع، والسبع، والثمن، والتسع، والعشر فليس كذلك في حسنه. قلت: إنما يظهر ذلك في السبع، والتسع، والعشر خاصة فإن الثّقل ظاهر فيها، أما الربع والثمن فإنهما في الحسن مع تحريك الوسط كالثلث، والخمس، والسدس، وقد
__________
(1) الخزر هو النظر الذي كأنه في أحد الشقين، وقيل هو ضيق العين وصغرها. وقيل فيها معاني أخرى.
(اللسان: 4/ 236).
(2) القبل: إقبال إحدى حدقتي العين على الأخرى. (اللسان: 11/ 541).
(3) العرجون: العذق. وقيل: العذق إذا يبس واعوجّ. (اللسان: 13/ 284).(2/248)
ورد القرآن بتحريك الوسط فيهما في سورة النساء حيث قال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مََا تَرَكَ أَزْوََاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كََانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمََّا تَرَكْنَ} (1)
وقوله: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمََّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كََانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمََّا تَرَكْتُمْ} (2) وأي حسن وفصاحة بعد وروده في القرآن الكريم؟
النمط الثامن
ما تترجح فيه أبنية بعض أسماء الفاعلين في الاستعمال على بعض، كاسم الفاعل المبنيّ من فعل بفتح الفاء وكسر العين فإنه يبنى على فاعل وفعل بكسر العين وفعلان، نحو حمد فهو حامد، وحمد، وحمدان، وفرح فهو فرح، وفارح، وفرحان، وغضب فهو غضبان، وغاضب فالأفعال الثلاثة على وزن واحد، وصيغ أسماء الفاعلين المبنية منها مختلفة في الأحسن الغالب استعماله، فحامد من حمد أحسن من حمد وحمدان، وفرح من فرح أحسن من فارح وفرحان، وغضبان من غضب أحسن من غاضب، وإن كان جائزا، وقد جاء بناء اسم الفاعل من فرح على فارح في قول بعض شعراء الحماسة.
فما أنا من حزن وإن جلّ جازع ... ولا بسرور بعد موتك فارح
فلم يحسن كحسن فرح، أما ما جاء منه على وزن فعلة نحو همزة ولمزة وجثمة ونومة ولكنة ولحنة، وما أشبه ذلك فقد قال في «المثل السائر»: الغالب على هذه اللفظة أن تكون حسنة.
النمط التاسع
ما يترجح من أوزان الأفعال بعضها على بعض كلفظة فعل وافتعل، فإن لفظة فعل لها موضع تستعمل فيه، ولفظة افتعل لها موضع تستعمل فيه، تقول: قعدت إلى فلان إذا جلست إليه، واقتعدت غارب الجمل، إذا ركبت عليه، ولا يحسن أن تقول اقتعدت إلى فلان وقعدت على غارب الجمل، وإن كان ذلك جائزا وكذلك أفعل وافعوعل فإنك تقول أعشب المكان، فإذا كثر عشبه قلت: اعشوشب، فلفظة افعوعل للتكثير، وهي على ما فيها من تكرار الحروف طيّبة
__________
(1) النساء / 12.
(2) النساء / 12.(2/249)
عذبة، وكذلك سائر ما في وزنها نحو اخشوشن المكان، واغرورقت العين، واحلولى الطعم، وما أشبه ذلك.
قال في «المثل السائر»: وهذا كله مما أخذته بالاستقراء، وفي اللغة مواضع كثيرة من ذلك لا يمكن استقصاؤها.
فانظر إلى ما يفعله اختلاف الصيغة بالألفاظ، وعليك بتفقّد أمثال هذه الكلمات لتعلم كيف تضع يدك في استعمالها، فكثيرا ما يقع فحول الخطباء والشعراء في مثلها، ومؤلّف الكلام من كاتب وشاعر إذا مرّت به الألفاظ عرضها على ذوقه الصحيح، فما يجده الحسّ منها موحّدا وحّده، وما يجده الحس منها مجموعا جمعه وكذلك يجري الحكم فيما سوى ذلك من الألفاظ.
الصنف الثالث المتوحش في زمن دون زمن
وهو ما كان متداول الاستعمال في زمن العرب، ثم رفض وترك بعد ذلك، وبهذا لا يعاب استعماله على العرب لأنه لم يكن عندهم وحشيّا، ولا لديهم غريبا، كما سيأتي التنبيه عليه، وإنما يعاب استعماله على غيرهم ممن قصر فهمهم عنه، وقلّت معرفتهم به وقد كان كلام العرب مشحونا به في نظمهم ونثرهم، دائرا على ألسنتهم في مخاطباتهم ومحاوراتهم، غير معيب ولا ملوم عليه، وانظر إلى ما تضمنته خطبهم وأشعارهم من الغريب ترى ذلك [غير معاب]، فمن ذلك قول أبي المثلّم الهذليّ:
آبي الهضيمة ناب (1) بالعظيمة متلاف الكريمة جلد غير ثنيان (2)
حامي الحقيقة نسّال الوديقة معتاق الوسيقة لا نكس ولا وان (3)
__________
(1) في الصناعتين: 394: «ناء».
(2) الثنيان: الذي يجيء ثانية في السؤدد.
(3) نسّال الوديقة أي ينسل في الوديقة وهي شدّة الحرّ. وقد وردت هذه الأبيات باختلاف شديد في معجم الشعراء: ص 182.
والمعتاق: الذي يطرد الطريدة.
الوسيقة: القطعة من الإبل.(2/250)
ربّاء مرقبة منّاع مغلبة ... وهّاب سلهبة قطّاع أقران (1)
هبّاط أودية حمّال ألوية ... شهّاد أندية سرحان فتيان (2)
وقول أعرابيّ في وصف إبل: كوم بهازر، مكد خناجر، عظام الحناجر، سباط المشافر، أجوافها رغاب، وأعطانها رحاب، تمنع من البهم، وتبرك للجمم. يريد بالكوم جمع كوماء، وهي الناقة العظيمة السّنام، والبهازر جمع بهزرة، وهي الناقة العظيمة، والمكد جمع مكود، وهي الناقة الغزيرة اللبن، والخناجر جمع خنجور، وهي بمعنى المكود أيضا، والعظام الحناجر: غلاظ الأعناق، وسباط المشافر أي مرسلات المشافر، والمشفر من الناقة كالجحفلة من الفرس ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى وينخرط في هذا السّلك فهذا ومثله لا يعاب استعماله على العرب لأنه لم يكن عندهم غريبا ولا لديهم وحشيّا، بل شائعا بينهم، دائرا على ألسنتهم في نظمهم ونثرهم وأعظم شاهد لاستحسان استعماله عندهم ووضوح منهجه لديهم أن القرآن الكريم الذي هو أفصح كلام وأبهج لفظ قد اشتمل على ألفاظ من ذلك، كقوله تعالى: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جََانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذََابٌ وََاصِبٌ} (3) وقوله: {إِنَّ الْإِنْسََانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} (4) وما أشبه ذلك، وهذه الألفاظ كانت مفهومة عند العرب، معلومة المعاني عند المخاطبين: لأن الله تعالى قد خاطبهم به وأمرهم فيه ونهاهم، والخطاب بما لا يفهم بعيد، وقد قال تعالى: {وَمََا أَرْسَلْنََا مِنْ رَسُولٍ إِلََّا بِلِسََانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (5). وكذلك ورد في الأخبار النبوية
__________
(1) ربّاء: من ربا فوق الشيء إذا علاه.
المرقبة: المرتفع من الأرض.
السّلهبة: الجسيم من الخيل.
(2) السرحان: الأسد، بلغة هذيل. وهذه الأبيات قالها أبو المثلّم في مدح صخر الغيّ، كما في اللسان:
2/ 481
(3) الصافات / 98.
(4) العاديات / 6.
(5) إبراهيم / 4.(2/251)
جملة مستكثرة من ذلك، وهي المعبر عنها بغريب الحديث، كقوله صلّى الله عليه وسلّم «من قعد مقعدا لم يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله تعالى ترة» أي نقص، وقيل تبعة، وقيل حسرة. وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ليسترجع أحدكم حتّى في شسع نعله فإنها من المصائب» والشّسع: أحد سيور النعل وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ألظّوا بياذا الجلال والإكرام» أي الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في الدعاء: «واغسل حوبتي واسلل سخيمة قلبي» (1) وأشباه ذلك.
وحديث أمّ زرع صريح في شيوع ذلك فيهم، وعمومه في مخاطباتهم ومكالماتهم وهو ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:
«جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن ألّا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا.
قالت الأولى: زوجي لحم جمل غثّ على رأس جبل (2)، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى، وفي رواية فينتقل (3).
قالت الثانية: زوجي لا أبثّ خبره، إنّي أخاف ألّا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره (4).
قالت الثالثة (5): زوجي العشنّق (6)، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق.
__________
(1) الحوبة: المأثم. والسخيمة: الحقد والضغينة.
(2) في بلوغ الأرب: 2/ 36: «على رأس جبل وعث».
(3) وصفته بقلّة الخير وبعده مع القلّة. فالغثّ: الهزيل، والجبل الوعث: الصعب المرتقى. والقائلة هي مهدد بنت أبي هزومة.
(4) جمّلت حال زوجها واكتفت بالإشارة إلى معايبه خشية أن يطول الخطب بإيراد جميعها. والعجر والبجر جمع: عجرة وبجرة، وهي تعقدّ العصب والعروق في الجسد حتى تصير ناتئة، والبجر مثلها إلا أنها تختص بالبطن. (راجع بلوغ الأرب: 2/ 36).
(5) القائلة هي كبشة بنت الأرقم. (المرجع السابق).
(6) العشنّق: الطويل المذموم الطول. قال الأصمعي: أرادت أنه ليس عنده اكثر من طوله بغير نفع.
وقيل: ذمته بالطول لأن الطول في الغالب دليل السّفه. (المرجع السابق).(2/252)
قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ ولا خوف ولا سآمة (1).
قالت الخامسة (2): زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد (3).
قالت السادسة (4): زوجي إن أكل لفّ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ، ولا يولج الكفّ، ليعلم البثّ (5).
قالت السابعة (6): زوجي غياياء طباقاء، كلّ داء له داء، شجّك أو فلّك أو جمع كلّالك (7).
قالت الثامنة (8): زوجي الريح ريح زرنب، والمسّ مسّ أرنب (9).
قالت التاسعة (10): زوجي رفيع العماد، طويل النّجاد، عظيم الرّماد، قريب
__________
(1) في بلوغ الأرب: زوجي كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة، والغيث غيث غمامة».
تصف زوجها بأنه لينّ الجانب. وغيث غمامة أي لا شرّ فيه يخاف.
(2) القائلة هي حبّى بنت علقمة. وأضاف في «بلوغ الأرب»: «ولا يرفع اليوم لغد».
شبهته في لينه بالفهد لأنه يوصف بالحياء وقلة الشّره. وشبهته بالأسد تصفه بالنشاط في الغزو.
وقولها: لا يسأل عما عهد، بمعنى أنه شديد الكلام كثير التغاضي، لا يتفقد ما ذهب من ماله.
وقولها: لا يرفع اليوم لغد، أي لا يدّخر ما حصل عنده اليوم من أجل الغد.
(3) القائلة هي حبّى بنت علقمة. وأضاف في «بلوغ الأرب»: «ولا يرفع اليوم لغد».
شبهته في لينه بالفهد لأنه يوصف بالحياء وقلة الشّره. وشبهته بالأسد تصفه بالنشاط في الغزو.
وقولها: لا يسأل عما عهد، بمعنى أنه شديد الكلام كثير التغاضي، لا يتفقد ما ذهب من ماله.
وقولها: لا يرفع اليوم لغد، أي لا يدّخر ما حصل عنده اليوم من أجل الغد.
(4) القائلة هي بنت أوس بن عبد ودّ. وفي بعض الروايات بزيادة: «وإن ذبح اغتثّ» أي تحرّى الغث الهزيل.
جمعت في وصفها له بين اللؤم والبخل والنهمة والمهانة وسوء العشرة مع أهله. فالمراد باللفّ:
الإكثار من الأكل واستقصاؤه حتى لا يترك شيئا منه. والاشتفاف في الشرب: استقصاؤه. وقولها:
التفّ أي رقد ناحية وتلفف بكسائه وحده وانقبض عن أهله فهي حزينة لذلك، ولذلك قالت: لا يولج الكف الخ. أي لا يمد يده ليعلم ما هي عليه من الحزن فيزيله.
(5) القائلة هي بنت أوس بن عبد ودّ. وفي بعض الروايات بزيادة: «وإن ذبح اغتثّ» أي تحرّى الغث الهزيل.
جمعت في وصفها له بين اللؤم والبخل والنهمة والمهانة وسوء العشرة مع أهله. فالمراد باللفّ:
الإكثار من الأكل واستقصاؤه حتى لا يترك شيئا منه. والاشتفاف في الشرب: استقصاؤه. وقولها:
التفّ أي رقد ناحية وتلفف بكسائه وحده وانقبض عن أهله فهي حزينة لذلك، ولذلك قالت: لا يولج الكف الخ. أي لا يمد يده ليعلم ما هي عليه من الحزن فيزيله.
(6) في بلوغ الأرب: القائلة هي «هند»، ولم يزد. الغياياء الطباقاء: الأحمق الذي ينطبق عليه أمره.
وقولها: كل داء له داء أي كل شيء تفرّق في الناس من المعائب موجود فيه: وقولها: شجّك أو فلّك: أي جرحك في رأسك أو جسدك.
(7) في بلوغ الأرب: القائلة هي «هند»، ولم يزد. الغياياء الطباقاء: الأحمق الذي ينطبق عليه أمره.
وقولها: كل داء له داء أي كل شيء تفرّق في الناس من المعائب موجود فيه: وقولها: شجّك أو فلّك: أي جرحك في رأسك أو جسدك.
(8) القائلة هي عمرة بنت عمرو. وصفته بأنه لين الجسد ناعمه كالأرنب. والزرنب نبت طيب الريح.
(المرجع السابق).
(9) القائلة هي عمرة بنت عمرو. وصفته بأنه لين الجسد ناعمه كالأرنب. والزرنب نبت طيب الريح.
(المرجع السابق).
(10) القائلة هي كبشة. وزاد الزبير بن بكار في روايته: «لا يشبع ليلة يضاف ولا ينام ليلة يخاف» (المرجع السابق).(2/253)
البيت من النّاد.
قالت العاشرة (1): زوجي مالك، وما مالك؟ مالك خير من ذلك، له إبل قليلات المسارح، كثيرات المبارك، وإذا سمعن صوت المزهر أيقنّ أنهنّ هوالك.
قالت الحادية عشرة (2): زوجي أبو زرع، وما أبو زرع (3)؟ أناس (4) من حليّ أذنيّ، وملأ من شحم عضديّ، وبجّحني فبجحت إليّ نفسي، ووجدني في أهل غنيمة بشقّ (5)، فجعلني في أهل صهيل وأطيط (6) ودائس (7) ومنقّ (8)
فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقنّح (9)، (وفي رواية فأتقمّح) أمّ أبي زرع، فما أمّ أبي زرع؟ عكومها (10) رداح، وبيتها فساح ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ شطبة (11)، وتشبعه ذراع
__________
(1) القائلة هي حبّى بنت كعب. ووقع في بعض الروايات من الزيادة «وهو أمام القوم في المهالك».
جمعت في وصفها له بين الثروة والكرم وكثرة القرى والاستعداد له والمبالغة في صفاته. (المرجع السابق).
(2) القائلة هي عاتكة، كما قال ابن دريد في كتاب «الوشاح».
(3) زاد الطبراني هنا: «صاحب نعم وزروع».
(4) أي ملأ أذنيّ.
(5) أي أنهم كانوا في شق جبل، أي ناحيته، ولقلّتهم وسعهم.
(6) أهل صهيل وأطيط أي أهل خيل وإبل. وأصل الأطيط صوت أعواد المحامل والرحال على الجمال.
(7) من الدوس، وهو الذي يدوس الطعام. فكأنها قالت انهم اصحاب زرع.
(8) اختلفت الروايات في ضبط هذا اللفظ كما اختلفت في معناه. والحاصل انها ذكرت انه نقلها من شظف عيش أهلها إلى الثروة الواسعة (راجع: بلوغ الأرب: 2/ 45واللسان: 10/ 360).
(9) اختلف اللغويون في معنى: اتقنّح. فقال أبو عبيد: معناه أروى حتى لا أحب الشرب، وقيل غير ذلك. والشرب يعم شرب اللبن والخمر والنبيذ وغير ذلك. (راجع بلوغ الأرب: 2/ 45).
(10) جمع: عكم، بكسر العين وسكون الكاف. وهي الأعدال والأحمال تجمع فيها الأمتعة. ورداح أي عظام كثيرة الحشو. يقال للمرأة إذا كانت عظيمة الكفل ثقيلة الورك: رداح.
(11) أرادت بمسلّ الشطبة: سيف سلّ من غمده، فمضجعه الذي ينام فيه في الصغر كقدر مسلّ شطبة واحدة.(2/254)
الجفرة (1) بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها، وطوع أمّها (2)، وملء كسائها، وغيظ جارتها (3) جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تنثّ حديثنا تنثيثا (وفي رواية لا تبثّ حديثنا تبثيثا)، ولا تنقّث ميرتنا تنقيثا (4)، ولا تملأ بيتنا تعشيشا (5). قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض (6)، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمّانتين (7)، فطلّقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريّا، ركب شريّا (8)، وأخذ خطّيّا (9)، وأراح عليّ نعما ثريّا، وأعطاني من كلّ رائحة زوجا، (وفي رواية فأعطاني من كل ذابحة زوجا) وقال: كلي أمّ زرع وميري أهلك، فلو جمعت كلّ شيء أعطاني ما بلغ أصغر آنية أبي زرع».
قالت عائشة: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت لك كأبي زرع لأمّ زرع» وفي رواية «غير أنّي لا أطلّقك».
__________
(1) الجفرة: الأنثى من ولد الماعز إذا كان ابن أربعة أشهر وفصل عن أمه وأخذ في الرعي.
والمقصود: يشبعه القليل القليل، وزاد ابن الأنباري بعد ذراع الجفرة: «وترويه فيقة اليعرة ويميس في حلق النترة».
(2) وزاد بعضهم: «وزين أهلها ونسائها».
(3) المقصود: ضرتها. ويمكن أن يكون اللفظ على حقيقته لأن الجارات من شأنهن ذلك. وزادت بعض الروايات: «وصغر ردائها قبّاء، هضيمة الحشا، جائلة الوشاح، عكناء، فعماء، بجلاء، دعجاء، رجّاء، قنواء، مونّقة مغنّقة.
(4) لا تنقّث: أي لا تسرع فيه بالخيانة وتذهبه بالسرقة. والميرة: ما يحصله البدوي من الحضر ويحمله إلى منزله لينتفع به أهله.
(5) أي لا تهمل كناسته وتترك القمامة في جوانب البيت كأنها الأعشاش.
(6) الأوطاب: جمع وطب وهو وعاء اللبن. ولعل المراد: أن الوقت الذي خرج فيه كان في زمن الخصب وطيب الربيع.
(7) تشبيه النهدين بالرمانتين إشارة إلى صغر سنها.
(8) أي فرسا خيارا فائقا.
(9) أي رمحا منسوبا إلى الخط وهو موضع بنواحي البحرين تجلب منه الرماح.(2/255)
فإذا كان هذا كلام نسائهم الدائر فيما بينهن من محادثاتهن مع بعضهن في خلواتهن، فما ظنك بفرسان الكلام في نظمهم ونثرهم! فأنّى يعاب عليهم ذلك، وينكر عليهم الإتيان بمثله! وقد اختصم رجل وامرأة إلى يحيى بن يعمر (1)، وهو من أكابر التابعين وجلّتهم، فقال للرجل: أأن سألتك ثمن شكرها وشبرك، أنشأت تطلّها وتضهلها (2)؟ أما غير العرب ممن تكلف ذلك وأتى به في كلامه المعتاد في مخاطباته أو نثره ونظمه فإنه يعاب عليه ذلك، وينحط به عن درجة الفصاحة، ويخرج به عن قانونها، إذ المقصود من الكلام إنما هو الإفهام لا غير، فيخاطب كلّ أحد بما يفهمه ولا يكلّف بما لا يعلمه، وخير الكلام ما جاد وأفاد.
قال بشر بن المعتمر (3): إيّاك والتّوعّر، فإنه يسلمك الى التعقيد والتقييد، وهو الذي يستهلك معانيك ويمنعك مراميك.
قال أبو هلال العسكري: وربما غلب سوء الرأي وقلة العقل على بعض علماء العربية فيخاطبون السّوقيّ، والمملوك والأعجميّ، بألفاظ أهل نجد، ومعاني أهل السّراة وحكاياتهم في ذلك كثيرة.
قال أبو نصر الجوهريّ: سقط عيسى بن عمر (4) عن حمار له فاجتمع عليه الناس فقال: ما لكم تكأكأتم عليّ تكأكؤكم على ذي جنّة! افرنقعوا عنّي. أي ما لكم اجتمعتم عليّ اجتماعكم على ذي جنّة تفرّقوا عني. وذكر الجاحظ هذه الحكاية عن أبي علقمة النحويّ بزيادة فقال: مرّ أبو علقمة ببعض طرق البصرة
__________
(1) مات سنة 129هـ.
(2) في الصناعتين: 36 «الشكر: الرضاع، والشبر: النكاح، وتضهلها: تعطيها الشيء القليل» وفي اللسان عن الأزهري في تفسير تضهلها: أي تمصر عليها العطاء.
وقال المبرّد في تطلّها: أي تسعى في بطلان حقها. وشكرها في اللسان: فرجها.
(3) فقيه معتزلي مناظر، تنسب إليه الطائفة البشرية من المعتزلة. مات ببغداد سنة 210هـ. (الأعلام:
2/ 55).
(4) من أئمة اللغة. وهو شيخ الخليل وسيبويه وابن العلاء. توفي سنة 149هـ. (الاعلام: 5/ 106).(2/256)
فهاجت به مرّة فوثب عليه قوم يعضّون إبهامه ويؤذّنون في أذنه، فأفلت من أيديهم وقال: ما لكم تكأكأتم عليّ كما تكأكؤون على ذي جنّة! افرنقعوا عنّي. فقال بعضهم: دعوه فإن شيطانه يتكلم بالهنديّة.
وقال أبو علقمة يوما لحاجمه: اشدد قصب اللهازم (1)، وأرهف ظبات (2)
المشارط، وأمرّ المسح (3)، واستنجل (4) الرّشح، وخفّف الوطء، وعجل النّزع، ولا تكرهنّ أبيّا (5)، ولا تردّن أتيّا (6) فقال له الحجّام: ليس لي علم بالحروف (7).
ونظر إليه رجل وتحته بغل مصريّ حسن المنظر، فقال: إن كان مخبر هذا البغل كمنظره فقد كمل، فقال أبو علقمة: والله لقد خرجت عليه من مصر فتنكّبت الطريق مخافة السّرّاق وجور السلطان، فبينا أنا أسير في ليلة ظلماء قتماء، طحياء مدلهمّة، حندس (8) داجية، في صحصح (9) أملس، إذ أحسّ بنبأة (10) من صوت نغر (11)، أو طيران ضوع (12)، أو نغض سبد (13) فحاص عن الطريق متنكّبا لعزّة نفسه، وفضل قوّته، فبعثته باللجام فعسل (14)، وحرّكته بالركاب فنسل (15) وانتعل
__________
(1) أصول الحنكين، واحدتها لهزمة.
(2) جمع: ظبة، وهو حدّ السيف والسنان والخنجر.
(3) أي: أمرّ الحبل، أجاد فتله. والمراد الإحكام.
(4) من النجل أي النزّ. واستنجل الرشح أي استخرجه.
(5) الأبيّ: الممتنعة عن العلف لشبعها.
(6) الفرس إذا ضبعت وأرادت الفحل.
(7) في الصناعتين: 33 «فقال الحجّام: ليس لي علم بالحروب» وهو الصحيح.
(8) طخياء ومدلهمة وحندس أي مظلمة.
(9) الصحصح: ما استوى من الأرض.
(10) الصوت الخفيّ.
(11) البلبل وفراخ العصافير.
(12) طائر من طير الليل.
(13) النغض: التحرّك. والسّبد: طائر ليّن الريش إذا وقع عليه قطرتان من الماء جرى.
(14) أي اضطرب في عدوه وهزّ رأسه.
(15) أسرع.(2/257)
الطريق يغتاله معتزما، والتحف الليل لا يهابه مظلما، فو الله ما شبّهته إلا بظبية نافرة تحفزها (1) فتخاء شاغية (2) فقال الرجل: فادع الله وسله أن يحشر معك هذا البغل يوم القيامة، قال: ولم؟ قال: ليجيزك الصّراط بطفرة (3).
وكانت امرأة تأكل الطّين فحصل لها بسببه إسهال مرضت منه، وكان لها ولد يتكلم بالغريب، فكتب رقاعا وطرحها في المسجد الجامع بمدينة السّلام فيها:
صين امرؤ ورعي، دعا لامرأة إنقحلة مقسئنّة (4) قد منيت بأكل الطّرموق (5)
فأصابها من أجله الاستمصال (6) أن يمنّ الله عليها بالاطرغشاش (7). فكل من قرأ رقعته، دعا عليه ولعنه ولعن أمّه.
وحكى محمد بن أبي المغازي (8) الضبي عن أبيه قال: كان لنا جار بالكوفة لا يتكلم إلا بالغريب، فخرج إلى ضيعة له على حجر معها مهر فأفلتت، فذهبت ومعها مهرها فخرج يسأل عنها، فمرّ بخيّاط فقال: يا ذا النّصاح (9) وذات السّمّ (10)، الطاعن بها في غير وغّى لغير عدى، هل رأيت الخيفانة القبّاء (11) يتبعها الحاسن المسرهف (12)؟ كأنّ غرّته القمر الأزهر، ينير في حضره كالخلّب الأجرد؟ فقال
__________
(1) تدفعها من الخلف.
(2) الفتخاء العقاب اللينة الجناح. والشاغية وصف لنوع منها.
(3) وثبة في ارتفاع.
(4) قحل الشيخ: يبس جلده على عظمه، فهو قحل وإنقحل. واقسأنّ الرجل: كبر وأسنّ.
(5) الطرموق، في اكثر الأصول هو الطين. وفي القاموس: الخفاش.
(6) الإسهال.
(7) الإبلال والبرء والشفاء.
(8) في الصناعتين: 33: «ابن أبي المغازل».
(9) النصاح: الخيط يخاط به، وبه سمّي الرجل الخياط: نصاحا، بتخفيف الصاد وتشديدها.
(10) الإبرة ذات الثقب.
(11) الخيفانة: الناقة السريعة. والقبّاء: الدقيقة الخصر الضامرة البطن.
(12) المسرهف: من سرهفت الصبيّ أي أحسنت غذاءه ونعمته.(2/258)
الخيّاط: اطلبها في ترللج (1) فقال: ويحك ما تقول، قبّحك الله! فإني ما أعرف رطانتك قال: لعن الله أبغضنا لفظا وأخطأنا منطقا.
وضرب عمر بن هبيرة (2) عيسى بن عمر النحويّ ضربا كثيرا من أجل وديعة فكان يقول وهو يضرب: ما هي إلا أثيّاب في أسيفاط أخذها عشّاروك (3).
وسأله رجل عن مسألة. فقال: ليست مسألتك يتنا. أي ليست مستوية وأصل اليتن: خروج رجل الولد قبل رأسه. وسأله آخر عن كتابته، فقال: كتبت حتّى انقطع سوائي أي ظهري، على أن أبا جعفر النحّاس قد عدّ عيسى بن عمر من المطبوعين في ذلك. قال الجاحظ: رأيتهم يديرون في كتبهم هذا الكلام، فإن كانوا إنما رووه ودوّنوه لأنه يدل على فصاحة وبلاغة، فقد باعده الله من صفة الفصاحة والبلاغة، وإن كانوا فعلوا ذلك لأنه غريب فأبيات من شعر العجّاج وشعر الطّرمّاح وأشعار هذيل (4) تأتي لهم مع الرصف الحسن على أكثر من ذلك. فلو خاطب أحد الأصمعيّ بمثل هذا الكلام، لظننت أنه يستجهل نفسه، وهذا خارج عن عادة البلغاء.
الصنف الرابع الغريب المتوحش عند قوم دون قوم
وذلك ككلام أهل البادية من العرب بالنسبة إلى أهل الحضر منهم، فإن أهل الحضر يألفون السّهل من الكلام، ويستعملون الألفاظ الرقيقة، ولا يستعملون
__________
(1) كلمة غير ذات معنى يراد بها التهكّم، وهي غير موجودة في المعاجم. وفي الصناعتين: «أطلبها في تزلخ».
(2) أمير من الدهاة الشجعان. ولاه الخليفة عمر بن عبد العزيز الجزيرة. وتولى إمارة العراق وخراسان في خلافة يزيد بن عبد الملك توفي نحو 110هـ. (الأعلام: 5/ 68).
(3) العشار: قابض العشر. ورواية اللسان: 4/ 570: «ومنه قول عيسى بن عمر لابن هبيرة، وهو يضرب بين يديه بالسياط: تالله الله إن كنت إلا أثيابا في أسيفاط قبضها عشاروك».
(4) مجموعة من الشعراء يعرفون بشعراء هذيل أو الهذليين، منهم أبو ذؤيب الهذلي والمتنخّل وأبو خراش الهذلي وإخوته وغيرهم. (انظر الشعر والشعراء: ص: 330وما بعدها).(2/259)
الغريب إلا في النادر وأهل البادية يألفون اللفظ الجزل ويميلون إلى استعمال الغريب وإذا نظرت إلى أهل مكة وكلام قريش الذين نزل القرآن بلغتهم وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أرومتهم، وكلام أهل حضرموت وما جاورها من اليمن ومخاليف الحجاز، علمت فرق ما بين الكلامين، وتباين ما بين الطّرفين، حتّى كأنّ البادي يرطن بالنسبة إلى الحاضر، ويتكلم بلغة غير العربية وكانت لغة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التي يتكلم بها على الدوام، ويخاطب بها الخاص والعامّ، لغة قريش وحاضرة الحجاز، إلا أنه صلّى الله عليه وسلّم أوتي جوامع الكلم وجمع إلى سهولة الحاضرة جزالة البادية، فكان يخاطب أهل نجد وتهامة وقبائل اليمن بلغتهم، ويخاطبهم في الكلام الجزل على قدر طبقتهم.
فمن ذلك كلامه صلّى الله عليه وسلّم لطهفة النّهديّ وكتابه إلى بني نهد، وذلك أنه لما قدم وفود العرب على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قدم عليه طهفة بن أبي زهير النّهديّ، فقال: أتيناك يا رسول الله من غور تهامة على أكوار الميس (1)، ترتمي بنا العيس، نستحلب الصّبير (2)، ونستجلب الخبير (3) ونستعضد البرير (4)، ونستخيل الرّهام (5)، ونستخيل الجهام (6) من أرض غائلة النّطاء (7)، غليظة الوطاء قد جفّ المدهن (8)، ويبس الجعثن (9) وسقط الأملوج (10)، ومات العسلوج (11) وهلك
__________
(1) أكوار جمع كور، بالضم، وهو الرحل. والميس شجر عظام. والمراد: على الأكوار المصنوعة منه.
(2) الصّبير: السحاب الكثيف.
(3) الخبير: العشب.
(4) استعضد الثمرة: اجتناها والبرير: ثمر الأراك، وكانوا يأكلونه وقت الجدب لقلة الزاد.
(5) نستخيل: نخال ونظن وسحابة مخيلة (بضم فكسر) أي تحسبها ماطرة. والرهام جمع رهمة (بالكسر) وهي المطر الضعيف الدائم.
(6) الجهام: السحاب قد أراق ماءه.
(7) النطاء: البعد. أي بعيدة بعدا مهلكا.
(8) المدهن: مستنقع الماء أو كل موضع حفره السيل.
(9) الجعثن: أصل النبات.
(10) الأملوج: ورق كورق السرو لشجر بالبادية.
(11) العسلوج: ما لان واخضرّ من القضبان.(2/260)
الهديّ (1)، وفاد الوديّ (2) برئنا إليك يا رسول الله من الوثن والعثن (3)، وما يحدث الزمن، لنا دعوة السلام، وشريعة الإسلام، ما طما البحر، وقام تعار (4)، ولنا نعم همل أغفال (5)، ما تبضّ ببلال (6)، ووقير كثير الرّسل (7)، قليل الرّسل (8)، أصابتها سنيّة حمراء مؤزلة (9)، ليس لها (10) علل ولا نهل فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ بارك لهم في محضها ومخضها ومذقها (11) وفرقها، وابعث راعيها في الدّثر (12) بيانع الثّمر، وافجر لهم الثمد (13)، وبارك لهم في المال والولد من أقام الصلاة كان مسلما، ومن آتى الزكاة كان محسنا، ومن شهد أن لا إله إلا الله كان مخلصا.
لكم يا بني نهد ودائع (14) الشّرك، ووضائع الملك (15) لا تلطط (16) في الزكاة، ولا تلحد في الحياة، ولا تتثاقل عن الصلاة».
وكتب معه كتابا إلى بني نهد فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم! السلام على
__________
(1) الهديّ: ما يهدى لمكة لينحر.
(2) فاد: مات والوديّ: النحل الصغار.
(3) العثن: الصنم الصغير.
(4) جبل ببلاد قيس.
(5) أغفال: جمع غفل (بالضم) وهو ما لا سمة عليه من الدواب.
(6) بضّ الماء: أي سال قليلا قليلا. والبلال: البلل. والمراد: قلة اللبن.
(7) الوقير: القطيع من الغنم. والمقصود كثير العدد.
(8) الرسل (بالسين الساكنة): اللبن.
(9) سنيّة: تصغير تعظيم لسنة، وهي القحط والمجاعة، وحمراء: أي شديدة، ومؤزلة: ذات أزل (بسكون الزاي) وهو الضيق والشدّة.
(10) في جمهرة رسائل العرب: «بها».
(11) المحض: اللبن الخالص، ومخض اللبن: أخذ زبده والمذيق: اللبن الممزوج بالماء.
(12) الدّثر: المال الكثير، وقيل هو الكثير من كل شيء. والمراد هنا الخصب والنبات الكثير.
(13) الماء القليل، يظهر في الشتاء ويذهب في الصيف.
(14) أي الغنائم التي تغنم من المشركين وتودع بيت مال المسلمين.
(15) الوضائع جمع وضيعة، وهي ما يأخذه السلطان من الخراج والعشور.
(16) لططت الشيء ألطّه: سترته وأخفيته.(2/261)
من آمن بالله ورسوله، لكم يا بني نهد في الوظيفة الفريضة (1)، ولكم العارض والفريش وذو العنان الرّكوب، والفلوّ الضّبيس (2)، لا يمنع سرحكم، ولا يعضد طلحكم، ولا يمنع درّكم، ما لم تضمروا الإمآق، وتأكلوا الرّباق (3) من أقرّ فله الوفاء بالعهد والذّمّة، ومن أبى فعليه الرّبوة (4)».
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى قبيلة همدان، وذلك أنه لما قدم عليه صلّى الله عليه وسلّم وفود العرب قدم وفد همدان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، منهم مالك بن نمط أبو ثور، وهو ذو المشعار، ومالك بن أيفع، وضمام بن مالك السلماني، وعميرة بن مالك الخارقيّ، فلقوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرجعهم من تبوك، وعليهم مقطّعات الحبرات (5)
والعمائم العدنيّة، برحال الميس (6) على المهريّة والأرحبيّة (7)، ومالك بن نمط ورجل آخر يرتجزان بالقوم، يقول أحدهما:
همدان خير سوقة وأقيال ... ليس لها في العالمين أمثال
محلّها الهضب ومنها الأبطال ... لها إطابات (8) بها وآكال
ويقول الآخر:
__________
(1) الوظيفة: النصاب في الزكاة. والفريضة: الهرمة المسنة، والمراد انها لا تؤخذ منهم في الزكاة، بل تكون لهم.
(2) العارض: المريضة الفريش: هي التي وضعت حديثا كالنفساء من النساء ذو العنان الركوب:
الفرس الذلول الفلو: المهر الصغير، وقيل: العظيم من جميع أولاد الحافر، والضبيس:
الصعب الذي لم يرض.
(3) لا يمنع سرحكم: لا تمنع مواشيكم من المرعى لا يعضد طلحكم: أي لا يقطع شجركم الدرّ:
اللبن، والمراد ذوات الدرّ من المواشي الإمآق: نكث العهد، تأكلوا الرباق: أي تقطعوا الحبل، والمقصود تقطعوا رباق العهد الذي في أعناقكم وتنقضوه.
(4) الربوة: الزيادة: أي من تقاعد عن أداء الزكاة فعليه الزيادة في الفريضة الواجبة عليه كالعقوبة له.
(5) ضرب من برود اليمن.
(6) الميس: شجر تعمل منه الرحال.
(7) المهرية: إبل منسوبة إلى مهرة بن حيدان، وهو أبو قبيلة. والأرحبية: نجائب تنسب إلى بني أرحب وهم بطن من همدان (اللسان: 5/ 186، و 1/ 416).
(8) من أطاب: ولد بنين طيبين. (اللسان: 1/ 567).(2/262)
إليك جاوزن سواد الرّيف ... في هبوات الصّيف والخريف
مخطّمات (1) بحبال اللّيف
فقام مالك بن نمط بين يديه، ثم قال: يا رسول الله، نصيّة (2) من همدان من كل حاضر وباد، أتوك على قلص نواج (3) متّصلة بحبال الإسلام، لا تأخذهم في الله لومة لائم، من مخلاف خارف، ويام، وشاكر (4) أهل السّواد والقرى، أجابوا دعوة الرسول، وفارقوا آلهة الأنصاب (5)، عهدهم لا ينقض ما أقام لعلع (6)، وما جرى اليعفور بصلّع (7).
فكتب لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتابا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم! هذا كتاب من محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمخلاف خارف وأهل جناب الهضب وحقاف الرّمل، مع وافدها ذي المشعار مالك بن نمط، ولمن أسلم من قومه، على أن لهم فراعها ووهاطها (8) ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، يأكلون علافها ويرعون عافيها (9) لهم بذلك عهد الله وذمام رسوله، وشاهدهم المهاجرون والأنصار».
فقال في ذلك مالك بن نمط:
ذكرت رسول الله في فحمة الدّجى ... ونحن بأعلى رحرحان وصلدد (10)
__________
(1) من الخطام: وهو الزمام.
(2) النصيّة من القوم: خيارهم.
(3) القلص: جمع قلوص، وهي من الإبل الشابة أو الباقية على السير. والنواجي: جمع ناجية وهي المسرعة في السير.
(4) المخلاف: الكورة، خارف: لقب مالك بن عبد الله أبي قبيلة من همدان. ويام وشاكر: قبيلتان من همدان باليمن.
(5) الأنصاب: الأصنام.
(6) لعلع: اسم جبل.
(7) اليعفور: ولد البقرة الوحشية. والصلّع: الموضع لا ينبت شيئا.
(8) الفراع: ما ارتفع من الأرض. والوهاط: ما اطمأن من الأرض، لغة في الوهاد.
(9) العافي: ما ليس لأحد فيه ملك.
(10) رحرحان وصلدد: جبلان. الأول قريب من عكاظ خلف عرفات، والثاني من نواحي اليمن في بلاد همدان. (انظر معجم البلدان: 3/ 36و 421).(2/263)
وهنّ بنا خوص طلائح (1) تعتلي ... بركبانها في لاحب (2) متمدّد
على كلّ فتلاء الذّراعين جسرة ... تمرّ بنا مرّ الهجفّ الخفيدد (3)
حلفت بربّ الرّاقصات (4) إلى منى ... صوادر بالرّكبان من هضب قردد (5)
بأن رسول الله فينا مصدّق ... رسول أتى من عند ذي العرش مهتد
فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبرّ وأوفى ذمّة من محمّد
وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه ... وأمضى بحدّ المشرفيّ المهنّد
وفي رواية أن في كتابه إليهم: «إن لكم فراعها ووهاطها وعزازها (6)، تأكلون علافها وترعون عفاءها (7) لنا من دفئهم وصرامهم (8) ما سلّموا بالميثاق والأمانة، ولهم من الصّدقة الثّلب والنّاب، والفصيل والفارض، والدّاجن (9) والكبش الحوريّ (10)، وعليهم فيها الصّالغ والقارح (11)».
__________
(1) أصابها الإعياء والكلال.
(2) اللاحب: الطريق الواضح.
(3) الهجفّ: الطويل الضخم لاغناء عنه. والخفيدد: الظليم الخفيف، وقيل هو الظليم الطويل الساقين.
(4) الراقصات: هي الإبل تخبّ في سيرها وتسرع.
(5) القردد من الأرض: قرنة الى جانب وهدة.
(6) العزاز: ما صلب من الأرض واشتد وخشن، ويكون ذلك في أطرافها.
(7) وردت في الصفحة السابقة: «عافيها».
(8) الدفء: نتاج الإبل وما ينتفع به منها، سمي دفئا لأنه يتخذ من أو بارها وأصوافها وما يستدفأ به، والمراد هنا الإبل والغنم. والصرام. النخل.
(9) الثلب: الجمل تكسّرت أنيابه هرما الناب: الناقة المسنّة، الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن أمه من الرضاع الفارض: المسن من الإبل الداجن: الشاة التي يعلفها الناس في بيوتهم، والمراد أنه لا يؤخذ منهم في الزكاة.
(10) الكبش الحوريّ: منسوب إلى الحور، وهي جلود تتخذ من جلود الضأن.
(11) الصالغ: بالصاد والسين، هو من البقر والغنم الذي كمل وانتهى سنه، ويكون ذلك في السنة السادسة القارح: الفرس إذا استتم السنة الخامسة ودخل في السادسة.(2/264)
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم لأكيدر دومة (1). قال أبو عبيدة: أنا قرأته فإذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم! من محمد رسول الله، لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام، وخلع الأنداد (2) والأصنام، مع خالد بن الوليد، سيف الله في دومة الجندل وأكنافها، إن لنا الضّاحية من الضّحل والبور والمعامي وأغفال الأرض، والحلقة والسّلاح والحافر والحصن، ولكم الضّامنة من النخل، والمعين من المعمور (3)، لا تعدل سارحتكم (4)، ولا تعدّ فاردتكم (5)، ولا يحظر عليكم النبات، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقّها، عليكم بذلك عهد الله والميثاق، ولكم بذلك الصدق والوفاء، شهد الله ومن حضر من المسلمين».
ومن ذلك كتابه صلّى الله عليه وسلّم إلى وائل بن حجر وأهل حضر موت، وهو «بسم الله الرحمن الرحيم! من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة (6) من أهل حضر موت بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، على التّيعة (7) الشّاة، والتّيمة (8) لصاحبها وفي
__________
(1) وهو أكيدر بن عبد الملك الكندي، وكان ملكا على دومة الجندل، وكان نصرانيا (انظر جمهرة رسائل العرب: 1/ 52).
(2) المراد ما كانوا يتخذونه آلهة من دون الله تعالى.
(3) الضاحية: الناحية البارزة التي لا حائل دونها الضحل: القليل من الماء يكون في الغدير ونحوه.
ويروى: الضاحية من البعل، والبعل: النخل البور: الأرض التي لم تزرع المعامي، الأراضي المجهولة التي ليس فيها أثر عمارة، أغفال الأرض: أي المجهولة التي ليس فيها أثر يعرف، الحلقة: السلاح عامة، وقيل: الدرع خاصة والسلاح: ما أعد للحرب من آلة الحديد مما يقاتل به، والسيف وحده يسمى سلاحا الحافر: الخيل والبراذين والبغال والحمير والحصن: هو حصن أكيدر في دومة الجندل وكان يقال له «مارد» الضامنة من النخل: ما تضمنته أمصارهم وقراهم المعين من المعمور: الماء الذي ينبع من العين في العامر من الأرض، وفي العقد الفريد: «والمعين من المعمور بعد الخمس».
(4) لا تعدل سارحتكم: لا تمنع ماشيتكم عن المرعى.
(5) أي لا تضم إلى غيرها وتحشر إلى الصدقة حتى تعد مع غيرها وتحسب.
(6) الأقيال: جمع قيل (كشمس) وهو الملك من ملوك حمير أو هو دون الملك الأعلى فهو في حمير كالوزير في الإسلام، العياهلة: الذين أقروا على ملكهم فلم يزالوا عنه (بالبناء للمجهول).
(7) التيعة: اسم لأدنى ما تجب فيه الزكاة من الحيوان كالخمس من الإبل والأربعين من الغنم.
(8) التيمة: الشاة الزائدة على الأربعين حتى تبلغ الفريضة الأخرى، وقيل هي الشاة التي تكون لصاحبها في منزله يحلبها وليست بسائمة، وهي بمعنى الداجن.(2/265)
السّيوب (1) الخمس، لا خلاط ولا وراط (2)، ولا شناق ولا شغار (3) ومن أجبى فقد أربى (4)، وكل مسكر حرام.
وفي رواية أنه كتب إليهم «إلى الأقيال العباهلة والأرواع المشابيب (5)، وفي التّيعة شاة لا مقورّة الألياط ولا ضناك (6)، وأنطوا الثّبجة (7) وفي السّيوب الخمس ومن زنى من امبكر (8) فاصقعوه مائة، واستوفضوه (9) عاما ومن زنى من امثيّب
__________
(1) السيوب: جمع سيب (كشمس) وهو الركاز (ككتاب) ويشمل المعدن والكنز، فالمعدن ما خلقه الله تعالى تحت الأرض، والكنز ما دفنه العباد، وسمي سيبا لأنه من سيب الله أي من عطائه وفضله لمن أصابه.
(2) المراد أن يخلط الرجل إبله بإبل غيره أو بقره أو غنمه ليمنع حق الله. والوراط: أن تجعل الغنم في وهدة من الأرض لتخفى على المصدّق (بتشديد الدال المكسورة وهو آخذ الصدقات).
(3) الشناق: المشاركة في الشنق (بالتحريك) وهو ما بين الفريضتين من كل ما تجب فيه الزكاة، ففي الغنم مثلا في أربعين شاة شاة واحدة، وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان، وما بينهما عفو، أي لا زكاة فيما بين النصابين، ولا تؤخذ من الشنق حتى يتم. وقيل أي لا يشنق الرجل غنمه أو إبله إلى مال غيره ليبطل ما يجب عليه من الصدقة، وذلك أن يكون لكل واحد منهما أربعون شاة، فيجب عليهما شاتان. وهو مثل قوله «لا خلاط» لكن حمله على الأول أولى لتعدد المعنى.
والشغار: نكاح معروف في الجاهلية، وهو أن يزوج الرجل الرجل أخته أو ابنته على أن يزوجه أخته أو ابنته بغير مهر.
(4) الإجباء: بيع الزرع قبل بدوّ صلاحه، وقيل هو أن يغيب إبله عن المصدق أخذا من أجبأته: إذا واريته، وقيل هو أن يبيع من الرجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل معلوم، ثم يشتريها منه بالنقد بأقل من الثمن الذي باعها به أربى: وقع في الرباء.
(5) الأرواع: جمع أروع وهو من يعجبك بحسن منظره أو بشجاعته كالرائع، وقيل هم الذين يروعون الناس، أي يفزعونهم بشدة الهيبة. المشابيب: السادة الرؤوس الزهر الألوان، الحسان المناظر، واحدهم مشبوب كأنما أوقدت ألوانهم بالنار. ويروى الأشباء جمع شبيب، فعيل بمعنى مفعول.
(6) الألياط: جمع ليط، وهو الجلد وقشر كل شيء الإقرار: إسترخاء الجلد، والمقوّرة الألياط:
المسترخية الجلد لهزالها. الضّناك: الكثير اللحم للذكر والأنثى، والمراد أنه لا تؤخذ المفرطه في السمن كما لا تؤخذ الهزيله.
(7) أنطوا: هو بلغة أهل اليمن بمعنى أعطوا، خاطبهم صلّى الله عليه وسلّم بلغتهم الثبجة: الوسط من المال التي ليست من خياره ولا رذالته أخذا من ثبجة الناقة: ما بين الكاهل إلى الظهر.
(8) جرى فيه على لغة أهل اليمن حيث يبدلون لام التعريف ميما قال ابن الأثير: وعلى هذا فتكون راء بكر مكسورة من غير تنوين لأن أصله من البكر. قال: فلما أبدلت الألف واللام ميما بقيت الحركة بحالها، ويكون قد استعمل البكر موضع الأبكار. قال والأشبه أن تكون بكر منوّنه. وقد أبدلت نون من ميما، لأن النون الساكنة إذا كان بعدها باء قلبت في اللفظ ميما، نحو عنبر ومنبر، ويكون التقدير: ومن زنى من بكر.
(9) اصقعوه: اي اضربوه، وأصل الصقع الضرب على الرأس. وقيل الضرب ببطن الكف. استوفضوه:
انفوه وغرّبوه، أخذا من قولهم استوفضت الإبل إذا تفرقّت في رعيها.(2/266)
فضرّجوه بالأضاميم (1)، ولا توصيم (2) في الدين، ولا غمّة (3) في فرائض الله تعالى وكل مسكر حرام، ووائل بن حجر يترفّل (4) على الأقيال».
قال الوزير ضياء الدين بن الأثير رحمه الله «في المثل السائر»: وفصاحة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تقتضي استعمال هذه الألفاظ، ولا تكاد توجد في كلامه إلا جوابا لمن يخاطبه بمثلها كحديث طهفة وما جرى مجراه على أنه قد كان في زمنه أوّلا متداولا بين العرب ولكنه صلّى الله عليه وسلّم لم يستعمله إلا يسيرا لأنه أعلم بالفصيح والأفصح.
الصفة الثانية اللفظ الفصيح ألّا يكون مبتذلا عامّيّا، ولا ساقطا سوقيّا واللفظ المبتذل على قسمين
القسم الأوّل ما لم تغيره العامّة عن موضعه اللغويّ إلا أنها اختصت باستعماله دون الخاصة فابتذل لأجل ذلك وسخف لفظه
، وانحطّت رتبته لاختصاص العامّة بتداوله، وصار من استعمله من الخاصة ملوما على الإتيان به لمشاركة العامة فيه وقد وقع ذلك لجماعة من فحول الشعراء فعيب عليهم.
__________
(1) أي أدموه بالضرب، تضرج بالدم: تلطّخ به. الأضاميم: جمع إضمامة (بالكسر) وهي الحجارة.
والمعنى ارموه بالحجارة.
(2) التوصيم: الفترة والتواني، أي لا تفتروا في إقامة الحدود ولا تتوانوا فيها.
(3) الغمّه: الستر، أي لا تستروا فرائض الله ولا تخفوها، بل اجهروا بها وأعلنوها.
(4) أي يسود ويترأس استعارة من ترفيل الثوب، وهو إسباغه وإرساله.(2/267)
فمن ذلك قول الفرزدق من قصيدة:
وأصبح مبيضّ الضّريب كأنه ... على سروات النّبت قطن مندّف
فقوله مندّف من الألفاظ العامية المبتذلة، وإن كان له أصل في اللغة، يقال ندف القطن إذا ضربه بالمندف، ولذلك قيل للقطن المندوف: نديف.
ومن ذلك قول أبي نواس:
وملحّة بالعذل تحسب أنني ... بالجهل أترك صحبة الشّطّار
فالشطار جمع شاطر، وهو في أصل اللغة اسم لمن أعيا أهله خبثا يقال منه: شطر وشطر بالفتح والضم شطارة بالفتح فيهما، ثم استعمل في الشجاع الذي أعيا الناس شجاعة، وغلب دورانه على لسان العامة فامتهن وابتذل فاستعمال أبي نواس له غير لائق، وكذلك قوله أيضا:
يا من جفاني وملّا ... نسيت أهلا وسهلا
وما تمرحبت لما ... رأيت ما لي قلّا
إني أظنّك فيما ... فعلت تحكي القرلّى
فلفظ القرلّى من أشدّ ألفاظ العامة ابتذالا، وهو اسم لطائر صغير من طيور الماء يخطف صغار السمك من الماء برجليه ومنقاره، فإذا سقط على الماء ولم يحصل على صيد ارتفع بسرعة، فتضرب به العامة المثل تقول: فلان كأنه قرلّى، إن وجد خيرا تدلّى، وإن وجد شرّا تعلّى.
وقوله أيضا:
وأنمر الجلدة صيّرته ... في الناس زاغا وشقرّاقا
ما زلت أجري كلكلي فوقه ... حتّى دعا من تحته قاقا
فقوله: قاقا حكاية لصوت يضرب به المثل لصياح المغلوب، يقال: فعلت بفلان كذا وكذا حتّى قال: قاق وأقبح من ذلك كله في الابتذال بين العامة والسّخافة قول المتنبي:
ومن الناس من يجوز عليهم ... شعراء كأنها الخاز باز
قال في «المثل السائر»: وهذا البيت من مضحكات الأشعار وهو من جملة البرسام الذي ذكره في قوله:(2/268)
وأنمر الجلدة صيّرته ... في الناس زاغا وشقرّاقا
ما زلت أجري كلكلي فوقه ... حتّى دعا من تحته قاقا
فقوله: قاقا حكاية لصوت يضرب به المثل لصياح المغلوب، يقال: فعلت بفلان كذا وكذا حتّى قال: قاق وأقبح من ذلك كله في الابتذال بين العامة والسّخافة قول المتنبي:
ومن الناس من يجوز عليهم ... شعراء كأنها الخاز باز
قال في «المثل السائر»: وهذا البيت من مضحكات الأشعار وهو من جملة البرسام الذي ذكره في قوله:
إن بعضا من القريض هذاء ... ليس شيئا وبعضه أحكام
فيه ما يجلب البراعة والفهم وفيه ما يجلب البرسام وعدّ منه في «المثل السائر» قول البحتريّ:
وجوه حسّادك مسودّة ... أم صبغت بعدي بالزّاج؟
قال: فلفظة الزاج من أشدّ ألفاظ العامة ابتذالا، وكذلك عدّ منه قول النابغة الذّبيانيّ:
أو دمية في مرمر مرفوعة ... بنيت بآجرّ يشاد بقرمد
قال فلفظة آجرّ مبتذلة جدّا. وإذا شئت أن تعلم شيئا من سرّ الفصاحة التي تضمنها القرآن الكريم، فانظر إلى هذا الموضع فإنه لما جيء فيه بذكر الآجرّ لم يذكر بلفظه، ولا بلفظ القرمد أيضا، ولا بلفظ الطّوب الذي هو لغة أهل مصر، فإن هذه الأسماء مبتذلة، لكن ذكر في القرآن على وجه آخر، وهو قوله تعالى: {وَقََالَ فِرْعَوْنُ يََا أَيُّهَا الْمَلَأُ مََا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلََهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يََا هََامََانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً} (1) فعبر عن الآجرّ بالوقود على الطين نعم من الألفاظ المبتذلة السخيفة لفظة الكنس، وما اشتق منه، ولذلك عابها القاضي الفاضل رحمه الله تعالى على ابن سناء الملك (2) في بعض أشعاره حيث قال من أبيات:
يزخرف منها وجهها فهو جنّة ... ويخضرّ منها نضرة فهو سندس
__________
(1) سورة القصص / 38.
(2) هو هبة الله بن جعفر بن سناء الملك شاعر من النبلاء، ولاه الملك الكامل ديوان الجيش بمصر سنة 606هـ. توفي سنة 608هـ. (الأعلام 8/ 71).(2/269)
صليني وهذا الحسن باق فربّما ... يعزّل بيت الحسن منه ويكنس
فلما وقف القاضي الفاضل رحمه الله على هذا القصيدة كتب إلى ابن سناء الملك من جملة فصل: وما قلت هذه الغاية، إلا وتعلمني أنها البداية، ولا قلت هذا البيت آية القصيدة إلا تلا ما بعده: وما نريهم من آية. أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون. ولا عيب في هذه المحاسن إلا قصور الأفهام، وتقصير الأنام، وإلا فقد لهج الناس بما تحتها، ودوّنوا ما دونها، وشغلوا التصانيف والخواطر والأقلام بما لا يقاربها، وسارت الأشعار وطالت بما لا يبلغ مدّها ولا نصيفه والقصيدة فائقة في حسنها، بديعة في فنّها وقد ذلّت السين فيها وانقادت، فلو أنها الراء لما رادت وبيت يعزّل ويكنس أردت أن أكنسه من القصيدة، فإن لفظة الكنس غير لائقة في مكانها.
فأجابه ابن سناء الملك قائلا: وعلم المملوك ما نبه عليه مولانا من البيت الذي أراد أن يكنسه من القصيدة، وقد كان المملوك مشغوفا بهذا البيت، مستحليا له متعجبا منه، معتقدا أنه قد ملّح فيه، وأنّ قافية بيته أميرة ذلك الشعر وسيدة قوافيه، وما أوقعه في الكنس إلا ابن المعتز في قوله:
وقوامي مثل القناة من الخط ... وخدّي من لحيتي مكنوس
والمولى يعلم أن المملوك لم يزل يجري خلف هذا الرجل ويتعثّر، ويطلب مطالبه فتتعسر عليه وتتعذر ولا آنس ناره إلا لمّا وجد عليها هدى، ولا مال المملوك إلا إلى طريق من ميّله إليه طبعه ولا سار قلبه إلا إلى من دلّه عليه سمعه ورأى المملوك أبا عبادة (1) قد قال:
ويا عاذلي في عبرة قد سفحتها ... لبين وأخرى قبلها للتجنّب
تحاول منّي شيمة غير شيمتي ... وتطلب منّي مذهبا غير مذهبي
__________
(1) هو البحتري.(2/270)
وقال:
وما زارني إلّا ولهت صبابة ... إليه وإلّا قلت أهلا ومرحبا
فعلم المملوك أنّ هذه طريقة لا تسلك، وعقيلة لا تملك، وغاية لا تدرك ووجد أبا تمّام قد قال:
سلّم على الرّبع من سلمى بذي سلم
وقال:
خشنت عليه أخت بني خشين
فاشمأزّ من هذا النّمط طبعه، واقشعرّ منه فهمه، ونبا عنه ذوقه، وكاد سمعه يتجرّعه ولا يكاد يسيغه ووجد هذا السيد عبد الله بن المعتز قد قال:
وقفت في الرّوض أبكي فقد مشبهه ... حتّى بكت بدموعي أعين الزّهر
لو لم أعرها دموع العين تسفحها ... لرحمتي لاستعارتها من المطر
وقال:
قدّك غصن لا شكّ فيه كما ... وجهك شمس نهاره جسدك
فوجد المملوك طبعه إلى هذا النّمط مائلا، وخاطره في بعض الأحيان عليه سائلا فنسج على هذا الأسلوب، وغلب عليه خاطره مع علمه أنه المغلوب «وحبّك الشيء يعمي ويصمّ» فقد أعماه حبّه وأصمه إلى أن نظم تلك اللفظة في تلك الأبيات تقليدا لابن المعتز حيث قالها، وحمل أثقالها وهي تغفر لذاك في جنب إحسانه، فأما المملوك فهي عورة ظهرت من لسانه.
فأجابه القاضي الفاضل رحمه الله بقوله: ولا حجة فيما احتج به عن الكنس في بيت ابن المعتز، فإنه غير معصوم من الغلط، ولا يقلّد إلا في الصواب فقط، وقد علم ما ذكره ابن رشيق في عمدته من تهافت طبعه، وتباين وضعه، فذكر من محاسنه ما لا يعلّق معه كتاب، ومن بارده وغثّه ما لا تلبس عليه الثياب.
وقد تعصّب القاضي السعيد على أبي تمّام فنقصه من حظه، وللبحتريّ
فأعطاه أكثر من حقه، وما أنصفهما:(2/271)
وقد تعصّب القاضي السعيد على أبي تمّام فنقصه من حظه، وللبحتريّ
فأعطاه أكثر من حقه، وما أنصفهما:
ولو كان هذا موضع العتب لا شتفى ... فؤادي ولكن للعتاب مواضع
قال المولى صلاح الدين الصّفدي رحمه الله تعالى في شرح لامية العجم:
وقد استعمل ابن سناء الملك رحمه الله تعالى هذه اللفظة في غير هذا الموضع ولم يتّعظ بنهي الفاضل ولا ارعوى ولا ازدجر عما قبحه لأنه غلب عليه الهوى، فقال:
توسوس شعري به مدّة ... وما برح الحلي والوسوسه
وخلّصني من يدي عشقه ... ظلام على خدّه حندسه (1)
كنست فؤادي من عشقه ... ولحيته كانت المكنسه
قال: وأما القاضي الفاضل، فما أظنه خلا في هذا الإيراد، من ضعف انتقاد وأحاشي ذاك الذهن الوقّاد، من هذا الاعتقاد في ورطة هذا الاعتقاد وما أراه إلا أنه تعمّد أن يعكس مراده، ويوهي ما شدّه ويوهن ما شاده ويرميه ببلاء البلادة إما على سبيل النّكال أو النّكادة، لأن الفاضل رحمه الله ممن يتوخّى هذه الألفاظ ويقصدها، وينشيها وينشدها، ويوري زنادها ويوردها.
فمن كلام القاضي الفاضل في بعض رسائله: وما استطاعت أيديهم أن تقبض جمره، ولا ألبابهم أن تسيغ خمره، ولا سيوفهم أن تكنس قميمه (2).
قال في «المثل السائر»: ومثل هذه الألفاظ إذا وردت في الكلام، وضعت من قدره ولو كان معناه شريفا. قال: وهذا القسم من الألفاظ المبتذلة لا يكاد يخلو منه شعر شاعر، لكن منهم المقلّ ومنهم المكثر.
__________
(1) من الحندس وهي الظّلمة. وليله حندسة، وليل حندس (بكسر الحاء والدال): مظلم. (اللسان 6/ 58).
(2) القميم: ما بقي من نبات عام أول وما يبس من البقل، والقمامة: الكناسة (اللسان 12/ 494).(2/272)
القسم الثاني ما كان من الألفاظ دالّا على معنى وضع له في أصل اللغة فغيرته العامة وجعلته دالّا على معنى آخر. وهو على ضربين
الضرب الأوّل ما ليس بمستقبح في الذكر ولا مستكره في السمع
. وذلك كتسميتهم الإنسان إذا كان دمث الأخلاق، حسن الصورة أو اللباس أو ما هذا سبيله ظريفا، والظّرف في أصل اللغة: مختص بنطق اللسان فقط، كما أن الصّباحة مختصة بالوجه، والوضاءة مختصة بالبشرة، والجمال مختص بالأنف، والحلاوة مختصة بالعينين، والملاحة: مختصة بالفم، والرّشاقة: مختصة بالقدّ، واللّباقة:
مختصة بالشمائل فالظّرف إنما يتعلق بالنطق فغيرته العامة عن بابه ونقلته إلى أعمّ من موضوعه كما تقدّم وممن وقع له الذّهول عن ذلك فغلط فيه أبو نواس في قوله:
اختصم الجود والجمال ... فيك فصارا إلى جدال
فقال هذا يمينه لي ... للعرف والبذل والنوال
وقال هذاك وجهه لي ... للظّرف والحسن والكمال
فافترقا فيك عن تراض ... كلاهما صادق المقال
فوصف الوجه بالظّرف، وهو من صفات النطق كما تقدّم وكذلك أبو تمّام في قوله:
لك هضبة الحلم التي لو وازنت ... أجأ (1) إذا ثقلت وكان خفيفا
وحلاوة الشّيم التي لو مازجت ... خلق الزمان الفدم (2) عاد ظريفا
فوصف الشّيم بالحلاوة وهي مختصة بالعينين، ووصف الخلق بالظّرف وهو
__________
(1) أحد جبلي طيء وهما: أجأ وسلمى، وسمّيا برجل وامرأة فجرا فصلبا عليهما. (الروض المعطار:
11، والبلدان: 1/ 94).
(2) الفدم من الناس، هو الغليظ، السمين، الأحمق الجافي. (اللسان: 12/ 450).(2/273)
مختص بالنطق كما تقدّم بيانه.
الضرب الثاني ما يستقبح ذكره
كما في لفظ الصّرم بالصاد المضمومة والسّرم بالسين فإن الصّرم بالصاد في أصل اللغة عبارة عن القطع، يقال: صرمه يصرمه صرما وصرما بالفتح والضم إذا قطعه، وبالسين عبارة عن المحل المخصوص، وقد كانت العرب تستعمله بالصاد المضمومة في أشعارها بهذا المعنى فلا يعاب عليها قال أبو صخر الهذليّ (1):
قد كان صرم في الممات لنا ... فعجلت قبل الموت بالصّرم
فاستعمله بمعنى القطع ولم يعب عليه لأن الألفاظ في زمن العرب لم تتغير بل كانت باقية على أوضاعها الأصلية، فقلبت العامة السين من المحل المخصوص صادا واستعملت لفظ الصّرم الذي هو القطع في المحل المخصوص، فصار لفظه مستقبحا وسماعه مستكرها، وعيب على أبي الطّيّب استعماله في قوله:
أذاق الغواني حسنه ما أذقنني ... وعفّ فجازاهنّ عنّي بالصّرم
على أنه إنما يكره استعماله بصيغة الاسم لما تقدّم، أما إذا استعمل بصيغة الفعل مثل صرم ويصرم وما شاكل ذلك، فإنه لا حجر في استعماله، وقد استعمله ابن الروميّ بالسين على بابه فجاء أقبح وأشنع، فقال يهجو الورد:
كأنه سرم بغل حين يخرجه ... عند البراز وباقي الرّوث في وسطه
قال الصلاح الصّفديّ: وأين هذا التشبيه القبيح من قول الآخر في الورد أيضا:
كأنه وجنة الحبيب وقد ... نقّطها عاشق بدينار
__________
(1) هو عبد الله بن سلمة السّهمي من الشعراء الموالين لبني مروان، المتعصّبين لهم، وفاته نحو. 80
هـ. (الأعلام: 4/ 90).(2/274)
قال: فانظر إلى هذا: وجنة، وحبيب، ودينار، وإلى ذلك: سرم، وبغل، وروث. وشتّان ما بينهما.
الصفة الثالثة من صفات اللفظ المفرد الفصيح ألّا يكون متنافر الحروف
، فإن كانت حروفه متنافرة بحيث يثقل على اللسان ويعسر النطق به فليس بفصيح وذلك نحو لفظ الهعخع في قول بعض العرب عن ناقة: تركتها ترعى الهعخع بالخاء المعجمة والعين المهملة، وهو نبت أسود، وكذلك لفظ مستشزرات من قول امريء القس في قصيدته اللامية التي من جملة القصائد السبع الطّوال:
غدائره مستشزرات إلى العلا ... تضلّ المداري في مثنّى ومرسل
فلفظ مستشزرات من المتنافر الذي يثقل على اللسان، ويعسر النطق به.
قال الوزير ضياء الدين بن الأثير رحمه الله في «المثل السائر»: ولقد رآني بعض الناس وأنا أعيب على امريء القيس هذا اللفظ فأكبر ذلك لوقوفه مع شبهة التقليد في أن امرأ القيس أشعر الشعراء، فعجبت من ارتباطه بمثل هذه الشبهة الضعيفة، وقلت له: لا يمنع إحسان امريء القيس من استقباح ماله من القبيح، بل مثال ذلك كمثال غزال المسك فإنه يخرج منه المسك والبعر، ولا يمنع طيب ما يخرج من مسكه من خبث ما يخرج من بعره، ولا تكون لذاذة ذلك الطّيب حامية للخبيث من الاستكراه، فأسكت الرجل عند ذلك.
إذا علمت ذلك، فإن معظم اللغة العربية دائرة على ذلك، لأن الواضع قسّمها في وضعه إلى ثلاثة أقسام: ثلاثيّا، ورباعيّا، وخماسيّا، فالثلاثيّ من الألفاظ هو الأكثر، ولا يوجد فيه ما يكره استعماله إلا النادر والخماسيّ هو الأقلّ، ولا يوجد فيه ما يستعمل إلا الشاذ النادر، والرباعيّ وسط بين الثّلاثيّ والخماسيّ في الكثرة عددا واستعمالا، فيكون أكثر اللغة مستعملا غير مكروه. قال: ولا تقتضي حكمة هذه اللغة التي هي سيّدة اللغات إلا ذلك ولذلك أسقط الواضع منها
حروفا كثيرة في تأليف بعضها مع بعض استثقالا واستكراها، فلم يؤلّف بين حروف الحلق كالحاء والعين، وكذلك لم يؤلف بين الجيم والقاف، ولا بين اللام والراء، ولا بين الزاي والسين، وذلك دليل على عنايته بتأليف المتباعد المخارج دون المتقارب وكيف كان الواضع يخلّ بمثل هذا الأصل الكلّي في تحسين اللغة وقد اعتنى بأمور جزئية دون ذلك! كمماثلته بين حركات الفعل في الوجود وبين حركات المصدر في النطق كالغليان، والضّربان، والنّقزان، والنّزوان، وغير ذلك مما يجري هذا المجرى، فإن جميع حروفه متحركات ليس فيها حرف ساكن، وهي مماثلة لحركات الفعل في والوجود.(2/275)
إذا علمت ذلك، فإن معظم اللغة العربية دائرة على ذلك، لأن الواضع قسّمها في وضعه إلى ثلاثة أقسام: ثلاثيّا، ورباعيّا، وخماسيّا، فالثلاثيّ من الألفاظ هو الأكثر، ولا يوجد فيه ما يكره استعماله إلا النادر والخماسيّ هو الأقلّ، ولا يوجد فيه ما يستعمل إلا الشاذ النادر، والرباعيّ وسط بين الثّلاثيّ والخماسيّ في الكثرة عددا واستعمالا، فيكون أكثر اللغة مستعملا غير مكروه. قال: ولا تقتضي حكمة هذه اللغة التي هي سيّدة اللغات إلا ذلك ولذلك أسقط الواضع منها
حروفا كثيرة في تأليف بعضها مع بعض استثقالا واستكراها، فلم يؤلّف بين حروف الحلق كالحاء والعين، وكذلك لم يؤلف بين الجيم والقاف، ولا بين اللام والراء، ولا بين الزاي والسين، وذلك دليل على عنايته بتأليف المتباعد المخارج دون المتقارب وكيف كان الواضع يخلّ بمثل هذا الأصل الكلّي في تحسين اللغة وقد اعتنى بأمور جزئية دون ذلك! كمماثلته بين حركات الفعل في الوجود وبين حركات المصدر في النطق كالغليان، والضّربان، والنّقزان، والنّزوان، وغير ذلك مما يجري هذا المجرى، فإن جميع حروفه متحركات ليس فيها حرف ساكن، وهي مماثلة لحركات الفعل في والوجود.
ومن نظر في حكمة وضع هذه اللغة إلى هذه الدقائق التي هي كالأطراف والحواشي فكيف كان يخلّ بالأصل المعوّل عليه في تأليف الحروف بعضها إلى بعض!. على أنه لو أراد الناظم أو الناثر أن يعتبر مخارج الحروف عند استعمال الألفاظ، أهي متباعدة أو متقاربة، لطال الخطب في ذلك وعسر، ولما كان الشاعر ينظم قصيدا، ولا الكاتب ينشيء كتابا إلا في مدّة طويلة، والأمر بخلاف ذلك، فإن حاسّة السمع هي الحاكمة في هذا المقام في تحسين لفظ وتقبيح آخر على أنه قد يجيء من المتقارب المخارج ما هو حسن رائق، ألا ترى أن الحروف الشّجريّة، وهي الجيم والشين والياء، متقاربة المخارج لأنها تخرج من وسط اللسان بينه وبين الحنك، وإذا ترتب منها لفظ جاء حسنا رائقا، فإن لفظة جيش قد اجتمع فيها الحروف الشّجريّة الثلاثة، وهي مع تقارب مخارجها حسنة رائقة وكذلك الحروف الشّفهية وهي الباء والميم والفاء متقاربة المخارج، فإن مخرج جميعها من الشّفة وإذا ترتب منها لفظ جاء سلسا غير متنافر، كقولك أكلت بفمي، وهو في غاية الحسن، والحروف الثلاثة الشفهية مع تقارب مخارجها مجتمعة فيها وقد يجيء من المتباعد المخارج ما هو قبيح متنافر، كقولك: ملع بمعنى عدا، فإن الميم من الشفة، والعين من حروف الحلق، واللام من وسط اللسان فهذه الحروف كلها متباعدة من بعضها ومع ذلك فإنها كريهة الاستعمال، ينبو عنها الذوق السليم، ولو كان التباعد سببا للحسن لما كان سببا للقبح على أنه لو عكست
حروف هذه اللفظة صارت علم وعاد القبح منها حسنا مع أنه لم يتغير شيء من مخارجها، على أن اللام لم تزل فيها وسطا والميم والعين يكتنفانها من جانبيها ولو كانت مخارج الحروف معتبرة في الحسن والقبح لما تغيرت هذه اللفظة بتقديم بعض الحروف وتأخير بعض، وليس ذلك لأن إدخال الحروف من الشّفة إلى الحلق في ملع أعسر من إخراجها من الحلق إلى الشّفة في علم، فإنّ لفظة بلع فيها الباء وهي من حروف الشفة، واللام وهي من وسط اللسان، والعين وهي من حروف الحلق وهي غير مكروهة.(2/276)
ومن نظر في حكمة وضع هذه اللغة إلى هذه الدقائق التي هي كالأطراف والحواشي فكيف كان يخلّ بالأصل المعوّل عليه في تأليف الحروف بعضها إلى بعض!. على أنه لو أراد الناظم أو الناثر أن يعتبر مخارج الحروف عند استعمال الألفاظ، أهي متباعدة أو متقاربة، لطال الخطب في ذلك وعسر، ولما كان الشاعر ينظم قصيدا، ولا الكاتب ينشيء كتابا إلا في مدّة طويلة، والأمر بخلاف ذلك، فإن حاسّة السمع هي الحاكمة في هذا المقام في تحسين لفظ وتقبيح آخر على أنه قد يجيء من المتقارب المخارج ما هو حسن رائق، ألا ترى أن الحروف الشّجريّة، وهي الجيم والشين والياء، متقاربة المخارج لأنها تخرج من وسط اللسان بينه وبين الحنك، وإذا ترتب منها لفظ جاء حسنا رائقا، فإن لفظة جيش قد اجتمع فيها الحروف الشّجريّة الثلاثة، وهي مع تقارب مخارجها حسنة رائقة وكذلك الحروف الشّفهية وهي الباء والميم والفاء متقاربة المخارج، فإن مخرج جميعها من الشّفة وإذا ترتب منها لفظ جاء سلسا غير متنافر، كقولك أكلت بفمي، وهو في غاية الحسن، والحروف الثلاثة الشفهية مع تقارب مخارجها مجتمعة فيها وقد يجيء من المتباعد المخارج ما هو قبيح متنافر، كقولك: ملع بمعنى عدا، فإن الميم من الشفة، والعين من حروف الحلق، واللام من وسط اللسان فهذه الحروف كلها متباعدة من بعضها ومع ذلك فإنها كريهة الاستعمال، ينبو عنها الذوق السليم، ولو كان التباعد سببا للحسن لما كان سببا للقبح على أنه لو عكست
حروف هذه اللفظة صارت علم وعاد القبح منها حسنا مع أنه لم يتغير شيء من مخارجها، على أن اللام لم تزل فيها وسطا والميم والعين يكتنفانها من جانبيها ولو كانت مخارج الحروف معتبرة في الحسن والقبح لما تغيرت هذه اللفظة بتقديم بعض الحروف وتأخير بعض، وليس ذلك لأن إدخال الحروف من الشّفة إلى الحلق في ملع أعسر من إخراجها من الحلق إلى الشّفة في علم، فإنّ لفظة بلع فيها الباء وهي من حروف الشفة، واللام وهي من وسط اللسان، والعين وهي من حروف الحلق وهي غير مكروهة.
قال في «المثل السائر»: ولربما اعترض بعض الجهال بأن الاستثقال في لفظ مستشزرات إنما هو لطولها وليس كذلك، فإنا لو حذفنا منها الألف والتاء وقلنا مستشزر لكان ثقيلا أيضا، لأن الشين قبلها تاء وبعدها زاي فثقل النطق بها نعم لو أبدلنا من الزاي راء ومن الراء فاء فقلنا مستشرف لزال ذلك ومن ثمّ ظهر لك أن اعتبار ابن سنان (1) تركيب الكلمة من أقل (2) الأوزان تركيبا غير معتبر، وقد ورد في القرآن العظيم ألفاظ طوال لا شكّ في حسنها وفصاحتها كقوله تعالى:
{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللََّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (3) وقوله تعالى: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} (4) فإن لفظ فسيكفيكهم مركب من تسعة أحرف، ولفظ ليستخلفنهم مركب من عشرة أحرف، ولفظ مستشزرات مركب من ثمانية أحرف. قال: والأصل في هذا الباب أن الأصول لا تحسن إلا من الثلاثيّ وفي بعض الرّباعيّ، كقولك عذب وعسجد، فالأولى ثلاثيّة، والثانية رباعيّة أما الخماسيّ من الأصول فإنه
__________
(1) هو عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي: شاعر أديب، له «ديوان شعر» و «سر الفصاحة» قتل مسموما سنة 466هـ. (الأعلام 4/ 122).
(2) قال ابن سنان في «سر الفصاحة»: 87: «متى زادت الكلمة على الأمثلة المعتادة المعروفة، قبحت وخرجت عن وجه من وجوه الفصاحة.
(3) سورة البقرة / 137.
(4) سورة النور / 55.(2/277)
قبيح، كقولك: صهصلق (1) وجحمرش (2)، وما جرى مجراهما ولهذا لا يوجد في القرآن الكريم من الخماسيّ الأصول شيء إلا ما كان من اسم نبيّ عرّب اسمه، ولم يكن في الأصل عربيا كإبراهيم وإسماعيل ونحوهما.
الصفة الرابعة من صفات اللفظ المفرد الفصيح ألّا يكون على خلاف القانون المستنبط من تتبع مفردات ألفاظ اللغة العربية وما هو في حكمها
كوجوب الإعلال في نحو قام والإدغام في نحو مدّ، وغير ذلك مما يشتمل عليه علم التصريف، فإنه لو فكّ الإدغام في مدّ فقال مدد لم يكن فصيحا، وعلى حدّ ذلك جاء قول بعض العرب:
الحمد لله العليّ الأجلل
فإنّ قياس بابه الإدغام فيقال الأجلّ.
قال الشيخ سعد الدين التفتازاني في شرح التلخيص: وأما نحو أبى يأبى وعور واستحوذ وقطط شعره وما أشبه ذلك من الشواذ الثابتة فليست من المخالفة في شيء لأنها كذلك ثبتت عن الواضع، فهي في حكم المستثناة.
فهذه الصفات الأربع هي عمود الفصاحة في اللفظ المفرد، وقطب دائرة حسنه، فمتى اتصف بها وسلم من أضدادها كان بالفصاحة متّسما، وبالحسن والرونق مشتملا، وللطبع ملائما، وللسمع موافقا ومتى عري عن ذلك خرج عن طرائق الفصاحة، وحاد عن سبيل الحسن، ومال إلى الهجنة، فمجّه السمع، وقلاه الطبع، ورفضته النفوس، ونفرت منه القلوب، فلزم العيب قائله، وتوجه العتب على مستعمله.
__________
(1) صوت صهصلق: أي شديد (لسان: 10/ 207).
(2) الجحمرش من النساء هي العجوز الكبيرة والثقيلة السمجة. (لسان 6/ 272).(2/278)
قال ابن الأثير رحمه الله: وقد رأيت جماعة من الجهّال إذا قيل لأحدهم:
إن هذه اللفظة حسنة وهذه قبيحة أنكر ذلك وقال: بل كل الألفاظ حسن، والواضع لم يضع إلا حسنا. قال: ومن يبلغ جهله إلى غاية لا يفرق بين لفظة الغصن ولفظة العسلوج (1)، وبين لفظ المدامة ولفظ الإسفنط (2)، وبين لفظ السّيف ولفظة الخنشليل (3)، وبين لفظة الأسد ولفظة الفدوكس (4) فلا ينبغي أن يخاطب بخطاب، ولا يجاب بجواب، بل يترك وشأنه كما قيل: «أتركوا الجاهل بجهله، ولو ألقى الجعر (5) في رحله (6)».
وما مثاله في ذلك إلا كمن يسوي بين صورة زنجية سوداء مظلمة السواد، شوهاء الخلق، ذات عين محمرّة، وشفة غليظة، وشعر قطط (7)، وبين صورة روميّة بيضاء، مشربة بحمرة، ذات خدّ أسيل، وطرف كحيل، ومبسم كأنما نظم من أقاح، وطرّة كأنها ليل على صباح. فإذا كان بإنسان من سقم النظر أن يسوّي بين هذه الصورة وهذه، فلا يبعد أن يكون به من سقم الفكر أن يسوّي بين هذه الألفاظ وهذه، ولا فرق بين السمع والنظر في ذلك فإن هذه حاسّة وهذه حاسّة، وقياس حاسة على حاسة غير ممتنع ولا عبرة بمن يستحسن الألفاظ القبيحة، ويميل إلى الصورة الشنيعة فإن الحكم على الكثير الغالب، دون الشاذ النادر الخارج عن الاعتدال فإنا لو رأينا من يحبّ أكل الفحم والجصّ والتراب، ويختار ذلك على ملاذّ الأطعمة فإنا لا نستجيد هذه الشهوة بل نحكم عليه بالمرض وفساد المعدة، وأنه يحتاج إلى العلاج والمداواة ومن له أدنى بصيرة يعلم أن للألفاظ في الأذن
__________
(1) العسلوج: الغصن الناعم (لسان 2/ 324).
(2) الإسفنط: ضرب من الأشربة. فارسي معرّب (لسان 7/ 315).
(3) الخنشليل: الرجل المسن القوي والجيد الضرب بالسيف (لسان 11/ 223).
(4) هو الأسد، والفدوكس أيضا: الشديد، وقيل: الغليظ، الجافي. (لسان 6/ 159).
(5) الجعر: ما يبس من الثفل في الدّبر أو خرج يابسا (لسان 4/ 140).
(6) رواية اللسان: «دعوا الصرورة بجهله، وإن رمى بجعره في رحله».
(7) أي جعد قصير (لسان: 7/ 380).(2/279)
نغمة لذيذة كنغمة الأوتار، وصوتا منكرا كصوت الحمار، وأن لها في الفم حلاوة كحلاوة العسل، ومرارة كمرارة الحنظل. ولا حجة لاستعمال العرب لهذه الألفاظ، فإن استحسان الألفاظ واستقباحها لا يؤخذ بالتقليد من العرب، لأنه ليس للتقليد فيه مجال وإنما له خصائص وهيئات وعلامات إذا وجدت علم حسنه من قبحه والله أعلم.
الأصل الثالث من صناعة إنشاء الكلام، تركيب الكلام، وترتيب الألفاظ والنظر فيه من وجوه
الوجه الأوّل في بيان فضل المعرفة بذلك، ومسيس حاجة الكاتب إلى معرفته، والإشارة إلى خفي سره وتوعّر مسلكه
قال أبو هلال العسكريّ: وأجناس الكلام المنظوم ثلاثة: الرسائل، والخطب، والشعر جميعها يحتاج إلى حسن التأليف، وجودة التركيب وحسن التأليف يزيد المعنى وضوحا وشرحا، ومع سوء التأليف ورداءة الرّصف والتركيب شعبة من التعمية فإذا كان المعنى سيّئا، ورصف الكلام رديئا (1)، لم يوجد له قبول، ولم تظهر عليه طلاوة. فإذا كان المعنى وسطا ورصف الكلام جيدا، كان أحسن موقعا وأطيب مستمعا، فهو بمنزلة العقد إذا جعل كل خرزة منه إلى ما يليق بها كان رائقا في المرأى، وإن لم يكن مرتفعا نبيلا (2) وإن اختلّ نظمه فضمّت الحبة منه إلى ما لا يليق بها اقتحمته العين وإن كان فائقا ثمينا وحسن الرّصف أن توضع الألفاظ في مواضعها، وتمكّن من أماكنها، ولا يستعمل فيها التقديم والتأخير والحذف والزيادة إلا حذفا لا يفسد الكلام، ولا يعمّي المعنى، وتضم كل لفظة
__________
(1) في الصناعتين: 167: «فإذا كان المعنى سبيّا، ورصف الكلام رديّا.
(2) في المرجع السابق: «جليلا».(2/280)
منها إلى شكلها وتضاف إلى وفقها (1) وسوء الرّصف تقديم ما ينبغي تأخيره منها، وصرفها عن وجوهها، وتغيير صيغتها، ومخالفة الاستعمال في نظمها.
وقد قال العتابيّ (2): الألفاظ أجساد والمعاني أرواح، وإنما تراها بعيون القلوب، فإذا قدّمت منها مؤخرا وأخرت منها مقدّما أفسدت الصورة وغيرت المعنى، كما أنه لو حوّل رأس إلى موضع يد أو يد إلى موضع رأس أو رجل لتحوّلت الخلقة، وتغيّرت الحلية.
قال في «الصناعتين»: وقد أحسن في هذا التمثيل.
قال الوزير ضياء الدين بن الأثير رحمه الله في «المثل السائر»: وهذا الموضع يضلّ في سلوك طريقه العلماء بصناعة صوغ الكلام من النظم والنثر، فكيف الجهال الذين لم تنفحهم منه رائحة! ومن الذي يؤتيه الله فطرة ناصعة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار (3)، حتّى ينظر إلى أسرار ما يستعمله من الألفاظ فيضعها في مواضعها؟ وذلك أن تفاوت التفاضل لم يقع في تركيب الألفاظ أكثر مما يقع في مفرداتها، إذ التركيب أعسر وأشقّ، ألا ترى أن ألفاظ القرآن الكريم من حيث انفرادها قد استعملتها العرب ومن بعدهم، وهي مع ذلك تفوق جميع كلامهم وتعلو عليه، وليس ذلك إلا لفضيلة التركيب. وانظر إلى قوله تعالى:
{وَقِيلَ يََا أَرْضُ ابْلَعِي مََاءَكِ وَيََا سَمََاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمََاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظََّالِمِينَ} (4) وما اشتملت عليه هذه الآية من الحسن والطلاوة والرونق والمائية الّتي لا يقدر البشر على الإتيان بمثلها، ولا يستطيع أفصح الناس وأبلغ العالم مضاهاتها على أن ألفاظها المفردة كثيرة
__________
(1) في المرجع السابق: «وتضاف إلى لفقها» واللفق هو أحد لفقي الملاءه. ويقال: تلافق القوم أي تلاءمت أمورهم.
(2) هو كلثوم بن عمرو بن أيوب التغلبي: كاتب حسن الترسل، وشاعر مجيد، صنّف كتبا منها:
«الألفاظ» و «الآداب» و «الحيل». توفي سنة 220هـ. (الأعلام 5/ 231).
(3) إشارة إلى الآية 35من سورة النور.
(4) سورة هود / 44.(2/281)
الاستعمال دائرة على الألسنة، فقوّة التركيب وحسن السبك هو الذي ظهر فيه الإعجاز وأفحمت فيه البلاغة من حيث لاقت اللفظة الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة، وكذلك سائر الألفاظ إلى آخر الآية. ويشهد لذلك أنك لو أخذت لفظة منها من مكانها وأفردتها عن أخواتها لم تكن لابسة من الحسن والرونق ما لبسته في موضعها من الآية، ولكلّ كلمة مع صاحبتها مقام.
قال ابن الأثير: ومن عجيب ذلك أنك ترى لفظتين تدلّان على معنى واحد، كلتاهما في الاستعمال على وزن واحد وعدّة واحدة، إلا أنه لا يحسن استعمال هذه في كل موضع تستعمل فيه هذه، بل يفرق بينهما في مواضع السّبك وهذا مما لا يدركه إلا من دقّ فهمه، وجلّ نظره. وإذا نظرت إلى قوله تعالى: {مََا جَعَلَ اللََّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (1) وقوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مََا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} (2) رأيت ذلك عيانا، فإن الجوف والبطن بمعنى واحد، وقد استعمل الجوف في الآية الأولى والبطن في الآية الثانية ولم يستعمل أحدهما مكان الآخر وكذلك قوله تعالى: {مََا كَذَبَ الْفُؤََادُ مََا رَأى ََ} (3) وقوله: {إِنَّ فِي ذََلِكَ لَذِكْرى ََ لِمَنْ كََانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (4) فالقلب والفؤاد سواء في الدلالة وإن كانا مختلفين في الوزن، ولم يستعمل أحدهما موضع الآخر.
ومما يجري هذا المجرى قول الأعرج (5) من أبيات الحماسة:
نحن بنو الموت إذا الموت نزل ... لا عار بالموت إذا حمّ الأجل
الموت أحلى عندنا من العسل
__________
(1) سورة الأحزاب / 4.
(2) سورة آل عمران / 35.
(3) سورة النجم / 11.
(4) سورة ق / 37.
(5) هو عمرو بن سويد بن ريّان الأعرج الطائي. وقيل اسمه سويد بن عدّي. وهو شاعر مخضرم.
(معجم الشعراء: 251).(2/282)
وقول أبي الطيب المتنبّي:
إذا شئت حفّت بي على كل سابح ... رجال كأنّ الموت في فمها شهد
فلفظة الشهد ولفظة العسل كلاهما حسن مستعمل، وقد جاءت لفظة الشهد في بيت أبي الطّيّب أحسن من لفظة العسل في بيت الأعرج، على أن لفظة العسل قد وردت (1) في القرآن دون لفظة الشهد فجاءت أحلى من الشهد في موضعها وكثيرا ما تجد أمثال ذلك في أقوال الشعراء المفلقين وبلغاء الكتّاب ومصاقع الخطباء، وتحتها دقائق ورموز، إذا علمت وقيس عليها كان صاحب الكلام قد انتهى في النظم والنثر إلى الغاية القصوى في وضع الألفاظ في مواضعها اللائقة بها.
قال: وأعجب من ذلك أنك ترى اللفظة الواحدة تروقك في كلام، ثم تراها في كلام آخر فتكرهها وقد جاءت لفظة في آي القرآن الكريم بهجة رائقة، ثم جاءت تلك اللفظة بعينها في كلام آخر فجاءت ركيكة نابية عن الذوق، بعيدة من الاستحسان فمن ذلك لفظة يؤذي فإنها وردت في قوله تعالى: {إِنَّ ذََلِكُمْ كََانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللََّهُ لََا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} (2) فجاءت في غاية الحسن ونهاية الطلاوة، ووردت في قول أبي الطيب:
تلذّ له المروءة وهي تؤذى ... ومن يعشق يلذّ له الغرام
فجاءن رثّة مستهجنة، وإن كان البيت من أبيات المعاني الشريفة، وذلك لقوّة تركيبها في الآية وضعف تركيبها في بيت الشعر والسبب في ذلك أن لفظة تؤذي إنما تحسن في الكلام إذا كانت مندرجة مع ما يأتي بعدها، متعلقة به كما في الآية الكريمة حيث قال: {إِنَّ ذََلِكُمْ كََانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} (3) وفي بيت المتنبي جاءت منقطعة ليس بعدها شيء تتعلق به حيث قال:
__________
(1) وردت في سورة محمد آية 15: وأنهار من عسل مصفّى.
(2) سورة الأحزاب / 53.
(3) سورة الأحزاب / 53.(2/283)
تلذّ له المروءة وهي تؤذى
ثم استأنف كلاما آخر فقال:
ومن يعشق يلذّ له الغرام
وقد جاءت هذه اللفظة بعينها في الحديث النبويّ مضافة إلى كاف خطاب، فأخذت من المحاسن بزمامها، وأحاطت من الطّلاوة بأطرافها وذلك أنه لما اشتكى النبي صلّى الله عليه وسلّم جاءه جبريل فرقاه فقال: «بسم الله أرقيك من كلّ داء يؤذيك» فصارت إلى الحسن بزيادة حرف واحد، وهذا من السّرّ الخفي الذي يدقّ فهمه.
وعلى نهج لفظة يؤذي يرد لفظة لي، فإنها لا تحسن إلا أن تكون متعلقة بما بعدها، ولذلك لحقها هاء السّكت في قوله تعالى: {مََا أَغْنى ََ عَنِّي مََالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطََانِيَهْ} (1) لما لم يكن بعدها ما تتعلق به، بخلاف قوله: {إِنَّ هََذََا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وََاحِدَةٌ} (2) فإنه لم تلحقها هاء السكت اكتفاء بما هي متعلقة به.
ومما يجري مثل هذا المجرى لفظة القمّل، فإنها قد وردت في قوله تعالى:
{فَأَرْسَلْنََا عَلَيْهِمُ الطُّوفََانَ وَالْجَرََادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفََادِعَ وَالدَّمَ} (3) فجاءت في غاية الحسن، ووردت في قول الفرزدق:
من عزّه اجتحرت كليب عنده ... زربا كأنّهم لديه القمّل (4)
فجاءت منحطة نازلة، وذلك لأنها قد جاءت في الآية مندرجة في ضمن كلام لم ينقطع الكلام عندها، وجاءت في البيت قافية انقطع الكلام عندها.
هذا ملخص ما ذكره ابن الأثير، وقال: إنه لم يسبق إليه، وجعل الحاكم
__________
(1) سورة الحاقه / 29.
(2) سورة ص / 23.
(3) سورة الأعراف / 133.
(4) اجتحرت: احتفرت جحرا. الزرب: المدخل.(2/284)
فيه الذوق السليم دون غيره. وعلى الجملة فلا نزاع في أن تركيب الألفاظ يعطي الكلام من القوّة والضّعف ما تزيد به قيمة الألفاظ الفصيحة، ويرتفع به قدرها، أو يحطّ مقدارها عن درجة الفصاحة والحسن إلى رتبة القبح والاستهجان.
الوجه الثاني في بيان ما يبنى عليه «تركيب الكلام» وترتيبه
. وله ركنان الركن الأول أن يسلك في تركيبه سبيل الفصاحة والخروج عن الّلكنة والهجنة.
والفصاحة في المركب بأن يتصف بعد فصاحة مفرداته بصفات:
الصفة الأولى أن يكون سليما من ضعف التأليف
بأن يكون تأليف أجزاء الكلام على القانون النحويّ المشتهر فيما بين معظم أصحابه حتّى لا يمتنع عند الجمهور، وذلك كالإضمار قبل الذكر لفظا أو معنى، نحو ضرب غلامه زيدا، فإنه غير فصيح وإن كان ما اتصل بالفاعل فيه ضمير المفعول به مما أجازه الأخفش (1)، وتبعه ابن جني (2) لشدّة اقتضاء الفعل المفعول به كالفاعل، واستشهد بقوله:
لما عصى أصحابه مصعبا ... أدّى إليه الكيل صاعا بصاع
وقوله:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمّار (3)
__________
(1) هناك ثلاثة من كبار العلماء بالعربية، وكل منهم يلقب بالأخفش. الأخفش الأكبر: عبد الحميد بن عبد المجيد المتوفى سنة 177هـ. والأخفش الأوسط: سعيد بن مسعدة المتوفى سنة 215هـ.
والأخفش الأصغر: علي بن سليمان بن الفضل المتوفى سنة 315هـ. (راجع الأعلام).
(2) هو أبو الفتح، عثمان بن جنيّ الموصلي، المتوفى سنة 392هـ. من أئمة الأدب والنحو. (الأعلام 4/ 204).
(3) يقال في الأمثال: «جزاء سنمّار»، أو: جزاه جزاء سنمار» وسنمّار بنّاء من الروم بني الخورنق للنعمان ابن امرىء القيس فقتله لئلا يعمل لغيره مثله. والمثل يضرب في عقوبة المحسن البريء (انظر المستقصى: 2/ 52وجمهرة الأمثال: 1/ 305واللسان: 4/ 383).(2/285)
وقوله:
ألا ليت شعري، هل يلومنّ قومه ... زهيرا على ما جرّ من كلّ جانب
الصفة الثانية أن يكون سليما من التعقيد
وهو ألّا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المعنى الذي يراد منه، وهو على ضربين:
الضرب الأوّل
وهو الذي يسميه ابن الأثير: المعاظلة (1) المعنوية ألّا يكون ترتيب الألفاظ على وفق ترتيب المعاني بسبب تقديم أو تأخير، أو حذف، أو إضمار، أو غير ذلك مما يوجب صعوبة فهم المراد، وإن كان ثابتا في الكلام، جاريا على القوانين، كقول الفرزدق في مدح إبراهيم (2) بن هشام بن إسماعيل المخزومي، خال هشام بن عبد الملك:
وما مثله في الناس إلا مملّكا ... أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه
أي وما مثل هذا الممدوح في الناس حيّ يقاربه ويشبهه في الفضائل إلا مملّكا، أبو أمّ ذلك المملّك أبو الممدوح، فيكون الممدوح خال المملّك، والمعنى أنه لا يماثل أحد هذا الممدوح الذي هو إبراهيم بن هشام إلا ابن أخته هشام، أفسده وعقّد معناه، وأخرجه عن حدّ الفصاحة إلى حدّ اللّكنة وكذلك قوله في الوليد بن عبد الملك:
إلى ملك، ما أمّه من محارب ... أبوه، ولا كانت كليب تصاهره
__________
(1) قال أبو هلال العسكري في الصناعتين: 168: «مدح عمر بن الخطاب رضي الله عنه زهيرا لمجانبتها. فقال: «كان لا يعاظل بين الكلام». وأصل هذه الكلمة من قولهم: تعاظلت الجرادتان، إذا ركبت إحداهما الأخرى، وعاظل الرجل المرأة إذا ركبها.
(2) في الصناعتين 168: «هشام بن إسماعيل» وفي سر الفصاحة ص 111: «إبراهيم بن إسماعيل».(2/286)
يريد إلى ملك ما أمّ أبيه من محارب، وقوله:
تعال فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من ياذئب يصطحبان
يريد نكن يا ذئب مثل من يصطحبان، وقوله:
وليست خراسان التي كان خالد ... بها أسد، إذ كان سيفا أميرها
يريد أن خالد بن عبد الله كان قد ولي خراسان ووليها أسد (1) بعده، فمدح خالدا بأنه كان سيفا، بعد أن كان أسد أميرها، فكأنه يقول وليست خراسان بالبلدة التي كان خالد بها سيفا إذ كان أسد أميرها (2).
قال ابن الأثير: وعلى هذا التقدير ففي كان الثانية ضمير الشأن والحديث، والجملة بعدها خبر عنها، وقد قدّم بعض ما إذ مضافة إليه وهو أسد عليها، وفي تقديم المضاف إليه أو شيء منه على المضاف من القبح ما لا خفاء به. قال: وأيضا فإن أسدا أحد جزأي الجملة المفسّرة للضمير، والضمير لا يكون تفسيره إلا من بعده، ولو تقدّم تفسيره قبله لما احتاج إلى تفسير، ولما سماه الكوفيون الضمير المجهول وعلى نحو ذلك ورد قول الآخر:
فأصبحت بعد خطّ بهجتها ... كأنّ قفرا رسومها قلما
يريد فأصبحت بعد بهجتها قفرا كأنّ قلما خط رسومها، فقدّم خبر كأنّ وهو خطّ عليها فجاء مختلّا مضطربا.
قال في «المثل السائر»: وهذا البيت من أقبح هذا النوع لأن معانيه قد تداخلت، وركب بعضها بعضا على أن ذلك قد وقع لجمع من فحول شعراء العرب كقول امرىء القيس:
__________
(1) هو أسد بن عبد الله القسري البجلي، ولّاه أخاه خالد خراسان سنة 108هـ. توفي في بلخ سنة 120 هـ. (الأعلام: 1/ 298).
(2) وفي هذا مدح لخالد وذمّ لأسد كما قال في «سر الفصاحة» ص 112.(2/287)
هما أخوا في الحرب من لا أخا له ... إذا خاف يوما نبوة فدعاهما
يريد أخوا من لا أخوي (1) له في الحرب وقول النابغة:
يثرن الثّرى حتّى يباشرن برده ... إذا الشمس مجّت ريقها بالكلاكل (2)
قال أبو هلال العسكريّ: وهذا البيت مستهجن جدّا لأن المعنى تعمّى فيه، يريد يثرن الثرى حتى يباشرن برده بالكلاكل إذا الشمس مجّت ريقها، وقول أبي حيّة النّميريّ (3):
كما خطّ الكتاب بكّفّ، يوما، ... يهوديّ يقارب أو يزيل
يريد كما خط الكتاب بكف يهوديّ يوما يقارب أو يزيل وقول ذي الرمة:
نضا البرد عنه وهو من، ذو، جنونه ... أجاريّ، صهّال وصوت مبرسم (4)
يريد وهو من جنونه ذو أجاريّ قال في «الصناعتين»: كأنه تخليط كلام مجنون أو هجر مبرسم وقول الشماخ (5):
تخامص عن برد الوشاح إذا مشت ... تخامص حافي الخيل (6) في الأمعز الوجي (7)
يريد تخامص حافي الخيل في الوجي، الأمعز (8).
__________
(1) في الصناعتين: 171: «من لا أخ له في الحرب».
(2) جمع كلكل وكلكال وهو الصدر من كل شيء.
(3) هو الهيثم بن الربيع بن زرارة: شاعر راجز من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. في تاريخ وفاته خلاف. (الأعلام 8/ 103).
(4) أجاريّ: يقال فرس ذو أجاريّ أي ذو فنون في الجري. مبرسم: المصاب بعلّة البرسام. وفي الصناعتين: 170ورد عجز البيت على الشكل التالي: «أجاري تصهال وصوت صلاصل».
(5) هو الشمّاخ بن ضرار، شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام. (الشعر والشعراء: 145).
(6) في الشعر والشعراء ص 145: «حافي الرجل».
(7) التخامص: التجافي عن الشيء. قاله في اللسان 7/ 30، واستشهد له بالبيت. الأمعز: المكان الذي فيه غلظ وصلابة. الوجي: يقال وجى الفرسن وهو أن يجد وجعا في حافره.
(8) في الصناعتين 170: «ومعناه تخامص الحافي الوجي في الأمعز».(2/288)
قال أبو هلال العسكري: وليس للمحدث أن يجعل هذه الأبيات حجة ويبنى عليها فإنه لا يعذر في شيء منها، لإجماع الناس اليوم على مجانبة أمثالها واستجادة ما يضح من الكلام ويستبين، واسترذال ما يشكل منه ويستبهم وقد كان عمر رضي الله عنه يمدح زهيرا بأنه لم يكن يعاظل بين الكلام.
قال في «المثل السائر»: والفرزدق أكبر الشعراء تعاظلا وتعقيدا في شعره، كأنه كان يقصد ذلك ويتعمّده، لأن مثله لا يجيء إلا متكلّفا مقصودا، وإلا فإذا ترك مؤلف الكلام نفسه تجري على سجيّتها وطبعها في الاسترسال لم يعرض له شيء من هذا التعقيد، بدليل أن المقصود من الكلام معدوم في هذا النوع، إذ المقصود من الكلام إنما هو الإيضاح والإبانة وإفهام المعنى، فإذا ذهب هذا الوصف المقصود من الكلام ذهب المراد به، ولا فرق عند ذلك بينه وبين غيره من اللغات كالفارسية والرومية وغيرهما.
الضرب الثاني من التعقيد
ألّا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المراد بخلل في انتقال الذهن من المعنى الأوّل المفهوم بحسب اللغة إلى الثاني المقصود، لإيراد اللوازم البعيدة المفتقرة إلى الوسائط الكثيرة، مع خفاء القرائن الدالة على المقصود، كقول العبّاس بن الأحنف:
سأطلب بعد الدّار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدّموع لتجمدا
يريد إني أطلب بعد الدار عنكم لتقربوا مني، وتسكب عيناي الدّموع لتجمد وتكفّ الدمع بحصول التلاقي والمعنى أنّي طبت نفسا بالبعد والفراق، ووطّنت نفسي على مقاساة الأحزان والأشواق، وأتجرّع الغصص، وأحتمل لأجلها حزنا يفيض الدّموع من عينيّ، لأتسبب بذلك إلى وصل يدوم، ومسرّة لا تزول، فتجمد عيني ويرقأ دمعي، فإن الصبر مفتاح الفرج فكنّى بسكب الدموع عن الكآبة والحزن، وهو ظاهر المعنى لأنه كثيرا ما يجعل دليلا عليه، يقال: أبكاني الدهر وأضحكني يمعنى ساءني وسرّني، وكنّى بجمود العين عما يوجبه دوام التلاقي من الفرح والسرور فإن المتبادر إلى الذهن من جمود العين بخلها بالدمع عند إرادة
البكاء حال الحزن، بخلاف ما قصده الشاعر من التعبير به عن الفرح والسرور، وإن كانت حالة جمود الدمع مشتركة بين بخل العين بالدمع عند إرادة البكاء، وبين زمن السرور الذي لم يطلب فيه بكاء، وكذلك يجري القول في كل لفظ مشترك ينتقل الذهن فيه من أحد المعنيين إلى الآخر إذا لم يكن هناك قرينة تصرفه إلى أحدهما، كما صرح به الرمانيّ (1) وغيره، خصوصا إذا كان أحد المعنيين الذي يدلّ عليه اللفظ المشترك مستقبحا كما نبه عليه ابن الأثير في الكلام على فصاحة اللفظ المفرد ألا ترى أن لفظة التعزير مشتركة بين التعظيم والإكرام، وبين الإهانة بسبب الخيانة التي لا توجب الحدّ من الضرب وغيره، والمعنيان ضدّان، فحيث وردت معها قرينة صرفتها إلى معنى التعظيم جاءت حسنة رائقة، وكانت في أعلى درجات الفصاحة وعلى نحو ذلك ورد قوله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} (2) وقوله: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ} (3) الآية، فإنه لما ورد معها قرينة التوقير في الآية الأولى وقرينة الإيمان والنصر في الآية الثانية زال اللبس وحسن الموقع ولو وردت مهملة بغير قرينة بإرادة المعنى الحسن لسبق الفهم إلى المعنى القبيح، كما لو قلت عزّر القاضي فلانا وأنت تريد أنه عظمه، فإنه لا يتبادر من ذلك إلى الفهم إلا أنه أهانه، وعلى هذا النّهج يجري الحكم في الحسن والقبح مع القرينة وعدمها.(2/289)
سأطلب بعد الدّار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدّموع لتجمدا
يريد إني أطلب بعد الدار عنكم لتقربوا مني، وتسكب عيناي الدّموع لتجمد وتكفّ الدمع بحصول التلاقي والمعنى أنّي طبت نفسا بالبعد والفراق، ووطّنت نفسي على مقاساة الأحزان والأشواق، وأتجرّع الغصص، وأحتمل لأجلها حزنا يفيض الدّموع من عينيّ، لأتسبب بذلك إلى وصل يدوم، ومسرّة لا تزول، فتجمد عيني ويرقأ دمعي، فإن الصبر مفتاح الفرج فكنّى بسكب الدموع عن الكآبة والحزن، وهو ظاهر المعنى لأنه كثيرا ما يجعل دليلا عليه، يقال: أبكاني الدهر وأضحكني يمعنى ساءني وسرّني، وكنّى بجمود العين عما يوجبه دوام التلاقي من الفرح والسرور فإن المتبادر إلى الذهن من جمود العين بخلها بالدمع عند إرادة
البكاء حال الحزن، بخلاف ما قصده الشاعر من التعبير به عن الفرح والسرور، وإن كانت حالة جمود الدمع مشتركة بين بخل العين بالدمع عند إرادة البكاء، وبين زمن السرور الذي لم يطلب فيه بكاء، وكذلك يجري القول في كل لفظ مشترك ينتقل الذهن فيه من أحد المعنيين إلى الآخر إذا لم يكن هناك قرينة تصرفه إلى أحدهما، كما صرح به الرمانيّ (1) وغيره، خصوصا إذا كان أحد المعنيين الذي يدلّ عليه اللفظ المشترك مستقبحا كما نبه عليه ابن الأثير في الكلام على فصاحة اللفظ المفرد ألا ترى أن لفظة التعزير مشتركة بين التعظيم والإكرام، وبين الإهانة بسبب الخيانة التي لا توجب الحدّ من الضرب وغيره، والمعنيان ضدّان، فحيث وردت معها قرينة صرفتها إلى معنى التعظيم جاءت حسنة رائقة، وكانت في أعلى درجات الفصاحة وعلى نحو ذلك ورد قوله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللََّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} (2) وقوله: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ} (3) الآية، فإنه لما ورد معها قرينة التوقير في الآية الأولى وقرينة الإيمان والنصر في الآية الثانية زال اللبس وحسن الموقع ولو وردت مهملة بغير قرينة بإرادة المعنى الحسن لسبق الفهم إلى المعنى القبيح، كما لو قلت عزّر القاضي فلانا وأنت تريد أنه عظمه، فإنه لا يتبادر من ذلك إلى الفهم إلا أنه أهانه، وعلى هذا النّهج يجري الحكم في الحسن والقبح مع القرينة وعدمها.
قال ابن الأثير رحمه الله: فما ورد مع القرينة فجاء حسنا قول تأبط شرّا:
أقول للحيان، وقد صفرت لهم ... وطابي ويومي ضيّق الجحر معور
فإنه أضاف الجحر إلى اليوم فأزال عنه هجنة الاشتباه لأن الجحر يطلق على
__________
(1) هو علي بن عيسى، أبو الحسن الرمّاني: باحث معتزلي، مفسر من كبار النحاة. توفي ببغداد سنة 384هـ. (الأعلام 4/ 317).
(2) سورة الفتح / 9.
(3) سورة الأعراف / 157.(2/290)
كل ثقب كجحر الحيّة واليربوع ونحوهما، وعلى المحل المخصوص (1) من الحيوان، فإذا ورد مهملا بغير قرينة تخصّصه سبق إلى الفهم المعنى القبيح لاشتهاره دون غيره. ومما ورد مهملا بغير قرينة فجاء قبيحا قول أبي تمّام:
أعطيتني دية القتيل وليس لي ... عقل ولا حقّ عليك قديم
فإن المتبادر إلى الأفهام من قوله وليس لي عقل أنه من العقل الذي هو ضد الجنون، ولو قال وليس لي عليك عقل لزال اللبس. قال: فيجب إذا على صاحب هذه الصناعة أن يراعي في كلامه مثل هذا الموضع.
الصفة الثالثة أن يكون الكلام سلما من تنافر الكلمات وإن كانت مفرداته فصيحة
وقد اختلف في معنى هذا التنافر على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأوّل أن المراد بتنافر الكلمات أن يكون في الكلام ثقل على اللسان ويعسر النطق به على المتكلم
، وإليه ذهب السّكّاكيّ (2) وغيره من علماء البيان.
وهو على ضربين:
الضرب الأوّل أن يكون فيه بعض ثقل
، كقول أبي تمام:
كريم متى أمدحه أمدحه والورى ... معي، وإذا مالمته، لمته وحدي
فقوله أمدحه أمدحه فيه بعض الثّقل على اللسان في النطق، وذلك أن الحاء والهاء متقاربان في المخرج، وقد اجتمعا في قوله أمدحه، ثم تكررت الكلمة في البيت مع تقارب مخرج الحرفين فثقلت بعض الثقل.
__________
(1) أي الفرج.
(2) هو أبو يعقوب، يوسف بن أبي بكر الخوارزمي الحنفي: عالم بالعربية والأدب. توفي سنة 626هـ.
من كتبه: مفتاح العلوم، ورسالة في علم المناظرة (الأعلام: 8/ 224).(2/291)
وأوّل من نبه على ذلك الأستاذ ابن العميد (1) رحمه الله.
ومما يحكى في ذلك: أن الصاحب بن عبّاد أنشد هذا البيت بحضرة ابن العميد، فقال له ابن العميد: هل تعرف في هذا البيت شيئا من الهجنة؟ فقال:
نعم، مقابلة المدح باللوم، وإنما يقابل المدح بالذم والهجاء، فقال له ابن العميد:
غير هذا أريد، قال: لا أرى غير ذلك. فقال ابن العميد: هذا التكرير في أمدحه، أمدحه مع الجمع بين الحاء والهاء وهما من حروف الحلق خارج عن حدّ الاعتدال، نافر كلّ التنافر، فاستحسن الصاحب بن عبّاد ذلك.
قال الشيخ سعد الدين التفتازانيّ في شرح تلخيص المفتاح: ولا يجوز أن يراد أن الثقل في لفظة أمدحه دون تكرار، فإنّ مثل ذلك واقع في التنزيل نحو قوله تعالى: {فَسَبِّحْهُ} * والقول باشتمال القرآن على كلام غير فصيح مما لا يجتريء عليه المؤمن.
الضرب الثاني ما كان شديد الثقل بحيث يضطرب لسان المتكلم عند إرادة النطق به
، كقوله:
وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر
قال في عجائب المخلوقات: إن من الجن نوعا يقال له الهاتف، فصاح واحد منهم على حرب بن أميّة (2) فمات، فقال ذلك الجنّي هذا البيت. قال المسعوديّ في «مروج الذهب»: والدليل على أنه من شعر الجن أمران: أحدهما الرواية، والثاني أنه لا يقوله أحد ثلاث مرات متواليات إلا تعتع فيه.
قال ضياء الدين بن الأثير: والسبب في ثقل البيت تكرير حرفي الباء والراء
__________
(1) علي بن محمد بن الحسين، أبو الفتح بن العميد: وزير من الكتاب الشعراء، يلقب بذي الكفايتين.
قتله مؤيد الدولة البويهي سنة 366هـ. (الأعلام: 4/ 325).
(2) من قضاة العرب في الجاهلية ومن سادات قومه، وهو جدّ معاوية بن أبي سفيان (الأعلام:
2/ 172).(2/292)
فيه، فهذه الباءات والراءات فيه كأنها سلسلة، ولا خفاء بما في ذلك من الثقل.
قال: وكذلك يجري الحكم في كل ما تكرر فيه حرف أو حرفان إلا أنه لم يطلق على ذلك اسم التنافر، وجعل التنافر قسما مستقلا برأسه كما سيأتي، وعدّ هذا من أنواع المعاظلة اللفظية ثم ذكر من أمثلته قول الحريري (1) في مقاماته:
وازورّ من كان له زائرا ... وعاف عافي العرف عرفانه
وقول كشاجم:
والزّهر والقطر في رباها ... ما بين نظم وبين نثر
حدائق، كفّ كلّ ريح ... حلّ بها خيط كلّ قطر
وقول الآخر:
مللت مطال مولود مفدّى ... مليح مانع منّي مرادي
وقول المتنبي:
كيف ترثي التي ترى كلّ جفن ... زاءها غير جفنها غير راقي
وعاب بيت الحريريّ لتكرر العين فيه في قوله:
وعاف عافي العرف عرفانه
وعاب البيت الثاني من بيت كشاجم لتكرر الكاف فيه في كفّ «وكلّ» الأولى و «كلّ» الثانية، وقال: هذا البيت يحتاج الناطق به إلى بركار يضعه في شدقه حتّى يديره له وعاب البيت الذي يليه لتكرر الميم فيه في أوائل الكلمات، وقال: هذه الميمات كأنها عقد، متصلة بعضها ببعض، وعاب بيت المتنبي لتكرر الجيم والراء في أكثر كلماته، وقال: هذا وأمثاله إنما يعرض لقائله في نوبة الصّرع التي تنوبه في بعض الأيام. قال: وكان بعض أهل الأدب من أهل عصرنا يستعمل هذا
__________
(1) هو القاسم بن علي، أبو محمد الحريري البصري، صاحب المقامات الشهيرة. توفي بالبصرة سنة 516هـ. (الأعلام: 5/ 177).(2/293)
القسم من المعاظلة كثيرا في كلامه نثرا ونظما، وذلك لعدم معرفته لسلوك الطريق، كقوله في وصف رجل سخيّ: أنت المريح كبد الريح، والمليح إن تجهّم المليح بالتكليح، عند سائل يلوح، بل تفوق إذ تروق مرأى يوح (1)، يا مغبوق (2) كأس الحمد، يا مصبوح ضاق عن نداك اللّوح (3)، وببابك المفتوح يستريح ويريح ذو التّبريح، ويرفّه الطليح (4). فأنظر إلى حرفي الراء والحاء كيف لزمهما في كل لفظة من هذه الألفاظ فجاء على ما تراه من الثقل والغثاثة.
ثم قال: واعلم أن العرب الذين هم الأصل في هذه اللغة قد عدلوا عن تكرير الحروف في كثير من كلامهم، وذاك أنه إذا تكرر الحرف عندهم أدغموه استحسانا، فقالوا في جعل لك: جعلّك، وفي تضربونني تضربونّي، وكذلك قالوا: استعدّ فلان للأمر إذا تأهب له، والأصل فيه استعدد، واستتبّ الأمر إذا تهيأ والأصل فيه استتبب، وأشباه هذا كثير في كلامهم حتّى إنهم لشدّة كراهتهم لتكرير الحروف أبدلوا الحرفين (5) المكررين حرفا آخر غيره، فقالوا: أمليت الكتاب، والأصل فيه أمللت، فأبدلوا اللام ياء طلبا للخفة وفرارا من الثقل، وإذا كانوا قد فعلوا ذلك في اللفظة الواحدة فما ظنك بالألفاظ الكثيرة التي يتبع بعضها بعضا.
قلت: ليس تكرار الحروف مما يوجب التنافر مطلقا كما يقتضيه كلامه بل بحسب التركيب، فقد تتكرر الحروف وتترادف في الكلمات المتتابعة مع القطع بفصاحتها وخفّتها على اللسان وسهولة النطق بها، ألا ترى إلى قوله تعالى: {قِيلَ يََا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلََامٍ مِنََّا وَبَرَكََاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى ََ أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنََّا عَذََابٌ أَلِيمٌ} (6) كيف اجتمع فيه ستّ عشرة ميما في آية واحدة، قد
__________
(1) اسم للشمس (اللسان: 2/ 639).
(2) من: الغبق والتغبّق والاغتباق وهو شرب العشيّ (اللسان: 10/ 281).
(3) اللوح: الهواء بين السماء والأرض (اللسان: 2/ 587).
(4) الساقط إعياء من السفر. (اللسان: 2/ 587).
(5) صوابه أحد الحرفين كما هو نص العبارة في المثل السائر (حاشية الطبعة الأميرية ص: 273).
(6) هود / 48.(2/294)
تلاصق منها أربع ميمات في موضع وميمان في موضع، مع ما اشتملت عليه من الطّلاوة والرّونق الذي ليس في قدرة البشر الإتيان بمثله، والله أعلم.
المذهب الثاني أن المراد بتنافر الكلمات أن تكون أجزاء الكلام غير متلائمة، ومعانيه غير متوافقة
، بأن يكون عجز البيت أو القرينة غير ملائم لصدره، أو البيت الثاني غير مشاكل للبيت الأوّل، وعليه جرى العسكريّ في «الصناعتين» فمما اختلفت فيه أجزاء البيت الواحد قول السموأل:
فنحن كماء المزن ما في نصابنا ... كهام ولا فينا يعدّ بخيل
فليس بين قوله ما في نصابنا كهام وقوله فنحن كماء المزن مناسبة لأن المراد بالكهام الذي لا غناء به ولا فائدة فيه، يقال قوم كهام أي لا غناء عندهم، ورجل كهام أي مسنّ، كذلك سيف كهام أي كليل، ولسان كهام أي عييّ، وفرس كهام أي بطيء، فهو يصف قومه بالنّجدة والبأس، وأنه ليس فيهم من لا يغني، وماء المزن إنما يحسن في وصف الجود والكرم. قال في «الصناعتين»: ولو قال: ونحن ليوث الحرب وأولو الصّرامة والنجدة، ما في نصابنا كهام، لكان الكلام مستويا، أو فنحن كماء المزن صفاء أخلاق وبذل أكفّ، لكان جيدا.
ومن ذلك قول طرفة:
ولست بحلّال التّلاع (1) مخافة ... ولكن متى يسترفد القوم أرفد
فالمصراع الثاني من البيت غير مشاكل لصورة المصراع الأوّل وإن كان المعنى صحيحا لأنه أراد: ولست بحلّال التّلاع مخافة السؤال ولكنني أنزل الأمكنة المرتفعة لينتابوني وأرفدهم، وهذا وجه الكلام، فلم يعبر عنه تعبيرا صحيحا، ولكنه خلطه وحذف منه حذفا كثيرا فصار كالمتنافر وأدواء الكلام كثيرة.
__________
(1) التلاع: جمع تلعة وهي ما ارتفع من الأرض وما انهبط أيضا، فهي من الأضداد. (اللسان: 8/ 36).(2/295)
ومنه قول الأعشى:
وإنّ امرأ أسرى إليك ودونه ... سهوب وموماة وبيداء سملق (1)
لمحقوقة أن تسجيبي لصوته ... وأن تعلمي أن المعان موفّق
فقوله: وأن تعلمي أن المعان موفق غير مشاكل لما قبله وعلى نحو ذلك ورد قول عنترة:
حرق الجناح كأنّ لحيي رأسه ... جلمان بالأخبار هشّ مولع (2)
إنّ الذين نعبت لي بفراقهم ... هم أسلموا ليل التّمام وأوجعوا
فليس قوله: «بالأخبار هشّ مولع» من صفة جناحيه ولحييه وقريب منه قول أبي تمّام:
محمّد إنّ الحاسدين شهود (3) ... وإنّ مصاب المزن حيث تريد
فليس النصف الثاني من النصف الأوّل في شيء وكذلك قول الطالبيّ (4):
قوم هدى الله العباد بجدّهم ... والمؤثرون الضيف بالأزواد
فلا مناسبة بين صدر البيت وعجزه بوجه.
وعدّ بعض الأدباء من هذا النوع قول أمرىء القيس:
كأنّي لم أركب جوادا للذّة، ... ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبإ الزّقّ الرّويّ ولم أقل ... لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال
__________
(1) السهوب: الأرض الواسعة والموماة: المفازة الواسعة الملساء، وقيل: هي الفلاة التي لا ماء ولا أنيس بها السّملق: القاع المستوي الأملس، وقيل: القفر الذي لا شجر فيه.
(2) الحرق في الجناح: قصر ريشه والجلمان: المقراضان، واحدهما جلم.
(3) في الصناعتين: 152: «حشود»
(4) هو إبراهيم بن عبد الله بن الحسن: أحد الأشراف الشجعان. كان شاعرا عالما بأخبار العرب وأيامهم. خرج بالبصرة على المنصور العباسي، وكانت بينهما وقائع هائلة، إلى أن قتله حميد بن قحطبة سنة 145هـ. (الأعلام: 1/ 48).(2/296)
وقال: لو وضع مصراع كل بيت من هذين البيتين في موضع الآخر لكان أحسن وأدخل في استواء النسج، فكان يقال:
كأني لم أركب جوادا ولم أقل ... لخيلي كرّي كرة بعد إجفال
ولم أسبإ الزق الرويّ للذة ... ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال
لأن ركوب الجواد مع ذكر كرور الخيل أجود، وذكر الخمر مع ذكر الكواعب أحسن.
قال في «الصناعتين»: قال أبو أحمد: (1) والذي جاء به امرؤ القيس هو الصحيح لأن العرب تضع الشيء مع خلافه، فيقولون: الشدّة والرخاء، والبؤس والنعيم، ونحو ذلك. وكذلك كل ما يجري هذا المجرى.
قال أبو هلال العسكري: أخبرني أبو أحمد قال: كنت أنا وجماعة من أحداث بغداد ممن يتعاطى الأدب نختلف إلى مدرك نتعلم منه الشعر، فقال لنا يوما: إذا وضعتم الكلمة مع لفقها كنتم شعراء، ثم قال: أجيزوا هذا البيت:
ألا إنّما الدّنيا متاع غرور
فأجازه كل واحد منا بشيء فلم يرضه فقلت أنا:
وإن عظمت في أنفس وصدور
فقال: هذا هو الجيّد المختار.
قال (2): وأخبرني أبو أحمد الشطنيّ قال: حدثنا أبو العباس بن عربيّ، قال:
حدثنا حماد بن (3) يزيد بن جبلة، قال: دفن مسلمة رجلا من أهله ثم قال:
نروح ونغدو كلّ يوم وليلة
__________
(1) هو الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري: فقيه أديب توفي سنة 382هـ. وهو خال أبي هلال العسكري وأستاذه. (الأعلام: 2/ 196).
(2) المقصود: أبو هلال العسكري.
(3) في الصناعتين: 149: «حدثنا حماد (عن) يزيد».(2/297)
ثم قال لبعضهم: أجز فقال:
فحتّى متى هذا الرّواح مع الغدوّ
فقال مسلمة: لم تصنع شيئا، ثم قال لآخر: أجز فقال:
فيالك مغدى مرّة ومراحا (1)
فقال: لم تصنع شيئا، ثم قال لآخر: أجز فقال:
وعمّا قليل لا نروح ولا نغدو
فقال: الآن تم البيت وأشباه ذلك ونظائره كثيرة.
ومما اختلف فيه البيت الأوّل والثاني قول ابن هرمة (2):
وإنّي (3) وتركي ندى الأكرمين ... وقدحي بكفّيّ زندا شحاحا (4)
كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحا
وقول الفرزدق:
فإنّك (5) إذ تهجو تميما وترتشي ... سرابيل قيس أو سجوف (6) العمائم
كمهريق ماء بالفلاة، وغرّه ... سراب أذاعته رياح السّمائم (7)
كان ينبغي أن يكون بيت ابن هرمة الأوّل مع بيت الفرزدق الثاني، وبيت الفرزدق الأوّل مع بيت ابن هرمة الثاني، فيقال في الأوّل:
__________
(1) في الصناعتين: «ورواحا».
(2) هو إبراهيم بن علي بن سلمة: شاعر غزل من سكان المدينة. توفي سنة 176هـ. قال الأصمعي:
ختم الشعر بابن هرمة. (الأعلام: 1/ 50).
(3) الواو محذوفة في الشعر والشعراء: ص 388.
(4) ورد الشطر الثاني من البيت في «سر الفصاحة»: 255:
وقدحي بكفي زنادا شحاحا.
(5) في «الصناعتين» وفي «سر الفصاحة»: و «إنك».
(6) مفردها سجف وهو الستر. وفي سر الفصاحة والصناعتين: «سحوق العمائم» والسحوق جمع سحق وهو الخلق البالي.
(7) جمع: سموم، وهي الريح الحارة.(2/298)
وإني وتركي ندى الأكرمين ... وقدحي بكفّيّ زندا شحاحا (1)
كمهريق ماء بالفلاة وغرّه ... سراب أذاعته رياح السمائم
مع تغيير إحدى القافيتين، ويقال في الثاني:
وإنك إذ تهجوا تميما وترتشي ... سرابيل قيس أو سجوف (2) العمائم
كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحا
مع تغيير إحدى القافيتين حتّى يصح التشبيه للشاعرين جميعا.
المذهب الثالث أن المراد بتنافر الكلمات أن تذكر لفظة
أو ألفاظا يكون غيرها مما في معناها أولى بالذكر، فتجيء الكلمة غير لائقة بمكانها، وهو ما أصطلح عليه ابن الأثير في «المثل السائر». وهو على ضربين:
الضرب الأوّل: ما يوجد منه في اللفظة الواحدة فيمكن تبديله بغيره مما هو في معناه سواء كان ذلك الكلام نظما أو نثرا وهو على أنواع شتّى:
منها فك الإدغام في غير موضع فكّه، كقول ابن أمّ صاحب (3):
مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقي ... أني أجود لأقوام وإن ضننوا
ففك الإدغام في ضننوا، وكان الأحسن أن يقال: وإن ضنوا أي بخلوا.
وعلى حدّ ذلك ورد قول المتنبي:
فلا يبرم الأمر الذي هو حالل ... ولا يحلل الأمر الذي هو يبرم
فلو أدغم لجاءت اللفظة في مكانها غير قلقة ولا نافرة، وكذلك كل ما جاء على هذا النهج فلا يحسن أن يقال: بلّ الثوب فهو بالل، ولا سلّ السيف فهو سالل، ولا همّ بالأمر فهو هامم، ولا خط الكتاب فهو خاطط، ولا حنّ إلى كذا فهو حانن، وهذا لو عرض على من لا ذوق له أدركه، فكيف من له ذوق صحيح كأبي
__________
(1) راجع الحاشية: 4، من الصفحة السابقة.
(2) راجع الحاشية: 6، من الصفحة السابقة.
(3) هو قعنب بن ضمرة: من شعراء العصر الأموي. وله هجاء في الوليد بن عبد الملك. توفي نحو 95 هـ. (الأعلام: 5/ 202).(2/299)
الطيب؟ لكن لا بدّ لكل جواد من كبوة.
ومنها زيادة حرف في غير موضعه كقول دعبل (1):
شفيعك فاشكر في الحوائج إنّه ... يصونك عن مكروهها وهو يخلق
فالفاء في قوله فاشكر زائدة في غير محلها، نافرة عن مكانها.
قال الوزير ضياء الدين بن الأثير: أنشدني بعض الأدباء هذا البيت فقلت له:
عجز هذا البيت حسن، وأما صدره فقبيح لأن سبكه قلق نافر، والفاء في قوله فاشكر كأنها ركبة البعير، وهي في زيادتها كزيادة الكرش، فقال: لهذه الفاء في كتاب الله تعالى أشباه كقوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيََابَكَ فَطَهِّرْ} (2) فقلت له: بين هذه الفاء وتلك فرق ظاهر يدرك بالعلم أوّلا وبالذوق ثانيا، أما العلم فإن الفاء في قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيََابَكَ فَطَهِّرْ} فهي الفاء العاطفة إذ وردت بعد قوله: {قُمْ فَأَنْذِرْ} وهي مثل قولك: امش فأسرع، وقل فأبلغ، وليست الفاء التي في قول دعبل: شفيعك فاشكر من هذا القبيل، بل هي زائدة ولا موضع لها، وإنما نسبتها أن يقال: ربك أو ثيابك فطهر من غير تقدّم معطوف عليه (3)، وحاشا فصاحة القرآن من ذلك. فأذعن بالتسليم ورجع إلى الحق.
قال: ومثل هذه الدقائق التي ترد في الكلام نظما كان أو نثرا لا يتفطّن لها إلا الراسخ في علم الفصاحة.
ومنها وصل همزة القطع في الشعر وإن كان ذلك جائزا فيه بخلاف النثر كقول أبي تمّام:
قراني اللها (4) والودّ حتّى كأنّما ... أفاد الغني من نائلي وفوائدي
فأصبح يلقاني الزّمان من اجله ... بإعظام مولود ورأفة والد
__________
(1) هو دعبل بن علي بن رزين الخزاعي المتوفى سنة 246هـ. (الأعلام: 2/ 339).
(2) المدثر / 4321.
(3) لم يذكر الثاني وقد ذكره في «المثل السائر» فقال: وأما الذوق فانه ينبو عن الفاء الواردة في قول دعبل ويستثقلها إلى أن قال فلما سمع ما ذكرته أذعن الخ. (حاشية الطبعة الأميرية، ص: 278).
(4) اللها: العطايا، مفردها لهوة. (اللسان: 15/ 261).(2/300)
فقوله من اجله بوصل همزة القطع من الكلام النافر وعلى حدّه ورد قول أبي الطّيّب:
يوسّطه المفاوز كلّ يوم ... طلاب الطّالبين لا الانتظار
فقوله لا الانتظار بوصل همزة الانتظار كلام نافر.
ومنها قطع همزة الوصل في الشعر أيضا وإن كان جائزا فيه كقول جميل:
ألا لا أرى إثنين أجمل (1) شيمة ... على حدثان الدّهر منّي ومن جمل
وقوله أيضا:
إذا جاوز الإثنين سرّ فإنّه ... بنشر (2) وتكثير الوشاة قمين
فقطع ألف الوصل في لفظ الاثنين في البيت الأوّل والثاني.
ومنها أن يفرق بين الموصوف والصفة بضمير من تقدّم ذكره كقول البحتريّ:
حلفت لها بالله يوم التّفرّق ... وبالوجد من قلبي بها المتعلّق
تقديره من قلبي المتعلق بها، فلما فصل بين الموصوف الذي هو قلبي والصفة التي هي المتعلق بالضمير الذي هو بها قبح ذلك، ولو قال: من قلب بها متعلق لزال ذلك القبح وذهبت تلك الهجنة. ونحو ذلك.
الأصل الرابع المعرفة بالسجع الذي هو قوام الكلام المنثور وعلوّ رتبته ويتعلق به ستة أغراض
الغرض الأوّل في معرفة معناه في اللغة والاصطلاح، وبيان حكمه في حالتي الدرج والوقف.
__________
(1) في الصناعتين: «أحسن».
(2) في الديوان: «بنثّ وإفشاء الحديث».(2/301)
أما في اللغة فقال في «موادّ البيان»: إنه مشتق من الساجع: وهو المستقيم لاستقامته في الكلام، واستواء أوزانه، وقيل من سجع الحمامة وهو ترجيعها الصوت على حدّ واحد، يقال منه سجعت الحمامة تسجع سجعا فهي ساجعة، سمّي السجع في الكلام بذلك لأن مقاطع الفصول تأتي على ألفاظ متوازنة متعادلة، وكلمات متوازية متماثلة، فأشبه ذلك الترجيع.
وأما في الاصطلاح، فقال في «موادّ البيان»: هو تقفية مقاطع الكلام من غير وزن (1)، وذكر نحوه في «المثل السائر» فقال: هو تواطؤ الفواصل من الكلام المنثور على حرف واحد، ويقال للجزء الواحد منه سجعة، وتجمع على سجعات، وفقرة بكسر الفاء أخذا من فقرة الظهر وهي إحدى عظام الصّلب، وتجمع على فقر وفقرات بكسر الفاء وسكون القاف وفتحها، وربما فتحت الفاء والقاف جميعا، ويقال لها أيضا: قرينة لمقارنة أختها وتجمع على قرائن، ويقال للحرف الأخير منها: حرف الرّويّ والفاصلة.
وأما بيان حكمه في الوقف والدّرج فاعلم أن موضوع حكم السجع أن تكون كلمات الأسجاع ساكنة الأعجاز، موقوفا عليها بالسكون في حالتي الوقف والدّرج لأن الغرض منها المناسبة بين القرائن، أو المزاوجة بين الفقر، وذلك لا يتم إلا بالوقف، ألا ترى أن قولهم: ما أبعد ما فات، وما أقرب ما هو آت، لو ذهبت تصل فيه لم يكن بدّ من إعطاء أواخر القرائن ما يعطيه حكم الإعراب فتختلف أواخر القرائن ويفوت الساجع غرضه.
الغرض الثاني في بيان حسن موقعه من الكلام
قال في «الصناعتين»: لا يحسن منثور الكلام، ولا يحلو حتّى يكون
__________
(1) قال القزويني في «الإيضاح»: 402: «السجع هو تواطؤ الفاصلتين من النثر على حرف واحد، وهذا معنى قول السكاكي: الإسجاع في النثر كالقوافي في الشعر».(2/302)
مزدوجا، ولا (1) تجد لبليغ كلاما محلولا من الازدواج، وناهيك أن القرآن الكريم الذي هو عنصر البلاغة ومناط الإعجاز مشحون به، لا تخلو منه سورة من سوره وإن قصرت، بل ربما وقع السجع في فواصل جميع السورة، كما في سورة النجم، واقتربت، والرحمن وغيرها من السّور. بل ربما وقع في أوساط الآيات، كقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمََاتِ وَالنُّورَ} (2) وقوله:
{لَوْ نَشََاءُ أَصَبْنََاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ} (3) وقوله: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلََّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} (4) وما أشبه ذلك. وكذلك وقع في الكثير من كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كقوله عليه السلام عند قدومه المدينة الشريفة: «أفشوا السّلام، وأطعموا الطّعام، وصلو الأرحام، وصلّوا باللّيل والنّاس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام». بل ربما صرف صلّى الله عليه وسلّم الكلمة عن موضعها في تصريف اللغة طلبا للمزاوجة كقوله في تعويذه لابن ابنته: «أعيذه من الهامّة والسامّة، والعين اللّامّة» وأصلها في اللغة الملمّة لأنها من ألمّ، فعبر عنها باللامّة لموافقة الهامّة والسامّة، وكذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم للنساء: «انصرفن مأزورات غير مأجورات» والأصل في اللغة أن يقال موزورات أخذا من الوزر، فعبر بمأزورات لموافقة مأجورات وعلى ذلك كان يجري كلام العرب في مهمّ كلامهم من الدعاء وغيره كقول بعض الأعراب وقد ذهب السيل بابنه: اللهم إن كنت قد أبليت، فطالما عافيت. وقول الآخر: اللهم هب لنا حبك، وأرض عنا خلقك، ونحو ذلك. وأما ما ورد من أنه صلّى الله عليه وسلّم حين قضى على رجل في الجنين بغرة عبد أو أمة، فقال الرجل: أأدى من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، ومثل ذلك يطل (5)؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم «أسجعا كسجع الكهّان» فليس فيه دلالة على كراهة
__________
(1) في الصناعتين: «ولا تكاد».
(2) الأنعام / 1.
(3) الأعراف / 100.
(4) البقرة / 267.
(5) أدى: من الديّة، وذلك حق القتيل. يطل: من طلّ دمه إذا أهدره. وفي الصناعتين: 267 «أندي من لا شرب ولا أكل، ولا صاح فاستهل، فمثل ذلك يطل».(2/303)
السجع في الكلام وإن تمسك به بعض من نبا عن السجع طبعه، ونفرت منه قريحته، إذ يحتمل أنه صلّى الله عليه وسلّم إنما كره السجع من ذلك الرجل لمشابهة سجعه حينئذ سجع الكهّان، لما في سجعهم من التكلّف والتعسّف كما وجهه أبو هلال العسكريّ، وإما لجريانه على عادتهم في الجواب في الأحكام وغيرها بالكلام المسجوع كما وجهه غيره، أو أنه إنما كره حكم الكاهن الوارد باللفظ المسجوع بإنكار إيجاب الدية، لانفس السجع المأتي به كما اختاره صاحب «المثل السائر» ولو كره صلّى الله عليه وسلّم السجع نفسه، لا قتصر على قوله: أسجعا، ولم يقيده بسجع الكهّان.
الغرض الثالث في بيان أقسام السجع، وهي راجعة إلى صنفين
الصنف الأوّل أن تكون القرينتان متفقتين في حرف الرّويّ، ويسميه الرّمّانيّ السجع الحاني
وعليه عمل أكثر الكتّاب من زمن القاضي الفاضل، وهلمّ جرّا إلى زماننا وفيه ثلاث مراتب
المرتبة الأوّلى أن تكون ألفاظ القرينتين مستوية الأوزان متعادلة الأجزاء ويسمّى التصريع
(1)، وهو أحسن أنواع السجع وأعلاها. ومنه في النثر قوله تعالى:
{إِنَّ إِلَيْنََا إِيََابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنََا حِسََابَهُمْ} (2) وقوله: {إِنَّ الْأَبْرََارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجََّارَ لَفِي جَحِيمٍ} (3). وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في دعائه: «اللهمّ اقبل توبتي، واغسل حوبتي». وقوله للأنصار: «إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلّون عند الطّمع» وقول بعض الأعراب في وصف سنة جدبة: سنة جردت، وحال جهدت، وأيد جمدت، ونحو ذلك. ومثاله في النظم قول الخنساء (4):
__________
(1) الصواب: الترصيع (راجع التعريفات للجرجاني: 56والإيضاح للقزويني: 403).
(2) الغاشية / 26.
(3) الانفطار / 1413.
(4) هي تماضر بنت عمرو بن الشريد: اشهر شاعرات العرب أدركت الإسلام فأسلمت.(2/304)
حامي الحقيقة محمود الخليقة، ... مهديّ الطريقة نفّاع وضرّار
جوّاب قاصية جزّاز ناصية ... عدّاد (1) ألوية للخيل جرّار
المرتبة الثانية أن يختص التوازن بالكلمتين الأخيرتين من الفقرتين فقط دون ما عداهما من سائر الألفاظ
(2)، كقوله تعالى: {فِيهََا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوََابٌ مَوْضُوعَةٌ} (3) ثم قال: {وَنَمََارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرََابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} (4). وكقول الحريريّ في مقاماته: ألجأني حكم دهر قاسط، إلى أن أنتجع أرض واسط. وقوله: وأودى الناطق والصّامت، ورثى لنا الحاسد والشّامت، وما أشبه ذلك.
المرتبة الثالثة أن يقع الاتفاق في حرف الرّويّ مع قطع النظر عن التّوازن في شيء من أجزاء الفقرة في آخر ولا غيره، ويسمّى المطرّف
، كقوله تعالى:
{مََا لَكُمْ لََا تَرْجُونَ لِلََّهِ وَقََاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوََاراً} (5) وقولهم: جنابه محطّ الرّحال، ومخيّم الآمال. وما يجري هذا المجرى.
الصنف الثاني أن يختلف حرف الرّويّ في آخر الفقرتين، وهو الذي يعبرون عنه بالازدواج
. والرّمانيّ يسميه السّجع العاطل، وعليه كان عمل السلف من الصحابة ومن قارب زمانهم، وهو على ضربين
الضرب الأوّل أن يقع ذلك في النثر، وفيه مرتبتان
المرتبة الأولى أن يراعي الوزن في جميع كلمات القرينتين
أو في أكثرها
__________
(1) في الصناعتين: 393: «عقّاد» وقبل هذا البيت:
فعّال سامية ورّاد طامية ... للمجد نامية تعنيه أسفار
وبعده:
حلو حلاوته فصل مقالته ... فاش حمالته للعظم جبّار
(2) وهو السجع المتوازي (انظر الإيضاح: 403).
(3) الغاشية / 1413.
(4) الغاشية / 1615.
(5) نوح / 13.(2/305)
مع مقابلة الكلمة بما يعادلها وزنا، ويسمّى التوازن وهو أحسنها وأعلاها، كقوله تعالى: {وَآتَيْنََاهُمَا الْكِتََابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْنََاهُمَا الصِّرََاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (1) وكقول الحريريّ: اسودّ يومي الأبيض، وابيضّ فودي الأسود.
المرتبة الثانية ألّا يراعى التوازن إلا في الكلمتين الأخيرتين من القرينتين فقط
، ويسمّى التوازن أيضا، ومنه قوله تعالى: {وَنَمََارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرََابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} (2) وقولهم: اصبر على حرّ القتال، ومضض النّزال، وشدّة النّصاع، ومداومة البراز (3)، وما أشبه ذلك.
الضرب الثاني السّجع الواقع في الشّعر
ويسمّى التصريع في البيت الأوّل، ومحل الكلام عليه علم البديع، وقد ذكره في «المثل السائر» في أعقاب الكلام على السجع في الكلام المنثور، وجعله على سبع مراتب:
المرتبة الأولى وهي أعلاها درجة أن يكون كل مصراع من البيت مستقلّا بنفسه
، غير محتاج إلى ما يليه ويسمّى التصريع الكامل، كقول امريء القيس:
أفاطم مهلا بعض هذا التّدلّل ... وإن كنت قد أزمعت هجري (4) فأجملي
فإن كل مصراع من البيت مفهوم المعنى بنفسه، غير محتاج إلى ما يليه في الفهم، وليس له به ارتباط يتوقف عليه.
__________
(1) الصافات / 118117.
(2) الغاشية / 1615.
(3) في الصناعتين: 270: «إصبر على حرّ اللقاء ومضض النزال وشدة المصاع وهو القتال والمجالدة ومداومة المراس» ثم أضاف العسكري: «فلو قال: على حرّ الحرب ومضض المنازلة لبطل رونق التوازن وذهب حسن التعادل».
(4) في بعض الروايات: «صرمي».(2/306)
المرتبة الثانية أن يكون المصراع الأوّل مستقلّا بنفسه، غير محتاج إلى الذي يليه إلا أنه مرتبط به
، كقول امريء القيس أيضا:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل
فإن المصراع الأوّل منه غير محتاج إلى الثاني في فهم معناه، ولكنه لما جاء الثاني صار مرتبطا به.
المرتبة الثالثة أن يكون الشاعر مخيّرا في وضع كل مصراع موضع الآخر، ويسمى التصريع الموجّه
، كقول ابن حجّاج (1):
من شروط الصّبوح في المهرجان ... خفّة الشّرب مع خلوّ المكان
فإنه لو جعل المصراع الثاني أوّلا والآخر ثانيا، لساغ له ذلك.
المرتبة الرابعة أن يكون المصراع الأوّل غير مستقلّ بنفسه، ولا يفهم معناه إلا بالثاني ويسمّى التصريع الناقص
، وليس بمستحسن، كقول المتنبي:
مغاني الشّعب طيبا في المغاني ... بمنزلة الربيع من الزّمان
فإنّ المصراع الأوّل لا يستقلّ بنفسه في فهم معناه دون المصراع الثاني.
المرتبة الخامسة أن يكون التصريع في البيت بلفظة واحدة في الوسط والقافية، ويسمّى التصريع المكرر
ثم اللفظة التي يقع بها التصريع قد تكون حقيقة لا مجاز فيها كقول عبيد بن الأبرص (2):
وكلّ ذي غيبة يؤوب ... وغائب الموت لا يؤوب
وقد تكون اللفظة التي يقع بها التصريع مجازيّة كقول أبي تمّام الطائيّ:
__________
(1) هو حسين بن أحمد النيلي البغدادي: شاعر فحل من كتاب العصر البويهي. في شعره عذوبه وسلامة من التكلف. توفي سنة 391هـ. (الأعلام: 2/ 331).
(2) من دهاة الجاهلية وحكمائها. وهو أحد أصحاب المجمهرات المعدودة طبقة ثانية عن المعلقات.
قتله النعمان بن المنذر في يوم بؤسه (الشعر والشعراء: 119).(2/307)
فتى كان شربا للعفاة ومرتعا ... فأصبح للهنديّة البيض مرتعا
المرتبة السادسة أن يكون المصراع الأوّل معلّقا على صفة يأتي ذكرها في أوّل المصراع الثاني ويسمّى التصريع المعلّق
. كقول امريء القيس:
ألا أيّها الليل الطّويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح فيك بأمثل
فإن المصراع الأوّل معلق على قوله بصبح، وهو مستقبح في الصنعة.
المرتبة السابعة أن يكون التصريع في البيت مخالفا لقافيته ويسمّى التصريع المشطور
، وهو أنزل درجات التصريع وأقبحها. كقول أبي نواس:
أقلني قد ندمت على الذّنوب ... وبالإقرار عذت من الجحود
فإنه قد صرّع في وسط البيت بالباء ثم في آخره بالدال.
قلت: وإنما أوردت هذا الصنف مع السجع وإن كان من خصوصيات الشعر لأنه قد يقع مثله في النثر، إذ الفقرة من النثر كالبيت من الشعر، فالفقرتان كالبيتين، وأيضا فإن الشعر من وظيفة الكاتب.
الغرض الرابع في معرفة مقادير السّجعات في الطّول والقصر، وهي على ضربين
الضرب الأوّل السّجعات القصار
وهي ما صيغ من عشرة ألفاظ فما دونها، قال في «حسن التوسل» (1): وهي تدل على قوّة التمكن وإحكام الصنعة، لا سيما القصير منها للغاية، وأقل ما يكون من لفظتين كقوله تعالى: {يََا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيََابَكَ فَطَهِّرْ} (2).
__________
(1) «حسن التوسل في صناعة الترسل» لشهاب الدين أبي الثناء محمود بن سلمان الحلبي المتوفى سنة 725هـ. (كشف الظنون: 666).
(2) المدثر / 4321.(2/308)
وقوله: {وَالْمُرْسَلََاتِ عُرْفاً فَالْعََاصِفََاتِ عَصْفاً} (1) وما أشبه ذلك، وأمثاله في القرآن الكريم كثير إلا أن الزائد على ذلك أكثر. كقوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذََا هَوى ََ مََا ضَلَّ صََاحِبُكُمْ وَمََا غَوى ََ وَمََا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ََ} (2). وقوله: {اقْتَرَبَتِ السََّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوََاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} (3). وقوله: {وَقََالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمََنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكََادُ السَّمََاوََاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبََالُ هَدًّا} (4) ونحو ذلك.
الضرب الثاني السجعات الطوال
قال في «حسن التوسل»: وهي ألذّ في السمع، يتشوّق السامع إلى ما يرد متزايدا على سمعه، وأقلّ ما تتركب من إحدى عشرة كلمة فما فوقها، وغالب ما تكون من خمس عشرة لفظة فما حولها، كقوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسََانَ مِنََّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنََاهََا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنََاهُ نَعْمََاءَ بَعْدَ ضَرََّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئََاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} (5) فالأولى من إحدى عشرة لفظة، والثانية من ثلاث عشرة لفظة، قوله: {لَقَدْ جََاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مََا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللََّهُ لََا إِلََهَ إِلََّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (6) فالأولى من أربع عشرة لفظة، والثانية من خمس عشرة، وقوله: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللََّهُ فِي مَنََامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرََاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنََازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلََكِنَّ اللََّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذََاتِ الصُّدُورِ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللََّهُ أَمْراً كََانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللََّهِ تُرْجَعُ}
__________
(1) المرسلات / 21.
(2) النجم / 321.
(3) القمر / 321.
(4) مريم / 908988.
(5) هود / 109.
(6) التوبة / 129128.(2/309)
{الْأُمُورُ} (1) فالأولى عشرون لفظة، والثانية تسع عشرة، وهذا غاية ما انتهى إليه الطّول في القرآن الكريم. وينبغي أن يكون ذلك نهاية الطول في السجع وقوفا مع ما ورد به القرآن الكريم الذي هو أفصح كلام، وأقوم نظام، وإن كان الوزير ضياء الدين بن الأثير، والشيخ شهاب الدين محمود الحلبي وغيرهما، قد صرحوا بأنه لا ضابط لأكثره.
واعلم أنه قد جرت عادة كتّاب الزمان ومصطلحهم أن تكون السجعة الأولى من افتتاح الولاية من تقليد أو توقيع أو غير ذلك قصيرة بحيث لا يتعدّى آخرها السطر الثاني في الكتابة ليقع العلم بها بمجرّد وقوع النظر على أوّل المكتوب.
وعلى هذا فيختلف القصر فيها باختلاف ضيق الورق وسعته في العرض.
الغرض الخامس في ترتيب السجعات بعضها على بعض في التقديم والتأخير باعتبار الطول والقصر وله حالتان
الحالة الأولى ألا يزيد السجع على سجعتين وله ثلاث مراتب
المرتبة الأولى أن تكون القرينتان متساويتين لا تزيد إحداهما على الأخرى
كقوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلََا تَقْهَرْ وَأَمَّا السََّائِلَ فَلََا تَنْهَرْ} (2)، وقوله:
{وَالْعََادِيََاتِ ضَبْحاً فَالْمُورِيََاتِ قَدْحاً فَالْمُغِيرََاتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} (3) وأمثال ذلك.
المرتبة الثانية أن تكون القرينة الثانية أطول من الأولى بقدر يسير
كقوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسََّاعَةِ وَأَعْتَدْنََا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسََّاعَةِ سَعِيراً إِذََا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكََانٍ}
__________
(1) الأنفال / 4443.
(2) الضحى / 109.
(3) العاديات / 1إلى 5.(2/310)
{بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهََا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} (1) فالأولى ثمان كلمات، والثانية تسع، ونحو ذلك أما إذا طالت الثانية عن الأولى طولا يخرج عن الاعتدال، فإنه يستقبح حينئذ، ووجّهه في «حسن التوسل» بأنه يبعد دخول القافية على السامع فيقلّ الالتذاذ بسماعها. والمرجع في قدر الزيادة والقصر إلى الذوق.
المرتبة الثالثة أن تكون القرينة الثانية أقصر من الأولى
. قال في «المثل السائر»: وهو عندي عيب فاحش، لأن السمع يكون قد استوفى أمده من الفصل الأوّل بحكم طوله، ثم يجيء الفصل الثاني قصيرا فيكون كالشيء المبتور، فيبقى الإنسان عند سماعه كمن يريد الانتهاء إلى غاية فيعثر دونها وفيما قاله نظر، فقد تقدّم في قوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللََّهُ فِي مَنََامِكَ قَلِيلًا} (2) الآيتين، أن الأولى عشرون كلمة والثانية تسع عشرة، بل قد اختار تحسين ذلك أبو هلال العسكريّ في «الصناعتين» محتجّا له بكثرة وروده في كلام النبوّة كقوله صلّى الله عليه وسلّم للأنصار:
«إنّكم لتكثرون عند الفزع، وتقلّون عند الطّمع» وقوله: «المؤمنون تتكافؤ دماؤهم، وهم يد على من سواهم» وقوله: «رحم الله من قال خيرا فغنم أو سكت فسلم».
الحالة الثانية أن يزيد السجع على سجعتين، ولها أربع مراتب
المرتبة الأولى أن يقع على حدّ واحد في التّساوي
وهو مستحسن، وقد ورد في القرآن الكريم بعض ذلك كقوله تعالى: {وَأَصْحََابُ الْيَمِينِ مََا أَصْحََابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} (3) فهذه السجعات الثلاث مركبة من لفظتين لفظتين.
__________
(1) الفرقان / 1211.
(2) الأنفال / 43.
(3) الواقعة / من 27إلى 30.(2/311)
المرتبة الثانية أن تكون الأولى أقصر والثانية والثالثة متساويتين
كقوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسََّاعَةِ وَأَعْتَدْنََا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسََّاعَةِ سَعِيراً إِذََا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكََانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهََا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وَإِذََا أُلْقُوا مِنْهََا مَكََاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنََالِكَ ثُبُوراً} (1) فالأولى من ثمان كلمات، والثانية والثالثة من تسع تسع.
المرتبة الثالثة أن تكون الأولى والثانية متساويتين، والثالثة زائدة عليهما
وقد أشار إلى هذه المرتبة في «حسن التوسل» حيث قال: فإن زادت القرائن على اثنتين فلا يضر تساوي القرينتين الأوليين وزيادة الثالثة، ولم يمثل لها.
المرتبة الرابعة أن تكون الثانية زائدة على الأولى، والثالثة زائدة على الثانية
قال في «المثل السائر»: وينبغي أن تكون في هذا الحالة زيادة الثالثة متميزة في الطول على الأولى والثانية أكثر من تميز الثانية على الأولى. ثم قال: فإذا كانت الأولى والثانية أربع لفظات أربع لفظات تكون الثالثة عشر لفظات أو إحدى عشرة لفظة، ومثّل له في «حسن التوسل» بقوله تعالى: {وَقََالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمََنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكََادُ السَّمََاوََاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبََالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمََنِ وَلَداً وَمََا يَنْبَغِي لِلرَّحْمََنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً} (2) فالأولى من ثمان كلمات، والثانية من تسع، والثالثة من عشر، ومثل له في «المثل السائر» بقوله في وصف صديق: فقلت: الصديق من لم يعتض عنك بخالف، ولم يعاملك معاملة الحالف، وإذا بلّغته أذنه وشاية أقام عليها حدّ السارق أو القاذف فالأولى:
وهي لم يعتض عنك بخالف والثانية بعدها أربع كلمات، والثالثة عشر كلمات. ثم قال: وينبغي أن يكون ما يستعمل من هذا القبيل، فإن زادت الأولى والثانية على هذه العدّة زادت الثالثة بالحساب، وإن نقصت الأولى والثانية، فكذلك. لكن قد ضبط في «حسن التوسل» الزيادة في الثالثة بألّا تجاوز المثل، والأمر فيما بين
__________
(1) الفرقان / 131211.
(2) مريم / من 88إلى 92.(2/312)
الضابطين قريب ولا يخفى حكم الرابعة في الزيادة مع الثالثة. قال في «حسن التوسل»: ولا بدّ من الزيادة في آخر القرائن.
الغرض السادس فيما يكون فيه حسن السجع وقبحه
أما حسنه، فيعتبر فيه بعد ما يقع فيكون به تحسين الكلام من أصناف البديع ونحوها بأمور أخرى:
منها أن يكون السجع بريئا من التكلف، خاليا من التعسف، محمولا على ما يأتي به الطبع وتبديه الغريزة، ويكون اللفظ فيه تابعا للمعنى، بأن يقتصر من اللفظ على ما يحتاج إليه في المعنى دون الإتيان بزيادة أو نقص تدعو إليه ضرورة السجع، حتّى لو حصلت زيادة أو نقص بسبب السجع دون المعنى، خرج السجع عن حيّز المدح إلى حيز الذم.
ومنها أن تكون الألفاظ المسجوعة حلوة حادّة، لا غثّة ولا باردة، مونقة المعنى حسنة التركيب، غير قاصرة على صورة السجع الذي هو تواطؤ الفقر، فيكون كمن نقش أثوابا من الكرسف (1)، أو نظم عقدا من الخرز الملوّن. قال في «المثل السائر»: وهذا مقام تزلّ عنه الأقدام، ولا يستطيعه إلا الواحد من أرباب هذا الفن بعد الواحد. قال: ومن أجل ذلك كان أربابه قليلا، ولولا ذلك كان كل أديب سجّاعا، إذ ما منهم من أحد إلا وقد يتيسر عليه تأليف ألفاظ مسجوعة في الجملة.
ومنها أن تكون كلّ واحدة من الفقرتين المسجوعتين دالّة على معنى غير المعنى الذي دلت عليه أختها، لأنّ اشتمال السجعتين على معنى واحد يمكن أن يكون في إحداهما بمفردها هو عين التطويل المذموم في الكلام، وهو الدلالة على
__________
(1) هو القطن، واحدته كرسفة.(2/313)
المعنى بألفاظ يمكن الدلالة عليه بدونها على ما هو مقرّر في علم البيان. قال في «المثل السائر»: فلا يكون مثل قول الصابي (1) في وصف مدبّر: «يسافر رأيه وهو دان لم ينزح، ويسير تدبيره وهو ثاو لم يبرح» ولو قال: يسافر رأيه وهو دان لم ينزح، ويثخن الجراح في عدوّه وسيفه في الغمد لم يجرح، لسلم من هجنة التكرار، فإنه تصير كل سجعة محتوية على معنى بحياله.
ومنها أن يقع التحسين في نفس الفواصل، كقولهم: إذا قلّت الأنصار، كلّت الأبصار وقولهم: ما وراء الخلق الدّميم، إلّا الخلق الذميم، ونحو ذلك.
ومنها أن يقع في خلال السجعة الطويلة قرائن قصار فتكون سجعا في سجع، كقوله تعالى: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى ََ أَمْوََالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ فَلََا يُؤْمِنُوا حَتََّى يَرَوُا الْعَذََابَ الْأَلِيمَ} (2). وقوله: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلََّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللََّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (3) فإن قوله: {عَلى ََ أَمْوََالِهِمْ}. وقوله: {عَلى ََ قُلُوبِهِمْ} سجعتان داخلتان في السجعة التي آخرها {حَتََّى يَرَوُا الْعَذََابَ الْأَلِيمَ}. وقوله: {بِآخِذِيهِ} وقوله: {تُغْمِضُوا فِيهِ} سجعتان داخلتان في السجعة التي آخرها {غَنِيٌّ حَمِيدٌ} وعدّ العسكريّ منه قولهم (4): عاد تعريضك تصريحا، وتمريضك تصحيحا.
وأما قبحه فيعتبر بأمور:
منها التجميع، وهو أن تكون فاصلة الجزء الأوّل بعيدة المشاكلة لفاصلة الجزء الثاني كما حكى قدامة (5) أن كاتبا كتب في جواب كتاب: وصل كتابك
__________
(1) هو إبراهيم بن هلال، أبو إسحاق الصابي: نابغة كتاب جيله. عرض عليه عز الدولة البويهي الوزارة إن أسلم فامتنع. توفي سنة 384هـ. (الأعلام: 1/ 78).
(2) يونس / 88.
(3) البقرة / 267.
(4) نسب العسكري هذا القول للبصير.
(5) سبق التعريف به في حاشية الصفحة: 14من هذا الجزء.(2/314)
فوصل به ما يستعبد الحرّ، وإن كان قديم العبودية، ويستغرق الشكر، وإن كان سالف فضلك (1) لم يبق شيئا منه فإن العبودية بعيدة عن مشاكلة منه.
ومنها التطويل، فيما ذكر قدامة وغيره: وهو أن يجيء الجزء الأوّل طويلا فيحتاج إلى إطالة الثاني بالضرورة، كما حكى قدامة أن كاتبا كتب في تعزية: إذا كان للمحزون في لقاء مثله كبير الراحة في العاجل، وكان طويل (2) الحزن راتبا إذا رجع إلى الحقائق وغير زائل. قال في «الصناعتين»: وذلك أنه لما أطال الجزء الأوّل، وعلم أن الجزء الثاني ينبغي أن يكون مثله أو أطول، احتاج إلى تطويل الثاني فأتي باستكراه وتكلف. قال في «موادّ البيان»: والإطالة بقوله «وغير زائل».
الأصل الخامس حسن الاتباع، والقدرة على الاختراع
واعلم أن لكاتب الإنشاء مسلكين:
المسلك الأوّل طريقة الاتباع
وهي نظر الكاتب في كلام من تقدّمه من الكتّاب، وسلوك منهجهم، واقتفاء سبيلهم، وسماها ابن الأثير التقليد، وهي على صنفين:
الصنف الأوّل الاتباع في الألفاظ
وهو اعتماد الكاتب على ما رتبه غيره من الكتّاب، وأنشأه سواه من أهل صناعة النثر، بأن يعمد إلى ما أنشأه أفاضل الكتّاب ورتبه علماء الصناعة: من نثر أو نظم، فيأخذه برمّته، ويأتي عليه بصيغته وغايته أن يكون ناسخا ناقلا لكلام غيره،
__________
(1) في الصناعتين: «ودّك».
(2) في الصناعتين: «وكان الحزن راتبا إذا»(2/315)
حاكيا له. ولمثل ذلك توضع الدساتر، وتدوّن الدواوين على أنه ربما غيّر وبدّل، وحرّف وصحّف، وأزال اللفظ عن وضعه وأحال المعنى عن حكمه وبعضهم ربما حملته الأنفة والخوف من أن يقال أخذ كلام فلان برمته، فعدل إلى كلام غيره، فالتقط من كل مكان سجعتين أو سجعات، ورتب بعضها على بعض حتّى تقوم بمقصوده، وينتهي إلى مراده.
فإن كان لطيف الذوق، حسن الاختيار، رائق الترتيب، فاختار من خلال السجع لطيفه، وأحسن رصفه وتأليفه، جاء بهجا رائقا، لأنه أتى من كل كلام بأحسنه، إلا أن فيه إخراج الكلام عن وضعه الذي قصده الناثر، وتفريق ما دوّن من كلام الأفاضل وتبديد شمله، وخروج الكلام عن أن يعرف قائله، ويعلم منشئه، فيقع من القلوب بمكان صاحبه ويهتدي بهديه، وينسج على منواله.
وإن لم يكن لطيف الذوق، ولا حسن الاختيار، جاء مالفقّه من كلام غيره رثّا ركيكا، نابيا عن الذوق، بعيدا عن الصنعة، يعاد من النسخ إلى المسخ، وأخرج الكلام عن موضوعه، وأفسده في وضعه وتركيبه، فإن صحبه التصحيف والتحريف فتلك الطامّة الكبرى، والمصيبة العظمى ثم لا يكتفي بذلك حتى يتبجح به ويعتقد أن ذلك عين الإنشاء وحقيقته، محتجّا في ذلك بقول الحريري:
«إن صناعة الحساب موضوعة على التحقيق، وصناعة الإنشاء مبنية على التلفيق» ظانّا أن التفليق هو ضم سجعات منتظمة، وفقرات مؤلّفة بعضها إلى بعض، ولم يعلم أن المراد بالتلفيق ضم لفظة إلى أختها، وإضافة كلمة إلى مشاكلتها وشتّان ما بين التلفيقين، وبعدا لما بين الطريقين:
وللزّنبور والبازي جميعا ... لدى الطّيران أجنحة وخفق
ولكن بين ما يصطاد باز ... وما يصطاده الزّنبور فرق
وقد عابوا أخذ المعنى إذا كان ظاهرا مكشوفا، فما ظنّك بمن يأخذ الكلام برمته، واللفظ بصورته، فيصير ناسخا لكلام غيره، وناقلا له! فأيّ فضيلة في ذلك؟
وقد قيل: من أخذ معنى بلفظه كان سارقا (1)، ومن أخذ بعض لفظه كان سالخا، ومن أخذه فكساه لفظا من عنده كان أولى به ممن تقدّمه، وأين من هو أولى بالشيء ممن سبقه إليه ممن يعدّ سارقا وسالخا؟ ويقال إن أبا عذرة (2) الكلام من سبك لفظه على معناه، ومن أخذ معنى بلفظه فليس له فيه نصيب. هذا فيمن أخذ سجعة أو سجعتين في خطبة أو رسالة، أو بيتا أو بيتين في قصيدة وما قارب ذلك أما من أخذ القصيدة بكمالها، أو الخطبة أو الرسالة برمّتها، أو لفّقها من خطب أو رسائل فذاك إنما يعدّ ناسخا إن أحسن النقل، أو ماسخا إن أفسده.(2/316)
وللزّنبور والبازي جميعا ... لدى الطّيران أجنحة وخفق
ولكن بين ما يصطاد باز ... وما يصطاده الزّنبور فرق
وقد عابوا أخذ المعنى إذا كان ظاهرا مكشوفا، فما ظنّك بمن يأخذ الكلام برمته، واللفظ بصورته، فيصير ناسخا لكلام غيره، وناقلا له! فأيّ فضيلة في ذلك؟
وقد قيل: من أخذ معنى بلفظه كان سارقا (1)، ومن أخذ بعض لفظه كان سالخا، ومن أخذه فكساه لفظا من عنده كان أولى به ممن تقدّمه، وأين من هو أولى بالشيء ممن سبقه إليه ممن يعدّ سارقا وسالخا؟ ويقال إن أبا عذرة (2) الكلام من سبك لفظه على معناه، ومن أخذ معنى بلفظه فليس له فيه نصيب. هذا فيمن أخذ سجعة أو سجعتين في خطبة أو رسالة، أو بيتا أو بيتين في قصيدة وما قارب ذلك أما من أخذ القصيدة بكمالها، أو الخطبة أو الرسالة برمّتها، أو لفّقها من خطب أو رسائل فذاك إنما يعدّ ناسخا إن أحسن النقل، أو ماسخا إن أفسده.
واعلم أن الناثر الماهر، والشاعر المفلق قد يأتي بكلام سبقه إليه غيره، فيأتي بالبيت من الشعر، أو القرينة من النثر، أو أكثر من ذلك بلفظ الأوّل من غير زيادة ولا نقصان، أو بتغيير لفظ يسير، وهذا هو الذي يسميه أهل هذه الصناعة وقوع الحافر على الحافر. وقد سئل أبو عمرو بن العلاء (3) عن الشاعرين يتفقان على لفظ واحد ومعنى فقال: عقول رجال توافت على ألسنتها.
والواقع من ذلك في كلامهم على قسمين:
القسم الأوّل ما وقع الاتفاق فيه في المعنى واللفظ جميعا.
كقول الفرزدق:
وغرّ قد وسقت مشمّرات ... طوالع لا تطيق لها جوابا
__________
(1) قال القزويني في الإيضاح: 411 «الحكم أن اتفاق القائلين إن كان في الغرض على العموم كالوصف بالشجاعة والسخاء والبلادة والذكاء فلا يعدّ سرقة ولا استعانة ولا نحوهما فإن هذه أمور متقررة في النفوس، متصورة للعقول يشترك فيها الفصيح والأعجم والشاعر والمفحم».
(2) العذرة: البكارة يقال: فلان أبو عذر وأبو عذرة فلانة إذا كان افترعها وافتضها. (اللسان:
4/ 552).
(3) هو زبّان بن عمار التميمي البصري: من أئمة اللغة والأدب وأحد القراء السبعة. مات بالكوفة سنة 154هـ. (الأعلام: 3/ 41).(2/317)
بكلّ ثنيّة وبكلّ ثغر ... غرائبهنّ تنتسب انتسابا
بلغن الشمس حين تكون شرقا ... ومسقط رأسها من حيث غابا
ووافقه جرير فقال مثل ذلك من غير زيادة ولا نقص.
ويروى أنّ عمر بن أبي ربيعة أنشد ابن عباس رضي الله عنه:
تشطّ غدا دار جيراننا
فقال ابن عباس رضي الله عنه:
وللدّار بعد غد أبعد
فقال عمر: والله ما قلت إلا كذلك.
قال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الصناعتين»:
وأنشدت الصاحب إسماعيل بن عبّاد رحمه الله:
كانت سراة الناس تحت أظلّه (1)
فسبقني وقال:
فغدت سراة الناس فوق سراته
وكذلك كنت قلت: قال الوزير ضياء الدين بن الأثير رحمه الله في كتابه «المثل السائر»: ويحكى أن امرأة من عقيل يقال لها ليلى كان يتحدّث إليها الشّباب، فدخل الفرزدق إليها وجعل يحادثها، وأقبل فتى من قومها كانت تألفه فدخل إليها فأقبلت عليه وتركت الفرزدق، فغاظه ذلك فقال للفتى: أتصارعني؟
فقال: ذاك إليك، فقام إليه فلم يلبث أن أخذ الفرزدق فصرعه وجلس على صدره فضرط، فوثب الفتى عنه وقال: يا أبا فراس هذا مقام العائذ بك، والله ما أردت ما جرى، قال: وحيك! والله ما بي أنك صرعتني ولكن كأنّي بابن الأتان، (يعني جريرا) وقد بلغه خبري فقال يهجوني:
جلست إلى ليلى لتحظى بقربها ... فخانك دبر لا يزال يخون
__________
(1) السّراة: أعلى كل شيء والأظل: بطن الإصبع مما يلي صدر القدم إلى الخنصر.(2/318)
فلو كنت ذا حزم شددت وكاءه ... كما شدّ جربان الدّلاص قيون (1)
فما مضى إلا أيام حتّى بلغ جريرا الخبر، فقال فيه هذين البيتين. قال: وهذا من أغرب ما يكون في هذا الموضع وأعجبه قال في «الصناعتين»: وإذا كان القوم في قبيلة واحدة، في أرض واحدة، فإن خواطرهم تقع متقاربة، كما أن أخلاقهم وشمائلهم تكون متضارعة. قال في «المثل السائر»: ويقال إن الفرزدق وجريرا كانا ينطقان في بعض الأحوال عن ضمير واحد. قال: وهذا عندي مستبعد، فإن ظاهر الأمر يدل على خلافه، والباطن لا يعلمه إلا الله تعالى، وإلا فإذا رأينا شاعرا متقدّم الزمان قد قال قولا ثم سمعناه من شاعر أتى من بعده، علمنا بشهادة الحال أنه أخذه منه وهب أن الخواطر تتفق في استخراج المعاني الظاهرة المتداولة، فكيف تتفق الألسنة أيضا في صوغ الألفاظ؟ وكلام العسكريّ في «الصناعتين» يوافقه بالعتب على المتأخر، وإن ادّعى أنه لم يسمع كلام الأوّل في مثل ذلك.
القسم الثاني ما وقع الاتفاق فيه في المعنى وبعض اللفظ، وهو على ضربين
الضرب الأوّل ما اتفق فيه المعنى وأكثر اللفظ
كقول امرىء القيس:
وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجمّل
وقول طرفة:
وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجلّد
__________
(1) الوكاء: ما يشدّ به الكيس وغيره جربان وجرّبان الدرع والقميص: جيبه الدلاص من الدروع:
اللّينة القيون: جمع قين وهو الحداد.(2/319)
فالتخالف بينهما في كلمة القافية فقط.
وقول البعيث (1):
أترجو كليب أن يجيء حديثها ... بخير وقد أعيا كليبا قديمها؟
وقول الفرزدق:
أترجو ربيع أن تجيء صغارها ... بخير وقد أعيا ربيعا كبارها؟
فالتخالف بينهما في موضعين من البيت، كلمة القافية واسم القبيلة.
وقول بعض المتقدّمين يمدح معبدا صاحب الغناء:
أجاد طويس والسّريجيّ بعده ... وما قصبات السّبق إلا لمعبد (2)
وقول (3) الفرزدق بعده:
محاسن أصناف المغنّين جملة ... وما قصبات السّبق إلا لمعبد (4)
فاتفقا في النصف الثاني واختلفا في النصف الأوّل، إلى غير ذلك من الأشعار التي وقعت خواطر الشعراء عليها، وتوافقت عقولهم عندها.
__________
(1) هو خداش بن بشر، لقّب بالبعيث بقوله:
تبعّث مني ما تبعّث بعدما
أمّرت قواي واستمرّ عزيمي
ويقول: إنه قد قال الشعر بعدما أسنّ وكبر. توفي سنة 134هـ. (الشعر والشعراء: 250 والأعلام: 2/ 302).
(2) طويس: هو عيسى بن عبد الله: أول من غنى بالمدينة غناء يدخل في الايقاع. توفي سنة 92هـ.
والسريجي (وفاته 98هـ.) هو عبد الله بن سريج، أول من ضرب على العود بالغناء العربي، ومعبد ابن وهب، نابغة الغناء العربي، مات سنة 126هـ. (راجع الأعلام).
(3) نسب البديعي هذا البيت لأبي تمام. (راجع الصبح المنبي عن حيثية المتنبي: 189).
(4) ويروى: «محاسن أوصاف المغنين جمة» وهو أجود. والبيت من قصيدة أولها:
غدت تستجير الدمع خلف نوى غد(2/320)
الضرب الثاني ما اتفق فيه المعنى مع يسير اللفظ (1)
فمن ذلك قول البحتريّ في وصف غلام:
فوق ضعف الصغير (2) إن وكل الأمر ... إليه، ودون كيد الكبار (3)
أخذه من قول أبي نواس:
لم يجف من كبر عما يراد به ... من الأمور ولا أزرى به الصّغر
وقول أبي تمّام:
لم أمدحك تفخيما بشعري ... ولكنّي مدحت بك المديحا
أخذه من قول حسان بن ثابت يمدح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
ما إن مدحت محمدا بمقالتي ... لكن مدحت مقالتي بمحمّد (4)
وقول أبي الطّيّب:
أين أزمعت أيّها ذا الهمام ... نحن نبت الرّبا وأنت الغمام
أخذه من قول بشّار:
كأنّ الناس حين تغيب عنهم ... نبات الأرض أخطأه القطار
الصنف الثاني التقليد في المعاني
وهذا مما لا يستغني عنه ناظم ولا ناثر. قال أبو هلال العسكريّ رحمه الله في
__________
(1) وأضاف البديعي: 192: «وذلك من أقبح السرقات وأظهرها شناعة على السارق».
(2) في المرجع السابق: «الصغار».
(3) هذا البيت في وصف غلام من قصيدة للبحتري يمدح بها أبا جعفر بن حميد ويستوهبه إياه.
(4) لعل أبا بكر نظر إلى قول حسان هذا حين استخلف عمر بن الخطاب فقال له عمر: استخلف غيري. فقال أبو بكر: ما حبوناك بها وإنما حبوناها بك.(2/321)
كتابه «الصناعتين»: ليس لأحد من أصناف القائلين غنى عن تناول المعاني ممن تقدمهم والصّبّ على قوالب من سبقهم، ولكن عليهم إذا أخذوها أن يكسوها ألفاظا من عندهم، ويبرزوها في معارض من تأليفهم، ويوردوها في غير حليتها الأولى، ويزيدوا عليها في حسن تأليفها وجودة تركيبها، وكمال حليتها ومعرضها، فإذا فعلوا ذلك فهم أولى بها ممن سبق إليها. قال: ولولا أن القائل يؤدّي ما سمع لما كان في طاقته أن يقول، وإنما ينطق الطفل بعد استماعه من البالغين وقد قال أمير المؤمنين علي كرّم الله وجهه: لولا أن الكلام يعاد لنفد. ومن كلام بعضهم:
كل شيء إذا ثنيته قصر إلا الكلام، فإنك إذا ثنيته طال، والمعاني مشتركة بين العقلاء، فربما وقع المعنى الجيّد للسّوقيّ والنّبطيّ والزّنجيّ. وإنما يتفاضل الناس في الألفاظ ورصفها، وتأليفها ونظمها، وقد أطبق المتقدّمون والمتأخرون على تداول المعاني بينهم، فليس على أحد فيه عيب إلا إذا أخذه بكل لفظه، أو أفسده في الأخذ وقصّر فيه عمن تقدّمه. قال في «الصناعتين»: وما يعرف للمتقدّم معنى شريف إلا نازعه فيه المتأخر وطلب الشركة فيه معه، إلا بيت عنترة:
وخلا الذّباب بها فليس ببارح ... غردا كفعل الشارب المترنّم (1)
هزجا يحكّ ذراعه بذراعه ... قدح المكبّ على الزّناد الأجذم (2)
فإنه ما نوزع فيه على جودته. قال: وقد رامه بعض المحدثين (3) فاتضح مع العلم بأن ابتكار المعنى والسبق إليه ليس فيه فضيلة ترجع إلى المعنى، وإنما ترجع الفضيلة فيه إلى الذي ابتكره وسبق إليه فالمعنى الجيّد جيّد وإن كان مسبوقا إليه،
__________
(1) ورد هذان البيتان في الصناعتين: 229على النحو التالي:
وترى الذباب بها يغني وحده
هزجا كفعل الشارب المترنم
غردا يحك ذراعه بذراعه
قدح المكبّ على الزناد الأجذم
(2) ورد هذان البيتان في الصناعتين: 229على النحو التالي:
وترى الذباب بها يغني وحده
هزجا كفعل الشارب المترنم
غردا يحك ذراعه بذراعه
قدح المكبّ على الزناد الأجذم
(3) عبارة الصناعتين: «وقد رامه بعض المجيدين».(2/322)
والوسط وسط والرديء رديء وإن لم يكن مسبوقا إليهما. على أن بعض علماء الأدب قد ذهب إلى أنه ليس لأحد من المتأخرين معنى مبتدع، محتجّا لذلك بأن قول الشعر قديم مذ نطق باللغة العربية، وأنه لم يبق معنى من المعاني إلا وقد طرق مرارا. قال في «المثل السائر»: والصحيح أن باب الابتداع مفتوح إلى يوم القيامة، ومن الذي يحجر على الخواطر وهي قاذفة بما لا نهاية له؟ إلا أنّ من المعاني ما يتساوى فيه الشعراء ولا يطلق عليه اسم الابتداع لأوّل قبل آخر لأن الخواطر تأتي به من غير حاجة إلى اتباع الآخر الأوّل، كقولهم في الغزل:
عفت الديار وما عفت ... آثارهنّ من القلوب
وقولهم في المديح: إن عطاءه كالبحر أو كالسّحاب، وإنه لا يمنع عطاء اليوم عطاء غد، وإنه يجود بماله من غير مسألة وأشباه ذلك.
وقولهم في المراثي: إن هذا الرزء أوّل حادث، وإنه استوى فيه الأباعد والأقارب، وإن الذاهب لم يكن واحدا وإنما كان قبيلة، وإنّ بعد هذا الذاهب لا يعدّ للمنيّة ذنب، وما أشبه ذلك. وكذلك سائر المعاني الظاهرة التي تتوارد عليها الخواطر من غير كلفة، ويستوي في إيرادها كلّ بارع. قال: ومثل ذلك لا يطلق على الآخر فيه اسم السرقة من الأوّل، وإنما يطلق اسم السرقة في معنى مخصوص كقول أبي تمّام:
لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلا شرودا في النّدى والباس
فالله قد ضرب الأقلّ لنوره ... مثلا من المشكاة والنّبراس
فإن هذا معنى ابتداعه مخصوص بأبي تمّام، وذلك أنه لما أنشد أحمد بن المعتصم قصيدته السنيية التي مطلعها:
ما في وقوفك ساعة من باس
انتهى إلى قوله منها:
إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس (1)
فقال الحكيم الكنديّ: وأيّ فخر في تشبيه ابن أمير المؤمنين بأجلاف العرب؟ فأطرق أبو تمّام ثم أنشد هذين البيتين معتذرا عن تشبيهه إيّاه بعمرو وحاتم وإياس. فالحال يشهد بابتداعه هذا المعنى، فمن أتى بعده بهذا المعنى أو بجزء منه كان سارقا له، وكذلك كلّ ما جرى هذا المجرى. ولم يزل الشعراء والخطباء يقتبسون من معاني من قبلهم، ويبنون على بناء من تقدّمهم.(2/323)
ما في وقوفك ساعة من باس
انتهى إلى قوله منها:
إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس (1)
فقال الحكيم الكنديّ: وأيّ فخر في تشبيه ابن أمير المؤمنين بأجلاف العرب؟ فأطرق أبو تمّام ثم أنشد هذين البيتين معتذرا عن تشبيهه إيّاه بعمرو وحاتم وإياس. فالحال يشهد بابتداعه هذا المعنى، فمن أتى بعده بهذا المعنى أو بجزء منه كان سارقا له، وكذلك كلّ ما جرى هذا المجرى. ولم يزل الشعراء والخطباء يقتبسون من معاني من قبلهم، ويبنون على بناء من تقدّمهم.
فمما وقع للشعراء من ذلك قول أبي تمّام:
خلقنا رجالا للتّجلّد (2) والأسى ... وتلك الغواني للبكا والمآتم
أخذه من قول عبد الله بن الزّبير لما قتل مصعب بن الزبير: وإنما التسليم والسّلو لحزماء الرجال، وإن الجزع والهلع لربّات الحجال وقوله أيضا:
تعجّب (3) أن رأت جسمي نحيفا (4) ... كأنّ المجد يدرك بالصّراع
أخذه من قول زياد ابن أبيه لأبي الأسود الدؤلي: لولا أنك ضعيف لاستعملتك، وقول أبي الأسود له في جواب ذلك: إن كنت تريدني للصّراع فإني لا أصلح له، وإلا فغير شديد أن آمر وأنهى، وقوله من قصيدة البيت المتقدّم:
أطال يدي على الأيّام حتّى ... جزيت صروفها (5) صاعا بصاع
أخذه من قول أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه:
__________
(1) عمرو بن معدي كرب: مضرب المثل في الشجاعة والإقدام، وحاتم الطائي: مضرب المثل في الكرم. والأحنف بن قيس، سيد تميم: يضرب به المثل في الحلم وإياس بن معاوية، قاضي البصرة: يضرب المثل بذكائه وفطنته.
(2) في الديوان: «للتصبّر».
(3) في الديوان: «توجّع».
(4) في الديوان: «نحيلا».
(5) في الديوان: «فروضها».(2/324)
فإن تقتلا أو يمكن الله منكما (1) ... نكل لكما (2) صاعا بصاع المكايل
وقول أبي الطّيّب المتنبي:
وإذا كانت النّفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام
أخذه من قول أرسطوطاليس: إذا كانت الشهوة فوق القدرة كان هلاك الجسم دون بلوغ الشهوة.
وقول الخاسر (3):
من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللّذّة الجسور
أخذه من قول بشّار:
من راقب النّاس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج
فلما سمع بشّار بيت الخاسر قال: ذهب ابن الفاعلة ببيتي. ومثل هذا وأشباهه مما لا ينحصر كثرة، ولا يكاد أن يخلو عنه بيت إلا نادرا.
ومما وقع للكتّاب من ذلك ما كتب به إبراهيم بن العبّاس من قوله في فصل من كتاب: إذا كان للمحسن من الثواب ما يقنعه، وللمسيء من العقاب ما يقمعه، ازداد المحسن في الإحسان رغبة، وانقاد المسيء للحقّ رهبة. أخذه من قول عليّ كرم الله وجهه: يجب على الوالي أن يتعهّد أموره، ويتفقّد أعوانه، حتّى لا يخفى عليه إحسان محسن، ولا إساءة مسيء، ثم لا يترك واحدا منهما بغير جزاء فإن ترك ذلك تهاون المحسن واجترأ المسيء، وفسد الأمر، وضاع العمل.
وما كتب به بعض الكتّاب في فصل وهو: لو سكت لساني عن شكرك، لنطق
__________
(1) في الصناعتين: «منهما لهما».
(2) في الصناعتين: «منهما لهما».
(3) هو سلم بن عمرو بن حماد: شاعر خليع من الموالي. سمي الخاسر لأنه باع مصحفا واشترى بثمنه طنبورا. توفي سنة 186هـ. (الأعلام: 3/ 110).(2/325)
أثرك عليّ. وفي فصل آخر: ولو جحدتك إحسانك، لأكذبتني آثارك، ونمّت عليّ شواهدها أخذه من قول نصيب:
ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب (1)
وما كتب به أحمد بن يوسف (2) من فصل وهو: أحقّ من أثبت لك العذر في حال شغلك، من لم يخل ساعة من برّك في وقت فراغك. أخذه من قول عليّ رضي الله عنه: لا تكونن كمن يعجز عن شكر ما أولي، ويلتمس الزيادة فيما بقي.
والاقتباس من الأحاديث والآثار كثير، وقد تقدّم الكلام عليه قبل ذلك. قال في «الصناعتين»: ومن أخفى أسباب السرقة أن يأخذ معنى من نظم فيورده في نثر، أو من نثر فيورده في نظم، أو ينقل المعنى المستعمل في صفة خمر فيجعله في مديح، أو في مديح فينقله إلى وصف إلا أنه لا يصل لهذا إلا المبرّز الكامل المقدّم.
وقال في «المثل السائر»: أشكل سرقات المعاني، وأدقّها وأغربها، وأبعدها مذهبا، أن يؤخذ المعنى مجرّدا من اللفظ. قال: وذلك مما يصعب جدّا ولا يكاد يأتي إلا قليلا، ولا يتفطن له ويستخرجه من الأشعار إلا بعض الخواطر دون بعض.
فمن ذلك قول أبي تمّام في المدح:
فتى مات بين الضّرب والطّعن ميتة ... تقوم مقام النّصر إذ فاته النّصر
أخذه من قول عروة بن الورد من شعراء الحماسة:
ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا ... من المال يطرح نفسه كلّ مطرح
__________
(1) الشطر الأول من البيت، عن الصناعتين:
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله
(2) وزير من كبار الكتاب. ولي ديوان الرسائل للمأمون. توفي ببغداد سنة 213هـ. (الأعلام:
1/ 272).(2/326)
ليبلغ عذرا أو ينال رغيبة ... ومبلغ نفس عذرها مثل منجح
فعروة جعل اجتهاده في طلب الرزق عذرا يقوم مقام النجاح، وأبو تمّام جعل الموت في الحرب الذي هو غاية اجتهاد المجتهد في لقاء العدوّ قائما مقام الانتصار قال في «المثل السائر»: وكلا المعنيين واحد، غير أن اللفظ مختلف.
وأظهر من ذلك أخذا قول القائل:
وقد عزّى ربيعة أن يوما ... عليها مثل يومك لا يعود
أخذه من قول ابن المقفّع في باب المراثي من الحماسة:
وقد جرّ نفعا فقدنا لك أننا ... أمنّا على كلّ الرّزايا من الجزع
على أنه ربما وقع للمتأخر معنى سبقه إليه من تقدّمه من غير أن يلمّ به المتأخر ولم يسمعه ولا استبعاد في ذلك كما يستبعد اتفاق اللفظ والمعنى جميعا.
قال أبو هلال العسكريّ: وهذا أمر قد عرفته من نفسي فلا أمتري فيه، وذلك أني كنت عملت شيئا في صفة النساء فقلت:
سفرن بدورا وانتقبن أهلّة
وظننت أني لم أسبق إلى جمع هذين التشبيهين حتّى وجدت ذلك بعينه لبعض البغداديين فكثر تعجبي، وعزمت على ألّا أحكم على المتأخر بالسرقة من المتقدّم حكما حتما.
إذا تقرر ذلك فسرقة المعنى المجرّد عن اللفظ لا تخرج عن اثني عشر (1)
ضربا.
الضرب الأوّل أن يؤخذ المعنى ويستخرج منه ما يشبهه ولا يكون هو إيّاه
. قال في «المثل
__________
(1) عدّ البديعي خمسة عشر ضربا من ضروب السرقات الشعرية. (راجع الصبح المنبي: 188وما بعدها).(2/327)
السائر»: وهذا من أدق السرقات مذهبا وأحسنها صورة، ولا يأتي إلا قليلا. فمن ذلك قول المتنبي:
وإذا أتتك مذمّتي من ناقص ... فهي الشّهادة لي بأنّي كامل (1)
وهذا المعنى استخرجه المتنبي من قول بعض (2) شعراء الحماسة، وإن لم يكن صريحا فيه حيث يقول:
لقد زادني حبّا لنفسي أنّني ... بغيض إلى كلّ امريء غير طائل (3)
قال في «المثل السائر»: والمعرفة بأنّ هذا المعنى من ذلك المعنى عسر غامض غير متبيّن إلا لمن أعرق في ممارسة الشعر، وغاص على استخراج المعاني. قال: وبيان ذلك أن الأوّل يقول: إن بغض الذي هو غير طائل إيّاي قد زاد نفسي حبّا إليّ، أي قد جمّلها في عيني وحسّنها عندي كون الذي هو غير طائل منقصي والمتنبي يقول: إن ذم الناقص إياه بفضله كتحسين بغض الذي هو غير طائل نفس ذلك عنده.
وأظهر من ذلك أخذا من هذا الضرب قول البحتريّ في قصيدة (4) يفخر فيها بقومه:
شيخان قد ثقل السّلاح عليهما ... وعداهما رأي السميع المبصر
__________
(1) في بعض النسخ: «فاضل».
(2) وهو الطرماح بن حكيم الطائي، كما في الإيضاح: 422.
(3) وقد ذكر العميدي في كتابه «الإبانة عن سرقات المتنبي ص: 50، بيتا لنصر بن سيار استخرج منه المتنبي بيته المذكور. وبيت نصر هو:
ولربما نفع العدوّ بعقله ... ولربما ضرّ الصديق الجاهل.
وأضاف العميدي: وأخذه المتنبي من قصيدة أخرى:
ومن العداوة ما ينالك نفعه ... ومن الصداقة ما يضرّ ويؤلم
(4) ومطلعها:
أقصر فإن الدهر ليس بمقصر ... حتى يلفّ مقدما بمؤخّر(2/328)
ركبا القنا من بعد ما حملا القنا ... في عسكر متحامل في عسكر
أخذه من قول أبي تمّام في وصف جمل:
رعته الفيافي بعد ما كان حقبة ... رعاها وماء الرّوض ينهلّ ساكبه
فأبو تمّام ذكر أن الجمل رعى الأرض، ثم سار فيها فرعته أي أهزلته، فكأنها فعلت به مثل ما فعل بها والبحتريّ نقله إلى وصف الرجل بعلوّ السنّ والهرم، فقال: إنه كان يحمل الرمح في القتال، ثم صار يركب الرّمح أي يتوكأ منه على عصا كما يفعل الشيخ الكبير.
وأوضح من ذلك وأكثر بيانا في الأخذ قول البحتريّ أيضا:
أعاتك ما كان الشّباب مقرّبي ... إليك فألحى الشّيب إذ هو مبعدي (1)
أخذه من قول أبي تمّام:
لا أظلم النّأي قد كانت خلائقها ... من قبل وشك النّوى عندي نوى قذفا (2)
الضرب الثاني أن يؤخذ المعنى فيعكس
(3) قال في «المثل السائر»: وذلك حسن يكاد يخرجه حسنه عن حدّ السرقة.
__________
(1) البيت من قصيدة يمدح بها أحمد بن المدبّر وأولها:
لعمر المغاني يوم صحراء أرفد
لقد هيّجت وجدا على ذي توجّد
(2) من قصيدة يمدح بها أبا دلف العجلي ومطلعها:
أما الرسوم فقد أذكر ما سلفا
فلا تكفنّ من شأنيك أو تكفا.
نوى قذف: بعيدة جدا. والمعنى في تشبيه أخلاقها بالنوى أن فيها مرارتها وشدتها وصعوبة ما يجد المحب فيها.
(3) سماه القزويني: القلب (الإيضاح: 423).(2/329)
فمن ذلك قول أبي نواس:
قالوا عشقت صغيرة فأجبتهم ... أشهى المطيّ إليّ ما لم يركب
كم بين حبّة لؤلؤ مثقوبة ... نظمت وحبّة لؤلؤ لم تثقب؟
وقول ابن الوليد في عكسه:
إن المطيّة لا يلذّ ركوبها ... حتى تذلّل بالزّمام وتركبا
والدّرّ ليس بنافع أربابه ... حتّى يزيّن بالنّظام ويثقبا
ومنه قول ابن جعفر:
ولمّا بدا لي أنها لا تريدني ... وأنّ هواها ليس عنّي بمنجلي؟
تمنّيت أن تهوى سواي لعلّها ... تذوق صبابات الهوى فترقّ لي
وقول غيره في عكسه:
ولقد سرّني صدودك عنّي ... في طلابيك، وامتناعك مني
حذرا أن أكون مفتاح غيري ... وإذا ما خلوت، كنت التّمنّي
أما ابن جعفر فإنه ألقى عن منكبيه رداء الغيرة وأما الآخر فإنه جاء بالضدّ من ذلك وبالغ غاية المبالغة.
ومنه قول أبي الشّيص (1):
أجد الملامة في هواك لذيذة (2) ... شغفا بذكرك، فليلمني اللّوّم
وقول أبي الطيب في عكسه:
أأحبّه وأحبّ فيه ملامة ... إنّ الملامة فيه من أعدائه
__________
(1) هو محمد بن علي بن عبد الله بن رزين: شاعر مطبوع سريع الخاطر، رقيق الألفاظ وهو ابن عم دعبل الخزاعي. توفي سنة 196هـ. (الأعلام: 6/ 271والشعر والشعراء: 437).
(2) في الشعر والشعراء: «لذاذة».(2/330)
ومنه قول أبي تمّام:
ولولا خلال سنّها الشّعر ما درى ... بغاة العلا من أين تؤتى المكارم
وقول الوزير ضياء الدين بن الأثير في عكسه:
لولا الكرام وما سنّوه من كرم ... لم يدر قائل شعر كيف يمتدح
الضرب الثالث أن يؤخذ بعض المعنى دون بعض (1)
فمن ذلك قول أميّة بن أبي الصّلت يمدح عبد الله بن جدعان (2):
عطاؤك زين لامريء إن حبوته ... ببذل، وما كلّ العطاء يزين (3)
وقول أبي تمّام بعده:
تدعى عطاياه وفرا وهي إن شهرت ... كانت فخارا لمن يعفوه مؤتنفا
ما زلت منتظرا أعجوبة زمنا ... حتّى رأيت سؤالا يجتنى شرفا
فأمية بن أبي الصّلت أتى بمعنيين أحدهما أن عطاءك زين، والآخر أن عطاء غيرك ليس بزين، وأبو تمّام أتى بالمعنى الأوّل فقط.
ومنه قول عليّ بن جبلة (4):
__________
(1) قال في الصبح المنبي: 194: «وهذا الضرب محمود».
(2) أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية. أدرك النبي قبل النبوة، وله أخبار كثيرة أوردها الأصفهاني وغيره.
(3) والبيت الذي يليه:
وليس بشين لامريء بذل وجهه
اليك كما بعض السؤال يشين
(الصبح المنبي: 195).
(4) المعروف بالعكّوك: شاعر عراقي مجيد من أبناء الشيعة الخرسانية. كان أعمى أسود أبرص.
استنفد اكثر شعره في مدح أبي دلف العجلي. قتله المأمون سنة 213هـ. (الأعلام): 4/ 268).(2/331)
وأثّل ما لم يحوه متقدّم ... وإن نال منه آخر فهو تابع
وقول أبي الطّيّب بعده:
ترفّع عن عون المكارم قدره ... فما يفعل الفعلات إلا عذاريا (1)
فابن جبلة أتى بمعنيين، أحدهما أنه فعل ما لم يفعله أحد ممن تقدّمه، وإن نال الآخر شيئا فهو مقتد به وتابع له وأبو الطّيّب أتى بالمعنى الأوّل فقط، وهو أنه فعل ما لم يفعله غيره مشيرا إلى ذلك بقوله:
فما يفعل الفعلات إلا عذاريا
أي يستبكرها ويزيل عذرتها.
ومنه قول الآخر:
أنتج الفضل أو تخلّ عن الدنيا ... فهاتان غاية الهمم
وقول البحتريّ بعده:
ادفع بأمثال أبي غالب ... عادية العدم أو استعفف
فالبحتريّ اقتصر على بعض المعنى ولم يستوفه.
الضرب الرابع أن يؤخذ المعنى فيزداد عليه معنى آخر
(2). قال في «المثل السائر»: وهذا النوع من السّرقات قليل الوقوع بالنسبة إلى غيره.
فمن ذلك قول الأخنس بن شهاب:
__________
(1) العون: جمع عوان، وهي خلاف البكر.
والبيت من قصيدة يمدح بها كافورا، وأولها: كفى بك داء أن ترى الموت شافيا
(2) قال في الصبح المنبي: «وهذا الضرب لا يكون إلا حسنا».(2/332)
إذا قصرت أسيافنا كان وصلها ... خطانا إلى أعدائنا فنضارب
وقول مسلم بن الوليد بعده:
إن قصر الرّمح لم نمش الخطا عددا ... أو عرّد السيف لم نهمم بتعريد
أخذ مسلم المعنى الذي أورده الأخنس (1) وهو وصل السلاح إذا قصر بالخطا إلى العدوّ وزاد عليه عدم تعريدهم أي فرارهم إذا عرّد السيف. ومنه قول جرير في وصف أبيات من شعره:
غرائب (2) آلاف إذا حان وردها ... أخذن طريقا للقصائد معلما
وقول أبي تمام بعده:
غرائب (3) لاقت في فنائك أنسها ... من المجد فهي الآن غير غرائب
فزاد أبو تمام على جرير قران ذلك بالممدوح ومدحه مع الأبيات. ومنه قول المعذّل بن غيلان (4):
ولست (5) بنظّار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر
وقول أبي تمام بعده:
يصدّ عن الدّنيا إذا عنّ سودد ... ولو برزت في زيّ عذراء ناهد
__________
(1) هو الأخنس بن شهاب: شاعر جاهلي حضر وقائع حرب البسوس وله فيها شعر. (الأعلام:
1/ 277).
(2) يقصد بالغرائب القصائد التي يهجو بها خصومه فتسير في الناس. وقبل هذا البيت:
فإن لها فيكم بكل غريبة ... شرود إذا الساري بليل ترنما
(3) هذا البيت من قصيدة يمدح بها أبا دلف العجلي.
(4) أديب شاعر من أهل الكوفة. جرت مكاتبات بالأشعار بينه وبين الأخفش وتوفي نحو 210هـ.
(الأعلام: 7/ 267).
(5) نسب البديعي هذا البيت إلى عبد الصمد بن المعذّل المتوفى سنة 240هـ. (الصبح المنبي:
200).(2/333)
فزاد عليه قوله:
ولو برزت في زيّ عذراء ناهد
ومما اتفق لي نظمه في هذا الباب أنه لما عمّرت مدرسة (1) الظاهر برقوق بين القصرين بالقاهرة المحروسة، وكان القائم بعمارتها الأمير جركس الخليليّ أميراخور (2) الظاهريّ، وكان قد اعتمد بناءها بالصّخور العظيمة التي لا تقلّها الجمال حملا، ولا تحمل إلا على العجل الخشب، فأولع الشعراء بالنظم في هذا المعنى فنظم بعض الشعراء أبياتا عرّض فيها بذكر الخليليّ وقيامه في عمارتها، ثم قال في آخرها:
وبعض خدّامه طوعا لخدمته ... يدعو الصّخور فتأتيه على عجل
وألزمني بعض الإخوان بنظم شيء في المعنى، فوقع لي أبيات من جملتها:
وبالخليليّ قد راجت عمارتها ... في سرعة بنيت من غير ما مهل
كم أظهرت عجبا أسواط حكمته ... وقد غدت مثلا ناهيك من مثل
وكم صخور تخال الجنّ تنقلها ... فإنّها بالوحا تأتي وبالعجل
فزدت عليه ذكر الوحا الذي معناه السرعة أيضا وصار مطابقا لما يأتي به المعزّمون في عزائمهم من قولهم: الوحا الوحا العجل العجل مع ما تقدّم له من التوطئة بقولي: تخال الجنّ تنقلها. على أني لست من فرسان هذا الميدان، ولا من رجال هذا الوغى.
الضرب الخامس أن يؤخذ المعنى فيكسى عبارة أحسن من العبارة الأولى
قال في «المثل
__________
(1) بدأ في بنائها سنة 787هـ وتمتّ في سنة 788هـ. (الخطط التوفيقية: 1/ 112).
(2) وظيفة يتحدث متوليها على إسطبل السلطان أو الأمير ويتولى أمر ما فيه من الخيل والإبل وغيرها مما هو داخل في حكم الإسطبلات. وآخور بالفارسية معناه المعلف. (مصطلحات الصبح: 47).(2/334)
السائر»: وهذا هو المحمود الذي يخرج به حسنه عن باب السرقة فمن ذلك قول أبي تمام:
إنّ الكرام كثير في البلاد وإن ... قلّوا كما غيرهم قلّ وإن كثروا
أخذه البحتريّ فقال:
قلّ الكرام فصار يكثر فذّهم ... ولقد يقلّ الشيء حتّى يكثرا
ومنه قول أبي نواس:
يدلّ على ما في الضّمير من الفتى ... تقلّب عينيه إلى شخص من يهوى (1)
وقول أبي الطيب بعده:
وإذا خامر الهوى قلب صبّ ... فعليه لكلّ عين دليل
ومنه قول أبي العلاء بن سليمان (2) في مرثيّة:
وما كلفة البدر المنير قديمة ... ولكنّها في وجهه أثر اللّطم
وقول القيسرانيّ (3) بعده:
وأهوى الّذي يهوي له البدر ساجدا ... ألست ترى في وجهه أثر التّرب
ومنه قول ابن الروميّ:
إذا شنأت عين امريء شيب نفسه ... فعين سواه بالشّناءة أجدر
وقول من بعده:
__________
(1) في الصبح المنبي: 202: «الهوى».
(2) أبو العلاء المعرّي.
(3) هو أبو عبد الله، محمد بن نصر، شرف الدين ابن القيسراني: شاعر مجيد توفي بدمشق سنة 548 هـ. (الأعلام: 7/ 125وانظر أيضا: الإيضاح: 422).(2/335)
إذا كان شيبي بغيضا إليّ ... فكيف يكون إليها حبيبا
الضرب السادس أن يؤخذ المعنى ويسبك سبكا موجزا
، قال في «المثل السائر»: وهو من أحسن السرقات: لما فيه من الدلالة على بسطة الناظم في القول وسعة باعه في البلاغة، فمن ذلك قول أبي تمام:
برّزت في طلب المعالي واحدا ... فيها تسير مغوّرا أو منجدا
عجبا بأنّك سالم من وحشة ... في غاية ما زلت فيها مفردا
وقول ابن الرومي بعده:
غرّبته الخلائق الزّهر في النّا ... س وما أوحشته بالتّعريب
فأخذ معنى البيتين في بيت واحد، ومنه قول أبي العتاهية:
وإنّي لمعذور على فرط حبّها ... لأنّ لها وجها يدلّ على عذري
أخذه أبو تمام فقال:
له وجه إذا أبصرته ... ناجاك عن عذري
فأوجز في هذا المعنى غاية الإيجاز ومنه قول أبي تمام يمدح أحمد بن سعيد:
كانت مساءلة الرّكبان تخبرني ... عن أحمد بن سعيد أطيب الخبر
حتّى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن مما قد رأى بصري
أخذه أبو الطيب فأوجز في أخذه فقال:
وأستكبر الأخبار قبل لقائه ... فلمّا التقينا صغّر الخبر الخبر (1)
__________
(1) قال في «الإبانة عن سرقات المتنبي»: 118:
«أخذ المتنبي هذا البيت عن عبد الله بن طاهر حيث يقول:
قد بلوناه مرة بعد أخرى ... فوجدناه صالح الآثار
واختبرنا منه خلائق زهرا ... صغرت ما أتى على الأخبار
ومن قول بعض الشعراء:(2/336)
ومن قول بعض الشعراء:
أمن خوف فقر تعجّلته ... وأخّرت إنفاق ما تجمع؟
فصرت الفقير وأنت الغنيّ ... وما كنت تعدو الذي تصنع
أخذه أبو الطيب فقال:
ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر (1)
الضرب السابع زيادة البيان مع المساواة في المعنى
، بأن يؤخذ المعنى فيضرب له مثال يوضحه، فمن ذلك قول أبي تمام:
هو الصّنع إن يعجل فنفع وإن يرث ... فللرّيث في بعض المواطن أنفع
أخذه أبو الطيب فقال:
ومن الخير بطء سيبك عنّي ... أسرع السّحب في المسير الجهام
فزاده وضوحا بضرب المثال له بالجهام وهو السحاب الذي لا مطر فيه.
ومنه قول أبي تمام أيضا:
قد قلصت شفتاه من حفيظته ... فخيل من شدّة التّعبيس مبتسما
أخذه أبو الطيب فقال:
وجاهل مدّه في جهله ضحكي ... حتّى أتته يد فرّاسة وفم
__________
(1) قال في «الإبانة»: أخذه عن ابن الرومي حيث يقول:
ومن راح ذا فقر وبخل فإنه فقير أتاه الفقر من كل جانب(2/337)
إذا رأيت نيوب اللّيث بارزة ... فلا تظنّنّ أنّ اللّيث مبتسم (1)
فضرب له مثالا بظهور أنياب الليث فزاده وضوحا.
ومنه قول أبي تمام أيضا:
وكذاك لم تفرط كآبة عاطل ... حتّى يجاورها الزّمان بحال
أخذه البحتريّ فقال:
وقد زادها إفراط حسن جوارها ... لأخلاق أصفار من المجد خيّب
وحسن دراريّ الكواكب أن ترى ... طوالع في داج من اللّيل غيهب
فضرب له مثالا بالكواكب في ظلام الليل فأوضحه وزاده حسنا.
الضرب الثامن اتحاد الطريق واختلاف المقصود
، مثل أن يسلك الشاعران طريقا واحدة فتخرج بهما إلى موردين، وهناك يتبين فضل أحدهما على الآخر.
فمن ذلك قول النابغة:
إذا ما غزا بالجيش حلّق فوقه ... عصائب طير يهتدي بعصائب
جوانح قد أيقنّ أنّ قبيله ... إذا ما التقى الجمعان أوّل غالب
وهذا المعنى قد توارده الشعراء قديما وحديثا وأوردوه بضروب من العبارات، فقال أبو نواس:
يتوخّى الطّير غزوته ... ثقة باللّحم من جزره
وقال مسلم بن الوليد:
قد عوّد الطّير عادات وثقن بها ... فهنّ يتبعنه في كلّ مرتحل
__________
(1) في بعض النسخ: «يبتسم».(2/338)
وقال أبو تمام:
وقد ظلّلت عقبان أعلامه ضحى ... بعقبان طير في الدّماء نواهل (1)
أقامت مع الرّايات حتّى كأنّها ... من الجيش إلا أنها لا تقاتل (2)
وكل هؤلاء قد أتوا بمعنى واحد لا تفاضل بينهم فيه إلا من جهة حسن السبك أو من جهة الإيجاز. قال: ولم أر أحدا أغرب في هذا المعنى فسلك هذا الطريق مع اختلاف مقصده إلا مسلم بن الوليد فقال:
أشربت أرواح العدا وقلوبها ... خوفا فأنفسها إليك تطير
لو حاكمتك فطالبتك بذحلها (3) ... شهدت عليك ثعالب ونسور
فهذا قد فضل به مسلم غيره في هذا المعنى، ولما انتهى الأمر إلى أبي الطيب سلك هذه الطريق التي سلكها من تقدّمه، إلا أنه خرج فيها إلى غير المقصد الذي قصدوه فأغرب وأبدع، وحاز الإحسان بجملته، وصار كأنه مبتدع لهذا المعنى دون غيره فقال:
سحاب من العقبان يزحف تحتها ... سحاب إذا استسقت سقتها صوارمه (4)
فحوى طرفي الإغراب والإعجاب.
الضرب التاسع
بياض بالأصل (5).
__________
(1) في بعض النسخ بكسر اللام، باعتبار كسر اللام في آخر البيت الذي يليه حيث ورد: «لم تقاتل» (الإبانة: 64).
(2) في بعض النسخ بكسر اللام، باعتبار كسر اللام في آخر البيت الذي يليه حيث ورد: «لم تقاتل» (الإبانة: 64).
(3) الذحل: الثأر (اللسان: 11/ 256).
(4) قال العميدي في «الإبانة»: 64: «لم يسمع بأن السحابة تسقي ما فوقها إلا على طريق القلب والعكس وأراد الاستطعام فجعله استسقاء».
(5) اقتصر في الضوء على أحد عشر نوعا وجعل العاشر تاسعا الخ. وكذلك عدها صاحب «المثل السائر».(2/339)
الضرب العاشر أن يكون المعنى عامّا فيجعل خاصّا أو خاصّا فيجعل عامّا
، وهو من السرقات التي يسامح صاحبها فأما جعل العامّ خاصّا فمن ذلك قول الأخطل:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم (1)
أخذه أبو تمام فقال:
أألوم من بخلت يداه وأغتدي ... للبخل تربا ساء ذاك صنيعا
فالأخطل نهى عن الإتيان بما ينهى عنه مطلقا فجاء بالخلق منكّرا فجعله شائعا في بابه، وأبو تمام خصّص ذلك بالبخل وهو خلق واحد من جملة الأخلاق.
وأما جعل الخاص عامّا، فمن ذلك قول أبي تمام:
ولو حاردت شول عذرت لقاحها ... ولكن منعن الدّرّ والضّرع حافل (2)
أخذه أبو الطيب فجعله عامّا فقال:
وما يؤلم الحرمان من كفّ حارم ... كما يؤلم الحرمان من كفّ رازق
الضرب الحادي عشر قلب الصورة القبيحة إلى صورة حسنة
. قال في «المثل السائر»: وهذا لا
__________
(1) اختلف العلماء في نسبة هذا البيت فنسبه بعضهم إلى الأخطلل، وبعضهم إلى أبي الأسود وبعضهم إلى المتوكل الليثي الكناني. (انظر المقاصد النحوية في شرح شواهد الألفية للعيني، على هامش خزانة الأدب: 4/ 394393).
(2) حاردت: مانعت شول: جمع شائلة، وهي ما أتى على حملها أو وضعها سبعة أشهر فجف لبنها اللقاح: جمع لقوح وهي الناقة قد قبلت اللقاح الدرّ: اللبن الضرع: الثدي. والبيت من قصيدة يمدح بها محمد بن عبد الملك الزيات.(2/340)
يسمى سرقة بل يسمّى إصلاحا وتهذيبا، فمن ذلك قول أبي نواس في أرجوزة يصف فيها اللّعب بالكرة والصّولجان فقال من جملتها:
جنّ على جنّ وإن كانوا بشر ... كأنّما خيطوا عليها بالإبر
أخذه المتنبي فقال:
فكأنّها نتجت قياما تحتهم ... وكأنّهم خلقوا على صهواتها (1)
فهذا في غاية العلوّ والارتقاء بالنسبة إلى قول أبي نواس، ومنه قول أبي الطّيب:
لو كان ما تعطيهمو من قبل أن ... تعطيهمو لم يعرفوا التّأميلا
وقول ابن نباتة السعديّ:
لم يبق جودك لي شيئا أؤمّله ... تركتني أصحب الدّنيا بلا أمل
فكلام ابن نباتة أحسن في الصورة من كلام المتنبي هنا وإن كان مأخوذا منه (2).
الضرب الثاني عشر قلب الصورة الحسنة إلى صورة قبيحة
، وهو الذي يعبّر عنه أهل هذه الصناعة بالمسخ، وهو من أرذل السرقات وأقبحها، فمن ذلك قول أبي تمام:
__________
(1) من قصيدة يمدح بها أبا أيوب، أحمد بن عمران ومطلعها:
سرب محاسنه حرمت ذواتها
داني الصفات بعيد موصوفاتها
(2) قال المتنبي:
إني على شغفي بما في خمرها
لأعفّ عما في سراويلاتها
أخذه الشريف الرضيّ فقال:
أحنّ إلى ما تضمن الخمر والحلى ... وأصدف عما في ضمان المآزر(2/341)
فتى لا يرى أنّ الفريصة مقتل ... ولكن يرى أنّ العيوب مقاتل
أخذه أبو الطيب فمسخه فقال:
يرى أنّ ما بان منك لضارب ... بأقتل ممّا بان منك لعائب
ومنه قول عبد السلام بن رغبان (1):
نحن نعزّيك ومنك الهدى ... مستخرج والصّبر مستقبل
أخذه أبو الطيب فمسخه فقال من أبيات:
وبألفاظك أهتدي فإذا عزّا ... ك قال الّذي له قلت قبلا (2)
المسلك الثاني طريقة الاختراع
قال الوزير ضياء الدين بن الأثير في «المثل السائر»: فهي ألّا يتصفح كتابة المتقدّمين ولا يطّلع على شيء منها، بل يصرف همّته إلى حفظ القرآن الكريم وكثير من الأخبار النبوية وعدّة من دواوين فحول الشعراء ممن غلب على شعره الإجادة في المعاني والألفاظ، ثم يأخذ في الاقتباس من القرآن والأخبار النبوية والأشعار فيقوم ويقع، ويخطىء ويصيب، ويضلّ ويهتدي، حتّى يستقيم إلى طريق يفتتحها لنفسه وأخلق بتلك الطريق أن تكون مبتدعة غريبة لا شركة لأحد من المتقدّمين فيها! قال: وهذه الطريق هي طريق الاجتهاد وصاحبها يعدّ إماما في الكتابة كما يعدّ الشافعيّ وأبو حنيفة ومالك وغيرهم من المجتهدين في علم الفقه، إلا أنها مستوعرة جدا، لا يستطيعها إلا من رزقه الله تعالى لسانا هجّاما، وخاطرا
__________
(1) المعروف بديك الجن: شاعر مجيد فيه مجنون، من شعراء العصر العباسي. سمي بديك الجن لأن عينيه كانتا خضراوين. توفي بحمص سنة 235هـ. (الأعلام: 4/ 5).
(2) هذا البيت من قصيدة يعزي فيها المتنبي سيف الدولة في أخته الصغرى ويسليه بالكبرى، مطلعها:
إن يكن صبر ذو الرزية فضلا تكن الأفضل الأعزّ الأجلا(2/342)
رقّاما (1). قال: ولا أريد بهذا الطريق أن يكون الكاتب مرتبطا في كتابته بما يستخرجه من القرآن الكريم والأخبار النبوية والأشعار، بحيث أنه لا ينشيء كتابا إلا في ذلك، بل أريد أنه إذا حفظ القرآن الكريم، وأكثر من حفظ الأخبار النبوية والأشعار، ثم نقّب عن ذلك تنقيب مطّلع على معانيه، مفتش على دفائنه، وقلبه ظهرا لبطن، عرف حينئذ من أين تؤكل الكتف فيما ينشئه من ذات نفسه، واستعان بالمحفوظ على الغريزة الطبيعية. على أنه لا بدّ للكاتب المرتقي إلى درجة الاجتهاد في الكتابة مع حفظ القرآن الكريم، والاستكثار من حفظ الأخبار النبوية، والأشعار المختارة، من العلم بأدوات الكتابة وآلات البيان: من علم اللغة، والتصريف، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع، ليتمكن من التصرف في اقتباس المعاني واستخراجها فيرقى إلى درجة الاجتهاد في الكتابة كما أن المجتهد من الفقهاء إذا عرف أدوات الاجتهاد: من آيات الأحكام، وأحاديثها، ونعتها، وعرف النحو والناسخ والمنسوخ من الكتاب والسّنّة، والحساب والفرائض وإجماع الصحابة، وغير ذلك من آلات الاجتهاد وأدواته، استخرج بفكره حينئذ ما يؤديه إليه اجتهاده فالمجتهد في الكتابة يستخرج المعاني من مظانّها من القرآن الكريم، والأخبار النبوية، والأشعار، والأمثال، وغير ذلك بواسطة آلة الاجتهاد، كما أن المجتهد في الفقهيات يستخرج الأحكام من نصوص الكتاب والسنة بواسطة آلة الاجتهاد. فإذا أراد الكاتب المتصف بصفة الاجتهاد في الكتابة إنشاء خطبة أو رسالة أو غيرهما مما يتعلق بفنّ الانشاء بياض بالأصل.
الأصل السادس وجود الطبع السليم، وخلو الفكر عن المشوش
أما وجود الطبع فقال في «موادّ البيان»: أوّل معاون هذه الصناعة الجليلة
__________
(1) من الرقم، بكسر القاف، وهو الداهية وما لا يطاق له ولا يقام به (اللسان: 12/ 250).(2/343)
القريحة الفاضلة، والغريزة الكاملة، التي هي مبدأ الكمال، ومنشأ التمام، والأساس الذي يبنى عليه، والركن الذي يستند إليه، فإن المرء قد يجتهد في تحصيل الآداب، ويتوفّر على اقتناء العلوم واكتسابها، وهو مع ذلك غير مطبوع على تأليف الكلام فلا يفيده ما اكتسبه، بخلاف المطبوع على ذلك، فإنه وإن قصّر في اقتباس العلوم واكتساب الموادّ فقد يلحق بأوساط أهل الصناعة وذلك أن الطبع يخص الله تعالى به المطبوع دون المتطبّع، والمناسب بغزيرته للصناعة دون المتصنّع، ولا سبيل إلى اكتساب سهولة الطبع ولا كزازته (1)، بل هو موهبة تخصّ ولا تعمّ، وتوجد في الواحد وتفقد في الآخر.
قال ابن أبي الأصبع في «تحرير التحبير» (2): ومن الناس من يكون في البديهة أبدع منه في الرّوية، ومن هو مجيد في الرّوية وليست له بديهة، وقلّما يتساويان. ومنهم من إذا خاطب أبدع، وإذا كاتب قصّر، ومن هو بضدّ ذلك، ومن قوي نثره ضعف نظمه، ومن قوي نظمه ضعف نثره، وقلما يتساويان. وقد يبرّز الشاعر في معنى من مقاصد الشعر دون غيره من المقاصد، ولهذا قيل: أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، وعنترة إذا كلب (3)، والأعشى إذا طرب. قال في «المثل السائر»: بل ربما نفذ في بعض أنواع الشعر دون بعض، فيرى مجيدا في المدح دون الهجو أو بالعكس، أو ماهرا في المقامات ونحوها دون الرسائل، أو في بعض الرسائل دون بعض. قال ابن أبي الأصبع: ولربما واتاه العمل في وقت دون وقت ولذلك قال الفرزدق: إني ليمرّ عليّ الوقت ولقلع ضرس من أضراسي أيسر عليّ من قول الشعر، ولذلك عزّ تأليف الكلام ونظمه على كثير من العلماء باللغة، والمهرة في معرفة حقائق الألفاظ، من حيث نبوّ طباعهم عن تركيب بسائط الكلام الذي قامت صور معانيه في نفوسهم،
__________
(1) الكزازة والكزاز: اليبس والانقباض (لسان 5/ 400).
(2) أنظر حاشية الصفحة 211من هذا الجزء.
(3) أي غضب.(2/344)
وصعب الأمر عليهم في تأليفه ونظمه، فقد حكي أن الخليل بن أحمد مع تقدّمه في اللغة، ومهارته في العربية، واختراعه علم العروض، الذي هو ميزان شعر العرب، لم يكن يتهيأ له تأليف الألفاظ السهلة لديه الحاصلة المعاني في نفسه على صورة النظم إلا بصعوبة ومشقّة، وكان إذا سئل عن سبب إعراضه عن نظم الشعر يقول يأباني جيّده وآبى رديئه، مشيرا بذلك إلى أن طبعه غير مساعد له على التأليف المرضيّ الذي تحسن نسبته إلى مثله. وقيل للمفضّل الضّبيّ (1): ألا تقول الشعر وأنت أعلم الناس به؟ فقال: علمي به يمنعني من قوله، وأنشد:
أبى الشّعر إلا أن يفيء رديئه ... عليّ ويأبى منه ما كان محكما
فيا ليتني إن لم أجد حوك وشيه ... ولم أك من فرسانه كنت مفحما
وأنشد أبو عبيدة خلفا الأحمر (2) شعرا له فقال اخبأ هذا كما تخبأ السّنّورة حاجتها، مع ما كان عليه أبو عبيدة من العلم باللغة وشعر العرب وأمثالها وأيام حروبها، وما يجري مجرى ذلك من موادّ تأليف الكلام ونظمه. ويحكى عن أبي العباس المبرّد (3) أنه قال: لا أحتاج إلى وصف نفسي: لأن الناس يعلمون أنه ليس أحد بين الخافقين تختلج في نفسه مسألة مشكلة إلا لقيني بها وأعدّني لها، فأنا عالم ومعلّم، وحافظ ودارس، ولا يخفى عليّ مشتبه من الشعر، والنحو، والكلام المنثور، والخطب، والرسائل، ولربما احتجت الى اعتذار من فلتة، أو التماس حاجة، فأجعل المعنى الذي أقصد نصب عيني ثم لا أجد سبيلا إلى التعبير عنه بيد
__________
(1) هو المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر الضبيّ: راوية علّامة بالشعر والأدب وأيام العرب، لزم المهدي العباسي وصنّف له كتابه «المفضّليات». وهناك خلاف في تاريخ وفاته (الأعلام 7/ 280).
(2) هو أبو محرز، خلف بن حيّان: راوية، شاعر، عالم بالأدب، من أهل البصرة. توفي نحو 180هـ.
(الأعلام 2/ 310).
(3) هو محمد بن يزيد، أبو العباس المعروف بالمبرّد: إمام العربية ببغداد في زمنه، وأحد أئمة الأدب والأخبار. ولد بالبصرة سنة 210هـ.، وتوفي ببغداد سنة 286هـ. (الأعلام 7/ 144).(2/345)
ولا لسان، ولقد بلغني أن عبيد الله بن سليمان (1) ذكرني بجميل فحاولت أن أكتب إليه رقعة أشكره فيها وأعرّض ببعض أموري، فأتعبت نفسي يوما في ذلك فلم أقدر على ما أرتضيه منها، وكنت أحاول الإفصاح عما في ضميري فينحرف لساني إلى غيره، ولذلك قيل: زيادة المنطق على الأدب خدعة، وزيادة الأدب على المنطق هجنة.
فقد تبين لك أن العبرة وبالطبع وأنه الأصل المرجوع إليه في ذلك على أن الطبع بمفرده لا ينهض بالمقصود من ذلك نهوضه مع اشتماله على الموادّ المساعدة له على ذلك من الأنواع السابقة فيما تقدّم في أوّل هذه المقالة، من العلم باللغة والنحو والتصريف والمعاني والبيان والبديع، وحفظ كتاب الله تعالى، والإكثار من حفظ الأحاديث النبوية، والأمثال والشعر والخطب، ورسائل المتقدّمين وأيام العرب وما يجري مجرى ذلك مما يكون مساعدا للطبع، ومسهّلا طريق التأليف والنظم، بل يتفاوت في العلوّ والهبوط بحسب التفاوت في ضعف المساعد من ذلك وقوّته إذ معرفته هذه الأمور قائمة من الإنشاء مقام المادة، والطبع قائم منه مقام الآلة، فلا يتم الفعل وإن قامت الصورة في نفس الصانع ما لم توحد المادّة والآلة جميعا، ولو كان حصول المادّة كافيا في التوصل إلى حسن التأليف الذي هو نظم الألفاظ المتناسبة وتطبيقها على المعاني المساوية لكانت صناعة الكلام المؤلّف من الرسائل والخطب والأشعار سهلة، والمشاهد بخلاف ذلك، لقصور الأفاضل عن بلوغ هذه الدرجة.
وأما خلوّ الفكر عن المشوّش فإنه يرجع إلى أمرين:
الأمر الأوّل صفاء الزمان
فقد قال أبو تمام الطائيّ في وصيته لأبي عبادة البحتريّ مرشدا له للوقت
__________
(1) وزير، من أكابر الكتّاب، استوزره المعتمد العباسي، وأقرّه بعده المعتضد، واستمر في وزارته إلى حين وفاته سنة 288هـ. (الأعلام 4/ 194).(2/346)
المناسب لذلك: تخيّر الأوقات وأنت قليل الهموم، صفر من الغموم، واعلم أن العادة في الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شيء أو حفظه أن يختار وقت السّحر، فإن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة، وقسطها من النوم، وخفّ عنها ثقل الغذاء، وصفا الدّماغ من أكثر الأبخرة والأدخنة، وسكنت الغماغم (1)، ورقّت النسائم، وتغنّت الحمائم.
وخالف ابن أبي الأصبع في اختيار وقت السحر، وجنح إلى اختيار وسط الليل أخذا من قول أبي تمّام في قصيدته البائية:
خذها ابنة الفكر المهذّب في الدّجى ... واللّيل أسود رقعة الجلباب
مفسرا للدّجى بوسط الليل، محتجّا لذلك بأنه حينئذ تكون النفس قد أخذت حظها من الراحة، ونالت قسطها من النوم، وخفّ عنها ثقل الغذاء، فيكون الذّهن حينئذ صحيحا، والصدر منشرحا، والبدن نشيطا، والقلب ساكنا، بخلاف وقت السحر فإنه وإن كان فيه يرقّ النسيم وينهضم الغذاء، إلا أنه يكون قد انتبه فيه أكثر الحيوانات، الناطق وغيره، ويرتفع معظم الأصوات، ويجري الكثير من الحركات، وينقشع بعض الظّلماء بطلائع أوائل الضوء، وربنا انهضم عن بعض الناس الغذاء فتحرّكت الشهوة لإخلاف ما انهضم منه وخرج من فضلاته، فكان ذلك داعيا الى شغل الخاطر، وباعثا على انصراف الهمّ إلى تدبير الحدث الحاضر، فيتقسم الفكر، ويتذبذب القلب، ويتفرّق جميع الهمّ، بخلاف وسط الليل فإنه خال من جميع ذلك.
الأمر الثاني صفاء المكان
وذلك بأن يكون المكان الذي هو فيه خاليا من الأصوات، عاريا عن
__________
(1) الغماغم: من الغمغمة وهي أصوات الثّورة عند الذعر، والأبطال عند القتال، والكلام الذي لا يبين.
(القاموس 4/ 159).(2/347)
المخوفات والمهولات والطوارق، وأن يكون مع ذلك مكانا رائقا معجبا، رقيق الحواشي، فسيح الأرجاء، بسيط الرّحاب، غير غمّ ولا كدر، فإن انضمّ إلى ذلك ما فيه بسط للخاطر: من ماء وخضرة وأشجار وأزهار وطيب رائحة، كان أبسط للفكر وأنجح للخاطر.
وقد ذهب بعضهم إلى أنه ينبغي خلوّ المكان من النقوش الغريبة، والمرائي المعجبة، فإنها وإن كانت مما ينشّط الخاطر فإن فيها شغلا فيتبعه القلب فيتشتّت.
المقصد الثاني من الطرف الثالث في بيان طرق البلاغة ووجوه تحسين الكلام،
وكيفية إنشائه وتأليفه، وتهذيبه، وتأديته، وبيان ما يستحسن من الكلام المصنوع، وما يعاب به أما إنشاؤه وتأليفه فقد قال ابن أبي الأصبع في «تحرير التحبير»: يجب على كل من كان له ميل إلى عمل الشعر وإنشاء النثر أن يتعهد أوّلا نفسه ويمتحنها بالنظر في المعاني، وتدقيق الفكر في استنباط المخترعات فإذا وجد لها فطرة سليمة، وجبلّة موزونة، وذكاء وقّادا، وخاطرا سمحا، وفكرا ثاقبا، وفهما سريعا، وبصيرة مبصرة، وألمعيّة مهذّبة، وقوة حافظة، وقدرة حاكية، وهمة عالية، ولهجة فصيحة، وفطنة صحيحة، أخذ حينئذ في العمل، وإن كان بعض ذلك غير لازم لرب الإنشاء، ولا يضطرّ إليه أكثر الشعراء، ولكن إذا كملت هذه الصفات في الكاتب والشاعر، كان موصوفا في هذه الصناعة بكمال الأوصاف النفيسة.
قال أبو هلال العسكري في «الصناعتين»: إذا أردت أن تصنع كلاما فأخطر معانيه ببالك، ونقّ له كرائم اللفظ فاجعلها على ذكر منك ليقرب عليك تناولها، ولا يتعبك تطلّبها، واعمله ما دمت في شباب نشاطك، فإذا غشيك الفتور، وتخوّنك الملال، فأمسك، فإن الكثير مع الملال قليل، والنفيس مع الضّجر خسيس، والخواطر كالينابيع يسقى منها شيء بعد شيء، فتجد حاجتك من
الرّيّ، وتنال أربك من المنفعة، فإذا أكثرت عليها نضب ماؤها، فقلّ عنك غناؤها. وينبغي أن تخرج مع الكلام معارضه، فإذا مررت بلفظ حسن أخذت برقبته، أو معنى بديع تعلقت بذيله. وتحرّز أن يسبقك فإنه إن سبقك تعبت في تطلّبه، ولعلك لا تلحقه على طول الطلب، ومواصلة الدّأب، وهذا الشاعر يقول:(2/348)
قال أبو هلال العسكري في «الصناعتين»: إذا أردت أن تصنع كلاما فأخطر معانيه ببالك، ونقّ له كرائم اللفظ فاجعلها على ذكر منك ليقرب عليك تناولها، ولا يتعبك تطلّبها، واعمله ما دمت في شباب نشاطك، فإذا غشيك الفتور، وتخوّنك الملال، فأمسك، فإن الكثير مع الملال قليل، والنفيس مع الضّجر خسيس، والخواطر كالينابيع يسقى منها شيء بعد شيء، فتجد حاجتك من
الرّيّ، وتنال أربك من المنفعة، فإذا أكثرت عليها نضب ماؤها، فقلّ عنك غناؤها. وينبغي أن تخرج مع الكلام معارضه، فإذا مررت بلفظ حسن أخذت برقبته، أو معنى بديع تعلقت بذيله. وتحرّز أن يسبقك فإنه إن سبقك تعبت في تطلّبه، ولعلك لا تلحقه على طول الطلب، ومواصلة الدّأب، وهذا الشاعر يقول:
إذا ضيّعت أوّل كلّ شيء (1) ... أبت أعجازه إلّا التواء
وقد قالوا: ينبغي لصانع الكلام ألا يتقدّم الكلام تقدّما، ولا يتتبع ذناباه تتبّعا، ولا يحمله على لسانه حملا، فإنه إن تقدّم الكلام لم يتبعه خفيفه وهزيله وأعجفه والشارد منه، وإن تتبعه فاتته سوابقه ولواحقه، وتباعدت عنه جياده وغرره، وإن حمله على لسانه ثقلت عليه أوساقه وأعباؤه، ودخلت مساويه في محاسنه، ولكنه يجري معه فلا تندّ عنه نادّة تعجبه سمنا إلا كبحها، ولا تتخلف عنه مثقلة هزيلة إلا أرهقها، وطورا يفرّقه ليختار أحسنه، وطورا يجمعه ليقرب عليه خطوة الفكر، ويتناوله من تحت لسانه، ولا يسلّط الملل على قلبه، ولا الإكثار على فكره، فيأخذ عفوه، ويستغزر درّه، ولا يكره آبيا، ولا يدفع آتيا. وإيّاك والتعقيد والتوعّر، فإنّ التوعّر هو الذي يستهلك معانيك، ويشين ألفاظك، ومن أراغ (2)
معنى كريما، فليلتمس له لفظا كريما، فإن حقّ المعنى الشريف اللفظ الشريف، ومن حقهما أن يصونهما عما يدنّسهما، ويفسدهما ويهجّنهما، فتصير بهما إلى حدّ تكون فيه أسوأ حالا منك قبل أن تلتمس البلاغة، وترتهن نفسك في ملابستها وليكن لفظك شريفا عذبا، فخما سهلا، ومعناه ظاهرا مكشوفا، وقريبا معروفا فإن وجدت اللفظة لم تقع موقعها، ولم تصل إلى مركزها، ولم تتصل بشكلها، وكانت قلقة في موضعها، نافرة عن مكانها، فلا تكرهها على اغتصاب أماكنها، والنزول في غير أوطانها وإن بليت بتكلف القول، وتعاطي الصناعة، ولم تسمح
__________
(1) في الصناعتين: «أمر».
(2) أراغ: أراد وطلب (الوسيط: 383).(2/349)
لك الطبيعة في أول وهلة، وعصت عليك بعد إجالة الفكر، فلا تعجل ودعه سحابة يومك، ولا تضجر، وأمهله سواد ليلتك، وعاوده عند نشاطك، فإنك لا تعدم الإجابة والمواتاة إن كانت هناك طبيعة، أو جريت من الصناعة على عرف وينبغي أن تعرف أقدار المعاني فتوازن بينها وبين أوزان المستمعين وأقدار الحالات، فتجعل لكل طبقة كلاما، ولكل حال مقاما، حتّى تقسم أقدار المستعمين على أقدار الحالات، فإن المنفعة مع موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من المقال (1).
قال في «موادّ البيان» (2): ويكون استعمال كلّ من جزل الألفاظ وسهلها، وفصيحها وسلسلها وبهجها في موضعه، وأن يسلك في تأليف الكلام الطريق الذي يخرجه عن حكم الكلام المنثور العاطل الذي تستعمله العامّة في المخاطبات والمكاتبات إلى حكم المؤلّف الحالي بحلي البلاغة والبديع، كالاستعارات، والتشبيهات، والأسجاع، والمقابلات، وغيرها من أنواع البديع.
قال في «الصناعتين»: وإن عملت رسالة أو خطبة فتخطّ ألفاظ المتكلّمين كالجسم، والجوهر، والعرض، واللون (3)، والتأليف، واللاهوت، والناسوت، فإن ذلك هجنة.
قال في «موادّ البيان»: وذلك بأن يقصد الكاتب إلى ألفاظ الصّناعة فيخرج منها إلى ألفاظ غريبة عن الصناعة غير مجانسة لها. قال: وإنما يؤتي الكاتب في هذا الباب من جهة أن يكون له شركة في صناعة غير الكتابة، كصناعة الفقه والكلام وغيرهما، مثل صناعة أصحاب الإعراب ونحوها فلكل طبقة من هذه الطبقات ألفاظ خاصة بها، يستعملونها فيما بينهم عند المحاورة والخوض في الصناعة
__________
(1) أنظر كلام أبي هلال العسكري في الصناعتين: ص 139وما بعدها، مع اختلاف في الصياغة، وتقديم وتأخير.
(2) راجع الحاشية الأولى، ص 105من هذا الجزء.
(3) عبارة العسكري في الصناعتين: «والكون»، ولعلها أصح من «اللون»، وذلك لورود «والتأليف» بعدها، فهي متناسبة مع «الكون».(2/350)
ومن عادة الإنسان إذا تعاطى بابا من هذه الأبواب أن يسبق خاطره إلى الألفاظ المتعلّقة به، فيوقعها في الكتب التي ينشئها لغلبة عادة استعماله إياها، فيهجّنها بإدخاله فيها ما ليس من أنواعها.
قال في «الصناعتين»: وتخيّر الألفاظ وإبدال بعضها من بعض يوجب التئام الكلام، وهو من أحسن نعوته وأزين صفاته، فإن أمكن مع ذلك انتظامه من حروف سهلة المخارج كان أحسن له، وأدعى للقلوب إليه، وإن اتفق له أن يكون موقعه في الإطناب أو الإيجاز أليق بموقعه، وأحق بالمقام والحال، كان جامعا للحسن، بارعا في الفضل فإن بلغ مع ذلك أن تكون موارده تنبيك عن مصادره، وأوّله يكشف قناع آخره، كان قد جمع نهاية الحسن، وبلغ أعلى مراتب التمام.
قال في «موادّ البيان»: وإذا سلكت طريقا فمرّ فيها، ولا تتنازل عنها إن كانت رفيعة، ولا ترتفع عنها إن كانت وضيعة. وخالف ابن أبي الأصبع، فقال:
ولا تجعل كل الكلام شريفا عاليا، ولا وضيعا نازلا، بل فصّله تفصيل العقود، فإن العقد إذا كان كله نفيسا لا يظهر حسن فرائده، ولا يبين جمال واسطته، فإن الكلام إذا كان متنوّعا في البلاغة، أفتنت الأسماع فيه، ولا يلحق النفوس ملل من ألفاظه ومعانيه، ولا يخرج عن عرض إلى غيره حتّى يكمل كل ما ينتظم فيه، كما إذا كان ينشيء كتابا في العذل والتوبيخ، فيشوب ألفاظه بألفاظ أخرى تخرج عن الخشونة إلى اللّين، فإن اختلاف رقعة الكلام من أشدّ عيوبه.
قال في «الصناعتين»: ولا تجعل لفظك حوشيّا بدويّا، ولا مبتذلا سوقيّا، ورتّب الألفاظ ترتيبا صحيحا، فتقدّم منها ما يحسن تقديمه، وتؤخر منها ما يحسن تأخيره ولا تقدّم منها ما يكون التأخير به أحسن، ولا تؤخر ما كان التقديم به أليق، ولا تكرر الكلمة الواحدة في كلام قصير، كما كتب سعيد بن حميد: «ومثّل خادمك بين يديه ما يملك فلم يجد شيئا يفي بحقّك، ورأى أن تقريظك بما يبلغه اللسان وإن كان مقصرا عن حقك أبلغ في أداء ما يجب لك». فكرر ذكر الحق مرتين في مقدار يسير. على أن أبا جعفر النحاس قد ذكر في «صناعة الكتاب» أنّ
ذلك ليس بعيب عند كثير من أهل العربية، وهو الحق، فقد وقع مثل ذلك من التكرير في القرآن الذي هو أفصح كلام، وآنق نظام، في قوله تعالى: {وَالسَّمََاءَ رَفَعَهََا وَوَضَعَ الْمِيزََانَ أَلََّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزََانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلََا تُخْسِرُوا الْمِيزََانَ} (1) فكرر ذكر الميزان ثلاث مرات في مقدار يسير من الكلام، وأمثاله في القرآن الكريم كثير.(2/351)
قال في «الصناعتين»: ولا تجعل لفظك حوشيّا بدويّا، ولا مبتذلا سوقيّا، ورتّب الألفاظ ترتيبا صحيحا، فتقدّم منها ما يحسن تقديمه، وتؤخر منها ما يحسن تأخيره ولا تقدّم منها ما يكون التأخير به أحسن، ولا تؤخر ما كان التقديم به أليق، ولا تكرر الكلمة الواحدة في كلام قصير، كما كتب سعيد بن حميد: «ومثّل خادمك بين يديه ما يملك فلم يجد شيئا يفي بحقّك، ورأى أن تقريظك بما يبلغه اللسان وإن كان مقصرا عن حقك أبلغ في أداء ما يجب لك». فكرر ذكر الحق مرتين في مقدار يسير. على أن أبا جعفر النحاس قد ذكر في «صناعة الكتاب» أنّ
ذلك ليس بعيب عند كثير من أهل العربية، وهو الحق، فقد وقع مثل ذلك من التكرير في القرآن الذي هو أفصح كلام، وآنق نظام، في قوله تعالى: {وَالسَّمََاءَ رَفَعَهََا وَوَضَعَ الْمِيزََانَ أَلََّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزََانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلََا تُخْسِرُوا الْمِيزََانَ} (1) فكرر ذكر الميزان ثلاث مرات في مقدار يسير من الكلام، وأمثاله في القرآن الكريم كثير.
قال في «الصناعتين»: فإن احتاج إلى إعادة المعاني أعادها بغير اللفظ الذي ابتدأ به كما قال معاوية: «من لم يكن من بني عبد المطلب جواد فهو دخيل، ومن لم يكن من بني الزّبير شجاعا فهو لزيق، ومن لم يكن من بني المغيرة تيّاها فهو سنيد». فقال: دخيل، ثم قال: لزيق، ثم قال: سنيد، والمعنى واحد، والكلام على ما ترى حسن ولو قال لزيق ثم أعاد لسمج. على أن الوزير ضياء الدين بن الأثير في «المثل السائر» قد ذكر ما ينافي ذلك، وتعقّب أبا إسحاق الصابي في قوله في تحميدة كتاب: الحمد لله الذي لا تدركه الأعين بألحاظها، ولا تحدّه الألسن بألفاظها، ولا تخلقه العصور بمرورها، ولا تهرمه الدّهور بكرورها وقوله بعد ذلك في الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم: لم ير للكفر أثرا إلّا طمسه ومحاه، ولا رسما إلا أزاله وعفّاه فقال لا فرق بين مرور العصور، وكرور الدهور وكذلك لا فرق بين محو الأثر وإعفاء الرسم ويحتمل أن يقال إنما كره صاحب «المثل السائر» ذلك لتوافق القرينتين في جميع المعنى بخلاف كلام معاوية فإنه متوافق في اللفظة الأخيرة فقط.
قال في «الصناعتين»: وتجنّب كلّ ما يكسب الكلام تعمية كما كتب سعيد ابن حميد يذكر مظلمة إنسان في كتابه: لفلان وله بي حرمة مظلمة، يريد لفلان مظلمة وله بي حرمة، بمعنى أنه راعى حرمته. قال: واعلم أن الذي يلزمك في تأليف الرسائل والخطب هو أن تجعلها مزدوجة فقط ولا يلزمك فيها
__________
(1) الرحمن / 987.(2/352)
السجع، فإن جعلتها مسجوعة كان أحسن ما لم يكن في سجعك استكراه وتنافر وتعقيد وكثيرا ما يقع ذلك في السجع، وقلّما يسلم إذا طال من استكراه وتنافر.
قال ابن أبي الأصبع: ولا تجعل كلامك كلّه مبنيّا على السجع فتظهر عليه الكلفة، ويتبيّن فيه أثر المشقّة، وتتكلّف لأجل السجع ارتكاب المعنى الساقط، واللفظ النازل وربما استدعيت كلمة للقطع رغبة في السجع فجاءت نافرة من أخواتها، قلقة في مكانها. بل اصرف كلّ النظر إلى تجويد الألفاظ وصحة المعاني، واجهد في تقويم المباني، فإن جاء الكلام مسجوعا عفوا من غير قصد، وتشابهت مقاطعه من غير كسب كان، وإن عزّ ذلك فاتركه وإن اختلفت أسجاعه، وتباينت في التقفية مقاطعه، فقد كان المتقدّمون لا يحتفلون بالسّجع جملة، ولا يقصدونه إلا ما أتت به الفصاحة في أثناء الكلام، واتّفق من غير قصد ولا اكتساب وإنما كانت كلماتهم متوازية، وألفاظهم متساوية، ومعانيهم ناصعة، وعبارتهم رائعة، وفصولهم متقابلة، وجمل كلامهم متماثلة وتلك طريقة الإمام علي رضي الله عنه ومن اقتفى أثره من فرسان الكلام، كابن المقفّع، ويزيد بن هارون (1)، وإبراهيم بن العباس (2)، والحسن بن سهل (3)، وعمرو بن مسعدة (4)، وأبي عثمان الجاحظ، وغيرهم من الفصحاء البلغاء.
قال في «موادّ البيان»: وأقلّ ما يكون من الازدواج قرينتان.
قال في «الصناعتين»: وينبغي أن يجتنب إعادة حروف الصّلات والرباطات في موضع واحد إذا كتب، في مثل قول القائل له منه عليه، أو عليه منه،
__________
(1) من حفّاظ الحديث الثقات، أصله من بخارى، ولد بواسط وتوفي فيها سنة 206هـ. (الأعلام 8/ 190).
(2) هو أبو إسحاق، إبراهيم بن العباس الصولي: كاتب العراق في عصره، كان جده محمد، من رجال الدولة العباسية ودعاتها توفي إبراهيم سنة 243هـ. (الأعلام 1/ 45).
(3) وزير المأمون العباسي، اشتهر بالذكاء المفرط والأدب والفصاحة. توفي في سرخس سنة 236هـ.
(الأعلام 2/ 192).
(4) مرّ تعريفه في حاشية 2من الصفحة 235من هذا الجزء.(2/353)
أو به له منه، وحقه له عليه. قال: وسبيله أن يداويه حتّى يزيله، بأن يفصل ما بين الحرفين مثل أن يقول: أقمت به شهداء عليه، كقول المتنبي:
وتسعدني في غمرة بعد غمرة ... سبوح لها منها عليها شواهد (1)
قال ابن أبي الأصبع: وليراع الإيجاز في موضعه، والإطناب في موضعه، بحسب ما يقتضيه المقام، ويتجنّب الإسهاب والتطويل غير المفيد.
قال العسكري: وينبغي أن يأتي في تأليفه الكلام بآيات من الكتاب العزيز في الأمور الجليلة للترصيع والتحلية، والاستشهاد للمعاني على ما يقع في موقعه، ويليق بالمكان الذي يوقع فيه، ولكنه لا يستكثر منه حتّى يكون هو الغالب على كلامه، تنزيها لكلام الله تعالى عن الابتذال، فإنه إنما يستعمله على جهة التبرّك والزينة، لا ليجعل حشوا في الكلام وإذا استعير منه شيء أتي به على صورته ولا ينقله عن صيغته، ليسلم من تحريفه، ومخالفة اختيار الله تعالى فيه. قال:
وكما لا يجوز الإكثار منه لا يجوز أن يخلّي كلامه من شيء منه تحلية له، فإن خلوّ الكلام من القرآن يطمس محاسنه، وينقص بهجته ولذلك كانوا يسمّون الخطبة الخالية من القرآن بتراء.
وينبغي ألّا يستعمل في كتابته ما جاء به القرآن العظيم من الحذف ومخاطبة الخاص بالعامّ، والعامّ بالخاص، والجماعة بلفظ الواحد، والواحد بلفظ الجماعة، وما يجري هذا المجرى، لأن القرآن قد نزل بلغة العرب، وخوطب به فصحاؤهم بخلاف الرسائل.
قال في «الصناعتين»: لا يجوز أن يستعمل فيها ما يختص بالشّعر من صرف ما لا ينصرف، وحذف ما لا يحذف، وقصر الممدود، ومدّ المقصور، والإخفاء في موضع الإظهار، وتصغير الاسم في موضع تكبيره، إلا أن يريد تصغير
__________
(1) في الصناعتين ص 166:
ويسعدني ... سبوح له(2/354)
التعظيم كقول القائل: «أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجّب» (1). ومما يستحسن من وصية أبي تمام لأبي عبادة البحتريّ في الشعر مما لا يستغني الناثر عن المعرفة به، والنّسج على منواله: لأنه يجب أن يناسب بين الألفاظ والمعاني في تأليف الكلام، ويكون كخيّاط يقدّر الثياب على قدر الأجسام، وأن يجعل شهوته لتأليف الكلام هي الذّريعة إلى حسن نظمه، فإنّ الشهوة نعم المعين، ويعتبر كلامه بما سلف من كلام الماضين، فما استحسنه العلماء فليقصده، وما استقبحوه فليجتنبه، وينبغي أن يعمل السجعات مفرّقة بحسب ما يجود به الخاطر، ثم يرتبها في الآخر ويحترز عند جمعها من سوء الترتيب، ويتوخّى حسن النسق عنه التهذيب، ليكون كلامه بعضه آخذا بأعناق بعض، فإنه أكمل لحسنه، وأمثل لرصفه وأن يجيد المبدأ والمخلص والمقطع، ويميز في فكره محط الرسالة قبل العمل، فإنه أسهل للقصد ويجتهد في تجويد هذه المواضع وتحسينها ويوضّح معانيه ما استطاع.
قلت: وقد سبق في أوّل هذه المقالة في بيان ما يحتاج إليه الكاتب من الأدوات وذكر أنواعها بيان كيفية الاقتباس من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية والاستشهاد بها، وكيفيّة حل الشعر إلى النثر، وتضمينه في خلال الكلام المنثور وما يجري هذا المجرى، فأغنى عن إعادته هنا.
وأما بيان ما يستحسن من الكلام المصنوع فقد قال في «الصناعتين»: إن الكلام يحسن بسلاسته وسهولته ونصاعته، وتخيّر لفظه، وإصابة معناه، وجودة مطالعه، ولين معاطفه، واستواء تقاسيمه وتعادل أطرافه وتشبّه أعجازه بهواديه،
__________
(1) هذا القول كما في لسان العرب: 11/ 107هو لسعيد بن عطارد أو للحبّاب بن المنذر.
جذيلها: تصغير الجذل وهو عود ينصب للإبل الجربى، وعنى بالجذيل هنا الأصل من الشجرة تحتك به الإبل، فتشتفي به أي قد جربتني الأمور ولي رأي يشتفى له كما تشفى هذه الإبل الجربى بهذا الجذل، وصغرّه على جهه المدح.
والعذيق: تصغير لعذق النخلة، وهو تصغير تعظيم والمرجّب: من الترجيب، وهو إرفاد النخلة من جانب ليمنعها من السقوط. أي إن لي عشيرة تعضدني وتمنعني وترفدني. (راجع لسان العرب).(2/355)
وموافقة أواخره لمباديه، مع قلّة ضروراته بل عدمها أصلا، حتّى لا يكون لها في الألفاظ أثر، فتجد المنظوم مثل المنثور في سهولة مطلعه، وجودة مقطعه، وحسن رصفه وتأليفه، وكمال صوغه وتركيبه فإذا كان الكلام قد جمع العذوبة والجزالة والسّهولة والرّصانة مع السّلاسة والنّصاعة، واشتمل على الرّونق والطّلاوة، وسلم من ضعف التأليف، وبعد من سماجة التركيب، صار بالقبول حقيقا، وبالتحفّظ خليقا فإذا ورد على السمع المصيب استوعبه ولم يمجّه، والنفس تقبل اللطيف، وتنبو عن الغليظ، وتقلق عن الجاسي (1) البشع وجميع جوارح البدن وحواسّه تسكن إلى ما يوافقه وتنفر عما يضادّه ويخالفه والعين تألف الحسن، وتقذى بالقبيح والأنف يرتاح للطّيب ويعاف المنتن والفم يلتذّ بالحلو، ويمجّ المرّ والسمع يتشوّق للصوت الرائع، وينزوي عن الجهير الهائل واليد تنعم بالليّن، وتتأذّى بالخشن والفهم يأنس من الكلام بالمعروف، ويسكن إلى المألوف، ويصغى إلى الصواب، ويهرب من المحال، وينقبض عن الوخم (2)، ويتأخّر عن الجافي الغليظ، ولا يقبل الكلام المضطرب إلا الفهم المضطرب والرويّة الفاسدة.
قال: وليس الشأن في إيراد المعاني لأن المعاني يعرفها العربيّ والأعجميّ، والقرويّ والبدويّ، وإنما هو في جودة اللفظ وصفائه، وحسنه وبهائه، ونزاهته ونقائه، وكثرة طلاوته ومائه، وصحة السبك والتركيب، والخلوّ من أود (3) النظم والتأليف وليس يطلب من المعنى إلا أن يكون صوابا، ولا يقنع من اللفظ بذلك حتّى يكون على ما وصف من نعوته التي تقدّمت. ألا ترى أن الخطب الرائعة، والأشعار الرائقة، لم تعمل لإفهام المعاني فقط، لأن الرديء من الألفاظ يقوم مقام الجيد منها في الإفهام وإنما يدلّ حسن الكلام، وإحكام صنعته، ورونق ألفاظه، وجودة مقاطعه، وبديع مباديه، وغريب مبانيه، على فضل قائله ومنشيه. وأيضا فإن
__________
(1) الجاسي: الصلب والخشن (وسيط 122).
(2) الوخم: المتخم (وسيط 1019).
(3) أود: عوج.(2/356)
الكلام إذا كان لفظا حلوا عذبا وسطا دخل في جملة الجيد، وجرى مع الرائع النادر. وأحسن الكلام ما تلاءم نسجه ولم يسخف، وحسن نظمه ولم يهجن، ولم يستعمل فيه الغليظ من الكلام فيكون خلقا بغيضا، ولا السّوقيّ من الألفاظ فيكون مهلهلا دونا، ولا خير في المعاني إذا استكرهت قهرا، والألفاظ إذا أجبرت قسرا ولا خير فيما أجيد لفظه إلا مع وضوح المغزى وظهور المقصد. قال: وقد غلب على قوم الجهل فصاروا يستجيدون الكلام إذا لم يقفوا على معناه إلا بكدّ، ويستفصحونه إذا وجدوا ألفاظه كزّة غليظة، وجاسية غريبة، ويستحقرون الكلام إذا رأوه سلسا عذبا، وسهلا حلوا ولم يعلموا أن السهل أمنع جانبا، وأعزّ مطلبا، وهو أحسن موقعا، وأعذب مستمعا ولهذا قيل أجود الكلام السهل الممتنع. وقد وصف الفضل بن سهل عمرو بن مسعدة فقال: هو أبلغ الناس، ومن بلاغته أنّ كلّ أحد يظنّ أنه يكتب مثل كتبه، فإذا رامها تعذّرت عليه وأنشد إبراهيم بن العبّاس لخاله العبّاس بن الأحنف:
إن قال لم يفعل وإن سيل لم ... يبذل وإن عوتب لم يعتب (1)
صبّ بعصياني ولو قال لي ... لا تشرب البارد لم أشرب
ثم قال (2): هذا والله الشعر الحسن المعنى، السهل اللفظ، العذب المستمع، القليل النظير، العزيز الشبيه، المطمع الممتنع، البعيد مع قربه، الصّعب مع سهولته، قال فجعلنا نقول: هذا الكلام والله أحسن من شعره. وقيل لبعضهم (3): ألا تستعمل الغريب في شعرك؟ فقال: ذلك عيّ في زماني، وتكلّف منّي لو قلته، وقد رزقت طبعا واتساعا في الكلام، فأنا أقول ما يعرفه الصغير والكبير، ولا يحتاج إلى تفسير.
__________
(1) في الديوان:
إن سيل لم يبذل وإن قال لم يفعل وإن عوتب لم يعتب.
(2) أي ثم قال «أبو أحمد» وهو شيخ العسكري. (كتاب الصناعتين: 67).
(3) وهو السيد الحميري (المرجع السابق).(2/357)
وقال أبو داود: رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحاها رواية الكلام، وحليها الإعراب، وبهاؤها تخيّر الألفاظ، والمحبة مقرونة بقلة الاستكراه، وما كان من الكلام لفظه سهلا ومعناه مكشوفا بيّنا فهو من جملة الرديء المردود، لا سيما إذا ارتكبت فيه الضرورات فأما الجزل المختار من الكلام، فهو الذي تعرفه العامة إذا سمعته، ولا تستعمله في محاوراتها وأجود الكلام ما كان سهلا جزلا، لا ينغلق معناه، ولا يستبهم مغزاه، ولا يكون مكدودا مستكرها، ومتوعّرا متقعّرا ويكون بريئا من الغثاثة، عاريا من الرّثاثة. فمن الجزل الجيّد من النثر قول سعيد بن حميد: وأنا من لا يحاجّك عن نفسه، ولا يغالطك عن جرمه، ولا يلتمس رضاك إلا من جهته، ولا يستدعي برّك إلا من طريقته، ولا يستعطفك إلا بالإقرار بالذنب، ولا يستميلك إلا بالاعتراف بالجرم نبت بي عنك غرّة (1)
الحداثة وردّتني إليك الحنكة، وباعدتني منك الثقة بالأيّام، وقادتني إليك الضرورة، فإن رأيت أن تستقبل الصنيعة بقبول العذر، وتجدّد النعمة باطّراح الحقد، فإنّ قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة وإن أيام القدرة وإن طالت قصيرة، والمتعة بها وإن كثرت قليلة، فعلت إن شاء الله تعالى.
وأجزل منه قول الشعبيّ للحجاج وقد أراد قتله لخروجه عليه مع ابن الأشعث: أجدب بنا الجناب (2)، وأحزن بنا المنزل فاستحلسنا (3) الحذر، واكتحلنا السّهر، وأصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء. فعفا عنه.
ومن النظم قول المرّار:
لا تسألي القوم عن مالي وكثرته ... قد يقتر المرء يوما وهو محمود
__________
(1) الغارّ: الغافل، واغتر: غفل، والاسم الغرّة.
(2) الجناب: الفناء والناحية.
(3) استحلسنا الحذر: يريد، تمسّكنا به.(2/358)
أمضي على سنّة من والدي سلفت ... وفي أرومته (1) ما ينبت العود
فهذا وإن لم يكن من كلام العامة فإنهم يعرفون الغرض منه ويقفون على أكثر معانيه لحسن ترتيبه وجودة نسجه.
قال في «الصناعتين»: أما إذا كان لفظ الكلام غثّا، ومعرضه رثّا، فإنه يكون مردودا، ولو احتوى على أجلّ معنى وأنبله، وأرفعه وأفضله، كقول القائل:
أرى رجالا بأدنى الدّين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدّون
فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما اس ... تغنى الملوك بدنياهم عن الدّين
قال: فهو لا يدخل في جملة المختار، ومعناه كما ترى جميل، فاضل جليل، وأما الجزل الرديء الفجّ الذي ينبغي ترك استعماله فقد مر في الكلام على الغريب الحوشيّ.
المقصد الثالث في بيان مقادير الكلام ومقتضيات إطالته وقصره
اعلم أن الكلام المصنوع من الخطب والمكاتبات، والولايات وغيرها على ثلاثة ضروب:
الضرب الأوّل الإيجاز
وهو جمع المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة، وعليه ورد أكثر آي القرآن الكريم، فمن ذلك قوله تعالى في مفتتح سورة الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ}. انتظم فيه خلق السموات والأرض وسائر المخلوقات لم يشذّ عنه شيء، في أوجز لفظ وأقربه وأسهله ومنه قوله تعالى: {أَلََا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}
__________
(1) الأرومة، بفتح الهمزة وضمها: الأصل.(2/359)
استوعب جميع الأشياء على الاستقصاء في كلمتين لم يخرج عنهما شيء وقوله {أُولََئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} (1) فدخل تحت الأمن جميع المحبوبات لأنه نفى به أن يخافوا شيئا من الفقر والموت وزوال النّعمة والجور وغير ذلك وقوله: {لِيَشْهَدُوا مَنََافِعَ لَهُمْ} (2) جمع منافع الدنيا والآخرة وقوله في صفة خمر أهل الجنة: {لََا فِيهََا غَوْلٌ وَلََا هُمْ عَنْهََا يُنْزَفُونَ} (3) انتظم بقوله: {وَلََا هُمْ عَنْهََا يُنْزَفُونَ} عدم ذهاب العقل وذهاب المال ونفاد الشراب، فلم يكن فيها شيء من ذلك وقوله: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجََاهِلِينَ} (4) فجمع فيها مكارم الأخلاق بأسرها، لأنّ في العفو صلة القاطعين، وإعطاء المانعين وفي الأمر بالمعروف تقوى الله تعالى، وصلة الرحم، وصون اللسان عن الكذب، وغض الطّرف عن المحرّمات، والتبرّي من كل قبيح، إذ لا يأمر بالمعروف من هو ملابس شيئا من المنكر إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى كثرة.
ومن كلام النبوة قوله صلّى الله عليه وسلّم: «نيّة المرء خير من عمله» وقوله عليه السلام:
«حبّك الشّيء يعمي ويصمّ» إلى غير ذلك من جوامع الكلم.
الضرب الثاني الإطناب
وهو الإشباع في القول، وترديد الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد. وقد وقع منه الكثير في الكتاب العزيز، مثل قوله تعالى: {كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلََّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} (5) وقوله جلّ وعزّ: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (6)
__________
(1) الأنعام / 82.
(2) الحج / 28.
(3) الصافات / 47.
(4) الأعراف / 199.
(5) التكاثر / 43.
(6) الشرح / 65.(2/360)
كرر اللفظ في الموضعين تأكيدا للأمر وإعلاما أنه كذلك لا محالة. وقوله: {فَفِرُّوا إِلَى اللََّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ وَلََا تَجْعَلُوا مَعَ اللََّهِ إِلََهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (1) فكرر {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} من حيث إن الكفر وإن تعدّدت أقسامه لا يخرج عن تعطيل أو شرك، ففي قوله: {فَفِرُّوا إِلَى اللََّهِ} نفي التّعطيل بإثبات الإله، وفي قوله: {فَبِأَيِّ آلََاءِ رَبِّكُمََا تُكَذِّبََانِ} * حيث عدّد فيها نعمه، وأذكر عباده آلاءه، ونبّههم على قدرها، وقدرته عليها، ولطفه فيها، وجعلها فاصلة بين كلّ نعمة ونعمة، تنبيها على موضع ما أسداه إليهم فيها، وكذلك كرّر في سورة المرسلات: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} * تأكيدا لأمر القيامة المذكورة فيها. وقد وقع التكرار للتأكيد في كلام العرب كثيرا كما في قول الشاعر:
أتاك أتاك اللّاحقون أتاكا (2)
وقول الآخر:
كم نعمة كانت لكم كم كم وكم
إلى غير ذلك مما وقع في كلامهم مما لا تأخذه الإحاطة.
الضرب الثالث المساواة
بأن تكون الألفاظ بإزاء المعاني في القلة والكثرة لا يزيد بعضها على بعض.
وقد مثل له العسكريّ في «الصناعتين» بقوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورََاتٌ فِي الْخِيََامِ} (3) وقوله: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} (4) وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزال أمّتي بخير ما لم تر الأمانة مغنما، والزّكاة مغرما» وقوله: «إيّاك والمشارّة، فإنها تميت
__________
(1) الذاريات / 5150.
(2) في الضوء بدله (احبس احبس) وهو المشهور في البيت.
(3) الرحمن / 72.
(4) القلم / 9.(2/361)
الغرّة وتحيي العرّة» (1) وقول بعض الكتّاب: سألت عن خبري وأنا في عافية لا عيب فيها إلا فقدك، ونعمة لا مزيد فيها إلا بك. وقول آخر: وقد علّمتني نبوتك سلوتك، وأسلمني يأسي منك إلى الصّبر عنك. وقول آخر: فتولّى الله النعمة عليك وفيك، وتولّى إصلاحك والإصلاح بك، وأجزل من الخير حظّك والحظّ منك، ومنّ عليك وعلينا بك. وقول الشاعر:
أهابك إجلالا وما بك قدرة ... عليّ ولكن ملء عين حبيبها
وما هجرتك النّفس أنّك عندها ... قليل ولا أن (2) قلّ منك نصيبها
إذا علمت ذلك فقد اختلف البلغاء في أيّ الثلاثة أبلغ وأولى بالكلام، فذهب قوم إلى ترجيح الإيجاز، محتجّين له بأنّه صورة البلاغة وأن ما تجاوز مقدار الحاجة من الكلام فضلة داخلة في حيّز اللّغو والهذر، وهما من أعظم أدواء الكلام، وفيهما دلالة على بلادة صاحب الصّناعة وغباوته، وقد قال الأمين محمد بن الرشيد: عليكم بالإيجاز فإن له إفهاما، وللإطالة استبهاما. وقال جعفر ابن يحيى لكتابه: إن قدرتم على أن تجعلوا كتبكم توقيعات فافعلوا. وقال بعضهم:
البلاغة بالإيجاز أنجع من البيان بالإطناب، وقيل لبعضهم: ما البلاغة؟ قال:
الإيجاز. وقيل لابن حازم لم لا تطيل القصائد؟ فأنشد:
أبى لي أن أطيل الشّعر قصدي ... إلى المعنى وعلمي بالصّواب
وإيجازي بمختصر قريب ... حذفت به الفضول من الجواب
وذهبت طائفة إلى أن الإطناب أرجح، واحتجّوا لذلك بأن المنطق إنما هو بيان، والبيان لا يحصل إلا بإيضاح العبارة، وإيضاح العبارة لا يتهيأ إلا بمرادفة الألفاظ على المعنى حتّى تحيط به إحاطة يؤمن معها من اللبس والإبهام، وإنّ
__________
(1) المشارّة: المفاعلة من الشر، أي لا تفعل به شرا، فتحوجه إلى أن يفعل بك مثله. والغرّة: الحسن والعمل الصالح. والعرّة: القذر، واستعير للمساوىء والمثالب.
(2) في الصناعتين: 186: «ولكن».(2/362)
الكلام الوجيز لا يؤمن وقوع الإشكال فيه، ومن ثم لم يحصل على معانيه إلا خواصّ أهل اللّغة العارفين بدلالات الألفاظ، بخلاف الكلام المشبع الشافي فإنه سالم من الالتباس لتساوي الخاصّ والعامّ في جهته، ويؤيد ذلك ما حكي أنه قيل لقيس بن خارجة: ما عندك في جمالات ذات حسن (1)؟ قال: عندي قرى كل نازل، ورضا كلّ ساخط، وخطبة من لدن تطلع الشمس إلى أن تغرب، آمر فيها بالتواصل، وأنهى عن التقاطع فقيل لأبي يعقوب الجرميّ (2) هلّا اكتفى بقوله آمر فيها بالتواصل عن قوله: «وأنهى عن التقاطع»؟ فقال: أو ما علمت أن الكتابة والتعريض لا تعمل عمل الإطناب والتكشّف؟ ألا ترى أن الله تعالى إذا خاطب العرب والأحزاب (3) أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحي وإذا خاطب بني إسرائيل أو حكى عنهم جعل الكلام مبسوطا؟ وقلما تجد قصة لبني إسرائيل في القرآن إلا مطوّلة مشروحة، ومكررة في مواضع معادة لبعد فهمهم، وتأخّر معرفتهم، بخلاف الكلام المشبع الشافي فإنه سالم من الالتباس لتساوي الخاصّ والعامّ في فهمه.
وذهبت فرقة إلى ترجيح مساواة اللفظ المعنى، واحتجوا لذلك بأن منزع الفضيلة من الوسط دون الأطراف، وأن الحسن إنما يوجد في الشيء المعتدل.
قال في «موادّ البيان»: والذي يوجبه النظر الصحيح أن الإيجاز والإطناب والمساواة صفات موجودة في الكلام ولكل منها موضع لا يخله فيه رديفه، إذا وضع فيه انتظم في سلك البلاغة ودلّ على فضل الواضع، وإذا وضع غيره دلّ على نقص الواضع وجهله برسوم الصّناعة.
فأما الكلام الموجز فأنه يصلح لمخاطبة الملوك، وذوي الأخطار العالية،
__________
(1) في الصناعتين: 198: «ما عندك في حمالات داحس؟» والحمالة هي الدية التي يحملها قوم عن قوم.
(2) في الصناعتين: «الخزيمي».
(3) في الصناعتين: «والأعراب».(2/363)
والهمم المستقيمة، والشؤون السنيّة، ومن لا يجوز أن يشغل زمانه بما همّته مصروفة إلى مطالعة غيره.
وأما الإطناب فإنه يصلح للمكاتبات الصادرة في الفتوحات ونحوها مما يقرأ في المحافل، والعهود السلطانية، ومخاطبة من لا يصل المعنى إلى فهمه بأدنى إشارة. وعلى ذلك يحمل ما كتبه المهلّب بن أبي صفرة إلى الحجّاج في فتح الأزارقة من الخوارج والظهور عليهم على ارتفاع خطر هذا الفتح وطول زمانه وبعد صيته، فإنه كتب فيه: «الحمد لله الذي كفى بالإسلام قصد ما سواه، وجعل الحمد متصلا بنعماه، وقضى ألّا ينقطع المزيد وحيله، حتّى ينقطع الشكر من خلفه ثم إنا كنا وعدوّنا على حالتين مختلفتين نرى منهم ما يسرّنا أكثر مما يسرّهم، ويرون منا ما يسوءهم أكثر مما يسرّهم، فلم يزل ذلك دأبنا ودأبهم، ينصرنا الله ويخذلهم، ويمحّصنا ويمحقهم، حتّى بلغ الكتاب بناديهم أجله {فَقُطِعَ دََابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ الْعََالَمِينَ} (1).
فإن الذي حمله على الاختصار في هذا الكتاب إنما هو كونه إلى السلطان الذي من شأنه اختصار المكاتبات التي تكتب إليه، بخلاف ما لو كتب به عن السلطان إلى غيره، فإنه يتعين فيه بسط القول وإطالته على ما سيأتي ذكره في أوّل المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
وأما مساواة اللفظ للمعنى فإنه يصلح لمخاطبة الأكفاء والنّظراء والطّبقة الوسطى من الرؤساء. فكما أن هذه المرتبة متوسّطة بين طرفي الإيجاز والإطناب، كذلك يجب أن تخصّ بها الطبقة الوسطى من الناس. قال: أما لو استعمل كاتب ترديد الألفاظ ومرادفتها على المعنى في المكاتبة إلى ملك مصروف الهمة إلى أمور كثيرة متى انصرف منها إلى غيرها دخلها الخلل، لرتّب كلامه في غير رتبه، ودلّ على جهله بالصناعة. وكذا لو بنى على الإيجاز كتابا يكتبه في فتح جليل الخطر، حسن الأثر، يقرأ في المحافل والمساجد الجامعة على رؤوس الأشهاد من العامّة
__________
(1) الأنعام / 45.(2/364)
ومن يراد منه تفخيم شأن السلطان في نفسه، لأوقع كلامه في غير موقعه، ونزّله في غير منزلته، لأنه لا أقبح ولا أسمج من أن يستنفر الناس لسماع كتاب قد ورد من السلطان في بعض عظائم أمور المملكة أو الدّين، فإذا حضر الناس كان الذي يمرّ على أسماعهم من الألفاظ واردا مورد الإيجاز والاختصار لم يحسن موقعه وخرج من وضع البلاغة لوضعه في غير موضعه.
قلت: وما ذكرته من الأصول والقواعد التي تبنى عليها صنعة الكلام هو القدر اللازم الذي لا يسع الكاتب الجهل بشيء منه، ولا يسمح بإخلاء كتاب مصنّف في هذا الفنّ منه.
أما المتمّمات التي يكمل بها الكاتب، من المعرفة بعلوم البلاغة ووجوه تحسين الكلام من المعاني والبيان والبديع، فإن فيها كتبا مفردة تكاد تخرج عن الحصر والإحصاء، فاقتضى الحال من المتقدّمين للتصنيف في هذا الفنّ أن قد قصروا تصانيفهم على علوم البلاغة وتوابعها كالوزير ضياء الدين بن الأثير في «المثل السائر» وأبي هلال العسكريّ في «الصناعتين» والشيخ شهاب الدين محمود الحلبي في «حسن التوسل» (1) كما تقدّمت الإشارة إليه في مقدّمة الكتاب، فليطلب ذلك من مظانّه من هذه الكتب وغيرها، إذ هذا الكتاب إنما يذكر فيه ما يشق طلبه من كتب متفرّقة، وتصانيف متعدّدة، أو يكون في المصنّف الواحد منه النّبذة غير الكافية، ولا يجتمع منه المطلوب إلا من كشف الكثير من المصنّفات المتفرّقة في الفنون المختلفة.
__________
(1) أنظر ص مة 1.(2/365)
الفصل الثالث من الباب الأوّل من المقالة الأولى في معرفة الأزمنة والأوقات من الأيام والشهور والسنين على اختلاف الأمم فيها
، وتفاصيل أجزائها، والطرق الموصلة إليها، ومعرفة أعياد الأمم، وفيه أربعة أطراف
الطرف الأوّل في الأيام وفيه ست جمل
الجملة الأولى في مدلول اليوم ومعناه، وبيان ابتداء الليل والنهار
وقد اختلف الناس في مدلول اليوم على مذهبين:
المذهب الأوّل (وهو مذهب أهل الهيئة)
أنّ اليوم عبارة عن زمان جامع لليل والنهار، مدّته ما بين مفارقة الشمس نصف دائرة عظيمة ثابتة الموضع بالحركة الأولى إلى عودها إلى ذلك النصف بعينه، وأظهر هذه الدوائر الأفق وفلك نصف النهار. والحذّاق من المنجّمين يؤثرون فلك نصف النهار على الأفق بسولة تحصل بذلك في بعض أعمالهم لأن اختلاف دوائره في سائر الأوقات اختلاف واحد وبعضهم يؤثر استعمال الأفق لأن الطلوع منه والغروب فيه أظهر للعيان، وهو الموافق لما نحن فيه.
ثم منهم من يقدّم الليل فيفتتح اليوم بغروب الشمس ويختم بغروبها من اليوم القابل، وعلى ذلك عمل المسلمين وأهل الكتاب، وهو مذهب العرب، لأن شهورهم مبنية على مسير القمر، وأوائلها مقدّرة برؤية الهلال.
ومنهم من يقدّم النهار على الليل فيفتتح اليوم بطلوع الشمس ويختم بطلوعها من اليوم القابل، وهو مذهب الروم والفرس.
ويحكى أن الاسكندر سأل بعض الحكماء عن الليل والنهار أيّهما قبل
صاحبه فقال: هما في دائرة واحدة، والدائرة لا يعلم لها أوّل ولا آخر، ولا أعلى ولا أسفل.(2/366)
ويحكى أن الاسكندر سأل بعض الحكماء عن الليل والنهار أيّهما قبل
صاحبه فقال: هما في دائرة واحدة، والدائرة لا يعلم لها أوّل ولا آخر، ولا أعلى ولا أسفل.
المذهب الثاني (وهو مذهب الفقهاء)
أن اليوم عبارة عن النهار دون الليل، حتّى لو قال لزوجته: أنت طالق يوم يقدم فلان فقدم ليلا لم يقع الطلاق على الصحيح. ثم القائلون بذلك نظروا إلى الليل والنهار باعتبارين: طبيعيّ، وشرعيّ.
أما الطبيعيّ فالليل من لدن غروب الشمس واستتارها بحدبة الأرض إلى طلوعها وظهورها من الأفق، والنهار من طلوع نصف قرص الشمس من المشرق إلى غيبوبة نصفها في الأفق في المغرب، وسائر الأمم يستعملونه كذلك.
وأما الشرعيّ فالليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني، وهو المراد بالخيط الأبيض من قوله تعالى: {حَتََّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (1) والنهار من الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وبذلك تتعلق الأحكام الشرعية من الصوم والصلاة وغيرهما.
واعلم أن الشمس في الليل تكون غائبة تحت الأرض، فإذا قربت منا في حال غيبتها أحسسنا بضيائها المحيط (2) بظل الأرض الذي هو الليل، وهذا الضياء طليعة أمامها يطلع في السّحر بياض مستطيل مستدقّ الأعلى، وهو الفجر الكاذب إذ لا حكم له في الشريعة، ويشبّه بذنب السّرحان لانتصابه واستطالته ودقّته، ويبقى مدة ثم يزداد هذا الضوء إلى أن يأخذ طولا وعرضا وينبسط في عرض الأفق، وهو الفجر الثاني ويسمّى الصادق، وعليه تترتب جميع الأحكام الشرعية المتعلقة بالفجر، وبعده يحمرّ الأفق لاقتراب الشمس وسطوع ضيائها على المدوّرات الغربية من الأرض، ويتبعه الطلوع، وعند غروبها ينعكس الحكم في
__________
(1) البقرة / 187.
(2) لعله: المحجوب بظل الأرض كما يفيده المقام.(2/367)
الترتيب المتقدّم فيبقى الأفق محمرّا من جهة المغرب بعد الغروب، ثم تزول الحمرة ويبقى البياض الذي هو نظير الفجر الصادق، وبالحمرة حكم صلاة العشاء عند الشافعية وبالبياض حكمها عند الحنفية، ثم يزداد البياض ضعفا شيئا فشيئا إلى أن يغيب، ثم يتبعه البياض المستطيل المنتصب نظير الفجر الكاذب مدّة من الليل ثم يذهب، وهذا لا حكم له في الشرعيات. والهند لا يعدّون الفجر ولا الشّفق من الليل ولا من النهار، ويجعلونهما قسما مستقلّا، وهذا في غاية البعد لأن الله تعالى قسم الزمان إلى ليل ونهار ولم يذكر معهما سواهما.
الجملة الثانية في اختلاف الليل والنهار بالزيادة والنقصان والاستواء باختلاف الأمكنة واعلم أن البلاد والنواحي على قسمين:
القسم الأوّل ما يستوي فيه الليل والنهار أبدا، لا يختلفان بزيادة ولا نقصان
وذلك في البلاد التي لا عرض لها وهي ما مرّ عليه خط الاستواء والعلة في التّساوي هي أن أصحاب الهيئة لما توهموا أن بين قطبي فلك البروج دائرة عظمى تقسم سطح السماء نصفين على السّواء وسمّوها دائرة معدّل النهار، وتوهموا أيضا في موازاتها دائرة أخرى تقسم سطح الأرض نصفين وسمّوها دائرة الاستواء وخط الاستواء وكل بلد يمرّ عليه هذا الخط لا عرض له، وذلك لانقسام الكرة فيه وطلوع الشمس أبدا على رؤوس ساكنيه، وميلها في ناحيتي الشمال والجنوب بقدر واحد، ودوائر الأوقات تقطع جميع الدوائر الموازية لدائرة معدّل النهار بنصفين نصفين، فيكون قوس النهار وهو الزمان الذي من طلوع الشمس إلى غروبها مساويا لقوس الليل وهو الزمان الذي من غروب الشمس إلى طلوعها، فيكون الليل والنهار متساويين أبدا في هذه المواضع في جميع السنة.(2/368)
القسم الثاني ما يختلف فيه الليل والنهار في السنة بالاستواء والزيادة والنّقصان، وهي البلاد ذوات العروض
والعلّة في الزيادة والنّقصان أن المواضع التي تميل عن خطّ الاستواء إلى الشمال، تميل في كل موضع منها دائرة معدّل النهار إلى الجنوب وتنحطّ الشمس ويرتفع القطب الشماليّ من الأفق ويصير للبلد عرض بحسب ذلك الارتفاع، وبقدر بعده عن الخطّ. وإذا مالت الدائرة قطعت الآفاق كلّ دائرة من الدوائر الموازية لها بقطعتين مختلفتين، فيكون ما فوق الأرض من قسميها أعظم من الذي تحتها، لأن القطب لما ارتفع ارتفعت الدوائر الشمالية فظهر من كل واحدة أكثر من نصفها، وانحط مدار الشمس عن سمت الرأس إلى جهة الجنوب فبعد مشرق الصيف عن مشرق الشتاء فطال النهار وقصر الليل، وكلما زاد ارتفاع القطب في الأقاليم زاد الاختلاف الذي هو بين هذه القطع إلى أن تكون نهاية الأطوال حيث يكون ارتفاع القطب اثنتي عشرة درجة ونصفا وربعا وهو أوّل المعمور، اثنتي عشرة ساعة ونصفا وربعا وحيث يكون ارتفاعه تسعا وعشرين درجة وهو آخر الاقليم الثاني، ثلاث عشرة ساعة ونصفا وربعا، وحيث يكون ارتفاعه ثلاثا وثلاثين درجة ونصفا وهو آخر الإقليم الثالث أربع عشرة ساعة وربعا، وحيث يكون ارتفاعه تسعا وثلاثين درجة وهو آخر الإقليم الرابع أربع عشرة ساعة ونصفا وربعا وحيث يكون ارتفاعه ثلاثا وأربعين درجة ونصفا وهو آخر الإقليم الخامس خمس عشرة ساعة وربعا، وحيث يكون ارتفاعه سبعا وأربعين درجة وهو آخر الإقليم السادس خمس عشرة ساعة ونصفا وربعا، وحيث يكون ارتفاعه خمسين درجة وهو آخر الإقليم السابع ست عشرة ساعة وربعا.
ولا يزال اختلاف مطالع البروج يزداد بالامعان في الشمال ويتسع شرقا المنقلبين ويتقاربان مع مغربيهما إلى أن يلتقيا في العرض المساوي لتمام الميل الأعظم، وهو حيث يكون ارتفاع القطب ستّا وستين درجة وفي هذا الموضع
يكون قطب فلك البروج في دوره يمرّ على سمت الرؤوس، ويكون أوّل السّرطان فقط ظاهرا فوق الأرض أبدا، ومدار أوّل الجدي فقط غائبا أبدا، فيكون مقدار النهار الأطول أربعا وعشرين ساعة لا ليل فيه. ويعرض في هذه المواضع عند موازاة قطب فلك البروج سمت الرؤوس أن دائرة فلك البروج تنطبق حينئذ على دائرة الأفق، فيكون أوّل الحمل في المشرق، وأوّل الميزان في المغرب، وأول السّرطان في الأفق الشماليّ، وأوّل الجدي في الأفق الجنوبيّ. فاذا صار قطب فلك البروج والأفق نصفين وارتفع النصف الشرقيّ من فلك البروج وانخفض النصف الغربيّ فيطلع حينئذ ستة بروج دفعة واحدة، وهي من أول الجدي إلى آخر الجوزاء، وكذلك تغرب الستة الباقية دفعة واحدة. وحيث يكون ارتفاع القطب سبعا وستين درجة وربعا فهناك يكون مدار ما بين النصف من الجوزاء إلى النصف من السّرطان ظاهرا فوق الأرض أبدا، وما بين النصف من القوس إلى النصف من الجدي غائبا أبدا، فيكون مقدار شهر من شهور الصيف نهارا كله لاليل فيه، وشهر من الشتاء ليلا كله لا نهار فيه، والعشرة الأشهر الباقية من السنة كلّ يوم وليلة أربعا وعشرين ساعة. وحيث يكون ارتفاع القطب تسعا وستين درجة ونصفا وربعا فهناك يكون مدار برجي الجوزاء والسّرطان ظاهرا فوق الأرض، ومدار برجي القوس والجدي غائبا تحت الأرض أبدا، ولذلك يكون مقدار شهرين من الصيف نهارا كله، وشهرين من الشتاء ليلا كلّه. وحيث يكون ارتفاع القطب ثلاثا وسبعين درجة يكون ما بين النصف من الثور إلى النصف من الأسد ظاهرا أبدا والأجزاء (1) النظيرة لها غائبة أبدا، فيكون مقدار ثلاثة أشهر من الصيف نهارا كلّه، وثلاثة أشهر من الشتاء ليلا كلّه. وحيث يكون ارتفاع القطب ثماني وسبعين درجة ونصفا فهناك يكون مدار الثور والجوزاء والسّرطان ظاهرا أبدا والبروج النظيرة لها غائبة أبدا، فيكون أربعة أشهر من الصيف نهارا كلّه وأربعة أشهر من الشتاء ليلا كلّه. وحيث(2/369)
ولا يزال اختلاف مطالع البروج يزداد بالامعان في الشمال ويتسع شرقا المنقلبين ويتقاربان مع مغربيهما إلى أن يلتقيا في العرض المساوي لتمام الميل الأعظم، وهو حيث يكون ارتفاع القطب ستّا وستين درجة وفي هذا الموضع
يكون قطب فلك البروج في دوره يمرّ على سمت الرؤوس، ويكون أوّل السّرطان فقط ظاهرا فوق الأرض أبدا، ومدار أوّل الجدي فقط غائبا أبدا، فيكون مقدار النهار الأطول أربعا وعشرين ساعة لا ليل فيه. ويعرض في هذه المواضع عند موازاة قطب فلك البروج سمت الرؤوس أن دائرة فلك البروج تنطبق حينئذ على دائرة الأفق، فيكون أوّل الحمل في المشرق، وأوّل الميزان في المغرب، وأول السّرطان في الأفق الشماليّ، وأوّل الجدي في الأفق الجنوبيّ. فاذا صار قطب فلك البروج والأفق نصفين وارتفع النصف الشرقيّ من فلك البروج وانخفض النصف الغربيّ فيطلع حينئذ ستة بروج دفعة واحدة، وهي من أول الجدي إلى آخر الجوزاء، وكذلك تغرب الستة الباقية دفعة واحدة. وحيث يكون ارتفاع القطب سبعا وستين درجة وربعا فهناك يكون مدار ما بين النصف من الجوزاء إلى النصف من السّرطان ظاهرا فوق الأرض أبدا، وما بين النصف من القوس إلى النصف من الجدي غائبا أبدا، فيكون مقدار شهر من شهور الصيف نهارا كله لاليل فيه، وشهر من الشتاء ليلا كله لا نهار فيه، والعشرة الأشهر الباقية من السنة كلّ يوم وليلة أربعا وعشرين ساعة. وحيث يكون ارتفاع القطب تسعا وستين درجة ونصفا وربعا فهناك يكون مدار برجي الجوزاء والسّرطان ظاهرا فوق الأرض، ومدار برجي القوس والجدي غائبا تحت الأرض أبدا، ولذلك يكون مقدار شهرين من الصيف نهارا كله، وشهرين من الشتاء ليلا كلّه. وحيث يكون ارتفاع القطب ثلاثا وسبعين درجة يكون ما بين النصف من الثور إلى النصف من الأسد ظاهرا أبدا والأجزاء (1) النظيرة لها غائبة أبدا، فيكون مقدار ثلاثة أشهر من الصيف نهارا كلّه، وثلاثة أشهر من الشتاء ليلا كلّه. وحيث يكون ارتفاع القطب ثماني وسبعين درجة ونصفا فهناك يكون مدار الثور والجوزاء والسّرطان ظاهرا أبدا والبروج النظيرة لها غائبة أبدا، فيكون أربعة أشهر من الصيف نهارا كلّه وأربعة أشهر من الشتاء ليلا كلّه. وحيث
__________
(1) المراد بها البروج كما يدل عليه بقية العبارة.(2/370)
يكون ارتفاع القطب أربعا وثمانين درجة فهناك يكون مدار ما بين النصف من الحمل إلى النصف من السّنبلة ظاهرا أبدا والبروج النظيرة لها غائبة أبدا فيكون خمسة أشهر من الصيف نهارا كلّه وخمسة أشهر من الشتاء ليلا كلّه.
ومما يعرض في هذه المواضع التي تقدّم ذكرها أنه إذا كان قطب فلك البروج في دائرة نصف النهار مما يلي الجنوب كان أوّل الحمل في المشرق وأوّل الميزان في المغرب، وتكون البروج الشمالية ظاهرة أبدا فوق الأرض والجنوبيّة غائبة تحتها، وهناك يطلع ما له طلوع من آخر الفلك فيما بين الجدي والسّرطان منكوسا، فيطلع الثور قبل الحمل، والحمل قبل الحوت، والحوت قبل الدلو، وكذلك تغرب نظائرها منكوسة. وحيث يكون ارتفاع القطب تسعين درجة فيصير على سمت الرأس فهناك تكون دائرة معدّل النهار منطبقة على الأفق أبدا، ويكون دور الفلك رحويّا (1) موازيا للأفق، ويكون نصف السماء الشمالي عن معدّل النهار ظاهرا أبدا فوق الأرض والنصف الجنوبيّ غائبا تحتها، فلذلك اذا كانت الشمس في البروج الشمالية، كانت طالعة تدور حول الأفق ويكون أكثر ارتفاعها عنه بمقدار ميلها عن معدّل النهار، وإذا كانت في البروج الجنوبية، كانت غائبة أبدا فتكون السنة هناك يوما واحدا ستة أشهر ليلا وستة أشهر نهارا، ولا يكون لها طلوع ولا غروب. فظهر من هذا أن حركة الفلك بالنسبة للآفاق إمّا دولابيّة، وهي في خط الاستواء، وإما حمائلية، وهي في الآفاق المائلة عنه، وإما رحويّة، وهي في المواضع التي ينطبق فيها قطب العالم على سمت الرأس فسبحان من أتقن ما صنع!
الجملة الثالثة في معرفة زيادة الليل والنهار ونقصانهما بتنقّل الشمس في البروج
اعلم أن للشمس حركتين: سريعة وبطيئة.
__________
(1) نسبة إلى دوران حجر الرحى.(2/371)
أما السريعة فحركة فلك الكلّ بها في اليوم والليلة من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق، وتسمّى الحركة اليوميّة.
وأما الحركة البطيئة فقطعها فلك البروج في سنة شمسيّة من الجنوب إلى الشمال ومن الشّمال إلى الجنوب، ولتعلم أن جهة المشرق وجهة المغرب لا تتغيّر ان في أنفسهما بل جهة المشرق واحدة وكذلك جهة المغرب، وإن اختلفت مطالعهما. قال تعالى {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} * (1) أي جهة الشّروق وجهة الغروب في الجملة، إلا أن الشمس لها غاية ترتفع إليها في الشّمال، ولتلك الغاية مشرق ومغرب وهو مشرق الصيف ومغربه، ومطلعها حينئذ بالقرب من مطلع السّماك الرامح (2)، ولها غاية تنحطّ إليها في الجنوب، ولتلك الغاية أيضا مشرق ومغرب: وهو مشرق الشتاء ومغربه، ومطلعها حينئذ القرب من مطلع بطن العقرب، وهذان المشرقان والمغربان هما المراد بقوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} (3) وبين هاتين الغايتين مائة وثمانون مشرقا، ويقابلها مائة وثمانون مغربا، ففي كل يوم تطلع من المشرق غير الذي تطلع فيه بالأمس، وتغرب في مغرب غير الذي تغرب فيه بالامس. وذلك قوله تعالى: {بِرَبِّ الْمَشََارِقِ وَالْمَغََارِبِ} (4) ونقطة الوسط بين هاتين الغايتين وهي التي يعتدل فيها الليل والنهار، يسمّى مطلع الشمس فيها مشرق الاستواء، ومغرب الاستواء، ومطلعها حينئذ بالقرب من مطلع السماك الأعزل (5).
وقد قسّم علماء الهيئة ما بين غاية الارتفاع وغاية الهبوط اثني عشر قسما،
__________
(1) الشعراء / 28.
(2) أنظر ص 182من هذا الجزء.
(3) الرحمن / 17.
(4) نص الآية 40من سورة المعارج: «فلا أقسم بربّ المشارق والمغارب».
(5) أنظر ص 177.(2/372)
قالوا: والمعنى في ذلك أن الشمس في المبدإ الأوّل لما سارت مسيرها الذي جعله الله خاصّا بها قطعت دور الفلك التاسع في ثلاثمائة وستين يوما، وسميت جملة هذه الأيام سنة شمسية ورسمت بحركتها هذه في هذا الفلك دائرة عظمى على ما توهّمه أصحاب الهيئة، وقسمت هذه الدائرة إلى ثلاثمائة وستين جزءا وسمّوا كلّ جزء درجة، ثم قسمت هذه الدّرج إلى اثني عشر قسما على عدد شهور السنة، وسمّوا كل قسم منها برجا، وجعلوا ابتداء الاقسام من نقطة الاعتدال الربيعيّ: لاعتدال الليل والنهار عند مرور الشمس بهذه النقطة، ووجدوا في كل من قسم هذه الأقسام نجوما تتشكّل منها صورة من الصّور فسمّوا كلّ قسم باسم الصورة التي وجدوها عليه، وكان القسم الأول الذي ابتدأوا به نجوما إذا جمع متفرّقها تشكلت صورة حمل، فسمّوها بالحمل، وكذلك البواقي.
قال صاحب «مناهج الفكر» (1): وذلك في أوّل ما رصدوا، وقد انتقلت الصّور عن أمكنتها على ما زعموا فصار مكان الحمل الثور، وهي تنتقل على رأي بطليموس في ثلاثة آلاف سنة، وعلى رأي المتأخرين في ألفي سنة.
إذا علمت ذلك فاعلم أن الدّورة الفلكية في العروض الشّمالية تنقسم إلى ثلاثمائة وستين درجة، كما تقدمت الإشارة إليه والسنة ثلاثمائة وستون يوما منقسمة على الاثني عشر برجا المتقدم ذكرها، لكل برج منها ثلاثون يوما، وتوزّع عليها الخمسة أيام والربع يوم، والليل والنهار يتعاقبان بالزيادة والنّقصان بحسب سير الشمس في تلك البروج، فما نقص من أحدهما زيد في الآخر، وذلك أنها إذا حلّت في رأس الحمل وهي آخذة في الارتفاع إلى جهة الشّمال، وذلك في السابع عشر من برمهات من شهور القبط، ويوافقه الحادي والعشرون من آذار من شهور السّريان، وهو مارس من شهور الروم، والرابع والعشرون من حرداد ماه من شهور الفرس، اعتدل الليل والنهار، فكان كل واحد منهما مائة وثمانين درجة، وهو أحد الاعتدالين في السنة، ويسمى الاعتدال الربيعيّ لوقوعه أوّل زمن الربيع، فيزيد
__________
(1) أنظر حاشية ص 163.(2/373)
النهار فيه في كل يوم نصف درجة، وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيه لمدّة ثلاثين يوما خمس عشرة درجة، ونقص الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس وتسعين درجة، والليل على مائة وخمس وستين درجة.
ثم تنقل إلى الثور فيزيد النهار فيه كلّ يوم ثلث درجة، وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيه لمدة ثلاثين يوما عشر درجات ونقص الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائتين وخمس درجات، والليل على مائة وخمس وخمسين درجة.
ثم تنقل إلى الجوزاء فيزيد النهار فيها كلّ يوم سدس درجة وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيها لمدة ثلاثين يوما خمس درجات، ونقص الليل كذلك، ويصير النهار آخرها على مائتين وعشر درجات والليل على مائة وخمسين درجة وذلك غاية ارتفاعها في جهة الشمال. وهذا أطول يوم في السنة وأقصر ليلة في السنة.
ويسمّى سير الشمس في هذه البروج الثلاثة شماليّا صاعدا لصعودها في جهة الشمال.
ثم تنقل الشمس إلى السّرطان وتكرّ راجعة إلى جهة الجنوب، ويسمّى ذلك المنقلب الصيفيّ، وذلك في العشرين من بؤنة من شهور القبط، ويبقى من حزيران من شهور السّريان ويونيه من شهور الروم خمسة أيام، وحينئذ يأخذ الليل في الزيادة والنهار في النقصان، فينقص النهار فيه في كل يوم سدس درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيه لمدة ثلاثين يوما خمس درجات، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائتين وخمس درجات، والليل على مائة وخمس وخمسين درجة.
ثم تنقل إلى الأسد فينقص النهار فيه كل يوم ثلث درجة، فيكون نقص النهار فيه لمدة ثلاثين يوما عشر درجات، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس وتسعين درجة، والليل على مائة وخمس وستين درجة.
ثم تنقل 7لى السّنبلة فينقص النهار فيها كلّ يوم نصف درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيها لمدة ثلاثين يوما خمس عشرة درجة، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخرها على مائة وثمانين درجة والليل كذلك، فيستوي الليل والنهار، ويسمّى الاعتدال الخريفيّ: لوقوعه في أوّل الخريف، ويسمّى سير الشمس في هذه البروج الثلاثة شماليّا هابطا لهبوطها في الجهة الشمالية.(2/374)
ثم تنقل إلى الأسد فينقص النهار فيه كل يوم ثلث درجة، فيكون نقص النهار فيه لمدة ثلاثين يوما عشر درجات، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس وتسعين درجة، والليل على مائة وخمس وستين درجة.
ثم تنقل 7لى السّنبلة فينقص النهار فيها كلّ يوم نصف درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيها لمدة ثلاثين يوما خمس عشرة درجة، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخرها على مائة وثمانين درجة والليل كذلك، فيستوي الليل والنهار، ويسمّى الاعتدال الخريفيّ: لوقوعه في أوّل الخريف، ويسمّى سير الشمس في هذه البروج الثلاثة شماليّا هابطا لهبوطها في الجهة الشمالية.
ثم تنقل إلى الميزان في الثامن عشر من توت من شهور القبط، وهي آخذة في الهبوط، والنهار في النقص والليل في الزيادة، فينقص النهار فيه كلّ يوم نصف درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيه لمدّة ثلاثين يوما خمس عشرة درجة، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس وستين درجة والليل على مائة وخمس وتسعين درجة.
ثم تنقل إلى العقرب، فينقص النهار في كل يوم ثلث درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيه لمدة ثلاثين يوما عشر درجات، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس وخمسين درجة، والليل على مائتين وخمس درجات.
ثم تنقل إلى القوس، فينقص النهار فيه كلّ يوم سدس درجة، ويزيد الليل كذلك، فيكون نقص النهار فيه لمدة ثلاثين يوما خمس درجات، وزيادة الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمسين درجة، والليل على مائتين وعشر درجات، وهو أقصر يوم في السنة وأطول ليلة في السنة، وذلك غاية هبوطها في الجهة الجنوبية. ويسمّى سير الشمس في هذه البروج جنوبيّا هابطا، لهبوطها في الجهة الجنوبية.
ثم تنقل إلى الجدي في السابع عشر من كيهك وتكرّ راجعة، فتأخذ في الارتفاع ويأخذ النهار في الزيادة والليل في النقصان، فيزيد النهار فيه كلّ يوم سدس درجة، وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيه لمدة ثلاثين يوما خمس درجات ونقص الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس
وخمسين درجة، والليل على مائتين وخمس درجات.(2/375)
ثم تنقل إلى الجدي في السابع عشر من كيهك وتكرّ راجعة، فتأخذ في الارتفاع ويأخذ النهار في الزيادة والليل في النقصان، فيزيد النهار فيه كلّ يوم سدس درجة، وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيه لمدة ثلاثين يوما خمس درجات ونقص الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس
وخمسين درجة، والليل على مائتين وخمس درجات.
ثم تنقل إلى الدلو، فيزيد النهار فيه كلّ يوم ثلث درجة، وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيه لمدة ثلاثين يوما عشر درجات ونقص الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وخمس وستين درجة والليل على مائة وخمس وتسعين درجة.
ثم تنقل إلى الحوت، فيزيد النهار فيه كلّ يوم نصف درجة وينقص الليل كذلك، فتكون زيادة النهار فيه لمدة ثلاثين يوما خمس عشرة درجة ونقص الليل كذلك، ويصير النهار بآخره على مائة وثمانين درجة والليل كذلك، فيستوي الليل والنهار وهو رأس الحمل وقد تقدّم. ويسمّى سير الشمس في هذه البروج الثلاثة جنوبيّا صاعدا لصعودها في الجهة الجنوبيّة، وهذا شأنها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
وهذا العمل إنما هو في مصر وأعمالها فإذا اختلفت العروض كان الأمر في الزيادة والنّقصان بخلاف ذلك والله أعلم.
تنبيه إذا أردت أن تعرف الشمس في أي برج من البروج وكم قطعت منه في أيّ وقت شئت، فأقرب الطرق في ذلك أن تعرف الشهر الذي أنت فيه من شهور القبط (1) وتعرف أمسه (2).
الجملة الرابعة في بيان ما يعرف به ابتداء الليل والنهار
وقد تقدّم أن النهار الطبيعيّ أوّله طلوع الشمس وآخره غروبها، والنهار الشرعيّ أوله طلوع الفجر الثاني وآخره غروب الشمس فيخالفه في الابتداء
__________
(1) أنظر ص 409وما بعدها.
(2) بياض في الأصل والزيادة من الطبعة الأميرية.(2/376)
ويوافقه في الانتهاء، وطلوع الشمس وغروبها ظاهر يعرفه الخاصّ والعامّ، أما الفجر فإن أمره خفيّ لا يعرفه كلّ أحد، وقد تقدّم انقسامه إلى كاذب: وهو الأول، وصادق: وهو الثاني، وعليه التعويل في الشرعيات، فيحتاج إلى موضّح يوضّحه ويظهره للعيان، وقد جعل المنجّمون وعلماء الميقات له نجوما تدّل عليه بالطّلوع والغروب والتوسط، وهي منازل القمر، وعدّتها ثمان وعشرون منزلة وهي الشّرطان، والبطين، والثّريّا، والدّبران، والهقعة، والهنعة، والذّراع، والنّثرة، والطّرف، والجبهة، والخرتان، والصّرفة، والعوّاء، والسّماك، والغفر، والزّبانان، والإكليل، والقلب، والشّولة، والنّعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السّعود، وسعد الأخبية، والفرغ المقدّم، والفرغ المؤخّر، وبطن الحوت (1).
والمعنى في ذلك أن الشمس إذا قربت من كوكب من الكواكب الثابتة أو المتحركة سترته وأخفته عن العيون، فصار يظهر (2) نهارا ويختفي ليلا ويكون خفاؤه غيبة له، ولا يزال كذلك خافيا إلى أن تبعد عنه الشمس بعدا يمكن أن يظهر معه للأبصار وهو عند أوّل طلوع الفجر، فإن ضوء الشمس يكون ضعيفا حينئذ فلا يغلب نور الكوكب فيرى الكوكب في الأفق الشرقيّ ظاهرا، وحصة كل منزلة من هذه المنازل من السنة ثلاثة عشر يوما وربع سبع يوم ونصف ثمن سبع يوم على التقريب كما سيأتي (3) على المنازل الثمانية والعشرين، خص كل منزلة ما ذكر من العدد والكسور، ولما كان الأمر كذلك جعل لكل منزلة ثلاثة عشر يوما، وهي ثلاث عشرة درجة من درج الفلك، وجمع ما فضل من الكسور على كل ثلاثة عشر يوما بعد انقضاء أيام المنازل الثمانية والعشرين، فكان يوما وربعا، فجعل يوما في المنزلة التي توافق آخر السنة وهي الجبهة فكان حصتها أربعة عشر يوما، وبقي ربع
__________
(1) تكلّم عنها جميعا في فصل سابق من هذا الجزء.
(2) لعلّه: يختفي نهارا ويظهر ليلا. ومع ذلك فإن بقية العبارة غير واضحة.
(3) كذا في الأصل ولعلّه فإن أيام السنه إذا قسمت على الخ.(2/377)
يوم ونسيء أربع سنين حتّى صار يوما فزيد على الجبهة أيضا، فكانت كواكب المنازل المذكورة تطلع مع الفجر، منها أربعة عشر يوما ثلاث سنين، وفي السنة الرابعة تطلع بالفجر خمسة عشر يوما.
فأما الشّرطان وهما المنزلة الأولى، فأوّل طلوعهما بالفجر في الثالث والعشرين من برمودة من شهور القبط، وهو الثامن عشر من نيسان من شهور السّريان (1).
وأما البطين وهو المنزلة الثانية، فأوّل طلوعه بالفجر في السادس من بشنس من شهور القبط، وهو أوّل يوم من أيّار من شهور السّريان.
وأما الثّريّا وهي المنزلة الثالثة، فأوّل طلوعها بالفجر في التاسع عشر من بشنس من شهور القبط، وهو الرابع عشر من أيار من شهور السّريان.
وأما الدّبران وهو المنزلة الرابعة، فطلوعها بالفجر في الثاني من بؤنة من شهور القبط، وهو السادس والعشرون من أيار من شهور السريان.
وأما الهقعة وهي المنزلة الخامسة، فأوّل طلوعها بالفجر في الخامس عشر من بؤنة من شهور القبط، وهو التاسع من حزيران من شهور السريان.
وأما الهنعة وهي المنزلة السادسة، فأوّل طلوعها بالفجر في الثامن والعشرين من بؤنة من شهور القبط، وهو الثاني والعشرون من حزيران من شهور السريان.
وأما الذّراع وهو المنزلة السابعة، فأوّل طلوعه بالفجر في الحادي عشر من أبيب من شهور القبط وهو الثامن عشر من تموز من شهور السّريان.
وأما النّثرة وهي المنزلة الثامنة، فأوّل طلوعها بالفجر في الرابع والعشرين من أبيب من شهور القبط، وهو الثامن عشر من تموز من شهور السريان.
وأما الطّرف وهو المنزلة التاسعة، فأوّل طلوعه بالفجر في السابع من مسرى من شهور القبط، وهو اليوم الآخر من تموز من شهور السّريان.
__________
(1) انظر ص 418من هذا الجزء.(2/378)
وأما الجبهة وهي المنزلة العاشرة، فأوّل طلوعها بالفجر في العشرين من مسرى من شهور القبط، وهو الثالث عشر من آب من شهور السريان.
وأما الخرتان وهو المنزلة الحادية عشرة، فأول طلوعه بالفجر في الرابع من أيام النسيء القبطيّ، وفي السنة الكبيسة في الخامس منه، وهو السابع والعشرون من آب من شهور السريان.
وأما الصّرفة وهي المنزلة الثانية عشرة، فأوّل طلوعها بالفجر في الثاني عشر من توت من شهور القبط، وهو التاسع من أيلول من شهور السّريان.
وأما العوّاء وهي المنزلة الثالثة عشرة، فأوّل طلوعها بالفجر في الخامس والعشرين من توت من شهور القبط، وفي الثاني والعشرين من أيلول من شهور السّريان.
وأما السّماك وهي المنزلة الرابعة عشرة فأوّل طلوعها بالفجر في الثامن من بابه من شهور القبط، وهو الخامس من تشرين الأوّل من شهور السريان.
وأما الغفر وهي المنزلة الخامسة عشرة فأوّل طلوعها بالفجر في الحادي والعشرين من بابه من شهور القبط، وهو الثامن عشر من تشرين الأوّل من شهور السّريان.
وأما الزّبانان وهما المنزلة السادسة عشرة فأوّل طلوعهما بالفجر في الرابع من هاتور من شهور القبط، وهو آخر يوم من تشرين الأوّل من شهور السّريان.
وأما الإكليل وهو المنزلة السابعة عشرة، فأوّل طلوعه بالفجر في السابع عشر من هاتور من شهور القبط، وهو الثالث عشر من تشرين الثاني من شهور السريان.
وأما القلب وهو المنزلة الثامنة عشرة فأوّل طلوعه بالفجر في آخر يوم من هاتور من شهور القبط وهو السادس والعشرون من تشرين الثاني من شهور السّريان.
وأما الشّولة وهي المنزلة التاسعة عشرة، فأوّل طلوعها بالفجر في الثالث عشر من كيهك من شهور القبط، وهو التاسع من كانون الأوّل من شهور السريان.(2/379)
وأما القلب وهو المنزلة الثامنة عشرة فأوّل طلوعه بالفجر في آخر يوم من هاتور من شهور القبط وهو السادس والعشرون من تشرين الثاني من شهور السّريان.
وأما الشّولة وهي المنزلة التاسعة عشرة، فأوّل طلوعها بالفجر في الثالث عشر من كيهك من شهور القبط، وهو التاسع من كانون الأوّل من شهور السريان.
وأما النّعائم وهي المنزلة العشرون، فأوّل طلوعها بالفجر في السادس والعشرين من كيهك من شهور القبط، وهو الثاني والعشرون من كانون الأوّل من شهور السريان.
وأما البلدة وهي المنزلة الحادية والعشرون، فأوّل طلوعها بالفجر في التاسع من طوبه من شهور القبط، وهو الرابع من كانون الثاني من شهور السريان.
وأما سعد الذابح وهو المنزلة الثانية والعشرون، فأوّل طلوعها بالفجر في الثاني والعشرين من طوبه من شهور القبط، وهو السابع عشر من كانون الثاني من شهور السريان.
وأما سعد بلع وهو المنزلة الثالثة والعشرون، فأوّل طلوعها بالفجر في الخامس من أمشير من شهور القبط، وهو الثلاثون من كانون الآخر من شهور السّريان.
وأما سعد السّعود وهو المنزلة الرابعة والعشرون، فأوّل طلوعها بالفجر في الثامن عشر من أمشير من شهور القبط، وهو الثاني عشر من شباط من شهور السّريان.
وأما سعد الأخبية وهو المنزلة الخامسة والعشرون، فأوّل طلوعها بالفجر أوّل يوم من برمهات من شهور القبط، وهو الخامس والعشرون من شباط من شهور السريان.
وأما الفرغ المقدّم وهو المنزلة السادسة والعشرون فأوّل طلوعها بالفجر في الرابع عشر من برمهات من شهور القبط، وهو السابع من آذار من شهور السريان.
وأما الفرغ المؤخّر وهو المنزلة السابعة والعشرون، فأوّل طلوعها بالفجر في السابع والعشرين من برمهات من شهور القبط، وهو الثاني والعشرون من آذار
من شهور السريان.(2/380)
وأما الفرغ المؤخّر وهو المنزلة السابعة والعشرون، فأوّل طلوعها بالفجر في السابع والعشرين من برمهات من شهور القبط، وهو الثاني والعشرون من آذار
من شهور السريان.
وأما بطن الحوت وهو المنزلة الثامنة والعشرون، فأوّل طلوعها بالفجر في العاشر من برموده من شهور القبط، وهو الخامس من نيسان من شهور السريان.
وقد نظم الشيخ كمال الدين حفيد الشيخ أبي عبد الله محمد القرطبي (1)
أبياتا، يعلم منها مطالع هذه المنازل بالفجر بحروف رمزها للشهور والأعداد والكواكب، وربما غلط بعض الناس فنسبها إلى الشيخ عبد العزيز الديريني (2)
رحمه الله، وهي هذه:
تبيص تهكع بحس بكأغ هدز ... هيزاء هلق كيجش ككون برز
ططب طكبذ أهب أيحس بأخ ... بيدم بكزم بيت بكجش رمز (3)
وليس فيها من الحشوات قط سوى ... أواخر النظم فافهم شرحها لتعز
وبيان كلّ ذلك أنّ الحرف الأوّل من كلّ كلمة اسم للشهر الذي تطلع فيه تلك المنزلة والحرف الآخر منها اسم المنزلة، وما بين الآخر والأوّل عدد ما مضى من الشهر بحساب الجمّل، مثال ذلك التاء من تبيص كناية عن توت، والصاد منها كناية عن الصّرفة، والياء والباء اللذان بينهما عددهما بالجمّل اثنا عشر، إذ الياء بعشرة والباء باثنتين فكأنه قال في الثاني عشر من توت تطلع منزلة الصّرفة بالفجر، وكذلك البواقي، إلا أنه لا عبرة بأواخر البيتين وهي برز في البيت الأوّل ورمز في البيت الثاني.
ونظم الإمام محب الدين جار الله الطبريّ أبياتا كذلك على شهور السريان وهي هذه:
__________
(1) هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الأندلسي: من كبار المفسرين، من أهل قرطبة رحل إلى مصر وتوفي فيها سنة 671هـ. (الأعلام: 5/ 322).
(2) هو عبد العزيز بن أحمد الدميري المعروف بالديريني: فقيه شافعي من الزهاد. توفي سنة 694هـ.
(الأعلام: 4/ 13).
(3) بعده بيت ناقص غير موجود بالأصل، وبه تكمل الشهور والمنازل.(2/381)
تهس تحيع تلز تجيء ... توكق كطش كبكن نزول
كدب كويذ كلب شبيس ... شهكح أزيم أبكم ألول
نهب نحيش أآب ... أوكد حطت حبكه صجول
والحال في هذه الكلمات من أوائل الأبيات وأواخرها وأوساطها كالحال في الأبيات المتقدّمة، فالتاء من تهس إشارة لتشرين الأوّل، والسين إشارة للسماك، والهاء بينهما بخمسة ففي الخامس من تشرين الأوّل يطلع السماك، وعلى هذا الترتيب في البواقي.
واعلم أن هذه المنازل لا تزال أربع عشرة منزلة منها ظاهرة فوق الأرض في نصف الفلك، وأربع عشر منزلة منها خافية تحت الأرض في نصف الفلك، وهي مراقبة بعضها لبعض لاستواء مقادير أبعادها، فإذا طلعت واحدة في الأفق الشرقي غربت واحدة في الأفق الغربيّ، وكانت أخرى متوسطة في وسط الفلك فهي كذلك أبدا.
والقاعدة في معرفة ذلك أنك تبتديء بأية منزلة شئت، وتعد منها ثمانية من الطالع فالثامنة هي المتوسطة والخامسة عشرة هي الغاربة فإذا كان الطالع الشّرطين فالمتوسط النّثرة والغارب الغفر وكذلك في جميع المنازل وفي مراقبة الطالع منها للغارب يقول بعض الشعراء مقيّدا لها على الترتيب بادئا بطلوع النّطح وهو الشّرطان وغروب الغفر حينئذ:
كم أمالوا من ناطح باغتفار ... وأحالوا على البطين الزّبانى
والثّريّا تكلّلت فرأينا ال ... قلب منها يشعّر الدّبرانا
هقعوا شولة وهنعوا نعاما ... بعد ما ذرّعوا البلاد زمانا
نثروا ذبحهم بطرف بليع ... جبهة السّعد في خرات خبانا
فانصرفنا وفي المقدّم عوّا ... آخرا والسّماك مدّ رشانا
وقال آخر:
النّطح يغفر والبطين مزابن ... ثم الثّريّا تبتغي إكليلا
والقلب للدّبران خلّ عاذر ... من أجل هقعة شولة ما قيلا
تهوى الهنيعة للنّعائم مثل ما ... ينوي الذّراع لبلدة ترجيلا
والنّثر يذبح عند طرف بلوعه ... ولجبهة سعد غدا منقولا
ولزبرة وسط الخباء إقامة ... فاصرف مقدّم ذكرها تعجيلا
يهوي المؤخّران إن سماك مرّة ... مدّ الرّشاء لجيده تنكيلا
وقد نظم صاحبنا الشيخ إبراهيم الدهشوريّ الشهير بالسهرورديّ أرجوزة، ذكر فيها الطالع، ثم الغارب في بيت وبعده المتوسط، ثم الوتد وهو الذي يقابله تحت الأرض في بيت ثان قال:(2/382)
النّطح يغفر والبطين مزابن ... ثم الثّريّا تبتغي إكليلا
والقلب للدّبران خلّ عاذر ... من أجل هقعة شولة ما قيلا
تهوى الهنيعة للنّعائم مثل ما ... ينوي الذّراع لبلدة ترجيلا
والنّثر يذبح عند طرف بلوعه ... ولجبهة سعد غدا منقولا
ولزبرة وسط الخباء إقامة ... فاصرف مقدّم ذكرها تعجيلا
يهوي المؤخّران إن سماك مرّة ... مدّ الرّشاء لجيده تنكيلا
وقد نظم صاحبنا الشيخ إبراهيم الدهشوريّ الشهير بالسهرورديّ أرجوزة، ذكر فيها الطالع، ثم الغارب في بيت وبعده المتوسط، ثم الوتد وهو الذي يقابله تحت الأرض في بيت ثان قال:
إن طلع الشرطان (1)
بطينها نور الزّبانين خلع ... فناعس الطّرف رمى سعد بلع
ثريا مع الإكليل بالوقود ... تنوّر الجبهة في السّعود
والدّبران القلب منه يخفق ... فالخرتان للخباء يطرق
وهقعة شولتها منهزمه ... وصرفة بفرغها مقدمه
وهنعة منها النّعائم نفرت ... بعوّة بالفرغ قد تأخّرت
رمى الذراع بلدة أصابها ... سماك بطن الحوت ما أصابها
فهذه جملتها مكمّله ... للشمس في ثلاث عشر منزله
الجملة الخامسة في ساعات الليل والنهار
قال أصحاب الهيئة: لما كان الفلك متحرّكا حركات متعدّدة يتلو بعضها بعضا جعل مقدار كل حركة منها يوما، ولما كانت الشمس في حركة من هذه الحركات تارة تكون ظاهرة لأهل الرّبع المعمور، وتارة مستترة عنهم بحدبة
__________
(1) بياض بالأصل.(2/383)
الأرض، انقسم لذلك مقدار تلك الحركة إلى الليل والنهار، فالنهار عبارة عن الوقت الذي تظهر فيه الشمس على ساكن ذلك الموضع من المعمور، والليل عبارة عن الوقت الذي تخفى عنهم فيه، فإنه يوجد وقت الصبح في موضع وقت طلوع الشمس في موضع آخر، وفي موضع آخر وقت الظهر، وفي موضع آخر وقت المغرب، وفي موضع آخر وقت نصف الليل.
ولما كانت منطقة البروج مقسومة إلى اثني عشر برجا، وكل برج إلى ثلاثين درجة، وكانت الشمس تقطع هذه المنطقة بحركة فلك الكل لها في زمان اليوم الجامع لليل والنهار، قسّم كل واحد منهما إلى اثني عشر جزءا، وجعل قسط كل جزء منها خمس عشرة درجة وسمّي ساعة. ثم لما كان الليل والنهار يزيد أحدهما على الآخر ويتساويان في الاعتدالين على ما مرّ، اضطرّ إلى أن تكون الساعات نوعين: مستوية وتسمّى المعتدلة، وزمانيّة وتسمّى المعوجّة. فالمستوية تختلف أعدادها في الليل والنهار، وتتفق مقاديرها بحسب طول النهار وقصره، فإنه إن طال كانت ساعاته أكثر، وإن قصر كانت ساعاته أقلّ، مقدار كل ساعة منه خمس عشرة درجة لا تزيد ولا تنقص، والمعوجة تتفق أعدادها وتختلف مقاديرها، فإن زمان النهار طال أو قصر ينقسم أبدا إلى اثنتي عشرة ساعة مقدار كل واحدة منها نصف سدس الليل والنهار، وهي في النهار الطويل أطول منها في القصير. والذي كانت العرب تعرفه من ذلك الزمانيّة دون المستوية، فكانوا يقسمون كلّا من الليل والنهار إلى اثنتي عشرة ساعة، ووضعوا لكل ساعة من ساعات الليل والنهار أسماء تخصّها.
فأما ساعات الليل فسمّوا الّاولى منها الشاهد، والثانية الغسق، والثالثة العتمة، والرابعة الفحمة، والخامسة الموهن، والسادسة القطع، والسابعة الجوشن، والثامنة الهتكة، والتاسعة التّباشير (1)، والحادية عشرة الفجر الأوّل،
__________
(1) العاشرة غير موجودة في الأصل. وعدّ في نهاية الأرب، للنويري، بعد التباشير: الفجر الأول ثم الفجر الثاني ثم المعترض، وبه تعلم ما هنا.(2/384)
والثانية عشرة الفجر المعترض.
فأما النهار فسّموا الساعة الأولى منه الذّرور، والثانية البزوغ، والثالثة الضّحى، والرابعة الغزالة، والخامسة الهاجرة، والسادسة الزّوال، والسابعة الدّلوك، والثامنة العصر، والتاسعة الأصيل، والعاشرة الصّبوب، والحادية عشرة الحدود (1)، والثانية عشرة الغروب.
وتروى عنهم على وجه آخر، فيقال فيها: البكور، ثم الشّروق، ثم الإشراق، ثم الرّاد، ثم الضّحى، ثم المتوع، ثم الهاجرة، ثم الأصيل، ثم العصر، ثم الطّفل (بتحرك الفاء)، ثم العشيّ، ثم الغروب، ذكرهما ابن النحاس في «صناعة الكتاب».
قال في «مناهج الفكر»: ويقال إن أوّل من قسم النهار إلى اثنتي عشرة ساعة آدم عليه السلام، وضمّن ذلك وصيّة لابنه شيث عليه السلام، وعرّفه ما وظّف عليه كلّ ساعة من عمل وعبادة والله أعلم.
الجملة السادسة في أيام الأسبوع، وفيها أربعة مدارك
المدرك الأوّل في ابتداء خلقها وأصل وجودها
وقد نطق القرآن الكريم بذكر ستة أيام منها على الإجمال والتفصيل.
أما الإجمال فقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيََّامٍ} (2).
وأما التفصيل فقوله تعالى: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدََاداً ذََلِكَ رَبُّ الْعََالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهََا رَوََاسِيَ مِنْ فَوْقِهََا وَبََارَكَ}
__________
(1) لعل صوابه: الحدور.
(2) هود / 7.(2/385)
{فِيهََا وَقَدَّرَ فِيهََا أَقْوََاتَهََا فِي أَرْبَعَةِ أَيََّامٍ سَوََاءً لِلسََّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوى ََ إِلَى السَّمََاءِ وَهِيَ دُخََانٌ فَقََالَ لَهََا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيََا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قََالَتََا أَتَيْنََا طََائِعِينَ فَقَضََاهُنَّ سَبْعَ سَمََاوََاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} (1) والمراد بالأربعة الأولى بما فيها من اليومين المتقدّمين، ومثله في كلام العرب كثير، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم «إذا نام أحدكم جاء الشيطان فعقد تحت رأسه ثلاث عقد، فإذا استيقظ فذكر الله تعالى انحلّت عقدة، فإذا توضّأ انحلّت عقدتان، فإذا صلّى انحلّت الثالثة» فالمراد بقوله عقدتان عقدة والعقدة الأولى، وقد ظهر بذلك أن المراد من الآية ستة أيام فقط، وهو ما ورد به صريح الآيات في غير هذه الآية أن خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وقد ورد ذلك مبينا فيما رواه ابن جرير (2) من رواية ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ اليهود أتت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، تسأله عن خلق السموات والأرض، فقال: «خلق الله الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، وخلق الجبال يوم الثّلاثاء وما فيهنّ من منافع، وخلق يوم الأربعاء المدائن والشّجر والعمران والخراب، فهذه أربعة أيّام، وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس، وفي الثالثة خلق آدم وأسكنه الجنّة وأمر إبليس بالسّجود له، وأخرجه منها في آخر ساعة» قالت اليهود:
ثم ماذا؟ قال: «ثم استوى على العرش» قالوا: أصبت لو أتممت، قالوا: ثم استراح فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غضبا شديدا فنزل {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ وَمََا بَيْنَهُمََا فِي سِتَّةِ أَيََّامٍ وَمََا مَسَّنََا مِنْ لُغُوبٍ} (3) قال الشيخ عماد الدين بن كثير (4) في تفسيره: وفيه غرابة، ولا ذكر في هذا الحديث ليوم السبت في أوّل الخلق ولا في آخره، نعم ثبت في صحيح مسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بيدي فقال: «خلق الله التّربة يوم السّبت،
__________
(1) فصلت / 1211109.
(2) أبو جعفر، محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310هـ.
(3) ق / 38.
(4) هو إسماعيل بن عمر بن كثير: حافظ مؤرخ فقيه. توفي سنة 774هـ. (الأعلام: 1/ 320).(2/386)
وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشّجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثّلاثاء، وخلق النّور يوم الأربعاء، وبثّ فيها الدّوابّ يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى اللّيل» قال ابن كثير: وهو من غرائب الصحيح، وعلله البخاريّ في تاريخه فقال: رواه بعضهم عن أبي هريرة عن كعب الأحبار وهو أصح، فقد ورد التصريح في هذا الحديث بذكر الأيّام السبعة ووقوع الخلق فيها. قال أبو جعفر النحاس: زعم محمد بن إسحاق (1) أن هذا الحديث أولى من الحديث الذي قبله، واستدلّ بأن الفراغ كان يوم الجمعة، وخالفه غيره من العلماء الحذّاق النّظّار.
وقالوا: دليله دليل على خطئه، لأن الخلق في ستّة أيام يوم الجمعة منها كما صح عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم برواية الجماعة، فلو لم يدخل في الأيام لكان الخلق في سبعة وهو خلاف ما جاء به التنزيل على أن أكثر أهل العلم على حديث ابن عباس، فتبين أن الابتداء يوم الأحد إذ كان الآخر يوم الجمعة، وذلك ستة أيام كما في التنزيل.
قال أبو جعفر: على أن الحديثين ليسا بمتناقضين، لأنا إن عملنا على الابتداء بالأحد فالخلق في ستة أيام وليس في التنزيل أنه لا يخلق بعدها شيئا، وإن عملنا على الابتداء بالسبت فليس في التنزيل أنه لم يخلق قبلها شيئا.
إذا علمت ذلك فقد حكى أبو جعفر النحاس أن مقدار كل يوم من أيام خلق السموات والأرض ألف سنة من أيام الدّنيا، وأنه كان بين ابتدائه عز وجل في خلق ذلك وخلق القلم الذي أمره بكتابة كلّ ما هو كائن إلى قيام الساعة يوم وهو ألف عام، فصار من ابتداء الخلق إلى انتهائه سبعة آلاف عام، وعليه يدل قول ابن عباس: إن مدّة إقامة الخلق إلى قيام الساعة سبعة أيّام كما كان الخلق في سبعة أيام.
__________
(1) من أقدم مؤرحي العرب. له «السيرة النبوية»، هذبها ابن هشام. سكن بغداد ومات فيها سنة 151 هـ. (الأعلام: 6/ 28).(2/387)
قال أبو جعفر: وهذا باب مداره على النقل دون الآراء.
المدرك الثاني في أسمائها، وقد اختلف في ذلك على ثلاث روايات
الرواية الأولى ما نطقت به العرب المستعربة من ولد إسماعيل عليه السلام
وجرى عليه الاستعمال إلى الآن: وهو الأحد والاثنان والثّلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسّبت.
والأصل في ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «إن الله عز وجلّ خلق يوما واحدا فسمّاه الأحد، ثم خلق ثانيا فسمّان الاثنين، ثم خلق ثالثا فسمّاه الثّلاثاء، ثم خلق رابعا فسمّاه الأربعاء، ثم خلق خامسا فسمّاه الخميس» ولا ذكر في هذه الرواية للجمعة والسبت. وقد ذكرهما الله تعالى في كتابه العزيز، قال تعالى: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نُودِيَ لِلصَّلََاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} (1) وقال جل وعز {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتََانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً} (2). وسيأتيان في غير هذه الرواية عند ذكر الاختلاف فيما ابتديء فيه الخلق منها.
فالأحد بمعنى واحد ويقال بمعنى أوّل ورجحه النحاس، وهو المطابق لتسمية الثاني بالاثنين، والثالث بالثّلاثاء، وقيل أصله وحد بفتح الواو والحاء كما أن أناة أصلها وناة، ويجمع في القلّة على آحاد وأحدات، وفي الكثرة على أحود وأوحاد (3) ويحكى في جمعه أحد أيضا قال النحاس: كأنه جمع الجمع.
والاثنان بمعنى الثاني. قال النحاس: وسبيله ألّا يثنّى، وأن يقال فيه: مضت أيام الاثنين إلا أن تقول ذوات، قال: وقد حكى البصريّون الأثن والجميع الثّنيّ.
وقال ابن قتيبة في أدب الكاتب: إن شئت أن تجمعه فكأنه مبني للواحد قلت
__________
(1) الجمعة / 9.
(2) الأعراف / 163.
(3) لعله: إحاد، بدليل عبارة النحاس.(2/388)
أثانين. وحكى النحاس مثله عن كتاب الفرّاء في الأيام وقال: إنما يجوز على حيلة بعيدة، وهي أن يقال: اليوم الاثنان فتضمّ النون فتصير ماثل عمران فتثنيه وتجمعه على هذا. وحكي عن الفراء أيضا في جمع الكثرة أثان فتقول مضت أثان مثل أسماء وأسام، قال: وقرأت على أبي إسحاق في كتاب سيبويه (1) فيما حكاه اليوم الثّني فتقول على هذا في الجمع الأثناء.
والثّلاثاء بمعنى الثالث، ويجمع على ثلاثاوات، وحكى الفراء أثالث، قال النحاس: ويجوز أثاليث، وكذا ثلاثث مثل جمع ثلاثة لأن ألفي التأنيث كالهاء، وتقول فيه: مضت الثّلاثاء على تأنيث اللفظ ومضى على تذكير اليوم، وكذا في الجمع تقول مضت ثلاث ثلاثاوات، وثلاثة ثلاثاوات.
والأربعاء بمعنى الرابع، ويجمع على أربعاوات وكذا أرابيع والياء فيه عوض ما حذف، فإن لم تعوّض قلت أرابع وأجاز الفراء أربعاءات مثل ثلاثاءات ومنعه البصريون للفرق بين ألف التأنيث وغيرها.
والخميس بمعنى الخامس، ويجمع في القلّة على أخمسة، وفي الكثرة على خمس وخمسان كرغف ورغفان، ويقال أخمساء كأنصباء، وحكي عن الفراء في الكثرة أخامس.
والجمعة (بضم الميم وإسكانها) ومعناها الجمع واختلف في سبب تسميته بذلك فقال النحاس: لاجتماع الخلق فيه، وهذا ظاهر في أن الاسم كان بها قديما وقيل لاجتماع الناس للصلاة فيه ثم اختلف فقيل سميت بذلك في الجاهلية واحتجّ له بما حكاه أبو هلال العسكريّ في كتابه الأوائل: أن أوّل من سمّى الجمعة جمعة كعب بن لؤيّ جدّ النبي صلى الله عليه وسلّم، وذلك أنّه جمع قريشا وخطبهم فسميت جمعة وكانوا لا يعرفون قبل ذلك إلا العروبة. وقيل إنما سميت بذلك في
__________
(1) «الكتاب» في النحو لأبي بشر، عمرو بن عثمان الملقب بسيبويه لأنه كان يحب شم التفاح ويكثر ذلك. توفي سنة 180هـ. (كشف الظنون: 1426).(2/389)
الإسلام وذلك أن الأنصار قالوا: إن لليهود يوما يجتمعون فيه بعد كلّ ستة أيام، وللنصارى كذلك فهلمّوا نجعل لنا يوما نجتمع فيه نذكر الله تعالى ونصلّي، فقالوا يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى فاجعلوا يوم العروبة لنا، فاجتمعوا إلى سعد بن زرارة الأنصاري فصلّى بهم يومئذ ركعتين وذكّرهم فسمّوه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه فأنزل الله تعالى سورة الجمعة. على أن السّهيليّ قد قال في الروض الأنف (1): إن يوم الجمعة كان يسمّى بهذا الأسم قبل أن يصلّي الأنصار الجمعة.
أما أوّل جمعة جمّعها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما حكاه صاحب الأوائل فإنه لما قدم المدينة مهاجرا نزل على بني عمرو بن عوف وأقام عندهم أيّاما ثم خرج يوم الجمعة عائدا إلى المدينة فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم فخطب وصلّى بهم الجمعة. وتجمع على جمع وجمعات بالفتح والتسكين (2).
والسبت ومعناه القطع، بمعنى قطع فيه الخلق على رأي من يرى أن السبت آخر أيام الجمعة، وأنه لا خلق فيه على ما سيأتي ذكره. وقول النحاس إنه مشتقّ من الراحة أيضا لا عبرة به لمضاهاة قول اليهود فيه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى. ويجمع في القلّة على أسبت وسبتات بالتحريك، وفي الكثرة على سبوت بضم السين مثل قرح وقروح.
الرواية الثانية ما يروى عن العرب العاربة من بني قحطان وجرهم الأولى
: وهو أنهم كانوا يسمّون الأحد الأوّل لأنه أوّل أعداد الأيام ويسمّون الاثنين أهون أخذا من الهون والهوينى، وأوهد أيضا أخذا من الوهدة وهي المكان المنخفض من الأرض لانخفاضه عن اليوم الأوّل في العدد. ويسمّون الثّلاثاء جبارا (بضم الجيم) لأنه جبر به العدد. ويسمّون الأربعاء دبارا (بضم الدال المهملة) لأنه دبر
__________
(1) «الروض الأنف في شرح غريب السير» لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي المتوفى سنة 581هـ. (كشف الظنون: 917).
(2) وجمعات أيضا، بضمتين. قال في المصباح كغرفات في وجوهها.(2/390)
ما جبر به العدد بمعنى أنه جاء دبره، ويسمون الخميس مؤنسا لأنه يؤنس به لبركته قال النحاس: ولم يزل ذلك أيضا في الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلّم يتبرّك به ولا يسافر إلا فيه وقال: «اللهمّ بارك لأمّتي في بكورها يوم خميسها» ويسمّون الجمعة العروبة (بفتح العين مع الألف واللام) وفي لغة شاذّة عروبة بغير ألف ولام مع عدم الصرف، ومعناه اليوم البيّن أخذا من قولهم: أعرب إذا أبان، والمراد أنه بيّن العظمة والشّرف، إذ لم يزل معظّما عند أهل كل ملة وجاء الإسلام فزاده تعظيما وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه دخل الجنّة، وفيه أخرج منها». ويسمّونه أيضا حربة بمعنى أنه مرتفع عال كالحربة التي هي كالرّمح، كما يقال محراب لارتفاعه وعلوّ مكانته، ويسمّون السبت شيارا (بفتح الشين المعجمة وكسرها مع الياء المثناة تحت) أخذا من شرت الشيء إذا استخرجته وأظهرته من مكانه، إمّا بمعنى أنه استخرج من الأيام التي وقع فيها الخلق على مذهب من يرى أنه آخر أيام الأسبوع وأن ابتداء الخلق الأحد وانتهاءه الجمعة، وإما بمعنى أنه ظهر أوّل أيام الجمعة على مذهب من يرى أنه أوّل الجمعة وكان ابتداء الخلق فيه، وإلى هذه الأسماء يشير النابغة بقوله:
أؤمّل أن أعيش وأنّ يومي ... لأوّل أو لأهون أو جبار
أو التالي دبار فإن أفته ... فمؤنس أو عروبة أو شيار
الرواية الثالثة ما حكاه النحاس عن الضّحّاك
: أن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستّة أيام، ليس منها يوم إلا له اسم: أبجد هوّز حطّي كلمن سعفص قرشت. وقد حكى السهيلي رحمه الله أن الأسماء المتداولة بين الناس الآن مرويّة عن أهل الكتاب، وأن العرب المستعربة لما جاورتهم أخذتها عنهم، وأن الناس قبل ذلك لم يكونوا يعرفون إلا الأسماء التي وضعتها العرب العاربة وهي أبجد هوّز حطّي كلمن سعفص قرشت التي خلق الله تعالى فيها سائر المخلوقات:
علويّها وسفليّها. وهذا يخالف ما تقدّم في الرواية الثانية عن العرب العاربة وعلى أنها أسماء للأيام التي وقع فيها الخلق يحتمل أن يكون أبجد اسما للأحد
على مذهب من يرى أن ابتداء الخلق يوم الأحد ويكون السبت لا ذكر له في هذه الرواية (1).(2/391)
علويّها وسفليّها. وهذا يخالف ما تقدّم في الرواية الثانية عن العرب العاربة وعلى أنها أسماء للأيام التي وقع فيها الخلق يحتمل أن يكون أبجد اسما للأحد
على مذهب من يرى أن ابتداء الخلق يوم الأحد ويكون السبت لا ذكر له في هذه الرواية (1).
المدرك الثالث في بيان أوّل أيام الأسبوع، وما كان فيه ابتداء الخلق منها.
وقد اختلف الناس في ذلك على ثلاثة مذاهب
المذهب الأوّل أن أوّل أيام الأسبوع وابتداء الخلق الأحد
. واحتج لذلك بما تقدّم من حديث ابن عباس أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلّم فسألته عن خلق السموات والأرض فقال: «خلق الله عز وجلّ الأرض يوم الأحد» الحديث وبحديثه الآخر:
«خلق الله يوما واحدا فسمّاه الأحد» وإذا كان ابتداء الخلق الأحد لزم أن يكون أوّل الأسبوع الأحد.
المذهب الثاني أن أوّل أيام الأسبوع وابتداء الخلق السبت
. واحتج له بحديث أبي هريرة المتقدم «أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بيدي فقال: خلق الله التّربة يوم السبت» الحديث، وإذا كان ابتداء الخلق السبت لزم أن يكون أوّل الأسبوع السبت.
المذهب الثالث أن أوّل أيام الأسبوع الأحد
، لحديث «خلق الله يوما واحدا فسمّاه الأحد ثم خلق ثانيا فسمّاه الاثنين» الحديث. وابتداء الخلق يوم السبت لحديث أبي هريرة المتقدّم. قال النحاس: وهذا أحسنها.
المدرك الرابع في التفاؤل بأيام الأسبوع والتطيّر بها وما يعزى لكلّ منها من خير أو شرّ، على ما هو متداول بين الناس
واعلم أنه لا أصل لذلك من الشريعة، ولم يرد فيه نصّ من كتاب ولا سنة.
__________
(1) اسقط الناسخ الاحتمال الثاني. وقد ذكره القلقشندي في ضوء الصبح بقوله: ويحتمل أن «أبجد» اسم للسبت على رأي من يرى أنه ابتديء فيه الخلق، وتكون الجمعة لا ذكر لها.(2/392)
وقد وردت القرعة عن جعفر الصادق رضي الله عنه في توزيع الأعمال على الأيام أنه قال: السبت يوم مكر وخديعة ويوم الأحد يوم غرس وعمارة ويوم الاثنين يوم سفر وتجارة ويوم الثلاثاء يوم إراقة دم وحرب ومكافحة ويوم الأربعاء يوم أخذ وعطاء ويقال: يوم نحس مستمر ويوم الخميس يوم دخول على الأمراء وطلب الحاجات ويوم الجمعة يوم خلوة ونكاح. ووجهوا هذه الدعوى بأن قريشا مكرت في دار الندوة (1) يوم السبت، وأن الله ابتدأ الخلق يوم الأحد، وأن شعيبا سافر للتجارة يوم الأثنين، وأن حوّاء حاضت يوم الثلاثاء، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه، وأن فرعون غرق هو وقومه يوم الأربعاء، وفيه أهلك الله عادا وثمودا (2)، وأن إبراهيم دخل على النّمرود يوم الخميس، وأن الأنبياء عليهم السلام كانت تنكح وتخطب يوم الجمعة. وقد نظم بعض الشعراء هذه الاختيارات في أبيات وإن كان قد خالف الواضع في مواضع فقال:
لنعم اليوم يوم السّبت حقّا ... لصيد إن أردت بلا امتراء
وفي الأحد البناء فإنّ فيه ... تبدّى الله في خلق السماء
وفي الإثنين إن سافرت فيه ... سترجع بالنجاح وبالغناء
وإن ترد الحجامة في الثّلاثا ... ففي ساعاته هرق الدّماء
وإن شرب امرؤ منكم دواء ... فنعم اليوم يوم الأربعاء
وفي يوم الخميس قضاء حاج ... فإنّ الله يأذن بالقضاء
ويوم الجمعة التّزويج حقّا ... ولذّات الرّجال مع النّساء
وسيأتي الكلام على ما يتعلق من ذلك بأيام الشهر في الكلام على الشّهور في الفصل السابع من الكتاب إن شاء الله تعالى.
__________
(1) وهي دار بمكة كانت لقصيّ بن كلاب ثم صارت قريش تحضرها إذا حزّ بها أمر. وحكى الأزرقي في تاريخ مكة أنها سميت دار الندوة لاجتماع الندي فيها يتشاورون ويبرمون أمورهم. وقد اشتراها معاوية من ابن الزبير العبدري بمائة ألف درهم. (تهذيب الاسماء: 4/ 176).
(2) ثمود، يصرف ولا يصرف.(2/393)
الطرف الثاني في الشّهور، وهي على قسمين: طبيعيّ واصطلاحيّ (1)
القسم الأوّل الطبيعيّ والمراد به القمريّ
وهو مدّة مسير القمر من حين يفارق الشمس إلى حين يفارقها مرة أخرى، وهي على ضربين:
الضرب الأوّل شهور العرب
والشهر العربيّ عبارة عمّا بين رؤية الهلال إلى رؤيته ثانيا، وعدد أيامه تسعة وعشرون يوما ونصف يوم على التقريب، ولما كان هذا الكسر في العدد عسرا عدّوا جملة الشهرين تسعة وخمسين يوما، أحدهما ثلاثون وهو التام، والآخر تسعة وعشرون وهو الناقص. وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أمّ سلمة رضي الله عنها: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلّم حلف لا يدخل على بعض نسائه شهرا فلما مضى تسعة وعشرون غدا عليهم أو راح فقيل: يا رسول الله، حلفت لا تدخل عليهنّ شهرا فقال: الشهر يكون تسعة وعشرين»، وذلك بحسب مسير النّيّرين: الشمس والقمر بالمسير الأوسط، أما بالمسير المقوّم فإنه يتفق إذا استكمل الشهر برؤية الهلال عيانا أن يتوالى شهران وثلاثة تامّة، وتتوالى كذلك ناقصة، وعلى ذلك عمل العرب واليهود. ولهم في استعماله طريقتان:
الطّريقة الأولى طريقة العرب
ومدّة الشهر عندهم من رؤية الهلال إلى رؤية الهلال، وهي أسهل الطّرق
__________
(1) المراد به الشمسي. انظر ص: 425من هذا الجزء.(2/394)
وأقربها، وعليها جاء الشرع، وبها نطق التنزيل قال تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوََاقِيتُ لِلنََّاسِ وَالْحَجِّ} (1) وفيها جملتان:
الجملة الأولى في أحوال الأهلّة التي عليها مدار الشهور في ابتدائها وانتهائها
واعلم أن مسير القمر مقدّر بمعرفة الشهور والسنين قال تعالى: {فَمَحَوْنََا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنََا آيَةَ النَّهََارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسََابَ} (2) والشمس تعطيه في كل ليلة ما يستضيء به نصف سبع قرصه حتّى يكمل ثم تسلبه من الليلة الخامسة عشرة كلّ ليلة نصف سبع قرصه حتى لا يبقى فيه نور فيستتر. ويروى عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه سئل عن القمر فقال:
يمحق كل ليلة ويولد جديدا ويبعد مثل هذا عن جعفر الصادق.
إذا علمت ذلك فللقمر حركتان: سريعة وبطيئة كما تقدّم في الشمس.
أما الحركة السريعة فحركة فلك الكلّ به من المشرق إلى المغرب، ومن المغرب إلى المشرق في اليوم والليلة.
واعلم أن الهلال إذا طلع مع غروب الشمس كان مغيبه على مضيّ ستة أسباع ساعة من الليل، ولا يزال مغيبه يتأخر عن مغيبه في كل ليلة ماضية هذا المقدار حتّى يكون مغيبه في الليلة السابعة نصف الليل، وفي الليلة الرابعة عشرة طلوع الشمس، ثم يكون طلوعه في الليلة الخامسة عشرة على مضيّ ستة أسباع ساعة منها، ولا يزال طلوعه يتأخر عن طلوعه في كل ليلة ماضية بعد الإبدار هذا المقدار حتّى يكون طلوعه ليلة إحدى وعشرين نصف الليل، وطلوعه ليلة ثمان وعشرين مع الغداة.
وإذا أردت أن تعلم على مضيّ كم من الساعات يغيب أو يطلع من الليل،
__________
(1) البقرة / 189.
(2) الإسراء / 12.(2/395)
فإن أردت المغيب وكان قد مضى من الشهر خمس ليال تقديرا فاضربها في ستة تكون ثلاثين فأسقطها سبعة سبعة يبقى اثنان فيكون مغيبه على مضيّ أربع ساعات وثلاثة (1) أسباع ساعة، وكذلك العمل في أيّ ليلة شئت، وإن أردت الطلوع وكان قد مضى من الإبدار ستّ ليال مثلا فاضرب ستة في ستة يكون ستة وثلاثين فأسقطها سبعة سبعة يبقى واحد، فيكون طلوعه على خمس ساعات وسبع، وكذلك العمل في أيّ ليلة شئت.
وقد قسمت العرب ليالي الشهر بعد استهلاله كلّ ثلاثة أيام قسما وسمتها باسم، فالثلاث الأول منها هلال، والثلاث الثانية قمر، والثلاث الثالثة بهر، والثلاث الرابعة زهر (والزّهر البياض)، والثلاث الخامسة بيض، لأن الليالي تبيضّ بطلوع القمر فيها من أوّلها إلى آخرها والثلاث السادسة درع، لأن أوائلها تكون سودا وسائرها بيض، والثلاث السابعة ظلم، والثلاث الثامنة حنادس، والثلاث التاسعة دآدىء (الواحدة منها دأدأة على وزن فعللة)، والثلاث العاشرة ليلتان منها محاق وليلة سرار لإمحاق الشمس القمر فيها.
ومنهم من يقول: ثلاث غرر (وغرّة كلّ شيء أوّله)، وثلاث شهب، وثلاث زهر، وثلاث تسع (2)، لأن آخر يوم منها اليوم التاسع، وثلاث بهر، بهر فيها ظلام الليل، وثلاث بيض، وثلاث درع، وثلاث دهم وفحم وحنادس، وثلاث دآدىء (3).
ويروى عنهم أنهم يسمّون ليلة ثمان وعشرين الدّعجاء، وليلة تسع وعشرين الدّهماء، وليلة ثلاثين اللّيلاء، وهم يقولون في أسجاعهم: القمر ابن
__________
(1) لعل الصواب: «وسبعان» كما هو واضح.
(2) لعل هذه الثلاثة قبل التي قبلها بدليل التعليل.
(3) وفي بلوغ الأرب: 3/ 225 «ثلاث هلال، ثلاث قمر، ثلاث غرر، ثلاث نفل، ثلاث تسع، ثلاث عشر، ثلاث بيض، ثلاث درع، ثلاث ظلم، ثلاث حنادس، ثلاث دآديء، وثلاث محاق.» وقد نظمها بعضهم شعرا.(2/396)
ليلة، رضاع سخيلة (1)، حلّ أهلها برميلة وابن ليلتين حديث أمتين، كذب ومين (2) وابن ثلاث، قليل اللّباث (3)، وابن أربع، عتمة أمّ ربع (4)، لا جائع ولا مرضع وابن خمس، حديث وأنس، وعشاء خلفات قعس (5)، وابن ستّ، سروبتّ (6) وابن سبع، دلجة ضبع، وحديث وجمع وابن ثمان، قمر إضحيان وابن تسع، محذوّ النّسع (7)، ويقال الشّسع (8) وابن عشر، مخنق الفجر، وثلث الشّهر.
هذا هو المحفوظ عن العرب في كثير من الكتب.
قال صاحب مناهج الفكر: وعثرت في بعض المجاميع على زيادة إلى آخر الشهر، وكأنها والله أعلم مصنوعة، وهي على ألسنة العرب موضوعة، وهي: وابن إحدى عشرة، يرى عشاء ويرى بكرة، وابن اثنتي عشرة، مرهق البشر (9)، بالبدو والحضر، وابن ثلاث عشرة، قمر باهر، يعشي الناظر، وابن أربع عشرة مقبل الشباب، مضيء دجنّات السّحاب، وابن خمس عشرة تمّ التمام، ونفدت الأيّام،
__________
(1) السخيلة: تصغير سخلة، والمعنى أن الهلال يبقى بقدر ما ينزل قوم فتضع شاتهم سخلة ثم ترضعها ويرتحلون. فبقاؤه في الأفق كمقدار رضاع السخلة.
(2) يريد أن بقاءه له قليل كمقدار ما تلقى الأمة الأمة فتحدثها فتكذب لها حديثا ثم تفترقان.
(3) ويقال: ابن ثلاث، حديث فتيات غير مؤتلفات. يريد أنه يبقى بقاء فتيات أبكار أجتمعن على غير ميعاد فتحدثن ساعة ثم انصرفت غير مؤتلفات.
(4) أم ربع: الناقة. يريد أن بقاءه مقدار ما تحلب ناقة لها ولد ولدته في أول الربيع، وهو أول النتاج وعتمت إبله: إذا تأخرت، وفي هذا سميت العتمة لأنها آخر الوقت.
(5) الخلفات: هي التي استبان حملها. القعس: جمع قعساء، وهي الداخلة الظهر الخارجة البطن، ويقال أيضا الأقعس عكس الأحدب.
(6) أي سر فيّ وبت فإنني أبقى بقدر ما يبيت إنسان ويسير.
(7) ويقال: ما أنت ابن تسع، ملتقط الجزع. أي أنه مضيء أبلج، لو انقطعت فيه مخنقة فتاة معضلة بجزع ما ضاع منها شيء لضيائه ونقائه.
(8) الشّسع: أحد سيور النعل. والنسع: سير يضفر على هيئة أعنة النعال تشد به الرحال، والجمع:
أنساع ونسوع ونسع.
(9) في بعض الروايات: «للشمس والحضرة».(2/397)
وابن ستّ عشرة نقص الخلق، في الغرب والشّرق، وابن سبع عشرة، أمكنت المقتفر القفرة (1)، وابن ثمان عشرة قليل البقاء، سريع الفناء وابن تسع عشرة بطيء الطّلوع، سريع الخشوع وابن عشرين يطلع سحرة، ويغيب بكرة وابن إحدى وعشرين كالقبس، يطلع في الغلس، وابن اثنتين وعشرين يطيل السّرى، ريثما يرى وابن ثلاث وعشرين يرى في ظلمة الليال، لا قمر ولا هلال وابن خمس وعشرين دنا الأجل، وانقطع الأمل وابن ست وعشرين دنا ما دنا، فما يرى إلّا سنا، وابن سبع وعشرين يشقّ الشمس، ولا يرى له حسّ، وابن ثمان وعشرين ضئيل صغير لا يراه إلا البصير.
وأما حركته البطيئة، فحركته من جهة الشّمال إلى جهة الجنوب، ومن جهة الجنوب إلى جهة الشمال، وتنقله في المنازل الثمانية وعشرين في ثمانية وعشرين يوما بلياليها كالشمس في البروج قال تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنََاهُ مَنََازِلَ حَتََّى عََادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} (2) فما تقطعه الشمس من الشمال إلى الجنوب وبالعكس في جميع السنة يقطعه القمر في ثمانية وعشرين يوما. والمنازل للقمر كالبروج للشّمس، وذلك أنه لما اتصل إلى العرب ما حققه القدماء برصدهم من الكواكب الثابتة، وكان لا غنى لهم عن معرفة كواكب ترشدهم إلى العلم بفصول السنة وأزمنتها، رصدوا كواكب وامتحنوها، ولم يستعملوا صور البروج على حقيقتها، لأنهم قسّموا فلك الكواكب على مقدار الأيام التي يقطعه القمر فيها، وهي ثمانية وعشرون يوما، وطلبوا في كل قسم منها علامة تكون أبعاد ما بينها وبين العلامة الأخرى مقدار مسير القمر في يوم وليلة، وسمّوها منزلة إلى أن تحقق لهم ثمانية وعشرون على ما تقدّم ذكره في الكلام على طلوعها بالفجر، لأن القمر إذا سار سيره الوسط انتهى في اليوم التاسع والعشرين إلى المحاق الذي بدأ منه، فحذفت
__________
(1) الخلاء من الأرض.
(2) يس / 39.(2/398)
المتكرّر فبقي ثمانية وعشرون ويزاد بالشّرطين، لأن كواكبه من جملة كواكب الحمل الذي هو أوّل البروج.
ثم هذه المنازل على قسمين: شماليّ وجنوبيّ كما في البروج، وكل قسم منها أربع عشرة منزلة. فالشماليّ منها ما كان طلوعه من ناحية الشام، وتسمّى الشاميّة وهو ما كان منها من نقطة الاعتدال، التي هي رأس الحمل والميزان صاعدا إلى جهة الشمال وهي الشّرطان، والبطين، والثّريّا، والدّبران، والهقعة، والهنعة، والذّراع، والنّثرة، والطّرف، والجبهة، والخرتان، والصّرفة، والعوّاء، والسّماك، وبطلوعها يطول الليل ويقصر النهار. والجنوبيّ منها ما كان طلوعه من ناحية اليمن وتسمى اليمانية وهو ما كان منها من نقطة الاعتدال المذكور هابطا إلى جهة الجنوب وهي الغفر، والزّبانان، والإكليل، والقلب، والشّولة، والنّعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السّعود، وسعد الأخبية، والفرغ المقدّم، والفرغ المؤخّر، وبطن الحوت وبطلوعها يقصر الليل ويطول النهار.
ثم المنزلة عند المحققين قطعة من الفلك مقدارها ربع سبع الدور، وهو جزء من ثمانية وعشرين جزءا من الفلك عبارة عن (1) لا عن الكواكب وإنما الكواكب حدود تفرق بين كل منزلة وأخرى فعدل بالتسمية إليها وغلبت عليها.
ونزول القمر في هذه المنازل على ثلاثة أحوال: إما في المنزلة نفسها وإما فيما بينها وبين التي تليها، وإما محاذيا لها خارجا عن السمت شمالا أو جنوبا. وقد تقدّم الكلام على عدول القمر عن بعض المنازل ونزوله في غيرها.
ولتعلم أن المنازل مقسومة على البروج الأثني عشر موزّعة عليها، فالشّرطان والبطين وثلث الثريا للحمل، وثلثا الثّريّا والدّبران وثلثا الهقعة للثّور،
__________
(1) بياض بالأصل.(2/399)
وثلث الهقعة والهنعة والذّراع للجوزاء، والنّثرة والطّرف وثلث الجبهة للشّرطان، وثلثا الجبهة والخرتان وثلثا الصّرفة للأسد، وثلث الصّرفة والعوّاء والسّماك للسّنبلة والغفر والزّبانان وثلث الإكليل للميزان، وثلثا الإكليل والقلب وثلثا الشولة للعقرب وثلث الشولة والنعائم والبلدة للقوس، وسعد الذابح وسعد بلع وثلث سعد السعود للجدي (1)، وثلث الفرغ المقدّم والفرغ المؤخر وبطن الحوت للحوت.
إذا علمت ذلك فإذا أردت أن تعرف القمر في أيّ منزلة هو أو كم مضى له فيها من الأيام، فخذ ما مضى من سنة القبط شهورا كانت أو أياما أو شهورا وأياما وابسطها أياما، وأضف إلى ما حصل من ذلك يومين، ثم اطرح المجموع ثلاثة عشر ثلاثة عشر، وهو عدد لبث القمر في كل منزلة من الأيام، واجعل أوّل كل منزلة من العدد الخرتان، فما بقي من الأيام دون الثلاثة عشر فهو عدد ما مضى من المنزلة التي انتهى العدد إليها.
مثال ذلك أن يمضي من سنة القبط شهر توت وأربعة أيام من بابه فتبسطها أياما تكون أربعة وثلاثين يوما فتضيف إليها يومين تصير ستة وثلاثين يوما فاطرح منها ثلاثة عشر مرتين بستة وعشرين للخرتان منها ثلاثة عشر وللصّرفة ثلاثة عشر تبقى عشرة، وهي ما مضى من المنزلة الثالثة وهي العوّاء.
وإن أردت أن تعرف في أيّ برج هو فاحسب كم مضى من الشهر العربي يوما وزد عليه مثله ثم زد على الجملة خمسة وأعط لكل برج خمسة وابدأ من البرج الذي فيه الشمس فأعط لكل برج خمسة فأينما نفد حسابك فالقمر في ذلك البرج والاعتماد في ذلك على كم مضى من الشهر العربيّ بالحساب دون الرؤية، والله أعلم.
__________
(1) يظهر أن فيه سقطا هو: وثلثا سعد السعود وسعد الأخبية، وثلثا الفرغ المقدم للدلو.(2/400)
الجملة الثانية في أسمائها، وفيها روايتان
الرواية الأولى ما نطقت به العرب المستعربة
وجرى عليه الاستعمال إلى الآن وقد نطق القرآن الكريم بصدقها قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللََّهِ اثْنََا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتََابِ اللََّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ} (1) والمراد شهور العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، ومدارها الأهلّة سواء جاء الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين. الشهر الأوّل منها المحرم سمّي بذلك لأنهم كانوا يحرّمون فيه القتال، ويجمع على محرّمات ومحارم ومحاريم. الشهر الثاني صفر، سمي (2) بذلك لأنهم كانوا يغيرون فيه على بلاد يقال لها الصّفريّة، ويجمع على صفرات وأصفار وصفور وصفار. الشهر الثالث ربيع الأوّل سمي بذلك لأنهم كانوا يحصّلون فيه ما أصابوه في صفر، والرّبيع في اللغة الخصب، وقيل لارتباعهم فيه قال النحاس:
والأوّل أولى بالصواب، ويقال في التثنية ربيعان الأوّلان وفي الجمع ربيعات الأوّلات، ومن شرط فيه إضافة شهر قال في التثنية شهرا ربيع الأوّلان وفي الجمع شهرات ربيع الأوّلات والأوائل، وان شئت قلت في القليل أشهر وفي الكثير شهور، وحكي عن قطرب (3) الأربعة الأوائل، وعن غيره ربع الأوائل. الشهر الرابع ربيع الآخر، والكلام في تسميته وتثنيته وجمعه كالكلام في ربيع الأوّل.
الشهر الخامس جمادى الأولى، سمي بذلك لجمود الماء فيه، لأن الوقت الذي سمّي فيه بذلك كان الماء فيه جامدا لشدّة البرد، ويقال في التثنية جماديان الأوليان وفي الجمع جماديات الأوليات. الشهر السادس جمادى الآخرة، والكلام فيه
__________
(1) التوبة / 36.
(2) قال في بلوغ الأرب: سمّوا صفرا لصفر بيوتهم فيه منهم عند خروجهم إلى الغارات.
(3) هو محمد بن المستنير بن أحمد الشهير بقطرب: نحوي عالم بالأدب واللغة من الموالي توفي سنة 206هـ. (الأعلام: 7/ 95).(2/401)
تسمية وتثنية وجمعا كالكلام في جمادى الأولى. الشهر السابع رجب، سمي بذلك لتعظيمهم له أخذا من الترجيب وهو التعظيم (1)، ويجمع على رجبات وأرجاب، وفي الكثرة على رجاب ورجوب. الشهر الثامن شعبان، سمي بذلك لتشعّبهم فيه لكثرة الغارات عقب رجب وقيل لتشعب العود في الوقت الذي سمّي فيه. وقيل لأنه شعب بين شهري رجب ورمضان ويجمع على شعبانات وشعابة (2) على حذف الزوائد، وحكى الكوفيون شعابين، قال النحاس: وذلك خطأ على قول سيبويه كما لا يجوز عنده في جمع عثمان عثامين. الشهر التاسع رمضان، سمي بذلك أخذا من الرمضاء لأنه وافق وقت تسميته زمن الحرّ، ويجمع على رمضانات، وحكى الكوفيون رماضين، والقول فيه كالقول في شعابين، ومن شرط فيه لفظ شهر قال في التثنية: شهرا رمضان وفي الجمع شهرات رمضان وأشهر رمضان وشهور رمضان. الشهر العاشر شوّال، سمي بذلك أخذا من شالت الإبل بأذنابها إذا حملت لكونه أوّل شهور الحج، وقيل من شال يشول إذا ارتفع، ولذلك كانت الجاهلية تكره التزويج فيه لما فيه من معنى الإشالة والرفع إلى أن جاء الإسلام بهدم ذلك قالت عائشة رضي الله عنها فيما ثبت في صحيح مسلم:
«تزوّجني رسول الله صلى الله عليه وسلّم في شوّال وبنى بي في شوّال فأيّ نسائه كان أحظى عنده منّي» ويجمع على شوّالات وشواويل وشواول. الشهر الحادي عشر ذو القعدة، ويقال بالفتح والكسر، سمّي بذلك لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال لكونه من الأشهر الحرم، ويجمع على ذوات القعدة، وحكى الكوفيون أولات القعدة، وربما قالوا في الجمع: ذات القعدة أيضا. الشهر الثاني عشر ذو الحجة، سمي بذلك لأن الحجّ فيه، والكلام في جمعه كالكلام في ذي القعدة. ثم من الأشهر
__________
(1) وأضاف في بلوغ الأرب: 3/ 78: «وقيل: رجب لأنه وسط السنة. مشتق من الرواجب وهي أناميل الإصبع الوسطى. وقيل إن العود رجب النبات فيه أي أخرجه فسمي بذلك.
(2) ولعله: «وشعاب» بدون الهاء.(2/402)
المذكورة أربعة أشهر حرم كما قال تعالى: {مِنْهََا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (1) وقد أجمعت العلماء على أن الأربعة المذكورة هي رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم. وقد اختلف في الابتداء بعددها فذهب أهل المدينة إلى أنه يبتدأ بذي القعدة فيقال: ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب ويحتجّون على ذلك بأنّ النبي صلى الله عليه وسلّم عدّها في خطبة حجّة الوداع كذلك فقال: «السّنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب» واختاره أبو جعفر النحاس. وذهب أهل الكوفة إلى أنه يبتدأ بالمحرّم فيقال: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجّة ليأتوا بها من سنة واحدة وإليه ميل الكتّاب. قال النحاس:
ولا حجّة لهم فيه لأنه إذا علم أن المقصود ذكرها في كل سنة فكيف يتوهم أنها من سنتين. وكانت العرب في الجاهلية مع ما هم عليه من الضّلال والكفر يعظّمون هذه الأشهر ويحرّمون القتال فيها حتّى لو لقي الرجل فيها قاتل أبيه لم يهجه، إلى أن حدث فيهم النسيء فكانوا ينسئون المحرّم فيؤخرونه إلى صفر فيحرّمونه مكانه وينسئون رجبا فيؤخّرونه إلى شعبان فيحرّمونه مكانه ليستبيحوا القتال في الأشهر الحرم.
واعلم أنه يجوز أن يضاف لفظ شهر إلى جميع الأشهر فيقال: شهر المحرّم، وشهر صفر، وشهر ربيع الأوّل وكذا في البواقي، على أنّ منها ثلاثة (2) أشهر لم تكد العرب تنطق بها إلا مضافة إليها، وهي شهرا ربيع وشهر رمضان ويؤيد ذلك في رمضان ما ورد به القرآن من إضافته، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضََانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (3) وقد روى عثمان بن الأسود (4) عن مجاهد (5) أنه قال: «لا تقل رمضان
__________
(1) التوبة / 36.
(2) في بلوغ الأرب: 3/ 79: «أربعة» وهي شهرا ربيع وشهر رجب وشهر رمضان.
(3) البقرة / 185.
(4) تابعي ثقة توفي سنة 149هـ. (أسماء التابعين: 1/ 246).
(5) هو أبو الحجاج المخزومي المقري، مولى السائب بن أبي السائب: فقيه محدّث تابعي ثقة. توفي بمكة سنة 102أو 103هـ. (أسماء التابعين: 1/ 363).(2/403)
ولكن قل كما قال الله عز وجل: شهر رمضان، فإنك لا تدري ما رمضان» وعن عطاء نحوه وأنه قال: لعلّ رمضان اسم من أسماء الله تعالى لكن قد ثبت في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلّم قال: «إذا جاء رمضان أغلقت النّيران وصفّدت الشّياطين» الحديث وهذا صريح في جواز تعريته عن الإضافة.
وقد اختلف الناس في ذلك على ثلاثة مذاهب أصحّها أنه يجوز تعريته عن لفظ شهر مطلقا، سواء قامت قرينة أم لا، فيقال جاء رمضان وصمت رمضان، وما اشبه ذلك وهو ما رجّحه النوويّ في شرح مسلم، والثاني المنع مطلقا، والثالث إن حفّت قرينة تدلّ على الشهر كما في قوله: صمت رمضان فقد جازت التعرية، وإن لم تحفّ قرينة لم تجز وزاد بعضهم فيما يضاف إليه لفظ شهر رجب أيضا، وقال كل شهر في أوّله حرف راء فلا يقال إلا بالإضافة. ويقال في المحرّم أيضا شهر الله المحرّم ويقال في الربيعين: ربيع الأوّل وربيع الآخر، وفي الجماديين: جمادى الأولى وجمادى الآخرة، قال ابن مكيّ (1): ولا يقال جمادى الأوّل بالتذكير وجوّزه في كلامه على «تثقيف اللسان» (2).
قال النحاس: وإنما قالوا ربيع الآخر وجمادى الآخرة ولم يقولوا ربيع الثاني وجمادى الثانية كما قالوا: السنة الاولى والسنة والثانية لأنه إنما يقال الثاني والثانية لما له ثالث وثالثة، ولمّا لم يكن لهذين ثالث ولا ثالثة قيل فيهما الآخر والآخرة كما قيل: الدنيا والآخرة على أن أكثر استعمال أهل الغرب على ربيع الثاني وجمادى الثانية. ويقال في رجب الفرد: لانفراده عن بقية الأشهر الحرم، ويقال
__________
(1) هو علي بن أحمد بن مكي الرازي: فقيه حنفي توفي سنة 598هـ. (الأعلام: 4/ 256).
(2) لابن قطّاع، علي بن جعفر السعدي الصقلي المتوفى سنة 515هـ. (كشف الظنون: 344).(2/404)
فيه أيضا: رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، ويقال في شعبان المكرّم لتكرمته وعلوّ قدره، وفي رمضان: المعظّم والمعظّم قدره لعظمته وشرفه، وفي شوّال المبارك للفرق بينه وبين شعبان خشية الالتباس في الكتابة، ويقال في كلّ من ذي القعدة وذي الحجّة الحرام. قال النحاس: وقد جاء في ذي الحجة أيضا الأصمّ، وروى فيه حديثا بسنده من رواية مرّة الهمداني (1) عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم خطيبا على ناقة حمراء مخضرمة (2)، فقال:
أتدرون أيّ يوم يومكم هذا؟ قلنا: يوم النحر قال: صدقتم يوم الحجّ الأكبر، اتدرون أيّ شهر شهركم هذا؟ قلنا: ذو الحجّة قال: صدقتم شهر الله الأصمّ.
الرواية الثانية ما روي عن العرب العاربة
، وهو أنهم كانوا يقولون في المحرّم: المؤتمر أخذا من أمر القوم إذا كثروا بمعنى أنهم يحرّمون فيه القتال فيكثرون. وقيل أخذا من الائتمار بمعنى (3) أنه يؤتمر فيه بترك الحرب، ويجمع على مؤتمرات ومآمر ومآمير. ويقولون في صفر: ناجر إما من النّجر والنّجار (بفتح النون وكسرها) الأصل، بمعنى أنه أصل للحرب لأنه يبتدأ فيه بعد المحرم وإما من النّجر وهو السّوق الشديد. لشدة سوقهم الخيل إلى الحرب فيه، وإما من النجر، وهو شدّة الحرّ لشدة حرارة الحرب فيه، ويجمع على نواجر. ويقولون في شهر ربيع الأوّل: خوّان (بالخاء المعجمة) لأن الحرب تشتدّ فيه فتخونهم فتنقصهم، ويجمع على خوّانات وخواوين وخواون. ويقولون في ربيع الآخر:
وبصان، أخذا من الوبيص وهو البريق: لبريق الحديد فيه، ويجمع على وبصانات، وحكى قطرب فيه بصان فيجمع على أبصنة وفي الكثرة بصنان.
ويقولون لجمادى الأولى: حنين لأنهم يحنّون فيه إلى أوطانهم لكونه كان يقع في
__________
(1) هو مرة بن شراحيل الهمداني: تابعي ثقة توفي سنة 76هـ. (أسماء التابعين: 1/ 368).
(2) أي قطع طرف أذنها.
(3) قال في بلوغ الأرب: 3/ 77 «معنى المؤتمر أنه يأتمر بكل شيء مما تأتي به السنة من أقضيتها».(2/405)
زمن الربيع، ويجمع على أحنّة وحنن كرغيف ورغف. ويقولون لجمادى الآخرة:
ربّى وربّة لأنه يجتمع به لجماعة من الشهور التي ليست بحرم وهي ما بعد صفر.
قال أبو عبيد: ربّان كل شيء جماعته، ويجمع على ربّيات وربايا مثل حبالى.
ومن قال ربّة جمعه على مآريب (1). ويقولون في رجب: الأصم لما تقدّم من أنه لا يسمع صوت السلاح ولا الاستغاثات فيه، ويجمع على أصامّ. قال النحاس: ولا تقل صمّ لأنه ليس بنعت كما أنك لو سمّيت رجلا أحمر جمعته على أحامر ولم تجمعه على حمر. ويقولون في شعبان: عادل (2)، بمعنى أنهم يعدلون فيه عن الإقامة لتشعبهم في القبائل ويجمع على عوادل. ويقولون في رمضان: ناتق لكثرة المال عندهم فيه لإغارتهم على الأموال في الذي قبله، ويجمع على نواتق.
ويقولون في شوّال: وعل أخذا من قولهم: وعل إلى كذا إذا لجأ إليه لأنهم يهربون فيه من الغارات لأن بعده الأشهر الحرم فيلجأون فيه إلى أمكنة يتحصّنون فيها، ويجمع على أوعال ككتف وأكتاف، وفي الكثرة وعول. ويقولون في ذي القعدة:
ورنة والواو فيه منقلبة عن همزة أخذا من أرن إذا تحرّك لأنه الوقت الذي يتحرّكون فيه إلى الحج، أو من الأرون وهو الدنوّ لقربه من الحج ويجمع على ورنات ووران كجفان. ويقولون في ذي الحجة: برك، غير مصروف لأنه معدول عن بارك، أو على التكثير كما يقال: رجل حكم وهو مأخوذ من البركة لأن الحج فيه، أو من برك الجمل لأنه الوقت الذي تبرك فيه الإبل للموسم، ويجمع على بركان مثل نغر ونغران.
وفي هذه الأسماء خلاف عند أهل اللغة والمشهور ما تقدّم ذكره (3).
وقد نظم بعضهم ذلك في أبيات على الترتيب فقال:
بمؤتمر وناجر ابتدأنا ... وبالخوّان يتبعه البصان
__________
(1) كذا في الضوء أيضا. ولعله مصحف عن: رباب أو ربب. (حاشية الطبعة الأميرية).
(2) في القاموس: عاذل، بالذال المعجمة.
(3) انظر في هذا بلوغ الأرب: 3/ 76وما بعدها.(2/406)
وربّى ثم أيّدة تليه ... تعود أصمّ صمّ به السّنان
[وعادلة وناطلة جميعا ... وواغلة فهم غرر حسان] (1)
وورنة بعدها برك فتمّت ... شهور الحول يعربها البيان
ثم للناس في إخراج أوّل الشهر العربي طرق، أسهلها أن تعرف أوّل يوم من المحرّم، ثم تعدّكم مضى من السنة من الشهور بالشهر الذي تريد أن تعرف أوّله وتقسمها نصفين، فإن كان النصف صحيحا أضفت على الجملة مثل نصفه، وإن كان مكسورا كملته وأضفته على الجملة، ثم تبتدىء من أوّل يوم من السنة وتعدّ منه أياما على توالي أسماء الأيام بعدد ما حصل معك من الأصل والمضاف، فحيث انتهى عددك فذلك اليوم هو أوّل الشهر.
مثال ذلك في الصحيح النصف: إن أردت أن تعرف أوّل يوم من شعبان وكان أوّل المحرّم يوم الأحد مثلا فتعدّ من أوّل المحرم إلى شعبان وتدخل شعبان في العدد فيكون ثمانية أشهر فتقسمها نصفين يكون نصفها أربعة فتضيف الأربعة إلى الثمانية تكون اثني عشر، ثم تبتديء من يوم الأحد الذي هو أوّل المحرّم فتعدّ الأحد والاثنين والثّلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسبت، ثم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس فيكون انتهاء الاثني عشر في يوم الخميس فيكون أوّل شعبان يوم الخميس.
ومثاله في المكسور النصف: إذا أردت أن تعرف أوّل رمضان أيضا وكان أوّل المحرم الأحد كما تقدّم فتعدّ ما مضى من شهور السنة وتعدّ منها رمضان يكون تسعة أشهر فتقسمها نصفين يكون نصفها أربعة ونصفا فتكملها بنصف تصير خمسة فتضيفها إلى الأصل المحفوظ وهو تسعة يكون المجموع أربعة عشر، ثم تبتديء عدد الأيام من أوّل المحرم، وهو الأحد كما تقدّم فيكون انتهاء الرابع عشر
__________
(1) سقط هذا البيت من نسخة الأصل، وقد وجدناه في نهاية الأرب للنويري فأثبتناه كما ترى، وبه تمت عدة الشهور. (حاشية الصفحة: 380من الطبعة الأميرية).(2/407)
في يوم السبت فيكون أوّل رمضان يوم السبت.
ومن الطّرق المعتبرة في ذلك أن تنظر في الثالث من أيام النسيء من شهور القبط كم يوما مضى من الشهر العربيّ فما كان جعلته أصلا لتلك السنة، فإذا أردت أن تعرف أوّل شهر من الشهور العربية أو كم مضى من الشهر الذي أنت فيه فخذ الأصل المحفوظ معك لتلك السنة، وانظر كم مضى من السنة القبطية شهرا فخذ لكل شهرين يوما، فإن انكسرت الأشهر وجاءت فردا فاجبرها بيوم زيادة حتّى تصير زوجا، وزد على ذلك يومين أصلا أبدا ثم انظركم يوما مضى من الشهر القبطي الذي أنت فيه فأضفه على ما اجتمع معك، وأسقط ذلك ثلاثين ثلاثين فما بقي فهو عدد ما مضى من الشهر العربيّ، ومنه يعرف أوّله.
ومثال ذلك: نظرت في الثالث من أيام النسيء فوجدت الماضي من الشهر العربيّ ثلاثة أيام فكانت أصلا لتلك السنة، ثم نظرت في الشهور القبطية فوجدت الشهر الذي أنت فيه أمشير مثلا فتعدّ من أوّل شهور السنة القبطية (وهو توت) إلى أمشير يكون ستة أشهر فتأخذ لكل شهرين يوما تكون ثلاثة أيام فتضيفها على الأصل الذي معك من أيام النسيء وهو ثلاثة تصير ستة فزد عليها اثنين يصير المجموع ثمانية، ثم تنظر في الشهر القبطي الذي أنت فيه (وهو أمشير) تجده قد مضى منه يومان فتضيفهما على المجموع يكون عشرة، وهو الماضي من الشهر العربي الذي أنت فيه ومنه يعرف أوّله.
الضرب الثاني شهور اليهود
والشهر عندهم من الاجتماع إلى الاجتماع، وهو اقتران الشمس والقمر في آخر الشهر ولذلك توافق شهورهم في التقدير شهور العرب، ولا تخالف أوائلها إلا بيوم واحد في بعض الأحيان لأسباب في ملّتهم ولكنها لا تطابق شهرا لشهر، فإنّ شهور العرب غير مكبوسة، وشهور اليهود مكبوسة، وهذه الطريقة لا تعرف إلا بتقويم الكواكب ومعرفة سير الشمس والقمر ولذلك لا يعرف شهور اليهود منهم
إلا الآحاد، وشهورهم وهي اثنا عشر شهرا بعضها ثلاثون، وبعضها تسعة وعشرون على ما يقتضيه مسير الشمس والقمر، وفي السنة الكبيسة تكون شهورهم ثلاثة عشر شهرا كما سيأتي، وشهورهم توافق شهور السّريان في بعض أسمائها دون بعض، الأوّل تشرى، الشهر الثاني مرحشوان، الشهر الثالث كسلا (1)، الشهر الرابع طابات (2)، الشهر الخامس شباط (3)، الشهر السادس آذار (4)، الشهر السابع نيسان (5)، الشهر الثامن أيار، الشهر التاسع سيوان، الشهر العاشر تموز، الشهر الحادي عشر آب، الشهر الثاني عشر أيلول، وفي السنة التي يكبسون فيها بعد كل سنة أو بعد كل سنتين على ما سيأتي بيانه يكبسون شهرا كاملا بعد آذار وهو الشهر السادس من شهورهم ويسمونه آذار الثاني، وسيأتي ذلك مفصلا في الكلام على السنين إن شاء الله تعالى. وقد تقدّم أنها توافق شهور العرب إلا في القليل إلا أنها يدخلها الكبس لأمور في ملّتهم، وسيأتي الكلام على كبسهم عند ذكر السنين إن شاء الله تعالى.(2/408)
والشهر عندهم من الاجتماع إلى الاجتماع، وهو اقتران الشمس والقمر في آخر الشهر ولذلك توافق شهورهم في التقدير شهور العرب، ولا تخالف أوائلها إلا بيوم واحد في بعض الأحيان لأسباب في ملّتهم ولكنها لا تطابق شهرا لشهر، فإنّ شهور العرب غير مكبوسة، وشهور اليهود مكبوسة، وهذه الطريقة لا تعرف إلا بتقويم الكواكب ومعرفة سير الشمس والقمر ولذلك لا يعرف شهور اليهود منهم
إلا الآحاد، وشهورهم وهي اثنا عشر شهرا بعضها ثلاثون، وبعضها تسعة وعشرون على ما يقتضيه مسير الشمس والقمر، وفي السنة الكبيسة تكون شهورهم ثلاثة عشر شهرا كما سيأتي، وشهورهم توافق شهور السّريان في بعض أسمائها دون بعض، الأوّل تشرى، الشهر الثاني مرحشوان، الشهر الثالث كسلا (1)، الشهر الرابع طابات (2)، الشهر الخامس شباط (3)، الشهر السادس آذار (4)، الشهر السابع نيسان (5)، الشهر الثامن أيار، الشهر التاسع سيوان، الشهر العاشر تموز، الشهر الحادي عشر آب، الشهر الثاني عشر أيلول، وفي السنة التي يكبسون فيها بعد كل سنة أو بعد كل سنتين على ما سيأتي بيانه يكبسون شهرا كاملا بعد آذار وهو الشهر السادس من شهورهم ويسمونه آذار الثاني، وسيأتي ذلك مفصلا في الكلام على السنين إن شاء الله تعالى. وقد تقدّم أنها توافق شهور العرب إلا في القليل إلا أنها يدخلها الكبس لأمور في ملّتهم، وسيأتي الكلام على كبسهم عند ذكر السنين إن شاء الله تعالى.
القسم الثاني من الشهور الاصطلاحيّ والمراد به الشمسيّ
وهي مدّة قطع الشمس مدار برج من بروج الفلك الاثني عشر، وذلك ثلاثون يوما وثلاثة عشر (6) يوما تقريبا، وعليه عمل القبط، والفرس، والسريان، والروم. وهي على صنفين:
__________
(1) في المقريزي: 2/ 472: «كسليو».
(2) في المرجع السابق: «طبيث».
(3) في المرجع السابق: «شفط».
(4) في المرجع السابق: «آذر».
(5) في المرجع السابق: «نيس».
(6) لعه: وثلاثة أعشار يوم.(2/409)
الصنف الأول ما يكون كلّ شهر من شهور السنة ثلاثين يوما وما فضل عن ذلك جعل نسيئا بين الشهور وهو الشهور القبط، والفرس
فأما شهور القبط (وتنسب لدقلطيانوس الملك) فكلّ شهر منها ثلاثون يوما وأيام النسيء في آخر الثاني عشر منها وهي خمسة أيام.
الشهر الأوّل منها توت، ودخوله في العشرين من آب من شهور السّريان، وآخره السادس والعشرون من أيلول منها، فيه يدرك الرّطب، ويكثر السّفرجل والعنب الشّتويّ، وتبتديء المحمضات. وأوّل يوم منه يوم النّيروز وهو رأس سنة القبط، وفي سابعه يبتديء لقط الزيتون وفي سابع عشره عيد الصليب، فيه تفتح أكثر الترع بمصر، وفي ثامن عشره أوّل فصل الخريف، وفي تاسع عشره يبتديء هيجان السوداء في البدن، وفي العشرين منه يفصد البلسان وفي الحادي والعشرين منه يبتدىء بيض النّعام، وفي الرابع والعشرين منه أول دي ماه من شهور الفرس وفي الثامن والعشرين منه يذهب الحر، وفي التاسع والعشرين منه أوّل رعي الكراكيّ، وفي الثلاثين منه وهو آخره يزرع الهليون.
الشهر الثاني بابه، ودخوله في السابع والعشرين من أيلول من شهور السّريان، وآخره السادس والعشرون من تشرين الأوّل منها، فيه يبذر كلّ ما لا تشقّ له الأرض كالبرسيم وغيره وفي آخره تشقّ الأرض بالصعيد وفيه يحصد الأرز، ويطيب الرّمّان، وتضع الضأن والمعز والبقر الخيسيّة (1)، ويستخرج دهن الآس واللينوفر، ويدرك الثمر والزبيب وبعض المحمضات، وفي ثالثه رأس سنة السريان وفي رابعه أوّل تشرين الأوّل من شهورهم، وفي خامسه عرس النيل وفي سادسه يطيب شرب الدواء وفي سابعه (2) نهاية زيادة النيل وفي ثامنه يكره
__________
(1) يقال: خيّس الدابة تخييسا أي ذلّلها. والبقر الخيسية هي التي خيّست للنحر. (اللسان: 6/ 74).
(2) في المقريزي: 1/ 270: «تنتهي زيادته في ثامن بابه».(2/410)
خروج الدم وفي حادي (1) عشره يبتديء النيل في النقص، وفي ثالث عشره بداية الوخم وفي رابع عشره يكثر الناموس وفي خامس عشره يبتديء زرع القرط وفي سادس عشره تبتديء كثرة السّعال، وفي تاسع عشره يبتديء زرع السّلجم (2)، وفي الثاني والعشرين منه يبتديء صلاح المواشي، وفي الثالث والعشرين منه تبتديء كثرة الغيوم، وفي الرابع والعشرين منه تبتديء أهل مصر الزرع، وفي السابع والعشرين منه يبتديء سمن الحيتان، وفي الثامن والعشرين منه أوّل المدّ، وفي التاسع والعشرين منه أوّل الليالي البلق.
الشهر الثالث هتور (3) ودخوله في السابع والعشرين من تشرين الأول وآخره الخامس والعشرون من تشرين الثاني. فيه يزرع القمح ويطلع البنفسج والمنثور، وأكثر البقول، ويجمع ما بقي من الباذنجان وما يجري مجراه، ويحمل العنب من قوص، وفي ثانيه يبتديء حصاد الأرز، وفي خامسه أوّل تشرين الثاني من شهور السريان، وفيه يبتديء برد المياه، وفي سادسه أوّل المطر الوسميّ، وفي سابعه يبتديء أهل الشام الزّرع (4)، وفي ثامنه يبتديء هبوب الرياح الجنوبيّة وفي تاسعه (5) يبتديء زرع الخشخاش وفي حادي عشره يبتدىء اختفاء الهوامّ، وفي ثالث عشره يبتديء غليان البحر، وفي رابع عشره تعمى الحيّات، وفي سادس عشره يجمع الزعفران، وفي ثامن عشره تكثر الوحوش، وفي الثامن والعشرين منه يغلق البحر الملح وتمتنع السّفن من السفر فيه لشدّة الرياح، وفي الثالث والعشرين منه تبتديء سخونة بطن الأرض، وفي الرابع والعشرين منه أوّل اسفيدار ماه من شهور الفرس.
الشهر الرابع كيهك ودخوله في السادس والعشرين من تشرين الثاني من شهور السّريان، وآخره الخامس والعشرون من كانون الأوّل منها، فيه تدرك
__________
(1) في المقريزي: 1/ 270: «في تاسع عشره يكون ابتداء نقص النيل».
(2) اللّفت.
(3) وتكتب أيضا: هاتور.
(4) لعل ذكر الشام هنا لا مبرر له. وعبارة المقريزي: «وفي سابعه يصرف ماء النيل عن أراضي الكتان».
(5) في المقريزي: «في سادسه».(2/411)
الباقلاء وتزرع الحلبة وأكثر الحبوب، ويدرك النّرجس والبنفسج، وتتلاحق المحمضات، وفي أوّله ابتداء أربعينيّات مصر، وفي ثالثه يبتديء موت الذّباب، وفي خامسه (1) أوّل كانون الأوّل من شهور السّريان، وفي سابعه (2) آخر الليالي البلق وأوّل الليالي السّود (3)، وفي حادي عشره (4) يبتديء الشجر في رمي أوراقه، وفي ثاني عشره تظهر البراغيث، وفي سابع عشره أوّل فصل الشتاء وهو أوّل أربعينيّات الشام، وفي ثامن عشره يتنفّس النهار، وفي الحادي والعشرين منه يكثر الطير الغريب بمصر، وفي الثالث والعشرين منه أوّل مردوماه (5) من شهور الفرس، وهو نوروزهم وأوّل سنتهم، وفي الخامس والعشرين منه يهيج البلغم، وفي السادس والعشرين منه تلقح الإبل، وفيا السابع والعشرين منه يكثر شرب الماء في الليل، وفي الثلاثين منه يبتديء تقليم الكروم (6).
الشهر الخامس طوبه، ودخوله في السادس والعشرين من كانون الأوّل من شهور السريان، وآخره الرابع والعشرون من كانون الثاني منها، في زرع القمح فيه تغرير، وفيه تشقّ الأرض للقصب والقلقاس، ويتكامل النّرجس، وفي أوّله تبيت الرياح الشديدة، وفي ثانيه يدرك القرط، وفي سادسه أوّل كانون الثاني من شهور السّريان، وفي عاشره آخر (7) أربعينيّات مصر، وفي حادي عشره أوّل نصب الكروم، وفي ثاني عشره يشتدّ البرد، وفي ثالث عشره يبتديء زرع المقات، وفي
__________
(1) في المقريزي: 1/ 270: «وفي سابعه أول كانون الأول».
(2) في المقريزي: 1/ 270: «وفي عاشره آخر الليالي البلق».
(3) في المقريزي: 1/ 270: «وفي حادي عشره أول الليالي السود. وفي سادس عشره يسقط ورق الشجر».
(4) في المقريزي: 1/ 270: «وفي حادي عشره أول الليالي السود. وفي سادس عشره يسقط ورق الشجر».
(5) سيأتي قريبا أن نيروز الفرس وأول سنتهم: «افرودين ماه» ونظنه الصواب، لأنه الذي ورد في مروج الذهب وغيره، ومع ذلك لم يذكر هذا الشهر في أسماء الشهور الآتية.
(6) وفي التاسع والعشرين منه الميلاد.
(7) وهو يوم صوم الغطاس وفي حادي عشره عيد الغطاس (المقريزي: 1/ 271).(2/412)
سابع عشره يبتديء غرس الأشجار، وفي ثامن عشره تبتديء كثرة النّدى، وهو آخر (1) الليالي السود، وفي تاسع عشره يبتديء وقوع الثلج بالشام وغيره، وفي الرابع والعشرين منه يبتديء صفو ماء النيل، وفي التاسع والعشرين منه يبتديء اختلاف الرياح.
الشهر السادس أمشير ودخوله في الخامس والعشرين من كانون الثاني من شهور السريان وآخره الثالث والعشرون من شباط منها. فيه تغرس الأشجار، وتقلّم الكروم، ويدرك النبق واللوز الأخضر، ويكثر البنفسج والمنثور، وفي رابعه (2)
يبتديء إفراخ النخل، وفي سادسه أوّل شباط من شهور السّريان، وفي حادي عشره يبتديء إنتاج الطيور وزرع بقول الصّيف، وفي ثاني عشره يبتديء تحرّك دوابّ البحر، وفي الثاني (3) والعشرين منه ثاني جمرة فاترة، ويبتديء مرض الأطفال، ويبتديء خروج ورق الشجر، وفي الثالث والعشرين منه يبتديء خروج الدوابّ للمرعى وفي الرابع والعشرين منه أوّل حردادماه من شهور الفرس، وفي الخامس والعشرين منه يبتديء هيجان الرّياح، وفي السابع والعشرين منه تبتديء ثالث جمرة حامية، وفي الثامن والعشرين منه أوّل المفرطات، وفي التاسع والعشرين منه آخر نهي أبقراط.
الشهر السابع برمهات، ودخوله في الرابع والعشرين من شباط من شهور السّريان، وآخره الخامس والعشرون من آذار. فيه تزهر الأشجار، ويعقد أكثر الثمار، ويزرع أوائل السّمسم ويقلع الكتّان، ويدرك الفول والعدس، وفي ثانيه يحمد خروج الدم، وهو أوّل (4) الأعجاز، وفي ثالث عشره (5) تفتّح الحيات أعينها،
__________
(1) في المقريزي: «آخر الليالي السود في العشرين منه».
(2) في المقريزي: «في الخامس والعشرين منه يفرخ النخل».
(3) في المقريزي: «وفي العشرين منه ثاني جمرة فاترة».
(4) في المقريزي: «رابع عشره يكون أول الأعجاز».
(5) في المقريزي: «في سادس عشره تفتح الحيّات أعينها».(2/413)
وفي خامس عشره تطيب الألبان، وفي سادس عشره يبتديء خروج دود القزّ، وفي ثامن عشره يهيج الدم، وفي تاسع عشره (1) ظهور الهوام، وفي العشرين منه يزرع السّمسم، وفي الرابع والعشرين منه أوّل تير ماه من شهور الفرس، وفي السادس والعشرين منه يبتديء شرب المسهل، وفي السابع والعشرين (2) منه خروج الذّباب الأزرق.
الشهر الثامن برموده ودخوله في السادس والعشرين من آذار من شهور السريان، وآخره الرابع والعشرون من نيسان منها، فيه تقطف أوائل عسل النحل، وفيه تكثر الباقلاء، وينفض جوز الكتّان، ويكثر الورد الأحمر، والبطن الأوّل من الجمّيز ويقلع بعض الشعير، ويدرك الخيار شنبر (3). وفي أوّله يؤكل الفريك، وفي رابعه يعصر دهن البلسان، وفي خامسه تبتديء كثرة الزهر، وفي سادسه أوّل نيسان من شهور السّريان، وفي ثاني عشره يخاف على بعض الزرع، وفي ثامن عشره آخر قلع الكتّان، وفي العشرين منه ينهى عن أكل البقول، وفي الثاني والعشرين منه ظهور الكمأة، وفي الثالث والعشرين منه الختام الكبير للزرع، وفي الرابع والعشرين منه أوّل ترد ماه من شهور الفرس، وفي الخامس والعشرين منه نهاية مدّ الفرات، وفي الثامن والعشرين منه يبيض النّعام.
الشهر التاسع بشنس، ودخوله في الخامس والعشرين من نيسان من شهور السريان، وآخره التاسع والعشرون من أيّار منها. فيه يكثر التّفّاح القاسمي، ويبتديء التّفّاح المسكيّ، والبطّيخ العبدليّ (4) والحوفي، والمشمش، والخوخ الزّهري، والورد الأبيض. وفي نصفه يبذر الأرز، ويحصد القمح، وفي سادسه
__________
(1) في المقريزي: «في خامس وعشريه تظهر هوام الأرض».
(2) في المقريزي: «في الثالث والعشرين منه يظهر الذباب الأزرق».
(3) ضرب من الخرنوب من الفصيلة القرنية (وسيط: 264).
(4) يقال إنه أول ما عرف بمصر عندما قدم اليها عبد الله بن طاهر بعد سنة 200هـ. فنسب إليه وقيل له العبدلي. (المقريزي: 1/ 272).(2/414)
أوّل أيّار من شهور السّريان، وفي رابع عشره يجمع الخشخاش، وفي ثامن عشره يجمع العصفر، وفي الحادي والعشرين منه تبتديء برودة الأرض، وفي الرابع والعشرين منه أوّل شهر برماه من شهور الفرس.
الشهر العاشر بؤنه (1) ودخوله في الخامس والعشرين من أيّار من شهور السّريان وآخره الثالث والعشرون من حزيران منها، فيه يكثر الحصرم ويطيب بعض العنب والتين البونيّ وهو الديفور، والخوخ الزّهري والمشعر، والكمّثري البوهيّ، والقراصيا، والتّوت، ويطلع البلح، ويقطف جمهور العسل، وفي ثالثه يبتديء توحّم النيل، وفي سادسه يكمل الدّرياق (2) وفي سابعه أوّل حزيران من شهور السّريان، وفي تاسعه يبتديء مهبّ الريح الشمالية، وفي عاشره (3) يبتديء تنفّس النيل، وفي خامس عشره تتحرك شهوة الجماع، وفي ثاني عشره عيد ميكائيل في ليلته يوزن من الطين زنة ستة عشر درهما عند غروب الشمس ويرفع في مكان ويوزن عند طلوع الشمس فما زاد كان بكل خروبة زادت على السّتة عشر ذراع، وفي ثالث عشره يبتديء نقص الفرات، وفي رابع عشره تهبّ الرياح السّمائم، وفي تاسع عشره تذهب البراغيث، وفي العشرين منه تهيج الصفراء، وفي الثاني والعشرين منه يعقد الجوز، ويقوى اندفاع النيل، وفي الرابع والعشرين منه يثور وجع العين وهو أوّل مهر ماه من شهور الفرس، وفي السابع والعشرين (4) منه يؤخذ قاع النيل، وفي الثامن والعشرين (5) منه ينادى عليه، وفي التاسع والعشرين منه يدرك البّطيخ.
الشهر الحادي عشر أبيب، ودخوله في الرابع والعشرين من حزيران من
__________
(1) ويكتب أيضا: بؤونة.
(2) وهو الترياق والخمر.
(3) في المقريزي: «في خامسه».
(4) في المقريزي: «في ثاني عشره».
(5) في المقريزي: «في سابع عشريه».(2/415)
شهور السريان، وآخره الثالث والعشرون من تمّوز منها، فيه يكثر العنب والتين ويقلّ البطّيخ العبدليّ ويطيب البلح وتقطف بقايا العسل وتقوى زيادة النيل، وفي رابعه أوّل نهي أبقراط، وفيه يموت الجراد، وفي سابعه أوّل تمّوز من شهور السريان، وفي عاشره يبتديء وقع الطاعون، وفي ثاني عشره تبتديء قوة السمائم، وفي ثالث عشره تدرك الفاكهة، وفي سابع عشره (1) تغور العيون، وفي ثامن عشره يجمع السّمّاق، وفي الثاني والعشرين منه يدرك الفستق، وفي الرابع والعشرين منه أوّل أبان ماه من شهور الفرس، وفي السادس والعشرين منه طلوع الشّعرى اليمانية، وفي التاسع والعشرين منه يدرك نخل الحجاز.
الشهر الثاني عشر مسرى، ودخوله في الرابع والعشرين من تموز من شهور السريان، وآخره السابع والعشرون من آب منها، فيه يعمل الخلّ، ويدرك البسر والموز، وتتغيّر طعوم الفاكهة لغلبة الماء على الأرض، ويدرك اللّيمون التّفّاحيّ (2)، ويبتديء إدراك الرّمّان، وفي رابعه نقصان الدّجلة، وفي خامسه أوّل العصير، وفي ثامنه أوّل آب من شهور السّريان، وفي ثاني عشره فصال المواشي، وفي رابع عشره تقلّ الألبان، وفي خامس عشره تسخن المياه، وفي سابع عشره تختلف الرياح، وفي ثامن عشره يحذر لسع الهوامّ، وفي الثاني والعشرين منه آخر العصير، وفي الرابع والعشرين منه يهيج النّعام، وفي الخامس والعشرين منه تكثر الغيوم، وفي الثامن والعشرين (3) منه آخر السّمائم، وفي التاسع والعشرين منه أوّل آذرماه من شهور الفرس.
أيام النسيء (4) ودخولها في الثامن والعشرين من آب من شهور السريان ويختلف آخرها باختلاف السنة الكبيسة وغيرها.
وقد وضع الناس طرقا لإخراج أوّل الشهر القبطيّ بالحساب، أقربها أن تعرف
__________
(1) في المقريزي: «في خامس عشره».
(2) نوع من الليمون بمصر قليل الحمض لذيذ الطعم.
(3) في المقريزي: «في خامس وعشريه».
(4) انظر ص: 426من هذا الجزء.(2/416)
يوم النّيروز ثم تعدّ ما مضى من الشهور القبطية بالشهر الذي تريد أن تعرف أوّله فما كان فأضعفه فما تحصّل فأسقط منه واحدا أبدا، ثم أسقط الباقي سبعة سبعة فما فضل فعدّ من يوم النّيروز إلى آخر الباقي بعد الإسقاط على توالي الأيام فأينما انتهى العدد فذلك اليوم هو أوّل الشهر المطلوب.
مثال ذلك، كان يوم النيروز الأحد، وأردنا أن نعرف أوّل أمشير، عددناكم مضى من أوّل الشهور القبطية وعددنا منها أمشير، وجدنا ذلك ستة، أضعفناها صارت اثني عشر، أسقطنا منها واحدا بقي أحد عشر، أسقطنا منها سبعة بقي أربعة، عددنا من يوم النيروز وهو الأحد أربعة فكان آخرها يوم الأربعاء فعلمنا أن أوّل أمشير الأربعاء.
وأما شهور الفرس، فهي اثنا عشر شهرا كلّ شهر منها ثلاثون يوما، وأيام النّسيء خمسة أيام في آخر الشهر الثامن منها وهو أبان ماه. الشهر الأوّل منها افرودين ماه، ودخوله في الرابع والعشرين من كيهك من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من طوبه منها، وأوّل يوم منه نيروز الفرس ورأس سنتهم. الشهر الثاني ارديهشتماه ودخوله في الرابع والعشرين من طوبه من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من أمشير منها. الشهر الثالث حرداد ماه، ودخوله في الرابع والعشرين من أمشير من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من برمهات منها.
الشهر الرابع تيرماه، ودخوله في الرابع والعشرين من برمهات من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من برموده منها. الشهر الخامس تردماه، ودخوله في الرابع والعشرين من برموده من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من بشنس منها. الشهر السادس شهر برماه، ودخوله في الرابع والعشرين من بشنس من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من بؤنه منها. الشهر السابع مهرماه، ودخوله في الرابع والعشرين من بؤنه من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من أبيب منها. الثامن أبان ماه، ودخوله في الرابع والعشرين من أبيب من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من مسرى، منها أيام النسيء، وتسمّى بالفارسية الاندركاه، ودخولها في الرابع والعشرين من مسرى وآخرها الثامن والعشرون
منها. الشهر التاسع ادرماه، ودخوله في التاسع والعشرين من مسرى من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من توت. الشهر العاشر دي ماه، ودخوله في الرابع والعشرين من توت من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من بابه منها.(2/417)
الشهر الرابع تيرماه، ودخوله في الرابع والعشرين من برمهات من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من برموده منها. الشهر الخامس تردماه، ودخوله في الرابع والعشرين من برموده من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من بشنس منها. الشهر السادس شهر برماه، ودخوله في الرابع والعشرين من بشنس من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من بؤنه منها. الشهر السابع مهرماه، ودخوله في الرابع والعشرين من بؤنه من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من أبيب منها. الثامن أبان ماه، ودخوله في الرابع والعشرين من أبيب من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من مسرى، منها أيام النسيء، وتسمّى بالفارسية الاندركاه، ودخولها في الرابع والعشرين من مسرى وآخرها الثامن والعشرون
منها. الشهر التاسع ادرماه، ودخوله في التاسع والعشرين من مسرى من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من توت. الشهر العاشر دي ماه، ودخوله في الرابع والعشرين من توت من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من بابه منها.
الشهر الحادي عشر بهمن ماه، ودخوله في الرابع والعشرين من بابه من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من هاتور منها. الشهر (1) الثاني عشر [اسفندارماه، ودخوله في الرابع والعشرين من هاتور من شهور القبط، وآخره الثالث والعشرون من كيهك منها].
ولكل يوم من أيام الشهر عندهم اسم خاص يزعمون أنه اسم ملك من الملائكة موكل به.
وقد علم مما تقدّم من شهور القبط ما يقع في هذه الشهور من (2)
والفواكه وغيرها.
الصنف الثاني من الشهور الاصطلاحية ما يختلف عدده بالزيادة والنقصان، فيكون بعض الشهور فيه ثلاثين، وبعضها أقلّ، وبعضها أكثر، وهو شهور السريان والروم
فأما شهور السريان وتنسب للإسكندر (3) فاثنا عشر شهرا، منها أربعة كل
__________
(1) وقع في الأصل شيء من السقط والتحريف، وقد صححناها من نهاية الأرب ومن الضوء وبمعونة ترتيب الشهور القبطية (حاشية الصفحة 390من الطبعة الأميرية).
(2) فراغ في الأصل.
(3) قال أبو الريحان البيروني: تاريخ الإسكندر اليوناني الذي يلقبه بعضهم بذي القرنين على سنيّ الروم وعليه عمل أكثر الأمم لما خرج من بلاد اليونان لقتال دارا ملك الفرس ولما ورد بيت المقدس أمر اليهود بترك تاريخ داوود وموسى عليهما السلام والتحول إلى تاريخه فأجابوه وانتقلوا إلى تاريخه واستعملوه فيما يحتاجون إليه بعد أن عملوه من السنة السادسة والعشرين لميلاده، وهو أول وقت تحركه ليتموا ألف سنة من لدن موسى عليه السلام وبقوا معتصمين بهذا التاريخ ومستعملين له، وعليه عمل اليونان وكانوا قبله يؤرخون بخروج يونان بن نورس عن بابل إلى المغرب. (راجع المقريزي: 1/ 152).(2/418)
شهر منها ثلاثون يوما، وشهر واحد ناقص عن الثلاثين، وسبعة زائدة عليها. الشهر الأوّل منها تشرين الأوّل، وهو أحد وثلاثون يوما، ودخوله في الرابع من بابه من شهور القبط، وآخره الرابع من هاتور منها، ويوافقه أكتوبر من شهور الروم، وهو الشهر العاشر منها. الشهر الثاني تشرين الثاني، وهو ثلاثون يوما، ودخوله في الخامس من هاتور من شهور القبط، وآخره الرابع من كيهك منها، ويوافقه نوفمبر من شهور الروم، وهو الشهر الحادي عشر منها. الشهر الثالث كانون الأوّل وهو أحد وثلاثون يوما، ودخوله في الخامس من كيهك من شهور القبط، وآخره الخامس من طوبه منها، ويوافقه دجنبر من شهور الروم، وهو الشهر الثاني عشر منها. الشهر الرابع كانون الثاني، وهو أحد وثلاثون يوما، ودخوله في السادس من طوبه من شهور القبط، وآخره السادس من أمشير منها، ويوافقه ينير من شهور الروم، وهو الشهر الأوّل منها. الشهر الخامس أشباط، ويقال شباط، وهو ثمانية وعشرون يوما (1)، ودخوله في السابع من أمشير، وآخره الرابع من برمهات، ويوافقه فبراير من شهور الروم، وهو الثاني من شهورهم. الشهر السادس آذار، وهو أحد وثلاثون يوما، ودخوله في الخامس من برمهات من شهور القبط، وآخره الخامس من برموده منها، ويوافقه مارس من شهور الروم، وهو الثالث من شهورهم. الشهر السابع نيسان، وهو ثلاثون يوما، ودخوله في السادس من برموده من شهور القبط، وآخره الخامس من بشنس منها، ويوافقه ابريل من شهور الروم، وهو الرابع من شهورهم. الشهر الثامن أيّار، وهو أحد وثلاثون يوما، ودخوله في السادس من بشنس من شهور القبط، وآخره السادس من بؤنه منها، ويوافقه مايه من شهور الروم، وهو الخامس من شهورهم. الشهر التاسع حزيران،
__________
(1) قال المقريزي: «شباط ثمانية وعشرون يوما وربع، وذلك إنهم جعلوا شباط كل ثلاث سنين متواليات ثمانية وعشرين يوما وجعلوه في السنة الرابعة تسعة وعشرين يوما، فتكون سنتهم 365يوما وربع يوم. ويجعلون السنة الرابعة 366يوما، ويسمونها السنة الكبيسة. وإنما زادوا الربع في كل سنة ليقرب عدد أيام سنتهم من عدد أيام السنة الشمسية حتى تبقى أمورهم على نظام واحد، فتكون شهور البرد وشهور الحر وأوان الزرع وقت معلوم في السنة. وكان ابتداء الكبيس في السنة الثالثة من ملك الإسكندر.».(2/419)
وهو ثلاثون يوما، ودخوله في السابع من بؤنه من شهور القبط، وآخره السادس من أبيب منها، ويوافقه يونيه من شهور الروم، وهو السادس من شهورهم. الشهر العاشر تمّوز، وهو أحد وثلاثون يوما، ودخوله في السابع من أبيب من شهور القبط، وآخره السابع من مسرى منها، ويوافقه يوليه من شهور الروم، وهو السابع من شهورهم. الشهر الحادي عشر آب، وهو أحد وثلاثون يوما، ودخوله في الثامن من مسرى من شهور القبط، وآخره الثالث من توت منها، ويوافقه اغشت من شهور الروم، وهو الثامن من شهورهم. الشهر الثاني عشر أيلول وهو ثلاثون يوما، ودخوله في الرابع من توت من شهور القبط، وآخره الثالث من بابه منها، ويوافقه ستنبر من شهور الروم، وهو التاسع من شهورهم، وبذهابه يذهب الحر جملة، وفي ذلك يقول أبو نواس:
مضى أيلول وارتفع الحرور ... وأخبت نارها الشّعرى العبور
وقد نظمها صاحبنا الشيخ إبراهيم الدهشوري في أبيات ابتدأ فيها بأيلول فقال:
وابدأ بأيلول من السّرياني ... تشرين الأوّل يتبعنه الثاني
كانون كانون شباط يطلع ... آذار نيسان أيار يتبع
ثمّ حزيران وتمّوز وأب ... تبارك الرحمن يهدي من أحب
وقد نظم الشيخ أبو عبد الله الكيزاني (1) رحمه الله أبياتا ذكر فيها الأشهر التي منها ثلاثون يوما والناقصة عن الثلاثين ولم يتعرّض للزائدة على الثلاثين وليست بالطائل، وهي هذه:
شهور الرّوم ألوان زيادات ونقصان
فتشرينهم الثاني وأيلول ونيسان
__________
(1) هو محمد بن إبراهيم بن ثابت بن فرح الكناني المعروف بابن الكيزاني. واعظ شاعر مصري متصوف نسبت إليه الكيزانية من طوائف المتصوفة بمصر. توفي بالقاهرة سنة 562هـ. (الأعلام 5/ 296).(2/420)
ثلاثون ثلاثون سواء وحزيران
شباط خصّ بالنقص وقدر النّقص يومان
ونظم صاحب «مناهج الفكر» (1) تداخلها مع شهور القبط في أرجوزة فجاءت في غاية الحسن والوضوح إلا أن فيها طولا، وهي هذه:
متى تشأ معرفة التّداخل ... من أوّل الشّهور في المنازل
فعدّ من توت بلا تطويل ... أربعة فهي ابتدا أيلول
وبابة كذاك مع تشرين ... الأوّل السابق في السنين
والخامس المعدود من هتور ... أوّل تشرينهم الأخير
أوّل كانون بغير دلسه ... إذا نقصت من كيهك خمسه
وطوبة إن مرّ منه ستّة ... أتاك كانون الأخير بغته
ومن شباط أوّل يوافق ... سابع أمشير حساب صادق
أول آذار إذا جعلته ... لبرمهات خامسا وجدته
أوّل نيسان لدى التّجريد ... السادس المعدود من برمود
ومثله أيار مع بشنس ... واحدة مقرونة بخمس
أمّا حزيران فيحسبونه ... أوّله السابع من بؤنه
كذلك السابع من أبيب ... أوّل تمّوز بلا تكذيب
أوّل آب عند من يحصّل ... ثامن مسرى ذاك ما لا يجهل
وبالغ بعض المتأخرين فنظم معنى هذه الأرجوزة في بيت واحد، الحرف الأوّل من الكلمة منه للشهر السريانيّ والحرف الأخير للشهر القبطيّ وما بينهما لعدد الأيام التي إذا مضت من ذلك الشهر القبطيّ دخل ذلك الشهر السرياني وهو:
أدّت تدب تهه كهك كوط أزا ... أهب نوب أوب حزب تزا أحم
فالألف من أدّت إشارة لأيلول من شهور السّريان، وهو آخر شهورهم،
__________
(1) انظر ص: 163من هذا الجزء.(2/421)
والتاء إشارة لتوت من شهور القبط، وهو أوّل شهورهم، والدال من أدت بأربعة، ففي الرابع من توت يدخل أيلول، والتاء من تدب إشارة لتشرين الأوّل، والباء إشارة لبابه، والدال بينهما بأربعة، ففي الرابع من بابه يدخل تشرين الأوّل، والتاء من تهه إشارة لتشرين الثاني، والهاء الأخيرة إشارة لهتور، والهاء المتوسطة بينهما بخمسة ففي الخامس من هاتور يدخل تشرين الثاني، والكاف الأولى من كهك إشارة لكانون الأوّل والكاف الأخيرة إشارة لكيهك والهاء بينهما بخمسة، ففي الخامس من كيهك يدخل كانون الأوّل، والكاف من كوط إشارة لكانون الثاني، والطاء إشارة لطوبه، والواو بينهما بستة، ففي السادس من طوبه يدخل كانون الثاني والألف الأولى من أزا إشارة لأشباط، والألف الأخيرة إشارة لأمشير، والزاي بينهما بسبعة، ففي السابع من أمشير يدخل أشباط والألف من أهب إشارة لآذار، والباء إشارة لبرمهات، والهاء بينهما بخمسة، ففي الخامس من برمهات يدخل آذار، والنون من نوب إشارة لنيسان، والباء إشارة لبرموده، والواو بينهما بستة، ففي السادس من برموده يدخل نيسان والألف من أوب إشارة لأيّار، والباء إشارة لبشنس، والواو بينهما بستة، ففي السادس من بشنس يدخل أيّار والحاء من حزب إشارة لحزيران، والباء إشارة لبؤنه، والزاي بينهما بسبعة، ففي السابع من بؤنه يدخل حزيران، والتاء من تزأ إشارة لتموز، والألف إشارة لأبيب، والزاي بينهما بسبعة، ففي السابع من أبيب يدخل تمّوز، والألف من أحم إشارة لآب، والميم إشارة لمسرى، والحاء بينهما بثمانية، ففي الثامن من مسرى يدخل آب.
وأما شهور الروم: (وتنسب لأغشطش (1) ملك الروم) وهو قيصر الأوّل، فاثنا عشر شهرا بعضها ثلاثون يوما، وبعضها زائد على الثلاثين، وبعضها ناقص عنها كما في شهور السريان وهي مطابقة لشهور السريان في العدد، مخالفة لها في الأسماء والترتيب. الشهر الأوّل ينير، ويوافقه كانون الثاني من شهور السريان، وهو الرابع من شهورهم، وفي أوّل يوم منه يكون القلداس، ويوقد أهل الشام في
__________
(1) قال المقريزي: «وأما تاريخ فإنه أغشطش فإنه لا يعرف اليوم أحد يستعمله» (الخطط: 1/ 261).(2/422)
ليلته نيرانا عظيمة، لا سيما مدينة أنطاكية، وكذلك سائر بلاد الشام وأرض الروم، وسائر بلاد النصارى. الشهر الثاني فبرير، ويوافقه شباط من شهور السريان وهو الخامس من شهورهم. الشهر الثالث مارس، ويوافقه آذار من شهور السريان وهو السادس من شهورهم. الشهر الرابع ابريل ويوافقه نيسان من شهور السريان، وهو السابع من شهورهم. الشهر الخامس مايه، ويوافقه أيّار من شهور السريان، وهو الثامن من شهورهم. الشهر السادس يونيه ويوافقه حزيران من شهور السريان، وهو التاسع من شهورهم. الشهر السابع يوليه، ويوافقه تمّوز من شهور السريان، وهو العاشر من شهورهم. الشهر الثامن أغشت، ويوافقه آب من شهور السريان، وهو الحادي عشر من شهورهم. الشهر التاسع شتنبر، ويوافقه أيلول من شهور السريان، وهو الثاني عشر من شهورهم. الشهر العاشر أكتوبر، ويوافقه تشرين الأوّل من شهور السريان، وهو الأوّل من شهورهم. الشهر الحادي عشر نونمبر، ويوافقه تشرين الثاني من شهور السريان، وهو الثاني من شهورهم.
الشهر الثاني عشر دجنبر، ويوافقه كانون الأوّل من شهور السريان، وهو الثالث من شهورهم، وقد نظمها الشيخ إبراهيم الدهشوري فقال:
ينير فبرير مارس للروم ... أبريل مايه خامس المعلوم
ينيه ويليه ثمّ اغشت شتنبر ... أكتوبر نونمبر دجنبر
الطرف الثالث في السنين، وفيه ثلاث جمل
الجملة الأولى في مدلول السنة والعام
يقال: السنة، والعام، والحول وقد نطق القرآن بالأسماء الثلاثة قال تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلََّا خَمْسِينَ عََاماً} (1) فأتى بذكر السنة والعام في
__________
(1) العنكبوت / 14.(2/423)
آية واحدة، وقال جل وعز: {وَالْوََالِدََاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلََادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كََامِلَيْنِ} (1)
وقد تختص السنة بالجدب والعام بالخصب، وبذلك ورد القرآن الكريم في بعض الآيات قال تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذََلِكَ عََامٌ فِيهِ يُغََاثُ النََّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} (2) فعبر بالعام عن الخصب وقال جل ذكره: {وَلَقَدْ أَخَذْنََا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرََاتِ} (3) فعبر بالسنين عن الجدب. على أنه قد وقع التعبير بالسّنين عن الخصب أيضا في قوله تعالى: {قََالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمََا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ} (4). أما الحول فإنه يقع على الخصب والجدب جميعا.
الجملة الثانية في حقيقة السنة، وهي على قسمين: طبيعيّة واصطلاحية كما تقدّم في الشهور
القسم الأوّل السنة الطبيعية وهي القمريّة
وأوّلها استهلال القمر في غرّة المحرّم، وآخرها سلخ ذي الحجّة من تلك السنة، وهي اثنا عشر شهرا هلاليّا قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللََّهِ اثْنََا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتََابِ اللََّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمََاوََاتِ وَالْأَرْضَ} (5). وعدد أيّامها ثلاثمائة يوم وأربعة وخمسون يوما وخمس وسدس يوم تقريبا ويجتمع من هذا الخمس والسدس يوم في كل ثلاث سنين فتصير السنة ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوما، ويبقى من ذلك بعد اليوم الذي اجتمع شيء، فيجتمع منه ومن خمس اليوم وسدسه في السنة السادسة يوم واحد، وكذلك إلى أن يبقى الكسر أصلا بأحد عشر يوما عند
__________
(1) البقرة / 233.
(2) يوسف / 49.
(3) الأعراف / 130.
(4) يوسف / 47.
(5) التوبة / 36.(2/424)
تمام ثلاثين سنة، وتسمّى تلك السنين كبائس العرب.
قال السهيلي (1): كانوا يؤخّرون في كل عام أحد عشر يوما حتّى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة فيعود إلى وقته، فلما كانت سنة حجّة الوداع وهي سنة تسع من الهجرة عاد الحجّ إلى وقته اتفاقا في ذي الحجّة كما وضع أوّلا، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيه الحجّ، ثم قال في خطبته التي خطبها يومئذ: «إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السّموات والأرض» بمعنى أن الحج قد عاد في ذي الحجّة.
وفي بعض التعاليق أن سني العرب كانت موافقة لسني الفرس في الدخول والانسلاخ فحدث في أحوالهم انتقالات فسد عليهم بها الكبس في أوّل السنة السادسة من ملك أغبطش، وذلك بعد ملك ذي القرنين بمائتين وثمانين سنة وأربعين يوما فسنّوا كبس الربع من ذلك اليوم في كل سنة فصارت سنينهم بعد ذلك الوقت محفوظة المواقيت. وقيل لم تزل العرب في جاهليتها على رسم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لا تنسأ سنيها إلى أن جاورتهم اليهود في يثرب، فأرادت العرب أن يكون حجّهم في أخصب وقت من السنة، وأسهل زمان للتردّد بالتجارة فعلموا الكبس من اليهود والله أعلم أيّ ذلك كان.
القسم الثاني الاصطلاحية وهي الشمسيّة
وشهورها اثنا عشر شهرا كما في السنة الطبيعية إلا أن كل طائفة راعت عدم دوران سنيها جعلت في أشهرها زيادة في الأيام إما جملة واحدة وإما متفرّقة وسمّتها نسيئا بحسب ما اصطلحوا عليه كما ستقف عليه في مصطلح كل قوم إن شاء الله تعالى. وعدد أيّامها عند جميع الطوائف من القبط، والفرس، والسريان، والروم،
__________
(1) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي: حافظ، عالم باللغة والسير، توفي سنة 581هـ. (الأعلام: 3/ 313).(2/425)
وغيرهم ثلاثمائة يوم وخمسة وستون يوما وربع يوم، فتكون زيادتها على العربية عشرة أيام وثمانية أعشار يوم وخمسة أسداس يوم. وقد قال بعض حذّاق المفسرين في قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلََاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً} (1) إنه إن حمل على السنين القمرية فهو على ظاهره من العدد، وإن حمل على السنين الشمسية فالتسع الزائدة هي تفاوت زيادة الشمسية على القمرية، لأنّ في كل ثلاثمائة سنة تسع سنين لا تخلّ بالحساب أصلا.
قال صاحب «مناهج الفكر»: ولذلك كانوا في صدر الإسلام يسقطون عند رأس كل ثلاث وثلاثين سنة عربيّة سنة ويسمّونها سنة الازدلاف، لأن كل ثلاث وثلاثين سنة عربية اثنتان وثلاثون سنة شمسية تقريبا. قال: وإنما حملهم على ذلك الفرار من اسم النسيء الذي أخبر الله تعالى أنه زيادة في الكفر.
ثم المعتبرون السنة الشمسية اختلفت مصطلحاتهم فيها بحسب اختلاف مقاصدهم.
المصطلح الأوّل مصطلح القبط
، وقد اصطلحوا على أن جعلوا شهرهم ثلاثين يوما كما تقدّم، فإذا انقضت الاثنا عشر شهرا أضافوا إليها خمسة أيام يسمّونها أيام النسيء (2)، يفعلون ذلك ثلاث سنين متوالية، فإذا كانت السنة الرابعة أضافوا إلى خمسة النسيء المذكورة ما اجتمع من الربع يوم الزائد على الخمسة أيام في السنة الشمسية فتصير ستة أيام، ويجعلونها كبيسة في تلك السنة، وبعض ظرفائهم يسمّي الخمسة المزيدة السنة الصغيرة.
قال أصحاب الزيجات: وأوّل ابتدائهم ذلك في زمن أغشطش. وكانوا من قبل يتركون الربع إلى أن تجتمع أيام سنة كاملة وذلك في ألف سنة وأربعمائة وإحدى وستين سنة يسقطونها من سنيهم وعلى هذا المصطلح استقرّ عملهم
__________
(1) الكهف / 25.
(2) وكانت تسمى «أبو عمنا» (الخطط: 1/ 263).(2/426)
بالديار المصرية في الإقطاعات، والزرع، والخراج، وما شاكل ذلك.
المصطلح الثاني مصطلح الفرس
وشهورهم كشهور القبط في عدد الأيام على ما تقدّم، فإذا كان آخر شهر أبان ماه، وهو الشهر السابع (1) من شهورهم أضافوا إليه الخمسة الأيام الباقية وجعلوه خمسة وثلاثين يوما، وتسمّي الفرس هذه الأيام الخمسة: الأندركاه ولكل يوم منها عندهم اسم خاص كما في أيّام الشهر ولما لم يجز في معتقدهم كبس السنة بيوم واحد بعد ثلاث سنين كما فعل القبط كانوا يؤخّرونه إلى أن يتم منه في مائة وعشرين سنة شهر كامل فيلقونه، وتسمّى السنة التي يلقى فيها بهبرك (2)، قال المسعوديّ في «مروج الذهب»: وإنما أخّروا ذلك إلى مائة وعشرين سنة لأن أيّامهم كانت سعودا ونحوسا فكرهوا أن يكبسوا في كل أربع سنين يوما فتنتقل بذلك أيام السّعود إلى أيام النّحوس، ولا يكون النّيروز أوّل يوم من الشهر وعلى هذا المصطلح كان يجبى الخراج للخلفاء، وتتمشى الأحوال الديوانية في بداية الأمر، وعليه العمل في العراق وبلاد فارس إلى الآن.
المصطلح الثالث مصطلح السريان
، وشهورهم على ما تقدّم من كونها تارة ثلاثين يوما وتارة زائدة عليها، وتارة ناقصة عنها، وإنما فعلوا ذلك حتّى لا يلحقهم النسيء في شهورهم إذ الأيام الخمسة المذكورة الزائدة على شهور القبط والفرس موزّعة على رؤوس الزوائد من شهورهم، وذلك أن من شهورهم سبعة أشهر يزيد كل شهر منها يوما على الثلاثين وهي تشرين الأوّل، وكانون الأوّل، وكانون الثاني، وآذار، وأيّار، وتموز، وآب، فتكون الزيادة سبعة أيام يكمل منها شباط وهو ثمانية وعشرون يوما بيومين يبقى خمسة أيام وهي نظير النسيء في سنة القبط والفرس، ويبقى بعد ذلك الربع يوم الزائد على الخمسة أيام في السنة
__________
(1) الصواب: الثامن، كما يعلم مما تقدم.
(2) في مروج الذهب: «الهارك» وفي الضوء: «بهرك».(2/427)
الشمسية، فإذا انقضت ثلاث سنين متواليات جمعوا الأرباع الثلاثة الملغاة إلى الربع الرابع فيجتمع منها يوم فيجعلونه نظير اليوم الذي كبسه القبط ويضيفونه إلى شباط، فيصير تسعة وعشرين يوما.
المصطلح الرابع مصطلح اليهود
، وشهورهم وإن كانت قمريّة كالعربية كما تقدّم فقد اضطرّوا إلى أن تكون سنتهم شمسيّة لأنهم أمروا في التوراة أن يكون عيد الفطر في زمان الفريك فلم يتأتّ لهم ذلك حتّى جعلوا سنيهم قسمين: الأوّل بشيطا ومعناه بسيطة وهي القمرية، والثاني معبارت، ومعناه كبيسة وهم يكبسون شهرا كاملا، ومعبارت اسم موضوع عندهم على الكامل فإنه لما كان في بطنها زيادة عليها كانت هذه السنة مثلها بإضافة الشهر المكبوس إليها، وكل واحدة من السنين ثلاثة أنواع أحدها حسارين ومعناه ناقصة، وهي التي يكون الشهر الثاني والثالث منها (وهما مرحشوان وكسلا) ناقصين، وكل واحد منهما تسعة وعشرون يوما والنوع الثاني شلاميم ومعناه تامّة، وهي التي يكون فيها كل شهر من الشهرين المذكورين تامّا، والنوع الثالث كسدران معناه معتدلة، وهي التي تكون أشهرها ناقص يتلوه تام وهذا يلزم من جهة أنهم لا يجيزون أن يكون رأس سنتهم يوم أحد ولا يوم أربعاء ولا يوم خميس.
وأما معبارت فإنها تكون في كل تسع عشرة سنة سبع مرات، ويسمون الجملة مخزورا ومعناه الدور وهذه السبعة لا تكون على التوالي، وإنمّا تكون تارة سنتان بشيطان يتلوهما معبارت، وتارة سنة بشيطا يتلوها معبارت، كل ذلك حتّى لا تخرم عليهم قاعدة الثلاثة أيام التي لا يختارونها أن تكون أوّل سنتهم، فإذا انقضى آذار من هذه السنة كبسوا شهرا وسموه آذار الثاني، فإذا انقضت التسع عشرة سنة أعادوا دورا ثانيا وعملوا فيه كذلك وعلى هذا أبدا.
أما مصطلح المنجّمين فالسنة عندهم من حلول الشمس في أوّل نقطة من رأس الحمل إلى حلولها في آخر نقطة من الحوت، ومنهم من يجعلها من حلول الشمس في أوّل نقطة من رأس الميزان إلى حلولها في آخر نقطة من السّنبلة،
والأوّل هو المعروف. وتساهل بعضهم فقال: هي من كون الشمس في نقطة ما من فلك البروج إلى عودها إلى تلك النقطة، ويقال إن سنة الجند والمرتزقة بالديار المصرية كانت أوّلا على هذا المصطلح، وبه يعملون في الإقطاعات ونحوها.(2/428)
أما مصطلح المنجّمين فالسنة عندهم من حلول الشمس في أوّل نقطة من رأس الحمل إلى حلولها في آخر نقطة من الحوت، ومنهم من يجعلها من حلول الشمس في أوّل نقطة من رأس الميزان إلى حلولها في آخر نقطة من السّنبلة،
والأوّل هو المعروف. وتساهل بعضهم فقال: هي من كون الشمس في نقطة ما من فلك البروج إلى عودها إلى تلك النقطة، ويقال إن سنة الجند والمرتزقة بالديار المصرية كانت أوّلا على هذا المصطلح، وبه يعملون في الإقطاعات ونحوها.
الجملة الثالثة في فصول السنة الأربعة وفيه ثلاثة مهايع
المهيع الأوّل في الحكمة في تغيير الفصول الأربعة في السنة
واعلم أن الفصول تختلف بحسب اختلاف طبائع السنة لتباين مصالح أوقاتها حكمة من الله تعالى. قال بطليموس: تحتاج الأبدان إلى تغيير الفصول فالشتاء للتجميد، والصيف للتّحليل، والخريف للتّدريج، والربيع للتّعديل وعلى ذلك يقال: إن أصل وضع الحمّام أربعة بيوت بعضها دون بعض على التدريج ترتيبها على الفصول الأربعة.
المهيع الثاني في كيفيّة انقسام السنة الشمسية إلى الفصول
واعلم أن دائرة منطقة البروج لما قاطعت دائرة معدّل النهار على نقطتين متقابلتين مال (1) عنهما في جهتي الشمال والجنوب بقدر واحد، فالنقطة التي تجري عليها الشمس من ناحية الجنوب إلى الشمال عن معدّل النهار تسمّى نقطة الاعتدال الربيعيّ، وهي أوّل الحمل، والنقطة التي تجوز عليها من الشمال إلى الجنوب تسمى نقطة الاعتدال الخريفيّ وهي أوّل الميزان. ويتوهم في الفلك دائرة ث؟؟؟
معترضة من الشمال إلى الجنوب تمرّ على أقطاب تقابل الدائرة المخطوطة على الفلكين تقطع كلّ واحد من فلك معدّل النهار وفلك البروج بنصفين، فوجب أن
__________
(1) لعله: «مال نصفهما في جهة الشمال والآخر في جهة الجنوب» كما يستفاد من المقريزي.(2/429)
يكون قطعها لفلك البروج على النقطتين اللتين هما في غاية الميل والبعد عن معدّل النهار في جهتي الشمال والجنوب فتسمّى النقطة الشمالية نقطة المنقلب الصيفيّ وهي أوّل السّرطان، وتسمّى النقطة الجنوبية نقطة المنقلب الشّتويّ، وهي أوّل الجدي. واختلاف طبائع الفصول عن حركة الشمس وتنقّلها في هذه النّقط، فإنها إذا تحرّكت من الحمل، وهو أوّل البروج الشمالية أخذ الهواء في السّخونة لقربها من سمت الرؤوس وتواتر الإسخان إلى أن تصل إلى أوّل السرطان، وحينئذ يشتدّ الحرّ في السّرطان والأسد إلى أن تصل إلى الميزان، فحينئذ يطيب الهواء ويعتدل ثم يأخذ الهواء في البرودة ويتواتر إلى أوّل الجدي، وحينئذ يشتدّ البرد في الجدي والدّلو لبعد الشمس من سمت الرؤوس إلى أن تصل إلى الحمل فتعود الشمس إلى أوّل حركتها.
المهيع الثالث في ذكر الفصول، وأزمنتها، وطبائعها، وما حصة كلّ فصل منها من البروج والمنازل وهي أربعة فصول
الأول فصل الربيع
وابتداؤه عند حلول الشمس برأس الحمل، وقد تقدم ومدّته أحد وتسعون يوما وربع يوم ونصف ثمن يوم. وأوّله حلول الشمس رأس الحمل، وآخره عند قطعها برج الجوزاء وله من الكواكب القمر، والزّهرة، ومن المنازل الشّرطان، والبطين، والثّريّا، والدّبران، والهقعة، والهنعة، والذّراع بما في ذلك من التداخل كما مر ومن الساعات الأولى والثانية والثالثة ومن الرّياح الجنوب وطبعه حارّ رطب وله من السّن الطّفولية والحداثة ومن الاخلاط الدم، ومن القوى الهاضمة. وفيه تتحرّك الطبائع، وتظهر المواد المتولدة في الشّتاء، فيطلع النبات، وتزهر الأشجار وتورق، ويهيج الحيوان للسّفاد، وتذوب الثّلوج، وتنبع العيون، وتسيل الأودية، وأخذت الأرض زخرفها وازّينت فتصير كأنها عروس تبدّت لخطّابها، في مصبّغات ثيابها ويقال: إذا نزلت الشمس رأس الحمل تصرّم الشتاء، وتنفّس الربيع، واختالت الأرض في وشيها
البديع، وتبرّجت للنظّارة في معرض الحسن والنّضارة.(2/430)
وابتداؤه عند حلول الشمس برأس الحمل، وقد تقدم ومدّته أحد وتسعون يوما وربع يوم ونصف ثمن يوم. وأوّله حلول الشمس رأس الحمل، وآخره عند قطعها برج الجوزاء وله من الكواكب القمر، والزّهرة، ومن المنازل الشّرطان، والبطين، والثّريّا، والدّبران، والهقعة، والهنعة، والذّراع بما في ذلك من التداخل كما مر ومن الساعات الأولى والثانية والثالثة ومن الرّياح الجنوب وطبعه حارّ رطب وله من السّن الطّفولية والحداثة ومن الاخلاط الدم، ومن القوى الهاضمة. وفيه تتحرّك الطبائع، وتظهر المواد المتولدة في الشّتاء، فيطلع النبات، وتزهر الأشجار وتورق، ويهيج الحيوان للسّفاد، وتذوب الثّلوج، وتنبع العيون، وتسيل الأودية، وأخذت الأرض زخرفها وازّينت فتصير كأنها عروس تبدّت لخطّابها، في مصبّغات ثيابها ويقال: إذا نزلت الشمس رأس الحمل تصرّم الشتاء، وتنفّس الربيع، واختالت الأرض في وشيها
البديع، وتبرّجت للنظّارة في معرض الحسن والنّضارة.
ومن كلام الوزير المغربيّ (1): لو كان زمن الربيع شخصا لكان مقبّلا، ولو أن الأيام حيوان لكان لها حليا ومجلّلا، لأن الشمس تخلص فيه من ظلمات حوت السماء، خلاص يونس من ظلمات حوت الماء فإذا وردت الحمل وافت أحبّ الأوطان اليها وأعزّ أماكنها عليها.
وكان عبدوس الخزاعيّ يقول: من لم يبتهج بالربيع، ولم يستمتع بأنواره ولا استروح بنسيم أزهاره، فهو فاسد المزاج، محتاج إلى العلاج.
ويروى عن بقراط الحكيم مثله، وفيه بدل قوله: «فهو فاسد المزاج» فهو عديم حسّ، أو سقيم نفس. ولجلالة محلّ هذا الفصل في القلوب، ولنزوله من النفوس منزلة الكاعب الخلوب، كانت الملوك إذا عدمته استعملت ما يضاهي زهره من البسط المصوّرة المنقّشة، والنّمارق المفوّفة (2) المرقّشة. وقد كان لأنوشروان بساط يسميه بساط الشّتاء، مرصّع بأزرق الياقوت والجواهر، وأصفره وأبيضه وأحمره، وقد جعل أخضره مكان أغصان الأشجار، وألوانه بموضع الزّهر والنوار. ولما أخذ هذا البساط في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في واقعة القادسيّة، حمل إليه فيما أفاء الله على المسلمين فلما رآه قال: «إن أمّة أدّت هذا إلى أميرها لأمينة» ثم مزّقه فوقع منه لعليّ عليه السلام قطعة في قسمه مقدارها شبر في شبر فباعها بخمسة عشر ألف دينار.
وقد أطنب الناس في وصف هذا الفصل ومدحه، وأتوا بما يقصر عن شرحه، وتغالى الشعراء فيه غاية التّغالي، وفضّلوا أيامه ولياليه على الأيّام والليالي، وما أحلى قول البحتريّ:
__________
(1) هو الحسين بن علي بن الحسين، أبو القاسم المغربي: وزير من الدهاة العلماء الأدباء. يقال: إنه من أبناء الأكاسرة. توفي بميافارقين سنة 418هـ. (الأعلام: 2/ 245).
(2) من الفوف، وهو البياض الذي يكون في أظفار الأحداث. ومنه قيل: برد مفوّف: أي رقيق أو فيه خطوط بيض. (اللسان: 9/ 274273).(2/431)
أتاك الربيع الطّلق يختال ضاحكا ... من الحسن حتّى كاد أن يتكلّما
وقد نبّه النّوروز في غسق الدّجى ... أوائل ورد كنّ بالأمس نوّما
يفتّحها برد النّدى فكأنّما ... يبثّ حديثا بينهنّ مكتّما
ومن شجر ردّ الربيع رداءه ... كما نشرت ثوبا عليه منمنما
أحلّ فأبدى للعيون بشاشة ... وكان قذى للعين إذ كان محرما
ورقّ نسيم الجوّ حتّى كأنّما ... يجيء بأنفاس الأحبّة نعّما
وأحلى منه قول أحمد بن محمد العلويّ:
أو ما ترى الأيّام كيف تبرّجت ... وربيعها وال عليها قيّم؟
لبست به الأرض الجمال فحسنها ... متأزّر ببروده متعمّم
انظر إلى وشي الرّياض كأنّه ... وشي تنشّره الأكفّ ينمنم
والنّور يهوى كالعقود تبدّدت ... والورد يخجل والأقاحي تبسم
والطّلّ ينظم فوقهنّ لآلئا ... قد زان منهنّ الفرادى التّوأم
ويكاد يذري الدّمع نرجسها اذا ... أضحى ويقطر من شقائقها الدّم
ومنها:
أرض تباهيها السماء اذا دجا ... ليل ولاحت في دجاها الأنجم
فلخضرة الجوّ اخضرار رياضها ... ولزهره زهر ونور ينجم
وكما يشقّ سنا المجرّة جرّه ... واد يشقّ الأرض طام مفعم
لم يبق إلا الدّهر إذ باهت به ... وحيا يجود به ملثّ مرهم (1)
وقول الآخر:
طرق الحياء ببّره المشكور ... أهلا به من زائر ومزور
__________
(1) ملثّ: من ألثّ المطر إلثاثا أي دام أياما لا يقلع والمرهم: من الرّهمة، وهو المطر الضعيف الدائم القطر.(2/432)
وحبا الرّياض غلالة من وشيه ... بغرائب التّفويف والتّحبير
وأعارها حليا تأنّى الغيث في ... ترصيعه بجواهر المنثور
بمورّد كمورّد الياقوت قا ... رن أبيضا كمصاعد الكافور
ومعصفر شرق وأصفر فاقع ... في أخضر كالسّندس المنشور
فكأنّ أزرقه بقايا إثمد (1) ... في أعين مكحولة بفتور
كملت صفات الزّهر فيه فناب عمّ ... اغاب من أنواعه بحضور
وقول الآخر:
إشرب هنيئا قد أتاك زمان ... متعطّر متهلّل نشوان
فالأرض وشي والنّسيم معنبر ... والماء راح والطّيور قيان
الثاني فصل الصيف
: وهو أحد وتسعون يوما وربع ونصف ثمن يوم وابتداؤه إذا حلّت الشمس رأس السّرطان، وانتهاؤه إذا أتت على آخر درجة من السّنبلة فيكون له من البروج السرطان، والأسد، والسنبلة. وهذه البروج تدلّ على السّكون، وله من الكواكب المرّيخ والشمس ومن المنازل النّثرة، والطّرف، والجبهة، والزّبرة، والصّرفة، والعوّاء، والسّماك يتداخل فيه وله من الساعات الرابعة والخامسة والسادسة، ومن الرياح الصّبا، وطبعه حارّ يابس وله من السنّ الشّباب ومن الأخلاط المرّة الصفراء ومن القوى القوّة النفسية والحيوانية. وللعرب في هذا الفصل وغرات (2): وهي الحرور منها وغرة الشّعرى، ووغرة الجوزاء، ووغرة سهيل، أوّلها أقواها حرّا يقال إن الرجل في هذه الوغرة يعطش بين الحوض والبئر، وإذا طلع سهيل ذهبت الوغرات وتسمّى الرياح التي في هذه الوغرات البوارح سميت بذلك لأنها تأتي من يسار الكعبة كما برح الظّبي إذا أتاك من يسارك وقد أولع الناس بين لفحات الحرّ وسمومه، وأتوا
__________
(1) الإثمد: ضرب من الكحل، وقيل هو نفس الكحل وقيل: شبيه به (اللسان: 3/ 105).
(2) مفردها: وغر، وهي شدة توقدّ الحرّ. ووغرة الهاجرة حين تتوسط الشمس السماء. (اللسان:
5/ 286).(2/433)
فيه ببدائع تقلع من قلب الصّبّ غمام غمومه. وفي ذلك قول بعضهم: أوقدت الظهيرة نارها، وأذكت أوارها، فأذابت دماغ الضّبّ، وألهبت قلب الصّبّ هاجرة كأنها من قلوب العشّاق، إذا اشتعلت فيها نار الفراق، حرّ تهرب له الحرباء من الشمس، وتستجير بمتراكم الرّمس لا يطيب معه عيش، ولا ينفع معه ثلج ولا خيش فهو كالقلب المهجور، أو كالتّنّور المسجور. ووصف بعضهم، وهو ذو الرمّة، حرّ هاجرة فقال:
وهاجرة حرّها واقد ... نصبت لحاجبها حاجبي
تلوذ من الشّمس أطلاؤها ... لياذ الغريم من الطّالب
وتسجد للشمس حرباؤها ... كما يسجد القسّ للرّاهب
وقال سوّار بن المضرّس:
وهاجرة تشتوى بالسّموم ... جنادبها (1) في رؤوس الأكم
إذا الموت أخطأ حرباءها ... رمى نفسه بالعمى والصّمم
وقال أبو العلاء المعريّ:
وهجيرة كالهجر موج سرابها ... كالبحر ليس لمائها من طحلب
واخى به الحرباء عودي منبر ... للظّهر إلا أنه لم يخطب
وقال آخر:
وربّ يوم حرّه منضج ... كأنّه أحشاء ظمآن
كأنّما الأرض على رضفة (2) ... والجوّ محشوّ بنيران
وبالغ الأمير ناصر الدين بن الفقيسي (3) فقال من أبيات:
__________
(1) جمع جندب، وهو الذكر من الجراد (اللسان: 1/ 257).
(2) الحجر الذي حمي بالشمس أو النار، والجمع: «رضف». (اللسان: 9/ 221).
(3) هو الحسن بن شاور بن طرخان بن الحسن ابن النقيب الكناني المعروف بالفقيسي أو بابن الفقيسي. له شعر جيد عذب. توفي سنة 687هـ. (فوات الوفيات: 1/ 324).(2/434)
في زمان يشوي الوجوه بحرّ ... ويذيب الجسوم لو كنّ صخرا
لا تطير النّسور فيه إذا ما ... وقفت شمسه وقارب ظهرا
يشتكي الضّبّ ما اشتكى الصّبّ فيه ... ولحربائه إلى الظلّ حرّا
ويودّ الغصن الرّطيب به لو ... أنّه من لحائه يتعرّى
وقال أيضا يصف ليلة شديدة الحر:
يا ليلة بتّ بها ساهرا ... من شدّة الحرّ وفرط الأوار
كأنّني في جنحها محرم ... لو أنّ للعورة منّي استتار
وكيف لا أحرم في ليلة ... سماؤها بالشّهب ترمي الجمار
على أن أبا عليّ بن رشيق قد فضّله على فصل الشتاء فقال:
فصل الشّتاء مبين لا خفاء به ... والصّيف أفضل منه حين يغشاكا
فيه الذي وعد الله العباد به ... في جنّة الخلد إن جاؤوه نسّاكا
أنهار خمر وأطيار وفاكهة ... ما شئت من ذا ومن هذا ومن ذاكا
فقل لمن قال لولا ذاك لم يك ذا ... إذا تفضّل على أخراك دنياكا
سمّ الشّتاء بعبّاس تصب غرضا ... من الصّواب وسمّ الصّيف ضحّاكا
الثالث فصل الخريف
، وهو أحد وتسعون يوما وربع يوم ونصف ثمن يوم، وأوّله عند حلول الشمس رأس الميزان وذلك في الثامن عشر من توت وإذا بقي من أيلول ثمانية أيام وآخره إذا أتت الشمس على آخر درجة من القوس فيكون له من البروج الميزان والعقرب والقوس وهذه البروج تدلّ على الحركة، وله من الكواكب زحل، ومن الساعات السابعة والثامنة. والطالع فيه مع الفجر من المنازل الغفر والزّبانان والإكليل والقلب والشّولة والنّعائم والبلدة يتداخل فيه.
وهو بارد يابس، له من السّن الكهولة تهيج فيه المرّة السّوداء، وتقوى فيه القوّة الماسكة، وتهبّ فيه الرياح الشّمالية، وفيه يبرد الهواء، ويتغيّر الزمان، وتنصرم الثّمار، ويتغير وجه الأرض، وتهزل البهائم، وتموت الهوامّ، وتجحر الحشرات، ويطلب الطير المواضع الدّفئة، وتصير الأرض كأنها كهلة مدبرة. ويقال: فصل
الخريف ربيع النفس كما أن الربيع ربيع العين، فإنه ميقات الأقوات، وموسم الثّمار، وأوان شباب الأشجار وللنّفوس في آثاره مربع، وللجسوم بمواقع خيراته مستمتع. وقد وصفه الصابي فقال: الخريف أصحّ فصول السنة زمانا، وأسهلها أوانا وهو أحد الاعتدالين المتوسّطين بين الانقلابين، حين أبدت الأرض عن ثمرتها، وصرّحت عن زبدتها وأطلقت السماء حوافل أنوائها، وآذنت بانسكاب مائها وصارت الموارد، كمتون المبارد صفاء من كدرها، وتهذّبا من عكرها واطّرادا مع نفحات الهواء، وحركات الرّياح الشّجواء واكتست الماشية وبرها القشيب، والطائر ريشه العجيب.(2/435)
وهو بارد يابس، له من السّن الكهولة تهيج فيه المرّة السّوداء، وتقوى فيه القوّة الماسكة، وتهبّ فيه الرياح الشّمالية، وفيه يبرد الهواء، ويتغيّر الزمان، وتنصرم الثّمار، ويتغير وجه الأرض، وتهزل البهائم، وتموت الهوامّ، وتجحر الحشرات، ويطلب الطير المواضع الدّفئة، وتصير الأرض كأنها كهلة مدبرة. ويقال: فصل
الخريف ربيع النفس كما أن الربيع ربيع العين، فإنه ميقات الأقوات، وموسم الثّمار، وأوان شباب الأشجار وللنّفوس في آثاره مربع، وللجسوم بمواقع خيراته مستمتع. وقد وصفه الصابي فقال: الخريف أصحّ فصول السنة زمانا، وأسهلها أوانا وهو أحد الاعتدالين المتوسّطين بين الانقلابين، حين أبدت الأرض عن ثمرتها، وصرّحت عن زبدتها وأطلقت السماء حوافل أنوائها، وآذنت بانسكاب مائها وصارت الموارد، كمتون المبارد صفاء من كدرها، وتهذّبا من عكرها واطّرادا مع نفحات الهواء، وحركات الرّياح الشّجواء واكتست الماشية وبرها القشيب، والطائر ريشه العجيب.
ومن كلام ابن شبل (1): كلّ ما يظهر في الربيع نوّاره ففي الخريف تجتنى ثماره.
وقال أبو بكر الصنوبري (2):
ما قضى في الربيع حقّ المسرّات ... مضيع لحقّها في الخريف
نحن منه على تلقّي شتاء ... يوجب القصف أو وداع مصيف
في قميص من الزّمان رقيق ... ورداء من الهواء خفيف
يرعد الماء فيه خوفا اذا ما ... لمسته يد النّسيم الضّعيف
وقال ابن الرومي يصفه:
لولا فواكه أيلول إذا اجتمعت ... من كلّ فنّ ورقّ الجوّ والماء
إذا لما حفلت نفسي إذا اشتملت ... عليّ هائلة الحالين غبراء
يا حبّذا ليل أيلول إذا بردت ... فيه مضاجعنا والرّيح شجواء
__________
(1) هو محمد بن الحسين بن عبد الله بن الشبل، الشاعر الحكيم البغدادي المتوفى سنة 473هـ.
(فوات الوفيات: 3/ 340).
(2) هو أحمد بن محمد بن الحسن بن مرار الضبيّ الحلبي المعروف بالصنوبري: اقتصر أكثر شعره على وصف الرياض والأزهار. توفي سنة 334هـ. (فوات الوفيات: 1/ 122والأعلام: 1/ 207).(2/436)
وخمّش القرّ فيه الجلد والتأمت ... من الضّجيعين أجسام وأحشاء
وأسفر القمر الساري بصفحته ... يرى لها في صفاء الماء لألاء
بل حبّذا نفحة من ريحه سحرا ... يأتيك فيها من الرّيحان أنباء
قل فيه ما شئت من فضل تعهّده ... في كلّ يوم يد لله بيضاء
وقال عبد الله بن المعتز يصفه ويفضله على الصيف من أبيات:
طاب شرب الصّبوح في أيلول ... برد الظلّ في الضّحى والأصيل
وخبت لفحة الهواجر عنّا ... واسترحنا من النّهار الطّويل
وخرجنا من السّموم إلى برد ... نسيم وطيب ظلّ ظليل
فكأنّا نزداد قربا من الجنّة ... في كلّ شارق وأصيل
ووجوه البقاع تنتظر الغيث ... انتظار المحبّ ردّ الرّسول
وقريب منه قول الآخر:
اشرب على طيب الزّمان فقد حدا ... بالصّيف للنّدمان أطيب حاد
وأشمّنا بالليل برد نسيمه ... فارتاحت الأرواح في الأجساد
وافاك بالأنداء قدّام الحيا ... فالأرض للأمطار في استعداد
كم في ضمائر تربها من روضة ... بمسيل ماء أو قرارة واد
تبدو إذا جاء السّحاب بقطره ... فكأنّما كنّا على ميعاد
ومما يقرب منه قول جحظة البرمكيّ (1):
لا تصغ للّوم إن اللّوم تضليل ... واشرب ففي الشّرب للأحزان تحليل
فقد مضى القيظ واجتثّت رواحله ... وطابت الرّيح لمّا آل أيلول
وليس في الأرض بيت يشتكي مرها ... إلا وناظره بالطّلّ مكحول
__________
(1) هو أبو الحسن أحمد بن جعفر: نديم أديب مغنّ من أهل بغداد. لقبه ابن المعتز بجحظة لنتوء في عينيه. توفي سنة 324هـ. (الأعلام: 1/ 107).(2/437)
وبالغ بعضهم فسوّى بينه وبين فصل الربيع فقال في ضمن تهنئة لبعض إخوانه:
هنيّت إقبال الخريف ... وفزت بالوجه الوضيّ
تمّ اعتدالا في الكمال ... فجاء في خلق سويّ
فحكى الرّبيع بحسنه ... ونسيم ريّاه الذّكيّ
وينوب ورد الزّعفران ... له عن الورد الجنيّ
وأبلغ منه قول الآخر يفضله على فصل الربيع الذي هو سيد الفصول ورئيسها:
محاسن للخريف لهنّ فخر ... على زمن الرّبيع وأيّ فخر
به صار الزّمان أمام برد ... يراقب نزحه وعقيب حرّ
ومع ذلك فالأطباء تذمّه لاستيلاء المرّة السّوداء فيه، ويقولون: أنّ هواءه رديء متى تشبّث بالجسم لا يمكن تلافيه وفي ذلك يقول بعض الشعراء:
خذ في التّدثّر في الخريف فإنّه ... مستوبل ونسيمه خطّاف
يجري مع الأيّام جري نفاقها ... لصديقها ومن الصّديق يخاف
الرابع فصل الشتاء
وهو أحد وتسعون يوما وربع يوم ونصف ثمن يوم، ودخوله عند حلول الشمس رأس الجدي وذلك في الثامن عشر من كيهك وإذا بقي من كانون الأول ثمانية أيام وآخره إذا أتت الشمس على آخر درجة من الحوت فيكون له من البروج الجدي والدّلو والحوت وهذه البروج تدلّ على السكون والطالع فيه مع الفجر سعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السّعود، وسعد الأخبية، والفرغ المقدّم والفرغ المؤخّر، والرّشاء. فيه تهبّ رياح الدّبور وهو بارد رطب.
فيه يهيج البلغم، وتضعف قوى الأبدان. له من السنّ الشّيخوخة، ومن القوى البدنيّة القوة الدافعة، وفيه يشتدّ البرد، ويخشن الهواء، ويتساقط ورق الشّجر، وتنجحر (1) الحيّات، وتكثر الأنواء، ويظلم الجوّ، وتصير الأرض كأنها عجوز هرمة
__________
(1) فعل مطاوعة لجحر. يقال: جحره فانجحر أي أدخله الجحر فدخله. (اللسان: 4/ 117).(2/438)
قد دنا منها الموت. وله من الكواكب المشتري وعطارد، ومن الساعات العاشرة والحادية عشرة. ويقال: إذا حلّت الشمس الجدي، مدّ الشّتاء رواقه، وحلّ نطاقه، ودبّت عقارب البرد لاسبة (1)، ونفع مدّخر الكسب كاسبه. وللبلغاء في وصف حال من أظله ملح تدفع عن المقرور متى استعدّ بها طلّه ووبله.
فمن ذلك قول بعضهم يصف شدّة البرد: برد يغيّر الألوان، وينشّف الأبدان، ويجمّد الريق في الأشداق، والدّمع في الآماق (2) برد حال بين الكلب وهريره، والأسد وزئيره، والطير وصفيره، والماء وخريره.
ومن كلام الفاضل (3): في ليلة جمد خمرها، وخمد جمرها، إلى يوم تودّ البصلة لو ازدادت قمصا (4) إلى قمصها، والشمس لو جرّت النار إلى قرصها أخذه بعضهم فقال:
ويومنا أرياحه قرّة ... تخمش الأبدان من قرصها
يوم تودّ الشمس من برده ... لو جرّت النار إلى قرصها
ولابن حكينا البغداديّ:
البس إذا قدم الشّتاء برودا ... وافرش على رغم الحصير لبودا
الرّيق في اللهوات أصبح جامدا ... والدّمع في الآماق صار برودا
وإذا رميت بفضل كأسك في الهوا ... عادت إليك من العقيق عقودا
وترى على برد المياه طيورها ... تختار حرّ النار والسّفّودا
__________
(1) اللّسب واللسع واللدغ بمعنى واحد.
(2) قال في اللسان: 10/ 335: «مؤق العين وموقها ومؤقيها ومأقيها: مؤخرها وقيل: مقدمها. وجمع المؤق والموق والمأق هو آماق. وجمع المؤقيّ والمأقيّ هو مآق على القياس».
(3) لعله: «من» بدليل «إلى».
(4) المقصود بقمص البصلة: أغلفتها. والمعنى أنه من شدة البرد تودّ البصلة لو تزيد أغلفة إلى أغلفتها لتقيها شدة البرد.(2/439)
يا صاحب العودين لا تهملهما ... حرّق لنا عودا وحرّك عودا
ولبعضهم:
شتاء تقلص الأشداق منه ... وبرد يجعل الشّبّان شيبا
وأرض تزلق الأقدام فيها ... فما تمشي بها إلا دبيبا
ومن كلام الزمخشري:
أقبلت يا برد ببرد أجود ... تفعل بالأوجه فعل المبرد
أظل في البيت كمثل المقعد ... منقبضا تحت الكساء الأسود
لو قيل لي أنت أمير البلد ... فهات للبيعة كفّا يعقد
ومن كلام أبي عبد الله بن أبي الخصال (1) يصف ليلة باردة من رسالة:
والكلب قد صافح خيشومه ذنبه، وأنكر البيت وطنبه (2)، والتوى التواء الجباب (3)، واستدار استدارة الحباب (4)، وجلّده الجليد، وضربه الضّريب، وصعّد أنفاسه الصّعيد، فحماه مباح، ولا هرير ولا نباح.
ومن شعر الحماسة في وصف ليلة شديدة البرد:
في ليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب من أندائها الطّنبا
لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ... حتّى يلفّ على خيشومه الذّنبا
ولأبي القاسم التنوخيّ (5):
__________
(1) هو محمد بن مسعود بن طيّب بن فرج، ابن أبي الخصال خلصة المغربي: وزير أندلسي شاعر أديب يلقب بذي الوزارتين. استشهد في فتنة المصامدة بقرطبة سنة 206هـ. (الأعلام: 7/ 95).
(2) الطّنب والطّنب: حبل طويل يشد به البيت والسرادق. وقيل هو الوتد. والجمع أطناب وطنبة.
(اللسان: 1/ 561).
(3) شبه الزبد يعلو ألبان الإبل (اللسان: 1/ 251).
(4) الحيّة.
(5) هو محسن بن عبد الله بن محمد: لغوي أديب من القضاة، له شعر. توفي سنة 417هـ. (الأعلام:
5/ 287).(2/440)
وليلة ترك البرد البلاد بها ... كالقلب أسعر نارا فهو مثلوج
فإن بسطت يدا لم تنبسط خصرا ... وإن تقل فبقول فيه تثبيج (1)
فنحن منه ولم نخرس ذوو خرس ... ونحن فيه ولم نفلج مفاليج
وقال بعضهم يصف يوما باردا كثير الضّباب:
يوم من الزّمهرير مقرور ... عليه جيب السّحاب مزرور
وشمسه حرّة مخدّرة ... ليس لها من ضبابه نور
كأنّما الجوّ حشوه إبر ... والأرض من تحته قوارير
وحكي أنّ أعرابيّا اشتدّ به البرد فأضاءت نار فدنا منها ليصطلي، وهو يقول:
اللهم لا تحرمنيها في الدّنيا ولا في الآخرة أخذه بعضهم فقال وهو في غاية المبالغة:
أيا ربّ إن البرد أصبح كالحا ... وأنت بحالي عالم لا تعلّم
فإن كنت يوما مدخلي في جهنّم ... ففي مثل هذا اليوم طابت جهنّم
وقد اعتنى الناس بمدحه فقال بعضهم: لو لم يكن من فضله إلا أنه تغيب فيه الهوامّ وتنجحر الحشرات، ويموت الذّباب، ويهلك البعوض، ويبرد الماء، ويسخن الجوف، ويطيب العناق، ويظهر الفرش، ويكثر الدخن، وتلذّ جمرة البيت لكفى.
وتابعه بعض الشعراء فقال:
تركت مقدّمة الخريف حميده ... وبدا الشّتاء جديده لا ينكر
مطر يروق الصّحو منه وبعده ... صحو يكاد من الغضارة يمطر
غيثان والانواء غيث ظاهر ... لك وجهه والصّحو غيث مضمر
وقال أبو الفتح كشاجم:
__________
(1) التثبيج في الكلام هو اضطرابه والتخليط فيه (اللسان: 2/ 220).(2/441)
أذن الشّتاء بلهوه المستقبل ... فدنت أوائله بغيث مسبل
متكاثف الأنواء منغدق الحيا ... هطل النّدى هزج الرّعود بجلجل
جاءت بعزل الجدب فيه فبشّرت ... بالخصب أنواء السّماك الأعزل
وقد ولع الناس بذكر الاعتداد لها قديما وحديثا.
قيل لأعرابيّ: ما أعددت للبرد؟ فقال: طول الرّعدة، وتقرفص القعدة، وذوب (1)
المعدة، أخذه ابن سكّرة (2)، فقال:
قيل ما أعددت للبر ... د وقد جاء بشدّه
قلت درّاعة عري ... تحتها جبّة رعده
واعلم أن ما تقدّم من أزمان الفصول الأربعة هو المصطلح المعروف، والطريق المشهور. وقد ذكر الآبيّ في كتاب الدرّ (3): أن العرب قسّمت السنة أربعة أجزاء فجعلوا الجزء الأوّل الصّفريّة وسمّوا مطره الوسمي، وأوّله عندهم سقوط عرقوة الدّلو السّفلى، وآخره سقوط الهقعة، وجعلوا الجزء الثاني الشتاء، وأوّله سقوط الهنعة، وآخره سقوط الصّرفة. وجعلوا الجزء الثالث الصيف، وأوّله سقوط العوّاء، وآخره سقوط الشّولة، وجعلوا الجزء الرابع القيظ. وسمّوا مطره الخريف، وأوّله سقوط النّعائم، وآخره سقوط عرقوة الدلو العليا.
وذكر ابن قتيبة في «أدب الكاتب» طريقا آخر فقال:
الربيع يذهب الناس إلى أنه الفصل الذي يتبع الشتاء ويأتي فيه الورد والكمأة، والنّور، ولا يعرفون الربيع غيره. والعرب تختلف في ذلك فمنهم من
__________
(1) لعل الصواب: «وذرب» بالراء بدل الواو.
(2) هو محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي، من ولد علي بن المهدي العباسي: شاعر كبير من أهل بغداد، توفي سنة 385هـ. (الأعلام: 6/ 525).
(3) كتاب «نثر الدر» لأبي سعيد بن حسين بن منصور الآبي، الوزير المتوفى سنة 422هـ. (كشف الظنون: 1927).(2/442)
يجعل الربيع الفصل الذي تدرك فيه الثمار، وهو الخريف، وبعده فصل الشتاء، ثم فصل الصيف وهو الوقت الذي تسمّيه العامّة الربيع، ثم فصل القيظ وهو الذي تسميه العامة الصّيف، ومنهم من يسمّي الفصل الذي تدرك فيه الثمار وهو الخريف الربيع الأوّل، ويسمّي الفصل الذي يلي الشتاء وتأتي فيه الكمأة والنّور الربيع الثاني، وكلهم مجمعون على أن الخريف هو الربيع.
وفي بعض التعاليق أن من العرب من جعل السنة ستة أزمنة: الأوّل الوسمي وحصّته من السنة شهران، ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة وهي العوّاء، والسّماك والغفر، والزّبانان، وثلثا الإكليل. الثاني الشتاء، وحصته من السنة شهران، ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة وهي ثلث الإكليل، والقلب، والشّولة، والنّعائم، والبلدة، وثلث الذّابح، الثالث الربيع، وحصته من السنة شهران، ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة، وهي ثلثا الذابح وبلع، والسّعود، والأخبية، والفرغ المقدم، الرابع الصيف، وحصته من السنة شهران، ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة، وهي الفرغ المؤخّر، وبطن الحوت، والشّرطان، والبطين، وثلثا الثريّا، الخامس الحميم، وحصته من السنة شهران، ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة وهي ثلث الثريا، والدّبران والهقعة، والهنعة، والذّراع وثلث النثرة. السادس الخريف، وحصّته من السنة شهران، ومن المنازل أربع منازل وثلثا منزلة وهي ثلثا النّثرة، والطّرف، والجبهة، والخرتان، والصّرفة.
والأوائل من علماء الطّب يقسمون السنة إلى الفصول الأربعة، إلا أنهم يجعلون الشتاء والصيف أطول زمانا وأزيد مدّة من الربيع والخريف، فيجعلون الشّتاء أربعة أشهر، والصيف أربعة أشهر، والربيع شهرين، والخريف شهرين، إذ كانا متوسطين بين الحرّ والبرد وليس في مدّتهما طول ولا في زمانهما اتّساع.
واعلم أن ما تقدّم من تفضيل بعض الفصول على بعض إنما هو أقاويل الشّعراء وأفانين الأدباء، تفنّنا في البلاغة وإلا فالواضع حكيم جعل هذه الفصول مشتملة على الحرّ تارة وعلى البرد أخرى لمصالح العباد، ورتّبها ترتيبا خاصّا على
التدريج، يفهم ذلك أهل العقول وأرباب الحكمة، جلّت صنعته أن تكون عريّة عن الحكمة، أو موضوعة في غير موضعها {مََا تَرى ََ فِي خَلْقِ الرَّحْمََنِ مِنْ تَفََاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى ََ مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خََاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} (1).(2/443)
واعلم أن ما تقدّم من تفضيل بعض الفصول على بعض إنما هو أقاويل الشّعراء وأفانين الأدباء، تفنّنا في البلاغة وإلا فالواضع حكيم جعل هذه الفصول مشتملة على الحرّ تارة وعلى البرد أخرى لمصالح العباد، ورتّبها ترتيبا خاصّا على
التدريج، يفهم ذلك أهل العقول وأرباب الحكمة، جلّت صنعته أن تكون عريّة عن الحكمة، أو موضوعة في غير موضعها {مََا تَرى ََ فِي خَلْقِ الرَّحْمََنِ مِنْ تَفََاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى ََ مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خََاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} (1).
الطرف الرابع في أعياد الأمم ومواسمها، وفيه خمس جمل
الجملة الأولى في أعياد المسلمين
واعلم أن الذي وردت به الشريعة وجاءت به السنّة عيدان: عيد الفطر، وعيد الأضحى. والسبب في اتخاذهما ما رواه أبو داود في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قدم المدينة ولأهلها يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ فقالوا: كنّا نلعب فيهما في الجاهليّة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنّ الله عزّ وجلّ قد بدّلكم خيرا منهما (2) يوم الأضحى، ويوم الفطر» فأوّل ما بديء به من العيدين عيد الفطر، وذلك في سنة اثنتين من الهجرة. وروى ابن باطيش (3) في كتاب الأوائل أن أوّل عيد ضحّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم سنة اثنتين من الهجرة وخرج إلى المصلّى للصلاة، وحينئذ فيكون العيدان قد شرعا في سنة واحدة، نعم قد ابتدعت الشيعة عيدا ثالثا وسمّوه عيد الغدير. وسبب اتخاذهم له
__________
(1) الملك / 43.
(2) قال في بلوغ الأرب: 1/ 364: «وقيل هذان اليومان كانا النيروز والمهرجان، وإنما بدلا لأنه ما من عيد في الناس إلا وسبب وجوده تنويه بشعائر دين أو موافقة أئمة مذهب أو شيء مما يضاهي ذلك، فخشي النبي إن تركهم وعاداتهم أن يكون هنالك تنويه بشعائر الجاهلية أو ترويج لسنة أسلافهم فأبدلهما بيومي الفطر والأضحى».
(3) هو إسماعيل بن هبة الله بن سعيد: فقيه شافعي محدث، توفي بحلب سنة 655هـ. (الأعلام:
1/ 328).(2/444)
مؤاخاة النبيّ صلى الله عليه وسلّم لعليّ كرم الله وجهه يوم غدير خمّ وهو غدير على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة الطريق تصبّ فيه عين وحوله شجر كثير، وهي الغيضة التي تسمّى خمّا، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما رجع من حجّة الوداع نزل بالغدير وآخى بين الصحابة ولم يؤاخ بين عليّ وبين أحد منهم فرأى النبيّ صلى الله عليه وسلّم منه انكسارا فضمّه إليه وقال «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي والتفت إلى أصحابه وقال من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» وكان ذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشر من الهجرة.
والشيعة يحيون ليلة هذا العيد بالصلاة ويصلّون في صبيحتها ركعتين قبل الزوال وشعارهم فيه لبس الجديد، وعتق العبيد، وذبح الأغنام، وإلحاق الأجانب بالأهل في الإكرام. والشعراء والمترسلون يهنّئون الكبراء منهم بهذا العيد.
الجملة الثانية في أعياد الفرس
وكان دينهم المجوسية، وأعيادهم كثيرة جدّا حتّى إن عليّ بن حمزة الأصبهانيّ (1) عمل فيها كتابا ذكر فيه أسباب اتخاذهم لها، وسبب سلوكهم فيها وقد اقتصرنا منها على المشهور الذي ولع الشعراء بذكره، واعتنى الأمراء بأمره وهي سبعة أعياد:
العيد الأوّل النّيروز
وهو تعريب نوروز، ويقال إن أوّل من اتخذه جم شاد أحد ملوك الطبقة الثانية (2) من الفرس، ومعنى شاد الشّعاع والضياء (3) وإن سبب (4) اتخاذهم لهذا اليوم عيدا أن الدّين كان قد فسد قبله، فلما ملك جدّده
__________
(1) أحد أدباء أصبهان. توفي سنة 375هـ. له: «قلائد الشرف في مفاخر أصبهان وأخبارها» (هدية العارفين: 1/ 673).
(2) في بلوغ الأرب: 1/ 348: «أحد ملوك الطبقة الأولى من الفرس».
(3) ومعنى «جم»: القمر. (المرجع السابق).
(4) قال في بلوغ الأرب: «وسبب اتخاذهم لهذا اليوم عيدا أن «طمهورة» لما هلك ملك بعده جمشاد» فسمى اليوم الذي ملك فيه نيروزا.(2/445)
وأظهره فسمّي اليوم الذي ملك فيه نوروز أي اليوم الجديد. وفي بعض التعاليق أن جم شاد ملك الأقاليم السبعة والجنّ والإنس، فاتخذ له عجلة ركبها، وكان أوّل يوم ركبها فيه أوّل يوم من شهر افرودين ماه (1)، وكان مدّة ملكه لا يريهم وجهه، فلما ركبها أبرز لهم وجهه، وكان له حظ من الجمال وافر، فجعلوا يوم رؤيتهم له عيدا، وسمّوه نوروزا. ومن الفرس من يزعم أنه اليوم الذي خلق الله فيه النّور، وأنه كان معظّما قبل جم شاد. وبعضهم يزعم أنه أوّل الزمان الذي ابتدأ الفلك فيه بالدّوران. ومدّته عندهم ستة أيام أوّلها اليوم الأوّل من شهر افرودين ماه (2) الذي هو أوّل شهور سنتهم. ويسمّون اليوم السادس النّوروز الكبير، لأن الأكاسرة كانوا يقضون في الأيام الخمسة حوائج الناس على طبقاتهم، ثم ينتقلون إلى مجالس أنسهم مع ظرفاء خواصّهم.
وحكى ابن المقفّع أنه كان من عادتهم فيه أن يأتي الملك رجل من الليل قد أرصد لما يفعله، مليح الوجه، فيقف على الباب حتّى يصبح، فإذا أصبح دخل على الملك من غير استئذان، ويقف حيث يراه، فيقول له: من أنت؟ ومن أين أقبلت؟ وأين تريد؟ وما اسمك؟ ولأيّ شيء وردت؟ وما معك؟ فيقول: أنا المنصور، واسمي المبارك، ومن قبل الله أقبلت، والملك السعيد أردت، وبالهناء والسلامة وردت ومعي السّنة الجديدة، ثم يجلس، ويدخل بعده رجل معه طبق من فضّة وعليه حنطة، وشعير، وجلبان وحمّص وسمسم، وأرزّ من كل واحد سبع سنبلات، وسبع حبّات وقطعة سكّر، ودينار ودرهم جديدان فيضع الطبق بين يدي الملك، ثم تدخل عليه الهدايا، ويكون أوّل من يدخل عليه بها وزيره، ثم صاحب الخراج، ثم صاحب المعونة (3)، ثم الناس على طبقاتهم، ثم يقدّم للملك رغيف كبير من تلك الحبوب مصنوع موضوع في سلّة، فيأكل منه ويطعم من حضر، ثم يقول: هذا يوم جديد، من شهر جديد، من عام جديد، يحتاج أن
__________
(1) في بلوغ الأرب: «شهر أفروريز ماه».
(2) في بلوغ الأرب: «شهر أفروريز ماه».
(3) لعل المقصود صاحب المؤونة كما في بلوغ الأرب: 1/ 349.(2/446)
يجدّد فيه ما أخلق من الزّمان، وأحق الناس بالفضل والإحسان الرأس لفضله على سائر الأعضاء ثم يخلع على وجوه دولته، ويصلهم، ويفرّق عليهم ما وصل إليه من الهدايا.
وأما عوامّ الفرس فكانت عادتهم فيه رفع النار في ليلته، ورشّ الماء في صبيحته ويزعمون أن إيقاد النّيران فيه لتحليل العفونات التي أبقاها الشّتاء في الهواء. ويقال إنما فعلوا ذلك تنويها بذكره، وإشهارا لأمره. وقالوا في رشّ الماء:
إنما هو بمنزلة الشّهرة (1) لتطهير الأبدان مما انضاف إليها من دخان النار الموقدة في ليلته.
وقال آخرون: إن سبب رش الماء فيه أن فيروز بن يزدجرد لما استتم سورجيّ، وهي أصبهان القديمة، لم تمطر سبع سنين في ملكه، ثم مطرت في هذا اليوم ففرح الناس بالمطر وصبّوا من مائه على أبدانهم من شدّة فرحهم به، فصار ذلك سنّة عندهم في ذلك اليوم من كل عام، وما أحلى قول بعضهم يخاطب من يهواه، ويذكر ما يعتمد في النيروز من شب النّيران وصبّ الأمواه:
كيف ابتهاجك بالنّيروز يا سكني ... وكلّ ما فيه يحكيني وأحكيه
فتارة كلهيب النّار في كبدي ... وتارة كتوالي عبرتي فيه
أسلمتني فيه يا سؤلي إلى وصب ... فكيف تهدي الى من أنت تهديه
وأوّل من رسم هدايا النّيروز والمهرجان في الإسلام الحجّاج بن يوسف الثّقفيّ، ثم رفع ذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، واستمرّ المنع فيه إلى أن فتح باب الهديّة فيه أحمد بن يوسف الكاتب فإنه أهدى فيه للمأمون سفط ذهب فيه قطعة عود هنديّ في طوله وعرضه، وكتب معه: هذا يوم جرت فيه العادة، بإتحاف العبيد السادة، وقد قلت:
__________
(1) لعله خطأ من الناسخ. والصواب: «إنما هو بمنزلة النّشرة»، كما في بلوغ الأرب: 1/ 350.
والنّشرة رقيّة يعالج بها المريض ونحوه.(2/447)
على العبد حقّ وهو لا شكّ فاعله ... وإن عظم المولى وجلّت فواضله
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله ... وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله
فلو كان يهدي للجليل بقدره ... لقصّر عنه البحر يوما وساحله
ولكنّنا نهدي إلى من نجلّه ... وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله
وكتب سعيد بن حميد إلى صديق له يوم نيروز: هذا يوم سهّلت فيه السنّة للعبيد الإهداء للملوك، فتعلّقت كلّ طائفة من البر بحسب القدرة والهمّة، ولم أجد فيما أملك ما يفي بحقّك، ووجدت تقريظك أبلغ في أداء ما يجب لك، ومن لم يؤت في هديّته إلا من جهة قدرته فلا طعن عليه.
هذا ما يتعلق بنيروز الفرس (1) من ذكر الهدايا فيه، وإيقاد النار، ورشّ الماء، وأوّل من سنّه. وأما تعلّقه بالخراج فسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى عند الكلام على جباية الخراج في فنّ الدّيونة.
العيد الثاني من أعياد الفرس المهرجان
وهو في السادس والعشرين من تشرين الأوّل من شهور السّريان، وفي السادس عشر من مهرماه من شهور الفرس، وفي التاسع من أبيب من شهور القبط وبينه وبين النيروز مائة وسبعة وستون يوما، وهذا الأوان في وسط زمان الخريف، وفي ذلك يقول الشاعر:
أحبّ المهرجان لأنّ فيه ... سرورا للملوك ذوي السّناء
وبابا للمصير إلى أوان ... تفتّح فيه أبواب السّماء
ومدّته ستة أيام، ويسمّى اليوم السادس منه المهرجان الأكبر، كما يسمّى اليوم السادس من أيام النّيروز عندهم النّيروز الأكبر.
قال المسعودي: وسبب تسميتهم لهذا اليوم بهذا الاسم أنهم كانوا يسمّون شهورهم بأسماء ملوكهم، وكان لهم ملك يسمّى مهرا يسير فيهم بالعنف والعسف
__________
(1) أنظر عن نيروز القبط صفحة: 458من هذا الجزء.(2/448)
فمات في النصف من هذا الشهر، وهو مهرماه، فسمّي ذلك اليوم مهرجان، وتفسيره نفس مهر ذهبت، والفرس تقدّم في لغتها ما تؤخّره العرب في كلامها وهذه اللغة الفهلوية وهي الفارسية الأولى وزعم آخرون أن مهر بالفارسية حفاظ وجان الروح، وفي ذلك يقول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر (1):
إذا ما تحقّق بالمهرجان ... من ليس يعرف معناه غاظا
ومعناه أن غلب الفرس فيه ... فسمّوه للرّوح فيه حفاظا
ويقال: إنما ظهر في عهد افريدون الملك، ومعنى هذا الاسم إدراك الثأر وذلك أن افريدون أخذ بثأر جدّه جم شاد من الضّحّاك، فإنه كان أفسد دين المجوسيّة وخرج على جم شاد فأخذ منه الملك وقتله فلمّا غلبه افريدون قتله بجبل دنباوند (2) وأعاد المجوسية إلى ما كانت، فاتّخذ الفرس يوم قتله عيدا، وسمّوه مهرجان، والمهر الوفاء، وجان سلطان، وكان معناه سلطان الوفاء.
وزعم بعض الفرس أن الضحّاك (3) هو النّمرود وافريدون (4) هو إبراهيم عليه السلام، بلغتهم.
ويقال إن المهرجان هو اليوم الذي عقد فيه التاج على رأس اردشير بن بابك (5)، أوّل ملوك الفرس الساسانيّة، وكان مذهب الفرس في المهرجان أن يدّهن
__________
(1) أمير من الأدباء الشعراء. ولي شرطة بغداد وتوفي بها سنة 300هـ. كان رفيع المنزلة عند المعتضد العباسي، له براعة في الهندسة والموسيقى. (الأعلام: 4/ 195).
(2) جبل من نواحي الريّ. (معجم البلدان: 2/ 475).
(3) ويقال له: بيوراسف أو بيوراسب، قال ابن الأثير في الكامل: ذكر بيوراسب وهو الإزدهاق الذي يسميه العرب الضحاك. قال: وأهل اليمن يدعون أن الضحاك فيهم وأنه أول الفراعنة وكان ملك مصر لما قدمها إبراهيم الخليل. والفرس تذكر أنه منهم وتنسبه إليهم. (راجع معجم البلدان:
2/ 475وبلوغ الأرب: 1/ 353).
(4) هو أفريدون بن أثفيان الأصبهاني، حسب رواية ابن الكلبي. (البلدان: 2/ 475).
(5) أطاح بارتيانوس، آخر أباطرة البارثيين، عن عرشه وأعاد بناء فارس بعد انحلال السلوقيين، وأسس الأسرة الساسانية. قويت دولته بتأييد الكهنة وشهر بكونه ملكا عادلا وقويا. توفي نحو 240م.
(الموسوعة العربية: 215ودائرة المعارف: 2/ 547).(2/449)
ملكهم بدهن البان تبرّكا، وكذلك العوام، وأن يلبس القصب والوشي، ويتوّج بتاج عليه صورة الشمس وحجلتها الدائرة عليها، ويكون أوّل من يدخل إليه الموبذان بطبق فيه أترجّة، وقطعة سكّر، ونبق، وسفرجل وعنّاب، وتفّاح، وعنقود عنب أبيض، وسبع طاقات آس، قد زمزم (1) عليها ثم تدخل الناس على طبقاتهم بمثل ذلك، وربما كانوا يذهبون الى تفضيله على النّيروز وفيه يقول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
أخا الفرس إن الفرس تعلم إنّه ... لأطيب من نيروزها مهرجانها
لإدبار أيّام يغمّ هواؤها ... وإقبال أيّام يسرّ زمانها
قال المسعودي: وأهل المروءات بالعراق وغيرها من مدن العجم يجعلون هذا اليوم أوّل يوم من الشتاء فيغيّرون فيه الفرش والآلات، وكثيرا من الملابس.
العيد الثالث السّدق
ويسمّى أبان روز (2)، ويعمل في ليلة الحادي عشر من شهر بهمن ماه (3) من شهور الفرس، وسنّتهم فيه إيقاد النّيران بسائر الأدهان والولوع بها حتى إنهم يلقون فيها سائر الحبوب (4) ويقال إن سبب اتخاذهم لهذا العيد أن الأب الأوّل، وهو عندهم كيومرت لما كمل له من ولده مائة ولد زوّج الذكور بالإناث، وصنع لهم عرسا أكثر فيه وقود النيران، ووافق ذلك الليلة المذكورة فاستسنّت (5) ذلك الفرس بعده. وقد ولعت الشعراء بوصف هذه الليلة
__________
(1) زمزم: صوّت من بعيد تصويتا له دويّ غير واضح. ويقال: زمزم المجوسي عند الأكل أو الشرب أي رطن وهو مطبق فاه وصوت بصوت مبهم يديره في خيشومه وحلقه ولا يحرك فيه لسانا ولا شفة.
(وسيط: 400).
(2) في بلوغ الأرب: 1/ 355 «روز أبان».
(3) في بلوغ الأرب: «أيار ماه».
(4) في بلوغ الأرب: «حتى إنهم يلقون فيها سائر الحيوانات».
(5) وفي بلوغ الأرب رواية أخرى في سبب تسميته مفادها أن فراسياب لما تملك سار إلى بلاد بابك وخرب فيها ما كان عامرا فخرج عليه «زفرب بن طهمازشب» فطرده إلى بلاد الترك وكان ذلك في يوم روزابان فاتخذه الفرس عيدا.(2/450)
فقال ابو القاسم المطرّز (1) يصف سدقا عمله السلطان ملكشاه بدجلة، أشعل فيه النّيران والشموع في السّماريّات (2) من أبيات:
وكلّ نار على العشّاق مضرمة ... من نار قلبي أو من ليلة السّدق
نار تجلّت بها الظّلماء واشتبهت ... بسدفة الليل فيها غرّة الفلق
وزارت الشمس فيها البدر واصطلحا ... على الكواكب بعد الغيظ والحنق
مدّت على الأرض بسطا من جواهرها ... ما بين مجتمع وار ومفترق
مثل المصابيح إلّا أنّها نزلت ... من السّماء بلا رجم ولا حرق
أعجب بنار ورضوان يسعّرها ... ومالك قائم منها على فرق
في مجلس ضحكت روض الجنان له ... لما جلا ثغره عن واضح يقق
وقال ابن حجاج من أبيات، يمدح بها عضد الدولة:
ليلتنا حسنها عجيب ... بالقصف والتّيه قد تحقّق
لنارها في السّما لسان ... عن نور ضوء الصّباح ينطق
والجوّ منها قد صار جمرا ... والنجم منها قد كاد يحرق
ودجلة أضرمت حريقا ... بألف نار وألف زورق
فماؤها كلّه حميم ... قد فار مما غلى وبقبق
وقال عبد العزيز بن نباتة من أبيات يمدح بها عضد الدولة أيضا:
لعمري لقد أذكى الهمام بأرضه ... مشهّرة ينتابها الفخر صاليا
تغيب النّجوم الزّهر عند طلوعها ... وتحسد أيّام الشّهور اللّياليا
قلادة مجد أغفل الدّهر نظمها ... عليه (3) وقد السّنين الخواليا
__________
(1) هو عبد الواحد بن محمد بن يحيى بن أيوب: شاعر بغدادي توفي سنة 439هـ. (الأعلام:
4/ 177).
(2) كذا في نهاية الأرب أيضا للنويري. والأظهر السّميريّات وهو اسم لنوع من السفن.
(3) كذا في الأصل، ولعله: وقد بذّ الخ.(2/451)
هي اللّيلة الغرّاء في كلّ شتوة ... تغادر جيد الدّهر أبلج حاليا
العيد الرابع الشركان
(1) وهو في الثالث عشر من تيرماه من شهور الفرس، زعموا أن أرس (2) رمى سهمه لما وقعت المصالحة بين منوجهر وقراسياب التركي من المملكة على رمية سهم، فامتدّ السهم من جبال طبرستان إلى أعالي طخارستان.
العيد الخامس أيام الفرودجان
(3) وهي خمسة أيام أوّلها السادس والعشرون من أبان ماه من شهور الفرس، ومعناه تربية الرّوح، لأنهم كانوا يعملون فيها أطعمة وأشربة لأرواح موتاهم، ويزعمون أنها تغتذي بها.
العيد السادس ركوب الكوسج
ويعمل في أوّل يوم من أدرماه من شهور الفرس، وسنّتهم فيه أن يركب في كل بلد من بلادهم رجل كوسج (4) قد أعدّ لما يصنع به بأكل الأطعمة الحارّة كالجوز، والثّوم، واللّحم السمين ونحوها، وبشرب الشراب الصرّف أيّاما قبل حلول الشهر، فإذا حلّ الشهر لبس غلالة سابويّة (5)، وركب بقرة وأخذ على يده غرابا، ويتبعه الناس يصبّون عليه الماء، ويضربونه بالثّلج، ويروّحون عليه بالمراوح، وهو يصيح بالفارسية: كرم كرم أي الحرّ الحرّ، يفعل ذلك سبعة أيام، ومعه أوباش الناس ينهبون ما يجدون من الأمتعة في الحوانيت، وللسلطان عليهم مال، فإذا وجدوا بعد عصر اليوم السابع ضربوا وحبسوا.
قال المسعودي: ولا يعرف ذلك إلا بالعراق، وأرض العجم وأهل الشام
__________
(1) في بلوغ الأرب: 1/ 356 «نيركان».
(2) في بلوغ الأرب: «آيس» وهو رجل كان مؤيدا في الرمي بالسهم.
(3) في بلوغ الأرب: «أيام الفيروزجان».
(4) الكوسج: الذي لا شعر على عارضيه. والكوسج أيضا الناقص الأسنان والأول أشهر. واستقوا من الكلمة فعلا فقالوا: «من طالت لحيته تكوسج عقله» (الوسيط: 786).
(5) لعل المقصود: غلالة سابورية، نسبة إلى سابور. وفي بلوغ الأرب: 1/ 356 «غلالة صبورية».(2/452)
والجزيرة ومصر واليمن لا يعرفون ذلك. ويقال إن هذا الفعل كان يتداوله أهل كل بيت منهم كوسج، وحكى الزمخشري في كتابه «ربيع الأبرار» أن سبب ذلك أن كوسجا كان يشرب في هذه الأيام الدّواء ويطلي بدنه فيها فغلب عليها، وفي ذلك يقول الشاعر:
قد ركب الكوسج ياصاح ... فانزل على الزّهرة والرّاح (1)
وانعم بآدرماه عيشا وخذ ... من لذّة العيش بأفياح (2)
والسّنة عندهم منقسمة على أقسام، في أوّل كل قسم منها خمسة أيام تسمّى الكنبهارات، زعم زرادشت أن في كل يوم خلق الله تعالى نوعا من الخليقة فهم يتخذونها أعيادا لذلك.
العيد السابع عيد بهمنجة
ويتخذونه في يوم بهمن من شهر بهمن ماه، وسنّتهم فيه أنهم يأكلون فيه البهمن الأبيض باللّبن الحامض على أنه ينفع الحفظ، ورؤساء خراسان يعملون فيه الدّعوات على طعام يطبخون فيه كلّ حبّ مأكول ولحم حيوان يؤكل، ويحضر ما يوجد في ذلك الوقت من بقل أو نبات.
فهذه أعياد الفرس المشهورة الدائرة بين عامّتهم وخاصّتهم.
الجملة الثالثة في أعياد القبط
واعلم أن أعياد القبط كثيرة، وقد أتينا على ذكر تفصيلها سردا في خلال شهور القبط مع ذكر غيرها، وأوردنا كلّ عيد منها في يومه من شهور القبط، وربما ذكرنا بعضها أيضا في شهور السّريان والروم، على أن منها ما لا يتعلق بوقت مقيّد كالفصح الأكبر عندهم، فإنه متعلق بفطرهم من صومهم الأكبر، وهو غير مؤقت
__________
(1) رواية بلوغ الأرب للشطر الثاني: «فالتذّ بالمزهر والراح».
(2) في المرجع السابق: «بمفتاح».(2/453)
بوقت معين، بل يتغير بالتقديم والتأخير قليلا على ما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى، ونحن نقتصر في هذا الفصل على المشهور من أعيادهم دون غيره، ونبين أوقاتها، ونشرح أسبابها. وهي أربعة عشر عيدا. وهي على ضربين: كبار وصغار.
الضرب الأوّل الكبار، وهي سبعة
العيد الأوّل البشارة
، ويعنون به بشارة غبريال، (وهو جبريل على زعمهم) لمريم عليها السلام بميلاد عيسى صلوات الله عليه، يعملونه في التاسع والعشرين من برمهات من شهور القبط.
الثاني الزّيتونة
، وهو عيد الشّعانين، وتفسيره بالعربيّة التّسبيح، يعملونه في سابع أحد من صومهم وسنّتهم فيه أن يخرجوا بسعف النخل من الكنيسة، وهو يوم ركوب المسيح لليعفور (1)، (وهو الحمار) في القدس ودخوله صهيون وهو راكب والناس يسبّحون بين يديه، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر (2).
الثالث الفصح
، وهو العيد الكبير عندهم، يعملونه يوم الفطر من صومهم الأكبر، يزعمون أن المسيح قام فيه بعد الصّلبوت بثلاثة أيام، وخلّص آدم من الجحيم، وأقام في الأرض أربعين يوما آخرها يوم الخميس، ثم صعد إلى السماء. {قََاتَلَهُمُ اللََّهُ أَنََّى يُؤْفَكُونَ} * (3).
الرابع خميس الأربعين
، ويسميه الشاميّون السّلّاق (4)، وهو الثاني
__________
(1) في المقريزي: 1/ 264وفي بلوغ الأرب: 1/ 357: «العفو» وهو الحمار.
(2) قال المقريزي: «كان عيد الشعانين من مواسم النصارى بمصر التي تزين فيها كنائسهم، فلما كانت سنة 378هـ. كان عيد الشعانين فمنع الحاكم بأمر الله النصارى من تزيين كنائسهم وحمّلهم الخوص على ما كانت عادتهم وقبض على عدة ممن وجد معه شيئا من ذلك وأمر بالقبض على ما هو محبس على الكنائس من الأملاك وأدخلها في الديوان وأحرقت عدة من صلبانهم على باب الجامع العتيق والشرطة».
(3) التوبة / 30.
(4) ويقال له أيضا عيد الصعود.(2/454)
والأربعون من الفطر، ويقولون إنّ المسيح عليه السلام تسلّق فيه من تلاميذه إلى السماء بعد القيام، ووعدهم بإرسال الفارقليط، وهو روح القدس عندهم.
الخامس عيد الخميس
، وهو عيد العنصرة يعملونه بعد خمسين يوما من القيام وهو في السادس والعشرين من بشنس، ويقولون إن روح القدس حلّت في التلاميذ وتفرّقت عليهن ألسنة الناس فتكلموا بجميع الألسنة، وذهب كلّ واحد منهم إلى بلاد لسانه الذي تكلمّ به يدعوهم إلى دين المسيح.
السادس الميلاد
، وهو اليوم الذي يقولون إن المسيح ولد فيه ببيت لحم (قرية من أعمال فلسطين) ويعملونه في التاسع والعشرين من كيهك من شهور القبط، وهم يقولون إنه ولد يوم الأثنين، فيجعلون عشيّة الأحد ليلة الميلاد، فيوقدون فيها المصابيح بالكنائس ويزيّنونها (1).
السابع الغطاس
، يعملونه في الحادي عشر من طوبه، من شهور القبط.
يقولون إن يحيى بن زكريّا عليه السلام وينعتونه بالمعمدان غسل عيسى عليه السلام ببحيرة الأردنّ، وأن عيسى لما خرج من الماء اتصل به روح القدس على هيئة حمامة، والنصارى يغمسون أولادهم فيه في الماء على أنه يقع في شدّة البرد، إلا أنّ عقبه يحمى الوقت، يقول المصريون: غطّستم صيّفتم، ونورزتم شتّيتم.
الضرب الثاني من أعياد القبط الأعياد الصّغار، وهي سبعة أيام
الأوّل الختان
، ويعملونه في سادس بؤنة من شهور القبط، ويقولون: إن المسيح ختن في هذا اليوم وهو الثامن من الميلاد.
الثاني الأربعون
، يعملونه في الثامن من شهر أمشير من شهور القبط، ويقولون: إن سمعان الكاهن دخل بعيسى عليه السلام مع أمه بعد أربعين يوما من
__________
(1) قدم المقريزي وصفا موجزا لاحتفالات الأقباط بعيد الميلاد على زمنه في القاهرة. راجع الخطط:
1/ 265.(2/455)
ميلاده الهيكل وبارك عليه تلك عقول أضلّها باريها، وإلا فأين مقام الكاهن من مقام عيسى عليه السلام، وهو روح الله وكلمته.
الثالث خميس العهد
، يعملونه قبل الفصح بثلاثة أيام، وشأنهم أن يأخذوا إناء ويملأوه ماء ويزمزموا عليه، ثم يغسل البطريرك به أرجل جميع النصارى الحاضرين، ويزعمون أنّ المسيح عليه السلام فعل هذا بتلاميذه في هذا اليوم يعلّمهم التواضع، وأخذ عليهم العهد ألّا يتفرقوا وأن يتواضع بعضهم لبعض، والعامّة من النصارى يسمّون هذا الخميس خميس العدس (1) وهم يطبخون فيه العدس على ألوان.
الرابع سبت النّور
، وهو قبل الفصح بيوم. يقولون: إن النور يظهر على مقبرة المسيح في هذا اليوم فتشتعل منه مصابيح كنيسة القمامة بالقدس. قال صاحب «مناهج الفكر» وغيره: وما ذاك إلا من تخييلاتهم النيرنجية التي يفعلها القسّيسون منهم ليستميلوا بها عقول عوامّهم الضعيفة، وذلك أنهم يعلّقون القناديل في بيت المذبح ويتحيّلون في إيصال النار اليها بأن يمدّوا على جميعها شريطا من حديد في غاية الدقة مدهونا بدهن البلسان ودهن الزنبق، فإذا صلّوا وجاء وقت الزوال فتحوا المذبح فتدخل الناس إليه، وقد اشتعلت فيه الشموع ويتوصّل بعض القوم إلى أن يعلق النار بطرف الشريط الحديد فتسري عليه فتتقد القناديل واحدا بعد واحد، إذ من طبيعة دهن البلسان علوق النار فيه بسرعة مع أدنى ملامسة، فيظنّ من حضر من ذوي العقول الناقصة أن النار نزلت من السماء فأوقدت القناديل، فالحمد لله على الإسلام.
الخامس حدّ الحدود
، وهو بعد الفصح بثمانية أيام يعملونه أوّل أحد بعد الفطر، لأن الآحاد قبله مشغولة بالصوم وفيه يجدّدون الآلات وأثاث البيوت، ومنه
__________
(1) ويقول أهل الشام: خميس الأرز وخميس البيض ويقول أهل الأندلس: خميس أبريل (الخطط:
1/ 266).(2/456)
يأخذون في الاستعداد للمعاملات والأمور الدّنيويّة.
السادس التجلّي
، ويعملونه في الثالث عشر من مسرى من شهور القبط، وآخره السابع والعشرون منها. يقولون: إن المسيح عليه السلام تجلّى لتلاميذه بعد أن رفع في هذا اليوم، وتمنّوا عليه أن يحضر لهم إيليا وموسى عليهما السلام، فأحضرهما لهم بمصلّى بيت المقدس ثم صعد وصعدا.
السابع عيد الصّليب
، وهو في السابع عشر من توت من شهور القبط، والنصارى يقولون إن قسطنطين بن هيلاني انتقل عن اعتقاد اليونان إلى اعتقاد النصرانية، وبنى كنيسة قسطنطينية العظمى وسائر كنائس الشام، ويزعمون أن سبب ذلك أنه كان مجاورا للبرجان (1) فضاق بهم ذرعا من كثرة غاراتهم على بلاده فهمّ أن يصانعهم ويفرض لهم عليه إتاوة في كل عام ليكفّوا عنه، فرأى ليلة في المنام أن ملائكة نزلت من السماء، ومعها أعلام عليها صلبان فحاربت البرجان فانهزموا فلما أصبح عمل أعلاما وصوّر فيها صلبانا ثم قاتل بها البرجان فهزمهم، فسأل من كان في بلده من التّجّار هل يعرفون فيما طافوه من البلاد دينا هذا زيّه؟
فقالوا له: دين النصرانيّة، وإنه في بلد القدس والخليل من أرض الشام. فأمر أهل مملكته بالرّجوع عن دينهم إليه، وأن يقصّوا شعورهم ويحلقوا لحاهم. وإنما فعل ذلك لأنهم يزعمون أنّ رسل عيسى عليه السلام كانوا قد وردوا على اليونان قبل يأمرونهم بالتعبّد بدين النصرانية فأعرضوا عنهم ومثّلوا بهم هذه المثلة نكالا لهم ففعلوا ذلك تأسّيا بهم. ولما تنصّر قسطنطين خرجت أمّه هيلاني إلى الشام فبنت به الكنائس، وسارت إلى بيت المقدس وطلبت الخشبة التي زعمت النصارى أن المسيح صلب عليها فحملت إليها فغشّتها بالذهب، واتخذت ذلك اليوم عيدا.
وسيأتي الكلام على ذلك مفصّلا في ترجمة قسطنطين في خاتمة الكتاب عند
__________
(1) البرجان: جنس من الروم. (القاموس: 1/ 185).(2/457)
ذكر الملوك الذين استولوا على الديار المصرية، وفيما ذكرنا هنا مقنع والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد صار من أعيادهم المشهورة بالديار المصرية النّيروز وهو أوّل يوم من سنتهم وإن لفظة النيروز فارسية معرّبة، وكأن القبط والله أعلم اتخذوا ذلك على طريقة الفرس واستعاروا اسمه منهم فسمّوا اليوم الأول من سنتهم أيضا نيروزا وجعلوه عيدا.
قال في «مناهج الفكر»: وهم يظهرون فيه من الفرح والسرور، وإيقاد النيران، وصبّ الأمواه أضعاف ما يفعله الفرس ويشاركهم فيه العوامّ من المسلمين.
قال المسعوديّ: وأهل الشام يعملون مثل ذلك في أوّل سنتهم أيضا، وهو أوّل يوم من ينير من شهور الروم، ويوافقه كانون الثاني، وهو الشهر الرابع من شهور السّريان وذلك في السادس من طوبة من شهور القبط، ويسمّونه القلنداس، إلا أن أهل مصر يزيدون فيه التّصافع بالأنطاع، وربما حملهم ترك الاحتشام على أن يتجرّأوا على الرجل المطاع ولولا أنّ ولاة الأمر يردعونهم ويمنعونهم من ذلك، لمنعوا الطريق من السالك وهم مع ذلك من ظفروا به لا يتركونه إلا بما يرضيهم. والذي استقرّ عليه الحال بالديار المصرية إلى آخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة أنهم يقتصرون على رشّ الأمواه والتّصافع، وترك الاحتشام دون إيقاد النيران، إلا من يفعل ذلك من النصارى في بيته أو خاصّته.
ولهم أعياد ومواسم سوى ما تقدّم ذكرها صاحب التذكرة ونحن نذكرها على ترتيب شهور القبط، وهي:
عيد سيغورس، وعيد متّى الإنجيلي، وهما في الثاني من توت. عيد سمعان الحبيس، وهو في الرابع من توت. عيد ماما وهو في الخامس من توت. عيد شعيا وهو في السادس من توت. عيد ساويرس وهو في السابع من توت. عيد موسى النبيّ عليه السلام وهو في الثامن من توت. عيد توما التلميذ وهو في
التاسع من توت. وخروج نوح عليه السلام من السفينة، ومولد مريم عليها السلام، وهما في العاشر من توت. عيد باسيليوس، وهو في الحادي عشر من توت. عيد ميخائيل، وصوم جدليا، وهما في الثالث عشر من توت. عيد سمعان الحبيس، وعيد تادرس الشهيد وهما في الرابع عشر من توت. عيد اسفانوس وهو في السادس عشر من توت، وصوم كبور وهو في العشرين من توت. ونياحة أبي جرج وهي في الثاني والعشرين من توت. عيد أولاد الفرس وهو في الثالث والعشرين من توت. عيد أليصابات، وهو في السادس والعشرين من توت. عيد اسطاتوا، وانتقال يوحنا وهما في السابع والعشرين من توت. عيد اجرويفون وهو في أول بابه. عيد سوسنان، وهو في الثاني من بابه. عيد يعقوب بن حلفا وهو في الخامس من بابه. عيد أبو بولا وهو في السابع من بابه. عيد توما وهو في الثامن من بابه. عيد أبي مسرجة وهو في العاشر من بابه. عيد يعقوب وهو في الحادي عشر من بابه. وشهادة متّى وهي في الثاني عشر من بابه. عيد الفرات، وهو في الثالث عشر من بابه. وشهادة يوحنّا وهي في العشرين من بابه. وتذكار السيدة وهو في الحادي والعشرين من بابه. عيد لوقا وهو في الثاني والعشرين من بابه. عيد أبي جرج وهو في الثالث والعشرين من بابه. ودخول السيدة الهيكل، وهو في الحادي والعشرين من بابه. عيد يعقوب ويوسف وهو في السادس والعشرين من بابه. عيد أبي مقار، وهو في السابع والعشرين من بابه.(2/458)
عيد سيغورس، وعيد متّى الإنجيلي، وهما في الثاني من توت. عيد سمعان الحبيس، وهو في الرابع من توت. عيد ماما وهو في الخامس من توت. عيد شعيا وهو في السادس من توت. عيد ساويرس وهو في السابع من توت. عيد موسى النبيّ عليه السلام وهو في الثامن من توت. عيد توما التلميذ وهو في
التاسع من توت. وخروج نوح عليه السلام من السفينة، ومولد مريم عليها السلام، وهما في العاشر من توت. عيد باسيليوس، وهو في الحادي عشر من توت. عيد ميخائيل، وصوم جدليا، وهما في الثالث عشر من توت. عيد سمعان الحبيس، وعيد تادرس الشهيد وهما في الرابع عشر من توت. عيد اسفانوس وهو في السادس عشر من توت، وصوم كبور وهو في العشرين من توت. ونياحة أبي جرج وهي في الثاني والعشرين من توت. عيد أولاد الفرس وهو في الثالث والعشرين من توت. عيد أليصابات، وهو في السادس والعشرين من توت. عيد اسطاتوا، وانتقال يوحنا وهما في السابع والعشرين من توت. عيد اجرويفون وهو في أول بابه. عيد سوسنان، وهو في الثاني من بابه. عيد يعقوب بن حلفا وهو في الخامس من بابه. عيد أبو بولا وهو في السابع من بابه. عيد توما وهو في الثامن من بابه. عيد أبي مسرجة وهو في العاشر من بابه. عيد يعقوب وهو في الحادي عشر من بابه. وشهادة متّى وهي في الثاني عشر من بابه. عيد الفرات، وهو في الثالث عشر من بابه. وشهادة يوحنّا وهي في العشرين من بابه. وتذكار السيدة وهو في الحادي والعشرين من بابه. عيد لوقا وهو في الثاني والعشرين من بابه. عيد أبي جرج وهو في الثالث والعشرين من بابه. ودخول السيدة الهيكل، وهو في الحادي والعشرين من بابه. عيد يعقوب ويوسف وهو في السادس والعشرين من بابه. عيد أبي مقار، وهو في السابع والعشرين من بابه.
عيد مرقص وهو في آخر يوم من بابه. عيد بطرس البطرك وهو في أوّل يوم من هاتور. عيد زكريّا وهو في الرابع من هاتور. واجتماع التلاميذ وهو في السادس من هاتور. وتكريز أبي جرج وهو في السابع من هاتور. وعيد الأربع حيوانات، وهو في الثامن من هاتور. وتذكار الثلاثمائة وثمانية عشر، وهو في التاسع من هاتور. ونياحة إسحاق وهو في العاشر من هاتور. عيد ميكائيل وهو في الثاني عشر من هاتور. وشهادة أبي مينا وهو في الخامس عشر من هاتور. عيد فيلبس الرسول وهو في التاسع عشر من هاتور. عيد أساسياس وهو في العشرين من هاتور. عيد شمعون وهو في الحادي والعشرين من هاتور. تذكار الشهداء، وهو
في الثاني والعشرين من هاتور. عيد مركوريوس وهو في الرابع والعشرين من هاتور. عيد أبي مقورة وهو في الخامس والعشرين من هاتور. عيد ادفيانيوس، وهو في السادس والعشرين من هاتور. عيد يعقوب المقطّع وهو في السابع والعشرين من هاتور. عيد ياهور وهو في الثاني من كيهك. عيد اندراس وهو في الرابع من كيهك. عيد سيورس وهو في الخامس من كيهك. عيد بزبارة، وهو في السابع من كيهك. عيد أيامين وهو في الثامن من كيهك. عيد ماري نقولا وهو في العاشر من كيهك. عيد سمعان وهو في الرابع عشر من كيهك. ونياحة يوحنا، وهي في السادس عشر من كيهك وصوم الميلاد وهو في الثالث والعشرين من كيهك. وقتل الأطفال وهو في الثالث من طوبه. عيد يوحنّا الإنجيلي، وهو في الرابع من طوبه. وعيد توما وهو في السابع من طوبه. عيد الختان وهو في الثامن من طوبه. وعيد إبراهيم، وهو في التاسع من طوبه. وصوم الغطاس وأوّله العاشر من طوبه. وصوم العذارى وهو في الثالث عشر من طوبه. عيد ملسوس وهو في الرابع عشر من طوبه. عيد غاريوس، وهو في الخامس عشر من طوبه. عيد قيلانوس وهو في السادس عشر من طوبه. عيد يوحنس وهو في التاسع عشر من طوبه. ونزول الإنجيل، وتذكار السيدة وهما في العشرين من طوبه. وصوم نينوى، وهو في الحادي والعشرين من طوبه.(2/459)
عيد مرقص وهو في آخر يوم من بابه. عيد بطرس البطرك وهو في أوّل يوم من هاتور. عيد زكريّا وهو في الرابع من هاتور. واجتماع التلاميذ وهو في السادس من هاتور. وتكريز أبي جرج وهو في السابع من هاتور. وعيد الأربع حيوانات، وهو في الثامن من هاتور. وتذكار الثلاثمائة وثمانية عشر، وهو في التاسع من هاتور. ونياحة إسحاق وهو في العاشر من هاتور. عيد ميكائيل وهو في الثاني عشر من هاتور. وشهادة أبي مينا وهو في الخامس عشر من هاتور. عيد فيلبس الرسول وهو في التاسع عشر من هاتور. عيد أساسياس وهو في العشرين من هاتور. عيد شمعون وهو في الحادي والعشرين من هاتور. تذكار الشهداء، وهو
في الثاني والعشرين من هاتور. عيد مركوريوس وهو في الرابع والعشرين من هاتور. عيد أبي مقورة وهو في الخامس والعشرين من هاتور. عيد ادفيانيوس، وهو في السادس والعشرين من هاتور. عيد يعقوب المقطّع وهو في السابع والعشرين من هاتور. عيد ياهور وهو في الثاني من كيهك. عيد اندراس وهو في الرابع من كيهك. عيد سيورس وهو في الخامس من كيهك. عيد بزبارة، وهو في السابع من كيهك. عيد أيامين وهو في الثامن من كيهك. عيد ماري نقولا وهو في العاشر من كيهك. عيد سمعان وهو في الرابع عشر من كيهك. ونياحة يوحنا، وهي في السادس عشر من كيهك وصوم الميلاد وهو في الثالث والعشرين من كيهك. وقتل الأطفال وهو في الثالث من طوبه. عيد يوحنّا الإنجيلي، وهو في الرابع من طوبه. وعيد توما وهو في السابع من طوبه. عيد الختان وهو في الثامن من طوبه. وعيد إبراهيم، وهو في التاسع من طوبه. وصوم الغطاس وأوّله العاشر من طوبه. وصوم العذارى وهو في الثالث عشر من طوبه. عيد ملسوس وهو في الرابع عشر من طوبه. عيد غاريوس، وهو في الخامس عشر من طوبه. عيد قيلانوس وهو في السادس عشر من طوبه. عيد يوحنس وهو في التاسع عشر من طوبه. ونزول الإنجيل، وتذكار السيدة وهما في العشرين من طوبه. وصوم نينوى، وهو في الحادي والعشرين من طوبه.
ومقتل يحيى وهو في الرابع والعشرين من طوبه. عيد أبي بشارة وهو في الخامس والعشرين من طوبه. عيد الشهداء وهو في السادس والعشرين من طوبه. عيد طيمارس الرسول وهو في السابع والعشرين من طوبه وآخر نياحة نقولا وهو في اليوم الآخر من طوبه. عيد العذارى، وعيد يهوذا وهما في الأوّل من أمشير. عيد مقار، وهو في الثاني من أمشير. ونياحة تيادرس وهو في السادس من أمشير. ونياحة برصوما، وهو في التاسع من أمشير. عيد بيطن، وشهادة يعقوب، وهما في العاشر من أمشير. عيد أبي مسرجة وهو في الرابع عشر من أمشير. عيد قلانوس وهو في السادس عشر من أمشير. عيد يعقوب الرسول وهو في السابع عشر من أمشير. عيد بطرس الشهيد وهو في التاسع عشر من أمشير.
ونزول السيدة من الجبل وهو في الحادي والعشرين من أمشير. وشهادة سدرس وهو في السادس والعشرين من أمشير. ووجود رأس يوحنا وهو في اليوم الآخر من أمشير. عيد الجلبانة وهو في الثالث من شهر برمهات. عيد أرمانوس، وهو في السابع من برمهات. عيد المعمودة، وهو في التاسع من برمهات. وظهور الصليب وهو في العاشر من برمهات. عيد أبي مينا وهو في الحادي عشر من برمهات. عيد ميلاخي، وهو في الثاني عشر من برمهات. عيد إلياس الشهيد وهو في السابع عشر من برمهات. ونياحة بولص وهي في الثاني والعشرين من برمهات. عيد العازر وهو في الثالث والعشرين من برمهات. عيد الشعانين وهو في الرابع والعشرين من برمهات. عيد المرسونة، وهو في الخامس والعشرين من برمهات. وغسل الأرجل وهو في الثامن والعشرين من برمهات. وجمعة الصلبوت وهو في التاسع والعشرين من برمهات. عيد مرقص الإنجيلي وهو في اليوم الآخر من برمهات. عيد توما البطرك وهو في الثاني من برموده. عيد حزقيال النجيب وهو في الخامس من برموده. عيد مرقص وهو في السابع من برموده.(2/460)
ومقتل يحيى وهو في الرابع والعشرين من طوبه. عيد أبي بشارة وهو في الخامس والعشرين من طوبه. عيد الشهداء وهو في السادس والعشرين من طوبه. عيد طيمارس الرسول وهو في السابع والعشرين من طوبه وآخر نياحة نقولا وهو في اليوم الآخر من طوبه. عيد العذارى، وعيد يهوذا وهما في الأوّل من أمشير. عيد مقار، وهو في الثاني من أمشير. ونياحة تيادرس وهو في السادس من أمشير. ونياحة برصوما، وهو في التاسع من أمشير. عيد بيطن، وشهادة يعقوب، وهما في العاشر من أمشير. عيد أبي مسرجة وهو في الرابع عشر من أمشير. عيد قلانوس وهو في السادس عشر من أمشير. عيد يعقوب الرسول وهو في السابع عشر من أمشير. عيد بطرس الشهيد وهو في التاسع عشر من أمشير.
ونزول السيدة من الجبل وهو في الحادي والعشرين من أمشير. وشهادة سدرس وهو في السادس والعشرين من أمشير. ووجود رأس يوحنا وهو في اليوم الآخر من أمشير. عيد الجلبانة وهو في الثالث من شهر برمهات. عيد أرمانوس، وهو في السابع من برمهات. عيد المعمودة، وهو في التاسع من برمهات. وظهور الصليب وهو في العاشر من برمهات. عيد أبي مينا وهو في الحادي عشر من برمهات. عيد ميلاخي، وهو في الثاني عشر من برمهات. عيد إلياس الشهيد وهو في السابع عشر من برمهات. ونياحة بولص وهي في الثاني والعشرين من برمهات. عيد العازر وهو في الثالث والعشرين من برمهات. عيد الشعانين وهو في الرابع والعشرين من برمهات. عيد المرسونة، وهو في الخامس والعشرين من برمهات. وغسل الأرجل وهو في الثامن والعشرين من برمهات. وجمعة الصلبوت وهو في التاسع والعشرين من برمهات. عيد مرقص الإنجيلي وهو في اليوم الآخر من برمهات. عيد توما البطرك وهو في الثاني من برموده. عيد حزقيال النجيب وهو في الخامس من برموده. عيد مرقص وهو في السابع من برموده.
والأخذ بالجديد وهو في الثامن من برموده. عيد يوحنا الأسقفّ وهو في الحادي عشر من برموده. عيد جرجس وهو في الثالث عشر من برموده. عيد أبي متّى وهو في السادس عشر من برموده. عيد يعقوب، عيد سنوطه، وهما في التاسع عشر من برموده. وذكران الشهداء وهو في الحادي والعشرين من برموده. عيد ساويرس وهو في السادس والعشرين من برموده. عيد أبي نيطس وهو في السابع والعشرين من برموده. عيد أصحاب الكهف، وهو في التاسع والعشرين من برموده. عيد مرقص الإنجيلي، وهو في اليوم الآخر من برموده. عيد تيادرس وهو في الثاني من بشنس. عيد شمعون وهو في الثالث من بشنس. عيد الحندس وهو في الرابع من بشنس. ونياحة يعقوب، وهو في السابع من بشنس. عيد دفرى سوه وهو في السادس من بشنس. عيد أساسياس وهو في السابع من بشنس.
وصعود المسيح عندهم في الثامن من بشنس. عيد دير القصير وهو في الحادي والعشرين من بشنس. ونزول السيد إلى مصر وهو في الرابع والعشرين من
بشنس. عيد سوس، وهو في الخامس والعشرين من بشنس. عيد توما التلميذ وهو في السادس والعشرين من بشنس. عيد سمعون العجاس وهو في السابع والعشرين من بشنس. عيد طيمارس وهو في التاسع والعشرين من بشنس. عيد الورد بالشا وهو في اليوم الآخر من بشنس. عيد أبي مقار وهو في الثاني من بؤنه. ووجود عظام لوقا وهو في الثالث من بؤنه. وعيد توما، وعيد مامور وهما في الرابع من بؤنه. عيد يوحنا، ونزول صحف إبراهيم (عليه السلام) وهما في التاسع من بؤنه. عيد أبي مينا وهو في الخامس عشر من بؤنه. عيد أبي مقار، وهو في السادس عشر من بؤنه. عيد السيدة وهو في الحادي والعشرين من بؤنه.(2/461)
وصعود المسيح عندهم في الثامن من بشنس. عيد دير القصير وهو في الحادي والعشرين من بشنس. ونزول السيد إلى مصر وهو في الرابع والعشرين من
بشنس. عيد سوس، وهو في الخامس والعشرين من بشنس. عيد توما التلميذ وهو في السادس والعشرين من بشنس. عيد سمعون العجاس وهو في السابع والعشرين من بشنس. عيد طيمارس وهو في التاسع والعشرين من بشنس. عيد الورد بالشا وهو في اليوم الآخر من بشنس. عيد أبي مقار وهو في الثاني من بؤنه. ووجود عظام لوقا وهو في الثالث من بؤنه. وعيد توما، وعيد مامور وهما في الرابع من بؤنه. عيد يوحنا، ونزول صحف إبراهيم (عليه السلام) وهما في التاسع من بؤنه. عيد أبي مينا وهو في الخامس عشر من بؤنه. عيد أبي مقار، وهو في السادس عشر من بؤنه. عيد السيدة وهو في الحادي والعشرين من بؤنه.
عيد اتريب وهو في الثالث والعشرين من بؤنه. عيد أبي مينا، وهو في (1)
والعشرين من بؤنه. وتذكار تيادرس وهو في أوّل أبيب. ونياحة بولص، وهو في الثاني من أبيب والثالث منه أيضا. وعيد المعينة، وعيد القيصرية وهما في الخامس من أبيب. وعيد أبي سنوبة، وهو في السابع من أبيب. وعيد اسنباط وهو في الثامن من أبيب. وشهادة هارون، وعيد سمعان، وهما في التاسع من أبيب.
وعيد تادرس نطيره وهو في العاشر من أبيب. وعيد أبي هور وهو في الثاني عشر من أبيب. وعيد أبي مقار وهو في الرابع عشر من أبيب. وعيد اقدام السرياني، وهو في الخامس عشر من أبيب. عيد يوحنا وذكريا، وهو في السادس عشر من أبيب. وعيد يعقوب التلميذ، وهو في السابع عشر من أبيب. وعيد بولاق، وهو في التاسع من أبيب. وعيد تادرس الشهيد، وهو في العشرين من أبيب. وعيد السيدة، وعيد ميخائيل وهما في الحادي والعشرين من أبيب. وعيد سمعان البطرك، وعيد شنوده وهما في الثالث والعشرين من أبيب. وعيد سمنود وهو في الرابع والعشرين من أبيب. وعيد مرقور يوص، وهو في الخامس والعشرين من أبيب. وعيد حزقيل النبيّ عليه السلام وهو في السابع والعشرين من أبيب. ورفعة إدريس عليه السلام، وعيد مريم وهما في الثامن والعشرين من أبيب. وحرم
__________
(1) بياض بالأصل.(2/462)
السيد، وهو في اليوم الآخر من أبيب. وعيد الخندق، وهو في اليوم الأوّل من مسرى. وعيد أبي مينا، وهو في اليوم الثاني من مسرى. وعيد سمعان المعموديّ وهو في الثالث من مسرى. ودخول نوح السفينة وهو في الثامن من مسرى.
وعيد طور سينا، وعيد السيدة، وهما في التاسع من مسرى. وعيد اللباس وهو في العاشر من مسرى. وشهادة أنطونيوس، وعيد العدوية، وهو في الخامس عشر من مسرى. وعيد يعقوب الشهيد، وهو في السابع عشر من مسرى. وعيد أبي مقار وهو في الثامن عشر من مسرى. وعيد اليسع وهو في التاسع عشر من مسرى.
وعيد أصحاب الكهف، وهو في العشرين من مسرى. وصوم الأربعين وهو في الحادي والعشرين من مسرى. وعيد الحوزة بدمشق وهو في الثالث والعشرين من مسرى. وعيد صوفيل وهو في السادس والعشرين من مسرى. وعيد إبراهيم وإسحاق، وهو في الثامن والعشرين من مسرى. وعيد موسى الشهيد، وشهادة يوحنا، وهو في اليوم الآخر من مسرى.
الجملة الرابعة في أعياد اليهود، وهي على ضربين
الضرب الأوّل ما نطقت به التوراة بزعمهم، وهي خمسة أعياد
العيد الأوّل رأس السنة
، يعملونه عيد رأس سنتهم ويسمّونه عيد رأس هيشا أي عيد رأس الشهر، وهو أوّل يوم من تشرى يتنزل عندهم منزلة عيد الأضحى عندنا، ويقولون: إن الله تعالى أمر إبراهيم عليه السلام بذبح إسماعيل (1)
ابنه فيه وفداه بذبح عظيم.
العيد الثاني عيد صوماريا ويسمونه الكبور
، وهو عندهم الصوم العظيم الذي يقولون إن الله تعالى فرض عليهم صومه، ومن لم يصمه قتل عندهم. ومدّة
__________
(1) في بلوغ الأرب: 1/ 361 «إسحاق».(2/463)
هذا الصوم خمس وعشرون ساعة يبدأ فيها قبل غروب الشمس في اليوم التاسع (1)
من شهر تشرى، وتختم بمضيّ ساعة بعد غروبها في اليوم العاشر (2)، وربما سمّوه العاشور. ويشترط فيه لجواز الإفطار عندهم رؤية ثلاثة كواكب عند الإفطار وهي عندهم تمام الأربعين الثلاثة التي صامها موسى عليه السلام. ولا يجوز أن يقع هذا الصوم عندهم في يوم الأحد، ولا في يوم الثلاثاء، ولا في يوم الجمعة، ويزعمون أن الله يغفر لهم فيه جميع ذنوبهم ما خلا الزنا بالمحصنة، وظلم الرجل أخاه، وجحده ربوبية الله تعالى.
العيد الثالث عيد المظلّة
، وهو سبعة (3) أيام أوّلها الخامس عشر من تشرى وكلها أعياد عندهم، واليوم الآخر منها يسمّى عرايا أي شجر الخلاف، وهو أيضا حج لهم. يجلسون في هذه الأيام تحت ظلال من جريد النخل وأغصان الزّيتون والخلاف، وسائر الشجر الذي لا ينتشر ورقه على الأرض ويزعمون أن ذلك تذكار منهم لإظلال الله إياهم في التيه بالغمام.
العيد الرابع عيد الفطير ويسمّونه الفصح
(4)، ويكون في الخامس عشر من نيسان وهو سبعة أيام أيضا، يأكلون فيها الفطير، وينظّفون بيوتهم فيها من خبز الخير (5) لأن هذه الأيام عندهم هي الأيام التي خلّص الله فيها بني إسرائيل من يد فرعون وأغرقه، فخرجوا إلى التيه، فجعلوا يأكلون اللحم والخبز الفطير وهم بذلك فرحون، وفي أحد (6) هذه الأيام غرق فرعون.
العيد الخامس عيد الأسابيع، ويسمّى عيد العنصرة وعيد الخطاب،
__________
(1) في المقريزي: 2/ 473: «ابتداء هذا الصوم من غروب الشمس في ليلة العاشر من «تشرى» إلى غروبها من ليلة الحادي عشر منه.
(2) في المقريزي: 2/ 473: «ابتداء هذا الصوم من غروب الشمس في ليلة العاشر من «تشرى» إلى غروبها من ليلة الحادي عشر منه.
(3) كذا أيضا في المقريزي. وفي بلوغ الأرب: «ثمانية».
(4) في المقريزي: «عيد الفاسح الذي يعرف عند النصارى بالفسح».
(5) في بلوغ الأرب: «الخمير».
(6) في المقريزي وبلوغ الأرب: «آخر».(2/464)
ويكون بعد عيد الفطير بسبعة أسابيع، واتخاذهم لهذا العيد في السادس من سيوان (1) من شهور اليهود، وهو الثالث والعشرون من بشنس من شهور القبط.
يقولون: إنه اليوم الذي خاطب الله فيه بني إسرائيل من طور سينا، وفي جملة هذا الخطاب العشر كلمات، وهي وصايا تضمنت أمرا ونهيا، وضمنت التوفيق لمن حصّلها حفظا ورعيا، وهو حج من حجوجهم وحجوجهم ثلاثة: الأسابيع، والفطير، والمظلّة وهم يعظمونه، ويأكلون فيه القطائف، ويتفننون في عملها، ويجعلونها بدلا عن المنّ الذي أنزل الله عليهم في هذا اليوم، ويسمّى هذا العيد أيضا عشرتا، ومعناه الاجتماع.
الضرب الثاني ما أحدثه اليهود زيادة على ما زعموا أن التوراة نطقت به، وهو عيدان
العيد الأوّل الفوز
(2)، وهو عندهم عيد سرور ولهو وخلاعة يهدي فيه بعضهم إلى بعض وهم يقولون: إن سبب اتخاذهم له أن بختنصر لما أجلى من كان ببيت المقدس من اليهود إلى عراق العجم أسكنهم بحيّ (3)، وهي إحدى مدينتي أصفهان ثم ذهبت أيام الكلدانيين وملكت الفرس الأولى والأخيرة، فلما ملك أردشير بن بابك وتسميه اليهود بالعبرانية أجشادوس (4)، وكان له وزير يسمونه بلغتهم هيمون (5)، ولليهود يومئذ حبر يسمّى بلغتهم مردوخاي، فبلغ أردشير أن له ابنة عمّ من أحسن أهل زمانها وأكملهم عقلا، فطلب تزويجها منه فأجابه لذلك، فحظيت عنده حظوة صار بها مردوخاي قريبا منه، فأراد هيمون إصغاره واحتقاره
__________
(1) كذا أيضا في بلوغ الأرب. وفي المقريزي: «السادس من أيار».
(2) ويسمونه «عيد الغوريم» (بلوغ الأرب: 1/ 363).
(3) في بلوغ الأرب: «بجّى» بالجيم المعجمة، وهي إحدى مدينتي أصفهان. وفي المقريزي: «أسكنهم في مدينة خيّ التي يقال لها أصبهان» والصواب: «بجّة» كما في معجم البلدان: 1/ 340وهي مدينة بين فارس وأصبهان.
(4) في المقريزي: «أحشوارش»، وفي بلوغ الأرب: «أحشويرش».
(5) في بلوغ الأرب: «هامان».(2/465)
حسدا له، وعزم على إهلاك طائفة اليهود التي في جميع مملكة أردشير، فرتب مع نوّاب الملك في جميع الأعمال أن يقتل كلّ أحد منهم من يعلمه من اليهود، وعين له يوما وهو النصف (1) من آذار وإنما خصّ هذا اليوم دون سائر الأيام لأن اليهود يزعمون أنّ موسى ولد فيه وتوفّي فيه، وأراد بذلك المبالغة في نكايتهم ليتضاعف الحزن عليهم بهلاكهم وبموت موسى، فاتضح لمردوخاي ذلك من بعض بطانة هيمون، فأرسل إلى ابنة عمه يعلمها بما عزم عليه هيمون في أمر اليهود، وسألها إعلام الملك بذلك، وحضّها على إعمال الحيلة في خلاص نفسها وخلاص قومها، فأعلمت الملك بالحال وذكرت له: إنما حمله على ذلك الحسد على قربنا منك ونصيحتنا لك، فأمر بقتل هيمون وقتل أهله، وأن يكتب لليهود بالأمان والبرّ والإحسان في ذلك اليوم، فاتخذوه عيدا واليهود يصومون قبله ثلاثة أيام، وفي هذا العيد يصوّرون من الورق صورة هيمون ويملأون بطنها نخالة وملحا ويلقونها في النار حتّى تحترق، يخدعون بذلك صبيانهم.
العيد الثاني عيد الحنكة
، وهو ثمانية أيام، يوقدون في الليلة الأولى من لياليه على كل باب من أبوابهم سراجا، وفي الليلة الثانية سراجين، وهكذا إلى أن يكون في الليلة الثامنة ثمانية سرج. وهم يذكرون أن سبب اتخاذهم لهذا العيد أن بعض الجبابرة تغلّب على بيت المقدس وفتك باليهود وافتضّ أبكارهم، فوثب عليه أوّلا كهّانهم وكانوا ثمانية فقتله أصغرهم، وطلب اليهود زيتا لوقود الهيكل فلم يجدوا إلا يسيرا وزّعوه على عدد ما يوقدونه من السّرج على أبوابهم في كل ليلة إلى تمام ثمان ليال فاتخذوا هذه الأيام عيدا وسمّوه الحنكة، ومعناه التنظيف لأنهم نظّفوا فيه الهيكل من أقذار شيعة الجبار، وبعضهم يسميه الربّاني (2).
__________
(1) في المقريزي: «الثالث عشر من آذار»
(2) جاء في بلوغ الأرب 1/ 364: «وبعضهم يسميه: عيد التبريك» وقيل أن عيد التبريك كان فيه استتمام نزول التوراة، وسلمت إلى أئمتهم لتوضع في الهيكل، وهم يخرجون فيه التوراة ويتبركون فيها.(2/466)
الجملة الخامسة في أعياد الصابئين
ومدار أعيادهم على الكواكب وأعيادهم عند نزول الكواكب الخمسة المتحيّرة وهي زحل والمشتري، والمرّيخ، والزّهرة، وعطارد في بيوت شرفها، وذلك أن من البروج ما يقوم لهذه الكواكب مقام قصر العز للملك، يشتهر فيه ويعلو ويشرف وفيها درجات معلومة ينسب الشرف إليها ومنها ما يخمل فيه ويفسد حاله، ويكون ذلك أيضا في درجات معلومة، تقابل درجات الشرف به من البرج المقابل، ويسمّى ذلك هبوطا فزحل شرفه في إحدى وعشرين درجة من الميزان، ويهبط في مثلها من الحمل، والمشتري يشرف في خمس عشرة درجة من السّرطان، ويهبط في مثلها من الجدي، والمرّيخ يشرف في ثمان عشرة درجة من الجدي، ويهبط في مثلها من السّرطان والزّهرة تشرف في تسع وعشرين درجة من الحوت، وتهبط في مثلها من السّنبلة وعطارد شرفه في خمس عشرة درجة من السنبلة، ويهبط في مثلها من الحوت، وكذلك الشمس تشرف في تسع عشرة درجة من الحمل، وتهبط في مثلها من الميزان والقمر يشرف في ثلاث درجات من السنبلة، ويهبط في مثلها من الحوت. وهم يعظمون اليوم الذي تنزل الشمس فيه الحمل، ويلبسون فيه أفخر ثيابهم. وهو عندهم من أعظم الأعياد. وكانت ملوكهم تبني الهياكل وتجعل لها أعيادا بحسب الكواكب التي بنيت على اسمها فيه.(2/467)
الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يحتاج إليه الكاتب من الأمور العملية وهو الخط وتوابعه ولواحقه وفيه فصلان.
الفصل الأوّل في ذكر آلات الخط، ومباديه وصوره، وأشكاله، وما ينخرط في سلك ذلك وفيه ثلاثة أطراف
الطرف الأوّل في الدّواة وآلاتها وفيه مقصدان
المقصد الأوّل في نفس الدّواة، وفيه أربع جمل
الجملة الأولى في فضلها
قد أخرج ابن أبي حاتم (1) من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «خلق الله النّون وهي الدّواة» وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله
__________
(1) هو عبد الرحمن بن محمد: من كبار حفّاظ الحديث له تصانيف عديدة. توفي سنة 327هـ. (الأعلام 3/ 324).(2/469)
عنهما، قال: «لمّا خلق الله النّون وهي الدّواة وخلق القلم فقال اكتب فقال وما أكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة». وهذا الخبر والأثر دالّان على أن المراد بالنون في الآية هو الدّواة، وإن فسره بعضهم بغير ذلك، إذ الدواة هي المناسبة في الذّكر لذكر القلم وتسطير الكتابة في قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمََا يَسْطُرُونَ} (1). وبالجملة فإن الدواة هي أمّ آلات الكتابة، وسمطها الجامع لها، ولا يخفى ما يجب من الاهتمام بأمرها والاحتفال بشأنها فقد قال عبد الله بن المبارك (2): من خرج من بيته بغير محبرة وأداة فقد عزم على الصّدقة» قال المدائني: يعني بالأداة مثل السّكّين والمقلمة، وأشباههما. قال محمد بن شعيب ابن سابور: مثل الكاتب بغير دواة كمثل من يسير إلى الهيجاء بغير سلاح.
الجملة الثانية في أصلها في اللغة
قال أبو القاسم بن عبد العزيز: تقول العرب: دواة ودويات في أدنى العدد، وفي الكثير دويّ ودويّ (بضم الدال وكسرها) ويقال أيضا دواء، ودواء (بضم الدال وكسرها) ودوايا مثل حوايا وأدويت دواة أي اتخذت دواة ورجل دوّاء (بفتح الدال وتشديد الواو) إذا كان يبيعها، كقولك عطّار وبزّاز.
الجملة الثالثة فيما ينبغي أن تتخذ منه، وما تحلّى به
أمّا ما تتخذ منه فينبغي أن تتّخذ من أجود العيدان وأرفعها ثمنا كالآبنوس، والسّاسم (3)، والصّندل، وهذا اعتماد منه على ما كان يعتاده أهل زمانه، ويتعاناه أهل عصره.
__________
(1) القلم / 1.
(2) الحافظ، شيخ الإسلام وصاحب التصانيف الكثيرة والرحلات، أفنى عمره في الأسفار حاجّا ومجاهدا وتاجرا مات سنة 181هـ بهيت (على الفرات) منصرفا في غزو الروم. (الأعلام 4/ 115).
(3) قيل هو شجر أسود، وقيل هو الآبنوس، وقيل: شجر يتخذ منه السهام. (اللسان 12/ 286).(2/470)
قلت: وقد غلب على الكتّاب في زماننا من أهل الإنشاء وكتّاب الأموال اتخاذ الدّويّ من النّحاس الأصفر، والفولاذ، وتغالوا في أثمانها وبالغوا في تحسينها. والنّحاس أكثر استعمالا، والفولاذ أقلّ لعزّته ونفاسته، واختصاصه بأعلى درجات الرياسة كالوزارة وما ضاهاها.
وأمّا دويّ الخشب فقد رفضت وتركت إلا الآبنوس والصّندل الأحمر، فإنه يتعاناه في زماننا قضاة الحكم وموقّعوهم وبعض شهود الدواوين.
وأمّا التحلية، فقال الحسن بن وهب (1): سبيل الدّواة أن يكون عليها من الحلية أخفّ ما يكون ويمكن أن تحلّى به الدّويّ، وفي وثاقة ولطف، ليأمن من أن تنكسر أو تنقصم في مجلسه، قال: وحق الحلية أن تكون ساذجة بغير حفر ولا ثنيات فيها ليأمن من مسارعة القذى والدّنس إليها. ولا يكون عليها نقش ولا صورة. وحقّ هذه الحلية مع ما ذكره ابن وهب أن تكون من النحاس ونحوه دون الفضّة والذهب. على أن بعض الكتّاب في زماننا قد اعتاد التحلية بالفضة، ولا يخفى أنّ حكم ذلك حكم الضبة في الإناء فتحرم مع الكبر والزينة، وتكره مع الصغر والزينة والكبر والحاجة، وتباح مع الصغر والحاجة من كسر ونحوه، كما قرّره أصحابنا الشافعية رحمهم الله، نعم يحرم التكفيت بالذهب والفضة، وكذلك التمويه إذا كان يحصل منه بالعرض على النار شيء، والله أعلم.
الجملة الرابعة في قدرها وصفتها
قال الحسن بن وهب: سبيل الدواة أن تكون متوسطة في قدرها، لا بالقصيرة فتقصر أقلامها وتقبح، ولا بالكثيفة فيثقل محملها وتعجف. فلا بدّ لصاحبها أن يحملها ويضعها بين يدي ملكه أو أميره في أوقات مخصوصة، ولا يحسن أن يتولّى ذلك غيره. قال الفضل: ويكون طولها بمقدار عظم الذراع أو
__________
(1) كاتب، من الشعراء: كان معاصرا لأبي تمام وله معه أخبار وهو أخو سليمان (وزير المعتز والمهدي) ولما مات نحو 250هـ.، رثاه البحتري. (الأعلام 2/ 226).(2/471)
فويق ذلك قليلا لتكون مناسبة لمقدار القلم. قلت: وقد اختلفت مقاصد أهل الزمان في هيئة الدواة: من التدوير والتربيع. فأما كتّاب الإنشاء فإنهم يتخذونها مستطيلة مدوّرة الرأسين، لطيفة القدّ، طلبا للخفّة، ولأنهم إنما يتعانون في كتابتهم الدّرج، وهو غير لائق بالدواة في الجملة. على أن الصغير من الدّرج لا يأبى جعله في الدواة المدوّرة. وأما كتّاب الأموال، فانهم يتخذونها مستطيلة مربعة الزوايا، ليجعلوا في باطن غطائها ما استخفوه مما يحتاجون إليه من ورق الحساب الديوانيّ المناسب لهذه الدواة في القطع. وعلى هذا الأنموذج يتخذ قضاة الحكم وموقّعوهم دويّهم إلا أنها في الغالب تكون من الخشب كما تقدّم.
واعلم أنه ينبغي للكاتب أن يجتهد في تحسين الدواة وتجويدها وصونها.
ولله المدائني حيث يقول:
جوّد دواتك واجتهد في صونها ... إن الدّويّ خزائن الآداب
وأهدى أبو الطّيّب عبد الرحمن بن أحمد بن زيد بن الفرج الكاتب إلى صديق له دواة آبنوس محلّاة وكتب معها:
لم أر سوداء قبلها ملكت ... نواظر الخلق والقلوب معا
لا الطّول أزرى بها ولا قصر ... لكن أتت للوصول مجتمعا
فوقك جنح من الظّلام بها ... وبارق بائتلاقها لمعا
خذها لدرّ بها تنظّمه ... يروق في الحسن كلّ من سمعا
أما المحبرة المفردة عن الدواة فقد اختلف الناس فيها، فمنهم من رجّحها ومالوا إلى اتخاذها لخفّة حملها، وقالوا: بها يكتب القرآن والحديث والعلم.
وكرهها بعضهم واستقبحها من حيث إنها آلة النسخ الذي هو من أشد الحرف وأتعبها، وأقلها مكسبا.
ويروى أن شعبة (1) رأى في يد رجل محبرة فقال: ارم بها فإنها مشؤومة لا
__________
(1) هو شعبة بن الحجاج، أبو بسطام: من أئمة رجال الحديث، توفي بالبصرة سنة 160هـ. (الأعلام 3/ 164).(2/472)
يبقى معها أهل ولا ولد، ولا أمّ ولا أب.
الطرف الثاني في الآلات التي تشتمل عليها الدواة، وهي سبع عشرة آلة، أوّل كل آلة منها ميم
الآلة الأولى المزبر
(بكسر الميم)، وهو القلم أخذا له من قولهم زبرت الكتاب إذا اتقنت كتابته، ومنه سميت الكتب زبرا كما في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} (1) وفي حديث أبي بكر أنه دعا في مرضه بدواة ومزبر أي قلم. وفيه جملتان:
الجملة الأولى في فضله
عن الوليد بن عبادة بن الصامت (2) رضي الله عنه قال: دعاني أبي حين حضره الموت فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «أوّل ما خلق الله القلم، فقال: اكتب، قال: يا ربّ وما أكتب؟ قال: اكتب القدر وما هو كائن إلى الأبد» رواه أحمد وأبو داود والتّرمذي (3)، وقال: حسن غريب، وابن أبي حاتم واللفظ له. وعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه «إن أوّل ما خلق الله القلم والحوت، فقال له اكتب، فقال: يا ربّ وما أكتب؟ قال: اكتب كلّ شيء كائن إلى يوم القيامة» ثم قرأ {ن وَالْقَلَمِ} رواه الطبراني ووقفه ابن جرير على ابن عبّاس. وفي رواية قال ابن عباس: «أوّل ما خلق الله القلم، قال: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال:
اكتب القدر، فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى يوم قيام الساعة، ثم خلق النون
__________
(1) الشعراء / 196.
(2) تابعي، ثقة: ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلّم وتوفي في خلافة عبد الملك بن مروان. (أسماء التابعين 1/ 379).
(3) أحمد بن حنبل، توفي سنة 241هـ. وأبو داود، سليمان بن نجاح، توفي سنة 496هـ. والترمذي، محمد بن عيسى توفي سنة 279هـ. (راجع الأعلام).(2/473)
ورفع بخار الماء، فتفتّقت منه السماء وبسطت الأرض على ظهر النّون، فاضطرب النّون، فمادت الأرض فأثبتت بالجبال، فإنها لتفخر على الأرض لأنها أثبتت عليها» رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وروى محمد بن عمر المدائني بسنده إلى مجاهد «إن أوّل ما خلق الله اليراع، ثم خلق من اليراع القلم، فقال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: ما هو كائن، قال: فزبر القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة». وأخرج بسنده إلى ابن عباس، قال: «أوّل ما خلق الله اليراع: وهو القصب المثقّب، فقال: اكتب قضائي في خلقي إلى يوم القيامة». ويروى أنه لما خلقه الله تعالى نظر إليه فانشقّ بنصفين، ثم قال: اجر! قال: يا رب بما أجري؟ قال: بما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى على اللوح المحفوظ بذلك، وكان منه {تَبَّتْ يَدََا أَبِي لَهَبٍ} (1). ويروى أنّ خلقه قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
واعلم أن القلم أشرف آلات الكتابة وأعلاها رتبة، إذ هو المباشر للكتابة دون غيره، وغيره من آلات الكتابة كالأعوان، وقد قال الله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمََا يَسْطُرُونَ} (2) فأقسم به، وذلك في غاية الشرف. ولله أبو الفتح البستيّ (3) حيث يقول:
إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم ... وعدّوه مما يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتّاب عزّا ورفعة ... مدى الدّهر أن الله أقسم بالقلم
وقال تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} (4) فأضاف التعليم
__________
(1) المسد / 1.
(2) القلم / 1.
(3) هو علي بن محمد بن الحسين، شاعر عصره وكاتبه. كان من كتاب الدولة السامانية في خراسان.
توفي ببخارى سنة 400هـ. (الأعلام: 4/ 326).
(4) العلق / 43.(2/474)
بالقلم إلى نفسه. قال ابن الهيثم (1): من جلالة القلم أن الله عز وجل لم يكتب كتابا إلا به، لذلك أقسم به. قال المدائني: وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال «من قلم قلما يكتب به علما أعطاه الله شجرة في الجنة خير من الدّنيا وما فيها». وقد قيل الأقلام مطايا الفطن، ورسل الكرم. وقال عبد الحميد: القلم شجرة ثمرها الألفاظ، والفكر بحر لؤلؤه الحكمة، وفيه ريّ العقول الكامنة. وقال جبل بن زيد: القلم لسان البصر يناجيه بما ستر عن الأسماع. وقال ابن المقفّع: القلم بريد العلم يحث على البحر (2)، ويبحث عن خفيّ النظر. وقال أحمد بن يوسف: ما عبرات الغواني في خدودهن بأحسن من عبرات الأقلام. وقيل: القلم الطلسم الأكبر. وقيل: البيان اثنان: بيان لسان، وبيان بنان ومن فضل بيان البنان أن ما تثبته الأقلام باق على الأبد، وما ينبسه اللسان تدرسه الأيام. ويقال: عقول الرجال تحت أسنّة أقلامها، بنوء الأقلام يصوب غيث الحكمة. وقال جعفر بن يحيى: لم أر باكيا أحسن تبسّما من القلم.
قال ابن المعتز: القلم مجهّز لجيوش الكلام، تخدمه الإرادة، ولا يملّ من الاستزادة، كأنه يقبّل بساط سلطان، أو يفتّح نور بستان.
ومن إنشاء الوزير ضياء الدين بن الأثير الجزريّ، من جواب كتبه للعماد الأصفهاني: وكيف لا يكون ذلك، وقلمها هو اليراع الذي نفثت الفصاحة في روعه، وكمنت الشجاعة بين ضلوعه، فإذا قال أراك كيف تنسّق الفرائد في الأجياد.
ومن كلام أبي حفص بن برد الأندلسيّ (3): ما أعجب شأن القلم! يشرب
__________
(1) هو داوود بن الهيثم المتوفى سنة 316هـ.: لغوي من النحاة من أهل الأنبار مولدا ووفاة (الأعلام:
2/ 335).
(2) كذا بالأصل، ولعلها «الخبر».
(3) هو أحمد بن برد، من الكتاب الشعراء وكان مقدما في الدولة العامرية وبعدها. توفي سنة 418هـ.
(الأعلام: 1/ 103).(2/475)
ظلمة، ويلفظ نورا قد يكون قلم الكاتب، أمضى من شباة المحارب القلم سهم ينفذ المقاتل، وشفرة تطيح بها المفاصل. ومن كلام العميد عمر بن عثمان الكاتب: قلم يطلق الآجال والأرزاق، وينفث السّم والدّرياق قلم تدق عن الإدراك حركاته، وتحلّى بالنفائس فتكاته يسرع ولا انحدار السيل إلى قراره، وانقداح الضوء من شراره، معطوفة الغايات على المبادي، مصروفة الأعجاز إلى الهوادي وإذا صال أراك كيف اختلاف الرماح بين الآساد. وله خصائص أخرى يبدعها إبداعا، فإذا لم يأت بها غيره تطبّعا أتى بها هو طبعا، فطورا يرى إماما يلقي درسا، وطورا يرى ماشطة تجلو عرسا، وطورا يرى ورقاء تصدح في الأوراق، وطورا يرى جوادا مخلّقا بخلوق السّباق، وطورا أفعوانا مطرقا، والعجب أنه لا يزهو إلا عند الإطراق! ولطالما نفث سحرا، وجلب عطرا، وأدار في القرطاس خمرا وتصرّف في صنوف الغناء فكان في الفتح عمر (1)، وفي الهدي عمّارا (2)، وفي الكيد عمرا (3) فلا تحظى به دولة إلّا فخرت على الدول، واستغنت عن الخيل والخول.
وقال الإسكندر: لولا القلم ما قامت الدنيا، ولا استقامت المملكة. وكلّ شيء تحت العقل واللسان لأنهما الحاكمان على كل شيء، والقلم يريكهما صورتين، ويوجدكهما شكلين.
وقال بعض حكماء اليونان: أمور الدنيا تحت شيئين: السيف والقلم، والسيف تحت القلم. وقال آخر: فاقت صنعة القلم عند سائر الأمم جمع الحكم في صحون الكتب. وقال العتابي: ببكاء القلم تبسم الكتب. وقال البحتري:
الأقلام مطايا الفطن. وقال أبو دلف العجليّ (4): القلم صائغ الكلام، يفرغ ما
__________
(1) عمر بن الخطاب.
(2) عمار بن ياسر.
(3) عمرو بن العاص.
(4) هو القاسم بن عيسى بن أدريس بن معقل: أمير الكرخ وسيد قومه. قدم الرشيد والمأمون وتوفي ببغداد سنة 226هـ. (الأعلام: 5/ 179).(2/476)
يجمعه الفكر، ويصوغ ما يسبكه اللب. وقال سهل بن هارون (1): القلم أنف الضمير، إذا رعف أعلن أسراره، وأبان آثاره. وقال ثمامة (2): ما أثّرته الأقلام لم تطمع في درسه الأيام. وقال هشام بن الحكم: أحسن الصنيع صنيع القلم والخطّ الذي هو جنى العقول. وقال علي بن منصور: بنور القلم تضيء الحكمة. وقال الجاحظ: من عرف النعمة في بيان اللسان كان بفضل النعمة في بيان القلم أعرف.
وقال غيره: بالقلم تزفّ بنات العقول إلى خدور الكتب. وقال المأمون: لله درّ القلم كيف يحوك وشي المملكة. وقال بعض الأعراب: القلم ينهض بما يظلع (3)
بحمله اللّسان، ويبلغ ما لا يبلغه البيان. وقال بعضهم: القلم يجعل للكتب ألسنا ناطقة، وأعينا ملاحظة وربما ضمنها من ودائع القلوب ما لا تبوح به الإخوان عند المشاهدة. وقال أوميرس الحكيم: الخط شيء أظهره العقل بواسطة سن القلم، فلما قابل النفس عشقته بالعنصر. وقال مرطس الحكيم: الخط بالقلم ينمّي الحكمة. وقال جالينوس: القلم الطلسم الأكبر. وقال بقراط: القلم على (4) إيقاع الوتر، والمهنة المنطقية مقدّمة على المهنة الطبيعية. وقال بليناس: القلم طبيب المنطق. قال أرسطاطاليس: القلم العلّة الفاعلة، والمداد العلة الهيولانيّة، والخط العلة الصّورية، والبلاغة العلّة التمامية. وقد أكثر الشعراء القول في شرف القلم وفضله.
فمن ذلك قول أبي تمّام الطائيّ:
إن يخدم القلم السّيف الذي خضعت ... له الرّقاب وذلّت خوفه الأمم
__________
(1) كاتب بليغ حكيم من واضعي القصص. يلقب ببزرجمهر الإسلام. توفي سنة 215هـ. (الأعلام:
3/ 143).
(2) هو ثمامة بن أشرس النميري: من كبار المعتزلة وأحد الفصحاء البلغاء المتقدمين. اتصل بالرشيد ثم بالمأمون. توفي سنة 213هـ. (الأعلام: 2/ 100).
(3) ظلع ظلعا: أي عرج وغمز في مشيه. وظلعت الأرض بأهلها أي ضاقت بهم لكثرتهم. (وسيط:
576).
(4) ولعله: «مقدّم على» أو نحو ذلك.(2/477)
فالموت والموت لا شيء يغالبه ... ما زال يتبع ما يجري به القلم
كذا قضى الله للأقلام مذ بريت ... أن السيوف لها مذ أرهفت خدم
وقوله:
لك القلم الأعلى الذي بشباته ... تصاب من الأمر الكلي والمفاصل
لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأري الجنى اشتارته أيد عواسل
له ريقة ظلّ ولكنّ وقعها ... بآثاره في الشّرق والغرب وابل
فصيح إذا استنطقته وهو راكب ... وأعجم إن خاطبته وهو راجل
إذا ما امتطى الحمس اللّطاف وأفرغت ... عليه شعاب الفكر وهي حوافل
أطاعته أطراف القنا وتقوّضت ... لنجواه تقويض الخيام الجحافل
إذا استغزر الذهن الجليّ وأقبلت ... أعاليه في القرطاس وهي أسافل
وقد رفدته الخنصران وسدّدت ... ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل
رأيت جليلا شأنه وهو مرهف ... ضنا وسمينا خطبه وهو ناحل
وقول أبي هلال العسكريّ:
انظر إلى قلم ينكّس رأسه ... ليضمّ بين موصّل ومفصّل
تنظر إلى مخلاب ليث ضيغم ... وغرار مسنون المضارب مفصل
يبدو لناظره بلون أصفر ... ومدامع سود وجسم منحل
فالدّرج أبيض مثل خدّ واضح ... يثنيه أسود مثل طرف أكحل
قسم العطايا والمنايا في الورى ... فإذا نظرت إليه فاحذر وأمل
طعمان شوب حلاوة بمرارة ... كالدّهر يخلط شهده بالحنظل
فإذا تصرّف في يديك عنانه ... ألحقت فيه مؤمّلا بمؤمّل
ومذلّلا بمعزّز ولربّما ... ألحقت فيه معزّزا بمذلّل
وقوله:
لك القلم الجاري ببؤس وأنعم ... فمنها بواد ترتجى وعوائد
إذا ملأ القرطاس سود سطوره ... فتلك أسود تتّقى وأساود (1)
وتلك جنان تجتنى ثمراتها ... ويلقاك من أنفاسهنّ بوارد
وهنّ برود ما لهنّ مناسج ... وهنّ عقود ما لهن معاقد
وهنّ حياة للوليّ رضيّة ... وهنّ حتوف للعدوّ رواصد(2/478)
لك القلم الجاري ببؤس وأنعم ... فمنها بواد ترتجى وعوائد
إذا ملأ القرطاس سود سطوره ... فتلك أسود تتّقى وأساود (1)
وتلك جنان تجتنى ثمراتها ... ويلقاك من أنفاسهنّ بوارد
وهنّ برود ما لهنّ مناسج ... وهنّ عقود ما لهن معاقد
وهنّ حياة للوليّ رضيّة ... وهنّ حتوف للعدوّ رواصد
الجملة الثانية في اشتقاقه
وقد اختلف في ذلك فقيل: سمّي قلما لاستقامته كما سميت القداح أقلاما في قوله تعالى: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلََامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} (2) قال بعض المفسرين تشاحّوا في كفالتها فضربوا عليها بالقداح، والقداح مما يضرب بها المثل في الاستقامة وقيل: هو مأخوذ من القلّام وهو شجر رخو فلما ضارعه القلم في الضعف سمي قلما وقيل: سمي قلما لقلم رأسه، فقد قيل إنه لا يسمّى قلما حتّى يبرى، أما قبل ذلك فهو قصبة. كما لا يسمّى الرمح رمحا إلا إذا كان عليه سنان وإلا فهو قناة، ومنه قلامة الظفر وإلى ذلك يشير أبو الطّيّب الأزديّ بقوله:
قلم قلّم أظفار العدا ... وهو كالإصبع مقصوص الظّفر
أشبه الحيّة حتّى إنه ... كلّما عمّر في الأيدي قصر
وقيل لأعرابيّ: ما القلم؟ ففكّر ساعة وقلب يده، ثم قال: لا أدري، فقيل له: توهمه، قال: هو عود قلّم من جوانبه كتقليم الظّفر، فسمي قلما.
الجملة الثالثة في صفته
قال إبراهيم بن العباس لغلام بين يديه يعلمه الخطّ: ليكن قلمك صلبا بين
__________
(1) الأساود هم جماعة من الناس، وقيل: هم الجماعات المتفرقة. والأساود جمع الجمع للسواد: وهو الشخص لأنه يرى من بعيد أسود. (اللسان: 3/ 225).
(2) آل عمران / 44.(2/479)
الدّقة والغلظ، ولا تبره عند عقدة فإن فيه تعقيد الأمور، ولا تكتب بقلم ملتوي، ولا ذي شقّ غير مستوي وإن أعوزك البحريّ والفارسيّ، واضطررت إلى الأقلام النبطية فاختر منها ما يميل إلى السّمرة.
وقال إبراهيم بن محمد الشيباني (1): ينبغي للكاتب أن يتخيّر من أنابيب القصب أقلّه عقدا، وأكثفه لحما، وأصلبه قشرا، وأعدله استواء. وقال العتابي:
سألني الأصمعيّ يوما بدار الرشيد: أيّ الأنانبيب للكتابة أصلح وعليها أصبر؟
فقلت: ما نشف بالهجير ماؤه، وستره من تلويحه غشاؤه من التّبريّة القشور، الدّرّيّة الظهور، الفضية الكسور.
وكتب عليّ بن الأزهر إلى صديق له يستدعي منه أقلاما:
أما بعد، فإنا على طول الممارسة لهذه الكتابة التي غلبت على الاسم، ولزمت لزوم الوسم فحلّت محل الأنساب، وجرت مجرى الألقاب، وجدنا الأقلام الصخريّة أجرى في الكواغد (2)، وأمرّ في الجلود كما أن البحريّة منها أسلس في القراطيس، وألين في المعاطف، وأشدّ لتصرّف الخط فيها ونحن في بلد قليل القصب رديئه، وقد أحببت أن تتقدّم في اختيار أقلام صخرية، وتتنوّق (3)
في اقتنائها قبلك، وتطلبها من مظانّها ومنابتها، من شطوط الأنهار، وأرجاء الكروم وأن تتيمن (4) باختيارك منها الشديدة الصّلبة، النقيّة الجلود، القليلة الشحوم، الكثيرة اللحوم، الضيّقة الأجواف، الرزينة المحمل، فإنها أبقى على
__________
(1) ويعرف بالرياضي الكاتب. أصله من بغداد، ترأس ديوان الانشاء لبني الأغلب ثم للفاطميين في القيروان إلى أن توفي سنة 298هـ. من كتبه: «سراج الهادي» و «قطب الأدب» «ولقط المرجان» (الأعلام: 1/ 60).
(2) جمع كاغد وهو القرطاس، فارسي معرب.
(3) في العقد الفريد: تتأنق، وهو بمعناه. قال ذو الرمّة:
كأن عليها سحق لفق تنوّقت ... به حضرميات الأكف الحوائك
(4) في العقد الفريد: «تتيمم».(2/480)
الكتابة، وأبعد من الخفاء، وأن تقصد بانتقائك الرقاق القضبان، المقوّمات المتون، الملس المعاقد، الصافية القشور، الطويلة الأنابيب، البعيدة ما بين الكعوب، الكريمة الجواهر، المعتدلة القوام، المستحكمة يبسا، وهي قائمة على أصولها لم تعجل عن إبّان ينعها، ولم تؤخّر إلى الأوقات المخوفة عليها من خصر (1) الشتاء، وعفن الأنداء (2)، فإذا استجمعت عندك، أمرت بقطعها ذراعا [ذراعا] (3) قطعا رفيقا، ثم عبّأت منها حزما فيما يصونها من الأوعية (4)، وتكتب معه بعدّتها وأصنافها من غير تأخير ولا توان.
وأهدى ابن الحرون إلى رجل من إخوانه الكتّاب أقلاما، وكتب إليه:
إنه لما كانت الكتابة (أبقاك الله) أعظم الأمور، وقوام الخلافة، وعمود المملكة، أتحفتك من آلتها بما يخف محمله، وتثقل قيمته، ويعظم نفعه، ويجلّ خطره وهي أقلام من القصب النابت في الصخر، الذي نشف بحرّ الهجير في قشره ماؤه، وستره من تلويحه غشاؤه، وهي كاللآليء المكنونة في الصّدف، والأنوار المحجوبة في السّدف (5) تبريّة القشور، درّيّة الظهور، فضّيّة الكسور قد كستها الطبيعة جوهرا كالوشي المحبّر، ورونقا كالديباج المنيّر.
ومن كتاب لأبي الخطاب الصابيء يصف فيه أقلاما أهداها في جملة أصناف:
وأضفت إليها أقلاما سليمة من المعايب، مبرّأة من المثالب جمّة المحاسن بعيدة عن المطاعن لم يربها طول ولا قصر، ولا ينقصها ضعف خور ولا يشينها لين ولا رخاوة، ولم يعبها كزازة (6) ولا قساوة وهي آخذة بالفضائل من جميع
__________
(1) الخصر: البرد.
(2) جمع ندى، وهو البلل.
(3) الزيادة عن العقد الفريد.
(4) في العقد الفريد: «ووجهتها مع من يؤدي الأمانة في حراستها وحفظها وإيصالها وكتبت الخ».
(5) السّدف: ظلمة الليل، والجمع أسداف. والسّدفة من الأضداد، فهي في لغة بني تميم تعني الظلمة وفي لغة قيس الضوء. (اللسان: 9/ 146).
(6) الكزازة والكزاز: اليبس والانقباض.(2/481)
جهاتها، مستوفية للممادح بسائر صفاتها صلبة المعاجم، لدنة المقاطع موفية (1)
القدود والألوان، محمودة المخبر والعيان وقد استوى في الملاسة خارجها وداخلها، وتناسب في السّلاسة عاليها وسافلها نبتت بين الشمس والظل، واختلف عليها الحرّ والقرّ فلفحها وقدان الهواجر، ولفعها سمائم شهر ناجر (2)
ووقذها الشّفّان بصرده (3)، وقذفها الغمام ببرده، وصابتها الأنواء بصيّبها، واستهلّت عليها السحائب بشآبيبها فاستمرّت مرائرها على إحكام، واستحصد سجلها (4)
بالإبرام جاءت شتّى الشّيات، متغايرة الهيئات، متباينة المحالّ والبلدان تختلف بتباعد ديارها، وتأتلف بكرم نجارها.
فمن أنانيب قنا ناسبت رماح الخط في أجناسها، وشاكلت الذهب في ألوانها، وضاهت الحرير في لمعانها مضابطة الحفاء، نمرة القوى لا يسيطها القطّ، ولا يشعّب بها الخط.
ومن مصريّة بيض كأنها قباطيّ (5) مصر نقاء، وغرقيء (6) البيض صفاء غذاها الصعيد من ثراه بلبّه، وسقاها النيل من نميره وعذبه فجاءت ملتئمة الأجزاء، سليمة من الالتواء تستقيم شقوقها في أطوالها، ولا تنكّب عن يمينها ولا شمالها، مقترن بها صفراء كأنها معها عقيان قرن بلجين (7)، أو ورق خطّ بعين
__________
(1) لعله: «وافية القدود» أي تامة كاملة.
(2) كل شهر في صميم الحرّ فهو ناجر لأن الإبل تنجر فيه أي يشتد عطشها حتى تيبس جلودها وصفر في الجاهلية كان يقال له: ناجر وشهرا ناجر وآجر أشدّ ما يكون من الحرّ، وقيل: كل شهر من شهور الصيف ناجر. (اللسان: 5/ 194).
(3) وقذها: من الوقذ وهو شدة الضرب الشفّان: القرّ والمطر، والصرد (بفتح الراء وسكونها) هو البرد وقيل: شدته.
(4) لعله: «حبلها».
(5) القباطي: ثياب بيض من كتان كانت تعمل بمصر، منسوبة إلى القبط.
(6) غرقىء البيض: القشرة الملتصقة ببياضه.
(7) العقيان: الذهب اللجين: الفضة.(2/482)
تختال في صفر ملاحفها، وتميس في مذهب مطارفها، بلون غياب الشمس، وصبغ ثياب الورس (1).
ومن منقوشة تروق العين، وتونق النفس ويهدي حسنها الأريحيّة إلى القلوب، ويحلّ الطّرف لها حبوة الحليم اللبيب كأنها اختلاف الزّهر اللامع، وأصناف الثمر اليانع.
ومن بحريّة موشيّة اللّيط (2)، رائقة التخطيط كأنّ داخلها قطرة دم، أو حاشية رداء معلم وكأنّ خارجها أرقم، أو متن واد مفعم نشرت ألوانا تزري بورد الخدود، وأبدت قامات تفضح تأوّد القدود.
ومن كلام ابن الزيات (3): خير الأقلام ما استحكم نضجه، وخف بزره قد تساعدت عليه السعود في فلك البروج حولا كاملا، تؤلفه بمختلف أركانها وطباعها، ومتباين أنوائها وأنحائها حتّى إذا بلغ أشدّه واستوى، وشقّت بوازله (4)، ورقّت شمائله، وابتسم من غشائه، وتأدّى من لحائه، وتعرّى عنه ثوب المصيف، بانقضاء الخريف، وكشف عن لون البيض المكنون، والصّدف المخزون قطع ولم يعجّل عن تمام مصلحته، ولم يؤخّر إلى الأوقات المخوفة عاهاتها عليه من خصر الشتاء، وعفن الأنداء فجاء مستوي الأنابيب معتدلها، مثقّف الكعوب مقوّمها.
وقد حرر الوزير أبو عليّ بن مقلة (5) رحمه الله مناط الحاجة من هذه
__________
(1) الورس: شيء أصفر مثل اللطخ يخرج على الرمث بين آخر الصيف وأول الشتاء، إذا أصاب الثوب لوّنه. (اللسان: 6/ 254).
(2) واحدتها ليطة، وهي قشرة القصبة والقوس والقناة وكل شيء له متانة. (اللسان: 7/ 396).
(3) هو محمد بن عبد الملك، أبو جعفر: وزير المعتصم والواثق العباسيين. عالم باللغة والأدب من بلغاء الكتاب والشعراء. قتله المتوكل سنة 233هـ. (الأعلام: 6/ 248).
(4) جمع بازل، وهو ناب البعير عندما ينشق. واستعارها هنا للقلم.
(5) هو محمد بن علي بن الحسين: وزير من الشعراء الأدباء يضرب بحسن خطه المثل. استوزره عدد من الخلفاء العباسيين فكانوا يغضبون عليه فينفونه أو يهرب منهم حتى استوزره الراضي بالله سنة 328هـ. وما لبث أن نقم عليه فسجنه مدة ثم أخلى سبيله ثم عاد فقطع يده اليمنى ولسانه وحبسه فمات في سجنه سنة 328هـ. (الأعلام: 6/ 273).(2/483)
الأوصاف، واقتصر على الضروريّ منها في ألفاظ قلائل فقال:
خير الأقلام ما استحكم نضجه في جرمه، ونشف ماؤه في قشره، وقطع بعد إلقاء بزره، وبعد أن اصفرّ لحاؤه ورقّ شجره، وصلب شحمه، وثقل حجمه.
الجملة الرابعة في مساحة الأقلام في طولها وغلظها
قال ابن مقلة: خير الأقلام ما كان طوله من ستة عشر إصبعا إلى اثني عشر، وامتلاؤه ما بين غلظ السّبّابة إلى الخنصر. وهذا وصف جامع لسائر أنواع الأقلام على اختلافها.
وقال في موضع آخر: أحسن قدود القلم ألّا يتجاوز به الشّبر بأكثر من جلفته ويشهد له قول الشاعر:
فتى لو حوى الدنيا لأصبح عاريا ... من المال معتاضا ثيابا من الشكر
له ترجمان أخرس اللفظ صامت ... على قاب شبر بل يزيد على الشّبر
وقال الشيخ عماد الدين الشيرازي: أحمد الأقلام ما توسطت حالته في الطول والقصر، والغلظ والدقة، فإن الدقيق الضئيل تجتمع عليه الأنامل فيبقى مائلا إلى ما بين الثلث، والغليظ المفرط لا تحمله الأنامل.
وقال في الحلية: إذا كانت الصحيفة لينة ينبغي أن يكون القلم ليّن الأنبوب، وفي لحمه فضل، وفي قشره صلابة وإن كانت صلبة، كان يابس الأنبوب صلبه، ناقص الشحم، لأن حاجته إلى كثرة المداد في الصحيفة الرّخوة أكثر من حاجته إليه في الصحيفة الصّلبة فرطوبته ولحمه يحفظان عليه غزارة الاستمداد ويكفي
في الصحيفة الصّلبة ما وصل إليها في القلم الصّلب الخالي من المداد، والله جل ذكره أعلم.(2/484)
وقال في الحلية: إذا كانت الصحيفة لينة ينبغي أن يكون القلم ليّن الأنبوب، وفي لحمه فضل، وفي قشره صلابة وإن كانت صلبة، كان يابس الأنبوب صلبه، ناقص الشحم، لأن حاجته إلى كثرة المداد في الصحيفة الرّخوة أكثر من حاجته إليه في الصحيفة الصّلبة فرطوبته ولحمه يحفظان عليه غزارة الاستمداد ويكفي
في الصحيفة الصّلبة ما وصل إليها في القلم الصّلب الخالي من المداد، والله جل ذكره أعلم.
الجملة الخامسة في بري القلم وفيه خمسة أنظار
النظر الأول في اشتقاقه وأصل معناه
يقال بريت القلم أبريه بريا وبراية غير مهموز، وهو قلم مبريّ، وأنا بار للقلم بغير همز أيضا. قال الشاعر:
يا باري القوس بريا ليس يحكمه ... لا تفسد القوس أعط القوس باريها
ويقال أيضا: بروت القلم والعود بروا بالواو، والياء أفصح. ويقال لما سقط منه حالة البري براية (بضم الموحدة في أوله) على وزن نزالة وحثالة، والفعالة اسم لكل فضلة تفضل من الشيء، وتقول في الأمر: ابر قلمك.
النظر الثاني في الحث على معرفة البراية
قال الحسن بن وهب: يحتاج الكاتب إلى خلال، منها: جودة بري القلم، وإطالة جلفته، وتحريف قطّته (1)، وحسن التأتي لامتطاء الأنامل، وإرسال المدة بعد إشباع الحروف، والتحرّز عند فراغها من الكشوف، وترك الشكل على الخطإ والإعجام على التصحيف.
ومن كلام المقرّ العلائي ابن فضل الله (2)، طيب الله مهجعه: من لم يحسن
__________
(1) انظر ص: 492من هذا الجزء.
(2) هو أحد أفراد أسرة فضل الله العمري التي تولت لأكثر من قرن من الزمان وظيفة ديوان الإنشاء في دولتي المماليك البحرية والبرجية. وقد تولى القاضي علاء الدين ديوان الإنشاء استقلالا سنة 738 هـ. بتفويض من والده. (القلقشندي وكتابه: 107).(2/485)
الاستمداد، وبري القلم، والقطّ وإمساك الطّومار، وقسمة حركة اليد حال الكتابة، فليس هو من الكتابة في شيء.
ويحكى أن الضّحاك (1) كان إذا أراد أن يبري قلما توارى بحيث لا يراه أحد، ويقول: الخط كلّه القلم. وكان الأنصاريّ إذا أراد أن يبري فعل ذلك، فإذا أراد أن يقوم من الديوان قطع رؤوس الأقلام حتّى لا يراها أحد.
وقال إسحاق بن حمّاد (2): لا حذق لغير مميز لصنوف البراية. ورأى ابراهيم بن المحبس (3) رجلا يأخذ على جارية قلم الثلث، فقال: أعلّمتها البراية؟ قال:
لا، قال: كيف تحسن أن تكتب بما لا تحسن برايته؟ تعليم البراية أكبر من تعليم الخط.
قال المقرّ العلائي ابن فضل الله: ورأيت بخط أبي عليّ بن مقلة رحمه الله:
نعم نعم ملاك الخطّ حسن البراية، ومن أحسنها سهل عليه الخط، ولا يقتصر على علم فنّ منها دون فنّ، فانه يتعين على من تعاطى هذه الصناعة أن يحفظ كل فنّ منها على مذهبه من زيادة في التحريف، ومن النقصان منه، ومن اختلاف طبقاته، ومن وعى قلبه كثرة أجناس قطّ الأقلام كان مقتدرا على الخط، ولا يتعلم ذلك إلا عاقل، والقلم للكاتب كالسيف للشّجاع.
وقال الضحّاك بن عجلان: القلم من أجناس الأقلام كاللحن من أجناس الألحان في الصناعة، والبراية الواحدة من أجناس البراية كذلك.
ومن كلام المقرّ العلائي ابن فضل الله: جودة البراية نصف الخط.
__________
(1) المقصود الضحاك بن عجلان. أحد الكتاب الخطاطين في خلافة بني العباس.
(2) خطاط اشتهر في خلافة المنصور والمهدي العباسيين. (الفهرست: 10).
(3) لعل هناك خطأ من الناسخ. والمقصود إبراهيم بن الحسن، أحد تلامذة إسحاق بن حماد في الخط.
(الفهرست: 11).(2/486)
ومنهم من ذهب إلى أن العبرة بحسن الصنعة دون بري القلم، حتى حكى الغزالي رحمه الله في نصيحة الملوك أن الصاحب بن عبّاد كان وزيرا لبعض الملوك، وكان معه ستة وزراء غيره فكانوا يحسدونه، ولم يزالوا حتّى ذكروا للملك أنه لا يحسن براية القلم، وعمدوا إلى أقلامه فكسروا رؤوسها، ثم إن الملك أمره بكتب كتاب في المجلس، فوجد أقلامه كلّها مكسرة الرؤوس فأخذ قلما منها، وكتب به إلى أن انتهى إلى آخر الكتاب بخط فائق رائق، فقال له الملك: إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن بري القلم، فقال: إن أبي علمني كاتبا ولم يعلمني نجّارا.
النظر الثالث في معرفة محلّ البراية من القلم
قال إبراهيم بن محمد الشّيبانيّ: يجب أن يكون البري من جهة نبات القصبة يعني من أعلاها إذا كانت قائمة على أصلها، فإن محل القلم من الكاتب محل الرمح من الفارس وإلى هذا المعنى أشار أبو تمّام الطائيّ بقوله في أبياته المتقدمة (1):
إذا استغزر الذهن القويّ وأقبلت ... أعاليه في القرطاس وهي أسافل
وقال أبو القاسم: إذا أخذ القلم ليبريه فلا يخلو من استقامة في البنية أو اعوجاج في الخلقة، فإن كان مستويا فالبرية من رأسه، وهو حيث استدق، وإن كان معوجّا ودعت الضرورة إليه، فالبرية من أسفله لأن أسفله أقل التواء من أعلاه.
النظر الرابع في كيفية إمساك السّكين حال البري
قال ابن البربريّ (2): إذا بدأت بالبراية فأمسك السكين باليد اليمنى،
__________
(1) الصحيح في البيت التالي. وحذف العبارة بكاملها أولى.
(2) هو إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله بن الصباح، ويكنى بأبي الحسين. خطاط مشهور كان يعلم المقتدر وأولاده وله رسالة في الخط سماها: «تحفة الوامق». (الفهرست: 13وكشف الظنون:
376).(2/487)
والأنبوبة باليسرى، وضع إبهامك اليمنى على قفا السكين، ثم اعتمد على الأنبوبة اعتمادا رفيقا.
النظر الخامس في صنعة البراية
قال العتابيّ: سألني الأصمعيّ يوما بدار الرشيد: أيّ نوع من البري أصوب وأكتب؟ فقلت: البرية المستوية القطّة التي عن يمين سنها برية تأمن معها المجة عند المدّة والمطة، والهواء في شقها فتيق، والريح في جوفها خريق، والمداد في خرطومها رفيق.
واعلم أنه ربما حسن الخط باعتبار براية القلم، وإن لم يكن على قواعد الخط وهندسته، فقد قيل: إن الأحوال المحرّر (1) كان عجيب البراية للقلم، فكان خطه رائقا بهجا من غير إحكام ولا إتقان. قال الأنصاري المحرّر: كنت أكتب في ديوان الأحول، فقربت منه وأخذت من خطه، وسرقت من دواته قلما من أقلامه، فجاد خطّي به، فلاحت منه نظرة إلى دواتي، فرأى القلم فعرفه، فأخذه وأبعدني.
وكان إذا أراد أن يقوم من مجلسه أو ينصرف قطع رؤوس أقلامه كلّها.
واعلم أن البري يشتمل على معان:
المعنى الأول في صفته، ومقداره في الطول، والتقعير
. قال الوزير أبو علي بن مقلة رحمه الله: ويجب أن يكون في القلم الصّلب أكثر تقعيرا، وفي الرخو أقل، وفي المعتدل بينهما. وصفته أن تبتديء بنزولك بالسكين على الاستواء، ثم تميل القطع إلى ما يلي رأس القلم، ويكون طول
__________
(1) من صناع البرامكة، ظهر في عهد المأمون العباسي وهو الذي رتب الأقلام وجعلها أنواعا.
(الفهرست: 13).(2/488)
الفتحة مقدار عقدة الإبهام، أو كمناقير الحمام، وإلى ذلك أشار الشيخ علاء الدين السّرّمرّيّ رحمه الله في أرجوزته بقوله:
وطولها كعقدة الإبهام لا ... أعلى ولا أدنى يكون أرذلا
قال الاستاذ أبو الحسن بن البوّاب (1) رحمه الله: كل قلم تقصر جلفته، فإن الخط يجيء به أوقص، والوقص قصر العنق، ولذلك سمي متفاعلن في عروض الكامل إذا حذفت منه التاء أوقص، وكأنه يريد بالقصر ما دون عقدة الإبهام.
وقد قال إبراهيم بن العباس الصولي الكاتب: أطل خرطوم قلمك. فقيل له:
أله خرطوم؟ قال: نعم، وأنشد:
كأن أنوف الطير في عرصاتها ... خراطيم أقلام تخطّ وتعجم
وقال عبد الحميد بن يحيى (2) كاتب مروان (3) لرغبان، وكان يكتب بقلم قصير البرية: أتريد أن يجود خطّك؟ قال: نعم، قال: فأطل جلفة قلمك وأسمنها، وحرّف القطة وأيمنها قال رغبان: ففعلت ذلك فجاد خطّي.
وقال الشيخ عماد الدين بن العفيف (4) رحمه الله: إذا طالت البرية، فإنه يجيء الخط بها أخف وأضعف وأجلى وإذا قصرت جاء الخط بها أصفى وأثقل وأقوى.
المعنى الثاني النحت.
قال الوزير أبو عليّ بن مقلة: وهو نوعان، نحت حواشيه، ونحت بطنه أما نحت حواشيه، فيجب أن يكون متساويا من جهتي السن معا، ولا يحمل على
__________
(1) هو علي بن الهلال الخطاط المشهور المتوفى سنة 423هـ. (الأعلام: 5/ 31).
(2) هو عبد الحميد المشهور بالكاتب المتوفى سنة 132هـ.
(3) مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية في المشرق.
(4) هو عماد الدين الأنصاري الشافعي المتوفى سنة 736هـ. (القلقشندي وكتابه: ص 74).(2/489)
إحدى الجهتين فيضعف سنه، بل يجب أن يكون الشق متوسطا لجلفة القلم دقّ أو غلظ. قال: ويجب أن يكون جانباه مسيّفين، والتسييف أن يكون أعلاه ذاهبا نحو رأس القلم أكثر من أسفله، فيحسن جري المداد من القلم، قال: وأما نحت بطنه فيختلف بحسب اختلاف الأقلام في صلابة الشحم ورخاوته. فأما الصّلب الشحمة فينبغي أن ينحت وجهه فقط، ثم يجعل مسطحا وعرضه كقدر عرض الخط الذي يؤثر الكاتب أن يكتبه وأما الرخو الشحمة فيجب أن تستأصل شحمته حتّى تنتهي إلى الموضع الصّلب من جرم القلم، لأنك إن كتبت بشحمته، تشظّى القلم ولم يصف جريانه.
ومن كلام ابن البربري: لا تقصع البراية، ولا تخالف بين حدّي القلم، فإن ذلك حياكة، وإذا كان كذلك يكون القلم أحول.
ثم الجلفة على أنحاء، منها: أن يرهف جانبي البرية، ويسمن وسطها شيئا يسيرا، وهذا يصلح للمبسوط والمعلّق والمحقّق.
ومنها ما تستأصل شحمته كلها، وهذا يصلح للمرسل والممزوج والمفتح.
ومنها ما يرهف من جانبه الأيسر ويبقى فيه بقية في الأيمن وهذا يصلح للطوامير وما شابهها.
ومنها ما يرهف من جانبي وسطه، ويكون مكان القطة منه أعرض مما تحتها، وهذا يصلح في جميع قلم الثلث وفروعه.
المعنى الثالث الشق. وفيه مهيعان:
المهيع الأول في فائدته
قال الوزير أبو علي بن مقلة رحمه الله: لو كان القلم غير مشقوق ما استمرت به الأنامل، ولا اتصل الخط للكاتب، ولكثر الاستمداد، وعدم المشق، ولمال المداد إلى أحد جنبي القلم على قدر فتل الكاتب له.(2/490)
المهيع الثاني في صفة الشق وفيه مدركان
المدرك الأول في قدره في الطول
قال ابن مقلة: ويختلف ذلك بحسب اختلاف القلم في صلابته ورخاوته.
فأما المعتدل فيجب أن يكون شقّه إلى مقدار نصف الفتحة أو ثلثيها. والمعنى فيه أنه إذا زاد على ذلك انفتحت سنا القلم حال الكتابة وفسد الخط حينئذ. وإذا كان كذلك أمن من ذلك.
وأما الصّلب، فينبغي أن يكون شقه إلى آخر الفتحة وربما زاد على ذلك بمقدار إفراطه في الصلابة. وقد نظم ذلك الشيخ علاء الدين السّرّمرّي رحمه الله في أرجوزته فقال:
واعلم بأن الشّقّ أيضا يختلف ... بحسب الأقلام فافهم ما أصف
فإن يكن معتدلا شقّ إلى ... مقدار ثلث الجلفة انقل واقبلا
والرّخو للنصف أو الثلثين زد ... والصّلب بالفتحة ألحق تستفد
وربما زادوا على ذاك إذا ... أفرط في الصلابة اعرف ذا وذا
المدرك الثاني في محله من الجلفة في العرض
وقد تقدّم من كلام ابن مقلة رحمه الله في المعنى الثالث أنه يجب أن يكون الشق متوسطا لجلفة القلم، وعليه جرى الاستاذ أبو الحسن بن البوّاب رحمه الله فقال: وليكن غلظ السنّين جميعا سواء. قال: ويجوز أن يكون الأيمن أغلظ من الأيسر دون العكس على كل حال وهذا إنما يأتي إذا كانت الكتابة آخذة من جهة اليمين إلى جهة اليسار، أما إذا كانت آخذة من جهة اليسار إلى جهة اليمين كالقبطية فإنه يكون بالعكس من ذلك لأنه يقوي الاعتماد على اليسار دون اليمين.(2/491)
المعنى الرابع القطّ وفيه مهيعان:
المهيع الأوّل اشتقاقه ومعناه
يقال قططت القلم أقطّه قطّا فأنا قاطّ وهو مقطوط وقطيط: إذا قطعت سنّه، وأصل القطّ: القطع والقطّ والقدّ متقاربان، إلا أن القط أكثر ما يستعمل فيما يقع السيف في عرضه، والقدّ ما يقع في طوله. وكان يقال: إذا علا الرجل الشيء بسيفه قدّه، وإذا عرضه قطّه، وذلك أن مخرج الطاء والدال متقاربان، فأبدل أحدهما من الآخر كما يقال مطّ حاجبيه، ومدّ حاجبيه.
المهيع الثاني في صفته
واعلم أن أجناس القطّ تختلف بحسب مقاصد الكتّاب، وهو المقصود الأعظم من البراية، وعليه مدار الكتابة. قال الضّحّاك بن عجلان: من وعى قلبه كثرة أجناس قطّ الأقلام كان مقتدرا على الخط. وقال المقرّ العلائي ابن فضل الله تغمده الله برحمته: كان بعض الكتّاب إذا أخذ الأنبوية ليبريها تفرّس فيها قبل ذلك، فإذا أراد أن يقطّ توقف ثم تحرّى فتوقف ثم يقطّ على تثبّت.
قال الشيخ عماد الدين بن العفيف: والقط على نوعين:
النوع الأول المحرّف
، وطريق بريه أن يحرف السكين في حال القط، وهو ضربان: قائم ومصوّب أما القائم فهو ما جعل فيه ارتفاع الشحمة كارتفاع القشرة وأما المصوّب، فهو ما كان القشر فيه أعلى من الشحم.
النوع الثاني المستوي
وهو ما تساوى سنّاه وأجودهما المحرّف، وقد صرح بذلك الوزير أبو علي بن مقلة، فقال: وأحمدها ما كان ذا سنّ مرتفع من الجهة اليمنى ارتفاعا قليلا إذا كان القلم مصوّبا، وهذا معنى التحريف وذلك إذا كانت الكتابة آخذة من جهة اليمين إلى جهة اليسار كما تقدم عند ذكر سنّي القلم،
بخلاف ما إذا كان آخذا من جهة اليسار إلى جهة اليمين. قال الشيخ عماد الدين ابن العفيف رحمه الله: وأجودها المحرّفة المعتدلة التحريف، وأفسدها المستوية، لأن المستوي أقلّ تصرفا من المحرّف. قال: وقد كان بعض من لا يعتدّ به يقط القلم على ضدّ ما يعتمده الأستاذون، فيصير الشحم من القلم هو المشرف على ظاهره، فكان خطه لا يجيء إلا رديئا، وإذا كانت القطّة على الضدّ من ذلك كان الكاتب متصرّفا في الخط، متمكنا من القرطاس. قال الوزير ابن مقلة: وأضجع السكين قليلا إذا عزمت على القطّ ولا تنصبها نصبا، يريد بذلك أن تكون القطة أقرب إلى التحريف، وأن تكون مصوّبة.(2/492)
وهو ما تساوى سنّاه وأجودهما المحرّف، وقد صرح بذلك الوزير أبو علي بن مقلة، فقال: وأحمدها ما كان ذا سنّ مرتفع من الجهة اليمنى ارتفاعا قليلا إذا كان القلم مصوّبا، وهذا معنى التحريف وذلك إذا كانت الكتابة آخذة من جهة اليمين إلى جهة اليسار كما تقدم عند ذكر سنّي القلم،
بخلاف ما إذا كان آخذا من جهة اليسار إلى جهة اليمين. قال الشيخ عماد الدين ابن العفيف رحمه الله: وأجودها المحرّفة المعتدلة التحريف، وأفسدها المستوية، لأن المستوي أقلّ تصرفا من المحرّف. قال: وقد كان بعض من لا يعتدّ به يقط القلم على ضدّ ما يعتمده الأستاذون، فيصير الشحم من القلم هو المشرف على ظاهره، فكان خطه لا يجيء إلا رديئا، وإذا كانت القطّة على الضدّ من ذلك كان الكاتب متصرّفا في الخط، متمكنا من القرطاس. قال الوزير ابن مقلة: وأضجع السكين قليلا إذا عزمت على القطّ ولا تنصبها نصبا، يريد بذلك أن تكون القطة أقرب إلى التحريف، وأن تكون مصوّبة.
قال الشيخ شمس الدين بن أبي رقيبة: سألت الشيخ عماد الدين بن العفيف رحمه الله عن الكتابة بالأقلام، والتحريف والتدوير، فقال: الرقاع والتوقيع أميل إلى التدوير بين بين، قطّة مربّعة، والنسخ والمحقّق والمشعر أميل إلى التحريف، والمحقق أكثر تحريفا منهما. وقد فسر ابن الوحيد (1) قول ابن البوّاب: لكن جملة ما أقول بأنه ما بين تحريف إلى تدوير، أن المعنى أن لكل قلم قطّ صفة، فقطّة الريحاني أشدّها تحريفا، ثم يقلّ التحريف في كل نوع من أنواع قط الأقلام حتى تكون الرقاع أقلها تحريفا.
النظر السادس في معرفة صفات القلم فيما يتعلق بالبراية، وما لكل من سنّي القلم من الحروف
قال الشيخ عماد الدين بن العفيف: من لم يدر وجه القلم، وصدره، وعرضه، فليس من الكتابة في شيء. وقد فسر ذلك الوزير أبو علي بن مقلة فقال:
اعلم أن للقلم وجها وصدرا وعرضا فأما وجهه فحيث تضع السكين وأنت تريد قطّه، وهو ما يلي لحمة القلم وأما صدره فهو ما يلي قشرته وأما عرضه فهو نزولك فيه على تحريفه. قال: وحرف القلم هو السن العليا وهي اليمنى.
__________
(1) هو محمد بن شريف بن يوسف، شريف الدين بن الوحيد الكاتب المتوفى سنة 711هـ. (فوات الوفيات: 3/ 390).(2/493)
الجملة السادسة في مساحة رأس القلم ومقدارها من حيث موضع القطة وتفرّعها عن قلم الطومار
، ونسبتها من مساحته على اختلاف مقاديرها في الدقة والغلظ والتوسّط، وما ينبغي أن يكون في دواة الكاتب من الأقلام:
أما مساحة رأس القلم، فاعلم أن رؤوس الأقلام تختلف باختلاف الأقلام التي جرى الاصطلاح عليها بين الكتّاب، وأعظمها وأجلّها وأكثرها مساحة في العرض هو قلم الطّومار، وهو قلم كانت الخلفاء تعلّم به في المكاتبات وغيرها.
وصفته أن يؤخذ من لب الجريد الأخضر، ويؤخذ منه من أعلى الفتحة ما يسع رؤوس الأنامل ليتمكن الكاتب من إمساكه، فإنه إذا كان على غير هذه الصورة، ثقل على الأنامل ولا تحتمله ويتخذ أيضا من القصب الفارسيّ ولا بدّ من ثلاثة شقوق لتسهل الكتابة به ويجري المداد فيه. ولهم قلم دونه ويسمى مختصر الطومار، وبه يكتب النواب والوزراء ومن ضاهاهم الاعتماد على المراسيم ونحوها، وقدّروا مساحة عرضه من حيث البراية بأربع وعشرين شعرة من شعر البرذون معترضات، وهو أصل لما دونه من الأقلام، فقلم الثلثين من هذه النسبة مقدّر بست عشرة شعرة، وقلم النصف مقدّر باثنتي عشرة شعرة، وقلم الثلث مقدّر بثمان شعرات، ومختصر الطومار ما بين الكامل منه والثلثين. وكل من هذه الأقلام فيه ثقيل وهو ما كان إلى الشّبع أميل، وخفيف، وهو ما كان إلى الدقة أقرب. إذا تقرّر ذلك فطول الألف في كل قلم معتبر بأن تضرب نسبة عرضه في مثله ويجعل طولها نظير ذلك، ففي قلم الطومار يضرب مقدار عرضه وهو أربع وعشرون شعرة في مثلها خمسمائة وستّا وسبعين شعرة وهو طولها وفي قلم الثلث تضرب نسبة عرضه من الطّومار وهو ثمان شعرات في مثلها بأربع وستين، فيكون طولها أربعا وستين شعرة وكذلك الجميع فاعلمه.
وأما عدد أقلام الدواة فقد قال الوزير أبو عليّ بن مقلة: ينبغي أن تكون
أقلامه على عدد ما يؤثره من الخطوط، وكأنه يريد أن يكون في دواته قلم مبريّ للقلم الذي هو بصدد أن يحتاج إلى كتابته ليجده مهيّأ، فلا يتأخر لأجل برايته.(2/494)
وأما عدد أقلام الدواة فقد قال الوزير أبو عليّ بن مقلة: ينبغي أن تكون
أقلامه على عدد ما يؤثره من الخطوط، وكأنه يريد أن يكون في دواته قلم مبريّ للقلم الذي هو بصدد أن يحتاج إلى كتابته ليجده مهيّأ، فلا يتأخر لأجل برايته.
الآلة الثانية المقلمة
: وهي المكان الذي يوضع فيه الأقلام، سواء كان من نفس الدواة أو أجنبيّا عنها، وقد لا تعدّ من الآلات لكونها من جملة أجزاء الدواة غالبا.
الآلة الثالثة المدية، والنظر فيها من وجهين:
الوجه الأول في معناها واشتقاقها
قال الجاحظ: تقال بضم الميم وفتحها وكسرها وتجمع على مدى: وهي السكين، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «كانت امرأتان معهما ابناهما فجاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك. فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى، فخرجتا إلى سليمان بن داود فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسّكّين أشقّه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل رحمك الله هو ابنها، فقضى به للصغرى» قال أبو هريرة: إن سمعت بالسكين إلا يومئذ، ما كنا نقول إلا المدية.
ثم الأصل في السكين التذكير، قال أبو ذؤيب (1):
يرى ناصحا (2) لي ما بدا فإذا خلا ... فذلك سكّين على الحلق حاذق
قال الكسائي: ومن أنّث أراد المدية وأنشد:
__________
(1) هو خويلد بن خالد بن محرّث: أشعر الهذليين من غير مدافعة. أدرك الجاهلية والإسلام وتوفي نحو 27هـ. (الأعلام: 2/ 325).
(2) في اللسان: 13/ 211: «يرى ناصحا فيما بدا».(2/495)
فعيّث (1) في السّنام غداة قرّ ... بسكّين موثّقة النّصاب
ويقال سكّينة بالهاء، وهو قليل. وفي حديث المبعث «أنه لما شقّ الملك بطنه صلى الله عليه وسلّم قال: ائتني بالسّكّينة» وتجمع على سكاكين، سميت مدية أخذا من مدى الأجل وهو آخره، لأنها تأتي بالأجل في القتل على آخره، وسميت سكّينا لأنها تسكّن حركة الحيوان بالموت. ونصاب السكين أصلها، ونصاب كل شيء أصله قال الشاعر:
وإنّ نصابي إن سألت وأسرتي ... من الناس حيّ يقتنون المزنّما (2)
أي وإن أصلي. ويقال أنصبت السكين إذا جعلت لها نصابا، كما يقال أقبضتها إذا جعلت لها مقبضا، وأقربتها إذا جعلت لها قرابا، وأغلفتها إذا جعلت لها غلافا، والحديدة الذاهبة في النصاب سيلان. ويقال أحددت (3) السكين فأنا أحدّه إحدادا، وحدّ السكين نفسه صار حادّا، وأحدّ فهو محدّ، وسكين حادّ، فإذا أمرت من أحدّه قلت: أحدده، ومن حدّه قلت: حدّه.
الوجه الثاني في صفتها
قال بعض الكتّاب: هي مسنّ الأقلام، تستحدّ بها إذا كلّت وتطلق بها إذا وقفت وتلمّها إذا تشعّثت، فتجب المبالغة في سقيها وإحدادها ليتمكن من البري، فيصفو جوهر القلم، ولا تتشظّى قطّته، وينبغي ألّا يستعملها في غير البراية لئلا تكلّ وتفسد. قال الصّولي: وأحدد سكينك ولا تستعملها لغير ذلك. قال الوزير أبو
__________
(1) أي أثر في السّنام بالسكين. (اللسان: 2/ 170).
(2) المزنّم من الإبل: الكريم تقطع أذنه ويترك لها زنمة.
(3) أي: وحدّدتها أيضا، كما يستفاد من نهاية عبارته.(2/496)
علي بن مقلة رحمه الله: واستحدّ السكين حدّا، ولتكن ماضية جدّا، فإنها إذا كانت كالّة جاء الخط رديئا مضطربا. وقال الشيخ عماد الدين بن العفيف: فساد البراية من بلادة السكين. قال محمد بن عمر المدائني: ينبغي أن تكون لطيفة القدّ، معتدلة الحدّ فقد كره المبالغة في سقيها، لتمكن الباري من بريها. ولا عيب في حملها في ألكمّ والخفّ، فقد روى المدائني عن الأعمش عن إبراهيم أنه قال:
اتخاذ الرجل السكين في خفّه من المروءة. قالوا: وأحسنها ما عرض صدره، وأرهف حدّه، ولم يفضل عن القبضة نصابه، واستوى من غير اعوجاج. قال الشيخ عماد الدين بن العفيف: ورأيت والدي وجماعة من الكتّاب يستحسنون العقابيّة وهي التي صدرها أعرض من أسفلها. ووصف بعضهم سكّينا فقال:
وسكّين عتيقة الحديد، وثيقة الشّعيرة محكمة النّصاب، جامعة الأسباب، أحدّ من البين، وأحسن من اجتماع محبّين وأمضى من الحسام، في بري الأقلام. ولله القائل في وصفها:
أنا إن شئت عدّة لعدوّ ... حين يخشى على النّفوس الحمام
أنا في السّلم خادم لدواة ... وبحدّي تقوّم الأقلام
الآلة الرابعة المقطّ
(بكسر الميم) كما ضبطه الجوهريّ في الصّحاح إلا أنه قال فيه: مقطّة بالتأنيث.
قال الصّولي: ينبغي أن يكون المقطّ صلبا فتمضي القطّة مستوية لا مشظيّة.
قال الوزير أبو علي بن مقلة رحمه الله: إذا قطعت فلا تقطّ إلا على مقطّ أملس صلب غير مثلّم ولا خشن لئلا يتشظّى القلم وقال الشيخ عماد الدين بن العفيف: ويتعيّن أن يكون من عود صلب كالآبنوس والعاج، ويكون مسطّح الوجه الذي يقطّ عليه، ولا يكون مستديرا لأنه إذا كان مستديرا تشظّى القلم، وربما تهللت القطّة فتأتي الإدارات والتشعيرات غير جيّدة. قلت: وينبغي ألّا يكون مع ذلك مانعا كالحديد والنّحاس ونحوه فإن ذلك يفسد السكين، ولا تجيء القطّة صالحة.(2/497)
الآلة الخامسة المحبرة
، وهي المقصود من الدواة، وتشتمل على ثلاثة أصناف:
الصنف الأوّل الجونة
، وهي الظّرف الذي فيه اللّيقة والحبر.
قال بعض فضلاء الكتّاب: وينبغي أن تكون شكلا مدوّر الرأس يجتمع على زاويتين قائمتين، يوقذهما خط، ولا يكون مربعا على حال لأنه إذا كان مربعا يتكاثف المداد في زواياه فيفسد المداد، فإذا كان مستديرا كان أبقى للمداد، وأسعد في الاستمداد.
الصنف الثاني الليقة
، وتسميها العرب الكرسف تسمية لها باسم القطن الذي تتخذ منه في بعض الأحوال كما سيأتي والنظر فيها من وجهين:
الوجه الأوّل في اشتقاقها
يقال ألقت الدواة ولقتها، أخذا من قولهم: فلان لا تليق كفّه درهما أي لا تحبسه ولا تمسكه وأنشد الكسائيّ:
كفّاك كفّ ما تليق درهما ... جودا وكفّ تعط بالسيف الدّما
يصفه بالجود، أي كفّاك ما تمسك درهما، ويقال: ما لاقت المرأة عند زوجها أي ما علقت. قال المبرد: دخل الأصمعيّ على الرشيد بعد غيبة غابها، فقال له: كيف حالك يا أصمعيّ؟ فقال: ما ألاقتني نحوك أرض يا أمير المؤمنين، فأمسك الرشيد عنه، فلما تفرّق أهل المجلس قال له: ما معنى ألاقتني؟ قال: ما حبستني، فقال: لا تكلّمني في مجلس العامّة بما لا أعلم. قال الجاحظ: ولا تستحق اسم اللّيقة حتّى تلاق في الدواة بالنّقس وهو المداد.
الوجه الثاني فيما تتّخذ منه وتتعاهد به
قال بعض الكتّاب: تكون من الحرير والصّوف والقطن، ويقال فيه
الكرسف، والبرس، والطّوط، والعطب، والأولى أن تكون من الحرير الخشن: لأن انتفاشها في المحبرة وعدم تلبّدها أعون على الكتابة. قال بعض الكتّاب: ويتعين على الكاتب أن يتفقد اللّيقة ويطيّبها بأجود ما يكون، فإنها تروح على طول الزّمن، ولله القائل:(2/498)
قال بعض الكتّاب: تكون من الحرير والصّوف والقطن، ويقال فيه
الكرسف، والبرس، والطّوط، والعطب، والأولى أن تكون من الحرير الخشن: لأن انتفاشها في المحبرة وعدم تلبّدها أعون على الكتابة. قال بعض الكتّاب: ويتعين على الكاتب أن يتفقد اللّيقة ويطيّبها بأجود ما يكون، فإنها تروح على طول الزّمن، ولله القائل:
متظرّف شهدت عليه دواته ... أن الفتى لا كان غير ظريف
إن التفقّد للدّواة فضيلة ... موصوفة للكاتب الموصوف
وكان بعض الكتّاب يطيّب دواته بأطيب ما عنده من طيب نفسه، فسئل عن ذلك فقال: لأني أكتب به اسم الله تعالى واسم رسوله صلى الله عليه وسلّم واسم أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، وربما سبق القلم بغير إرادتنا فنلحسه بألسنتنا ونمحوه بأكمامنا.
قال الشيخ علاء الدين السّرّمرّيّ: ويتعين على الكاتب تجديد اللّيقة في كل شهر، وأنه حين فراغه من الكتابة يطبّق المحبرة لأجل ما يقع فيها من التراب ونحوه، فيفسد الخط. ونظم ذلك في أرجوزته فقال:
وجدّد اللّيقة كلّ شهر ... فشيخنا كان بهذا يغري
لأجل ما يقع فيها من قذى ... فينتشي من ذاك في الخطّ أذى
وينبغي له مع ذلك أن يصونها عن الأشياء القذرة كالبصاق ونحوه، فقد حكى محمد بن عمر المدائني أن بعض العلماء رأى صبيّا يبصق في دواته فزجره وقال لمعلّمه: امنع الصّبيان عن مثل هذا، فإنما يكتبون به كلام الله. قال محمد بن عمر المدائني: كأنه تحرّج أن يكتب القرآن بمداد غير نظيف. قال المدائني: وكان بلغني عن ابن عباس أنه أجاز أن يبصق الرجل في دواته، فسألت احمد بن عمرو البزاز (1) عن ذلك فأنكره، وقال: هذا حديث كذب، وضعه عاصم بن سليمان الكوذن، وكان كذّابا ذكرته لأبي داود الطيالسي (2) فقال: هو كذّاب يجب أن تعرفوا
__________
(1) حافظ، من العلماء بالحديث. توفي سنة 292هـ. له مسندان. (الأعلام: 1/ 189).
(2) هو سليمان بن داوود بن الجارود: من كبار حفاظ الحديث، فارسي الأصل توفي سنة 204هـ.
(الأعلام: 3/ 125).(2/499)
كذبه، صفوا له مسألة حتّى يحدّثكم بحديث، فقال: فجئت أنا وعمر بن موسى الحارثيّ في جماعة، فقال له عمر: ما تقول في الرجل يبزق في الدواة ويستمدّ منها؟
وكان قد ذهب بصره، فقال: حدّثنا عبد الله بن نافع عن ابن عمر أنه كان يبزق في الدواة ويستمدّ منها، ثم قال: وحدّثنا هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس مثل ذلك، قال: فهمز بعض أصحابنا وقال: كان ابن عباس لا يبصر، قال:
ففهم، فقال: نعم، كان ابن عباس لا يرى بذلك بأسا.
الصنف الثالث المداد والحبر وما ضاها هما والنظر فيه من أربعة أوجه
:الوجه الأوّل في تسميتهما واشتقاقهما
أما المداد فسمّي بذلك لأنه يمدّ القلم أي يعينه وكل شيء مددت به شيئا فهو مداد، قال الأخطل:
رأت (1) بارقات بالأكفّ كأنّها ... مصابيح سرج أوقدت بمداد
سمى الزيت مدادا لأن السّراج يمدّ به، فكل شيء أمددت به الليقة مما يكتب به فهو مداد، وقال ابن قتيبة في قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كََانَ الْبَحْرُ مِدََاداً لِكَلِمََاتِ رَبِّي} (2): هو من المداد لا من الإمداد. ويقال: أمدّ القلم في الخير مثل {وَأَمْدَدْنََاهُمْ بِفََاكِهَةٍ وَلَحْمٍ} (3) ومدّه في الشر، مثل {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذََابِ مَدًّا} (4). ويقال فيه أيضا نقس ونقس، بكسر النون وفتحها مع إسكان القاف ومع السين المهملة فيهما، والكسر أفصح، ويجمع على أنقاس.
وأما الحبر، فأصله اللون، يقال فلان ناصع الحبر يراد به اللون الخالص
__________
(1) في اللسان: «رأوا» بواو الجماعة.
(2) الكهف / 100.
(3) الطور / 22.
(4) مريم / 79.(2/500)
الصافي من كل شيء، قال ابن أحمر (1) يذكر امرأة:
تتيه بفاحم جعد ... وأبيض ناصع الحبر
يريد سواد شعرها، وبياض لونها وفي الخبر «يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره» بكسر الحاء المهملة والسين فيهما. قال ابن الأعرابي: حبره:
حسنه، وسبره هيئته، وقال المبرد: قال التوزيّ: سألت الفرّاء عن المداد لم سمّي حبرا، فقال: يقال للمعلّم حبر وحبر يعني بفتح الحاء وكسرها، فأرادوا مداد حبر أي مداد عالم، فحذفوا مداد وجعلوا مكانه حبرا. قال: فذكرت ذلك للأصمعيّ فقال: ليس هذا بشيء إنما هو لتأثيره، يقال: على أسنانه حبر إذا كثرت صفرتها حتّى صارت تضرب إلى السواد، والحبر: الأثر يبقى في الجلد، وأنشد:
لقد أشمتت بي آل فيد وغادرت ... بجلدي حبرا بنت مصّان باديا
أراد بالحبر الأثر، يعني أثر الكتابة في القرطاس، قال المبرد: وأنا أحسب أنه سمّي بذلك لأن الكتاب يحبّر به أي يحسّن، أخذا من قولهم: حبّرت الشيء تحبيرا إذا حسّنته.
الوجه الثاني في شرف المداد والحبر، واختيار السواد لذلك
في الخبر «يؤتى بمداد طالب العلم ودم الشهيد يوم القيامة فيوضع أحدهما في كفّة الميزان والآخر في الكفّة الأخرى فلا يرجح أحدهما على الآخر» قال بعض الحكماء: صورة المداد في الأبصار سوداء، وفي البصائر بيضاء. وقد قيل:
كواكب الحكم في ظلم المداد. ونظر جعفر بن محمد إلى فتى على ثيابه أثر المداد، وهو يستره منه، فقال له: يا هذا، إن المداد من المروءة. وأنشد أبو زيد:
__________
(1) هو هنيء بن أحمر: شاعر جاهلي من كنانة تنسب إليه الأبيات التي اشتهر بها:
وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس يدعى جندب(2/501)
إذا ما المسك طيّب ريح قوم ... كفتني ذاك رائحة المداد
وما شيء بأحسن من ثياب ... على حافاتها حمم السّواد
وقال بعض الأدباء: عطّروا دفاتر الآداب بسواد الحبر. وكان في حجر إبراهيم بن العباس قرطاس يمشق فيه كلاما فأسقط فمسحه بكمه، فقيل له: لو مسحته بغيره؟ فقال: المال فرع والقلم أصل، والأصل أحق بالصون من الفرع.
وأنشد في ذلك:
إنّما الزّعفران عطر العذارى ... ومداد الدّويّ عطر الرّجال
وأنشد غيره:
من كان يعجبه أن مسّ عارضه ... مسك يطيّب منه الريح والنّسما
فإن مسكي مداد فوق أنملتي ... إذا الأصابع يوما مسّت القلما
على أن بعضهم قد أنكر ذلك، وقال: المداد في ثوب الكاتب سخافة، ودناءة منه وقلة نظافة، قال أبو العالية: تعلمت القرآن والكتابة، وما شعر بي أهلي، وما رؤي في ثوبي مداد قط. وأنشدوا:
دخيل في الكتابة يدّعيها ... كدعوى آل حرب في زياد
يشبّه ثوبه للمحو فيه ... إذا أبصرته ثوب الحداد
فدع عنك الكتابة لست منها ... ولو لطّخت وجهك بالمداد
وقال فارس بن حاتم: ببريق الحبر تهتدي العقول لخبايا الحكم، لأنه أبقى على الدهر، وأنمى للذّكر وأزيد للأجر.
واعلم أن المداد ركن من أركان الكتابة، وعليه مدار الربع منها وأنشدوا في ذلك:
ربع الكتابة في سواد مدادها ... والرّبع حسن صناعة الكتّاب
والرّبع من قلم تسوّي بريه ... وعلى الكواغد رابع الأسباب
قال بعض العلماء رحمهم الله: وإنما اختير فيه السواد دون غيره لمضادّته
لون الصحيفة. قال: وليس شيء من الألوان يضادّ صاحبه كمضادة السواد للبياض قال الشاعر:(2/502)
ربع الكتابة في سواد مدادها ... والرّبع حسن صناعة الكتّاب
والرّبع من قلم تسوّي بريه ... وعلى الكواغد رابع الأسباب
قال بعض العلماء رحمهم الله: وإنما اختير فيه السواد دون غيره لمضادّته
لون الصحيفة. قال: وليس شيء من الألوان يضادّ صاحبه كمضادة السواد للبياض قال الشاعر:
فالوجه مثل الصبح مبيضّ ... والفرع مثل الليل مسودّ
ضدّان لما استجمعا حسنا ... والضّدّ يظهر حسنه الضّدّ
ويقال في المداد: أسود قاتم، وهو أوّل درجة السواد، وحالك وحانك، وحلكوك، وحلبوب، وداج، ودجوجيّ، وديجور، وأدهم، ومدهامّ.
قال المدائني: حدّثني بذلك محمد بن نصر عن أحمد بن الضحاك عن أبي عبيدة.
كتب جعفر بن حدار بن محمد إلى دعلج بن محمد يستهديه مدادا:
يا أخي للوداد لا للمداد ... وصديقي من بين هذا العباد
والذي فيه ألف مجد طريف ... قد أمدّت بألف مجد تلاد
أنا أشكو إليك حال دواتي ... أصبحت تقتضي قميص حداد
ولله منصور بن إسماعيل حيث يقول:
وسوداء مقلتها مثلها ... وأجفانها من لجين صقيل
إذا أذرفت عبرة خلتها ... كغالية فوق خدّ أسيل
الوجه الثالث في صنعتهما، وفيه نظران:
النظر الأوّل في مادّتهما.
واعلم أن الموادّ لذلك منها ما يستعمل بأصله ولا يحتاج فيه إلى كبير علاج وتدبير كالعفص، والزاج، والصمغ، وما أشبهها، ومنها ما يحتاج إلى علاج وتدبير، وهو الدّخان. قال أبو القاسم خلوف بن شعبة الكاتب: ويتوخّى في الدخان أن يكون من شيء له دهنية، ولا يكون من دخن شيء يابس في الأصل لأن دخان كل شيء مثله وراجع إليه.
قال أحمد بن يوسف الكاتب: كان يأتينا رجل في أيام خمارويه (1) بمداد لم أر أنعم منه، ولا أشدّ سوادا منه، فسألته من أي شيء استخرجته؟ فكتم ذلك عني، ثم تلطفت به بعد ذلك، فقال لي: من دهن بزر الفجل والكتّان، أضع دهن ذلك في مسارج وأوقدها ثم أجعل عليها طاسا حتّى إذا نفد الدهن، رفعت الطاس، وجمعت ما فيها بماء الآس والصمغ العربيّ. وإنما جمعه بماء الآس ليكون سواده مائلا إلى الخضرة والصمغ يجمعه ويمنعه من التطاير.(2/503)
واعلم أن الموادّ لذلك منها ما يستعمل بأصله ولا يحتاج فيه إلى كبير علاج وتدبير كالعفص، والزاج، والصمغ، وما أشبهها، ومنها ما يحتاج إلى علاج وتدبير، وهو الدّخان. قال أبو القاسم خلوف بن شعبة الكاتب: ويتوخّى في الدخان أن يكون من شيء له دهنية، ولا يكون من دخن شيء يابس في الأصل لأن دخان كل شيء مثله وراجع إليه.
قال أحمد بن يوسف الكاتب: كان يأتينا رجل في أيام خمارويه (1) بمداد لم أر أنعم منه، ولا أشدّ سوادا منه، فسألته من أي شيء استخرجته؟ فكتم ذلك عني، ثم تلطفت به بعد ذلك، فقال لي: من دهن بزر الفجل والكتّان، أضع دهن ذلك في مسارج وأوقدها ثم أجعل عليها طاسا حتّى إذا نفد الدهن، رفعت الطاس، وجمعت ما فيها بماء الآس والصمغ العربيّ. وإنما جمعه بماء الآس ليكون سواده مائلا إلى الخضرة والصمغ يجمعه ويمنعه من التطاير.
قال صاحب الحلية: وإن شئت أخذت من دخان مقالي الحمّص وشبهه، وتلقي عليه ماء، وتأخذ ما يعلو فوقه وتجمعه بماء الآس والعسل والكافور والصمغ العربي والملح، وتمدّه وتقطعه شوابير، والدخان الأوّل أجود والله أعلم.
النظر الثاني في صنعتهما وفيه مسلكان:
المسلك الأوّل في صنعة المداد، وبه كانت كتابة الأوّلين من أهل الصنعة وغيرهم
قال الوزير أبو عليّ بن مقلة رحمه الله: وأجود المداد ما اتّخذ من سخام النّفط، وذلك أن يؤخذ منه ثلاثة أرطال، فيجاد نخله وتصفيته، ثم يلقى في طنجير (2)، ويصبّ عليه من الماء ثلاثة أمثاله، ومن العسل رطل واحد، ومن الملح خمسة عشر درهما، ومن الصّمغ المسحوق خمسة عشر درهما، ومن العفص عشرة دراهم، ولا يزال يساط على نار لينة حتّى يثخن جرمه ويصير في هيئة الطين، ثم يترك في إناء ويرفع إلى وقت الحاجة. وما ذكره فيه إشارة إلى أنه لا ينحصر في
__________
(1) هو خمارويه بن أحمد بن طولون، أبو الجيش من ملوك الدولة الطولونية بمصر. وليها بعد وفاة أبيه سنة 270هـ. اتسع الملك في أيامه. قتله غلمانه في دمشق على فراشه سنة 282هـ.
(الأعلام: 2/ 324).
(2) وتسمى أيضا: الطنجرة، قدر أو صحن من نحاس أو غيره. وهو معرّب، وفارسيته: «باتيله».
(الوسيط: 567والقاموس: 2/ 81).(2/504)
سخام النّفط، بل يكون من دخان غيره أيضا كما تقدّم. نعم ذكر صاحب الحلية أنه يحتاج مع ذلك الى الكافور لتطيب رائحته، والصّبر (1) ليمنع من وقوع الذباب عليه، وقيل: إن الكافور يقوم مقام الملح في غير الطيب.
المسلك الثاني في صنعة الحبر، وهو صنفان
الصنف الأوّل ما يناسب الكاغد
أي الورق: وهو حبر الدّخان، ونحن نذكر منه صفات ان شاء الله تعالى.
«صفة» يؤخذ من العفص (2) الشامي قدر رطل يدقّ جريشا وينقع في ستة أرطال ماء مع قليل من الآس (وهو المرسين) أسبوعا، ثم يغلى على النار حتّى يصبر على النصف أو الثلثين، ثم يصفّى من مئزر ويترك ثلاثة أيام، ثم يصفّى ثانيا، ثم يضاف لكل رطل من هذا الماء أوقية من الصّمغ العربيّ، ومن الزاج القبرسيّ كذلك، ثم يضاف إليه من الدخان المتقدّم ذكره ما يكفيه من الحلاكة، ولا بدله مع ذلك من الصّبر والعسل ليمتنع بالصّبر وقوع الذباب فيه، ويحفظ بالعسل على طول الزمن، ويجعل من الدخان لكل رطل من الحبر (3) بعد أن تسحق الدخان بكلوة كفك بالسكر النبات والزعفران الشعر والزّنجار الى أن تجيد سحقه، ولا تصحنه في صلاية (4) ولا هاون يفسد عليك.
الصنف الثاني ما يناسب الرّقّ
، ويسمّى الحبر الرأس، ولا دخان فيه، ولذلك يجيء بصّاصا (5) برّاقا وبه إضرار للبصر في النظر إليه من جهة بريقه،
__________
(1) عصارة شجر مرّ، واحدته صبرة والجمع صبور. (وسيط: 506).
(2) وهو ثمر البلوط.
(3) بياض في الأصل. وفي الضوء: «ثلث أوقية بعد الخ».
(4) ويقال أيضا: صلاءة، وهو مدقّ الطيب، وصحن: ضرب.
(5) أي لمّاعا.(2/505)
ويفسد الكاغد على طول ونحن نذكر منه:
«صفة حبر» وهي: يؤخذ من العفص الشامي رطل واحد فيجرش ويلقى عليه من الماء العذب ثلاثة أرطال، ويجعل في طنجير، ويوضع على النار ويوقد تحته بنار ليّنة حتى ينضج وعلامة نضجه أن تكتب به فتكون الكتابة حمراء بصّاصة، ثم يلقى عليه من الصّمغ العربيّ ثلاث أواق ومن الزاج أوقيّة ثم يصفّى ويودع في إناء جديد، ويستعمل عند الحاجة.
«صفة حبر سفريّ» يعمل على البارد من غير نار، ويؤخذ العفص فيجرش جرشا جيدا ويسحق لكل أوقيّة عفص درهم واحد من الزاج، ودرهم من الصمغ العربيّ، ويلقى عليه ويرفع إلى وقت الحاجة، فإذا احتاج إليه صبّ عليه من الماء قدر الكفاية واستعمله.
الوجه الرابع في ليق الافتتاحات
وهي ما يكتب به فواتح الكلام: من الأبواب، والفصول والابتداءات ونحوها، ولا مدخل لشيء من ذلك في فنّي الإنشاء والدّيونة، إلا الذهب فإنه يكتب به في الطّغراوات (1) في كتب القانات (2)، وفي الأسماء الجليلة منها، كما سيأتي في موضعه من المكاتبات من فنّ الإنشاء إن شاء الله تعالى، وباقي ذلك إنما يحتاج إليه كتّاب النّسخ، إلا أنّه لا بأس بالعلم به فإنه كمال الكاتب.
ونحن نذكر منه ما الغالب استعماله وهو أصناف:
__________
(1) جمع طغراة، وهو عبارة عن وصل كان يوضع في عصر المماليك البحرية في مناشير الإقطاعات بين وصل الطرّة والبسملة وترد فيه ألقاب السلطان وكان لها رجل مفرد بعملها في الديوان. والطغرى كلمة أعجمية استعملها العرب (مصطلحاب الصبح: 233).
(2) جمع «قان» وهو لقب أطلق على رؤساء الترك في القرن السابع الميلادي ومعناه رئيس الرؤساء.
(المرجع السابق: 267).(2/506)
الصنف الأوّل الذهب
، وطريق الكتابة به أن يحلّ ورق الذهب وصفة حله أن يؤخذ ورق الذهب الذي يستعمل في الطّلاء ونحوه، فيجعل مع شراب الليمون الصافي النّقيّ، ويقتل (1) فيه في إناء صينيّ أو نحوه حتّى يضمحلّ جرمه فيه، ثم يصب عليه الماء الصافي النقيّ ويغسل من جوانب الإناء حتّى يمتزج الماء والشراب، ويترك ساعة حتى يرسب الذهب، ثم يصفى الماء عنه ويؤخذ ما رسب في الإناء، فيجعل في مفتلة زجاج ضيقة الأسفل، ويجعل معه قليل من اللّيقة، والنزر اليسير من الزعفران بحيث لا يخرجه عن لون الذهب، وقليل من ماء الصمغ المحلول، ويكتب به. فإذا جفّ صقل بمصقلة من جزع حتّى يأخذ حدّه، ثم يزمّك (2) بالحبر من جوانب الحرف.
الصنف الثاني اللّازورد
، وأنواعه كثيرة، وأجودها المعدنيّ، وباقي ذلك مصنوع لا يناسب الكتابة، وإنما يستعمل في الدّهانات ونحوها، وطريق الكتابة به أن يذاب بالماء، ويلقى عليه قليل من ماء الصمغ العربيّ، ويجعل في دواة كدواة الذهب المتقدّم ذكرها، وكلما رسب حرّك بالقلم، ولا يكثر به الصمغ كي لا يسودّ ويفسد.
الصنف الثالث الزّنجفر
(3)، وأجوده المغربيّ، وطريق الكتابة به أن يسحق بالماء حتّى ينعم وإن سحق بماء الرّمان الحامض فهو أحسن، ثم يضاف عليه ماء الصمغ، ثم يلاق بليقة كما يلاق الحبر، ويجعل في دواة ويكتب به.
الصنف الرابع المغرة
(4) العراقية، وهي مما يكتب به نفائس الكتب، وربما كتب بها عن الملوك في بعض الأحيان. وطريقه في الكتابة كما في
__________
(1) أي يمزج يقال: قتل الخمر: مزجها بالماء ليكسر حدتها. (وسيط: 715).
(2) يزمّك: يملأ. (وسيط: 400).
(3) معدن لمّاع حاصل من ازدواج الزئبق بالكبريت. ومسحوقه أحمر ناصع يستعمله الكتاب والمصورون. (وسيط: 402).
(4) المغرة: الطين الأحمر يصبغ به. (وسيط: 879).(2/507)
الزّنجفر، والله أعلم.
الآلة السادسة الملواق
(بكسر الميم) وهو ما تلاق به الدواة أي تحرّك به الليقة. قال بعض الكتّاب: وأحسن ما يكون من الآبنوس لئلا يغيره لون المداد.
قال: ويكون مستديرا مخروطا، عريض الرأس ثخينه.
الآلة السابعة المرملة
، واسمها القديم المتربة، جعلا لها آلة للتراب، إذ كان هو الذي يترب به الكتب.
وتشتمل على شيئين:
الأوّل الظرف الذي يجعل فيه الرمل
، وهو المسمّى بذلك. ويكون من جنس الدّواة إن كانت الدواة نحاسا، أو من النحاس ونحوه إن كانت خشبا على حسب ما يختاره ربّ الدواة. ومحلّها من الدواة ما يلي الكاتب مما بين المحبرة وباطن الدواة مما يقابل المنشاة الآتي ذكرها، ويكون في فمها شبّاك يمنع من وصول الرمل الخشن إلى باطنها. وربما اتّخذت مرملة أخرى أكبر من ذلك تكون في باطن الدواة لاحتمال أن تضيق تلك عن الكفاية لصغرها. وأرباب الرياسة من الوزراء والأمراء ونحوهم يتخذون مرملة كبيرة تقارب حبة الرّانج (1)، لها عنق في أعلاها، وتكون في الغالب من جنس الدواة من نحاس ونحوه وربما اتّخذت من خشب لقضاة الحكم ونحوهم.
ومما ألغز فيها القاضي شهاب الدين ابن بنت الأعز:
ظريفة الشّكل والتّمثال قد صنعت ... تحكي العروس ولكن ليس تغتلم
كأنّها من ذوي الألباب خاشعة ... تبكي الدّماء على ما سطّر القلم
وتسمّى المتربة أيضا، وفي ذلك يقول الوجيه المناوي (2):
__________
(1) أي الجوز الهندي.
(2) هو ضيا بن عبد الكريم، وجيه الدين المناوي: عالم بالطب والأدب وكان أصما. (فوات الوفيات:
2/ 125ولم يذكر وفاته).(2/508)
يا مادحا أمرا ولم يأته ... ولم ينل منه ولا جرّبه
لا تغبط الكاتب في حاله ... فإنه المسكين ذو المتربه
الثاني الرمل
، وقد اختار الكتّاب لذلك الرمل الأحمر دون غيره، لأنه يكسو الخط الأسود من البهجة ما لا يكسوه غيره من أصناف الرمل وخيره ما كان دقيقا.
وهو على أنواع:
النوع الأوّل ما يؤتى به من الجبل الأحمر
الملاصق للجبل المقطّم من الجهة الشرقية، وهو أكثر الأنواع وأعمّها وجودا بالديار المصرية.
النوع الثاني يؤتى به من الواحات
، وهو رمل متحجر شديد الحمرة، يتّخذ منه الكتّاب حجارة لطافا تحتّ بالسكين ونحوها على الكتابة، وأكثر ما يستعملها كتّاب الصعيد والفيّوم وما والاهما.
النوع الثالث يؤتى به من جزيرة ببحر القلزم من نواحي الطّور
، وهو رمل دقيق أصفر اللون، قريب من الزعفران، وله بهجة على الخط إلا أنه عزيز الوجود.
النوع الرابع رمل بين الحمرة والصّفرة
، به شذور بصّاصة يخالها الناظر شذور الذهب، وهو عزيز الوجود جدّا، وبه يرمّل الملوك ومن شابههم.
الآلة الثامنة المنشاة
، وتشتمل على شيئين أيضا:
الأوّل الظرف
، وحاله كحال المرملة في الهيئة والمحلّ من الدواة من جهة الغطاء إلا أنه لا شبّاك في فمه ليتوصّل إلى اللصاق، وربما اتخذ بعض ظرفاء الكتّاب منشاة أخرى غير التي في صدر الدواة من رصاص على هيئة حقّ لطيف، ويجعلها في باطن الدواة كالمرملة المتوسطة، فإن اللصاق قد يتغيّر بمكثه في النّحاس، بخلاف الرّصاص.
الثاني اللّصاق
، وهو على نوعين: أحدهما النّشا المتخذ من البرّ، وطريقه أن يطبخ على النار كما يطبخ للقماش، إلا أنه يكون أشدّ منه، ثم يجعل في
المنشاة، وهو الذي يستعمله كتّاب الإنشاء ولا يعوّلون على غيره لسرعة اللصاق به، وموافقة لونه للورق في نصاعة البياض، والثاني المتخذ من الكثيراء (1)، وهو أن تبّلّ الكثيراء بالماء حتّى تصير في قوام اللّصاق، ثم تجعل في المنشاة، وكثيرا ما يستعمله كتّاب الدّيونة، وهو سريع التغير إلى الخضرة ولا يسرع اللصاق به.(2/509)
، وهو على نوعين: أحدهما النّشا المتخذ من البرّ، وطريقه أن يطبخ على النار كما يطبخ للقماش، إلا أنه يكون أشدّ منه، ثم يجعل في
المنشاة، وهو الذي يستعمله كتّاب الإنشاء ولا يعوّلون على غيره لسرعة اللصاق به، وموافقة لونه للورق في نصاعة البياض، والثاني المتخذ من الكثيراء (1)، وهو أن تبّلّ الكثيراء بالماء حتّى تصير في قوام اللّصاق، ثم تجعل في المنشاة، وكثيرا ما يستعمله كتّاب الدّيونة، وهو سريع التغير إلى الخضرة ولا يسرع اللصاق به.
وينبغي أن يستعمل في اللّصاق في الجملة الماورد والكافور لتطيب رائحته.
الآلة التاسعة المنفذ
، وهي آلة تشبه المخرز، تتخذ لخرم الورق، وينبغي أن يكون محل الحاجة منها متساويا في الدّقّة والغلظ، أعلاه وأسفله سواء، لئلا تختلف أثقاب الورق في الضيق والسّعة، خلا أن يكون ذبابه دقيقا ليكون أسرع وأبلغ في المقصود، وحكمه في النّصاب في الطول والغلظ حكم المدية، وقد سبق. وأكثر من يحتاج إلى هذه الآلة من الكتّاب كتّاب الدواوين، وربما احتاج إليها كاتب الإنشاء في بعض أحواله.
الآلة العاشرة الملزمة
، قال الجوهريّ: الملزم بالكسر خشبتان تشدّ أوساطهما بحديدة تكون مع الصّياقلة والأبّارين، ولم يزد على ذلك. وهي آلة تتخذ من النّحاس ونحوه، ذات دفّتين يلتقيان على رأس الدّرج حال الكتابة ليمنع الدرج من الرجوع على الكاتب، ويحبس بمحبس على الدّفّتين.
الآلة الحادية عشرة المفرشة
، وهي آلة تتخذ من خرق كتّان: بطانة وظهارة أو من صوف ونحوه، تفرش تحت الأقلام وما في معناها مما يكون في بطن الدواة.
الآلة الثانية عشرة الممسحة
، وتسمّى الدفتر أيضا، وهي آلة تتّخذ من خرق متراكبة ذات وجهين ملوّنين من صوف أو حرير أو غير ذلك من نفيس القماش، يمسح القلم بباطنها عند الفراغ من الكتابة لئلا يجف عليه الحبر فيفسد والغالب في هذه الآلة أن تكون مدوّرة مخرومة من وسطها، وربما كانت
__________
(1) نوع نبات من جنس «الأسطر غالس» من الفصيلة القرنية. (وسيط: 777).(2/510)
مستطيلة، ويكون مقدراها على قدر سعة الدواة. وفيها يقول القاضي (1) رحمه الله:
ممسحة نهارها ... يجنّ ليل الظّلم
كأنها مذ خلقت ... منديل كمّ القلم
وقال نور الدين الدين عليّ بن سعيد المغربيّ فيها:
وممسحة لاحت كأفق تبدّدت ... به قطع الظّلماء والصّبح طالع
ولمّا أطال الليل فيها وروده ... حكته ومدّت للصّباح المطالع
وقال المولى ناصر الدين شافع بن عبد الظاهر:
وممسحة تناهى الحسن فيها ... فأضحت في الملاحة لا تبارى
ولا نكر على القلم الموافي ... إذا في وصلها خلع العذارا
الآلة الثالثة عشرة المسقاة
، وهي آلة لطيفة تتخذ لصب الماء في المحبرة وتسمّى الماورديّة أيضا: لأن الغالب أن يجعل في المحبرة عوض الماء ماورد لتطيب رائحتها، وأيضا فإن المياه المستخرجة كماء الورد والخلاف والرّيحان ونحو ذلك لا تحلّ الحبر ولا تفسده بخلاف الماء. وتكون هذه الآلة في الغالب من الحلزون الذي يخرج من البحر الملح، وربما كانت من نحاس ونحوه، والمعنى فيها ألّا تخرج المحبرة من مكانها، ولا يصب من إناء واسع الفم كالكوز ونحوه، فربما زاد الصب على قدر الحاجة.
الآلة الرابعة عشرة المسطرة
، وهي آلة من خشب مستقيمة الجنبين يسطر عليها ما يحتاج إلى تسطيره من الكتابة ومتعلّقاتها وأكثر من يحتاج إليها المذهّب.
الآلة الخامسة عشرة المصقلة
، وهي التي يصقل بها الذهب بعد
__________
(1) لعل المقصود القاضي الفاضل المتوفى سنة 596هـ.(2/511)
الكتابة، وهي من آلات الدواة لا محالة.
الآلة السادسة عشرة المهرق
(بضم الميم وفتح الراء) وهو القرطاس الذي يكتب فيه، ويجمع على مهارق. قلت: وعدّ صاحبنا الشيخ زين الدين شعبان الآثاريّ (1) منها المداد، وهو ظاهر، والمخيط، وفي عدّه بعد.
الالة السابعة عشرة المسنّ
، هو آلة تتخذ لإحداد السكين وهو نوعان:
أكهب (2) اللون، ويسمّى الروميّ، وأخضر وهو على نوعين: حجازيّ وقوصيّ والروميّ أجودها، والحجازيّ أجوده الأخضر.
الطرف الثالث فيما يكتب فيه
، وهو أحد أركان الكتابة الأربعة كما سبقت الإشارة إليه في بعض الأبيات المتقدمة وفيه ثلاث جمل:
الجملة الأولى فيما نطق به القرآن الكريم من ذلك
وقد نطق القرآن بثلاثة أجناس من ذلك:
الأوّل اللوح
. قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} (3) قرأ العامّة بفتح اللام على أن المراد اللوح واحد الألواح سمي بذلك لأن المعاني تلوح بالكتابة فيه ثم اختلفوا، فقرأ نافع برفع محفوظ على أنه نعت للقرآن بتقدير بل هو قرآن مجيد محفوظ في لوح، وصفه بالحفظ لحفظه عن التغيير والتبديل والتحريف. قال تعالى: {إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ} (4)، وقرأ الباقون بالجرّ على نعت اللوح. قال أبو عبيد: وهو الوجه، لأن الآثار الواردة في
__________
(1) هو شعبان بن محمد بن داوود الموصلي: أديب له شعر كثير فيه هجو ومجون. لقب بالآثاري لإقامته في أماكن الآثار النبوية. توفي سنة 828هـ. (الأعلام: 3/ 164).
(2) أكهب: أغبر مشرب بالسواد.
(3) البروج / 21.
(4) الحجر / 9.(2/512)
اللوح المحفوظ تصدق ذلك، وهو أمّ القرآن، منه نسخ القرآن الكريم والكتب المنزّلة، ومنه تنسخ الملائكة أعمال الخلق. قال ابن عباس: وهو لوح من درّة بيضاء، طوله ما بين السماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق والمغرب، وحافتاه الدّرّ والياقوت، ودفتاه ياقوتة حمراء، وأصله في حجر ملك. وقال أنس: اللوح المحفوظ في جبهة إسرافيل عليه السلام، وقال مقاتل: اللوح المحفوظ عن يمين العرش.
قال ابن عباس: وفي صدر اللوح مكتوب: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، دينه الإسلام، ومحمد عبده ورسوله، فمن آمن بالله وصدّق بوعده واتّبع رسله أدخله الجنة». وسمي محفوظا لأن الله تعالى حفظه عن الشياطين، وقيل: حفظه بما ضمنه.
وقيل: اللوح صدر المؤمن.
وقرأ يحيى بن يعمر في لوح بضم اللام، وهو الهواء، يقال لما بين السماء والأرض اللّوح، والمعنى أنه شيء يلوح للملائكة فيقرأونه، وهو ذو نور وعلوّ وشرف، وقد ورد في القرآن بلفظ الجمع، قال تعالى: {وَكَتَبْنََا لَهُ فِي الْأَلْوََاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (1) يريد ألواح التوراة. قال الكلبيّ: كانت من زبرجدة خضراء. وقال سعيد بن جبير: من ياقوتة. وقال مجاهد: من زمرّد أخضر. وقال أبو العالية والربيع بن أنس: من برد. وقال الحسن: خشب، وقد روى أن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «الألواح الّتي أنزلت على موسى من سدر الجنّة، وكان طول كلّ لوح منها اثني عشر ذراعا». وقال وهب بن منبه: من صخرة صمّاء ألانها الله له فقطعها بيده، ثم قطعها بأصابعه.
واختلف في عددها، فقيل: سبعة، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس وقيل: لوحان، رواه أبو صالح عن ابن عباس أيضا، وجمعت على عادة العرب في
__________
(1) الأعراف / 145.(2/513)
إيقاع الجمع على التثنية كما في قوله تعالى: {وَكُنََّا لِحُكْمِهِمْ شََاهِدِينَ} (1) يريد داود وسليمان عليهما السلام واختاره الفراء. وقيل: عشرة، قاله ابن منبه. وقيل:
تسعة، قاله مقاتل. وقال أنس: نزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير.
الثاني الرق
(بفتح الراء) قال تعالى: {وَالطُّورِ وَكِتََابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} (2) قال المبرد: هو ما يرقّق من الجلود ليكتب فيه. قال المعافي بن أبي السيار: ومن ثمّ استبعد حمله على اللوح المحفوظ، والمنشور المبسوط واختلف في الكتاب المسطور فيه، فقيل (3): اللوح المحفوظ، وقيل: القرآن، وقيل: ما كتبه الله تعالى لموسى وهو يسمع صرير الأقلام.
الثالث القرطاس
والصحيفة، وهما بمعنى واحد وهو الكاغد.
أما القرطاس، فقال تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنََا عَلَيْكَ كِتََاباً فِي قِرْطََاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقََالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هََذََا إِلََّا سِحْرٌ مُبِينٌ} (4) قال ابن أبي السيار:
القرطاس كاغد يتّخذ من برديّ مصر، وكلّ كاغد قرطاس، قال: والجمهور على كسرها، وضمها أبو زيد وعكرمة وطلحة ويحيى بن يعمر، والذي حكاه الجوهريّ عن أبي زيد يخالف ذلك، فإنه قال فيه: قرطس (بفتح القاف من غير ألف بعد الراء) والمراد بالكتاب في الآية الكريمة المكتوب لا نفس الصحيفة قاله المعافي.
وأما الصحيفة، فإنها لم ترد إلا بلفظ الجمع. قال تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمََا فِي صُحُفِ مُوسى ََ وَإِبْرََاهِيمَ الَّذِي وَفََّى} (5) وقال جل وعز: {إِنَّ هََذََا لَفِي}
__________
(1) الأنبياء / 78.
(2) الطور / 321.
(3) يظهر أنه وقع هنا تخليط من الناسخ وحاصل ما يؤخذ من كتب التفسير أنه اختلف في الرق فقيل:
الجلد وقيل: اللوح المحفوظ. واختلف أيضا في الكتاب المسطور فيه فقيل: القرآن وقيل: ما كتبه الخ (حاشية الطبعة الأميرية: ص 485).
(4) الأنعام / 7.
(5) النجم / 36.(2/514)
{الصُّحُفِ الْأُولى ََ صُحُفِ إِبْرََاهِيمَ وَمُوسى ََ} (1) وتجمع أيضا على صحائف، وسمي المصحف مصحفا لجمعه الصحف. قال الجوهري: وسمي التصحيف تصحيفا للخطإ في الصحيفة.
الجملة الثانية فيما كانت الأمم السالفة تكتب فيه في الزمن القديم
وقد كانت الأمم في ذلك متفاوتة، فكان أهل الصّين يكتبون في ورق يصنعونه من الحشيش والكلإ، وعنهم أخذ الناس صنعة الورق وأهل الهند يكتبون في خرق الحرير الأبيض، والفرس يكتبون في الجلود المدبوغة من جلود الجواميس والبقر والغنم والوحوش وكذلك كانوا يكتبون في اللّخاف (بالخاء المعجمة): وهي حجارة بيض رقاق، وفي النّحاس والحديد ونحوهما، وفي عسب النخل (بالسين المهملة) وهي الجريد الذي لا خوص عليه، واحدها عسيب، وفي عظم أكتاف الإبل والغنم. وعلى هذا الأسلوب كانت العرب لقربهم منهم.
واستمرّ ذلك إلى أن بعث النبيّ صلى الله عليه وسلّم ونزل القرآن والعرب على ذلك، فكانوا يكتبون القرآن حين ينزل ويقرأه عليهم النبي صلى الله عليه وسلّم في اللّخاف والعسب فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال عند جمعه القرآن: «فجعلت أتتبّع القرآن من العسب واللّخاف». وفي حديث الزهريّ: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلّم والقرآن في العسب» وربما كتب النبي صلى الله عليه وسلّم بعض مكاتباته في الأدم كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأجمع رأي الصحابة رضي الله عنهم على كتابة القرآن في الرّق لطول بقائه، أو لأنه الموجود عندهم حينئذ. وبقي الناس على ذلك إلى أن ولي الرشيد الخلافة وقد كثر الورق وفشا عمله بين الناس أمر ألّا يكتب الناس إلا في الكاغد، لأن الجلود ونحوها تقبل المحو والإعادة فتقبل التزوير، بخلاف الورق فإنه متى
__________
(1) الأعلى / 1918.(2/515)
محي منه فسد، وإن كشط ظهر كشطه. وانتشرت الكتابة في الورق إلى سائر الأقطار، وتعاطاها من قرب وبعد، واستمرّ الناس على ذلك إلى الآن.
الجملة الثالثة في بيان أسماء الورق الواردة في اللغة، ومعرفة أجناسه
الورق (بفتح الراء) اسم جنس يقع على القليل والكثير، واحده ورقة، وجمعه أوراق، وجمع الورقة ورقات، وبه سمي الرجل الذي يكتب ورّاقا. وقد نطق القرآن الكريم بتسميته قرطاسا وصحيفة كما مر بيانه. ويسمى أيضا الكاغد (بغين ودال مهملة) ويقال للصحيفة أيضا طرس، ويجمع على طروس، ومهرق (بضم الميم وإسكان الهاء وفتح الراء المهملة بعدها قاف)، ويجمع على مهارق، وهو فارسي معرّب، قاله الجوهريّ. وأحسن الورق ما كان ناصع البياض غرفا صقيلا، متناسب الأطراف، صبورا على مرور الزمان. وأعلى أجناس الورق فيما رأيناه البغداديّ وهو ورق ثخين مع ليونة ورقّة حاشية وتناسب أجزاء، وقطعه وافر جدّا، ولا يكتب فيه في الغالب إلا المصاحف الشريفة، وربما استعمله كتّاب الإنشاء في مكاتبات القانات ونحوها كما سيأتي بيانه في المكاتبات السلطانية. ودونه في الرتبة الشاميّ وهو على نوعين: نوع يعرف بالحمويّ، وهو دون القطع البغداديّ، ودونه (1) في القدر وهو المعروف بالشاميّ، وقطعه دون القطع الحمويّ، ودونهما في الرتبة الورق المصريّ وهو أيضا على قطعين:
القطع المنصوريّ، وقطع العادة، والمنصوريّ أكبر قطعا، وقلّما يصقل وجهاه جميعا. أما العادة فإن فيه ما يصقل وجهاه ويسمّى في عرف الورّاقين: المصلوح.
وغيره عندهم على رتبتين: عال ووسط. وفيه صنف يعرف بالفوّيّ صغير القطع، خشن غليظ خفيف الغرف، لا ينتفع به في الكتابة، يتّخذ للحلوى والعطر ونحو ذلك. وإنما نبهت على ذلك وإن كان واضحا لأمرين: أحدهما، ألّا نخلي كتابنا
__________
(1) أى: ونوع دونه الخ.(2/516)
من بيان الورق الذي هو أحد أركان الكتابة، الثاني، أنه قد ينتقل الكتاب إلى إقليم لا يعرف فيه تفاصيل أمر الورق المصري كما لا يعرف المصريّون ورق غير مصر معرفتهم بورق مصر، فيقع الاطلاع على ذلك لمن أراده. ودون ذلك ورق أهل الغرب والفرنجة فهو رديء جدّا، سريع البلى، قليل المكث ولذلك يكتبون المصاحف غالبا في الرّقّ على العادة الأولى طلبا لطول البقاء.
وسيأتي الكلام على مقادير قطع الورق عند أهل التوقيع وأهل الدّيونة عند ذكر ورق كل فنّ، وما يناسبه من القطع إن شاء الله تعالى.
تمّ الجزء الثاني، ويتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الثالث وأوّله (الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الأولى، في الكلام على نفس الخط)(2/517)
مراجع حواشي الجزء الثاني من صبح الأعشى
1 - الإبانة عن سرقات المتنبي تأليف محمد بن أحمد العميدي تحقيق إبراهيم الدسوقي البساطي دار المعارف، مصر 1961 2الأعلام (قاموس تراجم) تأليف خير الدين الزركلي دار العلم للملايين، بيروت الطبعة الخامسة 1980 3الإيضاح في علوم البلاغة تأليف الخطيب القزويني دار الكتب العملية بيروت 1985 4بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب تأليف محمود شكري الآلوسي تحقيق محمد بهجت الأثري دار الكتب العملية بيروت الطبعة الثانية 5تاريخ الأدب العربي تأليف كارل بروكلمان تعريب عبد الحليم النجار دار المعارف مصر الطبعة الرابعة.
6 - تأصيل ما ورد في تاريخ الجبرتي من الدخيل تأليف أحمد السعيد السليمان دار المعارف مصر.
7 - التعريفات تأليف علي بن محمد الجرجاني دار الكتب العلمية بيروت 1983 8التعريف بمصطلحات صبح الأعشى تأليف محمد قنديل البقلي الهيئة المصرية العامة للكتاب 1983 9تهذيب الأسماء واللغات تأليف محيي الدين النووي إدارة الطباعة المنيرية ودار الكتب العلمية.
10 - جمهرة الأمثال تأليف أبي هلال العسكري تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش المؤسسة العربية الحديثة الطبعة الأولى 1964 11جمهرة خطب العرب تأليف أحمد زكي صفوت المكتبة العلمية بيروت 12جمهرة رسائل العرب تأليف أحمد زكي صفوت المكتبة العلمية بيروت 13حياة الحيوان الكبرى تأليف كمال الدين الدميري المكتبة الإسلامية.
14 - الخطط التوفيقية لمصر القاهرة تأليف علي باشا مبارك الهيئة المصرية العامة للكتاب 1980 15الخطط المقريزية تأليف أحمد بن علي المقريزي دار صادر بيروت 16دائرة المعارف الإسلامية تأليف مجموعة من المستشرقين منشورات دار الشعب مصر 17ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم تأليف أبي الحسن الدارقطني تحقيق بوران الضناوي وكمال الحوت مؤسسة الكتب الثقافية بيروت 1985 18الروض المعطار في خبر الأقطار تأليف محمد بن عبد المنعم الحميري تحقيق إحسان عباس مكتبة لبنان الطبعة الثانية 1984 19سر الفصاحة تأليف ابن سنان الخفاجي الحلبي دار الكتب العلمية بيروت 1982 20الشعر والشعراء أو طبقات الشعراء تأليف ابن قتيبة الدينوري تحقيق مفيد قميحة دار الكتب العلمية بيروت 1981 21صبح الأعشى في صناعة الإنشا تأليف القلقشندي الطبعة الأميرية مصر.(2/519)
10 - جمهرة الأمثال تأليف أبي هلال العسكري تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش المؤسسة العربية الحديثة الطبعة الأولى 1964 11جمهرة خطب العرب تأليف أحمد زكي صفوت المكتبة العلمية بيروت 12جمهرة رسائل العرب تأليف أحمد زكي صفوت المكتبة العلمية بيروت 13حياة الحيوان الكبرى تأليف كمال الدين الدميري المكتبة الإسلامية.
14 - الخطط التوفيقية لمصر القاهرة تأليف علي باشا مبارك الهيئة المصرية العامة للكتاب 1980 15الخطط المقريزية تأليف أحمد بن علي المقريزي دار صادر بيروت 16دائرة المعارف الإسلامية تأليف مجموعة من المستشرقين منشورات دار الشعب مصر 17ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم تأليف أبي الحسن الدارقطني تحقيق بوران الضناوي وكمال الحوت مؤسسة الكتب الثقافية بيروت 1985 18الروض المعطار في خبر الأقطار تأليف محمد بن عبد المنعم الحميري تحقيق إحسان عباس مكتبة لبنان الطبعة الثانية 1984 19سر الفصاحة تأليف ابن سنان الخفاجي الحلبي دار الكتب العلمية بيروت 1982 20الشعر والشعراء أو طبقات الشعراء تأليف ابن قتيبة الدينوري تحقيق مفيد قميحة دار الكتب العلمية بيروت 1981 21صبح الأعشى في صناعة الإنشا تأليف القلقشندي الطبعة الأميرية مصر.
22 - الصبح المنبي عن حيثية المتنبي تأليف يوسف البديعي تحقيق مصطفى السقا محمد شتا عبدو زيادة عبدو دار المعارف مصر. 1963
23 - كتاب الصناعتين تأليف أبي هلال العسكري تحقيق علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم مطبعة عيسى بابي الحلبي 24طبقات الشافعية تأليف أبي بكر هداية الله الحسيني تحقيق عادل نويهض دار الآفاق الجديدة بيروت 25الفهرست تأليف ابن النديم دار المعرفة بيروت 26فوات الوفيات تأليف محمد شاكر الكتبي تحقيق إحسان عباس دار صادر بيروت 27القاموس المحيط تأليف الفيروزابادي المؤسسة العربية للطباعة والنشر بيروت 28القلقشندي وكتابه صبح الأعشى تأليف مجموعة من البحاثين الهيئة المصرية العامة للكتاب 1973 29كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون تأليف حاجي خليفة دار الفكر 1982 ذيل كشف الظنون تأليف إسماعيل باشا البغدادي دار الفكر 1982 هدية العارفين تأليف إسماعيل باشا البغدادي دار الفكر 1982
30 - الكليات تأليف أبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني إعداد عدنان درويش ومحمد المصري وزارة الثقافة دمشق 1982 31لسان العرب تأليف ابن منظور دار صادر بيروت 32المستقصى في أمثال العرب تأليف الزمخشري دار الكتب العلمية الطبعة الثانية 1977 33معجم الألفاظ والأعلام القرآنية تأليف محمد إسماعيل إبراهيم دار الفكر العربي 34معجم البلدان تأليف ياقوت الحموي دار الكتاب العربي بيروت 35معجم الشعراء تأليف محمد بن عمران المرزباني.(2/520)
23 - كتاب الصناعتين تأليف أبي هلال العسكري تحقيق علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم مطبعة عيسى بابي الحلبي 24طبقات الشافعية تأليف أبي بكر هداية الله الحسيني تحقيق عادل نويهض دار الآفاق الجديدة بيروت 25الفهرست تأليف ابن النديم دار المعرفة بيروت 26فوات الوفيات تأليف محمد شاكر الكتبي تحقيق إحسان عباس دار صادر بيروت 27القاموس المحيط تأليف الفيروزابادي المؤسسة العربية للطباعة والنشر بيروت 28القلقشندي وكتابه صبح الأعشى تأليف مجموعة من البحاثين الهيئة المصرية العامة للكتاب 1973 29كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون تأليف حاجي خليفة دار الفكر 1982 ذيل كشف الظنون تأليف إسماعيل باشا البغدادي دار الفكر 1982 هدية العارفين تأليف إسماعيل باشا البغدادي دار الفكر 1982
30 - الكليات تأليف أبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني إعداد عدنان درويش ومحمد المصري وزارة الثقافة دمشق 1982 31لسان العرب تأليف ابن منظور دار صادر بيروت 32المستقصى في أمثال العرب تأليف الزمخشري دار الكتب العلمية الطبعة الثانية 1977 33معجم الألفاظ والأعلام القرآنية تأليف محمد إسماعيل إبراهيم دار الفكر العربي 34معجم البلدان تأليف ياقوت الحموي دار الكتاب العربي بيروت 35معجم الشعراء تأليف محمد بن عمران المرزباني.
تصحيح وتعليق. د. ف. كرنكو دار الكتب العلمية بيروت 1982 36معجم قبائل العرب القديمة والحديثة تأليف عمر رضا كحالة مؤسسة الرسالة 1985 37معجم مقاييس اللغة تأليف أحمد بن فارس تحقيق عبد السلام هارون دار الفكر للطباعة والنشر 38المعجم الوسيط تأليف لجنة المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية مصر الطبعة الثانية 39مقدمة ابن خلدون تأليف عبد الرحمن بن خلدون دار الكتاب اللبناني 1979 40الموسوعة العربية الميسرة بإشراف محمد شفيق غربال دار الشعب ومؤسسة فرنكلين 1965 41النظم الإسلامية تأليف صبحي الصالح دار العلم للملايين بيروت 1968 42الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي تأليف محمد حمدي المناوي دار المعارف مصر.
43 - ولاة مصر تأليف محمد بن يوسف الكندي.
تحقيق حسين نصار دار صادر بيروت(2/521)
فهرس موضوعات الجزء الثاني من صبح الأعشى
الموضوع الصفحة النوع الثامن عشر المعرفة بالأحكام السلطانية 3 الطرف الثاني في معرفة ما يحتاج الكاتب إلى وصفه، ويشتمل على أنواع 6 النوع الأول مما يحتاج إلى وصفه النوع الإنساني، وهو على ضربين 6 الضرب الأول أوصافه الجسمية، وهي على ثلاثة أقسام 6 القسم الأول ما يشترك فيه الرجال والنساء، وهي عدة أمور 6 القسم الثاني ما يختص به الرجال 11 القسم الثالث ما يختص به النساء 11 الضرب الثاني الصفات الخارجية عن الجسد، وهي على ثلاثة أقسام 13 القسم الأول ما يشترك فيه الرجال والنساء 13 القسم الثاني ما يختص به الرجال دون النساء 13 القسم الثالث ما يختص به النساء 14 النوع الثاني مما يحتاج إلى وصفه من دواب الركوب، وهي أربعة أصناف 16 الصنف الأول الخيل 16 الصنف الثاني البغال 34 الصنف الثالث الإبل 35 الصنف الرابع الحمير 38 النوع الثالث مما يحتاج إلى وصفه من جليل الوحش، وهو أصناف 38 الصنف الأول جليل الوحش 38
الموضوع الصفحة الصنف الثاني معلّمات الصيد 42 الصنف الثالث ما يعتنى بصيده من الوحش، والمشهور منه عشرون ضربا 47 النوع الرابع فيما يحتاج إلى وصفه من الطيور 57 الصنف الأول الجوارح وهي على ثلاثة أقسام 57 القسم الأول العقاب 58 القسم الثاني البزاة 61 القسم الثالث الصقور 64 الصنف الثاني الطير الجليل، وهو على ضربين 69 الضرب الأول طيور الشتاء 69 الضرب الثاني طيور الصيف 74 الصنف الثالث ما عدا الطير الجليل مما يصاد بالجوارح وغيرها، وهو على ضربين 76 الضرب الأول ما يحلّ أكله 76 الضرب الثاني ما يحرم أكله 86 الصنف الرابع الحمام 96 الأمر الأول ذكر ألوانها 98 الأمر الثاني في عدد ريش الجناحين والذنب المعتدّ به وأسمائها 99 الأمر الثالث الفرق بين الذكر والأنثى 101 الأمر الرابع في بيان صفة الطائر الفاره 101 الأمر الخامس الفراسة في الطائر من حال صغره قبل الطيران 102 الأمر السادس بيان الزمان والمكان اللائقين بالإفراخ 103 الأمر السابع في مسافة الطيران 104 النوع الخامس ما يحتاج إلى وصفه من نفائس الأحجار، وهي اثنا عشر صنفا 105 الصنف الأول اللؤلؤ 106
الموضوع الصفحة الصنف الثاني الياقوت 108 الصنف الثالث البلخش 111 الصنف الرابع عين الهر 112 الصنف الخامس الماس 113 الصنف السادس الزمرّد 114 الصنف السابع الزبرجد 117 الصنف الثامن الفيروذج 117 الصنف التاسع الدهنج 118 الصنف العاشر البلور 120 الصنف الحادي عشر المرجان 121 الصنف الثاني عشر البادزهر الحيواني 124 النوع السادس نفيس الطيب، والمعتبر منه أربعة أصناف 126 الصنف الأول المسك 126 الصنف الثاني العنبر 130 الصنف الثالث العود 133 الصنف الرابع الصندل 137 النوع السابع ما يحتاج إلى وصفه من الآلات، وهي أصناف 139 الصنف الأول الآلات الملوكية 139 الصنف الثاني آلات الركوب 143 الصنف الثالث آلات السفر 145 الصنف الرابع آلات السلاح 148 الصنف الخامس آلات الحصار 152 الصنف السادس آلات الصيد 154 الصنف السابع آلات المعاملة 154
الموضوع الصفحة الصنف الثامن آلات اللعب 157 الصنف التاسع آلات الطرب 160 الصنف العاشر المسكرات وآلاتها 161 النوع الثامن مما يحتاج إلى وصفه الأفلاك والكواكب، وفيه مقصدان 163 المقصد الأول في بيان ما يقع عليه اسم الفلك وعدد أكره 163 المقصد الثاني في ذكر الكواكب ومحلها من الأفلاك، وهي على ضربين 165 الضرب الأول الكواكب السبعة السيّارة 165 الضرب الثاني الكواكب الثابتة، وهي ثلاثة أصناف 168 الصنف الأول نجوم البروج التي تنتقل فيها الشمس في فصول السنة 168 الصنف الثاني نجوم منازل القمر التي يتنقل فيها القمر من أول الشهر إلى الثامن والعشرين منه 173 الصنف الثالث من النجوم الثوابت ما ليس داخلا في شيء من البروج ومنازل القمر مما هو مشهور 181 النوع التاسع مما يحتاج الكاتب إلى وصفه العلويّات، وهي على أصناف 184 الصنف الأول الريح 184 الصنف الثاني السحاب 186 الصنف الثالث الرعد 187 الصنف الرابع البرق 188 الصنف الخامس المطر 188 الصنف السادس الثلج 192 الصنف السابع البرد 192 الصنف الثامن قوس قزح 193 الصنف التاسع الهالة 193 الصنف العاشر الحرّ 194 الصنف الحادي عشر البرد 194
الموضوع الصفحة الصنف الثاني عشر الهباء 194 النوع العاشر مما يحتاج الكاتب إلى وصفه الأجسام الأرضية، وهي على أصناف 195 الصنف الأول الجبال والأودية والقفار 195 الصنف الثاني المياه الأرضية، وهي على ضربين 196 الضرب الأول الماء الملح 196 الضرب الثاني الماء العذب 196 الصنف الثالث النبات وفيه ثلاثة مقاصد 198 المقصد الأول في أصل النبات 198 المقصد الثاني فيما تختص به أرض دون أرض من أنواع النبات 198 المقصد الثالث في ذكر أصناف النبات التي أولع الكاتب والشعراء بوصفها، وهي على أضرب 199 الضرب الأول ما له ساق 199 الضرب الثاني ما ليس له ساق 200 الضرب الثالث الفواكه المشمومة 200 الضرب الرابع الأزهار 201 الضرب الخامس الرياض 201 الطرف الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى في صفة الكلام، ومعرفة كيفية إنشائه ونظمه وتأليفه، وفيه مقصدان 202 المقصد الأول في الأصول التي يبنى الكلام عليها، وهي سبعة أصول 202 الأصل الأول المعرفة بالمعاني، والنظر فيه من وجهين 202 الوجه(2/523)
الموضوع الصفحة النوع الثامن عشر المعرفة بالأحكام السلطانية 3 الطرف الثاني في معرفة ما يحتاج الكاتب إلى وصفه، ويشتمل على أنواع 6 النوع الأول مما يحتاج إلى وصفه النوع الإنساني، وهو على ضربين 6 الضرب الأول أوصافه الجسمية، وهي على ثلاثة أقسام 6 القسم الأول ما يشترك فيه الرجال والنساء، وهي عدة أمور 6 القسم الثاني ما يختص به الرجال 11 القسم الثالث ما يختص به النساء 11 الضرب الثاني الصفات الخارجية عن الجسد، وهي على ثلاثة أقسام 13 القسم الأول ما يشترك فيه الرجال والنساء 13 القسم الثاني ما يختص به الرجال دون النساء 13 القسم الثالث ما يختص به النساء 14 النوع الثاني مما يحتاج إلى وصفه من دواب الركوب، وهي أربعة أصناف 16 الصنف الأول الخيل 16 الصنف الثاني البغال 34 الصنف الثالث الإبل 35 الصنف الرابع الحمير 38 النوع الثالث مما يحتاج إلى وصفه من جليل الوحش، وهو أصناف 38 الصنف الأول جليل الوحش 38
الموضوع الصفحة الصنف الثاني معلّمات الصيد 42 الصنف الثالث ما يعتنى بصيده من الوحش، والمشهور منه عشرون ضربا 47 النوع الرابع فيما يحتاج إلى وصفه من الطيور 57 الصنف الأول الجوارح وهي على ثلاثة أقسام 57 القسم الأول العقاب 58 القسم الثاني البزاة 61 القسم الثالث الصقور 64 الصنف الثاني الطير الجليل، وهو على ضربين 69 الضرب الأول طيور الشتاء 69 الضرب الثاني طيور الصيف 74 الصنف الثالث ما عدا الطير الجليل مما يصاد بالجوارح وغيرها، وهو على ضربين 76 الضرب الأول ما يحلّ أكله 76 الضرب الثاني ما يحرم أكله 86 الصنف الرابع الحمام 96 الأمر الأول ذكر ألوانها 98 الأمر الثاني في عدد ريش الجناحين والذنب المعتدّ به وأسمائها 99 الأمر الثالث الفرق بين الذكر والأنثى 101 الأمر الرابع في بيان صفة الطائر الفاره 101 الأمر الخامس الفراسة في الطائر من حال صغره قبل الطيران 102 الأمر السادس بيان الزمان والمكان اللائقين بالإفراخ 103 الأمر السابع في مسافة الطيران 104 النوع الخامس ما يحتاج إلى وصفه من نفائس الأحجار، وهي اثنا عشر صنفا 105 الصنف الأول اللؤلؤ 106
الموضوع الصفحة الصنف الثاني الياقوت 108 الصنف الثالث البلخش 111 الصنف الرابع عين الهر 112 الصنف الخامس الماس 113 الصنف السادس الزمرّد 114 الصنف السابع الزبرجد 117 الصنف الثامن الفيروذج 117 الصنف التاسع الدهنج 118 الصنف العاشر البلور 120 الصنف الحادي عشر المرجان 121 الصنف الثاني عشر البادزهر الحيواني 124 النوع السادس نفيس الطيب، والمعتبر منه أربعة أصناف 126 الصنف الأول المسك 126 الصنف الثاني العنبر 130 الصنف الثالث العود 133 الصنف الرابع الصندل 137 النوع السابع ما يحتاج إلى وصفه من الآلات، وهي أصناف 139 الصنف الأول الآلات الملوكية 139 الصنف الثاني آلات الركوب 143 الصنف الثالث آلات السفر 145 الصنف الرابع آلات السلاح 148 الصنف الخامس آلات الحصار 152 الصنف السادس آلات الصيد 154 الصنف السابع آلات المعاملة 154
الموضوع الصفحة الصنف الثامن آلات اللعب 157 الصنف التاسع آلات الطرب 160 الصنف العاشر المسكرات وآلاتها 161 النوع الثامن مما يحتاج إلى وصفه الأفلاك والكواكب، وفيه مقصدان 163 المقصد الأول في بيان ما يقع عليه اسم الفلك وعدد أكره 163 المقصد الثاني في ذكر الكواكب ومحلها من الأفلاك، وهي على ضربين 165 الضرب الأول الكواكب السبعة السيّارة 165 الضرب الثاني الكواكب الثابتة، وهي ثلاثة أصناف 168 الصنف الأول نجوم البروج التي تنتقل فيها الشمس في فصول السنة 168 الصنف الثاني نجوم منازل القمر التي يتنقل فيها القمر من أول الشهر إلى الثامن والعشرين منه 173 الصنف الثالث من النجوم الثوابت ما ليس داخلا في شيء من البروج ومنازل القمر مما هو مشهور 181 النوع التاسع مما يحتاج الكاتب إلى وصفه العلويّات، وهي على أصناف 184 الصنف الأول الريح 184 الصنف الثاني السحاب 186 الصنف الثالث الرعد 187 الصنف الرابع البرق 188 الصنف الخامس المطر 188 الصنف السادس الثلج 192 الصنف السابع البرد 192 الصنف الثامن قوس قزح 193 الصنف التاسع الهالة 193 الصنف العاشر الحرّ 194 الصنف الحادي عشر البرد 194
الموضوع الصفحة الصنف الثاني عشر الهباء 194 النوع العاشر مما يحتاج الكاتب إلى وصفه الأجسام الأرضية، وهي على أصناف 195 الصنف الأول الجبال والأودية والقفار 195 الصنف الثاني المياه الأرضية، وهي على ضربين 196 الضرب الأول الماء الملح 196 الضرب الثاني الماء العذب 196 الصنف الثالث النبات وفيه ثلاثة مقاصد 198 المقصد الأول في أصل النبات 198 المقصد الثاني فيما تختص به أرض دون أرض من أنواع النبات 198 المقصد الثالث في ذكر أصناف النبات التي أولع الكاتب والشعراء بوصفها، وهي على أضرب 199 الضرب الأول ما له ساق 199 الضرب الثاني ما ليس له ساق 200 الضرب الثالث الفواكه المشمومة 200 الضرب الرابع الأزهار 201 الضرب الخامس الرياض 201 الطرف الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى في صفة الكلام، ومعرفة كيفية إنشائه ونظمه وتأليفه، وفيه مقصدان 202 المقصد الأول في الأصول التي يبنى الكلام عليها، وهي سبعة أصول 202 الأصل الأول المعرفة بالمعاني، والنظر فيه من وجهين 202 الوجه(2/524)
الموضوع الصفحة النوع الثامن عشر المعرفة بالأحكام السلطانية 3 الطرف الثاني في معرفة ما يحتاج الكاتب إلى وصفه، ويشتمل على أنواع 6 النوع الأول مما يحتاج إلى وصفه النوع الإنساني، وهو على ضربين 6 الضرب الأول أوصافه الجسمية، وهي على ثلاثة أقسام 6 القسم الأول ما يشترك فيه الرجال والنساء، وهي عدة أمور 6 القسم الثاني ما يختص به الرجال 11 القسم الثالث ما يختص به النساء 11 الضرب الثاني الصفات الخارجية عن الجسد، وهي على ثلاثة أقسام 13 القسم الأول ما يشترك فيه الرجال والنساء 13 القسم الثاني ما يختص به الرجال دون النساء 13 القسم الثالث ما يختص به النساء 14 النوع الثاني مما يحتاج إلى وصفه من دواب الركوب، وهي أربعة أصناف 16 الصنف الأول الخيل 16 الصنف الثاني البغال 34 الصنف الثالث الإبل 35 الصنف الرابع الحمير 38 النوع الثالث مما يحتاج إلى وصفه من جليل الوحش، وهو أصناف 38 الصنف الأول جليل الوحش 38
الموضوع الصفحة الصنف الثاني معلّمات الصيد 42 الصنف الثالث ما يعتنى بصيده من الوحش، والمشهور منه عشرون ضربا 47 النوع الرابع فيما يحتاج إلى وصفه من الطيور 57 الصنف الأول الجوارح وهي على ثلاثة أقسام 57 القسم الأول العقاب 58 القسم الثاني البزاة 61 القسم الثالث الصقور 64 الصنف الثاني الطير الجليل، وهو على ضربين 69 الضرب الأول طيور الشتاء 69 الضرب الثاني طيور الصيف 74 الصنف الثالث ما عدا الطير الجليل مما يصاد بالجوارح وغيرها، وهو على ضربين 76 الضرب الأول ما يحلّ أكله 76 الضرب الثاني ما يحرم أكله 86 الصنف الرابع الحمام 96 الأمر الأول ذكر ألوانها 98 الأمر الثاني في عدد ريش الجناحين والذنب المعتدّ به وأسمائها 99 الأمر الثالث الفرق بين الذكر والأنثى 101 الأمر الرابع في بيان صفة الطائر الفاره 101 الأمر الخامس الفراسة في الطائر من حال صغره قبل الطيران 102 الأمر السادس بيان الزمان والمكان اللائقين بالإفراخ 103 الأمر السابع في مسافة الطيران 104 النوع الخامس ما يحتاج إلى وصفه من نفائس الأحجار، وهي اثنا عشر صنفا 105 الصنف الأول اللؤلؤ 106
الموضوع الصفحة الصنف الثاني الياقوت 108 الصنف الثالث البلخش 111 الصنف الرابع عين الهر 112 الصنف الخامس الماس 113 الصنف السادس الزمرّد 114 الصنف السابع الزبرجد 117 الصنف الثامن الفيروذج 117 الصنف التاسع الدهنج 118 الصنف العاشر البلور 120 الصنف الحادي عشر المرجان 121 الصنف الثاني عشر البادزهر الحيواني 124 النوع السادس نفيس الطيب، والمعتبر منه أربعة أصناف 126 الصنف الأول المسك 126 الصنف الثاني العنبر 130 الصنف الثالث العود 133 الصنف الرابع الصندل 137 النوع السابع ما يحتاج إلى وصفه من الآلات، وهي أصناف 139 الصنف الأول الآلات الملوكية 139 الصنف الثاني آلات الركوب 143 الصنف الثالث آلات السفر 145 الصنف الرابع آلات السلاح 148 الصنف الخامس آلات الحصار 152 الصنف السادس آلات الصيد 154 الصنف السابع آلات المعاملة 154
الموضوع الصفحة الصنف الثامن آلات اللعب 157 الصنف التاسع آلات الطرب 160 الصنف العاشر المسكرات وآلاتها 161 النوع الثامن مما يحتاج إلى وصفه الأفلاك والكواكب، وفيه مقصدان 163 المقصد الأول في بيان ما يقع عليه اسم الفلك وعدد أكره 163 المقصد الثاني في ذكر الكواكب ومحلها من الأفلاك، وهي على ضربين 165 الضرب الأول الكواكب السبعة السيّارة 165 الضرب الثاني الكواكب الثابتة، وهي ثلاثة أصناف 168 الصنف الأول نجوم البروج التي تنتقل فيها الشمس في فصول السنة 168 الصنف الثاني نجوم منازل القمر التي يتنقل فيها القمر من أول الشهر إلى الثامن والعشرين منه 173 الصنف الثالث من النجوم الثوابت ما ليس داخلا في شيء من البروج ومنازل القمر مما هو مشهور 181 النوع التاسع مما يحتاج الكاتب إلى وصفه العلويّات، وهي على أصناف 184 الصنف الأول الريح 184 الصنف الثاني السحاب 186 الصنف الثالث الرعد 187 الصنف الرابع البرق 188 الصنف الخامس المطر 188 الصنف السادس الثلج 192 الصنف السابع البرد 192 الصنف الثامن قوس قزح 193 الصنف التاسع الهالة 193 الصنف العاشر الحرّ 194 الصنف الحادي عشر البرد 194
الموضوع الصفحة الصنف الثاني عشر الهباء 194 النوع العاشر مما يحتاج الكاتب إلى وصفه الأجسام الأرضية، وهي على أصناف 195 الصنف الأول الجبال والأودية والقفار 195 الصنف الثاني المياه الأرضية، وهي على ضربين 196 الضرب الأول الماء الملح 196 الضرب الثاني الماء العذب 196 الصنف الثالث النبات وفيه ثلاثة مقاصد 198 المقصد الأول في أصل النبات 198 المقصد الثاني فيما تختص به أرض دون أرض من أنواع النبات 198 المقصد الثالث في ذكر أصناف النبات التي أولع الكاتب والشعراء بوصفها، وهي على أضرب 199 الضرب الأول ما له ساق 199 الضرب الثاني ما ليس له ساق 200 الضرب الثالث الفواكه المشمومة 200 الضرب الرابع الأزهار 201 الضرب الخامس الرياض 201 الطرف الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى في صفة الكلام، ومعرفة كيفية إنشائه ونظمه وتأليفه، وفيه مقصدان 202 المقصد الأول في الأصول التي يبنى الكلام عليها، وهي سبعة أصول 202 الأصل الأول المعرفة بالمعاني، والنظر فيه من وجهين 202 الوجه(2/525)
الموضوع الصفحة النوع الثامن عشر المعرفة بالأحكام السلطانية 3 الطرف الثاني في معرفة ما يحتاج الكاتب إلى وصفه، ويشتمل على أنواع 6 النوع الأول مما يحتاج إلى وصفه النوع الإنساني، وهو على ضربين 6 الضرب الأول أوصافه الجسمية، وهي على ثلاثة أقسام 6 القسم الأول ما يشترك فيه الرجال والنساء، وهي عدة أمور 6 القسم الثاني ما يختص به الرجال 11 القسم الثالث ما يختص به النساء 11 الضرب الثاني الصفات الخارجية عن الجسد، وهي على ثلاثة أقسام 13 القسم الأول ما يشترك فيه الرجال والنساء 13 القسم الثاني ما يختص به الرجال دون النساء 13 القسم الثالث ما يختص به النساء 14 النوع الثاني مما يحتاج إلى وصفه من دواب الركوب، وهي أربعة أصناف 16 الصنف الأول الخيل 16 الصنف الثاني البغال 34 الصنف الثالث الإبل 35 الصنف الرابع الحمير 38 النوع الثالث مما يحتاج إلى وصفه من جليل الوحش، وهو أصناف 38 الصنف الأول جليل الوحش 38
الموضوع الصفحة الصنف الثاني معلّمات الصيد 42 الصنف الثالث ما يعتنى بصيده من الوحش، والمشهور منه عشرون ضربا 47 النوع الرابع فيما يحتاج إلى وصفه من الطيور 57 الصنف الأول الجوارح وهي على ثلاثة أقسام 57 القسم الأول العقاب 58 القسم الثاني البزاة 61 القسم الثالث الصقور 64 الصنف الثاني الطير الجليل، وهو على ضربين 69 الضرب الأول طيور الشتاء 69 الضرب الثاني طيور الصيف 74 الصنف الثالث ما عدا الطير الجليل مما يصاد بالجوارح وغيرها، وهو على ضربين 76 الضرب الأول ما يحلّ أكله 76 الضرب الثاني ما يحرم أكله 86 الصنف الرابع الحمام 96 الأمر الأول ذكر ألوانها 98 الأمر الثاني في عدد ريش الجناحين والذنب المعتدّ به وأسمائها 99 الأمر الثالث الفرق بين الذكر والأنثى 101 الأمر الرابع في بيان صفة الطائر الفاره 101 الأمر الخامس الفراسة في الطائر من حال صغره قبل الطيران 102 الأمر السادس بيان الزمان والمكان اللائقين بالإفراخ 103 الأمر السابع في مسافة الطيران 104 النوع الخامس ما يحتاج إلى وصفه من نفائس الأحجار، وهي اثنا عشر صنفا 105 الصنف الأول اللؤلؤ 106
الموضوع الصفحة الصنف الثاني الياقوت 108 الصنف الثالث البلخش 111 الصنف الرابع عين الهر 112 الصنف الخامس الماس 113 الصنف السادس الزمرّد 114 الصنف السابع الزبرجد 117 الصنف الثامن الفيروذج 117 الصنف التاسع الدهنج 118 الصنف العاشر البلور 120 الصنف الحادي عشر المرجان 121 الصنف الثاني عشر البادزهر الحيواني 124 النوع السادس نفيس الطيب، والمعتبر منه أربعة أصناف 126 الصنف الأول المسك 126 الصنف الثاني العنبر 130 الصنف الثالث العود 133 الصنف الرابع الصندل 137 النوع السابع ما يحتاج إلى وصفه من الآلات، وهي أصناف 139 الصنف الأول الآلات الملوكية 139 الصنف الثاني آلات الركوب 143 الصنف الثالث آلات السفر 145 الصنف الرابع آلات السلاح 148 الصنف الخامس آلات الحصار 152 الصنف السادس آلات الصيد 154 الصنف السابع آلات المعاملة 154
الموضوع الصفحة الصنف الثامن آلات اللعب 157 الصنف التاسع آلات الطرب 160 الصنف العاشر المسكرات وآلاتها 161 النوع الثامن مما يحتاج إلى وصفه الأفلاك والكواكب، وفيه مقصدان 163 المقصد الأول في بيان ما يقع عليه اسم الفلك وعدد أكره 163 المقصد الثاني في ذكر الكواكب ومحلها من الأفلاك، وهي على ضربين 165 الضرب الأول الكواكب السبعة السيّارة 165 الضرب الثاني الكواكب الثابتة، وهي ثلاثة أصناف 168 الصنف الأول نجوم البروج التي تنتقل فيها الشمس في فصول السنة 168 الصنف الثاني نجوم منازل القمر التي يتنقل فيها القمر من أول الشهر إلى الثامن والعشرين منه 173 الصنف الثالث من النجوم الثوابت ما ليس داخلا في شيء من البروج ومنازل القمر مما هو مشهور 181 النوع التاسع مما يحتاج الكاتب إلى وصفه العلويّات، وهي على أصناف 184 الصنف الأول الريح 184 الصنف الثاني السحاب 186 الصنف الثالث الرعد 187 الصنف الرابع البرق 188 الصنف الخامس المطر 188 الصنف السادس الثلج 192 الصنف السابع البرد 192 الصنف الثامن قوس قزح 193 الصنف التاسع الهالة 193 الصنف العاشر الحرّ 194 الصنف الحادي عشر البرد 194
الموضوع الصفحة الصنف الثاني عشر الهباء 194 النوع العاشر مما يحتاج الكاتب إلى وصفه الأجسام الأرضية، وهي على أصناف 195 الصنف الأول الجبال والأودية والقفار 195 الصنف الثاني المياه الأرضية، وهي على ضربين 196 الضرب الأول الماء الملح 196 الضرب الثاني الماء العذب 196 الصنف الثالث النبات وفيه ثلاثة مقاصد 198 المقصد الأول في أصل النبات 198 المقصد الثاني فيما تختص به أرض دون أرض من أنواع النبات 198 المقصد الثالث في ذكر أصناف النبات التي أولع الكاتب والشعراء بوصفها، وهي على أضرب 199 الضرب الأول ما له ساق 199 الضرب الثاني ما ليس له ساق 200 الضرب الثالث الفواكه المشمومة 200 الضرب الرابع الأزهار 201 الضرب الخامس الرياض 201 الطرف الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى في صفة الكلام، ومعرفة كيفية إنشائه ونظمه وتأليفه، وفيه مقصدان 202 المقصد الأول في الأصول التي يبنى الكلام عليها، وهي سبعة أصول 202 الأصل الأول المعرفة بالمعاني، والنظر فيه من وجهين 202 الوجه(2/526)
الموضوع الصفحة النوع الثامن عشر المعرفة بالأحكام السلطانية 3 الطرف الثاني في معرفة ما يحتاج الكاتب إلى وصفه، ويشتمل على أنواع 6 النوع الأول مما يحتاج إلى وصفه النوع الإنساني، وهو على ضربين 6 الضرب الأول أوصافه الجسمية، وهي على ثلاثة أقسام 6 القسم الأول ما يشترك فيه الرجال والنساء، وهي عدة أمور 6 القسم الثاني ما يختص به الرجال 11 القسم الثالث ما يختص به النساء 11 الضرب الثاني الصفات الخارجية عن الجسد، وهي على ثلاثة أقسام 13 القسم الأول ما يشترك فيه الرجال والنساء 13 القسم الثاني ما يختص به الرجال دون النساء 13 القسم الثالث ما يختص به النساء 14 النوع الثاني مما يحتاج إلى وصفه من دواب الركوب، وهي أربعة أصناف 16 الصنف الأول الخيل 16 الصنف الثاني البغال 34 الصنف الثالث الإبل 35 الصنف الرابع الحمير 38 النوع الثالث مما يحتاج إلى وصفه من جليل الوحش، وهو أصناف 38 الصنف الأول جليل الوحش 38
الموضوع الصفحة الصنف الثاني معلّمات الصيد 42 الصنف الثالث ما يعتنى بصيده من الوحش، والمشهور منه عشرون ضربا 47 النوع الرابع فيما يحتاج إلى وصفه من الطيور 57 الصنف الأول الجوارح وهي على ثلاثة أقسام 57 القسم الأول العقاب 58 القسم الثاني البزاة 61 القسم الثالث الصقور 64 الصنف الثاني الطير الجليل، وهو على ضربين 69 الضرب الأول طيور الشتاء 69 الضرب الثاني طيور الصيف 74 الصنف الثالث ما عدا الطير الجليل مما يصاد بالجوارح وغيرها، وهو على ضربين 76 الضرب الأول ما يحلّ أكله 76 الضرب الثاني ما يحرم أكله 86 الصنف الرابع الحمام 96 الأمر الأول ذكر ألوانها 98 الأمر الثاني في عدد ريش الجناحين والذنب المعتدّ به وأسمائها 99 الأمر الثالث الفرق بين الذكر والأنثى 101 الأمر الرابع في بيان صفة الطائر الفاره 101 الأمر الخامس الفراسة في الطائر من حال صغره قبل الطيران 102 الأمر السادس بيان الزمان والمكان اللائقين بالإفراخ 103 الأمر السابع في مسافة الطيران 104 النوع الخامس ما يحتاج إلى وصفه من نفائس الأحجار، وهي اثنا عشر صنفا 105 الصنف الأول اللؤلؤ 106
الموضوع الصفحة الصنف الثاني الياقوت 108 الصنف الثالث البلخش 111 الصنف الرابع عين الهر 112 الصنف الخامس الماس 113 الصنف السادس الزمرّد 114 الصنف السابع الزبرجد 117 الصنف الثامن الفيروذج 117 الصنف التاسع الدهنج 118 الصنف العاشر البلور 120 الصنف الحادي عشر المرجان 121 الصنف الثاني عشر البادزهر الحيواني 124 النوع السادس نفيس الطيب، والمعتبر منه أربعة أصناف 126 الصنف الأول المسك 126 الصنف الثاني العنبر 130 الصنف الثالث العود 133 الصنف الرابع الصندل 137 النوع السابع ما يحتاج إلى وصفه من الآلات، وهي أصناف 139 الصنف الأول الآلات الملوكية 139 الصنف الثاني آلات الركوب 143 الصنف الثالث آلات السفر 145 الصنف الرابع آلات السلاح 148 الصنف الخامس آلات الحصار 152 الصنف السادس آلات الصيد 154 الصنف السابع آلات المعاملة 154
الموضوع الصفحة الصنف الثامن آلات اللعب 157 الصنف التاسع آلات الطرب 160 الصنف العاشر المسكرات وآلاتها 161 النوع الثامن مما يحتاج إلى وصفه الأفلاك والكواكب، وفيه مقصدان 163 المقصد الأول في بيان ما يقع عليه اسم الفلك وعدد أكره 163 المقصد الثاني في ذكر الكواكب ومحلها من الأفلاك، وهي على ضربين 165 الضرب الأول الكواكب السبعة السيّارة 165 الضرب الثاني الكواكب الثابتة، وهي ثلاثة أصناف 168 الصنف الأول نجوم البروج التي تنتقل فيها الشمس في فصول السنة 168 الصنف الثاني نجوم منازل القمر التي يتنقل فيها القمر من أول الشهر إلى الثامن والعشرين منه 173 الصنف الثالث من النجوم الثوابت ما ليس داخلا في شيء من البروج ومنازل القمر مما هو مشهور 181 النوع التاسع مما يحتاج الكاتب إلى وصفه العلويّات، وهي على أصناف 184 الصنف الأول الريح 184 الصنف الثاني السحاب 186 الصنف الثالث الرعد 187 الصنف الرابع البرق 188 الصنف الخامس المطر 188 الصنف السادس الثلج 192 الصنف السابع البرد 192 الصنف الثامن قوس قزح 193 الصنف التاسع الهالة 193 الصنف العاشر الحرّ 194 الصنف الحادي عشر البرد 194
الموضوع الصفحة الصنف الثاني عشر الهباء 194 النوع العاشر مما يحتاج الكاتب إلى وصفه الأجسام الأرضية، وهي على أصناف 195 الصنف الأول الجبال والأودية والقفار 195 الصنف الثاني المياه الأرضية، وهي على ضربين 196 الضرب الأول الماء الملح 196 الضرب الثاني الماء العذب 196 الصنف الثالث النبات وفيه ثلاثة مقاصد 198 المقصد الأول في أصل النبات 198 المقصد الثاني فيما تختص به أرض دون أرض من أنواع النبات 198 المقصد الثالث في ذكر أصناف النبات التي أولع الكاتب والشعراء بوصفها، وهي على أضرب 199 الضرب الأول ما له ساق 199 الضرب الثاني ما ليس له ساق 200 الضرب الثالث الفواكه المشمومة 200 الضرب الرابع الأزهار 201 الضرب الخامس الرياض 201 الطرف الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى في صفة الكلام، ومعرفة كيفية إنشائه ونظمه وتأليفه، وفيه مقصدان 202 المقصد الأول في الأصول التي يبنى الكلام عليها، وهي سبعة أصول 202 الأصل الأول المعرفة بالمعاني، والنظر فيه من وجهين 202 الوجه
الأول في شرف المعاني وفضلها 202 الوجه الثاني في تحقيق المعاني ومعرفة صوابها من خطئها، والمعاني على خمسة أصناف 205 الصنف الأول ما كان من المعاني مستقيما حسنا 205
الموضوع الصفحة الصنف الثاني ما كان مستقيما قبيحا 209 الصنف الثالث ما كان مستقيما ولكنه كذب 210 الصنف الرابع ما كان محالا 216 الصنف الخامس ما كان غلطا 218 الأصل الثاني من صناعة إنشاء الكلام النظر في الألفاظ، والنظر فيها من وجهين 222 الوجه الأول في فضل الألفاظ وشرفها 222 الوجه الثاني الألفاظ المفردة وبيان ما ينبغي استعماله منها وما يجب تركه، واللفظ المفرد الحسن يتصف بأربع صفات 224 الصفة الأولى ألا يكون غريبا، وهو أربعة أصناف 225 الصنف الأول المألوف المتداول الاستعمال عند كل قوم في كل زمن 227 الصنف الثاني الغريب المتوحش عند كل قوم في كل زمن، وهو ثلاثة أضرب 236 الضرب الأول ما يعاب استعماله في النظم والنثر جميعا 236 الضرب الثاني ما يعاب استعماله في النثر دون النظم 238 الضرب الثالث ما يعاب استعماله بصيغة دون صيغة 241 الصنف الثالث المتوحش في زمن دون زمن 250 الصنف الرابع الغريب المتوحش عند قوم دون قوم 259 الصفة الثانية اللفظ الفصيح ألا يكون مبتذلا عاميّا، واللفظ المبتذل على قسمين 267 القسم الأول ما لم تغيّره العامة عن موضعه اللغوي 267 القسم الثاني ما كان من الألفاظ دالّا على معنى وضع له في أصل اللغة فغيرته العامة وجعلته دالّا على معنى آخر، وهو على ضربين 273 الضرب الأول ما ليس بمستقبح في الذكر ولا مستكره في السمع 273 الضرب الثاني ما يستقبح ذكره 274 الصفة الثالثة من صفات اللفظ المفرد الفصيح ألا يكون متنافر الحروف 275
الموضوع الصفحة الصفة الرابعة من صفات اللفظ المفرد ألا يكون على خلاف القانون المستنبط من تتبع ألفاظ اللغة العربية وما هو في حكمها 278 الأصل الثالث من صناعة إنشاء الكلام، تركيب الكلام، والنظر فيه من وجوه 280 الوجه الأول في بيان فضل المعرفة بذلك 280 الوجه الثاني في بيان ما يبنى عليه تركيب الكلام وترتيبه، وله ركنان 285 الركن الأول أن يسلك في تركيبه سبيل الفصاحة والخروج عن اللكنة والهجنة والفصاحة في المركب بأن يتصف بعد فصاحة مفرداته بصفات 285 الصفة الأولى أن يكون سليما من ضعف التأليف 285 الصفة الثانية أن يكون سليما من التعقيد 286 الصفة الثالثة أن يكون سليما من تنافر الكلمات 291 الأصل الرابع المعرفة بالسجع الذي هو قوام الكلام المنثور، ويتعلق به ستة أغراض 301 الغرض الأول في معرفة معناه في اللغة والاصطلاح 301 الغرض الثاني في بيان حسن موقعه من الكلام 302 الغرض الثالث في بيان أقسام السجع، وهي راجعة إلى صنفين 304 الصنف الأول أن تكون القرينتان متفقتين في حرف الرويّ 304 الصنف الثاني أن يختلف حرف الرويّ في آخر الفقرتين، وهو على ضربين 305 الضرب الأول أن يقع ذلك في النثر 305 الضرب الثاني السجع الواقع في الشعر 306 الغرض الرابع في معرفة مقادير السجعات، وهي على ضربين 308 الضرب الأول السجعات القصار 308 الضرب الثاني السجعات الطوال 309 الغرض الخامس في ترتيب السجعات، وله حالتان 310 الحالة الأولى ألا يزيد السجع على سجعتين 310
الموضوع الصفحة الحالة الثانية أن يزيد السجع على سجعتين 311 الغرض السادس فيما يكون فيه حسن السجع وقبحه 313 الأصل الخامس حسن الاتباع والقدرة على الاختراع، ولكاتب الإنشاء مسلكان 315 المسلك الأول طريقة الاتباع، وهي على صنفين 315 الصنف الأول الاتباع في الألفاظ، والواقع من ذلك في كلامهم على قسمين 315 القسم الأول ما وقع الاتفاق فيه في المعنى واللفظ جميعا 317 القسم الثاني ما وقع الاتفاق فيه في المعنى وبعض اللفظ، وهو على ضربين 319 الضرب الأول ما اتفق فيه المعنى وأكثر اللفظ 319 الضرب الثاني ما اتفق فيه المعنى مع يسير اللفظ 321 الصنف الثاني التقليد في المعاني، وضروبه اثنا عشر 321 الضرب الأول أن يؤخذ المعنى ويستخرج منه ما يشبهه ولا يكون هو إيّاه 327 الضرب الثاني أن يؤخذ المعنى فيعكس 329 الضرب الثالث أن يؤخذ بعض المعنى دون بعض 331 الضرب الرابع أن يؤخذ المعنى فيزاد عليه معنى آخر 332 الضرب الخامس أن يؤخذ المعنى فيكسى عبارة أحسن من العبارة الأولى 334 الضرب السادس أن يؤخذ المعنى ويسبك سبكا موجزا 336 الضرب السابع زيادة البيان مع المساواة في المعنى 337 الضرب الثامن اتحاد الطريق واختلاف المقصود 338 الضرب التاسع بياض بالأصل 339 الضرب العاشر أن يكون المعنى عامّا فيجعل خاصّا أو خاصّا فيجعل عامّا 340 الضرب الحادي عشر قلب الصورة القبيحة إلى صورة حسنة 340 الضرب الثاني عشر قلب الصورة الحسنة إلى صورة قبيحة 341
الموضوع الصفحة المسلك الثاني طريقة الاختراع 342 الأصل السادس وجود الطبع السليم، وخلو الفكر عن المشوش 343 المقصد الثاني من الطرف الثالث، في بيان طرق البلاغة(2/527)
الأول في شرف المعاني وفضلها 202 الوجه الثاني في تحقيق المعاني ومعرفة صوابها من خطئها، والمعاني على خمسة أصناف 205 الصنف الأول ما كان من المعاني مستقيما حسنا 205
الموضوع الصفحة الصنف الثاني ما كان مستقيما قبيحا 209 الصنف الثالث ما كان مستقيما ولكنه كذب 210 الصنف الرابع ما كان محالا 216 الصنف الخامس ما كان غلطا 218 الأصل الثاني من صناعة إنشاء الكلام النظر في الألفاظ، والنظر فيها من وجهين 222 الوجه الأول في فضل الألفاظ وشرفها 222 الوجه الثاني الألفاظ المفردة وبيان ما ينبغي استعماله منها وما يجب تركه، واللفظ المفرد الحسن يتصف بأربع صفات 224 الصفة الأولى ألا يكون غريبا، وهو أربعة أصناف 225 الصنف الأول المألوف المتداول الاستعمال عند كل قوم في كل زمن 227 الصنف الثاني الغريب المتوحش عند كل قوم في كل زمن، وهو ثلاثة أضرب 236 الضرب الأول ما يعاب استعماله في النظم والنثر جميعا 236 الضرب الثاني ما يعاب استعماله في النثر دون النظم 238 الضرب الثالث ما يعاب استعماله بصيغة دون صيغة 241 الصنف الثالث المتوحش في زمن دون زمن 250 الصنف الرابع الغريب المتوحش عند قوم دون قوم 259 الصفة الثانية اللفظ الفصيح ألا يكون مبتذلا عاميّا، واللفظ المبتذل على قسمين 267 القسم الأول ما لم تغيّره العامة عن موضعه اللغوي 267 القسم الثاني ما كان من الألفاظ دالّا على معنى وضع له في أصل اللغة فغيرته العامة وجعلته دالّا على معنى آخر، وهو على ضربين 273 الضرب الأول ما ليس بمستقبح في الذكر ولا مستكره في السمع 273 الضرب الثاني ما يستقبح ذكره 274 الصفة الثالثة من صفات اللفظ المفرد الفصيح ألا يكون متنافر الحروف 275
الموضوع الصفحة الصفة الرابعة من صفات اللفظ المفرد ألا يكون على خلاف القانون المستنبط من تتبع ألفاظ اللغة العربية وما هو في حكمها 278 الأصل الثالث من صناعة إنشاء الكلام، تركيب الكلام، والنظر فيه من وجوه 280 الوجه الأول في بيان فضل المعرفة بذلك 280 الوجه الثاني في بيان ما يبنى عليه تركيب الكلام وترتيبه، وله ركنان 285 الركن الأول أن يسلك في تركيبه سبيل الفصاحة والخروج عن اللكنة والهجنة والفصاحة في المركب بأن يتصف بعد فصاحة مفرداته بصفات 285 الصفة الأولى أن يكون سليما من ضعف التأليف 285 الصفة الثانية أن يكون سليما من التعقيد 286 الصفة الثالثة أن يكون سليما من تنافر الكلمات 291 الأصل الرابع المعرفة بالسجع الذي هو قوام الكلام المنثور، ويتعلق به ستة أغراض 301 الغرض الأول في معرفة معناه في اللغة والاصطلاح 301 الغرض الثاني في بيان حسن موقعه من الكلام 302 الغرض الثالث في بيان أقسام السجع، وهي راجعة إلى صنفين 304 الصنف الأول أن تكون القرينتان متفقتين في حرف الرويّ 304 الصنف الثاني أن يختلف حرف الرويّ في آخر الفقرتين، وهو على ضربين 305 الضرب الأول أن يقع ذلك في النثر 305 الضرب الثاني السجع الواقع في الشعر 306 الغرض الرابع في معرفة مقادير السجعات، وهي على ضربين 308 الضرب الأول السجعات القصار 308 الضرب الثاني السجعات الطوال 309 الغرض الخامس في ترتيب السجعات، وله حالتان 310 الحالة الأولى ألا يزيد السجع على سجعتين 310
الموضوع الصفحة الحالة الثانية أن يزيد السجع على سجعتين 311 الغرض السادس فيما يكون فيه حسن السجع وقبحه 313 الأصل الخامس حسن الاتباع والقدرة على الاختراع، ولكاتب الإنشاء مسلكان 315 المسلك الأول طريقة الاتباع، وهي على صنفين 315 الصنف الأول الاتباع في الألفاظ، والواقع من ذلك في كلامهم على قسمين 315 القسم الأول ما وقع الاتفاق فيه في المعنى واللفظ جميعا 317 القسم الثاني ما وقع الاتفاق فيه في المعنى وبعض اللفظ، وهو على ضربين 319 الضرب الأول ما اتفق فيه المعنى وأكثر اللفظ 319 الضرب الثاني ما اتفق فيه المعنى مع يسير اللفظ 321 الصنف الثاني التقليد في المعاني، وضروبه اثنا عشر 321 الضرب الأول أن يؤخذ المعنى ويستخرج منه ما يشبهه ولا يكون هو إيّاه 327 الضرب الثاني أن يؤخذ المعنى فيعكس 329 الضرب الثالث أن يؤخذ بعض المعنى دون بعض 331 الضرب الرابع أن يؤخذ المعنى فيزاد عليه معنى آخر 332 الضرب الخامس أن يؤخذ المعنى فيكسى عبارة أحسن من العبارة الأولى 334 الضرب السادس أن يؤخذ المعنى ويسبك سبكا موجزا 336 الضرب السابع زيادة البيان مع المساواة في المعنى 337 الضرب الثامن اتحاد الطريق واختلاف المقصود 338 الضرب التاسع بياض بالأصل 339 الضرب العاشر أن يكون المعنى عامّا فيجعل خاصّا أو خاصّا فيجعل عامّا 340 الضرب الحادي عشر قلب الصورة القبيحة إلى صورة حسنة 340 الضرب الثاني عشر قلب الصورة الحسنة إلى صورة قبيحة 341
الموضوع الصفحة المسلك الثاني طريقة الاختراع 342 الأصل السادس وجود الطبع السليم، وخلو الفكر عن المشوش 343 المقصد الثاني من الطرف الثالث، في بيان طرق البلاغة(2/528)
الأول في شرف المعاني وفضلها 202 الوجه الثاني في تحقيق المعاني ومعرفة صوابها من خطئها، والمعاني على خمسة أصناف 205 الصنف الأول ما كان من المعاني مستقيما حسنا 205
الموضوع الصفحة الصنف الثاني ما كان مستقيما قبيحا 209 الصنف الثالث ما كان مستقيما ولكنه كذب 210 الصنف الرابع ما كان محالا 216 الصنف الخامس ما كان غلطا 218 الأصل الثاني من صناعة إنشاء الكلام النظر في الألفاظ، والنظر فيها من وجهين 222 الوجه الأول في فضل الألفاظ وشرفها 222 الوجه الثاني الألفاظ المفردة وبيان ما ينبغي استعماله منها وما يجب تركه، واللفظ المفرد الحسن يتصف بأربع صفات 224 الصفة الأولى ألا يكون غريبا، وهو أربعة أصناف 225 الصنف الأول المألوف المتداول الاستعمال عند كل قوم في كل زمن 227 الصنف الثاني الغريب المتوحش عند كل قوم في كل زمن، وهو ثلاثة أضرب 236 الضرب الأول ما يعاب استعماله في النظم والنثر جميعا 236 الضرب الثاني ما يعاب استعماله في النثر دون النظم 238 الضرب الثالث ما يعاب استعماله بصيغة دون صيغة 241 الصنف الثالث المتوحش في زمن دون زمن 250 الصنف الرابع الغريب المتوحش عند قوم دون قوم 259 الصفة الثانية اللفظ الفصيح ألا يكون مبتذلا عاميّا، واللفظ المبتذل على قسمين 267 القسم الأول ما لم تغيّره العامة عن موضعه اللغوي 267 القسم الثاني ما كان من الألفاظ دالّا على معنى وضع له في أصل اللغة فغيرته العامة وجعلته دالّا على معنى آخر، وهو على ضربين 273 الضرب الأول ما ليس بمستقبح في الذكر ولا مستكره في السمع 273 الضرب الثاني ما يستقبح ذكره 274 الصفة الثالثة من صفات اللفظ المفرد الفصيح ألا يكون متنافر الحروف 275
الموضوع الصفحة الصفة الرابعة من صفات اللفظ المفرد ألا يكون على خلاف القانون المستنبط من تتبع ألفاظ اللغة العربية وما هو في حكمها 278 الأصل الثالث من صناعة إنشاء الكلام، تركيب الكلام، والنظر فيه من وجوه 280 الوجه الأول في بيان فضل المعرفة بذلك 280 الوجه الثاني في بيان ما يبنى عليه تركيب الكلام وترتيبه، وله ركنان 285 الركن الأول أن يسلك في تركيبه سبيل الفصاحة والخروج عن اللكنة والهجنة والفصاحة في المركب بأن يتصف بعد فصاحة مفرداته بصفات 285 الصفة الأولى أن يكون سليما من ضعف التأليف 285 الصفة الثانية أن يكون سليما من التعقيد 286 الصفة الثالثة أن يكون سليما من تنافر الكلمات 291 الأصل الرابع المعرفة بالسجع الذي هو قوام الكلام المنثور، ويتعلق به ستة أغراض 301 الغرض الأول في معرفة معناه في اللغة والاصطلاح 301 الغرض الثاني في بيان حسن موقعه من الكلام 302 الغرض الثالث في بيان أقسام السجع، وهي راجعة إلى صنفين 304 الصنف الأول أن تكون القرينتان متفقتين في حرف الرويّ 304 الصنف الثاني أن يختلف حرف الرويّ في آخر الفقرتين، وهو على ضربين 305 الضرب الأول أن يقع ذلك في النثر 305 الضرب الثاني السجع الواقع في الشعر 306 الغرض الرابع في معرفة مقادير السجعات، وهي على ضربين 308 الضرب الأول السجعات القصار 308 الضرب الثاني السجعات الطوال 309 الغرض الخامس في ترتيب السجعات، وله حالتان 310 الحالة الأولى ألا يزيد السجع على سجعتين 310
الموضوع الصفحة الحالة الثانية أن يزيد السجع على سجعتين 311 الغرض السادس فيما يكون فيه حسن السجع وقبحه 313 الأصل الخامس حسن الاتباع والقدرة على الاختراع، ولكاتب الإنشاء مسلكان 315 المسلك الأول طريقة الاتباع، وهي على صنفين 315 الصنف الأول الاتباع في الألفاظ، والواقع من ذلك في كلامهم على قسمين 315 القسم الأول ما وقع الاتفاق فيه في المعنى واللفظ جميعا 317 القسم الثاني ما وقع الاتفاق فيه في المعنى وبعض اللفظ، وهو على ضربين 319 الضرب الأول ما اتفق فيه المعنى وأكثر اللفظ 319 الضرب الثاني ما اتفق فيه المعنى مع يسير اللفظ 321 الصنف الثاني التقليد في المعاني، وضروبه اثنا عشر 321 الضرب الأول أن يؤخذ المعنى ويستخرج منه ما يشبهه ولا يكون هو إيّاه 327 الضرب الثاني أن يؤخذ المعنى فيعكس 329 الضرب الثالث أن يؤخذ بعض المعنى دون بعض 331 الضرب الرابع أن يؤخذ المعنى فيزاد عليه معنى آخر 332 الضرب الخامس أن يؤخذ المعنى فيكسى عبارة أحسن من العبارة الأولى 334 الضرب السادس أن يؤخذ المعنى ويسبك سبكا موجزا 336 الضرب السابع زيادة البيان مع المساواة في المعنى 337 الضرب الثامن اتحاد الطريق واختلاف المقصود 338 الضرب التاسع بياض بالأصل 339 الضرب العاشر أن يكون المعنى عامّا فيجعل خاصّا أو خاصّا فيجعل عامّا 340 الضرب الحادي عشر قلب الصورة القبيحة إلى صورة حسنة 340 الضرب الثاني عشر قلب الصورة الحسنة إلى صورة قبيحة 341
الموضوع الصفحة المسلك الثاني طريقة الاختراع 342 الأصل السادس وجود الطبع السليم، وخلو الفكر عن المشوش 343 المقصد الثاني من الطرف الثالث، في بيان طرق البلاغة(2/529)
الأول في شرف المعاني وفضلها 202 الوجه الثاني في تحقيق المعاني ومعرفة صوابها من خطئها، والمعاني على خمسة أصناف 205 الصنف الأول ما كان من المعاني مستقيما حسنا 205
الموضوع الصفحة الصنف الثاني ما كان مستقيما قبيحا 209 الصنف الثالث ما كان مستقيما ولكنه كذب 210 الصنف الرابع ما كان محالا 216 الصنف الخامس ما كان غلطا 218 الأصل الثاني من صناعة إنشاء الكلام النظر في الألفاظ، والنظر فيها من وجهين 222 الوجه الأول في فضل الألفاظ وشرفها 222 الوجه الثاني الألفاظ المفردة وبيان ما ينبغي استعماله منها وما يجب تركه، واللفظ المفرد الحسن يتصف بأربع صفات 224 الصفة الأولى ألا يكون غريبا، وهو أربعة أصناف 225 الصنف الأول المألوف المتداول الاستعمال عند كل قوم في كل زمن 227 الصنف الثاني الغريب المتوحش عند كل قوم في كل زمن، وهو ثلاثة أضرب 236 الضرب الأول ما يعاب استعماله في النظم والنثر جميعا 236 الضرب الثاني ما يعاب استعماله في النثر دون النظم 238 الضرب الثالث ما يعاب استعماله بصيغة دون صيغة 241 الصنف الثالث المتوحش في زمن دون زمن 250 الصنف الرابع الغريب المتوحش عند قوم دون قوم 259 الصفة الثانية اللفظ الفصيح ألا يكون مبتذلا عاميّا، واللفظ المبتذل على قسمين 267 القسم الأول ما لم تغيّره العامة عن موضعه اللغوي 267 القسم الثاني ما كان من الألفاظ دالّا على معنى وضع له في أصل اللغة فغيرته العامة وجعلته دالّا على معنى آخر، وهو على ضربين 273 الضرب الأول ما ليس بمستقبح في الذكر ولا مستكره في السمع 273 الضرب الثاني ما يستقبح ذكره 274 الصفة الثالثة من صفات اللفظ المفرد الفصيح ألا يكون متنافر الحروف 275
الموضوع الصفحة الصفة الرابعة من صفات اللفظ المفرد ألا يكون على خلاف القانون المستنبط من تتبع ألفاظ اللغة العربية وما هو في حكمها 278 الأصل الثالث من صناعة إنشاء الكلام، تركيب الكلام، والنظر فيه من وجوه 280 الوجه الأول في بيان فضل المعرفة بذلك 280 الوجه الثاني في بيان ما يبنى عليه تركيب الكلام وترتيبه، وله ركنان 285 الركن الأول أن يسلك في تركيبه سبيل الفصاحة والخروج عن اللكنة والهجنة والفصاحة في المركب بأن يتصف بعد فصاحة مفرداته بصفات 285 الصفة الأولى أن يكون سليما من ضعف التأليف 285 الصفة الثانية أن يكون سليما من التعقيد 286 الصفة الثالثة أن يكون سليما من تنافر الكلمات 291 الأصل الرابع المعرفة بالسجع الذي هو قوام الكلام المنثور، ويتعلق به ستة أغراض 301 الغرض الأول في معرفة معناه في اللغة والاصطلاح 301 الغرض الثاني في بيان حسن موقعه من الكلام 302 الغرض الثالث في بيان أقسام السجع، وهي راجعة إلى صنفين 304 الصنف الأول أن تكون القرينتان متفقتين في حرف الرويّ 304 الصنف الثاني أن يختلف حرف الرويّ في آخر الفقرتين، وهو على ضربين 305 الضرب الأول أن يقع ذلك في النثر 305 الضرب الثاني السجع الواقع في الشعر 306 الغرض الرابع في معرفة مقادير السجعات، وهي على ضربين 308 الضرب الأول السجعات القصار 308 الضرب الثاني السجعات الطوال 309 الغرض الخامس في ترتيب السجعات، وله حالتان 310 الحالة الأولى ألا يزيد السجع على سجعتين 310
الموضوع الصفحة الحالة الثانية أن يزيد السجع على سجعتين 311 الغرض السادس فيما يكون فيه حسن السجع وقبحه 313 الأصل الخامس حسن الاتباع والقدرة على الاختراع، ولكاتب الإنشاء مسلكان 315 المسلك الأول طريقة الاتباع، وهي على صنفين 315 الصنف الأول الاتباع في الألفاظ، والواقع من ذلك في كلامهم على قسمين 315 القسم الأول ما وقع الاتفاق فيه في المعنى واللفظ جميعا 317 القسم الثاني ما وقع الاتفاق فيه في المعنى وبعض اللفظ، وهو على ضربين 319 الضرب الأول ما اتفق فيه المعنى وأكثر اللفظ 319 الضرب الثاني ما اتفق فيه المعنى مع يسير اللفظ 321 الصنف الثاني التقليد في المعاني، وضروبه اثنا عشر 321 الضرب الأول أن يؤخذ المعنى ويستخرج منه ما يشبهه ولا يكون هو إيّاه 327 الضرب الثاني أن يؤخذ المعنى فيعكس 329 الضرب الثالث أن يؤخذ بعض المعنى دون بعض 331 الضرب الرابع أن يؤخذ المعنى فيزاد عليه معنى آخر 332 الضرب الخامس أن يؤخذ المعنى فيكسى عبارة أحسن من العبارة الأولى 334 الضرب السادس أن يؤخذ المعنى ويسبك سبكا موجزا 336 الضرب السابع زيادة البيان مع المساواة في المعنى 337 الضرب الثامن اتحاد الطريق واختلاف المقصود 338 الضرب التاسع بياض بالأصل 339 الضرب العاشر أن يكون المعنى عامّا فيجعل خاصّا أو خاصّا فيجعل عامّا 340 الضرب الحادي عشر قلب الصورة القبيحة إلى صورة حسنة 340 الضرب الثاني عشر قلب الصورة الحسنة إلى صورة قبيحة 341
الموضوع الصفحة المسلك الثاني طريقة الاختراع 342 الأصل السادس وجود الطبع السليم، وخلو الفكر عن المشوش 343 المقصد الثاني من الطرف الثالث، في بيان طرق البلاغة(2/530)
الأول في شرف المعاني وفضلها 202 الوجه الثاني في تحقيق المعاني ومعرفة صوابها من خطئها، والمعاني على خمسة أصناف 205 الصنف الأول ما كان من المعاني مستقيما حسنا 205
الموضوع الصفحة الصنف الثاني ما كان مستقيما قبيحا 209 الصنف الثالث ما كان مستقيما ولكنه كذب 210 الصنف الرابع ما كان محالا 216 الصنف الخامس ما كان غلطا 218 الأصل الثاني من صناعة إنشاء الكلام النظر في الألفاظ، والنظر فيها من وجهين 222 الوجه الأول في فضل الألفاظ وشرفها 222 الوجه الثاني الألفاظ المفردة وبيان ما ينبغي استعماله منها وما يجب تركه، واللفظ المفرد الحسن يتصف بأربع صفات 224 الصفة الأولى ألا يكون غريبا، وهو أربعة أصناف 225 الصنف الأول المألوف المتداول الاستعمال عند كل قوم في كل زمن 227 الصنف الثاني الغريب المتوحش عند كل قوم في كل زمن، وهو ثلاثة أضرب 236 الضرب الأول ما يعاب استعماله في النظم والنثر جميعا 236 الضرب الثاني ما يعاب استعماله في النثر دون النظم 238 الضرب الثالث ما يعاب استعماله بصيغة دون صيغة 241 الصنف الثالث المتوحش في زمن دون زمن 250 الصنف الرابع الغريب المتوحش عند قوم دون قوم 259 الصفة الثانية اللفظ الفصيح ألا يكون مبتذلا عاميّا، واللفظ المبتذل على قسمين 267 القسم الأول ما لم تغيّره العامة عن موضعه اللغوي 267 القسم الثاني ما كان من الألفاظ دالّا على معنى وضع له في أصل اللغة فغيرته العامة وجعلته دالّا على معنى آخر، وهو على ضربين 273 الضرب الأول ما ليس بمستقبح في الذكر ولا مستكره في السمع 273 الضرب الثاني ما يستقبح ذكره 274 الصفة الثالثة من صفات اللفظ المفرد الفصيح ألا يكون متنافر الحروف 275
الموضوع الصفحة الصفة الرابعة من صفات اللفظ المفرد ألا يكون على خلاف القانون المستنبط من تتبع ألفاظ اللغة العربية وما هو في حكمها 278 الأصل الثالث من صناعة إنشاء الكلام، تركيب الكلام، والنظر فيه من وجوه 280 الوجه الأول في بيان فضل المعرفة بذلك 280 الوجه الثاني في بيان ما يبنى عليه تركيب الكلام وترتيبه، وله ركنان 285 الركن الأول أن يسلك في تركيبه سبيل الفصاحة والخروج عن اللكنة والهجنة والفصاحة في المركب بأن يتصف بعد فصاحة مفرداته بصفات 285 الصفة الأولى أن يكون سليما من ضعف التأليف 285 الصفة الثانية أن يكون سليما من التعقيد 286 الصفة الثالثة أن يكون سليما من تنافر الكلمات 291 الأصل الرابع المعرفة بالسجع الذي هو قوام الكلام المنثور، ويتعلق به ستة أغراض 301 الغرض الأول في معرفة معناه في اللغة والاصطلاح 301 الغرض الثاني في بيان حسن موقعه من الكلام 302 الغرض الثالث في بيان أقسام السجع، وهي راجعة إلى صنفين 304 الصنف الأول أن تكون القرينتان متفقتين في حرف الرويّ 304 الصنف الثاني أن يختلف حرف الرويّ في آخر الفقرتين، وهو على ضربين 305 الضرب الأول أن يقع ذلك في النثر 305 الضرب الثاني السجع الواقع في الشعر 306 الغرض الرابع في معرفة مقادير السجعات، وهي على ضربين 308 الضرب الأول السجعات القصار 308 الضرب الثاني السجعات الطوال 309 الغرض الخامس في ترتيب السجعات، وله حالتان 310 الحالة الأولى ألا يزيد السجع على سجعتين 310
الموضوع الصفحة الحالة الثانية أن يزيد السجع على سجعتين 311 الغرض السادس فيما يكون فيه حسن السجع وقبحه 313 الأصل الخامس حسن الاتباع والقدرة على الاختراع، ولكاتب الإنشاء مسلكان 315 المسلك الأول طريقة الاتباع، وهي على صنفين 315 الصنف الأول الاتباع في الألفاظ، والواقع من ذلك في كلامهم على قسمين 315 القسم الأول ما وقع الاتفاق فيه في المعنى واللفظ جميعا 317 القسم الثاني ما وقع الاتفاق فيه في المعنى وبعض اللفظ، وهو على ضربين 319 الضرب الأول ما اتفق فيه المعنى وأكثر اللفظ 319 الضرب الثاني ما اتفق فيه المعنى مع يسير اللفظ 321 الصنف الثاني التقليد في المعاني، وضروبه اثنا عشر 321 الضرب الأول أن يؤخذ المعنى ويستخرج منه ما يشبهه ولا يكون هو إيّاه 327 الضرب الثاني أن يؤخذ المعنى فيعكس 329 الضرب الثالث أن يؤخذ بعض المعنى دون بعض 331 الضرب الرابع أن يؤخذ المعنى فيزاد عليه معنى آخر 332 الضرب الخامس أن يؤخذ المعنى فيكسى عبارة أحسن من العبارة الأولى 334 الضرب السادس أن يؤخذ المعنى ويسبك سبكا موجزا 336 الضرب السابع زيادة البيان مع المساواة في المعنى 337 الضرب الثامن اتحاد الطريق واختلاف المقصود 338 الضرب التاسع بياض بالأصل 339 الضرب العاشر أن يكون المعنى عامّا فيجعل خاصّا أو خاصّا فيجعل عامّا 340 الضرب الحادي عشر قلب الصورة القبيحة إلى صورة حسنة 340 الضرب الثاني عشر قلب الصورة الحسنة إلى صورة قبيحة 341
الموضوع الصفحة المسلك الثاني طريقة الاختراع 342 الأصل السادس وجود الطبع السليم، وخلو الفكر عن المشوش 343 المقصد الثاني من الطرف الثالث، في بيان طرق البلاغة
ووجوه تحسين الكلام 348 المقصد الثالث في بيان مقادير الكلام ومقتضيات إطالته وقصره، وهو على ثلاثة ضروب 359 الضرب الأول الإيجاز 359 الضرب الثاني الإطناب 360 الضرب الثالث المساواة 361 الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى في معرفة الأزمنة والأوقات وفيه أربعة أطراف 366 الطرف الأول في الأيام، وفيه ست جمل 366 الجملة الأولى في مدلول اليوم ومعناه وبيان ابتداء الليل والنهار 366 الجملة الثانية في اختلاف الليل والنهار بالزيادة والنقصان والبلاد والنواحي على قسمين 368 القسم الأول ما يستوي فيه الليل والنهار أبدا 368 القسم الثاني ما يختلف فيه الليل والنهار في السنة 369 الجملة الثالثة في معرفة زيادة الليل والنهار ونقصانهما بتنقل الشمس في البروج 371 الجملة الرابعة في بيان ما يعرف به ابتداء الليل والنهار 376 الجملة الخامسة في ساعات الليل والنهار 383 الجملة السادسة في أيام الأسبوع، وفيه أربعة مدارك 385 المدرك الأول في ابتداء خلقها وأصل وجودها 385 المدرك الثاني في أسمائها 388
الموضوع الصفحة المدرك الثالث في بيان أول أيام الأسبوع 392 المدرك الرابع في التفاؤل بأيام الأسبوع والتطيرّ بها 392 الطرف الثاني في الشهور، وهي على قسمين 394 القسم الأول الطبيعي والمراد به القمري، وهو على ضربين 394 الضرب الأول شهور العرب، ولهم في استعمالها طريقتان 394 الطريقة الأولى طريقة العرب، وفيها جملتان 394 الجملة الأولى في أحوال الأهلّة التي عليها مدار الشهور في ابتدائها وانتهائها 395 الجملة الثانية في أسمائها 401 الضرب الثاني شهور اليهود 408 القسم الثاني من الشهور الاصطلاحي والمراد به الشمسي، وهي على صنفين 409 الصنف الأول شهور القبط والفرس 410 الصنف الثاني شهور السريان والروم 418 الطرف الثالث في السنين، وفيه ثلاث جمل 423 الجملة الأولى في مدلول السنة والعام 423 الجملة الثانية في حقيقة السنة، وهي على قسمين 424 القسم الأول السنة الطبيعية وهي القمرية 424 القسم الثاني الاصطلاحية وهي الشمسية 425 الجملة الثالثة في فصول السنة الأربعة، وفيه ثلاثة مهايع 429 المهيع الأول في الحكمة في تغيير الفصول الأربعة في السنة 429 المهيع الثاني في كيفية انقسام السنة الشمسية إلى الفصول 429 المهيع الثالث في ذكر الفصول وأزمنتها وطبائعها 430 الطرف الرابع في أعياد الأمم ومواسمها، وفيه خمس جمل 444 الجملة الأولى في أعياد المسلمين 444
الموضوع الصفحة الجملة الثانية في أعياد الفرس 445 الجملة الثالثة في أعياد القبط، وهي على ضربين 453 الضرب الأول الأعياد الكبار 454 الضرب الثاني الأعياد الصغار 455 الجملة الرابعة في أعياد اليهود، وهي على ضربين 463 الضرب الأول ما نطقت به التوراة بزعمهم 463 الضرب الثاني ما أحدثه اليهود 465 الجملة الخامسة في أعياد الصابئين 467 الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يحتاج إليه الكاتب من الأمور العملية، وفيه فصلان 469 الفصل الأول في ذكر آلات الخط، وفيه ثلاثة أطراف 469 الطرف الأول في الدواة وآلاتها، وفيه مقصدان 469 المقصد الأول في نفس الدواة، وفيه أربع جمل 469 الجملة الأولى في فضلها 469 الجملة الثانية في أصلها في اللغة 470 الجملة الثالثة فيما ينبغي أن تتخذ منه، وما تحلّى به 470 الجملة الرابعة في قدرها وصفتها 471 الطرف الثاني في الآلات التي تشتمل عليها الدواة، وفيه جملتان 473 الجملة الأولى في فضله 473 الجملة الثانية في اشتقاقه 479 الجملة الثالثة في صفته 479 الجملة الرابعة في مساحة الأقلام في طولها وغلظها 484 الجملة الخامسة في بري الأقلام، وفيه خمسة أنظار 485 النظر الأول في اشتقاقه وأصل معناه 485 النظر الثاني في الحث على معرفة البراية 485
الموضوع الصفحة النظر الثالث في معرفة محل البراية من القلم 487 النظر الرابع في كيفية إمساك السكين حال البري 487 النظر الخامس في صنعة البراية، والبري يشتمل على معان 488 المعنى الأول في صفته، ومقداره في الطول والتقعير 488 المعنى الثاني النحت 489 المعنى الثالث الشق، وفيه مهيعان 490 المهيع الأول في فائدته 490 المهيع الثاني في صفة الشق، وفيه مدركان 491 المدرك الأول في قدره في الطول 491 المدرك الثاني في محله من الجلفة في العرض 491 المعنى الرابع القطّ، وفيه مهيعان 492 المهيع الأول اشتقاقه ومعناه 492 المهيع الثاني في صفته 492 النظر السادس في معرفة صفات القلم فيما يتعلق بالبراية 493 الجملة السادسة في مساحة رأس القلم ومقدارها من حيث موضع القطّة 494 الآلة الثانية المقلمة 495 الآلة الثالثة المدية، والنظر فيها من وجهين 495 الوجه الأول في معناها واشتقاقها 495 الوجه الثاني في صفتها 496 الآلة الرابعة المقطّ 497 الآلة الخامسة المحبرة، وتشتمل على ثلاثة أصناف 498 الصنف الأول الجونة 498 الصنف الثاني الليقة، والنظر فيها من وجهين 498 الوجه الأول في اشتقاقها 498 الوجه الثاني فيما تتخذ منه وتتعاهد به 498
الموضوع الصفحة الصنف الثالث المداد والحبر، والنظر فيه من أربعة أوجه 500 الوجه الأول في(2/531)
ووجوه تحسين الكلام 348 المقصد الثالث في بيان مقادير الكلام ومقتضيات إطالته وقصره، وهو على ثلاثة ضروب 359 الضرب الأول الإيجاز 359 الضرب الثاني الإطناب 360 الضرب الثالث المساواة 361 الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى في معرفة الأزمنة والأوقات وفيه أربعة أطراف 366 الطرف الأول في الأيام، وفيه ست جمل 366 الجملة الأولى في مدلول اليوم ومعناه وبيان ابتداء الليل والنهار 366 الجملة الثانية في اختلاف الليل والنهار بالزيادة والنقصان والبلاد والنواحي على قسمين 368 القسم الأول ما يستوي فيه الليل والنهار أبدا 368 القسم الثاني ما يختلف فيه الليل والنهار في السنة 369 الجملة الثالثة في معرفة زيادة الليل والنهار ونقصانهما بتنقل الشمس في البروج 371 الجملة الرابعة في بيان ما يعرف به ابتداء الليل والنهار 376 الجملة الخامسة في ساعات الليل والنهار 383 الجملة السادسة في أيام الأسبوع، وفيه أربعة مدارك 385 المدرك الأول في ابتداء خلقها وأصل وجودها 385 المدرك الثاني في أسمائها 388
الموضوع الصفحة المدرك الثالث في بيان أول أيام الأسبوع 392 المدرك الرابع في التفاؤل بأيام الأسبوع والتطيرّ بها 392 الطرف الثاني في الشهور، وهي على قسمين 394 القسم الأول الطبيعي والمراد به القمري، وهو على ضربين 394 الضرب الأول شهور العرب، ولهم في استعمالها طريقتان 394 الطريقة الأولى طريقة العرب، وفيها جملتان 394 الجملة الأولى في أحوال الأهلّة التي عليها مدار الشهور في ابتدائها وانتهائها 395 الجملة الثانية في أسمائها 401 الضرب الثاني شهور اليهود 408 القسم الثاني من الشهور الاصطلاحي والمراد به الشمسي، وهي على صنفين 409 الصنف الأول شهور القبط والفرس 410 الصنف الثاني شهور السريان والروم 418 الطرف الثالث في السنين، وفيه ثلاث جمل 423 الجملة الأولى في مدلول السنة والعام 423 الجملة الثانية في حقيقة السنة، وهي على قسمين 424 القسم الأول السنة الطبيعية وهي القمرية 424 القسم الثاني الاصطلاحية وهي الشمسية 425 الجملة الثالثة في فصول السنة الأربعة، وفيه ثلاثة مهايع 429 المهيع الأول في الحكمة في تغيير الفصول الأربعة في السنة 429 المهيع الثاني في كيفية انقسام السنة الشمسية إلى الفصول 429 المهيع الثالث في ذكر الفصول وأزمنتها وطبائعها 430 الطرف الرابع في أعياد الأمم ومواسمها، وفيه خمس جمل 444 الجملة الأولى في أعياد المسلمين 444
الموضوع الصفحة الجملة الثانية في أعياد الفرس 445 الجملة الثالثة في أعياد القبط، وهي على ضربين 453 الضرب الأول الأعياد الكبار 454 الضرب الثاني الأعياد الصغار 455 الجملة الرابعة في أعياد اليهود، وهي على ضربين 463 الضرب الأول ما نطقت به التوراة بزعمهم 463 الضرب الثاني ما أحدثه اليهود 465 الجملة الخامسة في أعياد الصابئين 467 الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يحتاج إليه الكاتب من الأمور العملية، وفيه فصلان 469 الفصل الأول في ذكر آلات الخط، وفيه ثلاثة أطراف 469 الطرف الأول في الدواة وآلاتها، وفيه مقصدان 469 المقصد الأول في نفس الدواة، وفيه أربع جمل 469 الجملة الأولى في فضلها 469 الجملة الثانية في أصلها في اللغة 470 الجملة الثالثة فيما ينبغي أن تتخذ منه، وما تحلّى به 470 الجملة الرابعة في قدرها وصفتها 471 الطرف الثاني في الآلات التي تشتمل عليها الدواة، وفيه جملتان 473 الجملة الأولى في فضله 473 الجملة الثانية في اشتقاقه 479 الجملة الثالثة في صفته 479 الجملة الرابعة في مساحة الأقلام في طولها وغلظها 484 الجملة الخامسة في بري الأقلام، وفيه خمسة أنظار 485 النظر الأول في اشتقاقه وأصل معناه 485 النظر الثاني في الحث على معرفة البراية 485
الموضوع الصفحة النظر الثالث في معرفة محل البراية من القلم 487 النظر الرابع في كيفية إمساك السكين حال البري 487 النظر الخامس في صنعة البراية، والبري يشتمل على معان 488 المعنى الأول في صفته، ومقداره في الطول والتقعير 488 المعنى الثاني النحت 489 المعنى الثالث الشق، وفيه مهيعان 490 المهيع الأول في فائدته 490 المهيع الثاني في صفة الشق، وفيه مدركان 491 المدرك الأول في قدره في الطول 491 المدرك الثاني في محله من الجلفة في العرض 491 المعنى الرابع القطّ، وفيه مهيعان 492 المهيع الأول اشتقاقه ومعناه 492 المهيع الثاني في صفته 492 النظر السادس في معرفة صفات القلم فيما يتعلق بالبراية 493 الجملة السادسة في مساحة رأس القلم ومقدارها من حيث موضع القطّة 494 الآلة الثانية المقلمة 495 الآلة الثالثة المدية، والنظر فيها من وجهين 495 الوجه الأول في معناها واشتقاقها 495 الوجه الثاني في صفتها 496 الآلة الرابعة المقطّ 497 الآلة الخامسة المحبرة، وتشتمل على ثلاثة أصناف 498 الصنف الأول الجونة 498 الصنف الثاني الليقة، والنظر فيها من وجهين 498 الوجه الأول في اشتقاقها 498 الوجه الثاني فيما تتخذ منه وتتعاهد به 498
الموضوع الصفحة الصنف الثالث المداد والحبر، والنظر فيه من أربعة أوجه 500 الوجه الأول في(2/532)
ووجوه تحسين الكلام 348 المقصد الثالث في بيان مقادير الكلام ومقتضيات إطالته وقصره، وهو على ثلاثة ضروب 359 الضرب الأول الإيجاز 359 الضرب الثاني الإطناب 360 الضرب الثالث المساواة 361 الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى في معرفة الأزمنة والأوقات وفيه أربعة أطراف 366 الطرف الأول في الأيام، وفيه ست جمل 366 الجملة الأولى في مدلول اليوم ومعناه وبيان ابتداء الليل والنهار 366 الجملة الثانية في اختلاف الليل والنهار بالزيادة والنقصان والبلاد والنواحي على قسمين 368 القسم الأول ما يستوي فيه الليل والنهار أبدا 368 القسم الثاني ما يختلف فيه الليل والنهار في السنة 369 الجملة الثالثة في معرفة زيادة الليل والنهار ونقصانهما بتنقل الشمس في البروج 371 الجملة الرابعة في بيان ما يعرف به ابتداء الليل والنهار 376 الجملة الخامسة في ساعات الليل والنهار 383 الجملة السادسة في أيام الأسبوع، وفيه أربعة مدارك 385 المدرك الأول في ابتداء خلقها وأصل وجودها 385 المدرك الثاني في أسمائها 388
الموضوع الصفحة المدرك الثالث في بيان أول أيام الأسبوع 392 المدرك الرابع في التفاؤل بأيام الأسبوع والتطيرّ بها 392 الطرف الثاني في الشهور، وهي على قسمين 394 القسم الأول الطبيعي والمراد به القمري، وهو على ضربين 394 الضرب الأول شهور العرب، ولهم في استعمالها طريقتان 394 الطريقة الأولى طريقة العرب، وفيها جملتان 394 الجملة الأولى في أحوال الأهلّة التي عليها مدار الشهور في ابتدائها وانتهائها 395 الجملة الثانية في أسمائها 401 الضرب الثاني شهور اليهود 408 القسم الثاني من الشهور الاصطلاحي والمراد به الشمسي، وهي على صنفين 409 الصنف الأول شهور القبط والفرس 410 الصنف الثاني شهور السريان والروم 418 الطرف الثالث في السنين، وفيه ثلاث جمل 423 الجملة الأولى في مدلول السنة والعام 423 الجملة الثانية في حقيقة السنة، وهي على قسمين 424 القسم الأول السنة الطبيعية وهي القمرية 424 القسم الثاني الاصطلاحية وهي الشمسية 425 الجملة الثالثة في فصول السنة الأربعة، وفيه ثلاثة مهايع 429 المهيع الأول في الحكمة في تغيير الفصول الأربعة في السنة 429 المهيع الثاني في كيفية انقسام السنة الشمسية إلى الفصول 429 المهيع الثالث في ذكر الفصول وأزمنتها وطبائعها 430 الطرف الرابع في أعياد الأمم ومواسمها، وفيه خمس جمل 444 الجملة الأولى في أعياد المسلمين 444
الموضوع الصفحة الجملة الثانية في أعياد الفرس 445 الجملة الثالثة في أعياد القبط، وهي على ضربين 453 الضرب الأول الأعياد الكبار 454 الضرب الثاني الأعياد الصغار 455 الجملة الرابعة في أعياد اليهود، وهي على ضربين 463 الضرب الأول ما نطقت به التوراة بزعمهم 463 الضرب الثاني ما أحدثه اليهود 465 الجملة الخامسة في أعياد الصابئين 467 الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يحتاج إليه الكاتب من الأمور العملية، وفيه فصلان 469 الفصل الأول في ذكر آلات الخط، وفيه ثلاثة أطراف 469 الطرف الأول في الدواة وآلاتها، وفيه مقصدان 469 المقصد الأول في نفس الدواة، وفيه أربع جمل 469 الجملة الأولى في فضلها 469 الجملة الثانية في أصلها في اللغة 470 الجملة الثالثة فيما ينبغي أن تتخذ منه، وما تحلّى به 470 الجملة الرابعة في قدرها وصفتها 471 الطرف الثاني في الآلات التي تشتمل عليها الدواة، وفيه جملتان 473 الجملة الأولى في فضله 473 الجملة الثانية في اشتقاقه 479 الجملة الثالثة في صفته 479 الجملة الرابعة في مساحة الأقلام في طولها وغلظها 484 الجملة الخامسة في بري الأقلام، وفيه خمسة أنظار 485 النظر الأول في اشتقاقه وأصل معناه 485 النظر الثاني في الحث على معرفة البراية 485
الموضوع الصفحة النظر الثالث في معرفة محل البراية من القلم 487 النظر الرابع في كيفية إمساك السكين حال البري 487 النظر الخامس في صنعة البراية، والبري يشتمل على معان 488 المعنى الأول في صفته، ومقداره في الطول والتقعير 488 المعنى الثاني النحت 489 المعنى الثالث الشق، وفيه مهيعان 490 المهيع الأول في فائدته 490 المهيع الثاني في صفة الشق، وفيه مدركان 491 المدرك الأول في قدره في الطول 491 المدرك الثاني في محله من الجلفة في العرض 491 المعنى الرابع القطّ، وفيه مهيعان 492 المهيع الأول اشتقاقه ومعناه 492 المهيع الثاني في صفته 492 النظر السادس في معرفة صفات القلم فيما يتعلق بالبراية 493 الجملة السادسة في مساحة رأس القلم ومقدارها من حيث موضع القطّة 494 الآلة الثانية المقلمة 495 الآلة الثالثة المدية، والنظر فيها من وجهين 495 الوجه الأول في معناها واشتقاقها 495 الوجه الثاني في صفتها 496 الآلة الرابعة المقطّ 497 الآلة الخامسة المحبرة، وتشتمل على ثلاثة أصناف 498 الصنف الأول الجونة 498 الصنف الثاني الليقة، والنظر فيها من وجهين 498 الوجه الأول في اشتقاقها 498 الوجه الثاني فيما تتخذ منه وتتعاهد به 498
الموضوع الصفحة الصنف الثالث المداد والحبر، والنظر فيه من أربعة أوجه 500 الوجه الأول في(2/533)
ووجوه تحسين الكلام 348 المقصد الثالث في بيان مقادير الكلام ومقتضيات إطالته وقصره، وهو على ثلاثة ضروب 359 الضرب الأول الإيجاز 359 الضرب الثاني الإطناب 360 الضرب الثالث المساواة 361 الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى في معرفة الأزمنة والأوقات وفيه أربعة أطراف 366 الطرف الأول في الأيام، وفيه ست جمل 366 الجملة الأولى في مدلول اليوم ومعناه وبيان ابتداء الليل والنهار 366 الجملة الثانية في اختلاف الليل والنهار بالزيادة والنقصان والبلاد والنواحي على قسمين 368 القسم الأول ما يستوي فيه الليل والنهار أبدا 368 القسم الثاني ما يختلف فيه الليل والنهار في السنة 369 الجملة الثالثة في معرفة زيادة الليل والنهار ونقصانهما بتنقل الشمس في البروج 371 الجملة الرابعة في بيان ما يعرف به ابتداء الليل والنهار 376 الجملة الخامسة في ساعات الليل والنهار 383 الجملة السادسة في أيام الأسبوع، وفيه أربعة مدارك 385 المدرك الأول في ابتداء خلقها وأصل وجودها 385 المدرك الثاني في أسمائها 388
الموضوع الصفحة المدرك الثالث في بيان أول أيام الأسبوع 392 المدرك الرابع في التفاؤل بأيام الأسبوع والتطيرّ بها 392 الطرف الثاني في الشهور، وهي على قسمين 394 القسم الأول الطبيعي والمراد به القمري، وهو على ضربين 394 الضرب الأول شهور العرب، ولهم في استعمالها طريقتان 394 الطريقة الأولى طريقة العرب، وفيها جملتان 394 الجملة الأولى في أحوال الأهلّة التي عليها مدار الشهور في ابتدائها وانتهائها 395 الجملة الثانية في أسمائها 401 الضرب الثاني شهور اليهود 408 القسم الثاني من الشهور الاصطلاحي والمراد به الشمسي، وهي على صنفين 409 الصنف الأول شهور القبط والفرس 410 الصنف الثاني شهور السريان والروم 418 الطرف الثالث في السنين، وفيه ثلاث جمل 423 الجملة الأولى في مدلول السنة والعام 423 الجملة الثانية في حقيقة السنة، وهي على قسمين 424 القسم الأول السنة الطبيعية وهي القمرية 424 القسم الثاني الاصطلاحية وهي الشمسية 425 الجملة الثالثة في فصول السنة الأربعة، وفيه ثلاثة مهايع 429 المهيع الأول في الحكمة في تغيير الفصول الأربعة في السنة 429 المهيع الثاني في كيفية انقسام السنة الشمسية إلى الفصول 429 المهيع الثالث في ذكر الفصول وأزمنتها وطبائعها 430 الطرف الرابع في أعياد الأمم ومواسمها، وفيه خمس جمل 444 الجملة الأولى في أعياد المسلمين 444
الموضوع الصفحة الجملة الثانية في أعياد الفرس 445 الجملة الثالثة في أعياد القبط، وهي على ضربين 453 الضرب الأول الأعياد الكبار 454 الضرب الثاني الأعياد الصغار 455 الجملة الرابعة في أعياد اليهود، وهي على ضربين 463 الضرب الأول ما نطقت به التوراة بزعمهم 463 الضرب الثاني ما أحدثه اليهود 465 الجملة الخامسة في أعياد الصابئين 467 الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يحتاج إليه الكاتب من الأمور العملية، وفيه فصلان 469 الفصل الأول في ذكر آلات الخط، وفيه ثلاثة أطراف 469 الطرف الأول في الدواة وآلاتها، وفيه مقصدان 469 المقصد الأول في نفس الدواة، وفيه أربع جمل 469 الجملة الأولى في فضلها 469 الجملة الثانية في أصلها في اللغة 470 الجملة الثالثة فيما ينبغي أن تتخذ منه، وما تحلّى به 470 الجملة الرابعة في قدرها وصفتها 471 الطرف الثاني في الآلات التي تشتمل عليها الدواة، وفيه جملتان 473 الجملة الأولى في فضله 473 الجملة الثانية في اشتقاقه 479 الجملة الثالثة في صفته 479 الجملة الرابعة في مساحة الأقلام في طولها وغلظها 484 الجملة الخامسة في بري الأقلام، وفيه خمسة أنظار 485 النظر الأول في اشتقاقه وأصل معناه 485 النظر الثاني في الحث على معرفة البراية 485
الموضوع الصفحة النظر الثالث في معرفة محل البراية من القلم 487 النظر الرابع في كيفية إمساك السكين حال البري 487 النظر الخامس في صنعة البراية، والبري يشتمل على معان 488 المعنى الأول في صفته، ومقداره في الطول والتقعير 488 المعنى الثاني النحت 489 المعنى الثالث الشق، وفيه مهيعان 490 المهيع الأول في فائدته 490 المهيع الثاني في صفة الشق، وفيه مدركان 491 المدرك الأول في قدره في الطول 491 المدرك الثاني في محله من الجلفة في العرض 491 المعنى الرابع القطّ، وفيه مهيعان 492 المهيع الأول اشتقاقه ومعناه 492 المهيع الثاني في صفته 492 النظر السادس في معرفة صفات القلم فيما يتعلق بالبراية 493 الجملة السادسة في مساحة رأس القلم ومقدارها من حيث موضع القطّة 494 الآلة الثانية المقلمة 495 الآلة الثالثة المدية، والنظر فيها من وجهين 495 الوجه الأول في معناها واشتقاقها 495 الوجه الثاني في صفتها 496 الآلة الرابعة المقطّ 497 الآلة الخامسة المحبرة، وتشتمل على ثلاثة أصناف 498 الصنف الأول الجونة 498 الصنف الثاني الليقة، والنظر فيها من وجهين 498 الوجه الأول في اشتقاقها 498 الوجه الثاني فيما تتخذ منه وتتعاهد به 498
الموضوع الصفحة الصنف الثالث المداد والحبر، والنظر فيه من أربعة أوجه 500 الوجه الأول في(2/534)
ووجوه تحسين الكلام 348 المقصد الثالث في بيان مقادير الكلام ومقتضيات إطالته وقصره، وهو على ثلاثة ضروب 359 الضرب الأول الإيجاز 359 الضرب الثاني الإطناب 360 الضرب الثالث المساواة 361 الفصل الثالث من الباب الأول من المقالة الأولى في معرفة الأزمنة والأوقات وفيه أربعة أطراف 366 الطرف الأول في الأيام، وفيه ست جمل 366 الجملة الأولى في مدلول اليوم ومعناه وبيان ابتداء الليل والنهار 366 الجملة الثانية في اختلاف الليل والنهار بالزيادة والنقصان والبلاد والنواحي على قسمين 368 القسم الأول ما يستوي فيه الليل والنهار أبدا 368 القسم الثاني ما يختلف فيه الليل والنهار في السنة 369 الجملة الثالثة في معرفة زيادة الليل والنهار ونقصانهما بتنقل الشمس في البروج 371 الجملة الرابعة في بيان ما يعرف به ابتداء الليل والنهار 376 الجملة الخامسة في ساعات الليل والنهار 383 الجملة السادسة في أيام الأسبوع، وفيه أربعة مدارك 385 المدرك الأول في ابتداء خلقها وأصل وجودها 385 المدرك الثاني في أسمائها 388
الموضوع الصفحة المدرك الثالث في بيان أول أيام الأسبوع 392 المدرك الرابع في التفاؤل بأيام الأسبوع والتطيرّ بها 392 الطرف الثاني في الشهور، وهي على قسمين 394 القسم الأول الطبيعي والمراد به القمري، وهو على ضربين 394 الضرب الأول شهور العرب، ولهم في استعمالها طريقتان 394 الطريقة الأولى طريقة العرب، وفيها جملتان 394 الجملة الأولى في أحوال الأهلّة التي عليها مدار الشهور في ابتدائها وانتهائها 395 الجملة الثانية في أسمائها 401 الضرب الثاني شهور اليهود 408 القسم الثاني من الشهور الاصطلاحي والمراد به الشمسي، وهي على صنفين 409 الصنف الأول شهور القبط والفرس 410 الصنف الثاني شهور السريان والروم 418 الطرف الثالث في السنين، وفيه ثلاث جمل 423 الجملة الأولى في مدلول السنة والعام 423 الجملة الثانية في حقيقة السنة، وهي على قسمين 424 القسم الأول السنة الطبيعية وهي القمرية 424 القسم الثاني الاصطلاحية وهي الشمسية 425 الجملة الثالثة في فصول السنة الأربعة، وفيه ثلاثة مهايع 429 المهيع الأول في الحكمة في تغيير الفصول الأربعة في السنة 429 المهيع الثاني في كيفية انقسام السنة الشمسية إلى الفصول 429 المهيع الثالث في ذكر الفصول وأزمنتها وطبائعها 430 الطرف الرابع في أعياد الأمم ومواسمها، وفيه خمس جمل 444 الجملة الأولى في أعياد المسلمين 444
الموضوع الصفحة الجملة الثانية في أعياد الفرس 445 الجملة الثالثة في أعياد القبط، وهي على ضربين 453 الضرب الأول الأعياد الكبار 454 الضرب الثاني الأعياد الصغار 455 الجملة الرابعة في أعياد اليهود، وهي على ضربين 463 الضرب الأول ما نطقت به التوراة بزعمهم 463 الضرب الثاني ما أحدثه اليهود 465 الجملة الخامسة في أعياد الصابئين 467 الباب الثاني من المقالة الأولى فيما يحتاج إليه الكاتب من الأمور العملية، وفيه فصلان 469 الفصل الأول في ذكر آلات الخط، وفيه ثلاثة أطراف 469 الطرف الأول في الدواة وآلاتها، وفيه مقصدان 469 المقصد الأول في نفس الدواة، وفيه أربع جمل 469 الجملة الأولى في فضلها 469 الجملة الثانية في أصلها في اللغة 470 الجملة الثالثة فيما ينبغي أن تتخذ منه، وما تحلّى به 470 الجملة الرابعة في قدرها وصفتها 471 الطرف الثاني في الآلات التي تشتمل عليها الدواة، وفيه جملتان 473 الجملة الأولى في فضله 473 الجملة الثانية في اشتقاقه 479 الجملة الثالثة في صفته 479 الجملة الرابعة في مساحة الأقلام في طولها وغلظها 484 الجملة الخامسة في بري الأقلام، وفيه خمسة أنظار 485 النظر الأول في اشتقاقه وأصل معناه 485 النظر الثاني في الحث على معرفة البراية 485
الموضوع الصفحة النظر الثالث في معرفة محل البراية من القلم 487 النظر الرابع في كيفية إمساك السكين حال البري 487 النظر الخامس في صنعة البراية، والبري يشتمل على معان 488 المعنى الأول في صفته، ومقداره في الطول والتقعير 488 المعنى الثاني النحت 489 المعنى الثالث الشق، وفيه مهيعان 490 المهيع الأول في فائدته 490 المهيع الثاني في صفة الشق، وفيه مدركان 491 المدرك الأول في قدره في الطول 491 المدرك الثاني في محله من الجلفة في العرض 491 المعنى الرابع القطّ، وفيه مهيعان 492 المهيع الأول اشتقاقه ومعناه 492 المهيع الثاني في صفته 492 النظر السادس في معرفة صفات القلم فيما يتعلق بالبراية 493 الجملة السادسة في مساحة رأس القلم ومقدارها من حيث موضع القطّة 494 الآلة الثانية المقلمة 495 الآلة الثالثة المدية، والنظر فيها من وجهين 495 الوجه الأول في معناها واشتقاقها 495 الوجه الثاني في صفتها 496 الآلة الرابعة المقطّ 497 الآلة الخامسة المحبرة، وتشتمل على ثلاثة أصناف 498 الصنف الأول الجونة 498 الصنف الثاني الليقة، والنظر فيها من وجهين 498 الوجه الأول في اشتقاقها 498 الوجه الثاني فيما تتخذ منه وتتعاهد به 498
الموضوع الصفحة الصنف الثالث المداد والحبر، والنظر فيه من أربعة أوجه 500 الوجه الأول في
تسميتهما واشتقاقهما 500 الوجه الثاني في شرف المداد والحبر، واختيار السواد لذلك 501 الوجه الثالث في صنعتهما، وفيه نظران 503 النظر الأول في مادتهما 503 النظر الثاني في صنعتهما، وفيه مسلكان 504 المسلك الأول في صنعة المداد 504 المسلك الثاني في صنعة الحبر 505 الوجه الرابع في ليق الافتتاحات 506 الآلة السادسة الملواق 508 الآلة السابعة المرملة 508 الآلة التاسعة المنفذ 510 الآلة العاشرة الملزمة 510 الآلة الحادية عشرة المفرشة 510 الآلة الثانية عشرة الممسحة 510 الآلة الثالثة عشرة المسقاة 511 الآلة الرابعة عشرة المسطرة 511 الآلة الخامسة عشرة المصقلة 511 الآلة السادسة عشرة المهراق 512 الآلة السابعة عشرة المسنّ 512 الطرف الثالث فيما يكتب فيه، وفيه ثلاث جمل 512 الجملة الأولى فما نطق به القرآن الكريم من ذلك 512 الجملة الثانية فيما كانت الأمم السالفة تكتب فيه في الزمان القديم 515 الجملة الثالثة في بيان أسماء الورق الواردة في اللغة ومعرفة أجناسه 516 تم فهرس الجزء الثاني من صبح الأعشى(2/535)
الجزء الثالث
تتمة المقالة الأولى
تتمة الباب الثاني
{بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ}
صلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله وصحبه
الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الأولى في الكلام على نفس الخطّ وفيه ثمانية أطراف
الطّرف الأوّل في فضيلة الخطّ
قال تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسََانَ مََا لَمْ يَعْلَمْ} (1) فأضاف تعليم الخط إلى نفسه، وامتنّ به على عباده وناهيك بذلك شرفا! وقال جل وعز: {ن وَالْقَلَمِ وَمََا يَسْطُرُونَ} (2) فأقسم بما يسطرونه وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {أَوْ أَثََارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} (3) أنه الخط كما تقدّم الكلام عليه.
ويروى أنّ سليمان عليه السّلام سأل عفريتا عن الكلام فقال: ريح لا يبقي! قال: فما قيده؟ قال: الكتابة.
__________
(1) سورة العلق / 321.
(2) سورة القلم / 1.
(3) سورة الأحقاف / 4.(3/3)
وقال عبيد الله بن العباس (1): الخط لسان اليد.
وقال جعفر بن يحيى (2): الخط سمط (3) الحكمة، وبه تفصّل شذورها (4)، وينتظم منثورها.
وقال النّظّام (5): الخط أصل الروح له جسدانية في سائر الأعمال. إلى ما يجري هذا المجرى.
وقال إبراهيم بن محمد الشيباني (6): الخط لسان اليد، وبهجة الضمير، وسفير العقول، ووصيّ الفكر، وسلاح المعرفة، وأنس الإخوان عند الفرقة، ومحادثتهم على بعد المسافة ومستودع السّر، وديوان الأمور.
وقال مسلم بن الوليد (7): من عجائب الله تعالى في خلقه، وإنعامه عليهم من فضله، تعليمه إيّاهم الكتاب المفيد للباقين، حكم الماضين، والمخاطب للعيون بسرائر القلوب، على لغات متفرّقة، في معان معقولة، بحروف مؤلّفة
__________
(1) هو أبو محمد، عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي. وهو أصغر من أخيه عبد الله بسنة.
رأى النبي ولم يرو عنه شيئا. استعمله علي بن أبي طالب على اليمن. مات في المدينة سنة 87هـ.
(الأعلام 4/ 194).
(2) هو جعفر بن يحيى البرمكي، أبو الفضل، وزير الرشيد العباسي. كان كاتبا بليغا يحتفظ الكتاب بتوقيعاته يتدارسونها. قتله الرشيد مع من قتل من البرامكة سنة 187هـ. (الأعلام 2/ 130).
(3) السمط هو خيط النظم ما دام فيه خرز وإلا فهو سلك. (القاموس 2/ 379واللسان 7/ 322).
(4) الشذور هي قطع الذهب الصغيرة تلقط من معدنه بلا إذابة أو هي اللؤلؤ الصغار (القاموس 2/ 58).
(5) هو إبراهيم بن سيار بن هانيء البصري: من أئمة المعتزلة تنسب إليه فرقة النظّامية من المعتزلة.
توفي سنة 231هـ. (الأعلام 1/ 43).
(6) ويعرف بالرضي الكاتب. أصله من بغداد واستقر في القيروان فترأس ديوان الإنشاء لبني الأغلب ثم للفاطميين إلى أن توفي سنة 298هـ. (الأعلام 1/ 60).
(7) كان يلقب بصريع الغواني لقوله في قصيدة له:
هل العيش إلا أن تروح مع الصّبا ... وتغدو صريع الكأس والأعين النجل
وهو أول من طلب البديع واكثر منه وتبعه الشعراء فيه (معجم الشعراء 372وطبقات الشعراء 432).(3/4)
من ألف، وباء، وجيم، ودال، متباينات الصّور، مختلفات الجهات، لقاحها التفكير، ونتاجها التأليف تخرس منفردة، وتنطق مزدوجة، بلا أصوات مسموعة، ولا ألسن مزوّرة، ولا حركات ظاهرة ما خلا قلما جوّف باريه بطنه ليعلق المداد به، وأرهف جانبيه ليردّ ما انتشر منه إليه، وشقّ رأسه ليحتبس الاستمداد عليه وأربع (1) من شفتيه، ليجمعا حواشي تصويره إليه، فهناك اشتدّ القلم برشفه، وقذف المادّة إلى صدره، ثم مجّها من شقّه بمقدار ما احتملت شفتاه بتخطيط أجزاء النقط التي أراد بها الخطوط، فالأبصار لها سامية، فإذا حكتها الألسن فالآذان لها واعية، وأولى أسمائها بها حينئذ الكلام الذي سدّاه (2) العقل، وألحمه (3)
اللسان، وقطعته الأسنان، ولفظته الشّفتان، وصدّاه الجوّ وجرّعته الأسماع على أنحاء شتّى، وسمّيت بها الأشياء لتعريف متناكرها، وتمييز متشابهها، وتبيين معلومها من مجهولها. فمن ذلك فضل الكتاب الصّناعات.
وبالجملة فليس يذكر ذاكر شيئا يجري به الخاطر، أو يميل إليه العقل، أو يلقيه الفهم، أو يقع عليه الوهم، أو تدركه الحواسّ، إلا والكتاب والكلام موكّلان به، مدبّران له، معبّران عنه.
فلما أن تضمّنت الحروف الدلالة، وقامت الألفاظ بالعبارة، نطقت الأفواه بكل لغة، وتصرّف المنطق بكل جهة، فلم تكتف منه أمّة بأمة، ولم تستغن عنه ملّة دون ملّة، فعرّب ذلك بلغة العرب التي هي القاهرة لجميع اللّغات، المنظّمة لجميع المعاني في وجيز الصّفات.
ولو لم يكن من شرف الخط إلا أن الله تعالى أنزله على آدم أو هود عليهما السلام كما تقدّم ذكره، وأنزل الصّحف على الأنبياء مسطورة، وأنزل الألواح على موسى عليه السلام مكتوبة، لكان فيه كفاية.
__________
(1) أي جعلها قويّة مستقيمة. (اللسان 8/ 107100).
(2) سدّاه العقل أي أصلحه (المعجم الوسيط 424).
(3) ألحمه اللسان أي لأمه وأحكمه (المعجم الوسيط 819).(3/5)
وأيضا فإنّ فيه من حفظ الحقوق، ومنع تمرّد ذوي العقوق، بما يسطّر عليهم من الشهادات، التي تقع في السجلات، والمكاتبات بين الناس لحوائجهم من المسافات البعيدة التي لا ينضبط مثل ذلك لحامل رسالة، ولا يناله الحاضر بمشافهة وإن كثر حفظه وزادت بلاغته، ولذلك قيل: الخطّ أفضل من اللفظ، لأن اللفظ يفهّم الحاضر فقط، والخط يفهّم الحاضر والغائب. ولله القائل في ذلك يصف القلم:
وأخرس ينطق بالمحكمات ... وجثمانه صامت أجوف
بمكّة ينطق في خفية ... وبالشام منطقه يعرف
الطرف الثاني في بيان حقيقة الخط
قال الشيخ شمس الدين بن الأكفاني (1) في كتابه «إرشاد القاصد» في حصر العلوم: «وهو علم تتعرّف منه صور الحروف المفردة، وأوضاعها، وكيفية تركيبها خطّا أو ما يكتب منها في السّطور، وكيف سبيله أن يكتب، وما لا يكتب، وإبدال ما يبدل منها في الهجاء وبماذا يبدل».
قال: «وبه ظهرت (2) خاصّة النوع الإنسانيّ من القوّة إلى الفعل، وامتاز عن سائر أنواع الحيوان، وضبطت الأموال، وترتّبت الأحوال وحفظت العلوم في الأدوار، واستمرّت على الأطوار، وانتقلت الأخبار من زمان إلى زمان، وحملت سرّا من مكان إلى مكان.
__________
(1) هو محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري السنجاري، أبو عبد الله: طبيب باحث عالم بالحكمة والربانيات. توفي بالقاهرة سنة 749هـ. وكتابه المذكور هو: إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد» (الأعلام 5/ 299).
(2) هذه العبارة وردت في الأصل هكذا: «وبه ظهرت خاصة النوع الإنساني من القوة إلى الفعل وامتاز به عن سائر الحيوان وضبط الأموال وترتيب الأحوال وحفظ العلوم في الأدوار واستمرارها على الأطوار وانتقال الأخبار من زمان إلى زمان وحمل السرّ من مكان الى مكان الخ» وما أثبتناه عن كتاب «إرشاد القاصد» للمؤلف المذكور ص 30طبع مصر. (حاشية الطبعة الأميرية: 3/ 4).(3/6)
وبهذه الفضائل حافظت الغريزة الإنسانية على قبوله بطلب تعلّمه محافظة لم يحتج بها إلى تذكار بعد الغيبة. ولهذه العلّة استغنى عن كتاب يصنّف فيه».
ثم قال: «وجميع العلوم إنما تعرف بالدلالة عليها: بالإشارة، أو اللفظ، أو الخط، فالإشارة تتوقّف على المشاهدة، واللفظ يتوقّف على حضور المخاطب وسماعه أما الخط فإنه لا يتوقّف على شيء فهو أعمّها نفعا وأشرفها».
واعلم أنه قد تقدّم في الكلام على اللغة في «النوع الأول مما يحتاج إليه الكاتب» أنه ينبغي للكاتب أن يتعلّم لغة من يحتاج إلى مخاطبته، أو مكاتبته من اللغات غير العربية فكذلك ينبغي أن يتعلم من الخطوط غير العربية ما يحتاج إليه من ذلك، فقد قال محمد بن عمر المدائني (1) في كتاب «القلم والدواة» إنه يجب عليه أن يتعلم الهندية وغيرها من الخطوط العجمية. ويؤيد ذلك ما تقدّم في الكلام على اللغة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم «أمر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم كتاب يهود من السّريانية أو العبرانية فتعلّمها» وكان يقرأ على النبيّ صلى الله عليه وسلم كتبهم ويجيبهم عنه.
الطرف الثالث في وضع الخط وفيه جملتان
الجملة الأولى في بيان المقصود من وضعه، والموازنة بينه وبين اللفظ
أما بيان المقصود من وضعه، فاعلم أنّ وضع اللفظ لأداء المعنى، الحاصل في الذهن المشعور به للمسمع إذ لا وقوف على ما في الذهن ووضع الخط لأداء اللفظ المقصود فهمه للناظر فيه. فإذا أردت إيقافك أحدا على ما في ذهنك من المعاني تكلمت بألفاظ وضعت لها، وإذا أردت تأدية ألفاظ لذلك الإيقاف إلى أحد
__________
(1) لعله موفق الدين المدائني. وقد وصفه صاحب كشف الظنون بأنه أديب كاتب له «المعاني المخترعة في صناعة الإنشاء» مولده سنة 590هـ.، ولم يذكر وفاته. (كشف الظنون 2/ 1730).(3/7)
بغير شفاه، نقشت النّقوش الموضوعة لتلك الألفاظ، فيطالع تلك النّقوش، ويفهم منها تلك الألفاظ، ومن الألفاظ تلك المعاني ولا علاقة معقولة بين المعاني والألفاظ على الأمر العام، ولا بين الألفاظ والنقوش الموضوعة ومن ثمّ جاء اختلاف اللّغات والخطوط كالعربيّة والرّومية وغيرهما.
وأما الموازنة بينه وبين اللفظ، فالأصل في ذلك أن الخطّ واللّفظ يتقاسمان فضيلة البيان ويشتركان فيها: من حيث إن الخطّ دالّ على الألفاظ والألفاظ دالّة على الأوهام ولاشتراك الخط واللفظ في هذه الفضيلة وقع التناسب بينهما في كثير من أحوالهما وذلك أنهما يعبران عن المعاني، إلا أن اللفظ معنى متحرّك والخطّ معنى ساكن، وهو وإن كان ساكنا فإنه يفعل فعل المتحرّك بإيصاله كلّ ما تضمنه إلا الأفهام وهو مستقرّ في حيّزه، قائم (1) في مكانه كما أن اللفظ فيه العذب الرشيق السائغ في الأسماع كذلك الخط فيه الرائق المستحسن الأشكال والصّور، وكما أن اللفظ فيه الجزل الفصيح الذي يستعمله مصاقع الخطباء، ومفالق الشّعراء، والمبتذل السخيف الذي يستعمله العوامّ في المكاتبة والمخاطبة، كذلك الخطّ فيه المحرّر المحقّق الذي تكتب به الكتب السلطانية والأمور المهمة، وفيه المطلق المرسل الذي يتكاتب به الناس ويستعملونه فيما بينهم. وكما أن اللفظ يقع فيه لحن الإعراب الذي يهجّنه، كذلك الخط يقع فيه لحن الهجاء. وكما أن اللفظ إذا كان مقبولا حلوا رفع المعنى الخسيس وقرّبه من النّفوس، وإن كان غثّا مستكرها وضع المعنى الرفيع وبعّده من القلوب، وكذلك الخط إذا كان جيّدا حسنا بعث الإنسان على قراءة ما أودع فيه وإن كان قليل الفائدة، وإن كان ركيكا قبيحا صرفه عن تأمّل ما تضمّنه وإن كان جليل الفائدة.
ولما اشترك اللفظ والخط في الفوائد العامّة التي جعلت فيهما وقع الاشتراك أيضا بين آلتيهما، إذ آلة اللفظ اللسان، وآلة الخط القلم وكل منهما يفعل فعل
__________
(1) في الأصل: «حيزه ومكانه فبائم» والسياق يقتضي ما أثبتناه (راجع الطبعة الأميرية ص 5).(3/8)
الآخر في الإبانة عن المعاني، إلا أن اللفظ لما كان دليلا طبيعيا جعلت آلته آلة طبيعية، والخط لما كان دليلا صناعيّا جعلت آلته آلة صناعيّة ولما تقاسمت الآلتان الدلالة نابت إحداهما مناب الأخرى فأوقعوا اسم اللسان على القلم فقالوا:
الأقلام ألسنة الأفهام، وشرّكوا بينهما في الاسم فقالوا: القلم أحد اللّسانين.
الجملة الثانية في أصل وضعه وفيه مسلكان
المسلك الأوّل في وضع مطلق الحروف
قيل: إن أوّل من وضع الخطوط والكتب كلّها آدم عليه السلام: كتبها في طين وطبخه وذلك قبل موته بثلاثمائة سنة، فلما أظلّ الأرض الغرق أصاب كلّ قوم كتابهم. وقيل أخنوخ (وهو إدريس عليه السلام). وقيل إنها أنزلت على آدم عليه السلام في إحدى وعشرين صحيفة. وقضية هذه المقالة أنها توقيفية علمها الله تعالى بالوحي والمقالتان الأوليان محتملتان لأن تكون توقيفية وأن تكون اصطلاحية وضعها آدم وإدريس عليهما السلام. على أنه يحتمل أن يكون بعض ذلك توقيفيا علمه الله تعالى بالوحي، وبعضه اصطلاحيا وضعه البشر: واحد أو جماعة، فيصير الخلاف فيه كالخلاف في اللغة هل هي توقيفية أو اصطلاحية على ما هو مقرّر في علم الأصول، والله سبحانه وتعالى أعلم (1).
__________
(1) كان العلماء فريقين وهم ينظرون إلى نشأة اللغة ومنها الخط فمنهم من آثر الا يقحم نفسه في تتبع أمر غيبي لا طائل تحته. قال السبكي في «رفع الحاجب»: الصحيح عندي أنه لا فائدة لهذه المسألة، وهو ما صححه ابن الأنباري وغيره ولذلك قيل: ذكرها في الأصول فضول.
أما الفريق الثاني فيبدو أنه وجد فائدة في دراسة نشأة اللغة، فكتب في الموضوع عدد من العلماء القدامى والمحدثين: الصاحبي، الخصائص، المزهر، البلغة في أصول اللغة. وكان ابن جنيّ من أبرز الذين كتبوا في الموضوع فذكر نظرية الإلهام ونظرية التواضع والاصطلاح. وأورد ما أطلق عليه فيما بعد النظرية الصوتية. وقد مال إلى هذه النظرية بقوله: «وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل» وقد اعتقد انه لم يرد خبر صحيح في أن اللغة توقيف وإلهام. ومن أهم أقوال ابن جنيّ في هذا المذهب: «وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات إنما هو من الأصوات المسموعات كدويّ الريح وحنين الرعد وخرير الماء ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد وهذا عندي وجه صالح.
ومذهب متقبّل». (راجع الخصائص لابن جنيّ 1/ 41. والدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني ص 271270269).(3/9)
المسلك الثاني في وضع حروف العربية
قال الشيخ أبو العباس البونيّ (1) رحمه الله في كتابه «لطائف الإشارات في أسرار الحروف المعلومات»:
يروى عن أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه أنه قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، كلّ نبيّ مرسل بم يرسل؟. قال: بكتاب منزّل. قلت: يا رسول الله، أيّ كتاب أنزل على آدم؟. قال: أب ت ث ج إلى آخره. قلت: يا رسول الله، كم حرف؟. قال: تسع وعشرون. قلت: يا رسول الله، عددت ثمانية وعشرين، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى احمرّت عيناه، ثم قال: يا أبا ذرّ، والّذى بعثني بالحقّ نبيّا! ما أنزل الله تعالى على آدم إلا تسعة وعشرين حرفا.
قلت: يا رسول الله، فيها ألف ولام. فقال عليه السلام: لام ألف حرف واحد، أنزله على آدم في صحيفة واحدة، ومعه سبعون ألف ملك من خالف لام ألف فقد كفر بما أنزل على آدم، ومن لم يعدّ لام ألف فهو بريء منّي وأنا بريء منه، ومن لا يؤمن بالحروف وهي تسعة وعشرون حرفا لا يخرج من النار أبدا».
وهذا الخبر ظاهر في أن المراد منه حروف العربية فقط، إذ قد أجاب صلى الله عليه وسلم أبا ذرّ رضي الله عنه بحروف: أب ت ث وأثبت منها لام ألف، وليس ذلك في غير
__________
(1) هو أحمد بن علي بن يوسف، صاحب المصنفات في علم الحروف. توفي بالقاهرة سنة 622هـ.
له: «شمس المعارف الكبرى» ويسمى: «شمس المعارف ولطائف العوارف في علم الحروف والخواص» أربعة اجزاء. وله «اللمعة النورانية» و «السلك الزاهر» في علم الحرف. (الأعلام 1/ 174).(3/10)
حروف العربية وقضية ذلك أن حروف العربية أنزلت على آدم عليه السلام وهو الموافق لما في أوّل الفصل قبله، لكن في كتاب «التنبيه على نقط المصاحف وشكلها» للشيخ أبي عمرو الدانيّ (1) رحمه الله أنها أنزلت على هود عليه السلام ولا تباين بينهما، لجواز أن تنزل على آدم مرّة وعلى هود أخرى، فربما نزلت الآية على نبيّ ثم نزلت على نبيّ آخر كما قيل في قوله تعالى: {حم عسق كَذََلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} (2) إنه ما بعث الله تعالى نبيّا إلّا وأنزل عليه {حم عسق}. وقد أنزلت {بِسْمِ اللََّهِ الرَّحْمََنِ الرَّحِيمِ} على سليمان عليه السلام ثم أنزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم وربما أنزلت الآية الواحدة على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين كما في الفاتحة فإنها نزلت مرة بمكة ومرة بالمدينة على أحد الأقوال.
وعلى الجملة فقضيته أنها توقيفيّة وهو الموافق لأحد الأقوال في مطلق الحروف. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أوّل من وضع الحروف العربية ثلاثة رجال من بولان (3) (وبولان قبيلة من طيء) نزلوا مدينة الأنبار (4)، وهم مرامر ابن مرّة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة (5)، اجتمعوا فوضعوا حروفا مقطّعة وموصولة، ثم قاسوها على هجاء السّريانية فأما مرامر فوضع الصّور، وأما أسلم ففصل ووصل، وأما عامر فوضع الإعجام ثم نقل هذا العلم إلى مكة وتعلّمه من تعلمه وكثر في الناس وتداولوه.
__________
(1) هو عثمان بن سعيد بن عثمان، ويقال له ابن الصيرفي: أحد حفّاظ الحديث ومن الأئمة في علم القرآن وتفسيره. توفي في دانية سنة 444هـ. ولعل كتابه المذكور هو: «المقنع» في رسم المصاحف ونقطها. (الأعلام 4/ 206).
(2) سورة الشورى / 3.
(3) بولان هو غصين بن عمرو بن الغوث، ابن طي. (نهاية الأرب 173).
(4) مدينة قرب بلخ. أول من عمرها سابور بن هرمز ثم جددها أبو العباس السفاح (معجم البلدان 1/ 257).
(5) جاء في «بلوغ الأرب» انهم تعلموا الخط من كاتب الوحي لهود عليه السلام ثم علموه أهل الأنبار ومنهم انتشرت الكتابة في العراق والحيرة وغيرها. (بلوغ الأرب 3/ 63).(3/11)
ونقل الجوهريّ (1) عن شرقيّ بن القطاميّ (2): أن أوّل من وضعه رجال من طيىء منهم مرامر بن مرّة (3) وأنشد عليه:
تعلّمت باجاد (4) وآل مرامر ... وسوّدت أثوابي ولست بكاتب
قال الجوهري: وإنما قال آل مرامر لأنه كان قد سمى كل واحد من أولاده بكلمة من أبي جاد (5) وهم ثمانية. وذكر غيره نحوه فقال: أوّل من اخترعه وألّف حروفه ستة أشخاص من طسم كانوا نزولا عند عدنان بن أدد، وكانت أسماؤهم:
أبجد، وهوّز، وحطي، وكلمن، وسعفص، وقرشت، فوضعوا الكتابة والخطّ على أسمائهم، فلما وجدوا في الألفاظ حروفا ليست في أسمائهم ألحقوها بها، وسمّوها الرّوداف، وهي الثاء المثلثة، والخاء، والذال، والظاء، والغين، والضاد المعجمات على حسب ما يلحق من حروف الجمّل، ثم انتقل عنهم إلى الأنبار، واتصل بأهل الحيرة (6)، وفشا في العرب ولم ينتشر كلّ الانتشار إلى أن كان المبعث.
وقيل: إن نفيسا ونصرا وتيما ودومة بني إسرائيل وضعوا كتابا واحدا وجعلوه سطرا واحدا موصول الحروف كلّها غير متفرق، ثم فرقه نبت وهميسع وقيذار، وفرقوا الحروف وجعلوا الأشباه والنظائر. وعن هشام بن محمد (7) عن أبيه قال:
__________
(1) هو أبو نصر، إسماعيل بن حماد لغوي من الأئمة. وخطه يذكر مع خط ابن مقلة. وهو اول من حاول الطيران ومات في سبيله في نيسابور سنة 393هـ. (الأعلام 1/ 313).
(2) هو الوليد بن حصين الكلبي، أبو المثنّى: أديب نسّابة من أهل الكوفة. علم المهدي العباسي الأدب. توفي نحو 155هـ. (الأعلام 8/ 120).
(3) في الأصل: مرار. والذي في جميع معاجم اللغة: مرامر. وجاء في لسان العرب عن المدايني:
«مرامر بن مروة» (اللسان 5/ 171. والطبعة الأميرية ص 8).
(4) في اللسان: باجادا. (اللسان 5/ 171).
(5) في اللسان «سمي كل واحد من أولاده بكلمة من أبجد» (اللسان 5/ 171).
(6) سئل المهاجرون: من أين تعلمتم الخط فقالوا: من الحيرة، وسئل أهل الحيرة: من اين تعلمتم الخط فقالوا: من الأنبار. (اللسان 5/ 172).
(7) هو هشام بن محمد بن السائب، ابن الكلبي.(3/12)
أخبرني قوم من علماء مصر أن أوّل من كتب الكتاب العربيّ رجل من بني النّضر بن كنانة، فكتبته العرب حينئذ.
وقضية هذه المقالات أنها اصطلاحية.
وفي السيرة لابن هشام: أن أوّل من كتب الخط العربيّ حمير بن سبإ (1) علّمه في المنام قال: وكانوا قبل ذلك يكتبون بالمسند سمّي بذلك لأنهم كانوا يسندونه إلى هود عليه السلام. وهو مخالف لما تقدّم من كلام أبي عمرو الدانيّ: أن العربي أنزل على هود عليه السلام.
قال السهيلي (2) رحمه الله في «التعريف والإعلام»: والأصح ما رويناه من طريق أبي عمر بن عبد البر (3) رحمه الله يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أوّل من كتب بالعربيّة إسماعيل عليه السلام» قال ابن عبد البر: وهذا أصح من رواية «أوّل من تكلّم بالعربيّة إسماعيل» وهذا محتمل للتوقيف أيضا بأن يكون إسماعيل علّمها بالوحي، وللاصطلاح بأن يكون وضعه من نفسه.
ثم أوّل ما ظهرت الكتابة العربيّة بمكة من قبل حرب بن أمية. قال المدائني: حدثني حسان بن عبد الملك الأنصاريّ قال: حدثني سليمان بن سعيد المرّيّ قال: سمعت الفرّاء (4) يقول: حدّثني العمريّ (5) أنه قيل لابن عباس: من
__________
(1) كان ملك اليمن وإليه نسبة الحميريين. لقب بحمير لكثرة لبسه الثياب الحمر وإليه ينسب الخط الحميري. (الأعلام 2/ 284).
(2) هو عبد الرحمن بن عبد الله الخثعمي السهيلي: حافظ، ضرير، عالم باللغة والسير. توفي بمراكش سنة 581هـ. وعنوان كتابه المذكور: «التعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام» (الأعلام 3/ 313).
(3) هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البرّ، النمري القرطبي المالكي. من كبار حفاظ الحديث.
مؤرخ بحاثة. ولد بقرطبة وتوفي بشاطبة سنة 463هـ (الأعلام 8/ 240).
(4) هو يحيى بن زياد، أبو زكرياء: إمام الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب. توفي في طريق مكة سنة 207هـ. (الأعلام 8/ 145)
. (5) هو عبد الرحمن بن عبد الله العمري: قاضي مصر في أيام هارون الرشيد. عزله الأمين لما تولى الخلافة سنة 194هـ. (الاعلام 3/ 312).(3/13)
أين تعلّمتم الهجاء والكتابة والشّكل؟ قال علّمناه من حرب بن أميّة، قيل: ومن أين علّمه حرب بن اميّة؟ قال: من طاريء طرأ علينا من اليمن قيل: ومن اين علّمه ذلك الطاريء؟ قال: من كاتب الوحي لهود عليه السلام.
وذكر أبو عمر والدانيّ في كتاب «التنبيه على النقط والشكل» نحوه. وقيل:
أوّل ما ظهرت باليمن من قبل أبي سفيان بن أمية، عمّ أبي سفيان بن حرب، وأتته من قبل رجل من أهل الحيرة قال أهل الحيرة: أخذناها من أهل الأنبار.
وقال أبو بكر بن أبي داود (1) عن عليّ بن حرب (2) عن هشام بن محمد بن السائب (3) قال: تعلم بشر بن عبد الملك (4) الكتابة من أهل الأنبار، وخرج إلى مكة، وتزوّج الصّهباء بنت حرب (5). وقيل: إنه لما تعلم أبو سفيان بن حرب الخطّ من أبيه تعلمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجماعة من قريش، وتعلمه معاوية ابن أبي سفيان من عمه سفيان.
أما الأوس والخزرج فقد روى الواقديّ (6) بسنده إلى سعد بن سعيد (7) قال:
كانت الكتابة العربية قليلا في الأوس والخزرج، وكان يهوديّ من يهود ماسكة (8)
__________
(1) هو عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، من كبار حفاظ الحديث عمي في آخر عمره وتوفي ببغداد سنة 316هـ (الأعلام 4/ 91).
(2) من رجال الحديث المصنفين فيه أديب شاعر. ولد بأذربيجان وتوفي بالموصل سنة 265هـ (الأعلام 4/ 270).
(3) المعروف بابن الكلبي: عالم بالأنساب وأخبار العرب وأيامها. توفي بالكوفة سنة 204هـ. له نيف ومئة وخمسون كتابا. (الأعلام 8/ 85).
(4) هو أخو أكيدر بن عبد الملك الكندي، صاحب دومة الجندل في الجاهلية. (بلوغ الأرب 3/ 368).
(5) هي أخت أبو سفيان بن حرب. (بلوغ الأرب 3/ 368).
(6) هو محمد بن عمر بن واقد السهمي، الأسلمي بالولاء من أقدم المؤرخين في الإسلام ومن حفاظ الحديث. ولد بالمدينة سنة 130وتوفي ببغداد سنة 207هـ (الأعلام 6/ 311).
(7) هو ابن قيس بن فهد الأنصاري المدني: محدّث. ذكره ابن حبّان في الثقات. توفي سنة 141هـ.
(أسماء التابعين 1/ 156).
(8) المقصود: يهود ماسخة، بالخاء المعجمة. وبنو ماسخة بطن من الأزد والأوس والخزرج فروع من أزد. وما سخة هو نبيشة بن الحارث من بني عبد الله بن مالك من الأزد، نسبت إليه القسيّ الماسخيّة.
وقال ابن الكلبي: هو اول من عمل القسيّ من العرب. (دائرة المعارف الإسلامية 3/ 169.
والأعلام 8/ 8وبهذا الضبط في اللسان وفي بلوغ الأرب للآلوسي وفي نهاية الأرب للقلقشندي).(3/14)
قد علّمها فكان يعلّمها الصّبيان فجاء الإسلام وفيهم بضعة عشر يكتبون، منهم سعيد بن زرارة، والمنذر بن عمرو، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، يكتب الكتابين جميعا العربية والعبرانية، ورافع بن مالك، وأسيد بن حضير، ومعن بن عديّ، وأبو عبس بن كثير، وأوس بن خوليّ، وبشير بن سعد.
قال صاحب «الأبحاث الجميلة في شرح العقيلة» (1): والخط العربيّ هو المعروف الآن بالكوفيّ، ومنه استنبطت الأقلام التي هي الآن، وقد ذكر ابن الحسين (2) في كتابه في قلم الثّلث (3): أن الخطّ الكوفيّ فيه عدّة أقلام مرجعها إلى أصلين: وهما التقوير والبسط.
فالمقوّر هو المعبّر عنه الآن باللّيّن، وهو الذي تكون عرقاته وما في معناها منخسفة منحطة إلى أسفل كالثلث والرقاع ونحوهما.
والمبسوط هو المعبّر عنه الآن باليابس، وهو ما لا انخساف وانحطاط فيه كالمحقّق، وعلى ترتيب هذين الأصلين الأقلام الموجودة الآن. ثم قد ذكر صاحب «إعانة المنشيء» أن أوّل ما نقل الخط العربيّ من الكوفيّ إلى ابتداء هذه الأقلام المستعملة الآن في أواخر خلافة بني أميّة وأوائل خلافة بني العباس.
__________
(1) في كشف الظنون: وتسمى أيضا: «عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد»: منظومة رائية في رسم المصحف للشيخ أبي محمد، قاسم بن فيّرة الشاطبي المتوفى سنة 590هـ. (كشف الظنون ص 2وص 1159).
(2) وجدت: محمد بن الحسين العنسي، وهو لغوي وزير من أهل القيروان توفي بتونس سنة 671 هـ. ولعلّ المقصود: إسحاق بن إبراهيم التميمي، المكنى بأبي الحسين، معلم المقتدر وأولاده وله رسالة في الخط سماها: «تحفة الواقف» (معجم المؤلفّين 9/ 240وكشف الظنون 711).
(3) وهو قلم عرضه ثماني شعرات من شعر البرذون. (صبح الأعشى 3/ 53).(3/15)
قلت: على أن الكثير من كتّاب زماننا يزعمون أن الوزير أبا عليّ بن مقلة (1)
(رحمه الله تعالى) هو أوّل من ابتدع ذلك، وهو غلط فإنا نجد من الكتب بخط الأوّلين فيما قبل المائتين ما ليس على صورة الكوفيّ بل يتغير عنه إلى نحو هذه الأوضاع المستقرّة وإن كان هو إلى الكوفيّ أميل لقربه من نقله عنه.
قال أبو جعفر النحاس (2) في «صناعة الكتّاب»: ويقال إن جودة الخط انتهت إلى رجلين من أهل الشأم يقال لهما: الضحّاك، وإسحاق بن حمّاد (3)، وكانا يخطان الجليل (4) وكأنه يريد الطّومار (5) أو قريبا منه.
قال صاحب «إعانة المنشيء»: وكان الضحاك في خلافة السّفّاح، أوّل خلفاء بني العباس، وإسحاق بن حمّاد في خلافة المنصور والمهديّ.
قال النحاس: ثم أخذ إبراهيم (يعني السّجزيّ) (6) عن إسحاق بن حماد
__________
(1) هو محمد بن علي بن الحسين بن مقلة. يضرب المثل بحسن خطه. استوزره المقتدر العباسي سنة 316هـ. ولم يلبث أن غضب عليه ونفاه إلى فارس. ثم استوزره القاهر والراضي الذي نقم عليه وقطع يده اليمنى وسجنه. ومات في سجنه سنة 328هـ. (الأعلام 6/ 273).
(2) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري: مفسّر أديب، مولده ووفاته بمصر سنة 338هـ.
(الأعلام 1/ 208).
(3) الضحاك بن عجلان وإسحاق بن حمّاد، من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. واشتهر الضحاك بعد «قطبة» الكاتب وقبل إسحاق بن حمّاد. (الفهرست 10والخط العربي وتطوره 6749).
(4) كان يكتب به على المحاريب وعلى أبواب المساجد وجدران القصور ويسمى الآن: الخط الجليّ، لأنه أكبر الأقلام وأوضحها. (الخط العربي وتطوره ص 68).
(5) المقصود قلم الطومار وهو بعرض أربع وعشرين شعرة من البرذون حسب ما جاء في الصبح. أما الطومار من الورق فهو الكامل من مقادير قطع الورق. وقلم الطومار الكبير هو قلم مبسوط كله ليس فيه شيء مستدير (الصبح 3/ 54والخط العربي وتطوره 68).
(6) ما بين هلالين هو من توضيح محقق الطبعة الأميرية، وفي الأصل «الشجري». وفي رأيه أن الأخير خطأ بناء على «تحفة أولي الألباب» للشيخ عبد الرحمن بن الصائغ المكتّب المحفوظ منها نسختان مخطوطتان بدار الكتب المصرية. ويضيف: والسجزي نسبة إلى سجستان على غير قياس. هذا وقد جاء في «نشأة الخط العربي» للجبّوري أن المصادر قد اختلفت في تسميته إلى أربعة وجوه:
السجزّى، والسنجري، والشجري، والشجيري. وقد رجّح رواية القلقشندي وهي: الشجري.
وفي فهرست ابن النديم: هو إبراهيم بن المحسن وقد جاء بعد إسحاق بن حماد. (راجع الفهرست 11ونشأة الخط العربي 2827).(3/16)
الجليل واخترع منه قلما أخفّ منه سماه قلم الثلثين (1)، وكان أخطّ أهل دهره به، ثم اخترع من قلم الثلثين قلما سماه قلم الثلث.
قال صاحب «الأبحاث الجميلة»: وأخذ يوسف أخو إبراهيم السّجزيّ القلم الجليل عن إسحاق أيضا، واخترع منه قلما أدق منه وكتبه كتابة حسنة فأعجب به ذو الرياستين الفضل بن سهل وزير المأمون، وأمر أن تحرّر الكتب السلطانية به، ولا تكتب بغيره، وسماه القلم الرّياسيّ (2). قال بعض المتأخرين:
وأظنه قلم التوقيعات.
قال النحاس: ثم أخذ عن إبراهيم السّجزيّ الأحول (3) الثلثين والثلث، واخترع منهما قلما سماه قلم النصف، وقلما أخفّ من الثلث سماه خفيف الثلث، وقلما متصل الحروف ليس في حروفه شيء ينفصل عن غيره سماه المسلسل، وقلما سماه غبار الحلية (4)، وقلما سماه خط المؤامرات (5)، وقلما سماه خطّ القصص (6)، وقلما مقصوعا سماه الحوائجيّ. قال: وكان خطه يوصف بالبهجة والحسن من غير إحكام ولا إتقان، وكان عجيب البري للقلم. وكان وجه
__________
(1) وهو بعرض ثماني عشرة شعرة. (الصبح 3/ 53).
(2) نسب ابن النديم اختراع القلم الرياسي إلى الفضل بن سهل نفسه. وهذا القلم يتفرّع إلى عدة أقلام، فمن ذلك: القلم الرياسي الكبير وقلم النصف من الرياسي، قلم الثلث وصغير النصف وخفيف الثلث، قلم المحقق، قلم المنثور، قلم الوشي، قلم المكاتبات، قلم غبار الحلية، قلم النرجس، وقلم البياض. (الفهرست ص 13).
(3) الأحول: من صناع البرامكة وكان يحرر الكتب النافذة من السلطان إلى ملوك الأطراف. ولعله إبراهيم بن عبد الله بن الصباح أو لعله محمد بن الحسن بن دينار (راجع الفهرست 117و 12 و 13).
(4) هو قلم مستدير كله ليس فيه شيء مستقيم. (الصبح 3/ 53).
(5) يكتب به في الأنصاف بين الملوك (الفهرست 11).
(6) هو قلم الرقاع ويكتب به على الأوراق الصغيرة. (الصبح 3/ 116).(3/17)
النعجة (1) مقدّما في الجليل. قال: وكان محمد بن معدان يعني المعروف بأبي درجان (2) مقدّما في خط النّصف، وكان قلمه مستوي السّنّين، وكان يشقّ الطاء والظاء والصاد والضاد بعرض النصف ويعطف مثل يا، ويصل كلّ ياء من يساره إلى يمينه بعرض النصف لا يرى فيه اضطراب. وكان أحمد (3) بن محمد بن حفص المعروف بزاقف أجلّ الكتّاب خطّا في الثلث. وكان ابن الزّيّات في أيام ابن طولون وزير المعتصم يعجبه خطّه ولا يكتب بين يديه غيره. وانتهت رياسة الخط بمصر إلى طبطب المحرّر جودة وإحكاما.
قال النحاس: وكان أهل مدينة السلام (4) يحسدون أهل مصر على طبطب وابن عبد كان (5)، يعني كاتب الإنشاء لابن طولون، ويقولون: بمصر كاتب ومحرّر ليس لأمير المؤمنين بمدينة السلام مثلهما.
قلت: ثم انتهت جودة الخط وتحريره على رأس الثلاثمائة إلى الوزير أبي عليّ محمد بن مقلة وأخيه أبي عبد الله (6).
قال صاحب «إعانة المنشيء»: وولّدا طريقة اخترعاها، وكتب في زمانهما جماعة فلم يقاربوهما. وتفرّد أبو عبد الله بالنّسخ (7)، والوزير أبو عليّ
__________
(1) وجه النعجة: ذكر ابن النديم أن وجه النعجة وأبناءه كانوا من المحررين المقدمين (الفهرست 13).
(2) في الخط العربي وتطوره هو محمد بن معدان المعروف بابن زمجان. وعن ابن معدان أخذ إسحاق ابن إبراهيم البربري المحرر (الفهرست 13والخط العربي وتطوره 49).
(3) في «الخط العربي وتطوره»: محمد بن حفص المعروف بزاقف. (ص 50).
(4) وهي مدينة بغداد التي بناها أبو جعفر المنصور وأطلق عليها هذا الاسم تفاؤلا بالسلامة. (معجم البلدان 5/ 79).
(5) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن مودود، أبو جعفر. كاتب من كبار المنشئين، ورسائله مدونة في عشر مجلدات. توفي سنة 270هـ. (الأعلام 6/ 223).
(6) هو الحسن بن علي بن مقلة. توفي سنة 338هـ. «ومقلة» لقب لوالده. (الفهرست 14).
(7) هو خط لين ذو حروف مدورة استعمل منذ القرن السابع الميلادي (الموسوعة العربية الميسرة:
759).(3/18)
بالدّرج وكان الكمال في ذلك للوزير وهو الذي هندس الحروف وأجاد تحريرها، وعنه انتشر الخطّ في مشارق الأرض ومغاربها. ولله قول القائل:
سبق الدّمع في المسير المطايا ... إذ روى من أحب عنه بقلّه
وأجاد السّطور في صفحة الخدّ ... ولم لا يجيد وهو ابن مقله
وقول الآخر:
تسلسل دمعي فوق خدّي أسطرا ... ولا عجب من ذاك وهو ابن مقلة
ثم أخذ عن ابن مقلة محمد بن السمسماني (1) ومحمد بن أسد (2) وعنهما أخذ الأستاذ أبو الحسن عليّ بن هلال المعروف بابن البوّاب (3)، وهو الذي أكمل قواعد الخط وتممها واخترع غالب الأقلام التي أسسها ابن مقلة ولما مات رثاه بعضهم بقوله:
واستشعر الكتّاب فقدك سالفا ... فجرت بصحّة ذلك الأيّام
فلذاك سوّدت الدّويّ وجوهها ... أسفا عليك وشقّت الأقلام
وممن أخذ عنه محمد بن عبد الملك، وعن محمد بن عبد الملك أخذت الشيخة المحدّثة الكاتبة زينب الملقّبة بشهدة ابنة الإبريّ (4) وعنها أخذ أمين الدين ياقوت (5) وعنه أخذ الوليّ العجميّ (6) وعليه كتب العفيف (7) وعن
__________
(1) نسبة إلى السمسم، لأنه كان يبيعه. كان أديبا وكاتبا مشهورا بمعرفة النحو. توفي سنة 415هـ (الخط العربي وتطوره ص 73حاشية 19).
(2) أخذ ابن البواب الخط في حداثته. توفي سنة 410هـ. (المرجع السابق).
(3) من أهل بغداد، توفي سنة 423هـ (الأعلام 5/ 30).
(4) هي شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج بن عمر الأبري: فقيهة من العلماء في عصرها. مولدها ووفاتها ببغداد سنة 574هـ. عرفت بالكاتبة لجودة خطها. (الأعلام 3/ 178).
(5) هو ياقوت بن عبد الله الموصلي: كاتب خطاط. ولد بالموصل وتوفي فيها سنة 618هـ (الأعلام 8/ 130).
(6) هو ولي الدين علي بن زنكي المشهور بالولي العجمي. (حاشية الطبعة الأميرية 3/ 14).
(7) هو عفيف الدين محمد الحلبي (المصدر السابق).(3/19)
العفيف أخذ ولده الشيخ عماد الدين، ويقال: إنه كان كابن البوّاب في زمانه وعن الشيخ عماد الدين بن العفيف أخذ الشيخ شمس الدين بن أبي رقيبة محتسب الفسطاط، وهو ممن عاصرناه وأخذ عنه شيخنا الشيخ شمس الدين محمد بن عليّ الزّفتاويّ المكتّب بالفسطاط، وصنف مختصرا في قلم الثلث مع قواعد ضمّها إليه في صنعة الكتابة، أحسن فيه الصنيع وبه تخرّج صاحبنا الشيخ زين الدّين شعبان بن محمد بن داود الآثاريّ (1) محتسب مصر، ونظم في صنعة الخط ألفية وسمها ب «العناية الرّبانية في الطريقة الشّعبانية» لم يسبق إلى مثلها ثم توجه بعد ذلك إلى مكة، ثم إلى اليمن والهند ثم عاد إلى مكة فأقام بها ونبغ.
قلت: وقد علم مما تقدّم ذكره أن ألقاب الأقلام: من الثلثين والنصف والثّلث وخفيف الثلث والمسلسل والغبار قديمة، وإن وقع في أذهان كثير من الناس أنها من مخترعات ابن مقلة وابن البوّاب فمن بعد هما.
الطرف الرابع في عدد الحروف، وجهة ابتدائها، وكيفية ترتيبها وفيه خمس (2) جمل
الجملة الأولى في مطلق الحروف في جميع اللغات
واعلم أن الحروف تختلف باختلاف اللّغات بحسب تعدّد مخارجها، فحروف السّريانيين، والرّوم، والفرس، والصّقلب، والتّرك، من أربعة وعشرين حرفا إلى ستة وعشرين حرفا وحروف العبرانيين، واليونانيين، والقبط الأول، والهنود وغيرهم من اثنين وثلاثين إلى ستة وثلاثين فيوجد في غير العربية من الحروف ما لا يوجد في العربية، كما يوجد في العربية ما لا يوجد في غيرها من
__________
(1) أديب له شعر فيه هجو ومجون. توفي بالقاهرة سنة 828هـ. لقب بالآثاري لإقامته في اماكن الآثار النبوية مدة (الأعلام 3/ 164).
(2) في الأصل «أربع» وما أثبتناه يتفق مع المعدود.(3/20)
اللّغات، ويكثر في الاستعمال فيها ما لا يكثر في غيرها، فالحاء المهملة، والظاء المعجمة مما أفردت بها العرب في لغاتها، واختصت بها دون غيرها من أرباب اللّغات والعين المهملة قليلة في كلام بعض الأمم ومفقودة في كلام كثير منهم وكذلك الصاد والضاد والذال المعجمة ليست في الفارسية، والثاء المثلثة ليست في الروميّة ولا في الفارسية، والفاء ليست في التركية.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان (1) رحمه الله: ولذلك يقولون في فقيه: يقيه بالباء الموحدة المشربة الفيويّة (2).
الجملة الثانية في حروف العربية
واعلم أنا لما كنا بحمد الله أمّة وسطا خير أمّة أخرجت للناس، وكان خير الأمور أوساطها، وكانت حروف اللّغات ما بين أربعة وعشرين حرفا إلى ستة وثلاثين كما تقدّم، كانت حروف الكلام العربيّ التي بها رقم القرآن الكريم ثمانية وعشرين حرفا في اللفظ، متوسطة بين حروف اللّغات، وهي اب ت ث إلى آخره وتسمى حروف الهجاء وحروف التّهجّي ويسميها سيبويه والخليل حروف العربية أي حروف اللغة العربية، وهي التي يتركّب منها الكلام العربيّ وتسمى أيضا حروف المعجم، إما لأنها مقطّعة لا تفهم إلا بإضافة بعضها إلى بعض، وإما لأن منها ما ينقط النقط المعروف، أو تنقط كلّها أي تشكل، إذ النقط قد يكون بمعنى الشّكل. وقال بعض أهل اللغة: [العجم] (3) النّقط بالسواد كمثل التاء عليها نقطتان، يقال منه أعجمت الحروف، ومعناه حروف الخط المعجم. وبعضهم (4)
__________
(1) هو محمد بن يوسف الأندلسي من كبار العلماء بالعربية والتفسير والحديث والتراجم واللغات. ولد في إحدى جهات غرناطة سنة 654هـ. وتوفي بالقاهرة سنة 745هـ. (الأعلام 7/ 152).
(2) نسبة إلى الفم.
(3) الزيادة عن لسان العرب لابن منظور. (اللسان. مادة: ع ج م).
(4) هو المبرد كما نقله عنه في اللسان (المصدر السابق).(3/21)
يجعل المعجم مصدرا بمعنى الإعجام من أعجمت الشيء إذا بيّنته فكأنها مبيّنة للكلام وتكون الهمزة في أعجمت للإزالة، أي أزلت عجمته إما بنقطه أو شكله.
قال الشيخ عبد الخالق بن أبي القاسم المصريّ (1): وإذا اعتبرت سائر اللغات بالتحقيق فلن يزيد ذلك على ثمانية وعشرين حرفا (يريد غير اللام ألف) في الحروف العربية، والقائل بذلك يجعل اللام ألف مركبا من حرفين فلا يعدّه حرفا مستقلّا.
قال علماء الحرف: وجعلت ثمانية وعشرين حرفا على عدد منازل القمر الثمانية والعشرين.
قالوا: ولما كانت المنازل القمرية يظهر منها فوق الأرض أربع عشرة منزلة ويغيب تحت الأرض أربع عشرة كانت هذه الحروف ما يظهر منها مع لام التعريف أربعة عشر بعدد المنازل الظاهرة، وهي الألف، والباء، والحاء المهملة، والخاء المعجمة، والعين المهملة، والغين المعجمة، والفاء، والقاف، والكاف، واللام، والميم، والهاء، والواو، والياء المثناة تحت. تقول الألف والباء والحاء فتظهر اللام في لفظك وكذلك في البواقي. وما يندغم منها أربعة عشر حرفا أيضا بعدد المنازل الغائبة، وهي التاء المثناة من فوق، والثاء المثلثة، والدال المهملة، والذال المعجمة، والراء والزاي، والسين المهملة، والشين المعجمة، والصاد المهملة، والضاد المعجمة، والطاء المهملة، والظاء المعجمة، والنون. تقول التاء، والثاء، والدال فتخفى في لفظك، وكذلك في البواقي.
وقد تقدّم في خبر أبي ذرّ رضي الله عنه أنها نزلت على آدم عليه السلام تسعة وعشرين حرفا عدّ منها اللام ألف وهو الموجود في التصوير فلا يعوّل إلا عليه إن صح الحديث.
__________
(1) له من الكتب: «إسعاف التحف في تفاوت الشرف»، «تقريب الأديب وتهذيب المستجيب في ايضاح الدعوة الهادية إلى الحق»، «تلخيص العويص لنيل التخصيص» الخ. ولم يذكر في هدية العارفين تاريخ وفاته. (هدية العارفين: 5/ 509).(3/22)
ثم للحروف العربية فروع توجد في اللفظ دون الكتابة مستحسنة ومستقبحة، تبلغ بها الحروف العربية سبعة وأربعين حرفا، ولا يوجد ذلك في لغة أمة من الأمم، أضربنا عن ذكرها لعدم تعلّقها بالخط الذي نحن بصدده وبالله المستعان.
الجملة الثالثة في بيان جهة ابتداءات الحروف
واعلم أن أصحاب الأقلام اختلفوا باعتبار مقاصدهم في البداءة بالحروف.
فمنهم من يبدأ من اليمين إلى اليسار كالعرب والعبرانيين والهنود وأهل الطبيعة والسّريانيين، آخذا فيه على سير الفلك من المشرق إلى المغرب، والمشرق عندهم يمين الفلك ويقال له: مأخذ (1) كوريّ، وقيل: لأن فيه الاستمداد من الكبد إلى القلب.
ومنهم من يبدأ من اليسار إلى اليمين كالرومية واليونانيّة والقبطية، وفنّ من الفارسية، آخذا فيه على سير الكواكب السبعة السيارة من المغرب إلى المشرق.
ويقال له: مأخذ دوريّ وقيل: لأنه ناشيء عن حركة القلب إلى الكبد.
الجملة الرابعة في كيفية ترتيب الحروف
واعلم أن ترتيب الحروف على ضربين: مفرد ومزدوج وبين أهل الشرق وأهل الغرب في كل من النوعين خلاف في الترتيب.
أما المفرد فأهل الشرق يرتبونه على هذا الترتيب:
أب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ ولا ي وأما أهل الغرب فإنهم يرتبونه على هذا الترتيب:
__________
(1) المأخذ هو المنهج والمصدر (المعجم الوسيط 8).(3/23)
أب ت ث ج ح خ د ذ ر ز ط ظ ك ل م ن ص ض ع غ ف ق س ش هـ ولا ي وأما المزدوج فأهل الشرق يرتبونه على هذا الترتيب:
أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ:
وأهل الغرب يرتبونه على هذا الترتيب:
أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ظغش (1).
على أنه قد اختلف في كلمات أبجد هل لها معنى أم لا، وهل يكره تعلّمها أم لا، وأكثر الناس في الشرق والغرب على تعلّمها.
وقد جاء أنها كانت تعلّم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويشهد لذلك قول الأعرابيّ في أبياته:
أتيت مهاجرين فعلّموني ... ثلاثة أسطر متتابعات
وخطّوا لي أبا جاد وقالوا ... تعلّم سعفصا وقريّشات
وقيل: إن أبجد، وهوّز، وحطي، وكلمن، كانت أسماء ملوك مدين، وإن كلمن كان في زمن شعيب عليه السلام. وقد تقدّم أن الأربعة المذكورة كانت أسماء واضعي الخط العربيّ على قول والله أعلم.
الجملة الخامسة في كيفية صور الحروف العربية وتداخل أشكالها
قد تقدّم أن الحروف العربية على تسع عشرة صورة، وهي صورة الألف، وصورة الباء والتاء والثاء، وصورة الجيم والحاء والخاء، وصورة الدال والذال، وصورة الراء والزاي، وصورة السين والشين، وصورة الصاد والضاد، وصورة الطاء والظاء، وصورة العين والغين، وصورة الفاء والقاف (2)، وصورة الكاف،
__________
(1) كذا في الأصل والضوء. ولعل الصواب: ظغض. (حاشية الطبعة الأميرية 3/ 18).
(2) لعله: وصورة القاف ليتم العدد الى تسع عشرة صورة، ولاختلاف صورتي الفاء والقاف في الرسم.(3/24)
وصورة اللام، وصورة الميم، وصورة النون، وصورة الهاء، وصورة الواو، وصورة اللام ألف، وصورة الياء، وفرّقوا بينها بالنقط كما سيأتي، وقصدوا بذلك تقليل الصّور للاختصار لأن ذلك أخفّ من أن يجعل لكل حرف صورة فتكثر الصّور. ثم ترجع الصور التسع عشرة بعد ذلك إلى خمس صور: وهي الألف والجيم والراء والنون والميم ففي صورة الألف إحدى عشرة صورة، ألف قائمة، وهي أ، وسبع (1) ألفات مسطوحة، وهي ب ت ث، ك ل ي، فكل هذه على صورة الألف غير أن فيها ما تكرّر فيه صورة الألف، وهي الكاف واللام، وألفان مبطوحتان، وهما ط ظ، وألف معطوفة، وهي لا وفي الجيم سبع صور جيم مرفّلة، وهي ج ح خ، وجيمان محذوفتان، وهما د ذ، وجيمان شاخصتان، وهما ع غ وفي الراء ثلاث صور، وهي ر ز و، وفي النون ست صور، وهي ن س ش ص ض ق وفي الميم صورتان، وهما م هـ.
الطرف الخامس في تحسين الخطّ، وفيه جملتان
الجملة الأولى في الحث على تحسين الخط
لا خفاء أن حسن الخط من أحسن الأوصاف التي يتصف بها الكاتب، وأنه يرفع قدره عند الناس، ويكون وسيلة إلى نجح مقاصده، وبلوغ مآربه مع ما ينضم إلى ذلك من الفوائد التي لا تكاد تحصى كثرة.
وقد قال أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه: «الخط الحسن يزيد الحق وضوحا».
وقال بعض العلماء: الخط كالروح في الجسد، فإذا كان الإنسان جسيما
__________
(1) لم يذكر إلا ستة ولعل الساقط هو الفاء فإنها لم تذكر في الصور التالية.(3/25)
وسيما حسن الهيئة، كان في العيون أعظم، وفي النفوس أفخم، وإذا كان على ضدّ ذلك سئمته النفوس، ومجّته القلوب فكذلك الخط إذا كان حسن الوصف، مليح الرّصف مفتّح العيون، أملس المتون، كثير الائتلاف، قليل الاختلاف، هشّت إليه النفوس، واشتهته الأرواح حتّى إن الإنسان ليقرؤه وإن كان فيه كلام دنيء، ومعنى رديء، مستزيدا منه ولو كثر، من غير سآمة تلحقه وإذا كان الخط قبيحا مجّته الأفهام، ولفظته العيون والافكار، وسئم قارئه، وإن كان فيه من الحكمة عجائبها، ومن الألفاظ غرائبها.
ويقال: إن الخط مواز للقراءة، فأجود الخط أبينه، كما أن أجود القراءة أبينها ولا يخفى أن الخط الحسن هو البيّن الرائق البهج. ثم قد تقدّم في الكلام على أصل الخط أن الخطّ واللفظ يتقاسمان فضيلة البيان، ويشتركان فيها.
قال في «مواد البيان» (1): ولما كان الخط قسما للّفظ في البيان الذي امتنّ الله تعالى بتعليمه على الإنسان، وجب على الكاتب أن يعنى بأمر الخط، ويراعي من تجويده وتصحيحه، ما يراعيه من تهذيب اللفظ وتنقيحه، ليدلّ على سرعة وسهولة كما يدلّ اللفظ البليغ البيّن، لأن الخط وإن كان على الإطلاق في المنزلة التي لا تساوى من الشرف فإنما تحصل فضائله للجيّد منه، كما أن المنطق وإن كان من الشرف في هذا الحدّ فإنما تحصل فضائله التامّة لمنطق البليغ اللّسن، دون منطق العييّ الألكن، وكذلك سائر الصنائع الفاضلة على الإطلاق إنما يحصل فضلها للماهر فيها دون المبتديء.
قال: فينبغي للكاتب ألّا يقدّم على تهذيب خطه وتحريره شيئا من آدابه فإن جودة الخط أوّل الأدوات التي ينتظم بحصولها له اسم الكتابة، ويحكم عليه إذا
__________
(1) صاحب «مواد البيان» هو علي بن خلف، أبو سعد، الكاتب النيرماني. ونيرمان قرية بالقرب من همذان. وكان من جلة الكتاب الفضلاء والرؤساء النبلاء خدم في ديوان بني بويه ببغداد. توفي سنة 414هـ. (فوات الوفيات 3/ 74).(3/26)
حازها بأنه من أهلها. وقد دخل بحسن الخط في الصناعة من إذا فحص عن مقدار معرفته وجب أن تنزّه الكتابة عن نسبته إليها.
ويجب مع ذلك أن يراعي تأسيس الخط على الوضع الذي اصطلح عليه المجيدون من الكتّاب، فقد قسم أهل الصناعة الخطّ إلى قسمين: محقّق ومطلق.
فأما المحقّق فما صحّت أشكاله وحروفه على اعتبارها مفردة.
قال في «موادّ البيان»: وهذا القسم هو الذي يستعمل في الأمور الجسمية: ككتب العهود، والإسجالات، والتمليكات التي تبقى على الأعقاب، والمكاتبات الصادرة عن الملوك إلى الملوك، الدالة على قدر المكتوب عنه والمكتوب إليه.
وأما المطلق فهو الذي تداخلت حروفه واتصل بعضها ببعض.
قال في «مواد البيان»: وهو خط مولّد من المحقّق، يستعمل في تنفيذ ما لا يمكن تأخيره من المكاتبات المهمّة والأمور العامة. قال: ويجب أن يلزم الطريقة في كل واحد من الخطين، ولا يخلط حروف أحدهما بحروف الآخر.
الجملة الثانية في الطريق إلى تحسين الخط ويتوصّل إلى ذلك بأمور
الأوّل (1) معرفة تشكيل الحروف
قال في «مواد البيان»: وهو الأصل في أدب الخط، لأن الخط إنما يسمّى جيّدا إذا حسنت أشكال حروفه، وإنما يسمّى رديئا إذا قبحت أشكال حروفه.
وحسن صور حروف الخط في العين شبيه بحسن مخارج اللفظ العذب في السّمع.
قال: والوجه في تصحيح الحروف أن يبدأ أوّلا بتقويمها مفردة مبسوطة
__________
(1) لم يذكر غيره. ولعله اكتفى بما تقدم في الأدوات من حسن البراية والحبر وغير ذلك.(3/27)
لتصح صورة كل حرف منها على حالها، ثم يؤخذ في نقويمها مجموعة مركبة، وأن يبدأ من المركّب بالثنائى والثلاثيّ، ثم بالرباعيّ، ثم بالخماسيّ فإن هذه هي أمثلة الأسماء والحروف الأصلية، وأن يعتمد في التمثيل على توقيف المهرة في الخطوط، العارفين بأوضاعها ورسومها واستعمال آلاتها، فإن لكل خط من الخطوط قلما من الأقلام يصلح لذلك الخط، وهذه الأقلام المختلفة نظير آلات الصنائع المختلفة التي يصنع الصانع بكل آلة منها جزاءا من صناعته لا يصنع به غيره ولا يعوّل على كتابة خط من الخطوط بنقل مثاله بنفسه فإن ذلك لا يكفيه، إذ لو كان ذلك كافيا لاستغني في جميع الصنائع عمن يوقّف عليها. على أن كثيرا من أصحاب الخطوط قد كتبوا طبعا دون التوقيف من أحد على طريقة من طرق المحرّرين، إلا أن الأفضل أن يبنى الخطّ على أصل يكون له أساسا، فإذا فصّلت أحواله انكشف فساد كثير من حروفه.
الطرف السادس في قواعد تتعلق بالكتابة لا يستغني الكاتب المجيد عن معرفتها وفيه جملتان
الجملة الأولى في هندسة الحروف، ومعرفة اعتبار صحتها ونحن نذكرها على ترتيب الحروف
الألف
قال الوزير أبو عليّ بن مقلة: وهي شكل مركب من خط منتصب، يجب أن يكون مستقيما غير مائل إلى استلقاء ولا انكباب. قال: وليست مناسبة لحرف في طول ولا قصر.
قال الشيخ شرف الدين محمد ابن الشيخ عز الدين بن عبد السلام (1): وهي
__________
(1) لم أجد ترجمة للشيخ شرف الدين محمد بن عز الدين بن عبد السلام والذي في هامش الصفحة 35 من الطبعة الأميرية للصبح أنه هو الشيخ شرف الدين بن الوحيد أو الشيخ شرف الدين بن عبد السلام (كذا). وفي فوات الوفيات أن ابن الوحيد هو محمد بن شريف بن يوسف، صاحب الخط الفائق والنثر والنظم، يضرب المثل بحسن كتابته. توفي سنة 711هـ. (فوات الوفيات 3/ 390والأعلام 6/ 158).(3/28)
قاعدة الحروف المفردة، وباقي الحروف متفرعة عنها ومنسوبة إليها.
ثم الذي ذكره صاحب «رسائل إخوان الصفا» (1) في رسالة الموسيقى، عند ذكر حروف المعجم استطرادا أن مساحتها في الطول تكون ثمان نقط القلم الذي تكتب به ليكون العرض ثمن الطّول.
والذي ذكره الشيخ شرف الدين محمد ابن الشيخ عز الدين بن عبد السلام:
أنها مقدّرة بست نقط.
والذي ذكره الشيخ زين الدين شعبان الآثاريّ في ألفيته أنها مقدّرة بسبع نقط، فما زاد على ذلك كان زائدا عن مقدارها وما نقص كان ناقصا عنه.
قال ابن عبد السلام: وتكون النقطة مربعة. قال: ويكون ابتداؤها بنقطة وآخرها بشظيّة.
قال ابن مقلة: واعتبارها أن تخط إلى جانبها ثلاث ألفات أو أربع ألفات فتجد فضاء ما بينها متساويا.
قال ابن عبد السلام (2): وتكون ذلك الألفات المخطوطة إلى جانبها مناسبات لها في الطول متساويات الرؤوس والأذناب.
__________
(1) إخوان الصفاء جماعة سياسية دينية ذات نزعات شيعية متطرفة، وربما كانت إسماعيلية على وجه أصح، ظهرت هذه الجماعة في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري واتخذت البصرة مقرّا لها.
نشاطهم السياسي غير معروف. أما جهودهم النظرية فقد انتجت سلسلة من الرسائل وهي تبلغ اثنتين وخمسين رسالة. ويذكر من مؤلفي الرسائل: أبو سليمان محمد بن مشير البستي المشهور بالمقدسي، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني وغيرهما (دائرة المعارف الإسلامية 2/ 453).
(2) إخوان الصفاء جماعة سياسية دينية ذات نزعات شيعية متطرفة، وربما كانت إسماعيلية على وجه أصح، ظهرت هذه الجماعة في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري واتخذت البصرة مقرّا لها.
نشاطهم السياسي غير معروف. أما جهودهم النظرية فقد انتجت سلسلة من الرسائل وهي تبلغ اثنتين وخمسين رسالة. ويذكر من مؤلفي الرسائل: أبو سليمان محمد بن مشير البستي المشهور بالمقدسي، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني وغيرهما (دائرة المعارف الإسلامية 2/ 453).(3/29)
الباء
قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من خطين: منتصب ومنسطح. قال:
ونسبته إلى الألف بالمساواة.
قال ابن عبد عبد السلام: ويكون المنتصب طوله بمقدار ثلث ألف خطّه.
قال: ويبدأ أوّله بنقطة، وكذلك آخره إن كان مرسلا، فإن كان معطوفا فليكن بسنّ القلم اليسرى، والمستدير فيه مثل المنتصب، ولكن يكون المنتصب أرجح من المستدير بنزر يسير وتكون السّنّة المبتدأ بها مترجّحة في الطّول على آخرها المعطوف.
قال ابن مقلة: واعتبار صحّتها أن تزيد في أحد سنّيها ألفا فتصير لاما، وزاد ابن عبد السلام في إيضاحه فقال: أن تزيد المنتصب تكملة ألف بحيث يكون طول جملته كطول المنسطح لا أطول ولا أقصر. ثم قال: وهذا الحرف وما يجرى مجراه من يمنة إلى يسرة، وكلّ ما كان كذلك فينبغي أن يمال القلم فيه نحو اليسرة قليلا. ولا يخفى أن التاء والثاء في معنى الباء في ذلك جميعه.
الجيم
قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من خطّين: منكبّ ونصف دائرة وقطرها مساو للألف. وأبدل ابن عبد السلام المنكبّ بالمنسطح، ثم قال: والمنسطح كثلثي ألف من خطه، وربما يكون أنقص بنقطة. قال: ومساحة نصف الدائرة كألف ونصف ألف من قلم الكتابة، ورأسها يكون من يسرة إلى يمنة على استقامة تقريبا وكلّ ما كان كذلك ينبغي أن يمال برأس القلم فيه إلى اليمنة قليلا، يبدأ أوّله بشظيّة بالسّنّ اليمنى من القلم، وآخر تعريجها بالسّنّ اليسرى منه.
قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن تخطّ عن يمينها وشمالها خطّين فلا تنقص عنهما شيئا يسيرا ولا تخرج.
وقال ابن عبد السلام: واعتبار صحة رأسها أن تكتبه من يسرة إلى يمنة على
استقامة تقريبا. قال: وحسنها أن تخفضها من الجهة اليمنى قليلا، وميزانها أن تسطر سطرا وتأخذ عليه من يسرة إلى يمنة مقدار ثلثي ألف من قلم الكتابة، بحيث لا يرتفع أولها عن آخرها إلا يسيرا، ولا آخرها عن أولها بل تكون منسبكة فيه، واعتبار نصف الدائرة أن تقابله بنصف آخر فيصير دائرة. ثم قال: وليقصد أن يجعل رأس الجيم سواء آخذا ابتداء الدائرة في جسد ثلث الرأس منسبكا فيه، بحيث يكون الثلث ضلعا واحدا.(3/30)
وقال ابن عبد السلام: واعتبار صحة رأسها أن تكتبه من يسرة إلى يمنة على
استقامة تقريبا. قال: وحسنها أن تخفضها من الجهة اليمنى قليلا، وميزانها أن تسطر سطرا وتأخذ عليه من يسرة إلى يمنة مقدار ثلثي ألف من قلم الكتابة، بحيث لا يرتفع أولها عن آخرها إلا يسيرا، ولا آخرها عن أولها بل تكون منسبكة فيه، واعتبار نصف الدائرة أن تقابله بنصف آخر فيصير دائرة. ثم قال: وليقصد أن يجعل رأس الجيم سواء آخذا ابتداء الدائرة في جسد ثلث الرأس منسبكا فيه، بحيث يكون الثلث ضلعا واحدا.
ولا يخفى أن الحاء والخاء في معنى الجيم في جميع ما تقدّم.
الدال
قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من خطين: منكبّ ومنسطح، مجموعهما مساو للألف. وجعل ابن عبد السلام منها شكلا آخر مركّبا من ثلاثة خطوط:
منكبّ، ومنسطح، ومستدير. وكأنه يريد الدال المجموعة. ثم قال: فالمنكب طوله بمقدار نصف ألف خطّه لا غير، وكذلك المنسطح. وابتداء أوّلها بنقطة، وآخرها إن كان مرسلا بقطّة، وإن كان معطوفا بسنّ القلم اليسرى.
قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن تصل طرفيها بخطّ فتجده مثلّثا متساوي الأضلاع. ولا يخفى أن الذال في معنى ما تقدّم.
الراء
قال ابن مقلة: وهي شكل مركّب من خطّ مقوّس هو ربع الدائرة التي قطرها الألف وفي رأسه سنّة مقدّرة في الفكر.
قال ابن عبد السلام: وتبدأ أولها بنقطة، وآخرها إن كان مرسلا فبسنّ القلم اليمنى، وإن كان معطوفا فبسنّه اليسرى.
قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن تصلها بمثلها فتصير نصف دائرة. ولا يخفى أن الزاي في معناها.(3/31)
السين
قال ابن مقلة: وهو شكل مركّب من خمسة خطوط: منتصب، ومقوّس.
ومنتصب، ومقوّس، ومنتصب (1).
قال ابن عبد السلام: ومساحة رأس السين من أوّل سنّ منها إلى ثالث سنّ كثلثي ألف خطّه. قال: ومساحة قوسها إن كان معطوفا مساحة ألف من خطه، وإن كان مرسلا مساحة ألفين من خطه. وطول كل سنّة مثل سدس ألف خطه، يبدأ أوّلها بنقطة، أما آخرها فإن كان مرسلا فبسنّ القلم اليمنى، وإن كان معطوفا فبسنّه اليسرى. قال: وإذا ابتدأت بالسّنّة وطلعت إلى الثانية فخذ إلى الثالثة من أعلاها ليصير بياض من أسفلها، فإنك متى أخذت رأس سنّة من أسفلها صار أسفلها مصطحبا، ويكون البياض الذي بين السنّات على السوية في البياض.
قال ابن مقلة: واعتبار صحتها يعني صحة رأسها أن تمرّ بأعلاها وأسفلها خطين فلا تخرج عنهما شيئا ولا تنقص.
ولا يخفى أن حكم الشين أيضا كذلك.
الصاد
قال ابن مقلة: هي شكل مركب من ثلاثة (2) خطوط: مقوّس، ومنسطح، ومقوس.
قال ابن عبد السلام: وابتداؤه بشظيّة، أما انتهاؤه فإن كان مرسلا فبسنّ القلم اليمنى، وإن كان معطوفا فبسنه اليسرى. قال: ومساحة رأس الصاد في
__________
(1) كذا في رسالة الوزير ابن مقلة في علم الخط والقلم الموجود منها نسخة محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 14صناعات. وفي الأصل: «ثم مقوّس». (عن حاشية الطبعة الأميرية 3/ 27).
(2) في رسالة ابن مقلة: «شكل مركب من أربعة خطوط: مستلق ومنتصب ومقوسين» (المرجع السابق).(3/32)
الطول كثلثي ألف خطه، ومساحة قوسها إن كان معطوفا مساحة ألف الكتابة، وإن كان مرسلا فمساحة ألفين من قلم خطه.
قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن تجعلها مربّعة فتصير متساوية الزّوايا في المقدار.
وقال ابن عبد السلام: اعتبار صحتها أن يكون أعلاها كراء معلّقة، والمنسطح كباء، والمقوّس كنون ويكون رأس النون مشرفا على آخرها.
ولا يخفى أن الضاد كذلك.
الطاء
قال ابن عبد السلام: هو شكل مركّب من ثلاثة خطوط: منتصب، ومقوّس، ومنسطح، يبدأ أوله بنقطة وآخره بنقطة. قال: ومساحة ضوء الطاء في الطول كثلثي ألف خطه.
قال ابن مقلة: واعتبارها كاعتبار [الصاد (1)].
وقال ابن عبد السلام: اعتبار صحتها أن يكون المنتصب كألف من خطه في الانتصاب والطول، والمقوّس كراء معلقة، والمنسطح كباء مرسلة.
ولا يخفى أن حكم الظاء في ذلك كالطاء.
العين
قال ابن مقلة: وهي شكل مركّب من خطين: مقوّس ومنسطح، أحدهما نصف الدائر.
وقال ابن عبد السلام: هي شكل مركب من ثلاثة خطوط: مقوّس، ومنكبّ،
__________
(1) الزيادة عن رسالة الوزير ابن مقلة، «ومعالم الكتابة» لابن شيث القرشي ص 30طبع مصر. (عن حاشية الطبعة الأميرية 3/ 28).(3/33)
[ومنسطح (1)] يبدأ أولها بشظيّة، وآخر تعريجها بسنّ القلم اليسرى، والتعريجة نصف دائرة ومساحة القوس كألف وثلث من قلم الكتابة، ومساحة الرأس في الطول كثلثي ألف خطه، ويصوّر من رأسها رأس صاد.
قال ابن مقلة: واعتبار صحتها كاعتبار الجيم.
وقال ابن عبد السلام: اعتبارها أن تخط عن يمينها خطّا من أعلاها إلى منتهى تعريجها فلا يقصر ظهر القوس عن يسارها يسيرا بنقطة تكون سدس ألف خطها لا غير.
ولا يخفى أن الغين في الحكم كذلك.
الفاء
قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من أربعة خطوط: منكبّ، ومستلق ومنتصب، ومنسطح.
قال ابن عبد السلام: تبدأ أوله بنقطة وتأخذه على سطر إلى جهة اليسار، ثم تأخذ المستلقي إلى أن تنتهي إلى قبالة المنسطح بحيث يصير كالدال المقلوبة. ثم تأخذ من حيث انتهت إلى أن تلصق بالمنسطح فيبقى مثلّثا متساوي الأضلاع، مساحة ضوئه نقطة بمقدار سدس ألف خطّه ثم إن كان معطوفا ختمته بسنّ القلم، وإن كان مرسلا فبقطته.
قال ابن مقلة: واعتبار صحته أن تصل بالخط الثاني منها خطّا فيصير مثلّثا قائم الزاوية.
__________
(1) الزيادة عن «تحفة أولى الألباب» للشيخ عبد الرحمن بن الصائغ. (عن حاشية الطبعة الأميرية 3/ 29).
وابن الصائغ هو عبد الرحمن بن يوسف الزين القاهري. أسس مدرسة في الخط تنسب إليه في القرن الخامس عشر الميلادي. توفي سنة 845هـ. (القلقشندي وكتابه صبح الأعشى ص 74 ومعجم المؤلفين 5/ 200).(3/34)
القاف
قال ابن مقلة: هو شكل مركّب من ثلاثة خطوط: منكبّ، ومستلق، ومقوّس.
قال ابن عبد السلام: هو مركب من أربعة خطوط، رأسها كرأس الفاء سواء بجميع ما تقدّم، وإرسالها كالنون على ما سيأتي ذكره فإن كان آخرها معطوفا فبسنّ القلم اليسرى، وإن كان مرسلا فبسنّه اليمنى. قال: ومساحة ضوء القوس من أوّله إلى آخره إن كان معطوفا كألف قلم الكتابة، وإن كان مرسلا فكألفين.
قال ابن مقلة: واعتبار صحتها كاعتبار النون، وسيأتي ذكره.
الكاف
قال ابن مقلة: شكل مركّب من أربعة خطوط: منكبّ، ومنسطح، ومنتصب، ومنسطح.
وقال ابن عبد السلام: وهو مركّب من أربعة خطوط: مستلق، ومنسطح طوله مقدار ألف وثلث ألف من قلم الكتابة، ومنكبّ طوله مقدار ثلث ألف من خطه، ومنسطح طوله مقدار ألفين من خطه، يفصل منتهى المنسطح ما بين المنسطحين.
قال: ولك أن تزيد الأسفل عن رأس الكاف بمقدار ثلث ألف الكتابة بسبب ما يتصل به، فيصير فضاء ما بين ما اتصل بآخرها إلى رأس الكاف مثل الفضاء الذي بين المنسطحين.
قال: ولا يجوز أن تكتب مختلسة إذا لم يتصل آخرها بحرف، بل إذا كانت آخر كلمة تكتب منتصبة قائمة لا غير وتكتب إذا كانت منتصبة كاللام على ما سيأتي بيانه.
قال: وتبدأ أولها بشظيّة فإذا انتهيت إلى اتصال رأسها بالمنسطح تشير بتدويرها دون تحديدها.
قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن ينفصل منها باءان. قال ابن عبد السلام:(3/35)
قال: وتبدأ أولها بشظيّة فإذا انتهيت إلى اتصال رأسها بالمنسطح تشير بتدويرها دون تحديدها.
قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن ينفصل منها باءان. قال ابن عبد السلام:
يعني مستقيمة ومقلوبة.
اللام
قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من خطين: منتصب، ومنسطح.
قال ابن عبد السلام: فالمنسطح ألف والمنتصب ياء فإن كان معطوفا فبسنّ القلم اليسرى، وإن كان مرسلا فبقطّه.
قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن تخرج من أولها إلى آخرها خطّا يماسّ الطرفين فيصير مثلّثا قائم الزاوية.
قال: وتكتب على الأنواع الثلاثة التي تكتب عليها الباء.
الميم
قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من أربعة خطوط: منكبّ، ومستلق، ومنسطح، ومقوّس.
وقال ابن عبد السلام: مركّب من أربعة خطوط: منكبّ، ومقوّس، ومستلق بتقويس، ومقوّس كالراء يكون ربع دائرة فإن كان آخرها منتصبا فهو في الوضع والطّول مثل ألف من خطه غير مائل إلى استلقاء ولا انكباب، تبدأ أول الميم بشظيّة وآخرها بشظيّة.
قال: ومساحة ضوئها مثل سدس ألف خطّها وهو مستطيل مستدير كالبيضة منتصب إلى جهة اليمين.
قال ابن مقلة: واعتبارها كاعتبار الهاء، وسيأتي.
النون
قال ابن مقلة: هو شكل مركّب من خطّ مقوّس، هو نصف الدائرة وفيه سنّة مقدّرة في الفكر.
قال ابن عبد السلام: يبدأ أوّله بنقطة، وآخره إن كان معطوفا فبسنّ القلم اليسرى، ومساحة ضوئه ألف من قلم خطه وإن كان مرسلا فبسنّ القلم اليمنى، ومساحة ضوئه ألفان من قلم خطّه.(3/36)
قال ابن مقلة: هو شكل مركّب من خطّ مقوّس، هو نصف الدائرة وفيه سنّة مقدّرة في الفكر.
قال ابن عبد السلام: يبدأ أوّله بنقطة، وآخره إن كان معطوفا فبسنّ القلم اليسرى، ومساحة ضوئه ألف من قلم خطه وإن كان مرسلا فبسنّ القلم اليمنى، ومساحة ضوئه ألفان من قلم خطّه.
قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن يوصل بها مثلها فتكون دائرة.
الهاء
قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من ثلاثة خطوط: منكبّ، ومنتصب، ومقوّس.
وقال ابن عبد السلام: من ثلاثة خطوط: منكبّ، ومنسطح بترطيب، ومستلق تبدأ أولها بنقطة وآخرها إرسالة بسن القلم اليمنى طول المنكبّ كطول نصف ألف من خطه، وطول المنسطح كثلث ألف من خطه، وطول المستلقي كنصف ألف قلم خطه.
قال ابن مقلة: واعتبار صحتها أن تجعلها مربّعة فتتساوى الزاويتان العليا وان كتساوي الزاويتين السّفلاوين.
وقال ابن عبد السلام: اعتبار صحتها أن تجعل ردّتها في ثلثيها، فإذا كمل وضعها فاجعلها مربعة فتتساوى الزاويتان العاليتان والزاويتان السافلتان.
الواو
قال ابن مقلة: هي شكل مركّب من ثلاثة خطوط: مستلق، ومنكبّ، ومقوّس.
وقال ابن عبد السلام: هي مركّبة من أربعة خطوط، رأسها كرأس الفاء وتقويسها كالراء وهو ربع دائرة، تبدأ أولها بنقطة، وآخرها إن كان معطوفا فبسنّ القلم اليسرى، وإن كان مرسلا فبسنّه اليمنى.
اللام ألف
قال ابن عبد السلام: هي شكل مركّب من ثلاثة خطوط: منكبّ، ومنسطح
مستقيم، ومستلق طول المنكبّ كطول ألف من قلم الكتابة وطول المنسطح كثلثي ألف الكتابة، وطول المستلقي كطول ألف الكتابة تبدأ أوّل المنكبّ بنقطة، وكذلك المستلقي.(3/37)
قال ابن عبد السلام: هي شكل مركّب من ثلاثة خطوط: منكبّ، ومنسطح
مستقيم، ومستلق طول المنكبّ كطول ألف من قلم الكتابة وطول المنسطح كثلثي ألف الكتابة، وطول المستلقي كطول ألف الكتابة تبدأ أوّل المنكبّ بنقطة، وكذلك المستلقي.
قال: واعتبار صحتها أن يكون ثلثها من أسفلها والثلثان من أعلاها، وأن تخط من رأس اللام الى رأس الألف خطّا مستقيما، وأن تخط من أعلاها الى أسفلها خطّا فلا يقصر عنها ولا يخرج.
قال: ومنها نوع آخر مركب من ثلاثة خطوط: منكبّ، ومستدير يقارب ألفا، ومستلق يقابل طرفه طرف المنكبّ.
الياء
قال ابن مقلة: شكل مركّب من ثلاثة (1) خطوط: مستلق، ومنكبّ، ومقوّس.
قال ابن عبد السلام: وهي كالنون وتبدأ أولها بشظيّة رأسها كدال مقلوبة، طول المستلقي منها كنصف ألف من خطه، وكذلك المنكبّ على ما تقدّم في الدال.
قال: والمقوّس إن كان معطوفا فمساحته كألف من خطّه وآخره بسنّ القلم اليسرى، وإن كان مرسلا فمساحته كألفين من خطه وآخره بسنّ القلم اليمنى.
قال: ومنها نوع كرأس الكاف المستلقي والمنسطح سواء.
قال ابن مقلة: واعتبارها كاعتبار الواو.
__________
(1) في رسالة الوزير ابن مقلة: «شكل مركب من أربعة خطوط: مستلق، ومنتصب، ومنكب، ومقوّس».
(حاشية الطبعة الأميرية 3/ 34).(3/38)
الجملة الثانية في معرفة ما يقع به ابتداء الحروف وانتهاؤها
: من نقطة أو شظيّة أو غير ذلك.
أمّا الابتداء فعلى ثلاثة أضرب:
الضرب الأول ما يبتدأ بنقطة، وهو تسع (1) صور
صورة الباء وأختيها، وصورة الدال وأختها، وصورة السين وأختها، وصورة اللام، وصورة النون، وصورة العين وأختها. وقد جمعها السّرّمرّيّ (2) في أرجوزته في أوائل كلمات بيت واحد وهو قوله:
إذا بدت دعد رقا سناها ... لعاشق ناح على هواها
على أن الشيخ شرف الدين بن عبد السلام قد وهم فعدّ منها الفاء، وليس كذلك بل هي مما يبتدأ بجلفة (3) على ما سيأتي ذكره.
الضرب الثاني ما يبتدأ بشظيّة، وهو صور خمسة أحرف الحاء والطاء والياء والصاد والكاف
وقد جمعها السّرّمرّيّ في قوله: «خطي يصك».
__________
(1) لم يصل العدد إلى التسع ولعله سبع، وسقطت صورة الراء وأختها كما يظهر بالتأمل في بقية الأضرب.
(2) هو يوسف بن محمد، أبو المظفر، نزيل دمشق: حافظ للحديث من علماء الحنابلة. ولد بسرّ من را، أي سامراء، وتفقّه ببغداد وتوفي بدمشق سنة 776هـ. له نحو مئة مصنف. (الأعلام 8/ 250).
(3) جلفة القلم ما بين مبراه إلى سنّته. ولكل قصبة جلفة بحسب صلابتها فالصلبة تطوّل، وحدّها الا تأخذ في الخط ولا تعطي فتختلف ثخانة الكتابة. (القاموس 3/ 128وحاشية الطبعة الأميرية 3/ 35 عن شرح قصيدة ابن البواب في آلات الخط للشيخ شرف الدين بن الوحيد).(3/39)
وجعل ابن عبد السلام الخمسة:
الغين، والطاء، والحاء، والكاف، والصاد.
وجمعها في قوله: «غطّ حصّك» وألحق بها أشباهها.
الضرب الثالث ما يبتدأ بجلفة. وهو صور أربعة أحرف:
القاف، والميم، والواو، والفاء وقد جمعها السّرّمرّيّ في قوله: «قم وفّ».
وأمّا الاختتام فعلى ثلاثة أضرب أيضا:
الضرب الأول ما يختتم بقطّة القلم. وهو صور ستة أحرف:
الطاء، والفاء، والباء، واللام، والدال، والكاف وجمعها ابن عبد السلام في قوله: «دبّ طفلك» ولا يخفى أن أخواتها في معناها.
الضرب الثاني ما يختتم بشظيّة
وهو صورة واحدة وهي الألف
الضرب الثالث ما يرسل في ختمه إرسالا
، وهو صورة أحد عشر حرفا، وهي:
السين، والراء، والحاء، والميم، والنون، والياء والعين، والقاف، والصاد، والواو، والهاء يجمعها قولك: «سرح منيع وقصه».(3/40)
الطرف السابع في مقدّمات تتعلق بأوضاع الخط وقوانين الكتابة، وفيه ثلاث جمل
الجملة الأولى في كيفية إمساك القلم عند الكتابة، ووضعه على الورق
قال الوزير أبو عليّ بن مقلة رحمه الله: يجب أن تكون أطراف الأصابع الثلاث: الوسطى والسّبابة والإبهام على القلم وإلى ذلك يشير أبو تمّام الطائيّ بقوله:
وسدّت ... ثلاث نواحيه الثّلاث الأنامل
أما قول القائل في وصف القلم أيضا:
وذي عفاف راكع ساجد ... أخو صلاح دمعه جاري
ملازم الخمس لأوقاتها ... مجتهدا في طاعة الباري
يريد بالخمس الأصابع الخمس فإنه على سبيل المجاز، من باب مجاز المجاورة.
قال الشيخ عماد الدين بن العفيف (1): وتكون الأصابع مبسوطة غير مقبوضة، لأن بسط الأصابع يتمكن الكاتب معه من إدارة القلم ولا يتكيء على القلم الاتكاء الشديد المضعف له، ولا يمسكه الإمساك الضعيف فيضعف اقتداره في الخط، لكن يجعل اعتماده في ذلك معتدلا.
وقال حنون: إذا أراد الكاتب أن يكتب فإنه يأخذ القلم فيتكيء على الخنصر، ويعتمد بسائر أصابعه على القلم، ويعتمد بالوسطى على البنصر، ويرفع السبّابة على القلم، ويعمل الإبهام في دورانه وتحريكه.
__________
(1) هو عماد الدين الأنصاري الشافعي المتوفى سنة 736هـ. أسس مدرسة للخط في القرن الرابع عشر الميلادي. (القلقشندي وكتابه صبح الأعشى ص 74).(3/41)
قال ابن مقلة: ويكون إمساك القلم فويق الفتحة بمقدار عرض شعيرتين أو ثلاث، وتكون أطراف الأصابع متساوية حول القلم لا تفضل إحداهنّ على الأخرى.
قال صاحب «الحلية» (1): وتكون الأصابع على القلم منبسطة غير منقبضة ليتمكّن من إدارة القلم، ولا يدار حالة الاستمداد.
قال ابن العفيف: وعلى حسب تمكّن الكاتب من إدارة قلمه وسرعة يده في الدّوران يكون صفاء جوهر حروفه.
الجملة الثانية في كيفية الاستمداد، ووضع القلم على الدّرج
أما الاستمداد (2) فهو أصل عظيم من أصول الكتابة وقد قال المقرّ العلائيّ ابن فضل الله (3): من لم يحسن الاستمداد وبري القلم فليس من الكتابة في شيء.
قال الشيخ عماد الدين بن العفيف: وإذا مدّ الكاتب فليكن القلم بين اصابعه على صورة إمساكه له حين الكتابة، ولا يديره للاستمداد، لأن أحسن المذاهب فيه أن يكون من يد الكاتب على صورة وضعه في الكتاب، ويحرّك رأس القلم من باطن يده إلى خارجها فإنه يمكن معه مقام القلم على نصبته من الأصابع، ومتى عدل عن هذا لحقته المشقّة في نقل نصبة الأصابع في كل مدّة (4).
__________
(1) لعله «حلية الأديب» وهو «مختصر غريب المصنّف» كما في كشف الظنون: ص 689. وللقلقشندي كتاب باسم: «حلية الفضل وزينة الكرم في المفاخرة بين السيف والقلم». (كشف الظنون 3/ 421).
(2) الاستمداد هو أخذ المداد أو الحبر من الدواة. والمرّة الواحدة تسمى: المدّة.
(3) علاء الدين بن محيي الدين بن فضل الله، أحد أفراد أسرة فضل الله العمري التي تولت لأكثر من قرن من الزمن وظيفة صاحب ديوان الإنشاء أو كاتب السرّ في دولتي المماليك البحرية والبرجية. وقد تولى القاضي علاء الدين ديوان الإنشاء مرتين: مرة مع أبيه محيي الدين، وكان علاء الدين يقرأ البريد على السلطان وينفذ المهمات، ومرّة أخرى تولاها استقلالا سنة 738هـ. (راجع مقدمة الطبعة الأميرية من صبح الأعشى ص 8والقلقشندي وكتابه صبح الأعشى ص 107106).
(4) الاستمداد هو أخذ المداد أو الحبر من الدواة. والمرّة الواحدة تسمى: المدّة.(3/42)
قال: وهذا من أكبر ما يحتاج إليه الكاتب، لأن هذا هو الذي عليه مدار جودة الخط.
ثم قال: وقلّما يدرك علم هذا الفصل إلا العالم الحاذق بهندسة الخط، مع ما يكون معه من الأناة وحسن التأدية.
ومن كلام المقرّ العلائيّ ابن فضل الله: ينبغي للكاتب ألّا يكثر الاستمداد بل يمدّ مدّا معتدلا، ولا يحرّك اللّيقة (1) من مكانها، ولا يعثر بالقلم فإن ذلك عيب عند الكتّاب، ولا يردّ القلم إلى اللّيقة حتّى يستوعب ما فيه من المداد، ولا يدخل منه الدواة كثيرا، بل إلى حدّ شقّه، ولا يجاوز ذلك إلى آخر الفتحة، ليأمن تسويد أنامله، وليس ذلك من خصال الكتّاب.
وأما وضع القلم على الدّرج (2) فقال أبو عليّ بن مقلة: ويجب أن يكون أوّل ما يوضع على الدّرج موضع القطة منكبّا.
الجملة الثالثة في وضع القلم على الأذن حال الكتابة عند التفكر
قال محمد بن عمر المدائني: يستحبّ للكاتب في كتابته إذا فكّر في حاجة أن يضع القلم على أذنه وساق بسنده إلى أنس بن مالك (3) رضي الله عنه: أن معاوية بن أبي سفيان كان يكتب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فكان إذا رأى من النبيّ صلى الله عليه وسلم إعراضا وضع القلم في فيه، فنظر إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال: «يا معاوية إذا كنت كاتبا فضع القلم على أذنك فإنّه أذكر لك وللمملي».
وساق بسنده أيضا إلى زيد بن ثابت (4) رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر
__________
(1) وهي الدواة، ويقال أيضا: ملاقة. (بلوغ الأرب 3/ 370والقاموس 3/ 291).
(2) الورق الذي يكتب فيه (المعجم الوسيط 277).
(3) أبو ثمامة أو أبو حمزة، صاحب رسول الله وخادمه. روى عنه رجال الحديث 2286حديثا. ولد بالمدينة سنة 10قبل الهجرة وتوفي بالبصرة سنة 93هـ. (الأعلام 2/ 2524).
(4) الأنصاري الخزرجي، أبو خارجة: من كبار الصحابة كان كاتب الوحي. هاجر مع النبي وهو ابن إحدى عشرة سنة، وكان أحد الذين جمعوا القرآن في عهد النبي. وكان عمر يستخلفه على المدينة إذا سافر. توفي سنة 45هـ. (الأعلام 3/ 57).(3/43)
إليه وهو يكتب في حوائجه فقال له: «ضع القلم على أذنك فإنّه أذكر لك».
وأخرج أيضا من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكاتبه: «ضع القلم على أذنك يكن أذكر لك».
وفي رواية عن أنس: «كان معاوية كاتبا للنبيّ فرآه يوما قد وضع القلم على الأرض فقال: يا معاوية إذا كتبت كتابا فضع القلم على أذنك».
وأخرج أيضا «أن كعبا كان يتحدث عند عائشة، فذكر إسرافيل فقال: له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب وجناح مسربل به والقلم على أذنه فإذا نزل الوحي جرى القلم ودرست (1) الملائكة. فقالت عائشة: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم».
الطرف الثامن في ذكر قوانين يعتمدها الكاتب في الخط وفيه ستّ جمل
الجملة الأولى في كيفية حركة اليد بالقلم في الكتابة، وما يجب أن يراعى في كلّ حرف
قال السّرّمرّيّ وابن عبد السلام وغير هما: كلّ خط منتصب ينبغي أن يكون الاعتماد فيه من القلم على سنّيه معا، وكل خط من يمنة إلى يسرة ينبغي أن يمال القلم فيه نحو اليسرة قليلا، وكل خط من يسرة إلى يمنة ينبغي أن يمال رأس القلم فيه إلى اليمنة قليلا، وكل شظيّة ينبغي أن تكون بالسّنّ اليمنى من القلم، وكل نقطة ينبغي أن تكون بسنّي القلم، وكل تقعير كما في النون وتعريقة الصاد يجب أن تكون بالسنّ الأيمن وكل إرسالة يجب أن تكون بسنّ القلم اليمنى، وكل تعريج كما في عراقة الجيم والعين يجب أن يكون بسنّ القلم اليسرى، وكل ما أخذ فيه من يمنة إلى يسرة كاللام ونحوها ينبغي أن يمال فيه رأس القلم إلى اليسرة قليلا،
__________
(1) درست الكتاب درسا أي ذلّلته بكثرة القراءة حتى خفّ حفظه عليّ. (اللسان 6/ 79).(3/44)
وكل ما أخذ فيه من يسرة إلى يمنة كرأس الجيم ينبغي أن يمال رأس القلم فيه إلى اليمنة قليلا، وكلّ خط منتصب فيجب أن يكون انتهاؤه إرسالة، وطول كل سنة من السين ونحوها مثل سدس ألف خطها، وقيل مثل سبعه، وكلّ شظية في أوّل أو آخر مثل سبع ألف خطّها.
قال الشيخ عماد الدين بن العفيف: وللسّنّ الأيمن من القلم الألف واللام ورفعة الطاء والنون والباء والكاف إذا كانت قائمة مبتدأة، وأواخر التعريقات والمدّات وطبقة الصاد والضاد، ومدّة السين والشين وللأيسر الجيم وأختاها والردّات وتدوير رؤوس الفاءات والقافات والهاءات والواوات والكافات المشقوقة.
قال: وكل ردّة من اليسار إلى اليمين تكون بصدر القلم.
قال: ويجب أن تكون المطّات الطويلة بسنّ القلم اليمنى مشظّاة ممالة، فتكون المطّة من رأس شظيّتها، وأن تكتب المدّات القصيرة بحرف القلم وإذا ابتدأ بالمدّة وجب أن يدار القلم على سنّه مثل مطّة الطاء وإذا وصلت المطّة بحرف مثلها كتبت بوجه القلم مثل مطّة الفاء المفردة. ثم قال: وهذا من أعظم أسرار الكتابة.
الجملة الثانية في تناسب الحروف ومقاديرها في كل قلم
قال صاحب «رسائل إخوان الصفا» في رسالة الموسيقى منه:
ينبغي لمن يرغب أن يكون خطّه جيّدا وما يكتبه صحيح التناسب، أن يجعل لذلك أصلا يبني عليه حروفه، ليكون ذلك قانونا له يرجع إليه في حروفه، لا يتجاوزه ولا يقصّر دونه.
قال: ومثال ذلك في الخطّ العربيّ أن تخط ألفا بأيّ قلم شئت، وتجعل غلظه الذي هو عرضه مناسبا لطوله، وهو الثمن ليكون الطّول مثل العرض ثمان مرّات، ثم تجعل البركار (1) على وسط الألف وتدير دائرة تحيط بالألف لا يخرج دورها عن
__________
(1) آلة ذات ساقين ترسم بها الدوائر. ويقال: البيكار.(3/45)
طرفيه، فإنّ هذا الطريق والمسلك يوصّلان إلى معرفة مقادير الحروف على النسبة، ولا تحتاج في مقاييسك ما تقصده إلى شيء يخرج عن الألف وعن الدائرة التي تحيط به.
فالباء وأخواتها كل واحدة منها يجب أن يكون تسطيحها إذا أضيفت إليه سنّها مساويا لطول الألف، فإن زاد سمج وإن قصر قبح، ومقدار ارتفاع سنّها وجميع السنن التي في السين والشين ونحوها لا يتجاوز مقدار ثمن الألف.
والجيم وأخواتها مقدار مدّتها في الابتداء لا يقصر عن نصف طول الألف.
وكذلك يجري الأمر في العين، والغين، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والراء والزاي، كل واحدة منها مثل ربع محيط الدائرة.
والدال، والذال كل واحدة منهما يجب أن يكون مقدارها إذا أزيل الانثناء الذي فيها وأعيدت إلى التسطيح لا يتجاوز طول الألف ولا يقصر دونه.
والسين، والشين كلّ واحدة منهما يجب أن تكون سننها إلى فوق مثل مقدار ثمن الألف، وفي العرض بمقدار نصفها، وفي التعريق مثل نصف الدائرة المحيطة بالألف.
والصاد، والضاد مقدار عرض كلّ منهما في مداها مثل مقدار نصف الألف وفتحة البياض فيها مقدار ثمن الألف أو سدسها، وتعريقها إلى أسفل مثل نصف الدائرة المحيطة بالألف.
والطاء، والظاء كلّ واحدة منهما في ناحية يجب أن يكون مقداره مثل مقدار جميع طول الألف وعرضه مثل نصف الألف.
والعين، والغين كلّ واحد منهما مقدار تقويسه في العرض مثل نصف الألف أو مثل الألف إذا أعيدت إلى التسطيح وأزيل تثنّيه وتقويسه من أسفل مثل نصف محيط الدائرة.
والفاء يجب أن يكون تسطيحه إلى قدّام بعد الطالع منه من فوق مثل طول الألف. وحلقته وحلقة الواو والميم كلّها إلى فوق مثل سدس الألف، وإلى أسفل في الميم والواو مثل الراء.(3/46)
والعين، والغين كلّ واحد منهما مقدار تقويسه في العرض مثل نصف الألف أو مثل الألف إذا أعيدت إلى التسطيح وأزيل تثنّيه وتقويسه من أسفل مثل نصف محيط الدائرة.
والفاء يجب أن يكون تسطيحه إلى قدّام بعد الطالع منه من فوق مثل طول الألف. وحلقته وحلقة الواو والميم كلّها إلى فوق مثل سدس الألف، وإلى أسفل في الميم والواو مثل الراء.
والقاف تقويسها من فوق ينبغي أن يكون مثل سدس طول الألف، وتعريقها مثل مقدار نصف الدائرة.
والكاف ينبغي أن يكون الأعلى منها طول الألف، وفتحة البياض التي داخله مثل سدس طول الألف، وتسطيحه من أسفل مثل أعلاه وكسرته إلى فوق مثل نصف طول الألف.
واللام يجب أن يكون مقدار طول قائمتها مثل الألف، ومدّتها إلى قدّام مثل مقدار نصف الألف.
والنون يجب أن يكون مقداره مثل نصف محيط الدائرة.
والياء ينبغي أن يكون مبدؤه دالا مقلوبة لا تتجاوز مقدار طول الألف، وتعريقها إلى أسفل مثل نصف محيط الدائرة.
ثم قال: وهذه المقادير وكمية نسبة بعضها إلى بعض هو ما توجبه قوانين الهندسة والنسبة الفاضلة، إلا أن ما يتعارفه الناس ويستعمله الكتّاب على غير ذلك.
وقد أشار الشيخ عماد الدين بن العفيف إلى ضوابط في ذلك على ما تقتضيه أوضاع الكتّاب يجب الوقوف عندها فقال:
واعلم أن مقادير الحروف متناسبة في كل خط من الخطوط.
واعلم أن صاحبنا الشيخ زين الدين شعبان الآثاريّ في ألفيته قد جعل طول الألف سبع نقط من كل قلم، ومقتضاه أن يكون العرض سبع الطول.
ثم قال: إن ما زاد عن ذلك فهو زائد في الطول، وما كان ناقصا عن ذلك فهو
ناقص، وعلى ذلك تختلف المقادير المقدّرة بالألف من الحروف بنقص قدر الثمن من الطول.(3/47)
ثم قال: إن ما زاد عن ذلك فهو زائد في الطول، وما كان ناقصا عن ذلك فهو
ناقص، وعلى ذلك تختلف المقادير المقدّرة بالألف من الحروف بنقص قدر الثمن من الطول.
فالألف واللام قدر سواء في كل خط، وكذلك الباء وأختاها، والجيم وأختاها، والعين والغين قدر سواء، والنون، والصاد، والضاد، والسين، والشين، والقاف، والياء المعرّقة قدر سواء، والراء، والزاى، والميم، والواو قدر سواء.
قال: وكل عراقة بدأت بها في كل خط مّا فعلى مثلها يكون انتهاؤها.
ثم قال: فتفهّم هذا القدر فإنه كثيرا ما يختلط على الكتّاب الحذّاق.
وقد ذكر الشيخ شرف الدين بن عبد السلام من ذلك أضربا:
أحدها ما هو متناسب الطّول، وهو خمس صور: صورة الألف، وصورة اللام، وصورة القاف، وصورة التاء، وصورة الكاف ويجمعها قولك: «القتك» وفرّع عليها أربع صور يجمعها قولك: «بث مي».
الثاني ما يجوز مدّه من أوّل السطر إلى آخره وقصره ما شاء، ما لم يقصر عن طول الألف، وهي الباء، والكاف، واللام، ويجمعها قولك: «بكل» ويتفرّع عليها أخواتها.
الثالث ما هو متناسب في المقدار، وهو ثلاث صور، يجمعها قولك:
«ديل».
والمنكبّ من الدال والمستلقي منها والمنسطح والمستلقي منها والمنكبّ من الياء بمقدار نصف ألف خطّه.
الرابع ما هو متناسب المساحة في حال العطف والإرسال: وهي القاف، والسين، والباء، والياء، والضاد، ويجمعها قولك: «قبس يض» وكل أخت تلحق بأختها.
الخامس ما هو متناسب في الإرسال وهو الميم، والواو، والزاي، ويجمعها قولك: «موز».
السادس ما هو متناسب في الضّوء والإرسال، وهو ستّ صور، هي الفاء، والقاف، والهاء، والميم، والواو، واللام ألف، ويجمعها قولك: «فقه مولا».(3/48)
الخامس ما هو متناسب في الإرسال وهو الميم، والواو، والزاي، ويجمعها قولك: «موز».
السادس ما هو متناسب في الضّوء والإرسال، وهو ستّ صور، هي الفاء، والقاف، والهاء، والميم، والواو، واللام ألف، ويجمعها قولك: «فقه مولا».
السابع ما هو متناسب ضوء الباطن، وهو ثلاث صور: الصاد، والطاء، والعين وأخواتها.
الثامن ما هو متناسب الرؤوس، وهو ثلاث: الصاد، والعين، والطاء ويجمعها قولك: «صعط» ويلحق بها أخواتها.
التاسع ما هو متناسب في التعريج، وهو العين، والجيم ويجمعهما قولك: «عج».
الجملة الثالثة فيما يجب اعتماده لكل ناحية من نواحي القلم
قد تقدّم في الكلام على براية القلم أن للقلم سنّا أيمن وسنّا أيسر، وعرضا، ووجها، وصدرا وأنه يتعيّن على الكاتب معرفة كلّ واحد منها، ليعطي كل واحد منها حقّه في الموضع الذي يقتضيه الحال. وقد ذكر السّرّمرّيّ في أرجوزته جملا كلية إذا عرفها الكاتب سهل عليه ما يرومه من ذلك فقال:
«إن كلّ خط منتصب الشّكل كالألف ونحوه يجب في كتابته الاعتماد على سنّي القلم جميعا، وكلّ خطّ آخذ من اليمين إلى اليسار يجب إمالة القلم فيه إلى اليسار شيئا يسيرا، وكلّ خطّ آخذ من اليسار إلى اليمين يجب إمالة القلم فيه إلى اليمين شيئا يسيرا، وكل نقطة يعتمد فيها بسنيه جميعا، وكل شظيّة فإنها تختلس بسنه اليمنى اختلاسا، وكل إرسالة تعقيب كما في الجيم والعين يعتمد فيها على السن الأيسر، وكلّ تقعير كما في النون يكتب بالسنّ اليمنى».
وأفصح عن ذلك الشيخ عماد الدين بن العفيف فقال:
إن للسّن الأيمن الألف واللام، ورفعة الطاء، والنون، والباء، والكاف إذا كانت قائمة مبتدأة، وأواخر التعريقات والمدّات، وطبقة خطة الصاد والضاد
المستقلّة، وبدء السين والشين، وللسن الأيسر الجيم وأختيها والردّات، وتدوير رؤوس الفاءات والهاءات والواوات والكافات المشكولة (1). ثم قال: وكل ردّة من اليسار إلى اليمين تكون بصدر القلم.(3/49)
إن للسّن الأيمن الألف واللام، ورفعة الطاء، والنون، والباء، والكاف إذا كانت قائمة مبتدأة، وأواخر التعريقات والمدّات، وطبقة خطة الصاد والضاد
المستقلّة، وبدء السين والشين، وللسن الأيسر الجيم وأختيها والردّات، وتدوير رؤوس الفاءات والهاءات والواوات والكافات المشكولة (1). ثم قال: وكل ردّة من اليسار إلى اليمين تكون بصدر القلم.
الجملة الرابعة في الترويس
والذي يدخله الترويس في الجملة الألف، والباء، والجيم، والدال، والراء، والطاء، والكاف، واللام المجموعة، ويختلف الحال في ترويسها وعدمه باختلاف الأقلام.
فمنها ما يروس حتما، ومنها ما يمتنع فيه الترويس، ومنها ما الكاتب فيه بالخيار بين الترويس وعدمه، وربما روّس بعض الحروف في بعض الأقلام ولم يروّس في بعضها. ثم قد ذكر أهل الصناعة أن ترويس الألف كسبعه، وذهب ياقوت إلى الزيادة على ذلك وترويس الباء وأختيها بقدر نقطتين وترويس الجيم بقدر نصف نصبها، وترويس الصاد والطاء كالسين، وترويس الفاء والقاف كالباء.
وسيأتي الكلام على ترويس كل حرف منها في قلمه إن شاء الله تعالى.
الجملة الخامسة فيما يطمس من الحرف ويفتح
وهي المعبر عنها بالعقد، وهي صورة الصاد، والطاء، والعين، والفاء، والقاف، والميم، والهاء، والواو، واللام ألف المخففة، ويختلف الحال فيها:
فمنها ما لا يطمس بحال، وهي: الصاد وأختها، والطاء وأختها، والعين المفردة، والمبتدأة وأختها.
__________
(1) في الأصل: «المشقوقة». وما أثبتناه من التعريف عن أشكال الحروف الآتي في هذا الجزء ص 88.(3/50)
ومنها ما يطمس في بعض الأقلام دون بعض وهي: العين المتوسطة، والعين الأخيرة وكذلك الغين، والفاء، والقاف، والميم، والهاء، والواو، واللام ألف وسيأتي الكلام على ما يطمس ويفتح من ذلك في كل قلم عند ذكره.
ثم الطّمس فيما يطمس منها على سبيل الجواز لا على سبيل اللزوم.
قال الشيخ عماد الدين بن العفيف: والرجوع في ذلك إلى قانون مضبوط، وهو أنه كلّما غلظت الأقلام كان الطمس فيها على خلاف الأصل، وكلّما رقّت كان الفتح فيها على خلاف الأصل، وذلك أنّنا عدلنا عن الفتح إلى الطّمس لأجل التلطيف.
الجملة السادسة في ذكر الأقلام المستعملة في ديوان الإنشاء في زماننا
وسيأتي في المقالة الثالثة في الكلام على ما يناسب كل مقدار من مقادير قطع الورق من الأقلام، أن المقرّ الشهابيّ بن فضل الله (1) ذكر في ذلك خمسة أقلام، وهي: مختصر الطّومار، والثّلث، وخفيف الثّلث، والتوقيع، والرّقاع (2).
فمختصر الطّومار لقطع البغدادي الكامل، والثّلث لقطع الثلثين، وخفيف الثلث لقطع النصف، والتوقيع لقطع الثلث، والرقاع لقطع العادة.
ويلتحق بالخمسة التي ذكرها ثلاثة أقلام أخر، وهي: الطّومار الكامل، والمحقّق والغبار (3).
__________
(1) هو القاضي شهاب الدين أبو العباس، أحمد بن محيي الدين بن فضل الله، أحد رجال أسرة فضل الله العمري التي أشرنا إليها في ترجمة أخيه علاء الدين. وإلى القاضي شهاب الدين يرجع الفضل في وضع المصطلح الشريف الخاص بأصول المكاتبات والمراسلات وغيرها من أعمال ديوان الإنشاء. (فوات الوفيات 1/ 157والقلقشندي وكتابه صبح الأعشى 107106).
(2) مختصر الطومار، ومقداره ما بين عرض ست عشرة شعرة من شعر البرذون وبين أربع وعشرين شعرة.
والثلث عرضه ثماني شعرات أي الثلث من عرض الطومار وخفيف الثلث صورته كصورة الثلث الثقيل المقدرة مساحته بثماني شعرات إلا أنه أدق منه قليلا وألطف مقادير منه بنزر يسير. أما التوقيع فقد سمي بذلك لأن الخلفاء والوزراء كانت توقّع به على ظهور القصص وقال القلقشندي أنه على نوعين، غير أنه لم يذكر سوى قلم التوقيع المطلق، وهو القلم الذي اخترعه يوسف أخو إبراهيم السجزّي وسماه القلم الرياسي. وقلم الرقاع هو الذي يكتب به في الرقاع: جمع رقعة، وهي الورقة الصغيرة التي تكتب فيها المكاتبات اللطيفة والقصص وما في معناها، وصوره في الأصل كصور حروف الثلث والتوقيع في الإفراد والتركيب إلا أنه يخالفه في أمور ذكرها القلقشندي ص 116من هذا الكتاب. أما المحقق، فيفهم من كلام القلقشندي أنه القلم ذو الخط العريض وهو قريب من الجليل أو لعله هو نفسه. وقلم الغبار سمي بذلك لدقته، وهو قلم ضئيل مولّد من الرقاع والنسخ، مفتّح العقد في غير ترويس فيه وينبغي أن تكون قطته مائلة إلى التدوير.
(التعريفات التي وردت عن أنواع الأقلام تجدها في هذا الكتاب في الصفحات 54، 61، 64، 104، 116، 125هذا وقد ذكر صاحب الفهرست أربعة وعشرين نوعا من الأقلام كلها متفرعة عن أربعة أساسية وهي: قلم الجليل، وقلم الطومار الكبير، وقلم النصف الثقيل، وقلم الثلث الكبير الثقيل ومخرج هذه الأربعة الأقلام من القلم الجليل وهو أبو الأقلام. الفهرست ص 1211 13).
(3) مختصر الطومار، ومقداره ما بين عرض ست عشرة شعرة من شعر البرذون وبين أربع وعشرين شعرة.
والثلث عرضه ثماني شعرات أي الثلث من عرض الطومار وخفيف الثلث صورته كصورة الثلث الثقيل المقدرة مساحته بثماني شعرات إلا أنه أدق منه قليلا وألطف مقادير منه بنزر يسير. أما التوقيع فقد سمي بذلك لأن الخلفاء والوزراء كانت توقّع به على ظهور القصص وقال القلقشندي أنه على نوعين، غير أنه لم يذكر سوى قلم التوقيع المطلق، وهو القلم الذي اخترعه يوسف أخو إبراهيم السجزّي وسماه القلم الرياسي. وقلم الرقاع هو الذي يكتب به في الرقاع: جمع رقعة، وهي الورقة الصغيرة التي تكتب فيها المكاتبات اللطيفة والقصص وما في معناها، وصوره في الأصل كصور حروف الثلث والتوقيع في الإفراد والتركيب إلا أنه يخالفه في أمور ذكرها القلقشندي ص 116من هذا الكتاب. أما المحقق، فيفهم من كلام القلقشندي أنه القلم ذو الخط العريض وهو قريب من الجليل أو لعله هو نفسه. وقلم الغبار سمي بذلك لدقته، وهو قلم ضئيل مولّد من الرقاع والنسخ، مفتّح العقد في غير ترويس فيه وينبغي أن تكون قطته مائلة إلى التدوير.
(التعريفات التي وردت عن أنواع الأقلام تجدها في هذا الكتاب في الصفحات 54، 61، 64، 104، 116، 125هذا وقد ذكر صاحب الفهرست أربعة وعشرين نوعا من الأقلام كلها متفرعة عن أربعة أساسية وهي: قلم الجليل، وقلم الطومار الكبير، وقلم النصف الثقيل، وقلم الثلث الكبير الثقيل ومخرج هذه الأربعة الأقلام من القلم الجليل وهو أبو الأقلام. الفهرست ص 1211 13).(3/51)
فالطّومار يكتب به السلطان علاماته على المكاتبات والولايات ومناشير الإقطاع.
والمحقّق استحدثت كتابته في طغراوات (1) كتب القانات (2) على ما سيأتي بيانه في موضعه.
والغبار يكتب به بطائق الحمام (3) والملطّفات (4) وما في معناها.
وحينئذ فيكون المستعمل بديوان الإنشاء في الجملة ثمانية أقلام: الطّومار،
__________
(1) جمع طغراة. وهي عبارة عن وصل كان يوضع في عصر المماليك البحرية في مناشير الإقطاعات بين وصل الطرّة والبسملة وترد فيه ألقاب السلطان. والطغرى، بألف مقصورة، كلمة أعجمية استعملها العرب. (التعريف بمصطلحات صبح الأعشى ص 233).
(2) وهي جمع «قان» وهو لقب أطلق على رؤساء الترك في القرن السابع الميلادي ومعناه رئيس الرؤساء. ولبث هذا الاسم شائعا بين الترك حتى أيام المغول، فصارت تطلق على ملك المغول الأعظم. (المرجع السابق 267).
(3) هي الرسائل التي يحملها الحمام وتكتب على ورق رقيق للغاية من صنف الورق الشامي يعرف بورق الطير ويكون من القطع الصغير في عرض ثلاثة أصابع مطبوقة. (المرجع السابق ص 65).
(4) معناها الرسائل، وكانت تكتب عادة إلى الأمراء للترضية والمدح أو التغرير والتأمين تمهيدا لما يزعمه لهم السلطان من عقوبة أو قتل. وكانت المطلفات تكتب بقلم الغبار. (المرجع السابق 327).(3/52)
ومختصر الطّومار، والثّلث، وخفيف الثلث، والتّوقيع، والرّقاع، والمحقّق، والغبار.
وقد اختلف الكتّاب في تسمية قلم الثّلث وما في معناه من الأقلام المنسوبة إلى الكسور كالثلثين والنصف على مذهبين:
المذهب الأوّل ما نقله صاحب «منهاج الإصابة» (1) عن الوزير أبي علي بن مقلة: أن الأصل في ذلك أن للخط الكوفيّ أصلين من أربع عشرة طريقة، هما لها كالحاشيتين، وهما: قلم الطومار، وهو قلم مبسوط كله ليس فيه شيء مستدير.
قال: وكثيرا ما كتب به مصاحف المدينة القديمة وقلم غبار الحلية، وهو قلم مستدير كلّه ليس فيه شيء مستقيم فالأقلام كلّها تأخذ من المستقيمة والمستديرة نسبا مختلفة، فإن كان فيه من الخطوط المستقيمة الثلث سمّي قلم الثلث، وإن كان فيه من الخطوط المستقيمة الثلثان سمّي قلم الثلثين، وعلى ذلك اقتصر صاحب» «منهاج الإصابة».
المذهب الثاني ما ذهب إليه بعض الكتّاب أن هذه الأقلام منسوبة من نسبة قلم الطّومار في المساحة وذلك أن قلم الطّومار الذي هو أجلّ الأقلام مساحة عرضه أربع وعشرون شعرة من شعر البرذون (2) كما سيأتي وقلم الثلث منه بمقدار ثلثه، وهو ثمان شعرات، وقلم النصف بمقدار نصفه، وهو اثنتا عشرة شعرة وقلم الثلثين بمقدار ثلثيه، وهو ثمان عشرة شعرة. وإلى ذلك كان يذهب بعض مشايخ الكتّاب الذين أدركناهم، وعليه اقتصر المولى زين الدين شعبان الآثاريّ في ألفيته.
وهذه صور حروف الأقلام السبعة التي تستعمل في ديوان الإنشاء ولوازمه
__________
(1) وجدت كتابين بعنوان: «منهاج الإصابة في أوضاع الكتابة» الأول لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المتوفى سنة 595هـ. والثاني لمحمد بن علي الزفتاوي المصري الكاتب المتوفى سنة 806هـ. والأرجح أن المقصود هو الزفتاوي. (ذيل كشف الظنون 4/ 585).
(2) غير العربي من الخيل والبغال، غليظ الأعضاء عظيم الخلقة قوى الأرجل. (المعجم الوسيط 48).(3/53)
وهي: الطّومار، ومختصره، والثلث، وخفيف الثلث، والرّقاع، والمحقّق (1)، والغبار في حالتى الإفراد والتركيب.
القلم الأوّل قلم الطّومار
بإضافة قلم إلى الطّومار والمراد بالطّومار الكامل من مقادير قطع الورق أصل عمله، وهو المعبّر عنه في زماننا بالفرخة فأضيف هذه القلم إليه لمناسبة الكتابة به فيه. وقد تقدّم أنه قلم جليل قدّر الكتّاب مساحة عرضه بأربع وعشرين شعرة من شعر البرذون وبه كانت الخلفاء تكتب علاماتهم في الزمن المتقدّم في أيام بني أميّة فمن بعدهم.
فقد حكى أحمد بن إبراهيم الدّورقيّ (2) في مناقب عمر بن عبد العزيز أن عمر بن عبد العزيز أتي بطومار ليكتب فيه فامتنع وقال: فيه ضياع الورق وهو من بيت مال المسلمين وبالضرورة فلا يكتب في الطّومار إلا بقلم الطّومار وهذا دليل على أنه كان موجودا فيما قبله، وأظنّه من الأمور التي رتّبها معاوية بن أبي سفيان، إذ هو أوّل من قرّر أمور الخلافة، ورتّب أحوال الملك، وبه استقرّت كتابة ملوك الديار المصرية من لدن السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» (3)
وهلمّ جرّا إلى زماننا.
__________
(1) اغفل القلقشندي الكلام على المحقق. وقد ذكر ابن النديم أن المحقق ويسمى العراقي والورّاقي ظهر في أول الدولة العباسية (الفهرست 12) ثم يشير القلقشندي إلى أن هذا القلم يستعمل في كتابة الطغراوات (3/ 131).
(2) ذكر ياقوت أنه أحمد بن إبراهيم الدورقي. وكان أبوه قد نسك فقيل له دورقيّ، على عادتهم في ذلك الوقت. وقد نسب إليه ابناه أحمد ويعقوب. روى عن إسماعيل بن عليّه ويزيد بن هارون ووكيع وأقرانهم. توفي سنة 246هـ. وقال عنه الدارقطني: أبو عبد الله بن إبراهيم بن كثير بن زيد النكري البغدادي: ثقة، صدوق. (معجم البلدان 2/ 483وذكر اسماء التابعين 2/ 13).
(3) من كبار سلاطين الدولة القلاوونية. له آثار عمرانية ضخمة وتاريخ حافل بجلائل الأعمال. ولي سلطنة مصر. ثم خلع منها لحداثة سنة ثم أعيد اليها سنة 698هـ. وتوفي سنة 741هـ. (الأعلام 7/ 11).(3/54)
قال صاحب «منهاج الإصابة»: ويكون من لبّ الجريد (1) الأخضر، ويؤخذ منه من أعلى الفتحة ما يسع رؤوس الأنامل. قال: ويمكن أن يكون من القصب الفارسيّ.
قلت: والذي استقرّ عليه الحال في كتابة العهود بالديار المصريّة بقصب البوص (2) الأبيض الغليظ الأنابيب ينتقى قصبه من جزائر الصعيد بالوجه القبليّ وفي كل سنة يجهّز (3) بريديّ بطلب هذه الأقلام من ولاة الوجه القبليّ، ويؤتى بها فتحفظ عند كاتب السرّ ويبرى منها ما يحتاج إليه في كتابة السلطان ويوضع في دواته بقدر الحاجة.
قال في «منهاج الإصابة»: ولا بدّ فيه من ثلاثة شقوق أو أكثر بقدر ما يحتاج إليه في مجّ القلم الحبر في القرطاس. واعلم أن للكتّاب فيه طريقتين:
إحداهما طريقة الثلث، فتجري الحال فيه على الميل إلى التقوير.
والثانية طريقة المحقّق، فتجري الحال فيه على الميل إلى البسط دون التقوير وسيأتي إيضاح الطريقتين وكيفية تشكيل حروفهما فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر السّرّمرّي في أرجوزته اختصاص قلم الطومار بأمور:
أحدها: أن مستداراته كلها تكون بوجه القلم، والمدّات بسنه، والتعاريق بوجهه منفتلا فيها على اليمين.
__________
(1) الجريدة سعفة طويلة، أو التي تقشر من خوصها. (القاموس 1/ 292).
(2) وهو من نباتات المستنقعات المعمرة من الفصيلة النجيلية. والجمع أبواص. (المعجم الوسيط 76).
(3) في الأصل المخطوط، كانت هذه الصفحة تحتوي على كثير من الكلمات المطموسة بالحبر غير المقروءة وقد تمّ تصحيح هذه الكلمات بعد العثور على أصل واضح الخط للجزء الثالث في بعض المكتبات الأهلية. وقد أشير إلى هذه الكلمات بوضعها بين قوسين في نهاية الجزء السادس كاستدراك على ما فات (حاشية الطبعة الأميرية 3/ 50والورقة الأخيرة من الجزء السادس للطبعة الأميرية).(3/55)
الثاني: أن الميم منه تكون مفتوحة مدوّرة. والفاء والقاف فيه أوساطها محدّدة وجنباتها مدوّرة.
الثالث: أن يكون البياض بين الأحرف كمثله بين السطور.
الرابع: أن يكون الفضل من جانبي القرطاس متساويا في المقدار.
الخامس: ألا يكون فيه صاد مدوّرة ولا كاف مشكولة.
وذكر المولى زين الدين شعبان الآثاري في ألفيته: أنه يدخل فيه الترويس في الألف، والباء، والجيم، والدال، والراء، والطاء، والكاف المجموعة، واللام، والنون في الإفراد والتركيب عند الابتداء وأنه لا يجوز فيه الطمس في شيء من عقده كالصاد، والطاء والفاء، والقاف، والميم، والهاء، والواو، واللام ألف المحققة بحال، والمعنى فيه أن الطمس لا يليق بالخط الجليل.
وهذه صورة كتابة اسم السلطان في المكاتبات والولايات وغيرها منسوبا للسلطان الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون (1)
__________
(1) من ملوك الدولة القلاوونية بمصر والشام. بويع بمصر صغيرا بعد مقتل أخيه حاجي المظفر سنة 748هـ. واستمر إلى سنة 752هـ. عندما خلعه الجند وسجن. وولوا أخاه صالحا ثم خلعوه وأعادوا الناصر مرة ثانية فقيض على السلطة بحزم إلى أن أن كمن له مملوكه «يلبغا أروس»، فقاتله بعدد قليل من حاشيته ثم هرب الى الشام حيث قبض عليه. وقيل خنق ورمي في النيل (الأعلام 2/ 216).(3/56)
صورة ما يكتب في جليل المكاتبات؟؟؟
صورة ما يكتب في متوسطات المكاتبات؟؟؟
صورة ما يكتب في صغار المكاتبات؟؟؟
وهذه صورة كتابة العلامة على المناشير للإقطاع لمن علامته «الله أملي» بياء راجعة؟؟؟(3/57)
صورة ما يكتب في جليل المكاتبات؟؟؟
صورة ما يكتب في متوسطات المكاتبات؟؟؟
صورة ما يكتب في صغار المكاتبات؟؟؟
وهذه صورة كتابة العلامة على المناشير للإقطاع لمن علامته «الله أملي» بياء راجعة؟؟؟(3/58)
صورة ما يكتب في جليل المكاتبات؟؟؟
صورة ما يكتب في متوسطات المكاتبات؟؟؟
صورة ما يكتب في صغار المكاتبات؟؟؟
وهذه صورة كتابة العلامة على المناشير للإقطاع لمن علامته «الله أملي» بياء راجعة؟؟؟(3/59)
صورة ما يكتب في جليل المكاتبات؟؟؟
صورة ما يكتب في متوسطات المكاتبات؟؟؟
صورة ما يكتب في صغار المكاتبات؟؟؟
وهذه صورة كتابة العلامة على المناشير للإقطاع لمن علامته «الله أملي» بياء راجعة؟؟؟(3/60)
القلم الثاني قلم مختصر الطومار
بإضافة قلم إلى مختصر، وربما قيل فيه مختصر الطّومار المضاف وهو الذي يكتب به في قطع البغداديّ الكامل.
وقد ذكر المولى زين الدّين شعبان الآثاري في ألفيّته: أن مقدار مساحته ما بين كامل الطّومار وبين قلم الثلثين، وحينئذ فيكون مقداره ما بين عرض ست عشرة شعرة من شعر البرذون وبين أربع وعشرين شعرة والحامل له على ذلك أن أعلى ما وضعوه من الأقلام المنسوبة لكسر من الكسور قلم الثلثين، وهو عرض ستّ عشرة شعرة فلو كان مرادهم بمختصر الطومار هذا المقدار، لعبّروا عنه بقلم الثلثين دون مختصر الطومار، فتعين أن يكون فوق ذلك ودون الطومار الكامل، فيكون ما بين عرض ثمان عشرة شعرة وعرض أربع وعشرين شعرة.
ثم هذا القلم يجوز أن يكتب به على طريقة الثلث في الميل في حروفه إلى التقوير وعلى ذلك يكتب كتّاب ديوان الإنشاء في عهود الملوك عن الخلفاء، والمكاتبة إلى القانات العظام من ملوك بلاد الشرق. ويجوز أن يكتب به على طريقة المحقّق في الميل في حروفه إلى البسط كما في الطريقة الثانية من قلم الطّومار، وسيأتي ذكر تشكيل الثلث فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ولا يخفى أن هذا القلم بالنسبة إلى الترويس وعدم الطمس على ما تقدّم في الطومار للحوقه به في الجلالة وسعة مساحة العرض.
وهذه صورة كتابته(3/61)
ولا يخفى أن هذا القلم بالنسبة إلى الترويس وعدم الطمس على ما تقدّم في الطومار للحوقه به في الجلالة وسعة مساحة العرض.
وهذه صورة كتابته(3/62)
القلم الثالث قلم الثلث
بإضافة قلم إلى الثلث، ويقال فيه الثلث بحذف المضاف وهو الذي يكتب به في قطع الثلثين.
وقد تقدّم اختلاف الكتّاب في نسبته هل هو باعتبار التقوير والبسط، أو باعتبار أنه ثلث مساحة الطومار، من حيث إن عرض الطومار أربع وعشرون شعرة من شعر البرذون، وعرض الثلث ثمان شعرات وهي الثلث من ذلك وقطّة هذا القلم محرّفة لأنه يحتاج فيه إلى تشعيرات لا تتأتى إلا بحرف القلم، وهو إلى التقوير أميل منه إلى البسط، بخلاف المحقّق على ما سيأتي ذكره، والترويس فيه لازم.
وقد ذكر المولى زين الدين شعبان الآثاري في ألفيّته: أنه يروّس فيه من الحروف الألف المفردة، والجيم وأختاها، والطاء، والكاف المجموعة، واللام المفردة، والسّنّة المبتدأة وعقده من الصاد وأختها، والطاء وأختها، والعين وأختها، والفاء، والقاف، والميم، والهاء، والواو، واللام ألف المحققة، كلّها مفتحة لا يجوز فيها الطمس بحال. وهو على نوعين:
النوع الأوّل الثلث الثقيل
وربما قيل فيه ثقيل الثلث، وهو المقدّرة مساحته بثمان شعرات على ما تقدّم ذكره، وهذه صوره مفردة ومركبة:
الصورة الأولى صورة الالف
الألف على ضربين: مفردة ومركّبة،
الضرب الأول المفردة
فالمفردة على ثلاثة أنواع:
الأوّل الألف المطلق
؟؟؟
وطريقه: أن تبتديء فيه بصدر القلم من قفا الألف، ثم تصعد إلى هامتها فإذا بلغتها نزلت بعرض القلم إلى وجهه، ثم تنزل بوجه القلم معتمدا في نزولك على السنّ اليمنى حتّى إذا بلغت شاكلة الألف أدرت القلم برفق حتّى تختمه بحرفه.(3/64)
؟؟؟
وطريقه: أن تبتديء فيه بصدر القلم من قفا الألف، ثم تصعد إلى هامتها فإذا بلغتها نزلت بعرض القلم إلى وجهه، ثم تنزل بوجه القلم معتمدا في نزولك على السنّ اليمنى حتّى إذا بلغت شاكلة الألف أدرت القلم برفق حتّى تختمه بحرفه.
الثاني المشعر
؟؟؟ وطريقه: كالذي قبله إلا أنه إذا جئت آخر الألف عطفت ذنبها ويكون موصولا بغيره، فإن لم يوصل بغيره فالغالب أن يكون مطلقا.
الثالث المحرّف
؟؟؟ وطريقه: أن يبدأ فيه من هامة الألف بوجه القلم فتضعه على تحريفه وتنزل به مستويا، حتى إذا بلغت شاكلته أدرت حرف القلم على ما مضى من الشرط في المطلق والمشعّر.
الضرب الثاني المركّب مع غيره من الحروف
ولا يكون إلا طرفا أخيرا، إذ لا يوصل بما بعده، لأن الألف مطيّة يركب عليها ولا تركب وطريقه: أنك تصعد به بعد تمام الحرف الذي قبله بصدر القلم عكسا لنزولك بالألف المحرّف، فإذا بلغت هامة الألف وقفت بالقلم حتّى يكون بمنزلة رأس الألف المحرّف.
وكذلك يفعل في اللام الطالع وهذه صورته:
الطالع؟؟؟(3/65)
وكذلك يفعل في اللام الطالع وهذه صورته:
الطالع؟؟؟
الصورة الثانية صورة الباء وهي على ضربين
الضرب الأوّل المفردة
وهي ثلاثة أنواع: مجموعة، وموقوفة، ومبسوطة. ولك في ابتدائها في الثلاث الصور وجهان: إن شئت بدأت من قفاها بتشعيرة على ما مضى من صفة الألف المطلق، وهو مذهب الأستاذ أبي الحسن (1)، وإن شئت بصدر القلم. ثم لكل صورة منها طريقة تخصها:
فأما المجموعة
: فطريقها أن تبدأ من رأسها بوجه القلم حتّى إذا بلغت فتلة الباء وهي الإدارة الخفية التي تجمع بين الخط القائم والمبسوط، فتلت القلم ومططت الباء بصدره، حتّى إذا صرت إلى آخرها ختمت بحرف القلم الأيمن، ونثرت يدك برفق حتّى ترفع ذنب الباء، حتّى يجيء رأسها في نهاية الدقة.
المجموعة؟؟؟
وأما الموقوفة
: فطريقها كطريق المجموعة في جميع ما تقدّم، إلا أنك إذا بلغت المكان الذي ترفع فيه من ذنب المجموعة، وقفت فيه بعرض القلم فتأتي مطة محرّفة كتحريف القلم.
__________
(1) المقصود: أبو الحسن، علي بن هلال، ابن البّواب.(3/66)
الموقوفة؟؟؟
وأما المبسوطة:
(1)
المبسوطة؟؟؟
[المركبة] (2)
وأما المركبة: فعلى نوعين: متوسطة، ومتطرّفة.
فأما المتوسطة: فلها حالان:
أحدهما أن يكون قبلها وبعدها مثلها
، فتكون الوسطى مرتفعة على أخواتها. وإذا رفعتها أكثر من أخواتها، رجعت في خط يلاصقها. وهذا في كل حرف صغير كالنون، والباء، والتاء.
والثاني ألا يكون قبلها وبعدها مثلها
، فهي كإحدى السنّات.
وأما المتطرّفة، فلها حالان أيضا:
أحدهما أن تكون مبتدأة
، وهي التي تكون في أوّل الكلمة، فطريقها أن تبدأ فيها بعرض القلم تحدّرا من يمينك إلى يسارك، وهي تصحب الجيم وأختيها.
الثاني أن تكون في آخر الكلمة
، وتكون محذوفة الرأس للتركيب كرأس السين المبسوطة، وتكون صورة مدّتها كصورة المفردة سواء في جميع أحوالها:
في الجمع والبسط والوقف وهذه صورها.
__________
(1) لم يتكلم عليها واكتفى برسم صورتها.
(2) زيادة يقتضيها السياق.(3/67)
مركبة مجموعة مركبة موقوفة مركبة مبسوطة؟؟؟
الصورة الثالثة صورة الجيم وما شاكلها
وهي على أربعة أضرب: مرسلة، ومسبلة، ومجموعة، وملوّزة وابتداء جميع الصور على وجهين، من رأسها ومن جبهتها.
فأما المبتدأة من رأسها فيخيّر الكاتب فيها بين أمرين: إن شاء جعلها جرّا، وإن شاء جعلها مشعّرة، فإنها يبدأ فيها بصدر القلم، وهو مذهب الأستاذ أبي الحسن، والمشعّرة يخطفها بحرف القلم أو بصدره على ما مضى فإذا بلغت جبهتها أدرت فجررت بوجه القلم، وأنت في الجرّة بالخيار، إن شئت جئت بها على خط مستقيم، وإن شئت رطّبتها شيئا يسيرا فإذا بلغت قفاها، كنت أيضا مخيرا، إن شئت رجعت في الخط الذي جئت فيه، وإن شئت رجعت في خط تحته يلاصقه بصدر القلم فإذا وصلت تحت هامة الجيم أدرت القلم على تحريفه فنزلت بعرضه حتّى إذا بلغت آخر عجز الجيم ختمتها بحرف القلم، ولا يخرج صدر الجيم عن الخط الموازي لجبهتها، كما لا يجوز أن يخرج طرف ذنبها عن الخط الموازي لقفاها، حتى لو نصب عليها خطوطا لناسبت أعاليها أسافلها وهذه صورتها:
مفردة مرسلة؟؟؟
وأما المسبلة: فإنها كالمرسلة في الصورة والصفة، والفرق بينهما أنك في المرسلة إذا بلغت الصدر ونزلت فيه، أسبلت ذنبها وهذه صورتها:(3/68)
مفردة مرسلة؟؟؟
وأما المسبلة: فإنها كالمرسلة في الصورة والصفة، والفرق بينهما أنك في المرسلة إذا بلغت الصدر ونزلت فيه، أسبلت ذنبها وهذه صورتها:
مفردة مسبلة؟؟؟
وأما المجموعة: فإنها كالمرسلة أيضا في جميع أوصافها ويزيد عليها أنك إذا وفيت بها على ما مضى من صفة المرسلة رددت ذنبها على عجزها فصارت هنا لك دائرة وهذه صورتها:
مفردة مجموعة؟؟؟
وأما الملوّزة: فإنها لا تكون إلا قبل الألف. وطريقها أن تبدأ بعرض القلم من تحت الألف فيما تقدّر، فإذا بلغت جبهة الجيم، جررت بوجه القلم جرّة مبطنة حتّى يصير البياض الأوسط لوزة محققة فترفع الألف مع جبهة الجيم وتبقي تحت ذنب الألف بقية رأس الجيم وهذه صورتها:
مبتدأة مركبة ملوّزة؟؟؟
وزاد المتأخرون صورة أخرى تسمى الرتقاء، وصورتها أنك تبتديء برأس واو من واوات الثلث مفردة، وتكون مرتفعة الرأس بقدر نقطة من نقط الخط، ثم تكمل عليها ببقية العمل المتقدّم ذكره على الثلاث الحالات المتقدّمة في الباب، وهي: المرسلة والمسبلة، والمجموعة وهذه صورها:(3/69)
مبتدأة مركبة ملوّزة؟؟؟
وزاد المتأخرون صورة أخرى تسمى الرتقاء، وصورتها أنك تبتديء برأس واو من واوات الثلث مفردة، وتكون مرتفعة الرأس بقدر نقطة من نقط الخط، ثم تكمل عليها ببقية العمل المتقدّم ذكره على الثلاث الحالات المتقدّمة في الباب، وهي: المرسلة والمسبلة، والمجموعة وهذه صورها:
رتقاء مرسلة رتقاء مسبلة رتقاء مجموعة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وزاد المتأخرون صورا أخرى في التركيب، وهي ثلاث: أولى، ووسطى، وأخيرة.
أما الأولى: فابتداء العمل فيها كابتداء العمل في الثلاث الحالات الأول، ثم تكمل بالحرف الذي تريد وهذه صورتها:
مركبة مبتدأة محققة؟؟؟
وتارة تكون ملوّزة وهي التي تصحب الألف وما شابهها كالدال، واللام، واللام ألف، وقد صوّروها مع الألف فتقاس على ما عداها.
وهذه صورتها مع اللام: وهذه صورتها مع اللام ألف: وهذه صورتها مع الدال:(3/70)
وتارة تكون ملوّزة وهي التي تصحب الألف وما شابهها كالدال، واللام، واللام ألف، وقد صوّروها مع الألف فتقاس على ما عداها.
وهذه صورتها مع اللام: وهذه صورتها مع اللام ألف: وهذه صورتها مع الدال:
مركبة مبتدأة ملوّزة مركبة مبتدأة ملوّزة مركبة مبتدأة ملوّزة مع شبه الألف مع شبه الألف مع شبه الألف؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وأما المتوسطة: فالعمل فيها كالعمل في المبتدأة المحقّقة المركبة كما تقدّم ولكن بغير ترويس وهذه صورتها:
مركبة متوسطة محققة؟؟؟
وأما الأخيرة: فالعمل فيها كالعمل في الثلاث الحالات الأول: المرسلة، والمسبلة والمجموعة، ولكن بغير ترويس وهذه صورها.
مركبة مختتمة مرسلة مركبة مختتمة مسبلة مركبة مختتمة مجموعة؟؟؟؟؟؟؟؟؟(3/71)
الصورة الرابعة صورة الدّال وأختها وهي على ضربين: مفردة ومركّبة
الضرب الأوّل المفردة
ولها صورة واحدة، وهي شكل مثلّث على زاوية واحدة، ويجمع طرفها جمعا يسيرا وهذه صورتها:
مفردة د
الضرب الثاني المركبة
ولها أربعة أشكال: مجموعة، ومبسوطة، ومخطوفة، ومقطوفة.
أما المجموعة: فإنك ترفعها بعد فراغك من الحرف الذي قبلها، ولك في ذلك مذهبان:
أحدهما مذهب الوزير أبي عليّ بن مقلة (1).
والثاني مذهب الأستاذ أبي الحسن بن البّواب، وطريقه أن ترفعها مائلا إلى اليسار ميلا خفيفا.
ثم على كلا المذهبين ترجع بخط يلاصق الخط الذي صعدت به وبظهر القطة في الانتهاء، وتأتي بالعراقة على شكل عراقة الدال المفردة في الجمع، وهذه صورتها:
__________
(1) لم يبيّن طريقه، ولعله سقط من قلم الناسخ.(3/72)
مجموعة مركبة؟؟؟
وأما المبسوطة: فحكمها في جميع صفاتها حكم المجموعة، إلا أنك إذا نزلت في المبسوطة إلى العراقة وفتلتها، أرسلت العراقة بعرض القلم، وهذه صورتها:
مركبة مبسوطة؟؟؟
وأما المخطوفة: فهي كالمجموعة أيضا، إلا أنك تخطفها بحرف القلم وتختمها بأدقّ ما تقدر عليه من النحافة وهذه صورتها:
مركبة مخطوفة؟؟؟
وأما المقطوفة: فهي كالمخطوفة، إلا أنك بعد الفتلة تبقي لها ذنبا صغيرا بحرف القلم وهذه صورتها:
مركبة مقطوفة؟؟؟(3/73)
الصورة الخامسة صورة الراء وأختها وهي على ضربين: مفردة، ومركبة
الضرب الأوّل المفردة
ولها ثلاثة أشكال: مجموعة، ومبسوطة، ومقوّرة وابتداؤها في جميع الصور على وجهين:
أحدهما أن تبدأ من قفاها صاعدا إلى هامتها ثم تنزل إلى وجهها.
والثاني أن تبدأ بها حدّا من رأسها، وهو مذهب الأستاذ أبي الحسن بن البوّاب.
ثم لكل واحدة منها بعد ذلك عمل يخصها، فأما المجموعة فطريقها أن تبدأ فيها بوجه القلم وتنزل على خط الاستواء بقدر ربعها، ثم تدير القلم وتبدأ في العراقة بصدر القلم، ويكون تنزيلك إيّاها أكثر صبّا من الباء المفردة قليلا، فإذا عرفت مثلي ما نزلت به أوّلا على خط الاستواء نثرت يدك بالقلم إلى فوق وأنت تريد ذات اليمين بإشارة لطيفة، ويكون ختمها بسنّ القلم اليمنى وهذه صورتها.
مفردة مجموعة؟؟؟
وأما المبسوطة: فطريقها أن تنزل بها على ما ذكرناه، وترسل ما عرفت منها على ما تقدّم في الدّال المجموعة وتنقص منها النثرة الأخيرة، وتحدّد طرفها وهذه صورتها:
مفردة مبسوطة؟؟؟
وأما المقوّرة: فطريقها أن تنزل بأقلّ مما ذكرناه شيئا يسيرا وهذه صورتها:(3/74)
مفردة مبسوطة؟؟؟
وأما المقوّرة: فطريقها أن تنزل بأقلّ مما ذكرناه شيئا يسيرا وهذه صورتها:
مفردة مقوّرة؟؟؟
الضرب الثاني المركبة
ولها أربعة أشكال: مخطوفة، ومقطوفة، وبتراء ومدغمة.
فأما المخطوفة: فهي كالمقوّرة في الصورة، غير أن عراقتها بحرف القلم وهذه صورتها:
مركبة مخطوفة؟؟؟
وأما المقطوفة: فإنك تبقي لها ذنبا صغيرا وهذه صورتها:
مركبة مقطوفة؟؟؟
وأما البتراء: فإنك تقطفها من الثلثين فتحذف ثلثها وتأتي بها مستدقة الطرف وهذه صورتها:
مركبة بتراء؟؟؟
وأما المدغمة: فإنها تصلح بعد كل حرف وتقبح بعد المدّ، وسميت مدغمة مجازا وإلا بالحرف الذي قبلها هو الذي يدغم فيها، لكنهم لما حذفوا منها شيئا لقبوها بذلك، ولا بدّ أن تحذف من الحرف الذي قبلها شيئا من آخره وتحذف منها شيئا من أوّلها، وتبقي من كل واحد منهما ما يدل عليه، وهذه صورتها:(3/75)
مركبة بتراء؟؟؟
وأما المدغمة: فإنها تصلح بعد كل حرف وتقبح بعد المدّ، وسميت مدغمة مجازا وإلا بالحرف الذي قبلها هو الذي يدغم فيها، لكنهم لما حذفوا منها شيئا لقبوها بذلك، ولا بدّ أن تحذف من الحرف الذي قبلها شيئا من آخره وتحذف منها شيئا من أوّلها، وتبقي من كل واحد منهما ما يدل عليه، وهذه صورتها:
مركبة مدغمة؟؟؟
الصورة السادسة صورة السين
وحكمها في حالتي الإفراد والتركيب سواء، غير أنها في حالة الإفراد تزيد العراقة، وعراقتها كعراقة النون في الجمع والبسط والتقوير وسيأتي الكلام على ذلك في حرف النون إن شاء الله تعالى.
ثم هي على نوعين: محقّقة، ومعلقة.
فأما المحققة، فلها شكلان: مظهرة، ومدغمة.
فطريق المظهرة أن تبدأ بوجه القلم ثم تدير القلم منها إلى أختها إدارة لطيفة في نهاية الاعتدال، وتحدّد رأس الثانية بسن القلم اليمنى، ويكون الذي بين الأولى والثانية أقلّ مما بين الثانية والثالثة، وهو مذهب الأستاذ أبي الحسن بن البّواب. وإذا كان قبلها شيء يكون سواء، ويجوز أن تكون مصدّرة مقلوبة وهذه صفتها:
محققة مظهرة؟؟؟
وأما المعلقة: فصفتها أنك تحذف السين حذفا وتقيم جرّة مقامها، وتبدؤها بوجه القلم عاملا إلى آخرها.(3/76)
محققة مظهرة؟؟؟
وأما المعلقة: فصفتها أنك تحذف السين حذفا وتقيم جرّة مقامها، وتبدؤها بوجه القلم عاملا إلى آخرها.
هذا إذا كانت مبتدأة، فإن كانت متوسطة فالأولى أن تكون محققة، ولا بدّ من جرّ فوق المعلقة نقطت أو لم تنقط وهذه صورتها:
مبتدأة معلقة؟؟؟
وتحسن قبل الكاف المشكولة وقبل الألف، ولا تكون قبل الصاد والعين والكاف المعرّاة، وقيل إنها لم تر في خط ابن البّواب إلا مفردة.
الصورة السابعة صورة الصاد
والكلام في عراقتها كالكلام في عراقة السين: من الجمع، والبسط، والتقوير وسيأتي الكلام على ذلك في حرف النون.
نعم لا تكون عراقتها إلا حديدة الطرف في جميع صورها، ولا يجوز فيها الوقف بحال. أما نفس الصاد فلها شكل واحد، وهي تقارب التلويزة، وللناس فيها مذهبان: الأوّل إظهار مبدإ الصاد تحت رأس العراقة، والآخر إخفاؤه وفي كلا المذهبين لا بدّ من ظهور رأسها شيئا يسيرا، فإن كانت متوسطة، فيكون رأسها بحرف القلم محدّد الطّرف. وإن كانت مفردة أو متطرّفة فإنها تكون عريضة الرأس بوجه القلم. وإذا ركبت على خط قبلها، لا يكون خطّا على خط ولا يظهر أكثر من خط واحد وهذه صورتها:
مجموعة؟؟؟(3/77)
نعم لا تكون عراقتها إلا حديدة الطرف في جميع صورها، ولا يجوز فيها الوقف بحال. أما نفس الصاد فلها شكل واحد، وهي تقارب التلويزة، وللناس فيها مذهبان: الأوّل إظهار مبدإ الصاد تحت رأس العراقة، والآخر إخفاؤه وفي كلا المذهبين لا بدّ من ظهور رأسها شيئا يسيرا، فإن كانت متوسطة، فيكون رأسها بحرف القلم محدّد الطّرف. وإن كانت مفردة أو متطرّفة فإنها تكون عريضة الرأس بوجه القلم. وإذا ركبت على خط قبلها، لا يكون خطّا على خط ولا يظهر أكثر من خط واحد وهذه صورتها:
مجموعة؟؟؟
الصورة الثامنة صورة الطاء وأختها وهي ثلاثة أنواع: موقوفة، ومرسلة ومحققة
فأما الموقوفة
: فطريقها أن تبدأ بها على صورة الألف المطلق، فإذا وفيت به، رجعت طالعا من تلقاء ذنب الألف حتّى تقارب شاكلته، فترجع إلى يمينك، فتركب عليه شكلا على صورة اللوزة، وتخرج ذنب اللوزة من تحت الألف وتقف عليه بعرض القلم فتظهر القطة وهذه صفتها:
مفردة موقوفة ط
وأما المرسلة
: فهي على نحو ما تقدّم في الموقوفة غير أن الجرّة السفلى ها هنا مبطنة، وفي الموقوفة على خط مستقيم وهذه صفتها:
مفردة مبسوطة ط وقد اختلف الكتّاب في رأس الطاء، فكان بعضهم يذهب أن يكون على طرف اللّوزة من غير ركوب عليها، وهو أحد المذاهب فيها.
قال الشيخ أبو القاسم (1): سألت بعض مشايخي عن «طيّ» كيف يكون وضع الياء فيها، بحضرة جماعة من الكتّاب، فقال: تكتب طاء جيدة بعدها ياء حسنة، فقلت: الحمد لله الذي أبقى على جديد (2) الأرض من يحسن صفة الخط بمثل هذا الضبط. فلما أردت الانصراف أشار إليّ أن اجلس فجلست حتّى انصرف القوم، فقال: قد كنت سألت عنها شيخنا أبا الحسن بن هلال (3) فقال لي:(3/78)
مفردة مبسوطة ط وقد اختلف الكتّاب في رأس الطاء، فكان بعضهم يذهب أن يكون على طرف اللّوزة من غير ركوب عليها، وهو أحد المذاهب فيها.
قال الشيخ أبو القاسم (1): سألت بعض مشايخي عن «طيّ» كيف يكون وضع الياء فيها، بحضرة جماعة من الكتّاب، فقال: تكتب طاء جيدة بعدها ياء حسنة، فقلت: الحمد لله الذي أبقى على جديد (2) الأرض من يحسن صفة الخط بمثل هذا الضبط. فلما أردت الانصراف أشار إليّ أن اجلس فجلست حتّى انصرف القوم، فقال: قد كنت سألت عنها شيخنا أبا الحسن بن هلال (3) فقال لي:
إذا فرغت من الطاء فاحذف رأس الياء وألصق قفا الياء بذنب الطاء، ثم تممها على مذهبك في الياء أنّى شئت، ولا تخرج صدر الياء من تحت رأس الطاء. وعلامة صحتها أنك إذا حذفت لوزة الطاء بقيت في نهاية الصحة إن كان بعدها ياء، وإن كان بعدها واو بقيت أيضا في نهاية الكمال.
قال الشيخ أبو القاسم: فينبغي أن يكون رأسها في آخر اللوزة، ولا يكون مركبا على ظهرها، لأنه إذا تركب بطل هذا القياس.
وأما المحققة
: فإنك تبدأ فيها على صورة اللام المبتدأة المعلقة، ويأتي الكلام على ذلك في حرف اللام إن شاء الله تعالى.
وأكثر ما تستعمل هذه الطاء إذا كانت مشعّرة بألف قبلها وألف بعدها فتستحسن وهذه صفتها:
متوسطة بين قائمين لطا
__________
(1) لعله أبو القاسم بن خلوف المذكور ص 140من هذا الجزء.
(2) جديد الأرض: أي وجه الأرض (المعجم الوسيط 110).
(3) ابن البوّاب.(3/79)
واعلم أنه لا بدّ للطاء من مدّة قبلها تركب عليها، ويكون طرفها ينتهي إلى تحت رأس الطاء من غير زيادة ولا نقصان، ويجوز في طرف هذه المدّة الجمع وعدمه، وكلا المذهبين حسن.
الصورة التاسعة صورة العين وأختها، ولها حالان
الحال الأوّل: ألا تكون متصلة بما قبلها، وهي على نوعين: ملوّزة، ومركّبة.
فأما الملوّزة
: فإنك تبدأ فيها من رأس العين بحرف القلم في غاية الدّقة، حتّى إذا وصلت إلى هامتها، مكّنت إدارة قلمك فصرت عاملا بوجهه إلى قمحدوة (1) العين فتصير على صورة اللوزة وتكون هذه العين قبل الهاء المدغمة وهذه صفتها:
ملوزة؟؟؟
وتكون أيضا قبل هاء الردف وهذه صورتها:
ملوزة مع هاء الردف؟؟؟
وأما المركبة
: فهي مركبة من راءين محققة ومعلقة، وابتداؤها على ما تقدّم
__________
(1) القمحدوة لغة: ما أشرف على القفا من عظم الرأس، والهامة فوقها والقذال دونها. والمراد هنا:
ظاهر العين. (المعجم الوسيط 758).(3/80)
في الملوّزة غير أنك إذا صرت إلى هامتها وأردت القمحدوة، نزلت على خطّ مستقيم أو قريب من الاستقامة. والذي وجد بخط الأستاذ أبي الحسن بن البوّاب على الاستقامة وهذه العين لا يكون بعدها إلا حرف طالع كالألف واللام وما جرى مجراهما، وهذه صفتها:
مركبة وثعلبة عا وكثير من الكتّاب يخلطونها مع ما قبلها كالجماعة والبضاعة، فإنهم يردّون من الألف إلى العين جرّة مبطنة يجعلونها عالية العين، وهي مستحسنة، ولا بدّ لها من ألف قبلها وحرف طالع بعدها وهذه صفتها:
مردوفة ومشكولة؟؟؟
الحال الثاني: أن يكون قبلها شىء متصل بها، وتسمى المربعة، وهي على نوعين: منوّرة، ومطموسة.
فأما المنوّرة
: وتسمّى المحققة، فإنك إذا خرجت من الحرف الذي قبلها أتبعت خطّا محدودبا مبطنا إلى يسارك بصدر القلم، ثم حررت عالية العين بوجه القلم ثم على الجرّة الأولى جرة تناقضها مثلها في القدر والمساحة بقطع الخط الأوّل، ثم إن كانت معرقة عرقت، وإن كانت غير ذلك أتبعتها ما بعدها.
وعلامة صحتها أن تلتمس البياض الذي في وسطها فإن تناسبت زواياه فهو في غاية الصحة وقد تم تركيبها، وإلا فتحرّر حتّى يصح ما رسم وهذه صفتها:(3/81)
چاپ محتويات کتاب var _gaq = _gaq || []; _gaq.push(['_setAccount', 'UA-22777804-1']); _gaq.push(['_trackPageview']); (function () { var ga = document.createElement('script'); ga.type = 'text/javascript'; ga.async = true; ga.src = ('https:' == document.location.protocol ? 'https://ssl' : 'http://www') + '.google-analytics.com/ga.js'; var s = document.getElementsByTagName('script')[0]; s.parentNode.insertBefore(ga, s); })(); var HttpPath='/DLView/HttpHandler/';var FilesURL='/File/FA/Default/';LanguageID = 1;var BookVol=1;(3/82)
مفردة مسبلة ع وأما المرسلة: فإنك تأتي بالعراقة نصف دائرة محققة، وتتأمل فيها من المسامتة ما وصف في المسبلة والمسبلة تكون حديدة (1) الطرف، والمرسلة يجوز فيها التحديد والوقف، والتحديد مذهب الأستاذ أبي الحسن بن البوّاب وهذه صورة التحديد (2)، وهذه صورة الوقف.
مفردة مرسلة ع وأما المجموعة: فإنها كالمرسلة أيضا في جميع أوصافها، وتزيد عليها أنك إذا وفّيت بها على ما مضى من صفة المرسلة، رددت ذنبها على عجزها فصارت هنا لك دائرة، وهذه صفتها:
__________
(1) أي حادّة الطرف أو محدّدة.
(2) لم يرسم صورة التحديد في هذه الصفحة. وتجدها في الصفة 120 (الصورة الأولى من صور العين).(3/83)
مفردة مجموعة؟؟؟
الصورة العاشرة صورة الفاء وهي على ضربين: مفردة، ومركبة
فأما المفردة
، فعلى ثلاثة أقسام: مجموعة، ومبسوطة، وموقوفة، وقد تقدّم الكلام على هذه العراقات في حرف الباء، فأغنى عن إعادته هنا وهذه صفة العراقات الثلاث:
مجموعة موقوفة مبسوطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وأما المركبة
: فإنها تكون مقلوبة، وذلك أن بياضها يكون الحادّ منه في ملتقى الخطين اللذين يتقاطعان في ذهابها ومجيئها، ويكون عرضه عند هامتها وهذه صفة المتوسطة:
متوسطة؟؟؟(3/84)
چاپ محتويات کتاب var _gaq = _gaq || []; _gaq.push(['_setAccount', 'UA-22777804-1']); _gaq.push(['_trackPageview']); (function () { var ga = document.createElement('script'); ga.type = 'text/javascript'; ga.async = true; ga.src = ('https:' == document.location.protocol ? 'https://ssl' : 'http://www') + '.google-analytics.com/ga.js'; var s = document.getElementsByTagName('script')[0]; s.parentNode.insertBefore(ga, s); })(); var HttpPath='/DLView/HttpHandler/';var FilesURL='/File/FA/Default/';LanguageID = 1;var BookVol=1; docum(3/85)
؟؟؟
مفردة مبسوطة مبتدأة مبسوطة متوسطة مبسوطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وأما المشكولة
: فلا تكون إلا مركبة وموضعها الابتداءات والوسط، ولا تنفرد البتة وتكون على هيئة شق لوزة فإن وصلت بألف أو لام تبينت ولا يخرج الحرف الذي يكون بعدها من تحت رأسها أصلا، لأن الكاف المبسوطة والمشكولة لا يجوز أن يأتي بعدهما مدّة، وإنما سميت مشكولة للجرّة التي عليها وهذه صورتها في الابتداء وفي الوسط:
مبتدأة مشكولة متوسطة مشكولة؟؟؟؟؟؟
وأما المعرّاة
: فلا تكون إلا طرفا أخيرا وهي في الصورة والشبه كاللام المطلقة، والفرق بين اللام والكاف المعرّاة أن القائم من الكاف ثلثا المبسوط، والمبسوط من اللام كالقائم فيها وهذه الكاف لا تجمع أبدا، فإن مواضعها أواخر السطور، وهذه صفتها:
مفردة معراة؟؟؟(3/86)
الصورة الثالثة عشرة صورة اللام وهي على ضربين: مفردة، ومركبة
الضرب الأوّل المفردة
وهي على نوعين: مجموعة، ومطلقة فأما المجموعة: فطريقها أن تبدأ من قفاها على نحو ما وصف في الألف المطلق، لأن الألف واللام يجريان على نظام واحد في كل خط لأنهما صاحبان، كالباء والتاء وكالحاء والخاء وكالعين والغين. فإذا وصلت إلى شاكلته عرقت اللام عراقة أكثر حدورا من الباء، وجمعت ذنبها كما تقدّم في حرف الراء وهذه صفتها:
مجموعة مطلقة؟؟؟؟؟؟
الضرب الثاني المركبة
وهي على قسمين: محققة، ومبتدأة معلقة.
فأما المبتدأة المحقّقة: فهي كالمرسلة غير أنها محذوفة المطّة لأجل التركيب وهذه صفتها:
مبتدأة محققة؟؟؟
وأما المبتدأة المعلقة: فتنزل فيها بعرض القلم مائلا من يمينك إلى يسارك، وهي تختص بثلاثة أحرف من سائر الحروف، وهي الجيم، والحاء، والخاء، ويكون مبتدؤها يوازي قفا الجيم، من غير زيادة ولا إشارة إلى العراقة وهذه صفتها:(3/87)
مبتدأة محققة؟؟؟
وأما المبتدأة المعلقة: فتنزل فيها بعرض القلم مائلا من يمينك إلى يسارك، وهي تختص بثلاثة أحرف من سائر الحروف، وهي الجيم، والحاء، والخاء، ويكون مبتدؤها يوازي قفا الجيم، من غير زيادة ولا إشارة إلى العراقة وهذه صفتها:
مبتدأة معلقة؟؟؟
الصورة الرابعة عشرة صورة الميم
وهي على خمسة أضرب: محققة، ومعلقة، ومسبلة، ومبسوطة، ومفتولة.
الضرب الأوّل المحققة
وهي على نوعين: مبتدأة، وغير مبتدأة فأما المحققة المبتدأة: فإنها كثيرا ما تصحب اللام، وصفتها إذا أردت وضعها أنك إذا صرت إلى آخر الحرف الذي تريد منه الميم المحققة، تميل فيه يسيرا ثم ترجع بخط آخر بجواره طالعا فيه، ثم تعرّق كتعريق الميم المعلقة وهذه صفتها:
مبتدأة محققة؟؟؟
وكان الشيخ عماد الدين بن العفيف إذا انتهى من الحرف الذي قبل هذه الميم يقف فيه ثم يبدأ من يمينه براء مدغمة وهذه صفتها:(3/88)
مبتدأة محققة؟؟؟
وكان الشيخ عماد الدين بن العفيف إذا انتهى من الحرف الذي قبل هذه الميم يقف فيه ثم يبدأ من يمينه براء مدغمة وهذه صفتها:
محققة مختتمة؟؟؟
وأما المحققة غير المبتدأة (1)
الضرب الثاني المعلّقة
وهي على نوعين: مبتدأة، وغير مبتدأة فأما المعلقة المبتدأة: فإنها لا تحسن إلا مشعرة مع ما قبلها، ولا تكون إلا قبل الألف وهذه صفتها:
معلقة مبتدأة؟؟؟
وأما المعلّقة غير المبتدأة: فإنها تختص بالبسملة على مذهب الحذّاق.
وطريقها: أنك إذا مططت إلى آخر المطة، رجعت بالميم في الخط الذي جئت فيه، حتى إذا بلغت هامتها، فارقت ذلك الخط لئلا تجيء منافرة فإذا
__________
(1) أغفل الكلام عليها في الأصل. وتجد صورتها في الصفحة 114تحت عنوان: وسطى محققة.(3/89)
وصلت إلى جبهة الميم، عرقتها على ما رسم في الراء المجموعة والمقوّرة والمبسوطة والمخطوفة.
وكان الأستاذ أبو الحسن بن البوّاب لا يفردها وهذه صفتها:
معلقة مختتمة؟؟؟
وأما المعلّقة المبتدأة: فإنك تبدأ فيها كابتداء المحققة، فإذا بلغت فتلتها ألصقت مدّتها بقفاها، والأولى أن تكون مطموسة، فإذا بلغت جبهتها عرّقت كتعريق الراء المدغمة لا يستعمل فيها غير ذلك وهذه صفتها:
معلقة مبتدأة؟؟؟
الضرب الثالث المسبلة
ولا بأس بتركيبها وانفرادها، غير أنك إذا وصلت إلى جبهتها أسبلت عراقة كهيئة الألف ملأى من فوق، وتكون حديدة الطرف وهذه صفتها:
مفردة مسبلة مركبة؟؟؟؟؟؟(3/90)
الضرب الرابع المبسوطة
وهي كالمحققة، وهي مفردة وهذه صفتها:
مبسوطة؟؟؟
الضرب الخامس المفتولة
وأكثر مواضعها بعد الهاء المدغمة على مذهب الحذّاق. وبعض الكتّاب يجيزها مع غير الهاء، والأوّل أجود.
وطريقها أنك إذا جئت بها بعد الهاء المدغمة تقوّس بصدر القلم ثم تنزل بقدر ما قوّست، ثم تدير الميم عن يمينك وتردّ إلى يسارك شكلا مدّورا، وتعرّقها على ما تقدّم في المعلقة والمحققة وهذه صفتها:
مفتولة؟؟؟
الصورة الخامسة عشرة صورة النون وهي على ضربين: مفردة، ومركبة
الضرب الأوّل المفردة
وهي على أربعة أنواع: مجموعة، ومقوّرة، ومبسوطة، ومدغمة.
فأما المجموعة: فطريقها أن تبدأ بوجه القلم على خطّ مستقيم، فإذا نزلت منها بمقدار ما ينزل من الباء وبلغت الفتلة، أدرت القلم برفق من الفتلة بصدر القلم، ثم تصير العراقة جمعا بصدر القلم، حتّى إذا بلغت ذنبها ختمت بحرف القلم وهذه صفتها:(3/91)
وهي على أربعة أنواع: مجموعة، ومقوّرة، ومبسوطة، ومدغمة.
فأما المجموعة: فطريقها أن تبدأ بوجه القلم على خطّ مستقيم، فإذا نزلت منها بمقدار ما ينزل من الباء وبلغت الفتلة، أدرت القلم برفق من الفتلة بصدر القلم، ثم تصير العراقة جمعا بصدر القلم، حتّى إذا بلغت ذنبها ختمت بحرف القلم وهذه صفتها:
مفردة مجموعة؟؟؟
وأما المقوّرة: فإنها تكون كنصف دائرة، ويكون ذنبها موازيا لرأسها من غير زيادة عليه، ويجوز أن يكون ناقصا عنه شيئا يسيرا، وذلك قليل وهذه صفتها:
مفردة مقوّرة؟؟؟
وأما المبسوطة: فأكثر ما تكون متطرّفة ولا تكون مفردة بحال. وطريقها أنك إذا نزلت على ما وصف في المجموعة وبلغت بها الفتلة وأدرت صدر القلم إلى العراقة، جعلتها قطعة قوس من دائرة عظمى، حتّى يكون فيها تبطين يسير، وتختمها بحرف القلم، ولا يجوز في شيء من مبسوطات العراقة أن يكون مرفوعا ولا يجوز أن يكون إلا حديد الطّرف وهذه صفتها:
مفردة مبسوطة؟؟؟
وأما المدغمة: فإنها لا تنفرد البتّة ولا تحسن إلا مع ثلاثة أحرف: مع الميم وهي كثيرة المؤاخاة لها، ومع الكاف، ومع العين.
وكان بعض الكتّاب يأبى إدغام النون ويكرهه، إلا الأستاذ أبا الحسن بن البوّاب.(3/92)
وأما المدغمة: فإنها لا تنفرد البتّة ولا تحسن إلا مع ثلاثة أحرف: مع الميم وهي كثيرة المؤاخاة لها، ومع الكاف، ومع العين.
وكان بعض الكتّاب يأبى إدغام النون ويكرهه، إلا الأستاذ أبا الحسن بن البوّاب.
ولا يتقدّم هذه النون من سائر الحروف إلا ثلاثة أحرف: الميم المعلقة من سائر الميمات، والعين الملوّزة، وهي الصاديّة من أشكال العين خاصّة، والكاف المشكولة من أشكال الكاف خاصّة.
وطريقها أنك إذا بلغت قفا الميم أو صدر العين أو قاعدة الكاف، صببت النون صبّا في عرض اللام المبتدأة المعلقة، فإذا صببت ثلثيها، ختمت العراقة على ما رسم فى الراء المدغمة وعراقة الميم المدغمة وهذه صورها:
مدغمة مع الميم مدغمة مع الكاف مدغمة مع العين؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الصورة السادسة عشرة صورة الهاء وهي على ضربين: مفردة، ومركبة
الضرب الأوّل المفردة وهي على نوعين: معرّاة، ومركبة
فأما المعرّاة
: فطريقها أن تبدأ من رأسها بوجه القلم ثم تنزل إلى عجزها مميلا إلى ذات اليمين شيئا يسيرا، ثم تفتل إلى قاعدتها بصدر القلم إلى صدرها، ثم تصعد بمثل ما كنت انحدرت به من وجهها إلى قفاها وهذه صفتها:
معرّاة؟؟؟(3/93)
: فطريقها أن تبدأ من رأسها بوجه القلم ثم تنزل إلى عجزها مميلا إلى ذات اليمين شيئا يسيرا، ثم تفتل إلى قاعدتها بصدر القلم إلى صدرها، ثم تصعد بمثل ما كنت انحدرت به من وجهها إلى قفاها وهذه صفتها:
معرّاة؟؟؟
وأما المركبة
: فهي في الصورة قريبة من المعرّاة إلى صدرها، فإذا بلغت صدرها وأنت طالع إلى وجهها، رفعته بعرض القلم وأخرجت وجه الهاء إلى قفاها والكاتب مخير بين التقليل والتكثير في ذلك. ويكون الطرف الخارج إلى قفاها محدّدا، وهذه صفتها:
مركبة؟؟؟
وإنما سميت مركّبة وإن كانت مفردة مجازا لتركيب طرفها، وإلا فالمراد بالمركّب كيفما وقع في المصطلح المختلط بغيره.
الضرب الثاني المركبة وهي على قسمين
القسم الأول المشقوقة وهي على ستة أنواع: ملوّزة، ووجه الهرّ، ومشقوقة طولا، ومشقوقة عرضا، ومختلسة، ومدغمة
فأما الملوّزة
: فتكون مبتدأة، ومتوسطة، ولا تتأخر بحال، فإن كانت مبتدأة فطريقها أن تبدأ بصدر القلم مقدار نصف الهاء المفردة، ثم تدير القلم من يسارك
إلى يمينك حتى إذا وصلت إلى المكان الذي ابتدأت منه أدرت إلى يمينك أيضا حتى يصير مركز نصف دائرة محققة لطيفة بصدر القلم، وتقف عليها وقفة خفيفة، ثم تنزل بوجه القلم من غير إدارة حتى تصير الى المكان الذي ابتدأت منه أوّلا، فيصير رأس الهاء حادّا في الغاية.(3/94)
: فتكون مبتدأة، ومتوسطة، ولا تتأخر بحال، فإن كانت مبتدأة فطريقها أن تبدأ بصدر القلم مقدار نصف الهاء المفردة، ثم تدير القلم من يسارك
إلى يمينك حتى إذا وصلت إلى المكان الذي ابتدأت منه أدرت إلى يمينك أيضا حتى يصير مركز نصف دائرة محققة لطيفة بصدر القلم، وتقف عليها وقفة خفيفة، ثم تنزل بوجه القلم من غير إدارة حتى تصير الى المكان الذي ابتدأت منه أوّلا، فيصير رأس الهاء حادّا في الغاية.
ومذهب الاستاذ أبي الحسن أن يكون النصف الأعلى أصغر من النصف الأسفل بجزء يسير، وهذه صفتها:
مقوّرة؟؟؟
وإن كانت متوسطة، فهي غير مستحسنة إلا قبل الألف، وطريقها على ما تقدّم ولها حكم، وهو أنك تجيء بالخط الذي قبلها حتى يشقها متصلا بالألف، حتى لو طرحت الهاء لا تصل الألف بما قبله مستغنيا عن الهاء كأنما ركبت من فوقه تركيبا، ويكون هذا العمل في كل حرف يقع معها وهذه صفتها:
مقوّرة مستديرة ها
وأما وجه الهرّ
: فتكون أيضا مبتدأة، ومتوسطة ولا يجوز تأخيرها. وطريقها في الابتداء والتوسط انك تبدأ من رأسها بوجه القلم معتدل النزول شيئا قليلا، ثم تردّها عن يمينك إلى يسارك صاعدة معتدلة، ثم يصير جميعها دائرة على مركزين، فإذا بلغت المكان الذي ابتدأت منه تكففتها طولا حذارا من أن يقع فيها حول، وهو أن يكون أحد شقيها أوسع من الآخر. وكثيرا ما يكون شقها بحرف القلم إذا كانت متوسطة.
فإن كانت مبتدأة فشقها بوجه القلم.(3/95)
: فتكون أيضا مبتدأة، ومتوسطة ولا يجوز تأخيرها. وطريقها في الابتداء والتوسط انك تبدأ من رأسها بوجه القلم معتدل النزول شيئا قليلا، ثم تردّها عن يمينك إلى يسارك صاعدة معتدلة، ثم يصير جميعها دائرة على مركزين، فإذا بلغت المكان الذي ابتدأت منه تكففتها طولا حذارا من أن يقع فيها حول، وهو أن يكون أحد شقيها أوسع من الآخر. وكثيرا ما يكون شقها بحرف القلم إذا كانت متوسطة.
فإن كانت مبتدأة فشقها بوجه القلم.
وهذه صورتها في الابتداء وهذه صورتها في التوسط وجه الهرّ وجه الهرّ متوسطة؟؟؟؟؟؟
وأما المشقوقة طولا
: فإنها لا تكون إلا متوسطة ولا يجوز تقديمها ولا تأخيرها ولا تصحب من حروف المعجم غير اللام وحدها وطريقها كطريق وجه الهرّ، ويفترقان في القاعدة فتكون قاعدتها مستديرة، وتكون اللام نازلة عليها من فوقها وعلامة صحتها أنك إذا حذفت الهاء صارت اللام متصلة بما بعدها كأنما زيدت الهاء عليها وهذه صفتها:
مشقوقة طولا؟؟؟
وأما المشقوقة عرضا
: فلا تكون إلا صحبة اللام أيضا وطريقها أنك إذا نزلت باللام معتدلة، أدرت الهاء فلصقتها بوجه اللام وشققت الهاء عرضا، ولا بدّ من مدّة لطيفة تكون بعدها، وهذه صفتها:
مشقوقة عرضا؟؟؟(3/96)
وأما المختلسة
: فإنها لا تكون إلا مبتدأة، ويكون بعدها من الحروف حروف المدّ واللين، وهي الألف، والواو، والياء وهي مطموسة وهذه صفتها:
مختلسة؟؟؟
وأما المدغمة
: فلا تكون إلا متوسطة وطريقها أنك إذا فرغت من الحرف الذي قبلها أدرت منه إدارة لطيفة، ونزلت بها نزلة إلى ذات اليمين، ثم صعدت في خط يلاصق الخط الذي هبطت فيه من غير وخز يكون بينهما، وتكون مطموسة أيضا ولا يكون أسفلها أوسع من أعلاها بل يكون أعلاها أوسع شيئا يسيرا ويتوخّى فيها الترطيب، وهو شدّة الاستدارات، فمتى كان العمل فيها يابسا كان رديئا وهذه صورتها:
مدغمة؟؟؟
القسم الثاني ما يقع في آخر الكلمة، وهي على نوعين هاء الرّدف، والمخفاة
فأما هاء الردف
: فطريقها أنك إذا فرغت من الحرف الذي قبلها طلعت فيه بصدر القلم، ثم نزلت في الخط الذي صعدت فيه.
هذا مذهب الأستاذ أبي الحسن بن البوّاب.
ومذهب الوزير أبي عليّ بن مقلة أن تنزل في خط يلاصق الخط الذي صعدت فيه، وكلاهما مستحسن فإذا بلغت ثلثي ما صعدت به جئت بصدر القلم إلى وجه الهاء ولا تخرج رأسها إلى قفاها البتة وهذه صفتها:(3/97)
هذا مذهب الأستاذ أبي الحسن بن البوّاب.
ومذهب الوزير أبي عليّ بن مقلة أن تنزل في خط يلاصق الخط الذي صعدت فيه، وكلاهما مستحسن فإذا بلغت ثلثي ما صعدت به جئت بصدر القلم إلى وجه الهاء ولا تخرج رأسها إلى قفاها البتة وهذه صفتها:
مردوفة؟؟؟؟؟؟
وأما المخفاة
: فأكثر ما تصحب الحروف القصار، وهي يمين أليق وطريقها أنك إذا فرغت من الحرف الذي قبلها أدرت منه إلى الهاء إدارة لطيفة مهلّلة، ثم تأتي بنصف راء مدغمة حديدة الطّرف مخطوفة وهذه صفتها:
مخطوفة؟؟؟
الصورة السابعة عشرة صورة الواو
ونظيرها في التركيب الفاء، وفي الإفراد القاف، ولكن القاف أكبر مساحة من الواو وتكون على خمسة أنواع: مجموعة، ومبسوطة، ومقوّرة، وبتراء، ومخطوفة ويكون ذلك في الإفراد والتركيب.
وكان بعض الكتّاب يجعلها معلقة كالراء المدغمة لأنها قدرها. وقد تقدّم أن الراء والزاي، والميم، والواو قدر سواء في كل خط.
مجموعة مبسوطة مقوّرة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بتراء مخطوفة معلقة (1)
؟؟؟؟؟؟(3/98)
مجموعة مبسوطة مقوّرة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بتراء مخطوفة معلقة (1)
؟؟؟؟؟؟
الصورة الثامنة عشرة صورة اللام ألف ولها ثلاث صور: محققة، ومخففة، ووراقية
فأما المحققة
: فلا تكون إلا مفردة ولا يجوز تركيبها بحال وطريقها أن تبدأ بوجه القلم ثم تنزل به على تلك الصورة، ثم تفتل إلى قاعدتها بوجه القلم، ثم ترفع القلم وقد بطّنت قلمك فصيرت بطنه مما يلي يمينك وظهره عن يسارك ويكون قدر الألف واللام قدرا سواء في الطول والالتواء والغلظ والنّحافة ويكون ما بينهما كواحد منهما وتكون القاعدة على هيئة رأس الفاء المبسوطة لكنها مقلوبة وهذه صورتها:
محققة مفردة (2)
؟؟؟
وأما المخففة
: فيجوز فيها التركيب والإفراد وكلاهما مستحسن جيد.
وصورتها في التركيب كصورتها في الإفراد وطريقها أن تأتي بلام معلّقة على ما
__________
(1) لم يضع لها رسما في الأصل.
(2) في الرسم أدناه صورة اللام ألف المرشوقة المفردة أما المحققة المفردة فالكلام عليها ينطبق على الصورة الأولى من صور اللام ألف في الصفحة 115.(3/99)
تقدّم في اللام المعلقة في حرف اللام، ثم ترمي عليها ألفا معوجّة إلى ذات اليمين ويكون ذنب الألف موزونا على الخط الذي لامست به الحرف الذي قبل اللام إن كانت مركبة، وهذه صفتها:
مخففة مركبة؟؟؟
وإن لم تكن مركبة فتشعرهما معا وهذه صورتها في الإفراد:
؟؟؟ وأما الوراقية
: فإنها كالمحققة، فإذا كتبت اللام ركبت عليها الألف وأخرجتها عنها، ثم صيرت لها منها قاعدة مثلثة حادّة الزوايا، والأولى أن تكون مفردة.
قال الشيخ عماد الدين بن العفيف رحمه الله: ولا يكون هذا الشكل إلا في قلم النسخ وما شاكله، وفي قلم المحقق وما شابهه وهذه صفتها:
وراقية؟؟؟(3/100)
الصورة التاسعة عشرة صورة الياء وهي على ضربين: مفردة، ومركبة
الضرب الأول المفردة وهي على ثلاثة أنواع: مجموعة، ومقورة، ومبسوطة
فأما المجموعة
: فطريقها أن تبدأ بصدر القلم فتعمل رأسها دالا مقلوبة وصدرها أيضا دالا مستوية، فإذا تركبت الدالان جررت العراقة وعلامة صحتها أن تكون الدالان صحيحتين كما تقدّم. وإذا ركبت خطّا من ذنبها إلى صدرها، صار صادا جيدة وهذه صفتها:
مفردة مجموعة؟؟؟
وأما المقوّرة
: فبدؤها كبدء المجموعة، غير أنك إذا وصلت إلى صدرها عرقت نصف دائرة ويكون ذنبها يحاذي صدرها وتكون حديدة الطرف ولا يجوز فيها الوقف ولا الجمع، ويكون رأسها موزونا على صدرها، لا يجاوزها، سواء انفردت أو تركبت وهذه صورتها:
مقوّرة؟؟؟
وأما المبسوطة
: فعلى ما تقدّم في المقوّرة وتفارقها في الصدر فتكون
العراقة قطعة قوس مهلّلة، وتكون حديدة الطرف ولا يجوز فيها الوقف وهذه صورتها:(3/101)
: فعلى ما تقدّم في المقوّرة وتفارقها في الصدر فتكون
العراقة قطعة قوس مهلّلة، وتكون حديدة الطرف ولا يجوز فيها الوقف وهذه صورتها:
مبسوطة؟؟؟
الضرب الثاني المركبة وهي على ثلاثة أنواع: مبتدأة، ومتوسطة، ومتأخرة
فأما المبتدأة والمتوسطة
(1): فحكمهما حكم الباء والتاء والنون وما شابهها.
وأما المتأخرة
: فعلى ثلاث صور: محققة، وراجعة، ومعلقة.
فأما المحققة: فعلى ما تقدّم أوّلا، غير أنك تحذف رأسها للتركيب وهذه صورتها:
محققة؟؟؟
وأما الراجعة: فتختصّ ببعض الكلم دون بعض كالفاء واللام وهي مع الفاء أكثر استعمالا.
__________
(1) انظر صورتها في الصفحة 116.(3/102)
وطريقها أنك إذا فرغت من الحرف الذي قبلها بطنته شيئا يسيرا وجئت برأس كرأس الياء، ويكون فيها شيء من تبطين، ثم تجرّ القلم إلى ذات اليمين جرّة معتدلة في التكييف، فإذا بلغت ثلاثة أرباعها أدرت القلم برفق، ولا تظهر الإدارة، ثم تمرّ وأنت مدير لقلمك حتى تختمها بحرف القلم في نهاية الدقة والتحديد وهذه صورتها:
راجعة؟؟؟
وأما المعلقة: فتكون على صورة اللام المجموعة واللام المرسلة وهذه صفتها:
معلقة؟؟؟
النوع الثاني قلم الثلث الخفيف
ويقال فيه خفيف الثلث، وهو الذي يكتب به في قطع النصف، وصوره كصور الثلث الثقيل المتقدمة الذكر لا تختلف، إلا أنه أدقّ منه قليلا وألطف مقادير منه بنزر يسير.
قال الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن الصائغ: والفرق بينه وبين الثلث
الثقيل أن الثقيل تكون منتصباته ومبسوطاته قدر سبع نقط على ما في قلمه، على ما تقدّم، والثلث الخفيف يكون مقدار ذلك منه خمس نقط، فإن نقص عن ذلك قليلا، سمي القلم اللؤلؤيّ.(3/103)
قال الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن الصائغ: والفرق بينه وبين الثلث
الثقيل أن الثقيل تكون منتصباته ومبسوطاته قدر سبع نقط على ما في قلمه، على ما تقدّم، والثلث الخفيف يكون مقدار ذلك منه خمس نقط، فإن نقص عن ذلك قليلا، سمي القلم اللؤلؤيّ.
القلم الرابع قلم التوقيع
بإضافة قلم إلى التوقيع، سمي بذلك لأن الخلفاء والوزراء كانت توقع به على ظهور القصص، ويقال فيه قلم التوقيعات على الجمع أيضا، وقد يقال فيه التوقيع والتوقيعات بحذف المضاف اليه. ثم هو على نوعين:
النوع الأول قلم التوقيع المطلق
وهو الذي يكتب به في قطع الثلث وقد تقدّم أن أول من اخترعه يوسف أخو إبراهيم السّجزيّ، وأن ذا الرياستين الفضل بن هارون (1) أعجب به، وأمر أن تحرّر الكتابة السلطانية به دون غيره وسماه القلم الرياسيّ، ولعله إنما سميّ الرياسيّ لما تقدّم من اختصاص الكتب السلطانية به أخذا من الرياسة وقواعد حروفه وأوضاعه في الأصل قواعد قلم الثلث إلا أنه يخالفه في أمور:
أحدها أن قطّته إلى التدوير أميل، بخلاف الثلث فإن قطّته إلى التحريف أميل وذلك أن التوقيع امتلاء حروفه على السواء بخلاف الثلث، فإن فيه تشعيرات تحتاج إلى التحريف.
الثاني أن حروفه إلى التقوير أميل من الثلث، وإن كان في الثلث ميل إلى التقوير فإنه لا يبلغ في ذلك مبلغ التوقيع.
__________
(1) يبدو ان «بن سهل» سقطت من قلم الناسخ لأن ذا الرياستين، الفضل بن سهل وزير المأمون هو الذي ينسب إليه القلم الرياسي كما مرّ في الصفحة 17من هذا الجزء.(3/104)
قال لي الشيخ عبد الرحمن المكتّب (1) الشهير بابن الصائغ: ويكون في سطره تقوير ما على نسبة تقوير حروفه.
قال الشيخ زين الدين شعبان في ألفيته: وتكون منتصباته مروّسة كما في الثلث.
قال لي الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن الصائغ المكتّب: ويجوز ترك الترويس في بعض حروفه.
قال الشيخ زين الدين شعبان الآثاري: ويخيّر فيه بين الطمس والفتح في العين المتوسطة والفاء والقاف والميم والواو وعقدة اللام ألف المحققة. وخص الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن الصائغ طمس العين بالآخرة.
قال الشيخ زين الدين شعبان الآثاري: ويختص من الحروف الزائدة على الثلث بالراء المقورة والراء البتراء والراء المخطوفة والواو المقوّرة والواو البتراء والواو المخطوفة، والعين البتراء وسيأتي ذكرها عند تشكيل الحروف فيما بعد إن شاء الله تعالى.
حرف الألف
مطلق مشعر محرّف مركب؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الباء
مجموعة موقوفة مبسوطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
__________
(1) المكتّب هو الذي يعلم الكتابة. وكتّب الغلام تكتيبا أي علمته الكتابة. ويجوز عدم تشديد التاء على وزن «محسن». (المعجم الوسيط 774).(3/105)
مدغمة مجموعة مدغمة مبسوطة مركبة مبتدأة. مركبة متوسطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مركّبة موقوفة مركبة مبسوطة؟؟؟؟؟؟
الجيم
مرسلة مسبلة مجموعة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
رتقاء مفردة مرسلة رتقاء مقوّرة مسبلة رتقاء مفردة مجموعة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مركبة مبتدأة ملوّزة رتقاء مبتدأة مركبة متوسطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مركبة مختتمة مرسلة مركبة مسبلة مجموعة؟؟؟(3/106)
مركبة مبتدأة ملوّزة رتقاء مبتدأة مركبة متوسطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مركبة مختتمة مرسلة مركبة مسبلة مجموعة؟؟؟
الدال
مفردة مجموعة مختلسة مركبة مجموعة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مركبة مختلسة مركبة مخطوفة مركبة مشعرة؟؟؟
الراء
مقوّرة مخطوفة مفردة مبسوطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مفردة مدغمة مركبة مبسوطة مركبة مدغمة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مفردة مجموعة مركبة مجموعة؟؟؟؟؟؟(3/107)
مفردة مدغمة مركبة مبسوطة مركبة مدغمة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مفردة مجموعة مركبة مجموعة؟؟؟؟؟؟
السين
مخسوفة مجموعة مبسوطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مبتدأة مركبة متوسطة مخسوفة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مطرفة مبسوطة مطرفة مجموعة مفردة معلقة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مركبة مطرفة مركبة متوسطة معلقة؟؟؟؟؟؟(3/108)
الصاد
مخسوفة مجموعة مبسوطة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مبتدأة متوسطة مطرفة مخسوفة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مطرفة مجموعة مطرفة مبسوطة؟؟؟؟؟؟
الطاء
مفردة مرسلة مفردة موقوفة مركبة ملفوفة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مبتدأة مبسوطة متوسطة لقائمين متوسطة لمبسوطين؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مطرفة موقوفةمطرفة مرسلة؟؟؟؟؟؟(3/109)
مبتدأة مبسوطة متوسطة لقائمين متوسطة لمبسوطين؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مطرفة موقوفةمطرفة مرسلة؟؟؟؟؟؟
العين
مرسلة مسبلة مجموعة نعلية بينها منتصب؟؟؟؟
نعلية بينها ما هو في حكم المنتصب صادية بينها مبسوط صادية بينها ما هو في حكم المبسوط؟؟؟
مولفة مع الإفراد مولفة مع التركيب؟؟؟(3/110)
الفاء
مجموعة موقوفة مبسوطة؟؟؟
مبتدأة متوسطة مطرفة مجموعة؟؟؟
مطرفة موقوفة مطرفة مبسوطة؟؟؟
القاف
مفردة مجموعة مخسوفة مبسوطة؟؟؟
مطرفة مجموعة مطرفة مخسوفة مطرفة مبسوطة؟؟؟(3/111)
الكاف
مجموعة مفردة موقوفة مبسوطة؟؟؟
مشكولة مبتدأة متوسطة مبسوطة مبتدأة؟؟؟
متوسطة مشكولة مبتدأة وسطى؟؟؟
مشكولة مركبة مطرفة مجموعة بزورقها منزول عليها مبسوطة؟؟؟(3/112)
اللام
مفردة يخرج منها نون على رأي ابن البوّاب يخرج منها قاف على طريقة ياقوت (1)
؟؟؟
أو ياء على طريقة ابن العفيف مركبة مبتدأة وسطى مطرفة؟؟؟
الميم
مفردة مخطوفة مسبلة مبتدأة مشعرة؟؟؟؟
__________
(1) لعلّه ياقوت بن عبد الله الرومي المعروف بالمستعصمي، نسبة إلى الخليفة المستعصم بالله، ولقبه جمال الدين توفي سنة 698هـ ببغداد. وربما يكون أحد ثلاثة من الخطّاطين ممن اسمهم ياقوت وهم:
ياقوت بن عبد الله الرومي الموصلي الملكي، نسبة إلى السلطان ملك شاه السلجوقي، ولقبه أمين الدين. توفي سنة 618هـ. وأبو الدّر، ياقوت بن عبد الله الرومي، الملقب بمهذب الدين توفي سنة 622هـ. وياقوت بن عبد الله الرومي الجنس والمولد، ولقبه شهاب الدين. توفي سنة 626هـ.
وقد خلط بعض الباحثين بين ياقوت المستعصمي وياقوت الموصلي الملكي، ونسبوا لأحدهما ما للآخر، منهم الشيخ طاهر الكردي في تاريخه عن الخط العربي، وتركي الجبّوري البغدادي في كتابه «الخط العربي الإسلامي» (راجع: ياقوت المستعصمي لصلاح الدين المنجّد.
ص 117).(3/113)
وسطى مقلوبة وسطى محققة مسبلة ملفوفة مسبلة ملوّزة؟؟؟؟
النون
مفردة مجموعة مدغمة مختلسة وسطى؟؟؟
مركبة مطرفة مجموعة مدغمة مختلسة؟؟؟
الهاء
مفردة مربعة مفردة مثلثة مركبة مبتدأة ملوّزة؟؟؟
وجه الهرّ مدغمة طالعة؟؟؟
مخطوفة محدودبة محققة مردوفة؟؟؟(3/114)
وجه الهرّ مدغمة طالعة؟؟؟
مخطوفة محدودبة محققة مردوفة؟؟؟
الواو
مجموعة مشدودة مبسوطة مشدودة مجموعة مفتوحة مبسوطة مفتوحة؟؟؟؟
مقوّرة مخلوفة منوّرة بتراء؟؟؟
اللام ألف
محققة مفردة مرشوقة مفردة مركبة محققة (1)
؟؟؟؟
__________
(1) لم يذكر اسمها في الأصل ولم يتكلم عليها من قبل.(3/115)
الياء
مفردة مجموعة مركبة راجعة؟؟؟
مبتدأة ثم وسطى مركبة مجموعة مركبة مبسوطة؟؟؟
مركبة راجعة مركبة مخسوفة مركبة مبسوطة؟؟؟
القلم الخامس من الأقلام المستعملة بديوان الإنشاء قلم الرّقاع
بإضافة قلم إلى الرقاع، والمعنى أنه يكتب به في الرقاع جمع رقعة، والمراد الورقة الصغيرة التي يكتب فيها المكاتبات اللطيفة والقصص وما في معناها، وهو الذي يكتب به في قطع العادة من المنصوري والقطع الصغير، وصوره في الأصل كصور حروف الثلث والتوقيع (1) في الإفراد والتركيب إلا أنه يخالفه في أمور:
__________
(1) في الأصل: «والرقاع» والسياق يقتضي ما أثبتناه.(3/116)
أحدها أن قلمه أميل إلى التدوير من قلم التوقيع الذي هو أميل إلى التدوير من قلم الثلث.
قال لي الشيخ عبد الرحمن بن الصائغ المكتّب: وتكون جلفة قلمه في البراية أقصر من الثلث والتوقيع.
الثاني أن حروفه تكون أدقّ وألطف من حروف التوقيع.
الثالث أن الترويس لا يقع في منتصباته من الألف المفردة وأخواتها إلا في القليل، بخلاف الثلث والتوقيع فإن الترويس فيهما لازم.
الرابع أنه يغلب فيه الطمس في العين المتوسطة والأخيرة، وكذلك الفاء، والقاف، والميم، والواو، وعقدة اللام ألف المحققة. أما الصاد والطاء والعين المفردة والمبتدأة فإنها لا تكون إلا مفتوحة.
الخامس أنه يوجد فيه من الحروف ما لا يوجد في غيره كالألف الممالة إلى جهة اليمين على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
وهذه صورة حروفه إفرادا وتركيبا
الألف
مطلق مشعر محرّف طالع؟؟؟
الباء
مجموعة مدغمة مفردة مدغمة مبسوطة مفردة موقوفة؟؟؟
مبتدأة. وسطى. مطرفة مطرفة موقوفة مطرفة مبسوطة؟؟؟(3/117)
مجموعة مدغمة مفردة مدغمة مبسوطة مفردة موقوفة؟؟؟
مبتدأة. وسطى. مطرفة مطرفة موقوفة مطرفة مبسوطة؟؟؟
الجيم
مفردة مرسلة مفردة مسبلة مفردة مجموعة؟؟؟
رتقاء مرسلة رتقاء مجموعة رتقاء مسبلة؟؟؟
مبتدأة وسطى وسطى مفتوحة؟؟؟
مطرفة مرسلة مطرفة مسبلة مطرفة مجموعة؟؟؟
الدال
مفردة مجموعة مختلسة مخطوفة مشعرة؟؟؟
مركبة مجموعة مختلسة مخطوفة؟؟؟(3/118)
مفردة مجموعة مختلسة مخطوفة مشعرة؟؟؟
مركبة مجموعة مختلسة مخطوفة؟؟؟
الراء
مجموعة مقوّرة مخطوفة بتراء؟؟؟
محققة مدغمة مقطوفة؟؟؟
السين
مجموعة معلقة مخسوفة؟؟؟
مبسوطة مبتدأة متوسطة؟؟؟
مطرفة مجموعة مبسوطة مخسوفة معلقة؟؟؟؟(3/119)
الصاد
مجموعة مبسوطة مخسوفة؟؟؟
أولى مركبة وسطى مركبة مطرفة مجموعة؟؟؟
مطرفة مبسوطة مطرفة مخسوفة؟؟
الطاء
مرسلة موقوفة مبتدأة؟؟؟
متوسطة مطرفة مرسلة مطرفة موقوفة؟؟؟
العين
مرسلة مسبلة مجموعة؟؟؟
مبتدأة نعلية مبتدأة صادية متوسطة؟؟؟(3/120)
مرسلة مسبلة مجموعة؟؟؟
مبتدأة نعلية مبتدأة صادية متوسطة؟؟؟
مطرفة مرسلة مطرفة مسبلة مطرفة مجموعة؟؟؟
الفاء
مجموعة موقوفة مبسوطة؟؟؟
أولى مركبة وسطى مطرفة مجموعة؟؟؟
مطرفة موقوفة مطرفة مبسوطة؟؟
القاف
مفردة مجموعة مخسوفة مبسوطة مبتدأة؟؟؟؟
متوسطة مطرفة مجموعة مطرفة مخسوفة مبسوطة؟؟؟؟(3/121)
مفردة مجموعة مخسوفة مبسوطة مبتدأة؟؟؟؟
متوسطة مطرفة مجموعة مطرفة مخسوفة مبسوطة؟؟؟؟
الكاف
مجموعة موقوفة مبسوطة أولى مشكولة؟؟؟؟
(1) وسطى مشكولة مركبة مجموعة؟؟؟
مركبة موقوفة مركبة مقوّرة أولى مبسوطة؟؟؟
وسطى مبسوطة مشكولة موصولة مشكولة مفصولة؟؟؟
__________
(1) كذا في الأصل دون تسمية.(3/122)
اللام
مفردة مجموعة موقوفة مبسوطة مبتدأة؟؟؟؟
متوسطة مجموعة مركبة مبسوطة موقوفة؟؟؟
الميم
مفردة معلقة مخطوفة مسبلة مبتدأة مركبة؟؟؟؟
وسطى مركبة مطرفة معلقة مركبة مسبلة مختتمة محققة؟؟؟؟
النون
مجموعة مدغمة مجموعة مدغمة مبسوطة؟؟؟
مبسوطة مخسوفة أولى. وسطى؟؟؟(3/123)
مجموعة مدغمة مجموعة مدغمة مبسوطة؟؟؟
مبسوطة مخسوفة أولى. وسطى؟؟؟
مجموعة مركبة مبسوطة مركبة مخسوفة مركبة؟؟؟
الهاء
مربعة مدوّرة وجه الهرّ مدغمة؟؟؟؟
مشقوقة عرضا ملوّزة مشقوقة طولا محدودبة؟؟؟؟
محققة مختطفة مختلسة؟؟؟
الواو
مجموعة مفردة مبسوطة مفردة مجموعة مركبة مبسوطة مركبة؟؟؟؟(3/124)
اللام ألف
محققة مفردة مفردة محققة مركبة مرفلة؟؟؟؟
الياء
مجموعة مفردة مخسوفة راجعة مبتدأة. وسطى؟؟؟؟
مجموعة مركبة مخسوفة مركبة راجعة مركبة مختتمة؟؟؟
القلم السادس (1)
قلم الغبار
سمّي بذلك لدقته، كأن النظر يضعف عن رؤيته لدقته كما يضعف عن رؤية الشيء عند ثوران الغبار وتغطيته له، وهو الذي يكتب به في القطع الصغير من ورق الطير (2) وغيره.
__________
(1) في حاشية الطبعة الأميرية 3/ 128: «هو في الحقيقة سابع لتكلمه على خفيف الثلث فيما سبق في الكلام على قلم الثلث حيث قسّمه إلى نوعين: ثقيل وخفيف. فلم يترك من الأقلام شيئا كما قد يتوهم». هذا مع العلم أنه قد وعد في الصفحة 64بالتكلم على القلم المحقق غير أنه لم يفعل ذلك، اللهمّ إلا إذا اعتبرنا ثقيل الثلث هو نفسه المحقق.
(2) المقصود الورق الرقيق الذي يشبه ورق الشام والذي كان يستعمل في بطائق الحمام.(3/125)
وبه تكتب بطائق الحمام التي تحمل على أجنحتها في ورق الطير.
وبعضهم يسميه قلم الجناح لذلك، وهو قلم ضئيل مولّد من الرقاع والنسخ، مفتّح العقد من غير ترويس فيه، وينبغي أن تكون قطّته مائلة إلى التدوير لتفرعه عن الرقاع والنسخ.
وهذه صورة حروفه إفرادا وتركيبا؟؟؟؟؟؟؟؟
؟؟؟؟؟؟ بسم الله الرحمن الرحيم كتب لامام على رضى الله عنه الى بعض عماله لا تؤخر عمل اليوم لغد فتدال عليك الأعمال وان للناس سوه عن سلطانهم أو نفرة اعوذ بالله ان تدركنى واما كم ضغاين محمولة في حديث طويل وهذه الصورة المصطلح عليها الآن:
(وقد أجازوا فيها الفتح والطمس جميعا) بسم الله الرحمن الرحيم؟؟؟ وبه ثقتى قال الامام امير المومنين علي كرم الله وجهه المعروف وقروض والايام دول ومن توانى عن نفسه صالح ومن قاهر الحق والسّلام(3/126)
الجملة السابعة في كتابة البسملة وبيان صورتها في كل قلم من الأقلام المستعملة في ديوان الإنشاء وفيها مهيعان
المهيع الأوّل في ذكر قواعد جامعة للبسملة في جميع الأقلام وتشتمل على ثمان قواعد:
الأولى
قد اتفق الكتّاب على تطويل باء البسملة أكثر مما يطوّل به غيرها من الباءات التي في أوّل الكلمة. وسيأتي في الكلام على البسملة في المقالة الثالثة أنها طوّلت بدلا من الألف المحذوفة بينها وبين السين لكثرة تكرارها. وقد ذكر بعض المصنّفين في الخط أنها تكون بمقدار ثلثي ألف ذلك الخطّ.
وقد سبق القول على مقدار ألف كلّ قلم فيما تقدّم وهذا أصل يترتب عليه غيره.
الثاني
في البسملة خمس أخوات متساويات في الطول والانتصاب، وهي: ألف الجلالة، والألف واللام من الرحمن، والألف واللام من الرحيم فكلّها على مقدار واحد، وقد سبق.
الثالثة
فيها أربع أخوات متساويات في الإرسال: وهي إرسالة الميم من بسم، وإرسالة الراء من الرحمن، وإرسالة الراء من الرحيم، وإرسالة الميم من الرحيم.
الرابعة
فيها أربع أخوات متساويات في الضّوء: وهي الميم من بسم، والهاء من الجلالة، والميم من الرحمن، والميم من الرحيم.
الخامسة
فيها أختان متناسبتان في المقدار: وهما الحاء من الرحمن والحاء من الرحيم.
السادسة
أنّ لامات الجلالة تكون موازية من أعلاها للباء في أوّل البسملة
إلا أن اللام الثانية من لامات الجلالة تكون أخفض من اللام الأولى بيسير.(3/127)
أنّ لامات الجلالة تكون موازية من أعلاها للباء في أوّل البسملة
إلا أن اللام الثانية من لامات الجلالة تكون أخفض من اللام الأولى بيسير.
قال ابن عبد السلام في الميزان: بحيث لا يدرك ذلك إلا بتأمل. والذي ذكره الشيخ زين الدين الآثاريّ أنها تكون ناقصة عنها بقدر نقطة (يعني من نقط قلم كتابتها) وتكون الهاء أخفض من اللام الثانية مثل ذلك.
السابعة
أن يكون بين الباء والسين قدر ربع ألف من ألفات ذلك الخط، وتكون أسنان السين منها محدّدة الأطراف، ويكون الأخذ من كل سنّ من أسنان السين من أعلاها آخذا فيها إلى أسفل مع التساوي من الأعلى وكذا من الأسفل، بحيث إنه إذا خطّ خطّ من أسفل الباء إلى آخر السين لاصق بهما وقع على الاستقامة، ثم يأخذ في مدّ السين من أعلى السّنّة الأخيرة منها، وتكون أصابعه مقدّمة وكلوة يده مؤخّرة.
الثامنة
أن يكون البسط بين الأولى والثانية منخسفا لا مستويا، وكذلك ما بين اللام الثانية والهاء.
المهيع الثاني في بيان صورة البسملة في كل قلم من الأقلام التي تستعمل في ديوان الإنشاء
قد تقدّم أن الأقلام التي تستعمل في ديوان الإنشاء مما يكتب به كتّابه (1) ستة أقلام وهي: مختصر الطّومار، وقلم الثلث الثقيل والخفيف، وقلم التوقيعات، وقلم الرّقاع، وقلم الغبار، إلا أن المحقّق لا بسملة له في ديوان الإنشاء، لأنه إنما يستعمل في كتابة طغراة كتاب على ما تقدّم ذكره، ولا بسملة للطغراة، اللهم إلا أن يكتب مختصر الطّومار على طريقة المحقّق فتكتب البسملة فيه على طريقة
__________
(1) في بداية كلامه على الأقلام كان قد ذكر أنها سبعة.(3/128)
المحقق بخلاف قلم الغبار فإنه يكتب به في الملطّفات فيحتاج إلى البسملة وإن لم يحتج إليها في البطائق.
ولتعلم أن صورة البسملة في هذه الأقلام تختلف ما بين صورة واحدة لكلّ قلم فأكثر. وقد ذكر صاحب العناية الربانية (1) صورا من ذلك، وأنا أوردها على الترتيب إن شاء الله تعالى.
فأما بسملة قلم مختصر الطومار، فقد تقدّم أن طريقته طريقة الطّومار، وأن الطومار تارة يكتب على طريقة المحقّق وهو الأكثر، وتارة يكتب على طريقة الثلث، وعليه عمل كتّاب الإنشاء، وربما عملوا على طريقة المحقّق وحينئذ فإن كان المكتوب على طريقة المحقّق فبسملته على طريقة المحقّق مع امتلاء قلمه على حدّ مختصر الطومار على ما تقدّم بيانه.
__________
(1) «العناية الربانية في الطريقة الشعبانية» للآثاري. راجع هامش ص 20.(3/129)
وهذه صورة بسملة؟؟؟
على طريقة الثلث؟؟؟
وأما قلم الثلث الثقيل وقلم الثلث الخفيف فطريقهما واحدة لا خلف بينهما إلا في رقّة القلم وغلظه على ما تقدّم بيانه في الكلام على أصل الأقلام. وللبسملة فيهما ثلاث صور:(3/130)
وهذه صورة بسملة؟؟؟
على طريقة الثلث؟؟؟
وأما قلم الثلث الثقيل وقلم الثلث الخفيف فطريقهما واحدة لا خلف بينهما إلا في رقّة القلم وغلظه على ما تقدّم بيانه في الكلام على أصل الأقلام. وللبسملة فيهما ثلاث صور:(3/131)
وهذه صورة بسملة؟؟؟
على طريقة الثلث؟؟؟
وأما قلم الثلث الثقيل وقلم الثلث الخفيف فطريقهما واحدة لا خلف بينهما إلا في رقّة القلم وغلظه على ما تقدّم بيانه في الكلام على أصل الأقلام. وللبسملة فيهما ثلاث صور:
الصورة الأولى أن تكون الراء في الرحمن وفي الرحيم مخسوفة وهذه صورتها:
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الصورة الثانية أن تكون الراء فيهما مجموعة والنون في الرحمن مجموعة وهذه صورتها:(3/132)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الصورة الثانية أن تكون الراء فيهما مجموعة والنون في الرحمن مجموعة وهذه صورتها:
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الصورة الثالثة أن تكون الراء فيهما مدغمة والنون في الرحمن مدغمة وهذه صورتها:(3/133)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الصورة الثالثة أن تكون الراء فيهما مدغمة والنون في الرحمن مدغمة وهذه صورتها:
بسم الله الرّحمن الرّحيم وأما بسملة قلم التوقيع فلها ثلاث صور:
الصورة الأولى مختصرة من قلم الثّلث فتكون كهي، إلا أنها أدقّ قلما منها، وهذه صورتها:
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الصورة الثانية أن تكون الحاء فيها في الرحمن مقلوبة وفي الرحيم ملوّزة وهذه صورتها:(3/134)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الصورة الثانية أن تكون الحاء فيها في الرحمن مقلوبة وفي الرحيم ملوّزة وهذه صورتها:
بسم الله الرّحمن الرّحيم الصورة الثالثة أن تكون الحاء فيها في الرحمن والرحيم مقلوبة وهذه صورتها:
بسم الله الرّحمن الرّحيم
وأما بسملة قلم الرقاع، فإن السين تكون فيها بالتدريج، كل سنّ دون التي قبلها بيسير والكاتب فيها مخيّر بين وصل أسنانها وفصلها فصلا يسيرا. وقد اصطلحوا على أن تكتب الألف التي قبل الجلالة فيها متصلة بميم بسم، وتكون مثل الألف والصاعد في قلم الرّقاع، ثم يجعل لها ذيل وتوصل بالجلالة ولها ثلاث صور:(3/135)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
وأما بسملة قلم الرقاع، فإن السين تكون فيها بالتدريج، كل سنّ دون التي قبلها بيسير والكاتب فيها مخيّر بين وصل أسنانها وفصلها فصلا يسيرا. وقد اصطلحوا على أن تكتب الألف التي قبل الجلالة فيها متصلة بميم بسم، وتكون مثل الألف والصاعد في قلم الرّقاع، ثم يجعل لها ذيل وتوصل بالجلالة ولها ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن تكون الراء فيها مدغمة، والحاء في الرحمن والرحيم مقلوبة وهذه صورتها:
بسم الله الرّحمن الرّحيم الصورة الثانية أن تكون الراء فيها مدغمة والحاء رتقاء وهذه صورتها:
بسم الله الرّحمن الرّحيم الصورة الثالثة أن توصل الألف بالجلالة من أعلاها وهذه صورتها:
؟؟؟ وأما بسملة الغبار [فلها صورة واحدة وهي هذه] (1)
؟؟؟
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق.(3/136)
الجملة الثامنة في وجوه تجويد الكتابة وتحسينها وهو على ضربين
الضرب الأوّل حسن التشكيل
قال الوزير أبو عليّ بن مقلة: وتحتاج الحروف في تصحيح أشكالها إلى خمسة أشياء:
الأوّل التوفية
وهي أن يوفّى كلّ حرف من الحروف حظّه من الخطوط التي يركب منها: من مقوّس ومنحن ومنسطح.
الثاني الإتمام
وهو أن يعطى كلّ حرف قسمته من الأقدار التي يجب أن يكون عليها: من طول أو قصر أو دقّة أو غلظ.
الثالث الإكمال
وهو أن يؤتى كلّ خط حظّه من الهيئات التي ينبغي أن يكون عليها: من انتصاب، وتسطيح، وانكباب، واستلقاء، وتقويس.
الرابع الإشباع
وهو أن يؤتى كلّ خط حظه من صدر القلم حتّى يتساوى به فلا يكون بعض أجزائه أدقّ من بعض ولا أغلظ إلا فيما يجب أن يكون كذلك من أجزاء بعض الحروف من الدقة عن باقيه مثل الألف والراء ونحوهما.
الخامس الإرسال
وهو أن يرسل يده بالقلم في كل شكل يجري بسرعة من غير احتباس يضرّسه ولا توقّف يرعشه.
الضرب الثاني حسن الوضع
قال الوزير (1): ويحتاج إلى تصحيح أربعة أشياء:
__________
(1) أبو علي بن مقلة.(3/137)
الأوّل الترصيف
وهو وصل كلّ حرف متصل إلى حرف.
الثاني التأليف
وهو جمع كل حرف غير متصل إلى غيره على أفضل ما ينبغي ويحسن.
الثالث التسطير
وهو إضافة الكلمة إلى الكلمة حتّى تصير سطرا منتظم الوضع كالمسطرة.
الرابع التنصيل
وهو مواقع المدّات المستحسنة من الحروف المتصلة.
واعلم أن المدّ في الخط قديم، فقد حكى أبو جعفر النحاس في «صناعة الكتاب»: أن أهل الأنبار كانوا يكتبون المشق (1). وكأنه يريد أنهم كانوا على ذلك في القديم، فقد تقدم أن أوّل ما تعلّم أهل الحجاز الخطّ من أهل الأنبار. على أن صاحب «موادّ البيان» قد حكى أن جماعة من المحرّرين كانوا يكرهون المشق لإفساده خطّ المبتديء ودلالته على تهاون المنتهى.
قال: ولذلك كرهوا كتابة البسملة بغير سين مبيّنة ثم صارت كراهة ذلك سنّة وعرفا. والذي عليه حذّاق المحرّرين استعمال المدّ.
قال في «موادّ البيان»: وهذه المدّات تستعمل لأمرين: أحدهما أنها تحسّن الخط وتفخّمه في مكان كما يحسّن مدّ الصوت اللفظ ويفخّمه في مكان. الثاني أنها ربما أوقعت ليتم السّطر إذا فضل منه ما لا يتّسع لحرف آخر، لأن السطر ربما ضاق عن كلمتين وفضل عن كلمة فتمدّ التي وقعت في آخر السطر لتقع الأخرى في أوّل السطر الذي يليه.
وقال الشيخ عماد الدين بن العفيف: مواضع المدّ أواخر السطور، وتكره إذا كانت سينا مدغمة.
قال في «موادّ البيان»: فيجب على الكاتب أن يعرف أحكامها لئلا يوقعها في
__________
(1) المشق في الكتابة هو مدّ حروفها. (القاموس 3/ 292).(3/138)
غير المواضع اللائقة بها فيشتبه الحرف بغيره ويفسد المعنى، مثل أن يوقع المدّ في متعلم بين الميم والتاء فتشتبه بمستعلم، أو يوقع المدّ في متسلم بين الميم والتاء فتشتبه بمستسلم. ثم قال: وبالجملة فالكلمة الأصلية اسما كانت أو حرفا أو فعلا لا تخرج عن أربعة أصناف:
الصنف الأوّل الثنائية
وهي إما أسماء مضاعفة أو أفعال أو حروف.
فالأسماء: نحوندّ، وضر، وسرّ، وشرّ، وظلّ، وطلّ، وما أشبه ذلك.
والأفعال: نحو قل، وكل، وقم، وعد، ونم، وسر، ونحو ذلك.
والحروف: نحو هل، وبل، وقط، وقد، ومذ، وعن، ولو، ولم، ومن، وما، وما يجري مجرى ذلك.
فأما الأسماء والأفعال الثنائية فقد ذكر في «موادّ البيان»: أنه لا يحسن المدّ في شيء منها إلا في سرّ، وشرّ، من الأسماء وسر من الأفعال لأن السين أو الشين وإن كان كل منهما حرفا على حياله في صورة ثلاثة أحرف.
قال: وقد يحسن في نحو ظل، وطلّ، في بعض المواضع.
وأما الحروف الثنائية فقد ذكر في «موادّ البيان»: أنه لا يحسن المدّ فيها.
وحكى صاحب «منهاج الإصابة»: أن بعض الكتاب كان يمدّ في أواخر السطور مثل ما، وهل، وعن، ثم حكى عن أبي القاسم بن خلوف: أن ذلك لا يجوز في عن في أوّل السطر ولا في آخره.
الصنف الثاني الثلاثية
قال في «موادّ البيان»: والمدّ فيها على الأكثر قبيح لأنها لا تنقسم بقسمين متساويين.
قال: ومنها ما يسمح في مدّه للضرورة كما إذا وقع في آخر سطر يحتاج إلى التتميم فيمدّ كبيع وقطع ونحوهما. وعلى نحو من ذلك جرى صاحب «منهاج الإصابة» ثم قال: ويجوز أن تمدّ إذا كان ثالثها ألفا أو لاما.(3/139)
قال في «موادّ البيان»: والمدّ فيها على الأكثر قبيح لأنها لا تنقسم بقسمين متساويين.
قال: ومنها ما يسمح في مدّه للضرورة كما إذا وقع في آخر سطر يحتاج إلى التتميم فيمدّ كبيع وقطع ونحوهما. وعلى نحو من ذلك جرى صاحب «منهاج الإصابة» ثم قال: ويجوز أن تمدّ إذا كان ثالثها ألفا أو لاما.
وقال الشيخ عماد الدين بن العفيف: كان والدي يمدّ في الكلمة الثلاثيّة إذا كان أوّلها الجيم وأختاها، والطاء، والسين، والعين.
قال في «موادّ البيان»: وينبغي إذا مدّ أن يقدّم الحرفان الأوّلان وتوضع المدة بينهما وبين الثالث. أما عسى، ومتى، وفتى، ونحوها فإنها لا تحتمل المدّ بحال.
الصنف الثالث الرباعية نحو محمد وجعفر
قال أبو القاسم بن خلوف: والمدّ فيه جائز بل المدّ فيه أحسن من القصر.
قال في «موادّ البيان»: ولا يجوز أن يقدّم منها ثلاثة أحرف ويوقع المدّة بينها وبين الحرف الرابع ولا بالعكس بل وقع المدّ بين الحرفين الأوّلين والحرفين الآخرين فقط. قال: على أن منها ما لا يحسن المدّ فيه نحو: تغلب، وخبير، ونمير.
الصنف الرابع الخماسية
نحو: مشتمل، ومستقلّ، ومسيطر، ومهيمن.
وقد اختلف علماء الخط فيه على مذهبين: فذهب صاحب «موادّ البيان» إلى أن المدّ فيها لا يحسن، فإنها لا تنقسم بقسمين متساويين كما في الثّلاثيّة وذهب أبو القاسم بن خلوف إلى أن المدّ فيها لازم، لا يجوز تركه. ثم إذا مدّ فالذي ذكره في «موادّ البيان» أن الأحسن أن يقدّم حرفين ويوقع المدّ بينهما وبين الثلاثة الأحرف الأخر.
أما ما كان زائدا على خمسة فقد ذكر صاحب «العناية الربّانية» (1) أنه يرجع فيه إلى الأصول، ويعتبر من السّداسي (2) فإنه مدّ فيما بعد السين من مسلمون وبعد التاء من معتبر.(3/140)
وقد اختلف علماء الخط فيه على مذهبين: فذهب صاحب «موادّ البيان» إلى أن المدّ فيها لا يحسن، فإنها لا تنقسم بقسمين متساويين كما في الثّلاثيّة وذهب أبو القاسم بن خلوف إلى أن المدّ فيها لازم، لا يجوز تركه. ثم إذا مدّ فالذي ذكره في «موادّ البيان» أن الأحسن أن يقدّم حرفين ويوقع المدّ بينهما وبين الثلاثة الأحرف الأخر.
أما ما كان زائدا على خمسة فقد ذكر صاحب «العناية الربّانية» (1) أنه يرجع فيه إلى الأصول، ويعتبر من السّداسي (2) فإنه مدّ فيما بعد السين من مسلمون وبعد التاء من معتبر.
قال في «مواد البيان»: ويصح المدّ فيما جاء من الأسماء والأفعال والحروف موصولا بضمير كناية مثل: كتبته، وعلمته، وفيه، ومنه، وعليه، وإليه، إذا وقعت المدّة بين تمام الكلمة والضمير.
قال: ومشق السين يحسّن الخطّ في بعض المواضع، ويقبح إذا وقعت طرفا نحو مشق السين من العباس والجوّاس وأقبح من ذلك مشقها إذا كانت موصولة بحرف واحد يتقدّمها نحو يأنس، وعانس، وجالس، وناعس، وإذا توالت سينان أو سين وشين، فالأحسن أن يفصل بينهما في الخط المحرّر بمدّة لطيفة نحو مسست وغششت ورششت.
قال أبو القاسم بن خلوف: ومن الحروف ما لا يحسن المدّ بعده إذا كان مبتدأ، وهو الباء وأختاها، والياء، والفاء والقاف، واللام وأما الكاف المشكولة فإنه لا يجوز مدّ ما بعدها في ابتداء ولا توسّط.
وقد ذكر الشيخ زين الدين شعبان الآثاري في ألفيّته حروفا يجوز مدّها في مواضع:
أحدها الباء وأختاها، فتمدّ إذا كان بعدها دال مثل: بدر، أو راء مثل: برّ، أو ميم مثل: تم، أو هاء مثل: بهز، وأنه ربما مدّت إذا كان بعدها لام مثل: بل، أو لام ألف مثل: بلا.
__________
(1) «العناية الربّانية في الطريقة الشعبانية» للشيخ زين الدين شعبان الآثاري. ورد التعريف به في هامش الصفحة 20.
(2) لعل الصواب: من الثلاثي، بالثائين المثلثتين.(3/141)
الثاني الجيم وأختاها، فتمدّ إذا كان بعدها دال مثل: حداد، أو راء مثل:
حرير، أو ميم مثل: حم، أو هاء مثل: جهر.
الثالث السين وأختها، وتمدّ إذا كان بعدها راء مثل: سرّ، أو ميم مثل:
سم، أو هاء مثل: سهم.
الرابع، والخامس الصاد وأختها، والطاء وأختها، فلا يجوز (1) مدّ واحد منها بحال.
السادس العين وأختها، فتمدّ إذا كان بعدها دال مثل: عد، أو راء مثل:
عر، أو ميم مثل: عم، أو هاء مثل: عهن.
السابع، والثامن، والتاسع، والعاشر، والحادي عشر الفاء، والقاف، واللام، والميم، والهاء فحكمها حكم العين وأختها في جواز المدّ فيما تقدّم.
قال الشيخ عماد الدين بن العفيف: ولا يجوز الجمع بين مدّتين في كلمة واحدة، و «على» تمدّ إذا كانت الياء معرّقة فإن كانت راجعة لم يجز المدّ أصلا، لأنه يجتمع في كلمة ثلاثيّة مدّتان.
قال في «موادّ البيان»: ويقبح أن تمدّ حرفين توالي بينهما في سطر واحد، وأن توقع حرفين ممدودين في سطرين: أعلى وأسفل على تقابل وتحاذ.
قال السّرّمرّي: وإن كان في آخر الكلمة ياء لم يجز المدّ قبل الياء. قال:
ولذلك لا يجوز المدّ بعد السين في اسم موسى: ولا قبل (2) السين في اسم عيسى.
قال الآثاريّ: وأجاز بعضهم مدّ العين منه بخلاف السين.
قال ابن العفيف: ولا تدغم الواو والنون بعد مدّ أصلا في خفيف ولا ثقيل.
__________
(1) الكلام يجري على ما يجوز مدّه، ويبدو أن إثبات هذا القسم هنا وقع سهوا.
(2) المراد: سواء اتصل المدّ بالياء أو كان قبله في كلمته.(3/142)
قال: ولا يحسن إدغام السين بعد الكاف المشكولة، ويجوز بعد اللام والميم.
قال في «مواد البيان»: ويقبح أن تكتب ياءان معطوفتان متقاربتان في سطر واحد.
قال الشيخ عماد الدين بن الشيرازي: وإذا توالت العراقات وكان فيها الياء وجب أن تكون راجعة إلى ذات اليمين.
قال ابن أبي رقيبة: سألت الشيخ عماد الدين بن العفيف: هل يكون ذلك في كل قلم؟ قال نعم! إذا تمكّن الكاتب من وضعها، إلا في المحقّق فإنه غير جائز.
قال السّرّمريّ: وإن أتت ياءان متقاربتان مثل قول القائل «لي صلي» ردّ ياء الأخرى من الكلمتين دون الأولى، وإن شئت عرّقتهما جميعا، وهو اختيار الوزير ابن مقلة. قال: وتردّ الياء بعد الألف واللام مثل: «إلى» في خفيف الأقلام دون ثقيلها على الأحسن.
قال الآثاري: وإذا توالت حروف متشابهة كتبت القصير منه مقدّما على الطويل.
الصنف الخامس مراعاة فواصل الكلام
قال في «مواد البيان»: وذلك بأن تميز الفصول المشتمل كلّ فصل منها على نوع من الكلام عمّا تقدّمه: لتعرف مباديء الكلام ومقاطعه فإن الكلام ينقسم فصولا طوالا وقصارا، فالطّوال كتقسيم منثور المترسل إلى رسائله، ومنظوم الشاعر إلى قصائده، ومثل هذا لا يحتاج إلى تفصيل، لأنه لا يشكل الحال فيه في الرسالة أو القصيدة بغيرها اتصالا وانفصالا.
والفصول القصار كانقسام الرسالة إلى الفصول، والقصيدة إلى الأبيات، ومثل هذا قد يشكل، فينبغي أن تميز تمييزا يؤمن معه من الاختلاط، فإن ترتيب
الخط يفيد ما يفيده ترتيب اللفظ. وذلك أن اللفظ إذا كان مرتّبا تخلّص بعض المعاني من بعض، وإذا كان مخلّطا أشكلت معانيه، وتعذر على سامعه إدراك محصوله.(3/143)
والفصول القصار كانقسام الرسالة إلى الفصول، والقصيدة إلى الأبيات، ومثل هذا قد يشكل، فينبغي أن تميز تمييزا يؤمن معه من الاختلاط، فإن ترتيب
الخط يفيد ما يفيده ترتيب اللفظ. وذلك أن اللفظ إذا كان مرتّبا تخلّص بعض المعاني من بعض، وإذا كان مخلّطا أشكلت معانيه، وتعذر على سامعه إدراك محصوله.
وكذلك الخط إذا كان متميز الفصول، وصل معنى كلّ فصل منه إلى النفس على صورته، وإذا كان متصلا دعا إلى إعمال الفكر في تخليص أغراضه.
وقد اختلفت طرق الكتّاب في فصول الكلام الذي لم يميّز بذكر باب أو فصل ونحوه. فالنّسّاخ يجعلون لذلك دائرة تفصل بين الكلامين، وكتّاب الرسائل يجعلون للفواصل بياضا يكون بين الكلامين من سجع أو فصل كلام، إلا أن بياض فصل الكلامين يكون في قدر رأس إبهام، وفصل السجعتين يكون في قدر رأس خنصر.
قال في «موادّ البيان»: وينبغي ألّا تكون الجملة في آخر السطر والفاصلة في أوّل السطر الذي يليه فإنه ملبس لاتصال الكلام بل لا يجعل في أوّل السطر بياضا أصلا لأنه يقبح بذلك لخروجه عن نسبة السطور ولا أن يفسح بين السطر والذي يليه إفساحا زائدا عما بين كل سطرين، ولكن يراعي ذلك من أوّل شروعه في كتابة السطر فيقدّر الخط بالجمع والمشق حتّى يخلص من هذا العيب.
الصنف السادس حسن التدبير في قطع الكلام ووصله في أواخر السطور وأوائلها
لأن السطور في المنظر كالفصول، فإذا قطع السطر على شيء يتعلّق بما بعده كان قبيحا، كما إذا كتب بعض حروف الكلمة في آخر السطر وبعضها في أوّل السطر الذي يليه.
ثم للفصل المستقبح في آخر السطر وأوّل الذي يليه صنفان:(3/144)
ثم للفصل المستقبح في آخر السطر وأوّل الذي يليه صنفان:
الصنف الأوّل فصل بعض حروف الكلمة الواحدة عن بعض، وتفريقها في السطر والذي يليه
مثل أن تقع معه لفظة «كتاب» في آخر السطر، فيكتب الكاف والتاء والألف في آخر السطر، والباء في أوّل السطر الذي يليه أو يقع في آخر السطر لفظ «مسرور» فيكتب الميم والسين والراء فيه، والواو والراء الثانية في أوّل السطر الذي يليه ونحو ذلك.
قال في «موادّ البيان»: وهو قبيح جدّا لأنه لا يجوز فصل الاسم عن بعضه. قال: وأكثر ما يوجد ذلك في مصاحف العامّة وخطوط الورّاقين (1)
والحامل لهم على ذلك في الغالب هو ضيق آخر السطر عن الكلمة بكمالها، ومن هنا احتاج الكاتب الى النظر في ذلك بالجمع والمشق من حين شروعه في كتابة أوّل السطر على ما تقدّم.
قال صاحب «منهاج الإصابة»: وإنما وقع مثل ذلك في المصاحف التي كتبت في زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه لأنها كتبت بقلم جليل مبسوط، فربما وقع في بعض الأماكن اللفظة فيقطعها في آخر السطر ويجعل باقيها في السطر الثاني.
وعلى ذلك حمل ما روي أن عثمان رضي الله عنه قال: «إنّ في
__________
(1) نتيجة لحركة التأليف والترجمة في أوائل العصر العباسي، ونتيجة لتصنيع الورق في بغداد وسهولة الحصول عليه وتداوله ظهرت صناعة الوراقة وتفرّغ لها قوم عرفوا باسم الوراقين. مارس هذه الحركة كثير من الأدباء والعلماء واللغويين والنحاة. والوراقة بتعريف ابن خلدون: «إنها معاناة الكتب بالاستنساخ والتصحيح والتجليد وسائر الأمور المكتبية والدواوين» والوراق، كما يقول السمعاني، «هو من يكتب المصاحف وكتب الحديث وغير هما، وقد يقال لمن يبيع الورق وهو الكاغذ ببغداد الوراق أيضا.» والوراقة هي عملية النشر والتحقيق والتوزيع في عصرنا، وحوانيت الوراقين تقوم مقام دور النشر والمكتبات في بيع الورق والأدوات الكتابية. (فهرسة المخطوط العربي ص 13، 14).(3/145)
المصحف لحنا ستقيمه العرب بألسنتها» إذ لا جائز أن يكون ذلك لحنا في اللفظ فقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على أن ما بين دفّتي المصحف قرآن، ومحال أن يجتمعوا على لحن. على أن هذه الرواية غير مشهورة عن عثمان رضي الله عنه كما أشار إلى ذلك الشاطبي (1) بقوله في الرائية:
ومن روى ستقيم العرب ألسنها ... لحنا به قول عثمان فما شهرا
الصنف الثاني فصل الكلمة التامة وصلتها
مثل أن يكتب «وصل كتابك وأيّدك الله» مفصّلات، فيكتب «وصل» في آخر السطر و «كتابك» في أوّل الذي يليه، أو يكتب «أيّدك» في آخر سطر واسم «الله» تعالى في أوّل الذي يليه، وما جرى مجرى ذلك.
قال في «موادّ البيان»: والأحسن تجنّبه إذا أمكن، فإن لم يمكن فيتجنّب القبيح منه، وهو الفصل بين المضاف والمضاف إليه، كعبد الله وغلام زيد وما أشبه ذلك، لأنّ المضاف والمضاف إليه بمنزلة الاسم الواحد والفصل بين الاسم وما يتلوه في النسب، كقولك زيد بن محمد، فلا يجوز أن يفصل بين الاسم والمنسوب إليه كما لا يجوز أن يفصل بين المضاف والمضاف إليه. قال: فإن كان المراد بلفظة ابن تثبيت البنوّة كقولك لزيد ابن جاز قطع الابن عما تقدّمه. وكأنه إنما امتنع ذلك لأن «لزيد» لا يستقل بنفسه فلا يدخله لبس بخلاف غلام زيد ونحوه. ثم قال: ومما يقبح فصله الفصل بين كل اسمين جعلا اسما واحدا نحو:
حضر موت، وتأبط شرّا، وذي يزن، وأحد عشر.
قلت: وباب الخط وأقلامه وحسن تدبيره متسع لا يسع استيفاؤه.
__________
(1) الشاطبي هو القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد الرعيني، إمام القراء. كان ضريرا. وهو صاحب «حرز الأماني» وهي قصيدة في القراءات تعرف «بالشاطبية». توفي سنة 590هـ. (الأعلام 5/ 180).(3/146)
الفصل الثالث من الباب الثاني من المقالة الأولى في لواحق الخط، وفيه مقصدان
المقصد الأول في النقط وفيه أربع جمل
الجملة الأولى في مسيس الحاجة إليه
قال محمد بن عمر المدائنيّ: ينبغي للكاتب أن يعجم (1) كتابه، ويبيّن إعرابه، فإنه متى أعراه عن الضبط، وأخلاه عن الشكل والنقط كثر فيه التصحيف، وغلب عليه التحريف. وأخرج بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: «لكلّ شيء نور، ونور الكتاب العجم (2)». وعن الأوزاعيّ (3) نحوه.
قال أبو مالك الحضرميّ: أيّ قلم لم تعجم فصوله، استعجم (4) محصوله.
ومن كلام بعضهم: «الخطوط المعجمة، كالبرود المعلمة».
ثم قد تقدم في الكلام على عدد الحروف أن حروف المعجم تسعة
__________
(1) أعجم الكتاب وعجّمه أي نقطه. واستعجم محصول الكتاب أي استبهم واستغلق على الفهم.
(اللسان 12/ 389388).
(2) أعجم الكتاب وعجّمه أي نقطه. واستعجم محصول الكتاب أي استبهم واستغلق على الفهم.
(اللسان 12/ 389388).
(3) هو أبو عمرو، عبد الرحمن بن عمرو: إمام الديار الشامية في الفقه والزهد، وأحد الكتاب المترسلين. ولد في بعلبك ونشأ في البقاع اللبناني وسكن بيروت وتوفي فيها سنة 157هـ. وقد انتشر مذهبه انتشارا واسعا حتى أن المغرب والأندلس كانا يتبعان مذهبه إلى أن حلّ محلّه سلطان مذهبي أبي حنيفة ومالك. (دائرة المعارف الإسلامية 5/ 206والأعلام 3/ 220).
(4) أعجم الكتاب وعجّمه أي نقطه. واستعجم محصول الكتاب أي استبهم واستغلق على الفهم.
(اللسان 12/ 389388).(3/147)
وعشرون حرفا، وقد وضعت أشكالها على تسعة عشر شكلا. فمنها ما يشترك في الصّورة الواحدة منه الحرفان: كالدال والذال والراء والزاي، والسين والشين.
ومنها ما يشترك في الصورة الواحدة منه الثلاثة: كالباء والتاء والثاء، والجيم والحاء والخاء. ومنها ما ينفرد بصورة واحدة كالألف. ومنها ما لا يلتبس حالة الإفراد، فإذا ركّب ووصل بغيره التبس، كالنون والقاف، فإن النون في حالة الإفراد منفردة بصورة، فإذا ركّبت مع غيرها في أوّل كلمة أو وسطها، اشتبهت بالباء وما في معناها والقاف إذا كانت منفردة لا تلتبس، فإذا وصلت بغيرها أوّلا أو وسطا التبست بالفاء، فاحتيج إلى مميز يميّز بعض الحروف من بعض: من نقط أو إهمال ليزول اللّبس، ويذهب الاشتراك.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: ولذلك ينبغي أن القاف والنون إذا كتبا في حالة الإفراد على صورتهما الخاصّة بهما لا ينقطان، لأنه لا شبه بينهما ولا يشبهان غير هما، فيكونان إذ ذاك كالكاف واللام. قال: ومنع بعض مشايخنا الاشتراك في صورة الحروف، وقال: الصورة والنقط مجموعهما دالّ على كل الحرف.
إذا تقرّر ذلك فالنقط مطلوب عند خوف اللّبس، لأنه إنما وضع لذلك أما مع أمن اللّبس فالأولى تركه لئلا يظلم الخطّ من غير فائدة.
فقد حكي أنه عرض على عبد الله بن طاهر (1) خطّ بعض الكتّاب فقال: ما أحسنه! لولا أنه أكثر شونيزه (2).
وقد حكى محمد بن عمر المدائني أن جعفرا المتوكل (3) كتب إلى بعض
__________
(1) أمير خراسان ومن أشهر الولاة في العصر العباسي. ولي إمرة الشام مدة ونقل الى مصر سنة 211 هـ.، ثم ولاه المأمون خراسان واستمر الى أن توفي بنيسابور وقيل بمرو سنة 230هـ. (الأعلام 4/ 93).
(2) الشونيز والشينيز والشونوز: الحبّة السوداء، وهي فارسية الأصل. والمقصود: لولا أنه أكثر نقاطه.
(القاموس 2/ 185).
(3) هو جعفر بن محمد، المتوكل على الله بن المعتصم بن الرشيد. بويع له بالخلافة بعد موت أخيه الواثق سنة 232هـ وقتل سنة 247هـ. (فوات الوفيات 1/ 290).(3/148)
عمّاله أن أحص من قبلك من المدنيّين وعرّفنا بمبلغ عددهم، فوقع على الحاء نقطة فجمع العامل من كان في عمله منهم وخصاهم فماتوا غير رجلين أو واحد.
وقد حكى المدائني عن بعض الأدباء أنه قال: كثرة النّقط في الكتاب سوء ظنّ بالمكتوب إليه.
أما كتّاب الأموال فإنهم لا يرون النقط بحال بل تعاطيه عندهم عيب في الكتابة.
الجملة الثانية في ذكر أوّل من وضع النقط
قد تقدّم في الكلام على وضع الحروف العربية أن أوّل من وضع الحروف العربية ثلاثة رجال من قبيلة بولان على أحد الأقوال، وهم: مرار (1) بن مرّة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة وأن مرارا (2) وضع الصّور، وأسلم فصل ووصل، وعامرا وضع الإعجام. وقضية هذا أن الإعجام موضوع مع وضع الحروف.
وقد روي أن أوّل من نقط المصاحف ووضع العربية أبو الأسود الدّؤليّ (3)
من تلقين أمير المؤمنين عليّ كرّم الله وجهه. فإن أريد بالنقط في ذلك الإعجام، فيحتمل أن يكون ذلك ابتداء لوضع الإعجام، والظاهر ما تقدّم، إذ يبعد أن الحروف قبل ذلك مع تشابه صورها كانت عريّة عن النقط إلى حين نقط المصحف.
وقد روي أن الصحابة رضوان الله عليهم جرّدوا المصحف من كل شيء
__________
(1) تقدّم التنبيه عليه في هامش الصفحة 12من هذا الجزء.
(2) تقدّم التنبيه عليه في هامش الصفحة 12من هذا الجزء.
(3) هو ظالم بن عمرو الدؤلي الكناني، واضع علم النحو. توفي بالبصرة سنة 69هـ. (الأعلام 3/ 236).(3/149)
حتى من النقط والشكل. على أنه يحتمل أن يكون المراد بالنقط الذي وضعه أبو الأسود الشكل على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الجملة الثالثة في بيان صورة النقط، وكيفية وضعه
قال الوزير أبو عليّ بن مقلة رحمه الله: وللنّقط صورتان: إحداهما شكل مربع والأخرى شكل مستدير.
قال: وإذا كانت نقطتان على حرف، فإن شئت جعلت واحدة فوق أخرى، وإن شئت جعلتهما في سطر معا، وإذا كان بجوار ذلك الحرف حرف ينقط لم يجز أن يكون النّقط إذا اتسعت إلا واحدة فوق أخرى والعلة في ذلك أن النّقط إذا كنّ في سطر خرجن عن حروفهن فوقع اللّبس في الأشكال، فإذا جعل بعضها على بعض كان على كل حرف قسطه من النّقط فزال الإشكال.
قلت: وإذا كان على الحرف ثلاث نقط، فإن كانت ثاء جعلت واحدة فوق اثنتين، وإن كانت شينا فبعض الكتّاب ينقطه كذلك، وبعضهم ينقطه ثلاث نقط سطرا، وذلك لسعة حرف الشين بخلاف الثاء المثلثة.
أما السين إذا نقطت من أسفلها، فإنهم ينقطونها ثلاثة سطرا واحدا.
الجملة الرابعة فيما يختصّ بكل حرف من النقط وما لا نقط له
قد تقدم أنّ حروف المعجم ثمانية وعشرون حرفا سوى اللام ألف، وأن ذلك على عدد منازل القمر الثمانية والعشرين (1) وأن المنازل أبدا منها أربعة عشر
__________
(1) نسب ابن النديم هذا القول إلى سهل بن هارون صاحب بيت الحكمة وقال إن غاية ما تبلغ الكلمة منها مع زيادتها سبعة أحرف على عدد النجوم السبعة وقال يعني ابن هارون إن حروف الزوائد اثنا عشر حرفا على عدد البروج الاثني عشر، ومن الحروف ما يدغم مع لام التعريف وهي أربعة عشر حرفا مثل منازل القمر المستترة تحت الأرض وأربعة عشر حرفا ظاهرة لا تدغم مثل بقية المنازل الظاهرة، وجعل الإعراب ثلاث حركات الرفع والنصب والخفض لأن الحركات الطبيعية ثلاث حركات: حركة من الوسط كحركة النار، وحركة الى الوسط كحركة الأرض وحركة على الوسط كحركة الفلك (الفهرست ص 15).(3/150)
فوق الأرض، وأربعة عشر تحت الأرض ثم إنه لا بدّ أن يبقى مما فوق الأرض منزلة مختفية تحت الشّفق، فكانت الحروف المنقوطة خمسة عشر حرفا بعدد المنازل المختفية: وهي الأربعة عشر التي تحت الأرض، والواحدة التي تحت الشّعاع، إشارة إلى أنها تحتاج إلى الإظهار لاختفائها: وهي الباء، والتاء، والثاء، والجيم، والخاء، والذال، والزاي، والشين، والضاد، والظاء، والغين، والفاء، والقاف، والنون، والياء، آخر الحروف.
وكانت الحروف العاطلة ثلاثة عشر بعدد المنازل الظاهرة: وهي الألف، والحاء، والدال، والراء، والسين، والصاد، والطاء، والعين، والكاف، واللام، والميم، والهاء، والواو.
فأمّا الألف فإنها لا تنقط لانفرادها بصورة واحدة، إذ ليس في الحروف ما يشبهها في حالتي الإفراد والتركيب.
وأما الباء فإنها تنقط من أسفل لتخالف التاء المثناة من فوق، والثاء المثلثة في حالتي الإفراد والتركيب، والياء المثناة من تحت، والنون في حالة التركيب ابتداء أو وسطا ونقطت من أسفل لئلّا تلتبس بالنون حالة التركيب.
وأما التاء فإنها تنقط باثنتين من فوق لتخالف ما قبلها وما بعدها من الصورتين في حالة الإفراد، وتخالفهما مع الياء والنون حالة التركيب ابتداء أو وسطا.
وأما الثاء فإنها تنقط بثلاث من فوق لتخالف ما قبلها من الصورتين في الإفراد وتخالفهما مع النون والياء أيضا في التركيب ابتداء أو وسطا.
وأما الجيم فإنها تنقط بواحدة من تحت لتخالف الصورتين بعدها.(3/151)
وأما الجيم فإنها تنقط بواحدة من تحت لتخالف الصورتين بعدها.
وأما الحاء فإنها لا تنقط، ويكون الإهمال لها علامة، وحذّاق الكتّاب يجعلون لها علامة غير النقط، وهي حاء صغيرة مكان النّقطة من الجيم.
وأما الخاء فإنها تنقط بواحدة من أعلاها لتخالف ما قبلها من الجيم والحاء.
وأما الدال فإنها لا تنقط ولا تعلّم، ويكون ترك العلامة لها علامة.
وأما الذال فتنقط بواحدة من فوق فرقا بينها وبين أختها.
وأما الراء فإنها لا تنقط ولا تعلّم ويكون الإهمال لها علامة.
وأما الزاي فإنها تنقط بواحدة من فوق فرقا بينها وبين الراء.
وأما السين فإنها لا تنقط وتكون علامتها الإهمال كغيرها وبعض الكتّاب ينقطها بثلاث نقط من أسفلها.
وأما الشين فإنها تنقط بثلاث من فوق فرقا بينها وبين أختها، فإن كانت مدغمة فلا بدّ من جرّة فوقها، ثم إن كانت محقّقة فاللائق التأسيس بنقطتين وجعل نقط ثالث من أعلاهما وإن كانت مدغمة فالأولى جعل الثلاث نقط سطرا واحدا.
وأما الصاد فإنها لا تنقط نعم حذّاق الكتّاب يجعلون لها علامة كالحاء، وهي صاد صغيرة تحتها.
وأما الضاد فإنها تنقط بواحدة من أعلاها فرقا بينها وبين أختها.
وأما الطاء فإنها لا تنقط لكن لها علامة كالصاد والحاء، وهي طاء صغيرة تحتها.
وأما الظاء فإنها تنقط بواحدة من فوقها فرقا بينها وبين أختها.
وأما العين فإنها لا تنقط، ولها علامة كالحاء، والصاد، والطاء، وهي عين صغيرة في بطنها.
وأما الغين فإنها تنقط بواحدة فرقا بينها وبين أختها.
وأما الفاء فمذهب أهل الشرق أنها تنقط بواحدة من أعلاها، ومذهب أهل
الغرب أنها تنقط بواحدة من أسفلها.(3/152)
وأما الفاء فمذهب أهل الشرق أنها تنقط بواحدة من أعلاها، ومذهب أهل
الغرب أنها تنقط بواحدة من أسفلها.
وأما القاف فلا خلاف بين أهل الخط أنها تنقط من أعلاها إلا أنّ من نقط الفاء بواحدة من أعلاها نقط القاف باثنتين من أعلاها ليحصل الفرق بينهما، ومن نقط الفاء من أسفلها نقط القاف بواحدة من أعلاها.
وقد تقدّم من كلام الشيخ أثير الدين أبي حيان رحمه الله عن بعض مشايخه:
أنّ القاف إذا كتبت على صورتها الخاصة بها ينبغي ألّا تنقط إذ لا شبه بينهما (1)
وذلك في حالتي الإفراد والتطرّف أخيرا.
وأما الكاف فإنها لا تنقط، إلا أنها إذا كانت مشكولة علّمت بشكلة، وإن كانت معرّاة رسم عليها كاف صغيرة مبسوطة لأنها ربما التبست باللام.
وأما اللام فإنها لا تنقط ولا تعلّم، وترك العلامة لها علامة.
وأما الميم فإنها لا تنقط ولا تعلّم أيضا لانفرادها بصورة.
وأما النون فإنها تنقط بواحدة من أعلاها، وكان ينبغي اختصاص النقط بحالة التركيب ابتداء أو وسطا لالتباسها حينئذ بالباء، والتاء والثاء أوائل الحروف، والياء آخر الحروف بخلاف حالة الإفراد والتطرّف في التركيب أخيرا فإنها تختص بصورة فلا تلتبس كما أشار إليه الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله، إلا أنها غلبت فيها حالة التركيب فروعيت.
وأما الهاء فإنها لا تنقط بجميع أشكالها، وإن كثرت، لأنه ليس في أشكالها ما يلتبس بغيره من الحروف.
وأما الواو فإنها لا تنقط وإن كانت في حالة التركيب تقارب الفاء، وفي حالة الإفراد تقارب القاف، لأن الفاء لا تشابهها كلّ المشابهة، ولأن القاف أكبر مساحة منها.
__________
(1) أي بين القاف والفاء.(3/153)
وأما اللام ألف فإنها لا تنقط لانفرادها بصورة لا يشابهها غيرها.
وأما الياء فإنها تنقط بنقطتين من أسفلها، وإن كانت في حالة الإفراد والتطرّف في التركيب لها صورة تخصّها، لأنها في حالة التركيب في الابتداء والتوسط تشابه الباء، والتاء، والثاء، والنون، فيحتاج إلى بيانها بالنقط لتغليب حالة التركيب على حالة الإفراد كما في النون، وربما نقطها بعض الكتّاب في حالة الإفراد بنقطتين في بطنها والله سبحانه وتعالى أعلم.
المقصد الثاني في الشكل (1) وفيه خمس جمل
الجملة الأولى في اشتقاقه ومعناه
قال بعض أهل اللغة: هو مأخوذ من شكل الدابة، لأن الحروف تضبط بقيد فلا يلتبس إعرابها كما تضبط الدابّة بالشّكال (2) فيمنعها من الهروب. قال أبو تمام:
ترى الأمر معجوما إذا كان معجما ... لديه ومشكولا إذا كان مشكولا
الجملة الثانية في أول من وضع الشّكل
وقد اختلفت الرواية في ذلك على ثلاث مقالات، فذهب بعضهم إلى أن المبتديء بذلك أبو الأسود الدؤليّ، وذلك أنه أراد أن يعمل كتابا في العربيّة يقوّم الناس به ما فسد من كلامهم، إذ كان ذلك قد فشا في الناس.
__________
(1) وقد أورد ابن النديم أسماء الكتب المؤلفة في النقط والشكل للقرآن الكريم على النحو التالي:
كتب كل من الخليل ومحمد بن عيسى واليزيدي في النقط، وكتب كل من الأنباري وأبي حاتم السجستاني والدينوري في النقط والشكل. (الفهرست 53).
(2) الشّكال هو الحبل تربط به الدابة. (القاموس 3/ 413).(3/154)
فقال: أرى أن أبتديء بإعراب القرآن أوّلا، فأحضر من يمسك المصحف، وأحضر صبغا يخالف لون المداد. وقال للذي يمسك المصحف عليه: إذا فتحت فاي فاجعل نقطة فوق الحرف، وإذا كسرت فاي فاجعل نقطة تحت الحرف، وإذا ضممت فاي فاجعل نقطة أمام الحرف، فإن أتبعت شيئا من هذه الحركات غنّة (يعني تنوينا) فاجعل نقطتين. ففعل ذلك حتّى أتى على آخر المصحف.
وذهب آخرون إلى أن المبتديء بذلك نصر بن عاصم الليثيّ (1)، وأنه الذي خمّسها وعشّرها.
وذهب آخرون إلى أن المبتديء بذلك يحيى بن يعمر (2).
قال الشيخ أبو عمرو الدانيّ رحمه الله: وهؤلاء الثلاثة من جلّة تابعي البصريين.
وأكثر العلماء على أن أبا الأسود جعل الحركات والتنوين لا غير، وأن الخليل بن أحمد (3) هو الذي جعل الهمز (4) والتشديد (5) والرّوم (6) والإشمام (7).
__________
(1) من أوائل واضعي النحو. قال ياقوت: كان فقيها عالما بالعربية، من فقهاء التابعين وله كتاب في العربية. مات بالبصرة سنة 89هـ. (الأعلام 8/ 24).
(2) ولد بالأهواز وسكن البصرة وكان من علماء التابعين أخذ اللغة عن أبيه والنحو عن أبي الأسود الدؤلي. وفي خبر أورده ابن الأبّار أن الحجاج ولّاه قضاء البصرة فلم يزل فيها قاضيا حتى توفي سنة 129هـ. (الأعلام 8/ 177).
(3) الخليل بن أحمد الفراهيدي، إمام اللغة وواضع علم العروض المتوفى سنة 170هـ. (الأعلام 2/ 314).
(4) في الأصل: «الهمزة» والتصويب عن كتاب «المقنع» في رسم المصحف لأبي عمرو الداني.
(هامش الطبعة الأميرية 3/ 157).
(5) في الأصل: «عن» والتصويب عن المرجع السابق.
(6) هو حركة مختلسة مختفاة لنوع من التخفيف، وهي أكثر من الإشمام لأنها تسمع. (اللسان 12/ 258).
(7) الإشمام: ضمّ الشفتين كمن يريد النطق بضمة إشارة إلى أن الحركة المحذوفة ضمة من غير أن يظهر لذلك أثر في النطق (اللسان 12/ 326).(3/155)
الجملة الثالثة في الترغيب في الشكل والترهيب عنه
وقد اختلفت مقاصد الكتّاب في ذلك، فذهب بعضهم إلى الرغبة فيه، والحث عليه، لما فيه من البيان والضّبط والتقييد.
قال هشام بن عبد الملك (1): اشكلوا قرائن الآداب، لئلا تندّ عن الصواب.
وقال عليّ بن منصور (2): حلّوا غرائب الكلم بالتقييد، وحصّنوها عن شبه التصحيف والتحريف.
ويقال: إعجام الكتب يمنع من استعجامها، وشكلها يصونها عن إشكالها، ولله القائل:
وكأنّ أحرف خطّه شجر ... والشّكل في أغصانه ثمر
وذهب بعضهم إلى كراهته، والرغبة عنه.
قال سعيد بن حميد الكاتب (3): لأن يشكل الحرف على القاريء أحبّ إليّ من أن يعاب الكاتب بالشكل. ونظر محمد بن عبّاد (4) إلى أبي عبيد (5) وهو يقيّد
__________
(1) الخليفة الأموي المتوفى سنة 125هـ. (الأعلام 8/ 86).
(2) لعله عليّ بن منصور المقدسي المتوفى سنة 746هـ. صنّف شرح المغني للبخاري في الأصول.
(هدية العارفين 5/ 719).
(3) كاتب مترسل من الشعراء، من ابناء الدهاقين. ولد ببغداد وقلده المستعين العباسي ديوان رسائله.
توفي نحو 250هـ. (الأعلام 3/ 93).
(4) هو محمد بن عبّاد بن إسماعيل اللخمي، أبو القاسم المعتمد على الله. صاحب اشبيلية وقرطبة وما حولهما ولد في باجه وولي اشبيليه بعد وفاة أبيه، ثم اتسع ملكه داخل بلاد الأندلس. وكان فصيحا شاعرا وكاتبا مترسلا توفي في أغمات سنة 488هـ. (الأعلام 6/ 181).
(5) هو عبد الله بن العزيز بن محمد البكري الأندلسي. مؤرخ، جغرافي أديب له معرفة بالنبات.
توفي بقرطبة سنة 487هـ. (الأعلام 4/ 98).(3/156)
البسملة فقال: لو عرفته ما شكلته. وقد جرّد الصحابة رضوان الله عليهم المصحف حين جمعوا القرآن من النقط والشكل وهو أجدر بهما، فلو كان مطلوبا لما جرّدوه منه.
قال الشيخ أبو عمرو الدانيّ: وقد وردت الكراهة بنقط المصاحف عن عبد الله بن عمر (1)، وقال بذلك جماعة من التابعين.
واعلم أن كتّاب الدّيونة (2) لا يعرّجون على النقط والشكل بحال، وكتّاب الإنشاء منهم من منع ذلك محاشاة للمكتوب إليه عن نسبته للجهل بأنه لا يقرأ إلا ما نقط أو شكل، ومنهم من ندب إليه، للضبط والتقييد كما تقدّم.
والحق التفريق في ذلك بين ما يقع فيه اللّبس ويتطرّق إليه التحريف لعلاقته أو غرابته، وبين ما تسهل قراءته لوضوحه وسهولته.
وقد رخّص في نقط المصاحف بالإعراب جماعة: منهم ربيعة بن عبد الرحمن (3)، وابن وهب (4). وصرح أصحابنا الشافعية رضي الله عنهم بأنه يندب نقط المصحف وشكله أما تجريد الصحابة رضوان الله عليهم له من ذلك فذلك حين ابتداء جمعه حتّى لا يدخلوا بين دفتي المصحف شيئا سوى القرآن، ولذلك كرهه من كرهه.
وأما أهل التوقيع في زماننا فإنهم يرغبون عنه خشية الإظلام بالنّقط والشّكل
__________
(1) هو الصحابي، ابن الخليفة الثاني. ولد بمكة، وتوفي فيها سنة 73هـ. (الأعلام 4/ 108وتهذيب الأسماء 1/ 278).
(2) الدّيونة، نسبة إلى الديوان. وفيها يقول القلقشندي: «ولا مدخل لشيء من ذلك في فنّي الإنشاء والدّيونه» ويقول أيضا: «وكثيرا ما يستعمله كتاب الدّيونه». (مصطلحات صبح الأعشى 151عن الصبح 2/ 477، 480).
(3) لعل المقصود ربيعة بن أبي عبد الرحمن التيمي، أبو عثمان المعروف بربيعة الرأي، وهو تابعي متفق على توثيقه توفي سنة 136هـ. (ذكر أسماء التابعين 1/ 136).
(4) لعله عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي المصري التابعي الفقيه المتوفى سنة 197هـ. (ذكر أسماء التابعين 1/ 202).(3/157)
إلا ما فيه إلباس على ما مرّ وأهل الدّيونة لا يرون بشيء من ذلك أصلا ويعدّون ذلك من عيوب الكتابة وإن دعت الحاجة إليه والله سبحانه وتعالى أعلم.
الجملة الرابعة فيما ينشأ عنه الشكل ويترتّب عليه
واعلم أن الشكل جار مع الإعراب كيفما جرى، فينقسم إلى السّكون (وهو الجزم)، وإلى الفتح (وهو النصب)، وإلى الضم (وهو الرفع)، وإلى الجرّ (وهو الخفض).
أما السكون فلأنه الأصل. وأما الحركات الثلاث فقد قيل إنها مشاكلة للحركات الطبيعية: فالرفع مشاكل لحركة الفلك لارتفاعها، والجرّ مشاكل لحركة الأرض والماء لانخفاضها، والنصب مشاكل لحركة النار والهواء لتوسطها ومن ثمّ لم يكن في اللغة العربية أكثر من ثلاثة أحرف بعدها ساكن إلا ما كان معدولا.
فسبحان من أتقن ما صنع!.
ثم الذي عليه أكثر النّحاة أن الحركات الثلاث مأخوذة من حروف المدّ واللين وهي الألف، والواو، والياء، اعتمادا على أن الحروف قبل الحركات، والثاني مأخوذ من الأوّل، فالفتحة مأخوذة من الألف إذ الفتحة علامة النصب في قولك: رأيت زيدا، ولقيت عمرا، وضربت بكرا والألف علامة النصب في الأسماء المعتلة (1) المضافة كقولك: رأيت أباك، وأكرمت أخاك ويكون إطلاقا للرّويّ المنصوب كقولك: المذهبا، وأنت تريد المذهب، فلما أشبعت الفتحة نشأت عنها الألف والكسرة مأخوذة من الياء لأنها أختها ومن مخرجها، والكسرة علامة الخفض في قولك: مررت بزيد، وأخذت عن زيد حديثا والياء علامة الخفض أيضا في الأسماء المعتلة (2) المضافة كقولك: مررت بأبيك وأخيك وذي مال والضمة من الواو لأنها من مخرجها: من الشّفتين، وهي علامة الرفع في
__________
(1) أي الأسماء الخمسة أو الستة على الخلاف.
(2) أي الأسماء الخمسة أو الستة على الخلاف.(3/158)
قولك: جاءني زيد، وقام عمرو، وخرج بكر، والواو علامة الرفع في الأسماء المعتلة المضافة كقولك: جاءني أخوك وأبوك وذو مال.
وذهب بعض النّحاة إلى أن هذه الحروف مأخوذة من الحركات الثلاث، الألف من الفتحة، والواو من الضمة، والياء من الكسرة اعتمادا على أن الحركات قبل الحروف، بدليل أن هذه الحروف تحدث عند هذه الحركات إذا أشبعت، وأن العرب قد استغنت في بعض كلامها بهذه الحركات عن هذه الحروف اكتفاء بالأصل عن الفرع: لدلالة الأصل على فرعه.
وذهب آخرون إلى أن الحروف ليست مأخوذة من الحركات، ولا الحركات مأخوذة من الحروف، اعتمادا على أن أحدهما لم يسبق الآخر، وصححه بعض النّحاة.
الجملة الخامسة في صور الشكل ومحالّ وضعه على طريقة المتقدّمين والمتأخرين
واعلم أن المتقدّمين [يميلون] (1) في [شكل] (2) غالب الصور إلى النقط بلون يخالف لون الكتابة.
وقال الشيخ أبو عمرو الدانيّ رحمه الله: وأرى أن يستعمل (3) للنقط لونان:
الحمرة والصّفرة، فتكون الحمرة للحركات، والتنوين، والتشديد، والتخفيف، والسكون، والوصل، والمدّ وتكون الصفرة للهمزة خاصة.
قال: وعلى ذلك مصاحف أهل المدينة. ثم قال: وإن استعملت الخضرة للابتداء بألفات الوصل على ما أحدثه أهل بلدنا، فلا أرى بذلك بأسا. قال: ولا
__________
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) في الأصل: «استعمل النقط لونين» والتصويب عن كتاب «المقنع» في رسم المصحف لأبي عمرو الداني (انظر هامش الطبعة الأميرية 3/ 160).(3/159)
أستجيز النّقط بالسواد لما فيه من التغيير لصورة الرسم. وقد وردت الكراهة لذلك عن عبد الله بن مسعود (1) وعن غيره من علماء الأمة.
وأما المتأخرون فقد أحدثوا لذلك صورا مختلفة الأشكال لمناسبة تخص كل شكل منها، ومن أجل اختلاف صورها وتباين أشكالها رخّصوا في رسمها بالسواد. ويتعلق بالمقصود من ذلك سبع صور:
الأولى علامة السكون
والمتقدّمون يجعلون علامة ذلك جرّة بالحمرة فوق الحرف، سواء كان الحرف المسكّن همزة كما في قولك: لم يشأ، أو غيرها من الحروف كالذال من قولك: اذهب.
أما المتأخرون: فإنهم رسموا لها دائرة تشبه الميم إشارة إلى الجزم إذ الميم آخر حرف من الجزم، وحذفوا عراقة الميم استخفافا، وسمّوا تلك الدائرة جزمة، أخذا من الجزم الذي هو لقب السكون، ويحتمل أن يكونوا أتوا بتلك الدائرة على صورة الصّفر في حساب الهنود ونحوهم إشارة إلى خلوّ تلك المرتبة من الأعداد لأن الصفر هو الخالي، ومنه قولهم: «صفر اليدين» بمعنى أنه فقير ليس في يديه شيء من المال. وحذّاق الكتّاب يجعلونها جيما لطيفة بغير عراقة إشارة إلى الجزم.
__________
(1) الصحابي الكبير المتوفى بالمدينة سنة 32هـ. وهو من أصحاب المصاحف الذين كانوا يحتفظون بنسخة خاصة بهم فيها بعض الاختلاف عن النسخة التي أقرّها موحّدة الخليفة الثالث عثمان بن عفان وأمر بتعميمها وتوزيعها على الأمصار بعد إتلاف ما سواها. وأشهر أصحاب المصاحف: أبي ابن كعب وعبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري والمقداد بن عمرو وعلي بن أبي طالب. (راجع الأعلام 4/ 137والفهرست 39، 40، 41وقضايا لغوية في ضوء القراءات القرآنية للشيخ صبحي الصالح ص 14).(3/160)
الثانية علامة الفتح
أما المتقدّمون فإنهم يجعلون علامة الفتح نقطة بالحمرة فوق الحرف، فإن أتبعت حركة الفتح تنوينا، جعلت نقطتين، إحداهما للحركة، والأخرى للتنوين.
والمتأخرون يجعلون علامتها ألفا مضطجعة، لما تقدّم من أن الألف علامة الفتح في الأسماء المعتلة ورسموها بأعلى الحرف موافقة للمتقدّمين في ذلك، وسمّوا تلك الألف المضطجعة نصبة أخذا من النصب، ويجعلون حالة التنوين خطتين مضطجعتين من فوقه كما جعل المتقدّمون لذلك نقطتين، وعبّروا عن الخطتين بنصبتين.
قال الشيخ عماد الدّين بن العفيف رحمه الله: ويكون بينهما بقدر واحدة منهما.
الثالثة علامة الضم
أما المتقدّمون فإنهم يجعلون علامة الضمة نقطة بالحمرة وسط الحرف أو أمامه، فإن لحق حركة الضم تنوين، رسموا لذلك نقطتين: إحداهما للحركة، والأخرى للتنوين على ما تقدّم في الفتح.
وأما المتأخرون فإنهم يجعلون علامة الضمة واوا صغيرة، لما تقدّم أن الواو من علامة الرفع في الأسماء المعتلة، وسمّوها رفعة لذلك، ورسموها بأعلى الحرف ولم يجعلوها في وسطه كيلا تشين الحرف، بخلاف المتقدّمين لمخالفة اللون ولطافة النقطة. فإن لحق حركة الضم تنوين رسموا لذلك واوا صغيرة بخطّة بعدها: الواو إشارة للضم، والخطّة إشارة للتنوين، وعبروا عنهما برفعتين.
وبعضهم يجعل عوض الخطة واوا أخرى مردودة الآخر على رأس الأولى.(3/161)
الرابعة علامة الكسر
والمتقدّمون يجعلون علامة الجرّة نقطة بالحمرة تحت الحرف. فإن لحق حركة الكسر تنوين رسموا لذلك نقطتين.
والمتأخرون جعلوا علامة الكسر شظيّة من أسفل الحرف إشارة إلى الياء التي هي علامة الجر في الأسماء المعتلة على ما مرّ، وسمّوا تلك الشّظيّة خفضة، أخذا من الخفض الذي هو لقب الكسر، ولم يخالفوا بينها وبين علامة النصب لاختلاف محلهما. فإن لحق حركة الكسر تنوين رسموا له خطتين من أسفله:
إحداهما للحركة، والأخرى للتنوين.
الخامسة علامة التشديد
والمتقدّمون اختلفوا: فمذهب أهل المدينة أنهم يرسمون علامة التشديد على هذه الصورة [8/ 77] (1) ولا يجعلون معها علامات الإعراب بل يجعلون علامة الشدّ مع الفتح فوق الحرف، ومع الكسر تحت الحرف، ومع الضم أمام الحرف.
قال الشيخ أبو عمرو الدانيّ رحمه الله: وعليه عامّة أهل بلدنا. قال: ومنهم من يجعل مع ذلك نقطة علامة للإعراب، وهو عندي حسن.
وعامّة أهل الشرق على أنهم يرسمون علامة التشديد صورة شين من غير عراقة على هذه الصورة () كأنهم يريدون أوّل شديد، ويجعلون تلك العلامة فوق الحرف أبدا ويعربونه بالحركات، فإن كان مفتوحا جعلوا مع الشدّة نقطة فوق الحرف علامة الفتح، وإن كان مضموما جعلوا مع الشدّة نقطة أمام الحرف علامة
__________
(1) الزيادة من كتاب «المقنع» في رسم المصحف. ومحلها بياض في الأصل والضوء (هامش الطبعة الأميرية 3/ 162).(3/162)
الضم، وإن كان مكسورا جعلوا مع الشدّة نقطة تحت الحرف علامة الكسر. وعلى هذا المذهب استقرّ رأي المتأخرين أيضا غير أنهم يجعلون بدل النقط الدالة على الإعراب علامات الإعراب التي اصطلحوا عليها من النصبة، والرفعة، والخفضة، فيجعلون النصبة والرفعة بأعلى الشدّة، ويجعلون الخفضة بأسفل الحرف الذي عليه الشدّة، وبعضهم يجعلها أسفل الشدّة من فوق الحرف. ولا فرق في ذلك بين أن يكون المشدّد من كلمة واحدة أو من كلمتين كالإدغام من كلمتين.
السادسة علامة الهمزة
والمتقدّمون يجعلونها نقطة صفراء ليخالفوا بها نقط الإعراب كما تقدّم في كلام الشيخ أبي عمرو الدانيّ رحمه الله، ويرسمونها فوق الحرف أبدا، إلا أنهم يأتون معها بنقط الإعراب الدالة على السكون والحركات الثلاث بالحمرة على ما تقدّم، وسواء في ذلك كانت صورة الهمزة واوا أو ياء أو ألفا إذ حق الهمزة أن تلزم مكانا واحدا من السطر، لأنها حرف من حروف المعجم. والمتأخرون يجعلونها عينا بلا عراقة، وذلك لقرب مخرج الهمزة من العين، ولأنها تمتحن بها كما سيأتي.
ثم إن كانت الهمزة مصوّرة بصورة حرف من الحروف، فإن كانت الهمزة ساكنة، جعلت الهمزة من أعلى الحرف مع جزمة بأعلاها. وإن كانت مفتوحة، جعلت بأعلى الحرف أيضا مع نصبة بأعلاها. وإن كانت مضمومة، جعلت بأعلى الحرف مع رفعة بأعلاها. وإن كانت مكسورة، جعلت بأسفل الحرف مع خفضة بأسفلها، وربما جعلت بأعلى الحرف والخفضة بأسفله.
وقد اختلف القدماء من النحويين في أيّ الطّرفين من اللام ألف هي الهمزة، فحكي عن الخليل بن أحمد رحمه الله أنه قال: الطّرف الأوّل هو الهمزة، والطّرف الثاني هو اللام.
قال الشيخ أبو عمرو الدانيّ رحمه الله: وإلى هذا ذهب عامّة أهل النقط واستدلوا على صحة ذلك بأن رسم هذه الكلمة كانت أوّلا لاما مبسوطة في طرفها ألف على هذه الصورة «لا» كنحو رسم ما أشبه ذلك مما هو على حرفين من سائر حروف المعجم مثل «يا، وها» وما أشبههما إلا أنه استثقل رسم ذلك كذلك في اللام ألف خاصة لاعتدال طرفيه لمشابهة كتابة الأعاجم فحسن رسمه بالتضفير فضم أحد الطرفين إلى الآخر فأيهما ضم إلى صاحبه كانت الهمزة أولى ضرورة.(3/163)
وقد اختلف القدماء من النحويين في أيّ الطّرفين من اللام ألف هي الهمزة، فحكي عن الخليل بن أحمد رحمه الله أنه قال: الطّرف الأوّل هو الهمزة، والطّرف الثاني هو اللام.
قال الشيخ أبو عمرو الدانيّ رحمه الله: وإلى هذا ذهب عامّة أهل النقط واستدلوا على صحة ذلك بأن رسم هذه الكلمة كانت أوّلا لاما مبسوطة في طرفها ألف على هذه الصورة «لا» كنحو رسم ما أشبه ذلك مما هو على حرفين من سائر حروف المعجم مثل «يا، وها» وما أشبههما إلا أنه استثقل رسم ذلك كذلك في اللام ألف خاصة لاعتدال طرفيه لمشابهة كتابة الأعاجم فحسن رسمه بالتضفير فضم أحد الطرفين إلى الآخر فأيهما ضم إلى صاحبه كانت الهمزة أولى ضرورة.
وتعتبر حقيقة ذلك بأن يؤخذ شيء من خيط ونحوه فيضفّر ويخرج كل واحد من الطرفين إلى جهة، ثم يقام الطرفان فيتبين من الوجهين أن الأوّل هو الثاني في الأصل، وأن الثاني هو الأوّل لا محالة في التضفير.
وأيضا فقد اتفق أهل صناعة الخط من الكتّاب القدماء وغيرهم على أنه يرسم الطّرف الأيسر قبل الطّرف الأيمن، ولا يخالف ذلك إلا من جهل صناعة الرسم إذ هو بمنزلة من ابتدأ برسم الألف قبل الميم في «ما» وشبهه مما هو على حرفين، فثبت بذلك أن الطرف الأوّل هو الهمزة، وأن الطرف الثاني هو اللام، إذ الأوّل في أصل القاعدة هو الثاني، والثاني هو الأوّل على ما مرّ وإنما اختلف طرفاها من أجل التضفير.
وخالف الأخفش (1)، فزعم أن الطرف الأوّل هو اللام، والطرف الثاني هو
__________
(1) هو الأخفش الأوسط، سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء، البلخي ثم البصرى: نحوي، عالم باللغة والأدب. سكن البصرة وأخذ العربية عن سيبويه، وهو صاحب بحر «الخبب» أو «المتدارك» الذي زاده على بحور الخليل. توفي سنة 215هـ.
أما الأخفش الأكبر فهو عبد الحميد بن عبد المجيد، مولى قيس بن ثعلبة، المتوفى سنة 177هـ.
وكان من كبار العلماء بالعربية.
وأما الأخفش الأصغر فهو علي بن سليمان بن الفضل، المتوفى سنة 315هـ: نحوي من العلماء من أهل بغداد.
وهناك الأخفش الدمشقي أو أخفش باب الجابية، كان عالما بالقراءات السبع عارفا بالنحو والتفسير والمعاني والغريب والشعر، وعنه اشتهرت قراءة أهل الشام. توفي سنة 292هـ. (الأعلام 3/ 288، 4101/ 8291/ 63)(3/164)
الهمزة، واستشهد لذلك بأن ما تلفظ به أوّلا هو المرسوم أوّلا وما تلفّظ به آخرا هو المرسوم آخرا، ونحن إذا قرأنا «لأنت ولأنه» ونحوهما لفظنا باللام أوّلا ثم بالهمزة بعدها. ونازعه في ذلك الشيخ أبو عمر الدانيّ. والحق أن ذلك يختلف باختلاف اللام ألف على ما رتّبه متأخّر والكتّاب الآن، ففي المضفورة على ما تقدّم، وفي المصوّرة بهذه الصورة «لا» بالعكس.
وإن كانت الهمزة غير مصوّرة بحرف من الحروف كالهمزة في جزء وخبء، جعلت العلامة في محل الهمزة من الكلمة مع علامة الإعراب: من سكون، وفتح، وضم، وكسر. فإن عرض للهمزة مع حركة من الحركات الثلاث تنوين، جعل مع الهمزة علامة التنوين: من نصبتين أو رفعتين أو خفضتين على ما مرّ في غير الهمزة.
قال الشيخ أبو عمرو الدانيّ رحمه الله: وتمتحن الهمزة في موضعها من الكلام بالعين، فحيث وقعت العين وقعت الهمزة مكانها، وسواء كانت متحركة أو ساكنة لحقها التنوين أو لم يلحقها، فتقول في آمنوا عامنوا، وفي وآتى المال وعاتى المال، وفي مستهزئين مستهزعين، وفي خاسئين خاسعين، وفي مبرّئون مبرعون، وفي متكئون متكعون، وفي ماء ماع، وفي سوء سوع، وفي أولياء أولياع، وفي تنوء تنوع، وفي لتنوء لتنوع، وفي أن تبوّأ أن تبوّعا، وفي تبوء تبوع، وفي من شاطيء من شاطع، وكذلك ما أشبهه حيث وقع فالقياس فيه مطّرد.
السابعة علامة الصلة في ألفات الوصل
أما المتقدّمون فإنهم رسموا لها جرّة بالحمرة في سائر أحوالها، وجعلوا محلها تابعا للحركة التي قبل ألف الوصل. فإن وليها فتحة كما في قوله تعالى: {تَتَّقُونَ الَّذِي} جعلت الصلة جرّة حمراء على رأس الألف على هذه الصورة (آ) وإن وليها كسرة كما في قوله تعالى: {رَبِّ الْعََالَمِينَ} * جعلت الصلة جرّة تحت الألف على هذه الصورة (ا) وإن وليها ضمة كما في قوله تعالى: {نَسْتَعِينُ اهْدِنَا} جعلت
الصلة جرّة حمراء في وسطها على هذه الصورة ()، فإن لحق شيئا من الحركات التنوين جعلت الصلة أبدا تحت الألف، لأن التنوين مكسور للساكنين ما لم يأت بعد الساكن الواقع بعد ألف الوصل ضمة لازمة نحو قوله تعالى: {فَتِيلًا انْظُرْ} و {عُيُونٍ ادْخُلُوهََا}. قال بعضهم: يضم التنوين فتجعل الجرّة على ذلك في وسط الألف.(3/165)
أما المتقدّمون فإنهم رسموا لها جرّة بالحمرة في سائر أحوالها، وجعلوا محلها تابعا للحركة التي قبل ألف الوصل. فإن وليها فتحة كما في قوله تعالى: {تَتَّقُونَ الَّذِي} جعلت الصلة جرّة حمراء على رأس الألف على هذه الصورة (آ) وإن وليها كسرة كما في قوله تعالى: {رَبِّ الْعََالَمِينَ} * جعلت الصلة جرّة تحت الألف على هذه الصورة (ا) وإن وليها ضمة كما في قوله تعالى: {نَسْتَعِينُ اهْدِنَا} جعلت
الصلة جرّة حمراء في وسطها على هذه الصورة ()، فإن لحق شيئا من الحركات التنوين جعلت الصلة أبدا تحت الألف، لأن التنوين مكسور للساكنين ما لم يأت بعد الساكن الواقع بعد ألف الوصل ضمة لازمة نحو قوله تعالى: {فَتِيلًا انْظُرْ} و {عُيُونٍ ادْخُلُوهََا}. قال بعضهم: يضم التنوين فتجعل الجرّة على ذلك في وسط الألف.
وأما المتأخرون [فإنهم رسموا لذلك صادا لطيفة إشارة إلى الوصل] (1)
وجعلوها بأعلى الحرف دائما ولم يراعوا في ذلك الحركات، اكتفاء باللفظ.
تنبيه
قد تقدّم في (2) الأوّل من الهجاء أن اللفظ قد يتعين في الهجاء إلى الزيادة والنقصان، ولا شكّ أن الشكل يتعير بتغير ذلك، ونحن نذكر من ذلك ما يختص بالهجاء العرفيّ دون الرسميّ باعتبار الزيادة والنقص.
أما الزيادة، فمثل أولئك، وأولو، وأولات ونحوها.
قال الشيخ أبو عمرو الدانيّ: وسبيلك أن تجعل علامة الهمزة نقطة بالصّفرة في وسط ألف أولئك وأولو وأولات، وتجعل نقطة بالحمرة أمامها في السطر لتدل على الضمة. قال: وإن شئت جعلتها في الواو الزائدة لأنها صورتها، وهو قول عامّة أهل النقط. هذه طريقة المتقدّمين.
أما المتأخرون، فإنهم يجعلون علامة الهمزة على الواو وهو مخالف لما تقدّم من اعتبار الهمزة بالعين فإنها لو امتحنت بالعين، لكان لفظها عولئك وكذلك البواقي.
وأما النقص فمثل النبئين إذا كتبت بياء واحدة، وهؤلاء، ويا آدم إذا كتبتا
__________
(1) الزيادة عن «ضوء الصبح»، ومحلها بياض في الأصل (حاشية الطبعة الأميرية 3/ 166)
. (2) بياض في الأصل
.
بحذف الألف بعد الهاء في هؤلاء والألف الثانية في يا آدم فترسم علامة الهمزة من النقطة الصفراء وحركتها على رأي المتقدّمين، وصورة العين على رأي المتأخرين قبل الياء الثانية في النبيين، وتجعل ذلك على الألف الثانية في يا آدم لأنها صورتها وعلى الواو في هؤلاء لأنها صورتها.(3/166)
بحذف الألف بعد الهاء في هؤلاء والألف الثانية في يا آدم فترسم علامة الهمزة من النقطة الصفراء وحركتها على رأي المتقدّمين، وصورة العين على رأي المتأخرين قبل الياء الثانية في النبيين، وتجعل ذلك على الألف الثانية في يا آدم لأنها صورتها وعلى الواو في هؤلاء لأنها صورتها.
ووراء ما تقدّم من الشكل أمور تتعلق بالإدغام، والإظهار، والإخفاء، والإقلاب، والمدّ، وغيرها من متعلقات القراءة ليس هذا موضع ذكرها والله أعلم.
فائدة
قال الشيخ عماد الدين بن العفيف رحمه الله: ولا بدّ من تناسب الشكل والنقط وتناسب البياضات في ذلك للحروف.(3/167)
الفصل الرابع من الباب الثاني من المقالة الأولى في الهجاء وفيه مقصدان
المقصد الأول في مصطلحه الخاص وهو على ضربين
الضرب الأوّل المصطلح الرسميّ
وهو ما اصطلح عليه الصحابة رضوان الله عليهم في كتابة المصحف عند جمع القرآن الكريم، على ما كتبه زيد بن ثابت رضي الله عنه، ويسمّى الاصطلاح السّلفي أيضا، ونحن نورد منه ما جرّ إليه الكلام، أو وافق المصطلح العرفيّ.
الضرب الثاني المصطلح العروضيّ
وهو ما اصطلح عليه أهل العروض في تقطيع الشعر واعتمادهم في ذلك على ما يقع في السمع دون المعنى، إذ المعتدّ به في صنعة العروض إنما هو اللفظ، لأنهم يريدون به عدد الحروف التي يقوم بها الوزن متحرّكا وساكنا فيكتبون التنوين نونا، ولا يراعون حذفها في الوقف، ويكتبون الحرف المدغم بحرفين، ويحذفون اللام وغيره مما يدغم في الحرف الذي بعده: كالرحمن والذاهب والضارب، ويعتمدون في الحروف على أجزاء التفعيل، فقد تتقطع الكلمة بحسب ما يقع من تبيين الأجزاء كما في قول الشاعر:
ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
فيكتبونه على هذه الصورة:(3/168)
ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
فيكتبونه على هذه الصورة:
ستبدي، لكالأييا، مماكن تجاهلن ... ويأتي، كبالأخبار، ملّم، تزوّدي
المقصد الثاني في المصطلح العام
وهو ما اصطلح عليه الكتّاب في غير هذين الاصطلاحين.
وهو المقصود من الباب وفيه جملتان.
الجملة الأولى في الإفراد، والحذف، والإثبات، والإبدال، وفيه مدركان
المدرك الأوّل في بيان الأصل المعتمد في ذلك، وما يكتب على الأصل
واعلم أن الأصل في الكتابة مطابقة المنطوق المفهوم، وقد يزيدون في وزن الكلمة [ما ليس في وزنها ليفصلوا بالزيادة بينه وبين المشبه له، وينقصون من الكلمة] (1) عمّا هو في وزنها استخفافا واستغناء بما أبقي عما انتقص إذا كان فيه دليل على ما يحذفون، كما أن العرب تتصرف في الكلمة بالزيادة والنقصان، ويحذفون ما لا يتم الكلام في الحقيقة إلا به استخفافا وإيجازا إذا عرف المخاطب ما يقصدون.
قال ابن قتيبة (2): وربّما تركوا الاشتباه على حاله، ولم يفصلوا بين المتشابهين واكتفوا بما يدل عليه من متقدّم أو متأخر: كقولك للرجل الواحد:
__________
(1) الزيادة عن «أدب الكاتب» لابن قتيبة و «ضوء الصبح» (حاشية الطبعة الأميرية 3/ 169)
. (2) هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد: من أئمة الأدب ومن المصنفين المكثرين. ولد ببغداد وسكن الكوفة، ثم ولي قضاء «الدينور» مدة فنسب إليها وتوفي ببغداد سنة 276هـ. من كتبه: تأويل مختلف الحديث وأدب الكاتب، وعيون الأخبار والشعر والشعراء والإمامة والسياسة وكثير غيرها. (الأعلام 4/ 137)
.
يغزوا، وللاثنين لن يغزوا، وللجميع لن يغزوا بالواو والألف في الجميع من غير تفريق بين الواحد والاثنين والجمع، وبقّوه على أصله.(3/169)
يغزوا، وللاثنين لن يغزوا، وللجميع لن يغزوا بالواو والألف في الجميع من غير تفريق بين الواحد والاثنين والجمع، وبقّوه على أصله.
إذا علمت ذلك، فالمكتوب على المصطلح المعروف هو على قسمين:
القسم الأوّل ما له صورة تخصّه من الحروف وهو على ضربين
الضرب الأوّل ما هو على أصله المعتبر فيه ذوات الحروف وعددها بتقدير الابتداء بها والوقوف عليها، سواء بقى لفظه على حاله أم انقلب النطق به إلى حرف آخر
فيكتب لفظ «امّحى» بغير نون بعد الألف، وإن كان أصله انمحى على وزن انفعل من المحو، لأن الإدغام من كلمة واحدة بخلاف ما إذا كان الإدغام من كلمتين، فيكتب لفظ «من مال» بنون في «من» منفصلة من ميم مال وإن كانت النون الساكنة تدغم في الميم.
ويكتب لفظ خنق مصدر خنق ولفظ أنت وما أشبهها بنون، وإن كانت النون مخفاة في القاف من خنق وفي التاء من أنت. وكذلك حالة التركيب نحو من كافر.
ويكتب عنبر وما أشبهها بنون أيضا وإن كانت النون الساكنة تنقلب عند الباء ميما، وكذلك في حالة التركيب نحو من بعد. ويكتب مثل اضربوا القوم ويغزو الرجل بواو، وكذلك كلّ ما فيه حرف مدّ حذف لساكن يليه لأنه لولا التقاء الساكنين لثبتت هذه الواو لفظا. ويكتب أنا بألف بعد النون وإن كانت في وصل الكلام لا إشباع في الفتحة لأن الوقف عليه بألف، ومن أجل ذلك كتبت {لََكِنَّا هُوَ اللََّهُ}
بألف بعد النون في لكنا إذ أصله لكن أنا. ويكتب المنوّن المنصوب مثل زيدا وعمرا من قولك: «رأيت زيدا وضربت عمرا» بالألف، لأنه يوقف عليه بالألف بخلاف المنوّن المرفوع والمجرور نحو جاء زيد ومررت بزيد، إذ الوقف عليه بحذف نون
التنوين وإسكان الآخر على الصحيح. وتكتب إذا المنوّنة بالألف على رأي المازني (1) رحمه الله ومن تابعه، لأن الوقف عليها بالألف لضعفها، والمبرّد (2)
والأكثرون على أنها تكتب بالنون. قال الأستاذ ابن عصفور: (3) وهو الصحيح، لأن كل نون يوقف عليها بالألف كتبت بالألف وما يوقف عليها نفسها كما توصل كتبت بالنون وهذه يوقف عليها عنده بالنون وأيضا فإنها إذا كتبت بالنون كانت فرقا بينها وبين إذا الطرفية لئلا يقع الإلباس. وفصّل الفرّاء فقال: إن ألغيت كتبت بالألف، وإن أعملت كتبت بالنون لقوّتها. ويحكى عن أبي العبّاس محمد بن يزيد (4) أنه كان يقول: أشتهي أن أكوي يد من يكتب إذن بالألف لأنها مثل أن ولن، ولا يدخل التنوين في الحروف.(3/170)
ويكتب عنبر وما أشبهها بنون أيضا وإن كانت النون الساكنة تنقلب عند الباء ميما، وكذلك في حالة التركيب نحو من بعد. ويكتب مثل اضربوا القوم ويغزو الرجل بواو، وكذلك كلّ ما فيه حرف مدّ حذف لساكن يليه لأنه لولا التقاء الساكنين لثبتت هذه الواو لفظا. ويكتب أنا بألف بعد النون وإن كانت في وصل الكلام لا إشباع في الفتحة لأن الوقف عليه بألف، ومن أجل ذلك كتبت {لََكِنَّا هُوَ اللََّهُ}
بألف بعد النون في لكنا إذ أصله لكن أنا. ويكتب المنوّن المنصوب مثل زيدا وعمرا من قولك: «رأيت زيدا وضربت عمرا» بالألف، لأنه يوقف عليه بالألف بخلاف المنوّن المرفوع والمجرور نحو جاء زيد ومررت بزيد، إذ الوقف عليه بحذف نون
التنوين وإسكان الآخر على الصحيح. وتكتب إذا المنوّنة بالألف على رأي المازني (1) رحمه الله ومن تابعه، لأن الوقف عليها بالألف لضعفها، والمبرّد (2)
والأكثرون على أنها تكتب بالنون. قال الأستاذ ابن عصفور: (3) وهو الصحيح، لأن كل نون يوقف عليها بالألف كتبت بالألف وما يوقف عليها نفسها كما توصل كتبت بالنون وهذه يوقف عليها عنده بالنون وأيضا فإنها إذا كتبت بالنون كانت فرقا بينها وبين إذا الطرفية لئلا يقع الإلباس. وفصّل الفرّاء فقال: إن ألغيت كتبت بالألف، وإن أعملت كتبت بالنون لقوّتها. ويحكى عن أبي العبّاس محمد بن يزيد (4) أنه كان يقول: أشتهي أن أكوي يد من يكتب إذن بالألف لأنها مثل أن ولن، ولا يدخل التنوين في الحروف.
ويكتب نحو لنسفعا بالألف لأن الوقف عليها بالألف، وكذلك يكتب اضربا زيدا ولا تضربا عمرا بالألف على رأي من ادّعى أنه الأكثر، ووجّهه بأن النون الخفيفة تنقلب ألفا إذا كان ما قبلها مفتوحا في الوقف.
وذهب بعضهم إلى أنها تكتب بالنون تشبيها لنونه (5) بنون الجمع نحو اضربن للجمع المذكّر، وبه جزم الشيخ أثير الدين أبو حيّان، ووجّهه بأنه لو كتب بالألف لالتبس بأمر الاثنين ونهيهما في الخط، وإن كنت إذا وقفت عليه وقفت بالألف، فلم تراع حالة الوقف في ذلك، لأن الوقف منع من اعتباره ما عرض فيه
__________
(1) هو بكر بن محمد بن حبيب بن بقية، أبو عثمان المازني: إمام في النحو من أهل البصرة، توفي فيها سنة 249هـ. (الأعلام 2/ 69).
(2) هو أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمامي الأزدي: إمام العربية ببغداد في زمنه. ولد بالبصرة وتوفي ببغداد سنة 286هـ. (الأعلام 7/ 144).
(3) هو علي بن مؤمن بن محمد، الحضرمي الإشبيلي، حامل لواء العربية بالأندلس في عصره. توفي بتونس سنة 669هـ. (الأعلام 5/ 27).
(4) هو المبرد نفسه.
(5) أي تشبيها لنون التوكيد التي في الفعل المسند إلى المفرد بنون التوكيد التي في الفعل المسند إلى الجمع.(3/171)
من كثرة الإلباس، لأنهم لو أرادوا (على الوقف بالألف) كتابته بالألف، كثر اللبس بالوقف والخط، فتجنبوا ما كثر به الإلباس. ويكتب كل اسم في آخره ياء نحو قاضي وغازي وداعي وحادي وساري ومشتري ومهتدي ومستدعي ومفتري في حالتي الرفع والجرّ بغير ياء، كما في قولك: جاء قاض ومررت بقاض، وكذا في الباقيات وفي حالة النصب بالياء مع زيادة ألف بعدها كما في قولك: رأيت قاضيا وغازيا وداعيا وما أشبهه. وإن كان جمعا، فإن كان غير منصرف كتب في حالتي الرفع والخفض بغير ياء على ما تقدّم، فيكتب في الرفع: هؤلاء جوار وغواش وسوار ودواع، وفي الخفض: مررت بجوار وسوار وغواش ودواع بغير ياء في الحالتين.
ويكتب في النصب بالياء إلا أنه لا تزاد الألف بعدها، فتكتب رأيت جواري وسواري ودواعي.
فإذا دخلت الألف واللام في جميع هذه الأسماء، أثبتت فيها الياء سواء المنصرف وغير المنصرف فيكتب هذا الداعي والغازي والقاضي والمستدعي وهؤلاء الجواري والسواري والدواعي بالياء في الجميع.
قال ابن قتيبة: وقد يجوز حذفها، وليس بمستعمل إلا في كتابة المصحف.
ويكتب نحو: ره أمرا بالرؤية، ولم يره نفيا للرؤية، وقه أمرا بالوقاية، ولم يقه نفيا لذلك وما أشبهه بالهاء وإن كانت الهاء تسقط منه حالة الدّرج، لأن الوقف عليها بالهاء وكذلك قولهم: ممّه أتيت، ومجيء مه جئت، لأن الوقف على «ما» الاستفهامية بعد حذف ألفه بالهاء فيكتب بالهاء، بخلاف ما إذا وقعت «ما» المحذوف ألفها بعد الجار نحو: حتّام وإلام وعلام، فإنه لا تلحقها الهاء لشدّة الاتصال فلا تكتب بالهاء. وتكتب تاء التأنيث في نحو: رحمة ونعمة ونقمة وقسمة وخدمة وطلحة وقمحة بالهاء، لأن الوقف عليها بالهاء على الصحيح وبعضهم
يقف عليها بالتاء، وهي لغة قليلة فتكتب بالتاء، موافقة للوقف. وقد وقع في رسم المصحف الكريم مواضع من ذلك نحو قوله تعالى: أفبنعمت الله يكفرون (1)
كتبوا أفبنعمت بالتاء، والأكثر ما تقدّم.(3/172)
ويكتب نحو: ره أمرا بالرؤية، ولم يره نفيا للرؤية، وقه أمرا بالوقاية، ولم يقه نفيا لذلك وما أشبهه بالهاء وإن كانت الهاء تسقط منه حالة الدّرج، لأن الوقف عليها بالهاء وكذلك قولهم: ممّه أتيت، ومجيء مه جئت، لأن الوقف على «ما» الاستفهامية بعد حذف ألفه بالهاء فيكتب بالهاء، بخلاف ما إذا وقعت «ما» المحذوف ألفها بعد الجار نحو: حتّام وإلام وعلام، فإنه لا تلحقها الهاء لشدّة الاتصال فلا تكتب بالهاء. وتكتب تاء التأنيث في نحو: رحمة ونعمة ونقمة وقسمة وخدمة وطلحة وقمحة بالهاء، لأن الوقف عليها بالهاء على الصحيح وبعضهم
يقف عليها بالتاء، وهي لغة قليلة فتكتب بالتاء، موافقة للوقف. وقد وقع في رسم المصحف الكريم مواضع من ذلك نحو قوله تعالى: أفبنعمت الله يكفرون (1)
كتبوا أفبنعمت بالتاء، والأكثر ما تقدّم.
قال ابن قتيبة: وأجمع الكتّاب على كتابة «السّلام عليك ورحمت الله وبركاته» في أوّل الكتاب وآخره بالتاء. قال: فإن أضفت تاء التأنيث إلى مضمر، صارت تاء فتكتب: شجرتك وناقتك ورحمتك وما أشبهه بالتاء.
أما أخت وبنت، وجمع المؤنث السالم مثل: قائمات وصائمات وتائبات، وتاء التأنيث الساكنة في آخر الفعل نحو: قامت وقعدت، وما أشبه ذلك، فإنه يكتب جميع ذلك بالتاء لأن الوقف عليها بالتاء.
قال ابن قتيبة: وهيهات يوقف عليها بالهاء والتاء، والإجماع على كتابتها بالتاء ثم اللفظ الذي يكتب على نوعين:
النوع الأوّل أن يكون اسما لحرف من حروف الهجاء وهو على وجهين
:الوجه الأوّل أن يكون اسما قاصرا على الحرف لم يسمّ به غيره، وله حالان
أحدهما أن يقصد اسم ذلك الحرف لا مسمّاه فيكتب الملفوظ به
نحو:
جيم إذا سئل كتابته فيكتب بجيم وياء وميم.
والثاني أن يقصد مسماه لا اسمه فيجب الاقتصار في الكتابة على أوّل حرف في الكلمة
، ويكتب بصورة ذلك الحرف مثل: ق ن ص، ولذلك كتبت الحروف المفتتح بها السور على نحو ما كتبوا حروف المعجم، وذلك لأنهم أرادوا أن يضعوا أشكالا لهذه الحروف تتميز بها، فهي أسماء مدلولاتها اشكال خطّية،
__________
(1) الآية: {أَفَبِالْبََاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللََّهِ يَكْفُرُونَ}. العنكبوت / 67
.
ولو لم يضعوا لها هذه الأشكال الخطية، لم يكن للخط دلالة على المنطوق، ولو اقتصروا على كتبها على حسب النطق ولم يضعوا لها أشكالا مفردة تتميز بها لم يمكن ذلك، لأن الكتابة بحسب النطق متوقفة على معرفة كل حرف حرف وشكل كل حرف حرف غير موضوع، فاستحال كتبها على حسب النطق. ألا ترى أنك إذا قيل لك: اكتب جيم، عين، فاء، راء! فإنما تكتب هذه الصورة «جعفر» والملفوظ بلسان الآمر بالكتابة جيم والمكتوب ج، ولو كان تصوير اللفظ بصور هجائه، لكان المكتوب «جيم» كالملفوظ على قياس غيره من الألفاظ.(3/173)
ولو لم يضعوا لها هذه الأشكال الخطية، لم يكن للخط دلالة على المنطوق، ولو اقتصروا على كتبها على حسب النطق ولم يضعوا لها أشكالا مفردة تتميز بها لم يمكن ذلك، لأن الكتابة بحسب النطق متوقفة على معرفة كل حرف حرف وشكل كل حرف حرف غير موضوع، فاستحال كتبها على حسب النطق. ألا ترى أنك إذا قيل لك: اكتب جيم، عين، فاء، راء! فإنما تكتب هذه الصورة «جعفر» والملفوظ بلسان الآمر بالكتابة جيم والمكتوب ج، ولو كان تصوير اللفظ بصور هجائه، لكان المكتوب «جيم» كالملفوظ على قياس غيره من الألفاظ.
ويشهد لذلك ما حكي أن الخليل رحمه الله قال يوما لطلبته: كيف تنطقون بالجيم من جعفر؟ فقالوا جيم فقال: إنما نطقتم بالاسم ولم تلفظوا بالمسؤول عنه، ثم قال: الجواب جه لأنه المسمّى من الكتاب (يريد جيما مفتوحة، وإنما أتى فيها بالهاء ليمكن الوقف عليها).
الوجه الثاني ألّا يكون الاسم قاصرا على الحرف بأن يسمّى به غيره أيضا
كما إذا سمّي رجل بقاف أو بياسين، فللكتّاب فيه مذهبان:
أحدهما
أن تكتب صورة الحرف هكذا ق ويس.
والثاني
أن يكتب الملفوظ به هكذا «قاف» و «ياسين» وهو اختيار أبي عمرو ابن الحاجب (1) رحمه الله.
النوع الثاني ألا يكون اسما لحرف من حروف المعجم
، وهو على وجهين أيضا
__________
(1) هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس: فقيه مالكي، من كبار العلماء بالعربية. وهو صاحب «الكافية» و «الشافية» في النحو والصرف. توفي بالاسكندرية سنة 646هـ. (الأعلام 4/ 211).(3/174)
الوجه الأول أن يكون له معنى واحد فقط
فيكتب هكذا (زيد) إذا طلب كتابة زاي، ياء، دال.
الوجه الثاني أن يكون له أكثر من معنى واحد
فيكتب بحسب القرينة كما إذا قيل لك: اكتب شعرا! فإن دلت القرينة على أن المراد هذا اللفظ كتب هكذا (شعرا) وإلا فيكتب ما ينطبق عليه الشعر إذ هو معنى الشعر.
الضرب الثاني ما تغير عن أصله، وهو على ثلاثة أنواع
النوع الأول ما تغير بالزيادة. والزيادة تقع في الكتابة بثلاثة أحرف
الحرف الأول الألف، وتزاد في مواضع
(منها) تزاد بعد الميم في مائة فتكتب على هذه الصورة (مائة) فرقا بينها وبين «منه» وإنما كانت الزيادة من حروف العلة دون غيرها لأنها تكثر زيادتها، وكان حرف العلة ألفا لأنها تشبه الهمزة، ولأن الفتحة من جنس الألف ولم تكن الزيادة ياء، لأنه يستثقل في الخط أن يجمع بين حرفين مثلين في موضع مأمون فيه اللبس، ألا ترى إلى كتابتهم خطيئة على وزن فعلية بياء واحدة ولو كتبت على صيغة لفظها، لوجب أن تكتب بياءين ياء لبناء فعلية، وياء هي صورة الهمزة ولم تكن الزيادة واوا لاستثقال الجمع بين الياء والواو وجعل الفرق في «مائة» ولم يجعل في «منه» لأن مائة اسم ومنه حرف والاسم أحمل للزيادة من الحرف، ولأن المائة محذوفة اللام بدليل قولهم: أمأيت الدراهم، فجعل الفرق في مائة بدلا من المحذوف مع كثرة
الاستعمال ثم اختلف في المثنّى منه فقيل لا يزاد في مائتين لأن موجب الزيادة اللبس ولا لبس في التثنية، والراجح الزيادة كما في الإفراد، لأن التثنية لا تغير الواحد عما كان عليه.(3/175)
(منها) تزاد بعد الميم في مائة فتكتب على هذه الصورة (مائة) فرقا بينها وبين «منه» وإنما كانت الزيادة من حروف العلة دون غيرها لأنها تكثر زيادتها، وكان حرف العلة ألفا لأنها تشبه الهمزة، ولأن الفتحة من جنس الألف ولم تكن الزيادة ياء، لأنه يستثقل في الخط أن يجمع بين حرفين مثلين في موضع مأمون فيه اللبس، ألا ترى إلى كتابتهم خطيئة على وزن فعلية بياء واحدة ولو كتبت على صيغة لفظها، لوجب أن تكتب بياءين ياء لبناء فعلية، وياء هي صورة الهمزة ولم تكن الزيادة واوا لاستثقال الجمع بين الياء والواو وجعل الفرق في «مائة» ولم يجعل في «منه» لأن مائة اسم ومنه حرف والاسم أحمل للزيادة من الحرف، ولأن المائة محذوفة اللام بدليل قولهم: أمأيت الدراهم، فجعل الفرق في مائة بدلا من المحذوف مع كثرة
الاستعمال ثم اختلف في المثنّى منه فقيل لا يزاد في مائتين لأن موجب الزيادة اللبس ولا لبس في التثنية، والراجح الزيادة كما في الإفراد، لأن التثنية لا تغير الواحد عما كان عليه.
أما في حالة الجمع، فقد اتفقوا على منع الزيادة فكتبوا «مئين ومئات» بغير ألف بعد الميم، لأن جمع التكسير يتغير فيه الواحد، وجمع السلامة ربما تغير فيه أيضا فغلبت.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: وقد رأيت بخط بعض النحاة «مأة» على هذه الصورة بألف عليها نبرة الهمزة دون ياء. قال: وكثيرا ما أكتب أنا «مئة» بغير ألف كما تكتب «فئة» لأن كتب مائة بالألف خارج عن القياس، فالذي أختاره أن تكتب بالألف دون الياء على وجه تحقيق الهمزة، أو بالياء دون الألف على وجه تسهيلها.
(ومنها) تزاد بعد واو الجمع المتطرفة في آخر الكلمة إذا اتصلت بفعل ماض أو فعل أمر مثل ضربوا واضربوا وما أشبههما، فتكتب بألف بعد الواو.
وسمّى ابن قتيبة هذه الألف ألف الفصل لأنها تفصل بين الفعل (1) كي لا تلتبس الواو في آخر الفعل بواو العطف، فإنك لو كتبت أوردوا وصدروا مثلا بغير ألف ثم اتصلت بكلام بعدها، ظن القاريء أنها واو العطف. ولمّا فعلوا ذلك في الأفعال التي تنقطع واوها عن الحرف كالفعلين المتقدّمين، فعلوا ذلك في الأفعال التي تتصل واوها بالحرف قبلها نحو كانوا وبانوا ليكون حكم هذه الواو في جميع المواضع واحدا. أما إذا لم تقع طرفا في آخر الكلام نحو: ضربوهم وكالوهم ووزنوهم، لم تلحق به الألف. فلو اتصلت واو الجمع المذكورة بفعل مضارع نحو: لن يضربوا ولن يذهبوا. فمذهب بعض البصريّين أنه لا تلحقها الألف، ومذهب الأخفش لحوقها كالماضي والأمر.
__________
(1) الأرجح: لأنها تفصل بين الفعل وما بعده من الكلام. ولعلّ الساقط سهو من الناسخ.(3/176)
ولو اتصلت باسم نحو: ضاربوهم وضاربو زيد. فمذهب البصريين أنها لا تلحق بل يجعل الاسم تلو الواو. ومذهب الكوفيين أنها تلحق فيكتبون ضاربوا زيد وقاتلوا عمرو وهموا بألف بعد الواو في الجميع، والراجح الأول.
(ومنها) زادها الفرّاء في يدعو ويغزو في المفرد حالة الرفع خاصّة تشبيها بواو الجمع وأطلق ابن قتيبة النقل عن بعض كتّاب زمانه بأنها لا تلحق في مثل ذلك، لأن العلة التي أدخلت هذه الألف لأجلها في الجمع لا تلزم هنا، لأنك إذا كتبت الفعل الذي تتصل واوه به من هذا الباب مثل: أنا أرجو وأنا أدعو، لم تشبه واوه واو العطف أيضا إلا بأن تزيل الكلمة عن معناها، لأن الواو من نفس الفعل لا تفارقه إلا في حال جزمه، والواو في صدروا، ووردوا واو جمع مكتف بنفسه يمكن أن يجعل للواحد وتتوهم الواو عاطفة لشيء عليه. قال: وقد ذهبوا مذهبا. غير أن متقدّمي الكتّاب لم يزالوا على إلحاق ألف الفصل بهذه الواوات كلها ليكون الحكم في كل موضع واحدا.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: وفصّل الكسائي (1) في حالة النصب فقال:
إن لم يتصل به ضمير نحو [لن يدعو كتب بألف، وإن اتصل به ضمير نحو] (2) لن يدعوك، كتب بغير ألف فرقا بين الحالين.
(ومنها) تزاد شذوذا بعد الواو المبدلة من الألف في الربو فتكتب بألف بعد الواو على هذه الصورة (الربوا) تنبيها على أن الأصل يكتب بالألف. ووجه الشذوذ أنه من ذوات الواو فكان قياسه أن يكتب بالألف.
وقد زيدت في مواضع من المصحف، كما في قوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} (3) تنبيها على أنه كان ينبغي أن تكون صورة الهمزة ألفا على كل حال ولا
__________
(1) هو أبو القاسم، علي بن حمزة البصري: لغوي من العلماء بالأدب. توفي سنة 375هـ. (الأعلام 4/ 283).
(2) زيادة يقتضيها السياق.
(3) الآية: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهََا نِصْفُ مََا تَرَكَ}. النساء / 176
.
يعتدّ بالضم والكسرة إذ اللغة الأصلية فيها إنما هي فتح الراء دائما، والقياس كتابته بصورة الحركة التي قبل الهمزة، وكذلك كتبوا «لا أوضعوا» بزيادة ألف بعد اللام ألف، وذلك مختص برسم المصحف الكريم دون غيره فلا يقاس عليه، والله أعلم.(3/177)
يعتدّ بالضم والكسرة إذ اللغة الأصلية فيها إنما هي فتح الراء دائما، والقياس كتابته بصورة الحركة التي قبل الهمزة، وكذلك كتبوا «لا أوضعوا» بزيادة ألف بعد اللام ألف، وذلك مختص برسم المصحف الكريم دون غيره فلا يقاس عليه، والله أعلم.
الحرف الثاني الواو، وتزاد في مواضع أيضا
(منها) تزاد في عمرو بعد الراء إذا كان علما في حالتي الرفع والجرّ فرقا بينه وبين عمر. وكانت الزيادة واوا ولم تكن ياء لئلا يلتبس بالمضاف إلى ياء المتكلم، ولا ألفا لئلا يلتبس المرفوع بالمنصوب. وجعلت الزيادة في عمرو دون عمر، لأن عمرا أخفّ من عمر من حيث بناؤه على فعل ومن حيث انصرافه. أما في حالة النصب فلا تزاد فيه الواو ويكتب عمرو بألف وعمر لا يكتب بألف لأنه لا ينصرف، وكذلك المحلّى باللام كالعمر والمضاف كعمره والواقع قافية شعر كقول الشاعر:
إنّما أنت في سليم كواو ... ألحقت في الهجاء ظلما بعمر
وكذلك عمر واحد عمور الأسنان: وهو اللحم الذي بينها، وما هو بمعنى المصدر مثل قولهم: لعمر الله لا تزاد فيه الواو إذ لا لبس. ولم يفرقوا في الكتابة بين عمر العلم وعمر جمع عمرة لأنهما ليسا من جنس واحد فلا يلتبسان.
(ومنها) تزاد في أولئك بين الألف واللام فرقا بينها وبين إليك إذ حذفوا ألف أولئك الذي بعد اللام لكثرة الاستعمال فالتبست بإليك، وكانت الواو أولى بالزيادة من الياء، لمناسبة ضمّة الهمزة ومن الألف، لاجتماع صورتي الألف، وهم يحذفون الواحدة إذا اجتمعت صورتاها، وجعلت الزيادة في أولئك دون إليك، لأن الاسم أحمل للزيادة من الحرف ولأن أولئك قد حذف منه الألف فكان أولى بالزيادة لتكون كالعوض من المحذوف.
قال ابن الحاجب: وحملوا أولى عليه مع عدم اللبس كما حملوا مائتين على مائة.(3/178)
(ومنها) تزاد في أولئك بين الألف واللام فرقا بينها وبين إليك إذ حذفوا ألف أولئك الذي بعد اللام لكثرة الاستعمال فالتبست بإليك، وكانت الواو أولى بالزيادة من الياء، لمناسبة ضمّة الهمزة ومن الألف، لاجتماع صورتي الألف، وهم يحذفون الواحدة إذا اجتمعت صورتاها، وجعلت الزيادة في أولئك دون إليك، لأن الاسم أحمل للزيادة من الحرف ولأن أولئك قد حذف منه الألف فكان أولى بالزيادة لتكون كالعوض من المحذوف.
قال ابن الحاجب: وحملوا أولى عليه مع عدم اللبس كما حملوا مائتين على مائة.
(ومنها) تزاد في أولي وفي أولو بين الألف واللام، أما في أولي فللفرق بينها وبين إلى، وأما في أولو فبالحمل على أولي بالياء، صرح به الشيخ أبو عمرو ابن الحاجب، وقاله الشيخ أثير الدين أبو حيان بحثا وادّعى أنه لم يظفر في تعليله بنصّ. قال: وحمل التأنيث في أولات على التذكير في أولي.
(ومنها) تزاد في أوخيّ تصغير بين الألف والخاء، والتغيير يأنس بالتغيير، وجعلت الزيادة واوا لمناسبة ضمة الهمزة كما في أولئك ونحوه. وأكثر أهل الخط لا يزيدونها لأن التصغير فرع عن التكبير وليس ببناء أصليّ.
الحرف الثالث الياء المثناة تحت
وتزاد في مواضع من رسم المصحف الكريم فيكتبون قوله تعالى: {بَنَيْنََاهََا بِأَيْدٍ} (1) بياءين بين الألف والدال من قوله: «بأييد». وقوله تعالى: {مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} بياء بعد الألف من نبإ، وقوله تعالى: من {مَلَائِهِ} * ومن {مَلَائِهِمْ} بياء قبل الهاء فيهما. وهذا مما يجب الانقياد اليه في المصحف اقتداء بالصحابة رضوان الله عليهم. أما في غير المصحف فيكتب بأيد بياء واحدة لأن الهمزة فيه أول كلمة فتصوّر ألفا كغيرها من الهمزات الواقعة أوّلا على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. ويكتب من نبإ ومن ملئه ومن ملئهم بغير ياء لأن الهمزة في نبإ وملإ أخيرة بعد فتحة فتصوّر ألفا كما في نحو: كلا وخطإ، وكذلك إذا أضيف إليه الضمير.
وذهب بعضهم إلى أنها تكتب في هذا ياء على ما يناسب حركتها سواء أضيفت نحو: من كلئه أو لم تضف نحو من الكلىء.
__________
(1) الآية: {وَالسَّمََاءَ بَنَيْنََاهََا بِأَيْدٍ وَإِنََّا لَمُوسِعُونَ} سورة الذاريات / 47.(3/179)
قال بعضهم: والأقيس أن يكتب ياء مع الضمير المتصل نحو: من خطئه لأنها صارت معه كالمتوسطة ويكتب ألفا إذا تطرّفت نحو: من خطإ اعتبارا بما يؤول إليه في التخفيف، والله أعلم.
النوع الثاني ما يغيّر بالنقص والنقص يقع في الكتابة على وجهين:
الوجه الأول ما لا يختص بحرف من الحروف، وهو المدغم
فيكتب كلّ مشدّد من كلمة واحدة حرفا واحدا نحو: شدّ ومدّ وادّكر ومقرّ واقشعرّ فيكتب بدال واحدة في شدّ ومدّ وادّكر، وراء واحدة في مقرّ واقشعرّ وإن كان في اللفظ حرفان، فإن الحرف المدغم فيما بعده هو ملتفظ به ساكنا مدغما، فكان قياسه أن يكتب له صورة بحسب النطق، لكنه لما أدغم ضعف بالإدغام، إذ صار النطق به وبالمدغم فيه نطقا واحدا فاقتصر في الكتابة على حرف ولم يجعل للأوّل صورة اختصارا. وسواء كان المدغم إدغام مثل نحو: ردّ أو مقارب نحو: اطجع أصله اضطجع، وأجروا نحو: قنتّ مجرى ما هو من كلمة واحدة وإن كان من كلمتين لشدة اتصال الفعل بالفاعل مع كون الحرفين مثلين.
قال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله: وكذلك نحو: ممّ وعمّ (1).
الوجه الثاني ما يختص بحرف من الحروف
وينحصر ذلك في خمسة أحرف:
__________
(1) في الأصل: «وعمّ وإلام» والسياق يقتضي حذف كلمة «وإلام» لأنها ليست من الباب.(3/180)
الحرف الأول الألف، وتحذف في مواضع
(منها) تحذف مع لام التعريف إذا دخلت عليها لام الجرّ، فيكتب للقوم وللغلام وللناس بلامين متواليتين من غير ألف، بخلاف ما إذا دخلت عليها باء الجرّ فإنها لا تحذف، فيكتب بالقوم وبالغلام وبالناس بألف بين الباء واللام. وإن كان في أول الكلمة ألف ولام من نفس الكلمة ليستا اللتين للتعريف نحو الألف واللام في التقاء والتفات والتباس. ثم دخلت لام الجرّ أو باؤه ثبتت الألف، فيكتب بالتقائنا ولالتفاتنا ولالتباس الأمر عليّ وبالتباسه، فإن أدخلت ألف التعريف ولامه على الألف واللام اللتين من نفس الكلمة للتعريف ولم تصل الكلمة بلام الجرّ وبائه لم تحذف شيئا، فيكتب الالتقاء والالتفات والالتباس بألفين (1) ولامين، وكذلك إذا وصلتهما بلام الجرّ أو بائه، فيكتب بالالتقاء وبالالتفات وبالالتباس وللالتقاء وللالتفات وللالتباس.
(ومنها) تحذف بعد اللام الثانية من لفظ الله تعالى، وبعد الميم من الرحمن إذا دخلت عليها الألف واللام، فيكتب الله بلامين بعدهما هاء على هذه الصورة «الله» وإن كانت المدّة بعد اللام الثانية توجب ألفا بعدها، ويكتب الرحمن بنون بعد الميم على هذه الصورة «الرحمن» وإن كانت المدّة على الميم توجب ألفا بعدها، لأنه لا التباس في هذين الاسمين، ولكثرة الاستعمال. فلو تجرّدا عن الألف واللام كتبا بالألف كما قالوا: لاه أبوك، يريدون لله أبوك، فحذفوا حرف الجرّ والألف واللام وكتبوه بالألف. وكقولك: رحمان الدنيا والآخرة فيكتبونه بالألف.
(ومنها) تحذف بعد اللام من السلام في عبد السلام وفي السلام عليكم، فيكتبان على هذه الصورة: «عبد السّلم» «والسّلم عليكم».
__________
(1) في الأصل: «بلامين». والسياق يقتضي ما أثبتناه.(3/181)
(ومنها) تحذف بعد اللام من ملائكة فتكتب على هذه الصورة:
«ملئكة».
قال أحمد بن يحيى (1): لأنه لا يشبه لفظ مثله، ولكثرة الاستعمال.
(ومنها) تحذف بعد الميم من سموات، فتكتب على هذه الصورة:
«سموات».
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: وعلة الحذف فيه علة الحذف في الملائكة من كثرة الاستعمال وعدم الشبه. وأما الألف الثانية منه وهي بعد الواو، فإنها لا تحذف، لأنها دليل الجمع، ولأنها لو حذفت لاجتمع في الكلمة حذفان، وقد كتبت في المصحف بحذف الألفين جميعا فيجب الانقياد إليه في المصحف خاصّة.
(ومنها) تحذف بعد اللام في أولئك، وبعد الذال من ذلك فيكتبان على هذه الصورة: «أولئك» و «ذلك». فلو تجرّد أولاء وذا عن حرف الخطاب وهو الكاف، كتبا بالألف فيكتبان على هذه الصورة: «أولاء» و «ذا».
(ومنها) تحذف بعدها التنبيه إذا اتصلت بذا (2) التي للإشارة وكانت خالية من كاف الخطاب في آخر الكلمة فتحذف من هذا وهذه وهؤلاء، فيكتب الجميع بغير ألف، فإن اتصلت باسم الإشارة الكاف نحو ذاك امتنع الحذف، فيكتب بألف بعد الهاء على هذه الصورة «ها ذاك» ولا يضر اختلاف حرف الخطاب بالنسبة للإفراد والجمع والتذكير والتأنيث. وأما تا وتي في الإشارة بتا (3) للمذكر وبتي
__________
(1) المقصود: أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني بالولاء، أبو العباس، المعروف بثعلب: إمام الكوفيين في النحو واللغة. ولد في بغداد ومات فيها سنة 291هـ. (الأعلام 1/ 267).
(2) أي: وأولاء، كما يؤخذ من التمثيل.
(3) لعله سهو أو سبق قلم من الناسخ، فإن تا وتي للمؤنث كما هو واضح ومعلوم.(3/182)
للمؤنث، فإن الألف لا تحذف معهما إذا اتصلت بهما ها التنبيه، فيكتب هاتا وهاتي وهاتان.
وذكر أحمد بن يحيى: أنها حذفت من هأنتم وهأنا وهأنت أيضا، فتكتب بألف واحدة بعد الهاء في جميع ذلك. قال: وهو القياس وكان الأصل أن تكتب بألفين على هذه الصورة: ها أنتم وها أنا وها أنت ثم تلي الهمزة. ودليل أن ألف ها قد حذفت من ها التنبيه في غير اتصالها بذا وما والاها من رسم المصحف في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم: في النور أيّه المؤمنون وفي الزخرف يا ايّه السّاحر وفي الرحمن {أَيُّهَ الثَّقَلََانِ}.
قال ابن قتيبة: ويكتب أيها الرجل وأيها الأمير بالألف وإن كان قد كتب في القرآن الكريم بالألف وغير الألف لاختلافهم في الوقف عليها.
(ومنها) تحذف من ثمانية عشر وثماني نساء، بخلاف ما إذا حذفت الياء منها نحو ثمان عشرة وعندي من النساء ثمان فإنه لا تحذف الألف، بل تكتب على هذه الصورة: «ثمان عشرة وعندي من النساء ثمان» لأنه قد حذف منه الياء فلو حذف الألف، لتوالى الحذف فيكثر فمثل قول الشاعر (1):
ولقد شربت ثمنيا وثمنيا ... وثمان عشرة واثنتين وأربعا
يكتب الأوّلان بغير ألف والثالثة بالألف. وفي ثمانين وجهان: أحدهما إثبات الألف بعد الميم فيها، لأنه قد حذف منه الياء إذ الياء في ثمانين ليست ياء ثمانية، لأنها حرف الإعراب المنقلب عن الواو في حالة الرفع، فلو حذفت الألف أيضا لتوالى فيه الحذف. والوجه الثاني الحذف، لأن الياء منه كأنها لم تحذف بدليل أنه قد عاقبتها ياء أخرى فهما لا يجتمعان، فكأن الياء موجودة إجراء للمعاقب مجرى المعاقب. وإذا قلت ثمانون بالواو، فحكمه حكم ثمانين بالياء في جواز الوجهين.
__________
(1) وهو الأعشى، كما جاء في اللسان (13/ 81) وقد أورد صاحب اللسان «ثمانيا» بالألف.(3/183)
(ومنها) تحذف بعد اللام من ثلاث فيكتب على هذه الصورة: «ثلث» سواء كانت مفردة، نحو عندي ثلث من البطّ، أو مضافة نحو ثلث نساء، أو مركبة نحو ثلث عشرة امرأة، أو معطوفة نحو ثلث وثلاثون جارية، وحكم ثلثة بالتاء كذلك في جميع الصور.
وكذلك تحذف أيضا من ثلاثين وثلاثون بالياء والواو، فيكتبان على هذه الصورة: «ثلثين» و «ثلثون».
فأما ثلاث المعدول كما في قوله تعالى: {مَثْنى ََ وَثُلََاثَ} * (1)، فقال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: لم أقف فيه على نقل. قال: والذي أختاره أن يكتب بالألف لوجهين: أحدهما أنه لم يكثر كثرة ثلث، وثلثة، وثلثين، وثلثون، والثاني أنها لو حذفت لالتبست بثلث الذي ليس بمعدول.
قال ابن قاسم (2) رحمه الله: وقد ذكر في «المقنع» (3) أنه محذوف في الرسم.
(ومنها) تحذف من يا التي للنداء إذا اتصلت بهمزة نحو يا أحمد، يا إبراهيم يا أبا بكر، يا أبانا، فتكتب على هذه الصورة: يأحمد، يإبراهيم، يأبا بكر، يأبانا. ثم الأظهر أن المحذوف هو ألف يا لا صورة الهمزة.
وقال أحمد بن يحيى: المحذوف صورة الهمزة لا الألف من يا نعم إذا كانت الهمزة المتصلة بيا كهمزة آدم امتنع الحذف، وكتبت بألفين على هذه الصورة: يا آدم، لأنهم قد حذفوا ألفا من آدم لتوالي ألفين، وحرف النداء مع المنادى كالكلمة
__________
(1) الآية: {فَانْكِحُوا مََا طََابَ لَكُمْ مِنَ النِّسََاءِ مَثْنى ََ وَثُلََاثَ وَرُبََاعَ} سورة النساء / 3.
(2) هو الحسن بن قاسم بن عبد الله المرادي المصري المعروف بابن أم قاسم. توفي سنة 749هـ.
(الأعلام 2/ 211).
(3) هو كتاب «المقنع في رسم المصحف» للإمام أبي عمرو الداني، وتوجد منه نسخة مخطوطة محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 263/ قراءات.(3/184)
الواحدة بدليل أنه لا يجوز الفصل بينهما فلو حذفت الألف من يا لاجتمع فيما هو كالكلمة الواحدة حذف ألفين.
أما إذا لم يل يا همزة البتة نحو: يا زيد، ويا جعفر، فالذي يستعمله الكتّاب فيه إثبات الألف في يا. وفي كلام أحمد بن يحيى تجويز كتابته بغير ألف أيضا، توجيها بأنهم جعلوا يا مع ما بعدها شيئا واحدا، إذ أقاموا يا مقام الألف واللام بدليل أنهم لا ينادون ما فيه ألف ولام، فلا يقولون يا الرجل.
(ومنها) تحذف من الحارث إذا كان علما ودخلت عليه الألف واللام، فيكتب على هذه الصورة: الحرث. أما إذا عري عن الألف واللام، فإنه يثبت فيه الألف لئلا يلتبس بحرب بالباء الموحّدة إذ قد سمي به، وإنما امتنع اللبس مع الألف واللام لأنهما إنما يدخلان من الأعلام على ما كان صفة إذا أريد به معنى التفاؤل وحرب ليس بصفة فلم يدخلا عليه وإن كانا قد دخلا على بعض المصادر كالعلاء، وكذلك إذا كان حارث اسم فاعل من الحرث فإنه يكتب بالألف أيضا كما إذا عري عن الألف واللام.
(ومنها) تحذف مما كثر استعماله من الأعلام الزائدة على ثلاثة أحرف إذا لم يحذف منها شيء، سواء كان ذلك العلم من اللغة العربية نحو: مالك، وصالح، وخالد، أو من اللغة العجمية نحو: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وهارون، وسليمان، فتكتب على هذه الصورة: ملك، وصلح، وخلد، وإبرهيم، وإسمعيل، وهرون، وسليمن، بخلاف ما إذا لم يكثر استعماله كحاتم، وجابر، وحامد، وسالم، وطالوت، وجالوت، وهاروت وماروت، وهامان وقارون، فإنها لا تحذف ألفها.
وقد حذفت في بعض المصاحف من هاروت، وماروت، وهامان، وقارون، فكتبت على هذه الصورة: هروت، ومروت، وهمن، وقرون.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: وذكر بعض شيوخنا أن إثباتها في نحو: صالح، وخالد، ومالك جيد.
وقال أحمد بن يحيى: يجوز فيه الوجهان، وهو قضية كلام ابن قتيبة.(3/185)
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: وذكر بعض شيوخنا أن إثباتها في نحو: صالح، وخالد، ومالك جيد.
وقال أحمد بن يحيى: يجوز فيه الوجهان، وهو قضية كلام ابن قتيبة.
أما إذا كان العلم الذي كثر استعماله على ثلاثة أحرف فما دونها نحو:
هالة (1) ولام، فإنه لا تحذف ألفه، وكذلك إذا حذف منه شيء غير الألف نحو:
إسراءيل وداود، لأنهم قد حذفوا من إسراءيل صورة الهمزة ومن داود الواو فامتنع حذف الألف لئلا يتوالى الحذف.
ويلتحق بذلك في الإثبات ما لو خيف بالحذف التباسه: كعامر، وعبّاس، فلا تحذف منه الألف أيضا، لأنه لو كتب بغير ألف، لا لتبس عامر بعمر، وعباس بعبس.
(ومنها) تحذف استحسانا مما كثر استعماله، مما في آخره الألف والنون نحو شعبان، وعثمان وما أشبههما، فيكتبان على هذه الصورة «شعبن» و «عثمن».
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: إلا أنهم لم يحذفوا ألف عمران والإثبات في نحو: شعبان حسن أيضا.
قال ابن قتيبة: فأما شيطان، ودهقان، فإثبات الألف فيهما حسن. وكان القياس إذا دخلت عليهما الألف واللام أن يكتبا بغير ألف، إلا أن الكتّاب مجمعون على ترك القياس في ذلك.
(ومنها) تحذف من كل جمع على وزن مفاعل أو وزن مفاعيل، إذا لم يحصل بالحذف التباس الجمع فيه بالواحد لموافقته له في الصورة، فحيث لا يقع اللّبس مثل خواتم ودوانق في وزن مفاعل، ومحاريب وتماثيل وشياطين في وزن مفاعيل تحذف الألف فيكتب على هذه الصورة: خوتم، ودونق، ومحريب،
__________
(1) في الأصل والضوء: «هالة وأوس ولام» وهو لا يتفق والسياق (هامش الطبعة الأميرية 3/ 186).
كما أن «هالة» فوق ثلاثية.(3/186)
وتمثيل، وشيطين، ودهقين، إذ المفرد منها خاتم ودانق، ومحراب، وتمثال، وشيطان، ودهقان، وهي لا تشابه صور الجمع فيها، بخلاف ما إذا كان يلتبس فيه الجمع بالواحد، مثل: مساكين في وزن مفاعيل جمع مسكين فإنه يكتب بالألف لئلا يلتبس بالواحد، فلو كان الحذف يؤدّي إلى موافقته للواحد في الصورة لكنه في غير موضع المفرد نحو: ثلاثة دراهم، ودراهم جياد، ودراهم معدودة، حذفت منه الألف وكتب على هذه الصورة: ثلاثة درهم، ودرهم جياد، ودرهم معدودة لأنه لا يلتبس حينئذ، بخلاف عندي دراهم ونحوه فإنه لو حذفت الألف منه لا لتبس بدرهم المفرد.
ثم الحذف في مفاعل ومفاعيل على ما تقدّم إنما هو على سبيل الجواز، وإلا فالإثبات أجود.
وشرط بعض المغاربة في جواز الحذف شرطا، وهو ألّا تكون الألف فاصلا بين حرفين متماثلين، فلا تحذف الألف من نحو: سكاكين، ودكاكين، ودنانير، لئلا يجتمع مثلان في الخط وهو مكروه في الخط ككراهته في اللفظ.
وقد كتب في المصحف مساكين، ومساكنهم بغير ألف على هذه الصورة:
مسكين ومسكنهم، وإن كان اللبس موجودا.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: وإنما كتبنا كذلك لأنهما قد قرئا بالإفراد فكتبنا على ما يصلح فيهما من القراءة. كما كتبوا وما يخادعون (1) بغير ألف على هذه الصورة {وَمََا يَخْدَعُونَ} لأنه يصلح لقراءة يخدعون من الثلاثيّ.
(ومنها) تحذف الألف الأولى مما كان فيه ألفان، مما جمع بالألف والتاء المزيدتين نحو: صالحات، وعابدات، وقانتات، وذاكرات، فتكتب على هذه الصورة: «صلحات، وعبدات، وقنتات، وذكرات».
__________
(1) من سورة البقرة الآية التاسعة.(3/187)
وكذلك تحذف من صفات جمع المذكر السالم نحو: الصالحين، والقانتين، فيكتب على هذه الصورة: «الصّلحين» و «القنتين» وإن لم يكن فيه ألف أخرى حملا على المؤنث.
وقال بعض المغاربة: إن كان مع ألف الجمع ألف أخرى كالسماوات، والصالحات، فيختار حذف ألف الجمع وإبقاء الأخرى. وثبت في المصحف بحذف الألفين جميعا على هذه الصورة: «سموت، وصلحت» وكذلك سياحات، وغيابات، وإن كان ليس فيه ألف أخرى فالمختار إثبات الألف كالمسلمات، وثبت أيضا في المصحف محذوف الألف على هذه الصورة:
مسلمت.
قال: وتحذف أيضا في جمع المذكر السالم من الصفات المستعملة كثيرا:
كالشاكرين، والصادقين، والخاسرين، والكافرين، والظالمين، وما أشبهها في كثرة الاستعمال فتكتب على هذه الصورة: «الشكرين، والصدقين، والخسرين، والكفرين، والظلمين».
نعم إن خيف اللبس فيما جمع بالألف والتاء مثل طالحات، امتنع الحذف لأنه لو حذفت الألف منه، لالتبس بطلحات جمع طلحة، وكذلك لو خيف اللبس فيما جمع بالواو والنون، نحو حاذرين، وفارهين، وفارحين، فلو حذفت الألف منه، لا لتبس بحذرين، وفرهين، وفرحين، وهما مختلفان في الدلالة، لأن فاعلا من هذا النوع مذهوب به مذهب الزمان، وفعل يدل على المبالغة لا على الزمان.
وكذلك لو كان مضعفا مثل شابّات، والعادّين، فلا يجوز فيه حذف الألف لأنه بالإدغام نقص في الخط إذ جعلوا الصورة للمدغم والمدغم فيه شكلا واحدا، ولذلك كتبوا في المصحف: الضّالين والعادّين بالألف. وقد أجري مجرى المضعّف في الإثبات ما بعد ألفه همزة نحو: الخائنين، وقد حذفت ألفه في بعض المصاحف فكتب على هذه الصورة: «الخئنين» ويتعين الإثبات أيضا فيما هو معتلّ اللام مثل: دانيات حملا على دانين، كما حذف من الصالحين حملا على
الصالحات، ومثل: الرامين لأنه قد حذف منه لام الفعل، وحمل ما جمع بالألف والتاء عليه كما حمل الصالحين على الصالحات في حذف الألف، وإن كانت العلة فيهما مفقودة.(3/188)
وكذلك لو كان مضعفا مثل شابّات، والعادّين، فلا يجوز فيه حذف الألف لأنه بالإدغام نقص في الخط إذ جعلوا الصورة للمدغم والمدغم فيه شكلا واحدا، ولذلك كتبوا في المصحف: الضّالين والعادّين بالألف. وقد أجري مجرى المضعّف في الإثبات ما بعد ألفه همزة نحو: الخائنين، وقد حذفت ألفه في بعض المصاحف فكتب على هذه الصورة: «الخئنين» ويتعين الإثبات أيضا فيما هو معتلّ اللام مثل: دانيات حملا على دانين، كما حذف من الصالحين حملا على
الصالحات، ومثل: الرامين لأنه قد حذف منه لام الفعل، وحمل ما جمع بالألف والتاء عليه كما حمل الصالحين على الصالحات في حذف الألف، وإن كانت العلة فيهما مفقودة.
قال ابن قتيبة: وكذلك ما كان من ذوات الياء والواو لا يجوز فيه حذف الألف نحو: هم القاضون، والرامون، والساعون، لأنهم حذفوا الياء لالتقاء الساكنين لما استثقلوا ضمة في الياء بعد كسرة فسكنوا ثم حذفوا الياء، فكرهوا أن يحذفوا الألف أيضا لئلا يخلّوا بالكلمة.
(ومنها) تحذف إحدى الألفين ممّا اجتمع فيه ألفان مثل: أادم، وأازر، وأامن، وأامين، وأاتين، وأانفا، ووراأك، وقراأة، وبراأة، وشنأان، وشبهه، فتكتب على هذه الصورة: «آدم، وآزر، وآمن، وآمين، وآتين، وآنفا، ووراءك، وقراءة، وبراءة وشنآن» فلو انفتح الأوّل منهما كما في قرأا لفعل الاثنين من القراءة كتب بألفين على هذه الصورة: (قرأا) لئلا يلتبس بفعل الواحد، إذ المفرد تقول فيه قرأ فتكتبه بألف واحدة وذهب قوم إلى أنه في التثنية يكتب أيضا بألف واحدة مسندا إلى ألف الاثنين، وبه قال أحمد بن يحيى. والذي عليه المتأخرون وهو الأجود عند ابن قتيبة ما تقدّم.
(ومنها) تحذف إحدى الألفات مما اجتمع فيه ثلاث ألفات، مثل براأات جمع براءة، ومساأات جمع مساءة، فتكتب بألفين فقط على هذه الصورة:
«براآت» و «مساآت» لأنها في الجمع ثلاث ألفات. فلو حذفوا اثنتين، أخلّوا بالكلمة.
(ومنها) تحذف من أول الكلمة في الاستفهام في اسم، أو فعل، نحو:
أالله أذن لكم؟ أالسّحر إنّ الله سيبطله؟ أالذّكرين حرّم أم الأنثيين؟ أاصطفى البنات على البنين؟ أالرجل في الدار؟ أاسمك زيد أم عمرو؟ فتكتب بألف واحدة على هذه الصورة: آلله؟ آلسّحر؟ آلذّكرين؟ آلرجل؟ آسمك؟ آلآن؟
ثم مذهب أحمد بن يحيى، وعليه جرى ابن مالك (1) رحمه الله: أنه لا فرق بين المكسورة، والمضمومة. والذي ذهب إليه المغاربة أنها تكتب بألفين، إحداهما ألف الوصل، والأخرى همزة الاستفهام.(3/189)
أالله أذن لكم؟ أالسّحر إنّ الله سيبطله؟ أالذّكرين حرّم أم الأنثيين؟ أاصطفى البنات على البنين؟ أالرجل في الدار؟ أاسمك زيد أم عمرو؟ فتكتب بألف واحدة على هذه الصورة: آلله؟ آلسّحر؟ آلذّكرين؟ آلرجل؟ آسمك؟ آلآن؟
ثم مذهب أحمد بن يحيى، وعليه جرى ابن مالك (1) رحمه الله: أنه لا فرق بين المكسورة، والمضمومة. والذي ذهب إليه المغاربة أنها تكتب بألفين، إحداهما ألف الوصل، والأخرى همزة الاستفهام.
قال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله: وجاز في نحو: ألرجل، ألأمران، ورسمت في المصحف بألف واحدة نحو: آلذكرين، آلآن.
(ومنها) تحذف من ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف من حروف الجرّ نحو: عمّ تسأل؟ وفيم تفكّر، وممّ فرقت؟ ولم تكلّمت؟ وبم علمت؟ وحتّام تغضب؟ وعلام تدأب؟ فتكتب كلها بغير ألف في آخرها فرقا بينها وبين ما الموصولة، ويصير حرف الجرّ كأنه عوض من الألف المحذوفة. وكان الحذف من الاستفهامية دون الموصولة لأن آخرها منتهى الاسم، والأطراف محلّ التغيير، بخلاف الموصولة، لأنها متوسطة من حيث إنها تحتاج إلى صلة.
وحكى الكوفيون ثبوتها في الاستفهامية أيضا والله أعلم.
تذنيب تحذف الهمزة المصوّرة بصورة الألف في أربعة مواضع
:الأول تحذف بعد الباء من بسم الله الرّحمن الرحيم
، فتكتب بغير ألف على هذه الصورة «بسم»، والقياس إثباتها كما تكتب يأيها بالألف لكنها حذفت لكثرة الاستعمال، أما في غير بسم الله الرحمن الرحيم، فظاهر كلام ابن مالك (2) أنها لا تحذف، فتثبت في باسم ربك، وفي باسم الله، مفردا.
وقال بعضهم: إن كان مضافا إلى لفظ الله تعالى وليس متعلّق الباء ملفوظا
__________
(1) هو محمد بن عبد الله، ابن مالك الجيّاني الطائي: أحد الأئمة في علوم العربية. أشهر كتبه «الألفية» في النحو، وله «تسهيل الفوائد» و «الكافية الشافية» أرجوزة في نحو ثلاثة آلاف بيت، وغيرها. توفي في دمشق سنة 672هـ. (الأعلام 6/ 233).
(2) هو محمد بن عبد الله، ابن مالك الجيّاني الطائي: أحد الأئمة في علوم العربية. أشهر كتبه «الألفية» في النحو، وله «تسهيل الفوائد» و «الكافية الشافية» أرجوزة في نحو ثلاثة آلاف بيت، وغيرها. توفي في دمشق سنة 672هـ. (الأعلام 6/ 233).(3/190)
به، حذفت وإلا فلا، فتثبت في باسم ربك لأنه غير مضاف إلى لفظ الله تعالى، وفي نحو قولك: تبركت باسم الله، لأن متعلقه ملفوظ به.
وقال الفرّاء في قوله تعالى: {بِسْمِ اللََّهِ مَجْرََاهََا وَمُرْسََاهََا} (1) إن شئت أثبتّ وإن شئت حذفت، فمن أثبت قال: ليست مبتدأ بها، وليس معها الرحمن الرحيم ومن حذف، قال: كان معها الرحمن الرحيم في الأصل، فحذفت في الاستعمال فإن أضفت الاسم إلى الرحمن أو القاهر ونحوه، فقال الكسائيّ: تحذف، وقال الفرّاء: لا يجوز أن تحذف إلا مع الله لأنها كررت معه، فإذا عدوت ذلك أثبتّ الألف.
الثاني تحذف بين الفاء والواو
، وبين همزة هي فاء الفعل من وزن الكلمة، مثل قولك: فأت وأت، لأنهم لو أثبتوا لها صورة الألف، لكان ذلك جمعا بين ألفين: إحداهما صورة همزة الوصل، والأخرى صورة الهمزة التي هي فاء الفعل، مع أن الواو والفاء شديدتا الاتصال بما بعدهما لا يوقف عليهما دونه، وهم لم يجمعوا بين ألفين في سائر هجائهم إلا على خلاف في المتطرّفة كما مرّ، لأن الأطراف محلّ التغييرات والزيادة، فلذلك حذفوها في نحو: فأذن، وأتمن فلان، وعليه كتبوا {وَأْمُرْ أَهْلَكَ} (2) فلو كانت الهمزة بين غير الفاء والواو وبين الهمزة التي هي فاء الفعل ثبتت، نحو ائتو، و {الَّذِي اؤْتُمِنَ}، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} (3) وكذلك لو كانت ابتداء والهمزة فاء الفعل، نحو ائذن لي، اؤتمن فلان، ثبتت أيضا أو ليست فاء، نحو: ثم اضرب، واضرب، فاضرب. وكذلك في {وَأْتُوا الْبُيُوتَ} (4).
الثالث تحذف في ابن وابنة
مما وقع فيه ابن مفردا صفة بين علمين، غير
__________
(1) سورة هود / 41.
(2) سورة طه / 132.
(3) سورة التوبة / 49.
(4) سورة البقرة / 179.(3/191)